وفى المسألتين مستدرك حسن لامام الحرمين رحمه الله قال إنما يثور الاشكال علي قولنا إن المسكين شريك في النصاب بقدر الزكاة وحينئذ ينتظم التخريج علي القولين في القسم فاما إذا لم نجعله شريكا فليس تسليم جزء الي الساعي قسمة حتى يأتي فيه قول القسمة بل هو توفية حق علي مستحق *(5/594)
فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 6
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 6(6/)
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء السادس دار الفكر(6/1)
بسم الله الرحمن الرحيم قال (النوع الثالث زكاة النقدين والنظر في قدره وجنسه: اما القدر فنصاب الورق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيهما ربع العشر وما زاد فبحسابه ولا وقص (ح) فيه) * الكلام في هذا النوع في قدر الواجب والواجب فيه ثم في جنسه أما الاول فنصاب الورق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيهما ربع العشر وهو خمسة دراهم ونصف دينار ولا شئ(6/2)
فيما دون ذلك روى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) والاوقية أربعون درهما لما روى انه صلي الله عليه وسلم (قال إذا بلغ مال أحدكم خمس اواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم) ويجب فيما زاد علي المأتين والعشرين بالحساب قل أو كثر ولا وقص فيه خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجب فيما زاد علي المأتين شئ حتى يبلغ اربعين درهما ولا فيما زاد علي عشرين دينارا حتى يبلغ اربعة دنانير ففيها ربع العشر ثم كذلك في كل اربعين درهما اربعة دنانير * لنا ماروى عن علي كرم الله وجهه ان النبي صلي الله(6/3)
عليه وسلم قال (هاتوا ربع العشر من الورق ولا شئ فيه حتي يبلغ مائة درهم وما زاد فبحسابه) وروى(6/4)
مثله في الذهب وفى النقدين جميعا لافرق بين التبر والمضروب والاعتبار بالوزن الذى كان بمكة
لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (الميزان ميزان اهل مكة والمكيال مكيال اهل المدينة) وذلك ظاهر في الدنانير وقد ذكر الشيخ ابو حامد وغيره ان المثقال لم يختلف في جاهلية ولا اسلام واما الدراهم فانها كانت مختلفة الاوزان والذى استقر الامر عليه في الاسلام أن وزن الدرهم الواحد ستة دوانيق كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب وذكروا في سبب تقديرها بهذا الوزن أمورا (أشهرها) ان غالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدراهم في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم والصدر الاول(6/5)
بعده نوعان (البغلية والطبرية) والدرهم الواحد من البغلية ثمانية دوانيق ومن الطبرية أربعة دوانيق فاخذوا واحدا من هذه وواحدا من هذه وقسموهما نصفين وجعلوا كل واحد درهما يقال فعل ذلك في زمان بني أمية وأجمع أهل ذلك العصر علي تقدير الدراهم الاسلامية بها ونسب أقضى القضاة الماوردى ذلك الي فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ومتي زدت على الدرهم الواحد ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان وحكي المسعودي أنه انما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب لان الذهب اوزن من الفضة وكانهم جربوا قدرا من الفضة ومثله من الذهب فوزنوهما وكان وزن الذهب زائدا علي وزن الفضة بمثل ثلاثة أسباعها وروى الشيخ ابو محمد قريبا من هذا عن كلام القفال رحمه الله وأما المواضع المستحقة للعلامات من الفصل فقوله (وما زاد فبحسابه) وقوله (ولا وقص فيه) معلمان بالحاء لما حكيناه ويجوز أن يعلم قوله (عشرون مثقالا) وقوله (مائتا درهم) بالميم والالف لانهما يحتملان النقصان اليسير *(6/6)
قال (وان نقص من النصاب حبة فلا زكاة فيه وان كان يروج (ح) رواج التام ويعتبر (ح) النصاب في جميع الحول ولا يكمل (ح) نصاب أحد النقدين بالآخر ولكن يكمل جيد النقرة برديئها ثم يخرج من كل بقدره ولا زكاة في الدراهم المغشوشة ما لم يكن قدر نقرتها نصابا وتصح المعاملة مع الجهل بقدر النقرة على أحد الوجهين كالغالية والمعجونات) * في الفصل صور (احداهما) لو نقص عن النصاب
شئ فلا زكاة وان قل كالحبة والحبتين ولا فرق بين أن يروج رواج التام أو يفضل عليه وبين ألا يكون كذلك وفضله علي التام انما يكون لجودة النوع ورواجه رواج التام قد يكون للجودة وقد يكون لنزارة القدر الناقص ووقوعه في محل المسامحة * وعن مالك انه إذا كان الناقص قدر ما يسامح به ويؤخذ بالتام وجبت الزكاة ويروى عنه أنه إذا نقص حبة أو حبات في جميع الموازين فلا زكاة وإن نقص في ميزان دون ميزان وجبت * وعن أحمد انه لو نقص دانق أو دانقان تجب الزكاة * لنا قوله صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) وسائر الاخبار وحكي في العدة وجهين فيما(6/7)
لو نقص في بعض الموازين وتم في بعض (أصحهما) أنه لا يجب وهذا هو الذي أورده المحاملي وقطع به إمام الحرمين بعد ما حكي عن الصيدلانى الوجوب (الثانية) يشترط ملك النصاب بتمامه في جميع الحول خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يشترط في أول الحول وآخره ولا يضر نقصانه في خلال الحول وطرد ذلك في المواشي وغيرها ولم يشترط الابقاء شئ من النصاب (لنا) الخبر المشهور (لا زكاة(6/8)
في مال حتي يحول عليه الحول والحادث بعد نقصان النصاب لم يحل عليه الحول (الثالثة) لا يكمل نصاب أحد النقدين بالاخر لانهما جنسان مختلفان كما لا يكمل التمر بالزبيب وقال مالك وأبو حنيفة يكمل نصاب احدهما بالاخر وبه قال احمد في أصح الروايتين ثم عنده وعند مالك الضم بالاجزاء فيحسب كم الذهب من نصابه وكم الفضة من نصابها فإذا بلغا نصابا وجبت الزكاة وعند ابي حنيفة الضم بالقيمة(6/9)
وبأيهما كمل وجبت الزكاة ويكمل الجيد بالردئ من الجنس الواحد كانواع الماشية وأما الذى يخرج قال في الكتاب يخرج من كل واحد بقدره وهذا إذا لم تكثر الانواع وهو الغالب في الذهب والفضة فان كثرت والردئ الخالص والمغشوش وانما الكلام في محض النقرة وجودته ترجع الي النعومة والصبر علي الضرب(6/10)
ونحوهما والرداءة إلى الخشونة والتفتت عند الضرب ولو أخرج الجيد عن الردئ فهو افضل وان أخرج
الردئ عن الجيد فالمشهور المنع وروى الامام عن الصيدلانى الاجزاء وخطأه فيه ويجوز اخراج الصحيح عن المكسر ولايجوز عكسه بل يجمع المستحقين ويصرف إليهم الدينار الصحيح أو يسلمه الي واحد باذن الباقين هذا هو المذهب المشهور في المذهب وحكى ابو العباس الرويانى في المسائل الجرجانيات عن بعض الاصحاب انه يجوز أن يصرف الي كل واحد منهم ما يخصه مكسرا وعن بعضهم انه يجوز ذلك ولكن مع الصرف بين المكسر والصحيح وعن بعضهم انه ان لم يكن في المعاملة فرق بين الصحيح والمكسر جاز اداء المكسر عن الصحيح (الرابعة) إذا كانت له دراهم أو دنانير مغشوشة(6/11)
فلا زكاة فيهما ما لم يبلغ قدر قيمتهما نصابا خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال ان كان الغش أقل وجبت فيها الزكاة (لنا) قوله صلي الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) فإذا بلغت نقرتها نصابا أخرج قدر الواجب نقرة خالصة أو أخرج من المغشوش ما يعلم انه مشتمل علي قدر الواجب ولو أخرج عن ألف درهم مغشوشة خمسة وعشرين خالصة فقد تطوع بالفضل ولو أخرج عن مائة درهم خالصة خمسة مغشوشة لم يجز خلافا لابي حنيفة (لنا) .
القياس على مالو اخرج مريضة عن الصحاح وبل أولي لان الغش ليس بورق والمريضة ابل وإذا لم يجزه فهل له الاسترجاع حكوا عن ابن سريج فيما فرع علي الجامع الكبير لمحمد فيه قولين (أحدهما) لا كما لو اعتق رقبة معيبة يكون متطوعا بها (وأصحهما) نعم كما لو عجل بالزكاة.(6/12)
فتلف ماله قال بن الصباغ وهذا إذا كان قد بين عند الدفع أنه يخرج عن هذا المال ثم ذكر الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع كراهة الدرهم المغشوش فقال الاصحاب في شروحهم يكره للامام ضرب الدراهم المغشوشة لئلا يغش بها بعض الناس بعضا ويكره للرعية ضرب الدراهم وان كانت خالصة فانه من شأن الامام ثم الدراهم المغشوشة إن كانت مضبوطة العيار صحت المعاملة بها إشارة إلي عينها الحاضرة والتزاما لمقدار منها في الذمة وإن كان مقدار النقرة منها مجهولا ففى جواز المعاملة باعيانها وجهان (أصحهما) الجواز لان المقصود رواجها وهى رائجة بمكان السكة ولان بيع(6/13)
الغالية والمعجونات جائز وان كانت مختلفة المقدار فكذلك ههنا (والثاني) المنع وبه أجاب القفال لانها مقصودة باعتبار ما فيها من النقرة وهى مجهولة القدر والاشارة إليها لا تفيد الاحاطة بقدر النقرة فاشبه بيع تراب المعدن وتراب الصاغة فان قلنا بالاول فلو باع بدراهم مطلقا ونقد البلد مغشوش صح العقد ووجب من ذلك النقد وإن قلنا بالثاني لم يصح العقد ومواضع العلامات من الفصل بينة قال (ولو كان له ذهب مخلوط بالفضة قدر أحدهما ستمائة درهم وقدر الآخر أربعمائة واشكل عليه وعسر التمييز فعليه زكاة ستمائة ذهبا وستمائة نقرة ليخرج عما عليه بيقين) *(6/14)
لو كان له ذهب مخلوط بفضة فان عرف قدر كل واحد منهما أخرج زكاته وإن لم يعرف كما لو كان وزن المجموع الفا واحداهما ستمائة والآخر أربعمائة وأشكل عليه أن الاكثر الذهب أو الفضة فان أخذ بالاحتياط فاخرج زكاة ستمائة من الذهب وستمائة من الفضة فقد خرج عن العهدة بيقين ولا يكفيه في الاحتياط أن يقدر الاكثر ذهبا فان الذهب لا يجزئ عن الفضة وان كان خيرا منها وان لم يطب نفسا بالاحتياط فليميز بينهما بالنار (قال الائمة) ويقوم مقامه الامتحان بالماء بان يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء ويعلم علي الموضع الذى يرتفع إليه الماء ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة(6/15)
الخالصة ويعلم على موضع الارتفاع أيضا وتكون هذه العلامة فوق الاولى لان اجزاء الذهب أشد اكتنازا ثم يوضع فيه المخلوط وينظر الي ارتفاع الماء به اهو الي علامة الذهب أقرب أو إلى علامة الفضة ولو غلب علي ظنه أن الاكثر الذهب أو الفضه فهل له العمل بمقتضاه (قال) الشيخ أبو حامد ومن تابعه ان كان يخرج الزكاة بنفسه فله ذلك وان كان يسلم إلى الساعي فالساعي لا يعمل بظنه بل يأخذ بالاحتياط أو يأمر بالتمييز (وقال) الامام الذى قطع به أئمتنا أنه لا يجوز اعتماد الظن فيه ويحتمل أن يجوز له الاخذ بما شاء من التقديرين واخراج الواجب على ذلك التقدير لان اشتغال ذمته بغير ذلك غير معلوم: وصاحب الكتاب حكى هذا الاحتمال وجها في الوسيط: إذا عرفت ذلك اعلمت
قوله في الكتاب (فعليه زكاة ستمائة ذهبا وستمائة نقرة بالواو) لهذا الوجه ولان علي ما ذكره العراقيون قد يجوز الاخذ بالظن فلا يلزم اخراج ستمائة من هذا أو ستمائة من ذلك ثم قوله (وعسر التمييز فعليه كذا) ليس هذا على الاطلاق إذا قد يعسر التمييز ويمكن الامتحان بالماء ومعرفة المقدارين فلا يجب ستمائة من هذا وستمائة من ذاك وعسر التمييز بان يفقد آلات السبك أو يحتاج فيه إلى زمان صالح فان الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخيرها مع وجود المستحقين ذكر ذلك في النهاية ولا يبعد أن يجعل السبك أو ما في معناه من شروط الامكان *(6/16)
قال (ولو ملك مائة نقدا ومائة مؤجلا علي ملئ ولم نوجب عليه تعجيل زكاة المؤجل وجب اخراج حصة المال النقد علي أصح الوجهين لان الميسور لا يتأخر بالمعسور) * لو ملك مائة درهم نقدا في يده ومائة مؤجلة علي ملئ فكيف يزكي: يبنى ذلك علي أن الدين المؤجل هل تجب فيه الزكاة أم لا والصحيح الوجوب وعلي هذا فهل يجب الاخراج في الحال أولا يجب الا بعد الاستيفاء فيه وجهان (والصحيح الثاني) وقد شرحنا الخلافين من قبل فان قلنا لا زكاة في الدين المؤجل فلا شئ عليه في المسألة وان أوجبنا إخراج زكاته في الحال فهو كما لو كان في يده جميع المأتين وان أوجبنا فيه الزكاة ولم نوجب اخراجها في الحال وهو المراد من قوله في الكتاب ولم نوجب تعجيل الزكاة عن المؤجل فهل يلزمه الاخراج عما في يده بالقسط فيه وجهان (احدهما) لا لان ما في يده ناقص عن النصاب فإذا لم يجب اخراج زكاة جميع النصاب لا يجب اخراج شئ (واصحهما) نعم لان الميسور لا يتأخر بالمعسور وبنوا الوجهين علي ان الامكان شرط الوجوب أو شرط الضمان: ان قلنا بالاول فلا يلزمه اخراج شئ في الحال لانه ربما لا يصل إليه الباقي وبهذا القول اجاب في المختصر في هذا الفرع وان قلنا بالثاني اخرج عن الحاضر بالقسط لان هلاك الباقي لا يسقط زكاة الحاصل في يده ومتى كان في يده بعض النصاب وما يتم به النصاب مغصوب أو دين علي غيره ولم نوجب فيهما الزكة فانما يبتدئ الحول من يوم قبض ما يتم به النصاب * قال (النظر الثاني في جنسه ولا زكاة في شئ من نفائس الاموال الا في النقدين وهو منوط
بجوهرهما علي احد القولين وفى الثاني منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما حتى لو اتخذ منه حلي علي قصد استعمال مباح سقطت الزكاة وان كان علي قصد استعمال محظور كما لو قصد الرجل بالسوار أو الخلخال أن يلبسه أو قصدت المرأة ذلك في المنطقة والسيف لم تسقط الزكاة لان المحظور شرعا كالمعدوم حسا بل لا يسقط إذا قصد ان يكنزهما حليا لان الاستعمال المحتاج إليه لم يقصده)(6/17)
لا زكاة فيما سوى النقدين من الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والياقوت ونحوهما ولا في المسك والعنبر: روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال (لا شئ في العنبر) وعن عائشة رضى الله عنهم انه (لا زكاة في اللؤلؤ) وبما تناط زكاة النقدين: أتناط بجوهرهما أم بالاستغناء عن الانتفاع بهما فيه قولان في قول يناط بجوهرهما كاربا وفى قول بالاستغناء عن الانتفاع بهما إذ لا يتعلق بذاتهما غرض وبقاؤهما في يده يدل على أنه غنى عن التوسل بهما ويبنى علي العبارتين وجوب الزكاة في(6/18)
الحلى المباح: فعلى الاولي تجب وبه قال (عمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم) وهو مذهب أبي(6/19)
حنيفة رحمه الله لما روى (أن امرأتين اتتا رسول الله صل الله عليه وسلم وفى أيديهما سواران من ذهب فقال اتؤديان زكاته قالتا لا فقال صلى الله عليه وسلم اتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار قلتا لا قال فأديا زكاته) وعلي العبارة الثانية لا تجب الزكاة فيه وبه قال ابن عمر وجابر وعائشة(6/20)
رضي الله عنهم وهو مذهب مالك واحمد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في الحلي) ولانه(6/21)
معد لاستعمال مباح كالعوامل من البقر والابل وهذا اظهر القولين: ولك أن تعلم لما ذكرنا قوله(6/22)
منوط بجوهرهما بالالف والميم وقوله منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما بالحاء والقولان في الحلي
المباح أما المحظور فتجب فيه الزكاة بالاجماع وهو علي نوعين محظور لعينه كالأواني والقصاع والملاعق والمجامر الذهبية والفضية ومحظور باعتبار القصد كما لو قصد الرجل بحلي النساء الذى اتخذه أو ورثه أو اشتراه كالسوار والخلخال أن يلبسه أو يلبسه غلمانه أو قصدت المرأة بحلي الرجال كالسيف والمنطقة ان تلبسه أو تلبسه جواريها أو غيرهن من النساء وكذا لو أعد الرجل حلي الرجال لنسائه وجواريه أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها وغلمانها فكل ذلك محظور وعلل في الكتاب وجوب الزكاة في الحلى المحظور بأن المحظور شرعا كالمعدوم حسا ولم يرد به الحاق المحظور بالمعدوم علي الاطلاق لكن المراد ان الحكم المخصوص بضرب من التخفيف واطلاق التصرف إذا شرطت فيه منفعة فيشترط كونها مباحة والا فهي كالمعدومة وهذا كما انه يشترط في البيع كون المبيع منتفعا به فلو كانت فيه منفعة محظورة كما في آلات الملاهي كان كما لو لم يكن فيه منفعة ثم التعليل المذكور في المحظور لعينه أظهر منه في المحظور باعتبار القصد لان الصنعة في المحظور لعينه لا حرمة لها إذا منعنا اتخاذه فاما المحظور باعتبار القصد فالتحريم فيه يرجع الي الفعل والاستعمال لا الي نفس الحلي والصنعة محترمة غير مكسرة وان فسد القصد فهلا كان ذلك بمثابة مالو قصد بالعروض التى عنده استعمالها في وجوه محترمة لا تجب الزكاة (قال الامام) قدس الله روحه في دفع هذا الاشكال الزكاة تجب في(6/23)
عين النقد: وعينه لا تنقلب باتخاذ الحلى منه فلا يلتحق بالعروض الا بقصد ينضم إليه وهذا كما أن العروض لما لم تكن مال الزكاة في أعيانها لا تصير مال الزكاة الا بقصد ينضم إلى الشرى وهو قصد التجارة وإذا لم تسقط الزكاة بمحض الصنعة واحتيج إلى قصد الاستعمال فمتي قصد محرما لغى ولم يؤثر في الاسقاط وان اتخذ حليا ولم يقصد به استعمالا مباحا ولا محذورا ولكن قصد جعله كنزا فالذي(6/24)
ذكره في الكتاب وأورده الجمهور انه لا تسقط الزكاة قولا واحدا لانه لم يصر محتاجا إليه بالاستعمال بل المكنوز مستغني عنه كالدراهم المضروبة وحكى الامام فيه خلافا لقصد الامساك وابطال هيئة الاخراج وهل يجوز اتخاذ حلي الذهب للذكور من الاطفال فيه وجهان ويجئ فيه الوجه الثالث
الذى ذكرناه في الباسهم الحرير * قال (ولو لم يخطر بباله قصد أصلا ففى السقوط وجهان ينظر في أحدهما إلى حصول الصياغة وفى الثاني إلى عدم قصد الاستعمال فان قصد أجارتهما ففيه وجهان والقصد الطارئ بعد الصياغة في هذه الامور كالمقارن) * في الفصل ثلاث صور تتفرع على أن الزكاة لا تجب في الحلي (احداها) لو اتخذ حليا مباحا في عينه ولم يقصد أن يكنزه ولا قصد به استعمالا مباحا ولا محظور افهل تسقط عنه الزكاة فيه وجهان (أحدهما) لا لان وجوب الزكاة منوط باسم الذهب والفضة ولا ينصرف الا بقصد الاستعمال ولم يوجد: والثاني نعم لان الزكاة تجب في مال نام والنقد غير نام في نفسه انما يلتحق بالناميات لكونه متهيئا للاخراج وبالصياغة بطل التهيؤ (قال) في العدة وهذا الثاني ظاهر المذهب (وقوله) في الكتاب ينظر في أحدهما إلى حصول الصياغة يقتضى اثبات الخلاف فيما إذا قصد أن يكنزه وإن لم يذكره لانه جعل علة السقوط حصول الصياغة وهي موجودة في تلك الصورة ويجوز أن يكون افتراق الصورتين في الاظهر باعتبار أن نية الكنز صارفة لهيأة الصياغة عن استعماله ولم يوجد ههنا نية صارفة والظاهر كون الصياغة للاستعمال وافضاؤها إليه (الثانية) لو اتخذ الحلي ليؤاجره ممن له استعماله ففيه وجهان (أحدهما) لا تسقط عنه الزكاة لانه معد للنماء فاشبه مالو اشترى حليا ليتجر فيه (وأصحهما) أنه تسقط كما لو اتخذه ليعيره ولا اعتبار بالاجرة كاجرة العوامل من الماشية وذكر في الشامل ان الوجه الاول قول احمد والثانى قول مالك (الثالثة) حكم القصد الطارئ في جميع ما ذكرنا بعد الصياغة حكم المقارن بيانه لو اتخذه علي قصد استعمال محظور ثم غير قصده الي مباح بطل الحول فلو عاد إلى القصد الفاسد ابتدأ حول الزكاة ولو اتخذه على قصد الاستعمال ثم قصد أن يكنزه(6/25)
جرى في الحول وعلي هذا قس نظائره * قال (ولو انكسر الحلي واحتاج إلى الاصلاح لم يجر في الحول لانه حلى بعد وقيل يجرى لتعذر الاستعمال وقيل ينظر إلى قصد المالك للاصلاح أو عدمه) *
مما يتفرع علي نفى الزكاة في الحلى القول في انكساره وله ثلاث أحوال (احداها) أن ينكسر بحيث لا يمنع الاستعمال وهذا لا تأثير له (والثانية) أن ينكسر بحيث يمنع الاستعمال ويحوج الي سبك وصوغ جديد فتجب فيه الزكاة لخروجه عن صلاحية الاستعمال ويبتدئ الحول من يوم الانكسار (والثالثة) وهى المذكورة في الكتاب أن ينكسر بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحوج الي صوغ جديد بل يقبل الاصلاح باللحام فان قصد جعله تبرا أو دراهم أو قصد ان يكنزه انعقد الحول عليه من يوم لانكسار وان قصد اصلاحه فوجهان (اظهرهما) انه لا زكاة وان تمادت عليه احوال لدوام صورة الحلي وقصد الاصلاح (والثانى) يجب لتعذر الاستعمال وان لم يقصد لا هذا ولا ذاك ففيه خلاف منهم من يجعله وجهين ويقول بترتيبهما علي الوجهين فيما إذا قصد الاصلاح وهذه الصورة اولى بأن تجرى في الحول ومنهم من يجعله قولين احدهما انه تجب الزكاة لانه غير مستعمل في الحال ولا معدله (واظهرهما) المنع لان الظاهر استمراره على ما سبق من قصد الاستعمال وذكر في البيان ان هذا هو الجديد والاول القديم فإذا جمعت بين الصورتين قلت في المسألة ثلاثة اوجه كما ذكر في الكتاب (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين ان يقصد الاصلاح وبين ألا يقصد شيئا وموضع الخلاف عند الجمهور ما إذا لم يقصد جعله تبرا أو دراهم وان كان لفظ الكتاب مطلقا *(6/26)
قال (فان قيل ما الانتفاع المحرم في عين الذهب والفضة قلنا أما الذهب فاصله على التحريم في حق الرجال وعلى التحليل في حق النساء ولا يحل للرجال الاتموية لا يحصل منه الذهب أو اتخاذ أنف لمن جدع أنفه) * جرت عادة الاصحاب بالبحث عن ما يحل ويحرم من التحلى بالتبرين ليعلم موضع القطع بوجوب الزكاة وموضع القولين فاما الذهب فأصله علي التحريم في حق الرجال وعلي التحليل في حق النساء لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير (هذان حرام على ذكور امتى حل لاناثها) واستثنى في الكتاب عن التحريم نوعين (أحدهما) التمويه الذى لا يحصل منه شئ وفى جوازه
في الخاتم والسيف وغيرهما (وجهان) سبق في الاواني ذكرهما وبالتحريم أجاب العراقيون ههنا وقد عرفت بما ذكرنا أن قوله الا تمويه ينبغي أن يعلم بالواو (والثاني) يجوز لمن جدع أنفه اتخاذ أنف من ذهب وإن أمكن اتخاذه من الفضة لان الذهب لا يصدأ وقد روى أن رجلا قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فانتن عليه فأمره النبي صلي الله عليه وسلم (أن يتخذ أنفا من ذهب) وفى معنى الانف السن والانملة فيجوز اتخاذهما من الذهب وكل ما جاز من الذهب ولا يجوز لمن قطعت يده أو أصبعه أن يتخذهما من ذهب أو فضة لانها لاتعمل بخلاف الانملة يمكن تحريكها وهل يجوز أن يتخذ لخاتمه سنا أو اسنانا من الذهب قال الاكثرون لا وهو الذى أورده في التهذيب ونظم الكتاب يوافقه فانه لم يستثن من التحريم الا التمويه واتخاذ الانف وقال الامام لا يبعد تشبيه القليل(6/27)
منه بالضبة الصغيرة في الاواني وبتطريف الثوب بالحرير: وللاكثرين أن يقولوا الخاتم الزم للشخص من الاناء واستعماله أدوم فجاز الفرق بين أسنانه وبين الضبة وأما التطريف بالحرير فأمر الحرير أهون لان الخيلاء فيه أدني: واعلم أن كل حلي يحرم لبسه علي الرجال يحرم لبسه على الخنثى لجواز كونه رجلا وهل عليه زكاته الاظهر أنها تجب لكونه حراما وبه أجاب أبو العباس الروياني في المسائل الجرجانيات وقيل هو علي القولين في الحلي المباح وأشار في التتمة الي أن له لبس حلى الرجال والنساء جميعا لانه كان له لبسهما في الصغر فيستصحب إلي زوال الاشكال * قال (وأما الفضة فحلال للنساء ولا يحل للرجل إلا التختم بها وتحلية آلات الحرب كالسيف والمنطقة وفى السروج واللجم وجهان وتحرم علي المرأة آلات الحرب لما فيه من التشبه بالرجال) * يجوز للرجل التختم بالفضة لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (اتخذ خاتما من فضة) وهل له لبس ما سوى الخاتم من حلي الفضة كالسوار والدملج والطوق لفظ الكتاب يقتضي المنع حيث قال ولا يحل للرجال إلا التختم به وبه قال الجمهور وقال ابو سعيد المتولي إذا جاز التختم بالفضة فلا فرق بين الاصابع وسائر الاعضاء كحلي الذهب في حق النساء فيجوز له لبس الدملج في العضد والطوق في العنق والسوار في اليد وغيرها وبهذا أجاب المصنف في الفتاوى وقال لم يثبت في الفضة إلا تحريم
الاواني وتحريم التحلي علي وجه يتضمن التشبه بالنساء فاعلم لهذا قوله ولا يحل للرجل إلا التختم(6/28)
به ويجوز للرجل تحلية آلات الحرب بالفضة كالسيف والرمح وأطراف السهام والدرع والمنطقة والرأنين والخف وغيرها لانه يغيظ الكفار وقد ثبت ان قبيعة سيف رسول الله عليه وسلم (كانت من فضة) وفى تحلية السرج واللجام والثغر وجهان (احدهما) وبه قال ابن سلمة يجوز كالسيف والمنطقة (وأصحهما) المنع كالاواني بخلاف آلات الحرب الملبوسة ويروى هذا عن نصه في رواية البويطي والربيع وموسى بن أبى الجارود وأجرى هذا الخلاف في الركاب وفي برة الناقة من الفضة ورأيت كثيرا من الائمة قطعوا في تصانيفهم بتحريم القلادة للدابة ولا يجوز تحلية شئ مما ذكرنا بالذهب لعموم المنع فيه ويحرم علي النساء تحلية آلات الحرب بالذهب والفضة جميعا لان في استعمالهن لها تشبها بالرجال وليس لهن التشبه بالرجال هكذا ذكره الجمهور واعترض عليه صاحب المعتمد بأن آلات الحرب من غير ان تكون محلاة إما ان يجوز للنساء لبسها واستعمالها أو لا يجوز (والثانى) باطل لان كونه من ملابس الرجال لا يقتضى التحريم إنما يقتضي الكراهة: ألا ترى انه قال في الام ولا اكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للادب وانه من زى النساء لا للتحريم فلم يحرم زى النساء علي الرجال وإنما كرهه فكذلك حكم العكس وقد ذكرت نحوا من هذا في صلاة العيد وايضا الحراب جائز للنساء في الجملة كان في تجويز الحراب تجويز استعمال آلات الحروب وإذا فان ثبت جواز استعمالها وهي غير محلاة فيجوز استعمالها وهى محلاة لان التحلي لهن اجوز منه للرجال وهذا هو الحق إن شاء الله تعالي وبتقدير الا يجوز لهن استعمالها وهي غير محلاة فلا يكون التحريم ناشئا من التحلية فلا يحسن تعليقه بها ويجوز للنساء لبس انواع الحلي من الذهب والفضه كالقرط والطوق والخاتم والخلخال والسوار والتعاويذ وفى اتخاذ النعال من الذهب والفضة وجهان احدهما ويحكى عن الماوردى(6/29)
انه لا يجوز لما فيه من الاسراف وأصحهما ويحكي عن القاضي الحسين أنه يجوز كسائر الملبوسات وأما التاج فقد ذكروا أنه إن جرت عادة النساء بلبسه كان مباحا والا فهو مما يلبسه عظماء الفرس فيحرم وكأن
هذا إشارة الي اختلاف الحكم بحسب اختلاف النواحي: فحيث جرت عادة النساء بلبسه جاز لبسه وحيث لم تجر لا يجوز تحرزا عن التشبه بالرجال وفى الدراهم والدنانير التي تثقب وتجعل في القلادة وجهان حكاهما القاضي الروياني (أظهرهما) المنع لانها لم تخرج بالصوغ عن النقدية وفى لبس الثياب المنسوجة بالذهب والفضة(6/30)
وجهان (أصحهما) الجواز وذكر ابن عبدان انه ليس لهن اتخاذ زر القميص والجبة والفرجية منهما ولعل هذا جواب علي الوجه الثاني وكل حلي أبيح للنساء فذلك إذا لم يكن فيه سرف فان كان كخلخال وزنه مائتا دينار ففيه وجهان الذى ذكره معظم العراقيين المنع وأوجبوا فيه الزكاة قولا واحدا وفى معناه اسراف الرجل في تحلية آلات الحراب ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة أو المرأة خلاخل كثيرة لتلبس الواحد منها بعد الواحد فلا يمتنع وليس كالواحد الثقيل وطرد ابن عبدان فيه الوجهين وهذا كله فيما يتحلي به لبسا *(6/31)
قال (فأما في غير التحلي فقد حرم الشرع اتخاذ الاواني من الذهب والفضة على الرجال والنساء وفى المكحلة لصغيرة تردد وفى تحلية لسكين للمهنة بالفضة الحاقا لها بالآت الحرب فيه خلاف) * في الفصل مسألتان (أحداهما) استعمال أواني الذهب والفضة حرام علي الرجال والنساء كما بينا في كتاب الطهارة وفى اتخاذها خلاف وجواب الكتاب ههنا وفى الطهارة التحريم ويجوز اعلام قوله(6/32)
(اتخاذ الاواني) بالواو للخلاف الذى شرحناه في الطهارة ومثله المكحلة قد ذكرها مرة هناك ونقل الامام التردد فيها عن صاحب التقريب وقيد بما إذا كانت من فضة وفيه كلام ذكرناه في شرحها ثم (الثانية) في تحلية سكاكين المهنة وسكاكين المقلمة بالفضة وجهان احدها الجواز ألحاقا لها بالات الحرب (وأصحها) المنع لانها لا تراد للحرب قال الامام وهذا الخلاف في استعمالها للرجال ويثور منه اختلاف في حق النساء ان الحقناها بالات الحرب فليس للنسوة استعمالها والا ففيه احتمال *
قال (وفي تحلية المصحف بالفضة وجهان للحمل على الاكرام وفى تحليته بالذهب ثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين الرجال والنساء وتحلية غير المصحف من الكتب لا تجوز اصلا كتحلية الدواة والسهم والسرير والمقلمة وقيل يجوز تحلية الدواة بالفضة ويلزم علي قياسه المقلمة والكتب وتحلية الكعبة والمساجد بالقناديل من الذهب والفضه قيل انه ممنوع ولا يبعد تجويزه اكراما كما في(6/33)
المصحف) * هل يجوز تحلية المصحف بالفضة فيه وجهان (احدهما) لا كالأواني (وأظهرهما) نعم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله اكراما للمصحف وجعل أبو القاسم الكرخي في هذا الخلاف قولين وقال في سير الواقدي ما يدل علي حظرها وفى القديم والجديد وحرملة ما يدل علي الجواز وفى تحليته بالذهب ثلاثه أوجه (احدها) وبه أجاب الشيخ ابو محمد في مختصر المختصر الجواز اكراما وبه قال ابو حنيفة رحمه الله (والثاني) المنع إذ ورد في الخبر ذمها) (والثالث) الفرق بين ان يكون للمرأة فيجوز وبين ان(6/34)
يكون للرجال فلا يجوز طردا للمنع من الذهب في حق الرجال وكلام الصيدلاني والاكثرين الي هذا أميل وذكر بعضهم انه يجوز تحلية نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه والاظهر التسوية واما سائر الكتب فقال في الكتاب ان تحليتها لم تجز اصلا وذلك ان الائمة لم يحكوا فيها خلافا بل قاسوا وجه المنع في المصحف علي سائر الكتب اشعارا بالاتفاق فيها وذكروا وجهين في تحلية الدواة والمرآة والمقلمة والمقراض بالفضة (اصحهما) المنع كالأواني والثانى الجواز كالسيف والسكين وبه اجاب في مختصر(6/35)
المختصر واراد صاحب الكتاب بقوله (وقيل يجوز تحلية الدواة بالفضة) حكاية وجه وقاس عليه المقلمة وسائر الكتب وفي تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلها فيها وجهان مرويان في الحاوى وغيره (احدهما) الجواز تعظيما كما في المصحف وكما يجوز ستر الكعبة بالديباج (واظهرهما) المنع ويحكى ذلك عن ابي اسحق إذ لم ينقل ذلك عن فعل السلف وحكم الزكاة مبنى علي الوجهين نعم لو جعل المتخذ وقفا فلا زكاة فيه بحال وقد تعرض في الكتاب للوجهين معا حيث قال (قيل انه ممنوع) ولا يبعد تجويزه اكراما لكن حكى المنع نقلا والتجويز احتمالا تأسيا بالامام رحمه الله فانه هكذا فعل (خاتمة) إذا اوجبنا
الزكاة في الحلى المباح فلو اختلف وزن الحلي وقيمته كما لو كانت لها خلاخل وزنها مائتا درهم وقيمتها ثلثمائة أو فرض مثله في المناطق المحلاة للرجال فالاعتبار في الزكاة بوزنها أو قيمتها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الماوردى ان الاعتبار بالوزن لا القيمة لانها زكاة عين فلا ينظر فيها الي القيمة كما في المواشى ولهذا لو كان وزن الحلي مائة درهم وقيمتة بسبب الصنعة مائتان لا تجب فيها الزكاة (وأصحهما) عند ابن سريج وعامة العراقيين انه تعتبر الصنعة لانها صفة في العين فيلزمه إخراج زكاة العين علي تلك الصفة كما يلزم اخراج المضروب عن المضروب فعلي هذا يتخير بين ان يخرج ربع عشر الحلي مشاعا ثم يبيعه الساعي ويفرق الثمن علي المساكين وبين ان يخرج خمسة دراهم مصنوعة(6/36)
قيمتها سبعة ونصف ولا يجوز ان يكسره ويخرج خمسة مكسورة لان فيه ضررا عليه وعلى المساكين ولو أخرج من الذهب ما قيمته سبعة دراهم ونصف فهو جائز عند ابن سريج للحاجة ممتنع عند الاكثرين لامكان تسليم ربع العشر مشاعا وبيعه بالذهب بعد ذلك ولو كانت له آنية وزنها مائتان ويرغب فيها بثلثمائة فيبنى حكم زكاتها علي الخلاف في جواز الاتخاذ ان جوزناه فالحكم علي ما ذكرناه في الحلي وان لم نجوز فلا قيمة للصنعة شرعا فله اخراج خمسة من غيره وله كسره واخراج خمسة منه وله اخراج ربع عشره مشاعا ولا سبيل الي اخراج الذهب بدلا وكل حلي لا يحل لاحد من الناس فحكم صنعته حكم صنعة الاناء ففى ضمانها علي كاسره وجهان وما يحل لبعض الناس فعلي كاسره ضمانها وما يكره من التحلي ولا يحرم كالضبة الصغيرة على الاناء للزينة الحقوه بالمحظور في وجوب الزكاة وقال صاحب التهذيب من عند نفسه الاولي ان يكون كالمباح *(6/37)
قال (النوع الرابع زكاة التجارة ومال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بالمعارضة المحضة ولا يكفي مجرد النية دون الشرى ولا عند الاتهاب أو الرجوع بالعيب وهل يكفى عند الخلع أو النكاح فيه وجهان ولو اشترى عبدا علي نية التجارة بثوب قنية فرد عليه بالعيب انقطع حوله وكذا لو باع ثوب تجارة بعبد للقنية ثم رد) *
زكاة التجارة واجبة عند جمهور العلماء وفيهم الشافعي رضي الله عنه قطع به قوله في الجديد وحكى عنه في القديم ترديد قول: فمنهم من قال له في القديم قولان ومنهم من لم يثبت خلاف الجديد(6/38)
شيئا وذكر في النهاية أن نفى وجوبها يعزى الي مالك ولا يكاد يثبت ذلك عنه إنما المشهور عنه أنها لا تجب بعد النضوض حتى لو نض بعد ما اتجر سنين كثيرة لا تجب إلا زكاة سنة واحدة والاصل في الباب ماروى عن أبى ذر ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (في الابل صدقتها وفى البقر صدقتها وفى الغنم صدقتها وفى البز صدقته) ومعلوم أنه ليس في البز زكاة العين فيكون الواجب زكاة التجارة(6/39)
وعن سمرة بن جندب قال (كان النبي صلي الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع) واعتمد(6/40)
الشافعي رضي الله عنه فيما روى عن أبى عمرو بن حماس أن أباه حماسا قال (مررت علي عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلي عنقي أدم أحملها فقال ألا تؤدى زكاتك يا حماس فقلت مالى غير هذه وأهب في القرظ قال ذلك مال فضع قال فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدت قد وجب فيها الزكاة فاخذ منها الزكاة) إذا تقرر ذلك فاول ما بدا به في الكتاب بيان أن مال التجارة ماذا فقال ومال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بالمعاوضة المحضة وفي هذا الضابط أمور قد فصلها بصور (فمنها) أن مجرد نية التجارة لا تجعل المال مال التجارة حتى لو كان له عرض للقنية ملكه بشراء وغيره ثم جعله للتجارة لم يصر للتجارة ولم ينعقد الحول عليه خلافا للكرابيسي من أصحابنا(6/41)
حديث قال يصير مال تجارة بمجرد النية وبه قال أحمد في إحدى الروايتين لما روينا من خبر سمرة وكما لو كان عنده عرض التجارة فنوى أنه للقنية يصير للقنية وينقطع حول للتجارة: لنا أن ما لا يثبت له حكم الحول بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كما لو نوى بالمعلوفة السوم ويخالف عرض التجارة تصير للقنية بمجرد النية من وجهين (أحدهما) انه ليس للاقتناء معني إلا الحبس والامساك للانتفاع
فإذا أمسك ونوى الاقتناء فقد قرن النية بصورة الاقتناء لانه جردها (والثانى) أن الاصل في العروض الاقتناء والتجارة عارضة فبمجرد النية يعود حكم الاصل وإذا ثبت حكم الاصل فبمجرد النية يزول وهذا كما أن المسافر يصير مقيما بمجرد النية والمقيم لا يصير مسافرا بمجرد النية ومنها لو اقترنت نية التجارة بالشراء كان الشراء مال تجارة ودخل في الحول لانضمام قصد التجارة إلى فعلها كما لو نوي المشترى وسار يصير مسافرا ولا فرق بين أن يكون الشراء بعرض أو نقد أو دين ولا بين أن يكون حالا أو مؤجلا وإذا ثبت حكم التجارة لا يحتاج لكل معاملة الي نية جديدة وفى معني الشرى ما لو صالح(6/42)
عن دين له في ذمة إنسان علي عرض بنية التجارة فيصير للتجارة سواء كان الدين قرضا أو ثمن مبيع أو ضمان متلف وكذلك الاتهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة وأما الهبة المحضة والاحتشاش والاحتطاب والاصطياد والارث فليست معدودة من أسباب التجارة فلا أثر لاقتران النية بها وكذا الرد بالعيب والاسترداد حتى لو باع عرضا للقنية بعرض للقنية ثم وجد بما أخذ عيبا فرده واسترد الاول علي قصد التجارة أو وجد صاحبه بما أخذ عيبا فرده وقصد المردود عليه بأخذه التجاره لم يصر مال تجارة ولو كان عنده ثوب للقنية فاشترى به عبدا للتجارة تم رد عليه الثوب بعيب انقطع حول التجارة ولم يكن الثوب المردود مال تجارة لان الثوب لم يكن عنده علي حكم التجارة حتي يقال ينقطع البيع ويعود الي ما كان قبله بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا فانه يبقى حكم التجارة فيه بعد البيع وكذا لو تبايع التاجران ثم تقابلا يستمر حكم التجارة في المالين ولو كان عنده ثوب تجارة فباعه بعبد للقنية فرد عليه الثوب بالعيب لم يعد علي حكم التجارة لان قصد القنية قطع حول التجارة والرد والاسترداد بعد ذلك ليسا من التجارة في شئ فصار كما لو قصد القنية بمال التجارة الذى عنده ثم نوى جعله للتجارة ثانيا لا يؤثر حتى يقرن النية بتجارة جديدة ولو خالع الرجل امرأته وقصد التجارة في عوض الخلع أو زوج السيد أمته أو نكحت الحرة أو نويا التجارة في الصداق ففيه وجهان (أحدهما) أنه لا يكون مال تجارة لان الخلع والنكاح ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ولانه ليس المملوك بهما مملوكا بعين مال (واظهرهما) ولم يذكر اكثر العراقيين سواه أنه يكون
مال تجارة لانه مال ملكه بمعارضة ولهذا ثبتت الشفعة فيما ملك بهما وأجرى الوجهان في المال المصالح عليه عن الدم والذى آجر به نفسه أو ماله إذا نوى بهما التجارة وفيما إذا كان تصرفه في المنافع بأن كان يستأجر المستعملات ويؤاجرها علي قصد التجارة *(6/43)
قال (والنصاب معتبر في أول الحول وآخره دون الوسط علي قول وفى جميع الحول على قول وفى آخر الحول فقط على قول لان انخفاض السعر لا ينضبط ولو كان النقصان محسوسا بالتنضيض ففى انقطاع الحول علي هذاا لقول وجهان) * لا خلاف في اعتبار الحول في زكاة التجارة ويدل عليه مطلق قوله صلي الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) والنصاب معتبر أيضا لكن في وقت اعتباره ثلاثة أقوال على ما ذكر صاحب الكتاب والامام (أحدها) أنه يعتبر في أول الحول وآخره اما في الاول فليجر في الحول وأما في الآخر فلانه وقت الوجوب ولا يعتبر فيما بينهما لعسر مراعاة النصاب بالقيمة فان الاسعار(6/44)
تضطرب انخفاضا وارتفاعا (وثانيها) أنها تعتبر في جميع الحول كما في المواشي فعلي هذا لو نقصت القيمة عن النصاب في لحظة انقطع القول فان كمل بعد ذلك استأنف الحول (وأصحها) أنه لا يعتبر إلا في آخر الحول اما انه لا يعتبر في أثنائه فلما سبق وأما أنه لا يعتبر في أوله فكالزيادة علي النصاب لما لم يشترط وجودها في أثناء الحول لوجوب زكاتها لم يشترط وجودها في أول الحول فعلي هذا لو اشترى(6/45)
عرضا للتجارة بشئ يسير انعقد الحول عليه ووجبت الزكاة فيه إذا بلغت قيمته نصابا في آخر الحول واحتج لهذا القول بحديث حماس فانه لم ينظر إلي القيمة إلا في الحال ولم يبحث عما تقدم وليس هذا الاحتجاج كما ينبغي وعبر الاكثرون عن الخلاف في المسألة بالوجوب دون الاقوال وسبب اختلاف العبارة أنها جميعا ليست منصوصة وإنما المنصوص منها الثالث والاولان خرجهما شيوخ الاصحاب هكذا حكي الشيخ أبو علي والمذاهب المخرجة يعبر عنها بالوجوه تارة وبالاقوال أخرى وبالقول(6/46)
الثاني قال ابن سريج ونسب ابن حمدان إليه الاول والله أعلم.
ويجوز أن يعلم الاول بالميم والالف (والثانى) بالميم والحاء (والثالث) بالحاء والالف لان مذهب أبي حنيفة رحمه الله مثل القول الاول(6/47)
ومذهب أحمد مثل (الثاني) ومذهب مالك مثل (الثالث) ثم إذا احتملنا نقصان النصاب في غير الآخر فذلك في حق من تربص لسلعته حتى تم الحول وهي نصاب بالقيمة فاما لو باعها بسلعة أخرى في أثناء الحول فقد حكي الامام وجهين فيه (أحدهما) أن الحول ينقطع ويبتدئ حول السلعة الاخرى(6/48)
من يوم ملكها (وأصحهما) أن الحكم كما لو تربص بسلعته ولا أثر للمبادلة في أحوال التجارة ولو باعها في أثناء الحول بالنقد وهو ناقص عن النصاب ثم اشترى به سلعة فتم الحول وهى تبلغ نصابا بالقيمة ففيه وجهان لتحقق النقصان حسا قال الامام رحمه الله والخلاف في هذه الصورة امثل منه في الاولى ورأيت المتأخرين يميلون إلى انقطاع الحول والله أعلم وهذه الصورة الاخيرة هي المذكورة في الكتاب(6/49)
وأعرف من اللفظ شيئين (أحدهما) أن قوله فلو صار النقصان محسوسا بالتنضضن ليس المراد منه مطلق التنضيض فانه لو باع بالدراهم والحال تقتضي التقويم بالدنانير علي ما سيأتي فهو كبيع السلعة بالسلعة (والثاني) أن قوله على هذا القول يوهم تخصيص الوجهين بالقول الثالث وهما جاريان علي القول الاول(6/50)
أيضا ولا فرق * (فرع) لو تم الحول وقيمة سلعته دون النصاب فهل يبتدئ حول ثان فيه وجهان قال أبو إسحق نعم ويسقط حكم الحول الاول وقال ابن أبى هريرة لابل متى بلغت القيمة نصابا تجب الزكاة ثم يبدأ حول ثان والاول أصح عند صاحب التهذيب وغيره *(6/51)
قال (وابتداء حول التجاره من وقت الشراء بنية التجارة ان كان المشترى به عرضا ماشية كانت أو لم تكن: وإن كان المشترى به نقدا فمن وقت النقد نصابا كان أو لو يكن إن قلنا إن النصاب لا يعتبر في ابتداء الحول وفى الجملة زكاة التجارة والنقدين يبني حول كل واحد منهما علي حول صاحبه لاتحاد المتعلق ومقدار الواجب) *(6/52)
غرض الفصل الكلام في بيان ابتداء الحول وجملته أن مال التجارة لا يخلو اما أن يملكه بأحد النقدين أو بغيرهما فان ملكه بأحد النقدين نظر ان كان نصابا كما لو اشترى بعشرين دينارا أو بمائتي درهم فابتداء الحول من يوم ملك ذلك النقد ويبنى حول التجارة علي حوله ووجهوا(6/53)
ذلك بشيئين (احدهما) ان قدر الواجب فيهما واحد وكذلك متعلقه فان الزكاة واجبه في عين النقد وفى قيمة السلعة وهى من جنس النقد الذى كان رأس المال بل هي نفس تلك الدراهم الا أنها صارت مبهمة بعد ما كانت معينة فصار كما لو ملك مائتي درهم ستة اشهر ثم اقرضها مليئا تلزمه الزكاة بعد ستة اشهر من يوم القرض (والثانى) ان النقد اصل وغرض التجارة تبع له وفرع عليه الا ترى ان التقويم به يقع فبنى حوله عليه وخرجوا علي التوجيهين ما إذا بادل الدراهم بالدراهم حيث ينقطع الحول ولا يبنى اما علي الاول فلان زكاة النقد في العين ولكل واحد من عين الدراهم الاولى وعين الثانية حكم نفسها واما علي الثاني فلان الثانية لا تقوم بالاولى وليست احداهما اصلا والاخرى فرعا لها وهذا فيما إذا كان الشراء بعين النصاب اما إذا اشترى بنصاب من احد النقدين في الذمة وله مائتا درهم وعشرون دينارا فنقدها في ثمنه ينقطع حول النقد ويبتدئ حول التجارة من يوم الشري هذا لفظ صاحب التهذيب وعلل بأن هذه الدراهم والدنانير لم تتعين للتصرف فيه والله اعلم: وان كان النقد الذى هو رأس المال دون النصاب فليس له حول حتى يبنى عليه فيكون ابتداء الحول من يوم ملك عرض التجارة: هذا إذا ملك بأحد النقدين ولو ملك بغيرهما فله حالتان (احداهما) ان يكون ذلك الغير مما لا تجب الزكاة فيه كالثياب والعبيد فابتداء الحول من يوم الملك
لان ما ملكه قبله لم يكن مال زكاة (والثانية) ان يكون مما تجب فيه الزكاة كما لو ملكه بنصاب من السائمة فظاهر المذهب ان حول السائمة ينقطع ويبتدئ حول التجارة من يوم الملك ولا يبنى لاختلاف الزكاة قدرا ومتعلقا (قال) الاصطخرى يبني حوله علي حول السائمة كما لو ملك بنصاب من النقد واحتج بقوله في المختصر ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو بدنانير أو بشئ تجب فيه.
الصدقة من الماشية(6/54)
وكان افاد ما اشترى به ذلك العرض من يومه لم يقوم العرض حتى يحول الحول من يوم افاد الثمن وحمل المزني هذا النص علي ما رأه الاصطخرى ثم اعترض عليه وصار إلى عدم البناء وعامة الاصحاب نفوا ذهاب الشافعي رضي الله عنه إلى البناء فتكلموا علي هذا النص من وجوه (أحدها) قال ابن سريج وأبو إسحق وغيرهما إن مسألة المختصر مفروضة فيما إذا استفاد ثمن العرض يوم الشراء وحينئذ لا فرق بين أن يقال يعتبر الحول من يوم الشراء وبين أن يقال يعتبر من ذلك الثمن (والثانى) أن الشافعي رضى الله عنه جمع بين ثلاث صور الشراء بالدراهم والشراء بالدنانير والشراء بالماشية ثم أجاب في الصورتين الاوليين دون الآخرة وقد يقع مثل ذلك في كلامه واحتجوا لهذا بأنه قال من يوم افاد الثمن ولفظ الثمن يقع علي النقدين دون الماشية (واعلم) أن في حقيقة الثمن خلافا سنذكره في كتاب البيع إن شاء الله تعالي جده وهذا الوجه(6/55)
يتفرع علي أن الثمن هو الذهب والفضة لا غير ومن قال بالتأويل الاول أطلق لفظ الثمن علي الماشية أيضا (والثالث) تغليط المزني في النقل وإلى هذا مال امام الحرمين ورأى التأويل تكلفا: ولنتكلم في ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (قوله) من وقت الشراء بنية التجارة ليس لتخصيص الحكم بالشراء بل هو مذكور تمثيلا وسائر الاكتسابات الملحقة في معناه ويجوز إعلامه بالواو لان اللفظ مطلق لا يفرق بين أن يكون قيمة ما اشتراه للتجارة نصابا أو لا يكون وهو مجرى على اطلاقه إذا فرعنا علي أن النصاب لا يعتبر إلا في آخر الحول وهو الصحيح فإذا اعتبرناه في جميع الحول أو في طرفيه ولم يبلغ قيمة المشترى نصابا فليس ابتداء الحول من يوم الشراء بل هو وقت بلوغ قيمته نصابا (وقوله) ماشية كانت معلم بالواو لما حكينا عن الاصطخرى (وقوله) وإن كان المشترى به نقدا فمن وقت القد أي من(6/56)
وقت ملك النقد ثم قوله نصابا كان أو لم يكن ان قلنا النصاب لا يعتبر في ابتداء الحول هو موضع نظر وتأمل لانه إما أن يريد به نصابا كان المال المشترى أو لم يكن أو يريد به نصابا كان النقد أو لم يكن وهو الاسبق الي الفهم فان أراد الثاني فقد صرح باحتساب الحول من وقت ملك النقد مع نقصانه عن النصاب وان أراد به الاول فقد حكم بالاحتساب من وقت ملك النقد مطلقا وليس كذلك بل يشترط فيه كون ذلك النقد نصابا نص عليه الشافعي رضى الله عنه وقطع به الاصحاب من غير فرق بين أن يعتبر النصاب في جميع الحول أولا يعتبر لان النقد الناقص ليس مال زكاة حتى يفرض جريانه في الحول (وقوله) زكاة التجارة والنقدين ينبني حول كل واحد منهما علي صاحبه ويبين أنه لو باع مال تجارة بنقد بنية القنية يبني حول النقد علي حول مال التجارة كما يبنى حول مال التجارة علي حول النقد (وقوله) لاتحاد المتعلق ومقدار الواجب اشارة إلى التوجيه الاول وقد بيناه * قال (وكل زيادة حصلت بارتفاع القيمة وجبت الزكاة فيها بحول رأس المال كالنتاج فان رد إلى اصل النضوض فقدر الربح من الناض لا يضم الي حول الاصل علي أحد القولين لانه مستفاد من كيس المشترى لا من عين المال) * ربح مال التجارة ينقسم إلى حاصل من غير نضوض المال والي حاصل مع نضوضه وأما القسم الاول فهو مضموم الي الاصل في الحول كالنتاج لان المحافظة علي حول كل زيادة مع اضطراب الاسواق وتدرجها انخفاضا وارتفاعا في غاية العسر قال في النهاية وقد حكى الائمة القطع بذلك لكن من يعتبر النصاب في جميع الحول كما في زكاة الاعيان قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول وقضية قياسه أن نقول ظهور الربح في أثناء الحول بمثأبة نضوضة وسيأتى الخلاف فيه في القسم(6/57)
الثاني قال وهذا لا بد منه والائمة قد يذكرون القول الضعيف مع الصحيح ثم إذا توسطوا التفريع تركوا الضعيف جانبا وهذا الكلام يقتضى أعلام قوله في الكتاب بحول رأس المال بالواو فعلى المشهور الصحيح لو اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم فصارت قيمته في خلال الحول ثلاثمائة زكي الثلثمائة عند تمام الحول وان كان ارتفاع القيمة قبيل الحول بلحظة ولو ارتفعت بعد الحول
فالربح مضموم الي الاصل في الحول الثاني كما في النتاج وأما القسم الثاني وهو الحاصل مع النضوض فينظر فيه ان صار ناضا من غير جنس رأس المال فهو كما لو بدل عرضا بعرض لان التقويم لا يقع به وحكي الشيخ ابو على عن بعض الاصحاب انه علي الخلاف الذى نذكره فيما إذا صار ناضا من جنس رأس المال وان صار ناضا من جنسه فأما أن يفرض في خلال الحول أو بعده وعلي التقدير الاول فأما أن يمسك الناض إلي أن يتم الحول أو يشترى به سلعة (الحالة الاولي) أن يمسك الناض الي تمام الحول كما إذا اشترى عرضا بمائتي درهم وباعه في خلال الحول بثلاثمائة ويتم الحول وهو في يده فقد قال الشافعي رضي الله عنه في باب زكاة التجارة أنه يزكى المائتين ويفرد مائة الربح بحول وقال(6/58)
في باب زكاة مال القراض إذا دفع الف درهم الي رجل قراضا علي النصف فاشترى بها سلعة وحال الحول عليها وهى تساوى الفين ففيها قولان (احدهما) أنه يزكي الكل (والثانى) أن رب المال يزكى الفا وخمسمائة فأوجب زكاة جميع الربح أو نصفه عند تمام الحول ولم يفرده بحول واختلف الاصحاب علي طريقين (أظهرهما) وبه قال أبو إسحق والاكثرون أن المسألة علي قولين (احدهما) وهو اختيار المزني أنه يزكى الربح بحول الاصل لانه فائدته ونماؤه فأشبه ما إذا لم يرد الي النضوض ونتاج الماشية (واصحهما) أنه يفرد الربح بحول لظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ويخالف ما إذا لم ينض لان الربح ثمة كامن وغير متميز عن الاصل ومتعلق الزكاة واحد وهو القيمة ويخالف النتاج فانه يتولد من أصل المال والربح هاهنا غير متولد من غير المال بل هو مستفاد بالتصرف من كيس المشترى ولهذا لو غصب ماشية فتوالدت وجب رد النتاج مع الاصل ولو غصب دراهم فتصرف فيها وربح كان الربح له في اظهر(6/59)
القولين (والطريق الثاني) وبه قال ابن سريج القطع بافراد الربح بحول وحمل كلامه في القراض علي ما إذا اشترى السلعة بالف وهى تساوى الفين فليس فيها زيادة بعد الشراء فلذلك أوجب الزكاة في الربح مع الاصل قال هؤلاء وهكذا صور المسألة في الام لكن المزني لم ينقلها علي وجهها ومنهم
من قال قصده بما ذكر في مال القراض بيان أن زكاة جميع الربح قبل المقاسمة على رب المال ام يتقسط عليه وعلي العامل فاما ان حول الربح هل هو حول الاصل أم لا فهذا مما لم يقع مقصدا ثم ولا يوجه الكلام نحوه فلا احتجاج فيه علي أنه ليس في اللفظ تصوير للرد إلي النضوض فيجوز حمله علي ارتفاع القيمة من غير نضوض وإذا فرعنا علي أن الربح يفرد بحول فابتداؤه من يوم الظهور ام من يوم نض وباع فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج أنه من يوم الظهور لان الربح لم يحصل بالبيع(6/60)
وانما حصل بارتفاع قيمة السلعة (والثاني) أنه من يوم البيع والنضوض لان الزيادة به تستقر وقبله قد يتوهم زيادة فيتبين خلافه لاضطراب السوق قال القاضى الرويانى وغيره وهذا ظاهر المذهب (الحالة الثانية) أن يشترى بها سلعة قبل تمام الحول فطريقان (أحدهما) القطع بانه يزكى عن الجميع لان ما في يده في آخر الحول عرض (وأصحهما) ان الحكم كما لو أمسك الناض الي تمام الحول لان الربح بالنضوض بمثابة فائدة استفادها فلا يختلف حكمها بين ان يشترى بها سلعة أو لا يشترى وهذا كله فيما إذا باع ونص في خلال الحول فاما إذا باع ونض بعد تمامه فقد قال الشيخ أبو على ينظر إن ظهرت الزيادة قبل تمام الحول فلا خلاف في انه يزكى الكل بحول الاصل(6/61)
وإن ظهرت بعد تمامه فوجهان (أحدهما) هكذا (وأظهرهما) أنه يستأنف للربح حولا وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترى العرض بنصاب من أحد النقدين أو اشتراه بغيرهما وهو يساوى نصابا: أما لو اشترى بمائة درهم مثلا وباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم وبقيت عنده إلي آخر الحول من يوم الشراء فان قلنا بظاهر المذهب وهو أن النصاب لا يشترط إلا في آخر الحول تفرعت المسالة علي قولين في أن الربح من الناض هل يضم إلي الاصل في الحول: إن قلنا نعم فعليه زكاة المائتين وإن قلنا لا: لم يزك مائة الربح إلا بعد ستة أشهر أخرى وإن قلنا إن النصاب يشترط في جميع الحول أو في طرفيه فابتداء حوله من يوم باع ونض فإذا تم زكى عن المائتين: واعلم أن مسألة الكتاب فيما إذا رد إلي النضوض في خلال الحول ثم اللفظ من جهة اطلاقه يشمل ما إذا أمسك الناض حتى تم الحول(6/62)
وما إذا اشترى به سلعة أخرى ويشمل ايضا ما إذا كان نصابا في اول الحول أو ناقصا عنه واجراؤه على اطلاقه فيهما صحيح مستمر (وقوله) لا يضم معلم بالزاى لما قدمناه (وقوله) علي أحد القولين بالواو للطريقة القاطعة بعدم الضم ثم نوضح الفصل بفرعين (أحدهما) من مولدات ابن الحداد وهو مالو ملك الرجل عشرين دينارا فاشترى بها عرضا للتجارة ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول باربعين دينار أو اشترى بها سلعة اخرى ثم باعها بعد تمام الحول بمائة كيف يزكي أما إذا قلنا إن الربح من الناض لا يفرد بحول فعليه زكاة جميع المائة وأما إذا قلنا يفرد فعليه زكاة خمسين دينارا لانه اشترى السلعة الثانية باربعين عشرون منها رأس ماله الذى مضى عليه ستة أشهر وعشرون ربح استفاده يوم باع الاول واشترى الثاني فإذا مضى ستة أشهر فقد تم الحول علي نصف السلعة فيزكيه بزيادته وزيادته ثلاثون دينارا لانه ربح علي العشرينين ستين وكان ذلك كامنا وقت تمام الحول ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة العشرين الثانية فان حولها حينئذ يتم ولا يضم إليها ربحها لانه صار ناضا قبل تمام حولها فإذا مضت ستة اشهر أخرى فعليه زكاة ربحها وهو الثلاثون الباقية فان كانت الخمسون التى أخرج زكاتها في الحول الاول باقية عنده فعليه اخراج زكاتها ثانيا مع الثلاثين هذا جواب ابن الحداد تفريعا على أن الربح الناض لا يفرد(6/63)
بحول وحكى الشيخ أبو علي فيه وجهين آخرين ضعيفين (احدهما) انه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين فإذا مضت ستة اشهر اخرج زكاة عشرين اخرى وهى التي كانت ربحا في الحول الاول فإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة الستين الباقية لانها إنما استقرت عند البيع الثاني فمنه يبتدئ حولها (والثانى) أنه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين ثم إذا مضت ستة أشهر زكى عن الثمانين الباقية لان الستين التي هي الربح حصلت في حول العشرين التى هي الربح الاول فيضم إليها في الحول ولو كان الفرع بحاله لكنه لم يبع السلعة الباقية فيزكى وعند تمام الحول الاول خمسين كما ذكرنا عند تمام الحول الثاني الخمسين الثانية لان الربح الآخر ما صار ناضا الفرع الثاني اشترى بمائتي درهم عرضا للتجارة
فباعه بعد ستة اشهر بثلثمائة واشترى بها عرضا وباعه بعد تمام الحول بستمائة فان لم يفرد الربح بحول اخرج زكاة الستمائة وان أفردناه أخرج زكاة اربعمائة فإذا مضت ستة أشهر أخرج زكاة مائة فإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة المائة الباقية هذا على جواب ابن الحداد واما علي الوجهين الاخرين فيخرج عند البيع الثاني زكاة مائتين ثم على الوجه الاول إذا مضت ستة اشهر اخرج زكاة مائة وإذا مضت ستة اشهر اخرى اخرج زكاة ثلثمائة وعلى الوجه الثاني إذا مضت ستة اشهر من يوم البيع الثاني اخرج زكاة الاربعمائة الباقية ولو لم يبع العرض الثاني اخرج زكاة اربعمائة عند تمام الحول وزكاة الباقي بعد ستة اشهر هذا هو الحكم فان اردت التوجية فخرجه علي ما سبق *(6/64)
قال (فان نتج مال التجارة كان النتاج مال تجارة أيضا علي أحد الوجهين ويجبر به نقصان الولادة في نصاب مال التجارة وجها واحدا ثم حوله حول الاصل على الاصح) * مال التجارة إذا كان حيوانا فلا يخلو اما أن تجب فيه زكاة العين كنصاب السائمة من الغنم فالكلام فيه وفى نتاجه سيأتي من بعد أو لا تجب كالخيل والجواري والمعلوفة من النعم فهل يكون نتاجها مال تجارة فيه وجهان (أحدهما) لا لان النماء الذى تفيده العين لا يناسب الاستنماء بطريق التجارة فلا يجعل مال تجارة ويروى عن ابن سريج (وأصحهما) نعم لان الولد جزء من الام فله حكمها وزوائد مال التجارة من فوائد التجارة عند أهلها والوجهان فيما إذا لم تنقص قيمة الام بالولادة فان نقصت كما إذا كانت قيمة الجارية الفا فعادت بالولادة إلى ثمانمائة وقيمة الولد مائتان فيجبر نقصان الام بقيمته وعليه زكاة الالف ولو عادت قيمتها إلي تسع مائة جبرنا نقصان المائة من الولد لان سبب النقصان انفصال الولد وهو عتيد حاضر فيجعل كأنه لا نقصان كذا حكى عن ابن سريج(6/65)
وغيره قال الامام وفيه احتمال ظاهر وقضية قولنا انه ليس مال تجارة أن لا يجبر به نقصان الجارية كالمستفاد لسبب آخر (وقوله) في الكتاب في نصاب مال التجارة لفظ النصاب حشو في هذا الموضع (وقوله) وجها واحدا أي من جهة النقد وما ذكره الامام انما أبداه علي سبيل الاحتمال وثمار
اشجار التجارة بمثابة أولاد حيوان التجارة ففى كونها مال تجارة ما ذكرنا من الوجهين ثم ان لم نجعل الاولاد والثمار مال تجارة فكيف القول في زكاتها في السنة الثانية وما بعدها انخرجها من حساب التجارة كما لو ورث عبدا ام كيف الوجه قال امام الحرمين الظاهر انا لا نوجب الزكاة فانه فيما نختاره الآن منفصلا عن تبعية الام وليس أصلا في التجارة وان فرعنا على انها مال تجارة وضممناها إلى الاصل ففى حولها وجهان (أحدهما) انها على القولين في ربح الناض لانها زيادة مستقرة من مال التجارة فعلى أحد القولين ابتداء الحول من انفصال الولد وظهور الثمار (وأصحهما) ان حولها حول الاصل كالزيادات المنفصلة كالنتاج في الزكاة العينية *(6/66)
قال (وأما المخرج فهو ربع عشر القيمة من النقد الذى كان رأس المال نصابا كان أو لم يكن فان كان اشتراه بعرض قنية قوم بالنقد الغالب فان غلب نقدان فلم يبلغ نصابا الا بأحدهما قوم به وان بلغ بهما نصابا يخير المالك على وجه وروعي غبطة المساكين علي وجه وتتعين الدراهم على وجه لانه أرفق ويعتبر بالنقد الغالب في أقرب البلاد إليه علي وجه) * لا خلاف في ان قدر زكاة التجارة ربع العشر كما في النقدين ومم تخرج قطع (في الجديد) بانها تخرج من القيمة ولا يجوز أن تخرج من عين ما في يده وبه قال مالك لان متعلق الزكاة هو القيمة وحكى عن القديم قولان (أحدهما) مثل هذا (والثاني) أنه يخرج ربع عشر ما في يده لانه الذي(6/67)
يملكه والقيمة تقدير واختلفوا في هذا القول منهم من قال انه ترخيص وتجويز لاخراج العين باعتبار القيمة ولو أخرج ربع عشر القيمة جاز ومن قال بهذا قال في المسألة قولان (تعيين) القيمة (والتخيير) بين العين والقيمة وبه قال ابو اسحق ومنهم من قال ما ذكره (في القديم) أراد تعيين العين للاخراج ومن قال بهذا قال في المسألة قولان (تعيين) العين (وتعيين) القيمة وحكى ابن عبدان هذا عن ابن ابى هريرة ومن الاصحاب من استوعب وجعل المسألة على ثلاثة أقوال (أصحها) تعيين العين (والثاني) تعيين القيمة (والثالث) التخيير بينهما وتحكي هذه الطريقة عن ابن سريج وعليها جرى
صاحب التقريب ثم الفتوى والتفريع علي الجديد وهو الذى ذكره في الكتاب لكنا نورد صورة لايضاح هذا الخلاف فنقول إذا ملك مائة درهم فاشترى بها مائتي قفيز من الحنطة فحال الحول وهى تساوى مائتين فتجب عليه الزكاة تفريعا على أن النصاب لا يعتبر الا في آخر الحول فعلي الاصح(6/68)
يخرج خمسة دراهم وعلي الثاني خمسة اقفزة وعلي الثالث يتخير بينهما ولو أخر إخراج الزكاة حتى تراجع السوق ونقصت القيمة نظر ان كان ذلك قبل إمكان الاداء (فان قلنا) الامكان شرط الوجوب سقطت الزكاة (وان قلنا) شرط الضمان وعادت القيمة الي مائة فعلي الاصح يخرج درهمين ونصفا وعلي الثاني يخرج خمسة اقفزة وعلي الثالث يتخير بينهما وان كان بعد الامكان فعلي الاصح يخرج خمسة دراهم لان النقصان من ضمانه وعلي الثاني يخرج خمسة أقفزة ولا يضمن نقصان القيمة مع بقاء العين كالغاصب وعلي الثالث يتخير بينهما وان أخر فزادت القيمة وبلغت أربعمائة فان كان ذلك قبل الامكان وقلنا أنه شرط الوجوب فعلي الاصح يخرج عشرة دراهم وعلى الثاني خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم لان هذه الزيادة في ماله ومال المساكين وعن ابن ابي هريرة أنه يكفى علي هذا القول خمسة اقفزة قيمتها خمسة دراهم لان هذه الزيادة(6/69)
وهى محتسبة في الحول الثاني وعلى الثالث يتخير بين الامرين ولو أتلف الحنطة بعد وجوب الزكاة قيمتها ومائتا درهم ثم ارتفعت قيمتها فصارت اربعمائه فعلى الاصح يخرج خمسة دراهم فانها القيمة يوم الاتلاف وعلي الثاني يخرج خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم وعلي الثالث يتخير بينهما إذا عرفت ذلك: فالكلام بعده في ما يقوم به العرض ولا يخلو الحال أول ما ملك مال التجارة: إما أن يملكه بالنقد أو بغير النقد أو بهما (القسم الاول) أن يملكه بالنقد (فأما) أن يملكه بأحد النقدين أو بهما فان ملكه بأحد النقدين (فأما) أن يكون نصاب أو لا يكون فان كان نصابا كما لو اشتراه بمائتي درهم أو عشرين دينارا فيقوم في آخر الحول بذلك النقدين لان الحول مبني على حوله والزكاة واجبة فيه فان بلغ نصابا بذاك النقد أخرج زكاته والا فلا: وان كان الباقي غالب نقد البلد ولو قوم به لبلغ
نصابا بل لو اشترى بمائتي درهم عرضا وباعه بعشرين دينارا وقصد التجارة مستمرا فتم الحول والدنانير في يده ولا تبلغ قيمتها مائتي درهم فلا زكاة فيها هذا ظاهر المذهب وعن صاحب التقريب حكاية قول أن التقويم أبدا يقع بغالب نقد البلد ومنه يخرج الواجب سواء كان رأس المال نقدا أو غيره لانه أرفق بالمستحقين لسهولة التعامل به وحكى القاضي الروياني هذا عن ابن الحداد وقال أبو حنيفة واحمد يعتبر الاحظ للمساكين فنقوم به ولا غيره بما ملك به وان كان دون النصاب ففيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو إسحق أنه يقوم بغالب نقد البلد كما لو اشترى بعرض لانه لا زكاة فيه كما لا زكاة في العرض (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال ابن أبى هريرة أنه يقوم بذلك النقد ايضا لانه(6/70)
أصل ما في يده واقرب إليه من نقد البلد وموضع الوجهين ما إذا لم يملك من جنس النقد الذى ملك به ما يتم به النصاب فان ملك كما لو اشترى بمائة درهم عرضا للتجارة وهو يملك مائة اخرى فلا خلاف في ان التقويم بجنس ماملك به لانه اشترى ببعض ما انعقد عليه الحول وابتداء الحول من يوم ملك دراهم وان ملك بالنقدين جميعا فله ثلاثة احوال لانه اما ان يكون كل واحد منهما نصابا اولا يكون واحد منهما نضا يكون احدهما أو نصابا دون الآخر * واما في الحالة الاولي فيقوم بهما علي نسبة التقسيط يوم الملك وطريقه تقويم احد النقدين بالآخر يومئذ بانه اشترى بمائتي درهم وعشرين دينارا(6/71)
عروضا للتجارة فينظران كانت قيمة مائتي درهم عشرين دينارا فقد علمنا ان نصف العروض مشترى بالدراهم ونصفها بالدنانير وان كانت قيمتها عشرة دنانير فثلثها مشترى بالدراهم وثلثاها بالدنانير فهكذا تقوم في آخر الحول ولا يضم احدهما الي الآخر حتي لا تجب الزكاة إذا لم يبلغ واحد منهما نصابا وان كان بحيث لو قوم الجميع بأحد النقدين لبلغ نصابا وحول كل واحد من المبلغين من يوم ملك ذلك النقد * واما في الحالة الثانية (فان قلنا) ما دون النصاب كالعروض قوم الجميع بنقد البلد (وان قلنا) انه كالنصاب قوم ما ملكه بالدراهم وما ملكه بالدنانير * واما في الحالة الثالثة فيقوم(6/72)
ما ملكه بالنقد الذى هو نصاب بذلك النقد وما ملكه بالنقد الثاني فعلى الوجهين وكل واحد من المبلغين يقوم به في آخر حوله وحول المملوك بقدر النصاب من يوم ملك ذلك النقد وحول المملوك بالآخر من يوم ملك العروض وإذا اختلف جنس المقوم به فلا ضم كما سبق (القسم الثاني) ان يملكه بغير النقد كما لو ملك بعرض للقنية فيقوم في آخر الحول بآخر نقد البلد من الدراهم أو الدنانير ان بلغ به نصابا اخرج زكاته والا فلا شئ عليه وان كان يبلغ بغيره نصابا فان كان(6/73)
يجرى في البلد النقدان واحدهما اغلب فالتقويم به وان استويا نظر ان بلغ باحدهما نصابا دون الآخر قوم به وان بلغ بهما ففيه وجوه اربعة (احدها) ان المالك يتميز فيقوم بأيهما شاء ويخرج الزكاة ويحكي هذا عن ابى اسحق (والثانى) انه يراعي الاغبط للمساكين (والثالث) انه يتعين التقويم بالدراهم لانها ارفق واصلح لشراء المحقرات قال الرويانى وهذا اختيار ابن ابي هريرة (والرابع) انه يعتبر بالنقد الغالب في اقرب البلاد إليه لاستوائهما في ذلك البلد فصار كما لو لم يكن(6/74)
فيه نقد فهذا هو الترتيب المذكور في الكتاب وكذا أورده العراقيون والقاضي الرويانى وحكموا بأن الوجه الاول اصح وايراد الامام وصاحب التهذيب يقتضى ترجيح الثاني لانهما قالا إذا استويا ولم يغلب احدهما يقوم بالانفع للمساكين فان استويا فيه فحينئذ فيه الوجوه الثلاثة الباقية وما ذكراه يعتضد بان الاظهر في اجتماع الحقاق وبنات البون رعاية الاغبط وما ذكره غيرهما يعتضد لان الاظهر في الجبران ان الخيار في تعيين الشاتين والدراهم الي المعطى ويدخل في هذا(6/75)
القسم المملوك بالخلع والنكاح علي قصد التجارة إذا قلنا انه مال تجارة (القسم الثالث) انه يملك بالنقد وغيره معا كما لو اشترى بمائتي درهم وعرض قنية فما يقابل الدراهم يقوم بالدراهم وما يقابل العرض بنقد البلد فان كان النقد دون النصاب عاد الوجهان وكما يجزئ التقسيط عند اختلاف الجنس يجزئ عند اختلاف الصفة كما لو اشترى بنصاب من الدنانير بعضها صحيح وبعضها مكسر
وبينهما تفاوت يقوم ما يخص الصحاح بالصحاح وما يخص المكسرة بالمكسرة ولا يخفى عليك(6/76)
بعد هذا الشرح ان لفظ القيمة من قوله في الكتاب فهو ربع عشر القيمة فينبغي ان يكون معلما بالواو وقوله من النقد الذى كان رأس المال بالحاء والالف وقوله أو لم يكن بالواو وقوله فان غلب نقدان أي علي التساوى * قال (ولا يمتنع علي التاجر التجارة لعدم اخراج الزكاة وأما الاعتاق والهبة فهو كبيع المواشي بعد وجوب الزكاة فيها) *(6/77)
هل ينفذ بيع التاجر مال التجارة بعد تمام الحول ووجوب الزكاة فيها ذكر بعض الاصحاب أنه علي الخلاف في بيع سائر الاموال بعد وجوب الزكاة فيها وروى في النهاية عن بعضهم انا ان قلنا ان زكاة التجارة تؤدى من عين العروض فهو على ذلك الخلاف (وان قلنا) تؤدى من القيمة فالحكم فيه كالحكم في مالو وجبت شاة في خمس من الابل فباعها لان القيمة ليست من جنس(6/78)
العرض كالشاة ليست من جنس الابل والذى قطع به الجمهور وأورده في الكتاب أنه يجوز البيع ولا يخرج على ذلك الخلاف لان متعلق هذه الزكاة المالية والقيمة وهى لا تفوت بالبيع ولا فرق بين أن يبيع على قصد التجارة وهو الذي يتناوله لفظ الكتاب أو علي قصد اقتناء العرض فان متعلق الزكاة الواجبة لا يبطل وان صار مال قنية فهو كما لو نوى الاقتناء من غير بيع ولو أعتق عبد التجارة أو وهب مال التجارة فحكمه حكم مالو باع المواشى بعد وجوب الزكاة فيها لان الاعتاق والهبة يبطلان متعلق زكاة التجارة كما أن البيع يبطل متعلق زكاة العين ولو باع مال التجارة(6/79)
بمحاباة فقدر المحاباة كالموهوب فان لم نصحح الهبة وجب أن تبطل في ذلك القدر ويخرج في الباقي علي تفريق الصفقة والله أعلم *
قال (قاعدة يجب اخراح الفطرة (ح) عن عبد التجارة مع زكاة التجارة وان كان مال التجارة نصابا من السائمة غلب زكاة العين في قول لانه مقطوع به وغلب زكاة التجارة في قول لانه أرفق بالمساكين لعمومه فان غلبنا الزكاة ولم يكن المال نصابا باعتباره عدلنا الي الزكاة الاخرى في اظهر(6/80)
في أظهر الوجهين ولو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها وقلنا المغلب زكاة العين فالاظهر أنه يجب في السنة الاولي زكاة التجارة كيلا يحبط بعض حول التجارة) * غرض القاعدة الكلام فيما لو كان مال التجارة مما يجب في عينه الزكاة وافنتحها باجتماع الفطرة وزكاة التجارة فعندنا تجب فطرة عبيد التجارة مع اخراج الزكاة عن قيمتهم وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا تجب الفطرة به * لنا انهما حقان يجبان لسببين مختلفين فلا يتداخلان كالجزاء مع القيمة في الصيد المملوك ولو كان مال التجارة نصابا من السائمة فلا تجب فيه زكاة العين والتجارة جميعا وفيما تقدم منهما قولان (الجديد) وبه قال مالك انه تقدم زكاة العين لانها أقوى من جهة انها متفق عليها وفى زكاة التجارة نزاع لبعض أهل الظاهر وقد حكينا فيها عن القديم شيئا ضعيفا أيضا (والقديم) وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله أنه تقدم زكاة التجارة لانها أنفع للمساكين من حيث أنها تعم وتشمل أصناف الاموال وتزيد بزيادة القيمة وذكر القفال في شرح التلخيص أن له في القديم قولين (أحدهما) كالجديد (والثاني) تغليب زكاة التجارة ورأيت لابن الصباغ من العراقيين رواية مثل ذلك (فان قلنا) بالاصح وهو تقديم زكاة العين أخرج السن الواجبة من السائمة والسخال تضم إلى الامهات وان قدمنا زكاة التجارة فقد قال في التهذيب تقوم مع درها ونسلها وصوفها وما اتخد من لبنها وهذا جواب في النتاج علي انه مال تجارة وقد أسلفنا فيه خلافا ولا عبرة بنقصان النصاب في أثناء الحول تفريعا على الصحيح في وقت اعتبار نصاب التجارة ولو اشترى نصابا من السائمة للتجارة ثم اشترى بها عرضا بعد ستة أشهر مثلا فعلي القول الثاني لا ينقطع الحول وعلي الاول ينقطع ويبتدئ حول زكاة التجارة من يوم شراء العرض ثم القولان فيما إذا كمل نصاب الزكاتين واتفق الحولان أما إذا لم يكمل نصاب أحداهما كما إذا كان مال تجارته أربعين من
الغنم السائمة ولم تبلغ قيمتها نصابا عند تمام الحول أو تسعا وثلاثين فما دونها وبلغت قيمتها نصابا فعليه زكاة التى كمل نصابها دون الاخرى قولا واحدا هكذا ذكر العراقيون والقفال والجمهور وما في الكتاب يقتضى اثبات الخلاف فيه فانه قال فان غلبنا زكاة ولم يكن المال نصابا باعتباره عدلنا الي الزكاة الاخرى في أظهر الوجهين وكلام الامام يوافق ما ذكره فانه روى وجهين في وجوب زكاة(6/81)
العين إذا رأينا تقديم زكاة التجارة وكان مال تجارته أربعين من الغنم ولم يبلغ قيمتها نصابا في آخر الحول وعلي عكسه كما لو رأينا تقديم زكاة العين وقد اشترى أربعين فنقص العدد وقيمة الباقي نصاب من النقد روى وجهين في وجوب زكاة التجارة وساعدهما صاحب التهذيب في حكاية الخلاف في الصورة الاولي دون الثانية سواء ثبت الخلاف أم لا فالجواب في المسألة العدول الي الزكاة الاخرى لانقطاع زحمة الاولي وإذا غلبنا زكاة العين في نصاب السائمة وانتقصت في خلال السنة عن النصاب ونقلتاه الي زكاة التجارة فهل يبنى حول زكاة التجارة علي حول زكاة العين أم يستأنف لها حولا فيه وجهان حكاهما القفال في الشرح قال وهما كالوجهين فيما لو ملك نصابا من السائمة لا للتجارة واشترى به سلعة للتجارة هل يبني حول السلعة علي حول الماشية وإذا أوجبنا زكاة التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن قدر النصاب ثم بلغت بالنتاج في أثناء الحول نصابا ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول فقد حكي صاحب التهذيب عن بعض الاصحاب أنه لا زكاة عليه لان الحول انعقد علي زكاة التجارة فلا يتبدل وعن بعضهم انه ينتقل الي زكاة العين فعلي هذا يعتبر الحول من تمام النصاب بالنتاج أو من وقت نقصان القيمة عن النصاب فيه وجهان وأما إذا كمل نصاب الزكاتين ولم يتفق الحولان وهذا في السوائم انما يكون بسبق حول زكاة التجارة بأن يشترى بمتاع تجارته بعد ستة أشهر نصابا من السائمة أو يشترى معلوفة للتجارة ثم يسيمها بعد ستة أشهر ولا يتصور سبق حول زكاة العين فيها لان حولها ينقطع بالمبادلة فإذا تصور ذلك ففيه طريقان (اظهرهما) وبه قال القاضى أبو حامد أنه علي القولين في أنه يقدم هذه الزكاة أم هذه الزكاة (والثانى) وبه قال أبو إسحق واختاره القاضي أبو الطيب ان القولين مخصوصان بما إذا اتفق الحولان وذلك بأن يشترى بعروض القنية نصابا من السائمة للتجارة فاما إذا لم يتفقا فلا جريان للقولين وعلي هذا فما الحكم
نقل الامام رضي الله عنه في طريقين (احدهما) ان المتأخر يرفع المتقدم ويتجرد قولا واحدا (والثانى) ان المتقدم يرفع المتأخر وعليه زكاة التجارة في الصورة المفروضة قولا واحدا لان التي تم حولها خالية عن زحمة الغير فتجب وهذا هو الاشهر الذى نقله فقول المعظم تفريعا على طريقة ابي اسحق وإذا طردنا القولين فيما إذا تقدم حول التجارة فان غلبنا زكاة التجارة فلا كلام وان غلبنا زكاة العين فوجهان (أحدهما) انها تجب عند تمام حولها وما سبق من حول التجارة علي حول زكاة العين يتعطل (واظهرهما) أنه يجب عليه زكاة التجارة عند تمام حولها كيلا يحبط بعض حولها ثم يستفتح حول زكاة العين من منقرض(6/82)
حولها وتجب هي في سائر الاحوال وقوله وقلنا المغلب زكاة العين جواب علي طريقة طرد القولين مع اختلاف الحولين ولك ان تعلمة بالواو وتشير به الي الطريقة الثانية للخلاف هذا تمام القول فيما إذا كان مال التجارة نصابا من السائمة * قال (ولو اشترى حديقة للتجارة فاثمرت وقلنا الثمرة مال التجارة أو اشترى الثمار قبل الصلاح فبدا الصلاح في يده وغلبنا زكاة العين فالعشر المخرج لا يمنع من انعقاد حول التجارة على الثمار بعد القطاف وهل تسقط زكاة التجارة عن الاشجار والاراضي فيه ثلاثة أوجه منشؤها التردد في التبعية (وفى الثالث) يتبع الشجرة دون الارض ولو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر القنية فحق الزرع العشر ولا تسقط زكاة التجارة عن الارض لان التجارة لم توجد في متعلق العشر حتى يستتبع غيره) * الفصل ينظم صورتين (أحداها) لو اشترى حديقة أو نخيلا للتجارة فأثمرت أو أرضا مزروعة للتجارة فأدرك الزرع وبلغ الحاصل نصابا فالقولان في أن الواجب زكاة العين أو زكاة التجارة مطردان فان لم يكمل أحد النصابين أو كملا ولم يتفق الحولان استمر التفصيل الذى سبق وههنا كما يتصور سبق حول التجارة يتصور سبق زكاة العين بان يبدو الصلاح في الثمار قبل تمام حول التجارة ثم هذا الذى ذكرناه فيما إذا كانت الثمرة حاصلة عند الشراء وبدو الصلاح في يده اما إذا طلعت بعد الشراء فيزداد هذا النظر الي شئ آخر وهو ان الثمرة الحادثة من أشجار
التجارة هل تكون مال التجارة وفيه وجهان اسلفنا ذكرهما (فان قلنا) نعم فهي كما لو كانت حاصلة عند الشرى وتنزل منزلة زيادة متصلة أو ارباح متجددة في قيمة العروض ولا ينزل منزلة ربح ينض حتي يكون حولها على الخلاف الذى سبق فيه (وان قلنا) انها ليست مال تجارة فقضيته وجوب زكاة العين فيها بلا خلاف وتخصيص زكاة التجارة بالارض والاشجار (التفريع) ان غلبنا زكاة العين اخرج العشر أو نصف العشر من الثمار أو الزروع وهل تسقط به زكاة التجارة عن قيمة جذع النخيل وتبن الزرع فيه وجهان (احدهما) نعم الان المقصود الثمار والزروع وقد اخذنا زكاتها (واظهرهما) لا لانه ليس فيها زكاة العين فلا تسقط عنها زكاة التجارة ويحكى الوجه الثاني عن ابن سريج وابي اسحق وفى ارض الحديقة وارض الزرع طريقان (احدهما) ان في زكاة التجارة في قيمتها وجهين كما في الجذع والتبن (والثانى القطع بالوجوب والفرق بعد الاراضي عن التبعية فان الثمار والحبوب(6/83)
خارجة عن عين الشجرة والتبن وهما خارجتان مما اودع في الارض لا من نفس الارض قال الامام وينبغي ان يعتبر ذلك بما يدخل من الاراضي المتخللة بين النخيل في المساقاة وما لا يدخل فما لا يدخل تجب فيه زكاة التجارة قطعا وما يدخل فهو علي الخلاف والله اعلم فان اوجبنا زكاة التجارة في هذه الاشياء فلم تبلغ قيمتها نصابا فهل تضم قيمة الثمرة والحب إليها لتكميل النصاب نقلوا فيه وجهين وعلي هذا القول لا يسقط اعتبار التجارة في المستقبل بالكلية بل تجب زكاة التجارة في الاحول الاتية ويكون افتتاح حول التجارة من وقت اخراج العشر لا من وقت بدو الصلاح وان كان ذلك وقت الوجوب لان عليه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين فلا يجوز ان يكون زمان التربية محسوبا عليه ذكره في النهاية وان غلبنا زكاة التجارة قومت الثمرة والجذع وفى الزرع الحب والتبن وتقوم الارض ايضا في صورة الحديقة وفيما إذا اشترى الارض مزروعة للتجارة ولا فرق بين ان يشتريها مزروعة للتجارة وبين ان يشترى ارضا للتجارة وبذارا للتجارة ويزرعها به في جميع ما ذكرنا ولو اشترى الثمار وحدها وبدا الصلاح في يده جرى القولان في انه يخرج العشر ام زكاة التجارة (والثانية) لو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر للقنية فعليه العشر في الزرع وزكاة التجارة في الارض بلا خلاف ولا تسقط زكاة التجارة عن
الارض باداء العشر قولا واحدا لان التجارة لم توجد في متعلق العشر حتي يستتبع غيره (وأما) لفظ الكتاب (فقوله) في صورة شرى الحديقة وقلنا الثمرة مال تجارة أشار به الي الوجهين في أن ثمار أشجار التجارة هل تكون مال تجارة وانما يقطع النظر اليهما إذا حدثت الثمار بعد الشرى علي ما بيناه (وقوله) أو اشترى الثمار هو صورة شرى الثمار وحدها وانما يعتبر بدو الصلاح في يده لانه وقت وجوب العشر وبتقدير تقدمه على الشرى فالواجب زكاة التجارة قولا واحدا (وقوله) فالعشر المخرج لا يمنع من انعقاد حول التجارة علي الثمار بعد القطاف معناه ما ذكرناه انه لا يسقط علي قول تقديم زكاة العين اعتبار التجارة في الاحوال المستقبلة وقوله وهل تسقط زكاة التجارة عن الاشجار والارض يرجع الي صورة الحديقة دون الصورة وهو شرى مجرد الثمار (وقوله) فيه ثلاثة أوجه يجوز أن يعلم بالواو لان اثبات الوجوه الثلاثة انما ينتظم علي قول من اثبت الخلاف في الاراضي وقد نقلنا طريقة قاطعة بأنها لا تتبع * قال (فصل إذا قلنا ان العامل لا يملك الربح بالظهور وجب زكاة الجميع (و) علي المالك وان قلنا يملك وجب علي العامل في حصته بحول الاصل علي وجه لانه ربح وبحول مستفتح من وقت(6/84)
الظهور علي وجه لانه في حقه أصل وفيه وجه انه لا زكاة عليه لانه لا يستقل بالتصرف فاشبه المغصوب ثم ان قلنا يجب فهل تستبد باخراجه فيه خلاف يلتفت علي أن الزكاة كالمؤن أو كاسترداد طائفة من المال وعليه ينبني أن ما يخرجه المالك من الزكاة يحتسب من الربح أو من رأس المال) * بناء الفصل علي أن عامل القراض هل يملك القدر المشروط له من الربح بمجرد الظهور أولا يملك الا بالقسمة وفيه قولان (أصحهما) الثاني وسيأتي شرحهما في كتاب القراض إذا عرفت ذلك فالرجل إذا دفع الي غيره نقدا قراضا وحال الحول وفيه ربح فلا يخلوا ما أن لا يكون واحد منهما من أهل وجوب الزكاة كالذمي والمكاتب أو يكونا جميعا من أهله أو يكون أحدهما من أهله دون الثاني (اما) الحالة الاولي فلا يخفى حكمها (وأما) الثانية فكلام الكتاب مقصور عليها (فان قلنا) العامل
لا يملك الربح بالظهور فزكاة رأس المال والربح كله على المالك لان الكل ملكه هكذا قاله الجمهور ورأى الامام تخريج الوجوب في نصيب العامل علي الخلاف في المغصوب والمجحود والاملاك الضعيفة لتأكد حق العامل في حصته وتعذر ابطاله علي المالك وحول الربح مبنى علي حول الاصل الا إذا رد الي النصوص ففيه الخلاف الذى تقدم ثم أن أخرج الزكاة من مال آخر فذاك وان اخرج من هذا المال ففى حكم المخرج وجهان (أحدهما) أنه محسوب من الربح كالمؤن التي تلزم المال من أجرة الدلال والكيال وكما ان فطرة عبيد التجارة تحسب من الربح وكذا ارش جنايتهم وهذا أظهر عند الكثيرين ويحكى عن نصه في الام (والثانى) أنه كطائفة من المال يستردها المالك لانه مصروف الي حق لزمه فعلى هذا يكون المخرج من رأس المال والربح جميعا علي قضية التقسط (مثاله) رأس المال مائة والربح خمسون يكون ثلثا المخرج من رأس المال وثلثه من الربح قال في التهذيب والوجهان مبنيان على أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة ان قلنا بالاول فهو كالمؤن والا فكاسترداد طائفة من المال وروى الامام هذا البناء عن بعضهم لكن مع ترتيب ان قلنا بتعلقها بالعين فهو كالمؤن بلا خلاف والا ففيه الخلاف ثم انه لم يرتض هذا البناء ولم يستبعد طرد الوجهين تعلقت الزكاة بالعين أو بالذمة وفى المسألة وجه ثالث أن المخرج من رأس المال خاصة لان الواجب لزمه خاصه وهذا اظهر عند القاضي الروياني وقوم رحمهم الله وان قلنا العامل يملك الربح بالظهور فعلى المالك زكاة رأس المال ونصيبه من الربح وهل علي العامل زكاة نصيبه فيه طرق (احدها) ويحكى(6/85)
عن صاحب التقريب انه على القولين في المغصوب ونظائره لانه لا يتمكن من التصرف على حسب مشيئته (والثاني) القطع بالوجوب لانه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالاستقسام فاشبه الدين الحال علي الملئ (والثالث) ويحكى عن القفال القطع بالمنع لان ملكه غير مستقر من حيث انه وقاية لرأس المال عن الخسران فصار كملك المكاتب فان اوجبنا وهو الظاهر سواء اثبتنا الخلاف ام لا فالكلام في امور (أحدها) حول حصته من الربح هل هو حول رأس المال فيه وجهان (احدهما) نعم كحصة المالك منه لانهما جميعا مستفيدان للربح من رأس مال (واصحهما) لا لانه في حقه اصل واقع
في مقابلة عمله ولا عهد بضم ملك الغير الي الغير في الحول وعلى هذا فمن متي يبتدأ الحول فيه ثلاثة اوجه (اصحها) وهو نصه في المختصر انه من يوم الظهور لثبوت ملكه من يومثذ (والثانى) من يوم يقوم المال علي المالك لاخذ الزكاة (والثالث) من يوم القسمة لان ملكه حينئذ يستقر (الثاني) إذا تم حوله ونصيبه لا يبلغ نصابا ومجموع المال نصاب فان اثبتنا الخلطة في النقدين فعليه الزكاة والا فلا الا أن يكون له من جنسه ما يتم به النصاب وهذا إذا لم نجعل ابتداء الحول من يوم المقاسمة فان حسبناه من المقاسمة سقط النظر الي قولي الخلطة (الثالث) لا يلزمه اخراج الزكاة قبل القسمة لانه لا يعلم سلامة نصيبه له الا إذا تقاسمها وحينئذ يزكيه لما مضي كالدين إذا استوفاه هذا هو الاظهر ونفى ابن عبدان الخلاف فيه وفيه وجه آخر انه يجب الاخراج في الحال لتمكنه من الاستقسام فاشبه الوديعة عند الغير ويحكى هذا عن صاحب التقريب (والرابع) ان اخرج الزكاة من موضع آخر فذاك وان أراد اخراجها من مال القراض فهل يستبد به أم للمالك منعه فيه وجهان (أظهرهما) أنه يستبد وذكر الرويانى أنه المنصوص (والثانى) ولم يرد الصيد لانى غيره انه لا يستبد وللمالك منعه لان الربح وقاية لرأس المال عن الخسران فله أن يمنعه من التصرف فيه حتى يسلم إليه رأس المال قال الامام ويمكن تخريجها على ما ذكرنا من أن الزكاة مؤنة أو استرداد طائفة (ان قلنا) بالاول فله اخراجها منه استبداد (وان قلنا) بالثاني فلا ولك تقول انما أن يحسن أخذ الوجهين من هذا المأخذ إذا اثبتنا الخلاف في كون الزكاة مؤنة أو استرداد طائفة على الاطلاق لكن أومأ الصيدلاني الي تخصيص ذلك الخلاف بزكاة مؤنة أو استرداد طائفة على الاطلاق لكن أومأ الصيدلاني الي تخصيص ذلك الخلاف بزكاة جميع المال إذا أخرجها المالك تفريعا علي القول الاول فاما ما يخرجه من المال لزكاة رأس المال من نصيبه من الربح فهو كاسترداد طائفة ولا يتجه فيه الوجهان لان العامل قد اختص بالتزام ما يخصه فكيف يحسب من الربح ما يخص المالك وقد صرح الامام بهذا الذى أومأ إليه الشيخ الصيدلانى فكان من(6/86)
حقه أن يقول باخذ الوجهين من المأخذ المذكور أولا يقول بتخصيص الوجهين بالقول الاول والله أعلم (الحالة الثالثة) أن يكون أحدهما من أهل وجوب الزكاة دون الاخر فان كان الذى هو من
أهل الوجوب منهما المالك وفرعنا على أن الكل له ما لم يقسم فعليه زكاة الكل وان فرعنا علي القول الآخر فعليه زكاة رأس المال ونصيبه من الربح ولا شئ علي العامل ولا يكمل بمال المالك ان لم يبلغ نصابا بنصيب العامل وان كان العامل من أهل الوجوب دون المالك (فان قلنا) كل المال للمالك قبل القسمة فلا زكاة وان قلنا للعامل حصته من الربح ففى الزكاة عليه الخلاف الذى سبق في الحالة الاولى فان أوجبنا الزكاة فذلك أذا بلغت حصته نصابا أو كان له ما يتم به النصاب وتثبت الخلطة ههنا بلا خلاف ولا تجئ في اعتبار ابتداء الحول ههنا الا الوجه الاول والثالث ويسقط الثاني لانه لا تقويم على من لا زكاة عليه وليس له اخراج الزكاة من عين المال ههنا بلا خلاف لان المالك لم يدخل في العقد علي أن يخرج من المال الزكاة هكذا ذكروه ولمانع أن يمنع ذلك لانه عامل من عليه الزكاة وعد بعد هذا الي لفظ الكتاب واعلم قوله لا يملك الربح بالظهور بالحاء لان مذهب أبي حنيفة رحمه الله مثل القول الثاني وقوله وجب زكاة الجميع على المالك بالواو لما حكيناه عن الامام قدس الله روحه وقوله بعد ذلك يملك بالزاى لان مذهب المزني رحمه الله مثل القول الاول ولا يخفى عليك ان قوله لا يملك الربح بالظهور أراد به حصته من الربح ففيه الخلاف ولك أن تعلم قوله من وقت الظهور بالواو اشارة الي وجهين ذكرناهما في ابتداء الحول فانهما لا يعتبران وقت الظهور وان ساعد هذا الوجه علي اعتبار حول مستفتح وقوله وفيه وجه أنه لا زكاة عليه هو مقابل لقوله أولا وجب علي العامل في حصته ثم الحكم المذكور في هذا الوجه ليس له تعرض للخلاف لكن التعليل والتشبيه بالمغصوب يبين انه قصد به حكاية طريقة القولين فكأنه قال وفيه وجه أنه لا زكاة عليه علي أحد القولين وقد تسمي طرق الاصحاب وجوها (وقوله) يلتفت إلى أن الزكاة كالمؤن إلى آخره اتباع منه للمأخذ الذى ذكره الامام وقوله وعليه ينبنى انما يخرجه المالك من الزكاة الي آخره يقتضى اطلاقه اثبات الخلاف فيما يخرجه المالك علي القولين لكن ما نقلنا عن الصيدلاني والامام ينازع فيه وتخصيص الخلاف بالقول الاول وقوله أو من رأس المال لم يعن به الاحتساب من رأس المال فحسب وان نقلها من قبل وجها أنه كذلك يحتسب وانما أراد من رأس المال والربح جميعا لانه بني هذا الخلاف في أنها كالمؤن أو كاسترداد طائفة من المال واسترداد طائفة من المال يتوزع
علي رأس المال والربح ولا يختص برأس المال *(6/87)
قال (النوع الخامس زكاة المعادن والركاز وفيه فصلان (الاول) في المعادن فكل حر مسلم نال نصابا من النقدين (ح و) من المعادن فعليه ربع العشر في قول والخمس في قول تشبيها بالركاز وفى قول ثالث يلزمه الخمس ان كان ما ناله كثيرا بالاضافة الي عمله وان لم يكثر فربع العشر وفيه قول ان النصاب لا يعتبر (م) والصحيح ان الحول لا يعتبر) * من أنواع الزكاة ما يخرج من الاموال الكامنة في الارض إذا نالها الانسان وعده في أنواع الزكاة يتفرع علي المذهب في أن مصرفه مصرف سائر الزكوات وفيه وجه يأتي في موضعه ان مصرفه مصرف الفئ فعلي ذلك الوجه لا يتضح عده من الزكوات ثم الاموال الكامنة في الارض اما مخلوقة فيها وهى المعدن والفصل الاول معقود له واما مدفونة فيها وهي الركاز والفصل الثاني معقود له والاصل في زكاة المعدن بعد الاجماع قوله تعالى (وانفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض) ومما أخرج لنا من الارض المعادن وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أقطع بلال ابن الحرث المزني المعادن القبلية وأخذ منها الزكاة) وفقه الفصل الذى أخذنا في شرحه مسائل (أحداها) لا زكاة في المستخرج من المعادن الا في الذهب والفضة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث أوجب في كل جوهر ينطبع ويصبر علي المطرقة كالحديد والنحاس دون ما لا ينطبع كالكحل والفيروزج والياقوت ولاحمد حيث قال يجب في كل مستفاد من المعدن منطبعا كان أو غير منطبع وحكي الشيخ ابو علي في شرح التلخيص وجها مثله عن بعض الاصحاب * لنا مع أبى حنيفة القياس علي غير المنطبعات ومع احمد على الطين(6/88)
الاحمر وأيضا فقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في حجر) (الثانية) في واجب النقدين المستخرجين من المعدن ثلاثة أقوال (أصحها) ان الواجب فيها ربع العشر وبه قال احمد لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (في الرقة ربع العشر) وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في الركاز الخمس وفي المعدن الصدقة) (والثاني) وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن المزني أيضا أن الواجب الخمس لما روى
انه صلي الله عليه وسلم قال (وفى الركاز الخمس قيل يا رسول الله وما الركاز قال هو الذهب والفضة المخلوقان في الارض يوم خلق الله السموات والارض) (والثالث) أن ما ناله من غير تعب ومؤنة فيه الخمس وما ناله بالتعب والمؤنة ففيه ربع العشر جمعا بين الاخبار وأيضا فان الواجب يزداد بقلة المؤنة وينقص بكثرتها ألا ترى أن الامر كذلك في المسقى بماء السماء والمسقى بالنضح وعن مالك روايتان (أحداهما) كالقول الاول (وأشهرهما) كالثالث ثم الذي اعتمده الاكثرون في ضبط
__________
كذا بالاصل فحرر(6/89)
الفرق علي هذا القول النظر إلى الحاجة إلي الطحن والمعالجة بالنار والاستغناء عنهما فما يحتاج إلي الطحن والمعالجة ففيه ربع العشر وما يستغني عنهما ويؤخذ مجموعا خالصا ففيه الخمس ولم ينظروا إلي قلة الموجود وكثرته وحكى الامام مع هذا طريقه أخرى وهى عد الاحتفار من جملة العمل المعتبر والنظر إلي نسبة النيل إلى العمل أي عمل كان من الحفر والطحن وغيرهما فان عد كثيرا بالاضافة الي العمل أو مقتصدا ففيه ربع العشر وان عد كثيرا ففيه الخمس وأوضحهما بالتصوير فقال: لو استفاد الي قريب من آخر النهار دينارا وبعمل قليل في بقية النهار دينارا ففى الاول ربع العشر وفى الثاني الخمس ولو عمل طول اليوم ولم يجد شيئا ثم وجد في آخر النهار دينارين وكان المعتاد المقتصد في اليوم دينارا فينبغي ان يحط دينارا فنوجب فيه ربع العشر وفى الزيادة الخمس ويحتمل أن يقال فيهما الخمس والزمان الاول قد حبط والاحتمال الاول هو الذى أورده المصنف في الوسيط واستحسن القفال الا يطلق في المسألة ثلاثة أقوال بل يرتب فيقال ما استخرج بتعب ومؤنة فواجبه الخمس أو ربع العشر فيه قولان (ان قلنا) بالثاني ففيما وجد من غير تعب أولي (وان قلنا) بالاول ففيه قولان والفرق ما قد تبين (الثالثة) يتفرع علي الخلاف في قدر الواجب اعتبار(6/90)
النصاب والحول فان أوجبنا ربع العشر فلابد من النصاب كالنقدين من غير المعادن وفى الحول قولان (أصحهما) أنه لا يشترط بل تجب الزكاة في الحال كالثمار والزروع وبهذا قال مالك وأبو حنيفة
وأحمد رحمهم الله وهو المنصوص عليه في أكثر كتب الشافعي رضي الله عنه قديمها وحديثها (والثانى) أنه يشترط ولا يجب شئ حتي يتم عليه الحول كما في النقدين من غير المعادن وهذا القول ينقل عن مختصر البويطي ايماء ورواه المزني في المختصر عمن يثق به عن الشافعي رضى الله عنه واختاره وذكر بعض(6/91)
الشارحين أن أخته روت له ذلك عن الشافعي رضي الله عنه فلم يحب تسميتها وان أوجبنا الخمس فلا يعتبر الحول وفى النصاب قولان (أحدهما) لا يعتبر وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لانه مال يجب تخميسه فلا يعتبر فيه نصاب كالفئ والغنيمة (والثاني) يعتبر لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس عليكم في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا) وكيفما كان فالظاهر من المذهب اعتبار النصاب وعدم اعتبار الحول والمعنى فيه ان النصاب انما اعتبر ليبلغ المال مبلغا يحتمل المواساة والحول انما اعتبر ليتمكن من تنمية المال وتثميره والمستخرج من المعدن نماء في نفسه ولهذا اعتبرنا النصاب في الثمار والزروع ولم نعتبر الحول والله اعلم (وقوله) في الكتاب كل حر مسلم التعرض للحرية والاسلام كالمفروغ عنه ههنا لانا عرفنا اعتبار الصفتين في المالك في جميع الزكوات والاكتفاء بهما للوجوب(6/92)
بما ذكره في أركان الوجوب وان كان في ترتيب الكتاب اضطراب على ما بينه في أول كتاب الزكاة ويجئ مثل هذا الكلام في قوله في أول زكاة المعشرات إذا كان مالكه حرا مسلما ومن قوله النقدين قصد به الاحتراز عن المستخرج من المعادن مما سوى النقدين فليكن معلما بالحاء والالف والواو لما سبق (وقوله) ربع العشر معلم بالحاء والزاى (وقوله) الخمس بالالف والميم لما سبق (وقوله) وفيه قول أن النصاب لا يعتبر ينبغى أن يعلم كلمة لا يعتبر بالميم والالف لانهما يعتبران النصاب كما هو الاصح عندنا (وقوله) والصحيح أن الحول لا يعتبر يجوز أن يعلم بالواو لانه إثبات للخلاف فيه كما نقلناه لكن ابن عبدان حكى طريقة قاطعة بعدم الاعتبار ولم يثبت ما رواه المزني لارساله ولو اعلمت قوله لا يعتبر بالزاى لما ذكرنا من اختيار المزني جاز * قال (ثم علي اعتبار النصاب ما يجد شيئا فشيئا يضم بعضه الي بعض كما يتلاحق من الثمار
ولكن الجامع ههنا اتصال العمل فان أعرض لاصلاح آلة لم ينقطع وان كان للانتقال إلي حرفة أخرى انقطع وإن كان لمرض أو سفر فوجهان وكذلك يكمل النيل (و) بما يملكه من النقدين لا من جهة المعادن وبما يملكه من أموال التجارة حتي تجب الزكاة في قدر النيل بحسابه وان لم تجب فيما كمل به لعدم الحول فيه فان زكاة المعدن والنقدين والتجارة متشابهة في اتحاد المتعلق فيكمل بعضها بالبعض) * مضمون الفصل مسألتان مفرعتان علي اشتراط النصاب (إحداهما) ليس من الشرط أن ينال في الدفعة الواحدة نصابا بل ما ناله بدفعات يضم بعضها إلي بعض في الجملة لان المستخرج من المعدن هكذا ينال غالبا فأشبه تلاحق الثمار لكن الضابط في ضم الثمار بعضها إلى بعض كونها ثمار سنة واحدة وههنا ينظر الي العمل(6/93)
والنيل وان تتابع العمل وتواصل النيل ثبت الضم قال في التهذيب ولا يشترط بقاء ما استخرج في ملكه وان تتابع العمل ولكن لم يتواصل النيل بل حفد المعدن زمانا ثم عاد النيل فان كان زمان الانقطاع يسيرا لم يقدح في الضم وان طال فقد قال في النهاية في الضم وجهان وقال الجمهور فيه قولان (الجديد) الضم لان المعدن كثيرا ما يعرض له ذلك فلو لم يضم بطل زكاة المعدن في كثير من الاحوال (والقديم) وبه قال مالك انه لا يضم كما لو قطع العمل وكحملي سنتين وأن قطع العمل مع تواصل النيل ثم عاد إليه(6/94)
نظر إن كان القطع بغير عذر عارض فلا ضم طال الزمن أو قصر لانه أعرض عن هذا النوع من الاكتساب واشتغل بحرفة أخرى فما يناله بعد العود شئ جديد وان قطع لعذر فالضم ثابت ان قصر الزمان وان طال فكذلك عند الاكثرين لانه عاكف علي العمل متي ارتفع العذر وحكي الصيدلاني وغيره وجها أنه لا ضم عند طول الزمان وفى حد الطول وجهان نقلهما القاضى الروياني (احدهما) انه ثلاثة أيام (والثاني) يوم كامل لان العادة العمل كل يوم وترك نوبة كاملة فصل طويل والاصح فيه وفى نظائره تحكيم العرف ثم اصلاح الآلات وهرب العبيد والاجراء من الاعذار بلا خلاف وفى المرض والسفر وجهان مرويان في النهاية (أحدهما) انهما يمنعان الضم بحصول صورة الانقطاع مع أنهما قديمتدان
(واصحهما) انهما لا يمنعان كسائر الاعذار وهذا ما نص عليه في المرض ولم يذكر الاكثرون غيره وينبغي أن يكون السفر مرتبا علي المرض ومتى حكمنا بعدم الضم فذلك علي معنى أن الاول لا يضم إلى الثاني في وجوب حق المعدن فاما الثاني فيكمل بالاول كما يكمل بما يملكه لا من جهة المعادن علي ما سيأتي بيانه (وقوله) في الكتاب ولكن الجامع ههنا اتصال العمل قصر للنظر علي العمل(6/95)
واعراض عن تواصل النيل وانما يستمر ذلك جوابا علي الجديد وهو ان انقطاع النيل لا أثر له مع اتصال العمل فيجوز أن يعلم بالميم والواو اشارة إلى القديم ومذهب مالك (المسألة الثانية) إذا نال من المعدن ما دون النصاب وهو يملك من جنسه نصابا أو زائدا عليه فاما أن يناله في آخر جزء من حول ما عنده أو بعد تمام حوله أو قبله فاما في الحالتين الاوليين فيصير النيل مضموما الي ما عنده وعليه في ذلك النقد حقه وفيما ناله حقه علي اختلاف الاحوال فيه لانهما من جنس واحد والوجوب ثابت فيهما جميعا وأما إذا ناله قبل تمام الحول فلا شئ فيما عنده حتي يتم حوله وفى وجوب حق المعدن فيما ناله وجهان (أصحهما) وبه أجاب ابن الحداد واختاره القاضي ابو الطيب وهو ظاهر نصه في الام انه يجب لان زكاة النقدين لا من جهة المعادن مع زكاتهما من جهة المعادن متشابهتان في اتحاد المتعلق على ما سبق ذكر نظيره في زكاة التجارة (والثاني) وبه قال الشيخ ابو حامد أنه لا يجب لانه لا زكاة فيما عنده حتى يصلح لاستتباع غيره فعلي هذا فيما عنده ربع العشر عند تمام حوله وفيما ناله ربع العشر عند تمام حوله وان كان يملك من جنسه دون النصاب كما لو كان يملك مائة درهم فنال من المعدن مائة نظر إن نال بعد تمام حول علي ما عنده ففي وجوب حق المعدن فيما ناله الوجهان لانه لا زكاة فيما عنده(6/96)
لنقصانه عن النصاب فعلى الاول يجب فيما عنده ربع العشر إذا مضي حول من يوم كمل النصاب بالنيل وعلي الثاني لا يجب شئ حتي يمضي حول من يوم النيل فيجب في الجميع ربع العشر وعن صاحب الافصاح وجه أنه يجب فيما ناله حقه وفيما كان عنده ربع العشر في الحال لانه كمل بالنيل والحول قد مضى عليه والنيل بمثابة ما حال عليه الحول من الاموال وان ناله قبل ان يمضى حول علي(6/97)
المائة فلا مساغ لوجه صاحب الافصاح ويجرى الوجهان الاولان وهذا التفصيل مذكور في بعض طرق العراقيين وقد نقل معظمه الشيخ ابو على ورأيت الامام نسبه إلى السهو فيه وقال إذا كان ما ملكه دون النصاب فلا ينعقد عليه حول حتى يفرض له وسط آخر أو يحكم بوجوب الزكاة فيه يوم النيل ولا شك في بعد القول بوجوب الزكاة فيه يوم النيل(6/98)
لان الشيخ لم يتفرد بهذا النقل ولا صار إليه حتي يعترض عليه وانما نقله متعجبا منه منكرا ولو كان ما عنده مال تجارة انتظمت فيه الاحوال الثلاث وان كان دون النصاب فلا اشكال لان الحول ينعقد عليه ولا يعتبر النصاب الا في آخر الحول على الصحيح فان نال من المعدن في آخر حول التجارة ففيه حق المعدن وفى مال التجارة زكاة التجارة ان كان قدر النصاب وكذلك ان كان دونه واكتفينا بالنصاب في آخر الحول وان نال قبل تمام الحول ففى وجوب حق المعدن الوجهان السابقان وإن نال بعد تمام الحول نظر ان كان مال التجارة نصابا في آخر الحول ففى النيل حق المعدن لا نضمامه الي ما وجب فيه الزكاة وان لم يكن نصابا ونال بعد ما مضى شهر من الحول الثاني مثلا يبنى ذلك على الخلاف في ان سلعة التجارة إذا قومت في آخر الحول ولم تبلغ نصابا ثم ارتفعت القيمة بعد شهر هل يجب فيها الزكاة أم ترتقب آخر الحول الثاني (ان قلنا) بالاول فتجب زكاة التجارة في مال التجارة وحينئذ يجب حق المعدن في النيل بلا خلاف (وإن قلنا) بالثاني ففى وجوب حق(6/99)
المعدن الوجهان (واعلم) أن جميع ما ذكرناه مفرع علي الصحيح في أن الحول ليس بشرط في زكاة المعدن فان شرطناه انعقد الحول عليه من يوم وجده وقوله في الكتاب حتى تجب الزكاة في قدر النيل معلم بالواو للوجه المنسوب إلى الشيخ أبى حامد وشهره الامام برواية الشيخ أبي على (وقوله) لعدم الحول فيه تمثيل وفى معناه ما إذا كان الذى عنده دون النصاب فانه لا تجب فيه الزكاة الا علي ما حكى عن صاحب الافصاح (وقوله) قبل ذلك بما يملكه من النقدين لا من جهة المعادن ثم الحكم
غير مخصوص بما إذا كان يملكه لا من جهة المعادن بل لو نال من المعدن ما دون النصاب وحدث ما يمنع الضم ثم نال قدرا آخر يبلغ مع الاول نصابا كان حكمه حكم مالو كان الاول لا من جهة المعادن فيجب في الآخر حق المعدن علي الاصح ولا يجب في الاول لكن ينعقد الحول عليه من يوم تم النصاب للمستقبل إلا أن ينقص المبلغ عن النصاب باخراج حق المعدن والله أعلم * قال (وللمسلم أن يزعج الذمي من معادن دار الاسلام ولكن ما ناله قبل الازعاج يملكه ولا زكاة عليه الا إذا قلنا على وجه بعيدان مصرفه الفئ علي قولنا واجبه الخمس فإذ ذاك يؤخذ من الذمي) *(6/100)
الذمي لا يمكن من احتفار معادن دار الاسلام والاخذ منها كما لا يمكن من الاحياء في دار الاسلام لان الدار للمسلمين وهو دخيل فيها لكن ما أخذه قبل الازعاج يملكه كما لو استولى علي الحطب والحشيش وهل عليه حق المعدن ينبي علي ان مصرف حق المعدن ماذا ولاشك أن مصرفه مصرف الزكاة ان اوجبنا فيه ربع العشر وان اوجبنا فيه الخمس فطريقان حكاهما الشيخ ابو علي وغيره (احدهما) ان في مصرفه قولين (احدهما) مصرفه مصرف خمس الفئ والغنيمة لانه مال مخمس مثلهما وبهذا قال ابو حنيفة (واصحهما) ان مصرفه مصرف الزكوات لانه حق وجب في مستفاد من الارض فاشبه حق الثمار والزروع (والثانى) وبه قال الاكثرون ان مصرفه مصرف الزكوات قولا واحدا بخلاف الركاز لانه مال جاهلي والظاهر انه كان للكفار وكان شبيها بالفئ والمعادن بخلافه وصاحب التلخيص قد ذكر الطريق الاول في باب زكاة المعدن في التلخيص والطريق الثاني في باب بعده (فان قلنا) مصرفه مصرف الزكوات لم يؤخذ من الذمي شئ وان قلنا مصرف الفئ أخذ الخمس وعلي هذا لا يشترط فيه النية وعلي الاول يشترط ولو كان المستخرج من المعدن المكاتب(6/101)
فلا زكاة عليه فيما استخرجه كالذمي لكنه غير ممنوع عن الاخذ بخلاف الذمي ولو نال العبد من المعدن شيئا فهو لسيده وعليه واجبه فان امره السيد بذلك ليكون النيل له فقد بناه صاحب الشامل
علي القولين في ان العبد هل يملك ما ملكه السيد أم لا وحظ الزكاة من القولين وقد قدمناه ولو استخرج اثنان من المعدن نصابا فوجوب الزكاة يبي على القولين في أن الخلطة هل تثبت في غير المواشى (وقوله) في الكتاب وللمسلم ازعاج الذمي لك أن تبحث عنه وتقول اثبت الازعاج لكل مسلم أم هو من اعمال الحاكم (والجواب) ان كلام الائمة بالثاني أظهر اشعارا والاول منقدح ايضا فان كل واحد منهم صاحب حق فيه فكان له ان يمنعه (وقوله) ولا زكاة عليه الا إذا قلنا الخ فيه استئناء الخمس علي قولنا ان مصرفه الفئ عن ففى الزكاة وذلك يستدعي كون الخمس زكاة لكن من اوجب الخمس فلا يكاد يسميه زكاة ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وذهب بعض اهل ناحيتنا يعنى مالكا الي ان في المعادن الزكاة وذهب غيرهم يعنى ابا حنيفة إلى ان فيها الخمس فلم يعد الخمس زكاة (وقوله) على وجه بعيد عبر عن ذلك المذهب بالوجه والاكثرون سموه قولا وكأنه مستخرج من مثله في الركاز فيجوز كل واحد من الاطلاقين (واعلم) أنا إذا فرعنا علي ظاهر المذهب وهو أن الحول لا يعتبر فوقت وجوب حق المعدن حصول النيل في يده ووقت الاخراج التخليص(6/102)
والتنقية كما أن وجوب الزكاة في الزروع اشتداد الحب ووقت الاخراج التنقية فلو أخرج قبل التمييز والتنقية عن التراب والحجر لم يجزه ويكون مضمونا علي الساعي يلزمه رده فلو اختلفا في قدره بعد التلف أو قبله فالقول قول الساعي مع يمينه ومؤنة التخليص والتنقية علي المالك كمؤنة الحصاد والدياس فلو تلف بعضه قبل التمييز فهو كتلف بعض المال قبل الامكان والله أعلم * قال (الفصل الثاني في الركاز وفيه الخمس مصر وفاإلي مصارف الصدقات (ح ز و) ولا يشترط الحول ويشترط النصاب (م ح) وكونه من جوهر النقدين علي الجديد) * في الفصل مسائل (إحداها) قدر الواجب في الركاز الخمس لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلي الله عليه وسلم قال (في الركاز الخمس) (الثانية) في مصرفه قولان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب أن مصرفه مصرف الزكوات لانه حق واجب في المستفاد من الارض فاشبه الواجب في الزروع والثمار (والثاني) وبه قال المزني والوكيل البابشامى وأبو جعفر الترمذي رحمهم الله أنه
يصرف إلى اهل الخمس المذكورين في آية الفئ لانه مال جاهلي حصل الظفر به من غير ايجاف خيل ولا ركاب فكان كالفئ ومنهم من لا يطلق قولين بل يقطع للشافعي رضي الله عنه بالاول وينقل الثاني وجها ضعيفا (الثالثة) لا يشترط الحول فيه لان الحول للاستنماء وهو نماء كله ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في المعدن لانه يلحق مشقة في تحصيل التبر بل ثم يحتاج إلي الطبخ والمعالجة والركاز بخلافه (الرابعة) هل يشترط فيه النصاب وهل يختص الوجوب بالذهب والفضة نص الشافعي رضى الله عنه في مواضع على الاشتراط والاختصاص وقال في موضع: لو كنت انا الواجد لخمست القليل والكثير والذهب والفضه وغيرهما واختلف الاصحاب رضي الله عنهم علي طريقين (أظهرهما) أن المسألتين علي قولين (أظهرهما) وينسب إلي الجديد أنه يشترط النصاب ويختص بالنقدين (أما) الاول فلظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (لا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا) (وأما) الثاني فكما لو اكتسب لا من جهة الركاز (والثانى) وينسب الي القديم أنه لا يشترط ولا اختصاص(6/103)
لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (في الركاز الخمس) ولانه مال مخمس فاشبه الغنيمة (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وحمل النص الثاني علي الاحتياط للخروج من الخلاف كقوله في باب صلاة المسافر أما أنا فلا أقصر في أقل من ثلاثة أيام وليس ذلك قولا آخر له في مسافة القصر (وقوله) في الكتاب مصروفا إلى مصارف الصدقات معلم مع الواو بالزاى وبالحاء لان عنده أيضا يصرف إلى مصارف الفئ وبالالف لان احدى الروايتين عن احمد مثله (وقوله) ويشترط النصاب معلم بالحاء والالف والميم لان عند أبي حنيفة واحمد لا يشترط النصاب وهو أصح الروايتين عن مالك وكذلك قوله وكونه من جوهر النقدين معلم بهذه العلامات لان قولهم فيه كقولهم في النصاب ويجوز أن يعلم قوله علي الجديد بالواو اشارة الي الطريقة النافية للخلاف (وقوله) ويشترط النصاب منقطع عما قبله لا مجال للخلاف المذكور في الحول وإنما قال من جوهر النقدين ليشمل الحلى والاوانى * (قال ويشترط كونه من ضرب الجاهلية فان كان على ضرب الاسلام فلقطة وقيل مال ضائع يحفظه الامام وان لم يكن عليه أثر كالاواني والحلي فهو ركاز علي وجه ولقطة علي وجه) *(6/104)
فقه الفصل مسألتان (الاولي) لو كان الركاز الموجود علي ضرب الاسلام بان كان عليه شئ من القرآن أو اسم ملك من ملوك الاسلام لم يملكه الواجد بالواجدان لان مال المسلم بالاستيلاء عليه بل يجب رده إلى مالكه ان علم مالكه وان لم يعلم ففيه وجهان (قال) الجمهور هو لقطة كما لو وجده علي وجه الارض وقضيه ما ذكروه صريحا ودلالة أنه يعرف سنة ثم للواجد أن يملكه ان لم يظهر مالكه علي ما هو سبيل كل لقطة (وقال) الشيخ أبو علي هو مال ضائع يمسكه الآخذ للمالك ابدا أو يحفظه الامام له في بيت المال ولا يملك بحال كما لو القت الربح ثوبا في حجره أو مات مورثه عن ودائع وهو لا يعرف مالكها وانما يملك بالتعريف ما ضاع عن المارة دون ما حصنه المالك بالدفن واتفق العثور عليه بالاحتفار ونقل صاحب التهذيب قريبا من هذا الكلام عن القفال والمذهب الاول قال الامام رحمه الله ولو انكشفت الارض عن كنز بسيل جارف ونحوه فلا ادرى ما قول الشيخ فيه والمال البارز ضائع قال واللائق بقياسه الا يثبت حق التملك اعتبارا باصل الوضع (الثانية) لو لم يعرف أن الموجود من ضرب الجاهلية أو الاسلام بان كان مما يضرب مثله في الجاهلية والاسلام أو كان مما لا أثر عليه كالتبر والحلى والاوانى فالمنقول عن نصه أنه ليس بركاز لانه يحتمل أن يكون مال مسلم فيغلب حكم الاسلام وفيه وجه أنه ركاز لان الموضع المدفون فيه يشهد له (فان قلنا) بالاول فقضية كلام الجمهور في الصورة السابقة لا يخفي وأما الشيخ أبو علي فرأيت له في شرح التلخيص مساعدة الجمهور في هذه الصورة فانه قال يعرف سنة فان لم يظهر مالكها فعل بها ما يفعل بسائر اللقطات وذكر الامام أن الشيخ حكى في التملك في هذه الصورة وجهين لضعف أثر الاسلام (وأعلم) أنا إذا قلنا أن الموجود في صورة التردد ركاز فلا يشترط كون الموجود علي ضرب الجاهلية بل الشرط الا يعلم كونه على ضرب الاسلام فاذن قوله في الكتاب ويشترط كونه على ضرب الجاهلية انما يكون مجرى على ظاهره إذا قلنا الموجود في صورة التردد ليس بركاز (وقوله في المسألة الاولى وقيل مال ضائع يحفظه الامام يشعر بانه لا يبقى في يد الواجد بل يأخذه الامام ويحفظه وكلام الشيخ أبى على ما حكيته من قبل ينازع فيه ويقتضي تمكن الواجد من(6/105)
الامساك له واطلاقه الوجهين في المسألة الثانية اتباع لما حكاه الامام فيها والاكثرون لم يطلقوا الوجهين وانما حكوا النص ووجها لبعض الاصحاب كما قدمناه وحكي صاحب الشامل عن نصه أنه يخمس وهذا حكم بانه ركاز فعلى هذا في المسألة قولان (وأعلم) انه يلزم من كون الركاز على ضرب الاسلام كونه مدفونا في الاسلام ولا يلزم من كونه علي ضرب الجاهلية كونه مدفونا في الجاهلية لجواز أن يظفر بعض المسلمين بكنز جاهلي ويكنزه ثانيا على هيأته فيظفر به اليوم أحد فالحكم مدار على كونه من دفن الجاهلية لا علي كونه من ضرب الجاهلية * قال (ويشترط ان يوجد في موضع مشترك كموات أو شارع وما يوجد في دار الحرب فغنيمة أو فئ وما يجده في ملك نفسه الذى أحياه يملكه وعليه الخمس وهل يدخل في ملكه بمجرد الاحياء فيه وجهان ولو اشتراه ثم وجد فيه ركازا يجب طلب المحيي فانه اولى به) * روى ان رجلا وجد كنزا فقال له النبي صلي الله عليه وسلم (ان وجدته في قرية مسكونة أو طريق ميتاء فعرفه وان وجدته في خربة جاهلية أو قرية غير مسكونة ففيه وفى الركاز الخمس) الكنز بالصفة التي تقدم ذكرها اما أن يوجد في دار الاسلام أو في دار الحرب فان وجد(6/106)
في دار الاسلام نظر ان وجد في موضع لم يعمره مسلم ولا ذو عهد فهو ركاز سواء كان مواتا أو كان من القلاع العادية التي عمرت في الجاهلية لقوله في الحديث أو خربة جاهلية وان وجد في طريق شارع فقد ذكر صاحب الكتاب أنه ركاز ولم يجزم الامام به هكذا ولكن أشار الي خلاف فيه والذى ذكره القفال والعراقيون أن ما يوجد فيه ليس بركاز وانما هو لقطة والحديث الذى رويناة صريح فيه وما يوجد في المسجد ذكر في التهذيب أنه لقطة كالموجود في الطريق وقياس المذكور في الكتاب ان يكون ركازا وما عدا هذه المواضع ينقسم الي مملوك وموقوف.
والمملوك اما أن يكون له أو لغيره فان كان لغيره ووجد فيه كنز لم يملكه الواجد بل ان ادعاه مالكه فهو له بلا يمين كالامتعة في الدار والا فهو لمن تلقى صاحب الارض منه وهكذا الي ان ينتهي الي الذى أحيا الارض فيكون له وان لم يدعه لانه بالاحياء
ملك ما في الارض وبالبيع لم يزل ملكه عنه فانه مدفون منقول فان كان المحيى أو من تلقى الملك عنه هالكا فورثته قائمون مقامه فان قال بعض ورثة من تلقى الملك عنه هو لمورثنا وأباه بعضهم سلم نصيب المدعي ما إليه وسلك بالباقي ما ذكرنا هذا كله كلام الائمة رحمهم الله صريحا واشارة ومن المصرحين بملك الركاز القفال ذكره في شرح التلخيص ورأى الامام تخريج ملك الكنز باحياء الارض علي ما لو دخلت ظبية دارا بالاحياء فاغلق صاحبها الباب وفاقا لا علي قصد ضبطها قال وفيه وجهان (أظهرهما) أنه لا يملكها لعدم القصد ولكن يصير أولي بها كذلك المحيى يصير اولى بالكنز ثم قال انه يملك الكنز بالاحياء وزالت رقبة الارض عن ملكه فلا بد من طلبه ورده إليه (وان قلنا) انه لا يملكه ولكن يصير اولي به فلا يبعد ان يقال إذا زال ملكه عن رقبة الارض بطل اختصاصه كما أن في مسألة الظبية إذا قلنا أنه لا يملكها فلو فتح الباب وأفلتت يملكها من اصطادها إذا عرفت ذلك وأردت التفريع فلك ان تقول (ان قلنا) لمحيى لا يملكه بالاحياء فإذا دخل في ملكه أخرج الخمس (وان قلنا) يملكه بالاحياء فإذا احتوت يده علي الكنز نفسه وقد مضى سنون فلا بد من اخراج الخمس الذى لزمه(6/107)
يوم ملكه وفيما مضي من السنين يبى وجوب ربع العشر في الاخماس الاربعة على الخلاف في الضال والمغصوب وفى الخمس كذلك ان قلنا لا تتعلق الزكاة بالعين (وان قلنا) تتعلق فعلي ما ذكرنا فيما إذا لم يملك الا نصابا وتكرر الحول عليه والله أعلم * وأن كان الموضع للواجد نظران كان قد أحياه فالذي وجده ركاز وعليه خمسه وفي وقت دخوله في ملكه ما سبق وقد حكي في الكتاب في هذه الحالة فيه وجهين جريا علي ما ذكره الامام وان انتقل إليه من غيره لم يحل له اخذه بل عليه عرضه علي من يملكه وهكذا حتي ينتهي الملك الي المحي كما سبق وان كان الموضع موقوفا فالكنز لمن في يده الارض قاله في التهذيب هذا إذا وجد في دار الاسلام وان وجد في دار الحرب فاما أن يوجد في موات أو غيره فان وجد في موات نظر ان كانوا لا يذبون عنه فهو كموات دار الاسلام والموجود فيه ركاز وان كانوا يذبون عنه ذبهم عن العمران ففيه وجهان قال الشيخ أبو علي هو كما لو وجد في عمرانهم وقال الاكثرون حكمه حكم مواتهم الذى لا يذبون عنه وعن أبى حنيفة أن ما يوجد في موات دار الحرب
فهو غنيمة لا ركاز حكاه في الشامل وان وجد في موضع مملوك لهم فينظران أخذ بقهر وقتال فهو غنيمة كأخذ متاعهم من بيتهم ونقودهم من خزائنهم فيكون خمسه لاهل الخمس وأربعة أخماسه لمن وجده وان أخذ من غير قهر وقتال فهو فئ ومستحقه اهل الفئ هكذا قاله في النهاية وهو محمول علي ما إذا دخل دار الحرب من غير امان لانه ان دخل بامان لم يكن له أخذ كنزهم لا بقتال ولا بغير قتال كما ليس له أن يخونهم في أمتعة بيوتهم وعليه الرد ان أخذه وقد نص علي هذا الشيخ أبو علي ثم في كونه فيئا اشكال لان لك أن تقول من دخل بغير امان وأخذ مالهم من غير قتال فاما أن يأخذه في خفية فيكون سارقا أو جهارا فيكون مختلسا وقد ذكر في الكتاب في السير أن ما يختلس ويسرق منهم فهو خالص ملك المختلس والسارق ويشبه أن يكون الفئ هو أموالهم التي تحصل في قبضة الامام من غير قتال كالجزية ونحوها دون ما يأخذه الآحاد وربما ايدت هذا الاشكال بان كثيرا من الائمة اطلقوا القول بكونه غنيمة منهم ابن الصباغ والصيدلاني وأعود بعد هذا الي نظم الكتاب فالقول (قوله) ويشترط ان يوجد في موضع مشترك كموات وشارع فيه كلامان (أحدهما) انه قد يعنى بكون الموات مشتركا كونه بسبيل يتمكن كل واحد من احيائه وتملكه وبكون الشارع مشتركا(6/108)
انه لكل أحد فيه حق الطروق ولا يحسن حمل الاشتراك في لفظ الكتاب عليهما لان كل واحد من المعنيين يختص باحد الموضعين وقد وصفهما جميعا بالاشتراك بلفظ واحد فالاحسن تفسيره بمعني شامل كالانفكاك عن الملك ونحوه (والثاني) ان لمنازع ان ينازع في اشتراط الوجود في موضع مشترك لانه إذا احيا ارضا وتملكها ثم وجد فيها كنزا كان ذلك ركازا وان لم يوجد في موضع مشترك الا ان يقال المراد بالوجدان الدخول تحت اليد والتسلط عليه ثم قوله كموات يجوز ان يكون معلما بالواو لانه مطلق وقد حكينا وجها في موات دار الحرب الذى يذبون عنه وبالحاء ايضا لما سبق (وقوله) وشارع بالواو لما ذكرنا من مصير الاكثرين الي انه لقطة (وقوله) وما يوجد في دار الحرب فغنيمة أو فئ أي علي اختلاف الحال في القهر وعدمه ثم هو محتاج الي التأويل من وجهين (أحدهما) ان الموجود في موات دار الحرب ليس كذلك فهو محمول علي عمران دار الحرب (والثانى) انه لو دخل بامان
فليس حكم المأخوذ ما ذكره فإذا هو محمول علي ما إذا دخل بغير امان (وقوله) ملكه وعليه الخمس الاحسن ان يقرأ ملكه وعليه الخمس لا ملكه لان قولنا ملك يشعر بابتداء ثبوت الملك فيقتضى ان يكون ابتداؤه عند الوجدان لكنه غير مجزوم به بل فيه الوجهان المذكور ان عقيب هذا الكلام (اما) الحكم بانه ملكه فهو مستمر علي الوجهين جميعا (وقوله) يجب طلب المحيى معلم بالواو لما سبق (وقوله) فانه اولى به يجوز ان يكون جوابا علي قولنا أنه لا يملكه بالاحياء المجرد ويجوز ان يحمل علي غير ذلك والله اعلم * قال (ولا خمس علي الذمي لانه ليس من أهل الزكاة) * حكم الذمي في الركاز حكمه في المعدن فلا يمكن من اخذه في دار الاسلام وان وجده ملكه قال الامام رحمه الله وفيه احتمال عندي في الركاز لانه كالحاصل في قبضة المسلمين وهو في حكم مال ضل عنهم وإذا حكمنا بالمشهور وهو انه يملكه ففى أخذ حق الركاز منه الخلاف السابق في المعدن وقد تعرض له صاحب الكتاب هناك وقد اقتصر ههنا على ظاهر المذهب فاعلم قوله ولا خمس بالواو (واعلم) انه لو قدم هذه المسألة علي الفصل السابق علي هذا أو أخرها عن الفصل التالى له لكان اليق لتنتظم المسائل المتعلقة بمكان الركاز في سلك واحد ولا يدخل فيها ما ليس منها * قال (وان تنازع البائع والمشترى والمعير والمستعير وقال كل واحد منهما أنا دفنت الركاز فالقول قول صاحب اليد فلو قال المكرى بعد رجوع الدار إليه كنت دفنته قبل الاجارة فالقول قول المستأجر علي أحد الوجهين لانهما توافقا على انه كان في يده) *(6/109)
إذا تنازع بائع الدار ومشتريها في الركاز الذى وجد فيها فقال المشترى هو لي وأنا دفنته وقال البائع مثل ذلك أو قال ملكته بالاحياء أو تنازع المعير والمستعير أو المكترى والمكري هكذا فالقول قول المشترى والمستعير والمكترى مع ايمانهم لان اليد لهم فصار كما لو وقع النزاع في متاع الدار وهذا إذا احتمل ان يكون صاحب اليد صادقا فيما يقوله ولو علي بعد فاما إذا انتفى الاحتمال لان مثله لا يمكن دفنه في مدة يده فلا يصدق صاحب اليد ولو فرض النزاع بين المكرى والمكترى أو المعير والمستعير بعد رجوع الدار إلى يد المالك
فان قال المكرى أو المعير أنا دفنته بعد ما رجعت الدار إلى يدي فالقول قوله بشرط الامكان ولو قال دفنته قبل خروج الدار عن يدى ففيه وجهان للشيخ أبي محمد (احدهما) ان القول قوله أيضا لانه صاحب الدار الآن (وأظهرهما) عند الامام أن القول قول المكترى والمستعير لان المالك قد سلم له اليد وحصول الكنز في يده ويده تنسخ اليد السابقة ولهذا لو تنازعا قبل الرجوع كان القول قوله (وقوله) في الكتاب فالقول قول صاحب اليد معلم بالزاى لان الشيخ أبا علي وآخرين نقلوا عن المزني أن القول قول المالك اتباعا لما في الارض (وقوله) فالقول قول المستأجر معلم به أيضا * قال ((فرع) إذا وجد مائة درهم وفى ملكه نصاب من النقد تم عليه الحول وجب خمس الركاز إذا كمل بغيره وإن كان ما في ملكه دون النصاب أو قبل تمام الحول ففى التكميل خلاف) * هذا مفرع على اعتبار النصاب في الركاز والفرض انا وان اعتبرناه فلا نشترط أن يكون الموجود نصابا بل يكمل ذلك بما يملكه من جنس النقد الموجود وفيه من التفصيل والخلاف ما سبق في المعدن فلا حاجة الي الاعادة وقد نص حجة الاسلام رحمه الله على حكاية الخلاف ههنا وجمع بين ما إذا لم تجب الزكاة فيما عنده لعدم تمام الحول وما إذا لم تجب لعدم بلوغه نصابا وهناك اقتصر علي ظاهر المذهب والصورة الاولي *(6/110)
قال (النوع السادس زكاة الفطر وتجب بغروب الشمس ليلة العيد في قول وبطلوع الفجر يوم العيد في قول وبمجموع الوقتين في قول ثالث وعلي الثالث لو زال الملك في وسط الليل وعاد في الليل ففى الفطرة وجهان وعلي الاول إذا ملك عبدا أو ولد له ولد بعد الغروب بلحظة أو مات قبل الغروب بلحظة فلا زكاة) * عن ابن عمر رضي الله عنهما قال (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان علي الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير علي كل حر وعبد ذكر وانثي من المسلمين) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (فرض زكاه الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث
وطعمة للمساكين) (واعلم) أن زكاة الفطر واجبه وقال بعض الناس انها غير واجبة وبه قال أبو الحسين بن(6/111)
اللبان الفرضي من أصحابنا فيما رواه صاحب الشامل ولا فرق عندنا بين الواجب والفريضة * وقال أبو حنيفة رحمه الله هي واجبة وليست بفريضة وفى وقت وجوبها ثلاثة أقوال (أصحها) وهو الجديد وبه قال احمد أن وقته غروب الشمس ليلة العيده واحتجوا له بأنها مضافة إلى الفطر وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما زكاة الفطر من رمضان وحينئذ يكون الفطر من رمضان (والثانى) وهو القديم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أن وقته طلوع الفجر يوم العيد لانها قربة متعلقة بالعيد فلا يتقدم وقتها علي العيد كالاضحية وعن مالك روايتان كالقولين (والثالث) أنها تجب بمجموع الوقتين لتعلقها بالفطر والعيد جميعا قال الصيدلاني وهذا القول خرجه صاحب التلخيص واستنكره الاصحاب (التفريع) لو نكح امرأة أو ملك عبدا أو اسلم عبده الكافر أو ولد له ولد في ليلة العيد لم تجب فطرتهم علي الجديد ولا على القول الثالث وتجب علي القديم ولو مات عبده أو ولده أو زوجته ليلة العيد أو بت طلاقها أو ارتد عبده لم تجب فطرتهم علي القديم ولا علي القول الثالث وتجب علي الجديد وكذا الحكم لو أسلم كافر قبل الغروب ومات بعده ولو طرأت الاحوال المذكورة بعد الغروب وزالت قبل طلوع الفجر فلا فطرة علي الاقوال كلها ولو زال(6/112)
الملك عن العبد بعد الغروب وعاد قبل طلوع الفجر وجبت الفطرة علي الجديد والقديم (وأما) على القول الثالث ففيه وجهان حكاهما في النهاية وقال هما ملتفتان علي أن الواهب هل يرجع فيما إذا زال ملك المتهب عنه ثم عاد وله نظائر نذكرها في مواضعها ونشرح فيها الوجهان ولو باع بعد الغروب عبده واستمر ملك المشترى فيه فالفطرة علي الجديد علي البائع وعلي القديم علي المشترى وعلي الثالث(6/113)
لا تجب علي واحد منهما ولو مات مالك العبد ليلة العيد فالفطرة واجبة في تركتة علي الجديد وهي علي الوارث في القديم وعلي الثالث لا تجب أصلا وذكر في النهاية ان الشيخ أبا علي حكي وجها في وجوبها علي الوارث تفريعا علي القول الثالث بناء علي القديم في ان حول الوارث يبي علي حول
المورث (وقوله) في الكتاب وعلي الاول إذا ملك إلى آخره ينبغى أن يعلم فيه أن نفى الزكاة في(6/114)
صورة الموت ليس تفريعا علي هذا القول خاصة بل هو لازم علي الاقوال كلها ومواضع العلامات عند ذكر الاقوال لا تخفى * قال (والنظر في ثلاثة اطراف الطرف الاول في المؤدى عنه وكل من وجبت نفقتة تجب علي المنفق فطرته من الزوجة (ح) والمملوك والقريب) *(6/115)
الكلام في زكاة الفطر في أنها متى تؤدى وعمن تؤدى ومن الذى يؤدى وما المؤدي وإلي من تؤدى (أما) الاخير من هذه الامور فموضعه كتاب قسم الصدقات (وأما الاول) فيحتاج فيه الي معرفة وقت الوجوب وقد فرغنا منه الآن ويجوز التقديم عليه علي الضبط المذكور في مسائل التعجيل وأما(6/116)
إذا لم يعجل فالمستحب الا يؤخر أداها عن صلاة العيد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (فرض زكاة الفطر وأمر بها ان تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) فلو اخر عصى وقضى بقى ههنا النظر(6/117)
في الاطراف الثلاثة الباقية (الاول) في المؤدى عنه (اعلم) أن الفطرة قد يؤديها الانسان عن نفسه وقد يؤديها عنه غيره والاصل فيه قوله صلي الله عليه وسلم (ادوا صدقه الفطر عمن تمونون) والجهات التى(6/118)
يصير بها الشخص في نفقة الغير ومؤنته ثلاث النكاح والملك والقرابة وكلها تقتضي لزوم الفطرة أيضا في الجملة ثم القول في شرائط الوجوب ومواضع الاستثناء عن هذا الاصل سيظهر من بعد وليكن قوله يجب علي المنفق فطرته وكذا قوله من الزوجة معلمين بالحاء (اما) الثاني (فلان) عنده لا تجب فطرة الزوجة علي الزوج وانما هي عليها وحكي ذلك عن اختيار ابن المنذر من اصحابنا (واما) (الاول) فلامور
(منها) مسألة الزوجة (ومنها) ان عنده لا يجب على الولد فطرة الاب وان وجبت نفقته (ومنها) ان عنده لا تجب(6/119)
على الجد فطرة ولد الولد * لنا ماروى عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم امر (بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) *(6/120)
قال (ولا تفارق الفطرة النفقة الا في سبع مسائل (احداها) الابن تلزمه نفقة زوجة ابيه وفى فطرتها وجهان (اصحهما) الوجوب (ح) * يستثني عن قولنا من وجبت نفقته علي المنفق فطرته مسائل (منها) ماهى مستثناة بلا خلاف (ومنها) ما في استثنائها اختلاف قول أو وجه (فمنها) ان الابن تلزمه نفقة زوجة ابيه تفريعا على(6/121)
الصحيح في وجوب الاعفاف وسيأتي شرح ذلك الخلاف وموصع الاعفاف في بابه إن شاء الله تعالي وهل يلزمه فطرتها فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف في طائفة أنها تلزم لانها ممن يمونه الابن وصار كالاب لما لزمته تفقته لزمه فطرته وعلي هذا فهذه الصورة غير مستثناة عن الاصل الممهد (والثانى) وهو الاصح عند صاحبي التهذيب والعدة وغيرهما أنها لا تلزم لان الاصل في القيام بامرها هو(6/122)
الاب والابن متحمل عنه والفطرة غير لازمة على الاب بسبب الاعسار فلا يتحملها الابن بخلاف النفقة فانها لازمة مع الاعسار فيتحملها وأيضا فلان فقد النفقة يمكنها من الفسخ وإذا فسخت احتاج الابن الي تزويجه وفقد الفطرة بخلافه ويجرى الوجهان في فطرة مستولدته ولك أن تعلم قوله يلزمه نفقة زوجه أبيه بالواو إذا قد عرفت أنه مبنى على وجوب الاعفاف وفيه خلاف(6/123)
وبالحاء والزاى لان عندهما لا يجب الاعفاف ويجوز اعلام لفظ الوجوب من قوله الاصح الوجوب بالحاء لان عنده لا تجب علي الابن فطرة الوالد فما ظنك بفطرة زوجته *
قال (الثانية الابن الكبير الذى هو في نفقة أبيه إذا وجد قدر قوته ليلة العيد فلا فطرة علي أبيه لسقوط النفقة عنه ولا عليه لعجزه ولو كان صغيرا والمسألة بحالها ففيه خلاف (و) لان حق الصغير آكد) *(6/124)
غير الاصول والفروع من الاقارب كالاخوة والاعمام لا تجب فطرتهم كما لا تجب نفقتهم (وأما) الاصول والفروع فان كانوا موسرين فلا تجب نفقتهم وإن كانوا معسرين فكل من جمع منهم إلي الاعسار الصغر أو الجنون أو الزمانة وجبت نفقته ومن تجرد في حقه الاعسار ففى نفقته قولان ومنهم من قطع بالوجوب في حق الاصول وحكم الفطرة حكم النفقة وفاقا وخلافا إذا عرفت ذلك فلو أن الولد الكبير كان في نفقة أبيه أما بمجرد الاعسار إن اكتفينا به أو مع الزمانة ان لم نكتف(6/125)
به فوجد قدر قوته ليلة العيد ويومه فقد سقطت فطرته عن الاب لسقوط نفقته وكونها تابعة له ولا تجب عليه لعجزه واعساره وإن كان الولد صغيرا والمسألة بحالها ففى سقوط الفطرة وجهان (قال) الصيدلاني لا تسقط والفرق أن نفقة الكبير لا تثبت في الذمة بحال وإنما هي لكفاية الوقت ونفقة الصغير قد ثبتت الا ترى أن للام أن تستقرض علي الاب الغائب لنفقة الصغير فكانت نفقته آكد فأشبهت نفقة الاب نفسه وفطرته فطرته (وقال) الشيخ أبو محمد تسقط كما تسقط النفقة وتردد فيما(6/126)
ذكره من جواز الاستقراض وقال الاظهر منعه إلا إذا أذن السلطان ومثله يفرض في حق الكبير أيضا وما ذكره الشيخ أظهر عند الامام وغيره (واعلم) أن مسألة الكبير جارية على الاصل الممهد وكذلك مسألة الصغير علي قول الشيخ أبى محمد وإنما الاستثناء على قول الصيدلاني * قال (الثالثة الزوج ان كان معسرا لا تستقر فطرتها في ذمته وان استقرت النفقة ولا تجب عليها فطرة نفسها وان كانت موسرة نص عليه ونص في الامة المزوجة من المعسر ان الفطرة تجب على سيدها فقيل قولان بالنقل والتخريج وقيل الفرق أن سلطنة السيد آكد من سلطنة الحرة(6/127)
ولو أخرجت الزوجة فطرة نفسها مع يسار الزوج دون إذنه لم يصح علي أحد الوجهين لان الزوج أصل لا متحمل) * من أصول الباب الذى يحتاج إلي معرفته في هذه المسألة وغيرها أن الفطرة الواجبة علي الغير تلاقى المؤدى عنه ثم تتحمل عنه أم تجب على المؤدى ابتداء وفيه خلاف يعبر عنه تارة بقولين مخرجين من معاني كلام الشافعي رضي الله عنه وتارة بوجهين (أحدهما) أن الوجوب يلاقى المؤدى(6/128)
عنه ثم يتحمل عنه المؤدى لقوله صلي الله عليه وسلم في الحديث الذى سبق (علي كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين) (والثانى) أنها تجب علي المؤدى ابتداء لقوله صلي الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر عنه) قال القاضى الروياني وغيره ظاهر المذهب هو الاول ثم الاكثرون منهم الشيخ أبو علي طردوا الخلاف في كل من يؤدى صدقة الفطر عن غيره من الزوج والسيد والقريب قال الامام وذكر طوائف من المحققين أن هذا الخلاف في فطرة الزوج فأما فطرة(6/129)
المملوك والقريب فتجب علي المؤدى ابتداء بلا خلاف لان المملوك لا يقدر علي شئ والقريب المعسر لو لم يجد من يقوم بالانفاق عليه لا يلزمه شئ فكيف يقال بان الوجوب يلاقيه ثم حيث فرض الخلاف وقلنا بالتحمل فهو كالضمان أو كالحوالة حكي أبو العباس الرويانى في المسائل الجرجانيات فيه قولين إذا تقرر ذلك ففى المسألة صورتان (إحداهما) الزوج المعسر لا تستقر الفطرة في ذمته وان استقرت النفقة لان النفقة عوض والفطرة عبادة مشروطة باليسار ثم ان كانت موسرة فهل عليها فطرة نفسها قال في المختصر لا أرخص له في تركها ولا يتبين لي أن أوجب عليها ونص فيه أيضا علي أنه(6/130)
لو زوج أمته من معسر تجب الفطرة علي سيدها واختلف الاصحاب علي طريقين (أصحهما) عند الشيخ أبي علي وغيره أن المسألتين علي قولين مبنيين علي الاصل المذكور (ان قلنا) الوجوب يلاقى المؤدى(6/131)
عنه أولا وجبت الفطرة علي المرأة الحرة في الصورة الاولي وعلى سيد الامة في الثانية (وان قلنا) الوجوب علي المؤدى ابتداء فلا يجب (والثاني) تقرير النصين وبه قال أبو إسحق والفرق أن الحرة(6/132)
بعقد النكاح تصير مسلمة الي الزوج حتي لا يجوز لها المسافرة والامتناع من الزوج بعد أخذ المهر والنفقة بحال والامة بالتزويج غير مسلمة بالكلية بل هي في قبضة السيد الا ترى أن له أن يستخدمها(6/133)
وأن يسافر بها وهذا معنى قوله في الكتاب سلطنة السيد آكد من سلطنة الحرة أي علي نفسها ثم التقريب من وجهين (أحدهما) أن الحرة لما كانت مسلمة بالكلية كانت كالامة المسلمة الي المشترى(6/134)
بعقد الشراء فتنتقل الفطرة إليه والامة لما كانت في قبضة السيد لم تكن الفطرة متحولة عنه وإنما الزوج كالضامن لها فإذا لم يقدر علي الاداء بقى الوجوب علي السيد كما كان (والثانى) أن الامة إذا(6/135)
لم تكن واجبة التسليم كان السيد متبرعا بتسليمها فلا يسقط عنه بتبرعه ما كان يلزمه لولا التبرع ولو نشزت المرأة وسقطت فطرتها عن الزوج لسقوط النفقة فقد قال الامام الوجه عندي القطع بايجاب الفطرة(6/136)
عليها وان حكمنا بان الوجوب لا يلاقيها لانها بالنشوز أخرجت نفسها عن امكان التحمل (فرعان) (أحدهما) زوج الامة ان كان موسرا فحكم فطرتها حكم نفقتها وسيظهر ذلك في موضعه ان شاء الله تعالي (والثانى) ان خادمة الزوجة ان كانت مستأجرة لم يجب علي الزوج فطرتها وان كانت من امائه وجبت لانها مملوكته وان كانت من اماء الزوجة والزوج ينفق عليها ففطرتها واجبة عليه نظرا(6/137)
الي انه يمونها نص عليه في المختصر وقال الامام الاصح عندي انها لا تجب لان نفقة الخادمة غير
مستقلة إذ يمكنه تحصيل الغرض بمتبرعة أو مستأجرة (الصورة الثانية) لو اخرجت الزوجة زكاة نفسها مع يسار الزوج دون اذنه ففى اجزائه وجهان (ان قلنا) الزوج متحمل اجزأ والا فلا ويجرى الوجهان فيما لو تكلف من فطرته علي قريبه باستقراض وغيره وأخرج من غير اذنه والوجه الاول هو(6/138)
المنصوص عليه في المختصر ولو أخرجت الزوجة أو القريب باذن من عليه جاز بلا خلاف بل لو قال الرجل لغيره اد عنى فطرتي ففعل جاز كما لو قال أقض ديني ذكره في التهذيب (وقوله) في الكتاب لان الزوج اصل لا متحمل ليس تعليلا لوجه المنع بشئ يساعد عليه بل الغرض منه التنبيه على مبني الوجهين (واعلم) أن الصورة الثانية ليس لها كثير تعلق بالاصل المستثنى منه وانما المتعلق(6/139)
به الاولى فان الفطرة فارقت النفقة حيث لم تلزم الزوج المعسر والنفقة لازمة مستقرة * قال (الرابعة البائنة الحامل تستحق الفطرة وقيل إذا قلنا ان النفقة للحمل فلا تستحق) * تجب فطرة الرجعية كنفقتها (وأما) البائنة فان كانت حائلا فلا نفقة ولا فطرة وان كانت حاملا ففى فطرتها طريقان (أحدهما) أنها تجب اتباعا للفطرة النفقة (الثاني) ان وجوبها مبنى على الخلاف(6/140)
في أن النفقة للحمل أو للحامل (ان قلنا) بالثاني فيجب (وان قلنا) بالاول فلا لان فطرة الجنين لا تجب وهذا الطريق الثاني هو الذى اورده الاكثرون وكلام صاحب الكتاب يشعر بترجيح الاول وبه قال الامام والشيخ ابو علي قال الشيخ لانها المستحقة سواء قلنا النفقة للحمل أو للحامل ولها ان تأخذها وتنفقها على نفسها بلا خلاف وقولنا أنها للحمل علي قول نعنى به انه سبب الوجوب وذلك لا ينافى كونها المستحقة هذا إذا كانت الزوجة حرة فان كانت أمة ففطرتها بالاتفاق ناظرة إلى ذلك الخلاف (فان قلنا) النفقة للحمل فلا نفقة ولا فطرة لان الحمل لو كان ظاهرا لم يكن عليه ان(6/141)
يمون ملك الغير (وان قلنا) للحامل وجبتا وسواء رجحنا الطريقة الاولي أو الثانية فالاصح استحقاق
الفطرة لان الاصح ان النفقة للحامل وعلي هذا فالمسألة غير مستثناة عن الاصل السابق (اما) إذا قلنا النفقة واجبة للحمل فلا فطرة فالحمل شخص تجب نفقته ولا تجب فطرته فينتظم استثناؤه والله اعلم قال (الخامسة لا فطرة علي المسلم في عبده الكافر وتجب عليه في نصف العبد المشترك أو في العبد الذى نصفه حر ولو جرت مهايأة فوقع الهلال في نوبة احدهما ففي اختصاصه بالفطرة وجهان لانه خرج نادرا) *(6/142)
في المسألة صورتان (احداهما) لا يجب على المسلم فطرة عبده الكافر وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة * لنا لتقييد في حديث ابن عمر رضى الله عنهما حيث قال (من المسلمين) وايضا فان الفطرة شرعت تطهير أو الكافر ليس أهلا للتطهير وحكم الزوجة الذمية والقريب الكافر حكم العبد الكافر فلا تجب فطرتهم وان وجبت نفقتهم (الثانية) تجب فطرة لعبد المشترك علي الشريكين وفطرة لعبد الذى بعضه حر عليه وعلي السيد خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا تجب ولمالك حيث قال في الصورة(6/143)
الثانية في احدى الروايتين تجب علي السيد حصته ولا شئ علي العبد والرواية الثانية مثل مذهبنا * لنا ما سبق ان الفطرة تتبع النفقة وهى مشتركة فكذلك الفطرة ثم الوجوب عليهما إذا لم تكن مهايأة فان جرت مهايأة بين الشريكين أو بين المالك والعبد فهل تختص الفطرة بمن وقع زمان الوجوب في نوبته أم هي على الشركة يبنى ذلك علي أن الفطرة من المؤن النادرة أو من المؤن الدائرة وبتقدير أن تكون من النادرة فهل تدخل في المهايأة أم لا (أما) المقام الاول فقد حكى الامام(6/144)
فيه وجهين (أحدهما) أنها من المؤن الدائرة لانها معلومة القدر والوقت معدودة من وظائف السنة (واصحهما) ولم يذكر الجمهور غيره انها من المؤن النادرة لان يوم العيد لا يتعين في السنة لاختلاف الاهلة وبتقدير التعين فالشئ الذى لا يتفق في السنة الا مرة نادر وأما الثاني ففيه وجهان مشهوران (أظهرهما) أنها تدخل في المهايأة لان مقصود المهايأة التفاضل والتمايز فليختص كل واحد منهما بما(6/145)
يتفق في نوبته من الغنم والغرم (والثانى) لا تدخل لان النوادر مجهولة ربما لا تخطر بالبال عند التهايؤ فلا ضرورة الي ادخالها فيه والوجهان جاريان في الاكساب النادرة كصيد يصطاده العبد الذى ليس بصياد وكقبول هبة ووصية ونحوها (فان قلنا) بالاول فجميع الفطرة على من وقع الهلال في نوبته (وان قلنا) بالثاني فهي مشتركة بحسب الملك أبدا ثم المعتبر في يساره أن يفضل الواجب سواء كان(6/146)
تمام الصاع أو بعضه عن قوت يومه وليلته ان لم يكن بينهما مهايأة وان كان بينهما مهايأة فعن القدر الذى يلزمه من قوت نفسه لا من الكل * وليكن قوله في الكتاب وتجب عليه في نصف العبد المشترك معلما بالحاء والميم لما ذكرناه ولو قال وتجب فطرة العبد المشترك بدل ما ذكرة لكان أحسن ولا يستغنى عن التعرض للنصف (وقوله) فوقع الهلال جواب على أصح الاقوال وهو أن وقت الوجوب(6/147)
الاستهلال (وقوله) لانه خرج نادرا جواب على الاصح في عدها من النوادر وليكن معلما بالواو للوجه السابق ولا يخفى حاجة الصورة الاولي الي الاستثناء وأما الثانية فانما يصح استثناؤها علي قولنا ان الفطرة لا تدخل في المهايأة لانهما حينئذ يشتركان في الفطرة دون النفقة فتفارق الفطرة النفقة *(6/148)
قال (السادسة العبد المرهون تجب فطرته علي في المغضوب والضال والآبق طريقان (قيل) تجب (وقيل) قولان كسائر الزكوات ولو انقطع خبر العبد الغائب نص على وجوب فطرته وعلي أن عتقه لا يجزئ عن الكفارة وقيل قولان وقيل قولان في المسألتين لتقابل الاصلين وقيل بتقرير النصين ميلا الي الاحتياط فيهما) *(6/149)
المدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن في وجوب الفطرة وتجب فطرة العبد المرهون والجانى والمستأجر لوجود الملك ووجوب النفقة قال الامام والمصنف في الوسيط هكذا أطلقوا القول في المرهون
ويحتمل أن يجرى فيه الخلاف المذكور في زكاة المال المرهون (واعلم) ان الخلاف في زكاة المال المرهون لم نلفه الا في حكاية هذين الامامين والجمهور أطلقوا الوجوب ثم أيضا وأما المغصوب والضال ففى(6/150)
فطرته طريقان (أحدهما) أنه على القولين في زكاة المال المغصوب وطرد ابن عبد ان علي هذه الطريقة الخلاف فيما إذا حيل بينه وبين زوجته عند الاستهلال (وأصحهما) القطع بالوجوب اتباعا للفطرة النفقة ويخالف زكاة المال فان المالية معتبرة فيها وهي غير معتبرة ههنا ألا ترى انه تجب فطرة الزوجة والقريب مع انتفاء المالية فلا تجب عند ضعفها كان أولى ولهذا وجبت في المستولدة (وأما)(6/151)
العبد الغائب فان علم حياته وكان في طاعته وجبت فطرته وان كان آبقا ففيه الطريقان في المغصوب وللخلاف مأخذ آخر حكاه الامام وهو ان اباق العبد هل يسقط نفقته كنشوز الزوجة أم لا وفيه خلاف فان اسقطها اسقط الفطرة أيضا وان لم يعلم حياته وانقطع خبره مع تواصل الرفاق ففى فطرته طريقان (أحدهما) أنها تجب بلا خلاف وبه قال ابو اسحق (والثانى) أنه علي القولين وفى كيفيتهما طريقان (أحدهما) أنهما قولان منصوصان وذلك ان المزني روى في المختصر أنه قال ويزكي عن عبيده(6/152)
الحضور والغيب وان لم يرج رجعتهم إذا علم حياتهم قال وقال في موضع آخر وان لم يعلم حياتهم فشرط العلم بالحياة في قول واطلق الوجوب في قول علم أو لم يعلم (والثانى) وهو المذكور في الكتاب ان سبب خروج القولين انه نص ههنا على لزوم الفطرة وفى الكفارة علي أن اعتاق مثل هذا العبد لا يجزئ فنقل الجواب من كل مسألة الي الاخرى وجعلتا علي قولين بالنقل والتخريج وجه وجوب الفطرة والاجزاء عن الكفارة ان الاصل بقاؤه ووجه عدم وجوبها وعدم الاجزاء ان الاصل براءة ذمته عن واجب(6/153)
الفطرة واستمرار شغلها بواجب الكفارة الي يقين الاعتاق قال القاطعون بالوجوب (أما) منقول المزني فلا اختلاف فيه الا انه اجاب في النص الاول في إحدى المسألتين دون الاخرى والاحتجاج
بالمفهوم ضعيف (وأما) فصل الكفارة فالنصان مقرران والفرق الاخذ بالاحتياط في الطرفين بتقديره حيا بالاضافة الي الفطرة وميتا بالاضافة الي الكفارة ليأتي بيقين الاعتاق وكيفما قدر فالاظهر(6/154)
وجوب الفطرة وعدم الاجزاء في الكفارة وإذا أوجبنا لفطرة في هذه الصورة فهل نوجب اخراجها في الحال أم يجوز التأخير الي عود العبد كما في زكاة المال في نظائرها المذهب الاول لان المهلة شرعت ثم لمعني النماء وهو غير معتبر ههنا وروى ابن الصباغ عن الشيخ أبي حامد ان الشافعي رضي الله عنه نص في الاملاء على قولين في ذلك قال وهذا بعيد لان امكان الاداء شرط الضمان في زكاة المال والمال الغائب يتعذر الاداء منه وليس كذلك الفطرة هكذا ذكره لكن قال صاحب التهذيب لو دخل الوقت ومات(6/155)
المودى عنه قبل امكان الاداء ففى سقوط الفطرة وجهان فألحقهما في أحد الوجهين بزكاة المال في اعتبار الامكان وحكي الامام هذا الخلاف أيضا * قال (السابعه نفقة زوجة العبد في كسبه وليس عليه فطرتها لانه ليس أهلا لزكاة نفسه فلا يتحمل عن غيره) *(6/156)
العبد ينفق علي زوجته من كسبه ولا يخرج الفطرة عنها حرة كانت أو أمة لانه ليس أهلا لزكاة نفسه فكيف يتحمل عن غيره (أما) النفقة فلابد منها وأقرب موضع يؤدى منه كسبه ثم إذا كانت الزوجة حرة موسرة فهل عليها فطرة نفسها (منهم) من قال هو علي القولين المذكورين فيما إذا كانت تحت زوج معسر و (منهم) من قال عليها فطرتها بلا خلاف لان العبد ليس أهل للخطاب بالفطرة وإن(6/157)
كانت أمة فهل علي سيدها فطرتها فيه هذان الطريقان (والثاني) أظهر في الصورتين ولو ملك السيد عبده شيئا وقلنا انه بملكه لم يكن له إخراج فطرة زوجته عنه استقلالا لانه ملك ضعيف ولو صرح بالاذن في الصرف إلي هذه الجهة ففيه وجهان للشيخ ابى محمد (ان قلنا) له ذلك فليس للسيد الرجوع
عن الاذن بعد استهلال الهلال لان الاستحقاق إذا ثبت فلا مدفع له (خاتمة) قوله في أول المسائل السبع ولا تفارق الفطرة النفقة الا في كذا لا شك أنه لم يعن به مطلق المفارقة لان مفارقتهما لا تنحصر(6/158)
فيما استثناه بل هما مفترقان في القدر والوقت وأمور أخر لا تحصى كثرة وإنما عنى المفارقة في ثبوت النفقة وانتفاء الفطرة لكن هذه المفارقة غير منحصرة أيضا فيما استثناه لمسائل (منها) إذا كان للكافر عبد مسلم ففى فطرته وجهان سنذكرهما والنفقة واجبة (ومنها) إذا أوصى برقبة عبد لرجل وبمنفعته لآخر قال ابن عبد ان فطرته على الموصى له بالرقبة بلا خلاف ونفقته عليه أو على الموصى له بالمنفعة أو في بيت المال فيه ثلاثة أوجه فعلي غير الوجه الاول المسألة من مسائل المفارقة (ومنها) عبد(6/159)
بيت المال والعبد الموفق غلي المسجد في فطرتهما وجهان حكيها عن البحر (الاظهر) وبه أجاب في التهذيب أنها لا تجب والعبد الموقوف علي رجل معين ذكر في العدة ان فطرته تبنى علي الملك فيه (ان قلنا) ان الملك للموقوف عليه فعليه فطرته (وان قلنا) لله تعالي فوجهان ونفى صاحب التهذيب في باب الوقف وجوب فطرته علي الاقوال كلها لانه ليس فيه ملك محقق والاول أشهر ونفقة هؤلاء واجبة لا محالة *(6/160)
قال (الطرف الثاني في صفات المؤدى وهى الاسلام والحرية واليسار فلا زكاة على كافر الا في عبده (ح) المسلم علي قولنا ان المؤدى عنه اصل والمؤدى متحمل عنه ولا زكاة علي رقيق ولا مكاتب (و) في نفسه وزوجته ولا يجب علي السيد زكاة المكاتب لسقوط نفقته وقيل تجب عليه وقيل تجب في مال المكاتب ومن نصفه حر وجب عليه نصف صاع) *(6/161)
اعتبر في مؤدى الفطرة ثلاثة أمور (الاول) الاسلام فلا فطرة على كافر عن نفسه لانه ليس له أهلية التطهير ولا أهلية اقامة العبادات ولا عن غيره إلا إذا ملك الكافر عبدا مسلما أو كان له قريب مسلم ففيه وجهان مبنيان علي أن من يؤدى عنه الفطرة أصيل يتحمل عنه أو الوجوب علي
المؤدى ابتداء (أحدهما) وبه قال ابو حنيفة رحمه الله أنها لا تجب (والثانى) وبه قال احمد تجب ويتصور(6/162)
ملك الكافر العبد المسلم بان يسلم العبد في يده أو يرثه أو يشتريه على قول صحة الشرى ويهل هلال شوال قبل أن نزيل الملك عنه ومستولدته التي أسلمت فيها الوجهان (فان قلنا) بالوجوب فقد قال الامام لاصائر الي أن المتحمل عنه ينوى والكافر لا تصح منه النية وذلك يدل علي استقلال الزكاة بمعنى المواساة ولو أسلمت ذمية تحت ذمى واستهل الهلال في تخلف الزوج ثم أسلم قبل انقضاء العدة ففى وجوب(6/163)
نفقتها مدة التخلف خلاف يأتي في موضعه فان لم نوجبها لم نوجب الفطرة وان أوجبناها فالفطرة علي الخلاف المذكور في وجوب فطرة عبده المسلم (وقوله) في الكتاب الا في عبده المسلم ليكن معلما بالحاء لما نقلناه عن مذهب ابى حنيفة ثم ظاهره يقتضي الجزم بنفي الوجوب في القريب المسلم وفى مسألة اسلام الذمية لانه حصر الاستثناء في العبد وكل ذلك علي الخلاف نص عليه الشيخ أبو علي وغيره(6/164)
(الثاني) الحرية وفيه صور (منها) لا يجب علي الرقيق فطرة نفسه ولا فطرة زوجته لانه لا يملك شيئا فان ملكه السيد مالا فقد ذكرناه وان ملكه عبدا وقلنا أنه يملك سقطت فطرته عن السيد لزوال ملكه عنه ولم تجب علي المملك لضعف ملكه (ومنها) هل تجب علي المكاتب فطرة نفسه (المشهور) أنها لا تجب كمالا تجب عليه زكاة ماله لضعف ملكه (وقيل) إنها تجب عليه في كسبه كنفقته وبه قال احمد وهذا الاختلاف علي ما ذكره الامام قولان (الاول) منهما منصوص (والثانى) مخرج ذكره ابن سريج(6/165)
وعلي ما رواه في التهذيب وجهان واطلقهما الصيدلانى قولين من غير التعرض للنص والتخريج والامر فيه سهل وإذا قلنا بالمشهور وهو أنه لا فطرة عليه فهل هي علي سيده (الظاهر) أنها ليست عليه لسقوط نفقته عنه ونزوله مع السيد منزلة الأجنبي الا ترى انه يبيع منه ويشترى (وروى) ابو ثور عن القديم انها تجب على السيد لانه عبد ما بقى عليه درهم وانكر الشيخ ابو على ان يكون هذا
قولا للشافعي رضي الله عنه وقال انه مذهب ابى ثور نفسه والخلاف في أن المكاتب هل عليه(6/166)
فطرة نفسه يجرى في انه هل عليه فطرة زوجته وعبيده بلا فرق (واعلم) ان قوله في الكتاب ولا زكاة علي رقيق ولا مكاتب في نفسه وزوجته الكلام في الرقيق قد صار مذكورا مرة في المسألة السابقة وانما كرره لانه احتاج إلى ادراجه في صور الاستثناء اولا والي التعرض له في صفات المؤدى ثانيا (وقوله) وقيل تجب عليه أي على السيد وهو القول الذى حكاه ابو ثور (ومنها) حكم(6/167)
المستولدة والمدبر حكم القن علي ما سبق والكلام فيمن نصفه حر ذكره مرة وانما اعاده ههنا ليتبين ان الحرية التى اعتبرها ليست حرية الكل وانما هي الحرية بحسب القدر المؤدى من الفطرة *(6/168)
قال (والمعسر لا زكاة عليه وهو الذى لا يفضل عن مسكنه وعبده الذى يحتاج الي خدمته ودست ثوب يلبسه صاع من الطعام فلو أيسر بعد الهلال لم يتجدد الوجوب بخلاف الكفارات) * الامر الثالث اليسار فالمعسر لا زكاة عليه وكل من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة(6/169)
العيد ويومه ما يخرجه في الفطرة فهو معسر ومن فضل عنه ما يخرجه في الفطرة من أي جنس كان من المال فهو موسر ولم يصرح الشافعي رضي الله عنه واكثر الاصحاب في ضبط اليسار والاعسار الا بهذا القدر وزاد الامام فاعتبر في اليسار أن يكون قدر الصاع فاضلا عن مسكنه وعبده الذى يحتاج إليه في خدمته وقال لا يحسب عليه في هذا الباب مالا(6/170)
يحسب في الكفارة وتابعه المصنف فيما ذكره وانت إذا فحصت عن كتب الاصحاب وجدت اكثرهم ساكتين عن ذلك وقد يغلب على ظنك انه لا خلاف في المسألة والذى ذكره كالبيان والاستدراك
لما اهمله الاولون وربما استشهد عليه بانهم لم يتعرضوا ايضا لدست ثوب يلبسه ولا شك في أنه مبقى(6/171)
عليه فان الفطرة ليست باشد من الدين وأنه مبقى عليه في الديون لكن الخلاف ثابت فان الشيخ ابا على حكى وجها أن عبد الخدمة لا يباع في الفطرة كما لا يباع في الكفارة ثم انكر عليه وقال لا يشترط في صدقة الفطر أن يكون فاضلا عن كفايته بل المعتبر قوت يومه ويفارق الكفارة لان لها بدلا(6/172)
ينتقل إليه فخفف الامر فيها ولا بدل للفطرة فمتي قدر عليه بوجه ما لزمه القضاء كقضاء الدين وذكر في التهذيب ايضا ما يوجب اثبات وجهين في المسألة والاصح عنده الاول كما في الكتاب وقد احتج له بقول الشافعي رضى الله عنه ان الابن الصغير إذا كان له عبد يحتاج الي خدمته فعلى الاب ان(6/173)
يخرج فطرته كما يخرج فطرة الابن ولولا ان العبد غير محسوب لسقط بسببه نفقة الابن ايضا ثم ذكر الامام رحمه الله شيئين (أحدهما) ان كون المخرح فاضلا عن العبد والمسكن وان شرطناه في ابتداء الثبوت فلا نشترطه في الدوام بل إذا ثبتت الفطرة في ذمة انسان بعنا عبده ومسكنه فيها لانها بعد الثبوت التحقت بالديون (والثاني) ان ديون الآدميين تمنع وجوب الفطرة وفاقا كما ان الحاجة الي صرفه(6/174)
الي نفقة الاقارب تمنعه قال ولو ظن ظان ان دين الآدمى لا يمنعه علي قول كما لا يمنع وجوب الزكاة كان مبعدا هذا لفظه وفيه شئ آخر نذكره في اواخر صدقة الفطر ان شاء الله تعالي جده فعلي هذا يشترط مع كون المخرج فاضلا عما سبق كونه فاضلا عن قدر ما عليه من الدين ولم يتعرض(6/175)
له في الكتاب بل لم يتعرض لما اتفقت الكلمة على اعتباره وهو كونه فاضلا عن قوته وقوت من يمونه إلا ان يقال انه تعرض له على سبيل الاشارة فانه إذا اعتبر كونه فاضلا عن العبد والمسكن فاولى ان يكون فاضلا عنه (وقوله) صاع من الطعام لا يخفى انه غير معين وانما المراد قدر صاع من أي جنس كان من المال * وقال ابو حنيفة(6/176)
رحمه الله اليسار المعتبر في الباب ان يكون مالكا لنصاب زكوى ومالك واحمد وافقانا علي عدم اعتباره لان الحق المالي الذى لا يزيد بزيادة المال لا يعتبر فيه وجود النصاب كالكفارات ثم اليسار انما يعتبر وقت الوجوب فلو كان معسرا عنده ثم ايسر فلا شئ عليه لان وجود الشرط(6/177)
بعد فوات الوقت لا يغنى ولو وجد بعض أسباب الكفارات من الشخص وهو عاجز عن جميع خصالها ثم قدر فعليه أن يكفر لان الوجوب قد ثبت ثم والاداء موقوف على القدرة وفيه خلاف يذكر في موضعه (وقوله) فلو أيسر بعد الهلال هذا التصوير مفرع علي قولنا ان وقت الوجوب الاستهلال وقد سبق له نظير (وقوله) لم يتجدد الوجوب فيه ضرب من التوسع إذ لم يكن في الابتداء(6/178)
وجوب حتي يفرض تجدده أو عدم تجدده والمراد منه لم يثبت الوجوب وليكن معلما بالميم لان القاضى الرويانى وصاحب البيان رويا عن مالك انه إن أيسر يوم الفطر وجب عليه الفطرة (وقوله) بخلاف الكفارات أي علي ظاهر المذهب وهو ان الوجوب ثابت إذا قدر بعد العجز عن جميع الخصال وإلا فهما متفقان في الحكم *(6/179)
قال (ولو كان الفاضل نصف صاع وجب اخراجه على أحد الوجهين ولو كان الفاضل صاعا ومعه زوجته وأقاربه أخرج عن نفسه علي الاصح وقيل عن زوجته لان فطرتها دين والدين يمنع وجوب الزكاة وقيل يتخير ان شاء أخرج عن واحد وان شاء وزع وقيل لا يجوز التوزيع ولكن(6/180)
يخرج عمن شاء ولو كان الفاضل صاعا وله عبد اخرج عن نفسه وهل يلزمه بيع جزء من العبد في زكاة نفس العبد فيه خلاف ولو فضل صاع عن زكاته ونفقته وله اقارب قدم من تقدم نفقته فان استووا فيتخير أو يقسط فيه وجهان) *(6/181)
في الفصل فروع (احدها) لو فضل عمالا يحتسب عليه بعض صاع من نصف وثلث وغيرهما فهل يلزمه اخراجه فيه وجهان مرويان عن أبي اسحق (أحدهما) لا كما إذا لم يجد الا نصف رقبة لا يجب اعتاقه في الكفارة وكذا لو لم يقدر الا علي إطعام خمسة مساكين أو كسوتهم (وأصحهما) نعم محافظة على(6/182)
الواجب بقدر الامكان ويخالف الكفارة من وجهين (أحدهما) ان الكفارة لا تتبعض والفطرة تتبعض في الجملة ألا ترى انه لو ملك نصف عبد يلزمه نصف صاع (والثاني) ان الكفارة لها بدل والفطرة لا بدل لها فصار كما لو جد ما يستر به بعض العورة يلزمه لتستر به حتى لو انتهي في الكفارة إلي المرتبة الاخيرة(6/183)
وهى الاطعام ولم يجد الاطعام ثلاثين قال الامام يتعين عندي اطعامهم قطعا (الثاني) لو فضل صاع وهو يحتاج إلي إخراج فطرة نفسه وله زوجة وأقارب ففيه وجوه (أصحها) انه يلزمه تقديم نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " (والثاني) انه يلزمه تقديم زوجته لتأكد حقها وثبوته بالعوض ولهذا تستقر نفقتها في الذمة بخلاف نفقة غيرها * واحتج في الكتاب لهذا الوجه بأن فطرتها دين والدين(6/184)
يمنع وجوب هذا الزكاة (أما) كون الدين مانع لهذه الزكاة (فوجهه) ما سبق في الفصل الذى قبل هذا (وأما) المقدمة الاولى فلصاحب الوجه الاول أن يقول ان ادعيت ان فطرتها دين والحالة هذه فهو ممنوع بل عندي لا يلزم فطرتها إلا إذا فضل عن فطرة نفسه شئ وإن لم يتعرض لهذه الحالة فكما ان فطرتها دين في الجملة ففطرة نفسه وأقاربه دين في الجملة فلم يمنع فطرتها وجوب فطرة غيرها(6/185)
ولا ينعكس (والثالث) انه يتخير ان شاء اخرج عن نفسه وان شاء أخرج عن غيره لاستواء الكل في الوجوب ويحتج لهذا الوجه بقوله في المختصر فان لم يكن عنده بعد القوت لليوم إلا ما يؤدى عن بعضهم أدى عن بعضهم أطلق الاداء عن البعض اطلاقا وهذا الوجه أرجح عند القاضى الرويانى إذا قلنا به فلو أراد أن
يوزع الصاع هل له ذلك نقل في النهاية فيه وجهين (وجه) الجواز صيانة البعض عن الحرمان ووجه(6/186)
المنع وهو الاصح نقصان المخرج عن قدر الواجب في حق الكل مع انه لا ضرورة إليه والوجهان على قولنا ان من لا يجد إلا بعض صاع يلزمه إخراجه فان لم يلزمه لم يجز التوزيع جزما وأورد المسعودي وجه التوزيع إيرادا يشعر بأنه يتعين ذلك محافظة علي الجوانب والله أعلم (الثالث) لو فضل صاع وله عبد صرفه الي نفسه وينظر في العبد ان كان محتاجا إلي خدمته فهل عليه أن يبيع جزءا منه في فطرته(6/187)
فيه وجهان موجهان بطريقين (أحدهما) توجيه الزام البيع بأنه مبيع في الدين فكذلك ههنا بخلاف الكفارة فان لها بدلا وتوجيه الآخر بأن تكليفه إزالة الملك عته مع انه محتاج إليه إضرار به وهذا ما أورده في التهذيب (والثاني) توجيه الالزام بالقياس علي سائر الاموال المبيعة في الفطرة وتوجيه الآخر بأن الفاضل ينبغي أن يكون غير ما عنه يخرج وهذا ما أشار إليه الامام ويحسن أن يرتب فيقال(6/188)
(ان قلنا) الفطرة يجب أن تفضل عن عبد الخدمة فلا يباع شئ منه (وإن قلنا) لا يجب ذلك فوجهان للمأخذ الثاني وإن كان العبد مستغنى عنه جرى الخلاف بالنظر إلى المأخذ الثاني وإذا وقع السؤال عن مطلق العبد حصل في الجواب ثلاثة أوجه وهكذا أورد الامام رحمه الله (ثالثها) الفرق بين عبد الخدمة والعبد المستغي عنه وهو الاظهر وصور صاحب الكتاب المسألة في الوسيط فيما إذا(6/189)
كان العبد مستغني عنه وربما أوهم ذلك تقييد الخلاف به ولا شك في انه لا يتقيد انما الكلام في انه هل يجزئ فيه الرابع لو فضل صاعان عن قدر الحاجة وفى نفقته جماعة فهل يقدم نفسه بواحد أم يتخير فيه وجهان لا يخفى خروجهما مما سبق الاصح انه يقدم نفسه ثم في الصاع الثاني ينظر ان كان من نفقته أقارب فيقدم منهم من يقدم في النفقة والقول في مراتبهم خلافا ووفاقا موضعه(6/190)
كتاب النفقات فان استووا فيتخير أم يقسط فيه وجهان وتوجيههما ما سبق ويتأيد وجه التقسيط بالنفقة فانها توزع في مثل هذه الحالة ولم يتعرضوا للاقراع ههنا وله مجال في نظائره (وقوله) في الكتاب ولو فضل صاع عن زكاته ونفقته أي ونفقة من في نفقته وأراد به ما إذا فضل صاعان علي ما أوضحناه لكن فرع في التصوير علي الاصح وهو انه يقدم نفسه بصاع فان اجتمعت الزوجة مع الاقارب(6/191)
ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) تقديم القريب لان علقته لا تنقطع وعلقة الزوجية؟ بعرض لها الانقطاع ويحكى هذا عن ابن أبى هريرة رحمه الله (وأصحهما) تقديم الزوجة لان نفقتها آكد ألا ترى انها لا تسقط بمضي الزمان (وثالثها) التخير وعلى الاصح فلو فضل صاع ثالث فاخراجه عن أقاربه على ما سبق(6/192)
فيما إذا تمحضوا وظاهر المذهب من الخلاف الذى ذكرناه ومما أخرناه إلى النفقات انه يقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الاب ثم الام ثم ولده الكبير والله أعلم * قال (الطرف الثالث في الواجب وهو صاع مما يقتات والصاع أربعة امداد والمد رطل وثلث بالبغدادي) *(6/193)
الواجب في الفطرة من كل جنس يخرجه صاع وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمهم الله إذ قال يكفى من الحنطة نصف صاع وعنه في الزبيب روايتان * لنا ما روى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال " كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلي الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت " 1 والصاع أربعة امداد والمد رطل وثلث فيكون الصاع بالارطال خمسة وثلثا * وقال(6/194)
أبو حنيفة رحمه الله الصاع ثمانية أرطال أربعة أمناء * لنا نقل أهل المدينة خلفا عن سلف ولمالك مع أبى يوسف رحمهما الله فيه قصة مشهورة 1 وجملة الصاع بالوزن ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث
درهم قال ابن الصباغ وغيره والاصل فيه الكيل وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا وقوله في الكتاب(6/195)
مما يقتات غير مجرى علي ظاهره لا في شمول الحكم لكل مقتات ولا في قصره عليه أما الاول فلان الاقوات النادرة كالفث وحب الحنظل وغيرهما لا يجرى نص عليه وقد بين في الكتاب ذلك بقوله من بعد والقوت ما يجب فيه العشر أي يعنى بالقوت ههنا ذلك وأما الثاني فلما سيأتي في الاقط ويجوز اعلام قوله مما يقتات بالواو لما سيأتي *(6/196)
قال (والقوت كل ما يجب فيه العشر وفى الاقط قولان للتردد في صحة حديث ورد فيه فان صح فاللبن والجبن في معناه المخيض والسمن ثم لا يجزئ المسوس والمعيب ولا الدقيق فانه بدل وقيل انه أصل) *(6/197)
غرض الفصل الكلام في جنس المخرج والذي سبق كان في قدره وكل ما يجب فيه العشر فهو صالح لاخراج الفطرة منه فمن أنواعه ما هو منصوص عليه في الخبر ومنها ما هو مقيس عليه وذكر الموفق ابن طاهر ان صاحب الافصاح حكى عن القديم قولا انه لا يجزئ إخراج العدس والحمص في الفطرة(6/198)
لانهما ادامان والمذهب الاول وفى الاقط طريقان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه علي قولين (أحدهما) انه لا يجوز اخراجه لانه اما غير مقتات أو مقتات لا عشر فيه فأشبه الفث وما إذا اقتاتوا ثمرة لا عشر فيها وبهذا قال أبو حنيفة إلا أن يخرجه بدلا بالقيمة (والثاني) وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله يجوز لحديث أبي سعيد وكلام الامام يقتضى ترجيح القول الاول وصغو(6/199)
الاكثرين إلى ترجيح الثاني ويحكى ذلك عن القاضى أبى حامد وبه أجاب منصور التميمي في المستعمل (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق القطع بالجواز وانما علق القول فيه حين لم يصح الخبر
عنده فلما صح جزم به فان جوزنا فقد ذكر في الكتاب ان الجبن واللبن في معناه وهذا أظهر الوجهين وفيه وجه ان الاخراج مهما لا يجزئ لان الخبر لم يرد بهما ويشبه أن يكون هذا الخلاف جاريا(6/200)
في إخراج من قوته الاقط واللبن والجبن لما بينهما من التقارب كأنهما جنس واحد وفى اخراج من قوته اللبن اللبن (أما) الاول فلان أصحابنا العراقيين حكوا عن القاضي أبى الطيب جواز اخراج اللبن مع وجود الاقط لانه يصلح للاقط وغيره وعن الشيخ أبى حامد انه لا يجزئ اللبن مع وجود الاقط(6/201)
لانه يصلح للادخار واللبن لا يصلح له ففرض الخلاف في حالة وجود الاقط يدل علي ما ذكرناه: وأما الثاني فلان صاحب التهذيب حكي في الذين قوتهم اللبن ان في اخراجهم اللبن وجهين علي قولنا يجوز اخراج الاقط واتفقوا علي أن اخراج المخيض والمصل والسمن لا يجزئ لان الاقتيات انما يحصل عند اجتماع جزئي اللبن وهذه الاشياء لا تصلح للاقتيات حتى لو كان الجبن منزوع الزبد لم يكن(6/202)
مجزئا أيضا ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) لا يجزئ المسوس والمعيب من هذه الاجناس كما لا يجزئ المعيب في سائر الزكوات وإذا جوزنا الاقط لم يجز إخراج المملح الذى أفسد كثرة الملح جوهره لانه معيب وإن لم يفسد جوهره لكن كان الملح ظاهرا عليه فالملح غير محسوب والشرط أن يخرج قدر ما يكون محض الاقط منه صاعا ويجزئ الحب القديم وان قلت قيمته بسبب القدم إذا لم يتغير(6/203)
طعمه ولونه (الثانية) لا يجزئ الدقيق ولا السويق ولا الخبز لان النص ورد بالحب وانه يصلح لما لا تصلح له هذه الاشياء فوجب اتباع مورد النص ولهذا منعنا إخراج القيمة وقال الانماطى يجزئ الدقيق قال ابن عبدان ويقتضي قوله إجزاء السويق وقياسه تجويز الخبز أيضا قال وهذا هو الصحيح لان المقصود اشباع المساكين في هذا اليوم ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة (قوله) والقوت كل(6/204)
ما يجب فيه العشر ليس المراد منه ان القوت هذا علي الاطلاق فان لفظ القوت يقع علي غيره ألا ترى أن الشافعي رضى الله عنه سمي الفث قوتا وإن لم يجب فيه العشر وانما المراد منه ان لفظ القوت إذا استعملناه في هذا الباب عنينا به ما يجب فيه العشر ثم نظم الكتاب يقتضى حصر الاجزاء فيما يجب فيه العشر لانه قال الواجب صاع مما يقتات ثم قال والقوت ما يجب فيه العشر(6/205)
وإنما يثبت الحصر إذا لم يحكم باجزاء الاقط وهو الاظهر عند الامام فلعل حجة الاسلام رحمه الله نحى نحوه لكن صغو الاكثرين الي أجزائه كما بيناه (وقوله) وفى الاقط قولان معلم بالواو للطريقة المعزية إلي أبي اسحق (وقوله) للتردد في صحة حديث ورد فيه أراد به ما ذكره الامام انه روى(6/206)
في بعض الروايات " أو صاعا من اقط " وليست هذه الرواية على الحد المرتضى عند الشافعي رضى الله عنه وليست علي حد التزييف عنده فتردد لذلك قوله (وقوله) فان صح فاللبن والجبن في معناه أي في ثبوت حكم الاجزاء وإلا فمطلق كونه في معناه غير مشروطه بالصحة بل ان صح فيشتركان في الاجزاء وان(6/207)
لم يصح ففي عدم الاجزاء ثم هو معلم بالواو لما سبق (وقوله) ولا الدقيق بالحاء والالف وكذا قوله بانه بدل فان عندهما هو مجزئ وهو أصل وأشار بقوله فانه بدل الي ان الابدال غير مجزئة في الزكاة علي أصلنا وهذا من جملتها لانه غير المنصوص عليه (وقوله) وقيل انه أصل هو الذى حكيناه عن الانماطي ونقل الامام الخلاف في الدقيق قولين عن رواية العراقيين وذكر انه مأخوذ من الاقط المضاف إلى اللبن *(6/208)
قال (ثم يتعين من الاقوات القوت الغالب يوم الفطر في قول وجنس قوته علي الخصوص في قول وقيل يتخير في الاقوات وإذا تعين فلو أبدل بالاشرف جاز كابدال الشعير بالبر ولو كان اللائق بحاله الشعير فأكل البر أو بالعكس جاز أخذ ما يليق بحاله ولو اختلف قوت مالكي عبد(6/209)
واحد لم يكن باختلاف النوعين باس وقيل يجب علي صاحب الاردإ موافقة صاحب الاشرف حذرا من التنويع) * هل يتخير مخرج الفطرة بين الاجناس المجزئة قال العراقيون والشيخ أبو علي فيه وجهان وقال(6/210)
المسعودي وطائفة قولان (أحدهما) انه يتخير لظاهر قوله في الخبر " صاعا من تمر أو صاعا من شعير " وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله وهو الاصح عند القاضي الطبري فيما حكى القاضي الروياني (وأصحهما) عند الجمهور انه لا يتخير وكلمة أو محمولة علي بيان الانواع كما في قوله تعالي (ان يقتلوا أو يصلبوا(6/211)
أو تقطع) فانه ليس للتخير وإنما هو لبيان انواع العقوبة المختلفة بحسب اختلاف الجريمة وعلي هذا فوجهان (أصحهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق ان المعتبر غالب قوت البلد فان كان بالحجاز أخرج التمر وان كان ببلاد العراق أو خراسان فالحنطة وإن كان بطبرستان أو جيلان فالارز(6/212)
ووجهه قوله صلي الله عليه وسلم " اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم " ولو صرف إليه غير القوت الغالب لما كان مغنى عن الطلب فان الظاهر انه يطلب القوت الغالب في البلد وبهذا قال مالك (والوجه الثاني) وبه قال أبو عبيد بن حربويه ان المعتبر قوته علي الخصوص كما ان في الزكاة يعتبر نوع ماله لا الغالب(6/213)
قال ابن عبدان وهذا هو الصحيح عندي ويتعلق بهذا الاختلاف فروع (أحدها) إذا تعين جنس أما لكونه غالب قوت البلد أو لكونه غالب قوته فليس المراد منه انه لا يجوز العدول عنه بحال بل المراد انه لا يجوز العدول إلى ما هو أدني منه اما لو عدل إلى الاعلي فهو جائز بالاتفاق فان قيل إذا عينا جنسا فهلا امتنع(6/214)
العدول إلى غيره وان كان أعلا كما أن الفضة لما تعينت في الفضة امتنع العدول الي الذهب وكذلك يمتنع العدول من الغنم إلي الابل فيجوز أن يقال في الجواب الزكوات المالية متعلقة بالمال فأمر بأن يواسى الفقير مما
واساه الله تعالي والفطرة زكاة البدن فوقع النظر فيها إلي ما هو غذاء البدن وبه قوامه والاقوات متشاركة(6/215)
في هذا الغرض وتعيين شئ منها رفق وترفيه فإذا عدل الي الاعلى كان في غرض هذه الزكاة كما لو أخرج كرائم ماشيته وفيما يعتبر به الادنى والاعلي وجهان (أحدهما) ان النظر إلي القيمة لانه ما كان(6/216)
أكثر قيمة كان أرفق بالمساكين وأشق علي المالك وبهذا قال احمد فيما حكاه القاضى الروياني (وأظهرهما) ان النظر الي زيادة صلاحية الاقتيات فعلي الاول يختلف الحال باختلف البلاد والاوقات إلا أن يعتبر زيادة القيمة في الاكثر وعلي الثاني البر خير من التمر والارز ورجح في التهذيب الشعير أيضا علي التمر وعن الشيخ أبي محمد رحمه الله أن التمر خير منه وله في الزبيب والشعير وفى التمر والزبيب(6/217)
تردد قال الامام والاشبه تقديم التمر علي الزبيب (الثاني) إذا قلنا المعتبر قوت كل شخص بنفسه وكان يليق بحاله البر وهو يقتات الشعير بخلا لزمه البر ولو كان يليق بحاله الشعير لكنه كان يتنعم باقيات البر فهل يجزئه الشعير فيه وجهان (أحدها) لا نظرا إلي اعادته (واصحهما) نعم نظرا الي اللائق بامثاله ويشبه أن يرجع هذا الخلاف الي اختلاف عبارتين للاصحاب في حكاية وجه ابن حربوبه فحكي(6/218)
بعضهم أن المعتبر قوت الشخص في نفسه وحكى آخرون أن المعتبر القوت اللائق بامثاله فعلي الثانية يجزئ الشعير وعلي الاول لا يجزئ (والثانية) هي التى أوردها الصيدلاني وجمع صاحب التهذيب بينهما ورجح الثانية (الثالث) قد يخرج الواحد الفطرة عن شخصين من جنسين فيجزئه كما إذا اخرج عن احد عبديه أو قريبيه من غالب قوت البلد إن اعتبرناه أو من(6/219)
غالب قوته ان اعتبرناه وعن الآخر من جنس أعلا منه وكذا لو ملك نصفين من عبدين فأخرج نصف صاع عن احد النصفين من الواجب ونصفا عن الثاني من جنس اعلا منه وإذا خيرنا بين
الاجناس فله اخراجها من جنس بكل حال ولا يجوز أن يخرج الواحد عن الواحد الفطرة من جنسين(6/220)
وان كان احدهما اعلا من الواجب كما إذا وجب الشعير فأخرج نصف صاع منه ونصفا من الحنطة ورأيت لبعض المتأخرين تجويزه وبه قال ابو حنيفة * لنا ظاهر الحديث " فرض النبي صلي الله عليه(6/221)
وسلم صاعا من شعير أو صاعا من تمر " وإذا بعض لم يخرج صاعا من تمر ولا صاعا من شعير وايضا فانها واجب واحد فلا يجوز تبعيضه كمالا يجوز في كفارة اليمين ان يطعم خمسة ويكسو خمسة ولو ملك رجلان عبدا فان(6/222)
خيرنا بين الاجناس أخرجا ما شاء بشرط اتحاد الجنس وان أوجبنا غالب قوت البلد وكانا في بلد واحد أخرجا بحسب الملك صاعا منه هكذا أطلقوه وهو محمول علي ما إذا كان العبد عندهما أيضا لانه إذا كان غائبا وجب النظر في ان الفطرة تجب علي السيد ابتداء أم هو متحمل لما سنرويه عن الشيخ أبى على ولان صاحب التهذيب حكي انه لو كان له عبد غائب وقوت بلده يخالف قوت بلد العبد(6/223)
فالواجب قوت بلده أو قوت بلد العبد يخرج علي الاصل المذكور وان كان السيدان في بلدين مختلفى القوت واعتبرنا قوت الشخص بنفسه وختلف قوتهما ففيه وجهان (أظهرهما) وبه قال أبو إسحاق وابن الحداد انه يجوز أن يخرج كل واحد منهما قدر ما يلزمه من قوته أو قوت بلده لانهما إذا أخرجا هكذا أخرج كل واحد منهما جميع ما لزمه من جنس واحد وشبه ذلك بما إذا قتل ثلاثة من المحرمين(6/224)
ظبية فذبح أحدهم ثلاث شياه واطعم الثاني بقيمة ثلاث شياه وصام الثالث عدل ذلك يجزئهم (والثاني) وبه قال ابن سريج لا يجوز ذلك لان المخرج عنه واحد فلا يتبعض واجبه وعلي هذا فوجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الامام والمصنف ان علي صاحب الاردإ موافقة صاحب الاشرف احترازا من التفريق ومحافظة على جانب المساكين (والثاني) ان صاحب الاشرف ينزل ويوافق صاحب الاردإ دفعا للضرر عنه وهذا(6/225)
حكاه القاضي الروياني وغيره عن ابن سريج قال الشيخ ابو على الوجهان عندي في الاصل مخرجان علي أن فطرة العبد تجب على السيد ابتداء أو هو متحمل (ان قلنا) بالاول جاز التبعيض (وان قلنا) بالثاني فلا لان العبد واحد لا يلزمه الفطرة من جنسين والشئ لا يتحمل ضمانا الا كما وجب * ذكر الشيخ هذا فيما إذا اعتبرنا قوت الشخص في نفسه واختلف قوتهما ولقائس أن يخرج الوجهين إذا اعتبرنا قوت البلد وكانا مختلفى القوت علي هذا الاصل أيضا ثم ان كان العبد في بلد أحدهما(6/226)
فعلي التقدير الثاني يلزمهما صاع من قوت ذلك البلد وان كانا في بلد ثالث يلزمهما صاع من قوت ذلك البلد الثالث وهذا وجه قد رواه صاحب الشامل وآخرون مرسلا قالوا يخرجان صاعا من قوت بلد العبد ولو كان الاب في نفقة ولدين فالقول في إخراجهما الفطرة نه كالقول في السيدين وكذا من نصفه حر ونصفه رقيق إذا أوجبنا عليه نصف الفطرة على التفصيل الذى سبق فيه فعند ابن الحداد(6/227)
يجوز أن يخرجا من جنسين وعند ابن سريج لا يجوز (الرابع) ان أوجبنا غالب قوت البلد وكانوا يقتاتون أصنافا مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فله أن يخرج ما شاء والافضل أن يخرج من الاشرف * ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفط الكتاب (أما) قوله ثم يتعين من الاقوات القوت الغالب معلم بالحاء (وقوله) وجنس قوته بالحاء والميم (وقوله) يتخير بالميم لما رويناه ويجوز اعلامها جميعا بالالف(6/228)
وكذا اعلام قوله قبل هذا الفصل مما يقتات لان ابن الصباغ روى عن احمد انه لا يجوز أن يخرج الا من الاجناس الخمسة المنصوص عليها أي في حديث أبى سعيد (وقوله) القوت الغالب يوم الفطر التقييد بيوم الفطر لم أظفر به في كلام غيره وبين لفظه ههنا ولفظه في الوسيط بعض المباينة لانه قال فيه المعتبر غالب قوت البلد في وقت وجوب الفطرة لا في جميع السنة (وقوله) وجنس قوته علي(6/229)
الخصوص ظاهره يشعر بالعبارة الاولي من العبارتين الحاكيتين لوجود ابن حربويه وتسمية الاول والثانى قولين لا تكاد يوجد لغيره وانما حكاهما الجمهور وجهين (وأما) قوله وقيل يتخير فمنهم من حكاه قولا علي ما سبق (وقوله) ولو كان اللائق بحالة الشعير يتفرع علي اعتبار قوت الشخص دون اعتبار القوت الغالب وإن كان معطوفا علي ما يتفرع عليهما جميعا (وقوله) أخذ مما يليق يحاله يجوز إعلامه بالواو لاحد الوجهين(6/230)
في الصورة الاولي انه يتعين إخراج البر (وقوله) ولو اختلف قوت مالكى عبد تفريع للمسألة علي اعتبار قوت الشخص وهو صحيح لكنها لا تختص بل تتفرع على أن المعتبر غالب قوت البلد أيضا على الوجه الذى تقدم واطلاق النوع في المسألة توسع والمراد الجنس * {خاتمة} في باب الفطرة مسائل ذات وقع منصوص عليها في المختصر أهملها المصنف ونحن(6/231)
لم نؤثر الاعراض عنها (احداها) إذا باع عبدا بشرط الخيار فوقع وقت الوجوب في زمان الخيار (إن قلنا) الملك في زمان الخيار للبائع فعليه فطرته وان أمضى البيع (وان قلنا) للمشترى فعليه فطرته وان فسخ البيع وان توقفنا فان تم البيع فعلي المشترى والا فعلي البائع وان تبايعا ووقع وقت الوجوب في مجلس الخيار كان كما لو وقع في زمان الخيار المشروط(6/232)
(الثانية) لو مات عن رقيق ثم أهل شوال فان لم يكن عليه دين أخرج ورثته الفطرة عن الرقيق كل بقدر حصته وان كان عليه دين يستغرق التركة فالذي نقله المزني ان عليهم الفطرة من غير فرق بين أن يباع في الدين أو لا يباع وعن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه ان عليهم اخراج الفطرة ان بقى الرقيق لهم فجعلوا المسألة علي قولين إذا بيع في الدين * وجه الوجوب انه ملكهم الا انه غير مستقر وذلك لا يمنع وجوب الفطرة فانها تجب مع انتفاء الملك أصلا ورأسا فأولى أن تجب مع ضعف(6/233)
الملك ووجه المنع ان ايجاب الفطرة مع نقصان الملك وكونه بعرض الزوال اجحاف بهم وبنى
الاكثرون المسألة أولا علي اصل وهو أن الدين هل يمنع انتفاء الملك في التركة الي الورثة فظاهر المذهب.
وهو نصه ههنا انه لا يمنع لانه ليس فيه أكثر من تعلق الدين به وذلك لا يمنع الملك كما(6/234)
في المرهون والعبد الجاني وقال الاصطخرى يمنع وربما جعل هذا قولا ضعيفا للشافعي رضى الله عنه ووجهه ان لله تعالى جده قدم الدين علي الميراث حيث قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) فان قلنا بالاول فعليهم فطرته بيع في الدين أو لم يبع وفهمت من كلام الامام أنه يجئ فيه الخلاف المذكور في المرهون والمغصوب(6/235)
(وان قلنا) بالثاني فان بيع في الدين فلا شئ عليهم وإلا فعليهم الفطرة وفى الشامل حكاية وجه مطلق انه لا شئ عليهم ويشبه أن يكون مأخذهما ما حكاه الامام ان أكثر المفرعين علي المذهب المنسوب الي الاصطخرى(6/236)
يقولون بالتوقف أن صرف العبد إلى الدين بان انهم لم يملكوها وان أبرأ أصحاب الديون أو قضاها الورثة من غير التركة بان انهم ملكوها وان بعضهم قال بثبوت الملك للورثة عند زوال الديون ابتداء من غير اسناد وتبين وعن القاضى أبى الطيب ان فطرته تجب في تركة السيد علي أحد القولين كالعبد(6/237)
الموصي بخدمته هذا إذا مات السيد قبل استهلال الهلال وإن مات بعده ففطرة العبد واجبة عليه كفطرة نفسه وتقدم علي الوصايا والميراث وفى تقديمها علي الديون طريقان (أظهرهما) انه علي ثلاثة أقوال علي ما قدمناها في زكاة المال (والثانى) القطع بتقديم الفطرة لانها متعلقة بالعبد واجبة بسببه فصار كارش جنايته (وأما) فطرة نفسه فهى علي الاقوال وحكى القاضى الروياني طريقة أخرى قاطعة بتقديم فطرة نفسه أيضا لقلتها(6/238)
في الغالب وسواء أثبتنا الخلاف أم لا فالمنصوص عليه في المختصر تقديم الفطرة على الدين وذلك انه قال ولو مات بعد ما أهل شوال وله رقيق فزكاة الفطر عنه وعنهم في ماله مبداة علي الديون ولك أن تحتج بهذا النص علي خلاف ماقاله الامام وتابعه المصنف لان سياقه يفهم أن المراد مااذا طرأت الفطرة علي الدين الواجب
وإذا كان كذلك لم يكن الدين مانعا منها وبتقدير الا يكون هو المراد لكن اللفظ مطلق يشمل ما إذا طرأت الفطرة علي الدين وبالعكس فاقتضى ذلك ألا يكون الدين مانعا (الثالثة) أوصى لانسان(6/239)
بعبد ومات الموصي بعد مضى وقت الوجوب فالفطرة في تركته وان مات قبله وقبل الموصى له الوصية قبل الهلال فالفطرة عليه وان لم يقبل حتى دخل وقت الوجوب فعلي من الفطرة يبني علي أن الموصى له متى يملك الوصية (ان قلنا) يملكها بموت الوصي فان قبل فعليه الفطرة بلا شك وان رد ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو علي (أصحهما) الوجوب لانه كان مالكا للعبد إلى أن رد (والثاني) لا لعدم استقرار ملكه (وان قلنا) انها تملك بالقبول فيبنى علي أن الملك قبل القبول لمن يكون(6/240)
وفيه وجهان (أصحهما) انه للورثة فعلى هذا ففي الفطرة وجهان (أصحهما) انها عليهم (والثاني) لا لانا تبينا بالقبول ان ملكهم لم يستقر عليه (والوجه الثاني) انه باق على ملك الميت(6/241)
فعلى هذا لا تجب فطرته علي أحد لان إيجابها على الميت ابتداء بعيد وغيره غير مالك وفى التهذيب حكاية وجه آخر انها تجب في تركته (وان قلنا) بالتوقف فان قبل فعليه الفطرة والا فعلى الورثة هذا(6/242)
كله إذا قبل الموصى له ولو مات قبل القبول وبعد وقت الوجوب فقبول وارثه يقوم مقام قبوله والملك يقع له فحيث أوجبنا عليه الفطرة لو قبلها بنفسه فهي في تركته إذا قبل وارثه فان لم يكن له(6/243)
سوى العبد تركة ففى بيع جزء منه للفطرة ما سبق ولو مات قبل وقت الوجوب أو معه فالصدقة علي الورثة إذا قبلوا لان وقت الوجوب كان في ملك الورثة والله اعلم (واعلم) أن حجة الاسلام رحمه(6/244)
الله وان أهمل هذه المسألة الثالثة في هذا الموضع الا انه أشار إليها اشارة خفيفة في آخر الباب الاول(6/245)
من كتاب الوصايا وفقهها على الاختصار ما أتيت به *(6/246)
[كتاب الصيام]
قال {والنظر في الصوم والفطر (أما) الصوم فالنظر في سببه وركنه وشرطه وسننه (أما سببه) فرؤية الهلال ويثبت بشهادة عدلين وان كانت السماء مصحية ويثبت بشهادة واحد على قول احتياطا للعبادة بخلاف هلال شوال ويثبت لمن تقبل روايته على قول سلوكا به مسلك الاخبار فان صمنا بقول واحد ولم نر هلال شوال بعد ثلاثين لم نفطر بقوله السابق وقيل نفطر لان الاخير يثبت ضمنا لثبوت الاول لا قصدا بالشهادة عليه}(6/247)
قال الله تعالى (كتب عليكم الصيام) الآيات وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بني الاسلام على خمس " الحديث وذكر للاعرابي الذى سأله عن الاسلام " صوم شهر رمضان فقال هل علي غيره فقال لا إلا أن تتطوع " (وقوله) في صدر الكتاب والنظر في الصوم والفطر لم يعن به مطلق الصوم والفطر وإنما عنى به صوم رمضان والفطر الواقع فيه ألا ترى أنه قال في آخر الكناب اما صوم التطوع(6/248)
فكذا أشار إلي أن ما سبق كلام في الصوم المفروض وأيضا فانه قال والنظر في سببه ومعلوم أن المذكور سبب صوم رمضان لا سبب مطلق صوم الفرض وما هو اعم منه وهو الصوم وأيضا فان القسم الثاني معقود في مبيحات الافطار وموجباته وهى مخصوصة بصوم رمضان إلا أن معظم الكلام المذكور في نظرى الركن والشرط لا اختصاص له بصوم رمضان وكان الاحسن في الترتيب ان يبين صفة الصوم مطلقا بذكر ركنيه وشروطه ثم يتكلم فيما يخص كل واحد من نوعي الفرض والنفل * وفقه الفصل أن صوم رمضان يجب بأحد أمرين (إما) استكمال شعبان ثلاثين (أو) رؤية الهلال لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال " لا تصوموا حتى تروا
الهلال ولا تفطروا حتى تروه فان غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " أما استكمال شعبان فظاهر (وأما)(6/249)
رؤية الهلال فالناس ضربان (من) رأى الهلال فيلزمه الصوم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته " ومن لم يره فبم تثبت الرؤية في حقه إن شهد عدلان تثبت وإن شهد واحد فقولان (احدهما) وبه قال مالك وهو رواية البويطي أنها لا تثبت لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤبته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوما ألا ان يشهد شاهدان " ولانه لا يحكم في هلال شوال الا بقول عدلين فكذلك في هلال رمضان (واصحهما) وهو الذى نص عليه في أكثر كتبه وبه قال احمد في الرواية الصحيحة عنه انها تثبت لما روى عن ابن عباس رضى الله(6/250)
عنهما " ان اعرابيا جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال انى رأيت الهلال فقال اتشهد ان لا اله إلا الله فقال نعم فقال اتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم قال فأذن في الناس يا بلال فليصوموا غدا " وعن(6/251)
ابن عمر رضى الله عنهما قال " تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلي الله عليه وسلم انى رأيته فصام وامر الناس بالصيام " والمعنى فيه الاحتياط لامر الصوم قال علي رضى الله لان اصوم يوما من شعبان احب من ان افطر يوما من رمضان ونقل الشيخ ابو محمد عن ابى اسحق طريقة(6/252)
قاطعة بقبول قول الواحد والمشهور طريقة القولين (التفريع) ان قلنا لا بد من اثنين فلا مدخل لشهادة النساء فيه ولا اعتبار بقول العبيد ولا بد من لفظ الشهادة وتختص بمجلس القضاء لكنها شهادة حسبة لا ارتباط لها بالدعاوي كذلك حكاه الامام وان قبلنا قول واحد فهل هو على طريق الشهادة أم علي(6/253)
طريق الرواية فيه وجهان (اصحهما) انه شهادة الا ان العدد سومح به والبينات مختلفة المراتب (والثاني) وبه قال ابو اسحق انه رواية لان الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئا وهذا خبر عما يستوى فيه المخبر
وغير المخبر فأشبه رواية الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم فعلي الاول لا يقبل فيه قول المرأة والعبد(6/254)
ويحكي ذلك عن نصه في الام وعلي الثاني يقيل وهل يشترط لفظ الشهادة قال الشيخ أبو على وغيره هو علي الوجهين ومنهم من قدر اشتراطه متفقا عليه * واحتج به للوجه الاول وهل يقبل قول الصبى المميز الموثوق به على الوجه الثاني قال الامام فيه وجهان مبنيان علي قبول رواية الصبيان وجزم في التهذيب بعدم القبول مع حكاية الخلاف في روايته وهو المشهور وذكر الامام وابن الصباغ(6/255)
تفريعا علي الوجه الثاني أنه إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال لزم اتباع قوله وان لم يذكر بين يدى القاضى وقالت طائفة يجب الصوم بذلك إذا اعتقد المخبر صادقا ولم يفرعوه علي شئ ومن هؤلاء ابن عبدان وصاحب التهذيب وكذلك ذكر المصنف في الاحياء والله أعلم * وعلي القولين جميعا لا يقبل قول الفاسق لكن ان اعتبرنا العدد اعتبرنا العدالة الباطنة وهى التى يرجع فيها إلى(6/256)
أقوال المزكيين وان لم نعتبر العدد ففي اعتبار العدالة الباطنة وجهان جاريان في قبول رواية المستور قال الامام واطلق بعض المصنفين الاكتفاء بالعدالة الظاهرة وهو بعيد نعم قد نقول يأمر القاضي بالصوم بظاهر العدالة كى لا يفوت الصوم ثم نبحث بعد ذلك ولا فرق علي القولين بين ان تكون(6/257)
السماء مصحية أو متغيمة * وعند ابى حنيفة يثبت هلال رمضان في الغيم بواحد وفى الصحو يعتبر الاستفاضة والاشتهار ويختلف ذلك باختلاف صغر البلدة وكبرها قال الرويانى وربما قالوا يعتبر عدد القسامة خمسون رجلا وإذا صمنا بقول واحد تفريعا على أصح القولين ولم نر الهلال بعد ثلاثين(6/258)
فهل نفطر فيه وجهان (أحدهما) لا لانا لو أفطرنا لكنا مفطرين بقول واحد والافطار بقول واحد لا يجوز ألا ترى أنه لو شهد علي هلال شوال ابتداء لم نفطر بقوله (والثاني) نفطر لان الشهر يتم بمضي ثلاثين
وقد ثبت أوله بقول الواحد ويجوز أن يثبت الشئ ضمنا بما لا يثبت به اصلا ومقصودا الا ترى(6/259)
ان النسب والميراث لا يثبتان بشهادة النساء ويثبتان ضمنا للولادة إذا شهدن عليها واعترض الامام عليه بان النسب لا يثبت بقولهن لكن إذا ئبتت الولادة ثبت النسب بحكم الفراش القائم وههنا بخلافه وللمحتج أن يقول لا معنى للثبوت الضمني الا هذا وخذ منى مثله ههنا عندي لا نفطر بقوله لكن إذا ثبت أول الشهر انتهي بمضي ثلاثين يوما وجاء العيد ولا صوم يوم العيد وما موضع(6/260)
الوجهين نقل في التهذيب فيه طريقين (أحدهما) أن الوجهين فيما إذا كانت السماء مصحية أما إذا كانت متغيمة فنفطر بلا خلاف وهذا ما اورده صاحب العدة واوفقهما لكلام صاحب الكتاب والاكثرين ان الوجهين شاملان للحالتين ثم إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول لكن المعظم رجحوا الثاني وحكوه عن نصه في الام وبه قال ابو حنيفة رحمه الله ولو صمنا بقول عدلين ولم نر الهلال بعد ثلاثين فان كانت السماء متغيمة أفطرنا(6/261)
وعيدنا وان كانت مصحية فكذلك عند عامة الاصحاب وحكاه في الشامل عن نصه في الام وحرمله لان العدلين لو شهدا ابتداء على هلال شوال لقبلنا شهادتهما وافطرنا فلان نفطر بناء علي ما أثبتناه بقولهما أولا أولى وقال ابن الحداد لا نفطر وينسب إلى ابن سريج أيضا وبه قال مالك لانا انما نتبع قولهما بناء علي الظن وقد تبقنا خلافه وقد عرفت بما ذكرنا أن في الصورتين وجهين الا أن الافطار(6/262)
في الثانية أظهر منه في الاولى وفرع بعضهم على قول ابن الحداد فقال لو شهد اثنان على هلال شوال ثم لم ير الهلال والسماء مصحية بعد ثلاثين قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه لانه بان كونه من رمضان لكن لا كفارة على من جامع لان الكفارة تسقط بالشبهة وعلي ظاهر المذهب لا قضاء ولا كفارة ويتعلق بالقولين في اعتبار العدد مسألة اخرى وهي ان الهلال هل يثبت بالشهادة علي الشهادة وقد حكى الشيخ أبو على فيه طريقين(6/263)
(أحدهما) أنه علي القولين في أن حدود الله تعالي هل تثبت بالشهادة علي الشهادة (واصحهما) القطع بثبوته كالزكاة واتلاف بوارى المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء وعلى هذا فعدد الفروع مبنى علي القول في الاصول ان اعتبرنا العدد في الاصول فحكم الفروع ههنا حكمهم في سائر الشهادات ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد وان نعتبر العدد (فان قلنا) ان طريقه طريق الرواية(6/264)
فوجهان (احدهما) انه يكفى واحد كرواية الاخبار (والثانى) لابد من اثنين قال في التهذيب وهو الاصح لانه ليس بخبر من كل وجه بدليل انه لا يكفى ان يقول اخبرني فلان عن فلان انه رأى الهلال وعلي هذا فهل يشترط اخبار حرين ذكرين ام يكفى امراتان وعبدان فيه وجهان (اظهرهما) الاول ونازع الامام في انه لا يكفى قوله اخبرني فلان عن فلان علي قولنا أنه رواية (وان قلنا) ان طريقه طريق الشهادة فهل يكفى واحد ام لابد من اثنين فيه وجهان المذكور في التهذيب منهما الثاني ولنعد الي مافى لفظ الكتاب (قوله) أما السبب(6/265)
فرؤية الهلال يشعر ظاهره بالحصر لكن الحصر غير مراد منه بل استكمال شعبان في معنى رؤية الهلال علي ما بيناه والتحقيق أن السبب شهود الشهر لا هذا ولا ذاك ولكنهما طريقان لمعرفة شهود الشهر ولا يلحق بهما ما يقتضيه حساب المنجم فلا يلزم به شئ لا عليه وعلي غيره قال القاضي الرويانى وكذا من عرف منازل القمر لا يلزمه الصوم به في أصح الوجهين (وأما) الجواز فقد قال في التهذيب لا يجوز تقليد المنجم في حسابه لا في الصوم ولا في الافطار وهل يجوز له أن يعمل بحساب نفسه فيه وجهان وفرض الرويانى الوجهين فيما إذا عرف منازل القمر وعلم به أن الهلال(6/266)
قد أهل وذكر أن الجواز اختيار ابن سريج والقفال والقاضى الطبري قال ولو عرفه بالنجوم لم يجز ان يصوم به قولا واحدا ورأيت في بعض المسودات تعدية الخلاف في جواز العمل به الي غير المنجم والله أعلم * وسنذكر فائدة الجواز حيث حكمنا به من بعد (وقوله) وإن كانت السماء مصحية
معلم بالحاء (وقوله) يثبت بشهادة واحد بالميم وكذا قوله ويثبت بمن تقبل روايته لما سبق والاغلب علي الظن أنه قصد أن يورد الخلاف في المسألة كما اورده في الوسيط وهو حكاية ثلاثة أقوال في قبول(6/267)
قول الواحد (أحدها) انه لا يقبل (والثاني) يقبل بشرط ان يكون من اهل الشهادة (والثالث) يقبل إذا كان من اهل الرواية ثم أنه اغفل الاول واورد الآخيرين وهما مفرعان على قبول قول الواحد ولو اعلما بالواو لمكان الاول جاز ثم الجمهور اوردوهما وجهين لا قولين نعم ذكر الصيدلانى انهما قولان من تخريج ابن سريج فيجوز تنزيلهما عليه (وقوله) بخلاف هلال شوال يجوز ان يعلم بالواو لا لان ابا ثور قال بثبوته بقول واحد فان له مذهبا تفرد به ولكن لانه حكى عن صاحب التقريب أنه ميل القول فيه وقال بعد رواية مذهب أبي ثور وهذا لو قلت به لواكن مبعدا ووجهه انه اخبار(6/268)
عن خروج وقت العبادة فيقبل فيه قول الواحد كالاخبار عن دخول وقتها (وقوله) لم نفطر معلم بالحاء لما سبق ويجوز ان يعلم قوله يفطر في الوجه الثاني بالميم لان مالكا منع من الافطار إذا إذا صمنا بقول عدلين ولم نر الهلال فاولي ان نمنع إذا صمنا بقول واحد ولم نره (واعلم) ان صاحب التهذيب رحمه الله ذكر تفريعا على الحكم بقبول الواحد انا لا نوقع به العتق والطلاق المعلقين بهلال رمضان ولا نحكم بحلول الدين المؤجل به ولو قال قائل هلا ثبت ذلك ضمنا كما سبق نظيره لاحوج إلى الفرق والله اعلم *(6/269)
قال {فإذا رؤى الهلال في موضع لم يلزم الصوم في موضع آخر بينهما مسافة القصر إذا لم ير فيه وقيل يعم حكمه سائر البلاد فعلي الاول لو سافر الصائم إلي بلد آخر لم ير فيه الهلال بعد ثلاثين صام معهم بحكم الحال ولو كان أصبح معيدا وسارت به السفينة الي حيث لم ير الهلال(6/270)
كان الاولى أن يمسك بقية النهار ويبعد ايجابه فان فيه تجزئة اليوم وإذا رأى هلال شوال قبل
الزوال لم يجز (ح) الافطار إلا بعد الغروب} في الفصل مسألتان (إحداهما) إذا رؤى الهلال في بلدة ولم ير في أخرى نظر إن تقاربت البلدتان فحكمهما حكم البلده الواحدة وإن تباعدتا فوجهان (أظهرهما) وبه قال ابو حنيفة رحمه الله وهو اختيار(6/271)
الشيخ أبي حامد انه لا يجب الصوم على اهل البلدة الاخرى لما روى عن كريب قال " رأينا الهلال بالشام ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة فقال ابن عباس رضي الله عنهما متى رأيتم الهلال قلت ليلة الجمعة فقال انت رأيت قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدد أو نراه قلت اولا تكتفى برؤية معاوية قال هكذا امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " (والثانى) يجب وهو اختيار القاضى ابى الطيب ويروى عن احمد لان الارض(6/272)
مسطحة فإذا رؤى في بعض البلاد عرفنا ان المانع في غيره شئ عارض لا أن الهلال ليس بمحل الرؤيه * وبم يضبط تباعد البلدتين اعتبر في الكتاب مسافة القصر وكذلك نقله الامام وصاحب(6/273)
التهذيب قال الامام ولو اعتبروا مسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر لكان متجها في المعنى وقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر للارتفاع والانخفاض وقد لا يوجد مع(6/274)
مجاوزتها لها لكن لا قائل به هكذا ذكره لكن العراقيون والصيدلاني وغيرهم اعتبروا ما تمناه وضبطوا التباعد بان يكون بحيث تختلف المطالع كالعراق والحجاز والعراق وخراسان والتقارب بان لا تختلف(6/275)
كبغداد والكوفة والرى وقزوين ومنهم من اعتبر اتحاد الاقليم واختلافه ويتفرع علي الوجهين فرعان (احدهما) لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الي بلد بعيد لم ير الهلال فيه في يومه الاول (فان قلنا)(6/276)
لكل بلدة حكمها فهل يلزمه أن يصوم معهم أم يفطر فيه وجهان أظهرهما وبه قال القفال وهو المذكور في الكتاب أنه يصوم معهم لانه بالانتقال إلى بلدتهم أخذ حكمهم وصار من جملتهم وقد(6/277)
روى ان ابن عباس رضي الله عنهما " امر كريبابان يقتدى باهل المدينة " (والثانى) أنه يفطر لانه التزم حكم البلدة الاولى فيستمر عليه وشبه ذلك بمن أكرى دابة يجب الكراء بنقد البلد المنتقل عنه واوهم في التهذيب ترجيح هذا الوجه وإن عممنا الحكم سائر البلاد فعلي أهل البلدة المنتقل إليها(6/278)
موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إما بقوله لعدالته أو بطريق آخر وعليهم قضاء اليوم الاول ولك ان تقول قياسا علي هذا لو سافر من البلدة التى رؤى فيها الهلال ليلة الجمعة إلى التى رؤى فيها الهلال ليلة السبت ورؤى هلال شوال ليلة السبت فعليهم التعييد معه وان لم يصوموا إلا ثمانية(6/279)
وعشرين يوما ويقضون يوما وعلي قياس الوجه الاول لا يلتفتون إلى قوله رأيت الهلال وإن قبلنا في الهلال قول عدل وعلي عكسه لو سافر من حيث لم ير فيه الهلال الي حيث رؤى فعيدوا اليوم التاسع والعشرين من صومه فان عممنا الحكم أو قلنا له حكم البلد المنتقل إليه عيد معهم وقضى يوما وان(6/280)
لو نعمم الحكم أو قلنا له حكم البلد المنتقل عنه فليس له ان يفطر (الثاني) لو رؤى الهلال في بلد فاصبح الشخص معيدا وسارت به السفينة وانتهى الي بلدة علي حد البعد فصادف أهلها صائمين فعن الشيخ أبي محمد انه يلزمه امساك بقية اليوم إذا قلنا ان لكل بلدة حكمها.
واستعبده الامام من حيث انه(6/281)
لم يرد فيه اثر ويجزئه اليوم الواحد وايجاب امساك بعضه بعيد وتابعه صاحب الكتاب فقال ويبعد ايجابه الي آخره وللشيخ ان يقول لم لا يجوز ان يجب امساك بعض اليوم الا ترى أن من اصبح يوم الثلاثين من شعبان مفطرا ثم قامت البينة علي رؤية الهلال يجب عليه امساك بقية النهار (وقوله)(6/282)
الاولي امساك بقية النهار انما حسن منه لانه نفى الوجوب اما من يوجبه فلا يقول للمحتوم انه اولى فيجوز ان يعلم بالواو لقوله (واعلم) ان هذه المسألة يمكن تصويرها علي وجهين (أحدهما) ان يكون ذلك اليوم الثلاثين من صوم اهل البلدتين لكن اهل البلدة المنتقل إليها لم يروا الهلال (والثانى) ان يكون(6/283)
اليوم التاسع والعشرين لاهل البلدة المنتقل إليها لتأخر ابتداء صومهم بيوم وامساك بقية اليوم في الصورتين ان لم نعمم الحكم علي ما ذكرنا.
وجواب الشيخ ابى محمد كما هو مبنى علي ان لكل بلدة حكمها فهو مبني ايضا على ان للمنتقل حكم المنتقل إليه وان عممنا الحكم فاهل البلد المنتقل إليه إذا كانوا(6/284)
يعرفون في أثناء اليوم انه يوم عيد فهو شبيه بما إذا شهد الشهود على رؤية الهلال يوم الثلاثين وقد سبق بيانه في صلاة العيد وان اتفق هذا السفر لعدلين وقد رأيا الهلال بنفسيهما وشهدا في البلدة المنتقل إليها فهذا عين الشهادة بروية الهلال في يوم الثلاثين في التصوير الاول (وأما) في التصوير الثاني فان عممنا الحكم جميع البلاد لم يبعد ان يكون الاصغاء الي كلامهما علي ذلك التفصيل أيضا فان قبلوا قضوا يوما وان لم نعمم الحكم لم يلتفت الي قولهما ولو كان الامر بالعكس فاصبح الرجل صائما وسارت به السفينة(6/285)
الي حيث عيدوا فان عممنا الحكم أو قلنا له حكم البلدة المنتقل إليها افطر وإلا لم يفطر وإذا افطر قضي يوما ان لم يصم الا ثمانية وعشرين يوما (المسألة الثانية) إذا رؤى الهلال بالنهار يوم الثلاثين فهو لليلة المستقبلة سواء رؤى قبل الزوال أو بعده فان كان هلال رمضان لم يلزمهم امساك ذلك اليوم وان كان هلال شوال وهو المذكور في الكتاب لم يكن لهم الافطار حتي تغرب الشمس وعند ابي يوسف(6/286)
ان رؤى قبل الزوال فهو لليلة الماضية وبه قال احمد فيما إذا كان المرئى هلال رمضان وان كان المرئي هلال شوال فعنه روايتان * لنا ماروى عن سفيان بن سلمة رضى الله عنه قال " جاءنا كتاب عمر
ين الخطاب رضي الله عنه ونحن بخانقين ان الاهلة بعضها اكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا " وفى رواية " فإذا رأيتم الهلال من أول النهار فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان انهما رأياه بالامس " إذا عرفت ذلك لم يخف عليك ان قوله قبل الزوال ليس لتخصيص الحكم(6/287)
به لكنه موضع الشبهة والخلاف فلذلك خصه بالذكر فاما بعد الزوال فهو متفق عليه وقد أعلم في النسخ قوله لم يجز الافطار بالحاء لان الامام والمصنف في الوسيط نسبا قول ابي يوسف الي ابي حنيفة رحمهم الله وهو غير ثابت نعم يجوز اعلامه بالالف لاحدى الروايتين عن احمد والله أعلم *(6/288)
قال {القول في ركن الصوم وهو النية والامساك (أما) النية فعليه أن ينوى لكل يوم (م) نية معينة (ح و) مبيتة (ح) جازمة.
والتعيين أن ينوى اداء فرض صوم رمضان غدا وقيل لا يتعرض للفرضية وقيل يتعرض لرمضان هذه السنة} *(6/289)
ذكرنا اختلاف الاصحاب في ان النية ركن في الصلاة ام شرط ولم يوردوا الخلاف ههنا والاليق بمن اختار كونها هناك شرطا ان يقول بمثله ههنا ومنهم صاحب الكتاب وحينئذ يتمحض نفس الصوم كفا * إذا عرفت ذلك فقوله ان ينوى لكل يوم نية معينة مبيتة جازمة ضابط ادرج فيه امورا (احدها) قوله أن ينوى فالنية واجبة في الصوم إذا لا عمل الا بالنية ومحلها القلب ولا يشترط النطق(6/290)
في الصوم بلا خلاف (والثانى) قوله لكل يوم فلا يكفى فيه صوم الشهر كله في اوله خلافا لمالك وبه قال احمد في إحدى الروايتين * لنا ان صوم كل يوم عبادة برأسها الا تري انه يتخلل اليومين ما يناقض الصوم وإذا كان كذلك وجب افراد كل واحد بنية كالصلوات وإذا نوى صوم جميع الشهر هل يصح صوم اليوم الاول بهذه النية فيه تردد للشيخ ابي محمد ورأيت أبا الفضل بن عبدان أجاب بصحته وهو(6/291)
الاظهر (الثالث) التعيين وهو واجب في صوم الفرض وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يشترط التعيين في النذر المعين ولا في صوم رمضان بل لو نوى صوم الغد مطلقا في رمضان أو نوى النفل أو النذر أو القضاء أو الكفارة وقع عن رمضان ان كان مقيما وان كان مسافرا فكذلك إن أطلق النفل وان نوى النذر أو القضاء أو الكفارة وقع عما نوى وان نوى النفل فروايتان * لنا القياس(6/292)
علي الكفارة والقضاء وتعينه شرعا لا يغنى عن تجديد المكلف قصده الي ما كلف به وكمال التعيين في رمضان أن ينوي صوم الغد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى (اما) الصوم والتعرض لكونه من رمضان فلا خلاف في اعتبارهما (وأما) الاداء والفرضية والاضافة الي الله تعالي ففيها الخلاف المذكور في الصلاة وقد أعاد ذكر الخلاف في الفرضية ههنا (وأما) رمضان هذه السنة فقد حكي الامام(6/293)
وجها أنه لا بد من اعتباره وتابعه المصنف ويقرب منه حكاية صاحب التهذيب وجهين في انه هل يجب أن يقول من فرض هذا الشهر أم يكفى أن يقول من فرض رمضان وقال الاصح الاول والامام زيفه بان معني الاداء هو القصد فإذا خطر الاداء بالبال فقد خطر التعرض للوقت المعين وقد يزيف أيضا بان التعرض لليوم المعين لابد منه وأنه يغني عن كونه من هذا الشهر وهذه السنة فان(6/294)
هذا اليوم لا يكون الا كذلك بل إذا وقع التعرض لليوم المعين لم يضر الخطأ في أوصافه قال الروياني في التجربة لو نوى ليلة الثلاثاء صوم الغد وهو يعتقده يوم الاثنين أو نوى رمضان السنة التى هو فيها وهو يعتقدها سنة ثلاث فكانت سنة اثنتين صح صومه بخلاف مااذا نوى صوم يوم الثلاثاء ليلة الاثنين أو رمضان سنة ثلاث في سنة اثنتين لا يصح لانه لم يعين الوقت (واعلم) أن لفظ(6/295)
الغد قد اشتهر في كلام الاصحاب في تفسير التعيين وكيفيته وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين وانما وقع ذلك من نظرهم الي التبيت ولا يخفى مما ذكرناه قياس التعيين في القضاء والنذر والكفارة
(وأما) صوم التطوع فيصح بنية مطلق الصوم كما في الصلاة *(6/296)
{فرع} قال القاضي ابو المكارم في العدة لو قال أتسحر لاقوي علي الصوم لم يكف هذا في النية ونقل بعضهم عن نوادر الاحكام لابي العباس الروياني انه لو تسحر للصوم أو شرب لدفع(6/297)
العطش نهارا أو امتنع من الاكل والشرب والجماع مخافة الفجر كان ذلك نية للصوم وهذا هو الحق ان خطر بباله الصوم بالصفات التى يشترط التعرض لها لانه إذا تسحر ليصوم صوم كذا فقد قصده(6/298)
والله أعلم (وقوله) في الكتاب معينة يجوز أن تقرأ بكسر الياء لانها تعين الصوم ويجوز أن تقرأ بالفتح كأن الناوى يعينها ويخرجها عن التعلق بمطلق الصوم ويجوز اعلام هذه اللفظة مع الحاء بالواو لان(6/299)
صاحب التتمة حكي عن الحليمى أنه قال يصح صوم رمضان بنية مطلقة وبالف لان عن أ؟ ؟ رواية مثله *(6/300)
قال {ومعنى التبييت أن ينوى ليلا ولا يختص بالنصف الاخير (و) ولا يجب تجديدها (و) بعد الاكل ولا بعد التنبه من النوم ويجوز نية التطوع قبل الزوال (م ز) وبعده قولان وهذا بشرط خلو أول اليوم(6/301)
عن الاكل وفى اشتراط خلو الاول عن الكفر والجنون والحيض خلاف} * الرابع التبييت وهو شرط في صوم الفرض وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمه الله(6/302)
حيث قال لا يجب التبييت في صوم رمضان والنذر المعين بل يصحان بنية قبل الزوال * لنا ما روى(6/303)
عن حفصة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " ويروى من لم ينو الصيام من الليل " ولو نوى مع طلوع الفجر ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لاقتران النية بأول العبادة(6/304)
وبهذا أجاب ابن عبدان (وأصحهما) المنع لظاهر الحديث وهذا هو قضية قوله في الكتاب أن ينوى ليلا ويتبين به أيضا أن نية صوم الغد قبل طلوع الشمس لا تصح وهل تختص النية بالنصف الاخير من الليل فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أبو الطيب بن سلمة نعم كما يختص رمى جمرة العقبة ليلة النحر(6/305)
بالنصف الاخير والمعني فيه تقريب النية من العبادة (وأصحهما) لا لاطلاق الخبر وهذا هو المذكور في الكتاب صريحا ودلالة (أما) الصريح فظاهر (وأما) الدلالة فقوله أن ينوى ليلا وإذا نوى ثم اكل(6/306)
أو جامع هل تبطل نيته حتى يحتاج إلى تجديدها فيه وجهان (احدهما) نعم لان الاصل اقتران النية بالعبادة فإذا تعذر اشتراطه فلا اقل من ان يحترز عن تخلل المناقض الذى لا ضرورة إليه بينهما(6/307)
(واصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا حاجة إلي التجديد لان الله تعالي اباح الاكل والشرب إلى طلوع الفجر ولو ابطل الاكل النية لا متنع الاكل الي طلوع الفجر وينسب الوجه الاول إلي ابى إسحق وفيه(6/308)
كلامان (احدهما) ان الامام حكى ان ابا إسحق رجع عن هذا عام حج وأشهد علي نفسه (والثانى) ان ابن الصباغ قال هذه النسبة لا تثبت عنه ولم يذكر ذلك في الشرح فان لم ينقل الوجه إلا عنه وثبت أحد هذين الكلامين فلا خلاف في المسألة ولو نوى ونام وتنبه من نومه والليل باق هل عليه تجديد(6/309)
النية فيه وجهان (احدهما) نعم تقريبا للنية من العبادة بقدر الوسع ونسب ابن عبدان وغيره هذا إلي الشيخ ابي إسحق ايضا (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب اثه لا حاجة الي التجديد لما سبق قال الامام وفى كلام العراقيين تردد في أن الغفلة هل هي كالنوم وكل ذلك مطرح هذا حكم صوم الفرض في التبييت (اما) التطوع(6/310)
فتصح نيتة من النهار وبه قال احمد خلافا لمالك والمزنى وأبى يحيى البلخى * لنا انه صلى الله عليه وسلم " كان يدخل علي بعض ازواجه فيقول هل من غذاء فان قالت لا قال إنى صائم ويروى إني إذا اصوم " وهذا إذا كانت النية قبل الزوال فان كانت بعده ففيه قولان (احدهما) وهو رواية حرملة انه يصح تسوية بين اجزاء النهار كما ان اجزاء الليل مستوية في محلية نية الفرض (وأصحهما) وهو نصه في عامة كتبه انه(6/311)
لا يصح وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لان النفل لا ينبغى أن يخالف الفرض كما في سائر العبادات إلا أنا جوزنا التأخير بشرط ان يتقدم على الزوال للحديث فانه ورد في النية قبل الزوال الا ترى انه كان يطلب به الغداء وفرقوا بين ما قبل الزوال وما بعده بأن النية إذا نشئت بعد الزوال فقد(6/312)
فات معظم النهار وإذا نشئت قبله فقد ادركت معظمه وللمعظم تأثير ادراكا وفواتا كما في ادراك المسبوق الركعة وهذا الفرق انما ينتظم ممن يجعله صائما من اول النهار اما من يجعله(6/313)
صائما من وقت النية فالنية عنده موجودة في جميع العبادة فات معظم النهار أو لم يفت وفيه شئ آخر ذكره الامام وهو أن النهار إذا حسب من شروق الشمس فالزوال منتصفه فتكون النية المتقدمة عليه مدركة معظمه لكن النهار الشرعي محسوب من طلوع الفجر فيتقدم منتصفه على(6/314)
الزوال ولا يلزم من مجرد التقدم علي الزوال وجود النية في المعظم ثم إذا نوى قبل الزوال أو بعده وجوزناه فهو صائم من أول النهار حتي ينال ثواب صوم الكل أو من وقت النية فيه وجهان (اظهرهما) عند الاكثرين انه صائم من أول النهار فان صوم اليوم الواحد لا يتبعض وشبه ذلك بما إذا ادرك الامام(6/315)
في الركوع يكون مدركا لثواب جميع الركعة (والثاني) وبه قال أبو إسحق أنه صائم من وقت النية
لان النية لا تنعطف علي مامضي ولا عمل إلا بالنية ويقال إن هذا هو اختيار القفال (فان قلنا) بالوجه الاول فلا بد من الامساك واجتماع شرائط الصوم في أول النهار (وان قلنا) بالثاني ففى اشتراط خلو(6/316)
الاول عن الاكل والجماع وجهان (أحدهما) لا يشترط لان الصوم إذا كان محسوبا من وقت النية كان بمثابة جزء من الليل وينسب هذا إلى ابن سريج وابي زيد وزاد في العدة محمد بن جرير الطبري(6/317)
(واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يشترط والا لبطل مقصود الصوم ويجوز ان يتقدم شرط الشئ عليه ألا ترى انه يشترط تقدم الخطبة علي صلاة الجمعة وهل يشترط خلو اوله عن الكفر والحيض(6/318)
والجنون ام يجوز ان يصوم الكافر إذا أسلم اليوم الذى اسلم فيه ضحى والحائض في اليوم الذى طهرت والمجنون في اليوم الذى افاق فيه وجهان (أصحهما) المنع ايضا لكون النية مسبوقة في اليوم بما(6/319)
يناقض الصوم ويجوز ان يرتب الخلاف في اشتراط الخلو عن هذه المعاني على الخلاف في اشتراط الخلو عن الاكل فان لم نشترط ترك الاكل فهذا أولى وإن شرطناه فوجهان والفرق اخلال الاكل بمقصود الصوم وهو كسر النفس بالتجويع *(6/320)
قال {والمعني بالجازمة ان من نوى ليلة الشك صوم غد إن كان من رمضان لم يجز (ح ز) لانها غير جازمة نعم لا يضر التردد بعد حصول الظن بشهادة أو استصحاب كما في آخر رمضان أو اجتهاد في حق الحبوس(6/321)
في المطمورة ثم إن غلظ المحبوس بالتأخير لم يلزمه القضاء وإن غلط بالتقديم وادرك رمضان لزمه القضاء وإن لم يتبين إلا بعد رمضان لم يلزمه القضاء على احد القولين وكان الشهر بدلا في حقه للضرورة حتى لو كان الشهر تسعا وعشرين كفاه وان كان رمضان ثلاثين} *(6/322)
الخامس كون النية جازمة ويتعلق يهذا القيد مسائل (منها) إذا نوى ليلة الثلاثين من شعبان أن يصوم غدا عن رمضان لم يخل إما ان يعتقد كونه من رمضان أو لا يعتقده فان لم يعتقده نظر ان ردد(6/323)
نيته فقال اصوم عن رمضان ان كان منه والا فانا مفطر أو انا متطوع لم يقع صومه عن رمضان إذا(6/324)
بان انه منه لانه لم يصم على انه فرض وانما صام على الشك * وقال ابو حنيفة والمزني يقع عن رمضان إذا بان اليوم منه كما لو قال هذا زكاة مالي الغائب ان كان سالما والا فهو تطوع فبان سالما يجزئه قال(6/325)
الاصحاب الفرق ان الاصل هناك سلامة المال فله استصحاب ذلك الاصل وههنا الاصل بقاء شعبان ونظير مسألة الزكاة مما نحن فيه أن ينوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم الغد إن كان من رمضان(6/326)
وإلا فهو مفطر فيجزئه لان الاصل بقاء رمضان ولو قال أصوم غدا من رمضان أو قال أو أصوم أو أفطر لم يصح صومه لا في الاول ولا في الاخر كما إذا قال أصوم أو لا أصوم وان لم يردد نيته وجزم بالصوم عن رمضان فانه إذا لم يعتقد كونه من رمضان لم يتأت منه الجزم بالصوم عن(6/327)
رمضان حقيقة وما يعرض حديث نفس لا اعتبار به وعن صاحب التقريب حكاية وجه انه يصح صومه هذا إذا لم يعتقد كونه من رمضان وان اعتقد كونه من رمضان نظر إن لم يستند عقده إلى ما يثير ظنا فلا عبرة به وإن استند الي ما يثير ظنا كما إذا اعتمد علي قول من يثق به من حر أو عبد(6/328)
أو امرأة أو صبية ذوى رشد نوى صومه عن رمضان اجزأه إذا بان انه من رمضان لان غلبة الظن في مثل هذا له حكم اليقين كما في اوقات الصلاة وكما إذا رأى الهلال بنفسه وإن قال في نيته
والحالة هذه اصوم عن رمضان فان لم يكن من رمضان فهو تطوع قال الامام ظاهر النص انه لا يعتد(6/329)
بصومه إذا بان اليوم من رمضان لمكان التردد قال وفيه وجه آخر وبه قال المزني انه يصح لاستناده الي اصل ثم رأى طرد الخلاف فيما إذا جزم ايضا ويدخل في قسم استناد الاعتقاد الي ما يثير ظنا بناء الامر علي الحساب حيث جوزناه على التفصيل الذى سبق والله اعلم * ومنها إذا حكم القاضي(6/330)
بشهادة عدلين أو واحد إذا جوزناه وجب الصوم ولم يقدح ما عساه يبقى من التردد والارتياب (ومنها) المحبوس في المطمورة إذا اشتبه عليه شهر رمضان اجتهد وصام شهرا بالاجتهاد كما يجتهد للصلاة في القبلة والوقت ولا يغنيه ان يصوم شهرا من غير اجتهاد وان وافق رمضان ثم إذا اجتهد وصام(6/331)
شهرا نظر ان وافق رمضان فذاك وان غلط بالتأخير اجزأه ذلك ولم يلزم القضاء ولا يضر كونه مأتيا به علي نية الاداء كما إذا صلي الظهر بنية الاداء علي ظن بقاء وقتها ثم تبين ان صلاته وقعت في وقت العصر لا قضاء عليه وهل يكون صومه المأتى به قضاء أو اداء فيه وجهان (اظهرهما) انه قضاء لوقوعه بعد الوقت (والثاني) انه اداء(6/332)
لمكان العذر والعذر قد يجعل غير الوقت وقتا كما في الجمع بين الصلاتين ويتفرع علي الوجهين مالو كان ذلك الشهر ناقصا وكان رمضان تاما (ان قلنا) انه قضاء لزمه يوم آخر (وان قلنا) أداء فلا كما لو كان رمضان ناقصا وان كان الامر بالعكس (فان قلنا) انه قضاء فله افطار اليوم الاخير إذا(6/333)
عرف الحال (وان قلنا) اداء فلا وان وافق صومه شوالا فالصحيح منه تسعة وعشرون ان كان كاملا وثمانية وعشرون ان كان ناقصا فان جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شئ عليه على التقدير الاول ويقضى يوما علي التقدير الثاني وان كان كاملا قضى يوما علي التقدير الاول ويومين(6/334)
علي التقدير الثاني وان جعلناه أداء فعليه قضاء يوم بكل حال وان وافق ذا الحجة فالصحيح منه ستة وعشرون يوما ان كان كاملا وخمسة وعشرون يوما ان كان ناقصا فان جعلناه قضاء وكان رمضان(6/335)
ناقصا قضى ثلاثة أيام علي التقدير الاول ويومين علي التقدير الثاني وان كان كاملا قضى أربعة ايام على التقدير الاول وثلاثة علي الثاني.
وان جعلناه اداء قضى اربعة ايام بكل حال وهذا مبنى علي ظاهر المذهب في ان صوم ايام التشريق غير صحيح بحال فان صححناه بناء علي ان للمتمع ان يصومها وان من(6/336)
له سبب في صومها بمثابة المتمتع فذو الحجة كشوال ذكر هذا المستدرك ابن عبدان رحمه الله وان غلط بالتقديم علي رمضان نظر ان ادرك رمضان عند تبين الحال له فعليه أن يصومه بلا خلاف(6/337)
وان لم يتبين له الحال الا بعد مضى رمضان فقولان (القديم) أنه لا يقضى كالحجيج إذا اخطأوا فوقفوا اليوم العاشر يجزئهم (والجديد) وبه قال ابو حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله انه يقضى لانه اتي بالعبادة قبل وقتها فلا يجزئه كالصلاة وبنى القفال وآخرون القولين علي انه لو وافق شهرا بعد رمضان كان(6/338)
قضاء أو اداء (ان قلنا) بالاول فعليه القضاء لان القضاء لا يسبق الوقت (وان قلنا) بالثاني فلا قضاء لان ما بعد الوقت ان جاز ان يجعل وقتا للعذر فكذلك ما قبل الوقت يجوز أن يجعل وقتا للعذر كما في الجمع بين الصلاتين وعن أبى اسحق وغيره طريقة اخرى قاطعة بوجوب القضاء وان تبين الحال بعد(6/339)
مضي بعض رمضان فقد حكي في النهاية طريقين (احدهما) طرد القولين في إجزاء ما مضى (والثانى) القطع بوجوب الاستدراك إذا أدرك شيئا من الشهر والاول اظهر والطريقتان للقائلين بالقولين في الصورة الاولي فاما ابو اسحق فلا يفرق بينهما إذا عرفت ما ذكرناه(6/340)
فارجع الي لفظ الكتاب (واعلم) ان قوله والمعنى بالجازمة الخ اراد به انه المقصد من التقييد بهذا القيد لا انه تفسير اللفظ وان قوله لم يجز معلم بالحاء والزاء وان قوله نعم لا يضر التردد بعد حصول الظن اشارة الي أن القادح هو التردد الذي لا يستند احتمال الرمضانية فيه إلى دليل ولا يترجح في ظنه(6/341)
فاما التجويز الذى يجامع الظن بكونه من رمضان فلا عبرة به وقوله لم يلزمه القضاء معلم بالحاء والميم والالف وقوله علي احد القولين بالواو لطريقة ابي اسحق وقوله وكان الشهر بدلا في حقه اراد به البناء المنقول عن القفال معناه ان الشهر المأتي بصومه علي هذا القول إذا اقيم مقام رمضان وليس المراد منه(6/342)
انه قضاء يصير بدلا عن الفائت لانا إذا فرعنا عليه لا نقول بانه يكفيه شهره الناقص إذا كمل رمضان ومن المسائل المتعلقة بقيد الجزم ما إذا نوت الحائض صوم الغد قبل أن ينقطع دمها ثم انقطع بالليل هل يصح صومها(6/343)
ان كانت مبتدأة يتم لها بالليل أكثر الحيض أو معتادة عادتها دون الاكثر وكانت تتم بالليل فوجهان (اظهرهما) انه يصح لان الظاهر استمرار عادتها (والثانى) لا لانها قد تختلف وان لم يكن لها عادة وكان(6/344)
لا يتم اكثر الحيض بالليل أو كانت لها عادات مختلفة لم يصح الصوم * واعلم ان ركن النية وان كان لا يختص بصوم الفرض الا ان المذكور من مسائله في الكتاب مخصوص به لانه قال اما النية فعليه أن(6/345)
ينوى لكل يوم الي آخره ومعلوم ان النية بالقيود المذكورة مخصوصة بالفرض * فرعان (احدهما) لو نوى الانتقال من صوم الي صوم لم ينتقل إليه وهل يبطل ما هو فيه ام يبقى نفلا على وجهين وكذا(6/346)
لو رفض نية الفرض عن الصوم الذي هو فيه (الثاني) لو قال إذا جاء فلان خرجت من صومي فهل هو خارج عن الصوم عند مجيئه فيه وجهان (ان قلنا) نعم فهل يخرج في الحال فيه وجهان وكل ذلك(6/347)
كما في الصلاة اورده في التهذيب وغيره *(6/348)
قال {الركن الثاني الامساك عن المفطرات وهي الجماع والاستمناء والاستقاة} *(6/349)
لا بد للصائم من الامساك عن المفطرات وهي أنواع (منها) الجماع وهو مبطل للصوم بالاجماع (ومنها) الاستمناء وسيأتى الكلام فيه (ومنها) الاستقاءة فمن تقايأ عامدا أفطر ومن ذرعه القئ لم يفطر روى(6/350)
انه صلي الله عليه وسلم قال " من ذرعه القئ وهو صائم فلا قضاء عليه ومن استقاء فليقض " وربما روى ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى(6/351)
الله عليه وسلم " قاء فأفطر أي استقاء قال ثوبان صدق أنا صببت له الوضوء " واختلفوا في أنه لم افطر عند التقئ عمدا فقال بعض الاصحاب إنما افطر لانه إذا تقايأ رجع شئ مما خرج وإن قل فذلك(6/352)
هو الذى أوجب الفطر والا لما أفطر لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " أن الفطر مما دخل والوضوء مما خرج " ومنهم من قال أن عينه مفطر كالانزال تعويلا علي ظاهر الخبر قال في العدة وهذا أصح وعليه(6/353)
يتفرع عد صاحب الكتاب الاستقاءة مفطرة برأسها وإلا فلو كانت مفطرة من جهة تضمنها رجوع شئ لكانت من قبيل دخول الداخل وعلى الوجهين يبنى ما إذا تقايأ منكوسا أو تحفظ حتى استيقن(6/354)
انه لم يرجع منه شئ إلى جوفه هل يفطر قال الامام ولو استقاء عمدا وتحفظ جهده فغلبه القئ ورجع شئ (فان قلنا) الاستقاءة مفطرة وإن لم يرجع منه شئ فهاهنا اولي (وإن قلنا) لا يفطر إذا لم يرجع شئ فهو كما(6/355)
في صورة المبالغة في المضمضة إذا سبق الماء إلي جوفه ويجوز ان يعلم قوله والاستقاءة بالحاء لان عنده الاسقاءة باطلاقها لا تفطر بل يشترط ان يكون الخارج ملء الفم *(6/356)
قال {ودخول داخل وحد الدخول ان كل عين وصل من الظاهر الي الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم فهو مفطر اما الباطن فهو كل جوف فيه قوة محيلة كباطن الدماغ والبطن(6/357)
والامعاء والمثانة فيفطر بالحقنة والسعوط ولا يفطر بالاكتحال (م) والتقطير (م ح و) في الاذنين وفيما يصل إلي الاحليل وجهان ولا يفطر بالفصد والحجامة} *(6/358)
من اسباب الفطر دخول الشئ جوفه وقد ضبطوا الداخل الذى يفطر بالعين الواصل من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم وفيه قيود (منها) الباطن الواصل إليه(6/359)
وفيما يعتبر فيه وجهان مفهومان من كلام الائمة رحمهم الله تعريضا وتصريحا (احدهما) ان المعتبر ما يقع عليه اسم الجوف (والثانى) يعتبر معه ان يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من غذاء أو دواء وهذا(6/360)
هو الذى اورده في الكتاب ولكن الموافق لتفريع الاكثرين هو الاول علي ما سيأتي ويدل عليه أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم لوصول الواصل ذكره في التهذيب وحكاه الحناطي عن ابن القاص وأورد الامام أيضا انه إذا جاوز الشئ الحلقوم افطر ومن المعلوم انه ليس في الحلق قوة(6/361)
الاحالة وعلي الوجهين معا باطن الدماغ والبطن والامعاء والمثانة مما يفطر الواصل إليه حتى لو كان على رأسه مأمومة أو علي بطنه جائفة فوضع عليها دواء فوصل إلى جوفه أو الي خريطة دماغه بطل صومه قال
الامام وصاحب التهذيب وان لم يصل الي باطن الامعاء والي باطن الخريطة ولا فرق بين ان يكون(6/362)
الدواء رطبا أو يابسا وعند أبى حنيفة رحمه الله لا يبطل باليابس ولم تجعل المثانة مما يفطر الواصل إليه وفى المعتمد حكاية وجه في المثانة * لنا مطلق ما روى " أن الفطر مما دخل يوافقه " وقياس المثانة علي سائر الاجواف وفيها قوة إحالة الدواء ثم في الفصل صور (احداها) الحقنة مبطلة للصوم لحصول الوصول(6/363)
الي الجوف المعتبر وعن القاضي الحسين انها لا تبطله وهو غريب وفيها اختلاف رواية عن مالك (الثانية) السعوط مبطل للصوم ايضا إذا وصل الي الدماغ وعند مالك لا يبطل الا إذا نزل الي الحلق منه شئ (واعلم) أن ما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وداخل الفم والانف(6/364)
إلى منتهي الخيشوم والغلصمة له حكم الظاهر من بعض الوجوه حتي لو خرج إليه القئ أو ابتلع منه نخامة بطل صومه ولو أمسك فيه شيئا لم يبطل ولو نجس وجب غسله وله حكم الباطن من حيث أنه لو ابتلع منه الريق لا يبطل صومه ولا يحب غسله على الجنب (الثالثة) لا بأس للصائم بالاكتحال إذ(6/365)
ليست العين من الاجواف وقد روى أن النبي صلي الله عليه وسلم " اكتحل في رمضان وهو صائم " ولا فرق بين أن يجد في الحلق منه طعما أو لا يجد فانه لا منفذ من العين إلى الحلق وما يصل إليه يصل(6/366)
من المسام وعن مالك واحمد أنه إذا وجد في الحلق طعما منه أفطر (الرابعة) في بطلان الصوم بالتقطبر في الاذن بحيث يصل الي الباطن فيه وجهان (احدهما) وبه قال الشيخ ابو محمد أنه يبطل كالسعوط(6/367)
(والثاني) لا يبطل لاته لامنفذ من الاذن إلى الدماغ وما يصل يصل من المسام فاشبه الاكتحال ويروى هذا الوجه عن الشيخ ابي علي والفوراني والقاضي الحسين وهو الذي اورده صاحب الكتاب(6/368)
لكن الاول أظهر عند اكثر الاصحاب ولهم أن يقولوا هب أن الاذن لا منفذ منها الي داخل الدماغ لكنه نافذ الي داخل قحف الرأس لا محالة والوصول إليه كاف في البطلان وبنى الامام هذا(6/369)
الخلاف علي الوجهين السابقين فيما يعتبر في الباطن الذى يصل إليه الشئ فان داخل الاذن جوف لكن ليس فيه قوة الاحالة وعلي الوجهين تتفرع الصورة الخامسة وهي مااذا قطر في احليله شيئا ولم يصل الي المثانة ففى وجه يبطل صومه وهو الاظهر كما لو وصل الي حلقه ولم يصل إلى المعدة وفى(6/370)
وجه لا يبطل كما لوضع في فمه شيئا وبهذا قال ابو حنيفة وهو اختيار القفال رحمهما الله وتوسط بعض متأخرى الاصحاب فقال ان وصل الي ما وراء الحشفة افطر والا لم يفطر تشبيها بالفم والحلق (السادسة)(6/371)
لا يفسد الصوم بالفصد والحجامة لكن يكره خيفة الضعف وقال احمد يفسد بالحجامة وبه قال ابن المنذر(6/372)
وابن خزيمة من اصحابنا * لنا ما روى " انه صلي الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم في حجة الوداع "(6/373)
وروى انه صلي الله عليه وسلم قال " ثلاث لا يفطرن الصائم القئ والحجامة والاحتلام " وأما لفظ الكتاب (فقوله) وحد الداخل هو المستقيم وفى كثير من النسخ وحد الدخول وذلك يحوج الي الحاق(6/375)
واضمار (وقوله) فيه قوة محيلة يجوز اعلامه بالواو اشارة الي الوجه المكتفى بكون الباطن الواصل إليه جوفا حتى لو داوى خراجه علي لحم الساق والفخذ فاوصل الدواء إلى داخل اللحم أو غرز فيه حديدة لا يبطل صومه لانه ليس بجوف وكذا لو انتهى طرف السكين الي مكان المخ فانه(6/376)
لا يعد عضوا مجوفا (وقوله) والمثانة معلم بالحاء والواو والحقنة والسعوط بالميم والالف والتقطير في الاذن وبالواو والحجامة بالالف والواو وقد بينا وجه ذلك كله والله تعالي اعلم *(6/377)
قال {ويتشرب الدماغ الدهن بالمسام ويفطر إذا وجأ بطنه بالسكين وان كان بعض السكين خارجا} *(6/378)
من القيود المذكورة في الضابط كون الواصل واصلا من منفذ مفتوح والقصد به الاحتراز عما إذا طلى رأسه أو بطنه بالدهن فوصل إلى جوفه بتشرب المسام فان ذلك لا يبطل الصوم لانه لم(6/379)
يصل من منفذ مفتوح كما لا يبطله الاغتسال والانغماس في الماء وإن وجد له اثر في باطنه ولو وجأ نفسه فوصل السكين إلى جوفه أو وجأه غيره باذنه افطر سواء كان بعض السكين خارجا أو لم يكن وكذا لو ابتلع طرف خيط وطرفه الآخر بارز يفطر بوصول الطرف الواصل ولا يعتبر الانفصال من الظاهر بالكلية(6/380)
وخالف ابو حنيفة في المسألتين ونظائرهما ورأيت الحناطي حكى وجهين فيمن أدخل طرف خيط في دبره أو في جوفه وبعضه خارج هل يفطر فيجوز أن يعلم لهذا قوله وان كان بعض السكين خارجا(6/381)
مع الحاء بالواو * {فرع} لو ابتلع طرف خيط بالليل وطرفه الآخر خارج واصبح كذلك فان تركه لم تصح صلاته(6/382)
وان نزعه أو ابتلعه لم يصح صومه فينبغي ان يبادر فقيه إلى نزعه وهو غافل فان لم يتفق فالمحافظة على الصلاة بنزعه أو ابتلاعه أولى لان الصوم يترك بالعذر ويقضي بخلاف الصلاة وذكر في(6/383)
التتمة وجها آخر وهو ان الاولي ان يتركه كذلك ويصلي علي حسب حاله لانه شارع في الصوم فلا ينبغي أن يفسده *(6/384)
قال {أما القصد فنعنى به أنه لو طارت ذابة إلى جوفه أو وصل غبار الطريق الي باطنه أو اوجر بغير اختياره فلا يفطر الا أن يوجر المغمى عليه معالجة ففيه وجهان} *(6/385)
ومن القيود كون الوصول عن قصد منه فلو طارت ذبابة أو بعوضة الي حلقه أو وصل غبار الطريق وغربلة الدقيق إلى جوفه وغير ذلك لم يكن مفطرا وإن كان اطباق الفم واجتناب المطروق ومفارقة موضع الطريق ممكنا لكن تكليف الصائم الاحتراز عن الافعال المعتادة التى يحتاج إليها يجر عسرا شديدا بل لو فتح فاه حتي وصل الغبار الي جوفه فقد قال في التهذيب اصح الوجهين أنه يقع عفوا وشبهوا هذا الخلاف بالخلاف فيما إذا قتل البراغيث عمدا وتلوثت يده انها هل يقع عفوا ولو ضبطت المرأة ووطئت أو وجئ بالسكين أو وجئ بغير اختياره فلا افطار ونقل الحناطي وجهين فيما لو أوجر بغير اختياره وهو غريب بمرة نعم لو كان مغمي عليه فأوجر معالجة واصلاحا ففيه وجهان وفى النهاية قولان (احدهما)(6/386)
أنه يفطر لان هذا الايجار لمصلحته فكأنه باذنه واختياره (واصحهما) أنه لا يفطر كايجار غيره بغير اختياره (واعلم) أن هذا الخلاف مفرع علي أن الصوم لا يبطل بمطلق الاغماء وإلا فالايجار مسبوق بالبطلان وهذا الخلاف كالخلاف في المغمى عليه المحرم إذا عولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية *(6/387)
قال {ولو ابتلع دما خرج من سنه أو سنا أفطر بخلاف الريق الا أن يجمتع الريق بالعلك ففيه وجهان ولو رد النخامة الي أقصى الفم ثم ابتلع افطر ولو قدر علي قطعه من مجراه فترك حتي جرى بنفسه ففيه وجهان ولو أخرج لسانه وعلى طرفه ريق ثم أعاد لم يفطر إذ لم ينفصل (أما) الخياط إذا بل الخيط ثم رده الي فمه افطر علي الصحيح ولو سبق الماء في المضمضة الي بطنه ففيه قولان وان بالغ فقولان
مرتبان واولى بالافطار وإن جرى الريق ببقية طعام في خلال الاسنان فان قصر في التخليل فهو كصورة المبالغة وان لم يقصر فكغبار الطريق والمنى ان خرج بالاستمناء افطر وان خرج بمجرد(6/388)
الفكر والنظر فلا وان خرج بالقبلة والمعانقة مع حائل فهو كالمضمضة والمضاجعة متجردا كالمبالغة وتكره القبلة للشاب الذى لا يملك إربه وخروج القئ كالمني ولو اقتلع نخامة من مخرج الحاء ففى الحاقه بالاستقاءة وجهان ومخرج الخاء من الظاهر وفي إفساد القصد شرعا بالاكراه قولان (اصحهما) انه لا يفطر لانه ليس بصائم} * الفصل يجمع مسائل (احداها) ابتلاع الريق لا يفطر لانه لا يمكن الاحتراز عنه وبه يحيى الانسان وعليه حمل بعض المفسرين قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شي حى) وانما.
لا يفطر بشروط (احدها) ان يكون الريق صرفا أما لو كان مخلوطا بغيره متغيرا به فانه يفطر بابتلاعه سواء كان ذلك الغير(6/389)
طاهرا كما لو كان يفتل خيطا مصبوغا فتغير ريقه أو نجسا كما لو دميت لثته وتغير ريقه فلو ابيض ولم يبق تغيره فهل يفطر بابتلاعه فيه وجهان (اظهرهما) عند الحناطى والقاضي الرويانى لا لان ابتلاع الريق مباح وليس فيه عين آخر وان كان نجسا حكما (والثاني) وهو الاظهر عند الاكثرين انه يفطر لانه لا يجوز له ابتلاعه وانما يجوز له ابتلاع الطاهر منه وعلي هذا لو تناول بالليل شيئا نجسا ولم يغسل فمه حتى اصبح فابتلع الريق بطل صومه (والثانى) ان يبتلعه من معدنه فلو خرج الي ظاهر فمه ثم رده بلسانه أو غير لسانه أو ابتلعه بطل صومه ولو اخرج لسانه وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه ففيه وجهان (اظهرهما) وهو المذكور في النهاية أنه لا يبطل صومه لان اللسان كيفما تقلب معدود من داخل الفم فلم يفارق ما عليه(6/390)
معدنه ولو بل الخياط الخيط بالريق ثم رده إلى الفم علي ما يعتاد عند الفتل فان لم يكن عليه رطوبة تنفصل فلا بأس وان كانت وابتلعها ففيه وجهان عن الشيخ أبي محمد أنه لا يضر لان ذلك القدر أقل مما يبقى من الماء في الفم بعد المضمضة وقال الاكثرون انه يبطل الصوم لانه لا ضرورة إليه
وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن وخص في التتمة الوجهين بما إذا كان جاهلا بأن ذلك لا يجوز فاما إذا كان عالما يبطل صومه بلا خلاف (الثالث) ان يبتلعه وهو علي هيأته المعتادة أما لو جمعه ثم ابتلعه ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل صومه لان الاحتراز عنه هين (وأصحهما) انه لا يبطل وبه قال ابو حنيفة رحمه الله لانه مما يجوز ابتلاعه ولم يخرج من معدنه فاشبه مالو ابتلعه متفرقا (فان قلت) هذان الوجهان إن جريا في مطلق الجمع فلم قال إلا أن يجمع الريق بالعلك وان اختصا بالجمع بالعلك فلم اطلقتم نقلهما(6/391)
(فالجواب) انهما جاريان في مطلق الجمع نقلا وتوجيها ولعله انما تعرض للعلك لان الامام قد ذكر أن الوجهين في صورة الجمع ناشئان من لفظ الشافعي رضى الله عنه حيث قال واكره العلك لانه يحلب الفم وكأنه حاذر اجتماع الريق على خلاف العادة وهذا شئ قد قاله بعض الشارحين وقال آخرون أراد بقوله يحلب الفم أنه يطيب النكهة ويزيل الخلوف فلذلك كرهه ولو كان العلك جديدا مفتتا فوصل منه شئ الي الجوف بطل صومه كما لو وضع سكرة في فيه وابتلع الريق بعد ما ذابت فيه وما قدمناه فيما إذا كان مغسولا مستعملا أو صلبا لا ينفصل منه شئ (وقوله) ولو ابتلع دما خرج من سنه أو سنا افطر ظاهر وفيه اشارة الي أن داخل الفم له حكم الظاهر في هذا وان احتمال ابتلاع الريق ليس لمجرد ابتلاعه من الفم بل لدعاء الضرورة إليه (المسألة الثانية) النخامة ان لم تحصل في حدالظاهر من الفم فلا مبالاة بها وان حصلت فيه بانصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه الي اقصى الفم فوق الحلقوم نظر ان لم يقدر على صرفه ومجه حتى نزل الي(6/392)
الجوف لم يضره وان رده إلى فضاء الفم أو ارتد إليه ثم ابتلعه أفطر وان قدر علي قطعه من مجراه ومجه فتركه حتي جرى بنفسه ففيه وجهان حكاهما لامام (احدهما) انه لا مؤاخذة به لانه لم يفعل شيئا وانما أمسك عن الفعل واوفقهما لكلام الائمة ان تركه في مجراه مع القدرة علي مجه تقصير فيفطر (ونقل) عن الحاوى وجها مطلقا في الافطار بالنخامة والوجه ننزيلهما على الحالة التى حكى الامام الخلاف فيها (الثالثة) إذا تمضمض فسبق الماء إلى جوفه أو استنشق فوصل الماء الي دماغه فقد نقل المزني أنه يفطر وقال في اختلاف أبى حنيفة وابن ابى ليلي رحمهما الله
انه لا يفطر الا ان يتعمد الازدراد وللاصحاب فيه طريقان (اصحهما) ان المسألة علي قولين (احدهما) وبه قال مالك وابو حنيفة والمزنى رحمهم الله انه يفطر لانه وصل الماء إلي جوفه بفعله فانه الذى ادخل الماء فمه وانفه (والثانى) وبه قال احمد وهو اختيار الربيع رحمهما الله أنه لا يفطر لانه وصل بغير اختياره فأشبه غبار الطريق (والثانى) القطع بأنه لا يفطر حكاه المسعودي وغيره ثم من القائلين به من حمل منقول المزني علي ما إذا تعمد لازدراد ومنهم من حمله على ما إذا بالغ وحمل النص الثاني علي ما إذا لم يبالغ ونفى الخلاف في الحالتين وإذا قلنا بطريقة القولين فما محلهما فيه ثلاثة طرق (أصحها) ان القولين فيما إذا لم يبالغ في المضمضة والاستنشاق فاما إذا بالغ أفطر بلا خلاف (وثانيها) ان القولين فيما إذا بالغ أما إذا لم يبالغ(6/393)
فلا يفطر بلا خلاف والفرق علي الطريقين ان المبالغة منهى عنها وأصل المضمصة والاستنشاق محثوث عليه فلا يحسن مؤاخذته بما يتولد منه بغير اختياره (والثالث) طرد القولين في الحالتين فإذا ميزنا حالة المبالغة عن حالة الاقتصار علي أصل المضمضة والاستنشاق حصل عند المبالغة قولان مرتبان كما ذكر في الكتاب وظاهر المذهب مما ذكرنا عند المبالغة الافطار وعند عدم المبالغة الصحة ولا يخفى ان محل الكلام فيما إذا كان ذاكرا للصوم أما إذا كان ناسيا فلا يفطر بحال وسبق الماء عند غسل الفم لنجاسة كسبقه في المضمضة والمبالغة هاهنا للحاجة ينبغى أن تكون كالسبق في المضمضة بلا مبالغة ولو سبق الماء من غسله تبردا أو من المضمضة في الكرة الرابعة فقد قال في التهذيب ان بالغ بطل صومه والا فهو مرتب علي المضمضة واولي بالافطار لانه غير مأمور به (الرابعة) لو بقى طعام في خلل اسنانه فابتلعه عمدا افطر خلافا لابي حنيفة رحمه الله فيما إذا كان يسيرا وربما قدره بالحمصة وان جرى به الريق من غير قصد منه فمنقول المزني انه لا يفطر ومنقول الربيع انه يفطر واختلف(6/394)
الاصحاب فمنهم من قال فيه قولان كما في صورة المضمضة لان الطعام حصل في فمه بسبب غير مكروه وهو الاكل بالليل فاشبه المضمضة ومنهم من نفى كون المسألة علي وجهين وهو الاصح ثم من هؤلاء من حمل النص علي حالين حيث قال لا يفطر أراد به ما إذا لم يقدر علي تمييزه
ومجه وحيث قال يفطر اراد مااذا قدر عليه فابتلعه وتوسط الامام من وجه آخر وتابعه صاحب الكتاب فقال ان لم يتعهد تنقية الاسنان ولم يخلل فهو كصورة المبالغة في المضمضة لان الغالب في مثله الوصول الي الجوف وان نقاها علي الاعتياد في مثله فهو كغبار الطريق ولك أن تقول ترك التخليل اما أن يكون مكروها أو لا يكون وان لم يكن مكروها فلا يتوجه الحاقه بصورة المبالغة لان الوصول هناك تولد من أمر مكروه وان كان مكروها فالفرق ثابت أيضا لان ما بين الاسنان اقرب إلى الظاهر من الماء عند المبالغة وربما يثبت في خلالها فلا ينفصل وبتقدير أن ينفصل فالتمكن من أخذه ومجه مما لا يبعد والماء سيال إذا وجد متحدرا اسرع في النفوذ فكان وصوله إلى الجوف أقرب وليكن(6/395)
قوله فهو كصورة المبالغة معلما بالحاء لانهما مفترقان عنده فيفطر في صورة المبالغة ولا يفطر ههنا (الخامسة) المنى إن خرج بالاستمناء افطر لان الايلاج من غير انزال مبطل فالانزال بنوع شهوة اولي أن يكون مفطرا وان خرج بمجرد الفكر والنظر لشهوة لم يكن مفطرا خلافا لمالك في النظر وعن اصحابه في الفكر اختلاف ولاحمد حيث قال ان كرر انظر حتى انزل افطر * لنا أنه انزال من غير مباشرة فاشبه الاحتلام وان خرج بمباشرة فيما دون الفرج أو لمس أو قبلة افطر لانه انزل بمباشرة هذا ما ذكره الجمهور وذكر الامام ان شيخه حكى وجهين فيما إذا ضم امرأة الي نفسه وبينهما حائل قال وهو عندي كسبق الماء في صورة المضمضة وإن ضاجعها متجردا فالتقت البشرتان فهى كصورة المبالغة في المضمضة واقتدى صاحب الكتاب به فأورد هذا الترتيب وتكره القبلة للشاب الذى تحرك القبلة شهوته ولا يأمن علي نفسه ولا تكره لغيره وان(6/396)
كان الاولي الاحتراز " كان النبي صلي الله عليه وسلم يقبل وهو صائم " وعن عائشة ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه وهو صائم وكان املككم لاربه ومن كرهنا له القبلة فهل ذلك علي سبيل التحربم أو التنزيه حكي في التتمة فيه وجهين والاول هو المذكور في التهذيب (وقوله) وخروج القئ كالمني اشارة إلى ما قدمنا أنه لو استقاء أفطر وإن خرج بغير اختياره فلا ولو اقتلع(6/397)
نخامة من باطنه ولفظها فقد حكى الشيخ ابو محمد فيه وجهين (أحدهما) أنه يفطر به الحاقا له بالاستقاءة (والثانى) لا لان الحاجة إليه مما تكثر فليرخص فيه وبهذا أجاب الحناطي وكثير من الائمة ولم يذكروا غيره ثم ذكر صاحب الكتاب ان مخرج الحاء من الباطن ومخرج الخاء من الظاهر ووجهه لائح فان الحاء تخرج من الحلق والحلق من الباطن والخاء تخرج مما قبل الغلصمة الا أن المقصد في مثل هذا المقام الضابط الفارق بين الحدين يشبه أن يكون قدر مما بعد مخرج الخاء من الظاهر ايضا والله أعلم (السادسة) ذكرنا من قبل انه لو أوجر مكرها لم يفطر فلو اكره حتى أكل بنفسه ففيه قولان (احدهما) وبه قال أحمد لا يفطر لان حكم اختياره ساقط وأكله ليس منهيا عنه فاشبه الناسي (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله أنه يفطر لانه أتي بضد الصوم ذاكرا له غايته أنه أتى به لدفع(6/398)
الضرر عن نفسه لكنه لا أثر له في دفع الفطر كما لو أكل أو شرب لدفع الجوع أو العطش وهذا أصح عند صاحب الكتاب ويجرى القولان فيما لو اكرهت المرأة حتى مكنت وكذلك فيما إذا أكره الرجل حتي وطئ (ان قلنا) بتصور الاكراه على الوطئ نعم لا تجب الكفارة وان حكما بالافطار للشبهة (وان قلنا) لا يتصور الاكراه علي الوطئ بطل صومه ولزمه الكفارة وعند احمد يحصل الافطار بالوطئ مكرها بخلاف ما قال في الاكل (وقوله) وفى فساد القصد شرعا أشار به الي أن قيد القصد لابد منه علي ما ذكرناه في الضابط والقصد من حيث الحس موجود في حق المكره ولكن في الحاقه بالعدم شرعا وإفساده الخلاف المذكور (وقوله) لانه ليس بمأثم معناه ان الاكراه انما يؤثر في دفع الاثم(6/399)
علي ما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " رفع عن امتي الخطأ والنسيان " الخبر وحصول الفطر لا يتعلق به اثم (واعلم) ان هذا التوجيه يتركب علي مقدمتين (إحداهما) إن الاكراه إنما يؤثر في دفع المأثم (والثانية) أن هذا ليس بماثم واقتصر ههنا على ذكر الثانية وفى الوسيط على ذكر الاولي والله تعالي أعلم * قال {فأما ذكر الصوم إحترزنا به عن الناسي للصوم فانه لا يفطر بأكل ولا جماع (م و) والغالط الذى يظن
عدم طلوع الصبح أو غروب الشمس افطر ويلزمه القضاء في الآخر} *(6/400)
ومن القيود المدرجة في الضابط الذى سبق كون الوصول مع ذكر الصوم فأما إذا أكل ناسيا نظر إن قل أكله لم يفطر خلافا لمالك * لنا ماروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فانما أطعمه الله وسقاه " وان كثر ففيه وجهان كالوجهين في بطلان الصلاة بالكلام الكثير وان أكل جاهلا بكونه مفطرا وكان قريب العهد بالاسلام أو نشأ ببادية وكان يجهل مثل ذلك لم يبطل صومه والا فيبطل ولو جامع ناسيا للصوم فقد نقل المزني أن صومه لا يبطل وللاصحاب فيه طريقان (أصحهما) القطع بأنه لا يبطل كما نقله اعتبارا بالاكل (والثانى) أنه يخرج على قولين كما في جماع المحرم ناسيا ومن قال بهذا أنكر ما نقله المزني وقال لا نص للشافعي رضي الله عنه فيه ولو اكل علي ظن ان الصبح لم يطلع بعد أو أن الشمس قد غربت وكان غالطا فقد روى المزني انه لا يجوز صومه ووافقه الاصحاب علي روايته في الصورة الثانية واما في الاولي فمنهم من انكر ما رواه وقال لا يوجد ذلك في كتب الشافعي رضي الله عنه ومذهبه انه لا يبطل الصوم إذا ظن ان الصبح لم يطلع بعد لان الاصل بقاء الليل وهو معذور في بناء الامر عليه بخلاف مافى آخر النهار فان الاصل بقاء النهار فالغالط فيه غير معذور ومنهم من صحح ما رواه وقال لعله نقله سماعا ووجهه بأنه تحقق خلاف ما ظنه واليقين مقدم علي الظن ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخول الوقت وخروجه كما في الجمعة هذا هو الاصح والاشهر في المذهب قال الامام (فان قيل) هلا خرج ذلك علي القولين في خطأ القبلة (قلنا) المخطئ آخرا لا يكاد يصادف امراة ظاهرة في هجوم الليل واستصحاب النهار في معارضة ما يعن له وهو مع ذلك متمكن من الصبر الي درك اليقين فاقتضى ذلك الفرق بين البابين إذا عرفت ذلك وعدت الي لفظ الكتاب فاعلم قوله فانه لا يفطر بالميم وقوله ولا جماع بالالف لان عند احمد جماع الناسي يفسد الصوم وبالواو اشارة الي طريقة القولين فقد(6/401)
تعرض للخلاف فيه في الكتاب في فصل الكفارة وان لم يذكره في هذا الموضع ولو جعلت الواو
علي قوله لا يفطر ليشمل الاكل ايضا لم يبعد لانه اطلق القول بأنه لا يفطر الناسي به وفى الكثير منه الخلاف الذى سبق (وقوله) في مسألة الغالط فمفطر يجوز ان يعلم بالزاى والواو (اما) الزاى فلان ابا سعيد المتولي حكى ذهاب المزني الي انه لا يفطر في الصورة الاولي ومنهم من نقل ذهابه إليه في الصورتين (واما) بالواو فلامرين (احدهما) ما حكينا عن بعض الاصحاب في الصورة الاولي (والثانى) ان الموفق ابن طاهر حكى عن محمد بن اسحق بن خزيمة انه يجزئه الصوم في الطرفين (وقوله) فمفطر ويلزمه القضاء الجمع بينهما ضرب تأكيد ولا ضرورة إليه ثم لا يخفى ان الحكم بلزوم القضاء في الصوم الواجب اما في التطوع فيفطر ولا قضاء * قال {ولا ينبغي ان يأكل في آخر النهار الا بيقين فأما بالاجتهاد ففيه خلاف وفى اول النهار يجوز بالاجتهاد ولو هجم ولم يتبين الخطأ لزمه القضاء في الآخر ولم يلزمه في الاول} * لما تكلم في الغالط الذى أكل ثم تبين خلاف ما ظنه أراد أن يبين أن الاكل ثم يجوز (أما) في آخر النهار فالاحوط ألا يأكل إلا بتيقن غروب الشمس لان الاصل بقاء النهار فيستصحب إلي أن يستيقن خلافه ولو اجتهد وغلب علي ظنه دخول الليل بورد وغيره ففى جواز الاكل وجهان (احدهما) وبه قال الاستاذ أبو إسحق الاسفراينى أنه لا يجوز لقدرته علي درك اليقين بالصبر (وأصحهما) الجواز لما روى " أن الناس أفطروا في زمان عمر رضي الله ثم انكشف السحاب وظهرت الشمس " (وأما) في أول النهار فيجوز الاكل بالظن والاجتهاد لان الاصل بقاء الليل ولو هجم واكل من غير يقين ولا اجتهاد نظر ان تبين الخطأ فالحكم ما ذكرنا في الفصل السابق وإن تبين الصواب فقد استمر الصوم على الصحة وليس لاحد أن يقول إذا اكل شاكا في الغروب وتبين الغروب وجب ألا يصح صومه كما لو صلي شاكا في الوقت أو في القبلة من غير اجتهاد وتبين له الصواب لا تصح صلاته لان هناك ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد وههنا انعقدت العبادة علي الصحة وشك في أنه هل أتي بما يفسدها ثم تبين عدمه ذكر هذا الفرق صاحبا التتمة والمعتمد وان لم يتبين الخطأ ولا الصواب واستمر الاشكال فينظر إن اتفق ذلك في آخر النهار وجب القضاء لان الاصل بقاؤه ولم يبن الاكل على أمر يعارضه وإن اتفق في أوله فلا قضاء لان الاصل بقاء الليل وجواز الاكل(6/402)
وروى بعض أصحابنا عن مالك وجوب القضاء في هذه الصورة وتردد ابن الصباغ في ثبوتها غنه ولو اكل في آخر النهار بالاجتهاد وقلنا لا يجوز الاكل بالاجتهاد كان كما لو اكل من غير يقين ولا اجتهاد قال {ولو طلع الصبح وهو مجامع فنزع انعقد (ز) صومه ولو استمر فسد} إذا طلع الصبح وفى فيه طعام يأكله فليلفظه فان ابتلعه فسد صومه ولو لفظه في الحال لكن سبق منه شئ إلى جوفه بغير اختياره فقد نقل عن الحاوى فيه وجهان مخرجان من سبق الماء في المضمضة ولو طلع الصبح وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه نص عليه في المختصر والمسألة تصور علي ثلاثة أوجه (احدها) ان يحس وهو مجامع بتباشير الصبح فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع (والثانى) أن يطلع الصبح وهو مجامع ويعلم بالطلوع كما طلع وينزع كما علم (والثالث) أن يمضى زمان بعد الطلوع ثم يعلم به (أما) هذه الصورة الثالثة فليست مرادة بالنص بل الصوم فيها باطل وإن نزع كما علم لان بعض النهار قد مضى وهو مشغول بالجماع فاشبه الغالط بالاكل هذا ظاهر المذهب والخلاف الذى مر فيما إذا اكل على ظن أن الصبح لم يطلع بعد فبان خلافه عائد ههنا بلا فرق وعلي الصحيح لو مكث في هذه الصورة فلا كفارة عليه لان مكثه مسبوق ببطلان الصوم (وأما) الصورتان الاوليان فقد حكى الموفق ابن طاهر أن أبا اسحق قال النص محمول علي الصورة الاولي أما إذا طلع واخرج فسد صومه ولاشك في صحة الصوم في الصورة الاولى لكن حمل النص عليها والحكم بالفساد في الثانية مستبعد لا مبالاة به بل قضية كلام الائمة نقلا وتوجيها ان المراد من مسألة النص الصورة الثانية وحكوا فيها خلاف(6/403)
مالك وأحمد والمزنى رحمهم الله واحتجوا عليهم أن النزع ترك الجماع فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع كما لو حلف ألا يلبث ثوبا هو لابسه فانتزعه في الحال لا يحنث (وقوله) في الكتاب انعقد صومه أعلم بالميم والالف والزاى إشارة إلى مذاهبهم ويجوز أن يعلم بالواو أيضا للمنقول عن أبي اسحق وقد روى الحناطى أيضا وجها في المسألة ولو طلع الفجر وعلم به كما طلع ومكث ولم ينزع فسد صومه وهل عليه الكفارة نص في المختصر علي أنها تجب وأشار فيما إذا قال لامرأته إن وطأتك فأنت
طالق ثلاثا فغيب الحشفة وطلقت ومكث إلي أنه لا يجب المهر واختلف الاصحاب علي طريقين (أحدهما) أن فيها قولين نقلا وتخريجا (أحدهما) وجوب الكفارة ههنا والمهر ثم كما لو نزع وأولج ثانيا (والثاني) لا يجب واحد منهما لان ابتداء الفعل كان مباحا (وأصحهما) القطع بوجوب الكفارة ونفى المهر والفرق أن ابتداء الفعل لم تتعلق به الكفارة فتتعلق بانتهائه حتى لا يخلوا الجماع في نهار رمضان عمدا عن الكفارة والوطئ ثم غير خال عن المقابلة بالمهر لان المهر في النكاح يقابل جميع الوطئات وعند أبى حنيفة لا تجب الكفارة بالمكث واختاره المزني وساعدنا مالك وأحمد علي الوجوب والخلاف جار فيما إذا حامع ناسيا ثم تذكر الصوم واستدام * ثم تكلم الائمة في هذه المسائل في أن أول الفجر كيف يدرك ويحس ومتي عرف المترصد الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدما عليه فكيف يستمر فرض العلم به كما طلع وللشيخ أبى محمد(6/404)
في الجواب عنه مسلكان حكاهما الامام عنه (أحدهما) أن المسألة موضوعة علي التقدير كدأب الفقهاء في أمثالها (والثاني) أنا تعبدنا بما نطلع عليه ولا معنى للصبح إلا ظهور الضوء للناظر وما قبله لا حكم له فإذا كان الشخص عارفا بالاوقات ومنازل القمر وكان بحيث لا حائل بينه وبين المطلع وترصد فمتي أدرك فهو اول الصبح المعتبر * قال {القول في شرائط الصوم وهى اربعة ثلاثة في الصائم وهى (النقاء عن الحيض) (والاسلام) (والعقل) في جميع النهار وزوال العقل بالجنون مفسد ولو في بعض النهار واستتاره بالنوم ليس بمفسد ولو في كل النهار (و) وانغماره بالاغماء فيه اقوال (انه) كالنوم أو كالجنون (واصح) الاقوال انه ان افاق في اول النهار لم يضره بعده الاغماء} * يشترط في الصائم ثلاثة امور (احدها) النقاء عن الحيض والنفاس فلا يصح صوم الحائض والنفساء علي ما قدمناه في الحيض (والثاني) الاسلام فلا يصح صوم الكافر اصليا كان أو مرتدا كما لا يصح منه سائر العبادات وهذان الشرطان معتبران في جميع النهار حتي لو طرأ حيض أو ردة في آخر النهار بطل الصوم (والثالث) العقل فلا يصح صوم المجنون ولو جن في اثناء النهار فظاهر المذهب بطلان صومه كما لو جن في خلال صلاته تبطل صلاته وفيه وجه ان عروض الجنون كعروض
الاغماء وسيأتي حكمه وعبر الشيخ ابو اسحق عن هذا الخلاف في المهذب بقولين (الاول) الجديد (والثانى) القديم ولو نوى من الليل ونام جميع النهار صح صومه وعن ابى الطيب ابن سلمة والاصطخري(6/405)
أنه لا يصح كما لو كان مغمى عليه جميع النهار واحتجا على ذلك بقوله في المختصر فان أفاق في بعض النهار فهو صائم يعني المغمى عليه ثم قال وكذلك إن أصبح راقدا ثم استيقظ فاشعر.
كلامه باشتراط الاستيقاظ في بعض النهار والمذهب الاول والفرق بين النوم والاغماء ان سلمنا أن مستغرقه مبطل أن الاغماء يخرجه عن أهلية الخطاب ويلحقه بالمجنون والنائم إذا نبه تنبه ولهذا لا يسقط قضاء الصلوات بالنوم ويسقط بالاغماء ولو نوى من الليل ثم عرض له الاغماء فقد نص في المختصر في باب الصوم أنه إذا كان مفيقا في جزء من النهار صح صومه وفى باب الظهار انه ان كان مفيقا في أول النهار صح صومه ويحكى مثله عن البويطي وفى بعض كتبه أن المرأة إذا كانت صائمة فحاضت أو اغمي عليها بطل صومها وذلك يقتضي اشتراط الافاقة في جميع النهار وقال المزني إذا نوى من الليل صح صومه وان استغرق الاغماء جميع النهار كالنوم وخرج ابن سريج من نصه في الظهار انه يشترط الافاقة في طرفي النهار وقت طلوع الفجر ووقت غروب الشمس وللاصحاب في المسألة طريقان اثبات الخلاف ونفيه (أما) المثبتون للخلاف فلهم طرق (أظهرها) ان المسألة علي ثلاثة اقوال (اصحها) نصه في المختصر في باب الصوم وبه قال احمد ووجهه الامام بأن الدليل يقتضى اشتراط النية مقرونة بجميع اجزاء العبادة الا ان الشرع لم يشترط ذلك واكتفى بتقديم العزم دفعا للعسر فلا بد من ان يقع المعزوم عليه بحيث(6/406)
يتصور القصد إليه وإمساك المغمى عليه لا يقع مقصودا فإذا استغرق الاغماء امتنع التصحيح وإذا وجدت الافاقة في لحظة أتبعنا زمان الاغماء زمان الافاقة (والثانى) اشتراط الافاقة في أول النهار وبه قال مالك رحمه الله ووجهه انه حالة الشروع في الصوم فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال ولهذا خص أول الصلاة باشتراط النية فيه (والثالث) اشتراط الافاقة في جميع النهار كالافاقة عن الجنون والنقاء عن
الحيض (والطريق الثاني) إنه ليس في المسألة إلا قولان الاول والثاني (وأما) نصه الثالث فهو محمول على ما إذا كان الاغماء مستغرقا أو علي اغماء الجنون أو علي ان جوابه رجع الي الحيض دون الاغماء وقد يقع مثل ذلك في كلام الشافعي رضي الله عنه حكى هذا الطريق والذى قبله الشيخ أبو حامد وغيره (والثالث) ان المسألة علي خمسة اقوال هذه الثلاثة المنصوصة وقولان آخران مخرجان (احدهما) ما ذكره المزني جعله بعض الاصحاب قولا مخرجا من النوم وبه قال أبو حنيفة (والثانى) ما ذكره ابن سريج ووجهه بأن الصلاة لما اعتبرت النية فيها ولم تعتبر في جميعها اعتبرت في طرفيها كذلك حكم الافاقة في الصوم واستضعفت الائمة هذا القول حتي غلط صاحب الحاوى ابن سريج في تخريجه وقال لا يعرف للشافعي رضى الله عنه ما يدل عليه (وأما) النافون للخلاف فلهم طريقان (احدهما) ان المسألة علي قول واحد وهو اشتراط الافاقة في اول النهار وما ذكره في الصوم مطلق محمول على ما بينه في الظهار (وأظهرهما) ان المسألة علي قول واحد وهو اشتراط الافاقة في جزء من النهار وتعيين أول النهار(6/407)
في نصه في الظهار وقع علي سبيل الاتفاق (وأما) النص الثالث فقد قدمنا تأويله ولو نوى بالليل ثم شرب دواء فزال عقله نهارا فقد قال في التهذيب يرتب علي ذلك الاغماء (إن قلنا) لا يصح الصوم في الاغماء فههنا اولي (وان قلنا) يصح فوجهان (والاصبح) ان عليه القضاء لانه كان بصنعه ولو شرب المسكر ليلا وبقى سكره في جميع النهار فعليه القضاء وان بقى بعض النهار ثم صحا فهو كالاغماء في بعض النهار قاله في التتمة (وأما) لفظ الكتاب فمسألتا الجنون والنوم معلمتان بالواو لما حكينا من الوجهين (وقوله) في الاغماء اقوال يجوز اعلامه بالواو للطريقة النافية للخلاف وما اطلقه من الاقوال محمول على طريقة إثبات الاقوال الخمسة لكنه ذكر منها ثلاثة (احدها) المخرج الذى اختاره المزني وهو قوله كالنوم (والثانى) منصوصه في بعض كتبه وهو قوله كالجنون (والثالث) منصوصه في باب الظهار (وأما) القولان الباقيان فلم يذكرهما ولو حملنا ما اطلقه على الاقوال الثلاثة التى ذكرها وقدرنا حصره خلاف المسألة فيها لكان صاحب الكتاب منفردا بنقل هذه الطريقة (وقوله) كالنوم أو كالجنون التشبيه بهما مبنى علي ظاهر المذهب فيهما وجعله القول الثالث اصح الاقوال خلاف ما ذكره الجمهور وانما الاصح
عندهم ما قدمنا ذكره وما أطلقه من عبارات الزوال والانغمار والاستتار فانما اخذه من الامام حيث جعل لاختلال العقل مراتب (احدها) الجنون وهو يسلب خواص الانسان ويكاد يلحقه بالبهائم(6/408)
(والثانية) الاغماء وهو يغشى العقل ويغلب عليه حتى لا يبقى في دفعه اختيار (والثالثة) النوم وهو مزيل للتمييز لكنه سهل الازالة والعقل معه كالشئ المستور الذى يسهل الكشف عنه قال ودونها مرتبة رابعة وهى الغفلة ولا اثر لها في الصوم وفاقا * قال {الرابع الوقت القابل للصوم وهو جميع الايام إلا يوم العيدين (ح) وأيام التشريق (و) ولا يصح صوم المتمتع في أيام التشريق علي القول الجديد وصوم يوم الشك صحيح إن وافق نذرا أو قضاءا أو وردا وإن لم يكن له سبب فهو منهي عنه (م ح) وفى صحته وجهان كالصلاة في الاوقات المكروهة ويوم الشك ان يتحدث برؤية الهلال من لا يثبت الهلال بشهادته كالعبيد والفساق} * أيام السنة تنقسم الي يوم الشك وغيره وغيره ينقسم إلى يومى العيد وأيام التشريق وغيرها (فأما) غيرها من الايام فهو قابل للصوم بلا استثناء (وأما) يوما العيد فلا يقبلانه خلافا لابي حنيفة رحمه الله لان عنده(6/409)
لو نذر صومهما كان له أن يصوم فيهما * لنا انه روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم " نهى عن صوم يومين يوم الاضحى ويوم الفطر (وأما) أيام التشريق فهل يجوز للمتمتع العادم للهدى أن يصومها عن الثلاثة ايام اللازمة عليه في الحج فيه قولان (القديم) وبه قال مالك انه يجوز لما روى عن عائشة رضى الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " ارخص للمتمتع إذا لم يجد الهدى ولم يصم الثلاثة في العشر ان يصوم أيام التشريق " وإلي هذا ميل الشيخ أبي محمد (والجديد)(6/410)
انه لا يجوز بل هما في عدم قبول الصوم كالعيدين لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا تصوموا في هذه الايام فانها أيام أكل وشرب وبعال " فان فرعنا على القديم فهل يجوز لغير المتمتع صومها فيه وجهان (قال) ابو اسحق نعم لان تجويز صومها للمتمتع انما كان لانه صوم له سبب فيجوز مثل هذا
الصوم لكل أحد دون التطوعات المحضة وقال الاكثرون لا يجوز لان النهي عام والرخصة وردت في(6/411)
في حق المتمتع خاصة وذكر الامام أن القاضي الحسين سلك مسلكا يفضي الي تنزيل يوم العيد منزلة يوم الشك قال وما تراه قاله عن عقد (وأما) يوم الشك فقد روى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال " من صام اليوم الذى يشك فيه فقد عصى أبا القاسم " فلا يصح صومه عن رمضان خلافا لاحمد حيث قال في رواية " ان كانت السماء مصحية كره صومه والا وجب صومه عن رمضان " وفى رواية ان صام الامام صاموا والا(6/412)
أفطروا وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا * لنا قوله صلي الله عليه وسلم " فان غم عليكم فاكملوا عدة شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان " ويجوز صومه عن قضاء ونذر وكفارة وكذا(6/413)
إذا وافق ورده في التطوع بلا كراهية روى عن أبى هريرة " ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تستقبلوا الشهر بيوم أو يومين الا ان يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم " وعن القاضي أبي الطيب انه يكره صومه عما عليه من فرض قال ابن الصباغ وهذا خلاف القياس لانه إذا لم يكره منه ماله سبب من التطوع فلان لا يكره فيه الفرض كان أولى ولا يجوز ان يصوم فيه التطوع الذى لا سبب له خلافا لابي حنيفة ومالك رحمهما الله(6/414)
حيث قالا لا كراهية في ذلك) * لنا حديث عمار وأيضا فقد روى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن صيام ستة ايام احدها اليوم الذى يشك فيه " وهل يصح هذا الصوم فيه وجهان كالوجهين في الصلاة وفى الاوقات المكروهة (أصحهما) لا لانه منهي عنه كيوم العيد (والثانى) (نعم) لانه قابل للصوم في الجملة ولو نذر صومه فهو على هذين الوجهين (فان قلنا) يصح فليصم يوما آخر ولو صامه خرج عن نذره قاله في التهذيب ولا يحفى ان اليوم الموصوف بكونه يوم الشك هو الثلاثون من شعبان ومتي يتصف بهذه الصفة ان طبق الغيم ليلته فهو من شعبان وليس بيوم شك لقوله صلي الله عليه وسلم " فان غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين " ولا اثر لظننا الرؤية لولا السحاب لبعد الهلال عن الشمس وان كانت السماء مصحية وتراءى الناس الهلال(6/415)
فلم يروه فليس بيوم شك بطريق الاولي إن لم يتحدث برؤية الهلال أحد وان وقع في السنة الناس انه رؤى ولم يقل عدل أنا رأيته أو قاله عدل وفرعنا على انه لا يثبت بقول واحد أو قاله عدد من النسوة أو العبيد أو الفساق وظن صدقهم فهو يوم شك وحكي الموفق ابن طاهر عن أبي محمد البافى انه إذا كانت السماء مصحية ولم ير الهلال فهو يوم شك وعن الاستاذ ابي طاهر ان يوم الشك ما تردد بين الجائزين من غير ترجيح فإذا شهد امرأة أو عبد أو صبي فقد ترجح احد الجانبين وخرج اليوم عن كونه يوم شك والمشهور ما تقدم ولو كان في السماء قطع سحاب يمكن ان يرى الهلال من خلالها وان يخفى تحتها فقد قال الشيخ ابو محمد انه يوم الشك وقال غيره إنما يكون كذلك بشرط التحدث علي ما سبق وتوسط الامام بينهما فقال ان كان في بلد يستقل اهلها بطلب الهلال فلم يتحدثوا برؤيته فالوجه ان لا يجعل الغد يوم شك وإن كان في سفر ولم يبعد رؤية اهل القرى فيحتمل ان يجعل الغد يوم شك والله اعلم * إذا عرفت ذلك فارجع إلى لفظ الكتاب واعلم قوله الا يوم العيدين وأيام التشريق بالحاء والميم والالف (اما) بالحاء فلان عنده صومها صحيح عند النذر فتكون قابلة للصوم (واما) بالميم فلان عنده يجوز للمتمتع صوم أيام التشريق وهو رواية عن أحمد (وقوله) ولا يصح صوم المتمتع في ايام التشريق ان قرئ بالواو كان مقطوعا عما سبق واحوج إلى اعلام ما سبق بالواو للقول القديم فانها قابلة للصوم علي ذلك القول وإن قرئ فلا يصح بالفاء ترتيبا له علي ما سبق كان أحسن وأغني عن الاعلام بالواو ويجوز أن يعلم قوله علي الجديد بالواو لانه يقتضى اثبات خلاف في المسألة وقد ذكر المزني ان القول القديم في المسألة مرجوع عنه فلم يثبث بعض الاصحاب فيها خلافا (وقوله) فهو منهى معلم بالميم والحاء (وقوله) أن يتحدث برؤية الهلال يجوز اعلامه بالواو (اما) لما روينا عن الشيخ فانه لا يعتبر التحدث في تفسير يوم الشك أو عن الاستاذ فانه يجعل خبر العبيد ونحوهم مخرجا له عن كونه يوم شك *(6/416)
قال {القول في السنن وهي ثمانية تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب بتمر أو ماء والوصال منهى
عنه وتأخير السحور مستحب وكذا اكثار الصدقات وكثرة تلاوة القرآن والاعتكاف لا سيما في العشر الاخير لطلب ليلة القدر وكف اللسان عن الهذيان وكذا كف النفس عن جميع الشهوات فهو سر الصوم وترك السواك بعد الزوال وتقديم غسل الجنابة علي الصبح} * من سنن الصوم تعجيل الفطر قال صلي الله عليه وسلم " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " وانما يستحب التعجيل بعد تيقن غروب الشمس والسنة أن يفطر علي تمر فان لم يجد فعلى ماء روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من وجد التمر فليفطر عليه ومن لم يجد التمر فليفطر على الماء فانه طهور " وذكر القاضى الرويانى انه يفطر علي التمر فان لم يجد فعلي حلاوة أخرى فان لم يجد فعلي(6/417)
الماء وعن القاضي حسين ان الاولي في زماننا أن يفطر علي ماء يأخذه بكفه من النهر ليكون أبعد عن الشبهة (وقوله) في الكتاب علي تمر أو ماء ليس للتخيير بل الامر فيه على الترتيب كما بيناه (ومنها) التسحر فهو مندوب إليه قال صلى الله عليه وسلم " تسحروا فان في السحور بركة " ويستحب تأخيره ما لم يقع في مظنه الشك روى " أنه كان بين تسحر رسول الله صلي الله عليه وسلم مع زيد بن ثابت رضى الله عنه ودخوله في صلاة الصبح قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية " (ومنها) ترك الوصال فهو مكروه لغير النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عمر(6/418)
رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم " نهى عن الوصال فقيل يارسول الله انك تواصل فقال إنى لست مثلكم اني اطعم واسقي " قال المسعودي أصح ما قيل في معناه انى اعطى قوة الطاعم والشارب والوصال أن يصوم يومين فصاعدا ولا يتناول بالليل شيئا وكراهية الوصال كراهية تحريم أو تنزيه حكى عن صاحب المهذب وغيره فيه وجهين (أحدهما) انها كراهية تحريم لظاهر النهي ومبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في منع من واصل (والثانى) انها كراهية تنزيه لان النهي انما ورد مخافة الضعف وهو أمر غير متحقق وظاهر كلام الشافعي رضى الله عنه هو الاول فانه بعد ماروى خبر الوصال قال وفرق الله تعالي بين رسوله وبين خلقه في أمور أباحها له وحظرها عليهم فاشعر ذلك بكونه محظورا واطلق في التهذيب ان المواصل يعصي وذلك يشعر بالحظر أيضا (ومنها) الجود والافضال فهو مندوب إليه في(6/419)
جميع الاوقات وفى شهر رمضان آكد استحبابا اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم فانه كان " اجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان " والمعني في تخصيص رمضان بزيادة الجود واكثار الصدقات تفريغ الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجاتهم (ومنها) كثرة تلاوة القرآن والمدارسة به وهو أن يقرأ على غيره ويقرأ عليه غيره " كان جبريل عليه السلام يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان فيتدارسان القرآن (ومنها) الاعتكاف لا سيما في العشر الاخير من رمضان لطلب ليلة القدر " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يواظب عليه " (ومنها) ان يصون الصائم لسانه عن الكذب والغيبة والمشاتمة ونحوها ويكف نفسه(6/420)
عن الشهوات بكف الجوارح فهو سر الصوم والمقصود الاعظم منه روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل ان صائم " قال الائمة معناه فليقل في نفسه ولينزجر (ومنها) ترك السواك بعد(6/421)
الزوال لما ذكرنا في سنن الوضوء وايضا فقد روى عن خباب رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشى فانه ليس من صائم تيبس شفتاه الا كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة " وإذا استاك فلا فرق بين الرطب واليابس بشرط أن يحتزر عن ابتلاع شظية وتجرع رطوبة وقد(6/422)
روى عن علي وابن عمر رضي الله عنهم " أنه لا بأس بالسواك الرطب " وقوله في الكتاب ترك السواك معلم بالميم والحاء لانهما لا يكرهانه بعد الزوال وبالالف لان المسعودي في آخرين حكوا عن احمد انه لا يكره بعد الزوال في النفل ليكون ابعد عن الرياء في الفرض وبالواو لان صاحب المعتمد حكى عن القاضى حسين مثل مذهب احمد (ومنها) يستحب تقديم غسل الجنابة عن الجماع والاحتلام علي الصبح ولو أخره عن(6/423)
الطلوع لم يفسد صومه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع أهله ثم يصوم " وما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من أصبح جنبا فلا صوم له " محمول عند الائمة علي مااذا أصبح مجامعا واستدامه ولو طهرت الحائض ليلا ونوت الصوم ثم اغتسلت بعد طلوع الفجر صح صومها أيضا هذا شرح السنن الثمان التي ذكرها في الكتاب ولا يخفى أن منها ما يعم الصوم ومنها ما يخص صوم رمضان وللصوم وراءها سنن (منها) ان يقول عند الفطر ماروى عن(6/424)
معاذ رضي الله قال " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا افطر قال اللهم لك صمت وعلي رزقك افطرت " (ومنها) ان يفطر الصائمين معه فان عجز عن عشائهم اعطاهم ما يفطرون به من شربة أو تمرة أو غيرهما (ومنها) الاحتراز عن الحجامة والقبلة والمعانقة والعلك وقد سبق ذكرها وكذا الاحتراز عن ذوق الشئ ومضغ الطعام للطفل وإن كان لا يفسد الصوم بذلك * قال {القسم الثاني في مبيحات الافطار وموجباته (أما) المبيح فهو المرض والسفر الطويل وطارئ المرض في أثناء النهار مبيح وطارئ السفر لا يبيح وإذا زالا وهو غير مفطر لم يبح الافطار والمسافر إذا أصبح علي نية الصوم فله الافطار والصوم أحب من الفطر في السفر لتبرئة الذمة الا إذا كان يتضرر به}(6/425)
كلام هذا القسم في مبيحات الافطار ثم في احكامه (أما) المبيح فالمرض والسفر مبيحان بالاجماع والنص قال الله تعالي (فمن كان منكم مريضا أو علي سفر) الآية وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة " وشرط كون المرض مبيحا ان يجهده الصوم معه ويلحقه ضرر يشق احتماله علي ما عددتا وجوه المضار في التيمم ثم المرض إن كان مطبقا فله ترك النية بالليل وإن كان يحم وتنقطع نظر إن كان محموما وقت الشروع فله ترك النية والا فعليه أن ينوى من الليل ثم ان عاد واحتاج الي الافطار أفطر وشرط كون السفر مبيحا أن يكون طويلا مباحا كما سبق في القصر ثم في الفصل مسائل (احداها) لو اصبح صائما وهو صحيح فمرض في أثناء
النهار كان له أن يفطر لوجود المعني المحوج الي الافطار من غير اختياره ولو اصبح صائما مقيما ثم سافر لم يجز له أن يفطر في ذلك اليوم خلافا لاحمد في رواية وللمزنى * لنا أن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا انشأها في الحضر ثم سافر غلب حكم الحضر كالصلاة * واحتج المزني بأن النبي(6/426)
صلى الله عليه وسلم " صام في مخرجه الي مكة في رمضان حتي بلغ كراع الغميم ثم افطر " وبنى هذا الاحتجاج علي ظنه أن ذلك كان في يوم واحد قال الاصحاب وهو وهم فان بين المدينة وكراع الغميم مسيرة ثمانية ايام والمراد من الحديث انه صام اياما في سفره ثم افطر وقد قيل ان المزني تبين له ذلك ثم رجع عن هذا الاحتجاج وان لم يرجع عن مذهبه (وقوله) في الكتاب وطارئ السفر لا يبيح يجوز ان يعلم مع الالف والزاى بالواو لان الحناطى حكى طريقا ان المسألة علي وجهين وايضا فان الموفق ابن طاهر زعم ان ابن خيران اشار إليه وعلي المذهب الصحيح لو افطر بالجماع لزمه الكفارة خلافا لابي حنيفة ومالك ولاحمد في احدى الروايتين ولو نوى المقيم بالليل ثم سافر قبل طلوع الفجر فان فارق العمران قبل الطلوع فله ان يفطر وان فارقه بعد الطلوع فلا لان ابتداء صومه وقع في الحضر (الثانية) لو اصبح المسافر صائما ثم اقام في خلال النهار فهل له أن يفطر ظاهر المذهب وبه قال ابو اسحق انه ليس له ذلك كما لو افتتح الصلاة في السفر ثم نوى الاقامة في اثنائها أو سارت به السفينة فدخل البلد وهذا(6/427)
هو الذى ذكره في الكتاب وعن ابن ابى هريرة ان له الفطر لان الفطر مباح له في اول النهار مع العلم بحال اليوم فكذلك في آخره كما لو استدام السفر ونقل عن الحاوى ان هذا هو المنصوص في حرمله ولو اصبح المريض صائما ثم برأ في خلال النهار فقد قطع كثيرون بأنه لا يجوز له الافطار وطرد صاحب المهذب حكاية الوجهين فيه و ? له الاولي (الثالثة) المسافر إذا اصبح علي نية الصوم ثم بداله جاز له ان يفطر لدوام العذر وقد روى ان النبي صلى الله عليه وسلم " افطر بعد العصر بكراع الغميم بقدح ماء لما قيل له ان الناس يشق عليهم الصيام " وابدى الشيخ ابو اسحق والامام في المسألة احتمالا ووجهاه بأنه شرع في فرض المقيمين فليلزمه كما لو شرع في الصلاة متما ثم اراد القصر وإذا قلنا بالمشهور فهل
يكره له الافطار فيه وجهان عن القاضي الحسين (الرابعة) للمسافر أن يصوم وله ان يفطر لما روى عن(6/428)
أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال " غزونا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم علي المفطر ولا المفطر علي الصائم " وروى " أنه صلى الله عليه وسلم قال لحمزة بن عمرو الاسلمي رضي الله عنه ان شئت فصم وان شئت فافطر " وأيهما افضل ان كان لا يتضرر بالصوم فالصوم افضل وبه قال مالك وأبو حنيفة وقد ذكرنا وجهه وما يحكي فيه من الخلاف في صلاة المسافرين وإن كان يتضرر بالصوم فالفطر أفضل له لما روى(6/429)
عن جابر رضي الله عنه قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان غزوة تبوك فمر برجل في ظل شجرة يرش الماء عليه فقال ما بال هذا قالوا صائم فقال صلي الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر " وذكر في التتمة أنه لو لم يتضرر في الحال لكنه كان يخاف الضعف لو صام وكان(6/430)
السفر سفر حج أو غزو فالاولي ان يفطر أيضا لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالفطر عام الفتح وقال تقووا لعدوكم " (وقوله) إلا إذا كان يتضرر ضبط الامام التضرر بخوف المرض ولا شك ان خوف الهلاك في معناه (واعلم) ان اصل المسألة قد ذكره مرة في صلاة المسافرين لكن زاد ههنا شيئين (أحدهما) بيان علة افضلية الصوم (والثاني) استثناء حالة التضرر ولو لم يذكرها واقتصر على ما اورده في هذا الموضع لكفى (وقوله) في اول الفصل (اما) المبيح فهو المرض والسفر يشعر ظاهره بحصر المبيح فيهما لكن من غلبه العطش حتى خاف الهلاك فله الفطر وان كان مقيما صحيح البدن * قال {اما موجبات الافطار فأربعة (الاول) القضاء وهو واجب علي كل تارك بردة (ح) أو سفر أو مرض أو اغماء أو حيض ولا يجب علي من ترك بجنون أو صبا أو كفر اصلى وما فات من بعض الشهر في ايام الجنون لا يقضى (ح) ولو افاق في اثناء النهار ففى قضاء ذلك اليوم وجهان ولا يجب التتابع في قضاء رمضان} *(6/431)
مقصود الفصل الكلام فيمن يلزمه قضاء صوم رمضان ولا شك أن من ترك النية الواجبة عمدا أو سهوا فعليه القضاء وكذلك كل من أفطر نعم لو كان افطاره بحيث يوجب الكفارة ففي القضاء خلاف سيأتي ذكره من بعد وما فات بسبب الكفر لا يجب قضاؤه على الكافر الاصلي قال الله تعالي (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الآية ويجب على المرتد خلافا لابي حنيفة رحمه الله على ما مر في الصلاة والمسافر والمريض إذا أفطرا قضيا قال الله تعالي (فعدة من أيام أخر) وما فات بالاغماء يجب قضاؤه سواء استغرق جميع الشهر أو لم يستغرق لانه نوع مرض يغشى العقل بخلاف الجنون ولهذا يجوز الاغماء على الانبياء عليهم السلام ولا يجوز الجنون عليهم ويخالف الصلاة حيث يسقط الاغماء قضاءها لان الصلاة تتكرر والاغماء قد يمتد ويتكرر فوجوب القضاء يجر عسرا وحرجا ونقل صاحب التهذيب والتتمة عن ابن سريج ان الاغماء إذا استغرق اسقط القضاء ويجب على الحائض قضاء ايام الحيض كما مر في الحيض ولا يجب الصوم علي الصبى والمجنون ولا قضاء عليهما ولا فرق في اسقاط الجنون القضاء بين ان يستغرق النهار أو لا يستغرقه ولا بين أن يستغرق(6/432)
الشهر أو لا يستغرقه وقال مالك الجنون لا يسقط القضاء كالاغماء وهو احدي الروايتين عن احمد فليكن قوله بجنون معلما بالميم والالف وبالحاء ايضا لان اللفظ يشمل ما إذا ترك بالجنون جميع ايام الشهر وما إذا ترك بعضها وعند ابي حنيفة رحمه الله إذا افاق المجنون في اثناء الشهر فعليه قضاء ما مضي من الشهر ويجوز ان يعلم بالواو ايضا لامور ثلاثة (احدها) ان فيما علق عن الشيخ أبي محمد رحمه الله حكاية قول مثل مذهب مالك (والثانى) ان المحاملى ذكر أن المزني نقل في المنثور عن الشافعي رضى الله عنه مثل قول ابي حنيفة (والثالث) ان المحاملى في آخرين حكوا عن ابن سريج مثل مذهب مالك وهذا ينافى ما نقل عنه في الاغماء ويشبه أن يكون أحدهما غلطا وهذا اقرب إليه لان كل من نقله ضعفه (وقوله) وما فات من بعض الشهر في ايام الجنون لا يقضي جار مجرى التوكيد والايضاح والا فقوله علي من ترك بجنون يتناوله باطلاقه ولو اعدت العلامات
علي قوله لا يقضى لاصبت (اما) علامة ابي حنيفة فظاهرة (وأما) غيرها فلان من يأمر بالقضاء إذا استغرق الجنون الشهر اولي ان يأمر به عند عدم الاستغراق وما ذكرنا كله في الجنون الذى لم يتصل بسبب يقتضي القضاء فأما إذا ارتد ثم جن أو سكر ثم جن فقد روى الحناطى فيه وجهين في لزوم القضاء ولعل الظاهر الفرق بين اتصاله بالردة واتصاله بالسكر كما مر في الصلاة (وقوله) ولو افاق في اثناء النهار ففي قضاء ذلك اليوم وجهان هذه الصورة معادة في درج زوال سائر الاعذار في أثناء النهار حيث قال وفى وجوب قضاء هذا اليوم تردد وسنشرحه ولا يجب التتابع في قضاء رمضان لما روى ان النبي صلي الله(6/433)
عليه وسلم " سئل عن قضاء رمضان فقال ان شاء فرقه وإن شاء تابعه " ويستحب ذلك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه " واعلم قوله ولا يجب بالميم لان الامام نقل عن مالك رحمهما الله إيجاب التتابع فيه وتابعه المصنف لكن الذى رواه الاكثرون عن مالك انه لا يجب التتابع فيه وإنما حكوا هذا المذهب عن داود وبعض اهل الظاهر وذكروا انهم وان أوجبوه لم يشرطوه للصحة * قال {الثاني الامساك تشبيها بالصائمين وهو واجب علي كل متعد بالافطار في شهر رمضان غير واجب على من أبيح له الفطر إباحة حقيقية كالمسافر (ح) والمريض (ح) بعد القدوم والبرء في بقية النهار ويجب على من أصبح يوم الشك مفطرا إذا بان انه من رمضان على الصحيح} *(6/434)
الامساك تشبيها بالصائمين من خواص رمضان كالكفارة فلا إمساك علي من تعدي بالافطار في نذر أو قضاء قال الامام والامر بالامساك مشبه بالتغليظ وطرف من العقوبة ومضادة القصد ثم الممسك متشبه وليس في عبادة بخلاف المحرم إذا افسد احرامه ويظهر أثره في ان المحرم بعد فساد احرامه لو ارتكب محظورا لزمته الفدية والممسك لو ارتكب محظورا لا يلزمه شئ سوى الاثم وفى الفصل صور (احداها) يجب الامساك علي كل من تعدى بالافطار في رمضان وكذا لو ارتد أو نوى الخروج من الصوم (ان قلنا) انه يبطل بنية الخروج ويجب ايضا علي من نسى النية من الليل وكان نسيانه
يشعر بترك الاهتمام بأمر العبادة فهو ضرب تقصير ويجوز ان يوجه الامر بالامساك بأن الاكل في نهار رمضان حرام علي غير المعذور فان فاته الصوم بتقصير أو غير تقصير لم يرتفع التحريم (الثانية) لو اقام المسافر أو برأ المريض اللذان يباح لهما الافطار في أثناء النهار فلهما ثلاث احوال (احداها) ان يصبحا صائمين وداما عليه إلى زوال العذر فقد ذكرنا المذهب الظاهر وخلاف ابن أبى هريرة فيه (والثانية) ان يزول عذرهما بعد ما افطرا فيستحب لهما الامساك لحرمة الوقت ولا يجب وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث اوجبه وبه قال احمد في اصح الروايتين * لنا ان زوال العذر بعد الترخص لا يؤثر كما لو قصر المسافر ثم اقام والوقت باق وإذا أكلا فليخفياه كيلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان ولهما الجماع بعد زوال العذر إذا لم تكن المرأة صائمة بان كانت صغيرة أو طهرت من الحيض ذلك اليوم (والثالثة) ان يصبحا غير ناويين ويزول العذر قبل أن يأكلا فهل يلزمهما الامساك فيه وجهان (أحدهما)(6/435)
نعم كما لو لم يصل المسافر حتي اقام لا يجوز له القصر (واصحهما) انه لا يلزمه لان من أصبح تاركا للنية فقد اصبح مفطرا وكان كما لو اكل والوجهان مفرعان علي ظاهر المذهب في الحالة الاولى فاما من جوز له الاكل ثم فههنا اولى ان يجوز (الصورة الثالثة) إذا اصبح يوم الشك مفطرا ثم ثبت انه من رمضان فلا يخفى انه يلزمه قضاؤه وهل يجب عليه إمساك بقية النهار فيه قولان (اصحهما) نعم لان الصوم واجب عليه الا انه كان لا يعرفه فإذا بان لزمه الامساك قال الامام رحمه الله وتخريجه علي القاعدة التي ذكرنا ان الامر بالامساك تغليظ وعقوبة انا قد ننزل المخطئ منزلة العامد لانتسابه الي ترك التحفظ الا ترى انا نحكم بحرمان القاتل خطأ عن الميراث (والثاني) قاله في البويطى لا لانه أفطر بعذر فلم يلزمه امساك بقية النهار كالمسافر إذا قدم بعد الافطار وفرض ابو سعد المتولي هذين القولين فيما إذا بان انه من رمضان قبل أن يأكل شيئا ثم رتب عليه مااذا بان بعد الاكل فقال ان لم نوجب الامساك ثم فههنا أولي والا فوجهان (أظهرهما) الوجوب أيضا ولنعد الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) في شهر رمضان ينبه علي ما قدمنا ان وجوب الامساك من خواص رمضان (وقوله) غير واجب علي ما ابيح له الفطر معلم بالحاء والالف ثم اللفظ متناول للحالة الثانية والثالثة من أحوال مسألة المسافر والمريض علي ما فصلنا فيجوز أن يعلم
بالواو أيضا للخلاف في الحالة الثالثة وأيضا فانه حكي عن الحاوى وجها في أن المريض إذا أفطر ثم برأ هل يلزمه إمساك بقية النهار وذكر ان الوجوب طريقة أصحابنا البغداديين والمنع طريقة البصريين والفرق بين المريض والمسافر ان المريض إنما يفطر للعجز فإذا قدر وجب أن يمسك والمسافر يفطر رخصة وان أطاق الصوم (وقوله) اباحة حقيقية فيه اشارة الي الفرق بين صورة المريض والمسافر وصورة يوم الشك فان أصح القولين وجوب الامساك يوم الشك وذلك لان المسافر والمريض يباح لهما الاكل مع العلم بحال اليوم وكونه من رمضان حقيقة وفى يوم الشك انما ابيح الاكل لانه لم يتحقق كونه من رمضان فإذا تحققه لزمه الامساك (وقوله) بعد القدوم لا يخفى رجوعه الي المسافر وان تخلل بينهما ذكر المريض ثم هو في اكثر النسخ بعد القدوم وقبله وطرح بعضهم قبله لانه اوضح من أن يحتاج إلى(6/436)
ذكره والممكن فيه أن يقال انما ذكره كي لا يتوهم ان المسافر إذا أكل وتقوى يلزمه الاقتصار عليه تقديرا للاكل بقدر الحاجة وثبت ان بعض المعتنين بهذا الكتاب جعل مكانه والبرء وهو حسن * قال {وأما الصبا والجنون والكفر إذا زال لم يجب الامساك علي وجه ويجب في وجه وبحب على الكافر دونهما في وجه ويجب علي الصبي والكافر دون المجنون في وجه لانهما مأموران علي الجملة وفى وجوب قضاء هذا اليوم ايضا تردد} * إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر في أثناء يوم من رمضان فهل يلزمهم امساك بقية اليوم فيه أربعة أوجه (اصحهما) لا لانهم لم يدركوا وقتا يسع الصوم ولا أمروا به والامساك تبع للصوم ولانهم أفطروا بعذر فاشبهوا المسافر والمريض (والثانى) نعم لانهم أدركوا وقت الامساك وان لم يدركوا وقت الصوم (والثالث) انه يجب على الكافر دون الصبى والمجنون فانهما معذوران ليس اليهما ازالة ما بهما والكافر مأمور بترك الكفر والاتيان بالصوم (والرابع) انه يجب علي الصبى والكافر دون المجنون (أما) الكافر فلما ذكر (وأما) الصبى فلانه متمكن من الاتيان بالصوم مأمور به أمر تدريب علي ما مر في الصلاة بخلاف المجنون وقوله في الكتاب لم يجب الامساك معلم بالحاء لان مذهب ابى حنيفة رحمه الله مثل الوجه الثاني وبالالف لانه أصح الروايتين عن احمد (وقوله) ويجب بالميم لان مذهب
مالك كالوجه الاول وإذا فهمت هذه الوجوه عرفت ان الكافر اولاهم بالوجوب والمجنون اولاهم بالمنع والصبى(6/437)
بينهما فلك أن ترتب فتقول في وجوب الامساك على الكافر وجهان (إن) أوجبنا ففى الصبي وجهان (ان) اوجبنا ففى المجنون وجهان ولك أن تعكس فتقول في وجوبه علي المجنون وجهان (إن) لم يجب ففى الصبى وجهان (وإن) لم يجب ففى الكافر وجهان ولهذا الترتيب نقل صاحب المعتمد طريقة قاطعة بالوجوب علي الكافر هذا بيان الخلاف في وجوب الامساك وهل عليهم قضاء اليوم الذى زال العذر في خلاله (أما) الصبى إذا بلغ في خلال النهار فينظر إن كان ناويا من الليل صائما فظاهر المذهب أنه لا قضاء عليه ويلزمه الاتمام ولو جامع بعد البلوغ فيه فعليه الكفارة وفيه وجه أنه يستحب الاتمام ويلزمه القضاء لانه لم ينو الفرض ويحكي هذا عن ابن سريج وإن أصبح مفطرا ففيه وجهان وقال في التهذيب قولان (أحدهما) أنه يلزمه القضاء كما إذا أدرك شيئا من الوقت يلزمه الصلاة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لا يلزم وقد ذكرنا الفرق بين الصوم والصلاة في كتاب الصلاة مع طرف من فقه المسألة(6/438)
وهذا الخلاف مفرع علي ظاهر المذهب في أنه إذا بلغ صائما فلا قضاء عليه (فأما) من يوجب القضاء ثم فههنا أولي بأن يوجب (وأما) إذا افاق المجنون أو اسلم الكافر ففيهما طريقان (احدهما) طرد الخلاف وهذا أظهر عند الاكثرين والاظهر من الخلاف انه لا قضاء ويحكى ذلك في الكافر عن نصه في القديم والام والبويطى (والثانى) القطع بالمنع في حق المجنون لانه لم يكن مأمورا بالصوم في اول النهار وبالايجاب في حق الكافر لانه متعد بترك الصوم وهذا اصح عند صاحب التهذيب ويجوز ان يعلم قوله فيما سبق ولو افاق في اثناء النهار ففى وجوب قضاء هذا اليوم وجهان بالواو اشارة إلى الطريقة القاطعة بالمنع وكذلك قوله ههنا تردد لهذه الطريقة والطريقة الجازمة بالايجاب في الكافر فانه اجاب عن طريقة طرد الخلاف في الصور الا ان يفسر التردد الذى ابهمه يتردد الطريق في بعض الصور والقول أو الوجه في بعضها وهل للخلاف في القضاء تعلق بالخلاف في الامساك تشبها نقل الامام عن الصيدلانى(6/439)
ان من يوجب التشبه يكتفى به ولا يوجب القضاء ومن يوجب القضاء لا يوجب التشبه وعن غيره من الاصحاب ان الامر بالقضاء فرع الامر بالامساك فمن التزم الامساك التزم القضاء ومن لا فلا وبنى صاحب التهذيب وغيره الخلاف في وجوب الامساك علي الخلاف في وجوب القضاء ان اوجبنا القضاء اوجبناه والا فلا فهذه ثلاثة طرق وهى على اختلافها متفقة علي تعلق احد الخلافين بالآخر والطريق الثاني والثالث يشكلان بالحائض والنفساء إذا طهرتا في خلال النهار فان القضاء واجب عليهما لا محالة لان مستغرق الحيض لا يسقط القضاء فمتقطعه اولي والامساك غير واجب عليهما (اما) بلا خلاف على ما رواه الامام (واما) علي الاظهر لان صاحب المعتمد حكي طرد الخلاف فيهما وإذا كان كذلك لم يستمر قولنا بأن القضاء فرع الامساك ولا بأن الامساك فرع القضاء والطريق الاول يشكل بصورة يوم الشك والمتعدي بالافطار فان القضاء لازم مع التشبه والله اعلم *(6/440)
قال {ومن نوى التطوع في رمضان لم ينعقد وان كان مسافرا لتعين الوقت} * ايام رمضان متعينة لصوم رمضان فان كان الشخص معذورا بسفر أو مرض فاما ان يترخص بالفطر أو يصوم عن رمضان وليس له ان يصوم عن فرض آخر أو تطوع وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة للمسافر ان يصوم عن القضاء والكفارة ولو صام عن تطوع ففى رواية يقع تطوعا وفى وراية ينصرف الي الفرض وحكى الشيخ أبو محمد ترددا عن أصحابه في المريض الذى له الفطر إذا تحمل المشقة وصام عن غير رمضان واعلمت المسألة بالواو لان الامام حكى خلافا فيمن أصبح في يوم رمضان غيرنا وونوى التطوع قبل الزوال فمذهب الجماهير أنه لا يصح تطوعه بالصوم وعن أبي اسحق أنه يصح قال فعلى قياسه يجوز للمسافر التطوع به * قال {الثالث الكفارة وهى واجبة علي كل من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به لاجل الصوم فلا تجب علي الناسي إذا جامع لانه لم يفطر علي الصحيح ولا علي من جامع في غير رمضان} *(6/441)
الاصل في كفارة الصوم ماروى عن أبى هريرة رضى الله عنه " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت واهلكت قال ما شأنك قال واقعت امرأتي في رمضان قال تستطيع أن تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا قال اجلس فجلس فاتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر - والعرق المكتل الضخم - فقال خذ هذا فتصدق به قال أعلي افقر منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتي بدت نواجذه وقال أطعمه عيالك " والكلام في موجب الكفارة ثم في كيفيتها (أما) الاول فقد قال وهى واجبة علي من افسد صوم يوم من رمضان بجماع تام اثم به لاجل الصوم وفى الضابط قيود (منها) الافساد فمن جامع ناسيا لا يفسد صومه علي الصحيح كما قدمناه فلا كفارة عليه وإن قلنا(6/442)
يفسد صومه وبه قال مالك وأحمد فهل تلزمه الكفارة فيه وجهان (احدهما) وبه قال احمد نعم لانتسابه إلى التقصير (وأظهرهما) وبه قال مالك لا لانها تتبع الاثم وإذا عرفت ذلك وسمت قوله فلاتجب بالالف وقوله لم يفطر به وبالميم وقوله علي الصحيح أي من الطريقين (ومنها) كون اليوم من رمضان فلا كفارة بافساد التطوع والنذر والقضاء والكفارة لان النص ورد في رمضان وهو مخصوص بفضائل لا يشركه غيره فيها * قال {ولا علي المرأة لانها افطرت بوصول اول جزء من الحشفة إلي باطنها وفيه قول قديم ثم الصحيح ان الوجوب لا يلاقيها وقيل يلاقيها والزوج يتحمل ولا يتحمل الزانى ولا الزوج المجنون ولا المسافر إذا لا كفارة عليهما ولا على المعسرة فان واجبها الصوم فلا يقبل التحمل ولا كفرة علي من أفطر (ح م) بغير جماع من الاكل ومقدمات الجماع ويجب بالزنا وجماع الامة ووطئ التهيمة (ح و) والاتيان في غير المأتي (و) } * نوضح فقه الفصل ثم نبين أن مسائله بأى قيد تتعلق المسألة الاولى * المرأة الموطوءة ان كانت مفطرة بحيض وغيره أو كانت صائمة ولم يبطل صومها لكونها نائمة مثلا فلا كفارة عليها وإن مكنت طائعة حتي وطئها الزوج فقولان (احدهما) انه يلزمها الكفارة كما يلزم الرجل لان الكفارة عقوبة تتعلق بالوطئ فيستويان في لزومها كحد الزنا وهذا اصح الروايتين عن احمد وبه قال ابو حنيفة
ويروى مثله عن مالك وابن المنذر وهو اختيار القاضى ابى الطيب (وأصحهما) انه يختص الزوج(6/443)
بلزوم الكفارة واحتجوا له بأمور (أحدها) ان النبي صلي الله عليه وسلم لم يأمر الاعرابي الذى واقع إلا بكفارة واحدة مع مساس الحاجة إلى البيان (والثاني) حكى الكرابيسي انه قال صوم المرأة ناقص لانه بعرض ان يبطل بعروض الحيض وإذا كان كذلك لم يكن كامل الحرمة فلم تتعلق به الكفارة (والثالث) ما ذكره في الكتاب وسنتكلم فيه (التفريع) ان قلنا بالاول فلو لم تجب الكفارة علي الزوج لكونه مفطرا وجبت الكفارة عليها وكذا لو لم يبطل صومه بأن كان نائما فاستدخلت ذكره أو كان ناسيا وهى ذاكرة ويعتبر في حق كل واحد منهما حاله في اليسار والاعسار (وإن قلنا) بالقول الاصح فالكفارة التي يخرجها الزوج تختص به ولا يلاقيها أم تقع عنهما جميعا وهو يتحمل عنها فيه قولان مستخرجان من كلام الشافعي رضي الله عنه وقد يعبر عنهما بوجهين (احدهما) انها تختص به ولا يلاقيها لانه لو تعلق الواجب بها لامرت باخراجه (والثانى) انها يلاقيها وهو متحمل ووجهه صاحبا التهذيب والتتمة بالحاق الكفارة بثمن ماء الاغتسال كأنهما قدراه متفقا عليه لكن الحناطى حكى طريقا آخر قاطعا بأن ثمن ماء الاغتسال عليها لا عليه وأشار إلي ترجيحه ثم الاصح من هذين القولين عند صاحب الكتاب هو الاول وبه قال الحناطى وآخرون وذكر الامام أن ظاهر المذهب هو الثاني وقد يحتج له بقوله في المختصر والكفارة عليه واحدة عنه وعنها لكن من قال بالاول حمله علي انها تجزى عن الفعلين جميعا ولا يلزمها كفارة خاصة خلاف ماقاله أبو حنيفة ويتفرع علي هذين القولين صور (أحداها) إذا أفطرت بالزنا أو بالوطئ بالشبهة (فان قلنا) الوجوب لا يلاقيها فلا شئ عليها (وإن قلنا) بالثاني فعليها الكفارة لان رابطة التحمل الزوجية ونقل عن الحاوى ان القاضى ابا حامد قال تجب الكفارة عليها بكل حال (الثانية) لو كان الزوج مجنونا وقلنا بالاول فلا شئ عليها وان قلنا بالثاني فوجهان (اظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه يلزمها الكفارة لان التحمل لا يليق بحاله ولهذا لم تجب عليه الكفارة لنفسه (والثاني) انه يلزمه الكفارة لها لان ماله يصلح للتحمل وإن كان مراهقا فهو كالمجنون لان المذهب ان فعله لا يوجب الكفارة وخرج بعض الاصحاب من قولنا ان(6/444)
عمد الصبى عمد انه يلزمه الكفارة فعلي هذا هو كالبالغ ولو كان الزوج ناسيا أو نائما فاستدخلت ذكره فالحكم كما ذكرنا في المجنون (الثالثة) لو كان الزوج مسافرا والمرأة حاضرة وافطر بالجماع على قصد الترخص فلا كفارة عليه وإن لم نقصد الترخص فوجهان في لزوم الكفارة (اصحهما) انها لا تلزم لان الافطار مباح له فيصير شبهة في درء الكفارة وهذا حكم المريض الذى يباح له الفطر إذا اصبح صائما ثم جامع والصحيح إذا مرض في اثاء النهار ثم جامع فحيث قلنا بوجوب الكفارة فهو كغيره وحكم التحمل كما سبق وحيث قلنا لا كفارة فهو كالمجنون وذكر اصحابنا العراقيون فيما إذا قدم المسافر مفطرا فأخبرته بأنها مفطرة وكانت صائمة ان الكفارة عليها إذا قلنا ان الوجوب يلاقيها لانها غرته وهو معذور ويشبه أن يكون هذا جوابا على قولنا ان المجنون لا يتحمل وإلا فليس العذر ههنا أوضح من العذر في المجنون والله أعلم (الرابعة) إذا فرعنا علي القول الثاني وهو ان الوجوب يلاقيها وجب اعتبار حالهما ولا يخلو إما ان يتفق حال الزوج والمرأة أو يختلف فان اتفق حالهما نظر ان كانا من أهل الاعتاق والاطعام أجزأ المخرج عنهما وان كانا من أهل الصيام اما للاعسار بالعتق أو لكونهما مملوكلين فعلي كل واحد منهما صوم شهرين لان الصوم عبادة بدنية ولا مدخل للتحمل في عبادات الابدان وان اختلف حالهما لم يخل اما أن يكون الزوج أعلي حالا منها أو تكون هي أعلي حالا منه فان كان الزوج أعلى حالا نظر ان كان هو من أهل الاعتاق وهى من أهل الصيام والاطعام ففيه وجهان (أظهرهما) ولم يذكر العراقيون غيره انه يجزئ الاعتاق عنهما جميعا لان من فرضه الصيام أو الاطعام يجزئه التكفير بالعتق بطريق الاولي نعم لو كانت أمة فعليها الصوم(6/445)
لان الاعتاق لا يجزئ عنها قال في المهذب الا إذا قلنا ان العبد يملك بالتمليك فتكون الامة كالحرة المعسرة (والثاني) لا يجزئ عنها لاختلاف جنس الواجب وعلي هذا فعليها الصيام في الصورة الاولى وعلي من الاطعام في الصورة الثانية فيه وجهان (اظهرهما) انه على الزوج فان عجز في الحال ثبت في ذمته إلى أن يقدر وذلك لان الكفارة علي القول الذى عليه نفرع معدودة من مؤنات
الزوجة الازمة على الزوج (والثاني) ذكره في التهذيب انه عليها لان التحمل كالتداخل لا يجزئ عند اختلاف الجنس وان كان هو من أهل الصيام وهى من أهل الاطعام فالذي قاله الائمة انه يصوم عن نفسه ويطعم عنها لان الصوم لا يتحمل به وقضية قول من قال باجزاء الاعتاق عن الصيام في الصورة السابقة اجزاء الصيام عن الاطعام لان من فرضه الاطعام لو تحمل المشقة وصام أجزأه والصوم كما لا يتحمل به لا يتحمل وان كانت الزوجة أعلي حالا منه نظر ان كانت من أهل الاعتاق وهو من أهل الصيام صام عن نفسه وأعتق عنها إذا قدر وان كانت من أهل الصيام وهو من أهل الاطعام صامت عن نفسها وأطعم الزوج عن نفسه (المسألة) الثانية إذا أفسد صومه بغير الجماع كالاكل والشرب والاستمناء والمباشرات المفضية إلى الانزال فلا كفارة عليه لان النص ورد في الجماع وما عداه(6/446)
ليس في معناه وهل يلزمه الفدية فيه خلاف سيأتي من بعد * وقال مالك تجب الكفارة بكل افساد يعصي به الا الردة والاستمناء والاستقاءة * وقال ابو حنيفة تجب الكفارة بتناول ما يقصد تناوله ولا تجب بابتلاع الحصاة والنواة ولا بمقدمات الجماع * وقال أحمد لا تجب بالاكل والشرب وتجب بالمباشرات المفسدة للصوم (الثالثة) تجب الكفارة بالزنا وجماع الامة وكذلك باتيان البهيمة والاتيان في غير المأتي ولا فرق بين أن ينزل أولا ينزل وذهب بعض الاصحاب الي بناء الكفارة فيها علي الحد إن أوجبنا الحد فيهما أو جبنا الكفارة والا فوجهان وعند ابي حنيفة رحمه الله اتيان البهيمة ان كان بلا انزال لم يتعلق به الافطار فضلا عن الكفارة وان كان مع الانزال افطر ولا كفارة وفى اللواط هل يتوقف الافطار علي الانزال فيه روايتان وإذا حصل الافطار ففى الكفارة روايتان والاظهر ان الافطار لا يتوقف على الانزال وان الكفارة تجب وعند احمد تجب الكفارة في اللواط وكذا في اتيان البهيمة علي أصح الروايتين (واعلم) ان المسائل الثلاث في الفصل متعلقة بالقيد الثالث في الضابط وهو كون الافساد بجماع تام فيدخل فيه صور المسألة الثالثة ويخرج صور الثانية وأما الاولي فقد قصد صاحب الكتاب بوصف الجماع بالتمام الاحتراز عنها لان المرأة إذا جومعت حصل فساد صومها قبل تمام حد الجماع بوصول اول الحشفة إلى باطنها فالجماع يطرأ على صوم فاسد وبهذا المعنى(6/447)
علل اصح القولين وهو ان المرأة لا تؤمر باخراج الكفارة ويروى هذا التعليل عن الاستاذ ابى طاهر وطائفة لكن الاكثرين زيفوه وقالوا يتصور فساد صومها بالجماع بأن يولج وهى نائمة أو ناسية أو مكرهة ثم تستيقظ أو تتذكر أو تطاوع بعد الايلاج وتستديمه والحكم لا يختلف علي القولين فعلى هذا جماع المرأة إذا قلنا لا شئ عليها والوجوب لا يلاقيها مستثنى عن الظابط (وقوله) وفيه قول قديم أراد به القول الثاني وهو انها تؤمر باخراج الكفارة كالرجل وهذا قد نقله الامام وصاحب الكتاب في الوسيط عن الاملاء وليس تسميته قديما من هذا الوجه فان الاملاء محسوب من الكتب الجديدة ولكن رأيت لبعض الائمة روايته عن القديم والاملاء معا ويشبه أن يكون له في القديم قولان (أحدهما) كالجديد لان المحاملي حكى القول الصحيح عن الكتب الجديدة والقديمة جميعا (وقوله) ولا يتحمل الزانى أي على قولنا أن الوجوب يلاقيها والزوج يتحمل (وأما) مواضع العلامات (فقوله) ولا علي المرأة مرقوم بالحاء والميم (وقوله) ولا الزوج المجنون ولا المسافر كلاهما بالواو لما قدمنا وليس قوله إذا لا كفارة عليهما خاليا في حق المسافر عن التفصيل والخلاف (وقوله) ولا عن المعسرة يشمل ما إذا كانت معسرة وهو قادر علي الاعتاق وفى هذه الصورة خلاف تقدم فلا يبعد اعلامه بالواو (وقوله) ولا كفارة على من افطر بغير جماع معلم بالميم والحاء والالف ويجوز أن يعلم بالواو أيضا لامور (احدها) انه نقل عن الحاوى أن أبا علي ابن ابى هريرة قال تجب بالاكل والشرب كفارة فوق كفارة المرضع والحامل دون كفارة المجامع قال أقضى القضاة وهذا مذهب لا يستند إلى خبر ولا أثر ولا قياس (والثانى) أن أبا خلف الطبري وهو من تلامذة القفال اختار وجوب الكفارة بكل ما يأثم بالافطار به (والثالث) أن الحناطي ذكر أن عبد الحكم روى عنه ايجاب الكفارة فيما إذا جامع فيما دون الفرج فأنزل ووطئ البهيمة والاتيان في غير المأتي معلمان بالحاء والواو *(6/448)
قال {ولا تجب على من ظن أن الصبح غير طالع فجامع} *
إذا ظن ان الصبح غير طالع فجامع ثم تبين خلافه فحكم الافطار قد مر ولكن لا كفارة عليه لانه غير مأثوم بما فعل فلا يستحق التغليظ قال الامام رحمه الله ومن قال بوجوب الكفارة علي الناسي بالجماع يقول بمثله ههنا لتقصيره بترك البحث ولو ظن ان الشمس قد غربت فجامع ثم بان خلافه فقد ذكر صاحب التهذيب وغيره انه لا كفارة عليه ايضا لانها تسقط بالشبهة وهذا ينبغى ان يكون مفرعا على تجويز الافطار والحالة هذه والا فتجب الكفارة وفاء بالضابط المذكور لما يوجب الكفارة ولو اكل الصائم ناسيا فظن بطلان صومه فجامع فهل يفطر فيه وجهان (احدهما) لا كما لو سلم عن ركعتين من الظهر ناسيا وتكلم عامدا لا تبطل صلاته (واصحهما) ولم يذكر الاكثرون غيره انه يفطر كما لو جامع علي ظن ان الصبح لم يطلع فبان خلافه وعلي هذا فلا تجب الكفارة لانه وطئ وهو يعتقد انه غير صائم وعن القاضي ابي الطيب انه يحتمل ان تجب الكفارة لان هذا الظن لا يبيح الوطئ ولو افطر المسافر بالزنا مترخصا فلا كفارة عليه لانه وان اثم بهذا الجماع لكن لم يأثم به بسبب الصوم فان الافطار جائز له ولو زنا المقيم ناسيا للصوم وقلنا ان الصوم يفسد بالجماع ناسيا فلا كفارة عليه ايضا علي الوجه الاصح لانه لم يأتم بسبب الصوم فانه كان ناسيا له وإذا تأملت هذه الصور عرفت اشتراكها في شئ واحد وهو ان المجامع فيها غير ماثوم بالجماع بسبب الصوم ثم منها مالا اثم فيه ومنها ما فيه اثم ولكن لا بسبب الصوم وهي متعلقة بالقيد الذى ذكره آخرا وهو قوله اثم به لاجل الصوم وهذا يجوز ان يقدر وصفا واحدا به يحصل الاحتراز عن الصور كلها فحيث لا اثم لا إثم بسبب الصوم ويجوز ان يقدر وصفين (احدهما) كونه ماثوما به (والثانى) كونه ماثوما به بسبب الصوم فبالاول يحصل الاحتراز عن الصور التي لا اثم فيها وفيها جماع المراهق والمسافر والمريض علي قصد الترخص كما سبق وبالثانى يحصل الاحثراز عن الصور التي يأثم فيها لا بالصوم * قال {وتجب على المنفرد (ح) برؤية الهلال وعلي من جامع مرارا كفارت (ح) وتجب علي من جامع ثم انسأالسفر (ح) ولو طرأ بعد الجماع مرض أو جنون أو حيض سقط في قول ولم يسقط في قول وتسقط بالجنون والحيض (م) دون المرض (ح) في قول} * في الفصل ثلاث مسائل (احداها) إذا رأى هلال رمضان وحده وجب عليه صومه وإذا صامه(6/449)
وافطر بالجماع فعليه الكفارة وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة رحمهم الله * لنا أنه هتك حرمة يوم من رمضان بافساد صومه بالجماع فاشبه سائر الايام ولو رأى هلال شوال وحده وجب عليه أن يفطر ويخفى افطاره عن الناس كيلا يتهم * وعن أبي حنيفة واحمد أنه لا يفطر برؤيته وحده * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته " وإذا رؤى رجل يأكل يوم الثلاثين من رمضان بلا عذر عزر عليه فلو شهد أنه رأى الهلال لم يقبل لانه متهم يريد اسقاط التعزير عن نفسه بخلاف ما إذا شهد اولا فردت شهادته نم اكل لا يعزر (الثانية) لو افطر بالجماع ثم جامع في ذلك اليوم ثانيا فلا كفارة عليه إذ الجماع الثاني لم يقع مفسدا ولو جامع في يومين أوفي رمضانين فعليه كفارتان سواء كفر عن الاول أو لم يكفر وبه قال مالك * وقال ابو حنيفة إذا جامع في يومين ولم يكفر عن الاول لم يلزمه الا كفارة واحدة وعنه فيما إذا كفر روايتان ولو جامع في رمضانين فالمشهور أنه يلزمه كفارتان بكل حال وعنه رواية اخرى انه كاليومين * وقال احمد إذا وطئ في يومين فكفر عن الاول فعليه كفارة أخرى وان لم يكفر فلاصحابه فيه اختلاف * لنا ان صوم كل يوم عبادة برأسها فلا تتداخل كفارتاهما كالحجتين إذا جامع فيهما (الثالثة) إذا افسد صومه بالجماع ثم انشأ سفرا(6/450)
طويلا في يومه لم تسقط عنه الكفارة لان السفر المنشأ في اثناء النهار لا يبيح الفطر فيه فعروضه لا يؤثر فيما وجب من الكفارة وعن صاحب التقريب والحناطي ان سقوط الكفارة مخرج على خلاف سنذكره في نظائره ويروى عن ابى حنيفة رحمه الله في المسالة روايتان (اصحهما) انها لا تسقط وصاحب الكتاب لم يرو عنه في الوسيط الا السقوط ولذلك اعلم قوله في الكتاب وتجب علي من جامع بالحاء مع الواو ولو جامع ثم مرض ففيه طريقان (احدهما) انه لا تسقط الكفارة ايضا كالسفر (واظهرهما) أنه علي قولين (اظهرهما) وبه قال مالك واحمد انه لا تسقط لانه هتك حرمة الصوم بما فعل (والثانى) تسقط لان المرض الطارئ يبيح الفطر فيتبين به أن الصوم لم يقع مستحقا وبهذا قال ابو حنيفة ولو طرأ بعد الجماع جنون أو حيض فقولان اشار اليهما في اختلاف العراقيين (اظهرهما) وبه قال ابو حنيفة انها تسقط لان الجنون
والحيض ينافيان الصوم فيتبين بعروضهما انه لم يكن صائما في ذلك اليوم (والثانى) لا تسقط لقصده الهتك اولا والمسألة في الحيض مفرعة على ان المرأة إذا افطرت بالجماع تلزمها الكفارة وعروض الموت كعروض الحيض والجنون وإذا جمعت بين المرض والجنون والحيض انتظم فيها ثلاثة اقوال كما ذكر في الكتاب فان ضممت السفر إليها وتعرضت للطريقة البعيدة حصلت اربعة اقوال رابعها انه يسقط بها دون السفر والله اعلم * قال {ثم هذه كفارة مرتبة ككفارة الظهار وفى وجوب القضاء وجواز العدول من الصوم الي الاطعام بعذر شدة الغلمة وجواز تفريق الكفارة علي الزوجة والولد عند الفقر(6/451)
واستقرار الكفارة في الذمة عند العجز عن جميع هذه الخصال وقت الجماع خلاف ففى وجه نميل االى القياس ونحمل هذه القضايا في حديث الاعرابي علي خاصيتها وفى وجه نعمل بطاهر الحديث} * القول في كيفية الكفارة إنما يستقصي في باب الكفارات والكلام الجملي أن هذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار فيلزم عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا لما ذكرنا في حديث أبى هريرة رضى الله عنه وقال مالك يتخير بين الخصال الثلاثة وهو رواية عن احمد والاصح عنه مثل مذهبنا ثم في الفصل صور (احداها) إذا افسد صومه بالوقاع ولزمته الكفارة هل يلزمه قضاء اليوم الذى أفسده معها فيه ثلاثة أوجه ومنهم من يقول قولان ووجه للاصحاب لانه حكى عن الامام أنه قال يحتمل أن يجب القضاء ويحتمل أن يدخل في الكفارة وكل وجه (احدهما)(6/452)
انه لا يجب القضاء لان الخلل الحاصل قد انجبر بالكفارة ولانه صلي الله عليه وسلم لم يأمر الاعرابي بالكفارة (واصحهما) أنه يجب لانه روى في بعض الرويات أنه صلي الله عليه وسلم قال للرجل " واقض يوما مكانه " (وثالثها) أنه إن كفر بالصوم دخل فيه القضاء وإلا فلا لاختلاف الجنس قال ولا خلاف في أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم تلزمها الكفارة ولا يتحمل الزوج فان الكفارة
إذا كانت صوما لم تتحمل فما ظنك بالقضاء (الثانية) شدة الغلمة هل يكون عذرا في العدول من الصيام إلى الاطعام فيه وجهان (أحدهما) نعم لما روى " أنه صلي الله عليه وسلم قال للاعرابي الذى جاءه وقد واقع صم شهرين قال هل أتيت الا من قبل الصوم فقال اطعم ستين مسكينا " (والثانى)(6/453)
لا لمكان القدرة على الصوم وسنذكر ما الاظهر منهما (الثالثة) لو كان من لزمته الكفارة فقيرا فهل له صرف الكفارة إلى أهله وأولاده فيه وجهان (أحدهما) نعم لقوله صلى الله عليه وسلم للاعرابي " أطعمه أهلك وعيالك " (وأصحهما) لا كالزكوات وسائر الكفارات (وأما) الحديث فلا نسلم أن الذى أمره بصرفه الي الاهل والعيال كان كفارة وهذا لانه يحتمل أنه لم يملكه ذلك وانما أراد أن يملكه ليكفر فلما أخبره بحاجته صرفه إليه صدقة ويحتمل أنه ملكه وأمره بالتصدق به فلما اخبره بحاجته أذن له في أكله واطعامه عياله ليبين أن الكفارة انما تجب إذا فضل عن الكفاية وان سلمنا أنه كان كفارة ولكن يحتمل أن النبي صلي الله عليه وسلم تطوع بالتكفير عنه فسوغ له صرفه الي الاهل والعيال فيكون فائدة الخبر أنه يجوز للغير التطوع بالكفارة عن الغير باذنه وانه يجوز للمتطوع صرفه إلى اهل المكفر عنه وعياله وهذه الاحتمالات بأسرها منقولة عن الام (الرابعة) إذا عجز عن جميغ الخصال فهل تستقر الكفارة في ذمته قال الاصحاب الحقوق المالية الواجبة لله تنقسم الي ما تجب لا بسبب يباشره العبد وإلي ما تجب بسبب يباشره فالاول كزكاة الفطر إن كان قادرا وقت وجوبها وجبت والا لم تستقر في ذمته الي أن يقدر (والثانى) علي ضربين ما يجب على وجه البدل كجزاء الصيد فان كان قادرا عليه فذاك والا ثبت في ذمته الي أن يقدر تغليبا لمعني الغرامة وما يجب لا على وجه البدل ككفارة الوقاع واليمين والقتل والظهار ففيها قولان (أحدهما) انها تسقط عند العجز كزكاة الفطر وبه قال أحمد (وأصحهما) انها لا تسقط كجزاء الصيد فعلي هذا متي قدر(6/454)
علي احدى الخصال لزمته * واحتج للقول الاول بأن النبي صلي الله عليه وسلم " لما أمر الاعرابي بأن يطعمه أهله وعياله لم يأمره بالاخراج في ثانى الحال " ولو وجب ذلك لاشبه أن يبين له ولمن رجح الثاني
أن يقول لم قلت أن المصروف الي الاهل والعيال لم يقع تكفيرا فانا روينا وجها مجوزا عند الفقر ان سلمنا ذلك ولكن يحتمل ان يكون الغرض باقيا في ذمته ولم يبين له ذلك لان حاجته الي معرفة الوجوب انما تمس عند القدرة وتأخير البيان إلي وقت الحاجة جائز وهذا الذى ذكرناه يوقفك على انه لا يمكن الاستدلال بخبر الاعرابي في هذه الصورة والتي قبلها علي الجمع وانما يمكن الاستدلال به في أحداهما لان المأمور بصرفه الي الاهل والعيال إما أن يكون كفارة أو لا يكون ان كان لم يصح الاستدال به في هذه الصورة وان لم يكن لم يصح في الصورة السابقة وأعرف بعد هذا في لفظ الكتاب شيئين (أحدهما) انه أطلق ذكر الخلاف في الصور الاربع وفسره بوجهين وهو مسلم في الصورة الثانية والثالثة (وأما) الاولي فقد ذكرنا ان من الاصحاب من يجعل الخلاف فيها قولا وكذا ذكره القفال في شرح التلخيص (وأما) الرابعة فالجمهور حكوا الخلاف فيها قولين وانما اطلق صاحب الكتاب فيها الوجهين تقليدا للامام (والثانى) انه بين ان احد طرفي الخلاف في الصور جميعا يوجه بالقياس والثاني بظاهر الخبر وإذا جرينا علي القياس حملنا قصة الاعرابي على خاصيته وخاصية اهله قال الامام وكثيرا ماكان يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الاضحية وإرضاع الكبير ونحوهما(6/455)
وهذا وان كان على بعد فهو أهون من تشويش أصول الشريعة (واعلم) أن مثل هذا التأويل انما يصار إليه عند الاضطرار ولنا عنه مندوحه اما في غير الصورة الثانية فقد بيناه وأما في الثانية فانما يحتاج الي تأويل الخبر فيها من يجعل الاظهر امتناع العدول إلى الاطعام بعذر شدة الغلمة ومنهم صاحب الكتاب فانه أعاد المسألة في آخر كتاب الكفارات وزجح وجه الامتناع وقضية كلام الاكثرين التجويز ولم يورد صاحب التهذيب غيره فإذا صرنا إليه عملنا بظاهر الخبر واستغنينا عن التأويل * قال {الرابع الفدية وهى مد من الطعام مصرفها مصرف الصدقات} * الاصل في الفدية الخبر والاثر علي ما سياتي ذكرهما وهى مد من الطعام لكل يوم من أيام رمضان وجنسه جنس زكاه الفطر فيعتبر على الاصح غالب قوت البلد ولا يجزئ الدقيق والسويق
كما مر (وقوله) مصرفها مصرف الصدقات ليس المراد من الصدقات ههنا الزكوات فلا تصرف الفدية الي الاصناف الثمانية وانما المراد التطوعات وهى في الغالب مصروفة إلى الفقراء والمساكين وكل مد بمثابة كفارة تامة فيجوز صرف عدد منها الي مسكين واحد بخلاف امداد الكفارة الواحدة يجب صرف كل واحد منها الي مسكين كما سيأتي في موضعه ويجوز أن يعلم قوله مد بالحاء والالف لانه روى عن أبى حنيفة رحمه الله انها مد من بر أو صاع من تمر وعن احمد رحمه الله انها مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير * قال {وتجب بثلاثة طرق (احدها) فوات نفس الصوم فيمن تعدى بتركه ومات قبل القضاء فيخرج من تركته مد وقال في القديم يصوم عنه وليه ولا يجب علي من فاته بالمرض ويجب على الشيخ الهرم علي الصحيح} * فقه الفصل مسألتان (احداهما) إذا فاته صوم يوم أو أيام من رمضان قبل القضاء فله حالتان (احداهما) أن يكون موته بعد التمكن من القضاء فلا بد من تداركه بعد موته وما طريقه فيه قولان (الجديد) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله ان طريقه ان يطعم من تركته لكل يوم مد(6/456)
لما روى مرفوعا وموقوفا علي ابن عمر رضي الله عنهما ان من مات وعليه صوم فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين " ولا سبيل الي الصوم عنه لان الصوم عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة فكذلك بعد الموت كالصلاة (والقديم) وبه قال احمد انه يجوز لوليه ان يصوم عنه لما روى عن عائشة رضى الله عنها انه صلي الله عليه وسلم قال " من مات وعليه صوم صام عنه وليه " وإذا فرعنا عي القديم فلو امر الولي اجنبيا بأن يصوم عنه بأجرة أو بغير اجرة جاز كما في الحج ولو استقل به الأجنبي ففى اجزائه وجهان (اظهرهما) المنع والمعتبر على هذا القول الولاية علي ما ورد في لفظ الخبر أو مطلق القرابة أو بشرط العصوبة أو الارث توقف الامام رحمه الله فيه وقال لا نقل عندي في ذلك وأنت إذا فحصت عن نظائره وجدت الاشبه اعتبار الارث والله اعلم * ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف لم يقض عنه وليه ولا يسقط عنه بالفدية وعن البويطي ان الشافعي رضى الله عنه قال في(6/457)
الاعتكاف يعتكف عنه وليه وفى رواية يطعم عنه وليه قال صاحب التهذيب ولا يبعد نخريج هذا في الصلاة فيطعم عن كل صلاة مد وإذا قلنا بالاطعام في الاعتكاف فالقدر المقابل بالمد اعتكف يوم بليلته هكذا حكاه الامام عن رواية شيخه قال وهو مشكل فان اعتكاف لحظة عبادة تامة وإن قيس علي الصوم فالليل ثم خارج عن الاعتبار (والحالة الثانية) أن تكون موتته قبل التمكن من القضاء بأن لا يزال مريضا من استهلال شوال الي أن يموت فلا شئ في تركته ولا علي ورثته كما لو تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن من الاداء لا شئ عليه (المسألة الثانية) الشيخ الهرم الذى لا يطيق الصوم أو يلحقه مشقة شديدة فلا صوم عليه وفى الفدية قولان (أحدهما) ويحكى عن رواية البويطى وحرمله انها لا تجب عليه وبه قال مالك كالمريض الذى يرجى زوال مرضه إذا اتصل مرضه بالموت وأيضا فانه سقط فرض الصوم عنه فأشبه الصبى والمجنون (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد انها تجب ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم وقرأ ابن عباس (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه والقولان جاريان في المريض الذى لا يرجي برؤه وحكم صوم الكفارة والنذر حكم صوم رمضان ولو نذر في حال العجز صوما ففى انعقاده وجهان وإذا أوجبنا الفدية على الشيخ فلو كان معسرا هل تلزمه إذا قدر فيه قولان كما ذكرنا في الكفارة ولو كان رقيقا فعتق ترتب الخلاف على الخلاف في زوال الاعسار وأولى بأن لا يجب لانه لم يكن من أهل الفدية عند الافطار ولو قدر الشيخ بعد ما أفطر علي الصوم هل يلزمه الصوم قضاء نقل صاحب التهذيب انه لا يلزمه لانه لم يكن مخاطبا بالصوم بل كان مخاطبا بالفدية بخلاف المعضوب إذا احج الغير عنه ثم قدر يلزمه الحج في قول لانه كان مخاطبا بالحج ثم قال من عند نفسه إذا قدر قبل أن يفدى عليه أن يصوم وان قد بعد الفدية فيحتمل أن يكون كالحج لانه كان مخاطبا بالفدية على توهم أن عذره غير زائل وقد بان خلافه (واعلم) ان في كون الشبخ مخاطبا بالفدية دون(6/458)
الصوم كلاما فان صاحب التتمة في آخرين نقلوا خلافا في أن الشيخ هل يتوجه عليه الخطاب بالصوم
ثم ينتقل للعجز الي الفدية ام يخاطب بالفداء ابتداء وبنوا عليه الوجهين في انعقاد نذره وإذا كان كذلك فلصاحب التهذيب ان يمنع قول من قال إنه لم يكن مخاطبا بالصوم (وأما) لفظ الكتاب فقوله فوات نفس الصوم انما اطلق اللفظ هكذا ليشمل القضاء والاداء فان الفدية قد تجب مع القضاء على ما سيأتي ثم ليس الفوات موجبا للفدية علي الاطلاق بدليل الصبي والمجنون ومن لم يتمكن من القضاء بل في بعض المواضع وهو ما إذا أخر القضاء مع الامكان وفى حق الشيخ الهرم فلذلك قال فوات نفس الصوم فيمن تعدى بتركه ثم قوله فيمن تعدى بتركه ينبغى ان يحمل على ترك الصوم نفسه لا علي ترك الاداء والتعدى بترك نفس الصوم بعد ترك الاداء انما يكون بالتعدي في ترك القضاء وقد يسبق الي الفهم من لفظ صاحب الكتاب ههنا وفى الوسيط ان المراد التعدي بترك الاداء لكن القولين المذكورين في انه يصام عنه أو يطعم غير مخصوص به بل الاكثرون من أصحابنا العراقيين اما نقلوا القولين في المعذور بترك الاداء إذا تمكن من القضاء ولم يقض (وقوله) يصوم عنه وليه في الحكاية عن القديم ليس المراد منه انه يلزمه ذلك وإنما القول القديم انه يجوز له ذلك ان أراده هكذا أورده في التهذيب وحكاه الامام عن الشيخ أبى محمد وهو كالمتردد فيه ثم قوله يصوم معلم بالحاء والميم لما سبق وبالالف أيضا لان عند أحمد لا يصوم عنه في قضاء رمضان وفيه كلام الكتاب ولكن لو كان عليه صوم نذر صام عنه وليه وعندنا لا فرق على القولين (وقوله) ولا يجب علي من فاته بالمرض المراد منه الحالة الثانيه وهى ان يستمر المرض ويمنعه من القضاء ولو أفطر بعذر السفر ودام السفر إلى الموت فلا شئ عليه ايضا * قال {الثاني ما يجب بفضيلة الوقت وهي في حق الحامل والمرضع فإذا أفطرتا خوفا على ولديهما(6/459)
قضتا وافتدتا عن كل يوم مدا وفيه قول آخر انه لا يجب كالمريض وهل يلحق بهما الافطار بالعدوان ومن أنقذ غيره من الهلاك وافتقر إلي الافطار فيه وجهان} * الحامل والمرضع إن خافتا علي أنفسهما أفطرتا وقضتا ولا فدية عليهما كالمريض وإن لم يخفا من الصوم الا على الولد فلهما الافطار وعليهما القضاء وفى الفدية ثلاثة أقوال (أصحها) وبه قال احمد أنها تجب لما روى عن ابن
عباس رضى الله عنهما في قوله تعالي (وعلي الذين يطيقونه فدية) انه منسوخ الحكم الا في حق الحامل والمرضع وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في الحامل والمرضع إذا خافتا علي ولديهما أفطرتا وافتدتا " (والثاني) انه تستحب لهما الفدية ولا تجب وبه قال أبو حنيفة والمزنى واختاره القاضى الروياني في الحلية ووجهه تشبيه الحامل بالمريض لان الضرر الذى يصيب الولد يتأدى إليها وتشبيه المرضع بالمسافر لانهما يفطران لئلا يمنعهما الصوم عما هما بصدده وهو الارضاع في حق هذه والسفر في حق ذاك وقد يشبهان معا بالمريض والمسافر من حيث ان الافطار مانع لهما والقضاء يكفى تداركا (والثالث) وبه قال مالك انها تحب علي المرضع دون الحامل لان المرضع لا تخاف علي نفسها والحامل تخاف بتوسط الخوف علي الولد فكانت كالمريض ويحكى القول الاول عن الام والقديم والثانى عن رواية حرملة والثالث عن البويطي وإذا فرعنا علي الاصح فلا تتعدد الفدية بتعدد الاولاد في أصح الوجهين(6/460)
وهو الذى أورده في التهذيب وهل يفترق الحال بين أن ترضع ولدها أو غيره باجارة أو غيرها نفى صاحب التتمة الفرق وقال تفطر المستأجرة وتفدى كما أن السفر لما افاد جواز الافطار لا يفترق الحال فيه بين أن يكون لغرض نفسه أو غرض غيره وأجاب صاحب الكتاب في الفتاوى بان المستأجرة لا تفطر بخلاف الام لانها متعينة طبعا وإذا لم تفطر فلا خيار لاهل الصبي ولو كانت الحامل أو المرضع مسافرة أو مريضة فافطرت علي قصد الترخص بالمرض والسفر فلا فدية عليها وان لم تقصد الترخص ففى لزوم الفدية وجهان كالوجهين السابقين في المسافر إذا افطر بالجماع ثم في الفصل مسألتان (احداهما) إذا افطر بغير الجماع عمدا في نهار رمضان هل تلزمه الفدية مع القضاء فيه وجهان (احدهما) نعم لانها واجبة علي الحامل والمرضع مع قيام العذر والترخيص في الافطار فلان تجب عليه مع أنه غير معذور كان أولي (واظهرهما) لا لانه لم يرد فيه توقيف وحيث وجبت الفدية انما وجبت جابرة وهي لا تجبر ما تعدى ولا يليق بعظم جريمته ويخالف الحامل والمرضع لان هناك ارتفق بالافطار شخصان فجاز أن يتعلق به بدلان وهما القضاء والفدية كالجماع لما ارتفق به الرجل والمرأة تعين القضاء والكفارة العظمى وههنا بخلافه وقرب الامام الوجهين في المسألة بالوجهين في ان من تعمد بترك الابعاض هل يسجد للسهو
(الثانية) لو رأى مشرفا على الهلاك بغرق وغيره وهو بسبيل من تخليصه ولكن افتقر في تخليصه إلى الافطار فله ذلك ويقضي وهل تلزمه الفدية فيه وجهان (اظهرهما) وبه قال القفال نعم لانه فطر ارتفق به شخصان كما في حق المرضع والحامل (والثاني) لا لان ايجاب الفدية مع القضاء بعيد عن القياس والتعويل في حق المرضع والحامل على التوقيف والوجهان فيما ذكر الشيخ ابو محمد مبنيان على الخلاف في وجوب الفدية علي الحامل والمرضع ان أوجبناها فكذلك ههنا والا فلا وأشار مشيرون الي تخريج الخلاف ههنا مع التفريع علي وجوب الفدية ثم وفرقوا بان الافطار ثم لاحياء نفس عاجزة عن الصوم خلقة فاشبه افطار الشيخ الهرم وههنا الغريق غير عاجز عن الصوم والله أعلم * وقوله في الكتاب ما تجب(6/461)
لفضيلة الوقت معناه ان الفدية قد تجب جبرا لفوات فضيلة الوقت مع تدارك أصل الصوم بالقضاء وليس ذلك موجبا علي الاطلاق بدليل المسافر والمريض وانما تجب في المواضع التي عدها فلذلك قال وهو في حق الحامل إلى آخره (وقوله) وافتدتا معلم بالحاء والزاى ويجوز أن يعلم بالميم أيضا وكذا قوله لا يجب عليهما لان مالكا يفصل فلا يقول بوجوبها عليهما ولا ينفيها عنهما * قال {الثالث ما يجب لتأخير القضاء فلكل يوم أخر قضاؤه عن السنة الاولي مع الامكان مد وإن تكررت السنون ففى تكررها وجهان} * من عليه قضاء رمضان وأخره حتى دخل رمضان السنة القابلة نظر ان كان مسافرا أو مريضا فلا شئ عليه بالتأخير فان تأخير الاداء بهذا العذر جائز فتأخير القضاء أولى بالجواز وان لم يكن وهو المراد من قوله مع الامكان فعليه مع القضاء لكل يوم مد وبه قال مالك واحمد خلافا لابي حنيفة والمزني لنا الاثر عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من أدرك رمضان فافطر لمرض ثم صح ولم يقضه حتى أدرك رمضان آخر صام الذى أدرك ثم يقضى ما عليه ثم يطعم عن كل يوم مسكينا " ولو أخر حتى مضى رمضانان فصاعدا ففى(6/462)
تكرر الفدية وجهان (أحدهما) أنها لا تتكرر بل تتداخل كالحدود لان الفدية انما وجبت في السنة
الاولى لانه أخرج القضاء عن وقته وهو مابين الرمضانين وهذا لا يتكرر (والثانى) أنها تتكرر قال في النهاية وهو الاصح لانه يجب عليه فدية لتأخير سنة فيجب فديتان لتأخير سنتين والحقوق المالية لا تتداخل ولو كان قد افطر عداونا وعلقنا به الفدية فاخر القضاء فعليه لكل يوم فديتان واحدة للافطار وأخرى للتأخير ولا تداخل لاختلاف الموجب ورأيت فيما علق عن ابراهيم المروروزى ترتيبه على مالو أخر القضاء حتى مضي رمضانان ان عددنا الفدية ثم فههنا أولي والا فوجهان لاختلاف جنس الموجب وإذا أخر القضاء مع الامكان ومات قبل أن يقضى وقلنا الميت يطعم عنه فوجهان (أصحهما) انه يخرج من تركته لكل يوم مدان أحدهما لتاخير القضاء والآخر لفوات أصل الصوم (والثاني) ويحكى عن ابن سريج انه يكفى مد (وأما) إذا قلنا ان الميت يصام عنه فصوم الولي يحصل به تدارك أصل الصوم ويفدى عنه للتأخير وإذا فرعنا علي الاصح وهو اخراج مدين فلو كان عليه قضاء عشرة أيام فمات قبل أن يقضى ولم يبق من شعبان الا خمسة ايام أخرج من تركته خمسة عشر مدا عشرة لاصل الصوم وخمسة للتأخير لانه لو عاش لم يمكنه الا قضاء خمسة ولو افطر بغير عذر وأوجبنا به الفدية وأخر حتى دخل رمضان السنة الثانية ومات قبل أن يقضى فالظاهر وجوب ثلاثة امداد لكل يوم فان تكررت السنون زادت الامداد وإذا لم يبق بينه وبين رمضان السنة الثانية ما يتأتى فيه قضاء الفائت فهل يلزمه في الحال الفدية عما لا يسع الوقت أم لا يلزم الا بعد مجئ رمضان فيه وجهان مشبهان لما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا فانصب قبل الغد يحنث في الحال أو بعد مجئ الغد ولو أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجئ رمضان السنة القابلة ليؤخر القضاء مع الامكان ففى جوازه وجهان كالوجهين في جواز تعجيل الكفارة عن الحنث المحظور فهذا شرح الطرق الثلاثة الموجبة للفدية على ما فيها من الخلاف وإذا أردت حصرها فقل لا شك ان الفدية انما تجب عند فوات الاداء وإذا فات الاداء فاما أن نوجب القضاء أيضا وهو في حق من مات قبل القضاء وفى الشيخ الهرم أو لا يفوت(6/463)
فاما ان يقع مؤخرا عن رمضان السنة القابلة وهو الطريق الثالث أو لا يقع فتجب لفضيلة الوقت في المواضع المذكورة في الطريق الثاني *
قال {واما صوم التطوع فلا يلزم (م ح) بالشروع وكذا القضاء (م ح) إذا لم يكن علي الفور} * من شرع في صوم تطوع أو في صلاة تطوع لم يلزمه الاتمام ولا قضاء عليه لو خرج من صومه وصلاته وبه قال احمد وعند ابى حنيفة رحمه الله لا يجوز الافطار بغير عذر ويجب القضاء سواء افطر بعذر أو بغير عذر وقال مالك ان خرج بغير عذر لزمه القضاء والا فلا * لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت " دخل على رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت انا خبأنا لك حيسا قال أما اني كنت اريد الصوم ولكن قريبه " وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت " دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا صائمة فناولني فضل شرابه فشربت فقلت يارسول الله انى كنت صائمة وانى كرهت ان ارد سؤرك فقال ان كان من قضاء رمضان فصومي يوما مكانه وان كان تطوعا فان شئت فاقضيه وان شئت فلا تقضيه " وعندنا يستحب الاتمام وان لم يجب ولو افطر فيستحب القضاء(6/464)
ولا يكره الخروج منه بعذر وان كان بغير عذر فوجهان (اظهرهما) انه يكره ومن الاعذار ان يعز علي من اضافه امتناعه من الاكل ولو شرع في صوم القضاء هل له الخروج منه نظرا إن كان علي الفور فلا وان كان على التراخي ففيه وجهان (احدهما) ويحكى عن القفال انه يجوز لانه متبرع بالشروع فيه فاشبه المسافر يشرع في الصوم ثم يريد الخروج منه (والثاني) لا يجوز لانه صار متلبسا بالفرض ولا عذر به فليزمه اتمامه كما لو شرع في الصلاة في اول الوقت والاول هو الذى اورده المصنف وصاحب التهذيب وطائفة وقضية كلام الاكثرين ترجيح الثاني وبه أجاب الروياني في الحلية وحكاه صاحب المعتمد عن نصه في الام وصوم الكفارة اللازمة بسبب حرام كالقضاء الذى هو علي الفور وما لزم بسب غير محرم كالقتل الخطأ فهو كالقضاء الذى هو علي التراخي وكذا النذر المطلق وهذا كله مبني علي انقسام القضاء إلى ما هو علي الفور والي ما هو على التراخي وهو الاشهر فالاول ما تعدى فيه بالافطار لا يجوز تأخير قضائه لان جواز التأخير ترفيه لا يليق بحاله قال في التهذيب وليس له والحالة هذه التأخير بعذر السفر (والثانى) ما لم يتعد به كما في حق الحائض والافطار بعذر السفر والمرض فقضاؤه علي التراخي ما لم يدخل رمضان السنة القابلة وفى كلام بعض(6/465)
أصحابنا العراقيين ما يرفع هذا الفرق المحاملي يقول في التجريد ومن افطر في رمضان بعذر أو بغير عذر فطرا لا تجب به كفارة فالقضاء يلزمه ووقته موسع إلى شهر رمضان الثاني ويمكن تأييد ما ذكروه(6/466)
بانه قال في المختصر ومن صام متفرقا أجزأه ومتتابعا أحب الي والاستدلال أنه أطلق القول باستحباب التتابع في القضاء ولو كان أحد نوعيه علي الفور لكان التتابع فيه واجبا لا محبوبا (وقوله) في الكتاب وكذا القضاء إذا لم يكن علي الفور قد عرفت مما سبق انه يجب اعلامه بالواو ثم فيه شئ من جهة اللفظ وهو ان هذا الكلام معطوف على قوله أما صوم التطوع فلا يلزم بالشروع فيكون أن القضاء إذا لم يكن علي الفور لا يلزم بالشروع أيضا وانما كان يحسن هذا ان لو كان ما هو على الفور يلزم بالشروع وليس كذلك بل هو لازم من ابتدائه إلى انتهائه *(6/467)
قال {وصوم التطوع في السنة صوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء وستة أيام بعد عيد رمضان وفى الشهر الايام البيض وفى الاسبوع الاثنين والخميس وعلي الجملة صوم الدهر مسنون بشرط الافطار يوم العيدين وأيام التشريق} * الايام التى يستحب التطوع بصومها تنقسم الي ما يتكرر بتكرر السنين والي ما يتكرر بتكرر الشهور والى ما يتكرر بتكرر الاسابيع (أما) القسم الاول فمنه يوم عرفة روى " ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صيام يوم عرفة كفارة سنتين " وهذا الاستحباب في حق غير الحجيج (فاما) الحجيج فينبغي لهم ألا يصوموا كي لا يضعفوا عن الدعاء وأعمال الحج ولم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة وأطلق(6/468)
كثير من الائمة كونه مكروها لهم لما روى " انه صلي الله عليه وسلم نهي عن صوم يوم عرفة بعرفة " فان كان الشخص بحيث لا يضعف بسبب الصوم فقد قال ابو سعد المتولي الاولي ان يصوم حيازة للفضيلتين ونسب غيره هذا الي مذهب أبى حنيفة رحمه الله وقال الاولي عندنا ألا يصوم بحال ومنه يوم عاشوراء
روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صيام يوم عاشوراء يكفر سنة " ويوم عاشوراء هو العاشر من المحرم ويستحب ان يصوم معه تاسوعاء وهو التاسع منه لما روي انه صلى الله عليه وسلم قال " لان عشت إلى قابل لاصومن اليوم التاسع " وفيه معنيان منقولان عن ابن عباس رضى الله عنهما (أحدهما) الاحتياط فانه ربما يقع في الهلال غلط فيظن العاشر التاسع (والثانى) مخالفة اليهود فانهم لا يصومون الا يوما واحدا فعلى هذا لو لم يصم التاسع معه استحب أن يصوم الحادى عشر ومنه ستة أيام من شوال يستحب(6/469)
صومها وبه قال ابو حنيفة واحمد رحمهما الله لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله " وعن مالك ان صومها مكروها والافضل أن يصومها متتابعة وعلي الاتصال ليوم العيد مبادرة الي العبادة واياه عني بقوله بعد عيد رمضان * وعن أبي حنيفة رحمه الله ان الافضل أن يفرقها في الشهر (وأما) القسم الثاني فمنه أيام البيض وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لما روى انه صلى الله عليه وسلم " أوصي أبا ذر رضى الله عنه بصيامها " وانما يقال أيام البيض علي الاضافة لان المعني أيام الليالي البيض (وأما) القسم الثالث فمنه يوم(6/470)
الاثنين والخميس روي انه صلى الله عليه وسلم " كان يتحرى صومهما " وروى انه قال تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس فاحب ان يعرض عملي وانا صائم " ويكره افراد يوم الجمعة بالصوم لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة الا ان يصوم قبله أو بعده " وكذا افراد(6/471)
يوم السبت فانه يوم اليهود وقد روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم " (واما) قوله وعلي الجملة صوم الدهر مسنون (فاعلم) ان المسنون يطلق لمعنيين (احدهما) ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك ان صوم الدهر ليس مسنونا بهذا المعنى (والثانى) الندوب وفى كون صوم الدهر بهذه الصفة كلام ايضا فان صاحب التهذيب(6/472)
رحمه الله في آخرين أطلقوا القول بكونه مكروها واحتجوا بما روى " انه صلي الله عليه قال لعبد الله ابن عمر رضى الله عنهما ولا صام من صام الدهر صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر " وبما روي " انه نهى عن صيام الدهر " وفصل الاكثرون فقالوا ان كان يخاف منه ضررا أو يفوت به حقا فيكره والا فلا وحملوا النهي علي الحالة الاولي أو على ما إذا لم يفطر العيدين وأيام التشريق (وقوله) شرط الافطار يوم العيدين وايام التشريق ليس المراد منه حقيقة الاشتراط لان افطار هذه الايام يخرج الموجود عن أن يكون صوم الدهر وإذا كان كذلك لم يكن شرطا لاستثنائه فان استنان صوم الدهر يستدعي تحققه وانما المراد منه ان صوم سوى هذه الايام مسنون والله أعلم * ولو نذر صوم الدهر لزم وكانت الاعياد وايام التشريق مستثناة عنه وكذلك شهر رمضان وقضاوه إذا فرض فواته بعذر أو بغير عذر وهل تجب الفدية لما أخل به من النذر بسبب القضاء حكي ابو القاسم الكرخي فيه وجهين والذى أجاب به صاحب التهذيب انه لا فدية ولو نذر صوما آخر بعد هذا النذر لم ينعقد ولو لزمه صوم كفارة صام(6/473)
عنها وفدى عن النذر ولو افطر يوما من الدهر فلا سبيل إلى القضاء ولا فدية ان كان بعذر والا فتجب الفدية ولو نذرت المرأة صوم الدهر فللزوج منعها ولا قضاء ولا فدية وان اذن أو مات فلم تصم لزمها الفدية والله أعلم * [باب الاعتكاف] قال {الاعتكاف سنة مؤكدة لا سيما في العشر الاخير من رمضان لطلب ليلة القدر وهي في أوتار العشر الاخير وميل الشافعي رضى الله عنه إلي الحادي والعشرين وقيل انها في جميع الشهر وقيل في جميع السنة ولذا قال أبو حنيفة لو قال لزوجته في منتصف شهر رمضان انت طالق ليلة القدر لم تطلق الا إذا مضت سنة لان الطلاق لا يقع بالشك ويحتمل ان تكون في النصف الاول} * الاصل في الاعتكاف الاجماع والكتاب والاخبار (اما) الاجماع فظاهر (وأما) الكتاب فقوله تعالي (وطهر بيتى للطائفين والعاكفين) وقال الله تعالي (ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد (واما) الاخبار فسيأتي طرف منها واستفتح الكتاب بذكر شيئين (احدهما) بيان استحباب الاعتكاف وموضع تأكده (والثانى)(6/474)
الكلام في ليلة القدر (أما) الاول فالاعتكاف من الشرائع القديمة وهو مستحب في جميع الاوقات روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة " وهو في العشر الاواخر من مضان آكد استحبابا اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم وطلبا لليلة القدر " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الاخير من رمضان حتي قبضه الله تعالي " (واعلم) أن استحباب الاعتكاف(6/475)
في العشر الاخير مكرر قد ذكره مرة في سنن الصوم ومن رغب في المحافظة علي هذه السنة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شئ من ليلة الحادى والعشرين ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد ولو مكث ليلة العيد فيه إلي أن يصلي فيه العيد أو يخرج منه إلى المصلى كان أولي (وأما) الثاني (فاعلم) أن ليلة القدر أفضل ليالي السنة خص الله تعالي بها هذه الامة وهى باقية الي يوم القيامة وجمهور العلماء وفيهم الشافعي رضى الله عنهم على انها في العشر الاخير من رمضان(6/476)
وهى في أوتارها أرجي لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الاواخر من رمضان " وميل الشافعي رضي الله عنه إلى انها ليلة الحادى والعشرين لما روى عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يعتكف العشر الوسطي من رمضان فاعتكف عاما فلما كانت ليلة احدى وعشرين وهى الليلة التي كان يخرج في صبيحتها عن اعتكافه قال من كان اعتكف معى فليعتكف في العشر الاواخر قال فأريت هذه اليلة ثم أنسيتها ورأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الاواخر والتمسوها في كل وتر فامطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد علي عريش فوكف المسجد قال أبو سعيد فأبصرت عيناى رسول الله صلي الله عليه وسلم انصرف الينا وعلي جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة احدى(6/477)
وعشرين " وأبدى في بعض المواضع الميل إلى ليلة الثالث والعشرين لما روى عن عبد الله بن انيس
رضى الله عنه انه " قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اني اكون بباديتي وانى أصلى بهم فمرنى بليلة من هذا الشهر أنزلها المسجد فأصلي فيه فقال انزل في ليلة ثلاث وعشرين " وجمع بين الليلتين في المختصر فقال ويشبه ان يكون في ليلة احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين والمعني في اخفاء الله تعالى هذه الليلة حمل الناس على احياء جميع ليالى العشر بالعبادة رجاء اصابتهما وعلامة هذه الليلة انها طلقة لا حارة ولا باردة وان الشمس في صبيحتها تطلع بيضاء ليس لها كثير شعاع ويستحب أن يكثر فيها من قول " اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى " وعند مالك هي في العشر ولا ترجيح لبعض الليالى علي البعض(6/478)
وعند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله هي ليلة السابع والعشرين وهذا الذى ذكروه لا ينافى قوله في الكتاب وهي في أوتار العشر الاخير فلا نعلمه بعلاماتهم ولكن يجوز أن نعلمه بالحاء لانه روى عنه انها محتملة في جميع السنة وروى في جميع الشهر والروايتان مستنبطتان مما نقل عنه انه لو قال لزوجته أول يوم من رمضان أنت طالق ليلة القدر لا تطلق الا مثل ذلك اليوم من السنة الاخرى وعن ابن خزيمة من أصحابنا ان ليلة القدر منقولة في ليالي العشر تنقل في كل سنة الي ليلة جمعا بين الاخبار وقوله وقيل انها في جميع الشهر يشعر بأنه وجه للاصحاب وقوله ولذلك لو قال لزوجتة في منتصف شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر لم تطلق إلا إذا مضت سنة يشعر بأن المسألة مجزوم بها موجهة للوجه المنقول وقد حكى في الوسيط المسألة هكذا عن نص الشافعي رضى الله عنه وكل واحد من نقل الوجه وتوجيهه محل التوقف (أما) النقل فلانك لا تكاد تجد رواية احتمالها في جميع ليالى الشهر عن الاصحاب في شئ من كتب المذهب (وأما) التوجيه فلان ما أجاب به في مسألة الطلاق يخالف ما نقله الائمة فانهم قالوا إذا قال لامرأته أنت طالق ليلة القدر فان قاله قبل شهر رمضان أو في رمضان قبل مضي شئ من ليالي العشر طلقت بانقضاء الليالي العشر وإن قاله بعد مضى بعض لياليها لم تطلق الي مضي سنة هكذا نقل الشيخ أبو إسحق في المهذب والامام وغيرهما ولم نر اعتبار مضى سنة في المسألة المذكورة الا في كتب صاحب الكتاب (وقوله) ان الطلاق لا يقع بالشك مسلم لكنه يقع بالظن الغالب قال إمام الحرمين الشافعي رضى الله عنه متردد في ليالى العشر ويميل إلى بعضها ميلا ضعيفا وانحصارها
في العشر ثابت عنده بالظن القوى وإن لم يكن مقطوعا به والطلاق يناط وقوعه بالمذاهب المظنونة والله أعلم *(6/479)
قال {وفى الكتاب ثلاثة فصول (الفصل الاول) في أركانه وهى أربعة (الركن الاول) الاعتكاف وهو عبارة عن اللبث في المسجد ساعة مع الكف عن الجماع وهل يشترط الكف عن مقدمات الجماع فيه قولان ولا يشترط (ح وم) اللبث يوما ولا يكفى العبور} * مقصود الفصل الاول الكلام في اركان الاعتكاف وهى فيما عدها أربعة الاعتكاف والنية والمعتكف والمعتكف (الاول) الاعتكاف وهو عبارة عن المقام في اللغة يقال عكف واعتكف أي أقام وأما في الشريعة فقد فسره في الكتاب باللبث في المسجد ساعة مع الكف عن الجماع وفيه اعتبار أمور (احدها) اللبث وقد حكى الامام رحمه الله في اعتباره وجهين (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لابد منه لان لفظ العكوف مشعر به (والثانى) أنه يكفى مجرد الحضور كما يكفى الحضور بعرفة في تحقيق ركن الحج ثم فرع على الوجهين فقال إن اكتفينا بالحضور حصل الاعتكاف بالعبور حتى لو دخل من باب وخرج من باب ونوى فقد اعتكف وإن اعتبرنا اللبث لم يكف ما يكفى في الطمأنينة في اركان الصلاة بل لابد وأن يزيد عليه بما يسمي إقامة وعكوفا ولا يعتبر السكون بل يصح اعتكافه قاعدا وقائما ومترددا في ارجاء المسجد ولا يقدر اللبث بزمان حتي لو نذر اعتكاف ساعة انعقد ولو نذر اعتكافا مطلقا خرج عن عهدة النذر بأن يعتكف لحظة واستحب الشافعي رضى الله عنه أن(6/480)
يعتكف يوما وذلك للخروج من الخلاف فان مالكا وأبا حنيفة رحمهما الله لا يجوزان اعتكاف أقل من يوم ونقل الصيدلانى وجها أنه لابد من مكث يوم أو ما يدنو من يوم لان ما دون ذلك معتاد في الحاجات التي تعن في المساجد فلا تصلح للقربة وقد عرفت مما ذكرنا أن قوله ولا يشترط اللبث يوما ينبغى أن يرقم بالميم والحاء والواو (وقوله) ولا يكفى العبور بالواو ويجوز أن يرقم به لفظ اللبث أيضا في قوله وهو عبارة عن اللبث ولا يخفى أن قوله ساعة ليس المراد منه الواحدة من الساعات
التى يقسم اليوم والليلة عليها ولا سبيل إلى حمله عل اللحظة وان لطفت لما ذكر الائمة انه لابد وأن يزيد علي زمان الطمأنينة ولانه لو حمل علي هذا المعني لضاع واغنى لفظ اللبث عنه فإذا هو محمول علي القدر الذى يثبت اسم العكوف والاقامة فيه (والثاني) كونه في المسجد وهذا سيأتي شرحه في الركن الرابع (والثالث) الكف عن الجماع فلا يجوز للمعتكف الجماع ولا سائر المباشرات بالشهوة لقوله تعالي (ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد) ولو جامع بطل اعتكافه سواء جامع في المسجد أو جامع حين خرج لقضاء الحاجة إذا كان ذاكرا للاعتكاف عالما بتحريم الجماع وهذا هو المراد من لفظ الكتاب وإن اطلق الكف عن الجماع فأما إذا جامع ناسيا للاعتكاف أو جاهلا بالتحريم فهو كنظيره في الصوم * وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله يفسد الاعتكاف بجماع الناسي ولا فرق(6/481)
بين جماع وجماع وروى المزني عن نصه في بعض المواضع انه لا يفسد الاعتكاف من الوطئ الا ما يوجب الحد فقال الامام قضية هذا أن لا يفسد باتيان البهيمة إذا لم نوجب به الحد وكذلك بالاتيان في غير المأتى والمذهب الاول ولو لمس أو قبل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج متعمدا فهل يفسد اعتكافه فيه طريقان (أظهرهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) ويروى عن الاملاء انها تفسده لانها مباشرة محرمة في الاعتكاف فأشبهت الجماع (والثاني) يروى عن الام انها لا تفسده لانها مباشرة لا تبطل الحج فلا تبطل الاعتكاف كالقبلة بغير شهوة (والثاني) القطع بأنها لا تفسد حكاه الشيخان أبو محمد والمسعودي والمشهور طريقة القولين وما موضعهما فيه ثلاثة طرق (أحدها) ان القولين فيما إذا أنزل فأما إذا لم ينزل لم يبطل الاعتكاف بلا خلاف كالصوم (وثانيها) ان القولين فيما إذا لم ينزل أما إذا أنزل بطل اعتكافه بلا خلاف لخورجه عن أهلية الاعتكاف بالجنابة (وثالثها) وهو الاظهر طرد القولين وفى الحالين والفرق علي أحد القولين فيما إذا لم ينزل بين الاعتكاف والصوم ان هذه الاستمتاعات في الاعتكاف محرمة لعينها وفى الصوم ليست محرمة لعينها بل لخوف الانزال ولهذا يرخص فيها لمن لا تحرك القبلة شهوته وإذا اختصرت الخلاف في المسألة قلت فيها ثلاثة أقوال أو وجوه (أحدها) انها لا تفسد الاعتكاف أنزل أو لم ينزل (والثاني) تفسده أنزل أو لم ينزل وبه قال مالك (والثالث) وبه قال أبو حنيفة
والمزني وأصحاب احمد ان ما انزل منها افسد الاعتكاف ومالا فلا والمفهوم من كلام الاصحاب بعد الفحص ان هذا القول ارجح واليه ميل أبى اسحق المروزى وان استبعده صاحب المهذب ومن تابعه (أما) القول بالفساد عند الانزال فقد أطبق الجمهور علي انه أصح (وأما) المنع عند عدم الانزال فقد نص على ترجيحه المحاملي والشيخ ابو محمد والقاضى الرويانى وغيرهم رحمهم الله وايانا والاستمناء باليد مرتب علي ما إذا لمس فأنزل (ان قلنا) انه لا يبطل الاعتكاف فهذا أولي (وان قلنا) يبطله ففيه وجهان والفرق(6/482)
كمال الاستاع والالتذاذ ثم باصطكاك البشرتين ولا بأس للمعتكف بأن يقبل علي سبيل الشفقة والاكرام ولا بأن يلمس بغير شهوة " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يدني رأسه لترجله عائشة رضى الله عنها وهو معتكف " * قال {ولا يشترط ترك التطيب وترك البيع والشراء (م و) وترك الاكل (م ح) بل يصح الاعتكاف من غير صوم فان نذر أن يعتكف صائما لزمه كلاهما وفى لزوم الجمع قولان ولو نذر ان يعتكف مصليا أو يصوم معتكفا لم يلزم الجمع} * ترك التطيب ليس بشرط في الاعتكاف بل للمعتكف أن يتطيب كما له أن يرجل الرأس ويتزوج ويزوج بخلاف المحرم وله ان يتزين بلبس الثياب إذ لم ينقل أن النبي صلي الله عليه وسلم غير ثوبه للاعتكاف وعن أحمد انه يستحب ترك التطيب والتزين برفيع الثياب ويجوز له أن يأمر باصلاح معاشه وتعهد ضياعه وأن يبيع ويشترى ويخيط ويكتب وما أشبه ذلك ولا يكره شئ من هذه الاعمال إذا لم تكثر سيما إذا وقع في محل الحاجة وان أكثر أو قعد يحترف بالخياطة ونحوها كره ولكن لا يبطل(6/483)
اعتكافه وعن مالك انه إذا قعد فيه واشتغل بحرفته يبطل اعتكافه ونقل عن القديم قول مثله في الاعتكاف المنذور ورواه بعضهم في مطلق الاعتكاف والمذهب ما سبق لان ما لا يبطل قليله الاعتكاف لا يبطله كثيره كسائر الافعال ولو كان يشتغل بقراءة القرآن ودراسة العلم فهو زيادة خير وعن أحمد انه لا يستحب له إلا ذكر الله تعالي والصلاة ويجوز له أن يأكل في المسجد والاولى
أن يبسط سفرة ونحوها لانه أبلغ في تنظيف المسجد وله أن يغسل اليد والاولي غسلها في طست ونحوها حتي لا يبتل المسجد فيمنع غيره من الصلاة والجلوس فيه ولانه قد يستقذر فيصان المسجد عنه ولهذا قال في التهذيب ويجوز نضح المسجد بالماء المطلق ولا يجوز نضحه بالماء المستعمل وان كان طاهرا لان النفس قد تعافه ويجوز الفصد والحجامة في المسجد بشرط أن يأمن التلويث والاولي الاحتراز عنه وفى البول في الطست احتمالان ذكرهما ابن الصباغ والاظهر المنع وهو الذى أورده صاحب التتمة لانه قبيح واللائق بتعظيم المسجد تنزيهه عنه بخلاف الفصد والحجامة ولهذا لا يمنع من استقبال القبلة واستدبارها عند الفصد ويمنع عند قضاء الحاجة وليس من شرط الاعتكاف الصوم بل يصح الاعتكاف في الليل وحده وفى العيد وأيام التشريق خلافا لابي حنيفة ومالك رحمهما الله حيث قالا الصوم شرط فيه ولا يصح في العيد وأيام التشريق ولا في الليالي المجردة وعن أحمد روايتان (أصحهما) مثل مذهبنا * لنا ما روى أن عمر رضي الله عنه " سأل النبي صلي الله عليه وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلي الله عليه وسلم أوف بنذرك " ولو لم يصح الاعتكاف(6/484)
في الليلة المفردة لما أمره بالوفاء بنذره ويجوز أن يعلم قوله بل يصح الاعتكاف من غير صوم مع علامات هؤلاء بالواو لان الشيخ أبا محمد وغيره نقلوا عن القديم قولا مثل مذهبهم إذا عرفت ذلك فلو نذر أن يعتكف يوما هو فيه صائم أو اياما هو فيها صائم لزمه الاعتكاف في ايام الصوم لان الاعتكاف بالصوم أفضل وان لم يكن مشروطا به فإذا التزمه بالنذر لزمه كما لو التزم التتابع فيه وليس له في هذه الصورة افراد احدهما عن الآخر بلا خلاف وليست هذه مسألة الكتاب ولو اعتكف في رمضان اجزأه لانه لم يلتزم بهذا النذر صوما وانما نذر الاعتكاف علي صفة وقد وجدت ولو نذر ان يعتكف صائما أو يعتكف بصوم لزمه الاعتكاف والصوم جميعا بهذا النذر وهل يلزمه الجمع بينهما فيه وجهان (احدهما) وبه قال ابو على الطبري لا لانهما عبادتان مختلفتان فأشبه ما إذا نذر ان يصلي صائما (وأصحهما)(6/485)
ويحكي عن نصه في الام نعم لما ذكرنا في المسألة السابقة فلو شرع في الاعتكاف صائما ثم افطر لزمه
استئناف الصوم والاعتكاف علي الوجه الثاني ويكفيه استئناف الصوم علي الوجه الاول ولو نذر اعتكاف أيام وليال متتابعة صائما وجامع ليلا ففيه هذان الوجهان ولو اعتكف عن نذره في رمضان اجزأه عن الاعتكاف في الوجه الاول وعليه الصوم وعلي الثاني لا يجزئه عن الاعتكاف ايضا ولو نذر ان(6/486)
يصوم معتكفا ففيه طريقان (أظهرهما) طرد الوجهين (والثانى) وبه قال الشيخ أبو محمد القطع بأنه لا يجب الجمع والفرق أن الاعتكاف لا يصلح وصفا للصوم والصوم يصلح وصفا للاعتكاف فانه من مندوباته ولو نذر أن يعتكف مصليا أو يصلى معتكفا لزمه الصلاة والاعتكاف وفى لزوم الجمع طريقان (أحدهما) طرد الوجهين (وأصحهما) القطع بأن لا يجب والفرق أن الصوم والاعتكاف متقاربان فان كل واحد منهما كف وإمساك والصلاة افعال مباشرة لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف ويخرج على هذين الطريقين ما لو نذر أن يعتكف محرما فان لم نوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة(6/487)
فالقدر الذى يلزمه من الصلاة هو القدر الذى يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر وان أوجبنا الجمع لزمه ذلك القدر في يوم اعتكافه ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة فان كان نذر اعتكاف أيام مصليا لزمه ذلك القدر في كل يوم هكذا أورده صاحب التهذيب وغيره وأنت بسبيل من أن تقول ظاهر اللفظ يقتضى الاستيعاب فانه جعل كونه مصليا صفة لاعتكافه وإذا تركنا هذا الظاهر فلم نعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة في كل يوم وهلا اكتفى به في جميع المدة ولو نذر أن يصلى صلاة يقرأ فيها سورة كذا فعن القفال ان وجوب الجمع علي الخلاف في وجوب الجمع بين الصوم والاعتكاف ووجه لائح(6/488)
وقوله وفى لزوم الجمع قولان التعبير عن الخلاف في المسألة بالقولين خلاف ايراد الجمهور نعم ردد الامام الرواية بين القولين والوجهين (وقوله) لم يلزمه الجمع لابد من وسمه بالواو لما ذكرنا من الخلاف في الصورتين والذى أجاب به صاحب الكتاب موافق لما اختاره معظم الائمة فيما إذا نذر أن يعتكف مصليا ومخالفا له فيما إذا نذر أن يصوم معتكفا سواء قدرنا جريانه علي طريقة نفى الخلاف
أو اختياره نفى اللزوم مع تسليم الخلاف فان الاكثرين طردوا فيها الوجهين وقالوا الاظهر لزوم الجمع * قال {الثاني النية ولا بد منها في الابتداء ويستمر حكمها وان دام اعتكافه سنة فان خرج لقضاء حاجة أو لغيره فإذا عاد لزمه استئناف النية اما إذا قدر زمانا في نيته كما لو نوى أن يعتكف شهرا لم يلزمه إذا خرج تجديد النية في قول ولزمه إن طالت مدة الخروج في قول ولزم بالخروج لغير قضاء الحاحة قرب الزمان أو طال في قول ونية الخروج عن الاعتكاف كنية الخروج عن الصوم} *(6/489)
لا بد من النية في ابتداء الاعتكاف كما في الصلاة ويجب التعرض في المنذور منه للفرضية ليمتاز عن عن التطوع ثم في الركن مسألتان (احداها) إذا نوى الاعتكاف لم يخل اما ان يطلق أو يعين بنيته زمانا فان اطلق كفاه ذلك وان طال عكوفه لكن لو خرج من المسجد ثم عاد لزمه استئناف النية سواء خرج لقضاء الحاجة أو لغيره فان ما مضى عبادة تامة (والثانى) اعتكاف جديد وقال في التتمة فلو انه عزم عند خروجه ان يقضي حاجته ويعود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية ولك ان تقول اقتران النية بأول العبادة شرط فكيف يحصل الاكتفاء بالعزيمة السابقة علي العود وان عين زمانا كما إذا نوى اعتكاف يوم أو شهر فهل يحتاج الي تجديد النية إذا خرج وعاد نقل في الكتاب فيه ثلاثة اقوال وسماها في الوسيط وجوها وهو الموافق لا يراد الائمة رحمهم الله وهي حاصل ما ذكروه في الطرق (احدها) انه لا حاجة إلى تجديد النية لان النية شملت جميع المدة بالتعيين (والثاني) انه ان لم تطل مدة الخروج فلا حاجة إلى التجديد وان طالت فلا بد منه لتعذر البناء ولا فرق علي هذا بين ان يكون الخروج لقضاء الحاجة أو لغيره (والثالث) انه ان اخرج لقضاء الحاجة لم يجب التجديد لانه لا بد منه فهو كالمستثنى عند النية وان خرج لغرض آخر فلا بد من التجديد لقطعه الاعتكاف ولا فرق علي هذا بين أن يطول الزمان أو لا يطول وهذا الثالث اظهر الوجوه وزاد صاحب التهذيب في التفصيل فقال ان خرج لامر يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع فلا بد من تجديد(6/490)
النية وان خرج لامر لا يقطعه نظر ان لم يكن منه بد كقضاء الحاجة والاغتسال عند الاحتلام فلا حاجة الي التجديد وان كان منه بدأ وطال الزمان ففي التجديد وجهان وهذه الاختلافات مضطردة فيما إذا نوى مدة لتطوع الاعتكاف وفيما إذا نذر اياما ولم يشترط فيها التتابع ثم دخل المعتكف علي قصد الوفاء بالنذر اما إذا شرط التتابع أو كانت المدة المنذورة متواصلة في نفسها فسيأتي حكم التجديد فيها (الثانية) لو نوى الخروج من الاعتكاف ففى بطلان الاعتكاف الخلاف المذكور في بطلان الصوم بنية الخروج والاظهر انه لا يبطل وأفتى بعض المتأخرين ببطلان الاعتكاف لان مصلحته تعظيم الله تعالي كالصلاة وهى تختل بنقض النية ومصلحة الصوم قهر النفس وهي لا تفوت بنية الخروج * قال {الثالث المعتكف وهو كل مسلم عاقل ليس بجنب ولا حائض فيصح اعتكاف الصبي والرقيق والسكر والردة إذا قارنا الابتداء منعا الصحة وان طرآ فالردة تفسد والسكر لا يفسد كالاغماء (وقيل) إنهما يفسدان (وقيل) إنهما لا يفسدان والحيض مهما طرأ قطع والجنابة إن طرأت باحتلام فعليه أن يبادر إلي الغسل ولا يلزمه الغسل في المسجد وإن أمكن} *(6/491)
شرط في المعتكف ان يكون مسلما عاقلا نقيا عن الجنابة والحيض والكلام فيمن يدخل في هذا الضبط ومن يخرج عنه فمن الداخلين فيه الصبى والرقيق والمرأة المزوجة فيصح اعتكافهم كما يصح صومهم وصلاتهم لكن لا يجوز للعبد ان يعتكف بغير اذن سيده لان منفعته مستحقة للسيد ولا المرأة المزوجة ان تعتكف بغير اذن زوجها لان الزوج يستحق الاستمتاع بها وان اعتكفا بغير اذن كان للسيد اخراج العبد وللزوج اخراج الزوجة وكذلك لو اعتكفا باذنهما تطوعا فانه لا يلزم بالشروع وقال مالك ليس لهما الاخراج إذا أذنا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله في الزوج وساعدنا في السيد ولو نذرا اعتكافا نظر إن نذراه بغير اذن فلهما المنع من الشروع فيه فان اذنا في(6/492)
الشروع وكان الزمان متعينا أو غير متعين ولكن شرطا التتابع لم يجز لهما الرجوع وان لم يشرطا التتابع فلهما الرجوع في اظهر الوجهين وان نذرا بالاذن نظر ان تعلق بزمان معين فلهما الشروع فيه بغير اذن والا لم يشرعا فيه الا باذن وإذا شرعا بالاذن لم يكن لهما المنع من الاتمام هكذا أورده ائمتنا العراقيون وهو مبنى على ان النذر المعلق إذا شرع فيه لزم اتمامه وفيه خلاف قدمناه ويستوى في جميع ما ذكرناه القن والمدبر وام الولد (واما) المكاتب فله ان يعتكف بغير اذن السيد على اصح الوجهين ومن نصفه حر ونصفه رقيق كالرقيق ان لم يكن بينه وبين السيد مهايأة وان كانت فهو في نوبة نفسه(6/493)
كالحر وفى نوبة السيد كالرقيق واما من يخرج عنه فباعتبار الاسلام والعقل يخرج الكافر والمجنون والسكران والمغمي عليه فلا يصح منهم الاعتكاف إذ لا نية لهم ولو ارتد في أثناء اعتكافه فالمنقول عن نصه في الام انه لا يبطل اعتكافه بل يبنى إذا عاد إلى الاسلام ونص انه لو سكر في اعتكافه ثم افاق يستأنف وهذا حكم ببطلان الاعتكاف وللاصحاب فيهما طريقان (أحدهما) تقرير النصين والفرق ان السكران ممنوع من المسجد قال الله تعالي (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) أي موضع الصلاة فإذا شرب المسكر وسكر فقد أخرج نفسه عن اهلية اللبث في المسجد فنزل ذلك منزلة(6/494)
خروجه منه والمرتد غير ممنوع من المسجد بل يجوز استتابته فيه وتمكينه من الدخول لاستماع القرآن ونحوه فلم بجعل الارتداد متضمنا بطلان الاعتكاف واختار أصحاب الشيخ أبي حامد هذا الطريق وذكروا انه المذهب وسلم غيرهم ذلك في السكران ونازعوهم في عدم تأثير الردة علي ما سيأتي (واصحهما) التسوية بين الردة والسكر وفى كيفيتها طريقان (احدهما) انهما علي قولين (أحدهما) انهما لا يبطلان الاعتكاف (أما) الردة فلما سبق (وأما) السكر فلانه ليس فيه الا تناول محرم وذلك لا ينافى الاعتكاف (والثانى) أنهما يبطلان الاعتكاف (أما) السكر فلما سبق (وأما) الردة فلخروج المرتد عن أهليه العبادة (واصحهما) الجزم في الصورتين وفى كيفيته طرق (أحدها) انه لا يبطل الاعتكاف بواحد منهما وكلامه في السكران(6/495)
محمول علي ما إذا خرج من المسجد أو أخرج لاقامة الحد عليه (وثانيها) ان السكر يبطله لامتداد زمانه والردة كذلك ان طال زمانها والا فيبني كلامه في الردة محمول على حالة طول الزمان (وثالثها) ولم يورده الا الامام وصاحب الكتاب رحمها الله ان الردة تبطل لانها تفوت شرط العبادة والسكر لا يبطل كالنوم والاغماء وهو خلاف النصين (ورابعها) وهو الاصح ويحكي ذلك عن الربيع انهما جميعا مبطلان فان كل واحد منها اشد من الخروج من المسجد فإذا كان ذلك مبطلا للاعتكاف فهما اولي ونصه في الردة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متتابعا وإذا عاد إلى الاسلام يبني علي ما مضي(6/496)
لان الردة لا تحبط العبادات السابقة عندنا ونصه في السكر مفروض في الاعتكاف المتتابع والله أعلم واعرف في لفظ الكتاب شيئين (أحدهما) أنه مشعر بان الخلاف في أن الردة والسكر هل يخلان بالاعتكاف ام يستمر معهما بحالة فانه جعلهما مانعين من الصحة ابتداء وفرض الخلاف في الفساد بعروضهما وكلام الامام كالمصرح بمثل ذلك وليس هو بمساعد عليه بل الاصحاب جعلوا الخلاف في أنه هل يبقي ما تقدم على لردة والسكر معتدا به حتى يبنى عليه أم يبطل حتى يحتاج الي الاستئناف إذا كان الاعتكاف متتابعا فاما زمان الردة والسكر فالمفهوم من نص الشافعي رضى الله عنه أنه(6/497)
لا اعتكاف فيه فان الكلام في أنه يبني أو يستأنف إنما ينتظم عند حصول الاختلال في الحال وقد نص أبو علي وغيره علي أن ايام الردة غير محسوبة من الاعتكاف بلا شك إذ ليس للمرتد أهلية العبادة ونقل صاحب التهذيب في احتساب زمان السكر وجهين وقال المذهب المنع (والثانى) ان ايراد الكتاب يقتضي ترجيح الطريق الذى عزيناه الي رواية الامام وصاحب الكتاب وقد صرح به في الوسيط ولم ير لغيرهما نقله فضلا عن ترجيحه ولو جن أو أغمى عليه في خلال الاعتكاف فان لم يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه لانه معذور فيما عرض وان أخرج نظر ان لم يكن حفظه في السمجد فكذلك لانه لم يحصل الخروج باختياره فاشبه مالو حمل العاقل واخرج مكرها وأن أمكن ولكن شق ففيه الخلاف الذى نذكره في المريض أذا خرج قال في التتمة ولا يحسب زمان الجنون عن الاعتكاف(6/498)
لان العبادات البدنية لا تصح من المجنون وزمان الاغماء يحسب علي المذهب وفيه خلاف تخرجا مما لو أغمي علي الصائم وأما اعتبار النقاء من الجنابة والحيض فيخرج منه الحائض والجنب فلا يصح منهما الاعتكاف ومتى طرأ الحيض علي المعتكفة فعليها الخروج من المسجد ولو مكثت لم يحسب عن الاعتكاف وهل يبطل ما سبق أم يجوز البناء عليه في الاعتكاف المتتابع قد ذكره في الفصل الثالث ولو طرأت الجنابة نظر ان طرأت بما يبطل الاعتكاف فلا يخفى الحكم وان طرأت بما لا يبطله كالاحتلام وبالجماع ناسيا والانزال بالمباشرة فيما دون الفرج إذا قلنا انها لا تبطل فعليه أن يبادر(6/499)
إلى الغسل كيلا يبطل تتابع اعتكافه ثم ان لم يمكنه الغسل في المسجد فهو مضطر الي الخروج وان أمكنه فيعذر في الخروج ايضا ولا يكلف الغسل في المسجد فان الخروج أقرب الي المروءة وصيانة حرمة المسجد (وقوله) والحيض مهما طرأ قطع ليس المراد منه قطع التتابع فالكلام فيه سيأتي وإنما المراد انه يقطع الاعتكاف في الحال وإذا كان كذلك فانقطاع الاعتكاف في الحال غير مخصوص بالحيض بل زمان الجنابة ايضا لا يحسب من الاعتكاف على الصحيح وفيه وجه حكاه صاحب التهذيب وضعفه فلو(6/500)
قال والحيض والجنابة إذا طرآ قطعا ثم ذكر حكم الاحتلام كان أحسن * قال {الرابع المعتكف فيه وهو المسجد ويستوى فيه جميع المساجد والجامع أولى ولا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها على الجديد} * الاعتكاف يختص بالمساجد ويستوى في الجواز جميعها كاستوائها في تحريم المكث للجنب وسائر الاحكام ويدل عليه إطلاق قوله تعالي (وأنتم عاكفون في المساجد) وعند أحمد لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تام فيه الجماعة فاعلم قوله ويستوى فيه جميع المساجد بالالف ويجوز أن يعلمه بالواو أيضا لان صاحب المعتمد ذكر أن الشيخ أبا حامد حكى ان الشافعي رضى الله عنه أومأ في القديم إلي مثل(6/501)
مذهب الزهري وهو اختصاص الاعتكاف بالمسجد الجامع والمشهور الاول والجامع أولي بالاعتكاف للخروج من الخلاف ولكثرة الجماعة فيه ولئلا يحتاج إلى الخروج لصلاة الجمعة وهذا أظهر المعاني عند الشافعي رضى الله عنه أو لا بد منه في ثبوت الاولوية لانه نص علي أن المرأة والعبد والمسافر يعتكفون حيث شاؤا أي من المساجد لانه لا جمعة عليهم ولو اعتكفت المرأة في مسجد بيتها وهو المعتزل المهيأ للصلاة هل يصح فيه قولان (الجديد) وبه قال مالك وأحمد لا لان ذلك الموضع ليس بمسجد في الحقيقة فأشبه سائر المواضع ويدل عليه ان نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يعتكفن في المسجد ولو جاز اعتكافهن في(6/502)
البيوت لاشبه ان يلازمنها (والقديم) وبه قال ابو حنيفة نعم لانه مكان صلاتها كما ان المسجد مكان صلاة الرجل وعلي هذا ففى جواز الاعتكاف فيه للرجل وجهان وهو اولي بالمنع ووجه الجواز ان نفل الرجل في البيت افضل والاعتكاف ملحق بالنوافل وإذا قلنا بالجديد فكل امرأة يكره لها حضور الجماعات يكره لها الخروج للاعتكاف والتى لا يكره لها ذاك لا يكره لها هذا * قال {ولو عين مسجدا بنذره فالصحيح ان المسجد الحرام يتعين وسائر المساجد لا تتعين وفي مسجد الاقصي ومسجد المدينة قولان وقيل ان الكل لا يتعين وقيل ان الكل يتعين (وأما) الزمان(6/503)
(فالمذهب) انه يتعين (و) كما في الصوم ثم يقضي (و) عند الفوات} * مقصود الفصل الكلام في تعيين مكان الاعتكاف وزمانه بالنذر (أما) المكان فان عين المسجد الحزام تعين لمزيد فضله وتعلق النسك به وإن عين مسجد المدينة أو المسجد الاقصى فهل يتعين فيه قولان (أظهرهما) وبه قال أحمد نعم لانهما مسجدان ورد الشرع بشد الرحال اليهما فأشبها المسجد الحرام (والثاني) لا لانه لا يتعلق بهما نسك فأشبها سائر المساجد وذكر الامام أن من الاصحاب من خرج تعيين المسجد الحرام علي هذين القولين وان عين غير المساجد الثلاثة ففى التعيين وجهان وقال(6/504)
الكرخي قولان عن ابن سريج (أظهرهما) انه لا يتعين كما لو عينه للصلاة (والثانى) انه يتعين لان الاعتكاف
يختص بالمسجد بخلاف الصلاة لا تختص بالمسجد فلا يتعين لها المسجد * واحتج لهذا الوجه بأن الشافعي رضي الله عنه قال: لو أوجب علي نفسه اعتكافا في مسجد فانهدم اعتكف في موضع منه فان لم يقدر خرج فإذا بنى المسجد رجع وبني على اعتكافه ومن قال بالاول حمله علي ما إذا كان المعين أحد المساجد الثلاثة أو ما إذا لم يكن في تلك القرية مسجد آخر ومنهم من قطع بأن غير المساجد الثلاثة لا يتعين ونفى الخلاف فيه وإذا عرفت ما ذكرناه تبين لك ان في تعيين الجميع خلافا كما ذكره في الكتاب وليس(6/505)
قوله وقيل الكل لا يتعين محمولا على طريقة قاطعة بنفى التعين في الكل فانه لا صائر إليه في المسجد الحرام ولا قوله وقيل الكل يتعين محمولا علي طريقة قاطعة بالتعيين في الكل فانه لم ينقلها احد في غير المساجد الثلاثة ولكن الطريقة المذكورة اولا قاطعة بالتعين في المسجد الحرام وبعدم التعين فيما سوى المساجد الثلاثة فالغرض من قوله قيل وقيل بيان ان كل واحد من القطعين قد نازع فيه بعض الاصحاب ومتي حكمنا بالتعيين فإذا عين المسجد الحرام لم يقم غيره مقامه وإن عين مسجد المدينة لم يقم غيره مقامه إلا المسجد الحرام وإن عين المسجد الاقصى لم يقم غيره مقامه الا المسجد(6/506)
الحرام ومسجد المدينة وان حكمنا بعدم التعين فليس له الخروج بعد الشروع لينتقل إلى مسجد آخر لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد آخر علي مثل تلك المسافة أو أقرب كان له ذلك في أصح الوجهين (وأما) الزمان في تعيينه بالتعيين وجهان (احدهما) وهو المذهب انه يتعين حتى لا يجوز التقديم عليه ولو تأخر كان ذلك قضاء الفائت (والثاني) لا يتعين كما لا يتعين كما لا يتعين في نذر الصلاة والصدقة والوجهان جاريان بعينهما فيما إذا عين زمان الصوم وقد ذكرهما في الكتاب في في النذور وسيأتي شرحه عليهما ان شاء الله وهذا الكلام يعرفك ان قوله فالمذهب انه يتعين كما في(6/507)
الصوم ليس كقياس التعين في الوجه الذى هو المذهب علي التعين في الصوم فان الخلاف فيهما واحد وإنما الغرض تشبيه الخلاف بالخلاف *
قال {الفصل الثاني في حكم النذر والنظر في ثلاثة امور (الاول) في التتابع فإذا قال لله تعالي علي أن أعتكف شهرا لم يلزمه (و) التتابع الا إذا شرط ولو قال يوما لم يجز تفريق الساعات علي الايام في اصح الوجهين وإذا قال اعتكف هذا الشهر لم يفسد أوله بفساد آخره ولا يلزم التتابع في قضائه لان التتابع وقع ضرورة لا بقصده بل لو صرح وقال اعتكف هذا الشهر متتابعا لم يلزم التتابع في القضاء علي أحد الوجهبن إذا التتابع وقع ضرورة فلا اثر للفظه} * الاعتكاف المنذور يمتاز عن غير المنذور منه بامور راجعة إلى كيفية لفظ الناذر والتزامه ومقصود الفصل الثاني الكلام في ثلاثة أمور منها (أحدها) في التتابع من نذر اعتكافا لم يخل اما أن يطلق أو يقدر مدة فأن أطلق فقد ذكرنا ما يلزمه وما يستحب له وإن قدر مدة فأما أن يطلقها أو يعينها.
(الحالة الاولي) أن يطلقها فينظر إن اشترط التتابع لزمه كما لو اشترط التتابع في الصوم وإن لم يشترطه بل قال علي شهر أو عشرة أيام لم يلزمه التتابع كما في نظيره من الصوم وخرج ابن سريج قولا أنه يلزم وبه قال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله كما لو حلف الا يكلم زيدا شهرا يكون متتابعا وظاهر المذهب الاول وهو المذكور في الكتاب ولكن يستحب رعاية التتابع وعلي هذا فلو لم يتعرض له لفظا ولكن نواه بقلبه فهل يلزمه فيه وجهان قال صاحب التهذيب وغيره (أصحهما) انه لا يلزمه كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه ولو شرط التفرق فهل يخرج عن العهدة بالمتتابع فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه أفضل كما لو عين غير المسجد الحرام ويخرح عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام ولو نذر اعتكاف يوم فهل يجوز تفريق الساعات علي الايام فيه وجهان (أحدهما) نعم تنزيلا للساعات من اليوم منزلة الايام من الشهر (أصحهما) وبه قال أبو إسحق والاكثرون لا لان المفهوم من لفظ اليوم المتصل وقد حكي عن الخليل أن اليوم إسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ولو دخل المسجد في أثناء النهار خرج بعد الغروب ثم عاد قبيل طلوع الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت فهو علي هذين الوجهين ولو لم يخرج بالليل فجواب الاكثرين أنه يجزئه سواء جوزنا التفريق(6/508)
أو منعناه لحصول التواصل بالبيتوتة في المسجد وعن أبى اسحق أنه لا يجزئه تفريعا علي الوجه الثاني
لانه لم يأت بيوم متواصل الساعات والليلة ليست من اليوم فلا فرق بين أن يخرج منها عن المسجد أو لا يخرج وهذا هو الوجه ولو قال في أثناء النهار لله على ان اعتكف يوما من هذا الوقت فقد اطبق حملة المذهب علي أنه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ولا يجوز أن يخرج بالليل ليتحقق التتابع وفيه توقف من جهة المعني لان الملتزم يوم والبعضان يوم وليلة والليلة المتخللة ليست من اليوم فلا تمنع التتابع بينهما كما أنها لا تمنع وصف اليومين الكاملين بالتتابع والقياس أن(6/509)
يجعل فائدة التقييد في هذه الصورة القطع بجواز التفريق لا غير ثم حكى الامام تفريعا علي جواز تفريق الساعات عن الاصحاب أنه يكفيه ساعات اقصر الايام لانه لو اعتكف اقصر الايام جاز ثم قال ان فرق علي ساعات اقصر الايام في سنين فالامر كذلك وان اعتكف في أيام متباينة في الطول والقصر فينبغي أن ينسب اعتكافه في كل يوم بالجزئية إليه ان كان ثلثا فقد خرج عن ثلث ما عليه وعلى هذا القياس نظرا إلي اليوم الذى يوقع فيه الاعتكاف ولهذا لو اعتكف بقدر ساعات اقصر الايام من يوم طويل لم يكفه وهذا الذى ذكره مستدرك حسن وقد أجاب(6/510)
عنه بما لا يشفى والله أعلم (الحالة الثانية) أن يعين المدة المقدرة كما لو نذر ان يعتكف عشرة أيام من الآن أو هذه العشرة أو شهر رمضان أو هذا الشهر فعليه الوفاء ولو افسد آخره بالخروج بغير عذر أو بسبب آخر لم يلزمه الاستئناف ولو فاته الجميع لم يلزمه التتابع في القضاء لان التتابع فيه كان من حق الوقت وضروراته لا انه وقع مقصودا فأشبه التتابع في صوم رمضان هذا إذا لم يتعرض للتتابع اما إذا صرح به فقال اعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر متتابعا فهل يلزمه الاستئناف إذا أفسد(6/511)
آخره وهل يجب التتابع في قضائه عند الفوات فيه وجهان (أحدهما) لا لان التتابع واقع ضرورة فلا اثر للفظه وتصريحه (واصحهما) نعم لان تصريح به يدل علي قصده اياه ويجوز ان يكون ذلك مقصودا من تعيين الزمان واعلم قوله في الكتاب لم يفسد اوله بفساد آخره بالالف لان في رواية عن احمد
يفسد ويجب الاستئناف * قال {الثاني في استتباع الليالي فإذا نذر اعتكاف شهر دخلت الليالي فيه ويكفيه شهر بالاهلة ولو نذر اعتكاف يوم لم تدخل الليلة ولو نذر عشرة ايام ففى الليالي المتخللة ثلاثة اوجه وفى الثالث تدخل ان نذر التتابع والا فلا وإذا نذر العشر الاخير فنقص الهلال كفاه التسع} *(6/512)
مقصود هذا النظر بيان ان الليالى متى تلزم إذا لم ينص عليها ويقاس به الايام إذا لم ينص عليها وفيه صور (احداها) لو نذر اعتكاف شهر لزمه الايام والليالي لان الشهر عبارة عن الجميع الا أن يقول ايام شهر أو نهار هذا الشهر فلا تلزمه الليالي وكذا لو قال ليالي هذا الشهر لا تلزم الايام ولو لم يتلفظ بتقييد ولا استثناء ولكن نوى بقلبه ففيه وجهان (اصحهما) وبه قال ابو حنيفة انه لا يؤثر ذكره في التهذيب ثم إذا أطلق الشهر فدخل المسجد قبل الاستهلال كفاه ذلك الشهر خرج ناقصا أو(6/513)
كاملا وان دخل في أثناء الشهر استكمل بالعدد (الثانية) لو نذر اعتكاف يوم لم يلزمه ضم الليلة إليه الا أن ينوى فحينئذ يلزمه لان اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته وحكي الحناطي قولا أنه يدخل الليل في هذا النذر الا أن ينوى يوما بلا ليلة فيجوز أن يرقم قوله في الكتاب لم تدخل الليلة بالواو لذلك ولو نذر اعتكاف يومين ففى لزوم الليلة معهما ثلاثة أوجه (أحدهما) لا تلزم الا إذا نواها لما سبق ان اليوم عبارة عما بين طلوع الفجر وغروب الشمس (والثاني) تلزم الا ان يريد بياض النهار لانها ليلة تتخلل نهار الاعتكاف فاشبه مالو نذر اعتكاف العشر (والثالث) ان نوى التتابع أو قيد به لفطا لزمت ليحصل التواصل والا فلا وهذا ارجح عند الاكثرين بل لم يذكروا خلاف في لزومها إذا قيد بالتتابع وذكر صاحب المهذب وآخرون ان الاول اظهر والوجه التوسط ان كان المراد من التتابع(6/514)
توالي اليومين فالحق ما ذكره صاحب المهذب وان كان المراد تواصل الاعتكاف فالحق ما ذكره الاكثرون ولو نذر اعتكاف ليلتين ففى النهار بينها هذا الخلاف ولو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أو ثلاثين يوما ففى لزوم الليالي المتخللة الوجوه الثلاثة وأشار الشيخ أبو محمد وطائفة
الي طريقة قاطعة بان نذر اليومين لا يستتبع شيئا من الليالى والخلاف في الثلاثة فصاعدا وحكى(6/515)
عن القفال في توجيهه ان العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرد النهار وإذا أطلقت الايام عنتها بلياليها وهذا الفرق غير معلوم من أهل اللسان والله أعلم * وانما قال ففى الليالي المتخللة بينها علي ان الخلاف مخصوص بما بين الايام المنذورة من الليالي وهى تنتقص عن عدد الايام بواحد أبدا ولا خلاف في ان الليالي لا تلزم بعدد الايام فإذا نذر يومين لم يلزم ليلتان بحال وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة رحمهم الله يلزم ليلتان وقياس ما نقله الحناطي في اليوم الواحد مثله فاعرفه (الثالثة) لو نذر العشر الاخير من بعض الشهور دخل فيه الايام والليالي وتكون الليالي ههنا بعدد الايام كما في نذر الشهر وقد مر في اعتكاف العشر الاواخر من رمضان انه متى يدخل المسجد ويخرج عن العهدة إذا استهل الهلال كان الشهر كاملا أو ناقصا لان الاسم يقع علي مابين العشرين الي آخر(6/516)
الشهر ولو نذر ان يعتكف عشرة ايام من آخر الشهر ودخل المسجد آخر اليوم العشرين أو قبيل الحادى والعشرين فنقص الشهر لزمه قضاء يوم لانه جرد القصد الي العشرة وفى دخول الليالي ما حكيناه من الخلاف * {فرع} إذا نذر أن يعتكف اليوم الذى يقدم فيه فلان فقدم ليلا لم يلزمه شئ وان قدم نهارا لزمه اعتكاف بقية النهار وهل عليه قضاء ما مضى منه فيه قولان (اصحهما) وهو ظاهر نصه في المختصر لا لان الوجوب ثبت من حين القدوم (والثانى) نعم لانا نتبين بقدومه ان ذلك اليوم من أوله يوم(6/517)
القدوم وبهذا قال المزني وابن الحداد وعلى هذا فيعتكف بقية اليوم ويقضي بقدر ما مضى من يوم آخر ولا يخلي الوقت عن العبادة بقدر الامكان وقال المزني الاولى أن يستأنف اعتكاف يوم ليكون اعتكافه موصولا ولو كان الناذر وقت القدوم مريضا أو محبوسا قضي عند زوال العذر إما ما بقى من النهار أو يوما كاملا على اختلاف القولين وعن القاضي ابي حامد وصاحب الافصاح انه لا شئ عليه لعجزه
وقت الوجوب كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه *(6/518)
قال {الثالث في الاستثناء فإذا قال أعتكف شهرا متتابعا لا أخرج الا لعيادة زيد لم يجز الخروج لغيره ولو قال لا أخرج الا لشغل يعن لى جاز (م و) الخروج لكل شغل دينى أو دنيوى لا كالنظارة والتنزه ولو قال اتصدق بهذه الدراهم الا ان احتاج إليها فالاظهر صحة الشرط ولو قال الا ان يبدو لى فالاظهر فساد الشرط} *(6/519)
إذا نذر اعتكافا بصفة التتابع وشرط الخروج منه ان عرض عارض صح شرطه لان الاعتكاف انما يلزمه بالتزامه فيجب بحسب الالتزام وعن صاحب التقريب والحناطي حكاية قول آخر انه لا يصح لانه شرط يخالف مقتضى الاعتكاف المتتابع فيلغو كما لو شرط المعتكف ان يخرج للجماع وفيما علق عن الشيخ أبي محمد ان بالاول قال ابو حنيفة وبالثاني قال مالك وعن احمد روايتان كالقولين (فان قلنا) بالاول وهو الصحيح المشهور فينطر ان عين نوعا فقال لا اخرج الا لعيادة المرضى أو عين ما هو أخص منه فقال لا اخرج الا لعيادة زيد أو لتشييع جنازته ان مات خرج لما عينه دون غيره من(6/520)
الاشغال وان كان اهم منه وان اطلق وقال لا أخرج الا لشغل يعن لى أو لعارض يعرض كان له ان يخرج لكل شغل دينى كحضور الجمعة وعيادة المرضى وصلاة الجنازة أو دنيوى كلقاء السلطان واقتضاء الغريم ولا يبطل التتابع بشئ من ذلك ويشترط في الشغل الدنيوي أن يكون مباحا ونقل وجه عن الحاوى انه لا يشترط ولا عبرة بالنظارة والنزهة فان ذلك لا يعد من الاشغال ولا يعتني به ولو قال ان عرض عارض قطعت الاعتكاف فالحكم كما لو شرط الخروج الا أن في شرط الخروج يلزمه العود عند قضاء تلك الحاجة وفيما إذا قصد القطع لا يلزمه ذلك وكذا لو قال علي ان اعتكف رمضان الا أن أمرض أو اسافر فإذا مرض أو سافر فلا شئ عليه ولو نذر صلاة وشرط الخروج منها ان عرض عارض أو صوما وشرط الخروج منه ان جاع أو اضيف ففيه وجهان (احدهما) وبه أجاب الاكثرون انه(6/521)
يصح هذا الشرط كما في الاعتكاف (والثاني) لا يصح ولا ينعقد النذر ويخالف الاعتكاف لان ما يتقدم منه علي الخروج عبادة وبعض الصلاة والصوم ليس بعبادة ولو فرض ذلك في الحج انعقد النذر كما ينعقد الاحرام المشروط ولكن في جواز الخروج القولان المذكوران في كتاب الحج والصوم والصلاة اولى بجواز الخروج منهما عند أئمتنا العراقيين لانهما لا يلزمان بالشروع والالتزام مشروط فإذا وجد العارض فلا يلزم والحج يلزم بالشروع وجعل الشيخ ابو محمد الحج أولي بجواز الخروج منه لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بالاهلال بشرط التحلل ولو نذر التصدق بعشرة دراهم(6/522)
أو بهذه الدراهم الا ان تعرض حاجة ونحوها فعلى الوجهين والاظهر صحة الشرط فإذا احتاج فلا شئ عليه ولو قال في هذه القربات الا ان يبدو لي فوجهان (احدهما) انه يصح الشرط فلا شئ عليه إذا بداله كشرط سائر العوارض (واظهرهما) وبه قال الشيخ ابو محمد لا يصح لانه تعليق الامر بمجرد الخيرة وذلك يناقض معنى الالتزام (فان قلت) إذا لم يصح يبطل الالتزام من أصله أو يلغوا الشرط ويصح الالتزام (فالجواب) ان صاحب التهذيب حكم بعدم انعقاد النذر علي قولنا لا يصح شرط الخروج في الصوم والصلاة وروي الامام وجهين في صورة تقارب هذه وهى مااذا نذر اعتكافا متتابعا وشرط الخروج(6/523)
مهما اراد قال هذا ضد التتابع فكأنه التزم التتابع ثم نفاه ففى وجه يبطل الالتزام التتابع وفى وجه يلزم التتابع ويبطل الاستثناء وشبه ذلك بشرائط فاسدة تقرن بالوقوف فانا في مسلك يبطل الشرط وينفذ الوقف من أصله وفى مسلك يبطل الوقف من اصله والله أعلم * قال {ثم الزمان المصروف إلى غرض المستثني يجب قضاؤه الا أن يعين الشهر فيحمل استثناؤه على نقصان الوقت لا علي قطع التتابع فقط} * إذا شرط الخروج لغرض وصححناه فخرج لذلك الغرض هل يجب تدارك(6/524)
الزمان المصروف إليه ينظر ان نذر مدة غير معينة كشهر مطلق أو عشرة مطلقة فيجب التدارك ليتم المدة المنذورة وتكون فائدة الشرط تنزيل ذلك الغرض منزلة قضاء الحاجة في ان التتابع لا ينقطع به وان عين المدة فنذر اعتكاف هذه العشرة أو شهر رمضان فلا يجب التدارك لانه لم ينذر الا اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة وقوله في الكتاب الا ان يعين الشهر لا يخفى ان ذكر الشهر جرى علي سبيل ضرب المثال للمدة المعينة وقوله فيحمل استثناؤه علي نقصان الوقت لا علي قطع التتابع فقط معناه لا علي نفى قطع التتابع فحذف المضاف وهو النفى هذا لابد منه وهو مبين في(6/525)
الوسيط ثم الكلام بعد ذلك يحتمل من حيث اللفظ محملين (أحدهما) ان الاستثناء محمول فيما إذا كانت المدة مطلقة علي نفي قطع التتابع فقط إذ لا ضرورة إلى حمله علي نقصان المدة كما سبق وهو يقول إذا كانت المدة معينة يحمل الاستثناء علي نقصان الوقت لا على ما حمل عليه عند الاطلاق وهو نفى قطع التتابع فقط (والثاني) أن يقال أراد به أنه لا يحمل عند التعيين علي نفى قطع التتابع فقط بل عليه وعلى نقصان الوقت والوجه حمله علي الاول لان الثاني يقتضى إفادته نفى قطع التتابع وانما يفيده ان لو كان(6/526)
التتابع مرعيا فيه ليقع الاستثناء صائنا له عن الانقطاع وقد قدمناه أن التتابع غير مرعى عند تعين الزمان نعم لو فرض التعرض للتتابع مع تعيين الزمان وفرعنا علي ان التتابع حينئذ يكون مرعيا فينتظم المحمل الثاني ايضا والله أعلم * قال {الفصل الثالث في قواطع التتابع وهى انقطاع شروط الاعتكاف والخروج بكل البدن عن كل المسجد بغير عذر فلو أخرج رأسه أو رجله لم يضر ولو أذن علي المنارة وبابها في المسجد لم يضر وان كان(6/527)
بابها خارج المسجد وهي ملتصقة بحريم المسجد فثلاثة أوجه يفرق في الثالث بعذر المؤذن الراتب دون غيره} * الفصل معقود لبيان ما يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع ويحوج الي الاستئناف وهو فيما ذكره
حجة الاسلام رحمه الله أمران (احدهما) انقطاع شروط الاعتكاف والمفهوم من شروط الاعتكاف الامور التي لا بد منها فيه ككف النفس عن الجماع وعن مقدماته في قول لكن فيه كلامان (احدهما)(6/528)
انه غير مجرى علي اطلاقه لان من شروط الاعتكاف النقاء عن الحيض والجنابة ومعلوم ان انقطاع هذا الشرط بعروض الحيض والاحتلام لا يقطع التتابع (والثاني) ان اللبث في المسجد من الامور التي لا بد منها في الاعتكاف وإذا خرج من المسجد انقطع هذا الشرط فإذا الخروج من المسجد داخل في انقطاع شروط الاعتكاف وقضية العطف ألا يدخل أحدهما في الآخر (الامر الثاني) الخروج بكل البدن عن كل المسجد بغير عذر وفيه ثلاثة قيود (أحدها) كون الخروج بكل البدن(6/529)
والقصد به الاحتراز عما إذا أخرج يده أو رأسه فلا يبطل اعتكافه * واحتجوا له بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يدنى رأسه إلى عائشة رضى الله عنها فترجله وهو معتكف وهو في المسجد " ولو اخرج احدى رجليه أو كليهما وهو قاعد ماد لهما فكذلك وان اعتمد عليهما فهو خارج (الثاني) كون الخروج عن كل المسجد والقصد به الاحتراز عما إذا صعد المنارة للاذان وللمنارة حالتان (إحداهما) أن يكون بابها في المسجد أو في رحبته المتصلة به فلا بأس بصعودها للاذان وغيره كصعود سطح المسجد ودخول بيت منه ولا فرق بين أن يكون في نفس المسجد أو الرحبة وبين أن تكون خارجة عن سمت البناء وتربيعه وأبدى الامام رحمه الله احتمالا فيما إذا كانت خارجة عن عن السمت قال لانها حينئذ لا تعد من المسجد ولا يصح الاعتكاف فيها وكلام الائمة ينازع فيما وجه به الاحتمال (والثانية) أن لا يكون بابها في المسجد ولا في رحبته المتصلة به فهل يبطل اعتكاف المؤذن الراتب بصعودها للاذان فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه لا ضرورة إليه لامكان الاذان علي سطح المسجد فصار كما لو صعدها لغير الاذان أو خرج إلي الامير أو غيره ليعلمه بالصلاة (والثانى) لا لمعنيين (أحدهما) انها مبنية للمسجد معدودة من توابعه (والثاني) انه قد اعتاد صعودها للاذان والناس استأنسوا بصوته فيعذر فيه ويجعل زمان الاذان مستثنى عن اعتكافه وهذا أوضح المعنيين(6/530)
لان المنارة وإن كانت معدودة من توابع المسجد فهو إلى أن يصل إليها منفصل عن المسجد ولو خرج إليها غير المؤذن الراتب للاذان رتب حكمه علي الراتب ان أبطلنا اعتكافه به فههنا أولى وإلا فيبنى علي المعنيين (ان قلنا) بالثاني بطل (وان قلنا) بالاول فلا وإذا تركت الترتيب أطلقت ثلاثة أوجه كما في الكتاب (الثالث) الفرق بين الراتب وغيره قال صاحب التهذيب وغيره وهو الاصح (وقوله) ولو أذن علي المنارة التصوير في التأذين ينبه علي أن الخروج إليها وهى خارجة عن المسجد لغير الاذان لا يجوز بحال لكنها إذا كانت في المسجد فلا فرق بين أن يصعدها للاذان أو غيره (وقوله) وان كان بابها خارج المسجد وهى ملتصقة بحريم المسجد ففيه ثلاثة أوجه يشعر بتقييد الخلاف بما إذا كانت ملتصقة بحريم المسجد وفنائه لكن الاكثرين لم يشترطوا في صورة الخلاف سوى أن يكون بابها خارج المسجد كما قدمناه وأورد أبو القاسم الكرخي الخلاف فيما إذا كانت في رحبة منفصلة عن المسجد بينها وبين المسجد طريق (واعلم) انه لو اقتصر في الضابط المذكور علي الخروج عن المسجد وحذف لفظتي الكل لكان الغرض حاصلا فان من اخرج بعض بدنه لا يسمي خارجا ألا ترى انه لو حلف أن لا يخرج من الدار فأخرج رأسه أو رجليه غير معتمد عليهما لم يحنث وكذا لا يقال خرج من المسجد الا إذا انفصل عن كله * قال {وأما العذر فعلى مراتب (الاولي) الخروج لقضاء الحاجة وهو لا يضر ولا يجب قضاء تلك الاوقات ولا تجديد النية عند العود ولا فرق بين قرب الدار وبعدها (و) وبين أن يكثر الخروج (و) لقضاء الحاجة أو يقل ولا بأس بعيادة المريض في الطريق من غير تعريج ولا بأس بصلاة الجنازة من غير أزورار عن الطريق وكذا كل وقفة في حد صلاة الجنازة ولو جامع في وقت قضاء الحاجة انقطع التتابع (و) } * القيد الثالث كون الخروج بغير عذر وقد رتب العذر علي مراتب (احداها) الخروج لقضاء الحاجة فهو(6/531)
محتمل روى عن عائشة رضي الله عنها " ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف لا يدخل البيت
الا لحاجة الانسان " وفى معناه الخروج للاغتسال عند الاحتلام وقد تقدم ذكره وهل يجوز الخروج للاكل فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج لا لان الاكل في المسجد ممكن (والثاني) وبه قال أبو إسحق نعم لانه قد يستحيى منه ويشق عليه والاول أظهر عند الامام وصاحب التهذيب (والثاني) أظهر عند الاكثرين وحكاه الرويانى عن نصه في الاملاء وفى عبارة المختصر ما يدل عليه ولو عطش ولم يجد الماء في المسجد فهو معذور في الخروج وان وجده فهل له الخروج للشرب فيه وجهان (أصحهما) لا فانه لا يستحى منه ولا يعد تركه من المروءة بخلاف الاكل وقد اطلق في التنبيه القول بأن الخروج للاكل والشرب لا يضر والوجه تأويله ثم في الفصل مسائل (احداها) أوقات الخروج لقضاء الحاجة لا يجب تداركها وله مأخذان (أحدهما) ان الاعتكاف مستمر في اوقات الخروج لقضاء الحاجة ولذلك لو جامع في ذلك الوقت بطل اعتكافه علي الصحيح (والثانى) ان زمان الخروج لقضاء الحاجة جعل كالمستثنى لفظا عن المدة المنذورة لانه لا بد منه وإذا فرغ وعاد لم يحتج الي تجديد النية (اما) علي المأخذ الاول فظاهر (واما) علي الثاني فلان اشتراط التتابع في الابتداء رابطة تجمع ما سوى تلك الاوقات ومنهم من قال ان طال الزمان ففى لزوم التجديد وجهان كما لو أراد البناء علي الوضوء بعد التفريق الكثير ويجوز أن يعلم لهذا قوله ولا يجب تجديد النية بالواو فانه اطلق الكلام اطلاقا (الثانية) لو كان في المسجد سقاية لم يكلف قضاء الحاجة فيها لما فيه من المشقة وسقوط المروءة وكذا لو كان في جوار المسجد صديق له وأمكنه دخول داره فان فيه مع ذلك قبول منة بل له الخروج الي داره ان كانت قريبة أو بعيدة غير متفاحشة البعد فان تفاحش بعدها ففيه وجهان (أحدهما) يجوز ايضا لما سبق ولفظ الكتاب يوافق هذا الوجه لاطلاقه القول بأنه لا فرق بين قرب الدار وبعدها (والثانى) المنع لانه قد يأتيه البول إلى أن يرجع فيبقي طول يومه في الذهاب والمجئ الا أن لا يجد في الطريق موضعا للفراغ أو كان لا يليق بحاله ان يدخل لقضاء الحاجة غير داره ونقل(6/532)
الامام فيما إذا كثر خروجه لعارض يقآتضيه الوجهين أيضا وقال من أئمتنا من نظر الي جنس قضاء الحاجة ومنهم من خصص عدم تأثيره بما إذا قرب الزمان وقصر وبالاول اجاب صاحب الكتاب وهو قضية
اطلاق المعظم لكن فيما إذا تفاحش البعد وجه المنع اظهر عند أئمتنا العراقيين وذكر الروياني في التجربة انه المذهب ولو كانت له داران كل واحدة منهما بحيث يجوز الخروج إليها لو انفردت واحداهما أقرب ففى جواز الخروج الي الاخرى وجهان (احدهما) وبه قال ابن ابى هريرة يجوز كما لو أنفردت (واصحهما) لا يجوز للاستغناء عنه ولا يشترط لجواز الخروج أرهاق الطبيعة وشدة الحاجة وإذا خرج لم يكلف الاسراع بل يمشي علي سجيته المعهودة (الثالثة) لا يجوز الخروج لعيادة المريض ولا لصلاة الجنازة ولو خرج لقضاء الحاجة فعاد في الطريق مريضا نظر ان لم يقف ولا ازور عن الطريق بل اقتصر على السلام والسؤال فلا بأس وان وقف وأطال بطل اعتكافه وان لم يطل ففيه وجهان منقولان في التتمة والعدة والاصح انه لا بأس به وادعي الامام اجماع الاصحاب عليه ولو ازور عن الطريق قليلا فعاده فقد جعلاه علي هذين الوجهين والاصح المنع لما فيه من انشاء سير لغير قضاء الحاجة وقد روى " انه صلى الله عليه وسلم كان لا يسأل علي المريض الا مارا في اعتكافه ولا يعرج عليه " وإذا كان المريض في بيت من الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة فالعدول لعيادته قليل وان كان في دار أخرى فكثير ولو خرج لقضاء الحاجة فصلى في الطريق علي جنازة فلا بأس إذا لم ينتظرها ولا ازور عن الطريق وحكى صاحب التتمة فيه الوجهين لان في صلاة الجنازة يفتقر إلى الوقفة وقال في التهذيب ان كانت متعينة فلا بأس والا فوجهان والاظهر (الاول) وجعل الامام قدر صلاة الجنازة حد الوقفة اليسيرة وتابعه المصنف واحتملاه لجميع والاغراض (منها) ان يأكل لقما إذا فرعنا علي انه لا يجوز الخروج للاكل لكن لو جامع في مروره بان كان في هودج أو فرض ذلك في وقفة يسيرة ففى بطلان اعتكافه وجهان (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه يبطل اما إذا قلنا باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء الحاجة فظاهر واما إذا لم نقل به فلان الجماع عظيم الوقع فالاشتغال به أشد اعراضا عن العبادة من اطالة الوفقة(6/533)
في عيادة مريض (والثاني) انه لا يبطل لانه غير معتكف في تلك الحالة ولم يصرف إليه زمانا وإذا فرغ من قضاء الحاجة واستنجى لم يلزمه نقل الوضوء إلى المسجد بل يقع ذلك تابعا بخلاف مااذا احتاج الي الوضوء من غير قضاء الحاجة كما لو قام من النوم لا يجوز له الخروج ليتوضأ في اظهر الوجهين إذا
أمكن الوضوء في المسجد واذ وقفت علي ما ذكرنا اعلمت قوله من غير تعريج بالواو والتعريج هو الوقوف وكذا قوله ولا بأس بصلاة الجنازة وقوله وكذا كل وقفة وقوله في مسألة الجماع انقطع التتابع * قال {الرتبة الثانية الخروج بعذر الحيض غير قاطع للتتابع الا أن قصرت مدة الاعتكاف وامكن إيداعها في أيام الطهر ففيه وجهان} * إذا حاضت المعتكفة لزمها الخروج وهل ينقطع تتابع اعتكافها ان كانت المدة المنذورة طويلة لا تخلو عن الحيض غالبا فلا ينقطع بل تبني إذا طهرت كما لو حاضت في صوم الشهرين عن الكفارة وان كانت بحيث تخلو عن الحيض فقد قال الامام وصاحب الكتاب فيه وجهان وقال آخرون قولان (احدهما) انه لا ينقطع به التتابع لان جنس الحيض متكرر بالجبلة فلا يؤثر في التتابع كقضاء الحاجة (وأظهرهما) ينقطع لانها بسبيل من أن تشرع كما طهرت وتودع الاعتكاف زمان الطهر واستبعد بعض الشارحين عبارة الوجهين من صاحب الكتاب لانه ذكر في صورة الرتبة الثالثة قولين مرتبين علي الحيض ولا ينتظم ترتيب القولين علي الوجهين ولا شك انه لو اطلق عبارة القولين لكان أحسن لكن ينبغي ان يعلم ان الامر فيه هين من جهة المعني من وجهين (احدهما) أن الذى يستحق الاستبعاد ترتيب القولين المنصوصين علي وجهي الاصحاب والقولان في تلك الصورة ليسا منصوصين بل هما حاصلان من تصرف الاصحاب كما ستعرفه والوجهان في الحيض ليسا علي معنى افتراق الاصحاب واختلافهم وانما هما مأخوذان من القولين في انه هل يبطل التتابع بالحيض في صوم كفارة اليمين إذا شرطنا(6/534)
فيه التتابع ومثل هذا الخلاف قد يسمي قولا وقد يسمى وجها فالحاصل ترتيب قولين من تصرف الاصحاب علي قولين مثلهما (والثانى) ان الذى يستبعد هو بناء القولين على الوجهين فان المبنى عليه ينبغى أن يكون أقدم من المبنى أما الترتيب فلا يعنى به الا أن أحد طرفي الخلاف في صورة اولي منه في صورة أخرى ولابعد في أن يكون قول الانقطاع في تلك الصورة أولي من وجه الانقطاع في صورة الحيض والمذكور في الكتاب هو الترتيب دون البناء * قال {الرتبة الثالثة الخروج بالمرض أو بالنسيان أو بالاكراه أو لاداء شهادة متعينة أو تمكين
من حد أو عدة ففيه قولان مرتبان علي الحيض وأولي بان ينقطع التتابع} * في هذه الرتبة صور (إحداها) المرض العارض للمعتكف علي ثلاثة أضرب (أحدها) المرض الخفيف الذى لا يشق معه المقام في المسجد كالصداع والحمي الخفيفة فلا يجوز الخروج من المسجد ولو خرج انقطع التتابع (الثاني) المرض الذى يشق معه المقام في المسجد لحاجته إلى الفراش والخادم(6/535)
وتردد الطبيب يبيح الخروج وإذا خرج فهل ينقطع التتابع فيه قولان (أظهرهما) لا لدعاء الحاجة إليه كالخروج لقضاء الحاجة (والثانى) نعم لان المرض لا يغلب عروضه بخلاف قضاء الحاجة والحيض فانه يتكرر غالبا فيجعل كالمستثنى لفظا والقول الاول منصوص عليه في المختصر والثانى مخرج خرجوه من أحد القولين في أن المرض يقطع تتابع الصوم في الكفارة (الثالث) المرض الذى يخاف منه تلويث المسجد كانطلاق البطن وادرار البول والجرح السائل فالمشهور ان الخروج له لا يقطع التتابع لاضطراره إليه كالخروج للحيض وحكى الامام عن بعض الاصحاب طرد القولين فيه وإذا تأملت ذلك عرفت ان لفظ الكتاب وإن كان مطلقا في حكاية الخلاف فالضرب الاول غير مراد منه والثاني مراد وفى الثالث الطريقان فهو على المشهور غير مراد أيضا (الثانية) لو خرج ناسيا هل ينقطع تتابعه فيه وجهان (أحدهما) نعم لان اللبس مأمور به والنسيان ليس بعذر في ترك المأمورات (وأصحهما) لا كما لا ينقطع(6/536)
بالجماع ناسيا وكما لا يبطل الصوم بالاكل والجماع ناسيا واقتصر كثير من الائمة على ايراد هذا الثاني ومن أورد خلافا عبر عنه بالوجهين ولفظ القولين في هذه الصورة محمول علي ان الخلاف مخرج من الخلاف في المرض ومثل ذلك قد يسمي قولا علي ما سبق وفى عبارة الامام ما يبين ذلك فان قلنا بالوجه الثاني فذلك فيما إذا تذكر علي القرب أما إذا طال الزمان فقد قال في التتمة فيه وجهان كالوجهين في بطلان الصوم بالاكل الكثير ناسيا (الثالثة) لو اكره حتي خرج ففيه قولان كالقولين فيما لو أكره وهو صائم والذى أجاب به الجمهور أنه لا ينقطع التتابع ولو أخرجه السلطان ظلما في مصادرة وغيرها أو خاف من ظالم فخرج واستتر فعلي القولين لانه لم يخرج بداعية نفسه ولو أخرج لحق توجه عليه وهو يماطل
به بطل اعتكافه لان التقصير منه ولو أخرج لاقامة حد عليه فسيأتي ولو حمل فأخرج لم يبطل اعتكافه كما لو أوجر الصائم الطعام لا يبطل صومه ورأى الامام تخريجه على الخلاف لحصول المفارقة(6/537)
عن المسجد بعارض غير غالب (الرابعة) إذا دعى لاداء شهادة فخرج لها نظر ان لم يكن متعينا لادائها انقطع تتابع اعتكافه سواء كان متعينا عند التحمل أو لم يكن لانه ليس له الخروج والحالة هذه لحصول الاستغناء عنه وان كان متعينا لم يخل اما ان يكون متبرعا عند التحمل أو يكون متعينا فان كان متبرعا فقد نص في المختصر علي انه ينقطع اعتكافه وفى المرأة إذا خرجت للعدة أنه لا ينقطع بل تبني واختلف الاصحاب علي طريقين (أحدهما) وبه قال ابن سريج انهما على قولين بالنقل والتخريج ولا يخفى توجيههما مما سبق في الصور وبعضهم يطلق في المسألة وجهين بدلا عن القولين (والثاني) وبه قال ابو اسحق تقرير النصين والفرق ان التحمل انما يكون للاداء فإذا تحمل باختياره فقد ألجأ نفسه الي الاداء والنكاح لا يتأثر للعدة علي أن المرأة الي النكاح أحوح منه إلى التحمل لتعلق مصالحها به وظاهر المذهب في كل واحدة من الصورتين ما نص عليه وان كان متعينا عند التحمل ايضا فهو مرتب على ما إذا لم يكن متعينا (ان قلنا) لا ينقطع ثم فههنا أولي وان قلنا ينقطع فههنا وجهان والفرق أنه لم يتحمل بداعيته واختياره (الخامسة) لو أخرج لاقامة حد عليه نظر ان ثبت باقراره انقطع اعتكافه وان ثبت ببينة فحاصل ما ذكره الائمة فيه طريقان كالطريقين فيما لو خرج لاداء الشهادة الا أن المنقول عن النص ههنا انه لا ينقطع واقتصر علي الجواب عليه كثير من أئمتنا العراقيين والفرق بينه وبين مسألة الشهادة أن الشهادة انما تتحمل لتؤدى فاختياره للتحمل اختيار للاداء والجريمة الموجبة للحد لا يرتكبها المجرم ليقام عليه الحد فلم يجعل اختياره للسبب اختيارا له (السادسة) لو لزم المعتكفة في خلال اعتكافها(6/538)
عدة بطلاق أو وفاة فعليها الخروج لتعتد في مسكنها وإذا خرحت فيبطل اعتكافها أم تبنى بعد انقضاء العدة فيه الطريقان المذكوران في مسألة الشهادة والاصح البناء وان كان اعتكافها باذن الزوج وقد عين مدة فهل يلزمها العود الي المسكن عند الطلاق أو الوفاة قبل استكمالها فيه قولان يذكران في العدة (فان قلنا)
لا فخرجت بطل اعتكافها بلا خلاف هذا بيان الصور التى نظمها في سلك الواحد ويجوز أن يعلم قوله فقولان بالواو لانه أجاب فيهما جميعا علي طريقة طرد الخلاف وفى الصور الثلات الاخيرة طريقة نافية للخلاف علي ما بيناها (وأما) ما ذكر من ترتيب الخلاف في هذه الصورة على الخلاف في الحيض وأولوية الانقطاع فوجهه ان الحيض متكرر بحكم الجبلة شبيه بقضاء الحاجة وهذه الامور عارضة لا تنتظم ورتب الامام مع ذلك بعض هذه الصور(6/539)
علي بعض فجعل صورة الشهادة مرتبة علي المرض وهي أولي بالانقطاع لسبق التحمل منه وصورة الاخراج للحد مرتبة على الشهادة وهي أولي بالانقطاع لكون السبب الجالب للاخراج معصية والله أعلم ويقرب من هذه المسائل صورتان (إحداهما) يجب الخروج لصلاة الجمعة وإذا خرج هل يبطل اعتكافه فيه قولان ويقال وجهان (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة لا لانه لا بد من ذلك كقضاء الحاجة (وأصحهما) وبه قال مالك نعم لسهولة الاحتزار عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع وعلي هذا لو كان اعتكافه المنذور أقل من اسبوع ابتدأ من أول الاسبوع أين شاء من المساجد أو في الجامع متي شاء وإن كان أكثر من اسبوع فيجب أن يبتدئ به في الجامع حتي لا يحتاج الي الخروج للجمعة فان كان قد عين غير الجامع وقلنا بالتعين فلا يخرج عن نذره الا ان يمرض فتسقط عنه الجمعة أو بأن(6/540)
يتركها عاصيا ويدوم علي اعتكافه (الثانيه) إذا احرم المعتكف نظر ان أمكنه اتمام الاعتكاف ثم الخروج لزمه ذلك وان خاف فوت الحج خرج الي الحج وبطل اعتكافه فإذا فرغ استأنف ووجهه بين * قال {ثم مهما لم ينقطع فعليه قضاء الاوقات المصروفة الي هذه الاعذار وفي لزوم تجديد النية عند العود خلاف} * كل ما يقطع التتابع يحوج إلى الاستئناف بنية مجددة وكل عذر لم نجعله قاطعا فكما فرغ منه يجب عليه أن يعود ويبني فلو أخر انقطع التتابع وتعذر البناء ولا بد من قضاء الاوقات المصروفة إلى ما عدا قضاء الحاجة من الاعذار فانه غير معتكف فيها وانما لم يجب قضاء أوقات قضاء الحاجة لما قدمناه وهل يجب تجديد النية عند العود (أما) إذا خرج لقضاء حاجة فقد مر وفى معناه مالا بد(6/541)
منه كالخروج للاغتسال والحق به الاذان إذا جوزنا الخروج له واما مامنه بد ففيه وجهان (احدهما) انه يجب لانه خرج عن العبادة بما عرض (وأظهرهما) لا لشمول النية جميع المدة وأجرى الشيخ ابو علي الخلاف فيما إذا خرج لغرض استثناه ثم عاد ولو عين مدة ولم يتعرض للتتابع ثم جامع أو خرج من غير عذر فاسد اعتكافه ثم عاد ليتم الباقي فقد اجرى الخلاف في وجوب التجديد قال الامام لكن المذهب ههنا وجوب التجديد لان هذه عبادة مستقلة منفصلة عما مضى فان خطر ببالك ان القول في تجديد النية قد تعرض له ههنا وفى ركن النية وذكره في الرتبة الاولى ايضا وتوهمت في كلامه تكرارا فنذكر ما بينا انه أراد بما ذكره في ركن النية الكلام في الاعتكاف المتطوع به واعرف أن المذكور ههنا مخصوص بأعذار الرتبة الثالثة في الاعتكاف المنذور بشرط التتابع والمذكور في الرتبة الاولى مخصوص بقضاء الحاجة في هذا النوع من الاعتكاف فإذا لا تكرار نعم لو ذكرها مجموعة في موضع واحد لاستفاد به اختصارا وكان الذهن أضبط لها والله اعلم *(6/542)
فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 7
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 7(7/)
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء السابع دار الفكر(7/1)
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحج قال (ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة والنظر في المقدمات والمقاصد واللواحق القسم الاول في المقدمات وهى الشرائط والمواقيت)(7/2)
قال الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " (نبي الاسلام على خمس) " الحديث ولا يجب الحج بأصل الشرع في العمر إلا مرة واحدة لما روى(7/3)
عن ابن عباس رضى الله عنه قال (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فقام الاقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فتطوع " وقد يجب أكثر من مرة واحدة بعارض كالنذر والقضاء(7/4)
وكما أنا نوجب على قول الاحرام بحج أو عمرة لدخول مكة على ما سيأتي وليس من العوارض الموجبة الردة والاسلام بعدها فمن حج ثم ارتد ثم عاد إلى الاسلام لم يلزمه الحج خلافا لابي حنيفة ومأخذ الخلاف ان الردة عنده محبطة للعمل وعندنا انما تحبطه بشرط أن يموت عليها قال الله تعالى (ومن
يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) الآية وساعد أحمد أبا حنيفة رحمه الله في المسألة ولكن لا من جهة هذا المأخذ ثم ان المصنف حصر مقصود الكتاب في ثلاثة أقسام (أولها) المقدمات (وثانيها) المقاصد (وثالثها) اللواحق والخواتم وفي القسم الاول مقدمتان (إحداهما) في الشرائط والاخرى في المواقيت (واعلم) انه جعل الميقات على قسمين زماني ومكاني ولا شك أن الميقات الزماني من شرائط صحة الحج فالوجه حمل الشرائط وإن أطلقها على ما سوى الوقت لئلا يدخل شئ من احدى المقدمتين في الاخرى والله أعلم(7/5)
قال (القول في الشرائط: ولا يشترط لصحة الحج الا الاسلام إذ يجوز للولي أن يحرم (ح) عن الصبى ويحج به ولا يشترط لصحة المباشرة الا الاسلام والتميز فان المميز لو حج باذن الولي جاز وكذا العبد ولا يشترط لوقوعه عن حجة الاسلام الا الاسلام والحرية والتكليف ويشترط لوجوب حج الاسلام هذه الشرائط مع الاسستطاعة) * الشخص اما أن يجب عليه الحج أو لا يجب ومن يجب عليه اما يجزئه المأتي به عن حجة الاسلام حتى لا يجب عليه بعد ذلك بحال أو لا يجزئه ومن لا يجزئه أما أن تصح مباشرته للحج أو لا تصح ومن لا تصح مباشرته إما أن يصح له الحج أو لا يصح فههنا أربعة أحكام (احدها) مطلق صحة الحج له (وثانيها) صحته له مباشرة (وثالثها) وقوعه عن حجة الاسلام (ورابعها) وجوب حجة الاسلام وشروط هذه الاحكام مختلفة (أما) الصحة المطلقة فلها شرط واحد وهو الاسلام فلا يصح الحج للكافر كالصوم والصلاة وغيرهما ولا يشترط فيها التكليف بل يجوز للولي ان يحرم عن الصبي الذي لا يميز وعن المجنون واعلم قوله إذ يجوز للولي بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يجوزه وكذا قوله الا الاسلام لانه لا يصح الحج للصبى وسيأتي جميع ذلك في الفصل الحادي عشر من باب أعمال الحج (وأما) صحة(7/6)
المباشرة فلها شرط زائد على الاسلام وهو التمييز فلا يصح مباشرة المجنون والصبي الذي لا يميز كسائر العبادات ويصح من الصبي المميز ان يحرم ويحج ثم القول في أنه يستقل به أو يفتقر
إلى إذن الولي موضعه الفصل المحال عليه (وقوله) باذن الولي هذا التقييد دخيل في هذا الموضع فان المقصود ههنا صحة مباشرته في الجملة ولا يشترط فيها الحرية بل يصح من العبد مباشرة الحج كسائر العبادات (وأما) وقوعه عن حجة الاسلام فله شرطان زائدان (أحدهما) البلوغ (والثاني) الحرية والدليل على إعتبارهما(7/7)
ما روي انه صلى الله عليه وسلم قال " أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الاسلام وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الاسلام " والمعني فيه أن الحج عبادة عمر لا تتكرر فاعتبر وقوعها في حال الكمال وإذا جمعت شرائط هذا الحكم قلت هي أربع (الاسلام) (والتمييز) (والبلوغ) (والحرية) فان اختصرت قلت هي ثلاث (الاسلام) (والتكليف) (والحرية) على ما ذكر في الكتاب ولو تكلف الفقير الحج وقع حجه عن(7/8)
الفرض كما لو تحمل الغني خطر الطريق وحج وكما لو تحمل المريض المشقة وحضر الجمعة (واما) وجوب حجة الاسلام فيعتبر فيه هذه الشرائط فلا يخاطب بالحج كافر في كفره ولا عبد ولا صبي ولا مجنون وله شرط زائد وهو الاستطاعة قال الله تعالى (من استطاع إليه سبيلا) وكلام الكتاب من هذا الموضع إلى رأس المقدمة الثانية في المواقيت يتعلق بهذا الشرط * قال (والاستطاعة نوعان (الاول) المباشرة والقدرة عليها تتعلق بالزاد والراحلة والطريق والبدن (أما) الراحلة فلا بد منها ولا يجب (ح م) الحج على القوى على المشي الا فيما دون مسافة القصر ولا على من لم يستمسك على الراحلة ما لم يجد محملا أو شق محمل مع شريك فان لم يجد الشريك لم يلزمه) * استطاعة الحج نوعان استطاعة مباشرته بنفسه واستطاعة تحصيله بغيره (النوع الاول) استطاعة(7/9)
المباشرة وتتعلق بامور أربعة (أحدها) الراحلة والناس قسمان (احدهما) من بينه وبين مكة مسافة القصر فلا يلزمه الحج الا إذا وجد راحلة سواء كان قادرا على المشي أو لم يكن لكن القادر على المشي يستحب له أن لا يترك الحج وفي كون الحج راكبا أو ماشيا افضل اختلاف قول قد تعرض له صاحب الكتاب في النذور وقال مالك القادر على المشي يحج ماشيا * لنا ما روي " انه سئل رسول الله
صلي الله عليه وسلم عن تفسير السبيل فقال زاد وراحلة " إذا عرف ذلك فينظر إن كان يستمسك على(7/10)
الراحلة من غير محمل ولا يلحقه ضرر ولا مشقة شديدة فلا يعتبر في حقه الا وجدان الراحلة وإلا فيعتبر مع وجدان الراحلة وجدان المحمل أيضا قال في الشاملي وعلى هذا لو كان يلحقه مشقة غليظة في ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة وذكر المحاملي وغيره من العراقيين ان في حق المرأة يعتبر المحمل واطلقوا القول فيه لانه استر لها وأليق بحالها ثم العادة جارية بركوب اثنين في المحمل فان وجد مؤنة محمل أو شق محمل ووجد شريكا يجلس في الجانب الآخر لزمه الحج وان لم يجد الشريك فلا (أما) إذا لم يجد إلا مؤنة الشق فظاهر وأما إذا وجد مؤنة المحمل بتمامه فقد علله في الوسيط بأن بذل الزيادة خسران لا مقابل له أي هو مؤنه مجحفة يعسر احتمالها وكان لا يبعد تخريجه على الخلاف في لزوم اجرة البذرقة وفي كلام الامام اشارة إليه (وانقسم الثاني) من ليس بينه وبين مكة مسافة القصر بان كان من أهل مكة أو كان بينه وبينها دون مسافة القصر فان كان قويا على المشي لزمه الحج ولم يعتبر في حقه وجدان الراحلة وان كان ضعيفا لا يقوى على المشى أو يناله(7/11)
منه الضرر ظاهر فلا بد من الراحلة ومن المحمل ايضا ان لم يمكنه الركوب دونه كما حق البعيد ووجدت لبعض المتأخرين من أئمة طبرستان تخريج وجه في أن القريب كالبعيد مطلقا والمشهور الفرق ولا يؤمر بالزحف بحال وإن امكن وحيث اعتبرنا وجدان الراحة والمحمل فالمراد منه أن يملكهما أو يتمكن من تحصيلهما ملكا واستئجارا بثمن المثل أو أجرة المثل (واعلم) انه يشترط أن يكون ما يصرفه إلي الراحلة مع المحمل أو دونه فاضلا عما يشترط كون الزاد فاضلا عنه وسيأتي ذلك (وقوله) أما الراحلة فلا بد منها قد عرفت انه غير مجرى على اطلاقه لوجوب الحج على القريب المتمكن من المشي (وقوله) ولا على من لا يستمسك على الراحلة أي من غير محمل ونحوه لا مطلقا بخلاف قوله بعد هذا أما البدن فلا يعتبر فيه الا قوة يستمسك بها على الراحلة فان المراد هناك الاستمساك عليها مطلقا (وقوله) ما لم يجد محملا أو شق محمل مع شريك الوجه صرف قوله مع شريك إلى حالتي وجدان المحمل
ووجدان الشق لانه لو خصص بما إذا وجد الشق لكان ذلك حكما باللزوم فيما إذا وجد مؤنة المحمل مطلقا وهو خلاف ما نقلناه في الوسيط * قال (وأما الزاد فهو أن يملك ما يبلغه إلى الحج فاضلا عن حاجته أعني به المسكن والعبد الذي يخدمه ودست ثوبه ونفقة أهله إلى الاياب فان لم يكن له أهل ولا مسكن ففي اشتراط نفقة الاياب إلى الموطن وجهان ولو احتاج إلى نكاح لخوف العنت فصرف المال إليه أهم وفي صرف رأس ماله الذى لا يقدر على التجارة الا به إلى الحج وجهان ومن لا نفقة معه في الطريق وقدر على الكسب لم يلزمه الخروج للمشقة في الجمع بين الكسب والسفر) *(7/12)
المتعلق الثاني الزاد ويشترط لوجوب الحج أن يجد الزاد وأوعيته وما يحتاج إليه في السفر إن كان له اهل وعشيرة فمدة ذهابه وإيابه إلى بلده وإن لم يكونوا ففى اشتراطه لمدة الاياب وجهان (احدهما) لا يشترط لان البلاد في حق مثل هذا الشخص متقاربة (واصحهما) انه يشترط لما في الغربة من الوحشة ولنزاع النفوس إلى الاوطان ويجرى الوجهان في اعتبار الراحلة للاياب وهل يخصص الوجهان بما إذا لم يملك ببلدته مسكنا أم لا أبدى الامام رحمه الله فيه احتمالين ورأى الاظهر التخصيص وأغرب أبو عبد الله الحناطى فنقل وجها في ان مدة الاياب لا تعتبر في حق ذى الاهل والعشيرة ايضا ثم في الفصل مسائل (احداها) يشترط أن يكون الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة من تلزمه نفقتهم وكسوتهم مدة ذهابه ورجوعه (الثانية) في اشتراط كونهما فاضلين عن المسكن والعبد لمن يحتاج إلى خدمته لزمانته أو لمنصبه وجهان (أظهرهما) عند الاكثرين وهو المذكور في الكتاب الاشتراط فيبقى عليه مسكنه وعبده كما يبقيان عليه في الكفارة ولانه متعلق حاجته المهمة فأشبه دست ثوب يليق بمنصبه وعلى هذا لو كان معه نقد يريد صرفه اليهما مكن (والثانى) وبه قال مالك لا يشترط بل عليه بيع المسكن والخادم والاكتفاء بالاكتراء لان الاستطاعة مفسرة في الخبر بالزاد والراحلة وهو واجد لهما وهذا الوجه أصح عند صاحب التتمة وبه اجاب أبو القاسم الكرخي وحكاه عن نصه في الام ومن قال به فرق بين الحج والكفارة بان العتق في الكفارة له بدل معدول إليه والحج بخلافه وهذا الخلاف
كالخلاف في اعتبارهما في صدقة الفطر وقد مر (فان قلنا) بالوجه الاول فذلك فيما إذا كانت الدار مستغرقة بحاجته وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله فأما إذا امكن بيع بعض الدار وفي ثمنه بمؤنة الحج أو كان نفيسين لا يليقان بمثله ولو أبدلهما لو في التفاوت بمؤنة الحج لزمه ذلك هكذا أطلقوه ههنا لكن في لزوم بيع الدار والعبد النفيسين المألوفين في الكفارة وجهان وقد أوردهما في الكتاب ولا بد من عودهما والله أعلم (الثالثة) لو كان له رأس مال يتجر فيه وينفق من ربحه ولو نقص لبطلت(7/13)
تجارته أو كان له مستغلات ترتفع منها نفقته فهل يكلف بيعها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال أحمد وابن سريج لا واختاره القاضي أبو الطيب لئلا ينسلخ من ذات يده ولا يلتحق بالمساكين (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله نعم كما يكلف بيعها في الدين لانه فسر الاستطاعة في الخير بالزاد والراحلة وهو واجد لهما ويفارق العبد والمسكن لانه محتاج اليهما في الحال وليس كذلك ما نحن فيه وانما يتخذه ذخيرة للمستقبل (الرابعة) إذا ملك مالا فاضلا عن الوجوه المذكورة لكنه كان محتاجا إلى ان ينكح خائفا من العنت فصرف المال إلى مؤن النكاح أهم من صرفه إلى الحج هذه عبارة الجمهور وعللوه بأن حاجة النكاح ناجزة والحج على التراخي والاسبق إلى الفهم من التقديم الذى أطلقوه انه لا يجب الحج والحالة هذه فيصرف ما يملكه إلى مؤنات النكاح وقد صرح الامام بهذا المفهوم لكن كثيرا من العراقيين وغيرهم قالوا يجب الحج على من أراد التزويج لكن له أن يؤخره لوجوبه على التراخي ثم إن لم يخف العنت فتقديم الحج افضل وإن خافه فتقديم النكاح اولى (الخامسة) لو لم يجد ما لا يصرفه إلى الزاد لكنه كان كسوبا يكتسب ما يكفيه وقد أدخر لاهله النفقة فهل يلزمه الحج تعويلا على الكسب حكى الامام عن أصحابنا العراقيين انه إن كان السفر طويلا لم يلزمه ذلك لانه قد ينقطع عن الكسب لعارض وبتقدير أن لا ينقطع فالجمع بين تعب الكسب والسفر تعظم فيه المشقة وإن كان قصيرا نظر ان كان يكتسب في كل يوم ما يكفيه ولا يفضل عنه لم يلزمه لانه ينقطع عن كسبه في أيام الحج فيتضرر وإن كان كسبه في يوم يكفيه لايام لزمه الخروج قال الامام وفيه احتمال كما أن القدرة على الكسب(7/14)
في يوم الفطر لا تجعل كحصول الصاع في ملكه (وقوله) في الكتاب لم يلزمه الخروج معلم بالميم لان عند مالك يلزمه ذلك وهكذا قال فيمن أمكنه الحج بالسؤال في الطريق تم لفظ الكتاب مطلق وقضية ما نقلناه التقييد (وقوله) في أول الفصل وأما الزاد فهو أن يملك ما يبلغه إلى الحج فيه اضمار لان كونه مالكا لما يبلغه لا يصلح تفسيرا للزاد والمعنى أن القدرة على الزاد هي أن يملك ما يبلغه (وقوله) نفقه أهله إلى الاياب أي ان كان له أهل والمراد من الاهل ههنا من يلزمه نفقته لا غير وفى قوله فان لم يكن له أهل لا يمكن الحمل على هؤلاء فحسب إذ ليس ذلك موضع الوجهين وانما الوجهان فيما إذا لم يكن له عشيرة أصلا كذا ذكره الصيدلاني وغيره لانه يعظم على الانسان مفارقة العشائر فلا بد من اعتبار الاياب إذا كان الرجل ذا عشيرة قال الامام ولم يتعرض أحد من الاصحاب للمعارف والاصدقاء لان الاستبدال بهم متيسر (وقوله) ومسكن يشعر باعتبار فقدان المسكن في حصول الوجهين وهو جواب على أظهر الاحتمالين عند الامام كما مروا عرف في نظم الكتاب(7/15)
شيئين (أحدهما) أنه لم يصرح باعتبار كونه فاضلا عن نفقته في نفسه لكنه مفهوم من كلامه في مواضع (منها) اعتبار كونه فاضلا عن نفقة الاهل فانه يفهم اعتبار كونه فاضلا عن نفقته بطريق الاولى (ومنها) قوله ففى اشتراط نفقة الاياب وجهان ومعلوم أنه في نفقة نفسه لا في نفقة الاهل فانها مجزوم باشتراطها إلى الاياب (الثاني) أنه لم يعتبر كونه فاضلا عن الدين ولا بد منه أما إذا كان حالا فلانه ناجز والحج على التراخي وأما إذا كان مؤجلا فلانه إذا صرف ما معه إلى الحج فقد يحل الاجل ولا يجد ما يقضى به الدين وقد تخترمه المنية فتبقى ذمته مرتهنة وفيه وجه أن المدة ان كانت بحيث تقضى بعد رجوعه من الحج لزمه الحج ولو كان ماله دينا في ذمة انسان نظر ان تيسر تحصيله في الحال بان كان حالا ومن عليه ملئ مقر أو عليه بينة فهو كالحاصل في يده وان لم يتيسر بأن كان من عليه منكرا ولا بينة أو كان مؤجلا فهو كالمعدوم وقد يتوصل المحتال بهذا إلى دفع الحج فيبيع ماله نسيئة إذا قرب وقت الخروج فان المال انما يعتبر وقت خروج الناس *(7/16)
قال (وأما الطريق فشرطه أن يكون آمنا عما يخاف في النفس والبضع والمال فلو كان في الطريق بحر لزم الركوب على قول لغلبة السلامة ولم يلزم في قول للخطر ولزم على غير المستشعر في قول دون الجبان وإذا لم توجب فلو توسط البحر واستوت الجهات في التوجه إلى مكة والانصراف عنها ففى الوجوب الان وجهان واستطاعة المرأة كاستطاعة الرجل لكن إذا وجدت محرما أو نسوة (ح و) ثقات مع أمن الطريق ولو كان على المراصد من يطلب مالا لم يلزم الحج وفى لزوم اجرة البذرقة وجهان وإذا لم يخرج محرم المرأة الا بأجرة لزم على اظهر الوجهين) * المتعلق الثالث الطريق ويشترط فيه الامن في ثلاثة أشياء قال الامام وليس الامن الذى نذكره قطعيا ولا يشترط أيضا الامن الذى يغلب في الحضر بل الامن في كل مكان بحسب ما يليق به (فأحد) الاشياء الثلاثة النفس فلو خاف على نفسه من سبع أو عدو في الطريق لم يلزمه الحج ولهذا جاز التحلل عن الاحرام بمثل ذلك على ما سيأتي في باب الاحصار وهذا إذا لم يجد طريقا سواه فان وجد طريقا آخر آمنا لزمه سلوكه أما إذا كان مثل مسافة الاول فظاهر واما إذا كان ابعد فكذلك إذا وجد ما يقطعه به كما لو لم يجد طريقا سواه وذكر في التتمة وجها أنه لا يلزمه كما لو احتاج إلى بذل مؤنة زائدة في ذلك الطريق ولو كان في الطريق بحر لم يخل اما ان يكون له في البر طريق ايضا أو لا يكون ان كان لزم الحج والا فقد قال في المختصر ولم يبلي ان اوجب ركوب البحر للحج ونص في الام على انه لا يجب وفى الاملاء على انه ان كان اكثر عيشه في البحر وجب والاصحاب منقسمون إلى(7/17)
مثبتين للخلاف في المسألة والى نافين له وللمثبتين طريقان (أحدهما) أن المسألة على قولين مطلقا حكاه الشيخ أبو محمد وغيره (أحدهما) أنه يلزم ركوبه للظواهر المطلقة في الحج (والثاني) لا لما فيه من الخوف والخطر (وأظهرهما) انه إن كان الغالب منه الهلاك اما باعتبار خصوص ذلك البحر أو لهيجان الامواج في بعض الاحوال لم يلزم الركوب وإن كان الغالب السلامة ففيه قولان (اظهرهما) اللزوم كسلوك طريق البر عند غلبة السلامة (والثانى) المنع لان عوارض البحر عسرة الدفع وعلى هذا لو اعتدل
الاحتمال فيلحق بغلبة السلامة أو بغلبة الهلاك تردد كلام الائمة فيه (واما) النافون للخلاف فلهم طرق (احدها) القطع بعدم اللزوم وحمل نصه في الاملاء على ما إذا ركبه لبعض الاغراض فصار(7/18)
اقرب إلى الشط الذى يلى مكة (والثانى) القطع باللزوم وهذا قد اشار إليه الحناطى وغيره (والثالث) وبه قال أبو اسحاق الاصطخرى انه ان كان الغالب الهلاك لم يلزمه وان كان الغالب السلامة لزم واختلاف النص محمول على الحالين وبهذا قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله (والرابع) تنزيل النصين على حالتين من وجه آخر ان كان الرجل ممن اعتاد ركوب البحر كالملاحين واهل الجزائر لزمه وإلا فلا لصعوبته عليه حكى الطريقة هكذا علي هذا العراقيون وطائفة ونقل الامام عن بعض الاصحاب(7/19)
اللزوم عند جرءة الراكب وعدمه عند استشعاره وهذا قريب من الطريقة الاخيرة ويشبه ان يكون هو هي وانما الاختلاف في العبارة ثم ذكر ان من الاصحاب من نزل النصين على الحالتين من غير ترديد قول (ومنهم) من قال لا يجب على المستشعر وفى غيره قولان (ومنهم) من قال يجب على غير المستشعر وفيه قولان والصائرون إلى هذين الطريقين من المثبتين للخلاف واتبع حجة الاسلام رحمه الله منقول الامام قدس الله روحه واستخرج من الطرق التي نقلها ثلاثة اقوال (اللزوم) مطلقا (والمنع) مطلقا والفرق بين الجبان وغيره والمستشعر والجبان ههنا(7/20)
مطلقان بمعنى واحد ولو قال على غير المستشعر دون المستشعر أو على غير الجبان دون الجبان لكان أحسن وأقرب إلى الافهام وفي لفظ الكتاب ما ينبئك أن الخلاف مخصوص بما إذا كان الغالب السلامة حيث قال لغلبة السلامة فان كان الغالب الهلاك فالظاهر الجزم بالمنع على ما مر (التفريع) إذا قلنا لا يجب ركوبه فهل يستحب فيه وجهان (أحدهما) لا لما فيه من التغرير بالنفس (وأظهرهما) نعم كما يستحب ركوبه للغزو وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا يركبن أحد الا غازيا أو معتمرا أو حاجا " والوجهان فيما إذا كان الغالب السلامة (أما) إذا كان الغالب الهلاك فيحرم الركوب هكذا(7/21)
نقله الامام وحكى ترددا للاصحاب فيما إذا اعتدل الاحتمال وإذا لم نوجب الركوب فلو توسط البحر هل له الانصراف أم عليه التمادي فيه وجهان وقيل قولان وهما مبنيان عند الائمة على القولين في المحصر إذا أحاط العدو به من الجوانب هل له التحلل (ان قلنا) له التحلل فله الانصراف (وإن قلنا) لا فلا لانه لم يستفد به الخلاص فليس له الانصراف قال في التتمة وهو المذهب وموضع الوجهين ما إذا استوى ما بين يديه وما خلفه في غالب الظن فان كان ما بين يديه كثر لم يلزمه التمادي بلا خلاف على القول الذى عليه نفرع وان كان أقل لزم وموضعهما عند التساوى ما إذا كان له في المنصرف طريق غير البحر فان لم يكن فله الانصراف بلا خلاف كيلا يحتاج إلى تحمل زيادة الاخطار وجميع ما ذكرناه في حق الرجل أما المرأة ففيها خلاف مرتب على الرجل وأولي بعدم الوجوب لانها اشد تأثرا بالاهوال ولانها عورة ربما تنكشف للرجال لضيق المكان وإذا قلنا بعدم الوجوب فنقول بعدم الاستحباب أيضا ومنهم من طرد الخلاف وليست الانهار العظيمة كجيحون في معني البحر لان المقام فيها لا يطول والخطر فيها لا يعظم وفيه وجه غريب (والثاني) البضع والغرض من ذكره بيان حكم المرأة في الطريق قال في الكتاب واستطاعة المرأة كاستطاعة الرجل ولكن إذا وجدت محرما إلى آخره يسوى بين استطاعة الرجل واستطاعة المرأة الا فيما يتعلق بالمحرم وليس الامر على هذا الاطلاق لما مر من قول من اعتبر المحمل في حقها مطلقا وايضا فلما ذكرناه الآن في ركوب البحر (واما) ما يتعلق بالمحرم فاعلم انه لا يجب عليها الحج حتى تأمن على نفسها فان خرج معها زوج أو محرم اما بنسب أو غيره فذاك والا فنظر ان وجدت نسوة ثقات يخرجن فعليها ان تحج معهن وهل يشترط ان يكون مع واحدة منهن محرم فيه وجهان (احدهما) وبه قال القفال نعم ليكلم الرجال عنهن ولتستعن بالتي معها محرم إذا ابتلين بنائبة (وأصحهما) لا لان النساء إذا كثرن انقطع الاطماع(7/22)
عنهن وكفين أمرهن وان لم تجد نسوة ثقات لم يلزمها الحج هذا ظاهر المذهب ووراءه قولان (احدهما) أن عليها أن تخرج مع المرأة الواحدة يحكي هذا عن الاملاء (والثاني) واختارة جماعة من الائمة
أن عليها أن تخرج وحدها إذا كان الطريق مسلوكا ويحكى هذا عن رواية الكرابيسي * واحتج له بما روى عن عدى بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا عدى ان طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف الا الله قال عدى فرأيت ذلك " وايضا بأن(7/23)
المرأة لو اسلمت في دار الكفر لزمها الخروج إلى دار الاسلام وان كانت وحدها ولمن ذهب إلى الاول ان يقول (اما) الحديث فليس فيه ما يقتضي الوجوب (واما) التى اسلمت فخوفها لو اقامت هناك اكثر من خوف الطريق هذا حكم الحج الفرض وهل لها الخروج إلى سائر الاسفار مع النساء الخلص فيه وجهان لانه لا ضرورة إليها (والاصح) عند القاضي الروياني المنع وليعلم قوله في الكتاب ولكن إذا وجدت محرما بالواو للقول الصائر إلى أنها تخرج وحدها وقوله أو نسوة ثقات ايضا بالواو لامرين (احدهما) القول المسكتفى بالواحدة (وثانيهما) الوجه الشارط لان يكون مع بعضهن محرم وبالحاء لان عنده إذا لم يكن محرم وزوج فلا يجوز لها الخروج الا ان تكون المسافة بينها وبين مكة دون ثلاثة ايام ويروى عن احمد مثله وفي كون المحرم أو الزوج شرط الوجوب أو التمكن اختلاف رواية عنهما قال الموفق ابن طاهر ولاصحابنا مثل هذا التردد في النسوة الثقات ولم يتعرض في الكتاب للزوج واقتصر على اشتراط المحرم أو النسوة الثقات لكنه كالمحرم بالاتفاق (وقوله) مع امن الطريق مما يذكر للاستظهار والايضاح والا فقد سبق ما تعرف به اشتراطه (والثالث) المال فلو كان يخاف على ماله في الطريق من عدو أو رصدي لم يلزم الحج وان كان الرصدي يرضى بشئ يسير إذا تعين ذلك الطريق ولا فرق بين ان يكون الذين يخاف منهم مسلمين أو كفارا لكن إذا كانوا كفارا واطلقوا مقاومتهم فيستحب لهم ان يخرجوا ويقاتلوا لينالوا ثواب الحج والجهاد جميعا وان كانوا مسلمين لم يستحب الخروج والقتال ويكره بذل المال للرصديين لانهم يحرضون بذلك على التعرض للناس(7/24)
ولو بعثوا بأمان الحجيج وكان أمانهم موثوقا به أو ضمن لهم أمير ما يطلبونه وأمن الحجيج لزمهم الخروج ولو وجدوا من يبذرقهم بأجرة ولو استأجروه لامنوا في غالب الظن فهل يلزمهم استئجاره
فيه وجهان (أحدهما) لا لانه خسران لدفع الظلم فأشبه التسليم إلى الظالم (والثاني) نعم لان بذل الاجرة بذل مال بحق والمبذرق اهبة من أهب الطريق كالراحلة وغيرها وهذا أظهر عند الامام ورتب عليه لزوم استئجار المحرم على المرأة إذا لم يساعدها ألا بأجرة وجعل اللزوم ههنا أظهر لان الداعي إلى التزام هذه المؤنة معنى فيها فأشبه زيادة مؤنة المحمل في حق ما يحتاج إليه ويشترط لوجوب الحج وجود الزاد والماء في المواضع التي جرت العادة بحمل الزاد والماء منها فان كان العام عام جدب وخلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه لم يلزمه الحج لانه إن لم يحمل معه خاف على نفسه وإن حمله لحقته مؤنة عظيمة وكذلك الحكم لو كان يوجد فيها الزاد والماء ولكن بأكثر من ثمن المثل وهو القدر اللائق به في ذلك المكان والزمان وإن وجدهما بثمن المثل لزم التحصيل سواء كانت الاسعار غالية أو راخصة إذا وفى ماله ويحتمل حملهما قدر ما جرت العادة به في طريق مكة حرصها الله لحمل الزاد من الكوفة إلى مكة وحمل الماء مرحلتين أو ثلاثا إذا قدر عليه ووجد آلات الحمل وأما علف الدابة فيشترط وجوده في كل مرحلة لان المؤنة تعظم في حمله لكثرته ذكره صاحب التهذيب والتتمة وغيرهما *(7/25)
قال (وأما البدن فلا يعتبر فيه الا قوة يستمسك بها على الراحلة ويجب على الاعمي إذا قدر على قائد ويجب على المحجور المبذر وعلى الولي أن ينفق عليه وينصب عليه قواما) * المتعلق الرابع البدن ويشترط فيه لاستطاعة المباشرة قوة يستمسك بها على الراحلة والمراد أن يثبت على الراحلة من غير أن يلحقه مشقة شديدة فأما إذا لم يثبت اصلا أو كان يثبت ولكن بمشقة شديدة فليس له استطاعة المباشرة سواء فرض ذلك لمرض أو غيره روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت ان شاء يهوديا وان شاء نصرانيا " والقول في أنه متى يستنيب ومتى لا يستنيب(7/26)
سيأتي من بعد ثم في الفصل مسألتان (احداهما) الاعمي إذا وجد مع الزاد والراحلة قائدا يلزمه الحج
بنفسه لانه مستطيع له والقائد في حقه كالمحرم في حق المرأة وبه قال أحمد وعن أبي حنيفة رحمهما الله اختلاف رواية فروى عنه أنه لا حج عليه وهذه عبارة الكرخي في مختصره وروى أنه لا يلزمه الخروج بنفسه ولكن يستنيب (الثانية) المحجور عليه بالسفه كغيره في وجوب الحج عليه إلا أنه لا يدفع المال إليه لتبذيره بل يخرج الولي معه لينفق عليه في الطريق بالمعروف ويكون قواما عليه ويفارق الصبى والمجنون إذا احرم الولي عنهما فان في انفاقة ما زاد بسبب الحج من مالهما خلافا سنذكره لانه لا وجوب عليهما وإذا زال ما بهما لزمهما حجة الاسلام وذكر في التهذيب أنه إذا شرع السفيه في حج الفرض أو في حج نذره قبل الحجر بغير اذن الولي لم يكن له أن يحلله فيلزمه أن ينفق عليه(7/27)
إلى أن يفرغ وان شرع في حج تطوع ثم حجر عليه فكذلك ولو شرع فيه بعد الحجر كان للولى أن أن يحلله ان كان ما يحتاج إليه للحج يزيد على نفقته المعهودة ولم يكن له كسب وان لم يزد أو كان له كسب يفى مع قدر النفقة للحج وجب اتمامه ولم يكن للولي ان يحلله (وقوله) في الكتاب وعلى الولي ان ينفق عليه أي من مال المحجور (وقوله) وينصب عليه قواما أي ان لم يتول ذلك بنفسه (واعلم) ان الائمة شرطوا في وجوب الحج امرين آخرين لم يصرح بهما في الكتاب (احدهما)(7/28)
امكان المسير وهو ان يبقى من الزمان عند وجدان الزاد والراحلة ما يمكنه المسير فيه إلى الحج السير المعهود (اما) إذا احتاج إلى ان يقطع في كل يوم أو في بعض الايام اكثر من مرحلة لم يلزمه الحج (والثانى) قال صاحب التهذيب وغيره يشترطان يجد رفقة يخرج معهم في الوقت الذى جرت عادة اهل بلده بالخروج فيه فان خرجوا قبله لم يلزمه الخروج معهم وان أخروا الخروج بحيث لا يبلغون الا بأن يقطعوا اكثر من مرحلة لم يلزمه ايضا وفى بعد هذا الفصل وله ان يتخلف عن اول قافلة ما يشعر باعتبار وجدان القافلة ومن اطلق القول باعتباره من الاصحاب فكلامه محمول(7/29)
على غالب الحال فان كانت الطرق بحيث لا يخاف الواحد فيها فلا حاجة إلى الرفقة والقافلة ذكره في
التتمة وبهذا الفقه يتبين دخول هذا الشرط تحت اعتبار أمن الطريق وعن أحمد أن أمن الطريق وإمكان المسير من شرائط الاداء دون الوجوب حتى لو استطاع والطريق مخوف أو الوقت ضيق استقر الوجوب عليه وروى عن أصحاب أبى حنيفة رحمه الله اختلاف في ان امن الطريق من شرائط الوجوب أو الاداء * قال (ومهما تمت الاستطاعة وجب الحج على التراخي (م ح ز) وله أن يتخلف عن أول قافلة فان مات قبل حج الناس تبين عدم الاستطاعة وإن مات بعد الحح فلا وإن هلك ماله بعد الحج وقبل إياب الناس تبين ان لا استطاعة لان نفقة الاياب شرط في الحج فان دامت الاستطاعة إلى اياب الناس ثم مات أو طرا العضب لقى الله عاصيا على الاظهر وتضيق عليه الاستنابة إذا طرأ العضب بعد الوجوب فان امتنع ففي اجبار القاضي اياه على الاستنابة وجهان) * ذكر في الوسيط أن المسائل المذكور إلى هذا الموضع كلام في أركان الاستطاعة ومن ههنا إلى رأس النوع الثاني كلام في أحكامها ولك أن تقول الاستطاعة احدى شرائط وجوب الحج كما مر وقد توجد الاستطاعة مسبوقة بسائر الشروط وقد يوجد غيرها مسبوقا بها فلم كانت هذه المسائل أحكام الاستطاعة دون غيرها وبقدير ان تكون أحكام الاستطاعة فهى احكام مطلق الاستطاعة كما ستعرفه لا احكام النوع الاول منها وكان ذكرها بعد النوعين أحسن والحق انها ليست بأحكام الاستطاعة ولا سائر الشروط لكن مسائل هذا الفصل تتعلق بكيفية ثبوت الوجوب بعد استجماع الشرائط(7/30)
وأنه متى تستقر ومسائل الفصل الثاني لا تعلق لها بالوجوب أيضا ومقصود الفصل أن الحج يجب على التراخي وهو في العمر كالصلاة بالاضافة إلى وقتها * وقال مالك وأحمد والمزنى رحمهم الله أنه على الفور ويروي مثله عن أبى حنيفة رحمه الله * لنا أن فريضة الحج نزلت سنة خمس من الهجرة وأخره النبي صلى الله عليه وسلم من غير مانع فانه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج وفتح مكة سنة ثمان وبعث أبا بكر رضى الله عنه أميرا على الحاج سنة تسع وحج هو سنة عشر وعاش بعدها ثمانين يوما ثم قبض إلى رحمة الله تعالي إذا تقرر ذلك فلمن وجب عليه الحج بنفسه أو غيره
أن يؤخره عن أول سنة الامكان نعم لو خشي العضب وعبد وجب عليه الحج بنفسه ففى جواز التأخير وجهان (أظهرهما) المنع وإذا تخلف فمات قبل حج الناس تبين عدم الوجوب لتبين عدم الاستطاعة والامكان وعن أبي يحيى البلخى أنه يستقر عليه وذكر في المهذب أن أبا إسحق أخرج إليه نص الشافعي رضى الله عنه فرجع عنه فلا يعلم قوله تبين عدم الاستطاعة بالواو كذلك وان مات بعد ما حج الناس استقر الوجوب عليه ولزم الاحجاج من تركته قال في التهذيب ورجوع القافلة ليس بشرط حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ومضي إمكان المسير إلى منى والرمي بها والى مكة والطواف بها استقر الفرض عليه وان مات أو جن قبل انتصاف ليلة النحر لم يستقر وان هلك ماله بعد إياب الناس أو مضي امكان الا ياب استقر الحج وان هلك بعد حجهم وقبل(7/31)
الاياب وامكانه فوجهان (أحدهما) الاستقرار كما في صورة الموت (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا يستقر بخلاف صور الموت لانه إذا مات استغني عن المال المجوع وههنا نفقة الرجوع لا بد منها وهذا حيث نشترط نفقة الاياب فان لم نشترطها تعين الوجه الاول وان احصر الذين تمكن من الخروج معهم فتحللوا لم يستقر الفرض عليه وان سلكوا طريقا آخر فحجوا استقر وكذا إذا حجوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقى ماله وإذا دامت الاستطاعة وتحقق الامكان ولم يحج حتى مات فهل يعصي فيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو اسحق لا لانا جوزنا له التأخير (أظهرهما) نعم والا ارتفع الحكم بالوجوب والمجوز هو التأخير دون التفويت والوجهان كالوجهين فيما إذا مات في وسط الوقت قبل أداء الصلاة لكن الاظهر هناك انه لا يموت عاصيا وسبب الفرق قد مر هناك وبه قال ابن سريج وفصل بعض الاصحاب فقال إن كان شيخا مات عاصيا وان كان شابا فلا والخلاف جار فيما إذا كان صحيح البدن مستطيعا فلم يحج حتى صار رمنا والاظهر التعصية ايضا ولا نظر إلى امكان الاستنابة فانها في حكم بدل والاصل المباشرة ولا يجوز ترك الاصل مع القدرة عليه ويتفرع على الحكم بالتعصية فرعان (احدهما) في تضيق الاستنابة عليه في صورة عروض الزمانة وجهان حكاهما الامام رحمه الله (اظهرهما) عنده وبه اجاب صاحب الكتاب رحمه الله
أنها تتضيق لخروجه بتقصيره عند اسحقاق الترفيه فيه (والثانى) له التأخير كما لو بلع مغصوبا عليه الاستنابة على التراخي ولك ان تشبه هذين الوجهين بوجهين قد مر ذكرهما في قضاء الصوم إذا تعدى(7/32)
بتفويته وهل يكون على الفور وإذا قلنا بالوجه الاول فلو امتنع وأخر هل يجبره القاضي على الاستنابة ويستأجر عليه فيه وجهان (أظهرهما) عند الامام رحمه الله تعالى لا لان الحدود هي التي تتعلق بتصرف الامام (والثاني) نعم تشبيها له بزكاة الممتنع فان كل واحد منهما تدخله النيابة (الثانية) إذا قلنا يموت عاصيا فمن أي وقت تحكم بعصيانه فيه وجهان (أحدهما) من أول سنة الامكان لاستقرار الفرض عليه يومئذ (وأظهرهما) وبه قال أبو إسحق من آخر سنة الامكان لجواز التأخير إليها وفيه وجه ثالث أنا نحكم بموته عاصيا من غير أن نسنده إلى وقت معين ومن فوائد الحكم بموته عاصيا أنه لو كان قد شهد عند القاضى ولم يقض بشهادته حتى مات فلا يقض كما لو بان له فسقه ولو قضى بشهادته بين الاولى من سنى الامكان واخراها فان عصيناه من أخر اها لم ينقض ذلك الحكم بحال وان عصيناه من اولاها ففى نقضه القولان فيما إذا بان الشهود فسقة (وقوله) في الكتاب ومهما تمت الاستطاعة أي مع سائر الشرائط (وقوله) أو طرأ العضب القطع يقال عضبت الشئ أعضبته إذا قطعته سمى معضوبا لان الزمانة التى عرضت له قطعت حركة أعضائه وقيل هو معصوب - بالصاد المهملة - كانه ضرب على عصبه فانعزلت أعضاؤه عن عملها والله أعلم * قال (ولا بد من الترتيب (م ح) في الحج فيبدأ بحجة الاسلام ثم بالقضاء (و) ثم بالنذر ثم بالتطوع فلو غير هذا الترتيب وقع على هذا الترتيب ولغت نيته وإذا حج عن المستأجر وهو لم يحج عن نفسه وقع عنه دون المستأجر (م ح) * حجة الاسلام في حق من يتأهل لها تقدم على حجة القضاء وصورة اجتماعهما أن يفسد الرقيق حجه ثم يعتق فعليه القضاء ولا يجزئه عن حجة الاسلام فان القضاء يتلو تلو الاداء وكذا حجة(7/33)
الاسلام على حجة النذر ولو اجتمعتا مع حجة الاسلام قدمت هي ثم القضاء الواجب باصل الشرع
ثم المنذورة تقديما للاهم فالاهم ومن عليه حجة الاسلام ليس له أن يحج عن غيره وكذا من عليه حجة نذر أو قضاء * وقال أبو حنيفة الله ومالك رحمهما الله يجوز التطوع بالحج قبل أداء الفرض ويجوز لمن عليه الحج أن يحج عن غيره وأظهر ما روى عن أحمد رحمه الله مثل مذهبنا * لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " - أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم من شبرمة قال اخى أو قريب لى فقال أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم عن شبرمة - وفى رواية - هذه عنك ثم حج عن شبرمة " دل الحديث على انه لابد من تقديم فرض نفسه على ما استؤجر له وفهم منه انه لا بد من تقديم فرضه على ما يتطوع به والعمرة إذا اوجبناها كالحج(7/34)
في جميع ذلك (وقوله) في الكتاب ثم بالقضاء ثم بالنذر اعلم بالواو لان الامام رحمه الله اشار إلى تردد في تقديم القضاء على النذر وتابعه المصنف في الوسيط (والصحيح) ما ذكره في الكتاب إذا تقرر ذلك فلو أنه غير الترتيب المذكور فتقدم ما يجب تأخيره لغت نيته ووقع على الترتيب المذكور ولو استأجر المعضوب من يحج عن نذره وعليه حجة الاسلام فنوى الاجير النذر وقع عن حجة الاسلام ولو استأجر من لم يحج عن نفسه وهو الذى يسمي ضرورة ليحج عن المستأجر فنوى الحج عنه لغت إضافته ووقع عن الاجير وينبغى أن يعلم قوله في الكتاب وقع عنه دون المستأجر بالالف لان عن أحمد رحمه الله رواية أنه لا يقع عنه ولا عن المستأجر بل يلغو ولو نذر ضرورة أن يحج في هذه السنة ففعل وقع عن حجة الاسلام وخرج عن نذره وليس في نذره الا تعجيل ما كان له أن يؤخره ولو استأجره الضرورة للحج في الذمة جاز والطريق أن يحج عن نفسه ثم عن المستأجر في سنة بعدها واجارة العين تفسد لانه يتعين لها السنة الاولى فان اجارة السنة القابلة لا تجوز وإذا فسدت الاجارة(7/35)
نظر ان ظنه قد حج فبان ضرورة لم يستحق أجرة لتغريره وإن علم أنه ضرورة وقال يجوز في اعتقادي أن يحج الضرورة عن غيره فحج الاجير يقع عن نفسه كما تقدم ولكن في استحقاقه أجرة المثل قولان أو وجهان سيأتي نظائرهما ولو استاجر للحج من يحج ولم يعتمر أو للعمرة من اعتمر
ولم يحج فقرن الاجير وأحرم بالتسكين جميعا عن المستاجر أو أحرم بما استؤجر له عن المستاجر وبالآخر عن نفسه فقد حكي صاحب التهذيب وغيره فيه قولين (الجديد) أنهما يقعان عن الاجير لان نسكي القران لا يتفرقان لاتحاد الاحرام ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستاجر إليه (والثانى) أن ما استؤجر له يقع عن المستأجر والآخر عن الاجير وعلى القولين لو استاجر رجلان من حج واعتمر أحدهما ليحج عنه والآخر ليعتمر عنه فقرن عنهما فعلى الاول يقعان عن الاجير وعلى الثاني يقع عن كل واحد منهما ما استاجره له ولو استاجر المعضوب رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة أحدهما حجة الاسلام والاخر حجة قضاء أو نذر ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان حجة الاسلام لا تتقدم على غيرها (وأظهرهما) ويحكى عن نصه في الام الجواز لان غيرها لا يتقدم عليها وهذا القدر هو المرعي فعلى الاول إن أحرم الاجيران معا يصرف إحرامهما إلى نفسهما وإن سبق احرام أحدهما وقع ذلك عن حجة الاسلام عن المتسأجر وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه ولو أحرم الاجير عن المستأجر ثم نذر حجا نظر ان نذر بعد الوقوف لم ينصرف حجه إليه ووقع عن المستاجر وان نذر قبله فوجهان (أظهرهما) انصرافه إلى الاجير ولو احرم الرجل بحج تطوعا ثم نذر حجا بعد الوقوف لم ينصرف إلى النذر وان كان قبله فعلى الوجهين والله أعلم * وقد ذكرنا في خلال الكلام ما يتعلق بلفظ(7/36)
الكتاب وبالقيد الذى اوردناه في اول الفصل يعرف أن قوله ولا بد من الترتيب في الحج الخ محمول على من يحج منه حجة الاسلام والا فالصبي والعبد إذا حجا فقد تقدم في حقهما غير حجة الاسلام على حجة الاسلام ولو استأجر المعضوب من يحج عنه تلك السنة فاحرم الاجير عن نفسه تطوعا فقد روى الامام عن شيخه أن احرامه ينصرف إلى المستأجر لان حجة الاجارة في هذه السنة مستحقة عليه والمستحق في الحج مقدم على غيره وعن سائر الاصحاب أنه لا ينصرف لان استحقاقها ليس من حكم وجوب يؤول إلى الحج وإنما يتقدم واجب الحج على تطوعه إذا رجع الوجوب إلى نفس الحج * قال (النوع الثاني استطاعة الاستنابة والنظر في ثلاثة اطراف (الطرف الاول) جواز الاستنابة وإنما تجوز للعاجز عن المباشرة بالموت أو بزمانة (م) لا يرجي زوالها وإنما تجوز في
حجة الاسلام إذا وجبت بالاستطاعة وطرأ العضب أو مات وكذا لو مات قبل الوجوب أو امتنع الوجوب لعدم الاستطاعة على أصح الطريقين وفي الاستئجار للتطوع قولان) * قد مر ان الاستطاعة نوعان استطاعة مباشرة واستطاعة استنابة وحصل الفراغ عن أولهما (وأما) الثاني فتمس الحاجة فيه إلى بيان انه متى تجوز الاستنابة ومتى تجب ثم هي قد تكون بطريق الاستئجار وقد تكون بغيره فهذه أربعة اطراف وقد تكلم فيها جميعا لكن اقتصر على ترجمة ثلاثة منها الجواز والوجوب والاستئجار (واما) الاستنابة بغير طريق الاستئجار فقد ادرج مسائلها(7/37)
في الطرف الثاني (الاول) في حال جواز الاستنابة لا يخفى ان العبادات بعيدة عن قبول النيابة لكن احتمل في الحج ان يحج الشخص عن غيره إذا كان المحجوج عنه عاجزا عن الحج بنفسه إما بسبب الموت وإما بكبر أو زمانة أو مرض لا يرجى زواله (أما) بسبب الموت فلما روى عن بريدة قال (اتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ان أمي ماتت ولم تحج فقال حجي عن أمك) (واما) بالكبر(7/38)
ونحوه فلما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (ان امرأة من خثعم قالت يا رسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج ادركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على الراحلة افأحج عنه قال نعم " ويروى كما لو كان عليه دين فقضيته والمعتبر ان لا يثبت على الرحالة اصلا أو لا يثبت إلا بمشقة شديدة فالمقطوع اليدين أو الرجلين إذا امكنه الثبوت على الراحلة من غير مشقة شديدة لا تجوز(7/39)
النيابة عنه وكذا لا تجوز النيابة عمن لا يثبت على الراحلة لمرض يرجو زواله فانه يتوقع مباشرته له وكذا من وجب عليه لحج ثم جن لم يكن للولي ان ينيب عنه لانه ربما يفيق فيحج بنفسه فان اناب عنه ومات ولم يفق ففى اجزائه قولان كما لو استناب من يرجو زوال مرضه فلم يزل وهذا كله في حجة الاسلام وفي معناها حجة النذر حكى ذلك عن نصه ويلحق بهما القضاء (واما) حجة التطوع فهل يجوز استنابة المعضوب فيها واستنابة الوارث للميت فيه قولان (احدهما) لا لبعد العبادات البدنية عن قبول
النيابة وانما جوزنا في الفرض الضرورة (واصحهما) وبه قال مالك وابو حنيفة واحمد رحمهم الله نعم لانها عبادة تدخل النيابة في فرضها فتدخل في نفلها كأداء الزكاة ولو لم يكن الميت قد حج ولاوجب عليه لعدم الاستطاعة ففى جواز الاحجاج عنه طريقان نقلهما الامام (احدهما) طرد القولين لانه لا ضرورة إليه (والثانى) القطع بالجواز لوقوعه عن حجة الاسلام فان جوزنا الاستئجار للتطوع فللاجير الاجرة المسماة ويجوز أن يكون الاجير عبدا أو صبيا بخلاف حجة الاسلام لا يحوز استئجارهما فيها لانهما ليسا من اهلها وفي المنذورة الخلاف المشهور في انه يسلك بالنذر مسلك الواجبات ام لا وان لم تجوز الاسئجار للتطوع وقع الحج عن الاجير ولم يستحق المسمي وفى اجرة المثل قولان مرويان عن الام (احدهما) أنه لا يستحق أيضا لوقوع الحج عنه (واظهرهما) عند المحاملي وغيره أنه يستحقها لانه دخل في العقد طامعا في الاجرة وتلفت منفعته عليه وإن لم ينتفع بها المستأجر فصار كما لو استأجر لحمل طعام مغصوب فحمل يستحق الاجرة (وأما) لفظ الكتاب فقوله وإنما يجوز للعاجز عن المباشرة ليست اللام في قوله للعاجز لاضافة(7/40)
فعل الاستنابة إليه لان العاجز بالموت لا يتصور منه الاستنابة وإنما المراد كون الاستنابة للعاجز ثم هي قد تصدر منه وقد تصدر من غيره ويجوز أن يرقم بالحاء والالف لان عند ابي حنيفة وأحمد تجوز الاستنابة للصحيح أيضا في حجة التطوع (وقوله) أو بزمانه معلم بالميم لان عند مالك لا تجوز النيابة عن الحى وإنما تجوز عن الميت (وقوله) وإنما تجوز في حجة الاسلام يفهم الحصر فيها لكن النذر والقضاء في معناه كما سبق ولافهامه الحصر أعلم بالميم والحاء والالف اشارة إلى أنهم يجوزونها في حجة التطوع أيضا (وقوله) أو مات قبل الوجوب إذا امتنع الوجوب لعدم الاستطاعة جواب على طريقة نفى الخلاف في المسألة أو على اظهر القولين على الطريقة الاخرى فليعلم بالواو * واحتج في الجواز بما روى " أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان فريضة الحج ادركت ابي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يحج أفأحج عنه قال نعم " وليس هذا الاحتجاج بقوي لان هذا الحديث هو حديث الخثعمية واللفظ المشهور في حديثها لا يستطيع أن يثبت على الراحلة " وذلك يدل على أن اللفطة التي نقلها - أن يثبت - محمولة على نفى استطاعة المباشرة وذلك لا ينفى وجوب الحج والمسألة فيمن لا وجوب عليه ويجوز ان يحتج له بحديث بريدة
فان المرأة قالت أن أمي ماتت ولم تحج ولم يفصل الجواب والله أعلم *(7/41)
قال (وإذا استأجر المعضوب حيث لا يرجى زواله فمات أو المريض حيث لا يرجى برؤه فشفى ففى وقوع الحج موقعه قولان ينظر في احدهما إلى الحال وفى الآخر إلي المآل فان قلنا إنه لا يقع عنه فالصحيح انه يقع عن تطوعه ويكون هذا عذرا في تقديم التطوع كالصبا والرق ثم يستحق الاجير الاجرة ولا يجوز الحج عن المعضوب بغير إذنه ويجوز عن الميت من غير وصية (م ح) ويستوى فيه الوارث والاجنبي) * المعلول الذى يرجي زوال علته ليس له أن يحج عن نفسه كما مر فان احج نظر إن شفى لم يجزه ذلك قولا واحدا وإن مات ففيه قولان (أحدهما) وبه قال ابو حنيفة يجزئه لانه تبين أنها كانت غير مرجوة الزوال (الثاني) لا يجزئه لان الاستنابة لم تكن جائزة له حينئذ قال الائمة وهذا أظهر وعلي عكسه لو كانت غير مرجوة الزوال فأحج عن نفسه ثم شفى فطريقان (إظهرهما) وهو المذكور في الكتاب طرد القولين وبالثانى قال أبو حنيفة ويروى الاول عن مالك واحمد رحمهما (والثانى) القطع بأنه لا يجزئه والفرق أن الخطأ في الصورة الاولي غير مستيقن لجواز ان لا يكون المرض بحيث يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم للمآل وههنا الخطأ مستيقن إذ لا يجوز ان يكون اليأس حاصلا ثم يزول والطاردون للقولين في الصورتين قالوا مأخذهما فيهما أن النظر إلى الحال أو الي المآل ان نظرنا إلى الحال لم يجزه في الصورة الاولى(7/42)
وأجزأ في الثانية وان نظرنا الي المآل عكسنا الحكم فيهما وربما شبه القولان بالقولين فيما إذا رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم تبين خلافه هل تجزئهم الصلاة والاظهر عدم الاجزاء وقد عرفت مما ذكرنا انه يجوز أن يكون قوله في الكتاب قولان معلمان بالواو للطريق الثاني في الصورة الثانية (التفريع) ان قلنا أن الحجة المأتى بها تجرئه استحق الاجرة المسماة لا محالة (وإن قلنا) انها لا تجزئه فهل تقع عن تطوعه أم لا تقع عنه أصلا فيه وجهان (أحدهما) حكي الامام عن شيخه عن القفال ان
من أئمتنا من قال انه يقع عن تطوعه ويكون العضب الناجز بمثابة الرق والصبا في كونه عذرا لتقديم التطوع علي حجة الاسلام (والثانى) انها لا تقع عنه اصلا لو كما استأجر ضرورة ليحج عنه وذكر صاحب الكتاب أن الاول هو الصحيح لكن الامام والجمهور استبعدوه فان قلنا لا يقع عنه اصلا فهل يستحق الاجير الاجرة فيه قولان (أحدهما) نعم لانه عمل له في اعتقاده (واصحهما) لا لان المستأجر لم ينتفع به فان قلنا بالاول فماذا يستحق الاجير الاجرة المسماة أم أجرة المثل فيه وجهان (مأخذهما) انا هل نتبين فساد لاستئجار أم لا وإن قلنا انه يقع عن تطوعه فالاجير يستحق الاجرة وماذا يستحقه المسمي أو أجرة المثل عن الشيخ أبي محمد انه لا يمتنع تخريجه علي الوجهين لان الحاصل غير ما ابتغاه (الثانية) لا يجزئ الحج عن المعضوب بغير إذنه بخلاف قضاء الدين عن الغير لان الحج يفتقر الي النية وهو اهل للاذن وللنية وإن لم يكن أهلا للمباشرة وروى في التتمة عن أبي حامد المروروزى رحمه الله(7/43)
جواز الحج بغير اذنه ويجوز الحج عن الميت بل يجب عند استقراره عليه سواء اوصى به أو لم يوص خلافا لابي حنيفة ومالك حيث قالا ان لم يوص لا يحج عنه ويسقط فرضه بالموت * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما " ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان اختي نذرت ان تحج وماتت قبل ان تحج أفأحج عنها فقال لو كان علي اختك دين اكنت قاضية قال نعم قال فاقضوا حق تعالى الله فهو احق بالقضاء ويستوى في الحج عن الميت الوارث والاجنبى تشبيها بقضاء الدين * قال (الطرف الثاني في وجوب الاستنابة وذلك عند القدرة عليها من المكلف الحر بمال بملكه فاضلا عن حاجته التي ذكرناها وافيا باجرة الاجير راكبا فان لم يجد الا ماشيا لم يلزمه علي أحد الوجهين لما فيه من الخطر علي المال) * قصد بهذا الطرف بيان أن الاستنابة متي تجب علي المعضوب (فأما) وجوب الاحجاج عن الميت الذى وجب عليه الحج فقد تعرض له في كتاب الوصية والمعضوب تلزمه الاستنابة في الجملة ولا فرق بين أن يطرأ العضب بعد الوجوب وبين أن يبلغ معضوبا واجدا للمال وبه قال أحمد وعند مالك لا استنابة
علي المعضوب بحال لانه لا نيابة عن الحى عنده ولا حج علي من لا يستطيعه بنفسه وعن أبي حنيفة انه لا حج على المعضوب ابتداء لكن لو طرأ العضب بعد الوجوب لم يسقط وعليه أن ينفق علي من يحج عنه إذا تقرر ذلك فلوجوب الاستنابة علي المعضوب طريقان يشتمل هذا الفصل على أحدهما وهو أن يجد ما لا يستأجر به من يحج والشرط أن يكون فاضلا عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحج بنفسه إلا انا اعتبرنا ثم أن يكون المصروف إلي الزاد والراحلة فاضلا عن نفقة عياله إلي الاياب وههنا(7/44)
يعتبر أن يكون فاضلا عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار ولا يعتبر بعد فراغ لاجير من الحج الي إيابه وهل تعبتر مدة الذهاب حكي صاحب التهذيب رحمه الله فيه وجهين (أصحهما) انها لا تعتبر بخلاف ما لو كان يحج بنفسه فانه أذا لم يفارق أهله يمكنه تحصيل نفقتهم قال الامام وهو كما في الفطرة لا يعتبر فيها إلا نفقة اليوم وكذلك في الكفارات المرتبة إذا لم تشترط تخليف رأس المال ثم ان وفى ما يجده بأجرة أجير راكب فذاك وإن لم يجد الا أجرة ماش ففى لزوم الاستئجار وجهان (اصحهما) يلزم بخلاف ما لو كان يحج بنفسه لا يكلف المشي لما فيه من المشقة ولا مشقة عليه في المشي الذى تحمله الاجير (والثاني) ويحكي عن اختيار القفال انه لا يلزم لان الماشي على خطر وفى بذل المال في أجرته تغرير به ولو طلب الاجير أكثر من أجرة المثل لم يلزم الاستئجار وان رضي بأقل منها لزمه وإذا امتنع من الاستئجار فهل يستأجر عليه الحاكم فيه وجهان (أشبههما) انه لا يستأجر (وقوله) في الكتاب من المكلف الحر كالمستغني عنه في هذا الموضع لانه قد سبق بيان اشتراط التكليف والحرية في وجوب الحج وكلامنا الآن في شرط الاستطاعة وإذا كنا في ذكر أحد شروط الشئ لم نحتج الي التعرض فيه لسائر الشروط والا لا نجربنا الامر الي ذكر كل شرط في كل شرط والله أعلم * قال (وان قدر ببذل الأجنبي مالا لم يلزمه القبول للمنة وإن بذل ابنه الطاعة في الحج عنه وجب القبول (ح) وإن بذل الأجنبي الطاعة أو الابن المال فوجهان وان كان الابن ماشيا ففى لزوم القبول وجهان وان كان معولا في زاده على الكسب أو علي السؤال فخلاف مرتب وأولى بأن لا يجب) *
الطريق الثاني أن لا يجد المال ولكن يجد من يحصل له الحج وفيه صور (إحداها) أن يبذل الأجنبي مالا ليستأجر به وفى لزوم قبوله وجهان حكاهما الحناطي وغيره (أحدهما) يلزم لحصول الاستطاعة بما يبذله (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يلزم لما فيه من المنة الثقيلة (والثانية) أن يبذل واحدا من بنيه وبناته وأولادهم الطاعة في الحج فيلزمه القبول والحج خلافا لابي حنيفة وأحمد رحمهما الله(7/45)
لنا أن وجوب الحج معلق في نص القرآن بوجود الاستطاعة وإنها تارة تكون بالنفس وتارة بالاعوان والانصار ألا ترى أنه يصدق ممن لا يحسن البناء أن يقول أنا مستطيع لبناء دار إذا تمكن منه بالاسباب والاعوان إذا تقرر ذلك فيشترط فيه أن لا يكون المطيع ضرورة ولا معضوبا وأن يكون موثوقا بصدقه وإذا توسم أثر الطاعة فهل يلزمه الامر فيه وجهان (أحدهما) لا لان الظن قد يخطئ (وأظهرهما) نعم إذا وثق بالاجابة لحصول الاستطاعة وهذا ما اعتمده أصحاب الشيخ أبي حامد وحكوه عن نص الشافعي رضى الله عنه ولو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع فهل يتوب الحاكم عنه فيه وجهان (أصحهما) لا لان مبني الحج علي التراخي وإذا اجتمعت الشرائط ومات المطيع قبل أن يأذن فان مضى وقت امكان الحج استقر في ذمته والا فلا ولو كان له من يطيع ولم يعلم بطاعته فهو كما لو كان له مال موروث ولم يعلم به وشبه ابن الصباع ذلك بما إذا نسى الماء في رحله ففى سقوط الفرض قولان وشبهه صاحب المعتمد بالضل والمغصوب وفي وجوب الزكاة فيهما خلاف قد مر ولك ان تفرق بين الحج وغيره فتقول وجب أن لا يلزم الحج بحال لانه معلق بالاستطاعة ولا استطاعة عند عدم الشعور بالمال والطاعة وإذا بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع فان كان بعد الاحرام لم يجد إليه سبيلا وإن كان قبله رجع على أظهر الوجهين (والثالثة) أن يبذل الأجنبي الطاعة ففى لزوم القبول وجهان (أصحهما) وهو ظاهر نصه في المختصر أنه يلزم لحصول الاستطاعة كما لو كان الباذل الولد (والثانى) لا يلزم لان الولد بضعة منه فنفسه كنفسه بخلاف غيره والاخ والاب في بذل الطاعة كالأجنبي لان استخدامهما ثقيل وفى بعض تعاليق الطبرية حكاية وجه أن الاب كالابن كما أنهما يستويان في وجوب النفقة وغيره (الرابعة) أن يبذل الولد المال ففى لزوم قبوله وجهان
(احدهما) يلزم كما لو بذل الطاعة (وأصحهما) وبه قال ابن سريج لا يلزم لان المنة في قبول المال أعظم ألا ترى أن الانسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير ولا يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الاشغال والوجهان صادران من القائلين بعدم وجوب القبول من الأجنبي فان أوجبناه(7/46)
فههنا أولي وبذل الاب المال للابن كبذل الابن للاب أو كبذل الأجنبي ذكر الامام قدس الله روحه فيه احتمالين (اظهرهما) الاول * (فرع) جميع ما ذكرنا في بذل الطاعة مفروض فيما إذا كان راكبا أما إذا بذل الابن الطاعة على أن يحج عنه ماشيا ففى لزوم القبول وجهان (احدهما) لا يلزم كما لا يلزم الحج ماشيا (والثانى) يلزم إذا كان قويا فان المشقة لا تناله وهذان الوجهان مرتبان عند الشيخ أبى محمد علي الوجهين في لزوم استئجار الماشي قال وهذه الصورة أولي بالمنع لانه يعز عليه مشي ولده وفى معناه ما إذا كان المطيع الوالد وأوجبنا القبول ولا يجئ الترتيب فيما إذا كان المطيع الأجنبي وإذا أوجبنا القبول والمطيع ماش فهو فيما إذا كان مالكا للزاد فان عول علي الكسب في الطريق ففى وجوب القبول وجهان وأولي بالمنع لان المكاسب قد تنقطع في الاسفار فان لم يكن كسوبا إيضا وعول علي السؤال فأولي بالمنع لان السائل قد يرد فان كان يركب مفازة لا يجدى فيها كسب ولا سؤال لم يجب القبول بلا خلاف إذ يحرم عليه التغرير بالنفس * قال (ومهما تحقق وجوب الحج فالعمرة تجب علي الجديد) * في كون العمرة من فرائض الاسلام قولان (اصحهما) وبه قال أحمد انها من فرائضه كالحج روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " انه كقرينتها في كتاب الله تعالى) واتموا الحج والعمرة لله وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الحج والعمرة فريضتان " (والثاني) وبه قال مالك(7/47)
وأبو حنيفة رحمهما الله أنه سنة لما روى عن جابر رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي فقال لا وان تعتمروا فهو افضل " والاول هو قوله في الجديد والثانى القديم وأشار
بعضهم الي ترديد القول فيه جديدا وقديما وإذا قلنا بالوجوب فهى من شرائط مطلق الصحة وصحة المباشرة والوجوب والاجزاء عن عمرة الاسلام على ما ذكرنا في الحج وفى قوله ومهما تحقق وجوب الحج اشارة الي ان شرائط وجوب العمرة كشرائط وجوب الحج وان الاستطاعة الواحدة كافية لهما جميعا *(7/48)
قال الطرف الثالث في الاستئجار والنظر في شرائطه وأحكامه (فأما) شرائطه فمذكورة في الاجارة ولتراع ههنا أربعة أمور (الاول) أن يكون الاجير قادرا فان كان مريضا أو كان الطريق مخوفا أو طالت المسافة مع ضيق الوقت لم يصح ولا باس به في وقت الانداء والثلوج فان ذلك يزول ثم ليبادر الاجير مع أول رفقة ولا تلزمه المبادرة وحده (الثاني) ألا يضيف الحج إلى السنة القابلة (ح) الا إذا كانت المسافة بحيث لا تقطع في سنة أو كانت الاجارة علي الذمة) * لك أن تعلم لفظ الاستئجار بالحاء والالف لان عندهما لا يجوز الاستئجار علي الحج كما في سائر العبادات ولكن يرزق عليه ولو استاجر كان ثواب النفقة للآمر وسقط عنه الخطاب بالحج ويقع الحج عن الحاج * لنا أنه عمل تدخله النيابة فيجزئ فيه الاستئجار كتفريق الزكاة وعندنا يجوز الحج بالرزق كما يجوز بالاجارة وذلك بان يقول حج عنى وأعطيك نفقتك ذكره في العدة واذ استاجره بالنفقة لم يصح لانها مجهولة والاجرة لا بد أن تكون معلومة * واعلم أن الاستئجار في جميع الاعمال علي ضربين * استئجار عين الشخص والزام ذمته العمل ونظير الاول من الحج أن يقول المعضوب استأجرتك لتحج عني أو يقول الوارث لتحج عن ميتى ونظير الثاني ان يقول الزمت ذمتك تحصيل الحج * والضربان يفترقان في أمور ستعرفها ثم للاستئجار شروط لا بد منها ليصح وإذا صح فله آثار واحكام وموضع ذكر ما يتعلق منها بمطلق الاسئجار كتاب الاجارة وفصل ههنا ما يتعلق بخصوص الحج فذكر أنه يراعي في الشروط أربعة أمور وهذا الفصل يشتمل علي اثنين منها وشرحها أن كل واحد من ضربي الاجارة إما أن يعين زمان العمل فيه أو لا يعين وإن عين فاما أن يعين السنة الاولي أو غيرها (فأما) في اجارة العين إن عينا السنة الاولي جاز بشرط ان يكون الخروج والحج فيما بقى
منها مقدورا للاجير فلو كان مريضا لا يمكنه الخروج أو كان الطريق مخوفا أو كانت المسافة بحيث لا تقطع في بقية السنة لم يصح العقد لان المنفعة غير مقدور عليها وان عينا غير السنة الاولي بطل العقد كاستجار الدار الشهر القابل * نعم لو كانت المسافة شاسعة لا يمكن قطعها في سنة لم(7/49)
يضر التاخير والمعتبر السنة الاولى من سنى امكان الحج من ذلك البلد وان اطلقا ولم يعينا الزمان فهو محمول علي السنة الاولى فيعتبر فيها ما ذكرنا (واما) في الاجارة الواردة علي الذمة يجوز تعيين السنة الاولي وغيرها وهو بمثابة الدين في الذمة قد يكون حالا وقد يكون مؤجلا وإن اطلقا فهو كما لو عينا السنة الاولي إذا عرفت ذلك عرفت ان الامرين المذكورين في الفصل ليسا ولا واحد منهما شرطا في مطلق الاجارة (اما الثاني) فلا مجال له في الضرب الثاني منها ولا هو بمضطر في الاول كما صرح به في الكتاب (واما الاول) وهو قدرة الاجير فلانه لو كانت الاجارة على الذمة لم يقدح كونه مريضا بحال لامكان الاستنابة ولا يقدح خوف الطريق ولا ضيق الوقت ايضا ان عين غير السنة الاولي (واما) قوله ثم ليبادر الاجير مع اول رفقة فاعلم ان قضية كلام المصنف والامام تجويز تقديم الاجارة علي خروج الناس وأن له انتظار خروجهم ولا يلزمه المبادرة وحده والذى ذكره جمهور الاصحاب على طبقاتهم ينازع فيه ويقتضى اشتراط وقوع العقد في زمان خروج الناس من ذلك البلد حتى قال صاحب التهذيب لا يصح استئجار العين الا في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو باسبابه من شرى الزاد ونحوه فان كان قبله لم تصح لان اجارة الزمان المستقبل لا تجوز وبنوا على ذلك أنه لو كان الاستئجار بمكة لم يجز الا في أشهر الحج ليمكنه لاشتغال بالعمل عقيب العقد وعلي ما أورده المصنف فلو جرى العقد في وقت تراكم الثلوج والانداء فقد حكي الامام فيه وجهين روى عن شيخه أنه يجوز لان توقع زوالها مضبوط وعن غيره أنه لا يجوز لتعذر الاشتغال بالعمل في الحال بخلاف انتظار الرفقة فان خروجها في الحال غير متعذر والاول هو الذى أورده في الكتاب وهذا كله في اجارة العين (فاما) الاجارة الواردة علي الذمة فيجوز تقديمها على الخروج لا محالة (واعلم) أن الكلام في أن الاجير يبادر مع أول رفقة ولا يبادر وحده عند من لا يشترط وقوع العقد في زمان خروج الناس
يتعلق باحكام العقد وآثاره لا بشرائطه وكان من حق الترتيب أن يؤخره ولا يخلطه بالشرائط * (فرع) ليس للاجير في إجارة العين أن ينيب غيره لان الفعل مضاف إليه فان قال لتحج عنى بنفسك فهو أوضح وأما في الاجارة علي الذمة ففى التهذيب وغيره انه ان قال ألزمت ذمتك لتحصل لى حجة جاز أن ينيب غيره وان قال لتحج بنفسك لم يجز لان الاغراض تختلف باختلاف اعيان الاجراء وهذا قد حكاه الامام عن الصيدلاني وخطأه فيه وقال ببطلان الاجارة في الصورة الثانية لان الدينية مع الربط بمعين يتناقضان فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه وهذا اشكال قوى *(7/50)
قال (الثالث ان تكون اعمال الحج معلومة للاجير وفى اشتراط تعين الميقات قولان وقيل انه ان كان علي طريقه ميقات واحد تعين وان أمكن ان يفضي الي ميقاتين وجب التعيين) * أعمال الحج معروفة مضبوطة فان علماها عند العقد فذاك وان جهلاها أو احدهما فلا بد من الاعلام وهل يشترط تعيين الميقات الذى يحرم منه الاجير قال في المختصر نعم وعن الاملاء وغيره انه لا يشترط وللاصحاب فيه طريقان (اظهرهما) ان المسألة علي قولين ويحكي ذلك عن ابن سريج وأبى اسحق (احدهما) يشترط لاختلاف المواقيت قربا وبعدا واختلاف الاغراض باختلافها (والثانى) لا يشترط ويتعين ميقات تلك البلدة علي العادة الغالبة وبهذا اجاب المحاملي في المقنع وذكر ابن عبدان انه الصحيح وشبهوا هذا الخلاف بالخلاف في التعرض لمكان التسليم في السلم والمعاليق في أجارة الدابة (والثانى) تنزيل النصين علي حالين ولمن قال به طريقان (أظهرهما) حمل النص الاول علي ما إذا كان للبلد طريقان مختلفا الميقات أو كان يفضي طريقها إلي ميقاتين كالعقيق وذات عرق وحمل الثاني علي ما إذا كان لها طريق واحد له ميقات واحد (والثانى) ويحكى عن ابن خيران ان حمل الاول على ما إذا استأجر حي والثاني على إذا ما كان الاستئجار لميت والفرق أن الحي له غرض واختيار والميت لا اختيار له والمقصود تبرئة ذمته وهى تحصل بالاحرام من أي ميقات كان فان شرطنا تعييين الميقات فسدت الاجارة باهماله لكن يقع الحج عن المستأجر لوجود الاذن ويلزمه أجرة المثل وإذا كانت الاجارة للحج والعمرة فلا بد من بيان انه يفرد أو يقرن أو يتمتع لاختلاف
الاغراض بها * قال (الرابع الا يعقد بصيغة الجعالة فلو قال من حج عني فله مائة فحج عنه انسان نقل المزني صحته وطرده الاصحاب في كل اجارة بلفظ الجعالة والا قيس فساد المسمي والرجوع الي أجرة المثل لصحة الاذن) * حكي الائمة أن المزني رحمه الله نقل في المنثور عن نصه انه لو قال المعضوب من حج عني فله مائة درهم فحج عنه انسان استحق المائة واختلاف الاصحاب فيه علي وجهين (احدهما) وبه قال أبو اسحق ان هذا النص مقرر وتجوز الجعالة على كل عمل يصح ايراد الاجارة عليه لان الجعالة جائزة مع كون العمل مجهولا فأولي أن تجوز مع العلم به (والثاني) وبه قال المزني ان النص مخالف مؤل ولا تجوز الجعالة(7/51)
على ما تجوز الاجارة عليه لان العمل غير معين فيها فانما يعدل إليها عند تعذر الاجارة للضرورة وعلى هذا فلو حج عنه انسان فالمسمي ساقط لفساد العقد ولكن الحج يقع عن المعضوب وللعامل أجرة المثل لوجود الاذن وإن فسد العقد وكذا الحكم فيما لو قال من خاط ثوبي فله كذا فخاطة انسان وفيه وجه انه يفسد الاذن لانه ليس موجها نحو معين كما لو قال وكلت من أراد ببيع دارى لا يصح التوكيل إذا تقرر ذلك فلفظ الكتاب ههنا يرجع الوجه الصائر إلى عدم صحة الجعالة فانه سماه الاقيس وجعل عدم العقد بصيغة الجعالة من الامور المرعية لكنه قد أعاد هذه المسألة في باب الجعالة وايراده هناك يقتضي ترجيح وجه الصحة وكلام الاكثرين إليه أميل (وقوله) الا يعقد بصيغة الجعالة ان كان المراد منه ان لا يعقد الاجارة بصيغة الجعالة فهذا يوهم رجوع المنع الي الصيغة وكون الجعالة اجارة وليس كذلك بل هما عقدان مختلفا الاركان وان كان المراد انه لا يعقد علي الحج الجعالة ذهابا الي الوجه الثاني فعده من شروط الاجارة بعيد عن الاصطلاح لان الامتناع عن العقد الذى لا يجوز ايراده على الشئ لا يعد شرطا فيما يجوز ايراده عليه والا فليكن لامتناع عن البيع وسائر ما لا يقبله الحج شرطا في الاجارة * قال (أما أحكامه فتظهر باحوال الاجير وهي سبعة (الاولي) إذا لم يحج في السنة الاولى انفسخت الاجارة ان إذا كانت على الذمة فللمستاجر الخيار كافلاس المشترى وقيل تنفسخ في قول
كانقطاع المسلم فيه فان حكمنا بالخيار فكان المستاجر ميتا فليس للوارث فسخ الاجارة فانه يجب صرفه إلى أجير آخر فاجير الميت اولي) * أحكام مطلق الاجارة تذكر في بابها والتي يختص بالاستئجار علي الحج مثبتة علي اختلاف حال الاجير في عدم الوفاء بالملتزم وهى فيما ذكر سبع أحوال ووجه حصرها أن عدم الوفاء إما أن يكون بعدم اشتغاله به في السنة الاولي وهو الحالة الاولي أو بغير هذا الطريق وهو إما بالشروع فيه علي خلاف قضية الاجارة أو بعدم الاستمرار عليها بعد الشروع علي وفاقها والاول اما بالمخالفة في الميقات وهو الحالة الثانية أو في الافعال وهو الثالثة (والثانى) وهو اما أن يكون بتقصير منه أو لا والاول اما بالافساد وهو الرابعة أو بتغير النية وهو الخامسة (والثالث) إما بالموت وهو السادسة أو بالاحصار وهو السابعة وفقه الحالة الولي أنه إذا لم يخرج إلي الحج في السنة الاولي أما بعذر أو بغير عذر فينظر إن كانت الاجارة علي العين انفسخت وان كانت في الذمة فينظر ان لم يعينا سنة فقد قدمنا ان الحكم كما لو عينا السنة الاولي وذكر في التهذيب انه يجوز التأخير عن السنة الاولي والحالة(7/52)
هذه لكن يثبت به الخيار للمستأجر وإن عينا سنة اما الاولى أو غيرها فأخر عنها هل تنفسخ الاجارة حكى الامام رحمه الله فيه طريقين (اظهرهما) انه علي قولين كالقولين فيما لو حل السلم والمسلم فيه منقطع (احدهما) ينفسخ لفوات مقصود العقد (واصحهما) لا ينفسخ كما لو اخر اداء الدين عن محله لا ينقطع (والثاني) القطع بالقول الثاني وإذا قلنا بعد الانفساخ فينظر ان صدر الاستئجار من المعضوب لنفسه فله الخيار لتعوق المقصود كما لو افلس المشترى بالثمن فان شاء اجاز ليحج في السنة الاخرى وان شاء فسخ واسترد الاجرة وارتفق بها إلى أن يستأجر غيره وان كان الاستئجار لميت في ماله فقد ذكر اصحابنا العراقيون أنه لا خيار لمن استأجر في فسخ العقد لان الاجرة متعينة لتحصيل الحج فلا انتفاع باستردادها وتوقف الامام فيما ذكروه لان الورثة يستفيدون باسترداد الاجرة صرفها الي من هو احرى بتحصيل المقصود وايضا فلانهم إذا استردوها تمكنوا من ابدالها بغيرها واورد صاحب التهذيب وغيره ان علي الولى مراعة النظر للميت فان كانت المصلحة في فسخ العقد لخوف افلاس
الاجير أو هربه فلم يفعل ضمن وهذا هو الاظهر ويجوز ان يحمل المنسوب إلى العراقيين على احد امرين رأيتهما للائمة (الاول) صور بعضهم المنع فيما إذا كان الميت قد اوصى بان يحج عنه انسان بمائة مثلا ووجهه بان الوصية مستحقة الصرف الي المعين (الثاني) حكي الحناطي ان ابا إسحق ذكر في الشرح ان للمستأجر للميت ان يرفع الامر الي القاضى ليفسخ العقد ان كانت المصلحة تقتضيه وان لم يستقل به فإذا نزل ما ذكروه علي التأويل الاول ارتفع الخلاف وان نزل علي الثاني هان امره ولو استأجر انسان للميت من مال نفسه تطوعا عليه فهذا كاستئجار المعضوب لنفسه فله الخيار ولو قدم الاجير الحج علي السنة المعينة جاز وقد زاد خيرا * ولنعد الي ما يتعلق بلفط الكتاب (قوله) ان لم يحج في السنة الاولى أي بان لم يشرع في أعماله وإلا فيدخل فيه ما إذا مات في اثناء الحج وما إذا أحصر وما إذا فاته بعد الشروع فيه وهذه الصورة باحكامها مذكورة من بعد (وقوله) الا إذا كانت على الذمة فللمستأجر الخيار غير مجرى على اطلاقه لانه لو عين غير السنة الاولى لم يؤثر تأخيره عن السنة الاولى (وقوله) فللمستأجر الخيار كافلاس المشترى جواب علي الطريقة الجازمة بعدم الانفساخ لقوله بعده وقيل ينفسخ في قول (واما) قوله فان حكمنا بالخيار وكان المستأجر ميتا فليس للوارث فسخ الاجارة (فاعلم) انا حكينا فيما إذا كان الاستئجار لميت الوجه المنقول عن العراقيين(7/53)
والذى يقابله ووراءه صورة اخرى وهى ان يستأجر المعضوب لنفسه ثم يموت ويؤخر الاجير الحج عن السنة الاولى هل يثبت الخيار للوارث ولفظ الكتاب مشعر بهذه الصورة بعيد عن الاولى تصويرا وتوجيها فانها فيما إذا كان الاستئجار لميت لا فيما إذا كان المستأجر ميتا والاولي هي التى تكلم الائمة فيها واما الثانية فلم نلقها مسطورة فان حمل كلام الكتاب علي الاولي وجعل ما ذكره جوابا على ما نقل عن العراقيين فهو بعيد من جهة اللفظ ثم ليكن معلما بالواو للوجه المقابل له وقد ذكرنا انه الاظهر وان حمل علي الثانية فالحكم بان الوارث لا خيار له بعيد من جهة المعني والقياس ثبوت الخيار للوارث كما في خيار العيب ونحوه * قال (الثانية إذا خالف في الميقات فأحرم بعمرة عن نفسه ثم احرم بحج المستأجر في مكة ففى قول
لا تحسب المسافة له لانه صرفه إلى نفسه فيحط من اجرته بمقدار التفاوت بين حجه من بلده وبين حجه(7/54)
من مكة فيكثر المحطوط وعلي قول تحسب المسافة فلا يحط مقدار التفاوت بين حج من الميقات وحج من مكة فيقل المحطوط وان لم يعتمر عن نفسه وأحرم من مكة فعليه دم الاساءة وهل ينجبر به حتى لا يحط شئ فيه وجهان فان قلنا لا ينجبر ففى احتساب المسافة في بيان القدر المحطوط وجهان مرتبان واولى بان يحتسب لانه لم يصرف إلي نفسه ولو عين له الكوفة فهل يلزمه الدم في مجاوزتها الحاقا لها بالميقات الشرعي فعلي وجهين ولو ارتكب محظور الزمه الدم ولا حط لانه أتى بتمام العمل) * في الفصل صورتان (إحداهما) الاجير للحج إذا انتهي إلي الميقات المعين من المواقيت اما بتعينهما ان اعتبرناه أو بتعيين الشرع فلم يحرم بالحج عن المستأجر ولكن أحرم بعمرة عن نفسه ثم لما فرغ منها أحرم بالحج عن المستأجر لم يخل اما ان يحرم به من غير أن يعود إلي الميقات أو يعود إلى الميقات فيحرم منه (الحالة الاولي) ان لا يعود إليه كما إذا أحرم من جوف مكة فيصح الحج عن المستأجر بحكم الاذن ويحط شئ من الاجرة المسماة لانه لم يحج من الميقات وكان هو الواجب عليه وفى قدر المحطوط اختلاف يتعلق باصل وهو انه إذا سار الاجير من بلدة الاجارة وحج فالاجرة تقع في مقابلة أعمال الحج وحدها أو تتوزع علي السير والاعمال وسيأتى شرحه من بعد فان اوقعناها في مقابلة اعمال الحج وحدها وزعت الاجرة المسماة علي حجة من الميقات وحجة من جوف مكة لان المقابل بالاجرة المسماة علي هذا هو الحج من الميقات فإذا كانت أجرة حجة منشأة من الميقات خمسة وأجرة حجة منشأة من جوف مكة ديناران فالتفاوت بثلاثة أخماس فيحط من الاجرة المسماة ثلاثة أخماسها وان وزعنا الاجرة على السير والاعمال جميعا وهو الاظهر فقولان (أحدهما) ان المسافة لا تحتسب له ههنا لانه صرفه الي غرض نفسه حيث احرم بالعمرة من الميقات ومن عمل لنفسه لم يستحق اجرة(7/55)
على غيره فعلى هذا توزع الاجرة المسماة علي حجة تنشأ من بلدة الاجارة ويقع الاحرام بها من الميقات وعلي حجة تنشأ من جوف مكة فيحط بنسبة التفاوت من الاجرة المسماة فإذا كانت اجرة
الحجة المنشأة من بلدة الاجارة مائة واجرة الحجة المنشأة من مكة عشرة حط من الاجرة المسماة تسعة أعشارها (وأصحهما) أنه يحتسب قطع المسافة الي الميقات لجواز أن يكون قصده منه تحصيل الحج الا انه اراد ربح عمرة في أثناء سفره فعلي هذا توزع الاجرة المسماة علي حجة منشأة من بلدة الاجارة إحرامها من الميقات وعلى حجة منشأة منها احرامها من مكة فإذا كانت أجرة الاولى مائة واجرة الثانية تسعين حططنا من المسمي عشرة وإذا وقفت على ما ذكرنا تحصلت علي ثلاثة أقوال والثانى والثالث هما اللذان اوردهما الاكثرون منهم صاحب التهذيب والتتمة وحكاهما ابن الصباغ وجهين مفرعين علي توزع الاجرة علي السير والعمل (وأما) القولان المذكوران في الكتاب فالاول منهما هو الثاني في الترتيب الذى ذكرناه والثانى منهما يمكن تنزيله على الثالث ليوافق ايراد الاكثرين وعلي هذا فقوله وعلى قول تحتسب المسافة أي في الصورة التى نحن فيها وقوله فلا يحط الا مقدار التفاوت بين حج من الميقات وحج من مكة أي احرامه من الميقات أو مكة وانشاؤهما من بلدة الاجارة ذلك وانما أراد القول الذى ذكرناه اولا هو واضح من كلامه في الوسيط وكذلك اورده الامام رحمه الله في النهاية وعلى هذا فظاهر المذهب غير القولين المذكورين في الكتاب (وقوله) وعلى قول تحتسب المسافة أي في الجملة لا في هذه الصورة واعرف بعد هذا شيئين (أحدهما) ان الحكم بوقوع الحج الذي أحرم به من مكة عن المستأجر ليس صافيا عن الاشكال لان المأمور به حجة يحرم بها من الميقات وهذا الخصوص متعلق الغرض فلا يتناول الاذن غيره ولهذا لو أمره بالبيع علي وجه خاص مقصود لا يملك البيع علي غير ذلك الوجه (الثاني) ان الاجير في المسألة التي نحن فيها يلزمه دم لاحرامه بالحج بعد مجاوزة الميقات وسنذكر خلافا في غير صورة الاعتمار ان إساءة المجاوزة هل تنجبر باخراج(7/56)
الدم حتي لا يحط شئ من الاجرة أم لا وذلك الحلاف عائد ههنا نص عليه ابن عبدان وغيره فإذا الخلاف في قدر المحطوط مفرع علي القول باصل الحط ويجوز أن نفرق بين الصورتين ونقطع بعدم الانجبار ههنا لانه ارتفق بالمجاوزة حيث أحرم بالعمرة لنفسه (الحالة الثانية) ولم يذكر ما في الكتاب أن يعود إلى الميقات بعد الفراغ من العمرة ويحرم بالحج منه فهل يحط شئ من الاجرة يبني على
الخلاف في الحالة الاولي (ان قلنا) الاجرة موزعة علي السير والعمل ولم يحسب السير ههنا لانصرافه إلى العمرة فتوزع الاجرة المسماة على حجة منشأة من بلدة الاجارة احرامها من الميقات وعلى حجة منشأة من الميقات من غير قطع مسافة فإذا كانت أجرة الاولي عشرين مثلا وأجرة الثانية خمسة حططنا من المسمي ثلاثة أرباعه (وإن قلنا) الاجرة في مقابلة العمل وحده أو وزعنا عليه وعلي السير واحتسبنا قطع المسافة ههنا فلا حط وتجب الاجرة بتمامها وهذا هو الاظهر ولم يذكر كثيرون غيره (الصورة الثانية) إذا شرطا في الاجارة ميقاتا من المواقيت الشرعية أو قلنا إنه يتعين ميقات بلده فجاوزه غير معتمر ثم أحرم بالحج عن المستاجر نظر إن عاد إليه وأحرم منه فلا دم عليه ولا يحط من الاجرة شئ وان أحرم من جوف مكة أو بين الميقات ومكة ولم يعد لزمه دم الاساءة بالمجاوزة وهل ينجبر به الخلل حتى لا يحط شئ من الاجرة نص في المختصر علي أنه لا ينجبر بل يرد من الاجرة بقدر ما ترك(7/57)
ونقل عن القديم انه يلزمه دم وحجته تامة ولم يتعرض للاجرة واختلفوا علي طريقين (أظهرهما) ان المسأله علي قولين (أحدهما) ان الدم يجبر الاساءة الحاصلة ويصير كان لا مخالفة فيستحق تمام الاجرة (وأظهرهما) أنه يحط لانه استأجره لعمل وقد نقص منه فصار كما لو استأجره لبناء أذرع فنقص منها والدم انما وجب لحق الله تعالى فلا ينجبر بها حق الآدمى كما لو جنى المحرم علي صيد مملوك يلزمه الضمان مع الجزاء (والثاني) وبه قال أبو اسحق القطع بالقول الثاني الا انه سكت عن حكم الاجرة في القديم فان قلنا بحصول الانجبار فهل ننظر إلى قيمة الدم ونقابلها بقدر تفاوت الاجرة حكي الامام فيه وجهين (احدهما) وبه قال ابن سريج نعم حتي لا ينجبر ما زاد علي قيمة الدم (وأظهرهما) لا لان المعول في هذا القول على انجبار الخلل والشرع قد حكم به من غير نظر الي القيمة (وان قلنا) بعدم الانجبار وحططنا شيئا ففى القدر المحطوط وجهان مبنيان علي الاصل الذى سبقت الاشارة إليه وهو أن الاجرة في مقابلة ماذا ان أوقعناها في مقابلة الاعمال وحدها وزعنا المسمي على حجة من الميقات وحجة من حيث أحرم وان وزعناها علي السير والعمل جميعا وهو الاظهر وزعنا المسمى على حجة من بلدة الاجارة يكون احرامها من الميقات وعلي حجة منها يكون احرامها
من حيث أحرم وعلى هذا يقل المحطوط بخلاف ما لو وزعنا علي السير والعمل جميعا ثم لم تحتسب يقطع المسافة في الصورة الاولي فانه يكثر المحطوط وإذا نسبت هذه الصورة الي الاولى ترتب الخلاف في ادخال المسافة في الاعتبار على الخلاف في الاولي كما ذكره في الكتاب وهذه أولى بالاعتبار لانه لم يصرف إلي نفسه ثم حكي الشيخ أبو محمد رحمه الله وجهين في أن النظر إلي الفراسخ وحدها أم يعتبر مع ذلك السهولة والحزونة والاصح الثاني (وأعلم) أن الجمهور اوردوا في مسألة الانجبار علي طريقة اثبات الخلاف قولين وصاحب الكتاب أطلق وجهين لكن الامر فيه هين فانهما(7/58)
ليسا بمنصوصين ويجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لطريقة نفي الخلاف ولو عدل الاجير عن طريق الميقات المتعين إلي طريق آخر ميقاته مثل ذلك الميقات أو ابعد فالمذهب أنه لا شئ عليه هذا كله في الميقات الشرعي أما إذا عينا موضعا آخر نظر إن كان أقرب إلي مكة من الميقات الشرعي فهذا الشرط فاسد مفسد للاجارة إذ ليس لمن يريد النسك أن يمر علي الميقات غير محرم وان كان أبعد كما عينا الكوفة فهل يجب علي الاجير الدم في مجاوزتها غير محرم فيه وجهان قد حكاهما المسعودي وغيره رحمهما الله (أحدهما) لا يجب لان الدم منوط بالميقات المحترم شرعا فلا يلحق به غيره ولان الدم يجب حقا لله تعالي والميقات المشروط إنما يتعين حقا للمستأجر والدم لا يجبر حق الآدمى (وأظهرهما) وهو نصه في المختصر أنه يلزمه لان تعينه وإن كان لحق الآدمى فالشارع هو الذى حكم به وتعلق به حقه (فان قلنا) بالاول حطقسط من الاجرة لا محالة (وإن قلنا) بالثاني ففي حصول الانجبار الوجهان وكذلك لو لزمه الدم بسبب ترك مأمور كالرمي والمبيت وإن لزمه بسبب ارتكاب محظور كاللبس والقلم لم يحط شئ من لاجرة لانه لم ينقص من العمل ولو شرط على الاجير أن يحرم في أول شوال فاخره لزمه الدم وفى الانجبار الخلاف المذكور وكذا لو شرط ان يحج ماشيا فحج راكبا لانه ترك شيئا مقصودا حكي الفرعان عن القاضي الحسين ويشبه ان يكونا مفرعين علي أن الميقات الشرطي كالميقات الشرعي والا فلا يلزم الدم كما في مسألة تعيين الكوفة والله أعلم * قال (الثالثة إذا أمر بالقران فافرد فقد زاد خيرا وان قرن قدم القران علي المستأجر علي اصح
الوجهين ولو أمر بالافراد فقرن فالدم علي الاجير وبرئت ذمة المستأجر عن الحج بالعمرة لان القران(7/59)
كالافراد شرعا وفى حط شئ من الاجرة مع جبره بالدم الخلاف السابق وان أمر بالقران فتمتع كان كالقران على وجه وفي وجه جعل مخالفا له وعليه الدم ويعود الخلاف في حط شئ من الاجرة) * قد مر أن الاستئجار إذا كان لكلا النسكين فلا بد من التعرض لجهة أدائهما ويترتب عليه مسائل ذكر بعضها في الكتاب وأعرض عن بعض ونحن نذكرها على الاختصار وإن تغير ترتيب ما في الكتاب منها فليحتمل فان الشرح قد يدعو إليه (المسألة الاولى) إذا أمره بالقران لم يخل إما أن يمتثل أو يعدل إلي جهة اخرى فان امتثل وجب دم القران وعلي من يجب فيه وجهان وقال في التهذيب قولان (إصحهما) علي المستأجر لانه مقتضى الاحرام الذى امر به وكانه القارن بنفسه (والثاني) علي الاجير لانه قد التزم القران والدم من تتمته فكليف به فعلي الاول لو شرطا ان يكون علي الاجير(7/60)
فسدت الاجارة لانه جمع بين الاجارة وبيع المجهول كانه يشترى الشاة منه وهي غير معينة ولا موصوفة والجمع بين الاجارة وبيع المجهول فاسد ولو كان المستأجر معسرا فالصوم يكون علي الاجير لان بعض الصوم ينبغى ان يكون في الحج والذى في الحج منهما هو الاجير هكذا ذكره في التهذيب وقال في التتمة هو كما لو عجز عن الهدى والصوم جميعا وعلى الوجهين يستحق الاجرة بتمامها وان عدل الي جهة اخرى نظر ان عدل إلى الافراد فحج ثم اعتمر فقد نقل عن نصه في الكبير انه يلزمه ان يرد من الاجرة ما يخص العمرة وهذا محمول علي ما إذا كانت الاجارة علي العين فانه لا يجوز تأخير العمل فيها عن الوقت المعين وان كانت في الذمة نظر ان عاد الي الميقات للعمرة فلا شئ عليه وقد زاد خيرا ولا شئ على المستأجر ايضا لانه لم يقرن وان لم يعد فعلي الاجير دم لمجاوزته الميقات(7/61)
للعمرة وهل يحط شئ من الاجرة ام تنجبر الاساءة بالدم فيه الخلاف السابق وان عدل إلى التمتع فقد أشار أبو سعيد المتولي إلى أنه ان كانت الاجارة اجارة عين لم يقع الحج عن المستأجر
لوقوعه في غير الوقت المعين وهذا هو قياس ما تقدم وان كانت الاجارة على الذمة فينظر ان عاد الي الميقات للحج فلا دم عليه ولا على المستاجر وان لم يعد ففيه وجهان (احدهما) لا يجعل مخالفا لتقارب الجهتين فان في القران نقصانا في الافعال واحراما من الميقات وفى التمتع كمالا في الافعال ونقصانا في الاحرام لوقوعه بعد مجاوزة الميقات فعلي هذا الحكم كما لو امتثل وفى كون الدم علي الاجير أو المستاجر الوجهان (واظهرهما) انه يجعل مخالفا لانه مامور بالاحرام بالتسكين من الميقات وقد ترك الاحرام بالحج منه فعلي هذا يجب علي الاجير الدم لاساءته وفى حط شئ من الاجرة الخلاف(7/62)
السابق وذكر اصحاب الشيخ ابي حامد انه يجب على الاجير دم لتركه الاحرام من الميقات وعلى المستاجر دم آخر لان القران الذى امر به يتضمنه واستبعده ابن الصباغ وغيره (المسالة الثانية) إذا امره بالتمتع فامتثل فالحكم كما لو امره بالقران فامتثل وان افرد نظر ان قدم العمرة وعاد للحج إلى الميقات فقد زاد خيرا وان أخر العمرة فان كانت الاجارة اجارة عين انفسخت فيها لفوات الوقت المعين للعمرة فيرد حصتها من المسمي وان كانت اجارة على الذمة وعاد للعمرة الي الميقات لم يلزمه شئ وان لم يعد فعليه دم لترك الاحرام بالعمرة من الميقات وفى حط شئ من الاجرة الخلاف السابق وان قرن فالمنقول عن النص انه قد زاد خيرا لانه احرم بالنسكين من الميقات وكان مامورا بان يحرم بالعمرة منه وبالحج مكة ثم ان عدد الافعال فلا شي عليه وإلا فقد نقلوا وجهين في أنه هل يحط شئ من الاجرة للاختصار في الافعال وفى أن الدم على(7/63)
المستأجر لامره بما يتضمن الدم أم علي الاجير لنقصان الافعال وكل ذلك مخرج علي الخلاف المقدم في عكسه وهو ما إذا تمتع المأمور باقران (المسألة الثالثة) لو أمره بالافراد وامتثل فذاك وان قرن نظران كانت الاجارة على العين فالعمرة واقعة لا في وقتها فهو كما لو استأجره للحج وحده فقرن وان كانت في الذمة وقعا عن المستأجر لان القران كالافراد شرعا في أخراج النفس عن العهدة ويجب علي الاجير الدم وهل يحط شئ من الاجرة أم ينجبر الخلل بالدم فيه الخلاف السابق وان تمتع فان كانت الاجارة علي العين وقد أمره بتأخير العمرة فقد وقعت في غير وقتها فيرد ما يخصها من الاجرة وان
أمره بتقديمها أو كانت الاجارة على الذمة وقعا عن المستأجر وعلى الاجير دم إن لم يعد للحج إلي الميقات وفي حط شئ من الاجرة الخلاف السابق (وقوله) في الكتاب وفى حط شئ من الاجرة(7/64)
مع جبره بالدم ظاهره يقتضي كون الجبر مجزوما به وليس كذلك بل التردد في الحط تردد في أن خلل المخالفة هل ينجبر بالدم أم لا علي ما تقرر وتكرر (وأعلم) أن المسائل مشتركة في أن العدول عن الجهة المأمور بها إلى غيرها غير قادح في وقوع النسكين عن المستأجر وفيه اشكال لان ما يراعى الاذن في أصله يراعي في تفاصيله المقصودة فإذا خالف كان المأتي به غير المأذون فيه وأجاب الامام رحمه الله عنه بان مخالفة المستأجر مشبهة بمخالفة الشرع في ترك المأمورات وارتكاب المحظورات التى لا تفسد وهي لا تمنع الاعتداد باصل النسكين وهذ لان المستأجر لا يحصل الحج لنفسه وانما يحصله ليقع لله تعالي فجعلت مخالفته كمخالفة الشرع ولك ان تقول لم تشبه مخالفة المستأجر بمخالفة الشرع ولا نسلم أن المستأجر لا يحصله لنفسه بل يحصله ليخرج النفس عن عهدة الواجب وللفعل المخرج كيفيات مخصوصة بعضها أفضل من بعض فليراع غرضه فيه ثم الفارق ان مخالفة الشرع فيما لا يفسد يستحيل ان يؤثر في الافساد وإذا صح فمحال أن يصح لغيره وقد أتي به لنفسه وأما النسك الذي خالف فيه المستأجر فلا ضرورة في وقوعه عنه بل أمكن صرفه إلي المباشرة على المعهود في نظاثره والله أعلم * قال (الرابعة إذا جامع الاجير فسد حجه وانفسخت الاجارة ان وردت علي عينه ولزمه القضاء لنفسه وإن كان علي ذمته لم تنفسخ وهل يقع قضاؤه عن المستأجر أو يجب حجة أخرى سوى القضاء له(7/65)
علي وجهين) * إذا جامع الاجير فسد حجه وانقلب إلى الاجير فيلزمه الكفارة والمضى في الفاسد والقضاء ووجهه انه أتي بغير ما امر به فان المأمور به الحج الصحيح والمأتى به الحج الفاسد فينصرف إليه كما لو أمره بشرى شئ بصفة فاشتري على غير تلك الصفة يقع عن المأمور وقد ينقلب الحج عن الحالة التي انعقد عليها الي غيرها ألا ترى ان حج الصبي ينعقد نفلا ثم إذا بلغ قبل الوقوف ينقلب
فرضا (فان قيل) انه موقوف في الابتداء (قلنا) بمثله ههنا وروى صاحب التهذيب رضي الله عنه عن المزني رحمه الله انه لا ينقلب إلي الاجير بل يقع الفاسد والقضاء جميعا عن المستأجر وفى هذا تسليم لوجوب القضاء لكن الرواية المشهورة عنه انه لا انقلاب ولا قضاء اما انه لانقلاب فلان الاحرام قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلي غيره وأما انه لا قضاء فلان من له الحج لم يفسده فلا يؤثر فعل غيره فيه ولم يعز الحناطى هذا المذهب الي المزني لكن قال انه حكاه قولا وإذا قلنا بظاهر المذهب فان كانت الاجارة علي العين انفسخت والقضاء الذي يأتي به الاجير يقع عنه وإن كانت في الذمة لم تنفسخ وعمن يقع القضاء فيه وجهان وقيل قولان (احدهما) عن المستأجر لانه قضاء الاول ولو لافساده لو وقع عنه (واصحهما) عن الاجير لان القضاء يحكي الاداء والاداء واقع عن الاجير فعلي(7/66)
هذا يلزمه سوى القضاء حجة أخرى للمستأجر فيقضى عن نفسه ثم يحج عن المستأجر في سنة اخرى أو ينيب من يحج عنه في تلك السنة وحيث لا تنفسخ الاجارة فللمستأجر خيار الفسخ لتأخر المقصود وفرق اصحابنا العراقيون بين ان يستأجر المعضوب وبين أن تكون الاجارة لميت في ثبوت الخيار وقد سبق نظيره والكلام عليه والمواضع المحتاجة إلى العلامة بالزاى تثبته * قال (الخامسة لو احرم عنه ثم نوي الصرف إلى نفسه لم ينصرف إليه وسقطت اجرته على احد القولين لانه أعرض عنها * إذا أحرم الاجير عن المستأجر ثم صرف الاحرام إلي نفسه ظنا منه بأنه ينصرف وأتم الحج على هذا الظن فالحج للمستأجر وفى استحقاق الاجير الاجرة قولان (أحدهما) انه لا يستحق لانه أعرض عنها حيث قصد بالحج نفسه (وأصحهما) أنه يستحق لصحة العقد في الابتداء وحصول غرض المستأجر وهذا الخلاف مجرى فيما إذا دفع ثوبا إلي صباغ ليصبغه فامسكه وجحده وصبغه لنفسه ثم رده هل يستحق الاجرة وقس علي هذا نظائره وإذا قلنا باستحقاق الاجرة فالمستحق المسمى أو أجرة المثل حكى صاحب التتمة فيه وجهين (أصحهما) الاول * قال (السادسة من مات في أثناء الحج فهل للوارث أن يستأجر اجيرا ليبنى علي حجه فيه(7/67)
قولان فان جوزنا ذلك فان مات بين التحللين احرم الاجير احراما حكمه الا يحرم اللبس والقلم لانه بناء على ما سبق فهو كالدوام فعلى هذا إذا مات الاجير في اثناء الحج استحق قسطا من الاجرة لان ما سبق لم يحبط وان قلنا لا يمكن البناء فقد حبطحق المستأجر ففى استحقاقه شيئا وجهان ولو مات قبل الاحرام ففى استحقاقه قسطا لسفره وجهان مرتبان وأولى بان لا يستحق لان السفر لم يتصل بالمقصود) * غرض الفصل بالكلام فيما إذا مات في اثناء الحج وقد قدم عليه مقدمة وهي ان الحاج لنفسه إذا مات في أثناء الحج هل يجوز البناء على حجه وفيه قولان شبهوهما بالقولين في جواز البناء على الاذان والخطبة وفى جواز الاستخلاف وان اختلفت الصور في الاظهر منها (الجديد) الصحيح انه لا يجوز البناء علي الحج لانه عبادة يفسد اولها بفساد آخرها فاشبهت الصوم والصلاة ولانه لو احصر فتحلل ثم زال الحصر فاراد البناء عليه لا يجوز فإذا لم يجز له البناء علي فعل نفسه فاولى ان لا يجوز لغيره البناء علي فعله (والقديم) الجواز لان النيابة جارية في جميع افعال الحج فتجرى في بعضها كتفرقة الزكاة (التفريع) ان لم يجوز البناء حبط المأتى به إلا في حق الثواب ووجب الاحجاج من تركته إذا كان مستقرا في ذمته وان جوزنا البناء فاما ان يتفق الموت وقد بقي وقت الاحرام بالحج أو حين لم يبق وقته فاما في الحالة الاولي فيحرم النائب بالحج ويقف بعرفة ان لم يقف الاصل ولا يقف(7/68)
ان وقف ويأتي ببقية الاعمال ولا بأس بوقوع احرام النائب وراء الميقات فانه مبنى علي احرام أنشئ منه واما في الحالة الثانية فبم يحرم فيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو اسحق انه يحرم بعمرة لفوات وقت الاحرام بالحج ثم يطوف ويسعى فيجزآنه عن طواف الحج وسعيه ولا يبيت ولا يرمي فانهما ليسا من اعمال العمرة ولكنهما يجبران بالدم (واصحهما) انه يحرم بالحج ايضا ويأتى ببقية الاعمال لانه لو احرم بالعمرة للزمه افعال العمرة ولما انصرف إلى الحج والاحرام ابتدأ هو الذى يمتنع تأخيره عن اشهر الحج وهذا ليس احراما مبتدأ وانما هو مبني على ما سبق وعلى هذا فلو مات بين التحللين احرم النائب أحراما لا يحرم اللبس والقلم وانما يحرم النساء لان احرام الاصل لو بقى
لكان بهذه الصفة (واعلم) ان الامام رحمه الله حكي الوجه الاول عن العراقيين ونسب الثاني إلي المروازه ولعل ان نسبته الثاني الي المراوزة بمعنى انه الذى اورده ولا يستمر نسبته إليهم بمعنى انهم ابدعوه ولا نسبة الاول إلى العراقيين يعنى انهم اختاروه ولا انهم اقتصروا علي ذكره لان كتبهم مشحونة بحكاية الوجهين وناصة على ترجيح الثاني منهما وجميع ما ذكرنا فيما إذا مات قبل حصول التحللين فاما إذا مات بعد حصولهما فقد قطع صاحب التهذيب وغيره بانه لا يجوز البناء والحالة هذه إذ لا ضرورة إليه لامكان جبر ما بقى من الاعمال بالدم وأوهم بعضهم اجراء الخلاف والله أعلم * إذا عرفت هذه المقدمة فنقول(7/69)
لموت الاجير أحوال (إحداها) أن يكون بعد الشروع في الاركان وقبل الفراغ منها فهل يستحق شيئا من الاجرة فيه قولان (أحدهما) لا لانه لم يسقط الفرض عن المستأجر وهو المقصود فاشبه ما لو التزم له مالا ليرد عبده الآبق إليه فرده الي بعض الطريق ثم هرب (والثانى) نعم لانه عمل بعض ما استؤجر له فاستحق بقسطه من الاجرة كما لو استأجره لخياطة ثوب فخاط بعضه ثم اختلفوا فصار صائرون الي أن القولين مبنيان علي ان البناء علي الحج هل يجوز أم لا إن منعناه لم يلزم شئ من الاجرة لان المستأجر لم ينتفع بما فعله وان جوزناه لزم وفى كلام أصحابنا العراقيين ما ينفي هذا البناء لامرين (احدهما) أن ابن عبدان ذكر أن الجديد استحقاق الاجرة والقديم خلافه وذلك على عكس المنقول في جواز البناء (والثانى) ان كلمة الاصحاب متفقة علي ترجيح قول المنع من قولي البناء وقد حكم كثير منهم بترجيح قول الاستحقاق اما صريحا فقد ذكره الكرخي وغيره وأما دلالة فلانهم أشاروا إلي أن مأخذ القولين ان هذا العقد يلحق بالاجارات أو بالجعالات من حيث أن المقصود عاقبة الامر وقطع المسافة ليس بمقصود ولابد منه ثم إنهم استبعدوا الحاقه بالجعالات وعدوه اجارة ومعلوم أن في الاجارة يستحق بعض الاجرة ببعض العمل وأورد الامام رضى الله عنه طريقة متوسطة بينهما وتابعه صاحب الكتاب فقالا ان جوزنا البناء استحق قسطا من الاجرة لا محالة(7/70)
لان المستأجر بسبيل من اتمامه وان لم تجوزه ففى الاستحقاق الخلاف ووجه عدم الاستحقاق ان ما عمله
قد حبط ولم ينتفع المستأجر به ووجه الاستحقاق أنه ينفعه في الثواب وإن لم ينفعه في الاجزاء وقد أتى الاجير بما عليه والموت ليس إليه والمشهور من الخلاف القولان وصاحب الكتاب نقلهما وجهين (فان قلنا) إنه لا يستحق شيئا فذلك فيما إذا مات قبل الوقوف بعرفة فان مات بعده فقد حكي الحناطى فيه وجهين والاظهر أنه لا فرق (وان قلنا) أنه يستحق شيئا فالاجرة تقسط علي الاعمال وحدها أم عليها مع السير فيه طريقان قال الاكثرون هو علي قولين (أحدهما) انها تقسط على الاعمال وحدها لان الاجرة تقابل المقصود والسير تسبب إليه وليس من المقصود في شئ (وأظهرهما) أنها تقسط علي العمل والسير جميعا لان للوسائل حكم المقاصد وتعب الاجير في السير أكثر فيبعد أن لا يقابل بشئ وقال ابن سريج رحمه الله ان قال استأجرتك لتحج عنى فالتوزيع علي الاعمال وحدها وان قال لتحج من بلد كذا فالتوزيع على السير والاعمال جميعا ونزل النصين على الحالين ثم هل يبنى على ما فعله الاجير ينظر ان كانت الاجارة على العين انفسخت ولا بناء لورثة الاجير كما لم يكن له أن ينيب بنفسه وهل للمستأجر أن يستأجر من يتمه يبني على القولين في جواز البناء ان جوزناه فله ذلك والا فلا وان كانت الاجارة علي الذمة(7/71)
(فان قلنا) لا يجوز البناء فلورثة الاجير أن يستأجروا من يحج عمن استؤجر له فان أمكنهم الاحجاج عنه في تلك السنة لبقاء الوقت فذاك وان تأخر إلى السنة الاخرى ثبت الخيار كما سبق وان جوزنا البناء فلورثة الاجير أن يتموا الحج ثم القول في أن النائب بم يحرم وفي حكم إحرامه بين التحللين على ما سبق (الحالة الثانية) أن يكون بعد الاخذ في السير وقبل الاحرام فالمنقول عن نصه في عامة كتبه أنه لا يستحق شيئا من الاجرة لانه بسبب لا يتصل بالمقصود فصار كما لو قرب الاجير علي البناء الآلات من موضع البناء ولم يبن لم يستحق شيئا وعن أبى بكر الصيرفي والاصطخري أنه يستحق قسطا من الاجرة لانهما أفتيا سنة حصر القرامطة الحجيج بالكوفة بان الاجراء يستحقون من الاجرة بقدر ما عملوا ووجهه أن الاجرة تقع في مقابلة السير والعمل جميعا ألا ترى أنها تختلف باختلاف المسافة طولا وقصرا وفصل ابن عبدان المسألة فقال ان قال استأجرتك لتحج من بلد كذا فالجواب علي ما قالاه وان قال على أن تحج فالجواب علي ما هو المشهور وهذا كالتفصيل الذى
مر عن ابن سريج (الحالة الثالثة) ولم يذكرها في الكتاب أن يكون موته بعد اتمام الاركان وقبل الفراغ من سائر الاعمال فينظر إن فات وقتها أو لم يفت ولكن لم نجوز البناء فيجبر بالدم من مال(7/72)
الاجير وفى ورد شئ من الاجرة الخلاف السابق وإن جوزنا البناء فان كانت الاجارة علي العين انفسخت ووجب رد قسطها من الاجرة واستأجر المستأجر من يرمي ويبيت ولا دم علي الاجير وإن كانت على الذمة استأجر وارث الاجير من يرمى ويبيت ولا حاجة إلى الاحرام لانهما عملان يؤتى بهما بعد التحللين ولا يلزم الدم ولا يرد شئ من الاجرة ذكره في التتمة * قال السابعة لو أحصر فهو كما لو مات ولو فات الحج فهو كالافساد لانه يوجب القضاء ولا يستحق شيئا) * لو أحصر الاجير فله التحلل كما لو أحصر الحاج لنفسه فان تحلل فعمن يقع ما أتى به فيه وجهان (أصحهما) عن المستأجر كما لو مات إذ لم يوجد من الاجير تقصير (والثانى) عن الاجير كما لو أفسده لانه لم يحصل غرضه فعلى هذا دم الاحصار على الاجير وعلى الاول هو على المستأجر وفى استحقاقه شيئا من الاجرة الخلاف المذكور في الموت وان لم يتحلل واقام على الاحرام حتي فاته الحج انقلب الحج إليه كما في صورة الافساد ثم يتحلل بعمل عمرة وعليه دم الفوات ولو فرض الفوات بنوم أو تأخر عن القافلة وغيرهما من غير احصار انقلب المأتى به إلي الاجير ايضا كما في الافساد لاشتراكهما(7/73)
في ايجاب القضاء ولا شئ للاجير ومن الاصحاب من أجرى فيه الخلاف المذكور في الموت ولا يخفى بعد الوقوف على ما ذكرنا أن قوله لو أحصر فهو كما لو مات أراد به ما إذا أحصر وتحلل وأنه يجوز ان يعلم قوله كما لو مات بالواو لانا حكينا وجها انه إذا تحلل وقع المأتي به عن الاجير وذلك الوجه غير جاء في الموت فلا يكون الاحصار كالموت علي ذلك الوجه وأنه لو أعلم قوله فهو كالافساد بالواو وكذا قوله لا يستحق شيئا وقوله ولا يستحق شيئا جار مجرى التوكيد والايضاح والا ففى التشبيه بالافساد ما يغنى عنه والله أعلم هذا تمام الكلام في المقدمة الاولي)
قال (المقدمة الثانية المواقيت * والميقات الزماني للحج شهر شوال (ح) وذو القعدة وتسع من ذى الحجة وفى ليلة العيد إلى طلوع الفجر وجهان) * ميقات الحج والعمرة ينقسم الي زماني ومكاني (أما) الزماني فالكلام فيه في الحج ثم العمرة (أما) الحج فوقت الاحرام به شوال وذو القعدة وتسع ليال بايامها من ذى الحجة وفى ليلة النحر وجهان حكاهما الامام وصاحب الكتاب (أصحهما) ولم يورد الجمهور سواه انها وقت له إيضا لانها وقت للوقوف بعرفة ويجوز أن يكون الوجه الآخر صادرا ممن يقول أنها ليست وقتاله وسيأتى بيان ذلك الخلاف في موضعه (واعلم) أن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر وأشهر الحج شوال وذو القعدة وتسع من ذى الحجة وهو يوم عرفة فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج وفيه مباحثتان (احداهما)(7/74)
(قوله) وهو يوم عرفة قال المسعودي معناه والتاسع يوم عرفة وفيه معظم الحج (وقوله) فمن لم يدركه اختلفوا في تفسيره فقال الاكثرون اراد من لم يدرك الاحرام بالحج الي الفجر من يوم النحر وقال المسعودي اراد من لم يدرك الوقوف بعرفة (الثانية) اعترض ابن داود فقال (قوله) وتسع من ذى الحجة اما أن يريد به الايام أو الليالي ان اراد الايام فاللفظ مختل لان جمع المذكر في العدد بالهاء كما قال الله تعالي * وثمانية ايام * وان اراد الليالي فالمعنى مختل لان الليالى عنده عشر لا تسع قال الاصحاب ههنا قسم آخر وهو انه يريد الايام والليالي جميعا والعرب تقلب التأنيث في العدد ولذلك قال الله تعالي: اربعة اشهر وعشرا * وقال صلى الله عليه وسلم " واشترطي الخيار ثلاثا " والمراد الايام والليالي ثم هب ان المراد الليالي ولكن افردها بالذكر لان ايامها ملحقة بها (فاما) الليلة العاشرة فنهارها لا يتبعها فأفردها بالذكر حيث قال فمن لم يدركه الي الفجر من يوم النحر وهذا علي تفسير الاكثرين (وأما) على تفسير المسعودي فلم يمنع انشاء الاحرام ليلة النحر ان يتمسك بظاهر قوله وتسع من ذى الحجة ولا يلزمه اشكال ابن داود واعلم قوله في الكتاب وتسع من ذى الحجة بالحاء والالف لانهما يقولان وعشر من ذى الحجة بايامها وبالميم لانه يقول وذى الحجة كله قال جماعة من الاصحاب وهذا اختلاف لا يتعلق به حكم وعن القفال ان فائدة الخلاف مع مالك كراهة العمرة في ذى الحجة فان عنده تكره العمرة في اشهر الحج ثم اتفق مالك وابو حنيفة واحمد رحمهم الله على ان الاحرام بالحج ينعقد في غير
اشهره الا انه مكروه ويجوز ان يعلم قوله وتسع من ذى الحجة بالواو ايضا لان المحاملي حكى في الاوسط قولا عن الاملاء كمذهب مالك (وقوله) والميقات الزمانى للحج أي للاحرام به (فاما) الافعال فسيأتي بيان اوقاتها * قال (وأما) العمرة فجميع السنة وقتها ولا تكره في وقت أصلا الا للحاج العاكف بمنى في شغل الرمى والمبيت لانه لا تنعقد عمرته لعجزه عن التشاغل في الحال ولو أحرم قبل اشهر الحج بحج انعقد إحرامه ويتحلل بعمل عمرة وهل تقع عن عمرة الاسلام فيه قولان)(7/75)
السنة كلها وقت للاحرام بالعمرة ولا يختص باشهر الحج روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " عمرة في رمضان تعدل حجة " واعتمرت عائشة رضي الله عنها من التنعيم ليلة المحصب وهى الليلة التي يرجعون فيها من منى الي مكة ولا يكره في وقت منها وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة يكره في خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وقد قدمنا عن مالك كراهيته في أشهر الحج وتوقف الشيخ أبو محمد في(7/76)
ثبوته عنه لنا أن كل وقت لا يكره فيه القران بين النسكين لا يكره فيه الافراد باحدهما (أما) علي أبي حنيفة فكما قيل يوم عرفة (وأما) علي مالك فكالافراد بالنسك الآخر ولا يكره أن يعتمر في السنة مرارا بل يستحب الا كثار منها وعن مالك انه لا يعتمر في السنة الا مرة لنا ما روى " انه صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة في سنة واحدة مرتين " وقد يمتنع الاحرام بالعمرة لا باعتبار الوقت بل باعتبار عارض كمن كان محرما بالحج لا يجوز له ادخال العمرة علي اظهر القولين كما سنشرحه وإذا تحلل عنه التحللين وعكف بمني لشغل المبيت والرمى لم ينعقد والرمى لم ينعقد إحرامه بالعمرة لعجزه عن التشاغل باعمالها في الحال نص عليه قال الامام وكان من حق تلك المناسك ان لا تقع الا في زمان التحلل فان نفر النفر الاول فله الاحرام بها لسقوط بقية الرمى عنه ثم في الفصل مسألة تتعلق بوقت الاحرام بالحج وهي انه لو أحرم بالحج في غير أشهره ما حكمه لا شك في انه لا ينعقد إحرامه بالحج ثم انه نص في المختصر على انه يكون عمرة وفى موضع آخر علي انه يتحلل بعمل عمرة وللاصحاب فيهما طريقان (أظهرهما) ان المسالة علي قولين
(اصحهما) ان إحرامه ينعقد بعمرة لان الاحرام شديد التشبث واللزوم فإذا لم يقبل الوقت ما احرم به انصرف إلى ما يقبله (والثانى) انه لا ينعقد بعمرة ولكن يتحلل بعمل عمرة كما لو فات حجه لان كل واحد من الزمانين ليس وقتا للحج فعلى الاول إذا اتى باعمال العمرة سقطت عنه عمرة الاسلام إذا(7/77)
قلنا بافتراضها وعلى الثاني لا تسقط وشبهوا القولين بالقولين في التحرم بالصلاة قبل وقتها هل تنعقد نافلة لكن الاظهر هناك انه ان كان عالما بالحال لم تنعقد نافلة وههنا الاظهر انعقاد عمرة بكل حال لقوة الاحرام ولهذا ينعقد مع السبب المفسد له بان احرم مجامعا (والطريق الثاني) نفى القولين وله طريقان (اشهرهما) القطع بانه يتحلل بعمل عمرة ولا ينعقد احرامه عمرة لانه لم ينوها (والثانى) حكى الامام قدس الله روحه عن بعض التصانيف ان احرامه ينعقد بهما ان صرفه إلى العمرة كان عمرة صحيحة والا تحلل بعمل عمرة والنصان ينزلان علي هذين الحالين وقد عرفت من هذا ان المذكور في الكتاب طريق القولين ولما كانا متفقين علي انعقاد الاحرام وعلى أنه لا بد من عمل عمرة وإذا أتي به تحلل لا جرم جزم بانعقاد الاحرام وحصول التحلل ورد القولين الي الاحتساب به عن عمرة الاسلام ولك اعلام قوله قولان بالواو للطريق الثاني ولو أحرم قبل أشهر الحج احراما مطلقا فان الشيخ ابا علي خرجه على وجهين يأتي ذكرهما فيما إذا احرم بالعمرة قبل اشهر الحج ثم ادخل عليه الحج في اشهره هل يجوز (ان قلنا) يجوز انعقد احرامه بهما فإذا دخل اشهر الحج فهو بالخيار في جعله حجا أو عمرة أو قرانا ويحكى هذا عن الخضرى (وان قلنا) لا يجوز انعقد احرامه بعمرة وهذا هو جواب الجمهور في هذه المسالة والقاطعون بانه يتحلل بعمل عمرة في الصورة الاولي نزلوا نصه في المختصر على هذه الصورة والله اعلم * قال (أما الميقات المكاني فهو في حق المقيم بمكة خطة مكة علي وخطة والحرم علي رأى والافضل أن يحرم من باب داره فان أحرم خارج الحرم فهو مسئ) * تكلم في الميقات المكاني في الحج ثم في العمرة وفى الحج في حق المقيم بمكة وغيره اما المقيم بمكة إذا أراد الحج مكيا كان أو غيره فانه يحرم منها وميقاته نفس مكة أو خطة الحرم كلها فيه وجهان وقال الامام
قولان (أصحهما) نفس مكة لما سيأتي من خبر ابن عباس رضى الله عنهما في المواقيت فعلى هذا لو فارق البنيان واحرم في حد الحرم فهو مسئ يلزمه ان يريق دما ان لم يعد كما لو جاوز خطة قرية هي ميقات ثم احرم والثاني ان ميقاته خطة الحرم لاستواء مكة وما وراءها من الحرم في الحمرمة ولهذا لا يكفى للمكي إذا اراد ان يحرم بالعمرة ان يخرج عن خطة مكة بل يحتاج إلي الخروج عن الحرم فعلى هذا(7/78)
إحرامه في الحرم بعد مجاوزة العمران ليس باساءة اما إذا احرم بعد مجاوزة الحرم فقد اساء وعليه الدم الا ان يعود قبل الوقوف بعرفة اما إلى مكة على الوجه الاول أو الي الحرم علي الثاني فيكون حينئذ كمن قدم الاحرام علي الميقات (وقوله) في الكتاب علي رأى وعلي رأى مفسر بالقولين علي ما رواه الامام رحمه الله وبالوجهين علي ما رواه المصنف في الوسيط وصاحبا التتمة والمعتمد ثم من أي موضع احرم من عمران مكة جاز وما الافضل فيه قولان (احدهما) ان الافضل ان يتهيأ للاحرام ويحرم في المسجد قريبا من البيت (واظهرهما) ان الافضل ان يحرم من باب داره ويأتى المسجد محرما وهذا هو الذى اجاب به في الكتاب ويدل عليه ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ان افضل حج ان تحرم من دويرة أهلك) " * قال (اما الافاقى فميقات من يتوجه من جانب المدينة ذو الحليفة ومن الشام الجحفة ومن اليمن يلملم ومن نجد اليمن ونجد الحجاز قرن ومن جهة المشرق ذات عرق وهذه المواقيت لاهلها ولكل من مر بها والذى مسكنه بين الميقات وبين مكة فميقاته من مسكنه والذى جاوز الميقات لا علي قصد النسك فان عن له النسك فميقاته من حيث عن له) *(7/79)
غير المقيم بمكة اما أن يكون مسكنه وراء المواقيت الشرعية وهو الافاقى أو بينها وبين مكة والاول إذا انتهي الي الميقات فاما أن يكون مريدا للنسك أو لا يكون فهؤلاء ثلاثة أصناف ولا بد أولا من بيان المواقيت الشرعية وهى في حق المتوجهين من المدينة ذو الحليفة وهو عى عشر مراحل من مكة وعلى ميل من المدينة في حق المتوجهين من الشام ومصر والمغرب الجحفة وهى على خمسين
فرسخا من مكة وفى حق المتوجهين من تهامة اليمن يلملم وقد يسمى الملم وفى حق المتوجهين من نجد اليمن ونجد الحجاز قرن وفي حق المتوجهين من جهة المشرق والعراق وخراسان ذات عرق وكل واحد من هذه الثلاثة من مكة على مرحلتين وقد ذكر الائمة أن اليمن يشتمل علي نجد وتهامة وكذلك الحجاز وإذا أطلق ذكر نجد كان المراد منه نجد الحجاز وميقات النجديين جميعا قرن وإذا قلنا إن ميقات اليمن يلملم أراد به تهامتما لا كل اليمن (واعلم) ان ما عدا ذات عرق من هذه المواقيت منصوص عليه روى في الصحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المدينة ذا الحليفة ولاهل الشام الجحفة ولاهل نجد قرن المنازل ولاهل اليمن يلملم من لهن ولمن أتي عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة " ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة واختلفوا في ذات عرق على وجهين (أحدهما) أن توقيته مأخوذ من الاجتهاد لما روي عن طاوس انه قال " لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق أي مسلمين " وفى الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " لما فتح هذان المصران أتوا عمر رضى الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين ان(7/80)
رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لاهل نجد قرن وهو حور عن طريقنا وانا ان اردنا شق علينا قال فانظروا حذوها من طريقكم فحد لهم ذات عرق " (والثاني) واليه صغو الاكثرين أنه منصوص عليه روى عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المشرق ذات عرق " ولا يبعد أن ينص عليه والقوم مشركون يومئذ إذا علم اسلامهم ويحتمل أن النصوص لم تبلغ عمر رضي الله عنه والذين اتوه فاجتهدوا فوافق اجتهادهم النص ولو أحرم أهل المشرق من العقيق كان أفضل وهو واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق بقرب منها لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المشرق العقيق " ولان ذات عرق مؤقتة بالاجتهاد على أحد الرأيين فالاحرام مما فوقها أحوط وقد يخطر ببالك إذا انتهيت إلي هذا المقام البحث عن قرن من وجهين (أحدهما) أنه بتحريك الراء أو تسكينها وان كان الاول فهل هو الذى ينسب إليه(7/81)
اويس رضى الله عنه أم لا (والثانى) أنه قال في الخبر قرن المنازل فما هذه الاضافة وهل هو للتمييز عن قرن آخر أم لا (والجواب) أما الاول فالسماع المعتمد فيه عن المتقنين التسكين ورأيته منقولا عن أبى عبيد وغيره ورواه صاحب الصحاح بالتحريك وادعى أن أويسا منسوب إليه (واما الثاني) فقد ذكر بعض الشارحين للمختصر أن القرن اثنان (أحدهما) في هبوط يقال له قرن المنازل (والآخر) على ارتفاع يقرب منه وهى القرية وكلاهما ميقات والله أعلم * إذا عرفت ذلك فالصنف الاول الافاقى(7/82)
الذى انتهى الي الميقات وهو يريد النسك فليس له مجاوزته غير محرم سواء اراد الحج أو العمرة أو القران فان جاوزه فقد أساء وسيأتي حكمه ولا فرق بين ان يكون من أهل تلك الناحية أو من غيرها كالمشرقي إذا جاء من المدينة والشامي إذا جاء من نجد لقوله صلى الله عليه وسلم " هن لهن ولمن اتى عليهن من غيرهن " (الثاني) الافاقى الذى انتهى الي اليمقات وهو غير مريد للنسك فننظر ان لم يكن علي قصد التوجه إلى مكة ثم عن له قصد النسك بعد مجاوزته فميقاته من حيث عن له هذا القصد ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات وقد اشار إليه في الخبر الذى سبق حيث قال فان كان يريد الحج والعمرة وان كان علي قصد التوجه إلى مكة لحاجة غير النسك ثم عن له قصد النسك عنة المجاوزة فينبنى(7/83)
هذا علي ان من اراد دخول الحرم هل يلزمه الاحرام بنسك وفيه خلاف مذكور في الكتاب في فصل سنن دخول مكة فان الزمناه فعليه انشاؤه من الميقات فيأثم بمجاوزته غير محرم كما إذا جاوزه علي قصد النسك غير محرم وان لم يلزمه الاحرام فهو كمن جاوزه غير قاصد للتوجه الي مكة (الثالث) الذى مسكنه بين أحد المواقيت وبين مكة فميقاته مسكنه يعني القرية التى يسكنها والحلة التي ينزلها البدوى لقوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر المواقيت " فمن كان دونهن فمهله من أهله " وقوله في الكتاب والذى جاوز الميقات لا علي قصد النسك الخ قد اطلق الكلام فيه اطلاقا ولا بد من التفصيل الذى ذكرناه ويجوز ان يعلم قوله فميقاته حيث عن له بالالف لان عند احمد أنه إذا جاوز غير قاصد لدخول مكة ثم عن له قصد النسك يلزمه العود الي اليمقات فان لم يعد فعليه دم *(7/84)
قال (والاحب ان يحرم من اول جزء من الميقات وان احرم من آخره فلا بأس ولو حاذى ميقاتا فميقاته عند المحاذاة إذا المقصود مقدار البعد عن مكة وان جاء من ناحية لم يحاذ ميقاتا ولا مر به احرم من مرحلتين فانه اقل المواقيت وهو ذات عرق) * في الفصل صور (احداها) يستحب لمن يحرم من بعض المواقيت الشرعية ان يحرم من اول جزء ينتهى إليه وهو الطرف الا بعد من مكة ليقطع الباقي محرما ولو احرم من آخره جاز لوقوع الاسم عليه ويستحب لمن ميقاته حلته أو قريته ايضا ان يحرم من الطرف الا بعد والاعتبار في المواقيت(7/85)
الشرعية بتلك المواضع لا بالقرى والابنية حتى لا يتغير الحكم لو خرب بعضها فنقلت العمارة إلى موضع آخر قريب منه وسمى بذلك الاسم (الثانية) إذا سلك البحر أو طريقا في البر لا ينتهي الي واحد من المواقيت المعينة فميقاته الموضع الذى يحاذي الميقات المعين فان اشتبه عليه فليتأخ وطريق الاحتياط لا يخفى ولو حاذى ميقاتين يتوسطهما طريقه نظران تساويا في المسافة الي مكة والى طريقه جميعا أو في المسافة الي مكة وحدها فميقاته الموضع الذى يحاذيها وإن تساويا في المسافة الي طريقه وتفاوتا في المسافة الي مكة ففيه وجهان (أحدهما) أنه يتخير ان شاء أحرم من الموضع المحاذي لا بعد الميقاتين وان شاء احر من الموضع المحاذي لاقربهما (واظهرهما) وبه قال القفال انه يحرم من الموضع المحاذي لا بعدهما وليس له انتظار(7/86)
الوصول الي محاذاة الاقرب كما ليس للآتي من المدينة أن يجاوز ذا الحليفة ليحرم من الجعفة وقد تصور في هذا القسم محاذاة الميقاتين دفعة واحده وذلك بانحراف احد الطريقين والتوائه لوعورة وغيرها فلا كلام في أنه يحرم من موضع المحاذاة وحكي الامام وجهين في أنه منسوب إلي أبعد الميقاتين أو أقربهما قال وفائدتهما تظهر فيما إذا جاوز موضع المحاذاة والنهي الي حيث يفضي إليه طريقا الميقايتين وأراد العود لدفع الاساءة ولم يعرف موضع المحاذاة أيرجع الي هذا الميقات ام إلى ذلك وتابعه المصنف علي رواية الوجهين في الوسيط وكلاهما لا يصرح بالتصوير في الصورة التي ذكرتها كل التصريح لكنه
المفهوم مما ساقاه ولا اعرف غيره والله أعلم.
وان تفاوت الميقاتان في المسافة إلى مكة والى طريقه فالاعتبار(7/87)
بالقرب إليه أو إلى مكة فيه وجهان اولهما اظهرهما (واعلم) ان الائمة فرضوا جميع هذه الاقسام فيما إذا توسط بين طريقين يفضى كل واحد منهما إلى ميقات ويمكن تصوير القسم الثالث والرابع في ميقاتين علي يمينه أو شماله كذى الحليفة والجحفة فان احدهما بين يدى الآخر فيجوز فرضهما علي اليمين أو الشمال وتساوى قربهما الي طريقه وتفاوته (الثالثة) لو جاء من ناحية لا يحاذي في طريقها ميقاتا ولا يمر به فعليه ان يحرم إذا لم يبق بينه وبين مكة إلا مرحلتان إذ ليس شئ من المواقيت اقل مسافة من هذا القدر (وقوله) في الكتاب فانه اقل المواقيت وهو ذات عرق إنما كان يحسن ان لو كانت ذات عرق اقل مسافة من كل ما سواها من المواقيت لكن قد مران ذات عرق مع يلملم وقرن متساوية في المسافة(7/88)
(قال ومهما جاوز ميقاتا غير محرم فهو مسئ وعليه الدم ويسقط عنه بان يعود الي الميقات قبل أن يبعد عنه بمسافة القصر وان عاد بعد دخول مكة لم يسقط وان كان بينهما فوجهان ثم ينبغى ان يعود اولا ثم يحرم من الميقات فان احرم ثم عاد محرما ففى سقوط الدم وجهان ولو أحرم قبل الميقات كان أحب) الفصل يشتمل علي المسألتين (احداهما) إذا جاوز الموضع الذى لزمه الاحرام منه غير محرم أثم وعليه العود إليه والاحرام منه ان لم يكن عذر وان كان كما لو خاف الانقطاع من الرفقة أو كان الطريق مخوفا أو الوقت ضيقا احرم ومضي على وجهه ثم إذا لم يعد فعليه دم لما روى عن ابن عباس(7/89)
رضى الله عنهما موقوف ومرفوعا " ان من ترك نسكا فعليه دم " وان عاد فلا يخلو إما ان يعود وينشئ الاحرام منه أو يعود إليه بعد ما احرم (فأما) في الحالة الاولى فالذي نقله الامام وصاحب الكتاب رحمهما الله انه ان عاد قبل ان يبعد عن الميقات بمسافة القصر فلا دم عليه لانه حافظ على الواجب في
تعب تحمله وإن عاد بعد ما دخل مكة لم يسقط عنه الدم لوقوع المحذور وهو دخول مكة غير محرم مع كونه علي قصد النسك وإن عاد بعد ما بعد عن الميقات بمسافة القصر فوجهان (اظهرهما) أنه يسقط(7/90)
كما لو عاد بعد البعد عنه بهذه المسافة (والثانى) لا يسقط لتأكد الاساءة بانقطاعه عن الميقات حد السفر الطويل هذا ما ذكراه والجمهور قضوا بأنه لو عاد وانشأ الاحرام منه فلا دم عليه ولم يفصلوا بين ان يبعد أو لا يبعد ولا بين ان يدخل مكة أو لا يدخلها فعليك إعلام قوله وان عاد بعد دخول مكة لم يسقط بالواو ومعرفة ما فيه (واما) الحالة الثانية وهى أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرما فقد أطلق صاحب الكتاب وطائفة في سقوط الدم فيها وجهين ورواهما القاضي أبو الطيب قولين وجه عدم السقوط وبه قال مالك واحمد رحمهما الله تأكد الاساءة بانشاء الاحرام من غير موضعه وراعى الامام رحمه الله مع ذلك ترتيب هذه الحالة علي التفصيل المذكور في الاولى فقال إن قصرت المسافة(7/91)
ففى السقوط الخلاف ون طالت فالخلاف مرتب وأولي بألا يسقط فان دخل مكة فأولى بعدم السقوط من الحالة الاولى وظاهر المذهب عند الاكثرين ان يفصل فيقال ان عاد قبل ان يتلبس بنسك سقط عنه الدم لقطعه المسافة من الميقات محرما وأداء المناسك بعده وان عاد بعد ما تلبس بنسك لم يسقط لتأديه باحرام ناقص ولا فرق بين ان يكون ذلك النسك ركنا كالوقوف بعرفة أو سنة كطواف القدوم ومنهم من لم يجعل للتلبس بالسنة تأثيرا وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أحرم بعد مجاوزة الميقات وعاد قبل ان يتلبس بنسك ولبي سقط عنه الدم وان عاد ولم يلب لم يسقط (وقوله) في اول الفصل ومهما جاوز ميقاتا غير محرم فهو مسئ وعليه الدم يدخل فيه ما إذا جاوز عالما وما إذا جاوز جاهلا أو ناسيا والامر على هذا الاطلاق فيما يرجع إلى لزوم الدم لانه مامور بالاحرام من الميقات والنسيان ليس عذرا في ترك المأمورات كالنية في الصوم والصلاة بخلاف ما إذا تطيب أو لبس ناسيا فانهما من المحظورات والنسيان عذر فيهما كما في الاكل في الصوم والكلام في الصلاة (واما) الاساءة فهى ثابتة علي الاطلاق ايضا ان اراد بكونه مسيئا كونه مقصرا وان اراد الاثم فلا أثم عند الجهل والنسيان ويجوز
ان يعلم قوله وعليه الدم بالحاء لان عند ابي حنيفة رحمه الله الجائي من طريق المدينة إذا لم يكن مدنيا لو جاوز ذا الحليفة واحرم من الجحفة لم يلزمه دم ويروى ذلك في حق المدني وغيره (المسألة(7/92)
الثانية) الاحرام من الميقات افضل أو مما فوقه روى البويطي والمزنى في الجامع الكبير انه من الميقات أفضل وبه قال مالك واحمد وقال في الاملاء الاحب ان يحرم من دويرة اهله وبه قال أبو حنيفة وللاصحاب طريقان (أظهرها) ان المسألة على قولين (احدهما) انه لا يستحب الاحرام مما فوقه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الا من الميقات " ومعلوم انه يحافظ علي ما هو الافضل ولان في الاحرام فوق الميقات تغريرا(7/93)
بالعباد لما في مصابرته والمحافظة على واجياته من العسر ولهذا المعني اطلق مطلقون لفظ الكراهة على تقديم الاحرام عليه (وأظهرهما) ان الاحب ان يحرم من دويرة اهله لان عمر وعليا رضي الله عنهما فسرا الاتمام في قوله تعالي (واتموا الحج والعمرة لله) بذلك وروى انه صلى الله عليه وسلم قال " من احرم من المسجد الاقصى إلى المسجد الحرام بحجة أو عمرة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر " (والطريق(7/94)
الثاني) القطع بالقول وحمل الاول علي التزيي بزى المحرمين من غير احرام علي ما يعتاده الشيعة ويخرج من فحوى كلام الائمة طريقة ثالثة وهي حمل الاول علي ما إذا لم يأمن على نفسه من ارتكاب محظورات الاحرام وتنزيل الثاني علي ما إذا امن عليها (وقوله) في لكتاب ولو احرم قبل الميقات كان احب يجوز ان يكون جوابا علي اظهر القولين علي الطريقة الاولي ويجوز ان يكون ذهابا إلى الثانية وهو(7/95)
الذى قصده المصنف على ما اورده في الوسيط فانه نسب استحباب التقديم إلى القديم وكراهيته إلى الجديد وذكر ان الجديد مؤول وكيفما كان فليكن قوله احب معلما بالواو مع الميم والالف (واعلم) ان تسمية احد القولين قديما والاخر جديدا لم اره الا له والكتب التي عزى النصان إليها باسرها معدودة من الحديد *(7/96)
(قال اما العمرة فميقاتها ميقات الحج الا في حق المكى والمقيم بها فان عليهم الخروج الي طرف الحل ولو بخطوة في ابتداء الاحرام فان لم يفعل لم يعتد بعمرته علي احد القولين لانه لم يجمع بين الحل والحرم والحاج بوقوف عرفة جامع بينهما وأفضل البقاع لاحرام العمرة الجعر أنه تم التنعيم ثم الحديبية) لما فرغ من الكلام في الميقات المكانى في الحج اشتغل بالكلام فيه في العمرة والمعتمر إما ان يكون خارج الحرم أو فيه فان كان خارج الحرم فموضع احرامه بالعمرة هو موضع إحرامه بالحج بلا فرق وإن كان في الحرم سواء كان مكيا أو مقيما بمكة فالكلام في ميقاته الواجب ثم في الافضل (أما) الواجب فهو أن يخرج إلى أدنى الحل ولو بخطوة من أي جانب شاء " لان عائشة رضى الله عنها لما أرادت أن(7/97)
تعتمر بعد التحلل أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بان تخرج إلى الحل فتحرم " فان خالف وأحرم بها في الحرم انعقد إحرامه ثم له حالتان (احداهما) ان لا يخرج إلى الحل بل يطوف ويسعي ويحلق فهل يحزئه ذلك عن عمرته فيه قولان محكيان عن نصه في الام (أصحهما) نعم وبه قال أبو حنيفة لان احرامه قد انعقد وأتى بعده بالاعمال الواجبة لكن يلزمه دم لتركه الاحرام من الميقات(7/98)
(والثانى) انه لا يجزئه ما أتي به لان العمرة أحد النسكين فيشترط فيه الجمع بين الحل والحرم كما في الحج فان الحاج لا بد له من الوقوف بعرفة وانها من الحل (التفريع) ان قلنا بالاول فلو وطئ بعد الحلق لم يلزمه شئ لوقوعه بعد التحلل وان قلنا بالثاني فالوطئ واقع قبل التحلل لكنه يعتقد كونه بعد التحلل فهو بمثابة وطئ الناسي وفى كونه مفسدا قولان سيأتي ذكرهما فان جعلناه مفسدا فعليه المضى في الفاسد بان يخرج إلى الحل ويعود فيطوف ويسعي ويحلق ويلزمه القضاء وكفارة الافساد ويلزمه دم للحلق أيضا لوقوعه قبل التحلل (والحالة الثانية) ان يخرج إلى الحل ثم يعود فيطوف(7/99)
ويسعي فيعتد بما أنى به لا محالة وهل يسقط عنه دم الاساءة حكى الامام رحمه الله فيه طريقين
(أحدهما) تخريجه على الخلاف المذكور في عود من جاوز الميقات إليه محرما (والثاني) القطع بالسقوط فان المسئ هو الذى ينتهي إلى الميقات علي قصد النسك ثم يجاوزه وهذا المعنى لم يوجد ههنا بل هو شبيه بمن أحرم قبل الميقات وهذا هو الذى أورده الاكثرون فعلي هذا الواجب هو خروجه إلى الحل قبل الاعمال اما في ابتداء الاحرام أو بعده وان قلنا لا يسقط الدم فالواجب هو الخروج في ابتداء الاحرام وقد أشار إليه في الوسيط فقال ولو بخطوة في إبتداء الاحرام أو دوامه على رأى وإذا كان(7/100)
كذلك فليعلم قوله في ابتداء الاحرام بالواو ثم قوله فان لم يفعل يعتد بعمرته على احد القولين ظاهر اللفظ يقتضي كون الاعتداد بافعال العمرة على القولين إذا لم يخرج إلى الحل في إبتداء الاحرام وليس كذلك بل موضع القولين ما إذا لم يخرج لا في الابتداء ولا بعده حتى أتى بالاعمال فليؤول (وقوله) لم يعتد معلم بالحاء لم اقدمنا (وقوله) اولا الا في حق المكى والمقيم بها لا شك أن المراد من المكى الحاضر بمكة فلو اقتصر على قوله في حق المقيم بمكة لا غناه ودخل فيه ذلك المكى (وأما) الافضل فاحب البقاع من أطراف الحل لاحرام العمرة الجعرانه فان لم يتفق فمن التنعيم فان لم يتفق فمن الحديبية(7/101)
وليس النظر فيها إلى المسافة ولكن المتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نقلوا انه اعتمر من الجعرانة مرتين مرة عمرة القضاء سنة سبع ومرة عمرة هوازن ولما ارادت عائشة رضى الله عنها ان تعتمر امر اخاها عبد الرحمن ان يعمرها من التنعيم فاعمرها منه وصلى بالحديبية عام الحديبية واراد الدخول منها للعمرة فصده المشركون عنها فقدم الشافعي رضي الله عنه ما فعله ثم امر به ثم ما هم به والجعرانة على ستة فراسخ من مكة والحديبية(7/102)
كذلك وهى بين طريق جدة وطريق المدينة في منعطف بين جبلين وبها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم التنعيم على فرسخ من مكة وهو على طريق المدينة وفيه مسجد عائشة رضى الله عنها هذا تمام الكلام في القسم الاول من كتاب الحج * قال (القسم الثاني من الكتاب في المقاصد وفيه ثلاثة أبواب (الباب الاول) في وجوه أداء النسكين
وهو ثلاثة (الاول) الافراد وهو أن يأتي بالحج مفردا من ميقاته وبالعمرة مفردة من ميقاتها) * من أحرم بنسك لزمه فعل أمور وترك أمور والنظر في الامور المفعولة من وجهين (أحدهما) في كيفية أفعالهما(7/103)
(والثانى) في كيفية أدائهما باعتبار القران بينهما وعدمه فلا جرم حصر كلام هذا القسم في ثلاثة إبواب (أولها) في وجوه أداء النسكين (وثانيها) في صفة الحج ويتبين فيه صفة العمرة أيضا (وثالثها) في محظورات الحج والعمرة وإنما انقسم أداء النسكين إلى الوجوه الثلاثة لانه اما أن يقرن بينهما وهو المسمى قرانا أو لا يقرن فاما أن يقدم الحج علي العمرة وهو الافراد أو يقدم العمرة علي الحج وهو التمتع وفيه شروط ستظهر من بعد فإذا تخلف بعضها فربما عدت الصورة من الافراد والوجوه جميعا جائزة بالاتفاق وقد روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من اهل بالحج والعمرة " (وأما)(7/104)
الافضل منها فان قول لشافعي رضي الله عنه لا يتخلف في تأخير القران عن الافراد والتمتع لان أفعال النسكين فيهما كمل منها في القران * وقال أبو حنيفة رحمه الله القران افضل منهما ويحكى ذلك عن اختيار المزني(7/105)
وابن المنذر وابي إسحاق المروزى لما روى عن عائشة قالت " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يصرخ بهما صراخا يقول لبيك بحجة وعمرة " لكن هذه الرواية معارضة بروايات أخر راجحة على ما سيأتي واختلف قوله في الافراد والتمتع أيهما افضل قال في اختلاف الحديث التمتع افضل وبه قال احمد وابو حنيفة رحمهما الله لما روى عن النبي(7/106)
صلى الله عليه وسلم قال " لو استقبلت من امرى ما استدبرت ما سقت الهدى وجعلته عمرة " والاستدلال انه صلى الله عليه وسلم تمنى تقديم العمرة ولولا انه افضل لما تمناه وقال في عامة كتبه الافراد افضل وهو الاصح وبه قال مالك لما روى(7/107)
عن جابر رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد " وروى مثله ابن عباس وعائشة رضى الله عنهم ورجح الشافعي رضي الله عنه رواية جابر على رواية رواة القران والتمتع بان جابرا أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك(7/108)
وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم من لدن خروجه من المدينة إلى أن تحلل (وأما) قوله لو استقبلت من أمري الخبر فانما ذكره تطييبا لقلوب أصحابه واعتذارا إليهم وتمام الخبر ما روى عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما(7/109)
مبهما وكان ينتظر الوحى في اختيار أحد الوجوه الثلاثة فنزل الوحى بان من ساق الهدى فليجعله حجا ومن لم يسق فليجعله عمرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة قد ساقا الهدى دون غيرهما فامرهم بان(7/110)
يجعلوا إحرامهم عمرة ويتمتعوا وجعل النبي صلى الله عليه وسلم إحرامه حجا فشق عليهم ذلك لانهم كانوا يعتقدون من قبل أن العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر فالنبى صلى الله عليه وسلم قال ذلك وأظهر الرغبة في موافقتهم لو لم(7/111)
يسق الهدى فان الموافقة الجالبة للقلوب أهم بالتحصيل من فضيلة وقربة واتفق الاصحاب على القولين على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا عام حجة الوداع وحكى الامام رحمه الله عن ابن سريج أنه كان متمتعا ونقل(7/112)
عن بعض التصانيف شيئا آخر في الفصل واستبعده وهو أن الافراد مقدم على القران والتمتع جزما والقولان في التمتع والقران أيهما أفضل واعلم أن تقديم الافراد على التمتع والقران مشروط بأن(7/113)
يعتمر في تلك السنة (أما) لو أخر فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه لان تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه (وقوله) في الكتاب وهو أن يأتي بالحج مفردا من ميقاته وبالعمرة مفردة من ميقاتها أراد من ميقاتها في حق(7/114)
الحاضر بمكة ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده وفيما علق عن الشيخ أبي محمد أن أبا حنيفة رحمه الله يأمره بالعود ويوجب دم الاساءة ان لم يعد والله أعلم ثم الافراد لا ينحصر في هذه الصورة بل يلتحق(7/115)
بها من صور تخلف شروطا التمتع صورا ينتهى إليها * قال (الثاني القران وهو أن يحرم بهما جميعا فيتحد الميقات والفعل (ح) وتندرج العمرة تحت الحج(7/116)
ولو أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليها قبل الطواف كان قارنا وان كان بعده لغى ادخاله ولو أدخل العمرة على الحج لم يصح في احد القولين لانه لا يتغير الاحرام به بعد انعقاده)(7/117)
الصورة الاصلية للقران أن يحرم بالحج والعمرة معا فتندرج العمرة تحت الحج ويتحد الميقات والفعل ويجوز أن يعلم قوله والفعل بالحاء لان عند أبي حنيفة رحمه الله يأتي بطوافين وسعيين احدهما للحج والآخر للعمرة *(7/118)
لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها " وطوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك " وأيضا فقد سلم الاكتفاء باحرام(7/119)
واحد وحلق واحد فنقيس السعي والطواف عليهما ثم في الفصل مسألتان (احداهما) لو أحرم بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج نطر ان أدخله عليها في غير اشهر الحج لغى ولم يتغير احرامه بالعمرة وإن أدخله عليها في أشهر الحج نظر إن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج فهذه الصورة(7/120)
قد ذكرها في الكتاب في اول الباب الثاني وستجدها عند الوصول إليها مشروحة ان شاء الله تعالى * وان احرم بالعمرة في اشهر الحج وادخل عليها الحج في اشهره وهو المقصود في هذا الموضع فينظر ان(7/121)
لم يشرع في الطواف جاز وصا قارنا لان عائشة رضي الله عنها احرمت بالعمرة لما خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فحاضت ولم يمكنها ان تطوف للعمرة وخافت فوات الحج لو اخرته إلى(7/122)
إن تظهر فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكى فقال مالك أنفست قالت بلى قال ذاك شئ كتبه الله على بنات آدم أهلى بالحج واصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت وطوافك يكفيك لحجك وعمرتك " فأمرها صلى الله عليه وسلم بادخال الحج على العمرة لتصير قارنة حتى لا يفوتها الحج فإذا طهرت طافت للنسكين معا وان شرع في الطواف أو أتمه لم يجز إدخال الحج عليها ولم لا يجوز ذكروا في تعليله أربعة معان(7/123)
(أحدها) أنه اشتغل بعمل من أعمال العمرة واتصل الاحرام بمقصوده فيقع ذلك العمل عن العمرة ولا ينصرف بعده إلى القران (والثاني) أنه أتى بفرض من فروض العمرة فان الفرائض هي المعينة وما عداها لا يضر عدم انصرافها إلى القران (والثالث) أنه أتى بمعظم أفعال العمرة فان الطواف هو المعظم في العمرة فإذا وقع عن العمرة لم ينصرف إلى غيرها (والرابع) أنه أخذ في التحلل في العمرة وحينئذ لا يليق به إدخال احرام عليه لانه يقتضي قوة الاحرام وكماله والمتحلل جار في نقصان الاحرام وشبه الشيخ أبو على ذلك بما لو ارتدت الرجعية فراجعها الزوج في الردة فان الشافعي رضي الله عنه نص على أنه لا يجوز لان الرجعة(7/124)
استباحة فلا تصح والمرأة جارية إلى تحريم وهذا المعنى الرابع هو الذى أورده أبو بكر الفارسي في العيون وحيث جوزنا إدخال الحج على العمرة فذلك إذا كانت العمرة صحيحة فان افسدها ثم أدخل عليها الحج ففيه خلاف سنورده من بعد ان شاء الله تعالى (المسالة الثانية) لو احرم بالحج في وقته أولا ثم أدخل عليه العمرة ففى جوازه قولان (القديم) وبه قال أبو حنيفة انه يجوز كما ادخال الحج على العمرة والجامع انهما نسكان يجوز الجمع بينهما (والجديد) وبه قال احمد رحمه الله أنه لا يجوز لان الحج اقوي وآكد من العمرة لاختصاصه بالوقوف والرمى والمبيت والضعيف لا يدخل على القوى وإن كان القوى قد يدخل على الضعيف ألا ترى ان فراش ملك النكاح لما كان اقوى من فراش ملك اليمين لاختصاصه بافادة قوة حقوق نحو الطلاق والظهار والايلاء والميراث لم يجز إدخال فراش ملك اليمين على فراش ملك النكاح حتى لو اشترى اخت منكوحته لم يجز له وطؤها ويجوز إدخال فراش النكاح على فراش ملك اليمين حتى لو نكح اخت امته أو أخت ام ولده حل له وطؤها وايضا فانه إذا ادخل الحج على العمرة زاد بادخاله اشياء
لم تكن عليه وإذا ادخل العمرة على الحج لم يزد شيئا على ما عليه فلو جوزناه لاسقطنا العمرة عنه بالدم وحده وذلك مما لا وجه له والى هذا المعنى اشار في الكتاب بقوله لانه لم يتغير الاحرام به بعد انعقاده فان لم نجوز ادخال العمرة على الحج فذاك وان جوزناه فالى متى تجوز فيه وجوه مفرعة على المعاني الاربعة في المسألة السابقة (احدها) انه يجوز قبل طواف القدوم ولا يجوز بعد اشتغاله به لاتيانه بعمل من اعمال الحج وذكر في التهذيب ان هذا اصح (والثاني) ويحكي عن الخضرى انه يجوز بعد طواف القدوم ما لم يسع وما لم يأت بفرض من فروض الحج فان اشتغل بشئ منها فلا (والثالث) يجوز وان اشتغل(7/125)
بفرض ما لم يقف بعرفة فإذا وقف فلا لانه معظم أعمال الحج وعلى هذا لو كان قد سعي فعليه إعادة السعي ليقع عن التسكين جميعا كذا قاله الشيخ في معظم الفروع (والرابع) يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بشئ من أسباب التحلل من الرمى وغيره فان اشتغل فلا وعلى هذا لو كان قد سعي فقياس ما ذكره الشيخ وجوب إعادته وحكي الامام فيه وجهين وقال المذهب انه لا يجب ويجب علي القارن دم لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت " أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ازواجه بقرة ونحن قارنات " ولان الدم واجب على المتمتع بنص القرآن وأفعال المتمتع أكثر من افعال القارن فإذا وجب عليه الدم فلان يجب على القارن كان اولى وصفة(7/126)
دم القران كصفة دم التمتع وكذا بدله وعن مالك ان على القارن بدنة وحكي الحناطى عن القديم مثله * لما ان المتمتع اكثر ترفيها لاستمتاعه بمحظورات الاحرام بين النسكين فإذا اكتفى منه بشاة فلان يكتفي بها من القارن كان أولى والله أعلم * قال (الثالث التمتع وهو أن يفرد العمرة ثم الحج ولكن يتحد الميقات إذا تحرم بالحج من جوف مكة وله ستة شروط (الاول) ان لا يكون من حاضرى الحرام المسجد فان الحاضر ميقاته نفس مكة فلا يكون قد ربح ميقاتا وكل من مسكنه دون مسافة القصر حوالي مكة فهو من الحاضرين والافاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا فكما دخل مكة اعتمر ثم حج لم يكن متمتعا إذا صار من الحاضرين إذ ليس يشترط فيه قصد الاقامة (الثاني) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فلو تقدم تحللها لم يكن متمتعا
إذ لم يزحم الحج بالعمرة في مظنته ولو تقدم احرامها دون التحلل ففيه خلاف فإذا لم يكن متمتعا ففى لزوم دم الاساءة لاجل أنه أحرم بالحج من مكة لا من الميقات وجهان (الثالث) أن يقع الحج والعمرة في سنة واحدة (الرابع) ألا يعود إلى ميقات الحج فلو عاد إليه أو إلى مثل مسافته كان مفردا ولو عاد إلى ميقات كان أقرب من ذلك الميقات فوجهان (الخامس) ان يقع النسكان عن شخص واحد فلو اعتمر عن نفسه ثم حج عن المستأجر فلا تمتع على أحد الوجهين (السادس) نية التمتع على احد الوجهين تشبيها له بالجمع بين الصلاتين (والاصح) أنه يشترط كما في القران) * (التمتع هو أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويدخل مكة وياتي باعمال العمرة ثم ينشئ الحج من مكة سمى تمتعا لاستمتاعه بمحظورات الاحرام بينهما أو تمكنه من الله الاستمتاع لحصول التحلل وعند أبي حنيفة رحمه إن كان قد ساق الهدى لم يتحلل بفراغه من العمرة بل يحرم بالحج فإذا فرغ منه حل منهما جميعا وإن لم يسق الهدى تحلل عند فراغه من العمرة * لنا أنه متمتع ما أكمل أفعال عمرته فاشبه وإذا لم يسق الهدى (وقوله) أن يفرد العمرة ثم الحج فيه إشارة إلى أن أفعالهما(7/127)
لا تتداخل بل يأتي بهما علي الكمال بخلاف ما في القران (وقوله) لكن يتحد الميقات إذ يحرم بالحج من جوف مكة معناه أنه بالتمتع من العمرة إلى الحج يربح ميقاتا لانه لو أحرم بالحج من ميقات بلده لكان يحتاج بعد فراغه من الحج إلى أن يخرج من أدنى الحل فيحرم بالعمرة منه وإذا تمتع استغنى عن الخروج لانه يحرم بالحج من جوف مكة فكان رابحا أحد الميقاتين ويجب علي المتمتع دم قال الله تعالى (فمن تمتع بالعمرة الي الحج فما استيسر من الهدى) وانما تجب بشروط (أحدها) الا يكون من حاضرى المسجد الحرام قال الله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام) والمعنى فيه أن الحاضر بمكة ميقاته للحج نفس مكة فلا يكون بصورة التمتع رابحا ميقاتا وكل من مسكنه دون مسافة القصر فهو من حاضرى المسجد الحرام فان زادت المسافة فلا وبه قال أحمد وعند أبي حنيفة رحمه الله حاضر والمسجد أهل المواقيت والحرم وما بينهما وقال مالك هم أهل مكة وذى طوى وربما روى عنه أنهم أهل الحرم لنا ان من قرب من الشئ ودنا منه كان حاضرا إياه يقال حضر فلان فلانا إذا دنا منه ومن كان مسكنه دون
مسافة القصر فهو قريب نازل منزلة المقيم في نفس مكة ولهذا لا يجوز للخارج إليه الترخص بالفطر والقصر ونحوهما علي ان في مذهب أبي حنيفة بعدا فانه يؤدى إلى اخراج القريب من الحاضرين وادخال البعيد فيهم لتفاوت مسافات المواقيت ثم المسافة التي ذكرناها مرعية من نفس مكة أو من الحرم حكي ابراهيم المروروزى فيه وجهين (والثاني) هو الدائر في عبارات أصحابنا العراقيين ويدل(7/128)
عليه ان المسجد الحرام عبارة عن جميع الحرم لقوله تعالى (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ولو كان له مسكنان (أحدهما) في حد القرب من الحرم والآخر في حد البعد فان كان مقامه بالبعيد أكثر فهو أفاقى وإن كان بالقريب أكثر فهو من الحاضرين وان استوى مقامه بهما(7/129)
نظر إلى ماله وأهله فان اختص باحدهما أو كان في أحدهما أكثر فالحكم له وان استويا في ذلك أيضا اعتبر حاله بعزمه فايهما عزم على الرجوع إليه فهو من أهله فان يكن له عزم فالاعتبار بالذى خرج منه ولو استوطن غريب بمكة فهو من الحاضرين ولو استوطن مكى بالعراق فليس(7/130)
له حكم الحاضرين والاعتبار بما آل إليه الامر ولو قصد الغريب مكة ودخلها متمتعا ناويا للاقامة بها بعد الفراغ من النسكين أو من العمرة أو نوى الاقامة بها بعد ما اعتمر لم يكن من الحاضرين ولم يسقط عنه دم التمتع فان الاقامة لا تحصل بمجرد النية وذكر حجة الاسلام رحمه الله في هذا الشرط صورة هي من مواضع التوقف ولم أجدها لغيره بعد البحث وهي أنه قال والافاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا فلما دخل مكة اعتمر ثم حج لم يكن متمتعا إذ صار من الحاضرين إذ ليس يشترط فيه قصد الاقامة وهذه الصورة متعلقة أولا بالخلاف في أن من قصد مكة هل يلزمه(7/131)
الاحرام بحج أو عمرة أم لا ثم ما ذكره من عدم اشتراط الاقامة مما تنازع فيه كلام عامة الاصحاب ونقلهم عن نصه في الاملاء والقديم فانه ظاهر في اعتبار الاقامة بل في اعتبار الاستيطان والله
أعلم * وفى النهاية والوسيط حكاية وجهين في صورة تدانى هذه وهى أنه لو جاوز الغريب الميقات وهولا يريد نسكا ولا دخول الحرم ثم بدا له قريبا من مكة أن يعتمر فاعتمر منه وحج بعدها على صورة التمتع هل يلزمه الدم (أحد) الوجهين أنه لا يلزمه لانه لم يلتزم الاحرام وهو على مسافة بعيدة وحين خطر له ذلك كان علي مسافة الحاضرين (وأصحهما) يلزم لانه وجد صورة التمتع وهو(7/132)
غير معدود من الحاضرين وذكر في الوسيط في توجيه هذا الوجه أن اسم الحاضرين لا يتناوله الا إذا كان في نفس مكة أو كان متوطنا جولها فلم يعتبر التوطن فيمن هو بمكة واعتبره فيمن هو حواليها والنفس لاتنقاد لهذا الفرق ثم كما لا يجب الدم علي المكى إذا أتى بصورة التمتع لا يجب عليه إذا(7/133)
قرن وبان الاصل دم التمتع المنصوص عليه في الكتاب فاذالم يجب ذلك علي المكى يجب دم القران وروى الحناطى وجها أن عليه دم القران ويشبه أن يكون هذا الاختلاف مبنيا علي وجهين(7/134)
نقلهما صاحب العدة في أن دم القران دم جبر أو دم نسك والمشهور أنه دم جبر وهل يجب علي المكى إذا قرن أنشاء الاحرام من أدنى الحل كما لو أفرد العمرة أم يجوز أن يحرم من جوف مكة(7/135)
ادراجا للعمرة تحت الحج فيه وجهان (أصحهما) الثاني ويجريان في الافاقى إذا كان بمكة وأراد القران (الشرط الثاني) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فلو أحرم وفرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حج لم يلزمه الدم لانه لم يجمع بين الحج والعمرة في وقت الحج فاشبه المفرد لما لم يجمع بينهما لم(7/136)
يلزمه دم وقد ذكر الائمة أن دم التمتع منوط من جهة المعنى بامرين (أحدهما) ربح ميقات كما سبق (والثانى) وقوع العمرة في أشهر الحج وكانوا لا يزحمون الحج بالعمرة في مظنته ووقت إمكانه(7/137)
ويستنكرون ذلك فورد التمتع رخصة وتخفيفا إذا الغريب قد يرد قبل عرفة بايام ويشق عليه استدامة الاحرام لو أحرم من الميقات ولا سبيل إلى مجاوزته فجوز له أن يعتمر ويتحلل * ولو أحرم بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهره ففيه قولان (أحدهما) يلزمه الدم قاله في القديم والاملاء لانه(7/138)
حصلت المزاحمة في الافعال وهي المقصودة والاحرام كالتمهيد لها (وأصحهما) لا يلزمه قاله في الام(7/139)
وبه قال أحمد رحمه الله لانه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج لتقدم أحد أركان العمرة عليها(7/140)
وعن ابن سريج رحمه الله أن النصين محمولان علي حالين وليست المسألة علي قولين ان أقام بالميقات بعد إحرامه بالعمرة حتى دخل أشهر الحج أو عاد إليه محرما بها في الاشهر لزمه الدم وإن جاوزه قبل الاشهر ولم يعد إليه لم يلزمه والفرق حصوله بالميقات محرما في الاشهر مع التمكن من الاحرام بالحج وان سبق الاحرام مع بعض الاعمال أشهر الحج فالخلاف فيه مرتب (ان) لم نوجب الدم إذا سبق الاحرام وحده فههنا أولى (وإن) أوجبناه فوجهان والظاهر أنه لا يجب أيضا وعن مالك رحمه(7/141)
الله انه مهما حصل التحلل في أشهر الحج وجب الدم وعند أبى حنيفة إذا أتى باكثر أفعال العمرة في الاشهر كان متمتعا * وإذا لم نوجب دم التمتع في هذه الصورة ففى وجوب دم الاساءة وجهان(7/142)
(أحدهما) يجب وبه قال الشيخ أبو محمد رحمه الله لانه أحرم بالحج من مكة دون الميقات (وأصحهما) لا يجب لان المسئ من ينتهى إلى الميقات علي قصد النسك ويجاوزه غير محرم وههنا قد أحرم بنسك(7/143)
وحافظ على حرمة البقعة (وقوله) في الكتاب ولو تقدم احرامها دون التحلل يمكن تنزيله على تقدم مجرد الاحرام (وقوله) دون التحلل أي دون الاعمال إذا التحلل بها يحصل ويمكن تنزيله على ما تشترك فيه هذه الصورة(7/144)
وصورة تقدم بعض الاعمال وعلي التقديرين فتفسير الخلاف الذى أبهمه بين مما ذكرنا والامام رحمه الله أورد بدل القولين وجهين وهو خلاف رواية الجمهور * ويجوز اعلام لفظ الخلاف بالواو لما مر عن ابن سريج (الثالث) أن يقع الحج والعمرة في سنة واحدة فلوا اعتمر ثم حج في السنة القابلة فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد لان الدم انما يجب إذا زاحم(7/145)
بالعمرة حجته في وقتها وترك الاحرام بحجته من الميقات مع حصوله بها في وقت الامكان ولم يوجد وقد روى عن سعيد بن المسيب قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج فإذا لم يحجوا في عامهم ذلك لم يهدوا " ويمكن رد هذا الشرط والشرط الثاني إلى شئ واحد(7/146)
وهو وقوع العمرة في أشهر الحج التي حج فيها (الرابع) ألا يعود إلى الميقات كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة واستمر عليه فان عاد إلى ميقاته الذى أنشأ العمرة منه وأحرم بالحج فلا دم عليه لانه لم يربح ميقاتا ولو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات وأحرم منه فكذلك لا دم عليه لان المقصود قطع تلك المسافة محرما * ذكره الشيخ أبو محمد وغيره ولو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلى(7/147)
الميقات محرما ففى سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز الميقات غير محرم وعاد إليه محرما * ولو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلي ذات عرق فهل هو كالعود إلى ذلك الميقات فيه وجهان (أحدهما) لا وعليه الدم إذ لم يعد إلى ميقاته(7/148)
ولا إلى مثل مسافته (والثانى) نعم لانه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضرى المسجد الحرام وهذا هوالمحكى عن اختيار القفال والمعتبرين وأويده بان دم التمتع خارج عن القياس لاحيائه كل ميقات بنسك فإذا أحرم بالحج من مسافة القصر بطل تمتعه وترفهه فلا يقدح إيجاب الدم عليه
بحال ولو دخل القارن مكة قبل يوم عرفة ثم عاد إلى الميقات للحج هل يلزمه الدم * ذكر الامام(7/149)
رحمه الله أنه مرتب على المتمتع إذا أحرم ثم عاد إليه إن لم يسقط الدم ثم فههنا أولى وإن أسقطنا فوجهان والفرق أن اسم القران لا يزول بالعود إلى الميقات بخلاف التمتع قال الحناطى والاصح انه لا يجب أيضا وقد نص عليه في الاملاء (وقوله) في الكتاب أن لا يعود إلى ميقات الحج اراد إلى(7/150)
الميقات للحج وإلا فلا يحسن حمله على مطلق الحج فان المواقيت لا اختصاص لها بالحج بل هي للنسكين سواء ولا على حجة خاصة فانه ميقات عمرة المتمتع لا ميقات حجه (وقوله) كان مفردا معلم بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله لا يكون مفردا ولا يسقط عنه دم التمتع حتى يعود إلى بلده(7/151)
ويلم باهله (الخامس) اختلفوا في انه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا فعن الخضرى انه يشترط وقوعهما في سنة واحدة * وقال الجمهور لا يشترط لانا زحمة الحج وترك الميقات لا يختلف * إذا عرفت ذلك فهذا الامر المختلف في اشتراطه يفرض فواته في ثلاث صور (أحدها) ان يكون اجيرا من قبل شخصين استاجره احدهما للحج والآخر للعمرة (والثانية)(7/152)
ان يكون اجيرا للعمرة فيعتمر للمستأجر ثم يحج عن نفسه (والثالثة) أن يكون اجيرا للحج فيعتمر لنفسه ثم يحج عن المستأجر وهذه الثلاثة هي التى اوردها في الكتاب * وقد ذكرها في صدر الحالة الثانية من أحوال الاجير قبل هذا البيان حكمها فيما يتعلق باحتساب المسافة وحط الاجرة (فان قلنا)(7/153)
بمذهب الجمهور فقد ذكروا ان نصف دم التمتع علي من يقع له الحج ونصفه على من تقع له العمرة وليس هذا الكلام علي هذا الاطلاق بل هو محمول على تفصيل ذكره صاحب التهذيب رحمه الله (اما) في الصورة الاولي فقد قال ان أذنا في التمتع فالدم عليهما نصفان وان لم يأذنا فهو على الاجير(7/154)
وعلى قياسه ان اذن احدهما دون الآخر فالنصف علي الآذن والنصف على الاجير وأما في الصورتين الاخرتين فقد قال ان أذن له المستاجر في التمتع فالدم عليهما نصفان والا فالكل على الاجير ولنتبه(7/155)
ههنا لامور (احدها) ايجاب الدم على المستأجرين أو احدهما مفرع علي الاصح في ان دم القران والتمتع على المستاجر والا فهو على الاجير بكل حال (الثاني) إذا لم ياذن المستأجرين أو احدهما في الصورة الاولي(7/156)
أو المستأجر في الصورة الثالثة وكان الميقات البلد معينا في الاجارة أو نزلنا المطلق عليه فلزمه مع دم التمتع دم الاساءة لمن جاوز ميقات نسكه (والثالث) إذا أوجبنا الدم على المستأجرين فلو كانا(7/157)
معسرين فعلى كل واحد منهما خمسة ايام لكن صوم التمتع بعضه في الحج وبعضه بعد الرجوع وهما لم يباشرا حجا فعلى قياس ما ذكره صاحب التهذيب تفريعا علي قولنا ان دم القران والتمتع على المستاجر يكون الصوم على الاجير على قياس ما ذكره صاحب التتمة ثم هو كما لو عجز المتمتع(7/158)
عن الصوم والهدى جميعا ويجوز ان يكون الحكم على ما سيأتي في التمتع إذا لم يصم في الحج كيف يقضي فإذا أوجبنا التفريق إفضي تفريق الخمسة بنسبة الثلاثة والسبعة إلى تبعيض القسمين فيكملان ويصوم كل واحد منهما ستة أيام وقس على هذا ما اوجبنا الدم في الصورتين الاخيرتين على الاجير(7/159)
والمستاجر * وان فرعنا على الوجه المعزى إلى الخضرى فإذا اعتمر عن المستاجر ثم حج عن نفسه ففى كونه مسيئا الخلاف الذى مر فيهما إذا اعتمر قبل اشهر الحج ثم حج من مكة لكن الاصح ههنا انه مسئ لامكان الاحرام بالحج حين حضر الميقات * قال الامام فان لم يلزمه الدم ففوات هذا الشرط لا يؤثر الا في فوات فضيلة التمتع على قولنا انه افضل من الافراد وان الزمناه الدم فله اثران هذا
احدهما (والثانى) ان المتمتع لا يجب عليه العود إلى الميقات وإذا عاد واحرم منه سقط عنه الدم بلا خلاف والمسئ يلزمه العود وإذا عاد ففى سقوط الدم عنه خلاف وأيضا فان الدمين يتفاوتان في البدل(7/160)
(السادس) في اشتراط نية التمتع وجهان (اصحهما) لا يشترط كما لا تشترط نية القران وهذا لان الدم منوط بزحمة الحج وربح احد السفرين وذلك لا يختلف بالنية وعدمها (والثاني) يشترط لانه جمع بين عبادتين في وقت أحداهما فاشبه الجمع بين الصلاتين لكن الفرق ظاهر فان اشهر الحج كما هي وقت الحج فهي وقت العمرة بخلاف وقت الصلاة فان قلنا باشتراطها ففى وقتها ثلاثة أوجه مأخوذة من الخلاف في وقت نية الجمع بين الصلاتين (أحدها) ان وقتها حالة الاحرام بالعمرة (والثاني) ما لم يفرغ من العمرة (والثالث) ما لم يشرع في الحج * قال الامام رحمه الله واعتبارما نحن فيه بنية الجمع بين الصلاتين في نهاية الضعف لكن لو قيل انما يلزم الدم إذا كان على قصد الحج عند الانتهاء إلى الميقات وأتى بالعمرة فانه قدم(7/161)
أدنى النسكين من أطول الميقاتين أما إذا لم يكن علي قصد الحج أو كان علي قصد الاقتصار على العمرة ثم اتفق الحج فلا دم عليه قياسا على من جاوز الميقات لا على قصد النسك لكان هذا قريبا من مأخذ لمناسك والله أعلم * فهذا شرح الشروط.
المذكورة في الكتاب وورائها شرطان (احدهما) ان يحرم بالعمرة من الميقات فلو جاوزه مريدا للنسك ثم أحرم بها فالمنقول عن نصه أنه ليس عليه دم التمتع ولكن يلزم دمه الاساءة وقد اخذ باطلاقه آخذون وقال الاكثرون هذا إذا كان الباقي(7/162)
بينه وبين مكة دون مسافة القصر فان بقيت مسافة القصر فعليه الدمان معا (والثاني) حكى ابن خيران اشترط وقوع النسكين في شهر واحد وأباه عامة الاصحاب * واعلم ان الشروط المذكورة معتبرة في لزوم الدم لا محالة على ما فيها من الوفاق والخلاف وهل هي معتبرة في نفس التمتع (منهم) من يطلق اعتبارها بعينها حتى إذا انحزم شرط من الشروط كانت الصورة صورة الافراد وعلى هذا قال في مواضع من الفصل لم يكن متمتعا وهو ظاهر قوله في أوله وله ستة (شروط) ومنهم من لا يعتبرها في نفس التمتع وهذا أشهر(7/163)
ولذلك رسموا صحة التمتع من المكى مسألة خلافية فقالوا يصح عندنا التمتع والقران من المكى وبه قال مالك رحمه الله وعند ابي حنيفة رحمه الله لا يصح منه قران ولا تمتع وإذا احرم بهما ارتفضت عمرته وإن احرم بالحج بعد ما أتى بشطوط من الطواف للعمرة ارتفض حجه في قول ابى حنيفة وعمرته(7/164)
في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وان أحرم به بعد مأتي باكثر الطواف مضى فيهما وأراق دما * قال (وإذا وجدت الشرائط فمكة ميقات المتمتع كما أنها ميقات المكى فلو جاوزها في الاحرام لزمه دم الاساءة مع دم التمتع) * إذا اعتمر ولم يرد العود إلى الميقات فعليه أن يحرم من مكة " أمر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه رضي الله عنهم ان يحرموا من مكة وكانوا متمتعين " وهى في حقه كهي في حق المكي والكلام في الموضع الذى هو أولى لاحرامه وفيما إذا خالف واحرم خارج مكة اما في حد الحرم أو بعد مجاوزته(7/165)
اذالم يعد إلى الميقات ولا إلى مسافته على ما ذكرنا في المكي وإذا اقتضى الحال وحوب دم الاساءة لزم مضموما إلى دم التمتع واعترض صاحب الشامل عليه فقال دم التمتع لا يجب الا لترك الميقات فيكف يجب لذلك دم آخر اجابوا عنه بانا لا نسلم انه يجب لهذا القدر بل يجب لربح احد الميقاتين وزحمة الحج بالعمرة على ما مر ويدل على تغاير سببهما تغايرهما في كيفية البدل وبتقدير أن لا يجب دم التمتع الا لترك الميقات فانما يجب ذلك لتركه الاحرام من ميقات بلده وهذا الدم انما يجب لتركه(7/166)
الاحرام مما صار ميقاتا له ثانيا وهو مكة (وقوله) في الكتاب فلو جاوزها في الاحرام لزمه دم الاساءة مطلق لكن المراد منه ما اذالم يعد الي الميقات ولا الي مسافته علي ما تبين من قبل ووجوب دم التمتع والحالة هذه يبين أن الشرط في التمتع ان لا يعود الي الميقات لا حرام الحج لا أن يحرم من مكة ومن قال الشرط أن يحرم من مكة فهو غالط في العبارة *
قال (وأنما يجب دم التمتع باحرام الحج وهل يجوز تقديمه بعد العمرة على الحج فيه قولان للتردد في تشبيه العمرة باليمين مع الحنث فانه أحد السببين) * لما فرغ من القول في تصوير التمتع والشرائط المرعية فيه أراد أن يتكلم في وقت وجوب الدم(7/167)
وفى بدله وما يتعلق بهما والمتمتع يلزمه دم شاة إذا وجد وبه فسر قوله تعالى (فما استيسر من الهدي) وصفته صفة شاة الاضيحة ويقوم مقامه السبع من البدنة والبقرة ووقت وجوبه الاحرام بالحج وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لانه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة الي الحج * وعن مالك رضي الله عنه انه لا يجب حتى يرمى جمرة العقبة فيتم الحج وإذا وجب جاز اراقته ولم يتاقت بوقت كسائر دماء الجبرانات الا أن الافضل اراقته يوم النحر * وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله لا يجوز اراقته الا يوم النحر وهل يجوز اراقته قبل الاحرام وبعد التحلل من العمرة فيه قولان وقيل وجهان (احدهما) لا يجوز كما لا يجوز الصوم في هذه الحالة وهذا لان الهدى يتعلق به عمل البدن وهى تفرقة اللحم والعبادات(7/168)
البدنية لا تقدم على وقت وجوبها (وأصحها) الجواز لانه حق مالي تعلق بسببين وهما الفراغ من العمرة والشروع في الحج فإذا وجد احدهما جاز اخراجه كالزكاة والكفارة (وقوله) للتردد في تشبيه العمرة باليمين مع الحنث بها احد السببين معناه ان أحد القولين موجه بتشببه الفراغ من العمرة والشروع في الحج باليمين مع الحننث ومن نصر القول الثاني ينازع في هذا التشبيه ويقول الكفارة متعلقة باليمين منسوبة إليها والدم ليس متعلقا بالعمرة وانما هو متعلق بالتمتع من العمرة إلى الحج وهو خصلة واحدة فان فرعنا على جواز التقدم على الاحرام بالحج فهل يجوز التقديم على التحلل من العمرة فيه وجهان (أصحهما) المنع لان العمرة أحد السببين فلا بد من تمامه كما لا بد من تمام النصاب في تعجيل الزكاة ومنهم من قطع بهذا ونفى الخلاف ولا خلاف في أنه لا يجوز التقديم على الشروع في العمرة *(7/169)
قال (واما المعسر فعليه صيام عشرة ايام في الحج بعد الاحرام وقبل يوم النحر ولا تقدم (ح) على
الحج لانها عبادة بدنية ولا تجوز في أيام التشريق على الجديد وإذا تأخر عن أيام التشريق صار فائتا ولزم القضاء (ح) (وأما) السبعة فاول وقتها بالرجوع إلى الوطن وهل تجوز في الطريق فيه وجهان وقيل المراد به الرجوع إلي مكة وقيل الفراغ من الحج) *(7/170)
(قوله) وأما المعسر ربما يوهم أن الصوم انما يعدل إليه المتمتع إذا لم يملك الهدي ولا ما يشتريه به وليس كذلك بل له العدول إلى الصوم وإن قدر على الهدى في بلده إذا عجز عنه في موضعه لان في بدله وهو الصوم تأقيتا بكونه في الحج فلا نظر إلى غير موضعه بخلاف الكفارات فانه يعتبر فيها العدم المطلق إذ لا تاقيت فيها إذا عرفت ذلك فان المتمتع العادم للهدى يلزمه صوم عشرة أيام بنص القرآن ويجعلها قسمين ثلاثة وسبعة (أما) الثلاثة فيصومها في الحج ولا يجوز تقديمها على(7/171)
الاحرام بالحج خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز بعد الاحرام بالعمرة لاحمد حيث قال في رواية بقول أبى حنيفة وقال في رواية يجوز بعد التحلل من العمرة * لنا أن الصوم عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها كالصلاة وسائر العبادات الواجبة ولا يجوزان يصوم شيئا منها في يوم النحر وفى جواز ايقاعها في أيام الشتريق قولان قدمنا ذكرهما في كتاب الصوم والمستحب أن يصوم الايام الثلاثة قبل يوم عرفة فان الاحب للحاج يوم عرفة أنه يكون مفطرا علي ما مر وانما يمكنه ذلك إذا تقدم احرامه بالحج بحيث يقع بين احرامه ويوم عرفة ثلاثة ايام قال الاصحاب رحمهم الله وهذا(7/172)
هو المستحب للمتمتع الذى هو من أهل الصوم يحرم قبل اليوم السادس من ذى الحجة ليصوم الثلاثة ويفطر يوم عرفة ونقل الحناطي عن شرح أبي أسحق وجها أنه إذا لم يؤمل هديا يجب عليه تقديم الاحرام بحيث يمكنه صوم الايام الثلاثة قبل يوم النحر وأما الواجد للهدى فالمستحب له ان يصوم يوم التروية بعد الزول متوجها الي منى لما روى عن جابر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توهجتم إلى مني فاهلوا بالحج " فإذا فاته صوم الايام الثلاثة في الحج لزمه(7/173)
القضاء خلافا لابي حنيفة حيث قال يسقط الصوم ويستقر الهدى عليه وعن ابن سريح وابي اسحق رحمهما الله تخريج قول مثله والمذهب الاول لانه صوم واجب فلا يسقط كفوات وقته كصوم رمضان وإذا قضاها لم يلزمه دم خلافا لاحمد رحمه الله (وأما) السبعة فهي مقيدة بالرجوع قال الله تعالى (وسبعة إذا رجعتم) وما المراد من الرجوع فيه قولان (اصحهما) وهو نصه في المختصر وحرمله ان المراد(7/174)
منه الرجوع إلى الاهل والوطن لما روي انه صلى الله عليه وسلم قال المتمتعين " من كان معه هدى فليهد ومن لم يجد فليصم ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " وعن ابن عباس رضي الله(7/175)
عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة في أيام الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم " (والثانى) ان المراد منه الفراغ وبهذا قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله لان قوله وسبعة إذا رجعتم مسبوق بقوله ثلاثة أيام في الحج فينصرف إليه وكانه بالفراع رجع عما كان مقبلا عليه من الاعمال (فان قلنا)(7/176)
بالاول فله توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها وان لم يتوطنها لم يجز صومه بها وهل يجوز في الطريق إذا توجه وطنه روى الصيدلانى وغيره فيه وجهين (أحدهما) نعم لان ابتداء السير أول الرجوع (واصحهما) لا لانه تقديم العبادة البدنية على وقتها وبهذا قطع اصحابنا العراقيون تفريعا(7/177)
علي القول الاصح وجعلوا الوجه الاول قولا برأسه حملا للرجوع في الآية علي الانصراف من مكة والوجه ما فعلوه فانا إذا جوزنا الصوم في الطريق فقد تركنا التوقيت بالعود إلى الوطن وإذا فرعنا على أن المراد الفراغ من الحج والانصراف من مكة فلو أخره حتى يرجع إلى وطنه جاز(7/178)
وهل هو أفضل أم التقديم أفضل مبادرة إلى العبادة حكى العراقيون فيه قولين (أصحهما) وبه قال
مالك ان التأخير أفضل تحرزا عن الخلاف وسواء قلنا ان الرجوع هو الرجوع إلى الوطن أو الفراغ من الحج فلو أراد أن يوقع بعض الايام السبعة في ايام الشتريق لم يجز وان حكمنا بانها قابلة للصوم اما علي القول الاول فظاهر وأما علي الثاني فلانه يعد في اشتغال الحج وان حصل التحلل ونقل بعضهم عن الشافعي رضى الله عنه أن المراد من الرجوع هو الرجوع من منى إلى مكة والامام وصاحب الكتاب عدا هذا قولا وراء قول الرجوع إلى الوطن وقول الفراغ من الحج لكن(7/179)
قضية كلام كثير من الائمة أنه وقول الفراغ من الحج شئ واحد وان الغرض منه بيان ما ينزل عليه لفظ الرجوع في الآية وهو الاشبه وبتقدير أن يكون قولا برأسه فعلى ذلك القول لو رجع من منى إلى مكة صح صومه وان تأخر طوافه للوداع والله أعلم * ولنتكلم فيما يتعلق بلفظ الكتاب علي الخصوص سوى ما اندرج في أثناء الكلام (أما) قوله ثلاثة في الحج بعد الاحرام أي بالحج وهو معلم بالحاء والالف لما قدمنا (وقوله) وقبل يوم النحر جواب على الجديد في أنه لا يجوز للمتمتع(7/180)
صوم أيام التشريق فيجوز أن يعلم بالواو (وقوله) ولا يقدم علي الحج كالمكرر لان في قوله بعد الاحرام ما يفيده ولعله إنما أعاده ليعلق به العلة وهى قوله لانها عبادة بدنية (وقوله) ولا يجوز في أيام التشريق علي الجديد مكرر قد ذكره مرة في الصوم ثم هو مرقوم بالميم والالف لما كتبناه ثم (وقوله) فإذا تأخر عن أيام الشتريق صار فائتا معناه ان الفوات حاصل عند مضى أيام التشريق لا محالة فأما أنه بم يحصل ان لم نجعل ايام التشريق قابلة للصوم فأنه يحصل بمضي يوم عرفة واما(7/181)
إذا جعلناها غير قابلة فأنه يحصل بمضيها ويمكن ان يتأخر طواف الزيارة عن ايام التشريق إذ لا امد له من جهة التأخر فيكون بعد في الحج لبقاء بعض الاركان عليه لكن صوم الثلاثة بعد ايام التشريق لا يكون اداء وان بقى الطواف لان تأخره عن أيام الشتريق مما يبعد ويندر فلا يقع مرادا من قوله تعالى (ثلاثة أيام في الحج) بل هو محمول على الغالب المعتاد * هكذا حكاه الامام وغيره
وفى التهذيب وجه ضعيف ينازع في ذلك (وقوله) بالرجوع إلى الوطن معلم - بالميم والحاء الالف - لما تقدم وقوله بعد ذلك وقيل قولان لا وجهان وقد مر ما فيهما *(7/182)
قال (ثم إذا فاتت الثلاثة قضي عشرة أيام ويفرق بين الثلاثة والسبعة بمقدار ما يقع التفرقة في الاداء فان لم يفعل ففى صحة اليوم الرابع عن هذه الجهة قولان فان قلنا لا يصح (و) صح ما بعده وجعل اليوم الرابع كالافطار المتخلل) * إذا لم يصم الثلاثة في الحج حتى فرع ورجع لزمه صوم العشرة وقد حكينا خلاف أبي حنيفة وقولا يوافقه فيه فإذا قلنا بالمذهب فهل يجب التفريق في القضاء بين الثلاثة والسبعة فيه قولان في رواية الحناطى والشيخ أبى محمد رحمهما الله ووجهان في رواية غيرهما (أحدهما) وبه قال احمد انه لا يجب لان التفريق في الاداء يتعلق بالوقت فلا يبقى حكمه في القضاء كالتفريق في الصلوات المؤداة وهذا(7/183)
أصح عند الامام وطائفة (والثانى) وهو الاصح عند الاكثرين أنه يجب التفريق كما في الاداء ويفارق تفريق الصلوات فان ذلك التفريق يتعلق بالوقت وهذا يتعلق بالفعل وهو الحج والرجوع فعلى هذا هل يجب التفريق بمثل ما يقع التفريق في الاداء فيه قولان (أحدهما) لا بل يكفى التفريق بيوم لان المقصود انفصال أحد قسمي الصوم عن الآخر وهذا حاصل باليوم الواحد ويحكى هذا عن نصه في الاملاء (وأصحهما) انه يجب التفريق في القضاء بمقدار ما يقع به التفريق في الاداء لتتم محاكاة القضاء للاداء وفيما يقع به التفريق في الاداء أقوال أربعة تتولد من أصلين سبقا (أحدهما) أن المتمتع هل له صوم أيام التشريق (والثاني) أن الرجوع إلي ماذا (فان قلنا) ليس للمتمتع صوم أيام التشريق وفسرنا الرجوع بالرجوع إلى الوطن فالتفريق باربعة أيام ومدة امكان مسيره إلى أهله علي العادة الغالبة (وان قلنا) ليس له صومها وفسرنا الرجوع بالفراغ من الحج فالتفريق باربعة أيام(7/184)
لا غير لتمكنه من الابتداء بصوم السبعة كما مضت أيام التشريق (وإن قلنا) للمتمتع صومها وفسرنا
الرجوع بالرجوع إلى الوطن فالتفريق بمدة امكان مسيره إلى أهله (وان قلنا) له صومها وفسرنا الرجوع بالفراغ من الحج فوجهان (أصحهما) أنه لا يجب التفريق لانه يمكنه في الاداء على هذا أن يصوم أيام التشريق عن الثلاثة ويصل بها صوم السبعة (والثانى) لا بد من التفريق بيوم لان الغالب أن يفطر يوم الرجوع إلى مكة وأيضا فان الثلاثة تنفصل في الاداء عن السبعة بحالتين متغايرتين لوقوع أحدهما في الحج والآخر بعده فينبغي أن يقيم في القضاء مقام ذلك التفريق بافطار يوم والله اعلم * فان أردت حصر الاقوال التى تجئ فيمن لم يصم الثلاثة في الحج مختصرا (قلت) فيه ستة اقوال لا صوم عليه بل ينتقل إلى الهدى عليه صوم عشرة متفرقا أو متتابعا صوم عشرة بشرط(7/185)
التفريق بيوم فصاعدا بشرط التفريق باربعة أيام ومدة امكان المسير إلى الاهل بشرط التفريق بأربعة أيام فحسب بشرط التفريق بمدة امكان المسير فحسب ولو صام عشرة أيام ولاء والتفريع على ظاهر المذهب وهو لزوم القضاء اجزأه ان لم نشترط التفريق فان شرطنا التفريق واكتفينا بيوم لم يعتد باليوم الرابع ويعتد بما بعده ويجعل ذلك اليوم كالافطار إذا لم يقع عن هذه الجهة ولهذا لو نوي فيه تطوعا أو قضاء يجزئه فعلى هذا يصوم يوما آخر وقد خرج عن العهدة وعن صاحب التقريب حكاية وجه ضعيف(7/186)
انه لا يعتد بشئ مما بعد اليوم الرابع وحكي الحناطي عن الاصطخرى وجها أضعف من هذا وهو انه لا يعتد بالثلاثة أيضا إذا نوى التتابع وان شرطنا التفريق باكثر من يوم لم يعتد بذلك القدر ويقاس ما قبله وما بعده بما ذكرنا (وأما) لفظ الكتاب فقوله قضي عشرة أيام لا يمكن حمله على القضاء المقابل للاداء فان العشرة لا تكون قضاء بهذا المعني لكون السبعة مؤداة فيها ولكن المراد قضاؤها عشرة ايام أو المراد صام عشرة ايا معبرا بلفظ القضاء على ما يشترك فيه القضاء والاداء ويجوز ان يعلم بالحاء والواو لما أعلم بهما قوله من قبل ولزم القضاء (وقوله) ويفرق بين الثلاثة والسبعة بمقدار ما يقع التفرقة في الاداء لا يمكن من جهة النظم حمله على شرائط التفريق هكذا وان كان هو(7/187)
ظاهر المذهب عند عامة الاصحاب لانه لو كان هذا حكما باشتراطه لم يصح أن يقول بعده فان لم يفعل ففى صححة اليوم الرابع قولان وأيضا فانه حكم بصحة ما بعد اليوم الرابع ان لم يصح اليوم الرابع ومن شرط التفريق بذلك المقدار لا يكتفى بيوم فكأنه اراد به هكذا ينبغي أن يفعل تحرزا عن الخلاف فان لم يفعل ففيه الخلاف (وقوله) فان لم يفعل في صحة اليوم الرابع عن هذه الجهة قولان أولا فيه اضمار(7/188)
معناه فان لم يفعل ووالي بين العشرة والا فلا يلزم من أن يفرق بين الثلاثة والسبعة بمقدار ما يقع عليه التفرقة في الاداء الموالاة لجواز التفريق بمقدار يخالف ذلك المقدار وحينئذ لا يلزم أن يكون صائما اليوم الرابع حتى يقال هل يعتد به أم لا ثم لا يخفى ان هذا الخلاف هو في أن التفريق هل هو شرط أم لا كما مر ثم يتعين اليوم الرابع والحكم بانه ان لم يصح صح ما بعده ذهاب إلى الاكتفاء في(7/189)
التفريق بيوم واحد والظاهر خلافه على ما أوضحناه فيجب اعلام قوله صح ما بعده بالواو لذلك ثم للوجه المنقول عن صاحب التقريب (فرع) كل واحد من صوم الثلاثة في الحج والسبعة بعده يستحب فيه التتابع ولا يجب وروى صاحب المعتمد تخريج قول في كفارة اليمين انه يجب فيهما التتابع * قال (وان وجد الهدى بعد الشروع في الصوم لم يلزمه ولو وجد قبل الشروع وبعد الاحرام بالحج يبنى على أن في الكفارات بحالة الاداء أو بحالة الوجوب)(7/190)
إذا شرع في الصوم ثم وجد الهدى استحب له أن يهدى ولا يلزمه سواء شرع في صوم الثلاثة أو في صوم السبعة وبه قال مالك وكذلك أحمد رحمهما الله في رواية خلافا للمزني في الحالتين ولابي حنيفة رحمه الله فيما إذا شرع في صوم الثلاثة ولو فرغ من صوم الثلاثة ووجد الهدى قبل يوم النحر يلزمه الهدى أيضا عنده وان وجد بعده فلا والخلاف في المسألة شبيه بالخلاف في القدرة على العتق بعد الشروع في صوم الشهرين وفى وجدان الماء بعد الشروع في الصلاة بالتيمم ولو أحرم
بالحج ولا هدى ثم وجده قبل الشروع في الصوم فيبني ذلك على أن الاعتبار في الكفارات بحالة الوجوب أو بحالة الاداء أو يعتبر أغلظ الحالتين والخلاف فيه يذكر موضعه ان شاء الله تعالي(7/191)
فان اعتبرنا حالة الوجوب أجزاه الصوم وان اعتبرنا حالة الاداء أو أغلظ الحالتين لزمه الهدي وهو المنقول عن نصه في هذه المسألة * قال (ولو مات المتمتع قبل الفراع من الحج سقط عنه الدم علي أحد القولين نظرا إلى الاخر ولو مات بعد الفراغ أخرج من تركته فان مات معسرا قبل التمكن من الصوم برئت الذمة وان مات بعد التمكن من الصوم صام عنه وليه أو فدي عن كل يوم بمد كما في رمضان وقيل إنه يرجع ههنا الي الاصل وهو الدم) * المتمتع الواجد للهدى إذا مات قبل الفراغ من الحج هل يسقط عنه الدم حكي صاحب النهاية وغيره فيه قولين أحدهما نعم لان الكفارة إنما تجب عند تمام النسكين على سبيل الرفاهية وربح أحد السفرين وإذا مات قبل الفراغ لم يحصل هذا الغرض (وأصحها) أنه لا يسقط بل يخرج من تركته لانه(7/192)
وجب بالاحرام بالحج والتمتع بالعمرة الي الحج وأنه موجود ولو مات بعد الفراغ من الحج فلا خلاف في انه يخرج من تركته (وأما) الصوم فان مات قبل التمكن منه ففيه قولان (أحدهما) أنه يهدى عنه لان الصوم قد وجب بالشروع في الحج فلا يسقط من غير بدل وهذا مصور فيما إذا لم يجد الهدى في موضعه وله ببلده مال وفيما إذا كان يباع بثمن غال (والثاني) انه يسقط لانه صوم لم يتمكن من الاتيان به فاشبه صوم رمضان وهذا أصح قاله ابن الصباغ وصاحب التهذيب وان تمكن من(7/193)
الصوم فلم يصم حتي مات فهل هو كصوم رمضان فيه طريقان (أصحهما) نعم لانه صوم مفروض فاته بعد القدرة عليه فعلى هذا يصوم عنه وليه في القول القديم وفى الجديد يطعم عنه من تركته لكل يوم مد فان تمكن من جميع العشرة فعشرة أمداد والا فبالقسط وهل يجب صرفه إلى فقراء الحرم
أم يجوز صرفه إلى غيرهم فيه قولان (أشبههما) الثاني (والثانى) انه لا ينزل منزلة صوم رمضان وتجعل(7/194)
الفدية من خواص رمضان كالكفارة العظمى وعلى هذا فقولان (أصحهما) ان الرجوع إلى الدم لانه أقرب إلى هذا الصوم من الامداد فيجب في فوات ثلاثة إيام إلى العشرة شاة وفى يوم واحد ثلث شاة ويومين ثلثا شاة وعن أبى اسحق اشارة إلى ان اليوم واليومين كاتلاف الشعرة والشعرتين من المحرم وفيما يقابل به الشعرة الواحدة أقوال (أحدها) مد من طعام (والثانى)(7/195)
درهم (والثالث) ثلث شاة (والثانى) نقله الامام والمصنف في الوسيط عن رواية صاحب التقريب انه لا يجب شئ أصلا (فان قلت) قد عرفت حكم ما إذا تمكن من الصوم وما إذا لم يتمكن فما التمكن (قلنا) (اما) الثلاثة فالتمكن من صومها بان يحرم بالحج لزمان يسع صومها قبل الفراغ ولا يكون به مرض مانع وذكر الامام رحمه الله انه لا يجب شئ في تركته ما لم ينته إلى الوطن لان دوام السفر(7/196)
كدوام المرض وصوم الايام الثلاثة وان كان ثابتا على الغرباء فلا يزيد تأكده على تأكد صوم رمضان أداء واستدراكا وهذا غير متضح لان صوم الثلاثة يتعين ايقاعه في الحج وان كانوا غرباء مسافرين بالنص فكيف ينهض السفر عذرا فيه وكيف يقاس بصوم رمضان (واما) السبعة فان فسرنا الرجوع بالرجوع إلى الوطن فله التأخير إلى الوصول إليه وكانه لا يمكن قبله وان فسرناه بالفراع من الحج فكذلك ثم دوام السير عذر على ما ذكره الامام رحمه الله وعن القاضى الحسين(7/197)
رحمه الله انا إذا استحببنا التأخير إلى ان يصل الي الوطن تفريعا على أن الرجوع هو الفراغ من الحج فهل يفدى عنه إذا مات في الطريق فيه وجهان تخريجا من الوجهين فيما إذا ظفر بالمساكين ولم يدفع الزكاة إليهم ليدفعها الي الامام فتلف المال هل يضمن ولا يخفي بعد ما ذكرناه ان قوله صام عنه وليه(7/198)
أو فدي كل يوم بمد ليس المراد منه التخيير وانما هو اشارة إلى القولين القديم والجديد المذكورين في صيام رمضان وان قوله وقيل أنه يرجع ههنا إلى الاصل قول لا وجه وأن المراد من قوله فان مات معسرا الي آخره ما إذا مات بعد التمكن وان كان اللفظ مطلقا ويجوز ان يعلم قوله صام عنه وليه أو فدى كل يوم بمد كلاهما بالحاء اما الاول فلان أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بصوم الولى واما(7/199)
الثاني فلما قدمنا انه إذا لم يصم الثلاثة في الحج سقط الصوم واستقر الهدى ولفظ الكتاب مطلق ويجوز ان يعلم الاول بالميم والالف أيضا * قال (الباب الثاني في أعمال الحج وفيه أحد عشر فصلا (الاول) في الاحرام وينعقد بمجرد النية (ح) من غير تلبية وان أحرم مطلقا ثم عين بحج أو عمرة أو قران فله ذلك الا ان يحرم قبل أشهر الحج ثم يعين الحج أو يدخل عليه الحج بعد الاشهر فانه لا يجوز (و)) * فصول الباب تفصيل ترجمته الجميلة غير الفصل الاخير فانه لا اختصاص له بهذا الباب ولعل غيره أليق به ومقصود الفصل الاول الكلام فيما ينعقد به الاحرام وفى كيفية انعقاده وينبغى للمحرم ان ينوى ويلبى فان لم ينو ولبي فقد حكى عن رواية الربيع انه يلزمه ما لبي به وقال في المختصر وإن لم يرد حجا ولا عمرة فليس بشئ واختلف الاصحاب على طريقين (أضعفهما) أن المسألة على قولين (أصحهما) أن(7/200)
احرامه لا ينعقد علي ما ذكره في المختصر لان الاعمال بالنيات (والثانى) انه يلزمه ما سمى لانه التزمه بقوله وعلي هذا لو أطلق التلبية انعقد له احرام مطلق بصرفه إلى ما شاء من كلا النسكين أو أحدهما (وأصحهما) القطع بعدم الانعقاد وحمل منقول الربيع على ما إذا تلفظ باحد النسكين على التعيين ولم ينوه ولكن نوى الاحرام المطلق فيجعل لفظه تفسيرا وتعيينا للاحرام المطلق (واعرف) ههنا شيئين (أحدهما) أن تنزيل لفظ المختصر على صورة المسألة يفتقر الي إضمار لانه قد لا يريد حجا ولا عمرة ولكن يريد نفس الاحرام فالمعنى حجا ولا عمرة ولا أصل الاحرام (والثاني) ان جعل اللفظ المجرد تفسيرا في صورة التأويل مشكل كجعله احراما في الابتداء والظاهر انه على تجرده لا يجعل تفسيرا علي ما سيأتي ولو نوى انعقد(7/201)
احرامه وإن لم يلب وبه قال مالك واحمد رحمهما الله لانه عبادة ليس في آخرها وفى أثنائها نطق واجب فكذلك في ابتدائها كالطهارة والصوم وعن أبي علي بن خيران وابن أبي هريرة وأبى عبد الله الزبيري رحمهم الله ان التلبية شرط لانعقاد الاحرام لاطباق الناس علي الاعتناء به عند الاحرام وبه قال أبو حنيفة الا ان عنده سوق الهدى وتقليده والتوجه معه يقوم مقام التلبية وحكي الشيخ أبو محمد وغيره قولا للشافعي رضي الله عنه مثل مذهبه وحكى الحناطى هذا القول في الوجوب دون الاشتراط وذكر تفريعا عليه انه لو ترك التلبية لزمه دم وإذا عرفت أن النية هي المعتبرة دون التلبية فيترتب عليه أنه لو لبى بالعمرة ونوى الحج فهو حاج ولو كان بالعكس فهو معتمر ولو تلفظ بأحدهما ونوى القران فقارن ولو تلفظ بالقران ونوى أحدهما فهو محرم بما نوى (واعلم)(7/202)
أن الاحرام تارة ينعقد معينا بأن ينوى أحد النسكين علي التعيين أو كليهما ولو أحرم بحجتين أو بعمرتين لم يلزمه الا واحدة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يلزمانه فيشتغل بواحدة وتكون الاخرى في ذمته وتارة ينعقد مطلقا بان ينوى نفس الاحرام ولا يقصد القران ولا أحد النسكين فهو جائز لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم أحرم مطلقا وانتظر الوحى " ويفارق الصلاة فانه لا يجوز الاحرام بها والتعيين بعده لان التعيين ليس بشرط في انعقاد الحج ولهذا لو أحرم الضرورة عن غيره(7/203)
انصرف إليه ولو أحرم بالنفل قبل الفرض إلى الفرض وإذا أحرم مطلقا فينظر إن احرم في أشهر الحج فله أن يصرفه الي ما شاء من الحج والعمرة والقران والتعيين بالنية لا باللفظ ولا يجزئ العمل قبل التعيين ذكره الشيخ أبو على وغيره وان احرم قبل الاشهر فان صرفه إلى العمرة صح وان صرفه الي الحج بعد دخول الاشهر هل يجوز بناه الشيخ أبو على على مسألة أخرى وهي ما لو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحج عليها في الاشهر ليكون قارنا وفى جوازه وجهان(7/204)
(أحدهما) يجوز لانه انما يصير داخلا في الحج من وقت احرامه به ووقت احرامه به صالح للحج (والثانى) لا يجوز لان ابتداء احرامه وقع قبل الاشهر والقارن في حكم ملابس باحرام واحد ألا يرى انه لو ارتكب محظورا لم يلزمه الا فدية واحدة فلو انعقد الحج وابتداء الاحرام سابق علي الاشهر لا انعقد الاحرام بالحج قبل الاشهر (فان قلنا) بالوجه الاول فإذا أحرم مطلقا ثم دخلت الاشهر فله أن يجعله حجا وان يجعله قرانا ويحكي هذا عن الحضرى (وان قلنا) بالثاني حكمنا بانعقاد الاحرام المطلق عمرة لانه لا يحتمل ان ينصرف الي غيرها وعلي الاول ينعقد على الابهام ثم لو صرفه(7/205)
إلى الحج قبل دخول الاشهر كان كما لو أحرم بالحج قبل الاشهر وقد مضى الكلام فيه (واعلم) ان الصورتين معا المبنية والمبني عليها مذكورتان في الكتاب (وقوله) الا ان يحرم قبل أشهر الحج ثم يعين للحج أراد به ما إذا أحرم مطلقا قبل الاشهر ثم صرفه إلى الحج في الاشهر (وقوله) أو يدخل عليه الحج بعد الاشهر أراد به ما إذا أحرم بالعمرة في غير الاشهر ثم أدخل الحج عليها في الاشهر وان لم يكن في اللفظ انباء عنه وقد أجاب فيهما جميعا بالمنع وهو ظاهر المذهب في الصورة الاولي (وأما) في الثانية وهي صورة الادخال فكأنه تابع فيه الشيخ أبا على فانه اختاره وحكاه عن عامة الاصحاب(7/206)
لكن القفال اختار الجواز وبه أجاب صاحب الشامل وغيره ثم فيما ذكره من جهة اللفظ استدراك فانه استثني الصورتين مما إذا أحرم مطلقا والصورة الثانية غير داخلة فيه حتي تستثنى وما الافضل من اطلاق الاحرام وتعيينه فيه قولان (قال) في الاملاء الاطلاق أفضل لما روى انه صلي الله عليه وسلم " أحرم مطلقا " وأيضا فقد يعرض ما يمنعه من أحد النسكين فإذا أطلق أمكن صرفه إلى الآخر (وقال) في الام وهو الاصح التعيين أفضل وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لانه أقرب إلى الاخلاص(7/207)
وقد روى عن جابر رضى الله عنه قال " قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول لبيك بالحج " وعلى هذا فهل يستحب التلفظ بما عينه فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصوص لا بل يقتصر
على النية لان اخفاء العبادة أفضل (والثاني) وبه قال أبو حنيفة نعم لخبر جابر رضى الله عنه ولانه يكون أبعد عن النسيان والله أعلم * قال (ولو أهل عمرو باهلال كهلال زيد صح فان كان احرام زيد مفصلا أو مطلقا كان(7/208)
احرام زيد كذلك وان كان زيد أطلق أولا ثم فصله قبل احرام عمرو نزل احرام عمرو على المطلق نظرا إلى الاول أو على المفصل نظرا إلى الآخر فيه وجهان ولو لم يكن زيد محرما بقي احرامه مطلقا الا إذا عرف أنه غير محرم فأن عرف موته انعقد لعمرو احرام مطلق على أظهر الوجهين ولغت الاضافة إلى الثاني فانه نص في الام انه لو أحرم عن مستأجرين تعارضا وانعقد عن الاجير وكذا لو أحرم عن نفسه وعن المستأجر تساقطت الاضافتان وبقى الاحرام عن الاجير) *(7/209)
إذا أهل عمرو بما أهل به زيد جاز لما روى " ان عليا وأبا موسي رضى الله عنهما قدما من اليمن مهلين بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهما " ثم فيه ثلاث مسائل لان زيدا اما ان يكون محرما أو لا يكون وان كان محرما فاما ان يمكن الوقوف على ما أحرم به أو لا يمكن والفصل مشتمل(7/210)
على مسألتين من الثلاث (أحداهما) ان يكون زيد محرما ويمكن الوقوف على ما أحرم به فينعقد لعمرو مثل احرامه وان كان محرما بحج فعمرو ايضا حاج وان كان معتمرا فمعتمر وان كان قارنا فقارن وان كان احرامه مطلقا انعقد لعمرو احرام مطلق أيضا ويتخير كما يتخير زيد ولا يلزمه صرف احرامه إلى ما يصرف إليه زيد وفي المعتمد نقل وجه انه يلزمه والمشهور الاول قال في التهذيب الا إذا أراد احراما كاحرام زيد بعد تعيينه وان كان احرام زيد فاسدا فاحرام عمرو ينعقد مطلقا(7/211)
أو لا ينعقد أصلا عن القاضى أبى الطيب حكاية وجهين فيه ولو ان زيدا كان قد أبهم احرامه أولا ثم فصله قبل احرام عمرو ففيه وجهان (اشبههما) أن احرامه ينعقد مبهما نظرا إلى أول احرام زيد
(والثانى) ينعقد مفصلا نظرا إلى اخره * والوجهان جاريان فيما لو كان زيد قد أحرم بعمرة ثم أدخل عليها الحج فعلى الاول لا يلزمه الا العمرة وعلى الثاني يكون قارنا وموضع الوجهين ما إذا لم يخطر له التشبيه بآخر احرام زيد في الحال والا فالاعتبار بالآخر بلا خلاف وما إذا يخطر له التشبيه(7/212)
بابتداء احرامه والا فالاعتبار بالاول بلا خلاف ولو اخبره زيد عما أحرم به ووقع في نفسه خلافه فيعمل بما أخبره عنه أو بما وقع في نفسه فيه وجهان وإذا أخبره عن احرامه بالعمرة وجري على قوله ثم بان انه كان محرما بالحج فقد بان ان احرام عمرو كان منعقدا بالحج فان فات الوقت تحلل من احرامه(7/213)
للفوات وأراق دما وهو في ماله أو مال زيد للتغرير فيه وجهان أورد المسألتين صاحب المعتمد وغيره * (الثانية) ان لا يكون محرما أصلا فينظر ان كان عمرو جاهلا به انعقد احرامه مطلقا لانه جزم بالاحرام وجعل له كيفية خاصة فيبقى أصل الاحرام وان بطلت تلك الكيفية وان كان عالما بانه غير محرم(7/214)
فوجهان (أحدهما) أنه لا ينعقد احرامه أصلا كما إذا قال ان كان فلان محرما فقد أحرمت فلم يكن محرما (وأصحهما) ولم يذكر الجمهور غيره انه ينعقد احرامه مطلقا لما ذكرنا في صورة الجهل ويخالف ما إذا قال ان كان محرما فقد احرمت فان هناك علق اصل احرامه باحرامه فلا جرم ان كان محرما فهو محرم والا فلا وههنا الاصل مجزوم به * واستشهد في الكتاب لهذا الوجه بصورتين نص عليها في(7/215)
الام (احداهما) لو استأجره رجلان ليحج عنها فاحرم عنهما لم ينعقد الاحرام عن واحد منهما لان الجمع غير ممكن وليس احدهما اولى بصرف الاحرام إليه فلغت الاضافتان ووقع الحج عن الاجير والتصوير في الاجارة على الذمة بين وقد تصور في اجارة العين ايضا وإن كانت إحدى الاجارتين فاسدة لان الاحرام عن الغير لا يتوقف على صحة الاجارة * (والثانية) لو استاجره رجل ليحج عنه(7/216)
فاحرم عن نفسه وعن المستأجر لغت الاضافتان وتساقطتا وبقى الاحرام عن الاجير فلما لغت الاضافة في الصورتين وبقى أصل الاحرام جاز ان يلغوها هنا التشبيه في الكيفية ويبقى أصل الاحرام ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وانعقد عن الاجير بالحاء لان عند أبى حنيفة ان كان المستأجر ان أبوى الاجير وأحرم عنهما أو أحرم عنهما من غير إجارة انعقد الاحرام عن أحدهما وله صرفه إلى أيهما شاء وعنه في المستأجرين لاجنبيين روايتان (اظهرهما) مثل مذهبنا (وقوله) بان عرف(7/217)
موته أشار به إلى ما ذكره الامام من أن العلم بانه غير محرم لا يكاد يتحقق فان الاعتبار بالنية ولا يطلع عليها غير الله تعالى وإنما يظهر التصوير إذا شبه إحرامه باحرام زيد وهو يعرف أنه ميت (واعلم) أن المسألتين والثالثة التي سنذكرها مفروضات فيما إذا أحرم في الحال باحرام كاحرام الغير أما لو علق باحرامه في المستقبل فقال إذا أحرم فانا محرم لم يصح كما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فانا محرم(7/218)
لا يصير محرما بمجيئه لان العبادات لا تعلق بالاخطار كذا أورده صاحب التهذيب وغيره ونقل في المعتمد وجهين في صحة الاحرام المعلق بطلوع الشمس ونحوه وقياس تجويز تعليق أصل الاحرام باحرام الغير تجويز هذا لان التعليق موجود في الحالين الا أن هذا تعليق بمستقبل وذاك تعليق بحاضر وما يقبل التعليق من العقود يقبلهما جميعا والله أعلم *(7/219)
قال (ولو مات زيد بعد الاحرام أو عسر مراجعته فهو كما لو احرم مفصلا ثم نسى ما احرم به والقول الجديد أنه لا يؤخذ بغلبة الظن اجتهادا لكن يبني علي اليقين فيجعل نفسه قارنا فتبرأ ذمته عن الحج بيقين وكذا عن العمرة إلا إذا قلنا لا يجوز ادخال العمرة على الحج فانه يحتمل انه وقع الآن كذلك وقيل النسان عذر في جواز ادخال العمرة على الحج (فان قلنا) يبرأ عن العمرة فعليه دم القران وإلا فلا وان طاف اولا ثم شك فيمتنع ادخال الحج لو كان معتمرا فطريقه ان يسعي ويحلق(7/220)
ويبتدئ احرامه بالحج ويتمه فيبرأ عن الحج بيقين لانه ان كان حاجا فغايته انه حلق في غير اوانه وفيه دم وان كان معتمرا فقد تحلل ثم حج وعليه دم التمتع فالدم لازم بكل حال ولا يضره الشك في الجهة فان التعيين ليس بشرط في نية الكفارات) * المسألة الثالثة ان يكون زيد محرما لكن يتعذر مراجعته بجنون أو غيبة أو موت بعد الاحرام وقد شبهها في الكتاب بمسألة طويلة الفقه فنشرحها ثم نعود الي هذه فنقول وإذا احرم بنسك معين من(7/221)
النسكين ثم نسيه قال في القديم احب ان يقرن وان تحرى رجوت ان بجزئه ونص في الجديد على انه قارن ونقل الشيخ أبو على فيها طريقين (احدهما) نفي الخلاف في جواز التحرى ونص في الجديد علي ماذا شك فلم يدر انه احرم باحد النسكين أو قرن (واصحهما) وهو رواية المعظم ان المسألة علي قولين (القديم) انه يتحرى ويعمل بظنه لا مكان ادراك المقصود بالتحرى كما في القبلة والاواني (والجديد) أنه لا يتحرى لانه تلبس بالاحرام يقينا ولا تحلل الا إذا اتى باعمال المشروع فيه فالطريق ان يقرن وياتى باعمال النسكين وهذا كما لو شك في صلاته في عدد الركعات يبنى على(7/222)
اليقين ليتحقق الخروج عما شرع فيه ويفارق التحري في القبلة والاواني لان لها علامات تدل عليها ولا دلالة ههنا (واعلم) أن هذا الفرق مبني على ان الاجتهاد يعتمد النظر في العلامات وقد ذكرنا في كتاب الطهارة خلافا فيه وبتقدير ان يعتمده فناصر القول الاول قد لا يسلم انتفاء الامارات ههنا وبنى الشيخ أبو محمد رحمه الله علي هذين القولين اختلاف اصحابنا فيما إذا اجتهد جمع في أوان منها اثنان فصاعدا بصفة الطهارة وغلب علي ظن كل واحد طهارة واحد هل يجوز اقتداء بعضهم ببعض وقال هذا خلاف في أن الاقتداء هل يجوز بالتحرى والاجتهاد(7/223)
(التفريع) ان قلنا بالقديم فما غلب على ظنه أنه المشروع فيه من النسكين مضي فيه وأجزأه كما لو اجتهد في الثوب والقبلة وصلى على مقتضى اجتهاده وفى شرح الفروع ذكر وجه ضعيف أنه لا يجزئه
الشك وفائدة التحرى الخلاص من الاحرام وان قلنا بالجديد فللشك حالتان (احداهما) أن يعرض قبل الاتيان بشئ من الاعمال فلفظ النص أنه قارن قال الاصحاب معناه أنه ينوى القران ويجعل نفسه قارنا لا انه يحكم بكونه قارنا لحصول الشك وأغرب أبو عبد الله الحناطي رحمه الله فحكي قولا انه يصير قارنا من غير نية ثم إذا نوى القران واتى بالاعمال تحلل وبرئت ذمته عن الحج بيقين(7/224)
وأجزأته عن حجة الاسلام لانه ان كان محرما بالحج لم يضر تجديد الاحرام به وادخال العمرة عليه لا يقدح فيه جوزناه أم لا وان كان محرما بالعمرة فادخال الحج عليها جائز قبل الاشتغال بالاعمال (وأما) العمرة فهل تجزئه عن عمرة الاسلام ان فرضناها يبنى علي أن العمرة هل يجوز ادخالها على الحج ام لا ان جوزناه اجزأته أيضا لانه ان كان محرما بها فذاك والا فقد ادخلها علي الحج وان لم نجوز ادخال العمرة على الحج ففيه وجهان (أصحهما) لا تجزئه لاحتمال انه كان محرما بالحج وامتناع ادخال العمرة عليه والعمرة واجبة عليه فلا تسقط بالشك (والثانى) ويحكى عن أبى اسحق أنها تجزئه ويجعل الاشتباه عذرا في جواز الادخال فان حكمنا باجزائهما جميعا لزمه دم القران فان لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع وان قلنا يجزئه الحج دون العمرة ففى لزوم الدم وجهان (أصحهما) انه لا يجب لانا لم نحكم باجزاء العمرة فلا يلزمه الدم بالشك وهذا هو(7/225)
الذى أورده في الكتاب (والثانى) يجب لانه قد نوى القران وصحة نسكيه محتملة فكما لا تحسب العمرة احتياطا لا يسقط الدم احتياطا (الحالة الثانية) أن يعرض الشك بعد الاتيان بشئ من الاعمال وله حالات (احداها) أن يعرض بعد الوقوف بعرفة وقيل الطواف فيجزئه الحج لانه ان كان محرما به فذاك وان كان محرما بالعمرة فقد أدخل الحج عليها قبل الطواف حيث نوى القران وذلك جائز ولا تجزئه العمرة لاحتمال أنه كان محرما بالحج فليس له ادخال العمرة عليه بعد الوقوف هكذا أورده أبو القاسم الكرخي وصاحب التهذيب وهو جواب أولا على أن العمرة لا تدخل على الحج بعد الوقوف وقد قدمنا وجها آخر أنها تدخل عليه ما لم ياخذ في أسباب التحلل * ثم هو مفروض(7/226)
فيما إذا كان وقت الوقوف باقيا فوقف ثانيا والا فمن الجائز انه كان محرما بالعمرة فلا يجزئه ذلك الوقوف عن الحج (الثانية) ان يعرض بعد الطواف وقبل الوقوف فإذا نوى القران وأتى باعمال القران لم يجزئه حجه لاحتمال أنه كان محرما بالعمرة فيمتنع ادخال الحج عليها بعد الطواف (وأما) العمرة فهل تجزئه يبني علي أن ادخال العمرة على الحج هل يجوز وبتقدير ان يجوز هل يجوز بعد الطواف وأما العمرة فهل يجزئه يبنى على أن ادخال العمرة على الحج هل يجوز وبتقدير أن يجوز فهل يجوز بعد الطواف أم لا ان قلنا نعم أجزأته والا فلا لجواز انه كان محرما بالحج وقد طاف وهذا هو الاصح لانه شاك في عين ما أحرم به وفيما ادخله عليه فاشبه ما لو فاته ظهر وعصر وصلى احداهما(7/227)
وشك فيما صلي يلزمه اعادتهما جميعا وذكر ابن الحداد في هذه الصورة انه يتم اعمال العمرة بان يركع ركعتي الطواف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم يحرم بالحج ويأتى باعماله وإذا فعل ذلك صح حجه لانه ان كان محرما بالحج لم يضر تجديد الاحرام وان كان محرما بالعمرة فقد تمتع ولا تصح عمرته لاحتمال انه كان محرما بالحج ولم تدخل العمرة عليه ان لم ينو القران * قال الشيخ أبو زيد وصاحب التقريب والاكثرون ان فعل ذلك فالجواب ما ذكره لكن لو استفتانا لم نفت به لجواز انه كان محرما بالحج وان هذا الحلق وقع في غير اوانه وحينئذ يكون الحلق محظورا وهذا كما لو ابتلعت دجاجة انسان لؤلؤة غيره لا نفتي لصاحب اللؤلؤة بذبحها واخراج اللؤلؤة لكن لو فعل ذلك لم يلزمه الا قدر التفاوت بين قيمتها حية ومذبوحة وكذا لو استقبلت دابتان لشخصين على شاهق وتعذر مرورهما لا نفتي لاحدها باهلاك دابة الآخر لكن لو فعل خلص(7/228)
دابته ولم يغرم الا قيمة دابة الآخر وسواء افتينا له بذلك على ما ذكره ابن الحداد أو لم نفت فلو فعل لزمه دم لانه ان كان محرما بالحج فقد حلق في غير أوانه وإن كان محرما بالعمرة فقد تمتع فيريق دما عن الواجب عليه ولا يعين الجهة كما إذا كانت عليه كفارة قتل أو ظهار فاعتق ونوى عما عليه
تجزئه لان التعين في الكفارات ليس بشرط فان كان معسرا لا يجد دما ولا طعاما صام عشرة أيام كما يصوم المتمتع فان كان اللازم دم التمتع فذاك وإن كان دم الحلق اجزأه ثلاثة ايام والباقى تطوع ولا يعين الجهة في صوم الثلاثة ويجوز تعيين التمتع في صوم السبعة ولو اقتصر على صوم ثلاثة أيام هل تبرأ ذمته قضية ما ذكره الشيخ أبو على انها لا تبرأ لان شغل الذمة بالدم معلوم فلابد من تعين البراءة * قال الامام رحمه الله ويحتمل ان تبرأ لان الاصل براءة الذمة والشغل غير معلوم(7/229)
واطلق المصنف رحمه الله في الوسيط وجهين تعبيرا عن هذين الكلامين ويجزئه الصوم مع وجدان الطعام لان الطعام لا مدخل له في دم التمتع وفدية الحلق علي التخيير قال الله تعالى (ففدية من طعام) أو صدقة أو نسك) ولو اطعم هل تبرأ ذمته ام لا لاحتمال ان اللازم دم التمتع فيه كلاما الشيخ والامام رحمهما الله وهذا كله فيما إذا استجمع الرجل شرائط لزوم الدم للتمتع فان لم يكن مستجمعا كما لو كان مكيا لم يلزم الدم لان شرط التمتع مفقود ولزوم دم الحالق مشكوك فيه وإذا جوز ان يكون احرامه أو لا بالقران فهل يلزمه دم آخر مع الدم الذي وصفناه فيه الوجهان السابقان (الثالثة) ان يعرض الشك بعد الطواف والوقوف فان اتى ببقية اعمال الحج لم يجزئه حجه ولا عمرته (أما) الحج فلجواز أنه كان محرما بالعمرة فلا ينفع فيه الوقوف (وأما) العمرة فلجواز أنه كان محرما بالحج ولم يدخل عليه العمرة فان نوى القران وأتي باعمال القارن فاجزاء العمرة يبنى على ان العمرة هلى تدخل على الحج بعد الوقوف وقياس المذكور في الحالة السابقة وان لم يتعرضوا له(7/230)
ههنا انه لو أتم أعمال العمرة واحرم بالحج واتي باعماله مع الوقوف اجزأه الحج وعليه دم كما سبق ولو اتم اعمال الحج ثم احرم بعمرة وأتى باعمالها اجزأته العمرة والله اعلم * وفى المولدات وشروحها فرعان شبيهان بالمسألة نردفها بهما (احدهما) لو تمتع بالعمرة إلى الحج وطاف للحج طواف الافاضة ثم بان له انه كان محدثا في طواف العمرة لم يصح طوافه ذلك ولا سعيه بعده لان شرط صحة السعي تقدم طواف عليه وبان ان حلقه كان في غير الوقت ويصير باحرامه بالحج
مدخلا للحج على العمرة قبل الطواف فيصير قارنا ويجزئه طوافه وسعيه في الحج عن الحج والعمرة جميعا وعليه دمان دم للقران ودم للحلق في غير وقته وان بان انه كان محدثا في طواف الحج تطهر واعاد الطواف والسعى وليس عليه الا دم التمتع إذا اجتمعت شروطه وان شك فلم يدر انه في أي طوافيه كان محدثا فعليه أن يعيد الطواف والسعي وإذا أعادهما صح حجه وعمرته لانه إن كان حدثه في طواف العمرة فقد صار قارنا باحرام الحج فيجزئه طوافه وسعيه المعادان عن النسكين جميعا(7/231)
وان كان في طواف الحج فعمرته صحيحة وكذا اعمال الحج سوى الطواف والسعى وقد أعادهما وعليه دم لانه اما قارن أو متمتع وينوى باراقته الواجب عليه ولا يعين الجهة وكذا لو لم يجد الدم فصام والاحتياط ان يريق دما أخر لاحتمال أنه حالق قبل الوقت.
نعم لو لم يحلق في العمرة على قولنا ان الحلق استباحة محظور فلا حاجة إليه وكذا لا يلزمه عند تبين الحدث في طواف العمرة الا دم واحد (الثاني) لو كانت المسألة بحالها إلا انه جامع بعد أعمال العمرة ثم أحرم بالحج وهذا الرفع ينظر الي الاصلين (احدهما) ان جماع الناسي هل يفسد النسك فيوجب البدنة كجماع العامد أم لا وفيه قولان سيأتي ذكرهما (والثاني) انه إذا فسد العمرة بالجماع ثم أدخل عليها هل يدخل ويصير محرما بالحج فيه وجهان (أظهرهما) عند الشيخ ابى محمد رحمه الله وبه اجاب ابن الحداد لا لان الاحرام بالفساد في حكم المنحل وإذا انحل إحرام العمرة لم يدخل الحج عليها كما لو أدخل الحج عليها بعد الطواف (والثانى) نعم واليه ميل الاكثرين وبه قال الشيخ أبو زيد وحكاه عن ابن سريج لانه محرم بالعمرة ولم يأت بشئ من اعمالها فاشبهت الصحيحة ولا اثر لكونها فاسدة كما لا اثر لاقتران المفسد بالاحرام فعلى هذا هل يكون الحج صحيحا مجزئا فيه وجهان (احدهما) نعم لان المفسد متقدم عليه فلا يوثر فيه (واصحهما) لا لان(7/232)
الاحرام واحد وهو فاسد ومحال ان يؤدى بالاحرام الفاسد نسك صحيح فعلى هذا ينعقد فاسدا أو صحيحا ثم يفسد فيه وجهان ذكروا نظيرهما فيما إذا أصبح في رمضان مجامعا فطلع الفجر واستدام (احدهما) انه ينعقد صحيحا ثم يفسد كما لو أحرم مجامعا انعقد صحيحا ثم فسد (واصحهما) انه ينعقد فاسدا إذ لو
انعقد صحيحا لما فسد لانه لم يوجد بعد انعقاده مفسد (فان قلنا) ينعقد فاسدا أو صحيحا ويفسد مضى في النسكين وقضاهما (وان قلنا) ينعقد صحيحا ولا يفسد قضي العمرة دون الحج وعلى الوجوه الثلاثة يلزمه دم القران ولا يجب عليه الا بدنة واحدة لان الاحرام واحد هكذا قاله الشيخ أبو علي وحكي الامام وجهين آخرين إذا حكمنا بانعقاد حجه على الفساد (احدهما) أنه يلزمه بدنة اخرى لافساد الحج بادخاله على العمرة الفاسدة (والثانى) انه يلزمه بدنة لافساد العمرة وشاة لادخال الحج عليها كما لو فسد نسكه بالجماع ثم جامع ثانيا يجب عليه للجماع الثاني شاة في وجه.
إذا وقفت على الاصلين فانظر ان قال كان الحدث في طواف لعمرة فالطواف والسعي بعده فاسدان(7/233)
والجماع واقع قبل التحلل وفيه طريقان (احدهما) وبه اجاب الشيخ انه كجماع الناسي ففى افساده القولان إذ لا فرق بين ان ينسي فيجامع وبين ان يجامع وعنده انه قد تحلل كما لا فرق بين ان يتكلم في الصلاة ناسيا وبين أن يتكلم وعنده انه قد تحلل (والثانى) انه لا ينزل منزلة الناسي قال الامام رحمة الله وهذا كالخلاف فيما إذا جامع على ظن أن الصبح غير طالع فبان خلافه هل يفسد الصوم أن يجعل الغالط كالناسي فان لم تفسد العمرة به صار قارنا باحرامه بالحج وعليه دمان احدهما للقران والآخر للحلق قبل وقته الا إذا لم يحلق كما سبق وان أفسدنا العمرة به وبه أجاب ابن الحداد فعليه بدنة للافساد ودم للحلق قبل وقته وإذا حرم بالحج فقد أدخله على عمرة فاسدة فان لم يدخل فهو في عمرته كما كان فيتحلل منها ويقضيها وان دخل وقلنا بفساد الحج فعليه بدنة للافساد ودم للقران ودم للحلق قبل وقته ويمضى في الفاسدين ثم يقضيهما وان قال كان الحدث في طواف الحج فعليه اعادة الطواف والسعى وقد صح نسكاه وليس عليه الا دم التمتع وان قال لا أدرى انه في أي الطوافين كان أخذ في كل حكم بيقين فلا يتحلل ما لم يعد الطواف والسعى لاحتمال ان حدثه كان في طواف الحج وهذا حكمه ولا يخرج عن عهدة الحج والعمرة ان كانا لازمين عليه لاحتمال(7/234)
كونه محدثا في طواف العمرة وتأثير الجماع في إفساد النسكين على ظاهر المذهب فلا تبرأ ذمته
بالشك فان كان متطوعا فلا قضاء لاحتمال ان الافساد وعليه دم (إما) للتمتع ان كان الحدث في طواف الحج أو للحلاق قبل الوقت ان كان في طواف العمرة ولا تلزمه البدنة لاحتمال أنه لم تفسد العمرة ولكن الاحتياط ذبح بدنة وذبح شاة أخرى إذا جوزنا ادخال الحج على العمرة الفاسدة لاحتمال أنه صار قارنا بذلك والله أعلم * إذا عرفت(7/235)
هذا كله وعدت إلى المسألة الثالثة من مسائل الاحرام المشبه باحرام الغير وهي ان يتعذر الوقوف علي احرام ذلك الغير فاعلم أنها على ما حكاه صاحب الكتاب وطائفة بمثابة نسيان ما أحرم به ففيها القولان القديم والجديد وقال الاكثرون لا يتحرى بحال بل ينوى القران وحكوه عن نصه في القديم والفرق في مسألة النسيان حصل الشك في فعله فله سبيل إلى التحرى والتذكير وفى المسألة الاخرى الشك في فعل الغير ولا سبيل إلى الاطلاع على نيته والتحرى في فعله فاعلم لهذا قوله في الكتاب فهو كما لو أحرم مفصلا بالواو ويجوز أن يعلم قوله فالقول الجديد بالواو لما حكينا من الطريقة النافية للخلاف عن الشيخ أبي علي (وقوله) ولكن يبني على اليقين فيجعل نفسه قارنا مشعر بما هو المشهور وهو أنه يصير قارنا بان ينويه خلافا لما حكاه الحناطي انه يصير قارنا من غير نية ويجوز أن يعلم بالواو لذلك واعلم بالالف أيضا لان عند احمد يتخير بين ان يحعله حجا أو عمرة لان(7/236)
عنده فسخ الحج إلى العمرة جائز لكن هذا الاعلام انما كان يحسن أن لو ألزمناه جعل نفسه قارنا وهو غير لازم وقد أوضح امام الحرمين رحمه الله ذلك فقال لم يذكر الشافعي رضى الله عنه القران على معنى أنه لا بد منه لكن ذكره ليستفيد الشاك به التحلل مع براءة الذمة عن النسكين فلو اقتصر بعد النسيان على الاحرام بالحج وأتى باعماله حصل التحلل لا محالة وتبرأ ذمته عن الحج لانه ان كان محرما بالحج فذاك وان كان محرما بالعمرة فقد أدخل الحج عليها ولا تبرأ ذمته عن العمرة لجواز انه كان من الابتداء محرما بالحج وعلى هذا القياس لو اقتصر على الاحرام بالعمرة وأتي باعمال القران حصل التحلل وبرئت ذمته عن العمرة ان جوزنا ادخال العمرة علي الحج لانه اما(7/237)
محرم بها في الابتداء أو مدخل لها على الحج ولا تبرأ عن الحج لجواز أنه كان من الابتداء محرما بالعمرة ولم يحرم بغيرها ولو لم يجدد واحراما بعد النسيان واقتصر على الاتيان باعمال الحج يحصل التحلل أيضا ولكن لا تبرأ ذمته عن احد النسكين لشكه فيما أتى به وان اقتصر علي أعمال العمرة فلا يحصل التحلل لجواز انه محرم يحرم بالحج ولم يتم أعماله * واختلفت رواية أصحابنا عن أبي حنيفة في المسألة فنقل ناقلون عنه موافقة الجديد منهم صاحب الشامل وناقلون(7/238)
موافقة القديم ومنهم صاحب التهذيب * والرواية الثانية تقتضي اعلام قوله لا يأخذ بغلبة الظن بالحاء وقوله فيما إذا شك بعد الطواف فطريقه أن يسعى ويحلق إلى آخره مشعر بالترخص فيه والامر به كما قدمناه عن ابن الحداد وقد صرح باختيار ذلك في الوسيط * ووجهه الشيخ أبو علي بان الحلق في غير وقته قد يباح بالعذر كما إذا كان به أذى من رأسه وضرر الاشتباه لو لم يحلق أكثر لفوات الحج لكن الاظهر عند الاكثرين أنه لا يؤمر به على ما مر فليعلم قوله فطريقه بالواو ولذلك وقوله ويبتدئ إحرامه بالحج ويتمه أي عند الامكان وهو ما إذا بقى وقت الوقوف وبالله التوفيق(7/239)
(الفصل الثاني في سنن الاحرام) قال (وهى خمسة الاولى الغسل تنظفا حتي يسن للحائض والنفساء ويغتسل الحاج لسبعة مواطن للاحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة وبمزدلفة ولرمي الجمرات الثلاث لان الناس يجتمعون في هذه الاوقات) من سنن الاحرام أن يغتسل إذا أراده روى " أنه صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل " ويستوى في استحبابه الرجل والمرأة والصبي وان كانت حائضا أو نفساء لان مقصود هذا الغسل التنظيف وقطع الرائحة الكريهة ودفع أذاها عن الناس عند اجتماعهم وقد روى " أن أسماء(7/240)
بنت عميس امرأة أبى بكر نفست بذى الحليفة فأمرها رسول الله صلي الله عليه وسلم ان تغتسل للاحرام " ولو كانت يمكنها القيام بالميقات حتى تطهر فالاولى ان تؤخر الاحرام حتى تطهر وتغتسل(7/241)
ليقع احرامها في اكمل حاليها * وإذا لم يجد المحرم ماء أولم يقدر على استعماله تيمم لان التيمم ينوب عن الغسل الواجب فعن المندوب أولى نص عليه في الام وقد ذكرنا في غسل الجمعة أن الامام أبدى احتمالا في انه هل يتيمم إذا لم يجد الماء وجعله صاحب الكتاب وجها واختار انه لا يتيمم وذلك الاحتمال عائد ههنا بلا شك * وان لم يجد من الماء ما يكفيه للغسل توضأ قاله في التهذيب (وقوله) في الكتاب حتى يسن للحائض والنفساء يجوز اعلامه بالواو لان ابراهيم(7/242)
المروروذى رحمه الله حكى قولا في أنه لا يسن لهما ذلك وإذا اغتسلنا فهل تنويان فيه نظر لامام الحرمين قدس الله روحه والظاهر أنهما ينويان لانهما تقيمان مسنونا (واعلم) أن الحاج يسن له الغسل في مواطن قد عدها في هذا الموضع ومرة أخرى في كتاب صلاة الجمعة مع زيادة طواف الوداع وكنا أخرنا شرح تلك الاغسال إلى هذا الموضع فنقول (أحدها) الغسل عن الاحرام وقد عرفته (والثانى) الغسل لدخول مكة يروى ذلك عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم (والثالث) الغسل للوقوف بعرفة عشية عرفة (والرابع) الغسل للوقوف بمزدلفة غداة يوم النحر (والخامس والسادس والسابع) ثلاثة أغسال لرمي الجمرات أيام التشريق وسببها أن هذه مواطن يجتمع لها الناس فاستحب فيها الاغتسال(7/243)
قطعا للروائح الكريهة واغتسال يوم التشريق في حق من لم ينفر في النفر الاول فان نفر سقط عنه غسل اليوم الثالث وهذه الاغسال قد نص عليها الشافعي رضي الله عنه قديما وجديدا ويستوى في استحبابها الرجل والمرأة وحكم الحائض ومن لم يجد الماء فيها على ما ذكرنا في الغسل للاحرام وزاد في القديم غسلين آخرين (أحدهما) لطواف الافاضة (والثانى) لطواف الوداع لان الناس يجتمعون لهما ولم يستحبهما في الجديد لان وقتها متسع فلا تغلب الرحمة فيهما كغلبتها في سائر المواطن وعن(7/244)
القاضى أبى الطيب رحمه الله حكاية غسل آخر عن القديم وهو عند الحلق فتصير اغسال الحاج على هذا عشرة قال الائمة رحمهم الله ولم يستحب الشافعي رضى الله عنه الغسل لرمي جمرة العقبة يوم النحر لامرين (أحدهما) اتساع وقته فان وقته من انتصاف ليلة النحر إلى الزوال ووقت رمي الجمرات من من الزوال إلى الغروب والتقريب بعد هذا من وجهين (أحدهما) أن اتساع الوقت مما يقلل الزحمة (والثانى) ان ما بعد الزوال وقت شدة الحر وانصباب العرق فتكون الحاجة إلى دفع ما يؤذى الغير(7/245)
أكثر (والثانى) أن في غسل العيد يوم النحر والوقوف بعرفة غنية عن الغسل لرمي جمرة العقبة لقرب وقتها منه والله أعلم * قال (الثانية التطيب للاحرام ولا بأس بطيب له جرم (ح) وفى تطيب ثوب الاحرام قصدا له خلاف لانه ربما ينزع فيكون عند اللبس كالمستأنف فان اتفق ذلك ففى وجوب الفدية وجهان ويستحب خضاب المرأة تعميما لليد لا تظريفا) *(7/246)
يستحب أن تطيب لاحرامه لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " ولا فرق بين(7/247)
ما يبقى له أثر وجرم بعد الاحرام وبين ما لا يبقى قالت عائشة رضى الله عنها " كأنى أنظر إلى وبيص الطيب من مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم " ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب الثانية التطيب للاحرام بالواو لان من الاصحاب من روي وجها أنه ليس من السنن والمحبوبات وانما هو مباح وأيضا فان اللفظ مطلق لا يفرق بين الرجال والنساء والاستحباب شامل للصنفين في ظاهر المذهب وحكي في المعتمد قولان عن نقل الداركي أنه لا يستحب لهن التطيب بحال ووجها أنه لا يجوز لهن(7/248)
التطيب بطيب تبقى عينه واعلم قوله ولا بأس بطيب له جرم - بالحاء الميم - (أما) - بالحاء - فلان شرذمة روت عن أبي حنيفة رحمه الله المنع من ذلك ومنهم المصنف ذكره في الوسيط لكن الثابت عنه مثل مذهبنا (وأما) بالميم فلان عند مالك يكره له التطيب بما تبقى رائحته بعد الاحرام ويروى عنه منع التطيب مطلقا ثم إذا تطيب لاحرامه فله ان يستديم بعد الاحرام ما تطيب به بخلاف ما إذا تطيبت(7/249)
المرأة ثم لزمتها العدة يلزمها إزالته في وجه لان في العدة حق الآدمى فتكون المضايقة فيها أكثر ولو أخذه من موضعه بعد الاحرام ورده إليه أو الي موضع آخر لزمته الفدية وروي الحناطى رحمه الله فيه قولين ولو انتقل من موضع إلى موضع باسالة العرق إياه فوجهان (أصحهما) انه يلزمه شئ لتولده عن مندوب إليه من غير قصد منه * (والثانى) أن عليه الفدية إذا تركه كما لو أصابه من موضع آخر لان في الحالتين أصاب الطيب بعد الاحرام موضعا لم يكن عليه طيب * هذا كله في البدن وفى تطييب ازار(7/250)
الاحرام وردائه وجهان (أحدهما) لا يجوز لان الثوب ينزع ويلبس وإذا نزعه ثم أعاده كان كما لو استأنف لبس ثوب مطيب (وأصحهما) انه يجوز كما يجوز تطييب البدن وبعضهم ينقل هذا الخلاف قولين والمشهور الاول وفى النهاية وجه ثالث وهو الفرق بين أن يبقى عليه عين بعد الاحرام فلا يجوز وبين أن لا يبقى فيجوز كما لو شد مسكا في ثوبه واستدامه * قال الامام والخلاف فيما إذا قصد تطييب الثوب (أما) إذا طيب بدنه فتعطر ثوبه تبعا فلا حرج بلا خلاف والي هذا أشار في الكتاب حيث قال قصدا إليه فان جوزنا تطييب الثوب للاحرام فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الاحرام كما في البدن لكن لو نزعه ثم لبسه ففى الفدية وجهان (أحدهما) لا يلزم لان العادة في الثوب أن ينزع ويعاد فجعل(7/251)
عفوا وأصحهما انها تلزم كما لو أخذ الطيب من بدنه ثم رده إليه وكما لو ابتدا لبس ثوب مطيب بعد الاحرام وفى الفصل مسألة أخرى وهي أن المرأة يستحب لها أن تخضب بالحناء يديها إلى الكوعين قبل الاحرام روى " أن من السنة أن تمسح المرأة يديها للاحرام بالحناء وتمسح وجهها أيضا بشئ
من الحناء " لانا نأمرها في الاحرام بنوع تكشف فلتستر لون البشرة بلون الحناء ولا يختص أصل(7/252)
الاستحباب بحالة الاحرام بل هو محبوب في غيرها من الاحوال * " روى أن امرأة بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخرجت يدها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " أين الحناء " نعم في(7/253)
حالة الاحرام " لا فرق بين ذات الزوج الخلية وفى سائر الاحوال يكره الخضاب للخلية قاله في الشامل وحيث يستحب فانما يستحب تعميم اليد بالخضاب دون التنقيش والتسويد والتطريف فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن التطريف " وهو أن تخضب أطراف الاصابع(7/254)
ويكره لها أن تختضب بعد الاحرام لما فيه من الزينة وازالة الشعث ولو فعلت ففيه كلام نذكره في الباب الثالث عند ذكر خضاب الرجل شعر لحيته ورأسه ان شاء الله تعالي * قال (الثالثة أن يتجرد عن المخيط في ازار ورداء أبيضين ونعلين) * إذا أراد الاحرام تجرد عن مخيط ثيابه إذ ليس للمحرم لبس المخيط على ما سيأتي ويلبس(7/255)
ازارا ورداء ونعلين * روي انه صلي الله عليه وسلم قال " يحرم أحدكم في ازار ورداء ونعلين " ويستحب أن يكون الازار والرداء أبيضين " فان أحب الثياب إلى الله تعالي البيض " وليكونا جديدين فان لم يجد فليكونا غسيلين ويكره المصبوغ لما روى عن عمر " أنه رأى على طلحة رضي الله عنهما ثوبين مصبوغين وهو حرام فقال أيها الرهط انكم أمة يهتدى بكم فلا يلبس أحدكم من هذه الثياب المصبغة في الاحرام شيئا " (وقوله) في الكتاب أن يتجرد عن المخيط في ازار إلى آخره ينبغى(7/256)
أن يعلم فيه ان المعدود من السنن التجرد بالصفة المذكورة (فاما) مجرد التجرد فلا يمكن عده من السنن لان ترك لبس المخيط في الاحرام لازم ومن ضرورة لزومه لزوم التجرد قبل الاحرام وبالله التوفيق *
قال (الرابعة أن يصلى ركعتي الاحرام ثم يلبي حيث تنبعث به دابته وفى القديم حيث يتحلل عن الصلاة) * (يستحب أن يصلى قبل الاحرام ركعتين لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلى بذى الحليفة ركعتين ثم أحرم " وانما يستحب ذلك في غير وقت الكراهية (واما) في أوقات الكراهية فاصح(7/257)
الوجهين الكراهة علي ما مر في فصل الاوقات المكروهة * ولو كان احرامه في وقت فريضة وصلاها أغنته ذلك عن ركعتي الاحرام ثم إذا صلى نوي ولبى وفى الافضل قولان (أصحهما) ان الافضل أن ينوى ويلبى حين تنبعث به دابته ان كان راكبا * وحين يتوجه إلى الطريق إن كان ماشيا لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم " لم يهل حتي انبعثت به دابته " قال الامام رحمه الله وليس المراد من انبعاث الدابة ثورانها بل المراد استواؤها في صوب مكة (والثانى) أن الافضل انه(7/258)
ينوى ويلبي كما تحلل من الصلاة وهو قاعد ثم يأخذ في السيروبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " أهل حينئذ " ويشتهر القول الاول بالجديد والثانى بالقديم ويروى أيضا عن المناسك الصغير من الام واختاره طائفة من الاصحاب وحملوا اختلاف الرواية على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد التلبية عند انبعاث الدابة فظن من سمع أنه حينئذ لبى والاكثرون على ترجيح الاول * قال (الخامسة أن يلبى عند النية ويجددها عند كل صعود وهبوط وحدوث حادثة(7/259)
وفى مسجد مكة ومنى عرفات وفيما عداها من المساجد قولان وفى حال الطواف قولان ويستحب رفع الصوت بها إلا للنساء) * لك أن تعلم قوله وان يلبى عند النية بالواو لوجه قدمناه في أن التلبية من واجبات الاحرام لا من سننه ثم تكثير التلبية في دوام الاحرام مستحب قائما كان أو قاعدا راكبا كان
أو ماشيا حتى في حالة الجنابة والحيض لانه ذكر لا اعجاز فيه فاشبه التسبيح وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " وتجديدها أفضل في كل صعود وهبوط وحدوث حادث من ركوب أو نزول أو انضمام رفاق أو فراغ من صلاة وعند اقبال الليل والنهار ووقت السحر روى عن جابر رضى الله عنه " أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يلبي في حجته إذا لقى ركبا أو علا أكمة أو هبط واديا وفي أدبار المكتوبة ومن آخر الليل " ويستحب الاتيان بها في مسجد مكة وهو المسجد الحرام(7/260)
ومسجد الخيف بمنى ومسجد ابراهيم عليه السلام بعرفة فانها مواضع النسك وفى سائر المساجد قولان (القديم) أنه لا يلبى فيها حذرا من التشويش على المتعبدين والمصلين بخلاف المساجد الثلاثة فان التلبية معهودة فيها ويروي هذا عن مالك رحمه الله (والجديد) أنه يلبي فيها كسائر المساجد ويدل عليه اطلاق الاخبار الواردة في التلبية فانها لا تفرق بين موضع وموضع وهذا الخلاف على ما أورده الاكثرون في أصل التلبية فان استحببناه استحببنا رفع الصوت والا فلا وهو قضية نظم الكتاب * وجعل امام الحرمين الخلاف في أنه هل يستحب فيها رفع الصوت بالتلبية ثم قال ان لم نؤثر رفع الصوت بالتلبية في سائر المساجد ففى الرفع في المساجد الثلاثة وجهان وهل تستحب التلبية في(7/261)
طواف القدوم والسعي بعده فيه قولان (الجديد) أنه لا يستحب لان فيها أدعية وأذكارا خاصة فصار كطواف الافاضة والوداع وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال " لا يلبى الطائف " (والقديم) انه يستحب ولكن لا يجهر بها بخلاف طواف الافاضة فان هناك شرع في أسباب التحلل فانقطعت التلبية وهذا التوجيه يعرفك ان قوله في الكتاب وفي حال الطواف قولان محمول على طواف القدوم وان كان اللفظ مطلقا وفي غيره من أنواع الطواف لا يلبي بلا خلاف * ويستحب رفع الصوت بالتلبية لقوله صلى الله عليه وسلم " أتانى جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الحج العج والثج " والعج(7/262)
هو رفع الصوت وإنما يستحب الرفع في حق الرجل ولا يرفع بحيث يجهده ويقطع صوته والنساء يقتصرن على اسماع أنفسهن ولا يجهرن كما لا يجهرن بالقراءة في الصلاة * قال القاضى الرويانى ولو رفعت صوتها بالتلبية لم يحرم لان صوتها ليس بعورة خلافا لبعض أصحابنا * والاحب أن لا يزيد في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يكررها وبه قال أحمد وعن أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله أن الاحب الزيادة فيها وتلبيته: " لبيك اللهم لبيك.
لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " (وقوله) ان قد تكسر على تقدير الابتداء وقد تفتح على معنى لان الحمد * فان رأى شيئا يعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة ثبت ذلك عن رسول الله(7/263)
صلي الله عليه وسلم وروى في بعض الروايات انه قال في تلبيته " لبيك حقا حقا تعبدا ورقا " ولو زاد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نقل بانه مكروه روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يزيد فيها " لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل " ويستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله رضوانه والجنة ويستعيذ به من النار يقول أسألك رضاك وأسألك الجنة وأعوذ بك من النار روى أن النبي صلى الله عليه وسلم(7/264)
" كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار " ثم يدعو بما أحب ولا يتكلم في أثناء تلبيته بأمر ونهى وغيرهما لكن لو سلم عليه رد نص عليه ومن لم يحسن التلبية بالعربية لبى بلسانه (واعلم) انه يستحب الاتيان بالسنن الخمس علي الترتيب المذكور في الكتاب نعم لم أر ما يقتضى ترتيبا بين التطيب والتجرد ويستحب أيضا للمحرم أن يتأهب للاحرام بحلق الشعر وتقليم الظفر وقص الشارب وقد روي انه صلى الله عليه وسلم (كان إذا أراد أن يحرم غسل رأسه باشنان وخطمى) وبالله التوفيق(7/265)
* الفصل الثالث * (في سنن دخول مكة) قال (وهي أن يغتسل بذى طوى ويدخل مكة من ثنية كداء ويخرج من ثنية كدى وإذا وقع بصره علي الكعبة قال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا ثم يدخل البيت من باب بنى شيبة فيؤم الركن الاسود ويبتدئ طواف القدوم) *(7/266)
المحرم بالحج قد يقرب من مكة ووقت الوقوف ضيق فيعدل عن الجادة إلى عرفة فإذا وقف دخلها وهكذا يفعل الحجيج الآن غالبا وقد يتسع الوقت فيدخلونها ثم يخرجون منها إلي عرفة وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الفصل وما بعده ما هو مبنى على التصوير الثاني وهكذا هو في مصنفات عامة الاصحاب رحمهم الله ونحن ننبه على ما يفترق فيه التصوير ان في مواضع الحاجة إن شاء الله تعالى * إذا عرفت ذلك فلدخول مكة سنن (منها) أن يغتسل بذى طوي وهو من سواد مكة قريب منها * روى عن ابن عمر رضى الله عنهما " انه كان لا يقدم مكة الا بات بذى طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله " (واعلم) ان القصد بقوله أن يغتسل(7/267)
بذى طوى بيان استحباب موضع الغسل (فاما) كون الغسل للدخول مستحبا فقد ذكره مرة في الفصل الثاني من هذا الباب ومرة قبل ذلك في كتاب الجمعة (ومنها) أن يدخل من ثنية كداء - بفتح الكاف والمد - وهو من أعلى مكة وإذا خرج خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - وهو على ما يشعر به كلام الاكثرين بالمد أيضا ويدل عليه انهم كتبوه بالالف ومنهم من قال انه بالياء وروى فيه شعرا وهو من أسفل مكة * وروى ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى " قال الاصحاب وهذه السنة في حق من جاء من طريق المدينة والشام واما الجاؤن من سائر الاقطار فلا يؤمرون بان يدوروا حول مكة ليدخلوا من ثنية كداء وكذلك القول في
ايقاع الغسل بذي طوى وقالوا انما دخل النبي صلي الله عليه وسلم من تلك الثنية اتفاقا لا قصدا(7/268)
لانها على طريق المدينة وههنا شيئان (أحدهما) أن قضية هذا الكلام أن لا يتعلق بنسك واستحباب بالدخول من تلك الثنية في حق الجائين من طريق المدينة أيضا وهكذا أطلق الامام نقله عن الصيدلاني (والثاني) أن الشيخ أبا محمد نازع فيما ذكروه من موضع الثنية وقال ليست هي علي طريق المدينة بل هي في جهة المعلي وهو في أعلى مكة والمرور فيه يفضى إلى باب بني شيبة ورأس الردم وطريق المدينة يفضي إلى باب ابراهيم عليه السلام * ثم ذهب الشيخ إلى استحباب الدخول منها لكل جاء تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم والامام ساعد الجمهور في الحكم الذى ذكروه وشهد للشيخ بان الحق في موضع الثنية ما ذكره * (ومنها) إذا وقع بصره على البيت قال ما روي في الخبر وهو أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمته ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا "(7/269)
ويستحب أن يضيف إليه " اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " يروى ذلك عن عمر رضي الله عنه ويؤثر أيضا أن يقول " اللهم انا كنا نحل عقدة ونشد أخرى ونهبط واديا(7/270)
ونعلوا آخر حتى أتيناك غير محجوب أنت عنا اليك خرجنا وبيتك حججنا فارحم ملقى رحالنا بفناء بيتك " ويدعو بما أحب من مهمات الدنيا والآخرة وأهمها سؤال المغفرة (واعلم) أن بناء البيت رفيع يرى قبل دخول المسجد في موضع يقال له رأس الردم إذا دخل الداخل من أعلا مكة وحينئذ يقف ويدعو بما ذكرنا * (ومنها) أن يقصد المسجد كما فرغ من الدعاء ويدخله من باب بني شيبة وقد أطبقوا علي استحبابه لكل قادم لان النبي صلى الله عليه وسلم " دخل المسجد منه قصدا لا اتفاقا فانه لم يكن على طريقه وانما كان على طريقه باب ابراهيم عليه السلام " والدوران حول المسجد لا يشق بخلاف الدواران حول البلد وكان المعنى فيه ان ذلك الباب في جهة باب الكعبة
والركن الاسود وان كان في زاوية المسجد ويبتدئ كما دخل بطواف القدوم * روي أن النبي صلى الله عليه وسلم(7/271)
(حج فاول شئ بدأ به حين قدم ان توضأ ثم طاف بالبيت " أو يؤخر غيير ثيابه واكتراء منزله إلى أن يفرغ منه نعم لو كان الناس في المكتوبة حين دخل صلاها معهم أولا وكذا لو أقيمت الجماعة وهو في أثناء الطواف قدم الصلاة وكذا لو خاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة * ولو قدمت المرأة نهارا وهى ذات جمال أو شريفة لا تبرز للرجال أخرت الطواف إلى الليل * وليس في حق من(7/272)
قدم الوقوف علي دخول مكة طواف قدوم وإنما هو في حق من دخلها أولا لسعة الوقت ويسمى أيضا طواف الورود وطواف التحية لانه تحية البقعة يأتي به من دخلها سواء كان تاجرا أو حاجا أو دخلها لامر آخر * ولو كان معتمرا فطاف للعمرة اجزأه ذلك عن طواف القدوم كما أن الفريضة عند دخول المسجد تجزئ عن التحية والله أعلم * ولعلك تنظر في لفظ الكتاب في الدعاء عند رؤية المبيت فتقول انه جمع أولا بين المهابة والبر ولم يرووا في الخبر المهابة وذكر أخيرا البر دون المهابة وكذا رويتموه(7/273)
في الخبر * ونقل المزني في المختصر المهابة دون البر فما الحال فيهما (فاعلم) أن الجمع بين المهابة والبر لم نره إلا لصاحب الكتاب ولا ذكر له في الخبر ولا في كتب الاصحاب بل البيت لا يتصور منه بر فلا يصح اطلاق هذا اللفظ إلا أن يعنى البر إليه * (وأما) الثاني فالثابت في الخبر الاقتصار على البر كما أورده ولم يثبت الائمة ما نقله المزني (وقوله) فيؤم الركن الاسود كالمستغنى عنه في هذا الموضع إذا لابد لكل طائف أن يؤم الركن الاسود ويبتدئ به على ما سيأتي في واجبات الطواف فلو لم يعرض له ههنا كما لم يتعرض لسائر واجبات الطواف لما ضره (وقوله) ويبتدئ بطواف القدوم مطلق لكنه محمول على(7/274)
ما سوى المواضع التى بيناها * واختلفوا في أن دخول مكة راكبا أولى أم دخولها ماشيا علي وجهين وان دخلها ماشيا فقد قيل الاولى أن يكون حافيا لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم قال " لقد حج
هذا البيت سبعون نبيا كلهم خلعوا نعالهم من ذى طوى تعظيما للحرم) *(7/275)
قال (وكل من دخل مكة غير مريد نسكا لم يلزمه (ح) الاحرام علي أظهر القولين ولكنه يستحب كتيحة المسجد) * من قصد دخول مكة لا لنسك له حالتان (أحداهما) أن لا يكون ممن يتكرر دخوله كالذى يدخلها لزيارة أو تجارة أو رسالة وكالمكي إذا دخلها عائدا من سفره فهل يلزمه أن يحرم بالحج أو(7/276)
العمرة فيه طريقان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه علي قولين (أحدهما) ويحكى عن مالك واحمد انه يلزمه الاحرام بحج أو عمرة لاطباق الناس عليه والسنن يندر فيها الاتفاق العملي * وعن ابن عباس رضى الله عنهما " أنه لا يدخل احد الا محرما " (والثاني) انه لا يلزمه ذلك ولكن يستحب(7/277)
كتحية المسجد وما الاظهر منهما ذكر صاحب الكتاب ان هذا القول الثاني أظهر وبه قال الشيخ أبو محمد واليه ميل الشيخ أبى حامد ومن تابعه ورجح المسعودي وصاحب التهذيب في اخرين قول الوجوب وبه أجاب صاحب التلخيص ولا فرق علي القولين بين أن تكون داره فوق الميقات أو دونه * وعند أبى حنيفة ان كان داره فوق الميقات لزمه والا فلا (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب ويحكى هذا عن صاحب التقريب * (والحالة الثانية) أن يكون ممن يتكرر دخوله كالحطابين والصيادين ونحوهم فان قطعنا بنفى الوجوب في الحالة الاولى فههنا أولى وان سلكنا طريقه القولين فههنا طريقان (أحدهما)(7/278)
طرد القولين (وأصحهما) القطع بنفى الوجوب وبه أجاب في التلخيص * والفرق ان هؤلاء ان امتنعوا من الدخول انقطعوا عن معايشهم يتضرر به الناس وان دخلوا وأحرموا كل مرة شق عليهم وفيه وجه ضعيف انه يلزمهم الاحرام في كل سنة مرة * (التفريع) ان قلنا بالوجوب فلذلك شروط (احدها) أن يجئ الداخل من خارج الحرم فاما أهل الحرم فلا احرام عليهم بلا خلاف (والثاني) أن لا يدخلها
لقتال ولا خائفا فان دخلها لقتال باغ أو قاطع طريق أو غيرهما أو خائفا منه أو خائفا من ظالم أو(7/279)
غريم يحبسه وهو معسر لا يمكنه ان يطهر لاداء النسك لم يلزمه الاحرام بحال " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح غير محرم لانه كان مترصد اللقتال خائفا غدر الكفار " * (والثالث) ان يكون حرا أما العبيد فلا احرام عليهم بحال لان منافعهم مستحقة للسادة ولا فرق بين ان ياذنوا في الدخول أو لا يأذنوا لان الاذن في الدخول لا يتضمن الاذن في الاحرام رواه الامام عن اتفاق الاصحاب ومن يلزم الاحرام بالدخول لا يبعد منه المنازعة في هذا التوجيه * وان اذن السيد لعبده في(7/280)
الدخول محرما فهل يكون حينئذ كالاحرار فيه وجهان (اقيسهما) لا لانه ليس من اهل فرض النسك فصار كما لو اذن له في حضور الجمعة * وإذا اجتمعت شرائط الوجوب دخلها غير محرم فهل عليه القضاء قال الامام فيه قولان وقال غيرهما وجهان (احدهما) نعم تداركا للواجب * وسبيله على هذا ان يخرج ويعود محرما ولا نقول ان عوده يقتضي احراما آخر كما لو دخلها علي قصد النسك يكفيه إحرامه بذلك النسك ولا يلزمه بالدخول احرام آخر وكان الغرض أن لا يعرى دخوله عن الاحرام(7/281)
لحرمة البقعة (وأصحهما) وهو الذى أورده الاكثرون انه لا يجب وله علتان (أحداهما) انه لا يمكن القضاء لان دخوله الثاني يقتضى احراما آخر وإذا لم يمكن القضاء لم يجب كمن نذر صوم الدهر وأفطر * وفرع صاحب التلخيص على هذه العلة فقال لو لم يكن ممن يتكرر دخوله كالحطابين ثم صار منهم قضى لحصول الامكان وربما نقل عنه انه يجب عليه أن يجعل نفسه منهم (واصحهما) وبه قال العراقيون والقفال انه تحية البقعة فلا يقضى كتحية المسجد وزيفوا العلة الاولى بما سبق في توجيه القول الاول * وذكر القاضي ابن كج تفريعا علي القول بالوجوب انه إذا انتهى إلى الميقات على قصد دخول مكة يلزمه ان يحرم من الميقات * ولو أحرم بعد مجاوزته فعليه دم بخلاف ما إذا ترك الاحرام أصلا ورأسا(7/282)
لان نفس العبادة لا تجبر بالدم * وهل ينزل دخول الحرم منزلة دخول مكة فيما ذكرناه قال بعض الشارحين نعم والمراد بدخول مكة فيما نحن فيه دخول الحرم ولا يبعد تخريجه على خلاف سبق في نظائره (وقوله) في الكتاب وكل من دخل مكة غير مريد نسكا فيه اشارة إلى انه لو كان مريدا نسكا يلزمه أن يدخلها محرما على الوجه الذي مر في موضعه وليس ذلك موضع الخلاف * ثم لفظ الكتاب(7/283)
وان كان مطلقا في حكاية الخلاف فالمراد ما إذا اجتمعت الشروط المذكورة * ثم قوله لم يلزمه معلم بالحاء والميم والالف ويجوز أن يعلم قوله علي أظهر القولين بالواو للطريقة النافية للخلاف (واعلم) أن هذا الفصل لما كان مترجما بسنن دخول مكة وكان الاحرام عند الدخول في حق من لا يقصد النسك معدودا من المستحبات على ما اختاره صاحب الكتاب استحسن ايراد المسألة في هذا الفصل *(7/284)
قال (الفصل الرابع في الطواف) (وواجباته ست: (الاول) شرائط الصلاة من طهارة الحدث والخبث وستر العورة إلا انه يباح فيه الكلام) *(7/285)
للطواف بانواعه وظائف واجبة وأخرى مسنونة (القسم الاول) الواجبات وقد عدها في الكتاب سبعة (أحدها) الطهارة عن الحدث والخبث وستر العورة كما في الصلاة وبه قال مالك لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت مثل الصلاة إلا انكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير " فلو طاف جنبا أو محدثا أو عاريا أو طافت المرأة حائضا أو طاف وعلى(7/286)
ثوبه أو بدنه نجاسة لم يعتد بطوافه وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسات ولم أر للائمة رحمهم الله تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنفل ماشيا أو راكبا وهو تشبيه لا بأس به ولو أحدث الطائف في خلال طوافه نظر ان تعمد الحدث فقولان في أنه يبنى أو يستأنف إذا توضأ ويقال
وجهان (أحدهما) يستأنف كما في الصلاة (وأصحهما) انه يبنى ويحتمل في الطواف ما لا يحتمل في الصلاة كالفعل الكثير والكلام وان سبقه الحدث رتب علي حالة التعمد ان قلنا يبني عند التعمد فههنا أولي وان قلنا يستأنف فههنا قولان أو وجهان (والاصح) البناء وهذا كله فيما إذا لم يطل الفصل فان طال فسيأتي حكمه وحيث لا يجب الاستئناف فلا شك في استحبابه (وقوله) شرائط الصلاة غير مجرى على ظاهره فان المعتبر في الطواف بعضها وهو الطهارة وستر العورة ولا يعتبر فيه استقبال(7/287)
القبلة وترك الكلام وترك الافعال الكثيرة وترك الاكل (واعلم) قوله من طهارة الحدث والخبث وستر العورة بالحاء لان عنده لو طاف جنبا أو محدثا أو عاريا أو طافت المرأة حائضا لزمت الاعادة ما لم يفارق مكة فان فارقها أجزأ دم شاة ان طاف مع الحدث وبدنة ان طاف مع الجناية وبالالف لان عند احمد رواية مثله إلا أن الاعلام بهما انما يصح إذا كان المراد من وجوب شرائط الصلاة في الطواف اشتراطها فيه دون الوجوب المشترك بين الشرائط وغيره فانا قد نوجب الشئ ولا نشترطه كركعتي الطواف في الطواف على أحد القولين * والذى حكيناه عن أبي حنيفة رحمه الله ينافى الاشتراط دون الوجوب المشترك والله أعلم *(7/288)
قال (الثاني الترتيب (ح) وهو أن يجعل البيت على يساره ويبتدئ بالحجر الاسود فان جعله على يمينه لم يصح ولو استقبله بوجهه ففيه تردد ولو ابتدأ بغير الحجر لم يعتد بذلك الشوط إلى أن ينتهى إلي الحجر فمنه يبدأ الاحتساب ولو حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف فيه وجهان) * هذا الواجب وما بعده قد يحوج إلى معرفة هيئة البيت فنقدم في وضع البيت وما لحقه من التغايير مقدمة مختصرة: ونقول لبيت الله تعالي أربعة أركان ركنان يمانيان وركنان شاميان وكان لاصقا بالارض وله بابان شرقي وغربي فذكر أن السيل هدمه قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه(7/289)
وسلم بعشر سنين وأعادت قريش عمارته على الهيئة التى هي عليها اليوم ولم يجدوا من النذور والهدايا والاموال الطيبة ما يفى بالنفقة فتركوا من جانب الحجر بعض البيت وخلفوا الركنين الشاميين عن قواعد ابراهيم عليه السلام وضيقوا عرض الجدار من الركن الاسود إلي الشامي الذى يليه فبقي من الاساس شبه الدكان مرتفعا وهو الذى يسمى الشاذروان وقد روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله عنها " لولا حدثان قومك بالشرك لهدمت البيت ولبنيته على قواعد ابراهيم فالصقته بالارض وجعلت له بابين شرقيا وغربيا " ثم إن ابن الزبير رضى الله عنهما عدمه(7/290)
أيام ولايته وبناه على قواعد ابراهيم عليه السلام كما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما استولى عليه الحجاج هدمه وأعاده علي الصورة التي هو عليها اليوم وهي بناء قريش والركن الاسود والباب في صوب الشرق والاسود هو أحد الركنين اليمانيين والباب بينه وبين أحد الشاميين وهو الذى يسمى عراقيا أيضا والباب إلى الاسود أقرب منه إليه ويليه الركن الآخر الشامي والحجر بينهما وسنصفه من بعد والميزاب بينهما ويلى هذا الركن اليماني الآخر الذى هو عن يمين الاسود * إذا عرفت ذلك فاعلم أن مما يعتبر في الطواف شيئان قد يعبر عنهما معا بالترتيب وقد يعبر(7/291)
به عن أحدهما (والاول) قضية لفظ الكتاب (أحدهما) أن يجعل البيت على يساره (والثانى) أن يبتدئ بالحجر الاسود فيحاذيه بجميع بدنه في مروره وإنما اعتبر لان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك طاف وقال " خذوا عنى مناسككم " فلو جعل البيت علي يمينه كما إذا ابتدأ من الحجر الاسود ومر على وجهه نحو الركن اليماني لم يعتد بطوافه وقال أبو حنيفة رحمه الله يعيد الطواف مادام بمكة فان فارقها أجزأه دم شاة ولو لم يجعله على يمينه ولكن استقبله بوجهه وطاف معترضا فعن القفال فيه وجهان (أحدهما) الجواز لحصول الطواف في يسار البيت (والثانى) المنع لانه لم يول الكعبة شقه الايسر والخلاف جار فيما لو ولاها شقه الايمن ومر القهقرى نحو الباب والقياس جريانه فيما لو استدبرها ومر معترضا وما الاظهر من هذا الخلاف الذى أورده صاحب التهذيب وغيره في الصورة الثانية انه يجوز ويكره
وقال الامام والاصح المنع كما أن المصلى لما أمر بان يولى الكعبة صدره ووجهه لم يجز أن يوليها شقه وهذا(7/292)
أوفق لعبارة الاكثرين فانهم قالوا يجب أن يجعل البيت علي يساره ولم يوجد ذلك في هذا الصورة وقالوا لو جعله هلى يمينه لم يصح وقد وجد ذلك في صورة الرجوع القهقرى ومن صحح الطواف في هذه الصور فالمعتبر عنده أن يكون تحرك الطائف ودورانه في يسار البيت لا غير والله أعلم * ولو ابتدأ الطائف من غير الحجر الاسود لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلي الحجر الاسود فيكون منه ابتداء طوافه كما لو قدم المتوضئ علي غسل الوجه غسل عضو آخر فانا نجعل غسل الوجه ابتداء وضوءه وينبغى أن يمر عند الابتداء بجميع بدنه علي الحجر الاسود وذلك بان لا يقدم جزءا من بدنه على جزء من الحجر فلوا حاذاه ببعض بدنه وكان بعضه مجاوزا إلى جانب الباب ففيه قولان (الجديد) أنه لا يعتد بتلك الطوافة (والقديم) انه يعتد بها وتكفى المحاذاة ببعض البدن وهذا الخلاف كالخلاف فيما إذا استقبل الكعبة ببعض بدنه وصلى هل تصح صلاته وفيما علق عن الشيخ أبى محمد وغيره أن الخلاف ثم مخرج من الخلاف في الطواف وعكس الامام ذلك فاشار إلى تخريج هذا من ذاك ولو حاذي بجميع البدن بعض الحجر دون البعض أجزأه كما يجزئه أن يستقبل بجميع بدنه بعض الكعبة ذكره أصحابنا العراقيون (وقوله) في الكتاب لم يعتد بذلك الشوط هو الطوفة الواحدة وكره الشافعي رضى الله عنه اللفظ فاستحب أن يقال طواف وطوافان (وقوله) ولو حاذى آخر(7/293)
الحجر أراد بآخر الحجر البعض الذى يلى الباب ولا حاجة إلى هذا التقييد بل الخلاف جار فيما إذا حاذى جميع الحجر ببعض بدنه (وقوله) وجهان اقتدى فيه بامام الحرمين رحمهما الله ومعظم الاصحاب احكو قولين منصوصين كما قدمنا * قال ((الثالث أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشى على شاذروان البيت ولا في داخل محوط الحجر فان ستة أذرع منه من البيت ولو كان يمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان صح (ح) لان معظم بدنه خارج) *(7/294)
الطواف المأمور به هو الطواف بالبيت قال الله تعالي (وليطوفوا بالبيت العتيق) وإنما يكون طائفا به إذا كان خارجا عنه والا فهو طائف في البيت إذا تقرر ذلك ففى الفصل صور (أحداهما) لو مشى علي شاذروان البيت لم يصح طوافه لما ذكرنا أنه من البيت * وعن المزني انه سماه تازير البيت أي هو كالازار له وقد يقال التازيز - بزاءين وهو التأسيس (الثانية) ينبغي أن يدور في طوافه حول الحجر الذى ذكرنا انه بين الركنين الشاميين وهو موضع حوط عليه بجدار قصير بينه وبين كل واحد من الركنين فتحة وكلام جماعة من الاصحاب يقتضى كون جميعه من البيت وهو ظاهر لفظه في المختصر(7/295)
لكن الصحيح انه ليس كذلك بل الذي هو من البيت منه قدر سنة أذرع تتصل بالبيت روى ان عائشة رضي الله عنها قالت " نذرت أن أصلى ركعتين في البيت فقال صلى الله عليه وسلم صلى في الحجر فان ستة أذرع منه من البيت " (ومنهم) من يقول ستة أذرع أو سبعة كان الامر فيه علي التقريب ولفظ المختصر محمول على هذا القدر فلو دخل احدى الفتحتين وخرج(7/296)
من الاخرى فهو ماش في البيت لا يحسب له ذلك ولا طوفه بعده حتي ينتهي إلى الفتحة التى دخل منها ولو خلف القدر الذى هو من البيت ثم اقتحم الجدار وتخطي الحجر على السمت صح طوافه (الثالثة) لو كان يطوف ويمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو أدخل يده في موازاة ما هو(7/297)
من البيت من الحجر ففى صحة طوافه وجهان (أحدهما) وبه أجاب في الكتاب انه يصح لان معظم بدنه خارج وحينئذ يصدق أن يقال انه طائف بالبيت (وأصحهما) باتفاق فرق الاصحاب وفيهم الامام انه لا يصح لان بعض بدنه في البيت كما لو كان يضع احدي رجليه أحيانا علي الشاذروان(7/298)
ويقفذ بالاخرى (وقوله) في الكتاب أن يكون بجميع بدنه خارج البيت لفظ الجميع كالمستغنى
عنه فانه لو اقتصر على قوله أن يكون ببدنه كان المفهوم منه الجميع وإذا تعرض له فلا شك أن مثل هذا انما يذكر تأكيدا ومبالغة في أنه لا يحتمل خروج البعض وهذ لا يليق به الجواب بالصحة فيما(7/299)
إذا كان يمس الجدار بيده في موازاة الشاذروان (وقوله) ولا في داخل محوط الحجر مطلق ولكن تعقيبه بقوله فان ستة أذرع منه من البيت يبين الحد الممنوع عن المشي فيه * قال (الرابع) أن يطوف داخل المسجد ولو في أخرياتها وعلى سطوحها وأروقتها فلو طاف بالمسجد لم يجز) *(7/300)
يجب أن لا يوقع الطواف خارج المسجد كما يجب أن لا يوقعه خارج مكة والحرم ولا باس بالحائل بين الطائف والبيت كالسقاية والسوارى ولا بكونه في أخريات المسجد وتحت السقف وعلي الاروقة والسطوح إذا كان البيت أرفع بناء على ما هو اليوم فان جعل سقف المسجد أعلي فقد(7/301)
ذكر في العدة انه لا يجوز الطواف علي سطحه ولو صح هذا لزم أن يقال إذا انهدمت الكعبة والعياذ بالله لم يصح الطواف حول عرصتها وهو بعيد ولو اتسعت خطة المسجد اتسع المطاف وقد جعلته العباسية أوسع مما كان في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم *(7/302)
قال (الخامس) رعاية العدد فلو اقتصر على ستة أشواط لم يصح (ح)) * تجب رعاية العدد في الطواف وهو أن يطوف سبعا فلوا اقتصر على ستة أشواط لم يجزه وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله لان النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا وقد قال " خذوا عنى مناسككم " وعند(7/303)
أبي حنيفة رحمه الله لو اقتصر على اكثر الطواف وأراق عن الباقي دما أجزأه وبني علي ذلك أنه لو كان يدخل في الاشواط كلها من احدى فتحتي الحجر ويخرج من الاخرى كفاه أن يمشى
وراء الحجر سبع مرات أو يريق دما وتداوره بما وراء الحجر يكون معتمدا به في الاشواط كلها *(7/304)
قال (السادس ركعتان عقيب الطواف مشروعتان وليستا من الاركان وفى وجوبهما قولان وليس لتركها جبران لانه لا يفوت إذ الموالاة ليست بشرط في اجزاء الطواف علي الصحيح) * إذا فرغ من الطوافات السبع صلى ركعتين روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " فعل ذلك " وهما واجبتان(7/305)
أو مسنونتان فيه قولان (أحدهما) واجبتان وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لان النبي صلى الله عليه وسلم لما صلاهما تلا قوله تعالى (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلي) * فافهم أن الآية أمر بهذه الصلاة والامر للوجوب(7/306)
(وأصحهما) مسنونتان وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله لقوله " صلى الله عليه وسلم في حديث الاعرابي لا إلا أن تطوع " واحتج الشيخ أبو علي لهذا القول بشيئين (أحدهما) أنها لو وجبت للزم شئ بتركها كالرمي ولا يلزم (والثانى) انها لو وجبت لاختص فعلها بمكة ولا يختص بل يجوز في بلده وأى موضع شاء ولك(7/307)
ان تقول (أما) الاول فيشكل بالاركان فانها واجبة ولا تجبر بشئ وقد تعد هذه الصلاة منها على ما سيأتي ثم الجبر بالدم انما يكون عند فوات المجبور وهذه الصلاة لا تفوت إلا بان يموت وحينئذ لا يمتنع جبرها بالدم قاله الامام وغيره (وأما) الثاني فلم لا يجوز أن تكون واجبات الحج وأعماله منقسمة الي ما يختص بمكة والى ما لا يختص ألا ترى أن الاحرام أحد الواجبات ولا اختصاص له(7/308)
بمكة * والمستحب أن يقرأ في الاولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفى الثانية قل هو الله أحد كذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يصليهما خلف المقام فان لم يفعل ففى الحجر فان لم يفعل ففى المسجد فان لم يفعل ففى أي موضع شاء من الحرم وغيره ويجهر بالقراءة فيهما ليلا ويسر(7/309)
نهارا * وإذا لم تحكم بوجوبهما فلو صلى فريضة بعد الطواف حسبت عن ركعتي الطواف اعتبارا بتحية المسجد * حكي ذلك عن نصه في القديم والامام حكاه عن الصيدلاني نفسه واستبعدوه وتختص هذه الصلاة من بين سائر الصلوات بشئ وهو جريان النيابة فيها إذ يؤديها عنه المستأجر (وقوله) في الكتاب ركعتان عقيب الطواف مشروعتان أراد به التعرض لما يشترك فيه القولان وهو أصل الشرعية ثم بين الاختلاف في الوجوب (وقوله) وليستا من الاركان أراد به أن الاعتداد بالطواف(7/310)
لا يتوقف عليهما أو شيئا هذا شأنه * وقد ذكره الامام أيضا لكن في طرق الائمة ما ينازع فيه لانهم ذكروا القولين في طواف الفرض ثم قالوا ان كان الطواف تطوعا ففيه طريقان (أحدهما) القطع بعدم الوجوب وبه قال أبو زيد لان أصل الطواف ليس بواجب فكيف يكون تابعه واجبا (والثانى) وبه قال ابن الحداد طرد القولين ولا يبعد اشتراك الفرض والنفل في الشرائط كاشتراط صلاة الفرض والتطوع في الطهارة وستر العورة وغيرهما وكذا اشتراكهما في الاركان كالركوع والسجود وغيرهما ومعلوم ان هذا التوجيه ذهاب الي كونهما ركنا أو شرطا في الصلاة وعلى التقديرين(7/311)
فالاعتداد يتوقف عليهما (وقوله) وفى وجوبهما قولان يجوز اعلامه بالواو لانه ان أراد مطلق الطواف ففى النفل منه طريقة قاطعة بنفى الوجوب كما عرفتها وان أراد الفرض منه ففيه طريقة قاطعة بالوجوب حكاها الشيخ إبو على (وقوله) وليس لتركهما جبران لانه لا يفوت معناه ما مرمن انه يحتمل تأخيرهما ويجوز فعلهما في أي موضع شاء ولكن حكي صاحب التتمة عن نص الشافعي رضى الله عنه أنه إذا أخر يستحب له اراقة دم (وقوله) إذ الموالاة ليست بشرط في إجزاء الطواف فيه(7/312)
أو لا تعرض لمسألة مقصودة وهى أن الطائف ينبغى أن يوالى بين أشواط الطواف وأبعاضه فلو خالف وفرق هل يجوز البناء علي ما أتى به فيه قولان (أصحهما) الجواز وهما كالقولين في جواز تفريق الوضوء لان كل واحد منها عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها بخلاف الصلاة والقولان
في التفريق الكثير بلا عذر فاما إذا فرق يسيرا أو كثيرا بالعذر فالحكم على ما بينا في الوضوء * قال الامام والتفريق الكثير هو الذى يغلب على الظن تركه الطواف (اما) بالاضراب عنه أو لظنه أنه أنهاه نهايته * ولو أقيمت المكتوبة في أثناء الطواف فتخليلها بينها تفريق بالعذر * وقع الطواف المفروض بصلاة الجنازة والرواتب مكروه إذ لا يحسن ترك فرض العين بالتطوع أو فرض الكفاية * *(7/313)
إذا وقفت على المسألة (فقوله) انه لا يفوت إذا الموالاة ليست بشرط في أجزاء الطواف ليس تسليما لكون الركعتين من أجزاء الطواف فان ذلك يناقض قوله من قبل انهما ليستا من الاركان ولكن المعنى ان الموالاة إذا لم تشترط في أجزائه فاولي أن لا تشترط بينه وبين ما هو من توابعه وهذا شرح واجبات الطواف وفى وجوب النية فيه خلاف نذكره من بعد * قال (أما سنن الطواف فهي خمس (الاولي) أن يطوف ماشيا لا راكبا وانما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليظهر فيستفتي) *(7/314)
القسم الثاني من وظائف الطواف السنن (فمنها) أن يطواف ماشيا ولا يركب الا بعذر مرض ونحوه كيلا يؤذى الناس ولا يلوث المسجد " وقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاكثر ماشيا وانما ركب في حجة الوداع ليراه الناس فيستفتي المفتون " فان كان الطائف مترشحا للفتوى فله أن يتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيركب ولو ركب من غير عذر أجزأه ولا كراهة هكذا قاله الاصحاب * وقال الامام وفي القلب من ادخال البهيمة المسجد ولا يؤمن تلويثها بشئ فان أمكن الاستيثاق فذاك وإلا(7/315)
فادخال البهائم المسجد مكروه * ويجوز أن يعلم قوله أن يطوف ماشيا بالميم والحاء لان عندهما ليس ذلك من السنن بل يجب ان يطوف ماشيا إن لم يكن له عذر فان ركب فعليه دم وبالالف لانه يروى عن أحمد مثله * قال (الثانية تقبيل الحجر الاسود ومس الركن اليماني باليد فان منعت الزحمة من التقبيل
اقتصر علي المس والاشارة ويستحب ذلك في آخر كل شواط وفى الاوتار آكد) *(7/316)
ومن السنن أن يستلم الحجر بيده في ابتداء الطواف لما روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " بدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه من البكاء " ويقبله لما روى عن عمر رضي(7/317)
الله عنه انه قال وهو يطوف بالركن " انما أنت حجر ولولا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك ثم تقدم فقبله " ويضع جبهته عليه لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " انه كان يقبل الحجر الاسود ويسجد عليه بجبهته " فان منعته الزحمة من التقبيل اقتصر علي الاستسلام فان لم يمكن(7/318)
اقتصر على الاشارة باليد ولا يشير بالفم إلى التقبيل ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمهما ولا يقبل الركن اليماني ولكن يستلمه باليد وروى عن أحمد انه يقبله وعند أبى حنيفة رحمه الله لا يستلمه ولا يقبله * لنا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يستلم الركن اليماني والاسود في كل طوفة ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر " قال الائمة ولعل الفرق ما تقدم أن اليمانيين علي قواعد ابراهيم عليه السلام دون الشاميين * ثم حكى الامام انه يتخير حين يستلم(7/319)
الركن اليماني بين أن يقبل يده ثم يمس الركن كالذى ينقل خدمة إليه وبين أن يمسه ثم يقبل اليد كالذى ينقل يمنا إلى نفسه قال وهكذا يتخير بين الوجهين إذا منعته الزحمة من تقبيل الحجر ولم يورد المعظم في الصورتين سوى الوجه الثاني * وقال مالك رحمه الله لا يقبل يده فيهما ولكنه بعد الاستلام يضع يده على فيه * ولو لم يستلم الركن باليد ولكنه وضع خشبة عليه ثم قبل طرفها جاز أيضا روى عن أبى الطفيل قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على بعير ويستلم الركن بمحجن ويقبل المحجن " ويستحب تقبيل الحجر واستلامه واستلام الركن اليماني عند محاذاتهما في كل طوفة وهو في الاوتار آكد لانها أفضل (وقوله) في الكتاب اقتصر على المس أو الاشارة ليس
تخييرا بينهما ولكنه يمسه وان لم يمكنه اقتصر على الاشارة كما مر *(7/320)
قال (الثالثة الدعاء وهو أن يقول عند ابتداء الطواف (بسم الله وبالله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد عليه وعلي آله السلام) * يستحب للطائف أن يقول في ابتداء طوافه بسم الله وبالله والله أكبر اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم روى ذلك عن عبد الله بن السائب رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول بين الركنين اليمانيين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * وأورد الشيخ أبو محمد انه يستحب له إذا انتهى إلى(7/321)
محاذاة الباب وعلى يمينه مقام ابراهيم عليه السلام أن يقول (اللهم ان هذا البيت بيتك والحرم حرمك والامن أمنك وهذا مقام العائذ بك من النار) ويشير إلى مقام ابراهيم عليه السلام وإذا انتهي إلى الركن العراقى أن يقول اللهم اني أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الاخلاق وسوء المنظر في الاهل والمال والولد * وإذا انتهي إلى ما تحت الميزاب من الحجر ان يقول اللهم أظللني في ظلك يوم لا ظل الا ظلك واسقني بكأس محمد شرابا هنيا لا اظماء بعده أبدا يا ذا الجلال(7/322)
والاكرام * وإذا صار بين الركن الشامي واليماني أن يقول اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وعملا مقبولا وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور * وإذا صار بين الركنين اليمانيين أن يقول ما سبق وذكر غيره أنه يقول عند الفراغ من ركعتي الطواف خلف المقام اللهم هذا بلدك ومسجدك الحرام وبيتك الحرام أنا عبدك وابن عبدك وابن امتك اتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة وهذا مقام العائذ بك من النار فاغفر إلى انك أنت الغفور الرحيم اللهم انك دعوت عبادك إلى بيتك الحرام وقد جئت اليك طالبا رحمتك مبتغيا مرضاتك وأنت مننت على بذلك فاغفر لى وارحمني انك على كل شئ قدير *(7/323)
وعند محاذاة الميزاب اللهم انى أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب * ويدعو في طوافه بما شاء ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف بل هي أفضل من الدعاء الذى لم يؤثر والدعاء المسنون أفضل منها تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم * ونقل في العدة وجها آخر انها أفضل منه أيضا * قال (الرابعة الرمل في الاشواط الثلاثة الاول والهينة في الاربعة الاخيرة وذلك في طواف القدوم فقط على قول وفى طواف بعده سعي فقط علي قول وان ترك الرمل أولا لم يقضه آخرا إذا تفوت به السكينة ولو تعذر الرمل مع القرب للزحمة فالبعد أولى ولو تعذر لزحمة النساء فالسكينة أولى وليقل في الرمل اللهم(7/324)
اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا) * الاصل في الرمل الاضطباع وما روى عن ابن عباس رض الله عنهما قال " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لعمرة الزيارة قالت قريش ان أصحاب محمد قد أوهنتهم حمى يثرب فامرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرمل والاضطباع ليرى المشركين قوتهم ففعلوا) ثم(7/325)
ان ذلك بقى سنة متبعة وان زال السبب روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال " فيم الرمل وقد نفى الله الشرك وأهله وأعز الاسلام الا انى لا أحب أن أدع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " والرمل هو الاسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعد ويقال انه الخبب وغلط الائمة من ظن كونه دون الخبب * إذا تمهد ذلك فنورد مسائل الفصل وما ينضم إليها في صور (احداها) حيث يسن الرمل فانما يسن في الاشواط الثلاثة الاولى (فاما) الاربعة(7/326)
الاخيرة فالسنة فيها الهينة روى عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتي الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشي اربعا " أو هل يستوعب الثلاثة الاولى بالرمل فيه قولان حكاهما الامام(7/327)
(أصحهما) وهو المشهور نعم لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى
أربعا " (والثانى) لا بل يترك الرمل في كل طوفة بين الركنين اليمانيين لما روى " أن أصحاب رسول الله(7/328)
صلى الله عليه وسلم كانوا يتئدون بينهما وذلك انه صلي الله عليه وسلم كان قد شرط عليهم عام الصد أن ينجلوا عن بطحاء مكة إذا عاد لقضاء العمرة " فلما عاد وفواورقو اقعيقعان وهو جبل في مقابلة الحجر والميزاب وكانوا يظهرون القوة والجلادة حيث تقع أبصارهم عليهم وإذا صاروا بين الركنين اليمانيين كان البيت حائلا بينهم وبين أبصار الكفار (الثانية) لا خلاف في ان الرمل لا يسن في كل طواف وفيم يسن فيه قولان (أحدهما) قال في التهذيب وهو الاصح الجديد يسن في طواف القدوم والابتداء(7/329)
لانه أول العهد بالبيت فيليق به الشناط والاهتزاز (والثانى) انما يسن في طواف يستعقب السعي لانتهائه الي تواصل الحركات بين الجبلين وهذا أظهر عند الاكثرين ولم يتعرضوا لتاريخ القولين(7/330)
ويشهد للاول ما روي " انه صلى الله عليه وسلم لم يرمل في طوافه بعد ما أفاض " وللثاني " انه صلى الله عليه وسلم رمل في طواف عمره * كلها وفى بعض أنواع الطواف في الحج " والذى يشتركان فيه استعقاب السعي فعلى القولين لا رمل في طواف الوداع لانه ليس للقدوم ولا يستعقب السعي ويرمل من قدم مكة معتمرا لوقوع طوافه عن القدوم واستعقابه السعي ويرمل أيضا الآفاقي الحاج ان دخل مكة بعد الوقوف وان دخلها قبل الوقوف فهل يرمل في طواف القدوم ينظر ان كان لا يسعي عقبيه ويؤخره إلى إثر(7/331)
طواف الافاضة فعلى القول الاول يرمل وعلى الثاني لا وانما يرمل في طواف الافاضة وإن كان يسعي عقيبه فيرمل فيه على القولين وإذا رمل فيه وسعي بعده فلا يرمل في طواف الافاضة ان لم يرد السعي عقيبه وان أراده فكذلك في أصح القولين * وإذا طاف للقدوم وسعي بعده ولم يرمل فهل يقضيه في طواف الافاضة فيه وجهان ويقال قولان (أظهرهما) لا كما لو ترك الرمل في الثلاثة الاولى لا يقضيه(7/332)
في الاربعة الاخيرة * وان طاف ورمل ولم يسع فجواب الاكثرين انه يرمل في طواف الافاضة ههنا لبقاء السعي عليه وكون هيئة الرمل مع الاضطباع مرعية فيه والسعي تبع للطواف فلا يزيد في الهيئة على الاصل * وهذا الجواب في غالب الظن منهم مبني على القول الثاني والا فلا اعتبار باستعقاب السعي وهل يرمل المكى المنشئ حجه من مكة في طوافه (ان قلنا) بالقول الاول فلا(7/333)
إذ ليس له طواف قدوم ودخول (وان قلنا) بالثاني فنعم لاستعقابه السعي * (الثالثة) لو ترك الرمل في الاشواط الاول لم يقضه في الاخيرة لان الهينة والسكينة مسنونة فيها استنان الرمل في الاول فلو قضاه لفوت سنة حاضرة وهذا كما لو ترك الجهر في الركعتين الاولتين لا يقضيه في الاخرتين ويخالف ما لو ترك سورة الجمعة في الركعة الاولى يقرأها مع المنافقين في الثانية لان الجمع ممكن هناك *(7/334)
(الرابعة القرب من البيت مستحب للطائف تبركا به ولا نظر إلى كثرة الخطي لو تباعد فلو تعذر الرمل مع القرب لزحمة الناس فينظر ان كان يجد فرجة لو توقف توقف ليجدها فيرمل فيها وإن كان لا يرجو ذلك وهو المراد مما أطلقه في الكتاب فالبعد عن البيت والمحافظة علي الرمل أولي لان القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة والفضيلة المتعلقة بنفس(7/335)
العبادة أولى بالرعاية.
ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت أفضل من الانفراد بها في المسجد وان كان في حاشية المطاف نساء ولم يأمن مصادمتهن لو تباعد فالقرب من البيت والسكينة أولى من البعد والرمل تحرزا عن مصادمتهن وملامستهن (وقوله) في الكتاب ولو تعذر لزحمة النساء إلى آخره المراد منه هذه الصورة على ما دل عليه عبارة الوسيط والمعنى فان تعذر البعد لزحمة النساء ويجوز أن يحمل على ما إذا كان بالقرب أيضا(7/336)
نساء وتعذر الرمل في جميع المطاف لخوف مصادمتهن فان الاولى والحالة هذه ترك الرمل (الخامسة) ليكن من دعائه في الرمل اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا
روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومتي تعذر الرمل علي الطائف فينبغي أن يتحرك في مشيه ويرى من نفسه انه لو أمكنه الرمل لرمل * وان طاف راكبا أو محمولا ففيه قولان (أصحهما) أنه يرمل به الحامل ويحرك هو الدابة (ومنهم) من خص القولين بالبالغ المحمول وقطع في الصبي المحمول بانه يرمل به حامله والله أعلم * قال (الخامسة الاضطباع في كل طواف فيه رمل وهو أن يجعل وسط ازاره في ابطه اليمنى ويجعل طرفيه علي عاتقة الايسر ثم يديمه إلى آخر الطواف في قول وإلى آخر السعي في قول)(7/337)
الاضطباع في كل طواف فيه رمل وهو افتعال من الضبع وهو العضد ومعناه أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الايمن وطرفيه علي عاتقه الايسر ويبقى منكبه الايمن مكشوفا كدأب أهل الشطارة وكل طواف لا يسن فيه الرمل لا يسن فيه الاضطباع وما يسن فيه الرمل يسن فيه الاضطباع لكن الرمل مخصوص بالاشواط الثلاثة الاول والاضطباع يعم جميعها ويسن في السعي بين الجبلين بعدها أيضا على المشهور ويخرج من منقول المسعودي وغيره وجه انه لا يسن ويروى ذلك عن أحمد رحمه الله * وهل يسن في ركعتي الطواف فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في سائر أعمال الطواف (وأصحهما) لا لكراهية الاضطباع في الصلاة والخلاف فيها متولد من اختلاف الاصحاب في لفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر وهو انه قال ويضطبع حتي يكمل سعيه (فمنهم) من نقله هكذا (ومنهم) من نقل حتى يكمل سبعة وهذا الاختلاف عند بعض الشارحين متولد من اختلاف النسخ وعند بعضهم من اختلاف القراءة لتقاربهما في الخط فمن نقل سعيه حكم بادامة الاضطباع في الصلاة والسعى ومن قال سبعة قال لا يضطبع بعد الاشواط السبعة وظاهر المذهب ويحكى عن نصه انه إذا فرغ من(7/338)
الاشواط ترك الاضطباع حتى يصلى الركعتين فإذا فرغ منها أعاد الاضطياع وخرج للسعي وهذا يحوج الي تأويل لفظ المختصر على التقديرين فتأويله على التقدير الاول انه يضطبع مرة بعد أخرى وعلى التقدير الثاني انه يديم اضطباعه الاول إلى تمام الاشواط ثم اللفظ ساكت عن انه يعيده أولا
يعيده * وليس في حق النساء رمل ولا اضطباع حتى لا ينكشفن ولا تبدو عضاهن وحكي القاضي ابن كج رحمة الله عليه وجهين في أن الصبى هل يضطبع لانه ليس فيه نصرة ولا جلادة كالنسوة والظاهر انه يضطبع (وقوله) في الكتاب أن يجعل وسط ازاره ذكر الرداء في هذا الموضع اليق وكذلك قاله الشافعي رضي الله عنه وعامة الاصحاب رحمهم الله (وقوله) إلى آخر الطواف في قول والى آخر السعي في قول اطلاق القولين فيه غريب والذين رووا الخلاف فيه رووهما وجهين إلا ان حجة الاسلام رحمه الله نظر إلى استناد الخلاف إلى ما قدمنا من قول الشافعي رضى الله عنه * ثم عبارة الكتاب في القول الثاني تقتضي استحباب الاضطباع في ركعتي الطواف أيضا وفيه ما ذكرناه * قال (فرع لو طاف المحرم بالصبى الذى أحرم عنه أجزأه عن الصبي الا إذا لم يكن قد طاف عن نفسه فان الحامل اولى به فينصرف إليه ولا يكفيهما طواف واحد بخلاف ما إذا حمل صبيين وطاف بهما فانه يكفى للصبيين طواف واحد كراكبين على دابة) *(7/339)
هذا الفرع لا اختصاص له بالصبي وان صوره فيه ولو اختص به لكان موضعه الفصل الاخير من الباب المعقود في حكم الصبى ثم هو ناظر إلى مسالة نذكرها اولا وهي ان الطواف هل يجب فيه النية وفيه وجهان (احدهما) تجب لانه عبادة برأسه (واصحهما) لا تجب لانه في الحج والعمرة احد العمال فيكفى فيه نية النسك في الابتداء وعلى هذا فهل يشترط ان لا يصرفه إلى غرض آخر من طلب غريم ونحوه فيه وجهان (اظهرهما) نعم وهما كالوجهين فيما إذا قصد في اثناء وضوءه لغسل باقى الاعضاء تبردا ونحوه * إذا عرفت ذلك فلو ان الرجل حمل محرما من صبى أو مريض أو غيرهما وطاف به نظر ان كان الحامل حلالا أو كان قد طاف عن نفسه حسب الطواف للمحمول بشرطه وان كان محرما ولم يطف عن نفسه نظر ان قصد الطواف عن المحمول ففيه ثلاثة اوجه (اظهرها) انه يقع للمحمول دون الحامل وينزل الحامل منزلة الدابة وهذا يخرج علي قولنا انه يشترط ان لا يصرف(7/340)
طوافه إلى غرض آخر (والثانى) انه يقع عن الحامل دون المحمول وهذا يخرج على قولنا انه لا يشترط
ذلك فان الطواف حينئذ يكون محسوبا له وإذا حسب له لم ينصرف الي غيره بخلاف ماذا حمل محرمين وطاف بهما وهو حلال أو محرم وقد طاف حيث يجزيهما جميعا فان الطواف ثم غير محسوب للحامل والمحمولان كراكبى دابة واحدة وربما يوجه هذا الوجه بالتشبيه بما إذا أحرم عن غيره وعليه فرضه (والثالث) انه يحسب لهما جميعا لان أحدهما قد دار والآخر دير به * وان قصد الطواف عن نفسه وقع عنه وهل يحسب عن المحمول قال الامام لا وحكى وفاق الاصحاب فيه وبمثله أجاب فيما إذا قصد الطواف لنفسه وللمحمول وصاحب التهذيب حكي في حصوله للمحمول مع الحصول للحامل وجهين لانه دار به ولو طاف به ولم يقصد واحدا من الاقسام الثلاثة فهو كما لو قصد نفسه أو كليهما (وقوله) في الكتاب لو طاف المحرم بالصبي الذى أحرم عنه قد ذكرنا ان المسالة غير مخصوصة بما إذا كان المحمول صبيا والاولى أن يقرأ قوله أحرم به على المجهول إذ لا فرق بين أن(7/341)
يكون الحامل وليه الذى أحرم به أو غيره ثم لفظ الكتاب يقتضى عدم اجزائه للصبى فيما إذا لم يطف الحامل مطلقا لانه أطلق الاستثناء لكن فيه التفصيل والخلاف الذى كتبته والظاهر فيما إذا قصد كون الطواف للمحمول إجزاؤه للمحمول على ما تقرر فإذا لفظ الكتاب محمول على ما إذا لم يقصد ذلك وفى الوسيط ما يشير إليه (وقوله) ولا يكفيهما طواف واحد معلم بالواو لما مر من الوجه الثالث وبالحاء لان صاحب التتمة حكي عن أبى حنيفة رحمه الله مثله * قال (الفصل الخامس في السعي) (ومن فرغ من الطواف استلم الحجر وخرج من باب الصفا ورقى على الصفا مقدار قامة حتى يقع بصره علي الكعبة ويدعو ثم يمشي إلى المروة ويرقى فيها ويدعو ويسرع في المشى إذا بقى بينه وبين الميل الاخضر المعلق بفناء المسجد نحو ستة أذرع الي ان يحاذي الميلين الاخضرين ثم يعود إلى الهينة) * إذا فرغ من الطواف وركعتيه فينبغي أن يعود إلى الحجر الاسود ويستلمه ليكون آخر عهده بالاستلام كما افتتح طوافه به ثم يخرج من باب الصفا وهو في محاذاة الضلع بين الركنين اليمانيين
ليسعى بين الصفا والمروة ويبدأ بالصفا لان النبي صلي الله عليه وسلم " بدأ به وقال ابدأوا بما بدأ الله به " ويرقى علي الصفا بقدر قامة رجل حتي يتراءى له البيت ويقع بصره عليه فإذا رقي عليه استقبل(7/342)
البيت وهلل وكبر وقال الله اكبر الله اكبر الله اكبر ولله الحمد الله اكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو علي كل قدير لا اله الا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * ثم يدعو بما أحب من أمر الدين والدنيا ثم يعود الي الذكر المذكور ثانيا ثم يدعو ثم يعود إليه ثالثا ولا يدعو وينزل من الصفا ويمشي الي المروة ويرقي عليها أيضا بقدر قامة رجل ويأتى بالذكر والدعاء كما فعل على الصفا * ثم ان المسافة بين الجبلين يقطع بعضها مشيا وبعضها عدوا * وبين الشافعي رضى الله عنه ذلك فقال ينزل من الصفا ويمشي على سجية مشيه حتى يبقى بينه وبين الميل الاخضر المعلق بفناء المسجد وركنه قدر ستة أذرع فحينئذ(7/343)
يسرع في المشي ويسعي سعيا شديدا وكان ذلك الميل موضوعا على متن الطريق في الموضع الذى منه يبتدأ السعي اعلاما وكان السيل يهدمه فرفعوه إلى أعلا ركن المسجد ولذلك سمي معلقا فوقع متاخرا عن مبتدأ السعي بستة أذرع لانه لم يكن موضع اليق منه على الاعلى ويديم السعي حتى يتوسط بين الميلين الاخضرين اللذين أحدهما يتصل بفناء السمجد عن يسار الساعي والثاني متصل بدار العباس فإذا حاذاهما عاد إلى سجية المشى حتى ينتهي إلى المروة * قال القاضي الرويانى وغيره هذه الاسامي كانت في زمان الشافعي رضى الله عنه وليس هناك اليوم دار تعرف بدار العباس ولا ميل أخضر وتغيرت الاسامي * وإذا عاد من المروة إلى الصفا سعي في موضع سعيه اولا ومشى في موضع مشيه وليقل في سعيه (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الاعز الاكرم) وليكن من دعائه علي الجبلين ما يؤثر عن ابن عمر رضي الله عنهما (اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطواعية رسولك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك وعبادك الصالحين اللهم آتنى من خير ما تؤتى عبادك
الصالحين اللهم اجعلني من الائمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لى خطيئتي يوم الدين وجميع ما ذكرناه من وظائف السعي قولا وفعلا مشهور في الاخبار *(7/344)
قال (والترقى والدعاء وسرعة المشى سنن ولكن وقوع السعي بعد طواف ما شرط فلا يصح الابتداء به فان سعى بعد طواف القدوم لا يستحب الاعادة بعده ولا يشترط الطهارة وشروط الصلاة بخلاف الطواف) * لما تكلم في وظائف السعي مخلوطة واجباتها بسننها أراد الآن أن يميز بينهما فمن السنن الرقى على الصفا والمروة والواجب هو السعي بينهما وقد يتأتي ذلك من غير رقى بان يلصق العقب باصل ما يسير منه ويلصق رؤوس أصابع رجليه بما يسير إليه من الجبلين * وعن أبى حفص بن الوكيل انه يجب الرقى عليهما بقدر قامة رجل * لنا اشتهار السعي من غير رقي عن عثمان وغيره من الصحابة رضى الله عنهم من غير انكار (ومنها) الذكر والدعاء فليس في تركهما الا ترك فضيلة وثواب (ومنها) سرعة المشي في الموضع المذكور والهينة في الباقي كالرمل والهينة في الطواف بالبيت (ومنها) الموالاة(7/345)
في مرات السعي وبين الطواف والسعى ولا يشترط الموالاة بين الطواف والسعى بل لو تخلل بينهما فصل طويل لم يقدح قاله القفال وغيره نعم لا يجوز أن يتخلل بينهما ركن بان يطوف للقدوم ثم يقف بعرفة ثم يسعى بل عليه اعادة السعي بعد طواف الافاضة وذكر في التتمة انه إذا طال الفصل بين مرات السعي أو بين الطواف والسعى ففى أجزاء السعي قولان وان لم يتخلل بينهما ركن والظاهر ما سبق (وأما) الواجبات فمنها وقوع السعي بعد الطواف فلو سعى قبل أن يطوف لم يحسب إذ لم ينقل عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن بعده السعي الا مرتبا على الطواف ترتيب السجود علي الركوع ولا يشترط وقوعه بعد طواف الركن بل لو سعى عقيب طواف القدوم أجزأه ولا يستحب ان يعيده بعد طواف الافاضة لان السعي ليس قربة في نفسه كالوقوف بخلاف الطواف فانه عبادة يتقرب بها وحدها * وعن الشيخ(7/346)
أبى محمد انه يكره اعادته فضلا عن عدم الاستحباب (ومنها) الترتيب وهو لابتداء بالصفا لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأوا بما بدأ الله به " فان بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها الي الصفا * وعن أبي حنيفة أنه لا يجب الترتيب فيجوز الابتداء بالمروة (ومنها) العدد فلا بد من أن يسعي بين الجبلين سبعا ويحسب الذهاب من الصفا إلى المروة مرة والعود منها الي الصفا أخرى فيكون الابتداء بالصفا والختم بالمروة * وذهب أبو بكر الصيرفى إلى أن الذهاب والعود يحسب مرة واحدة لينتهي إلى ما منه بدأ كالطواف بالبيت وكما أن في مسح الرأس يذهب باليدين إلى القفا ويردهما ويكون ذلك مرة واحدة ويروى هذا عن أبى عبد الرحمن ابن بنت الشافعي رضى الله عنه وابن الوكيل * لنا اطباق الحجيج على ما ذكرنا من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا * ولو شك في العدد أخذ بالاقل وكذلك يفعل بالطواف ولو(7/347)
طاف أو سعي وعنده انه أتم العدد وأخبره غيره عن بقاء شئ فالاحب أن يرجع إلى قوله لان الزيادة لا تبطلها ولو جرى على ما هو جازم به جاز ولا يشترط فيه الطهارة وستر العورة وسائر شروط الصلاة كما في الوقوف وغيره من أعمال الحج بخلاف الطواف فانه صلاة بالخبر * ويجوز أن يسعي راكبا كما يجوز أن يطوف راكبا والاحب الترجل والنساء لا يسعين السعي الشديد كما لا يرملن * (وقوله) في الكتاب ولكن وقوع السعي بعد طواف ما شرط لفظ شامل لانواع الطواف غير انه لا يتصور وقوع السعي بعد طواف الوداع فان طواف الوداع هو الواقع بعد أعمال المناسك فإذا بقى السعي عليه لم يكن الماتى به طواف الوداع (واعلم) أن السعي ركن في الحج والعمرة لا يحصل التحلل دونه ولا يجبر بالدم وبه قال مالك * وعند أبى حنيفة رحمه الله ينجبر * وعن أحمد روايتان (أصحهما) مثل مذهبنا(7/348)
قال (الفصل السادس في الوقوف بعرفة) (والمستحب أن يخطب الامام في اليوم السابع من ذى الحجة بمكة بعد الظهر خطبة واحدة ويامرهم بالغدو إلى منى ويخبرهم بمناسكهم ويخرج اليوم الثامن ويبيت ليلة عرفة
بمنى وإذا طلعت الشمس سار إلى الموقف ووقف ثم يخطب بعد الزوال بعرفة خطبة خفيفة ويجلس ثم يقوم الي الثانية ويبدأ المؤذن بالآذان حتي يكون فراغ الامام مع فراغ المؤذن ثم يصلي الظهر والعصر جميعا) *(7/349)
نفتتح الفصل بذكر شيئين (أحدهما) أن الامام ان لم يحضر بنفسه فالمستحب أن لا يخلى الحجيج عن منصوب يكون أميرا عليهم ليقفوا دون رأيه ويطيعوه فيما ينوبهم وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه اميرا علي الحجيج في السنة التاسعة من الهجرة (والثاني) أن الحجيج ان ساروا من الميقات إلى الموقف قبل ان يدخلوا مكة كما يفعلونه اليوم فاتتهم خطبة اليوم السابع والترتيب(7/350)
الذي ذكره في الفصل مصور في حق من يدخل مكة قبل الوقوف * إذا عرفت ذلك فنقول من كان من الداخلين قبل الوقوف مفردا بالحج أو قارنا بين لنسكين أقام بعد طواف القدوم إلى أن يخرج إلى عرفة ومن كان متمتعا طاف وسعى وحلق وتحلل من عمرته ثم يحرم بالحج من مكة ويخرج علي ما مر في صورة التمتع وكذلك يفعل المقيمون بمكة ويستحب للامام أو لمنصوبه أن يخطب بمكة في اليوم السابع من ذى الحجة بعد صلاة الظهر خطبة واحدة يامر الامام الناس فيها بالغدو إلي(7/351)
منى ويخيرهم بما بين أيديهم من المناسك * وعن أحمد انه لا يخطب اليوم السابع * لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " خطب الناس قبل يوم التروية بيوم واحد وأخبرهم بمناسكهم " وينبغي أن يأمر في خطبته المتمتعين بان يطوفوا قبل الخروج للوداع فلو وافق اليوم السابع يوم الجمعة خطب للجمعة وصلاها ثم خطب هذه الخطبة فان السنة فيها التأخير عن الصلاة ثم يخرج بهم اليوم الثامن وهو يوم التروية الي مني ومتى يخرج المشهور انه يخرج بهم بعد صلاة الصبح بحيث يوافون الظهر بمني * وحكى(7/352)
القاضي ابن كج أن أبا اسحق ذكر قولا انهم يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون وإذا خرجوا الي منى
باتوا بها ليلة عرفة وصلوا مع الامام بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يوم عرفة علي المشهور وعلى ما ذكره أبو اسحق يصلون بها ما سوى الظهر والمبيت ليلة عرفة بمنا هيئة وليس بنسك يجبر بالدم والغرض منه الاستراحة للسير من الغد إلى عرفة من غير تعب وما ذكرناه من الخروج بعد صلاة الصبح أو التروية فذلك في غير يوم الجمعة فاما إذا كان يوم التروية يوم الجمعة فالمستحب الخروج قبل طلوع الفجر لان الخروج الي السفر يوم الجمعة إلى حيت لا تصلى الجمعة حرام أو مكروه علي ما مر في موضعه وهم لا يصلون الجمعة بمني وكذا لا يصلونها بعرفة لو كان يوم عرفة يوم الجمعة لان الجمعة انما تقام في دار الاقامة * قال الشافعي رضى الله عنه فان بنى بها قرية واستوطنها أربعون من أهل الكمال أقاموا الجمعة والناس معهم ثم إذا طلعت الشمس يوم عرفة على شبر ساروا إلى عرفات فإذا انتهوا الي نمرة ضربت قبة للامام بها روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " مكث حتي طلعت الشمس ثم ركب وأمر بقبة من شعر أن تضرب له بنمرة فنزل بها " فإذا زالت الشمس خطب الامام خطبتين يبين لهم في الاولى ما بين ايديهم من(7/353)
المناسك ويحرضهم علي اكثار الدعاء والتهليل بالموقف فإذا فرغ منها جلس بقدر سورة الاخلاص ثم يقوم إلى الخطبة الثانية والمؤذن يأخذ في الاذان ويخفف الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الاقامة علي ما رواه الامام وغيره ومن الاذان على ما رواه صاحب التهذيب وغيره قال هؤلاء ثم ينزل فيقيم المؤذن ويصلى بالناس الظهر ثم يقيمون فيصلى بهم العصر على سبيل الجمع هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع * وعند أبي حنيفة رحمه الله لا اقامة للعصر ويجعل الاذان قبل الخطبة الاولى كما في الجمعة وإذا كان الامام مسافرا فالسنة له القصر والمكيون(7/354)
والمقيمون حواليها لا يقصرون خلافا للمالك * وليقل الامام إذا سلم أتموا يا أهل مكة فانا قوم سفر كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والقول في أن الجمع يختص بالمسافرين من الحجيج أو لا يختص قدمناه في كتاب الصلاة (فان قلت) نمرة التى ذكرتم النزول بها هل هي من حد عرفة أم لا وهل الخطبتان والصلاتان بها أم بموضع اخر (قلنا) أما الاول فان صاحب الشامل وطائفة قالوا بان
نمرة موضع من عرفات لكن الاكثرين نفوا كونها من عرفات (ومنهم) أبو القاسم الكرخي والقاضي الرويانى وصاحب التهذيب وقالوا انها موضع قريب من عرفة (وأما) الثاني فايراد(7/355)
موردين يشعر بان الخطبتين والصلاتين بها لكن رواية الجمهور انهم ينزلون بها حتى تزول الشمس فإذا زالت ذهب الامام بهم إلى مسجد ابراهيم عليه السلام وخطب وصلي فيه ثم بعد الفراغ من الصلاة يتوجهون إلى الموقف وهل المسجد من عرفة سنذكره من بعد وإذا لم تعد البقعه من عرفة فحيث أطلقنا انهم يجمعون بين الصلاتين بعرفة عنينا به الموضع القريب منها (واعلم) انه يسن في الحج أربع خطب (احداها) بمكة في السمجد الحرام اليوم السابع من ذي الحجة (والثانية) بعرفة وقد ذكرناهما والثالثة) يوم النحر (والرابعة) يوم النفر الاول ويخبرهم في كل خطبة عما بين أيديهم من المناسك(7/356)
وأحكامها إلى الخطبة الاخرى وكلها أفراد وبعد الصلاة إلا يوم عرفة فانه يخطب خطبتين قبل الصلاة (وقوله) في الكتاب ويبيت ليلة عرفة بمنى ثم يخطب بعد الزوال بعرفة معناه انه يغدو منها إلى عرفات ويخطب ولفظ الكتاب يقتضى كون الموضع الذى يخطب فيه من عرفة وفيه ما قد عرفته (وقوله) خطبة خفيفة انما ذكر ذلك لا المستحب فيها الخفة أيضا وان لم تبلغ خفتها خفة الثانية لما روى أن سالم بن عبد الله قال للحجاج " وان كنت تريد أن تصيب السنة فاقتصر الخطبة وعجل الوقوف فقال ابن عمر رضى الله عنهما صدق " وقوله ويجلس أي بعدها (وقوله) ثم يقوم إلى الثانية ويبدأ المؤذن بالاذان (واعلم) قوله ويبدأ بالحاء لما ذكرنا أن عنده يقدم الاذان * قال (ثم يقبلون على الدعاء إلى وقت الغروب ويفيضون بعد الغروب الي مزدلفة يصلون بها المغرب والعشاء) *(7/357)
السنة للحجيج بعد الصلاتين أن يقفوا عند الصخرات ويستقبلوا القبلة لان النبي صلى الله عليه وسلم " وقف واستقبل القبلة وجعل بطن ناقته إلى الصخرات " وهل الوقوف راكبا أفضل فيه قولان (أحدهما)
لا بل سواء قاله في الام (وأظهرهما) وبه قال أحمد ان الوقوف راكبا أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم " وليكون اقوى على الدعاء قاله في الاملاء والقديم ويذكرون الله تعالى ويدعونه إلى غروب الشمس(7/358)
ويكثرون من التهليل روى انه صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له " * واضيف إليه له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم اجعل في قلبى نورا وفى سمعي نورا وفي بصرى نورا اللهم اشرح لى صدري ويسر لى أمرى فإذا غربت الشمس دفعوا من عرفات منصرفين إلى مزدلفة ويؤخرون المغرب إلى ان يصلوها مع العشاء بمزدلفة وليكن عليهم في الدفع السكينة والوقار لكيلا يتأذى البعض بمصادمة البعض فان وجد بعضهم فرجة أسرع(7/359)
روى انه صلى الله عليه وسلم " كان يسير حين دفع في حجة الوداع العنق " فإذا وجد فرجة نص فإذا حصلوا بمزدلفة جمع الامام بهم بين المغرب والعشاء وحكم الاذان الاقامة لهما قد مر في موضعه * ولو انفرد بعضهم بالجمع بعرفة أو بمزدلفة أو صلى احدي الصلاتين مع الامام والاخرى وحدة جاز ويجوز أن يصلى المغرب بعرفة أو في الطريق * وقال أبو حنيفة لا يجوز ويجب الجمع بمزدلفة وذكر الشافعي رضى الله عنه انهم لا يتنفلون بين الصلاتين إذا جمعوا ولا على أثرها أما بينهما فلرعاية الموالاة وأما على إثرهما فقد قال القاضي ابن كج في الشرح لا يتنفل الامام لانه متبوع فلو اشتغل بالنوافل لاقتدى به الناس وانقطعوا عن المناسك فليشتغل بجمع الحصا وغيره من المناسك.
(وأما) المأموم ففيه وجهان (احدهما) لا يتنفل أيضا كالامام (والثانى) ان الامر واسع له لانه ليس بمتبوع وهذا في النوافل المطلقة دون الرواتب والله أعلم * ثم اكثر الاصحاب أطلقوا القول بانه يؤخرها إلي أن يأتي المزدلفة ومنهم من قال ذلك ما لم يخش فوات وقت اختيار العشاء فان خاف لمكثهم في الطريق بصد أو غيره لم يؤخر وجمع بالناس في الطريق والمستحب أن ينصرفوا من عرفة إلى المزدلفة في طريق المازمين وهو الطريق بين الجبلين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم (واعلم) أن من مكة إلى مني فرسخان(7/360)
ومن منى إلى عرفات فرسخان ومزدلفة متوسطة بين منى وعرفات منها إلي كل واحدة منهما فرسخ ولا يقفون بها في مسيرهم من مني الي عرفات (وقوله) في الكتاب ثم يقبلون على الدعاء إلى وقت الغروب ليس لاخراج وقت الغروب عن الحد بل يدعون عنده أيضا * قال (والواجب من ذلك ما ينطلق عليه اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو في النوم (و) وإن سارت به دابته * ولا يكفي حضور المغمي عليه * ووقت الوقوف من زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم العبد ولو أنشأ الاحرام ليلة العيد جاز (و) لان الحج عرفة ووقته باق وقيل لا يجوز إلا بالنهار ولو فارق عرفة نهارا ولم يكن حاضرا عند الغروب ولا عاد بالليل تداركا ففى وجوب الدم قولان.
حاصلهما أن الجمع بين الليل والنهار هل هو واجب ولو وقفوا اليوم العاشر غلطا في الهلال فلا قضاء ولو وقفوا اليوم الثامن فوجهان لان هذا الغلط نادر) * الغرض الآن الكلام في كيفية الوقوف ومكانه وزمانه (أما) الكيفية فالمعتبر الحضور بشرط أن يكون أهلا للعبادة وفيه صور (الاولى) لا فرق بين أن يحضرها ويقف وبين أن يمر بها لقوله صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج " وذكر القاضى ابن كج رحمه الله أن ابن القطان رحمه الله جعل الاكتفاء بالمرور المجرد على وجهين (الثانية) لا فرق بين أن يحضر وهو يعلم انها عرفة وبين أن لا يعلم وعن ابن الوكيل انه إذا لم يعلم لم يجزه (الثالثة) لو احضرها نائما أو دخلها قبل وقت الوقوف ونام حتى خرج الوقت أجزأه كما لو بقى نائما طول نهاره أجزأه الصوم علي المذهب وفيه وجه انه لا يجزئه كما لو وقف مغمى عليه قال في التتمة والخلاف في هذه الصورة والتى قبلها مبنى علي أن كل ركن من أركان الحج هل يجب افراده بنيته لانفصال بعضها عن بعض أم يكفيها النية السابقة ولو فرض في أشواط الطواف أو بعضها النوم على هيئة لا تنقض الوضوء فقد قال الامام هذا يقرب(7/361)
من الخلاف في صرف الطواف إلي غير جهة النسك ويجوز أن يقطع بوقوعه موقعه (الرابعة) لو حضر وهو مغمي عليه لم يجزه لفوات أهلية العبادة ولهذا لا يحزئه الصوم إذا كان مغمي عليه طول نهاره وفيه وجه انه يجزئه اكتفاء بالحضور والسكران كالمغمى عليه ولو حضر وهو مجنون لم يجزه قاله في
التتمة لكن يقع نفلا كحج الصبى الذي لا تمييز له ومنهم من طرد في الجنون الوجه المنقول في الاغماء (الخامسة) لو حضر بعرفة في طلب غريم أو دابة نادة كفاه قال الامام ولم يذكروا ههنا الخلاف الذى سبق في صرف الطواف عن النسك إلى جهة أخرى ولعل الفرق ان الطواف قربة برأسها بخلاف الوقوف قال ولا يمتنع طرد الخلاف فيه (وأما) المكان ففى أي موضع وقف من عرفة أجزأه روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " كل عرفة موقف " وبين الشافعي رضي الله عنه حد عرفة فقال هي ما جاوز وادى عرنة الي الجبال القابلة مما يلى بساتين بني عامر وليس وادى عرنة من عرفة وهو على منقطع عرفة مما يلى مني وصوب مكة روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " عرفة كلها موقف " وارتفعوا عن وادى عرنة ومسجد ابراهيم عليه(7/362)
السلام صدره من عرنة وآخره من عرفات ويميز بينهما بصخرات كبار فرشت هناك فمن وقف في صدره فليس واقفا بعرفة * قال في التهذيب وثم يقف الامام للخطبة والصلاة وجبل الرحمة في وسط عرصة عرفات وموقف رسول الله صلي الله عليه وسلم عنده معروف (وأما) الزمان ففيه مسألتان (إحداهما) وقت الوقوف يدخل بزوال الشمس يوم عرفة ويمتد الي طلوع الفجر يوم النحر وقال أحمد يدخل وقته بطلوع الفجر يوم عرفة لما روى ن عروة بن مضرس الطائى رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من صلى معنا هذه الصلاة يعني الصبح يوم النحر وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " لنا اتفاق المسلمين من عصر رسول الله عليه وسلم على الوقوف بعد الزوال ولو جاز قبله لما اتفقوا على تركه وبهذا يستدل على أن المراد من الخبر ما بعد الزوال * إذا تقرر ذلك فلو اقتصر على الوقوف ليلا كان مدركا للحج علي المذهب المشهور * ونقل الامام رحمه الله عن بعض التصانيف فيه قولين واستبعده * وعن شيخه أن الخلاف فيه مخصوص بما إذا أنشأ الاحرام ليلة النحر فإذا لخص ذلك خرج منه ثلاثة أوجه كما ذكر في الوسيط (أصحها) أن المقتصر على الوقوف ليلا مدرك سواء أنشأ الاحرام قبل ليلة العيد أو فيها وكلاهما جائز (والثانى) انه ليس بمدرك على التقديرين (والثالث) أنه مدرك بشرط تقديم الاحرام عليها ولو اقتصر على الوقوف نهارا وأفاض قبل الغروب كان مدركا وان لم يجمع بين الليل والنهار(7/363)
في الوقوف وقال مالك لا يكون مدركا * لنا خبر عروة الطائي وأيضا فانه لو اقتصر على الوقوف ليلا كان مدركا فكذلك ههنا وهل يؤمر باراقة دم نظر ان عاد قبل الغروب وكان حاضرا بها حين غربت الشمس فلا وان لم يعد حتى طلع الفجر فنعم وهل هو واجب أو مستحب أشار في المختصر والام إلى وجوبه ونص في الاملاء على الاستحباب * وللاصحاب ثلاثة طرق رواها القاضي ابن كج (أصحها) أن المسألة على قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله وجوب الدم لانه ترك نسكا وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ترك نسكا فعليه دم " (والثانى) أنه مستحب لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر عروة " فقد تم حجه " ولانه أدرك من الوقوف ما أجزأه فلم يجب الدم كما لو وقف ليلا وهذا أصح القولين قاله المحاملى والرويانى رحمهما الله وغيرهما وفى التهذيب انه القول القديم فان ثبتت المقدمتان فالمسألة مما يفتى فيها علي القول القديم لكن أبو القاسم الكرخي رحمه الله ذكر ان الوجوب هو القديم والله أعلم (والطريق الثاني) عن أبي اسحق انه إن افاض مع الامام فهو معذور لانه تابع وان انفرد بالافاضة ففيه قولان (والثالث) نفى الوجوب والجزم بالاستحباب مطلقا وإذا قلنا بالوجوب فلو عاد ليلا فوجهان (اظهرهما) انه لا شئ عليه كما لو عاد قبل الغروب وصبر حتى غربت الشمس (والثانى) يجب ويحكى هذا عن أبى حنيفة وأحمد رحمهما الله لان النسك هو الجمع بين آخر النهار وأول الليل بعرفة (المسألة الثانية) إذا غلط الحجيج فوقفوا غير يوم عرفة فاما أن يغلطوا بالتأخير أو بالتقديم (الحالة الاولي) أن يغلطوا بالتأخير بان وقفوا اليوم التاسع بعد كمال ذى القعدة ثلاثين ثم بان لهم أن الهلال كان قد أهل ليلة الثلاثين وان وقوفهم(7/364)
وقع في اليوم العاشر فيصح الحج ولا يلزمهم القضاء لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " حجكم يوم تحجون " وروى أيضا أنه قال " يوم عرفة اليوم الذى تعرف فيه الناس " ولانهم لو تكلفوا القضاء لم يأمنوا مثله في القضاء ولان في الزام القضاء مشقة عظيمة لما فيه من احباط قطع المسافات الطويلة وانفاق الاموال الكثيرة وهذا إذا كان في الحجيج كثرة على المعتاد فان قلوا على خلاف العادة
أو لحقت شرذمة يوم النحر فظنت أنه يوم عرفة وان الناس قد أفاضوا فوجهان (أحدهما) أنه لا قضاء عليهم أيضا لانهم لا يأمنون مثله في القضاء (وأصحهما) يجب إذ ليس فيه مشقة عامة وإذا لم يجب القضاء فلا فرق بين أن يتبين الحال بعد يوم الوقوف أو في ذلك اليوم وهم وقوف بعد الزوال وإن تبين قبل الزوال فوقفوا بعده فقد قال في التهذيب (المذهب) أنه لا يجزئهم لانهم وقفوا على يقين الفوات وهذا غير مسلم لان عامة الاصحاب ذكروا أنه لو قامت البينة على رؤية الهلال ليلة العاشر وهم بمكة لا يتمكنون من حضور الموقف بالليل يقفون من الغد ويحتسب لهم كما لو قامت البينة(7/365)
بعد الغروب اليوم الثلاثين من رمضان علي رؤية الهلال ليلة الثلاثين نص علي انهم يصلون من الغد للعيد فإذا لم تحكم بالفوات لقيام الشهادة ليلة العاشر لزم مثله في اليوم العاشر ولو شهد واحد أو عدد برؤية هلال ذى الحجة وردت شهادتهم لزمهم الوقوف اليوم التاسع عندهم وان كان الناس يقفون في اليوم بعده كمن شهد برؤية هلال رمضان فردت شهادته يلزمه الصوم * ولو وقفو اليوم الحادى عشر لم يصح حجهم بحال (الحالة الثانية) أن يغلطوا بالتقديم ويقفوا اليوم الثامن فينظر إن تبين لهم الحال قبل فوات وقت الوقوف لزمهم الوقوف في وقته وان تبين بعده فوجهان (أحدهما) أنه لا قضاء كما في الغلط في التأخير (وأصحهما) عند الاكثرين وجوب القضاء وفرقوا من وجهين (أحدهما) أن تأخير العبادة عن الوقت أقرب الي الاحتساب من تقديمها على الوقت (والثاني) أن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه فانه إنما يقع الغلط في الحساب أو الخلل في الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال والغلط بالتأخير قد يكون للتغيم المانع من رؤية الهلال ومثل ذلك لا يمكن الاحتراز عنه ولو غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفة لم يصح حجهم بحال * ونتكلم بعد هذا في لفظ الكتاب خاصة (قوله) والواجب من ذلك ما ينطلق عليه اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة فيه تعرض للفعلين الاولين كبقية الوقوف ومكانه (وقوله) ولو في النوم معلم بالواو وكذا قوله وان سارت به دابته (وقوله) ولا يكفى حضور المغمي عليه لما مر (وقوله) من الزوال معلم بالالف لما حكيناه عن احمد وبالواو لان القاضي ابن كج روى عن أبى الحسين وجها أنه لو وقف في أول الزوال وانصرف لم يجزه بل يجب أن يكون الوقوف بعد مضي زمان إمكان صلاة الظهر
من أول الزوال (وقوله) ولو أنشا إحرامه ليلة العيد جاز * المسالة مكررة قد ذكرها مرة في فصل الميقات الزماني واقتصر ههنا علي ذكر الوجه الاصح وهو الجواز (وقوله) وقيل لا يجوز الا بالنهار يعنى الوقوف وكأنه فرع جواز انشاء الاحرام ليلة العيد على امتداد وقت الوقوف الي طلوع الفجر ثم ذكر الوجه البعيد وهو أنه لا يمتد وليست الليلة وقتا له ولو حمل قوله وقيل لا يجوز على انه لا يجوز انشاء الاحرام فيها لكان تعسفا لانه قال الا بالنهار والاحرام لا تعلق له بالنهار وأيضا فان ذلك الوجه قد صار مذكورا في فصل المواقيت فالحمل على فائدة جديدة أولى (وقوله) ولا عاد بالليل تداركا فيه تقييد للقولين بما إذا لم يعد بالليل اشارة إلى أنه لو عاد لم يجب الدم جزما وهو الوجه الاصح ويجوز أن يعلم بالواو للوجه الثاني وبالحاء والالف أيضا لما سبق ويجوز اعلام قوله قولان بالواو للطريقين المانعين من اطلاق الخلاف (وقوله)(7/366)
حاصلهما أن الجمع بين الليل والنهار هل هو واجب أراد به ما ذكره الامام أن القولين في جوب الدم يلزم منهما حصول قولين في وجوب الجمع بين الليل والنهار في الوقوف لان ما يجب جبره من أعمال الحج لا بد وأن يكون واجبا لكن في كلام الاصحاب ما ينازع فيه لان منهم من وجه قول عدم وجوب الدم بأن الجمع ليس بواجب فلا يجب بتركه الدم فقدر عدم وجوب الجمع متفق عليه * قال (الفصل السابع في أسباب التحلل) (فإذا جمع الحجيج بين المغرب والعشاء بمزدلفة باتوا بها ثم ارتحلوا عند الفجر فإذا انتهوا إلى المشعر الحرام وقفوا ودعوا وهذه سنة ثم يتجاوزونه إلى وادى محسر فيسرعون بالمشي فإذا وافوا منى بعد طلوع الشمس رموا سبع حصيات إلى الجمرة الثالثة وكبروا مع كل حصاة بدلا عن التلبية ثم يحلقون وينحرون ويعودون إلى مكة لطواف الركن ثم يعود إلى منى للرمي في أيام التشريق) * الحجيج يفيضون بعد غروب الشمس يوم عرفة إلى مزدلفة فإذا انتهوا إليها جمعوا بين الصلاتين وباتوا بها وليس هذا المبيت بركن خلافا لابي عبد الرحمن ابن بنت الشافعي رضي الله عنه وأبى بكر بن خزيمة من أصحابنا رحمهم الله لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ترك المبيت بمزدلفة فلا حج له " لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " الحج عرفة فمن أدركها فقد أدرك
الحج " ثم هو نسك مجبور بالدم في الجملة وتفصيلة أنه ان دفع منها ليلا نظر ان كان بعد انتصاف(7/367)
الليل فلا شي عليه معذورا كان أو غير معذور " لان سودة وأم سلمة أفاضتا في النصف الاخير باذن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يأمرهما بدم ولا النفر الذين نفروا معهما " وعن أبى حنيفة ان غير المعذور يلزمه الدم ان لم يعد ولم يقف بعد طلوع الفجر وان دفع قبل انتصاف الليل وعاد قبل طلوع الفجر فلا شئ عليه أيضا كما لو دفع من عرفة قبل الغروب وعاد وان لم يعد أو ترك المبيت أصلا أراق دما وهل هو واجب أو مستحب فيه طرق (أظهرها) انه على قولين كما ذكرنا في الافاضة من عرفة قبل غروب الشمس * وعن احمد روايتان كالقولين وعن مالك هو واجب * وقال أبو حنيفة رحمه الله لا اعتبار(7/368)
بالمبيت وانما الاعتبار بالوقوف بمزدلفة بعد طلوع الفجر فإذا تركه لزمه دم (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب (والثالث) القطع بالايجاب وحمل نصه على الاستحباب على ما إذا وقع بعد انتصاف الليل * يحكى هذا عن القاضى أبى حامد * والاولى تقديم النساء والضعفة بعد انتصاف الليل الي مني روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال " كنت فيمن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعفة أهله إلى منى من المزدلفة " وغير الضعفة يلبثون حتى يصلوا الصبح بها ويغسلون بالصلاة والتغليس ههنا أشد استحبابا وينبغي ان ياخذوا من المزدلفة الحصى للرمي لان بها جيلا في أحجاره رخاوة وليكونوا متاهبين للرمي فان السنة ان لا يشتغلوا عنه بشئ إذا انتهوا إلى منى ولو أخذوا من موضع اخر جاز لكن يكره أخذه من المسجد لانه فرشه ومن الحش لنجاسته ومن المرمى لما قيل " ان من يقبل حجه يرفع حجره وما يبقى فهو مردود " وكم ياخذون منها قال في المفتاح سبعين حصاة ليرمي يوم النحر وايام التشريق على ما سنفصله وهذا ظاهر لفظ المختصر ومقال الاكثرون سبع حصيات ليرمي يوم النحر وحكوه عن نصه في موضع آخر وجعلوه بيانا لما أطلقه في المختصر وعلى هذا فيأخذ لرمي أيام التشريق من وادى محسر أو غيره وجمع بعضهم بينهما فقالوا يستحب الاخذ من المزدلفة لجميع الرمى لكنه لرمي ايام النحر أحب * ثم الجمهور قالوا يتزود الحصا ليلا قبل ان يصلى الصبح وفى التهذيب أخر اخذها عن الصلاة ثم(7/369)
يدفعون إلى مني فإذا انتهوا إلى المشعر الحرام وقفوا على قزح وهو جبل من المشعر الحرام ويقال هو المشعر والمشعر من المزدلفة فان المزدلفة ما بين ما زمى عرفة ووادى محسر ويذكرون الله تعالى ويدعون إلى الاسفار قال الله تعالي " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " والاحب أن يكونوا مستقبلي القبلة ولو وقفوا في موضع آخر من المزدلفة تأدى أصل السنة لكنه عند المشعر أفضل ولا يجبر فوات هذه السنة بالدم كسائر الهيآت فإذا أسفروا ساروا وعليهم السكينة ومن وجد فرجة أسرع كما في الدفع من عرفة فإذا انتهوا إلى وادى محسر فالمستحب للراكبين ان يحركوا دوابهم وللماشين ان يسرعوا قدر رمية بحجر " يروى ذلك عن جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم * وقد قيل ان النصارى كانت تقف ثم فأمرنا بمخالفتهم ثم يسيرون علي السكينة فيوافون منى بعد طلوع الشمس فيرمون سبع حصيات إلى جمرة العقبة وهي في حضيض الجبل مترقبة عن الجادة على يمين السائر إلى مكة ولا ينزل الراكبون حتى يرموا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة ان يكبروا مع كل حصاة ويقطعوا التلبية إذا ابتدؤا بالرمي * روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " قطع التلبية عند أول حصاة رماها " والمعني فيه ان التلبية شعار الاحرام والرمى أخذ في التحلل وعن(7/370)
القفال انهم إذا رحلوا من مزدلفة مزجوا التلبية بالتكبير في ممرهم فإذا انتهوا إلى الجمرة وافتتحوا الرمى محضو التكبير * قال الامام ولم ار هذا لغيره ثم إذا رموا جمرة العقيبة نحروا ان كان معهم هدى فذلك سنة ثم بعد ذبح الهدى يحلقون أو يقصرون وإذا فرغوا منه عادوا الي مكة وطافوا طواف الركن ويسعون بعده ان لم يطوفوا للقدوم أو لم يسعوا بعده ثم يعودون إلى منى للمبيت بها والرمي أيام التشريق وليعودوا إليها قبل ان يصلوا الظهر وهذه ترجمة جميلة لهذه الوظائف ومسائلها على التفصيل بين يديك * (وقوله) في الكتاب وهذه سنة معلم بالميم ان ثبت ما رواه بعض أصحابنا عن مالك ان الوقوف بالمشعر الحرام واجب * (وقوله) فيسرعون بالمشي يجوز ان يعلم بالواو لاني رأيت في بعض الشروح ان الراكب يحرك دابته أما الماشي فلا يعدو ولا يرمل * (وقوله) إلى(7/371)
الجمرة الثالثة المراد منها جمرة العقبة وانما تسمي الثالثة لان السائرين من منى إلى مكة يتعدون جمرتين قبلها ثم ينتهون إليها فهي الثالثة بالاضافة إلى منى وقد ذكرنا انها منحرفة عن متن الطريق والجمرتان قبلها عل متنه (وقوله) ثم يحلقون وينحرون قدم ذكر الحلق لكن المستحب ان يكون النحر مقدما على الحلق كما سيأتي ان شاء الله تعالى * قال (وللحج تحللان يحصل أحدهما بطواف الزيارة والآخر بالرمي وأيهما قدم أو أخر فلا بأس ويحل بين التحللين اللبس والقلم ولا يحل الجماع وفى التطيب والنكاح واللمس(7/372)
وقتل الصيد قولان وان جعلنا الحلق نسكا صارت الاسباب ثلاثة فلا يحصل أحد التحللين الا باثنين أي اثنين كانا ويدخل وقت التحلل بانتصاف (ح م) ليلة النحر ووقت فضيلته طلوع الفجر يوم النحر وفى كون الحلق نسكا قولان ولا خلاف انه مستحب ويلزمه بالنذر فان جعل نسكا جازت (م ح) البداءة في أسباب التحلل وفسدت العمرة بالجماع قبل الحلق لان التحلل لم يتم دونه وإذا تركه لم ينجبر بالدم لان تداركه ممكن وان لم يكن على رأسه شعر فيستحب (ح) امرار الموسى على الرأس ولا يتم هذا النسك باقل من حلق ثلاث (م ح) شعرات من الرأس ويقوم التقصير والنتف والاحراق مقام الحلق الا إذا نذر الحلق ولا حلق علي المرأة ويستحب لها التقصير) *(7/373)
لو ذهبت أراعى في الفصل ترتيب الكتاب لم نظفر بالكشف الذي ننعته فاحتمل التقديم والتأخير واعرف ثلاثة أصول (أحدها) أن قول الشافعي رضي الله عنه اختلف في ان الحلق في وقته هل هو نسك أم لا فأحد القولين أنه ليس بنسك وانما هو استباحة محظور لان كل ما لو فعله قبل وقته لزمته الفدية فإذا فعله في وقته كان استباحة كالطيب واللبس وهذا لانه يريد أن يتحلل فيتناول بعض ما حظر عليه كما يتطيب (وأصحهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله انه نسك مثاب عليه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " إذا رميتم وحلقتم حل لكم كل شئ إلا النساء "(7/374)
علق الحل بالحلق كما علقه بالرمي وأيضا فان الحلق أفضل من التقصير لما سيأتي والتفصيل انما يقع في العبادات دون المباحات والقولان جاريان في العمرة ووقته في العمرة يدخل بالفراغ من السعي فعلى القول الاصح هو من أعمال النسكين وليس هو بمثابة الرمى والمبيت بل هو معدود من الاركان ولهذا لا يجبر بالدم ولا تقام الفدية مقامه حتى لو كانت برأسه علة لا يتأتي معها التعرض للشعر(7/375)
فانه يصبر الي الامكان ولا يفتدي ويخالف ما إذا لم يكن علي راسه شعر لا يؤمر بالحلق بعد النبات لان النسك حلق شعر يشتمل الاحرام عليه فإذا لم يكن شعر لم يؤمر بهذا النسك * ولو جامع المعتمر بعد السعي وقبل الحلق فسدت عمرته لوقوع جماعه قبل التحلل والنساء لا يؤمرن بالحلق لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ليس على النساء حلق وانما يقصرن " * والمستحب لهن في التقصير أن يأخذن من طرف شعورهن بقدر أنملة من جميع الجوانب وللرجال أيضا إقامة التقصير مقام الحلق لما روى عن جابر رضي الله(7/376)
عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحلقوا أو يقصرو " والافضل لهم الحلق لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله المحلقين قيل والمقصرين يا رسول الله قال رحم الله المحلقين قيل والمقصرين قال رحم الله المحلقين قيل والمقصرين قال والمقصرين " وكل واحد من الحلق والتقصير يختص بشعر الرأس ولا يحصل النسك بحلق شعر آخر أو تقصيره وان استوى الكل في وجوب الفدية إذا أخذ قبل الوقت لان الامر ورد في شعر الرأس وإذا حلق فالمستحب أن يبدأ بالشق الايمن ثم بالايسر وأن(7/377)
يكون مستقبل القبلة وأن يكبر بعد الفراغ وأن يدفن شعره والافضل ان حلق أن يحلق جيمع رأسه وان قصر فان يقصر الجميع وأقل ما يجزئ حلق ثلاث شعرات أو تقصيرها وفيها تكمل الفدية في الحلق المحظور * ولنا في تكميل الفدية في الشعرة الواحدة رأى بعيد وهو عائد في حصول النسك بحلقها ولو حلق ثلاث شعرات في دفعات أو أخذ من شعره شيئا وعاد ثانيا فاخذ منها شيئا وعاد ثالثا وأخذ فان كملنا
الفدية لو كان محظورا قلنا بحصول النسك به * ولا فرق إذا قصر بين أن يكون المأخوذ مما يحاذي الرأس أو من المسترسل وفي وجه لا يغني الاخذ من المسترسل اعتبارا بالمسح * وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أقل من حلق ربع الرأس * وقال مالك لا بد من حلق الاكثر ولا يتعين للحلق والتقصير آلة بل حكم النتف والاحراق والازالة بالموسي والنورة والقص واحد * ومن لا شعر علي رأسه يستحب له امرار الموسى على الرأس تشبها بالحالقين * قال الشافعي رضى الله عنه ولو أخذ من شاربه أو شعر لحيته شيئا كان أحب إلى(7/378)
لئلا يخلو من أخذ الشعر * وعند أبي حنيفة رحمه الله يجب امرار الموسي على الرأس * لنا أن العبادة إذا تعلقت يجزء من البدن سقطت بفواته كغسل الاعضاء في الوضوء * وجميع ما ذكرنا فيما إذا لم يلتزم الحلق أما إذا التزمه فنذر الحلق في وقته تعين ولم يقم التقصير مقامه ولا النتف ولا الاحراق وفى استئصال الشعر بالمقص وامرار الموسي من غير استئصال تردد للامام والظاهر المنع لفوات اسم الحلق * ولو نذر استيعاب الرأس بالحلق ففيه تردد عن القفال ولها اخوات تذكر في النذور ولو لبد رأسه في الاحرام فهل هو كالنذر لان ذلك لا يفعله الا العازم على الحلق فيه قولان (الجديد) لا وهما كالقولين في أن التقليد والاشعار هل ينزل منزلة قوله جعلتها ضحية والله أعلم * (والاصل الثاني) ان أعمال الحج يوم النحر إلى ان يعود الي مني أربعة علي ما أسلفنا ذكرها رمى جمرة العقبة والذبح والحلق والتقصير والطواف وهذا الطواف يسمى طواف الركن لانه لابد منه في حصول الحج ويسمى طواف الافاضة للاتيان به عقيب الافاضة من مني وطواف الزيارة لانهم يأتون من منى زائرين للبيت ويعودون في الحال وربما سمي طواف الصدر أيضا (والاشهر) أن طواف الصدر هو طواف الوداع والترتيب في الاعمال(7/379)
الاربعة على النسق المذكور مسنون وليس بواجب (أما) انه مسنون فلان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعلها " (وأما) انه ليس بواجب فلما روى عن عبد الله بن عمرر رضى الله عنهما قال " وقف رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال يا رسول الله انى حلقت قبل أن ارمى قال ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال إني أفضت إلى البيت قبل ان أرمى فقال
ارم ولا حرج وأتاه آخر وقال انى ذبحت قبل أن ارمي فقال ارم ولا حرج فما سئل عن شئ قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج فلو ترك المبيت بمزدلفة وأفاض إلى مكة وطاف قبل ان يرمى ويحلق أو ذبح قبل أن يرمي ويحلق أو ذبح قبل ان يرمي فلا بأس ولا فدية ولو حلق قبل ان يرمى وقبل ان(7/380)
يطوف فان جعلنا الحلق نسكا فلا بأس وان جعلناه استباحة محظور فعليه الفدية لوقوع الحلق قبل التحلل * وروى القاضي ابن كج ان ابا اسحاق وابن القطان رحمهم الله الزماه الفدية وان جعلنا الحلق نسكا والحديث حجة عليهما ومؤيد للقول الاصح وهو ان الحلق نسك * وعن مالك وابي حنيفة واحمد رحمهم الله ان الترتيب بينهما واجب ولو تركه فعليه دم على تفصيل يذكرونه (واعلم) أن ما قدمناه من قطع الحاج التلبية إذا اخذ في الرمى مصور فيما إذا جرى على الترتيب المسنون فان بدأ بالطواف أو بالحلق ان جوزناه فيقطع التلبية حينئذ نطرا إلى انه اخذ في اسباب التحللى وكذلك نقول المعتمر يقطع التلبية إذا افتتح الطواف (والاصل الثالث) ان المستحب ان يرمى بعد طلوع الشمس ثم يأتي بباقى الاعمال فيقع الطواف في ضحوة النهار ويدخل وقتها جميعا بانتصاف ليلة النحر وبه قال احمد * وعن ابي حنيفة ومالك ان شيئا منها لا يجوز قبل طلوع الفجر * لنا ما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " امرام سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت ثم فاضت وكان ذلك يومها من رسول الله صلي الله عليه وسلم " ومتى يخرج وقتها؟ (اما) الرمي فيمتد وقته الي غروب الشمس يوم النحر وهل يمتد تلك الليلة فيه وجهان (اصحهما) لا (واما) الذبح فالهدى لا يختص بزمان ولكن يختص بالحرم بخلاف الضحايا تختص بالعيد وأيام التشريق ولا تختص بالحرم (واما) الحلق والطواف فلا يتأقت آخرهما لكن لا ينبغي ان يخرج من مكة حتى يطوف فان طاف للوداع وخرج وقع عن الزيارة(7/381)
وان خرج ولم يطف اصلا لم تحل له النساء وان طال الزمان * وقضية قولهم لا ينأفت الطواف من الطرف الآخر ان لا يصير قضاء لكن في التتمة انه إذا تأخر عن أيام التشريق صار قضاء * وعن ابي حنيفة رحمه الله آخر وقت الطواف آخر اليوم الثاني من ايام التشريق * إذا عرفت هذه الاصول فنقول للحج تحللان وللعمرة
تحلل واحد قال الائمة رضى الله عنهم وذلك لان الحج يطول زمانه وتكثر اعماله بخلاف العمرة فابيح بعض محظوراته دفعة واحده وبعضها اخرى وهذا كالحيض والجنابة لما طال زمان الحيض جعل لارتفاع محظوراته محلان انقطاع الدم والاغتسال والجنابة لما قصر زمانها جعل لارتفاع محظوراتها محل واحد * ثم الكلام في فصلين (احدهما) فيما يحصل به التحلل (أما) الحج فأسباب تحلله غير خارجة عن الاعمال الاربعة والذبح غير معدود منها لانه لا يتوقف التحلل عليه * بقى الرمي والحلق والطواف فان لم تجعل الحلق نسكا فللتحلل(7/382)
سببان الرمى والطواف فإذا أتى باحدهما يحصل التحلل الاول وإذا أتى بالثاني حصل التأني ولابد من السعي بين الطواف ان لم يسع من قبل لكنهم لم يفردوه وعدوه مع الطواف سببا واحدا وان جعلنا الحلق نسكا فالثلاثة أسباب التحلل فإذا أتى باثنين منها إما الرمى والحلق أو الرمي والطواف أو الحلق والطواف حصل التحلل الاول وإذا أتى بالثالث حصل الثاني قال الامام وشيخه وكأنا نبغي التنصيف لكن ليس للثلاثة نصف صحيح فنزلنا الامر على اثنين كما صنعنا في تمليك العبد طلقتين ونظائره * هذا ما أورده عامة الاصحاب واتفقوا عليه ووراءه وجوه مهجورة (أحدها) عن أبي سعيد الاصطخرى ان دخول وقت الرمي بمثابة نفس الرمي في افادة التحلل (والثاني) عن أبي قاسم الداركي انا إن جعلنا الحلق نسكا حصل التحللان معا بالحلق والطواف وبالرمي والطواف ولا يحصل بالحلق والرمي الا أحدهما والفرق ان الطواف ركن فما انضم إليه يقوى به بخلاف الرمي والحلق وهذا نزاع فيما سبق ان الحلق ركن على هذا القول (والثالث) عن أبى اسحق عن بعض الاصحاب انا وان جعلنا الحلق نسكا فان أحد التحللين يحصل بالرمي وحده وبالطواف وحده * ومن فاته الرمي ولزمه بدله فهل يتوقف التحلل على الاتيان ببدله فيه أوجه (أشبهها) نعم تنزيلا للبدل منزلة المبدل (والثالث) ان افتدي بالدم توقف وان افتدى بالصوم فلا لطول زمانه * (واما) العمرة فتحللها بالطواف والسعى لا غير ان لم نجعل الحلق نسكا وبهما مع الحلق ان جعلناه نسكا ولست أدرى لم عدوا السعي من أسباب التحلل في العمرة دون الحج ولم لم يعدوا أفعل الحج كلها أسباب التحلل كما فعلوا في العمرة ولو اصطلحوا عليه لقالوا التحلل الاول يحصل بها سوى الواحد
الاخير والثانى بذلك الاخير * ويمكن تفسير أسباب التحلل في العمرة باركانها الفعلية وأيضا بالافعال التي يتوقف عليها تحللها ولا يمكن التفسير في الحج(7/383)
بواحد منهما (أما) الاول فلاخراجهم الوقوف عنها.
(وأما) الثاني فلادخالهم الرمى فيها مع أن التحلل لا يتوقف عليه ولا علي بدله علي رأى وعلى كل حال فاطلاق اسم السبب على كل واحد من أسباب التحلل ليس على معنى استقلاله بل هو كقولنا اليمين والحنث سببا الكفارة والنصاب والحول سببا الزكاة * (والفصل الثاني) فيما يحل بالتحلل الاول ولا خلاف في أن الوطئ لا يحل ما لم يوجد التحللان لكن المستحب لا يطأ حتي يرمي في أيام التشريق ويحل اللبس والقلم وستر الرأس والحلق إذا لم(7/384)
نجعله نسكا بالتحلل الاول روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب واللباس وكل شئ الا النساء " وفى عقد النكاح والمباشرة فيما دون الفرج كالقبلة والملامة وقتل الصيد قولان (أحدها) أنها تحل (أما) في غير الصيد فلانهما محظوران للاحرام لا يفسدانه فأشبها الحلق والقلم (وأما) في الصيد فلانه لم يستنن في الخبر المذكور الا النساء.
(والثاني) لا يحل (اما) في غير الصيد فلتعلقها بالنساء وقد روينا أنه صلى الله عليه وسلم قال " الا النساء " * (وأما) في الصيد فلقوله تعالى.
(لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) .
والاحرام باق ثم اتفقوا في مسألة الصيد على أن قول الحل أصح واختلفوا في النكاح والمباشرة فذكر صاحب التهذيب وطائفة أن الاصح فيها الحل وقال آخرون بل الاصح المنع ومنهم المسعودي وصاحب التهذيب وهؤلاء اكثر عددا وقولهم أوفق لظاهر النص في المختصر * وفى التطيب طريقان (أشهرهما) أنه على القولين وهذا ما اورده في الكتاب (والثانى) القطع بالحل وسواء أثبتنا الخلاف أو لم ثبته فالمذهب أنه يحل بل يستحب أنه يتطيب لحله بين التحللين قالت عائشة رضى الله عنها " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " هذا شرح مسائل الفصل على الاختصار * (وأما) لفظ الكتاب فقوله يحصل أحدهما بطواف الزيارة والآخر بالرمي جواب علي قولنا ان(7/385)
الحلق ليس بنسك * ثم فرع من بعد علي القول الآخر حيث قال وان جعلنا الحلق نسكا صارت الاسباب ثلاثة غير انه أدخل بينهما القول فيما يحل بين التحللين ولو لم يخلل بينهما شيأ لكان أحسن * ثم لا يخفى ان المراد من قوله بالرمي رمى جمرة العقبة يوم العيد ويجوز اعلامه بالواو للوجه المنسوب الي الاصطخرى (وقوله) فلا بأس مرقوم بالميم والحاء والالف (وقوله) الا باثنين للوجه المروى عن أبى اسحق (وقوله) ويدخل وقت التحلل بانتصاف ليلة النحر شبيه ما مر أن أسباب التحلل انما يدخل وقتها عند انتصاف ليلة النحر لكن اللفظ يفتقر الي تأويل لان وقت التحلل لا يدخل بمجرد انتصافها بل لا يد مع ذلك من زمان يسع الاتيان باسباب التحلل ليترتب عليها * ثم قوله بانتصاف ليلة النحر معلم بالحاء والميم لما تقدم (وقوله) ولا خلاف في انه مستحب ويلزم بالنذر ليس صافيا عن الاشكال لان التوجيه الذى مر يقتضي كونه من المباحات على قولنا انه ليس بنسك وقد ذكر غيره انه انما يلزم بالنذر على قولنا انه نسك (وقوله) فيستحب أمرار الموسى معلم بالحاء (وقوله) ولا يتم هذا النسك الي آخره بالواو ولا نعلمه بالحاء والميم لانهما لا يخالفان في عدم الاكتفاء باقل من ثلاث بل لا يكتفيان بالثلاث أيضا والله أعلم *(7/386)
قال (الفصل الثامن في المبيت) (والمبيت بمزدلفة ليلة العيد وبمنى ثلاث ليال بعده نسك وفى وجوبه قولان (فان قلنا) انه واجب فيجبر بالدم (ح) وفى قدر الدم قولان (أحدهما) دم واحد للجميع (والثانى) دم المزدلفة ودم لليالي منى) * مبيت أربع ليال نسك في الحج ليلة النحر بمزدلفة وليالي أيام التشريق بمنى لكن مبيت الليلة الثالثة منها ليس نسكا على الاطلاق بل في حق من لم ينفر اليوم الثاني من أيام التشريق على ما سيأتي في الفصل التاسع ولفظ الكتاب محمول عليه وان كان مطلقا * وفى الحد المعتبر للمبيت قولان حكاهما الامام عن نقل شيخه وصاحب التقريب (أظهرهما) ان المعتبر كونه بموضع المبيت في معظم(7/387)
الليل (والثانى) ان الاعتبار بحال طلوع الفجر قال الامام وطردهما على هذا النسق في مزدلفة محال لانا جوزنا الخروج منها بعد انتصاف الليل ولا ينتهون إليها الا بعد غيبوبة الشفق غالبا ومن انتهي إليها والحالة هذه وخرج بعد انتصاف الليل لم يكن بها حال طلوع الفجر ولا في معظم الليل فلا يتجه فيها إذا الاعتبار حالة الانتصاف ولك ان تقول هذه الاستحالة واضحة ان قيل بوجوب المبيت لكنه مستحب على قول وليس بواجب فعلى ذلك القول لا يستحيل الندب الي الكون بها في معظم الليل أو حالة الطلوع وتجويز خلافه * ثم هذا النسك مجبور بالدم وهل هو واجب أو مستحب (أما) في ليلة مزدلفة فقد مر (وأما) غيرها ففيه قولان (أحدهما) واجب لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " من ترك نسكا فعليه دم " (والثانى) مستحب لانه غير لازم علي المعذور كما سيأتي ولو وجب الدم لما سقط بالعذر كالحلق واللبس * وروى القاضي ابن كج طريقة أخرى قاطعة بالاستحباب والمشهور طريقة القولين * ثم منهم من بناهما علي قولين في ان المبيت هل هو واجب أم لا (في قول) نوجبه لان النبي صلى الله عليه وسلم " قد أتي به وقد قال خذوا عني مناسككم " وفي قول لا كالمبيت ليلة(7/388)
عرفة وأشار الامام الي ان القولين في وجوب المبيت متولدان من القولين في وجوب الدم * وما الاظهر منهما اتفقوا على تشبيههما بالقولين في ان الدم على المفيض من عرفة قبل الغروب واجب أو مستحب وقد أريناك ترجيح قول الاستحباب ثم فيشبه ان يكون ههنا مثله * وقد صرح بذلك القاضي ابن كج وغيره وكلام كثيرين يميل إلى ترجيح الايجاب والله أعلم * (وقوله) في الكتاب وفى وجوبه قولان فان قلنا انه واجب فيجبر بالدم أراد فيجبر بالدم وجوبا والا فاصل الجبر لا يتفرع على قولنا بوجوب المبيت خاصة * ثم هو بناء للخلاف في وجوب الدم علي الخلاف في وجوب المبيت على ما نقلناه عن جماعة من الاصحاب بقى الكلام في ان الدم متي يكمل وهل يزيد على الواحد أم لا ان ترك مبيت ليلة النحر وحدها أراق دما وان ترك مبيت الليالي الثلاث فكذلك على المشهور لان مبيتهما جنس واحد متوزع عليهما توزع الرمى على الجمرات الثلاث * وعن صاحب التقريب رواية(7/389)
قول ان في كل ليلة دما كما ان في رمى كل يوم دما وان ترك ليلة منها فبم يجبر فيه ثلاثة أقوال (أظهرها) بمد (والثانى) بدرهم (والثالث) بثلث دم وهي كالاقوال في حلق شعرة واحدة وسنذكرها بتوجيهها * وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس وان ترك مبيت الليالى الاربع فقولان أحدهما ان الجبر بدم واحد لان المبيت جنس واحد (وأظهرهما) بدمين أحدهما لليلة مزدلفة والآخر ليالي منى لاختلافهما في الموضع وتفاوتهما في الاحكام * قال الامام وهذا في حق من يقيد الليلة الثالثة بان كان بمني وقت الغروب فان لم يكن بها حينئذ ولم يبت وأفردنا ليلة مزدلفة بدم فوجهان لانه لم يترك مبيت النسك الا ليلتين (أحدهما) عليه مدان أو درهمان أو ثلثا دم (والثاني) عليه دم كامل لتركه جنس المبيت بمنى قال وهذا أفقه ولا بد من عوده فيما إذا ترك ليلتين من الثلاث دون ليلة مزدلفة إذا لم تقيد الثالثة *(7/390)
وعند ابى حنيفة رحمه الله لا يجب الدم بترك المبيت بمنى وهو رواية عن أحمد رحمه الله (واعلم) أن جميع ما ذكرناه في حلق غير المعذور (أما) إذا ترك المبيت لعذر فهو مذكور في آخر الفصل * قال (والرمي ومجاوزة الميقات مجبوران بالدم قولا واحدا والطواف والسعي والوقوف والحلق لا تجبر بالدم قولا واحدا فانها أركان والمبيت وطواف الوداع والجمع بين الليل والنهار بعرفة فيها قولان) * لما ذكر الخلاف في أن المبيت إذا ترك هل يجب جبره بالدم وقدم نظيره في الجمع بين الليل والنهار بعرفة أراد أن يجمع قولا فيما يجبر من المناسك بالدم وما لا يجبر وفاقا وما هو على الخلاف ويتضح ذلك بتقسيم أعمال الحج وهى ثلاثة أقسام - أركان - وابعاض - وهيآت - وسبيل الحصر ان كل عمل يعرض فاما ان يتوقف التحلل عليه فهو ركن أو لا يتوقف فاما ان يجبر بالدم فهو بعض أو لا يجبر(7/391)
فهو هيئة * والاركان خمسة - الاحرام - ولوقوف - والطواف والسعي - والحلق - أو التقصير - تفريعا على قولنا انه نسك فان لم نقل به عادت إلى اربعة وما سوى الوقوف اركان في العمرة ايضا ولا مدخل للجبران فيها بحال (واعلم) ان الترتيب معتبر في اركان الحج لان ما عدا الاحرام لا بد وان يكون مؤخرا عنه وان الحلق والطواف لا بد وان يكونا مؤخرين عن الوقوف والسعي لابد وان يكون مؤخرا عن
طواف وإذا كان كذلك جاز ان نعده من الاركان كما عدوا الترتيب من اركان الوضوء والصلاة * ولا يقدح في ذلك عدم الترتيب بين الحلق والطواف كما لا يقدح عدم اعتبار الترتيب بين القيام والقراءة في الصلاة (واما) الابعاض فمجاوزة الميقات والرمي مجبوران بالدم وفاقا (اما) الاول فقد مر (وأما) الثاني فسيأتي واختلف القول في خبر الجمع بين الليل والنهار بعرفة وفي المبيت وقد ذكرناهما في طواف الوداع وسنذكره فما جبر فهو من الابعاض ومالا فمن الهيآت وفى طواف القدوم أيضا وجه بعيد سنذكره ان شاء الله تعالى * قال (ولا دم علي من ترك المبيت بعذر كرعاة الابل واهل سقاية العباس ومن لم يدرك عرفة الا ليلة النحر وفى الحاق غير هذه الاعذار بها وجهان) *(7/392)
التاركون للمبيت بمني أو مزدلفة بالعذر لا دم عليهم وهم أصناف فمنهم رعاة الابل ومنهم أهل سقاية العباس فلهؤلاء إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويدعوا المبيت بمنى ليالى التشريق لما روى عن ابن عمر ان العباس رضى الله عنه " استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالى مني من أجل السقاية فاذن له " وعن عاصم بن عدى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر الاول " وللصنفين جميعا أن يدعوا رمي يوم ويقضوه في اليوم الذى يليه قبل رمي ذلك اليوم وليس لهم أن يدعوا رمى يومين على التوالى فان تركوا رمى اليوم الثاني بان نفروا اليوم الاول بعد الرمي عادوا في اليوم الثالث وان تركوا رمي اليوم الاول بأن نفروا يوم النحر بعد الرمي عادوا في اليوم الثاني ثم لهم ان ينفروا مع(7/393)
الناس وعن أبي الحسين وجه آخر انه ليس لهم ذلك * وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى فعليهم ان يبيتوا تلك الليلة ويرموا من الغد ولاهل السقاية ان ينفروا بعد غروب الشمس والفرق ان الابل لا ترعي بالليل والماء يجمع وتتعهد السقاية بالليل * واغرب أبو عبد الله الحناطي فحكي وجها ان اهل السقاية أيضا لا ينفرون بعد الغروب ثم رخصة أهل السقاية لا تختص بالعباسية لان المعني يعمهم
وغيرهم * وعن مالك وأبي حنيفة أنها تختص بأولاد العباس رضى الله عنهم وهو وجه لاصحابنا ومنهم من ينقل الاختصاص ببني هاشم * ولو استحدثت سقاية للحاج فللمقيم بشأنها ترك المبيت أيضا قاله في التهذيب وذكر القاضي ابن كج وغيره أنه ليس له ذلك ومن المعذورين للذين ينتهون إلى عرفة ليلة النحر ويشغلهم الوقوف عن المبيت بمزدلفة فلا شئ عليهم وإنما يؤمر بالمبيت المتفرغون له * ولو أفاض الحاج من عرفة الي مكة وطاف للافاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت لذلك فعن القفال أنه لا يلزمه شئ تنزيلا لاشتغاله بالطواف منزلة اشتغاله بالوقوف * قال إمام الحرمين وفيه احتمال لان من ينتهي إلى عرفة ليلا مضطر إلى ترك المبيت بخلاف المفيض إلى مكة * ومن المهذورين من له مال يخاف ضياعه لو اشتغل بالمبيت أو مريض يحتاج إلى تعهده أو كان يطلب عبدا أبقا أو يشتغل بأمر آخر يخاف فوته ففى هؤلاء وجهان (أصحهما) ويحكى عن نصه أنه لا شئ عليهم بترك المبيت كالرعاة وأهل السقاية وعلى هذا فلهم أن ينفروا بعد الغروب (والثانى) أنهم لا يلحقون بالرعاة وأهل السقاية لان شغلهم ينفع الحجيج عامة وأعذار هؤلاء تخصهم والله أعلم *(7/394)
قال (الفصل التاسع في الرمي) وهو من الابعاض المجبورة بالدم وهو رمى سبعين حصاة سبعة يوم النحر إلى جمرة العقبة وإحدى وعشرين حصاة في كل يوم من أيام التشريق الي ثلاث جمرات ومن نفر في النفر الاول سقط عنه رمي اليوم الاخير ومبيت تلك الليلة فان غربت الشمس عليه بمني لزمه المبيت والرمى ووقت الرمى في أيام التشريق بين الزوال والغروب وهل يتمادى إلى الفجر وجهان) * إذا فرغ الحجيج من طواف الافاضة عادوا إلى مني وصلوا بها الظهر ويخطب الامام بهم بعد الظهر ويعلمهم فيها سنة الرمى والنحر والافاضة ليتدارك من أخل بشئ منها ويعلمهم رمي أيام التشريق وحكم المبيت والرخصة للمعذورين * ونقل الحناطى وجها ان موضع هذه الخطبة مكة ويستحب أن يخطب بهم اليوم الثاني من أيام التشريق ويعلمهم جواز النفر فيه ويودعهم ويأمرهم
بختم الحج بطاعة الله تعالى * وعند أبى حنيفة لا تسن هذه الخطبة ولا خطبة يوم النحر ولكن يخطب بهم في اليوم الاول من أيام التشريق ثم في الفصل مسائل (إحداها) أن الرمي معدود من الابعاض مجبور بالدم وفاقا (والثانية) جملة ما يرمى في الحج سبعون حصاة ترمى إلى جمرة العقبة يوم النحر سبع حصيات واحدى وعشرون في كل يوم من أيام التشريق إلى الجمرات الثلاث إلى كل واحدة سبع تواتر النقل به قولا وفعلا (والثالثة) الحجيج يبيتون بمني الليلتين الاولتين من ليالي التشريق فإذا رموا اليوم الثاني فمن أراد منهم أن ينفر قبل غروب الشمس فله ذلك ويسقط عنه مبيت الليلة الثالثة والرمى من الغد ولا دم عليه والاصل فيه قوله تعالى (فمن تعجل في يومين(7/395)
فلا إثم عليه) .
ومن لم ينفر حتي غربت الشمس فعليه أن يبيت الليلة الثالثة ويرمي يومها وبه قال مالك وأحمد * وعند ابي حنيفة رحمه الله يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر * لنا ما روى عن عمر رضي الله عنه انه قال " من ادركه المساء في اليوم الثاني فليقم الي الغد حتى ينفر مع الناس " وإذا ارتحل فغربت الشمس قبل ان ينفصل عن منى كان له ان ينفر كيلا يحتاج إلى الحط بعد الترحال ولو غربت الشمس وهو في شغل الارتحال فهل له ان ينفر فيه وجهان (اصحهما) لا * ولو نفر قبل الغروب وعاد لشغل إما بعد الغروب أو قبله هل له ان ينفر فيه وجهان (اصحهما) نعم ومن نفر وكان قد تزود الحصيات للايام الثلاثة طرح ما بقي عنده أو دفعهن الي غيره.
قال الائمة ولم يؤثر شئ فيما يعتاده الناس من دفنها * (واعلم) ان اليوم الثاني من أيام التشريق يسمي يوم النفر الاول والثالث منها النفر الثاني للسبب الذى قد عرفته (واما) الاول فيسمي يوم القر لان الناس فيه قارون بمني (وقوله) في الكتاب لزمه المبيت والرمي معلم بالحاء وقد اكثرو اطلاق لفظ اللزوم ونحوه في المبيت علي ما ذكرناه في وجوبه من الخلاف * (والرابعة) وقت رمى يوم النحر قد أسلفنا ذكره ورمي ايام التشريق يدخل وقته بالزوال ويبقى إلى غروب الشمس * روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم " رمى الجمرة يوم النحر ضحي ثم لم يرم في سائر الايام حتي زالت الشمس " وبهذا قال مالك واحمد رحمهما الله * وعند ابي حنيفة رحمه(7/396)
الله يجوز الرمى في اليوم الثالث قبل الزوال وهل يمتد وقتها الي طلوع الفجر اما في اليوم الثالث فلا لانقضاء ايام المناسك واما في اليومين الاولين فوجهان كما في رمى يوم النحر (اصحهما) انه لا يمتد ووجه الثاني التشبيه بالوقوف بعرفة وفى المسألة بقايا سنوردها إن شاء الله تعالى * قال (ولا يجزى الا رمى الحجر فاما الزرنيخ والاثمد والجواهر المنطبعة فلا وفى الفيروزج والياقوت خلاف) * غرض الفصل بيان ما يرمى ولا بدان يكون حجرا وبه قال مالك واحمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم " رمى بالاحجار وقال بمثل هذا فارموا " وأيضا روى انه صلي الله عليه وسلم قال " عليكم بحصا الخذف " فيجزئ المرمر والبرام والكذان وسائر أنواع الحجر ومنها حجر النورة قبل ان يطبخ ويصير(7/397)
نورة وعن الشيخ أبى محمد تردد في حجر الحديد والظاهر إجزاؤه فانه حجر في الحال الا ان فيه حديدا كامنا يستخرج بالعلاج وفيما يتخذ من الفصوص كالفيروزج والياقوت والعقيق والزمرد والبلور والزبرجد وجهان (أصحهما) الاجزاء لانها أحجار (والثانى) المنع لان السابق إلى الفهم من لفظ الحصا غيرها ولا تجزئ اللآلى وما ليس بحجر من طبقات الارض كالزرنيخ والنورة والاثمد والمدر والجص والجواهر المنطبعة كالبنزين وغيرها * وقال أبو حنيفة رحمه الله يجزئ الرمى بما لا ينطبع من طبقات الارض كالزرنيخ والنورة ونحوهما * والسنة ان يرمى بمثل حصا الخذف وهو دون الانملة طولا وعرضا في قدر الباقلا يضعه على بطن الابهام ويرميه برأس السبابة ولو رمى بأصغر من ذلك أو أكثر كره وأجزأه ويستحب ان يكون ظاهرا * قال (ويتبع اسم الرمى فلا يكفى الوضع ولو انصدم بمحل في الطريق فلا بأس ولو وقع في المحمل فنقضه صاحبه فلا يجزئ ولو رمي حجرين معا فرمية واحدة وان تلاحقا في الوقوع * ولو اتبع الحجر الحجر فرميتان وان تساويتا * (وفى الوقوع) والعاجز يستنيب في الرمى إذا كان لا يزول عجزه وقت الرمى فلو أغمى عليه لم ينعزل نائبه لانه زيادة في العجز) في الفصل مسائل (احداها) الذى ورد في الفصل من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله إنما هو
الرمي فيتبع هذا الاسم حتي لو وضع الحجر في المرمى لم يعتد به وفى شرح القاضى ابن كج ونهاية الامام حكاية وجه انه يعتد به اكتفاء بالحصول في المرمي ولا بد مع الرمى من القصد إلى المرمى حتى لو رمى في الهواء ووقع في المرمي لم يعتد به ولا يشترط بقاء الحجر في المرمي فلا يضر تدحرجه وخروجه بعد الوقوع لكن ينبغى ان يحصل فيه فان تردد في حصوله فيه فقد نقلوا فيه قولين (الجديد) عدم الاجزاء ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة بل لو وقف في طرف منها ورمى إلى طرف(7/398)
جاز * ولو انصدمت الحصاة المرمية بالارض خارج الجمرة أو بمحل في الطريق أو عنق بعير أو ثوب إنسان ثم ارتدت ووقعت في المرمي اعتد بها لحصولها في المرمي بفعله من غير معاونة أحد.
ويفارق ما لو انصدم السهم بالارض ثم أصاب الغرض لا يحسب به في المسابقة على أحد القولين لان المقصود ههنا اصابة المرمى بفعله وليس المقصود ثم مجرد اصابة الغرض بل على وجه يعرف منه حذق الرامي رجودة رميه ولو حرك صاحب المحمل المحمل فنقضها أو صاحب الثوب الثوب أو تحرك البعبر فدفعها ووقعت في المرمى لم يعتد بها لانها ما حصلت في المرمى بفعله * وعن احمد انه يعتد بها * ولو وقعت الحصاة على المحمل أو عنق البعير ثم تدحرجت إلي المرمي ففى الاعتداد بها وجهان ولعل الاشبه المنع لجواز تأثرها بتحرك البعير أو صاحب المحمل ولو وقعت في غير المرمى ثم تدحرجت إلي المرمى وردتها الريح إليه فوجهان * قال في التهذيب (الاصح) الاجزاء لانها حصلت فيه لا بفعل الغير ولا يجزئ الرمى عن القوس والدفع بالرجل قاله في العدة * (الثانية) يشترط ان يرمي الحصيات في سبع دفعات لان النبي صلى الله عليه وسلم " كذلك رماها وقال خذوا عني مناسككم " ولو رمي حصاتين معا نظر ان وقعتا معا فالمحسوب رمية واحدة وكذا لو رمي سبعا دفعة واحدة ووقعت دفعة واحدة أو مرتبا في الوقوع فرمية لاتحاد الرمى أو رميتان لتعدد الوقوع فيه وجهان (أصحهما) أولهما وهو المذكور في الكتاب ويروى الثاني عن أبي حنيفة رحمه الله ولو اتبع الحجر الحجر ووقعت الاولي قبل الثانية فهما رميتان وان تساويتا في الوقوع ففيه الوجهان (والاصح) وهو المذكور في الكتاب انهما رميتان وأجروا الوجهين فيما لو وقعت الثانية قبل الاولى * ولو رمي حجرا قد رمي مرة نظر ان رماه غيره
أو رماه هو إلى جمرة أخرى أو إلي تلك الجمرة في يوم آخر جاز ويمكن ان يتأدى جميع الرميات(7/399)
بسبع حصيات وان رماه هو إلى تلك الجمرة في ذلك اليوم فوجهان قال في التهذيب (أظهرهما) الجواز كما لو دفع إلى مسكين مدا في كفارة ثم اشتراه ودفعه إلى آخر وعلى هذا قد يتادى جميع الرميات بحصاة واحدة * (الثالثة) العاجز عن الرمي بنفسه لمر ض أو حبس ينيب غيره ليرمي عنه لان الانابة جائزة في أصل الحج فكذلك في ابعاضه ويستحب ان يناول النائب الحصي ان قدر عليه ويكبر هو(7/400)
وكما ان الانابة في أصل الحج انما تجوز عنة العلة التي لا يرحى زوالها فكذلك الانابة في الرمي لكن النظر ههنا إلى دوامها إلى آخر وقت الرمي ولا ينفع الزوال بعده وكما ان النائب في أصل الحج لا يحج عن المنيب إلا بعد حجه عن نفسه فالنائب في الرمى لا يرمى عن المنيب الا بعد ان يرمى عن نفسه ولو فعل وقع عن نفسه ولو أغمي عليه ولم يأذن لغيره في الرمي عنه لم يجز الرمي عنه وان أذن فللمأذون(7/401)
الرمى عنه في اصح الوجهين ولا يبطل هذا الاذن بالاغماء لانه واجب كما لا تبطل الاستنابة في الحج بالموت بخلاف سائر الوكالات * وإذا رمى النائب ثم زال عذر المنيب والوقت باق هل عليه اعادة الرمي قال الاكثرون لا وقد سقط الرمي عنه يرمي النائب وفى التهذيب أنه على القولين فيما إذا أحج المريض عن نفسه ثم برأ (وقوله) في الكتاب لم ينعزل نائبه معلم بالواو (وقوله) لانه زيادة في العجز معناه أن الداعي إلى هذه الانابة عجز الحاج عن القيام بهذا النسك فإذا طرأ الاغماء على المرض ازداد العجز وتأكد الداعي فكيف نقول بانقطاع النيابة والله أعلم * قال (ولو ترك رمي يوم ففى تداركها في بقية أيام التشريق قولان (فان قلنا) يتدارك ففى كونه أداء قولان (فان قلنا) اداء تأقت بما بعد الزوال وكان التوزيع على الايام مستحبا ولا بد في التدارك من رعاية الترتيب في المكان فلوا ابتدأ بالجمرة الاخيرة لم يجيزه بل يبدأ بالجمرة الاولي ويختم بجمرة العقبة وفى وجوب تقديم القضاء علي الاداء قولان ومهما ترك الجميع يكفيه دم واحد في
قول ويلزمه أربعة دماء في قول لوظيفة كل يوم دم وفي قول دمان دم لجمرة العقبة ودم لايام منى وفى أقل ما يكمل به الدم ثلاثة أوجه (أحدها) وظيفة يوم (والثانى) وظيفة جمرة (والثالث) ثلاثة حصيات) * هذه البقية تنظم مسائل (احداها) إذا ترك رمى يوم القر عمدا أو سهوا هل يتداركه في اليوم الثاني(7/402)
أو الثالث أو ترك رمى اليوم الثاني أو رمي اليومين الاولين هل يتداركه في الثالث فيه قولان (أصحهما) نعم قاله في المختصر وغيره وبه قال أبو حنيفة كالرعاة وأهل السقاية (والثاني) لا كما لا يتدارك بعد أيام التشريق (التفريع) * إن قلنا بانه لا يتدارك في بقية الايام فهل يتدارك رمى اليوم في الليلة التى تقع بعده من ليالى التشريف فيه وجهان وهما مفرعان على الصحيح في أن وقته لا يمتد الليلة على ما سبق وان قلنا بالتدارك فتدارك فهو قضاء أو أداء فيه قولان (أحدهما) أنه قضاء لمجاوزته لوقت المضروب له (وأظهرهما) أنه اداء ولولاه لما كان للتدارك فيه مدخل كما لا يتدارك الوقوف بعد فواته * (التفريع) ان قلنا اداء فجملة أيام مني في حكم الوقت الواحد وكل يوم للقدر المأمور به فيه وقت اختيار كأوقات الاختيار للصلوات ويجوز تقديم رمي يوم التدارك على الزوال * ونقل الامام رحمه الله أن على هذا القول لا يمتنع تقديم رمى يوم إلى يوم لكن يجوز أن يقال إن وقته يتسع من جهة الآخر دون الاول فلا يجوز التقديم (وإن قلنا) انه قضاء فتوزيع الاقدار المعينة على الايام مستحق ولا سبيل إلى تقديم رمى يوم إلى يوم ولا إلى تقديمه على الزوال وهل يجوز بالليل فيه وجهان (أصحهما) نعم لان القضاء لا يتاقت (والثاني) لا لان الرمى عبادة النهار كالصوم وهل يجب الترتيب بين الرمى المتروك ورمي يوم التدارك فيه قولان ويقال وجهان (أصحهما) نعم كما يجب الترتيب في المكان على ما سيأتي (والثانى) لا لان الترتيب لحق الوقت فيسقط بخروج الوقت والوجهان عند الائمة رحمهم الله مبنيان على أن المفعول تداركا قضاء أم أداء إن قلنا اداء اعتبرنا الترتيب وان قلنا قضاء فلا ترتيب كترتيب قضاء الصلوات الفائتة * (التفريع) : ان لم نوجب الترتيب فهل يجب على اصحاب الاعذار كالرعاة فيه وجهان(7/403)
قال في التتمة ونظيره ان من فاته الظهر لا يجب عليه الترتيب بينه وبين العصر ولو أخر الظهر بسبب يجوز
الجمع ففى الترتيب وجهان ولو رمى الي الجمرات كلها عن اليوم قبل أن يرمى إليها عن أمسه أجزأه ان لم نوجب الترتيب وان أوجبناه فوجهان (أصحهما) أنه يجزئه ويقع عن القضاء لان مبنى الحج على تقديم الاولي فالاولي (والثاني) لا يجزئه أصلا وزاد الامام رحمه الله فقال لو صرف الرمى في قصده الي غير النسك كما لو رمي إلى شخص أو دابة في الجمرة وفى انصرافه عن النسك الخلاف المذكور في الطواف فان لم ينصرف وقع عن أمسه ولغا قصده وان انصرف فان شرطنا الترتيب لم يجزه أصلا وإن لم نشترطه أجزأه عن يومه * ولو رمى الي كل جمرة أربعة عشر حصاة سبعا عن أمسه وسبعا عن يومه جاز ان لم نعتبر الترتيب وإن اعتبرناه فلا يجوز وهو نصه في المختصر هذا كله في رمى اليوم الاول والثانى من أيام التشريق (أما) إذا ترك رمي يوم النحر ففى تداركه في أيام التشريق طريقان (أصحهما) أنه على القولين (والثاني) القطع بانه لا تدارك لمغايرة ذلك الرمى رمي ايام التشريق في العدد والوقت والحكم فان ذلك الرمي يؤثر في التحلل دون هذا الرمى (الثانية) يشترط في رمي أيام التشريق الترتيب في المكان وهو أن يرمي أولا إلى الجمرة التى(7/404)
تلى مسجدا لخيف وهى أقرب الجمرات من مني وأبعدها من مكة ثم إلى الجمرة الوسطي ثم إلى القصوى وهى جمرة العقبة فلا يعتد يرمى الثانية قبل تمام الاولي ولا بالثالثة قبل تمام الاولتين * وعن أبي حنيفة رحمه الله لو نكسها أعاد فان لم يفعل أجزأه * لنا أنه صلى الله عليه وسلم " رتبها وقد قال خذوا عنى مناسككم " ولانه نسك متكرر فيشترط فيه الترتيب كما في السعي فلو ترك حصاة ولم يدر من أين تركها أخد بأنه تركها من الجمرة الاولي ويرمى إليها واحدة ويعيد رمى الاخرتين وفى اشتراط الموالاة(7/405)
بين رمي الجمرات ورميات الجمرة الواحدة الخلاف المذكور في الطواف * والسنة أن يرفع اليد عند الرمي فهو أهون عليه وأن يرمي أيام الشتريق مستقبل القبلة وفي يوم النحر مستدبرها هكذا ورد الخبر وأن يكون نازلا في رمي اليومين الاولين وراكبا في اليوم الاخير يرمي ويسعي عقيبه كما أنه يوم النحر يرمي ثم ينزل هكذا أورده الجمهور ونقلوه عن نصه في الاملاء وفى التتمة أن الصحيح
ترك الركوب في الايام الثلاثة * والسنة إذا رمي الجمرة الاولى أن يتقدم قليلا قدر ما لا يبلغه حصيات الرامين ويقف مستقبل القبلة ويدعو ويذكر الله تعالى طويلا بقدر قراءة سورة البقرة * وإذا رمي إلى الثانية فعل مثل ذلك ولا يقف إذا رمي الي الثالثة (وقوله) في الكتاب ولا بد في التدارك من رعاية الترتيب في المكان قد يوهم اختصاص هذا الترتيب بالتدارك لكنه لا يختص والترتيب شرط في الابتداء والتدارك على نسق واحد * (الثالثة) إذا ترك رمي بعض الايام وقلنا بأنه يتدارك في بقية الايام فتدارك فلا دم عليه وقد حصل الانجبار وفيه قول أنه يلزمه الدم مع التدارك كما لو أخر قضاء رمضان حتي أدركه رمضان آخر يقضي ويفدى ويعزى هذا الي تخريج ابن سريج رحمه الله * ولو نفر يوم النحر أو يوم القر قبل أن يرمي ثم عاد ورمي قبل الغروب وقع الموقع ولا دم عليه ولو(7/406)
فرض ذلك في النفر الاول فكمثله في أصح الوجهين (والثانى) أنه يلزمه الدم لان النفر في هذا اليوم سائغ في الجملة فإذا نفر فيه خرج عن الحج فلا يسقط الدم بعوده * ولو لم يتدارك ما تركه أو قلنا لا يمكن التدارك لزم الدم لا محالة وكم يجب يختلف ذلك بحسب قدر المتروك وفيه صور (أحداها) إذا ترك رمي أيام التشريق والتصوير فيما إذا توجه عليه رمى اليوم الثالث أيضا ففيه قولان (أحدهما) يلزمه ثلاثة دماء لان رمي كل يوم عبادة برأسها (والثاني) لا يجب أكثر من دم كما لا يجب لترك الجمرات الثلاث أكثر من دم ولو ترك معها رمي يوم النحر أيضا فان قلنا بالاول فعليه أربعة دماء وان قلنا بالثاني فوجهان (أحدهما) أنه لا يلزمه أكثر من دم لاتحاد جنس الرمي (وأصحهما) أنه يلزمه دمان أحدهما ليوم النحر والثانى لايام التشريق لاختلاف الرميين في الحكم وإذا ضممت هذا الخلاف بعضه إلى بعض والسؤال عن ترك رمي الايام الاربعة فقل فيه ثلاثة أقوال كما في الكتاب - دم - دمان أربعة دماء - والاصح منها على ما ذكره في التهذيب إيجاب أربعة دماء لكن الجمهور بنوا الاقوال الثلاثة علي الاصل السابق فيما يتدارك من رمي هذه الايام فان قلنا يتدارك رمى بعضها في الباقي اكتفينا بدم لانا جعلنا الرمي كالشئ الواحد وان قلنا رمي يوم النحر لا يتدارك ورمي غيره يتدارك فقد جعلناها نوعين مختلفين فيلزمه دمان وان قلنا ان شيئا منها لا يتدارك فعليه أربعة دماء(7/407)
لان رمي كل يوم علي هذا يفوت بغروب شمسه ويستقر في الذمة بدله فان لم نر ترجيح القول الموجب لاربعة دماء لامر من خارج فقضية هذا البناء ترجيح القول المكتفى بدم واحد لاتفاقهم علي ان الاصح التدارك كما مر * (الثانية) لو ترك رمي يوم النحر أو رمي واحد من أيام الشتريق بأسره يلزمه دم وان ترك رمي بعض اليوم نظر ان كان من واحد من أيام التشريق فقد جمع الامام فيه طرقا (أحدها) ان الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث فلا يكمل الدم في بعضها فان ترك جمرة ففيما يلزمه الاقوال التي يأتي ذكرها في حلق شعرة (أصحهما) مد من طعا (والثاني) درهم (والثالث) دم وان ترك جمرتين فعلى هذا القياس وعلي هذا لو ترك حصاة من جمرة فعن صاحب القريب ان على قولنا في الجمرة الواحدة ثلث دم يجب في حصاة واحدة جزء من أحد وعشرين جزءا من دم رعاية للتبعيض وعلى قولنا ان فيها مدا أو درهما يحتمل أن نوجب سبع مدأ وسبع درهم ويحتمل إن لا نبعضهما (والطريق الثاني) ان الدم يكمل في وظيفة الجمرة الواحدة كما يكمل في وظيفة جمرة يوم النحر وفى الحصاة والحصاتين الاقوال الثلاثة (والثالث) وهو الاظهر أن الدم يكمل بترك ثلاث حصيات كما يكمل(7/408)
بحلق ثلاث شعرات وفى الحصاة والحصاتين الاقوال الثلاث (واعلم) أن الخلاف المذكور ليس في ترك الحصاة والحصاتين مطلقا ولكن ان ترك حصاة الجمرة الاخيرة من آخر أيام التشريق ففيه الخلاف وان تركها من الجمرة الاخيرة من يوم القر أو النفر الاول ولم ينفر فان قلنا الترتيب غير واجب بين التدارك ورمي الوقت صح رميه لكنه ترك رمي حصاة واحدة ففيه الخلاف وان أوجبنا الترتيب فهو على الخلاف السابق في أن الرمي بنية اليوم هل يقع عن الماضي إن قلنا نعم تم المتروك بما أتي به في اليوم الذى بعده لكنه يكون تاركا لرمي الجمرة الاولي والثانية في ذلك اليوم فعليه دم وان قلنا لا كان تاركا رمى حصاة ووظيفة يوم فعليه دم ان لم نفرد كل يوم بدم وان أفردنا فعليه دم لوظيفة اليوم وفيما يجب لترك الحصاة الخلاف المذكور * وان تركها من احدى الجمرتين الاولتين في أي يوم كان فعليه دم لان ما بعدها غير صحيح لوجوب الترتيب في المكان(7/409)
فهذا إذا ترك بعض رمى من أيام التشريق وان ترك بعض رمي من يوم النحر فقد الحقه في التهذيب بما إذا ترك من الجمرة الاخيرة في اليوم الاخير * وقال في التتمة يلزمه دم وان ترك حصاة لانها من أسباب التحلل فإذا ترك شيئا منها لم يتحلل الا ببدل كامل والله أعلم * وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه ان ترك من يوم النحر أربع حصيات فعليه دم وان ترك ثلاثا فلا وفى سائر الايام ان ترك إحدى عشرة حصياة فعليه دم وان ترك عشر أو أقل فلا اكتفاء بالاكثر وهذا يخالف الوجوه الثلاثة المذكورة في الكتاب فيما يكمل به الدم كلها فلذلك أعلمت بالحاء وحكى في النهاية وجها آخر غريبا وهو أن الدم يكمل في حصاة واحدة * (فرع) قال أبو سعيد المتولي لو ترك ثلاث حصيات من جملة الايام ولم يدر موضعها أخذ بالاسوأ وهو أنه ترك واحدة من يوم النحر وأخرى من الجمرة الاولى يوم القر واخرى من الجمرة الثانية يوم النفر الاول * ثم طول الكلام فيما يحصل له من ذلك واختصاره أنا ان لم نحسب ما يرميه بنية وظيفة اليوم عن الغائب فالحاصل ست حصيات من رمي يوم النحر لا غير سواء شرطنا الترتيب بين التدارك ورمى الوقت أم لا فان حسبناه فالحاصل رمي يوم النحر واحد ايام التشريق لا غير سواء شرطنا الترتيب أم لا وسببه لا يخفى على من أنعم النظر في الاصول السابقة * (واعلم) أن الحاج إذا فرغ من رمي اليوم الثالث من أيام التشريق فيستحب له أن يأتي المحصب وينزل به ليلة الرابع عشر ويصلى به الظهر والعصر المغرب والعشاء روى أن النبي صلي الله عليه وسلم " صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع بهما هجعة ثم دخل مكة " ولو ترك النزول به لم يلزمه شئ روى(7/410)
عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب وليس بسنة فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله " وحد المحصب من الابطح ما بين الجبلين إلى المقبرة سمي به لاجتماع الحصباء فيه يحمل السيل فانه موضع منهبط * قال (الفصل العاشر في طواف الوداع وهو مشروع إذا لم يبق شغل وتم التحلل فلو
عرج بعده شغل بطل الا في شد الرحال ففيه تردد وفى كونه مجبورا بالدم قولان ولا يجب على غير(7/411)
الخارج ومهما انصرف قبل مجاوزة مسافة القصر وطاف جاز والحائض لا يلزمها الدم بترك طواف الوداع طهرت قبل مسافة القصر لا يلزمها العود بخلاف المقصر بالترك وقيل في المسافة قولان بالنقل والتخريج: حاصلهما أن الوداع يفوت بمجاوزة الحرم أو بمجاوزة مسافة القصر) * طواف الوداع ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا (أما) لفعل فظاهر (وأما) القول فنحو ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتفرق أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت الا انه رخص للحائض " ومضمون الفصل صور نشرحها ونضيف إليها ما لا غنى عنه (احداها) ذكر الامام في النهاية أن طواف الوداع من مناسك الحج وليس على الخارج من مكة وداع لخروجه منها وتابعه صاحب الكتاب لانه قال وهو مشروع إذا لم يبق شغل وتم التحلل فخصه بحال تمام التحلل وذلك إنما يكون في حق الخارج وأيضا فقد صرح من بعد وقال ولا يجب على غير الخارج لكن صاحبا التهذيب والتتمة وغيرهما أوردوا أن طواف الوداع ليس من جملة المناسك حتى يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر سواء كان مكيا يريد سفرا أو آفاقيا يريد الرجوع إلى أهله وهذا أقرب تعظيما للحرم وتشبيها لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله الاحرام ولانهم اتفقوا على أن المكي إذا حج وهو عازم على على أن يقيم بوطنه لا يؤمر بطواف الوداع وكذا الآفاقي إذا حج واراد المقام بها ولو كان من جملة المناسك لاشبه ان يعم الحجيج * وعن أبى حنيفة رحمه الله ان الآفاقي ان نوى الاقامة بعد ان حل له النفر لم يسقط عنه الوداع (الثانية) طواف الوداع ينبغي ان يقع بعد جميع الاشغال ويعقبه الخروج من غير مكث فان مكث نظر ان كان(7/412)
لغير عذرا واشتغل بغير أسباب الخروج من شراء متاع أو قضاء دين أو زيارة صديق أو عيادة مريض فعليه إعادة الطواف خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا حاجة إلى الاعادة وان أقام بها شهرا أو اكثر وان اشتغل بأسباب الخروج من شرى الزاد وشد الرحل ونحوهما فقد نقل الامام فيه وجهين (احدهما)
انه يحتاج إلى الاعادة ليكون آخر عهده بالبيت (واصحهما) وبه اجاب المعظم انه لا يحتاج لان المشغول بأسباب الخروج مشغول بالخروج غير مقيم (الثالثة) طواف الوداع واجب مجبور بالدم أو مستحب غير مجبور فيه قولان كالقولين في الجمع بين الليل والنهار بعرفة واخوات تلك المسألة وجه الوجوب وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا ينصرفن أحد حتي يكون آخر عهده الطواف بالبيت " وهذا أصح على ما قاله صاحب التهذيب والعدة * ووجه المنع وبه قال مالك أنه لو كان واجبا(7/413)
لوجب على الحائض جبره بالدم لان المعذور يفتدى عن الواجبات واحتج لهذا القول أيضا بان طواف القدوم لا يجب جبره بالدم فكذلك طواف الوداع لكن عن صاحب التقريب الحاق طواف القدوم بطواف الوداع في وجوب الجبر وعلي التسليم بالفرق أن طواف القدوم تحية البقعة وليس مقصودا في نفسه * ألا ترى أنه يدخل في طواف العمرة وطواف الوداع مقصود في نفسه ولذلك لا يدخل تحت طواف آخر (وقوله) في الكتاب وفى كونه مجبورا بالدم قولان أي علي سبيل الوجوب إذ لا خلاف في أصل الجبر فانه مستحب ان لم يكن واجبا ويجوز إعلامه بالواو لان القاضي ابن كج روى طريقة قاطعة بنفى الوجوب (الرابعة) إذا خرج من غير وداع وقلنا(7/414)
بوجوب الدم ثم عاد وطاف فلا يخلو اما أن يعود قبل الانتهاء إلي مسافة القصر أو بعده فأما في الحالة الاولى فيسقط عنه الدم كما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه وفى الحالة الثانية وجهان (أصحهما) أنه لا يسقط استقراره بالسفر الطويل ووقوع الطواف بعد العود جقا للخروج الثاني (والثانى) يسقط كما لو عاد قبل الانتهاء إليها ولا يجب العود في الحالة الثانية وأما في الاولى فسيأتي * (الخامسة) ليس على الحائض طواف الوداع لان صفية رضى الله عنها حاضت فاذن لها رسول الله صلى الله وسلم في ان تنصرف بلا وداع ثم إذا طهرت قبل مفارقة خطة مكة لزمها العود والطواف وان جاوزته وانتهت إلى مسافة القصر لم يلزمها وان لم تنته إلى مسافة القصر فالنص أنه لا يلزمها العود ونص في المقصر بالترك أنه يلزمه العود فمنهم من قرر النصين وهو الاصح
والفرق أن الحائض مأذونه في الانصراف من غير وداع والمقصر غير مأذون فيه * ومنهم(7/415)
من قال في الصورتين قولان بالنقل والتخريج (أحدهما) انه يلزمه العود فيهما لانه يعد في حد حاضرى المسجد الحرام (والثاني) لا يلزمه لان الوداع يتعلق بمكة فإذا فارقها لم يفترق الحال بين ان يبعد عنها أو لا يبعد فان قلنا بالثاني فالنظر الي نفس مكة أو إلى الحرم فيه وجهان أولهما أظهرهما وقد تقدم نظيرهما في المواقيت (وقوله) حاصلهما أن الوداع يفوت بمجاوزة الحرم أو بمجاوزة مسافة القصر معناه انا إذا أوجبنا العدد قبل مسافة القصر فانما يحصل الفوات بالانتهاء إلى مسافة القصر وإذا لم نوجبه فانه يحصل الفوات بمجاوزة الحرم وفيه كلامان (احدهما) ان الفوات انما يظهر على تقدير عدم تأدي الواجب بالطواف بعد العود لكنا قد بينا تائي الواجب به وسقوط الدم (اما) إذا فرض قبل الانتهاء الي مسافة القصر فلا خلاف (واما) إذا فرض بعده فعلى احد الوجهين (والثاني) ان تعليق الفوات بمجاوزة الحرم على القول الثاني تفريع علي ان المعتبر مجاوزة الحرم لكنا ذكرنا وجها آخران الاعتبار بنفس مكة فعلي ذلك الوجه الفوات لو كان ربما كان بمجاوزة مكة وان لم يجاوز الحرم ثم إذا اوجبنا العود فعاد وطاف سقط الدم وان لم يعد لم يسقط وان لم نوجبه ولم يعد فلا دم على الحائض ويجب علي المقصر بالترك (واعلم) ان طواف الوداع حكمه حكم سائر انواع الطواف في الاركان والشرائط وعن ابي يعقوب الابيوردى انه يصح طواف الوداع(7/416)
من غير طهارة وتجبر الطهارة بالدم واستحب الشافعي رضي الله عنه للحاج إذا طاف للوداع ان يقف بحد الملتزم بين الركن والباب ويقول.
اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لى من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعيمك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فان كنت رضيت عنى فازددعنى رضا والا فالآن قبل أن ننآى عن بيتك دارى هذا أوان انصرافي إن اذنت لى غير مستبدل بك ولا بنبيك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم أصحبني العافية في دينى وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتنى.
قال وما زاد فحسن وزيد فيه واجمع لى خير الدنيا والآخرة إنك قادر على ذلك ثم يصلى على النبي صلي الله عليه وسلم وينصرف وينبغي أن
يتبع نظره البيت ما أمكنه ويستحب أن يشرب من ماء زمزم وأن يزور بعد الفراغ من الحج قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد روى عنه أنه قال " من زارني بعد موتى فكأنما زارني في حياتي ومن زار قبري فله الجنة " *(7/417)
قال (الفصل الحادى عشر في حكم الصبي * وللولي أن يحرم عن الصبى الذى لم يميز (ح) ويحضره الموقف فيحصل الحج للصبى نفلا وللام ذلك أيضا وفى القيم وجهان وهل للولي أن يحرم عن المميز فيه وجهان(7/418)
والمميز يحرم باذن الولي ولو استقل لم ينعقد على أحد الوجهين أما المميز فيتعاطي الاعمال بنفسه) *(7/419)
حج الصبي صحيح لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما " ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهى في محفتها فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت ألهذا حج فقال صلي الله عليه وسلم نعم ولك أجر " وعن جابر رضي الله عنه قال " حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم " والمنقول عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا ينعقد إحرام الصبى لنفسه ولا احرام الولى له وربما يقولون إنه ينعقد ليتدرب ولا يعتد به ولا يؤاخذ بمقتضيات الاحرام * إذا عرفت ذلك فان حجة يختص بأحكام يرجع بعضها إلى الاحرام وبعضها إلى الافعال وبعضها الي المؤنات ولوازم المحظورات فأراد أن يبين(7/420)
في هذا الفصل تلك الاحكام (أما) الاحرام فينظر ان كان الصبي مميزا أحرم باذن الولي وفى استقلاله وجهان (أحدهما) وبه قال أبو إسحق يستقل لانه عبادة كما يستقل بالصوم والصلاة (وأظهرهما) لا يستقل لانه يفتقر إلى المال وهو محجور عليه في المال فان قلنا بالاول فللولي تحليله كما سيأتي وليس له ان يحرم عنه وان قلنا بالثاني فهل للولى أن يحرم عنه فيه وجهان (أحدهما) لا للاستغناء بعبارته (والثاني) نعم لانه مولي عليه بدليل عدم الاستقلال قال الامام رحمه الله وهذا ظاهر المذهب * وان لم يكن مميزا أحرم عنه وليه سواء كان محلا أو محرما وسواء حج عن نفسه أم لا ولا يشترط حضور الصبى
ومواجهته في أصح الوجهين والمجنون كالصبي الذى لا يميز يحرم عنه وليه وذكر القاضى ابن كج والحناطي رحمهما الله انه لا يجوز الاحرام عنه إذ ليس له أهلية العبادات والمغمى عليه لا يحرم عنه غيره لانه ليس بزائل العقل وبرؤه مرجو علي القرب وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أغمي عليه في الطريق أحرم عنه رفقاؤه (فان قلت) ومن الولى الذى يحرم عن الصبي أو يأذن له (قلنا) الاب يتولي ذلك وكذا الجد وان علا عند عدم الاب ولا يتولاه عند وجوده وفيه وجه تخريجا مما إذا أسلم الجد والاب كافر يتبعه الطفل على رأى وفى الوصي والقيم وجهان احدهما انهما لا يتوليانه لانه تصرف في نفسه كما لا يليان النكاح (والثانى) انهما يتوليانه كالاب والجد لانهم جميعا يتصرفون في المال ويراعون مصالحه والاول ارجح عند الامام لكن العراقيين من اصحابنا اجابوا بالثاني وذكروا وجهين في الاخ والعم إذا لم يكن لهما وصاية واذن من الحاكم (اظهرهما) المنع وفى الام طريقان (احدهما) ان احرامها عن الصبى مبنى على ولايتها التصرف في ماله وفيه اختلاف قال الاصطخرى تليه وقال عامة الاصحاب لا تليه (والطريق الثاني) القطع بأنها تحرم واحتجوا له بخبر ابن عباس رضي الله عنهما الذى(7/421)
رويناه في اول الفصل وقالوا الظاهر انها كانت تحرم عن الذى رفعته من المحفة وبهذا الطريق اجاب صاحب الكتاب والاول اشبه بكلام الاكثرين (واما) الافعال فمتي صار محرما باحرامه أو باحرام الولى اتى بما يقدر عليه بنفسه ويفعل به الولى ما يعجز عنه فان قدر على الطواف علم حتى يطوف والاطيف به على ما سبق والسعى كالطواف ويصلى عنه الولى ركعتي الطواف إذا لم يكن مميزا وان كان مميزا صلاهما بنفسه وحكى القاضى ابن كج وجها انه لا بد وأن يفعلها الولي بكل حال واشترط احضاره بعرفة ولا يكفى حضور غيره عنه وكذا يحضر بالمزدلفة والمواقف ويناول الاحجار حتي يرميها إن قدر عليه والا رمي عنه من لا رمى عليه ويستحب أن يضعها في يده أولا ثم يأخذ ويرمي (وقوله) في الكتاب للولي أن يحرم عن الصبي (وقوله) والمميز يحرم معلمان بالحاء لما سبق (وقوله) فيحصل الحج للصبى نفلا كلكرر في هذا الموضع لما سبق أن التكليف شرط في الوقوع عن حجة الاسلام (وقوله) وفى القيم وجهان يجوز اعلامه بالواو
لان عن الداركى طريقة قاطعة بنفى الجواز للقيم ونحوه (وقوله) وأما المميز فيتعاطي الافعال انما تحسن هذه اللفظة لو كان الكلام قبلها في غير المميز لكن الكلام في المميز من قوله وهل للولى أن يحرم عن الصبي المميز(7/422)
قال (وما يزيد من نفقة السفر على الولى أو الصبى فيه وجهان * ولوازم المحظورات لم تجب على احد الوجهين نظرا له فان أوجب فعلى الولى أو الصبى فيه وجهان ويفسد حجه بالجماع وفى لزوم القضاء خلاف مرتب على الفدية واولى بان لا يجب لانها بدنية فان أوجب لم يصح من الصبي علي أحد الوجهين لكونه فرضا فإذا بلغ لزمه القضاء بعد الفراغ من فرض الاسلام) * الغرض الآن الكلام في المؤنات وفدية المحظورات وفيه صور (احداها) القدر الزائد في النفقة بسبب السفر في مال الصبي أو علي الولى فيه وجهان ويقال قولان (أحدهما) أنه في مال الصبى لان الحج يحصل له كما لو قبل له نكاحا يكون المهر عليه لان النكاح يحصل له (وأصحهما) أنه على الولى وبه قال مالك وأحمد لانه الذى أدخله وورطه فيه ويخالف النكاح فان المنكوحة قد تفوت والحج يمكن تأخيره إلى أن يبلغ فعلى هذا لو أحرم الصبى بغير ادنه وجوزناه حلله فان لم يفعل اتفق عليه (الثانية) يمنع الصبى المحرم من محظورات الاحرام فلو تطيب أو لبس ناسيا فلا فدية كالبالغ(7/423)
الناسي وان تعمد فقد بنوه على أصل يذكر في الجنايات وهو أن عمد الصبي عمد أو خطأ ان قلنا إنه خطأ فلا فدية (وان قلنا) عمد وجبت وهو الاصح * قال الامام والمحققون قطعوا به لان عمده في العبادات كعمد البالغ الا تري أنه إذا تعمد الكلام بطلت صلاته أو الاكل بطل صومه * وعن الداركي نقل قول فارق بين أن يكون الصبى ممن يلتذ بالطيب واللباس أو ممن لا يلتذ بذلك ولو حلق أو قلم أو قتل صيدا وقلنا عمد هذه الافعال وسهوها سواء علي ما سيأتي وجبت الفدية (وان قلنا)(7/424)
يختلف حكم عمدها وسهوها فهى كالطيب واللباس ومتي وجبت الفدية فهى علي الولي أو في في مال
الصبى فيه قولان (أحدهما) في مال الصبى لان الوجوب بسبب ما ارتكبه (وأصحهما) في مال الولى وبه قال مالك لانه الذى أوقعه فيه وغرر بماله وهذا إذا أحرم باذنه فان أحرم بغير إذن الولى وجوزناه فالفدية في مال الصبي بلا خلاف ذكره في التتمة ومتى وجبت الفدية في مال الصبي فان كانت مرتبة فحكمها حكم كفارة القتل والا فهل يجزى أن يفتدى بالصوم في الصغر فيه وجهان(7/425)
مبنيان على خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى في أنه إذا أفسد الحج هل يجزئه قضاؤه في الصغر وليس للولي والحاله هذه أن يفدى عنه بالمال لانه غير متعين وعن أبى الحسين حكاية وجه أنه ان أحرم به الاب أو الجد فالفدية في مال الصبي وان أحرم به غيره فهى عليه (الثالثة) إذا جامع ناسيا أو عامدا وقلنا ان عمده خطأ ففى فساد حجه قولان كالبالغ إذا جامع ناسيا (والاظهر) أنه لا يفسد وان قلنا ان عمده عمد فسد حجه وإذا فسد فهل عليه القضاء فيه قولان (أحدهما) لا لانه ليس أهلا لوجوب العبادات البدنية (وأصحهما) نعم لانه احرام صحيح فيوجب افساده القضاء كحج التطوع وعلى هذا فهل يجزئه القضاء في الصبي فيه قولان ويقال وجهان (أصحهما) نعم اعتبارا بالاداء (والثانى) لا وبه قال مالك وأحمد لانه فرض وهو ليس أهلا لاداء فرض الحج بدليل حجة الاسلام (وإذا قلنا) بهذا ولم يقض حتى بلغ نظر فيما أفسدها ان كانت بحيث لو سلمت عن الفساد لاجزأته(7/426)
عن حجة الاسلام بان بلغ قبل فوات الوقوف تأدى حجة الاسلام بالقضاء وان كانت لا تجزئه وان سلمت عن الفساد لم تتاد وعليه أن يبدأ بحجة الاسلام ثم يقضى فان نوى القضاء أو لا انصرف الي حجة الاسلام وان جوزنا القضاء في الصغر فشرع في القضاء وبلغ قبل الوقوف انصرف الي حجة الاسلام وعليه القضاء * ومهما فسد حجه وأوجبنا القضاء وجبت الكفارة أيضا وان لم نوجب القضاء ففي الكفارة وجهان (والاصح) الوجوب وقد بعكس هذا الترتيب فيقال ان لم تلزمه الفدية ففى القضاء خلاف والفرق أن القضاء عبادة بدنية وحال الصبى أبعد عنها وهذا الترتيب هو الذى ذكره في الكتاب فقال وفى لزوم القضاء خلاف مرتب على الفدية وإذا وجبت الكفارة فهي على الولي أو في مال الصبى فيه الخلاف السابق (وقوله)
ولوازم المحظورات لا تجب على أحد الوجهين هذا الوجه الذى يتخرج على قولنا عمد(7/427)
الصبى خطأ وانما نجعل عمده خطأ لان حاله يناسب التخفيف واليسه اشار بقوله نظرا له (وقوله) يفسد حجه بالجماع جواب علي الاصح من الخلاف المذكور فيه (وقوله) وإذا بلغ لزمه القضاء بعد الفراغ عن فرض الاسلام متعلق بقوله لم يصح في الصبى على احد الوجهين ومفرع عليه (واعلم) ان حكم المجنون حكم الصبى الذى لا يميز في جميع ذلك * ولو خرج الولى بالمجنون بعد ما استقر فرض الحج عليه وانفق عليه من ماله نظر ان لم يفق حتى فات الوقوف غرم له الولى زيادة نفقة السفر وان افاق واحرم وحج فلا غرم عليه لانه قضي ما وجب عليه ويشترط افاقته عند الاحرام والوقوف والطواف والسعي ولم يتعرضوا لحالة الطواف وقياس كونه نسكا اشتراط الافاقة فيه كسائر الاركان *(7/428)
قال (وان بلغ الصبي في حجه قبل الوقوف (ح) وقع عن حجة الاسلام فان كان قد سعى قبله لزمه الاعادة في أصح الوجهين وهل يلزمه دم بنقصان احرامه إذا وقع في الصبا فيه قولان * وعتق العبد في الحج كبلوغ الصبى ولو طيب الولى الصبي فالفدية على الولى الا إذا قصد المداواة فيكون كاستعمال الصبى علي أحد الوجهين) الفصل يشتمل على مسألتين (الاولي) لو بلغ الصبي في أثناء الحج نظر ان بلغ بعد الوقوف بعرفة لم يجزه عن حجة الاسلام ولا فرق بين أن يكون وقت الوقوف باقيا أو فائتا لكنه لم يعد إلى الموقف لمضى معظم العبادة في حال النقصان ويخالف الصلاة حيث تجزئه إذا بلغ في أثنائها أو بعدها لان الصلاة عبادة تتكرر والحج عبادة العمر فيعتبر وقوعها أو وقوع معظمها في حال الكمال * وعن ابن سريج رحمه الله انه إذا بلغ ووقت الوقوف باق يجزئه عن حجة الاسلام وان لم يعد إلى الموقف وان بلغ قبل الوقوف أو بلغ وهو واقف وقعت حجته عن حجة الاسلام خلافا لمالك حيث شرط فيه وقوع جميع الحج في حالة التكليف ولابي حنيفة فانه لا يعتد باحرام الصبي على ما سبق * وهل يجب إعادة السعي لو كان قد سعى عقيب طواف القدوم قبل البلوغ فيه وجهان (أحدهما) لا ولا بأس بتقدم
السعي كتقدم الاحرام (واصحهما) نعم لوقوعه في حالة النقص ويخالف الاحرام فانه مستدام بعد البلوغ والسعى لا استدامة له وقد بنوا الوجهين علي أنه إذا وقع عن حجة الاسلام كيف تقدير احرامه أنقول بأنه يتعين انعقاده في الاصل فرضا أو نقول بأنه انعقد نفلا ثم انقلب فرضا فان قلنا بالاول فلا حاجة إلى الاعادة وان قلنا بالثاني فلا بد منها وإذا وقع حجه عن حجة الاسلام فهل يلزمه دم فيه طريقان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه على قولين (أحدهما) نعم لان احرامه من الميقات ناقص لانه ليس بفرض (وأصحهما) لا لانه أتي بما في وسعه ولم تصدر منه اساءة * وبنى الشيخ أبو محمد(7/429)
وغيره القولين على الاصل المذكور ان قلنا بالتعيين فلا دم عليه وإن قلنا بانعقاده نفلا لزم * (والطريق الثاني) القطع بأنه لا دم عليه وبه قال الاصطخرى وابن سلمة وهذا الخلاف فيما إذا لم يعد بعد البلوغ الي الميقات فان عاد إليه لم يلزمه الدم بحال لانه أتي بالممكن أولا وآخرا وبذل ما في وسعه وفيه وجه بعيد * والطواف في العمرة كالوقوف في الحج فلو بلغ قبله أجزأته عمرته عن عمرة الاسلام * وعتق العبد في أثناء الحج والعمرة كبلوغ الصبي في أثنائهما * ولو ان ذميا أتى الميقات مريدا للنسك فأحرم منه لم ينعقد احرامه لانه ليس أهلا للعبادات البدنية فان أسلم قبل فوات الوقوف ولزمه الحج فله أن يحج من سنته وأن يؤخر فان الحج على التراخي فان حج من سنته فعاد إلى الميقات فاحرم منه أو أحرم من موضعه وعاد إليه محرما فلا شئ عليه وان لم يعد لزمه الدم كالمسلم إذا جاوزه على قصد النسك ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في الصبى إذا وقعت حجته عن حجة الاسلام لانه حين مر بالميقات كان بسبيل من أن يسلم ويحرم بخلاف الصبى وقال أبو حنيفة رحمه الله والمزنى لا دم عليه وعن أحمد روايتان (المسألة الاخرى) ذكرنا الخلاف في وجوب الفدية إذا باشر الصبى محظورا وأنها إذا وجبت علي من تجب * فاما إذا باشره الولى بأن طيبه أو ألبسه أو حلق رأسه فينظر ان فعل ذلك لحاجة الصبي كما لو طيبه تداويا فهل هو كمباشرة الصبي فيه وجهان (أحدهما) لا بل الفدية على الولى بلا خلاف تقديما للمباشرة (وأصحهما) انه كمباشرة الصبى لانه وليه وانما فعل ما فعل لمصلحته وقد قيل ان ماخذ الوجهين أن الشافعي رضي الله عنه قال وتجب الفدية علي المداوى فقرأه
بعضهم بكسر الواو حملا علي الولى وبعضهم بفتحها حملا على الصبى والوجهان شبيهان بالوجهين فيما إذا أوجر المغمى عليه معالجة له في باب الصوم * ولو طيب لا لحاجة فالفدية(7/430)
عليه وكذا لو طيبه اجنبي وهل يكون الصبى طريقا فيه وجهان * قال (الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة وهى سبعة انواع) (النوع الاول في اللبس ويحرم على المحرم أن يستر راسه بما يعد ساترا من خرقة أو إزار أو عمامة * ولو توسد بوسادة أو استظل بالمحمل أو انغمس في الماء فلا بأس * ولو وضع زنبيلا على رأسه أو حملا ففيه قولان * ولو طين رأسه ففيه احتمال ولو شد خيطا على رأسه لم يضر بخلاف العصابة واقل ما يلزم به الفدية ان يستر مقدارا يقصد ستره لغرض شجة أو غيرها) *(7/431)
مقصود الباب بيان ما يحرم بسبب الاحرام بالحج أو العمرة وهي في تعديد صاحب الكتاب سبعة انواع (احدها) اللبس والكلام في حق غير المعذور ثم في المعذور (اما) في حق غير المعذور فالنظر في الرجل ثم في المرأة ومن الرجل في الرأس ثم في سائر البدن (أما) الرأس ففيه(7/432)
فصلان (احدهما) في الساتر ولا يجوز للرجل أن يستر راسه قال صلى الله عليه وسلم في المحرم الذى خر من بعيره " لا تخمروا راسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا " ولا فرق بين ان ستر بمخيط كالقلنسوة أو بغير مخيط كالعمامة والازار والخرقة وكل ما يعد ساترا وإذا ستر لزمه الفدية لانه باشر محظورا كما لو حلق * ولو توسد بوسادة فلا بأس وكذا لو توسد بعمامة مكورة لان المتوسد يعد في العرف حاسر الرأس * ولو استظل بمحمل أو هودج فلا فدية عليه أيضا لانه لا يعد ذلك سترا للرأس كما لو استظل ببناء وكذلك لو انغمس في ماء فاستوى الماء على رأسه وخصص صاحب التتمة نفي الفدية في صورة الاستظلال بما إذا لم تمس المظلة رأسه وحكم بوجوبها إذا كانت تمسه وهذا التفصيل لم أره لغيره وان لم يكن بد منه فالوجه الحاقة بوضع الزنبيل على الرأس (والاصح) فيه أن لا فدية كما سيأتي ان
شاء الله تعالى * وعن مالك وأحمد رحمهما الله انه إذا استظل بالمحمل راكبا افتدى وان استظل(7/433)
به نازلا راجلا فلا * وروى الامام عن مالك الخلاف في صورة الانغماس أيضا * لنا في الاستظلال ما روى عن أم الحصين قالت " حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمي جمرة العقبة " ولو وضع زنبيلا على رأسه أو حملا فقد(7/434)
ذكر ان الشافعي رضى الله عنه حكي عن عطاء انه لا باس به ولم يعترض عليه وذلك يشعر بانه ارتضاه فان من عادته الرد على المذهب الذى لا يرتضيه وعن ابن المنذر والشيخ أبى حامد انه نص في بعض كتبه علي وجوب الفدية فمن الاصحاب من قطع بالاول ولم يثبت الثاني ومنهم من أطلق قولين وهو ما أورده في الكتاب ووجه الوجوب ما يروى عن ابى حنيفة ان غطى راسه فاشبه ما لو غطاه بشئ(7/435)
آخر ووجه عدم الوجوب ان مقصوده نقل المتاع لا تغطية الرأس علي ان المحرم غير ممنوع من التغطية بما لا يقصد الستر به الا ترى الي ما روي انه صلى الله عليه وسلم " احتجم علي راسه وهو محرم " وايضا فلو وضع يده على راسه لم يضر وسواء ثبت الخلاف ام لا فظاهر المذهب انه لا فدية * ولو طين راسه ففى وجوب الفدية وجهان كالوجهين فيما إذا طلى بالطين عورته وصلى هل يجزئه * والمذهب ههنا وجوب الفدية وفى تلك(7/436)
الصورة صحة الصلاة لوجود الستر والتغطية وهذا إذا كان ثخينا ساترا (أما) المائع الذى لا يستر فلا عبرة به وعلي هذا التفصيل حكم الحناء والمراهم وتحوها * (الفصل الثاني) في القدر الذى يقتضي ستره الفدية ولا يشترط لوجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر كما لا يشترط في فدية الحلق الاستيعاب بل تجب الفدية بستر بعض الرأس وضبطه ان يكون المستور قدرا يقصد ستره لغرض من الاغراض كشد عصابة والصاق لصوق لشجة ونحوها هكذا ضبطه المصنف(7/437)
والامام فقد نقلا وغيرهما انه لو شد خيطا على راسه لم يضر ولم تجب الفدية لان ذلك لا يمنع من تسميته حاصر الراس وهذا ينقض الضابط المذكور لان ستر المقدار الذى يحويه شد هذا الخيط قد يقصد ايضا لغرض منع الشعر من الانتشار وغيره فالوجه النظر الي تسميته حاسر الرأس ومستور جميع الرأس أو بعضه والله أعلم * (وقوله) في الكتاب أن يستر مقدارا يقصد ستره إلى آخره معلم بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله لا تكمل الفدية الا إذا ستر ربع الرأس فصاعدا فان ستر أقل من ذلك فعليه صدقة والله أعلم *(7/438)
قال (أما سائر البدن فله ستره ولكن لا يلبس المخيط الذى أحاطه بالخياطة كالقميص أو النسيج كالدرع أو العقد كجبة اللبد ولو ارتدى بقميص أو جبة فلا بأس وكذا إذا التحف نائما * ولو لبس القباء لزمه الفدية وان لم يدخل اليد في الكم ولا بأس بعقد الازار بتكة تدخل في حجزة ولا بالهميان والمنطقة * ولا بلف الازار على الساق) *(7/439)
ما سوى الرأس من البدن يجوز للمحرم ستره ولكن لا يجوز له لبس القميص والسراويل والتبان والخف روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبس المحرم من الثياب فقال " لا يلبس القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " ولو لبس شيئا من ذلك مختارا لزمه(7/440)
الفدية سواء طال زمان اللبس أو قصر * وقال أبو حنيفة إنما تلزم الفدية التامة إذا استدم اللبس يوما كاملا فان كان أقل فعليه صدقة * لنا انه باشر محظور الاحرام فتلزمه الفدية كما لو حلق * ولو لبس القباء تلزمه الفدية سواء ادخل يديه في الكمين واخرجهما منهما أم لا وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله خلافا لابي حنيفة رحمه الله في الحالة الثانية * لنا انه لبس مخيظا على وجه معتاد فتلزمه الفدية كما لو لبس القميص وهذا لان لابس القباء قد يدخل كتفه فيه ويتركه كذلك * ولو القي علي نفسه قباء أو فرجيا وهو
مضطجع قال الامام ان أخذ من بدنه حتى ما إذا اقام عد لابسا فعليه الفدية وان كان بحيث لو قام أو قعد(7/441)
لم يستمسك عليه الا بمزيد أمر فلا (وقوله) في الكتاب وان لم يدخل اليد في الكم يجوز ان يعلم مع الحاء بالواو لانه نقل عن الحاوى انه إن كان من اقبية خراسان قصير الذيل ضيق الاكمام لزمت الفدية وان لم يدخل اليد في الكم وان كان من اقبية العراق طويل الذيل واسع الاكمام فلا فدية حتى يدخل يديه في كميه * (واعلم) ان قولنا لا يلبس المخيط ترجمة لها جزآن لبس ومخيط م (فاما) اللبس فهو مرعى في وجوب الفدية علي ما يعتاد في كل ملبوس إذ به يحصل الترفه والتنعم فلو ارتدى بقميص أو قباء أو التحف فيهما أو اتزر بسراويل فلا فدية عليه كما لو اتزر بازار خيط عليه(7/442)
رقاع واما المخيط فخصوص الخياطة غير معتبر بل لا فرق بين المخيط وبين المنسوج كالدرع والمعقود كجبة اللبد والمدرق بعضه ببعض قياسا لغير المخيط على المخيط وقد جمعها في الكتاب بقوله لا يلبس المخيط الذى احاطته بالخياطة إلى آخره * والمتخذ من القطن والجلد وغيرهما سواء ويجوز ان يعقد الازار ويشد عليه خيطا ليثبت وان يجعل له مثل الحجزة ويدخل فيها التكة إحكاما وان يشد طرف ازاره في طرف ردائه وله ان يغرزه في طرف ازاره ولو اتخذ لردائه شرجا وعرى وربط الشرج بالعرى فاصح الوجهين انه تجب الفدية لان هذه الاحاطة(7/443)
قريبة من الخياطة * ولو شق الازار نصفين ولف كل نصف على ساق وعقده فالذي نقله الاصحاب وجوب الفدية لانه حينئذ كالسراويل ورأى الامام انها لا تجب بمجرد اللف والعقد وانما تجب إذا فرضت خياطة أو شرج وعرى (وقوله) في الكتاب ولا يلف الازار على الساق ان اراد به هذه الصورة فهو اتباع لرأى الامام فليكن معلما بالواو وليعلم ان الظاهر خلافه ويجوز ان يحمل على اللف من غير ان يشق ويجعل له ذيلان وعلى هذا فلا إعلام إذ لا خلاف في ان للمحرم ان يشتمل(7/444)
بالرداء والازار طاقتين وثلائا ولا باس بتقلد المصحف والسيف * " قدم اصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم مكة متقلدين سيوفهم عام عمرة القضاء " ولا باس أيضا بشد الهميان والمنطقة على الوسط(7/445)
لحاجة النفقة ونحوها وقد روى الترخيص فيه عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما وروى عن مالك المنع من شد الهميان والمنطقة لكن لم يثبت المنقنون في النقل الرواية عنه (وقوله) في أول الفصل اما سائر البدن فله ستره يجوز ان يعلم بالحاء لان عند ابى حنيفة رحمه الله يجب عليه كشف الوجه مع الرأس وأيهما ستره فعليه الفدية * لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر عن بعيره ومات " خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه " الخبر *(7/446)
قال (أما المرأة فاحرامها على وجهها وكفيها فقطولها ان تستر بثوب متجاف عن الوجه واقع بازائه هذا في غير المعذور) *(7/447)
ذكرنا حكم الستر واللبس في حق الرجل المحرم اما المرأة فالوجه في حقها كالرأس في حق الرجل ويعبر عن ذلك بأن إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها والاصل فيه ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين " وروى أنه صلي الله عليه وسلم " نهى النساء في إحرامهن عن النقاب " وتستر الرأس وسائر البدن والقدر اليسير من الوجه الذى يلى الرأس لها(7/448)
لها ستره إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر الا بستره (فان قيل) هلا قلتم تكشف جميع الوجه ويعفى عن كشف الجزء الذى يليه من الرأس (قيل) الستر أحوط من الكشف وأيضا فالمقصود إظهار شعار الاحرام بالاحتزار عن التنقب وستر الجزء المذكور لا يقدح فيه والرأس عورة كله فيستر * ويجوز لها أن تسبدل ثوبا على وجهها متجافيا عنه بخشبة وغيرها كما يجوز للرجل الاستظلال بالمحمل والمظلة ولا فرق بين أن يفعل ذلك لحاجة من دفع حر أو برد أو فتنة أو لغير حاجة فان وقعت(7/449)
الخشبة فاصاب الثوب وجهها من غير اختيارها ورفعته في الحال فلا فدية وان كان عمدا أو استدامته وجبت الفدية * ويجوز للمرأة لبس المخيط من القميص والسراويل والخف وغيرها روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " وليلبس بعد ذلك ما أحبين من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو جليا أو سراويل أو قميصا أو خفا " وإذا ستر الخنثي المشكل رأسه أو وجهه فلا فدية لاحتمال أنه امرأة في الصورة الاولي ورجل في الثانية(7/450)
وإن سترهما جميعا وجبت (وقوله) في الكتاب (أما) المرأة فاحرامها في وجهها فقط اعلم بالواو لان منهم من ضم الكفين كما ستعرفه في مسألة القفازين * ل قال ((أما) المعذور بحر أو برد فله اللبس ولكن تلزمه الفدية وان لم يجد إلا سراويل ولو فتقه لم يتاب منه إزار فليلبس ولا فدية عليه للخبر وكذا إذا قطع أسفل الكعبين واستتار ظهر القدم كاستتاره بشرك النعل) *(7/451)
قد عرفت حكم غير المعذور (وأما) المعذور ففيه صور (إحدها) لو احتاج الرجل إلى ستر الرأس أو لبس المخيط بعذر حر أو برد أو مداواة جاز له ذلك وكذا المرأة لو احتاجت إلى ستر الوجه ولكن تجب الفدية كما إذا احتاج إلى الحلق بسبب الاذى جاز الحلق ولزمت الفدية على ما نص عليه القرآن (الثانية) لباس المحرم الرداء والازار والنعلان على ما مر فلو لم يجد الرداء لم يجز له لبس القميص بل يرتدى ويتوشح به ولو لم يجد الازار ووجد(7/452)
السراويل نظر إن لم يتأت اتخاذ ازار منه إما لصغره أو لفقد آلات الخياطة أو لخوف التخلف عن القافله لبسه لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " من لم يجد الازار فليلبس السراويل " وإذا لبسه فلا فدية عليه * وقال أبو حنيفة ومالك تجب الفدية * وان تأتي اتخاذ ازار منه فلبسه على هيئته فهل تلزمه الفدية فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو لبس الخف قبل ان يقطعه (والثانى) لا لاطلاق
الخبر وفى الخف أمر بالقطع على ما روينا في خبر ابن عمر رضى الله عنهما وبالوجه الاول أجاب الامام وتابعه المصنف حيث قيد فقال ولو فتقه لم يتأت منه ازار فلا فدية ولكن الاصح عند الاكثرين إنما هو الوجه الثاني وإذا لبس السراويل لفقد الازار ثم وجده فعليه النزع ولو لم يفعل فعليه الفدية (وقوله) في الكتاب فلا فدية للخبر المراد من الخبر ما رويناه ومن الاستدلال به على نفى الفدية من جهة أنه يقتضى تجويز اللبس عند فقد الازار والاصل في مباشرة الجائزات نفي المؤاخذة (الثالثة) إذا لم يجد النعلين لبس المكعب أو قطع الخف أسفل من الكعب ولبسه وهل يجوز لبس الخف المقطوع والمكعب مع وجود النعلين فيه وجهان (أحدهما) نعم لشبهه بالنعل الا ترى انه لا يجوز المسح عليه (واصحهما) لا لان الاذن في الخبر يقيد شرطان لا يجد النعلين وعلى هذا لو(7/453)
لبس الخف المقطوع لفقد النعلين ثم وجد النعلين نزع الخف فلو لم يفعل افتدى وإذا جاز لبس الخف المقطوع لم يضر استتار ظهر القدم مما بقى منه لحاجة الاستمساك كما لا يضر استتاره بشراك النعل (فان قلت) ما معنى عدم وجدان الازار والنعل (قلنا) المراد منه ان لا يقدر على تحصيله إما لفقده في ذلك الموضع أو لعدم بذل المالك إياه أو لعجزه عن الثمن إن باعه أو للاجرة ان اجره ولو بيع بغبن أو نسيئة لم يلزمه شراؤه ولو اعير منه وجب قبوله ولو وهب لم يجب ذكر هذه الصورة القاضى ابن كج وقد كتبنا نظائرها في املاء للطهارة والثوب لستر العورة وبالله التوفيق * قال (وليس للرجل لبس القفازين في اليدين * وللمرأة ذلك في أصح القولين وان اتخذ للحيته خريطة ففى إلحاقه بالقفازين تردد) * ليس للرجل لبس القفازين كما ليس له لبس الخفين وهل للمرأة ذلك فيه قولان (أحدهما) قال في الام والاملاء لا وبه قال مالك وأحمد رضي الله عنهما لما روي أنه صلي الله عليه وسلم " نهي النساء في إحرامهن عن لبس القفازين " وأيضا فان اليد عضو لا يجب علي المرأة ستره في الصلاة فلا يجوز لها ستره في الاحرام كالوجه (والثانى) وهو منقول المزني نعم وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " حرم المرأة في وجهها " فخص الوجه بالحكم وذكر في الكتاب أن هذا أصح القولين لكن(7/454)
أكثر النقلة على ترجيح الاول منهم صاحب التهذيب والقاضي الرويانى ففان جوزنا لها لبسهما فلا فدية إذا لبست والا وجبت الفدية ولو اختضبت بالحناء والقت على يدها خرقة فوقه أو ألقتها على اليد من غير حناء فعن الشيخ أبى محمد أنها ان لم تشد الخرقة فلا فدية عليها وان شدته فعلى قولي القفازين ورتب الاكثرون فقالوا ان قلنا لها لبس القفازين فلا فدية عليها وان منعنا ففى وجوب الفدية ههنا قولان (أحدهما) تجب ويروى عن الام (والثاني) لا نجب ويروى عن الاملاء والقولان علي ما ذكر القاضى أبو الطيب وغيره مبنيان على المعني المرم للبس القفازين وفيه قولان مستخرجان (أحدهما) أن المحرم تعلق الاحرام بيدها تعلقه بوجهها لان واحدا منهما ليس بعورة وانما جاز الستر بالكمين للضرورة فعلى هذا تجب الفدية في صورة الخرقة (والثانى) أن المحرم كون القفازين ملبوسين معمولين لما ليس بعورة من الاعضاء فألحقا بالخفين في حق الرجل فعلي هذا الا فدية في الخرقة وهذا أصح القولين وإذا أوجبنا الفدية تعليلا بالمعنى الاول فهل تجب الفدية بمجرد الحنا فيه ما سبق في الرجل إذا خضب رأسه بالحناء ولو اتخذ الرجل لساعده أو لعضو آخر شيئا مخيطا أو للحيته خريطة يعلقها إذا اختضب فهل تلتحق بالقفازين فيه تردد عن الشيخ أبى محمد (الاصح) الالتحاق وبه أجاب كثيرون * ووجه المنع أن المقصود الاجتناب عن الملابس المعتادة وهذا ليس بمعتاد *(7/455)
قال (النوع الثاني التطيب وتجب الفدية باستعمال الطيب قصد أو الطيب كل ما تقصد رائحته كالزعفران والورس والورد والبنفسج والنرجس والريحان الفارسي دون الفواكه كالاترج والسفرجل والادوية كالقرنفل والدارصيني وأزهار البوادى كالقيصوم وفي ذهن الورد والبنفسج وجهان والبان ودهنه ليس بطيب وإذا تناول الخبيص المزعفر فانصبغ لسانه لزمت الفدية لدلالة اللون علي بقاء الرائحة وإذا بطل رائحة الطيب فلا يحرم استعمال جرمه على الصحيح كماء ورد إذا وقع في ماء وانمحق) استعمال الطيب من جملة محظورات الاحرام لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال في المحرم " لا يلبس من الثياب شيأ فيه زعفران ولا ورس " ويتعلق به الفدية كسائر المحظورات وقد ضبط في الكتاب مناط الفدية فقال وتجب الفدية باستعمال الطيب قصدا وهذا الضابط يتركب عن ثلاثة أمور الطيب والاستعمال والقصد (أما) الطيب فالمعتبر فيه أن يكون معظم الغرض منه التطيب واتخاذ الطيب منه أو يظهر فيه هذا الغرض فالمسك والعود والعنبر والكافور والصندل طيب لا محالة ثم ما له رائحة طيبة من نبات الارض أنواع (منها) ما يطلب للتطيب واتخاذ الطيب منه كالورد والياسمين والخيرى وكذا الزعفران وان كان يطلب للصبغ والتداوى أيضا والورس وهو فيما يقال أشهر طيب في بلاد اليمن (ومنها) ما يطلب للاكل والتداوى غالبا فلا تتعلق بالفدية كالقرنفل والدارصيني والسنبل وسائر الابازير الطيبة وكذا السفرجل والتفاح والبطيخ والاترج والنارنج قال الامام وفى النفس من الاترج والنارنج شئ فان قصد الاكل والتداوى فيهما ليس باغلب من قصد التطيب لكن ما وجدته في الطرق الحاقهما بالفواكه وقد يتجه معني تزيين المجالس فيهما والله أعلم * (ومنها) ما يتطيب به ولا يتخذ منه الطيب كالنرجس والريحان الفارسي وهو الضميران والمرزنجوشي(7/456)
ونحوهما ففيه قولان (القديم) أنه لا تتعلق بها الفدية لان هذه الاشياء لا تبقى لها رائحة إذا جفت وقد روى أن عثمان رضي الله " عنه سئل عن المحرم هل يدخل البستان قال نعم ويشم الريحان " (والجديد) التعلق لظهور قصد التطيب منها كالورد والزعفران وهذا ما أورده في الكتاب * (وأما) البنفسج فالمنقول عن نصه أنه ليس بطيب واختلف الاصحاب فيه فمن ذاهب إلى ظاهر النص يزعم أن الغرض منه التداوى دون التطيب ومن طارد فيه قولى الريحان يدعى أن المنقول عنه جواب على أحد القولين ومن قاطع بانه طيب كالورد والياسمين وهذا أصح الطرق * واختلف الصائرون إليه في تأويل النص فقيل أراد به البنفسج الجاف فانه بعد الجفاف لا يصلح إلا للتداوي وقيل أراد به بنفسج الشام والعراق فانه لا يتطيب به وقيل أراد به المربي بالسكر المستهلك فيه وفى اللينوفر قولا النرجس والريحان ومنهم من قطع بأنه طيب (ومنها) ما ينبت بنفسه ولا يستنبت كالشيخ والقيصوم والشقائق فلا تتعلق بها الفدية لانها لا تعد طيبا ولو عدت طيبا لاستنبتت وتعهدت كالورد وأنوار الاشجار المثمرة كالتفاح والكمثرى وغيرها لا تتعلق بها الفدية أيضا
وكذا العصفر وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة رحمه الله تتعلق بها الفدية * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر فيما روى عنه المعصفر في جملة الثياب التى يلبسها المحرم " والحناء ليس بطيب فان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم " كن يختضبن به وهن محرمات " وقال أبو حنيفة هو طيب (واعرف) وراء ما ذكرناه شيئين غريبين (أحدهما) نقل الحناطي عن بعض الاصحاب وجهين في الورد والياسمين والخيرى ولك أن تعلم قوله في الكتاب والورد بالواو لذلك * (والثانى) ذكر الامام عن بعض المصنفين أن من أصحابنا من يعتبر عادة كل ناحية فيما يتخذ طيبا قال وهذا فاسد يشوش القواعد * ثم في الفصل مسائل (احداها) الادهان ضربان دهن ليس بطيب كالزيت والشيرج وسيأتي القول فيه في النوع الثالث ودهن هو طيب فمنه دهن الورد وقد حكى الامام وصاحب الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه لا تتعلق به الفدية لانه لا يقصد للتطيب (وأصحهما) ولم يورد الاكثرون سواه أنه تتعلق به الفدية كما تتعلق بالورد نفسه ومنه دهن البنفسج والوجه ترتيبه على(7/457)
البنفسج ان لم تتعلق الفدية بنفس البنفسج فبدهنه أولى وان علقناها بنفس البنفسج فقى دهنه الخلاف المذكور في دهن الورد ويجوز إعلام قوله في الكتاب وجهان بالواو (وأما) في دهن الورد فلان الامام رحمه الله نقل عن شيخه طريقة قاطعة بانه طيب * ورد التردد إلى دهن البنفسج (وأما) في دهن البنفسج فلانا قدمنا طريقة قاطعة في البنفسج بأنه ليس بطيب وهى عائدة في الدهن بطريق الاولى ثم لم يختلفوا في أن ما طرح فيه الورد والبنفسج دهن الورد والبنفسج فاما إذ طرحا علي السمسم حتى أخذ رائحة ثم استخرج من الدهن فجواب المعظم أنه لا تتعلق به الفدية لانه ريح مجاورة * وعن الشيخ أبي محمد أنه أشرف والطف مما يغلى فيه الورد والبنفسج لتشرب السمسم ما بينهما وهى الطيبة المقصودة منهما (ومنه) دهن البان نقل الامام عن نص الشافعي رضي الله عنه انه ليس بطيب وكذا البان نفسه وهذا ما أورده المنصف وأطلق الاكثرون القول بأن كل واحد منهما طيب ويشبه أن لا يكون هذا خلافا محققا بل الكلامان محمولان على توسط حكاه صاحب المهذب والتهذيب وهو أن دهن البان المنشوش وهو المغلى في الطيب طيب وغير المنشوش ليس بطيب (الثانية) لو أكل طعاما فيه زعفران أو طيب آخر واستعمل مخلوطا بالطيب لا بجهة الاكل نظر ان استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون لم تجب
الفدية وان ظهرت هذه الاوصاف فيه وجبت الفدية وان بقيت الرائحة وحدها فكذلك لانها الغرض الاعظم من الطيب وان بقى اللون وحده فطريقان (أظهرهما) وبه قال ابن سريج وابن سلمة ان المسألة على قولين (أحدهما) وهو ظاهر ما نقله المزني أن الفدية تجب لبقاء بعض الاوصاف كما لو بقى الريح (وأصحهما) عند المعظم انها لا تجب لان اللون ليس بالمقصود الاصلى منه بل هو زينة وأيضا فان مجرد اللون لو اقتضي الفدية لوجبت الفدية في المعصفر * (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق القطع بالقول الثاني والصائرون إليه انقسموا إلى مغلط للمزني والى حامل لما نقله على ما إذا بقى الريح مع اللون * ولو بقى الطعم وحده فطريقان (أظهرهما) وبه قال القفال انه كالريح (والثانى) وبه(7/458)
قال الشيخ أبو محمد انه كاللون فيجئ فيه الطريقان * ولو أكل الجلنجبين فينظر في استهلاك الورد فيه وعدمه ويخرج على هذا التفصيل (فان قلت) قد عرفت ما حكيته لكني إذا نظرت في حكم المصنف بلزوم الفدية في تناول الخبيص المزعفر سبق إلى فهمي انه اكتفى ببقاء اللون المجرد للزوم الفدية على خلاف ما ذكرت انه الاصح فهل هو كذلك أم لا (فأقول) ليس في لفظ الكتاب ما يقتضي التصوير في بقاء اللون وحده بل يتنال الخبيص المزعفر وانصباغ اللسان به يشتمل ما إذا بقيت الرائحة مع اللون وما إذا لم يبق فيحمل اللفظ على الحالة الاولى لئلا يخالف جوابه الاصح عند الجمهورو فيهم الامام ويؤيده انه قال عقيبه لدلالة اللون على بقاء الرائحة ولو كان التصوير في بقاء اللون وحده لما انتظم دعوى دلالته على بقاء الرائحة وعلى كل حال فقوله لزمته الفدية معلم بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يوجب الفدية بأكل الطيب أصلا (الثالثة) لو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيب بمرور الزمان عليها أو بغبار وغيره نظر ان كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الرائحة منه لم يجز استعماله فان بقى اللون فقد قال الامام رحمه الله فيه وجهان مبنيان على الخلاف المذكور في أن مجرد اللون هل يعتبر والصحيح انه لا يعتبر وحكى أيضا ترددا للاصحاب فيما إذا انغمر قدر من الطيب في الكثير مما ليس بطيب كماء ورد انمحق في ماء كثير (منهم) من قال تجب الفدية باستعماله لاستيقان اتصال الطيب به وكون الرائحة مغمورة لا زائله (ومنهم) من قال وهو
الاصح لا تجب الفدية لفقد الرائحة وفوات مقصود التطيب فلو انغمرت الرائحة ولكن بقى الطعم أو اللون ففيه الخلاف السابق *(7/459)
قال (ومعنى الاستعمال الصاق الطيب بالبدن أو الثوب فان عبق به الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطار أو في بيت يجمر ساكنوه فلا فدية ولو احتوى علي مجمرة لزمت الفدية ولو مس جرم العود فلم يعبق به رائحته فقولان ولو حمل مسكا في قارورة مصممة الرأس فلا فدية فان حمله في فارة غير مشقوقة فوجهان ولو طيب فراشه ونام عليه حرم * الامر الثاني الاستعمال وهو أن يلصق الطيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك الطيب فلو طيب جزءا من بدنه بغالية أو مسك مسحوق أو ماء ورد لزمته الفدية * وعن أبي حنيفة رحمه الله أن الفدية التامة إنما تلزم إذا طيب عضوا أو ربع عضو فان طيب أقل منه لم يلزمه ولا فرق بين أن يتفق الالصاق بظاهر البدن أو باطنه كما لو أكله أو أحتقن به أو استعط وقيل لا تجب الفدية في الحقنة والسعوط ثم في الفصل صور (إحداها) لو عبق به الريح دون العين بأن جلس في حانوت عطار أو عند الكعبة وهي تجمرأ وفى بيت يجمر ساكنوه فلا فدية لان ذلك لا يسمى تطيبا ثم ان قصد الموضع لا لاشتمام الرائحة لم يكره وان قصده لاشتمامها كره علي اصح القولين * وعن القاضي الحسين رحمه الله أن الكراهة ثابتة لا محالة والخلاف في وجوب الفدية ولو احتوى علي مجمرة فتبخر بالعود بدنه أو ثيابه لزمته الفدية لان هذا طريق التطيب منه وعن أبي حنيفة أنه لا فدية فيه * ولو مس طيبا فلم يعلق بيده شئ من عينه ولكن عبقت به الرائحة فهل تلزمه الفدية فيه قولان (أحدهما) لا وهو منقول المزني لان الرائحة قد تحصل بالمجاورة من غير مماسة فلا اعتبار بها (والثانى) ويروى عن الاملاء نعم لان المقصود الرائحة وقد عبقت به * وذكر صاحب العدة وغيره أن هذا أصح القولين وكلام الاكثرين يميل إلى الاول (الثانية) لو شد المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه أو وضعته المرأة في جيبها أو لبست الحلي المحشو بشئ منها وجبت الفدية فان ذلك طريق استعمالها ولو شم الورد فقد تطيب به ولو شم ماء الورد فلا بل الطريق فيه أن يصبه على بدنه أو ثيابه ولو حمل مسكا أو
طيبا آخر في كيس أو خرقة مشدودة أو قاورة مصممة الراس أو حمل الورد في ظرف فلا فدية لانه لم يستعمل الطيب حكى ذلك عن نصه في الام وحكى الرويانى وغيره في وجها انه ان كان يشتم قصدا(7/460)
لزمه الفدية وإن حمل مسكا في فارة غير مشقوقة فوجهان (احدهما) وبه قال القفال تجب الفدية وحمل الفأرة تطيب (واصحهما) وبه قال الشيخ ابو حامد لا تجب لان نفس الفأرة ليس بطيب وانما الطيب المسك وبينه وبينه حائل فاشبه صورة القارورة أي المصممة * ولو كانت الفارة مشقوقة أو القارورة مفتوحة الراس فقد قالوا بوجوب الفدية وليس ذلك واضحا من جهة المعنى فانه لا يعد ذلك تطيبا (الثالثة) لو جلس علي فراش مطيب أو ارض مطيبة ونام عليهما مفضيا ببدنه أو ملبوسه اليهما لزمته الفدية وجعل ملاقاته بمثابة لبس الثوب المطيب كما تجعل ملاقاة الشئ النجس بمثابة لبس الثوب النجس فلو فرش فوقه ثوبا ثم جلس أو نام لم تجب الفدية لكن لو كان الثوب رقيقا كره ولو داس بنعله طيبا لزمه الفدية لانها ملبوسة له * قال (وأما القصد فالاحتراز به عن الناسي إذ لا فدية عليه وكذا إذا جهل كون الطيب محرما ولو علم أنه طيب ولم يعلم أنه يعبق به لزمته الفدية ولو ألقى عليه الريح طيبا فليبادر إلى غسله فان توانى لزمته الفدية) * الامر الثالث كون الاستعمال عن قصد فلو تطييب ناسيا لاحرامه أو جاهلا بتحريم الطيب لم تلزمه الفدية وعذر كما لو تكلم ناسيا في الصلاة أو أكل ناسيا في الصوم وقد روي (أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال إني احرمت بالعمرة وهذه علي فقال صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجتك قال كنت انزع هذه وأغسل هذا الخلوق فقال صلي الله عليه وسلم ما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك " 1) ولم يوجب عليه الفدية لجهله وعند مالك وأبى حنيفة والمزنى رحمهم الله تجب الفدية على الناسي والجاهل * وعن احمد رحمه الله روايتان * وإن علم تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية لزمته الفدية فانه إذا علم التحريم فحقه الامتناع * ولو علم تحريم الطيب وجهل كون الممسوس طيبا فجواب الاكثرين انه لا فدية لانه إذا جهل كون ذلك الشئ طيبا فقد جهل تحريم استعماله وحكى الامام مع ذلك وجها آخر انها تجب * ولو مس طيبا رطبا وهو يظن(7/461)
انه يابس لا يعلق به شئ منه ففى وجوب الفدية قولان (أحدهما) تجب لانه قصد التطيب مع العلم بكونه طيبا (والثانى) لا تجب لجهله بكونه طبا كما لو جهل كونه طيبا وبالقول الاول أجاب صاحب الكتاب ورجحه الامام رحمه الله وغيره لكن طائفة من الاصحاب رجحوا الثاني * وذكر صاحب التهذيب انه القول الجديد والله أعلم * ومتى لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بان كان ناسيا أو القته الريح عليه فعليه أن يبادر إلى غسله وتنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته والاولى أن يأمر غيره به وإن باشره بنفسه لم يضر لان قصده الازالة فان تواني فيه ولم يزله مع الامكان فعليه الفدية فان كان زمنا لا يقدر على لازالة فلا فدية عليه كما لو أكره على التطيب قاله في التهذيب والله أعلم * قال (النوع الثالث ترجيل شعر الرأس واللحية بالدهن موجب للفدية ولو دهن الاصلع رأسه فلا شئ عليه وإن كان الشعر محلوقا فوجهان) * حكم الدهن المطيب قد مر (وأما) غير المطيب كالشيرج ودهن الجوز واللوز وفى معناها السمن والزبد فلا يجوز استعماله في الرأس وللحية لما فيه من ترجيل الشعر وتزيينه والمحرم منعوت بالشعث الذى يضاد ذلك * ولو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه أو أمرد فدهن دقنه فلا فدية عليه إذ ليس فيه تزيين شعر * وان كان محلوق الرأس فوجهان (أحدهما) ويروى عن المزني انه لا فدية إذ لا شعر (وأصحهما) الوجوب لتأثيره في تحسين الشعر الذى ينبت بعده * ويجوز تدهين سائر البدن شعره وبشرته فانه لا يقصد تحسينه وتزيينه ولا فرق بين ان يستعمل الدهن في ظاهر البدن أو باطنه * ولو كان علي رأسه شجة فجعل الدهن في داخلها فلا شئ عليه وعن مالك انه إذا استعمل الدهن في ظاهر بدنه فعليه الفدية * وعند أبي حنيفة إذا استعل الزيت والشيرج وجبت الفدية سواء استعمل في رأسه أو في لحيته أو في سائر بدنه إلا أن يداوى به جرحه أو شقوق رجليه وهذه إحدى الروايتين عن أحمد (والثانية) وهى الاصح ان استعمالها لا يوجب الفدية وان كان في شعر الرأس واللحية فيجوز ان يعلم قوله(7/462)
في الكتاب يوجب الفدية بالالف لهذه الرواية (وقوله) ترجيل شعر الرأس وللحية يشعر بتخصيص المنع بتدهين الشعر حتى لا يمنع من تدهين المواضع التى لا شعر عليها من الرأس وقد صرح المزني في المختصر بهذا المفهوم لكن قال المسعودي في الشرح ليس الامر علي ما قاله المزني بل هو منهي عن استعمال الدهن في الرأس والوجه كله وإن لم يكن عليه شعر لانه موضع الشعر لكن يشكل هذا بما سبق في الاقرع والامرد * قال (ولا يكره في الجديد الغسل ولا غسل الشعر بالسدر والحظمي ولا بأس بالاكتحال إذا لم يكن فيه طيب وفى الحاق خضاب الشعر بالترجيل تردد) * في الفصل صور (احداها) يجوز للمحرم أن يغتسل ويدخل الحمام ويزيل الدرن عن نفسه لما روى عن أبي أيوب رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وهو محرم " " ودخل ابن عباس رضي الله عنهما حمام الجحفة محرما وقال ان الله تعالى لا يعبأ بأوساخكم شيئا " وهل يكره ذلك (المشهور) انه لا يكره * وحكي الحناطي والامام قولا عن القديم انه يكره (الثانية) يستحب أن لا يغسل رأسه بالسدر والحظمي لما فيه من التزيين لكنه جائز لا فدية فيه بخلاف التدهين فانه يؤثر في التنمية مع التزيين * وإذا غسل رأسه فينبغي ان يرفق في الدلك حتى لا ينتف شعره ولم يذكر الامام ولا المصنف في الوسيط خلافا في كراهة غسله بالسدر والحظمي لكن الحناطي حكي القول القديم فيه ايضا فيجوز ان يعلق قوله ولا يكره في الجديد بالمسألتين اتيانا للخلاف فيهما (الثالثة) لا يجوز ان يكتحل بكحل فيه طيب * وعن أبي حنيفة رحمه الله جوازه وما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به ثم منقول المزني أنه لا بأس به وعن الاملاء أنه يكره وتوسط المتوسطون فقالوا ان لم يكن فيه زينة كالتوتيا الابيض لم يكره الاكتحال به وان كان فيه زينة كالاثمد فيكره إلا لحاجة الرمد ونحوه (الرابعة) روى الامام عن الشافعي رضي الله عنه اختلاف قول في وجوب الفدية إذا خضب الرجل لحيته * وعن الاصحاب طرقا في مأخذه (أحدها) التردد في أن الحناء هل هو طيب وهذا غريب والاصحاب(7/463)
قاطعون بانه ليس بطيب على ما مر (والثاني) أن من يختضب قد يتخذ لموضع الخضاب غلافا يحيط به فهل يلحق ذلك بالملبوس المعتاد وقد سبق الخلاف فيه (والثالث) وهو الاظهر ان الخضاب تزيين للشعر فتردد القول في
التحاقة بالترجيل بالدهن والظاهر انه لا يلتحق به ولا تجب الفدية في خضاب اللحية ثم قال الامام على المأخذ الاول لا شئ على المرأة إذا خضبت يدها بعد الاحرام وعلى الثاني والثالث يجرى التردد (أما) على الثاني فظاهر (واما) على الثالث فلشبه الغلاف بالقفازين وقد عرفت من قبل خضابها يديها وخضاب الرجل شعر الرأس * ويجوز للمحرم أن يفتصد ويحتجم ما لم يقطع شعرا ولا بأس بنظره في المرآة * وعن الشافعي رضى الله عنه أنه كرهه في بعض كتبه * قال (النوع الرابع التنظيف بالحلق وفى معناه القلم وتجب الفدية سواء أبان الشعر باحراق أو نتف أو بغيره من رأسه أو من البدن * ولو قطع يد نفسه وعليها شعرات فلا فدية * ولو امتشط فانتتفت شعيرات لزمه الفدية وان شك في انه كان منسلا فانفصل أو انتتف بالمشط ففى الفدية قولان لمعارضة السبب الظاهر أصل البراءة) * حلق الشعر قبل أوان التحلل محظور قال الله تعالي (ولا تحلقوا رؤسكم) الآية وتتعلق به الفدية(7/464)
فان الله تعالي أوجب الفدية على المعذور في الحلق حيث قال تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) الآية وإذا وجبت الفدية على المعذور فعلي غير المعذور أولي ولا فرق بين شعر الرأس والبدن (أما) شعر الرأس فمنصوص عليه (وأما) غيره فالتنظيف والترفه في ازالته اكثر * وذكر المحاملى ان في رواية عن مالك لا تتعلق الفدية بشعر البدن * والتقصير كالحلق كما انه في معناه عند التحلل وقلم الاظفار كحلق الشعر فانها تزال للتنظيف والترفه وليس الحكم في الشعر منوطا بخصوص الحلق بل بالازالة والابانة فيلحق به النتف والاحراق وغيرهما وكذلك يلحق بالقلم الكسر والقلع * ولو قطع يده أو بعض اصابعه وعليها الشعر والظفر فلا فدية عليه لان الشعر والظفر تابعان ههنا غير مقصودين بالابانة وعلى هذا القياس لو كشط جلدة الرأس فلا فدية عليه والشعر تابع وشبه ذلك بما لو كانت تحته امرأتان صغيرة كبيرة فارضعت الكبيرة الصغيرة يبطل النكاح ويجب المهر ولو قتلتها لا يجب المهر لان البضع تابع عند القتل غير مقصود ولو امتشط لحيته فانتتفت شعيرات فعليه الفدية وان شك في انه كان منسلا فانفصل أو انتتفت بالمشط فقد حكى الامام وصاحب الكتاب في وجوب الفدية قولان وقال الاكثرون فيه وجهان (أحدهما)
انها تجب لان الاصل بقاؤه ثابتا إلى وقت الامتشاط ولانه سبب ظاهر في حصول الابانة فيضاف إليه كما ان الاجهاض يضاف إلي الضرب (واصحهما) انها لا تجب لان النتف لم يتحقق والاصل براءة الذمة عن الفدية *(7/465)
قال (ويكمل الدم في ثلاث شعرات وفى الواحدة مد قول ودرهم في قول وثلث دم في قول ودم كامل في قول) * ستعرف في باب الدماء فدية الحلق وان اراقة الدماء احدى خصالها ولا يعتبر في وجوبها تامة حلق جميع الرأس ولا قلم جميع الاظفار بالاجماع ولكن يكمل الدم في حلق ثلاث شعرات وقلم ثلاثة أظفار من أظفار اليد والرجل سواء كانت من طرف واحد أو من طرفين خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا يكمل الدم حتي يحلق ربع الرأس أو يقلم خمسة أظفار من طرف واحد ولمالك رضي الله عنه حيث قال يكمل بحلق ثلاث شعرات وانما يكمل إذا حلق من رأسه القدر الذى يحصل به اماطة الاذى ولاحمد رحمه الله حيث قدر في رواية باربع شعرات والرواية الثانية عنه مثل مذهبنا * لنا ان المفسرين ذكروا في قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) ان المعني فحلق ففدية * ومن حلق ثلاث شعرات فقد حلق وهذا إذا حلقها دفعة واحدة في مكان واحد فان فرق زمانا أو مكانا فسيأتي في النوع السادس حكمه(7/466)
وان اقتصر على حلق شعرة واحدة أو شعرتين ففيه أقوال (أظهرها) وهو الذى ذكره في أكثر كتبه ان في شعرة مدا من طعام وفى شعرتين مدين لان تبعيض الدم عسر والشرع قد عدل الحيوان بالطعام في جزاء الصيد وغيره والشعرة الواحدة هي النهاية في القلة والمد أقل ما وجب في الكفارات فقوبلت به (والثاني) في شعرة درهم وفى شعرتين درهمين لان تبعيض الدم عسير وكانت الشاة تقوم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة دراهم تقريبا فاعتبرت تلك القيمة عند الحاجة إلى التوزيع (والثالث) رواه الحميدى عن الشافعي في شعرة ثلث دم وفى شعرتين ثلثا دم تقسيما للواجب في الشعرات الثلاث علي الآحاد وقد ذكر ان هذا القول منقول في ترك الحصاة والحصاتين فخرج ههنا
وذكر في القول الثاني مثله (والرابع) حكاه صاحب التقريب وغيره ان الشعرة الواحدة تقابل بدم كامل وهو اختيار الاستاذ أبي طاهر ووجهه بان محظورات الاحرام لا تختلف بالقلة والكثرة كما في الطيب واللباس فإذا عرفت ما ذكرناه أعلمت قوله في ثلاث شعرات - بالحاء والميم والالف - ولك أن تعلم الحكم في الاحوال الاربعة بالحاء لانه لا يوجب فيما دون الربع شيئا مقدرا وانما يوجب صدقة وان تعلم قوله ودرهم في قول بالواو لان من الاصحاب من لم يثبته قولا للشافعي وادعي انه ذكره حكاية عن مذهب عطاء والخلاف في الشعرة والشعرتين جار في الظفر والظفرين * ولو قلم دون القدر المعتاد كان كما لو قصر الشعر ولو أخذ من بعض جوانبه ولم يأت على رأس الظفر فقد قال الامام ان قلنا يجب في الظفر الواحد ثلث دم أو درهم فالواجب فيه ما يقتضيه الحساب وان قلنا يجب فيه مد فلا سبيل إلى تبعيضه والله أعلم *(7/467)
قال (وان حلق بسبب الاذى جاز ولزم الفدية * وان نبتت شعرة في داخل الجفن فلا فدية في نتفها لانه مؤذ بنفسه كالصيد الصائل والنسيان لا يكون عذرا في الحلق والاتلافات علي اظهر القولين) * مقصود الفصل بيان حكم المعذور في الحلق والذى سبق كان مع غير المعذور ونعم صور العذر انه لا يأثم بالحلق وى الفدية صور (احداها) لو كثرت الهوام في رأسه أو كانت به جراحة واحوجه إذا هام إلى الحلق فله ذلك وعليه الفدية * كان كعب بن عجرة يوقد تحت قدره والهوام تنتئر من رأسه فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أيؤذيك هوام رأسك قال نعم قال فاحلق وانسك بدم أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بعرق من الطعام على ستة مساكين " والعرق ثلاثة آصع وكذا الحكم لو كان كثير الشعر وكان يتأذى بالحر (الثانية) لو نبتت شعرة أو شعرات في داخل الجفن وكان يتأذى بها فله قلعها ولا فدية عليه لان التأذى ههنا من نفس الشعر فهي كالصيد الصائل على المحرم بخلاف الصورة الاولي * وعن الشيخ ابي على طريقة أخرى في المسألة وهى تخريج الضمان علي وجهين بناء على القولين فيما إذا عمت الجراد المسالك واضطر إلى وطئها واتلافها * ولو طال شعر
حاجبه ورأسه وغطى عينه قطع القدر المغطي ولا فدية عليه * وكذا لو انكسر ظفره وتأذى به قطعه ولا يقطع معه من الصحيح شيئا (الثالثة) ذكرنا ان النسيان يسقط الفدية في الطيب واللباس وكذلك الحكم فيما عدا الوطئ من الاستمتاعات كالقبلة واللمس بالشهوة ولو وطئ ناسيا ففيه خلاف سيأتي وهل يسقط الفدية في الحلق والقلم فيه وجهان (احدهما) نعم كما في الاستمتاعات (واصحهما) لا لان الاتلافات لا فرق فيها بين العمد والخطأ كما في ضمان الاموال * وهذا منصوص والاول مخرج من أحد قوليه فيما إذا حلق المغمى عليه فانه نص ثم على قوله ومنهم من قطع بما نص(7/468)
عليه وامتنع من التخريج وفرق بان الناسي يعقل ما يتعاطاه بخلاف المغمى عليه والمجنون والصبي الذى لا يميز كالمغمي عليه * ويجوز أعلام قوله على أظهر القولين بالوا ولانه أجاب بالطريقة المبينة للخلاف (وقوله) في الحلق والاتلافات يدخل فيه قتل الصيد ويقتضى كونه على الخلاف وهكذا قاله الاكثرون وأشار مشيرون إلى تخصيص الخلاف بالحلق والقلم والقطع بانه لا أثر له في قتل الصيد (وقوله) والنسيان لا يكون عذرا أراد في إسقاط الفدية فاما الاثم فالنسيان يسقطه كما في سائر المحظورات * قال (ولو حلق الحلال شعر الحرام باذنه فالفدية علي الحرام فان كان مكرها فعلى الحلال وان كان ساكتا فقولان) * إذا حلق شعر غيره فاما أن يكون الحالق حراما والمحلوق حلالا أو بالعكس أو يكونا حرامين أو حلالين (أما) الحالة الاخيرة فلا يخفى حكمها (وأما) الاولى فلا منع منها ولا يجب علي الحالق شئ وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال ليس للمحرم أن يحلق شعر غيره ولو فعل فعليه صدقة * لنا أن هذا الشعر ليس له حرمة الاحرام فجاز له حلقه كشعر البهيمة (وأما) إذا حلق الحلال أو الحرام شعر الحرام فقد أساء ثم ينظر ان حلق بامره فالفدية على المحلوق لان فعل الحالق بامره مضاف إليه ألا ترى أنه لو حلف أن لا يحلق رأسه فامر غيره فخلق حنث في يمينه ولان يده ثابتة على الشعر وهو مأمور بحفظه اما علي سبيل الوديعة أو العارية كما سيأتي وكلاهما إذا تلف في يده بامره يضمن * وان حلق لا بأمره فينظر ان كان نائما أو مكرها أو مغمى عليه ففيه قولان (اصحهما) أن الفدية على الحالق وبه قال مالك واحمد رحمهما
الله لانه المقصر ولا تقصيرمن المحلوق وهذا ما أورده في الكتاب (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله واختاره المزني رحمه الله أنها على المحلوق لانه المرتفق به وقد ذكر المزني أن الشافعي رضى الله عنه قد خط على هذا القول لكن الاصحاب نقلوه عن البويطى ووجدوه غير مخطوط عليه وبنوا القولين على أن استحفاظ الشعر في يد المحرم جار مجرى الوديعة أو مجرى العارية وفيه جوابان(7/469)
(إن قلنا) بالاول فالفدية علي الحالق كما أن ضمان الوديعة علي المتلف دون المودع (وان قلنا) بالثاني وجبت علي المحلوق وجوب الضمان على المستعير قالوا والاول اظهر لان العارية هي التى يمسكها لمنفعة نفسه وقد يريد المحرم الازالة دون الامساك وايضا فانه لو احترق شعره بتطاير الشرر ولم يقدر على التطفية لا فدية عليه ولو كان كالمستعير لوجبت عليه الفدية * (التفريع) ان قلنا الفدية علي الحالق نظر ان فدي فذاك وان امتنع مع القدرة فهل للمحلوق مطالبته باخراجها فيه وجهان وجواب الاكثرين ان له ذلك بناء على ان المحرم كالمودع والمودع خصم فيما يؤخذ منه ويتلف في يديه * ولو اخرج المحلوق الفدية باذن الحالق جاز أو بغير إذنه لا يجوز في اصح الوجهين وبه قال ابن القطان وابو علي الطبري كما لو اخرجها اجنبي بغير اذنه وإن قلنا أن الفدية علي المحلوق فينظر إن فدي بالهدى أو الاطعام رجع باقل الامرين من الطعام أو قيمة الشاة على الحالق ولا يرجع بما زاد لان الفدية على التخيير وهو متطوع بالزيارة وان فدي بالصوم فهل يرجع فيه وجهان (اظهرهما) لا وعلى الثاني بم يرجع فيه وجهان (اظهرهما) بثلاثة امدد من طعام لان صوم كل يوم مقابل بمد (والثاني) بما يرجع به لو فدى بالهدى أو الاطعام * ثم إذا رجع فانما يرجع بعد الاخراج في اصح الوجهين (والثانى) له ان ياخذ منه ثم يخرج وهل للحالق ان يفدى علي هذا القول (اما) بالصوم فلا لانه متحمل والصوم لا يتحمل (واما) بغيره فنعم ولكن باذن المحلوق لان في الفدية معنى القربة فلا بد من نية لاقاة الوجوب * وان لم يكن نائما ولا مغمى عليه ولا مكرها لكنه سكت عن الحلق ولم يمنع منه فقد قال في الكتاب فيه قولان وقال المعظم وجهان (أحدهما) ان الحكم كما لو كان نائما لان السكوت ليس بأمر ألا ترى ان السكوت على اتلاف المال لا يكون أمرا بالاتلاف (وأصحهما) انه كما
لو حلق بامره لان الشعر عنده اما كالوديعة أو كالعارية وعلى التقديرين يجب الدفع عنه * ولو امر حلال حلالا بحلق شعر حرام وهو نائم فالفدية على الآمر ان لم يعرف الحالق الحال وان عرف فعليه في أصح الوجهين *(7/470)
قال (النوع الخامس الجماع ونتيجته الفساد والقضاء والكفارة وإنما يفسد بالجماع قبل التحللين (ح) وفيما بينهما فلا وفى العمرة قبل السقى الا إذا قلنا الحلق نسك فيفسد قبل الحلق وليس للعمرة الا تحلل واحد) * قال الله تعالي (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا والرفث مفسر بالجاع وللجاع في الحج والعمرة نتائج فمنها فساد النسك يروى ذلك عن عمر وعلى وابن عباس وأبى هريرة وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم اجمعين * واتفق الفقهاء عليه بعدهم وانما يفسد الحج بالجماع إذا وقع قبل التحللين لقوة الاحرام ولا فرق بين أن يقع فبل الوقوف بعرفة أو بعده خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال لا يفسد بالجماع بعد الوقوف ولكن تلزم به الفدية (وأما) الجماع بين التحللين فلا أئر له في الفساد * وعن مالك واحمد رحمهما الله انه يفسد ما بقى من احرامه ويقرب منه ما ذكره القاضى ابن كج أن ابا القاسم الداركي وابا علي الطبري حكيا قولا عن القديم انه يخرج إلى ادنى الحل ويجدد منه احراما ويأتي بعمل عمرة * واطلق الامام نقل وجه انه مفسد كما قبل التحلل وتفسد العمرة ايضا بالجماع قبل حصول التحلل ووقت التحلل منها مبنى علي الخلاف السابق في الحلق فان لم نجعله نسكا فانما يفسد بالجماع قبل السعي وان جعلناه نسكا فيفسد أيضا بالجماع قبل الحلق * وقال أبو حنيفة رحمه الله انما يفسد إذا جامع قبل أن يطوف أربعة أشواط واما بعد ذلك فلا * ويجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب قبل السعي وقوله قبل الحلق كلاهما - بالحاء - (واعلم) ان التفصيل الذى ذكره في أن الجماع يفسدها قبل الحلق أو لا يفسدها إلا إذا وقع قبل السعي مبنيا علي الحلق هل هو نسك ضرب من البسط والايضاح وإلا فإذا عرفنا في هذا الموضع ان الجماع قبل التحلل مفسد وعرفنا من قبل الخلاف في أن الحلق هل هو نسك أم لا لا يشتبه علينا التفصيل المذكور * واللواط
واتيان البهيمة في الافساد كالوطئ في الفرج وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة رحمه الله فيهما ولمالك رحمه الله في اتيان البهيمة وروى ابن كج وجها كمذهب مالك *(7/471)
قال (ثم يجب المضى في فاسدها باتمام ما كان يتمه لولا الافساد * ثم عليه بدنة إن أفسد وان كان بين التحللين فشاة وقيل بدنة وقيل لا يجب شئ والجماع الثاني بعد الافساد فيه شاة وقيل بدنة وقيل لا شئ بل يتداخل) * سائر العبادات لا حرمة لها بعد الفساد ويصير الشخص خارجا منها لكن الحج والعمرة وان فسدا يجب المضى فيهما وذلك باتمام ما كان يفعله لولا عروض الفساد * روى عن عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهم قالوا " من فسد حجه مضى في فاسده وقضي من قابل " ومن نتائج الفساد الكفارة وهى بدنة والقول في كيفة وجوبها وما يقوم مقامها مذكور في باب الدماء * وعند أبى حنيفة رحمه الله ان جامع قبل الوقوف لا تجب الفدية وإنما يجب فيه دم شاة وهذا مع تسليمة حصول الفساد والحالة هذه ولذلك اعلم قوله وعليه بدنة ان أفسد بالحاء * والعمرة كالحج في وجوب البدنة * وعن أبى اسحق أن بعض أصحابنا ذهب إلى أنه لا يجب في افسادها إلا شاة لا نخفاض رتبتها عن رتبة الحج ثم في الفصل مسألتان (احداهما) لو جامع بين التحللين وفرعنا على الصحيح وهو انه لا يفسد ففيما يجب فيه قولان (اظهرهما) شاة لانه لا يتعلق فساد الحج به فاشبه المباشرة فيما دون الفرج * واختار المزني هذا القول وأشار في المختصر إلى تخريجه للشافعي رضي الله عنه وقيل انه حكاه في غير المختصر عن نصه (والثانى) ان الواجب بدنة لانه وطئ محظور في الحج فاشبه الوطئ قبل التحلل وبهذا قال مالك وأحمد ونقل الامام بدل القولين وجهين ووجها ثالثا وهو أنه لا يجب فيه شئ أصلا وهو ضعيف لان الوطئ لا ينقص عن سائر محظورات الاحرام وهى بين التحلين موجبة للفدية على ظاهر المذهب وإذا عرفت ذلك علمت قوله فشاة وقوله لا يجب شئ بالميم والالف وقوله بدنة وقوله لا يجب شئ بالزاى * (الثانية) إذا فسد حجه بالجماع ثم جامع ثانيا فينظر ان لم يفد عن الاول ففى وجوب شئ للثاني قولان (أحدهما) لا يجب بل يتداخلان كما لو جامع
في الصوم مرتين لا تجب إلا كفارة واحدة (وأصحهما) أنه لا تداخل لبقاء الاحرام ووجوب الفدية بارتكاب سائر المحظورات بخلاف الصوم فانه بالجماع الاول قد خرج عنه * وان فدي عن الاول فلا تداخل على المشهور ومنهم من طرد القولين وبعضهم خصص القولين في الحالين بما إذا طال الزمان بين الجماعين أو اختلف المجلس وقطع بالتداخل فيما إذا لم يكن كذلك وحيث قلنا بعدم التداخل ففيما يجب بالجماع(7/472)
الثاني قولان (أحدهما) بدنة كما في الجماع الاول (وأظهرهما) شاة لانة محظور لا يتعلق به فساد النسك فاشبه سائر المحظورات وإذا اختصرت هذه الاختلافات قلت في المسألة ثلاثة أقوال علي ما ذكره في الكتاب (أظهرها) أن الجماع الثاني يوجب شاة وبه قال أبو حنيفة رحمه الله (والثانى) انه يوجب بدنة (والثالث) أنه لا يوجب شيأ وبه قال مالك * وعند أحمد رحمه الله ان كفر عن الاول وجب للثاني بدنة ويجوز ان يعلم لهذه المذاهب قوله فيه شاة بالميم والالف وقوله بدنة بالميم والحاء وقوله لا شئ بالحاء والالف * قال (ثم إذا اتم الفاسد لزمه القضاء ويتادى بالقضاء ما كان يتادى بالاداء من فرض اسلام أو غيره فان كان تطوعا فيجب القضاء ولا يتأدى به غير التطوع وفى وجوب القضاء على الفور وجهان وكذا في الكفارة وقضاء الصوم إذا وجبا بعدوان * وان كان بسبب مباح فلا يضيق وقضاء الصلاة المتروكة عمدا على الفور لتعلق القتل به * وإذا احرم من مكان لزمه في القضاء ان يحرم من ذلك المكان ولا يلزمه ان يحرم في ذلك الزمان بل له التأخير) * إفساد الحج يقتضي القضاء بالاتفاق وقد روينا عن كبار الصحابة رضى الله عنهم انهم قالوا وقضي من قابل ولا فرق في وجوب القضاء بين حج الفرض وحج التطوع فان التطوع يصير بالشروع فرضا ايضا وقضاء كل حجة يجزئ عما كان يجزئ اداؤها لولا الفساد فلا يتأدى بالفرض غيره ولا بالتطوع غيره * ولو افسد القضاء بالجماع لزمته الكفارة ولم يلزمه إلا قضاء واحد لان المقضي واحد ويتصور القضاء في عام الافساد بان يحصر بعد الافساد ويتعذر عليه المضي في الفاسد فيتحلل ثم يتفق زوال الحصر والوقت باق فيشتغل بالقضاء * هذا اصل الفصل ويتعلق به صور (احداها) في
كيفية وجوب القضاء وجهان (احدهما) انه على التراخي كما كان الاداء علي التراخي (واصحهما) انه على الفور لانه لزم وتضيق بالشروع ويدل عليه ظاهر قول الصحابة رضى الله عنهم انه يقضى من(7/473)
قابل وعن القفال اجراء هذا الخلاف في كل كفارة وجبت بعدوان لان الكفارة في وضع الشرع على التراخي كالحج (وأما) الكفارة الواجبة من غير عدوان فهي على التراخي لا محالة وأجرى الامام رحمه الخلاف في المتعدى بترك الصوم أيضا والكلام في انقسام قضاء الصوم إلى الفور والتراخي والخلاف فيه قد مر في كتاب الصوم * قال الامام والمتعدي بترك الصلاة يلزمه قضاؤها على الفور بلا خلاف على المذهب لان المصمم على ترك القضاء مقتول عندنا ولا يتحقق هذا إلا مع توجه الخطاب بمبادرة القضاء وهذا ما أورده المصنف حكما وتوجيها وفى التوجيه وقفة لان أكثر الاصحاب لم يعتبروا فيما يناط به القتل ترك القضاء على ما عرفت في باب تارك الصلاة (وأما) الحكم فاعلم أن في وجوب الفور وجهين في حق المتعدى (أحدهما) وبه اجاب في الكتاب انه يجب لان جواز التأخير توع ترفيه وتخفيف والمتعدي لا يستحق ذلك ويحكي هذا عن أبي اسحق وهو الاشبه على ما ذكرنا في ترك الصوم (والثاني) انه لا يجب إذ الوقت قد فات واستوت بعده الاوقات وربما رجح العراقيون هذا الوجه (وأما) غير المتعدى فالمشهور انه لا يلزمه الفور في القضاء روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " فاتته صلاة الصبح فلم يصلها حتي خرج من الوادي " ونقل في التهذيب وجها انه يلزمه لقوله صلى الله عليه وسلم " فليصلها إذا ذكرها " الثانية ان كان قد أحرم في الاداء قبل الميقات مثل ان أحرم من الكوفة أو من دويرة أهله لزمه أن يخرج في القضاء من ذلك الموضع لان ما بين ذلك الموضع مسافة لزمه قطعها محرما في الاداء فيلزمه في القضاء كما بين الميقات ومكة ولو جاوزه اراق دما كما لو جاوز الميقات الشرعي * وان كان قد أحرم بعد مجاوزة الميقات نظر ان جاوزه مسيئا لزمه في القضاء ان يحرم الميقات الشرعي وليس له ان يسئ ثانيا وهذا معني قول الاصحاب يحرم في القضاء من أغلظ الموضعين عليه من الميقات أو من حيث أحرم في الاداء وان جاوزه غير مسئ بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم افسد فقد حكى الشيخ أبو على فيه وجهين (أحدهما) وهو الذى أوره صاحب التهذيب ان عليه ان يحرم في القضاء من
الميقات الشرعي لانه الواجب في الاصل (وأصحهما) عند الشيخ أبي على انه لا يلزم ذلك بل له أن يحرم(7/474)
من ذلك الموضع سلوكا بالقضاء مسلك الاداء ولهذا لو اعتمرا المتمتع من الميقات ثم أحرم بالحج من مكة وأفسده لا يلزمه في القضاء أن يحرم من الميقات بل يكفى أن يحرم من جوف مكة * ولو افرد الحج ثم احرم بالعمرة من ادنى الحل ثم افسدها يكفيه ان يحرم في قضائها من أدنى الحل والوجهان مفروضان فيما إذا لم يرجع الي الميقات فما فوقه (اما) إذا رجع ثم عاد فلا بد من الاحرام من الميقات * واعلم قوله في الكتاب لزمه في القضاء ان يحرم من ذلك المكان بالميم والحاء لان مالكا وابا حنيفة رحمهما الله قالا يحرم في قضاء الحج من الميقات وفى قضاء العمرة من التنعيم * ولا يجب ان يحرم بالقضاء في الزمان الذي احرم فيه بالاداء بل له التأخير عنه مثل ان يحرم بالاداء في شوال له ان يحرم بالقضاء في ذى القعدة وفرقوا بين الزمان والمكان بأن اعتناء الشرع بالميقات المكاني أكمل الا ترى ان مكان الاحرام يتعين بالنذر وزمانه لا يتعين حتى لو نذر الاحرام بالحج في شوال له أن يؤخره وظني ان هذا الاستشهاد لا يسلم عن النزاع (الثالثة) ولم يذكرها في الكتاب لو كانت المرأة محرمة ايضا نظر ان جامعها وهى نائمة أو مكرهة لم يفسد حجها وإلا فسد وحينئذ يجب على كل واحد منهما بدنة أو لا يجب إلا بدنة واحدة فيه قولان والاصح الثاني * ثم تلك البدنة تختص بالرجل أو يلاقيها وهو متحمل عنها فيه قولان كما سبق في الصوم وقطع قاطعون بلزوم البدنة عليها بخلاف الصوم لان هناك يحصل الفطر(7/475)
قبل تمام حقيقة الجماع وغير الجماع لا يوجب الكفارة * وإذا خرجت الزوجة للقضاء فهل يجب على الزوج ما زاد من النفقة بسبب السفر فيه وجهان قال في العدة ظاهر المذهب منهما الوجوب * وإذا خرجا معا للقضاء فليفترقا في الموضع الذى اتفقت الاصابة فيه كيلا تدعوه الشهوة إلي المعاودة فان معهد الوصال مشوق وهل يجب فيه قولان (القديم) نعم وبه قال أحمد لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال " فإذا أتيا المكان الذى أصابا فيه ما أصابا تفرقا " (والجديد) لا وبه قال أبو حنيفة كما لا يجب في سائر المنازل ويستحب أن يتفرقا من حين الاحرام وذهب مالك
الي وجوبه * قال (ولو أفسد القارن ففى لزوم دم القران وجهان وتفوت العمرة بفساد القران وهل تفوت بفوات الحج في القران فيه وجهان وجه الفرق أن التحلل عن الفائت بأعمال العمرة) * يجوز للمفرد بأحد النسكين إذا فسده أن يقضيه مع الآخر قارنا وان يتمتع بالعمرة إلى الحج ويجوز للمتمتع والقارن القضاء على سبيل الافراد ولا يسقط دم القران بالقضاء علي سبيل الافراد خلافا لاحمد رحمه الله * إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسألتان (إحداهما) إذا جامع القارن لم يخل اما أن يجامع قبل التحلل الاول أو بعده (الحالة الاولى) أن يجامع قبله فيفسد نسكاه ويجب عليه بدنة واحدة لاتحاد الاحرام وهل يلزم دم القران مع البدنة فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لم يتمتع بقرانه(7/476)
وقد ذاق وبال الافساد فيكتفي به (وأظهرهما) ولم يورد المعظم سواه نعم لانه لزم بالشروع فلا يسقط بالافساد * وعن أبي حنيفة رحمه الله لا بدنة الا مع الا فساد كما سبق ويلزمه شاتان لانهما نسكان ثم إذا اشتغل بقضائهما فان قرن أو تمتع فعليه دم آخر وإلا فقد اشار الشيخ أبو على رحمه الله تعالى إلى خلاف فيه ومال مالك إلى انه لا يجب شئ آخر * (الثانية) أن يجامع بعد التحلل الاول فلا يفسد واحد من نسكيه واحتج له بأن عروض المفسد بعد التحلل من العبادة لا يؤثر ألا ترى انه إذا سلم التسليمة الاولى من الصلاة ثم اتي بمفسد لم تفسد صلاته ولا فرق بين ان يكون قد أتى بأعمال العمرة أو لم يأت بها وعن الاودنى انه إذا لم يأت بشئ من اعمال العمرة تفسد العمرة والمذهب الاول لان العمرة في القران تتبع الحج في الحكم ولهذا يحل للقارن معظم محظورات الاحرام بعد التحلل الاول وان لم يأت بأعمال العمرة * ولو قدم القارن مكة وطاف وسعى ثم جامع بطل نسكاه جميعا وان كان ذلك بعد أعمال العمرة * ثم الواجب في هذه الحالة بدنة أو شاة فيه قولان قد سبقا (المسألة الثانية) القارن إذا فاته الحج لفوات الوقوف هل يقضى بفوات عمرته فيه قولان وقال الامام وصاحب الكتاب وجهان (اظهرهما) نعم اتباعا للعمرة للحج كما تفسد بفساده وتصح بصحته (والثانى) لا لان وقتها موسع ويخالف الفساد لان من فاته الحج يتحلل بعمل عمرة فلا معنى لتفويت
عمرته مع اتيانه بها واتساع وقتها وإذا قلنا بفواتهما فعليه دم واحد للفوات ولا يسقط عنه دم القران وإذا قضاهما فالحكم على ما ذكرنا في قضائهما عند الافساد وان قرن أو تمتع فعليه دم ثالث وإلا فعلى الخلاف *(7/477)
قال (والجماع دائر بين الاستمتاعات والاستهلاكات فان الحق بالاستمتاعات كان النسيان عذرا فيه) * جميع ما ذكرنا في جماع العامد العالم بالتحريم فأما إذا جامع ناسيا أو جاهلا بالتحريم ففى فساد حجه قولان (القديم) وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزنى رحمه الله أنه يفسد لانه سبب معلق به وجوب القضاء فأشبه الفوات في استواء عمده وسهوه (والجديد) انه لا يفسد إلا أن يعلم فيدوم عليه ووجهه ان الحج عبادة تتعلق الكفارة بافسادها فيختلف حكمها بالعمد والسهو كالصوم ويفارق الفوات لان الفوات يتعلق بارتكاب محظور ولا يخفى افتراق الطرفين في الاصول (وقوله) والجماع دائر بين الاستمتاعات والاستهلاكات إلى آخره أشار به إلى ما ذكره الائمة ان معنى الاستمتاع بين في الجماع وفيه مشابهة الاستهلاك ولهذا يضمن به المهر بالقولان مبنيان على ان أي المعتبين يرجح ان رجحنا معني الاستمتاع فرقنا بينهما كما في الطيب واللباس وهو الاصح (وقوله) كان النسيان عذرا فيه معلم - بالحاء والميم والزاى - لما عرفته من مذهبهم ولو اكره على الوطئ فمنهم من جعل الفساد على وجهين بناء على القولين في الناسي وعن أبى على بن ابى هريرة رحمه الله القطع بالفساد ذهابا إلى ان اكراه الرجل على الوطئ ممتنع * ولو أحرم عاقلا ثم جن فجامع ففيه القولان في جماع الناسي والله اعلم *(7/478)
قال (ويفسد الحج بالردة طالت أو قصرت فلو عاد إلى الاسلام لم يلزم المضى في الفاسد على أحد الوجهين لان الردة محبطة) * لما تكلم فيما يفسد الحج وهو الجماع أراد أن يبين أن المفسد هل هو منحصر فيه أم لا وفقه الفصل
أن الاصحاب اختلفوا في أن عروض الردة في خلال الحج والعمرة هل يفسدهما على وجهين (أحدهما) أنها لا تفسدهما لكن لا يعتد بالمأتى به في زمان الردة على ما مر نظيره في الوضوء والاذان (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنها تفسدهما كما تفسد الصوم والصلاة ولا فرق على الوجهين بين أن يطول زمانها أو يقصر وإذا قلنا بالفساد فوجهان (أظهرهما) أنه يبطل النسك بالكلية حتى لا يمضى فيه لا في الردة ولا إذا عاد إلى الاسلام لان الردة محبطة للعبادة (والثانى) أن سبيل الفساد ها هنا كسبيله عند الجماع فيمضى فيه لو عاد إلى الاسلام لكن لا تجب الكفارة كما أن افساد الصوم بالردة لا تتعلق به الكفارة ومن قال بالاول فرق بينها وبين الجماع بمعنى الاحباط وأيضا فان ابتداء الاحرام لا ينعقد مع الردة بحال وفى انعقاده مع الجماع ثلاثة أوجه (أحدها) أنه ينعقد على الصحة فان نزع في الحال فذاك والا فسد نسكه وعليه البدنة والقضاء والمضى في الفاسد (والثانى) أنه ينعقد فاسدا وعليه القضاء والمضى فيه مكث أو نزع ولا تجب الفدية ان نزع في الحال وان مكث وجبت وهل هي بدنة أو شاة يخرج على القولين في نظائر هذه الصورة (الثالث) أنه لا ينعقد أصلا كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث *(7/479)
قال (النوع السادس مقدمات الجماع كالقبلة والمماسة فكل ما ينقض الطهارة منها يوجب الفدية أنزل أو لم ينزل (م) ولا نجب البدنة الا بالجماع وأما النكاح والانكاح لا ينعقدان من المحرم (ح) ولا فدية فيه) * مقصود الفصل مسألتان (احداهما) ليس للمحرم التقبيل بالشهوة ولا المباشرة فيما دون الفرج كالمفاخذة واللمس بالشهوة قبل التحلل الاول فان الاعتكاف يحرم جميع ذلك ومعلوم أن الاحرام أولي بتحريمه فيه وفى حلها بعد التحلل الاول ما مر من الخلاف وحيث ثبت التحريم وباشر شيأ منها عمدا وجبت عليه الفدية روى عن على وابن عباس رضي الله عنهما " أنهما أوجبا بالقبلة شاة " وان كان ناسيا لم يلزمه شئ بلا خلاف لانه استمتاع محض ولا يفسد شئ منها الحج ولا يوجب البدنة بحال سواء أنزل أو لم ينزل وبه قال أبو حنيفة * وعند مالك يفسد الحج إذا أنزل وهو أظهر
الروايتين عن أحمد * لنا أنه استمتاع لا يتعلق به الحد فلا يفسد الحج كما لو لم ينزل وليكن قوله ولا تلزم البدنة الا بالجماع معلما بالميم والالف لما روينا عنهما وايضا فلان عن احمد روايتين في أنه تجب بدنة أو شاة تفريعا على عدم الفساد في صورة الانزال وايضا فلانه روى عنه هذا الخلاف في صورة عدم الانزال وقد نجد في النسخ اعلام قوله أو لم ينزل بالميم لان صاحب الكتاب حكى في الوسيط عن مذهب(7/480)
مالك انه لا يجب الدم عند الانزال والاغلب على الظن انه وهم فيه (فرعان) (الاول) الاستمناء باليد يوجب الفدية في اصح الوجهين (الثاني) لو باشر دون الفرج ثم جامع هل تدخل الشاة في البدنة أو يجبان جميعا فيه وجهان (المسألة الثانية) لا ينعقد نكاح المحرم ولا إنكاحه ولا نكاح المحرمة ولا يستحب خطبة المحرم وخطبة المحرمة والقول في هذه المسألة والخلاف فيها وتفاريعها ياتي في كتاب النكاح ان شاء الله تعالى * قال (فان قيل فلو باشر جميع هذه المحظورات فهل يتداخل الواجب قلنا ان اختلف الجنس كالاستهلاك والاستمتاع لم يتداخل وإن اختلف النوع في الاستهلاك كالقلم والحلق لم يتداخل ايضا * وجزاء الصيود لا يتداخل * وان اتحد النوع والزمان في الاستمتاع تداخل كما إذ البس العمامة والسراويل والخف على التواتر المعتاد فيكفيه دم واحد وإن تخلله زمان فاصل فقولان في الاتحاد ومعهما تخلل التكفير تعدد * وإن اختلف النوع في الاستمتاع كالتطيب واللبس فالاصح التعدد وان كان العذر شاملا كما لو حلق أو تطيب أو تستر بسبب شجة مرة واحدة أو تطيب مرارا بسبب مرض واحد ففى التداخل وجهان ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة اوقات وقلنا لا اثر لتفريق الزمان فالواجب دم والا فثلاثة دراهم على قول وثلاثة امداد على قول)(7/481)
الغرض الآن الكلام فيما إذا وجد من المحرم من محظورات الاحرام شيئان فصاعدا وبيان انه متى تتعدد الفدية ومتى تتداخل ولو اخر هذا الفصل إلى ان يذكر النوع السابع ايضا لكان احسن في الترتيب * وجملة القول فيه ان المحظورات تنقسم إلى استهلاك كالحلق واستمتاع كالتطيب
وإذا باشر محظورين فاما ان يكون احدهما من قسم الاستهلاك والآخر من الاستمتاع أو يكونا معا من قسم الاستهلاك أو من قسم الاستمتاع (الحالة الاولى) ان يكون احدهما من هذا والآخر من ذاك فينظر ان لم يستند إلى سبب واحد كحلق الراس ولبس القميص تعددت الفدية ولا تداخل لان السبب مختلف ولا تداخل عند اختلاف السبب كما في الحدود وإن استند إلى سبب واحد كما إذا أصاب رأسه شجة واحتاج الي حلق جوانبها وسترها بضماد فيه طيب فوجهان (أصحهما) أنه لا تداخل أيضا لاختلاف أسباب الفدية (والثانى) أنها تتداخل لان الداعي الي جميعها شئ واحد * (الحالة الثانية) أن يكون كلاهما من قسم الاستهلاك فلا يخلو إما أن يكونا مما لا يقابل بالمثل أو بما يقابل به أو أحدهما من هذا والآخر من ذاك فاما الضرب الاول فينظر إن اختلف نوعه كالحلق والقلم فلا تداخل ويجب لكل واحدا فدية سواء وجد على سبيل التفرق أو التوالى في مكان واحد أو مكانين كالحدود لا تتداخل إذا اختلفت أسبابها ولا فرق بين أن يوجد النوعان بفعلين أو في ضمن فعل واحد كما لو لبس ثوبا مطيبا يلزمه فديتان وفيه وجه أنه لا يجب إلا فدية واحدة * وان اختلف النوع كما إذا كان الموجود منه الحلق لا غير فقد سبق أن حكم ثلاث(7/482)
شعرات يقابل بدم واحد ولو حلق جميع الراس دفعة واحدة في مكان واحد لم يلزمه الا فدية واحدة لانه يعد فعلا واحدا وكذا لو حلق شعر رأسه وبدنه على التواصل * وعن الانماطى أنه يلزمه فدية لشعر الرأس وفدية لشعر البدن * ولو حلق شعر رأسه في مكانين أو في مكان واحد ولكن في زمانين متفرقين ففى التداخل طريقان (احدهما) وبه قال القاضي أبو الطيب انه كما لو اتحد نوع الاستمتاع واختلف المكان والزمان وستعرفه (واصحهما) وبه قال الشيخ ابو حامد القطع بعدم التداخل لانه اتلاف فيضمن كل واحد ببدله كما في قتل الصيود ويخالف ما إذا حلق شعره أو قلم أظفاره دفعة واحدة فان وجوب الفدية الواحدة ليس علي سبيل التداخل بل لان الموجود فعل واحد * ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة امكنة أو ثلاثة اوقات متفرقة (فان قلنا) ان كل شعرة تقابل بثلث دم فلا فرق بين أخذهما دفعة واحدة أو في دفعات (وان) قلنا ان الشعرة
الواحدة تقابل بمد أو درهم والشعرتين بمدين أو درهمين فينبني على الخلاف الذى ذكرناه الآن وان لم نعدد الفدية فيما إذا حلق الراس في دفعتين أو دفعات ولم نجعل لتفريق الزمان اثرا فالواجب فيها دم كما لو اخذها دفعة واحدة وان عددناها وجعلنا التفريق مؤثر اقطعنا حكم كل شعرة عن الاخريين واوجبنا فيها ثلاثة دراهم على قول وثلاثة امداد علي قول * (والضرب الثاني) ما يقابل بمثله وهو اتلاف الصيود فتتعدد فديتها سواء فدى عن الاول أو لم يفد اتحد المكان أو اختلف(7/483)
والى أو فرق لان سبيلها سبيل ضمان المتلفات وحكم الضرب الثالث حكم الضرب الثاني بلا فرق (الحالة الثالثة) ان يكون كلاهما من قسم الاستمتاع فلا يخلو اما ان يتحد النوع أو يختلف (القسم الاول) ان يتحد كما لو تطيب بانواع من الطيب أو لبس انواعا من المخيط كالعمامة والقميص والسراويل والخف أو نوعا واحدا مرة بعد اخرى فينظر ان فعل ذلك في مكان واحد علي التوالي فلا تعدد لان جميعه يعد خطة واحدة * قال الامام ولا يقدح في التوالى طول الزمان في مضاعفة القميص وتكوير العمامة ويشبه هذا بالرضعة الواحدة في الرضعاع والاكلة الواحدة في اليمين وهذا ما أشار إليه صاحب الكتاب بقوله على التتابع المعتاد * وإن فعل ذلك في مكانين أو مكان واحد ولكن تخلل زمان فاصل فينظر ان لم يتخلل التكفير بينهما فقولان (الجديد) وبه قال أبو حنيفة انه يجب للثاني فدية اخرى كما في الاتلاف (والقديم) انه لا يجب وتتداخل لان الفدية تجب لحق الله تعالى ويفرق فيها بين العامد والناسى فاشبهت الجنايات الموجبة للحدود (فان قلنا) بالاول فذلك إذا لم يجمعها سبب واحد (اما) إذا تطيب أو لبس مرارا لمرض واحد فوجهان كما ذكرنا في الحالة الاولى (وأصحهما) التعدد أيضا * وإن تخلل بينهما تكفير فلا خلاف في وجوب فدية أخرى كما في باب الحدود * وإن كان قد نوى بما اخرجه الماضي والمستقبل جميعا فيبنى على أن تقديم الكفارة على الجنب المحظور هل يجوز ام لا (ان قلنا) لا فلا أثر لهذه النية (وان قلنا) نعم فوجهان (احدهما) ان الفدية ملحقة بالكفارة في جواز التقديم فلا يلزمه للثاني شئ (والثانى) المنع كما لا يجوز للصائم ان يكفر قبل الافطار(7/484)
(والقسم الثاني) أن يختلف النوع كما إذا لبس وتطيب فوجهان في تعدد الفدية وان اتحد المكان وتواصل الزمان (أحدهما) أنها لا تتعدد لان المقصد واحد وهو الاستمتاع ويحكي هذا عن ابن أبى هريرة (وأصحهما) التعدد لتباين السبب ومنهم من نظر إلى اتحاد السبب وتعدده كما قدمنا نظيره وما ذكرنا كله في غير الجماع (أما) إذا تكرر منه الجماع فقد ذكرنا حكمه من قبل * هذا شرح الفصل ولا تلمني علي ما لحق مسائله من التقديم والتأخير فالذي أوردته أحسن ما حضرني من طرق الشرح وفوق كل ذى علم عليم * ويجوز أن يعلم قوله وجزاء الصيود لا يتداخل أيضا بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله انها لا تتداخل إذا قتلها الا على قصد رفض الاحرام (فاما) إذا قتلها قاصدا رفض الاحرام لم يجب إلا جزاء واحد * قال (النوع السابع اتلاف الصيد ويحرم بالحرم والا حرام كل صيد مأكول ليس مائيا من غير فرق بين أن يكون مستأنسا (م) أو وحشيا مملوكا أو مباحا (م) ويحرم التعرض لاجزائه ولبيضه وما ليس مأكولا فلا جزاء فيه (ح) الا إذا تولد من مأكول وغير مأكول وصيد البحر حلال) * من محظورات الاحرام الاصطياد قال الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقال الله تعالى (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) .
ولا يختص تحريمه بالاحرام بل له سبب آخر وهو كونه في الحرم ولما اشترك السببان فيما يقتضيانه من التحريم والجزاء ومعظم المسائل جرت العادة بخلط أحدهما بالآخر وذكر ما يشتركان فيه وما يختص به كل واحد منهما في هذا الموضع فقد جعل صاحب الكتاب الكلام في السبب الاول في نظرين (أحدهما) في الصيد المحرم وفيما يجب به ضمانه (والثانى) في أن الضمان ماذا (أما) الاول فالصيد المحرم كل مأكول متوحش ليس مائيا هذه عبارة صاحب الكتاب في الوسيط واستغني ههنا بلفظ الصيد عن المتوحش فانه لا يقع عن الحيوانات الانسية وبين ما يدخل في الضابط المذكور ويخرج عنه بصور (إحداها) لا فرق بين المستانس والوحشي لانه وان استانس لا يبطل حكم توحشه الاصلى كما أنه لو توحش انسى لا يحرم التعرض له ابقاء لحكمه الاصلى *(7/485)
وقال مالك لا جزاء في المستانس ولا فرق في وجوب الجزائين بين أن يكون الصيد مملوكا كالانسان أو
مباحا نعم يجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيا ومذبوحا لحق المالك وعن المزني أنه لا جزاء في الصيد المملوك * لنا ظاهر القرآن (الثانية) كما يحرم التعرض للصيد يحرم التعرض لاجزائه بالجرح والقطع لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحرم " لا ينفر صيدها " ومعلوم أن القطع والجرح أعظم من التنفير وإذا جرحه ونقصت الجراحة من قيمته فياتي القول فيما يجب عليه في النظر الثاني وإن برئ ولم يبق نقصان ولا اثر فهل يلزمه شئ فيه وجهان * هذا كالخلاف فيما إذا جرحه فاندملت الجراحة ولم يبق نقص ولا شين هل يجب شئ ويجرى الخلاف فيما نتف ريشه فعاد كما كان * (الثالثة) بيض الطائر المأكول مضمون بقيمته خلافا لمالك حيث قال فيه عشر قيمة البائض وللمزني حيث قال لا يضمن اصلا * لنا ما روى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " قضى في بيض نعام أصابه المحرم بقيمته " فان كانت مذرة فلا شئ عليه بكسرها كما(7/486)
لو قد صيدا ميتا الا في بيض النعامة ففيها قيمتها لان قشرها منتفع به * قاله في الشامل ولو نفر طائرا عن بيضته التي استحضنها ففسدت فعليه القيمة ولو أخذ بيض دجاجة فاحصنها صيدا ففسد بيضه أو لم يحضنه ضمنه لان الظاهر أن الفساد نشأ من ضم بيض الدجاجة الي بيضه * ولو أخذ بيضة صيد واحضنها دجاجة فهو في ضمانها إلى أن يخرج الفرخ ويصير ممتنعا حتي لو خرج ومات قبل الامتناع لزمه مثله من النعم ولو كسر بيضة وفيها فرخ ذو روح فطار وسلم فلا شئ عليه وان مات فعليه مثله من النعم ولو حلب لبن صيد فقد قال كثير من ائمتنا من العراقيين وغيرهم أنه يضمن وحكوا عن أبى حنيفة رحمه الله انه ان نقص الصيد به ضمنه والا فلا واحتجوا عليه بانه ماكول انفصل من الصيد فاشبه البيض وذكر القاضى الرويانى في التجربة أنه لا ضمان في اللبن بخلاف البيض فانه بعرض ان يخلق منه مثله (الرابعة) ما ليس بماكول من الدواب والطيور صنفان ما ليس له أصل ماكول وما أحد أصليه ماكولا (أما) الصنف الاول فلا يحرم التعرض(7/487)
له بالاحرام ولو قتله المحرم لم يلزمه الجزاء وبه قال أحمد روى انه صلى الله عليه وسلم
قال " يقتل المحرم السبع العادى " ومعلوم أن الاسد والنمر والفهد سباع عادية وقال أبو حنيفة رحمة الله يجب الجزاء بقتل غير المملوك من الصيد الا الذئب والفواسق الخمس وقال مالك رحمة الله مالا يبتدى بالايذاء يجب الجزاء فيه كالصقر والبازى * ثم الحيوانات الداخلة في هذا الصنف على أضرب (منها) ما يستحب قتلها للمحرم وغيره وهى المؤذيات بطبعها نحو الفواسق الخمس روى انه صلى الله عليه وسلم قال " خمس فواسق يقتلن في الحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " وروى أنه قال " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح فذكرهن " وفى معناها الحية والذئب(7/488)
والنسر والعقاب والبق والبرغوث والزنبور ولو ظهر القمل على بدن المحرم أو ثيابه لم يكره تنحيته ولو قتله لم يلزمه شئ ويكره له أن يفلى رأسه ولحيته وان فعل فاخرج منها قملة وقتلها تصدق ولو بلقمة نص عليه وهو عند الاكثرين محمول على الاستحباب ومنهم من قال انه يجب ذلك لما فيه من إزالة الاذى عن الرأس (ومنها) الحيوانات التى فيها منفعة ومضرة كالفهد والصقر والبازى فلا يستحب قتلها لما يتوقع من المنفعة ولا يكره لما يخاف من المضرة (ومنها) التي لا تظهر فيها منفعة ولا مضرة كالخنافس والحلان والسرطان والرحمة والكلب الذى ليس بعقور فيكره قتلها * ولا يجوز قتل النحل والنمل والخطاف والضفدع لورود النهى عن قتلها وفى وجوب الجزاء بقتل الهدهد والصرد خلاف مبني على الخلاف في جواز أكلها * (والصنف) الثاني ما أحد أصليه مأكول كالمتولد بين الذئب والضبع وبين حمار الوحش وحمار الاهل فيحرم التعرض له ويجب الجزاء فيه احتياطا كما يحرم(7/489)
أكله احتياطا واعلم أن الصنف الاول يخرج عن الضابط المذكور بقيد المأكول لكن الصنف الثاني يدخل فيه ويحرم الضبط والوجه أن يزاد فيه فيقال كل صيد هو ماكول أو في أصله ماكول * (الخامسة) الحيوانات الانسية كالنعم والخيل والدجاج يجوز للمحرم ذبحها ولا جزاء عليه وأما ما يتولد من الوحشى والانسى كالمتولد من اليعقوب والدجاجة أو الظبي والشاة فيجب في ذبحه الجزاء احتياطا كما في المتولد من المأكول وغير المأكول وطريق ادراجه في الضابط يقاس بما ذكرناه
فيه (السادسة) انما يحرم صيد البر على المحرم دون صيد البحر قال الله تعالى (أحل لكم صيد البحر) الآية قال الاصحاب وصيد البحر الذى لا يعيش الا في البحر أما ما يعيش في البر والبحر فهو كالبر والطيور المائية التى تغوص في الماء وتخرج من صيود البر لانها لو تركت في الماء لهلكت والجراد من صيد البر يجب الجزاء بقتله وبه قال عمر وابن عباس رضي الله عنهما وحكى الموفق ابن طاهر وغيره قولا غريبا أنه من صيود البحر لانه يتولد من روث السمك والله أعلم * قال (ويضمن هذا الصيد بالمباشرة والسبب واليد والسبب كنصب الشبكة أو ارسال كلب أو انحلال رباطه بنوع تقصير في ربطه أو تنفير صيد حتى يتعثر قبل سكون نفاره فكل ذلك يوجب الضمان إذا أفضي إلى التلف * ولو حفر المحرم بئرا في ملكه لم يضمن ما تردى فيه ولو حفر في الحرم فوجهان ولو أرسل كلبا حيث لا صيد فعرض صيد ففى الضمان وجهان) * قد عرفت ان الصيد المحرم أي صيد هو والغرض الآن بيان الجهات التى يضمن بها ذلك الصيد وهي ثلاث (الاولى) مباشرة الاتلاف وهي ثلاثة (والثانية) التسبب إليه وموضع تفسيره وضبطه كتاب الجنايات وتكلم ههنا في صور (احداها) لو نصب شبكة في الحرم أو نصب المحرم شبكة فتعقل بها صيد وهلك فعليه الضمان سواء نصبها في ملك نفسه أو ملك غيره لان نصب الشبكة يقصد بها الاصطياد فهو بمثابة الاخذ باليد (الثانية) لو ارسل كلبا فاتلف صيد اوجب عليه الضمان لان ارسال الكلب يسبب إلى الهلاك ولو كان الكلب مربوطا فحل رباطه فكذلك لان السبع شديد الضراوة بالصيد فيكفى في قصد الصيد حل الرباط وان كان الاصطياد لا يتم الا بالاغراء * ولو انحل الرباط لتقصيره في الربط نزل ذلك منزلة الحل وحكى الامام رحمه الله في هذه الصورة تردد الائمة فليكن قوله(7/490)
أو انحلال رباطه معلما بالواو لذلك وحيث اوجبنا الضمان في هذه المسائل فذلك إذا كان ثم صيد فان لم يكن فأرسل الكلب أو حل رباطه فظهر صيد فوجهان (أحدهما) انه لا يضمن إذا لم يوجد منه قصد الصيد (وأرجحهما) على ما رواه الامام انه يضمن لحصول التلف بسبب فعله وجهله لا يقدح فيه كما سنذكره في حفر البئر (الثالثة) لو نفر المحرم صيدا فتعثر فهلك أو اخذه سبع أو انصدم بشجر
أو جبل وجب عليه الضمان سواء قصد تنفيره أو لم يقصد ويكون في عهدة المنفر إلى ان يعود الصيد إلى طبيعة السكون والاستقرار فلو هلك بعد ذلك فلا شئ عليه ولو هلك قبل سكون النفار ولكن بآفة سماوية ففى الضمان وجهان (أحدهما) يجب ويكون دوام أثر النفار كاليد المضمنة (وأشبهما) انه لا يجب لانه لم يهلك بسبب من جهة المحرم ولا تحت يده (الرابعة) لو حفر المحرم أو حفر في الحرم بئرا في محل عدوان فتردى فيها صيد وهلك فعليه الضمان ولو حفره في ملكه أو في موات فأما في حق المحرم فظاهر المذهب انه لا ضمان كما لو تردت فيها بهيمة أو آدمى ونقل صاحب التتمة وجها غريبا أنه يجب الضمان (وأما) في الحرم فوجهان مشهوران (أحدهما) انه لا ضمان كما لو حفر المحرم في ملكه (والثانى) يجب لان حرمة الحرم لا تختلف وصار كما لو نصب شبكة في الحرم في ملكه وأومأ صاحب التهذيب رحمه الله إلى ترجيح الوجه الاول لكن الثاني أشبه ويحكى ذلك عن الربيع وصاحب التلخيص ولم يورد في التتمة غيره * قال (ولو دل حلالا على صيد عصى ولا جزاء عليه وفى تحريم الاكل عليه منه قولان وما ذبحه لنفسه فأكله حرام عليه وهل هو ميتة في حق غيره فيه قولان وكذا صيد الحرم) * في الفصل مسألتان (إحداهما) لو دل الحلال محرما على صيد فقتله وجب الجزاء على المحرم ولا شئ على الحلال سواء كان الصيد في يده أو لم يكن نعم هو مسئ بالاعانة على المعصية ولو دل المحرم حلالا على صيد فقتله نظر ان كان الصيد في يد المحرم وجب عليه الجزاء لان حفظه واجب عليه ومن يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ كما لو المودع السارق على الوديعة وإن لم يكن في يده وهو مسألة الكتاب فلا جزاء علي الدال ولا على القاتل أما القاتل فلانه حلال وأما الدال فكما لو دل(7/491)
رجلا على قتل انسان لا كفارة على الدال وساعدنا مالك رحمه الله على ذلك وقال أبو حنيفة رحمه الله ان كانت الدلالة ظاهرة فلا جزاء عليه وان كانت خفية ولولاها لما رأى الحلال الصيد يجب الجزاء وسلم في صيد الحرم انه لا جزاء على الدال * وعن أحمد ان الجزاء يلزم الدال والقاتل بينهما * وقوله في الكتاب وفي تحريم الاكل منه عليه قولان صريح في اثبات الخلاف في أن المحرم هل يجوز
له أن يأكل من الصيد الذي دل عليه الحلال حتى قتله لكن الوجه ان تغير هذه اللفظة ويجوز أن يجعل مكانها وفي وجوب الجزاء عليه عند الاكل منه قولان أما التغيير فلانك إذا بحثت لم تر نقل الخلاف في جواز الاكل للمحرم والصورة هذه لا لغير صاحب الكتاب وله له في الوسيط وغيره بل وجدتهم جازمين بحرمة الاكل علي المحرم مما صيد له أو باعانته بسلاح وغيره أو باشارته ودلالته محتجين عليه بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " لحم الصيد حلال لكم في الاحرام ما لم تصطادوه أو لم يصطد لكم "(7/492)
وبما روى أن أبا قتاده رضى الله عنه " خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فتخلف عن بعض أصحابه وهو حلال وهم محرمون فرأو احمر وحش فاستوى علي فرسه ثم سال أصحابه أن ينا ولوه سوطا فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه وحمل على الحمر فعقر منها اتانا فأكل منها بعضهم وأبي بعضهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه فقال هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقى من لحمها " أشعر ذلك بالتحريم إذا كان الاصطياد باعانته أو دلالته(7/493)
أو له وعجيب أن يكون نقل القولين صوابا ثم يغفل عنه كل من عداه من الاصحاب وهو أيضا في غير هذا الكتاب (وأما) جواز التبديل بما ذكرت فلان القولين في أن ما صيد للمحرم أو بدلالته أو باعانته لو أكل منه هل يلزمه جزاؤه مشهوران (أحد) القولين وهو القديم وبه قال مالك واحمد رحمهما الله انه يلزمه القيمة بقدر ما أكل لان الاكل فعل محرم في الصيد فيتعلق به الجزاء كالقتل ويخالف ما لو ذبحه وأكله حيث لا يلزم بالاكل جزاء لان وجوبه بالذبح اغنى عن جزاء آخر (والجديد) انه لا يلزم لانه ليس بنام بعد الذبح ولا يؤول إلى النماء فلا يتعلق باتلافه الجزاء كما لو اتلف بيضة مذرة * (واعلم) أن هذه المسالة مذكورة في الكتاب من بعد وتبديل اللفظ يفضى الي التكرار لكنى لا أدرى على ماذا يحمل ان لم يحتمل التكرار * ولو امسك محرم صيدا حتي قتله غيره نظر ان كان حلالا فيجب الجزاء علي المحرم لتعدية بالامساك والتعريض للقتل وهل يرجع به علي الخلاف * قال الشيخ أبو حامد لا لانه غير ممنوع من التعرض للصيد وقال القاضى أبو الطيب نعم * هذا ما أورده في التهذيب وشبهه
بما إذا غصب شيئا فاتلفه متلف في يده يضمن الغاصب ويرجع على المتلف وإن كان محرما أيضا فوجهان (أظهرهما) أن الجزاء كله على القاتل لانه مباشر ولا أثر للامساك مع المباشرة (والثاني) أن لكل واحد من الفعلين مدخلا في الهلاك فيكون الجزاء بينهما نصفين وقال في العدة الصحيح أن الممسك يضمنه باليد والقاتل يضمنه بالاتلاف فان أخرج الممسك الضمان رجع به على المتلف وان أخرج المتلف لم يرجع على الممسك (المسالة الثانية) إذا ذبح المحرم صيدا لم يحل له الاكل منه وهل يحل الاكل منه لغيره فيه قولان (الجديد) وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله أنه ميتة لانه ممنوع من الذبح لمعنى فيه فصار كذبيحة المجوسى فعلى هذا لو كان مملوكا وجب مع الجزاء القيمة للمالك (والقديم) أنه لا يكون ميتة ويحل لغيره الاكل منه لان من يحل بذبحه الحيوان الانسى يحل بذبحه الصيد كالحلال فعلى هذا لو كان الصيد مملوكا فعليه مع الجزاء ما بين قيمته حيا ومذبوحا للمالك وهل يحل له بعد زوال الاحرام فيه وجهان (أظهرهما) لا وفى صيد الحرم إذا ذبح طريقان (أظهرهما) طرد القولين والآخر القطع بالمنع والفرق أن صيد الحرم منع منه جميع الناس في جميع الاحوال فكان آكد تحريما وليكن قوله وكذا صيد الحرم معلما بالواو لمكان الطريقة الاخرى * قال (واثبات اليد عليه سبب الضمان الا ئاذا كان في يده فاحرم ففى لزوم رفع اليد قولان فان قلنا يلزم ففى زوال ملكه قولان وإن قلنا لا يلزم فلو قتله ضمن لانه ابتداء اتلاف * ولو(7/494)
اشترى صيدا وقلنا إن الاحرام لا يقطع دوام الملك ففيه قولان كما في شراء الكافر العبد المسلم والصحيح أنه يرث ثم يزول ملكه) * الثالثة من جهات الضمان اثبات اليد ويد المحرم على الصيد إما أن يقع ابتداؤها في حال الاحرام أو يكون ابتداؤها سابقا على الاحرام (أما) اثبات اليد عليه ابتداء في حال الاحرام فهو حرام غير مفيد للملك فإذا أخذ صيدا ضمنه كما يضمن الغاصب ما يتلف في يده بل لو تولد تلف الصيد بما في يده لزمه الضمان كما لو كان راكب دابة فاتلفت صيدا بعضها أو رفسها وكذا لو بالت في الطريق فزلق به صيد وهلك كما لو زلق به آدمى أو بهيمة (أما) لو انفلت بعيره فاصاب الصيد فلا شئ عليه نص علي ذلك كله (واما) إذا تقدم ابتداء اليد على
الاحرام فان كان في يده صيد مملوك ثم احرم فهل يلزمه رفع اليد عنه فيه قولان (احدهما) لا كما لا يلزمه تسريح زوجته وان حرم ابتداء النكاح عليه (والثاني) نعم لان الصيد لا يراد للدوام فتحرم استدامته كالطيب واللباس ويحرم عليه النكاح فانه يقصد للدوام وهذا أصح القولين على ما ذكره المحاملى والكرخي وغيرهما من العراقيين (واعلم) أنا نعنى برفع اليد الارسال والاطلاق الكلي وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله يجب رفع اليد المتأبدة عنه ولا يجب رفع اليد الحكمية والارسال المطلق (التفريع) ان لم نوجب الارسال فهو على ملكه له بيعه وهبته لكن لا يجوز له قتله ولو قتله يجب الجزاء كما لو قتل عبده يلزمه الكفارة ولو أرسله غيره لزمه القيمة للمالك وإن قتله فكذلك فان كان محرما لزمه الجزاء أيضا ولا شئ على المالك كما لو مات * وان أوجبنا الارسال فهل يزول ملكه عنه فيه قولان (أحدهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله لا كما لا يبين زوجته (والثاني) نعم كما يزول حل الطيب واللباس وهذا أصح عند العراقيين وعكس بعض الاصحاب الترتيب فوضع القولين في زوال الملك أولا ثم قال ان قلنا لا يزول الملك ففى وجوب الارسال قولان والامر فيه قريب (التفريع) ان قلنا يزول ملكه فارسله غيره أو قتله فلا شئ عليه ولو أرسله المحرم فاخذ غيره ملكه ولو لم يرسله حتى تحلل فهل عليه ارساله فيه وجهان (أحدهما) وهو المنصوص نعم لانه كان مستحق الارسال فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعدية بالامساك (والثانى) ويحكى عن أبى اسحق انه لا يجب ويعود ملكا له كالعصير إذا تخمر ثم تخلل وحكى الامام رحمه الله على هذا القول وجهين في أنه يزول بنفس الاحرام أو الاحرام يوجب عليه الارسال فإذا أرسل حينئذ يزول والاول أشبه بكلام الجمهور (وإن قلنا) لا يزول ملكه عنه فليس لغيره أخذه ولو أخذه لم يملكه ولو قتله ضمنه وهو بمثابة المنفلت من يده وعلى القولين جميعا(7/495)
لو مات الصيد في يده بعد إمكان الارسال لزمه الجزاء لانها مفرعان علي وجوب الارسال وهو مقصر بالامساك * ولو مات الصيد قبل إمكان الارسال فقد حكم الامام رحمه الله وجهين في وجوب الضمان وقال المذهب وجوبه ولا خلاف في أنه لا يجب تقديم الارسال على الاحرام (وقوله) في الكتاب ففى لزوم رفع اليد قولان يجوز أن يعلم لفظ القولين بالواو لان القاضى ابن كج روى
عن أبي اسحق طريقة قاطعة بانه لا يلزم وحيث قال بالارسال اراد به الاستحباب (وقوله) لانه ابتداء اتلاف أراد به أنا على هذا القول وإن جوزنا استدامة اليد والملك فلا يجوز الاتلاف لان الاتلاف ليس باستدامة وإنما هو ابتداء فعل وكان الاحسن في التعبير عن هذا الغرض أن يقول لان الاتلاف ابتداء ثم في الفصل مسالتان (احداهما) لو اشترى المحرم صيدا أو اتهب أو أوصى له فقبل يفرع ذلك على الخلاف الذي سبق (ان قلنا) ان الملك يزول عن الصيد بالاحرام لا يملكه بهذه الاسباب لان من منع من ادامة الملك فهو أولي بالمنع من ابتدائه وان قلنا لا يزول ففى صحة الشراء والهبة قولان بناء على القولين فيما إذا شترى الكافر عبدا مسلما ويدل على المنع ما روى ان الصعب ابن جثامة " أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال إنا لم نرد عليك إلا انا حرم " فان صححنا هذه العقود فذاك وإلا فليس له القبض فان قبض فهلك في يده فعليه الجزاء لله تعالي والقيمة للبائع وان رده عليه سقطت القيمة ولا يسقط ضمان الجزاء الا بالارسال وإذا أرسل كان كما إذا اشترى عبدا مرتدا فقتل في يده وفى أنه من ضمان من يتلف خلاف سنذكره في موضعه ان شاء الله تعالى * (الثانية) إذا مات له قريب وفى ملكه صيد هل يرثه ان جوزنا الشراء وغيره من الاسباب الاختيارية نعم والا فوجهان والاظهر ثبوته لانه لا اختيار فيه وعلي هذا فقد ذكر الامام وصاحب الكتاب انه يزول ملكه عقيب ثبوته بناء علي أن الملك يزول عن الصيد بالاحرام وفى التهذيب وغيره ما ينازع في زواله عقيب ثبوته لانهم قالوا إذا ورثه فعليه ارساله فان باعه صح ولا يسقط عنه ضمان الجزاء حتى لو مات في يد المشترى يجب الجزاء علي البائع وانما يسقط عنه إذا أرسله المشترى (وان قلنا) بانه لا يرث فالملك في الصيد لسائر الورثة واحرامه بالاضافة إلى الصيد مانع من موانع الميراث * كذا أورده أبو سعيد المتولي وذكر أبو القاسم الكرخي على هذا الوجه انه احق به فيوقف حتى يتحلل فيتملكه * ولو اشترى صيدا من انسان ووجد به عيبا(7/496)
وقد أحرم البائع فان قلنا يملك الصيد بالارث يرد عليه والا فوجهان لان منع الرد اضرار بالمشترى ولو باع صيدا وهو حلال وأحرم ثم أفلس المشترى بالثمن لم يكن له الرجوع علي الاصح كالشراء
والاتهاب بخلاف الارث فانه قهرى ولو استعار المحرم صيدا أو أودع عنده كان مضمونا بالجزاء عليه وليس له التعرض له فان ارسله سقط عنه الجزاء وضمن القيمة للمالك وان رده إلى المالك لم يسقط عنه ضمان الجزاء ما لم يرسله المالك وحيث صار الصيد مضمونا على المحرم بالجزاء فان قتله حلال في يده فالجزاء علي المحرم وان قتله محرم آخر فالجزاء عليهما أو علي القاتل ومن في يده طريق فيه وجهان * قال (وإن أخذ صيد اليداوية كان وديعة (ح) والناسى كالعامد في الجزاء لا في الاثم ولو صال عليه صيد فلا ضمان في دفعه ولو أكله في مخمصة ضمن * ولو عم الجراد المسالك فتخطاه المحرم ففيه وجهان) * في هذه البقية صور (إحداها) لو خلص المحرم صيدا من فم هرة أو سبع أو من شق جدار أو اخذه ليداويه ويتعهده فمات في يده هل يضمن فيه قولان كما لو أخذ المغصوب من الغاصب ليرده علي الملك فهلك في يده (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمة الله عليه يضمن لان المستحق لم يرض بيده فتكون يده يد ضمان (والثاني) لا يضمن لانه قصد المصلحة فتجعل يدوه ديعة والقولان معا منصوصان في عيون المسائل وايراده يقتضى ترجيح الثاني منهما وهو المذكور في الكتاب (الثانية) الناسي كالعامد في وجوب الجزاء لا في الاثم أما افتراقهما في الاثم فلما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان " الخبر (وأما) استواؤهما في وجوب الجزاء فلان الاتلاف يوجب الضمان على العامد والخاطئ على نسق واحد بدليل الضمانات الواجبة للآدميين وخرج بعض الاصحاب في وجوب الضمان على الناسي قولين لانه حكي عن نصه قولان فيما إذا أحرم ثم جن وقتل صيدا (أحدهما) وجوب الضمان لما ذكرنا (والثاني) المنع لان الصيد على الاباحة وإنما يخاطب بترك التعرض(7/497)
له من هو أهل للتكليف والخطاب * وقد ذكرنا هذا الخلاف مرة في النوع الرابع من المحظورات (وقوله) في الكتاب والناسي كالعامد يجوز اعلامه بالواو لذلك وبالالف أيضا لان أبا نصر بن الصباغ ذكر أن في رواية عن أحمد لا جزاء على المخطئ بحال (الثالثة) لو صال الصيد على محرم أو
في الحرم فقتله دفعا فلا ضمان عليه لانه بالصيال التحق بالمؤذيات * وعن أبى حنيفة رحمه الله انه يجب ولو ركب إنسان صيدا وصال على محرم ولم يمكن دفعه إلا بقتل الصيد فقتله فالذي أورده الاكثرون انه يجب عليه الضمان لان الاذى ههنا ليس من الصيد * وحكى الامام أن القفال رحمه الله ذكر فيه قولين (أحدهما) ان الضمان على الراكب ولا يطالب به المحرم (والثاني) انه يطالب المحرم ويرجع بما غرم على الراكب * وان ذبح صيدا في مخمصة وأكله ضمن لانه أهلكه لمنفعة نفسه من غير ايذاء من الصيد * ولو اكره محرم أو محل في الحرم على قتل صيد فقتله فوجهان (أحدهما) ان الجزاء على المكره (والثاني) على المكره ثم يرجع على المكره وعن أبى حنيفة أن الجزاء في صيد الحرم علي المكره وفى الاحرام علي المكره (الرابعة) ذكرنا ان الجراد مما يضمن بالقيمومة بيضه مضمون بالقيمة كاصله فلو وطئها عامدا أو جاهلا ضمن ولو عمت المسالك ولم يجد بدا من وطئها فوطئها ففى الجزاء قولان وقال الامام وصاحب الكتاب وجهان (أحدهما) يجب لانه قتلها لمنفعة نفسه فصار كما لو قتل صيدا في المخمصة (وأظهرهما) لا يجب لانها الجأته إليه فاشبه صورة الصيال * وحكي الشيخ أبو محمد رحمه الله طريقة أخرى قاطعة بانه لا جزاء فيجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لذلك * ولو باض صيد في فراشه ولم يمكنه رفعه ألا بالتعرض للبيض وفسد بذلك ففيه هذا الخلاف *(7/498)
قال (النظر الثاني في الجزاء فالواجب في الصيد مثله من النعم أو طعام بمثل قيمة النعم أو صيام يعدل (ج) الطعام لك يوم مد فان انكسر مد كمل وهو على التخيير فان لم يكن مثليا كالعصافير وغيرها فقدر قيمته طعاما أو عدل ذلك صياما والعبرة في قيمة الصيد بمحل الاتلاف وفي قيمة النعم بمكة لانه محل ذبحه) * الصيد ينقسم إلى مثلي ونعنى به ماله مثل من النعم والى ما ليس بمثلى (أما) الاول فجزاؤه على التخيير والتعديل فيتخير بين أن يذبح مثله فيتصدق به على مساكين الحرم إما بأن يفرق اللحم أو يملك جملته إياهم مذبوحا ولا يجوز أن يخرجه حيا وبين أن يقوم المثل دراهم ثم لا يجوز أن يتصدق بالدراهم ولكن ان شاء اشترى بها طعاما وتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء صام عن كل مد من الطعام يوما حيث كان قال الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم)
إلى قوله صياما (وأما) الثاني وهو ما ليس بمثلى كالعصافير وغيرها من الطيور على ما ستعرف ضروبها ففيه قيمته ولا يتصدق بها بل يجعلها طعاما ثم إن شاء تصدق بها وان شاء صام عن كل مد يوما فان انكسر مد في القسمين صام يوما لان الصوم لا يتبعض * وإذا تأملت هذا التفصيل عرفت ان للجزاء(7/499)
ثلاثة أركان في القسم الاول الحيوان والطعام والصيام وركنين في الثاني وهما الطعام والصيام وهي أو هما على التخيير في ظاهر المذهب * وعن رواية ابي ثور قول انها على الترتيب وهو أضعف الروايتين عن احمد وقال مالك رحمه الله ان لم يخرح المثل عن المثلى يقوم الصيد لا المثل * وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجب المثل بل عليه قيمة الصيد فان شاء تصدق بها وان شاء اشترى بها شيئا من النعم التي تجزى في الاضحية فذبح وان شاء صرفها إلى الطعام فاعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره أو صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من غيره يوما * وعن احمد انه لا يخرج الطعام وانما التقويم بالطعام لمعرفة قدر الصيام وحكاية هذه المذاهب تنبئك ان قوله في الكتاب مثله من النعم ينبغي ان يكون معلما بالحاء (وقوله) أو طعام بالالف (وقوله) مثل قيمة النعم بالميم (وقوله) لكل مد يوم بالحاء (وقوله) على التخيير بالالف والواو * وإذا لم يكن الصيد مثليا فالعبرة في قيمته بمحل الاتلاف وان كان مثليا واراد تقويم مثله من النعم ليرجع إلى الاطعام أو(7/500)
الصيام فالعبرة في قيمته بمكة يومئذ * هذا نصه ونقل بعض الشارحين فيه طريقين (أصحهما) الجريان على ظاهر النصين (أما) اعتبار قيمة محل الاتلاف في الحالة الاولى فقياسا على كل متلف متقوم (وأما) اعتبار قيمة مكة في الاخرى فلان محل ذبح المثل مكة لو كان يذبح فإذا عدل عنه عدل بقيمته في محل الذبح (والطريق الثاني) انهما على قولين وحيث اعتبرنا قيمة مكان الاتلاف فقد ذكر الامام احتمالين في أن المعتبر في الصرف إلى الطعام سعر الطعام في ذلك المكان أيضا أو سعر الطعام بمكة والظاهر منهما الثاني * قال (والمثلي كالنعامة ففيه بدنة وفي حمار الوحش بقرة وفي الضبع كبش وفي الارنب عناق
وفي الظبي عنز وفي اليربوع جفرة وفي الصغير صغير وفي الكبير كبير ويحكم بالمماثلة عدلان فان كان القاتل أحدهما وهو مخطئ غير فاسق ففي جوازه وجهان * وفي الحمام شاة وفي معناه القمري والفواخت وكل ما عب وهدر * وما دونه فيه القيمة وما فوقه فيه قولان (أحدهما) القيمة قياسا والثاني الحاقه بالحمام) *(7/501)
من المهم في الباب معرفة أن المثل ليس معتبرا على التحقيق وانما هو معتبر على التقريب وليس معتبرا في القيمة بل في الصورة والخلقة لان الصحابة رضى الله عنهم حكموا في النوع الواحد من الصيد بالنوع الواحد من النعم مع اختلاف البلاد وتفاوت الازمان واختلاف القيم بحسب اختلافها فعلم أنهم اعتبروا الخلقة والصورة * إذا تقرر ذلك فالكلام في الدواب ثم في الطيور (أما) الدواب فما ورد فيه نص فهو متبع وكذلك كل ما حكم فيه عدلان من الصحابة أو التابعين أو من أهل عصر آخر من النعم أنه مثل للصيدا لمقتول يتبع حكمهم ولا حاجة إلى تحكيم غيرهم قال الله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) وقد حكما * وعن مالك أنه لا بد من تحكيم عدلين من أهل العصر وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " انه قضى في الضبع بكبش " وعن الصحابة رضى الله عنهم أنه قضوا في النعامة ببدنة وفي حمار الوحش وبقر الوحش ببقرة وفي الغزال بعنز وفي الارنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وعن عثمان رضى الله أنه حكم في أم حبين بحلان وعن عطاء ومجاهد أنهما حكما في الوبر بشاة * قال الشافعي رضى الله عنه إن كانت العرب تأكله ففيه جفرة لانه ليس بأكبر بدلا منها وعن عطاء ان في الثعلب شاة وعن عمر رضى الله(7/502)
عنه أن في الضب جديا وعن بعضهم أن في الابل بقرة * واعف ههنا شيئين (أحدهما) تفسير ما يشكل من هذه الالفاظ.
أما العناق فهو اسم الانثى من ولد المعز قال أهل اللغة وهي عناق من حين تولد إلى أن ترعى والجفرة هي الانثى من ولد المعز تفطم وتفصل عن أمها وتأخذ في الرعي وذلك بعد اربعة اشهر والذكر جفر هذا معناهما في اللغة ويجب أن يكون المراد من الجفرة ههنا ما دون العناق فان الارنب خير من اليربوع وأم حبين دابة على خلقة الحرباء عظيمة البطن ومنه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال
ممازحا لبلال رضى الله عنه وقد تدحرج بطنه " أم حبين " قال الشيخ أبو محمد وأرى هذا الحيوان من صغار الضب حتى يفرض مأكولا * واعلم أن في حل أم حبين ترددا نذكره في كتاب الاطعمة ان شاء الله تعالى والقول بوجوب الجزاء مفرع على الحل (وأما) الحلان فمنهم من فسره بالحمل ومنهم من فسره بالجدي والحلام كالحلان والوبر دابة كالجراد الا أنها أنبل وأكرم منها وهي كحلاء من جنس بنات عرس تكون في الفلوات وربما أكلها البدويون والانثى وبرة (الثاني) قد نجد في كتب بعض الاصحاب أن في الظبي كبشا وفي الغزال عنزا وهكذا أورد أبو القاسم الكرخي وزعم أن الظبي ذكر الغزال وأن الغزال الانثى قال الامام والذي ذكره هؤلاء وهم بل الصحيح أن في الظبي عنزا وهو شديد الشبه به فانه اجرد الشعر متقلص الذنب وأما الغزال فهو ولد الظبي فيجب فيه ما يجب في الصغار فهذا هو القول فبما ورد فيه نقل وأما ما لم ينقل فيه عن السلف شئ فيرجع فيه إلى قول عدلين قال الله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) وليكونا فقيهين كيسين وهل يجوز أن يكون قاتل الصيد أحد الحكمين أو يكونا قاتلا الصيد الحكمين ان كان القتل عمدا وعدوانا فلا لانه يورث الفسق والحكم لا بد وأن يكون عدلا وان كان خطأ أو كان مضطرا إليه فوجهان (احدهما) وبه قال مالك انه لا يجوز كما لا يجوز ان يكون المتلف أحد المقومين (واصحهما)(7/503)
انه يجوز لما روى " ان رجلا قتل ضبا فسأل عمر رضى الله عنه فقال احكم فيه فقال انت خير مني وأعلم يا امير المؤمنين فقال انا امرتك ان تحكم فيه ولم آمرك ان تزكيني فقال الرجل ارى فيه جديا فقال عمر رضى الله عنه فذلك فيه " وايضا فانه حق الله تعالى فيجوز ان يكون المؤمن عليه امينا فيه كما ان رب المال امين في الزكاة * ولو حكم عدلان بان له مثلا وآخر عن بانه لا مثل له فلا خذ بقول الاولين إلى قاله في العدة.
(واما) الطيور فتقسم إلى حمام وغيره أما الحمام ففيه شاة روى ذلك عن عمر وعثمان وعلى وابن عمر وابن عباس وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب وغيرهم رضى الله عنهم وعلام بني ذلك فيه وجهان (أحدهما) أن ايجابها لما بينهما من الشبه فان كل واحد منهما يألف البيوت ويأنس بالناس (واصحهما) أن مستنده توقيف بلغهم فيه (وأما) غيره فان كان أصغر من الحمام في الجثة كالزرزور والعصفورة والبلبل والقنبرة والوطواط فالواجب فيه القيمة قياسا وقد روى عن الصحابة رضى الله عنهم أنهم حكموا في
الجراد بالقيمة ولم يقدروا * وان كان أكبر من الحمام أو مثلا له ففيهما قولان (أحدهما) أن الواجب شاة لانها لما وجبت في الحمام فلان تجب فيما هو أكبر منه كان أولى (والثاني) وهو الجديد وأحد قوليه في القديم أن الواجب القيمة قياسا كما لو كان أصغر * وعن الشيخ أبي محمد ان بناء القولين على المأخذين السابقين ان قلنا وجوب الشاة توقيف صرف ففي الاكبر أيضا شاة استدلالا وان قلنا انه ماخوذ من المشابهة بينهما فلا وقوله في الكتاب ففيها بدنة وفي حمار الوحش بقرة إلى آخرها يجوز إعلامها بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله لا يوجب المثل في شئ من الصيود (وقوله) وفي الصغير صغير أراد به أن كل جنس من الصيود المثلية يعتبر فيما يجب فيه من النعم المماثلة في الصغر والكبر ففي الصغير صغير وفي الكبير كبير لظاهر قوله تعالى (مثل ما قتل من النعم) والكلمة معلمة بالميم لان عند مالك الواجب الكبير وان كان الصيد صغيرا وقوله وهو مخطئ غير فاسق قد عرفت مما مر أنه لم يذكره (وقوله) وفي الحمام شاة معلم بالميم لان مالكا إنما يوجب الشاة في حمامة الحرم وأما حمامة الحل إذا قتلها المحرم فالواجب عنده فيها القيمة (وقوله) وفي معناه القمري والفواخت وكل ما عب وهدر ظاهره يقتضى خروج هذه الطيور عن تفسير الحمام والحاقها به في الحكم لكن المشهور أن اسم الحمام يقع على كل ما عب وهدر فمنه صغار وكبار ويدخل فيه اليمام وهي التي تالف البيوت والقمري والفاختة والداس والفاس والقطا * والعب هو شرب الماء جرعا وغير الحمام من الطيور تشربه قطرة قطرة والهدير هو(7/504)
ترجيعه صوته وتغريده والا شبه أن ماله عب فله هدير ولو اقتصروا في تفسير الحمام على العب لكفاهم ذلك * يدل عليه نص الشافعي رضى الله عنه في عيون المسائل قال وما عب في الماء عبا فهو حمام وما شرب قطرة قطرة كالدجاج فليس بحمام * قال (فروع يجوز مقابلة المريض بالمريض وفي مقابلة الذكر بالانثى مع التساوي في اللحم والقيمة ثلاثة أقوال في الثالث تؤخذ الانثى عن الذكر كما في الزكاة بخلاف عكسه) * رسم المسائل المذكورة في هذا الموضع إلى راس السبب الثاني فروعا ونحن نشرحها واحدا واحدا (أحدها) المريض من الصيود يقابل بالمريض من مثله من النعم وكذلك المعيب بالمعيب إذا اتحد جنس
العيب كالعوراء بالعوراء وان اختلف الجنس فلا كالعوراء بالحوراء وان كان عور أحدهما باليمين وعور الاخرى باليسار ففي الاجزاء وجهان (أصحهما) ولم يورد العراقيون غيره الاجزاء لتقارب الامر فيه ولو قابل المريض بالصحيح أو المعيب بالسليم فقد زاد خيرا وقال مالك إن ذلك واجب ويفدى الذكر بالذكر والانثى بالانثى وهل يفدى الذكر بالانثى وبالعكس أما فداء الذكر بالانثى فقد ذكروا أن اشارة النص مختلفة فيه وللاصحاب فيه طريقان (أظهرهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) المنع لانهما مختلفان في الخلقة وذلك مما يقدح في المثلية (وأصحهما) الجواز كما في الزكاة ولان هذا اختلاف لا يقدح في المقصود الاصلي فاشبه الاختلاف في اللون (والطريق الثاني) تنزيل النصين على حالين ان أراد الذبح لم يجز لان لحم الذكر أطيب وإن أراد التقويم جاز لان قيمة الانثى أكثر (وقيل) ان لم تلد الانثى جاز وان ولدت فلا لان الولادة تفسد اللحم وإذا جوزنا ذبح الانثى عن الذكر فهل هو أولى قال بعضهم نعم لان لحم الانثى أرطب وقال القاضي أبو حامد لا لان لحم الذكر أطيب (وأما) فداء الانثى بالذكر ففي جوازه وجهان ويقال قولان كما سبق وحكي الامام طريقة أخرى أن فداء الذكر بالانثى جائز لا محالة كما في الزكاة وإنما التردد في عكسه وإذا اختصرت هذه الاختلافات خرج منها ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب وإذا تأملت ما حكيناه من كلام الاصحاب وجدتهم طاردين للخلاف مع نقصان اللحم * وقال الامام رحمه الله ان كان ما يخرجه ناقصا في طيب اللحم أو في القيمة لم يجزه بلا خلاف والخلاف مخصوص بما إذا لم يكن فيه واحد من النقصانين والى هذا أشار صاحب الكتاب بقوله مع تساوي اللحم والقيمة *(7/505)
قال (ولو قتل ظبية حاملا أخرج طعاما بقيمة شاة حامل حتى لا تفوت فضيلة الحمل بالذبح وقيل يذبح شاة حائلا بقيمه الحال ولو القت الظبية جنينا ميتا فليس فيه الا ما ينقص من الام وان انفصل حيا ثم مات فعليه جزاؤة) * الفرع الثاني إذا قتل صيدا حاملا من ظبية وغيرها قابلناه بمثله من النعم حاملا لان الحمل فضيلة مقصودة فلا سبيل إلى اهمالها لكن لا تذبح الحامل لان فضيلة الحامل بالقيمه لتوقع الولد
والا فلحم الحائل خير من لحمه فإذا ذبح فاتت فضيلته من غير فائدة تحصل للمساكين فيقوم المثل حاملا ويتصدق بقيمته طعاما وفي وجه يجوز ان يذبح حائلا نفيسا بقيمة حامل وسط ويجعل التفاوت بينهما كالتفاوت بين الذكر والانثى * ولو ضرب بطن صيد حامل فالقى جنينا ميتا نظر ان ماتت الام أيضا فهو كما لو قتل حاملا وان عاشت ضمن النقص الذي دخل على الام ولا يضمن الجنين بخلاف جنين الامة يضمن بقيمة عشر الام لان الحمل يزيد في البهائم فيمكن ايجاب ما بين قيمتها حائلا وحاملا وينقص في قيمة الآدميات فلا يمكن اعتبار ذلك وان القت جنينا حيا ثم مات ضمن كل واحد منهما بانفراده وان مات الولد وعاشت الام ضمن الولد بانفراده وضمن النقص الذي دخل على الام * قال (وان جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه الطعام بعشر ثمن شاة كيلا يحتاج إلى التجزئة وقيل عشر شاة) * الفرع الثالث قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر ان جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه عشر من ثمن شاة وقال المزني تخريجا عليه عشر شاة واختلف الاصحاب في ذلك فقال الاكثرون الامر على ما قاله المزني لان كل الظبية مقابل بالشاة فيقابل بعضها ببعضها تحقيقا للمماثلة وهؤلاء رفعوا الخلاف وقالوا انما ذكر الشافعي رضي الله عنه القيمة لانه قد لا يجد شريكا في ذبح شاة ويتعذر عليه إخراج العشر بقسطه من الحيوان فارشد إلى ما هو الاسهل فان جزاء الصيد على التخيير فعلى هذا هو مخير بين اخراج العشر وبين ان يصرف قيمته إلى الطعام ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما ومنهم من جرى على ظاهر النص وقال الواجب عشر القيمة وأثبت في المسألة قولين (المنصوص) وما أخرجه المزني رحمه الله وهذا ما أورده في الكتاب (أما) وجه التخريج فقد عرفته (وأما)(7/506)
وجه المنصوص فهو أنا لو أوجبنا العشر لاحتاج إلى التجزئة والتقسيط وفيه حرج وعسر فوجب أن نعدل إلى غيره كما عدلنا عن ايجاب جزء من بعير في خمس من الابل إلى شاة ولا يلزم من مقابلة الجملة بالمثل مقابلة الجزء بجزء من المثل الا ترى أنه لو أتلف حنطة على انسان لزمه مثلها ولو بلها ونقص
قيمتها لا يجب عليه الا ما نقص فعلى هذا لو لم يرد الاطعام ولا الصيام مالذي يخرج حكى القاضي ابن كج أن عن بعضهم أنه ان وجد شريكا أخرجه ولم يخرج الدراهم والا فعليه اخراجها * وعن أبي هريرة ان له اخراجها وان وجد شريكا * وعن أبي اسحق أنه مخير بين اخراج العشر وبين اخراج الدراهم فهذه ثلاثة أوجه * ونقل أبو القاسم الكرخي وغيره أنه لا يجزئه اخراج عشر المثل وقال في التهذيب لا يتصدق بالدراهم ولكن يصرفها إلى الطعام ويتصدق به أو يصوم عن كل مد يوما * وهذا ما أشار إليه في الكتاب حيث قال فعليه الطعام بعشر ثمن المثل والاشبه من هذا كله تفريعا على المنصوص ان أثبتنا الخلاف تعين الدراهم والله أعلم وقوله بعشر ثمن شاة أراد بالثمن القيمة كما في لفظ الشافعي رضى الله عنه (واعلم) أن جميع ما ذكرناه فيما إذا كان الصيد مثليا فأما إذا جنى على صيد غير مثلى فلا كلام في أن الواجب ما نقص من القيمة والله أعلم * قال (ولو أزمن صيدا فكمال جزائه فان قتله غيره فعليه جزاؤه معيبا ولو أبطل قوة المشي والطيران من النعامة ففي تعدد الجزاء وجهان) * ما ذكرنا في الفرع الثالث مصور فيما إذا اندمل الجرح وبقى الصيد ممتنعا اما بعدوه كالغزال أو بطيرانه كالحمام فأما إذا اندمل الجرح وصار الصيد زمنا فهذا هو الفرع الرابع وفيما يلزم به وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب وبه قال أبو حنيفة رحمه الله انه يلزم به جزاء كامل لانه بالازمان صار كالمتلف ولهذا لو أزمن عبدا يلزمه تمام قيمته (والثاني) ويحكى عن ابن سريج انه يجب عليه قد النقصان لانه لم يهلك بالكلية ألا ترى أن الباقي مضمون لو قتله محرم آخر فعلى هذا يجب قسط من المثل أو من قيمة المثل فيه الكلام السابق * ولو جاء محرم آخر وقتله إما بعد الاندمال أو قبله فعليه جزاؤه مزمنا لما ذكرنا ان المعيب يقابل بمثله ويبقى الجزاء على الاول بحاله ومنهم من قال ان أوجبنا جزاءا كاملا عاد ههنا إلى قدر النقصان لانه يبعد ايجاب جزاءين لمتلف واحد ولو عاد المزمن وقتله نظر ان قتله قبل الاندمال فليس عليه الا جزاء واحد كما لو قطع(7/507)
يدى رجل ثم حز رقبته قبل الاندمال لا يلزمه الا دية واحدة وخرج ابن سريج رحمه الله ثم ان أرش الطرف ينفرد عن دية النفس فيجئ مثله ههنا * وان قتله بعد الاندمال أفرد كل واحد منهما بحكمه ففي القتل جزاؤه مزمنا وفيما يجب بالازمان الخلاف السابق وإذا اوجبنا بالازمان جزاءا كاملا فلو كان للصيد امتناعان كالنعامة لها امتناع بشدة العدو وامتناع في الجناح فأبطل أحد امتناعيه ففيما يلزمه وجهان (احدهما) انه يتعدد الجزاء لتعدد الامتناع (وأصحهما) انه لا يتعدد لاتحاد المنع وعلى هذا فما الذي يجب قال الامام الغالب على الظن أنه يعتبر ما نقص لان امتناع النعامة في الحقيقة واحد الا انه يتعلق بالرجل والجناح فالزائل بعض الامتناع * ولو جرح صيدا فغاب ثم وجده ميتا ولم يدر انه مات بجراحته أو بسبب حادث فالواجب جزاء كامل أو ضمان الجرح فقط كما لو علم انه مات بسبب آخر فيه قولان والله أعلم * قال (وإذا أكل من لحم صيد ذبحه غيره حل له إلا إذا صيد له (ح) أو صيد بدلالته فلا يحل الاكل منه فان أكل ففي وجوب الجزاء قولان ولو أكل من صيد ذبحه لم يتكرر الجزاء (ح) بالاكل) * الفرع الخامس قد مر ان المحرم يحرم عليه الاصطياد والاكل من صيد ذبحه وانه يحرم عليه الاكل أيضا مما اصطاد له حلال أو باعانته أو بدلالته فأما ما ذبحه حلال من غير اعانته ودلالته فلا يحرم الاكل منه لما روينا من حديث أبي قتادة وغيره وقوله في الكتاب إذا صيد له معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة إذا لم يعن ولم يأمر به لم يحرم عليه ولا عبرة بالاصطياد له من غير أمره ولم يحك حجة الاسلام رحمه الله ههنا خلافا في حل ما صيد بدلالته وحكى قبل في هذا قولين والحق ما فعله ههنا وتكلمنا على المذكور من قبل وشرحنا في أثناء الكلام المسألة التي أوردها ههنا وهي قوله فان أكل أي مما صيد له أو بدلالته ففي وجوب الجزاء قولان ولو أكل المحرم من صيد ذبحه بنفسه لم يلزمه بالاكل شئ آخر وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه القيمة بقدر ما أكل وسلم في صيد الحرم انه لا يلزم في أكله بعد الذبح شئ آخر * لنا قياس الاول على الثاني * قال (ولو اشترك المحرمون في قتل صيد واحد أو قتل القارن صيدا أو قتل المحرم صيدا حرميا اتحد الجزاء لاتحاد (ح) المتلف) *
الفرع السادس إذا اشترك محرمان أو محرمون في قتل صيد لم يلزمهم الا جزاء واحد وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ومالك رحمهما الله حيث قالا يجب على كل واحد جزاء كامل * لنا ان المقتول واحد فيتحد جزاؤه كما لو اشتركوا في قتل صيد حرمى ويفارق ما إذا اشترك جماعة في قتل آدمي(7/508)
حيث يجب علي كل احد منهم كفارة كاملة على الصحيح لان كفارة الصيد تتجزأ ألا ترى انها تختلف بصغر المقتول وكبره ويجب إذا جرح الصيد بقدر النقصان وكفارة الآدمى لا تختلف بصغر المقتول وكبره ولا تجب في الاطراف * ولو اشترك محل ومحرم في قتل صيد فعلى المحرم نصف الجزاء ولا شئ على المحل * ولو قتل المحرم القارن صيد لم يلزمه الا جزاء واحد وكذا لو باشر غيره من محظورات الاحرام وبه قال مالك وكذا أحمد في أظهر الروايتين خلافا لابي حنيفة حيث قال يلزمه جزاآن * لنا ما سبق في الصورة الاولى * ولو قتل الحرم صيدا حرميا لم يلزمه الا جزاء واحد لاتحاد المتلف وهذا كما ان الدية لا تتغلظ مرارا باجتماع أسباب التغليظ * قال (السبب الثاني للتحريم الحرم وجزاؤه كجزاء الاحرام (ح) ويجب على من رمى من الحل الي الحرم أو بالعكس ولو قطع السهم في مروره هواء طرف الحرم فوجهان ولو تخطي الكلب طرف الحرم فلا جزاء الا إذا لم يكن له طريق سواه * ولو أخذ حمامة في الحل فهلك فرخها في الحرم أو بالعكس ضمن الفرخ) * صيد حرم مكة حرام على المحل والمحرم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ان الله تعالى حرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها قال العباس الا الاذخر يا رسول الله فانه لبيوتنا وقبورنا فقال الا الاذخر " والقول في الصيد المحرم وفيما يجب به الجزاء وفى أن الجزاء ماذا يقاس بما سبق في الاحرام الا أن المحرم ليس له ذبح الصيد الذى يملكه وفى وجوب ارساله إذا أحرم الخلاف الذى مر ولو أدخل الحرم صيدا مملوكا له كان له أن يمسكه ويذبحه كيف شاء كالنعم لانه صيد الحل دون الحرم وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله ليس له ذبحه ولو ذبح فعليه الجزاء * واعلم قوله في االكتاب وجزاؤه كجزاء الاحرام بالحاء لان عند أبى حنيفة لا مدخل للصيام في جزاء
صيد الحرم * لنا انه صيد مضمون بالجزاء فكان جزاؤه كجزاء الصيد في حق المحرم * ثم في الفصل مسألتان (إحداهما) لو رمى من الحل إلي صيد في الحرم فقتله فعليه الضمان لانه أصاب الصيد في موضع آمن ولو رمى من الحرم إلى صيد في الحل فقتله فعليه الضمان أيضا لان الصيد محرم على من في الحرم وكذا الحكم في ارسال الكلب * وكذا لو رمى حلال إلي صيد فاحر قبل أن يصيبه أو رمى محرم إلى صيد فتحلل قبل أن يصيبه وجب الضمان في الحالتين * ولو رمي إلى صيد بعضه في الحل وبعضه في الحرم وجب الضمان أيضا تغليبا للحرمة والاعتبار بالقوائم ولا نظر إلى الرأس ولو رمي من الحل إلى صيد في الحل ولكن قطع السهم في مروره هواء الحرم ففى وجوب(7/509)
الضمان وجهان (أحدهما) لا يجب لوقوع الطرفين في الحل فصار كما لو أرسل كلبا في الحل إلى صيد في الحل فتخطى طرف الحرم (والثانى) يجب لانه أوصل السهم إليه في الحرم ويخالف مسألة الكلب لان للكلب فعلا واختيارا والسهم لا اختيار له ولهذا قالوا لو رمى إلى صيد في الحل فعدا الصيد ودخل الحرم فأصابه السهم وجب الضمان وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب ولو رمى إلى صيد الحل فلم يصبه واصاب صيدا في الحرم وجب الضمان وبمثله لو أرسل كلبا لا يجب فدل على الفرق ويشبه أن يكون هذا أظهر الوجهين ولم يورد صاحب العدة غيره * ثم في مسألة ارسال الكلب وتخطيه طرف الحرم انما لا يجب الضمان إذا كان للصيد مفر آخر فاما إذا تعين دخوله الحرم عند الهرب فالضمان واجب لا محالة سواء كان المرسل عالما بالحال أو جاهلا غير انه لا يأثم إذا كان جاهلا (الثانية) لو أخذ حمامة في الحل أو قتلها فهلك فرخها في الحرم ضمن الفرخ لانه أهلكه بقطع من يتعهده عنه فاشبه ما لو رمى من الحل إلى الحرم ولا يضمن الحمامة لانها مأخوذة من الحل وعلى عكسه لو أخذ الحمامة من الحرم أو قتلها فهلك فرخها في الحل ضمن الحمامة والفرخ جميعا أما الحمامة فلانها مأخوذة من الحرم وأما الفرخ فكما لو رمى من الحرم إلي الحل ولما جمع صاحب الكتاب بين الطرفين اقتصر في الحكم على ما يشتركان فيه وهو ضمان الفرخ وسكت عن ضمان الحمامة * ولو نفر * صيدا حرميا قاصدا أو غير قاصد تعرض للضمان حتى لو مات بسبب التنفير بصدمة أو أخذ سبع
لزمه الضمان ولو دخل الحل فقتله حلال فعلى المنفر الضمان أيضا قاله في التهذيب بخلاف ما لو قتله محرم يكون الجزاء عليه تقديما للمباشرة * (فرع) لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدا وجب عليه الضمان لان هذا ضمان يتعلق بالاتلاف فاشبه ضمان الاموال * وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي يحتمل عندي أن لا يجب لانه غير ملتزم حرمة الحرم * قال (ونبات الحرم أيضا يحرم قطعه أعنى ما نبت بنفسه دون ما يستنبت ويستثنى عنه الاذخر لحاجة السقوف ولو اختلا الحشيش للبهائم جاز (ح) على أحد الوجهين كما لو سرحها فيه ولو استنبت ما ينبت أو نبت ما يستنبت كان النظر إلى الجنس (و) لا ألي الحال حتى لو نقل اراكا حرميا وغرسه في الحل لم ينقطع حكم الحرم ثم في قطع الشجرة الكبيرة بقرة (م ح) وفى الصغيرة شاة (م ح) وفيما دونهما القيمة كما في الصيد وفى القديم لا يجب (ح) في النبات ضمان) *(7/510)
قطع نبات الحرم حرام كاصطياد صيده للخبر الذى قدمناه وهل يتعلق به الضمان فيه قولان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله نعم لان ممنوع من اتلافه لحرمة الحرم فيجب به الضمان كالصيد (والثانى) ويحكى عن القديم لا وبه قال مالك لان الاحرام لا يوجب ضمان الشجرة فكذلك الحرم * إذا عرفت ذلك فنفصل ونقول النبات شجر وغيره أما الشجر فيحرم التعرض بالقطع والقلع لكل شجر رطب غير مؤذ حرمى فيخرج بقيد الرطب الشجر اليابس فلا شئ في قطعه كما لو قد صيدا ميتا نصفين وبقيد غير المؤذى العوسج وكل شجرة ذات شوك فانها بمثابة الفواسق وسائر المؤذيات فلا يتعلق بقطعها ضمان * هذا هو المشهور ونقل صاحب التتمة وجها آخر انها مضمونة وزعم انه الصحيح لاطلاق الخبر ويفارق الحيوانات فانها تقصد بالاذية ويخرج بقيد الحرمى أشجار الحل ولا يجوز أن يقطع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحل محافظة على حرمتها ولو نقل فعليه الرد بخلاف ما لو نقل من بقعة من الحرم إلى أخرى لا يؤمر بالرد وسواء نقل أشجار الحرم وأغصانها إلى الحل أو الحرم فينظر ان لم ينبت فعليه الجزاء وان نبت في الموضع
المنقول إليه فلاجزاء عليه ولو قلعها قالع لزمه الجزاء استبقاء لحرمة لحرم وعلى عكسه لو قلع شجرة من الحل وغرسها في الحرم فنبتت فلا يثبت لها حكم الحرم بخلاف الصيد يدخل الحرم فيجب الجزاء بالتعرض له لان الصيد ليس باصل ثابت فالوجه اعتبار مكانه والشجر أصل ثابت فله حكم منبته حتى لو كان أصل الشجرة في الحرم وأغصانها في الحل فقطع من أغصانها شيئا فعليه ضمان الغصن ولو كان عليه صيدا فاخذه فلا جزاء عليه وعلى عكسه لو كان اصلها في الحل واغصانه في الحرم وقطع غصنا منها فلا شئ ولو كان عليه صيد فاخذه فعليه الجزاء * وإذا قطع غصنا من شجرة حرمية ولم يخلف فعليه ضمان النقصان وسبيله سبيل جرح الصيد وان اخلف في تلك السنة لكون الغصن لطيفا كالسواك وغيره فلا ضمان وإذا وجب الضمان فلو نبت مكان المقطوع مثله ففى سقوط الضمان قولان كالقولين في السن إذا نبت بعد القلع * ويجوز أخذ أوراق الاشجار لكنها لا تهش حذرا من أن يصيب لحاها (وأما) الشجرة التامة فتضمن ببقرة ان كانت كبيرة وبشاة ان كانت دونها يروى ذلك عن ابن الزبير وابن عباس رضى الله عنهم وغيرهما ومثل هذا لا يطلق الا عن توقيف * قال الامام ولا شك أن البدنة في معنى البقرة وأقرب قول في ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبة من سبع الكبيرة فان الشاة من البقرة سبعا فان صغرت جدا فالواجب القيمة * والامر في ذلك كله على التعديل والتخيير كما في الصيد وهل يعم التحريم والضمان ما ينبت بنفسه من الاشجار(7/511)
وما يستنبت أم يختص بالضرب الاول ذكروا فيه قولين (احدهما) التعميم لان لفظ الخبر مطلق (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله التخصيص بالضرب الاول تشبيها للمستنبتات بالحيوانات الانسية وبالزرع والاول اصح عند ائمتنا العراقيين وتابعهم الاكثرون ومنهم من قطع به لكن الامام وصاحب الكتاب اجابا بالثاني وإذا قلنا به زاد في الضابط قيدا آخر وهو كون الشجر مما ينبت بنفسه وعلي هذا يحرم قطع الطرفا والاراك والعضاة وغيرها من اشجار البوادى وادرج في النهاية العوسج فيها لكنه ذو شوك وفيه ما كتبناه ولا تحرم المستنبتات مثمرة كانت كالنخل والكرم أو غير مثمرة كالصنوبر والخلاف ومما يتفرع على هذا القول انه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه
على خلاف الغالب أو نبت بعض ما يستنبت الام ننظر حكى الامام عن الجمهور أن النظر إلى الجنس والاصل فيجب الضمان في الصورة الاولي ولا يجب في الثانية وعن صاحب التلخيص أن النظر إلى القصد والحال فيعكس الحكم فيهما والاول هو الذى أورده في الكتاب * (وأما) غير الاشجار فان حشيش الحرم لا يجوز قطعه للخبر ولو قطعه فعليه قيمته ان لم يخلف وان اخلف فلا ولا يخرج على الخلاف المذكور في الشجرة فان الغالب ههنا الا خلاف فأشبه سن الصبي * ولو كان يابسا فلا شئ في قطعه كما ذكرنا في الشجر لكن لو قطعه فعليه الضمان لانه لو لم يقطع لنبت ثانيا ذكره في التهذيب ويجوز تسريح البهائم في حشيشة لترعي خلافا لابي حنيفة وأحمد رحمهما الله * لنا ان الهدايا كانت تساق في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وما كانت تشد أفواهها في الحرم * ولو اختلى الحشيش ليعلفه البهائم ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يختلى خلاها " (وأظهرهما) الجواز كما لو سرحها فيه ويستثني عن المنع الاذخر لحاجة السقوف كما ورد في الخبر ولو احتيج إلى شئ من نبات الحرم للدواء فهل يجوز قطعه وجهان (أحدهما) لا لانه ليس في الخبر الا استثناء الاذخر (واصحهما) الجواز لان هذه الحاجة أهم من الحاجة الي الاذخر والله أعلم * وليهن عليك ما لحق مسائل الكتاب من تغيير الترتيب فقد أعلمتك مرارا أن الشرح قد يحوج إليه وقوله دون ما يستنبت معلم بالواو للقول الاصح عند الاكثرين وبالالف لان مذهب أحمد علي ما رواه أصحابنا مثل ذلك القول (وقوله) كما لو سرحها فيها بالحاء والالف وقوله كان النظر الي الجنس بالواو وقوله حتى لو نقل أراكا حرميا وغرسه في الحل لم ينقطع حكم الحرم ليس مذكورا علي سبيل الاحتجاج للوجه الناظر إلى اعتبار الجنس والاصل فان هذه الصورة لا تسلم عن نزاع من ينازع في اعتباره وقال الامام رحمه الله إذا كان صاحب التلخيص يعتبر القصد فلا *(7/512)
تثبت الحرمة لهذه الشجرة إذا غرست في الحرم فما ظنك إذا غرست في الحل فلعله ذكره تفريعا على ذلك الوجه (وقوله) ثم في قطع الشجرة الكبيرة بقرة لفظ البقرة والشاة معلمان بالحاء لان عنده الواجب القيمة دون الحيوان كما ذكر في الصيد وبالميم لان عنده لا جزاء في الشجر وكذلك
لفظ القيمة وقوله وفيما دونها القيمة يبين انه أراد بالصغيرة المتوسطة وإلا فاسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة كيف كانت * (فرع) يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع والبرام يجلب من حد الحل ولا يكره نقل ماء زمزم كانت عائشة رضى الله عنها تنقله وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " استهداه من سهل بن عمرو عام الحديبة " قال الشيخ أبو الفضل بن عبدان لا يجوز قطع شئ من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما يفعله العامة يشترونه من بنى شيبة وربما وضعوه في أوراق المصاحف ومن حمل منه شيئا فعليه رده * قال (ويلحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم وفى الضمان وجهان (أحدهما) لا إذ ورد فيه سلب ثياب الصائد فهو جزاؤه ثم السلب للسالب وقيل انه للبيت المال وقيل انه يفرق على محاويج المدينة وإنما يستحق السلب إذا اصطاد أو أتلف (و) والشجرة والصيد في السلب سواء) * لا يباح التعرض لصيد الحرم المدينة وأشجاره وهو مكروه أو محرم نقل في التتمة تردد قول وحكى بعضهم فيه وجهين والصحيح وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله انه محرم لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ان ابراهيم حرم مكة وانى حرمت المدينة مثل ما حرم ابراهيم مكة لا ينفر صيدها ولا يعضد(7/513)
شجرها ولا يختلى خلاها " وروى انه قال " انى أحرم ما بين لابتى المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها " ويجوز اعلام قوله في الكتاب التحريم بالواو لمكان الوجه الآخر وبالحاء أيضا لان عند أبى حنيفة انه لا يحرم (وإذا قلنا) بالتحريم ففى ضمان صيدها ونباتها قولان الجديد وبه قال مالك لا يضمن لانه ليس بمحل النسك فأشبه مواضع الحمي وانما أثبتنا التحريم للنصوص (والقديم) وبه قال أحمد انه يضمن وعلى هذا فما جزاؤه فيه وجهان (أحدهما) ان جزاءه كجزاء حرم مكة لاستوائهما في التحريم (وأظهرهما) وبه قال أحمد ان جزاءه أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر لما روى أن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه " أخذ سلب رجل قتل صيدا في المدينة وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من رأى رجلا يصطاد بالمدينة فليلبسه " وعلي هذا ففيما يسلب وجهان الذي أورده الاكثرون انه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفار (والثاني) انه لا ينحي بهذا نحو سلب القتيل في
الجهاد وانما المراد من السلب ههنا الثياب فحسب وهذا ما أورده الامام وتابعه المصنف فقال إذ ورد فيه سلب ثياب الصائد فقيد بالثياب وعلي الوجهين ففى مصرفه وجهان مشهوران (أظهرهما) انه للسالب كسلب القتيل وقد روى انهم كلموا سعدا في هذا السلب فقال " ما كنت لارد طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " (والثانى) انه لمحاويج المدينة وفقرائها كما أن جزاء صيد مكة لفقرائها ووجه ثالث حكاه الشيخ أبو محمد عن الاستاذ أبي اسحق والقفال انه يوضع في بيت المال وسبيله سبيل السهم المترصد للمصالح (وقوله) في الكتاب ففى الضمان وجهان اقتدى فيه بالامام والمشهور في المسألة(7/514)
قولان وقوله إذ ورد فيه سلب ثياب الصائد في الصيد معناه ان واجب هذه الجناية هو السلب الذى ورد في الجزاء إذ لو وجب الجزاء لوقع الاكتفاء به كما في صيد مكة وعني بالضمان الجزاء(7/515)
دون المشترك بينه وبين السلب فاعرف ذلك (وقوله) وإنما يستحق السلب إذا اصطاد أو أتلف قصد به التعرض لما ذكره الامام حيث قال غالب ظنى ان الذى يهم بالصيد لا يسلب حتى يصطاد ولست أدرى أيسلب إذا أرسل الصيد أم ذلك إذا أتلف الصيد ولفظ الوسيط لا يسلب إلا إذا(7/516)
اصطاد أو أرسل الكلب ويحتمل التأخير إلى الاتلاف (واعلم) أن السابق إلى الفهم من الخبر وكلام الائمة انه يسلب إذا اصطاد ولا يشترط الاتلاف (وأما) قوله والشجرة والصيد وفى السلب سواء فهو بين والله اعلم *(7/517)
قال (وورد النهى عن صيد وج الطائف ونباتها وهو نهى كراهية يوجب تأديبا لا ضمانا) * وج الطائف واد بصحراء الطائف وليس المراد منه نفس البلدة قال الشافعي رضى الله عنه أكره صيده(7/518)
وعن الشيخ أبى على حكاية تردد في انه يحريم أو مجرد كراهية ولفظ الكتاب كالصريح في الثاني(7/519)
لكن الصحيح عند عامة الاصحاب الاول لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صيدوج الطائف محرم الله " وعلى هذا فهل يتعلق به ضمانه منهم من قال نعم وحكمه حكم حرم المدينة وقال صاحب التلخيص والاكثرون لا إذ لم يرد في الضمان نقل لكن يؤدب) *(7/520)
(فرع) البقيع ليس يحرم لكن حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بل الصدقة ونعم الجزية فلا تملك أشجاره وحشيشه وفى وحو كل الضمان علي من أتلفها وجهان (أحدهما) لا يجب كما لا يجب في صيده(7/521)
شئ وأظهرهما يجب لانه ممنوع منها وكانت مضمونة على بخلاف الصيد فان الاصطياد فيه جائز وعلي هذا فضمانها القيمة ومصرفها مصرف نعم الصدقة والجزية * قال مصححه عفي عنه..(7/522)
فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 8
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 8(8/)
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الثامن دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم(8/1)
قال (القسم الثالث من كتاب الحج في اللواحق) (وفيه بابان الاول في موانع الحج وهي ستة) (الاولى والاحصار وهو مبيح للتحلل مهما احتاج في الدفع إلى قتال أو بذل مال وان كانوا كفارا وجب القتال الا إذا زادوا على الضعف ولو أحاط العدو من الجوانب لم يتحلل على قول لانه لا يريح منه التحلل كما لا يتحلل بالمرض (ح) ولو شرط التحلل عند المرض ففي جواز التحلل قولان) * كان حجة الاسلام رحمه الله قد قسم كتاب الحج إلى ثلاثة اقسام المقدمات والمقاصد وقد حصل الفراغ منهما (والثالث) اللواحق وفيه بابان ترجم أولهما بموانع الحج ولم يرد بها موانع وجوبه(8/2)
أو الشروع فيه وانما أراد العوارض التي تعرض بعد الشروع فيه وتمنع من إتمامه وهي فيما عدها ستة أنواع (أحدها) الاحصار فإذا أحصر العدو المحرمين عن المضي في الحج من جميع الطرق كان لهم أن يتحللوا لان رسول الله صلي الله عليه وسلم (أحصر وأصحابه بالحديبية فانزل الله تعالي: فان أحصرتم فما استيسر من الهدى) والمعني فان أحصرتم فتحللتم أو أردتم التحلل فما استيسر من الهدي فان نفس الاحصار(8/3)
لا يوجب هديا والاولى أن لا يجعل التحلل ان وسع الوقت فربما يزول المنع فيتمون النسك وان كان ضيقا
فالاولى التعجيل كي لا يفوت الحج * ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل أيضا عند الاحصار وعن مالك أنه لا يجوز التحلل في العمرة لانه لا يخاف فواتها * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم (تحلل بالاحصار عام الحديبية وكان محرما بالعمرة) * إذا عرفت ذلك ففي الفصل مسائل (احداها) لو منعوا ولم يتمكنوا من المسير(8/4)
إلا ببذل مال فلهم أن يتحللوا ولا يبذلوا المال وإن قل إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء الحج بل يكره البذل إن كان الطالبون كفارا لما فيه من الصغار * وان احتاجوا الي قتال ليسيروا نظر ان كان المانعون مسلمين فلهم التحلل ولا يلزمهم القتال وان قدروا عليه لما فيه من التغرير بالنفس وان كانوا كفارا فقد حكم صاحب الكتاب بوجوب القتال إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف وهكذا حكى الامام رحمه الله عن بعض المصنفين ولم يرتضه على هذا الاطلاق بل شرط فيه وجدانهم(8/5)
السلاح واهبة القتال وقال إذا وجدوا الاهبة وقد صدتهم الكفار فلا فرار ولا سبيل الي التحلل * وأنت إذا فحصت عن كتب الاكثرين وجدتهم يقولون لا يجب القتال على الحجيج وان كان العدو كفارا وكان في مقابلة كل مسلم أقل من مشركين غير أنهم إن كانوا كفارا وكان بالمسلمين قوة فالاولى أن يقاتلوا ويمضوا نصرة للاسلام واتماما للحج وان كان بالمسلمين ضعف أو كان العدو مسلمين فالاولى أن يتحللوا ويتحرزو عن القتال تحرزا عن سفك دماء المسلمين ولهؤلاء أن يقولوا(8/6)
للامام لا نزاع في أنهم لو قاتلوا المسلمين والصورة ما ذكرت لم يكن لهم الفرار لكن يجوز أن يمنعوهم من الحج ولا يقاتلوهم لو تركوا الحج فهل يلزمهم ابتداء القتا ليمضوا هذا موضع الكلام وعلى كل حال فلو قاتلوهم كان لهم ان يلبسوا الدروع والمغافر ثم يفدون كما إذا لبس المحرم المخيط لدفع حر أو برد (الثانية) ما ذكرنا من جواز التحلل مفروض فيما إذا منعوا من المضى دون الرجوع والسير في صوب آخر (فاما) إذا أحاط العدو بهم من الجوانب كلها ففيه وجهان كذا نقل المعظم وقال(8/7)
الامام والمصنف قولان (أحدهما) ليس لهم التحلل لانه لا يريحهم والحالة هذه ولا يستفيدون به أمنا وصار كالمريض ليس له التحلل (وأصحهما) أن لهم التحلل لانهم يستفيدون به الامن من العدو الذى بين أيديهم (الثالثة) ليس للمحرم التحلل بعذر المرض وبه قال مالك واحمد رحمهما الله بل يصبر حتي يبرأ فان كان محرما بعمرة أتمها وان كان محرما بحج وفاته تحلل بعمل عمرة لانه لا يستفيد بالتحلل زوال المرض * وعن ابن عباس رضي الله عنهما (انه لا حصر الا حصر العدو) وقال أبو(8/8)
حنيفة رحمه الله يجوز التحلل بالمرض وهذا إذا لم يشترط التحلل عند المرض (أما) إذا شرط انه إذا مرض تحلل فقد نص في القديم على صحة هذا الشرط وعلق القول في الجديد بصحة حديث ضباعة بنت الزبير رضى الله عنهما وهو ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها (اما تريدين الحج فقالت انا شاكية فقال حجي واشترطي ان تحلى حيث حبستي) وللاصحاب فيه طريقان اثبت عامتهم فيه خلافا وقالوا انه صحيح في القديم وفى الجديد يد قولان (اظهرهما)(8/9)
الصحة للحديث وبه قال احمد (والثانى) المنع وبه قال مالك وابو حنيفة رحمهما الله لانه عبادة لا يجوز الخروج منها بغير عذر فلا يجوز بالشرط كالصلاة المفروضة وعن الشيخ ابي حامد وغيره انه صحيح جزما بصحة الحديث * ولو شرط التحلل لغرض آخر كضلال الطريق ونفاذ النفقة والخطأ في العدد فهو كما لو شرط التحلل عند المرض * وعن الشيخ ابى محمد انه لغو لا محالة والخلاف مخصوص بالمرض لورود الخبر فيه (التفريع) ان صححنا الشرط فهل يلزمه الهدى للتحلل إن(8/10)
كان قد شرط التحلل بالهدى فنعم وان كان قد شرط التحلل بلا هدى فلا وان اطلق فوجهان (اظهرهما) وبه قال ابو اسحق والداركى انه لا يلزم ايضا لمكان الشرط * ولو شرط ان يقلب حجه عمرة عند المرض فهو أولى بالصحة من شرط التحلل * ورواه القاضي ابن كج عن نصه * ولو قال إذا مرضت فانا حلال فيصير حلالا بنفس المرض أم لابد من التحلل فيه وجهان والمنصوص
منهما الاول والله أعلم *(8/11)
قال (وتحلل المحصر هل يتوقف على إراقة دم الاحصار (ح) فيه قولان فان كان معسرا (وقلنا) ان الصوم بدل ففى توقفه القولان المرتبان وأولى بان لا يتوقف لان الصوم طويل ولا يشترط (ح) بعث الدم الي الحرم (وإذا قلنا) لا يتوقف فيتحلل بالحلق أو بنية التحلل ولا قضاء (ح) على المحصر) *(8/12)
مقصود الفصل ثلاث مسائل (إحداها) في أن تحلل المحصر بم يحصل وهذه المسألة تحوج إلى معرفة أصلين (الاول) أنه يجب علي المحصر إذا تحلل دم شاة وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله وقال مالك يتحلل ولا دم عليه * لنا قوله تعالي (فما استيسر من الهدى) * وهذا إذا لم يجر من المحرم شرط سابق (فاما) إذا كان قد شرط عند احرامه أنه يتحلل إذا أحصر ففي تأثير هذا الشرط(8/13)
في إسقاط الدم طريقان منهم من خرجه على وجهين كما إذا شرط التحلل عند المرض وتحلل بالشرط وقد ذكرناه (والاصح) القطع بانه لا يؤثر لان التحلل بالاحصار جائز وان لم يشترط فالشرط لاغ بخلاف التحلل بالمرض (والاصل الثاني) ان القول قد اختلف في ان دم الاحصار هل له بدل أم لا وبتقدير أن يكون له بدل فكيف سبيله وهو على الترتيب أو التخيير وهذا ستعرفه حق المعرفة في الباب الثاني إن شاء الله تعالي * إذا تقرر ذلك فنقول إن قلنا إن دم الاحصار لا بدل له وكان واجدا للدم(8/14)
فيذبح وينوى التحلل عنده وانما اعتبرت نية التحلل لان الذبح قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فلابد من قصد صارف وان لم يجد الهدى إما لاعساره أو غير ذلك فهل يتوقف التحلل على وجدانه فيه قولان (أحدهما) نعم وبه قال ابو حنيفة لان الهدى اقيم مقام الاعمال ولو قدر على الاعمال لم يتحلل الا بها فإذا عجز لا يتحلل الا ببدلها (واصحهما) لا بل له التحلل في الحال لان التحلل انما
ابيح تخفيفها ورفقا حتى لا يتضرر بالمقام على الاحرام ولو أمرناه بالصبر الي ان يجد الهدى لتضرر(8/15)
وعلى التقديرين فلابد من نية التحلل وهل يجب الحلق بناه الائمة على الاصل الذى سبق وهو ان الحلق نسك ام لا (ان قلنا) نسك فنعم (وان قلنا) استباحة محظور فلا فيخرج من هذا انا إذا اعتبرنا الذبح والحلق مع النية والتحلل يحصل بثلاثتها وان اخرجنا الذبح عن الاعتبار فالتحلل يحصل بالحلق مع النية أو بمجرد النية فيه وجهان وهذا ما اراده المصنف بقوله (وإذا قلنا) لا يتوقف فيتحلل بالحلق أو بنية فالتحلل أي فيه وجهان (وان قلنا) ان دم الاحصار له بدل فان كان يطعم فتوقف التحلل عليه(8/16)
كتوقفه علي الذبح وان كان يصوم فكذلك مع ترتب الخلاف ومنع التوقف ههنا أولى لان الصوم يفتقر الي زمان طويل فتكون المشقة في الصبر على الاحرام اعظم (المسألة الثانية) لا يشترط بعث دم الاحصار إلى الحرم بل يذبحه حيث احصر ويتحلل وبه قال أحمد وقال ابو حنيفة رحمه الله يجب ان يبعث به إلى مكة ويوكل انسانا ليذبحه يوم النحر ان كان حاجا وأى يوم شاء ان كان معتمرا(8/17)
ثم يتحلل * لنا (ان النبي صلى الله عليه وسلم احصر عام الحديبية فذبح بها وهى من الحل) ولانه موضع التحلل فكان موضعا لذبح الهدى كالحرم وكما يذبح دم الاحصار حيث احصر فكذلك ما لزمه من دماء المحظورات قبل الاحصار وما حمله معه من هدى ويفرق لحومها علي مساكين ذلك الموضع وهذا كله إذا كان مصدودا عن الحرم فاما إذا كان مصدودا عن البيت دون اطراف الحرم فهل(8/18)
له ان يذبح في الحال ذكروا فيه وجهين (والاصح) ان له ذلك (الثالثة) في انه هل يجب القضاء علي المحصر وهذه المسألة بشرحها مع المسائل اللائقة بها مجموعة في آخر الباب إن شاء الله تعالى * قال (الثاني لو حبس السلطان شخصا أو شرذمة من الحجيج فهو كالاحصار العام (وقيل) فيه قولان (وقيل) يجوز التحلل والقولان في وجوب القضاء) *(8/19)
قد تكلمنا في الحصر العام الذى شمل الرفقه (وأما) الحصر الخاص الذى يتفق لواحد أو شرذمة من الرفقة فينظر فيه إن لم يكن المحرم معذورا فيه كما إذا حبس بسبب دين وهو متمكن من أدائه فليس له التحلل بل عليه أن يؤديه ويمضي في حجة فان فاته الحج في الحبس فعليه أن يسير إلى مكة ويتحلل بعمل عمرة وإن كان معذورا فيه كما إذا حبسه السلطان ظلما أو بدين وهو لا يتمكن(8/20)
من ادائه وهذا هو المقصود في الكتاب ففيه طريقان (احدهما) وهوما أورده المراوزة أن في جواز التحلل به قولين (احدهما) لا يجوز كما في المرض وخطأ الطريق (وأصحهما) أنه يجوز لان الاحصار سبب يبيح التحلل للكل فيبيح للبعض كاتمام الاعمال (وأظهرهما) وهو ما أورده العراقيون القطع بالجواز كما في الحصر العام لان مشقة كل أحد لا تختلف بين أن يتحمل غيره مثلها أو لا يتحمل وهؤلاء ردوا الخلاف الي أنه هل يجب القضاء إذا تحلل بالحصر الخاص وسيأتى ذلك (واعلم) ان لفظ الكتاب آخرا(8/21)
يتعرض لهاتين الطريقتين (وقوله) اولا فهو كالاحصار العام يشعر بطريقة ثالثة تقطع بجواز التحلل وعدم القضاء كما في الاحصار العام ولم أر نقلها لغيره والله أعلم * قال (الثالث الرق فللسيد منع عبده ان أحرم بغيره إذنه وإذا منع تحلل كالمحصر) * احرام العبد ينعقد سواء كان باذن السيد أو دون اذنه ثم إن أحرم باذنه لم يكن له تحليله سواء بقي نسكه صحيحا أو أفسده ولو باعه والحالة هذه من غيره لم يكن للمشتري تحليله لكن له الخيار(8/22)
إن كان جاهلا باحرامه وإن احرم بغير إذنه فالاولي أن يأذن له في إتمام النسك ولو حلله جاز لان تقريره على الحجر يعطل منافعه عليه وقال أبو حنيفة رحمه الله له تحليله سواء أحرم باذنه أو بغير اذنه وإذا أذن له في الاحرام فله الرجوع قبل أن يحرم فان رجع ولم يعلم العبد به فاحرم فله تحليله في أصح الوجهين هما مبنيان على الخلاف في نفوذ تصرفات الوكيل بعد العزل وقبل العلم * ولو أذن له
في العمرة فاحرم بالحج فله تحليله ولو كان بالعكس لم يكن له تحليله لان العمرة دون الحج والحج(8/23)
فوقها قال في التهذيب وظني انه لا يسلم عن النزاع والخلاف * ولو أذن له في التمتع فله منعه من الحج بعد ما تحلل عن العمرة وليس له تحليله عن العمرة ولا عن الحج بعد الشروع * ولو أذن له في الحج أو في التمتع فقرن لم يجز تحليله ولو أذن له أن يحرم في ذى القعدة فاحرم في شوال فله تحليله قبل ذي القعدة وبعد دخوله لا وإذا أفسد العبد حجه بالجماع فعليه القضاء لانه مكلف بخلاف الصبي على أحد القولين وهل يجب قضاؤه في الرق عن الواجب فيه قولان كما ذكرنا في الصبى إذا قضي(8/24)
في الصبي فان احتسبناه لم يجب على السيد أن يأذن له في القضاء ان كان احرامه الاول بغير اذنه وكذلك ان كان باذنه في اصح الوجهين * وكل دم يلزمه بسبب ارتكاب المحظورات كالطيب واللباس وقتل الصيد والفوات فلا يجب علي السيد سواء احرم باذنه أو بغير اذنه (واما) العبد فلا ملك له حتي يذبح لكن لو ملكه السيد فعلي القديم يملك ويلزمه اخراجه وعلى الجديد(8/25)
لا يملك وإذا لم يملك ففرضه الصوم وللسيد منعه منه في حال الرق ان كان احرامه بغير اذنه وكذلك ان كان باذنه على أصح الوجهين لانه لم يأذن في موجبه * ولو قرن أو تمتع بغير إذن السيد فدم القران أن التمتع حكمه حكم دماء المحظورات (أما) إذا قرن أو تمتع بالاذن فهل يجب الدم علي السيد (الجديد) أنه لا يجب وفى القديم قولان بخلاف ما لو أذن لعبده في النكاح فنكح يكون السيد ضامنا للمهر في القديم قولا واحدا لانه لا بدل للمهر وللدم بدل وهو الصوم(8/26)
والعبد من أهله وعلى هذا لو أحرم باذن السيد فاحصر فتحلل (فان قلنا) لا بدل لدم الاحصار صار السيد ضامنا له في القديم قولا واحدا (وان قلنا) له بدل ففي صيرورته ضامنا له قولان في القديم وإذا لم نوجب الدم على السيد فالواجب على العبد الصوم وليس للسيد المنع منه في أصح الوجهين
لاذنه في سببه * ولو ملكه السيد هديا وقلنا إنه يملك اراقه والا لم تجز اراقته ولو اراقه السيد عنه(8/27)
باذنه فهو على هذين القولين ولو أراق عنه بعد موته جاز قولا واحدا لانه قد حصل الياس عن تكفيره والتلميك بعد الموت ليس بشرط ولهذا لو تصدق عن ميت جاز وقد (أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعدا رضى الله عنه ان يتصدق عن امه بعد موتها) ولو عتق العبد قبل الصوم ووجد(8/28)
الهدى فعليه الهدى إن اعتبرنا في الكفارت حالة الاداء أو الاغلظ وان اعتبرنا حالة الوجوب فله الصوم وهل له الهدى فيه قولان * وينعقد نذر الحج من العبد وان لم يأذن له السيد في أصح الوجهين ويكون في ذمته فلو أني به حال الرق هل يجزئه فيه وجهان * إذا عرفت هذه المسائل فحيث جوزنا للسيد التحليل أردنا به انه يأمره بالتحلل لانه يستقبل بما يحصل به التحلل وغايته ان(8/29)
يستخدمه ويمنعه من المضى ويأمره بارتكاب محظورات الاحرام أو يفعلها به ولا يرتفع الاحرام بشئ من ذلك خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال إذا أمره باستعمال المحظورات أو البسه المخيط أو طيبه أو كانت امة فوطئها حصل التحلل وإذا اجاز للسيد التحليل جاز للعبد التحلل لان المحصر بغير حق يجوز له التحلل فللمحصر بالحق اولى وبم يتحلل إن ملكه السيد هديا وقلنا انه يملك(8/30)
فيذبح وينوى التحلل والا فهل هو كالحرفيه طريقان (أحدهما) نعم حتي يتوقف تحلله على وجدان الهدى (ان قلنا) ان دم الاحصار لا بدل له وذلك يفتقر إلى العتق ههنا وعلى الصوم إن قلنا إن دم الاحصار له بدل كل ذلك على أحد القولين وعلى أصحهما لا توقف ويكفيه نية التحلل (واصحهما) القطع بهذا القول الثاني وبه قال ابو اسحق لعظم المشقة في انتظار العتق ولان منافعه مستحقة للسيد وقد(8/31)
يريد استعماله فيما يمنع منه المحرم كالاصطياد واصلاح الطيب فيتضرر ببقاء الاحرام * وحكم أم الولد
والمدبر والمعلق عتقه بصفة ومن نصفه حر حكم القن المحض * ولو احرم المكاتب بغير اذن المولى فمنهم من جعل جواز تحليله على قولين بناء علي القولين في سفر التجارة وهل يمنع السيد منه(8/32)
ومنهم من قطع بجواز التحليل لانه لا منفعة للسيد في سفر الحج وله منفعة في سفر التجارة * وقوله في الكتاب فللسيد منع عبده أي من إتمام الحج ويجوز أن يعلم بالواو لان ابن كج حكي وجها غريبا أنه ليس للسيد ذلك لتعينه بالشروع تخريجا من أحد القولين في الزوجة إذا أحرمت بالتطوع وان يعلم(8/33)
قوله بغير إذنه بالحاء لان أبا حنيفة رحمه الله يجوز المنع على الاطلاق فلا حاجة عنده الي التقييد وقوله تحلل كالمحصر إن أراد التشبه في جواز التحلل فذاك وإلا ففى الكيفية تفاوت لا يخفى مما قدمناه *(8/34)
قال (الرابع الزوجية وفى منع الزوج زوجته من فرض الحج (م ح) قولان فإذا احرمت ففي المنع قولان مرتبان وكذا ان احرمت بالتطوع فان منعت تحللت كالمحصر فان لم تفعل فللزوج مباشرتها والاثم عليها) *(8/35)
المستحب للمراة أن لا تحرم دون إذن زوجها وللزوج أن يحج بها فإذا أرادت أداء فرض الحج عليها فهل للزوج أن يمنعها منه فيه قولان (أحدهما) لا ولها أن تحرم بغير إذنه لانه عبادة مفروضة فاشبهت الصوم والصلاة المفروضين * ويحكى هذا عن كتاب اختلاف الحديث وبه قال(8/36)
مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله (وأصحهما) أن له المنع لما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها زوجها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا باذن زوجها) ولان الحج علي التراخي وحق الزوج علي الفور فكان أولي بالتقديم ويخالف الصوم والصلاة لان مدتهما(8/37)
لا تطول فلا يلحق الزوج كثير ضرر وحكي بعضهم طريقة قاطعة بالقول الاول والمشهور الاول * فان قلنا ليس له منعها فلو أحرمت بغير إذنه فليس له أن يحللها بطريق الاولى لتضيقه بالشروع وان قلنا له منعها في الابتداء ففى التحليل قولان (أظهرهما) ان له ذلك كما له تحليل العبد إذا أحرم بغير اذنه (والثانى) لا لتضيقه وخروجه عن احتمال التراخي بالشروع (وأما) حجة التطوع فله أن يمنعها منها(8/38)
في الابتداء وان أحرمت بغير إذنه فطريقان ان جوزنا التحليل في الفرض فههنا أولي وان لم نجوز ثم فههنا قولان (أحدهما) ليس له تحليلها لا لتحاقها بالفرائض بالشروع (وأصحهما) أن له التحليل كما له التحليل من صوم التطوع وصلاة التطوع وانما يصير الحج فرضا بالشروع إذا كان الشروع مسوغا وقوله في الكتاب وكذا إن أحرمت بالتطوع أراد به أن الخلاف في هذه المسألة وفى(8/39)
تحليل المحرمة بالفرض كل واحد منهما مرتب على الخلاف في جواز منعها من حج الفرض ابتداء لان الترتيب كالترتيب فان مسألة التطوع اولى بالجواز والمسألة الاخرى اولى بالمنع وحيث قلنا بجواز التحليل فمعناه الامر بالتحلل كما ذكرنا في العبد وتحللها كتحلل الحر المحصر بلا فرق فلو لم تتحلل فللزوج ان يستمتع بها والاثم عليها هكذا حكاه الامام عن الصيدلاني ثم توقف فيه لان المحرمة محرمة لحق الله(8/40)
تعالى كالمرتدة فيحتمل ان يمنع الزوج من الاستمتاع إلى ان تتحلل * فرعان (أحدهما) قال القاضي ابن كج لو كانت مطلقة فعليه حبسها للعدة وليس لها التحلل الا ان تكون رجعية فيراجعها ويحللها (الثاني) الامة المزوجة لا يجوز لها الاحرام الا باذن الزوج والسيد جميعا *(8/41)
قال (الخامس للابوين منع الولد من التطوع بالحج ومن الفرض علي أحد الوجهين) من له أبوان أو أحدهما فالمتسحب له أن لا يحج دون إذنهما أو اذنه ولكل واحد منهما منعه من حج
التطوع في الابتداء لان رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال ألك ابوان فقال نعم فقال أأستأذنتهما فقال لا قال ففيهما فجاهد) اعتبر استئذانهما في الجهاد مع انه من فروض الكفايات فلان يعتبر(8/42)
في التطوع كان ذلك أولي * ولو أحرم بها فهل لها المنع فيه قولان سبق نظيرهما وتوجيههما وحكى القاضى ابن كج وجها ضعيفا انه ليس لها المنع في الابتداء أيضا وأما حج الفرض فقد حكى القاضى ابن كج في جواز المنع في الابتداء طريقين (أحدهما) تخريجه على قولين كما في منع الزوج والزوجة (وأصحهما) ولم يورد الجمهور غيره أن لا منع لهما وليس له طاعتهما في ترك الفرض * ولو أحرم به بغير إذنهما(8/43)
فلا منع بحال ونقل فيه وجه ضعيف أيضا * إذا عرفت ذلك فقوله للابوين منع الولد من التطوع بالحج يجوز حمله على المنع في الابتداء ويجوز حمله على التحليل بعد الاحرام وعلى التقديرين فليكن معلما بالواو (وأما) إثباته الخلاف في المنع من حج الفرض فهو خلاف المشهور سواء حمل على ابتداء المنع أو على التحليل ولم أجد حكاية الخلاف فيها لغير صاحب الكتاب(8/44)
إلا للقاضى إبن كج وصاحب الكتاب قد أعاد المسألة في كتاب السير ولم يتعرض للخلاف والله أعلم * قال (السادس لمستحق الدين منع المحرم الموسر من الخروج وليس له التحلل بل عليه الاداء وان كان معسرا أو كان الدين مؤجلا لم يمنع من الخروج) *(8/45)
إذا كان عليه دين حال وهو موسر فلمستحق الدين أن يمنعه من الخروج لا لان حقه في منعه من الحج ولكن يحبسه ليستوفى حقه منه فان كان قد أحرم فقد ذكرنا انه ليس له التحليل والحالة هذه بل عليه أن يقضي دينه ويمضى وإن كان معسرا فلا مطالبة ولا منع لانه منظر إلى ميسرة وكذا لو كان الدين مؤجلا لا منع إذ ليس عليه تسليم في الحال(8/46)
ولا يتوجه للمستحق مطالبة والاولى أن لا يخرج حتى يوكل من يقضى الدين عليه عند حلول الاجل (واعلم) أن الكلام في أن مستحق الدين متى يمنع ومتي لايمنع لا يختص بسفر الحج بل يعم الاسفار كلها وقد ذكره المصنف عاما في كتاب التفليس على ما سيأتي فلو طرحه ههنا لما ضر * قال (فأما من فاته الوقوف بعرفة بنوم أو سبب فعليه أن يتحلل بأفعال العمرة ويلزمه القضاء ودم الفوات بخلاف المحصر فانه معذور) *(8/47)
مضمون الفصل قول وجيز في حكم فوات الحج وفواته بفوات الوقوف روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الحج عرفة من لم يدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج) وإذا حصل الفوات فله التحلل كما في الاحصار لان في بقائه محرما حرجا شديدا يعسر احتماله وبم يتحلل قال في المختصر(8/48)
وغيره يطوف ويسعى ويحلق وقال في الاملاء يطوف ويحلق ولم يتعرض للسعى * واتفق الاصحاب على أن الامر بالحلق مبني على انه نسك وعلي أن الطواف لابد منه واختلفوا في السعي على طريقين(8/49)
أشبههما انه علي قولين (أحدهما) أنه لا يجب السعي لان السعي ليس من أسباب التحلل ألا ترى انه لو سعى عقيب طواف القدوم يجزئه ولو كان من أسباب التحلل لما جاز تقديمه على الوقوف (وأصحهما) انه(8/50)
يجب السعي مع الطواف لما روى عن عمر رضى الله عنه انه قال لابي أيوب الانصاري رضى الله عنه وقد فاته الحج (اصنع ما يصنع المعتمر وقد حللت فان أدركك الحج قابلا فحج واهد ما استيسر من الهدى) (والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني وحمل ما في الاملاء على الاختصار والايجاز فان السعي كالتابع للطواف فاكتفى بذكر الاصل أو حمله على ما إذا كان قد سعى عقيب طواف القدوم لا يلزمه الاعادة ولا يجب عليه الرمي والميت بمنى وان أدرك وفيه مع الاعمال المذكورة خلاف المزني رحمه(8/51)
الله وذكر ان الاصطخرى مال إليه * لنا ما رويناه عن عمر رضى الله عنه وقد اشتهر ذلك في الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر عليه منكر ويخالف ما إذا أفسد الحج فان هناك هو مامور بالوقوف والرمى والمبيت من توابع الوقوف فأمر بهما وههنا بخلافه وليس أمرنا اياه بالطواف وسائر أعمال العمرة لا نقلاب احرامه بفوات الحج عمرة ولا نقول باحتسابها عن عمرة الاسلام وعن احمد انه ينقلب احرامه عمرة وعن الشيخين أبى محمد وأبى علي رواية وجه ضعيف مثل مذهبه * لنا ان احرامه انعقد بأحد النسكين فلا ينصرف إلى الآخر كما لو أحرم بالعمرة لا ينصرف إلى الحج * ثم من فاته(8/52)
الحج ان كان حجه فرضا فهو في ذمته كما كان وان كان تطوعا فعليه قضاؤه كما لو أفسده * وعن أحمد رواية انه لا قضاء عليه * لنا حديث عمر رضي الله عنه ويخالف الاحصار فانه معذور فيه والفوات لا يخلو عن ضرب تقصير وفي لزوم الفور في القضاء الخلاف الذى سبق مثله في الافساد ولا يلزم قضاء العمرة مع قضاء الحج خلافا لابي حنيفة حيث قال يلزمه قضاؤهما أما الحج فلانه تلبس به وما أتمه وأما العمرة فلانه أتى بأعمالها ولم تحسب له * لنا انه أحرم باحد النسكين ولم يتممه فلا يلزمه(8/53)
قضاء الآخر كما لو أحرم بالعمرة وافسدها أو بالحج وأفسده * ويجب علي من فات حجه مع القضاء دم للفوات خلافا لابي حنيفة * لنا حديث عمر رضى الله عنه ولان الفوات سبب يجب القضاء فيلزم به الهدي كالافساد ولا يلزم أكثر من دم واحد وعن صاحب التقريب رواية قول مخرج انه يلزم دمان أحدهما للفوات والثاني لانه في قضائه كالمتمتع من حيث انه تحلل عن الاول وشرع في الثاني وتمكن بينهما من الاستمتاع (وقوله) في الكتاب فأما من فاته الوقوف بعرفة يعنى من فاته الحج لذلك(8/54)
وفى ذكر اليوم إشارة إلي انه لا فرق بين أن يكون سبب الفوات سببا فيه نوع عذر أو شيئا هو تقصير صرف (وقوله) فعليه أن يتحلل بأعمال العمرة يجوز إعلامه بالواو للقول الذاهب إلي انه لا حاجة
إلى السعي فان على ذلك القول جميع أعمال العمرة غير لازم وبالزاى لان على مذهبه لا يكفى أعمال العمرة بل يجب معها الرمى والمبيت (وقوله) ويلزمه القضاء بالالف وقوله ودم الفوات بالحاء لما مر (وقوله) بخلاف المحصر فانه معذور أراد به الاشارة إلى الفرق في القضاء فان الدم لازم فيهما جميعا والله أعلم * قال (فلو أحصر فاختار طريقا أطول ففاته أو صابر الاحرام على مكانه توقعا لزوال الاحصار(8/55)
ففاته ففى القضاء قولان لتركب السبب من الاحصار والفوات ولو صد بعد الوقوف عن لقاء البيت لم يجب القضاء على الصحيح (و) كما قبل الوقوف والمتمكن من لقاء البيت إذا صد عن عرفة ففى وجوب القضاء عليه قولان) * (كنت أخرت الكلام في ان المحصر هل يقضى وهذا موضع ذكره فانه كالقاعدة التى عليها بناء هذه المسائل فنقول إذا حصر فتحلل نظر ان كان نسكه تطوعا فلا قضاء عليه وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمه الله * لنا (ان الذين صدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبة كانوا الفا واربعمائة والذين اعتمروا معه في عمرة القضاء كانوا نفرا يسيرا ولم يأمر الباقين بالقضاء) وان لم(8/56)
يكن نسكه تطوعا نظران لم يكن مستقرا عليه كحجة الاسلام في السنة الاولى من سني الامكان فلا حج عليه إلا عند اجتماع الشروط بعد ذلك وان كان مستقرا عليه كحجة الاسلام فيما بعد السنة الاولى من سنى الامكان وكالنذر والقضاء فهو باق في ذمته كما كان كما لو شرع في صلاة ولم يتمها تبقي في ذمته * إذا تقرر ذلك فههنا مسائل (احداها) لو صد عن طريق وهنا ك طريق آخر نظر ان تمكن من سلوكه بأن وجد شرائط الاستطاعة فيه لزمه سلوكه ولم يكن له التحلل سواء(8/57)
كان ذلك الطريق قصيرا أو طويلا وسواء كان يرجو الادراك أو يخاف الفوات أو يتيقنه كما لو أحرم في أول ذى الحجة وهو بالعراق مثلا يجب عليه المضى والتحلل بعمل عمرة ولا يجوز التحلل في الحال وإذا سلكه كما أمرناه به ففاته الحج تحلل بعمل عمرة وهل يلزمه القضاء فيه قولان (أحدهما)
نعم كما لو سلك هذا الطريق ابتداء ففاته بضلال الطريق وغيره (وأظهرهما) لا لانه بذل ما في وسعه فاشبه ما إذا صد مطلقا ولا هذا الفوات نشأ من الاحصار فان المسألة مصورة فيما إذا اختص الطريق الآخر بطول أو حزونة وغيرهما وكان الفوات لذلك حتي لو استويا من كل وجه فيجب القضاء لا محالة لان الموجود فوات محض قاله الامام وغيره * وإن لم يتمكن من سلوك الطريق الآخر(8/58)
فهو كالصد المطلق (الثانية) وقد تعرض لها في الكتاب قبل هذا الفصل أن ما ذكرنا من نفى القضاء هو حكم الاحصار العام (فاما) في الاحصار الخاص قولان أو وجهان (أحدهما) وبه قال ابو الحسين والداركي انه يجب القضاء كما لو منعه المرض عن اتمام النسك يلزمه القضاء (وأظهرهما) وبه قال القاضي أبو حامد وأبو علي الطبري انه لا قضاء كما في الاحصار العام لان مشقة المصابرة علي الاحرام لا تختلف في حق صاحب الواقعة ولا تشبه المرض لانه يبيح التحلل على ما سبق بخلاف المرض (الثالثة) لو احصر فلم يتحلل بل صابر الاحرام متوقعا زواله ففاته الحج والاحصار دائم فلابد من التحلل بعمل عمرة وفى القضاء طريقان (أظهرهما) وهو الذي أورده في الكتاب طرد القولين المذكورين في المسألة(8/59)
الاولى (والثانى) القطع بوجوب القضاء لتسببه بالمصابرة إلى الفوات فانه لو تحلل لما تصور الفوات (قوله) في الكتاب لتركب السبب من الفوات والاحصار معناه ان سبب التحلل ليس هو الفوات المحض حتي يجزم بوجوب القضاء ولا الاحصار المحض حتى يجزم بسقوطه بل التحلل بمجموع الامرين فاختلف القول فيه * ثم يجوز أن يقدر هذا الكلام اشارة الي توجيه الوجهين ويجوز ان يقدر توجيها لقول الوجوب وحده إذا اجتمع الموجب والمسقط وجب أن يثبت الوجوب احتياطا (الرابعة) لافرق في جواز التحلل بالاحصار بين أن يتفق قبل الوقوف أو بعده ولا بين أن يحصر عن البيت خاصة أو عن الموقف خاصة أو عنهما جميعا خلافا لابي حنيفة حيث قال إذا أحصر بعد الوقوف لا يجوز له التحلل ولا يجوز التحلل حتي(8/60)
يحصر عن البيت والموقف جميعا * لنا انه مصدود عن اتمام نسكه بغير حق فكان له التحلل كما في صورة النزاع *
ثم إن كان الاحصار قبل الوقوف وأقام على إحرامه حتى فاته الحج نظر ان زال الحصر وأمكنه التحلل بالطواف والسعى يلزمه ذلك وعليه القضاء والهدى للفوات وإن لم يزل الحصر تحلل بالهدى وعليه مع القضاء هديان (أحدهما) للفوات (والثانى) للتحلل * إن كان الاحصار بعد الوقوف فان تحلل فذاك وهل يجوز البناء عليه لو انكشف العذر فيه الخلاف الذى مر في موضعه فعلى الجديد لا يجوز وعلي القديم يجوز فيحرم إحراما ناقصا ويأتى ببقية الاعمال وعلى هذا فلو لم يبن مع الامكان فهل عليه القضاء نقل الامام رحمه الله فيه وجهين * وإن لم يتحلل حتى فاته الرمى والمبيت فهو فيما يرجع إلى(8/61)
وجوب الدم بفواتهما كغير المحصر وبم يتحلل يبنى على أصلين (أحدهما) ان الحلق نسك أم لا (والثانى) أن زمان الرمى هل يقام مقام الرمي وقد سبق القول في كليهما (فان قلنا) الحلق نسك حلق وتحلل التحلل الاول (وإن قلنا) انه ليس بنسك حصل التحلل الاول بمضي زمان الرمى وعلى التقديرين فالطواف باق عليه فمتي أمكنه أن يطوف طاف وقد تم حجه * ثم إذا تحلل بالاحصار الواقع بعد الوقوف فهل يلزمه القضاء ذكر الامام رحمه الله ان صاحب التقريب حكي فيه قولين وطردهما في كل صورة اتى بها بعد الاحرام بنسك لتأكد الاحرام بذلك النسك فان العراقيين جزموا بنفى القضاء قال وهذا أمثل فانه تحلل بالحصر المحض وسواء ثبت الخلاف أم لا فظاهر المذهب أنه(8/62)
لاقضاء (وقوله) في الكتاب علي الصحيح يجوز حمله علي الصحيح من القولين جوابا علي طريقة اثبات الخلاف ويجوز أن يحمل علي الصحيح من الطريقين * ولو صد عن عرفة ولم يصد عن مكة فيدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة وفى وجوب القضاء قولان لانه محصر تحلل بعمل عمرة كمن صد عن طريق وسلك غيره ففاته الحج وقد قدمنا ذلك وبالله التوفيق *(8/63)
(الباب الثاني في الدماء وفيه فصلان) قال (الفصل الاول) في ابدالها وهي أنواع (الاول) دم التمتع وهو دم ترتيب وتقدير كما في القرآن وفي معناه دم الفوات والقران (الثاني) جزاء الصيد وهو دم تعديل وتخيير (و) في نص
القرآن (الثالث) دم الحلق وهو دم تخيير وتقدير إذ يتخير بين شاة وثلاثة آصع من طعام كل صاع أربعة أمداد يطعمه ستة مساكين وبين صيام ثلاثة أيام فهذه الثلاث منصوص عليها) *(8/64)
الدماء الواجبة في المناسك سواء تعلقت بترك مأمور أو ارتكاب منهي إذا أطلقناها أردنا دم شاة فان كان الواجب غيرها كالبدنة في الجماع فيقع النص عليه ولا يجزئ فيها جميعا إلا ما يجزئ في الاضحية إلا في جزاء الصيد فيجب المثل في الصغير صغير وفي الكبير كبير * وكل من لزمه شاة جاز له أن يذبح مكانها بقرة أو بدنة إلا في جزاء الصيد * وإذا ذبح بدنة أو بقرة مكان الشاة فالكل فرض حتى لا يجوز أكل شئ منها أو الفرض السبع حتى يجوز له أكل الباقي فيه وجهان * ولو ذبح بدنة ونوى التصدق بسبعها عن الشاة الواجبة عليه وأكل الباقي جاز له ذلك وله أن ينحر البدنة عن سبع شياه لزمته * ولو اشترك جماعة في ذبح بقرة أو بدنة وأراد بعضهم الهدى والبعض(8/65)
الاضحية والبعض اللحم جاز خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجوز إلا أن يريد جميعهم القربة ولمالك حيث قال لا يحوز الا أن يكونوا أهل بيت واحد * ولايجوز أن يشترك اثنان في شاتين لامكان انفراد كل واحد بواحدة * إذا عرفت ذلك فاعلم ان كلام الباب يقع في فصلين (أحدهما) في كيفية وجوبها وما يقوم مقامها (والثاني) في مكانها وزمانها والبحث في الاولى من وجهين (أحدهما) النظر في أن أي دم يجب على الترتيب واى دم يجب علي التخيير وهاتان الصفتنا متقابلتان فمعني الترتيب انه يتعين عليه الذبح ولا يجوز العدول عنه إلى غيره الا إذا عجز عنه ومعنى التخيير انه يفوض الامر الي خيرته فله العدول(8/66)
إلى غيره مع القدرة عليه (والثانى) النظر في ان أي دم يجب على سبيل التقدير وأى دم يجب علي سبيل التعديل وهاتان الصفتان متقابلتان فمعنى التقدير ان الشرع قدر البدل المعدول إليه ترتيبا أو تخييرا بقدر لا يزيد ولا ينقص ومعنى التعديل انه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى الغير بحسب القيمة وهذا اللفظ مأخوذ من قوله تعالى (أو عدل ذلك صياما) وكل دم بحسب الصفات المذكورة لا يخلو عن
أربعة أوجه (احدها) الترتيب والتقدير (وثانيها) الترتيب والتعديل (وثالثها) التخيير والتقدير (ورابعها) التخيير والتعديل (وأما) تفصيلها فهي على ما ذكر في الكتاب ثمانية أنواع (احدها) دم التمتع وهو دم ترتيب وتقدير على ما ورد في نص الكتاب قال الله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلي(8/67)
الحج فما استيسر من الهدى) الآية وقد بينا شرح القول وبينا فيه ان دم القران في معناه وفى دم الفوات قولان نقلهما القاضي ابن كج (أصحهما) ولم يورد الاكثرون غيره انه كدم التمتع في الترتيب والتقدير وسائر الاحكام لان دم التمتع انما وجب لترك الاحرام من الميقات والنسك المتروك في صورة الفوات أعظم * وقد روى عن عمر رضي الله عنه انه أمر الذين فاتهم الحج بالقضاء من قابل ثم قال (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع) (والثانى) انه كدم الجماع في الاحكام إلا أن ذلك بدنة وهذا شاة ووجه الشبه اشتراك الصورتين في التفريط المحوج إلى القضاء (الثاني) جزاء الصيد وهو دم تخيير وتعديل قال الله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل(8/68)
من النعم) الآية وما فيه التخيير يختلف يكون الصيد مثليا أو غير مثلي على ما سبق في موضعه وجزاء شجر الحرم كجزاء الصيد (الثالث) دم الحلق وفديته وهو دم تخيير وتقدير فإذا حلق جميع شعره أو ثلاث شعرات تخير بين أن يذبح شاة وبين أن يتصدق بعزق من طعامه على ستة مساكين وبين أن يصوم ثلاثة أيام والعزق ثلاثة آصع وكل صاع اربعة أمداد فتكون الآصع الثلاثة اثنى عشر مدا نصيب كل مسكين مدان وفى سائر الكفارات لا يزاد لكل مسكين على مد هذا هو المشهور * وحكي في العدة وجها آخر انه لا يتقدر ما يصرف إلي كل مسكين وإنما أخذ التخيير في هذا الدم من نص الكتاب قال الله(8/69)
تعالى (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) (وأما) التقدير فهو مأخوذ من حديث كعب بن عجرة وقد رويناه في باب المحظورات (وقوله) في الكتاب دم الفوات يجوز اعلامه بالواو لما رويناه من القول(8/70)
الثاني (وقوله) وتخيير في جزاء الصيد بالواو لقول حكيناه عن رواية أبى ثور من قبل انه علي الترتيب (وقوله) فهذه الثلاث منصوص عليها أي ورد نص الكتاب أو الخبر في كيفية وجوبها وما عداها مقيس بها * قال (الرابع) الواجبات المجبورة بالدم فيها دم تعديل وترتيب وقيل إنه كدم التمتع في التقدير أيضا) *(8/71)
الدم المنوط بترك المأمورات كالاحرام من المقيات والرمى والمبيت بمزدلفة ليلة العيد وبمنى ليالى التشريق والدفع من عرفة قبل غروب الشمس وطواف الوداع فيه وجهان (أحدهما) أنه دم ترتيب وتعديل (أما) الترتيب فالحاقا بدم التمتع لما في التمتع من ترك الاحرام من الميقات (وأما) التعديل فجريا على القياس والتقدير لايعرف الا بتوقيف * فعلى هذا يلزمه ذبح شاة فان عجز قوم الشاة دارهم واشترى بها طعاما يتصدق به فان عجز صام عن كل مد يوما * وإذا ترك رمى حصاة فقد ذكرنا أقوالا في أن الواجب مد أو درهم أو ثلث شاة فان عجز فالطعام والصوم على ما يقتضيه التعديل بالقيمة (والوجه الثاني) أنه يلحق بدم لتمتع في التقدير كما الحق به في الترتيب ويكون الواجب دم ترتيب وتقدير فان عجز عن الدم صام ثلاثة في الحج وسبعة بعد الرجوع * وفى تعليق بعض المراوزة وجه آخر تفريعا على الوجه الثاني وهو أن الصوم المعدول إليه هو صوم فدية الاذى دون العشرة وما الاظهر من الوجهين ايراد الكتاب يشعر بترجيح الوجه الاول وبه قال(8/72)
القاضي ابن كج والامام وغيرهما لكن الثاني اظهر في المذهب ولم يورد العراقيون وكثير من سائر الطبقات غيره وحكي القاضي ابن كج وجها ثالثا ضعيفا أنه دم تخيير وتعديل كجزاء الصيد * قال (الخامس الاستمتاعات كالطيب واللبس ومقدمات الجماع فيه دم ترتيب وتعديل وفيه قول آخر أنه دم تخيبر تشبيها بالحلق (وقيل) انه دم تقدير أيضا إتماما للتشبيه (وأما) القلم ففى معنى الحلق) *
دم التطيب والتدهن واللباس ومقدمات الجماع دم ترتيب أو تخيير فيه قولان أو وجهان (أحدهما) أنه دم ترتيب كدم التمتع لانه مترفه بهذا الاستمتاعات كما أن المتمتع مترفه بالتمتع (وأظهرهما) وبه قال ابو اسحق أنه دم تخيير تشيها بفدية الحلق لاشتراكهما جميعا في الترفه وإلحاقها بالحلق أولى منه بالتمتع فان الدم ثم إنما وجب لترك الاحرام من الميقات (فان قلنا) بالاول ففى كونه دم تقدير أو تعديل وجهان (أحدهما) انه دم تقدير اتماما للتشبيه بدم التمتع (واظهرهما) انه دم تعديل كجزاء الصيدلان التقدير انما يؤخذ من التوقيف (وان قلنا) بالثاني ففى كونه دم تقدير أو تعديل ايضا وجهان(8/73)
(اظهرهما) انه دم تقدير اتماما للتشبيه بالحلق * والحاصل من هذه الاختلافات اربعة اوجه (احدها) الترتيب والتعديل (وثانيها) التخيير والتعديل (وثالثها) لتخيير والتقدير وهذه الثلاثة هي المذكورة في الكتاب (ورابعها) الترتيب والتقدير واظهر الوجوه الثالث وايراد الكتاب يشعر بترجيح الاول وبه قال صاحب التهذيب وهذا الاختلاف لا يجئ في قلم الاظفار بل هو ملحق بالححلق بلا خلاف لاشتراكهما في معنى الترفة والاستهلاك جميعا والله اعلم *(8/74)
قال (السادس دم الجماع وفيه بدنه أو بقرة أو سبع من الغنم فان عجز قوم البدنة دارهم والدارهم طعاما والطعام صياما فهو دم تعديل وترتيب (وقيل) انه دم تخيير كالحلق (وقيل) بين البدنة والبقرة والشاة ايضا ترتيب) * في خصال فدية الجماع وجهان (اصحهما) انها خمس ذبح بدنه وذبح بقرة وذبح سبع من الغنم والاطعام بقدر قيمة البدنة على ما عرفت من سبيل التعديل والصيام عن كل مد يوما (والثانى) حكاه القاضي ابن كج أن خصالها الثلاث الاول فان عجز عنها فالهدى في ذمته إلى ان يجد تخريجا من أحد(8/75)
القولين في دم الاحصار وسنذكره فان جرينا على الصحيح وهو اثبات الخصال الخمس فهذا الدم دم تعديل لا محالة لانا في الجملة نقوم البدنة وهل هو دم ترتيب أو تخيير فيه قولان ومنهم من قول وجهان
(أصحهما) أنه دم ترتيب فعليه بدنة إن وجدها والا فبقرة والا فسبع من الغنم والاقوم البدنة دارهم والدارهم طعاما ثم فيه وجهان (احدهما) أنه يصوم عن كل مد يوما فان عجز عن الصيام اطعم كما في كفارة الظهار والقتل (واصحهما) ولم يورد الجمهور غيره ان الترتيب على العكس ويتقدم الطعام على الصيام لانا لم نجد في المناسك تقديم الصيام على الاطعام في غير هذا الدم فكذلك ههنا * وانما قدمت البدنة(8/76)
على البقرة وان قامت مقامها في الضحايا لان الصحابة رضي الله عنهم نصوا علي البدنة وذلك يقتضى تعينها وبينها وبين البقرة بعض التفاوت الا ترى الي قوله صلى الله عليه وسلم (من راح في الساعة الاولي فكأنما قرب بدنة ومن راح في الثانية فكانما قرب بقرة) واما أقيم الاطعام والصيام مقامها تشبيها بجزاء الصيد الا ان الامر ثم علي التخيير وههنا على الترتيب لانه يشبه الفوات في ايجاب(8/77)
القضاء وموجب الفوات مرتب (والقول الثاني) أنه دم تخيير لانه سبب تجب به البدنة فيكون على التخيير كقتل النعامة وأيضا فان الجماع ملحق بالاستهلاكات على ما سبق فتكون فديته علي التخيير كفدية الحلق وعلى هذا ففيم يثبت التخيير وجهان (أظهرهما) أنه يتخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم كما لو لزمه سبعة دماء (واما) الاطعام والصيام فهما على الترتيب ولا عدول اليهما الا إذا عجز عن الذبح (والثاني) انه يتخير بين الكل كما في قتل النعامة وكما ان في فدية الحلق يتخير بين الصيام والصدقة والنسك * وقد ذكر القفال وآخرون ان الفولين في ان دم الجماع دم ترتيب أو تخيير مبني على ان الجماع(8/78)
استهلاك أو استمتاع ان جعلناه استهلاكا فهو علي التخيير كفدية الحلق والقلم وان جعلناه استمتاعا فهو على الترتيب كفدية الطيب واللباس والتمتع * (واعلم) ان هذا التشبيه في الطيب واللباس كلام من يجعل الامر ثم على الترتيب وقد سبق ما فيه من الخلاف (وقوله) في الكتاب قوم البدنة دارهم يجوز اعلامه بالواو للوجه المنسوب إلى حكاية ابن كج (وقوله) والدراهم طعاما والطعام صياما باقى الكلام محذوف والمعني وأطعم فان عجز صام * ثم ايراد الكتاب قد يوهم ترجيح قول التخيير بين البدنة والبقرة والشاة
على الترتيب لكن الاظهر عند الاكثرين الترتيب فيها أيضا وايراد الوسيط يوافقه * قال (السابع الجماع الثاني أو بين التحللين إن قلنا فيه شاة فهو كالقبلة وان قلنا بدنة فكالجماع الاول) * قد سبق الخلاف في أن الجماع الثاني يوجب البدنة أو الشاة وكذا الجماع بين التحللين فان أوجبنا البدنة فهي في الكيفية كالجماع الاول قبل التحللين وان أوجبنا الشاة فهى كفدية القبلة وسائر مقدمات الجماع وهذا ظاهر * قال (الثامن دم التحلل بالاحصار وهو شاة فان عجز فلا بدل له في قول وفى قول بدله كدم التمتع وفى قول كدم الحلق وفى قول كدم الواجبات المجبورة) *(8/79)
على المحصر دم شاة للتحلل ولا معدل عنه ان وجد الشاة والا فهل لهذا الدم من بدل فيه قولان (أصحهما) وبه قال أحمد نعم كسائر الدماء الواجبة على المحرم (والثاني) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله لا لان الله تعالى لم يذكر لدم الاحصار بدلا ولو كان له بدل لا شبه أن يذكره كما ذكر بدل غيره (التفريع) ان قلنا له بدل فما ذلك البدل فيه ثلاثة أقوال (أحدها) الصوم وبه قال أحمد رحمه الله كدم التمتع لان التحلل والتمتع جميعا مشروعان تخفيفا وتر فيها وفيهما جمعا ترك بعض النسك فيلحق أحدهما بالآخر (والثاني) الاطعام لان قيمة الهدى أقرب إليه من الصيام وإذا لم يرد نص فالرجوع إلى الاقرب أولى (والثالث) ان لكل واحد منهما مدخلا في البدلية كفدية الحلق ووجه الشبه بينهما ان المحصر يبغى دفع أذى العدو والاحرام عن نفسه كما أن الحالق يبغي دفع اذى الشعر (التفريع) ان قلنا ان بدله الصوم فما ذلك الصوم فيه ثلاثة اقوال (احدها) وبه قال احمد رحمه الله صوم المتمتع عشرة ايام (والثاني) صوم فدية الاذى ثلاثة ايام (والثالث) ما يقتضيه التعديل وانما يدخل الطعام في الاعتبار على هذا القول ليعرف به قدر الصوم لا ليعطم (وان قلنا) ان بدله الاطعام ففيه وجهان (احدهما) أنه مقدر كفدية الاذى وهو إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين (الثاني) انه يطعم ما يقتضيه التعديل (وان قلنا) لكل واحد مدخلا فيه فهل بينهما ترتيب فيه وجهان(8/80)
(احدهما) لا كما في فدية الحلق (وأصحهما) نعم كالترتيب بين الهدى وبدله فعلي الاول قدر الطعام والصيام كقدرهما في الحلق وعلى الثاني الطريق بينهما التعديل * إذا عرفت ذلك فانظر في لفظ الكتاب واعلم قوله ولا بدل له في قوله بالالف ويقابله ان له بدلا وما هو ذكر فيه اقوالا ثلاثة (احدها) ان بدله كبدل دم التمتع وهذا مختصر قولنا ان بدله الصوم وان ذلك الصوم صوم التمتع (والثانى) ان بدله كبدل دم الحلق وهذا مختصر قولنا ان للاطعام والصيام معا مدخلا في البدلية وان الامر فيهما على التخيير والتقدير (والثالث) أن بدله كبدل دم الواجبات المجبورة وهذا مختصر قولنا لكل واحد منهما مدخل فيه والامر فيما على الترتيب والتعديل فعلى(8/81)
الاول هو دم ترتيب وتقدير وعلي الثاني دم تخيير وتقدير وعلى الثالث دم ترتيب وتعديل وهذا حكم دماء الواجبات المجبورة على الارجح عند صاحب الكتاب على ما مر فان لم نقل بذلك لم يستمر هذا التشبيه والاصح في المسالة التي نحن فيها الترتيب والتعديل قاله القاضى الرويانى وصاحب التهذيب وغيرهما رحمهم الله وهو اختيار المزني رضى الله عنه والله أعلم * قال (الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها) (ولا تختص دماء المحظورات والجبرانات بزمان بعد جريان سببها بخلاف دم الضحايا ودم * الفوات يراق في الحجة الفائتة أو في الحجة المقضية فيه قولان) *(8/82)
مقصود الفصل بيان زمان إراقة الدماء ومكانها (أما) الزمان فالدماء الواجبة في الاحرام إما لارتكاب محظورات أو جبرا لترك مأمور لا اختصاص لها بزمان بل يجوز في يوم النحر وغيره وانما الضحايا هي التى تختص بيوم النحر وأيام التشريق * وعن أبي حنيفة رحمه الله ان دم القران والتمتع لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر * لنا القياس على جزاء الصيد ودم التطيب والحلق * ثم ما عدا دم الفوات يراق في النسك الذى هو فيه وأما دم الفوات فيجوز تأخيره إلى سنة القضاء وهل يجوز إراقته في سنة الفوات فيه قولان (أحدهما) وهو نصه في الاملاء أنه يجوز كدم الافساد يراق في الحجة الفاسدة
(وأصحهما) أنه لا يجوز ويجب تأخيره إلى سنة القضاء لظاهر خبر عمر رضى الله عنه حيث قال (حج(8/83)
من قابل واهد ما استيسر من الهدى) (فان قلنا) بالاول فوقت وجوبه سنة الفوات وكأن الفوات أوجب شيئين الدم والقضاء فله تعجيل أحد لواجبين وتأخير الثاني (وان قلنا) بالثاني ففى وقت الوجوب وجهان (أصحهما) أن لوجوب منوط بالتحريم بالقضاء كما ان دم التمتع منوط بالتحرم بالحج ووجه الشبه أن من فات حجه يتحلل من نسك ويتحرم بآخر كالمتمتع الا أن نسكى المتمتع يقعان في سنة واحدة والقضاء سيقع في سنة أخرى ولما بينهما من الشبه فنقول لو ذبح قبل التحلل عن الفائت لم يجزه علي الاصح كما لو ذبح المتمتع قبل الفراغ من العمرة * هذا إذا كفر بالدم أما إذا كان بصوم فان قلنا أن الكفارة تجب بالتحرم بالقضاء فصيام الايام الثلاثة لا يتقدم على القضاء لا محالة لان العبادة البدنية(8/84)
لا تقدم علي وقتها ويصوم السبعة بعد الرجوع وان قلنا إنها تجب بالفوات فقد حكي الامام رحمه الله في جواز صوم الايام الثلاثة في الحجة الفائتة وجهين (وجه) المنع أنه في إحرام ناقص والذى عهدناه إيقاع الثلاثة في نسك كامل * قال (وأما المكان فيختص (ح) جواز الاراقة بالحرم والافضل في الحج منى وفى العمرة عند المروة لانهما محل تحللهما وقيل لو ذبح على طرف الحرم جاز وقيل ما لزم بسبب مباح لا يختص بمكان) * الدماء الواجبة على المحرم تنقسم إلى دم الاحصار وما لزم المحصر من دماء المحظورات والى سائر الدماء (أما) القسم الاول فقد ذكرنا حكمه في فصل الاحصار (وأما) الثاني وهو المقصود في الكتاب(8/85)
وان كان اللفظ مطلقا فيتقيد بالحرم ويجب تخصيص لحومها بمساكين الحرم ويجوز صرفها الى القاطنين والغرباء الطارئين لكن الصرف إلى القاطنين أولي * وهل يختص ذبحها بالحرم فيه قولان (أصحهما) نعم وبه قال أبو حنيفة لان النبي صلي الله عليه وسلم (أشار الي موضع النحر من مني وقال هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر) ولان الذبح حق متعلق بالهدى فيختص بالحرم كالتصدق
(والثانى) لا يختص لان المقصود هو اللحم فإذا وقعت تفرقته في الحرم وانصرف إلى مساكينه حصل الغرض * فعلى الاول لو ذبح خارج الحرم لم يعتد به * وعلى الثاني لو ذبح خارج الحرم ونقل إليه وفرقه جاز لكن يشترط أن يكون النقل والتفريق قبل تغير اللحم والى هذا أشار في الكتاب في(8/86)
العبارة عن هذا القول حيث قال وقيل لو ذبح على طرف الحرم جاز * ولا فرق فيما ذكرناه بين دم التمتع والقران وسائر الدماء والواجبة بسبب منشأ في الحرم وبين الدماء الواجبة بسبب منشأ في الحل * وفى القديم قول ان ما انشئ سببه في الحل يجوز ذبحه وتفريقه في الحل كدم الاحصار وبه قال أحمد والمذهب الاول واحتج له بقوله تعالي في جزاء الصيد (هديا بالغ الكعبة) أطلق ولم يفصل بين أن يقتل الصيد في الحل أو الحرم * ولا فرق أيضا بين أن يكون السبب الموجب للدم مباحا أو بعذر كالحلق للاذى أو مطلقا كالتمتع والقرن بين أن يكون محرما * وذكر الامام أن صاحب التقريب حكي وجها أن ما لزم بسبب مباح ولا يختص ذبحه ولا تفرقة لحمه بمكان وأن شيخه حكى(8/87)
وجها أنه لو حلق قبل الانتهاء إلى الحرم ذبح وفرق حيث حلق وهما ضعيفان وصاحب الكتاب أورد الاول منهما * ثم أفضل مواضع الحرم للذبح في حق الحاج منا وفى حق المعتمر المروة لانهما محل تحللهما وكذلك حكم ما يسوقانه من الهدى * ولو كان يتصدق بالاطعام بدلا عن الذبح فيجب تخصيصه بمساكين الحرم بخلاف الصوم فانه ياتي به حيث يشاء لانه لا غرض فيه للمساكين * وعند أبى حنيفة يجوز صرف اللحم والطعام إلى غير مساكين الحرم وانما الذى يختص بالحرم الذبح وإذا ذبح الهدى في الحرم ففرق منه لم يجزه عما في ذمته وعليه إعادة الذبح أو شرى اللحم والتصدق به وفيه وجه أنه يكفيه التصدق بالقيمة وقال أبو حنيفة رحمه الله لا شئ عليه *(8/88)
قال (واختتام الكتاب بمعني الايام المعلومات وهى العشر الاول من ذى الحجة وفيها المناسك والمعدودات وهى أيام التشريق وفيها الهدايا والضحايا والله أعلم بالصواب) *
ختم الكتاب بذكر معني الايام المعلومات والايام المعدودات قد ذكرهما الله وتعالى في آيتين من كتابه فالمعلومات هي العشر الاول من ذى الحجة آخرها يوم النحر وبه قال أحمد رحمه الله في رواية ويروى عنه مثل ما روى عن مالك وهو أنها يوم النحر ويومان بعده وعند أبي حنيفة رحمه الله المعلومات ثلاثة أيام يوم عرفة ويوم النحر واليوم الاول من أيام التشريق * فعنده اليوم الاول داخل في المعدودات والمعلومات معا وعند مالك رحمه الله الاول والثانى من أيام(8/89)
التشريق داخلان فيها * لنا التفسير عن ابن عباس رضى الله عنهما والاخذ به أولي لان الاشبه تغاير المسميات عند تغاير الاسماء (وأما) المعدودات فهي أيام التشريق بلا خلاف (وقوله) في الكتاب وفيها المناسك اراد به اصول المناسك فان توابعها قد يتأخر بعضها إلى ايام التشريق (قوله) وفيها الهدايا والضحايا لك أن تبحث فيه فتقول هذا يقتضي تخصيص الهدايا بهذه الايام وقد ذكر من قبل ان دماء الجبرانات والمحظورات لا تختص بزمان واسم الهدي يقع عليها كما يقع على ما يسوقه المحرم فان اراد ههنا ما يسوقه المحرم فهل يختص ذبحه بهذه الايام على ما هو قضية اللفظ أم لا (فاعلم) ان المراد في هذا الموضع بالهدايا ما يسوقها المحرم وفى اختصاصها بيوم النحر وايام(8/90)
التشريق وجهان (احدهما) وهو الذى اورده في التهذيب أنها لا تختص كدماء المحظورات (وأظهرهما) وهو الذى اورده صاحب الكتاب والعراقيون انها تختص كالاضحية فعلى هذا لو اخر الذبح حتي مضت هذا الايام نظر ان كان هديا واجبا ذبح قضاء وان كان تطوعا فقد فات وان ذبح فقد قال الشافعي رضى الله عنه هي شاة لحم * ولا يخفى ان لفظ الكتاب يحتاج إلى تأويل فان الذى جرى ذكره ايام التشريق لا غير والذبح لا يختص بها بل يوم النحر في معناها لا محالة والله اعلم (واعلم) أن في المختصر بابا في آخر كتاب الحج ترجمه بنذر الهدى(8/91)
وعلي ذلك جرى الاصحاب فذكروا ههنا فروعا ومسائل كثيرة لكن صاحب الكتاب أخر ايراده
منها إلي كتابي الاضحية والنذر اقتداء بالامام رحمه الله ونحن نشرح ما ذكره ونضم إليه ما يحسن ايراده ان شاء الله تعالى لكن نذكر نبذا لابد من معرفتها فنقول.
من قصد مكة لحج أو عمرة(8/92)
فسيتحب له أن يهدى إليها شيئا من النعم (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة) ولا يلزم ذلك الا بالنذر * وإذا ساق هديا تطوعا أو نذرا نظر ان ساق بدنة أو بقرة فيستحب ان يقلدها نعلين وليكن لهما قيمة ليتصدق بها وان يشعرها ايضا والاشعار الاعلام والمراد ههنا ان يضرب صفحة سنامها اليمني بحديدة وهي مستقبلة للقبلة فيدميها ويلطخها بالدم ليعلم من رآها أنها هدى فلا يستجيز التعرض لها * وقال ابو حنيفة لا اشعار * ومالك واحمد استحبا الاشعار ولكن(8/93)
قالا يشعرها من الجانب الايسر * لنا ما روى عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم (صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنة فاشعرها في صفحة سنامها الايمن) وان ساق غنما استحب تقليدها ولكن بخرب القرب وهى عراها وآذانها لا بالنعل لانها ضعيفة يثقل عليها حمل النعال * وقال(8/94)
مالك وبو حنيفة لا يستحب تقليد الغنم * لنا ما روي انه صلى الله عليه وسلم (اهدى مرة غنما مقلدة) ولا يستحب اشعارها لانها ضعيفة ولان شعرها يمنع من ظهور الدم * ثم إذا قلد النعم وأشعرها لم تصر بذلك هديا واجبا على اصح القولين كما لو كتب الوقف علي باب داره لا تصير وقفا * وإذا عطب الهدى الذي ساقه في الطريق ينظر ان كان تطوعا فهو ماله يفعل به ما يشاء من بيع واكل وغيرهما وان كان واجبا فعليه ذبحه فلو تركه حتى هلك ضمنه وإذا ذبحه غمس النعل التي قلده في دمه وضرب بها صفحة سنامها وتركه ليعلم من مر به انه هدى فيأكل منه وهل تتوقف الاباحة على ان يقول ابحته لمن ياكل منه فيه قولان (اصحهما) عند صاحب الهذيب انه لا حاجة إليه لانه بالنذر زال ملكه عنه وصار للناس * ولا يجوز للمهدى ولا لاغنياء الرفقة الاكل منه(8/95)
وفى فقرائها وجهان (اصحها) انه ليس لهم الاكل ايضا لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه (لا تأكل كل منها انت ولا احد من اهل رفقتك) والله ولى التوفيق * تم الربع الاول وهو ربع العبادات من كتاب العزيز في شرح الوجيز بحمد الله تعالي وعونه ويتلوه في هذا المجلد أيضا كتاب البيع ولقد نقلنا هذه الدرر النفيسة من نسخة كتبت علي يد المغفور له أبو بكر بن محمود بن بابا في سنة سبع وستين وستمائة هجرية علي صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية *
__________
وجدنا هذا الختام في بعض نسخ الاصل(8/96)
(كتاب البيع)
(والنظر في خمسة أطراف) (الاول في صحته وفساده وفيه أربعة أبواب) (الباب الاول في أركانه) قال (وهى ثلاثة (الاول) الصيغة وهي الايجاب والقبول اعتبرا للدلالة على الرضا الباطن ولا تكفي المعاطاة (م ح و) أصلا ولا الاستيجاب (م) والايجاب وهو قوله بعنى بدل قوله اشتريت على أصح الوجهين بخلاف النكاح فانه لا يجرى مفافصة وينعقد البيع بالكناية مع النية علي الاصح كالكتابة والخلع بخلاف النكاح فانه مقيد بقيد الشهادة) * الاصل في الباب الاجماع وآيات الكتاب نحو قوله تعالي (وأحل الله البيع) وقوله عز وجل (الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والاخبار نحو ما روى عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن أطيب الكسب فقال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور)
__________
(قوله) مفافصة المفافصة الاخذ على غرة اه(8/97)
ولفقه هذا الكتاب أبواب منتشرة ومسائل كثيرة جمعها المصنف في خمسة أطراف وسبيل ضبطها أن البيع أما صحيح أو فاسد وبتقدير الصحة فهو اما جائز أو لازم وعلى التقديرين فاما أن يقترن به القبض أو لا يقترن وعلي التقديرين فالالفاظ المستعملة فيه اما التي تتأثر بقرائن عرفية
تقتضي زيادة علي موجب اللغة أو نقصانا وإما غيرها وعلى التقديرين فالمتبايعان قد يكونا حرين وقد يكون أحدهما رقيقا وباعتبار آخر قد يعرض لهما الخلاف في كيفية البيع وقد لا يعرض والاحكام تختلف بحسب هذه الاحوال * فالطرف الاول في الصحة والفساد (والثاني) في الجواز واللزوم (والثالث) في حكم البيع قبل القبض وبعده (والرابع) في الالفاظ المتأثرة بالقرائن (والخامس) في مداينة العبيد واختلاف المتبايعين * والطرف الاول في صحة البيع وفساده وفيه أبواب (أحدها) في أركانه وهى ثلاثة ترجمها في الوسيط فقال هي العاقد والمعقود عليه وصيغة العقد فلابد منها لوجود صورة العقد هذا لفظه * ولك أن تبحث فتقول ان كان المراد أنه لابد من وجودها لتدخل صورة البيع في الوجود فالزمان والمكان وكثير من الامور بهذه المثابة فوجب أن تعد أركانا * وإن كان المراد أنه لا بد من حضورها في الذهن ليتصور البيع فلا نسلم أن العاقد والمعقود عليه بهذه المثابة وهذا لان البيع فعل من الافعال والفاعل لا يدخل في حقيقة الفعل ألا ترى انا إذا عددنا أركان الصلاة والحج لم نعد المصلى والحاج في جملتها وكذلك مورد الفعل بل الاشبه أن الصيغة أيضا ليست جزاء من حقيقة فعل البيع الا ترى أنه ينتظم أن يقال هل المعاطاة بيع أم لا ويجيب عنه مسؤل بلا وآخر بنعم (والوجه) أن يقال البيع مقابلة مال بمال وما أشبه ذلك فيعتبر في صحته أمور (منها) الصيغة (ومنها) كون العاقد بصفة كيت وكيت (ومنها) كون المعقود عليه كذا وكذا * ثم أحد الاركان على ما ذكره الصيغة وهي الايجاب من جهة البائع بان يقول بعت أو اشتريت أو(8/98)
ملكتك وفى ملكت وجه منقول عن الحاوى والقبول من جهة المشتري بان يقول قبلت ويقوم مقامه ابتعت واشتريت وتملكت ويجرى في تملكت مثل ذلك الوجه * وإنما جعلنا قوله ابتعت وما بعده قائما مقام القبول ولم نجعله قبولا لما ذكره إمام الحرمين من ان القبول على الحقيقة ما لا يتأتى الابتداء به (فاما) إذا أتى بما يتأتى الابتداء به فقد أتي باحد شقى العقد * ولافرق بين أن يتقدم قول البائع بعت علي قول المشتري اشتريت وبين أن يتقدم قول المشترى اشتريت * ويصح في البيع الحالتان ولا يشترط اتفاق اللفظين بل لو قال البائع اشتريت فقال المشترى تملكت أو ابتعت أو قال
البائع ملكت فقال المشترى اشتريت صح لان المعنى واحد (وقوله) اعتبرا للدلالة على الرضا يريد به أن المقصود الاصلي هو التراضي لئلا يكون واحد منهما آكلا مال الآخر بالباطل بل يكونا تاجرين عن تراض على ما قال تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينك بالباطل) الآية الا أن الرضي أمر باطن يعسر الوقوف عليه فنيط الحكم باللفظ الظاهر * ثم في بعض النسخ على الرضى الباطن وفى بعضها علي الرضي في الباطن وهما صحيحان ويتعلق بهذه القاعدة مسائل ثلاث (إحداها) المعاطاة ليست بيعا علي المذهب المشهور لان الافعال لا دلالة لها بالوضع وقصود الناس فيها تختلف * وعن ابن سريج فيها تخريج قول الشافعي أنه يكتفى بها في المحقرات لان المقصود الرضي وبالقرائن يعرف حصوله وبهذا أفتى القاضى الرويانى وغيره وذكروا لمستند التخريج صورا (منها) لو عطب الهدى في الطريق فغمس النعل الذى قلده بها في الدم وضرب بها صفحة سنامه هل يجوز للمارين الاكل(8/99)
منه ذكرنا فيه قولين وخلافا سيأتي إن شاء الله تعالي (ومنها) لو قال لزوجته ان اعطيتني الفا فانت طالق فوضعت بين يديه ولم تتلفظ بشئ يملكه ويقع الطلاق وفى الاستشهاد بهذه الصور نظر (ومنها) لو قال لغيره اغسل هذا الثوب فغسله وهو ممن يعتاد الغسل بالاجرة هل يتسحق الاجر فيه خلاف سيأتي ذكره في موضعه * ثم مثلوا المحقرات بالتافه من البقل والرطل من الخبز وهل من ظابط؟ سمعت والدى رحمه الله تعالى وغيره يحكى ضابطها بما دون نصاب السرقة والاشبه الرجوع فيه الي العادة فما يعتاد فيه الاختصار على المعاطاة بيعا ففيه التخريج ولهذا قال صاحب التتمة معبرا عن التخريج ما جرت العادة فيه بالمعاطاة فهي بيع فيه ومالا كالدواب والجوارى والعقار فلا * وإذا قلنا بظاهر المذهب فما حكم الذى جرت العادة من الاخذ والعطاء فيه وجهان (احدهما) انه اباحة وبه أجاب القاضى أبو الطيب حين سأله ابن الصباغ عنه قال فقلت له لو أخذ بقطعة ذهب شيئا فاكله ثم عاد يطالبه بالقطعة هل له ذلك قال لا قلت فلو كان إباحة لكان له ذلك قال إنما اباح كل واحد منهما بسبب اباحة الاخر له (قلت) فهو إذا معاوضة فاصحهما ان حكمه حكم المقبوض بسائر العقود الفاسدة فلكل واحد منهما مطالبة الاخربما سلمه إليه مادام باقيا وبضمانه ان كان تالفا *
فلو كان الثمن الذى قبضه البائع مثل القيمة فقد قال المصنف في الاحياء هذا مستحق ظفر بمثل حقه والمالك راض فله تملكه لا محالة * وعن الشيخ ابي حامد انه لا مطالبة لواحد منهما على الآخر وتبرأ ذمتهما بالتراضى وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة فانه لابراءة وان وجد الرضى (وقوله) فلا تكفى(8/100)
المعاطاة اصلا معلم بالواو والحاء والميم لان ابا حنيفة يجعلها بيعا في المحقرات التى جرت العادة فيها بالاكتفاء بالاخذ والعطاء * وقال مالك ينعقد البيع بكل ما يعده الناس بيعا واستحسنه ابن الصباغ * (المسألة الثانية) لو قال بعني فقال البائع بعتك نظران قال بعد ذلك اشتريت أو قبلت انعقد البيع لا محالة والا فوجهان في رواية بعضهم وكذلك اورده المنصف ههنا وقولان في رواية اخرين وكذلك اورده في النكاح (احدهما) انه لا ينعقد وبه قال ابو حنيفة والمزنى لانه يحتمل ان يكون غرضة استبانة رغبة البائع في البيع (والثانى) ينعقد وبه قال مالك لان المقصود وجود لفظ دال علي الرضي بموجب العقد والاستدعاء الجازم دليل عليه والكلام فيما إذا وجد ذلك * وعن احمد روايتان كالقولين وفي نظير المسألة من النكاح طريقان مذكوران في موضعهما والاصح فيه الانعقاد باتفاق الائمة (واما) ههنا فادعي صاحب الكتاب ان الاصح المنع * وفرق بينهما بان النكاح لا يجرئ مغافصة في الغالب فتكون الرغبة معلومة من قبل ويعتبر قوله زوجنى استدعاء جزما والبيع كثير ما يقع مغافصة لكن الذى عليه الجمهور ترجيح الانعقاد ههنا ايضا ولم تتعرض طائفة لحكاية الخلاف فيه * ولو قال البائع اشتر منى كذا فقال المشتري اشتريت فقد سوى بينهما في التهذيب بين هذه الصورة والصورة السابقة واورد بعضهم انه لا ينعقد البيع * والفرق بينهما بان قول المشترى بعنى موضوع للطلب ويعتبر من(8/101)
جهته الطلب مبتدئا أو القبول مجيبا وقول البائع اشتر بكذا لم يوضع للبدء ولا للايجاب ولابد من جهته من بدء أو ايجاب وبني على هذا أنهما لو تبايعا عبدا بعبد وعقد البيع بلفظ الامر فايهما جعل نفسه بائعا أو مشتريا لزمه حكمه حتى لو قال الآمر بعنى عبدك هذا صح لننزيله نفسه منزلة المشترى ولو قال اشتر منى عبدى لم يصح لتنزيله نفسه منزلة البائع * ولو قال المشتري اتبعنى
عبدك بكذا أو قال بعتني بكذا فقال بعت لم ينعقد البيع حتى يقول بعده اشتريت * وكذا لو قال البائع اشتر دارى بكذا أو اشتريت مني دارى فقال اشتريت لا ينعقد حتى يقول بعده بعت (المسألة الثالثة) قال الائمة كل تصرف يستقل به الشخص كالطلاق والعتق والابراء فينعقد بالكنايات مع النية انعقاده بالصريح ومالا يستقل به الشخص بل يفتقر إلى الايجاب والقبول فهو على ضربين (أحدهما) ما يفتقر إلى الاشهاد كالنكاح وكبيع الوكيل إذا شرط الموكل عليه الاشهاد فهذا لا ينعقد بالكناية لان الشهود لا يطلعون على المقصود والنيات والاشهاد على العقد لابد منه وقد يتوقف في هذا التوجيه لان القرائن بما تتوفر فيبعد الاطلاع على ما في باطن الغير (والثانى) مالا يفتقر إليه فهو أيضا على ضربين (أحدهما) ما يقبل مقصوده التعليق بالاغرار كالكتابة والخلع فينعقد بالكناية مع النية * قال الشافعي رضي الله عنه لو قال لامرأته(8/102)
أنت بائن بالف فقالت قبلت ونويا صح الخلع (والثاني) ما لا يقبل كالبيع والاجارة وغيرهما وفى انقعاد هذه التصرفات بالكناية مع النية وجهان (أحدهما) لا ينعقد لان المخاطب لا يدري بم خوطب (وأظهرهما) أنه ينعقد كما في الكتابة والخلع * ومثال الكناية في البيع أن يقول خذه منى أو تسلمه منى بالف أو أدخله في ملكك أو جعلته لك بكذا ملكا وما أشبه ذلك * ولو قال سلطتك عليه بالف فهل هو من الكنايات أو لا كما لو قال أبحته لك بالف اختلفوا فيه * ولو كتب إلى غائب بالبيع ونحوه ترتب ذلك على أن الطلاق هل يقع بالكتابة ان قلنا لا يقع فهذه العقود أولى بان لا تنعقد (وان قلنا) نعم فوجهان في انعقادها بالكنايات (فان قلنا) تنعقد فالشرط أن يقبل المكتوب إليه كما اطلع علي الكتاب على الاصح ليقترن القبول بالايجاب بحسب الامكان * ولو تبايع حاضران بالكتابة ترتب ذلك على حال الغيبة إن منعنا فههنا أولى وإلا فوجهان * وحكم الكتابة على القرطاس والرق واللوح والارض والنقش على الحجر والخشب واحد ولاعبرة برسم الاحرف على الماء * والفوا في مسودات بعض أئمة طبرستان تفريعا على انقعاد البيع بالكتابة أنه لو قال بعت من فلان وهو غائب فلما بلغه الخبر قال قبلت ينعقد البيع لان النطق أقوى من الكتابة * وقال أبو حنيفة لا ينعقد(8/103)
نعم لو قال بعت من فلان وأرسل إليه رسولا بذلك فاخبره فقبل انعقد كما لو كاتبه قال الامام والخلاف في البيع ونحوه هل ينعقد بالكناية مع النية مفروض فيما إذا انعدمت قرائن الاحوال (فاما) إذا توفرت وأفادت التفاهم فيجب القطع بالصحة * نعم النكاح لا يصح بالكناية وان توفرت القرائن لامرين (أحدهما) أن الاثبات عند الجحود من مقاصد الاشهاد وقرائن الحال لا تنفع فيه (والثاني) أن النكاح مخصوص بضرب من التعبد والاحتياط لحرمة الابضاع وفى البيع المقيد الاشهاد وذكر في الوسيط أن الظاهر انعقاده عند توفر القرائن وهذا نظر منه في النكاح إلى معنى التعبد دون وقع الجحود (وقوله) في الكتاب الصيغة وهي الايجاب والقبول يقتضي اعتبار الصيغتين فيما إذا باع الرجل مال ولده من نفسه أو بالعكس نضر إلى اطلاق اللفظ وفيه وجهان توجيههما في غير هذا الموضع فان اكتفينا بصيغة واحدة فالمراد ما عدا هذه الصورة * ويتعلق بالصيغة مسائل آخر سكت عنها في الكتاب (احداها) يشترط أن لا يطول الفصل بين الايجاب والقبول ولا يتخللهما كلام أجنبي عن العقد فان طال أو تخلل لم ينعقد سواء تفرقا عن المجلس أم لا * ولو مات المشترى بعد الايجاب وقبل القبول ووارثه حاضر فقيل فوجهان عن الداركي أنه يصح(8/104)
والاصح المنع (الثانية) يشترط ان يكون القبول على وفق الايجاب حتي لو قال بعت بالف صحيحة فقال قبلت بالف قراضة أو بالعكس أو قال بعت جميع كذا بالف فقال قبلت نصفه بخمسمائة لم يصح * ولو قال بعتك هذا بألف فقال قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة قال في التتمة يصح لان هذا تصريح بمقتضى الاطلاق ولا مخالفة ولك أن تقول اشكالا سيأتي القول في ان تفصيل الثمن من موجبات تعدد الصفقة وإذا كان كذلك فالبائع ههنا أوجب بيعة واحدة والقابل قبل بيعتين لم يوجبهما البائع ولا يخفى ما فيه من المخالفة * وفى فتاوى القفال أنه لو قال بعتك بالف درهم فقال اشتريت بالف وخمسمائة يصح البيع وهو غريب (الثالثة) لو قال المتوسط للبائع بعت بكذا فقال نعم أو بعت وقال للمشترى اشتريت بكذا فقال نعم أو اشتريت هل ينعقد
البيع فيه وجهان (احدهما) لا لان واحدا منهما لم يخاطب الآخر (واظهرهما) ما دل عليه ايراد صاحب التهذيب والرويانى الانعقاد لوجود الصيغة والتراضي (الرابعة) لو قال بعت منك هذا بالف فقال قبلت صح البيع بخلاف النكاح يشترط فيه علي رأى ان يقول قبلت نكاحها احتياطا للابضاع.
(الخامسة) لو قال بعت هذا بالف ان شئت فقال اشتريت فوجهان (احدهما) انه لا ينعقد لما فيه من التعليق كما لو قال ان دخلت الدار (وأظهرهما) انه ينعقد لان هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد فانه لو لم يشأ لم يتيسر (السادسة) يصح بيع الاخرس وشراؤه بالاشارة والكتابة وهذا يبين ان الصيغة بخصوصها ليست داخلة في البيع نفسه (واعلم) أن جميع ما ذكرناه فيما ليس بضمني من المبياعات فأما البيع الضمني فيما إذا قال اعتق عبدك عنى على بألف فلا يعتبر فيه الصيغ التي قدمناها ويكفى فيه الالتماس والجواب لا محالة وبالله التوفيق * قال (الركن الثاني العاقد وشرطه التكليف فلا عبارة لصبى (ح م) ولا مجنون باذن الولى دوون اذنه وكذلك لا يفيد قبضهما الملك في الهبة ولا تعين الحق في استيفاء الدين * ويعتمد اخباره عن الاذن عند فتح الباب والملك عد ايصال الهدية على الاصح) *(8/105)
لفظ العاقد ينظم البائع والمشترى ويعتبر فيهما لصحة البيع التكليف فلا ينعقد البيع بعبارة الصبى والمجنون لا لنفسهما ولا لغيرهما سواء كان مميزا أو غير مميز سواء باشر باذن الولى ودون اذنه ولا فرق بين بيع الاختبار وغيره على ظاهر المذهب وبيع الاختبار هو الذى يمتحنه الولي ليستبين رشده عند مناهزة الحلم ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقد فإذا انتهى الامر إلى اللفظ أتى به الولي * وعن بعض أصحابنا تصحيح بيع الاختبار * وقال أبو حنيفة إن كان مميزا وباع أو اشترى بغير إذن الولى انعقد موقوفا علي إجازته وان باع باذنه نفذ ويكون دالا على أن الولى أذن له في التصرف في ماله ومتصرفا لنفسه إن أذن له في التصرف في مال نفسه حتى إذا أذن له في بيع ماله بالغبن فباع نفذ وان كان لا ينفذ من الولي ووافقه أحمد على انه ينفذ إذا كان باذن الولى * لنا انه غير مكلف فلا ينعقد بيعه وشراؤه كالمجنون وغير المميز * إذا عرفت ذلك فلو اشترى الصبي شيئا
وقبض المبيع فتلف في يده أو أتلفه لا ضمان عليه في الحال ولا بعد البلوغ وكذا لو استقرض مالا لان المالك هو المضيع بالتسليم إليه وما داما باقيين فللمالك الاسترداد * ولو سلم ثمن ما اشتراه فعلى الولى استرداده والبائع يرده على الولى فان رده على الصبى لم يبرأ عن الضمان وهذا كما لو عرض الصبى دينارا علي صراف لينقده أو متاعا على مقوم ليقومه فإذا أخذه لم يجز له رده علي الصبي بل يرده علي وليه إن كان للصبي وعلي مالكه إن كان له مالك فلو أمره ولى الصبى بدفعه إليه فدفعه سقط عنه الضمان إن كان الملك للولى وإن كان الصبي فلا كما لو أمره بالقاء مال الصبي البحر ففعل يلزمه الضمان * ولو تبايع صبيان وتقابضا فأتلف كل واحد منهما مما قبضه نظر ان جرى ذلك باذن الولين فالضمان عليهما وإلا فلا ضمان عليهما وعلى الصبيين الضمان لان تسليمها لا يعد تسليطا وتضبيعا * ثم في الفصل مسألتان (احداهما) كما لا ينفذ بيع الصبي وشراؤه لا ينفذ نكاحه وسائر تصرافاته نعم في تدبير المميز ووصيته خلاف مذكور في الوصايا * وإذا فتح الباب وأخبر عن إذن أهل الدار في الدخول(8/106)
أو أوصل هدية إلي إنسان وأخبر عن إهداء مهد فهل يجوز الاعتماد عليه نظر ان انضمت إليه قرائن أورثت العلم بحقيقة الحال جاز الدخول والقبول وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بقوله وإن لم تنضم نظر ان كان عارما غير مأمون القول فلا يعتمد وإلا فطريقان (أحدهما) تخريجه على وجهين ذكرا في قبول روايته (وأصحهما) القطع بالاعتماد تمسكا بعادة السلف فانهم كانوا يعتمدون أمثال ذلك ولا يضيقون فيها (وقوله) في الكتاب علي الاصح في هاتين الصورتين يجوز أن يريد به من الوجهين جوابا على الطريق الاول ويجوز أن يريد من الطريقين ذهابا إلى الثاني (الثانية) كما لا تصح تصرفاته اللفظية لا يصح قبضه في تلك التصرفات فان للقبض من التأثير ما ليس للعقد فلا يفيد قبضه الموهوب الملك له وان اتهب له الولى ولا لغيره إذا أمره الموهوب منه بالقبض له * ولو قال مستحق الدين لمن عليه الدين سلم حقى إلي هذا الصبي فسلم قدر حقه لم يبرأ عن الدين وكان ما سلمه باقيا على ملكه حتي لو ضاع منه فلا ضمان على الصبى لان المالك ضيعه حيث سلمه إليه وإنما بقى الدين بحاله لان الدين مرسل في لذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فإذا لم يصح القبض لم يزل الحق المطلق عن الذمة كما
إذا قال لمن عليه الدين الق حقى في البحر فألقى قدر حقه لا يبرأ * ويخالف ما إذا قال مالك الوديعة للمودع سلم حقى إلي هذا الصبي فسلم خرج عن العهدة لانه امتثل أمره في حقه المتعين كما لو قال ألقها في البحر فامتثل * ولو كانت الوديعة لصبى فسلمها إليه ضمن سواء كان باذن الولي أو دون اذنه إذ ليس له تضييعها وإن أمره الولى به * قال (أما اسلام العاقد فلا يشترط الا اسلام المشترى في شراء العبد المسلم والمصحف (ح) على أصح القولين دفعا للذل * ويصح شراء الكافر أباه المسلم على أصح الوجهين * وكذلك كل شراء يستعقب العتاقة * ويصح استئجاره وارتهانه للعبد المسلم على أقيس الوجهين لانه لا ملك فيه كالاعارة والايداع عنده ولا يمنع من الرد بالعيب * وان كان يتضمن انقلاب العبد المسلم الي الكافر على أظهر المذهبين لان الملك فيه قهرى كما في الارث) *(8/107)
اسلام البائع والمشترى ليس بشرط في صحة المطلق البيع والشراء لكن لو اشترى الكافر عبدا مسلما ففي صحته قولان (أصحهما) وبه قال أحمد وهو نصه في الاملاء أنه لا يصح لان الرق ذل فلا يصح اثباته للكافر على المسلم كما لا ينكح الكافر المسلمة (والثاني) وبه قال أبو حنيفة أنه يصح لانه طريق من طرق الملك فيملك به الكافر على المسلم كالارث * والقولان جاريان فيما لو وهب منه عبد مسلم فقيل أو وصي له بعبد مسلم قال في التتمة هذا إذا قلنا الملك في الوصية يحصل بالقبول (فان قلنا) يحصل بالموت ثبت بلا خلاف كالارث * ولو اشترى مصحفا أو شيئا من اخبار الرسول صلي الله عليه وسلم ففيه طريقان (احدهما) وبه اجاب في الكتاب طرد القولين (واظهرهما) القطع بالبطلان والفرق ان العبد يمكنه الاستغاثة ودفع الذل عن نفسه * قال العراقيون والكتب التى فيها آثار السلف رضي الله عنهم كالمصحف في طرد الخلاف * ولا منع من بيع كتب أبى حنيفة من الكافر لحلوها من الاثار والاخبار (وأما) كتب أصحابه رضى الله عنهم فمشحونة بها فحكمها حكم سائر الكتب المشتملة عليها * وامتنع الماوردى في الحاوى من الحاق كتب الحديث والفقه بالمصحف وقال ان بيعها منه صحيح لا محالة * وهل يؤمر بازالة الملك عنها فيه وجهان * (التفريع) ان قلنا لا يصح شراء الكافر العبد المسلم
فلو اشترى قريبه الذى يعتق عليه كابيه وابنه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح أيضا لما فيه من ثبوت الملك للكافر على المسلم (وأصحهما) الصحة لان الملك المستعقب للعتق شاء المالك أو أبي ليس باذلال ألا ترى أن للمسلم شراء قريبه المسلم ولو كان ذلك إذلالا لما جاز له اذلال ابنه * والخلاف جار في كل شئ يستعقب العتق كما إذا قال الكافر لمسلم اعتق عبدك المسلم عنى بعوض أو بغير عوض فأجابه إليه وكما إذا أقر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه * ورتب الامام الخلاف في هاتين الصورتين على الخلاف في شراء القريب وقال الاولى منهما أولي بالصحة لان الملك فيها ضمنى والثانية أولى بالمنع لان العتق وان حكم به فهو ظاهر غير محقق بخلاف صورة القريب فان العتق لا يحصل عقب الشراء وانما يزول الملك بازالته ومنهم من جعله على وجهي شراء القريب * ويجوز أن يستأجر الكافر المسلم على عمل في الذمة لانه كدين في ذمته وهو بسبيل من تحصيله بغيره * وان كانت الاجارة على العين(8/108)
ففيه وجهان حرا كان الاجير أو عبدا (أحدهما) لا تصح لانها لو صحت لاستحق استعماله وفيه اذلال له فصار كالمشترى على القول الذى عليه التفريع (وأظهرهما) الصحة لان الاجارة لا تفيد ملك الرقبة ولا تسلطا تاما وهو في يد نفسه ان كان حرا وفى يد مولاه ان كان عبدا وانما استوفى منفعته بعوض * وعلى هذا فهل يؤمر بازالة ملكه عن المنافع بأن يؤاجره من مسلم فيه وجهان (جواب) الشيخ أبي حامد منهما انه يؤمر وذكر في صحة ارتهان الكافر العبد المسلم وجهين وأعادهما مع زيادة في كتاب الرهن ونوجههما ثم إن شاء الله تعالي * ولا خلاف في جواز إعارته منه وإيداعه لانه ليس فيهما ملك رقبة ولا منفعة ولاحق لازم * وإذا باع الكافر عبدا مسلما كان قد أسلم في يده أو ورثه بثوب ثم وجد بالثوب عيبا فهل له أن يرده ويسترد العبد؟ حكى الامام فيهما وجهين وتابعه المصنف في الوسيط والحق ان له رد الثوب لا محالة والوجهان في استرداد العبد وهكذا نقله صاحب التهذيب وغيره (أحدهما) أنه ليس له استرداد، والا كان متملكا للمسلم بسبب اختياري فعلى هذا يسترد القيمة ويجعل العبد كالهالك (وأظهرهما) على ما ذكره صاحب الكتاب ان له ذلك لان الاختيار في الرد (أما) * عود العوض إليه فهو قهرى كما في الارث * هكذا وجهه وفيه اشكال لانا لانفهم من الملك القهري سوى الذى يتعلق سببه
بالاختيار ومن الاختياري سوى الذى يتعلق سببه بالاختيار والا فنفس الملك بعد تمام السبب قهرى أبدا ومعلوم أن عود الملك بهذا التفسير اختياري لا قهرى والا صوب في توجيهه ما قيل ان الفسخ بالعيب يقطع العقد ويجعل الامر كما كان وليس كانشاء العقود ولهذا لا تثبت به المنفعة فإذا كان الامر كذلك كان نازلا منزلة استدامة الملك * ولو وجد المشترى بالعبد عيبا والتصوير كما ذكرنا فأراد رده واسترداد الثوب فقد حكى الامام عن شيخه طرد الخلاف لانه كما لا يجوز للكافر تملك المسلم لا يجوز للمسلم تمليك المسلم اياه * وعن غيره القطع بالجواز إذ لا اختبار للكافر ههنا في التملك بحال (وقوله) في الكتاب ولا يمنع من الرد بالعيب إلى آخره ينظم الصورتين اللتين ذكرناهما(8/109)
لكن التوجيه المذكور في الثانية أظهر * ولو باع الكافر العبد المسلم ثم تقابلا ففيه الوجهان ان قلنا الاقالة فسخ وان قلنا انها بيع لم ينفذ * ولو وكل كافر مسلما ليشترى له عبدا مسلما لم يصح لان العقد يقع للموكل أولا وينتقل إليه آخرا * ولو وكل مسلم كافرا ليشترى له عبدا مسلما فان سمي الموكل في الشراء صح والا فان قلنا يقع الملك للوكيل أولا لم يصح وإن قلنا يقع للموكل صح * وهل يجوز أن يشترى الكافر العبد المرتد فيه وجهان لبقاء علقة الاسلام * وهذا كالخلاف في أن المرتد هل يقتل بالذمي وإذا اشترى الكافر عبدا كافرا فأسلم قبل القبض هل يبطل البيع كما لو اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض أولا يبطل كما إذا اشترى عبدا فابق قبل القبض فيه وجهان وان قلنا لا يبطل فيقبضه المشترى أو بنصب الحاكم من يقبض عنه ثم يؤمر بازالة الملك فيه وجهان (جواب) القفال منهما في فتاويه انه لا يبطل ويقبضه الحاكم وهو الاظهر * هذا كله تفريع على قول المنع (أما) إذا صححنا شراء الكافر العبد المسلم نظر ان علم الحاكم به قبل القبض فيمكنه من القبض أو ينصب مسلما يقبض عنه فيه وجهان ثم إذا حصل القبض أو علم به بعد القبض أمره بازالة الملك على الوجه الذى بينه في الفصل التالى لهذا الفصل * قال (ولو أسلم عبد كافر لكافر طولب ببيعه فان أعتق أو أزال الملك عنه بجهته كفي وتكفى الكتابة على أسد الوجهين ولا تكفى الحيلولة والاجارة وفاقا الا في المستولدة لان الاعتقاق تخير والبيع ممتنع (و) ثم يستكسب بعد الحيلولة لاجلة * ولو مات الكافر قبل البيع بيع على وارثه) *
إذا كان في ملك الكافر عبد كافر وأسلم لم يقر دفعا للذل عن المسلم وقطعا لسلطنة الكافر عنه قال الله عزوجل (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ولا يحكم بزوال ملكه بخلاف(8/110)
ما إذا أسلمت المراة تحت الكافر لان ملك النكاح لا يقبل النقل من شخص إلى شخص فتعين البطلان وملك الثمن يقبل النقل وبه يحصل دفع الذل فيصار إليه ويؤمر بازالة ملكه عنه ببيع أو عتق أو هبة أو غيرها فأى جهة ازال الملك حصل الغرض * ولا يكفى الرهن والتزويج والاجارة والحيلولة وهل تكفى الكتابة فيه وجهان (أحدهما) لا لاستمرار الملك على رقبة المكاتب (وأظهرهما) نعم لان الكتابة تفيد الاستقلال ويقطع حكم السيد عنه (فان قلنا) بهذا فالكتابة صحيحة وان قلنا بالاول فوجهان (أحدهما) انها فاسدة ويباع العبد (والثانى) انها صحيحة ان جوزنا بيع المكاتب بيع مكاتبا وإلا فسخت الكتابة وبيع فان امتنع الكافر من إزالة الملك عنه باعه الحاكم عليه بثمن المثل كما يبيع مال الممتنع من أداء الحق فان لم يتفق الظفر لمن يبتاعه بثمن المثل فلا به من الصبر ويحال بينه وبين الكافر إلى الظفر ويتكسب له وتوخذ نفقته منه * هذا كله في المملوك القن (أما) إذا أسلمت مستولدة الكافر فلا سبيل إلى نقلها الي الغير بالبيع والهبة ونحوهما علي المذهب الصحيح وهل يجبر على اعتاقها فيه وجهان (أحدهما) نعم لانها مستحقة العتاقة فلا يبعد أن يؤثر عروض الاسلام في تقديمها (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لما فيه من التخيير فعلي هذا يحال بينهما وينفق عليها وتتكسب له في يد غيره * ولو مات الكافر الذي أسلم العبد في يده صار العبد الي وارثه ويؤمر بما كان يؤمر به المورث فان امتثل فذاك والا بيع عليه كما ذكرنا في المورث وليس قوله في الكتاب بيع على وارثه تخصيصا للبيع القهري بالوارث فاعرف ذلك (وقوله) والحيلولة وفاقا لفظ الوفاق لا يتعلق به كثير غرض *(8/111)
قال (الركن الثالث المعقود عليه وشرائطه خمسة أن يكون طاهرا منتفعا به مملوكا للعاقد مقدورا على تسليمه معلوما (الاول) الطهارة فلا يجوز بيع السرجين (م ح) والكلب (م ح)
والخنزير والاعيان النجسة كما لا يجوز بيع الخمر والعذرة والجيفة وفاقا وان كان فيها منفعة * والدهن إذا نجس بملاقاة النجاسة صح بيعه (م) وجاز أستصباحه على اظهر القولين) يعتبر في المبيع ليصح بيعه شروط (أحدها) الطهارة فالشئ النجس ينقسم إلى ما هو نجس العين والي ما هو نجس بعارض (فاما) القسم الاول فلا يصح بيعه فمنه الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من احدهما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن ثمن الكلب) وعن جابر رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان الله عزوجل حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام) ولا فرق(8/112)
بين ان يكون الكلب معلما أو غير معلم وبهذا قال احمد * وعن ابي حنيفة رضي الله عنه يجوز بيع الكلب الا أن يكون عقورا ففيه روايتان * وعن اصحاب مالك اختلاف فيه منهم من لم يجوزه ومنهم من جوز بيع الكلب المأذون في امساكه (ومنه) السرجين والبول لا يجوز بيعهما كما لا يجوز بيع الميتة والعذرة والجامع نجاسة العين * وساعدنا احمد فيما نذهب إلى نجاسته منهما وقال ابو حنيفة يجوز بيع السرجين (وقوله) في الكتاب كما لا يجوز بيع الخمر والعذرة والجيفة وفاقا وان كانت فيها منفعة اشار به إلى الجواب عن عذر يبديه اصحاب ابي حنيفة إذا احتجينا عليهم في المنع من بيع الكلب والسرجين بالقياس على بيع الخمر والعذرة والجيفة فانها لما كانت نجسة العين امتنع بيعها بالاتفاق قال ليس لزاعم منهم ان يزعم ان المنع من البيع في صورة الوفاق انما كان لخلوهما عن المنفعة لان كل واحد منهما لا يخلوا عن ضرب منفعة (اما) الخمر فبعرض ان تصير خلا فلا تكون عارية عن المنفعة في الحال الا ترى ان الصغير اليوم منتفع به لما يتوقع حال كبره (واما) العذرة فلما يسمد بها الارض وأما(8/113)
الجيفة فتطعم منها جوارح الصيد ثم المنع من بيع الجيفة ليس متفقا عليه في جميع اجزائها لان الحكاية عن أبي حنيفة تجويز بيع جلدها قبل الدباغ وإنما المتفق عليه اللحم * ويجوز بيع التفاح وفى باطنه الدود الميتة لان ابقائها فيه من مصالحه كالحيوان يصح بيعه والنجاسة في باطنه وفى بيع بزر القر وفارة المسك خلاف مبنى على الخلاف السابق في طهارتها (واما) القسم الثاني هو ما نجس بعارض فهو على
ضربين (احدهما) النجس الذى يمكن تطهيره كالثوب النجس والخشبة النجسة والآجر النجس بملاقاة النجاسة فيجوز بيعها لان جوهرها طاهر وأزالة النجاسة عنه هينة نعم ما استتر بالنجاسة التى وردت عليه يخرج بيعه على بيع الغائب (والثاني) ما لا يمكن تطهيره كالخل واللبن والدبس إذا تنجست لا يجوز بيعها كما لا يجوز بيع الخمر والبول والدهن النجس ان كان تجس العين فلا سبيل إلى بيعه بحال وذلك كدهن الميتة * وان نجس يعارض ففى بيعه خلاف مبني على انه هل يمكن تطهيره فعن ابن سريج وأبى اسحق يمكن تطهيره وعن صاحب الايضاح وغيره انه لا يمكن وهو الاظهر فعلى هذا لا يجوز بيعه وعلى الاول فيه وجهان (احدهما) انه يجوز كالثوب النس ويحكى عن ابن أبي هريرة(8/114)
(وأصحهما) وبه قال أبو إسحق لا يجوز لما روي انه صلي الله عليه وسلم (سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال ان كان جامدا فألقوها وما حولها وان كان ذائبا فأريقوه) ولو كان جائز لما امرنا باراقته وهذا أجود ما يحتج به علي امتناع التطهير * وخرجوا على هذين الوجهين بيع الماء النجس لان تطهيره بالمكاثرة ممكن واشار بعضهم إلى الجزم بالمنع وقال انه ليس بتطهير ولكنه يستحيل ببلوغه قلتين من صفة(8/115)
النجاسة إلى الطهارة كالخمر يتخلل (واعلم) ان هذا الخلاف صادر ممن يجوز بيع الماء في الجملة (أما) من منع بيعه مطلقا على ما ستعرفه فلا فرق عنده بين الطاهر والنجس منه * وذكر الامام بناء مسألة الدهن علي وجه آخر فقال ان قلنا يمكن تطهيره جاز بيعه والا ففى بيعه قولان مبنيان على جواز الاستصباح (واعلم) ان مسألة كون الاستصباح مكروه قد مرت بشرحها مرة في آخر صلاة الخوف (وقوله) إذا نجس بملاقاة النجاسة(8/116)
التقييد بكون نجاسته بالملاقاة محتاج إليه ليجئ القولان في البيع وغيره محتاج إليه ليجي.
القولان في الاستصباح لما سبق (وقوله) على أظهر القولين غير مساعد عليه في البيع بل الظاهر عند الاصحاب منعه وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة * ويجوز نقل الدهن النجس إلى الغير بالوصية كما تجوز الوصية بالكلب وأما هبته والصدقة به فعن القاضى أبى الطيب منعهما ويشبه أن يكون فيهما ما في هبة
الكلب من الخلاف *(8/117)
قال (الثاني المنعفة ويسع مالا منفعة فيه لقلته كالحبة من الحنطة أو لخسته كالخنافس والحشرات والسباع (و) التي لا تصيد باطل وكذا ما أسقط الشرع منفعته كآلات الملاهي (و) * ويصح بيع الفيل والفهد والهرة وكذا الماء (و) والتراب والحجارة وان كثر وجودها لتحقق المنفعة * ويجوز بيع (م ح) لبن الآدميات لانه طاهر منتفع به) * (الشرط الثاني كون المبيع منتفعا به وإلا لم يكن مالا وكان أخذ المال في مقابلته قريبا من أكل المال بالباطل ولخلو الشي عن المنعفة سببان (احدهما) القلة كالحبة من الحنطة والحبتين والزبيبة وغيرهما فان ذلك القدر لا يعد مالا ولا يبدل من مقابلته المال ولا ينظر الي ظهور الانتفاع إذا ضم هذا القدرالي أمثاله ولا الي ما يفرض من وضع الحبة الواحدة في الفخ ولا فرق في ذلك بين زمان الرخص والغلاء ومع هذا فلا يجوز أخذ الحبة والحبتين من صبرة الغير إذ لو جوزناه لانجر ذلك إلى أخذ الكثير * ولو أخذ الحبة ونحوها فعليه الرد فان تلفت فلا ضمان إذ لا مالية لها * وعن القفال أنه يضمن مثلها (والثاني) الخسة كالحشرات (واعلم) أن الحيوانات الطاهرة علي ضربين (أحدهما) ما ينتفع به فيجوز بيعه كالغنم والبغال والحمير ومن الصيود كالظباء والغزلان ومن الجوارح كالصقور والبزاة والفهود ومن الطيور كالحمام والعصافير والعقاب * ومنه ما ينتفع بلونه أو صوته كالطاوس والزرزور وكذا الفيل والهرة وكذا القرد فانه يعلم الاشياء فيعلم * ويجوز أيضا بيع دود القز لما فيه من المنفعة وبيع النحل في الكوارة صحيح إن كان قد شاهد جميعها والا فهو من صورة بيع الغائب وان باعها وهي طائرة من الكوارة فمنهم من صحح البيع كبيع النعم المسيبة في الصحراء(8/118)
وهذا ما أورده في التتمة ومنهم من منعه إذ لا قدرة على التسليم في الحال والعود غير موثوق به وهذا ما أورده في التهذيب (والضرب الثاني) ما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه كالخنافس والعقارب والحيات وكالفأرة والنمل ونحوها ولا نظر إلى منافعها المعدودة في الخواص فان تلك المنافع لا تلحقها بما
يعد في العادة مالا وفى معناها السباع التى لا تصلح للاصطياد والقتال عليها والاسد والذئب والنمر ولا نظر الي اقتناء الملوك للهيبة والسياسة فليست هي من المنافع المعتبرة * ونقل أبو الحسن وجها أنه يجوز بيع النمل بعسلر مكرم لانه يعالج به السكر وبنصيين لانه يعالج به العقارب الطيارة * وعن القاضي حسين حكاية وجه في صحة بيعها لانها طاهرة والانتفاع بجلودها متوقع في المال * ولا يجوز بيع الحدأة والرخمة والغراب فان كان في أجنحة بعضها فائدة جاء فيها الوجه الذي حكاة القاضي هكذا قاله الامام لكن بينهما فرق لان الجلود تدبغ فتطهر ولا سبيل إلى تطهيرا لاجنحة وفى بيع العلق وجهان (أظهرهما) الجواز لمنفعة امتصاص الدم والسم ان كان يقتل بالكثر وينتفع بقليله كالسقمونيا والافيون جاز بيعه وإن قتل كثيره وقليله فجواب الجمهور فيه المنع ومال الامام وشيخه إلى الجواز ليدس في طعام الكافر * وفى بيع الحمار الزمن الذى لا منفعة فيه وجهان (أظهرهما) المنع بخلاف العبد الزمن فانه يتقرب باعتاقه (والثاني) الجواز لغرض الجلد في المال (وقوله) في الكتاب باطل يجوز أن يعلم بالواو للوجه الذى ذكرنا في الاسد ونحوه وايضا فان صاحب التتمة نقل في بيع لا ما منفعة فيه لقلته وجهين ثم في الفصل صور (احداها) آلات الملاهي كالمزامير والطنابير وغيرها فان كانت بحيث لا تعد بعد الرض والحل مالا فلا يجوز بيعهما والمنعفة التي فيهما لما كانت(8/119)
محظورة شرعا كانت ملحقة بالمنافع المعدومة حسا * وان كان الرضاض يعد ما لا ففى جواز بيعها قبل الرض وجهان (أحدهما) الجواز لما فيه من المنفعة المتوقعة (وأظهرهما) المنع لانهما على هيئة آلة الفسق ولا يقصد بها غيره ما دام ذلك التركيب باقيا ويجرى الوجهان في الاصنام والصور المتخذة من الذهب والخشب وغيرها * وتوسط الامام بين الوجهين فذكر وجها ثالثا وهو أنها إن اتخذت من جواهر نفيسة صحح بيعها لانها مقصودة في نفسها وان اتخذت من خشب ونحوه فلا وهذا أظهر عنده وتابعه المنصف في الوسيط لكن جواب عامة الاصحاب المنع المطلق وهو ظاهر لفظه ههنا ويدل عليه خبر جابر المروى في أول الركن * (فرع) الجارية المغنية إذا اشتراها بالفين ولولا الغناء لكانت لا تطلب الا بالف حكى
الشيخ أبو على المحمودى أفتي ببطلان البيع لانه بذل مال في معصية وعن الشيخ أبي على أنه ان قصد الغناء بطل والا فلا * وعن الاودني أن كل ذلك استحسان والقياس الصحة (الثانية) بيع المياه المملوكة صحيح لانه طاهر منتفع به وفيه وجه أنه لا سبيل إلى بيعه ولا نبسط القول في المسألة لنذكرها في احياء الموات ان شاء الله تعالي فان أقسام المياه من المملوك وغيره مذكورة ثم وصحة البيع من تفاريع الملك (الثالثة) إذا جوزنا بيع الماء ففى بيعه علي شط النهر وبيع التراب في الصحراء وبيع الحجارة فيما بين الشعاب الكثيرة الاحجار وجهان نقلهما في التتمة (أحدهما) لا يجوز لانه بذل المال لتحصيله مع وجدان مثله بلا مؤنة وتعب سفة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب(8/120)
انه يجوز لان المنفعة فيها يسيرة ظاهرة وامكان تحصيلها من مثله لا يقدح في محلته (الرابعة) بيع لبن الآدميات صحيح خلافا لابي حنيفة ومالك ولاحمد أيضا في إحدى الروايتين * لنا انه مال طاهر منتفع به فأشبه لبن الشاة * قال (الثالث أن يكون مملوكا لمن وقع العقد له فبيع الفضولي مال الغير لا يقف (ح) على إجازته على المذهب الجديد وكذلك بيع الغاصب وان كثرت تصرفاته في اثمان المغصوبات على أقيس الوجهين فيحكم ببطلان الكل * ولو باع مال أبيه على ظن انه حي فإذا هو ميت والمبيع ملك البائع حكم بصحة البيع على أسد القولين) * الشرط الثالث في المبيع كونه ملكا لمن يقع القعد له ان كان يباشره لنفسه فينبغي أن يكون له فان كان يباشره لغيره بولاية أو وكالة فينبغي أن يكون لذلك الغير (وقوله) ههنا لمن وقع العقد له يبين أن المراد من قوله مملوكا للعاقد في أول الركن ما أوضحه ههنا (وأعلم) أن اعتبار هذا الشرط ليس متفقا عليه ولكنه مفرع علي الاصح كما ستعرفه * ثم مسائل الفصل ثلاثة (إحداها) إذا باع مال الغير بغير اذن وولاية ففيه قولان (الجديد) انه لاغ لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال لحكيم ابن حزام (لا تبع ما ليس عندك) وأيضا فان بيع الآبق غير صحيح مع كونه مملوكا له لعدم القدرة علي التسليم فبيع ما لا يملك ولا قدرة على تسليمه(8/121)
أولى (والقديم) انه ينعقد موقوفا علي اجازة المالك ان أجاز نفذ والا لغا لما روى انه صلى الله عليه وسلم (دفع دينارا إلى عروة البارقى ليشترى به شاة فاشترى به شاتين وباع احداهما بدينار وجاء بشاة ودينار فقال النبي صلى الله عليه وسلم بارك الله في صفقة يمينك) والاستدلال انه باع الشاة الثانية من غير اذن النبي صلى الله عليه وسلم ثم انه أجازه * ولانه عقد له تنجيز في الحال فينعقد موقوفا كالوصية * والقولان جاريان فيما لو زوج أمه الغير أو ابنته أو طلق من منكوحته أو عتق عبده أو أجر داره أو رهنها بغير اذنه * ولو اشتري الفضولي لغيره شيئا نظر ان اشترى بغير ماله ففيه قولان وان اشترى في الذمة نظر ان أطلق ونوى كونه للغير فعلي الجديد يقع عن المباشر وعلى القديم يتوقف على الاجازة فان رد نفذ في حقه * ولو قال اشتريت لفلان بألف في ذمتي فالحكم كما لو اشترى بعين ماله ولو اقتصر على قوله اشتريت لفلان بألف ولم يضف الثمن الي ذمته فعلى الجديد يلغو العقد وتلغو التسمية ويقع العقد عن المباشر فيه وجهان * وعلى القديم يتوقف على اجازة ذلك الغير فان رد ففيه وجهان * ولو اشترى شيئا لغيره بمال نفسه نظر ان لم يسمه وقع العقد عن المباشر سواء أذن ذلك الغير أم لا وان سماه نظر ان لم يأذن(8/122)
له لغت التسمية وهل يقع عنه أم يبطل من أصله فيه وجهان * وان أذن له فهل تلغو التسمية فيه وجهان ان قلنا نعم فيبطل من أصله أو يقع عن العاقد فيه وجهان وان قلنا لا وقع عن الآذن والثمن المدفوع يكون قرضا أو هبة فيه وجهان * ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب لا يقف علي اجازته بالميم والالف والحاء (أما) الميم فلان مذهب مالك كالقول القديم وأما الالف فلان عن أحمد روايتين كالقولين (وأما) الحاء فلان مذهب أبي حنيفة كالقول القديم في البيع والنكاح (وأما) في الشراء فقد قال في صورة شراء المطلق بقع عن جهة العاقد ولا ينعقد موقوفا * وعن أصحابه اختلاف فيما إذا سمي الغير * وشرط الوقف عند أبى حنيفة ان يكون للعقد تنجيز في الحال مالكا كان أو غير مالك حتى لو أعتق عبد الطفل أو طلق امرأته لا يتوقف على اجازته بعد البلوغ * والمعتبر اجازة من يملك التصرف عند العقد حتي لو باع مال الطفل فبلغ واجاز لم ينفذ وكذا لو باع مال الغير ثم ملكه وأجاز قال الشيخ أبو محمد ولا نخالف في ذلك ابا حنيفة إذا فرعنا على القديم * وذكر
إمام الحرمين ان العراقيين لم يعرفوا القول القديم في المسألة وقطعوا بالبطلان وهذا ان استمر اقتضي اعلام قوله على المذهب الجديد بالواو وانما اتوقف فيه لان الذى ألفته في كتب العراقيين الاقتصار على ذكر البطلان لا نفى الخلاف المذكور والمفهوم من اطلاق لفظ القطع في مثل هذا المقام وفرق بين أن لا يذكر الخلاف وبين أن لا يبقى (المسألة الثانية) لو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى ففيه قولان (اصحهما) البطلان (والثانى) للمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل منها وصورة المسألة وما فيها من القولين قريبة من الاولى ويزاد(8/123)
فيها عسر تتبع العقود الكثيرة بالنقض والابطال ورعاية مصلحة المالك * وعلى هذا الخلاف يبني الخلاف في أن الغاصب إذا ربح في المال المغصوب يكون الربح له أو للمالك على ما سيأتي في باب القراض وغيره إن شاء الله تعالى (الثالثة) لو باع مال ابنه علي ظن انه حي وهو فضولي فبان انه كان ميتا يومئذ وان المبيع ملك للعاقد ففيه قولان (أصحهما) أن البيع صحيح لصدوره من المالك ويخالف ما لو أخرج دراهم وقال ان مات مورثي فهذا زكاة ما ورثته وكان قد ورثه لا يجزئه لان النية لابد منها في الزكاة ولم تبن نيته على أصل وفى البيع لا حاجة الي النية (الثاني) انه باطل لان هذا العقد وان كان منجزا في الصورة فهو في المعنى معلق والتقدير ان مات مورثي فقد بعتك وأيضا فانه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده ان المبيع لغيره * ولا يبعد تشبيه هذا الخلاف بالخلاف في أن بيع الهازل هل ينعقد وفيه وجهان والخلاف في بيع التلجئة وصورته ان يخاف غصب ماله أو الاكراه على بيعه فيبيعه من انسان بيعا مطلقا ولكن توافقا قبله على انه لدفع الشر لا علي حقيقة البيع وظاهر المذهب انعقاده وفيه وجه * ويجرى الخلاف فيما إذا باع العبد علي ظن انه آبق أو مكاتب فإذا هو قد رجع أو فسخ الكتابة * ويجرى أيضا فيما إذا زوج أمة أبيه على ظن انه حى ثم بان موته هل يصح النكاح فان صح فقد نقلوا وجهين فيما إذا قال ان مات أبى فقد زوجتك هذه الجارية وبهذا يضعف توجيه قول البطلان بأنه وان كان منجزا في الصورة فهو معلق في المعني لانا لا نجعل هذا التعليق مفسدا وان صرح به على رأى فما ظنك بتقديره * (واعلم) ان القولين في المسائل الثلاث يعبر عنهما بقولي وقف العقود وحيث
قال المصنف في الكتاب ففيه قولا وقف العقود أراد به هذين القولين وان لم يذكر هذا اللقب ههنا وانما سميا بالوقف لان الخلاف آيل إلى أن العقد هل ينعقد على الوقف أم لا فعلي قول ينعقد في المسألتين الاولتين موقوفا على الاجازة أو الرد وفى الثانية موقوفا علي تبين الموت أو الحياة وعلي قول لا ينعقد موقوفا بل يبطل * ثم ذكر الامام أن الصحة ناجزة على قول الوقف لكن الملك لا يحصل الا عند الاجازة وان الوقف يطرد في كل عقد يقبل الاستنابة كالمبايعات والاجارات والهبات والعتق والطلاق والنكاح وغيرها *(8/124)
قال (الرابع أن يكون مقدروا على تسليمة فلا يصح بيع الآبق والضال والمغصوب وان قدر المشترى علي انتزاعه من يد الغاصب دون البائع صح على أسد الوجهين ثم له الخيار ان عجز * وبيع حمام البرج نهارا اعتماد علي العود ليلا لا يصح على أصح الوجهين) * الشرط الرابع القدرة على التسليم ولابد منها ليخرج العقد عن أن يكون بيع غرر ويوثق بحصول العوض * ثم فوات القدرة على التسليم يكون من حيث الحس وقد يكون من حيث الشرع وصور هذا الفصل من الضرب الاول وهى ثلاث (إحداها) بيع الضال والآبق باطل عرف موضعه أو لم يعرف لانه غير مقدور على تسليمه في الحال هذا هو المشهور قال الائمة ولا يشترط في الحكم بالبطلان الياس من التسليم بل يكفى ظهور التعذر * واحسن بعض الاصحاب فقال إذا عرفت مكانه وعرف انه يصل إليه إذا رام الوصول فليس له حكم الآبق * (الثانية) إذا باع المالك ماله المغصوب نظر ان كان يقدر على استرداده وتسليمه صح البيع كما يصح بيع الوديعة والعارية وان لم يقدر نظر (ان) باعه ممن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب لم يصح لما سبق (وان) باعه ممن يقدر على انتزاعه منه ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) لا يصح لان البائع يجب عليه التسليم وهو عاجز (وأصحهما) الصحة(8/125)
لان المقصود وصول المشترى إلى المبيع * وعلى هذا ان علم المشترى حقيقة الحال فلا خيار له ولكن لو عجز عن الانتزاع لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب فله الخيار وفيه وجه آخر أشار إليه
الامام * وإن كان جاهلا عند العقد فله الخيار لان البيع لا يلزمه كلفة الانتزاع (وقوله) في الكتاب ثم له الخيار ان عجز المراد منه حالة العلم لان عند الجهل لا يشترط العجز في ثبوت الخيار ويجوز أن يعلم بالواو للوجه المشار إليه * ولو باع الآبق ممن يسهل عليه رده ففيه الوجهان المذكوران في المغصوب * ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة واعتاقهما * وذكر في البيان انه لا يجوز كتابة المغصوب لان الكتابة تقتضي مكنة التصرف وهو ممنوع منه (الثالثة) لا يجوز بيع السمك في الماء والطير في الهواء وان كان مملوكا له لما فيه من الغرر * ولو باع السمك في بركة لا يمكنها الخروج منها نظر ان كانت صغيرة يمكن أخذها من غير تعب ومشقة صح بيعها لحصول القدرة وان كانت كبيرة لا يمكن أخذها الا باحتمال تعب شديد ففيه وجهان أوردهما ابن سريج فيما رأيت له من جوابات جامعة الصغير وغيره (أظهرهما) المنع وبه قال أبو حنيفة كبيع الآبق ويدل عليه ما روى عن ابن مسعود أنه قال (لا يشترى السمكة في الماء فانه غرر وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) وهذا كله فيما(8/126)
إذا لم يمنع الماء رؤية السمك فان منع لكدورته فهو على قولى بيع الغائب الا أن لا يعلم قلة السمك وكثرتها وشيئا من صفاتها فيبطل لا محالة * وبيع الحمام في البرج على التفصيل المذكور في البركة * ولو باعها وهي طائرة اعتمادا على عادة عودها بالليل ففيه وجهان كما ذكرنا في النحل (أصحهما) عند الامام الصحة كبيع العبد المبعوث في شغل (وأصحهما) على ما ذكره في الكتاب المنع وبه قال الاكثرون إذ لا قدرة في الحال وعودها غير موثوق به إذ ليس لها عقل باعث * قال (ولا يصح بيع نصف من سيف أو نصل قبل التفصيل لان التفصيل ينقصه والبيع لا يوجب نقصان غير المبيع * ويصح بيع ذراع من كرباس لا ينقص بالفصل على الاصح * ولا يصح بيع ما عجز عن تسليمه شرعا وهو المرهون * وإذا جني العبد جناية تقتضي تعلق الارش برقبته صح بيعه على أقوى القولين وكان التزاما للفداء لانه لم يحجر على نفسه فيقدر على ما لا يفوت حق المجني عليه * ثم للمجني عليه خيار الفسخ ان عجز عن أخذ الفداء) .
في الفصل ثلاث مسائل (إحداها) لو باع نصفا أو ربعا أو جزءا آخر شائعا من سيف أو اناء أو نحوهما
فهر صحيح وذلك الشئ مشترك بينهما * ولو عين نصفا أو ربعا وباعه لم يصح لان التسليم لا يمكن
__________
الكرباس بالكسر ثوب من القطن الابيض معرب فارسيته بالفتح كما في القاموس اه(8/127)
الا بالقطع والكسر وفيه نقص وتضييع للمال * ولو باع ذراعا فصاعدا من ثوب نظر إن لم يعين الذراع فسنذكره من بعد ان شاء الله تعالى وان عين نظر ان كان الثوب نفيسا ينقص ثمنه بالقطع فهل يصح البيع فيه وجهان حكاهما ابن الصباغ وغيرهما (أحدهما) نعم وبه قال صاحب التقريب كما لو باع ذراعا معينا من ارض أو دار (واظهرهما) وهو الذى أورده الشيخ أبو حامد وحكاه صاحب التلخيص عن نصه لا لانه لا يمكن التسليم الا باحتمال النقصان والضرر وفرقوا بينه وبين الارض بأن التمييز في الارض يحصل يحصل بالعلامة بين النصيبين من غير ضرر ولمن نصر الاول أن يقول قد تتضيق مرافق البقعة بالعلامة وتنقص القيمة فوجب أن يكون الحكم في الارض علي التفصيل أيضا * واعترض ابن الصباغ علي معنى الضرر بأنهما إذا رضيا به واحتملاه وجب أن يصح البيع كما يصح بيع أحد زوجي الخف وان نقص تفريقهما من قيمتهما * والقياس طرد الوجهين في صورة السيف والاناء لان المعني لا يختلف * وان كان الثوب مما لا ينقص بالفصل والقطع كالكرباس الصفيق فقد حكى صاحب الكتاب وشيخه فيه وجهين (أصحهما) وهو الذى أورده الجمهور انه يصح لزوال المعني المذكور (والثاني) المنع لان الفصل لا يخلو عن تغيير لغير المبيع وهذا فيما أورده الامام واختيار صاحب التلخيص وكان سببه اطلاق لفظه في التلخيص بعد ذكر ما لو باع ذراعا من الارض قال ولو قال ذلك في الثوب لم يجز قاله نصا وأيضا قال في المفتاح ولو باعه من ثوب ذراعا على أن يقطعه لم يجز بحال إلا أن الاكثرين حملوا كلامه علي الثوب الذى تنقص فيمته بالفصل * ولو باع جزءا معينا من جدار أو اسطوانة نظر ان كان فوقه شئ لم يجز لانه لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه وإن لم يكن نظر ان كان قطعة واحدة من طين أو خشب أو غيرهما لم يجز وان كان من لبن أو آجر جاز هكذا أطلق(8/128)
في التلخص وهو محمول عند الائمة على مالو جعل النهاية شق نصف من الاجر أو اللبن دون أن يجعل
المقطوع نصف سمكها * وفى تجويز البيع إذا كان من لبن أو آجر اشكال وان جعل النهاية ما ذكروه من وجهين (أحدهما) ان موضع الشق قطعة واحدة من طين أو غيره فالفصل الوارد عليه وارد علي ما هو قطعة واحدة (والثانى) هب انه ليس كذلك لكن رفع بعض الجدار ينقص قيمة الباقي وإن لم يكن قطعة واحدة فليفسد البيع ولهذا قالوا لو باع جذعا في بناء لم يصح لان الهدم يوجب النقصان فأى فرق بين الجذع والآجر وكذا لو باع فصا في خاتم * وذكر بعض الشارحين للمفتاح في تفاريع هذه المسألة انه لو باع دارا الا بيتا في صدرها لا يلى شارعا ولا ملكا له على انه لا ممر له في المبيع لا يصح البيع وهذا باب في فتحه بعد ويتأكد بمثله الميل الي الوجه الذى نصره ابن الصباغ (المسألة الثانية) لا يصح بيع المرهون بعد الاقباض وقبل الانفكاك لانه عاجز عن تسليمه شرعا لما فيه من تفويت حق المرتهن (الثالثة) الجناية الصادرة من العبد قد تقتضي المال اما متعلقا برقبته أو بذمته وقد تقتضي القصاص وموضع تفصيله غير هذا فان أوجبت المال متعلقا بذمته لم يقدح ذلك في البيع بحال وان أوجبته متعلقا برقبته فهل يصح بيعه نظر ان باعه بعد اختيار الفداء فنعم هكذا اطلقه في التهذيب وان باعه قبله وهو معسر فلا لما فيه من ابطال حق المجني عليه * ومنهم من طرد الخلاف الذي نذكره في الموسر وحكم بثبوت الخيار للمجني عليه ان صح وان كان موسرا فطريقان (اصحهما) ان المسألة على قولين (اصحهما) انه لا يصح البيع لان حق المجني عليه متعلق به فمنع صحة بيعه كحق المرتهن في المرهون وبل أولى لان حق المجني عليه اقوى الا ترى انه إذا جنى العبد المرهون تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن (والثانى) وبه قال أبو حنيفة واحمد والمزني انه يصح لان هذا الحق تعلق به من غير اختيار المالك فلا يمنع صحة(8/129)
البيع كحق الزكاة ويخالف المرهون لانه بالرهن منع نفسه من التصرف وههنا لم يعقد عقدا ولم يحجز نفسه عن التصرف * وفى التتمة ان بعض أصحابنا خرج قولا ثالثا وهو ان البيع موقوف فان فداه نفذو الا فلا (والطريق الثاني) القطع بالمنع كما في المرهون (التفريع) ان لم نصحح البيع فالسيد على خيرته ان شاء فداه والا سلمه ليباع في الجناية وان صححناه فالسيد مختار للفداء ببيعه مع العلم بجنايته فيجبر على تسليمه لانه بالبيع فوت محل حقه فاشبه ما لو اعتقه أو قتله وبهذا قال أبو
حنيفة * وفيه وجه انه ليس مختار للفداء بل هو علي خيرته ان أفدى امضى البيع والا فسخ * وعلى الاول وهو المذهب لو تعذر تحصيل الفداء أو تأخر لافلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع في الجناية لان حق المجني عليه اقدم من حق المشترى * هذا إذا اوجبت الجناية المال بان كانت خطأ أو شبه عمد أو كانت واردة علي الاموال وكذا الحكم لو اوجبت القصاص لكن المستحق عفا علي مال ثم فرض البيع (فأما) إذا أوجبت القصاص ولا عفو فطريقان (أحدهما) طرد القولين وبه قال ابن خيران ومن القائلين بهذه الطريقة من بنى القولين على أن موجب العمد ماذا إن قلنا موجبه(8/130)
القصود المحض صح بيعه كبيع المرتد وان قلنا موجبه أحد الامرين فهو كبيع المرهون (وأصحهما) القطع بالصحة لبقاء المالية بحالها وتوقف الهلاك كتوقع موت المريض المشرف على الموت * وإذا وقع السؤال عن بيع العبد الجاني مطلقا فالجواب فيه ثلاث طرق (أحدها) انه ان كانت الجناية موجبة للقصاص فهو صحيح وان كانت موجبة للمال فقولان (والثاني) ان كانت موجبة للمال فهو غير صحيح وان كانت موجبة للقصاص فقولان (والثالث) طرد القولين في الحالتين * ولو أعتق السيد العبد الجاني نظر ان كان معسرا فأصح القولين انه لا ينفذ وان كان موسرا ففي نفوذه ثلاثة أقوال (أصحها) النفوذ (وثانيها) انه موقوف ان فداه نفذ وإلا فلا (ومنهم) من قطع بالنفوذ إذا كان موسرا وبعدم النفوذ إذا كان معسرا بخلاف المرهون * والفرق (اما) عند اليسار فلانه بسبيل من نقل حق المجني عليه الي ذمته باختيار الفداء فإذا أعتق انتقل الحق إلى ذمته وفى الرهن بخلافه (وأما) عند الاعسار فلان حق المجني عليه متعلق بالرقبة ولا تعلق له بذمة السيد وفى حق المرتهن متعلق بهما جميعا فنفوذ الاعتاق(8/131)
ههنا يبطل الحق بالكلية وفى الرهن غايته قطع أحد التعلقين * واستيلاد الجناية كاعتقاها * ومتي فدا السيد العبد الجاني يفديه بأقل الامرين من الارش وقيمة العبد أو بالارش بالغا ما بلغ فيه خلاف يأتي في موضعه والاصح الاول (وأما) لفظ الكتاب فقد عرفت بما ألقيت عليك من الشرح ان قوله ولا يصح بيع نصف من سيف معناه بيع نصف معين وكذا قوله بيع ذراع من كرباس ولفظ النصل لا يختص
بالسهم ألا تري أن صاحب الصحاح يقول في تعريفه والنصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح (وقوله) لان الفصل ينقصه والبيع لا يوجب نقصان غير المبيع أراد به أن التسليم لا يحصل الا بالتفصيل والقطع والتسليم لا بد منه فلو صححنا البيع وألزمناه القطع كان هذا الزام تنقيص فيما ليس مبيعا وهذه عبارة صاحب النهاية * ثم نظم الكتاب قد يوهم خروج هذه المسألة عن صور العجز الشرعي بل حصر العجز الشرعي في المرهون لانه ذكر المسألة ثم قال ولا يصح بيع ما عجز عن تسلميه شرعا وهو المرهون لكنه عدها في الوسيط من صوره وقال البيع لا يلزم تنقيص عن المبيع والشرع قد يمنعه منه إذا كان فيه اسراف (وقوله) جناية تعلق الارش برقبته يجوزأن يقرأ تعلق بفتح التاء واللام ويجوز أن يقرأ تعلق على(8/132)
إيقاع فعل التعليق على الجناية (وقوله) صح بيعه على أقوى القولين ترجيح لقول الصحة لكن الشافعي رضى الله عنه نص على القولين في المختصر وصرح باختيار المنع وبه قال طبقات الاصحاب * ثم يجوز أن يعلم ذكر الخلاف بالواو للطريقة القاطعة بالمنع وكذا قوله وكان التزاما للفداء للوجه الذى سبق ذكره (وقوله) لانه لم يحجر على نفسه إلى آخره اشارة الي الفرق بينه وبين المرهون * قال (الخامس العلم وليكن المبيع معلوم العين والقدر والصفة (أما) العين فالجهل به مبطل ونعنى به انه لو قال بعت منك عبدا من العبيد (ح) أو شاة من القطيع بطل (ح) ولو قال بعت صاعا من هذه الصبرة وكانت معلومة الصيعان صح ونزل علي الاشاعة وان كانت مجهولة الصيعان لم يصح على اختيار القفال لتعذر الاشاعة ووجود الابهام.
وابهام ممر الارض المبيعة كابهام نفس المبيع: وبيع بيت من دار دون حق الممر جائز على الاصح) .(8/133)
الشرط الخامس كون المبيع معلوما ليعرف ما الذى ملك بازاء ما بذل فينفي الغرر ولا شك انه لا يشترط العلم به من كل وجه فبين ما يعتبر العلم به وهو ثلاثة أشياء عين المبيع وقدره وصفته (أما) العين فالقصد به انه لو قال بعت عبدا من العبيد أو إحد عبدي أو عبيدى هؤلاء أو شاة من هذا القطيع فهو باطل
وكذا لو قال بعتهم الا واحدا ولم يعين المستثني لان المبيع غير معلوم ولا فرق بين أن تتقارب قيم العبيد والشياه أو تتباعد ولا بين عدد من العبيد وعدد ولا بين أن يقول علي أن يختار رأيهم شئت أولا يقول ولا إذا قال ذلك بين أن يقدر زمان الاختيار أو لا يقدر * وعن أبي حنيفة انه إذا قال بعتك احدى عبدى أو عبيدى الثلاثة على أن تختار من شئت في ثلاث فما دونها صح العقد * وأغرب المتولي فحكي عن القديم قولا مثله ووجهه بأن الشرع أثبت الخيار في هذه المدة بين العوضين ليختار هذه الفسخ أو هذا الامضاء فجازا أن يثبت له الخيار بين عبدين وكما تتقدر نهاية الاختيار بثلاث تتقدر نهاية ما يتخير به من الاعيان بثلاثة * ولا يخفى ضعف هذا التوجيه ووجه المذهب القياس علي ما إذا زاد العبيد علي ثلاثة ولم يجعل له الاختيار ولو زاده على الثلاث أو فرض ذلك في الثياب والدواب(8/134)
وغير العبيد من الاعيان وعلى النكاح فانه لو قال أنكحتك احدي ابنتى لا يصح النكاح * ولو لم يكن له الا عبد واحد فحضر في جماعة من العبيد وقال السيد بعتك عبدى من هؤلاء والمشتري يراهم ولا يعرف عين عبده فحكمه حكم بيع الغائب قاله في التتمة وقال صاحب التهذيب عندي هذا البيع باطل لان المبيع غير متعين وهو الصحيح * ثم في الفصل مسألتان (احداهما) في بيع صاع من الصبرة والرأى أن يقدم عليهما فصلين (أحدهما) أن بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من أرض ودار وعبد وصبرة وثمرة وغيرها صحيح نعم لو باع جزءا مشاعا من شئ بمثله من ذلك الشئ كما إذا كان بينهما نصفين فباع هذا نصفه بنصف ذاك فوجهان (أحدهما) انه لا يصح البيع لانه لا فائدة فيه (وأصحهما) الصحة لاجتماع الشرائط المرعية في العقد وله فوائد (منها) لو ملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة من أبيه انقطع ولابيه الرجوع (ومنها) لو ملكه بالشراء ثم اطلع بعد هذا التصرف علي عيب لم يملك الرد على بائعه و (منها) لو ملكته صداقا وطلقها الزوج قبل الدخول لم يمكن له الرجوع فيه * ولو باع الجملة واستثنى منها جزءا شائعا فهو صحيح أيضا (مثاله) أن يقول بعتك ثمرة هذا الحائط الا ربعها أو قدر الزكاة منها ولو قال بعتك ثمرة هذا الحائط بثلاثة آلاف درهم الا ما يخص ألفا فان أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور صح وكان(8/135)
استثناء للثلث وان أراد ما يساوى ألفا عند التقويم فلا لانه مجهول (الفصل الثاني) لو باع ذراعا من أرض أو دار أو ثوب ينظر ان كانا يعلمان جملة ذرعانها كما إذا باع ذراعا والجملة عشرة فالبيع صحيح وكأنه قال بعت العشر قال الامام الا ان قال بعنى معينا فيفسد كقوله شاة من القطيع * ولو اختلفا فقال المشترى أردت الاشاعة فالعقد صحيح وقال البائع بل أردت معينا ففيمن يصدق احتمالان وذكر أيضا خروج وجه في فساد العقد وان لم نعن بالذراع معينا وستعرف كيفيته ان شاء الله تعالى * وان كانا لا يعلمان أو أحدهما ذرعان الدار والثوب لم يصح البيع لان أجزاء الارض والثوب تتفاوت غالبا في المنفعة والقيمة والاشاعة متعذرة * وعن أبي حنيفة انه لا يصح البيع سواء كانت الذرعان معلومة أو مجهولة ذهابا إلى أن الذراع اسم لبقعة مخصوصه فيكون البيع مبهما * ولو وقف على طرف الارض وقال بعتك كذا اذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي في الطول صح البيع في أحد الوجهين * إذا عرفت الفصلين فنقول إذا قال بعتك صاعا من هذه الصبرة بكذا فله حالتان (إحداهما) أن يعلما مبلغ صيعان الصبرة فالعقد صحيح ونقل امام الحرمين في تنزيله خلافا للاصحاب منهم من قال المبيع صاع من جملة مشاع أي صاع كان لان المقصود لا يختلف فعلى هذا يبقى المبيع ما بقى صاع وإذا تلف(8/136)
بعض الصبرة لم يتقسط على المبيع وغيره (ومنهم) من نزل الامر علي الاشاعة وقال إذا كانت الصبرة مائة صاع فالمبيع عشر العشر وعلى هذا لو تلف بعض الصبرة تلف بقدره من المبيع * هذا ما أورده الجمهور في هذه الحالة ومنهم صاحب الكتاب (والثانية) ان لا يعلما أو أحدهما مبلغ صيعانها ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) وهو اختيار القفال انه لا يصح لان المبيع غير معين ولا موصوف فاشبه ما لو باع ذراعا من أرض أو ثوب وجملة الذرعان مجهولة أو باع صاعا من ثمرة النخل (والثانى) وهو الحكاية عن نصه انه صحيح والمبيع صاع منها أي صاع كان حتي لو تلف جميعها سوى اصاع واحد تعين العقد فيه والبائع بالخيار بين أن يسلم من أعلا الصبرة أو من أسفلها وإن لم يكن الاسفل مرئيا لان رؤية ظاهر الصبرة كرؤية كلها ويفارق صورة الاستشهاد لان أجزاء الصبرة الواحدة لا تختلف
غالبا بخلاف تلك الصورة قال المعتبرون والوجه الثاني أظهر في المذهب ولكن القياس الاول لانه لو فرق صيعان الصبرة وقال بعتك واحدا منها لم يصح فما الفرق بين أن تكون متفرقة أو مجتمعة وأيضا لانه لو قال بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها لا يصح العقد إلا أن تكون الصيعان معلومة ولا فرق بين استثناء المعلوم من المجهول واستثناء المجهول من المعلوم في كون الباقي مجهولا * وفيما جمع من فتاوى القفال انه كان إذا سئل عن هذه المسألة يفتي بالوجه الثاني مع ذهابه إلى الاول ويقول المستفتى يستفتي عن مذهب الشافعي رضي الله عنه لا عن ما عندي ثم ذكر الائمة للخلاف في المسألة مأخذين (أحدهما) حكوا خلافا في أن علة بطلان البيع فيما إذا قال بعت عبدا(8/137)
من العبيد ماذا فمن قائل علته الغرر الذى فيه مع سهولة الاجتناب عنه ومن قائل علته انه لا بد للعقد من مورد يتأثر به كما في النكاح قالوا والخلاف الذى نحن فيه مبني عليه فعلى الثاني لا يصح وعلى الاول يصح إذ لا غرر لتساوي أجزاء الصبرة (والثانى) قال الامام هو مبنى على الخلاف في تنزيل العقد عند العلم بالصيعان ان قلنا المبيع ثم مشاع في الجملة فالبيع باطل لتعذر الاشاعة (وان قلنا) المبيع صاع غير مشاع فهو صحيح ههنا ايضا وهذا البناء لا يسلم عن النزاع لما ذكرنا ان الجمهور نزلوه في صورة العلم علي الاشاعة إن أمكن وإلا قالوا المبيع صاع أي صاع كان لاستواء الغرض * ثم ادعي الامام أن من لا يدعى الجزئية والاشاعة يحكم ببطلان البيع فيما إذا باع ذراعا من أرض معلومة الذرعان وهذا هو الوجه الذى سبقت الاشارة إليه ولم أر له ذكرا إلا في كتابه (المسألة الثانية) قوله وإبهام ممر الارض المبيعة كابهام نفس المبيع صورتها أن يبيع أرضا محفوفة بملكه جميع الجهات وشرط أن للمشترى حق الممر إليها من جانب ولم يعين فالبيع باطل لان الاغراض تتفاوت باختلاف الجوانب ولا يؤمن إفضاء الامر الي المنازعة فجعلت الجهالة في الحقوق كالجهالة في المعقود عليه (أما) إذا عين الممر من جانب فيصح البيع وكذا لو قال بعتكها بحقوقها وثبت للمشترى حق الممر من جميع الجوانب كما كان ثابتا للبائع قبل البيع وإن أطلق البيع ولم يتعرض للمر ففى المسألة وجهان (أظهرهما) أن مطلق البيع يقتضي حق الممر لتوقف حق الانتفاع عليه فعلى هذا البيع صحيح كما لو قال بعتكها بحقوقها
(والثاني) انه لا يقتضيه لانه لم يتعرض له فعلى هذا هو كما لو نفى الممر وفيه وجهان (أحدهما) أن(8/138)
البيع صحيح لامكان التدرج إلي الانتفاع بتحصيله ممرا (وأصحهما) عند الامام وغيره البطلان لتعذر الانتفاع بها في الحال * ولو أن الارض المبيعة كانت ملاصقة للشارع فليس للمشترى طروق ملك البائع فان العادة في مثلها الدخول من الشارع فينزل الامر عليها ولو كانت ملاصقة لملك المشترى فلا يتمكن من المرور فيما أبقاه البائع لنفسه بل يدخل فيه من ملكه القديم وابدى الامام احتمالا قال وهذا إذا أطلق البيع أما إذا قال بحقوقها فله المرور في ملك البائع وصاحب الكتاب رجح من وجهي مسألة نفي الممر وجه الصحة لكن الاكثرين على ترجيح مقابلة وتوسط في التهذيب فقال ان أمكن اتخاذ ممر من جانب صح البيع وإلا فلا * ولو باع دارا واستثني لنفسه بيتا فله الممر وان نفى الممر نظر ان أمكن اتخاذ ممر آخر صح وان لا فوجهان ووجه المنع ما قدمناه عن شارح المفتاح * قال (اما القدر فالجهل به فيما في الذمة ثمنا أو مثمنا مبطل كقوله بعت بزنة هذه الصنجة * ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم صح (ح) وان كانت مجهولة الصيعان لان تفصيل الثمن معلوم وان لم يعلم جملته والغرر ينتقى به فان كان معينا فالوزن غير مشروط بل يكفى عيان صبرة الحنطة والدراهم * فان كان تحتها دكة تمنع تخمين القدر فيخرج علي قولي بيع الغائب لاستواء الغرر وقطع بعض المحققين بالبطلان لعسر إثبات الخيار مع جريان الرؤية) * المبيع قد يكون في الذمة وقد يكون معينا والاول هو السلم والثاني وهو المشهور باسم البيع(8/139)
والثمن فيهما جميعا قد يكون في الذمة وان كان يشترط في السلم التسليم في مجلس العقد وقد يكون معينا فيما كان في الذمة من العوضين فلابد وان يكون معلوم القدر حتى لو قال بعتك ملء هذا البيت حنطة أو بزنة هذه الصنجة ذهبا لم يصح البيع وكذا لو قال بعت هذا بما باع به فلان فرسه أو ثوبه وهما لا يعلمانه أو أحدهما لانه غرر يسهل الاجتناب عنه وحكى وجه انه يصح لامكان
الاستكشاف وازالة الجهالة فصار كما إذا قال بعتك هذه الصبرة كل صاع منها بدرهم يصح البيع وان كانت الجملة مجهولة في الحال نقله في التتمة * وذكر بعضهم انه إذا حصل العلم قبل التفرق صح البيع ولو قال بعتك بمائة دينار الا عشرة دراهم لم يصح إلا ان يعلما قيمة الدينار بالدراهم * ولو قال بعتك بالف من الدراهم والدنانير لم يصح لان قدر كل واحد منهما مجهول وعن أبي حنيفة انه يصح * وإذا باع بدراهم أو دغانير فلابد من العلم بنوعهما فان كان في البلد نقد واحدا ونقود ولكن الغالب التعامل بواحد منها انصرف العقد إلي المعهود وان كان فلوسا الا أن تعين غيره وان كان نقد البلد مغشوشا فقد ذكرنا وجهين في صحة التعامل به في كتاب الزكاة إلا انا خصصنا الوجهين بما ادا كان مقدار النقرة مجهولا وربما نقل العراقيون الوجهين على الاطلاق ووجهوا المنع بان المقصود غبر مميز عما ليس بمقصود فاشبه مالوا شيب اللبن بالماء وبيع فانه لا يصح وكيف ما كان فالاصح الصحة وإذا فرعنا عليه انصرف العقد عند الاطلاق إليه * وحكى صاحب التتمة وجها ثالثا في التعامل بالدراهم المغشوشة وهو أنه ان كان الغش غالبا لم يجز وان(8/140)
كان مغلوبا فيجوز وادعي ان هذا مذهب ابي حنيفة واختيار القاضى الحسين * ولو باع شيئا بدراهم مغشوشة ثم بان ان نقرتها يسيرة جدا فله الرد وعن أبى الفياض تخريج وجهين فيه وان كان في البلد نقدان أو نقود مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فالبيع باطل حتي يعين وتقويم المتلفات يكون بغالب نقد البلد فان كان في البلد نقدان فصاعدا ولا غالب عين القاضى واحدا للتقويم * ولو غلب من جنس العرض نوع فهل ينصرف الذكر إليه عند الاطلاق فيه وجهان المحكى عن أبي اسحق انه ينصرف كما ذكرنا في العقد قال في التتمة وهو المذهب ومن صوره أن يبيع صاعا من الحنطة بصاع منها أو بشعير في الذمة ثم أحضر قبل التفرق * وكما ينصرف العقد إلى النقد الغالب ينصرف في الصفات إليه أيضا حتى لو باع بدينار أو بعشرة والمعهود في البلد الصحاح انصرف العقد إليه وإن كان المعهود المكسرة فكذلك قال في البيان الا أن تتفاوت قيم المكسرة فلا يصح وعلى هذا القياس لو كان المعهود ان يوجد نصف الثمن من هذا والنصف من ذاك أو ان يوجد على نسبة أخرى فالبيع
صحيح محمول عليه * وان كان يعهد التعامل بهذا مرة وبهذا مرة ولم يكن بينهما تفاوت صح البيع ويسلم ما شاء منهما وان كان بينهما تفاوت بطل البيع كما لو كان في البلد نقدان عامان واطلق * ولو قال بعت بالف صحاح ومكسرة فوجهان (أظهرهما) انه يبطل لانه لم يبين قدر كل واحد منهما (والثانى) يصح ويحمل على التنصيف ويشبه ان يكون هذا الوجه جاريا فيما إذا قال بالف ذهبا وفضه * ولو قال بعت بدينار صحيح فجاء بصحيحين وزنهما مثقال فعليه(8/141)
القبول لان الغرض لا يختلف بذلك ولو جاء بصحيح وزنه مثقال ونصف قال في التتمة عليه قبوله والزيادة امانة في يده والحق أنه لا يلزمه القبول لما في الشركة من الضرر وقد ذكر صاحب البيان نحوا من هذا ولكن ان تراضيا عليه جاز وحينئذ لو أراد أحدهما كسره وامتنع الاخر لم يجبر عليه لما في هذه القسمة من الضرر * ولو باع بنصف دينار صحيح وشرط ان يكون مدورا جاز ان كان يعم وجوده وان لم يشرط فعليه شق وزنه نصف مثقال فان سلم إليه صحيحا اكثر من نصف مثقال وتراضيا على الشركة فيه جاز * ولو باعه شيئا بنصف دينار صحيح ثم باعه شيئا آخر بنصف دينار صحيح فان سلم صحيحا عنهما فقد زاده خيرا وان سلم قطعتين وزن كل واحدة نصف دينار جاز وان شرط في عقد الثاني تسليم صحيح عنهما فالعقد الثاني فاسد والاول ماض على الصحة ان جرى الثاني بعد لزومه والا فهو الحاق شرط فاسد بالعقد في زمان الخيار وسيأتى حكمه * ولو باع بنقد قد انقطع عن أيدى الناس فهو باطل لعدم القدرة على التسليم وان كان لا يوجد في تلك البلدة ويوجد في غيرها فان كان حالا أو مؤجلا الي مدة لا يمكن نقله فهو باطل ايضا وان كان مؤجلا إلى مدة يمكن نقله صح ثم ان حل الاجل وقد أحضره فذاك وإلا فيبني علي ان الاستبدال عن لثمن هل يجوز (إن قلنا) لا فهو كما لو انقطع المسلم فبه (وإن قلنا) نعم فيستبدل والا يفسخ العقد وفيه وجه انه يفسخ وان كان يوجد في البلد الا أنه عزيز (فان قلنا) يجوز الاستبدال عن الثمن صح العقد فان وجد فذاك وإلا تبادلا (وان قلنا) لا لم يصح * ولو كان القدر الذى جرى به التعامل(8/142)
موجودا ثم انقطع ان جوزنا الاستبدال تبادلا والا فهو كانقطاع المسلم فيه * ولو باع شيئا بنقد معين أو مطلقا وحملناه علي نقد البلد فابطل السلطان ذلك النقد لم يكن للبائع الا ذلك النقد كما لو اسلم في حنطتة فرخصت ليس له غيرها لو فيه وجه آخر انه مخير ان شاء اجاز العقد بذلك النقد وان شاء فسخه كما لو تعيب المبيع قبل القبض وعن أحمد انه يجب تسليم النقد الجديد بالقيمة * وإذا وقفت على هذه المسائل فاعم ان صاحب الكتاب لما ذكر ان العلم بقدر العوض لا بد منه إذا كان في الذمة احتاج الي بيان مسألة هي كالمستثناة عن هذه القاعدة وهى أنه لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم يصح العقد وان كانت الصبرة مجهولة الصيعان وقدر الثمن مجهولا وبه قال مالك وأحمد وكذا الحكم لو قال بعتك هذا الارض أو هذا الثوب كل ذراع بدرهم أو هذه الاغنام كل واحدة بدينار وقال أبو حنيفة إذا كانت الجملة مجهولة صح البيع في مسألة الصبرة وفى قفيز واحد دون الباقي وفي مسألة الارض والثوب لا يصح في شئ وهذا ما حكاه القاضي ابن كج عن أبى الحسين في الصور كلها وجه الصحة أن الصبرة مشاهدة والمشاهدة كافية للصحة على ما سنذكره ولا يضر الجهل بمبلغ الثمن لان تفصيله معلوم والغرر يرتفع به فانه يعلم أقصي ما تنتهي إليه الصبرة وقد رغب فيها على شرط مقابلة كل صاع بدرهم كما كانت * ولو قال بعتك عشرة من هؤلاء الاغنام بكذا لم يصح وان علم عدد الجملة بخلاف مثله في الصبرة والارض والثوب لان قيمة الشاة تختلف فلا يدرى كم العشرة من الجملة كذا ذكره في التهذيب وقياس ما قدمناه من عدم الصحة فيما إذا باع ذراعا من ثوب أو من أرض مجهوله الذرعان تعليلا بأن أجزاء الارض والثوب تختلف أن يكون قوله بعتك كذا ذراعا من الارض وهى معلومة الذرعان كقوله بعتك كذا عددا من هذه الاغنام وهي معلومة العدد فليسو بينهما في الصحة أو عدمها * ولو قال بعتك من هذه الصبرة كل صاع بدرهم لم يصح لانه لم(8/143)
يبع جميع الصبرة ولا بين المبيع منها وعن ابن سريج انه يصح في صاع واحد كما لو قال بعتك قفيزا من الصبرة بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم أو قال مثله في الثوب والارض نظر ان خرج كما ذكر صح البيع وان
خرج زائدا أو ناقصا فقولان قال في التهذيب (أصحهما) انه لا يصح البيع لانه باع جملة الصبرة بالعشرة بشرط مقابلة كل صاع منها بدرهم والجمع بين هذين الامرين عند الزيادة والنقصان محال (والثانى) انه يصح لاشارته الي الصبرة ويلغي الوصف وعلى هذا ان خرج ناقصا فللمشترى الخيار فان أجاز فيجيز بجميع الثمن لمقابلة الصبرة به أو بالقسط لمقابلته كل صاع بدرهم فيه وجهان وان خرج زائدا فلمن تكون الزيادة فيه وجهان (أظهرهما) انها للمشترى لان جملة الصبرة مبيعة منه فعلى هذا لا خيار له وفى البائع وجهان (أصهما) انه لا خيار له ايضا لانه رضى ببيع جميعها (والثاني) ان الزيادة للبائع وعلي هذا لاخيار له وفى المشترى وجهان (اصحهما) ثبوت الخيار إذا لم يسلم له جميع الصبرة * هذه ما نذكره الآن في أحد القسمين وهو أن يكون العوض في الذمة فأما إذا كان معينا فلا يشترط معرفة قدره بالوزن والكيل حتي لو قال بعتك هذه الدراهم أو هذه الصبرة صح ويكفى عيان الدراهم والصبرة ربطا للعقد بالمشاهدة نعم حكوا قولين في انه هل يكره بيع الصبرة جزافا وعن مالك ان علم البائع قدر كيلها لم يصح البيع حتى يبينه وحكي إمام الحرمين عنه انه لابد من معرفة المقدار فلا يصح بيع الصبرة جزافا ولا بالدراهم جزافا ولو كانت الصبرة علي موضع من الارض فيه ارتفاع وانخفاض أو باع السمن ونحوه في طرف مختلف الاجزاء دقة وغلظا فقد حكي المصنف في لوسيط ثلاث طرق وقضية إيراد الامام الاقتصار على الاول والثالث (أظهرها) وبه قال الشيخ أبو محمد أن في صحة البيع قولى بيع الغائب لان انخفاض الارض وارتفاعها وغلظ الظرف ودقته يمنع تخمين القدر وإذا(8/144)
لم يفد العيان احاطة كان كعدم العيان في احتمال الغرر (والثانى) القطع بالبطلان لانا إذا صححنا بيع الغائب أثبتنا فيه الخيار عند الرؤية والرؤية حاصلة ههنا فيبعد إثبات الخيار معها ولا سبيل الي نفيه لمكان الجهالة وهذان الطريقان هما المذكوران في الكتاب والطريقة الثانية ضعيفة وان نسبت إلى المحققين لان الصفة والمقدار مجهولان في بيع الغائب ومع ذلك خرجناه على قولين فكيف نقطع بالبطلان ههنا مع معرفة بعض الصفات بالرؤية فان قلنا بالصحة فوقت اثبات الخيار ههنا معرفة مقدار الصبة أو التمكن من تخمينة برؤية ما تحتها * (والطريق الثالث) نقله الامام عن رواية الشيخ
أبى على في مهذبه الكبير القطع بالصحة ذهابا الي أن جهالة المقدار غير جائزة بعد المشاهدة فان فرعنا علي البطلان فلو باع الصبرة والمشترى يظن انها على استواء الارض ثم بان تحتها دكة هل يتبين بطلان العقد فيه وجهان (أحدهما) نعم وبه قال الشيخ أبو محمد لانا تبينا بالاخرة أن العيان لم يفد علما (وأظهرهما) لا ولكن للمشترى الخيار تنزيلا لما ظهر منزلة الغيب والتدليس هذا ما أورده صاحب الشامل وغيره * ولو قال بعتك هذه الصبرة الا صاعا فان كانت معلومة الصيعان صح والا فلا وبه قال أبو حنيفة وقال مالك يصح وإن كانت مجهولة الصيعان واحتجوا للمذهب بما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن الثنيا في البيع * ثم اختلفوا في وجه الاحتجاج فذكر الماوردى في الحاوى ان المراد من الخبر الصورة التى نحن فيها وقال قائلون الخبر ينفى احتمال الاستثناء مطلقا فان ترك العمل به في موضع وجب أن لا يترك ههنا والله أعلم * قال (أما الصفة ففي اشتراط معرفتها بالعيان قولان اختار المزني الاشتراط وأبطل بيع (ح م) ما لم يره وشراءه ولعله اصح القولين وفى الهبة قولان مرتبان وأولى بالصحة وعلي القولين يخرج شراء الاعمى لانه يقدر على التوكيل بالرؤية والفسخ على اصح الوجهين ويصح سلم الاعمي اعتمادا علي الوصف وكذلك الاكمه الا على رأى المزني فانه أول كلام الشافعي رضي الله عنه علي غير الاكمه) *(8/145)
في الفصل مسائل (إحداها) في بيع الاعيان الغائبة والحاضرة التى لم تر قولان قال في القديم وفى الاملاء والصرف من الجديد انه صحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه ومعلوم أن الخيار انما يثبت في العقود الصحيحة ولانه عقد معاوضة فلم يكن من شرطه رؤية المعقود عليه كالنكاح وقال في الام والبويطى لا يصح وهو اختيار المزني ووجه انه بيع غرر وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ولانه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلم يصح بيعه كما لو أسلم في شئ ولم يصفه واشتهر القول الاول بالقديم والثانى بالجديد واختلفوا في محلهما على طريقين (أصحهما) عند ابن الصباغ وصاحب التتمة وغيرهما
ان القولين مطردان في المبيع الذى لم يره المتبايعان كلاهما وفيما لم يره أحدهما (والثانى) ان القولين فيما إذا شاهده البائع دون المشترى أما إذا لم يشاهده البائع فالبيع باطل قولا واحدا لان الاجتناب عن هذا الغرر سهل على البائع فانه المالك والمتصرف في المبيع ومنهم من جعل البيع أولي بالصحة لان البائع معرض عن الملك والمشترى محصل له فهو أجدر بالاحتياط وهذا يوجب خروج طريقة ثالثة وهي القطع بالصحة إذا رآه المشترى وتخصيص الخلاف فيما إذا لم يره وفى البيان اشارة إلى هذه الطريقة(8/146)
الثالثة والقولان في شراء الغائب وبيعه يجريان في إجارته وفيما إذا آجر بعين غائبة أو صالح عليها أو جعلها رأس مال السلم ثم سلم في مجلس العقد * ولو أصدقها عينا غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القصاص على عين غائبة صح النكاح وحصلت البينونة وسقط القصاص وفى صحة المسمي القولان فان لم يصح وجب مهر المثل علي الرجل في النكاح وعلي المرأة في الخلع ووجبت الدية على المعفو عنه ويجريان أيضا في هبة الغائب ورهنه وهما أولى بالصحة لانهما ليسا من عقود المغابنات بل الراهن والواهب مغبونان لا محالة والمرتهن والمتهب مرتفقان لا محاله ولهذا قيل إنا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية إذ لا حاجة إليه (الثانية) إذا لم نجوز شراء الغائب وبيعه لم يجز بيع الاعمى وشراؤه وان جوزناه فوجهان (أظهرهما) أنه لا يجوز أيضا والفرق انا إذا جوزنا شراء الغائب ثبت فيه خيار الرؤية وهاهنا لا سبيل إلى اثبات خيار الروية إذا لا رؤية فيكون كبيع الغائب علي شرط أن لا خيار (والثاني) أنه يجوز ويقام وصف غيره له مقام رؤيته كما تقام الاشارة مقام النطق في حق الاخرس وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وقد يعبر عما ذكرنا بأن يقال في بيعه وشراه طريقان (أحدهما) أنه على قولي شراء الغائب (والثاني) القطع بالمنع وبني بانون هذين الطريقين على(8/147)
انه هل يجوز للبصير إذا صححنا منه شراء الغائب أن يوكل غيره بالرؤية وبالفسخ أو الاجازة على ما يستصوبه وفيه وجهان (أظهرهما) أنه يجوز كالتوكيل في خيار العيب وخيار الحلف (والثانى) لا يجوز لان هذا الخيار مربوط بارادة من له الخيار ولا تعلق له بعرض ولا وصف ظاهر فاشبه
ما لو اسلم الكافر على عشر نسوة ليس له أن يوكل بالاختيار فان صححنا التوكيل خرج بيعه وشراؤه على قولى شراء الغائب وإلا قطعنا بالفساد لانه لو صح لتمكن منه جهالة لا تزول ولما أفضى الامر إلى قرار وإذا قلنا لا يصح بيع الاعمى وشراؤه لا يصح منه الاجارة والرهن والهبة ايضا وهل له أن يكاتب عبده قال في التهذيب لا وقال في التمتمة المذهب أن له ذلك تغليبا للعتق ويجوزان يؤجر نفسه وللعبد الاعمي أن يشترى نفسه وان يقبل الكتابة على نفسه ويجوز له أن ينكح وان يزوج موليه تفريعا على أن العمي غير قادح في الولاية والصداق عين مال لم يثبت المسمى وكذلك إو خالع الاعمي على مال وأما إذا أسلم في شئ أو باع سلما فينظر ان عمى بعد ما بلغ سن التمييز فهو صحيح لان السلم يعتمد الاوصاف وهو والحالة هذه مميز بين الالوان ويعرف الاوصاف ثم يوكل من يقبض عنه على الوصف المشروط وهل يصح قبضه بنفسه فيه وجهان (أصحهما) لا لانه لا يميز بين المستحق وغيره وان كان اكمه أو عمى قبل ما بلغ سن التمييز فوجهان (احدهما) انه لا يصح سلمه لانه لايعرف الالوان ولا يميز بينها وبهذا قال المزني ويحكي عن ابن سريج وابن خيران وابن أبي هريرة أيضا واختاره صاحب التهذيب (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم ويحكى عن ابى اسحق المروزى وبه اجاب في الكتاب انه يصح لانه يعرف الصفات والالوان بالسماع ويتخيل فرقا بينهما فعلى هذا انما يصح إذا كان رأس المال موصوفا غير معين في المجلس اما إذا كان معينا فهو كبيع العين الغائبة * وكل مالا نصححه من الاعمى من التصرفات فسبيله ان يوكل عنه ويحتمل ذلك للضرورة والله أعلم * وانرجع الي ما يتعلق بلفظ الكتاب من الفوائد (قوله) الصفة إلى قوله فابطل بيع ما لم يره وشراءه جواب على طريقة طرد القولين في البيع والشراء هو الاشهر (قوله) ولعله اصح القولين انما فرض القول فيه لان طائفة من أصحابنا مالوا الي قول التصحيح وافتوا به وقد(8/148)
تابعهم صاحب التهذيب والروياني عليه * وعن الخضرى انه كان لا يجرم بالفساد إذا سئل عن بيع الغائب بل يقول ان لم يصح الخبر فالقياس فساده وقوله على القولين يخرج شراء الاعمى مصيرا إلي طرد القولين في شراء الاعمى وليكن معلما بالواو للطريقة القاطعة بالمنع وإليها ذهب الاكثرون
وقوله انه يقدر على التوكيل اشارة إلى ما سبق من مضى الطريقين وجعله الصحة اصح الوجهين غير منازع فيه لكن ذهاب الاكثرين إلى القطع بالمنع يشوش ذلك البناء لان قائس ترجيح وجه الصحة يرحح طريقة القولين وقوله فانه اول كلام الشافعي رضى الله عنه علي غير الاكمه اراد به ان الشافعي رضي الله عنه اطلق القول في جواز سلم الاعمي فقال المزني في مختصر سننه ان يكون اراد الشافعي رضي الله عنه لمعرفتي بلفظ الاعمى الذى عرف الالوان قبل ان يعمي واما من خلق اعمي فانه لا معرفة له بالالوان وحكم بفساد سلمه * قال (التفريع * ان شرطنا الروية فالروية السابقة كالمقارنة (و) فيما لا يتغير غالبا وليس استقصاء الوصف كالروية على الاظهر * ورؤية بعض المبيع كافية إن دل على الباقي لكونه من جنسه أو كان صوأنا له خلقة كقشر الرمان والبيض) * لما فرغ من ذكر القولين في شراء الغائب والصور الملحقة به اراد أن يفرع عليها فعد في هذا الفصل فروعا علي قولنا باشتراط الرؤية وفى الفصل الذى يليه فروعا علي القول المقابل له فاما فروع هذا الفصل الذى ذكرها فهي ثلاثة (أحدها) لو اشترى غائبا رآه قبل العقد نظر ان كان مما لا يتغير غالبا كالاراضى والاواني والحديد والنحاس ونحوها أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين الرؤية والشراء صح العقد لحصول العلم الذى هو المقصود وقال الانماطي لا يصح لان ما كان شرطا في العقد ينبغى أن يوجد عنده كالقدرة علي التسليم في البيع والشهادة في النكاح والمذهب الاول * واحتج الاصطخرى على الذاب عن الانماطى في المسألة فقال ارأيت لو كان في يده خاتم فاراه غيره حتى نظر إلى جميعه ثم غطاه بكفه ثم باعه منه هل يصح قال لا قال أرايت لو دخل(8/149)
دارا ونظر الى جميع بيوتها وعلا إليها ثم خرج منها واشتراها هل يصح قال لا قال أرايت لو دخل أرضا ونظر إلى جميعها ثم وقف في ناحية منها واشتراها هل يصح فتوقف فيه ولو ارتكبه لكان مانعا بيع الاراضي والضياع التي لا تشاهد دفعة واحدة فانه خلاف الاجماع * ثم إذا صححنا الشراء فان وجده كما رآه اولا فلا خيار له وإن وجده متغيرا فقد حكى المصنف فيه وجهين في الوسيط
(أحدهما) انه يتبين بطلان العقد لتبين انتفاء المعرفة (واصحهما) وهو الذى أورده الجمهور انه لا يتبين ذلك لبناء العقد في الاصل على ظن غالب ولكن له الخيار قال الامام وليس المعني بتغيره تعيبه فان خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ولكن الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية وكل ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبين الخلف في الشرط * وإن كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا كما إذا راى ما يتسارع إليه الفساد من الاطعمة ثم اشتراه بعد مدة صالحة فالبيع باطل وان مضت مدة يحتمل أن يتغير فيها ويحتمل أن لا يتغير أو كان المبيع حيوانا ففيه وجهان (أحدهما) انه لا يصح البيع لما فيه من الغرر ويحكى هذا عن المزني وابن أبى هريرة (واصحهما) الصحة لان الظاهر بقاؤه بحاله فان وجده متغيرا فله الخيار وإذا اختلفا فقال البائع هو بحاله وقال المشترى بل تغير فوجهان (احدهما) أن القول قول البائع لان الاصل عدم التغير واستمرار العقد (واظهرهما) وهو المحكى عن نصه في الصرف أن القول قول المشترى مع يمينه لان البائع يدعي عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة والرضى به وهو ينكره فاشبه ما إذا ادعي عليه الاطلاع على العيب وانكر المشترى * (الثاني) استقصاء الاوصاف على الحد المعتبر في السلم هل يقوم مقام الرؤية وكذا سماع وصفه بطريق التواتر فيه وجهان (احدهما) نعم لان ثمرة لرؤية المعرفة وهما يفيدانها فعلى هذا يصح البيع على القولين ولا خيار (واصحهما) لا لان الرؤية تطلع على أمور تضيق(8/150)
عنها العبارة * ثم الصائرون إلى هذا الوجه ومنهم أصحابنا العراقيون اختلفوا في أن استقصاء الوصف هل يشترط على قولنا بصحة بيع الغائب على ما ستعرفه ان شاء الله تعالى (الثالث) إذا راى بعض الشئ دون بعض نظر ان كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي صح البيع كما إذا رأى ظاهر الصبرة منه الحنطة والشعير لان الغالب أن أجزاءها لا تختلف وتعرف جملتها برؤية ظاهرها ثم لا خيار له إذا رأى باطنه الا إذا خالف باطنه ظاهره * وفى التتمة أن ابا سهل الصعلوكى حكى قولا عن الشافعي رضى الله عنه انه لا تكفى رؤية ظاهر الصبرة بل لابد من تقليبها ليعرف حال باطنها أيضا وهكذا حكاه أبو الحسن العبادي عن الصعلوكي نفسه وقال انما الجأه إليه ضرورة نظر المبيع والمذهب
المشهور هو الاول * وفى معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق لان الظاهر استواء ظاهرها وباطنها * ولو كان شئ منها في وعاء فرأى اعلاه أو رأى اعلا السمن والخل وسائر المائعات في ظروفها كفا ولو كانت الحنطة في بيت وهو مملوء منها فرأى بعضها من الكوة أو الباب كفى ان عرف سعة البيت وعمقه والا فلا وكذا حكم الجمد في المجمدة ولا يكفى رؤية صبرة البطيخ والرمان والسفرجل لانها تباع في العادة عددا وتختلف اختلافا بينا فلابد من رؤية واحد واحد وكذا لا يكفى في شراء السلة من العنب والخوخ ونحوهما رؤية الاعلا لكثرة الاختلاف فيها بخلاف صبرة الحبوب والتمر ان لم تلتزق حبانه فصبرته كصبرة الجوز واللوز وان التزقت كالقوصرة فيكفى روية اعلاها على الصحيح وعن الصيمري حكاية خلاف في القطن في العدل انه هل يكفى رؤية اعلاه أم لابد من روية جميعه قال والاشبه عندي انه كقوصرة التمر * ولو رأى انموذجا وبني البيع عليه نظر ان قال بعتك من هذا النوع كذا فهو باطل لانه لم يعين مالا ولا راعى شرط السلم ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح لان الوصف باللفظ يمكن الرجوع إليه عند(8/151)
الاشكال * ولو قال بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا لانموذج منها نظر ان لم يدخل الانموذج في البيع ففيه وجهان (احدهما) صحة البيع تنزيلا له منزلة استقصاء الوصف (وأصحهما) المنع لان المبيع غير مرئى ولا يشبه استقصاء الوصف لما ذكرنا في السلم وان أدخله في البيع فعن القفال وغيره القطع بالصحة كالو رأى بعض الصبرة وعن بعض الائمة القطع بالمنع قال امام الحرمين والقياس ما قاله القفال ولا يخفى أن مسألة الانموذج انما تفرض في المتماثلات * وان كان ذلك الشئ مما لا يستدل برؤية بعضه علي الباقي نظر ان كان المرئي صوانا للباقى كقشر الرمان والبيض كفى رؤيته وان كان معظم المقصود مستورا لان صلاحه في إبقائه فبه وكذا لو اشترى الجوز واللوز في القشرة السفلي ولا يصح بيع اللب وحده فيها لا علي القول الذى يفرع عليه ولا على القول الاخر لان تسلميه لا يمكن الا بكسر القشرة وفيه تغيير عين المبيع * ولو رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها لم يكف لان المعرفة التامة لا تحصل به ولا يتعلق صلاح بكونه فيها بخلاف السمك يراه في
الماء الصافى يجوز بيعه وكذا الارض يعلوها ماء صاف لان الماء من صلاحها ولا يمنع معرفتها وان لم يكن كذلك لم تكف رؤية البعض على هذا القول (وأما) على القول الآخر ففيه كلام موضعه الفصل الذى يلى هذا الفصل * واعلم أن الرؤية في كل شئ على حسب ما يليق به ففى شراء الدار لابد من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا ومن رؤية المستحم والبالوعة وفى البستان من روية الاشجار والجدران ومسائل الماء ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق الاشجار ونحوها وفى الجرجانيات لابي العباس الروياني ذكر وجهين في اشتراط رؤية طريق الدار ومجرى الماء الذى تدور به الرحا * وفى شراء العبد لابد من رؤية الوجه والاطراف ولا يجوز روية العورة وفى باقي البدن وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في التهذيب أنه لابد من رويته وفى الجارية وجوه (أحدها) يعتبر روية ما يرى من العبد (والثانى) روية ما يبدو عند المهنة (والثالث)(8/152)
يكفى روية الوجه والكعبين وفى روية الشعر وجهان قال في التهذيب (أصحهما) اشتراطها ولا يشترط روية الاسنان واللسان في أصح الوجهين * وفى الدواب لابد من روية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ويجب رفع السرج والاكاف والجل وعن بعض الاصحاب أنه لابد من أن يجرى الفرس بين يديه ليعرف سيره * والثوب المطوى لابد من نشره قال الامام ويحتمل عندي ان نصحح بيع الثياب التي لا تنشر بالكلية الا عند القطع لما في نشرها من التنقيص وتلحق بالجوز واللوز لا يعتبر كسرها لروية للبوب مع انها معظم المقصود ثم إذا نشرت فما كان صفيقا كالديباج المقش فلابد من روية كلا وجهيه وفى معناه البسط والزلالي وما كان رقيقا لا يختلف وجهاه كالكرباس يكفى روية أحد وجهيه في أصح الوجهين * ولا يصبح بيع الثياب التوزية في المسوح على هذا القول قال الامام وعموم عرف الزمان محمول على المحافظة على المالية والاعراض عن رعاية حدود الشرع * وفى شراء المصحف والكتب لابد من تقليب الاوراق وروية جميعها وفى البياض لابد من رؤية جميع الطاقات وذكر أبو الحسن العبادي أن القفاع يفتح رأسه وينظر فيه بقدر الامكان حتى يصح بيعه وصاحب الكتاب أطلق المسامحة في الاحياء فيما اظن والله أعلم *
قال (وإن لم نشترط الروية فبيع اللبن في الضرع باطل (م) لتوقع اختلاطه بغير المبيع وعسر التسليم * ولو اشترى ثوبا نصفه في صندوق فالنص أنه باطل لان الروية سبب اللزوم وعدمها سبب الجواز فيتناقضان علي محل واحد لا يتبعض * ولو قال بعت ما في كمي لم يصح (و) ما لم يذكر الجنس * ومهما رأى البيع فله الخيار وله الفسخ قبل الروية دون الاجازة لان الرضا قبل حقيقة المعرفة لا يتصور وفيه وجه آخر) *(8/153)
أمهات مسائل الفصل أربع (إحداها) بيع اللبن في الضرع باطل وعن مالك رضي الله عنه انه إذا عرف قدر حلابها في كل دفعة صح وان باعه أياما * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع) ولانه مجهول القدر لتفاوت ثخن الضروع ولانه يزداد شيئا فشيئا لاسيما إذا أخذ في الحلب وما يحدث ليس من المبيع فلا يتأنى التمييز والتسليم * ولو قال بعتك من اللبن الذى في ضرع هذه البقرة كذا لم يجز أيضا على الصحيح لان وجود القدر المذكور في الضرع لا يستيقن وفيه وجه انه يجوز كما لو باع قدرا من اللبن في الظرف فيجى فيه قولا بيع الغائب * ولو حلب شيئا من اللبن فاراه ثم باعه مدا مما في الضرع فقد نقلوا فيه وجهين كما في مسألة الانموذج قال الامام وهذا لا ينقدح إذا كان المبيع قدرا لا يتأنى حلبه إلا ويتزايد اللبن فان المانع قائم والحالة هذه فلا ينفع إبداء الانموذج نعم لو كان المبيع يسيرا وابتدر إلى الحلب فلا يفرض والحالة هذه(8/154)
ازدياد شئ به مبالاة فيحتمل التجويز لكن إذا صورنا الامر هكذا فلا حاجة إلى ابداء الانموذج في التخريج علي الخلاف بل صار صائرون الي الحاقه ببيع الغائب وآخرون ختموا الباب والحقوا القليل بالكثير وصاحب الكتاب في الوسيط حكي الخلاف في صورة أخرى تناسب هذه وهي أن يقبض على قدر من الضرع ويحكم شده ويبيع ما فيه * (وقوله) في الكتاب وإن لم نشترط الروية فبيع اللبن في الضرع باطل لا يخفى ان هذا ليس تفريعا علي هذا القول خاصة بل هو علي قول إشتراط الروية أولى بان يبطل وانما ذكره عند التفريع على هذا القول ليعرف أنه وإن صح شراء
ما لم ير لم يصح بيع اللبن في الضرع لمعنى الاختلاط * ونختم المسألة بصور تشبهها (إحداها) لا يجوز بيع الصوف علي ظهر الغنم لما مر من الخبر ولان مطلق اللفظ يتناول جميع ما علي ظاهر الجلد ولا يمكن استيعابه الا بايلام الحيوان وإن شرط الجز فالعادة في المقدار المجزوز تختلف وبيع المجهول لا يجوز وعن مالك رضى الله عنه أنه يجوز بشرط الجز * وحكاه القاضي بن كج وجها لبعض الاصحاب ويجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان بعد الذكاة إذ ليس في استيفاء جميعه ايلام * وتجوز الوصية باللبن في الضرع وبالصوف على ظهر الغنم بخلاف البيع (الثانية) بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ باطل سواء بيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بيعا معا لان المقصود اللحم وهو مجهول * ولا يجوز بيع الاكارع والروس قبل الابانة وفى الاكارع وجه مذكور في التتمة ويجوز بيعها بعد الابانة نية ومشوية ولا اعتبار بما عليها من الجلد فانها ماكولة كذا المسموط يجوز بيعه نيا ومشويا وفى الني احتمال عند الامام (الثالثة) بيع المسك في الفأرة باطل سواء بيع معها أو دونها كاللحم في الجلد ولافرق بين أن يكون راس الفأرة مفتوحا أولا يكون للجهل بالمقصود وفصل في التتمة إذا كانت مفتوحة فقال إن لم تتفاوت ثخانتها وشاهد المسك فيه صح البيع والا فلا وعن ابن سريج أنه يجوز بيعه مع الفارة(8/155)
تشبيها لها بالجوز واللوز * ولو أرى المسك خارج الفارة ثم اشتراه بعد الرد إليها صح فان كان رأسها مفتوحا فرأى أعلاه يجوز والا فعلى قولى بيع الغائب (المسألة الثانية) لو رأى بعض الثوب المبيع وبعضه الآخر في صندوق أو جراب لم يره فقد حكى المزني عن نصه أن لبيع باطل ورأى كونه مقطوعا به واحتج به لاختيار بطلان بيع الغائب وقال إذا بطل بيع ما لم ير بعضه فلان يبطل بيع ما لم ير كله كان أولى * وللاصحاب في المسألة طريقان فقال قائلون منهم أبو إسحق المسألة على قولين كما لو لم ير شيئا منه وحيث أجاب الشافعي رضي الله عنه بالبطلان أجاب على أحد القولين في بيع الغائب والاقتضاء علي أحد القولين في بعض الصور لا يستبدع ألا ترى أنه اقتصر على قول التصحيح في كثير من المواضع * وسلم اخرون منهم صاحب الافصاح أبو علي ما قرره المزني من الجزم بالبطلان وفرقوا بوجهين (أحدهما) أن ما نظر الي بعضه يسهل النظر الي باقيه بخلاف الغائب
فقد يعسر احضاره وتدعوا لحاجة الي بيعه (والثاني) ان الرؤية فيما يراه سبب اللزوم وعدمها فيما لم ير سبب الجواز والعقد واحد لا يتصور اثبات الجواز واللزوم فيه معا ولا يمكن تبعيض المعقود عليه في الحكمين * قال جمهور الائمة والصحيح الطريقة الاولى والفرقان فاسدان أما الاول فلانا على قول تجويز بيع الغائب نجوز بيع مافى الكم مع سهولة إخراجه وأما الثاني فلان وجود سبب الرد في البعض يكفى في رد الكل كما إذا وجد ببعض المبيع عيبا وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن ما اقتصر على ذكره في الكتاب تفريعا على هذا القول غير ما هو الصحيح عند الجمهور * هذا كله فيما إذا كان المبيع شيئا واحدا أما إذا كان المبيع شيئين ورأى أحدهما دون الآخر فان أبطلنا شراء الغائب لم يصح المبيع فيما لم يره وفيما رآه قولا تفريق الصفقه فان صححنا شراء الغائب ففى صحة العقد فيهما قولان لانه جمع في صفقة واحدة بين مختلفى الحكم لان ماراه لاخيار فيه وما لم يره يثبت فيه الخيار فان صححنا فله رد ما لم يره وإمساك ما رآه (المسألة الثالثة) إذا لم نشترط الروية فلابد من ذكر جنس المبيع بان يقول بعتك عبدى أو فرسى ولا يكفى قوله بعتك ما في كمى أو كفى أو خزانتى أو ما ورثته من أبى إذا لم يعرفه المشتري هذا ظاهر المذهب * وحكي الامام وجها أنه يصح وان لم يذكر الجنس لان المرعي على القول الذى يفرع عليه أن يكون المبيع معينا والجهالة لاتزول بذكر الجنس فلا معنى لاشتراطه فعلى هذا لا يشترط ذكر النوع بطريق الاولى وعلى قولنا أنه يشترط ذكر الجنس(8/156)
فالظاهر أنه لابد من ذكر النوع أيضا بان يقول عبدى التركي أو فرسي العربي: وأوهم الامام خلافا فيه فقال لم يشترط اصحاب القفال ذلك واشترطه العراقيون * وربما أشعر قوله في الكتاب ما لم يذكر الجنس بالاكتفاء بذكر الجنس والاستغناء عن ذكر النوع أيضا وإذا جرينا علي الظاهر فلو كان له عبدان من النوع المذكور فلابد من أن يريد ما يقع به التمييز من التعرض للسن أو غيرها وإن لم يكن الا واحد فوجهان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة ويحكى عن نصه في الاملاء والقديم أنه يكفى ذكر الجنس والنوع ولا يجب التعرض للصفات لان الخيار ثابت والاستدراك حاصل به فلا حاجة
إلى الوصف (والثاني) وبه قال مالك انه لابد من التعرض إلى الصفات وعلى هذا فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو على الطبري أنه يشترط ذكر صفات السلم لانه مبيع غير مشاهد فاعتبر فيه التعرض للصفات كالمسلم فيه وهذا مذهب أحمد (وأقربهما) وبه قال القاضي ابو حامد أنه يكفى التعرض لمعظم الصفات وضبط ذلك بما يوصف المدعي به عند القاضى (المسألة الرابعة) إذا قلنا لابد من الوصف فوصف نظران وجده على ما وصفه ففى ثبوت الخيار وجهان (أحدهما) لا يثبت وبه قال احمد بسلامة المعقود عليه بصفاته ويحكى هذا عن القاضي الحسين (واصحهما) وبه قطع قاطعون انه يثبت لما سبق من الخبر * وان وجده دون ما وصفه فله الخيار لا محالة * وإن قلنا لا حاجة إلى الوصف فللمشتري الخيار عند الرؤية سواء شرط أو لم يشرطه وفى كتاب القاضى ابن كج ان ابا الحسين حكي عن بعض أصحابنا انه لابد من اشتراط خيار الروية حتي يثبت وهل له الخيار قبل الرؤية أما الاجازة فظاهر المذهب انها(8/157)
لا تنفذ لان الاجازة رضي بالعقد والزام له وذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه وانه جاهل بحاله ولو كفى قوله اجزت العقد مع الجهل لاغني قوله في الابتداء اشتريت * وحكي في التتمة وجها انه ينفذ تخريجا من تصحيح الشرط إذا اشتري بشرط ان لا خيار (واما) الفسخ فان نفذنا الاجازة فالفسخ أولى وان لم ننفذ الاجازة ففى الفسخ وجهان (احدهما) انه لا ينفذ أيضا لان الخيار في الخبر منوط بالروية (واصحهما) انه ينفذ لان حق الفسخ ثابت له عند الروية مغبوطا كان أو مغبونا فلا معني لاشتراط الروية في نفوذه * وإذا كان البائع قد رأي المبيع فهل يثبت له الخيار كما يثبت للمشترى فيه وجهان (احدهما) نعم كخيار المجلس يشتركان فيه (واصحهما) لا وهو نصه في الصرف ولانه احد المتبايعين فلا يثبت له الخيار مع تقدم الروية كالمشترى * ولو باع ما لم يره وصححنا العقد فهل يثبت الخيار له فيه وجهان (احصهما) عند المراوزة وبه قال ابو حنيفة لا لان جانب البائع بعيد عن الخيار بخلاف جانب المشترى ولهذا لو باع شيئا على انه معيب فبان صحيحا لاخيار له ولو اشتراه على انه صحيح فبان معيبا له الخيار (والثانى) يثبت لانه جاهل بالمعقود عليه فاشبه المشترى وهذا هو الذى أورده الشيخ ابو حامد ومن تابعه قالوا والخيار كما يثبت للمشترى عند النقصان يثبت للبائع عند الزيادة الا ترى
انه لو باع ثوبا على انه عشرة اذرع فبان احد عشر ذراعا يثبت للبائع الخيار * ثم خيار الروية على الفور أو يمتد امتداد مجلس الروية فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة أنه على الفور لانه خيار تعلق بالاطلاع على حال المبيع فاشبه الرد بالعيب (والثانى) وبه قال ابو اسحق انه يمتد امتداد مجلس الروية لانه خيار ثبت قضية للعقد فتعلق بالمجلس كخيار المجلس قال صاحب التهذيب وهذا اصح والوجهان عند الشيخ أبي محمد مبنيان على مسألة اخرى وهي انه هل يثبت خيار المجلس مع خيار الروية وفيه وجهان (احدهما) انه يثبت كما يثبت في شراء الاعيان الحاضرة (والثاني) لا يثبت الاستغناء بخيار الروية عنه فعلي الاول خيار الروية على الفور والا لاثبتنا خيار مجلسين وعلى الثاني(8/158)
يمتد امتداد مجلس الروية * وزاد الامام ترتيبا فقال إن أثبتنا خيار المجلس فهذا الخيار على الفور والا فوجهان (وقوله) في الكتاب وفيه وجه آخر اراد الوجه الصائر إلى نفوذ الاجازة على ما أوضحه في الوسيط لا الوجه الصائر إلى نفوذ الفسخ وان كان اللفظ يحتملها * فرعان * (أحدهما) لو تلف المبيع في يد المشترى قبل الروية ففى انفساخ البيع وجهان كنظيره في خيار الشرط ولو باعه قبل الروية لم يصح بخلاف ما لو باع في زمن خيار الشرط يجوز علي الاصح لانه يصير مجيزا للعقود وههنا لا اجازة قبل الروية لما سبق (الثاني) نقل القاضي الرويانى وصاحب التتمة وجها انه يعتبر على قول اشتراط الروية الذوق في الخل ونحوه والشم في المسك ونحوه واللمس في الثياب ونحوها فان كيفياتها المقصودة بهذه الطرق تعرف والمشهور انها لا تعتبر وانما هي ضرب انتفاع واستعمال.
(فرع ثالث) ذكر بعضهم انه لابد من ذكر موضع المبيع فلو كان في غير بلد التبايع وجب تسليمه في ذلك البلد ولا يجوز شرط تسليمه في بلد التبايع بخلاف السلم فانه مضمون في الذمة والعين الغائبة غير مضمونة في الذمة فاشتراط نقلها يكون بيعا وشرطا * (فرع رابع) قال حجة الاسلام في الوسيط وقع في الفتاوى ان رأى رجل ثوبين ثم سرق احدهما فاشترى الرجل الثوب الباقي وهو لا يدري المسروق ايهما فقلت ان تساوت صفة الثوبين وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس واحد صح العقد فانه اشترى معينا مرئيا معلوما وإن اختلفا في شئ من ذلك خرج علي قولى بيع الغائب لانه ليس يدرى أن المشترى
منهما الطويل أو القصير مثلا فلم تفد الرؤية السابقة العلم بحال المبيع عند العقد فلا تغني وهذا الذى ذكره يتايد باحد الرأبين فيما إذا لم يملك إلا عبدا واحدا فحضر في نفر من العبيد فقال سيده بعتك عبدى من هؤلاء والمشترى يراهم وهو لا يعرف عين ذلك العبد (فرع خامس) إذا لم نشترط الروية واختلفا فقال البائع للمشترى قد رأيت المبيع وقال المشترى ما رأيته ففيه وجهان (أحدهما) ان القول قول البائع لانه اختلاف في سبب الخيار فاشبه ما لو اختلفا في قدم العيب (وأظهرهما) عند أبى الحسن(8/159)
العبادي ان القول قول المشتري كما لو اختلفا في اطلاعه علي العيب * هذا إذا لم نشترط الروية فان شرطناها وفرض هذا الاختلاف فقد ذكر المصنف في فتاويه أن القول قول البائع لان للمشترى أهلية الشراء وقد أقدم عليه فكان ذلك اعترافا منه بصحة العقد ولا ينفك هذا عن الخلاف والله أعلم * قال (الباب الثاني في الفساد بجهة الربا) (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والتمر بالمتر والشعير بالشعير والملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد) فمن باع شيئا من هذه المطعومات بجنسه فليرع المماثلة بمعيار الشرع والحلول أعنى ضد النسيئة والتقابض (ح) في المجلس فان باع بغير جنسه لم يسقط الا رعاية المماثلة في القدر وفي معني المطعومة كل ما يظهر فيه قصد الطعم وإن لم يكن مقدراحتي السفرجل (و) والزعفران (م) والطين الارمثى (م) لان علة ربا الفضل فيه الطعم (م ح) ولكن في المتجانسين وعلة تحريم النسأ ووجوب التقابض الطعم (م ح) فقط * وإذا بيع مطعوم بمطعوم فهو في محل الحكم بتحريم النسأ ووجوب التقابض * وعلة الربا في النقدين كونهما جوهرى الاثمان (ح) فتجرى في الحلى والاوانى المتخذة منهما * ولا يجوز سلم شئ في غيره إذا كانا مشتركين في علة النقدية أو في الطعم) * لما كان الطرف الاول من الكتاب معقودا في صحه البيع وفساده وقد تكلم في الباب الاول في الاركان وشروطها وجب النظر في أسباب الفساد وفساده تارة يكون لاختلال في الاركان أو في
بعض شروطها وإذا عرفت اعتبارها عرفت أن فقدها مفسد وتارة يكون لغيره من الاسباب فجعل بقية أبواب الطرف في بيانها فمنها الربا قال الله تعالي * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * وقال عزوجل(8/160)
(وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) * وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم * (انه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده) والحديث الذى صدر به الباب بعض ما رواه الشافي رضى الله عنه في المختصر قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير البر والتمر بالملح والملح بالتمر كيف شئتم يدا بيد) قال ونقص أحدهما التمر أو الملح وزاد الآخر فمن زاد أو استزاد فقد أربى ذكر بعض الشارحين أن الرجل الآخر الذى ابهم ذكره هو عبد الله بن عبيد الله المعروف بابن هرمز (وقوله) ونقص احدهما التمر أو الملح يعنى احد الرجلين ولم يبين الذى نقص منهما كانه شك فيه وشك أيضا في ان ما نقصه التمر أو الملح (وقوله) وزاد الآخر يعنى الذى لم ينقص * واختلفوا في قوله فمن زاد أو استزاد(8/161)
فمنهم من قال هذا شك آخر من الشافعي ومنهم من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد يلفظ بهما جميعا واراد بقوله زادا عطى الزيادة وبقوله أو استزاد أخذ الزيادة أو طلبها وشبه ذلك بما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الراشى والمرتشي في النار) واعلم أن الربا ثلاثة انواع ربا الفضل وهو زيادة أحد العوضين على الآخر في القدر * وربا النساء وهو أن يبيع مالا بمال نسيئة سمى به لاختصاص احد العوضين بزيادة الحلول * وربا اليد وهو أن يقبض احد العوضين دون الا آخر وفي الخبر ذكر ستة أشياء وهى النقد ان والمطعومات الاربعة والحكم غير مقصور عليها باتفاق جمهور العلماء لكن الربا ثبت فيها لمعنى فيلحق بها ما يشاركها فيه (فاما) الاشياء الاربعة فللشافعي رضي الله عنه قولان في علة الربا فيها (الجديد) ان(8/162)
العلة الطعم لما روى معمر بن عبد الله قال كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الطعام بالطعام مثل بمثل) علق الحكم باسم الطعام والحكم المعلق بالاسم المشتق معلل بما منه الاشتقاق كالقطع المعلق باسم السارق والجلد المعلق باسم الزاني (والقديم) ان العلة فيها الطعم مع الكيل والوزن واجتجوا له بما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل) فعلى هذا يثبت الربا في كل مطعوم مكيل أو موزون دون ما ليس بمكيل ولا موزون كالسفرجل والرمان والبيض والجوز والاترج والنارنج * وعن الاودنى من أصحابنا انه تابع ابن سيرين في ان العلة الجنسية حتى لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا * وقال مالك العلة الاقتيات فكل ما هو قوت أو يستصلح به القوت يجرى فيه الربا وقصد بالقيد الثاني أدراج الملح * وقال أبو حنيفة العلة الكيل حتى يثبت الربا في الجص والنورة وسائر المكيلات * وعن احمد روايتان (احداهما) كقول أبى حنيفة (والآخري) كقول الشافعي رضى الله عنه الجديد * وإذا عللنا بالطعم اما مع انضمام التقدير إليه أو دونه تعدى الحكم إلى كل ما يقصد ويعد للطعم غالبا إما تقوتا أو تادما أو تفكها أو غيرها فتدخل فيه الحبوب والفواكه والبقول والتوابل وغيرها ولا فرق بين ما تؤكل نادرا كالبلوط والطرثوث أو غالبا ولا بين أن يوكل وحده أو مع غيره وفي الزعفران وجهان (أصحهما) انه يجرى فيه الربا لان المقصود الاظهر من الاكل تنعما أو تداويا الا أنه يخلط بغيره (الثاني) لا يجرى لانه يقصد به الصبغ واللون غالبا وبهذا قال القاضي أبو حامد فيما حكاه ابن كج وابو حيان التوحيدي في بعض رسائله ولافرق بين ما يؤكل للتداوي كالهليلج والبليلج والسقمونيا وغيرها وبين ما يؤكل لسائر الاغراض على المذهب * وفي التتمة حكاية وجه ان ما يهلك كثيره ويستعمل قليله في الادوية كالسقمونيا لا يجرى فيه الربا (واما) الطين فالخراساني منه ليس بربوى لانه لا يعد ماكولا ويسفه آكله وعن الشيخ أبى محمد الميل إلى انه ربوي * والارمني دواء فهو كالهليلج وفيه وجه آخر انه لا ربا فيه كسائر أنواع الطين والي هذا ذهب القاضي ابن كج * وفي دهن البنفسج والورد والبان وجهان (اصحهما) ان فيها الربا فانها متخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره وانما لا توكل في العادة ضنة بها وفي دهن الكتان(8/163)
وجهان (أظهرهما) انه ليس مال الربا لانه لا يعد للاكل ودهن السمك كذلك لانه يعد للاستصباح
وتدهين السفن لا للاكل قال الامام وهذا يظهر جعله مال الربا فانه جزء من السمك * ونقل صاحب البيان وجهين في حب الكتان والزنجبيل ووجهين عن الصميرى في ماء الورد وذكر انه لا ربا في العود والمصطكي والاشبه ان ما سوى العود كله ربوي وفى كون الماء ربويا إذا فرعنا على صحة بيعه وثبوت الملك فيه وجهان (أصحهما) انه ربوي قال الشيخ أبو حامد ومن لا يجعله ربويا يقول العلة في الربوبات انها مأكولة ومن يجعله ربويا يقول العلة انها مطعومة والثانى اعم لان المأكولية لا تطلق في الماء والمطعومية تطلق قال الله تعالى (ومن لم يطعمه فانه مني) ولا ربا في الحيوان لانه لا يؤكل على هيئته نعم ما يباح أكله علي هيئته كالسمك الصغير على وجه يجرى فيه الربا هكذا قاله في التتمة * وحكي الامام عن شيخه وعن صاحب التقريب ترددا فيه وقطع بالمنع لانه لا يعد للاكل * (واما) النقدان فعن بعض الاصحاب ان الربا فيهما لعينهما لا لعلة والمشهور ان العلة فيها صلاح التنمية الغالبة وان شئت قلت جوهرية الاثمان غالبا والعبارتان تشملان التبر والمضروب والحلى والاوانى المتخذة منهما وفي تعدى الحكم إلى الفلوس إذا راجت حكاية وجه لحصول معني التنمية والاصح خلافه لانتفاء التنمية الغالبة * وقال ابو حنيفة واحمد العلة فيهما الوزن فيتعدى الحك الي كل موزون كالحديد والرصاص والقطن * لنا انه لو كانت العلة الوزن لتعدى الحكم إلى المعمول من الحديد والنحاس كما تعدى إلى المعمول من الذهب والفضة وقد سلموا انه لا يتعدى * ولو باع التبر أو المضروب بالحلى من جنسه وجب رعاية التماثل * وعن مالك رضي الله عنه انه يجوز ان يزيد ما يقابل الحلى بقدر قيمة الصنعة * إذا تقررت هذه الاصول فنقول إذا بيع مال بمال لم يخل اما ان لا يكونا ربويين أو يكونا ربويين (فاما) في الحالة الاولي وهى تتضمن ما إذا لم يكن واحد منهما ربويا وما إذا كان احدهما ربويا فلا تجب رعاية التماثل ولا الحلو ولا التقابض ولافرق في ذلك بين ان يتفق الجنس أو يختلف حتي لو اسلم ثوبا أو ثوبين أو باع حيوانا بحيوانين من جنسه جاز لما روي عن عبد الله بن عمرانه قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل) وعند ابى حنيفة(8/164)
لا يجوز اسلام الشئ في جنسه * وعن مالك يجوز عند التساوى ولايجوز عند التفاضل (واما) في الحالة
الثانية فينظرا هذا ربوي بعلة وذاك ربوي بعلة اوهما ربويان بعلة واحدة فان اختلفت العلة لم تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض ومن صور هذا القسم ان يسلم احد النقدين في البر أو يبيع الشعير بالذهب نقدا أو نسيئة * وان اتفقت العلة فينظران اتحد الجنس كما لو باع الذهب بالذهب والبر بالبر ثبب فيه أنواع الربا الثلاثة فيجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس وان اختلف الجنس لم يثبت النوع الاول ويثبت النوعان الباقيان (مثاله) إذا باع ذهبا بفضة أو برا بشعير لم تجب رعاية المماثلة ولكن تجب رعاية الحلول والتقابض قال صلى الله عليه وسلم في آخر خبر عبادة (فبيعوا كيف شئتم يدا بيد) اباح التفاضل بقوله كيف شئتم واعتبر التقابض بقوله يدا بيدا وإذا كان التقابض معتبرا كان الحلول معتبرا فانه لو جاز التأجيل لجاز تأخير التسليم إلى مضي المدة * وعند أبى حنيفة لا يشترط التقابض الا في الصرف وهو بيع النقد بالنقد وبه قال احمد في رواية * لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النقدين وغيرهما في حديث عبادة في قرن واحد ثم قال (الا يدا بيد) فسوى في اعتبار التقابض بين الذهب بالذهب والبر بالبر والله اعلم * ولنعد إلى لفظ الكتاب (قوله) فمن باع شيئا من هذه المطعومات بجنسه إلى آخره شروع منه في بيان الحكم في احد صنفي الاموال المذكورة في الخبر وهو المطعومات ثم ما يجب رعايته في هذه المطعومات يجب رعايته في سائر المطعومات كما بينه بقوله وفى معنى هذه المطعومات وكذلك في النقدين (وقوله) بمعيار الشرع يعنى الكيل والوزن علي ما سيأتي ذكره في موضعه (قوله) والتقابض في المجلس معلم بالحاء والالف لما سبق انهما لا يتعبرانه في المطعومات ويجوز ان يعلم بهما أيضا (قوله) المجلس معلم بالحاء والالف لما سبق انهما لا يعتبرانه في المطعومات ويجوزان يعلم بهما أيضا (قوله) لم يسقط الارعاية المماثلة في القدر وقوله وإن لم يكن مقدرا قصد به التعرض للقول القديم وليكن معلما بالواو لذلك القول وكذا السفر جل وكذا الزعفران والطين الارمني لما حكينا فيهما (وقوله) لان علة ربا الفضل فيها أي في المطعومات المذكورة في الخبر وغيرها (وقوله) الطعم معلم بالميم والحاء والالف لما سمعنا من مذاهبهم (وقوله) ولكن في المتجانسين معناه أن الطعم لا يوجب تحريم ربا الفضل على الاطلاق ولكن بشرط تجانس العوضين واختلفوا في ان الجنسية هل هي وصف من العلة أم لا فذهب الشيخ
أبو حامد وطبقته الي انها وصف من العلة وقالوا العلة على القديم مركبة من ثلاثة أوصاف وعلى(8/165)
الجديد من وصفين واحترز المراوزة من هذا الاطلاق وقالوا الجنسية شرط ومنهم من قال هي محل عمل العلة كالاحصان بالاضافة إلى الزنا وبهذا يشعر قوله في الكتاب ولكن في المتجانسين واحتج هؤلاء بانها لو كانت وصفا لافادت تحريم النسأ بمجردها كما أفاد الوصف الآخر وهو الطعم تحريم النساء بمجرده وليس كذلك فان الجنس بانفراده لا يحرم النسأ * وللاولين أن يمنعوا افادة ما هو وصف لعله ربا الفضل تحريم النسأ ويقولوا قد يفيده وقد لا يفيده وليس تحت هذا الاختلاف كثير طائل (وقوله) وعلة تحريم النسأ ووجوب التقابض الطعم فقط أي من غير اشتراط التجانس ويجوز اعلامه بالحاء والالف لما سبق (واعلم) ان تحريم النسأ ووجوب التقابض يتلازمان وينحي بكل واحد منهما نحو الاخر وقد نرى الائمة لما بينهما من التقارب يستغنون بذكر أحدهما عن الاخر (وقوله) فإذا بيع مطعوم بمطعون فهو في محل الحكم بتحريم النسأ ووجوب التقابض أي سواء تجانسا أم لا وهو مذكور للتأكيد والايضاح والا ففى قوله وعلة تحريم النسأ الي آخره ما يفيده (وقوله) وعلة الربا في النقدين كونهما جوهري الاثمان معلم بالحاء والالف والواو أيضا للوجه الصائر إلى أن الحكم فيهما غير معلل ثم لابد من افادتها حرمة التفاضل من الجنسية اما شرطا أو وصفا كما سبق ومجرد النقدية في افادة تحريم النسا ووجوب التقابض كمجرد الطعم فلذلك قال ولا يجوز سلم شئ في غيره إذا كانا مشتركين في علة النقدية أو الطعمية فان في السلم يفقد التقابض وكذا الحلول غالبا (وقوله) أو الطعم مكرر ذكره مرة في قوله وعلة تحريم النسا إلى آخره واخرى في قوله فإذا بيع مطعوم بمطعوم إلى آخره وهذه مرة ثالثة وقد تورث المبالغة في الايضاح اشكالا * (فرع) حيث اعتبر التقابض فلو تفرقا قبل التقابض بطل العقد ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ثم تفرقا بطل في غير المقبوض وفى المقبوض قولا تفريق الصفقة * والخاير في المجلس قبل التقابض بمثابة التفرق يبطل العقد خلافا لابن سريج * ولو وكل احدهما وكيلا بالقبض وقبض قبل مفارقة الموكل مجلس العقد جاز وان قبض بعده فلا (آخر) بيع مال الربا بجنسه مع زيادة لا يجوز الا بتوسط عقد آخر (مثاله) إذا اراد بيع دراهم أو دنانير صحاحا بمكسرة أكثر من وزنها يبيع
الدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم أو بعرض ثم إذا تقابضا وتفرقا أو تخايرا اشترى بالدراهم أو بذلك العرض المكسرة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل خيبر ان يبيع الجمع بالدراهم ثم يبتاع بها جنيبا) والجنيب اجود(8/166)
التمر والجمع كل لون من التمر لايعرف له اسم ولافرق بين أن يتخذ ذلك عادة أولا يتخذه عادة خلافا لمالك حيث قال يجوز مرة واحدة ولايجوز ان يتخذه عادة * ولو اشترى المكسرة بعرض ماله قبل أن يقبضه لم يجز وإن اشتراها به بعد قبضه وقبل التفرق والتخاير قال ابن سريج وغيره يجوز وهو الاصح بخلاف مالو باعه من غير بائعه قبل التفرق والتخاير حيث لا يجوز لما فيه من اسقاط خيار العاقد الآخر وههنا يحصل بما يجرى بينهما اجازة العقد الاول * وعن صاحب التقريب انه مبنى على الخلاف في الملك في زمن الخيار فان قلنا انه يمنع انتقال الملك لم يجز لانه باع ما لم يملكه * فهذا وجه من الحيلة ووجه ثان وهو ان يقرض الصحاح من الاخر ويستقرض منه المكسرة ثم يبرئ كل واحد منهما صاحبه * ووجه ثالث وهو ان يهب كل واحد منهما ماله من الاخر * ووجه رابع وهو ان يبيع الصحاح بمثل وزنها من المكسرة ويهب صاحب المكسرة الزيادة منه فيجوز جميع ذلك إذا لم نشرط في اقراضه وهبته وبيعه ما يفعل الاخر * ولو باع النصف الشائع من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة جاز ويسلم إليه الكل ليحصل تسليم النصف ويكون النصف الاخر امانة في يده بخلاف ما لو كان له عشرة علي غيره فأعطاه عشرة عددا فوزنت فكانت احدى عشر دينارا كان الدينار الفاضل للمقبوض منه على الاشاعة ويكون مضمونا عليه لانه قبض لنفسه * ثم إذا سلم الدراهم الخمسه فله ان يستقرضها ويشترى بها النصف الاخر فيكون جميع الدينار له وعليه خمسة دراهم * ولو باع الكل بعشرة وليس مع المشترى الا خمسة فدفعها إليه واستقرض منه خمسة اخرى وردها إليه عن الثمن جاز * ولو استقرض الخمسة المدفوعة فوجهان اصحهما الجواز * قال (ثم النظر في اطراف (أولها) طرف المماثلة فما كان مكيلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فيه الكيل وما كان موزونا فبالوزن وما لم يثبت فيه نقل فالوزن فيه أخصر (ح) وقيل الكيل جائز لانه اعم وقيل ينظر إلى عادة الوقت (و) ومالا يقدر كالبطيخ (و) فلا
خلاص فيه عن الربا الا ماله حالة جفاف وهي حالة كماله فيوزن * والجهل حال العقد بالمماثلة كحقيقة المفاضلة فلا يصح بيع صبرة جزافا وإن خرجتا متماثلتين) * قد مر في الفصل السابق ان المماثلة بمعيار الشرع مرعية وان الحكم يختلف بين أن يكون الربويان متجانسين وبين لا يكونا متجانسين وذلك يحوج إلى بيان معيار الشرع والى بيان أنها في أي حالة تعتبر والى معرفة التجانس في مظان الاشكال فعقد فيها ثلاثة أطراف من الكلام (أحدها) في طرق الماثلة اعلم أن معيار الشرع الذى تراعى به المماثلة هو الكيل والوزن فالمكيل لا يجوز(8/167)
بيع بعضه ببعض وزنا ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت في الوزن * والموزن لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت في الكيل روى انه صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب وزنا بوزن والحنطة بالحنطة كيلا بكيل) والنقدان من الاشياء الستة المذكورة في خبر عبادة موزونا والاربعة المطعومة مكيلة نعم لو كان الملح قطعا كبارا ففيه وجهان (أحدهما) أنه يسحق ويباع كيلا فانه الاصل فيه (وأظهرهما) أنه يباع وزنا نظرا الي ماله من الهيئة في الحال وكذا كل شئ يتجافى في الكيل يباع بعضه ببعض وزنا * وكل ما كان مكيلا بالحجاز على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعتبر فيه الكيل وكل ما كان موزونا فالمعتبر فيه الوزن ولو احدث الناس خلاف ذلك فلا اعتبار به * وعن أبى حنيفة أنه يعتبر فيه غالب عادات البلدان رواه صاحب التهذيب * وما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان ولكن لا يعلم انه كان يكال أو يوزن أو علم انه يكال مرة وبوزن أخرى ولم يكن أحدهما أغلب فقد ذكر المتولي انه ان كان أكبر جرما من التمر فالاعتبار فيه بالوزن لانه لم يعهد الكيل بالحجاز فيما هو اكبر من التمر وان كان مثله أو أصغر منه ففيه وجوه (أحدها) أن المعتبر فيه الوزن لانه أحصر وأقل تفاوتا (والثانى) الكيل لانه أعم فان اكثر الاشياء السته المذكورة في الحديث مكيل وأيضا فان أغلب المطعومات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكيلا (والثالث) وهو الاشبه أنه ينظر إلي عادة الوقت لان الشئ إذا لم يكن محدودا في الشرع كان الرجوع فيه إلى عادة الناس كما في القبض والحرز وعلى هذا فالمعتبر أية بلدة عن الشيخ أبى حامد وغيره
ان المعتبر عادة اكثر البلاد فان اختلفت عاداتها ولا غالب اعتبر ذلك الشئ باشبه الاشياء به * وذكر صاحب المهذب والتهذيب ان النظر إلى عادة بلد البيع هو الاحسن (والوجه الرابع) انه يعتبر بأقرب الاشياء شبهابه كما إذا شككنا في الحيوان انه مستطاب أو مستخبث نلحقه باقرب الاشياء شبها به (والخامس) حكاه الامام عن شيخه انه تثبت الخيرة بين الكيل والوزن * ثم منهم من خصص هذا الخلاف بما إذا لم يكن للشئ أصل معلوم المعيار أما إذا استخرج من اصل هذا حاله فهو معتبر باصله (منهم) من اطلق ومما أفاده الامام في هذا الموضع أنه لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المكاييل المحدثة بعده كما انا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفتى الميزان نكتفي به وان لم نعرف قدر ما في كل كفة * وفى الكيل بالقصعة ونحوها مما لا يعتاد الكيل به حكاية تردد(8/168)
عن القفال والظاهر الجواز والوزن بالطيار والقرسطون وزن * وقد يتأتي الوزن بالماء بأن يوضع الشئ في ظرف ويلقى على الماء وينظر إلى مقدار غوصه لكنه ليس وزنا شرعيا ولا عرفيا والظاهر أنه لا يجوز التعويل في الربويات عليه والله أعلم * هذا كله في الشئ المقدر يباع بجنسه (فاما) ما لا يقدر بكيل ووزن كالبطيخ والقثاء والرمان والسفرجل (فان قلنا) مثل هذا لاربا فيه جاز بيع بعضه ببعض كيف شاء حتي قال القفال لو جفف شئ منها وكان يوزن في جفافه لم يجز فيه الربا أيضا لان اكمل احواله حال الرطوبة وهو ليس مال ربا في تلك الحالة * قال الامام والظاهر خلاف هذا فانه في حال الجفاف مطعوم مقدر (وان قلنا) فيه الربا وهو القول الجديد وكلام الكتاب مفرع عليه فيجوز بيعه بغير جنسه كيف شاء (وأما) بجنسه فينظر ان كان مما لا يجفف كالبطيخ الذى تفلق وحب الرمان الحامض فلا يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة كبيع الرطب بالرطب ويجوز في حالة الجفاف بشرط التساوى وهذا حكم كل ما يجفف من الثمار وان كان مقدرا كالمشمش والخوخ والكمثرى الذى تفلق * وحكى الامام وجها أنه لا يجوز بيعها في حالة الجفاف ايضا بجنسها إذ ليس يتقرر لها حالة كمال * وان كان مما لا تجفف كالقثاء ونحوه فهل يجوز بيع بعضها ببعض في حال الرطوبة فيه قولان وكذا في المقدرات التى لا تجفف كالرطب الذى لا يتمر والعنب الذى لا يتزبب
(أصحهما) المنع كبيع الرطب بالرطب (والثانى) الجواز لان معظم منافع هذه الاشياء في رطوبتها فبيع بعضها ببعض كبيع اللبن باللبن فعلى هذا ان لم يمكن كيله كالبطيخ والقثاء بيع وزنا وان أمكن كالتفاح والتين فيباع وزنا أو كيلا وجهان أصحهما اولهما لان الوزن أخصر ولا بأس على الوجهين بتفاوت العدد * إذا عرفت طريق المماثلة في الباب فمن فروعه ان يريد شريكان في شئ من مال الربا قسمته بينهما فهو مبني على أن القسمة بيع أو افراز (فان قلنا) بالاول وهو الاصح فلا يجوز قسمة المكيل بالوزن ولا قسمة الموزون بالكيل * وما لا يباع بعضه ببعض كالعنب والرطب فلا يقسم أيضا (وان قلنا) بالثاني جاز قسمة المكيل بالوزن وبالعكس ويجوز قسمة الرطب ونحوه بالوزن * ولا يجوز قسمة الثمار بالخرص على رؤس الاشجار ان قلنا انها بيع (وان قلنا) افراز فقد حكى الشيخ ابو حامد عن نصه الجواز في الرطب والعنب لان للخرص مدخلا فيهما دون سائر الثمار ومنهم من أطلق المنع * ومن فروعه انه لا يجوز بيع مال الربا بجنسه جزافا ولا بالتخمين(8/169)
والتحرى خلافا لمالك حيث اكتفى في المكيلات بالتحري إذا كانا في بادية * فلو باع صبرة من الحنطة بصبرة أو دراهم بدراهم جزافا أو بالتخمين لم يجز سواء خرجتا متماثلتين أم لا أما إذا ظهر التفاضل فظاهر وأما إذا لم يظهر فاحتجوا له بان التساوى شرط وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد * ألا ترى انه لو نكح امرأة لا يدرى أهى معتدة أم لا أو هي اخته من الرضاع ام لا لا يصح النكاح * ولا فرق بين أن يجهل كلتا الصبرتين أو احديهما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) ولو قال بعتك هذه الصبرة بتلك الصبرة مكايلة أو كيلا بكيل أو هذه الدراهم بتلك موازنة أو وزنا بوزن فان كالا أو وزنا وخرجتا متساويتين صح العقد والا فقولان قال في التهذيب (أصحهما) البطلان لانه قابل الجملة بالجملة وهما متفاوتتان (والثانى) انه يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة لمقابلته صاعا بصاع ولمشتريها الخيار إذا لم يسلم له جميعها وحيث قلنا بالصحة فلو تفرقا بعد تقابض الجملتين وقبل الكيل والوزن فهل يبطل العقد فيه وجهان (أصحهما) لا لوجود التقابض في المجلس (والثانى) نعم لبقاء العلقة بينهما * ولو قال بعتك هذه الصبرة
بكيلها من صبرتك وصبرته صغيرة وصبرة المخاطب كبيرة صح لحصول المماثلة بين العوضين ثم ان(8/170)
كالا في المجلس وتقابضا تم العقد وما زاد من الكبيرة لصاحبها وان تقابضا الجملتين وتفرقا قبل الكيل فعلى ما سبق من الوجهين * ولو باع صبرة حنطة بصبرة شعير جزافا جاز ولو باعها بها صاعا بصاع أو بصاعين فالحكم كما لو كانتا من جنس واحد (وقوله) في الكتاب وما لم يثبت فيه نقل فالوزن أخصر أي فيتعين ذلك وايراد الكتاب يقتضى ترجيح هذا الوجه (قوله) وقيل الكيل جائز ظاهره يقتضى تجويز الكيل مع تجويز الوزن وحينئذ يكون هذا الوجه وجه التخيير لكنه لم يرد(8/171)
ذلك وانما أراد وجة تعيين الكيل وذلك بين من التوجيه (وقوله) وما لا يقدر كالبطيخ فلا خلاص فيه عن الربا الي آخره جواب على القول المانع من بيع بعضه ببعض في حالة الرطوبة وليكن معلما بالواو للقول الآخر (وقوله) فيوزن يجوز اعلامه بالواو لان المعنى فيباع وزنا * وقد حكينا وجها انه لا يباع في حالة الجفاف ايضا * قال (ولا يصح بيع الهروي (ح) بالهروي ولا باحد التبرين علي الخلوص ولا بيع مد ودرهم (ح) بمد ودرهم لان حقيقة المماثلة غير معلومة * ولو راطل مائتي دينار وسط بمائة دينار عتق ومائة دينار ردئ لم يجز لان ما في أحد الجانبين إذا وزع على ما في الجانب الثاني باعتبار القيمة أفضي الي المفاضلة إذ لا تعلم المفاضلة إلا بتقدير القيمة والتقويم تخمين وجهل لا يفيد معرفة في الربا فمهما اشتملت الصفقة على مال الربا من الجانبين واختلف الجنس في احد الجانبين أو في واختلف النوع فالبيع باطل) * (مقصود الفصل بيان القاعدة المعروفة بمد عجوة ثم يتصل بها ما يناسبها والقدر الذى تشترك فيه مسائل الفصل أن تشمتل الصفقة على مال الربا من الجانبين ويختلف مع ذلك أحد العوضين أو كلاهما جنسا أو نوعا اوصفة ثم لا يحلو إما أن يكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد(8/172)
أو من جنسين (القسم الاول) أن يكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد وفيه تقع القاعدة المقصودة فمن صوره أن يختلف الجنس من الطرفين أو من احدهما كما إذا باع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم أو بمدى عجوة أو بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير أو بصاعي حنطة أو صاعي شعير ومن صوره ان يختلف النوع والصفة من الطرفين أو احدهما كما إذا باع مد عجوة ومد صبحانى بمدى عجوة أو بمدى صبحانى أو بمد عجوة ومد صحابي أو باع مائة دينار جيد ومائة دينار ردئ بماتي دينار جيد أو ردئ أو وسط أو مائة جيدة ومائة رديئة فلا يصح البيع في شئ من هذه الصور ونظائرها لما روى عن فضالة بن عبيد قال (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب تباع فامر النبي صلى الله عليه وسلم بالذهب الذى في القلادة فنزع وحده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن) ويروى انه قال (لا يباع(8/173)
مثل هذا حتى يفصل ويميز) والمعنى ان قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين وزع مثل هذا حتى يفصل ويميز) والمعنى ان قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه علي مالين مختلفين وزع مال الطرف الآخر عليهما باعتبار القيمة وذلك يوجب المفاضلة أو الجهل بالمماثلة أما ان قضيته ما ذكرنا فلانه لو باع شقصا من عقار وسيفا بالف وزع عليهما الالف باعتبار القيمة حتى إذا كانت قيمة الشقص مائة وقيمة السيف خمسين يأخذ الشفيع الشقص بثلثي الالف وايضا فلو اشترى شيئين بالف فوجد باحدهما عيبا وأراد رده وحده بالعيب يرده بما يخصه من الالف إذا وزع عليهما باعتبار قيمتهما وكذلك لو خرج أحدهما مستحقا وأجاز البيع في الآخر يجيزه بما يخصه من الالف باعتبار القيمة (وأما) انه يلزم منه أحد الامرين فلانه إذا باع مدا ودرهما بمدين فاما ان تكون قيمة المد الذى هو مع الدرهم اكثر من درهم أو اقل أو درهما فان كان اكثر مثل ان يكون قيمته درهمين فيكون المد ثلثى ما في هذا الطرف فيقابله ثلثا المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث وان كان أقل مثل أن يكون قيمته نصف درهم فيكون المد ثلث ما في هذا الطرف فيقابله ثلث المدين من الطرف الآخر فيصير كأنه قابل مدا بثلثي مد * وان كان قيمته درهما فلا تظهر المفاضلة
والحالة هذه لكن المماثلة فيها تستند إلى التقويم والتقويم تخمين قد يكون صوابا وقد يكون خطأ(8/174)
والمماثلة المعتبرة في الربا هي المماثلة الحقيقية وهذه الطريقة مطردة فيما إذا باع مدا ودرهما بمد ودرهم لان المدين من الجانبين ان اختلفت قيمتهما مثل ان كان مد زيد يساوى درهمين ومد عمر ويساوى درهما فمد زيد ثلثا ما في هذا الطرف يقابله من الطرف الآخر ثلثا مد وثلثا درهم ويبقى ثلث مد وثلث درهم في مقابلة درهم فإذا وزعنا صار ثلث مد في مقابلة نصف درهم لان قيمة مد عمرو درهم وثلث درهم في مقابلة نصف درهم فتظهر المفاضلة * وان لم تختلف قيمتهما لم تظهر المفاضلة لكن المماثلة تخمين على ما مر * واعترض الامام على هذه الطريقة بان العقد لا يقتضي في وضعه توزيعا مفصلا بل مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة أو مقابلة الجزء الشائع مما في أحد الشقين بمثله مما في الشق الآخر بان يقابل ثلث المد وثلث الدرهم بما يقابل ثلث المدين يعنى إذا باع مدا ودرهمان بمدين ولا ضرورة إلى تكلف توزيع يؤدى إلى التفاضل وانما يصار إلى التوزيع المفضل في مسألة الشفعة لضرورة الشفعة قال والمعتمد عندي في التعليل انا تعبدنا بالمماثلة تحقيقا * إذا باع مدا ودرهما بمدين لم تتحقق المماثلة فيفسد العقد * ولناصريها ان يقولوا أليس قد ثبت التوزيع المفصل في مسألة الشفعة ولولا كونه قضية للعقد لكان ضم السيف الي الشقص من الاسباب الدافعة للشعفة فانها قد تندفع باسباب وعوارض وأما قوله انا تعبدنا بتحقيق المماثلة فللخصم ان يقول تعبدنا بتحقيق المماثلة فيما إذا تمحضت مقابلة شئ منها بجنسه أو على الاطلاق ان قلت بالثاني فممنوع وإن قلت بالاول فمسلم لكنه ليس صورة المسألة فهذا نقل المذهب المشهور وتوجيهه * ومن الاصحاب من صحح العقد فيما إذا باع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم والدرهمان من ضرب واحد والمدان من شجرة واحدة وفيما إذا باع صاع حنطة وصاع شعير بمثلهما وصاعا الحنطة من صبرة واحدة وصاعا الشعير كذلك للعلم باتحاد القيمة * ويحكى هذا عن القاضي ابى الطيب الطبري والقاضى الحسين وذكر الروياني في البحر انه المذهب وغلط من قال غيره * ومن صور هذا الاصل(8/175)
أن يبيع دينارا صحيحا ودينارا مكسرا بدينار صحيح وآخر مكسر أو بصحيحين أو بمكسرين إذا
كانت قيمة المكسر دون قيمة الصحيح * وعن صاحب التقريب حكاية وجه ان صفة الصحة في محل المسامحة * ثم الائمة اطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم عن المذهب المشهو وذكر ابو سعيد المتولي انه إذا باع مداو درهما بمدين يبطلان القعد في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين وهل يبطل في الدرهم وما يقابله من المدين فيه قولا تفريق الصفقة وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاعي حنطة أو صاعي شعير ويمكن ان يكون كلام من أطلق محمولا على ما فصله * ولو كان الجيد مخلوطا بالردئ فباع صاعا منه بمثله أو بجيد أو ردئ حازلان التوزيع انما يكون عند تمييز أحد العوضين بالآخر أما إذا لم يتميز فهو كما لو باع صاعا وسطا بجيد وردئ * (واعلم) أن صورة البطلان مفروضة فيما إذا قابل جملة ما في أحد الطرفين بجملة ما في الطرف الآخر (وأما) عند التفصيل كما إذا تبايعا مد عجوة ودرهم بمد ودرهم وجعلا المد في مقابلة المد والدرهم في مقابلة الدرهم اوجعلا المد في مقابله الدرهم أو الدرهم في مقابلة المد فيجوز ذلك بمثابة صنفين متباينين * (القسم الثاني) ولم يذكره في الكتاب أن يكون مال الربا من الطرفين من جنسين وفى الطرفين(8/176)
أو أحدهما شيئا آخر فينظر ان اختلف العوضان في علة الربا فيجوز كما إذا باع دينارا أو درهما بصاع حنطة أو صاع شعير * وإن اتفقا فان كان التقابض شرطا في جميع العوض جاز أيضا كما لو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاعي تمر أو صاع تمر وصاع ملح وان كان التقابض شرطا في البعض كما لو باع صاع حنطة ودرهما بصاعي شعير ففيه قولا الجمع بين مختلفى الحكم لان ما يقابل الدرهم من الشعير لا يشترط فيه التقابض وما يقابل الحنطة منه يشترط فيه التقابض (وأما) لفظ الكتاب فقوله ولا يصح بيع الهروي بالهروي الهروي نقد فيه ذهب وفضة فيبيع بعضه ببعض بيع ذهب وفضة بذهب وفضة (وقوله) لان حقيقة المماثلة غير معلومة وجهه ما ذكرناه في مسألة المراطلة من بعد (وقوله) ولا يصح بيع الهروي معلم بالحاء وكذا قوله في مسألة المراطلة لم يجز لان عند ابي حنيفة يصح البيع فيهما وفى جميع الصور التى ذكرناها حتى قال لو باع قرطاسا ودينارا فيه بمائة دينار يصح (وقوله) لم يجز معلم بالالف ايضا لان عند أحمد لا يضر اختلاف النوع والصفة بعد اتحاد
الجنس وبالواو لان صاحب البيان حكى عن اصحابنا مثله وايضا فان الامام رأى الصحة في مسألة المراطلة * هذا مع تنصيصه علي أنه رأى رآه خارج عن مذهب الشافعي واصحابه (وقوله) تخمين وجهل أراد بالجهل ههنا عدم العلم وإلا فالجهل معناه المشهور هو الجزم بكون الشئ على خلاف ما هو عليه ضد الظن والتخمين فلا يكون الشئ تخمينا وجهلا بذلك المعني (وقوله) فمهما اشتملت الصفقة إلى آخره محمول على الجنس الواحد وتقديره مهما اشتملت الصفقة على جنس واحد من أموال الربا وإلا انتقض الضابط بما إذا باع ذهبا وفضة بحنطة أو بحنطة وشعير وبما إذا باع حنطة وشعيرا بتمر أو بتمر وملح * ثم لنختم الفصل بسرد صور فنقول إذا باع صاع حنطة بصاع حنطة وفيهما أو في أحدهما فضل وهو عقد التبن أو زوان وهو حب أسود رقيق يكون في الحنطة لم يجز لانه يأخذ شيئا في المكيال فان كان في أحدهما لزم التفاضل وان كان فيهما لزم الجهل بالتماثل وكذا لو كان فيهما أو في أحدهما مدر أو حبات شعير * وضبط الامام المنع بان يكون الخليط قدرا لو ميز بان علي(8/177)
المكيال (فاما) مالا يبين على المكيال إذا ميز فلا مبالاة به * وان كان فيهما أو في احدهما دقاق بين أو قليل تراب لم يضر لان ذلك لم يدخل في تضاعف الحنطة ولا يظهر في المكيال بخلاف ما إذا باع موزونا بجنسه وفيهما أو في احدهما قليل تراب حيث لا يجوز لانه يؤثر في الوزن كم كان * ولو باع حنطة بعشير وفى كل واحد منهما أو أحدهما حبات من الآخر يسيرة صح البيع وان كثرت فلا قال الامام وليس المعتبر كونه بحيث يؤثر في المكيال ولا كونه متمولا (أما) التأثير في المكيال فلان المماثلة غير مرعية عند اختلاف الجنس (وأما) التمول فلانه مفردا غير مقصود فالمعتبر أن يكون الشعير الذى خالطته الحنطة قدرا يقصد تمييزه ليستعمل شعيرا وكذا بالعكس * ولو باع دارا بذهب فظهر فيها معدن الذهب فهل يصح البيع فيه وجهان (أحدهما) لا كبيع دار موهت بالذهب تمويها يحصل منها شئ يذهب (وأصحهما) نعم لانه بائع بالاضافة إلى مقصود الدار * ولو باع * دارا فيها بئر ماء بماء وفرعنا علي أن الماء ربوي ففى صحة البيع وجهان (أصحهما) الصحة لما ذكرنا من معنى التبعية *
قال (الطرف الثاني في الحالة التي تعتبر فيها المماثلة وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا جف فقيل نعم فقال صلى الله عليه وسلم فلا إذن فنبه على ان المماثلة تراعي حالة الجفاف وهو حال كمال الشئ ولا خلاص في المماثلة قبله فلا يجوز بيع الرطب بالرطب (م ح ز) ولا بالتمر وكذا العنب (ح) وكل فاكهة (و) كمالها في جفافها وهو حالة الادخار) أموال الربا تنقسم إلى ما يتغير من حال إلى حال وإلى ما لا يتغير والتى تتغير منها تعتبر المماثلة في بيع الجنس بالجنس منها في أكمل أحوالها فمن المتغيرات الفواكه فتعتبر المماثلة في المتجانسين منها حالة الجفاف ولا يغنى التماثل في غير تلك الحالة روى عن سعد بن أبى وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال (اينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم قال فلا إذن) ويروى (فنهى عن ذلك)(8/178)
أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (اينقص الرطب إذا يبس) إلى أن المماثلة عند الجفاف تعتبر ونبه به على علة فساد بيع الرطب بالتمر والا فنقصان الرطب إذا جف أوضح من أن يبحث أو يسأل عنه * إذا تقرر ذلك فلا يجوز بيع الرطب بالتمر ولا بالرطب (أما) بالتمر فليقين التفاوت عند الجفاف (وأما) بالرطب فللجهل بالمماثلة لانه لايعرف قدر النقصان منهما وقد يكون قدر الناقص من أحدهما أكثر من الآخر وكذا لا يجوز بيع العنب بالعنب وبالزبيب وكذا كل ثمرة لها حالة الجفاف كالتين والمشمش والخوخ والبطيخ والكمثرى الذين يفلقان والآجاص والرمان الحامض لا يباع رطبها برطبها ولا بيابسها ويجوز بيع الحديث بالعتيق الا أن تبقى النداوة في الحديث بحيث يظهر أثر زوالها في المكيال (وأما) ما ليس له حالة جفاف كالعنب الذي لا يتزبب والرطب الذى لا يتتمر والبطيخ والكمثرى الذين لا يفلقان والرمان الحلو والباذنجان والقرع والبقول ففى بيع بعضها ببعض قولان ذكرناهما من قبل * وعند أبي حنيفة يجوز بيع الرطب بالتمر وبالرطب وكذا في نظائره وساعدنا مالك وأحمد علي منع بيع الرطب بالتمر وساعدا أبا حنيفة على تجويز بيع الرطب بالرطب وبه قال المزني ويستثني عن بيع الرطب بالتمر صورة العرايا وهى مذكورة من بعد (قوله) وكذا كل فاكهة كمالها في جفافها يجوز اعلامه بالواو لان الامام حكي وجها في المشمش والخوخ وما لا يعم تجفيفه عموم تجفيف الرطب انه يجوز بيع بعضها ببعض
في حال الرطوبة لان رطوبتها اكمل احوالها والتجفيف في حكم النادر (وأما) ما أجراه من لفظ الادخار فان طائفة من الاصحاب ذكروه وآخرون أعرضوا عنه ولا شك انه غير معتبر لحالة التماثل في جميع الربويات ألا ترى أن اللبن لا يدخر ويباع بعضه ببعض فمن أعرض عنه فذاك ومن أطلقه أراد اعتباره في الفواكه والحبوب لا في جميع الربويات فاعرف ذلك *(8/179)
قال (وادخار الحب إذا بقى حبا فلا يدخر الدقيق (ح م و) وما يتخذ منه ولا الحنطة المقلية والمبلولة * ويدخر السمسم والدهن والزبيب والخل * وكمال منفعة اللبن أن يكون لبنا أو سمنا أو مخيضا دون ما عداه من سائر أحواله وكذا كل معروض على النار من دبس أو لحم فلا كمال فيه وما عرض للتمييز كالعسل فهو على الكمال وإذا نزع النوى من التمر بطل (و) كماله بخلاف العظم إذا نزع من اللحم إذ ليس في إبقائه صلاح لادخاره) في الفصل مسائل (احدهما) للحنطة ونحوها من الحبوب حالتان (احدهما) ما قبل التنقية من القشر والتبن وسيأتى حكم بيعها فيهما (والثانية) ما بعدها فيجوز بيع بعضها ببعض ما بقيت على هيئتها بشرط تناهى جفافها فإذا بطلت تلك الهيئة فقد خرجت عن حالة الكمال فلا يجوز بيع الحنطة بشئ مما يتخذ منها من المطعومات كالدقيق والسويق والخبز والنشا ولا بما فيه شئ مما يتخذ من الحنطة كالمصل ففيه الدقيق والفالوذج ففيه النشا * وكذا لا يجوز بيع هذه الاشياء بعضها ببعض لخروجها عن حالة الكمال وعدم العلم بالمماثلة ولو كان العوضان على حالة الكمال هذا ما يفتي به من المذهب * ونقل الحسين وهو المعروف بالكرابيسى عن أبى عبد الله تجويز بيع الحنطة بالدقيق فمنهم من جعله قولا آخر للشافعي رضي الله عنه وبه قال ابو الطيب بن سلمة ووجهوه بأن الدقيق نفس الحنطة الا أن أجزاءها تفرقت فاشبه بيع حنطة صغيرة الحبات بحنطة كبيرة الحبات وعلى هذا فالمعيار الكيل (ومنهم) من لم يثبته قولا وقال أراد بابي عبد الله مالكا رضي الله عنه واحمد * وجعل الامام منقول الكرابيسي شيئا آخر(8/180)
وهو أن الدقيق مع الحنطة جنسان حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ويشبه أن يكون هو
منفردا بهذه الرواية * وحكى البويطي والمزنى في المنثور قولا انه يجوز بيع الدقيق بالدقيق وان امتنع بيعه بالحنطة كما يجوز بيع الدهن بالدهن وان امتنع بيعه بالسمسم * وفى بيع الخبز الجاف المدقوق بمثله قول انه يجوز لامكان كيله والا من من التفاضل فيه وهذا رواه الشيخ ابو حامد والعراقيون عن رواية حرملة والشيخ ابو عاصم العبادي وآخرون عن رواية ابن مقلاص * ورد الامام رواية ابن مقلاص إلى شئ آخر وهو تجويز بيع الحنطة بالسويق وجعلهما جنسين * وقال مالك رضى الله عنه يجوز بيع الحنطة بالدقيق وبه قال أحمد في أظهر الروايتين الا أن مالكا يعتبر الكيل وأحمد يجوز الكيل والوزن * وقال أبو حنيفة يجوز بيع الدقيق بالدقيق بشرط تساويهما في النعومة والخشونة ولا يجوز بيع الحنطة المقلية بالمقلية ولا بغيرها لتغيرها عن هيئتها واختلاف الحبات في التأثر بالنار ولا بيع الحنطة المبلولة بالمبلولة ولا بغيرها لما في المبلولة من الانتفاخ والتجافى فان جفت لم يجز ايضا لتفاوت جنسها عند الجفاف وإذا منع مجرد البل بيع البعض بالبعض فالتى نحيت قشرتها بعد البل بالتهريس أولى أن لا يباع بعضها ببعض * قال الامام وفى الجاروس عندي احتمال إذا نحيت قشرتها وكما أن المبلولة مجاوزة حالة الكمال فالتي لم يتم جفافها غير واصلة إلى حالة الكمال وان أفركت واخرجت من السنابل * ويجوز بيع الحنطة وما يتخذ منها من المطعومات بالنخالة لانها ليس مال الربا وكذا بيع المسوسة بالمسوسة إذا لم يبق فيها شئ من اللب قاله في النهاية (الثانية) السمسم وغيره من الحبوب التى يتخذ منها الادهان على حالة الكمال ما دامت على هيئتها كالاقوات ولا نجوز بيع طحينها بطحينها كبيع الدقيق بالدقيق والدهن المستخرج منها علي حالة الكمال ايضا حتى يجوز بيع بعضها ببعض مماثلا وفيه وجه ان بيع الدهن بالدهن لا يجوز لان الدهن لا يستخرج الا بعد طرح حلاوة أو ملح على الطحين فيلتحق بصورة مد عجوة(8/181)
والمذهب الاول * ويجوز أن يكون للشئ حالتا كمال ألا ترى ان الزبيب والخل كلاهما علي حالة الكمال مع أن أصلهما العنب وكذلك العصير على حالة الكمال في أصح الوجهين حتي يجوز بيع عصير العنب بعصير العنب وعصير الرطب بعصير الرطب والمعيار فيه وفى الدهن الكيل * ويجوز بيع
الكسب بالكسب أيضا ان لم يكن فيه خلط فان كان فيه خلط لم يجز والادهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج والنوفر كلها مستخرجة من السمسم فإذا فرعنا على جريان الربا فيها جاز بيع بعضها ببعض ان رمى السمسم فيها ثم استخرج دهنه وان استخرج الدهن ثم طرح اوراقها فيه لم يجز لان اختلاطها به يمنع معرفة التماثل * وعصير الرمان والتفاح وسائر الاثمار كعصير الرطب والعنب وكذا عصير قصب الكسر * ويجوز بيع خل الرطب بخل الرطب وخل العنب بخل العنب لانه علي هيئة الادخار والمعيار فيه الكيل ولا يجوز بيع خل الزبيب بمثله ولا بيع خل التمر بمثله لما فيهما من الماء وأنه يمنع معرفة التماثل بين الخلين وكذا لا يجوز بيع خل العنب بخل الزبيب ولا خل الرطب بخل التمر لان في أحد الطرفين ماء فيلزم التفاضل بين الخلين ولا يجوز أيضا بيع خل الزبيب بخل التمر إذا فرعنا على أن الماء ربوي لان في الطرفين ماء والمماثلة بين الجانبين غير معلومة ويجوز بيع خل الزبيب بخل الرطب وخل التمر بخل العنب لان الماء في احد الطرفين والمماثلة بين الخلين غير معتبرة تفريعا على الصحيح في انهما جنسان (الثالثة) اللبن حالة الكمال يباع بعضه ببعض بخلاف الرطب لان اللبن يؤكل على هيئته في الاكثر ومعظم منافعه تفوت بفوات تلك الهيئة (وأما) الرطب فما يؤكل منه في الحال يعد عجالة تفكه والمقصود الاعظم اقتناؤه قوتا فجعل حال كمال كل واحد منهما ما يليق به وحكم الرائب والحامض والخاثر منه ما لم يكن مغلى حكم الحليب في الحال حتي يباع البعض منهما بالبعض أو بالحليب ولا نظر إلى أن الشئ إذا خثر كان أثقل وما يحويه المكيال من الخاثر يزيد في الوزن على الرقيق من جنسه لان المعيار في اللبن الكيل نص عليه الجمهور * وإذا حصل الاستواء في الكيل فلا مبالاة بتفاوت الوزن كما في الحنطة الصلبة مع الرخوة وفى كلام الامام ما يقتضي تجويز الكيل والوزن جميعا * ويجوز(8/182)
بيع السمن بالسمن أيضا لانه يدخل ولا يتأثر بالنار تأثر انعقاد ونقصان وانما يعرض على النار للتصفية فالمعيار فيه الكيل إن كان ذائبا والوزن ان كان جامدا قاله في التهذيب وهو متوسط بين وجهين أطلقهما العراقيون فحكموا عن المنصوص انه يوزن وعن أبي اسحق انه يكال ويجوز بيع المخيض بالمخيض إذا لم يكن فيهما ماء ومال المتولي الي المنع لانه ليس علي حالة الادخار ولا علي
حال كمال المنفعة فليكن كبيع الدقيق بالدقيق ولا يجوز بيع الاقط بالاقط والمصل بالمصل والجبن بالجبن لتأثرها بالنار ولانها لا تخلو عن مخالطة شئ فالملح خليط الاقط والدقيق خليط المصل والانفحة خليط الجبن وهل يجوز بيع الزبد بالزبد فيه وجهان (أحدهما) نعم كبيع السمن بالسمن (وأصحهما) لا لان الزبد لا يخلو عن قليل مخيص وانه يمنع معرفة المماثلة وعلى هذا لا يجوز بيعه بالسمن لتحقق المفاضلة ولا يجوز بيع اللبن بكل ما يتخذ منه من السمن والمخيص وغيرهما كبيع الحنطة بما يتخذ منها (وقوله) في الكتاب وكمال منفعة اللبن أن يكون لبنا أو سمنا أو مخيصا لا يمكن اجراؤه على ظاهره لانه ليس كونه لبنا كمال منفعته ولو طرح لفظ المنفعة وقال حال كمال اللبن أن يكون لبنا أو مخيضا أو سمنا لكان أولى ويجوز اعلام قوله دون ما عداه من أحواله بالواو للوجه المذكور في الزبد (الرابعة) المعروض من مال الربا على النار ضربان (أحدهما) المعروض للعقد والطبخ كالدبس واللحم المشوى وفى جواز بيع الدبس بمثله وجهان (أحدهما) يجوز لامكان ادخاره ولتأثير النار فيه غاية يعرفها أهل البصر (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لا يجوز لان النار تأخذ بعض العصير فيصير دبسا وقدر المأخوذ منه يختلف أختلافا بينا فلا تدرى المماثلة بين أجزاء العصير وفى بيع السكر بالسكر والفاسد بالفاسد واللباء باللباء وجهان كما في الدبس * ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب السكر ولا بالسكر كبيع الرطب بالرطب والتمر بالتمر (وأما) اللحم إذا بيع بجنسه فان كانا طريين أو أحدهما لم يجز لان معظم منافع اللحم تنتفى بعد التقديد فهو كالرطب والعنب * وعن ابن سريج انه يجوز كبيع اللبن باللبن وان كانا مقددين جاز إلا(8/183)
أن يكون فيهما أو في أحدهما من الملح ما يظهر في الوزن قال الائمة ويشترط أن يتناهى جفافه بخلاف التمر يباع الحديث منه بالحديث وبالعتيق لانه مكيل واثر الرطوبة الباقية لا يظهر في المكيال واللحم موزون وأثر الرطوبة يظهر في الميزان هذا إذا لم يكن اللحم مطبوخا أو مشويا (أما) المطبوخ والمشوى فلا يجوز بيعها بمثلها ولا بالني لما ذكرنا من اختلاف تأثير النار * وعن أبي حنيفة يجز بيع المطبوخ بالنى متماثلا * وعن مالك تجويزه متماثلا ومتفاضلا.
(الضرب الثاني) المعروض للتمييز
والتنقية فهو على حالة الكمال يجوز بيع بعضه ببعض كالسمن على ما مر وكالذهب والفضة يعرضان على النار لتمييز الغش وفى العسل المصفى بالنار وجهان (أحدهما) أنه خارج عن الكمال لان النار قد تعقد أجزاءه (وأظهرهما) وهو المذكور في الكتاب انه على الكمال لان المقصود عن عرضه تمييز الشمع عنه ونار التمييز لينة لا تؤثر في التعقيد فاشبه المصفى بالشمس ولا يجوز بيع الشهد بالشهد لان الشمع يمنع معرفة التماثل بين العسلين ولا بالعسل لظهور التفاضل ويجوز بيع الشمع بالعسل وبالشهد بلا حجر لان الشمع ليس من أموال الربا ومعيار التساوى في العسل علي ما ذكرناه في السمن (الخامسة) التمر إذا نزع منه النوي بطل كماله لانه يبطل ادخاره ويتسارع إليه الفساد فلا يجوز بيع منزوع النوى بمثله ولا بغير المنزوع وقيل يجوز بيع المنزوع بمثله لان النوى ليس من جنس التمر فلا يضر فصله عنه وانما لم يشترط ذلك لما فيه من المشقة وحكى الامام الخلاف في بيع المنزوع بالمنزوع ايضا ومغلق المشمش والخوخ ونحوهما لا يبطل كمالها بنزع النوى في أصح الوجهين لان الغالب في تجفيفها نزع النوى ولا يبطل كمال اللحم بنزع العظم لانه لا يتعلق صلاح ببقائه وهل يشترط النزع في جواز بيع بعضه ببعض فيه وجهان (اظهرهما) عند الاكثرين نعم وبه قال ابو اسحق (والثانى) ويحكى عن الاصطخرى أنه يسامح به وعلى هذا يجوز بيع لحم الفخذ بالجنب ولا نظر الي وتفاوت اقدار العظام كتفاوت النوى هذا شرح مسائل الفصل وما يناسبها وإذا نظرت في هذا الطرف عرفت أن النظر في حالة الكمال الي أمرين في الاكثر (أحدهما) كون الشئ بحيث يتهيأ لاكثر الانتفاعات(8/184)
المطلوبة منه (والثانى) كونه على هيئة الادخار لكنهما لا يعتبران جميعا فان اللبن ليس بمدخر والسمن ليس بمتهيئ لا اكثر الانتفاعات المطلوبة من اللبن وكل واحد من المعنيين غير مكتفى به ايضا لا الثمار التى لا تدخر تتهيأ لاكثر الانتفاعات المطلوبة منها والدقيق مدخر وليس على حالة الكمال على ما سبق ولا تساعدني عبارة ضابطة كما أحب في تفسير الكمال فان ظفرت بها الحقتها بهذا الموضع وبالله التوفيق * قال (الطرف الثالث في معني الجنسية والادقة والالبان والخلول والادهان مختلفة باختلاف
أصولها وفى لحوم الحيوانات قولان (أصحهما) أنها مختلفة لتفاوت المعنى وان اتفق الاسم وأعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والشحم أجناس على الاظهر ان جعلنا اللحم أجناسا ولا يجوز بيع (ح و) اللحم بالحيوان من غير جنسه على أحد القولين للنهى عنه ولا يجوز بيع دهن السمسم بالسمسم ولا بيع السمن باللبن وان جاز بيع كل واحد منهما بجنسه) عرفت في صدر الباب أن بيع المال الربوي بجنسه مشروط برعاية المماثلة وبغير جنسه غير مشروط بها فالتجانس والاختلاف قد يظهر فلا يحتاج إلى التنصيص عليه وقد يقع في محل الاشكال والاشتباه وموضوع الطرف بيان مواضع الاشتباه وفيه مسألتان (أحداهما) اختلف قول الشافعي رضى الله عنه في أن لحوم الحيوان جنس أو جنسان فاحد القولين انها جنس واحد لانها مشتركة في الاسم الذى لا يقع بعده التمييز إلا بالاضافة فاشبهت أنواع الرطب والعنب وتخالف الثمار المختلفة فانها وإن اشتركت في اسم الثمرة لكنها تمتاز باسمائها الخاصة (وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة والمزنى انها أجناس مختلفة لانها فروع أصول مختلفة فاشبهت الادقة والاخباز * وعن مالك أن اللحوم ثلاثة أجناس الطيور والدواب أهليها ووحشيها والبحريات * وبه قال أحمد في أحد الروايتين وعنه روايتان أخرتان كالقولين (التفريع) إن جعلناها جنسا واحدا فلا فرق بين لحوم الحيوانات البرية أهليها ووحشيها وكذا لحوم البحريات جنس واحد وفى لحوم البريات مع البحريات وجهان (أحدهما) وبه قال أبو على الطبري والشيخ(8/185)
ابو حامد انهما جنسان وكذلك لو حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بلحوم الحيتان (والثانى) انهما جنس واحد لشمول الاسم قال الله تعالي (ومن كل تأكلون لحما طريا) وهذا اختيار القاضي أبى الطيب وابن الصباغ وهو الذى أورده في التهذيب * وان جعلناها أجناسا فحيوان البر مع حيوان البحر جنسان ثم الاهليات من حيوان البر جنس والوحشيات جنس ثم لكل واحد من القسمين أجناس فلحوم الابل على اختلاف أنواعها جنس واحد ولحوم البقر والجواميس وغيرها جنس واحد ولحوم الغنم ضأنها ومعزها جنس والبقر الوحشي جنس والظباء جنس وفى الظباء مع الابل تردد للشيخ أبى محمد واستقرار جوابه على انهما كالضأن والمعز وأما الطيور والعصافير على اختلاف أنواعها جنس والبطوط
جنس والدحح جنس * وعن الربيع ان الحمام بالمعنى المتقدم في الحج وهو ما عب وهدر جنس فيدخل فيه القمرى والدبسي والفاختة وهذا اختيار جماعة منهم الامام وصاحب التهذيب واستبعده اصحابنا الراقيون وجعلوا كل واحد منهما جنسا برأسه والسموك من حيوان البحر جنس وفى غنم الماء وبقره وغيرهما مع السموك وكذا في بعضها مع بعض قولان (أصحهما) أنها أجناس كحيوانات البر وهل الجراد من جنس اللحوم فيه وجهان (ان قلنا) نعم فهو من البريات أو البحريات فيه وجهان وفى أعضاء الحيوان الواحد كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة طريقان (أشهرهما) انا ان قلنا ان اللحوم أجناس فهذه أولى لاختلاف اسمائها وصفاتها (وان قلنا) انها جنس واحد ففيها وجهان لان من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث (باكل هذه الاشياء علي الصحيح وهذا كالخلاف في ان لحم السمك جنس برأسه أو هو من جنس سائر اللحوم) لان من حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بأكل السمك (والثانى) عن القفال انا إن جعلناها جنسا واحدا فهذه الاشياء مجانسة لها وان جعلناها أجناسا فوجهان لاتحاد الحيوان وصار كلحم الطير وشحمه (وقوله) في الكتاب أجناس على الاظهر ان جعلنا اللحوم أجناسا إلى هذه الطريقة أقرب ولو قال وان لم نجعل اللحوم أجناسا لكان ذلك للطريقة الاولى وكيف ما قدرت الترتيب فظاهر المذهب انها أجناس والمخ جنس آخر وكذلك الجلد وشحم الظهر مع شحم البطن جنسان وسنام البعير معهما جنس آخر والرأس(8/186)
والاكارع من جنس اللحم وفى الاكارع احتمال عند الامام (وأما) الادقة والخلول والادهان فهي أجناس مختلفة على المشهور لانها أصول فروع مختلفة وهى من أموال الربا فاجرى عليها حكم أصولها بخلاف اللحوم فان أصولها وهي الحيوانات ليست ربوية وكذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان ودبسهما كذلك وفى الادقة حكاية قول عن أمالى حرملة انها جنس واحد وأبعد منه وجه ذكروه في الخلول والادهان ويجرى مثله في عصير العنب مع عصير الرطب (وأما) الالبان ففيها طريقان (أظهرهما) عند الاكثرين انها على قولين في اللحمين فعلى الاصح يجوز بيع لبن الغنم بلبن البقر متفاضلا وبيع أحدهما بما يتخذ من الآخر ولبن الضأن والمعز جنس واحد ولبن الوعل
مع المعز الاهلي جنسان اعتبار بالاصول (والطريق الثاني) وهو قضية ايراد الكتاب القطع بأنها أجناس مختلفة والفرق أن الاصول التى حصل اللبن منها باقية بحالها وهى مختلفة فيدام حكمها علي الفروع بخلاف أصول اللحم * وبيوض الطيور أجناس ان جعلنا اللحوم اجناسا وان جعلناها جنسا واحدا فهى اجناس ايضا على أصح الوجهين * والزيت المعروف مع زيت الفجل جنسان وهو دهن يتخذ من بزر الفجل يسمى زيتا لانه يصلح لبعض ما يصلح له الزيت العروف (ومنهم) من قال حكمهما حكم اللحمين والتمر المعروف مع الهندي جنسان وعن ابن القطان وجه انهما جنس واحد * وفى البطيخ المعروف مع الهندي وجهان أيضا وكذا في القثاء مع الخيار والبقول كالهنديا والنعنع وغيرهما اجناس إذا قلنا بجريان الربا فيها ودهن السمسم وكسبه جنسان كالمخيض والسمن وفى عصير العنب مع خله وجهان (أظهرهما) أنهما جنسان لافراط التفاوت في الاسم والصفة والمقصود وفى السكر والفانيد وجهان ايضا (أظهرهما) انهما جنسان لاختلاف قصبهما والسكر والنبات والطبرزد جنس واحد والسكر الاحمر وهو القوالب عكر الابيض ومن قصبه ومع ذلك ففي التجانس تردد للائمة لمخالفتهما في الصفة * قال الامام ولعل الاظهر انه جنس من السكر (المسألة الثانية) بيع اللحم بالحيوان المأكول من جنسه باطل وهو قول مالك واحمد خلافا لابي حنيفة والمزنى * لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع اللحم بالحيوان) وان باعه بحيوان مأكول لا من جنسه(8/187)
كما لو باع لحم الشاة بالبقرة فيبنى على ان اللحمين جنس أو اجناس (ان قلنا) انهما جنس فهو باطل أيضا (وان قلنا) اجناس فقولان (أحدهما) وبه قال مالك واحمد انه صحيح كما لو باع اللحم باللحم (وأصحهما) أنه باطل لعموم الخبر * (روى ان جزورا نحرت على عهد أبي بكر رضى الله عنه فجاء رجل بعناق وقال اعطوني جزءا بهذه العناق فقال ابو بكر رضي الله عنه لا يصلح هذا) وان باعه بحيوان غير مأكول كعبد أو حمار ففيه قولان (أصحهما) عند القفال المنع لظاهر الخبر (والثانى) الجواز لان سبب المنع بيع مال الربا باصلة المشتمل عليه ولم يوجد ذلك ههنا وفى بيع الشحم والالية والطحال والقلب والكلية والرئة بالحيوان وجهان وكذا في بيع السنام بالابل (احدهما) يجوز لان النهى ورد في بيع اللحم
بالحيوان (وأصحهما) المنع لانه في معناه وعلى هذا الخلاف بيع الجلد بالحيوان ان لم يكن مدبوغا وان كان مدبوغا فلا منع وعلي الوجهين ايضا بيع لحم السمك بالشاة ولا يجوز بيع دهن السمسم ولا كسبه بالسمسم ولا بيع دهن الجوز بلب الجوز ولا بيع السمن باللبن كما لا يجوز بيع اللحم بالحيوان وبيع دقيق الحنطة بالحنطة * وذكر الامام ههنا اشكالا وطريق حله (أما) الاشكال فهو ان السمسم جنس في نفسه لا أنه دهن وكسب واللبن جنس في نفسه لا أنه سمن ومخيض ولهذا جاز بيع السمسم بالسمسم واللبن باللبن وان كان لا يجوز بيع الدهن والكسب بالدهن والكسب وبيع السمن والمخيص بالسمن والمخيص وإذا كان جنسا برأسه وجب أن يجوز(8/188)
بيع السمسم بالدهن كما جاز بيع السمسم بالسمسم (وأما) الحل هو انه إذا قوبل السمسم بالسمسم واللبن باللبن فالعوضان متجانسان في صفهما الناجزة فلا ضرورة إلى تفريق الاجزاء وتصوير ما يكون حينئذ وإذا قوبل السمسم بالدهن فلا يمكننا جعل السمسم مخالفا للدهن مع اشتمال السمسم على الدهن وإذا ارتفعت المخالفة جاءت المجانسة ولا شك أن مجانستهما في الدهنية فنضطر إلى اعتبارها وإذا اعتبارناها كان ذلك بيع دهن كسب بدهن (وقوله) في الكتاب وإن جاز بيع كل واحد منهما بجنسه اشارة الي هذا الاشكال ويجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز ولا بأس بما عليهما من القشر لان الصلاح يتعلق به ثم المعيار في الجوز الوزن لانه اكبر من التمر وفى اللوز الكيل ويجوز ايضا بيع لب الجوز بلب الجوز ولب اللوز بلب اللوز وفيه وجه انه لا يجوز بيع اللب باللب لخروجه عن حالة الادخار وبهذا أجاب في التتمة * وحكى القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لا يجوز بيع الجوز بالجوز واللوز باللوز مع القشر وبيع البيض بالبيض كبيع الجوز بالجوز فيجوز على الظاهر وان كان في القشر والمعيار فيه الوزن ويجوز بيع لبن الشاة بغير اللبون من الشاة وكذا باللبون إذا لم يكن في ضرعها لبن ان جرى البيع عقيب الحلب وان كان في ضرعها لبن لم يجز لان اللبن في الضرع يأخذ قسطا من الثمن ألا ترى أنه وجب التمر في مقابلته في المصراة وكذا لو باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن كما لو باع حيوانا ولبنا بحيوان ولبن * وعن أبى الطيب
ابن سلمة انه يجوز كبيع السمسم بالسمسم وبيع البيض بالدجاجة كبيع اللبن بالشاة ولو باع لبن الشاة ببقرة في ضرعها لبن (فان قلنا) الالبان جنس واحد لم يجز (وان قلنا) انها اجناس فقولان للجمع بين مختلفى الحكم فان ما يقابل اللبن من اللبن يشترط فيه التقابض وما يقابله من الحيوان لا يشترط فيه التقابض والله أعلم * (فرع) الربا يجرى في دار الحرب جريانه في دار الاسلام لان النصوص الواردة فيه مطلقة وبه قال مالك وأحمد * وعن ابى حنيفة ان الربا في دار الحرب انما يجرى بين المسلمين المهاجرين فأما بين حربيين وبين مسلمين لم يهاجرا أو احدهما فلا ربا *(8/189)
قال (الباب الثالث في الفساد من جهة النهي) (والمناهي قسمان (احدهما) ما يدل على فساد العقد وذلك كنهيه عن بيع اللحم بالحيوان (ح) وبيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجرى فيه الصيعان وبيع الكالئ بالكالئ وبيع الغرر وبيع الكلب والخنزير وبيع عسب الفحل وهو نطفته) مقصود الباب عدد البياعات التي ورد فيها نهي خاص والترجمة تقتضي انقسام الفساد إلى ما يكون للنهي والي ما يكون لغيره لكن يمكن ان يقال لا فساد إلا للنهي فان الربا الذي أفرده بالذكر منهي عنه أيضا وكذا تفريق الصفقه إذا منعنا عنه وكل فاسد منهي عنه أمام نهى خاص واما نهي عام ثم ما ورد فيه النهى من البيوع ققد يحكم بفساده قضية للنهي وهو الاغلب وقد لا يحكم وهو حيث يقارن البيع ما يعرف عود النهى إليه كالمنع عن البيع حالة النداء فانا نعلم ان المنع غير متوجه نحو خصوص البيع وانما هو متوجه نحو ترك الجمعة حتى لو تركها بسبب آخر فقد ارتكب المنهي ولو باع في غير تلك الحالة لم يصادفه نهي * (القسم الاول) ما حكم فيه بالفساد وهو انواع (فمنها) بيع اللحم بالحيوان وقد مر (ومنها) بيع ما لم يقبض وبيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان وبيع الكالى وسنشرحها من بعد (ومنها) بيع الغرر فمنه بيع ما لم يقدر على تسلميه وقد سبق ومنه ان يبيع مال الغير ومنه أن يبيع ما ليس عنده روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عنه حكيم بن حزام)(8/190)
وله تفسيران (أحدهما) أن بييع ما هو غائب عنه (والثاني) أن يبيع ما لم يملكه ليشتريه فيسلمه ومنها بيع الكلب والخنزير وقد تقدم ذكره في شرط طهارة المبيع ومنها ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع عسب الفحل) وروى انه (نهى عن ثمن عسب الفحل) وهذه رواية الشافعي رضى الله عنه في المختصر قال في الصحاح العسب الكراء الذى يؤخذ علي ضراب الفحل وعسب الفحل ايضا ضرابه ويقال ماءه فهذه ثلاثة معان (والثالث) هو الذى أطلقه في الكتاب (والثاني) هو المشهور في الفقهيات ثم ليس المراد من الخبر في الرواية الاولى الضراب فان نفس الضراب لا يتعلق به نهي ولا منع من الايزاء ايضا بل الاعارة للضراب محبوبة ولكن الثمن المذكور في الرواية الثانية مضمر فيه هكذا قالوه ويجوز أن يحمل العسب على الكراء على ما هو أحد المعاني فيكون نهيا عن اجارة الفحل للضراب ويستغنى عن الاضمار وأما على الرواية الثانية فالمفسرون للعسب بالضراب ذكروا ان المراد من الثمن الكراء وقد يسمي الكراء ثمنا مجازا ويجوز أن يفسر العسب بالماء ويقال هذا نهي عن بيعه والحاصل ان بذل المال للضراب ممتنع بطريق البيع لان ماءه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه (وأما) بطريق الاستئجار ففيه وجهان قد ذكرهما في الكتاب في باب الاجارة (أصحهما) المنع أيضا وبه قال ابو حنيفة واحمد لان فعل الضراب غير مقدور عليه للمالك بل يتعلق باختيار(8/191)
الفحل (والثانى) وبه قال أبن أبى هريرة ويحكى عن مالك انه يجوز كالاستئجار لتلقيح النخل ويجوز أن يعطي صاحب الانثى صاحب الفحل شيئا على سبيل الهدية خلافا لاحمد والله أعلم * قال (وحبل الحبلة وهو نتاج النتاج والملاقيح وهى ما في بطون الامهات والمضامين وهى ما في أصلاب الفحول) (ومنها) ما روى عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع حبل الحبلة) وحبل الحبلة هو نتاج النتاج ثم ذكروا للخبر تفسيرين (أحدهما) أن يبيع الشئ الي ان ينتج نتاج هذه الدابة (والثانى) ان يبيع نتاج النتاج نفسه (والاول) هو تفسير ابن عمر وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه (والثاني) تفسير
أبى عبيد وأهل اللغة وكلا البيعين باطل (أما) الاول فلانه بيع الي أجل مجهول (وأما) الثاني فلانه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه (ومنها) ما روى عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الملاقيح والمضامين) فالملاقيح ما في بطون الامهات من الاجنة الواحدة ملقوحة من قولهم لقحت كالمجنون من جن والمحموم من حم والمضامين ما في اصلاب الفحول سمى بذلك لان الله تعالى ضمنها فيها وكانوا في الجاهلية يبيعون ما في بطن الناقة وما يحصل من ضراب الفحل في عام أو اعوام وسبب بطلانهما من جهة المعني بين(8/192)
قال (وبيع الملامسة وهو أن يجعل اللمس بيعا * والمنابذة بان يجعل النبذ بيعا * ورمى الحصاة وهو ان يعين للبيع ما تقع الحصاة عليه * وبيعتين في بيعة فيقول بعت بالفين نسيئة أو بالف نقدا فخذ بايهما شئت) * (ومنها) ما روى عن أبى هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الملامسة والمنابذة) وللملامسة تأويلات (احدها) أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول صاحب الثوب بعتك هذا بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولاخيار لك إذا رأيته وهو تأويل الشافعي رضي الله عنه في المختصر وهذا البيع باطل (أما) إذا ابطلنا بيع الغائب فظاهر (وأما) إذا صححناه فلاشتراط قيام اللمس مقام النظر * قال الامام ويتطرق إلى هذا احتمال من جهة أن من اشترى شيئا على شرط نفى خيار الرؤية ففى صحة الشرط خلاف فلا يمتنع ان يكون هذا على ذلك الخلاف وبهذا الاحتمال أجاب ابو سعد المتولي في كتابه (والثانى) وهو المذكور في الكتاب ان يجعل نفس اللمس بيعا ومثله الامام بان يقول صاحب الثوب لطالبه إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا وهو باطل لما فيه من التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية وذكر في التتمة ان هذا في حكم المعاطاة (والثالث) ان يبيعه شيئا على أنه متي لمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره وهو فاسد للشرط الفاسد (وأما) بيع المنابذة فله تأويلات (احدها) ان يجعل النبذ بيعا فيقول احدهما للآخر أنبذ اليك ثوبي وتنبذ إلى ثوبك على ان كل واحد مبيع بالاخر أو يقول انبذ اليك ثوبي بعشرة وتنبذ إلى ثوبك
يكون النبذ بيعا وهذا تأويل الشافعي رضى الله عنه في المختصر وهو المذكور في الكتاب ووجه بطلان العقد اختلاف الصيغة قال الائمة ويجئ فيه الخلاف المذكور في المعاطاة فان المنابذة مع قرينة البيع هي المعطاة بعينها (والثاني) أن يقول بعتك هذا بكذا علي اني إذا نبذته اليكم فقد وجب البيع وحكمه ما مر في الملامسة (والثالث) ان المراد منه نبذ الحصاة وسنفسره (ومنها) ما روى عن ابي هريرة رضى الله عنه ان االنبى صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الحصاة) وله تأويلات (أحدها) ان يقول بعتك(8/193)
ثوبا من هذه الاثواب وارم بهذه الحصاة فعلى أيها وقعت فهو المبيع أو يقول ارم بهذه الحصاة فعلى أي موضع بلغت من الارض يكون مبيعا منك (والثاني) ان يقول بعتك هذا بكذا على انك بالخيار إلى ان أرمى بهذه الحصاة (والثالث) ان يجعلا نفس الرمى بيعا فيقول البائع إذا رميت بهذه الحصاة فهذا الثوب مبيع منك بعشرة والبيع باطل في الصور الثلاث * أما في الاولي فللجهل بالمبيع (وأما) في الثانية فلكون الخيار مجهولا (وأما) في الثالثة فلاختلال الصيغة (ومنها) ما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيعتين في بيعة) وله تأويلان مذكوران في المختصر (احدهما) وهو المذكور في الكتاب ان يقول بعتك هذا العبد بالف نقدا أو بالفين الي سنة فخذ بايهما شئت أو شئت انا فهذا العقد باطل للجهل بالعوض كما لو قال بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بكذا ولو قال بعتك بالف أو بالفين إلى سنة أو قال بعتك نصف هذا العبد بالف ونصفه بالفين صح البيع ولو قال بعتك هذا العبد بالف نصفه بالف ونصفه بستمائة لم يصح لان ابتداء الكلام يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسوية وآخره يناقضه هكذا نقله صاحب التهذيب حكما وتعليلا (والثاني) أن يقول بعتك هذا العبد بالف على أن تبيعني دارك بكذا أو اشترى منى دار بكذا فهو باطل لانه بيع وشرط وسنذكر المعنى في بطلانه على الاثر * قال (وعن بيع وشرط فلو باع بشرط قرض أو بشرط بيع آخر أو شرط على بائع الزرع أن يحصده (و) أو كان مما يبقى علقة بعد العقد يثبت نزاع بسببها لم يجز)(8/194)
ومن البيوع التي ورد النهى عنها البيع المشروط روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع وشرط) قال حجة الاسلام مطلق الخبر يقتضي امتناع كل شرط في البيع لكن المفهوم من تعليله انه إذا انضم الشرط إلى البيع بقيت علقته بعد العقد يثور بسببها منازعة وقد يفضي ذلك إلى فوات مقصود العقد فحيث تفقد هذه العلة تستثنية عن الخبر ولذلك يستثني عنه شروطا ورد في تصحيحها نصوص (اعلم) ان الشرط في العقد ينقسم إلى فاسد وإلى صحيح والفاسد منه يفسد العقد أيضا على المذهب وفيه شئ سنورده من بعد والفصل يشتمل على أمثلة من الشروط الفاسدة ثم يليه بيان الشروط الصحيحة (فمن الشروط الفاسدة) إذا باع عبده بالف بشرط أن يبيعه داره أو يشترى منه داره أو بشرط أن يقرضه عشرة لم يصح لانه جعل الالف ورفق العقد الثاني ثمنا واشتراط العقد الثاني فاسد فبطل بعض الثمن وليس له قيمة معلومة حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي وإذا أتيا بالبيع الثاني نظر ان كانا يعلمان بطلان الاول صح والا فلا لاتيانهما به على حكم الشرط الفاسد هكذا نقله صاحب التهذيب وغيره والقياس صحته وبه قطع الامام وحكاه عن شيخه في كتاب الرهن * ولو اشترى زرعا واشترط على بائعه أن يحصده ففيه ثلاث طرق (أحدها) وبه قال ابو اسحق ان هذا التصرف شرا للزرع واستئجار للبائع علي الحصاد فيجئ فيه القولان فيما لو جمع بين صفقتين مختلفى الحكم وهذا هو اختيار ابن الصباغ (والثانى) ان شرط الحصاد باطل قولا واحدا لانه شرط عملا فيما لم لمكه فاشبه مالو استأجره لخياطة ثوب لم يملكه وفى صحة البيع قولا تفريق الصفقة (والثالث) وهو الاصح انهما باطلان (أما) شرط العمل فلما ذكرنا وأيضا فلانه شرط ينافى قضية العقد لان قضية العقد كون القطع على المشتري (وأما) البيع فلان الشرط إذا فسد فسد البيع وكذا الحكم لو أفرد الشراء بعوض(8/195)
والاستئجار بعوض فقال اشتريت هذا الزرع بعشرة على أن تحصده بدرهم لانه جعل الاجارة شرطا في البيع فهو في معني بيعتين في بيعة في التأويل الثاني ولو قال اشتريت هذا الزرع واستأجرتك على حصاده بعشرة فقال بعت وأجرت ففيه طريقان (أحدهما) انهما على القولين في الجمع بين مختلفى الحكم (والثانى) ان الاجارة باطلة قولا واحدا * ثم إذا فسدت الاجارة ففى فساد البيع قولا تفريق
الصفقة * ولو قال اشتريت هذا الزرع بعشرة واستأجرتك لتحصده بدرهم صح الشراء ولا تصح الاجارة لانه استأجره على العمل فيما لم يملكه ونظائر مسألة الزرع يقاس بها كما إذا اشترى ثوبا وشرط عليه صبغة أو خياطته أو لبنا وشرط عليه طبخه أو نعلا علي أن ينعل به دابته أو عبدا رضيعا علي أن يتم ارضاعه أو متاعا على أن يحمله إلى بيته والبائع يعرف بيته فان لم يعرف بطل البيع لا محالة ولو اشترى حطبا على ظهر بهيمة مطلقا فيصح العقد ويسمله إليه في موضعه أو لا يصح حتى يشترط تسلمه إليه في موضعه لان العادة قد تقتضي حمله الي داره * حكي صاحب التتمة فيه وجهين والله أعلم * قال (إلا في مواضع عدة استثنيت بالنصوص (أحدها) شرط الاجل المعلوم (والثاني) شرط الخيار ثلاثة أيام (والثالث) شرط وثيقة الثمن بالرهن بعد تعيين المرهون وبالكفيل بعد تعيينه وبالشهادة ولا يشترط فيها التعيين * ومهما تعذر الوفاء بالرهن المشروط أو وجد به عيبا فله فسخ العقد)(8/196)
من الشروط الصحيحة في البيع شرط الاجل المعلوم في الثمن قال الله تعالى (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر عبد الله بن عمر أن يجهز جيشا وإمره أن يبتاع ظهرا إلى خروج المصدق) وان كان مجهولا كقدوم زيد أو مجئ المطر واقباض المبيع فهو فاسد وذكر القاضى الروياني أنه لو أجل الثمن إلى الف سنة بطل العقد للعلم بانه لا يبقى الي هذه المدة ويسقط الاجل بالموت كما لو أجر ثوبا الف سنة لا يصح فعلى هذه يشترط في صحة الاجل مع كونه معلوما احتمال بقائه إلى المدة المضروبة * ثم موضع الاجل مااذا كان العوض في الذمة فاما ما ذكر في المبيع أو في الثمن المعين مثل أن يقول اشتريت بهذه الدنانير على أن تسلمها في وقت كذا فهو فاسد لان الاجل رفق أثبت لتحصيل الحق في المدة والمعين حاصل ولو حل الاجل فاجل البائع المشترى مدة أو زاد في الاجل قبل حلول الاجل المضروب اولا فهو وعد لا يلزم خلافا لابي حنيفة فيهما وساعدنا علي أن بدل الاتلاف لا يتأجل وان أجله وقال مالك رحمه الله تعالي يتأجل * ولو أوصى من له دين حال على انسان بامهاله مدة فعلى ورثته امهاله تلك المدة لان التبرعات بعد الموت تلزم قاله
في التتمة * وحكي هو وصاحب التهذيب وجهين فيما لو أسقط من عليه الدين المؤجل الاجل هل يسقط حتي يتمكن المستحق من مطالبته في الحال (اصحهما) انه لا يسقط لان الاجل صفة تابعة والصفة لا تفرد بالاسقاط ألا تري ان مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير الصحاح لو أسقط صفة الجودة أو الصحة لا تسقط (ومنها) شرط الخيار ثلاثة أيام على ما سياتى (ومنها) شرط وثيقة الثمن بالرهن والكفيل والشهادة فيصح البيع بشرط أن يرهن المشترى بالثمن أو يتكفل به كفيل أو يشهد عليه سواء كان الثمن مؤجلا أو حالا ولا يخفى وجه الحاجة إلى التوفيق بهذه الجهات وقد قال تعالى (فرهن مقبوضة) وقال (واشهدوا إذا تبايعتم) وكذلك يجوز أن يشرط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة ولا بد من تعيين الرهن والكفيل والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الصفة كما يوصف المسلم فيه وفى الكفيل(8/197)
المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب ولا يكفى الوصف بان يقول رجل موسر ثقة هذا هو النقل * ولو قال قائل الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله لم يكن ببعيد وهل يشترط التعيين في شرط الاشهاد فيه وجهان (أحدهما) نعم كما في الرهن والكفيل (وأصحهما) لا وهو المذكور في الكتاب لان المطلوب في الشهود العدالة لاثبات الحق عند الحاجة بخلاف الرهن والكفيل فان الاغراض فيهما تتفاوت ولصاحب الوجه الاول أن يقول وقد يكون بعض العدول أوجه وقوله أسرع قبولا فيتفاوت الغرض في اعيانهم أيضا وادعى الامام القطع بالوجه الثاني ورد الخلاف إلى انه لو عين الشهود هل يتعينون أم لا وهل يجب التعرض لكون المرهون عند المرتهن أو عند عدل فيه وجهان (أظهرهما) لا بل ان اتفقا على يد المرتهن أو يد عدل فذاك وإلا جعله الحاكم في يد عدل وليكن المشروط رهنه عند المبيع (أما) إذا شرط أن يكون المبيع نفسه رهنا بالثمن لم يصح الرهن لان المرهون غير مملوك له بعد ولا البيع هكذا أطلقه الجمهور وأورد الامام فيه تفصيلا كما سيأتي والمطلقون وجهوه بامور (منها) ان الثمن إما مؤجل فلا يجوز حبس المبيع لاستيفائه أو حال فله حبسه لاستيفائه فلا معني للحبس بحكم الرهن (ومنها) تناقض الاحكام فان قضية الرهن كون المال أمانة وان يسلم الدين أولا وقضية البيع بخلافه (ومنها) أن فيه استثناء منفعة الاستيثاق ولا يجوز أن يستثنى البائع بعض منافع المبيع لنفسه
(ومنها) قال بعض المتأخرين المشترى لا يملك رهن المبيع الابعد صحة البيع فلا تتوقف عليه صحة لبيع كيلا يؤدى الي الدور وللنزاع مجال في هذه التوجيهات (أما الاول) فان كان الثمن مؤجلا لا يجوز حبس المبيع إذا لم يجر رهن فان جرى فهو موضع الكلام وإن كان حالا فيجوز أن يتقوى احد الجنسيين بالآخر (وأما) الثاني فبتقدير الصحة يبقي المال مضمونا بحكم البيع استيفاء لما كان ويسلم الدين(8/198)
اولا لاقدامه علي الرهن * (وأما) الثالث ففى جواز استثناء بعض المنافع تفصيل سنذكره ان شاء الله تعالى (وأما) الرابع فمسلم انه لا يتوقف صحة البيع علي الرهن لكن لا كلام فيه وانما الكلام في انه هل يمنع صحة البيع فهذا كلام المطلقين (وأما) التفصيل فان الامام ذكر ان المسألة مبنية على أن البداءة في التسليم بمن (فان قلنا) البداءة بالبائع أو قلنا يخيران معا أو قلنا لا اختيار ما لم يبتد أحدهما فسد البيع لانه شرط يبطل مقتضى البيع لتضمنه حبس المبيع إلى استيفاء الثمن (وان قلنا) البداءة بالمشترى فوجهان (أحدهما) انه يصح هذا الشرط لموافقته مقتضى العقد (والثانى) لا يصح ويفسد البيع لما سبق من تناقض الاحكام والاظهر عند صاحب الكتاب هو الوجه الاول * وأنت إذا تنبهت إلى الاصل المبنى عليه عرفت حال هذا البناء قوة وضعفا * ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض ويرده إليه فالبيع باطل ايضا لبعض المعاني المذكورة * ولو رهنه بالثمن من غير شرط صح ان كان بعد القبض وان كان قبله فلا ان كان الثمن حالا لان الحبس ثابت له وان كان مؤجلا فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض بدين آخر ثم إذا لم يرهن المشترى ما شرطه أو لم يتكفل الذى عينه فلا اجبار لكن للبائع الخيار ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام المعين فان فسخ فذاك وان أجاز فلا خيار للمشترى * ولو عين شاهدين فامتنعا من تحمل الشهادة (فان قلنا لا بد من تعيين الشاهدين فللبائع الخيار ايضا (وان قلنا) لا حاجة إليه أيضا فلا * ولو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيب أو وجد به عيبا قديما فله الخيار في البيع وان تعيب قبل القبض فلا خيار * ولو ادعى الرهن انه حدث بعد القبض وقال المرتهن بل قبله فالقول قول الراهن استدامة للبيع ولو هلك الرهن بعد القبض أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم به فلا ارش له وهل له فسخ البيع فيه وجهان (أصحهما) لا لان الفسخ انما يثبت إذا أمكنه رد الرهن كما أخذ (وأما) لفظ(8/199)
الكتاب فقوله شرط وثيقة الثمن لفظ الثمن وان كان مطلقا لكن المراد منه ما إذا كان في الذمة فان الاعيان لا يرهن بها وفى ضمانها تفصيل طويل يذكر في موضعه ان شاء الله تعالى هذا كما ذكرناه في الاجل (وقوله) بعد تعيين المرهون يجوز اعلامه بالميم والحاء (أما) الميم فلان عند مالك رضى الله عنه لا يشترط تعيين المرهون بل ينزل المطلق على ما يصلح أن يكون رهنا لمثل ذلك في العادة (وأما) بالحاء فلان عند أبي حنيفة لو قال رهنتك أحد هذين العبدين جاز كما ذكره في البيع (وقوله) وبالكفيل بعد تعيينه يجوز اعلامه بالواو لان في كتاب القاضي ابن كج انه لا حاجة الي تعيين الكفيل وإذا أطلق أقام من شاء ضمينا والله اعلم قال (والرابع) شرط عتق العبد احتمل لحديث بريرة والقياس إبطال الشرط وقد قيل به * ثم للبائع المطالبة بالعتق علي الاصح فان أبي المشترى أجبر عليه (و) وإن شرط أن يكون الولاء له صح الشرط (و) لدلالة الخبر) في بيع الرقيق بشرط العتق قولان (أحدهما) وهو مخرج أنه لا يصح كما لو باعه بشرط أن يبيعه أو يهبه وبهذا قال أبو حنيفة (وأصحهما) انه يصح وعلى هذا ففى صحة الشرط قولان (احدهما) وهو ما حكاه العراقيون عن رواية أبى ثور انه باطل لظاهرما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (ما كان من شرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل) (وأصحهما) وبه قال مالك وأحمد في اصح الروايتين انه صحيح لما روى (ان عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة وشرط مواليها أن تعتقها ويكون ولاؤها لهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم الا شرط الولاء وقال شرط الله اوثق وقضاء الله احق والولاء لمن أعتق) (وقوله) والقياس ابطال الشرط اراد مع تصحيح العقد على ما دل عليه كلامه في الوسيط قال(8/200)
لان المصير إلى ابطال العقد مع الحديث لا وجه له وان قال قائلون به وتأويل اذنه في الشرط انه كان يثق بعائشة رضي الله عنها انها تفى به تكرما لا انه لازم * (التفريع ان صححنا شرط العتق فذلك إذا أطلق أو قال بشرط أن تعتقه عن نفسك أما إذا قال بشرط أن تعتقه عنى فهو لاغ ثم العتق
المشروط حق من فيه وجهان (أظهرهما) أنه حق الله عزوجل كالملتزم بالنذر (والثانى) أنه حق البائع لان اشتراطه يدل على تعلق غرضه به والظاهر أنه تسامح في الثمن إذا شرط العتق (فان قلنا) انه حق البائع فله المطالبة به لا محالة (وان قنا) أنه حق الله تعالى فوجهان (أحدهما) أنه ليس له المطالبة به إذ لا ولاية له في حقوق الله عزوجل (وأصحهما) أنه ليس له ذلك لانه ثبت بشرطه وله غرض في تحصيله وإذا أعتقه المشترى فقد وفى بما التزم والولاء له (وإن قلنا) العتق حق البائع لانه صدر عن ملكه وان امتنع فهل يجبر عليه فيه وجهان وقيل قولان (أصحهما) عند المصنف أنه يجبر عليه (والثاني) لا ولكن للبائع الخيار في فسخ البيع وهما مبنيان على أن العتق حق من (إن قلنا) إنه حق الله عزوجل فيجبر عليه (وإن قلنا) إنه حق البائع فلا يجبر كما في شرط الرهن والكفيل وإذا قلنا بالاجبار فهل يخرج على الخلاف في المولى إذا امتنع من الطلاق حتي يعتق القاضى علي رأى أو يحبسه حتي يعتق على رأى أولا طريق سوى الحبس حتى يعتق أبدى الامام فيه احتمالين (والال) هو المذكور في التتمة قال الامام والخلاف في الاجبار لا يبعد طرده في شرط الرهن والكفيل ومن جهة القياس لكن لم يطردوه (وإذا قلنا) العتقل حق للبائع فلو أسقطه سقط كما لو شرط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه وعن أبى محمد ان(8/201)
شرط الرهن والكفيل أيضا لا يفرد بالاسقاط كحق الاجل * وهل يجوز إعتاق هذا العبد عن الكفارة (ان قلنا) إن العتق حق الله عزوجل فلا كاعتاق المنذور عتقه عن الكفارة وإن قلنا إنه حق البائع فكذلك إن لم يسقط حقه وان أسقطه جاز علي أصح الوجهين (والثاني) لا يجوز لان البيع بشرط العتق لا يخلو عن محاباة فكأنه أخذ على العتق عوضا ويجوز له الاستخدام والوطئ والاكساب الحاصلة له ولو قتل كانت القيمة له ولا يكلف صرفها إلى عبد آخر ليعتقه وليس له أن يبيعه من غيره ويشترط العتق عليه في أصح الوجهين لان العتق مستحق عليه فليس له نقله الي غيره وهل يجزى ايلاد الجارية عن الاعتاق فيه وجهان (أصحهما) لا بل عليه أن يعتقها * ولو مات العبد قبل أن يعتقه ففيه أوجه (أظهرها) أنه ليس عليه الا الثمن المسمى لانه لم يلتزم غيره (والثاني) أن عليه مع ذلك قدر التفاوت بين ثمن مثله مشترى مطلقا وثمن مثله مشترى بشرط العتق ومنهم من زاد في هذا الوجه أنه يعرف قدر
التفاوت هكذا ويجب عليه مثل نسبته من الثمن المسمى (والثالث) أن البائع بالخيار إن شاء أجاز العقد ولا شئ له وان شاء فسخ البيع ورد مأخذ من الثمن ويرجع بقيمة العبد عليه وحكى بعضهم بدل هذا الوجه أنه ينفسخ العقد لتعذر إمضائه إذ لا سببل إلى ايجاب شئ على المشترى من غير تفويت ولا الزام ولا إلى الاكتفاء بالمسمى فان البائع لم يرض به الا بشرط العتق وهذه الوجوه مفرعة على أن العتق للبائع أو هي مطردة سواء قلنا انه للبائع أو لله تعالى فيه رأيان للامام (أظهرهما) الثاني * ولو اشترى عبدا بشرط أن يدبره أو يكاتبه أو يعتقه بعد شهر أو سنة أو دارا بشرط(8/202)
أن يجعلها وقفا ففى هذه الشروط وجهان (أصحهما) أنها ليست كشرط العتق بل يبطل البيع بها وجميع ما ذكرناه في شرط العتق مفروض فيما إذا لم يتعرض الولاء فاما إذا شرط مع العتق كون الولاء للبائع ففيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل البيع لان شرط الولاء تغيير ظاهر المقتضى العقد لتضمنه نقل الملك إلى البائع وارتفاع العقد (والثاني) أنه يصح لحديث بريرة فان عائشة رضى الله عنها أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مواليها لا يبيعونها إلا بشرط أن يكون الولاء لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى واشترطي لهم الولاء أذن في الشراء بهذا الشرط وهو لا ياذن في باطل وعلي هذا ففى صحة الشرط قولان نقلهما الامام (أحدهما) أنه لا يصح لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (خطب بعد ذلك وقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عزوجل كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل شرط الله أوثق وقضاء الله أحق والولاء لمن أعتق) (والثانى) أنه يصح لانه أذن في اشتراط الولاء وهو لا يأذن في باطل وهذا هو الذى أورده صاحب الكتاب (وأعلم) انه خلاف ما اتفق عليه جمهور الاصحاب فانهم أطبقوا على أن شرط الولاء يفسد البيع وحكموا قولا ضعيفا على خلافه عن رواية الاصطخرى أو تخريجه ثم على ذلك القول الضعيف قضوا بفساد الشرط وقصروا الصحة علي العقد ولا تكاد تجد حكاية الخلاف في صحة الشرط بعد تصحيح العقد الا للامام رحمه الله تعالى وفى حديث بريرة إشكال أفسدنا العقد أو صححناه وافسدنا الشرط أو صححناه (أما) إذا أفسدنا العقد أو الشرط فلاذنه في الشراء واشتراط الولاء وأما إذا صححهناهما فلخطبته بعد ذلك وانكاره على هذا الشرط وكيف يجوز أن(8/203)
الشئ ثم ينكر عليه ويبطلة الا ان الصائرين إلى الفساد لم يثبتوا الاذن في شرط الولاء وقالوا إن هشاما تفرد به ولم يتابعه سائر الرواة عليه فيحمل على وهم وقع له لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأذن فيما لا يجوز وبتقدير الثبوت فقد تكلموا عليه من وجوه لا نطول بذكرها وأما من صححهما قال انه نهاهم عن الاتيان بمثل هذه الشروط ولما جرت أنكر عليهم لارتكابهم مانهاهم عنه لكنه صححه وقد ينهى عن الشئ ثم يصححه * ولو جرى البيع بشرط الولاء دون شرط العتق بان قال بعتكه بشرط أن يكون الولاء لى ان اعتقته يوما من الدهر فقد ذكر في التتمة أن العقد ههنا باطل بلا خلاف إذ لم يشترط العتق حتي يحصل الولاء تبعا له * ولو اشترى أباه أو ابنه بشرط أن يعتقه فعن القاضي حسين أن العقد باطل لتعذر الوفاء بهذا الشرط فانه يعتق عليه قبل ان يعتقه والله اعلم * قال (والخامس أن يشترط ما لا يبقي علقة ككل شرط يوافق العقد من القبض وجواز الانتفاع * أو ما لا يتعلق به غرض كشرطه ان لا يأكل الا الهريسة وهذا استثنى بالقياس * وكذلك شرطه أن يكون خبازا أو كاتبا وكذا كل وصف مقصود) * غرض الفصل التعرض لاقسام الشروط التي لا تفسد العقد بعد ما تقدم ذكره والاصحاب قد ضبطوا صحيح الشروط وفاسدها في تقسيم هو كالترجمة والتفاصيل مذكورة في مواضعها قالوا الشرط ينقسم الي ما يقتضيه مطلق العقد والى مالا يقتضيه فالاول كالقبض وجواز الانتفاع والرد(8/204)
بالعيب ونحوها فلا يضر التعرض له ولا ينفع (والثاني) ينقسم الي ما يتعلق بمصلحة العقد والي ما لا يتعلق فالاول قد يتعلق بالثمن كشرط الرهن والكفيل وقد يتعلق بالثمن كشرط أن يكون العبد خبازا أو كاتبا وقد يتعلق بالطرفين كشرط الخيار فهذه الشروط لا تفسد العقد وتصح في نفسها (والثانى) ينقسم إلى ما لا يتعلق به غرض يورث تنافسا وتنازعا والى ما لا يتعلق فالاول كشرط أن لا يأكل الا الهريسة أو لا يلبس الا الخز وما أشبه ذلك فهذا لا يفسد العقد ويلغو في نفسه هكذا قاله صاحب الكتاب وشيخه لكن في التتمة أنه لو شرط ما يقتضي الزام ما ليس بلازم كما لو باع بشرط أن يصلى النوافل
أو يصوم شهرا غير رمضان أو يصلى الفرائض في أول أوقاتها يفسد العقد لانه أوجب ما ليس بواجب وقضية هذا فساد العقد من مسألة الهريسة والخزأيضا (والثانى) كشرط أن لا يقبض ما اشتراه ولا يتصرف فيه بالبيع والوطئ ونحوهما وكشرط بيع آخر أو قرض وكشرطه أن لا خسارة عليه في ثمنه يعنى لو باعه وخسر في ثمنه ضمن له النقصان فهذه الشرائط والشباها فاسدة مفسدة للبيع الا شرط العتق كما مر (وقوله) في الكتاب وهذا استثنى بالقياس اراد به ما سبق ان المفهوم من نهيه عن بيع وشرط دفع محذور المنازعة الثائرة من الاشتراط والعلقة الباقيه بينهما(8/205)
بسببه وهذا المعني مقصود في هذه الصورة (وأما) ما يوافق مقتضى العقد فهو ثابت ذكر أو لم يذكر (واما) ما لا يتعلق به غرض فلا يتنازعان في مثله غالبا (واما) شرط الكتابة والخبز وسائر الاوصاف المقصودة فانها لا تتعلق بانشاء أمر في المستقبل بل هي أمور حاضرة ناجزة والظاهر أن الشارط لا يلتزمها الا وهى حاصلة فإذا هذه الشرائط وان كانت مستثناة عن صورة اللفظ لكنها منطبقة على المعني المفهوم منه * قال (ولو شرط أن تكون حاملا فقولان ولو شرط ان تكون لبونا (فالاصح) أنه كشرط الكتابة) * إحدى مسألتي الفصل أن يبيع جارية أو دابة بشرط ان تكون حاملا ونقدم عليها أن بيع الحمل لا يجوز لا من مالك الام ولا من غيره لما مر في النهي عن بيع الملاقيح فانه غير معلوم ولا مقدور * ولو باع حاملا مطلقا دخل الحمل في البيع تبعا وهل يقابله قسط من الثمه فيه خلاف نذكره في موضعه * ولو باع الحامل واستثنى حملها ففى صحة البيع وجهان منقولان في النهاية (احدهما) انه يصح كما لو باع الشجرة واستثنى الثمرة قبل بدو الصلاح (واصحهما) وبه اجاب الجمهور انه لا يصح لان الحمل لا يجوز افراده بالعقد فلا يجوز استثناؤه كاعضاء الحيوان ولو كانت الام لواحد والحمل لآخر فهل لمالك الام بيعها من مالك الحمل أو غيره فيه وجهان وكذا لو باع جارية حاملا بحر * الذى ذكره المعظم انه لا يصح لان الحمل لا يدخل في البيع فكأنه استثناه (والثانى) وهو اختيار الامام وصاحب الكتاب انه يصح ويكون الحمل مستثني شرعا إذا تقرر ذلك فلو باع جارية أو دابة بشرط أنها حامل ففى صحة
البيع قولان ويقال وجهان مبنيان على أن الحمل هل يعلم أم لا (ان قلنا) لا لم يصح شرطه (وان قلنا) نعم صح وهو الاصح وخص بعضهم الخلاف بغير الآدمى وقطع بالصحة في الجوارى لان الحمل(8/206)
في الجواى عيب فاشتراط الحمل اعلام بالعيب فتصير كما لو باعها على أنها آبقة أو سارقة * ولو قال بعتك هذه الدابة وحملها ففى صحة العقد وجهان * عن أبى زيد انه يصح لانه داخل في العقد عند الاطلاق فلا يضر التنصيص عليه كما لو قال بعتك هذا الجدار وأساسه (والاصح) وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو على انه لا يصح لانه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم وما لا يجوز بيعه وحده لا يجوز بيعه مقصودا مع غيره بخلاف ما إذا باع بشرط انها حامل فانه جعل الحاملية وصفا تابعا وهذا الخلاف يجرى فيما إذا قال بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن * وفى قوله بعتك هذه الجبة وحشوها طريقان (منهم) من طرد الخلاف ومنهم من قطع بالجواز لان الحشو داخل في مسمي الجبة فذكره ذكر ما دخل في اللفظ فلا يدل التنصيص عليه والحمل غير داخل في مسمى الشاة فذكره ذكر الشئ المجهول مع المعلوم * وإذا قلنا بالبطلان في هذه الصورة فقد قال الشيخ ابو علي في بيع الظهارة والبطانة في صورة الجبة قولا تفريق الصفقة وفى صورة الدابة يبطل البيع في الكل والفرق ان الحشو يمكن معرفة قيمته عند العقد والحمل واللبن لا يمگن معرفتهما حينئذ فيتعذر التوزيع قال الامام وهذا حسن لكنا نجرى قولا التفريق حيث يتعذر التوزيع كما لو باع شاة وخنزيرا أو باع حاملا وشرط(8/207)
وضعها لرأس الشهر ونحنوه لم يصح البيع قولا واحدا لانه غير مقدور عليه قاله في الشامل وبيض الطير كحمل الجارية والدابة في جميع ذلك (والمسألة الثانية) لو باع شاة بشرط أنها لبون ففيه طريقان (أحدهما) أنها على الخلاف في البيع بشرط الحمل (والثاني) القطع بصحة البيع والفرق أن شرط الحمل يقتضي وجود الحمل عند العقد وهو غير معلوم وشرط كونها لبونا لا يقتضى وجود اللبن حينئذ وانما هو اشتراط صفة فيها فكان بمثابة شرط الكتابة والخبز في العقد حتي لو شرط كون اللبن في الضرع كان بمثابة شرط الحمل وطريقة طرد الخلاف أظهر لانه نص في الام على قولين
في السلم في الشاة اللبون إلا أن قول الصحة ههنا أظهر منه في المسألة الاولي (وقوله) في الكتاب فالاصح انه كشرط الكتابة يجوز ان يريد من الطريقين (والاولى) أن يريد من القولين جوابا على الطريقة الاولى واعلم قوله كشرط الكتابة بالحاء لان عند ابي حنيفة لا يصح البيع بهذا الشرط ولذا قال في شرط الحمل ولو شرط انها تدر كل يوم كذا رطلا من اللبن لم يصح البيع لان ذلك لا يضبط ولا يقدر عليه فصار كما لو شرط في العبد أنه يكتب كل يوم عشرة اوراق * ولو باع شاة لبونا واستثني لبنها ففى صحة العقد وجهان (اصحهما) انه لا يصح كما لو استثنى الحمل في بيع الجارية والكسب في بيع السمسم والحب في بيع القطن والله اعلم * وفى الشروط الصحيحة باتفاق أو على اختلاف مسائل اخر نسير الي بعضها في هذا الموضع على الاختصار (منها) البيع بشرط البراءة من العيوب (ومنها) بيع الثمار بشرط القطع وسنشرحهما (ومنها) لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا بشرط ان يكال بمكيال معين أو يوزن بميزان معين أو يذرع بذارع معين أو شرط(8/208)
ذلك في الثمن ففيه خلاف ونورده في السلم وفى معناه تعيين رجل يتولي الكيل أو الوزن (ومنها) لو باع دارا واستثني لنفسه سكناها أو دابة واستثني ظهرها نظر إن لم يبين مدة لم يصح العقد وإن بين ففيه خلاف مذكور في الكتاب في آخر الاجارة (والاصح) أنه يبطل العقد وذهب أحمد إلى صحته (ومنها) لو شرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفى الثمن نظر إن كان مؤجلا بطل العقد وإن كان حالا بنى على أن البداءة في التسليم بمن فان جعلنا ذلك من قضايا العقد لم يضر ذكره والا فسد العقد (ومنها) لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا فان أراد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر فهو باطل لانه شرط عقد في عقد وإن أراد أنها إن خرجت عشرة آصع أخذت تسعة دراهم فان كانت الصيعان مجهولة لم يصح لانه لا يدرى صحة كل صاع وإن كانت معلومة صح فان كانت عشرة فقد باع صاعا وتسعا بدرهم ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن انقصك صاعا فان أراد رد صاع إليه فهو فاسد لانه شرط عقد في عقد وإن إراد أنها إن خرجت تسعة آصع أخذت عشرة دراهم فان كانت الصيعان مجهولة لم يصح وإن كانت معلومة صح وإذا
كانت تسعة آصع فيكون كل صاع بدرهم وتسع وعن صاحب التقريب انه لا يصح في صورة العلم أيضا لان العبارة لا تنبئ عن المجمل المذكور ولو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن انقصك صاعا أو ازيدك صاعا ولم يبين أحدى الجهتين فهو باطل (ومنها) لو باع قطعة ارض على أنها مائة ذراع فخرجت دون المائة ففيه قولان (احدهما) بطلان البيع لان قضية قوله بعتك هذه الارض ان لا يكون غيرها مبيعا وقضية الشرط ان لا تدخل الزيادة في البيع فوقع التضاد وتعذر التصحيح (واظهرهما) وقطع به قاطعون انه صحيح تغليبا للاشارة وتنزيلا لخلف الشرط في المقدار منزلة خلفه في الصفات وبهذا قال ابو حنيفة فعلى هذا للمشترى الخيار بين الفسخ والاجازة ولا يسقط خياره بان يحط البائع من الثمن قدر النقصان وإذا اجاز فيجيز بجميع الثمن أو بالقسط فيه قولان(8/209)
كما في تفريق الصفقة لكن الاظهر ههنا ان يجيز بجميعه لان المتناول بالاشارة تلك القطعة لا غير ولو كان المسألة بحالها وخرجت القطعة اكثر من المائة ففى صحة البيع قولان ايضا ان صححناه فالمشهور ان للبائع الخيار فان اجاز كانت كلها للمشترى ولا يطالبه للزيادة بشئ فيه وجه آخر اختاره صاحب التهذيب انه لا خيار للبائع ويصح البيع في الكل بالثمن المسمى وينزل شرطه منزلة ما لو شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما لا خيار له فعلي المشهور لو قال المشترى لا نفسح فانى اقنع بالقدر المشروط سابقا والزيادة لك فهل يسقط خيار البائع فيه قولان عن رواية صاحب التقريب وغيره (احدهما) نعم لزوال الغبينة عن البائع (والثانى) لا لان ثبوت حق المشترى على الشيوع يجر ضررا وهذا اظهر وبه قال الامام ورجح ابن سريج الاول في جوابات الجامع الصغير لمحمد رحمهما الله * ولو قال لا نفسخ حتى ازيدك في الثمن لما زاد لم يكن له ذلك ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف ويقاس بهذه المسألة ما إذا باع الثوب علي أنه عشرة أذرع أو القطيع على انه عشرون رأسا أو الصبرة على أنها ثلاثون صاعا وفرض نقصانا أو زيادة * وفرق صاحب الشامل بين الصبرة وغيرها فروى أن الصيرة إذا زادت علي القدر المشروط يرد الفضل وإن نقصت وأجاز المشترى يجيز بالحصه وفيما عداها يجيز بجيمع الثمن لان أجزاءها تتساوى فلا يجر التوزيع جهالة (ومنها) لو قال لغيره بع عبدك من
زيد بالف على أن على خمسمائة فباعه على هذا الشرط هل يصح البيع فيه قولان لابن سريج (أظهرهما) لا لان الثمن يجب جميعه علي المشترى وههنا جعل بعضه علي غيره (والثانى) نعم ويجب على زيد الف وعلى الآمر خمسمائة كما لو قال الق متاعك في البحر على أن على كذا * قال (ومهما فسدت هذه الشرائط فسد بفسادها العقد * والاصح ان شرط نفى خيار المجلس والرؤية فاسد * ما يصح من المبيوع لولا الشرط إذا ضم إليه شرط لم يخل ذلك الشرط اما أن يكون صحيحا أو فاسدا فان كان صحيحا فالعقد صحيح لا محالة وان كان فاسدا فلا يخلو إما ان يكون شيئا لا يفرد بالعقد وإما ان يكون شيئا يفرد بالعقد فان كان الاول نظر إن لم يتعلق به غرض يورث تنافسا وتنازعا فلا يؤثر ذلك في العقد علي ما سبق * قال الامام ومن هذا القبيل ما إذا عين الشهود لتوثيق الثمن(8/210)
وقلنا انهم لا يتعينون فلا يفسد به العقد لانا إذا الغينا تعبين الشهور فقد أخرجناه عن ان يكون من مقاصد العقد وإن تعلق به غرض فسد العقد بفساده للنهي عن بيع وشرط ولانه يفضى إلى المنازعة ولانه يوجب الجهل بالعوض وكل ذلك قد تقدم * وعن أبى ثور رواية قول ان فساد الشرط لا يتعدى إلى فساد العقد بحال لقصة بريرة فانه صلي الله عليه وسلم أنكر على الشرط وأبطله ولم يفسد العقد * وإن كان مما يفرد بعقد كالرهن والكفيل فهل يفسد البيع بشرطهما على نعت الفساد فيه قولان (أظهرهما) وبه قال أبو حنيفة نعم كسائر الشروط الفاسدة (والثانى) وبه قال المزني لا لانه يجوز افراده عن البيع فلا يوجب فساده فساد البيع كالصداق في النكاح لا يوجب فساده فساد النكاح * إذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن قوله في الكتاب ومهما فسدت هذه الشرائط فسد بفسادها العقد غير مجرى على إطلاقه (وأما) قوله والاصح أن نفى خيار المجلس والرؤية فاسد فلا يخفى أنه ليس له كبير تعلق بهذا الموضع ثم فقهه أنه إذا باع شيئا بشرط نفي خيار المجلس وقبله المشترى هل يصح هذا الشرط فيه طريقان (أظهرهما) أنه المسألة على قولين (أحدهما) أنه يصح لقوله صلى الله عليه وسلم (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) (وأصحهما) أنه لا يصح لما روى أنه صلى الله عليه وسلم
وسلم قال (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يتخايرا) وهذا ما نص عليه في البويطى والقديم (وقوله) إلا بيع الخيار المراد منه أن يقطعا الخيار بعد العقد وهو التخاير وقيل أراد إلا بيعا شرط فيه الخيار فان الخيار في ذلك البيع ينفى بعد التفرق والاستثناء على هذا راجع إلى قوله ما لم يتفرقا (والطريق الثاني) القطع بالقول الثاني واليه ذهب ابو اسحق بعد ما كان يقول بطريقة القولين: فان صححنا الشرط صح البيع ولزم وإن أفسدنا الشرط فهل يفسد البيع فيه وجهان (أصحهما) نعم لانه شرط ينافى مقتضى العقد فاشبه ما إذا قال بعتك بشرط أن لا أسلمه * وإذا سلكت سبيل الاختصار قلت في المسألة ثلاثة أقوال أو وجوه (أصحها) فساد الشرط والعقد جميعا * ولو شرط نفى خيار الرؤية علي قول صحة بيع الغائب فقد طرد الامام وصاحب الكتاب فيه الخلاف والاكثرون قطعوا بانه فاسد مفسد والفرق انه لم ير المبيع ولا عرف حاله فنفى الخيار فيه يؤكد الغرر ونفي خيار المجلس لا يمكن(8/211)
غررا بل هو مخل لمقصود العقد وإنما اثبته الشرع علي سبيل التخفيف رفقا بالمتعاقدين فجاز ان لا يقدح نفيه * (وقوله) في الكتاب والاصح ان نفي جيار المجلس اراد الاصح من الوجوه جوابا على طريقة اثبات الخلاف في الصورتين وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في البيع بشرط البراءة من العيوب وسيأتى من بعد * ويتفرع على هذا الخلاف ما إذا قال لعبده إذا بعتك فانت حر ثم باعه بشرط نفي الخيار (فان قلنا) البيع باطل أو قلنا الشرط ايضا صحيح لم يعتق (اما) على التقدير الاول فلان اسم المبيع يقع على الصحيح ولم يوجد (واما) علي الثاني فلان ملكه قد زال والعقد قد لزم ولا سبيل إلى اعتاق ملك الغير (وإن قلنا) ان العقد صحيح والشرط فاسد عتق لبقاء الخيار ونفوذ العتق من البائع في زمن الخيار * وعند أبي حنيفة ومالك لا يعتق إلا أن يبيع بشرط الخيار لان خيار المجلس غير ثابت عندهما * قال (والعقد الفاسد لا يفيد الملك (ح) وان اتصل القبض به * وان كانت جارية فوطئها وجب المهر وثبت النسب للشبهة والولد حر) * إذا اشترى شيئا شراءا فاسدا بشرط فاسد أو بسبب آخر ثم قبضه لم يملكه بالقبض ولا ينفذ تصرفه
فيه وبه قال أحمد ومالك * وقال ابو حنيفة ان اشترى مالا قيمة له كالدم والميتة فالحكم كذلك فان اشتراه بشرط فاسد وبماله قيمة في الجملة كالخمر والخنزير ثم قبض المبيع باذن البائع ملكه ونفذ تصرفه فيه لكن للبائع أن يسترده بجميع زوائده ولو تلف في يده أو زال ملكه عنه ببيع أو هبة أو اعتاق فعليه قيمته الا أن يشترى عبدا بشرط العتق فانه قال يفسد العقد وإذا تلف في يده فعليه الثمن * لنا انه بيع مسترد بزوائده المتصلة والمنفصلة فلا يثبت الملك فيه للمشترى كما لو اشترى بدم أو ميتة * إذا تقرر ذلك فعلي المشترى رد المقبوض بالبيع الفاسد ومؤنة رده كالمغصوب ولا يجوز حبسه لاسترداد الثمن ولا يتقدم به علي الغرماء خلافا لابي حنيفة في المسألتين * وحكى القاضي ابن كج مثله جها عن الاصطخرى ونقل القاضى حسين عن نص الشافعي رضي الله عنه جواز الحبس والظاهر الاول ويلزمه أجرة المثل للمدة التى كان في يده سواء استوفى المنفعة أو تلفت تحت يده أو بقيت في يده فعليه ارش النقصان وان تلف فعليه قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى(8/212)
يوم التلف كالمغصوب لانه مخاطب كل لحظة من جهة الشرع برده وفيه وجه آخر انه تعتبر قيمته يوم التلف كالعارية * وعن الصيدلانى وغيره حكايه وجه ثالث أنه يعتبر قيمته يوم القبض وقد يعبر عن هذا الخلاف بالاقوال * وما حدث في رده من الزوائد المنفصلة كالولد والثمرة والمتصلة كتعلم الحرفة والسمن مضمون عليه كزوائد المغصوب وفيه وجه انه لا يضمن الزيادة عند التلف * ولو أنفق على العبد المبيع مدة لم يرجع على البائع إن كان عالما بفساد البيع فان كان جاهلا فعن الصيمري أنه على وجهين * ولو كان المبيع جارية فوطئها المشترى فان كانا جاهلين فلا حد ويجب المهر وان كانا عالمين وجب الحد وان اشتراها بميتة أو دم أو خمر أو بشرط فاسد لم يجب لاختلاف العلماء كالوطئ في النكاح بلا ولى ونحوه قال الامام ويجوز أن يقال يجب الحد لان أبا حنيفة لا يبيح الوطئ وان كان يثبت الملك بخلاف الوطئ في النكاح بلا ولي * وإذا لم يجب الحد يجب المهر ولا عبرة بالاذن الذي يتضمنه التمليك الفاسد وان كانت بكرا وجب مع مهر البكر ارش البكارة (أما) مهر المثل فللاستمتاع بها (وأما) الارش فلاتلاف ذلك الجزء * ولو استولدها فالولد حر للشبهة وعليه قيمته
إن خرج حيا باعتبار يوم الوضع وتستقر القيمة عليه بخلاف ما لو اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقة يغرم قيمة الولد ويرجع على البائع لانه غره ثم الجارية لا تصير أم ولد في الحال فان ملكها يوما من الدهر ففيه قولان وان دخل علي الام نقص بالحمل أو الوضع وجب الارش وان خرج الولد ميتا فلا قيمة لكن ان سقط بجناية جان وجبت الغرة على عاقلة الجاني وعلي المشترى أقل الامرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة ويطالب به المالك من شاء من الجاني والمشترى ولو ماتت في الطلق لزمه قيمتها وكذلك لو وطئ أمة الغير بالشبهة فاحبلها فماتت في الطلق وهذه الصورة وأخواتها مذكورة في باب الرهن في الكتاب وسنقف على شرحها ان شاء الله تعالي * ولو اشترى شيئا فاسدا ثم باعه من آخر فهو كالغاصب يبيع المغصوب فان حصل في يد الثاني فعليه رده إلى المالك فان تلف في يده نظران كانت قيمته في يديهما سواء أو كانت في الثاني أكثر رجع المالك بالجميع على من شاء منهما والقرار على الثاني لحصول التلف في يده وإن كانت القيمة في يد الاول(8/213)
أكثر فضمان النقصان على الاول والباقى يرجع به على أيهما شاء والقرار علي الثاني لحصول التلف في يده وكل نقص حدث في يد الاول لا يكون الثاني مطالبا به وكل نقص حدث في يد الثاني يكون الاول مطالبا به ويرجع علي الثاني وكذلك حكم أجرة المثل والله أعلم * قال (ولا ينقلب العقد صحيحا * بخلاف الشرط وان كان في المجلس (ح) * ولا يصح شرط اجل (ح) وخيار وزيادة ثمن (ح) ومثمن بعد لزوم العقد * والاقيس منعه ايضا في حالة الجواز) * هذه البقية تشتمل على مسألتين (أحداهما) لو فسد البيع بشرط فاسد ثم حذفا الشرط لا ينقلب العقد صحيحا سواء كان الحذف في المجلس أو بعده * وعن أبي حنيفة أنه إن كان الحذف في المجلس انعقد صحيحا ولنا مثله وجه نذكره بما فيه في كتاب السلم * واحتج الاصحاب بان العقد الفاسد لا عبرة به فلا يكون لمجلسه حكم بخلاف العقد الصحيح * (الثانية) لو زاد في الثمن أو المثمن أو زاد شرط الخيار أو الاجل أو قدرهما نظر ان كان ذلك بعد لزوم العقد لم يلتحق بالعقد لان زيادة الثمن لو التحقت بالعقد لوجبت على الشفيع كاصل الثمن
ولا يجب وكذا الحكم عندنا في رأس مال السلم والمسلم فيه والصداق وغيرهما وكذا الحط عندنا لا يلتحق بالعقد حتى يأخذ الشفيع بما سمي في العقد لا بما بقى بعد الحط * وعند أبى حنيفة الزيادة في المثمن والصداق ورأس مال السلم تلزم وكذا في الثمن ان كان باقيا وان كان تالفا فله مع اصحابه اختلاف فيه ولا يثبت في المسلم فيه على المشهور وشرط الاجل يلتحق بالعقد في الثمن والاجرة والصداق وسائر الاعراض قال واما الحط فان الحط نقص يلتحق بالعقد دون حط الكل * وان كانت هذه الالحاقات قبل لزوم العقد فان كانت في مجلس العقد أو في زمان الخيار المشروط فيه أوجه (أحدها) انها لا تلتحق لتمام العقد كما بعد اللزوم وهذا أقيس عند صاحب الكتاب وفي التتمة انه الصحيح (والثانى) عن أبي زيد والقفال انها تلتحق في خيار المجلس دون(8/214)
خيار الشرط لان مجلس العقد كنفس العقد الا تري انه يصلح لتعيين رأس مال السلم والعوض في عقد الصرف بخلاف زمان الخيار المشروط (وأصحها) عند الاكثرين انها تلتحق أما في مجلس العقد فلما ذكرنا وأما في زمان الخيار المشروط فلانه في معناه من حيث ان العقد غير مستقر بعد والزيادة قد يحتاج إليها لتقرير العقد فان زيادة العوض من أحدهما تدعو الآخر إلى امضاء العقد ويؤيد هذا الوجه أن الشافعي رضى الله عنه نص في كتاب السلم أنه لو أطلق السلم ثم ذكر الاجل قبل التفرق صح ولزم ثم هذا الجواب مطلق أم هو مخصوص ببعض الاقوال في الملك في زمان الخيار * اختار العراقيون انه مطلق وحكوا عن أبي على الطبري انه مفرع على قولنا ان الملك في زمان الخيار للبائع فاما إذا قلنا انه للمشترى أو قلنا أنه موقوف وامضينا العقد لم يلتحق بما بعد اللزوم وان قلنا أنه موقوف واتفق الفسخ فليلتحق ويرتفع بارتفاع العقد وهذا ما اختاره الشيخ أبو على ووجهه بأنا إذا قلنا ان الملك للمشترى فالزياة في الثمن لا يقابلها شئ من المثمن وكذا الاجل والخيار لا يقابلهما شئ من العوض وحينئذ يمتنع الحكم بلزومهما وتابعه صاحب التهذيب وغيره على ما اختاره * وإذا قلنا انها تلتحق فالزيادة تجب على الشفيع كما تجب على المشترى وفى الحط قبل اللزوم مثل هذا الخلاف فان التحق بالعقد انحط عن الشفيع أيضا وعلى هذا الوجه ما يلتحق
بالعقد من الشروط الفاسدة قبل انقضاء الخيار بمثابة ما لو اقترنت بالعقد في افساده وان حط جميع الثمن كان كما لو باع بلا ثمن والله أعلم * قال (القسم الثاني من المناهى ما لا يدل على الفساد وهو كل ما نهى عنه لمجاورة ضرر اياه دون خلل في نفسه * ومنه النهى عن الاحتكار * والتسعير *(8/215)
أما ترجمة القسم فقد مرما فيها في أول الباب (وأما) فقه الفصل فمسألتان (أحداهما) الاحتكار منهى عنه ثم هو مكروه أو محرم قال بعض الاصحاب إنه مكروه (والاصح) التحريم لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (لا يحتكر الاخاطي أي آثم) وروى انه صلى الله عليه وسلم قال (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون وروى ايضا (من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله عزوجل منه) والاحتكار ان يشترى ذو الثروة الطعام في وقت الغلاء ولا يدعه للضعفاء ويحبسه ليبيعه منهم باكثر عند اشتداد حاجاتهم * ولا بأس بالشراء في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء لنفقة نفسه وعياله تم يفضل شئ فيبيعه في وقت الغلاء ولابان يمسك غلة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء ولكن الاولي ان يبيع ما فضل عن كفايته وهل يكون إمساكه مكروها ذكروا فيه وجهين وتحريم الاحتكار يختص بالاقوات ومنها التمر والزبيب ولا يعم جميع(8/216)
الاطعمة (الثانية) لا ينبغي للامام أن يسعر (روى أن السعر غلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يارسول الله سعر لنا فقال إن الله عزوجل هو المسعر القابض الباسط الرازق وإنى لارجو ان القى ربي وليس أحد منكم يطلبني بظلامة في دم ولا مال) وهل يجوز ذلك؟ إن كان في وقت الرخص فلا وان كان في وقت الغلاء فوجهان (احدهما) وبه قال مالك يجوز رفقا بالضعفاء (واصحهما) أنه لا يجوز تمكينا للناس من التصرف في اموالهم ولانهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع فيشتد الامر * وعن ابي اسحاق انه لو كان يجلب الطعام إلى البلد فالتسعير حرام وإن كان يزرع بها وهو عند الغلاء فيها فلا يحرم * وحيث جوزنا التسعير فذلك في الاطعمة ويلتحق بها علف الدواب في أظهر القولين * وإذا سعر الامام عليه فخالف استحق التعزير وفى صحة البيع وجهان منقولان في التتمة) *
قال (وأن يبيع حاضر لباد وهو أن يتربص بسلعته إلى أن يغالى في ثمنها فيفوت الرزق والربح على الناس) * عن جابر وأبي هريرة رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يبيع حاضر لباد) وصورته أن يحمل البدوى أو القروي متاعه الي البلد ويريد بيعه بسعر اليوم ليرجع إلى موضعه ولا يلتزم مؤنة الاقامة فيأتيه البلدى ويقول ضع متاعك عندي وارجع لابيعه لك على التدريج باغلا من هذا السعر * وهو مأثؤم به بشروط (أحدها) أن يكون عالما بورود النهى فيه وهذا شرط يعم جميع المناهي (وثانيها)(8/217)
أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد فان لم يظهر امام لكبر البلد وقلة ذلك الطعام أو لعموم وجوده أو رخص السعر فيه ففيه وجهان (أوفقهما) لمطلق الخبر أنه يحرم (والثاني) لا لان المعنى المحرم تفويت الرفق والربح على الناس وهذا المعنى لم يوجد ههنا (وثالثها) ان يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه كالصوف والاقط وسائر اطعمة القرى (فاما) ما لا يحتاج إليه الا نادرا فقلا يدخل تحت النهي قاله في التهذيب (ورابعها) أن يحصر القروى لحضري ذلك على البدوى ويدعوه إليه (فاما) إذا التمس البدوى منه بيعه تدريجا أو قصد الاقامة في البلد لييعه كذلك فسأل البدوى تفويضه إليه فلا بأس به لان لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك عنه لما فيه من الاضرار به * ولو أن البدوى استشار الحضرى فيما فيه حظه فهل يرشده إلى الادخار والبيع على التدريج حكى القاضي ابن كج عن ابي الطيب بن سلمة وأبى اسحاق المروزى أنه يجب عليه إرشاده إليه بذلا للنصيحة وعن أبي حفص بن الوكيل أنه لا يرشده إليه توسيعا على الناس * ثم لو باع الحضرى للبدوي عند اجتماع شرائط التحريم صح البيع وإن أثم واحتج الشافعي رضي الله عنه بما روى في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر الخبر (دعوا الناس يرزق الله عزوجل بعضهم من بعض) ولولا صحة البيع لما كان في فعله تفويت علي الناس قال (وأن يتلقى الركبان ويكذب في سعر سلعتهم فيشتريها رخيصا فللبائع الخيار إذا عرف كذبه لانه تغرير) * روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا تلقوا الركبان للبيع وفى رواية فمن تلقاها فصاحب
السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق) وصورته أن يتلقى الانسان طائفة يحملون متاعا إلى البلد فيشتريه(8/218)
منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره فيأثم ان كان عارفا بالخبر قاصدا لتلقى الركبان لكن البيع صحيح ولا خيار لهم قبل أن يقدموا ويعرفوا السعر وبعده يثبت الخيار إن كان الشراء بارخص من سعر البلد سواء أخبر كاذبا أولم يخبر وان كان الشراء بسعر البلد أو أكثر ففى ثبوت الخيار وجهان (أحدهما) يثبت وبه قال الاصطخرى وابن الوكيل لظاهر الخبر (وأصحهما) لا يثبت لانه لم يوجد تغرير وخيانة وأجرى الوجهان فيما إذا ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء عن علم منهم بسعر البلد أو غير علم * ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل آخر من اصطياد وغيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئا فهل يعصى فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لم يتلق (واظهرهما) عند الاكثرين نعم لشمول المعنى فعلى الاول لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين (وقيل) إن أخبر عن السعر كاذبا ثبت الخيار وحيث نبت الخيار في هذه الصورة فهو على الفور كخيار العيب أو يمتد ثلاثة أيام فيه وجهان كما في خيار التصرية أصحهما أولهما * ولو تلقى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد فهل هو كالتلقي للشراء فيه وجهان (احدهما) لا لان النهي إنما ورد عن الشراء (والثاني) نعم لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم وعن مالك أن البيع باطل في صورة تلقى الركبان وكذلك بيع الحاضر للبادى فيجوز أن يعلم القصلان بالميم إشارة إليه وبمثله قال احمد في بيع الحاضر للبادى *(8/219)
فيجوز ان يعلم الفصلان بالميم اشارة إليه وبمثله قال احمد في بيع الحاضر للبادى * وإذا تأملت ما اوردناه عرفت ان قوله في الكتاب ويكذب في سعر سلعتهم ليس بشرط في ثبوت الخيار والله اعلم * قال (ونهى عن السوم على السوم وهو بعد قرار الثمن وقبل العقد * ونهى عن البيع(8/220)
علي البيع وهو بعد العقد وقبل اللزوم * ونهي عن النجش وهو ان يرفع قيمة السلعة وهو غير
راغب فيها ليخدع المشترى بالترغيب) * مقصود الفصل الكلام في ثلاثة من المناهي في البيع (احدها) روي عن ابن عمر وأبي رضى الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يسوم الرجل علي سوم اخيه) وصورته ان(8/221)
يأخذ شيئا ليشتريه فيجئ غيره إليه ويقول رده حتى ابيع منك خيرا منه بارخص أو يقول لمالكه استرده لا شتريه باكثر وانما يحرم ذلك بعد استقرار الثمن (فاما) ما يطاف به فيمن يزبد وطلبه طالب فلغيره الدخول عليه والزيادة في الثمن روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى على قدح وجلس لبعض أصحابه فقال رجل هما علي بدرهم ثم قال آخر هما علي بدرهمين فقال صلى الله عليه وسلم هما لك بدرهمين) وإنما يحرم إذا حصل التراضي صريحا فان جرى ما يدل علي الرضى ففى تحريم(8/222)
السوم على سوم الغير وجهان كالقولين في تحريم الخطبة في نظيره (والجديد) أنه لا يحرم وهل السكوت من أدلة الرضى إذا لم يقترن به ما يشعر بالانكار (اما) الخطبة فنعم (وأما) ههنا فقد قال الاكثرون لا بل هو كالتصريح بالرد وعن بعضهم أنه كما في الخطبة حتى يخرج على الخلاف (وثانيها) عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا بيع بعضكم علي بيع بعض) وصورته ان يشترى الرجل شيئا فيدعوه غيره الي الفسخ ليبيعه خيرا منه بارخص(8/223)
وفى معناه الشراء على الشراء وهو أن يدعو البائع الي الفسخ ليشتريه منه باكثر ولا شك ان ذلك انما يكون عند امكان الفسخ * ثم الشافعي رضى الله عنه صوره فيما إذا كان المتبايعان في مجلس العقد بعد وعليه جرى كثير من الشارحين ونقلوا عن ابي حنيفة ان المراد من البيع علي البيع هو السوم لان عنده خيار المجلس لا يثبت فلا يتصور البيع على البيع * وقال قائلون مدة الخيار المشروط كزمان المجلس وهذا هو الوجه (وقوله) في الكتاب وقيل اللزوم يبطل الخيارين جميعا وشرط القاضى ابن كج لتحريم البيع على البيع شرطا وهو ان لا يكون المشترى مغبونا غبنا مفرطا فان كان فله ان(8/224)
يعرفه ويبيع على بيعه لانه ضرب من النصيحة قالوا ولو اذن البائع في البيع على بيعه ارتفع التحريم خلافا لبعض الاصحاب (وثالثها) عن ابن عمر (ان النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن النجش) وصورته ان يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع وهو غير راغب فيها ليخدع الناس ويرغبهم فيها فهو محرم لما فيه من الخديعة لكن لو انحدع انسان واشتراها صح العقد ولا خيار له ان لم يكن ما فعله الناجش عن مواطأة البائع وان كان عن مواطأته فوجهان (احدهما) وبه قال ابو اسحق انه يثبت الخيار للتدليس كما في التصرية (واشبههما) عند الائمة وبه قال ابن ابي هريرة انه لا خيار لان التفريط من جهته حيث اغتر بقوله ولم يحتط بالبحث عن ثقات اهل الخبرة وتخالف صورة التصرية إذ لا تفريط من المشترى وقد حكي صاحب الكتاب هذين الوجهين في فصول خيار النقيصة وجعل وجه ثبوت الخيار اقيس * ولو قال البائع اعطيت بهذه السلعة كذا فصدقه المشترى واشتراه ثم بان خلافه فان ابن الصباغ خرج ثبوت الخيار له على هذين الوجهين * وعن مالك أن شراء المنخدع في صورة النجش غير صحيح وهو رواية عن أحمد ضعيفة (واعلم) ان الشافعي رضي الله عنه أطلق القول في المختصر بتعصية الناجش وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالما بالحديث الوارد فيه قال الشارحون السبب فيه أن النجش خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد ومعلوم من الالفاظ العامة وان لم يكن يعلم هذا الخبر بخصوصه والبيع على بيع الاخ انما عرف تحريمه من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف الخبر * وذكر بعضهم أن تحريم الخداع يعرف بالعقل وان لم يرد شرع * ولك أن تقول كما أن النجش خديعة فالبيع على بيع الاخ اضرار وكما أن تحريم النجش يعرف من الالفاظ العامة في تحريم الخداع فكذلك تحريم البيع(8/225)
على البيع يعرف من الالفاظ العامة في تحريم الاضرار وإن لم يعلم الخبر الوارد فيه بخصوصه (وأما) الكلام الثاني فليس معتقدنا ومن قال به فقد يطرده في الاضرار (والوجه) توقيف المعصية على مطلق معرفة الحرمة إما من عموم أو من خصوص * قال (ونهي عن أن توله والدة بولدها وذلك في الصغر * فان فرق بينهما بالبيع ففى فساد البيع
قولان لان التسليم تفريق محرم فكأنه معتذر) * عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انه قال (لا توله والدة بولدها) وعن أبي أيوب رضى الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال (من فرق بين والدة وولدها فرق الله عزوجل بينه وبين أحبته يوم القامة) وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لا يفرق بين الام وولدها قيل إلي متي قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية) فهده الاخبار ونحوها عرفتنا تحريم التفريق(8/226)
بين الجارية وولدها الصغير بالبيع والقسمة والهبة وغيرها ولا يحرم التفريق في العتق ولا في الوصية فلعل الموت يكون بعد انقضاء زمان التحريم وفى الرد بالعيب اختلاف للاصحاب وعن الشيخ ابى اسحق الشيرازي أنه لو اشترى جارية وولدها الصغير ثم تفاسخا البيع في أحدهما جاز وحكم التفريق في الرهن مذكور في كتاب الرهن * وإذا فرق بينهما بالبيع والهبة ففى الصحة قولان (أحدهما) يصح وبه قال أبو حنيفة لان النهي لما فيه من الاضرار لا يحلل في نفس البيع (وأصحهما) المنع لما روى عن على رضى الله عنه أنه (فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع) ولان التسليم تفريق محرم فيكون كالمتعذر فلما مر أن العجز قد يكون حسيا وقد يكون شرعيا وحكى ابو الفرج البزاز أن القولين فيما إذا كان التفريق بعد سقي الام ولدها اللباء فاما قبله فلا صحة جزما لانه تسبب الي هلاك الولد والى متى يمتد تحريم التفريق فيه قولان (احدهما) الي البلوغ وبه قال ابو حنيفة لخبر عبادة (واظهرهما) وهو الذى نقله المزني انه إلى سن التمييز وهو سبع أو ثمان على التقريب لانه حينئذ يستغني عن التعهد والحضانة ويقرب من هذا مذهب مالك فان عنده يمتد التحريم إلى وقت سقوط الاسنان (وقوله) في الكتاب وذلك في الصغر يوافق القول الاول لفظا * ويكره التفريق بعد البلوغ ولكن لو فرق بالبيع أو الهبة صح خلافا لاحمد * ولو كانت الام رقيقة والولد حرا وبالعكس فلا منع من بيع الرقيق ذكره في التتمة والتفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن جائز وعن الصيمري حكاية وجه آخر * وهل الجدة والاب وسائر المحارم كالام في تحريم التفريق * هذه الصورة مذكورة في كتاب السير وسنأتي في الشرح عليها إن شاء الله تعالى والآن نختم(8/227)
الباب بذكر انواع اخر ورد النهي عنها (منها) ما هو من القسم الاول (ومنها) ما هو من القسم الثاني فما هو من القبيل الاول بيع المحافلة والمزابنة وسنذكرهما ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المجر) وفسره ابو عبيدة بما في الرحم (وقيل) هو الزنا (وقيل) هو للحاملة والزان (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه سلم (نهي عن بيع العربان) ويقال له العربون أيضا وصورته أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم على انه ان أخذ السلعة فهي من الثمن والا فهي للمدفوع إليه مجانا وتفسر ايضا بان تدفع دراهم إلى صانع ليعمل له ما يريده من خاتم يصوغه(8/228)
أو خف يخرزه أو ثوب ينسجه على انه ان رضيه فالمدفوع من الثمن والا لم يسترده منه وهما متقاربان (ومنها) ما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع السنين) وله تفسيران (أحدهما) أن يبيع ثمرة النخل سنين (والثاني) ان يقول بعتك هذا سنة على انه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا فأردأنا الثمن وترد انت المبيع (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) وهو البيع بشرط القرض وقد مر (ومنها) ما روي انه صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن الهرة) قال القفال اراد الهرة الوحشية إذ ليس فيها منفعة استئناس ولاغيره (ومنها) بيع السلاح من اهل الحرب لا يصح لانه لا يراد الا للقتال فيكون بيعه منهم تقوية لهم على قتال المسلمين ويجوز بيع الحديد(8/229)
منهم لانه لا يتعين للسلاح (ومنها) ما روي (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يفرك) وروى النهي عن بيع الغنب حتى يسود وعن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة وسيأتي القول فيها ومما هو من القبيل الثاني بيع الرطب والعنب ممن يتوهم أنه يتخذ منهما النبيذ والخمر مكروه وان تحقق فمنهم من قال مكروه ومنهم من قال(8/230)
حرام وعلى التقديرين فلو باع صح خلافا لمالك وكذا بيع السلاح من البغاة وقطاع الطريق مكروه لكنه صحيح ويكره مبايعة من اشتملت يده على الحلال والحرام سواء كان الحلال أكثر وبالعكس ولو بايعه
لم يحكم بالفساد وعن مالك (أن مبايعة من أكثر ماله حرام باطل) وليس من المنافي بيع العينة وهو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبضه للثمن بأقل من ذلك نقدا وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدا ويشتري بأكثر منه إلى أجل سواء قبض الثمن الاول(8/231)
أو لم يقبضه وقال مالك وابو حنيفة واحمد رضي الله عنهم لا يجوز أن يشتري بأقل من ذلك الثمن قبل قبضه وجوز ابو حنيفة أن يشتري بسلعة قيمتها أقل من قدر الثمن * لنا أنه ثمن يجوز بيع السلعة به من غير بائعها فيجوز من بائعها كما لو اشتراه بسلعة أو بمثل ذلك الثمن أو أكثر ولا فرق بين أن يصير يبع العينة عادة غالبة في البلد أو لا يصير على المشهور وأفتى الاستاذ أبو إسحق والشيخ ابو محمد بأنه إذا صار عادة صار البيع الثاني كالمشروط في الاول فيبطلان جميعا ولهذا نظائر ستذكر في مواضعها وليس من المناهي بيع رباع مكة بل هو جائز وعن مالك وأبي حنيفة (انه لا يجوز لنا اتفاق الصحابة فمن بعدهم عليه) وليس من المناهي أيضا (بيع المصحف وكتب الحديث) وعن الصيمري (أن بيع المصحف مكروه) قال وقد قيل أن الثمن يتوجه إلى الدفتين لان كلام الله عزوجل لا يباع وقيل انه بدل من اجرة النسخ * قال (الباب الرابع * في الفساد من جهة تفريق الصفقة) (ومهما باع الرجل ملك نفسه وملك غيره ففي صحة بيعه في ملكه قولان الاصح الصحة * ولو كان ما بطل البيع فيه حرا أو خمرا أو خنزيرا أو ما لا قيمة له فقولان مرتبان وأولى بالبطلان * وللبطلان علتان (إحداهما) أن الصيغة متحدة فإذا فسدت في بعض المقتضيات لم تقبل التجزى (والاخرى) أن الثمن فيما يصح يصير مجهولا * وعلى هذه العلة لا يمتنع تفريق الصفقة في الرهن والهبة إذ لا عوض(8/232)
فيهما * ولا في النكاح فانه لا يفسد بالجهل بالعوض) * هذا باب طويل التفريع كثير التردد في قواعد الفقه ولطول تفاريعه لم ير المزني إيداع مسائله في المختصر وبيض ورقة أو ورقتين ليلخصها أو يقتصر على ذكر أوضح القولين فيها ثم لم يتفق له ذلك
فبقي في النسخ القديمة بعض البياض وللقفال وأصحابه تقسيم حاو لمسائل الباب في نهاية الحسن إلا أن إيراد الكتاب لا ينطبق عليه كل الانطباق والتقسيم المناسب له أن يقال: إذا جمع بين شيئين في صفقة واحدة لم يخل (إما) أن يجمع بينهما في عقد واحد (أو) في عقدين مختلفي الحكم (القسم الاول) أن يجمع بينهما في عقد واحد فله حالتان (إحداهما) أن يقع التفريق في الابتداء (والاخرى) أن تقع في الانتهاء (فأما) في الحالة الاولى فينظر إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع فلا يخفى بطلان العقد في الكل كما لو جمع بين أختين في النكاح أو بين خمس نسوة وان لم يكن كذلك فاما أن يجمع بين شيئين كل منهما قابل لما أورده عليه من العقد (وإما) أن لا يكون كذلك فان كان الاول كما لو جمع بين عينين في البيع يصح العقد فيهما ثم ان كان من جنسين كعبد وثوب أو من جنس واحد لكنهما ما مختلفا القيمة كعبدين يوزع الثمن عليهما باعتبار القيمة وإن كانا من جنس واحد وكانا متفقي القيمة كقفيزى حنطة واحدة يوزع عليهما باعتبار الاجزاء وإن كان الثاني فاما أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد كما لو باع خمرا وميتة فلا يخفى حكمه (واما) أن يكون أحدهما قابلا فالذي هو غير قابل ضربان (أحدهما) أن يكون متقوما كما لو باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ففي صحة البيع في عبده قولان (أصحهما) وهو اختيار المزني أنه يصح لانه باع شيئين مختلفي الحكم فيأخذ كل واحد منهما حكم نفسه كما لو باع شقصا مشفوعا وثوبا ثبتت الشفعة في الشقص دون الثوب وأيضا فان الصفقة إذا اشتملت على صحيح وفاسد فالعقد صحيح في الصحيح وقصر الفساد على الفاسد ومثلوا ذلك بما إذا شهد عدل وفاسق لا يقضي برد الشهادتين ولا بقبولهما بل تلك مقبولة وهذه مردودة ولو قال قائل قدم زيد وعمرو وكان قدم(8/233)
زيد دون عمرو لا يقضي بالصدق فيهما ولا بالكذب فيهما بل ذلك صدق وهذا كذب (والثاني) لا يصح لاحد معنيين (الاول) ان اللفظة واحدة لا يتأتى تبعيضها فاما أن يغلب حكم الحرام على الحلال أو بالعكس والاول أولى لان تصحيح العقد في الحرام يمتنع وإبطاله في الحلال غير ممتنع (والثاني) أن الثمن المسمى يتوزع عليهما باعتبار القيمة ولا يدري حصة كل واحد منهما عند العقد
فيكون الثمن مجهولا وصار كما لو قال بعتك عبدي هذا بما يقابله من الالف إذا وزع عليه وعلى عبد فلان فانه لا يصح وهاتان العلتان على ما حكاه أكثر الناقلون منسوبة إلى الاصحاب ولهم خلاف في أن العلة أيهما ورواهما القاضي ابن كج عن الشافعي رضي الله عنه وقال له قولان في أن العلة هذه أم هذه (والضرب الثاني) الا يكون متقوما وهو على نوعين (أحدهما) أن يتأتى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة كما لو باع حرا وعبدا فان الحر غير متقوم لكن يمكن تقدير القيمة فيه من غير تغيير في الخلقة ففي صحة البيع في العبد طريقان (احدهما) القطع بالفساد لان(8/234)
المضموم إلى العبد ليس من جنس المبيعات ولانا سنذكر في التفريع الحاجة إلى التوزيع والتوزيع ههنا يحوج إلى تقدير شئ في الموزع عليه وهو غير موجود فيه (وأصحهما) طرد القولين قال الامام ولو قلنا في صحة البيع قولان مرتبان على ما إذا باع عبدا مملوكا والاخر مغصوبا لافاد ما ذكرنا من نقل الطريقتين وهكذا كل ترتيب ونقل عن شيخه ان القولين على الطريقة الثانية فيما إذا كان المشتري جاهلا بحقيقة الحال فان كان عالما فالوجه القطع بالبطلان كما لو قال بعتك عبدي بما يخصه من الالف إذا وزع عليه وعلى عبد فلان ولو باع عبده ومكاتبه أو أمته أو أم ولده فليس ذلك كما لو باع عبدا وحرا بل هو من صور الضرب الاول لان المكاتب وأم الولد متقومان بالاتلاف والنوع الثاني(8/235)
أن لا يتأنى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة كما لو باع خلا وخمرة أو مزكاة وميتة أو شاة وخنزيرا ففي صحة البيع في الخل والمزكاة والشاة خلاف مرتب على الخلاف في العبد والحر والفساد ههنا أولا لان تقدير القيمة غير ممكن ههنا الا بفرض تغيير الخلقة وحينئذ لا يكون المقوم هو المذكور في العقد.
وقال أبو حنيفة العقد فاسد في الكل في الضرب الثاني وأما في الضرب الاول فيصح في الحلال ويتوقف في المضموم إليه على الاجازة.
وصحح مالك البيع في الحلال في الضربين جميعا وعن احمد روايتان كقولي الشافعي رضي الله عنه ولو رهن عبده وعبد غيره من إنسان أو(8/236)
وهبهما منه أو رهن عبدا أو حرا أو وهبهما هل يصح الرهن والهبة في المملوك يترتب ذلك على البيع ان صححنا ثم فكذلك ههنا والا ففيه قولان مبنيان على العلتين (ان) عللنا بامتناع تجزئة العقد الواحد فلا يصح (وان) عللنا بجهالة العوض يصح إذ لا عوض ههنا حتى يفرض الجهل فيه وعلى هذا الترتيب ما إذا زوج منه مسلمة ومجوسية أو أخته وأجنبيته لان جهالة العوض لا تمنع صحة النكاح (وقوله) في الكتاب احدهما أن الصفقة متحدة وفي بعض النسخ أن الصيغة متحدة وكلاهما مستقيم وزاد الامام في هذه العلة قيدا فقال العقد متحد في نفسه فإذا تطرق الفساد إليه وجب أن لا ينقسم إذ لم يبن على الغلبة والسريان وقصد به الاحتراز عن العتق والطلاق وما في معناهما * قال (ولو اشترى عبدين وانفسخ العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض أو بسبب يوجب الفسخ ففي الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة * وأولى بأن لا ينفسخ في الباقي) *(8/237)
الحالة الثانية أن يقع التفريق في الانتهاء وهو على ضربين (أحدهما) ان لا يكون اختياريا كما لو اشترى عبدين ثم قبل ان يقبضهما تلف احدهما فان العقد ينفسخ فيه وهل ينفسخ في الثاني فيه طريقان (احدهما) انه على القولين فيما لو جمع بين مملوك وغير مملوك تسوية بين الفساد المقرون بالعقد والفساد الطارئ قبل القبض كما يسوي في العيب بين المقرون بالعقد وبين الطارئ قبل القبض وهذا قد حكاه القاضي عن ابي إسحق المروزي (واصحهما) القطع بعدم الانفساخ في الثاني لان الانفساخ طرأ بعد العقد فلا يتأثر به الآخر كما لو نكح اجنبيتين دفعة واحدة ثم ارتفع نكاح احداهما بردة أو رضاع لا يرتفع نكاح الاخرى وايضا فان علة الفساد (إما) الجمع بين الحلال والحرام وإما جهالة الثمن ولم يوجد الجمع بين الحلال والحرام والثمن ثابت كله في الابتداء والسقوط الطارئ لا يؤثر في الانفساخ كما لو خرج المبيع معيبا وتعذر الرد لبعض الاسباب والثمن غير مقبوض فيسقط بعضه على سبيل الارش ولا يلزم منه فساد العقد والطريقان جاريان فيما إذا تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير مقبوض أو في الصرف وبعض العوض غير مقبوض وانفسخ العقد في غير المقبوض هل ينفسخ في الباقي
هذا إذا تلف احدهما في يد البائع قبل ان يقبضهما فاما إذا قبض أحدهما وتلف الاخر في يد البائع ترتب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض على الصورة السابقة وهذه اولى بعدم الانفساخ لتأكد العقد في المقبو ض بانتقال الضمان فيه إلى المشتري هذا إذا كان المقبوض باقيا في يد المشتري فان تلف في يده ثم تلف الاخر في يد البائع فالقول بالانفساخ(8/238)
أضعف لتلف المقبوض على ضمانه (وإذا قلنا) بعدم الانفساخ فهل له الفسخ فيه وجهان (أحدهما) نعم وترد قيمته (والثاني) لا وعليه حصته من الثمن ولو اكترى دارا مدة وسكنها بعض المدة ثم انهدمت الدار انفسخ العقد في المستقبل وهل ينفسخ في الماضي يخرج على الخلاف في المقبوض التالف في يد المشتري (فان قلنا) لا ينفسخ فهل له الفسخ فيه الوجهان (فان قلنا) ليس له ذلك فعليه من المسمى(8/239)
ما يقابل الماضي (وإن قلنا) له الفسخ فعليه أجرة المثل للماضي ولو انقطع بعض المسلم فيه عند المحل والباقي مقبوض أو غير مقبوض وقلنا لو انقطع الكل انفسخ العقد فيه انفسخ في المنقطع وفي الباقي الخلاف المذكور فيما إذا اتلف أحد الشيئين قبل قبضهما وإذا قلنا لا ينفسخ فله الفسخ فان أجاز فعليه حصته من(8/240)
راس المال لا غير (وان قلنا) لو انقطع الكل لم ينفسخ العقد فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكل وإن شاء أجازه في الكل وهل له الفسخ في القدر المنقطع والاجازة في الباقي فيه قولان بناء على الخلاف الذي سنذكره في الضرب الثاني (والضرب الثاني) أن يكون اختياريا كما لو اشترى عبدين(8/241)
صفقة واحدة ثم وجد باحدهما عيبا فهل له افراده بالرد جزم الشيخ ابو حامد في التعليق بانه ليس له ذلك (والمشهور) أنه على قولين وبنوهما على جواز تفريق الصفقة ان جوزنا تجويز الافراد والا فلا وقياس هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر ولكن صرح كثير من الصائرين إلى جواز التفريق بان منع الاقرار أصح واحتجوا له بان الصفقة وقعت مجتمعة ولا ضرورة إلى تفريقها فلا تفريق والقولان(8/242)
مفروضان في العبدين وفي كل شيئين لا يتصل منفعة أحدهما بالاخر فاما في زوجي الخف ومصراعي الباب فلا سبيل إلى افراد المعيب بالرد بحال وارتكب بعضهم طرد القولين فيه ولا فرق على القولين بين أن ينفق ذلك بعد القبض أو قبله وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز افراد المعيب بالرد قبل القبض(8/243)
ويجوز بعده إلا أن تتصل منفعة أحدهما بالاخر فان لم نجوز الافراد فلو قال رددت المعيب هل يكون هذا ردا لها عن الشيخ أبي علي رواية وجهين فيه (أصحهما) لابل هو لغو ولو رضي البائع بافراده جاز في أصح الوجهين وان جوزنا الافراد فان رده استرد قسطه من الثمن ولا يسترد(8/244)
الجميع إذ لو صرنا إليه لاخلينا بعض المبيع عن المقابل وعلى هذا القول لو أراد رد السليم والمعيب معه فله ذلك أيضا وفيه وجه ضعيف ولو وجد العيب بالعبدين وم؟ اد وأفرد أحدهما بالرد جرى(8/245)
القولان ولو تلف أحد العبدين أو باعه ووجد بالباقي عيبا ففي افراده قولان مرتبان.
وهذه الصورة أولى بالجواز لتعذر ردهما جميعا (فان قلنا) يجوز الافراد رد الباقي واسترد من الثمن حصته وسبيل التوزيع تقدير العبدين سليمين وتقويهما ويقسط الثمن على القيمتين فلو اختلفا في قيمة التالف فادعى(8/246)
المشتري ما يقتضي زياة الواجب على ما اعترف به البائع فقولان (أصحهما) وقد نص عليه في أخلاف العراقيين أن القول قول البائع مع يمينه لانه ملك جميع الثمن بالبيع فلا رجوع عليه الا بما اعترف به (والثاني) أن القول قول المشتري لانه تلف في يده فاشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة لان القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده (وان قلنا) لا يجوز الافراد فوجهان(8/247)
ويقال قولان (أحدهما) أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد وهذا اختيار القاضي أبي الطيب واحتج له بان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر في المصراة برد الشاة وبدل اللبن الهالك) فعلى هذا لو
اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري مع يمينه لانه حصل التلف في يده وهو الغارم وروي(8/248)
في التتمة وجها آخر أن القول قول البائع لان المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك (وأصحهما) أنه لا يصح له ولكنه يرجع بارش العيب لان الهلاك أعظم من العيب ولو حدث عنده عيب ولم يتمكن من الرد فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف عاد القولان السابقان لانه في الصورتين يرد(8/249)
بعض الثمن الا أنه على ذلك القول يرد حصة الباقي وعلى هذا القول يرد ارش العيب والنظر في قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض فيه مثل الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة ارش العيب القديم.
وإذا عرفت ما ذكرنا لم يخف عليك أن قوله في الكتاب ولو اشترى عبدين وانفسخ(8/250)
العقد في أحدهما بالتلف قبل القبض اشارة إلى الحالة الاولى (وقوله) أو بسبب يوجب الفسخ يمكن حمله على الحالة الثانية وهو الاقرب إلى اللفظ ويمكن حمله على سائر الصور المذكورة في الحالة الاولي نحو الصرف والسلم وتأول لفظ الفسخ والله أعلم * قال (والاصح أن الفساد مقصور على الفاسد الا إذا صار ثمن ما يصح العقد عليه مجهولا حتى لو باع عبدا له نصفه صح في نصيبه إذ حصته نصف الثمن وكذا بيع جملة الثمار وفيها عشر الصدقة بخلاف ما لو باع أربعين شاة وفيها الزكاة إذ حصة الباقي مجهولة) (أدرج في الفصل صورا تتفرع على علتي قول الفساد من قولي التفريق (منها) لو باع شيئا(8/251)
يتوزع الثمن على أجزائه بعضه له وبعضه لغيره كما لو باع عبدا له نصفه أو صاع حنطة له نصفه أو صاعي حنطة أحدهما له والاخر لغيره صفقة واحدة ترتب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما له والاخر لغيره ان صححنا فيما يملكه فكذلك ههنا والا فقولان ان عللنا بالجمع بين الحلال والحرام لم يصح وان عللنا بجهالة الثمن صح لان حصة المملوك ههنا معلومة (ومنها) لو باع جملة الثمار وفيها عشر
الصدقة فهل يصح البيع في قدر الزكاة قد بينه في باب الزكاة (فان قلنا) لا يصح فالترتيب في الباقي كما ذكرنا فيما لو باع عبدا له نصفه لان توزيع الثمن على ماله بيعه وما ليس له معلوم على التفصيل (ومنها) لو باع أربعين شاة وفيها قدر الزكاة وفرعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة فالترتيب في الباقي كما مر فيما لو باع عبده وعبد غيره ومما يتفرع على هاتين العلتين لو ملك زيد عبدا وعمرو(8/252)
عبدا فباعهما صفقة واحدة بثمن واحد ففي صحة العقد قولان وكذا لو باع من رجلين عبدين له هذا من هذا وهذا من هذا بثمن واحد ان عللنا بالجمع بين الحلال والحرام صح وان عللنا بجهالة العوض لم يصح لان حصة كل واحد منهما مجهولة (ومنها) قال في التتمة لو باع عبده وعبد غيره وسمى لكل واحد منهما ثمنا فقال بعتك هذا بمائة وهذا بخمسين ان عللنا باجتماع الحلال والحرام فسد العقد وان عللنا بجهالة الثمن صح في عبده * ولك أن تقول سنذكر أن تفصيل الثمن من أسباب تعدد العقد وإذا تعدد وجب القضاء بالصحة على التعليلين * إذا تقرر ذلك فاعلم أن قوله (والاصح) أن الفساد مقصور على الفاسد إلى آخره توسط بين القولين وترجيح لقول الصحة في المملوك إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على أجزائه ولقول الفساد فيما إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على قيمته وهذا قد اختاره صاحب الكتاب في آخرين لكن الاكثرين لم يفرقوا بين الحالتين ورجحوا الصحة على الاطلاق والله أعلم *(8/253)
قال (ثم مهما قضينا بالصحة فللمشتري الخيار إذا لم يسلم له جميع ما اشتراه ويأخذ الباقي ان أجاز بقسطه من الثمن على أصح القولين لا بكل الثمن) * (مقصود الفصل التفريع على قولى تفريق الصفقة من أصلهما والرأى أن نفرد كل مرتبة بالذكر فنقول إذا باع ماله ومال غيره صفقة واحدة وصححنا البيع في ماله نظر ان كان المشتري جاهلا بالحال فله الخيار لانه دخل في العقد على أن يسلم له كل المبيع ولم يسلم فان أجاز فكم يلزمه من الثمن فيه قولان (أحدهما) جميعه لانه لغا ذكر المضموم إلى ماله فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صح العقد فيه
(وأصحهما) وبه قال أبو حنيفة أنه لا يلزمه الا حصة المملوك من الثمن إذا وزع على القيمتين لانه أوقع(8/254)
الثمن في مقابلتهما جميعا فلا يلزم في مقابلة احدهما الا قسطه وما موضع القولين قال قائلون موضعهما ان يكون المبيع ما يتقسط الثمن على قيمته فان كان مما يتقسط على اجزائه على ما مر نظائره فالواجب قسط المملوك من الثمن قولا واحدا والفرق ان المصير إلى التقسيط ههنا لا يورث جهالة في الثمن عند العقد وثم بخلافه ومنهم من طرد القولين وهو الاظهر لان الشافعي رضي الله عنه نص على قولين فيما إذا باع الثمار بعد وجوب العشر فيها وأفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أن الواجب جميع الثمن أو حصته (فان قلنا) الواجب جميع الثمن فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه (وان قلنا) الواجب القسط فوجهان (أحدهما) أن له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن (وأصحهما) أنه لا خيار له لان التفريط من حيث باع مالا يملكه وطمع في ثمنه وان كان المشتري عالما بالحال فلا خيار له كما لو اشتري(8/255)
معيبا وهو عالم بعيبه وكم يلزمه من الثمن فيه القولان كما لو كان جاهلا وأجاز وقطع قاطعون بوجوب الجميع ههنا لانه التزمه عالما بان بعض المذكور لا يقبل العقد * ولو باع عبدا وحرا أو خلا وخمرا أو مذكاة وميتة أو شاة وخنزيرا وصححنا العقد فيما يقبله وكان المشتري جاهلا بالحال وأجاز أو عالما(8/256)
ففيما يلزمه من الثمن طريقان (احدهما) القطع بوجوب جميع الثمن لان مالا قيمة له لا يمكن التوزيع على قيمته ويحكي هذا عن صاحب التلخيص (واصحهما) طرد القولين (فان قلنا) الواجب قسط من الثمن فكيف نعتبر هذه الاشياء في التوزيع فيه وجهان (أصحهما) عند المصنف انه ينظر إلى قيمتها عند من يرى لها قيمة (والثاني) انه يقدر الخمر خلا ويوزع عليهما باعتبار الاجزاء ونقدر الميتة مذكاة(8/257)
والخنزير شاة وتوزع عليهما باعتبار القيمة * ومنهم من قال يقدر الخمر عصيرا والخنزير بقرة * ولو نكح مسلمة ومجوسية في عقد واحد وصححنا نكاح المسلمة (فالصحيح) المشهور انه لا يلزم جميع المسمى
للمسلمة بلا خلاف لانا إذا اثبتنا الجميع في البيع اثبتنا الخيار ايضا وههنا لا خيار فايجاب الجميع اجحاف ولا مدفع له وعن رواية الشيخ أبي على قول أنه يلزم لها جميع المسمى لكن له الخيار في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل قال الامام وهذا لا يدفع الضرر فان مهر المثل قد يكون مثل المسمي أو أكثر وما الذي يلزم إذا قلنا بالصحيح فيه قولان (أظهرهما) مهر المثل (وثانيهما) قسطها من المسمي إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل المجوسية * ولو اشترى عبدين وتلف أحدهما قبل القبض وانفسخ العقد فيه وقلنا لا ينفسخ في الباقي فله الخيار فيه فان أجاز فالواجب قسطه من الثمن لان الثمن وجب(8/258)
في مقابلتهما في الابتداء فلا ينصرف إلى احدهما في الدوام وعن ابي اسحق المروزي طرد القولين فيه * (فرع) لو باع شيئا من مال الربا بجنسه ثم خرج بعض أحد العوضين مستحقا وصححنا العقد في الباقي وأجاز فالواجب حصته بلا خلاف لان الفصل بينهما حرام * (فرع) لو باع معلوما ومجهولا لم يصح البيع في المجهول وفي المعلوم يبني على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره (إن قلنا) لا يصح فيما له لم يصح ههنا في المعلوم (وإن قلنا) يصح ففيه قولان مبنيان على أنه كم يلزمه من الثمن ثم (إن قلنا) الجميع صح ولزم ههنا أيضا جميع الثمن (وان قلنا) حصته من الثمن لم يصح ههنا لتعذر التوزيع ومنهم من حكى قولا أنه يصح وله الخيار فان أجاز لزمه جميع الثمن (واعلم) أن لصاحب التلخيص والشارحين لكلامه تخريج مسائل دورية على تفريق الصفقة لم أوثر إخلاء هذا المجموع عن طرف منها فعقدت له فصلا *(8/259)
فصل قال صاحب التلخيص في التلخيص في القول الذي يرى تفريق الصفقة يقع للشافعي رضي الله عنه مسائل من الدور من ذلك لو باع مريض قفيز حنطة بقفيز حنطة وكان قفيز المريض يساوي عشرين وقفيز الصحيح يساوي عشرة ومات المريض ولا مال له غيره ففيها قولان (أحدهما) أن البيع باطل (والاخر) أن البيع جائز في ثلثي قفيز بثلثي قفيز ويبطل في الثلث ولكل واحد منهما الخيار في إبطال البيع وفيه قول آخر أنه لا خيار لهما فيه هذا لفظه وإنما صور في الجنس الواحد من مال الربا لتجتمع
أشكال الدور والربا وأول ما يجب معرفته في المسألة وأخواتها أن محاباة المريض مرض الموت في البيع والشراء نازلة منزلة هبته وسائر تبرعاته في الاعتبار من الثلث فان زادت على الثلث ولم تجز الورثة ما زاد كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا مال له غيره فيرتد البيع في بعض المبيع وما الحكم في الباقي فيه طريقان (أحدهما) القطع بصحة البيع فيه لانه نفذ في الكل ظاهرا والرد في البعض تدارك حادث وهذا أصح عند صاحب التهذيب ووجهه بان المحاباة في المرض وصية والوصية تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها (واظهرهما) عند أكثرهم أنه على قولي تفريق الصفقة (وإذا قلنا) بصحة البيع في الباقي ففي كيفيتها قولان ويقال وجهان (أحدهما) أن البيع يصح في القدر الذي يحتمله الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ويبطل في الباقي لانه اجتمع للمشتري معاوضة ومحاباة فوجب أن يجمع بينهما فعلى هذا يصح العقد في ثلثي العبد بالعشرة ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته والثمن وهو عشرة وذلك مثلا المحاباة وهي عشرة ولا تدور المسألة على هذا القول (والثاني) أنه إذا ارتد البيع في بعض المبيع وجب أن يرتد إلى المشتري ما يقابله من الثمن فعلى هذا تدور المسألة لان ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة وما يقابله من الثمن يدخل فيها ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصانها فيزيد المبيع بحسب زيادة التركة وتزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل ويزيد المقابل الداخل بحسب زيادة المبيع وهذا دور ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق (منها) أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع في المبيع(8/260)