جهل كون الكلام مبطلا وعلى رأى نعم لان ذلك مشهور لا يكاد يجهله مسلم وهذا مما يختص بمعرفته الفقيه والله اعلم ومنها الاكراه فلو اكره حتي تكلم هل تبطل صلاته فيه قولان كالقولين فيما لو اكره الصائم علي الاكل احدهما لا تبطل صلاته الحاقا للاكراه بالنسيان وفى الخبر " رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " واصحهما ولم يذكر في التهذيب سواه انها تبطل لانه أمر نادر بخلاف النسيان وصار كما لو اكره علي أن يصلى بلا وضوء أو قاعدا تجب عليه الاعادة ولا يكون عذرا ثم جميع هذه الاعذار في الكلام اليسير فاما إذا كثر ففى صورة النسيان وجهان مشهوران (احدهما) انه لا يبطل الصلاة لانه لو أبطلها لابطلها القليل كما في حالة التعمد وبهذا قال أبو اسحق واظهرهما عند الجمهور انها تبطل وعليه يدل كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر وذكروا له معنيين احدهما ان الاحتراز عن الكثير سهل غالبا لان النسيان فيه يبعد ويندر وما يقع نادرا لا يعتد به والثانى انه يقطع نظم الصلاة وهيئتها والقليل يحتمل لقلته ورتبوا علي هذه المسألة بطلان الصوم بالاكل الكثير ناسيا ان قلنا لا تبطل الصلاة فالصوم أولي بان لا يبطل وان قلنا ببطلان الصلاة ففى الصوم وجهان مبنيان علي المعنبين ان قلنا بالمعني الاول يبطل وان قلنا بالثاني فلا إذ ليس في الصوم افعال منظومة حتى يفرض انقطاعها وانما هو انكفاف مجرد واجري صاحب المهذب وغيره هذا الخلاف في حالة الجهل ايضا وكذلك في سبق اللسان: وما الحد الفارق بين القليل والكثير حكى في البيان عن الشيخ ابي حامد ان الكلام اليسير حده الكلمة والكلمتان والثلاث ونحوها وعن ابن الصباغ ان اليسير هو القدر الذى تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذى اليدين وكل واحد منهما للتمثيل اصلح منه للتحديد والاظهر فيه وفى نظائره الرجوع الي العادة علي ما سيأنى إذا عرفت ذلك عرفت أن قوله ولا تبطل بسبق اللسان ولا بكلام الناسي الي آخره المراد منه الكلام اليسير وان كان اللفظ مطلقا الا أن يريد الجواب على الوجه المنسوب إلى ابى اسحق فحينئذ لا حاجة إلى التقييد ويحتاج إلى الاعلام بالواو والظاهر انه ما اراد الا اليسير وقوله ولا بكلام الناسي معلم بالحاء والالف لما قدمنا ولك ان تعلم قوله ولا بكلام الجاهل بالحاء ايضا لان(4/112)
في كلام اصحابنا حكاية الخلاف عن أبي حنيفة في صورة الجهل ايضا (وقوله) بان كان قريب العهد بالاسلام في بعض النسخ ان كان قريب العهد وهو اولى لان الغرض تقييد الجاهل وانما يقال بان يكون كذا في موضع التفسير والبيان (وقوله) ومصلحة الصلاة ليست عذرا في الكلام الغرض منه بيان انه لا(4/113)
فرق بين أن يتكلم لمصلحة الصلاة مثل أن يقول لامامه الساهي بالقيام اقعد أو بالقعود قم أو تكلم لا لمصلحتها وكونه لمصلحتها ليس من جملة الاعذار خلافا لمالك رضي الله عنه وهو رواية عن أحمد في حق الامام خاصة * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء " وهذا مطلق * واحتج الاصحاب أيضا بان المأموم إذا أراد تنبيه الامام على سهوه فالسنة له أن يسبح إن كان رجلا وأن تصفق إن كانت امرأة فلو جاز أن ينبهه بالكلام لما أمر بالعدول إلى التسبيح وغيره واعرف ههنا شيئين (احدهما) ان التسبيح والتصفيق لا اختصاص لهما بحالة تنبيه الامام بل متى ناب الرجل شئ في صلاته كما إذا رأى اعمي يقع في بئر واحتاج الي تنبيهه أو استأذنه انسان في الدخول أو أراد اعلام غيره امرا فالسنة له ان يسبح والمرأة تصفق في جميع ذلك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا ناب احدكم شئ في صلاته فليسبح فانما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء " (والثاني) ان المراد من التصفيق ان تضرب بطن كفها الايمن على ظهر كفها الايسر وقيل ان تضرب اكثر اصابعها اليمني على ظهر اصابعها اليسرى وقيل هو ضرب اصبعين على ظهر الكف والمعاني متقاربة والاول اشهر ولا ينبغى ان تضرب بطن الكف علي بطن الكف فان ذلك لعب ولو فعلت ذلك على اللعب بطلت صلاتها وان كان(4/114)
ذلك قليلا لان اللعب ينافى الصلاة فهذا شرح مسائل الكتاب وينخرط في سلك الاعذار سوى ما ذكره أمور (منها) ما يقع جوابا للرسول صلي الله عليه وسلم فإذا خاطب مصليا في عصره وجب عليه الجواب ولم تبطل بذلك صلاته (ومنها) لو أشرف انسان علي الهلاك فاراد انذاره وتنبيهه ولم يحصل ذلك الا بالكلام فلا بد له من ان يتكلم وهل تبطل صلاته فيه وجهان (أحدهما) وبه قال
أبو إسحق واختاره جماعة من الاصحاب لا كاجابة النبي صلي الله عليه وسلم (واصحهما) عند الاكثرين نعم للنصوص المطلقة ويستثني جواب رسول الله صلي الله عليه وسلم لشرفه ولهذا أمر المصلي بان يقول سلام عليك ايها النبي ولا يجوز ان يقول ذلك لغيره (ومنها) ما حكى المحاملي وغيره انه لو قال آه من خوف النار لم تبطل صلاته والمشهور خلافه * قال (ولو قال ادخلوها بسلام على قصد القراءة لم يضر وان قصد التفهيم فان لم يقصد الا التفهيم بطلت وفي السكوت الطويل في اثناء الصلاة وجهان) الكلام الذى يقدح في الصلاة عند عدم الاعذار هو ما عدا القرآن والاذكار وما في معناها فاما القرآن فإذا أتي بشئ من نظمه قاصدا به القراءة لم يصر وان قصد مع القراءة شيئا آخر كتنبيه الامام أو غيره والفتح علي من ارتج عليه وتفهيم أمر من الامور مثل أن يقول لجماعة يستأذنون في الدخول ادخلوها بسلام آمنين أو يقول يا يحيى خذ الكتاب وما أشبه ذلك ولا فرق بين أن يكون منتهيا في قراءته إلى تلك الآية أو ينشئ قراءتها حينئذ وقال أبو حنيفة إذا قصد شيئا آخر سوى القراءة بطلت صلاته الا أن يريد تنبيه الامام أو المار بين يديه وكذا لو اتي بذكر وتسبيح في الصلاة وقصد به مع الذكر شيئا آخر ففيه هذا الخلاف وذلك مثل أن يحمد الله تعالي على عطاس(4/115)
أو بشارة يبشر بها أو يخبر بما يسوءه فيقول انا لله وانا إليه راجعون لنا ما روى عن علي رضى الله عنه قال " كانت لي ساعة ادخل فيها علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فان كان في الصلاة سبح وذلك أذنه وان كان في غير الصلاة أذن " ولانه قصد الافهام والاعلام بشئ مشروع في الصلاة فلا يضر كما لو قصد تنبيه الامام والمار بين يديه ونقل صاحب البيان وغيره وجها عن بعض أصحابنا ايضا انه إذا قصد مع التلاوة شيئا آخر بطلت صلاته فليكن قوله وان قصد التفهيم معلما بالحاء والواو كذلك وان لم يقصد الا الافهام والاعلام فلا خلاف في بطلان الصلاة كما لو افهم(4/116)
بعبارة أخرى ولو أتى بكلمات لا توجد في القرآن علي نظمها وتوجد مفرداتها مثل ان يقول يا ابراهيم
سلام كن بطلت صلاته ولم يكن لها حكم القرآن بحال واما الاذكار والتسبيحات والادعية بالعربية فلا تقدح أيضا سواء المسنون وغير المسنون منها نعم ما فيه خطاب مخلوق غير رسول الله صلي الله عليه وسلم يجب الاحتراز منه فلا يجوز ان يقول للعاطس يرحمك الله وعن يونس بن عبد الاعلي عن الشافعي رضى الله عنه انه لا يضر ذلك وصحح القاضى الروياني هذا القول والمشهور الاول ويدل عليه ما قدمنا من حديث معاوية بن الحكم ولم ينقل خلاف في انه لا يجوز أن يسلم ولا ان يرد السلام لفظا ويرده بالاشارة بيده أو برأسه خلافا لابي حنيفة ولو قال يرحمه الله أو عليه السلام لم يضر هذا هو الكلام في احدى مسألتي الفصل وما يتعلق بها (والثانية) السكوت اليسير في الصلاة لا يضر بحال وفي السكوت الطويل إذا تعمده وجهان احدهما انه يبطل الصلاة لانه كالاضراب عن وظائفها إذ اللائق بالمصلى الذكر والقراءة والدعاء ومن رآه في سكتة طويلة سبق الي اعتقادة انه ليس في الصلاة كما أذا رآه يتكلم واصحهما لا تبطل لان السكوت لا يخرم هيئة الصلاة وما يجب فيها من رعاية الخضوع والاستكانة وخص في التهذيب الوجهين بما إذا سكت لغير غرض فاما لو سكت طويلا لغرض بان نسي شيئا فتوقف لتذكره فلا تبطل صلاته لا محالة ولو سكت سكوتا طويلا ناسيا وقلنا ان عمده مبطل فطريقان أحدهما التخريج علي الخلاف المذكور في الكلام الكثير ناسيا والثانى انه لا يضر جزما تنزيلا له منزلة الكلام اليسير ولهذا عند التعمد جعل طويل السكوت كقليل الكلام وسومح بقليل السكوت قال في الوسيط وهذا أصح (واعلم) ان الاشارة المفهمة من الاخرس نازلة منزلة عبارة(4/117)
الناطق في العقود هل تبطل الصلاة بها اجاب الامام الغزالي رحمه الله في الفتاوى بانها لا تبطل ورأيت بخط والدى رحمه الله حكاية وجه آخر أنها تبطل ككلام الناطق * قال (الشرط الخامس ترك الافعال الكثيرة والكثير ما يخيل للناظر الاعراض عن الصلاة كثلاث خطوات أو ثلاث ضربات متواليات ولا تبطل بما دونه ولا بمطالعة القرآن ولا بتحريك الاصابع في سبحة أو حكة علي الاظهر) *(4/118)
ما ليس من أفعال الصلاة ضربان (أحدهما) ما هو من جنسها فان فعله ناسيا عذر ولم تبطل صلاته لما روى أنه صلى الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا فلما تبين له الحال سجد للسهو ولم يعد الصلاة " وان كان عامدا بطلت سواء كثر أو قل كركوع وسجود ونحوهما لانه تلاعب في الصلاة واعراض عن نظام اركانها * وقال أبو حنيفة لا تبطل صلاته بزيادة الركوع والسجود عمدا وانما تبطل بزيادة ركعة: والضرب الثاني ما ليس من جنس أفعال الصلاة وهو المقصود في الكتاب فلا خلاف انه يفرق فيه بين القليل والكثير لما روى انه صلي الله عليه وسلم " صلي وهو حامل أمامة بنت أبي(4/119)
العاص فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها " وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال " اقتلوا(4/120)
الاسودين في الصلاة الحية والعقرب " وروى انه صلي الله عليه وسلم " أخذ باذن ابن عباس(4/121)
رضي الله عنهما وهو في الصلاة فاداره من يساره الي يمينه " ودخل أبو بكرة المسجد والنبي صلي الله(4/122)
عليه وسلم في الركوع فركع خيفة أن يفوته الركوع ثم خطا خطوة ودخل الصف فلما فرغ قال(4/123)
له النبي صلي الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يامره بالاعادة وروى انه صلى الله عليه وسلم سلم عليه نفر من الانصار فرد عليهم بالاشارة دلت هذه الاخبار ونحوها علي احتمال(4/124)
الفعل القليل في الصلاة والي هذا أشار المصنف حيث قال في ترجمة الشرط ترك الافعال الكثيرة وفى الكلام لما استوى قليله وكثيره في الابطال اطلق فقال ترك الكلام والمعنى فيه انه يعسر علي الانسان أو يتعذر السكون علي هيئة واحدة في زمان بل لا يخلو عن حركة واضطراب ولا بد للمصلى من رعاية التعظيم والخشوع فعفي عن القدر الذى لا يحمل على الاستهابة بهيئة الخشوع(4/125)
وأما في الكلام فالاحتراز عن قليله وكثيره هين * ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير للاصحاب فيه عبارتان غريبتان وعبارتان مشهورتان فاحدى الغريبتين أن القليل مالا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة فان وسع فهو كثير حكاها صاحب العدة والثانية ان كل عمل لا يحتاج فيه الي كلتا اليدين فهو قليل وما يحتاج فيه اليهما فهو كثير فالاول كرفع العمامة وحل اشرطة السراويل والثاني(4/126)
كتكوير العمامة وعقد الازار والسراويل واما المشهورتان فاحداهما ما حكي عن القفال وغيره ان القليل هو القدر الذى لا يظن الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة والكثير ما يظن ان فاعله ليس في الصلاة وهذا هو الذى ذكره في الكتاب فقال والكثير ما يخيل الي الناظر الاعراض عن الصلاة واعترضوا عليها بان هذا الظن والتخيل اما ان ينشا من انه غير محتمل في الصلاة شرعا أو من ان غالب(4/127)
عادة المصلين الاحتراز عنه من غير ان ينظر إلى انه محتمل ام لا فان كان الاول فانما يحصل هذا الظن أو الخيال لمن عرف حد الكثير المبطل ونحن عنه نبحث فكأنا قلنا الكثير هو الذي يحكم ببطلان الصلاة به من عرف انه مبطل ومعلوم ان هذا لا يفيد شيئا وان كان الثاني فهو يشكل بما إذ رآه يحمل صبيا أو يقتل حية أو عقربا فانه محتمل مع ان الناظر إليه يتخيل انه ليس في الصلاة(4/128)
لانه علي خلاف عادة المصلين غالبا والثانية ان الرجوع في الفرق بينهما الي العادة فلا يضر ما يعده الناس قليلا كالاشارة برد السلام وخلع النعل ولبس الثوب الخفيف ونزعه وما أشبه ذلك وهذه العبارة هي التى اختارها الاكثرون ومنهم الشيخ أبو حامد ومن تابعه ولم يذكر صاحب التهذيب سواها واوردها الصيدلانى مع الاولي واشعر ايراده بترجيح هذه الثانية ايضا وعند هذا لا يخفى عليك ان قوله والكثير ما يخيل إلى الناظر وينبغى ان يعلم بالواو اشارة الي العبارات الاخر ثم اطبق اصحاب العبارتين المشهورتين على ان الفعلة الواحدة معدودة من القليل كالخطوة الواحدة والضربة
الواحدة وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه وعلى ان الثلاث فصاعدا من الكثير وفي الفعلتين وجهان محكيان عن رواية القاضى ابى الطيب وغيره احدهما انهما من حد الكثير لمكان التكرار وكالثلاث واصحهما انهما من القليل لما روى انه صلي الله عليه وسلم " خلع نعليه في الصلاة " وهما فعلتان ورايت في كثير من نسخ الكتاب قوله ولا تبطل بما دونه معلما بالواو كأنهم اشاروا به إلى الوجه الاول لكن انما ينتظم ذلك لو رجعت الكناية في قوله بما دونه إلى الخطوات والضربات ورجوعها الي قوله والكثير أظهر من رجوعها الي الخطوات الا ترى انه ذكر الكناية ولم يؤنثها ثم اجمعوا على ان الكثير انما يبطل بشرط أن يوجد علي التوالي واليه أشار بقوله متوالية أما لو تفرق كما لو خطا خطوة ثم بعد زمان خطا خطوة أخرى وهكذا مرارا لم تبطل صلاته وكذلك لو خطا خطوتين ثم بعد زمان خطوتين أخريين إذا قلنا أن الفعلتين من حد القليل * واحتجوا عليه بحديث حمل أمامة فان النبي صلي الله عليه وسلم كان يحملها ويضعها ولم يضر ذلك لتفريق الافعال والتفريق بان يعد الثاني منقطعا عن الاول في العادة وقال في التهذيب فيما إذا ضرب ضربتين ثم بعد زمان ضربتين أخريين وحد التفريق عندي ان يكون بين الاوليين والاخريين قدر ركعة لحديث امامة ثم ما ذكره الائمة ان الفعلة الواحدة تعد من القليل ارادوا به نحو الطعنة والضربة والخطوة فاما إذا أفرطت كالوثبة(4/129)
الفاحشة فانها تبطل الصلاة ذكره صاحب التهذيب وغيره وهو قضية العبارتين المشهورتين وكذلك قولهم الثلاث المتوالية من الكثير المبطل أرادوا الخطوة وما يشبهها واما الحركات الخفيفة كتحريك الاصابع في سبحة أو حكة أو عقد وحل ففيها وجهان أحدهما انها إذا كثرت وتوالت ابطلت لانها افعال متعددة فاشبهت الخطوات واظهرهما انها لا تؤثر لانها لا تخل بهيئة الخشوع فهي مع كثرة العدد بمثابة الفعل القليل وقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه انه لو كان يعد الآى في صلاته عقدا باليد لم تبطل صلاته وان كان الاولى ان لا يفعله وبه قال أبو حنيفة وجميع ما ذكرناه فيما إذا تعمد الفعل الكثير فاما إذا اتى به ناسيا فقد حكى في النهاية فيه طريقين احدهما انه علي الوجهين في الكلام الكثير ناسيا والثانى ان اول حد الكثرة لا يؤثر كالكلام اليسير من الناسي
فان اول حد الكثرة هو الذى يبطل عند التعمد كالكلام اليسير عند التعمد وما جاوز اول حد الكثرة وانتهي الي السرف فهو علي الخلاف في الكلام الكثير ناسيا والذى حكاه الجمهور من هذا الخلاف انه لا فرق في الفعل الكثير بين العمد والسهو وهو الذى يوافق ظاهر قوله الشرط الخامس ترك الافعال الكثيرة وفرقوا بينه وبين الكلام بان الفعل أقوى من القول ولهذا ينفذ احبال الجنون دون اعتاقه قالوا ولا يعارض هذا بان القليل من الفعل محتمل والقليل من الكلام غير محتمل لان القليل من الفعل لا يتأتى الاحتراز عنه والكلام مما يتاتي الاحتراز عنه من النوعين والله اعلم.
واعلم انه يستثني عن ابطال العمل الكثير الصلاة حال شدة الخوف فيحتمل فيها الركض والعدو عند الحاجة وهل يحتمل عند عدم الحاجة فيه كلام مذكور في الكتاب في صلاة الخوف على ما سيأتي ان شاء الله تعالي: واما قوله ولا بمطالعة القرآن فاعلم انه لو قرأ القرآن من المصحف لم يضر بل يجب ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة علي ما سبق ولو قلب الاوراق احيانا لم يضر لانه عمل يسير * وعن ابي حنيفة انه لو قرأ القرآن من المصحف بطلت صلاته لان النظر عمل دائم وعندنا لو كان ينظر في غير القرآن ويردد في نفسه ما فيه لا تبطل صلاته ايضا لان النظر لا يشعر بالاعراض عن الصلاة وحديث النفس(4/130)
معفو عنه وحكى القاضى ابن كج وجها ان حديث النفس إذا كثر ابطل الصلاة وقوله بعد مطالعة القرآن ولا بتحريك الاصابع في سبحة أو حكة علي الاظهر: الوجهان المخصوصان بالتحريك لا جريان لهما في مطالعة القرآن فلا يتوهم من العطف غير ذلك * قال (وإذا مر المار بين يديه فليدفعه فان أبي فليقاتله فانه شيطان هذا لفظ الخبر وهو تأكيد لكراهية المرور واستحباب الدفع فان لم ينصب المصلي بين يديه خشبة أو لم يستقبل جدار أو علامة لم يكن له الدفع علي أحد الوجهين لتقصيره ولا يكفيه أن يخط علي الارض بل لا بد من شئ مرتفع أو مصلي ظاهر وان لم يجد المار سبيلا سواه فلا يدفع بحال) * السبب الداعي للى ايراد هذا الفصل ههنا الاستدلال بالامر بالدفع علي الفعل القليل لا باس به في الصلاة ثم يتعلق به مسائل مقصودة فجرت العادة بذكرها في هذا الموضع والخبر المشار إليه
ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال إذا مر المار بين يدى احدكم وهو في الصلاة فليدفعه فان أبى فليدفعه فان أبي فليقاتله فانه شيطان) وروى البخاري في الصحيح عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال إذا صلي احدكم إلي شئ يستره من الناس فاراد أحد ان يجتاز بين يديه فليدفعه فان أبى فليقاتله فانما هو شيطان) قيل معناه شيطان الانس وقيل معناه فان معه شيطانا فان الشيطان لا يجسر أن يمر بين يدى المصلي وحده فإذا مر إنسي رافقه والمستحب للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما ويدنو منها بحيث لا يزيد ما بينه(4/131)
وبينها علي ثلاثة أذرع وان كان في الصحراء فينبغي ان يغرز عصا ونحوها أو يجمع شيئا من رحله ومتاعه وليكن قدر مؤخرة الرحل فان لم يجد شيئا شاخصا خط بين يديه خطا أو بسط مصلي لما روى عن أبى هريرة رضى الله عن أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فان لم يجد فلينصب عصا فان لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر بين يديه " ثم إذا صلى إلى سترة كره لغيره ان يمر بينه وبين السترة وهل هذه الكراهة للتحريم أو للتنزيه الذى ذكره في التهذيب انه لا يجوز المرور وصاحب الكتاب اراد بقوله وهو تأكيد لكراهية المرور التنزيه لانه صرح في الوسيط بان المرور ليس بمحذور وانما هو مكروه وكذلك ذكره امام الحرمين والاول اظهر لانه صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال " لو يعلم المار بين يدى المصلي ماذا عليه من الاثم لكان أن يقف اربعين خير له من ان يمر بين يديه " والاثم(4/132)
انما يلحق بالحرام وليكن قوله لكراهية المرور معلما بالواو لما ذكرناه وذكر القاضى الرويانى في الكافي أن للمصلي ان يدفعه وله ان يضربه علي ذلك وان أدى الي قتله وكل هذا لا يكون الا إذا حرم المرور ولو لم يجعل بين يديه سترة فهل له دفع المار فيه وجهان حكاهما صاحب النهاية وغيره أحدهما نعم لعموم الخبر المذكور في الكتاب وأصحهما وهو الذى أورده في التهذيب لا لتقصيره وتضييعه حظ نفسه ورواية الصحيح مقيدة بما إذا صلي الي السترة والمطلق محمول علي المقيد ولو وقف بعيدا
من السترة فهو كما لو صلي لا إلى سترة ولو وجد الداخل فرجة في الصف الاول فله أن يمر بين يدى الصف الثاني ويقف فيها لتقصير اصحاب الصف الثاني باهمالها ذكره الشيخ أبو محمد واما قوله فلا يكفيه ان يخط علي الارض فاعلم أن امام الحرمين نقل ان الشافعي رضي الله عنه مال إلى الاكتفاء بالخط في القديم وروى في الجديد ذلك أيضا وحض عليه قال وما استقر عليه الامر ان الخط لا يكفى إذا الغرض الاعلام وذلك لا يحصل بالخط وهذا هو الذى ذكره في الكتاب وقال لا بد من شئ مرتفع أو مصلي ظاهر ليقف المار عليه فيعدل عن حريم صلاته وقد تعرض لما نقله عن الجديد متعرضون لكن لم يثبتوه قولا واتفقت كلمة الجمهور علي الاكتفاء بالخط كما إذا استقبل شيئا شاخصا فليكن قوله ولا يكفيه ان يخط معلما بالواو لذلك فان توهمت الجمع بين كلام الكتاب وما ذكره الاكثرون وقلت انهم وان ذكروا استحباب الخط لم يذكروا انه يمتنع به المرور ويثبت للمصلي ولاية الدفع فلعله وان كان مستحبا لا يفيد جواز الدفع وحينئذ لا يكون بين قوله ولا يكفيه ان يخط وبين ما ذكروه منافاة وبتقدير أن يكون هذان الحكمان متلازمين فانما ذكروا الاستحباب فيما إذا لم يجد شيئا شاخصا فليحمل ما ذكره امام الحرمين والمصنف علي ما إذا وجد فالجواب اما الاول فممتنع نقلا وحجاجا اما النقل فلان صاحب البيان حكي عن المسعودي امتناع المرور وولاية الدفع فيما إذا خط حسب ثبوتهما فيما إذا صلي الي سترة أو عصا واما الحجاج فمن وجهين (احدهما) انه صلي الله عليه وسلم قال في آخر خبر أبى هريره رضى الله عنه ثم لا يضره ما مر بين يديه أي من وراء العلامات المذكورة ومنها الخط والثاني ان المقصود من أمر المصلي بنصب السترة وغيرها ان يظهر حريم صلاته ليضطرب فيه في حركاته وانتقالاته ولا يزحمه(4/133)
غيره ويشغله عن صلاته وأما الثاني فلو انهما أرادا حالة وجدان الشاخص لسويا بينه وبين بسط المصلي كما ان الذين قالوا باستحباب الخط عند فقدان الشاخص سووا بينه وبين بسط المصلي ذكره صاحب التهذيب وغيره * ولم يفعلا ذلك بل الحقا بسط المصلي بنصب الخشبة ويدل عليه ظاهر لفظ الكتاب في موضعين من الفصل وبالجملة فليس في لفظه ههنا ولا في الوسيط ما يشعر بهذا التأويل بل فيه ما يدل علي انه لا عبرة بالخط بحال وقوله فان لم ينصب المصلي بين يديه خشبة أو لم يستقبل جدارا أو علامة
عني بالعلامة بسط المصلى وقضيه ما سبق نقله حمل أو في قوله أو علامة علي الترتيب وكذا في قوله أو مصلى ظاهر دون التخيبر والتسوية واما قوله وإذا لم يجد الماء سبيلا سواه فلا يدفع بحال فقد ذكر امام الحرمين ايضا وقال النهى عن المرور والدفع إذا وجد سواه سبيلا اما إذا لم يجد وازدحم الناس فلا نهي عن المرور ولا يسوع الدفع وهذا فيه اشكال لان البخاري روى في الصحيح عن ابي صالح السمان قال " رأيت أبا سعيد الخدرى رضي الله عنه في يوم جمعة يصلي الي سترة فاراد شاب ان يمر بين يديه فدفع أبو سعيد رضي الله عنه في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا الا بين يديه فعاد ليجتاز ودفعه أبو سعيد أشد من الاولي فلما عوتب في ذلك روى الحديث الذى قدمناه " وأكثر الكتب ساكتة عن تقييد المنع بما إذا وجد سواه سبيلا والله اعلم * قال (الشرط السادس ترك الاكل وقليله مبطل لانه اعراض وهل تبطل بوصول شئ الي جوفه كامتصاص سكرة من غيره مضغ فيه وجهان) * الا كل نوع من الافعال فافراده بالذكر يبين انه اراد بترك الافعال في الشرط الخامس ما عدا الاكل من الافعال والفرق بينه وبين سائر الافعال ان قليلها لا يبطل كما سبق وقليل الاكل يبطل لانه ينافى هيئة الخشوع ويشعر بالاعراض عن الصلاة فلو(4/134)
كان بين اسنانه شئ أو نزلت نخامة من رأسه فابتلعها عمدا بطلت صلاته هذا ظاهر المذهب وهو الذى ذكره في الكتاب فقال فقليله مبطل وليكن معلما بالواو لان صاحب التتمة حكى في القليل وجها انه لا يبطل كالقليل من سائر الافعال ثم الحكم بالبطلان فيما إذا اكل عمدا اما لو كان مغلوبا كما لو جرى الريق بباقي الطعام أو نزلت النخامة ولم يمكنه امساكها لم تبطل صلاته ولو اكل ناسيا أو جاهلا بالتحريم فان كان قليلا لم تبطل وان كان كثيرا فوجهان اصحهما البطلان هكذا ذكره الائمة وجعلوه كالكلام في الصلاة ناسيا والاكل في الصوم ناسيا ولم يجعلوه كسائر الافعال في الصلاة إذ الجمهور علي أن الفعل لا فرق فيه بين العمد والسهو علي ما تقدم واعلم انه لا يعنى بالقليل ههنا ما بقابل الكثير بالمعنى الذى ذكره في الافعال لان تفسير الكثير ثم ما يخيل الي الناظر الاعراض عن الصلاة فالقليل المقابل له ما لا يخيل والاكل أي قدر كان يخيل الاعراض فيكون كثيرا بذلك التفسير
بكل حال وانما المراد من القليل والكثير ههنا ما يعده أهل العرف قليلا وكثيرا ولو وصل شئ الي جوفه من غير ان يفعل فعلا من ابتلاع ومضغ كما لو وضع في فمه سكرة كانت تذوب وتسوغ ففى بطلان صلاته وجهان احدهما وبه قال الشيخ أبو حامد لا تبطل صلاته لانه لم يوجد منه مضغ وازدراد وهذا ذهاب إلى ان الاكل انما يبطل لما فيه من العمل وقضيته ان لا يبطل القليل منه كما حكاه صاحب التتمة واظهرهما انها تبطل ويعبر عنه بان الامساك شرط في الصلاة كما يشترط الانكفاف عن الافعال وعن مخاطبة الآدميين ليكون حاضر الذهن راجعا إلى الله تعالي وحده تاركا للعادات فعلي هذا تبطل الصلاة بكل ما يبطل به الصوم وقوله كامتصاص سكرة من غير مصغ ينبغي ان يعرف ان الامتصاص لا اثر له بل متى كانت في فمه وهى تذوب وتصل الي جوفه يحصل الخلاف وان لم يكن امتصاص وانما قال من غير مضغ لان المضغ فعل من الافعال يبطل الكثير منه وان لم يصل شى الي الجوف حتى لو كان يمضغ علكا في فمه بطلت صلاته وان لم يمضغه وكان جديدا فهو كالسكرة وان كان مستعملا لم تبطل صلاته كما لو أمسك في فمه اجاصة ونحوها(4/135)
قال (خاتمة: للمحدث المكث في المسجد وللجنب العبور عند خوف التلويث وعند الامن وجهان والكافر يدخل المسجد باذن المسلم ولا يدخل بغير اذن على أحد الوجهين فان كان جنبا منع كالمسلم وقيل لا لانه لم يلتزم تفصيل شرعنا) * مسائل الخاتمة إلي قوله فوجهان مكررة اما ان المحدث له المكث فقد صار معلوما بقوله في باب الغسل ثم حكم الجنابة حكم الحدث مع زيادة تحريمه قراءة القرآن والمكث في المسجد وفيه تصريح بتحريم المكث وجواز العبود للجنب واما حكم الحائض فقد ذكره في كتاب الحيض وشرحنا المسائل في الموضعين ثم جميع ذلك في حق المسلم اما الكافر فلا يمكن من دخول حرم مكة بحال يستوى فيه مساجده وغيرها قال الله تعالى (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) واما مساجد غير الحرم فله أن يدخلها باذن المسلم خلافا لمالك ووافقه احمد في أظهر الروايتين لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم " ربط ثمامة بن ثال في المسجد قبل اسلامه " وقدم عليه قوم من ثفيف فانزلهم في المسجد ولم يسلموا بعد "
وهل يدخلها بغير اذن أحد من المسلمين فيه وجهان أحدهما نعم لانه ببدل الجزية صار من أهل دار الاسلام والمسجد من المواضع العامة فيها فصار كالشوارع وهذا أظهر عند القاضى الرويانى وجماعة والثاني وهو الاصح عند الاكثرين ولم يذكر صاحب التهذيب والتتمة سواه أنه ليس له ذلك ولو فعله عزر ووجهه أنه لا يؤمن أن يدخل على غفلة من المسلمين فيلوثه ويستهين به ولانه ليس من أهل من بنى المسجد له وكان المسجد مختصا بالمسلمين اختصاص دار الرجل به وذكر في التهذيب انه لو جلس الحاكم في المسجد يحكم فللذمي الدخول للمحاكمه ويتنزل جلوسه فيه منزلة التصريح بالاذن وإذا استأذن في الدخول بعض المسلمين لنوم أو اكل فينبغي ان لا يأذن له وان استأذن لسماع القرآن أو علم اذن له رجاء ان يسلم هذا كله إذا لم يكن جنبا فان كان جنبا فهل يمكن من المكث في المسجد ام يجب(4/136)
منعه فيه وجهان احدهما يمنع لان المسلم ممنوع عند الجنابة لحرمة المسجد فالكافر أولي بان يمنع واصحهما انه لا يمنع لان الكفار كانوا يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الجلوس ولا شك بأنهم كانوا يجنبون ويخالف المسلم فانه يعتقد حرمة المسجد فيؤخذ بموجب اعتقاده والكافر لا يعتقد حرمته ولا يلتزم تفاصيل التكليف فجاز أن لا يؤخذ به وهذا كما أن الكافر لا يحد علي شرب الخمر لانه لا يعتقد تحريمه والمسلم يحد واما الكافرة الحائض فتمنع حيث تمنع المسلمة لان المنع ثم لخوف التلويث ولهذا يمنع من به جرح يخاف من التلويث وكذا الصبيان والمجانين يمنعون من دخوله وقوله والكافر يدخل المسجد يعنى به غير مساجد الحرم وان كان اللفظ مطلقا وقوله فان كان جنبا منع أي من المكث فانه الذى يمنع منه المسلم دون أصل الدخول: ثم ايراده يشعر بترجيح هذا الوجه لكن الوجه الثاني أرجح على قضية كلام اكثر الاصحاب واوفق لكلام الشافعي رضي الله عنه وصرح بترجيحه الشيخ أبو محمد والقاضي الرويانى والله أعلم *(4/137)
قال * (الباب السادس في السجدات وهي ثلاثة) * (الاولي سجدة السهو: وهي سنة (ح م) عند ترك التشهد الاول أو الجلوس فيه أو القنوت
أو الصلاة علي الرسول في التشهد الاول أو علي الآل في التشهد الثاني ان رأيناهما سنتين: وسائر السنن لا تجبر بالسجود: وأما الاركان فجبرها بالتدارك فان تعمد ترك هذه الابعاض لم يسجد علي أظهر الوجهين) * السجدات ضربان (أحدهما) سجدات صلب الصلاة ولا يخفى أمرها والثانى غيرها وهى ثلاث (أحداها) سجدة للسهو وليست بواجبة وانما هي سنة خلافا لابي حنيفة حيث قال بوجوبها مع تسليم ان الصلاة لا تبطل بتركها وبعض أصحابنا يرويه عن الكرخي: وعن مالك انه ان كان السهو لنقصان يجب السجود ويروى عن احمد وأصحابه الوجوب مطلقا * لنا ان الصلاة لا تبطل بتركها فلا تجب كالتشهد الاول وأيضا فان سجود السهو مشروع لترك ما ليس بواجب وبدل ما ليس بواجب لا يكون واجبا ثم انه جعل الكلام في سجود السهو قسمين أحدهما فيما يقتضيه والثاني في محله وكيفيته أما مقتضيه فشيئان ترك مأمور وارتكاب منهى أما ترك المأمور فاعلم أن المأمورات تنقسم إلى أركان وغيرها أما الاركان فلا تنجبر بالسجود بل لا بد من التدارك ثم قد يقتضى الحال بعد التدارك السجود علي ما سيأتي وأما غير الاركان فتنقسم الي الابعاض وهى التى عددناها في أول صفة الصلاة والى غيرها فالابعاض مجبورة بالسجود أما التشهد الاول فلما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلى الظهر بهم فقام في الركعتين الاوليين لم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضي الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم " ولو قعد ولم يقرأ يسجد أيضا فان القعود مقصود للذكر وأما الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم(4/138)
في التشهد الاول إذا استحببناها وهو الصحيح فلانه لو تركها في التشهد الاخير عامدا بطلت صلاته فيسجد لها في التشهد الاول كالتشهد وأما الصلاة على الآل في التشهد الثاني فان قلنا بوجوبها فهي من الاركان يجب تداركها وان قلنا انها سنة فهي من الابعاض وتجبر بالسجود وكذلك احكم لو جعلناها سنة في التشهد الاول وقد سبق بيان الخلاف فيه وأما القنوت فلانه ذكر مقصود في نفسه فيشرع لتركه سجود السهو كالتشهد الاول ومعنى قولنا مقصود في نفسه
انه شرع له محل مخصوص به ويخرج عنه سائر الاذكار فانها كالمقدمة لبعض الاركان كدعاء الاستفتاح أو كالتابع كالسورة واذكار الركوع والسجود وأما موضع القنوت فانما شرع فيه التطويل للقنوت وحيث لا يقنت يمنع من تطويله فهذا حكم الابعاض إذا تركت سهوا وان تركت عمدا فهل يشرع لها السجود فيه: فيه وجهان احدهما لا وبه قال أبو حنيفة واحمد لان الساهي معذور فيشرع له سبيل الاستدراك ومن تعمد الترك فقد التزم النقصان وفوت الفضيلة على نفسه وأصحهما نعم لان الخلل عند تعمد الترك أكثر فيكون الجبر أهم وصار كالحلق في الاحرام لا فرق فيه بين العمد والسهو وأما غير الابعاض من السنن فلا يجبر بالسجود خلافا لابي حنيفة حيث قال يسجد لترك تكبيرات العيد وترك السورة وكذلك لو أسر في موضع الجهر أو جهر بثلاث آيات في موضع الاسرار ولمالك حيث قال يسجد لترك كل مسنون(4/139)
ذكرا كان أو عملا وعن أبي اسحق أن للشافعي رضى الله عنه في القديم قولا مثل ذلك حكاه ابن الصباغ قال وهو مرجوع عنه وحكى ابن يونس القزويني عن عبد الباقي أن الداركي ذكر وجها فيمن نسى لتسبيح في الركوع والسجود أنه يسجد للسهو وعند أحمد لا يسجد لترك تكبيرات العيد والسورة وعنه في تبديل الجهر بالاسرار وعكسه روايتان أصحهما أنه لا يسجد وقال في تكبيرات الانتقالات وتسبيح الركوع والسجود والتسميع والتحميد يسجد لتركها * لنا ظاهر ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " لا سهو الا؟ ؟ قيام عن جلوس أو جلوس عن قيام " وعلي أبي حنيفة القياس على دعاء الاستفتاح وسائر المسنونات وكذلك عن أحمد وعلى مالك ما روى أن أنسا " جهر في العصر فلم يعدها ولم يسجد للسهو ولم ينكر عليه أحد " فهذا هو الكلام في ترك المأمورات ونعود الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وهى سنة ينبغي أن يعلم بالحاء والميم والالف وكذا قوله وسائر السنن لا تجبر بالسجود ولا باس باعلامه بالواو أيضا لما سبق حكايته وليس المراد من قوله سنة عند ترك التشهد الاول الي آخرها تخصيص الاستحباب بترك هذه الامور لا بمعنى أنها لا تشرع الا عند تركها ولا بمعنى ان في سائر الاسباب تجب بل حيث تشرع سنة واراد في
هذا الفصل ذكر شيئين أحدهما ان سجدة السهو سنة والثانى الكلام فيما يقتضيها من ترك المأمورات ثم وصل أحدهما بالآخر فقال هي سنة عند كذا وكذا وهذا بين من كلامه في الوسيط (وقوله) عند ترك التشهد الي قوله لا يجبر بالسجود مذكورة في أول الباب الرابع نعم زاد ههنا ذكر الصلاة على الآل وما عداها مكرر وأحق الموضعين بذكره هذا الباب وقوله ان رأيناهما سنتين المقابل لهذا لرأى في الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم في التشهد الاول عدم الشرعية ايجابا واستحبابا وفى الصلاة على الآل في التشهد الثاني الايجاب دون عدم الشرعية (وقوله) وأما(4/140)
الاركان فجبرها بالتدارك معناه انه لا بد في جبرها من التدارك لا أن كل الجبر يحصل به لانه قد يؤمر مع التدارك بسجود السهو علي ما سيأتي بيانه وقوله لم يسجد علي أظهر الوجهين خلاف ما ذكره جمهور الائمة فانهم حكوا أن الاظهر في المذهب انه يسجد منهم اصحابنا العراقيون وصاحب التهذيب وغيرهم ومن الائمة من لم يذكره سواه كالشيخ ابي حامد والصيدلاني وعبر بعضهم عن الخلاف في المسالة بالقولين وجعل المنصوص انه يسجد والثاني من تخريج ابي اسحق المروزى * قال (ولو أرتكب منهيا تبطل الصلاة بعمده كالاكل والافعال فليسجد عند ارتكابه سهوا ومواضع السهو ستة الاول إذا قرأ الفاتحة أو التشهد في الاعتدال من الركوع عمدا بطلت صلاته وان سها سجد لانه جمع بين تطويل ركن قصير ونقل ركن ولو وجد أحد المعنيين دون الثاني ففى البطلان بعمده وجهان فان قلنا لا تبطل ففي السجود لسهوه وجهان والاظهر أن الجلسة بين السجدتين ركن طويل) * المقتضي الثاني لسجود السهو ارتكاب المنهي: والمنهيات قسمان (أحدها) مالا تبطل الصلاة بعمده كالالتفات والخطوة والخطوتين والثانى ما تبطل بعمده نحو الكلام والركوع الزائد وما أشبه ذلك فقال الاصحاب مالا تبطل بعمده لا يقتضى السهو به السجود وما تبطل الصلاة بعمده(4/141)
يقتضي سهوه السجود اما الاول فلان النبي صلى الله عليه وسلم " فعل الفعل اليسير في الصلاة ورخص فيه ولم يسجد للسهو ولا أمر به " واما الثاني فلما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلى الظهر خمسا ثم سجد
للسهو وقد ذكر الطرف الثاني في الكتاب صريحا وأشار به إلى الاول ولا شك في جريان هذا الضابط من الطرفين في أغلب الصور ومنهم من وفى بطرده على الاطلاق كما سنفصله والطرف المذكور في الكتاب وهو أن ما تبطل الصلاة بعمده يسجد عند ارتكابه سهوا يرد عليه شيئان أحدهما ان الفعل الكثير سوى الاكثرون بين عمده وسهوه في ابطال الصلاة كما سبق فعلى ما ذكروه الفعل الكثير منهي تبطل الصلاة بعمده ولا يسجد عند سهوه بل تبطل الصلاة ايضا وكذلك الاكل والكلام الكثير عمدهما يبطل الصلاة وكذلك سهوهما في أصح الوجهين كما قدمنا والثاني أنه لو أحدت عمدا بطلت صلاته ولو أحدث سهوا فكذلك تبطل ولا يسجد للسهو فادرج صاحب التهذيب في هذا الضابط ما يخرج عنه الثاني فقال ما يوجب عمده بطلان الصلاة يوجب سهوه سجود السهو ان لم تبطل الطهارة وإذا أحدث فعمده وسهوه يستوى في ابطال الطهارة وأما الاول فما احترز عنه بل أدخل العمل في أمثلة هذا الضابط ولم يحسن فيه مع تسويته في فصل العمل بين العمد والسهو من كثيره ولو قيل ما تبطل الصلاة بعمده يسجد عند ارتكابه سهوا إذا لم تبطل(4/142)
الصلاة لخرجت المسائل كلها وقد ذكر أبو سعيد المتولي هذه اللفظة وقيدا آخر وبذلك القيد قصد الاحتراز لكن فيها غنية عنه ثم تكلم في الكتاب في ستة من مواضع السهو منها ما يتعلق بترك المأمور ومنها ما يقع في قسم ارتكاب المنهي وهذا الفصل يشتمل علي أولها وهو يتضمن مسائل يقتضى الشرح أن نفصلها أولا ثم نطبق نظم الكتاب عليها (احدها) الاعتدال عن الركوع ركن قصير أمر المصلي فيه بالتخفيف ولهذا لا يسن تكرير الذكر المشروع فيه بخلاف التسبيح في الركوع والسجود وكأنه ليس مقصودا لنفسه وان كان فرضا وانما الغرض منه الفصل بين الركوع والسجود ولو كان(4/143)
مقصودا لنفسه لشرع فيه ذكر واجب لان القيام هيئة معتادة فلا بد من ذكر يصرفها عن العادة الي العبادة كالقيام قبل الركوع والجلوس في آخر الصلاة لما كان كل واحد منهما هيئة تشترك فيه العادة والعبادة وجب فيها شئ من الذكر وبهذا الفقه اجاب أصحابنا احمد بن حنبل رحمه الله
حيث قال بوجوب التسبيح في الركوع والسجود كالقراءة في القيام والتشهد في القعود فقالوا الركوع والسجود لا تشترك فيهما العادة والعبادة بل هما محض عبادة فلا حاجة إلى ذكر مميز بخلاف القيام والقعود فان قيل لو كان الغرض الفصل لما وجبت الطمأنينة فيه فالجواب ان الطمأنينة انما وجبت ليكون علي سكينة وثبات فان تناهى الحركات في السرعة يخل بهيئة الخشوع والتعظيم ويخرم الابهة إذا عرف ذلك فلو أطاله عمدا بالسكوت أو بالقنوت أو بذكر آخر ليس بركن فهل تبطل صلاته فيه وجهان حكاهما صاحب النهاية وغيره أحدهما لا لما روى عن حذيفة قال " صليت مع رسول(4/144)
الله صلي الله عليه وسلم ليلة فقرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم رفع رأسه وقام قريبا من ركوعه ثم سجد " والثانى انها تبطل الا حيث ورد الشرع بالتطويل بالقنوت أو في صلاة التسبيح لان تطويله يعتبر لموضوعه فاوجب عمده بطلان الصلاة كما لو قصر الاركان الطويلة ونقص بعضها وهذا الوجه هو الذى اورده في التهذيب وذكر امام الحرمين انه ظاهر المذهب ايضا وحكى وجها ثالثا عن القفال أنه ان قنت عامدا في اعتداله بطلت صلاته وان طول بذكر آخر لا يقصد القنوت لم تبطل ويقرب من هذا كلام الشيخ ابى اسحق في المهذب فانه عد من المبطلات تطويل القيام بنية القنوت في غير موضع القنوت واحتج امام الحرمين للوجه الاظهر بانه لو جاز تطويله لبطل معنى الموالاة فان سائر الاركان قابلة للتطويل فإذا طوله ايضا لم تبق الموالاة ولا بد من الموالاة في الصلاة ولمن ذهب الي الوجه الاول أن يقول ان كان معني الموالاة ان لا يتخلل فصل طويل بين أركان الصلاة بما ليس منها فلا يلزم من تطويله وتطويل سائر الاركان فوات الموالاة والا فلا اسلم اشتراط الموالاة بمعنى آخر (المسألة الثانية) لو نقل ركنا ذكريا عن موضعه الي ركن آخر طويل كما لو قرأ الفاتحة أو بعضها في الركوع أو الجلوس آخر الصلاة أو قرأ(4/145)
التشهد أو بعضه في القيام عمدا فهل تبطل صلاته فيه وجهان أحدهما نعم كما لو نقل الاركان الفعلية إلى غير موضعها وأصحهما لا لان نقل الاركان الذكرية لا يغير هيئة الصلاة ولهذا قلنا لو كرر الفاتحة
أو التشهد عمدا لا تبطل صلاته على الصحيح بخلاف الركوع والسجود وقطع قاطعون بهذا الوجه الثاني ويجرى الخلاف فيما لو نقله إلى الاعتدال ولم يطل بان قرأ بعض الفاتحة أو التشهد (الثالثة) لو اجتمع المعنيان فطول الاعتدال بالفاتحة أو التشهد فقد ذكر في النهاية ما يخرج منه طريقان أظهرهما طرد الوجهين فيه ولا يخفى ان الاصح بطلان الصلاة لما ذكرنا والثانى القطع بالبطلان لانضمام نقل الركن الي التطويل (الرابعة) الجلوس بين السجدتين ركن طويل أم قصير فيه وجهان أحدهما أنه طويل حكاه أمام الحرمين عن ابن سريج والجمهور تشبيها بالجلوس بعد السجدتين والثاني أنه قصير حكاه عن الشيخ أبي على وهذا هو الذى ذكره الشيخ أبو محمد في الفروق وتابعه صاحب التهذيب وغيره وهو الاصح لمثل ما ذكرناه في الاعتدال فان قلنا بالاول فلا بأس بتطويله وان قلنا بالثاني ففى تطويله عمدا الخلاف المذكور في الاعتدال (الخامسة) إذا قلنا في هذه الصور ببطلان الصلاة فلو فرض السهو بذلك الشئ سجد سهوا وحصل الوفاء بما سبق أن ما يبطل عمده(4/146)
يسجد لسهوه إذا لم يبطل وإذا قلنا بعدم البطلان فهل يسجد عن الارتكاب سهوا فيه وجهان أحدهما لا كالالتفات والخطوة والخطوتين وسائر مالا يبطل عمده الصلاة وعلى هذا يحصل الوفاء بالطرف الثاني أيضا وهو أن ما لا يبطل عمده الصلاة لا يقتضي سهوه السجود واصحهما نعم أما في تطويل الركن القصير فكما لو قصر الركن الطويل فلم يتم الواجب وعدل إلى غيره سهوا واما في نقل الركن فكما لو نقل الركوع الي غير محله سهوا وهذا لان المصلى مأمور بالتحفظ واحضار الذهن حتى لا يتكلم ولا يزيد في صلاته ما ليس منها وهذا الامر مؤكد عليه تأكد التشهد الاول فإذا غفل فطول الركن القصير أو نقل الركن فقد ترك الامر المؤكد وغير شعار الصلاة فاقتضي الحال الجبر بالسجود وكترك التشهد الاول والقنوت وعلى هذا الوجه تستثنى هذه الصورة على قولنا مالا تبطل الصلاة بعمده لا يقتضى سهوه السجود فهذه هي المسائل: أما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله إذا قرأ التشهد أو الفاتحة في الاعتدال من الركوع عمدا هو صورة المسألة الثالثة وقوله بطلت صلاته يجوز أن يكون جوابا علي الطريقة القاطعة بالبطلان ويجوز أن يكون جوابا
علي الاصح مع اثبات الخلاف وعلى التقديرين فليكن معلما بالواو (واعلم) أن الحكم بالبطلان في هذه الصورة قد نقل عن الشافعي رضى الله عنه وذكر الشيخ أبو محمد وغيره أن الاصحاب اختلفوا في معناه منهم من قال انما بطلت الصلاة لتطويل الركن القصير فلم يحكم بالبطلان إذا قرأ الفاتحة في القيام أو الركوع ومنهم من قال انما بطلت لنقل الركن فحكم بالبطلان حيث وجد النقل وقوله ولو وجد أحد المعنيين دون الثاني ان وجد التطويل وحده فهو صورة المسألة الاولي والاظهر فيها البطلان وان وجد النقل وحده فهو صورة المسألة الثانية والاظهر فيها عدم البطلان ويجوز أن يعلم قوله وجهان(4/147)
بالواو اشارة الي طريقة القاطعين بعدم البطلان في الصورة الثانية وقولنا فان قلنا لا تبطل هو المسألة الاخيرة وقوله والاظهر الي آخره هو المسألة الرابعة لكن الحكم بانها قصيرة أظهر على ما سبق ولا يتضح فرق بين الاعتدال والجلسة * قال (الثاني من ترك اربع سجدات من اربع ركعات سهوا لم يكفه أن يقضيها في آخر صلاته بل لا يحتسب له من الاربع الا ركعتان ولو ترك من الاولى واحدة ومن الثانية ثنتين ومن الرابعة واحدة فليسجد سجدة واحدة ثم ليصل ركعتين فان ترك اربع سجدات من اربع ركعات ولم يدر من أين تركها فعليه سجدة واحدة وركعتان اخذا باسوأ التقديرين المذكورين * (فرع) لو تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة واحدة ولم يكن جلس بعد السجدة الاولي فليجلس ثم ليسجد والقيام لا يقوم مقام الجلسة وان كان قد جلس بعد السجدة الاولي فيكفيه أن يسجد عن قيامه فان كان قد قصد بتلك الجلسة الاستراحة ففى تأدى الفرض بنية النفل وجهان ثم لا يخفى أنه يسجد للسهو في جميع ذلك) *(4/148)
قاعدة الفصل أن الترتيب في أركان الصلاة واجب الرعاية فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتب وقد قال صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فلو ترك الترتيب عمدا بطلت صلاته ولو تركه سهوا لم يعتد بما فعله بعد الركن المتروك حتى يأتي بما تركه فان تذكر
الحال قبل فعل مثله في ركعة بعدها فكما تذكر يشتغل به وان تذكر بعد فعل مثله في ركعة أخرى تمت الركعة الاولى به ولغا ما بينهما هذا إذا عرف عين المنروك وموضعه وان لم يعرف أخذ بأدني الممكن واتي بالباقي وفى الاحوال كلها يسجد للسهو الا إذا وجب الاستئناف بان ترك ركنا واشكل عينه عليه وجوز أن يكون ذلك الركن هو النية أو التكبير والا إذا كان المتروك هو السلام فانه إذا تذكر ولم يطل الفصل يسلم ولا حاجة الي سجود السهو وقد ذكر في الكتاب مسألتين مما يترتب علي هذه القاعدة (احداهما) لو تذكر في الركعة الثانية أنه ترك سجدة من الاولي فلا يخلو اما أن يتذكر قبل أن يسجد في الثانية أو بعد أن يسجد فيها فاما الحالة الاولي فيشتمل عليها الفرع المرسوم في الكتاب آخرا ولا باس أن نقدمه فنقول إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من الاولى فلا بد من الاتيان بها كما تذكر ثم ننظر ان لم يجلس عقيب السجدة المفعولة فهل يكفيه أن يسجد عن قيام أم يجلس مطمئنا ثم يسجد فيه وجهان (أحدهما) أنه يخر ساجدا والقيام يقوم مقام الجلسة بين السجدتين لان الغرض منها الفصل بينهما وقد حصل ذلك بالقيام (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يجب أن يجلس مطمئنا ثم يسجد لانه وان كان المقصود الفصل فالفصل واجب بهيئة الجلوس فلا يقوم القيام مقامها كما لا يقوم مقام الجلوس للتشهد وان جلس عقيب السجدة المفعولة نظر أن قصد به الجلسة بين السجدتين ثم غفل ولم يسجد الثانية فمن قال في الصورة الاولى يكفيه أن يسجد عن قيامه فههنا أولي ومن قال ثم يجلس ثم يسجد اختلفوا ههنا فقال أبو إسحق وغيره يجب أن يجلس(4/149)
ههنا أيضا لينتقل منه الي السجود كما لو قدر المريض علي القيام بعد القراءة يجب عليه أن يقوم ليركع عن قيام وظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب أنه يكفيه أن يسجد عن القيام كما لو ترك اربع سجدات من اربع ركعات ثم تذكر تحتسب له ركعتان كما سيأتي وان كانت السجدة التي في الثانية والتى في الرابعة واقعتين عن قيام وان قصد بتلك الجلسة الاستراحة لظنه أنه أتى بالسجدتين جميعا فوجهان مذكوران في الكتاب (أحدهما) لا يحسب ذلك الجلوس ويجب أن يجلس ثم يسجد لانه قصد بتلك الجلسة السنة فلا تنوب عن الفرض كما في سجدة التلاوة لا تقوم مقام سجود الفرض وبهذا قال
ابن سريج وبه يقول أبو إسحق أيضا لينتقل من الجلوس الي السجود والثاني أنه يكفيه أن يسجد عن قيام ولا يضر اعتقاده أنه يجلس للاستراحة كما لو جلس في التشهد الاخير وهو يظن أنه الاول ثم تذكر يجزيه ذلك وما الاظهر من هذين الوجهين قال في التهذيب المذهب هو الاول لكن الاكثرون منهم العراقيون والقاضى الرويانى رجحوا الوجه الثاني والوجهان في المسألة كالوجهين فيما إذا أغفل المتوضئ لمعة في المرة الاولى وانغسلت في الثانية أو الثالثة هل يجزيه وقد ذكرنا في باب الوضوء أن الاصح عند المعتبرين الاجزاء بخلاف ما إذا انغسلت في تجديد الوضوء لان قضية نيته في ابتداء الوضوء أن لا يقع شئ عن السنة حتي يرتفع الحدث كذلك ههنا قضية نيته السابقة أن لا يكون الجلوس عن الاستراحة الا بعد الفراغ من السجدتين ولو تردد في أنه جلس بعد السجدة المفعولة أم لا فالحكم كما إذا علم أنه لم يجلس وقوله في الكتاب فليجلس ثم ليسجد ينبغي أنه يعلم بالميم لان عند مالك ان ذكر الحال بعد أن ركع في الثانية واطمأن فلا يعود الي السجود بل تلغو الاولي وتصير الثانية أولاه وانما يعود الي السجود إذا تذكر قبل الركوع وبالالف أيضا لان عند أحمد ان ذكر بعد الشروع في القراءة لا يعود الي السجود بل تلغو الاولى ويعتد بالثانية وانما يعود إذا ذكر قبل الشروع في القراءة لنا ان ما أتي به من الاولى وقع صحيحا فلا يبطل بترك ما بعده كما إذا ذكر قبل الركوع عند مالك وقبل القراءة عند احمد ويجوز أن يعلم بالحاء أيضا لان عند أبى حنيفة رحمة(4/150)
الله عليه يكفيه أن يسجد في آخر صلاته سجدة فتلحق بموضعها ولا يرجع إلى السجود وكذلك الحكم عنده لو ترك سجدة عمدا حكاه القاضى الرويانى وغيره وليعلم قوله فليجلس بالواو أيضا وكذلك قوله والقيام لا يقوم مقام الجلسة اشارة إلى الوجه الذى ذكرناه أنه يسجد عن قيام ولا يجلس وفى قوله فليجلس ثم ليسجد ما يفيد أصل الفرض ويبين أن القيام لا يقوم مقام الجلسة لكن عقبه به ايضاحا وتنبيها علي ما يتمسك به صاحب الوجه البعيد وقوله بعد السجدة الاولى في موضعين من الفرع انما سماها أولي بالنسبة إلى ما سيفعله من بعد والا فليس قبل التذكر الا سجدة واحدة (الحالة الثانية) أن يتذكر الحال بعد أن يسجد في الثانية فينظر إن تذكر بعد
السجدتين معا أو في الاخيرة منهما فقد تم بما فعل ركعته الاولى ولغا ما بينهما ثم ان كان قد جلس في الاولي علي قصد الجلسة بين السجدتين فتمامها بالسجدة الاولى وكذا إن كان قد جلس علي قصد الاستراحة واقمناها مقام الجلسة بين السجدتين وان لم يجلس أصلا أو جلس علي قصد الاستراحة ولم يكتف بها فان قلنا إذا تذكر في القيام والحالة هذه يجلس ثم يسجد وهو الاصح فتمام الركعة الاولى ههنا بالسجدة الثانية وان قلنا ثم يسجد عن قيام فتمامها بالسجدة الاولى وينبنى علي هذا الخلاف ما إذا تذكر بعد السجدة الاولي فان قلنا بالاول فركعته غير تامة فيسجد سجدة ثم يقوم الي ركعة ثانية وان قلنا بالثاني فركعته تامة فيقوم إلى أخرى هذه مسألة والثانية إن تذكر في جلوس الركعة الرابعة أنه ترك من صلاته الرباعية أربع سجدات فلا يكفيه أن يقضيها فيأتي باربع سجدات ولاء ويسلم لان الترتيب يقتضى أن لا يعتد بشئ بعد الركن المتروك حتى يأتي به في ركعة أخرى ثم ترك السجدات الاربع من الصلاة الرباعية قد يقتضي الاحتساب بثلاث ركعات الا سجدتين وقد يقتضى الاحتساب بركعتين ناقصتين بسجدة فهذه ثلاثة أوجه والثالث أسوأها والمصنف ذكر لكل واحد من الوجهين الاخيرين مثالا دون الوجه الاول ونحن نذكرها جميعا على الاختصار(4/151)
فلو ترك ثنتين من الثالثة وثنتين من الرابعة صحت له الركعتان الاوليان وصحت الركعة الثالثة أيضا لكن لا سجدة فيها وفيما بعدها حتى يتم بها فيسجد سجدتين ويقوم الي ركعة رابعة فهذه الصورة من صور الوجه الاول وكذلك ترك واحدة من الاولي وواحدة من الثانية وثنتين من الرابعة وكذا ترك واحدة من الثانية وواحدة من الثالثة وثنتين من الرابعة: وأما الوجه الثاني فمن صوره أن يترك من كل ركعة سجدة فيحصل له ركعتان لان الاولي تتم بالسجدة التى في الثانية ويلغو ما بينهما وكذلك تتم الركعة الثالثة بالسجدة التى في الرابعة ومنها ترك ثنتين من الثانية وثنتين اما من الاولى أو الثالثة ومنها ترك ثنتين من الثانية وواحدة من الاولى وأخرى من الثالثة ومنها ترك ثنتين من الثانية وواحدة من الثالثة وأخرى من الرابعة ومنها ترك ثنتين من الاولى واثنتين من ركعتين بعدها متواليتين ومنها ترك واحدة من الاولي وواحدة من الثانية واثنتين من الثالثة ومنها ترك واحدة من
الثانية واثنتين من الثالثة وواحدة من الرابعة يحصل في هذه الصور كلها ركعتان ويفوم إلى ركعتين أخريين وأما الوجه الثالث فمن صوره أن يترك من الاولي واحدة ومن الثانية ثنتين ومن الرابعة واحدة فالحاصل ركعتان الا سجدة وذلك لان ما بعد السجدة في الركعة الاولي غير محسوب حتى تتم هي وليس في الثانية ما يتمها فتتم بسجدة من الثالثة وتلغو سجدتها الاخرى لان الركعة إذا تمت فالواجب بعدها القيام وتحتسب ركعته الرابعة وليس فيها الا سجدة فيسجد أخرى ليتمها ويقوم الي ركعتين أخريبن ومنها لو ترك من الاولي ثنتين وواحدة من الثانية وأخرى من الرابعة وكذلك كل صورة ترك فيها ثنتين من ركعة وثنتين من ركعتين أخريين غير متواليتين إذا عرفت ذلك فان عرف الساهي موضع الاربع المتروكة فالحكم ما بينا وان لم يعرف أخذ بالاسوأ ليخرج عن العهدة بيقين والاسوأ أن ياتي بسجدة وركعتين وحكى امام الحرمين عن أبيه أنه كان يقول يلزمه في صورة الاشكال أن يسجد سجدتين ثم يقوم الي ركعتين أخريين لاحتمال أنه ترك ثنتين من الثالثة وثنتين من الرابعة أو على صورة أخرى من صور الوجه الاول ولو كان كذلك لكان عليه أن يسجد سجدتين ثم يقوم الي ركعة أخرى فيجب أن يسجد سجدتين لجواز أن يكون الترك علي وجه يقتضى ذلك ثم لا يجزئه الا ركعتان لجواز أن يكون الترك علي وجه آخر فيصلي ركعتين أخريين ليكون آتيا بكل ما تعذر(4/152)
وجوبه واعترض عليه بان السجدة الثانية غير معتد بها فانه إذا سجد سجدة واحدة والاشكال مستمر حصل له مما فعل ركعتان قطعا ولا شك انا نأمره بركعتين أخريين فالزيادة لغو والله اعلم * ثم جميع ما ذكرناه فيما إذا كان قد جلس عقيب السجدات كلها علي قصد الجلسة بين السجدتين أو على قصد الاستراحة واقمناها مقام الجلسة المفروضة وإذا فرعنا علي أن القيام يقوم مقام الجلسة فاما إذا لم يجلس في بعض الركعات أو في شئ منها الا في الرابعة وفرعنا علي الصحيح وهو أن القيام لا يقوم مقام الجلسة لم يحسب ما بعد السجدة المفعولة إلى ان يجلس حتى لو تذكر انه ترك من كل ركعة سجدة ولم يجلس الا في الاخيرة أو جلس بنية الاستراحة أو جلس في الثانية علي قصد التشهد الاول وقلنا الفرض لا يتأدى بالنفل فلا يحصل له مما فعل الا ركعة ناقصة بسجدة لانه لم يأت بعدها بجلوس علي قصد الفرضية
ثم هذا الجلوس الذى نذكر الحال فيه يقوم مقام الجلسة بين السجدتين فيسجد سجدة ويقوم الي ثلاث ركعات فهذا ما يتعلق بترك اربع سجدات من صلاة رباعية ولو تذكر أنه ترك منها سجدة واحدة فان علم أنه نسيها من الاخيرة سجدها واستأنف التشهد ان كان قد تشهد وان علم أنه تركها من غير الاخيرة فعليه أن يقوم الي ركعة أخرى وان أشكل أخذ بالاحتمال الآخر وان تذكر ترك سجدتين منها فان كانتا من الركعة الاخيرة كفاه أن يأتي بسجدتين وان كانتا من غير الاخيرة فان كانتا من ركعة واحدة فعليه أن يقوم الي ركعة وان كانتا من ركعتين فقد يكفيه أن يقوم إلى ركعة وقد يلزمه أن يقوم إلى ركعتين بان ترك واحدة من الاولي وواحدة(4/153)
من الثالثة وان أشكل أخذ بهذا الاسوأ وان تذكر ترك ثلاث سجدات فقد يقتضي ذلك حصول ثلاث ركعات الا سجدة فيسجد سجدة ويقوم إلى ركعة وذلك مثل أن يكون اثنتان من الاولي أو الثانية أو الثالثة وواحدة من الرابعة وقد يكون بحيث يحصل له ثلاث ركعات الا سجدتان مثل أن تكون واحدة من الاولى واثنتان من الرابعة وقد يكون بحيث لا يحصل له الا ركعتان مثل أن يكون الثلاث من الثلاث الاوليات فان أشكل اخذ بهذا الاسوأ وان تذكر ترك خمس فقد يحصل ركعتان سوى سجدتين بان تكون واحدة من الاولى وثنتان من الثانية وثنتان من الرابعة وقد لا يحصل الا ركعة مثل أن تكون واحدة من الاولى وثنتان من الثانية وثنتان من الثالثة فان أشكل الحال فقد قال في المهذب يلزمه سجدتان وركعتان وقال غيره لا بل ثلاث ركعات وهو الصحيح ولا وجه للاول ولو ترك ست سجدات فلا يحصل الا ركعة ولو ترك سبعا فلا يحصل الا ركعة ناقصة بسجدة وحكم الثمان لا يخفى ونعود الي ما يتعلق بالفاظ الكتاب سوى ما تقدم (قوله) من ترك أربع سجدات من أربع ركعات عنى به ما إذا ترك كل سجدة من ركعة وان كان اللفظ مطلقا وقد صرح به في الوسيط وهذه الصورة من جملة الصور التى تقتضي ترك السجدات الاربع فيها الاحتساب بركعتين علي ما سبق ذكرها ولو اقتصر في الحكم علي قوله لم يكفه أن يقضيها في آخر صلاته لامكن اجراؤه علي اطلاقه فانه لا يكفى قضاء السجدات
في آخر الصلاة بحال ولكن لما عقبه بقوله بل لا يحتسب له من الاربع الا ركعتان تعذر أجراؤه علي الاطلاق ثم شرط الاحتساب بالركعتين أن يجلس عقيب السجدات كما سبق وان لم يتعرض له لفظ الكتاب (وقوله) لم يكفه معلم بالحاء لان أبا حنيفة يقول في الصورة المرادة يكفيه أن يسجد أربع سجدات ولاء ويسلم وليس كذلك لان الترتيب في أفعال الصلاة ليس بشرط عنده فانه سلم أنه لو ترك ثمان سجدات لم يكفه الاتيان بها في آخر الصلاة بل لا يحتسب له الا ركعة بلا سجدة كما هو مذهبنا لكنه اكتفى ههنا بالسجدات لان عنده إذا تقيدت الركعة بسجدة اعتد بها حتى لو ترك من كل ركعة سجدة قصدا كفاه فعلها في آخر الصلاة أيضا * لنا أنه لو وقع الاعتداد بالركعة المقيدة بسجدة لما وجب فعل السجدات في آخر الصلاة كركعة المسبوق لما اعتد بها لم يجب تدارك القيام والقراءة منها (وقوله) في آخر صلاته انما سماه آخر الصلاة علي تقدير ان لو كان قضاؤها كافيا أو بالاضافة الي ظن المصلى(4/154)
اولا والا فليس الجلوس الذى فرضنا فيه التذكر آخر صلاته في الحقيقة ثم في هذه أللفظة أشعار بانه أراد تصوير الكلام فيما إذا تذكر سهوه قبل أن يسلم من صلاته والا فالسجدات لو قضيت لا تكون في آخر صلاته بل بعد آخرها واما الحكم لو تذكر السهو في المسائل المذكورة بعد السلام ان لم يطل الفصل فهو كما لو تذكر قبل السلام بلا فرق وان طال وجب الاستئناف ومعني طول الفصل سيأتي وقوله الا ركعتان يجوز أن يعلم بالميم والالف لانهما لا يصححان الا الركعة الاخيرة وهى ناقصة بسجدة فيسجد سجدة ويقوم الي ثلاث ركعات.
وروى عن مالك ان صلاته تبطل فاما قوله ولو ترك من الاولي واحدة إلى آخره فهو من الصور التي يقتضي ترك السجدات الاربع فيها الاحتساب بركعتين الا سجدة وقوله في الصورة الثالثة ولم يدر من أين تركها يوضح انه اراد بالصورة الاولي ما إذا درى من أين ترك وهو ما بيناه (وقوله) فعليه سجدة واحدة يجوز أن يعلم بالواو لما حكينا عن الشيخ ابى محمد رحمه الله (وقوله) اخذ باسوء التقديرين المذكورين اسوء التقديرين ما إذا ترك سجدة من الاولي وثنتين من الثانية وواحدة من الرابعة ولا يجب عند الاشكال الحمل على هذه الصورة بعينها فان لها اخوات في معناها كما بينا وانما الواجب الحمل عليها أو علي شئ منها وقوله
في آخر الفصل ثم لا يخفى انه يسجد للسهو في جميع ذلك أي في جميع مسائل الفصل ويمكن عدها من قسم ترك المأمور لان الترتيب مأمور به وتركه عمدا مبطل فإذا سها سجد ومن قسم ارتكاب المنهى أيضا لانه إذا ترك الترتيب فقد زاد في الافعال والاركان *(4/155)
(قال الثالث إذا قام إلى الثالثة ناسيا فان انتصب لم يعد إلى التشهد لان الفرض لا يقطع بالسنة فان عاد عالما بطلت صلاته وان عاد جاهلا لم تبطل لكن يسجد للسهو وإن كان مأموما وقعد امامه جاز الرجوع علي أحد الوجهين لان القدوة في الجملة واجبة وان لم يكن التقدم بهذا القدر مبطلا وان تذكر قبل الانتصاب فيرجع ثم يسجد للسهو ان كان قد انتهى الي حد الراكعين لانه زاد ركوعا) * قد سبق أن فوات التشهد الاول يقتضي سجود السهو وفى هذا الفصل يتبين أنه متى يفوت والي متى يجوز تداركه بالعود إليه وإذا عاد إليه هل يحتاج إلي سجود السهو ام لا فنقول: إذا نهض من الركعة الثانية ناسيا للتشهد أو جلس ولم يقرأ التشهد ونهض منه ناسيا ثم تذكر فلا يخلو إما ان يتذكر بعد الانتصاب أو قبله (الحالة الاولى) ان يتذكر بعد الانتصاب فلا يجوز له العود الي التشهد خلافا لاحمد حيث قال يجوز ما لم يشرع في القراءة والاولي أن لا يعود وحكى القاضي ابن كج عن ابي الحسين مثل ذلك لنا ما روى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام احدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس وإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو " ولان القيام فرض والتشهد الاول سنة لما سبق والفرض لا يقطع بالسنة فلو خالف وعاد نظر ان تعمده وهو عالم بانه لا يجوز العود بطلت صلاته وان عاد ناسيا لم تبطل وعليه ان يقوم كما تذكر وان عاد(4/156)
جاهلا بعدم الجواز ففيه وجهان منقولان في التهذيب وغيره (احدهما) انه لا يعذر وتبطل صلاته لتقصيره بترك التعلم (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب يعذر ولا تبطل صلاته كالناسي لانه مما يخفى على العوام ولا يمكن تكليف كل احد تعلمه وعلي هذا يسجد للسهو لما زاد في صلاته سهوا وكذلك في صورة النسيان وهذا
الذى ذكرناه في المنفرد والامام في معناه فلا يرجع بعد الانتصاب الي التشهد ولا يجوز للمأموم ان يشتغل به ولو فعل بطلت صلاته نعم لو نوى مفارقته ليتشهد جاز وكان مفارقا بالعذر ولو انتصب مع الامام ثم عاد الامام لم يجز للمأموم ان يعود بل يخرج عن متابعته لانه اما مخطئ بالعود فلا يوافقه في الخطأ أو عامد فصلاته باطلة وهل يجوز ان ينتظره قائما حملا على أنه عاد ناسيا حكي في التهذيب فيه وجهين وقد سبق في التنحنح نظيره ولو قعد الامام للتشهد الاول وقام المأموم ساهيا أو نهضا ثم تذكر الامام فعاد قبل الانتصاب والمأموم قد انتصب هل يعود المأموم في الصورتين فيه وجهان (اصحهما) نعم لان متابعة الامام فرض بخلاف الامام والمنفرد فانهما لو رجعا لرجعا من فرض الي سنة (والثاني) أنه لا يعدو بل يصبر إلى ان يلحقه الامام لانه حصل في ركن القيام وليس فيما فعله الا تقدم الامام بركن وانه غير مبطل وان كان عمدا فلا حاجة الي الرجوع وقوله في الكتاب لان القدوة في الجملة واجبة وان لم يكن التقدم بهذا القدر مبطلا اشارة الي توجيه الوجهين وفى بعض النسخ لان القدوة في الجملة واجبة (والثانى) لا لان سبق الامام بركن لا يبطل وهما قريبان ويجوز أن يعلم قوله وان لم يكن التقدم مبطلا بالواو لان في وجه التقدم على الامام يبطل الصلاة ولو بركن واحد وقد أورده في الكتاب في الصلاة بالجماعة والذى ذكره ههنا مفرع علي ظاهر المذهب وصاحب النهاية قد صرح(4/157)
بذلك ثم ذكر ان الخلاف في المسالة في جواز الرجوع وعدم الجواز ولا خلاف في أنه لا يجب الرجوع لانه لو قام قصدا لم يقض ببطلان صلاته ووافقه المصنف فقال جاز الرجوع علي أحد الوجهين ففرض الخلاف في الجواز لكن الشيخ ابا محمد ومن تابعه نقلوا الوجهين في أنه هل يجب الرجوع وقالوا اصحهما الوجوب ولو لم يرجع بطلت صلاته لان متابعة الامام فرض ولم يورد صاحب التهذيب الا وجه الوجوب ثم قطع امام الحرمين بان في صورة قصد القيام ليس له أن يعود كما لو ركع قبل الامام أو رفع رأسه قبله عمدا لا يجوز أن يعود ولو عاد بطلت صلاته لانه زاد ركنا عمدا ولو فعل ذلك سهوا كما لو سمع حسا فظن ان الامام ركع فركع ثم تبين انه لم يركع بعد أو ظن أنه اعتدل عن الركوع فاعتدل ثم بان أنه لم يعتدل بعد فقد ذكر في النهاية وجهين في انه هل يجوز له أن يرجع لانه غالط فيما فعل وصاحب التهذيب وآخرون حكوا الوجهين في هذه المسألة في وجوب الرجوع أيضا وقالوا في وجه تبطل صلاته لو لم يرجع وفى وجه يتخير بين ان يرجع
أو لا يرجع وهو الاصح وللنزاع في صورة قصد القيام ايضا مجال ظاهر لان اصحابنا العراقيين اطبقوا علي أنه لو ركع قبل الامام عمدا فينبغي ان يرجع ليرجع مع الامام واستحبوا الرجوع فضلا عن الجواز وربما تعود المسألة في باب الجماعة وقوله لم يعد الي التشهد معلم بالالف والواو لما قدمناه وكذا قوله بطلت صلاته وقوله في الجاهل لم تبطل معلم بالواو (الحالة الثانية) أن يتذكر قبل الانتصاب فقد نص الشافعي رضي الله عنه علي أنه يرجع الي التشهد وحكى الروياني خلافا للاصحاب في انه ما الذى أراد بالانتصاب فمنهم من قال اراد الاعتدال والاستواء ومنهم من قال اراد به ان يصير الي حالة هي ارفع من حد أقل الركوع والاول ظاهر اللفظ وهو الذي ذكره الجمهور ويدل عليه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وبالثانى فسر المسعودي كلام الشافعي رضى الله عنه وبه قال الشيخ أبو محمد وهذا لاختلاف يرجع الي شئ وهو أن من قام في صلاته منحنيا فوق حد اقل الركوع هل يجزيه ذلك أم لا وفيه وجهان حكيناهما في ركن القيام فمن قال لا يجزيه وهو الاصح قال ههنا له أن يعود ومن قال يجزيه قال إذا صار في ارتفاعه الي هذا الحد لا يعود لانه حصل في حد الفرض وقوله في الكتاب فيرجع معلم بالميم لان عند مالك ان كان الي الانتصاب اقرب لم يرجع وعن ابن المنذر عنه انه إذا فارقت اليتاه الارض لم يرجع وبالحاء لان عند ابى حنيفة ان كان إلى القيام اقرب لم يعد ذكره القدورى ويجوز ان يعلم بالواو ايضا لان مراده من الانتصاب الاستواء ومن ذهب الي التفسير الثاني لا يطلق الرجوع إذا لم يستو ثم إذا عاد قبل الانتصاب فهل يسجد للسهو حكي الشيخ أبو حامد واصحابنا العراقيون فيه قولين (اظهرهما) عندهم انه لا يسجد لانه روى في حديث(4/158)
المغيرة انه صلى الله عليه وسلم قال " وأن ذكر قبل ان يستتم قائما جلس ولا سهو " ولانه عمل قليل فلا يقتضى سجود السهو والثانى وبه قال احمد واختاره القاضي أبو الطيب انه يسجد لما روى ان انسا رضي الله عنه " تحرك للقيام في الركعتين من العصر فسبحوا به فجلس ثم سجد للسهو " ولان ما اتى به زيادة من جنس الصلاة فاشبه ما إذا زاد ركوعا وقال كثير من الاصحاب ان صار اقرب الي القيام منه الي القعود ثم عاد سجد للسهو وان كان يعد اقرب الي القعود لم يسجد: ويحكى هذا عن القفال ايضا ووجهه انه إذا صار الي القيام أقرب فقد اتي بفعل يغير نظم الصلاة ولو أتي به عمدا في غير موضعه لبطلت صلاته
فيقتضى سهوه السجود وهذا كالتوسط بين القولين وحمل للقولين علي الحالين وذكر في النهاية هذه العبارة وزاد انه لو عاد من حد يكون نسبته إلى القعود كنسبته إلى القيام لا يسجد ايضا وذكره عبارة اخرى عن الشيخ ابي محمد وآخرين وهى انه لو عاد قبل ان ينتهى إلى حد الراكعين فلا يسجد وان عاد بعد ان ينتهي الي حد الراكعين يسجد لانه زاد ركوعا سهوا وهذه العبارة هي التى ذكرها في الكتاب وليس المراد من حد الركوع ههنا أقل الركوع فان المرتفع إذا انتهى إلى حد اقل الركوع فقد جاوز حد اكمله وزاد ركوعا ولم يبلغه فهو في حد الراكعين ايضا نص عليه في النهاية وهذا الخلاف في الوجه الذى حكيناه عن بعضهم في تفسير الانتصاب حيث يعتبر اقل الركوع لان النظر ثم إلى الحصول في حد فرض القيام والعبارة الاولي اوفى بالغرض فان الثانية لا تجزئ الا إذا انتهض منحنيا ومن الجائز ان لا ينحني في انتهاضه فيحتاج الي الرجوع إلى العبارة الاولى وهما متقاربتان وليستا علي التنافي بل من قال بالاولي قال بانه إذا انتهي إلى حد الراكعين الي حد الراكعين وعاد يسجد للسهو ومن قال بالثانية سلم بانه إذا عاد بعدما صار اقرب إلى القيام من غير انحناء يسجد وليكن قوله ثم يسجد للسهو معلما لواو لمكان طريقة القولين المطلقين في العود قبل الانتصاب والظاهر التفصيل وبه اجاب صاحب التهذيب والرويانى في الحلية وجميع ما ذكرناه من الحالتين فيما إذا ترك التشهد الاول ونهض ناسيا فاما إذا فعل ذلك عمدا ثم عاد قبل الانتصاب والاعتدال فان عاد بعدما صار الي القيام اقرب بطلت صلاته وان عاد قبله لم تبطل ذكره في التهذيب ولو كان يصلى قاعدا فافتتح القراءة بعد الركعتين فان كان علي ظن أنه فرغ من التشهد وجاء وقت الثالثة لم يعد بعد ذلك الي قراءة التشهد في اصح الوجهين وان سبق لسانه الي القراءة وهو عالم بانه لم يتشهد فله ان يعود الي قراءة التشهد وترك القنوت يقاس بما ذكرنا في التشهد فإذا نسيه ثم تذكر(4/159)
بعد وضع الجبهة علي الارض لم يجز العود وان كان قبله فله العود ثم ان عاد بعد بلوغه حد الراكعين يسجد للسهو وان كان قبله فلا * قال (الرابع إذا تشهد في الاخير قبل ان يسجد تدارك السجود واعاد التشهد وسجد للسهو
لانه زاد قعودا طويلا ولو ترك السجدة الثانية وتشهد ثم تذكر لم يسجد لهذا السهو لانه ركن طويل فلم يوجد الا نقل التشهد وهو غير مبطل علي احد الوجهين وان جلس عن قيام ولم يتشهد لكن طول سجد للسهو وان تذكر علي القرب فلا لان قدر جلسة الاستراحة في مثل هذا الوقت عمدا لا يبطل الصلاة) * صورة المسالة الاولى ان يجلس في الركعة الاخيرة عن قيامه ظانا انه إذا اتي بالسجدتين ويتشهد ثم يتذكر الحال بعد التشهد فيجب عليه تدارك السجدتين واعادة التشهد مراعاة لترتيب الصلاة ويسجد للسهو والحالة هذه لمعنيين (احدهما) وهو المذكور في الكتاب انه زاد قعودا طويلا في الصلاة ولو فعل ذلك عمدا بطلت صلاته فإذا فعله سهوا سجد والثاني انه نقل ركن التشهد عن موضعه الي غير موضعه وذلك يقتضى سجود السهو علي أظهر الوجهين كما تقدم ويتفرع علي هذا ما لو جلس بعد السجدتين في الركعة الاولي أو الثالثة وقرأ التشهد أو بعضه ثم تذكر سجد للسهو نص عليه الشافعي رضي الله عنه لانه نقل ركن التشهد إلى غير موضعه ولو لم يقرأ شيئا فان طول سجد للسهو لانه زاد قعودا طويلا وان لم يطول فلا لانتفاء المعنيين والتطويل بان يزيد علي قدر جلسة الاستراحة (واعلم) ان الحكم المذكور لا يختص بالركعة الاخيرة بل لو اتفق له ذلك في الركعة الثانية من صلاة رباعية أو ثلاثية فكذلك يتدارك السجود ويعيد التشهد ويسجد للسهو الا ان اعادة التشهد ههنا تكون مسنونة ولو اتفق ذلك في ركعة لا يعقبها تشهد فإذا تذكر تدارك (المسألة الثانية) لو سجد في الركعة الاخيرة سجدة وتشهد علي ظن أنه فرغ من السجدتين ثم تذكر فلا شك في أنه يتدارك السجدة الثانية ويعيد التشهد وهل يسجد للسهو قال في الكتاب لا يسجد بناء علي شيئين احدهما ان الجلوس بين السجدتين ركن طويل فلم يوجد منه زيادة قعود طويل والثانى ان نقل الركن الذكرى عن موضعه لا يقتضي السجود فتكون قراءة التشهد ههنا بمثابة ما لو اتى بذكر آخر ويحكى هذا عن ابن سريج لكن كل واحد من هذين الاصلين مختلف فيه والظاهر ان الجلسة بين السجدتين ركن قصير وان نقل الركن عن موضعه يقتضى السجود على ما بيناه من قبل فإذا الظاهر في المسألة أنه يسجد للسهو وبه قال الشيخ أبو علي وغيره وذكر في التهذيب انه المذهب ولو كانت المسألة بحالها وطول لا بالتشهد فههنا لا نقل لكن الظاهر انه يسجد للسهو ايضا(4/160)
تفريعا علي قولنا الجلسة بين السجدتين ركن قصير * واعرف من لفظ الكتاب في المسألة امورا ثلاثة (احدها) ان قوله لم يسجد لهذا السهو ليس جوابا ينفى السجود جزما لانه ذكر الخلاف فيما جعله علة لنفى السجود حيث قال لانه ركن طويل ولم يوجد الا نقل التشهد وهو غير مبطل يعنى إذا كان عمدا علي احد الوجهين والخلاف في العلة يوجب الخلاف في المعلول فتبين بذلك انا إذا قلنا ان عمده مبطل يسجد للسهو فإذا لا حاجة الي اعلام قوله لم يسجد بالواو لانه بمثابة قوله لم يسجد علي أحد الوجهين (الثاني) قوله على أحد الوجهين يجوز ان يرجع إلى النقل وحده ويجوز ان يرجع إليه والي قوله قبله ركن طويل فان الخلاف ثابت فيهما فان كان الاول فليعلم قوله ركن طويل بالواو (الثالث) لفظ الكتاب يشعر بان الحكم بان عمده غير مبطل مع قولنا الجلسة ركن طويل يقتضى نفي السجود ههنا لكنه قد ذكر من قبل انا وان لم نجعل عمد النقل مبطلا ففى السجود لسهوه وجهان فإذا القول بنفي السجود ههنا بناء علي الاصلين جواب علي انه إذا لم يبطل عمده لا يسجد لسهوه فالاظهر انه وان لم يبطل عمده يسجد لسهوه كما تقدم (المسألة الثالثة) لو جلس عن قيام ولم يتشهد نم تذكر اشتغل بالسجدتبن وبما بعدهما علي ما يقتضيه ترتيب صلاته ثم ان طال جلوسه سجد للسهو لما سبق ان زيادة القعود الطويل عمدا مبطلة وان(4/161)
لم يطل بل كان في حد جلسة الاستراحة فلا يسجد للسهو لان العمد منه في غير موضعه لا يبطل الصلاة بخلاف الركوع والسجود والقيام يبطل عمدها الصلاة وان قصر زمانه وذلك لان الجلوس معهود في نفس الصلاة من غير أن يكون ركنا كجلوس التشهد الاول وجلسة الاستراحة وهى لا تقع في نفس الصلاة الا اركانا فيكون تأثيرها في تغيير نظم الصلاة أشد والمسألتان الاخيرتان لا اختصاص لهما بالركعة الاخيرة كما ذكرنا في المسألة الاولى لكن هذا السهو حيث يكون بين يديه تشهد أقرب وقوعا وإذا كان التشهد فرضا يجب عليه اعادته بعد تبين الحال فلذلك كانت مسائل الكتاب مصورة في الركعة الاخيرة قال (الخامس إذا قام الي الخامسة ناسيا بعد التشهد فان تذكر جلس وسلم والقياس أنه لا يعيد التشهد
والنص أنه يتشهد لرعاية الولاء بين التشهد والسلام وكيلا يبقى السلام فردا غير متصل بركن من أحد الجانبين) * إذا قام إلى الخامسة في صلاة رباعية ثم تذكر قبل أن يسلم فعليه أن يعود الي الجلوس ويسجد للسهو سواء تذكر في قيام الخامسة أو ركوعها أو سجودها وان تذكر بعد الجلوس فيها سجد للسهو ويسلم قال أبو حنيفة ان تذكر قبل أن يسجد في الخامسة يعود الي الجلوس وان تذكر بعد(4/162)
ما سجد فيها فان لم يكن قعد في الرابعة بطل فرضه وتحولت صلاته نفلا وعليه أن يضم إليها ركعة سادسة وان كان قد قعد في الرابعة ضم إليها ركعة أخرى وتكون أربع ركعات من صلاته فرضا وركعتان نفلا لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا فقيل له أتزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم " والاستدلال أنه لا يخلو اما ان كان قد قعد في الرابعة أو لم يقعد فان قعد فيها لم يضم إلى صلاته ركعة أخرى وان لم يقعد فيها لم يعد الصلاة وقوله في الكتاب جلس وسلم يعني وسلم بعد سجود السهو وهل يتشهد بعدما تذكر الحال نظر ان تذكر بعد الجلوس والتشهد في الخامسة فلا حاجة إلى اعادته بحال وان تذكر قبل الجلوس فيها فجلس أو بعد الجلوس فيها وقبل التشهد فان لم يكن تشهد في الرابعة فلا بد وأن يتشهد الآن وان كان قد تشهد فيها وهذه الحالة هي المذكورة في الكتاب فهل يحتاج الي اعادة التشهد فيه وجهان (أصحهما) وبه قال معظم الاصحاب لا لانه أتى به في موضعه فاشبه ما إذا قام الي الخامسة من السجود ثم تذكر فانه يقعد ويتشهد ولا يحتاج الي العود إلى السجود (والثانى) وبه قال ابن سريج أنه يجب اعادته وينسب هذا الي نص الشافعي رضي الله عنه لانه قال في المختصر وان ذكر أنه في الخامسة سجد أو لم يسجد قعد في الرابعة أو لم يقعد فانه يجلس للرابعة ويتشهد ويسجد للسهو حكم بانه يجلس ويتشهد سواء قعد في الرابعة أو لم يقعد وذكر ابن سريج لهذا الوجه الثاني معنيين (احدهما) رعاية الموالاة بين التشهد والسلام فان تشهده في الرابعة قد انقطع بالركعة الزائدة فلا بد(4/163)
من اعادته ليليه السلام (والثانى) أنه لو لم يعد التشهد لبقى السلام فردا غير متصل بركن قبله ولا بعده والكتاب يشتمل على هذين المعنيين معا وفرع ابن سريج عليهما ما إذا ترك الركوع ثم تذكره في السجود وان قلنا بالمعنى الاول يجب أن يعود الي القيام ويركع منه وان قلنا بالمعنى الثاني كفاه أن يقوم راكعا فانه لا يبقى فردا لاتصاله بالسجود وما بعده والاول مثل ما حكينا عن أبى اسحق فيما إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من الاولي وكان قد جلس بعد السجدة المفعولة أنه يجلس ثم يسجد قال أصحاب الوجه الاول اما لفظ الشافعي رضى الله عنه فانما يتعرض للقعود ولم يقل تشهد أو لم يتشهد فالمراد ما إذا قعد ولم يتشهد واما المعنيان فضعيفان أما الاول فلان الفصل بالنسيان لا يقدح في الموالاة لانه إذا اعاد التشهد فاما أن يكون المعتد به تشهده الاول أو يكون هو الثاني فان كان المعتد به الاول فلا معنى للامر بالثاني ثم المحذور وهو انقطاع الموالاة بين التشهد والسلام يبقى بحاله وان كان المعتد به الثاني فلا موالاة بينه وبين ما قبله من الاركان فلم يحتمل انقطاع الموالاة بين التشهد وما قبله ولا يحتمل بين التشهد والسلام واما المعني الثاني فهو مفرع على انقطاع الموالاة والا فالسلام ليس فردا بل هو متصل بما قبله وهذا كله إذا كان قد تشهد علي قصد التشهد الاخير وهو المراد من مسألة الكتاب فاما إذا تشهد علي ظن أنه التشهد الاول عاد الوجهان في تأدى الفرض بنية النفل ان قلنا يتادى ففيه الخلاف المذكور وان قلنا لا يتادى فيجب اعادة التشهد بلا خلاف وإذا عرفت ما ذكرناه تبين لك أنه لم قال القياس أنه لا يتشهد والنص أنه يتشهد لكن في اللفظ شيئان (أحدهما) أنه سلم أن النص أنه يتشهد واصحاب الوجه الاول لم يسلموا ذلك بل منهم من يمنع دلالته عليه ومنهم من أوله (والثاني) ان قوله في مقابلته القياس أنه لا يتشهد انما يذكر مثله في ابداء الشئ على سبيل الاحتمال وهو منقول منصوص عليه من جهة معظم الاصحاب والله اعلم *(4/164)
قال (السادس إذا شك في اثناء الصلاة أخذ بالاقل (ح) وسجد للسهو ولو شك بعد السلام فقولان أحدهما أنه يقوم الي التدارك وكانه لم يسلم والثانى انه لا يعتبر بعد الفراغ لما فيه من العسر وان لم يشك الا بعد طول الزمان فالقياس أنه لا يلتفت إليه) *
ليس في هذا الموضع السادس سهو محقق فكأنه أراد بقوله أولا ومواضع السهو ستة مواضع سجود السهو ثم ليس ذلك علي سبيل الحصر بل الصور المفردة التى يشرع فيها السجود تزيد علي اضعاف هذا العدد ويمكن التقسيم الجملى علي وجه ينتقص عنه وقوله إذا شك في اثناء الصلاة يعني في عدد الركعات وسبب الاخذ بالاقل وسجود السهو قد ذكره في الكتاب بعد هذا واعاد المسألة كما سنشرحها وليعلم قوله اخذ بالاقل بالحاء والالف لما سيأتي وان وقع الشك في عدد الركعات أو في ترك ركن من الاركان بعد السلام فينظر ان لم يطل الزمان ففيه قولان (احدهما) انه يشتغل بالتدارك ويسجد للسهو كما لو وقع الشك في اثناء الصلاة لان الاصل انه لم يفعله وايضا فلانه لو تيقن بعد السلام ترك ركن أو ركعة ولم يطل الفصل يتدارك كما لو كان ذلك قبل السلام فكذلك يتساويان في حكم الشك واظهرهما انه لا عبرة بهذا الشك لان الظاهر ان ختم الصلاة كان علي تمام الركعات والاركان ولو اعتبر الشك الطارئ بعد الفراغ لعسر الامر علي الناس وفى المسألة طريق آخر وهو القطع بهذا القول الثاني فليكن قوله فقولان معلما بالواو لذلك ولفظ الكتاب وان لم يصرح بوضع القولين فيما إذا لم يطل الزمان لكنه اشتمل على ما يبين ذلك الا ترى انه قال بعد القولين فان لم يشك الا بعد طول الزمان فافهم انهما فيما إذا لم يطل وان طال الزمان ثم شك ففيه طريقان حكاهما في النهاية (احدهما) طرد القولين (واصحهما) القطع بانه لا عبرة بالشك بعده لان الانسان بعد طول المدة تكثر تردداته وشكوكه فيما مضى من افعاله ولو اعتبر ذلك لكان الطريق ان يؤمر(4/165)
بالقضاء ومثل هذا الشك غير مأمون في القضاء ايضا وقوله على الصحيح أي من الطريقين وبه قال الشيخ أبو محمد ويجوز ان يريد من القولين جوابا على الطريقة الاولي وإذا لم يفصل بين طول الزمان وقصره قلت في الشك الطارئ بعد الفراغ طريقان (احدهما) انه لا يعتبر بحال (والثانى) وهو المذكور في الوسيط أن فيه ثلاثة اقوال (اصحها) الفرق بين أن يطول الزمان فلا يعتبر وبين أن لا يطول فيعتبر (فان قلت) وبم يضبط الزمان الطويل ويميز عن غير الطويل وهذا البحث يحتاج إليه ههنا وفيما إذا تيقن انه ترك ركعة أو ركنا بعد السلام فان الحكم فيه يختلف بطول الزمان وقصره علي ما سبق
(فالجواب) أنه حكي عن البويطي ان الطويل ما يزيد على قدر ركعة وبه قال أبو إسحق المروزى وعن ابن أبي هريرة أن الطويل قدر الصلاة التى كان فيها والاظهر أن الاعتبار فيه بالعرف والعادة ويحكى ذلك عن الام وإذا جوزنا البناء فلا فرق بين أن يتكلم بعد السلام ويخرج من المسجد ويستدبر القبله وبين أن لا يفعل ذلك وقيل القدر الذى نقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في الفصل محتمل فان زاد فلا والمنقول أنه قام ومضى الي ناحية المسجد وراجع ذا اليدين وسأل الصحابة فأجابوا(4/166)
قال (قواعد اربع (الاولي) من شك في ترك مأمور سجد للسهو إذ الاصل انه لم يفعله وان شك في ارتكاب منهى لم يسجد لان الاصل العدم ولو شك في انه سجد للسهو أو في انه سجد واحدة أو ثنتين للسهو فالاصل العدم الا في مسالة وهو أنه لو شك انه صلي ثلاثا أو اربعا أخذ بالاقل قياسا وسجد للسهو جبرا وان كان الاصل انه لم يزد وقيل ان علته انه أدى الرابعة علي تردد حتى لو تيقن قبل السلام انها رابعة سجد أيضا وقيل لا يسجد عند زوال التردد) * هذه القواعد اصول في الباب لا بد من معرفتها والاولى منها مبنية علي أصل كثير الولوج في أبواب الفقه وهو أنا إذا تيقنا وجود شئ أو عدمه ثم شككنا في تغيره وزواله عما كان فانا نستصحب اليقين الذى كان ونطرح الشك إذا تذكرت ذلك فلو شك في ترك مامور ينجبر تركه بالسجود وهو(4/167)
الابعاض فالاصل انه لم يفعله فيسجد للسهو قال في التهذيب هذا إذا كان الشك في ترك مامور مفصل فاما إذا شك في الجملة في أنه هل ترك مامورا أم لا فلا يسجد كما لو شك هل سها أم لا ولو شك في ارتكاب منهي مثل شكه في أنه تكلم ناسيا أم لا أو سلم ناسيا أم لا فالاصل انه لم يفعل ولا سجود عليه ولو تيقن السهو وشك في أنه هل سجد للسهو أم لا فيسجد لان الاصل انه لم يسجد ولو شك في انه سجد للسهو سجدة أو سجدتين فيأخذ بانه لم يسجد الا واحدة ويسجد أخرى لان الاصل في الثانية العدم ولو شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلي أم اربعا اخذ بالاقل وأتى بالمشكوك فيه وسجد
للسهو خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال ان كان هذا الشك أول ما عرض له بطلت صلاته وان كان يعرض له كثيرا تحرى وبنى علي غالب ظنه فان لم يغلب علي ظنه شئ بني على اليقين وعن أحمد رواية ان الامام يتحرى خاصة ويعمل بغالب ظنه والظاهر عنه مثل مذهبنا لنا ما روى أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا شك احدكم في صلاته فلم يدر كم صلي ثلاثا ام اربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ويسجد سجدتين فان كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة وان كانت صلاته ناقصة كانت الركعة تماما والسجدتان ترغيما للشيطان "(4/168)
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك احدكم فلم يدر اواحدة صلي أم اثنتين فليبن علي واحدة وان لم يدر أثنتين صلي ام ثلاثا فليبن على اثنتين وان لم يدر ثلاثا صلى أم اربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل أن يسلم " وعندنا لا مجال للاجتهاد في هذا الباب ولا يجوز العمل بقول الغير أيضا وفيه وجه انه يجوز الرجوع إلى قول جمع كثيرين كانوا يرقبون صلاته وكذلك إذا قام الامام الي ركعة يظنها رابعته وعند القوم انها خامسة فنبهوه لا يرجع الي قولهم وفى وجه ان كثر عددهم رجع الي قولهم والمشهور الاول لانه تردد في فعل نفسه فلا يرجع الي قول غيره فيه كالحاكم إذا نسي حكمه لا ياخذ بقول الشهود عليه إذا عرف ذلك فالبناء على الاصل مستمر على الاصل الذى تقدم لان الاقل فيما سوى القدر المستيقن العدم واما الامر بسجود السهو فمخالف لذلك الاصل لانه إذا بنى على اليقين واتى بركعة اخرى فقد تمت صلاته خالية عن السهو بالزيادة ظاهرا فلماذا يسجد حكي امام الحرمين خلافا في تنزيله قال قال شيخي وطائفة المعتمد فيه ما روينا من الخبر ولا اتجاه له من جهة المعني وقال الشيخ أبو علي المقتضي للسجود تردده في(4/169)
أمر الركعة الاخيرة فان كانت زائدة فزيادتها تقتضي السجود والا فالتردد فيها أهى أصلية مفروضة أم زائدة يوجب ضعف النية ويحوج إلى الجبر بالسجود قال ويتفرع على هذا الخلاف ما لو زال تردده قبل السلام وعرف ان الركعة الاخيرة هي الرابعة حقا وانه ما زاد شيأ هل يسجد للسهو
قطع الشيخ أبو محمد بانه لا يسجد فان المتبع الحديث والحديث ورد في دوام الشك والتردد وقال الشيخ أبو على يسجد لان تلك الركعة تأدت علي التردد وضعف النية فيها فزوال التردد بعد ذلك لا يغنى عن الجبر ثم الذى مال إليه امام الحرمين كلام شيخه انه لا يسجد عند زوال التردد واعترض علي كلام الشيخ أبي علي وقال انه منقوض بما إذا لم يدر الرجل اقضي الفائتة التى كانت عليه أم لا فانا نأمره بقضائها ولا يسجد للسهو إذا قضاها وان كان هو مترددا في انها هل هي مفروضة عليه من أول الصلاة الي آخرها أم لا وفى لفظ الكتاب ما يشعر بموافقته الامام علي اختياره فانه اسند سجود السهو في المسألة الي الخبر ثم قال وقيل إن عليه كذا وقال بينا ان هذا(4/170)
السياق يشعر بترجيح الاول لكن المنقول عن القفال يوافق ما نسبه في المسألة إلى الشيخ ابي على ولم يورد صاحب التهذيب وكثيرون سواه وضبطوا صور عروض الشك وزواله فقالوا ان كان ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله ما لا بد منه علي كل احتمال فلا يسجد للسهو وان كان زائدا علي بعض الاحتمالات سجد للسهو مثاله لو شك في قيام من صلاة الظهر ان تلك الركعة ثالثة أو رابعة فركع وسجد علي هذا الشك وهو علي عزم القيام الي ركعة أخرى اخذا باليقين ثم تذكر قبل القيام الي الاخرى انها ثالثته أو رابعته فلا يسجد للسهو لان ما فعله في زمان الشك لا بد منه علي التقديرين جميعا وان لم يتذكر حتى قام الي الاخرى يسجد للسهو وان تذكر انها كانت ثالثته وهذه رابعة لانه كان احتمال الزيادة وكونها خامسة ثابت حين قام وقوله في الكتاب فالاصل العدم الا في مسألة يعني انه يعمل بقضية هذا الاصل الا في هذه المسألة فلا يعمل به لا أن هذه المسألة تغاير ما قبلها في نفس الاصل حتي لا يكون الاصل فيها العدم وليس الغرض استثناء هذه الصورة الفردة بل نظائرها في معناها كما إذا شك في ترك ركن سوى النية والتكبير يبني على اليقين ويسجد للسهو وترك الاصل في هذه الصورة ليس في الاخذ بالاقل ولكنه في الامر بسجود السهو كما بينا ولذلك قال اخذ بالاقل قياسا وسجد للسهو جبرا والصورة المستثناة قد ذكرها وحكمها في الفصل السابق علي هذا الفصل فهي معادة ههنا لكن هذا الموضع احق بذكرها ولذلك زاد ههنا الكلام في سبب سجود السهو وفرع عليه وكأنه قصد بذكرها في الفصل السابق التدرج منها الي الشك بعد السلام ولو اقتصر
على ذكرها في هذا الموضع وعقبها بمسألة الشك بعد السلام لم يكن به باس وقوله آخرا وقيل لا يسجد عند زوال التردد تفريع على اسناد سجود السهو الي الجبر وليس شيئا مستأنفا ولو قال وعلي الاول لا يسجد عند زوال التردد لكان اوضح *(4/171)
قال (الثانية إذا تكرر السهو فيكفى سجدتان في آخر الصلاة وانما يتعدد سجود السهو في حق المسبوق إذا سجد لسهو الامام فانه يعيد في آخر صلاة نفسه وكذا إذا صلوا صلاة الجمعة ثم بان لهم بعد سجود السهو ان الوقت خارج تمموها ظهرا واعادوا السجود ولو ظن الامام سهوا فسجد ثم تبين أن لا سهو فقد زاد سجدتين فيسجد لهذا السهو سجدتين اخريين وقيل هما جايرتان لانفسهما كشاة من اربعين شاة تزكي نفسها وغيرها) * لا يتكرر سجود السهو بتكرر السهو وتعدده بل يكفى سجدتان في آخر الصلاة سواء تكرر نوع واحد أو وجود نوعان فصاعدا ووجهه الخبر والمعنى أما الخبر فهو حديث ذى اليدين فان النبي صلي الله عليه وسلم " سلم وتكلم واستدبر القبلة ومشى ولم يزد على سجدتين " واما المعني فهو ان سجود السهو مؤخر الي آخر الصلاة ولولا أنه يتداخل لامر به عند السهو كسجود التلاوة ياتي عند التلاوة قال الائمة ولا يتعدد سجود السهو الا في مواضع قالوا ونعنى بذلك صورة السجود والا فالمعتد به سجدتان(4/172)
بلا استثناء فمنها المسبوق إذا سجد مع الامام لسهوه يعيد في آخر صلاة نفسه على اختلاف ياتي من بعد والغرض ههنا الاشارة إلى أنه من المستثنيات واقتصر علي ذكر الاصح وهو أنه يعيد في آخر صلاة نفسه ويجوز أن يعلم قوله يعيد بالواو للخلاف الذى ياتي ذكره: ومنها لو سها الامام في صلاة الجمعة فسجدوا للسهو ثم تبين لهم قبل أن يسلموا خروج وقت الظهر فعليهم اتمامها ظهرا ويعيدون سجود السهو لان محل السجود في آخر الصلاة وقد تبين أن الاول لم يقع في آخر الصلاة وهذا تفريع علي ظاهر المذهب وفى المسالة قول آخر ياتي ذكره في الجمعة انهم لا يتمونها ظهرا بل يستأنفون فعلي ذلك القول لا تستمر المسألة ولا بأس لو اعلمت قوله تمموها ظهرا بالواو لمكان ذلك
القول ومنها لو ظن أنه سها في صلاته فسجد للسهو ثم بان قبل أن يسلم أنه لم يسه فهل يسجد فيه وجهان أصحهما أنه يسجد لانه زاد سجدتين سهوا فيجبر هذا الخلل بالسجود والثانى وبه قال الشيخ أبو محمد لا يسجد لان سجود السهو يجبر كل خلل في الصلاة فيجبر نفسه كما يجبر غيره وهذا كوجوب شاة في اربعين إذا أخرج واحدة تزكي نفسها فانها من جملة الاربعين فهذه الصور الثلاث هي المذكورة في الكتاب وقوله وانما يتعدد سجود السهو يشعر بالحصر فيها ولكن وراءها صورا أخر منها لو شرع المسافر في الصلاة بنية القصر فسها وسجد للسهو ثم نوى الاتمام قبل أن يسلم أو صار مقيما بانتهاء السفينة الي دار الاقامة يجب عليه أن يتم الصلاة ويعيد السجود في آخر صلاته لان محله آخر الصلاة ومنها لو سجد للسهو ثم سها قبل أن يسلم بكلام أو غيره هل يسجد للسهو فيه وجهان احدهما وبه قال ابن القاص نعم لانه وان جبر ما قبله وما فيه فلا يجبر ما يقع بعده واصحهما لا يسجد كما لو تكلم في سجود السهو أو سلم بينهما والمعني فيه أنه لا يؤمن من وقوع مثله في السجود ثانيا أو بعده فيتسلسل ولو سجد للسهو ثلاثا سهوا لا يسجد لهذا السهو وكذلك لو شك في أنه سجد(4/173)
للسهو سجدة أو سجدتين فاخذ بالاقل وسجد أخرى كما امرناه ثم تحقق أنه كان قد سجد سجدتين لا يسجد ثانيا للمعني الذى ذكرناه وعبروا عن هذا الوجه الاصح وعن الاصح في الثالثة من صور الكتاب بان قالوا السهو في سجود السهو لا يقتضي السجود والسهو بسجود السهو يقتضي السجود ومنها لو ظن أن سهوه ترك القنوت فسجد للسهو ثم بان له قبل ان يسلم ان سهوه شئ آخر هل يسجد ثانيا فيه جوابان للقاضى الحسين احدهما نعم لانه قصد بالاول جبر ما لا حاجة الي جبره وبقى الخلل بحاله واظهرهما لا لانه قصد جبر الخلل وانه يجبر كل خلل * قال (الثالثة إذا سها المأموم لم يسجد بل الامام يتحمل عنه كما يتحمل عنه سجود التلاوة ودعاء القنوت والجهر والقراءة عن المسبوق والتشهد الاول عن المسبوق بركعة واحدة ولو سها بعد سلام الامام لم يتمحله ولو ظن أن الامام سلم فقام ليتدارك ثم جلس قبل سلام الامام فكل ما جاء به سهو ولا سجود عليه فإذا سلم الامام فليتدارك الآن وان تذكر في القيام ان الامام لم يتحلل فليرجع الي القعود أو لينتظر
قائما سلامه ثم ليشتغل بقراءة الفاتحة بعده) * إذا سها المأموم خلف الامام لم يسجد ويتحمل الامام سهوه لما روي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " ليس على من خلف الامام سهو وان سها الامام فعليه وعلي من خلفه " ولحديث معاوية بن الحكم الذى رويناه في فصل الكلام فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالسجود مع أنه تكلم خلفه وشبه في الكتاب تحمله سهو المأموم بامور اخر يتحملها احدها سجود التلاوة فان المأموم لو قرأ آية سجدة لا يسجد علي ما سيأتي والثاني دعاء القنوت علي ما سبق والثالث الجهر فان المأموم لا يجهر في الصلاة الجهرية ولو كان منفردا لجهر ويجوز ان يعلم هذا بالحاء لان عند أبي حنيفة لا يجهر المنفرد وإذا كان كذلك فلا معني للتحمل والرابع القراءة يتحملها عن المسبوق الذى ادركه في الركوع وكذلك يتحمل عنه اللبث في القيام.
لا يتحمل(4/174)
عنه أصل القيام فانه لا بد له من ايقاع التكبيرة في حد القيام والخامس التشهد الاول يتحمله عن المسبوق الذى لحقه في الركعة الثانية فانه إذا قعد الامام للتشهد الاول يتابعه وهو غير محسوب للمسبوق من صلاته وموضع تشهده الاول آخر الركعة الثالثة للامام وهو لا يقعد فيه بل يقوم مع الامام فهذه الخمسة هي المذكورة في الكتاب * ومنها القنوت في صلاة الصبح إذا لحق المسبوق في الركعة الثانية علي ما ذكرنا في التشهد الاول * ومنها قراءة السورة على التفصيل المتقدم ومنها قراءة الفاتحة في الجهرية علي القول القديم ولو سها المأموم بعد سلام الامام لم يتحمله الامام لانقطاع رابطة الاقتداء وذلك في المسبوق إذا سها فيما ينفرد بتداركه وكذلك المأموم الموافق لو تكلم ساهيا عقيب سلام الامام والمنفرد إذا سها في صلاته دخل في جماعة جوزنا ذلك علي ما سيأتي فلا يتحمل الامام سهوه ذلك ولو ظن المأموم ان امامه قد سلم فسلم ثم بان له انه لم يسلم بعد فيسلم معه ولا سجود عليه فانه سهو في حالة الاقتداء ولو تيقن في التشهد أنه ترك الفاتحة أو الركوع من ركعة سهوا فإذا سلم الامام فعليه أن يقوم الي ركعة أخرى ثم لا يسجد للسهو لان سهوه كان خلف الامام ولو سلم الامام فسلم المسبوق سهوا ثم تذكر بني على صلاته وسجد للسهو لان سلامه وقع بعد انفراده ولو ظن المسبوق
ان الامام سلم بان سمع صوتا خيل إليه ذلك فقام ليتدارك ما عليه وكان ما عليه ركعة مثلا فاتي بها وجلس ثم علم ان الامام بعد لم يسلم وان ظنه كان خطأ فهذه الركعة غير معتد بها لانها مفعولة في غير موضعها فان وقت التدارك ما بعد انقطاع القدوة اما لخروج الامام عن الصلاة أو لقطع المأموم القدوة حيث يجوز ذلك ولم يوجد واحد من الامرين وانما ظن زوال القدوة فتبين خلافه فإذا سلم الامام يقوم الي التدارك ثم لا يسجد للركعة التى سها بها لبقاء حكم القدوة وهذه المسألة منقولة عن نص الشافعي رضى الله عنه والعبارة عنها في الكتاب تحتاج إلى اضمارات فقوله ولو ظن أن الامام سلم يعني المسبوق وقوله فقام ليتدارك ثم جلس الي آخره أي تدارك ثم جلس قبل سلام الامام وعلم ان الامام لم يسلم بعد وكل ما جاء به سهو ولو كانت المسألة بحالها فسلم الامام وهو قائم فهل يجوز له أن يمضى في صلاته ام يجب عليه ان يعود إلى القعود ثم يقوم حكى صاحب التهذيب وغيره فيه(4/175)
وجهين ان جوزنا المضي فلا بد من استئناف القراءة وفرعوا علي الوجهين ما لو سلم الامام في قيامه لكنه لم يتنبه لذلك حتى أتم الركعة ان جوزنا المضى فركعته محسوبة ولا يسجد للسهو وان قلنا عليه القعود لم يحسب ويسجد للسهو لزيادته في الصلاة بعد تسليم الامام ولو كانت المسألة بحالها وتبين له في القيام ان الامام لم يسلم بعد فقد خيره في الكتاب بين أن يرجع الي القعود وبين ان ينتظر قائما سلام الامام وذكر امام الحرمين قدس الله روحه في هذه المسألة انه ان آثر ان يرجع فهو الوجه وان بدا له ان يتمادى ويقصد الانفراد قبل أن يتحلل الامام فهو مبنى على أن المقتدى إذا أراد الانفراد ببقية الصلاة وقطع القدوة هل له ذلك ان منعناه تعين عليه الرجوع وان جوزنا الانفراد فوجهان احدهما يجب الرجوع لان نهوضه غير معتد به فليرجع ثم ليقطع القدوة ان شاء والثانى لا يجب لان الانتهاض ليس مقصودا لعينه وانما المقصود نفس القيام وما بعده فصار كما لو قصد عند ابتداء النهوض: إذا عرفت ذلك فالمفروض في المسألة إذا لم يرجع الي القعود حالتان احداهما أن يقطع القدوة والثانية ان لا يقطعها بل ينتظر قائما الي ان يسلم الامام والذى نقلناه عن الامام كلام في الحالة الاولى وفيه ما يقتضى وجوب الرجوع في الحالة الثانية وامتناع الانتظار وما في الكتاب كلام في الحالة الثانية
لانه إذا قطع القدوة وجوزناه فلا ينتظر سلام الامام بل يشتغل بتدارك ما عليه وليس تجويز الانتظار قائما إلى سلام الامام صافيا عن الاشكال لما فيه من المخالفة الظاهرة بخلاف سبقه الامام بركن فان السبق اليسير الي ما سينتهي الامام إليه لا يعد مخالفة محضة وبتقدير ان يكون قيام المسبوق كالسبق بركن فقد ذكرنا من قبل وجهين فيما إذا غلط المأموم فسبق الامام بركن هل يجب عليه العود ام يجوز له ان ينتظره فيه فليكن قوله أو لينتظر قائما معلما بالواو وعلى كل حال فلو كان قد قرأ قبل تبين الحال لم يعتد بقراءته بل عليه الاستئناف فلذلك قال ثم ليشتغل بقراءة الفاتحة بعده * (قال الرابعة يسجد المأموم مع الامام إذا سجد لسهوه (ح) فان ترك الامام سجد المأموم علي النص لاجل سهو (ز) الامام ولو سجد المسبوق مع الامام فهل يعيد في آخره صلاة نفسه فيه قولان يلتفتان الي انه يسجد لسهوه أو لمتابعته فان لم يسجد الامام سجد في آخر صلاة نفسه علي النص وسهو الامام قبل اقتدائه يلحقه على الاظهر كما بعد اقتدائه) *(4/176)
إذا سهاالامام في صلاته لحق سهوه المأموم لما روى في الخبر الذي تقدم وان سها الامام فعليه وعلي من خلفه ولانه لما تحمل سهو المأموم ألزمه سهو نفسه ويستثنى صورتان (احداهما) أن يتبين له كون الامام جنبا فلا يسجد لسهوه ولا يتحمل هو علي المأموم ايضا (الثانية) ان يعرف سبب سهو الامام ويتيقن انه مخطئ في ظنه كما إذا ظن ترك بعض الابعاض والمأموم يعلم انه لم يترك فلا يوافق الامام إذا سجد * إذا ثبت هذا الاصل فينظر ان سجد الامام وافقه المأموم فيه ولو تركه عمدا بطلت صلاته قال صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به " وسواء عرف المأموم سهوه أو لم يعرفه فإذا سجد سجدتين في آخر صلاته وجب علي المأموم متابعته حملا علي انه سها وان لم يطلع علي سهوه بخلاف ما لو قام الي ركعة خامسه لا يتابعه حملا على انه ترك ركنا من ركعة لانه وان تحقق الحال ثم لم يكن له متابعته لاتمامه الصلاة يقينا ولو لم يسجد الا سجدة واحدة سجد المأموم أخرى حملا علي أنه نسى وان ترك الامام السجود لسهوه وسلم فهل يسجد المأموم نص الشافعي رضى الله عنه على أنه يسجد لان صلاة المأموم كملت بسبب اقتدائه بالامام فإذا تطرق نقص الي صلاة الامام تعدى الي صلاة المأموم وخرج بعض اصحابنا على أصول الشافعي رضى الله عنه منهم أبو حفص بن الوكيل انه
لا يسجد بل يتابعه في السلام كما لو ترك الامام التشهد الاول أو سجود التلاوة لا ينفرد المأموم بهما وبهذا قال أبو حنيفة رحمه الله وكذلك احمد رحمه الله في احدى الروايتين والمزني وقد اشار في المختصر الي تخريجه علي أصل الشافعي رضى الله عنه لانه ينفرد به مذهبا وظاهر المذهب هو الاول واجابوا عن التشهد الاول وسجدة التلاوة بانهما يقعان في خلال الصلاة فلو انفرد بهما لخالف الامام وههنا سجود السهو يقع بعد سلام الامام وخروجه من الصلاة قال في النهاية وعبر عن هذا الخلاف بان المقتدى يسجد لسهو الامام أو لمتابعته ان قلنا لسهوه يسجد وان لم يسجد الامام وان قلنا لمتابعته فلا ولو سلم الامام ثم عاد إلى السجود نظر ان سلم المأموم معه ناسيا يوافقه في السجود فلو لم يفعل هل تبطل صلاته فيه وجهان مبنيان على أن من سلم ناسيا قبل السجود ثم عاد الي السجود هل يعود الي حكم صلاته ام لا وسياتى ذلك وان سلم المأموم عمدا مع ذكر السهو فلا يلزمه متابعته وان لم يسلم المأموم وعاد الامام ليسجد فان عاد بعد ان سجد المأموم للسهو لم يتابعه لانه قطع صلاته عن صلاة الامام بالسجود وان عاد قبل ان يسجد المأموم فاصح الوجهين(4/177)
انه لا يجوز ان يتابعه بل يسجد منفردا والثانى انه يلزمه متابعته وتبطل صلاته لو لم يفعل ولو سبق الامام حدث بعد ما سها اتم المأموم صلاته وسجد لذلك السهو تفريعا علي ظاهر المذهب وان كان الامام حنيفا فلم قبل ان يسجد للسهو لم يسلم معه المأموم بل يسجد قبل السلام ولا ينتظر سجود الامام لانه فارقه بسلامه وهذا تفريع علي ان اقتداء الشافعي بالحنفى جائز وسيأتي ولو كان المأموم مسبوقا وسها الامام بعد ما لحقه وسجد في آخر صلاته فيجب علي المسبوق ان يسجد معه رعاية للمتابعة كما يوافقه في سائر الافعال التي لا تحتسب له ويدل عليه قوله صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به " وحكى الصيدلانى عن بعض أصحابنا انه لا يسجد معه لان موضع سجود السهو آخر الصلاة والصحيح المنصوص هو الاول وعليه فرع في الكتاب قوله ولو سجد مع الامام فهل يعيد في آخر صلاة نفسه فيه قولان اصحهما نعم لان سهو الامام اقتضي خللا في صلاته فيحتاج إلى جبره بالسجود ومحل الجبر بالسجود آخر الصلاة وما أتى به كان لمتابعة الامام والثاني لا وهو اختيار المزني رحمه الله لانه انما يسجد لمتابعة الامام والا فليس من جهته سهو وقد ارتفعت المتابعة بسلام الامام فهذا إذا سجد الامام وسجد
المسبوق معه فاما إذا لم يسجد الامام فلا شك في ان المسبوق لا يسجد في آخر صلاة الامام إذ لا متابعة وليس هو محل السجود بالاضافة إلى المسبوق وهل يسجد في آخر صلاة نفسه فيه الخلاف الذى قدمناه في المأموم الموافق هل يسجد إذا لم يسجد الامام فليكن قوله سجد في آخر صلاة نفسه معلما بالحاء والالف والزاى ايضا وكل هذا في سهو الامام بعد اقتدائه فاما إذا سها قبل اقتداء المسبوق به فهل يلحقه حكمه فيه وجهان احدهما لا لانه لم يكن بينهما رابطة الاقتداء حينئذ كما لو سها في تداركه بعد سلام الامام لا يتحمله الامام فعلى هذا قال في النهاية ان لم يسجد الامام فلا يسجد هو اصلا وان سجد فالظاهر انه لا يسجد معه وقال بعضهم يسجد متابعة لكن لا يسجد في آخر صلاته والوجه الثاني وهو الاظهر أنه يلحقه حكمه لانه دخل في صلاة ناقصة فعلي هذا ان سجد الامام سجد معه وهل يعيد في آخر صلاة نفسه فيه القولان وان لم يسجد الامام سجد هو في آخر صلاته علي النص وإذا قلنا ان المسبوق يعيد السجود في آخر صلاته فلو اقتدى بالمسبوق(4/178)
بعد ما انفرد مسبوق آخر وبذلك المسبوق بعد ما انفرد مسبوق ثالث فكل واحد منهم يسجد لمتابعة امامه ثم يسجد في آخر صلاة نفسه ولو سها المسبوق في تداركه فان قلنا لا يسجد لسهو الامام في آخر صلاته فليسجد لسهوه سجدتين وان قلنا يسجد لسهو الامام في آخر صلاته فكم يسجد فيه وجهان احدهما اربع سجدات لتغاير الجهتين واصحهما سجدتان كما لو سها سهوين ولو انفرد المصلي بركعة من صلاة رباعية وسها فيها ثم اقتدى بمسافر وجوزنا الاقتداء في اثناء الصلاة وسها امامه ثم قام إلى ركعته الرابعة وسها فيها فكم يسجد في آخر صلاته فيه ثلاثة أوجه اصحها سجدتان والثاني اربع نظرا إلى سهوه في حالتي الجماعة والانفراد والثالث ست باعتبار الاحوال فان كان قد سجد الامام فلا بد وان يسجد معه ويكون قد أتى على الوجه الثالث بثمان سجدات وكذا المسبوق بركعة إذا اقتدى بمسافر وسها الامام وسجد وسجد معه المسبوق ثم صار الامام مقيما قبل أن يسلم فأتم وأعاد سجود السهو وأعاد معه المسبوق ثم قام إلى الركعة الرابعة وسها فيها وقلنا انه يسجد اربع سجدات فقد اتى بثمان سجدات فان سها بعدها بكلام ونحوه وفرعنا علي قول صاحب التلخيص صارت السجدات عشرا وقد يزيد عدد السجود علي هذا تفريعا على الوجوه الضعيفة *
قال * (اما محل السجود وكيفيته فهما سجداتان (ح م) قبل السلام على القول الجديد فان سلم عامدا قبل السجود فقد فوت على نفسه وان سلم ناسيا وطال الزمان فقد فات وان تذكر علي القرب فان عن له ان لا يسجد فقد جرى السلام محللا وان عن له ان يسجد عاد الي الصلاة على أحد الوجهين وبان ان السلام لم يكن محللا) * ذكرنا ان الكلام في سجود السهو يقع في قسمين (أحدهما) في مقتضيه وقد تم (والثاني) في محله وكيفيته وهما سجدتان بينهما جلسة يسن في هيئتها الافتراش وبعدهما الي ان يسلم يتورك وكتب الاصحاب ساكتة عن الذكر فيهما وذلك يشعر بان المحبوب فيهما هو المحبوب في سجدات صلب الصلاة كسائر ما سكتوا عنه من واجبات السجود ومحبوباته وسمعت بعض الائمة يحكى أنه يستحب ان(4/179)
يقول فيهما " سبحان من لا ينام ولا يسهو " وهو لائق بالحال وفى محلهما ثلاثة أقوال (اصحها) أنه قبل السلام روى عن عبد الله بن بحينه ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي بهم الظهر فقام في الركعتين الاولتين لم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضي الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم " ولحديث أبي سعيد وعبد الرحمن رضي الله عنهما المذكورين في الشك في عدد الركعات (والثاني) وبه قال مالك والمزني رحمهما الله انه ان سها بزيادة فعل سجد بعد السلام وان كان بنقصان سجد قبل السلام أما انه يسجد في الزيادة بعد السلام فلقصة ذى اليدين فان النبي صلي الله عليه وسلم " سلم وتكلم ومشي فلما بنى علي صلاته سلم ثم سجد للسهو " وأما أنه يسجد في النقصان قبل السلام فلحديث ابن بحينة (والثالث) أنه مخير ان شاء قدم وان شاء أخر لثبوت الامرين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهذان القولان الاخيران منقولان عن القديم والاول هو الجديد الصحيح وقد نقل عن الزهري ان آخر الامرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود قبل السلام ثم هذا الاختلاف في(4/180)
الاجزاء علي المشهور بين الاصحاب وحكى القاضى ابن كج وامام الحرمين طريقة اخرى انه في الافضل ففى قول الافضل التقديم وفى قول الافضل التاخير وفى قول هما سواء وقال أبو حنيفة السجود
بعد السلام بكل حال واختلفت الرواية عن أحمد فروى عنه مثل القول الثاني وروى مثل القول الاول وروى أنه قبل السلام الا في موضعين (أحدهما) ان يسلم ساهيا وقد بقي عليه شئ من صلاته كالركعة ونحوها (والثاني) ان يكون اماما ويشك في عدد صلاته ويتحرى علي احدى الروايتين لهم فانه يسجد بعد السلام والرواية الثالثة اظهر عند اصحابه وقد عرفث من هذه الاختلافات الحاجة الي أعلام قوله قبل السلام بالحاء والميم والالف والزاى (التفريع) ان قلنا يسجد قبل السلام فلو سلم قبل ان يسجد لم يخل اما ان يسلم عامدا ذاكرا للسهو أو يسلم ناسيا فان سلم عامدا ففيه وجهان (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه فوت السجود علي نفسه لان محل السجود قبل السلام وقد قطع الصلاة بالسلام (والثاني) أنه كما لو سلم ناسيا ان طال الفصل لم يسجد والا سجد كالنوافل التى تقضى لا فرق فيها بين العمد والنسيان ولا خلاف في أنه وان سجد لا يكون عائدا الي الصلاة بخلاف ما لو سلم ناسيا وسجد ففيه خلاف سيأتي وان سلم ناسيا فينظر ان طال الزمان ففيه قولان الجديد وهو الذى ذكره في الكتاب انه لا يسجد لفوات محله وتعذر البناء بطول الفصل كما لو ترك ركنا وتذكر بعد طول الفصل لا يبنى والقديم انه يسجد لانه جبران عبادة فيجوز ان يتراخى عنها كجبرانات الحج وعن مالك انه إذا ترك السجود ناسيا سجد متى تذكر ولو كان بعد شهر ولهذا أعلم قوله فقد فات بالميم مع القاف وان لم يطل الزمان بل تذكر علي القرب فان بدا له ان لا يسجد فذاك والصلاة ماضية علي الصحة وحصل التحلل بالسلام لانه لما لم يكن له رغبة في السجود عرفنا انه وإن لم يعتره نسيان لكان يسلم ولا يسجد وقال في النهاية رأيت في ادراج كلام الائمة ترددا في ذلك والظاهر انه إذا أراد أن يسجد قلنا له سلم مرة أخرى لان ذلك السلام(4/181)
غير معتد به فانك لو اردت ان تسجد لحكمنا بانك في الصلاة وهذا يوجب ان يكون قوله فقد جرى السلام محللا معلما بالواو وان اراد أن يسجد فقد حكي امام الحرمين فيه وجهين احدهما لا يسجد لان السلام ركن جرى في محله والسجود يجوز تركه قصدا فلو قلنا يسجد لاحتجنا الي اخراج السلام عن الاعتداد به فانا نفرع علي أن محل السجود قبل السلام وذلك مما لا وجه له والي هذا الوجه مال الامام وصاحب الكتاب في الفتاوى والثانى أنه يسجد وبه قطع الجمهور ونص عليه الشافعي رضي الله
عنه لان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي الظهر خمسا وسلم فقيل له في ذلك فسجد للسهو " وإذا قلنا أنه يسجد ههنا وهو الصحيح أو قلنا إذا طال الفصل تفريعا علي القديم فقد اختلفوا في انه هل يعود الي حكم الصلاة علي وجهين (احدهما) لا لان التحلل قد حصل بالسلام بدليل انه لا يجب اعادة السلام والعود الي الصلاة وهذا ارجح عند صاحب التهذيب (والثانى) يعود الي حكم الصلاة وبه قال أبو زيد وذكر القفال أنه الصحيح وتابعهما امام الحرمين والمصنف قطع في الفتاوى بذلك إذا قلنا أنه يسجد وهكذا ذكر القاضى الرويانى وغيره ووجهه أنه سلم ناسيا لسهوه ولو كان ذاكرا لما سلم لرغبته في السجود وعلمه ان محل السجود قبل السلام فالنسيان يخرجه عن كونه محللا كما يخرجه عن كونه محللا إذا سلم ناسيا لركن ثم تذكر ويتفرع علي الوجهين مسائل (منها) لو تكلم عامدا أو احدث في السجود بطلت صلاته علي الوجه الثاني وعلي الاول لا تبطل (ومنها) لو كان السهو في صلاة جمعة وخرج وقت الظهر في السجود فاتت الجمعة على الوجه الثاني وعلي الاول لا (ومنها) لو كان مسافرا يقصر ونوى الاتمام في السجود لزمه الاتمام على الثاني وعلي الاول لا (ومنها) هل يكبر للافتتاح وهل يتشهد ان قلنا بالوجه الثاني فلا يفعل ذلك وان قلنا بالاول فيكبر وفى التشهد وجهان اصحهما انه لا يتشهد قال في التهذيب والصحيح انه يسلم سواء قلنا يتشهد أو لا يتشهد بقى ههنا كلامان (احدهما) البحث عن حد طول الزمان وفيه الخلاف الذى ذكرناه فيما إذا ترك ركنا ناسيا ثم تذكر بعد السلام أو شك فيه والاصح الرجوع الي العرف والعادة وحاول امام(4/182)
الحرمين ضبط العرف فقال إذا مضى من الزمان قدر يغلب على الظن انه اضرب عن السجود قصدا أو نسيانا فهذا فصل طويل والا فليس ذلك بفصل قال وهذا إذا لم يفارق المجلس فان فارق ثم تذكر على قرب من الزمان فهذا محتمل عندي لان الزمان قريب لكن ان نظرنا إلى العرف فمفارقته المجلس تغلب على الظن الاضراب عن السجود كطول الزمان قال ولو سلم واحدث ثم انغمس في ماء علي قرب الزمان فالظاهر ان الحدث فاصل وان لم يطل الزمان (واعلم) انه قد نقل قول عن الشافعي رضى الله عنه ان الاعتبار بالمجلس فان لم يفارقه سجد وان طال الزمان وان فارقه لم يسجد
وان قرب الزمان لكن الذى اعتمده الاصحاب الرجوع الي العرف كما سبق وقالوا لا تضر مفارقة المجلس واستدبار القبلة والله اعلم (الثاني) ان لفظ الكتاب في المسألة وهو قوله وان عن له ان يسجد عاد الي الصلاة على احد الوجهين يمكن حمله علي طريقة الجمهور بان يقال انه يسجد ثم في عوده الي الصلاة الوجهان ولكنه لم يرد ذلك وانما اراد نقل الوجهين في انه هل يسجد جريا علي طريقة الامام كما قدمناها ان قلنا يسجد فهو عائد الي الصلاة والا فلا وقد صرح بذلك في الوسيط وغيره هذا كله تفريع على قولنا أن السجود قبل السلام اما إذا قلنا انه بعد السلام اما في السهو بالزيادة أو علي الاطلاق فينبغي أن يسجد علي القرب فان طال الفصل عاد الخلاف وإذا سجد فلا يحكم بالعود الي الصلاة جزما وقال أبو حنيفة يعود إليها وهل يتحرم للسجدتين ويتشهد ويتحلل قال في النهاية الحكم فيها كحكمها في سجدة التلاوة وسيأتى ذلك ثم إذا رأينا التشهد فالمشهور أنه يتشهد بعد السجدتين كما في سجود التلاوة يتشهد بعده وعن الاستاذ أبى اسحق الاسفراينى رحمة الله عليه(4/183)
أنه يتشهد قبل السجدتين ليليهما السلام وحكي الحناطى رحمه الله عليه هذين المذهبين قولين وروى في البيان الوجهين في التفريع على القول الاول إذا قلنا أنه يتشهد *(4/184)
قال (السجدة الثانية سجدة التلاوة وهى مستحبة في اربع عشرة آية (م و) ولا سجدة في ص (ح م) وفى الحج سجدتان (م) ثم هي علي القارئ والمستمع جميعا فان سجد القارئ تأكد الاستحباب علي المستمع وان كان في الصلاة سجد لقراءة نفسه ان كان منفردا أو لقراءة امامه ان سجد امامه ولا يسجد (ح) لقراءة غير الامام ومن قرأ آية في مجلس مرتين هل تشرع السجدة الثانية فيه وجهان) * الفصل يشتمل على مسائل (احداها) سجود التلاوة سنة خلافا لابي حنيفة حيث قال بوجوبها لنا ما روى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه " أنه قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها ولا امرء بالسجود " وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه " أنه قرأ على المنبر سورة سجدة فنزل وسجد وسجد الناس معه فلما كان في الجمعة الاخرى قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال
علي رسلكم ان الله لم يكتبها علينا الا ان نشاء " (الثانية) في عدد آيات السجدة قولان (الجديد) انها اربع عشرة آية وفى القديم اسقط سجدات المفصل وردها الي احدى عشرة لما روى عن ابن عباس(4/185)
رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول الي المدينة " واحتج في الجديد بما روى عن أبى هريرة رضي الله عنه قال " سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك " وكان اسلام أبي هريرة رضى الله عنه بعد الهجرة بسنين فرأى اثباته أولي من النفى وابو حنيفة رحمه الله يوافق الجديد في العدد ومالك القديم الا انهما اثبتا سجدة لا نعدها ونفيا بدلها اخرى نحن نثبتها أما الاولي فسجدة ص عندنا ليست من عزائم السجود وانما هي سجدة شكر خلافا لهما لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم " سجد في ص وقال سجدها داود توبة وسجدتها شكرا " أي علي النعمة التى أتاها الله تعالي داود وهى قبول توبته وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان لا يسجد في ص إذا ثبت ذلك فلو سجد فيها خارج الصلاة فهو حسن ولو سجد في الصلاة جاهلا أو ناسيا لم يضر وان(4/186)
كان عالما فوجهان (أحدهما) وبه قال ابن كج لا تبطل صلاته لان سببه التلاوة واصحهما تبطل كسجود الشكر ولو سجد امامه في ص لانه ممن يراها فلا يتابعه المأموم فيها بل يفارقه أو ينتظره قائما وإذا انتظره قائما هل يسجد للسهو فيه وجهان (واما الثاني) ففي الحج عندنا سجدتان خلافا لهما في الثانية لنا ما روى عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال " قلت يا رسول الله فضلت سورة الحج بان فيها سجدتين قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " وصار ابن سريج إلى اثبات سجدة ص والثانية في الحج معا وجعل آيات السجود خمس عشرة لما روى عن عمرو بن العاص ان النبي صلي الله عليه وسلم " اقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفى الحج سجدتان " وعن احمد روايتان (احداهما) مثل مذهب ابن سريج (واصحهما) مثل القول الجديد وإذا وقفت علي هذه الاختلافات اعلمت قوله وهي مستحبة بالحاء وقوله في اربع عشرة آية بالواو للقول القديم ولمذهب
الاختلافات اعلمت قوله وهي مستحبة بالحاء وقوله في اربع عشرة آية بالواو للقول القديم ولمذهب ابن سريج وقوله ولا سجدة في ص بالميم والحاء والالف والواو وقوله وفى الحج سجدتان بالميم والحاء ثم مواضع السجود من الآيات بينة لا خلاف فيها الا في حم السجدة ففى موضع السجود(4/187)
فيها وجهان (احدهما) عند قوله اياه تعبدون ويروى هذا عن أبى حنيفة واحمد (واصحهما) أنه عند قوله وهم لا يسأمون لان عنده يتم الكلام (الثالثة) كما يسن السجود للقارئ يسن للمستمع إليه لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن.
فإذا مر بسجدة كبر وسجد وسجدنا معه " ولا فرق بين أن يكون القارئ في الصلاة أو لا يكون كذلك ذكره في التهذيب وبه قال أبو حنيفة وحكى في البيان أنه لا يسجد المستمع لقراءة من في الصلاة وأقام هذه المسألة خلافية بيننا وبين أبى حنيفة والاول أظهر واوفق لاطلاق لفظ الكتاب وكذلك ظاهر اللفظ يشتمل قراءة الصبى والمحدث والكافر ويقتضى شرعية السجود للمستمع الي قراءتهم وبه قال أبو حنيفة وقال في البيان لا اعتبار بقراءتهم خلافا له وأما الذى لا يستمع قصدا ولكنه سمع ما رأى فقد حكى عن مختصر البويطى ان الشافعي رضى الله عنه قال لا أؤكد عليه كما أؤكد علي المستمع وان سجد فحسن وعند أبى حنيفة لا فرق بينه وبين المستمع والقارئ ونقل مثله عن بعض أصحابنا لكنه يقول باللزوم ونحن بالاستحباب ودليل الفرق ما روى عن عثمان رضى الله عنه " أنه مر بقاص فقرأ آية سجدة ليسجد عثمان رضى الله عنه معه فلم يسجد وقال ما استمعنا لها " وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال " السجدة لمن جلس لها " وذكر في النهاية أن السامع لا يسجد لانه لم يقرأ ولا قصد الاستماع فلو سجد لكانت سجدته(4/188)
منقطعة عن سبب ينشئه فحصل في السامع ثلاثة أوجه كما يرى وإذا سجد القارئ فيكون الاستحباب في حق المستمع آكد وان كان أصل الاستحباب لا يتوقف علي سجوده هذا ما ذكره أكثر الائمة من العراقيين وغيرهم وحكاه امام الحرمين عن نصه في البويطى ونقل الصيدلانى أنه لا يسن له
السجود الا ان يسجد القارئ ورجح الامام هذا الوجه واستشهد عليه بما روى " أن رجلا قرأ عند النبي صلي الله عليه وسلم السجدة فسجد فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال سجدت لقراءة فلان ولم تسجد لقراءتي فقال كنت امامنا فلو سجدت لسجدنا " وحمل الاول ذلك على تفاوت الاستحباب وحث الثاني على السجود وهذا في غير الصلاة أما المصلي فان كان منفردا سجد لقراءة نفسه فلو لم يسجد وركع وبدا له أن يسجد لم يجز لانه اشتغل بالفرض فان كان قبل بلوغه حد الراكعين فيجوز ولو هوى(4/189)
بسجود التلاوة ثم بدا له فرجع جاز لانه مسنون فله أن لا يتمه كما له ان يشرع فيه وهكذا لو قعد للتشهد الاول وقرأ بعضه ولم يتم جاز ولو اصغي المنفرد الي قراءة قارئ في الصلاة أو في غير الصلاة فلا يسجد لانه ممنوع من الاصغاء ولو فعل بطلت صلاته هذا قضية كلام الاصحاب وان كان المصلي في جماعة نظر ان كان اماما فهو كالمنفرد فيما ذكرنا ولا يكره له قراءة آية السجدة في الصلاة خلافا لمالك حيث قال يكره ولابي حنيفة وأحمد حيث قالا يكره في السرية دون الجهرية لنا ما روى انه صلى الله عليه وسلم " سجد في الظهر فرأى اصحابه انه قرأ آية سجدة فسجدوا " وإذا سجد الامام سجد المأموم فلو لم يفعل بطلت صلاته ولو لم يسجد الامام لم يسجد المأموم ولو فعل بطلت صلاته ويحسن القضاء إذا فرغ ولم يتاكد ولو سجد الامام ولم ينتبه المأموم حتى رفع الامام راسه من السجود لم يسجد وان علم وهو بعد في السجود سجد وان كان في الهوى ورفع الامام رأسه رجع معه ولم يسجد وكذا الضعيف الذى هوى مع الامام لسجود التلاوة فرفع الامام رأسه قبل انتهائه الي الارض لبطئ حركته يرجع معه ولا يسجد وان كان المصلي ماموما لم يسجد لقراءة نفسه بل يكره له قراءة آية السجدة ولا يسجد لقراءة غير الامام بل يكره له الاصغاء إليها ولو سجد لقراءة نفسه أو لقراءة غيره بطلت(4/190)
صلاته وقوله في الكتاب هي علي القارئ والمستمع ليس علي ههنا للايجاب وانما المراد تأكد الاستحباب وكثيرا ما يتكرر ذلك في كلام الاصحاب في هذه السجدة وسجدة السهو والراد ما ذكرنا
وقد يستعملون لفظ الوجوب واللزوم أيضا وقوله فان سجد القارئ تأكد الاستحباب علي المستمع اشارة الي أن أصل الاستحباب ثابت وان لم يسجد القارئ جوابا على الاظهر المنصوص ويجوز أن يعلم بالواو لان من قال لا يسن للمستمع السجود الا إذا سجد القارئ لا يقول بتاكد الاستحباب عند عدم سجوده وانما يثبته عنده وقوله ولا يسجد لقراءة نفسه ولا لقراءة غير الامام هكذا هو في بعض النسخ وهو عبارة الوسيط وعلى هذا فالمراد لا يسجد المأموم وهو متعلق بقوله أو لقراءة امامه ان سجد امامه ولفظ الكتاب علي هذا التقدير ساكت عن حكم الامام ولا بأس به للعلم بان الامام كالمنفرد في هذا الباب وأمثاله وفى بعض النسخ ولا يسجد لقراءة غير الامام وطرح ما سواه وعلي هذا فالمفهوم من سياق الكلام رجوعه الي المأموم أيضا وسبب الطرح انا إذا قلنا ولا يسجد لقراءة غير الامام دخل فيه نفسه أيضا وذكر بعضهم أن المصنف أراد ولا يسجد المصلى لقراءة غير الامام وأعلم قوله ولا يسجد بالحاء على هذا التأويل لانا نعني بقولنا لا يسجد انه لا يجوز له السجود ولو فعله بطلت صلاته وعند ابى حنيفة لو سجد الامام والمقتدون لقراءة غيرهم لم تبطل صلاتهم وان كان لا يجزئهم ذلك ويسجدون بعد الصلاة ذكره القدورى وغيره (الرابعة) لو قرأ آيات السجدة في مكان واحد سجد لكل واحدة سجدة ولو كرر الآية الواحدة في المجلس الواحد فينظر ان لم يسجد للمرة الاولي فيكفيه سجود واحد وان سجد للاولي فوجهان (أحدهما) لا يسجد مرة اخرى وتكفيه الاولي كما في الصورة السابقة وبه قال أبو حنيفة وابن سريج (واظهرهما) انه يستحب مرة اخري لتجدد السبب بعد توفية حكم الاول وفى المسألة وجه ثالث(4/191)
انه ان طال الفصل سجد مرة أخرى والا فتكفيه السجدة الاولى قال في العدة وعليه الفتوى ولو كرر الآية الواحدة في الصلاة فان كان في الركعة الواحدة فهى كالمجلس الواحد وان كان في ركعتين فهما كالمجلسين فيعيد السجود ذكره الصيدلانى وغيره ولو قرأ مرة في الصلاة ومرة خارج الصلاة الصلاة في المجلس الواحد وسجد في الاولى فهذا لم اره منصوصا عليه في كتب الاصحاب واطلاقهم الخلاف في التكرار يقتضي طرده ههنا وعند أبى حنيفة إذا سجد خارج الصلاة لقراءة آية ثم اعادها
في الصلاة اعاد السجدة ولم تجزه الاولى بخلاف ما لو لم يسجد حتى دخل في الصلاة واعادها فانه يسجد وتجزئه عن التلاوتين واعلم ان في قوله هل تشرع السجدة الثانية اشارة الا ان صورة الوجهين ما إذا كان قد سبق في المرة الاولي والا لم تكن سجدته سجدة ثانية والله أعلم * قال (ثم الصحيح أن هذه سجدة فردة وان كانت تفتقر الي سائر شرائط الصلاة ويستحب قبلها تكبيرة مع رفع اليدين ان كان في غير الصلاة ودون الرفع ان كان في الصلاة وقيل يجب التحرم والتحلل والتشهد وقيل يجب التحرم والتحلل دون التشهد وقيل لا يجب الا التحرم) * غرض الفصل الكلام في كيفية سجود التلاوة وشرائطه ولا خلاف في افتقاره الي شروط الصلاة كطهارة الحدث والخبث وستر العورة واستقبال القبلة وغيرها كما في الصلاة واما الكيفية فهو اما أن يكون في الصلاة أو خارج الصلاة فان كان خارج الصلاة ينوى ويكبر للافتتاح لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " كان إذا مر في قراءته بالسجود كبر وسجد " ويرفع يديه حذو منكبيه في هذه التكبيرة كما يفعل ذلك في تكبيرة الافتتاح في الصلاة ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوى(4/192)
أخرى للهوى من غير رفع اليدين كما في الهوي إلى السجود الذى هو من صلب الصلاة ثم تكبير الهوى مستحب وليس بشرط وفى تكبير الافتتاح وجهان (أحدهما) وهو الذى ذكره الشيخ أبو محمد واختاره صاحب الكتاب أنه مستحب ايضا وليس بشرط (والثانى) أنه شرط وهو قضية كلام الاكثرين فانهم اطبقوا على الاحتجاج لاحد القولين في السلام بان السجود يفتقر إلى الاحرام فيفتقر الي السلام وسيأتي ذلك وحكى الشيخ أبو حامد وغيره عن أبى جعفر الترمذي من اصحابنا انه لا يكبر تكبيرة الافتتاح لا وجوبا ولا استحبابا لان سجود التلاوة ليس صلاة بانفراده حتى يكون له تحرم والمستحب أن يقوم ويكبر وينوى قائما ثم يهوى من قيام وروى ذلك عن فعل الشيخ ابى محمد وعن القاضى الحسين وغيرهما ويستحب أن يقول في سجوده سجد وجهي للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته لما روي عن عائشة رضى الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقول ذلك في سجود القرآن " ويستحب(4/193)
ايضا ان يقول اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عنى بها وزرا واقبلها منى كما قبلت من عبدك داود لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم " قال ذلك في سجود القرآن " ولو قال ما يقوله في سجود صلاته جاز ثم يرفع رأسه مكبرا كما يرفع عن سجود صلب الصلاة وهل يفتقر الي السلام فيه قولان (أحدهما) لا كما لو سجد في الصلاة (وأظهرهما) نعم لانه يفتقر الي الاحرام فيفتقر إلى التحلل كالصلاة وعلي هذا هل يفتقر الي التشهد فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه سجود يفتقر إلى الاحرام والسلام فيفتقر إلى التشهد كسجود الصلاة (واصحهما) لا: لان التشهد في مقابلة القيام ولا قيام فيه بل القيام أولي بالرعاية بدليل صلاة الجنازة فكما لم يشترط ذلك فاولى أن لا يشترط التشهد ومن الاصحاب من يجمع بين التشهد والسلام ويقول فيهما ثلاثة أوجه أحدها انه لا حاجة اليهما وهو ظاهر ما نقل عن البويطى (وثانيها) أن لابد منهما (وثالثها) وهو الاظهر أنه لا بد من السلام دون التشهد وبهذا قال ابن سريج وابو اسحق وإذا قلنا ان التشهد ليس بشرط فهل يستحب ذكر في النهاية ان للاصحاب(4/194)
خلافا فيه هذا كيفية السجود خارج الصلاة.
واما في الصلاة فلا يكبر للافتتاح ولكن يستحب له التكبير للهوى إلى السجود من غير رفع اليد وكذلك يكبر عند رفع الرأس كما يفعل في سجدات الصلاة وعن أبى علي ابن أبى هريرة انه لا يكبر لا عند الهوى ولا عند رفع الرأس كيلا تشتبه هذه السجدة بسجدات الصلاة ولا فرق في الذكر بين ما لو سجد في الصلاة أو خارجها وإذا رفع الرأس يقوم منها ولا يجلس للاستراحة ويسن ان يقرأ شيئا ثم يركع ولا بد من أن ينتصب ثم يركع فان الهوى من القيام واجب كما تقدم ولنعد الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) والصحيح ان هذه سجدة فردة يريد بالفردة انها لا تفتقر الي تحرم وتحلل ولا يريد انها واحدة لا كسجدتي السهو لانه قال والصحيح ولا خلاف في أنها واحدة وعن احمد انه يكبر للهوى والرفع ويسلم فان اراد به الاشتراط فليكن قوله فردة معلما بالالف (وقوله) وان كانت تفتقر الي سائر شرائط الصلاة تشتمل علي بيان مسألة مقصودة وهى أن شرائط الصلاة مرعية في سجدة التلاوة واشار بالايراد الذى ذكره إلى انها وان كانت كالصلاة في اعتبار الشروط لكنها تفارقها في الحاجة الي التحلل والتحرم على هذا
الوجه ثم الذى يوجد في معظم النسخ وان كانت تفتقر الي سائر شرائط الصلاة وحذف بعضهم لفظ سائر وكانه حمله عليه اشتهار لفظ السائر في البعض الباقي من الشئ وشرائط الصلاة باسرها معتبرة في سجدة(4/195)
التلاوة ولم يجرد ذكر البعض حتى يضم الباقي إليه بلفظ السائر الا أن اطلاق السائر بمعنى الجميع صحيح قال صاحب الصحاح وسائر الناس جميعهم فأذا المعنى وان كانت تفتقر الي جميع شرائط الصلاة ولا حاجة الي الحذف (واعلم) ان النية عند صاحب الكتاب معدودة من شرائط الصلاة كما سبق والتكبير وحده يقع عليه اسم التحرم والتحريم قال صلي الله عليه وسلم " وتحريمها التكبير " وإذا كان كذلك فظاهر اللفظ يقتضى اشتراط النية علي الوجه الذى عبر عنه بالصحيح وان لم يشترط التكبير لكنه في الوسيط اخرج النية عن الاعتبار في هذا الوجه وعلي هذا فالنية تكون مستثناة عن قوله وان كانت تفتقر الي سائر الشرائط ويكون التحرم مفسرا بالنية والتكبير معا إذ بهما تشرع في الصلاة (واما قوله) ويستحب قبلها تكبيرة الي آخره فهو تفريع على هذا الوجه الذى يقول انها سجدة فردة لا يشترط فيها التكبير ولا غيرة (وقوله) تكبيرة منكر يوهم قصر الاستحباب علي تكبيرة واحدة لكنا ذكرنا استحباب تكبيرتين وان قلنا بعدم الاشتراط احداهما للافتتاح والاخرى للهوى وهكذا ذكر جمهور الاصحاب فلا يتوهم قصر الاستحباب علي واحدة إذا كان يسجد خارج الصلاة واعلم عند هذا انه لا يمكن حمل التكبيرة التي جرت في لفظ الكتاب علي تكبيرة الافتتاح بخصوصها لانه لا تكبيرة للافتتاح إذا كان يسجد في الصلاة وهو(4/196)
قد جعلها شاملة حيث قال ودون الرفع ان كان في الصلاة ولا يمكن حملها علي تكبيرة الهوي بخصوصها لانه قد استحب الرفع معها ولا يستحب رفع اليد مع تكبيرة الهوى بحال فالوجه ان يحمل كلامه على تكبيرة مطلقة ويقال بان تكبيرة مستحبة في الصلاة وغير الصلاة ثم في غير الصلاة الاهم تكبيرة الافتتاح ويستحب معها رفع اليدين وفى الصلاة لا يفرض الا تكبيرة الهوى وليس معها رفع اليد فهذا تنزيل لفظ الكتاب مع التكلف الذى فيه علي ما ذكره الجمهور منهم اصحابنا العراقيون والصيدلانى وصاحب التهذيب والقاضي الرويانى رحمهم الله وغيرهم والمفهوم من كلامه ههنا وفى الوسيط أنه ليس
الا تكبيرة واحدة هي للتحرم خارج الصلاة وللهوى في الصلاة وبه يشعر كلام امام الحرمين قدس الله روحه وعلي هذا فليكن قوله ويستحب قبلها تكبيرة معلما بالواو للوجه الذى تقدم عن الترمذي وفى الوسيط اشارة إليه وقوله مع رفع اليدين معلم بالحاء لان عنده لا يرفع يديه واعلم قوله ودون الرفع ان كان في الصلاة بالواو لانه قال في الوسيط ولا يستحب رفع اليدين في الصلاة وقال العراقيون يستحب رفع اليدين لانه يكببر للتحرم لكن هذا شئ بدع حكما وعلة ولا يكاد يوجد نقله لغيره ولا ذكر له في كتبهم وقوله وقيل يجب التحرم والتحلل إلى رأس الفرع هذه الوجوه هي المقابلة للصحيح المذكور أولا كانه قال في اقل سجدة التلاوة اربعة أوجه (احدها) ان الاقل سجدة بواجباتها في صلب الصلاة لا غير والثانى سجدة مع التحرم والتحلل والتشهد والثالث مع التحرم(4/197)
والتحلل لا غير والرابع مع التحرم لا غير وجعل أولها الاصح وهو متأيد بما حكي عن الشافعي انه قال واقله سجدة بلا شروع ولا سلام والظاهر عند الاكثرين اعتبار التحرم والتحلل كما سبق وهو الوجه الثالث ثم الخلاف في السلام قولان عند اكثر الناقلين وفى التشهد وجهان فقوله قيل في هذا الموضع محمول علي القول تارة وعلي الوجه اخرى وتعجب بعض الشارحين من لفظ الوجوب في هذه الوجوه واستحسن ابداله بالاشتراط والاعتبار لان أصل السجدة لا تجب فكيف يقول يجب فيها كذا وكذا ولا شك ان المراد الاشتراط لكن لا حاجة الي تغيير اللفظ لان الوجوب في مثل هذا الموضع معهود بمعني ان الشئ لا بد منه يقال الوضوء وستر العورة واجبان في صلاة النفل أي لا بد منهما *(4/198)
قال (فرع الاصح ان هذه السجدات إذا فاتت وطال الفصل لا تقضي لانه لا يتقرب الي الله تعالي بسجدة ابتداء كصلاة الخسوف والاستسقاء بخلاف النوافل والرواتب وقيل أنه يتقرب الي الله تعالي بها ابتداء) * سجدة التلاوة ينبغى أن تقع عقيب قراءة الآية أو استماعها فلو تأخر نظر ان لم يطل الفصل
سجد وان طال فلا وضبط الفرق بين أن يطول الفصل أو لا يطول يؤخذ مما ذكرناه في سجود السهو ولم يجعل امام الحرمين لمفارقة المجلس أثرا ههنا مع التردد في تأثيره في باب سجود السهو كما(4/199)
حكيناه عنه ولا يتضح فرق بينهما إذا عرفت ذلك فلو فاتت السجدة لطول الفصل هل تقضى ذكر في النهاية ان صاحب التقريب حكي فيه قولين وقربهما من الخلاف في أن؟ وافل الصلاة هل تقضي على ما سيأتي لكن الاصح أن السجدة لا تقضي ولم يذكر الصيدلانى وآخرون سواه لان النوافل المقضية هي التى تتعلق بالاوقات أما التي تتعلق باسباب عارضة كصلاة الخسوف والاستسقاء فلا تقضي والسجود كذلك ولو كان القارئ والمستمع محدثا عند والتلاوة فان تطهر على القرب سجد والا فالقضاء علي الخلاف وعن صاحب التقريب انه لو كان يصلي فقرأ قارى آية السجدة فإذا فرغ هل يقضى فيه هذا الخلاف قال الامام وهذا فيه نظر لان قراءة غير امامه في الصلاة لا تقتضي سجوده وإذا لم يجر ما يقتضي السجود اداء فالقضاء بعيد وقطع صاحب المعتمد وغيره بانه لا يسجد كما ذكره امام الحرمين وجعلوا هذه المسألة خلافية بيننا وبين أبى حنيفة وذكر في التهذيب أنه يحسن أن يقضي ولا يتأكد كما يجيب المؤذن إذا فرغ من الصلاة وكذا إذا قرأ الامام ولم يسجد فإذا فرغ المأموم من الصلاة يحسن أن يقضي ولا يتأكد والله اعلم وفى الفصل مسألة أخرى وهي أنه لو خضع الرجل لله تعالي فتقرب إليه بسجدة ابتداء من غير سبب هو يجوز ذلك فيه وجهان عن صاحب التقريب أنه يجوز ذلك وعن الشيخ أبى محمد أنه لا يجوز كما لا يجوز التقرب بركوع مفرد ونحوه والعبادات يتبع فيها الورود وهذا هو الصحيح عند امام الحرمين والمصنف وغيرهما(4/200)
وقوله في الكتاب إذا فاتت وطال الفصل ليس علي معني طول الفصل شئ مضموم الي الفوات وقيد فيه وانما هو سبب الفوات والمراد إذا فاتت لطول الفصل وقوله لا يقضى معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة يجب على القارئ المحدث والمستمع القضاء بعد الطهارة وسلم ان الحائض إذا استمعت لا قضاء عليها وان المصلى إذا قرأ السجدة ولم يسجد حتى سلم لا يقضى وقوله لانه لا يتقرب الي الله
تعالي بسجدة ابتداء لعلك تقول لم علل منع القضاء بانه لا يتقرب بها الي الله تعالى فاعلم أنه حكى عن صاحب التقريب أنه جعل ذلك ضابطا لما لا يقضى جزما ولما يجرى الخلاف في قضائه فقال ما لا يجوز التطوع به ابتداء لا يجوز فرض قضائه كصلاة الخسوف والاستسقاء وما يجوز التطوع به ابتداء كالنوافل الرواتب ففى قضائه خلاف ثم انه جوز التقرب إلى الله تعالى بسجدة ابتداء كما سبق فاجرى الخلاف في(4/201)
قضائها لذلك إذا عرفت هذا فالمصنف بين أن هذه السجدات لا يتقرب بها الي الله تعالى ابتداء ورتب عليه المنع من القضاء كصلاة الخسوف لانه لو قضي من غير تلاوة كان الماتى به علي صورة سجدة لا سبب لها والاشبة بايراده اثبات طريقة جازمة بان هذه السجدات لا تقضى كصلاة الخسوف والاستسقاء بخلاف الرواتب في قضائها قولان لانه يتقرب بها إلى الله تعالي ابتداء ولا يتقرب بهذه وعلي هذا قوله الاصح ان هذه السجدات أي من الطريقين وقوله وقيل يتقرب بها الي الله تعالى ابتداء اشارة إلى الطريق الثاني أي إذا كانت كذلك جرى فيها الخلاف كما في الرواتب *(4/202)
قال (السجدة الثالثة سجدة (ح) الشكر وهى سنة عند هجوم نعمة أو اندفاع نقمة لا عند استمرار نعمة ويستحب السجود بين يدى الفاسق شكرا على دفع المعصية وتنبها له وان سجد إذا رأى المبتلى فليكتمه كيلا يتاذى) * (سجدة الشكر سنة خلافا لمالك حيث قال هي مكروهة وبه قال أبو حنيفة في(4/203)
رواية وقال في رواية لا اعرفها: لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " رأى نغاشيا فسجد شكرا لله تعالي " وعن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " سجد فاطال فلما قيل في ذلك فقال أخبرني جبريل ان من صلي علي مرة صلي الله عليه عشرا فسجدت شكرا لله تعالي "(4/204)
وليس تسن سجدة الشكر عند استمرار النعم وانما تسن عند مفاجأة نعمة أو اندفاع بلية من حيث
لا يحتسب وكذا إذا رأى مبتلي ببلية أو بمعصية فيستحب له ان يسجد شكرا لله تعالى ثم إذا سجد لنعمة أصابته أو بلية اندفعت عنه ولا تعلق لها بالغير اظهر السجود وان كان لبلاء في غيره نظر ان لم يكن ذلك الغير معذورا فيه كالفاسق فيظهر السجود بين يديه تعييرا له فربما ينزجر ويتوب وان كان معذورا كمن به زمانة ونحوها فيخفى كيلا يتأذى وكيلا يتخاصما وسجود الشكر يفتقر إلى(4/205)
شرائط الصلاة كسجود التلاوة وكيفيته ككيفية سجود التلاوة خارج الصلاة ولا يجوز سجود الشكر في الصلاة بخلاف سجود التلاوة فانه يتبع التلاوة والتلاوة تتعلق بالصلاة * قال (وهل يؤدى سجود التلاوة والشكر علي الراحلة فيه وجهان) * سجود الشكر هل يقام علي الراحلة حكي في النهاية فيه وجهين وشبههما بالخلاف في أن صلاة الجنازة هل تقام(4/206)
علي الراحلة من حديث ان اقامة السجود علي الراحلة بالايماء يبطل ركنه الاظهر وهو تمكين الجبهة من موضع السجود كما ان اقامة صلاة الجنازة عليها يبطل ركنها الاظهر وهو القيام والخلاف فيهما كالخلاف في أن القادر على القيام والقعود هل يتنفل مضطجعا موميا ام لا وسجود التلاوة في النافلة المقامة علي الراحلة يجوز بلا خلاف تبعا للنافلة كسجود السهو فيها واما خارج الصلاة ففيه الوجهان(4/207)
المذكوران في سجود الشكر ولفظ الكتاب وان كان مطلقا لكن المراد ما إذ كان خارج الصلاة ثم الاظهر من الوجهين عند الائمة انه يجوز اداؤها علي الراحلة بالايماء وليس في التهذيب والعدة ذكر لغيره (فان قلت) ذكرتم في صلاة الجنازة ان الاظهر المنع من أدائها علي الراحلة فلم كان الاظهر الجواز ههنا ان كان الخلاف كالخلاف (قلنا) يجوز ان يفرق بينهما بان صلاة الجنازة تندر فلا يشق فيها(4/208)
تكليف النزول وأيضا فاحترام الميت يقتضى ذلك وسجدة التلاوة والشكر يكثران فلو كلفناه النزول لشق والخلاف فيما إذا كان يقتصر علي الايماء فلو كان في مرقد وأتم السجود جاز وأما
الماشي فيسجد على الارض علي الظاهر كما سبق في السجود الذى هو من صلب الصلاة *(4/209)
قال * (الباب السابع في صلاة التطوع وفيه فصلان) * (الاول في الرواتب وهي احدى عشرة ركعة ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء والوتر ركعة وزاد بعضهم أربع ركعات قبل العصر وركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر فصار سبع عشرة) .
(اختلف اصطلاح الاصحاب في تطوع الصلاة فمنهم من يفسره بما لم يرد فيه مخصوص نقل وينشئه الانسان باختياره وهؤلاء قالوا ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام (سنن) وهى التى واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومستحبات) وهي التى فعلها أحيانا ولم يواضعب عليها (وتطوعات)(4/210)
وهى التي ذكرنا ومنهم من يرادف بين لفظتي النافلة والتطوع ويطلقهما على جميع ما سوى الفرائض وبهذا الاصطلاح ترجم صاحب الكتاب الباب واختلف اصطلاحهم في الرواتب أيضا فمنهم من قال هي النوافل المؤقتة بوقت مخصوص وعد منها التراويح وصلاة العيدين وصلاة الضحى ومنهم من قال هي السنن التابعة للفرائض وبهذا الاصطلاح يتكلم صاحب الكتاب إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان ما سوى الفرائض من الصلوات قسمان ما تسن فيه الجماعة كصلاة العيدين والكسوفين(4/211)
والاستسقاء ولها أبواب مفردة مذكورة بعد هذا وما لا تسن فيه الجماعة وينقسم الي الرواتب وغيرها وغرض الفصل الاول من الباب الكلام في الرواتب وغرض الثاني الكلام في مراتب النوافل وبعض أحكامها: أما الاول فالرواتب ضربان الوتر وغير الوتر اما غير الوتر فقد اختلف الاصحاب في عدده قال الاكثرون عشر ركعات ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعده وركعتان(4/212)
بعد المغرب وركعتان بعد العشاء لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " صليت مع رسول الله صلي
الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتان بعد العشاء في بيته وحدثتني حفصة انه صلي الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين حين يطلع الفجر " قال في العدة وهذا ظاهر المذهب ومنهم من نقص ركعتي العشاء يحكى هذا عن نصه في(4/213)
البويطي وبه قال الخضرى فيما حكاه صاحب النهاية وغيره ومنهم من زاد علي العشر ركعتين قبل الظهر مضمومتين إلى الركعتين اللتين سبق ذكرهما لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت " ان النبي صلي الله عليه وسلم وسلم قال " من ثابر علي اثنتى عشرة ركعة من السنة بني الله له بيتا في الجنة " أربع ركعات قبل الظهر والباقى كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ومنهم من زاد على(4/214)
هذا العدد أربع ركعات قبل العصر لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله أمر صلي(4/215)
قبل العصر اربعا) وعن على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلى قبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم " ومنهم من زاد على هذا العدد ركعتين اخريين بعد الظهر(4/216)
لما روي عن أم حبيبة رضى الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " من حافظ علي أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار " فهذه خمسة اوجه للاصحاب وليس الخلاف في اصل الاستحباب وانما الخلاف في ان المؤكد الراتب ماذا وان شمل الاستحباب الكل ولهذا قال صاحب المهذب وجماعة ادنى الكمال عشر ركعات وهو الوجه الاول واتم الكمال ثمانى عشرة ركعة وهو الوجه الاخير * وعند ابى حنيفة السنة ركعتان قبل الصبح وأربع قبل الظهر وركعتان بعده واربع قبل العصر وفى رواية ركعتان: وركعتان بعد المغرب واربع قبل العشاء واربع بعده(4/217)
وان شاء صلي ركعتين وكل أربع من ذلك فهي بتسليمة واحدة وفى استحباب ركعتين قبل المغرب
وجهان لاصحابنا منهم من قال باستحبابهما وان لم يكونا من الرواتب المؤكدة لما روى عن انس رضى الله عنه قال " صليت الركعتين قبل المغرب علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم قيل له رأكم رسول الله صلي الله عليه وسلم قال نعم فلم يأمرنا ولم ينهنا " وروى عبد الله(4/218)
المزني رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال في الثالثة لمن شاء كراهية ان يتخذها الناس سنة " وبهذا الوجه قال(4/219)
ابو اسحق الطوسي وكذلك أبو زكريا السكرى قيل إنه ذكره في شرح الغنية لابن سريج ومنهم من فال لا يستحبان لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه سئل عنهما فقال " ما رأيت أحدا علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما " وعن عمر رضي الله عنه " انه كان يضرب عليهما " وبهذ قال أبو حنيفة * واما لفظ الكتاب فقد ذكر من الاوجه الخمسة وجهين وهما الاول والرابع لكنه ضم إليها اقل الوتر وهو ركعة فصارت علي الوجه الاول احدى عشرة وعلى الوجه الثاني سبع عشرة وهى عدد الفرائض وهكذا عد ابن القاص الرواتب في المفتاح لكنه حسب الوتر ثلاث(4/220)
ركعات ولم يحسب قبل الظهر الا ركعتين وقوله وركعتين بعد العشاء معلم بالواو للوجه الذى اختاره الخضرى وقوله والوتر ركعة بالحاء والميم لما سيأتي والله اعلم * قال (اما الوتر فسنة (ح) وعدده من الواحد الي احدى عشرة بالاوتار وفى جواز الزيادة عليه تردد لانه لم ينقل وإذا زاد على الواحدة فتشهد تشهدين في الاخيرتين على وجه وتشهدا واحدا في الاخيرة علي الوجه الثاني وهما منقولان والكلام في الاولى والاظهر ان ثلاثة مفصولة افضل من ثلاثة موصولة وان ثلاثة موصولة افضل من ركعة فرده) * قد سبق من نظم الكتاب ما يعرف كون الوتر سنة وهو اداراجه في الرواتب وعد الرواتب باسرها من صلاة التطوع والغرض من التنصيص علي كونه سنة ههنا التدرج الي بيان احكامه والتعرض لمذهب ابي حنيفة حيث قال وهو واجب قال الكرخي وروى عنه انه
فرض: لنا ما روى ان النبي صلي الله عليه واله وسلم قال " الوتر حق مسنون فمن أحب ان يوتر بثلاث(4/221)
فليفعل " وروى انه قال " حق وليس بواجب " ثم في الفصل ثلاث مسائل (احداها) يجوز أن يوتر بواحدة(4/222)
وثلاث وخمس وسبع وتسع واحدى عشرة اما الواحدة والثلاث والخمس فلما روى عن ابى أيوب رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من احب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب ان يوتر بثلاث فليفعل ومن احب ان يوتر بواحدة فليفعل " واما السبع فلما روى عن ابي امامة أن النبي صلى الله(4/223)
عليه وسلم " كان يوتر بسبع ركعات " واما التسع والاحدي عشرة فلما روى عن ابى هريرة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " اوتروا بخمس أو سبع أو تسع أو احدى عشرة " واما الايتار بثلاث عشرة فقد حكي في النهاية ترددا في ثبوت النقل فيه والمذكور في الكتاب ان غاية ما نقل احدى عشرة وهو الذى ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج ومن تابعهما قالوا اكثر الوتر احدى عشرة وذكر صاحب التهذيب واخرون ان الغاية ثلاث عشرة ركعة ورووا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " لم يكن يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم باكثر من ثلاث عشرة " وعن ام سلمة(4/224)
رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة فلما كبر وضعف اوتر بسبع " وهل يجوز الزيادة علي الغاية المنقولة اما الاحدي عشرة أو الثلاث عشرة فيه وجهان (أحدهما) نعم لان اختلاف فعل النبي صلي الله عليه وسلم في هذه السنة يشعر بتفويض الامر إلى خيرة المصلي وأن له أن يزيد ما أمكنه وأظهرهما أنه لا تجوز الزيادة ولو فعل لم يصح وتره اقتصارا علي ما ورد النقل به كما لا تجوز الزيادة في ركعتي الفجر وسائر الرواتب * وقال أبو حنيفة الوتر ثلاث ركعات بلا زيادة ولا نقصان * وقال مالك أقل الوتر ثلاث ركعات لكن(4/225)
ابا حنيفة يقول هي بتسليمة واحدة كالمغرب الا انه يجهر فيها جميعا: وقال مالك هي بتسليمتين لكن لا يتكلم بعد السلام ولا يحتاج الي تجديد النية للثالثة وسلم انه لو احدث في الثالثة لم تبطل الركعتان قال ولو كان مع امام أوتر بوتره ولا يخالفه وحكي في البيان عنه ان اقل الوتر ركعة واقل الشفع ركعتان وهذا في المعني كالاول ونقل عنه انه ليس للاكثر حد وذكر بعضهم ان الاكثر عنده ثلاث عشرة * إذا عرفت ذلك فاعلم قوله من الواحدة بالحاء والميم وقوله الي احدى عشرة بهما وبالواو ثم في قوله وعدده من الواحدة الي احدى عشرة استدراك لفظي من جهة الحساب وهو انه جعل الواحد من العدد والحساب يمتنعون عن ذلك ويجعلون الواحد أم العدد ويقولون العدد نصف حاشيته اللتين بعدهما منه سواء وليس للواحد حاشيتان (المسألة الثانية) إذا زاد على ركعة واحدة وأوتر(4/226)
بثلاث فصاعدا موصولة فظاهر المذهب أن له ان يتشهد في الركعة الاخيرة لا غير وله ان يتشهد في الركعتين الاخيرتين لان كلا منهما منقول روى عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في اخراهن " وروى عنها ايضا " أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة وبسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة وحكى في النهاية عن بعض التصانيف أن من أصحابنا من لم ير الاقتصار على التشهد الواحد مجزئا وحمل ما روى من التشهدين علي ما إذا(4/227)
فصل بين الركعة الاخيرة وما قبلها بالسلام ونقل بعضهم عن طريقة القاضى الحسين ان الوتر بثلاث كصلات المغرب بتشهدين وتسليمة لا يجوز وربما يقول تبطل صلاته لما روى انه صلى الله عليه وسلم وسلم " كان يوتر بثلاث لا يجلس الا في اخراهن " وروى انه قال " لا توتروا بثلاث وتشبهوا بالمغرب والظاهر الاول وهو انهما سائغان وهو الذى ذكره في الكتاب ورد الخلاف الي الاولي ففى وجه الاقتصار علي تشهد واحد اولي فرقا بين صلاة المغرب والوتر إذا اوتر بثلاث وهذا ما اختاره القاضى الرويانى في الحليه وفى وجه الاتيان بتشهدين اولي كيلا يخرج عن وضع سائر الصلوات وقد اطلق كثيرون منهم صاحب التهذيب انه ان شاء فعل هكذا وان شاء هكذا ومطلق التخيير يقتضي
التسوية بينهما وقوله في الكتاب وإذا زاد علي واحدة أي ووصل وقوله والكلام في الاولى ينبغى ان يعلم بالواو لما حكينا من الوجهين ولو زاد علي تشهدين فجلس في كل ركعتين ولم يتحلل وجلس في الاخيرة ايضا لم يكن له ذلك فانه خلاف المنقول وذكر في التهذيب وجها آخر ان له ذلك كما(4/228)
في النافلة الكثيرة الركعات (المسألة الثالثة) الايتار بثلاث مفصولة افضل ام بثلاث موصولة فيه وجوه (اظهرها) وهو الذى ذكره اصحابنا العراقيون والصيدلاني ان المفصولة افضل لما روى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " وعن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسلم ويأمر بينهما بحوائجه (والثانى) وبه قال أبو زيد ويحكى عن نصه في القديم ان الثلاث الموصولة افضل لان العلماء اتفقوا علي جوازها واختلفوا في افراد الواحدة فالاحتراز عن الخلاف أولى (والثالث) ونسبه الموفق ابن طاهر الي الخضرى والشريف ناصر العمرى رضى الله(4/229)
عنه ان الثلاث الموصولة افضل لان العلماء اتفقوا على جوازها واختلفوا في إفراد الواحدة فكان الوصل اولى (والثالث) ويحكى عن الشافعي ونصه في القديم انه ان كان منفردا فالفصل افضل وان كان يصلي بقوم فالوصل افضل لان الجماعة تنظم اصحاب المذاهب المختلفة فالايتار بالمجمع عليه أولي وعكس القاضى الرويانى هذا فقال انا أصل إذا كنت منفردا وإذا كنت في الجماعة افصل كيلا يتوهم خلل فيما صار إليه الشافعي رضي الله عنه وهو صحيح ثابت بلا شك وهل الثلاث الموصولة افضل من ركعة فردة لا شئ قبلها أم هي افضل فيه وجوه ايضا (اصحها) وبه قال القفال ان الثلاث افضل(4/230)
لزيادة العبادة (والثانى) ان الركعة الفردة افضل لمواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم علي الايتار بواحدة قال في النهاية وغلا هذا القائل فجعل الركعة الفردة افضل من احدى عشرة ركعة موصولة (والثالث) الفرق بين المنفرد والامام كما سبق *
قال (ومن شرط الوتر أن يوتر ما قبله ولا يصح (ح) قبل الفرض وفى صحته بعد الفرض وقبل النفل وجهان والمستحب ان يكون الوتر آخر تهجده بالليل ويشبه ان يكون الوتر هو التهجد) * ما سبق من المسائل في كيفية الوتر وغرض هذا الفصل بيان وقنه وهو من حين يصلى العشاء إلى طلوع الفجر لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ان الله قد امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر جعله الله تعالي لكم فيها بين صلاة العشاء الي ان يطلع الفجر " فلو اوتر قبل صلاة(4/231)
العشاء لم يعتد به سواء كان عامدا أو ساهيا بان ظن انه صلي العشاء أو صلي العشاء علي ظن انه متطهر ثم احدث وتوضأ واوتر ثم بان له انه كان محدثا في فرض العشاء * وعند ابى حنيفة لو اوتر قبل العشاء سهوا اعتد به: لنا القياس علي ما لو ظن دخول وقت الفريضة فصلي ثم تبين انه لم يدخل وحكى في النهاية عن بعض اصحابنا انه يعتد بالوتر قبل العشاء سواء كان عامدا أو ساهيا وعند هذا القائل يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء لا بفعل العشاء وظاهر المذهب ما تقدم ولو صلي العشاء واوتر يعدها بركعة فردة قبل ان يتنفل ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وغيره (احدهما) لا يعتد به لان صفة الوتر ان يوتر ما تقدم عليه من السنن الواقعة بعد العشاء فإذا لم يوجد غيره لم يكن موترا (واظهرهما) انه يعتد به لما تقدم من الخبر وما ادعاه الاول فلا نسلم ان صفة الوتر ذلك بل يكفى كونه وترا في نفسه وعلى التسليم فانه يوتر ما قبله من فريضة العشاء فإذا قلنا لا يعتد به وترا فقد ذكر امام الحرمين انه تطوع وان لم يكن الوتر المشروع وهذا ينبغي ان يكون علي الخلاف فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال هل يكون تطوعا ام يبطل من اصله * واعلم ان المصنف قيد المسألتين في الوسيط اعني الايتار قبل فرض العشاء وبعده بما إذا اوتر بركعة وهذا القيد لا حاجة إليه في المسالة الاولي بل اطلق الائمة المنع وعليه يدل الخبر وأما في المسالة الثانية فهو محتاج إليه لان الناقلين للوجهين انما نقلوهما فيما إذا اوتر بركعة واحدة ليس بينها وبين فرض العشاء شئ وقوله في الكتاب وفى صحته بركعة بعد الفرض(4/232)
وقبل وجهان يحتاج الي التقييد والاضمار معناه وفى صحة الايتار بركعة بعد الفرض
وقبل ان يتنفل بشئ سواء كان راتبة العشاء أو الشفع أو صلاة الليل والذى يسبق إلى الفهم من ظاهر اللفظ راتبه العشاء ويطلق الوتر دون الايتار بركعة وقوله من شروط الوتر ان يوتر ما قبله يبين أنه لا بد من تقدم صلاة عليه ثم هل يكفي تقدم الفرض فيه الخلاف وقوله فلا يصح قبل الفرض معلم بالحاء والواو لما روينا وأما قوله ويستحب أن يكون الوتر آخر تهجده بالليل ففى لفظ التهجد ما يغنى عن قوله بالليل لان صلاه النهار لا تسمي تهجدا بحال ثم فيه مباحثة وهى أن التهجد يقع على الصلاة بعد الهجود وهو النوم يقال تهجد إذا ترك الهجود اما الصلاة قبل النوم فلا تسمى تهجدا وإذا كان كذلك فاللفظ لا يتعرض الا لمن تهجد قمتي يوتر من لا تهجد له ثم لفظ الكتاب يقتضي تأخير المتهجد الوتر الي أن يقوم ويصلي فهل هو كذلك أم لا (ان قلتم) لا فكيف يفعل أيوتر مرة قبل النوم ومرة بعد(4/233)
ما قام وتهجد وهذا خلاف ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " لا وتران في ليلة " أم يقتصر علي ما قبل النوم وحينئذ لا يكون الوتر اخر التهجد (وان قلتم) أنه يؤخر الوتر إلى أن يقوم ويصلى كما(4/234)
يقتضيه لفظ الكتاب فهذا خلاف ما نقله في الوسيط لانه نقل الخبر المشهور ان ابا بكر رضى الله عنه " كان يوتر ثم ينام ثم يقوم ويتهجد وان عمر رضي الله عنه كان ينام قبل أن يوتر ثم يقوم ويصلي(4/235)
ويوتر فقال النبي صلي الله عليه وسلم لابي بكر رضى الله عنه انه آخذ بالحزم وقال لعمر رضى الله عنه أنه(4/236)
آخذ بالقوة " ثم ذكر ان الشافعي رضى الله عنه اختار فعل أبى بكر رضي الله عنه وكذلك نقل صاحب النهاية والجواب انه يستحب أن يكون الوتر آخر الصلاة بالليل روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " فان كان الرجل ممن لا تهجد له فينبغي أن يوتر بعد فريضة العشاء وراتبتها ويكون وتره آخر صلاته بالليل واما من له تهجد فقد ذكر اصحابنا(4/237)
العراقيون ان الافضل له ان يؤخر الوتر كما نقل عن فعل عمر رضى الله عنه واحتجوا له بما روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه واله وسلم قال " من خاف منكم ان لا يستيقظ آخر الليل فليوتر من أول الليل ومن طمع منكم أن يستيقظ فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة(4/238)
وذلك افضل " وهذا هو الموافق للفظ الكتاب واما ما نقله في الوسيط فيجوز أن يجمع بينهما بحمله على من لا يعتاد قيام الليل فيقال أن الافضل له أن يقدم لانه من الانتباه علي خطر ظاهر ويجوز ان يقدر فيه اختلاف وجه أو قول وبالجملة فالامر فيه قريب وكل سائغ روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت " من كل الليل قد أوتر رسول الله صلي الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره وإذا أوتر قبل أن ينام تم قام وتهجد لم يعد الوتر " وكذلك روى عن فعل ابي بكر رضى الله عنه ومن(4/239)
اصحابنا من قال يصلي ركعة حتى يصير وتره شفعا ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيا ويروى ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما ويسمى ذلك نقض الوتر واما قوله ويشبه ان يكون الوتر هو التهجد فهذا قريب من لفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر والام قال الشارحون معناه أن الله تعالي امر نبيه صلي الله عليه واله وسلم بالتهجد واوجبه عليه فقال (ومن الليل فتهجد به) وقوله (نافلة لك) أي زيادة(4/240)
وفضيلة لك ويشبه ان يكون المراد من هذا الامر الوتر لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحي الليل بوتره وكان الوتر واجبا عليه روى انه صلى الله عليه وسلم قال " كتب على الوتر وهو لكم سنة وكتب علي ركعتا الضحى وهما لكم سنة " وهذا الذي ذكره يبين انه ليس (قوله) ويشبه أن يكون الوتر هو التهجد لحصر التهجد في الوتر(4/241)
حتى يكون كل تهجد وترا وانما الذى يلزم منه أن يكون كل وتر تهجدا مامورا به ويجوز ان يعلم ذلك بالواو لان القاضي الروياني حكي ان بعضهم قال الوتر غير التهجد وأولوا كلام الشافعي رضى الله عنه(4/242)
(واعلم) أن حمل التهجد في الاية على الوتر مع ما سبق ان التهجد انما يقع علي الصلاة بعد النوم مقدمتان يلزم منهما اشتراط كون الوتر بعد النوم ومعلوم انه ليس كذلك فليترك عند الدعوتين في الاية(4/243)
قال (ويستحب القنوت في النصف الاخير من رمضان) يعنى في الوتر فان اوتر بركعة قنت فيها وان زاد قنت في الركعة الاخيرة وفى استحباب القنوت في الوتر فيما عدا(4/244)
النصف الاخير من رمضان وجهان (أحدهما) ان الاستحباب يعم جميع السنة وبه قال أبو عبد الله الزبيري رضي الله عنه وابو الفضل بن عبدان وابو منصور ابن مهران وابو الوليد النيسابوري من اصحابنا رحمهم الله لما روى انه(4/245)
صلي الله عليه واله وسلم كان إذا أوتر قنت في الركعة الاخيرة " وهذا مطلق وبهذا قال أبو حنيفة واحمد وأظهرهما وبه قال جمهور الاصحاب ان الاستحباب يختص بالنصف الاخير من رمضان " لان عمر رضى(4/246)
الله عنه جمع الناس علي ابي بن كعب في صلاة التراويح فلم يقنت الا في النصف الثاني " ولم يبد من احد انكار عليه فكان ذلك اجماعا " وعن عمر رضي الله عنه " انه قال السنة إذا انتصف شهر رمضان أن يعلن الكفرة في الوتر بعدما يقول سمع الله لمن حمده " فعلي الوجه الاول لو ترك القنوت سجد للسهو كما في الصبح وعلي الوجه الثاني المشهور لو تركه في النصف الاخير سجد للسهو ولو قنت في غير النصف الاخير سهوا سجد للسهو وذكر القاضى الرويانى أن كلام الشافعي رضى الله عنه يدل علي كراهية القنوت في غير النصف الاخير فضلا عن نفى الاستحباب ثم حكي عن بعض الاصحاب وجها متوسطا وهو أنه يجوز(4/247)
أن يقنت في جميع السنة من غير كراهية لكن لو ترك لا يسجد للسهو بخلاف ما لو تركه في النصف الاخير يسجد قال وهذا اختيار مشايخ طبرستان واستحسنه واثبت ما روى عن مالك موافقة ظاهر مذهبنا وروى عنه أنه يقنت في جميع شهر رمضان وروى في جميع السنة وقد أعلم قوله في النصف
الاخير بالحاء والميم والالف اشارة الي مذاهبها ثم لنا في موضع القنوت من الركعة وجهان (أصحهما) ويحكى(4/248)
عن نصه في حرمله انه بعد الركوع لما روينا من حديث عمر رضى الله عنه وكما في الصبح فان ما قبل الركوع محل القراءة والقنوت دعاء فهو في موضع الدعاء حيث يقول سمع الله لمن حمده اليق (الثاني) وبه قال ابن سريج انه يقنت قبل الركوع لما روى عن ابي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقنت قبل الركوع " وأيضا فان الفرق بين الفرض والنفل مقصود كما أن خطبة الجمعة قبل الصلاة وخطبة العيدين بعدها وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة وبالاول قال احمد وحكي في البيان عن بعض متأخرى الاصحاب انه يتخير بين التقديم والتأخير وانه إذا قدم كبر بعد القراءة ثم قنت وبه قال أبو حنيفة وقال في التتمة إذا قلنا يقنت قبل الركوع يبتدئ به بعد الفراغ من القراءة من غير تكبير وبه قال مالك والقنوت هو الدعاء الذى ذكرناه عن رواية الحسن ابن علي رضى الله عنهما في باب صفة الصلاة(4/249)
واستحب الائمة منهم صاحب التلخيص أن يضيف إليه ما روى عن عمر رضى الله عنه انه قنت به وهو " اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعي ونحفد نرجوا رحمتك ونخشي عذابك ان عذابك الجد باالكفار " ملحق ثم يقول اللهم اهدنا الي آخره هكذا(4/250)
ذكره القاضى الروياني وعليه العمل ونقل في البيان عن القاضي أبو الطيب أنه قال كان شيوخنا يدعون بقنوت عمر رضي الله عنه بعد الكلمات التى رواها الحسن رضى الله عنه فعكس الترتيب وزاد هو(4/251)
وغيره في المنفول عن عمر رضي الله عنه اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات واصلح ذات بينهم والف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الايمان والحكمة وثبتهم علي ملة رسولك واوزعهم أن
يوفوا بعهدك الذى عاهدتهم عليه وانصرهم علي عدوك وعدوهم اله الحق واجعلنا منهم ونقل القاضى(4/252)
الرويانى عن ابن القاص انه يزيد في آخر القنوت ربنا لا تؤاخذنا الي اخر السورة واستحسنه ثم حكمه في الجهر ورفع اليدين وغيرهما علي ما سبق في الصبح ويستحب إذا أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الاولي (سبح) وفى الثانية قل (يا أيها الكافرون) وفى الثالثة (قل هو الله أحد) والمعوذتين روى عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: وبه قال مالك وعن ابى حنيفة(4/253)
واحمد انه يقتصر علي الاخلاص في الثالثة وقال الكرخي في مختصره ليس في الوتر قراءة سورة معلومة ولكن يقرأ في الاولى بقدر سبح وفى الثانية بقدر قل يا ايها الكافرون وفى الثالثة بقدر قل هو الله احد قال (الفصل الثاني في غير الراواتب وما شرعت الجماعة فيها كالعيدين والخسوفين والاستسقاء(4/254)
فهي افضل من الرواتب ومن صلاة الضحي وركعتي التحية وركعتي الطواف ثم افضلها صلاة العيدين ثم الخسوفين وافضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر وفيهما قولان) النوافل علي ما قدمنا قسمان نوافل تسن فيها الجماعة ونوافل لا تسن فيها الجماعة والتى تسن فيها الجماعة افضل لان استحباب الجماعة فيها وتشبيهها فيها بالفرائض يدل علي تأكد أمرها وصلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء كلها من هذا القسم وأفضلها صلاة العيدين لان لها وقتا زمانيا كالفرائض وتليها صلاة الخسوفين لانه يخاف فوتهما(4/255)
كما يخاف فوت المؤقتات بالزمان ولان النبي صلي الله عليه وسلم " ربما استسقى وربما ترك ولم يترك الصلاة عند الخسوف بحال " ثم كلام الائمة يشعر بحصر ما تسن فيه الجماعة في هذه الصلوات الخمس وربما صرحوا بذلك ولفظ الكتاب وهو قوله كالعيدين والكسوفين لا يوجب الحصر وانما يفيد التمثيل وهذا أولى لان التراويح خارجة عن الخمس والجماعة مستحبة فيها علي الاصح كما سيأتي ولك ان(4/256)
تبحث ههنا فتقول لفظ الكتاب يقتضي ان تكون التراويح أفضل من الرواتب لان الجماعة مشروعة في التراويح وقد حكم بان ما شرع فيه الجماعة أفضل فهل هو كذلك أم لا (والجواب) أن امام الحرمين قال من أئمتنا من سبب تفضيلها علي الرواتب إذا قلنا باستحباب الجماعة فيها لان الجماعة أقوى معتبر في التفضيل قال والاصح ان الرواتب افضل منها وان شرعنا فيها الجماعة وهذا هو الذى ذكره في العدة ووجهه بان النبي صلى الله عليه وسلم " لم يداوم علي التراويح وداوم على السنن الراتبة " وعلى هذا فالقول بان ما شرع فيه الجماعة أفضل غير مجرى على اطلاقه بل صلاة التراويح مستثناة منه واما (القسم الثاني) وهو مالا تشرع فيه الجماعة فينقسم الي ما يتعلق بوقت أو فعل والى التطوع المطلق (والاول أنواع) منها الرواتب كما عددناها ومنها صلاة الضحى: عن ابى الدرداء قال " اوصاني خليلي صلي الله عليه وسلم بثلاث لا ادعهن بشئ اوصاني بصيام ثلاثة ايام من كل شهر ولا انام الا علي وتر وسبحة الضحى في الحضر والسفر " واقلها ركعتان والافضل ان يصلي ثمان ركعات(4/257)
واكثرها اثنتا عشرة ذكره القاضي الرويانى وورد في الاخبار ويسلم من كل ركعتين روى عن أم هانئ رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي يوم الفتح سبحة الضحي ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين " ووقتها من حين ترتفع الشمس الي وقت الاستواء: ومنها تحية المسجد روى(4/258)
انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتي يصلى ركعتين " ولو صلي الداخل فريضة أو وردا أو سنة ونوى التحية ايضا حصلا كما لو كبر وقصد اعلام الناس ولو لم ينو التحية حصلت ايضا كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره ويجوز أن يطرد فيه الخلاف المذكور فيما إذا نوى غسل الجنابة هل يجزئه عن العيد والجمعة ولم ينوهما ولو صلي الداخل علي الجنازة أو(4/259)
سجد لتلاوة أو شكر لم تحصل تحية المسجد قاله في التهذيب ويدل عليه الخبر الذى سبق فانه لم يركع
ركعتين وقضية الخبر ان لا تحصل التحية بركعة واحدة أيضا وفيها جميعا وجه آخر ومنها ركعتا الاحرام ومنها ركعتا الطواف إذا لم نوجبهما وسياتى ذكرهما في موضعهما إذا عرفت ذلك فاوكد مالا تسن له الجماعة السنن الرواتب لمداومة الرسول صلي الله عليه وسلم عليها وكثرة الترغيبات فيها وأفضل الرواتب الوتر وركعتا الفجر لان الاخبار فيهما أكثر وايهما أفضل فيه قولان (القديم)(4/260)
ان ركعتي الفجر أفضل وبه قال أحمد لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت " لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم على شئ من النوافل أكثر تعاهدا منه علي ركعتي الفجر " وروى أنه قال " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " وعلي هذا فيليهما في الفضيلة الوتر (والجديد) الاصح ان الوتر آكد وبه قال مالك لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " من لم يوتر فليس منا " ولان الوتر مختلف في وجوبه ولا خلاف في ان ركعتي الفجر سنة وعلى هذا فما الذى يلي الوتر في الفضيلة قال جمهور الاصحاب يليه ركعتا الفجر وعن ابى اسحق أن صلاة الليل تتقدم عليهما ونقل في البيان عن بعض الاصحاب ان الوتر وركعتي الفجر يستويان في الفضيلة ثم بعد السنن الرواتب الافضل من الصلوات المذكورة(4/261)
صلاة الضحى ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف وركعتي الاحرام وركعتي التحية (وقوله) في الكتاب وركعتي الطواف معلم بالقاف للقول الصائر إلى وجوبها فان شيئا من النوافل علي ذلك القول لا يكون افضل منها (وقوله) ثم أفضلها صلاة العيدين يجوز ان ترجع الكناية الي النوافل التي شرعت فبها الجماعة ويجوز ان ترجع إلى النوافل المذكورة كلها والقول في أن أفضل الرواتب ماذا وان(4/262)
ركعتي الفجر أفضل أم الوتر كالدخيل في هذا الفصل لانه ترجمه بغير الرواتب ولو ذكره في الفصل الاول لكان أحسن (ولعلك تقول) نظم الكتاب يقتضي ان لا تكون الجماعة مشروعة في الوتر أيضا لانه حكم بان ما شرع فيه الجماعة أفضل من الرواتب فيلزم ان لا تكون الجماعة مشروعة في الرواتب والوتر معدود من الرواتب فهل هو كذلك أم لا (فالجواب) انا إذا استحببنا الجماعة في التراويح نستحبها
في الوتر أيضا وأما في غير رمضان فالمشهور أنه لا تستحب فيه الجماعة وبه قال أبو حنيفة وأطلق أبو الفضل بن عبدان حكاية وجهين في استحباب الجماعة في الوتر إذا عرفت ذلك فكلام الكتاب مبني على الاكثر(4/263)
وهو ما سوى رمضان والله اعلم * قال (وتستحب الجماعة في التراويح تأسيا بعمر رضى الله عنه وقيل الانفراد به أولي لبعده عن الرياء) * صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات وبه قال أبو حنيفة واحمد لما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي بالناس عشرين ركعة ليليتين فلما كان في الليلة الثالثة اجتمع الناس فلم يخرج إليهم ثم قال من الغد خشيت ان تفرض عليكم فلا تطيقونها " وعن مالك انها ست وثلاثون(4/264)
ركعة لفعل أهل المدينة قال العلماء وسبب فعلهم ان الركعات العشرين خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات وكان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين سبعة أشواط ويصلون ركعتي الطواف افرادا وكانوا لا يفعلون ذلك بين الفريضة والتراويح ولا بين التراويح والوتر فاراد اهل المدينة ان يساووهم في الفضيلة فجعلوا مكان كل اسبوع من الطواف ترويحة فحصل اربع ترويحات وهى ست عشرة ركعة(4/265)
تنضم الي العشرين والوتر ثلاث ركعات تكون الجملة تسعا وثلاثين فلذلك قال الشافعي رضي الله عنه ورأيتهم بالمدينة يقولون بتسع وثلاثين قال اصحابنا وليس لغير أهل المدينة ذلك لشرفهم بمهاجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وقبره ثم الافضل في التراويح الجماعة: والانفراد فيه وجهان ومنهم من يقول قولان (أحدهما) ان الانفراد بها أفضل ويروى هذا عن مالك رضي الله عنه لان النبي صلي الله عليه وسلم(4/266)
" خرج ليالي من رمضان وصلي في المسجد ثم لم يخرج باقى الشهر وقال صلوا في بيوتكم فان أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة " ولان الاستخلاء بالنوافل ابعد عن الرياء (واصحهما) ان الجماعة افضل لان عمر بن
الخطاب رضي الله عنه جمع الناس علي ابى بن كعب رضي الله عنه ووافقه الصحابة عليه وانما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الخروج خشية الافتراض وبهذا قال ابن سريج وابو اسحق والاكثرون ثم ذكر أصحابنا العراقيون(4/267)
والصيدلاني وغيرهم أن الخلاف فيما إذا كان الرجل يحفظ القرآن ولا يخاف النوم والكسل ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه فاما إذا لم يحفظ أو خاف ذلك فالجماعة أولي محالة وأطلق آخرون ثلاثة أوجه في المسألة منهم القاضي بن كج وامام الحرمين (احدها) أن الانفراد أفضل علي الاطلاق (والثانى) أن الجماعة أفضل (والثالث) ان كان حافظا للقرآن آمنا من الكسل ولم تختل الجماعة بتخلفه فالافضل أن ينفرد والا فلا ويحكى هذا عن ابن أبى هريرة وانما يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء(4/268)
كما ذكرنا في الوتر * قال (ثم التطوعات لا حصر لها فان تحرم بركعة واحدة جاز له أن يتمها عشرا فصاعدا وان(4/269)
تحرم يعشرأ جاز له الاقتصار علي واحدة وله أن يتشهد بين كل ركعتين أو في كل ركعة ان شاء والاحب مثنى مثني) *(4/270)
التطوعات التى لا تتعلق بسبب ولا وقت لا حصر لاعدادها ولا لركعات الواحدة منها " والصلاة(4/271)
خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر هذا لفظ الخبر المشهور عن رسول الله صلي الله عليه(4/272)
وسلم ثم إذا شرع في تطوع فان لم ينو شيئا فله ان يسلم من ركعة وله أن يسلم من ركعتين فصاعدا روى أن عمر رضي الله عنه " مر بالمسجد فصلى ركعة فقيل له انما صليت واحدة فقال انما هي تطوع من شاء زاد ومن شاء نقص " وحكي الاصحاب عن نصه في الاملاء انه لو صلي من غير احصاء ثم سلم وهو لا يدرى كم صلي أجزأه قال بعض
السلف الذى صليت له يعلم كم صليت وان نوى ركعة أو عددا قليلا أو كثيرا فله ذلك هذا هو المشهور وحكي في البيان عن المسعودي ان له ان يصلي ثلاث عشرة ركعة بتسليمه واحدة وهل له أن يزيد فيه وجهان ثم إذا نوى عددا فله أن يزيد وله أن ينقص حتى لو تحرم بركعة فله أن يجعلها عشرا فصاعدا أو بعشر فله أن يقتصر علي واحدة ولكن بشرط أن يغير النية قبل الزيادة والنقصان فلو زاد أو نقص قبل تغيير النية بطلت صلاته مثاله نوى أن يصلى ركعتين ثم قام الي الثالثة بعد ما نوى الزيادة جاز ولو قام قبلها عمدا بطلت صلاته ولو قام سهوا عاد وسجد للسهو وسلم فلو بدا له بعد القيام ان يزيد فهل يجب العود إلي القعود ثم القيام منه أم له المضي فيه وجهان (أصحهما) أولهما ثم يسجد للسهو في آخر صلاته فلو زاد ركعتين سهوا ثم نوى اكمال اربع صلى ركعتين أخريين وما سهى به لا يحسب ولو نوى أن يصلي أربعا غير نيته وسلم عن ركعتين جاز ولو سلم قبل تغيير النية بطلت صلاته ولو سلم ساهيا أتم أربعا وسجد للسهو فلو زاد اربعا وأراد بعد السلام ساهيا أن يقتصر سجد للسهو وسلم ثانيا فان سلامه الاول غير محسوب ثم ان تطوع بركعة فلا بد من التشهد فيها وان زاد فله أن يقتصر علي تشهد واحد في آخر الصلاة وهو تشهد الركن وله ان يتشهد في كل اثنتين كما في الفرائض الرباعية فلو كان العدد وترا فلا بد من التشهد في الاخيرة أيضا وهل له أن يتشهد في كل ركعة قال امام الحرمين فيه أحتمال لانا لا نجد في الفرائض صلاة علي هذه الصورة لكن الاظهر الجواز لان له أن يصلى ركعة فردة ويتحلل عنها وإذا جاز له ذلك جاز له القيام(4/273)
منها إلى أخرى وهذا ما ذكره المصنف وسوغ له الامور الثلاثة في الوسيط واقتصر ههنا على الامر الثاني والثالث * وأعلم أن تجويز التشهد في كل ركعة لم يرد له ذكر إلا في النهاية وفى كتب المصنف واما الاقتصار علي تشهد واحد في آخر الصلاة فلا يكون فيه خلاف لانه لو اقتصر في الفرائض عليه لجاز أيضا وأما التشهد في كل اثنتين فقد ذكره العراقيون من أصحابنا وغيرهم وقالوا انه الاولى وان جاز الاقتصار علي واحد وذكر في النهاية شيئا آخر وهو أنه لا تجوز الزيادة علي تشهدين بحال ثم ان كان العدد شفعا فلا يجوز ان يجعل بين التشهدين اكثر من ركعة وإن كان وترا فلا يجوز أن يجعل بينهما اكثر من ركعة تشبها في القسمين بالفرائض مثاله إذا صلي ستا يتشهد في الرابعة والسادسة وإذا صلي سبعا يتشهد في السادسة
والسابعة وإلي هذا مال المستمدون من كلام المراوزة ومنهم صاجب التهذيب وظاهر المذهب تجويز الزيادة علي تشهدين ثم قال في التهذيب ان صلي بتشهد واحد قرأ السورة بعد الفاتحة في الركعات كلها وان صلى بتشهدين هل يقرأ علي القولين المذكورين في الفرائض والاحب أن يسلم المتطوع من كل ركعتين على مثال الرواتب سواء كان بالليل أو بالنهار لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثني " وبهذا قال مالك واحمد رحمهما الله ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب وبيان موضع العلامات (قوله) ثم التطوعات لا حصر لها أراد بالتطوع ههنا ما ينشئه الانسان باختياره ولا يتعلق بوقت ولا سبب لانه أراد بقوله لا حصر لها أنه لا حصر لركعاتها علي ما صرح به في الوسيط والظاهر أن هذا حكم منه علي كل واحد منها وفى أول الباب أراد بالتطوع مطلق النافلة كما سبق بيانه وينبغي أن يعلم قوله لا حصر لها بالحاء لان عند أبي حنيفة يكره في نوافل النهار أن تزاد علي اربع ركعات(4/274)
بتسليمة واحدة وفى نوافل الليل ان تزاد علي ثمان ركعات وذكر صاحب البيان انه يحكم بالبطلان لو زاد علي العددين والاحب عنده في نوافل النهار أن تكون أربعا أربعا حتى في الرواتب سوى ركعتي الفجر وفى نوافل الليل يصلي بتسليمة واحدة ثمان ركعات أو ستا أو أربعا أو ركعتين ولافضل لبعضها علي بعض ويجوز ان يعلم بالواو أيضا لما سبق حكايته عن المسعودي ويجوز أن يعلم قوله ان يتمها عشرا بالحاء أيضا إذ لا مزيد عنده علي ثمان ركعات وقوله جاز له الاقتصار على واحدة معلم بالميم لان عنده الشروع في التطوع ملزم إلا أن يكون هناك عذر وبالحاء لامرين (أحدهما) أن الشروع يلزم عليه(4/275)
ركعتين (والثانى) أن الركعة الفردة ليست بصلاة عنده وعندنا هي صلاة لما سبق ولو نوى صلاة تطوع ولم ينو واحدة ولا عددا فهل يجوز الاقتصار علي واحدة حكى في التتمة فيه وجهين مبنيين على ما لو ندر صلاة مطلقة هل يخرج عن العهدة بركعة أم لا بد من ركعتين وينبغي أن يقطع بجواز الاقتصار على واحدة لانه وان نوى ركعتين فصاعدا يجوز له الاقتصار علي واحدة فعند الاطلاق أولي ان يجوز (وقوله) وله أن يتشهد بين كل ركعتين ينبغي أن يعلم بالواو لامرين (أحدهما) أن صاحب البيان حكى وجها انه لا يجلس الا في الاخيرة والثانى أنا حكينا عن
بعض الاصحاب انه لا يزيد علي تشهدين وان كثرت الركعات وذلك القائل لا يجوز التشهد بين كل ركعتين (وقوله) اأو في كل ركعة اعلم بالحاء لانه يقول بتشهد بين كل ركعتين وبالواو لان كثيرا من الاصحاب قالوا انه بالخيار بين أن يصلي بتشهد واحد وبين ان يتشهد بين كل ركعتين والتخيير بين الشيئين ينفى التمكن من شئ ثالث (وقوله) والاحب مثني مثنى معلم بالحاء لما سبق * قال (وأظهر الاقوال أن النوافل المؤقتة تقضي (ح م) كما تقضي الفرائض وركعتا الصبح بعد فرض الصبح أداء وليس بقضاء) * غرض الفصل يتضح برسم مسألتين (أحدهما) في وقت الرواتب وهى ضربان (أحدهما) الرواتب التى تسبق الفرائض ويبقى وقت جوازها ما بقى وقت الفريضة ووقت اختيارها ما قبل الفريضة مثاله ركعتا الفجر يدخل وقتهما بطلوع الفجر ويبقى إلى طلوع الشمس والاختيار تقديمها علي صلاة الفجر وحكى جماعة منهم صاحب البيان أن وقت ركعتي الفجر يبقي إلى الزوال ويكون اداء وان خرج وقت الفريضة (والضرب الثاني) الرواتب المتأخرة عن الفرائض فيدخل وقتها بفعل الفرائض لا بدخول وقتها كما ذكرنا في الوتر وآخر وقتها يخرج بخروج وقت الفرائض كما في الضرب الاول لانها تابعة للفرائض وحكي في التتمة في الوتر قولا آخر أن وقت الوتر يبقى إلى ان يصلى الصبح ولا يخرج بطلوع الفجر لظاهر ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " صلوها ما بين العشاء إلي صلاة الصبح " وهذا(4/276)
يشبه خلافا سيأتي ذكره في المسألة الاخرى (المسألة الثانية) النوافل تنقسم إلى مالا يتأقت وانما يفعل لسبب عارض وإلي ما يتأقت والاول لا مدخل للقضاء فيه وهو كصلاتي الخسوف والاستسقاء وتحية المسحد (والثانى) كصلاتي العيد وصلاة الضحي والرواتب التابعة للفرائض في قضائها إذا فاتت قولان مشهوران (أصحهما) وبه قال احمد انها تقضى لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ولانها صلاة راتبة بوقت فتستدرك إذا فاتت كالفرائض (والثاني) وبه قال مالك انها لا تقضي كصلاة الخسوف ونحوها وهذا لان الاصل ان لا تقضى وظيفة مؤقتة أصلا لاقتضاء صيغة التأقيت اشتراط الوقت في الاعنداد بها لكن خالفنا في الفرائض لاوامر مجددة
وردت فيها لتأكدها: وعن أبي حنيفة ان فاتت الرواتب مع الفرائض قضيت معها وان فاتت وحدها فلا تقضى ونقل بعض اصحابنا عن مذهبه انه لا يقضي منها الا ركعتا الفجر إذا فاتتها مع الفرض وحكي في النهاية قولا ثالثا وهو ان ما استقل منها ولم يتبع غيره كصلاة العيدين وصلاة الضحى يقضي لمشابهتهما الفرائض في الاستقلال وما كان تابعا لغيره كالرواتب لا يقضى فهذه هي الاقوال التى ذكرها في الكتاب وانما قيد بالمؤقتة ليخرج القسم الاول فانها لا تقضى بلا خلاف (التفريع) ان قلنا انها لا تقضي فلا كلام وان قلنا تقضى فهل تقضى أبدا فيه قولان (اصحهما) وهو اختيار المزني رحمه الله عليه نعم كالفرائض لما قضيت جاز قضاؤها ابدا (وقوله) في الكتاب كما تقضى الفرائض(4/277)
يمكن حمله علي التشبيه في كيفية القضاء أي كما تقضى الفرائض ابدا كذلك هذه لكنه ما أراد ذلك وإنما أراد قياس أصل القضاء على الفرائض وذلك بين في عبارة الوسيط (والقول الثاني) أنها لا تقضي ابدا وعلي هذا إلى متي تقضي: اما صلاة العيد ففيها تفصيل وخلاف مذكور في الكتاب في باب صلاة العيدين واما الرواتب ففيها قولان (أحدهما) انه لا تقضى كالوتر بعد صلاة الصبح ولا ركعتا الفجر بعد صلاة الظهر قال امام الحرمين وعلي هذا النسق سائر التوابع لانه إذا استفتح فريضة أخرى انقطع حكم التبعية عن الصلاة السابقة وحكى علي هذا القول أوجها أخر أن الاعتبار(4/278)
بدخول وقت الصلاة المستقبلة لا بفعلها فعلى هذا تقضي ركعتا الفجر ما لم تزل الشمس فان زالت فلا (والقول الثاني) وقد نقله المسعودي عن القديم ان ما كان من صلاة النهار يقضي ما لم تغرب الشمس وما كان من صلاة الليل يقضي ما لم يطلع الفجر فعلى هذا تقضى ركعتا الفجر مادام النهار باقيا (وقوله) في الكتاب وركعتا الصبح بعد فرض الصبح اداء وليس بقضاء قصد به بيان ان تأخير ركعتي الصبح الي ما بعد الفريضة لا يوجب فواتها فلا يجرى فيه الخلاف المذكور في القضاء وتقديمها مستحب لا مستحق وقد يؤمر بالتأخير بسبب يعرض كم دخل المسجد والامام يصلي الصبح فينبغي ان(4/279)
يقتدى به ثم بعد الفراغ يشتغل بركعتي السنة وعن ابى حنيفة انه لو علم انه يدرك ركعة من الفريضة بعد الفراغ من السنة يقدم السنة لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم " قال إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " ثم في معني ركعتي الصبح سائر التوابع المقدمة على الفرائض وذكرهما جرى على سبيل ضرب المثال وأراد بقوله بعد فرض الصبح ما لم تطلع الشمس وقد حكينا من قبل وجها أن وقتها يمتد إلي الزوال لكنه ما اراد ذلك فان المذهب الظاهر خلافه *(4/280)
قال * (كتاب الصلاة بالجماعة) * (وفيه فصول ثلاثة (الاول في فضلها) وهى مستحبة وليسب بواجبة الا في الجمعة ولا فرض كفاية على الاظهر وتستحب للنساء (ح) والفعل في الجمع الكثير أفضل إلا إذا تعطل في جواره مسجد فاحياؤه افضل) * أركان الصلاة وشروطها لا تختلف بين أن تؤدى علي سبيل الانفراد أو بالجماعة لكن الاداء بالجماعة أفضل وهي تختص باعتبار أمور تنقسم الي معتبرة في نفس الامام وإلي غيرها فادرج لذلك مسائل هذا الكتاب في ثلاثة فصول (احدها) فيما يتعلق بفضلها (وثانيها) في الامور المعتبرة في نفس الامام اما اعتبار اشتراط أو استحباب (وثالثها) في سائر المعتبرات فاما الفصل الاول فاعلم أن الاصل في فضلها(4/282)
الاجماع والاخبار نحو ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " والفرائض الخمس تنقسم إلي صلاة الجمعة وغيرها: فأما في صلاة الجمعة فالجماعة فرض عين كما سيأتي في بابها: واما في غيرها فليست بفرض عين خلافا لاحمد حيث قال بانها فرض عين وبه قال ابن المنذر ومحمد بن اسحق بن خزيمة من اصحابنا وفى بعض التعاليق ان أبا سليمان(4/283)
الخطابي ذكر أنه قول للشافعي رضى الله عنه: لنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأيضا روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل مع الواحد افضل من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أفضل من
صلاته مع الواحد وحيثما كثرت الجماعة فهو أفضل " والاستدلال أنه لا يحسن أن يقال الاتيان بالواجب(4/284)
افضل من تركه وتفضيل أحد الفعلين علي الآخر يشعر بتجويزهما جميعا وهل هي فرض كفاية أم سنة فيه وجهان أظهرهما عند المصنف وصاحب التهذيب أنها سنة لان الجماعة خصلة مشروعة في الصلاة لا تبطل الصلاة بتركها فلا تكون مفروضة كسائر السنن المشروعة في الصلاة وفيما سبق من الاخبار ما يشعر بان سبيلها سبيل الفضائل وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والثاني وبه قال ابن سريج وابو اسحق أنها فرض كفاية لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجماعة الا استحوذ عليهم الشيطان " وذكر المحاملى وجماعة أن هذا ظاهر المذهب (فان قلنا) انها فرض علي الكفاية فلو(4/285)
امتنع اهل بلدة أو قرية عن اقامتها قاتلهم الامام عليه ولا يسقط الحرج إلا إذا أقاموها بحيث يظهر هذا الشعار فيما بينهم ففى القرية الصغيرة يكفى اقامتها في موضع واحد وفى القرى الكبيرة والبلاد تقام في محلها ولو أطبقوا علي اقامة الجماعة في البيوت فعن ابي اسحق المروزى انه لا يسقط الفرض بذلك لان الشعار في البلد لا يظهر به ونازعه فيه بعضهم إذا ظهر ذلك في الاسواق واما إذا قلنا انها سنة فهل يقاتلون على تركها فيه وجهان كما ذكرناهما في الاذان (أصحهما) لا وكل ما ذكرناه في حق الرجال: أما النساء فلا تفرض عليهن الجماعة لا فرض عين ولا فرض كفاية وتستحب لهن ولكن فيه وجهان ذكرهما القاضى الروياني (أحدهما) أن استحبابها لهن كاستحبابها للرجال لعموم الاخبار (وأظهرهما) الذى ذكره المعظم أنه لا يتأكد تأكده في حق الرجال فلا يكره لهن تركها ويكره للرجال ذلك * وقال أبو حنيفة ومالك يكره لهن أن يصلين جماعة وبه قال احمد في رواية والاصح عنه مثل مذهبنا لنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها " ثم إذا صلين جماعة فالمستحب أن تقف التى تؤمهن وسطهن كذلك فعلت عائشة رضي عنها وأم سلمة رضى الله عنهما لما أمتا وجماعتهن في البيوت أفضل فان أردن حضور المسجد في جماعة الرجال كره ذلك للشواب لخوف الفتنة ولم يكره(4/286)
للعجائز روى أنه صلى الله عليه وسلم " نهى النساء عن الخروج الي المساجد في جماعة الرجال الا عجوزا في منقلها " والمنقل الخف وامامة الرجال لهن أولي من امامة النساء لكن لا يجوز أن يخلو بهن من غير محرم ثم لو صلي الرجل في بيته برقيقه أو زوجته وولده نال أصل فضيلة الجماعة لكنها في المساجد أفضل لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل في بيته أفضل الا المكتوبة " وحيث كان الجمع اكثر من المساجد فالفضل اكثر لما سبق فلو كان بالقرب منه مسجد قليل الجمع وبالبعد مسجد كثير الجمع فالافضل أن يذهب الي المسجد البعيد ألا في حالتين (أحدهما) أن تتعطل الجماعة في المسجد القريب بعد وله عنه اما لكونه اماما أو لان الناس يحضرون بحضوره فاقامة الجماعة في المسجد القريب أفضل (الثانية) أن يكون امام المسجد البعيد متبدعا كالمعتزلي وغيره وامام المسجد القريب بريئا عن البدعة فالصلاة في المسجد القريب أولي قال المحاملى وغيره وكذا لو كان امام المسجد البعيد حنفيا لانه لا يعتقد وجوب بعض الاركان بل حكوا عن أبى اسحق المروزى أن الصلاة منفردا اولى من الصلاة خلف الحنفي وهذا مبني على جواز الصلاة خلفه وفيه خلاف يأتي من بعد وفى المسألة وجه آخر حكاه في النهاية أن رعاية حق الجوار أولى على الاطلاق لانا لو جوزنا العدول عن المسجد القريب لاوشك أن يعدل عنه واحد بعد واحد فيفضى إلى تعطيله: واما لفظ الكتاب فقوله وليست(4/287)
بواجبة يعنى به الوجوب علي الاعيان وهو معلم بالالف والواو (وقوله) تستحب للنساء معلم بالحاء والميم وبالالف ايضا لاحدى الروايتين عن احمد والمراد أصل الاستحباب ثم في كيفية الاستحباب ما سبق من الخلاف (وقوله) الا إذا تعطل في جواره مسجد ليس فيه الا استثناء الحالة الاولي وقد استثنى كثير من الاصحاب الحالة الثانية أيضا كما ذكرنا ويجوز أن يعلم قوله في الجمع الكثير أفضل بالواو لانه يدخل فيه ما إذا كان في جواره مسجد ولم يتعطل إذ لم يستثن الا إذا تعطل وقد ذكرنا وجها ان الافضل رعاية حق الجوار وان لم يتعطل * قال (وفضيلة الجماعة لا تحصل الا بادراك ركعة مع الامام وفضيلة التكبيرة الاولى لا تحصل الا بشهود تحريمة الامام واتباعه على الاصح) *
في الفصل مسألتان (احداهما) فيما يحصل للمأموم به فضيلة الجماعة: الذى ذكره في الكتاب انها لا تحصل الا بادراك ركعة مع الامام ووجهه في الوسيط بان ادراك ما دون الركعة ليس محسوبا من صلاته فلا ينال بها الفضيلة والذى ذكره اصحابنا العراقيون وغيرهم وتابعهم صاحبا المهذب والتهذيب أن من ادرك الامام في التشهد الاخير حصل له فضيلة الجماعة وقد يوجه ذلك بان هذه البقية إذا لم تكن محسوبة من صلاته فلو لم ينل بها الفضيلة لمنع من الاقتداء والحالة هذه لكونها زيادة في الصلاة لا فائدة فيها وبالجملة فظاهر المذهب الذى ذكره الجمهور خلاف ما في الكتاب (المسألة الثانية) وردت اخبار في ادراك التكبيرة الاولي مع الامام نحو ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " من صلي اربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الاولي كتب له براءتان براءة من(4/288)
من النار وبراءة من النفاق " ولما في ادراكها من الفضل صار أبو اسحق المروزى الي ان الساعي الي الجماعة يسرع إذا خاف فوتها لكن الصحيح عند الاكثرين ان لا يسرع بحال لقوله صلى(4/289)
الله عليه واله وسلم " إذا اقيمت الصلاة فلا تأتوها وانتم تسعون واتوها وانتم تمشون وعليكم السكينة والوقار " ثم بماذا يكون مدركا للتكبيرة الاولي فيه وجوه (اظهرها) ان من شهد تكبيرة الامام واشتغل عقيبها بعقد الصلاة كان مدركا لفضيلة التكبيرة الاولي والا لم يكن مدركا لها لانه إذا جرى التكبير في غيبته لم يسم مدركا (والثانى) ان تلك الفضيلة تدرك بادراك الركوع الاول (والثالث) ان ادراك الركوع لا يكفى بل يشترط ادراك شئ من القيام ايضا (والرابع) ان شغله امر دنيوي لم يكن بادراك الركوع مدركا للفضيلة وان منعه عذر واشتغال باسباب الصلاة كالطهارة(4/290)
وغيرها كفاه ادراك الركوع * قال (ومهما أحس الامام بداخل ففى استحباب الانتظار ليدرك الداخل الركوع قولان ولا ينبغي ان يطول ولا أن يميز بين داخل وداخل) *
مما يحتاج إلى معرفته في المسألة ان المستحب للامام تخفيف الصلاة من غير ترك الابعاض والهيئات لما روى عن انس رضي الله عنه قال " ما صليت وراء امام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلي الله عليه وسلم " فان رضى القوم بالتطويل وكانوا(4/291)
منحصرين لا يدخل عليهم غيرهم فلا باس حينئذ بالتطويل ثم قال الائمة انتظار الامام في الصلاة وتطويله بها يفرض على وجوه: منها ان يصلي في مسجد سوق أو محلة فيطول الصلاة ليلحق قوم أخر وتكثر الجماعة فهذا مكروه لما فيه من سقوط الخشوع وشغل القلب ومخالفة قوله صلي الله عليه وسلم وسلم " إذا أم احدكم فليخفف " ومنها ان يؤم في مسجد بحضرة رجل شريف فيطول الصلاة علي الحاضرين ليلحق ذلك الرجل فهذا مكروه ايضا لانه ينفر الحاضرين ويشوش عليهم ومنها أن يحس في صلاته بمجئ رجل يريد الاقتداء به فله احوال (احدها) ان يكون في الركوع وهي مسألة الكتاب فهل ينتظر ليدرك الركوع فيه قولان (اصحهما) عند امام الحرمين واخرين انه لا ينتظره(4/292)
لمطلق قوله صلي الله عليه وسلم (إذا أم احدكم بقوم فليخفف) ولان انتظاره يطول الصلاة علي الحاضرين والتطويل علي الحاضرين لمسبوق قد يكون مقصرا بتخلفه لا وجه له والثاني ينتظره لما روى انه صلى الله عليه وسلم " كان ينتظر في صلاته ما سمع وقع نعل " وهذا كما انه ينتظر في صلاة الخوف ذهاب قوم ومجئ قوم لينالوا فضيلة الجماعة ثم ذكر الائمة للقولين شرطين (احدهما) ان يكون الرجل الجائى حين ينتظر داخل المسجد اما لو كان بعد خارجة فلا ينتظر قولا واحد (والثانى) ان يقصد به الاحتساب والتقرب الي الله تعالى فاما لو قصد التودد إليه واستمالته فلا ينتظر قولا واحدا ثم اختلفوا في ان القولين فيماذا على طرق قال معظم الاصحاب ليس الخلاف في استحباب الانتظار ولا في انه لو انتظر هل تبطل صلاته ام لا وانما الخلاف في الكراهة فاحد القولين انه يكره وبه قال أبو حنيفة ومالك واختاره المزني (والثاني) لا يكره وبه قال احمد وهو اصح القولين(4/293)
عند القاضى الروياني وقال بعض الاصحاب القولان في انه هل يستحب الانتظار ويحكي هذا عن القاضي ابي الطيب وقال آخرون في المسألة قولان (احدهما) انه يكره والثانى انه يستحب وهذا ما اورده صاحب المهذب وقال الاصح الثاني وهذه الطريقة كالمركبة من الطريقتين الاخريين ثم إذا قلنا لا ينتظر فلو فعل هل تبطل صلاته منهم من قال فيه قولان كما لو زاد في صلاة الخوف علي انتظارين وقطع المعظم بانها لا تبطل وركب في الوسيط من القول بالبطلان ومما تقدم ثلاثة اقوال (احدها) انه يستحب الانتظار (والثاني) انه يكره (والثالث) انه لا يجوز وتبطل الصلاة إذا عرفت ذلك فانظر في لفظ الكتاب: واعلم ان في لفظ الداخل من قوله وإذا احس الامام بداخل ما ينبه على الشرط الاول وهو تقييد الخلاف بانتظار من دخل المسجد أو الموضع الذى تقام فيه الصلاة فاما من لم يدخل بعد فلا ينتظر واما الشرط الثاني وهو ان يكون قصده التقرب الي الله تعالي فليس في لفظ الكتاب تعرض له لكن الواقف علي مقاصد الكلام يفهمه من قوله ولا ان يميز بين داخل وداخل كما سيأتي (وقوله) ففى استحباب الانتظار لدرك الداخل الركوع قولان جواب على طريقة فرض الخلاف في الاستحباب ثم المقابل لقول الاستحباب انما هو عدم الاستحباب ويمكن ادراج الحاصل من باقي الاختلافات فيه بان يقال إذا قلنا لا يستحب فهل يكره فيه قولان ان قلنا يكره فهل يبطل الصلاة فيه قولان ويجوز انه يعلم قوله قولان بالواو لان القاضى ابن كج حكي طريقة عن بعض الاصحاب ان موضع القولين هو الانتظار في القيام اما في الركوع فلا ينتظر(4/294)
قولا واحدا وعلل بان القيام موضع تطويل والركوع ليس موضع تطويل واما قوله ولا ينبغى ان يطول فهذا اشارة الي ان الخلاف مفروض فيما إذا لم يطول الانتظار فاما التطويل فيجتنبه وهذا قد ذكره الصيدلاني وغيره وهو شرط ثالث مضموم الي الشرطين السابقين قال امام الحرمين وليس المراد اصل التطويل فان الانتظار لا يوجد صورة الا إذا طول وزاد علي القدر المعتاد ولكن ضبطه أن يقال ان طول تطويلا لو وزع علي جميع الصلاة لظهر له اثر محسوس في الكل فهذا ممنوع منه لافراطه وان كان بحيث يظهر في الركوع ولكن لا يظهر في كل الصلاة لو وزع فهذا موضع الاختلاف ويجوز
أن يعلم قوله ولا ينبغى أن يطول بالواو لان ابا على قال في الافصاح ان كان الانتظار لا يضر بالمأمومين ولا يدخل عليهم مشقة جاز كانتظار النبي صلي الله عليه وسلم في حمل امامة ووضعها في الصلاة وان كان ذلك مما يطول ففيه الخلاف وقوله ولا أن يميز بين داخل وداخل المراد منه ان يعم انتظاره الداخلين فلا يخص به بعض القوم لصداقة أو سيادة وإذا عم فلا يقصد استمالة قلوب الناس والتودد إليهم بل التقرب إلى الله تعالي كما تقدم ويجوز الوسم بالواو ههنا أيضا لامرين (أحدهما) لان أبا سعيد المتولي حكي عن بعض الاصحاب انه ان عرف الداخل بعينه لم ينتظره إذ لا يخلو عن تقرب إليه(4/295)
وان لم يعرفه بعينه انتظره (والثاني) أن صاحب البيان حكي عن بعضهم انه ان كان الداخل ممن يلازم الجماعة وعرفه انتظره وان كان غريبا لم ينتظره وكلا الوجهين يوجب التمييز بين الداخل والداخل (الحالة الثانية) أن يكون الامام حين أحس بالداخل في التشهد الاخير فهل يؤخر انتظارا له بما سبق من الشرائط ذكر معظم الاصحاب أن الخلاف يطرد فيه لان هذا الانتظار يفيده أيضا من حيث أنه ينال فضيلة الجماعة وان لم يدرك باللحوق فيه شيئا من الركعات وقياس قوله من يقول انه لا يدرك فضيلة الجماعة الا بادراك ركعة مع الامام أن يكون حكم الانتظار ههنا حكمه في القيام ونحوه (الحالة الثالثة) أن يكون في سائر الاركان من القيام والسجود وغيرهما قطع الاكثرون بانه لا ينتظره لانه لا فائدة للداخل في انتظاره فانه بسبيل من ادراك الركعة أو فضيلة الجماعة وان لم ينتظره وذلك لانه ان كان قبل الركوع فهو بادراك الركوع يدرك الركعة وان كان بعد الركوع فبادراكه في التشهد ينال فضيلة الجماعة وحكي امام الحرمين عن بعضهم طرد الخلاف في سائر الاركان لافادة الداخل بركة الجماعة وروينا عن ابن كج أن بعضهم خصص الخلاف بحالة القيام وحيث قلنا لا ينتظر فلو انتظر ففى البطلان ما سبق من الطريقين * قال (ومن صلي منفردا فأدرك جماعة يستحب له اعادتها ثم يحتسب الله أيهما شاء) * من انفرد بصلاة من الصلوات الخمس ثم أدرك جماعة يصلونها فالمستحب له أن يعيدها معهم لينال فضيلة(4/296)
الجماعة وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " صلي الصبح فلما فرغ رأى رجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال علي بهما فجئ بهما فقال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا كنا صلينا في رحالنا قال فلا(4/297)
تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم اتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فانها لكما نافلة " وعند أبى حنيفة يعيد الظهر والعشاء ولا يعيد الصبح والعصر والمغرب وذكر في النهاية ان شيخه حكي مثل ذلك وجها لبعض اصحابنا ووجهه ان الصبح والعصر يستعقبان الوقت المكروه فلا يصلي بعدهما والمغرب وتر(4/298)
النهار فلو اعيدت لصارت شفعا ونقل العراقيون وجها انه يعيد ما سوى الصبح والعصر وظاهر المذهب الاول والوجهان ضعيفان وعند مالك يعيد كلها الا المغرب وبه قال احمد في رواية يعيد المغرب ايضا لكن إذا سلم الامام قام الي ركعة اخرى فجعلها شفعا وإذا وقفت علي ما ذكرناه علمت انه لم اعلم قوله يستحب له اعادتها بالحاء والميم والالف والواو ولو صلي احدى الخمس في جماعة ثم أدرك جماعة أخرى فهل يعيدها معهم فيه وجوه (أصحها) عند عامة الاصحاب أنه يعيد كما(4/299)
لو كان منفردا لاطلاق الخبر والثانى وهو الاصح عند الصيدلاني وبه قال المصنف في الوسيط أنه لا يستحب الاعادة لان فضيلة الجماعة قد حصلت فلا معنى للاعادة بخلاف المنفرد قال الصيدلاني وعلي هذا يكره اعادة الصبح والعصر دون غيرهما لانهما وقتا كراهة والصلاة المعادة تطوع محض علي هذا الوجه قال وعلى هذا فلو اعاد المغرب ينبغى أن يضم إليها ركعة اخرى لان ما أتى به تطوع محض فليكن شفعا واعلم ان المعادان كان تطوعا محضا فقياس المذهب أن تمتنع الاعادة بنية المغرب وسائر الوظائف الخمس ولو فعل يكون صحة التطوع علي الخلاف المذكور في المتطوع بنية الظهر قبل الزوال (والوجه الثالث) انه ان كان في الجماعة الثانية زيادة فضيلة لكون الامام أعلم أو أورع أو لكون الجمع أكثر أو لكون المكان افضل فيستحب الاعادة والا فلا (والرابع) أنه يستحب اعادة الظهر والمغرب والعشاء ولا يستحب اعادة الصبح والعصر وقد سبق المنفرد مثله ثم إذا استحببنا الاعادة في هذه المسألة(4/300)
وفيما إذا صلى منفردا فاعاد فالفرض منهما ماذا فيه قولان الجديد وبه قال أبو حنيفة واحمد أن الفريضة هي الاولي لما سبق من الحديث والقديم أن الفريضة احدهما لا بعينها والله تعالى يحتسب بما شاء منهما وربما قيل يحتسب باكملهما ويروى هذا القول عن الاملاء وبه قال مالك ووجه بانه(4/301)
لو كانت الثانية نفلا علي التعيين لما ندب إلى اقامتها بالجماعة والذى ذكره في الكتاب هذا القول القديم لكن الاكثرين قالوا بان المذهب الجديد وحكى في التتمة أن بعض الاصحاب صار إلي انهما جميعا يقعان عن الفرض وعن الشيخ أبى محمد أن بعضهم قال فيما إذا صلي منفردا أن الفريضة هي الثانية لكمالها بالجماعة فتبين بالاخرة أن الاولي نفل فحاصل ما في المسألة قولان ووجهان (التفريع) ان فرعنا على غير الجديد نوى الفرض في المرة الثانية ولو كانت الصلاة مغربا اعادها مثل المرة الاولى(4/302)
وان فرعنا علي الجديد فهل ينوى الفرض فيه وجهان قال الصيدلانى (الصحيح) أنه ينوى الفرض وبه قال الاكثرون واستبعده امام الحرمين وقال كيف ينوى الفرض مع القطع بان الثانية ليست بفريضة بل الوجه ان ينوى الظهر والعصر ولا يتعرض للفرضية ويكون ظهره نفلا كظهر الصبي وهذا ما ذكر في هـ الوسيط وفيه مباحثه قدمتها في أول صفة الصلاة وإذا كانت الصلاة مغربا ففيه وجهان (اظهرهما) انه يعيدها كما فعل في المرة الاولى (والثاني) ان المستحب ان يقوم إلى ركعة اخرى إذا سلم الامام حتى لا يصير وتره شفعا) * قال (ولا رخصة له في ترك الجماعة الا بعذر عام كالمطر والريح العاصفة بالليل أو عذر خاص مثل أن يكون مريضا أو ممرضا أو خائفا من السلطان أو من الغريم وهو معسر أو كان عليه قصاص ويرجو العفو عنه أو ان حاقنا أو جائعا أو عاريا) *(4/303)
لا رخصة للمتدين في ترك الجماعة سواء جعلناها سنة أو فرض كفاية الا إذا كان ثم عذر لما روى انه
صلي الله عليه وسلم قال " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له الا من عذر " ثم الاعذار(4/304)
قسمان عامة وخاصة فمن الاعذار العامة المطر ليلا كان أو نهارا لما روى انه صلي الله عليه وسلم(4/305)
وسلم قال " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال " ومنها الريح العاصفة بالليل دون النهار(4/306)
روي انه صلي الله عليه وسلم " كان يامر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح الا صلوا في رحالكم " والمعنى فيه ان المشقة التى تلحق بها في الليل اكثر وبعض الاصحاب يقول الريح العاصفة في الليلة المظلمة وليس ذلك علي سبيل اشتراط الظلمة والله اعلم: ويتبين بما ذكرنا ان قوله بالليل في نظم الكتاب يرجع الي الريح وحدها ولا يرجع الي المطر المعطوف عليه ومن الاعذار الخاصة المرض " قيل يا رسول الله ما العذر في الخبر الذى سبق فقال خوف أو مرض " ولا يشترط ان يبلغ مبلغا يجوز العقود في الفريضة لكن المعتبر ان تلحقه مشقة مثل ما يلقاه الماشي في المطر قاله في النهاية: ومنها ان يكون ممرضا وللتمريض تفصيل يذكر في كتاب الجمعة: ومنها ان يخاف على نفسه أو ماله أو علي من يلزمه الذب عنه من سلطان أو غير سلطان يظلمه أو يخاف من غريم يلازمه أو يحبسه ان رآه وهو معسر لا يجد وفاء لدينه فله التخلف ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه بل عليه الحضور وتوفية ذلك الحق ويدخل في صور الخوف علي المال ما إذا(4/307)
كان خبزه في التنور وقدره علي النار وليس ثم من يتعهدها لو سعى الي الجماعة ومنها ان يكون عليه قصاص ولو ظفر به المستحق لقتله وكان يرجو العفو مجانا أو علي مال لو غيب الوجه اياما وسكن الغليل فله التخلف بذلك وفى معناه حذ القذف دون حد الزنا ومالا يقبل العفو قال امام الحرمين وفى هذا العذر اشكال عندي لان موجب القصاص من الكبائر فكيف يستحق صاحبه التخفيف(4/308)
وكيف يجوز تغييب الوجه عن المستحق: ومنها ان يدافع اخبثيه أو يدافع الريح بل الصلاة مكروهة في تلك الحالة والمستحب ان يفرغ نفسه ثم يصلي وان فاتت الجماعة فلا باس روى انه صلى الله عليه وسلم قال " لا يصلين احدكم وهو يدافع الاخبثين " وروى ايضا " إذا اقيمت الصلاة(4/309)
فوجد احدكم الغائط فليبدأ بالغائط " وهذا إذا كانت في الوقت سنة فان كان يخرج الوقت لو قضى حاجته ففي التهذيب حكاية وجهين (اظهرهما) انه يبدأ بالصلاة (والثانى) انه يقضي حاجته وان فات الوقت ثم يقضى كما لو خاف فوت الوقت لو اشتغل بالوضوء يلزمه الوضو ويشبه ان يكون هذا الوجه ذهابا من صاحبه الي انه لا تصح الصلاة إذا ضاق الامر عليه لانسلاب الخشوع وقد حكي امام الحرمين الذهاب الي البطلان عن القاضي الحسين وصاحب البيان عن أبى زيد المروزى لكن أبا سعيد المتولي جعل الخلاف في أن الاولى ان يفرغ نفسه أو ان يصلي لا في بطلان الصلاة علي المدافعة وقوله في الكتاب أو كان حاقنا يجوز أن يقرأ بالباء ويجوز أن يقرأ بالنون فالحاقب هو الذى احتاج إلى الخلاء فلم يتبرز حتى حضر غائطه والحاقن في البول كالحاقب في الغائط قاله في العرينين ومنها أن يكون به جوع شديد أو عطش شديد وقد حضر الطعام والشراب ونفسه تتوق إليه فيبدأ بالاكل والشرب لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال " إذا حضر العشاء واقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء "(4/310)
قال الائمة وليس المراد منه أن يستوفى ما يشبع لكن ياكل لقما يكسر سورة جوعه ويؤخر الباقي الا ان يكون الطعام مما يؤتي عليه دفعه واحدة كالسويق واللبن استثناه المحاملى وغيره فان خاف فوت الوقت لو اشتغل بالاكل حكى في التتمة وجهين في أن الاول ماذا كما في مدافعة الاخبثين ومنها ان يكون عاريا لا لباس له فيعذر في التخلف سواء وجد قدر ما يستر به العورة أو لم يجد هذه هي الاعذار المذكورة في الكتاب ويلتحق بها اعذار أخر: فمن العامة الوحل وسيأتي في كتاب الجمعة: ومنها السموم وشدة الحر في وقت الظهر فان الابراد بها محبوب كما سبق فلو اقاموا الجماعة ولم يبردوا كان له ان يتخلف ومنها شدة البرد قال في التهذيب انها عذر ولم يفرق بين الليل والنهار وعلي هذا فشدة الحر في
معناها وربما يبقى العذر وان ابردوا: ومن الاعذار الخاصة ان يريد السفر وترتحل الرفقة فله ان ان يتخلف عن الجماعة ولا يتخلف عنهم ومنها ان يكون منشد ضالة يرجو الظفر بها لو ترك الجماعة أو وجد من غصب ماله وأراد استرداده منه و: منها ان يكون قد اكل بصلا أو كراثا ونحوهما ولم يمكن(4/311)
ازالة الرائحة بغسل ومعالجة فهو عذر في التخلف عن الجماعة فان كان مطبوخا فلا وذلك القدر محتمل ومنها غلبة النوم عدها صاحب العدة وغيره من الاعذار قال (الفصل الثاني في صفات الائمة وكل من لا تصح صلاته صحة تغنيه عن القضاء فلا يصح الاقتداء به ومن صحت صلاته صح الا اقتدأ به الاقتداء القارئ بالامى على القول الجديد ومن لا يحسن حرفا من الفاتحة والمأموم يحسنه فهو أمي في حقه ويجوز اقتداء الامي بمثله ولا يصح اقتداء الرجل بالمرأة ولا بالخنثي ولا اقتداء الخنثى ويصح اقتداء المرأة بالخنثى وبالرجل) صفات الائمة ضربان مشروطة ومحبوبة وقد ضمن الفصل ما اراد ايراده: فاما المشروطة فنأتي منها بما ذكره في الكتاب وما أهمله في تقسيم نرسمه ونقول الانسان لا يخلو اما ان لا تكون صلاته صحيحة عنده وعند المأموم معا واما ان تكون صحيحة (القسم الاول) ان لا تكون صحيحة عندهما معا فينظران توافق اعتقاد الامام والمأموم على انه لا صحة ولا اعتبار كصلاة من به حدث أو جنابة وصلاة من بثوبه نجاسة ونحو ذلك فلا يجوز لمن علم حاله الاقتداء به لانه ليس من أهل الصلاة وكذلك الكافر لا يجوز الاقتداء به وإذا صلي الكافر لم يجعل بذلك مسلما خلافا لابي حنيفة حيث جعله مسلما(4/312)
بذلك في بعض الاحوال ولاحمد حيث جعله مسلما بكل حال وعن القاضي ابي الطيب انه إذا صلي الحربي في دار الحرب حكم باسلامه ويحكي ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه والمذهب المشهور هو الاول ثم ذلك إذا لم تسمع منه كلمتا الشهادة فان سمعتا منه في التشهد ففي الحكم باسلامه ما قدمناه فيما إذا اذن وان كانت صحيحة في اعتقاد الامام دون المأموم أو بالعكس فهذا يفرض علي وجهين (احدهما) ان يكون ذلك لاختلافهما في الفروع الاجتهادية كما إذا مس الحنفي فرجه وصلي ولم يتوضأ أو ترك الاعتدال
في الركوع والسجود أو قرأ غير الفاتحة في صلاته ففى صحة اقتداء الشافعي به وجهان (احدهما) وبه قال القفال تصح لان صلاته صحيحة عنده وخطؤه غير مقطوع به فلعل الحق ما ذهب إليه (والثانى) وبه قال الشيخ أبو حامد لا تصح لان صلاة الامام فاسدة في اعتقاد المأموم فاشبه ما لو اختلف اجتهاد رجلين في القبلة يقتدى احدهما بالاخر وهذا أظهر عند الاكثرين ولم يذكر الرويانى في الحلية سواه وبه(4/313)
أجاب صاحب الكتاب في الفتاوى لكن بشرائط ليس من غرضنا ذكرها ولو ان الحنفي صلي علي وجه لا يعتقده صحيحا واقتدى الشافعي به وهو يعتقده صحيحا انعكس الوجهان فعلي ما ذكره القفال لا يصح الاقتداء اعتبارا بحال الامام وعلي ما ذكره أبو حامد يصح اعتبارا باعتقاد المأموم وحكى ابو الحسن العبادي ان الاودني والحليمي قالا إذا أم الوالى أو نائبه بالناس ولم يقرأ التسمية والمأموم يراها واجبة فصلاته خلفه صحيحة عالما كان أو عاميا وليس له المفارقة لما فيها من الفتنة وهذا حسن وقضيته الفرق بين الامام وخلفائه وبين غيرهم اما إذا حافظ الحنفي على واجبات الطهارة والصلاة عند الشافعي فاقتداؤه به صحيح عند الجمهور وعن الاستاذ ابي اسحق الاسفراينى انه لا تصح لانه لا ياتي بها علي اعتقاد الوجوب وعلى الاول لو شك في انه هل أتي بها أم لا فقد ذكر صاحب الكتاب في الفتاوى انه يجوز الاقتداء به كما لو علم انه حافظ عليها لان الظاهر اتيانه بها اقامة لما يعتقده سنة وتوقيا عن شبهة الخلاف وحكى أبو الفرج البزار عن الشيخ أبى علي أنه لا يصح كما لو عرف انه لم يات بها وحكي عن الشيخ ابي حامد الصحة كما قاله صاحب الكتاب في الفتاوى وإذا عرفت ذلك وسئلت عن قتداء الشافعي بالحنفي مطلقا فقيل فيه ثلاثة اوجه (ثالثها) وهو الاظهر الفرق بين أن يحافظ علي الواجبات وبين أن يتركها ولك أن تضم إليها وجها فارقا على ما قدمناه ولو اقتدى الحنفي بالشافعي وصلي الشافعي علي وجه لا يراه الحنفي كما لو افتصد وصلي ففيه الخلاف وإذا جوزنا اقتداء احدهما بالآخر فلو صلي الشافعي الصبح خلف حنفي ومكث الحنفي بعد الركوع قليلا وامكنه ان يقنت فيه فعل والا تابعه وهل يسجد(4/314)
للسهو ان اعتبرنا اعتقاد المأموم نعم فان اعتبرنا اعتقاد الامام فلا ولو صلى الحنفي الصبح خلف
الشافعي وترك الامام القنوت ساهيا وسجد للسهو تابعه المأموم وان ترك الامام سجود السهو سجد المأموم ان اعتبرنا اعتقاد الامام والا فلا (والثانى) ان لا يكون ذلك لاختلافهما في الفروع فلا يجوز لمن اعتقد بطلان صلاة غيره ان يقتدى به وذلك كما إذا اجتهد اثنان فصاعدا في القبلة واختلف اجتهادهم لم يجز لبعضهم الاقتداء ببعض لان صلاة كل واحد منهم باطلة عند اصحابه وكذا لو اشتبه اناءان طاهر ونجسن واختلف فيهما اجتهاد رجلين ولو كثرت الاواني والمجتهدون واختلف اجتهادهم فحيث تعين عند المأموم بطلان صلاة الامام امتنع الاقتدا وحيث لا يتعين جاز الاقتداء وفيه وجه انه لا يجوز ايضا وهذا هو الكلام الجملي فيه ونوضحه بصورتين (احداهما) لو اشتبه ثلاثة اوان واجتهد فيها ثلاثة واستعمل كل واحدا منهم واحدا لاداء اجتهاده إلى طهارته فان كان الطاهر منها واحدا لم يجز اقتداء بعضهم ببعض وان كان النجس منها واحد وأراد احدهم ان يقتدى بآخر فان ظن طهارة اناء أحد صاحبيه كما ظن طهارة اناء نفسه فلا خلاف في جواز اقتدائه به وامتناع اقتدائه بالثالث وان لم يظن الا طهارة انائه ففى المسألة وجهان قال صاحب التلخيص لا يجوز لواحد منهم الاقتداء بواحد من صاحبيه لانه يتردد في ان المحدث المستعمل للنجاسة هذا ام ذاك وليس احد الاحتمالين باولي من الاخر فيمتنع الاقتداء كما يمتنع الاقتداء بالخنثى لتعارض احتمالي الذكورة والانوثة وقال ابن الحداد وهو الاصح يجوز لكل واحد منهم ان يقتدى بواحد من صاحبيه ولا يجوز ان يقتدى بهما جميعا في صلاتيه اما الاول فلانه لا يدرى نجاسة اناء من(4/315)
يقتدى به وبقاء حدثه وإذا لم يعلم المأموم من حال الامام ذلك سومح وجوز الاقتداء علي ما سيأتي واما الثاني فلانه إذا اقتدى باحدهما تعين اناء الثالث للنجاسة فامتنع الاقتداء به وبهذا قال أبو اسحق المروزى الا انه قال لو اقتدى بهما جميعا وجب اعادة الصلاتين لان احداهما باطلة لا بعينها فيلزمه قضاؤهما وعند أبن الحداد والاكثرين لا يجب الا قضاء الثانية فانه لو اقتصر على الاقتداء الاول لما كان عليه قضاء الثانية ولو كانت الاواني خمسة والنجس منها واحد وظن كل واحد بعد الاجتهاد طهارة احدهما ولم يظن شيئا من حال الاربعة الباقية وام كل واحد منهم اصحابه في واحدة
من الصلوات الخمس وبدؤا بالصبح فعند صاحب التلخيص على كل واحد منهم اعادة الصلوات الاربع التى كان مأموما فيها وعند ابن الحداد والاكثرين يعيد كل واحد منهم آخر صلاة كان مأموما فيها ويلزم من ذلك ان يعيد كلهم العشاء الا امام العشاء فانه يعيد المغرب وانما اعادوا العشاء لان بزعمهم تتعين النجاسة في حق امام العشاء وأنما اعاد امام العشاء المغرب لانه صحت له الصبح والظهر والعصر عند أئمتها وهو متطهر عنده فيتعين بزعمه النجاسة في حق امام المغرب وعند أبى اسحق يعيد كل واحد منهم جميع الاربع التى كان مأموما فيها لانه أقتدى في واحدة منها بمن توضأ بماء نجس وهي غير متعينة فصار كما لو نسى واحدة من اربع وحكي عن بعض الاصحاب طريقة اخرى وهي ان هذه الوجوه فيما إذا سمع من بين خمسة نفر صوت حدث ونفاه كل واحد عن نفسه واموا علي ما ذكرنا فاما في مسألة الاواني فكل واحد يعيد آخر صلاة كان مأموما فيها بلا خلاف والفرق أن الاجتهاد في الاواني جائز فكان كل واحد اجتهد في انائه وأناء امامه ألي أن تعينت النجاسة في الاخر ولا مجال للاجتهاد في مسألة الصوت ولو كانت المسألة بحالها لكن النجس من الاواني الخمس اثنان صحت صلاة كل واحد منهم خلف اثنين وبطلت خلف أثنين ولو كان النجس ثلاثة صحت صلاة(4/316)
كل واحد منهم خلف واحد ولو كان أربعة امتنع الاقتداء بينهم على الاطلاق (القسم الثاني) ان تكون صلاته صحيحة عنده وعند المأموم معا فلا يخلو اما أن تصح صحة غير مغنية عن القضاء واما أن تصح صحة مغنية عن القضاء فان لم تكن مغنية عن القضاء كصلاة من لم يجد ماء ولا ترابا فلا يجوز الاقتداء به للمتوضئ وللمتيمم الذى لا يقضي لان تلك الصلاة انما يؤتي بها لحق الوقت وليست هي معتدا بها فاشبهت الفاسدة ولو اقتدى به من هو في مثل حاله ففيه وجهان للشيخ ابي محمد (احدهما) يجوز لان الصلاتين متماثلتان فيجزئ الاقتداء فيهما ثم يقضيان والثانى لا لان ربط الاقتداء بمالا يعتد به كربط الاقتداء بالصلاة الفاسدة وهذا أوفق لاطلاق الاكثرين حيث منعوا الاقتداء به ولم يفصلوا وفى معنى صلاة من لم يجد ماء ولا ترابا صلاة المقيم المتيمم لعدم الماء وصلاة من امكنه أن يتعلم الفاتحة فلم يتعلم ثم صلي لحق الوقت وصلاة العارى وصلاة المربوط علي الخشبة إذا الزمنا الاعادة على هؤلاء وقد
سبق بيان الخلاف فيه اما إذا صحت الصلاة صحة مغنية عن القضاء فلا يخلو الحال اما أن يكون المصلي مأموما أو لا يكون فان كان مأموما لم يجز الاقتداء به لانه تابع لغيره ويلحقه سهو ذلك الغير ومنصب الامامة يقتضى الاستقلال وتحمل سهو الغير فلا يجتمعان ولو رأى رجلين واقفين احدهما بجنب الاخر يصليان جماعة وتردد في ان الامام هذا أم ذاك لم يجز الاقتداء بواحد منهما حتي يتبين له الامام ولو التبس علي الواقفين فاعتقد كل واحد منهما انه المأموم فصلاتهما باطلة لان كل واحد منهما مقتد بمن يقصد الائتمام وكذلك لو كان كل واحد منهما شاكا لا يدرى أنه أمام أو مأموم فصلاتهما باطلة وأن اعتقد كل واحد منهما أنه امام صحت صلاتهما وأن شك احدهما في حاله دون الاخر بطلت صلاة الشاك وغير الشاك أن ظن أنه امام صحت صلاته وان ظن انه مأموم فلا وأن لم يكن المصلي مأموما فلا يخلو اما ان يخل بالقراءة(4/317)
أو لا يخل فان أخل بان كان أميا ففي صحة اقتداء القارئ به قولان (الجديد) انه لا يصح وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد لان الامام يصدر لحمل القراءة عن المأموم بحق الامامة بدليل المسبوق فإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل (والقديم) انه أن كانت الصلاة سرية صح الاقتداء والا فلا بناء علي القول القديم في أن المأموم لا يقرأ في الجهرية بل يتحمل عنه الامام فإذا لم يحسن القراءة لم يصلح للتحمل وفى السرية يقرأ المأموم لنفسه فيجزئه ذلك هذا نقل جمهور الاصحاب منهم الشيخ أبو حامد والقاضي ابن كج والصيدلانى والمسعودي وذكر معظمهم ان ابا اسحق خرج قولا ثالثا على الجديد أن الاقتداء صحيح سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية لان المأموم تلزمه القراءة في الحالتين فيجزئه ذلك كما قال باجزائه في السرية في القديم ومنهم ممن لم يثبت هذا القول الثالث ومأخذ الطريقتين علي ما ذكره الصيدلانى ان اصحابنا اختلفوا في نصين للشافعي رضي الله عنه خالف الآخر الاول هل يكون الآخر رجوعا عن الاول ام لا منهم من قال نعم فعلى هذا لا ياتي في الجديد الا قول واحد انه لا يصح اقتداء القارئ بالامى ومنهم من قال لا يكون رجوعا لانه قد ينص في موضع واحد علي قولين فيجوز ان يذكرهما متعاقبين فعلى هذا يخرج قول آخر في الجديد كما سبق وإذا اثبتا القول الثالث فابو اسحق مسبوق به لانه قد ذهب إليه المزني وخرجه علي أصول الشافعي رضي الله عنه وعكس صاحب الكتاب في الوسيط ما ذكره الجمهور في
القول الثاني والثالث فجعل الثاني قولا مخرجا والثالث منصوصه في القديم ثم الامي علي اصلنا هو الذي لا يحسن بعض الفاتحة أو كلها لخرس ونحوه ويدخل في هذا التفسير الارت وهو الذي يدغم حرفا في حرف في غير موضع الادغام وقال في التهذيب هو الذى يبدل الراء بالتاء والالثغ وهو الذى يبدل حرفا بحرف كالسين بالثاء فيقول المثتقيم أو الراء بالغين فيقول غيغ المغضوب ويدخل الذى في لسانه رخاوة(4/318)
تمنع أصل التشديدات والخلاف الذى ذكرناه في اقتداء القارئ بالامي فيما إذا لم يطاوعه لسانه أو طاوعه لكن لم يمض عليه من الزمان ما يمكنه التعلم فيه فإذا مضى وقصر بترك التعلم فلا يقتدى به بلا خلاف لان صلاته حينئذ مقضية يؤتى بها لحق الوقت كصلاة من لم يقدر علي الماء والتراب ويجوز اقتداء الامي بامي مثله لاستوائهما في النقصان كاقتداء المرأة بالمرأة ولو حضر رجلان كل واحد منهما يحسن بعض الفاتحة ان كان ما يحسنه هذا يحسنه ذاك جاز اقتداء كل واحد منهما بالاخر وان احسن أحدهما غير ما يحسنه الآخر فاقتداء أحدهما بالآخر كاقتداء القارئ بالامي ففيه الخلاف الذى سبق وعليه يخرج اقتداء الارت بالالثغ وبالعكس لان كل واحد منهما قارئ لما ليس صاحبه فيه بقارئ وتكره امامة التمتام والفأفاء ويجوز الاقتداء بهما لانهما لا ينقصان شيئا ويزيدان زيادة هما معذوران فيها وتكره امامة من يلحن في القراءة ثم ننظر ان كان لحنا لا يغير المعنى ولا يبطله كرفع الهاء من الحمد لله فتجوز صلاته وصلاة من اقتدى به وان كان يغير المعنى كقوله أنعمت عليهم أو يبطله كقوله المستقين فان كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم فيلزمه ذلك فلو قصر وضاق الوقت صلي وقضي ولا يجوز الاقتداء به وان لم يطاوعه لسانه أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه فان كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة وصلاة صحيح اللسان خلفه كاقتداء القارئ بالامي وان كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه قال امام الحرمين ولو قيل ليس لهذا الذى يلحن في غير الفاتحة أن يقرأ ما يلحن فيه لانه يتكلم في صلاته بما ليس من القرآن ولا ضرورة إليه لما كان بعيدا والله أعلم * هذا تمام قسم الاخلال وان لم يخل بالقراءة فلا يخلو اما ان يكون رجلا أو امرأة أو خنثى مشكل فاما الرجل فيصح اقتداء الرجال والنساء به واما المرأة فيصح اقتداء النساء بها
ولا يصح اقتداء الرجل بها لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال ألا لا تؤمن امرأة رجلا ولا اعرابي(4/319)
مهاجرا " ولا يجوز اقتداء الخنثى بها أيضا لجواز ان يكون رجلا واما الخنثي فيجوز اقتداء المرأة به لانه اما رجل أو امرأة واقتداؤها بالصنفين جائز ولا يجوز اقتداء الرجل به لاحتمال انه امرأة ولا اقتداء مشكل آخر لجواز ان يكون الامام امرأة والمأموم رجلا وحيث حكمنا بصحة الاقتداء فلا باس بكون الامام متيمما أو ماسحا علي الخف وكون المأموم متوضئا أو غاسلا ويجوز ايضا اقتداء السليم بسلس البول والطاهرة بالمستحاضة التي ايست بمتحيرة في أصح الوجهين كما يجوز الاقتداء بمن استجمر وبمن على وبه أو بدنه نجاسة معفو عنها (والثاني) وبه قال أبو حنيفة لا يجوز لان صلاتهما صلاة ضرورة ولا باس بصلاة القائم خلف القاعد خلافا لمالك حيث قال لا يجوز ذلك ولاحمد حيث قال إذا قعد الامام قعد القوم خلفه لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " صلى قاعدا وابو بكر رضي الله عنه والناس خلفه قيام " ويجوز اقتداء القائم والقاعد بالمضطجع خلافا لابي حنيفة: لنا القياس علي الصورة السابقة فانه سلمها: هذا آخر التقسيم وقد تبين به الاوصاف المشروطة في الامام ونعود الان الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) وكل مالا تصح صلاته صحة تغنيه عن القضاء يدخل فيه من لا تصح صلاته أصلا ومن تصح صلاته صحة غير مغنية عن القضاء لان كل صلاة ليس لها الصحة ليس لها الصحة الخاصة وحكم(4/320)
الضربين ما ذكره (وقوله) فلا يصح الاقتداء به مطلق وظاهره يقتضي ان لا يصح اقتداء من لم يجد ماء ولا ترابا بمثله كما لا يصح اقتداء غيره وهو الوجه الذى ذكرنا انه الموافق لاطلاق الاكثرين (وقوله) ومن صحت صلاته صح الاقتداء به يعني صحت صلاته الصحة المبينة في القسم الاول وهي المغنية عن القضاء (وقوله) الا اقتداء القارئ معلم بالزاى لان عند المزني هذه الصورة غير مستثناة كما سبق ثم نظم الكتاب لا يصرح الا باستثناء اقتداء القارئ بالامي عن هذا الضابط لكن اقتداء الرجل بالمرأة مستثني
عنه ايضا والمراد والا اقتداء الرجل بالمرأة وقد حصر امام الحرمين الاستثناء في هذين الموضعين وضم اليهما في الوسيط ثالثا وهو الاقتداء بالمقتدى ولك ان تقول قولنا من صحت صلاته صح الاقتداء به اما أن يريد به صحة اقتداء كل احد به أو يعنى صحة الاقتداء به في الجملة فان عندنا الاول فالاستثناء غير منحصر في الموضعين ولا في الثلاثة بل من صور الاستثناء الاقتداء بمن يتعين في(4/321)
زعم المأموم كونه محدثا وغير هذه الصورة علي ما تقدم وان عنينا الثاني فلا حاجة الي استثناء الامي إذ يصح اقتداء مثله به ولا استثناء المرأة إذ يصح اقتداء المرأة بها (وقوله) ومن لا يحسن حرفا من الفاتحة والمأموم يحسنه فهو أمي في حقه اي فيحصل فيه الخلاف المذكور في اقتداء القارى بالامي(4/322)
قال (فان اقتدي الرجل بخنثي فبان بعد الفراغ كونه رجلا وجب القضاء على اظهر القولين لوجود التردد في نفس الصلاة ولو بان بعد الفراغ كونه اميا أو محدثا أو جنبا فلا قضاء (ح) ولو بان كونه امرأة أو كافر اوجب القضاء لان لهما علامة ولو بان كونه زنديقا فوجهان) *(4/323)
جميع ما سبق فيما إذا عرف المأموم حال الامام في الصفات المشروطة وجودا وعدما وغرض هذا الفصل الكلام فيما إذا ظن شيئا وتبين خلافه فمن صوره ما لو اقتدى رجل بخنثي وبان بعد الصلاة كونه رجلا وقد قدمنا ان هذا الاقتداء غير صحيح وإذا لم يصح فلا يخفي وجوب القضاء فلو لم يقض حتى بان كونه الامام رجلا فهل يسقط القضاء فيه قولان (احدهما) نعم لانه قد تبين كون الامام رجلا (واظهرهما) لا يسقط لانه كان ممنوعا من الاقتداء به للتردد في حاله وهذا التردد يمنع من صحة الصلاة وإذا لم تصح فلا بد من القضاء وقوله في الكتاب وجب القضاء على اظهر القولين ليس المراد منه استفتاح الوجوب وانما المراد استمراره على ما بينا ويجرى القولان فيما لو اقتدى خنثي بامرأة ولم يقض الصلاة حتى بان كونه امرأة وفيما إذا اقتدى خنثي بخنثى ولم يقض المأموم حتى بانا رجلين أو أمرأتين أو بان كون الامام رجلا وكون المأموم أمرأة وذكر الائمة لهذه الصور نظائر: منها لو باع
مال ابيه علي ظن أنه حى فبان أنه كان ميتا ففى صحة البيع قولان: ومنها لو وكل وكيلا بشرى شئ وباع ذلك الشئ من انسان علي ظن أنه ما اشتراه وكيله بعد وكان قد اشتراه في صحة البيع قولان ومن مسائل الفصل ما لو اقتدى برجل ظنه متطهرا ثم بان بعدما صلي أنه كان جنبا أو محدثا فلا قضاء عليه خلافا لابي حنيفة حيث قال يجب ولمالك واحمد حيث قالا إن كان الامام عالما بحدثه وام مع ذلك وجب علي المأموم القضاء وأن لم يكن عالما لم يجب وحكي صاحب التلخيص مثل ذلك قولا للشافعي رضى الله عنه منصوصا: لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم " دخل في صلاته واحرم(4/324)
الناس خلفه ثم ذكر أنه جنب فاشار إليهم كما انتم ثم خرج واغتسل ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يامرهم بالاعادة " وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " إذا صلي الامام بقوم وهو على غير وضوء اجزأتهم ويعيد هو " وايضا فانه غير مامور بالبحث عن حدث الامام وطهارته لانه لا علامة للمحدث والمتطهر يعرفان بهما فليس منه تقصير في الاقتداء به وكل مصل لنفسه ففساد صلاة الامام لا توجب فساد صلاة المأموم والمسألة فيما إذا لم يعرف المأموم حدثه أصلا فان علم حدثه ولم يتفرقا ولم يتطهر ثم اقتدى به ناسيا وجبت الاعادة وهي مفروضة في غير الجمعة فاما إذا اتفق ذلك في الجمعة فسياتي الكلام في بابها: ومنها لو اقتدى بمن ظنه قارئا فبان أنه أمي قال في التهذيب تجب الاعادة علي قولنا أن الصلاة خلف الامي لا تصح والذى ذكره في الكتاب أنه لا قضاء عليه كما لو بان جنبا ووجهه امام الحرمين بان البحث عن كون الامام قارئا لا يجب بل يجوز حمل الامر علي الغالب وهو أنه لا يؤم الا قارئ كما يجوز حمل الامر علي أنه متطهر فإذا بان خلاف الغالب فهو كما لو بانت الجنابة قال وإذا كانت الصلاة جهرية فيظهر فيها أنه قارئ أو أمي فان لم يجهر فيها فحينئذ اختلف الاصحاب في أنه هل يجب البحث وما حكاه صاحب التهذيب في المسالة أقرب إلى سياق الاكثرين ويجوز أن يفرق بينه وبين ما إذا بان جنبا بان الحدث ليس بنقص في الشخص وهذا نقص فصار كما لو بان الامام كافرا أو أمرأة وأيضا فان الوقوف علي كونه قارئا أسهل من الوقوف على كونه متطهرا لان عروض الحدث وأن عرف أنه تطهر قريب وصيرورتة اميا بعدما سمعه يقرأ(4/325)
في غاية البعد واما إذا أقتدى بمن لا يعرف حاله في صلاة جهرية ثم لم يجهر فحكاية العراقيين فيه عن نصه في الام أنه يلزمه الاعادة لان الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر فلو سلم وقال أسررت ونسيت الجهر لم تجب الاعادة وتستحب وإذا وقفت علي ما ذكرنا أعلمت قوله فلا قضاء بالحاء والميم والالف وكذلك بالواو لامرين (احدهما) القول الذى حكاه صاحب التلخيص والثاني الخلاف الذى نقلناه في مسالة الامي (فان قلت) ولم قيد هذه الصور بما إذا بان الحال بعد الفراغ من الصلاة وكذلك قيد ما إذا اقتدى بخنثى وبان كونه رجلا بما بعد الفراغ وما الحكم لو بان ذلك قبل الفراغ من الصلاة (فالجواب) اما في صورة الخنثى فالقولان جاريان في الحالتين وحكى القاضي بن كج القولين فيما إذا اقتدى خنثي بامرأة ثم لم يخرج من الصلاة حتى بان للمأموم انه انثي وقد سبق أن هذه الصورة وصورة الكتاب يستويان في طرد القولين فاذن قوله بعد الفراغ في مسألة الخنثى ليس للتقييد واما إذا بان في الصلاة كونه جنبا أو محدثا فلا قضاء ايضا إذا اتم ويجب أن ينوى المفارقة كما علم الحال وكذلك الحكم فيما إذا بان في الصلاة كومه اميا علي ما ذكره في الكتاب وإذا اقتدى بمن ظنه رجلا فبان كونه أمرأة وجب القضاء لان المرأة تمتاز عن الرجل بالصوت والهيئة وسائر العلامات فالمقتدى منتسب الي التقصير بترك البحث وكذلك الحكم لو بان حنثى عند اكثر الاصحاب لان أمر الخنثى ينتشر في الغالب ولا يخفي إذ النفوس مجبولة علي التحدث بالاعاجيب واشاعتها وعن صاحب التلخيص انه لا تجب الاعادة إذا بان خنثى ولو اقتدى بمن ظنه مسلما فبان كافرا ينظر ان كان كافرا يتظاهر بكفره كاليهودي والنصراني وجب القضاء لمعنيين (احدهما) ذكره الشافعي رضي الله عنه وهو أن الكافر لا يجوز ان يكون اماما بحال لنقص فيه بخلاف الجنب فانه لا يجوز ان يكون اماما لحالة عارضة لا لصفة نقصان وايضا فالجنب إذا تيمم يجوز ان يؤم مع ان حدثه باق (والثانى) ذكره الاصحاب وهو الذى اورده في الكتاب أن للكافر أمارات يعرف بها من الغيار وغيره فالمقتدى مقصر بترك البحث وأن كان كافرا يظهر الاسلام ويسر الكفر كالزنديق والدهرى والمرتد الذى يخفي ردته خوفا من القتل ففي وجوب القضاء وجهان بناهما العراقيون علي المعنيين أن قلنا بالاول وجب القضاء
لانه لا يجوز أن يكون اماما بحال لنقصان فيه وأن قلنا بالثاني لا يجب وهذا الثاني اصح عند صاحب التهذيب وجماعة ولو اقتدى برجل ثم بان أنه كان على بدنه أو ثوبه نجاسة فان كانت خفية فهو(4/326)
كما لو بان الحدث وأن كانت ظاهرة فقد قال امام الحرمين فيه احتمال عندي لانه من جنس ما يخفي وقوله في الكتاب ولو بان كونه أمرأة أو كافرا يعنى كافرا لا يستشر بكفره ومسألة الزنديق بعده توضحه وليكن قوله وجب القضاء معلما بالزاء لان عند المزني لا يجب القضاء لا فيما إذا بان أمرأة ولا فيما إذا بان كافرا * قال (ويصح الاقتداء بالصبى والعبد والاعمي وهو اولي (ح) من البصير لانه اخشع) في الفصل صور (احداها) الاقتداء بالصبى المميز صحيح خلافا لابي حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله حيث قالوا الا يصح الاقتداء به في الفرض واختلفت الرواية عنهم في النفل لنا ما روى أن عمرو ابن سلمة " كان يؤم قومه علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين " ولا خلاف في أن البالغ أولي منه (والثانية) الاقتداء بالعبد صحيح من غير كراهة لكن الحر اولي منه وعند ابي حنيفة أنه تكره امامته لنا ما روى أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها عبد لها لم يعتق يكنى(4/327)
ابا عمر وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " اسمعوا واطيعوا ولو أمر عليكم عبد اجدع ما اقام فيكم الصلاة " واعلم أن الصورتين فيما إذا اما في غير الجمعة فاما في الجمعة فسيأتي (الثالثة) امامة الاعمى صحيحة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " استخلف ابن أم مكتوم رضى الله عنه في بعض غزواته يؤم الناس " وهل هو أولى من البصير أم كيف الحال فيه ثلاثة اوجه الذى ذكره في الكتاب ويحكي عن أبي اسحق المروزى أن الاعمي اولي لانه لا ينظر إلى ما يلهيه ويشغله فيكون ابعد عن تفرق القلب واخشع والثاني وبه قال أبو حنيفة أن البصير أولى لانه احفظ لبدنه وثيابه(4/328)
عن النجاسات ولانه مستقل بنفسه في الاستقبال وهذا اختيار الشيخ أبي اسحق الشيرازي (والثالث)
وهو المنقول عن نصه في الام وغيره انهما سواء لتعارض المعنيين وهذا هو المذهب عند عامة الاصحاب ولم يورد الصيدلاني والامام وصاحب التهذيب سواه * قال (والافقه الصالح الذى يحسن الفاتحة أولي من الاقرأ والاورع والاسن والنسيب وفى الاسن والنسيب قولان لتقابل الفضيلة وإذا تساوت الصفات قدم بحسن الوجه ونظافة الثوب) ما ذكره في اول الفصل الثاني إلى هذا الموضع كلام فيمن يجوز الاقتداء به ومن لا يجوز ومن ههنا الي اخر الفصل كلام فيمن هو اولي بالامامة إذا اجتمع قوم يصلحون لها والاصل في التقديم بالفضائل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم " قال يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله تعالى فان كانوا في القراءة سواء فاعلمهم بالسنة وان كانوا في السنة سواء فاقدمهم في الهجرة فان كانوا في الهجرة سواء فاكبرهم سنا " وقد تعرض في الكتاب لخمس خصال من اصول خصال التقديم وهى الفقه والقراءة والورع والسن والنسب وابدل كثير من الاصحاب الورع بالهجرة وقالوا صفات التقديم خمس وجمع بينهما في التهذيب وضم اليهما الاربع البواقى فجعلها ستا اما الفقه والقراءة فالمراد منهما ظاهر واما الورع فليس المراد منه مجرد العدالة بل ما يزيد عليه من العفة وحسن السيرة وهو ايضا بين واما السن فقد قال الاصحاب المعتبر ان يمضي عليه في الاسلام فلا يقدم شيخ أسلم اليوم علي شاب نشأ في الاسلام ولا علي شاب أسلم أمس والظاهر أنه لا تعتبر الشيخوخة وانما النظر إلى تفاوت السن علي ما يشعر به قوله صلي الله عليه وسلم " فاكبرهم سنا " واشار بعضهم الي أن النظر الي الشيخوخة واما النسب فلا خلاف أن نسب قريش معتبر وهل يعتبر غيره قال في النهاية رأيت في كلام الائمة ترددا فيه والظاهر أنه لا يختص بالانتساب الي قريش بل نراعى كل نسب يعتبر في الكفاءة في باب النكاح كالانتساب الي العلماء والصلحاء وعلي هذا فالهاشمي والمطلبى يقدمان(4/329)
علي سائر قريش وسائر قريش يقدمون على غيرهم ثم يقدم العرب علي العجم واما الهجرة فمن هاجر الي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم علي من لم يهاجر ومن تقدمت هجرته يقدم علي من تأخرت هجرته وكذلك الهجرة بعد الرسول صلي الله عليه وسلم وسلم من دار الحرب
الي دار الاسلام معتبرة واولاد من هاجر أو تقدمت هجرته يقدمون علي اولاد غيرهم وهذا التقديم في الاولاد يندرج تحت شرف النسب هذا مقدمة الفصل ويتلوها مسائل (احداها) لو اجتمع عدل وفاسق فالعدل أولي بالامامة وأن اختص الفاسق بزيادة الفقه والقراءة وسائر الفضائل لان الفاسق يخاف منه أن لا يحافظ علي الشرائط وفى لفظ الكتاب اشارة الي هذا حيث قال والافقه الصالح إلى اخره وشرط الصلاح في تقديم الافقه على غيره وبالغ مالك فمنع الاقتداء بالفاسق بغير تأويل كشارب الخمر والزاني وعنه روايتان في الفاسق بالتأويل كمن يسب السلف الصالح وعن احمد روايتان في جواز الاقتداء(4/330)
بالفاسق مطلقا (أصحهما) المنع ونحن اقتصرنا علي الكراهة وجوزناه لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " صلوا خلف كل بر وفاجر " ويمكنك أن تستدل بكراهة الاقتداء بالفاسق علي كراهة الاقتداء بالمبتدع بطريق الاولي لان فسق الفاسق يفارقه في الصلاة واعتقاد المبتدع لا يفارقه وهذا فيمن لا يكفر ببدعته اما من يكفر فلا يجوز الاقتداء به كما سبق وعد صاحب الافصاح من يقول بخلق القرآن أو بنفي شئ من صفات الله تعالي ممن يكفر وكذلك جعل الشيخ أبو حامد ومتابعوه المعتزلة ممن يكفر والخوارج ممن لا يكفر ويحكى تكفير القائل بخلق القرآن عن الشافعي رضى الله عنه واطلق كثير من الاصحاب منهم القفال القول بجواز الاقتداء باهل البدع وانهم لا يكفرون قال في العدة وهو ظاهر(4/331)
مذهب الشافعي رضى الله عنه لقوله صلى الله عليه وسلم " صلوا علي من قال لا اله الا الله وخلف من قال لا اله الا الله " (الثانية) قال صاحب التهذيب والتتمة الاورع اولي من الافقه والاقرأ لان الامامة سفارة بين الله تعالي وبين الخلق فأولاهم بها أكرمهم علي الله تعالى وروى مثله عن الشيخ ابى محمد وهذا خلاف ما ذكره في الكتاب فانه قدم الافقه على الاقرأ والاورع وهو أظهر وأوفق لاطلاق الاكثرين ووجهه ما سيأتي في تقديم الافقه على الاقرأ وينبغى ان يعلم لفظ الاورع بالواو لذلك (الثالثة) إذا اجتمع شخصان أحدهما لا يقرأ الا ما يكفى في الصلاة لكنه صاحب فقه كثير والآخر يحسن القرآن كله وهو قليل الفقه فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب ان الافقه أولي خلافا لابي حنيفة واحمد حيث
قالا الاقرأ اولى احتجاجا بالخبر الذى تقدم فانه قدم الاقرا علي الاعلم بالسنة وهو الافقه: لنا ان الواجب في الصلاة محصور والوقائع الحادثة في الصلاة غير محصورة فالحاجة إلى الفقه اهم واجاب الشافعي رضى الله عنه عن الاحتجاج بالخبر بان اهل العصر الاول كانوا يتفقهون قبل ان يقرؤا وما كان يوجد منهم قارئ الا وهو فقيه وإذا كان كذلك فالذي يقتضيه الخبر تقديم القارئ الفقيه على(4/332)
الفقيه الذى ليس بقارئ وذلك مما لا نزاع فيه وكذلك تقديم الجامع لهما علي القارئ الذي ليس بفقيه وحكي القاضي الرويانى وغيره وجها آخر ان الاقرأ والافقه يستويان لتقابل الفضيلتين فليكن قوله اولي من الاقرأ معلما بالواو مع الحاء والالف وانما قال الذى يحسن الفاتحة اشارة إلى ان الافقه لو لم يحسن الواجب من القراءة لا يكون أولي من الاقرأ وانما الاولوية بشرط ان يقرأ ما يجب (الرابعة) تقدم كل واحدة من خصلتي الفقه والقراءة علي السن والنسب والهجرة ونص في صلاة الجنازة علي تقديم الاسن علي الافقه كما سيأتي في موضعه فحكي صاحب النهاية ان العراقيين حكوا عن بعض الاصحاب جعل المسألتين على قولين نقلا وتخريجا فيجوز ان يعلم بالواو لذلك لفظ الاسن أيضا وإذا استويا فيهما فبماذا يقع التقديم اما المتعرضون للهجرة فقد اختلفت طرقهم قال الشيخ أبو حامد وجماعة لا خلاف في تقدم السن والنسب جميعا علي الهجرة وفى السن وفى النسب إذا تعارضا فاجتمع شاب قرشي وشيخ غير قرشي قولان (الجديد) ان الشيخ أولى لما روى(4/333)
انه صلي الله عليه وسلم قال " وليؤمكم أكبركم " ولان النسب فضيلة في الآباء والسن فضيلة في ذات الشخص واعتبار الفضيلة التى في ذاته أولي (والقديم) ان الشاب النسيب أولى لقوله صلي الله عليه وسلم " قدموا قريشا " ولان شرف النسب بفضيلة اكتسبها الاباء والسن مضي زمان لا اكتساب فيه واعتبار الفضيلة المكتسبة أولي وعكس صاحب التهذيب والتتمة الترتيب فقال الهجرة مقدمة علي السن والنسب وفيهما القولان وادرج آخرون منهم صاحب المهذب الهجرة في حكاية القولين فقالوا في الجديد يقدم بالسن ثم بالهجرة ثم في القديم يقدم بالنسب ثم بالهجرة
ثم بالسن: واما صاحب الكتاب ومن لم يتعرض للهجرة اقتصروا على ذكر القولين في السن والنسب وطريقتهم توافق ما ذكره الشيخ أبو حامد فانهم يرجحون بالهجرة بعد السن والنسب لا محالة وان لم يعدوها من اصول الخصال ورجح جماعة من الاصحاب القول(4/334)
القديم في المسألة علي خلاف الغالب (الخامسة) إذا تساويا في جميع الصفات المذكورة قدم بنظافة الثوب والبدن عن الاوساخ وطيب الصنعة وحسن الصوت وما اشبهها من الفضائل لانها تفضى الي استمالة القلوب وكثرة الجمع وحكي الاصحاب عن بعض متقدمي العلماء انهم قالوا يقدم احسنهم واختلفوا في معناه منهم من قال احسنهم وجها وجعلوا له اعتبارا في التقديم ومنهم من قال المراد منه حسن الذكر بين الناس والاول هو المذكور في الكتاب ويجوز ان يعلم بالواو ثم ليس في لفظ الكتاب ما يوجب تقديم حسن الوجه علي نظافة الثوب ولا عكسه وفى التتمة انه تقدم(4/335)
النظافة ثم حسن الصوت ثم حسن الصورة * قال (واما باعتبار المكان فالوالي أولي من المالك والمالك أولي من غيره والمكترى أولي من المكري والمعير أولى من المستعير (ح م) والسيد أولى من العبد الساكن) ما ذكرنا من الاسباب المقدمة صفات في الشخص وقد يكون التقدم باعتبار اقتضاء المكان التقديم لا باعتبار صفة فيه فالوالى في محل ولايته أولي من غيره وان اختص ذلك الغير بالخصال التي سبقت روى انه صلى الله عليه وسلم قال " ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه " وكان ابن عمر رضى الله عنهما يصلى خلف الحجاج ويتقدم علي الامام الراتب في المسجد وكذلك يتقدم علي مالك الدار ونحوها إذا اجتمعوا في(4/336)
موضع مملوك ورضي المالك باقامة الجماعة فيه لان تقدم غيره بحضرته لا يليق ببذل الطاعة فان اذن فلا بأس ثم يراعى في الولاة تفاوت الدرجة فالامام الاعظم أولى من غيره ثم الاعلي فالاعلي من الولاة والحكام وحكى القاضي ابن كج وآخرون قولا آخر ان في المواضع المملوكة المالك أولي
من الوالي فليكن قوله أولي من المالك معلما بالواو لذلك ولو اجتمع قوم في موضع مملوك وليس فيهم الوالي فساكن الموضع باستحقاق أولي بالتقديم والتقدم من الاجانب عن ذلك الموضع فان لم يكن اهلا للتقدم فهو أولي بالتقديم روى عن ابن مسعود رضى الله عنه انه قال " من السنة ان لا يؤمهم الا صاحب البيت " ولا فرق بين ان يكون الساكن عبدا أسكنه سيده فيه أو حرا مالكا كان أو مستعيرا أو مستأجرا ولو كانت الدار مشتركة بين شخصين وهما حاضران أو احدهما والمستعير من الآخر فلا يتقدم غيرهما الا باذنهما ولا احدهما الا باذن الآخر وان لم يحضر الا احدهما فهو الاحرى ولو اجتمع مالك الدار والمكتر فايهما أولي فيه وجهان نقلهما القاضي الرويانى وغيره (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب أن المكتر أولي لان استحقاق المنافع له وهذا استيفاء للمنافع والثانى أن المكرى أولى لانه المالك للرقبة ولو اجتمع المعير والمستعير فقد نقل عن القفال اختلاف الجواب فيه قال مرة المعير أولي لانه يملك الرقبة ويملك الرجوع في المنفعة وقال مرة المستعير اولي لانه صاحب السكني الي أن يمنع وهذا ما ذكره آخرا ورجع إليه ولم يورد صاحب التهذيب سواه لكن الاظهر عند الائمة الاول وهو الذى ذكره في الكتاب واما إذا اجتمع السيد والعبد الساكن فالسيد أولي ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في المعير والمستعير لان فائدة الكون ثم ترجع إلى المستعير فيجوز أن يدام له الحق ما لم يرجع المعير(4/337)
وفائدة سكون العبد في الدار ترجع إلى السيد ايضا لانه ملكه فإذا حضر وهو المالك والمنتفع بالسكون كان أولى ولا فرق بين المأذون في التجارة وغيره ولو حضر السيد والمكاتب في دار المكاتب فالمكاتب أولي ولو حضر قوم في مسجد له امام راتب فهو أولى من غيره فان لم يحضر بعد يستحب أن يبعث إليه ليحضر فان خيف فوات اول الوقت استحب أن يتقدم غيره * قال (الفصل الثالث في شرائط القدوة) (ويرجع ذلك الي شروط ستة (الاول) أن لا يتقدم في الموقف علي الامام فان فعل لم تنعقد (م و) صلاته والاحب أن يتخلف ولو ساواه فلا باس ثم ان ام باثنين اصطفا خلفه وأن ام بواحد وقف عن يمينه والخنثى يقف خلف الرجل والمرأة خلف الخنثي ويكره أن يقف المقتدى منفردا بل تستحب أن
يدخل الصف أو يجر الي نفسه واحدا فان لم يفعل صحت صلاته مع الكراهية وإن تقابل الامام والمأموم داخل الكعبة فلا باس وان كان المأموم اقرب إلى الجدار في جهة من الامام ففيه وجه أنه لا يصح) * غرض الفصل الكلام في شروط الاقتداء ويتضمنها امور مستحبة ويعقبها فروع: فأما الشروط فقد عدها ستة (أحدها) ان لا يتقدم المأموم علي الامام في جهة القبلة فان تقدم ففيه قولان (الجديد) ان صلاته لا تنعقد كما لو كان متقدما عند التحرم وتبطل لو تقدم في خلالها وبهذا قال أبو حنيفة واحمد لان المخالفة في الافعال مبطلة على ما سيأتي وهذه المخالفة أفحش من المخالفة في الافعال وهذا هو الذى أورده في الكتاب (والقديم) وبه قال مالك انه لا يخل بالصلاة لانه خطأ في الموقف فاشبه الخطأ بالوقوف علي اليسار إذا عرفت حكم التقدم عرفت أن هذا الشرط مختلف فيه وادراجه في الشروط جواب علي الجديد والادب للمأموم انه يتخلف عن موقف الامام قليلا إذا كان واحدا فان أم به اثنان فصاعدا فيصطفون خلفه ويكون بينهم وبين الامام قدر من التخلف صالح كما سيأتي ولو ساوى الامام المأموم فلم يتخلف ولا تقدم صحت صلاته قال صاحب النهاية والتهذيب وغيرهما والاعتبار في المساواة والتقدم بالعقب فان المأموم قد يكون اطول فيتقدم رأسه عند السجود والقدم والاصابع قد تكون اطول ايضا فلذلك وقع الاعتبار بالعقب فان تحاذى عقب الامام وعقب(4/338)
المأموم أو تقدم عقب الامام جاز وإن كانت اصابع المأموم متقدمة ولو تقدم عقب المأموم فهو موضع القولين وإن كانت اصابعه متأخرة أو محاذية وذكر في التتمة وجها آخر أنه تصح صلاته نظرا إلى الاصابع وفى الوسيط ذكر الكعب بدل العقب والوجه الاول هذا فيمن بعد عن البيت اما إذا صلوا جماعة في المسجد الحرام فالمستحب أن يقف الامام خلف المقام ويقف الناس مستديرين بالكعبة فان كان بعضهم اقرب إليها نظر أن كان متوجها الي الجهة التي توجه إليها الامام ففيه القولان القديم والجديد وإن كان متوجها الي غيرها فطريقان عن أبى اسحق المروزى أنه علي القولين وقال اكثر الاصحاب يجوز قولا واحدا لان رعاية القرب والبعد في غير جهة الامام مما يشق وبهذا قال أبو حنيفة ولو وقف الامام والمأموم داخل الكعبة فهذه المسألة هي التى أوردها في آخر الفصل وحكمها أنه يجوز الاقتداء
فيها مع اتحاد جهة الامام والمأموم ومع اختلاف الجهتين فان الكل قبلة ثم إن اتحدت الجهة وولى المأموم ظهره وجه الامام عاد القولان لانه اقرب إلى الجدار الذى توجها إليه وإن اختلفت الجهة وكان المأموم اقرب إلى الجدار الذى توجه إليه من الامام إلى ما توجه إليه وفرعنا على الجديد فوجهان (اظهرهما) أنه لا يجوز كما لو اتحدت الجهة وكان اقرب (واظهرهما) أنه يجوز لان اختلاف الجهة اعظم من تفاوت المسافة فإذا احتملنا ذلك فلا يبقى معه معنى النظر الي القرب والبعد (وقوله) فان كان المأموم اقرب إلى الجدار في جهته من الامام ففيه وجه انه يصح ما يشعر بترجيح الوجه الثاني لانه بين أنه لا باس بتقابل الامام والمأموم وهذا مطلق يتناول ما إذا كان المأموم أقرب الي الجدار وما إذا لم يكن ثم بين أن للاصحاب وجها آخر في الحالة الاولي ولك أن تقرأه علي وجه آخر فتقول وان كان المأموم أقرب وتعلقه بقوله فلا باس ثم تقول وفيه وجه أنه لا يصح ولو وقف الامام في الكعبة والمأموم خارجا يجوز وله التوجه الي أي جهة شاء ولو وقفا بالعكس جاز ايضا لكن لو توجه الي الجهة التي توجه إليها الامام عاد القولان لانه حينئذ يكون سابقا علي الامام ثم الفصل يشتمل علي مسألتين سوى ما ذكرنا (احداهما) لو لم يحضر مع الامام الا ذكر فان كان واحدا وقف علي يمين الامام(4/339)
بالغا كان أو صبيا ولو وقف علي يساره أو خلفه لم تبطل صلاته " وقف ابن عباس رضي الله عنهما علي يسار رسول الله صلي الله عليه وسلم فاداره إلى يمينه " فان جاء ماموم آخر وقف على يساره وأحرم ثم إن امكن تقدم الامام وتاخر المأمومين لسعة المكان من الجانبين تقدم أو تأخرا وأيهما اولى فيه وجهان (احدهما) وبه قال القفال أن تقدمه أولى لانه يبصر ما بين يديه فيعرف كيف يتقدم (واصحهما) ولم يذكر الاكثرون سواه أن تأخرهما أولي لما روى عن جابر رضى الله عنه قال " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عن يمنه ثم جاء آخر فقام عن يساره فدفعنا جميعا حتى اقامنا من خلفه " وإن لم يمكن الا التقدم أو التاخر لضيق المكان من أحد الجانبين حافظوا على الممكن وهذا في القيام أما إذا لحق الثاني في التشهد أو في السجود فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا وإن حضر معه في الابتداء رجلان أو رجل وصبى قاما خلفه صفا واحدا وانه لم يحضر معه الا الاناث يصفهن
خلفه سواء الواحدة والاثنتان والثلاث فصاعدا وإن حضر مع الامام رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه وقامت المرأة خلف الرجل وان حضرت امرأة مع رجلين أو مع رجل وصبي قام الرجلان أو الرجل والصبى خلف الامام صفا وقامت المرأة خلفهما روى عن انس رضي الله عنه قال " صليت انا ويتيم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأم سليم خلفنا " وان كان معه رجل وامرأة وخنثى وقف الرجل عن يمنه والخنثى خلفهما لاحتمال أنه امرأة والمرأة خلف الخنثى لاحتمال انه رجل وإن حضر رجال وصبيان وقف الرجال خلف الامام في صف أو صفوف والصبيان خلفهم وعن بعض الاصحاب أنه يوقف بين كل رجلين صبيا ليتعلموا منهم افعال الصلاة ولو حضر معهم نساء اخر صف النساء عن صف الصبيان واما النساء الخلص إذا اقمن الجماعة فقد ذكرنا انهن كيف(4/340)
يقفن وكل هذا استحباب ومخالفته لا تؤثر في بطلان الصلاة بحال وقال أبو حنيفة إذا وقفت المرأة بجنب رجل وهما في صلاة واحدة بطلت صلاته إذا اجتمعا في الركوع وقبله لا يؤثر بل لو وقفت بجنبه وتقدم بخطوة قبل أن يركع لم بضر والمعنى بقوله في صلاة واحدة ان يكونا مقتديين بامام واحد أو تكون مقتدية به ثم ان كانا مقتديين بامام واحد بطلت صلاة من وقفت بجنبه دون صلاتها وان اقتدت به بطلت صلاته وصلاتها وصلاة جميع القوم قال فلو وقفت امرأة في خلال الصفوف بطلت صلاة رجل عن يمينها ورجل عن يسارها ورجل يحاذيها من خلفها ولو كان خلف صف النساء صف الرجال أو صفوف بطلت صلاتهم الا إذا كان صفهم اطول من صف النساء فيصح صلاة الخارجين عن محاذاة النساء وتصح صلاة الصفوف الاخر خلف ذلك الصف الطويل وساعدنا في صلاة الجنازة انه لا تبطل صلاة أحد ولا يخفى عليك بعد التفصيل الذى ذكرناه في آداب الموقف ان قوله في الكتاب ثم ان ام باثنيين اصطفا خلفه وان ام بواحد وقف علي يمينه يعني به من الذكور والا فقد يختلف الحكم واعلم ان التفصيل المذكور في أدب وقوف الرجال مفروض فيما إذا لم يكونوا عراة فاما العراة فيقفون صفا واحدا ويقف امامهم وسطهم وسببه ظاهر (المسالة الثانية) إذا دخل رجل والقوم في الصلاة فيكره ان يقف منفردا خلف الصف بل ان وجد
فرجة أو سعة في الصف دخل الصف وله ان يخرق الصف الآخر ان لم يجد فرجة فيه ووجدها في صف قبله لانهم قصروا حيث لم يتموه ولو لم يجد فرجة أو سعة في الصف فما الذى يفعل حكى عن نصه في البويطى أنه يقف منفردا ولا يجذب الي نفسه احدا لانه لو جذب واحدا إلى نفسه لفوت(4/341)
عليه فضيلة الصف الاول ولاوقع الخلل في الصف وبهذا قال القاضي أبو الطيب ونقله في البيان عن مالك رضى الله عنه وقال أكثر الاصحاب أنه يجر الي نفسه واحدا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلي خلف الصف " ايها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف فيصلى معك أعد صلاتك " قالوا وانما يجره بعد ان يتحرم بالصلاة ويستحب للمجرور ان يساعده وذلك مما يدل علي ان العمل القليل لا يبطل الصلاة والمذكور في الكتاب هذا الذى قاله الاكثرون فانه قال يدخل الصف أو يجر الي نفسه واحدا وليكن قوله أو يجر معلما بالميم والواو لما ذكرناه وعلي كل حال فلو وقف منفردا وصلي صحت صلاته خلافا لاحمد رضي الله عنه لظاهر الخبر الذى نقلناه ونحن حملناه على الاستحباب " لان ابا بكرة دخل والنبي صلي الله عليه وسلم راكع فركع قبل ان يصل الي الصف ثم دخل الصف فذكر ذلك للنبى صلي الله عليه وسلم فقال زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يأمره بالاعادة مع انه اتى ببعض الصلاة منفردا خلف الصف ولفظ الكتاب في المسألة يشمل الداخل في اثناء الصلاة والحاضر في الابتداء واجراؤه على ظاهره جائز صحيح لكن الظاهر أنه اراد الداخل على ما ذكره في الوسيط(4/342)
قال (الشرط الثاني الاجتماع في الموقف بين الامام والمأموم اما بمكان جامع كالمسجد فلا يضر فيه التباعد واختلاف البناء أو بالتقارب كقدر غلوة سهم يسمع فيها صوت الامام في الساحات المنبسطة ملكا كان أو وقفا أو مواتا مبنيا أو غير مبنى واما باتصال محسوس عند اختلاف البناء كما إذا وقف في بيت آخر علي يمين الامام فلا بد من اتصال الصف بتواصل المناكب ولو وقف في علو والامام في سفل فالاتصال بموازاة رأس احدهما ركبة الآخر وان وقف في بيت آخر خلف
الامام فالاتصال بتلاحق الصفوف علي ثلاثة اذرع وذلك كاف على أصح الوجهين فان زاد علي ثلاثة أذرع لم تصح القدوة علي أظهر الوجهين) (فرع) لو كان الامام في المسجد والمأموم في موات فان لم يكن حائل صح علي غلوة سهم ولو كان بينهما حائل أو جدار لم يصح وان كان مشبك أو باب مردود غير مغلق فوجهان ولو كان بينهما شارع مطروق أو نهر لا يخوضه الا السابح فوجهان) * مما يجب معرفته في الفصل ان العلم بالافعال الظاهرة من صلاة الامام مما لا بد منه اتفق عليه الاصحاب وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه ووجهوه بانه لو لم يعلمها لكانت صلاته موقوفة على صلاة من لا يتمكن من متابعته ثم العلم قد يكون بمشاهدة الامام أو بمشاهدة بعض الصفوف وقد يكون بسماع صوت الامام أو صوت المترجم في حق الاعمي والبصير الذى لا يشاهد لظلمة أو غيرها وقد يكون بهداية غيره ان كان اعمى أو كان أصم وهو في ظلمة وهذا في الحقيقة شرط من شروط القدوة زائد علي ما ذكره في الكتاب وحيث نحكم بجواز الاقتداء في الفصل عند بعد المسافة أو قربها مع الحائل أو دونه فذلك بعد حصول هذا الشرط إذا عرفت ذلك فنقول الامام والمأموم اما ان يكونا جميعا في المسجد أو لا يكون واحد منهما في المسجد أو يكون احدهما في المسجد والآخر خارجه فهذه ثلاثة اقسام ومتن الكتاب يشتمل عليها جميعا: اما الاول فمتي كان الامام والمأموم في مسجد واحد صح الاقتداء قربت المسافة بينها أو بعدت لكبر المسجد اتحد البناء الذى وقفا فيه أو اختلف كصفة المسجد وصحته وانما كان كذلك لان المسجد كله مبنى للصلاة واقامة الجماعة فيه فالمجتمعون فيه مجتمعون لاقامة الجماعة مؤدون لشعارها فلا يضرهم بعد المسافة واختلاف الابنية فلو كان احدهما على المنارة المبنية في المسجد والاخر في سرداب فيه صحت الصلاة وكذا لو كان الامام(4/343)
في المسجد والمأموم على السطح يجوز إذا تأخر موقف المأموم عن موقف الامام أو حازاه فان تقدم ففيه القولان السابقان في تقدم المأموم علي الامام وقد روى " أن ابا هريرة رضى الله عنه صلي على ظهر المسجد بصلاة الامام في المسجد " ثم لا يخفى أن المسألة مفروضة فيما إذا كان
السطح من المسجد اما لو كان السقف مملوكا فليست المسألة من هذا القسم وانما هي بمثابة ملك متصل بالمسجد وقف احدهما فيه والبنا آن من المسجد الواحد لابد وان يكون باب احدهما نافذ الي الثاني والا فلا يعدان مسجدا واحدا وإذا كان كذلك فلا فرق بين ان يكون الباب بينهما مفتوحا أو مردودا مغلقا أو غير مغلق وحكي في النهاية وجها آخر انه لو كان الباب بينهما مغلقا لم يجز الاقتداء لان الامام والمأموم حينئذ لا يعدان مجتمعين ونقل القاضى ابن كج عن ابى الحسين بن القطان مثل ذلك فيما إذا كان أحدهما علي السطح وكان باب المرقى مغلقا وكل واحد منها زيف ما حكاه (وقوله) في الكتاب اما بمكان جامع الي ان قال واختلاف البناء هذا كلام القسم الاول وأراد بكونه جامعا انه لابد وان يكون الامام والمأموم مجتمعين في الموقف علي ما ترجم هذا الشرط به ومن اسباب الاجتماع ان يكون الموضع مبنيا للصلاة فيكون جامعا لهما وان اختلف البناء وبعدت المسافة ولعله لو قال وهو المسجد بدل قوله كالمسجد لكان أحسن لان الكاف للتشبيه والتمثيل ولا مكان سوى المسجد يكون جامعا ثم لك مباحثة في قوله كالمسجد وهى ان تقول اللفظ يشمل المسجد الواحد والمسجدين (فما قولكم فيما) إذا وقف هذا في مسجد وذاك في مسجد اخر متصل به أو غير متصل ايكون الحكم كالحكم فيما لو وقفا في مسجد واحد أو لا يكون كذلك وظاهر اللفظ متروك (والجواب) ان ابا سعيد المتولي رحمه الله ذكر فيما إذا كان بين مسجديين طريق فاصل أن ظاهر المذهب انه ليس حكمهما حكم المسجد الواحد وفى التهذيب انه لو كان بين الامام والمأموم الواقفين في المسجد نهر ان حفر بعد بناء المسجد فالنهر مسجد ايضا فلا يضر وان حفر قبله فهما مسجدان غير متصلين فلا بد من اتصال الصف من احدهما إلى الاخر فافاد ما ذكراه ان الطريق والنهر يوجبان تغاير حكم المسجد وتمايزهما وإذا كان كذلك فالجدار الحائل بين مسجدين لا ينفذ باب احدهما إلى الآخر اولى ان يكون موجبا لتغاير الحكم وفى كلام الشيخ ابي محمد انه لو كان في(4/344)
جوار المسجد مسجد آخر ينفرد بامام ومؤذن وجماعة فيكون حكم كل واحد منهما بالاضافة إلى الثاني كالملك المتصل بالمسجد وهذا كالضابط الفارق بين المسجد الواحد والمسجدين وظاهره
يقتضي تغاير الحكم إذا انفرد بالامور المذكورة وان كان باب احدهما لافظا الي الثاني والله اعلم * واما رحبة المسجد فقد عدها الاكثرون منه ولم يذكروا فرقا بين ان يكون بينها وبين المسجد طريق أو لا يكون ونزلها القاضى ابن كج إذا كانت منفصلة منزلة مسجد آخر وقوله واختلاف البناء يجوز أن يعلم بالواو لانه يشمل ما إذا كان بينهما باب مغلق وقد حكينا فيه خلافا (القسم الثاني) ان لا يكون واحد منها في المسجد فلهما حالتان (احداهما) ان يكونا في فضاء واحد ويشتمل عليها قوله أو بالتقارب الي قوله غير مبني وحكمها ان يجوز الاقتداء بشرط القرب وهو أن لا يزيد بين الامام والمأموم الذي يليه علي ثلثمائة ذراع ومم اخذ هذا التقدير: اختلفوا فيه فعن ابن خيران وابن الوكيل وبه قال الاكثرون أنه اخذ(4/345)
عرف الناس وعادتهم لان المكان إذا اتسع ولا حائل يعده المتباعدان ضربا من البعد مجتمعين وعن ابن سريج وأبى " اسحق أنه اخذ من صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم بذات الرقاع فانه تنحي بطائفة إلى حيث لا تصيبهم سهام العدو وصلي بهم ركعة وانصرفت الطائفة إلى وجه العدو وهم في الصلاة علي حكم الاقتداء وسهام العرب لا تبلغ اكثر من القدر المذكور " واعلم أن هذه الكيفية في صلاة ذات الرقاع رواها ابن عمر رضي الله عنهما والذى ذكرها المصنف في صلاة الخوف غير هذه وسنذكرهما إن شاء الله تعالي: ثم القدر المذكور من أي شئ اخذ معتبر بالتقريب(4/346)
على اصح الوجهين لا بالتحديد ولو وقف شخصان أو صفان خلف الامام فالمسافة المذكورة تعتبر بين الصف الاخير وبين الصف الاول ويجوز أن تكثر الصفوف ويبلغ ما بين الامام والصف الاخير فرسخا وحكى وجه أنها تعتبر بين الامام والصف الاخير إذا لم تكن الصفوف القريبة من الامام متصلة على العادة ولا باس بان يكون بين الامام والمأموم أو بين الصفين نهر يمكن العبور من احد طرفيه الي الاخر من غير سباحة اما بالوثوب فوقه أو المشي فيه أو علي جسر ممدود علي متنه وان كان يحتاج فيه الي السباحة أو كان بينهما شارع مطروق فوجهان (اصحهما) أن ذلك لا يضر ايضا كما لو كانا في سفينتين علي ما سيأتي ولا فرق في الحكم الذى ذكرناه بين أن يكون الفضاء مواتا كله أو وقفا
كله أو ملكا كله أو بعضه مواتا وبعضه وقفا أو ملكا قال في النهاية وذكر شيخي وغيره وجها(4/347)
آخر أن في الساحة المملوكة يشترط اتصال الصفوف كما سيأتي بخلاف الموات لانه يشبه المسجد من حيث إنه مشترك بين الناس وليس الملك كذلك وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا فرق بين أن تكون الساحة ملكا لشخص واحد وبين أن تكون لشخصين ونقل الصيدلاني وغيره وجها آخر أنه لو وقف احدهما في ملك زيد والآخر في ملك عمرو يشترط اتصال الصف من احد الملكين بالثاني وقوله في الكتاب أو بالتقارب كقدر غلوة سهم يسمع فيها صوت الامام في الساحات المنبسطة فيه تقديم وتأخير: المعني أو بالتقارب في الساحات المنبسطة كقدر غلوة السهم ويجوز أنه يعلم قوله بالتقارب(4/348)
بالميم لان الغرض من اعتبار القرب في الساحات وأنه لا يكتفى بوقوف المأموم علي حركات الامام وانتقالاته وقد قال امام الحرمين بلغت عن مالك رضي الله عنه أنه ذهب في الباب الي مذهب عطاء واشتهر عن عطاء رحمه الله أنه يكتفى بالعلم بحركات الامام في جميع الاماكن ونقل عن مالك أنه يستثنى الجمعة فلا يكتفي فيها بذلك وقوله كقدر غلوة سهم ليس للتمثيل المحض وانما المراد تقديم القرب كما سبق وقوله يسمع فيها صوت الامام ليس لاشتراط ذلك في الغلوة وانما هو اشارة إلى أن القدر المذكور يبلغ فيه صوت الامام إذا جهر لتبليغ المأموم الجهر المعتاد في مثله وإذا كان كذلك(4/349)
كانا مجتمعين متواصلين فلذلك قدر القرب به (وقوله) ملكا معلم بالواو لما تقدم (وقوله) مبنيا أو غير مبنى أي محوطا أو غير محوط ويجوز أن يريد المسقف وغير المسقف فان الصفة الكبيرة والبيوت الواسعة داخلة في هذه (الحالة الثانية) أن لا يكون في فضاء واحد (وقوله) واما باتصال محسوس إلى رأس الفرع كلام في هذه الحالة فنقول: إذا وقف الامام في صحن الدار أو في صفتها والمأموم في بيت أو بالعكس فموقف المأموم قد يكون على يمين موقف الامام أو يساره وقد يكون خلفه وفيهما طريقان للاصحاب (احدهما) أن في الصورة الاولي يشترط في جواز الاقتداء أن يكون الصف متصلا من البناء الذى فيه الامام إلى
البناء الذى فيه المأموم بحيث لا تبقى فرجة تسع واقفا لان اختلاف البناء يوجب كونهما مفترقين فلا بد من رابطة يحصل بها الاتصال فان بقيت فرجة لا تسع واقفا فوجهان (اصحهما) أنه لا يضر لانه معدود صفا واحدا فلو كان بينهما عتبة عريضة يمكن أن يقف عليها رجل وجب أن يقف عليها(4/350)
واحد واثنان من جانبيها وإن كانت بحيث لا يمكن الوقوف عليها فعلى الوجهين في الفرجة اليسيرة واما في الصورة الثانية ففي جواز الاقتداء وجهان (احدهما) المنع لما ذكرنا أن اختلاف البناء يوجب افتراقهما وانما جوزنا في اليمين واليسار لان الاتصال المحسوس بتواصل المناكب فيه ممكن (وأظهرهما) الجواز إذا اتصلت الصفوف وتلاحقت لان هذا هو القدر الممكن فيه وكما تمس الحاجة إلى الاقتداء في بناء آخر علي اليمين واليسار تمس إليه في بناء آخر خلفه فيكتفى فيه بالممكن ومعنى اتصال الصفوف أن يقف رجل أو صف في آخر البناء الذى فيه الامام ورجل أوصف في اول البناء الذى فيه المأموم بحيث لا يكون بينهما اكثر من ثلاثة اذرع وهذا القدر هو المشروع بين الصفين وإذا وجد هذا الشرط فلو كان في بناء المأموم بيت علي اليمين أو اليسار اعتبر الاتصال بتواصل المناكب فهذه طريقة وبها قال القفال واصحابه وكلام القاضي ابن كج يوافقهما وقد حكي اصلها أبو علي صاحب الافصاح(4/351)
عن بعض الاصحاب لكنه اختار (الثانية) التي نذكرها (والثالثة) أنه لا يشترط اتصال الصف الواحد ولا اتصال الصفوف في الصورة الثانية بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء وهذا إذا كان بين البنائين باب نافذ فوقف بحذائه صف أو رجل أو لم يكن جدار اصلا كا الصفة مع الصحن ولو كان بينهما حائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة كالمشبكات فقذ ذكروا فيه وجهين وإن كان يمنع الاستطراق والمشاهدة جميعا لم يجز الاقتداء باتفاق الطريقين نعم إذا صح اقتداء الواقف في البناء الاخر اما بشرط الاتصال أو دونه فتصح صلاة الصفوف خلفه وإن كان بينهم وبين البناء الذى فيه الامام جدار تبعا له وهم معه كالمأمومين مع الامام حتي لا يجوز صلاة من بين يديه وإن كان متأخرا عن سمت موقف الامام إذا لم نجوز التقدم علي الامام وهو الصحيح وعن القاضي
الحسين تفريعا علي هذا الاصل أنه لا يجوز أن يتقدم تكبيرهم علي تكبيره وهذه الطريقة الثانية حكاها الشيخ أبو محمد عن أصحاب ابي اسحق المروزى وهي التى يوافقها كلام معظم اصحابنا العراقيين لو وقف الامام في الدار والمأموم في مكان عال من سطح أو طرف صفة مرتفعة أو بالعكس منه فبماذا يحصل الاتصال ذكر الشيخ أبو محمد أنه إن كان رأس الواقف في السفل يحاذي ركبة الواقف في العلو جاز الاقتداء وان زاد عليه امتنع وقال الاكثرون إن حاذى رأس من في السفل قدم من علي العلو حصل الغرض وجاز الاقتداء قال امام الحرمين وهذا هو المقطوع به ولست ارى لذكر الركبة وجها(4/352)
أما اعتبار محاذاة شئ من بدن هذا شيئا من بدن ذاك فمعقول وإذا كان الانخفاض والارتفاع قدر مالا يمنع القدوة فلو كان بعض الذين يحصل بهم الاتصال عند اختلاف البنائين علي سرير أو متاع وبعضهم على الارض لم يضر ولو كانوا في البحر والمأموم في سفينة والامام في اخرى وهما مكشوفتان فظاهر المذهب أنه يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بين الامام والمأموم على ثلثمائة ذراع كما في الصحراء والسفينتان كدكتين في الصحراء يقف الامام علي احداهما والمأموم علي الاخرى وقال الاصطخرى يشترط أن تكون سفينة المأموم مشدودة بسفينة الامام ليؤمن من تقدمها عليه وإن كانت السفينتان مسقفتين فهما كالدارين والسفينة التي فيها بيوت كالدار التى فيها بيوت وحكم المدارس والخانات والرباطات حكم الدور والسرداقات في الصحراء كالسفن المكشوفة والخيام كالبيوت إذا عرفت ذلك فاعلم أن قوله فيما إذا وقف في بيت على يمين الامام فلا بد من تواصل المناكب (جواب) علي الطريقة الاولي وينبغي أن يعلم بالواو لمكان الثانية وبالميم لما سبق حكايته عن مالك وبالحاء لانه عن ابى حنيفة فيما حكى الشيخ أبو محمد وغيره لا يشترط اتصال الصفوف (وقوله) فيما إذا وقف احدهما في علو والآخر في سفل الاتصال بموازاة رأس المتسفل ركبة العالي (جواب) علي ما سبق نقله عن الشيخ ابى محمد وقد عزاه الشيخ الي نص الشافعي رضي الله عنه ويجب اعلامه أو بالواو لما تقدم وزيد في بعض النسخ لو قدر لكل واحد منهما قامة معتدلة وهذا اشارة إلى أنه لو كان(4/353)
قصيرا أو قاعدا لكن لو قام فيه رجل معتدل القامة تحصل المحاذاة كفى ذلك واعتبار القامة المعتدلة لكل واحد منهما انما ينتظم علي الوجه الناظر الي الركبة فاما إذا نظرنا الي القدم فلا يعتبر ذلك في حق العالي (وقوله) فالاتصال بهذا ليس علي معني أن كل الاتصال المطلوب يحصل بهذا القدر وانما المراد أن هذا لا بد منه حتى لو وقف المأموم علي صفة مرتفعة والامام في الصحن فلا بد علي الطريقة المذكورة في الكتاب من وقوف رجل على طرف الصفة ووقوف آخر في الصحن متصلا به (وقوله) فالاتصال بتلاحق الصفوف يعنى أن القدر الممكن فيما إذا كان البيت خلف الامام هذا النوع من الاتصال وهل هو كاف ام لا ويمتنع الاقتداء رأسا فيه الوجهان والاذرع الثلاث معتبرة بالتقريب فلو زاد شئ لا يتبين في الحس ما لم يدرع فلا باس به (وقوله) وإن زاد علي ثلاثة اذرع لم تصح القدوة علي اظهر الوجهين (الوجه الثاني) هو الطريقة الثانية التي شرحناها وقد تعرض لها في هذه الصورة ولم يتعرض لها فيما إذا كان البيت على يمين الامام فاعرف ذلك (القسم الثالث) أن يكون(4/354)
احدهما في المسجد والآخر خارجه والفرع الباقي من الفصل يشتمل على بعض صوره وهو ما لو وقف الامام في مسجد والمأموم في موات متصل به فينظر إن لم يكن بين الامام والمأموم حائل فلا يشترط اتصال الصف لصحة الاقتداء ولكن يجب أن يقف في حد القرب وهو ما دون ثلثمائة ذراع علي ما سبق في الصحراء ومن اين تعتبر المسافة فيه وجهان (احدهما) وبه قال صاحب التلخيص انها تعتبر من آخر صف في المسجد فان لم يكن فيه الا الامام فمن موقف الامام لان الاتصال مرعي بينه وبين الامام لا بينه وبين المسجد (واظهرهما) انها معتبرة من آخر المسجد لان المسجد مبنى للصلاة فلا يدخل في الحد الفاصل ولهذا لو بعد موقف المأموم فيه لم يضر وفيه وجه ثالث أنه لو كان للمسجد حريم والموات وراءه فالمسافة تعتبر من الحريم وحريم المسجد هو الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء إليه وطرح الثلج والقمامات فيه (وقوله) فان لم يكن الحائل يدخل فيه ما إذا لم يكن بين المسجد والموات جدار اصلا وما إذا كان بينهما جدار لكن الباب النافذ بينهما مفتوح فوقف بحذائه(4/355)
والحكم في الحالتين واحد ثم لو اتصل الصف بمن وقف في المحاذاة وخرجوا عن المحاذاة جاز ولو يكن في الجدار باب نافذ أو كان ولم يقف بحذائه بل عدل عنه ففيه وجهان عن الشيخ ابى اسحق المروزي أنه(4/356)
لا يمتنع الاقتداء فانه من جملة اجزاء المسجد وقال الجمهور يمنع لافتراقهما بسبب الحائل والوجهان في جدار المسجد فاما غيره فيمنع الاقتداء بلا خلاف (وقوله) وان كان بينهما جدار لم يصح يجوز أن(4/357)
يريد بين المسجد والموات ويجب تقييده بما إذا لم يكن بينهما باب نافذ ويجوز أن يريد بين الامام والمأموم وحينئذ يجب تقييده بما إذا لم يكن باب نافذ أو كان ولم يقف بحذائه احد والا فالاقتداء صحيح(4/358)
وعلى التقديرين فقوله لم يصح معلم بالواو لما نقل عن ابي اسحق وبالميم لما سبق عن مالك ولو كان بينهما باب مردود مغلق فهو كالجدار لانه يمنع الاستطراق والمشاهدة ولو كان غير مغلق فهو مانع(4/359)
من المشاهدة دون الاستطراق ولو كان بينهما مشبك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة ففى الصورتين وجهان (احدهما) أنه لا يمنع الاقتداء لحصول الاتصال من وجه وهذا أصح عند امام الحرمين(4/360)
واظهرهما عند صاحب التهذيب والرويانى والاكثرين أنه يمنع لحصول الحائل من وجه وجانب المنع أولى بالتغليب هذا كله في الموات المتصل بالمسجد ولو وقف في شارع متصل بالمسجد فهو كالموات كذلك ذكره الشيخ أبو محمد وفيه وجه أنه يشترط اتصال الصف بين المسجد والطريق ولو وقف في حريم المسجد فقد ذكر في التهذيب أنه كالموات لانه ليس بمسجد وذكر أيضا أن الفضاء المتصل بالمسجد لو كان مملوكا فوقف المأموم فيه لم يجز الاقتداء به حتي يتصل الصف من المسجد بالفضاء وكذلك يشترط اتصال الصف من سطح المسجد بالسطح المملوك وكذلك لو وقف في دار مملوكة متصلة بجنب المسجد يشترط اتصال الصف بان يقف رجل في آخر المسجد متصلا بعتبة الدار واخر
في الدار متصلا بالعتبة بحيث لا يكون بينهما موقف رجل وهذا الذى ذكره في الفضاء غير صاف(4/361)
عن الاشكال لان حكم الفضاء المملوك والموات واحد في ظاهر المذهب كما سبق فليكن الفضاء المملوك المتصل بالمسجد كالموات: واما في الدور فالذي ذكره مثل الطريقة المذكورة في الكتاب في البنائين المملوكين وحكى العراقيون عن أبي اسحق أنه إذا صلى الرجل في بيته وبينه وبين المسجد جدار المسجد صح كما سبق في الموات وقال أبو على الطبري في الافصاح لا يشترط اتصال الصفوف إذا لم يكن حائل ويجوز الاقتداء إذا وقف في حد القرب واما قوله في الكتاب ولو كان بينهما شارع الي آخره فهذه المسألة لا تختص بما إذا وقف الامام المسجد والمأموم في الموات بل يجرى فيه وفيما إذا كان في الصحراء وغيرها ما لم يكونا في المسجد على ما تقدم والمحكى عن مالك انهما لا يمنعان الاقتداء وعن ابي حنيفة واحمد انهما يمنعان وصورة الوجهين فيما إذا كان الامام في المسجد والمأموم في الموات أن يكون النهر في الموات: أما إذا كان في المسجد فقد سبق بيانه والله اعلم * قال (الثالث نية الاقتداء فلو تابع من غير نية بطلت صلاته ولا يجب تعيين الامام لكن لو(4/362)
عين واخطأ بطلت صلاته ولا يجب موافقة نية الامام والمأموم بل يقتدى (ح م و) في الفرض بالنفل وفى الاداء بالقضاء وعكسهما ولا تجب نية الامامة علي الامام وأن اقتدى (ح) به النساء فلو خطأ في تعيين المقتدى لم يضر لان اصل النية غير واجب عليه) في الفصل ثلاث مسائل (احداها) أن من شروط الاقتداء أن ينوى المأموم الجماعة أو الاقتداء والا فلا تكون صلاته صلاة جماعة إذ ليس للمرء من عمله الا ما نواه وينبغي أن تكون مقرونة بالتكبير كسائر ما ينويه من صفات الصلاة وإذا ترك نية الاقتداء انعقدت صلاته منفردا ثم لو تابع الامام في افعاله فهل تبطل صلاته فيه وجهان نقلهما صاحب التتمة وغيره (احدهما) لا لانه اتي بواجبات الصلاة وليس فيه الا أنه قارن فعله فعل غيره (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب نعم لانه وقف صلاته على صلاة غيره لا لاكتساب فضيلة الجماعة وفيه ما يشغل القلب ويسلب الخشوع فيمنع منه وإذا(4/363)
فرعنا علي هذا الوجه فلو شك في نية الاقتداء في اثناء الصلاة نظر أن تذكر قبل أن أحدث فعلا على متابعة الامام لم يضر وأن تذكر بعد ما احدث فعلا علي متابعته بطلت صلاته لانه في حالة الشك في حكم المنفرد وليس للمنفرد أن يتابع غيره في الافعال حتى لو عرض هذا الشك في التشهد الاخير لا يجوز أن يقف سلامه علي سلام الامام هكذا نقل صاحب التهذيب وغيره وهو مقيس بما إذا شك في اصل النية وقياس ما ذكره في الكتاب في تلك المسألة أن يفرق بين أن يمضى مع هذا الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وبين أن يمضى غيره ويمكنك ان تستفيد من لفظ الكتاب في المسألة فائدتين (احداهما) أن تبحث فتقول اللفظ مطلق يشمل صلاة الجمعة وغيرها فهل تجب فيها نية الجماعة ايضا جريا على اطلاق اللفظ ام لا والجواب انهم حكوا فيه وجهين (احدهما) لا لان صلاة الجمعة لا تصح الا بالجماعة فلا حاجة الي التعرض لها (واصحهما) نعم لتتعلق صلاته بصلاة الامام فعلى هذا الاصح اللفظ(4/364)
مجرى علي اطلاقه (الثانية) في قوله فلو تابع من غير نية ما ينبه علي أن الحكم بالبطلان فيما إذا انتظره ليركع عند ركوعه ويسجد عند سجوده فاما إذا اتفق انقضاء افعاله مع انقضاء افعال الامام ولم ينتظر فهذا الا يسمي متابعة وهو غير مبطل للصلاة ذكره في العدة وشيئا آخر وهو أن الوجهين في البطلان فيما إذا طال الانتظار فاما الانتظار اليسير فلا يؤثر ثم لا يجب علي المأموم أن يعين في نيته الامام بل يكفى نية الاقتداء بالامام الحاضر فان مقصود الجماعة لا يختلف ولو عين وأخطأ بان نوى الاقتداء بزيد فبان انه عمر وبطلت صلاته كما لو عين الميت في صلاة الجنازة واخطأ لا تصح صلاته ولو نوى الاقتداء بالحاضر واعتقده زيدا فكان غيره رأى امام الحرمين تخريجه علي الوجهين فيما إذا قال بعتك هذا الفرس واشار إلى الحمار (الثانية) اختلاف نية الامام والمأموم فيما يأتيان به من الصلاة لا يمنع صحة الاقتداء بل يجوز للمؤدى أن يقتدى بالقاضي وبالعكس وللمفترض أن يقتدى بالمتنفل وبالعكس خلافا لابي حنيفة حيث قال لا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض وبه قال احمد في اصح الروايتين وكذلك مالك ويروى عنه المنع مطلقا * واحتج الشافعي رضى الله عنه بما روى
عن جابر رضى الله عنه قال " كان معاذ رضى الله عنه يصلى مع النبي صلي الله عليه وسلم العشاء ثم ينطلق الي قومه فيصليها بهم هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء " * واحتج المزني بأنه إذا جاز النفل(4/365)
خلف من يصلي الفرض جاز الفرض خلف من يصلي النفل قال الاصحاب والجامع انهما صلاتان متفقتان في الافعال الظاهرة (الثالثة) لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوى الامام الامامة سواء اقتدى به الرجال أو النساء خلافا لاحمد حيث اشترط ذلك ولابي حنيفة حيث قال أن ام نساء لا تصح صلاتهن ما لم ينو امامتهن وانما قصد حجة الاسلام بقوله وأن اقتدت به النساء التعرض لمذهبه لنا على احمد ما روى عن انس رضي الله عنه قال " اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فوقفت خلفه ثم جاء آخر حتى صرنا رهطا كثيرا فلما احس النبي صلي الله عليه وسلم بنا اوجز في صلاته ثم قال انما فعلت هذا لكم " ويروى أن عمر كان يدخل فيرى(4/366)
ابا بكر رضى الله عنه في الصلاة فيقتدى به وكان أبو بكر يفعل مثل ذلك إذا رآى عمر رضى الله عنه يصلي وعلى " ابى حنيفة القياس علي ما إذا أم رجلا وإذا لم ينو الامام صحت صلاته بخلاف المأموم فان صلاته انما تبطل بتوقيفه اياها على افعال من ليس اماما له وههنا افعال الامام غير مربوطة بغيره وهل تكون صلاته جماعة حتى ينال بها فضيلة الجماعة فيه وجهان (احدهما) نعم لتأدى شعار الجماعة بما جرى وأن لم يكن عن قصد منه (واصحهما) لا إذ ليس للمرء من عمله الا ما نوى ويقال ان القفال سئل عمن كان يصلي منفردا فاقتدى به قوم وهو لا يدرى هل ينال فضيلة الجماعة فقال الذى يجاب به على فضل الله تعالي أنه ينالها لانهم بسببه نالوها وهذا كالتوسط بين الوجهين ومن فوائد الوجهين أنه إذا لم ينو الامامة في صلاة الجمعه هل تصح جمعته (والاصح) انهما لا تصح وبه قال القاضى الحسين(4/367)
وعلى هذا فقوله في الكتاب ولا تجب نية الامامة علي الامام غير مجرى على اطلاقه بل الجمعة مستئناة عنه واعلم أن ابا الحسن العبادي حكى عن ابي حفص البابشامي وعن القفال أنه تجب نية
الامامة علي الامام واشعر كلامه بانهما يشترطانها في صحة الاقتداء فان كان كذلك فليكن قوله ولا تجب نية الامامة علي الامام معلما بالواو مع الالف ولو نوى الامام الامامة وعين في نيته المقتدى فبان خلافه(4/368)
لم يضر لان غلطه في النية لا يزيد علي تركها اصلا ورأسا ولو تركها لم يقدح علي ما سبق بخلاف ما إذا اخطأ المأموم في تعيين الامام فان أصل النية واجب عليه * قال (الشرط الرابع توافق نظم الصلاتين فلا يقتدى في الظهر بصلاة الجنازة وصلاة الخسوف ويقتدى في الظهر بالصبح ثم يقوم عند سلام الامام كالمسبوق فان اقتدى في الصبح بالظهر(4/369)
صح علي احد الوجهين ثم يتخير عند قيام الامام الي الثالثة بين ان يسلم أو ينتظر الامام إلى الآخر) لو اختلف صلاتا الامام والمأموم في الافعال الظاهرة كما لو اقتدى في فريضة بمن يصلي الجنازة أو الخسوف هل يجوز: فيه وجهان (اصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يجوز لتعذر المتابعة مع المخالفة في الافعال (والثاني) ويحكى عن القفال أنه يجوز لان المقصود من الاقتداء اكتساب الفضيلة وكل يراعى(4/370)
واجبات صلاته فعلي هذا إذا اقتدى بمن يصلي الجنازة لا يتابعه في التكبيرات والاذكار بينها بل إذا كبر الامام الثانية يخير بين أن يخرج نفسه عن المتابعة وبين أن ينتظر سلام الامام وإذا اقتدى بمن يصلي صلاة الخسوف يتابعه في الركوع الاول ثم إن شاء رفع رأسه معه وفارقه وإن شاء انتظره قال امام الحرمين وانما ينتظره في الركوع إلى أن يعود إليه الامام ثم يعتدل معه عن ركوعه الثاني ولا(4/371)
ينتظره بعد الرفع لما فيه من تطويل الركن القصير وان اتفقت الصلاتان في الافعال نظر إن توافقت عدد الركعات كالاقتداء في الظهر بالعصر أو بالعشاء جاز وإن كان عدد ركعات الامام أقل كما لو اقتدى في الظهر بالصبح جاز ايضا لان متابعة الامام فيما يأتي به متيسرة ثم إذا تمت صلاة الامام قام المأموم واتم صلاته كما يفعله المسبوق ويتابع الامام في القنوت كما لو ادرك الامام في الصبح(4/372)
في الركعة الثانية يتابعه في القنوت ولو ازاد أن يفارقه إذا اشتغل بالقنوت فله ذلك ولو اقتدى في الظهر بالمغرب فإذا انتهى الامام إلى الجلسة الاخيرة بخبر المأموم بين المتابعة والمفارقة كما في(4/373)
القنوت وإن كان عدد ركعات الامام اكثر كالاقتداء في الصبح بالظهر ففى المسألة طريقان احدهما وهو المذكور في الكتاب أن فيها قولين احدهما أنه لا يصح الاقتداء لانه يحتاج الي الخروج عن صلاة الامام قبل فراغه بخلاف ما إذا كانت صلاته اطول فانه لا يفارق الامام ما دام في صلاته واصحهما أنه يصح كما في(4/374)
الصورة السابقة والجامع انهما صلاتان متفقتان في النظم: والطريق الثاني القطع بهذا القول الثاني قال في التهذيب وهو الاصح وإذا فرعنا عليه فإذا قام الامام إلى الركعة (الثالثة) فهو بالخيار إن شاء فارقة وسلم وإن شاء انتظره حتى يسلم معه وإن امكنه أن يقنت في الركعة الثانية فان وقف الامام يسيرا فذاك والا تركه ولا شئ عليه وله أن يخرج عن متابعته ويقنت ولو اقتدى في المغرب بالظهر فإذا قام الامام الي الرابعة لم يتابعه المأموم بل يجلس للتشهد ويفارقه فإذا تشهد سلم وهل له أن ينتظره قال في النهاية ظاهر المذهب أنه ليس له ذلك لانه احدث تشهدا لم يفعله الامام بخلاف الصورة السابقة(4/375)
فانه وافق الامام في تشهده ثم استدامه ومنهم من أطلق وجوب الانتظار في الصورتين ولو صلي العشاء خلف من يصلى التراويح جاز كما في اقتداء الظهر بالصبح وقد نقله الشافعي رضي الله عنه عن فعل عطاء ابن ابي رباح رضي الله عنه ثم إذا سلم الامام قام الي باقي صلاته والاولي أن يتم منفردا فلو قام الامام إلى ركعتين أخريين من التراويح فاقتدى به مرة أخرى هل يجوز فيه القولان اللذان نذكرهما فيمن احرم منفردا بالصلاة ثم اقتدى في اثنائها وقوله في الكتاب توافق نظم الصلاتين اراد في الافعال والاركان لا في عدد الركعات علي ما تبين وصلاة العيدين والاستسقاء كصلاة الخسوف والجنازة ام لا: اختلف الاصحاب فيه وقوله يقتدى في الظهر بالصبح معلم بالحاء والميم والالف وكذا قوله صح في المسألة
التى بعدها لانه لابد وأن يكون احدهما قضاء وهم يمنعون من الاقتداء في انقضاء بالاداء وبالعكس كما سبق وقوله علي احد القولين معلم بالواو للطريق الاخرى وفي نسخ الوسيط ذكر وجهين بدل القولين والاول اشهر ولا يخفي أن قوله ثم يتخير تفريع علي صحة الاقتداء *(4/376)
قال (الخامس الموافقة وهو أن لا يشتغل بما تركه الامام من سجود التلاوة أو التشهد الاول ولا بأس بانفراده بجلسة الاستراحة والقنوت ان لحق الامام في السجود) * إذا ترك الامام شيئا من أفعال الصلاة نظر ان كان فرضا كما إذا قام في موضع القعود أو بالعكس ولم يرجع بعدما سبح به المأموم فليس للمأموم أن يتابعه لانه اما عامد فصلاته باطلة أو ساه فذلك الفعل غير معدود من الصلاة وان لم يكن مبطلا وانما يتابعه في أفعال الصلاة لا في غيرها وان ترك سنة نظر ان كان في الاشتغال بها تخلف فاحش كسجود التلاوة والتشهد الاول فلا يأتي بهما المأموم قال صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليؤتم به " ولو اشتغل بهما بطلت صلاته لعدوله من فرض المتابعة الي السنة ويخرج عن هذا سجود السهو يأتي به وان تركه الامام لانه يفعله بعد خروج الامام من الصلاة فلا مخالفة وكذا يسلم التسليمة الثانية إذا تركها الامام وان لم يكن فيه إلا تخلف يسير كجلسة الاستراحة فلا بأس بانفراده بها كما لا بأس بزيادتها في غير موضعها وكذلك لا بأس بانفراده(4/377)
بالقنوت إذا لحقه علي القرب وقوله ان لحق الامام في السجود يعنى في السجدة الاولي فاما إذا كان اللحوق في الثانية فيكثر المتخلف وسيأتى بيان التخلف المبطل في الفصل التالي لهذا * قال (السادس المتابعة فلا يتقدمه ولا بأس بالمساوقة إلا في التكبير فانه لابد فيه من التأخير(4/378)
والاحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق فان تخلف بركن لم تبطل وان تخلف بركنين من غير عذر بطل (ز) والاصح انه إذا ركع قبل أن يبتدئ الامام الهوى إلى السجود لم تبطل فان ابتدأ الهوى لم تبطل أيضا على وجه لان الاعتدال ليس ركنا مقصودا فان لابس الامام السجود قبل ركوعه
بطل والتقدم كلتخلف وقيل يبطل وان كان بركن واحد) * يجب علي المأموم ان يتابع الامام ولا يتقدم عليه في الافعال لما روي أنه صلي الله عليه وسلم قال " لا تبادروا الامام إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا " وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال " اما يخشي الذى يرفع رأسه والامام ساجد أن يحول الله راسه رأس حمار " والمراد من المتابعة أن يجرى علي أثر الامام بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منها متأخرا عن ابتداء الامام ومتقدما على فراغه روى عن البراء بن عازب قال " كنا نصلى(4/379)
مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع النبي صلي الله عليه وسلم وسلم جبهته على الارض " فلو خالف وترك المتابعة علي التفسير المذكور لم يخل اما أن يساوق فعله فعل الامام واما أن يتخلف عنه أو يتقدم عليه (الحالة الاولى) أن يساوق فعله فعل الامام اما التكبير فالمساوقة فيه تمنع انعقاد صلاة المأموم خلافا لابي حنيفة: لنا ظاهر قوله فإذا كبر فكبروا ويخالف الركوع وسائر الاركان حيث تحتمل المساوقة فيها لان الامام حينئذ في الصلاة فينتظم الاقتداء به ولو شك في أن تكبيره هل وقع مساوقا لم تنعقد صلاته أيضا ولو ظن أنه لاحق فبان خلافه فلا صلاة له ويشترط تأخر جميع التكبير عن جميع تكبير الامام ويستحب للامام ان لا يكبر حتى تستوى الصفوف ويأمرهم بذلك ملتفتا يمينا وشمالا وإذا فرغ المؤذن من الاقامة قام الناس واشتغلوا بتسوية الصفوف وقال أبو حنيفة يشتغلون به عند قوله حي علي الصلاة واما ما عدا التكبير فغير السلام يجوز فيه المساوقة وفى السلام وجهان (أحدهما) أنه لا يجوز فيه المساوقة اعتبارا للتحلل بالتحرم (والثانى) يجور(4/380)
كسائر الاركان وذكر بعضهم أن الوجهين مبنيان على أن نية الخروج هل تشترط أن قلنا نعم فالسلام كالتكبير وأن قلنا لا فهو كسائر الاركان والاصح من الوجهين أن المساوقة لا تضر وهو المذكور في الكتاب (وقوله) ولا باس بالمساوقة الا في التكبير معلم بالواو للوجه الصائر إلى الحاق السلام بالتكبير وليس المراد من قوله لا باس التشريع المطلق فان صاحب التهذيب وغيره ذكروا انه يكره الاتيان
بالافعال مع الامام وتفوت به فضيلة الجماعة وانما المراد انها لا تفسد الصلاة وقوله فانه لا بد فيه من التأخير معلم بالحاء وقوله والاحب التخلف في الكل مع سرعة اللحوق المراد منه ما ذكرنا في تفسير(4/381)
المتابعة (الحالة الثانية) أن يتخلف عن الامام وذلك اما أن يكون بغير عذر أو بعذر فان تخلف من غير عذر نظر أن تخلف بركن واحد فقد حكى صاحب النهاية فيه وجهين (احدهما) أنه مبطل للصلاة لما فيه من مخالفة الامام (واظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه غير مبطل * واحتج له بعضهم بما روى انه صلى الله عليه واله وسلم قال " لا تبادروني بالركوع والسجود فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت ومهما أسبقكم به حين سجدت تدركوني حين رفعت " وأن تخلف بركنين بطلت صلاته لكثرة المخالفة ومن صور التخلف بغير عذر أن يركع الامام وهو في قراءة السورة بعد الفاتحة فيشتغل باتمامها وكذا التخلف للاشتغال بتسبيحات الركوع والسجود ومن المهمات في هذا المقام البحث عن(4/382)
شيئين (احدهما) معنى التخلف بالركن والركنين (والثانى) أن الحكم هل يعم جميع الاركان ام يفرق بين ركن وركن (أعلم) أن في قوله والاصح إذا ركع إلى آخره تعرضا لهما جميعا فنشرحه ونقول: من أركان الصلاة ما هو قصير ومنها ما هو طويل اما القصير فالاعتدال عن الركوع وكذا الجلوس بين السجدتين علي الاظهر كما تقدم واما الطويل فما عداهما وما هو طويل فهو مقصود في نفسه والقصير هل هو مقصود في نفسه اشار في النهاية الي تردد فيه للاصحاب فمن قائل نعم كالطويل ومن قائل لا فان الغرض منه الفصل فهو إذا تابع لغيره وهذا ما ذكره في التهذيب ثم نقول بعد هذه المقدمة: إذا ركع الامام قبل المأموم ثم ركع المأموم وادركه في ركوعه فليس هذا تخلفا بركن ولا تبطل به الصلاة وفاقا لانه لحق الامام قبل تمام الركن الذى سبقه به ولو اعتدل الامام والمأموم بعد قائم فهل تبطل صلاته فيه وجهان واختلفوا في مأخذهما فقيل مأخذهما التردد في أن الاعتدال هل هو مقصود ام لا أن(4/383)
قلنا نعم فقد فارق الامام ركنا واشتغل بركن آخر مقصود فتبطل صلاة المتخلف وان قلنا أنه ليس
بمقصود فهو كما لو لم يفرغ من الركوع لان الذى فبه تبع له فلا تبطل صلاته وقيل ان مأخذهما الوجهان اللذان سبقا في أن التخلف بركن واحد هل يبطل ام لا إن قلنا نعم فقد تخلف بركن الركوع تاما فتبطل صلاته وإن قلنا لا فما دام في الاعتدال لم يكن الركن الثاني تاما فلا تبطل صلاته وإذا هوى الي السجود ولم ينته إليه والمأموم بعد قائم فعلي المأخذ الاول لا تبطل صلاته لانه لم يشرع في ركن مقصود وعلي المأخذ الثاني تبطل لان ركن الاعتدال قد تم هكذا ذكره امام الحرمين والمصنف في الوسيط وقياسه أن يقال إذا ارتفع عن حد الركوع والمأموم بعد في القيام فقد حصل التخلف بركن(4/384)
واحد وأن لم يعتدل حتي تبطل الصلاة عند من يجعل التقدم بركن واحد مبطلا اما إذا انتهي الامام الي السجود والمأموم في قيامه بطلت صلاته وفاقا واعرف بعد هذا أمرين (احدهما) انا ان اكتفينا بابتداء الهوى من الاعتدال وابتداء الارتفاع عن حد الركوع فالتخلف بركنين هو أن يتم الامام ركنين والمأموم بعد فيما قبلهما وركن واحد هو أن يتم الامام الركن الذى سبق إليه والمأموم فيما قبله وإن لم(4/385)
يكتف بذلك فللتخلف شرط آخر وهو أن يلابس مع تمامهما أو تمامه ركنا آخر فحصل خلاف في تفسير التخلف كما ترى (والثانى) أن قوله وأن تخلف بركن لم تبطل ينبغي أن يعلم بالواو لما سبق نقله من الوجهين وايراد صاحب التهذيب يشعر بترجيح وجه البطلان فيما إذا تخلف بركن كامل مقصود ويصرح بترجيح عدم البطلان فيما إذا تخلف بركن غير مقصود كما إذا استمر في الركوع حتى اعتدل(4/386)
الامام وسجد (وقوله) وأن تخلف بركنين من غير عذر بطل يبين أن التخلف بالعذر بخلافه وأن لم يذكر حكمه في الكتاب (وقوله) فيما إذا ركع المأموم قبل أن يبتدئ الامام بالهوى إلى السجود أن الاصح عدم البطلان ليس بناء علي المأخذ الاول وهو أن الاعتدال غير مقصود لان الاكثرين(4/387)
سووا بينه وبين سائر الاركان والامام أستبعد التردد فيه ومال الي الجزم بكونه مقصودا والمصنف
يساعده في الاكثر ويوضحه أنه اطلق البطلان في التخلف بركنين ولم يفرق بين ركن وركن فإذا هو بناء على المأخذ الثاني ويصير الي أن التخلف بالركنين انما يحصل إذا شرع في ركن ثالث فاعرف(4/388)
ذلك وقوله فان ابتدأ بالهوى لم تبطل ايضا علي وجه اشارة الي المأخذ الاول ولم يذكر ههنا أن الاصح عدم البطلان بل في سياق الكلام ما يشعر بانه لا يرتضيه هذا تمام الكلام فيما إذا تخلف بغير عذر واما العذر فانواع (منها) الخوف وسنذكره في صلاة الخوف (ومنها) أن يكون المأموم بطئ القراءة والامام سريعها فيركع قبل أن يتم المأموم الفاتحة ففيه وجهان (احدهما) أنه يتابعه ويسقط عنه الباقي فعلي هذا لو اشتغل باتمامها كان متخلفا بغير عذر (واصحهما) وهو الذى ذكره صاحب التهذيب وابراهيم المرودى أنه لا يسقط وعليه أن يتمها ويسعي خلف الامام على نظم صلاته ما لم يسبقه باكثر من ثلاثة اركان(4/389)
مقصودة فان زاد علي ثلاثة اركان فوجهان (احدهما) أنه يخرج عن متابعته لتعذر الموافقة (واظهرهما) أن له أن يدوم علي متابعته وعلي هذا فوجهان (احدهما) أنه يراعي نظم صلاته ويجرى على اثره وهو معذور(4/390)
وبهذا أفتى القفال (واظهرهما) أنه يوافقه فيما هو فيه ثم يقضي ما فاته بعد سلام الامام وهذان الوجهان كالقولين في مسألة الزحام (ومنها) اخذ التقدير بثلاثة اركان مقصودة فانه انما يحصل القولان في تلك المسألة إذا ركع الامام في الثانية وقبل ذلك لا يوافقه وانما يكون التخلف قبله بالسجدتين والقيام ولم يعتبر الجلوس بين السجدتين علي مذهب من يقول أنه غير مقصود ولا يجعل التخلف بغير المقصود مؤثرا واما من لا يفرق بين المقصود وغير المقصود أو يفرق ويجعل الجلوس مقصودا(4/391)
لانه ركن طويل وهو المرضى عند صاحب الكتاب والقياس علي اصله التقدير باربعة اركان أخذا من مسألة الزحام ولو اشتغل المأموم بدعاء الاستفتاح ولم يتم الفاتحة لذلك وركع الامام فيتم الفاتحة كما في بطئ القراءة وهو معذر في التخلف ذكره في التهذيب وكل هذا في المأموم الموافق
فاما المسبوق إذا ادرك الامام في القيام وخاف ركوعه فينبغي أن لا يقرأ دعاء الاستفتاح بل يبادر الي قراءة الفاتحة فان الاهتمام بشأن الفرض أولي ثم أن ركع الامام في اثناء الفاتحة ففيه ثلاثة اوجه (احدها) أنه يسقط عنه ما بقى من الفاتحة ويركع معه (والثانى) أنه يتم الفاتحة لانه أدرك القيام الذى هو محلها (والثالث) وبه قال أبو زيد وهو الاصح عند القفال والمعتبرين أنه أن لم يقرأ شيئا من دعاء الاستفتاح يقطع القراءة ويركع معه ويكون مدركا للركعة لانه لم يدرك الا ما يقرأ فيه بعض الفاتحة فلا يلزمه فوق ذلك كما أنه إذا لم يدرك شيئا من القيام لا يلزمه شئ من الفاتحة وإن قرأ شيئا من دعاء الاستفتاح لزمه بقدره من الفاتحة لتقصيره بالعدول من الفريضة الي غيرها (فان قلنا) عليه اتمام الفاتحة (فتخلفه) ليقرأ تخلف بالعذر ولو لم يتم وركع مع الامام بطلت صلاته (وأن قلنا) أنه يركع فلو بقراءة اشتغل البقية كان هذا تخلفا بغير عذر فان سبقه الامام بالركوع وقرأ هذا المسبوق الفاتحة ثم لحقه في الاعتدال فلا يكون مدركا للركعة واصح الوجهين أنه لا تبطل صلاته إذا فرعنا علي ان التقدم بركن واحد لا يبطل كما في حق غير المسبوق (والثانى) تبطل لانه ترك متابعة الامام فيما فاتت به الركعة وكانت بمثابة السبق بركعة (ومنهاا) لزحام وسيأتي في الجمعة (ومنها) النسيان فلو ركع مع الامام ثم تذكر أنه نسي الفاتحة أو شك في قراءتها فلا يجو أن يعود لانه فات محل(4/392)
القراءة فإذا سلم الامام قام وتدارك ما فاته ولو تذكر أو شك بعدما ركع الامام وهو لم يركع بعد لم تسقط القراءة بالنسيان وماذا يفعل فيه وجهان منقولان في التهذيب (احدهما) أنه يركع معه فإذا سلم الامام قام وقضى ركعة (والثانى) أنه يتمها اولا وهذا اشبه وبه افتى القفال وعلى هذا فتخلفه ليقرأ تخلف معذور ام لا فيه وجهان حكاهما صاحب التتمة (اظهرهما) أنه تخلف معذور (والثانى) لا لتقصيره بالنسيان (الحالة الثالثة) أن يتقدم علي الامام اما في الركوع والسجود وغيرهما من الافعال الظاهرة فينظر أن كان لم يسبق بركن كامل لم تبطل صلاته لانه مخالفة يسيرة مثاله ما إذا ركع قبل الامام ولم يرفع(4/393)
حتي ركع الامام وعن بعض الاصحاب انها تبطل إذا تعمد وحكاه الامام عن الشيخ ابى محمد ووجهه
أن التقدم يناقض الاقتداء بخلاف التخلف وعلي الصحيح لو فعل ذلك عمدا لم يجز أن يعود ولو عاد بطلت صلاته لانه زاد ركنا هكذا ذكره صاحب النهاية والتهذيب وحكى العراقيون عن النص أنه ويستحب ان يعود إلى موافقته ويركع معه وقد مر ذكر هذه المسألة ولو فعله سهوا فوجهان (احدهما) انه يجب العود ولو لم يعد بطلت صلاته (واظهرهما) انه لا يجب وانما هو بالخيار أن شاء عاد والا فلا وان سبق الامام بركنين فصاعدا بطلت صلاته أن كان عامدا عالما بانه لا يجوز لتفاحش المخالفة وأن كان ساهيا أو جاهلا لم تبطل لكن لا يعتد بتلك الركعة فيتداركها بعد سلام الامام والتقدم بركنين لا يخفى قياسه مما مر في التخلف ومثل ائمتنا العراقيون ذلك بما إذا ركع قبل الامام فلما اراد(4/394)
الامام أن يركع رفع فلما اراد أن يرفع سجد فلم يجتمع معه في الركوع ولا في الاعتدال وهذا يخالف ذلك القياس فيجوز ان يقدر مثله في التخلف ويجوز ان يخصص ذلك بالتقدم لان المخالفة فيه افحش وإن سبقه بركن واحد كما إذا ركع قبل الامام ورفع رأسه والامام في القيام ثم وقف حتي رفع الامام واجمتمعا في الاعتدال فالذي ذكره الصيدلانى وقوم أنه تبطل صلاته لتعمد المخالفة ويعد هذه المخالفة عما يناسب حال المقتدى قالوا وهذ في التقدم بالركن المقصود فاما إذا سبق بالاعتدال بان اعتدل وسجد والامام بعد في الركوع أو سبق بالجلوس بين السجدتين كما إذا رفع راسه عن السجدة الاولي وجلس وسجد الثانية والامام بعد في الاولي فوجهان كما ذكرناهما في حالة التخلف وقال اصحابنا العراقيون وآخرون ان التقدم بركن واحد لا يبطل الصلاة لانه مخالفة يسيرة فهى بمثابة التخلف وهذا أظهر واشهر(4/395)
ويحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه هذا في الافعال الظاهرة واما التكبير فالسبق به غير محتمل علي ما قدمناه واما قراءة الفاتحة وفى معناها التشهد فالسبق بها علي الامام غير مبطل وأن قلنا ان السبق بتمام الركوع مبطل لانه لا يظهر به المخالفة وفى التتمة حكاية وجه ضعيف انه يبطل كالركوع وعلي المذهب هل تقع محسوبة أو يجب أعادتها مع قراءة الامام أو بعدها فيه وجهان (اظهرهما) انها تقع محسوبة إذا عرفت ما ذكرناه ونظرت في قوله والتقدم كالتخلف سبق إلى فهمك أنه جواب على
ما ذكره العراقيون وحكوه عن النص وهو أن التقدم بركن واحد لم يبطل وهذا هو الذى اورده في التخلف(4/396)
وحمل قوله وقيل أنه يبطل وان كان بركن واحد على ما رواه الصيدلاني وغيره وهذا تنزيل صحيح لكنه نقل الوجه الثاني في الوسيط عن الشيخ ابى محمد وليس في النهاية تعرض لذلك والمشهور عنه ما قدمناه أن المبادرة الي الركن مبطلة وأن كان القول به قولا بالبطلان عند السبق بتمام الركن فان كان المراد ما اشتهر لم عن الشيخ فالتقدم في لفظ الكتاب وفى الوسيط محمول علي المبادرة الي الركن من غير أن يسبق بتمامه والله أعلم *(4/397)
قال (فروع المسبوق ينبغي أن يكبر للعقد ثم للهوى فان اقتصر على واحد جاز الا إذا قصد به الهوى فان اطلق ففيه تردد لتعارض القرينة) المسبوق إذا ادرك الامام في الركوع يكبر للافتتاح وليس له أن يشتغل بقراءة الفاتحة بل يهوى للركوع ويكبر له تكبيرة اخرى وكذلك الحكم لو ادركه قائما فكبر وركع الامام كما كبر ولو اقتصر(4/398)
على تكبيرة واحدة فلا يخلو من احدى احوال اربع أن ينوى بها تكبيرة الافتتاح فتصح صلاته لان تكبيرة الركوع سنة ويشترط وقوعها في حال القيام كما تقدم وأن ينوى بها تكبيرة الركوع فلا تصح وأن ينوى بهما جميعا فظاهر المذهب انها لا تصح ايضا لانه شرك بين الفرض وغيره الذى(4/399)
لو اقتصر علي قصد الفرض لم يحصل ذلك الغير فاشبه ما لو تحرم بفريضة ونافلة ويخالف ما إذا اغتسل للجنابة والجمعة ونظائره وفيه وجه أن صلاته تنعقد نفلا نقله القاضى ابن كج عن حكاية ابى حامد القاضي والرابعة أن لا ينوى هذا ولا ذاك بل يطلق التكبيرة قال بعض الاصحاب تنعقد صلاته لان قرينة الافتتاح تصرفها إليه والظاهر أنه لا يقصد الهوى ما لم يتحرم وحكى اصحابنا(4/400)
العراقيون عن نصه في الام انها لا تنعقد لان قرينة الهوى تصرفها إليه وإذا تعارضت القرينتان فلا بد من قصد صارف والا فهي بمثابة ما لو قصد التشريك بينهما وميل امام الحرمين الي الوجه الاول وظاهر المذهب عند الجمهور الثاني وقوله في الكتاب جاز الا إذا اقصد به الهوى ليس لحصر الاستثناء فيه بل قوله فان اطلق في معني المستثنى كانه قال والا إذا اطلق نعم هذا مختلف فيه وذاك متفق عليه ثم لابد من استثناء الحالة الثالثة ايضا وان لم يتعرض لها والمراد من التردد الذى اطلقه القول المنصوص والوجه المقابل له وقوله لتعارض القرينة يجوز أن يكون اشارة الي توجيه الخلاف ويجوز أن يكون علة لعدم الانعقاد أي إذا تعارضتا فلا بد من قصد مخصص * قال (ولو نوي قطع القدوة في اثناء الصلاة ففى بطلان صلاته ثلاث اقوال يفرق الثالث بين المعذور وغير المعذور وعلي كل قول إذا احدث الامام لم تبطل (ح) صلاة المأموم)(4/401)
إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الامام ففي بطلان صلاته قولان (احدهما) انها تبطل لقوله صلي الله عليه وسلم " انما جعل الامام ليوتم به فلا تختلفوا عليه " وايضا فانه التزم الاقتداء وانعقدت(4/402)
صلاته علي حكم المتابعة فليف بها والثاني لا تبطل لما روى " أن معاذا رضي الله عنه ام قومه ليلة في في صلاة العشاء بعدما صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح سورة البقرة فتنحي من خلفه رجل وصلي وحده فقيل له نافقت ثم ذكر ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم فقال الرجل يا رسول الله انك اخرت العشاء وان معاذا صلى معك ثم أمنا وافتح سورة البقرة وانما نحن اصحاب نواضح نعمل بايدينا فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت فقال النبي صلي الله عليه وسلم افتان انت يا معاذ اقرأ سورة كذا وكذا ولم يامر الرجل بالاعادة " وايضا فان الجماعة سنة والتطوعات لا تلزم بالشروع وهذا اصح القولين وعن الاصطخرى أنه قطع به ولم يثبت في المسألة قولين والاشهر(4/403)
اثباتهما ثم اختلفوا في محلها على طرق (اصحها) أن القولين فيمن خرج عن متابعة الامام بغير عذر
فاما المعذور فيجوز له الخروج بلا خلاف " ولهذا فارقت الفرقة الاولى رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم في صلاة ذات الرقاع بعدما صلي بهم ركعة " قال امام الحرمين والاعذار كثيرة واقرب معتبر فيها أن يقال كل ما يجوز ترك الجماعة به ابتداء يجوز ترك الجماعة به بعد الشروع فيها والحقوا بها ما إذا ترك الامام سنة مقصودة كالتشهد الاول والقنوت وما إذا لم يصبر علي طول القراءة لضعف أو شغل وعن الشيخ أبي حامد ما ينازع في هذا الاخير لان حكى في البيان عنه أنه جعل انفراد الرجل عن معاذ انفرادا بغير عذر (والطريق الثاني) أن القولين فيما إذا خرج بغير عذر فاما غير المعذور لو خرج بطلت صلاته(4/404)
قولا واحدا (والثالث) أن القولين في الكل ويحكى أنه اختيار الحليمى ونظم الكتاب يوافق هذه الطريقة لانه جمع بين الحالتين واطلق ثلاثة اقوال وانما ينتظم ذلك عند من يثبت الخلاف في الحالتين وإذا كان كذلك فيجوز أن يعلم قوله ثلاثة اقوال بالواو للطريقة الاولي والثانية فان كل واحدة منهما لا يثبت الخلاف الا في حالة ولما نقل عن الاصطخرى فانه نفى الخلاف فيهما وعند ابي حنيفة تبطل صلاته بالمخالفة سواء كان بعذر أو بغير عذر وعند احمد يجوز بالعذر ولا يجوز بغير عذر في اصح الروايتين (وقوله) وعلي كل قول الي آخره الغرض منه بيان أن الخلاف فيما إذا قطع المأموم القدوة والامام في صلاته فاما إذا انقطعت القدوة لحدث الامام فليس هذا موضع الخلاف ولا تبطل صلاة المأموم بحال لانه لم يحدث شيئا (وقوله) لم تبطل صلاة المأموم معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لو تعمد الحدث بطلت صلاة المأمومين وكذا لو سبقه الحدث ولم يستخلف قال (والمنفرد إذا اقتدى في اثناء صلاته لم يجز في الجديد)(4/405)
لو اقيمت الجماعة وهو في الصلاة منفردا نظر أن كان في فريضة الوقت فقد قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر احببت أن يكمل ركعتين ويسلم يكونان له نافلة ويبتدئ الصلاة مع الامام ومعناه أنه يقطع نية الفريضة ويقلبها نفلا وفيه وفى نظائره خلاف قدمناه في مسائل النية في باب صفة الصلاة ثم ما ذكره فيما إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ولم يكمل بعد ركعتين فاما إذا كانت
ذات ركعتين أو اكثر وقد قام الي الثالثة فيتمها ثم يدخل في الجماعة وأن كان في فائتة فقد قال القاضي الحسين رحمه الله لا يستحب أن يقتصر على ركعتين ليصلي تلك الصلاة بالجماعة لان الفائتة لا تشرع لها الجماعة بخلاف ما لو شرع في الفائتة في يوم غيم فانكشف الغيم وخاف فوات الحاضرة يسلم عن ركعتين ويشتغل بالحاضرة لان مراعاة الوقت اولي من مراعاة الجماعة وأن كان(4/406)
في نافلة واقيمت الجماعة فان لم يخش فوتها اتمها وأن خشي قطعها ودخل في الجماعة ولو لم يسلم عن الصلاة التى احرم بها منفردا واقتدى في خلالها ففيه طريقان (اصحهما) أن فيه قولين (احدهما) لا يجوز وتبطل صلاته وبه قال مالك وابو حنيفة وكذلك احمد في اصح الروايتين لما روى أنه صلى الله عليه وسلم وسلم قال " لا تختلفوا علي امامكم " وهذا يفضى الي الاختلاف وايضا قال " فإذا كبر فكبروا " أمر المأموم(4/407)
بان يكبر إذا كبر الامام وهذا كبر قبله (واصحهما) أنه يجوز وبه قال المزني لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " صلى اصحابه ثم تذكر في صلاته أنه جنب فاشار إليهم كما انتم وخرج واغتسل وعاد ورأسه يقطر وتحرم بهم " ومعلوم انهم انشأوا اقتداء جديدا إذ تبين أن الاول لم يكن صحيحا وايضا فانه يجوز أن يصلى بعض الصلاة منفردا ثم يقتدى به جماعة فيصير اماما فكذلك يجوز أن يصير مأموما(4/408)
بعدما كان منفردا (والطريق الثاني) القطع بالمنع حكى الطريقين الشيخان أبو محمد والصيدلاني وغيرهما والمشهور اثبات القولين ثم اختلفوا في محلهما علي طرق (احدها) وبه قال القاضي أبو حامد أن القولين فيما إذا لم يركع المنفرد بعد في صلاته فاما بعده فلا يجوز الاقتداء قولا واحدا لانه يخالف الامام في الترتيب وموضع القيام والقعود فلا تتأتى المتابعة (وثانيها) أن القولين فيما إذا اقتدى بعد الركوع فاما قبله فيجوز قولا واحدا وبه قال أبو إسحق واختاره القاضى أبو الطيب واصحهما ان(4/409)
القولين يطردان في الحالين وحكي في التهذيب طريقة الفرق بعبارة اخرى فقال منهم من قال القولان
فيما إذا اتفقا في الركعة فان اختلفا وكان الامام في ركعة والمأموم في اخرى متقدما أو متأخرا لا يجوز وهذا هو الوفاء بالنظر إلى اختلاف الترتيب وإذا جوزنا الاقتداء علي الاطلاق واختلفا في الركعة قعد المأموم في موضع قعود الامام وقام في موضع قيامه وإذا تم صلاة المأموم اولا لم يوافق الامام في الزيادة بل إن شاء فارقه وإن شاء انتظره في التشهد وطول الدعاء ليتم صلاته فيسلم معه وان تم صلاة الامام أولا قام المأموم واتم صلاته كما يفعل المسبوق وإذا سها المأموم قبل الاقتداء لم يتحمل عنه الامام بل إذا سلم الامام سجد هو لسهوه وان سها بعد الاقتداء تحمل عنه الامام وإن سها الامام قبل الاقتداء أو بعده لحق المأموم ويسجد مع الامام ويعيد في آخر صلاته علي الاصح علي ما ذكرناه في المسبوق وقوله في الكتاب لم يجز على الجديد جواب على الطريقة المشهورة وهى اثبات(4/410)
الخلاف في المسألة وظاهره يوافق الطريقة المشهورة بعد اثبات الخلاف وهى طرده في الاحوال كلها واما تعبيره عن قول المنع بالجديد فهكذا ذكره الشيخ أبو محمد والمسعودي وغيرهما وقالوا قوله في المختصر كرهت أن يفتتحها صلاة انفراد ثم يجعلها صلاة جماعة اراد به أنى لا أجوزه وجعلوا الجواز قوله القديم وقال صاحب المهذب وشيخه أبو القاسم الكرخي وآخرون يجوز ذلك في القديم والجديد معا وحكوا قول المنع عن الاملاء وارادوا بالجديد الام ونقلوا الجواز عنه واعلم أن الاملاء محسوب من الكتب الجديدة فيحصل عما نقلوه عنه عن الام قولان في الجديد ويمكن تنزيل التعبيرين عليهما وبتقدير انحصار المنع في الجديد على ما يشعر به لفظ الكتاب فالمسألة مما يفتى فيها علي القديم لان الاصح عند جمهور الاصحاب جواز الاقتداء ويجوز أن يعلم قوله ما لم يجز بالزاى لما ذكرناه من مذهب المزني(4/411)
وقوله علي الجديد بالواو لامرين احدهما (الطريق الثاني) للخلاف في بعض الاحوال (والثانى) الطريق الثاني للخلاف في المسألة اصلا ورأسا * قال (وإذا شك المسبوق أن الامام هل رفع رأسه قبل ركوعه ففي ادراكه قولان لان لاصل انه لم يدرك ويعارضه أن الاصل أنه لم يرفع رأسه) *(4/412)
الاصل الذى تتفرع عليه المسألة أن من ادرك الامام في الركوع كان مدركا للركعة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال " من ادرك الركوع من الركعة الاخيرة يوم الجمعة فليضف إليها اخرى ومن لم يدرك(4/413)
الركوع من الركعة الاخيرة فليصل الظهر أربعا " وروى أن ابا بكرة دخل المسجد والنبي صلي(4/414)
الله عليه وسلم راكع فركع ثم دخل الصف واخبر النبي صلي الله عليه وسلم بذلك ووقعت ركعته معتدا بها وذكر في التتمة أن ابا عاصم العبادي حكى عن أحمد بن اسحق بن خزيمة من اصحابنا أنه(4/417)
قال لا تدرك الركعة بادراك الركوع ويجب تداركها * واحتج بما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من ادرك الامام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة " وروى(4/418)
الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور مثله عن ابى بكر الضبعى والمذهب المشهور الاول وعليه جرى الناس في الاعصار ويعتبر فيه ان يكون ذلك الركوع محسوبا للامام فان لم يكن ففيه كلام قد تعرض له في كتاب الجمعة وسنشرحه ثم ان شاء الله تعالي إذا عرفت ذلك فاعلم ان معنى ادراكه في الركوع ان يكتفى هو وامامه في حد اقل الركوع حتي لو كان هو في الهوى والامام في الارتفاع وقد بلغ هو حد الاقل قبل أن يرتفع الامام عنه كان مدركا وان لم يلتقيا فيه فلا هذه عبارة الاصحاب على طبقاتهم وهل يشترط ان يطمئن قبل ارتفاع الامام عن الحد المعتبر الاكثرون(4/419)
لم يتعرضوا له ورأيت في البيان اشتراط ذلك صريحا وبه يشعر كلام كثير من النقلة وهو الوجه والله اعلم ولو كبر وانحني وشك في انه هل بلغ الحد المعتبر قبل ارتفاع الامام عنه ام لا فهذه مسألة الكتاب وقد نقل فيها قولين وحكاهما في النهاية وجهين (احدهما) انه غير مدرك للركعة لان
الاصل عدم ادراك الركوع (والثانى) انه مدرك لها لان الاصل بقاء الامام في الركوع في زمان الشك والاول اظهر لان الحكم بادراك ما قبل الركوع بادراك الركوع علي خلاف الحقيقة لا يصار(4/420)
إليه لا عند تيقن الركوع وان ادركه فيما بعد الركوع من الاركان لا يكون مدركا للركعة وعليه ان ايتابعه في الركن الذى ادركه فيه وان لم يكن محسوبا لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا اتي احدكم(4/421)
الصلاة والامام على حال فليصنع كما يصنع الامام " * (قال والمسبوق عن سلام الامام يقوم من غير تكبير علي النص) *(4/422)
المسبوق إذا ادرك الامام في الركوع فقد ذكرنا انه يكبر للهوى بعد تكبيرة الافتتاح ولو ادركه(4/423)
في السجدة الاولى أو الثانية أو في التشهد فهل يكبر للانتقال إليه فيه وجهان (احدهما) نعم كالركوع (واظهرهما) لا لان الركوع محسوب له فيكبر للانتقال إليه وههنا بخلافه ويخالف ايضا ما لو ادركه في(4/424)
الاعتدال فما بعده فانه ينتقل مع الامام من ركن الي ركن مكبرا وان لم تكن محسوبة له لان ذلك لموافقة الامام ولذلك نقول يوافقه في قراءة التشهد وفى التسبيحات علي اصح الوجهين فهذا حكم تكبيره إذا لحق الامام اما إذا سلم الامام فقام المسبوق ليتدارك فقد قال في الكتاب انه يقوم من غير تكبير واسنده إلى نصه وهكذا فعل في الوسيط وذكر أن الشيخ ابا محمد قال أنه يكبر للانتقال ولم يرسل جمهور الائمة الخلاف في المسألة هكذا وحيث أثبتوا الخلاف لم يسندوا نفى التكبير إلى النص ولكن قالوا ينظر أن كان الجلوس الذى سلم من الامام موضع جلوس المسبوق كما لو ادركه(4/425)
في الثالثة من الصلوات الرباعية أو في الثانية من المغرب فيقوم مكبرا فانه لو كان وحده لكان هكذا
يفعل وأن لم يكن موضع جلوسه كما إذا ادركه في الثانية أو الرابعة من الرباعيات أو في الثالثة من المغرب ففيه وجهان (اظهرهما) وبه قال القفال أنه لا يكبر عند قيامه لانه ليس موضع تكبيره وليس فيه موافقة الامام (والثاني) ويحكي عن أبى حامد أنه يكبر كيلا يخلو الانتقال عن ذكر ومتي لم يكن الموضع موضع جلوسه لم يجز له المكث بعد سلام الامام ولو مكث بطلت صلاته.
وأن كان موضع جلوسه لم يضر المكث وقوله والمسبوق عند سلام الامام لك أن تبحث فتقول الاعتبار بالتسليمة الاولى(4/426)
أو الثانية (فاعلم) أن السنة أن يقوم عقيب تسليمتى الامام فان (الثانية) من الصلاة وان لم تكن مفروضة ويجوز أن يقوم عقيب الاولي ولو قام قبل تمامها بطلت صلاته أن تعمد القيام وهذا يبين أنه ليست كلمة عند للحصر اعني في قوله عند سلام الامام ومن الاصول في المسبوق أن ما يدركه مع الامام اول صلاته وما يأتي به بعد سلام الامام آخر صلاته حتي لو ادرك ركعة من المغرب فإذا قام لاتمام الباقي يجهر في الثانية ويسر في الثالثة ولو ادرك ركعة من الصبح وقنت مع الامام يعيد القنوت في الركعة التى يتداركها بعد سلام الامام ونص أنه لو ادرك ركعتين من صلاة رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة بعد الفاتحة في الركعتين وهذا يخالف قياس الاصل الذى ذكرناه فمن الاصحاب من قاله أنه جواب على قوله يستحب قراءة السورة في الركعات ومنهم من قال انما امره بقراءة السورة لان امامه لم يقرأ السورة في الركعتين اللتين ادركهما المسبوق وفاتته فضيلتها فيتداركها في الركعتين الباقيتين فصار كما إذا ترك سورة الجمعة في الركعة الاولي من صلاة الجمعة يقرؤها مع سورة المنافقين في الثانية وقال أبو حنيفة رحمه الله ما ادركه المسبوق مع الامام آخر صلاته الامام وما يتداركه بعد سلام الامام اول اصلاته ووافقنا علي أنه لو ادرك ركعة من المغرب وقام بعد سلام الامام للتدارك يقعد في الثانية ولو كان ما يتداركه أول صلاته لما قعد *(4/427)
قال * (كتاب صلاة المسافرين) * (وفيه بابان الاول في القصر وهو رخصة عند وجود السبب والمحل والشرط)
لما يترجم العلماء هذا الباب بصلاة المسافرين لا علي معنى أن للمسافرين يختصون بها ولكن(4/428)
علي معنى أن لهم كيفية في اقامة الفرائض لا تعم كل مصل وانما شرعت تخفيفا عليهم لما يلحقهم من تعب السفر وهى نوعان (احدهما) تخفيف في نفس الصلاة وهو القصر (والثاني) تخفيف في رعاية وقتها وهو الجمع فرسما لهم بابين والتخفيف الثاني لا يختص بالسفر بل المطر يثبته ايضا لكن السفر أقوى سببيه علي ما تبين في التفاصيل فجعل الآخر تبعا له واورد في صلاة المسافرين: أما القصر فهو جائز بالاجماع وقد قال تعالي (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن خفتم ان يفتنكم الذين كفروا) روى أن يعلي بن امية قال " قلت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه انما قال الله أن خفتم وقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " وهل هو رخصة أو عزيمة عندنا هو رخصة ولو اراد الاتمام جاز وبه قال احمد(4/429)
لما روى عن عائشة رضى الله عنه انها قالت " سافرت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما رجعت قال ما صنعت في سفرك فقالت اتممت الذى قصرت وصمت الذي افطرت فقال احسنت " وقال أبو حنيفة القصر عزيمة ولا تجوز الزيادة على الركعتين في الصلاة الرباعية ولو صلي اربعا فان قعد في الثانية مقدار التشهد اجزأت الركعتان عن فرضه والاخريان له نافلة وان لم يقعد مقدار التشهد بطلت صلاته(4/430)
وهذا في المنفرد اما إذا اقتدى بمقيم سلم أنه يتم وعن مالك روايتان (احداهما) كمذهبنا والاخرى كمذهبه وأعلموا في نسخ الكتاب قوله وهو رخصة بالحاء والميم اشارة إلى مذهبهما وظني أن هذا الاعلام فاسد لان وصف الشئ بانه رخصة قد يكون بالمعني المقابل للعزيمة وقد يكون بمعني أنه جائز - يقال ارخص لفلان في كذا أي جوز له ذلك - والاشبه أن المراد ههنا المعنى الثاني لانه قال عند وجود السبب والمحل والشرط ومعلوم أن الجواز يفتقر الي هذه الامور سواء كان رخصة أو عزيمة ولا يختص الافتقار إليها بالرخصة المقابلة للعزيمة وإذا كان المراد أنه جائز فلا
خلاف فيه حتى يعلم * قال (الاول السبب وهو كان سفر طويل مباح (ح) والمراد بالسفر ربط القصد بمقصد معلوم فالهائم(4/431)
لا يترخص وانما يترخص المسافر عن مجاوزة السور أو عمران البلدان لم يكن له سور وأن لم يجاوز المزارع والبساتين ويشترط مجاوزتها علي سكان القرايا اعني المزارع المحوطة وعلي النازل في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي أو يهبط أن كان علي ربوة أو يصعد ان كان في وهدة أو يجاوز الخيام أن كان في حلة) * السبب المجوز للقصر السفر الطويل المباح فهذه ثلاثة قيود (اولها) السفر وقد تكلم في معناة في ابتدائه وانتهائه.
اما معناه فلا بد فيه من ربط القصد بمقصد معلوم فلا رخصة للهائم الذى لا يدرى الي أين يتوجه وأن طال سيره لان كون السفر طويلا لا بد منه وهذا لا يدري أن سفره طويل ام لا والهائم هو الذى سماه راكب التعاسيف في باب الاستقبال ويجوز أن يعلم قوله فالهائم لا(4/432)
يترخص بالواو لان صاحب البيان حكى عن بعضهم فيه وجهين بناء علي القولين فيما إذا سلك الطريق الطويل وترك القصير لا لغرض ولعل هذا بعد أن يسير مسافة القصر والله اعلم ولو استقبلته برية واضطر الي قطعها أو ربط قصده بمقصد معلوم بعد ما هام على وجهه اياما فهو منشئ للسفر من حينئذ وتنبه من لفظ الكتاب لامور (احدها) انما قال والمراد بالسفر ولم يذكر ان السفر عبارة عن المعنى الذى يخرج عنه الهائم لانه ينتظم أن يقال هو هائم في سفره (والثانى) أن في الكلام اضمارا معناه ربط قصد السير بمقصد معلوم لان مجرد النية لا يجعله مسافرا ولا تفيد الرخصة قال الله تعالى (وإذا ضربتم في الارض) الآية ربط القصر بالضرب في الارض لا بقصد الضرب وهذا بخلاف ما لو نوى المسافر الاقامة في موضع صالح لها حيث يصير مقيما لان الاصل الاقامة والسفر(4/433)
عارض فيجوز أن يعود الي الاصل بمجرد النية (والثالث) أن قوله ربط القصد بمقصد معلوم يخرج
عنه ما لو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لان المراد من المقصد المكان الذى يتوجه بسيره إليه وهو لا يقصد ثم مكانا معينا وهذه المسألة تذكر في الكتاب في قيد الطويل وسنذكرها ونظائرها من بعد: واما ابتداء السفر فيتبين بتفصيل كان الموضع الذى منه الارتحال فان ارتحل عن بلده نظر أن كان لها سور فلا بد من مجاوزته وأن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة لان جميع ما في داخل السور معدود من نفس البلدة محسوب من موضع الاقامة وإذا جاوز السور فلفظ الكتاب كالصريح في أنه ابتداء السفر ولا يتوقف الترخص على شئ آخر لانه قال وانما يترخص المسافر عند مجاوزة السور ونقل كثير من الائمة يوافقه لكن في بعض تعاليق المروروذيين أنه أن كان خارج الصور دور(4/434)
متلاصقة أو مقابر فلا بد من مفارقتها ويقرب من هذا ايراد الكلام في التهذيب فلك أن تقدر في المسألة وجهين وتوجه الاول بان تلك الابنية لا تعد من البلد ألا يرى أنه يقال مدرسة كذا خارج البلد ويوجه الثاني بانها من مواضع الاقامة المعدودة من توابع البلد ومضافاتها فلها حكمها ولك ان لا تثبت خلافا في المسألة وتؤول احد النقلين علي الآخر (والثاني) اوفق لكلام الشافعي فانه رضي الله عنه قال في المختصر وأن نوى السفر فلا يقصر حتى يفارق المنازل أن كان حضريا فلم يعتبر السور وانما اعتبر مفارقة المنازل والله اعلم وأن لم يكن للبلدة سور اما في صوب سفره أو مطلقا فابتداء السفر بمفارقة العمران حتي لا يبقى بيت متصل ولا منفصل والخراب الذى يتخلل العمارات معدود من البلد كالنهر الحائل بين جانبى البلد مثل ما في بغداد فلا يترخص بالعبور من احد الجانبين الي الاخر وفى هذا شئ سنذكره في كتاب الجمعة أن شاء الله تعالى وان كانت اطراف البلدة خربة ولا عمارة وراءها فلفظ الكتاب يقتضي الاستغناء عن مجاوزتها فانه قال أو عمران البلد أن لم يكن(4/435)
سور ووجهه أن الخراب ليس موضع اقامة وهذا هو الموافق للنص الذي قدمناه وهو الذى اورده صاحب التهذيب وقال اصحابنا العراقيون والشيخ أبو محمد لا بد من مجاوزتها لانها معدودة من البلدة ومجاوزة البلدة لا بد منها فليعلم قوله أو عمران البلد بالواو كذلك وهذا الخلاف فيما إذا كانت بقايا الحيطان
قائمة ولم يتخذوا الخراب مزارع ولا هجروه بالتحويط علي العامر فان كان الامر بخلافه فلا خلاف في أنه لا حاجة الي مجاوزتها ولا يشترط مجاورة البساتين والمزارع المتصلة بالبلد وأن كانت محوطة لانها لا تتخذ للسكنى والاقامة الا إذا كانت فيها قصور أو دور يسكنها ملاكها في جميع السنة أو في بعض فصلوها فلا بد من مجاوزتها حينئذ وليعلم قوله وأن لم يجاوز المزارع والبساتين بالواو لان صاحب التتمة حكى عن بعض الاصحاب اشتراط مجاوزة البساتين والمزارع المضافة الي البلدة مطلقا هذا كله فيما إذا ارتحل عن بلدة: اما القرية فحكمها حكم البلدة في جميع ما ذكرناه الا أنه شرط في الكتاب مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة في القرى (وقوله) في الكتاب اعني المزارع المحوطة ليس لتخصيص الحكم بالمزارع بل البساتين في معناها بطريق الاولى وقد صرح به في الوسيط ويمكن أن يقال الغالب في البساتين التحويط أو هو شرط في وقوع اسم البساتين فلم يحتج إلى اعادة ذكرها مقيدة بالتحويط وهذا الذى ذكره حجة الاسلام قدس الله روحه من اعتبار مجاوزة البساتين والمزارع المحوطة جميعا بخلاف ما نقله غيره اما امام الحرمين فانه اعتبر مجاوزة البساتين وقال هي معدودة من القرى ولم يعتبر مجاوزة المزارع لانها ليست موضع سكون ثم قال لو كانت بساتينها غير محوطة على هيئة المزارع أو مزارعها محوطة فلا(4/436)
يشترط عندي مجاوزتها فصرح ان مجاوزة المزارع وأن كات محوطة لا تشترط واما العراقيون من اصحابنا فانهم لم يشترطوا مجاوزة البساتين ولا مجاوزة المزارع لانهم ذكروا عدم الاشتراط في البلد ثم قالوا والحكم في القرى إذا اراد أن يسافر من القرية كالحكم في البلدى سواء هذا لفظ المحاملى وغيره فإذا يجب اعلام قوله ويشترط مجاوزتها جميعا علي سكان القرى بالواو ومعرفة ما فيه ولو فرضت قريتان ليس بينهما انفصال فارق فهما كمحلتين فيجب مجاوزتهما قال الامام وفيه احتمال ولو كان بينهما انفصال فإذا فارق قريته كفي وان كانتا في غاية التقارب وعن ابن سريج انهما إذا تقاربتا وجب مفارقتهما(4/437)
ولو جمع سور قرى متفاصلة فلا يشترط للسفر منها مجاوزة ذلك السور وكذلك لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين ويتبين بهذا أن قوله في الكتاب عند مجاوزة السور المراد منه السور المختص بالموضع
الذي يرتحل منه واما المقيم في الصحارى فلا بد له من مفارقة البقعة التى اقام بها قدر ما يكون فيه رحله وامتعته وينتسب إليه فان سكن واديا وسافر في عرضه فلا بد من مجاوزة عرض الوادي نص عليه الشافعي رضى الله عنه قال الاصحاب وهذا علي الغالب في اتساع الوادي فان افرطت السعة لم يجب الا مجاوزة القدر الذى يعد موضع نزوله أو موضع الحلة التى هو منها كما لو سافر في طول الوادي وعن القاضى ابي الطيب أن كلام الشافعي رضي الله عنه مجرى علي اطلاقه وجانبا الوادي بمثابة سور البلد والنازل فيهما يتحصن بهما فلا بد من مجاوزتهما وإذا كان النازل على ربوة فلا بد من أن(4/438)
يهبط وأن كان في وهدة فلا بد من أن يصعد وهذا ايضا عند الاعتدال كما ذكرنا في الوادي وإذا كان في قوم أهل خيام كالاعراب والاكراد فانما يترخص إذا فارق الخيام مجتمعة أو متفرقة ما دامت تعد حله واحدة وهى بمثابة ابنية البلدة والقرية ولا يعتبر مفارقته لحلة اخرى بل الحلتان كالقريتين المتقاربتين وضبط الصيدلاني التفرق الذى لا يؤثر بان يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد ويستعير بعضهم من بعض فإذا كانوا بهذه الحالة فهم حى واحد ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الابل فانها معدوة من جملة مواضع اقامتهم (وقوله) وعلي النازل في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي وفى بعض النسخ أن يخرج عرض الوادي وفى بعضها أن يجاوز والمعنى لا يختلف يقال جزع الوادي أي قطعه وجزعة منعطفة وفي(4/439)
الكلام اضمار معناه يشترط عليه الخروج عن عرض الوادي إن كان سفره في صوب العرض (وقوله) أو يهبط إن كان على ربوة لا يختص بالنازل في الوادي بل الربوة والوهدة في غير الوادي اغلب وقد يفرضان فيه ايضا والحكم لا يختلف وليست كلمة أو فيهما وفى مجاوزة الخيام للتخيير لكن المقصد التعرض لاحوال النازل في الصحراء وهو تارة يكون في واد وتارة علي ربوة وتارة في وهدة وتارة في مستو من الارض فلا يفرض في حقه خروج من العرض ولا هبوط ولا صعود ولكنه يجاوز الخيام إن كان في حلة ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والصعود والهبوط بين المقيم والمنفرد في خيمة
وبين أن يكون في جماعة اهل خيام علي التفصيل الذى بيناه ولك أن تعلم قوله أو يجاوز الخيام بالواو لان القاضي ابن كج حكى وجها أنه لا يعتبر مفارقة الخيام بل يكفي مفارقة خيمته خاصة *(4/440)
قال (فان رجع المسافر لاخذ شئ نسيه لم يقصر في رجوعه الي وطنه الا إذا رجع إلى بلد كان بها غريبا فاظهر الوجهين أنه يترخص وان كان قد أقام بها) إذا فارق المسافر بنيان البلدة ثم رجع إليها لحاجة كاخذ شئ نسيه وغسل الدم من رعاف اصابه وتجديد طهارة وما اشبه ذلك فلتلك البلدة أحوال ثلاث (أحداها) أن لا يكون له بها اقامة اصلا فلا يصير مقيما بالرجوع إليها والحصول فيها (والثانية) ان تكون وطنه فليس له القصر إذا عاد إليها لحصوله في مسكنه وموضع اقامته وانما يترخص إذا فارقها ثانيا (والثالثة) أن لا تكون وطنه لكنه قد اقام بها مدة فهل يترخص إذا عاد إليها فيه وجهان (أحدهما) لا كما لو كانت وطنا له وهذا هو الذى ذكره في التهذيب (والثانى) نعم لانه أبطل عزم الاقامة وليست وطنا له فكانت بالاضافة إليه كسائر(4/441)
المنازل وهذا هو المذكور في التتمة والاصح عند امام الحرمين وصاحب الكتاب وحيث حكمنا بانه لا يترخص إذا اعاد إليه فلو نوى ان يعود ولم يعد بعد لا يترخص أيضا ويصير بالنية مقيما ولا فرق بين حالة الرجوع وحالة الحصول في البلدة المرجوع إليها أن ترخص ترخص فيهما والا فلا وقد صرح بالتسوية بينهما في الوسيط وبينه بقوله ههنا لم يقصر في رجوعه إلى وطنه علي انه لا يقصر في الوطن بطريق الاولي ولا يخفي ان الكلام مفروض فيما إذا لم يكن من موضع الرجوع إلى الوطن قدر مسافة القصر والا فهو سفر منشأ ويجوز أن يعلم قوله لم يقصر في رجوعه بالواو لان القاضي ابا المكارم ذكر في(4/442)
العدة انه يجوز له القصر في طريق البلد ذاهبا وجائيا ما لم يدخل البلد فإذا دخل لا يقصر وقوله الا إذا رجع استثناء منفصل فان البلدة التى تكون وطنا له لا يكون الانسان غريبا بها *
قال (ثم نهاية سفره بالعود الي عمران الوطن أو بالعزم على الاقامة مطلقا أو مدة تزيد علي ثلاثة ايام ليس فيها يوم الدخول والخروج فان كان له في البلد غرض يعلم أنه لا ينتجز في ثلاثة ايام فهو مقيم الا إذا كان الغرض قتالا فيترخص علي ظهر القولين لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثمانية عشر يوما وهل يزيد علي تلك المدة فقولان وان كان يتوقع انتجاز غرضه كل ساعة وهو علي عزم الارتحال ترخص ان كان الغرض قتالا وان كان غيره فقولان) * غرض الفصل فيما ينتهى به السفر وقد عده في الوسيط ثلاثة امور (أحدها) لعود الي الي الوطن والضبط فيه ان يرجع الي الموضع الذى شرطنا مفارقته في انشاء السفر منه وفى معنى الوصول(4/443)
الي الوطن الوصول الي المقصد الذى عزم علي الاقامة فيه الحد المعتبر كما سيأتي ولو لم يعزم علي الاقامة به ذلك الحد لم ينته سفره بالوصول إليه علي أصح القولين بل له القصر بعد الوصول إليه وفى انصرافه ذكره في التهذيب وغيره ولو حصل في طريقه في قرية أو بلدة له بها أهل وعشيرة فهل ينتهى سفره بدخوله فيه قولان (أحدهما) نعم كدخول وطنه (واصحهما) لا " لان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين لما حجوا قصروا بمكة وكان لهم أهل وعشيرة " وطرد الصيدلاني هذين القولين فيما إذا مر في طريق سفره بوطنه لانه قال لو خرج مكى الي جدة أو إلى موضع آخر يقصر إليه الصلاة ونوى انه إذا رجع الي مكة خرج منها إلى بعض الآفاق من غير اقامة فهل يصير مقيما إذا دخلها راجعا فيه قولان وذلك ان الرجل إذا مر ببلدة له بها أهل ومال هل يصير بدخولها مقيما فيه قولان فعلى هذا العود الي الوطن لا يوجب انتهاء السفر الا إذا كان عازما علي الاقامة لكن المشهور انه يصير مقيما بنفس الدخول بلا خلاف ولذلك قطعوا فيما إذا رجع إلى وطنه لاخذ شئ نسيه بانه(4/444)
لا يقصر وقد نقل في البيان مثل ما ذكر الصيدلانى عن بعض الاصحاب واستبعده وقطع بانه لا يقصر إذا عاد إلى مكة ويصير مقيما (الثاني) نية الاقامة إذا نوى الاقامة في طريقه مطلقا انقطع سفره وصار مقيما لا يقصر فلو أنشأ السير بعده فهو سفر جديد فانما يقصر إذا توجه الي مرحلتين هذا إذا
نوى الاقامة في موضع يصلح لها من بلدة أو قرية أو واد يمكن للبدوي النزول فيه للاقامة فاما المفازة ونحوها فهل ينقطع سفره بنية الاقامة فيها فيه قولان (احدهما) وبه قال أبو حنيفة لا لان المكان غير صالح للاقامة (واظهرهما) عند جمهور الاصحاب نعم لقصده قطع السفر وهذا أوفق لمطلق لفظ الكتاب والاول ارجح عنده في الوسيط ولو نوى الاقامة مدة نظر إن نواها ثلاثة ايام فما دونها لم يصر مقيما بذلك لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا " وكان يحرم على المهاجرين الاقامة بمكة ومساكنة(4/445)
الكفار فلما رخص لهم في المكث هذا القدر اشعر ذلك بانه لا يقطع حكم السفر ولا يوجب الاقامة " ومنع عمر رضى الله عنه أهل الذمة من الاقامة في أرض الحجاز وجوز للمجتازين بها المكث ثلاثة أيام " وان نوى الاقامة اكثر من ثلاثة أيام فعبارة الشافعي رضى الله عنه وجمهور الاصحاب انه إذا قصد اقامة أربعة أيام صار مقيما وذلك يقتضي ان لا يكون قصد اقامة ما دون الاربعة منهيا للسفر وان زاد علي ثلاثة أيام(4/446)
وقد صرح به كثيرون واختلفوا في ان الايام الاربعة كيف تحتسب على وجهين مذكورين في التهذيب وغيره (أحدهما) أنه يحتسب يوم الدخول والخروج كما يحسب يوم الحدث ويوم نزع الخف في مدة المسح (واصحهما) لا لان المسافر لا يستوعب النهار بالسير انما يسير في بعضه وهو في يومي الدخول والخروج سائر في بعض النهار ولانه في يوم الدخول في شغل الحط وتنضيد الامتعة ويوم الخروج في شغل الارتحال وهما من اشغال السفر فعلي الاول لو دخل يوم السبت وقت الزوال علي عزم الخروج يوم الاربعاء وقت الزوال فقد صار مقيما لبلوغ المكث في البلد أربعة أيام وعلي الثاني لا يصير مقيما وان دخل ضحوة يوم السبت علي عزم الخروج عشية يوم الاربعاء وقال صاحب الكتاب وشيخه متى نوى اقامة زيادة علي ثلاثة أيام فقد صار مقيما وهذا الذي ذكرناه يوهم انه على خلاف قول الجمهور لانهم احتملوا ما دون الاربعة وان زاد على الثلاثة وهما لم يحتملا زيادة وهو كذلك من حيث الصورة لكن لا خلاف في الحقيقة لانهم احتملوا زيادة لا تبلغ الاربعة غير يومي الدخول والخروج وهما لم يحتملا زيادة على الثلاثة غير يومي الدخول والخروج وقرض الزيادة علي الثلاثة بحيث لا تبلغ الاربعة ويكون غير يومى الدخول والخروج مما لا يمكن وقد روى " ان النبي صلي الله عليه
وسلم دخل مكة عام حجة الوداع يوم الاحد وخرج يوم الخميس إلي منى كل ذلك يقصر " ثم الايام المحتملة معدودة مع الليالي لا محالة وإذا نوى اقامة القدر الذى لا يحتمل فيصير مقيما في الحال ولا يتوقف علي انقضاء المدة المحتملة ولو دخل ليلا لم يحتسب بقيه الليل ويحتسب الغد وجميع ما ذكرنا في غير المحارب فاما المحارب إذا نوى الاقامة قدرا لو نواه غيره لصار مقيما ففيه قولان حكاهما الشيخ أبو حامد وكثير من الائمة (احدهما) لا يصير مقيما وله القصر أبدا لانه قد يضطر الي الارتحال فلا يكون له قصد جازم (وأصحهما) انه يصير مقيما كغيره وهذا هو الموافق لاطلاق لفظ الكتاب(4/447)
والخلاف كالخلاف فيما لو قصد الاقامة في موضع لا يصلح لها وقوله أو مدة تزيد على ثلاثة ايام معلم بالحاء والزاي لان عن أبى حنيفة لا يصير مقيما الا إذا نوى اقامة خمسة عشر يوما فصاعدا وهو اختيار المزني وحكى عن مالك واحمد مثل مذهبنا ويروى عن احمد انه أن نوى اثنين وعشرين صلاة اتم وأن نوى اقامة احدى وعشرين فما دونها قصر ويجوز أن يعلم بالالف ايضا (وقوله) ليس فيها يوم الدخول والخروج معلم بالواو لان على الاول من الوجهين المذكورين في كيفية الاحتساب لا يحتمل اليومان مع الثلاثة على الاطلاق الثالث صورة الاقامة إذا زادت علي ثلاثة ايام علي الوجه الذى بيناه فمهما عرض له شغل في بلدة أو قرية واحتاج الي الاقامة لذلك فلا يخلو إما أن يكون ذلك الشغل بحيث(4/448)
يتوقع تنجزه لحظة فلحظة وهو علي عزم الارتحال متى تنجز أو يكون بحيث يعلم أنه لا يتنجز في الايام الثلاثة كالتفقه والتجارة الكثيرة ونحوهما فاما في الحالة الاولي فله القصر الي أربعة أيام علي ما تقدم وصفها ثم لا يخلو إما أن يكون على القتال أو خائفا منه أو لا يكون كذلك فان كان علي القتال أو خائفا منه ففى المسألة طريقان (اظهرهما) أن فيها قولين (احدهما) أنه ليس له القصر لان نفس الاقامة ابلغ من نية الاقامة فإذا امتنع القصر بنية اقامة اربع فصاعدا فلان يمتنع باقامتها كان أولي (واصحهما) أن له القصر لانه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقام عام الفتح علي قتال هوازن اكثر من اربعة ايام يقصروا " على هذا كم يقصر فيه قولان (اصحهما) أنه يقصر
المدة التى قصر رسول الله صلي الله عليه وسلم وفيما عدا ذلك فالاصل وجوب الاتمام وقد اختلفت الرواية في مدة اقامته بمكة للحرب المذكور فروى أنه اقام سبعة عشر وروى أنه اقام تسعة عشر وروى أنه اقام عشرين وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه اقام ثمانية عشر " قال(4/449)
في التهذيب واعتمد الشافعي رضى الله عنه رواية عمران بن حصين رضي الله عنه لسلامتها عن الاختلاف (والقول) الثاني له القصر ابدا مادام علي هذه النية لما روى أنه صلي الله عليه وسلم وآله " اقام بتبوك عشرين يوما يقصر " وايضا فان الظاهر أنه لو زادت الحاجة لدام رسول الله صلى الله عليه(4/450)
وسلم علي القصر " وروى أن عمر رضي الله عنهما اقام باذربيجان ستة أشهر يقصر " (والطريق الثاني) انه لا خلاف في جواز القصر ثمانية عشر يوما وبعده قولان واما إذا لم يكن علي القتال ولا خائفا منه لكن اقام للتجارة ونحوها يتوقع تنجز الغرض لحظة فلحظة وهو علي عزم الارتحال فطريقان (احدهما) القطع بالمنع والفرق بين المحارب وغيره أن للحرب اثرا في تغيير صورة الصلاة الا يرى أنه يحتمل بسببه ترك الركوع والسجود والقبلة (واظهرهما) أن فيه قولين ثم إن جوزنا ففى كيفيته قولان كما ذكرنا في المحارب وقد نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال " سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقام سبعة عشر يوما يقصر فيه الصلاة " اشعر هذا الاطلاق بان حكم الحرب وغيره سواء وإذا اختصرت قلت في جواز القصر في هذه الحالة الاولي طريقان (اظهرهما) أن فيه ثلاثة اقوال سواء المحارب وغيره (احدها) منع القصر علي الاطلاق (والثاني) جوازه على الاطلاق وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد والمزني رحمهم الله تعالى (والثالث) وهو الاصح جوازه إلى ثمانية عشر يوما والمنع بعده (والطريق الثاني) أن هذه الاقوال في المحارب وفى غيره يقطع بالمنع (الحالة الثانية) أن يكون الشغل بحيث يعلم أنه لا يتنجز في ثلاثة ايام ونتكلم ايضا في المحارب ثم في غيره فاما المحارب فقد اطلق في الوسيط ذكر قولين فيه (احدهما) أن له القصر لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات (والثاني) المنع لانه مقيم ومجرد القتال لا يرخص وفعل النبي
صلي الله عليه وسلم محمول علي عزم الارتحال كل يوم والاحسن ما اشار إليه امام الحرمين وهو ترتيب هذه الحالة على الاولى إن قلنا المحارب ثم لا يقصر فههنا أولي وأن قلنا يقصر فههنا قولان والفرق أنه متردد ثم وههنا مطمئن ساكن بعيد عن هيئة المسافرين وإذا قلنا يترخص فهل يزيد علي ثمانية عشر يوما فيه قولان كما في الحالة الاولى واما غير المحارب كالمتفقه والتاجر تجارة كثيرة فظاهر المذهب أنه لا يترخص وهو مقيم لان ارتحاله موقوف في عزمه على تنجز شغله وذلك غير متنجز في المدة التى يحتمل اقامتها وقياس التسوية بين المحارب وغيره عود الخلاف ههنا وقد اشار إليه صاحب النهاية واستنكره وقال هو نتيجة التفريع على الاقوال الضعيفة إذا عرفت حكم الحالتين فارجع إلى لفظ الكتاب واعلم أن ثانيتهما في الشرح اولاهما في نظم الكتاب وأن قوله فهو مقيم(4/451)
الا إذا كان الغرض قتالا يجوز أن يعلم لفظ المقيم بالواو للوجه الذى ذكرناه الآن في غير المحارب وقوله الا إذا كان الغرض قتالا كلام في المحارب ولا فرق بين أن يكون مشغولا بالحرب أو مستعدا له أو خائفا منه وأن لم يتمحض ذلك غرضا له والحكم سواء في جميع هذه المسائل واعرف في قوله فيترخص علي اظهر القولين اشياء (احدها) أنه يجوز اعلام القولين اشياء (احدها) أنه يجوز اعلام قوله علي اظهر القولين بالواو اشارة إلى طريقة تحصل بما حكينا من ترتيب الحالة الثانية على الاولي ويحرم بالمنع (والثاني) أن الحكم بكون الترخص اظهر القولين ليس في هذه الحالة علي خلاف المشهور وانما جعلوا قول الترخص اظهر واصح فيما إذا كان يتوقع تنجز الغرض كل ساعة واما هذه الصورة فقد جعلوها بمثابة ما لو عزم علي الاقامة مدة طويلة وقد ذكرنا أنه أن كان محاربا ففي ترخصه قولان والاصح منهما أنه لا يترخص وهو مقيم (والثالث) أنه اراد بقوله فيترخص علي اظهر القولين أنه يترخص ثمانية عشر يوما علي ما يثبته سياق الكلام والمقابل له أنه لا يترخص هذه المدة وحينئذ ما لحكم أنقول لا يترخص اصلا أم يترخص دون هذه المدة (أن قلنا) الحكم في هذه الحالة كالحكم فيما إذا كان يتوقع نجاز غرضه كل ساعة (فيترخص) ثلاثة ايام كما سبق (وأن قلنا) أنه مطمئن ليس على هيئة المسافرين فلا يترخص اصلا كما إذا نوى الاقامة فوق الاربعة يصير مقيما في الحال
(وقوله) وأن كان يتوقع انجاز غرض الي آخره هو الحالة الاولى وقوله فيترخص يجوز أن يكون(4/452)
جوابا علي الطريقة القاطعة بالترخص الي ثمانية عشر يوما ويجوز أن يكون جوابا علي الاصح مع تسليم الخلاف وهو الذى ذكره في الوسيط علي التقديرين فهو معلم بالواو ثم لم يبين أنه كم يترخص وربما يفهم ظاهر اللفظ الترخيص علي الاطلاق لكن الاصح أنه لا يترخص بعد الثمانية عشر وقد بينا جميع ذلك * قال (اما الطويل فحده مسيرة يومين (ح) وهو ستة عشر فرسخا لا يحتسب فيه مدة الاياب ويشترط عزمه في اول السفر فلو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه لم يترخص وإن تمادى سفره الا إذا علم أنه لا يلقاه قبل مرحلتين ولو ترك الطريق القصير وعدل الي الطويل لغير عرض لم يترخص (ح وز) ومهما بدا له الرجوع في اثناء سفره انقطع سفره فليتم إلى أن ينفصل عن مكانه متوجها الي مرحلتين) * القيد الثاني كون السفر طويلا واختلفت عبارات الشافعي رضي الله عنه في حده فقال في المختصر وغيره ستة واربعون ميلا بالهاشمي وقال في موضع ثمانية وأربعون ميلا وقال في موضع أربعون ميلا وقال في موضع أربعة برد وقال في موضع مسيرة يومين واتفق الاصحاب على أنه ليس له في ذلك اختلاف قول وحيث قال ستة وأربعون اراد ما سوى الميل الاول والآخر وحيث قال ثمانية وأربعون ادخلهما في الحساب وحيث قال أربعون اراد باميال بني امية وهي ثمانية وأربعون ميلا وهي اميال هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد قدر اميال البادية فيكون ستة عشر فرسخا لان كل ثلاثة اميال فرسخ وهى أربعة برد لان كل بريد أربعة فراسخ ومسيرة يومين لان مسيرة كل يوم على الاعتدال ثمانية فراسخ وكل ميل أربعة آلاف خطوة واثنا عشر الف قدم لان كل خطوة ثلاثة اقدام وقال أبو حنيفة السفر الطويل مسيرة ثلاثة ايام ولم يقدر بالفراسخ والاميال وذكر القاضي الرويانى وغيره من اصحابنا أنه أربعة وعشرون فرسخا عنده وهو علي قياس مسيرة اليومين كما ذكرنا لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى(4/453)
الله عليه وسلم قال " يا اهل مكة لا تقصروا في اقل من أربعة برد من مكة الي عسفان والي الطائف " وهو يقتضي الترخيص في هذا القدر وروى مثل مذهبنا عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين وبه قال مالك وأحمد واستحب الشافعي رضى الله عنه أن لا يقصر في اقل من مسيرة ثلاثة ايام للخروج من الخلاف وما ذكرناه من تفسير الطول معتبر بالتقريب أو بالتحديد حكي القاضى الروياني فيه وجهين وقال الصحيح أنه تحديد ونقل الحناطى وصاحب البيان قولا أن القصر يجوز في السفر القصير بشرط الخوف لعموم قوله تعالي (وإذا ضربتم في الارض) الآية فان ثبت ذلك اقتضي اعلام لفظ الطويل عند قوله قبل هذا وهو كل سفر طويل مباح بالواو(4/454)
ثم في الفصل مسائل (احداها) مسافة الاياب لا تحتسب في الحد المذكور حتى لو قصد موضعا على مرحلة علي عزم أن يرجع ولا يقيم فيه فليس له القصر لا ذاهبا ولا جائيا وأن نالته مشقة السير مرحلتين علي التوالي لانه لا يسمي سفرا طويلا والغالب في الرخص الاتباع وما رويناه من خبر ابن عباس رضي الله عنهما ظاهر في أن المعتبر المسافة التى يقطعها من منشأ سفره الي مقصده وحكي الحناطى وجها أنه إذا كان الذهاب والرجوع حد السفر الذى يقصر إليه الصلاة قصر فيجوز أن يعلم قوله لا يحتسب بالواو لذلك (الثانية) يشترط عزمه على قطع هذه المسافة في الابتداء فلو خرج لطلب غريم أو عبد آبق لينصرف مهما لقيه وهو لا يدرى موضعه لم يترخص وأن طال سيره كما ذكرناه في الهائم فإذا وجده وعزم علي الرجوع إلى بلده وبينهما مسافة القصر يترخص إذا ارتحل عن ذلك الموضع ولو كان يعرف موضعه في ابتداء السير أو يعرف أنه لا يلقاه قبل مرحلتين فله الترخص ولو قصد مسافة القصر ثم نوى أنه أن وجد عبده أو غريمه ينصرف نظر أن نوى ذلك قبل مفارقة عمران البلد لم يترخص لانه غير النية قبل انعقاد حكم السفر وان نواه بعد مفارقة العمران ففيه وجهان مذكوران في النهاية والتهذيب (اصحهما) أنه يترخص ما لم يجده فإذا وجده صار مقيما لان سبب الرخصة قد انعقد فيستمر حكمه الي أن يوجد ما غير النية إليه وكذلك لو نوى الخروج الي مسافة
القصر ثم نوى الاقامة في بلد وسط الطريق أن كان من مخرجه الي المقصد الثاني مسافة القصر يترخص وأن كان اقل فوجهان (أصحهما) أنه يترخص ما لم يدخله كما في مسألة الغريم وإذا سافر العبد بسير المولي والمرأة بسير الزوج والجندى بسفر الامير وهم لا يعرفون مقصدهم فليس لهم القصر وأن نووا مسافة القصر فلا عبرة بنية العبد والمرأة وتعتبر نية الجندي فانه ليس تحت يد الامير وقهره وأن عرفوا مقصدهم ونووا فلهم القصر وقال أبو حنيفة العبد والمرأة يترخصان تبعا للسيد والزوج وأن لم يعرفا المقصد (الثالثة) لو كان له إلى مقصده طريقان يبلغ احدهما مسافة القصر والثانى لا يبلغها فسلك الطريق الطويل نظر ان كان لغرض كخوف أو حزونة في القصير أو قصد زيارة أو عبادة في الطويل فله القصر ولو قصد التنزه فكذلك وعن الشيخ ابى محمد رحمه الله تعالى تردد في اعتباره وان قصد الترخص ولم يكن له غرض سواه ففى المسألة طريقان (اظهرهما) أن في الترخص قولين (احدهما) انه يترخص وبه قال أبو حنيفة والمزنى وهو نصه في الاملاء لانه سفر مباح فأشبه سائر الاسفار (واصحهما) انه لا يترخص لانه طول الطريق علي نفسه من غير غرض فصار كما لو سلك الطريق القصير وكان يذهب يمينا وشمالا وطول على نفسه حتي بلغت المرحلة مرحلتين فانه لا يترخص (والطريق(4/455)
الثاني) القطع بهذا القول الثاني وحمل نصه في الاملاء علي ما إذا سلكه لغرض ولو كان يبلغ كل واحد من الطريقين مسافة القصر واحدهما أطول فسلك الاطول فله القصر بلا خلاف إذا عرفت ذلك فقوله في الكتاب لم يترخص يجوز ان يكون جوابا على الطريقة الجازمه بالمنع ويجوز ان يكون جوابا علي الاصح مع اثبات الخلاف وعلي التقديرين فهو معلم بالواو مع الحاء والزاى (الرابعة) إذا خرج الي بلدة والمسافة طويلة ثم بدا له في اثناء السفر أن يرجع فقد انقطع سفره بهذا القصد ولم يكن له ان يقصر ما دام في ذلك الموضع فإذا ارتحل عنه فهو سفر جديد فانما يقصر إذا توجه من ذلك المكان الي مرحلتين سواء رجع أو بطل عزمه وسار إلى مقصده الاول وتوجه إلى غيرهما ولو توجه الي بلد لا تقصر إليه الصلاة ثم نوى مجاوزته إلى بلد تقصر إليه الصلاة فابتداء سفره من حين غير النية وانما يترخص إذا كان من ذلك الموضع الي مقصده الثاني مرحلتان ولو خرج إلى سفر طويل على قصد الاقامة
في كل مرحلة اربعة ايام لم يترخص لانقطاع كل سفرة عن الاخرى * قال (واما المباح فالعاصي بسفره (ح ز) لا يترخص كالآبق والعاق فان طرأت المعصية في اثناء السفر ترخص علي النص وكذا علي العكس وفي تناول الميتة ومسح يوم وليلة وجهان (اصحهما) الجواز لانها ليسا من خصائص السفر) * القيد الثالث كون السفر مباحا وليس المراد من المباح في هذا الموضع ما خير بين طرفيه واعتدلا فان الرخصة كما تثبت في سفر التجارة تثبت في سفر الطاعة كالحج والجهاد ونحوهما وانما المراد منه ما ليس بمعصية واما سفر المعصية فلا يفيد الرخصة خلافا لابي حنيفة والمزنى وذلك كهرب العبد من مولاه والمرأة من زوجها والغريم مع القدرة علي الاداء وكما إذا سافر ليقطع الطريق أو ليزني بامرأة أو ليقتل بريئا: لنا أن الرخصة اثبتت نخفيفا وإعانة على السفر ولا سبيل إلى اعانة العاصي فيما هو عاص به بخلاف ما لو كان السفر مباحا وهو يرتكب المعاصي في طريقه فانه لا يمنع ثم من السفر انما يمنع من المعصية ولو انشأ سفرا مباحا ثم نقله إلى معصية ففيه وجهان (احدهما) أنه يترخص لان هذا السفر انعقد مباحا مرخصا والشرط يراعي في الابتداء (والثاني) لا يترخص كما لو انشأ السفر بهذه النية هكذا أرسل الجمهور ذكر الوجهين في المسألة وكلامهم يميل إلى ترجيح الوجه الثاني وقد صرح به في العدة ونسب في النهاية القول بالترخص الي ظاهر النص والثانى إلى تخريج ابن سريج وتابعه في الكتاب فقال ترخص علي النص والاقتصار عليه يفهم ظهور القول بالترخص لكنه ذكر في الوسيط ان عدم الترخص اوضح كما حكيناه عن غيره ولو انشأ السفر علي قصد معصية(4/456)
ثم تاب وبدل قصده من غير تغيير صوب السفر فالذي قاله الاكثرون في هذه الصورة أن ابتداء سفره من ذلك الموضع أن كان منه إلى مقصده مسافة القصر ترخص والا فلا وحكى في النهاية عن شيخه أن عروض قصد الطاعة على سفر المعصية كعروض قصد المعصية علي سفر الطاعة فقياس ظاهر النص أنه لا يترخص لفقد الشرط في الابتداء وعند ابن سريج يترخص نظرا الي الحال (وقوله) في الكتاب وكذا علي العكس يوهم انه يترخص في العكس لانه معطوف علي قوله ترخص على النص وما اراد
به ذلك وانما اراد العطف على معنى النص وهو النظر الي الابتداء فكأنه قال ترخص علي النص اعتبارا بالابتداء وكذا علي العكس ينظر إلى الابتداء فلا يترخص وعلي التخريج وهو الاظهر ينظر الي الحال في الصورتين إذا عرفت ذلك فنقول العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ولا يتنفل على الراحلة ولا يجمع بين الصلاتين ولا يمسح ثلاثة أيام وهل يمسح يوما وليلة فيه وجهان (احدهما) لا لما فيه من التخفيف عليه وتسرعه بسبب ذلك إلى المعصية (واظهرهما) عند الجمهور نعم لان المسح يوما وليلة ليس من رخص المسافرين بل هو جائز للحاضر ايضا وغاية ما في باب الحاق هذا السفر بالعدم لكن حكى عن الشيخ ابى محمد ان المقيم إذا كان يدأب في معصية ولو مسح علي خفيه لكان ذلك عونا له عليها فيحتمل انه يمنعه من المسح واستحسن الامام ذلك فعلي هذا يتوجه ان يقال أنه ليس من خصائص السفر ولا الحضر لكنه من مرافق اللبس بشرط عدم المعصية وهل للعاصي بسفره ان يتناول الميتة عند الاضطرار فيه وجهان نقلهما صاحب النهاية وغيرهما(4/457)
احدهما به قال الاودني لا لما فيه من التخفيف علي العاصي وهو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه بان يتوب ثم يأكل (والثاني) نعم احياء للنفس المشرفة علي الهلاك ولان المقيم متمكن من تناول الميتة عند الاضطرار فليس ذلك من رخص السفر فاشبه تناول الاطعمة المباحة لما لم يكن من خصائص السفر لم يمنع منه العاصى بسفره وبالوجه الاول قطع عامة الاصحاب من العراقيين وغيرهم ونفوا الخلاف في المسألة وقد قيل في المقيم العاصى ليس له تناول الميتة ايضا ما لم يتب والله اعلم * وهذا الشرح ينبهك من لفظ الكتاب في المسألتين علي امرين (احدهما) أنه يجوز أن يعلم قوله وجهان بالواو لانه اثبت في المسألتين وجهين وقد ذكرنا أن بعضهم يقطع بالمنع في تناول الميتة (والثانى) أنه جعل اصح الوجهين في المسألتين الجواز وهذا مسلم في المسح يوما وليلة ممنوع في تناول الميتة على رأي الجمهور ويجوز أن يعلم لفظ الجواز بالالف لان عند احمد لا يجوز له تناول الميتة كما هو احد وجهينا ومما الحق بسفر المعصية أن يتعب الانسان نفسه ويعذب دابته بالركض من غير غرض ذكر الصيدلانى أنه لا يحل له ذلك ولو كان الرجل ينتقل من بلدة الي بلدة من غير غرض صحيح فقد قال في النهاية أنه لا يترخص وأن خرج عن مضاهاة من
يهيم وظهر له مقصد ونقل عن الشيخ ابى محمد أن السفر لمجرد رؤية البلاد والنظر إليها ليس من الاغراض الصحيحة * قال (: النظر الثاني: في محل القصر وهو كل صلاة رباعية مؤداة في السفر فلا قصر في الصبح والمغرب ولا في فوائت الحضر وفى فوائت السفر ثلاثة اقوال يفرق في الثالث بين أن يقضى في الحضر أو السفر) * محل القصر كل صلاة رباعية مؤداة في السفر وذكر في الوسيط قيدا آخر وهو أن يدرك وقتها في السفر للمسألة التى تأتى بعد هذا الفصل فيخرج عن الرباعية المغرب والصبح فلا قصر فيهما بالاجماع ويخرج عن المؤادة في السفر المقضية وينظر فيها أن كانت فائتة الحضر فلا يجوز للمسافر قصرها خلافا للمزني حيث قال يجوز اعتبارا بحال القضاء كما لو ترك صلاة في الصحة له قضاؤها في المرض قاعدا * لنا أنه لزمته الاربع فلا يجوز النقصان كما لو لم يسافر ويفارق صلاة المريض لان المرض حالة ضرورة فيحتمل له مالا يحتمل للسفر الا يرى أنه لو شرع في الصلاة قائما ثم طرأ المرض له ان يقعد ولو شرع فيها في الحضر وسارت به السفينة لم يكن له ان يقصر وان تردد انها فائتة السفر أو الحضر فكذلك لا يجوز له قصرها واما فائتة السفر فاما ان يقضيها في السفر أو في الحضر فان قضي في السفر فاما ان يقضى في تلك السفرة أو في سفرة اخرى فان قضى في تلك السفرة ففيه قولان (احدهما) انه لا يجوز له القصر لان شرط الرد الي ركعتين الوقت بدليل الجمعة (والثانى) يجوز لان اللازم(4/458)
عليه ركعتان فيجزئه في القضاء ركعتان وجعل صاحب التهذيب والتتمة المنع اصح القولين لكن ما عليه الاكثرون من العراقيين وغيرهم أن الاصح الجواز لبقاء العذر المرخص واما إذا قضى في سفرة اخرى ففيه طريقان (اظهرهما) طرد القولين (والثاني) القطع بالمنع والفرق أن الامر بالقضاء متوجه عليه في كل حالة فإذا لم يقض وقد تخللت حالة اقامة فكأنه تركها في تلك الحالة كما لو غصب شيئا وتلف عنده لزمه اقصى القيم لانه مخاطب في كل حالة بالرد فإذا لم يرد التزم قيمة اكمل الاحوال وأن قضاها في الحضر اطرد الطريقان والمنع ههنا أوضح وأصح ورتب في النهاية بعض
الصور الثلاث علي بعض فحكي قولين فيما إذا قضي في ذلك السفر وفيما إذا قضي في الحضر قولين مرتبين عليهما وأولى بالمنع وجعل الصورة الثالثة متوسطة بينهما ان رتبت علي الاولي فهي أولي بالمنع وان رتبت على الثانية فهى اولى بالجواز وإذا اختصرت وتركت التفصيل قلت في المسألة أقوالا كما ذكر في الكتاب (أحدها) وهو القديم الجواز علي الاطلاق وبه قال أبو حنيفة ومالك (وثانيها) وهو الجديد المنع علي الاطلاق وبه قال احمد (واظهرها) ويحكي عن الاملاء الفرق بين ان يقضى في الحضر وفى السفر وهذا إذا طردنا القولين في القضاء في تلك السفرة وفى سفرة أخرى وان فرقنا صارت الاقوال أربعة واعلم قوله يفرق في الثالث بالحاء والميم لما ذكرنا من مذهبهما ونقل في الوسيط ان مذهب المزني الجواز على الاطلاق ايضا لكن روى الصيدلاني وغيره عنه المنع فيما إذا قضي في الحضر وهذا هو الصحيح وقياس مذهبه المشهور في عكسه وهو ما إذا فاتته في الحضر فيقضي في السفر كما تقدم وإذا قلنا فائتة السفر لا تقصر وان قضيت في تلك السفرة فلو شرع في الصلاة بنية القصر فخرج الوقت في اثنائها فهو مبنى علي أن الصلاة التى يقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه قضاء ام اداء وقد قدمنا ذلك في باب المواقيت وتعرضنا لهذه الصور فيه وظاهر المذهب أنه ان وقع في الوقت ركعة فهى اداء فيقصر على هذا القول ايضا وإن وقع دون ركعة فلا يقصر علي هذا القول أنها قضاء وعن صاحب التلخيص أنه يجب الاتمام وإن وقع في الوقت ركعة كالجمعة إذا وقع بعضها خارج الوقت يتمها أربعا * قال (والمسافر في آخر الوقت يقصر والحائض إذا أدركت أول الوقت ثم حاضت تلزمها الصلاة لان هذا القدر كل وقت الامكان في حقها بخلاف المسافر هذا هو النص وقيل فيهما قولان بالنقل والتخريج) * إذا سافر في اثناء الوقت وقد مضى منه قدرا يتمكن من فعل الصلاة فيه فالنص أنه يجوز له القصر ونص فيما لو ادركت من أول الوقت قدر الامكان ثم حاضت يلزمها القضاء وكذلك سائر أصحاب(4/459)
العذر واختلفوا في المسألتين علي طريقين (أحدهما) أن فيهما قولين (أحدهما) ان أدرك أول الوقت ملزم
فالحائض تقضي تلك الصلاة والمسافر يتم لان الصلاة تجب باول الوقت وقد أدركا وقت الوجوب (والثانى) أنه لا يلزمها الصلاة ويجوز له القصر لان الاستقرار انما يكون بآخر الوقت ولهذا نقول لو أخر الصلاة عن أول الوقت ومات لا يلقى الله تعالى عاصيا علي الاصح (والثاني) تقرير النصين والفرق أن الحيض مانع من الصلاة فإذا طرأ انحصر وقت الامكان في حقها في ذلك القدر وكأنها أدركت جميع الوقت بخلاف المسافر فان السفر غير مانع وأيضا فان الحيض لو أثر انما أثر في اسقاط الصلاة بالكلية والقول بالسقوط مع ادراك وقت الوجوب بعيد والسفر انما يؤثر في كيفية الاداء لا في أصل الفعل فاشبه ما لو أدرك العبد من الوقت قدر ما يصلى فيه الظهر ثم عتق يلزمه الجمعة دون الظهر وظاهر المذهب الفرق بين المسألتين علي موجب النصين سواء أثبتنا طريقة القولين أم لا ونقل الاصحاب عن المزني وابن سريج في مسألة المسافر أنه لا يقصر وأعلم قوله في الكتاب يقصر بالزاى لذلك لكنه تخريج من المزني للشافعي رضي الله عنه خرجه من مسألة الحائض وليس مذهبا له لانا قدمنا عنه أنه لو ذهب جميع الوقت في الحضر وفاتته الصلاة كان له القصر إذا قضاها في السفر فههنا أولي فإذا لا يصح الاعلام بالزاى وأما ابن سريج فانه خرج من كل واحدة من المسألتين في الاخرى واختار عدم القصر وقد ذكرنا تخريجه في الحائض من هذه المسألة في باب المواقيت في الفصل الثاني ووافق أبو الطيب بن سلمة ابن سريج علي أنه لا يقصر لكن لا علي الاطلاق بل فيما إذا سافر ولم يبق من الوقت إلا قدر أربع ركعات لانه إذا ضاق الوقت تعين عليه صلاة الحضر فهذا مذهب ثالث وراء القولين وان سافر وقد بقى من الوقت أقل من قدر الصلاة فجواز القصر يبنى علي ان من أوقع بعض صلاته في الوقت وبعضها خارجه تكون جميع صلاته اداء أم لا ان قلنا نعم قصر وإلا فلا (وقوله) والمسافر في آخر الوقت ليس المراد منه الجزء الآخر بل المراد ما إذا سافر وقد مضي من أوله ما يسع الصلاة وكذا قوله والحائض إذا أدركت أول الوقت ثم حاضت يعني أدركت منه ما يسع للصلاة ولو قال ولو ادركت المرأة أول الوقت ثم حاضت بدل الحائض لكان أحسن ولو سافر والماضي من الوقت دون ما يسع للصلاة فقد قال في النهاية ينبغي أن يمتنع القصر ان قلنا أنه يمتنع لو كان الماضي قدر ما يسع للصلاة بخلاف ما لو حاضت بعد مضى القدر الناقص حيث لا يلزمها الصلاة على الصحيح لان عروض السفر لا ينافى اتمام الصلاة وعروض الحيض ينافيه *
قال (النظر الثالث: في الشرط وهو اثنان (الاول) أن لا يقتدى بمقيم فلو اقتدى ولو في لحظة (م) لزمه الاتمام ولو شك في ان امامه مقيم ام لا لزمه الاتمام ولو شك في انه نوى الاتمام وهو مسافر لم يلزمه الاتمام لان نية الاتمام لا شعار لها بخلاف المسافر) *(4/460)
جعل شرط القصر شيئين (احدهما) ان لا يقتدى في صلاته بمقيم أو بمسافر متم فلو فعل ذلك ولو في لحظة لزمه الاتمام خلافا لمالك حيث قال ان ادرك معه ركعة لزمه الاتمام وان ادرك دون ركعة فله القصر لنا ما روى " انه سئل ابن عباس رضى الله عنهما ما بال المسافر يصلى ركعتين إذا انفرد واربعا إذا ائتم بمقيم فقال تلك السنة " والمفهوم منه سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم واعلم قوله ولو في لحظة بالميم لما حكيناه عن مالك والاقتداء في لحظة يفرض من وجوه كثيرة (منها) ان يدرك الاما في آخر صلاته (ومنها) ان يحدث الامام عقيب اقتدائه وينصرف وقوله ان لا يقتدى بمقيم في بعض النسخ بمتم وهو اعم فان كل مقيم متم وقد يكون المسافر متما ايضا والحكم لا يختلف وعند ابى حنيفة انه إذا صلى مسافر بمسافرين ونووا الاتمام جاز لهم القصر وسلم انه إذا اقتدى بمقيم لم يجز القصر فإذا كانت النسخة أن لا يقتدى بمقيم جاز اعلام الحكم بالحاء ولو اقتدى في الظهر بمن يقضى الصبح مسافرا كان أو مقيما فهل له القصر فيه وجهان (أحدهما) نعم لتوافق الصلاتين في العدد (وأصحهما) لا لان الصلاة تامة في نفسها ولو دخل في مروره بلدة وأهلها يقيمون الجمعة فاقتدى في الظهر بالجمعة قيل ان قلنا ان الجمعة ظهر مقصورة فله القصر وإلا فهي كالصبح وظاهر المذهب عند الاكثرين المنع بكل حال لانها صلاة إقامة وهو الموافق لظاهر لفظ الكتاب إذا عرف ذلك فنقول المسافر اما أن يعلم حال الذى يقتدى به في السفر والاقامة أو لا يعلم فان علم نظر ان عرفه مقيما فقد ذكرنا ان عليه الاتمام وكذا لو ظنه مقيما فلو اقتدى به ونوى القصر انعقدت صلاته ولغت نية القصر بخلاف المقيم ينوى القصر لا ينعقد ظهره لانه ليس من أهل القصر والمسافر من أهله فلا يضره نية القصر كما لو شرع في الصلاة بنية القصر ثم نوى الاتمام أو صار مقيما فانه يتم وإن عرفه أو ظنه مسافرا وعرف انه نوى القصر أو ظنه فله أن ينوى القصر وان لم يدر انه نوى القصر أم لا فكذلك(4/461)
ولا يلزمه الاتمام بهذا التردد لان الظاهر من حال المسافر القصر وليس للنية شعار يعرف به فهو غير مقصر في الاقتداء علي التردد ولو عرض هذا التردد في أثناء الصلاة فكذلك لا يلزمه الاتمام ومتى لم يعرف نيته فهل يجوز أن يعلق نيته فيقول ان قصر قصرت وإن أتم أتممت أو لابد من الجزم بالقصر فيه وجهان (أصحهما) جواز التعليق فان الحكم متعلق به وان جزم إن أتم الامام أتم وان قصر قصر ولو أفسد الامام صلاته أو فسدت ثم قال كنت نويت القصر فللمأموم القصر وإن قال كنت نويت الاتمام لزمه الاتمام وان انصرف ولم يظهر للمأموم ما نواه فوجهان حكاهما أصحابنا العراقيون (أظهرهما) وبه قال أبو اسحق يلزمه الاتمام لانه شاك في عدد ما يلزمه من الركعات فيأخذ باليقين (والثانى) وبه قال ابن سريج له القصر لانه افتتح الصلاة بنية القصر خلف من الظاهر من حاله القصر ويتبين بما ذكرنا ان قوله في الكتاب ولو شك في ان إمامه هل نوى الاتمام وهو مسافر لم يلزمه الاتمام ليس علي اطلاقه بل لو ظهر ان الامام نوى الاتمام يلزمه الاتمام وهل يشترط لعدم لزوم الاتمام ظهور نية القصر للامام أم لا ويكفى استمرار التردد فيه الوجهان المذكوران والموافق لاطلاق اللفظ هو المنسوب الي ابن سريج ولو قال حجة الاسلام ولو شك امامه هل نوى القصر بدلا عن قوله هل نوى الاتمام لكان احسن لانه لو لم ينو الاتمام ولا القصر كان بمثابة ما لو نوى الاتمام كما سيأتي في الشرط الثاني فانما ثبت الوجه إذا نوى القصر لا إذا لم ينو الاتمام وأما إذا لم يعرف انه مسافر أو مقيم ولا ظن بل كان شاكا فيه لزمه الاتمام وان بان مسافرا قاصرا لانه شرع على تردد فيما يسهل معرفته لظهور شعار المسافرين والمقيمين وسهولة البحث والاصل الاتمام فإذا قصر لزمه الاتمام ويخالف التردد في نية القصر مع العلم بأنه مسافر إذ لا تقصير ثم كما سبق وحكى في النهاية وجا آخر انه إذا بان مسافرا قاصرا كان له القصر كما لو تردد في النية والمشهور الاول وهو الذى ذكره في الكتاب * قال (ولو اقتدى بمتم ثم فسدت صلاته لزمه (ح) الاتمام وكذا لو ظن الامام مسافرا فكان مقيما لانه مقصر إذ شعار الاقامة ظاهر ولو بان ان الامام مقيم محدث لم يلزمه الاتمام علي الاصح لانه لا قدوة ظاهرا وباطنا) *(4/462)
في الفصل مسألتان (أحداهما) لو اقتدى بمقيم أو بمسافر متم ثم فسدت صلاة الامام أو بان محدثا لزمه الاتمام بالاقتداء به وكذلك لو فسدت صلاة المأموم لزمه الاتمام إذا استأنف خلافا لابي حنيفة لنا انها صلاة تعين عليه اتمامها فلم يجزه بعد قصرها كما لو فاتته في الحضر ثم سافر وقوله ثم فسدت صلاته أراد صلاة المأموم وان أمكن صرف الكناية الي الامام أيضا وذلك بين من لفظ الوسيط (الثانية) لو اقتدى بمن ظنه مسافرا فبان مقيما يلزمه الاتمام لتقصيره إذ شعار الاقامة ظاهر وهو كما ذكرنا فيما إذا لم يدر انه مقيم أو مسافر وإن بان انه مقيم محدث نظر ان بان كونه مقيما أو لا لزمه الاتمام كما لو اقتدى بمن علمه مقيما ثم بان انه محدث وان بان كونه محدثا أولا أو بانا معا فوجهان (أحدهما) وبه قال صاحب التلخيص لا يلزمه الاتمام لان اقتداءه لم يصح في الحقيقة وفى الظاهر ظنه مسافرا بخلاف ما لو اقتدى بمسافر في ظنه مسافرا ثم فسدت صلاته بحدث ثم بان انه كان مقيما عليه الاتمام لان اقتداءه كان صحيحا (والثاني) يلزمه الاتمام لان حدث الامام لا يمنع صحة اقتداء الجاهل به فإذا بان انه مقيم فقد بان انه اقتدي بمقيم وقد أطلق في الكتاب ذكر الخلاف فيما إذا أبان انه مقيم محدث لكن موضع الوجهين ما ذكرنا دون ما إذا بان كونه مقيما أو لا كذلك قاله صاحب النهاية والتهذيب وغيرهما ثم أطبق الائمة علي ترجيح الوجه الاول علي ما ذكره في الكتاب ومنهم من لا يورد سواه وقد تنازعه كلامهم في المسبوق إذا أدرك الامام في الركوع ثم بان كونه محدثا فانهم رجحوا الادراك ومأخذ المسألتين واحد وقوله لانه لا قدوة ظاهرا وباطنا أي لا قدوة بمقيم ظاهرا وباطنا أما ظاهرا فلانه ظنه مسافرا وأما باطنا فلانه محدث وصاحب الوجه الثاني يمنع هذا والله اعلم * ولا أثر لعدم الاتمام من غير خوض علي الصحة كما لو شرع في الصلاة مقيما ثم بان له انه محدث ثم سافر والوقت باق فله القصر بخلاف ما لو شرع فيها مقيما ثم عرض سبب مفسد لا يجوز له القصر ولزمه الاتمام بالشروع وكذا لو اقتدى بمقيم ثم تذكر المأموم حدت نفسه له القصر وكذا لو اقتدى بمن يعرفه محدثا ويظنه مقيما لانه لم يصح شروعه *(4/463)
قال (ولو رعف الامام المسافر وخلفه مسافرون فاستخلف مقيما أتم المقتدون وكذا الراعف
إذا عاد واقتدى به) * المسألة مبنية علي أنه إذا أحدث الامام أو عرض سبب آخر يوجب فساد صلاته يجوز له ان يستخلف مأموما ليتم بالقوم الصلاة هذا هو الصحيح وسنذكره والخلاف فيه في باب الجمعة ان شاء الله تعالي إذا عرفت ذلك فصورة المسألة أن يؤم مسافر بمسافرين ومقيمين فيرعف الامام في صلاته أو يسبقه أو الحدث فيستخلف مقيما يجب علي المسافرين المقتدين الاتمام خلافا لابي حنيفة لنا أنهم مقتدون بمقيم فيلزمهم الاتمام كما لو اقتدوا بمقيم فاحدث واستخلف مسافرا والدليل علي أنهم مقتدون به ان سهوه يلحقهم * وأعلم أن أمتنا لم يذكروا خلافا في أن القوم يتمون لكن يأتي فيه وجه لانا سنحكى في مسائل الاستخلاف وجها انه يجب على القوم نية الاقتداء بالخليفة فعلى هذا انما يلزم المأمومين في هذه المسألة إذا نووا الاقتداء بالخليفة اما إذا لم يفعلوا فلا لانهم ما نووا الاتمام ولا اقتدوا بمقيم وكأن ما أطلقوه جواب علي الاصح وهو انه لا حاجة الي نية الاقتداء بالخليفة وما ذكرناه يجوز اعلام قوله أتم المقتدون بالواو مع الحاء وقوله في صورة المسالة وخلفه مسافرون أي ومقيم أو مقيمون ولو تمحض المأمومون مسافرين لكان استخلاف المقيم استخلاف غير المأمومين وفيه كلام سنذكره من بعد وأما الامام الذى سبقه الرعاف أو الحدث ماذا يفعل ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه يقتضى وجوب الاتمام عليه فانه قال بعد تصوير المسألة كان على جميعهم والراعف أن يصلوا أربعا واعترض المزني فقال انما اتم الخليفة لانه مقيم والقوم خلفه لانهم مؤتمون بمقيم فأما الراعف فليس بمقيم ولا مؤتم فما باله يتم واختلف الاصحاب في الجواب علي طريقتين منهم من قرر ظاهر النص وقال يجب عليه الاتمام أيضا لان الخليفة فرع له ولا يجوز أن تكون صلاة الاصل انقص من صلاة الفرع حكاه ابن سريج عن بعض أصحابنا وضعفه وسلم الجمهور للمزني ما ذكره واختلفوا في تأويل النص على وجوه (أحدها) أن ما ذكره الشافعي رضى الله عنه جواب علي القول القديم وهو أن سبق الحدث(4/464)
الرعاف لا تبطل الصلاة لكنه يرفع المانع ويبنى فعلي هذا الراعف وان انصرف فهو في صلاة وهو كالمؤتم بخليفة وبتقدير أن لا يكون مؤتما فقد حصل في جماعة امامها مقيم في بعض الاحوال فيلزمه
الاتمام لذلك وهذا التأويل يحكي عن ابن سريج وضعفه الشيخ أبو حامد وغيره من ائمتنا ومنعوا كونه مؤتما بالخليفة وانه إذا حصل في جماعة أمامها مقيم في بعض الاحوال يجب عليه الاتمام إذا لم ياتم هو به وايضا فان البناء علي الصلاة انما يجوز علي القديم دون الجديد والاستخلاف الذى عليه بناء المسألة انما يجوز على الجديد دون القديم فلا ينتظم التفريع (الثاني) قال أبو غانم ملقى ابن سريج صورة النص أن يحس الامام بالرعاف قبل ان يخرج الدم فيستخلف ثم يخرج الدم فيلزمه الاتمام لانه صار مؤتما بمقيم في جزء من صلاته قال المحاملي وغيره وهذا لا يصح لانه استخلاف قبل وجود العذر وأنه لا يجوز ذلك فسئل الشيخ أبو محمد عنه فجعل الاحساس به عذرا وقال متى حضر امام هو أفضل أو حاله اكمل يجوز استخلافه (الثالث) قال أبو اسحق صورة النص ان يعود بعد غسل الدم ويقتدى بالخليفة اما بناء علي القول القديم واما استئنافا علي الجديد فيلزمه الاتمام لانه اقتدى بمقيم في جزء من صلاته فاما إذا لم يقتد فلا يلزمه الاتمام وهذا اصح الاجوبة عند الاكثرين قالوا وقد اشار إليه الشافعي رضى الله عنه في التعليل حيث قال لانه لم يكمل واحد منهم الصلاة حتي كان فيها في صلاة مقيم (وقوله) في الكتاب وكذا الراعف إذا عاد واقتدى جرى علي هذا الجواب الصحيح فانه قيد لزوم الاتمام باقتدائه بالخليفة وقد نرى في بعض النسخ اعلام هذه الكلمة بالزاى وليس بصحيح فانه لا نزاع للمزني في لزوم الاتمام إذا اقتدى نعم يجوز أن يعلم قوله واقتدى بالواو اشارة الي الطريقة المقررة لظاهر النص فان الاقتداء ليس بشرط علي تلك الطريقة * قال (الشرط الثاني أن يستمر علي نية القصر جزما في جميع الصلاة فلو لم ينو القصر ولا الاتمام أو شك في نية القصر ولو لحظة لزمه (زح) الاتمام) *(4/465)
من شرط القصر نية القصر فلو نوى الاتمام لزمه ما لتزمه ولو لم ينو القصر ولا الاتمام لزمه الاتمام ايضا لان الاصل هو الاتمام فينعقد مطلق التحرم عليه ويجب أن تكون نيه القصر في ابتداء الصلاة كاصل النية ثم لا يجب تذكرها في دوام الصلاة ولكن يشترط الانفكاك عن الشك والتردد والجزم بالاتمام
فلو نوى القصر اولا ثم نوى الاتمام أو تردد بين القصر والاتمام لزمه الاتمام ولو شك في أنه هل نوى القصر ام لا لزمه الاتمام وأن تذكر في الحال أنه نوى القصر نص عليه في الام بخلاف ما لو شك في اصل النية وتذكر على القرب حيث تصح صلاته ولا يكون ذلك قادحا والفرق أن الشك في النية بمثابة عدم النية فإذا كان الشك في اصل النية فالموجود في زمان الشك غير محسوب عن الصلاة لكنه جعل عفوا لقلته وحسب عن الركن ما قبله أو بعده وههنا الموجود حالة الشك محسوب عن الصلاة لوجود اصل النية فيتأدى ذلك الجزء علي التمام وإذا انعقد جزء من الصلاة على التمام لزم الاتمام وعند ابى حنيفة لا حاجة الي نية القصر بناء علي أنه عزيمة وقال المزني لا بد منها لكن لا تجب في الابتداء ويجوز ان ينوى القصر في الاثناء ولو نوى الاتمام ثم اراد القصر جاز وقوله أن يستمر على نية القصر جزما في جميع الصلاة يتضمن اعتبار نية القصر ثم ليس المراد أنه يشترط استحضارها في جميع الصلاة وانما المراد ما ذكرنا أنه يشترط الخلو عن الشك والتردد (وقوله) في جميع الصلاة يجوز أن يعلم بالزاى لان عنده لو كان جازما في البعض بالاتمام ثم نوى القصر جاز وقوله لزمه الاتمام معلم بالحاء والزاى لما حكيناه * قال (ولو قام الامام إلى الثالثة ساهيا فتوهم المقتدى أنه نوى الاتمام شاكا لزمه الاتمام ولو قام المسافر الي الثالثة والرابعة سهوا سجد لسهوه ولا يكون متما بل لو قصد أن يجعله إتماما فليصل ركعتين اخريين) *(4/466)
في الفصل مسألتان (احداهما) لو اقتدى بمسافر عرف أنه ينوى القصر أو ظنه وصلي ركعتين فقام الامام الي ركعة ثالثة نظر أن علم أنه نوى الاتمام لزمه الاتمام وأن علم أنه ساه بان كان حنفيا لا يرى الاتمام فلا يلزمه الاتمام ويتخير بين ان يخرج عن متابعته ويسجد للسهو ويسلم وبين أن ينتظر حتى يعود ولو اتفق له أنه يتم أتم لكن ليس له أن يقتدى بالامام في سهوه فانه غير محسوب له ولا يجوز الاقتداء بمن يعرف أن ما فيه غير محسوب له كالمسبوق إذا ادرك من آخر الصلاة ركعة فقام الامام سهوا الي ركعة زائدة لم يكن للمسبوق أن يقتدى به في تدارك ما عليه ذكره في النهاية ولو شك في انه قام ساهيا
أو متما فهذه مسألة الكتاب وحكمها أن عليه الاتمام وإن بان كونه ساهيا لان احد المحتملين لزوم الاتمام فيلزم كما لو شك في نية نفسه وبخلاف ما لو شك في نية الامام المسافر ابتداء حيث لم يلزمه الاتمام بذلك كما قدمناه لان النية لا يطلع عليها ولم تظهر امارة مشعرة بالاتمام وههنا القيام فعل مشعر بالاتمام مخيل له وقوله شاكا في لفظ اكتاب لا ضرورة إليه والغرض حاصل بقوله فيتوهم (وقوله) لزمه الاتمام يجوز أن يعلم بالحاء لانا حكينا عن مذهب ابي حنيفة أن نية الامام المسافر لا تلزم المأمومين القصر فما ظنك بتوهمها (الثانية) لو نوى القصر وصلى ركعتين ثم قام إلى الثالثة نظر أن حدث امر موجب للاتمام كنية الاتمام أو نية الاقامة في ذلك الموضع أو حصوله في دار الاقامة بانتهاء السفينة إليها وقام لذلك فقد اتي بما ينبغي وأن لم يحدث شئ من ذلك فان قام عمدا بطلت صلاته كما لو قام(4/467)
المتم الي ركعة خامسة وكما لو قام المتنفل الي ركعة زائدة قبل تغير النية وأن قام سهوا ثم تذكر فعليه أن يعود ويسجد للسهو فلو بدا له بعد التذكر أن يتم عاد الي القعود ثم نهض متما وفى وجه له أن يمضي في قيامه ولو صلي ثالثة ورابعة سهوا وجلس للتشهد ثم تذكر سجد للسهو وهو قاصر وركعتا السهو غير محسوبتين فلو اراد أن يتم لم ينعكسا محسوبتين بل يلزمه أن يقوم ويصلي ركعتين اخريين ثم يسجد للسهو في آخر صلانه ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فليقم وليصل ركعتين اخريين بالميم لان صاحب البيان حكى عن مالك أن المسافر إذا نوى القصر لم يكن له أن ينوى الاتمام ويزيد علي نيته الاولى (واعلم) أن لفظ الكتاب في أول النظر الثالث يوهم حصر شرط القصر في الاثنين المذكورين لكن له شروط أخر (منها) أن يكون مسافرا من اول الصلاة الي آخرها فلو نوى الاقامة في أثناء الصلاة أو كان يصلي في السفينة فانتهت الي دار اقامته لزمه الاتمام لان سبب الرخصة قد زال فتزول الرخصة كما لو كان يصلي قاعدا لمرض فزال المرض يجب عليه أن يقوم ولو شرع في الصلاة مقيما ثم سارت به السفينة فكذلك يلزمه الاتمام تغليبا للحضر في العبادة التى اشترك فيها الحضر والسفر ولو شك هل نوى الاقامة ام لا أو دخل بلدا بالليل وشك في انه مقصده ام لا يلزمه الاتمام لانه شك في سبب الرخصة والاصل الاتمام فصار كما لو شك في بقاء مدة المسح لا يمسح (ومنها) العلم
بجواز القصر فلو جهل جوازه وقصر لم يجزه لانه عابث في اعتقاده غير مصلي يحكى ذلك عن نصه في الام *(4/468)
قال * (الباب الثاني في الجمع) (والجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقتيهما جائز بالسفر (زح) أو المطر وهل يختص بالسفر الطويل قولان) * يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما في وقت الظهر وتأخيرا في وقت العصر بعذر السفر وكذلك الجمع بين المغرب والعشاء لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال " كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا جدبه سير جمع بين المغرب والعشاء " وعن انس رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر " وهذا في السفر الطويل وفي جواز الجمع في القصير قولان (احدهما وهو القديم انه يجوز وبه قال مالك رضي الله عنه لاطلاق حديث انس رضي الله عنه واعتبارا بالتنفل على الراحلة واصحهما وبه قال احمد رحمه الله لا يجوز لانه اخراج عبادة عن وقتها فاختص بالسفر الطويل كالفطر والافضل للسائر في وقت الصلاة الاولي تأخيرها إلى الثانية وللنازل في وقت(4/469)
الاولي تقديم الثانية إليها ثبت ذلك من فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم والمعنى فيه بين وشرط جواز الجمع في السفر ان لا يكون سفر معصية كما ذكرنا في القصر ويجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بعذر المطر أيضا لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما " ان النبي صلي(4/470)
الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر للمطر " وعن ابن عباس رضى الله عنهما " ان النبي صلي الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر " قال مالك ارى ذلك في لمطر وقوله لعذر السفر معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لا يجوز الجمع بعذر السفر ولا جمع الا للنسك بعرفة والمزدلفة كما سيأتي(4/471)
وقوله والمطر معلم بالحاء ايضا والزاى لان عندهما لا جمع بالمطر وبالميم لان عند مالك يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بعذر المطر ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر به وبالالف لان احمد صار في احدي الروايتين الي مثل مالك رحمه الله وبالواو لان الامام ذكر أن صاحب التقريب حكي قولا ضعيفا مثل مذهب مالك رحمة الله عليه وقوله في وقتيهما جائز يقتضي جواز التقديم والتأخير جميعا بالعذرين السفر والمطر لكن في جواز التأخير بعذر المطر خلاف ذكره في آخر الباب على ما سيأتي والاظهر المنع " ولا يجوز الجمع بين صلاة الصبح وغيرها ولا بين العصر والمغرب لم يرد بذلك نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " * قال (والحجاج يجمعون بعلة السفر أو بعلة النسك فيه خلاف) * الحجاج الآفاقيون يجمعون بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء " ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " وعليه جرى الناس في الاعصار واختلف أصحابنا في سبب هذا الجمع منهم من قال إنما يجمعون بسبب السفر كسائر المسافرين ومنهم من قال إنما يجمعون بسبب النسك وذلك أن الحاج يحتاج إلي الدعاء بعد الظهر فلو لم تقدم العصر لشغلته عن الدعاء وإذا غربت الشمس فهو وقت الاشتغال بالدفع من عرفة فجوز له الجمعان تكميلا لشغل النسك فان قلنا بالمعنى الاول فهل يجمع المكى فيه قولان لان سفره قصى ولا يجمع العرفي بعرفة ولا المزدلفى بالمزدلفة فانه في وطنه وهل يجمع كل منهما بالبقعة الاخرى فيه(4/472)
القولان وان قلنا بالمعنى الثاني جاز لجميعهم الجمع فحصل للجمع سبب ثالث وهو النسك ذكره كله صاحب النهاية وغيره ومنهم من يقول في جواز الجمع للمكي قولان (الجديد) المنع (والقديم) الجواز ثم لم يجوز قيل للسفر وقيل للنسك فان فرعنا علي القديم فهل للعرفي والمزدلفي الجمع فيه وجهان بناء علي المعنيين وأصل الفرض في الايرادين واحد وان اختلفا في بعض الامور وقد عرفت بما ذكرنا أن قوله والحجيج يجمعون يعنى به الحجيج الآفاقيين فأما غيرهم فالخلاف في حقهم في أصل الجمع لا في العلة وظاهر المذهب عند الائمة أن العلة السفر وان المكي والعرفي لا يجمعان وعند أبي حنيفة
العلة النسك وقال لا يجوز الجمع بعرفة إلا في الجماعة فأما المنفرد في رحله فلا يجمع وجوز له الجمع بين العشائين بالمزدلفة ولم يجوز ترك الجمع بالمزدلفة وفعل المغرب في وقتها ولا الجمع بينهما في وقت المغرب ولا الجمع بينهما في وقت العشاء في الطريق وأوجب أن يكون ذلك بالمزدلفة ولم يجوز أن يجمع بعرفة بين الظهر والعصر في وقت العصر لكن جوز ترك الجمع وفعل العصر في وقتها حكي الصيدلانى هذه المسائل مجموعة عن مذهبه وعندنا حكم الجمع في البقعتين حكمه في سائر الاسفار وهو فيه بالخيار وعند مالك العلة النسك ولهم جميعا الجمع بل للمكي والعرفي القصر أيضا بعلة النسك * قال (والرخص المختصة بالسفر الطويل أربعة القصر والفطر والمسح ثلاثة أيام والجمع على أصح القولين ثم الصوم أفضل من الفطر وفي القصر والاتمام قولان والذى لا يختص بالسفر الطويل أربعة التيمم وترك الجمعة وأكل الميتة والتنفل علي الراحلة على أصح القولين) * غرض الفصل شيئان (أحدهما) عد الرخص التى تختص بالسفر الطويل والتى لا تختص (والثاني) بيان أن القصر والفطر أم الاتمام والصوم ولا اختصاص لواحد منهما بباب الجمع (والثانى) بيان القصر اليق ثم انه أدخل الثاني بين قسمي المقصد الاول ولو أنه فرغ منهما ثم ذكره لكان أحسن وكذلك فعل في الوسيط أما المقصد الاول فالرخص المختصة بالسفر الطويل أربع (أحداها) القصر كما تقدم (والثانية) الافطار كما سيأتي (والثالثة) المسح ثلاثة أيام وقد ذكرنا في باب المسح اختصاصه بالسفر الطويل وان لم يصرح به في الكتاب ثم (والرابعة) الجمع بين الصلاتين وفيه قولان مذكوران في هذا الباب وكان قد أرسل ذكر القولين في المسألة فنص ههنا علي الاصح وأدرجه في هذا القسم تفريعا عليه والتى لا تختص بالسفر الطويل جعلها أربعا أيضا (أحداها) التيمم وهذا يجوز ان يراد به الترخص من فعل الصلاة به ويجوز ان يراد به اسقاط فرض الصلاة به وعلى هذا التقدير فهو جواب على الاصح من وجهين ذكرناهما في باب التيمم في أن التيمم في السفر القصير هل يغنى(4/473)
عن القضاء أم لا ثم علي التقديرين ينبغي أن يعلم أن التيمم كما لا يختص بالسفر الطويل لا يختص بنفس السفر لما بيناه في ذلك الباب (والثانية) أكل الميتة وهو أيضا مما لا يختص بالسفر نفسه (والثالثة) ترك الجمعة
(والرابعة) التنفل علي الراحلة وفي جوازه في السفر القصير قولان أرسلهما في باب الاستقبال ونص على الاصح ههنا وأدرجه في هذا القسم تفريعا عليه (وأما المقصد الثاني) فاعلم أن الصوم في السفر أفضل من الفطر علي المذهب المشهور لما فيه من تبرئة الذمة والمحافظة على فضيلة الوقت وهذا إذا أطلق الصوم وفيه وجه آخر رواه القاضى الرويانى وغيره أن الفطر أفضل وبه قال احمد لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " ليس من البر الصيام في السفر " وفي الافضل من القصر والاتمام قولان (احدهما) وبه قال المزني ان الاتمام افضل لانه الاصل والقصر بدل معدول إليه فاشبه غسل الرجل مع المسح علي الخف (وأصحهما) وبه قال مالك واحمد ان القصر افضل لما روى انه صلى الله عليه وسلم " قال(4/474)
خيار عباد الله الذين إذا سافروا قصروا " ولانه متفق عليه والاتمام بخلافه وبخلاف الصوم مع الفطر حيث قلنا الصوم افضل وان صار اهل الظاهر الي انه لا يصح قال امام الحرمين لان المحققين من علماء الشريعة لا يقيمون لمذهبهم وزنا وذكر الصيدلانى أن القصر أفضل من الاتمام وفى الافطار والصوم وجهان وهذا يوهم القطع بافضلية القصر وكذلك حكاه الامام عن الصيدلاني واستبعده وأحاله علي خطأ النساخ فان ثبت ذلك فقوله قولان معلم بالواو والفرق بين الرخصتين حيث كان الصوم أفضل والقصر أفضل علي الظاهر فيهما أن الذمة تبقى مشغولة بالصوم إذا أفطر وقد يعرض عائق من القضاء وفى القصر بخلافه وأيضا فان فضيلة الوقت تفوت بالافطار ولا تفوت بالقصر ونقل أبو عبد الله الحناطى وغيره في القصر والاتمام وجها آخر انهما سواء ثم القولان في المسألة وان كانا مطلقين فلا بد من استثناء صور (أحداها) إذا كان سفره دون ثلاث مراحل فليس ذلك موضع القولين بل الاتمام فيه افضل للخروج عن الخلاف وقد حكيناه من قبل عن نصه (والثانية) إذا كان يجد من نفسه كراهة القصر وثقله فهذا يكاد يكون رغبة عن السنة فالافضل له القصر قولا واحدا بل يكره له الاتمام إلى أن تزول عنه تلك الكراهة وكذلك القول في جميع الرخص في هذه الحالة (الثالثة) الملاح الذى يسافر في البحر ومعه أهله وأولاده في سفينته الافضل الاتمام لانه في وطنه يحكى ذلك عن نصه في الام وفيه خروج عن الخلاف ايضا فان عند احمد لا يجوز له وللمكارى الذى معه أهله وماله القصر (وأعلم) ان مسافة القصر في البحر مثل المسافة في البر وان
كانت تقطع فيه في لحظة ويجتهد فيها عند الشك * قال (ثم شرائط الجمع ثلاثة (الترتيب) وهو تقديم الظهر علي العصر (ونية الجمع) في أول الصلاة الاولي أو في وسطها ولا يجوز في أول الثانية (والموالاة) وهو ان لا يفرق بين الصلاتين باكثر من قدر اقامة وفى هذه الشرائط عند الجمع بالتأخير خلاف) * المسافر إذا جمع فأما ان يقدم الاخيرة من الصلاتين الي وقت الاولي أو يؤخر الاولي الي وقت الاخيرة فان قدم فيعتبر فيه ثلاثة ش؟ ائط (احداها) الترتيب وهو تقديم الظهر علي العصر والمغرب علي العشاء لان الوقت للاولى والثانية تبع له فيجب تقديم الاصل فلو قدم العصر علي الظهر لم يصح عصره ويعيدها بعد الظهر ولو قدم الظهر وبان فسادها بسبب فالعصر فاسدة ايضا (والثانية) نية الجمع تمييزا للتقديم المشروع على التقديم سهوا وعبثا ومتى ينوى الجمع نص في الجمع بالسفر أنه ينوى عند التحرم بالاولي أو في اثنائها ونص في الجمع بالمطر انه ينوى عند التحرم بالاولي واختلف الاصحاب على طريقتين احداهما تقرير النصين والفرق ان نية الجمع ينبغى أن(4/475)
تقارن سبب الجمع ودوام السفر في الصلاة الاولى شرط فجميعها وقت النية واما المطر فلا يشترط دوامه في الاولي كما سيأتي ويشترط في اولها فتعين وقتا للنية وأصحهما وبه قال المزني ان فيهما قولين نقلا وتخريجا أحدهما انها شرط في الفصلين عند التحرم كنية القصر وأصحهما انها لو وقعت في اثنائها جاز ايضا لان الجمع هو ضم الثانية إلى الاولي فإذا تقدمت النية علي حالة الضم حصل الغرض وتفارق نية القصر لانها لو تأخرت لتأدى بعض الصلاة علي التمام وحينئذ يمتنع القصر وعلي هذا فلو نوى مع التحلل قال الامام رأيت للائمة ترددا فيه كان شيخي يمنعه وذكر الصيدلاني وغيره انه يجوز لوجود النية في الطرفين الطرف الاخير من الظهر والطرف الاول من العصر وعلي هذا يدل نص الشافعي رضى الله عنه ثم قال المسعودي والصيدلانى وغيرهما وخرج المزني قولا ثالثا وهو انه لو نوى بعد السلام علي قرب وصلي الصلاة الاخيرة جاز كما لو سلم من اثنتين وقرب الوقت يبنى وان طال فلا وهذا تخريج منه للشافعي رضي الله عنه وحكوا عن مذهبه ان نية الجمع ليست مشروطة اصلا فان الجمع معني ينتظم الصلاتين ولا عهد بنية تجمع صلاتين وجعل الصيدلانى مذهبه وجها لاصحابنا فليكن قوله في
الكتاب ونية الجمع معلما بالزاى والواو ويجوز ان يعلم قوله ولا يجوز في اول الثانية بهما ايضا وقوله أو في وسطها معلم بالقاف للقول الصائر إلى اشتراط النية في اولها واعتبار الوسط يقتضي المنع فيما إذا نوى مع التحلل إذ لا تكون النية حينئذ في الوسط وهذا ما سبق عن الشيخ ابى محمد والظاهر عند الاكثرين خلافه (الثالثة) الموالاة فهى شرط خلافا للاصطخري فيما حكى صاحب التتمة عنه حيث قال يجوز الجمع وإن طال الفصل بين الصلاتين ما لم يخرج وقت الاولى منهما ويروى مثله عن ابي علي الثقفى وقال الموفق بن طاهر سمعت الشيخ ابا عاصم العباي يحكي عن الامام انه لو صلي المغرب في بيته ونوى الجمع وجاء الي المسجد وصلي العشاء فيه جاز ووجه ظاهر المذهب ما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم " لما جمع بين الصلاتين والى بينهما وترك الرواتب بينهما " ولولا اشترط الموالاة لما تركها والمراد من الموالاة ان لا يطول الفصل بينهما ولا بأس بالفصل اليسير لانه صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الاقامة بينهما وبماذا يفرق بين الطويل واليسير قال الصيدلاني حده اصحابنا بقدر اتيان المؤذن بالاقامة وهذا يوافق ما في الكتاب فانه قال وهى ان لا يفرق بين الصلاتين باكثر من قدر اقامة وقال(4/476)
اصحابنا العراقيون الرجوع في الفصل بينهما إلى العادة وقد تقتضي العادة احتمال الزائد علي قدر الاقامة وتدل عليه مسألة وهي ان المتيمم هل له الجمع عن ابى اسحق أنه ليس له الجمع لانه محتاج إلى طلب الماء وتجديد التيمم وذلك يطول الفصل بينهما فصار كما لو طول بشئ آخر وقال عامة الاصحاب له الجمع كالمتوضئ ويطلب للتيمم الثاني طلبا خفيفا ولا ينقطع به الجمع لانه من مصلحة الصلاة فاشبه الاقامة وذكر في التهذيب أنه المذهب ومعلوم أن الطلب والتيمم يزيدان علي قدر الاقامة المشروعة على الادراج فيجوز ان يعلم قوله باكثر من قدر اقامة بالواو لما ذكره ومتى طال الفصل بقدر ضم الثانية إليها فيؤخرها إلى وقتها ولا فرق بين أن يطول من غير عذر أو بعذر كالسهو والاغماء ولو جمع بينهما ثم تذكر بعد الفراغ منهما انه ترك سجدة أو ركنا آخر من الصلاة الاولي بطلت الصلاتان جميعا اما الاولي فلترك بعض اركانها وتعذر التدارك بطول الفصل واما الثانية فلان شرط صحتها تقدم الاولى وإذا بطلتا فله أن يعيدهما علي سبيل الجمع ولو تذكر تركها من الثانية فان كان الفصل قريبا تدارك ومضت الصلاتان
علي الصحة وان طال الفصل فالثانية باطلة وليس له الجمع لوقوع الفصل الطويل بالصلاة الثانية فيعيدها في وقتها ولو لم يدر انه ترك من الاولي أو الثانية لزمه اعادة الصلاتين جميعا لاحتمال انه تركها من الاولى ولا يجوز له الجمع لاحتمال انه تركها من الثانية فيعيد كل واحدة في وقتها اخذا بالاسوأ من الطرفين وحكى في البيان عن الاصحاب أنه يجئ فيه قول آخر ان له الجمع كما لو اقيمت الجمعتان في بلدة ولم يعرف السابقة منهما يجوز اعادة الجمعة في قول هذا كله فيما إذا جمع بتقديم الثانية اما إذا جمع بتأخير الاولي فهل يجب الترتيب أم يجوز فعل الاخيرة قبل الاولي فيه وجهان (أحدهما) يجب كما لو جمع بالتقديم (وأصحهما) ولم يذكر كثيرون سواه انه لا يجب ويجوز تقديم الثانية لان الوقت لها والاولي تبع ولانه لو أخر الظهر من غير عذر حتى دخل وقت العصر كان له تقديم العصر فإذا أخر بعذر كان أولي وكذا في اشتراط الموالاة بينهما وجهان (أصحهما) انها لا تشترط لشبه الاولي بخروج وقتها بالفائتة وان لم تكن فائتة ولهذا قلنا لا يؤذن لها كالفائتة وان لم تكن فائتة (فان قلنا) باشتراط الترتيب فلو قدم الصلاة الثانية صحت لانها في وقتها لكن تصير الاولى قضاء وكذلك لو ترك الموالاة وشرطناها تصير الاولى قضاء حتي لا يجوز قصرها ان لم يجوز قصر القضاء واما نية الجمع عند التأخير فقد قال في النهاية ان شرطنا الموالاة فنوجب نية الجمع كما في الجمع بالتقديم وإلا فلا نوجب نية الجمع ويحكي هذا البناء عن القاضى الحسين رحمه الله وهذا الخلاف في انه هل ينوى الجمع عند الشروع في الصلاة واما في وقت الاولى فقد قال الائمة يجب ان يكون التأخير بنية الجمع ولو اخر(4/477)
من غير نية الجمع حتى خرج الوقت عصى وصارت قضاء وامتنع قصرها ان لم تجوز قصر القضاء وكذا لو أخر حتى ضاق الوقت فلم يبق إلا قدر لو شرع في الصلاة فيه لما كان اداء وقد سبق بيان ذلك * قال (ومهما نوى الاقامة في اثناء الصلاة الاولى عند التقديم بطل الجمع وإن كان في اثناء الثانية فوجهان وان كان بعد الثانية فوجهان مرتبان واولي بان لا يبطل هذا في السفر) * لو اراد الجمع بين الصلاتين بالتقديم فصار مقيما في اثناء الاولي اما بنية الاقامة أو بانتهاء السفينة إلي دار الاقامة فيبطل الجمع وكذا لو فرض ذلك بعد الفراغ منها وقبل الشروع في الثانية لزوال العذر
قبل حصول صورة الجمع ومعني بطلان الجمع ههنا انه يتعين تأخير الثانية إلى وقتها أما الاولي فلا تتأثر بذلك ولو صار مقيما في أثناء الثانية فوجهان (احدهما) انه يبطل الجمع ايضا كما لو صار مقيما في اثناء صلاة القصر تبطل رخصة القصر ويلزمه الاتمام وعلي هذا فالثانية تبطل أصلا ورأسا أو تبقى نفلا يخرج علي القولين السابقين في نظائرها (والثاني) وهو الاظهر انه لا يبطل ويكفى اقتران العذر باول الثانية صيانة لها عن البطلان بعد الانعقاد علي وجه الرخصة بخلاف مسألة القصر فان وجب الاتمام لا يؤدى الي بطلان ما مضى من صلاته ولو صار مقيما بعد الفراغ من الثانية فقد اطلق في الكتاب فيه وجهين مرتبين علي الوجهين فيما إذا صار مقيما في خلالها ان قلنا لا تؤثر الاقامة ثم فههنا اولي وان قلنا تؤثر ثم فهنا وجهان (احدهما) انها تؤثر لان الصلاة الثانية مقدمة علي وقتها كالزكاة تعجل قبل الحول فإذا ازال العذر وادرك وقتها فليعد كما لو حال الحول وقد خرج الاخذ عن الشرط المعتبر لا يعتد بما عجل (واظهرهما) انها لا تؤثر لان رخصة الجمع قد تمت فاشبه ما لو قصر ثم طرأت الاقامة لا يلزمه الاتمام وخص صاحب التهذيب وآخرون الخلاف بما إذا طرأت الاقامة بعد الفراغ من الصلاتين اما في وقت الاولى أو في وقت الثانية ولكن قبل مضى امكان فعلها فاما لو طرأت بعد مضى امكان فعلها قالوا لا تجب اعادتها وجها واحدا لبقاء العذر في وقت الوجوب وتنزيل اطلاق الكتاب علي ما ذكروه بين لكن صاحب النهاية صرح باجزاء الوجهين ما دام يبقي من وقت الثانية شى والله أعلم * وأما إذا جمع بينهما بالتأخير ثم صار مقيما بعد الفراغ منهما لم يصر ولو كان قبل الفراغ صارت الاولي قضاء ذكره في التتمة وغيره وكأن المعنى فيه ان الصلاة الاولي تبع للثانية عند التأخير فاعتبر وجود سبب الجمع في جميعها *(4/478)
قال (واما المطر فيرخص (ح ز) في الجمع بالتقديم في حق من يصلى بالجماعة واما في المنفرد أو من يمشى إلى المسجد في كن ففيه وجهان وفى التأخير ايضا وجهان لانه لا يثق بدوام المطر ولا بد من وجود المطر في أول الصلاتين فان انقطع قبل الصلاة الثانية أو في أثنائها فهو كنية الاقامة) * المطر سبب للجمع لما سبق وللجمع طريقان التقديم والتأخير فاما التقديم فجائز بالشرائط
المذكورة في التقديم بسبب السفر ولا فرق بين قوى المطر وضعيفه إذا كان بحيث يبل الثوب والشفان مطر وزيادة والثلج والبرد ان كانا يذوبان فهما كالمطر والا فلا يرخصان في الجمع وفيه وجه انه لا يرخصان فيه بحال اتباعا للفظ المطر ثم هذه الرخصة تثبت في حق من يصلى في الجماعة ويأتى مسجدا بعيدا يتأذى بالمطر في اتيانه فاما إذا كان يصلي في بيته منفردا أو في جماعة أو كان يمشي الي المسجد في كن أو كان المسجد علي باب داره أو النساء يصلين في بيوتهن هل نثبت هذه الرخصة فيه وجهان (احدهما) نعم لان النبي صلي الله عليه وسلم جمع بسبب المطر وبيوت ازواجه بجنب المسجد (واصحهما) لا لانه لا يتاذى بالمطر وبيوت ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة منها ما هو بجنب المسجد ومنها ما هو بخلافه فلعله حين جمع لم يكن في البيت الملاصق ومن اصحابنا من ينقل بدل الوجهين قولين في هذه المسائل وينسب الجواز الي الاملاء والمنع الي الام واما التأخير فهل يجوز بسبب المطر روى في الكتاب فيه وجهين وقال جمهور الاصحاب فيه قولان (القديم) انه يجوز كما في السفر يجوز التقديم والتأخير جميعا (والجديد) انه لا يجوز لان استدامة السفر إليه متصورة واستدامة المطر متعذرة فربما تمسك السماء قبل ان يجمع فان جوزنا التأخير قال اصحابنا العراقيون صلاها مع الثانية سواء كان المطر متصلا أو لم يكن وذكر في(4/479)
التهذيب انه لو انقطع المطر قبل دخول وقت الثانية لم يجز الجمع وصلى الاولى في آخر وقتها كالمسافر إذا اخر بنية الجمع ثم اقام قبل دخول وقت الثانية وقضية هذا ان يقال لو انقطع في وقت الثانية قبل فعلها امتنع الجمع ايضا وصارت الاولي قضاء كما لو صار مقيما وإذا قدم فلا بد من وجود المطر في اول الصلاتين ليتحقق الجمع مع العذر وهل يجب مع ذلك وجوده في حال التحلل عن الصلاة الاولي نقل في النهاية عن المعظم انه لا يجب وعن ابي زيد انه لا بد منه ايضا ليتحقق اتصال آخر الاولي باول الثانية مقرونا بالعذر وهذا هو الذى ذكره اصحابنا العراقيون وصاحب التهذيب وغيرهم ولا يضر بعد وجوده في الاحوال الثلاث إنقطاعه في أثناء الصلاة الاولي أو في الثانية أو بعد الثانية حكى ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه وقطع به الاكثرون
قال امام الحرمين وحكي بعض المصنفين في انقطاعه في اثناء الثانية أو بعدها مع بقاء الوقت الخلاف الذى ذكرناه في طرءان الاقامة إذا كان سبب الجمع السفر واستبعد ذلك وضعفه وقال إذا لم يشترط دوام المطر في الصلاة الاولي فاولي ان لا يشترط في الثانية وما بعدها ونعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (قوله) فيرخص في التقديم يجوز ان يعلم بالحاء والميم والزاء لما سبق في اول الباب وذكر في الابانة ان المطر يرخص في التأخير وفى التقديم وجهان علي عكس ما نقله الجمهور فان ثبت ذلك احوج الي الاعلام بالواو ايضا وقوله في التقديم اراد به تقديم العصر الي الظهر والعشاء الي المغرب معا وفى النهاية قول ضعيف عن حكاية صاحب التقريب ان الجمع بعذر المطر يختص بالمغرب والعشاء في وقت المغرب (وقوله) في حق من يصلي بالجماعة يشمل ظاهره الجماعة في المسجد وفى البيت لكن لو صلوا جماعة في بيت اجتمعوا فيه ففى جواز الجمع لهم وجهان كما سبق (وقوله) فاما في المنفرد يشمل المنفرد في بيته وفى المسجد وهو مجرى علي اطلاقه فقد حكى الصيدلانى الوجهين في الذين حضروا المسجد وصلوا فرادى وجه المنع ان رخصة الجمع نقلت مرتبطة بالجماعة في المسجد وقوله ولا بد من وجود المطر في اول الصلاتين مشعر بالاكتفاء بذلك علي ما حكاه الامام عن المعظم لكن ظاهر المذهب انه لا بد منه عند التحلل ايضا كما سبق ثم ينبغي ان يعلم قوله في اول الصلاتين بالواو لان القاضي ابن كج حكى عن بعض الاصحاب انه لو افتتح الصلاة ولا مطر ثم مطرت السماء في اثناء صلاته الاولى فجواز الجمع علي القولين في انه إذا نوى الجمع(4/480)
في اثناء الاولي هل يجوز الجمع ام لا واختار ابن الصباغ هذه الطريقة (وقوله) فان انقطع قبل الصلاة أو في اثنائها عنى به ما إذا لم يعد اما إذا عاد في آخرها فالجمع ماض علي الصحة وقد صرح بهذا القيد في الوسيط ثم القول بانه كنية الاقامة جواب علي ما نقله في النهاية عن بعض المصنفين ويجب وسمه بالواو للطريقة الجازمة بان ذلك لا يقدح وهي التي قالها الاكثرون * (فروع) (احدها) قال ابن كج يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر بعذر المطر ثم إذا قدم فلا بد من وجود المطر في الحالات الثلاث كما بينا قال في البيان ولا يشترط وجوده في الخطبتين وقد
تتازع فيه ذهابا إلى تنزيلهما منزلة الركعتين وأن اراد تأخير الجمعة قال في البيان يجوز ذلك على قولنا المطر يرخص في التأخير فيخطب في وقت العصر ويصلي لان وقت الثانية من صلاتي الجمع وقت الاولى (والثاني) المشهور أنه لا جمع بالمرض والخوف والوحل إذا لم ينقل ان رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم جمع بهذه الاسباب مع حدوثها في عصره وعن مالك واحمد أنه يجوز الجمع بالمرض والوحل وبه قال بعض اصحابنا منهم ابو سليمان الخطابي والقاضي الحسين واستحسنه الروياني في الحلية لما روى " أنه صلي الله عليه وسلم وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر فعلي هذا يراعى الرفق بنفسه فإذا كان يحم مثلا في وقت الثانية من الصلاتين قدمها الي الاولي بالشرائط التي سبقت وأن كان يحم في وقت الاولى اخرها إلى الثانية (الثالث) في جمع الظهر والعصر يصلي سنة الظهر ثم سنة العصر ثم يأتي بالفرضين وفى جمع العشائين يصلى بعد الفرضين سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر *(4/481)
قال * (كتاب الجمعة) * (وفيه ثلاثة ابواب: الباب الاول في شرائطها وهي ستة: الاول الوقت: فلو وقع تسليمة الامام في وقت العصر فاتت الجمعة ولو وقع آخر صلاة المسبوق في وقت العصر جاز علي احد الوجهين لانه تابع في الوقت كما في القدوة)(4/482)
قال الله تعالي (يا ايها الذين امنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة) الآية وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله علي قلبه " الجمعة فرض على(4/483)
الاعيان إذا اجتمعت الشرائط التى نذكرها وحكي القاضي ابن كج عن بعض اصحابنا انها فرض علي الكفاية كصلاة العيدين وذكر القاضي الرويانى في البحر أن بعض اصحابنا زعم أنه قول للشافعي رضى الله عنه وغلط ذلك الزاعم وقال لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي رضي الله عنه إذا(4/484)
عرفت ذلك فاعلم أن الجمعة كسائر الفرائض الخمس في الاركان والشرائط لكنها تختص بثلاث خواص (احدها) اشتراط امور زائدة في صحتها (والثانية) اشتراط امور زائدة في لزومها (والثالثة) اداب ووظائف تشرع فيها فجعل الكتاب علي ثلاثة ابواب كل واحد في خاصية منها (الباب الاول)(4/485)
في شروط الصحة (احدها) الوقت فلا مدخل للقضاء في الجمعة علي صورتها بالاتفاق بخلاف سائر الصلوات فان الوقت ليس شرطا في نفسها وانما هو شرطه في ايقاعها اداء ووقتها وقت الظهر خلافا لاحمد حيث قال يجوز فعلها قبل الزوال واختلف اصحابه في ضبط وقته فمن قائل وقتها وقت(4/486)
صلاة العيدين ومن قائل يقول انما تقام في الساعة السادسة: لنا ما روى عن انس رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يصلي الجمعة بعد الزوال " وقد ثبت عنه أنه قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وإذا خرج الوقت أو شك في خروجه فلا سبيل الي الشروع فيها ولو اغفلوها إلى أن لم يبق(4/487)
من الوقت ما يسع الخطبتين وركعتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه لم يشرعوا فيها وصلوا الظهر نص عليه في الام ولو شرعوا فيها في الوقت ووقع بعضها خارج الوقت فاتت الجمعة خلافا لمالك واحمد هكذا اطلق اكثر اصحابنا النقل عنهما وفصل الصيدلانى مذهب مالك فقال عنده إن صلوا ركعة ثم خرج الوقت اتموا الجمعة والا فقد فاتت: لنا انها عبادة لا يجوز الابتداء بها بعد خروج وقتها فتنقطع بخروج الوقت كالحج وايضا فان الوقت شرط في ابتداء الجمعة فيكون شرطا في دوامها كدار الاقامة ثم إذا فاتت الجمعة فهل يتمها ظهرا أم لا ظاهر المذهب أنه يجب عليه أن يتمها ظهرا(4/488)
ولا بأس ببنهائها عليه لانهما صلاتا وقت واحد فجاز بناء اطولهما علي اقصرهما كصلاة الحضر مع السفر وخرج فيه قول آخر أنه لا يجوز بناء الظهر علي الجمعة بل عليهم استئناف الظهر وبه قال أبو
حنيفة وبنوا هذا الخلاف علي الخلاف في أن الجمعة ظهر مقصورة ام هي صلاة علي حيالها إن قلنا بالاول جاز البناء والا فلا وسيعود هذا الاصل في مواضع من الباب فان قلنا بظاهر المذهب فليسر بالقراءة من حينئذ ولا يحتاج الي تجديد نية الظهر على اصح الوجهين ذكره في العدة على انا حكينا وجها ضعيفا أن الظهر تصح بنية الجمعة ابتداء ههنا اولى (وأن قلنا) لا بد من استئناف الظهر فهل تبطل صلاته ام(4/489)
تنقلب نفلا فيه قولان مذكوران في نظائرها ولو شك في صلاته هل خرج الوقت ام لا فوجهان (احدهما) يتمها جمعة وبه قال الاكثرون لان الاصل بقاء الوقت وصار كما لو شك بعد الفراغ فيه (والثانى) انه يتمها ظهرا لانه شك في شرط الجمعة قبل تمامها ومضيها علي ظاهر الصحة فيعود إلي الاصل وهو الظهر وهذا كله في حق الامام والمأمومين الموافقين أما لمسبوق الذى ادرك معه ركعة لو قام الي تدارك الركعة الثانية فخرج الوقت قبل أن يسلم هل تفوت جمعته فيه وجهان (اصحهما) نعم كما في حق غيره (والثانى) لا لانه تابع للقوم وقد صحت جمعتهم فصار كالقدوة فانها من شرائط الجمعة ثم هي محطوطة عنه تبعا لهم وكذلك العدد ومن قال بالاول فرق بان اعتبار الشرع برعاية الوقت اكثر الا يرى(4/490)
أن اقوال الشافعي رضي الله عنه اختلفت في الانفضاض وأن اختلفت الجماعة ولم يختلف قوله في أنه إذا وقع شئ من صلاة الامام بعد خروج الوقت فاتت الجمعة وقوله فلو وقع تسليم الامام المراد التسليمة الاولي فان الثانية غير معدودة من نفس الصلاة بل من لو احقها ولهذا لو قارنها الحدث لم تبطل صلاته ولعلك تقول لم تقيد بتسليمة الامام وما الحكم لو وقعت تسليمة الامام في الوقت وتسليمة القوم أو بعضهم خارج الوقت فاعلم أن التعرض لتسليمة الامام قد جرى في كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر(4/491)
كما ذكره في الكتاب ولم ار فيما وجدته من الشروح بحثا عنه ويمكن أن يكون التعرض له باعتبار أن وقوع تسليمة الامام خارج الوقت موجب فوات الجمعة في البقعة مطلقا فانه إذا كان سلامه بعد الوقت فسلام غيره يكون بعد الوقت ايضا فاما إذا وقع سلامه في الوقت وسلام بعضهم بعده فالمسلمون
خارج الوقت لا شك في أن ظاهر المذهب بطلان صلاتهم وأن فرض فيه خلاف واما الامام والمسلمون(4/492)
معه إن بلغوا العدد المعتبر في الجمعة فجمعتهم صحيحة والا فالصورة تشبه مسألة الانفضاض والله اعلم * واعلم أنه سلامه الواقع في وقت العصر إن كان عن علم منه بالحال فيتعذر بناء الظهر عليه لا محالة وتبطل صلاته الا أن يغير النية الي النفل ثم يسلم ففيه ما سبق في موضعه وإن كان عن جهل منه فلا تبطل صلاته وهل يبنى أو يستأنف فيه الخلاف الذى ذكرناه * قال (الثاني دار الاقامة فلا تقام الجمعة في الصحارى (ح) ولا في الخيام (و) بل تقام في خطة قرية (ح) أو بلدة الي حد يترخص المسافر إذا انتهي إليه) * يشترط اقامة الجمعة في دار الاقامة خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز اقامتها خارج البلد حيث تقام صلاة العيد وبه قال احمد * لنا القياس علي الموضع البعيد عن البلد فان كل واحد منهما(4/493)
خارج عن البلد وايضا فان الجمعة لم تقم في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا في عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلا في مواضع الاقامة ولولا أنه شرط لا شبة أن يقيموها في غيرها كسائر الجماعات والمراد من دار الاقامة الابنية التى يستوطنها المقيمون للجمعة سواء في ذلك البلاد والقرى(4/494)
والاسراب التي تتخذ وطنا ولا فرق بين ان تكون الابنية من حجر أو طين أو خشب وأهل الخيام النازلون في الصحراء لا يقيمون الجمعة فانه إذا جاء الشتاء أحوجهم إلى الانتقال فليسوا بمقيمين في ذلك الموضع وان اتخذوه وطنا لا يبرحون عنه شتاء ولا صيفا ففيه قولان (أحدهما) أنه تلزمهم الجمعة ويقيمون في ذلك الموضع لانهم استوطنوه (وأصحهما) لا لان قبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة وما كانوا يصلون الجمعة ولا أمرهم النبي صلي الله عليه وسلم بذلك وهذا لانهم على هيئة المسافرين وليس لهم أبنية المستوطنين ولو انهدمت أبنية البلدة أو القرية فأقام أهلها علي العمارة لزمهم اقامة الجمعة فيها فانهم في دار اقامتهم سواء كانوا في مظال أو غيرها وكذا لو كانت الابنية باقية وليس من
الشرط اقامتها في كن أو مسجد بل يجوز اقامتها في فضاء معدود من خطة البلدة غير خارج عنها(4/495)
لان الجماعة قد تكثر ويعسر اجتماعها في محوط أما الموضع الخارج الذى إذا انتهى إليه من ينشئ السفر من البلدة كان له القصر لا يجوز اقامة الجمعة فيه على ما سبق وهذا هو الذى أراد بقوله إلي حد يترخص المسافر إذا انتهى إليه واستعمال الي ههنا نحو استعمالها في قول الله تعالي جده (ثم اتموا الصيام الي الليل) فليس الحد المذكور داخلا في الخطة وقوله في الصحارى معلم بالحاء والالف لما(4/496)
قدمناه ويجوز وضعهما على قوله في خطة قرية أو بلدة أيضا وقوله ولا في الخيام معلم بالواو للقول الذى سبق حكايته * قال (الثالث أن لا تكون الجمعة مسبوقة بجمعة أخرى فلو عقدت جمعتان فالتى تقدم تكبيرها هي الصحيحة وقيل العبرة بتقدم السلام وقيل بتقدم أول الخطبة فان كان السلطان في الثانية فهي الصحيحة علي أحد الوجهين لكيلا تقدر كل شر ذمة على تفويت الجمعة علي الاكثرين وان وقعت الجمعتان معا تدافعتا فتستأنف واحدة وكذا ان أمكن التلاحق والتساوق فان تعينت السابقة ثم التبست فاتت (وز) الجمعة ووجب (ز) الظهر علي الجميع ولو عرف السبق ولم تتعين استؤنفت الجمعة (و) وما لم يتعين كانه لم يسبق وفيه قول آخر أن الجمعة فائتة) *(4/497)
قال الشافعي رضي الله عنه ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده لا في مسجد واحد وذلك لان النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء بعده لم يفعلوا إلا كذلك وإذا لم تجز اقامتها في مساجد البلد كسائر الجماعات واحتمل تعطل المساجد عرف أن المقصود اظهار شعار الاجتماع واتفاق كلمة المسلمين فليقتصر علي الواحد لانه أفضي الي هذا المقصود ولانه لا ضبط بعد مجاوزة الواحد وتكلم الاصحاب(4/498)
في أمر بغداد فان أهلها لا يقتصرون علي جمعة واحدة وقد دخلها الشافعي رضى الله عنه وهم يقيمون
الجمعة في موضعين وقيل في ثلاثة فلم ينكر عليهم وذكروا فيه وجوه (أحدها) أن الزيادة على الواحدة انما جازت في بغداد لان نهرها يحول بين شقيها فيجعلها كبلدين قاله أبو الطيب بن سلمة وعلى هذا لا يقام في كل جانب الا جمعة واحدة وكل بلدة حال بين جانبها نهر يحوج الي السباحة أو الزوارق فهى بمثابة بغداد واعترض الشيخ أبو حامد على هذا فقال لو كان الجانبان كالبلدين لجاز القصر لمن عبر عن أحد الجانبين إلى الآخر وان لم يجاوز ذلك الجانب وابن سلمة فيما حكي القاضي ابن كج(4/499)
الزم هذه المسألة فالتزمها وقال يجوز له القصر (والثاني) أن الزيادة علي الواحدة انما جازت لانها كانت قرى متفرقة ثم اتصلت الابنية فاجرى عليها حكمها القديم وعلي هذا يجوز التعديد في كل بلدة كانت كذلك واعترض الشيخ أبو حامد عليه بمثل ما اعترض به على الوجه الاول وربما يلتزم الصائر إليه جواز القصر أيضا فان الامام حكي عن صاحب التقريب أنه قال يجوز أن يقال علي هذا إذا جاوز الهام بالسفر قرية من تلك القرى ترخص (والثالث) أنها انما جازت لان بغداد بلدة كبيرة يشق(4/500)
على أهلها الاجتماع في موضع واحد وعلي هذا تجوز الزيادة علي الجمعة الواحدة في سائر البلاد إذا كثر الناس وعسر اجتماعهم وبهذا قال ابن سريج وأبو إسحق وهو مذهب احمد (والرابع) أن الزيادة لا تجوز بحال وانما لم ينكر الشافعي رضي الله عنه في بغداد لما دخلها لان المسألة مسألة اجتهادية وليس لبعض المجتهدين الانكار علي سائرهم وهذا الوجه الرابع يوافق إطلاق الكتاب حيث قال أن لا تكون الجمعة مسبوقة باخرى فانه لم يفصل بين بلدة وبلدة وهو ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه الذى قدمناه ورأى الشيخ أبو حامد وطبقته الاقتصاد عليه مذهبا لكن الذى اختاره أكثر أصحابنا تعريضا(4/501)
وتصريحا إنما هو الوجه المنسوب إلي ابن سريج وأبي اسحق وهو تجويز التعديد عند كثرة الناس والازدحام وممن رجحه القاضي ابن كج والحناطي والقاضي الروياني وعليه يدل كلام حجة الاسلام في الوسيط مع تجويزه للنهر الحائل أيضا ولا يخفى مما ذكرناه أنه ينبغي أن يعلم قوله أن لا تكون الجمعة مسبوقة
باخرى بالالف والواو لانه مطلق والوجوه المذكورة تنازع فيه سوى الوجه الاخير إذا عرف ذلك فمتي منعنا من الزيادة على جمعة واحدة فزادوا وعقدوا جمعتين فله صور (إحداها) أن تسبق إحداهما الاخرى فالسابقة صحيحة لاجتماع الشرائط فيها واللاحقة باطلة لما ذكرنا أنه لا مزيد على واحدة وبما يعتبر السبق فيه ثلاثة اوجه (اصحها) أن الاعتبار بالتحرم فالتى سبق عقدها علي الصحة هي الصحيحة(4/502)
وأن تقدمت الثانية في الخطبة أو السلام والثانى أن الاعتبار بالسلام فالتي سبق التحلل عنها هي الصحيحة لان الصلاة إذا وقع التحلل عنها أمن عروض الفساد لها بخلاف ما قبل التحلل فكان الاعتبار به اولى (والثالث) أن الاعتبار بالخوض في الخطبة فالتى تقدم أول خطبتها هي الصحيحة قال الامام وهذا ملتفت إلى أن الخطبتين بمثابة ركعتين ولم يحك اكثر اصحابنا العراقيين سوى الوجه الاول والثاني ونقلهما صاحب المهذب قولين وقوله في الكتاب فالتى تقدم تكبيرها هي(4/503)
الصحيحة يقع على تمام التكبير حتي لو سبقت احداهما بهمزة التكبير والاخرى بالراء منه فالصحيحة هي التي سبقت بالراء لانها التى تقدم تكبيرها وهذا هو اصح الوجهين وفيه وجه آخر أنه ينظر الي أول التكبير ثم على اختلاف الوجوه لو سبقت احداهما الاخرى لكن كان السلطان مع مع الاخرى فقد حكي صاحب الكتاب والامام فيه وجهين والجمهور نقلوهما قولين (اظهرهما) أن الصحيحة هي الاولى كما لو لم يحضر السلطان في واحدة منهما وكما لو كان ثم اميران وكان كل واحد منهما في واحدة (والثانى) أن الصحيحة هي الثانية منعا للاخرين من التقدم علي الامام ولو لم(4/504)
نقل بهذا لادى الي أن تفوت كل شر ذمة تنعقد بهم الجمعة فرض الجمعة علي اهل البلد ولو شرع الناس في صلاة الجمعة فاخبروا أن طائفة أخرى سبقتهم بها وفاتت الجمعة عليه فالمستحب لهم استئناف الظهر وهل لهم أن يتموها ظهرا فيه الخلاف الذى ذكرناه فيما إذا خرج الوقت في أثناء الجمعة (الصورة الثانية) أن تقع الجمعتان معا فيتدافعان وتستأنف واحدة
أن وسع الوقت (الثالثة) أن يشكل الحال فلا يذرى اوقعتا معا أو سبقت احداها الاخرى فيعيدون(4/505)
الجمعة أيضا لجواز وقوعهما معا والاصل عدم الجمعة المجزئة قال امام الحرمين وقد حكمت الائمة بانهم إذا اعادوا الجمعة برئت ذمتهم وفيه اشكال لانه يجوز تقدم أحدى الجمعتين على الاخرى وعلى هذا التقدير لا يصح عقد جمعة اخرى ولا تبرأ ذمتهم بها فسبيل اليقين أن يقيموا جمعة ثم يصلوا الظهر (الرابعة) أن تسبق احدى الجمعتين على التعيين ثم يلتبس فلا تخرج واحدة من الطائفتين عن العهدة خلاف للمزني * لنا أنه ليس في الطائفتين من يتيقن صحة جمعته والاصل بقاء الفرض في ذمتهم ثم إذا لم يخرجوا(4/506)
عن العهدة فماذا يفعلون فيه طريقان (اظهرهما) فيه وهو المذكور في الكتاب أنه ليس لهم اعادة الجمعة لان احدى الجمعتين في البلد قد صحت على اليقين فلا سبيل إلى الزيادة ولكن يصلون الظهر (والثانى) أنه علي الخلاف الذى نذكره في الصورة الخامسة وهذا هو الذي ذكره العراقيون وقوله فاتت الجمعة اراد به بطلانها على الطائفتين وافتقارهما الي فعل الظهر والا فالجمعة السابقة صحيحة وليكن معلما بالزاى والواو لما ذكرناه (الخامسة) أن تسبق احداها ولا يتعين كما إذا سمع مريضان أو مسافران تكبيرتين متلاحقتين وهما(4/507)
خارج المسجد فاخبراهم بالحال ولم يعرفا أن المتقدمة تكبيرة من فلا يخرجون عن العهدة أيضا لما ذكرنا في الرابعة وقد نقل خلاف المزني ههنا أيضا ثم ماذا يفعلون فيه قولان (اظهرهما) في الوسيط أنهم يستأنفون الجمعة أن بقي الوقت لان الجمعتين المفعولتين باطلتان غير مجزئتين وكانه لم يقم في البلدة جمعة اصلا (والثاني) وهو رواية الربيع انهم يصلون الظهر لان احدى الجمعتين صحيحة في علم الله تعالى وأنما لم يخرجوا عن العهدة للاشكال قال الاصحاب وهذا هو القياس * هذا تمام(4/508)
الصور وهي باسرها مذكورة في الكتاب ولهذه الصور الخمس نظائر في نكاحين عقدهما وليان علي أمرأة واحدة وستأتى في موضعها أن شاء الله تعالي * وأن أردت حصرها قلت إذا
عقدت جمعتان فاما أن لا يعلم حالهما في التساوق والتلاحق أو يعلم وعلى هذا فاما أن يعلم تساوقهما أو سبق احداهما علي الاخرى.
وعلي هذا فاما أن يعلم في واحدة لا علي التعيين أو في واحدة معينة.
وعلى هذا فاما أن يستمر العلم أو يعرض التباس ثم قال اصحابنا العراقيون لو كان الامام في احدى الجمعتين(4/509)
في الصور الاربع الاخيرة ترتب على ما ذكرنا في الصورة الاولي أن قلنا الصحيحة هي التي فيها الامام مع تأخيرها فههنا أولى والا فلا اثر لحضوره والحكم كما لو لم يكن مع واحد منهما * قال (الرابع العدد فلا تنعقد الجمعة باقل من اربعين (ح م) ذكور مكلفين (ح) أحرار مقيمين (ح) لا يظعنون شتاء ولا صيفا الا لحاجة والامام هو الحادى والاربعون علي احد الوجيهن) * لا تنعقد الجمعة باقل من أربعين وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة حيث قال تنعقد باربعة احدهم الامام واختلفت رواية اصحابنا عن مالك فمنهم من روى عنه مثل مذهبنا ومنهم من روى أن(4/510)
الاعتبار بعدد يعد بهم الموضع قرية ويمكنهم الاقامة فيه ويكون بينهم البيع والشراء ونقل صاحب التلخيص قولا عن القديم أن الجمعة تنعقد بثلاثة امام ومامومين وعامة الاصحاب لم يثبتوه * لنا ما روى عن جابر رضي الله عنه انه قال " مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة " وعن أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع أربعون رجلا فعليهم الجمعة " اورده في التتمة وذكر القاضي أبن كج ان الحناطي روى عن أبي امامة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " لا جمعة الا باربعين " وليكن قوله ولا تنعقد الجمعة باقل من أربعين معلما لما حكيناه بالميم والحاء(4/511)
والواو ثم نعتبر في الاربعين اربع صفات الذكورة والتكليف والحرية والاقامة والمعتبر الاقامة علي سبيل التوطن وصفته أن لا يظعنوا عن ذلك الموضع شتاء ولا صيفاء الا لحاجة فلو كانوا ينزلون الموضع(4/512)
صيفا ويرتحلون عنه شتاء أو بالعكس فليسوا بمتوطنين ولا تنعقد الجمعة بهم وحكي أبن الصباغ أن ابا حنيفة
يقول بانعقادها باربعة من العبيد وباربعة من المسافرين واحتج عليه بان من لا تلزمه الجمعة لا تنعقد(4/513)
به الجمعة كالنساء واعلم لذلك كلمتي احرارا مقيمين بالحاء اشارة الي أن الحرية والاقامة لا يشترطان في العدد المعتبر عنده وفى الانعقاد بالمقيم الذى لم يجعل الموضع وطنا خلاف سنذكره(4/514)
في الباب الثالث وهل تنعقد الجمعة بالمرضى المشهور انها تنعقد لكمالهم وانما لم تجب عليهم تخفيفا وهذا هو المذكور في الكتاب في الباب الثاني ونقل ابن كج عن ابى الحسين أن الشافعي رضي الله عنه(4/515)
قال في موضع لا تنعقد الجمعة باربعين مريضا كالمسافرين والعبيد فعلى هذا صفة الصحة تعتبر مع الصفات المذكورة في الكتاب ثم عدد الاربعين معتبر مع الامام أو هو زائد علي الاربعين فيه وجهان (اصحهما) أنه من جملة الاربعين لما ذكرنا من الاخبار فانها لا تفصل بين الامام وغيره (والثانى) أنه زائد علي الاربعين لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " جمع بالمدينة ولم يجمع باقل من اربعين " وهذا يشعر بزيادته على الاربعين وقد حكى القاضي الرويانى الخلاف في المسألة قولين (القديم) أنه زائد على الاربعين * قال (فلو انفض القوم في الخطبة لم يجز (ح) لان اسماعها اربعين رجلا واجب فان سكت الخطيب ثم بنى عند عودهم مع طول الفصل فقد فاتت الموالاة وفي اشتراطها قولان وكذلك في اشتراطها بين الخطبة والصلاة) * العدد المعتبر في الصلاة وهو الاربعون معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبة واستماع القوم إليها قال الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) قال كثير من المفسرين أن المراد منه الخطبة وعن أبي حنيفة(4/516)
في رواية أنه لو خطب منفردا جاز واحتجوا عليه بان الخطبة ذكر واجب في الجمعة فيشترط حضور العدد فيه كتكبيرة الاحرام إذا عرفت ذلك فلو حضر أربعون فصاعدا لاقامة الجمعة ثم انفض كلهم
أو بعضهم والباقون دون الاربعين لم يخل اما أن يكون الانفضاض في اثناء الصلاة وسيأتي في الفصل التالى لهذا الفصل أو قبلها وذلك اما أن يكون قبل افتتاح الخطبة أو في اثنائها أو بعدها فان(4/517)
كان الانفضاض قبل افتتاح الخطبة لم يبتدئ حتى يجتمع أربعون وأن كان في اثنائها وهو مسألة الكتاب فلا خلاف في ان الركن المأتى به في غيبتهم غير محسوب بخلاف ما إذا انفض العدد في الصلاة فان فيه خلافا سيأتي قال امام الحرمين والفرق أن كل مصل يصلي لنفسه فجاز أن يتسامح في نقصان العدد في الصلاة وفي الخطبة الخطيب لا يخطب لنفسه وانما الغرض اسماع الناس وتذكيرهم فما جرى ولا مستمع أو مع نقصان عدد المستمع فقد فات فيه مقصود الخطبة فلم يحتمل ثم ننظر أن عادوا قبل طول الفصل بنى علي الخطبة فان الفصل اليسير في مثل ذلك كعدم الفصل الا ترى أنه لو سلم ناسيا ثم تذكر ولم يطل الفصل جاز وكذلك يحتمل الفصل اليسير بين صلاتي الجمع وأن عادوا بعد طول الفصل(4/518)
فهل يبنى ام يستأنف فيه قولان يعبر عنهما بان الموالاة هل تجب في الخطبة ام لا (احدهما) لا لان الغرض الوعظ والتذكير وذلك حاصل مع تفرق الكلمات (واصحهما) نعم لان للولاء وقعا في استمالة القلوب وتنبيهها ولان الاولين خطبوا على الولاء فيجب اتباعهم فيه وذكر صاحب التهذيب وغيره أن هذا القول الثاني هو الجديد وبنى أبو سعيد المتولي وآخرون الخلاف في المسألة علي أن الخطبتين بدل من الركعتين ام لا إن قلنا نعم وجب الاستئناف والا فلا وقرب حجة الاسلام قدس الله روحه في الوسيط خلاف المسألة من الخلاف في الوضوء هل يجب فيه الموالاة لكن ظاهر(4/519)
المذهب ثم انها لا تجب وههنا انها تجب ويدل علي الفرق بين البنائين أن الفصل بالعذر ثم لا يقدح علي اظهر الطريقين وههنا لا فرق بين أن تفوت الموالاة بعذر أو بغير عذر قال في النهاية ولولا ذلك لما ضر الفصل الطويل ههنا لان سببه عذر الانفضاض ولو لم يعد الاولون واجتمع بدلهم أربعون فلا بد من استئناف الخطبة طال الفصل أو لم يطل كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره(4/520)
ولو انفضوا بعد الفراغ من الخطبة نظر ان عادوا قبل طول الفصل صلي الجمعة بتلك الخطبة وان عادوا بعد طول الفصل ففى اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان كاشتراطها في الخطبة والاصح الاشتراط وشبهوا الخطبة والصلاة بالصلاتين المجموعتين تجب الموالاة بينهما فعلى هذا لا تمكن الصلاة بتلك الخطبة وعلي الاول تمكن ثم ان المزني نقل في المختصر عن الشافعي رضى الله عنه انه(4/521)
قال في هذه الصورة احببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلى الجمعة فان لم يفعل صلي بهم الظهر واختلف الاصحاب فيه قال ابن سريج يجب ان يعيد الخطبة ويصلى بهم الجمعة لانه متمكن من اقامتها فلا سبيل الي تركها وهذا اختيار القفال والاكثرين قالوا ولفظ الشافعي رضي الله عنه اوجبت واما(4/522)
احببت فهو تصحيف من الناقل أو وهم وربما حملوا أحببت على اوجبت وقالوا كل واجب محبوب كما أن كل محرم مكروه ولذلك يطلق لفظ الكراهة ويراد به التحريم (وقوله) وصلى بهم الظهر حملوه علي ما إذا ضاق الوقت وقال أبو إسحق لا تجب اعادة الخطبة لكن يستحب وتجب الجمعة اما الاول فلانهم قد ينفضون ثانيا فيعذر في ترك اعادتها واما الثاني فللقدرة علي اقامتها وقال أبو علي صاحب الافصاح لا تجب اعادة الخطبة ولا الجمعة ويستحبان علي ما يدل عليه ظاهر النص لانه لا يأمن(4/523)
انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالاعادة فيصير ذلك عذرا في ترك الجمعة واعلم إن إبن سريج وابا على متفقان علي وجوب الموالاة بين الخطبة والصلاة وامتناع بناء الجمعة على الخطبة التى مضت لكن هذا عذره في تركهما جميعا وذاك لم يعذره واوجب اعادة الخطبة ليصلي الجمعة بها واما أبو اسحق فانه احتمل الفصل الطويل وجوز البناء على الخطبة الماضية وتحصل مما ذكرناه خلاف في وجوب اقامة الجمعة علي ما اختصره في الوسيط فقال إذا شرطنا الموالاة ولم يعد الخطبة اثم المنفضون وهل يأثم(4/524)
الخطيب قولان (احدهما) لا لانه أدى ما عليه والذنب لهم والثانى نعم لتمكنه من الاعادة (وقوله) في الكتاب لم يجز معلم بالحاء لما تقدم (وقوله) فان سكت الخطيب الي آخره الحكم غير مخصوص بصورة السكوت بل لو مضى في الخطبة ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجباتها في حالة الانفضاض كان كما لو سكت * قال (وأن انفضوا في خلال الصلاة ولو في لحظة بطل علي قول وعلي قول ثان لا تبطل (م) مهما توفر العدد في لحظة إذا بقى مع الامام واحد علي رأى أو أثنان علي رأى وعلي قول ثالث لا تبطل بالانفضاض في الركعة الثانية الجماعة وعلي قول اربع لا تبطل مهما توفر العدد وأن بقي الامام وحده)(4/525)
لو تحرم بالعدد المعتبر ثم حضر أربعون اخرون وتحرموا ثم انفض الاولون لم تبطل الجمعة لان العدد لم يبطل في شئ من الصلاة ولا فرق بين أن يكون اللاحقون قد سمعوا الخطبة أو لم يسمعوها لانهم إذا لحقوا والعدد تام صار حكمهم واحدا فإذا ثبتوا استمرت الجمعة كما لو تحرم بثمانين سمعوا الخطبة ثم انفض منهم اربعون قال امام الحرمين ولا يمتنع عندي أن يقال يشترط بقاء(4/526)
اربعين سمعوا الخطبة فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاحقون لم يسمعوها وأن انفضوا ولحق أربعون علي الاتصال فقد قال في الوسيط تستمر الجمعة أيضا لكن يشترط ههنا أن يكون اللاحقون ممن سمعوا الخطبة وأن انفضوا ونقص العدد في باقي الصلاة أو في شئ منه فهذه مسألة الكتاب وفيها(4/527)
قولان ومنهم من اضاف إليها قولا ثالثا ونذكره بعده توجيه القولين وتفريعها (واصحهما) وبه قال أحمد أن الجمعة تبطل ويشترط العدد في جميع اجزاء الصلاة لانه شرط في الابتداء فيكون شرطا في سائر الاجزاء كالوقت ودار الاقامة ولان الانفضاض لا يحتمل في شئ من الخطبة التى هي مقدمة الصلاة فلان لا يحتمل في نفس الصلاة كان أولي (والثانى) لا تبطل ولا يشترط استمرار العدد(4/528)
في جميع الصلاة لما روى " انهم انفضوا عن النبي صلي الله عليه وسلم فلم يبق معه الا اثنا عشر رجلا وفيهم نزلت وإذا رأوا تجارة أو لهوا الآية " ثم أنه بني على الصلاة وايضا فان بقاء العدد(4/529)
عنده لا يتعلق باختيار الامام وفى الابتداء يمكن تكليفه بان لا يتحرم حتى يحضروا والشى قد يشترط في الابتداء ولا يشترط في الدوام كالنية في الصلاة وغيرها (التفريع) أن شرطنا دوام العدد فلو تحرم الامام وتباطأ المقتدون ثم تحرموا نظر إن تأخر تحرمهم عن ركوعه فلا جمعة وأن لم يتأخر عن الركوع فعن القفال أن الجمعة صحيحة وعن الشيخ أبي محمد أنه يشترط أن لا يطول الفصل بين تحرمهم وتحرمه وقال امام الحرمين الشرط ان يتمكنوا من اتمام قراءة الفاتحة وإذا حصل ذلك(4/530)
فلا يضر الفصل وهذا اصح عند حجة الاسلام وأن قلنا لا يشترط دوام العدد فهل يشترط دوام الجماعة ام له اتمام الجمعة وأن بقي وحده فيه قولان (أظهرهما) أنه يشترط لان الجمعة صلاة تجمع الجماعات والغرض منها اقامة الشعار واظهار اتفاق الكلمة كما سبق فان احتملنا اختلال العدد فلا ينبغي أن يحتمل اختلال اصل الجماعة وعلي هذا ففى العدد المشروط بقاؤه قولان (الجديد) انه يشترط بقاء اثنين ليكونوا معه ثلاثة فانها الجمع المطلق والقديم انه يكفى بقاء واحد معه لانه الاثنين فما فوقهما جماعة وهل يشترط ان يكون الواحد والاثنان علي اختلاف هذين القولين علي صفات الكمال قال في النهاية الظاهر انه يشترط ذلك كما يشترط كونهم على صفات الكمال في الابتداء وعن صاحب التقريب انه يحتمل خلافه فانا إذا اكتفينا باسم الجماعة فلا يبعد ان نعتبر صفات الكمال (والقول الثاني) انه لا يشترط بقاء الجماعة(4/531)
بل لو بقى وحده كان له أن يتم الجمعة لان الشروع وقع والشروط موفورة فلا يضر الانفراد بالعدد بعده يحكى هذا القول عن تخريج المزني وذكروا انه خرجه من القول القديم في منع الاستخلاف فانه إذا احدث الامام وقلنا لا استخلاف يتمونها جمعة ولم يذكروا في هذا الموضع فصلا بين ان يكون حدثه بعد ما صلوا ركعة أو قبله ثم قال القاضي ابن كج وكثير من اصحابنا اختلف
ائمتنا في تخريجه فمنهم من؟ لمه ومنهم من ابى ولم يثبته قولا فهذا شرح القولين في اصل المسألة وخرج المزني قولا آخر وذهب إليه انه ان كان الانفضاض في الركعة الاولي بطلت الجمعة وان كان بعدها لم تبطل ويتم الامام الجمعة وكذا من معه ان بقى معه جمع ووجهه ظاهر قوله صلي الله عليه وسلم " من ادرك ركعة من الجمعة فليضف إليها اخرى " وايضا فان المسبوق إذا ادرك ركعة من الجمعة يتمها جمعة فكذلك الامام وبهذا القول قال مالك وابو حنيفة الا ان ابا حنيفة يكتفى بتقييد الركعة بسجدة ولا يعتبر تمامها واختلف اصحابنا في قبول هذا التخريج ايضا منهم من أباه وقال(4/532)
المسبوق تبع للقوم وقد صحت لهم جمعة تامه وههنا بخلافه ومنهم من سلمه وعده قولا اخر وعلى هذا إذا اختصرت وتركت الترتيب قلت في المسألة خمسة اقوال (اظهرها) بطلان الجمعه (والثانى) ان بقي معه اثنان لم تبطل (والثالث) ان بقي معه واحد لم تبطل وهذه الثلاثة منصوصة الاولان(4/533)
منها مذكور أن في الجديد (والثالث) في القديم (والرابع) انها لا تبطل وأن بقى وحده (والخامس) الفرق بين أن يكون الانفضاض بعد ركعة أو قبلها وقد ذكر في الكتاب كلها سوى الرابع منها وقوله بطل على قول معلم بالحاء والميم والزاى لما حكيناه وقوله علي قول ثان لا تبطل بالالف وكذا قوله وعلي قول ثالث لا تبطل (وقوله) مهما توفر العدد في لحظة غير مجرى علي اطلاقه فانه لا يجوز أن يكون التى توفر فيها العدد بعد الركوع الاول والضبط فيما قبله ما بيناه (وقوله) إذا بقي مع الامام واحد على رأى واثنان على رأى يجوز ان يعلم بالواو اشارة إلى القول الرابع والذى ذكره جواب(4/534)
علي قولنا ان الجماعة لا يشترط دوامها واراد بالرأيين القولين اللذين ذكرناهما ويجوز ان يعلم قوله وعلى قول ثالث بالواو اشارة الي الطريقة الممتنعة من اثباته قولا * قال (الخامسة الجماعة فلا يصح الانفراد بالجمعة ولا يشترط (ح) حضور السلطان في جماعتها ولا اذنه (ح)) *(4/535)
ليس لقائل ان يقول إذا شرطنا العدد فقد شرطنا الجماعة فلا حاجة الي افراد الجماعة وعدها شرطا برأسه وذلك لان العدد والجماعة امران ينفك كل واحد منهما عن الآخر اما الجماعة دون العدد فظاهر إذ ليست الجماعة الا الارتباط الحاصل بين صلاتي الامام والمأموم وذلك مما لا يستدعي العدد واما بالعكس فلان المراد من العدد حضور اربعين بصفة الكمال وأنه يوجد من غير جماعة ثم القول في شرائط الجماعة كما سبق في غير الجمعة ولا يشترط حضور السلطان ولا اذنه فيها(4/536)
خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تصح الا خلف الامام أو مأذونه وبه قال أحمد وفى رواية والاصح عنه مثل مذهبنا * لنا " أن عليا اقام الجمعة وعثمان رضى الله عنهما محصور " ونقيس على سائر العبادات ويجوز(4/537)
أن يعلم قوله في الكتاب ولا يشترط مع الحاء والالف بالواو لان صاحب البيان حكى عن بعض أصحابنا أن للشافعي قولا في القديم مثل مذهب ابى حنيفة *(4/538)
قال (وفيه ثلاث مسائل (الاولى) إذا كان الامام عبدا أو مسافرا صح لانهما في جمعة مفروضه وقيل لا يصح إذا عددناه من الاربعين وإن كان متنفلا أو صبيا فقولان مرتبان وأن كان قائما الي الي الركعة الثالثه سهوا فهو كالمحدث في حق من اقتدي به جاهلا ولو لم يدرك مع المحدث الا ركوع الثانية ففى اداركه وجهان) *(4/539)
ذكر ثلاث مسائل تتشعب عن شرط الجماعة (الاولى) في احوال الامام وفيها صور (احدها) لو كان امام الجمعة عبدا أو مسافرا نظر إن كان القوم معه اربعين فلا جمعة لما ذكرنا أنه يشترط كون الاربعين بصفات الكمال وأن كانوا اربعين دونه وهو المقصود من لفظ الكتاب فقد قال في التهذيب تصح الجمعة ولم يذكر غير ذلك وقال في النهاية تبنى علي أن الامام معدود من الاربعين ام لا فان قلنا
لا فلا باس وأن قلنا نعم فوجهان (احدهما) لا تصح الجمعة لانه إذا عد من العدد المعتبر فيجب أن يكون(4/540)
علي صفات الكمال كغيره أو هو اولي بذلك (واظهرهما) لصحة لان العدد قد تم بصفة الكمال وجمعة العبد والمسافر صحيحة وأن لم تلزمهما وقد اشار في الكتاب إلى هذا البناء حيث قال وقيل لا تصح إذا عددناه من الاربعين جعل هذا الوجه مفرعا على عده من الاربعين بعدما حكم بالصحة علي الاطلاق واعلم أنه لو كان ذلك الخلاف في أن الامام هل هو واحد من العدد المشروط ام لا لكان هذا البناء واضحا ولكن ذلك الخلاف في أنه هل يشترط أن يكون زائدا على الاربعين ام يكتفى باربعين احدهم الامام ولا يلزم من الاكتفاء بأربعين احدهم الامام أن يكون الامام واحدا من العدد المشروط إذا زادوا علي الاربعين وقوله صح معلم بالميم لانه روى عن مالك انها لا تصح خلف العبد وبالالف لان عند احمد لا تصح خلف المسافر ولا خلف العبد علي قوله لا تجب الجمعة على العبد(4/541)
وعنه اختلاف رواية فيه سيأتي (وقوله) لانهما في جمعة مفروضة معناه انهما إذا صليا الجمعة صحت منهما واجزأت عن فريضة الوقت بخلاف الصور بعد هذه وفيه اشارة إلى شئ وهو ان الكلام إذا لم يصل المسافر والعبد الظهر قبل أن أما في الجمعة فأما إذا صليا الظهر ثم أما فالاقتداء بهما كالاقتداء بالمتنفل وسنذكره (الثانية) لو كان امام الجمعة صبيان فهل تصح جمعة القوم فيه قولان (احدهما) نعم قاله في الاملاء ووجهه أنه يجوز الاقتداء به في سائر الفرائض فكذلك في الجمعة كالبالغ (والثاني) لا قاله في الام لانه ليس علي صفة الكمال والامام اولى باعتبار صفة الكمال من غيره ولانه لا جمعة عليه وإذا فعلها لا يسقط بها الفرض عن نفسه إذ لا فرض عليه بخلاف العبد والمسافر فانهما يسقطان بهما فرض الظهر وهذا القول يوافق مذهب ابى حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله لانهم منعوا امامته في سائر الفرائض ففى الجمعة اولي ولو كان الامام متنفلا فهو على هذين القولين وجه المنع انه لا بد في العدد المشروط من ان يكونوا مصلين فرض الجمعة فكذلك الامام ويجوز ان يرتب المتنفل علي الصبى فيقال ان جاز الاقتداء بالصبى فبالمتنفل اولى والا فقولان والفرق انه من اهل فرض الجمعة(4/542)
ولا نقص فيه وما الاظهر من الخلاف في المسألتين رجح الشيخ أبو حامد وابو القاسم الكرخي وطائفة قول المنع والحناطي والقاضي الروياني قول الجواز وهو قضية كلام الاكثرين واطبقوا علي ان الجواز في المتنفل اظهر منه في الصبي وقالوا هو المنصوص للشافعي رضى الله عنه في صلاة الخوف قال(4/543)
لو صلي الامام الظهر في شدة الخوف ثم انكشف الخوف والوقت باق وقد بقي له اربعون لم يصلوا الظهر جاز له ان يصلي بهم الجمعة ثم قال الامام موضع الخلاف في المسألتين ما إذا تم العدد بصفة الكمال دون الامام فاما إذا تم بالصبي أو المتنفل فلا جمعة ولو صلوا الجمعة خلف من يصلي صبحا أو عصرا ففيه قولان كما لو صلي خلف متنفل وقيل يجوز لان الامام يصلى الفرض ولو صلوها خلف مسافر يقصر الظهر يجوز أن قلنا الجمعة ظهر مقصورة وأن قلنا صلاة علي حيالها فهو كما لو صلى خلف من يصلي الصبح ذكر المسألتين صاحب التهذيب (الصورة الثالثة) لو بان أن امام الجمعة كان جنبا أو محدثا فان لم يتم العدد دونه فلا جمعة لهم وأن تم ففيه قولان (احدهما) أنه لا يقدح في صحة جمعة القوم كما في سائر الصلوات (والثانى) يقدح لان الجماعة شرط في الجمعة والجماعة ترتبط بالامام والمأمومين(4/544)
فإذا بان أن الامام لم يكن مصليا بان انه لا جماعة وأن احد شروط الجمعة قد فات ويخالف سائر الصلوات لان الجماعة غير مشروطة فيها وغايته انه صلى منفردا ولا شك أن هذا القول اظهر منه في الاقتداء بالصبي والمتنفل ولذلك قال في الكتاب هما مرتبان على القولين ثم وهو أصح من مقابله عند الشيخين ابي علي وابى محمد وتابعهما صاحب التهذيب وجماعة وذهب العراقيون واكثر اصحابنا الي ترجيح القول الاول ونقلوه عن نصه في الام واضافوا حكاية الخلاف إلى ابن القاص(4/545)
واستبعدوه واعترضوا على توجيه قول المنع بانا لا نسلم أن حدث الامام يمنع صحة الجماعة وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله وقالو انه لا يمنع نيل فضيلة الجماعة في سائر الصلوات ولا غيره
من أحكام الجماعة وعلي هذا قال في البيان لو صلى الجمعة باربعين فبان أن القوم محدثون صحت صلاة الامام دونهم بخلاف ما لو بانوا عبيدا أو نساءا فان ذلك مما يسهل الاطلاع عليه وقياس من يذهب إلى المنع(4/546)
أنه لا تصح جمعة الامام لبطلان الجماعة (الصورة الرابعة) لو قام امام الجمعة إلى ركعة ثالثة سهوا فاقتدى به إنسان فيها فهذه المسألة من فروع ابن الحداد وشرحها الائمة فقالوا اولا لو فرض ذلك في سائر الفرائض فقام الي ركعة زائدة واقتدى به انسان فيها وادرك جميع الركعة ففيه وجهان (احدها) انها لا تحسب له لانها غير محسوبة للامام والزيادة يمكن الاطلاع عليها بالمشاهدة واخبار الغير فلا(4/547)
يجزئه كما لو اقتدى بالمرأة والكافر (واصحهما) انها تحسب له فإذا سلم الامام يتدارك باقي الصلاة كما لو صلي خلف جنب يجزئه وأن لم تكن تلك الصلاة محسوبة للامام بخلاف الكافر والمرأة فانه ليس لهما اهلية امامته بحال ولهذا لا يصح الاقتداء بهما اصلا وههنا يصح الاقتداء بهذا الساهي والكلام في انه هل يصير مدركا للركعة ام لا هكذا ذكره الشيخ أبو على رضي الله عنه واما في الجمعة(4/548)
فان قلنا إنه في غير الجمعة لا يدرك به الركعة فكذلك ههنا ولا تحسب بدلا عن الظهر ولا عن الجمعة وإن قلنا يدرك فهل تكون هذه الركعة محسوبة عن الجمعة حتى يضيف إليها اخرى بعد سلام الامام أو تكون محسوبة عن الظهر فيه وجهان بناهما الائمة على القولين فيما لو بان كون الامام محدثا لان تلك الركعة غير محسوبة من صلاته كركعات المحدث ولهذا قال في الكتاب فهو كالمحدث في حق من اقتدى به جاهلا واختار ابن الحداد انها لا تحسب عن الجمعة واعرف ههنا امورا (اولها) انما قال جاهلا لانه لو كان عالما بان الامام قائم الي الثالثة ساهيا ومع ذلك اقتدى(4/549)
به لم تنعقد صلاته بحال كما لو اقتدى بالجنب عالما بحاله (وثانيها) لم يذكروا في المحدث أن صلاة المقتدى منعقدة وأن المأتي به يحسب عن الظهر حتي لو تبين له الحال قبل سلام الامام أو بعده علي القرب
يتمها ظهرا إذا جوزنا بناء الظهر علي الجمعة وقضية التسوية بين الفصلين الانعقاد والاحتساب عن الظهر في المحدث ايضا (وثالثها) من قال في مسألة المحدث الاصح من القولين ان الجمعة غير صحيحة قال بمثله ههنا والذين قالوا الاصح صحتها منهم من لم يورد هذه المسألة ومنهم من(4/550)
اوردها ونقل الجواب ابن الحداد من غير نزاع فيه فيجوز أن يقدر المساعدة علي ترجيح المنع ههنا ويفرق بان الحدث لا يمكن الاطلاع عليه بحال بخلاف الزيادة علي ما سبق ويمكن أن يعارض هذا بان المحدث لا صلاة له اصلا وهذا الساهي في الصلاة لكن ندرت منه زيادة هو معذور فيها وكان اولى بان يصح الاقتداء به والله اعلم (الخامسة) قال حجة الاسلام قدس الله روحه ولو لم يدرك مع(4/551)
المحدث الا ركوع الثانية ففي ادراكه وجهان وهذا الفرع يتعلق باصلين (اولهما) ان المسبوق في صلاة الجمعة إن ادرك الامام في ركوع الركعة الثانية كان مدركا للجمعة فإذا سلم الامام قام إلى ركعة أخرى وان ادركه بعد ركوع الثانية لم يكن مدركا للجمعة ويقوم بعد سلام الامام إلى اربع خلافا لابي حنيفة حيث قال يكون مدركا للجمعة وأن ادركه في التشهد في سجدتي السهو بعد السلام لنا ما روى عن ابي هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ادرك ركعة(4/552)
من الجمعة فقد ادركها ومن ادرك دون الركعة صلاها ظهرا اربعا " وإذا لحق بعد الركوع فما الذى ينوى فيه وجهان ذكرهما صاحب البيان وغيره (أحدهما) ينوى الظهر لانها التى يؤديها (واظهرهما) ينوى الجمعة موافقة للامام وهذا هو الذى ذكره القاضي الروياني ولو صلى مع الامام ركعة ثم قام وصلي اخرى وتذكر في التشهد انه نسي سجدة من احدى الركعتين نظر ان تركها من الثانية فهو مدرك للجمعة فيسجد سجدة ويعيد التشهد ويسجد للسهو ويسلم وإن تركها من الاولى أو شك لم يكن مدركا للجمعة وحصلت له ركعة من الظهر ولو أدركه في الثانية وشك في أنه سجد معه سجدة أو سجدتين فان لم يسلم الامام بعد سجد اخرى وكان مدركا للجمعة وإن سلم الامام سجد اخرى
ولم يكن مدركا للركعة وذلك في ركعة محسوبة للامام اما إذا لم تكن محسوبة كما لو ادرك الركوع مع الامام المحدث أو ادرك الامام الساهي بركعة زائدة في ركوعها وقلنا إنه لو أدرك كلها لكانت محسوبة له ففيه وجهان (أحدهما) أنه يكون مدركا للركعة لانه لو ادرك كل الركعة لكانت محسوبة له فكذلك إذا ادرك ركوعها كالركعة المحسوبة للامام (واصحهما) أنه لا يكون مدركا لان الحكم بادراك ما قبل الركوع بادراك الركوع خلاف الحقيقة انما يصار إليه إذا كان الركوع محسوبا من صلاة الامام ليتحمل به فاما غير المحسوب لا يصلح للتحمل عن الغير ويخالف ما لو ادرك جميع الركعة فانه قد فعلها بنفسه فتصحح على وجه الانفراد إذ تعذر تصحيحها علي وجه الجماعة ولا يمكن التصحيح ههنا علي سبيل الانفراد(4/553)
فان الركوع لا يبتدأ به قال الشيخ أبو علي والوجهان عندي مبنيان علي القولين في جواز الجمعة خلف الجنب والمحدث ووجه الشبه أن المقتدى في القولين في جميع الركعة في الجمعة كالمقتدى في الركوع في سائر الصلوات لانه بالاقتداء يسقط فرضا عن نفسه لو كان منفردا للزمه وهو رد الاربع إلى ركعتين كما أن المقتدى في الركوع يسقط فرضا عن نفسه وهو القيام والقراءة في تلك الركعة فان قلنا يصح الاقتداء بالمحدث لاسقاط فرض الانفراد في الجمعة فكذلك ههنا والا فلا إذا عرف ذلك فنقول لو لم يدرك في الجمعة مع الامام الا ركوع الثانية ثم بان أن الامام كان محدثا فان قلنا إنه لو ادرك جميع الركعة معه لم يكن مدركا ركعة من الجمعة فههنا أولي وإن قلنا ثم يكون مدركا ركعة من الجمعة فههنا وجهان إن قلنا ان مدرك الركوع مع الامام المحدث مدرك للركعة فكذلك ههنا والا فلا ثم قوله ولو لم يدرك مع المحدث الا ركوع الثانية يعنى لم يدرك شيئا قبله فاما ما بعد الركوع من اركان الركعة لا بد من ادراكها مع الامام أو قبل سلامه أن فرض زحام أو نسيان وتخلف لذلك (وقوله) ففي ادراكه وجهان أي في ادراكه الجمعة ولو حمل على الخلاف في ادراك الركعة لم يكن للتخصيص بركوع الثانية معني * قال (الثانية إذا احدث الامام سهوا أو عمدا فاستخلف من كان قد اقتدى وسمع الخطبة صح استخلافه في الجديد وأن لم يسمع الخطبة فوجهان ولا يشترط استئناف نية القدوة بل هو خليفة الاول
وإن لم يستخلف الامام فتقديم القوم كاستخلافه (ح) بل هو أولي من استخلافه وذلك واجب في الركعة الاولي وإن كان في الثانية فلهم الانفراد بها كالمسبوق) * إذا خرج الامام عن الصلاة بحدث أو غيره وأراد أن يستخلف فذلك إما أن يكون في غير الجمعة أو فيها والمذكور في الكتاب هو القسم الثاني فنذكر الاول علي الاختصار ثم نعود الي شرح الثاني فنقول إذا احدث الامام في سائر الصلوات ففى جواز الاستخلاف قولان قال في القديم لا يجوز(4/554)
ذلك " لان النبي صلي الله عليه وسلم احرم بالناس " ثم ذكر أنه جنب فذهب واغتسل ولم يستخلف ولو كان الاستخلاف جائز الاشبه أن يستخلف ولانها صلاة واحدة فلا تجوز بامامين كما لو اقتدى بهما دفعة واحدة وقال في الجديد يجوز " وهو أصح الروايتين عن احمد وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهم الله لانها صلاة بامامين علي التعاقب " فيجوز كما أن ابا بكر رضي الله عنه كان يصلى بالناس فدخل النبي صلي الله عليه وسلم وجلس الي جنبه فاقتدى به أبو بكر والناس " وفى النهاية أن من الاصحاب من قطع بجواز الاستخلاف في سائر الصلوات وخص القولين بالجمعة والمشهور طرد القولين (التفريع) أن لم نجوز الاستخلاف أتم القوم الصلاة وحدانا وإن جوزناه فيشترط أن يكون المستخلف صالحا لامامة القوم فلو استخلف امرأة فهو لغو ولا تبطل صلاتهم الا أن يقتدوا بها خلافا لابي حنيفة حيث قال تبطل بنفس الاستخلاف صلاتهم وصلاته قال في النهاية ويشترط أن يجرى الاستخلاف علي قرب فلو قضوا علي الانفراد ركنا امتنع الاستخلاف بعده وهل يشترط ان يكون الخليفة ممن اقتدى بالامام قبل حدثه قال اكثر أصحابنا من العراقيين وغيرهم ان استخلف في الركعة الاولي أو الثالثة من الصلوات الرباعية من لم يقتد به جاز لانه لا يخالفهم في الترتيب وان استخلفه في الثانية أو(4/555)
الرابعة أو في الثالثة من المغرب لم يجز لانه يحتاج الي القيام وعليهم القعود فيختلف الترتيب بينهم وأطلق جماعة من الائمة اشتراط كون الخليفة ممن اقتدى به وهذا ما ذكره امام الحرمين رضى الله عنه مع زيادة فقال لو امره الامام فتقدم لم يكن هذا استخلافا ولا هو خليفة وانما هو عاقد
لنفسه صلاة جار علي ترتيبه فيها فلو اقتدى القوم به فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة وقد سبق الخلاف فيه في موضعه وهذا لان قدوتهم انقطعت بخروج الامام عن الصلاة ولم يخلفه أحد ولا يشترط ان يكون الخليفة ممن اقتدى به في الركعة الاولي بل يجوز استخلاف المسبوق ثم عليه أن يراعى نظم صلاة الامام فيقعد في موضع قعوده ويقوم في موضع قيامه كما كان يفعله لو لم يخرج الامام من الصلاة لانه بالاقتداء به التزم ترتيب صلاته حتى أنه لو لحق الامام في الثانية من الصبح ثم أحدث الامام فيها واستخلفه قنت وقعد فيها للتشهد وان كانت أولاه ثم يقنت في الثانية لنفسه ولو كان الامام قد سها قبل اقتدائه أو بعده في آخر صلاة الامام واعاد في آخر صلاة نفسه علي القول الاصح وإذا تمت صلاة الامام قام ليتدارك ما عليه وهم بالخيار ان شاءوا فارقوه وسلموا وان شاءوا صبروا جالسين ليسلموا معه هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الامام فان لم يعرف فقد ذكروا فيه قولين علي حكاية صاحب التلخيص وعن الشيخ أبي محمد أنهما لابن سريج لا للشافعي(4/556)
رضي الله عنه فان جوزنا تراقب القوم إذا أتم الركعة إن هموا بالقيام قام وإلا قعد وسهو الخليفة قبل حدث الامام يحمله الامام وسهوه بعد حدثه يقتضي السجود عليه وعلي القوم وسهو القوم قبل حدث الامام وبعد الاستخلاف محمول وبينهما غير محمول بل يسجد الساهي عند سلام الخليفة (القسم الثاني) ان يقع ذلك في صلاة الجمعة ففى جواز الاستخلاف القولان ان لم نجوز فينظر إن أحدث في الركعة الاولى أتم القوم صلاتهم ظهرا وان احدث في الثانية اتمها جمعة من أدرك معه ركعة كالمسبوق هذا هو المشهور وعن الشيخ ابي محمد أنهم يتمونها جمعة وان كان الحدث في الركعة الاولى تخريجا من أحد الاقوال في مسألة الانفضاض وهو ان جمعة الامام تصح وان انفضوا في الركعة الاولي وبقي وحده وذكر ابن الصباغ وغيره ان المزني نقل هذا القول في جامعه الكبير وعن صاحب الافصاح انهم وان أدركوا ركعة يتمونها ظهرا لا جمعة بخلاف المسبوق لان الجمعة قد كملت بغيره فجعل تابعا لهم وهذا الوجه قضية القياس عند امام الحرمين تخريجا على أحد الاقوال في الانفضاض وهو أن الامام يتم الظهر وان انفضوا في الثانية وذلك لان الامام ركن الجماعة في حق
القوم كما أنهم ركن الجماعة في حقه فخروجه عن الصلاة في حقهم كانفضاضهم في حقه واما إذا جوزنا الاستخلاف فلا فرق فيه بين أن يسبقه الحدث أو يحدث عمدا أو يخرج من الصلاة بلا سبب وكذلك في سائر الصلوات * وقال أبو حنيفة إنما يجوز له الاستخلاف إذا جاز له البناء علي صلاته كسبق الحدث فاما إذا تعمد بطلت صلاة القوم أيضا ثم إذا استخلف فلا يخلو اما ان يستخلف من اقتدى به قبل حدثه أو يستخلف غيره فان استخلف غيره لم يصح ولم يكن لذلك الغير أن يصلي الجمعة * واحتجوا عليه(4/557)
بانه لا يجوز ابتداء جمعة بعد انعقاد جمعة ولو صح منه الجمعة لكان مبتدئا بها بعد انعقاد جمعة الامام والقوم بخلاف المأموم يدخل في صلاة الجمعة فانه تابع للقوم لا مبتدئ ثم قال امام الحرمين في صحة ظهره خلاف مبنى علي أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة ام لا ان قلنا لا تصح فهل تبقى نفلا فيه قولان فان لم نصحح صلاته واقتدى به القوم بطلت صلاتهم وان صححناها وكان ذلك في الركعة الاولي فلا جمعة لهم وفى صحة الظهر خلاف مبني علي ان الظهر هل تصح بنية الجمعة ام لا وان كان في الركعة الثانية واقتدوا به كان هذا اقتداء طارئا علي الانفراد وفيه الخلاف الجارى في سائر الصلوات وفيه شئ آخر وهو الاقتداء في الجمعة بمن يصلي الظهر أو النافلة وقد قدمنا الخلاف فيه وان استخلف من اقتدى به قبل الحدث فينظر ان لم يحضر الخطبة ففى جواز استخلافه وجهان (احدهما) لا يجوز كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم لا يجوز (واصحهما) الجواز لانه بالاقتداء صار في حكم من سمع الخطبة الا ترى انه لو لم يحدث الامام صحت له الجمعة كما للسامعين والصيدلاني جعل هذا الخلاف قولين ونقل المنع عن البويطي والجواز عن اكثر الكتب وان كان قد حضر الخطبة أو لم يحضرها وفرعنا علي أنه يجوز استخلافه فينظر ان استخلف من ادركه في الركعة الاولي جاز ويتم لهم الجمعة سواء احدث الامام في الاولي أو الثانية وعن صاحب الافصاح وجه آخر انه يصلى الظهر والقوم يصلون الجمعة وان استخلف من ادركه في الركعة الثانية فقد قال امام الحرمين هذا يترتب علي انه هل يجوز استخلاف من لم يسمع الخطبة ان قلنا لا يجوز فلا يجوز استخلاف المسبوق وان قلنا يجوز ففيه قولان (احدهما) المنع بناء علي انه غير مدرك للجمعة على ما سيأتي (واظهرهما) الذى ذكره الاكثرون الجواز(4/558)
فان الخليفة الذى كان مقتديا بالامام بمثابة الامام فعلى هذا القوم يصلون الجمعة وفى الحلية وجهان رواهما صاحب البيان (احدهما) انه يتمها جمعة ايضا لانه صلي ركعة من الجمعة في جماعة فيتم الجمعة كما لو صلى ركعة منها مأموما وكما لو ادرك الامام في ركوع الركعة الاولى واستخلفه الامام في تلك الركعة يتمها جمعة وان لم يدرك مع الامام ركعة (وأصحهما) وهو المنصوص واختيار ابن سريج انه لا يتم الجمعة لانه لم يدرك مع الامام ركعة كاملة بخلاف المأموم فانه إذا أدرك ركعة جعل تبعا للامام في ادراك لجمعة والخليفة امام لا يمكن جعله تبعا للمأمومين وبخلاف الصورة الاخرى لان هناك ادرك الامام في وقت كانت جمعة القوم موقوفة علي الامام وههنا ادركه في وقت لم تكن الجمعة موقوفة على الامام لجوز أن يتموها فرادى وكان ذلك الادراك آكد واقوى وعلي هذا فهل يجوز ظهره حكى الصيدلاني وغيره عن ابن سريج أنه قال يحتمل أن يكون في جواز ظهره قولان لان الجمعة لم تفت بعد وادى الظهر مع امكان الجمعة وأنه كان بسبيل من أن لا يتقدم حتى يتقدم من ادرك الركعة الاولي فتصح جمعته خلفه وايضا ففي صحة الظهر بنية الجمعة إذا تعذرت اختلاف ويحتمل أن يقال يجوز ظهره قولا واحدا وهو معذور في التقدم عند اشارة الامام وهذا اظهر عند الاكثرين فان قلنا لا يجوز ظهره فهل تنقلب صلاته نفلا أو تبطل فيه قولان ان قلنا تبطل فهذا مصير الي منع استخلاف المسبوق(4/559)
وهو القول الاول الذى نقلناه لان من تبطل صلاته يستحيل تقديره اماما وإذا جوزنا الاستخلاف فالخليفة المسبوق يراعي نظم صلاة الامام فيجلس إذا صلي ركعة ويتشهد فإذا بلغ موضع السلام اشار إلى القوم وقام الي ركعة أخرى ان قلنا هو مدرك للجمعة والي ثلاث ان قلنا ان صلاته ظهر والقوم بالخيار ان شاؤا فارقوه وسلموا وان شاؤا ثبتوا جالسين حتى يسلم بهم ولو دخل مسبوق واقتدى به في الركعة الثانية التي استخلف فيها صحت له الجمعة وأن لم تصح للخليفة حكي ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه لانه صلي ركعة خلف من يراعى نظم صلاة امام الجمعة بخلاف الخليفة لم يصل ركعة مع امام الجمعة ولا خلف من يراعي نظم صلاته قال الائمة وهذا تفريع على
أن الجمعة خلف من يصلى الظهر صحيحة وتصح صلاة الذين ادركوا ركعة مع الامام الاول بكل حال لانهم وان انفردوا بالركعة الثانية كانوا مدركين للجمعة فلا يضر اقتداؤهم فيها لمن يصلي الظهر أو يتنفل وقوله في الكتاب سهوا أو عمدا لفظ العمد معلم بالحاء لما تقدم وقوله من كان قد اقتدى به في هذا التقييد اشارة الي أنه لا يجوز أن يستخلف غير المقتدى وقوله صح استخلافه يجوز أن يعلم بالالف لما حكينا من أحدى الروايتين عن احمد وقوله وسمع الخطبة وان لم يسمعها المراد منه الحضور ونفس السماع ليس بشرط بلا خلاف وصرح به الائمة * ثم في الفصل صور تتفرع علي جواز الاستخلاف (احداها) إذا استخلف الامام فهل يشترط استئنافه نية القدوة ذكر في التهذيب في اشتراطه وجهين في سائر الصلوات ولا شك في طردهما في الجمعة (احدهما) نعم لانهم بعد خروج الامام من الصلاة(4/560)
قد انفردوا الا ترى انهم يسجدون لسهوهم في تلك الحالة (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يشترط لان الغرض من الاستخلاف ادامة الجماعة التى كانت وتنزيل الخليفة منزلة الاول ولهذا يراعي نظم صلاته ولو استمر الامام الاول لم يحتج القوم الي تجديد نية فكذلك الان (الثانية) لو لم يستخلف الامام قدم القوم بالاشارة واحدا ولو تقدم واحد بنفسه جاز أيضا بل تقديم القوم أولى من استخلاف الامام لانهم في الصلاة والامام قد خرج منها ولهذا قال امام الحرمين لو قدم القوم واحدا والامام آخر فاظهر الاحتمالين أن من قدمه القوم أولى وحكي المسعودي وغيره من اصحابنا عن أبى حنيفة أنه يشترط أن يكون تقدم الخليفة باذن الامام وأن القوم لا يستقلون بالتقديم وفى مختصر الكرخي خلاف ذلك والله اعلم (الثالثة) لو لم يستخلف الامام ولا قدم القوم ولا تقدم احد فالحكم على ما ذكرناه تفريعا على القديم قال الائمة ويجب على القوم تقديم واحد إن كان خروجه من الصلاة في الركعة الاولي ولم يستخلف وإن كان في الثانية لم يجب التقديم ولهم الانفراد بها كالمسبوق وقد حكينا في الطريقين خلافا تفريعا علي القديم فيتجه عليه الخلاف في الوجوب وعدمه هذا كله إذا احدث في أثناء الصلاة اما لو أحدث بين الخطبة والصلاة واراد أن يستخلف غيره ليصلي بالناس ان قلنا يجوز الاستخلاف في الصلاة فيجوز ذلك والا فلا يجوز ان يخطب واحد ويؤم آخر لان الخطبتين في(4/561)
في الجمعة بمثابة ركعتين من الصلاة فعلى هذا ان وسع الوقت خطب بهم آخر وصلى والا صلوا الظهر ورتب الخلاف في هذه الصورة علي الخلاف في الاستخلاف في الصلاة ثم اختلفوا فمنهم من جعل هذه الصورة أولي بالجواز لان الخطبة منفصلة عن الصلاة والصلاة عبادة واحدة فيكون احتمال التعدد فيها أبعد وعكس الشيخ أبو حامد فجعل هذه الصورة أولي بالمنع لان عقد الصلاة قد نظم الامام والخليفة وهى عبادة واحدة والخطبة والصلاة متميزتان ليس لهما عقد متحد ينظمهما ثم إذا جوزنا فالشرط أن يكون الخليفة ممن سمع الخطبة لان من لم يسمع ليس من أهل الجمعة ألا ترى أنه لو بادر قوم من السامعين بعد الخطبة إلى عقد الجمعة انعقدت لهم بخلاف غيرهم وإنما يصير غير السامع من أهل الجمعة إذا دخل في صلاة الامام هكذا قاله الجمهور وذكر صاحب التتمة فيه وجهين ولو أحدث في أثناء الخطبة وشرطنا الطهارة فيها فهل يجوز الاستخلاف ان قلنا لا يجوز في الصلاة فلا وان قلنا يجوز فوجهان حكاهما ابن الصباغ أصحهما الجواز كما في الصلاة * (فرع) لو صلي مع الامام ركعة من الجمعة ثم فارقه بعذر أو بغير عذر ولم تبطل صلاته جاز له أن يتمها جمعة كما لو أحدث الامام * (فرع) لو أتم الامام ولم يتم المأمومون فارادوا ان يستخلفوا من يتم بهم ان لم نجوز الاستخلاف للامام لم يجز لهم وان جوزنا فان كان في الجمعة بان كانوا مسبوقين لم يجز لان الجمعة لا تنشأ بعد الجمعة والخليفة منشئ وان كان في غيرها فان كانوا مسبوقين أو مقيمين وهو مسافر فوجهان (أظهرها) المنع لان الجماعة قد حصلت في كمال الصلاة وهم إذا أتموا فرادى نالوا فضلها *(4/562)
قال (الثانية إذا زوحم المقتدى عن سجود الركعة الاولي انتظر التمكن فان سجد قبل ركوع الامام وقرأ في الثانية كان معذورا في التخلف وان وجد الامام راكعا عند فراغه من السجود التحق بالمسبوق علي احد الوجهين حتى تسقط القراءة عن (الركعة الثانية) فان وجد الامام فارغا من الركوع
وقلنا أنه كالمسبوق فهنا يتابع الامام في فعله لكن يقوم بعد سلام الامام إلى ركعة ثانية وإن قلنا ليس كالمسبوق فيشتغل بترتيب صلاة نفسه ويسعى خلف الامام وهو معذور في التخلف) * هذا ابتداء مسألة الزحام وهي موصوفة بالاشكال لانشعاب حالاتها وطول تفاريعها ونحن نلخصها ونوضح ما في الكتاب منها بحسب الامكان فنقول إذا منعته الزحمة في الجمعة عن ان يسجد علي الارض مع الامام في الركعة الاولي نظر ان امكنه ان يسجد علي ظهر انسان أو رجله لزمه ذلك لانه متمكن من ضرب من السجود يجزئه وقد روي عن عمر رضي الله عنه انه قال " إذا زوحم أحدكم في صلاته فليسجد علي ظهر أخيه " وبهذا قال أبو حنيفة واحمد وقال مالك يصبر ولا يسجد علي ظهر الغير ونقل المحاملى وغيره وجها أنه يتخير بين ان يسجد علي ظهر الغير متابعة للامام وبين أن يصبر ليحصل له فضيله السجود علي الارض والمذهب الاول ثم قال معظم الاصحاب انما يسجد على ظهر الغير إذا قدر علي رعاية هيئة الساجدين بأن كان على نشز من الارض والمسجود علي ظهره في موضع منخفض فان لم يكن كذلك لم يكن المأتى به سجودا وفى العدة أنه لا يضر ارتفاع الظهر والخروج عن هيئة الساجدين لمكان العذر وقد ذكر صاحب الافصاح ذلك وإذا تمكن من السجود علي ظهر الغير(4/563)
فلم يفعل ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد (وأظهرهما) أنه تخلف بغير عذر (والثانى) أنه تخلف بالقدر وقد سبق حكم القسمين أما إذا لم يمكنه أن يسجد علي الارض ولا علي ظهر الغير فلو خرج عن المتابعة لهذا العذر وأراد أن يتمها ظهرا هل يصح فيه قولان لانه ظهر قبل فوات الجمعة وسيأتي الخلاف فيه قال الامام ويظهر عندي منعه من الانفراد لان إقامة الجمعة واجبة والخروج عنها قصدا مع توقع إدراكها لا وجه له فإذا دام علي المتابعة فما الذى يفعل ذكر في النهاية أن شيخه حكي فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن يومئ بالسجود أقصي ما يمكنه كالمريض لمكان العذر (واصحها) وهو المذكور في الكتاب انه ينتظر التمكن ولا يومئ لقدرته علي السجود وندور هذا العذر وعدم دوامه (والثالث) أن يتخير بينهما وهذه الوجوه كالوجوه في الغازى أنه يقعد ويومئ أو يقوم ويتم الاركان أو يتخير بينهما وإذا فرعنا علي الصحيح وهو أنه ينتظر فلا يخلو إما أن يتمكن من السجود قبل ركوع الامام في الثانية أو لا يتمكن
إلي ركوعه فيها فاما في القسم الاول فيسجد كما تمكن ثم إذا فرغ فللامام أحوال أربع (أحداها) أن يكون بعد في القيام فيفتتح القراءة فان أتمها ركع معه وجرى على متابعته ولا بأس بما وقع من التخلف للعذر كما في صلاة عسفان يسجد الحارسون بعد قيام الامام إلي الثانية للعذر كما سيأتي في صلاة الخوف وان ركع الامام قبل أن يتمها فيبني حكمه على وجهين نذكرهما في أنه هل يلتحق بالمسبوق أم لا وقد بينا حكم المسبوق وغيره في ذلك في صلاة الجماعة (الثانية) أن يكون في الركوع ففيه وجهان (أصحهما) عند الجمهور أنه يدع القراءة ويركع معه لانه لم يدرك محلها فسقطت عنه كالمسبوق (والثانى) وهو اختيار القفال وجماعة أنه لا يدعها ولا تسقط عنه لانه مؤتم بالامام في حال قراءته فلزمته بخلاف المسبوق فعلى هذا يقرأ ويسعي خلف الامام وهو متخلف بالعذر (الثالثة) أن يكون فارغا من الركوع لكنه(4/564)
يعد في الصلاة فان قلنا في الصورة السابقة أنه كالمسبوق فيتابع الامام فبما هو فيه ولا يكون محسوبا له بل يقوم عند سلام الامام إلى ركعة ثانية وإن قلنا ليس كالمسبوق فيشتغل بترتيب صلاة نفسه وحكى في النهاية طريقة أخرى أنه ليس له في هذه الصورة إلا متابعة الامام (الرابعة) لو وجد الامام متحللا من صلاته لا يكون مدركا للجمعة فان الامام قد خرج من الصلاة قبل أن تتم له ركعة بخلاف ما إذا رفع رأسه من السجود وسلم الامام في الحال قال إمام الحرمين وإذا جوزنا له التخلف وأمرناه بالجريان على ترتيب صلاة نفسه فالوجه ان يقتصر على الفرائض فعساه يدرك الامام ويحتمل أن يجوز له الاتيان بالسنن مع الاقتصار على الوسط منها وهذه الاحوال مذكورة(4/565)
في الكتاب سوى الرابعة منها وانما تكلم في الصورة التى يقع فيها هذه الاحوال وهى ان تمنعه الزحمة من مطلق السجود دون ان تمنعه من السجود علي الارض خاصة وقوله وقلنا انه كالمسبوق فههنا يتابع الامام يجوز اعلامه بالواو للطريقة التى حكاها الامام انه يتابع بلا خلاف * قال (اما إذا لم يتمكن من السجود حتى ركع الامام فقولان (أحدهما) يركع معه وقد حصلت
له ركعة واحدة اما ملفقة من هذا السجود والركوع الاول علي احد الوجهين واما منظومة من هذا الركوع والسجود فان قلنا بالملفقة فهل تصلح لادراك الجمعة بها فعلي وجهين ولو خالف أمرنا ولم يركع مع الامام لكن سجد بطلت صلاته الا إذا كان جاهلا بالتحريم فيجعل كانه لم يسجد وينظر بعده فان راعي ترتيب صلاة نفسه فإذا سجد في ركعته الثانية حصلت له ركعة فيها نقصان التلفيق ونقصان القدوة الحكمية لوقوعها بعد الركوع الثاني للامام وهل تصلح الحكمية لادراك الجمعة فيه وجهان اما إذا تابع الامام بعد فراغه من سجوده الذى سها به فقد سجد مع الامام حسا أو حكما وتمت له ركعة ملفقة) * القسم الثاني أن لا يتمكن من السجود حتى يركع الامام في الثانية وفيما يفعل والحالة هذه قولان (أصحهما) وبه قال مالك واحمد واختاره القفال انه يتابعه فيركع معه لظاهر قوله " انما جعل الامام(4/566)
ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا " ولانه ادرك الامام في الركوع فيركع معه كالمسبوق (والثانى) وبه قال ابو حنيفة لا يركع معه بل يراعي ترتيب صلاة نفسه فيسجد لقوله صلي الله عليه وسلم " وإذا سجد فاسجدوا " وقد سجد الامام في الاولي فليسجد هو امتثالا للامر ولانه لو ركع لكان مواليا بين ركوعين في ركعة واحدة قال الرويانى وهذا أصح (التفريع) ان قلنا بالاول فاما ان يوافق ما امرناه به أو يخالف (الحالة الاولي) ان يوافق فاى الركوعين يحسب له فيه وجهان وقيل قولان (احدهما) الاول لانه انى به في وقت الاعتداد بالركوع وانما اتى بالثاني لعذر وهو موافقة الامام فاشبه ما لو والى بين ركوعين ناسيا (والثانى) المحسوب الثاني لان المدة قد طالت وافرط التخلف فكأنه مسبوق لحق الآن فيحسب له الركوع وما بعده ويلغى ما سبق وذكروا ان منشأ هذا الخلاف التردد في تغيير لفظ الشافعي رضى الله عنه فانه قال علي هذا القول فيركع معه في الثانية وتسقط الاخرى فمن قائل اراد بالاخرى الاخيرة ومن قائل اراد الاولى قالوا والاول اصح والثانى اشبه بكلامه وقوله في الكتاب اما ملفقة إلى آخره واما منظومة من هذا الركوع والسجود أي علي هذا الوجه الثاني فان قلنا بالوجه الثاني اجزأته الركعة الثانية من الجمعة فيضم إليها اخرى عند سلام الامام وان(4/567)
قلنا بالاول فالحاصل ركعة ملفقة من هذا السجود وذلك الركوع وفى ادراك الجمعة بها وجهان (احدهما) وبه قال ابن ابى هريرة لا يدرك لنقصانها بالتلفيق ومن شرط الجمعة وادراكها استجماع صفة الكمال (واصحهما) وبه قال أبو اسحق يدرك لقوله صلي الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى " والتلفيق ليس بنقص في حق المعذور وان كان نقصا فهو غير مانع الا ترى انا إذا احتسبنا بالركوع الثاني حكمنا بادراك الجمعة بلا خلاف مع حصول التلفيق بين هذا الركوع وذلك التحرم (الحالة الثانية) أن يخالف امرنا فلا يركع معه ويسجد جريا علي ترتيب صلاته فاما أن يفعل ذلك عالما بان واجبه المتابعة أو يفعله ناسيا أو معتقد أن الواجب عليه رعاية ترتيبه فان فعله عالما ولم ينو مفارقة الامام بطلت صلاته وعليه التحرم بالجمعه ان امكنه ادراك الامام في الركوع وان نوى مفارقته فقد اخرج نفسه عن صلاة الامام بغير عذر وفى بطلان الصلاة به قولان سبقا فان لم تبطل لم تصح جمعته وفى صحة الظهر خلاف مبنى علي أن الجمعة إذا تعذر اتمامها هل يجوز اتمامها ظهرا وعلي أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة وسيأتي ذلك وقوله تبطل صلاته الا إذا كان جاهلا ينبغي أن يعلم فيه أن الاستثناء لا ينحصر في الجاهل بل الناس في معناه وقوله بطلت صلاته ان اراد ما إذا(4/568)
لم ينو المفارقة واستدام نيته الاولى فذاك وإن اراد اطلاق الحكم نوى المفارقة ام لا فيحتاج الي الاعلام بالواو واما إذا فعله جاهلا أو ناسيا فما اتى به من السجود لا يعتد به ولا تبطل الصلاة ثم ان فرغ والامام راكع بعد بان خفف سجوده وطول الامام فعليه متابعته فان تابعه وركع معه فالتفريع كما سبق لو لم يسجد وان لم يركع معه أو كان الامام قد فرغ من الركوع فينظر ان راعى ترتيب صلاة نفسه بان قام بعد السجدتين وقرأ وركع وسجد فقد قال حجة الاسلام قدس الله روحه ههنا وفى الوسيط تتم له ركعة بهما لكن فيها نقصانان (احدهما) نقصان التلفيق فان ركوعها من الاولي وسجودها من الثانية وفيها الخلاف المذكور (والثاني) نقصان القدوة الحكمية وبين في النهاية معناه فقال ان المزحوم لم يسجد على متابعة الامام والاقتداء به حقيقة وحسا وانما سجد متخلفا عنه الا انه معذور
فسحبوا حكم القدوة عليه وقالوا ان لم يفرط التخلف بان سجد قبل ركوع الامام الحق اقتدؤاه بالاقتداء الحقيقي وجعل مدركا للجمعة كما تقدم فاما إذا سجد بعد ركوعه فقد افرط التخلف وانتهى الامام الي آخر ما به يدرك المسبوق الجمعة فالمتم ركعته معرضا عن الاقتداء به حقيقة هل يكون مدركا للجمعة فيه وجهان (اصحهما) نعم ويقرب توجيههما مما ذكرنا في الملفقة وقد عرفت مما ذكرنا انه الي ماذا اشار بقوله لوقوعها بعد الركوع الثاني للامام وان الخلاف ليس في مطلق الحكمية فان السجود في حال قيام الامام ليس علي حقيقة المتابعة ولا خلاف في إدراك الجمعة به ثم اعرف شيئين (احدهما) انه اطلق الحكم باحتساب سجدتيه في الثانية وتمام الركعة بهما ثم نقل التردد في إدراك الجمعة بها ولا شك في ان هذا التردد مخصوص بما إذا وقعتا قبل سلام الامام فاما إذا وقعتا أو شئ منهما بعد سلام الامام فقد نصوا علي انه لا يكون مدركا للجمعة على أن في أصل الاحتساب إذا وقعتا قبل سلام الامام اشكالا لانا(4/569)
علي القول الذى عليه التفريع نأمره بالمتابعة بكل حال فكما لا يحسب له السجود والامام راكع لان فرضه المتابعة وجب أن لا يحسب له والامام في ركن بعد الركوع والمفهوم من كلام الاكثرين هذا وهو عدم الاحتساب بشئ مما يأتي به على غير سبيل المتابعة فإذا سلم الامام سجد سجدتين لتمام الركعة ولا يكون مدركا للجمعة نعم صرح الصيدلاني باحتساب السجدتين وبنقل الوجهين في إدراك الجمعة بها كما ذكره في الكتاب والله أعلم (الثاني) انه زيد في بعض النسخ بعد قوله فيجعل كأنه لم يسجد ثم ان أدرك الامام راكعا عاد التفريع كما مضي وإن فات الركوع بنظر بعده فان راعى وهكذا هو في الوسيط وليس في بعضها هذه الزيادة والامر فيها قريب وعلى الاول فليس التفصيل المرتب علي قوله وإن فات الركوع مخصوصا بما إذا فات الركوع عند فراغ المزحوم من السجود بل لو كان الامام في الركوع بعد لكنه جرى على ترتيب صلاته كان الحكم كما لو فات الا أن يطيل الامام ركوعه فيكون بعد فيها حين سجد المزحوم في الثانية فلا يعتد به هذا كله فيما إذا جرى علي ترتيب صلاته بعد فراغه من سجدتيه اللتين لم يعتد بهما فاما إذا فرغ منهما والامام ساجد فاتفق له متابعته في السجدتين فهذا هو الذى نأمره به والحالة هذه تفريعا علي هذا القول فيحسبان له
ويكون الحاصل ركعة ملفقة (واما النقصان الاخر) فهو مفقود ههنا لانه سجد مع الامام حسا (وقوله) بعد سجوده الذى سها به أي جهل حكمه فانه بمثابة السهو وإن وجده جالسا للتشهد وافقه فإذا سلم سجد سجدتين لتتم له الركعة ولا جمعة له لانه لم يتم له ركعة والامام في الصلاة وكذلك يفعل لو وجده قد سلم حين فرغ من سجدتيه * قال (والقول الثاني انه لا يركع مع الامام بل يراعى ترتيب صلاة نفسه فان خالف مع العلم(4/570)
وركع بطلت صلاته وان كان جاهلا لم تبطل وحصل له بسجوده مع الامام ركعة ملفقة وان وافق قولنا وسجد فسجوده واقع في قدوة حكمته ففي الادراك بها وجهان فعلي هذا للامام حالتان عند فراغه من السجود فان كان فارغا من الركوع فيجرى على ترتيب صلاة نفسه وان كان راكعا ركع معه ان قلنا انه كالمسبوق والاجرى علي ترتيب صلاة نفسه) * ذكرنا أصل هذا القول وتوجهه مع الاول وأما التفريع فانه لا يخلو إما ان يوافق ما أمرناه به وهو رعاية ترتيبه أو يخالف (احدى الحالتين) أن يخالف امرنا ويركع مع الامام فان كان عامدا بطلت صلاته وعليه أن يبتدئ بالجمعة ان امكنه ادراك الامام في الركوع وان كان ناسيا أو جاهلا يعتقد ان الواجب عليه الركوع مع الامام فلا يعتد بركوعه ولا تبطل صلاته فإذا سجد معه بعد الركوع فهل تحسب له السجدتان المشهور انهما يحسبان له لانا امرناه بالسجود علي هذا القول فقدم عليه شيئا غير معتد به ولا مفيد فإذا انتهي إليه وجب ان يقع عن المأمور وهذا هو الذى ذكره في الكتاب فقال وحصلت له بسجوده مع الامام ركعة ملفقة وحكي الشيخ أبو محمد رحمة الله عليه في السلسلة وجها آخر انه لا يعتد بهما لانه اتى بهما على قصد الثانية فلا يقع عن اولاه كما لو نسى سجدة من صلب الصلاة ثم سجد لتلاوة أو سهو لا يقوم مقامها فان قلنا بالاول فالحاصل ركعة ملفقة وفى الادراك بها ما سبق من الخلاف (الحالة الثانية) ان يوافق ما امرناه به فيسجد فهذه القدوة حكمية لوقوع السجود بعد الركوع الثاني للامام وفى إدراك الجمعة بها الوجهان السابقان وهما مشهوران في هذا الموضع في كلام الاصحاب ثم إذا فرغ من السجود فللامام حالتان (احداهما) ان يكون فارغا من الركوع
إما في السجود أو في التشهد ففيه وجهان (احدهما) وهو المذكور في الكتاب انه يجرى علي ترتيب صلاة نفسه فيقوم ويقرأ ويركع لانا امرناه بذلك حالة ركوع الامام مع انه الركن الذى يتعلق به إدراك(4/571)
المسبوق فلان نأمره به بعد مجاوزتة كان أولي (والثانى) أنه يلزمه متابعة الامام فيما هو فيه فإذا سلم الامام اشتغل بتدارك ما عليه لانه إنما جعل الامام ليؤتم به فصار كالمسبوق يدرك الامام ساجدا أو متشهدا بخلاف الركعة الاولي فانه أدرك منها القيام والركوع فلزمه إتمامها ويشبه أن يكون هذا الوجه أظهر في المذهب لان كثيرا من اصحابنا لم يوردوا سواه منهم جماعة من العراقيين والشيخ أبو محمد ونقل ابن الصباغ وصاحب المهذب الوجهين وقالا الاصح هو الثاني وعلي هذا الثاني قال الشيخ أبو محمد لو كان الامام عند فراغه من السجود قد هوى للسجدتين فتابعه فقد والى بين اربع سجدات فالمحسوب لتمام الركعة الاولي الاوليان ام الاخريان فيه وجهان كما سبق في الركوعين (اقربهما) إلي الصواب احتساب الاوليين وعلي الوجه الثاني يعود الخلاف المذكور في الركعة الملفقة (والثانية) ان يكون الامام راكعا بعد فهل عليه متابعته وتسقط عنه القراءة كالمسبوق أو يشتغل بترتيب صلاة نفسه فيقرأ فيه وجهان كما ذكرنا تفريعا علي القول الاول فعلي الاول يسلم معهم ويتم جمعته وعلي الثاني يقرأ ويسعى ليلحقه وهو مدرك للجمعة ايضا وقوله في اول القول الثاني لا يركع معه معلم بالميم والالف وقوله في اول القول الاول يركع معه بالحاء لما قدمناه ويجوز ان يعلم كلاهما بالزاى لان الاصحاب اختلفوا في اختيار المزني ومذهبه من القولين فعن ابن سريج وابن خيران ان اختياره القول الثاني وعن ابي اسحق ان اختياره القول الاول ولهذا الاختلاف شرح ليس هذا موضعه ولعلك تقول قوله فعلي هذا للامام حالتان تفريع وترتيب فعلي ماذا رتبه والمذكور قبله وجهان مرسلان في ان القدوة الحكمية هل تفيد إدراك الجمعة (والجواب) انه أراد الترتيب علي قولنا ان القدوة الحكمية تصلح للادراك وقد بين ذلك في الوسيط لكن إيراد المعظم يدل علي ان كلام الحالتين لا يختص بالتفريع علي أحد الوجهين بل هو شامل لهما وإنما يختلفان في القدر الذى يتداركه هذا تمام(4/572)
الكلام فيما إذا لم يتمكن المزحوم في السجود حتي ركع الامام في الثانية ولو لم يتمكن منه حتى سجد لامام في الثانية فيتابعه في السجود قولا واحدا والحاصل ركعة ملفقة ان قلنا الواجب متابعة الامام وغير ملفقة إن قلنا الواجب عليه رعاية ترتيب صلاته ذكره في التهذيب ولو لم يتمكن منه حتى تشهد الامام قال في التتمة يسجد ثم إن ادرك الامام قبل السلام فقد ادرك الجمعة وإلا فلا ولو كان الزحام في سجود الركعة الثانية وقد صلي الاولي مع الامام فيسجد متي تمكن قبل سلام الامام أو بعده وجمعته صحيحة وإن كان مسبوقا لحقه في الثانية فان تمكن قبل سلام الامام سجد وقد ادرك ركعته وإن لم يتمكن حتى سلم الامام فلا جمعة له ولو زحم عن ركوع الركعة الاولى حتى ركع الامام في الثانية يركع ثم قال الاكثرون يعتد له بالركعة الثانية وتسقط الاولي ومنهم من قال الحاصل ركعة ملفقة * قال (ومهما حكمنا بانه لم يدرك الجمعة فهل تنقلب صلاته ظهرا فيه قولان يعبر عنهما بان الجمعة هي ظهر مقصورة أم هي صلاة علي حيالها فان قلنا لا تنقلب ظهرا فهل تبقى نفلا يبنى علي القولين في المتحرم بالظهر قبل الزوال) * إذا عرضت حالة في الصلاة تمنع من وقوعها جمعة في صورة الزحام وغيرهما فهل يتم صلاته ظهرا فيه قولان يتعلقان باصل وهو ان الجمعة ظهر مقصورة أو هي صلاة علي حيالها وقد اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في فروع تقتضي اختلافه في هذا الاصل (أحدهما) أنها ظهر مقصورة لان وقتها وقت الظهر لكن وجب القصر فيها عند تمام شروطها (والثانى) انها صلاة علي حيالها ألا ترى(4/573)
انه لا يجوز فعلها في سائر الايام ولا يجوز فعل الظهر في هذا اليوم فان قلنا انها ظهر مقصورة فإذا فات بعض شرائط الجمعة أتمها ظهرا كالمسافر إذا فات شروط قصره وإن قلنا أنها فرض آخر فهل يتم فيه وجهان مذكوران في التهذيب وغيره (أحدهما) لا لانه شرع فيها بنية الجمعة (والثانى) نعم لانهما فرض وقت واحد (وقوله) في الكتاب فهل تنقلب صلاته ظهرا يشعر بان الخلاف في انقلابه بنفسه وفى النهاية حكاية وجهين في ذلك على قولنا أنه تتم صلاته ظهرا (أحدهما) انه تنقلب ظهرا من غير قصد
منه لانا إذا جعلناها ظهرا مقصورة فمتي بطل القصر ثبت الاتمام (والثاني) ان الشرط ان يقلبهما ظهرا بقصده لان بين الجمعة والظهر تغايرا في الجملة ليس بين القصر والاتمام فلا بد من قصد البناء والظاهر من الخلاف في المسألة ان له ان يتمها ظهرا وإذا قلنا لا يتمها ظهرا فهل تبقى صلاته نفلا ام تبطل من أصلها فيه القولان السابقان فيما إذا تحرم بالظهر قبل الزوال ونظائرها ثم قال امام الحرمين قول البطلان لا ينتظم تفريعه إذا امرناه في صورة الزحام بشئ فوافق امرنا لان الامر بالشئ والحكم ببطلانه ورفعه آخرا محال فليكن ذلك مخصوصا بما إذا امرناه بشئ فخالف وحيث اطلق الائمة ترتيب الخلاف وتنزيله فهو محمول على هذا * قال (والنسيان هل يكون عذرا كالزحام فيه وجهان) * التخلف بالنسيان هل هو كالتخلف بالزحام فيه وجهان (اصحهما) نعم لمكان العذر (والثانى) لا لانه نادر ولانه مفرط إذ هو بسبيل من ادامة الذكر هكذا اطلق جماعة نقل الوجهين منهم المصنف والمفهوم من كلام الاكثرين ان في ذلك تفصيلا ان تأخر سجوده عن سجدتي الامام(4/574)
ثم سجد في حال قيام الامام فالحكم كما ذكرناه في الزحام وكذلك لو تأخر لمرض لشمول العذر وعدم افراط التخلف وان بقي ذاهلا عن السجود حتى ركع الامام في الثانية ثم تنبه فهنا خلاف منهم من قال فيه القولان في المزحوم (احدهما) يركع معه (والثانى) يجرى على ترتيب صلاة نفسه وبهذا قال القاضي ابو حامد ومنهم من قال يتبعه قولا واحدا لانه مقصر بالنسيان فلا يجوز له ترك المتابعة وهذا اظهر عند القاضي الروياني (خاتمة) الزحام كما يفرض في صلاة الجمعة يفرض في سائر الصلوات وانما يذكر في الجمعة خاصة لان الزحمة فيها أكثر ولانها يجتمع فيها وجوه من الاشكال لا تجرى في غيرها مثل التردد في ان الركعة الملفقة هل تدرك بها الجمعة وكذا التردد في القدوة الحكمية والتردد في أن المبنية على ان الجمعة ظهر مقصورة ولان الجماعة شرط فيها ولا سبيل الي المفارقة ما دام يتوقع ادراك الجمعة بخلاف سائر الصلوات إذا عرفت ذلك فلو فرضت الزحمة في سائر الصلوات وامتنع عليه السجود في الاولي حتى ركع الامام في الثانية اطرد فيه القولان وحكى القاضي بن كج طريقتين اخريين (احداهما) انه يركع معه بلا خلاف
(والثانى) انه يراعي ترتيب صلاته بلا خلاف *(4/575)
قال (الشرط السادس الخطبة وأركانها خمسة (ح) الحمد لله ويتعين هذا اللفظ والصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ويتعين لفظ الصلاة والوصية بالتقوى ولا يتعين لفظها إذ غرضه الوعظ وأقلها أطيعوا الله والدعاء للمؤمنيين وأقله رحمكم الله وقراءة القرآن وأقله آية والدعاء لا يجب الا في الثانية والقراءة تختص بالاولى علي أحد الوجهين والتحميد والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين) * من شرائط الجمعة تقدم خطبتين " لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين " قال صلوا كما رأيتموني أصلي " وروى عن عمر رضي الله عنه وغيره " ان الصلاة انما قصرت للخطبة " والكلام في واجبات الخطبة وسننها أما الواجبات فقد جعلها قسمين الاركان والشرائط وعد الاركان خمسة (أحدها) حمد الله تعالي لما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " خطب يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه " ويتعين لفظ الحمد اتباعا لما درجوا عليه من عصر الرسول صلي الله عليه وسلم إلي عصرنا هذا (والثانى) الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فان كل عبادة افتقرت إلي ذكر الله تعالي افتقرت إلي ذكر رسوله كالاذان والصلاة ويتعين لفظ الصلاة كما ذكرنا في الحمد وحكي في النهاية عن كلام بعض الاصحاب ما يوهم انهما لا يتعينان ولم ينقله وجها مجزوما به (والثالث) الوصية بالتقوى لان النبي صلي الله عليه وسلم " واظب عليها في خطبه " ولان المقصود من الخطبة الوعظ والتحذير(4/576)
فلا يجوز الاخلال به وهل يتعين لفظ الوصية فيه وجهان (أحدهما) نعم كالحمد والصلاة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لان غرضها الوعظ فبأى لفظ وعظ حصل الغرض وقد روى هذا عن نصه في الاملاء قال الامام ولا يكفى الاقتصار علي التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها فان ذلك قد يتواصى به المنكرون للمعاد أيضا بل لا بد من الحمل على طاعة الله تعالي وحده والمنع من المعاصي ولا يجب في الموعظة فصل وكلام طويل بل لو قال أطيعوا الله كفاه وأبدى الامام احتمالا فيه وقال الغرض استعطاف القلوب وتنبيه الغافلين ولا يحصل ذلك إلا بفصل يهز ويستحث وعلى ذلك
جرى الاولون واللائق بمذهب الشافعي رضي الله عنه الاتباع ولا تردد في كلمتي الحمد والصلاة انهما كافيتان ثم هذه الاركان الثلاثة لا بد منها في الخطبتين جميعا وحكي الحناطى وجها غريبا انه لو صلي على النبي صلي الله عليه وسلم في أحداهما جاز فيجوز أن يعلم لذلك لفظ الصلاة في قوله والتحميد والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين بالواو (والرابع) الدعاء للمؤمنين ركن في ظاهر المذهب اتباعا وفيه أوجه آخر انه لا يجب لانه لا يجب في غير الخطبة فكذلك في الخطبة كالتسبيح وكلام صاحب التلخيص يوافق هذا الوجه ويحكي عن نصه في الاملاء أيضا وإذا قلنا بالاول فهو مخصوص بالثانية فان الدعاء يليق بحالة الاختتام ولو دعا في الاول لم يحسب عن الثانية ويكفي ما يقع عليه الاسم قاله الامام وأرى انه يجب أن(4/577)
يكون متعلقا بامور الآخرة غير مقتصر علي أوطار الدنيا وانه لا بأس بتخصيصه بالسامعين بأن يقول رحمكم الله (الخامس) قراءة القرآن وهى من الاركان روى انه صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ آيات ويذكر الله تعالي " ونقل قول عن الاملاء انها ليست من الاركان وإنما هي من المستحبات وقد يحكى المذهبان وجهين عن أبى اسحق المروزى فان قلنا بالمشهور وهو انها ركن فقد قال الاصحاب أقله آية ويحكى عن ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه ولا فرق بين أن يكون مضمونها وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصة قال الامام ولا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة ولا شك انه لو قال (ثم نظر) لم يكف وان عد آية بل يعتبر أن تكون مفهمة واختلفوا في محلها على ثلاثة أوجه (أظهرها) وينقل عن نصه في الام انها تجب في أحدهما لا بعينها لان المنقول انه كان يقرأ في الخطبة وهذا القدر لا يوجب كون القراءة فيهما ولا في واحدة على التعيين (والثاني) أنها تجب فيهما لانها ركن فأشبهت الثلاثة الاول (والثالث) انها تختص بالاولى في مقابلة الدعاء المختص بالثانية وهذا ظاهر لفظه في المختصر وقوله في الكتاب والقراءة تختص بالاولي على أحد الوجهين تعرض لهذا الوجه الثالث ويمكن ادراج الوجهين الآخرين في مقابله بأن يقال والثانى لا يختص وعلي هذا تجب فيهما أو تجب في واحدة لا علي التعيين فيه وجهان " ويستحب أن يقرأ في الخطبة سورة ق روى ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم وسلم " وان قرأ آية سجدة(4/578)
نزل وسجد فلو كان المنبر عاليا لو نزل لطال الفصل ففيه الخلاف المذكور في اشتراط الموالاة ولا تداخل في الاركان المذكورة حتي لو قرأ آية فيها موعظة وقصد ايقاعها عن الجهتين لم يجز ولا يجوز أن يأتي بآيات تشتمل على الاركان المطلوبة فان ذلك لا يسمى خطبة ولو أتى ببعضها في ضمن آية لم يمتنع (وقوله) في الكتاب وأركانها خمسة معلم بالواو للخلاف المذكور في القراءة والدعاء وبالحاء لان عنده يكفيه أن يقول الحمد لله أو لا إله الا الله ونحوهما وبالميم لانه روى عن مالك مثل مذهب أبى حنيفة وروى انه قال لا يجزئه إلا ما سمته العرب خطبة ويجوز ان يعلم كل واحد من الاركان بعلامتهما لما ذكرنا وكذا الحكم بتعين الحمد لله والصلاة ولك ان تبحث في شيئين من قوله ويتعين هذه اللفظة وقوله ويتعين لفظ الصلاة (احدهما) ان الحكم بتعين اللفظين يقتضي عدم اجزائهما بغير العربية فهل هو كذلك (والجواب) ان في اشتراط كون الخطبة كلها بالعربية وجهان (اصحهما) انه شرط اتباعا لما جرى عليه الناس (والثانى) ذكره في التتمة مع الاول انه لا يشترط اعتبارا بالمعني فعلي الصحيح لو لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها ويجب ان يتعلم واحد منهم الخطبة بالعربية كالعاجز عن التكبير بالعربية عليه التعلم فلو مضت مدة امكان التعلم ولم يتعلموا عصوا وليس لهم الجمعة (الثاني) لم قال في الحمد لله وتتعين هذه اللفظة ولم يقل مثل ذلك في الصلاة علي رسول الله ولكن خص التعين بالصلاة (والجواب) انما لم يقل في الصلاة وتتعين هذه اللفظة لانه لو قال والصلاة علي محمد أو علي النبي جاز ولا يشترط التعرض للفظ الرسول (وقوله) في الحمد وتتعين هذه لله اللفظة مقتضاه انه لو قال الحمد للرحمن أو للرحيم لا يجزئه وذلك مما لا يبعد كما في كلمة التكبير(4/579)
لكن لم اره مسطورا فاما ان قوله والصلاة علي النبي مجزئ فلا شك فيه وهو لفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر * قال (وشرائطها ستة الوقت وهو ما بعد الزوال وتقديمها علي الصلاة بخلاف صلاة العيدين والقيام فيهما والجلوس بين الخطبتين مع الطمأنينة وفى طهارة الخبث والحدث والموالاة خلاف) * لما فرغ من الاركان اشتغل بذكر الشرائط وعدها ستا وهذا الفصل يشتمل علي خمسة منها
(احداها) الوقت وهو ما بعد الزوال فلا يجوز تقديم الخطبتين ولا شئ منهما عليه خلافا لاحمد حيث قال يجوز كما حكينا عنه في نفس الصلاة ولمالك حيث جوز تقديم الخطبة على الزوال وان لم يجز تقديم الصلاة * لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم " كان يخطب يوم الجمعة بعد الزوال " ولو جاز التقديم لقدمها تخفيفا على المبكرين وايقاعا للصلاة في اول الوقت (الثانية) تقديم الخطبتين على الصلاة بخلاف صلاة العيد تقدم على الخطبتين لان النقل هكذا ثبت في الطرفين ثم فرقوا من وجهين (احدهما) ان خطبة الجمعة واجبة فقدمت ليحتبس الناس في انتظار الصلاة فيستمعوها ولا ينتشروا وخطبة العيد غير واجبة ولو انتشروا عنها لم يقدح (والثاني) ان الجمعة لا تؤدى الا جماعة فقدمت الخطبة عليها ليمتد الوقت ويلتحق الناس وصلاة العيد تؤدى من غير جماعة (الثالثة) القيام فيها عند القدرة خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا لا يشترط ذلك ويجوز القعود مع القدرة(4/580)
لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم ومن بعده لم يخطبوا الا قياما " ولانه ذكر يختص بالصلاة ليس من شرطه القعود فكان من شرطه القيام كالقراءة والتكبير فان عجز عن القيام فالاولي أن ينيب غيره ولو لم يفعل وخطب قاعدا أو مضطجعا جاز كما في الصلاة ويجوز الاقتداء به سواء قال لا استطيع القيام أو سكت فان الظاهر أنه انما قعد لعجزه فان بان أنه كان قادرا فهو كما لو بان الامام جنبا (وقوله) القيام فيها معلم بالحاء والالف لما حكيناه من مذهبهما ويجوز اعلامه بالميم لان بعض اصحاب احمد حكي عن مالك مثل مذهبهما وبالواو لان القاضي ابن كج حكى عن بعض اصحابنا وجها أنه لو خطب قاعدا مع القدرة علي القيام يجزئه الرابعة) الجلوس بينهما خلافا لابي حنيفة ومالك واحمد(4/581)
حيث قالوا انه سنة ليس بشرط * لنا مائبت من مواظبة رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن بعده عليهما " وتجب الطمانينته فيه كما في الجلسة بين السجدتين ولو خطب قاعد لعجزه عن القيام لم يضطجع بينهما للفصل ولكن يفصل بينهما بسكتة خفيفة وهذا يقتضي اعلام قوله والجلوس بين(4/582)
الخطبتين بالواو مع الحاء والميم والالف (فان قلت) لم عد القيام والقعود ههنا من الشرائط وهما معدودان في الصلاة من الاركان (فاعلم) أن امام الحرمين اجاب عنه بان قال الامر فيه قريب ولا حجر علي من يعدهما من الاركان كما في الصلاة ولا علي من لا يعدهما من الاركان في الصلاة ايضا ونقول المقصود لا يقع فيهما وهما محالان ويجوز الفرق بل الغرض من الخطبة الوعظ وهو امر معقول ولا يصح في الصلاة امر معقول(4/583)
فجعل القيام بمثابة ما فيه وههنا عد شرطا ومحلا لما هو المقصود (الخامسة) هل يشترط في الخطبة طهارة الحدث وطهارة البدن والثوب والمكان عن الخبث فيه قولان (القديم) لا وبه قال مالك وابو حنيفة واحمد لان الخطبة ذكر يتقدم الصلاة فاشبه الاذان (والجديد) نعم اتباعا لما جرت الائمة عليه في الاعصار كلها وهذا الخلاف مبني عند بعض الائمة على أن الخطبتين بدل عن الركعتين ام لا وقال امام الحرمين وهو مبني على أن الموالاة في الخطبة هل هي شرط ام لا إن قلنا نعم فلا بد من أن يكون متطهرا لانه يحتاج الي الطهارة بعد الخطبة فتختل الموالاة وإن قلنا لا تشترط الموالاة لا تشترط الطهارة ومنهم من جعل الخلاف في الطهارة وجهين والقولان أشهر وقد طرد الخلاف في ستر العورة اما من يبنى علي أن الخطبتين بدل من الركعتين ام لا فتوجيهه هين على اصله وأما من لم يبن عليه فقد قال الامام سبب الاشتراط بروز الخطيب وما فيه من هتكة الانكشاف لو لم يتستر(4/584)
(وقوله) في طهارة الحدث لفظ االحدث يشمل الحدث الاصغر والاكبر وقد صرح في التتمة بطرد الخلاف في اشتراط الطهارة عن الحدث والجنابة جميعا لكن قال في التهذيب لو خطب جنبا لم تحسب قولا واحدا لان القراءة شرط ولا تحسب قراءة الحنب وهذا اوضح والخلاف الذى ارسله المراد منه ما بيناه ونقله المصنف في الوسيط وجهين واما الخلاف في المولاة فهو قولان ومسألة الموالاة مكررة قد ذكرها مرة في الشرط الرابع للجمعة وانما جمع بينها وبين الطهارة للتناسب والبناء الذى ذكره الامام وإذا اشترطنا الطهارة فلو سبقه الحدث في الخطبة لم يعتد بما يأتي به في حال الحدث وفى بناء غيره عليه الخلاف الذى سبق ولو تطهر وعاد وجب الاستئناف إن طال الفصل وشرطنا
الموالاة وإن لم يطل الفصل ولم نشترط الموالاة فوجهان (أظهرهما) الاستئناف أيضا لانها عبادة واحدة فلا تؤدى بطهارتين كالصلاة * قال (ويجب رفع الصوت بحيث يسمع اربعين من اهل الكمال وهل يحرم الكلام على من عدي الاربعين فيه قولان (الجديد) أنه لا يحرم كما لا يحرم الكلام علي الخطيب وقيل بطرد القولين في الخطيب فان قلنا يجب الانصات فلا يسلم الداخل فان سلم لم يجب وفى تشميت العاطس وجهان وفى وجوبه علي من لا يسمع الخطبة وجهان وتحية المسجد مستحبة في اثناء الخطبة (ح م وان قلنا لا يجب الانصات ففى تشميت العاطس وفى رد السلام وجهان) * الشريطة السادسة للخطبة رفع الصوت فان الوعظ الذى هو مقصود الخطبة لا يحصل الا(4/585)
بالابلاغ والاسماع وذلك لا يحصل الا برفع الصوت فلو خطب سرا بحيث لم يسمع غيره لم يحسب كالاذان وحكى صاحب البيان عن ابى حنيفة انها تجزى وقد حكاه القاضى الرويانى وغيره وجها لنا ثم الضبط علي ظاهر المذهب أن يسمع اربعين من اهل الكمال علي ما سبق وصفهم ولو رفع الصوت قدر ما يبلغ لكن كانوا أو بعضهم صما ففيه وجهان (اصحهما) انها لا تجزئ كما لو بعدوا عنه وكما أنه يشترط سماع شهود النكاح (والثانى) يجزئ كما لو حلف لا يكلم؟ لانا فكلمه بحيث يسمع لكنه لم يسمع لصممه يحنث وكما لو سمتعوا الخطبة ولم يفهموا معناها لا يضر وينبغى للقوم أن يقبلوا بوجوههم الي الامام وينصتوا ويسمعوا قال الله تعالي (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا) ذكر في التفسير أن الاية وردت في الخطبة سميت قرآنا لاشتمالها عليه والانصات هو السكوت والاستماع شغل السمع بالسماع(4/586)
وهل الانصات فرض والكلام حرام ام لا قال في القديم والام الانصات فرض والكلام حرام وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو اظهر الروايتين عن أحمد ووجهه ظاهر الامر في الاية فانه للايجاب وما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا قلت لصاحبك انصت والامام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " واللغو الاثم قال الله تعالي (واللذين هم عن اللغو معرضون) وقال في الجديد الانصات
سنة والكلام ليس بحرام لما روى " أن رجلا دخل والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال متى الساعة فاومي الناس إليه بالسكوت فلم يقبل واعاد الكلام فقال له النبي صلي الله عليه وسلم وسلم بعد الثالثة ما إذا اعددت لها فقال حب الله ورسوله فقال انك مع من احببت " والاستدلال انه لم ينكر عليه ولم يبين له وجوب السكوت وذكر اصحابنا العراقيون أن ابا اسحق حكى في الشرح عن بعض اصحابنا طريقة اخرى جازمة بالوجوب وانه اول كلامه في الجديد والذى عليه الجمهور طريقة القولين وهل يحرم الكلام علي الخطيب فيه طريقان (اصحهما) القطع بانه لا يحرم(4/587)
وانما حرم علي المستمع في قول كيلا يمنعه عن الاستماع " وأيضا فقد كلم رسول الله صلي الله عليه وسلم قتلة ابن أبى الحقيق وسالهم عن كيفية قتله في الخطبة " وكلم أيضا سليكا الغطفانى في الخطبة كما سيأتي(4/588)
وعلي هذه الطريقة شبه في الكتاب المستمع بالخطيب فقال الجديد انه لا يحرم كما لا يحرم علي الخطيب وقد ذكر المزني هذا الاستدلال لترجيح الجديد (والطريقة الثانية) طرد القولين في الخطيب وهى تخرج علي أن الخطبتين بمثابة الركعتين أم لا ان قلنا نعم حرم الكلام عليه وبه قال مالك وأبو حنيفة ثم نتكلم في محل القولين وتفريعهما * أما المحل ففيه كلامان (أحدهما) ان الخلاف في الكلام الذى لا يتعلق به غرض مهم ناجز فأما إذا رأى أعمي يقع في بئر أو عقربا تدب علي انسان فأنذره أو علم انسانا شيئا من الخير أو نهاه عن منكر فهذا لا يحرم قولا واحدا وإن كان لفظ الكتاب مطلقا كذلك ذكره الاصحاب علي طبقاتهم وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه نعم المستحب أن يقتصر على الاشارة ولا يتكلم ما وجد إليه سبيلا (والثانى) انه يجوز الكلام قبل أن يبتدئ الامام(4/589)
في الخطبة وكذلك بعد الفراغ منها إلى أن ينزل أو يتحرم بالصلاة وليس ذلك موضع الخلاف لانه ليس وقت الاستماع * وأما حالة الجلوس بين الخطبتين فمنهم من أخرجها عن حيز الخلاف أيضا وهو ما أورده صاحب المهذب وحجة الاسلام في الوسيط وأجرى المحاملى وابن الصباغ وآخرون
الخلاف فيها ويجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا والقولان بعدما قعد حكاه الامام وغيره * وأما تفريع القولين فان قلنا بالقديم فالداخل في أثناء الخطبة ينبغي أن لا يسلم فان سلم لم تجز اجابته باللسان ويستحب أن يجاب بالاشارة كما في الصلاة وهل يجوز تشميت العاطس فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصوص لا كرد السلام (والثانى) يجوز لان العطاس لا يتعلق بالاختيار والتشميت من حقوق المسلم علي المسلم فيوفى بخلاف رد السلام فان المسلم والحالة هذه مضيع سلامه وعلي هذا فهل يستحب حكى إمام الحرمين فيه وجهين ووجه المنع بأن الانصات أهم فانه واجب على هذا القول والتشميت لا يجب قط وحكى في البيان عن بعض الاصحاب انه يرد السلام ولا يشمت العاطس لان تشميت العاطس سنة ورد السلام واجب والواجب لا يترك بالسنة وقد يترك بواجب آخر وهل يجب الانصات على من لا يسمع الخطبة فيه وجهان شبيهان بالوجهين في أن المأموم الذى لا يسمع قراءة الامام هل يقرأ السورة أم لا (أحدهما) انه لا يجب لان الانصات للاستماع فعلي هذا له أن يشتغل بذكر وتلاوة (والثاني) يجب كيلا يرتفع اللغط ولا يتداعي الي منع السامعين من السماع وهذا اظهر ولم يذكر كثيرون سواه وحكوه عن نص الشافعي رضى الله عنه وقالوا البعيد بالخيار بين(4/590)
الانصات وبين الذكر والتلاوة وأما في كلام الادميين فهو والقريب سواء وان فرعنا على الجديد فقد قال في الكتاب يشمت العاطس وفى رد السلام وجهان ولا بد من البحث عنه أهو كلام في الاستحباب أم في الوجوب أما جوازهما فلا شك فيه علي هذا القول وأما غيره فقد جعل صاحب التهذيب الوجهين في وجوب الرد (اصحهما) وجوبه كما في سائر الاحوال (والثاني) لا يجب لانه مقصر مضيع السلام كمن سلم علي من يقضي حاجته قال وفي استحباب التشميت الوجهان وذكر المصنف في الوسيط ان التشميت يجب وفى الرد وجهان والظاهر انه أراد نصب الوجهين في الاستحباب علي ما صرح به امام الحرمين فقال لا يجب الرد لتقصير المسلم ووضعه السلام في غير موضعه والوجهان في استحباب الرد (واعلم) ان القول بوجوب التشميت خلاف ما اطبق عليه الائمة فانهم قالوا التشميت محبوب غير واجب بحال فلا ينبغي أن يحمل قوله ويشمت العاطس عليه بل الوجه تأويل ما في
الوسيط أيضا ولا يحسن حمله علي الجواز ايضا لانه عطف عليه قوله وفى رد السلام وجهان فإذا كان المراد من الاول الجواز كان قضية الايراد فرض الخلاف في الجواز ولا يمكن تصوير الخلاف فيه علي هذا القول فإذا قوله يشمت العاطس معناه انه يستحب ذلك وليكن معلما بالواو لما حكاه صاحب التهذيب (واعلم) انه لو تكلم لم تبطل جمعته علي القولين جميعا والخلاف في الاثم وعدمه (وأما) قوله وتحية المسجد مستحبة (فشرحه) ان الخطيب إذا صعد المنبر فينبغي لمن ليس في الصلاة من(4/591)
الحاضرين أن لا يفتتحها سواء صلى السنة أم لا ومن كان منهم في الصلاة خففها روى عن الزهري انه قال " خروج الامام يقطع الصلاة " وكلامه يقطع الكلام والفرق بين الكلام الذى لا بأس به وان(4/592)
صعد المنبر ما لم يبتدئ الخطبة وبين الصلاة ان قطع الكلام هين متى ابتدأ الخطيب الخطبة بخلاف الصلاة فانه قد يفوته سماع أول الخطبة الي ان يتمها وأما الداخل في اثناء الخطبة فيستحب له التحية خلافا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا يكره له الصلاة كما للحاضرين * لنا ما روي " انه جاء سليك الغطفانى يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا سليك فاركع ركعتين تجوز فيهما " ثم قال " إذا جاء أحدكم والامام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " ولو أن الداخل لم يصل السنة بعد صلاها(4/593)
وحصلت التحية بها أيضا وان دخل والامام في آخر الخطبة لم يصل حتى لا يفوته اول الجمعة مع الامام وحكم التحية لا يختلف بقولي الانصات وذكره في الكتاب متصلا بتفريع القديم ليس لاختصاص الاستحباب به بل استحباب التحية علي قولنا باستحباب الانصات أظهر منه علي قولنا بوجوب الانصات وقوله في اول الفصل ويجب رفع الصوت بحيث يسمع اربعين من اهل الكمال يجوز اعلامه بالحاء والميم لما تقدم نقله وقوله وهل يحرم الكلام على من عدا الاربعين يقتضي الجزم بتحريم الكلام علي الاربعين وهذا التقدير بعيد في نفسه ومخالف لما نقله الاصحاب * اما بعده في نفسه فلان الكلام في السامعين للخطبة ألا تراه يقول بعد ذلك وفى وجوبه علي من لا يسمع الخطبة وجهان وإذا حضر
جمع زائدون علي الاربعين وهم بصفة الكمال فلا يمكن ان يقال بأن الجمعة تنعقد بأربعين منهم علي التعيين حتي يفرض تحريم الكلام عليهم قطعا والتردد في حق الآخرين بل الوجه الحكم بانعقاد الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا على التعيين حتى يفرض تحريم الكلام عليهم قطعا والتردد في حق الآخرين(4/594)
بل الوجه الحكم بانعقاد الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا علي التعيين * واما مخالفته لنقل الاصحاب فلانك لا تجد للجمهور الا اطلاق قولين في السامعين ووجهين في حق غيرهم كما سبق ويجوز أن يعلم قوله قولين بالواو إشارة الي الطريقة الجازمة بالوجوب المروية عن ابى اسحق (وقوله) كما لا يحرم الكلام علي الخطيب معلم بالحاء والميم هذا آخر ما ذكره في الكتاب من واجبات الخطبة ووراءها واجبات أخر (منها) أن تكون بالعربية كما سبق (ومنها) نية الخطبة وفرضيتها حكى عن القاضى الحسين اشتراط ذلك كما في الصلاة (ومنها) الترتيب ذكر صاحب التهذيب وغيره انه يجب الترتيب بين الكلمات الثلاث المشتركة بين الخطبتين يبتدئ بالتحميد ثم بالصلاة ثم بالوصية ولا ترتيب بين القراءة والدعاء ولا بينهما ولا بين غيرهما ونفى صاحب العدة وآخرون وجوب الترتيب في ألفاظها أصلا وقالوا الافضل رعايته * قال (وأما سنن الخطبة فان يسلم الخطيب على من عند المنبر ثم إذا صعد المنبر أقبل وسلم (م ح) وجلس إلى أن يفرغ المؤذن) * سنن الخطبة ثلاث جمل (إحداها) السنن السابقة علي نفس الخطبة منها أن يخطب على المنبر " كان النبي صلي الله عليه وسلم يخطب مستندا إلى جذع في المسجد ثم صنع له المنبر فكان يخطب عليه "(4/595)
والسنة أن يوضع علي يمين المحراب هكذا وضع منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم والمراد من يمين المحراب الموضع الذى يكون علي يمين الامام إذا استقبل ويكره وضع المنبر الكبير الذى يضيق(4/596)
المكان علي المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخطة فان لم يكن منبر خطب علي موضع مرتفع ليبلغ
صوته الناس ومنها أن يسلم على من عند المنبر إذا انتهى إليه لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دنا من منبره سلم على من عند المنبر ثم يصعد فإذا استقبل الناس بوجهه سلم عليهم ثم قعد " (ومنها) إذا بلغ في صعوده الدرجة التى تلي موضع القعود ويسمى ذلك الموضع المستراح أقبل على الناس بوجهه وسلم عليهم خلافا لمالك وأبى حنيفة حيث قالا يكره هذا السلام * لنا خبر(4/597)
ابن عمر رضي الله عنهما وروى انه صلي الله عليه وسلم " استوى على الدرجة التى تلى المستراح قائما ثم سلم " ومنها أن يجلس بعد السلام علي الموضع المسمي بالمستراح ليستريح من تعب الصعود روى(4/598)
انه صلي الله عليه وسلم " كان يخطب خطبتين ويجلس جلستين " والمراد هذه الجلسة والجلسة بين الخطبتين وكما جلس يشتغل المؤذن بالاذان قال الائمة ولم يكن علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد أبى بكر وعمر رضي الله عنهما للجمعة أذان قبل هذا الاذان فلما كان في عهد عثمان كثر الناس(4/599)
وعظمت البلدة أمر المؤذنين بالتأذين علي مكانهم " ثم كان يؤذن المؤذن بين يديه إذا استوى علي المنبر فثبت الامر علي ذلك " ويديم الامام الجلوس إلي فراغ المؤذن من الاذان (وقوله) إلى أن يفرغ المؤذن وحد لفظ المؤذن ويمكن حمله على ما روى في البيان عن صاحب الافصاح والمحاملي أن المستحب أن يكون المؤذن واحدا " لانه لم يكن يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة الا واحدا " وفى كلام بعض الاصحاب ما ينازع فيه ويشعر باستحباب التعديد والله أعلم *(4/600)
قال (ثم يخطب خطبتين بليغتين قريبتين من الافهام مائلتين إلى القصر يستدبر القبلة فيهما ويجلس بين الخطبتين بقدر سورة الاخلاص ويشغل احدى يديه في الخطبتين بحرف المنبر والثانية بقبض سيف أو عنزة) * الجملة الثانية السنن المتعلقة بنفس الخطبة منها أن تكون الخطبة بليغة غير مؤلفة من الكلمات
المتبذلة لانها لا تؤثر في القلوب ولا من الكلمات الغريبة الوحشية فانه لا ينتفع بها أكثر الناس بل يجعلها قريبة من الافهام (ومنها) أن لا يطول روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " قال قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل " وأنما قال مائلتين الي القصر ولم يقل قصيرتين لان المحبوب فيهما التوسط روي ان صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم " كانت قصدا وخطبته قصدا " ومنها أن يستدبر القبلة ويقبل علي الناس ولا يلتفت يمينا وشمالا روى انه صلى الله عليه وسلم " كان إذا خطب استقبل الناس بوجهه واستقبلوه وكان لا يلتفت " وإنما استدبر القبلة لانه لو استقبلها لم بخل اما أن يكون في صدر(4/601)
المسجد على ما هو المعتاد أو في آخره فان كان في صدر المسجد واستقبلها كان مستدبرا للقوم واستدبارهم وهم المخاطبون قبيح خارج عن غرف المخاطبات وان كان في آخره فاما أن يستقبله القوم فيكونوا مستدبرين للقبلة واستدبار واحد أهون من استدبار الجم الغفير واما أن يستدبروه فيلزم ما ذكرنا من الهيئة القبيحة ثم لو خطب مستدبرا للناس جاز وان خالف الناس وحكى في البيان وغيره وجها انه لا يجزئ (ومنها) أن يجلس بين الخطبتين بقدر قراءة سورة الاخلاص حكي عن نصه في الكبير قال الامام وهو قريب من القدر المستحب من الجلسة بين السجدتين (وقوله) ويجلس بين الخطبتين إلى آخره الغرض منه عد تقدير الجلوس بالقدر المذكور من جملة السنن وأما أصله فهو من الواجبات وهو كقوله ثم يخطب خطبتين بليغتين لا انه يخطب خطبتين ويجوز أن يعلم بالواو لان القاضي الرويانى ذكر في التجربة أنه يجب أن يكون جلوسه بقدر قراءة سورة الاخلاص ولا يجوز أقل منه ونسبه إلى النص (ومنها) أن يعتمد على سيف أو عنزة وهي شبه الحربة أو عصا أو نحوها روى انه صلي الله عليه وسلم " كان يعتمد على عنزته اعتمادا " وروى انه اعتمد علي قوس في خطبته " فان لم يجد شيئا سكن جسده ويديه اما بأن يجعل يده اليمنى علي اليسرى أو يقرهما مرسلتين والغرض أن يخشع ولا يعبث بهما وإذا شغل إحدى(4/602)
يديه بالسيف أو ما في معناه شغل الاخرى بحرف المنبر وبأيتهما يقبض السيف ونحوه لم يتعرض الاكثرون لذلك وذكر في التهذيب أنه يقبض باليسرى وقوله بسيف أو عنزة في بعض النسخ
أو غيره ولا بأس به أيضا وينبغي للقوم أن يقبلوا علي الخطيب مستمعين لا يشتغلون بشئ آخر حتى يكره الشرب للتلذذ ولا بأس به للعطش لا للقوم ولا للخطيب * قال (ثم إذا فرغ ابتدر إلى النزول مع إقامة المؤذن بحيث يبلغ المحراب عند تمام الاقامة والله أعلم) * الجملة الثالثة ما يتأخر عن نفس الخطبة وهو أن يأخذ في النزول والمؤذن في الاقامة ويبتدر ليبلغ المحراب مع فراغ المؤذن من الاقامة والمعنى فيه المبالغة في تحقيق الموالاة * قال * (الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة) * (ولا تلزم الجمعة إلا على كل مكلف حر ذكر مقيم صحيح فالعاري عن هذه الصفات لا تلزمه وان حضر لم يتم العدد به سوى المريض ولكن تنعقد له سوى المجنون ولهم أداء الظهر مع الحضور سوى المريض فإذا حضر تلزمه لكماله) * مقصود الباب الكلام فيمن تلزمه الجمعة ومن لا تلزمه وللزومها خمسة شروط أحدها التكليف فلا جمعة علي صبي ولا مجنون لسائر الصلوات وقد روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال " الجمعة حق واجب على كل مسلم الا أربعة عبد أو امرأة أو صبي أو مريض " الثاني الحرية فلا تجب علي عبد خلافا لاحمد(4/603)
في رواية والاصح عنه أيضا مثل مذهبنا لما ذكرنا من الخير وأيضا فقد روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا علي امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض " ولا فرق في ذلك بين القن والمدبر والمكاتب (الثالث) الذكورة فلا جمعة على امرأة لما روينا من الخبرين والخنثى المشكل كالمرأة قاله صاحب التهذيب وغيره لانه يحتمل ان يكون أنثى فلا يلزم بالشك (الرابع) الاقامة فلا جمعة علي مسافر للخبر الثاني فلو كان وقت الجمعة في بلد علي طريقه استحب له حضورها وكذلك القول في الصبى والعبد (الخامس) الصحة فلا جمعة على مريض للخبرين ولا فرق بين ان تفوت الجمعة بتخلفه لنقصان العدد دونه وتمامه به وبين ان لا تفوت ثم في الفصل صور (احداها) من فقد شرطا من الشروط المذكورة كما لا تلزمه الجمعة لا يتم العدد به سوى المريض لانه متوطن
ليس به نقيصة وغيره اما ناقص أو غير متوطن وفى معنى المرض اعذار نذكر في الفصل التالي لهذا الفصل فلا يجب علي صاحبها الجمعة وتنعقد به وقوله فالعاري عن هذه الصفات أي عن مجموعها وقد يوجد فيه بعضها وقد لا يوجد شئ منها وقوله لم يتم العدد به معلم بالحاء وقوله سوى المريض بالواو لما سبق في الشرط الرابع للجمعة (الثانية) من لا تلزمه الجمعة إذا حضر الجمعة وصلاها انعقدت له واجزأته لانها أكمل في المعني وإن كانت أقصر في الصورة فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر بهم فلان تجزئ اصحاب العذر كان اولي ويستثني عن هذا المجنون فانه لا اعتداد لفعله (الثالثة) الذين لا تلزمهم الجمعة إذا حضروا الجامع هل لهم ان ينصرفوا ويصلوا الظهر اما الصبيان والنسوان والعبيد والمسافرون فلهم ذلك لان المانع من وجوب الجمعة عليهم الصفات القائمة بهم وهى لا ترتفع بحضورهم واما المرضي فقد أطلق كثيرون انه ليس لهم بعدما حضروا الانصراف وتلزمهم الجمعة لان المانع في حقهم المشقة اللاحقة في الحضور فإذا حضروا وتحملوا المشقة فقد ارتفع هذا المانع وتعب العود لا بد منه سواء صلي الجمعة أو الظهر وفصل امام الحرمين فقال ان حضر المريض قبل دخول الوقت(4/604)
فالوجه القطع بأن له ان ينصرف وان دخل الوقت وقامت الصلاة لزمه الجمعة وان كان يتخلل زمان بين دخول الوقت وبين الصلاة فان لم يلحقه مزيد مشقة في الانتظار حتى تقام الصلاة لزمه ذلك وان لحقه لم يلزمه وهذا تفصيل فقيه ولا يبعد ان يكون كلام المطلقين منزلا عليه وألحقوا بالمرضى اصحاب المعاذير الملحقة بالمرض وقالوا انهم إذا حضروا لزمهم الجمعة ولا يبعد ان يكون هذا علي التفصيل ايضا ان لم يزدد ضرر المعذور بالصبر الي اقامة الجمعة فالامر كذلك وان زاد فله الانصراف واقامة الظهر في منزله وذلك كما في الخائف على ماله ومهما كانت مدة غيبته اطول كان احتمال الضياع اقرب وكذلك الممرض يزداد ضرره بالانتظار والله اعلم * وهذا كله فيما قبل الشروع في الجمعة فاما إذا حرم الذين لا تلزمهم الجمعة بالجمعة ثم أرادوا الانصراف قال في البيان لا يجوز ذلك للمسافر والمريض وذكر في العبد والمرأة وجهين عن حكاية الصيمري وقوله في الكتاب ولهم أداء الظهر مع الحضور يجوز أن يعلم بالواو لانه لم يستثن عنه الا المريض وقد خرج صاحب التلخيص في العبد
انه تلزمه الجمعة إذا حضر كالمريض قال في النهاية وهذا غلط باتفاق الاصحاب ولا يوجد في جميع نسخ كتابه فلعله هفوة من ناقل * قال (ويلتحق بعذر المرض المطر والوحل الشديد وكل ما ذكر من المرخصات في ترك الجماعة ويترك بعذر التمريض أيضا إذا كان المريض قريبا مشرفا علي الوفاة وفى معناه الزوجة والمملوك فان لم يكن مشرفا ولم يندفع بحضوره ضرر لم يجز الترك وان اندفع به ضرر جاز) * ما يمكن فرضه في صلاة الجمعة من الاعذار المرخصة في ترك الجماعة يرخص في ترك الجمعة أيضا وهذا القيد لا بد منه وإن أطلق قوله وكل ما ذكر من المرخصات في ترك الجماعة لان مما ذكر من المرخصات الريح العاصفة وهى مرخصة بشرط كونها في الليل وهذا الشرط لا يتصور ههنا وقد سبق شرح تلك الاعذار وكنا أخرنا منها الكلام في شيئين فنذكرهما (أحدهما) الوحل الشديد وفيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه عذر لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال " والثاني ليس بعذر لان له عدة دافعة وهى الخفاف والصنادل وهذا يشكل بالمطر وذكر في العدة وجها فارقا وهو أن الوحل ليس(4/605)
بعذر في صلاة الجمعة وهو عذر في ترك الجماعة في سائر الصلوات لانها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات قال وبهذا أفتى أئمة طبرستان (والثانى) التمريض والمريض لا يخلوا اما أن يكون له من يتعهده أو لا يكون (القسم الاول) أن يكون له من يتعهده ويقوم بأمره فينظر ان كان قريبا وهو مشرف على الوفاة فله أن يتخلف عن الجمعة ويحضر عنده روى أن ابن عمر رضى الله عنهما تطيب للجمعة فأخبر أن سعيد بن زيد رضي الله عنه منزول به وكان قريبا له فأتاه وترك الجمعة " والمعنى فيه شغل القلب السالب للخشوع لو حضر وان لم يكن مشرفا علي الوفاة لكن كان يستأنس به فله أن يتخلف أيضا ويمكث عنده ذكره في التهذيب وان لم يكن استئناس أيضا فليس له التخلف وحكي أصحابنا العراقيون عن ابن ابى هريرة وجها آخران ان له التخلف عند شدة المرض لشغل القلب بشأنه وإن كان المريض اجنبيا لم يجز التخلف للحضور عنده في هذا القسم بحال وفى معني القريب المملوك والزوجة وكل من بينه وبينه مصاهرة وذكر المحاملى وغيره ان الصديق ايضا كالقريب (القسم الثاني) أن لا يكون للمريض
متعهد قال الامام ان كان يخاف عليه الهلاك لو غاب عنه فهو عذر في التخلف سواء كان قريبا أو أجنبيا فان انقاذ المسلم من الهلاك من فروض الكفايات وان كان يلحقه بغيبته ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ فروض الكفايات ففيه وجوه (أصحها) انه عذر ايضا فان دفع الضرر عن المسلم من المهمات (والثانى) انه ليس بعذر لان ذلك مما يكثر وتجويز التخلف له قد يتداعى الي تعطيل الجمعة (والثالث) الفرق بين القريب والاجنبى لزيادة الرقة والشفقة علي الغريب ولو كان له متعهد لكن لم يتفرغ لخدمته لاشتغاله بشرى الادوية أو بشرى الكفن وحفر القبر إذا كان منزولا به فهو كما لو لم يكن متعهد (وقوله في الكتاب) وإن لم يكن مشرفا المراد منه وان لم يكن المريض مشرفا ولو قدر ان المراد وان لم يكن القريب مشرفا لزم ان يكون لفظ الكتاب ساكتا عن حكم الاجنبي مع ان الحكم المرتب علي قوله وان لم يكن مشرفا يستوى فيه القريب والاجنبي وقوله ولم يندفع بحضوره ضرر يدخل فيه ما إذا كان مستغنيا في تلك الحالة عن خادم ومتعهد وما إذا كان له متعهد يراعيه وقوله وان اندفع به ضرر جاز جواب على الوجه الاصح وينبغي ان يكون معلما بالواو لما ذكرنا ويجب على الزمن ان يحضر الجمعة إذا وجد مركبا ملكا أو اجارة أو عارية ولم(4/606)
يشق عليه الركوب وكذا الشيخ الضعيف ويجب ايضا على الاعمى إذا وجد قائد متبرعا أو باجرة وله مال فان لم يجد قائدا لم يلزمه الحضور هكذا اطلق الاكثرون وعن القاضى الحسين انه ان كان يحسن المشي بالعصا من غير قائد لزمه ذلك وعن ابى حنيفة ان الجمعة لا تجب علي الاعمى بحال * قال (فروع في صفات النقصان: من نصفه حر ونصفه عبد كالرقيق وقيل تلزمه الجمعة الواقعة في نوبته عند المهايأة) * المسائل المذكورة من هذا الموضع الي آخر الباب متفرعة علي صفات النقصان ومتعلقة بها وقد عدها في الوسيط ستة فروع (احدها) ظاهر المذهب ان من بعضه حر وبعضه رقيق لا تلزمه الجمعة كما لو كان كله رقيقا لان رق البعض بمنع من الكمال والاستقلال وذلك معتبر في لزوم الجمعة ولهذا لا تجب على المكاتب وفيه وجه انه لو جرى بينه وبين السيد مهايأة تلزمه الجمعة الواقعة في نوبته لاستقلاله في ذلك
اليوم وضعفه الامام بان قال مثل هذا الشخص مدفوع في نوبة نفسه إلى الجد في الكسب لنصفه الحر فهو في شغل شاغل لمكان الرق قال ولا شك في أن الجمعة لا تنعقد به والخلاف في الوجوب عليه * قال (والمسافر إذا عزم على الاقامة ببلدة مدة لزمته الجمعة ثم لم يتم العدد به) * الثاني الغرباء إذا أقاموا ببلدة نظر ان اتخذوها وطنا فحكمهم حكم أهلها تلزمهم الجمعة ويتم العدد بهم وإن لم يتخذوها وطنا بل عزمهم الرجوع إلى بلادهم بعد مدة قصيرة أو طويلة كالمتفقهة والتجار فهؤلاء تلزمهم الجمعة إذا استجمعوا صفات الكمال لانهم ليسوا بمسافرين فلا يترخصون بترك الجمعة كما لا يترخصون بالقصر والفطر وهل يتم عدد الجمعة بهم فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة نعم لان من وجبت عليه الجمعة انعقدت به كالمتوطن (وأصحهما) وبه قال أبو إسحق وهو المذكور في الكتاب * لا واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجة الوداع وقد(4/607)
وافق يوم عرفة يوم الجمعة وانما لم يجمع لانه ومن معه لم يكونوا متوطنين وإن عزموا علي الاقامة أياما ولا يخفى مما ذكرنا ان قوله في الكتاب وإن عزموا علي الاقامة مدة المراد منه مدة ينقطع بعزم إقامتها حكم السفر لا كاليوم واليومين وقوله لزمه الجمعة قريب من التكرار لانه معلوم من قوله في أول الباب ذكر حر صحيح مقيم فانه يبين لزومها علي المقيم عند اجتماع سائر الشرائط وهذا مقيم * قال (وأهل القرى لا تلزمهم الجمعة الا إذا بلغوا أربعين من أهل الكمال أو بلغهم نداء البلد من رجل رفيع الصوت واقف علي طرف البلد في وقت هدوء الاصوات وركود الرياح) * الثالث القرية إما أن يكون فيها اربعون من أهل الكمال أو لا يكون فان كان فيها أربعون من أهل الكمال لزمتهم الجمعة كأهل البلاد فان أقاموا الجمعة في موضعهم فذاك وان دخلوا المصر وصلوها سقط الفرض عنهم ولو كانوا مسيئين لتعطيلهم الجمعة في احدى البقعتين وحكى في البيان وجها انهم غير مسيئين لان أبا حنيفة رحمة الله عليه لا يجوز اقامة الجمعة في القرى ففيما فعلوه خروج عن الخلاف
وان لم يكن فيها اربعون من اهل الكمال فاما ان يبلغهم النداء من حيث تقام الجمعة فيه من بلد أو قرية واما ان لا يبلغهم فان بلغهم فعليهم الجمعة لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال الجمعة " علي من سمع النداء " والمعتبر نداء مؤذن علي الصوت يقف علي طرف البلد من الجانب الذى يلي تلك القرية ويؤذن علي عادته والاصوات هادئة والرياح ساكنة فإذا سمع صوته بالقرية من اصغي إليه ولم يكن أصم ولا جاوز حدة سمعه العادة وجبت الجمعة علي اهلها وانما كان الاعتبار من الطرف الذى يلى تلك القرية لان البلدة قد تكون كبيرة لا يبلغ النداء من وسطها الي اطرافها فاعتبر آخر موضع يصلح لاقامة الجمعة فيه احتياطا للعبادة وفيه وجه آخر انه يعتبر من وسط البلد ووجه آخر انه يعتبر من الموضع الذى تقام فيه الجمعة فليكن قوله علي طرف البلد معلما بالواو لهذين الوجهين وهل يعتبر ان يكون المنادى علي موضع عال كمنارة وسور قال الاكثرون لا يعتبر ذلك لان حد الارتفاع(4/608)
لا ينضبط وعن القاضى أبي الطيب انه قال سمعت شيوخنا يقول لا يعتبر إلا بطبرستان فانها بين رياض وأشجار تمنع من بلوغ الصوت فينبغي أن يعلو عليها ولو كانت القرية علي قلة جبل سمع أهلها النداء لعلوها ولو كان علي استواء الارض لما سمعوا أو كانت في وهدة من الارض لم يسمع أهلها النداء لانخفاضها ولو كانت على استواء الارض لسمعوا ففيه وجهان (اظهرهما) وبه قال القاضى ابو الطيب لا تجب الجمعة في الصورة الاولى وتجب في الثانية اعتبارا للسماع بتقدير الاستواء واعراضا عما يعرض بسبب الانخفاض والارتفاع كما يعتبر ركود الرياح ولا ينظر إلى السماع العارض لشدتها (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد ان الحكم على العكس نظرا الي نفس السماع وعدمه وان لم يبلغ النداء أهل القرية فلا جمعة عليهم لظاهر الخبر الذى سبق وأهل الخيام إذا لزموا موضعا ولم يبرحوا عنه وقلنا انهم لا يقيمون الجمعة في ذلك الموضع فهم كأهل القرى إذا لم يبلغوا أربعين من اهل الكمال وان سمعوا النداء لزمتهم الجمعة والا فلا وقوله الا إذا بلغوا معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لا استثناء اصلا ولا تلزم الجمعة أهل القرى بحال سواء بلغهم النداء أو لم يبلغهم بلغوا عدد الكمال أم لا وانما تلزم الجمعة أهل الامصار الجامعة والمصر الجامع عنده ان يكون فيه سلطان قاهر وطبيب
حاذق ونهر جار وسوق قائمة وقوله أو بلغهم النداء يجوز ان يعلم بالميم والالف لان مالكا وأحمد لا يكتفيان بمجرد بلوغ النداء ويعتبران كونه على ثلاث اميال فما دونها وعن احمد رواية أخرى ان المسافة لا تتقدر كما هو مذهب الشافعي رضى الله عنه وقوله من البلد ليس لتخصيص الحكم بالبلد بل لو بلغهم من قرية تقام فيها الجمعة كان كذلك * قال (والعذر الطارئ بعد الزوال مرخص الا السفر فانه يحرم انشاؤه وفى جوازه قبل الزوال بعد الفجر قولان اقيسهما الجواز ثم المنع في سفر مباح أما الواجب والطاعة فلا منع منهما) * الرابع العذر المبيح لترك الجمعة يبيحه وان طرأ بعد الزوال لكن السفر يحرم انشاؤه بعد الزوال خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز الا أن يضيق الوقت بناء علي ان الصلاة تجب بآخر الوقت * لنا ان الجمعة قد وجبت عليه فلا يجوز الاشتعال بما يؤدى إلى تركها كالتجارة واللهو وهذا مبنى علي(4/609)
أن الوجوب باول الوقت وقد سبق في موضعه (فان قيل) الوجوب وإن ثبت في أول الوقت لكنه موسع فلم يمتنع السفر قبل التيضق (قلنا) الناس في هذه الصورة تبع الامام فلو عجلها تعينت متابعته وسقطت خيرة الناس فيه وإذا كان كذلك فلا يدرى متي يقيم الامام الصلاة فيتعين عليه انتظار ما يكون ذكر هذا الجواب إمام الحرمين رحمة الله عليه وأما قبل الزوال وبعد طلوع الفجر الثاني هل يجوز انشاء السفر فيه قولان (قال في القديم) وحرمله يجوز وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله لانه لم يدخل وقت وجوب الجمعة فأشبه السفر قبل طلوع الفجر (وقال في الجديد) لا يجوز قال أصحابنا العراقيون وهو الاصح لان الجمعة وإن كان يدخل وقتها بالزوال فهي مضافة إلي اليوم ولذلك يعتد بغسل الجمعة قبل الزوال ويجب السعي إليها لمن بعد داره قبل الزوال وعن احمد روايتان كالقولين (أظهرهما) المنع وحكى في النهاية طريقة أخرى قاطعة بالجواز مؤولة قول المنع ولك أن تعلم قوله في الكتاب قولان بالواو اشارة إليها ويجوز أن يعلم لفظ الجواز من قوله اقيسهما الجواز بالالف إشارة إلى الظاهر من مذهب أحمد والحكم بان الجواز أقيس لا ينافى كون المنع أظهر لانه قد يكون أحد طرفي الخلاف
أقرب إلي القياس وإن كان الثاني أظهر فإذا ليس ما في الكتاب مخالفا لما قاله العراقيون وذكر في العدة أن ظاهر مذهب الشافعي رضى الله عنه قوله الجديد والفتوى علي القديم وهو الجواز ثم للقولين شرط (أحدها) وقد ذكره في الكتاب أن يكون السفر مباحا كالزيارة والتجارة أما لو كان واجبا كالحج والجهاد في بعض الاحوال أو مندوبا فلا منع منهما وذلك ليس موضع القولين هكذا قاله كثير من أئمتنا * واحتجوا عليه بما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في سرية فوافق يوم الجمعة فغدا أصحابه وتخلف هو ليصلى ويلحقهم فلما صلي قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ما خلفك قال أردت أن أصلي معك ثم الحقهم فقال لو أنفقت ما في الارض جميعا ما أدركت فضل غزوتهم " وفى كلام العراقيين وإيرادهم ما يوجب طرد الخلاف في سفر الغزود والله أعلم(4/610)
والمراد من الطاعة في لفظ الكتاب المندوب وإلا فالواجب طاعة أيضا وهل كون السفر طاعة عذر في انشائه بعد الزوال المفهوم من كلام الاصحاب أنه ليس بعذر ورووا عن أحمد أنه عذر (والثانى) ان لا ينقطع عن الرفقة ولا يناله ضرر لو تخلف الي ان يصلي الجمعة فاما إذا انقطع وفات سفره بذلك أو ناله ضرر فله الخروج بلا خلاف وكذلك الحكم لو كان الخروج بعد الزوال وقد عددنا ذلك من الاعذار في الصلاة بالجماعة ورأيت في كشف المختصر للشيخ أبى حاتم القزويني ذكر وجهين في جواز الخروج بعد الزوال بخوف الانقطاع عن الرفقة (والثالث) أن لا يمكنه حضور الجمعة في منزله وطريقه فاما إذا أمكن ذلك فلا منع بحال * قال (ويستحب لمن يرجو زوال عذر أن يؤخر الظهر إلي اليأس عن درك الجمعة ومن لا يرجو فليعجل الظهر كالزمن فان زال العذر بعد الفراغ فلا جمعة (ح) عليه وكذا الصبى إذا بلغ بعد الظهر وزوال العذر في أثناء الظهر كرؤية المتيمم الماء في أثناء الصلاة) * الخامس من الفروع المعذورن وهو ضربان معذور يرجوا زوال عذره كالعبد يتوقع العتق والمريض الذى يتوقع الخفة فالمستحب له تأخير الظهر الي اليأس عن درك الجمعة لان ربما يزول العذر ويتمكن من فرض اهل الكمال ومتى رفع الامام رأسه من الركوع الثاني فقد حصل اليأس عن درك
الجمعة وعن بعض الاصحاب انه يراعي تصور الادراك في حق كل أحد فإذا كان منزله بعيدا وانتهي الوقت إلي حد لو اخذ في السعي لم يدرك الجمعة فقد حصل الفوات في حقه هذا احد الضربين (والثانى) معذور لا يرجو زوال عذره كالمرأة والزمن فالاولي له ان يصلي الظهر في اول الوقت لانه آيس من درك الجمعة فيحافظ علي فضيلة الاولية وإذا اجتمع معذورن فهل يستحب لهم الجماعة في الظهر فيه وجهان (احدهما) لا بل الجماعة في هذا اليوم شعار الجمعة وبهذا قال مالك وابو حنيفة (واصحهما) نعم لعموم الترغيبات الواردة في الجماعة وعلى هذا فقد نص الشافعي رضي الله عنه على ان المستحب لهم الاخفاء حتى(4/611)
لا يتهموا بالرغبة عن صلاة الامام وحمل الاصحاب ما ذكره علي ما إذا كان العذر خفيا اما إذا كان ظاهرا فلا تهمة ومنهم من لم يفصل واستحب الاخفاء مطلقا ولو صلي المعذور الظهر قبل فوات الجمعة صحت فانها فرضه ولو زال العذر وامكنه حضور الجمعة لم يلزمه ذلك لانه أدى فريضة وقته ومثال ذلك المريض يبرأ والمسافر يقيم والعبد يعتق ويستثنى عن هذا الاصل صورة ذكرها في البيان وهى أن يصلي الخنثى الظهر ثم يتبين انه رجل قبل فوات الجمعة تلزمه الجمعة لانه تبين كونه رجلا حين صلى الظهر ومثل هذا لا يفرض في سائر المعذورين وأما الصبى إذا صلي الظهر ثم بلغ لم تلزمه الجمعة على ظاهر المذهب كسائر المعذورين والمسألة مكررة في هذا الموضع فذكرها والخلاف فيها في باب المواقيت ثم هي داخلة في مطلق قوله فان زال العذر الي آخره فلو طرحها لما ضر من وجهين وإذا لم يفعل فيجوز أن يكون قوله وكذا الصبي مرقوما بالحاء والواو لما بيناه ثم وهؤلاء يستحب لهم حضور الجمعة وإن لم يلزم وإذا صلوا الجمعة فالفرض هو الظهر السابقة أو يحتسب الله تعالي جده بما شاء منهما فيه قولان أصحهما أولهما وقال أبو حنيفة إذا سعى إلى الجمعة بعد الظهر بطل ظهره ولو زال العذر في أثناء الظهر فقد قال امام الحرمين أجرى القفال ذلك مجرى ما لو رأى المتيمم الماء في الصلاة وهذا يقتضى اثبات الخلاف في البطلان لما ذكرناه في رؤية المتيمم الماء في الصلاة وقد صرح الشيخ أبو محمد فيما علق عنه حكاية وجهين في هذه المسألة وظاهر المذهب استمرار الصلاة علي الصحة قال الامام وهذا الخلاف مبنى على قولنا ان غير المعذور لا يصح ظهره قبل فوات الجمعة فان صححنا
فلا نحكم بالبطلان بحال * قال (وغير المعذور إذا صلى الظهر قبل الجمعة ففى صحته قولان فان قلنا يصح ففى سقوط الخطاب بالجمعة قولان وإن قلنا لا تسقط فصلى الجمعة فالفرض هو الاول أو الثاني أو كلاهما أو احدهما لا بعينه اربعة اقوال) * السادس من لا عذر به إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة ففى صحة ظهره قولان (القديم) وبه قال ابو حنيفة انها تصح والجديد وبه قال مالك واحمد لا تصح وذكر الاصحاب ان القولين مبنيان على(4/612)
ان الفرض الاصلى يوم الجمعة ماذا فعلى القديم الفرض الاصلى الظهر لانه إذا فاتت الجمعة فعليه قضاء اربع ركعات ولو كان فرض اليوم الجمعة لما زادت ركعات القضاء وعلي الجديد الفرض الاصلي هو الجمعة للاخبار الواردة فيها ولانه لو كان الاصل الظهر لكانت الجمعة بدلا ولو كان كذلك لجاز له ترك البدل والاستقلال بالاصل كمن ترك الصوم في الكفارة واعتق ومعلوم انه ممنوع من ذلك وهل يجرى القولان فيما إذا ترك اهل البلدة كلهم الجمعة وصلوا الظهر ام يختص بما إذا صلى الآحاد الظهر مع اقامة الجمعة في البلدة حكى في المهذب عن ابي اسحق ان ظهر اهل البلدة مجزئة وان اثموا بترك الجمعة لان كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة قال والصحيح انه لا تجزئهم ظهرهم على الجديد لانهم صلوها وفريضة الجمعة متوجهة عليهم (التفريع) ان قلنا بالجديد فالامر بحضور الجمعة قائم كما كان ان حضرها فذاك وان فاتت قضاها الآن اربعا وما فعله اولا يبطل من اصله أو يكون نفلا فيه القولان المشهوران في امثاله وان قلنا بالقديم فهل يسقط الخطاب بالجمعة قال في الكتاب فيه قولان وكذلك ذكره امام الحرمين وجعل السقوط خارجا علي قولنا إذا صلى الجمعة بعد الظهر ان فرضه الاول أو احدهما وعدم السقوط خارجا علي قولنا ان الفرض الثاني أو ان كليها فرض والذى ذكره الاكثرون تفريعا على القديم انه لا يسقط عنه الخطاب بالجمعة ومعنى صحة الظهر الاعتداد بها في الجملة حتى لو فاتت الجمعة تجزئه الظهر السابقة ثم إذا قلنا يسقط عنه الخطاب بالجمعة فصلي الجمعة فقد قال الامام ان الشيخ ابا محمد ذكر فيه اربعة اقوال (احدها) ان المفروض هو الاول لانه لو اقتصر عليه لبرئت
ذمته علي القول الذى يتفرع عليه (والثاني) ان المفروض هو الثاني لانه به خرج عن الحرج (والثالث) أنهما فرضان للمتعينين (والرابع) ان الفرض احدهما لا بعينه إذ المفروض في اليوم والليلة خمس صلوات ونظير هذه الاقوال قد سبق فيمن صلي منفردا ثم ادرك جماعة ويشبه ان يكون بعضها منصوصا عليه وبعضها غير منصوص والذى نقله ابن الصباغ وغيره في المسألة تفريعا علي القديم انما هو الرابع وقال يحتسب الله تعالى جده بما شاء منهما وإذا اثبتنا الاقوال فينبغي ان لا يختص بقولنا ان الخطاب بالجمعة لا يسقط عنه بل يضطرد علي قولنا بسقوط الخطاب بالجمعة ايضا كما إذا صلي منفردا وأعاد في جماعة فانه غير مخاطب بالثاني وهذا كله فيما إذا صلي الظهر قبل فوات الجمعة فان صلاها بعد الركوع الثاني للامام وقبل فراغه قال ابن الصباغ ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه يدل على المنع يعني في الجديد ومن أصحابنا من يقول بالجواز وفيما إذا امتنع اهل البلدة جميعا من الجمعة وصلوا الظهر الفوات يكون بخروج الوقت أو ضيقه بحيث لا يسع الركعتين *(4/613)
قال * (الباب الثالث في كيفية الجمعة) * وهي كسائر الصلوات وانما تتميز باربعة أمور (الاول) الغسل ويستحب ذلك بعد (ح) الفجر واقربه إلى الرواح أحب ولا يجزئ قبل الفجر بخلاف غسل العيد فان فيه وجهين ولا يستحب الا لمن حضر الصلاة بخلاف غسل العيدين فانه ذلك يوم الزينة علي العموم والاولي ان لا يتيمم بدلا عن الغسل عند فقد الماء وقيل يتيمم) (قوله) في كيفية الجمعة اراد به كيفية اقامتها بعد اجتماع شرائطها واما الاركان التى يتركب عنها ذاتها فلا فرق فيها بينها وبين سائر الصلوات والقصد بالباب التعرض لامور مندوبة تمتاز بها الجمعة عن سائر الفرائض وجعلها اربعة (احدها) الغسل قال صلي الله عليه وسلم " إذا اتى احدكم الجمعة فليغتسل " وروى انه صلي الله عليه وسلم " قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل افضل " وعن(4/614)
مالك غسل الجمعة واجب لكن تصح الصلاة بدونه والخبر الثاني حجة عليه ثم فيه مسائل (احداها)
وقت هذا الغسل ما بعد الفجر لان الاخبار علقته باليوم نحو قوله صلي الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكانما قرب بدنة " وفى النهاية حكاية وجه بعيد انه يجزئ قبل الفجر كما في غسل العيد وظاهر المذهب الاول والفرق بينه وبين غسل العيد إن جوزناه قبل طلوع الفجر من وجهين (احدهما) انه إذا اغتسل قبل طلوع الفجر يبقي اثره الي أن يؤدى صلاة العيد لقربها من اول النهار وصلاة الجمعة تؤدى بعد الزوال فلا يبقى أثره (والثانى) انه لو لم يجز غسل العيد قبل الفجر لشق لقرب صلاته من أول النهار بخلاف غسل الجمعة فان من طلوع الفجر الي وقت الصلاة سعة والاولى أن يقرب الغسل من الرواح إلى الجمعة لان الغرض التنزه وقطع الروائح الكريهة فما كان أفضي إليه فهو اولي وقوله ويستحب ذلك بعد الفجر ليس الغرض منه ان ايقاعه بعد الفجر مستحب فان ذلك شرط الاجزاء على ما بينه بقوله ولا يجزئ قبل الفجر وانما المراد بيان استحباب اصل الغسل وقوله بعد الفجر إشارة الي وقت هذا المستحب وإذا عرفت ذلك فاعلم قوله ويستحب ذلك بالميم وقوله ولا يجزئ قبل الفجر بالواو لما سبق وذلك ان تعلم قوله واقربه الي الرواح احب بالميم لان اصحابنا رووا عن مالك ان يشترط ايصال الرواح بالغسل وانه لا يجوز أن يشتغل بعده بشئ سوى الخروج(4/615)
ومن يقول بذلك ينازع في قولنا الاقرب الي الرواح احب وقال القفال رأيت في الموطأ عنه مثل مذهبنا والله اعلم * وقوله بخلاف غسل اليد فان فيه وجهين قد اعاد هذه المسألة وما فيها من الخلاف في صلاة العيدين وكأن الغرض ههنا بيان افتراق الغسلين في الوقت وان لم يبين المعنى الفارق (الثانية) هل يختص استحباب الغسل بمن يريد حضور الجمعة ام يستحب له ولغيره فيه وجهان حكي في البيان أنهما مبنيان علي وجهين في أن غسل الجمعة مسنون لليوم أو للصلاة (احدهما) انه لليوم لانه في الاخبار معلق باليوم فعلي هذا يستحب للكل (واصحهما) انه للصلاة فلا يستحب الا لمن حضرها وهذا هو المذكور في الكتاب ويدل عليه قوله صلي الله عليه وسلم " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " ويخالف غسل العيد يستحب للكل لانه للزينة واظهار السرور وهذا الغسل للتنظيف وقطع الروايح الكريهة كيلا يتأذى من يقربه فاختص بمن يريد الحضور ولو نازع منازع في طرفي هذا الفرق لم يكن بعيدا
ولا فرق في حق من يريد الحضور بين ان يكون من اهل العذر أو لا يكون وعن احمد انه لا يستحب الغسل للنساء ولا يقدح الحدث بعد الغسل فيه وبه قال مالك في الموطأ (الثالثة) قال الصيدلانى وغيره من الاصحاب ان لم يجد الماء لغسل الجمعة فتيمم حاز الفضيلة ويتصور ذلك في موضعين (أحدهما) الذى به قروح علي غير موضع الوضوء يتيمم بنية الغسل (والثانى) قوم في بلد توضأ واثم نفد ماؤهم فيتيمموا بدلا عن الغسل قال امام الحرمين والظاهر ما ذكره الصيدلانى وفيه احتمال من جهة ان هذا الغسل منوط بقطع الروائح الكريهة والتنظف والتيمم لا يفيد هذا الغرض ورجح حجة الاسلام هذا الاحتمال حيث قال والاولى ان لا يتيمم أي من الوجهين وقوله وقيل يتيمم هو الوجه الذى ذكره عامة الاصحاب * قال (ومن الاغسال المستحبة غسل العيدين والغسل من غسل الميت والاحرام والوقوف بعرفة وبمزدلفة ولدخول مكة وثلاثة اغسال ايام التشريق ولطواف الوداع علي القديم وللكافر إذا أسلم غير جنب بعد الاسلام على وجه وقبله علي وجه والغسل من الافاقة من زوال العقل واما الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام ففيه تردد) * عد جملة من الاغسال المستحبة في هذا الموضع منها اغتسال الحاج في مواطن معروفة وقد اعاد ذكر ما سوى طواف الوداع منها في كتاب الحج وذلك الموضع أحق بها فنؤخر الشرح إليه (ومنها) غسل العيدين وهو مذكور في باب صلاة العيدين ومنها الغسل عن غسل الميت وفيه قولان نقل عن القديم أنه واجب وكذا الوضوء من مسه لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من غسل(4/616)
ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ " والجديد انه مستحب وهو المذكور في الكتاب والخبر إن صح محمول علي الاستحباب لما روى انه صلي الله عليه وسلم " قال لا غسل عليكم من غسل ميتكم " وليكن قوله والغسل من غسل الميت معلما بالواو لانه علي القديم غير معدود من الاغسال المستحبة بل هو من الاغسال الواجبة وايضا بالحاء والزاى لان الصيدلاني وغيره حكوا أن أبا حنيفة والمزني لا يريان استحباب هذا الغسل فضلا عن الايجاب وإذا قلنا بالجديد الصحيح فهذا
الغسل غسل الجمعة آكد الاغسال المسنونة وما الآكد منهما فيه قولان (الجديد) أن هذا الغسل آكد لانه متردد بين الوجوب والاستحباب وغسل الجمعة قد ثبت استحبابه (والقديم) ان غسل الجمعة آكد لان الاخبار فيه اصح وائبت وهذا ارجح عند صاحب التهذيب والروياني والاكثرين علي خلاف قياس القديم والجديد ورجح صاحب المهذب وآخرون الجديد علي القياس وحكي الحناطى وغيره وجها انهما سواء (واعلم) ان ما نقلناه يقتضى تردد قوله في وجوب هذا الغسل في القديم لانه لو جزم بوجوبه في القديم لما انتظم منه القول بان غسل الجمعة آكد منه (ومنها) غسل الكافر إذا اسلم ولا يخلو حاله اما ان يعرض له في الكفر ما يجب الغسل من حيض أو جنابة أو لا يعرض فان عرض ذلك فيلزمه الغسل بعد الاسلام ولا عبرة باغتساله في الكفر علي الاصح كما سبق في موضعه وان لم يعرض له ذلك فيستحب له الغسل ولا يجب خلافا لاحمد حيث أوجبه وبه قال ابن المنذر * لنا " انه اسلم خلق كثيرا ولم يامرهم النبي صلي الله عليه وسلم بالاغتسال وامر به ثمامة الحنفي وقيس بن عاصم لما اسلما " فدل انه مستحب لا واجب ثم يغتسل بعد الاسلام ام قبله فيه وجهان (احدهما) قبله(4/617)
تنظيفا للاسلام وتعظيما (واصحهما) بعده لان النبي صلى الله عليه وسلم امرهما بالغسل بعد الاسلام " ولا سبيل الي تأخير الاسلام بحال ومنها الغسل للافاقة من زوال العقل ظاهر المذهب انه مستحب لانه قد قيل ان من زال عقله انزل فإذا افاق اغتسل احتياطا ولا يجب لان الاصل استصحاب الطهارة السابقة والناقض غير معلوم ونقل القاضى ابن كج عن ابن ابي هريرة انه يجب الغسل علي من افاق من الجنون دون الاغماء وحكي الحناطي في وجوب الغسل علي من افاق منهما جميعا وجهين ووجه الوجوب التشبيه بالنوم من جهة ان النائم قد يخرج منه حدث وهو لا يدرى فجعل النوم حدثا كذلك من زال عقله قد ينزل ولا يدرى وليكن قوله والغسل من الافاقة من زوال العقل مرقوما بالواو لهذا الوجه فانه غير معدود علي هذا الوجه من الاغسال المستحبة (ومنها) الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام ذكر صاحب التلخيص عن القديم انه مندوب إليه وذكر الصيمري في الكفاية ان الغسل عن الحجامة وحسن الاكثرون اهملوا ذكرهما فان قلنا بالقديم فقد قال في التهذيب قيل ان المراد
من غسل الحمام ما إذا تنور قال وعندي ان المراد منه ان يدخل الحمام فيعرق فيستحب ان لا يخرج من غير غسل وذكر ان في غسل الحجامة اثرا والله اعلم *(4/618)
قال (الثاني البكور الي الجامع) * عن ابي هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكانما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " قال المفسرون للخبر قوله غسل الجنابة أي كغسلها وقيل أي جامع واغتسل ومن متي تعتبر الساعات المذكورة حكى اصحابنا العراقيون فيه وجهين (أحدهما) أنها تعتبر من أول طلوع الشمس لان أهل الحساب منه يحسبون اليوم ويعدون الساعات (واصحهما) من اول طلوع الفجر الثاني لانه اول اليوم شرعا وبه يتعلق جواز الغسل للجمعة ونقل صاحب التهذيب والرويانى وجها ثالثا وهو الاعتبار من وقت الزوال لان الامر بالحضور حينئذ يتوجه عليه ويبعد أن يكون الثواب في وقت لم يتوجه عليه الامر فيه أعظم وايضا فان الرواح اسم للخروج بعد الزوال ومن قال باحد الوجهين الاولين قال انما ذكر لفظ الرواح لانه خروج لامر يؤتى به بعد الزوال ثم ليس المراد من الساعات على اختلاف الوجوه الاربع والعشرين التى قسم اليوم واليلة عليها وانما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق علي الذى يليه * واحتج القفال عليه بوجهين (احدهما) انه لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى الجانبان في الفضيلة في ساعة واحدة مع تعاقبهما في المجئ (والثانى) انه لو كان كذلك لاختلف الامر باليوم الشاتى والصائف ولفاتت الجمعة في اليوم الشاتي لمن جاء في الساعة الخامسة * قال (الثالث لبس الثياب البيض واستعمال الطيب والترجل في المشى مع الهينة والتؤدة ولا بأس بحضور والعجائز من غير زينة وتطيب) روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة ولبس احسن ثيابه ومس من طيب ان
كان عنده ثم اتى الجمعة فلم يتخط اعناق الناس ثم صلى ما كتب الله له ثم انصت إذا خرج امامه حتي يفرغ من صلاته كانت له كفارة لما بينها وجمعته التى قبلها " يستحب التزين للجمعة باخذ الشعر والظفر والسواك(4/619)
وقطع الروائح الكريهة ولبس احسن الثياب واولاها البياض لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " البسوا البياض فانه خير ثيابكم " وان لبس مصبوغا لبس ما صبغ غزله ثم نسج كالبرود ولا يلبس ما صبغ نوبة * قال اصحابنا العراقيون لان النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يلبس ذلك " ويستحب ايضا ان يتطيب بأطيب ما عنده ويزيد الامام في حسن الهيئة ويتعمم ويرتدى " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم كذلك يفعل " ويستحب ان يأتي الجمعة ماشيا ولا يركب الا لعذر وكذلك في اتيان(4/620)
العيد والجنازة وعيادة المريض روى " ان رسول الله صلي الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة " قال الائمة ولم يذكر الجمعة لان باب حجرته كان في المسجد وينبغى ان يمشى في سكون وتؤدة ما لم يضق الوقت ولا يسعى وليس هذا من خاصية الجمعة " قال صلي الله عليه وسلم إذا اقيمت الصلاة فأتوها تمشون ولا تأتوها تسعون وعليكم السكينة " ولو ركب لعذر فينبغي ان يسيرها علي هينة ايضا(4/621)
والهينة السكون ولا بأس للعجائز بحضور الجمعة إذا اذن ازواجهن ويحترزن عن التطيب والتزين فذلك استر لهن * قال (الرابع يستحب قراءة سورة الجمعة في الركعة الاولي وفى الثانية إذا جاءك المنافقون فلو نسي الجمعة في الاولي قرأها مع سورة المنافقين في الثانية) يستحب أن يقرأ في الركعة الاولى من صلاة الجمعة بعد الفاتحة سورة الجمعة وفى الثانية سورة المنافقين لانه روى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يقرأهما فيهما " وروى ذلك من فعل على رضي الله عنه وأبى هريرة وعلي هذا فلو نسي سورة الجمعة في الاولي قرأها في الثانية مع المنافقين ولو قرأ سورة المنافقين في الاولي قرأ الجمعة في الثانية كيلا تخلو صلاته
عن هاتين الصورتين كذلك ذكره في البيان وينبغي أن يعلم قوله ويستحب سورة الجمعة بالحاء لان عنده يكره تعيين سورة في الصلاة وبالواو لان الصيدلانى نقل عن القديم أنه يقرأ في الاولى سبح وفى الثانية وهل أتاك حديث الغاشية وقال رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه وقوله في الثانية إذا جاءك المنافقون معلم بهما وبالميم لان عند مالك يقرأ في الثانية هل اتاك وفى الاولي الجمعة(4/622)
ويتعلق بالجمعة مندوبات أخرى (منها) ان يحترز عن تخطي رقاب الناس إذا حضر المسجد ورد الخبر بذلك ويستثني عنه ما إذا كان إماما وما إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بان يتخطي الرقاب ولا يجوز أن يقيم أحدا من مجلسه ليجلس فيه ويجوز أن يبعث من يأخذ له موضعا فإذا جاء تنحى المبعوث وان فرش لرجل ثوبا فجاء آخر لم يجز له أن يجلس عليه وله أن ينحيه ويجلس مكانه قال في البيان ولا يرفعه حتى لا يدخل في ضمانه (ومنها) إذا حضر قبل الخطبة اشتغل بذكر الله تعالى وقراءة(4/623)
القرآن والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب الاكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة وقراءة سورة الكهف ويكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء ان يصادف ساعة الاجابة (ومنها) الاحتراز عن البيع قبل الصلاة وبعد الزوال فهو مكروه إن لم يظهر الامام على المنبر وحرام ان ظهر وأذن المؤذن بين يديه قال الله تعالى (إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة) الآية ولو تبايع اثنان أحدهما من أهل فرض الجمعة دون الآخر أثما جميعا ما الاول فظاهر وأما الثاني فلاعانته علي الحرام ولا يكره البيع قبل الزوال بحال وحيث حكمنا بحرمة البيع فلو خالف وباع صح خلافا لمالك واحمد (ومنها) ان لا يصل صلاة الجمعة بنافلة بعدها لا الراتبة ولا غيرها ويفصل بينها وبين الراتبة بالرجوع إلي(4/624)
منزله أو بالتحويل إلي موضع آخر أو بكلام ونحوه ذكره في التتمة وثبت في الخبر عن رسول(4/625)
الله صلي الله عليه وسلم " *
قال (كتاب صلاة الخوف) (وهي أربعة أنواع الاول أن لا يكون العدو في جهة القبلة فيصدع الامام أصحابه صدعين ويصلى باحدهما ركعتين والطائفة الثانية تحرسه ويسلم ثم يصلى بالطائفة الاخرى ركعتين أخريين هما له سنة ولهم فريضة وذلك جائز من غير خوف ولكنه كذلك صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ببطن النخل) * ليس المراد من ترجمة الباب أن الخوف يقتضي صلاة علي حيالها كقولنا صلاة العيد ولا أنه يؤثر في تغيير فعل الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر وإنما المراد أنه يؤثر في كيفية اقامة الفرائض ويقتضى احتمال امور فيها كانت لا تحتمل لولا الخوف ثم هو في الاكثر لا يؤثر في مطلق اقامة الفرائض بل في اقامتها بالجماعة علي ما سنفصله إذا عرف ذلك فالاصل في الباب قوله تعالى وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة الآية والاخبار التي نذكرها في أثناء الباب واعلم قوله كتاب صلاة الخوف بالزاى لان المزني رحمه الله ذهب الي نسخ صلاة الخوف * واحتج عليه بان النبي صلي(4/626)
الله عليه وسلم لم يصلها في حرب الخندق وأجاب الاصحاب عنه بان حرب الخندق كان قبل نزول آية صلاة الخوف وكان المسلمون قبل نزولها يؤخرون الصلاة في الخوف عن وقتها ثم يقضونها كما فعلوا في حرب الخندق ثم علموا بالآية وشاع ذلك بين الصحابة وروى عن علي رضى الله عنه أنه صلي بأصحابه صلاة الخوف ليلة الهرير " 1 وعن أبي موسي وحذيفة وغيرهما رضى الله عنهم أنهم فعلوها " (وقوله) وهي أربعة أنواع سبيل ضبطها أن يقال للخوف حالتان (احداهما) أن يشتد الخوف بحيث لا يتمكن أحد من ترك القتال وفيها يقع النوع الرابع (والثانية) أن لا يبلغ الخوف هذا الحد فاما أن يكون العدو في وجه القبلة أو لا يكون فان كان فيصلي فيها النوع الثاني وهو صلاة عسفان وان لم يكن فيجوز أن يصلي فيها صلاة بطن النخل وهى النوع الاول ويجوز ان يصلي فيها صلاة ذات الرقاع وهى النوع الثالث وايتهما اولي (الاظهر) ان صلاة ذات الرقاع أولى لوجهين احدهما انها اعدل بين الطائفتين (والثانى) ان في صلاة بطن النخل تكون الفرقة الثانية مصلية الفريضة خلف النافلة وفى
جواز ذلك اختلاف بين العلماء وحكي القاضي الروياني وجها عن ابى اسحق ان صلاة بطن النخل اولى ليحصل لكل واحدة من الطائفتين فضيلة الجماعة علي التمام فهذا ضبط الانواع * (النوع الاول) صلاة بطن النخل وهي ان يجعل الناس فرقتين فيصلى بفرقة جميعها وفرقة في وجه العد أو تحرس فإذا سلم بالفرقة التى خلفه ذهبت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فيصلى بهم مرة ثانية تكون له سنة ولهم فريضة روى عن ابي بكرة وجابر رضي الله عنهما " ان النبي صلي الله عليه وسلم صلى ببطن النخل بالناس " هكذا قال اصحابنا العراقيون وانما يصلى الامام هذه الصلاة بثلاثة شروط (احدها) ان يكون العدو في غير جهة القبلة (والثاني) ان يكون في المسلمين كثرة وفي العدو قلة والثالث ان لا يأمنوا من انكباب العدو عليهم في الصلاة ولا شك ان اعتبار هذه الامور ليس علي معنى اشتراطها في الصحة فان الصلاة علي هذا الوجه جائزة وان لم يكن خوف اصلا إذ ليس فيه الاقتداء مفترض بمتنفل في المرة الثانية فإذا المعنى ان اقامة الصلاة هكذا انما يختار ويندب إليه عند اجتماع هذه الامور (وقوله) فيصدع الامام اصحابه صدعين أي يفرقهم فرقتين ويجوز فيصدع من الصدع وهو الشق (وقوله) ويصلي باحدهما ركعتين مفروض فيما إذا كانت الصلاة ركعتين مقصورة كانت أو غير مقصورة فان كانت اكثر من ذلك صلاها بتمامها مرتين ولا فرق(4/627)
قال (النوع الثاني: ان يكون العدو في جهة القبلة فيرتبهم الامام صفين فإذا سجد في الاولى حرسه الصف الاول فإذا اقام سجدوا ولحقوا به وكذلك يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية هكذا صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان " وليس فيه الا تخلف عن الامام بركنين وذلك جائر لحاجة الخوف ثم لا بأس لو اختص بالحراسة فرقتان من احد الصفين ولو تولي الحراسة في الركعتين طائفة واحدة لم يجز على احد القولين لتضاعف التخلف في حقهم عن الامام والحراسة بالصف الاول اليق فلو تقدم الصف الثاني في الركعة الثانية إلى الصف الاول وتاخر الصف الاول ولم تكثر افعالهم كان ذلك حسنا) * النوع الثاني صلاة عسفان: وهى ان يرتب الامام الناس صفين ويحرم بهم جميعا فيصلون
معا إلى ان ينتهى الي الاعتدال عن ركوع الركعة الاولي فإذا سجد سجد معه الصف الثاني ولم يسجد الصف الاول بل حرسوهم قائمين فإذا قام الامام والساجدون سجد اهل الصف الاول ولحقوه وقرأ الكل معه وركعوا واعتدلوا فإذا سجد سجد معه الحارسون في الركعة الاولى وحرس الساجدون معه في الاولى فإذا جلس للتشهد سجدوا ولحقوه وتشهد الكل معه وسلم بهم(4/628)
هذه الكيفية ذكرها الشافعي رضي الله عنه في المختصر واختلف الاصحاب فأخذ كثيرون بها منهم اصحاب القفال وقالوا انها منقولة عن فعل النبي صلي الله عليه وسلم ومن معه بعسفان وعلي ذلك جرى حجة الاسلام رضى الله عنه في الكتاب وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه ما ذكره الشافعي رضي الله عنه خلاف الترتيب الثابت في السنة فان الثابت في السنة ان اهل الصف الاول يسجدون معه في الركعة الاولي واهل الصف الثاني يسجدون معه في الثانية والشافعي رضي الله عنه عكس ذلك قالوا والمذهب ما ورد في الخبر لان الشافعي رضى الله عنه قال إذا رأيتم قولى مخالفا للسنة فاطرحوه (واعلم) ان مسلما وابا داود وابن ماجه وغيرهم من اصحاب المسانيد لم يوردوا الا الترتيب الذى ذكره أبو حامد نعم في بعض الروايات ان طائفة سجدت معه ثم في الركعة الثانية سجد معه الذين كانوا قياما وهذا يحتمل الترتيبين جميعا ولم يقل الشافعي رضى الله عنه أن الكيفية التى ذكرتها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ولكن قال هذا نحو صلاته يوم عسفان فاشبه تجويز كل واحد منهما إذ لا فرق في المعنى وقد صرح به الرويانى وصاحب التهذيب وغيرهما قالوا واختار الشافعي رضي الله عنه ما ذكره لامور (احدها) ان الصف الاول اقرب من العدو فهم امكن من الحراسة (والثانى) انهم إذا حرسوا كان جنة لمن ورائهم فان رماهم المشركون تلقوهم بسلاحهم (والثالث) انهم يمنعون ابصار(4/629)
المشركين عن الاطلاع علي عدد المسلمين وعدتهم إذا عرفت ذلك فيجوز أن يعلم قوله في الكتاب حرسه الصف الاول بالواو اشارة إلى قول من قال ان في الركعة الاولي يحرسه الصف الثاني وهو هالذى أورده في المهذب (وقوله) هكذا صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بعسفان فيه نزاع من
جهة النقل فان الروايات المشهورة علي خلاف ما ذكره كما بينا ثم المشهوران الكل يركعون معه في الركعتين وانما التخلف في السجود وذكر في معناه أن الركوع لا يمنع من النظر والحراسة بخلاف السجود وحكى أبو الفضل بن عبدان أن من أصحابنا من قال يحرسون في الركوع أيضا وفى بعض الروايات ما يدل عليه فهذا هو الكلام في كيفية هذا النوع وأما موضعه فقد قال الائمة لهذه الصلاة ثلاثة شروط (أحدها) أن يكون العدو في جهة القبلة ليتمكن الحارسون من رؤيتهم (والثاني) أن يكونوا علي قلة جبل أو مستو من الارض لا يمنعهم شئ من أبصار المسلمين (والثالث) أن يكون في المسلمين كثرة لتمكن جعلهم فرقتين أحداهما يصلي معه والثانية يحرس ولم يتعرض في الكتاب الا للشرط الاول وقوله وليس فيه الا تخلف عن الامام بركنين الي آخره اشارة الي أنهم لو أرادوا الصلاة في حالة الامن هكذا لم يجز صلاة المتخلفين وانما احتمل ههنا لحاجة الخوف وظهور العذر وظاهر قوله الا بركنين حصر للتخلف فيهما وعنى بهما السجدتين لكن التخلف غير منحصر فيهما فانهم متخلفون بالجلسة بين السجدتين أيضا وهى ركن ثالث (فان قيل) الجلسة بين السجدتين ليس ركنا مقصودا علي ما سبق والتخلف المؤثر هو التخلف بالاركان المقصودة فلهذا اقتصر علي ذكر الركعتين (الجواب) أن هذا كلام حسن قد قدمناه في موضعه لكن الاظهر عند المصنف أن الجلسة بين السجدتين ركن طويل كسائر الاركان ويكون التخلف الحاصل ههنا حاصلا باركان وهكذا ذكر في الوسيط والامام في النهاية ثم ذكر في الفصل فروعا نذكرها وما يحتاج إليه (الاول) ليس من الشرط أن لا يزيد على صفين بل لو رتبهم صفوفا كثيرة جاز ثم يحرس صف كما سبق ولا يشترط ان يحرس كل من في الصف بل لو حرست فرقتان من صف واحد في الركعتين على المناوبة ودام من سواهم علي المتابعة جاز لحصول الغرض بحراستهم (الثاني) لو تولي الحراسة في الركعتين طائفة واحدة ثم سجدت ولحقت ففي صحة صلاتها وجهان (أحدهما) لا تصح لان ذلك يوجب تضاعف التخلف بالاضافة الي ما كان يوجد لو تناوبوا والنص ورد في ذلك القدر من التخلف فلا يحتمل الزيادة عليه(4/630)
(وأظهرهما) ولم يذكر جماعة سواه انه يصح لان هذا القدر من التخلف محتمل في ركعة لمكان العذر
فمثله في ركعة أخري مضموما إليه لا يضر الا يرى ان القدر الذى يحتمل من التخلف بلا عذر لا يفترق الحالين أن يتفق في ركعة أو في ركعات كثيرة وفى بعض نسخ الكتاب ذكر قولين في المسألة بدل الوجهين وهو قريب لان الخلاف علي ما ذكره صاحب التهذيب وغيره مبنى علي القولين فيما إذا زاد الامام علي الانتظارين في النوع الثالث من صلاة الخوف وسيأتي ذلك (الثالث) لو تأخر الحارسون أولا إلى الصف الثاني في الركعة الثانية وتقدمت الطائفة الثانية ليحرسوا جاز إذا لم يكثر فعالهم وذلك بان يتقدم كل واحد من أهل الصف الثاني خطوتين ويتأخر كل واحد من أهل الصف الاول خطوتين وينفذ كل واحد منهم بين رجلين وهل هذا أولي ام الاولي ان يلازم كل منهم مكانه أشار في الكتاب إلي أن التقدم والتأخر أحسن وأولي لان الحراسة بالصف الاول اليق وقد سبق وجهه وهكذا ذكر الصيدلانى والمسعودي وآخرون وقال أصحابنا العراقيون الاولي ان يلازم كل منهم مكانه فلا يضطرب ولا ينتقل ولفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر علي هذا أدل وهذا كله مبنى علي ما ذكره الشافعي رضى الله عنه ان في الركعة الاولى يحرس الصف الاول فاما علي ما اختاره أبو حامد واشتهر في الخبر أن الصف الثاني يحرسون في الركعة الاولي ففى الركعة الثانية يتقدم أهل الصف الثاني ويتأخر أهل الصف الاول فتكون الحراسة في الركعتين ممن خلف الصف الاول لا من الصف الاول كذلك ورد في الخبر وقوله في الكتاب فإذا سجد في الاولي حرسه الصف الاول يجوز ان يعلم بالحاء وكذا قوله سجدوا ولحقوا به وكذا يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية لان أصحابنا حكوا عن أبي حنيفة انه إذا كان العدو في جهة القبلة لم يصل بهم الا كما يصلى والعدو في غير جهة القبلة وتفصيله على ما سيأتي في النوع الثالث ورسموا هذه مسألة خلافية بيننا وبينه * قال (النوع الثالث ان يلتحم القتال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة فيصدع الامام اصحابه صدعين وينحاز بطائفة الي حيث لا تبلغهم سهام العدو فيصلي بهم ركعة فإذا قام الي الثانية(4/631)
انفردوا بالثانية وسلموا واخذوا مكان اخوانهم في الصف وانحاز الفئة المقاتلة الي الامام وهو ينتظرهم
واقتدوا به في الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية ولحقوا به قبل السلام وسلم بهم هكذا صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع في رواية خوات بن جبير وليس فيها الا الانفراد عن الامام في الركعة الثانية وانتظار الامام بالطائفة الثانية مرتين وهذا أولي من رواية ابن عمر فان فيها كثرة الافعال مع الاستغناء عنها) * (النوع الثالث) صلاة ذات الرقاع في كيفيتها في الصبح والصلاة المقصورة في السفر ثم في الصلاة الثلاثية والرباعية اما في ذات الركعتين فيفرق الامام القوم فرقتين ووقف طائفة جهة العدو وينحاز بطائفة الي حيث لا تبلغهم سهام العدو فيفتتح بهم الصلاة ويصلى بهم ركعة هذا القدر اتفقت الرواية عليه ثم فيما يفعل بعد ذلك روايتان فصل في الكتاب أحداهما واجمل ذكر الاخرى اما المفصلة فهي انه إذا قام الي الثانية خرج المقتدون عن متابعته واتموا الثانية لانفسهم وتشهدوا وسلموا وذهبوا الي وجاه العدو وجاء أولئك واقتدوا به في الثانية وهو يطيل القيام الي لحوقهم فإذا لحقوه صلي بهم الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية وهو ينتظرهم فإذا لحقوه سلم بهم " هكذا روى مالك عن يزيد بن رومان عن صالح عن خوات بن جبير عمن صلى مع النبي صلي الله عليه وسلم صلاة يوم ذات الرقاع " ورواه ابو داود والنسائي عن صالح عن سهل ابن حثمة عن النبي صلي الله عليه وسلم وأما الرواية التى أجملها فهى أن الامام إذا قام الي الثانية لا يتم المقتدون به الصلاة بل يذهبون الي مكان اخوانهم وجاه العدو وهم في الصلاة فيقفوا سكوتا وتجئ تلك الطائفة فتصلي مع الامام الركعة الثانية فإذا سلم ذهبت الي وجاه العدو وجاء الاولون الي مكان الصلاة واتموا لانفسهم وذهبوا إلى وجاه العدو وجاءت الطائفة الثانية الي مكان الصلاة وأتمت ايضا وهذه رواية ابن عمر رضي الله عنهما * إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشافعي رضى الله عنه اختار الرواية الاولى لانها أوفق(4/632)
للقرآن قال الله تعالي جده (ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا) وذلك يشعر بان الطائفة الاولى قد صلت ولانها اليق بحال الصلاة لما في الرواية الاخرى من زيادة الذهاب والرجوع وكثرة الافعال والاستدبار ولا ضرورة الي احتمال جميع ذلك ولانها أحوط لامر الحرب فانها أخف علي الطائفتين جميعا إذ الحراسة
خارج الصلاة أهون واختار مالك واحمد أيضا ما اختاره الشافعي رضى الله عنه لكن مالكا رحمة الله عليه قال في رواية إذا صلى الامام بالطائفة الثانية الركعة الئانية تشهد بهم وسلم ثم يقومون الي تمام صلاتهم كالمسبوق في غير صلاة الخوف ونقل الصيدلانى قولا عن القديم مثل ذلك وحكي صاحب الافصاح والعراقيون قولا قريبا من ذلك فقالوا يقومون في قول إذا بلغ الامام موضع السلام ولم يسلم بعد وذهب أبو حنيفة إلى اختيار رواية ابن عمر رضي الله عنهما وقال الطائفة الاولى يتمون الصلاة بعد سلام الامام بغير قراءة لانهم أدركوا التحريمة فسقط عنهم القراءة في جميع الصلاة والطائفة الثانية يتمونها بقراءة لانهم ما ادركوا التحريمة (واعلم) ان اقامة الصلاة علي الوجه المذكور ليس عزيمة لا بد منها بل لو صلي الامام بطائفة وأمر غيره فصلي بالآخرين وصلي بعضهم أو كلهم منفردين جاز لكن كان اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لا يسمحون بترك فضيلة الجماعة ويتنافسون في الاقتداء به فأمره الله تعالى جده بترتيبهم هكذا لتحوز احدي الطائفتين فضيلة التكبيرة معه والاخرى فضيلة التسليم معه " وهل تصح الصلاة علي الوجه الذى رواه ابن عمر رضى الله عنهما ذكروا فيه قولين (أحدهما) وتحتمل تلك الرواية علي النسخ لخبر سهل فانها مطلقة ورواية سهل مقيدة بذات الرقاع وهى آخر الغزوات (وأصحهما) نعم وبه قال أحمد لصحة الرواية وعدم العلم بالنسخ ولا(4/633)
سبيل إلى المصير إليه بمجرد الاحتمال وارجع بعد هذا إلى ما يتعلق بنظم الكتاب: فاقول قد سبق أن موضع هذا النوع ما إذا لم يكن العدو في جهة القبلة ثبت ذلك من جهة النقل ونص عليه الاصحاب وان لم يتعرض له لفظ الكتاب وفى معناه ما إذا كانوا في جهة القبلة لكن كان بينهم وبين المسلمين حائل يمنع من رؤيتهم لو هجموا وقوله ان يلتحم القتال ليس مذكورا علي سبيل الاشتراط بل لو كان العدو قارين في معسكرهم في غير جهة القبله ولم يلتحم القتال بعد وكان يخاف هجومهم فالحكم كما لو التحم فيجعلهم طائفتين واحدة تحرس وأخرى تقتدي به وإذا التحم القتال فانما تمكن هذه الصلاة إذا كثر القوم وامكن الانحياز بطائفة وحصل الكفاية بالباقين فان لم يكن كذلك فالحال حال شدة الخوف وسنذكرها فلهذا قال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة (وقوله) فإذا قام الي
الثانية انفردوا بالثانية مرقوم بالحاء لانه عنده لا ينفرد بالثانية إذا قام الامام إليها بل بعد سلامه ثم في هذا الفصل شيئان ينبغي ان يتنبه لهما (احدهما) ان قوله انفردوا بالثانية ليس المراد منه انفرادهم بالفعل فحسب بل ينوون مفارقته وينفردون بالفعل وفى حق الطائفة الثانية قال قاموا وأتموا الركعة الثانية ولم يقل وانفردوا بها(4/634)
لانهم لا يخرجون عن المتابعة كذا قاله الجمهور وفيه شئ آخر سيأتي (والثانى) أنه قال فإذا قام الامام إلى الثانية ولم يقل فإذا أتم الاولي لان الاولي أن ينووا مفارقته بعد الانتصاب لا عند رفع رأسه من السجود الثاني فانهم صائرون إلى القيام كالامام ولو فارقوه عند رفع الرأس من السجود جاز أيضا ذكره في التهذيب وغيره وقوله وانحاز الفئة المقاتلة انما سماها مقاتلة لانه فرض الكلام فيما إذا التحم القتال فاما إذا كان يخاف هجومهم ويتوقع القتال فليست هي بمقاتلة في الحال ويجوز أن يقرء الفئة المقابلة بالباء فيشمل الحالتين لانهما علي التقديرين مقابلة للعدو (وقوله) فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا معلم بالحاء لان عنده إنما يقومون إذا سلم الامام لا إذا جلس للتشهد وبالميم والواو لما سبق (وقوله) هكذا صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بذات الرقاع اختلفوا في اشتقاق هذه اللفظة قيل كان القتال في سفح جبل فيه جدد بيض وحمر وصفر كالرقاع وقيل كانت الصحابة رضوان الله عليهم حفاة لفوا علي أرجلهم الخرق والجلود لئلا تحترق وقوله في رواية خوات بن جبير أشتهر في كتب الفقه نسبة هذه الرواية الي خوات والمنقول في أصول الحديث رواية صالح عن سهل وعمن صلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلعل هذا المبهم ذكر خوات أبو صالح والله أعلم وقوله وليس فيها الا الانفراد عن الامام في الركعة(4/635)
الثانية هذا الانفراد ظاهر في حق الطائفة الاولى فاما الطائفة الثانية فهم على متابعته بعد الركعة الثانية وفى الركعة الثانية كلام سيأتي ذكره من بعد والمقصود منه بيان رجحان هذه الرواية علي رواية ابن عمر رضي الله عنهما وفيه اشارة إلى مسألة لا بد من ذكرها وهى أنه لو أقام الصلاة بهم علي هذه الهيئة في حالة الامن هل يجوز ذلك أم لا أما صلاة الامام فمنهم من قال تصح قولا واحدا لانه تطويل صلاة بالقراءة أو التشهد وذلك مما لا منع فيه وقال الاكثرون فيه قولان لانه انتظر المأمومين بغير عذر
وبنى القاضي أبو الطيب القولين على القولين فيما إذا فرقهم أربع فرق في الصلاة الرباعية لانه في الصورتين انتظر في غير محل الحاجة وأما الطائفة الاولي ففى صحة صلاتها قولان لانها فارقت الامام بغير عذر وأما الطائفة الثانية فان قلنا صلاة الامام تبطل امتنع عليهم الاقتداء والاصح اجزاؤهم ثم تبني صلاتهم إذا قاموا إلى الركعة الثانية علي خلاف يأتي في أنهم منفردون بها ام حكم الاقتداء باق عليهم (إن قلنا) بالاول ففي قولهم صلاتان مبنيان على أصلين (أحدهما) انهم انفردوا من غير عذر (والثانى) أنهم اقتدوا بعد الانفراد (وان قلنا) بالثاني بطلت صلاتهم لانفرادهم بركعة مع بقاء القدوة ولو فرضت الصلاة في حالة الامن علي الوجه الذى رواه ابن عمر رضي الله عنه فصلاة المأمومين باطلة قطعا وقوله وهذا أولي يجوز أن يريد أنه أولي بان يفعله الامام مما رواه ابن عمر رضى الله عنهما فيكون جوابا علي تجويز اقامة الصلاة على ذلك الوجه أيضا ويجوز أن يريد به ان الاخذ به والمصير إليه أولى فلا يلزم تجويز ذلك الوجه وعلي التقديرين هو معلم بالحاء * قال (ثم الصحيح أن الامام في الثانية يقرأ الفاتحة قبل لحوق الفرقة الثانية لكن يمد القراءة عند لحوقهم ونقل المزني رحمه الله أنه يؤخر الفاتحة الي وقت لحوقهم وكذا هذا الخلاف في انتظاره في التشهد قبل لحوقهم) * إذا قام الامام الي الثانية فهل يقرأ الفاتحة في انتظاره الفرقة الثانية أم يؤخر الي لحوقها نقل الربيع أنه يقرؤها ثم بعد لحوقهم يقرأ بقدر الفاتحة سورة قصيرة ونقل المزني أنه يقرأ بعد لحوقهم بام القرآن وسورة وهذا قول بتأخير القراءة إلى لحوقهم لان الفاتحة لا تكرر واختلف الاصحاب علي طريقتين (أصحهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) أنه لا يقرأ إلى لحوقها لانه قرأ في الركعة الاولي بالطائفة الاولى فليقرأ في يا لثانية بالطائفة الثانية تسوية بينهما (وأصحهما) وبه قال احمد أنه يقرأ أولا ولا يؤخر * واحتجوا عليه بانه لو لم بقرأ فاما أن يسكت أو يقرأ غير الفاتحة من القرآن وكل واحد منهما خلاف السنة أو يشتغل بذكر(4/636)
وتسبيح وليس القيام محلا لذلك وهذا لا يسلمه من صار الي القول الاول على الاطلاق بل ذكروا تفريعا عليه انه يسبح ويذكر اسم الله تعالى جده بما شاء (والطريق الثاني) انها ليست علي القولين ثم اختلفوا فعن أبى
اسحق أن النصين منزلان علي حالتين حيث قال يقرأ اراد إذا كان الامام يريد قراءة سورة قصيرة فتفوت القراءة علي الطائفة الثانية فهنا يستحب الانتظار ومنهم من قطع بما رواه الربيع وغلط المزني في النقل وقال لفظ الشافعي رضى الله عنه ويقرأ بعد اتيانهم بقدر ام الكتاب وسورة قصيرة لا بام القرآن وانما أمر بذلك لينالوا فضيلة القراءة فلو لم يفعل وأدركوه في الركوع كانوا مدركين للركعة وقوله في الكتاب لكنه يمد القراءة عند لحوقهم اشارة الي ما ذكرنا وهو أنه يمكث في قراءته بعد لحوقهم قدر قراءة أم القرآن وسورة وفى بعض النسخ لكنه يمد القراءة الي وقت لحوقهم وعلي هذا ففرض الكلام انه لا يؤخر القراءة إلى لحوقهم لا انه يقطع القراءة كما لحقوه واما قوله وكذا هذا علي الخلاف في انتظاره في التشهد قبل لحوقهم فاعلم انه مبني على أن الطائفة الثانية يقومون إلى الركعة الثانية إذا جلس الامام للتشهد وهو المذكور في الكتاب والمشهور وقد حكينا قولا آخر أنهم يقومون إليها بعد سلامه فعلي ذلك القول ليس له انتظار في التشهد وعلي المشهور هل يتشهد قبل لحوقهم اما القاطعون في الانتظار الاول بانه يقرأ الفاتحة فقد قطعوا ههنا بانه يتشهد بطريق الاولي واما المثبتون للخلاف ثم فقد اختلقوا ههنا منهم من طرد القولين ومنهم من قطع بانه يتشهد لان الامر بتأخير القراءة في قول انما كان ليقرأ بالطائفة الثانية كما قرأ بالطائفة الاولى وهذا المعنى لا يفرض في التشهد إذا عرفت ذلك فلا يخفي عليك ان قوله وكذا هذا الخلاف وجواب علي طريقة طرد القولين في التشهد ويجب ان يعلم بالواو للطريقة الاخرى على أنها اظهر عند الاكثرين * قال (ثم هذه الحاجة ان وقعت في صلاة المغرب فليصل الامام بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة لان في عكسه تكليف الطائفة الثانية تشهد غير محسوب ثم الامام ان انتظرهم في التشهد الاول فجائز وان انتظرهم في القيام الثالث فحسن) * ما سبق كلام في الصلاة الثنائية كيف تؤدى بالناس في الموضع الذى بيناه فاما إذا كانت الصلاة معربا وفرض الخوف كذلك فلا بد من تفصيل أحدى الطائفتين علي الاخرى فيجوز ان يصلي(4/637)
بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين ويجوز ان يصلي بالاولى ركعتين وبالثانية ركعة وأيهما أولي فيه
قولان (اصحهما) ان الافضل ان يصلي بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة لان الطائفة الاولي سابقون فهم اولى بالتفضيل ولانه لو عكس فصلى بالطائفة الاولي ركعة وبالثانية ركعتين لزاد في صلا الطائفة الثانية تشهدا غير محسوب لانهم حينئذ يحتاجون الي الجلوس مع الامام في الركعة الثانية وهو غير محسوب لهم فانها اولاهم والاليق بالحال التخفيف دون التطويل (والثانى) ان الافضل ان يصلي بالاولي ركعتين وبالثانية ركعتين لان عليا رضى الله عنه صلي ليلة الهرير بالناس هكذا ثم ان فعل هكذا فالطائفة الاولي تفارقه إذا قام إلى الثانية وتتم لنفسها علي ما ذكرنا في ذات الركعتين وان صلى بالاولى ركعتين فيجوز ان ينتظر الثانية في التشهد الاول ويجوز ان ينتظرهم في القيام الثالث وأيهما اولي فيه قولان (احدهما) ان انتظارهم في التشهد الاول اولي ليدركوا معه الركعة من اولها وينقل هذا عن الاملاء (واصحهما) ان انتظارهم في القيام الثالث اولي لان القيام مبنى علي التطويل والجلسة الاولي مبنية علي التخفيف ولان في ذات الركعتين ينتظر قائما فكذلك ههنا لانه إذا انتظرهم في الجلوس لا تدرى الطائفة الاولى متى يقومون ثم إذا انتظرهم في القيام فهل يقرأ الفاتحة ام يصير الي لحوق الفرقة الثانية فيه الخلاف المتقدم (وقوله) في الكتاب فليصل بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة جواب على القول الاول ويجوز ان يكون جزما بانه يفعل كذلك لان القاضي الروياني حكى طريقة جازمة به مع طريقة القولين وعلي التقديرين فلفظ الركعة والركعتين معلمان بالواو (وقوله) فليصل امر استحباب وفضيلة وليس ذلك بلازم (وقوله) وان انتظرهم في القيام الثالث فحسن هو لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر وقد حملوه علي ان الافضل الانتظار فيه وإذا كان كذلك فيجوز ان يعلم بالواو اشارة إلى القول المنقول عن الاملاء * قال (وان كان في صلاة رباعية في الحضر فليصل بكل طائفة ركعتين فان فرقهم اربع فرق فالانتظار الثالث زائد على المنصوص وفى تحريمه قولان قال ابن سريج الانتظار في الركعة الثالثة هو الانتظار الثاني في حق الامام فلا منع منه) * إذا كان الخوف في السفر فسبيل الصلاة الرباعية ان تقصر وتؤدى كما سبق فلو ارادوا اتمامها وكانوا في الحضر وقد جاءهم العدو فينبغي ان يفرق الامام الناس فرقتين ويصلي بكل طائفة ركعتين
ثم الافضل ان ينتظر الثانية في التشهد الاول أو في القيام الثالث فيه الخلاف المذكور في المغرب(4/638)
ويتشهد بكل واحدة من الطائفتين بلا خلاف لانه موضع تشهدهما ويتضح بما ذكرناه ان قوله وإن كان في صلاة رباعية في الحضر ليس الحضر مذكورا علي سبيل الاشتراط لجواز الاتمام في السفر لكن الغالب أن الاتمام لا يكون الا في الحضر لان القصر افضل مطلقا عند الامكان على الاصح واليق بحالة الخوف فلهذا قال في الحضر وقوله فليصل بكل طائفة ركعتين معلم بالميم لان في رواية عن مالك لا يجوز أن يصلي بهم الصلاة الرباعية كذلك * لنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة) الآية لا فرق فيها بين السفر والحضر ولو فرقهم أربع فرق وصلي بكل فرقة ركعة وذلك بان يصلى بفرقة ركعة وينتظر قائما في الثانية وينفردوا هم بثلاث ويسلموا ويذهبون ثم يصلى الركعة الثانية بفرقة ثانية وينتظر جالسا في التشهد الاول أو قائما في الثالثة ويتموا لانفسهم ثم يصلي الثالثة بفرقة ثالثة وينتظر في قيام الرابعة ويتموا صلاتهم ثم يصلي الرابعة بالفرقة الرابعة وينتظرهم في التشهد الاخير الي ان يتموا صلاتهم ويسلم بهم فهل يجوز ذلك فيه قولان (أحدهما) لا لان الاصل أن لا يحتمل الانتظار في الصلاة اصلا لما فيه من شغل القلب والاخلال بالخشوع وقد ورد عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظاران فلا يزاد عليهما (واصحهما) نعم لان جواز انتظارين انما كان للحاجة وقد تقتضي الحاجة اكثر من ذلك بأن لا يكون في وقوف نصف الجند في وجه العدو كفاية بل يحتاج إلى وقوف ثلاثة ارباعهم بكل حال (التفريع) ان جوزنا فقد قال امام الحرمين شرطه ان تمس الحاجة إليه فأنا إذا لم تكن حاجة فالحكم كما لو جرى ذلك في حالة الاختيار والطائفة الرابعة علي هذا القول كالطائفة الثانية في ذات الركعتين فيعود الخلاف في أنهم يفارقونه قبل التشهد أو يتشهدون معه ويقومون بعد سلام الامام إلى ما عليهم كالمسبوق وتتشهد الطائفة الثانية معه في أظهر الوجهين (والثانى) تفارقه قبل التشهد وعلى هذا القول تصح صلاة الامام وفى صلاة الطوائف قولان المنقول عن(4/639)
الام ان صلاتهم صحيحة وعن الاملاء ان صلاتهم باطلة سوى صلاة الطائفة الرابعة وبنوا ذلك على
ان المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة الامام بغير عذر هل تبطل صلاته ام لا وقالوا الطوائف الثلاث خرجوا عن صلاة الامام بغير عذر لان وقت المفارقة ما نقل عن فعل المقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو نصف الصلاة وكل طائفة من الثلاث قد فارقته قبل تمام النصف وأما الطائفة الرابعة فانها لم تخرج عن صلاة الامام بل اتمت صلاة علي حكم المتابعة وليس هذا البناء والفرق صافيا عن الاشكال والله أعلم * وإن فرعنا على أن لا يجوز ذلك فصلاة الامام باطلة ومتي تبطل فيه وجهان قال ابن سريج تبطل بالانتظار الثالث وهو الواقع في الركعة الرابعة ولا تبطل بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة لانه انتظر مرة للطائفة الثانية في الركعة الثانية وانتظاره في الركعة الثالثة هو انتظاره الثاني إذا لم يكن له في الاولى انتظار وقد ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظاران فلا بأس بهما ولا فرق في الفصلين سوى ان المنتظر ثم في المرتين الطائفة الثانية والمنتظر ههنا في المرة الثانية طائفة أخرى لكن هذا لا يضر إذا لم يزد عدد الانتظار كما لا يضر زيادة قدر الانتظار لو فرقهم فرقتين وصلي بكل واحدة ركعتين وقال جمهور الاصحاب تبطل صلاته بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة لمخالفته الانتظار الثاني الذى ورد النقل به في المنتظر وفى القدر فاما المنتظر فقد وضح واما في القدر فلان النبي صلي الله عليه وسلم انتظر في الركعة الثانية فراغ الطائفة الثانية فقط والامام ههنا ينتظر فراغ الثانية وذهابها إلي وجه العدو ومجئ الثالثة والذى قاله الجمهور وهو ظاهر النص ولذلك قد يعبر عن هذا الخلاف بقولين منصوص ومخرج لابن سريج ثم حكى في البيان وجهين تفريعا على ظاهر النص (أحدهما) ان صلاته تبطل بمضي الطائفة الثانية لان النبي صلي الله عليه وسلم لم ينتظرهم في المرة الثانية إلا قدر ما أتمت(4/640)
صلاتها فإذا زاد بطل (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد انها تبطل بمضي قدر ركعة من انتظاره الثاني لان النبي صلي الله عليه وسلم لم ينتظر الطائفتين جميعا إلا بقدر الصلاة التى هي فيها مع الذهاب والمجئ هذا وقد انتظر في المرة الاولي قدر ما صلت الطائفة الاولي ثلاث ركعات وذهبت وجاءت الثانية فإذا مضى قدر ركعة فقد تم قدر الانتظار المنقول فتبطل صلاته بالزيادة عليه هذا هو الكلام في صلاة الامام تفريعا علي قول المنع وأما صلاة الطوائف فتبنى علي صلاته فتصح صلاة
الطائفة الاولي والثانية علي ظاهر النص وقول ابن سريج معا لانهم فارقوه قبل بطلان صلاته وصلاة الطائفة الرابعة باطلة إن علمت بطلان صلاة الامام وإن لم تعلم فلا وحكم الطائفة الثالثة حكم الرابعة ظاهر النص وحكم الطائفتين الاوليين علي قول ابن سريج ولو فرق القوم في صلاة المغرب ثلاث فرق وصلي بكل فرقة ركعة وقلنا لا يجوز ذلك فصلاة جميع الطوائف صحيحة عند ابن سريج وعلي على ظاهر النص صلاة الطائفة الثالثة باطلة إلا أن لا تعلم بطلان صلاة الامام وإذا عرفت ما ذكرناه ولخصت ما في المسألة من الخلاف قلت فيها أربعة أقوال (أصحها) صحة صلاة الامام والقوم جميعا (والثانى) صحة صلاة الامام والطائفة الرابعة لا غير (والثالث) بطلان صلاة الامام وصحة صلاة الطائفة الاولي والثانية والفرق في حق الثالثة والرابعة بين أن تعلم بطلان صلاة الامام أو لا تعلم (والرابع) صحة صلاة الثالثة لا محالة (والثانى) كما ذكرنا في القول الثالث وهو قول ابن سريج وقوله في الكتاب فالانتظار الثالث زائد على المنصوص أي علي نص الشارع وما ثبت من فعله واراد بالانتظار الثالث الانتظار الواقع في الركعة الرابعة بطريق الاولي وهو الثالث في الحقيقة ولو أراد الانتظار الثالث حقيقة لكان ذلك عين قول ابن سريج ولما انتظم منه أن يقول بعد ذلك وقال ابن سريج ورتب في الوسيط الخلاف في بطلان الصلاة بالانتظار الثالث علي الخلاف في تحريمه فقال في تحريمه قولان إن قلنا يحرم ففى بطلان الصلاة به قولان ولم يذكر المعظم هذا الترتيب وإنما تكلموا في الصحة والبطلان وذكر الشافعي رضى الله عنه مع القول بصحة صلاة الجميع انهم مسيئون بذلك وهذا يشعر بالجزم بالتحريم والله أعلم *(4/641)
قال (وفى اقامة الجمعة علي هذه الهيئة وجهان (م) ووجه المنع أن العدد فيها شرط فيؤدى إلى الانفضاض في الركعة الثانية) * إذا كان الخوف في بلد ووافق ذلك يوم الجمعة وأرادوا إقامة صلاة الجمعة علي هيئة صلاة ذات الرقاع فقد نقل المصنف فيه وجهين (أحدهما) الجواز كسائر الصلوات الثنائية (والثاني) المنع لان العدد شرط فيها وتجويز ذلك يفضي إلي انفراد الامام في الركعة الثانية والاول هو الذى حكاه
أصحابنا العراقيون عن نصه في الام ثم ذكروا فيه طريقتين (أحداهما) أن ذلك جواب علي أحد الاقوال في مسألة الانفضاض وهو أنه إذا نفض القوم عنه وبقي وحده يصلى الجمعة فانا إذا لم نقل بذلك امتنع اقامة الجمعة علي هذا الوجه (والثانية) القطع بالجواز بخلاف صورة الانفضاض لانه معذور ههنا بسبب الخوف ولانه يترقب مجئ الطائفة الثانية ويجوز ان يرتب فيقال ان جوزنا الانفضاض فتجويز اقامة الجمعة علي هذه الهيئة اولي والا فوجهان والفرق العذر وايراد الكتاب إلى هذا الترتيب اقرب وكيف ما كان فالاظهر عند الاكثرين الجواز ثم له شرطان (أحدهما) ان يخطب بهم جميعا ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بطائفة ويجعل فيها مع كل واحدة من الفرقتين اربعين فصاعدا فاما لو خطب بفرقة وصلى باخرى فلا يجوز (والثاني) ان تكون الفرقة الاولى اربعين فصاعدا فلو نقص عددهم عن الاربعين لم تنعقد الجمعة ولو نقصت الفرقة الثانية عن اربعين فقد حكى ابن الصباغ عن الشيخ ابى حامد انه لا يضر ذلك بعد انعقداها بالاولي وعن غيره انه علي الخلاف في الانفضاض ولو خطب الامام بالناس واراد أن يقيم الجمعة بهم علي هيئة صلاة عسفان فهي اولي بالجواز ان جوزناها علي هيئة صلاة ذات الرقاع ولا يجوز اقامتها علي هيئة صلاة بطن النخل إذ لا تقام جمعة بعد جمعة * قال (ثم يجب حمل السلاح في هذه الصلاة وصلاة عسفان ان كان في وضعه خطر وان كان الظاهر السلامة واحتمل الخطر فيستحب الاخذ في الوجوب قولان) * قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر وغيره واحب للمصلى أي في الخوف أن يأخذ سلاحه وقال في موضع ولا اجيز وضعه واختلف الاصحاب على طرق (اظهرها) وبه قال ابو اسحاق ن في(4/642)
المسألة قولين (احدهما) انه يجب لظاهر قوله (وليأخذوا اسلحتهم) وقال تعالي جده (ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر أو كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم) اشعر ذلك بقيام الجناح إذا وضع من غير عذر (واصحهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد انه لا يجب والآية محمولة علي الاستحباب * واحتجوا لهذا القول بانه لا خلاف ان وصفه لا يفسد الصلاة فوجب ان لا يجب حمله كسائر ما لا يفسد تركه الصلاة ولا يجب
فعله (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب (والثالث) القطع بالايجاب (والرابع) ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين يجب حمله وما يدفع به عن نفسه وغيره كالرمح والقوس لا يجب حمله لان الدفع عن النفس اولى بالوجوب وهؤلاء حملوا النصين علي هذين النوعين والخلاف في المسألة مشروط بشروط (أحدها) أن يكون طاهرا فاما السلاح النجس فلا يجوز حمله بحال ومنه السيف الذى سقى السم النجس والنبل المريش بريش طائر لا يؤكل أو طائر ميت لانه نجس على الصحيح (والثانى) ان لا يكون مما يمنع من بعض أركان الصلاة كالحديد المانع من الركوع والبيضة المانعة من مباشرة المصلى بالجبهة فان كان كذلك لم يحمل بلا خلاف (والثالث) ان لا يتأذى به الغير كالرمح فان حمله في وسط الصف يؤذى القوم فيكره الا ان يكون في حاشية الصف فلا يتأذى بحمله أحد (والرابع) قال الامام موضع الخلاف أن يخاف من وضع السلاح وتنحيته خطر علي سبيل الاحتمال فاما اكان يتعرض للهلاك ظاهرا لو لم يأخذ السلاح فيجب القطع بوجوب الاخذ والا فهو استسلام للكفار وهذا الشرط قد ذكره في الكتاب فأوجب الحمل إذا كان في الموضع خطر وخص الخلاف بما إذا ظهرت السلامة واحتمل الخطر * واعلم أن ترجمة المسألة هي حمل السلاح قال امام الحرمين وليس الحمل معينا لعينه بل لوضع السيف بين يديه وكان مد اليد إليه في اليسر والسهولة كمدها إليه وهو محمول متقلد كان ذلك بمثابة الحمل قطعا وأما لفظ السلاح فقد قال القاضى ابن كج انه يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها اما الترس فليس بسلاح وكذا لو لبس درعا لم يكن حاملا سلاح والله اعلم * ثم في لفظ الكتاب شيئان (احدهما) انه خص الكلام بصلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان واشعر ذلك بنفى الوجوب في صلاة بطن النخل لكن معني الخوف يشملها جميعا والجمهور اطلقوا القول في صلاة الخوف اطلاقا (والثاني) انه قال في آخر الفصل فيستحب الاخذ وفى الوجوب قولان وقضية هذا الكلام الجزم بالاستحباب وقصر(4/643)
الخلاف على الوجوب وانما يكون كذلك ان لو اشتمل الوجوب على الاستحباب اشتمال العام علي الخاص وفيه كلام لاهل الاصول فان لم يحكم باشتماله عليه فالصائر الي الوجوب ناف للاستحباب فلا يكون الاستحباب إذا مجزوما به *
قال (فرع: سهو الطائفتين محمول في وقت موافقتهم الامام وسهو الطائفة الاولي غير محمول في ركعتهم الثانية وذلك لانقطاعهم عن الامام ومبدأ الانقطاع الاعتدال في قيام الثانية أو رفع الامام رأسه في سجود الاولي فيه وجهان واما سهو الطائفة الثانية في الركعة الثانية ففى حمله وجهان لانهم سيلتحقون بالامام قبل السلام وهو جار في المزحوم إذا سها وقت التخلف وفيمن انفرد بركعة وسها ثم اقتدى في الثانية) * اصل الفرع ان سهو المأموم يحمله الامام وهذه قاعدة شرحناها في باب سجود السهو إذا تذكرت ذلك فنقول إذا سها بعض المأمومين في صلاة ذات الرقاع علي الرواية المختارة فينظر ان سهت الطائفة الاولي فسهوها في الركعة الاولي محمول لانها مقتدية بالامام وسهوها في الثانية غير محمول لانقطاعها عن الامام وما مبدأ الانقطاع فيه وجهان حكاهما الامام عن شيخه (احدهما) ان مبدأ الانقطاع الاعتدال في الركعة الثانية لان القوم والامام جميعا صائرون إلى القيام فلا تنقطع القدوة ما لم يعتدلوا قائمين (والثاني) ان مبدأ الانقطاع رفع الامام رأسه من السجود الثاني لان الركعة تنتهى بذلك فعلي هذا لو رفع الامام رأسه وهم بعد في السجود وفرض منهم سهو لم يكن محمولا ولك ان تقول قد نصوا على انهم ينوون المفارقة عن الامام وانه يجوز عند رفع الرأس وعند الاعتدال كما سبق وإذا كان كذلك فلا معني لفرض الخلاف في ان الانقطاع يحصل بهذا أو بذاك فانه ليس شيئا يحصل بنفسه بل هو منوط بنية المفارقة فوجب قصر النظر علي وقتها * واما الطائفة الثانية فسهوها في ركعتها الاولي محمول ايضا لانها علي حقيقة المتابعة وفى سهوها في الركعة الثانية وجهان (احدهما) وينسب إلى ابن خيران وابن سريج انه غير محمول لانهم منفردون بها في الحقيقة (واصحهما) انه محمول لان حكم القدوة(4/644)
باق بدليل انهم مقتدون به إذا حصلوا معه في التشهد والا لما كان لانتتظاره أياهم معني وإذا كان كذلك فلولا استمرار حكم القدوة لاحتاجوا إلى اعادة نية القدوة إذا جلسوا للتشهد ولا يحتاجون إليه والوجهان جاريان في المزحوم في الجمعة إذا سها في وقت تخلفه وأجروهما أيضا فيما كان يصلى منفردا فسها في صلاته ثم اقتدى بامام وجوزنا ذلك علي أحد القولين واستبعد الامام اجراء الخلاف في هذه
الصورة وقال الوجه القطع بان حكم السهو لا يرتفع بالقدوة اللاحقة فان السهو كان وهو منفرد لا يخطر له أمر القدوة فلا ينعطف حكمها علي ما تقدم من الانفراد وقوله لانهم سيلحقون بالامام يجوز ان يريد به التحاقهم في الصورة مصيرا الي أن حكم القدوة مستمر في الحال ويجوز أن يريد به أنهم سيصيرون مقتدين وان كانوا منفردين في الحال فيؤخذ بآخر الامر والضمير في قوله وهو جار عائد الي الخلاف وان لم يكن مذكورا (وقوله) فيمن انفرد بركعة وسها ثم اقتدى في الثانية لانه ليس للتقييد وانه لا فرق بين أن يقتدى في الاولي أو الثانية بعد السهو منفردا (واعلم) أن جميع ذلك مبنى على أن الطائفة الثانية يقومون الي الركعة الثانية إذا جلس الامام للتشهد فاما إذا قلنا أنهم يقومون إليها إذا سلم الامام علي ما نقل عن القديم فسهوهم في الثانية غير محمول لا محالة كالمسبوق هذا حكم سهو المأمومين أما لو سها الامام نظر ان سها في الركعة الاولي لحق سهوه الطائفتين فالطائفة الاولي يسجدون إذا أتموا صلاتهم ولو سها بعضهم في الركعة الثانية فهل يقتصر علي سجدتين أم يسجد أربعا فيه خلاف تقدم نظائره والاصح الاول والطائفة الثانية يسجدون مع الامام في آخر صلاته وإن سها في الركعة الثانية لم يلحق سهوه الطائفة الاولي لانهم فارقوه قبل السهو وتسجد الثانية معه في آخر الصلاة ولو سها في انتظاره اياهم فهل يلحقهم ذلك السهو فيه الخلاف المذكور في أنه هل يتحمل سهوهم والحالة هذه * قال (النوع الرابع صلاة شدة الخوف وذلك إذا التحم الفريقان ولم يمكن ترك القتال لاحد فيصلون رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ايماء بالركوع والسجود محترزين عن الصيحة وعن موالات الضربات من غير حاجة فان كثرت مع الحاجة في اشخاص فيحتمل وفى(4/645)
شخص واحد لا يحتمل لندوره وقيل يحتمل في الموضعين وقيل لا يحتمل فيها فان تلطخ سلاحه بالدم فليلقه وان كان محتاجا إلى امساكه فالاقيس انه لا يجب عليه القضاء والاشهر وجوبه لندور العذر) * إذا التحم القتال ولم يتمكنوا من تركه بحال لقتلهم وكثرة العدو أو اشتداد الخوف وان لم يلتحم
القتال فلم يأمنوا أن يركبوا اكتافهم لو ولوا عنهم أو انقسموا فيصلون بحسب الامكان وليس لهم التأخير عن الوقت وعن أبى حنيفة أن لهم ذلك ثم في كيفية هذه الصلاة مسائل (أحداها) لهم أن يصلوا ركبانا علي الدواب أو مشاة علي الاقدام قال الله تعالي جده (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) ويجوز أن يعلم لفظ الرجال في قوله فيصلون رجالا بالحاء لان أصحابنا حكوا عن أبى حنيفة رضي الله عنه انه ليس للراجل أن يصلي بل يؤخر (الثانية) لهم أن يتركوا الاستقبال إذا لم يجدوا بدا عنه قال ابن عمر رضى الله عنهما في تفسير الآية " مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " قال نافع لا اراه ذكر ذلك الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يأتم بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلي حول الكعبة وفيها وانما يعفى عن الانحراف عن القبلة إذا كان بسبب العدو فاما إذا انحرف لجماح الدابة وطال الزمان بطلت صلاته كما في غير حالة الخوف ويجوز أن يعلم قوله غير مستقبليها بالحاء لانهم حكوا عن ابى حنيفة انه لا يجوز ترك الاستقبال (الثالثة) إذا لم يتمكنوا من اتمام الركوع والسجود اقتصروا على الايماء بهما وجعلوا السجود أحفض من الركوع ولا يجب علي الماشي استقبال القبلة في الركوع والسجود ولا عند التحرم ولا وضع الجبهة علي الارض فانه تعرض للهلاك بخلاف ما ذكرنا في المتنفل(4/646)
ماشيا في السفر (الرابع) يجب عليهم الاحتراز عن الصياح فانه لا حاجة إليه قال الامام بل الكمى المقنع السكوت اهيب في نفوس الاقران ولا بأس بالاعمال القليلة فانها محتملة من غير خوف فعند الخوف أولى وأما الاعمال الكثيرة كالطعنات والضربات المتوالية فهي مبطلة ان لم يكن محتاجا إليها وان كان محتاجا إليها فوجهان (احدهما) انها مبطلة وقد حكاه العراقيون وغيرهم عن ظاهر نصه في الام لان الآية وردت في المشى والركوب وانضم ترك الاستقبال إليه فيما ورد من التفسير فما جاوز ذلك يبقى علي المنع (والثاني) وبه قال ابن سريج انها غير مبطلة لمكان الحاجة كالمشى وترك الاستقبال وتوسط بعض الاصحاب بين الوجهين فقال يحتمل في اشخاص لان الضربة الواحدة لا تدفع عن المضروب فيحتاج الي التوالي لكثرتهم ولا تحتمل في الشخص الواحد لندرة الحاجة الي توالي الضربات فيه وايراد الكتاب يشعر بترجيح هذا الوجه المتوسط لكن الاكثرين رجحوا
الوجه المنسوب إلي ابن سريج وقطع به القفال فيما حكاه الروياني ومنهم من عبر عن الوجوه بالاقوال وكذلك فعل في الوسيط (وقوله) من غير حاجة تقييد لموالاة الضرب دون الصيحة ولاحتراز عنها واجب بكل حال وليست هي من ضروريات القتال هكذا ذكر الائمة (وقوله) فيحتمل وكذا قوله وقيل لا يحتمل يجوز ان يعلما بالحاء لان الصيدلاني حكي عن أبي حنيفة أنه يجوز فيها العمل الكثير (الخامسة) لو تلطخ سلاحه بالدم فينبغي ان يلقيه أو يجعله في قرابه تحت ركابه ان احتمل الحال ذلك وان احتاج إلي امساكه فله الامساك ثم هل يقضي حكى امام الحرمين عن الاصحاب أنه يقضى لندور العذر ثم منعه وقال تلطخ السلاح بالدم من الاعذار العامة في حق المقاتل ولا سبيل الي تكليفه تنحية السلاح فتلك النجاسة ضرورية في حقه كنجاسة المستحاضة في حقها ثم جعل المسألة على(4/647)
قولين مرتبين على القولين فيما إذا صلي في حصن أو موضع آخر نجس وهذه الصورة أولي بنفي القضاء لالحاق الشرع القتال بسائر مسقطات القضاء في سائر المحتملات كالاستدبار والايماء بالركوع والسجود فليكن أمر النجاسة كذلك ويتبين بما ذكرنا انه لم جعل الاقيس نفى القضاء والاشهر وجوبه ويجوز اقامة الصلاة عند شدة الخوف بالجماعة خلافا لابي حنيفة ومقام صلاة العيدين والخسوفين في شدة الخوف الانهما بعرض الفوات ولا تقام صلاة الاستسقاء * قال (ثم هذه الصلاة تقام في كل قتال مباح ولو في الذب عن المال وكذا في الهزيمة المباحة عن الكفار ولا تقام في اتباع اقفية الكفار عند انهزامهم ويقيمها الهارب من الحرق والغرق والسبع والمطالب بالدين إذا أعسر وعجز عن البينة والمحرم إذا خاف فوات الوقوف قبل يصلى مسرعا في مشيه وقيل لا يجوز ذلك) * مقصود الفصل الكلام فيما يرخص في هذه الصلاة إذ لا شك في انها غير جائزة عند الامن والسلامة وفيه صور (أحداها) تجوز هذه الصلاة في كل ما ليس بمعصية من أنواع القتال دون ما هو معصية لان الرخص لا تناط بالمعاصى فيجوز في قتال الكفار ولاهل العدل في قتال اهل البغي وللرفقة في مال قطاع الطريق ولا يجوز لاهل البغي والقطاع ولو قصد نفس رجل أو حريمه أو نفس غيره أو حرمه فاشتغل
بالدفع كان له ان يصلي هذه الصلاة في الدفع ولو قصد اتلاف ماله نظر ان كان حيوانا فكذلك الحكم والا فقولان (أحدهما) لا يجوز لان الاصل المحافظة علي أركان الصلاة وشرائطها خالفناه فيما عدا المال لانه أعظم حرمة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يجوز لان الذب بالقتال عن المال جائز كالذب عن النفس قال صلي الله عليه وسلم " من قتل دون ماله فهو شهيد " (الثانية) لو ولوا ظهورهم عن الكفار منهزمين(4/648)
نظر ان كان يحل لهم ذلك بان يكون في مقاتلة كل مسلم اكثر من كافرين فلهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف لتعرضهم للهلاك لو أتوا بالصلاة علي الكمال وان لم يحل كما إذا كان في مقابلة كل مسلم كافران فليس لهم ذلك لانهم عاصون بالانهزام والرخص لا تناط بالمعاصى فان كان فيهم متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة فله الترخص لجواز الانهزام له ولو انهزم الكفار واتبع المسلمون اقفيتهم ولو اكملوا الصلاة وثبتوا لفاتهم العدو فليس لهم صلاة شدة الخوف لانهم لا يخافون محذورا بل غاية الامر فوات مطلوب والرخص لا يتعدى بها مواضعها فلو خافوا كمينا أو كرة كان لهم ان يصلوها (الثالثة) الرخصة في الباب لا تتعلق بخصوص القتال بل تتعلق بعموم الخوف فلو هرب من حريق يغشاه أو من سيل منحدر إلي موضعه ولم يجد في عرض الوادي ما يقدر علي اللبث فيه والصعود فغدا في طوله أو هرب من سبع قصده فله أن يصليها لانه خائف من الهلاك والمديون المعسر إذا عجز عن بينة الاعسار ولم يصدقه المستحق ولو ظفر به لحبسه كان له أن يصليها هاربا دفعا لضرر الحبس ويجوز ان يعلم قوله والمطالب بالدين بالواو لان الحناطى حكي عن الامام انه لو طلب رجل لا ليقتل لكن ليحبس أو يؤخذ منه شئ لا يصلي صلاة الخوف وغاية المحذور ههنا هو الحبس ولو كان عليه قصاص يرجو العفو عنه إذا سكن الغليل وانطفأ الغضب فقد جوز الاصحاب ان له ان يهرب وقالوا له أن يصلي صلاة شدة الخوف في هربه واستبعد الامام جواز الهرب من المستحق بهذا التوقع (الرابعة) المحرم إذا ضاق وقت وقوفه بعرفة وخاف فوت الحج لو صلى متمكنا ما الذى يفعل حكي الشيخ أبو محمد عن القفال فيه وجهان (أحدهما) أنه يؤخر الصلاة فان(4/649)
قضاءها هين وأمر الحج خطير وقضاؤه عسير (والثانى) أنه يقيمها كما تقدم في شدة الخوف ويحتمل فيها العذر لان الحج في حق المحرم كالشئ الحاصل والفوات طارئ عليه فاشبه ما لو خاف هلاك مال حاصل لو لم يهرب ولان الضرر الذى يلحقه بفوات الحج لا ينقص عن ضرر الحبس أياما في حق المديون (والثالث) أنه تلزمه الصلاة على سبيل التمكن والاستقرار لان الصلاة تلو الايمان ولا سبيل إلى اخلاء الوقت عنها لعظم حرمتها ولا سبيل الي اقامتها كما تقام في شدة الخوف لانه لا يخاف فوت حاصل ههنا فاشبه فوت العدو عند انهزامهم ويشبه أن يكون هذا الوجه أوفق لكلام الائمة والله أعلم وقوله قيل يصلى مسرعا في مشيه هو الوجه الثاني وقوله وقيل لا يجوز ذلك يمكن ادراج الاول والثالث فيه * قال (ولو رأى سوادا فظنه عدوا ففي وجوب القضاء قولان ومهما فاجأه في أثناء صلاته خوف فبادر الي الركوب وكان يقدر علي اتمام الصلاة راجلا فأخذ بالحزم لم يصح بناء الصلاة ولو انقطع الخوف فنزل واتم الصلاة صح وإذا أرهقه الخوف فركب وقل فعله جاز البناء ولو كثر الفعل مع الحاجة فوجهان كما في الضربات المتوالية) *(4/650)
في الفصل مسألتان (احداهما) لو رأوا سوادا أو ابلا أو اشجارا فظنوها عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف ثم تبين الحال ففي وجوب القضاء قولان (اصحهما) وهو قوله في الام وبه قال أبو حنيفة أنه يجب لانه ترك في صلاته فروضا بسبب هو مخطي فيه فيقضى كما لو اخطأ في الطهارة (والثاني) نقله المزني عن الاملاء انه لا يجب لقيام الخوف عند الصلاة وهو أصح عند صاحب المهذب والجمهور علي ترجيح الاول ثم اختلفوا في محل القولين فمنهم من قال القولان فيما إذا كانوا في دار الحرب لغلبة الخوف والعدو فيها فاما إذا كانوا في دار الاسلام وجب القضاء لا محالة وحكى هذا الفرق صاحب التهذيب عن نصه في القديم وأصحاب هاتين الطريقتين نسبوا المزني إلي السهو فيما أطلقه عن الاملاء وادعت كل فرقة أنه إنما نفى الاعادة في الاملاء بالشرط المذكور ومن الاصحاب من عمم القولين في الاحوال وهذا أظهر وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب ويجوز أن يعلم قوله قولان
بالواو إشارة الي الطريقتين الاولتين ولو تحققوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان أنه كان(4/651)
دونهم حائل من خندق أو نار أو ماء أو بان أنه كان بقربهم حصن يمكنهم التحصن به أو ظنوا أن بازاء كل مسلم اكثر من مشركين فصلوها منهزمين ثم بان خلافه فحيث أجرينا القولين في الصورة السابقة نجريهما أيضا في هذه الصورة ونظائرها ومنهم من قطع بوجوب القضاء ههنا لانهم قصروا بترك البحث عما بين أيديهم قال في التهذيب ولو صلوا في هذه الاحوال صلاة عسفان اطرد القولان ولو صلوا صلاة ذات الرقاع فان جوزناها في حال الامن فههنا أولي والاجرى القولان (الثانية) لو كان يصلي متمكنا علي الارض متوجها الي القبلة فحدث خوف في أثناء صلاته فركب نص الشافعي رضي الله عنه علي انه تبطل صلاته وعليه أن يستأنف ونقل عن نصه في موضع آخر انه يبنى على صلاته واختلفوا فيهما علي طريقتين حكاهما أصحابنا العراقيون (احدهما) ان المسألة على قولين (احدهما) ان الركوب يبطل الصلاة لانه عمل كثير (والثاني) لا يبطلها لان العمل الكثير بعذر شدة الخوف لا يقدح (واظهرهما) وبه قال ابن سريج وابو اسحق ان النصين محمولان علي حالين حيث قال يستأنف الصلاة أراد ما لم يكن مضطرا إلى الركوب وكان يقدر على القتال واتمام الصلاة راجلا فركب احتياطا وأخذا بالحزم وحيث قال يبنى اراد ما إذا صار مضطرا الي الركوب ثم قال(4/652)
هؤلاء إذا قل فعله في الركوب لحذقه بنى بلا خلاف وان كثر فعله ففيه الوجهان المذكوران في العمل الكثير للحاجة والمذكور في الكتاب هو الطريق الثاني فقوله ومهما فاجأه في أثناء الصلاة خوف عبارة عن الحالة الاولي وقوله وان ارهقه الخوف فركب عبارة عن الحالة الثانية وحينئذ لا يخفي ان قوله لم يصح بناء الصلاة وقوله جاز البناء ينبغى ان يعلما بالواو اشارة إلى الطريقة الاولى وقد أدخل بين الكلامين صورة وهى عكس هذه المسألة وهى أنه لو كان يصلي راكبا في شدة الخوف فانقطع الخوف نص الشافعي رضى الله عنه علي أنه ينزل ويبني علي صلاته وفرق بينه وبين الركوب على قوله بانه إذا ركب استأنف بان قال النزول اخف وأقل عملا من الركوب واعترض
المزني عليه بأن هذا لا ينضبط وقد يكون الفارس أخف ركوبا وأقل شغلا لفروسيته من نزول ثقيل غير فارس واختلف الاصحاب في الجواز بحسب اختلافهم في الركوب فمن أثبت الخلاف في الركوب علي الاطلاق فرق بين الركوب علي أحد القولين وبين النزول بان قال نزول كل فارس اخف من ركوبه وإن امكن أن يكون أثقل من ركوب فارس آخر ومن نزل النصين في الركوب علي الحالين المذكورين قال لا فرق بين الركوب والنزول ان حصلا بفعل قليل بني وان كثر الفعل فوجهان وتبين من هذا الحاجة إلى أعلام قوله فنزول واتم الصلاة صح بالواو لانه مطلق وفى الصحة عند كثرة الفعل اختلاف وذكر صاحب الشامل وغيره أنه يشترط في بناء النازل أن لا يستدبر القبلة في نزوله فان استدبر بطلت صلاته والله اعلم * قال (ويجوز لبس الحرير وجلد الكلب والخنزير عند مفاجأة القتال ولا يجوز في حالة(4/653)
الاختيار بخلاف الثياب النجسة ويجوز تسميد الارض بالزبل لعموم الحاجة وفى لبس جلد الشاة الميتة وتجليل الخيل بجل من جلد الكلب وجهان وفى الاستصباح بالزيت النجس قولان) * ختم الشافعي رضي الله عنه صلاة الخوف بباب فيما له لبسه وفيما ليس له فاقتدى الاكثرون من الاصحاب به وأوردوا احكام الملابس في هذا الموضع ومنهم من أوردها في صلاة العيد لانا نستحب التزين يوم العيد فتكلموا في التزين الجائز والذى لا يجوز وصاحب الكتاب أورد بعضها ههنا في صلاة العيد والمذكور ههنا يشتمل علي مسألتين (أحداهما) سنذكر أن لبس الحرير حرام علي الرجال لكن يجوز لبسه في حالة مفاجأة القتال إذا لم يجد غيره وذلك في حكم الضرورة وكذلك يجوز ان يلبس منه ما هو جنة القتال كالديباج الصفيق الذى لا يقوم غيره مقامه وجوز القاضي ابن كج اتخاذ القباء ونحوه مما يصلح في الحرب من الحرير ولبسه فيها علي الاطلاق لما فيه من حسن الهيئة وزينة الاسلام لينكسر قلب الكفار منه كتحلية السيف ونحوه والمشهور الاول وقوله ولا يجوز في حالة الاختيار مطلق لكن احوالا يجوز فيهما لبس الحرير في حال الاختيار
مستثناة عنه على ما سيأتي في صلاة العيد الثانية للشافعي رضى الله عنه نصوص مختلفة في جواز استعمال الاعيان النجسة وحكى صاحب التهذيب وغيره فيها طريقتين منهم من طرد قولين في وجوه الاستعمال كلها (أحدها) المنع لقوله تعالي (والرجز فاهجر) (والثانى) يجوز كما يجوز لبس ثوب أصابه نجاسة ومنهم من فصل وقال لا يجوز استعمال النجاسات في البدن والثوب الا لضرورة(4/654)
وفى غيرها يجوز ان كانت النجاسة مخففة وان كانت مغلظة وهى نجاسة الكلب والخنزير فلا ونزلوا النصوص علي هذا التفصيل وهذا أظهر وبه قال أبو بكر الفارسى والقفال واصحابه والفرق بين استعمالها في البدن والثوب وغيرهما ما ذكره الشافعي رضى الله عنه وهو أن علي الانسان تعبدا في اجتناب النجاسات لاقامة الصلوات وسائر العبادات ولا تعبد علي الفرس والاداة وغيرهما فلا يمنع من استعمالها فيها والفرق بين نجاسة الكلب والخنزير وسائر النجاسات غلظ حكمها ولذلك لا يجوز الانتفاع بالخنزير في حياته أصلا وبالكلب أيضا إلا في اغراض مخصوصة فاولي أن لا يجوز الانتفاع بهما بعد الموت إذا تقرر ذلك فنقول: لا يجوز له لبس جلد الكلب والخنزير في حالة الاختيار بخلاف الثياب النجسة يجوز لبسها والانتفاع بها في غير الصلاة ونحوها لان نجاستها عارضة سهلة الازالة فان فاجأه قتال ولم يجد سواه أو خاف علي نفسه من حر أو برد كان له أن يلبس جلد الكلب والخنزير كما له أكل الميتة عند الاضطرار ولا بأس لو أعلم قوله ولا يجوز في حالة الاختيار بالواو إشارة إلي الطريقة الطاردة للقولين في وجوه الاستعمال في جميع النجاسات وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حالة الاختيار فيه وجهان بنوهما علي ان حكمنا بتحريم لبس جلد الكلب والخنزير لنجاسة العين أم لما خصا به من التغليظ (واظهر) الوجهين المنع ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه واداته والمنع في البدن وجلد الكلب والخنزير كما لا يستعمل في البدن لا يستعمل في غيره نعم لو جلل كلبا أو خنزيرا بجلد كلب أو خنزير فهل يجوز ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا فانه المستعمل ولا ضرورة (واظهرهما) الجواز لاستوائهما في تغلظ النجاسات وأما تسميد الارض بالزبل فهو جائز قال الامام ولم يمنع منه للحاجة الحاقه القريبة من الضرورة وقد نقله الاثبات عن اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي
من استعمالها فيها والفرق بين نجاسة الكلب والخنزير وسائر النجاسات غلظ حكمها ولذلك لا يجوز الانتفاع بالخنزير في حياته أصلا وبالكلب أيضا إلا في اغراض مخصوصة فاولي أن لا يجوز الانتفاع بهما بعد الموت إذا تقرر ذلك فنقول: لا يجوز له لبس جلد الكلب والخنزير في حالة الاختيار بخلاف الثياب النجسة يجوز لبسها والانتفاع بها في غير الصلاة ونحوها لان نجاستها عارضة سهلة الازالة فان فاجأه قتال ولم يجد سواه أو خاف علي نفسه من حر أو برد كان له أن يلبس جلد الكلب والخنزير كما له أكل الميتة عند الاضطرار ولا بأس لو أعلم قوله ولا يجوز في حالة الاختيار بالواو إشارة إلي الطريقة الطاردة للقولين في وجوه الاستعمال في جميع النجاسات وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حالة الاختيار فيه وجهان بنوهما علي ان حكمنا بتحريم لبس جلد الكلب والخنزير لنجاسة العين أم لما خصا به من التغليظ (واظهر) الوجهين المنع ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه واداته والمنع في البدن وجلد الكلب والخنزير كما لا يستعمل في البدن لا يستعمل في غيره نعم لو جلل كلبا أو خنزيرا بجلد كلب أو خنزير فهل يجوز ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا فانه المستعمل ولا ضرورة (واظهرهما) الجواز لاستوائهما في تغلظ النجاسات وأما تسميد الارض بالزبل فهو جائز قال الامام ولم يمنع منه للحاجة الحاقه القريبة من الضرورة وقد نقله الاثبات عن اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي اثبات خلاف فيه والله اعلم وهل يجوز الاستصباح بالزيت النجس فيه قولان (احدهما) لا لان(4/655)
السراج قد يقرب من الانسان ويصيب الدخان بدنه وثيابه (وأظهرهما) نعم لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " سئل عن الفأرة تقع في السمن والودك فقال استصبحوا به ولا تأكلوه " وأما الدخان فقد لا يصيب وبتقدير أن يصيب فللاصحاب وجهان في نجاسته فان لم نحكم بنجاسته فلا بأس به(4/656)
كبخار المعدة لا ينجس الفم وان حكمنا بنجاسته وهو الاظهر كالرماد فقليله معفو عنه والذى يصيب في الاستصباح قليل لا ينجس غالبا (واعلم) انه لا فرق للاستصباح بين ان ينجس بعارض وبين أن يكون نجس العين كودك الميتة ويطرد القولان في الحالتين قاله صاحب النهاية وغيره *(4/657)
فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 5
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 5(5/)
فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الخامس دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم(5/1)
قال * (كتاب صلاة العيدين) * (وهى سنة وليست بفرض كفاية وأقلها ركعتان كسائر الصلوات ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى روالها ولا يشترط فيها شروط الجمعة في الجديد) قال الله تعالي (فصل لربك وانحر) قيل اراد به صلاة الاضحى ويروى ان اول عيد صلى فيه رسول(5/2)
الله صلي الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة ثم لم يزل يواظب علي صلاة العيدين حتى فارق الدنيا) وفي الفصل صور هي مقدمات الباب (أحداها) صلاة العيد سنة أم فرض كفاية اختلفوا(5/3)
فيه علي وجهين قال الاكثرون هي سنة وقد نص عليه في باب صلاة التطوع حيث عدها من جملة التطوعات الني شرعت الجماعة فيها واحتجوا عليه بانها صلاة ذات ركوع وسجود لم يسن لها الآذان فلا تكون واجبة كصلاة الاستسقاء وهذا الوجه هو الذى ذكره في الكتاب وقال الاصطخرى هي فرض كفاية وبه قال احمد لانها من شعار الاسلام وفي تركها تهاون بالدين فعلي هذا لو اتفق أهل بلدة علي تركها قوتلوا وعلي الوجه الاول هل يقاتلون فيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو اسحاق نعم (واظهرهما) لا وقد ذكرنا وجههما في الآذان وقوله هي سنة معلم بالواو والالف وكذا قوله وليست بفرض كفاية ولو اقتصر على احدى الفظتين لحصل الغرض ويجوز ان يعلم قوله وهي سنة بالحاء ايضا لان عند ابى حنيفة رحمه(5/4)
الله هي واجبة وان لم تكن مفروضة وما نقل المزني عن الشافعي رضى الله عنه أن من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين فهذه اللفظة مأولة باتفاق الاصحاب اما الجمهور فقالوا معناه من وجب عليه حضور الجمعة فرضا وجب عليه حضور العيدين سنة وقد يعبر عن الاستحباب المؤكد بالوجوب واما الا صطخرى فانه قال معناه من وجب عليه حضور الجمعة عينا وجب عليه حضور العيدين كفاية (الثانية) القول في كيفية هذه الصلاة تعلق بالاكمل والاقل * فاما الاكمل فتبين ببيان سننها وهى مذكورة(5/5)
من بعد * واما الاقل فقد قال وأقلها ركعتان كسائر الصلوات وليس المراد منه ان الاكمل فوق الركعتين وانما المراد منه ان الركعتين بصفة كونها كسائر الصلوات هو الاقل والاكمل ركعتان لا بهذه الصفة بل مع خواص شرعت فيهما ثم قوله كسائر الصلوات غير مجرى على اطلاقه فانها تختص بنية صلاة العيد(5/6)
وبالوقت الذى نذكره وانما المراد أنها كهي في الافعال والاركان ويخرج عنه التكبيرات الزائدة فليست هي من اركان الصلاة ولا يجبر تركها بالسجود كالتعوذ وقراءة السورة (الثالثة) لفظ الكتاب يقتضي دخول وقت هذه الصلاة بطلوع الشمس فانه قال ووقتها ما بين طلوع الشمس الي زوالها وصرح بذلك كثير من الاصحاب منهم صاحب الشامل والمهذب والقاضى الروياني قالوا ان وقتها إذا طلعت الشمس(5/7)
ويستحب تأخيرها إلى ان ترتفع قيد رمح وايراد جماعة يقتضى دخول الوقف بالا رتفاع قيد رمح منهم الصيد لانى وصاحب التهذيب والله اعلم * ولا خلاف في انه إذا زالت الشمس خرج وقتها * واحتجوا عليه بان سنى المواقيت علي انه إذا دخل وقت صلاة خرج وقت التى قبلها وبالزوال يدخل وقت الظهر فيخرج وقت(5/8)
صلاة العيد (الرابعة) قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وسائر الكتب الجديدة يجوز للمنفرد في بيته وللمسافر والمرأة والعبد صلاة العيد وقال في القديم لا يصلي العيد الا في الموضع الذى يصلى فيه
الجمعة فظاهره يقتضي أن لا يصلي هؤلاء العيد كما لا يصلون الجمعة الا تبعا للقوم واختلف الا صحاب على طريقين (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب أن المسألة على قولين (الجديد) أنه لا يشترط فيها بشروط الجمعة لانها نافلة فاشبهت صلاة الاستسقاء والخسوف (والقديم) يشترط وبه قال أبو حنيفة وكذلك احمد في رواية واستشهدوا بان النبي صلي الله عليه وسلم (لم يصل العيد بمنى لانه كان مسافرا كما لم يصل الجمعة) فعلى هذا تشترط الجماعة والعدد بصفات الكمال وغيرهما الا انه يستثنى اقامتها في خطة البلدة والقرية فلا يشترط ذلك علي هذا القول ايضا لتطابق الناس علي اقامتها بارزين كذلك ذكره الشيخ أبو حامد وكثيرون وعن الشيخ ابى محمد انه لا يستثنى ولا يجوز اقامتها علي هذا القول الا حيث تجوز الجمعة وهذا هو الموافق لظاهر لفظ الكتاب واستثنى بعضهم عدد الاربعين ايضا ويفترقان ايضا في(5/9)
ان خطبتي الجمعة مشروطتان قبل الصلاة وخطبتا العيد بعد الصلاة قال امام الحرمين ولو فرض اخلال بالخطبة فيبعد جدا في التفريع على هذا القول انعطاف البطلان على الصلاة هذا احد الطريقين (والثاني) وبه قال أبو اسحاق القطع بما ذكر في الجديد وحمل كلامه في القديم علي ان صلاة العيد لا تقام في مساجد المحال كصلاة الجمعة فيجوز أن يعلم لهذه الطريقة قوله على الجديد بالواو لانه اثبات للخلاف ومن قال بالطريقة الثانية نفى ذلك وقوله ولا يشترط معلم بالحاء والالف لما تقدم وإذا فرعنا علي الصحيح فإذا صلاها المنفرد لم يخطب وحكي الفاضى ابن كج وجها آخر انه يخطب وهو قريب من الخلاف في ان المنفرد هل يؤذن وان صلي مسافرون صلي بهم واحد وخطب(5/10)
قال (وإذا غربت الشمس ليلة العيد ين استحب التكبيرات المرسلة ثلاثا نسقا حيث كان في الطريق وغيرها إلى ان يتحرم الامام بالصلاة وفي استحبابها عقيب الصلوات الثلاث وجهان) * التكبير الذى يذكر في هذا الباب ضربان (احدهما) ما يشرع في الصلاة والخطبة وسيأتي في موضعه (والثاني) غيره والمسنون في صيغته أن يكبر ثلاثا نسقا وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا يكبر مرتين وحكى صاحب التتمة قولا عن القديم مثل مذهبهما * لنا الرواية عن جابر وابن
عباس رضى الله عنهم وأيضا فانه تكبير شرع شعارا للعيد فكان وترا كتكبير الصلاة ثم قال الشافعي(5/11)
رضى الله عنه وما زاد من ذكر الله محسن واستحسن في الام ان تكون زيادته ما نقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قاله علي الصفا وهو (الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده لا اله الا الله والله اكبر) وحكي الصيدلانى وغيره عن القديم أنه يقول بعد الثلاث الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا الله اكبر على ما هدانا والحمد لله(5/12)
علي ما أبلانا وأولانا قال في الشامل والذى يقوله الناس لا بأس به أيضا وهو (الله اكبر الله اكبر) الله اكبر لا اله الا الله والله اكبر الله اكبر ولله الحمد ثم هدا الضرب (نوعان) مرسل ومقيد (فالمرسل) هو الذى لا يتقيد ببعض الاحوال بل يؤتي به في المنازل والمساجد والطرق ليلا ونهارا (والمقيد) هو الذى يؤتى به في أدبار الصلوات خاصة (فاما) التكبير المرسل فهو مشروع في العيدين خلافا لا بى حنيفة رحمه الله حيث قال في رواية لا يسن في عيد الفطر لنا ما روى (أن النبي صلي الله عليه وسلم(5/13)
وسلم كان يخرج يوم الفطر والاضحى رافعا صوته بالتهليل والتكبير حيث يأتي المصلي وأول وقته في العيدين جميعا غروب الشمس ليلة العيد وعن مالك واحمد انه لا يكبر ليلة العيد وانما يكبر في يومه * لنا قوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) قال الشافعي سمعت من أرضى به من أهل العلم بالقرآن يقول (لتكملوا العدة) أي عدة صوم رمضان (ولتكبروا الله علي ما هداكم) أي عند اكمالها واكمالها بغروب الشمس آخر يوم من رمضان وفي آخر وقته طريقان (أظهرها) وبه قال ابن سريج وابو إسحاق أن المسألة علي ثلاثة أقوال (أصحها) وهو رواية البويطي واختيار المزني أنهم يكبرون الي أن يتحرم الامام بصلاة العيد لان الكلام يباح الي تلك الغاية والتكبير أولي ما يقع به الاشتغال به فانه ذكر الله تعالي وشعار اليوم (والثانى) إلى أن يخرج الامام الي الصلاة لانه إذا برز احتاج
الناس إلى أن يأخذوا اهبة الصلاة ويشتغلوا بالقيام إليها ويحكي هذا عن الام (والثالث) الي أن(5/14)
يفرغ الامام من الصلاة لما روى (أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيد حتى يأتي المصلي ويقضى الصلاة) وهذا القول منقول عن القديم وانما يحبئ في حق من الا يصلى مع الامام ونقله آخرون علي وجه آخر فقالوا إلى أن يقرغ من الصلاة والخطبتين جميعا وروى مثل ذلك عن مالك(5/15)
واحمد (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وتأويل غيره بحمل الخروج في القول الثاني على(5/16)
التحرم لما بينهما من التواصل والتقارب وحمل الكبير في الثالث علي جنس التكبير الذى يؤتى به في الصلاة وقبلها ولا فرق في التكبير المرسل بين عيد الفطر والاضحى برفع الناس أصواتهم به في الليلتين في المنازل والمساجد والطرق والاسواق سفرا كانوا أو حاضرين وفي اليومين في طريق المصلي وبالمصلي إلى الغاية المذكورة ويستثنى عن ذلك الحاج فلا يكبر ليلة الاضحى وانما ذكره التلبية وحكى القاضي الروياني وغيره قولين في أن التكبير ليلة الفطر آكد أم ليلة الاضحى وقالوا الجديد الاول والقديم الثاني وأما النوع الثاني وهو التكبير المقيد بادبار الصلاة فحكمه في عيد الاضحى مذكور بعد هذا الفصل في الكتاب (وأما) في عيد الفطر فوجهان (أظهر هما) عند الاكثرين ولم يذكر في التهذيب سواه انه لا يستحب لانه لم ينقل ذلك عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا اصحابه (والثاني) يستحب لانه عيد استحب فيه الكببر المطلق فيسن فيه التكببر المقيد كلاضحى فعلى هذا يكبر عقيب ثلاث صلوات وهى المغرب والعشاء ليلة الفطر والصبح يوم الفطر وحكم الفوائت(5/17)
والنوافل في هذه المدة علي هذا الوجه تقاس بما سنذكره في عيد الاضحى وصاحب التتمة نقل هذا الخلاف قولين وجعل الجديد الاول والقديم الثاني هذا فقه الفصل ولا بأس بالتنصيص علي المواضع المستحقة للعلامات من لفظ الكتاب (فقوله) إذا غربت الشمس معلم بالميم والالف اشارة الي أنه لا تكبير
عندهما إذا غربت الشمس وانما التكبير بالنهار (وقوله) ليلة العيد بالحاء لانه مطلق وقد حكينا خلافه في التكبير في عيد الفطر (وقوله) ثلاثا نسقا بالحاء والالف والواو وقوله الي ان يتحرم الامام بالصلاة بالميم والالف والواو ثم يجوز أن يكون هو جوابا علي أصح الاقوال علي الطريقة الاولي ويجوز أن يكون ذهابا الي الطريقة الثانية وكلامه في الوسيط إليها أميل(5/18)
قال (ويستحب أحياء ليلي العيد لقوله صلي الله عليه وسلم (من أحى ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب *(5/19)
أحياء ليلتى العيد بالعبادة محثوث عليه للحديث الذى رواه قال الصيدلانى وقد قيل لم يرد فيه شئ من الفضائل مثل هذا لان موت القلب اما للكفر في الدنيا واما للفزع في القيامة وما اضيف الي القلب فهو أعظم لقوله تعالى جده (فانه آثم قلبه) والله اعلم * قال (ويستحب الغسل بعد طلوع الفجر وفي اجزائه ليلة العيد لحاجة أهل السواد وجهان) * روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه (كان يغتسل للعيدين) وأيضا فهما يومان(5/20)
يجتمع فيها الكافة للصلاة فسن لهما الغسل كالجمعة ولا خلاف في أجزائه بعد الفجر وأما قبله فقد حكي الجمهور فيه قولين (أحدهما) لا يجزئ كغسل الجمعة وبه قال احمد (وأصحهما) وهو نصه في البويطي أنه يجزئ لان أهل السواد يبتكرون إليها من قراهم فلو لم يجز الغسل قبل الفجر لعسر الامر عليهم والفرق بينه وبين غسل الجمعة قد ذكرناه في باب الجمعة والصيد لانى في آخرين حكوا الخلاف في المسألة وجهين وتابعهم صاحب الكتاب وقد أورد هذه المسألة في كتاب الجمعة مرة وزاد(5/21)
ههنا التنبيه علي وجه الجواز وإذا جوزنا فهل يختص بالنصف الثاني من الليل كاذان الصبح أم يجوز في جميع الليل كنية الصوم عن القاضى أبى الطيب أنه يختص بالنصف الثاني وهذا ما ذكره في
المهذب وقال الامام المحفوظ أن جميع ليلة العيد وقت له وهذا أبداه صاحب الشامل علي سبيل الاحتمال وهو الموافق للفط الكتاب(5/22)
قال (ثم التطيب والتزين بثياب بيض مستحب للقاعد والخارج من الرجال والنساء وأما العجائز فيخرجن في بذلة الثياب) * يستحب التطيب يوم العيد لما روى عن الحسن بن علي كرم الله وجههما قال (أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نتطيب بأجود ما نجده في العيد) وكذلك(5/23)
يستحب التنظف بحلق الشعر وقلم الاظفار وقطع الروائح الكريهة وأن يلبس أحسن ما يجده من الثياب ويتعمم والبيض في الثياب أحب من غيرها وان لم يجد الا ثوبا واحدا فيستحب أن يغسله للجمعة وللعيدين ويستوى في استحباب جميع ذلك القاعد في بيته والخارج إلى الصلاة العيد كما ذكرناه في الغسل هذا في حق الرجال * وأما النساء فيكره لذوات الهيئة والجمال الحضور(5/24)
لخوف الفتنة بهن ويستحب للعجائز الحضور ويتنظفن بالماء ولا يتطيبن روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا تمنعوا اماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) أي غير متطيبات وكذلك إذا خرجن فلا يلبسن من الثياب ما يشهرهن بل يخرجن في بذلتهن وعن ابى حنيفة رحمه الله أن(5/25)
النساء لا يشهدن العيدين ولا المكتوبات الا الصبح والعشاء فليكن قوله فيخرجن معلما بالحاء وذكر الصيدلانى أن الرخصة في خروجهن وردت في ذلك الوقت فاما اليوم فيكره لهن الخروج إلى(5/26)
مجمع المسلمين لان الناس قد تغيروا وروي هذا المعنى عن عاشة رضى الله عنها وهذا يقتضى اعلام قوله فيخرجن بالواو أيضا *
قال (ويحرم علي الرجال التزين بالحرير والمركب من الابريسم وغيره حرام ان كان الابريسم(5/27)
ظاهرا وغالبا في الوزن فان وجد احد المعنين دون الثاني فوجهان ولا بأس بالمطرف بالديباج وبالمطرز وبالمحشو بالابريسم فان كانت البطانة من حرير لم يجز وفي جواز افتراش الحرير للنساء خلاف وفي جواز لبس الديباج للصبيان خلاف ويجوز للغازي لبس الحرير وكذا للمسافر لخوف القمل والحكة وهل يجوز بمجرد الحكة فيه في الحضر وجهان) * والتزين بالديباج والحرير حرام على الرجال دون النساء لما روى عن علي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم وآله و (خرج يوما وفى يمينه قطعة حرير وفي شماله قطعة ذهب فقال هذان حرامان علي ذكور أمتى حل لاناثها) ويحرم علي الخنثي أيضا لاحتمال كونه رجلا حكاه في البيان ويجوز ان ينازع(5/28)
فيه وعد الائمة القز من الحرير وحرموه على الرجال وان كان كمد اللون وادعي صاحب النهاية وفاق الاصحاب فيه لكن في بحر المذهب والتتمة حكاية وجه انه لا يحرم لانه ليس من ثياب الزينة ثم في الفصل مسائل (احداها) لو لم يتمحض الثوب حريرا بل كان مركبا من الابريسم وغيره ففيه طريقان قال جمهور الاصحاب ان كان ذلك الغير أكثير في الوزن لم يحرم لبسه وذلك كالخز سداه الابريسم ولحمته صوف فان اللحمة اكثر من السدى وان كان الابريسم اكثر يحرم وان كانا نصفين فهل يحرم وجهان (أصحهما) لا يحرم لانه لا يسمى ثوب حرير والاصل الحل (والثاني) وبه قال صاحب الحاوى يحرم تغليبا للتحريم (والطريق الثاني) وبه قال القفال وطائفة من أصحابه لا ننظر الي الكثرة والقلة ولكن ننظر الي الظهور فان لم يظهر الابريسم حل كالخز الذى سداه ابريسم وهو لا يظهر وان ظهر الا بريسم لم يحل وان كان قدره في الوزن اقل فيخرج من هاتين الطريقتين القطع بالتحريم ان كان الابريسم ظاهرا وغالبا في الوزن كما ذكر في الكتاب لاجتماع المعنيين المنظور اليهما وان وجد الظهور دون غلبة الوزن حرم عند القفال ولم يحرم عند الجمهور وان وجد غلبة الوزن(5/29)
دون الظهور انعكس المذهبان (الثانية) يجوز لبس الثياب المطرفة بالديباج والمطرزة به لما روى انه صلي الله عليه وسلم (كان له جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج) قال الشيخ أبو محمد وغيره الشرط فيه الاقتصار على عادة التطريف فان جوز العادة فيه كان سرفا محرما والترقيع(5/30)
بالديباج كالتطريز به وشرط في التهذيب ان يكون الطراز بقدر اربع اصابع فما دونها فان زاد لم يجز ويدل عليه ما روى عن علي رضى الله عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير(5/31)
إلا في موضع اصبع أو اصبعين أو ثلاث أو اربع) ولو خاط ثوبا بابريسم جاز لبسه ويفارق الذهب يحرم كثيره وقليله في الدرع المنسوجة بالذهب والقباء بازرار الذهب لان الخيلاء فيه(5/32)
اكثر وكل احد يعرفه ولا يخرج على التفصيل في الاناء المضبب فان امر الحرير اهون من امر الاواني الا ترى انه يحرم علي النساء الا واني ولا يحرم عليهن لبس الحرير والقباء المحشو بالابريسم أو القز لا يحرم حكي ذلك عن نصه في الام لان الحشو ليس ثوبا منسوجا ولا يعد صاحبه لا بس حرير واثبت في التهذيب خلافا فيه فقال ولو لبس جبة محشوة بالقز أو الابريسم جاز على الاصح فليكن قوله وبالمحشو بالابريسم معلما بالواو لذلك ولو كانت بطانة الجبة من حرير لم يجز لبسها لانه لا بس حرير وقد روى انه صلي الله عليه وسلم قال (احرم لباس الحرير والذهب على ذكور امتى) قال امام الحرمين وكأن معنى الفخر والخيلاء وان كان مرعيا في الحرير ولكن فيه شئ آخر وهو انه ثوب رفاهية وزينة وابداء زى يليق بالنساء دون شهامة الرجال وهذا حسن الا أن هذا القدر لا يقتضى التحريم عند الشافعي رضى الله عنه لانه قال في الام ولا اكره لبس(5/33)
اللؤلؤ الا للادب فانه من زى النساء لا للتحريم (الثالثة) تحريم الحرير على الرجال لا يختص باللبس بل اقتراشه والتدثر به واتخاذه سترا وسائر وجوه الاستعمال في معنى اللبس خلافا لابي حنيفة
حيت قال لا يحرم الا للبس ولا بي الفضل العراقي من اصحابنا حيث قال فيما حكاه أبو العاصم العبادي انه يجوز لهم الجلوس عليه لناما روى عن حذيقة رضي الله عنه (نهانا رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم عن لبس الحرير والديباج وان نجلس عليه) ولان السرف والخيلاء في سائر وجوه الاستعمال اظهر منه في اللبس فيكون بالتحريم اولى وهل يحرم افتراش الحرير على النساء فيه وجهان (احدهما) لا(5/34)
كاللبس و (اظهرها) ولم يورد في التهذيب سواه نعم كاستعمال الا وانى للسرف والخيلاء بخلاف اللبس فانه للزينة فصار كالتحلي (الرابعة) هل للقوم الباس الصبيان الحرير ام لا فيه وجهان (احد هما) لا لتغليظ ورد فيه عن عمر رضى الله عنه بل عليهم ان يمنعوهم من لبسه (والثاني) نعم لان ثوب الحرير لائق بحال الصبيان إذ ليس لهم شهامة تناقضها وحكى في البيان وجها ثالثا وهو الفرق بين أن يكون دون سبع سنين فلا يمنع منه وبين ان يكون له سبع سنين فصاعدا فيمنع منه كيلا يعتاده وهذا الوجه اظهر ولم يذكر في التهذيب سواه (الخامسة) حيث قلنا بتحريم لبس الحرير فذلك عند عدم الضرورة والحاجة فاما عند الضرورة فلا بأس بلبسه كما إذا فاجأه القتال ولم يجد غيره وهذا قد سبق ذكره في صلاة الخوف وقوله ويجوز للغازي لبس الحيرير محمول علي هذه الحالة وليس(5/35)
الغزو عذرا على الاطلاق فهو اذن مكرر ومن الضرورة لبسه لحر أو برد مهلك واما الحاجة فهو أن يكون به جرب أو حكة فله لبس الحرير لذلك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضى الله عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما) وفي التنبيه حكاية وجه أنه لا يجوز والمشهور الاول وكذلك يجوز لبسه لدفع القمل لان في بعض الروايات أن ابن الزبير وعبد الرحمن رضي الله عنهما شكيا القمل في بعض الاسفار فرخص رسول الله صلى(5/36)
الله عليه وسلم لهما في لبس الحرير) وهل يشترط السفر في ذلك أم يجوز لمجرد الحكة في الحضر فيه وجهان أصحهما لا يشترط لاطلاق الخبر (والثانى) نعم لان السفر شاغل عن التفقد والمعالجة
وفي الرواية الثانية ما يقتضي اعتباره في دفع القمل والله أعلم * قال (ثم إذا تزين فليقصد الصحراء ماشيا والصحراء أولا من المسجد الا بمكة وليكن الخروج في عيد الاضحى أسرع قليلا)(5/37)
لما تكلم في استحباب التزين لصلاة العيد اعترض النظر في التزين المباح والممنوع منه فعاد بعد الفراغ منه الي ترتيب السنن وقال ثم إذا تزين فليقصد الصحراء والفصل يتضمن أمورا (احدها) أن الخروج لصلاة العيد إلى الصحراء أولي أم اقامتها في المسجد الجامع فيه * أما بمكة فاقامتها في المسجد اولي لان الائمة كانوا يصلون صلاة العيد فيه والمعني فيه فضيلة البقعة ومشاهدة الكعبة وغيرهما وألحق الصيد لاني بيت المقدس به * واما سائر البلاد فينظر ان كان هناك عذر من مطر أو ثلج فاقامتها في المسجد أولي لما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه قال(5/38)
(أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمجد) وان لم يكن عذر نظر ان كان المسجد ضيقا فالخروج إلى الصحراء أولي بل يكره اقامتها في المسجد لو قوع الناس في الزحام وعسر الامر عليهم وان كان المسجد واسعها ففيه وجهان حكهما الامام عن صاحب التقريب (أحدهما) وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب أن اقامتها في الصحراء أولى لان ذلك ارفق بالناس(5/39)
فان صلاة العيد يحضرها الداني والقاصى والفرسان والرجالة وكذلك يحضرها النساء الحيض ولا يتأتي لهن دخول المسجد (وأظهرهما) وهو الذى ذكره العراقيون وتابعهم صاحب التهذيب وغيره أن المسجد اولى لشرف المسجد وتسهيل الامر علي الناس عند سعته والحيض ان حضرن وقفن على باب المسجد وفي كلام الائمة ما يفهم بناء هذا التردد علي ان اقامتهم الصلاة بمكة كان لخصوص فضيلة المسجد الحرام أو لسعة الخطة فان قلنا بالثاني فالمسجد أولى في سائر البلاد أيضا وان قلنا(5/40)
بالاول فلا * ومهما خرج الامام إلى الصحراء فينبغي أن يستخلف في البلد من يصلى بضعفة الناس كالشيوخ والزمني والمرضي وهذا على الصحيح في أن صلاة العيد لا يشترط فيها شروط الجمعة فان شرطناها ولم نستثن؟ اقامتها خارج البلدة فلا معنى لهذا التفصيل والاختلاف ولا تقام في الصحراء أصلا وان استثنينا هذا الشرط عن الاعتبار امتنع استخلاف من يصلي بالضعفة ولم تقم الا في موضع واحد كالجمعة (والثانى) أن المستحب للساعي إلى صلاة العيد المشى دون الركوب لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ركب في عيد ولا جنازة قط) فان عجز أو ضعف لكبر أو مرض فله أن يركب وأما في الرجوع فان شاء مشى وان شاء ركب والله أعلم (والثالث) أنه يستحب(5/41)
للامام أن يؤخر الخروج في عيد الفطر قليلا ويعجل في عيد الاضحى لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (كتب الي عمرو بن حزم حين ولاه البحرين ان عجل الاضحي وآخر الفظر وذكر الناس) والمعنى فيه أن شغل الناس وهو امر الاضاحي يكون بععد الصلاة فالتعجيل أولى ليشتغلوا به وشغلهم يوم الفطر قبل الصلاة وهو تفريق صدقة الفطر فالتأخير أولي ليفرغوا عنه ويستحب للقوم أن يبتكروا إذا صلوا الصبح ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة إذا عرفت ذلك ونظرت في قوله في الكتاب وليكن الخروج في عيد الاضحي أسرع قليلا وجدت نظم(5/42)
الكتاب يقتضي كون هذا الكلام في خروج القوم لانه عقبه بقوله ثم ليخرج الامام لكن الذى قاله الجمهور ودل عليه سياق النص في المختصر أن سنة القوم الابتكار بلا فرق بين العيدين وتعجيل الخروج وتأخيره محبوبان في حق الامام خاصة * قال (ثم ليخرج الامام وليتحرم بالصلاة في الحال والينادى (الصلاة جامعة) * السنة للامام أن لا يخرج الا بعد خروج القوم لثلا يحتاج الي انتظارهم فان انتظارهم اياه أليق(5/43)
من انتظاره اياهم وكما يحضر يشتغل بالصلاة لما روى أنه صلي لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (كان يخرج في العيد
الي المصلي ولا يبتدئ الا بالصلاة) ويكره للامام ان يتنفل قبلها أو بعدها * روي أن النبي صلي الله عليه وسلم (صلي ركعتي العيد ولم يتنفل قبلها ولا بعدها) ولا يكره للمأموم التنفل لا قبلها ولا بعدها) خلافالا حمد في الحالتين ولمالك كذلك في المصلي وعنه في المسجد روايتان ولا بى حينفة فيما بعدها لنا قياس التنفل في هذا الوقت علي التنفل في سائر الايام ويستحب في عيد الفطر أن(5/44)
يطعم شيئا قبل الخروج الي الصثلاة ولا يطعم في عيد الاضحى حتى يرجع رواه أنس وبريدة وغيرهما رضي الله عنهما عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم * وأما قوله وليناد الصلاة جامعة فقد سبق مرة في باب الاذان وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم(5/45)
وسلم (صلي اخطيب بغير أذان ولا اقامة) وذكر في العدة أنه لو نودى لصلاة العيد حي علي الصلاة فلا بأس بل هو مستحب * قال (وليقرأ أولا دعاء الاستفتاح ويكبر سبع (ح) تكبيرات زائدة (م) في الاولى وخمسا (ح) في الثانية ويقول بين كل تكبيرتين سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ثم يقرأ الفاتحة بعد التكبير والتعوذ ويقرأ سورة ق في الاولي وأقتربت في الثانية ويرفع اليدين (ح) في هذه التكبيرات) ذكر في هذا الفصل الكيفية المخصوصة بصلاة العيد ولا فرق فيها بين الامام وغيره وان كان كلام الكتاب يختص بالامام فنقول: المتحرم بصلاة العيد يستفتح عقيب التحرم كما في سائر الصلوات ويجوز أن يعلم قوله وليقرأ أولا دعاء الاستفتاح بالواو لان صاحب البيان روى عن بعضهم حكاية قول أنه يأتي به بعد التكبيرات الزوائد ثم يكبر في الركعة الاولي سبع تكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح والهوى إلى الركوع وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام من السجود والهوى الي الركوع خلافا لا بى حنيفة حيث قال التكبيرات الزائدة في كل ركعة ثلاث ولمالك واحمد رحمهما الله حيث قالا التكبيرات الزوائد في الركعة الاولى ست وبه قال المزني وساعدونا في الركعة الثانية وعن احمد(5/46)
رواية أخرى مثل مذهبنا مطلقا * لنا ما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر أو لاضحي في الاولي سبعا وفى الثانية خمسا (ويروى أنه (كان يكبر اثنى عشرة تكبيرة سوى تكبيرة(5/47)
الافتتاح وتكبيرة الركوع (وإذا عرفت ما نقلناه من المذاهب أعلمت قوله سبع تكبيرات بالحاء وقوله زائدة بالميم والالف والزاى لان عندهم الزائدة ست لا سبع (وقوله) وخمسا بالحاء وحده ويقف بين كل تكبيرتين بقدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة يهلل الله ويكبره ويمجده هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقد روى نحو ذلك عن ابن مسعود قولا وفعلا) وأيضا فان سائر التكبيرات المشروعة في(5/48)
الصلاة يتعقبها ذكر مسنون فكذلك هذه التكبيرات ثم الذى ذكره الاكثرون وأورده في الكتاب أنه يقول (سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر) ولو زاد جاز قال الصيدلاني وعن بعض الاصحاب أنه يقول (لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير) قل ابن الصباغ ولو قال ما اعتاده الناس وهو (الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلي الله علي محمد وسلم تسليما كثيرا كان حسنا أيضا (وقوله) بين كل تكبيرتين مر قوم بالحاء لان عنده يوالى بين التكبيرات ولا يقف وبالميم لان أصحابنا حكوا عن مالك أنه يقف بينهما ولا يذكر شيئا ثم ينبغى أن يعرف أن قوله بين كل تكبيرتين راجع الي التكبيرات الزوائد فلا يأتي بهذا الذكر بين تكبيرة الافتتاح والاولى من الزوائد نص عليه في الام بل يكفى بينهما دعاء الاستفتاح وكذلك لا يأتي به بعد التكبيرة السابعة والخامسة بل يتعوذ بعد السابعة وكذا بعد الخامسة ان قلنا يستحب التعوذ(5/49)
في كل ركعة وعن أبى يوسف أنه يتعوذ قبل التكبيرات وذكر الروياني أنه قال قيل أنه مذهب ابى حنيفة رحمه الله لنا أن التعوذ لافتتاح القراءة فليكن عقيبها وأشار الصيد لاني إلى تردد في المسألة فقال الاشبه بالمذهب ان التعوذ بعد التكبيرات وقبل القراءة ثم يقرأ الفاتحة كما في سائر
الصلوات وعند أبي حنيفة أن القراءة في الركعة الاولى بعد التكبيرات الزوائد وفي الثانية قبل التكبيرات ويوالى بين القرائتين لنا ما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر والاضحى في الاولي سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة) فليعلم قوله بعد التكبير بالحاء لما حكينا من مذهبه وبالالف لان عند احمد رواية مثل مذهبه (والصحيح) عنه مثل مذهبنا ثم يقرأ في الاولى بعد الفاتحة سورة ق وفي الثانية اقتربت الساعة خلافا لا بي حنيفة رحمه الله حيث قال ليس بعض السور أولي من بعض ولما لك واحمد رحمهما الله حيث قالا يقرأ في الاولي (سبح اسم ربك) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) لنا ما روي عن أبي واقد الليثى رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يقرأ يوم الفطر والاضحي بق والقرآن المجيد(5/50)
واقتربت الساعة ويستحب رفع اليدين في التكبيرات وبه قال أبو حنيفة ويروى ذلك عن فعل عمر رضى الله عنه وقال مالك لا يرفع وإذا شك في عدد التكبيرات أخذ بالاقل ولو كبر ثمان تكبيرات وشك في أنه هل نوى التحرم بواحدة منها فعليه استئناف الصلاة ولو شك في التكبيرة التى نوى التحرم بها أخذ بأنه تحرم بالا خيرة فيعيد التكبيرات ولو صلى خلف من يكبر ثلاثا أو ستا تابعه في فعله ولا يزيد عليه في أصح القولين وعند أبي حنيفة رحمه الله لو صلى خلف من يكبر سبعا تابعه وينبغي أن يضع اليمنى علي اليسرى بين كل تكبيرتين وحكى عن العمدة ما يشعر بخلاف في المسألة * قال (ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا قبل الخطبة الاولي وسبعا قبل الثانية علي مثال الركعتين) * إذا فرغ الامام من صلاة العيد صعد المنبر واقبل بوجهه على الناس وسلم وهل يجلس قبل الخطبة فيه وجهان قال أبو اسحق لا بخلاف ما في خطبة الجمعة يجلس قبلها ليؤذن المؤذن ولا اذان(5/51)
في هذه والاصح المنصوص انه يجلس ليستريح من تعب الصعود ويتأهب الناس للاستماع ثم يخطب
خطبتين اركانهما كار كأنهما في الجمعة يقوم فيهما ويجلس بينهما كما في الجمعة لكن لا يجب القيام ههنا بل يجوز القعود مع القدرة على القيام كما في نفس الصلاة وقد روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم(5/52)
خطب علي راحلته يوم العيد) ويستحب ان يعلمهم في عيد الفطر احكام صدقة الفطر وفي عيد الاضحى احكام الاضحية ويستحب ان يفتتح الخطبة الاولي بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع تترى روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنهم انها من السنة ولو ادخل(5/53)
بينهما الحمد والتهليل ولا ثناء جاز وذكر بعضم ان كيفيتها ما سبق في التكبيرات المرسلة والمقيدة ويستحب للناس استماع الخطبة ومن حضر والامام يخطب فان كان في المصلى جلس واستمع الخطبة ولم يصل التحية ثم ان شاء صلى صلاة العيد في الصحراء وان شاء صلاها إذا انصرف الي بيته وان كان في المسجد يستحب له التحية ثم قال أبو اسحق ولو صلي صلاة العيد والحالة هذه كان اولى وحصلت التحية كما لو دخل المسجد وعليه مكتوبة يفعلها ويحصل بها لتحية وقال ابن ابى هريرة ويصلى التحية ويؤخر صلاة العيد إلى ما بعد الخطبة فانها تطول فيفوت عليه الاستماع والاول اصح عند الاكثرين * واما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لو حذف(5/54)
بعد الصلاة لكان الباقي دالا على الغرض لان كلمة ثم تفيد التراخي وانما اخذ كون هذه الخطبة بعد الصلاة من فعل النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضوان الله عليهم اجمعين فلو قدمها خطيب اساء وهل يعتد بخطبته فيه احتمال عند امام الحرمين (وقوله) كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا غير مجرى على اطلاقه لانه لم يستدرك الا افتراق الخطبتين في التكبير وهما يفترقان في امور أخر(5/55)
(منها) انه لا يجب القيام في خطبة العيد (ومنها) استحباب التعرض لصدقة الفطر والاضحية فيها وقوله علي مثال لركعتين؟ أي إذا حسبنا تكبيرة التحرم والهوى الي الركوع مع الزوائد في الاولى وحسبنا
تكبيرة الانتهاض والهوى إلى الركوع مع الزوائد في الثانية ويجوز ان يريد بقوله على مثال الركعتين انه يجعل التفاوت بين عدد التكبيرات في الخطبة الاولي وعددها في الثانية كالتفاوت بينهما في الركعتين فان فضل التسعة على السبعة كفضل السبعة علي الخمسة * قال (ثم إذا خطب رجع إلى بيته من طريق آخر) روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (كان يغدو يوم الفطر والاضحي في طريق ويرجع في طريق) واختلفوا في سببه قيل ليتبرك به أهل الطريقين وقيل ليستفتى فيهما وقيل ليتصدق على فقرائهما وقيل ليزور قبور أقار به فيهما وقيل ليشهد له الطريقان وقيل ليزداد غيظ المنافقين وقيل لئلا تكثر الزحمة وقيل كان يتوخي اطول الطريقين في الذهاب وأقصرهما في الرجوع وهو اظهر المعاني ثم من شاركه من الائمة في المعني استحب له ذلك وفيمن لا يشارك وجهان (قال) أبو اسحق لا يستحب له ذلك (وقال) ابن ابي هريرة يستحب كالرمل والاضطباع يؤمر بهما مع زوال المعنى والي هذا ميل الاكثرين وهو الموافق لاطلاق لفظ الكتاب ويستوى في هذه السنة الامام والقوم نص عليه في المختصر ولم يتعرض في الكتاب الا للامام(5/56)
قال (ويستحب في عيد النحر رفع الصوت بالتكبير عقيب خمس عشرة مكتوبة اولها الظهر من يوم العيد وآخرها الصبح آخر ايام التشريق ثم قيل يستحب عقيب كل صلاة تؤدى في هذه الايام وإن كاهن نفلا أو قضاء وقيل لا يستحب الا عقيب الفرض وقيل لا يستحب الا عقيب فرض من فرائض هذه الايام صليت في هذه الايام قضاء وأداء) * سبق الوعد بالكلام في التكبير المقيد في عيد النحر وهو غرض هذا الفصل فنقول أولا لا فرق في هذا التكبير بين المنفرد ومن يصلي جماعة ولا ببن الرجال وبين انساء والمقيم والمسافر وعند أبى حنيفة لا يكبر المنفرد ولا المرأة ولا المسافر ثم الناس ينقسمون إلى الحجيج وغيرهم (اما) الحجيج فيبتدئون التكببر عقيب الظهر يوم النحر ويختمونه عقيب الصبح آخر ايام التشريق قاله العراقيون وغيرهم ووجهوا الابتداء بان ذكر الحجيج التلبية وإنما يبدلونها بالتكبير مع أول حصاة يرمونها
يوم النحر فالظهر أول صلاة ينتهون إليها من وقت قطع التلبية قالوا والختم لان صبح اليوم الثالث آخر صلاة يصلونها بمنى قال الامام ولا شك فيما ذكروه في الابتداء وفي الانتهاء تردد (واما غير الحاج فخلف كم صلاة يكبرون فيه طريقان (أظهرهما) أن المسألة علي أقوال (أصحها) وهو منقول(5/57)
عن المزني والبويطى والزعفراني رحمهم الله أنهم يكبرون عقيب خمس عشرة مكتوبة أولها ظهر يوم النحر وآخرها صبح اليوم الثالث من أيام التشريق كالحجاج وسائر الناس تبع لهم في ذلك ويروى هذا عن عثمان وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضى الله عنهم (والقول الثاني) أنهم يبتدئون التكببر عقيب المغرب ليلة النحر كما أن في عيد الفطر يبتدئ التكبير عقيب المغرب ولم يبين الانتهاء في هذا النص وحمله الاصحاب على ما ذكر في القول الاول وعلى هذا يكون مكبرا عقيب ثمان عشرة صلاة (والثالث) أنهم يبتدئون عقيب الصبح يوم عرفة ويختمونه عقيب العصر آخر ايام التشريق خلف ثلاث وعشرين صلاة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم وسلم (كبر بعد صلاة الصبح يوم عرفة ومد التكبير إلي العصر آخر أيام التشريق) وبهذا قال احمد واختاره المزني وابن سريج قال الصيد لانى وغيره وعليه العمل في الامصار ولم ينسب ابن الصباغ هذا القول إلى اختيار المزني ولكن قال عنده يكبر من الظهر يوم النحر إلي الظهر من اليوم الثالث (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وحمل ما عداه على حكاية مذهب الغير وقال أبو حنيفة يكبر من الصبح يوم عرفة إلى العصر من يوم(5/58)
النحر وهى ثمان صلوات وروى بعض أصحابنا عن مالك مثل القول الاول وروى بعضهم عنه مثل القول الثالث وقوله في الكتاب عقيب خمس عشرة معلم بالحاء والميم والالف والزاى والواو لما حكينا من الاختلافات وجميع ما ذكرناه في وظائف الوقت ولو فاتته فريضة من فرائض صلاة الايام فقضاها في غير هذه الايام لم يكبر عقيها لان التكبير شعار هذه الايام ولو قاتته في غير هذه الايام أو في هذه الايام وقضاها في هذه الايام ففيه قولان (أحدهما) لا يكبر خلفهما لانها غير مؤداة في وقتها (وأصحهما) أنه يكبر لانه شعار الوقت وعلي هذين القولين السنن الرواتب (ومنها) صلاة العيد وكذلك
النوافل المطلقة ومنهم من قطع بانه لا يكبر بعدها لانها ابعد عن مشابهة الفرائض ومنهم من فرق بين المشروع في هذه الايام كالسنن الرواتب وصلاة العيدين وبين مالا يختص بها كالنوافل المطلقة وبنى طائفة من الائمة الاختلاف في هذه الصور كلها على أن المعني في التكبير عقيب وظائف الوقت ماذا وذكروا فيه ثلاثة معان (أحدها) أنها فرائض موادة في وقتها من أيام التكبير (والثاني)(5/59)
أنها صلوات مشروعة في أيام التكبير (والثالث) أنها صلوات مفعولة في أيام التكبير ولا يخفى تخريج الاختلافات عليها وإذا سئلت عن مطلق ما يكبر خلفه من الصلوات فقل فيه وجوه (أظهرها) أنه يكبر عقيب كل صلاة مفعولة في هذه الايام (والثاني) لا يكبر إلا عقيب الفرائض منها سواء كانت مؤداة هذه الايام أو فائتتها أو فائتة غيرها (والثالث) لا يكبر إلا عقيب فرائض هذه الايام قضاء كانت أو أداء وهذه الوجوه هي المذكورة في الكتاب وتخرج مما سبق وجه رابع وهو أنه لا يكبر إلا عقيب الفرائض أو السنن الرواتب (وقوله) في العبارة عن الوجه الاول عقيب كل صلاة يشمل صلاة الجنازة أيضا لكن قال في التتمة لا يكبر خلفها لانها بنيت علي التخفيف (وقوله) وان كانت نفلا معلم بالميم والحاء والالف لان عند هم لا يكبر خلف النوافل قال امام الحرمين وجميع ما ذكرناه في التكبير الذى يرفع به الصوت ويجعله شعارا أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه فلا منع منه ولو نسى التكبير خلف الصلاة ثم تذكر والفصل قريب كبر وإن فارق مصلاه وإن طال الفصل فكذلك في اصح الوجهين والمسبوق لا يكبر مع الامام وإنما يكبر إذا أتم صلاة نفسه والله أعلم * قال (ولو نسى التكبيرات في ركعة فلا يتداركها على الجديد إذا تذكرها بعد القراءة لفوات وقتها) *(5/60)
لو نسي التكبيرات الزوائد في احدى ركعتين ثم تذكر نظر إن تذكرها في الركوع أو بعده مضى في صلاته ولم يكبر ولم يسجد للسهو كما لو ترك القعود أو السورة ولو عاد إلى القيام ليكبر بطلت صلاته ولو تذكرها قبل الركوع وبعد القراءة وهذه مسألة الكتاب ففيه قولان (الجديد)
أنه لا يكبر لفوات وقته كما لو نسي دعاء الاستفتاح فتذكر بعد القراءة لا يعيد (والقديم) أنه يكبر وبه قال أبو حنيفة فيما حكاه صاحب البيان لان محله باق وهو القيام وعلى هذا القول لو تذكرها في أثناء الفاتحة قطع القراءة وكبر ثم يستأنف وإذا كبر بعدها يستحب الاستئناف ولا يجب وحكى وجه آخر انه يجب ولو أدرك الامام بعد ما كبر بعض التكبيرات أو في حال قراءته فعلي الجديد لا يكبر ما فاته وعلى القديم يكبر وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وإذا أدركه وهو راكع يركع معه ولا يكبر قولا واحدا وقال أبو حنيفة رحمه الله يكبر تكبيرات العيد في حال الركوع ولو أدركه في الركعة الثانية كبر معه خمسا على الجديد فإذا قام للثانية كبر خمسا أيضا لان سنة الركعة الثانية خمس بلا زيادة(5/61)
قال (وإذا فاتت صلاة العيد بزوال الشمس فقد قيل لا تقضي وقيل تقضى (ح م) أبدا وقيل لا تقضى الا في الحادى والثلاثين وقيل تقضي في شهر العيد كله واذ شهد الشهود علي الهلال قبل الزوال أفطرنا وصلينا وان شهدوا بعد الغروب يوم الثلاثين لم نصغ إليهم إذ لا فائدة الا ترك صلاة العيد وان شهدوا بين الزوال والغروب أفطرنا وبان فوات صلاة العيد على الاصح ثم قضاؤها في بقية اليوم أولي أو في الحادى والثلاثين فيه خلاف وان شهدوا نهارا وعدلوا ليلا فالعبرة بوقت التعديل أو الشهادة فيه خلاف) مما يجب معرفته في هذا الفصل أصل قدمناه وهو أن في قضاء النوافل المؤقتة قولين ومن جملتها صلاة العيد وأصل آخر وهو أن صلاة العيد هل تنزل منزلة صلاة الجمعة ويعتبر فيها شرائطها أم لا إذا تذكرت ذلك فنقول: لو شهد شاهدان يوم الثلاثين من رمضان انا رأينا الهلال البارحة وكان ذلك قبل الزوال وقد بقي من الوقت ما يمكن جمع الناس فيه واقامة الصلاة أفطروا وصلوا وكانت الصلاة اداء وان شهدوا بعد غروب الشمس يوم الثلاثين لم تقبل شهادتهم كما لو(5/62)
شهدوا في اليوم الحادى والثلاثين لان شوالا قد دخل يقينا وصوم التلاثين قد تم فلا فائدة في
قبول شهادتهم الا المنع من صلاة العيد فلا يصغى إليها ويصلون من الغد وتكون صلاتهم اداء هكذا نقله الائمة وأطبقوا عليه وفي قوله لا فائدة الا ترك صلاة العيد اشكال فان لا ستهلال الهلال فوائد أخر كوقوع الطلاق والعتق المعلقين علي استهلال شوال واحتساب العدة من انقضاء التاسع والعشرين ونحو ذلك فوجب أن تقبل الشهادة لمثل هذه الفوائد ولعل مراد هم عدم الاصغاء فيما يرجع إلى صلاة العيد وجعلها فائتة لا عدم القبول علي الاطلاق وان أطلقوا ذلك في عباراتهم والله أعلم وان شهدوا بعد الزوال وقبل الغروب أو قبل الزوال بزمان يسير لا يمكن الصلاة فيه فالشهادة مقبولة لتعلق فائدة الافطار بها وهل تفوت الصلاة حكي في النهاية قولا انها لا تفوت ويصلونها غدا اداء لان التردد في الهلال مما يكثر وصلاة العيد من شعائر الاسلام فيقبح ان لا تقام على النعت المعهود في كل سنة فاشبه هذا غلط الحجيج في الوقوف فانه يقام وقوفهم يوم العاشر مقام الوقوف يوم التاسع وظاهر المذهب ولم يذكر الجمهور سواه ان صلاة العيد فائتة لخروج وقتها ثم قضاؤها مبنى على أن النوافل المؤقتة هل تقضى ام لا إن قلنا لا تقضي فلا كلام وان قلنا تقضي(5/63)
فيبنى على أنها هل هي بمثابة الجمعة أم لا إن قلنا هي بمثابتها في الشرائط والاحكام لم تقض والا فلهم قضاؤها من الغد وهو الصحيح وقد روى (ان ركبا جاؤا إلى النبي صلي الله عليه وسلم يشهدون انهم رأوا الهلال بالامس فأمرهم ان يفطروا وإذا اصبحوا ان يغدوا الي مصلاهم) وهل(5/64)
لهم ان يصلوها في بقية اليوم وجهان مبنيان على ان اقامتها في الحادى والثلاثين اداء ام قضاء ان قلنا اداء فلا وان قلنا قضاء وهو الصحيح فيجوز ثم هو اولى ام التأخير إلى ضحوة الغد فيه وجهان (أحدهما) ان التأخير اولي لان اجتماع الناس فيها امكن والضحوة بالضحوة اشبه (واصحهما) ان التقديم اولي مبادرة الي القضاء وتقريبا له من وقته وهذا إذا سهل جمع الناس بان كانوا في قرية أو بلدة صغيرة اما إذا عسر ذلك فالاولي التأخير إلى الغد كيلا يفوت الحضور علي الناس وإذا قلنا انهم يقيمونها في الحادى والثلاثين قضاء فهل يجوز تأخيرها عنه فيه قولان ومنهم من يقول وجهان
(اصحهما) نعم كالفرائض إذا فاتت لا يتعين وقت قضائها (والثانى) لا لان الحادى والثلاثين يجوز ان يكون عيدا بان يخرج الشهر كملا بخلاف ما بعده من البان ثم حكي امام الحرمين عن بعض الاصحاب انا إذا قلنا تقضي بعد الحادى والثلاثين فيمتد إلى شهر فان وقع بعد شهر فعلي وجهين قال ولعله في شهر شوال نقص أو كمل وفي بقية ذى الحجة ولا اعتد به من المذهب وجميع ما ذكرناه فيما إذا شهد عدلان مقبولان أو مستوران وعدلا في الاوقات المذكورة فاما إذا شهدا قبل الغروب وعدلا بعد الغروب فقولان ويقال وجهان (احدهما) ان العبرة بوقت الشهادة لان التعديل وان بان اخيرا فهو مستند إلى الشهادة (واصحهما) ان العبرة بوقت التعديل لانه وقت جواز الحكم بالشهادة فعلي هذا يصلون من الغد بلا خلاف وتكون اداء وعلي الاول تعود الاختلافات المذكورة فهذا هو الذى اورده معظم الاصحاب وايضاحه ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (اما قوله) وإذا فاتت صلاة العيدين بزوال الشمس الي آخره فاعلم ان الاختلافات المذكورة عبر عنها في الوسيط(5/65)
بالاقوال وايراده في الكتابين يقتضي طردها في فوات صلاة العيد للناس كلهم وفواتها في حق الافراد وفيما إذا كان الفوات لاشتباه الهلال وغيره لكن المفهوم من كلام الاصحاب تخصيص الاختلاف المذكور بصورة اشتباه الهلال وفوات العيد علي جميع الناس فاما إذا اختص الفوات بالافراد فلا يجري الا قولان منع القضاء وجوازه على التأبيد ولا يتجه التخصيص بالحادي والثلاثين لما ذكره امام الحرمين فقال هذا اليوم يجوز أن يفرض عيدا فاقامة شعار الصلاة فيه لا يبعد وفيما بعده من الايام اقامة الشعار المعهود مما يستنكره الناس الا خواصهم وتعطيل الشعار أهون من ذلك ومعلوم أن هذا لا امتناع له في قضاء الافراد واما المصير الي القضاء في شهر العيد كله فلم أر نقله للامام ولم ينقله الي في اشتباه الهلال فاعرف ذلك ثم قوله لا تقضى معلم بالالف لان عند احمد هي مقضية وقوله تقضى ابدا بالميم والحاء فان عندهما لا تتقضي وبالزاى لان اختيار المزني مثله (فان قيل) حيث قلنا بتخصيص القضاء بالحادي والثلاثين فلا شك أن ذلك في عيد الفطر فهل يختص بالحادي عشر إذا فرض ذلك في عيد الاضحي قلنا نعم لانه يجوز أن يفرض يوم عيد الا ان يقال ان الشهادة
بعد دخول ذى الحجة غير مسموعة على قياس ما ذكروه في الحادى والثلاثين والله اعلم (وقوله) وإذا شهد الشهود علي الهلال قبل الزوال افطرنا وصلينا المراد منه ما إذا سبقت الشهادة الزوال بقدر ما يسع الصلاة فان لم يسع فالحكم كما لو شهدوا بين الزوال والغروب (وقوله) ثم قضاؤها في بقية اليوم أولي أو في الحادى والثلاثين فرض الخلاف في الاولوية جواب منه على الاصح وهو أن قضاؤها قى بقية اليوم جائز وفيه خلاف تقدم والله اعلم * قال (وإذا كان العيد يوم الجمعة فلاهل السواد الرجوع قبل الجمعة وان كان النداء يبلغهم علي الصحيح للخبر)(5/66)
إذا وافق العيد يوم الجمعة وحضر اهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة فهل عليهم ان يصبروا الجمعة ام لهم أن ينصرفوا ويتركوها فيه وجهان (احد هما) عليهم الصبر كأهل المصر وكسائر الايام (واصحهما) ان لهم أن ينصرفوا ويتركوها ويحكى هذا عن نصه قديما وجديدا لما روى (انه اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم واحد فصلي العيد في أول النهار وقال أيها الناس ان هذا يوم اجتمع لكم فيه عيدان فمن أحب منكم أن يشهد معنا الجمعة فليفعل ومن أحب أن ينصرف فليفعل) وأراد به أهل السواد وهذا هو الخبر الذى أبهم ذكره في الكتاب *(5/67)
قال * (كتاب صلاة الخسوف) * (وهى سنة مؤكدة ولا تكره الا في اوقات الكراهية واقلها ركعتان في كل ركعة ركوعان (ح) وقيامان فان تمادى الكسوف فهل يجوز ركوع ثالث فيه وجهان وان اسرع الاهجلاء فهل يقصر علي واحدة فيه وجهان) * قال الله سبحانه وتعالي (فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن) قال بعض المفسرين أراد به صلاة الخوف والكسوف وقال أبو بكرة (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم(5/68)
فانكسفت الشمس فقام النبي صلي الله عليه وسلم يجر ردائه حتى دخل المسجد فدخلنا فصلي بنا ركعتين حتي انجلت الشمس فقال ان الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة ولا فرق في استحبابها بين أوقات الكراهة وغيرها لان لها سببا خلافا لمالك وأبي حنيفة وتفصيل مذهبهما ما قدمناه في فصل الاوقات المكروهة ثم الكلام في أقل هذه الصلاة وأكملها (أما) أقلها فهو أن يتحرم بنية صلاة الكسوف ويقرأ الفاتحة ويركع ثم يرفع فيقرأ الفاتحة ثم يركع مرة أخرى ثم يرفع ويطمئن ثم يسجد وكذلك يفعل في الركعة الثانية فهي إذا ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان كما ذكر في الكتاب وقراءة الفاتحة في كل ركعة مرتين من حد الاقل أيضا (وقوله) ركوعان وقيامان معلم بالحاء والالف (اما) الحاء فلان أبا حنيفة يقول ركعتان كسائر الصلوات لكن يطول فيها القراءة (وأما) الالف فلان في رواية عن احمد يركع في كل ركعة ثلاث مرات والاظهر عنه مثل مذهبنا * لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (ركع أربع ركعات في ركعتين(5/69)
وأربع سجدات) وقد اشتهرت الرواية عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم ولو تمادى الكسوف فهل يزيد ركوعا ثالثا فيه وجهان (أحدهما) نعم ويحكى عن ابن خزيمة وابى سليمان الخطابي وأبى بكر الضبعي من أصحابنا وعلى هذا الوجه لا يختص الجواز بالثالث بل له أن يزيد ركعة أربع ركوعات) ويروى (خمس ركوعات ولا محمل له الا حالة التمادي) (وأظهرها) أنه لا تجوز الزيادة كسائر الصلوات لا يزاد على أركانها وروايات الركوعين أشهر وأصح فيؤخذ بها كذلك(5/70)
ذكره الائمة ولو كان في القيام الاول فانجلي الكسوف لم تبطل الصلاة ولكن هل يجوز أن يقتصر على قومة واحدة وركوع واحد في كل ركعة فيه (وجهان) بنوهما على جواز الزيادة عند التمادي إن جوزنا الزيادة جوزنا النقصان بحسب مدة الخسوف وإلا فلا ولو تحلل من صلاته والخسوف باق فهل له
أن يستفتح صلاة الخسوف مرة أخرى فيه وجهان خرجوهما على جواز الزيادة في عدد الركوع والمذهب المنع (وقوله) فهل تجوز الزيادة بثالث أي بركوع ثالث وقيام ثالث وكذا قوله فهل يقتصر على واحد وفى بعض النسخ ثالثة وواحدة علي تأويل الركعة والقومة والله أعلم(5/71)
قال (وأكملها أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة سورة البقرة وفي الثانية آل عمران وفي الثالثة النساء وفي الرابعة المائدة أو مقدارها وكل ذلك بعد الفاتحة ويسبح في الركوع الاول بقدر مائة آية وفي الثاني بقدر ثمانين وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين ولا يطول السجدات ولا القعدة بينهما) * لو اقتصر في كل قومة علي قراة الفاتحة وفي كل ركوع علي قدر الطمأنينة جاز كما في سائر الصلوات ليكن المستحب أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة وسوابقها سورة البقرة أو مقدارها ان لم يحسنها وفى الثاني آل عمران أو مقدارها وفى الثالثة النساء أو مقدارها وفى الرابعة المائدة(5/72)
أو مقدارها وكل ذلك بعد الفاتحة هذا ما ذكره في الكتاب وعزاه الاصحاب إلى رواية البوبطي قال المزني في المختصر يقرأ في القيام الاول البقرة أو مقدارها إن لم يحفظها وفي الثانية قدر مائتي آية من سورة البقرة وفي الثالثة قدر مائة وخمسين آية منها وفي الرابع قدر مائة آية منها وكل ذلك بعد الفاتخة وهذه الرواية هي التى أوردها الاكثرون وليستا على الاختلاف المحقق بل الامر فيه علي التقريب وهما متقاربتان وقد روى الشافعي عن ابن عباس رضى الله عنهما باسناده قال (خسفت الشمس علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فصلي والناس معه فقام قياما طويلا فقرأ نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد ثم انصرف) وأما قدر مكثه في الركوع فينبغي أن يسبح في الركوع الاول بقدر مائة آية من البقرة وفي الثاني
بقدر ثمانين منها وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين والامر فيه على التقريب ولذلك قال كثير من الاصحاب يسبح في الركوع الثاني بقدر ثمانين آية الي تسعين وقال صاحب الافصاح يسبح في الثالث بقدر خمسين وسبعين آية ويقول في الاعتدال عن كل ركوع سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد وهل يطول الجود في هذه الصلاة فيه قولان وبقال وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب لا كما لا يزيد في التشهد ولا يطول القعدة بين السجدتين (والثانى) وبه قال ابن سريج نعم لانه(5/73)
منقول في بعض الروايات مع تطويل الركوع أورده مسلم في الصحيح ويحكي هذا القول عن رواية البويطى ونقله أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي رضى الله عنه أيضا قال (ويستحب أن تؤدى بالجماعة وأن يخطب الامام بعدها خطبتين كما في العيد ولا يجهر (م) في صلاة الكسوف ويجهر في الخسوف) * في الفصل ثلاث مسائل (أحداها) انه يستحب الجماعة في صلاة الخسوفين (أما) في خسوف الشمس فقد اشتهر اقامتها بالجماعة عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان ينادى لها الصلاة جامعة (واما) في خسوف القمر فلما روى عن الحسن البصري قال (خسف القمر وابن عباس رضى الله عنهما بالبصرة فصلي بنا ركعتين في كل ركعة ركوعان فلما فرغ ركب وخطبنا وقال صليت(5/74)
بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وانما تقام الجماعة لهما في المسجد دون الصحراء لما قدمنا من حديث أبي بكرة رضى الله عنه ولان هذه الصلاة بعرض الفوات بالانجلاء واعلم قوله ويستحب ان تؤدى بالجماعة بالحاء والميم لان عند ابى حنيفة لا تؤدى صلاة خسوف القمر بالجماعة بل يؤدونها منفردين وعند مالك رحمه الله لا يصلون له اصلا واللفظ يشمل الصلاتين جميعا ويجوز ان يعلم بالوار ايضا لان امام الحرمين قال ذكر شيخنا الصيد لاني من ائمتنا من خرج في صلاة الخسوفين وجها ان الجماعة تشترط فيها كالجمعة ولم أجده في كتابه هكذا لكن قال خرج اصحابنا وجهين في أنها هل تصلي في كل
مسجد أو لا تكون الا في جماعة واحدة كالقولين في العيد (الثانية) يستحب للامام ان يخطب بعد الصلاة خطبتين باركانهما وشرائطهما المذكورة في صلاة الجمعة ولا فرق بين أن يقيموا الجماعة في مصر أو يقيمها المسافرون في الصحراء وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله لا خطبة(5/75)
في هذا الباب أصلا * لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم (لما خسفت الشمس صلي فوصفت صلاته ثم قالت فاما انجلت انصرف وخطب الناس وذكر الله تعالي جده واثنى عليه) وينبغى للامام ان يحث الناس في هذه الخطبة على الخير والوبة عن المعاصي ومن صلي منفردا لم يخطب فان الغرض من الخطبة تذكير الغير (فان قلت) قضية التشبيه في قوله كما في العيد أن يكبر في أول الخطبتين كما يفعل في خطبتى العيد فهل هو كذلك أم لا (فالجواب) أن كتب الاصحاب ساكتة عن التصريح بذك مع تعرضهم لاذكارها المفروضة والمندوبة على التفصيل وأعادها ههنا ولو كان التكبير مشروعا ههنا لا عادوا ذكره سيما في المطولات فإذا المراد تشبيهها بخطبتى العيد في تأخيرها عن الصلاة لا على الاطلاق والله اعلم (الثالثة) يستحب الجهر بالقراءة في صلاة خسوف القمر والاسرار في خسوف الشمس وبه قال مالك وابو حنيفة خلافا لاحمد رحمهم الله حيث قال يجهر فيها ايضا وبه قال أبو يوسف وفيما ذكره الصيدلانى أن مثله يروى عن أبي حنيفة لنا ما روى(5/76)
ابن عباس رضي الله عنهما أنه حكى صلاة النبي صلي الله ععليه وسلم في خسوف الشمس فقال (قرأ نحوا من سورة البقرة) ولو جهر لكان لا يقدره وروى عنه انه قال (كنت الي جنب النبي صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا) وقوله في الكتاب ولا يجهر في صلاة الكسوف ويجهر في صلاة الخسوف تخصيص للفظ الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر وقد قيل بذلك لكن استعمال كل واحد من اللفظين فيهما صحيح سائغ في اللغة ويجوز أن يعلم قوله ولا يجهر بالواو مع الالف لان ابا سليمان الخطابي ذكر أن الذى يحبئ علي مذهب الشافعي رضي الله عنه الجهر فيهما * واحتج له(5/77)
بما روى عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلي الله عليه وسلم صلي بهم في كسوف الشمس وجهر بالقراءة) والله أعلم * قال (فروع المسبوق إذا ادرك الركوع الثاني لم يدرك الركعة لان الاصل هو الاول) * عد في الوسيط المسائل من هذا الموضع الي قريب من آخر الباب ثلاثة فروع وهذا الفصل يشتمل علي أولها وغرض الكلام في المسبوق في هذه الصلاة فنقول ان ادرك الامام في الركوع الاول من الركعة الاولي فقد أدرك الصلاه ولو أدركه في الركوع الاول من الركعة الثانية كان مدركا للركعة فإذا سلم الامام قام وصلي ركعة بر كوعين ولو ادركه في الركوع الثاني من احدى الركعتين فالمنقول عن نصه في البويطى انه لا يكون مدركا لشئ من الركعة أصلا وعن صاحب التقريب حكاية قول آخر أنه بادراك الركوع الثاني يصير مدركا للقومة التى قبلها فعلي هذا لو أدرك الركوع الثاني من الركعة الاولي قام عند سلام الامام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وتحلل ولا يسجد لان ادراك الركوع إذا أثر في ادراك القيام الذى قبله كان السجود بعده محسوبا لا محالة واتفق الاصحاب على أن الصحيح هو الاول ووجهوه بان الركوع الاول هو الاصل والثانى في حكم التابع له الا ترى أنه لا يصير بادراكه(5/78)
مدركا لجميع الركعة ولو صار مدركا بادراكه لصار مدركا لجميع الركعة كما لو أدرك جزءا من الركوع في سائر الصلوات وأيضا فان الامر بقيام وركوع من غير سجود مخالف لنظم الصلوات كلها وعلى القول الصحيح لو ادرك القيام الثاني لا يكون مدركا لشئ من الركعة أيضا إذا عرفت ذلك فقوله في الكتاب لم بدرك الركعة ان أراد به انه غير مدرك لشئ من الركعة فينبغي أن يعلم بالواو وان أراد به أنه غير مدرك بجملتها فلا يجوز أعلامه لان القولين متفقان عليه * قال (وتفوت صلاة الكسوف بالانجلاء وبغروب الشمس كاسفة ويفوت الخسوف بالانجلاء وبطلوع قرص الشمس ولا يفوت بغروب القمر خاسفا لان الليل كله سلطان القمر ولا يفوت بطلوع الصبح علي الجديد لبقاء الظلمة) * الفرع الثاني فيما يفوت به هذه الصلاة (اما) صلاة خسوف الشمس فتفوت بطريقين (أحد هما)
الانجلاء فإذا لم يصل حتى انجلت لم يصل * واحتج له بما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا رأيتم ذلك فصلوا حتى تنجلي) دل أنه لا يصلي بعده ثم الاعتبار بانجلاء الكل اما انجلاء البعض فلا أثر له وله ان يشرع في الصلاة للباقى كما لو لم ينكسف الا ذلك القدر ولو حال سحاب ولم يدرها انجلت ام لافله ان يصلي لان الاصل بقاء الكسوف وعلي عكسه لو كانت تحت الغمام فظن الكسوف لم يصل حتى(5/79)
يستيقن (والثانى) ان تغرب كاسفة فلا يصلي لان سلطان الشمس النهار وقد ذهب وبطل الانتفاع بضوءها نيرة كانت أو منكسفة (واما) صلاة خسوف القمر فتفوت بطريقين أيضا (أحد هما) الانجلاء كما سبق (والثاني) طلوع الشمس فإذا طلعت والقمر بعد خاسف لم يصل لان سلطان القمر الليل وقد ذهب وبطلت منفعته بطلوع الشمس ولو غاب القمر خاسفا لم يؤثر وجازت الصلاة لان سلطان القمر باق وهو الليل فغروبه كغيبوبته تحت سحاب خاسفا ولو طلع الفجر وهو خاسف أو خسف بعد طلوع الفجر فقولان (القديم) انه ليس له أن يصلي الذهاب الليل بطلوع الفجر (والجديد) ان له ذلك لبقأء ظلمة الليل والانتفاع بضوء القمر في هذا الوقت وعلي هذا لو شرع في الصلاة بعد طلوع الفجر وطلعت الشمس في اثنائها لم تبطل صلاته كما لو شرع قبل طلوع الفجر وكما لو اتفق الانجلاء في اثناء الصلاة وذكر القاضى ابن كج ان هذا الانجلاء مخصوص بما إذا غاب القمر خاسفا بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فاما إذا لم يغب وبقي خاسفا فلا خلاف في ان الشروع في الصلاة جائز * قال (ولو اجتمع عيد وكسوف قدم العيد ان خيف فواته وإلا فقولان في التقديم والتأخير ولو اجتمع كسوف وجمعة قدمت الجمعة عند خوف الفوات وإلا فقولان ولو اجتمع جنازة مع هذه الصلوات فهي مقدمة الا الجمعة فانها تقدم عند ضيق وقتها ويكفيه للكسوف والجمعة خطبة واحدة وكذا للعيد والكسوف ولا يبعد اجتماع العيد والكسوف فان الله علي كل شئ قدير) *(5/80)
(الفرع الثالث) فيما إذا اجتمعت صلاتان في وقت واحد والاصل فيه تقديم ما يخاف فواته ويتعلق أيضا بالنظر إلى الاوكد فالاوكد من الصلاة وفيه صور (أحدها) إذا اجتمع عيد وكسوف
نظر ان خيف فوات صلاة العيد لضيق وقتها قدمت صلاة العيد وان لم يخف فقولان (أحدهما) وهو رواية البويطي يبدأ بصلاة العيد لانها أوكد لمشابهتها الفرائض بانضباط وقتها (وأصحهما) انه يبدأ بصلاة الكسوف لانه يعرض الفوات بالانجلاء (الثانية) لو اجتمع كسوف وجمعة نظر ان خيف فوات الجمعة فهي مقدمة وان لم يخف فواتها فقولان (أحدهما) تقدم الجمعة لا فتراضها (وأصحهما) يقدم الكسوف لخطر الفوات ولو اجتمع الكسوف مع فريضة أخرى فالحكم كما لو اجتمع مع الجمعة ولو وجد الخسوف في وقت الوتر والتروايح قدم صلاة الخسوف وان خيف فوات الوتر لان صلاة الخسوف آوكد؟ ولانها إذا فاتت لا تقضي (الثالثة) لو اجتمع عيد وجنازة أو كسوف وجنازة قدمت صلاة الجنازة لما يخشى من حدوث التغير في الميت ثم لا يتبعها الامام إذا قدمها بل يشتغل بعدها بغيرها من الصلوات ولو لم تحضر الجنازة بعد أو حضرت ولم يحضر الولى افرد الامام جماعة ينتظرونها واشتغل بغيرها ثم بعد الجنازة يقدم العيد أو الكسوف فيه الكلام الذى سبق ولو حضر وقت الجمعة جنازة ولم يضف وقت الجمعة قدمت الجنازة وان ضاق قدمت(5/81)
الجمعة فتراضها وقال في النهاية قطع شيخي بتقديم صلاة الجنازة لان للجمعة خلفا وهو الظهر والذى يحذر وقوعه من الميت لو فرض لم يجبره شئ وليكن قوله في الكتاب الا الجمعة فانها تقدم معلما بالواو لهذا الوجه وتختم هذه الصورة بفصلين (احد هما) في الخطبة المأتى بها للصلاتين المجتمعتين اما إذا اجتمع العيد والكسوف فيخطب لهما بعد الصلاتين خطبتين ويذكر فيهما شأن العيد والكسوف واما إذا اجتمع الجمعة والكسوف فان اقتضي الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلي الجمعة ثم صلي الكسوف ثم خطب لها وان اقتضي الحال تقديم صلاة الكسوف بدأ بها ثم خطب للجمعة وذكر فيها شأن السكوف كما أن النبي صلي الله عيه وسلم (استسقى في خطبته للجمعة ثم صلي الجمعة) واعرف في قوله ويكفيه للجمعة والكسوف خطبة واحدة شيئين (أحدهما) ان المراد من هذا الكلام انه يكفيه من الخطبة ما كان يكفيه لو لم يصل الا واحدة من الصلاتين وهو خطبتان ولا يحتاج الي اربع خطب وليس المراد أنه تكفى خطبة فردة (وثانيهما) ان كلام الاصحاب
ينازع في اللفظ الذي ذكره فانهم قالوا لا يخطب للجمعة والكسوف لان الخطبة فرض في الجمعة(5/82)
ولا يجوز التشريك بين الفرض والنفل ولكن يخطب للجمعة ثم يذكر فيها امر الحسوف بخلاف العيد والخسوف يجوز ان يقصد بخطبته كلتيهما لانهما سببان قالوا ولهذا قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر في مسألة اجتماع العيد والخسوف ثم يخطب للعيد والخسوف وقال في مسألة اجتماع الجمعة والخسوف ثم يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف فإذا اللفظ مؤول والمعنى انه لا يحتاج الي خطبتين لكل صلاة (والفصل الثاني) ان طائفة اعترضت علي تصوير الشافعي رضي الله عنه اجتماع العيد والخسوف وقالت هذا محال لان العيد اما الاول من الشهر واما العاشر والكسوف لا يقع الا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين وأجاب الاصحاب عنه بوجوه (أحدها) ان هذا قول اهل التنجيم وأما نحن فنجوز وقوع الكسوف في غير اليومين المذكورين فان الله تعالي علي كل شئ قدير وقد نقل وقوع مثل ذلك إذا صح أن الشمس خسفت يوم مات ابراهيم بن رسول الله صلي عليه وسلم وروى الزبير ابن بكار رضي الله عنه في كتاب الانساب انه توفى في العاشر من ربيع اول وروى البيهقى مثله عن الواقدي باسناده وكذلك اشتهر أن قتل الحسين ابن علي رضي الله عنهما كان يوم عاشوراء وروى البيهقى عن أبى قبيل أنه لما قتل الحسين رضى الله عنه كسفت(5/83)
الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي و (الثاني) هب أن الكسوف لا يقع الا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين لكن يجوز أن يوافق العيد اليوم الثامن والعشرين بان يشهد شاهدان علي نقصان رجب ويفرض مثل ذلك في شعبان ورمضان وكانت في الحقيقة كاملة فان اليوم الاول المحسوب من شعبان بناء على شهادتهما يكون من رجب ويومان من أول رمضان يكونان من شعبان فيبقي سبعة وعشرون ويوافق العيد اليوم الثامن والعشرين (والثالث) هب أن ذلك لا يقع أصلا لكن الققيه قد يصور ما لا يتوقع وقوعه لتشحيذا الخاطر وتحصيل الدربة في مجارى النظر واستخراج التفاريع الدقيقة والله أعلم *
قال (ولا يصلي صلاة الكسوف للزلازل وغيرها من الآيات) * ما سوى كسوف النيرين من الآيات كالزلازل والصواعق والرياح الشديدة لا يصلي له بالجماعة(5/84)
إذ لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يستحب له الدعاء والتضرع روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال (ما هبت ريح قط الاجثا النبي صلي الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) وكذلك يستحب لكل أحد أن يصلى منفردا لئلا يكون على غفلة ان حدثت حادثة فلذلك قال في الكتاب ولا يصلى صلاة الكسوف أي كما يصلي للكسوف ولم يقل ولا يصلى مطالقا وليكن قوله ولا يصلى(5/85)
معلما بالالف لان عند احمد يصلي جماعة في كل آية وبالواو لانه ذكر أن الشافعي رضى الله عنه روى أن عليا رضي الله عنه صلي في زلزلة جماعة ثم قال ان صح قلت به فمن الاصحاب من قال هذا قول آخر(5/86)
له في الزلزلة وحدها ومنهم من عممه في جميع الآيات) * * (كتاب صلاة الاستسقاء) * قال (وهى سنة عند انقطاع المياه ولو انقطع عن طائفة من المسلمين استحب لغيرهم أيضا هذه الصلاة ولا باس بتكريرها إذا تأخرت الاجابة وان سقينا قبل الصلاة خرجنا للشكر والدعاء والوعظ وهل تصلي للشكر فيه خلاف) * المراد من الاستسقاء في الباب مسألة الله تعالي سقيا عباده عند حاجتهم إليه وله أنواع (أدناها) الدعاء المجرد من غير صلاة ولا خلف صلاة اما فرادى أو مجتمعين لذلك (وأوسطها) الدعاء خلف الصلوات وفي خطبة الجمعة وهن (حو ذلك (وأفضلها) الاستسقاء بركعتين وخطبتين كما سنصفه والاخبار(5/87)
وردت يجميع ذلك وأنكر أبو حنيفة رحمه الله استحباب النوع الثالث وقال المسنون في
الاستسقاء هو الدعاء والخطبة والصلاة لهما بدعة * لنا ما روي عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه ورفع يديه ودعا واستقبل القبلة) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم (خرج الي المصلي متبذلا متواضعا فصلي ركعتين كما يصلى العيد) ولا فرق(5/88)
في استحباب الاستسقاء بين أهل القرى والبوادى والامصار ولا بين المقيمين والمسافرين ويسن لهم جميعا الصلاة والخطبة له لاستواء الكل في الحاجة (وقوله) في الكتاب وهى سنة أعلم بالحاء لرجوعه إلي ترجمة الباب وهى صلاة الاستسقاء وقد حكينا عن أبي حنيفة ان الصلاة غير مسنونة وقوله عند انقطاع المياه بيان للسبب الداعي الي الاستسقاء وعمم به ما إذا انقطع المطر وما إذا غارت العيون في ناحية أو انبثقت الانهار ونحوها لحصول الضرار بجميع ذلك ولا بد من قيد في قوله عند انقطاع المياه وهو أن تمس الحاجه البها في ذلك الوقت والا فلا يستسقون ثم في الفصل مسائل (أحدها) إذا انقطع المياه عن طائفة من المسلمين استحب لغيرهم أن يصلوا ويستسقوا لهم ويسألوا الزيادة لا نفسهم روى انه صلي الله عليه وسلم قال (أرجى الدعاء دعا الاخ للاخ بظهر الغيب) وقد أثنى الله تعالي جده علي الداعين لاخوانهم بقوله (ربنا اغفر لنا ولاخواننا) (الثانية) إذا استسقوا فسقوا فذاك وان تأخرت الاجابة استسقوا وصلوا ثانيا وثالثا حتى يسقيهم الله تعالى جده فان الله يجب الملحين في الدعاء وحكى القاضي بن كج وجها آخر انهم لا يفعلون ذلك الا مرة إذ لم ينقل زيادة(5/89)
عليها ثم علي الاول الصحيح هل يعودون من الغدام يصومون ثلاثة ايام فبل يوم الخروج كما سيأتي استحباب ذلك للخروج الاول قال في المختصر يعود ون من الغد وحكى عن القديم أنهم يقدمون صوم ثلاثة أيام واختلفوا فيهما علي طريقين منهم من قال هم (قولان) وبه قال ابن القطان وزعم انه ليس في الاستسقاء مسألة فيها قولان سوى هذه (والاول) منهما أظهر وقال الشيخ أبو حامد وغيره هما منزلان علي حالين ان لم يشق علي الناس ولم ينقطعوا عن مصالحم عادوا غدا وبعد غد وإن
اقتضي الحال التأخير اياما استأنفوا للخروج صوم ثلاثة أيام (وقوله) في الكتاب ولا بأس بتكريرها هذه الكلمة لا توجب الا نفي الخروج والكراهة لكن الذى قاله الجمهور ان التكرير مستحب نعم الاستحباب في المرة الاولي اكد (الثالثة) لو تأهبوا للخروج لصلاة الاستسقاء فسقوا قبل موعد الخروج خرجوا للوعظ والدعاء والشكر على اعطاء ما عزموا على سؤاله وهل يصلون شكرا حكي المصنف وامام الحرمين فيه وجهين (أحدهما) لا لان النبي صلي الله عليه وسلم (ما صلي هذه الصلاة إلا عند الحاجة) (وأصحهما) وهو الذى ذكره الاكثرون وحكاه المحاملي عن نصه في الام أنهم يصلون للشكر كما يجتمعون ويدعون وأجرى الوجهان فيما إذا لم تنقطع المياه وأرادوا أن يصلوا للاستزادة (وقوله) خرجنا للشكر تبين أن صلاة الاستسقاء تقام في الصحراء بخلاف صلاة الخسوف لان النبي صلى الله عليه وسلم (كان يخرج للاستسقاء الي الصحراء) أو لان الناس يكثرون فيه فلا يسعهم المسجد غالبا *(5/90)
قال (والاحب أن يأمر الامام الناس قبل يوم الميعاد بصوم ثلاثة أيام وبالخروج من المظالم ثم يخرج بهم في ثياب بذلة وتخشع مع الصبيان والبهائم وأهل الذمة) * الفصل يشتمل علي آداب لهذا الصلاة (منها) أن يأمر الامام الناس بصوم ثلاثة أيام قبل اليوم الذى هو ميعاد الخروج وبالخروج عن المظالم في الدم والعرض والمال وبا لتقرب الي الله تعالي(5/91)
جده بما يستطيعون من الخير ثم يخرجون في اليوم الرابع صياما ولكل واحدة من هذه الامور أثرفى اجابة الدعاء علي ما ورد في الاخبار ومنها يخرج بهم في ثياب بذلة وتخشع ولا يتزينون ولا يتطيبون لما قدمناه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لكن يتنظفون بالماء والسواك وما يقطع الروائح الكريهة ويخالف العيد لان ذلك يوم زينة وهذا وقت مسألة واستكانة فاللائق به التواضع ولبس(5/92)
بذلة الثياب دون جديدها (ومنها) يستحب اخراج الصبيان والمشايخ لان دعاء هم إلى الاجابة أقرب
وكذلك اخراج من لا هيئة له من النساء وفي اخراج البهائم قصدا وجهان ذكرهما صاحب النهاية وغيره (أحدهما) لا يستحب إذ ليس لها سؤال وأهلية طلب لكن لو أخرجت فلا بأس (وأصحهما)(5/93)
أنه يستحب اخراجها لما روى أنها تستسقى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لولا رجال ركع وصبيان رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا) وقوله في الكتاب والبهائم جواب علي(5/94)
هذا الوجه وادراج له في حد الاحب وليكن معلما بالواو للوجه الاول (واما) خروج أهل الذمة فقد نص الشافعي رضى الله عنه علي كراهته والمنع منه ان حضروا مستسقي المسلمين لانهم ربما كانوا سبب القحط واحتباس القطر وان تميزوا ولم يختلطوا بالمسلمين لم يمنعوا لانهم مسترزقة وقد تعجل اجابة دعاء الكافر استدراجا له وحكي القاضى الروياتي وجها آخر أنهم يمنعون وان امتازوا الا ان يخرجوا في غير يوم المسلمين وهذا يقتضى أعلام قوله وأهل الذمة بلواو على أن ايراد(5/95)
الكتاب يقتضى ادراج الخروج بهم في حد الاحب لكن الجمهور ساكتون عنه والتفصيل في أنهم يمنعون ام لا ومن الآداب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعل من خير فيجعله شافعا ومن الآداب أن يستسقي بالاكابر واهل الصلاح سيما من اقارب رسول الله صلي الله عليه وسلم(5/96)
(استسقي عمر بالعباس ومعاوية بيزيد بن الاسود رضي الله عنهم * قال (ويصلي بهم ركعتين كصلاه العيد ويقرأ في احدى الركعتين انا أرسلنا نوحا) * قد روينا عن ابن عباس رضي عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم (صلي ركعتين كما يصلي العيد) وفي رواية صنع في الاستسقاء ما صنع في الفطر والاضحى) فينبغي أن ينادى لها الصلاة جامعة ويكبر في الاولى سبع تكبيرات زائدة وفي الثانية خمسا ويجهر فيهما بالقراءة ويقرأ في الاولي سورة ق وفي الثانية اقتربت وعن بعض الاصحاب أنه يقرأ في احدى الركعتين (انا أرسلنا) حكاه الصيد لانى
وغيره وهو المذكور في الكتاب ولتكن تلك الركعة هي الثانية ويقرأ في الاولي ق رعاية لنظم السور وهكذا حكاه في التهذيب ثم روى المحاملى عن لفظ الشافعي رضي الله عنه أنه يقرأ فيها ما يقرأ في العيدين وان قرأ (انا أرسلنا) كان حسنا وهذا يشعر بانه لا خلاف في المسألة وان كلا(5/97)
سائغ ومنهم من اثبت خلافا في أن الاحب ماذا وقال (الاصح) أنه يقرأ فيها ما يقرأ في العيد وعلى هذه الطريقة اعلم قوله (انا ارسلنا) بالواو وسبب تعيين هذه السورة انا لائقة بالحال لما فيها من ذكر الاستسقاء قال الله تعالي جده (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) (واما) وقت اقامة هذه الصلاة فمنهم من قال هي كصلاة العيد في الوقت لان النبي صلي الله عليه وسلم (صلاها في هذا الوقت) وهذا ما ذكره صاحب التهذيب وحكاه الامام عن الشيخ ابى علي واستغر به وذكر الروياني وآخرون ان وقتها يبقي بعد الزوال ما لم يصل العصر ولك ان تقول قدمنا وجهين ذكر هما الائمة في أن صلاة الاستسقاء هل تكره في أوقات الكراهية أم لا ومعلوم أن الاوقات المكروهة غير داخلة في وقت صلاة العيد ولا فيه مع انضمام ما بين الزوال والعصر إليه فيلزم أن لا يكون وقت الاستسقاء منحصرا في ذلك وليس لحامل أن يحمل الوجهين في أوقات الكراهية على قضائها فان صلاة الاستسقاء لا تقضي وقد صرح صاحب التتمة بان صلاة الاستسقاء لا تختص بوقت دون وقت بل أي وقت صلاها من ليل أو نهار جاز وقوله ويصلى ركعتين معلم بالحاء لما سبق انه لا تستحب الصلاة وقوله كصلاة العيد بالميم والالف لان عند مالك ليس في هذه الصلاة تكبير.
زائد وبه قال أحمد في رواية * قال (ثم يخطب كخطبة العيد ولكن يبدل التكبيرات بالاستغفار ثم يبالغ في الدعاء في الخطبة(5/98)
الثانية ويستقبل القبلة فيهما ويحول رداءه تفاؤلا بتحويل الحال فيقلب الاعلي الي الاسفل واليمين إلي اليسار والظاهر إلى الباطن ويتركه كذلك إلى ان ينزع ثيابه) * قوله ثم يخطب مرقوم بالالف لان عنده لا خطبة لصلاة الاستسقاء ولكن يدعوا لامام ويكثر
في دعائه من الاستغفار وهو مخير بين أن يدعو قبل الصلاة أو بعدها وعند يخطب له لما روى ابن عباس رضى اللله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (صنع في الاستسقاء كما صنع في العيد) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم (خرج إلى الاستسقاء فصلى ركعتين وخطب) إذا ثبت ذلك(5/99)
فينبغي أن يخطب خطبتين وهما في الاركان والشرائط كما تقدم ويبدل التكبيرات المشروعة في أول خطبتى العيد بالاستغفار فيقول (استغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم واتوب إليه) ويختم كلامه بالاستغفار أيضا ويكثر منه في الخطبة ومن قول (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل المساء عليكم مدرارا) ويجوز أن يعلم قوله يبدل التكبيرات بالاستغفار بالواو لان صاحب البيان حكى عن المحاملى انه يكبر في أول الخطبتين كما يكبر في أول خطبتى العيد وقوله لكن يبدل استدراك واستثناء عن تشبيه هذه الخطبة بخطبة العيد لكن افتراقهما غير منحصر فيه بل يفترقان في أمور أخر (منها) أنه يستقبل القبلة في الخطبة الثانية كما سنذكر (ومنها) أن يدعوا في الاول بما روي عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا معيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما اللهم استقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم ان بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد والضنك ما لا نشكوا الا اليك اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وانبت لنا من بركات الارض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعرى واكشف عنا من البلاء ما لا يشفه غيرك اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا فارسل السماء علينا مدرارا) ويكون في الخطبة الاولى وصدر(5/100)
الثانية مستقبلا للناس مستدبرا للقبلة كما في الجمعة والعيد ثم يستقبل القبلة ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا قال لله تعالي جده (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) وإذا أسر دعا الناس سرا ورفعوا أيديهم في الدعاء(5/101)
وقد روى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (استسقي فاشار بظهر كفيه الي السماء) قال العلماء وهكذا السنة من دعا لدفع البرء جعل ظهر كفيه الي السماء وإذا سأل الله تعالى شيئا جعل بطن
كفه إلى السماء قال الشافعي رضي الله عنه وليكن من دعائم في هذه الحالة اللهم انت امرتنا بدعائك ووعدتنا اجابتك وقد دعوناك كما امرتنا فاجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن ععلينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة رزقنا وقوله في الكتاب ويستقبل القبلة فيها ربما أوهم استحباب الاستقبال في جميعها وليس كذلك بل المراد أنه يستقبل القبلة في أثنائها ثم إذا فرغ من الدعاء مستقبلا أقبل بوجهه علي الناس وحضهم على طاعة ربهم ويصلوا علي النبي صلي الله عليه وسلم وسلم ويدعو المؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو آيتين ويقول استغفر الله لي ولكن ثم ينزل هذا لفظ الشافعي رحمه الله ويستحب عند تحوله إلى القياسم أن يحول رداءه وهل ينكسه مع التحويل فيه قولان (الجديد) نعم (والقديم) لا وبه قال مالك واحمد وعند أبى حنيفة رحمهم الله لا يفعل واحدا منهما والتحويل أن يجعل ما علي عاتقه الايمن(5/102)
على عاتقه الايسر وبالعكس والتنكيس أن يجعل أعلاه أسفله وبالعكس اما التحول فهو منقول عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم واما التنكيس فقد نقل انه هم به لكن كان على خميصة فثقلت عليه فقلبها من الاعلى الي الاسفل فرأى الشاقعي رضي الله عنه في الجديد اتباعه فيما هم به لظهور السبب الداعي الي الترك ومتي جعل الطرف الاسفل الذى علي شقه الايسر على عاتقه الايمن والطرف الاسفل الذي علي شقه الايمن علي عاتقه الايسر فقد حصل التحويل والتنكيس جميعا وهذا كله في الرداء المربع فاما المقور والمثلث فليس فيه الا التحويل والناس يفعلون بارديتهم مثل ما فعل الامام والسبب في ذلك التفاؤل بتحويل الحال من الجدوبة إلي الخصب وكان النبي صلي الله عليه وسلم يحب التفاؤل وإذا حولوا الاردية تركوهها كذلك الي ان ينزعوا الثياب (وقوله) ويحول رداءه مرقوم بالحاء لما ذكرنا وقوله فيقلب مرقوم به أيضا وبالميم والالف والواو للقول القديم الصائر الي انه لا يقلب الا على إلى الاسفل وهذا الكلام تفسير منه للتحويل والتنكيس مندرج فيه فقد(5/103)
أخذ في التفسير قلب الظاهر إلي الباطن وإنما قلد فيه امام الحرمين رحمه الله فانه حكي عن الجديد أنه يقلب اسفل الرداء الي الاعلى ويقلب ما كان من جانب اليمين إلى اليسار ويقلب ما كان باطنا
يلى الثياب منه إلى الظاهر فتحصل ثلاثة أوجه من التقليب (وأعلم) أن هذا الوجه الثالث لم يذكره الجهور وليس في لفظ الشافعي رضي الله عنه تعرض له والوجه حذفه لان الامور الثلاثة لا يمكن اجتماعها الا بوضع ما كان منسد لا علي الرأس أو لفه عليه ومعلوم أن هذه الهيئة غير مأمور بها وليست هي من الارتداء في شئ وفيما عدا ذلك لا يجتمع من الامور الثلاثة الا اثنان أما قلب اليمين إلى اليسار مع قلب الظاهر الي الباطن أو قلب اليمين إلي اليسار مع قلب الاعلي الي الاسفل أو قلب الظاهر إلى الباطن مع قلب الاعلى إلى الاسفل فان شككت فيه فجربه يزل شكك * قال * (كتاب الجنائز) * (المحتضر يستقبل به القبلة فيلقى علي قفاه (ح م) واخمصاه الي القبلة ويلقن كلمة الشهادة ويتلي عليه سورة يسن وليكن هو في نفسه حسن الظن بربه تعالى جده) * يستحب لكل أحد ذكر الموت قال صلي الله عليه وسلم (اكثر واذكرها ذم اللذات) يعنى الموت(5/104)
وينبغي أن يكون مستعدا له بالتوبة ورد المظالم فربما ياتيه فجاة وكل ذلك للمريض آكد ويستحب له الصبر على المرض والتداوى وترك الانين ما أطاق ويستحب لغيره عيادته ان كان مسلمال وان كان ذميا جازت عيادته ولا يستحب الا لقرابة أو جوار ونحو هما ثم العائد ان رأى امارة البرء دعا للمريض وانصرف وان رأى خلاف ذلك رغبه في التوبة والوصية إذا عرفت ذلك فغرض الفصل(5/105)
الكلام في آداب المحتضر وقد ذكر منهما اربعة (أحدها) أن يستقبل به القبلة وفي كيفيته وجهان (أحدهما) انه يلقي علي قفاه واخمضاه إلى القبلة كالموضوع علي المغتسل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله انه يضجع علي جنبه الايمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد لانه أبلغ في الاستقبال(5/106)
والوجه الاول هو المذكور في الكتاب لكن الثاني اظهر عند الكثيرين ولم يذكر اصحابنا العراقيون سواه وحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه واحتجوا له بما روى انه صلي الله عليه وسلم قال
(إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه) واستثنوا ما إذا ضاق المكان فلم يمكن وضعه علي جنب أو كان به علة تمنع من ذلك فحينئذ يلقى علي قفاه ويجعل مستقبلا بوجهه ورجليه (والثاني) تلقين كلمة الشهادة(5/107)
قال صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتا كم قول لا إله إلا الله) وقال من كان آخر كلامه لا اله(5/108)
الا الله دخل الجنة) والاحب أن لايح الملقن عليه ولا يواجهه بان يقول قل لا اله الا الله ولكن يذكر الكلمة بين يديه ليتذكرها فيذكرها أو يقول ذكر الله تعالي مبارك فنذكر الله جميعا ويقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وإذا قال مرة لا تعاد عليه الا أن يكلم بعدها بكلام(5/109)
والاحب أن يلقن غير الورثة فان لم يحضر غيرهم لقن اشفقهم عليه (والثالث) تتلي عليه سورة يسن لما روى انه صلي الله عليه وسلم: قال (اقرؤ اين علي موتاكم) واستحب بعض التابعين المتأخرين قراءة سورة الرعد عنه ايضا (والرابع) ينبغى ان يكون حسن الظن بالله عزوجل لما روى جابر(5/110)
رضى الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث لا يموتن احدكم(5/111)
الا وهو يحسن الظن بالله عزوجل) ويستحب لمن عنده تحسين ظنه وتطميعه في رحمة الله تعالى جده قال (ثم إذا مات تغمض عيناه ويشد لحياه بعصابة وتلين مفاصله ويستر بثوب خفيف ويوضع علي بطنه سيف أو مرآة)(5/112)
هذا الفصل في الآداب المشروعة بعد الموت وقبل الغسل (اولها) ان يغمض عيناه لما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (اغمض أبا سلمة) لما مات ولانه لو لم يغمض لبقيت عيناه مفتوحتين
وقبح منظره (وثانيها) أن تشد لحياه بعصابة عريضة تأخذ جميع لحييه ويربطها فوق رأسه لئلا يبقى فمه منفتحا فتدخله الهوام (وثالثها) ان تلين مفاصله بان يرد المتعهد ساعده إلى عضده ثم يمدها ويرد ساقيه الي فخذيه وفخذيه الي بطنه ثم يردها ويلين اصابعه ايضا ليكون الغسل اسهل فان في البدن بعد مفارقة الروح بقية حرارة ن الينت المفاصل في تلك الحالة لانت والا لم يمكن تليينها بعد ذلك (ورابعها) يستر جميع بدنه بثوب خفيف لما روى انه صلي الله عليه وسلم (لما تو في سجي ببرد حبرة) ولا يجمع(5/113)
عليه اطباق الثياب حتى لا يتسارع إليه الفساد ويجعل اطراف الثوب الساتر تحت رأسه ورجليه لئلا ينكشف (وخامسها) يوضع علي بطنه شئ ثقيل من سيف أو مرآة أو نحوهما فان لم يكن حديد فقطعة طين رطب لئلا ينتفخ ويصان المصحف عنه فهذه الخسمة هي المذكورة في الكتاب ويتولي هذه الامور ارفق محارمه به باسهل ما يقدر عليه (ومنها) ان يوضع علي شئ مرتفع من سرير ونحوه لئلا تصيبه نداوة الارض فيتغير (ومنها) ان يستقبل به القبلة كما في المحتضر (ومنها) ان ينزع عنه ثيابه التى مات فيها فانه علي ما حكى يسرع إليه الفساد (ومنها) أن يبادر إلي قضاء دينه وتنفيذ وصيته ان تيسر ذلك في الحال (ومنها) أن يستقبل به القبلة كما في المحتضر (ومنها) أن ينزع عنه ثيابه التي مات فيها فانها علي ما حكي تسرع إليه الفساد قال (ثم يشتغل بغسله واقله امرار الماء علي جميع اعضائه وفي وجوب النية علي الغاسل وجهان فان أوجبنا لم تصح من الكافر وأعيد غسل الغريق) يستحب المبادرة إلي الغسل والتجهيز عند تحقق الموت وذلك بان يكون به علة وتظهر امارات الموت مثل أن تسترخي قد ماه فلا ينتصبا أو يميل أنفه أو ينخسف صدغلاه أو تمتد جلدة وجهه أو ينخلع كفه من ذراعه أو تتقلص خصيتاه إلى فوق مع تدلى الجلدة وعند الشك يتأني الي حصول اليقين وموضعه أن لا يكون به علة ويجوز ان يكون ما أصابه سكتة أو ظهرت امارة فزع واحتمل أنه عرض ما عرض لذلك فيتوقف الي حصول اليقين بتغير الرائحة وغيره إذا عرفت ذلك فنقول غسل الميت من فروض الكفايات وكذلك التكفين والصلاة عليه والدفن بالاجماع والنظر في لا غسل في شيئين
(أحدهما) في كيفيته (والثاثى) فيمن يغسل النظر الاول في كيفيته والكلام في الاقل والاكمل (اما) الاقل فلا بد من استيعاب البدن بالغسل مرة بعد أن يزال ما عليه من النجاسة ان كانت عليه نجاسة وهل تشترط النية على الغاسل فيه وجهان (أحدهما) نعم لانه غسل واجب فافتقر الي النية كغسل الجنابة (والثانى) لا لان المقصود من هذا الغسل النظافة وهي حاصلة نوى أو لم ينو وانما تشترط في سائر الاغسال على المغتسل والميت ليس من اهل النية وهذا أصح فيما ذكره القاضى الرويانى وغيره ويترتب علي الخلاف صورتان (أحداهما) لو غسل الكافر مسلما هل يجزئ ان فرعنا علي الوجه الاول فلا والا فنعم (والثانية) لو غرق انسان ثم لفظه الماء وظفر نابه ان قلنا بالاول لم يكف ما سبق ووجب غسله وانقلنا بالثاني كفى ذلك(5/114)
واعرف ههنا ثلاثة أمور (احدها) ان المحكي عن نص الشافعي رضى الله عنه في الصورة الاخيرة انه يجب الغسل ولا يكفى اصابة الماء اياه ونص فيما إذا غسلت الذمية زوجها المسلم انه يكره ويجوز وهو احد امثلة الصورة الاولي وكأن الوجهين مستنبطان من هذين النصين والظاهر في الصورتين هو الذى نص عليه (اما) في صورة غسل الكافر فهو مستمر علي ما حكينا ان الاصح عدم اشتراط النية (واما) في صورة الغريق فسبب الامر بالغسل انا مأمورون بغسل الميت فلا يسقط الغرض عنا الا بفعلنا (والثانى) ان في قولنا الكافر ليس اهلا للنية اشكالا أشرنا إليه في باب صفة الوضوء (والثالث) ان قوله واعيد غسل الغريق ان كان بضم الغين يقتضى ان يكون اصابة الماء اياه بمجردها غسلا ليكون هذا اعادة له لكن الاليق بتوجه وجوب النية أن لا يوقع اسم الغسل الا علي غسل الاعضاء مع انية والله اعلم قال (واما الاكمل فان يحمل الي موضع خال ويوضع على سرير ولا ينزع قميصه (م ح) ويحتاط في غض البصر عن جميع بدنه الا لحاجة ويحضر ماء بارد (ح) طهور ويبعد الاناء عن المغتسل حذرا من الرشاش ثم يبتدئ بغسل سوأتيه بعد لف خرقة علي اليد وبعد ان يجلس فيمسح على بطنه ليخرج الفضلات ثم يتعهد مواضع النجاسة من بدنه ثم يتعهد اسنانه ومنخريه بخرقه مبلولة ثم يوضأ ثلاثا مع امضمضة (ح) والاستنشاق)(5/115)
الفصل لذكر امور محبوبة مقدمة على نفس الغسل (أحدها) أن يحمل الميت الي موضع خال؟ مستور لا يدخله أحد الا الغاسل ومن لابد من معونته لانه في حياته كان يستتر عند الاغتسال فكذلك يستر بعد موته ولانه قد يكون ببعض بدنه ما يكره ظهوره وذكر القاضى الرويانى وغيره ان للولي أن يدخل ذلك الموضع ان شاء وان لم يغسل ولا اعان ويروى (ان غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم تولاه علي والفضل بن عباس رضى الله عنه واسامة بن زيد يتناول الماء والعباس واقف) ثم يوضع علي لوح أو سرير هئ لذلك وليكن موضع رأسه أعلي لينحدر الماء عنه ولا يقف تحته ويغسل في قميص خلافا لابي حنيفة حيث قال الاولى ان يجرد ويروى مثله عن مالك وحكاه القاضي بن كج(5/116)
وجها عن بعض الاصحاب لنا أنه استر له ولان النبي صلي الله عليه وسلم (غسل قميص) دل انه افضل وليكن القميص باليا أو سخيفا ثم ان كان القميص واسعا ادخل يديه في كميه وغسله من تحته وعلى يده خرقة وان كان ضيقا فتق رؤس الدخاريص وادخل اليد في موضع الفتق فلو لم يحسد قميصا أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السره والركبة وحرم النظر إليه لما روى عن على كرم الله وجهه ان النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا تبرز فخندك ولا تنظر إلى فخذ حى ولا ميت) وعند أبى حنيفه يلقى خرقة علي فرجه وفخذه مكشوفة ويكره للغاسل ان ينظر الي شئ من بدنه الا لحاجة بان يريد معرفة المغسول من غيرر المغسول والمعين لا ينظر الا لضرورة (وقوله له) في الكتاب ولا ينزع قميصه غير(5/117)
هذه العبارة اولي منها لانها توهم كونه في قميص قبل حالة الغسل والمحبوب نزع الثياب المخيطة عنه من حين مات إلي وقت الغسل والقميص الذى يغسل فيه يلبس عند غسله ذكره المسعودي وغيره (الثاني) يحضر ماء بارد في اناء كبير كالحب ونحوه ليغسل به وهو أولي من المسخن الا أن يحتاج الي المسخن لشدة البرد أو لوسخ وغيره وعند أبي حنيفة المسخن اولي بكل حال * لنا أن البارد يشد بدنه والمسخن يرخيه فكان البارد أولي وينبغى أن يبعد الاناء الذى فيه الماء عن المغتسل بحيث
لا يصيبه رشاش الماء عند الغسل اما من صار إلي قول نجاسة الآدمى بالموت قال لئلا ينجس بالرشاش الذى يصيبه وربما احتج بهذه المسألة على النجاسة (وأما) من نصر القول الصحيح وهو طهارته قال انما يبعد عنه لتكون النفس أطيب في أن لا يتقاطر الماء إليه وأيضا فالماء المستعمل إذا كثر تقاطره فقد يثبت لما يتقاطر إليه حكم الاستعمال فيخرج عن كونه طهورا وأما وصفه الماء المحضر بكونه طهورا ففيه فائدة على طهوره وهى انا نستحب استعمال السدر في بعض الغسلات على ما سيأتي لكن الظاهر ان الفرض لا يسقط به فلا يجوز أن يكون المماء المحضر مغيرا باسدر (والثالث) يعد الغاسل قبل الغسل خرقتين نظيفتين وأول ما يبدأ به بعد وضعه على المغتسل أن يجلسه اجلاسا رفيقا بحيث لا يعتدل ويكون مائلا إلي ورائه ويضع يده اليميني على كيفيه وابهامه في نقرة قفاه حتي لا يتمايل راسه ويسند ظهره إلى ركبته اليميني ويمر يده اليسرى علي بطنه امرارا بليغا ليخرج ما فيه(5/118)
من الفضلات وينبغى أن تكون المجمرة والحالة هذه متقد مة فائحة بالطيبت والمعين يصب عليه ماء كثيرا لئلا تظهر رائحة ما يخرج ثم يرده علي هيئة الاستلقاء ويغسل بيساره وهى ملفوقة باحدى الخرقتين دبره ومذاكريه وعانته كما يستنجي الحى ثم يلقى تلك الخرقة ويغسل يده بماء واشنان ان تلوث (وقوله) في الكتاب ثم يبتدى بغسل سواتية بعد لف خرقة اليد يشعر بانه يغسل السوأتين معا بخرقة واحدة وكذلك ذكر الجمهور وسيحكى ما يفعله بالخرقة الثانية من الخرقتين المعدتين وفي النهاية والوسيط انه يغسل كل سوأة بخرقة ولا شك انه ابلغ في التنظيف (وقوله) ثم يتعهد مواضع النجاسة من بدنه فيه اشكال لانه ان كانت عليه نجاسة فازالتها قبل الغسل واجبة علي ما تقدم في غسل الاحياء فلا ينبغى ان يدرج في حد الاكمل ولم يذكر صاحب النهاية لفظ النجاسة في هذا الموضع لكن قال ان كان ببدنه قذر اعتنى به ولف خرقة على يده وغسله (الرابع) إذا فرغ من غسل سوأتيه لف الخرقة الاخرى علي اليد وادخل اصبعه في فيه وامرها على اسنانه بشئ من الماء ولا يقعر فاه وكذا يدخل طرف اصبعه في منخريه بشئ من الماء ليزيل ما فيها من الاذي ثم يوضئه كما يتوضأ الحي ثلاثا ثلاثا ويراعي المضمضة والاستنشاق خلافا لابي حنيفة * لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم
(قال للواتي غسلن ابنته ابدأن بمواضع الوضوء منها) وموضع المضمضة والاستنشاق من مواضع الوضوء (ثم لفظ) الكتات وكلام الاكثرين يقتضي ان يكون ادخال الاصبع في الفم والمنخرين غير المضمضة والاستنشاق وانه في الفم بمنزلة السواك وغرضه التنظيف وفي الشامل وغيره ما يدل على ان المضمضة والاستنشاق ليسا وراء ذلك والظاهر الاول ثم يميل رأسه في المضمضة والاستنشاق حتي لا يصل الماء الي باطنه وهل يكتفى بوصول الماء الي مقاديم الشعر والمنخرين ام يوصل الماء الي الداخل حكي امام الحرمين فيه ترددا الخوف وصول الماء إلى جوفه وتأثيره في تسارع الفساد إليه وقطع بانه لو كانت اسنانه متراصة لم يكلف فتحها *(5/119)
قال (ثم يتعهد شعره بمشط واسع الاسنان ثم يضجع علي جنبه الايسر ويصب الماء علي شقه الايمن ثم يضجع علي شقه الايمن ويصب الماء علي الشق الايسر وذلك غسله واحده ثم يفعل ذلك ثلاثا فان حصل الانقاء والا فخمس أو سبع ثم يبالغ في تنشيفه صيانة للكفن ويستعمل قدرا من الكافور لدفع الهوام ويستعمل السدر في بعض الغسلات ولا يسقط (ح) الفرض به) * (إذا فرغ من توضيئه غسل رأسه ثم لحيته بالسدر والخطمي وسرحهما بمشط واسع الاسنان ان تلبد شعرهما ويرفق حتى لا ينتف شئ وان انتف رده إليه وليكن قوله بمشط معلما بالحاء والالف لان عندهما لا يتعهده بالمشط لكن يغسل ويزيل الوسخ * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم (قال افعلوا بميتكم ما تفعلون بعروسكم) ومعلوم أن العروس يسرح شعرها ثم يضجع علي جنبه الايسر فيصب الماء علي شقه الايمن ثم يضجع على جنبه الايمن فيصب الماء على شقه الايسر هكذا ذكره صاحب الكتاب والامام في آخرين والاكثرون زادوا في هذه الكيفية ونقصوا فقالوا يغسل شقه الايمن المقبل من عنقه وصدره وفخذه وساقه وقدمه ثم يغسل شقه الايسر كذلك ثم يحرفه إلى حنبه الايسر فيغسل شقه الايمن مما بلى القضا والظهر من الكتف إلى القدم ثم يحرفه الي جنبه الايمن فيغسل شقه الايسر كذلك وهذا ما ذكره(5/120)
الشافعي رضي الله عنه في المختصر وحكى أصحابنا العراقيون وغيرهم قولا آخر أنه يغسل جنبه
الايمن من مقدمه ويحوله فيغسل جانب ظهره الايمن ثم يلقيه على ظهره فيغسل جانبه الايسر من مقدمه ثم يحوله ويغسل جانب ظهره الايسر قالوا وكل واحد من الطريقين سائغ والاول أولي وليس في هذين الطريقين اضجاع على الجانب الايسر في أول الامر بل هو مستلق فيهما الي أن يغسل بعضه ثم يجرى الاضجاع فلا فلا بأس لو أعلمت قوله ثم يضجع علي جنبه الايسر بالواو وانما أمرناه بالابتداء بالميامن لان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر غاسلات ابنته بان يبدأن بميامنها) ويجب الاحتراز عن كبه غلى الوجه وإذا عرفت ذلك فاعلم ان جميع ما ذكرناه غسلة واحدة وهذه الغسلة تكون باماء والسدر والخطمي تنظيفا وانقاء له ثم يصب عليه الماء القراح من فرقه الي قدمه ويستحب أن يغسله ثلاثا فان لم يحصل النقاء والتنظيف زاد حتى يحصل فان حصل بشفع فالمستحب ان يزيد واحدة ويختم بالوتر روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لغاسلات ابنته رضى الله عنها أغسلنها ثلاثا خمسا سبعا) وهل يسقط الفرض بالغسلة التى فيها السدر والخطمى ذكر في الكتاب فيه وجهين (أحدهما) نعم ونسبه في النهايه إلى أبى اسحق المروزى لان المقصود من غسل الميت التنظيف فالاستعانة بما يزيد في التنظيف مما لا يقدح (وأظهرهما) لا لان التغير به فاحش سالب للطهورية فاشبه(5/121)
ما لو استعمله الحى في وضوءه وغسله وعلي هذا فتلك الغسلة غير من الغسلات الثلاث وهل تحسب الغسلة الواقعة بعدها فيه وجهان (أحدهما) نعم لانها غسلة بماء طهور لم يخالطه شئ وهذا اصح عند القاضى الروياني وأظهرهما عند الاكثرين ولم يذكر في التهذيب سواه انها لا تحسب لان الماء إذا أصاب المحل اختلط بما عليه من السدر وتغير به فعلي هذا المحسوب ما يصب عليه من الماء القراح بعد زوال السدر ويستحب أن يجعل في كل ماء قراح كافورا وهو في الغسلة الاخيرة آكد لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال لام عطية وهى من غاسلات بنته رضى الله عنها (واجعلي في الاخيرة كافورا) والسبب فيه ان رائحته مطردة للهوام وليكن قليلا لا يتفاحش التغير به ولا يسلب الطهورية وقد يكون صلبا لا يقدح التغير به وان كان فاحشا على الصحيح لانه مجاور وبعيد تليين مفاصله بعد الغسل لانها لانت بالماء فيتوخي بالتليين بقاء لينها كما ذكرنا في التليين عقيب الموت ونقل المزني
اعادة التليين في أول وضعه على المغتسل وانكره اكثر الاصحاب ثم ينشفه ويبالغ فيه كيلا تبتل اكفانه فيسرع إليه الفساد هذا تمام مسائل الفصل * ثم أعرف أمورا (منها) أن صاحب الكتاب في الوسيط والامام في النهاية أشارا إلى أن تعهد الشعر بالغسل والتسريح ليس من نفس الغسل بل هو من مقدماته كالوضوء وغيره ولذلك قالا يصب الماء على شقه الايمن مبتدئا من رأسه إلى قدمه والاكثرون لم يذكروا صب الماء على الرأس ولكن قالوا يصبه على صفحة العنق والصدر والفخذ والساق وهذا مصير منهم الي أن غسل الرأس وتعهد الشعر من جملة الغسل وكلام الشافعي رضى الله عنه في المختصر يوافق قول الاكثرين (ومنها) أن قوله وذلك غسله واحده ثم يفعل ذلك ثلاثا يقتضى استحباب ثلاث غسلات بعد تلك الغسله وهو صحيح بناء علي أن تلك الغسله بالماء المتغير بالسدر والخطمي وأن المحسوب الغسل بالماء القراح فانه حينئذ يراعي ثلاث غسلات بعدها بالماء القراح (وقوله) بعدها أو يستعمل السدر في بعض الغسلات ذلك البعض هو الغسله الاولى نصوا عليه كاقدمناه(5/122)
وانما أبهم ذكره المصنف وشيخه وربما أوهم ايراده عد الغسلة التى فيها السدر من الثلاث وتخصيص الخلاف بان الفرض هل يسقط بها فيجب الاحتراز عن الوهم ومعرفة انا إذا لم نسقط الفرض بها لا نحسبها من الثلاث أيضا يجوز ان يرقم لفظ الثلاث والخمس والسبع بالميم لانه روى عن مالك أنه لا اعتبار بالعدد وانما المعتبر الابقاء (وقوله) يستعمل قدرا من الكافور مرقوم بالحاء لان أبا حنيفه قل لا أعرف الكافور وذكر في السدر انه يغسل انه يغسل مرة بالماء القراح وأخرى بالسدر وثالثة بالماء القراح * (قال فان خرجت نجاسة بعد الغسل أزيلت النجاسة ولم يعد الغسل على الصحيح وفي اعادة الوضوء وجهان) * يتعهد الغاسل مسح بطن الميت في كل مرة بارفق مما قبلها فلو خرجت منه نجاسة في آخر الغسلات أو بعدها ففيه ثلاثة أوجه (احدها) وبه قال ابن أبى هريرة يجب اعادة غسله ليكون خاتمة أمره علي كمال الطهارة (وأصحهما) وبه قال مالك وأبو حنيفة والمزني رحمهم الله انه لا يجب
شئ سوى ازالة النجاسة لسقوط الفرض بما وجد وحصول غرض التنظيف وربما نبى الخلاف في وجوب الغسل وعدمه علي اختلاف قراءة لفظ الشافعي رضي الله عنه فانه قال في المسألة انقاءها بالخرقة وأعاد غسله فمنهم من قرأ بضم الغين وأوجب اعادة الغسل ومنهم من قرأ بفتحها وحمله علي ازالة النجاسة وربما سلموا ان لفظه الغسل وحملوه علي الاستحباب وإذا قلنا بالوجه الصحيح فلا فرق بين النجاسة الخارجة من السبيلين وغيرها وان قلنا بوجوب الوضوء فذلك في النجاسة الخارجة من السبيلين دون غير(5/123)
وان قلنا بوجوب الغسل ففى اعادة الغسل لسائر النجاسات احتمال عند امام الحرمين قدس الله روحه ولو لمس رجل امرأة ميتة بعد غسلها فان قلنا يجب اعادة الغسل أو الوضوء بخروج الخارج فكذلك ههنا هكذا اطلق صاحب التهذيب وذكر غيره أن هذا الجواب مبني على أن الملموس ينتقض طهره وان قلنا لا يجب الا غسل المحل فلا يجب ههنا شي ولو وطئت فعلى الوجه الاول والثانى في خروج النجاسة يجب ههنا اعادة الغسل وعلى الثالث لا يجب شئ * وأعلم أن نفى وجوب الغسل أظهر من نفى وجوب الوضوء ولذلك أرسل صاحب الكتاب ذكر الخلاف في الوضوء وبين الصحيح في الغسل والنجاسة واجبة الازالة بكل حال فلذلك جزم به وقوله ولم يعد الغسل معلم بالالف لان عند احمد يعاد غسله سبع مرات ولم يتعرض الجمهور للفرق بين أن تخرج النجاسة قبل الادراج في الكفن أو بعده وأشار صاحب العدة الي تخصيص الخلاف في وجوب الوضوء والغسل بما إذا خرجت قبل الادراج والله اعلم * قال (وأما الغاسل فلا يغسل رجل امرأة الا بزوجية (ح) أو محرمية أو محرمية أو ملك يمين فيغسل السيد مستولدته وأمه (ح) وتغسل الزوجة زوجها ولا تغسل المستولدة والامة سيدهما على أحد الوجهين لان الموت ينقل ملك اليمين ويقرر ملك النكاح) * النظر الثاني فيمن يتولي الغسل والاصل أن يغسل الرجال الرجال والنساء النساء وأولى الرجل بغسل الرجل أولاهم بالصلاة عليه وسيأتي ترتيبهم فيها والنساء أولي بغسل المرأة بكل حال لان عورتها بالاضافة إليهم أخف وليس للرجل غسل المرأة الا باحد أسباب ثلاثة (أولها) الزوجية
فللزوج غسل زوجته خلافا لابي حنيفة وذكر صاحب الشامل أن عند احمد رواية مثل فول أبى حنيفة والاصح عنه مثل قولنا * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال لعائشة (لو مت قبلى لغسلتك وكفنتك)(5/124)
(وغسل علي فاطمة رضى الله عنهما) وله ذلك وإن تزوج باختها أو باربع سواها في أصح الوجهين ولو كانت الزوجه ذمية فله أن يغسلها إن شاء (والثانى) المحرمية وسياق الكلام في الكتاب يقتضى تجويز الغسل للرجال المحارم مع وجود النساء لان قوله لا يغسل رجل امرأة إلا بكذا وكذا مفروض في حال الاختيار والا فعند الضرورة قد يجوز للاجانب غسلها أيضا كما سيأتي لكن لم أر لعامة الاصحاب تصريحا بذلك وإنما يتكلمون في الترتيب ويقولون أن المحارم بعد النساء اولي (والثالث) ملك اليمين فيجوز للسيد غسل أمته ومدبرته وأم ولده خلافا لابي حنيفة فيما رواه في الشامل * واحتج لنا بانه يلزمه الاتفاق عليهما بحكم الملك فكان له أن يغسلها كالحية ويجوز له غسل المكاتبة أيضا لان الكتابة ترتفع بموتها وهذا كله إذا لم يكن مزوجات ولا معتدات فان كن مزوجات أو معتدات لم يكن له غسلهن وكما يغسل الزوج زوجته تغسل الزوجة زوجها خلافا لاحمد في رواية والاصح عنه موافقة الجمهور بان طلقها طلقة رجعية ومات احدهما في مدة العدة فليس للآخر غسله لحرمة النظر والمس في الحياة والي متي تغسل المرأة زوجها فيه ثلاثة أوجه (احدها) ما لم تنقض عدتها فان انقضت بوضع الحمل عقيب الموت لم تغسله وبه قال أبو حنيفة (والثاني) تغسله ما لم تنكح (والثالث) وهو الاصح ابدا وهو الذى ذكره في الكتاب في باب العدة وإذا غسل إحدى الزوجين لف خرقة علي يده ولم يمسه فان خالف فقد قال القاضى يصح الغسل ولا يبنى(5/125)
علي الخلاف في انتقاض طهر الملموس والله اعلم * وهل يجوز لام الولد والمدبرة والامة غسل السيد فيه وجهان (احدهما) وبه قال احمد نعم لانهن محللات له فاشبهن الزوجة (واظهرهما) وبه قال أبو حنيفة لا لان الموت ينقل ملك اليمين أما في حق الامة فالي الورثة وأما في المدبرة وام الولد فلانهما يعتقان بموته فكان الملك في رقبتهما ينتقل اليهما بخلاف ملك النكاح لا تنقطع حقوقه بالموت ألا ترى انهما يتوارثان وليس للمكاتبة غسل السيد فانها محرمة عليه قبل الموت *
قال (فان ماتت المرأة ولم يحضر الا احنبى غسلها (م ح) وغض البصر وقيل تيمم وكذا الخنثى يغسله رجل أو امرأة استصحابا بحكمه في الصغر) * في الفصل مسألتان (احداهما) لو ماتت امرأة وليس هناك الارجل اجنبي ففيه وجهان (احدهما) انها لا تغسل ولكن تيمم وتدفن ويجعل فقد الغاسل كفقد الماء وبهذا قال مالك وأبو حنيفة (والثاني) أنه يغسلها في ثيابها ويلف خرقة علي يده ويغض الطرف ما امكنه فان اضطر إلى النظر عذر للضرورة وعن احمد روايتان كالوجهين فيجوز أن يعلم قوله غسلها بالحاء والميم ثم إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الثاني وهكذا ذكره الامام وحكاه عن القفال لكن الاظهر عند اصحابنا العراقيين والقاضي الرويانى والاكثرين هو الاول والوجهان جاريان فيما لو مات رجل وليس هناك إلا امرأة اجنبية (الثانية) الخنثى المشكل إذا مات وليس هناك محرم له من الرجال والنساء ينظر إن كان صغيرا بعد جاز للرجال والنساء غسله وكذا واضح الحال من الاطفال يجوز للفريقين جميعا غسله كما يجوز مسه والنظر إليه وان كان كبيرا فهل يغسل فيه وجهان كالوجهين في المسألة السابقة لانه بجوز أن يكون رجلا فيمتنع مسه على النساء أو امرأة فيمتنع مسها علي الرجال (أحدهما) انه ييمم ويدفن وبه قال أبو حنيفة رحمه الله (والثانى) أنه يجوز غسله ومن الذى يغسله فيه وجوه (احدها) أنه(5/126)
يشترى من تركته جارية لتغسله فان لم يكن له تركة فيشترى من بيت المال قال الائمة وهذا ضعيف لان اثبات الملك ابتداء للشخص بعد موته مستبعد وبتقدير ثبوته فقد ذكرنا ان الصحيح ان الامة لا تتغسل سيدها والوجه الثاني انه في حق الرجال كالمرأة وفي حق النساء كالرجل أخذا بالاسوأ في كل واحد من الطرفين (والثالث) وبه قال أبو زيد وهو الاظهر انه يجوز للرجال والنساء غسله جميعا لانه مست الحاجة الي الغسل وكان يجوز في الصغر غسله للطائفتين فيستصحب ذلك الاصل (واعلم) انه ليس المراد من الكبير في هذا الفصل البلوغ ومن الصغر عدمه لكن المعنى بالصغير الذى لم يبلغ حدا يشتهي مثله وبالكبير الذى بلغه * قال (فان ازدحم جمع كثير يصلحون للغسل علي امرأة فالبداءة بنسساء المحارم ثم بالاجنبيات
ثم بالزوج ثم بالرجال المحارم ثم ترتيب المارم كترتيبهم في الصلاة وقيل يقدم الزوج علي النساء لانه ينظر ما لا ينظرن إليه وقيل يقدم رجال المحارم علي الزوج لان النكاح انتهى بالموت) *(5/127)
الصالحون لغسلل الميت إذا ازدحموا لم يخل أما ان يكون الميت رجلا أو امراة فان كان رجلا فيغلسه قراباته على الترتيب الذى نذكره في الصلاة عليه وهل تقدم الزوجة عليهم فيه وجهان سيظهر توجيههما وان كان الميت امرأة فالنساء يقدمن في غسلها وأولاهن نساء القرابة منهن كل ذات رحم محرم فان استوت اثنتان في المحرمية فالتى هي في محل العصوبة أولى كالعمة مع الخالة واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن الا قرب فالاقرب وبعد نساء القرابة تقدم النساء الاجنبيات ثم رجال القرابة وترتيبهم كما سيأتي في الصلاة وهل يتقدم الزوج على نساء القرابة فيه وجهان (أظهرهما) تقديم نساء القرابة ويحكى عن نص الشافعي رضي الله عنه فان الانثي بالاناث اليق (والثاني) أنهن لا يقدمن بل الزوج يقدم عليهن لانه ينظر إلى ما لا ينظرن إليه وفي تقديم الزوج علي الرجال الاقارب أيضا وجهان (أحدهما) أنهم يقدمون عليه لان النكاح ينتهى بالموت وسبب المحرميه يدوم ويبقى (وأظهرهما) وهو اختيار القفال ان الزوج يقدم لانهم جميعا ذكور وهو ينظر الي ما لا ينظرون إليه فيقدم وأحكام النكاح تبقي بعد الموت ولولاه لما جاز له غسل الزوجة وجميع ما ذكرناه من التقديم فهو بشرط ان يكون المحكوم بتقديمه مسلما فلو كان كافرا فهو كالمعدوم ويقدم من بعده حتى يقدم المسلم الأجنبي علي القريب المشرك ويشترط أيضا ان لا يكون فاتلا نعم لو كان قاتلا بحق فيبنى علي الخلاف(5/128)
في أنه هل يرث عنه ولو أن المقدم في أمر الغسل سلمه لمن بعده جاز له تعاطيه ولكن بشرط اتحاد الجنس فليس للرجال كلهم التفويض إلى النساء وبالعكس ذكره الشيخ أبو محمد وغيره وقد حكاه المصنف في الوسيط بععد اطلاق الغسل المتأخر واشعر كلامه بوجهين في اعتبار الشرط المذكور * قال (فرع: المحرم لا يقرب طيبا ولا يستر رأسه بل يبقى (م ح) اثر الاحرام وهل تصان المعتدة عن الطيب فيه وجهان وغير المحرم هل يقلم ظفره ويحلق شعره الذى يستحب في الحياة حلقه
فيه قولان) ذكرنا انه يطرح قدر من الكافور في الماء الذى يغسل به الميت وذلك في غير المحرم فاما المحرم فلا يقرب منه طيبا ابقاء لحكم الاحرام وكذلك لا يستر راسه ان كان رجلا ووجهه ان كان امراة ولا يلبس المخيط ولا يؤخذ شعره وظفره وبه قال احمد خلافا لابي حنيفة حيث قال حكمه حكم سائر الموتى وروى مثله عن مالك * لنا ما روى (ان رجلا كان مع النبي صلي الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا راسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا) ولا بأس بالتجمير عند غسله كما لا بأس بجلوس المحرم عند العطار وإذا ماتت المعتدة التي تحد هل يجوز تطيبها فيه وجهان (احدهما) لا صيانة لها عما كان حراما عليها في حياتها كالمحرم وبهذا قال أبو اسحق(5/129)
واظهرهما) نعم لان التحريم كان احترازا عن الرجال وتفجعا لفراق الزوج وقد زال المعنيان بالموت بخلاف المحرم فان التحريم في حقه لحق الله تعالي جده فلا يزول بالموت وهل تقلم اظفار غير المحرم من الموتي ويؤخذ شاربه وشعر إبطه وعانته فيه قولان (القديم) لا وبه قال مالك وأبو حنيفة والمومنى رحمهم الله لان مصيره الي البلي وصار كلاقلف لا يختن بعد موته (والجديد) وبه قال احمد نعم كما يتنظف الحي بهذه الاشياء وقد روى انه صلى الله عليه وسلم قال (اصنعوا بموتاكم ما تفعلون بعروسكم) والقولان في الكراهية ولا خلاف في ان هذه الامور لا تستحب كذلك ذكره القاضي الرواياني ونقل تفريعا على الجديد انه يتخير الغاسل في شعر الابط بين النتف والازالة بالنورة ويأخذ شعر العانة بالجلم أو الموسي أو النورة وحكى عن بعض الاصحاب انه لا يزال الا بالنورة احتراز عن النظر إلى الفرج وقوله في الكتاب الذى يستحب في الحاية حلقه فية اشارة؟ الي انه لا يحلق شعر الرأس بحال فان ازالته غير مأمور بها الا في المناسك ومنهم من طرد الخلاف في شعر الرأس إذا كان من عادة الميت الحلق في حالة الحياة (واعلم) ان جميع ما ذكرناه في وظيفة الغسل مفروض في حق غير الشهيد فأما الشهيد فسيأتي حكمه في فصل الصلاة على الميت ولو احترق مسلم
ولو غسل لهرى لا يغسل بل ييمم محافظة علي جثته لتدفن بحالها ولو كان عليه قروح وخيف من غسله تسارع البلى إليه بعد الدفن غسل ولا مبالاة بما يكون بعده فالكل صائرون إلى البلى(5/130)
قال (القول في التكفين والمستحب في لونه البياض وفي جنسه القطن والكتان دون الحرير فانه يحررم للرجال ويكره للناس وأما عدده فاقله ثوب واحد ساتر لجميع البدن والثاني والثالث حق الميت في التركة تنفذ وصية باسقاطهما وليس للورثة المضايقة فيهما وهل للغرماء المنع منهما فيه وجهان ومن لا مال له يكفن من بيت المال ويقتصر علي ثوب واحد في أظهر الوجهين وفي وجوب الكفن علي الزوج وجهان) * يتضح الفصل برسم مسائل (أحداها) أن المستحب في لون الكفن البياض لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (خير ثيابكم البيض فاكسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم) وجنسه في حق كل ميت ما يجوز لبسه في حال الحياة فيجوز تكفين المرأة بالحرير لكنه يكره لانه سرف غير لائق بالحال ويحرم تكفين الرجال به كلبسه في الحياة ولك ان تقول قوله ومن جنسه القطن والكتان اما ان يريد استحباب هذين النوعين علي الخصوص أو يشير بهما إلى جميع الانواع المباحة ويكون التقدير القطن والكتان وما في معناهما أما الاول فقضيته تقديم النوعين علي سائر الانواع المباحة كالصوف وغيره وهذا شئ لم نره في كلام الاصحاب وان أرد الثاني فظاهر اللفظ معمول به في حق النساء دون الرجال اما أنه معمول به في حق النساء فلان تكفيهن بغير هذه الانواع وهو الحرير جائز وان كره فينتظم أن نقول تكفيهن بهذه الانواع مستحب واما انه غير معمول به في حق الرجال فلان استحباب شئ من هذه الانواع انا يكون إذا جاز تكفينهم بغير هذه الانواع وانه ممتنع (الثانية) أقل(5/131)
الكفن ثوب واحد وأحبه للرجال ثلاثة أثواب روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) شرط صاحب الكتاب في الثوب الواحد الاقل أن يكون ساترا لجميع البدن وهكذا ذكر الامام وكثير من الاصحاب وحكى آخرون من العراقيين
وغيرهم أن الواجب قدر ما يستر العورة لان الميت لى آكد حالا من الحى والواجب في الحى ستر العورة لا غير وعلي هذا يختلف الحال باختلاف حال الميت في الذكورة والانوثة لاختلاف مقدار العورة بالحالتين وجمع القاضى الروايتى وآخرون بين النقلين وجعلوا المسالة علي وجهين (أحدهما) ان(5/132)
الواجب القدر الساتر للعورة (والثانى) ان الواجب ثوب سابغ وقد حكى عن نصه في الام انه ان كان له ثوب واحد لا يغطي جميع البدن ستر به العورة لانه واجب وستر غيرها ليس بواجب وان كان يبدو رأسه أو رجلاه غطي به راسه لما روى ان مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يخلف الا نمرة فكان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطي بها رجلاه بدا رأسه فقال صلي الله عليه وسلم (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الاذخر) واعرف في قوله في الكتاب وأما عدده فأقله ثوب واحد إلي آخره شيئين (أحد هما) ان هذا اللفظ يقتضي كون الواحد عددا لكن الحساب لا يجعلون الواحد عددا ويقولون العدد ما يتركب عن الواحد (والثاني) انا وان أوجبنا ثوبا ساترا لجميع البدن فذلك في حق غير المحرم أما المحرم فلا يتر رأسه ان كان رجلا ووجهه ان كان امرأة علي ما سبق (الثالثة) الثوب الواحد على ما وصفناه حق الله تعالي جده لا تنفذ وصية الميت باسقاطه والثانى والثالث حق الميت وهى بمثابة ثياب التجمل للحي فلو أوصي باسقاطها نفذ (كما اوصي أبو بكر رضي الله عنه عنه بأن يكفن في ثوبه الخلق فنفذت وصيته (ولو لم يوص وتنازع الورثة في اكفائه واراد بعضهم الاقتصار علي ثوب واحد فقد حكي في النهاية فيه طريقين (احد هما) ان فيه وجهين كما سنذكرهما في مضايقه الغرماء فيه (والثاني) القطع بالمنع تقديما لحاجة المالك وظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه ليس لهم المضايقة سواء اثبتنا الخلاف ام لا ولو اتفق الورثة جميعا علي تكفينه في ثوب واحد(5/133)
فقد قال في التهذيب يجوز وطرد صاحب التتمة الخلاف فيه ولو كان عليه دين مستغرق فقال الغرماء لا نكفنه الا في ثوب واحد فهل يجابون إليه فيه وجهان (احدهما) لا كالمفلس الحي تترك عليه ثياب تجمله (واظهرهما) نعم فان الستر قد حصل وهو الي ابراء ذمته احوج منه الي زيادة الستر بخلاف الحي
يحتاج الي التجمل ويتقلب بين الناس (الرابعة) محل الكفن رأس مال التركة ان ترك الميت ما لا يقدم علي الديون والوصايا والميراث نعم لا يباع المرهون في الكفن ولا العبد الجاني ولا المال الذى فيه الزكاة فانه كالمرهون بها وان لم يترك مالا فكفنه على من هو في نفقته فيجب علي القريب كفن القريب وعلي السيد كفن العبد وام الولد وكذلك يجب كفن المكاتب عليه لان الكتابة تنفسخ بالموت ولا فرق في الا ولاد بين الصغار والكبار لان نفقتهم واجبة إذا كانوا عاجزين زمنى والميت عاجز ذكره في التتمة وهل يجب علي الزوج تكفين الزوجة ومؤنتها فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبي هريرة لا لان مؤنة الزوجة انما تجب علي الزوج في مقابلة التمكين من الاستمتاع فإذا ماتت فقد زال هذا المعني وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله (واصحهما) أنه يجبب ذلك علي الزوج لانها في نفقته في الحياة فيلزمه مؤنتها بعد الموت كالاب مع الابن والسيد مع العبد فعلي هذا لو لم يكن للزوج مال فحينئذ يجب في مالها (اما) إذا لم يترك الميت مالا ولا كان له من ينفق عليه فتكفينه ومؤنة دفنه من بيت المال كنفقته في الحاية وأهل يقتصر علي ثوب واحد أم يكمل الثلاث فيه وجهان (أظهرهما) يقتصر عليه ليتأدى الواجب به (والثاني) يكمل الثلاث ولا يقتصر عليه كما لا يقتصر في كسوة الحى علي ساتر العورة فعلي الاول لو ترك ثوبا واحدا فلا شئ من بيت المال وعلى الثاني هل يكتفى بما خلفه أم يكمل الثلاث من بيت المال ذكر الامام أن صاحب التقريب حكي فيه وجهين (أظهرهما) الثاني وإذا لم يكن في بيت المال مال فعلي عامة المسلمين الكفن ومؤنة الدفن (قال والزيادة على الثلاث إلى الخمس مستحب للنساء جائز للرجال غير مستحب والزيادة علي الخمس سرف(5/134)
علي الاطلاق ثم ان كفن في خمس فعمامة وقميص وثلاث لفائف سوابغ وإن كفن في ثلاث فثلاث لفائف من غير قميص ولا عمامة وإن كفنت المرأة في خمس فازار وخمار وثلاث لفائف سوابغ وفى قول تبدل لفافة بقميص وإن كفنت في ثلاث فثلاث لفائف) * قد ذكرنا أن العدد المستحب في كفن الرجال ثلاث اثواب فلو زيد عليه الي خمسة أثواب فهو جائز وإن لم يكن محبوبا وأما المرأة فيستحب أن تكفن في خمسة أثواب رعاية لزيادة الستر في حقها وحكم الخنثى
في ذلك حكم المرأة والزيادة علي الخمسة مكروهة علي الاطلاق لما فيها من السرف وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (لا تغالوا في الكفن فانه يسلب سلبا سريعا) فإذا كانت المغالاة مكروهة فزيادة العدد أولى أن تكون مكروهة ثم إن كفن الرجل أو المرأة في ثلاث فالمحبوب ثلاث لفائف من غير عمامة للرجل ولا قميص وعن أبى حنيفة ان الرجل يكفن في إزار ورداء وقميص لنا (ما روى أن النبي صلى(5/135)
الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) وان كفن الرجل في خمسة أثواب فليكفن في عمامة وقميص وثلاث لفائف وتجعل العمامة والقميص تحتها ويستثني المحرم عن ذلك فلا يلبس المخيط على ما تقدم وإن كفنت المرأة في خمسة أثواب فقولان (أحدهما) ازار وخمار وثلاث لفائف والازار والخمار كالعمامة والرداء للرجل واللفائف كاللفائف (والثاني) ازار وخمار ولفافتان وقميص لما روى (ان أم عطية لما غسلت أم كلثوم رضي الله عنهما بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النبي صلي الله عليه وسلم جالسا علي الباب فناولها ازار أو درعا وخمارا وثوبين) وينسب القول الاول الي الجديد (والثاني) الي القديم وذكر المزني أن الشافعي رضى الله عنه ذكر القميص مرة ثم خط عليه ونقل عنه القول الاول وايراد الكتاب يقتضى ترجيحه لكن(5/136)
الاكثرين علي ترجيح القول الثاني ويجوز ان تعد المسألة من المسائل التى يجاب فيها على (القديم) ثم قال الشافعي رضي الله عنه يشد علي صدرها ثوب لئلا يضطرب ثديها عند الحمل فتنشر الا كفان واختلفوا في ذلك الثوب فقال أبو اسحق هو ثوب سادس ليس من جملة الاكفان ويحل عنها إذا وضعت في القبر وقال ابن سريج يشد عليها ثوب من الخسمة ويترك (والاول) اظهر عند اللائمة وكيف ترتيب الاثواب الخمسة قال المحاملى وغيره علي قول ابي اسحق ان قلنا تقمص فيشد عليها المئزر أو لاثم الخمار ثم تلف في ثوبين ثم يشد عليها الثالث وان قلنا لا تقمص يشد علهيا المئزر ثم الخمار ثم تلف في ثلاثة أثواب ثم يشد عليها خرقة وعلى قول ابن سريج ان قلنا تقمص يشد عليها المئزر ثم الدرع ثم الخمار ثم تشد عليها الخرقة ثم تلف في ثوب وان قلنا لا تقمص يشد عليها المئرز ثم الخمار ثم تلف في ثوب ثم يشد(5/137)
عليها آخر ثم تلف في الخامس وإذا وقع التكفين في اللفائف الثلاث فكيف تكون هي فيه وجهان (أحدهما) ان تكون متفاوتة فالاسفل يأخذ ما بين سرته وركبته والثاني ياخذ من عنقه إلى كعبه والثالث يستر جميع بدنه (واظهرها) انه ينبغي ان تكون مستوية في الطول والعرض ياخذ كل واحد منها جميع بدنه واعلم انه لا فرق في التكفين في الثلاث بين الرجل والمرأة وانما الفرق بينهما في الخمس فهى في حق الرجل وعمامة قميص وثلاث لفائف وفي المرأة القولان المذكوران وإذا كان كذلك فايراد الفرض في اقصر من لفظ الكتاب ههين والله اعلم * قال (ثم يذر على كل لفافة حنوط ويوضع الميت عليه ويأخذ قدرا من القطن الحليج ويدسه في الاليتين وتشد الاليتان وتستوثق وتلصق بجميع منافذ البدن من المنخرين والاذنين والعينين قطنة عليها كافور ثم يلف الفن عليه بعد أن يبخر بالعود ويشد عليه بشداد وينزع الشداد عند الدفن) * غرض الفصل الكلام في ادراج الميت في الكفن وتوابعه فنقول تبخير الكفن بالعود مستحب إذا لم يكن الميت محرما وذلك بان ينصب مشجب وتوضع الاكفان عليها ويجمر تحتها ليصيبها دخان العود ثم تبسط أحسن اللفائف واوسعها ويذر عليها حنوط وتبسط الثانية فوقها ويذر عليها حنوط وتبسط الثالثة التي تلى الميت فوقها ويذر عليها حنوط وكافور ثم يوضع الميت فوقها مستلقيا ويؤخذ قدر من القطن الحليج ويجعل عليه حنوط وكافور ويدس في اليتيه حتي تتصل بالحلقة ليرد شيئا عساه عند التحريك ينفصل منه ولا يدخله في باطنه وفيه وجه انه لا بأس به ثم تشد اليتيه وتستوثق وذلك بان يأخذ خرقة ويشد رأسها ويجعل وسطها عند اليتيه وعانته ويشدها عليه فوق السرة بان يرد ما يلي ظهره الي سرته ويعطف الشقين الآخرين عليه ولو شد شقا من كل رأس علي هذا الفخذ ومثل ذلك علي الفخذ الثاني جاز أيضا وقيل يشدها بالخيط ولا يشق طرفيها ثم يأخذ شيئا من القطن ويضع عليه قدرا من الكافور والحنوط ويجعله علي منافذ البدن من المنخرين والاذنين والجراحات النافذة ان كانت عليه دفعا للهوام ويجعل الطيب علي مساجده(5/138)
وهى الجبهة والانف وباطن الكفين والركبتان والقدمان اكراما لها وذلك بان يجعل الطيب علي قطع قطن وتوضع علي هذه المواضع وقيل يجعل عليها بلا قطن ثم يلف الكفن عليه بان يثني من الثوب الذى يليه صنعته التي تلي شقه الايسر علي شقه الايمن والتي تلي شقه الايمن علي شقه الايسر كما يشتمل الحى بالقباء ثم يلف الثاني والثالث كذلك وفيه قول آخر أنه يبدأ بالشقة التي تلي شقه الايمن فيثنيها على شقه الايسر ويجعل التي تلي الايسر علي الايمن ليكون ما علي الايمن غالبا ولعل هذا اسبق الي الفهم مما رواه المزني في المختصر لكن الاول أصح عند الجمهور ومنهم من قطع به وإذا لف الكفن عليه جمع المفاصل عند رأسه جمع العمامة ورد علي وجهه وصدره الي حيث يبلغ وما فضل عند رجله يجعل على القدمين والساقين وينبغى أن يوضع الميت على الاكفان اولا بحيث إذا القيت عليه كان الفاضل عند رأسه اكثر كما ان الحى يجمع فضل ثيابه علي رأسه وهو العمامة ثم تشتد الاكفان عليه بشداد خيفة انتشارها عند الحمل فإذا وضع في القبر نزع وفي كون التحنيط واجبا أو مستحبا وجهان (أظهرهما) عند المصنف وامام الحرمين الثاني * قال (ثم يحمل الجنازة ثلاثة رجال رجل سابق بين العمودين ورجلان في مؤخر الجنازة فان عجز السابق أعانه رجلان خارج العمودين فتكون الجنازة محمولة بين خمسة أو بين ثلاثة والمشى قدام الجنازة أفضل (ح) والاسراع بها أولى)(5/139)
ليس في حمل الجنازة دناءة وسقوط مروءة بل هو بروا كرام الميت وقد نقل ذلك عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم اجميعن ولا يتولاه الا الرجال ذكرا كان الميت أو أنثي ولا يجوز الحمل علي الهيات المزرية ولا على الهيئة التي يخاف منها السقوط إذا عرفت ذلك ففى الفصل ثلاث مسائل (أحداها) في كيفية الحمل وقد نقل طريقان (أحد هما) الحمل بين العمودين يروى ان النبي صلي الله عليه وسلم (حمل جنازة سعد بن معاذ رضى الله عنه بين العمودين) ومعناه أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمود ان على
عاتقيه والخشبة المعترضة بينهما علي كتفيه ويحمل مؤخر الجنازة رجلان أحدهما من الجانب الايمن(5/140)
والثانى من الايسر ولا يمكن أن يتوسط الخشبتين واحد من مؤخرهما فانه لا يرى موضع قدميه والطريق بين يديه حينئذ فان لم يستتقل المتقدم بالحمل اعانه رجلان خارج العمودين يضع كل واحد منهما واحدا منهما علي عاتقه فتكون الجنازة محمولة علي خمسة (والثانى) التربيع روى عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال (إذا تبع أحد كم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الاربعة ثم ليتطوع بعد أو ليذر فانه السنة) والتربيع أن يتقدم رجلان فيضع احدهما العمود الايمن على عاتقه الا يسر والاخر العمود الايسر علي عاتقه الايمن ولذلك يحمل العمودين من مؤخرها اثنان فتكون الجنازة على هذه الهيئة محمولة على اربعة وقد نقل عن نص الشافعي رضى الله عنه ان من أراد التبرك يحمل الجنازة من جوانبها الاربعة بدأ بالعمود الايسر من مؤخرها فحمله علي عاتقه الايمن ثم يسلم الي غيره ويأخذ(5/141)
العمود الايسر من مؤخرها فيحمله علي العاتق الايمن أبضا ثم يتقدم فيعترض بين يديها لئلا يكون ماشيا خلفها فيأخد العمود الايمن من مقدمها ويحمله على عاتقه الايسر ثم يأخذ العمود الايمن من مؤخرها ولا شك أن ذلك انما يتاتى والجنازة محموله علي هيئة التربيع فهذا شأن الطريقين وكل واحد منهما جائز وحكى القاضى الروايانى عن بعض الاصحاب ان الافضل الجمع بان يحمل تارة هكذا وتارة هكذا وإذا أراد الا قتصار على احدهما فايتهما أفضل (المشهور) في المذهب ان الحمل بين العمودين أفضل وعن احمد ان التربيع أفضل وبه قال بعض اصحابنا وعن مالك انهما سواء وأشار صاحب التقرى إلى وجه يوافقه وقال أبو حنيفة الحمل بين العمودين بدعة (الثانية) المشي امام الجنازة أفضل وبه قال مالك وروى مثله عن احمد ويروى عنه ان كان راكبا سار خلفها وان كان راجلا فقدامها وقال أبو حنيفة المشي خلفها افضل لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال رأيت النبي صلي الله عليه وسلم وسلم وأبا بكر وعمر رضى الله عنهما يمشون امام الجنازة والافضل أن يكون قدامها قريبا منها بحيث لو التفت لرآها ولا يتقدمها الي المقبرة ولو تقدم لم يكره ثم هو
بالخيار ان شاء قام منتظرا لها وان شاء قعد لما روى عن علي رضي الله عنه قال (قام رصول الله(5/142)
صلي الله علهى وسلم مع الجنازة حتي وضع وقام الناس معه ثم قعد بعد ذلك وأمر هم بالقعود) وقال أبو حنيفة واحمد يكره الجلوس حتي توضع الجنازة (الثالثة) سنة المشى بالجنازة الا سراع الا ان يخاف من الاسراع تغيرا في الميت فيتأني بها والاسراع فوق المشى المعتاد دون الخبب؟ روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (سئل عن المشي بالجنازة فقال دون الخبب فان يك خيرا عجلتموه(5/143)
إليه وان يك شرا فبعدا لاهل النار) وان خيف عليه تغير وانفجار زيد في الاسراع * قال (القول في الصلاة والنظر في أربعة أطراف (الاول) فيمن يصلي عليه وهو كل ميت مسلم ليس بشهيد احترزنا بالميت عن عضو آدمى فانه لا يصلي عليه إلا إذا علم موت صاحبه فيصلي على صاحبه وان كان غائبا ويغسل العضو ويوارى بخرقة ويدفن) * حصر حجة الاسلام رحمة الله عليه بقة الكلام في صلاة الميت في أربعة أطراف للحاجة إلى النظر فيمن يصلى عليه ومن يصلي وفي أركان هذه الصلاة وشرائطها (الاول) فيمن يصلي عليه ويعتبر فيه ثلاثة قيود أن يكون ميتا مسلما غير شهيد (فاما) قيد المسلم فيتعلق به مسألتان يشتمل الفصل علي أحداهما وهى ما إذا وجدنا بعض مسلم دون باقيه مثل ان اكله السبع فلا يخلو أما أن يكون قد علم موت صاحبه أولا يعلم فان لم يعلم فلا يصلى عليه وان علم موته صلي عليه قل الموجود أم كثر وبه قال احمد خلا فلابي حنيفة حيث قال لا يصلي عليه الا ان يكون اكثر من النصف ويروى عن مالك مثله(5/144)
لنا أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا على يد عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد رضى اللله عنه القاها طائر بمكة في وقعة الجمل وعرفوا أنها يده بخاتمه وهذا في غير الشعر والظفر ونحوها وفي هذه الاجزاء وجهان (اقربهما) إلى اطلاق الاكثرين أنها كغيرها نعم قال في العدة أن لم يوجد الاشعرة واحدة فلا يصلى عليها في ظاهر المذهب إذ لا حرمة لها ومتى شرعت الصلاة فلا بد من الغسل
والمواراة بخرقة (وأما) الدفن فلا يختص بموت صاحب العضو بل ما ينفصل من الحى من ظفر وشعر وغيرهما يستحب له دفنها وكذلك يوارى دم الفصد والحجامة والعلقة والمضغة تلقيهما المرأة وإذا وجد بعض ميت أو كله ولم يعلم أنه مسلم فان كان في دار الاسلام صلي عليه لان الغالب في دار الاسلام المسلمون (وقوله) الا إذا علم موت صاحبه يبين انه لا صلاة فيما إذا علم حياة صاحبه وفيما إذا(5/145)
لم يعلم موته ولا حياته فان كل واحدة من الحالتين تبقي في المستثني منه (وقوله) فيصلي علي صاحبه معلم بالحاء والميم وفيه اشارة إلى أن الصلاة ليست علي نفس العضو وانما هي علي الميت ولا ينوى الا الصلاة علي جملته وقد صرح بهذا القاضي الرويانى وغيره وكلام من قال يصلي علي العضو محمول عليه (فان قلت) هذا حسن لكنه استثنى الحالة التي حكم فيها بانه يصلي على صاحبه من قوله فانه لا يصلي عليه وفي هذه الحالة لا يصلي علي العضو ايضا فكيف ينتظم الاستثناء (فالجواب) ان قوله لا يصلي عليه أي على صاحبه كما ان قول من قال يصلي علي العضو محمول عليه وحينئذ ينتظم الاستثناء (وقوله) وان كان غائبا يشير إلى أن غيبة باقى لاشخص لا تضر فانا نجوز الصلاة علي الغائب كله فعلي الغائب بعضه أولي ولذلك قال امام الحرمين حقيقة الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة رحمه الله في العضو يستند الي أن الصلاة علي الغائب صحيحة وهو لا يراها ويربط الصلاة بما شهد وحضر قال (وكذا السقط الذى لم يظهر فيه التخطيط لا يغسل ولا يصلي عليه فان ظهر الخطيط ففى الغسل قولان فان غسل ففى الصلاة قولان منشأهما التردد في الحياة وعلي كل حال يوارى بخرقة ويدفن فان اختلج بعد الانفصال فالصلاة عليه أولي (ح م) فان صرخ واستهل فهو كالكبير) المسألة الثانية في السقط وله حالتان (احداهما) ان يستهل أو يبكي فهو والكبير سواء لانا تيقنا حياته وموته بعد الحياة وقد روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا استهل السقط صلي عليه)(5/146)
(والثانية) أن لا يتيقن حياته باستهلال وغيره فاما أن يعرى عن أمارات الحياة كالاختلاج ونحوه
أو يوجد شئ من ذلك فان عرى فينظر هل بلغ حدا يمكن نفخ الروح فيه وهو أربعة أشهر فصاعدا أم لا فان لم يبلغه فلا يصلي علهى وهل يغسل فيه طريقان (أصحهما) لا كما لا يصلى عليه فان حكم كل واحد منهما حكم من عرض له الموت وعروض الموت يستدى سبق الحياة (والثاني) فيه قولان وسنذكر الفرق بين الغسل والصلاة وان بلغ أربعة أشهر فصاعدا فهل يصلي عليه فيه قولان (أحدهما) وينسب الي القديم نعم إذ ورد في الخبر أن الولد إذا بقى في بطن أمه أربعة أشهر ينفح فيه الروح ويحكي عن الام والبويطي أنه لا يصلى عليه ويوجه بالخبر الذى سبق فان ظاهر يقتضى(5/147)
اشتراط الاستهلال وأيضا بأنه لا يرث ولا يورث فلا تجب الصلاة عليه كما لو سقط لدون أربعة أشهر وفي الغسل طريقان (اظهرهما) القطع بانه يغسل (والثاني) فيه قولان والفرق أن الغسل أوسع بابا من الصلاة الا ترى ان الذمي لا يصلي عليه ويغسل واما إذا اختلج بعد الانفصال وتحرك ففى الصلاة عليه قولان (احدهما) لا يصلي عليه وبه قال مالك لعدم تيقن الحياة بخلاف الاستهلال (واظهرهما) أنه يصلي عليه لظهور احتمال الحياة بسبب الامارة الدالة عليها ومنهم من قطع بانه يصلي عليه وفي الغسل هذان الطريقان لكن القطع في الغسل أظهر منه في الصلاة ثم نعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب هذان الطريقان لكن القطع في الغسل أظهر منه في الصلاة ثم نعود إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما) قوله السقط الذى لم يظهر فيه التخطيط (وقوله) ظهر فيه التخطيط فاعلم أن المراد منه ظهور خلفة الآدمى وهذه العبارة حكاها امام الحرمين عن الشيخ أبي علي وعبارة الجمهور التى قدمناها وهى أن ينظر هل بلغ حد نفخ الروح ام لا قال الامام ويمكن ان يقال الاختلاف في محض العبارة ومهما بدأ التخليق فقد دخل أوان نفخ الروح وان لم يبد لم يدخل وقد يظن تخلل زمان بين أوائل التخليق وبين جريان الروح فان كان هكذا اختلف الطريقان والله أعلم (وقوله) وان ظهر التخطيط اي ولم يختلج ولا تحرك (اما) إذا اختلج فقد ذكره من بعد (وقوله) وان غسل ففى الصلاة قولان ترتيب للصلاة على الغسل ان قلنا لا يغسل فلا يصلي عليه وان قلنا يغسل ففى الصلاة قولان وإذا جمعنا بينهما قلنا فيه ثلاثة اقوال ثلثها الفرق بين الغسل والصلاة وقوله منشأهما التردد في الحياة
أي في منشأ القولين فيهما جميعا لا في الصلاة وحدها وإن كان مذكورا بعد ذكر قولي الصلاة (وقوله) وعلي كل حال يوارى بخرقة ويدفه.
الموارة قد تكون علي هيئة التكفين على ما سبق بيانها وقد(5/148)
تكون علي غير تلك الهيئة فما لم يظهر فيه خلقة الآدمى يكفى فيه المواراة كيف كانت وبعد ظهور خلقة الآدمى حكم التكفين حكم الغسل (وقوله) عند الاختلاج فالصلاة عليه اولى أي من من الصلاة عند عدم الاختلاج وهو جواب علي طريقة طرد القولين والحالة هذه وقد حكينا فيها قطع قاطعين بانه يصلي عليه فيجوز ان يعلم قوله فالصلاة عليه اولي بالواو اشارة إليه (قوله) فان صرخ واستهل هو الحالة الاولى في ترتيب الشرح * قال (واحترزنا بالمسلم عن الكافر فانه لا يصلى عليه ذميا كان أو حربيا لكن تكفين الذمي ودفنه من فروض الكفايات وفاء بذمته وقيل لا ذمة بعد الموت فهو كالحربي ولو اختلط موتي المسلمين بالمشركين غسلنا جميعهم كفناهم تقصيا عن الواجب ثم عند الصلاة يميز المسلمون بالنية) * القيد الثاني كونه مسلما فلا تجوز الصلاة على الكافر حربيا كان أو ذميا قال الله تعالي (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) ولا يجب على المسلمين غسله أيضا ذميا كان أو حربيا لكن يجوز خلافا لمالك رحمه الله * لنا ان النبي صلى الله عليه وسلم (أمر عليا رضى الله عنه بغسل أبيه أبي طالب) وأقاربه الكفار أولى بغسله من المسلمين (وأما) التكفين والدفن فينظر ان كان الكافر ذميا ففى وجوبهما علي المسلمين وجهان (أظهرهما) يجب وفاء بذمته كما يجب أن يطعم ويكسى في حياته (والثاني)(5/149)
لا يجب فانا لم نلتزم الا الذب عنه في حياته والذمة قد انتهت بالموت وان كان حربيا ففى الكتاب إشعار بأنه لا يجب تكفينه ولا دفنه بلا خلاف لانه ألحق الذمي به في الوجه الثاني لكن صاحب التهذيب فرق بين الامرين فقال لا يجب تكفينه لان النبي صلي الله عليه وسلم (أمر بالقاء قتلي بدر في القليب علي هيئاتهم) وفي وجوب مواراته وجهان أحدهما يجب لان النبي صلي الله عليه وسلم
(أمر بها في قتلى بدر) (والثاني) لا يجب بل يجوز اغراء الكلاب عليه فان فعل فذاك لئلا يتأذى الناس برائحته وكذلك حكم المرتد إذا عرفت ذلك فلو اختلط موتى المسلمين بموت المشركين ولم يتميزوا بأن انهدم عليهم سقف مثلا وجب غسل جميعهم والصلاة عليهم وبه قال مالك وأحمد ثم ان صلى عليهم دفعة جاز ويقصد المسلمين منهم بنيته وان صلي عليهم واحدا واحدا جاز ايضا وينوى الصلاة عليه ان كان مسلما ويقول اللهم اغفر له ان كان مسلما وعند أبي حنيفة رحمه الله يصلي عليهم الا أن يكون المسلمون أكثر * لنا ان الصلاة علي المسلمين واجبة بالنصوص ولا سبيل الي إقامة الواجب ههنا الا بهذا الطريق *(5/150)
قال (وأما الشهيد فلا يغسل (ح) ولا يصلي عليه والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال فان كان في قتال أهل البغي أو مات حتف انفه في قتال الكفار أو قبله حربى اغتيالا من غير قتال أو جرح في القتال ومات بعد انفصال القتال وكان بحيث يقطع بموته ففى الكل قولان منشأهما التردد في ان هذه الاوصاف؟ هل هي مؤثرة أم لا (أما) القتيل ظلما من مسلم أو ذمى أو باغ أو المبطون أو الغريب يغسلون ويصلي عليهم) * القيد الثالث لمن يصلي عليه أن لا يكون شهيدا فالشهيد لا يصلي عليه ولا يغسل ايضا وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة في الصلاة وبه قال أحمد في رواية واختاره المزني * لنا ان جابرا وأنسا رضى الله عنهما رويا ان النبي صلي الله عليه وسلم لم (يصل علي قتلى احد ولم يغسلهم) ولا فرق بين الرجل والمرأة والحر والعبد والبالغ والصبى وعند ابي حنيفة كسائر الموتى يغسل ثم ما المعنى بقولنا لا يغسل ولا يصلي عليه يغنى به انهما لا يجبان أو يحرمان (واما) لصلاة ففي النهاية والتهذيب ذكر وجهين في جوازها (اظهرهما) انها غير جائزة ولو جازت لوجبت كالصلاة علي سائر الموتي (والثانى) انها جائزة وانما تترك رخصة لمكان الاشتغال بالحرب وهذا ما صححه الشيخ أبو محمد فيما علق عليه وأما الغسل فقدا طلق في التهذيب المنع منه وذكر الامام انه لا سبيل إليه وان جوزنا الصلاة إذا ادى غسله إلى(5/151)
إزالة دم الشهادة فان لم يكن عليه دم ففى غسله تردد كما في الصلاة إذا تقرر ذلك فلابد من معرفة الشهيد (واعلم) ان اسم الشهيد قد يخص في الفقه بمن لا يغسل ولا يصلي عليه وعلي هذا فقوله والشهيد من مات بسبب القتال الي آخره مجرى علي ظاهره وقد يسمي كل مقتول ظلما شهيدا وهو اظهر الا ترى أن الشافعي رضي الله عنه يقول في المختصر والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام إلى ان قال كغيرهم من الموتى اثبت اسم الشهادة مع الحكم بأنهم كسائر الموتى وعلي هذا فقوله في الكتاب والشهيد من مات أي والشهيد الذى ذكرنا انه لا يغسل ولا يصلي عليه وعلى هذا الاصطلاح نقول الشهداء نوعان (احدهما) الذين لا يغسلون ولا يصلي عليهم وضبط في الكتاب فقال والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال وقد اشتمل علي ثلاثة معان (الموت) بسبب القتال (وكونه) قتال الكفار (وكون) الموت في وقت قيام القتال ويدخل فيه ما إذا قتله مشرك وما إذا اصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه سهمه أو تردى في حملته في وهدة أو سقط عن فرسه أو رفته دابة فمات وما إذا انكشف الحرب عن قتيل من المسلمين سواء كان عليه اثر ام لا لان الظاهر موته بسبب من اسباب القتال ويحتمل انه مات لسقطة وغيرها فلم يظهر عليه اثر وعند ابى حنيفة وأحمد ان لم يكن عليه اثر غسل وصلى عليه ومهما فقد احد المعاني التي يتركب عنها الضابط ففى ثبوت حكم الشهادة خلاف ويتبين ذلك بمسائل (احداها) المقتول من اهل العدل في معترك اهل العدل في معترك اهل البغى هل يغسل ويصلي عليه فيه قولان (احدهما) لا وبه قال أبو حنيفة في الغسل كالمقتول في معترك الكفار ويروى(5/152)
ان عليا رضى الله عنه (لم يغسل من قتل معه وأوصي عما رضى الله عنه أن لا يغسل) (والثانى) وبه قال(5/153)
مالك نعم لانه قتيل مسلم فاشبه ما لو قتله في غير القتال * واحتج لهذا القول بان أسماء (غسلت ابنها ابن الزبير رضي الله عنهم ولم ينكر عليها منكر) وعن احمد روايتان كالقولين ودكر قوم منهم صاحب العدة أن القول الاول اصح لكن الجمهور علي ترجيح الثاني والقولان منصوصان في المختصر في كتاب قتال أهل البغي ولا خلاف عند نافي أن الباغي إذا قتله العادل يغسل ويصلي عليه وقال أبو حنيفة لا يصلي
عليه عقوبة له ومن قتله القطاع من الرفقة فيه طريقان (أحدهما) أن حكمه على القولين في العادل إذا قتله أهل البغي (والثاني) أنه ليس بشهيد جزما والفرق ان قتالهم مع أهل العدل علي تأويل الدين بخلاف القطاع (الثانية) لو مات في معترك الكفار لا بسبب من أسباب القتال ولكن مفاجأة أو لمرض فقد حكى الامام عن شيخه فيه وجهين (أصحهما) أنه ليس بشهيد ولم يذكر في التهذيب سواه ووجهه أن الاصل وجوب الغسل والصلاة وخالفناه فيما إذا مات بسبب من أسباب القتال تعظيما لا مره وحثا للناس عليه (الثالثة) لو دخل الحربي بلاد الاسلام فقتل مسلما اغتيالا من غير قتال فقد ذكر الامام أن الشيخ أبا علي حكي فيه وجهين والاصح المشهور انه لا يثبت له حكم الشهادة (الرابعة) لو جرح في القتال ومات بعد انقضائه ففى ثبوت حكم الشهادة قولان (أحدهما) يثبت لانه مات بجرح وجد فيه فاشبه ما لو مات قبل انقضائه (وأظهرهما) وبه قال احمد فيما رواه صاحب الشامل وغيره انه لا يثبت لانه عاش بعد(5/154)
انقضاء الحرب كما لو مات بسبب آخر ولا فرق على القولين بين ان يطعم أو يتكلم أو يصلي وبين ان لا يفعل شيئا من ذلك ولا بين أن يمتد الزمان أو لا يمتد وقال مالك ان امتد الوقت أو اكل غسل وصلي عليه والا فلا وقال أبو حنيفة ان طعم أو تكلم أو صلي فهو كسائر الموتى وللقولين شرطان (أحدهما) قد تعرض له في الكتاب ان يقطع بموته من تلك الجراحة فاما إذا توقع بقاؤه فمات بعد انقضاء التقال فليس بشهيد بلا خلاف (والثانى) أن تبقى فيه حياة مستقرة ثم يموت بعد انقضاء القتال فأما إذا انقضى القتال وليس به الا حركة المذبوح فهو شهيد بلا خلاف وهذه المسائل الاربع باسرها مذكورة في الكتاب وقد تبين بما ذكرناه ان الاظهر فيها جميعا انتفاء الشهادة واعتبار المعاني الثلاثة في الضابط؟ وأعلم قوله في وقت قيام القتال بالحاء والميم لانهما لا يعتبران قيام القتال وانما مذهبهما ما قدمناه وقوله ففى الكل قولان فيه اثبات قولين في الصور الاربع وهما مشهوران في الاولي والرابعة فام الثانية والثالثة فلم نر للمعظم فيهما حكاية القولين وانما ذكر من الخلاف وجهين ويجوز ان يغلم قوله قولان بالواو لان في النهاية حكاية طريقة في الصورة الرابعة مفصلة وهى انه ان مات قريبا ففيه قولان وان بقى اياما ثم مات فليس بشهبد قطعا والذى في الكتاب اثبات قولين على
الاطلاق (وقوله) منشأهما التردد في أن في أن هذه الاوصاف مؤثرة أم لا يعنى الاوصاف الثلاثه المذكورة في الضابط هل هي مؤثرة في موضع الاثبات ام لا وليس في هذا القدر من التوجيه كثير فائدة فان الفقيه لا يشك في انا إذا نطنا حكما بامور واختلفنا في بقاء ذلك الحكم مع فوات بعض الامور فقد اختلفنا في تأثيره وإنما المهم النظر في أنه لم يعتبر أو يلغى (النوع الثاني) من الشهداء العارون عن الاوصاف للمذكورة جميعا فهم كسائر الموتى يغسلون ويصلى عليهم وان ورد لفظ الشهادة فيهم كالمبطون والغريب والغريق والميت عشقا والميتة طلقا وكذا الذى قتله ظلما مسلم أو آدمى أو باغ في غير القتال حكمه حكم سائر الموتي وبه قال مالك وهو رواية عن احمد خلافا لابي حنيفة حيث قال كل من قتل ظلما قتلا يوجب القصاص فهو شهيد وان وجب به المال فلا فيخرج من ذلك ان المقتول بالمثقل ليس بشهيد(5/155)
فيما نحن فيه ولم يعتبر في القتال ذلك بل اثبت حكم الشهادة سواء قتل بالمثقل أو بالمحدد وقال احمد في رواية كل مقتول ظلما فهو شهيد * لنا ان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه غسل وصلي عليه وكذلك عثمان رضى الله عنه وقد قتلا ظلما بالمحدد) * قال (وكذا القتيل بالحق قصاصا اوحدا ليس بشهيد وتارك الصلاة يصلي عليه (و) وقاطع الطريق يفتل أولا ويصلى عليه ويغسل ويكفن ثم يصلب مكفنا علي قول وعلى قول يقتل مصلوبا ثم ينزل ويغسل ويصلى عليه ويدفن ومن رأى انه يقتل مصلوبا ويبقى فقد قال لا يصلى عليه) * إذا تبين ان المقتول ظلما ليس بشهيد إذا لم يكن بالصفات المقدمة فالقتيل حقا أولى ان لا يكون شهيدا وقد روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (رجم الغامدية وصلى عليها) وذكر في الكتاب مما يتفرع علي هذا الاصل صورتين وذكرهما في غير هذا الموضع (أحداهما) ان تارك الصلاة يصلى عليه ويغسل لانه مسلم مقتول حقا وعن صاحب التلخيص انه لا يصلى عليه لانه ترك الصلاة في حياته فترك الصلاة عليه وقال ايضا لا يغسل ولا يكفن ويطمس قبره تغليظا عليه (الثانية) غسل قاطع الطريق والصلاة عليه تبنى علي كيفية اقامة الحد عليه وفي قتله وصلبه إذا اقتضى الحال الجمع بينهما خلاف على ما سيأتي شرحه وتفصيله في موضعه ان شاء الله تعالي (وأظهر) القولين أنه يقدم القتل علي الصلب
فيقتل ثم يغسل ويصلي عليه ثم يصلب مكفنا (والقول الثاني) أنه يقدم الصلب ثم يقتل وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وعلي القولين إذا صلب فهو ينزل بعد ثلاثة أيام أو يبقى حتى يتهرى فيه وجهان (فان قلنا) بالوجه الاول تفريعا علي القول الثاني فيغسل بعد ما ينزل ويصلي عليه (وان قلنا) بالوجه الثاني تفريعا عليه فلا يغسل ويصلي عليه وهذا ما اشار إليه بقوله ومن رأى أنه يقتل ويبقى فقد قال لا يصلي عليه قال امام الحرمين وكان لا يمتنع ان يقتل مصلوبا وينزل فيغسل ويصلي عليه ثم يرد ولكن لم يذهب إليه أحد (وقوله) ويصلى عليه مرقوم بالحاء لانه يقول لا يصلي علي قاطع الطريق عقوبة له كما ذكر في الباغى وحكي في النهاية طريقة أخرى غير مبنية علي كيفية عقوبة قاطع الطريق فقال قال بعض(5/156)
الاصحاب يغسل ولا يصلي عليه استهانة به تحقيرا لشانه فيجوز ان يعلم قوله في الكتاب في موضعين من الفصل ويغسل ويصلى عليه وبالواو اشارة إلى هذه الطريقة وليست هي بالوجه المذكور في قوله ومن رأى انه يقتل مصلوبا إلى آخره لانه مبنى علي كيفية عقوبته * قال (ثم الشهيد لا يغسل وان كان جنبا وهل يزال أثر النجاسة التى ليست من أثر الشهادة فيه خلاف وثيابه الملطخة بالدم تترك عليه مع كفنه الا ان ينزعها الوارث وينزع منه الدرع وثياب القتال) * الفصل يشتمل علي ثلاث صور (أحداها) استشهد جنب هل يغسل فيه وجهان (اصحهما) لا وهو المذكور في الكتاب وبه قال مالك لان حنظلة بن الراهب رضى الله عنه (قتل يوم أحد وهو جنب فلم يغسله النبي صلي الله عليه وسلم وقال رأيت الملائكة تغسله) (والثانى) وبه قال احمد وابن سريج وابن ابى هريرة يغسل لان الشهادة انما تؤثر في غسل وجب بالموت وهذا الغسل كان واجبا قبله والوجهان متفقان على انه لا يصلى عليه وعند أبى حنيفة يغسل ويصلى عليه (الثانية) لو أصابته نجاسة لا بسبب الشهادة فهل تغسل تلك النجاسة عنه قال امام الحرمين حاصل القول فيه اوجه استخرجتها من كلام الاصحاب (أحدها) وهو الظاهر انها تزال لان الذى نبقيه أثر العبادة وليست هذه النجاسة من اثر العبادة (والثاني) لا لانا نهينا عن غسل الشهيد مطلقا (والثالث) انه ان ادى ازالتها الي ازالة اثر الشهادة فلا تزال والا فتزال (الثالثة) الاولى ان يكفن في ثيابه الملطخة بالدم فان لم يكن ما عليه سابغا اتم(5/157)
وان اراد الورثة نزع ما عليه من الثياب وتكفينه في غيرها لم يمنعوا وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز ابدالها بغيرها من الثياب واما الدرع والجلود والفراء والخفاف فتزع منه خلافا لمالك حيث قال لا ينزع منه فرو ولا خف * لنا علي أبى حنيفة القياس علي سائر الموتى ويفارق الغسل والصلاة (اما) الغسل فلان في تركه ابقاء لاثر الشهادة علي بدنه وأما الصلاة فلان في تركها تعظيما له واشعارا باستغنائه عن دعاء القوم وعلي مالك لما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (أمر بقتلى أحد ان ينزع عنهم الحديد والجلود وان يدفنوا بدمائهم وثيابهم) وقوله في الكتاب وثيابهم الملطخة بالدم تترك عليه مع كفنه ظاهره يقتضي كونها غير الكفن لكن الذى قاله الجمهور انه يكفن بها فان لم تكف أتمت والله اعلم * قال (الطرف الثاني: فيمن يصلى والاولي بها ولا يقدم علي القرابة الا الذكور ولا يقدم الوالى (و) عليه ثم يبدأ بالاب ثم الجد ثم الابن ثم بالعصبات علي ترتيبهم في الولاية ثم الاخ من الاب والام مقدم علي الاخ من الاب في أصح الطريقين ثم ان لم يكن وارث فذووا الارحام ويقدم عليهم المعتق) * غرض الفصل الكلام فيمن هو أولي بالصلاة علي الميت وقد اختلف قول الشافعي رضى الله عنه في أن الولي أولي بها أم الوالي (قال) في القديم الوالي أولي ثم أمام المسجد ثم الولي وبه قال(5/158)
مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله كما في سائر الصلوات وقد روى (أن حسينا رضى الله عنه قدم سعيد بن العاص أمير المدينة فصلى علي الحسن رضى الله عنه) (وقال) في الجديد وهو المذكور في الكتاب الولى أولى أولى لانها من قضاء حق الميت فاشبهت الدفن والتكفين ولانها من الامور الخاصة بالقريب فالولى أولى بها من الوالي كولاية التزويج وتفارق سائر الصلوات لان معظم الغرض ههنا الدعاء للميت فمن يختص بزيادة الشفقة دعاؤه أقرب الي الاجابة ونعني بالولي القريب فلا يقدم غيره عليه الا ان يكون القريب انثي وثم أجنبي ذكر فهو أولي حتي يقدم الصبي المراهق علي علي المرأة القريبة وهكذا الحكم في سائر الصلوات الرجل أولي من المرأة لان اقتداء النساء بالرجال جائز وبالعكس لا يجوز
ثم في انفراد النسوة بهذه الصلاة كلام سيأتي من بعد ثم الاولى من الاقارب الاب ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الابن ثم ابن الابن وان سفل وهما مؤخران عن الاب والجدوان كانا مقدمين عليها في عصوبة الميراث ومقدمان على سائر العصبات وان لم يثبت لهما ولاية التزويج اما تأخيرهما عن الاب والجد فلان المقصود الدعاء والاب اشفق فيكون دعاؤه اقرب الي الاجالة واما تقديمهما علي سائر العصبات فلمثل هذا المعنى أيضا بخلاف امر النكاح فان اعتناءهم بحفظ النسب أشد ثم بعد الابن يقدم الاخ وفي تقديم الاخ من الابوين علي الاخ من الاب طريقان (أحدهما) أن فيه قولين كما سيأتي ذكر هما في ولاية النكاح وبه قال القاضى أبو حامد وابو علي الطيرى (واصحهما) القطع بتقديمه لان لقرابة النساء تأثيرا في الباب علي ما سيأتي فيصلح للترجيح وليس لها تأثير في ولاية التزويج بحال وعلي هذا فالمقدم بعدهما ابن الاخ للاب والام ثم ابن الاخ للاب ثم العم للاب والام ثم العم للاب ثم ابن العم للاب الام ثم ابن العم للاب ثم عم الاب ثم عم الجد على ترتيب العصبات في الميراث والولاية وان لم يكن أحد من عصبات النسب اصلا قدم المعتق قال في النهاية ولعل الظاهر تقديمه علي ذوى الارحام ولهم استحقاق في هذا الباب للمعني الذى تقدم بخلاف ما في الميراث (وأما) ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله ولا يقدم الوالي عليه مرقوم بالميم والحاء والالف والواو لما قدمناه ولك أن تعلم قوله الاولي بها القريب بهذه العلامات ايضا وقد يبحث عن قوله ولا يقدم على القرابة إلا الذكورة(5/159)
فتقول قضية هذا الكلام تقديم القريب علي الاجنبي الذى أوصى الانسان بأن يصلي عليه فهل هو كذلك ام يتبع وصيه (والجواب) ان الشيخ ابا محمد خرج المسألة علي وجهين كالوجهين فيما إذا اوصى في أمر أطفاله الي اجنبي وأبوه الذى يلى أمرهم شرعا حي (أصحهما) ولم يذكر الاكثرون سواه تقديم القريب لان الصلاة حقه فلا تنفذ وصية فيه (والثانى) انه تتبع وصيته وهو مذهب أحمد رحمه الله وبه أفتى الامام محمد بن يحيى قدس الله روجه في جواب مسائل سأله عنها والدى رحمة الله عليهما (وقوله) ثم يبدأ بالاب ثم الجد معلم بالميم لان مالكا يقدم الابن علي الاب وقوله ثم العصبات معلم بالميم أيضا لانه يوجب تأخير الاخ عن الجد وعنده يقدم الاخ عليه و (وقوله) ثم إن لم يكن وارث فذووا
الارحام يقتضى تقديم الاخ للام علي ذوى الارحام كلهم قال صاحب التهذيب ان لم يكن أحد من العصبات فان الام أولي ثم الاخ للام ثم الخال ثم العم للام فيقدم أبو الأم وهو من ذوى الارحام علي الاخ للام فالوجه ان يحمل قوله ان لم يكن وارث أي من العصبات وهم الذين سبق ذكرهم هذا الكلام (وقوله) ويقدم عليهم المعتق كأنه مذكور ايضاحا وإلا فقد تقدم في موضعين من من لفظ الكتاب ما يفيده (أحدهما) حيث قال ثم العصبات علي ترتيبهم في الولاية وذلك يقتضي ان أن يلى درجة المعتق درجة عصبات النسب كما في الولاية وذلك يقتضى ان لا يتخللها ذوو الارحام (والثانى) حيث قال ثم ان لم يكن وارث فذووا الارحام والمعتق من الوارثين ثم لا بأس باعلام قوله ويقدم عليهم المعتق بالواو لان في لفظ صاحب النهاية ما يقتضي إثبات خلاف فيه كما قدمناه وكذلك لفظ المصنف في الوسيط * قال (وإذا تعارض السن والفقه فالفقيه اولي علي اظهر المذهبين ولو كان فيهم عبد فقيه وحر غير فقيه أو اخ رقيق وعم حر ففى المسألتين تردد وعند تساوى الخصال لا مرجع إلا القرعة أو التراضي) * إذا اجتمع اثنان في درجة واحدة كابنين واخوين ونحوهما وتنازعا فقد قال في المختصر يقدم الاسن وذكر في سائر الصلوات ان الافقه أولى واختلف الاصحاب علي طريقتين (اصحهما) وهي التى ذكرها الجمهور ان المسألتين علي ما نص عليهما والفرق بين سائر الصلوات وصلاة الجنازة ان الغرض من صلاة الجنازة الدعا والاستغفار للميت والاسن اشفق عليه ودعاؤه اقرب الي(5/160)
الاجابة لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (ان الله لا يرد دعوة ذى الشيبة المسلم) (والثانية) حكاها الامام عن رواية العراقيين التصرف في النصين بالنقل والتخريج وليس المعتبر في تقديم السن الشيبة وبلوغ سن المشايخ ولكن يقدم الاكبر وان كانا شابين وانما يقدم الاسن بشرط أن يكون محمود الحال فأما الفاسق والمبتدع فلا ويشترط مضي السن في الاسلام كما سبق في سائر الصلوات (وقوله) علي اظهر المذهبين جواب علي
طريقة اثبات الخلاف في المسألة إذ لا يمكن حمل المذهبين على الطريقتين فانه يقتضي اثبات طريق جازم بتقديم الفقيه وذلك مما لا صائر إليه في صلاة الجنازة وإذا عرفت ذلك فكلام المصنف يخالف ما ذكره المعظم من وجهين (احدهما) انهم رجحوا الطريقة القاطعة بتقديم السن وهو اجاب باثبات الخلاف (والثانى) انهم جعلوا الاظهر تقديم السن وان قدر اثبات الخلاف هذه احدى مسائل الفصل (والثانية) لو استوى اثنان في الدرجة وأحدهما رقيق فالحر أولي وان كان احدهما رقيقا فقيها والآخر حرا غير فقيه فقد حكي امام الحرمين فيه وجهين للشيخ ابي محمد لتعارض المعنيين قال في الوسيط ولعل التسوية اولي (الثالثة) لو كان الاقرب رقيقا والا بعد حرا كالاخ الرقيق مع العم الحر فايهما اولى فيه وجهان (أحدهما) الاخ أولى لان هذه الصلاة مبناها علي الرقة والشفقة والاقرب اشفق ولهذا يقدم القريب المملوك على الاجنبي الحر (وأظهر هما) عند الاكثرين ان العم أولي لاختصاصه بأهلية الولاية كما في ولاية النكاح وكما لو استويا في الدرجة قال في النهاية وأوثر في مثل هذه المسألة مصير بعض الاصحاب الي التسوية لتقابل الامرين(5/161)
(الرابعة) إذا اجتمع قوم في درجة واحدة واستوت خصالهم فان رضوا بتقديم واحد فذاك والا أقرع بينهم قطعا للنزاع * قال (ثم ليقف الامام وراء الجنازة عند صدر الميت ان كان ذكرا وعند (ح) عجيزة المرأة كأنه يسترها عن القوم فلو تقدم على الجنازة لم يجز علي الاصح لان ذلك يحتمل في حق الغائب بسبب الحاجة) غرض الفصل الكلام في موقف المصلي على الجنازة وفيه مسألتان (أحداهما) السنة للامام أن يقف عند عجيزة المرأة لما روى عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم وسلم (صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها) والمعنى فيه محاولة سترها عن أعين الناس وأما الرجل فاين يقف منه ذكر في الكتاب انه يقف عند صدره وكذلك قاله في النهاية والذى ذكره معظم الاصحاب منهم العراقيون والصيدلانى انه يقف عند رأسه ونسبوا الاول الي ابى علي الطبري
واحتجوا بما روى أن أنسا رضي الله عنه (صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه ثم أتى بجنازة امرأة فصلي عليها وقام عند عجيزتها فقيل له أهكذا كان يصلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يقوم عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة فقال نعم) ورأيت أبا علي قد حكى عن فعل أنس رضى الله عنه مثل قوله وهو الوقوف عند الصدر والله اعلم * ولك أن تعلم قوله عند صدر الميت بالواو لما ذكرناه وان تعلمه وقوله عند عجيزة المرأة كليهما بالميم لان عند مالك يقف عند وسط الرجل ومنكبي المرأة وأن تعلم الكلمة الثانية بالحاء ايضأ لان عند ابى حنيفة رحمه الله يقف عند صدر الميت رجلا كان أو امرأة وعند(5/162)
احمد يقف عند صدر الرجل وعجيزة المرأة كما هو المذكور في الكتاب (الثانيه) أن تقدم علي الجنازة الحاضرة وجعلها خلف ظهره قال في النهاية خرجه الاصحاب علي القولين في تقديم المأموم علي الامام ونزلوا الجنازة منزلة الامام قال ولا يبعد أن يقال تجويز التقدم علي الجنازة أولي فانها ليست إماما متبوعا حتى يتعين تقدمه وانما الجنازة والمصلون على صورة مجرم يحضر باب الملك ومعه شفعاء ولولا الاتباع لما كان يتجه قول تقديم الجنازة وجوبا وهذا الذى ذكره أشارة إلى ترتيب الخلاف والا فقد اتفقوا على أن الاصح المنع (وقوله) في الكتاب لان ذلك يحتمل في حق الغائب بسبب الحاجة جواب عن كلام يحتج به لجواز التقدم علي الجنازة وهو أن الغائب يصلي عليه كما سيأتي مع أنه قد يكون خلف ظهر المصلي فكذلك إذا كان حاضرا ففرق بينهما بذلك * قال (وإذا اجتمعت الجنائز فيجوز أن يصلى علي كل جنازة وان يصلى علي جميعهم صلاة واحدة ثم يوضع (و) بين يدى الامام بعضهم وراء بعض والكل في جهة القبلة وليقرب من الامام الرجل ثم الصبى ثم الخنثى ثم المرأة ولا يقدم بالحرية وانما يقدم بخصال دينية ترغب في الصلاة عليه وعند التساوى لا يستحق القرب الا بالقرعة أو بالتراضى) * إذا حضرت جنائز جاز أن يصلى علي كل واحدة صلاة وهو الاولى وجائز أن يصلى علي الجميع صلاة واحدة لان معظم الفرض من هذه الصلاة الدعاء للميت ويمكن الجمع بين عدد من الموتي في الدعاء وقد يقتضي الحال الجمع ويتعذر افراد كل جنازة بصلاة ولا فرق في ذلك بين أن
يتمحض الموتى ذكورا أو أناثا أو يجتمع النوعان ان اتحد النوع ففى كيفية وضع الجنائز وجهان وصاحب التتمة حكاهما قولين (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انها توضع بين يدى الامام في جهة القبلة بعضها خلف بعض ليكون الامام في محاذاة الكل (والثانى) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله يوضع الكل صفا واحدا رأس كل ميت عند رجل الآخر ويجعل الامام جميعها علي يمينة ويقف في محاذاة الاخيرة وان اختلف النوع فهيئة وضعها ما ذكرنا في الوجه الاول ولا يجئ الوجه الثاني فان الرجل والمرأة لا يقفان صفا واحدا في الجماعات فكذلك لا يوضعان صفا وواحدا ويجوز أن يعلم قوله بعضهم وراء بعض بالواو لان اللفظ يشمل حالتى اتحاد النوع واختلافه وقد ذكرنا في الحالة الاولى وجها آخر وهو كذلك معلم بالحاء ثم إذا كان هيئة وضعها ما بينا في الوجه الاول فمن(5/163)
الذى بلي الامام من الموتي لا يخلو الحال أما أن تحضر الجنازة دفعة واحدة أو مرتبة فاما الحالة الاولى وهى التى تكلم فيها في الكتاب فينظر ان اختلف النوع فليلي الامام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة لما روى أن سعيد بن العاص (صلي على زيد بن عمر الخطاب وامه ام كلثوم بنت على رضي الله عنهم فوضع الغلام بين يديه والمرأة خلفه وفي القوم نحو من ثمانين نفسا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فصوبوه وقالوا هذه السنة) وروى ان بن عمر رضى الله عنهما (صلى علي تسع جنائز فجعل الرجال يلونه والنساء يلين القبلة ولو حضر جنائز جماعة من الخناثى وضعت صفا واحدا لئلا تتقدم امرأة علي رجل فان اتحد النوع فيقرب من الامام افضلهم المعتبر فيه الورع والخصال التى ترغب في الصلاة عليه ويغلب علي الظن كونه اقرب من رحمة الله تعالي جدة ولا يتقدم بالحرية بخلاف استحقاق الامامة يقدم فيه الحر علي العبد قال في النهاية لان الامامة في الصلاة تصرف فيها والحر مقدم علي العبد في التصرفات وإذا ماتا استويا في انقطاع التصرف فاقرب معتبر فيه ما ذكرنا فان استووا في جميع الخصال وتنازع الاولياء في القرب دفع نزاعهم بالقرعة وان رضوا بتقريب واحد فذاك (الحالة الثانية) ان تحضر الجنائز مرتبة فلا سبق تأثير في الباب فلا تنحى الجنازة السابقة للحوق اخرى وان كان صاحبها افضل هذا عند اتحاد النوع ولو
وضعت جنازة امرأة ثم حضرت جنازة رجل أو صبي فتنحي جنازتها وتوضع جنازة الرجل أو الصبي بين يدى الامام ولو وضعت جنازة صبى ثم حضرت جنازة رجل لم تنح جنازة الصبى بل يقال لوليه أما ان تجعل جنازتك خلف الصبي أو تنقله إلى موضع آخر والفرق ان الصبى قد يقف مع الرجل في الصف والمرأة تتأخر بكل حال فكذلك بعد الموت وعن صاحب التقريب وجه انه تنحى جنازة الصبى كجنازة المرأة (فان قلت) ولي كل ميت اولي بالصلاة عليه فمن الذى يصلى على الجنازة الحاضرة إذا اقتصروا علي صلاة واحدة (قلنا) كل من لم يرض بصلاة غيره صلي علي ميته وان رضوا جميعا بصلاة واحدة فان حضرت الجنائز مرتبة فولى السابقة اولي رجلا كان ميتها أو امرأة وان حضرت معا أفرع بينهم والله أعلم *(5/164)
قال (الطرف الثالث في كيفية الصلاة وأقلها تسعة أركان النية والتكبيرات الاربع والسلام والفاتحة (م ح) بعد الاولى والصلاة على رسول الله عليه وسلم بعد الثانية وفي الصلاة على الآل خلاف والدعاء للميت بعد الثالثة وقيل يكفى الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ولو زاد تكبيرة خامسة لم تبطل الصلاة على الاظهر) * الكلام في كيفية هذه الصلاة في الاقل والاكمل (اما) الاقل فمن أركانها النية ووقتها ما سبق في سائر الصبوات وكذا في اشتراط التعرض للفرضيية الخلاف المقدم وهل يحتاج الي التعرض لكونها فرض كفاية أم تكفى نية مطلق الفرض حكى القاضى الرويانى فيه وجهين (أصحهما) الثاني ثم إن كان الميت واحدا نوى الصلاة عليه وإن حضر موتى نوى الصلاة عليهم ولا حاجة إلي تعيين الميت ومعرفته بل لو نوى الصلاة علي من يصلى عليه الامام جاز ولو عين الميت فأخطأ لم تصح صلاته ويجب علي المقتدى نية الاقتداء كما في سائر الصلوات (ومنها) التكبيرات الاربع روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كبر علي الميت اربعا وقرأ بام القرآن بعد التكبيرة الاولي)(5/165)
فلو كبر خمسا لم يخل اما أن يكون ساهيا أو عامدا فان كان ساهيا لم تبطل صلاته ولا مدخل
للسجود في هذه الصلاة وإن كان عامدا فهل تبطل صلاته فيه وجهان (أحدهما) نعم كما لو زاد ركعة أو ركنا عمدا في سائر الصلوات وهذا الوجه هو المذكور في التتمة والوسيط (واصحهما) على ما ذكره ههنا وبه قال الاكثرون أنها لا تبطل لثبوت الزيادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا(5/166)
أن الاربع أولى لاستقرار الامر عليها) ؟ واتفاق الاصحاب وقد حكي عن ابن سريح رضى الله عنه إن الاختلافات المنقولة في تكبيرات صلاة الجنازة من جملة الاختلاف المباح وإن كل ذلك سائغ ولو كان مأموما فزاد إمامه على الاربع فان قلنا الزيادة تبطل الصلاة فارقه وإن قلنا لا تبطل لم يفارقه ولا يتابعه في الزيادة علي الاصح من القولين وهل يسلم في الحال أو ينتظر ليسلم معه فيه وجهان (أظهرهما) ثانيهما (واعلم) أن اركان هذه الصلاة قد عدها في الكتاب تسعة والنية والتكبيرات الاربع خمسة منها والسادس السلام وفي وجوب نية الخروج معه ما سبق في سائر الصلوات ويجوز أن يعلم بالحاء لما ذكرنا ثم وهل يكفى أن يقول السلام عليك حكى الامام تردد الجواب فيه عن الشيخ أبى علي والظاهر المنع والسابع قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الاولي وقال أبو حنيفة ومالك لا يقرأ فيها شيئا من القرآن * لنا ما روى عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قرأ فيها(5/167)
بأم القرآن وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلى) والسابق إلى الفهم من قوله في الكتاب والفاتحة يعد الاولي انه ينبغى أن يكون عقيبهما متقدمة علي الثانية لكن القاضى الرواياتي وغيره حكوا عن نصه انه لو أخر قراءتها الي التكبيرة الثانية جاز والثامن الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية خلافا لابي حنفة ومالك فان عندهما لا يجب ذلك كما ذكر في سائر الصلوات * لنا ما(5/168)
روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يصل علي) وهل نجب الصلاة علي الآل فيه قولان(5/169)
أو وجهان ذكرنا هما في غير هذه الصلاة وهذه الصلاة أولى بأن لا يجب فيها لانها مبنية على الاختصار(5/170)
والتاسع الدعاء بعد التكبيرة الثالثة الميت وعن أبى حنيفة أنه لا يحب لنا ما روى أن النبي(5/171)
صلى الله عليه وسلم (قال إذا صليتم علي الميت فاخلصوا الدعاء له) وفيه وجه انه لا يجب(5/172)
تخصيص الميت بالدعاء ويكفى إرساله المؤمنين والمؤمنات والميت يندرج فيهم وهذا الوجه معزى(5/173)
في النهاية إلى الشيخ أبي محمد رحمه الله وقدر الواجب من الدعاء ما ينطلق عليه الاسم اما الا حب فسيأتي والله اعلم * (واعلم) أن القيام وواجب في هذه الصلاة عند القدرة علي الا صح كاسبق فيتوجه(5/174)
الحاقه بالاركان كما أنه معدود من الاركان في الوظائف الخمس والله أعلم(5/175)
قال (واما الا كمل فان يرفع (م ح) اليدين في التكبيرات وفي دعاء الاستفتاح والتعوذ خلاف والاصح(5/176)
أن الاستفتاح لا يستحب ثم لا يجهر بالقراءة ليلا كان أو نهارا ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عند الدعاء للميت ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه في الادعية للذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام) * لصلاة الجنازة وظائف مندوبة هي توابع للاركان (فمنها) رفع اليدين في التكبيرات الاربع خلافا لابي حنيفة ومالك حيث فالا لا يرفع الا في التكبيرة الاولى * لنا ان عمرو أنسا رضى الله عنهما كانا يرفعان في جميع التكبيرات وعن عروة وابن المسسيب رضى الله عنهما مثله ويجمع يديه بينها ويضعهما تحت صدره كما في سائر الصلوات (ومنها) في قراءة دعاء الاستفتاح عقيب التكبيرة الاولى وجهان (احدهما) انه يقرأ كما في سائر الصلوات وهذا اختيار القاضى ابى الطيب والقفال فيما حكاه القاضي الرواياني (وأصحهما) أنه لا يقرأ لان هذه الصلاة مبنية علي التخفيف ولهذا لم يشرع فيها الركوع والسجود
وشبهما ذلك بقراءة السورة لكن صاحب التهذيب حكى في قراءة السورة بعد الفاتحة الوجهين أيضا وهل يتعوذ فيه وجهان أيضا لكن الا صح أنه يتعوذ بخلاف دعاء الاستفتاح لان التعوذ من سنن القراءة كالتأمين عند تمام الفاتحة ولانه لا يفضى إلي مثل تطويل دعاء الاستفتاح وإذا جمعت بينهما قلت هل يستفتح ويتعوذ فيه ثلاثة أوجه (أصحها) أنه لا يستفتح ويتعوذ وقوله في الكتاب(5/177)
والاصح أن الاستفتاح لا يستحب بعد ذكر الخلاف فيهما مشعر بأن الاصح في التعوذ الا ستحباب ولك أن تعلم قوله والتعوذ بالواو لانه اثبت الخلاف فيهما جميعا وفي كلام الشيخ أبى محمد طريقة أخرى قاطعة باستحباب التعوذ (ومنها) ان السنة فيها الاسرار بالقراءة نهارا وبالليل وجهان (أصحهما) وهو ظاهر المنصوص انه يسر أيضا لانها قومة شرعت فيها الفاتحة دون السورة فاشبهت الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء والثانى وبه قال الداركي أنه يجهر بها لانها صلاة تفعل ليلا ونهارا فيجهر بها ليلا كصلاة الخسوف وهذا هو الذى حكاه الامام عن الصيد لاني والقاضي الرويانى عن أبي حامد وقوله في الكتاب ليلا معلم بالواو لهذا (ومنها) نقل المزني في المختصر أن عقيب التكبيرة الثانية يحمد الله تعالي ويصلي على النبي صلي الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات فهذه ثلاثة أشياء أوسطها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهى من الاركان علي ما سبق ذكرها واولها الحمد ولا خلاف في أنه لا يجب وهل تستحب نقل المزني فيه وجهين (أحدهما) وهو قضية كلام الاكثرين وقالوا ليس في كتب الشافعي رضي اله عنه ما نقله المزني (والثاني) نعم وهو الذى أورده صاحب التهذيب ولا تتمة قال هؤلاء ولعل المزني سمعه لفظا (وثالثها) الدعاء للمؤمنين والمؤمنات(5/178)
وعامة الاصحاب على استحبابه عقيب الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم ليكون أقرب الي الاجابة وفيه كلام آخرنذ كره من بعد (ومنها) إذا كبر الثالثة فيستحب أن يكون في دعاؤه للميت (اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها الي ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدأ عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم انه نزل
بك وأنت خير منزول به واصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه وقد جئناك راغبين اليك شفعاء له اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحتمك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الارض عن جنبيه ولقه برحتمك الامن من عذابك حتى تبعثه الي جنتك يا أرحم الراحمين) هذا ما نقله المزني في المختصر وورد في الباب عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال (صلي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي جنازة فحفظت من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزوله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقله من الخطايا كما نقبت الثوب الابيض من الدنس وابدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن اكون ذلك الميت) وعن ابن(5/179)
القاص رضي الله عنه دعاء آخر قال في الشامل وعليه اكثر أهل خراسان وهو ما روى عن ابي هريرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا صلي علي الجنازة قال اللهم اغفر لحينا وميتنا؟ وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وانثانا اللهم من أحييته منا فاحيه علي الاسلام ومن توفيته منا فتوفه علي الايمان فان كان الميت امراة قال اللهم هذه امتك وبنت عبدك ويؤنث الكنايات وان كان الميت طفلا اقتصر علي المروى عن ابى هريرة رضى الله عنه ويضيف إليه (اللهم اجعله فرطا لابويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وافرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره (وقوله) في الكتاب ويستحب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عند الدعاء للميت اعلم بالواو لانه حكي في الوسيط ترددا في ذلك ثم قال والا صح الاستحباب ولعلك تقول قوله عند الدعاء للميت يقتضي استحباب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد التكبيرة الثالثة مع الدعاء للميت والجمهور قالوا باستحبابه في الثانية كما سبق وذكروا انه يخلص في الثالثة الدعاء لميت فكيف سبيل الجمع والتردد الذى رواه في الوسيط ليس له ذكر في كلام الاصحاب فعلى ماذا ينزل (والجواب) ان امام الحرمين حكى في استحبابه ترددا للائمة في الكبيرة الثانية ووجه استحبابه بان صلاة *(5/180)
علي النبي صلي الله عليه وسلم في التشهد الا خير يستعقب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فكذلك في هذه الصلاة فان أراد حجة الاسلام قدس الله روحه هذا التردد فالوجه ان يؤول كلمة عند ويقال أراد النظر في أنه هل يدعو للمؤمنين والمؤمنات في هذه الصلاة مع الدعاء للميت ويجوز أن يحمل ما ذكره علي الدعاء الذى ذكره ابن القاص فانه دعاء للمؤمنين والمؤمنات وما قبله يختص بالميت ولا يبعد أن يقدر فيه تردد فان قول من قال يخلص الدعاء للميت في الثالثة ينافى استحباب هذا الدعاء والله أعلم * (وقوله) ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه لذكر بين التكبيرة الرابعة والسلام أراد في المختصر وعامة كتبه لا علي الاطلاق فان البويطى روى عنه أن يقول بينهما (اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) هكذا نقل الجمهور ونقل الصيدلانى عن روايته أن يقول (اللهم اغفر لحينا وميتنا) وحكى قوم منهم صاحب التهذيب الذكر المشهور عن البويطى نفسه فان كان كذلك امكن اجراء قوله ولم يتعرض الشافعي رضي اله عنه على اطلاقه وكيف ما كان فالذكر بينهما لى بواجب والظاهر استحبابه وفي الكافي للرواياني وجه آخرانه لا استحباب وانما هو بالخيار بين أن يذكره أو يدعه ويسلم عقيب التكبيرة وهكذا كان يفعله الامام محمد بن يحيى قدس الله روحه فيما حكاه والدي رحمه الله وفي كيفية السلام من صلاة الجنازة قولان (أصحهما) أن الاولي أن يسلم تسليمتين (أحداهما) عن يمينه (والاخرى) عن(5/181)
شماله علي ما ذكرنا في سائر الصلوات (والثانى) قاله في الاملاء يقتصر علي تسليمة واحدة.
لان مبني هذه الصلاة على التخفيف خوفا من التغيرات التي عساها تحدث في الميت وعلي هذا فالمنصوص أنه يبدأ بها ملتفتا الي يمينه ويختمها ملتفتا الي يساره فيدير وجهه وهو فيها ومنهم من قال يأتي بها تلقاء وجهه من غير التفات قال امام الحرمين ولا شك ان هذا التردد يجرى في جميع الصلوات إذا رأينا الاقتصار علي تسليمة واحدة واختلفوا في أن القولين في أن الاولى تسليمة أو تسليمتان هما القولان المذكوران من قبل في سائر الصلوات أم لا (فقال) قوم هما هما (وقال) آخرون لا بل هما مرتبان علي القولين في سائر الصلوات إن قلنا يقتصر فيها على تسليمة واحدة فههنا أولي وإن قلنا يسلم تسليمتين فههنا قولان وهذا أصح لان قول الاقتصار في سائر الصلوات لم ينقل إلا عن القديم وهو منقول ههنا
عن الاملاء وأنه محسوب من الجديد ولانهم وجهوه ببناء هذه الصلاة علي التخفيف وهذا لا يجئ في سائر الصلوات ويقتضي الترتيب.
وقد صرح لفظ المختصر بتكرير السلام في سائر الصلوات وقال ههنا ثم يسلم عن يمينه وعن شماله.
وهذا القدر يحتمل القولين جميعا وعلي قول الاقتصار علي تسليمة واحدة هل يزيد ورحمة الله أم يقتصر على قوله السلام عليكم ذكر في النهاية أن الشيخ أبا علي حكى ترددا فيه من طريق الاولى رعاية للاختصار * قال * (فرع) المسبوق يكبر (ح و) كما أدرك وإن كان الامام في أثناء القراءة ثم إن لم يتمكن من التكبيرة الثانية مع الامام صبر إلي التكبيرة الثالثة فيكبر التكبيرة الثانية عندها ثم إذا سلم الامام(5/182)
تدارك ما بقى عليه ولو لم يكبر الثانية قصدا حتي كبر الامام الثالثة بطلت صلاته إذ لا قدوة الا في التكبيرات) * الفرع يشتمل علي مسئلتين (احداهما) لو لحق مسبوق في خلال صلاة الجنازة كبر شارعا ولم ينتظر تكبيرة الامام المستقبلة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال يصبر حتي يكبر معه فلو لحق بعد التكبيرة الرابعة تعذر الادراك عنده.
وعن مالك روايتان كالمذهبين كما في سائر الصلوات * لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) ولانه أدرك الامام في بعض صلاته فلا ينتظر ما بعده كما في سائر الصلوات ثم في المسألة فروع (أحدها) إذا كبر المسبوق اشتغل بقراءة الفاتحة وإن كان بعد التكبيرة الثانية والامام يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم أو بعد الثالثة والامام يدعو بناء علي أن ما يدركه المسبوق أول صلاته فيراعى ترتيب صلاة نفسه كذا ذكره وهو غير صاف عن الاشكال (الثاني) إذا لحق قبل التكبيرة الثانية وكبر نظر إن كبر الامام كلما فرغ من تكبيره كبر معه الثانية وسقطت عنه القراءة كما إذا ركع الامام عقيب تكبيره في سائر الصلوات وإن قرأ الفاتحة ثم كبر الامام الثانية كبر معه وقد أدرك جميع الصلاة وإن كبر الامام قبل فراغه من القراءة فهل يقطع الفاتحة ويوافقه أو يتم قراءته فيه وجهان كما لو قرأ المسبوق بعض الفاتحة ثم ركع الامام (أصحهما) عند
الاكثرين منهم ابن الصباغ والقاضى الرويانى أنه يقطع القراءة ويتابعه وعلي هذا هل يقرأ بعد الثانية لانه محل القراءة بخلاف الركوع أم يقال لما أدرك قراءة الامام صار محل قراءته منحصرا فيما قبل الثانية وذكر في الشامل فيه احتمالين ولعل الثاني أظهر.
وصاحب الكتاب أجاب بالوجه الثاني وهو أنه يتم القراءة ولا يوافقه في التكبيرة الثانية حيث قال: ثم ان لم يتمكن من التكبيرة الثانية(5/183)
مع الامام أي لعدم إتمام الفاتحة صبر إلى التكبيرة الثالثة يعني يتمها ويؤخر تكبيرته الثانية الي أن يكبر الامام الثالثة وإلى هذا الوجه صغو إمام الحرمين.
إذا عرفت ذلك فاعلم قوله صبر بالواو واعرف أن ذلك الوجه المشار إليه أظهر (الثالث) إذا فاته بعض التكبيرات تدارك بعد سلام الامام وهل يقتصر علي التكبيرات نسقا أم يأنى بالدعاء والذكر بينها فيه قولان (أحدهما) يقتصر علي التكبيرات فان الجنازة ترفع بعد سلام الامام فليس الوقت وقت التطويل (وأصحهما) أنه يدعي لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (وما فاتكم فاقضوا) وكما فاته التكبيرات فاته الدعاء والمستحب ألا ترفع الجنازة حتي يتم المسبوقون ما عليهم وان رفعت لم تبطل صلاتهم وإن حولت عن قبالة القبلة بخلاف ابتداء عقد الصلاة لا يحتمل فيه ذلك والجنازة حاضرة (المسالة الثانية) لو تخلف المقتدى فلم يكبر مع الامام الثانية أو الثالثة حتي كبر الامام التكبيرة المستقبلة من غير عذر بطلت صلاته لان القدوة في هذه الصلاة لا تظهر الا في التكبيرات وهذا التخلف متفاحش شبيه بالتخلف بركعة في سائر الصلوات حكى الامام المسألة وجوابها عن شيخه وقطع بما ذكره وتابعهما المصنف رحمه الله * قال (الطرف الرابع في شرائط الصلاة وهى كسائر الصلاة ولا يشترط الجماعة فيها ولكن قيل لا يسقط الفرض الا بأربعة يصلون جمعا أو آحادا وقيل يسقط بثلاث وقيل يسقط بواحد وفي الاكتفاء بجنس النساء خلاف) *(5/184)
الشرائط المرعية في سائر الصلوات كالطهارة وستر العورة والاستقبال وغيرها مرعية في هذه
الصلاة أيضا واراد بقوله وهى كسائر الصلوات التسوية فيها دون الاركان والسنن ويجوز أن يعلم بالحاء لان عند أبى حنيفة رحمه الله هذه الصلاة تفارق غيرها في أمر الطهارة فيجوز التيمم لها(5/185)
عند خوف الفوات مع وجود الماء ومعظم غرض هذا الطرف الكلام فيما وقع الخلاف في اشتراطه في هذه الصلاة إما بين اصحابنا أو ببننا وبين غيرنا وفيه مسائل (منها) أن السنة أن تقام جماعة كذلك (كان النبي صلي الله عليه وسلم يفعل) وعليه استمر الناس ولا يشترط فيها الجماعة كسائر الصلوات(5/186)
وقد صلي الصحابة علي الرسول صلي الله عليه وسلم افرادا وفيمن يسقط به فرض هذه الصلاة وجوه (احدها) أنه لابد من اربعة يصلون جماعة وافرادا كما لا بد من اربعة يجملونه كذا ذكره(5/187)
الشيخ أبو علي وغيره قال الامام هذا التشبيه هفوة فان الحمل بين العمودين أفصل للحاملين وأنه يحصل بثلاثة كما تقدم (والثانى) أنه يكفى ثلاثة * واحتج له بقوله صلي الله عليه وسلم(5/188)
(صلوا على من قال لا اله الا الله) خاطب به الجمع وأقله ثلاثة وهذا أصح الوجوه عند الشيخ ابى الفرج البزار (والثالث) أنه يسقط الفرض بواحد لانه لا يشترط فيه الجماعة فكذلك العدد كسائر الصلوات (والرابع) أورده في التهذيب أنه لا بد من اثنين ويكتفى بهما بناء علي أن أقل الجمع اثنان وهذا الوجه لم يبلغ الامام نقلا لكن قال هو محتمل جدا لان الاجتماع يحصل بذلك وهو كقولنا في مسالة الانفضاض علي رأى يكتفى ببقاء واحد مع الامام.
ونقل جماعة من أئمتنا الوجه الثاني والثالث قولين منصوصين منهم صاحب الشامل ومنهم القاضي الرويانى وقال هو وغيره الظاهر(5/189)
الاكتفاء بواحد والله اعلم.
ويتفرع على هذه الوجوه ما لو تبين حدث الامام أو بعض المقتدين ان بقي العدد المكتفى به فالفرض ساقط به والا فلا.
وهل الصبيان المميزون بمثابة الباغين علي اختلاف
الوجوه فيه وجهان (أظهرهما) نعم.
وفي النساء وجهان (أحدهما) أنهن كالرجال لصحة صلاتهن وجماعتهن (واصحهما) ولم يذكر صاحب التهذيب وكثيرون سواه انه لا يكتفى بهن وان كثرن نظرا للميت فان دعاء الرجال اقرب الي الاجابة وأهليتهم الي العبادات ولان فيه استهانة بالميت وموضع الوجهين ما إذا كان هناك رجال فان لم يكن رجل صلين للضرورة منفردات وسقط الفرض قال في العدة: وظاهر المذهب أنه لا يستحب لهن أن يصلين جماعة في جنازة الرجل والمرأة (وقيل) يستتحب ذلك في جنازة المرأة * قال (ولا يشترط حضور الجنازة بل يصلي (م ح) على الغائب الا (و) إذا كان في البلد) *(5/190)
تجوز الصلاة علي الغائب بالنية سواء كان في جهة القبلة أو في غير جهها والمصلى مستقبل بكل حال وبه قال احمد خلافا لمالك وأبى حنيفة رحمهم الله * لنا ما روى (أن النبي صلي الله عليه وسلم أخبر بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج الي المصلي وصفهم وكبر أربع تكبيرات) وهذا إذا كانت الجنازة في بلدة أو قرية ولا فرق بين أن يكون بين الموضعين مسافة القصر أو لا يكون فان كانت في تلك البلدة فهل يجوز أن يصلي عليها وهي غير موضوعة بين يديه فيه وجهان (أحدهما) نعم كالغائبة عن البلد (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لتيسر الحضور وشبه هذا الخلاف بالخلاف في نفوذ القضاء على من في البلد مع امكان الاحضار وإذا شرطنا حضور الجنازة فينبغي ان لا يكون بين الامام وبينها اكثر من مائتي ذراع أو ثلثمائة علي التقريب حكاه المعلق عن الشيخ ابي محمد ولا يشترط (م ح) ظهور الميت بل تجوز الصلاة علي المدفون ولكن تقديم الصلاة واجب فان لم تقدم فلا(5/191)
تفوت بالدفن ثم قبل انه يصلي بعد الدفن إلى ثلاثة ايام وقيل إلى شهر وقيل الي انمحاق الاجزاء وقيل من كان مميزا عند موته يصلي عليه ومن لا فلا وقيل ويصلي عليه أبدا ومع هذا فلا يصلي على قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم) * إذا أقيمت جماعة صلاة الجنازة ثم حضر آخرون فلهم أن يصلوا عليها افرادا أو في جماعة
اخرى وتكون صلاتهم فرضا في حقهم كما أنها فرض في حق الاولين بخلاف من صلاها مرة لا تستحب له إعادتها فان المعادة تكون تطوعا وهذه الصلاة لا يتطوع بها فان كان قد صلي مرة وأراد إعادتها في جماعة لم يستحب ايضا في اظهر الوجهين.
ولا فرق بين ان يكون حضور الآخرين قبل الدفن أو بعده ولا يشترط ظهور الميت وخالف أبو حنيفة في الحالتين (اما) قبل الدفن فلان عنده لا يصلي علي الجنازة مرتين واما بعده فلان عنده لا يصلى علي القبر إلا إذ دفن ولم يصل عليه الولي فله ان يصلي على القبر وكذا له ان يصلي عليه قبل الدفن إذا كان غائبا وصلى عليه غيره وساعد ابا حنيفة مالك في الفصلين والخلاف جاء فيما إذا دفن ميت قبل ان يصلى عليه فعندنا يصلي على قبره ولا ينبش للصلاة ولكن يأثم الدافنون بما فعلوا فان تقديم الصلاة على الدفن واجب وعند هما لا يصلى على القبر * لنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر دفن ليلا فقال متي دفن هذا قالوا البارحة قال افلا آذنتموني قألوا دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك فقام وصفنا خلفه قال ابن عباس رضى الله عنهما وانا فيهم فصلي عليه) ولك ان(5/192)
تعلم قوله في الكتاب فلا تفوت بالدفن بالوا ولان أبا عبد الله الحناطى حكى عن أبى إسحاق المروزى أن فرض الصلاة لا يسقط بالصلاة علي القبرو انما يصلي على القبر من لم يدرك الصلاة وإلى متى تجوز الصلاة علي القبر(5/193)
* فيه خمسة أوجه (احدهما) إلى ثلاثة ايام ولا تزاد لانها اول جد الكثرة وآخر حد القلة ويروى هذا عن اصحاب ابي حنيفة رحمه الله حيث جوزوا للولي الصلاة على القبر (والثانى) وبه قال احمد(5/194)
رحمه الله أنه يصلى عليه إلي شهر ولا يزاد وهذا ما ذكره ابن القاص في المفتاح قال القفال يحتمل أنه خرج ذلك من صلاة النبي صلي الله عليه وسلم علي النجاشي فانه كان بينهما مسيرة شهر ومعلوم أنه لولا الوحي لما(5/195)
علموا بموته الا بعد شهر ومنهم من وجهه بما روى (صلى الله عليه وسلم انه صلي علي البراء بن معرور
بعد شهر) ولم تنقل الزيادة عليه (الثالث) انه يصلى عليه ما دام يبقى منه شئ في القبر فان انمحقت الاجزاء كلها فلا إذ لم يبق ما يصلى عليه وعلي هذا فلو تردد في انمحاق الاجزاء فلامام الحرمين رحمه الله فيه احتمالان (أحدهما) ان يقال الصلاة تستدعي تيقن البقاء في القبر (والثاني) أن يقال الاصل بقاءه فيجوز وهذا الثاني أوفق لرواية الصيدلاني، آخرين وأصل الوجه فانهم نقلوا انه يصلي عليه ما لم يعلم بلاه (والوجه الرابع) أنه يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة يوم الموت ولا يصلى عليه غيره هكذا روى الشيخ أبو محمد والصيدلانى وغيرهما عن الشيخ ابى زيد وأشار إليه صاحب(5/196)
الافصاح ووجهه بان من كان من أهل الفرض يومئذ كان الخطاب متوجها عليه فمتي أدى كان مؤديا لفرضه وغيره لو صلي كان متطوعا وهذا الصلاة لا يتطوع بها وروى المحاملي وطائفة هذا الوجه بعبارة أخرى فقالوا من كان من أهل الصلاة يصلي عليه يوم موته ومن لا فلا فعلي العبارتين معا من لم يولد عند الموت أو لم يكن مميزا لم يكن له أن يصلي علي القبرو من كان مميزا حينئذ هل يصلى اما العبارة الاولي فلا لانه لم يكن من أهل فرضية الصلاة وأما علي الثانية فنعم لانه كان من أهل الصلاة والعبارة الاولي أشهر والثانية أصح عند القاضى الرويانى وهى التي يوافقها لفظ الكتاب فانه قال وقيل من كان مميزا عند موته يصلي فلا يعتبر إلا التمييز الذى يعطي أهلية الصلاة دون(5/197)
أهلية الافتراض (والوجه الخامس) انه يصلى عليه ابدا لان القصد بهذه الصلاة الدعاء وهو جائز في الاوقات كلها وأظهر الوجوه هو الرابع ثم هذا كله في قبر غير النبي صلي الله عليه وسلم (فأما) الصلاة علي قبره فتبني علي الوجوه المذكورة في حق غيره فعلى الوجوه الاربعة الاولي لا يصلي عليه اليوم أما على غير الثالث فظاهر وأما الثالث فليس الامتناع لانه يبلى إذ الارض لا تأكل أجساد الانبياء ولكن لانه روى في الخبر أنه صلي الله عليه وسلم قال (أنا أكرم علي ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث) وعلي الوجه الخامس هل يصلى عليه فيه وجهان (أظهر هما) لا لما روى أنه صلي(5/198)
الله عليه وسلم قال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (والثاني) نعم كما في حق غيره ولكن فرادى لا جماعة كما فعل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ويحكى هذا عن أبي الوليد النسابورى.
إذا عرفت ذلك أعلمت قوله فلا يصلي علي قبر رسول لله صلي الله عليه وسلم بالواو ويجوز أن يعلم ما سوى الثاني من الوجوه بالالف لان مذهبه الثاني كما قدمناه (فائدة) قوله في أول هذا الطلاف: وهى كسائل الصلوات اراد به في الشرائط كما قدمناه ثم الغرض بيان ان شرائط سائر الصلوات مرعية فيها لان شرائط هذه الصلاة منحصر فيها لانه يشترط فيها تقدم غسل الميت حتي لو مات في بئر أو معدن انهدما عليه وتعذر إخراجه وغسله لم يصل عليه ذكره صاحب التتمة ويشترط فيها أيضا عدم التقدم علي الجنازة الحاضرة بين يديه وعلي القبر إن كان يصلي عليه علي الصحيح * قال (القول في الدفن * واقله حفرة تحرس الميت عن السباع وتكتم رائحته واكمله قبر على قامة(5/199)
الرجل واللحد افضل من الشق وليكن اللحد في جانب القبلة ثم توضع الجنازة علي راس القبر بحيث يكون راس الميت عند مؤخر القبلة من جهة رأسه ولا يضع الميت في قبره إلا الرجل فان كانت امراة فيتولي ذلك زوجها ومحارمها فان لم يكن فعبيدها فان لم يكن فخصيان فان لم يكن فار حام فان لم يكن فالا جانب لانهن يضعفن عن مباشرة هذا الا مر ثم إن لم يستقل واحد بوضعه فليكن عدد الواضعين وترا) دفن الميت من فروض الكقايات كغسله والصلاة عليه والدفن في المقبرة اولى لينال الميت دعاء المارين والزائرين (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدفن اصحابه في المقابر) ويجوز الدفن في غير المقابر لانهم (دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها فلو تنازع الورثة فقال بعضهم ندفنه في ملكه وقال آخرون بل في المقبرة المسبلة دفن في المقبرة المسبلة لان ملكه قد انتقل إلي الورثة وبعض الشركاء غير راض بدفنه فيه فلو بادر بعضهم ودفنه فيه كان للباقين نقله إلى المقبرة والاولي ان لا يفعلوا لما فيه من الهتك ولو اراد بعضهم دفنه في خالص ملكه لم يلزم الباقين قبوله ولو بادر إليه قال ابن الصباغ لم يذكره الاصحاب وعندي انه لا ينقل فانه هتك(5/200)
وليس في ابقائه ابطال حق الغير ولو توافقوا علي دفن الميت في ملكه ثم باعوه لم يكن للمبتاع نقله وله الخيار إن كان جاهلا به ثم لو اتفق نقله أو بلي كان الموضع للبائعين أو المشترى فيه وجهان سيأتي في البيع نظائرها.
إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسائل (احداها) لا يجوز الاقتصار في الدفن علي ادنى احتفار بل اقل ما في البأب حفرة تكتم رائحة الميت وتحرسه عن السباع لعسر نبش مثها عليها غالبا وهذان المعنيان كتمان الرائحة والحراسة عن السباع قد ذكرهما إمام الحرمين في حد واجب الدفن وتابعه المصنف فان كانا متلازمين فمي وجدت احدى الصفتين في الحفرة توجد الاخرى والغرض من ذكرهما بيان الفائدة المطلوبة بالدفن وان لم يكونا متلازمين فبان أنه يجب رعايتهما ولا يكتفى بأحدهما مقصود أيضا (واما الاكمل) فيستحب توسيع القبر وتعميقه روى انه صلى الله عليه وسلم قال: (احفروا ووسعوا وعمقو) والمنقول عن لفظ الشافعي رضي الله عنه أنه يعمق قدر بسطة قال المحاملي وغيره وانما أراد بسطة بعد القيام علي ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال (عمقوا إلى قدر قامة وبسطة) وقدره بثلارثة أذرع ونصف وهو قدر ما يقوم الرجل ويبسط(5/201)
يده مرفوعة غالبا والاعتبار بالاربعة من الرجال وفيما علق عن الشيخ أبى محمد أن السنة من التعميق بقدر قامة وهو ثلاثة أذرع وذكر في النهاية ما يواقفه فنقل لفظ البسطة وفسرها بقامة رجل وسط فيشبه أن يكون وجها آخر وهو الذى يوافقه لفظ الكتاب والمشهور في المذهب هو الاول (وقوله) في الكتاب: وأقله واكمله.
الكناية فيهما يجوز أن ترجع إلى غير مذكور المعنى واقل المدفون فيه ويجوز أن ترجع إلى المذكور وهو الدفن وحينئذ يحتاج الكلام إلى إضمار معناه وأقل الدفن في حفرة والاول أولى لان واجب الدفن لا ينحصر في الدفن في حفرة صفتها ما ذكر بل يجب مع ذلك وضع الميت مستقبل القبلة علي ما سيأتي واعلم قوله قدر قامة الرجل بالميم لان المحكي عن مالك أنه لا حد في تعميق القبر (المسالة الثانية) اللحد والشق كل واحد منهما جائز واللحد أن يحفر حائط القبر مائلا عن استوائه من الاسفل قبل ما يوضع الميت فيه وليجعل ذلك من جهة القبلة والشق أن يحفر حفرة كالنهر أو يبنى جانباه باللبن أو غيره ويجعل بينهما شق يوضع الميت فيه ويسقف وأيهما اولي ان كانت الارض صلبة فاللحد وان
كانت رخوة فالشق وعند أبى حنيفة الشق اولي بكل حال هكذا روى جماعة من اصحابنا وفي مختصر(5/202)
الكرخي وغيره من كتب أصحابه انه يلحد ولا يشق كمذهبنا ووجه تقديم اللحد ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما (ان النبي صلي الله عليه وسلم قال اللحد لنا والشق لغيرنا) وروى انه(5/203)
كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر يشق فبعث الصحابة رضي الله عنهم في طلبهما وقالوا أيهما جاء أولا عمل عمله لرسول الله صلي الله عليه وسلم جاء الذى يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (الثالثة) توضع الجنازة علي شفير القبر بحيث يكون رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل(5/204)
في القبر من قبل رأسه سلا رفيقا وبه قال احمد وقال أبو حنيفة توضع الجنازة بين القبر والقبلة ويدخل(5/205)
لقبر عرضا * لنا ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما (ان النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا) وقوله في الكتاب ثم توضع الجنازة علي رأس القبر لم يعن برأس القبر ضد رجله ومؤخره وإنما أراد طرفه الا تراه يقول عقيبه بحيث يكون رأس الميت عند مؤخر القبر (الرابعة) لا يدخل الجنازة في القبر الا الرجال ما وجدوا سواء كان الميت رجلا أو امرأة لانه يحتاج الي بطش وقوة والنساء يضعفن عن مثل ذلك غالبا ويخشي من مباشرتهن لذلك انهتاك الميتة وانكشافهن ثم أولي الرجال بالدفن أولاهم بالصلاة نعم الزوج أحق بدفن الزوجة من غيره ثم بعده المحارم ويقدم منهم الاب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الاخ ثم ابن الاخ ثم العم فان لم يكن منهم أحد فعبيدها وهم أولي من بنى العم لانهم كالمحارم في جواز النظر ونحوه علي الصحيح وفيه خلاف سيأتي في(5/206)
موضعه فان ألحقناهم بالاجانب فلا يتوجه تقديمهم وأبدى امام الحرمين فيهم الاحتمال من جهة أخرى وهى ان ملكها ينقطع عنهم بالموت وشبهه بالتردد؟ في غسل الامة مولاها فان لم يكن لها عبيد
فالخصيان أولى لضعف شهوتهم قال الامام وفيه احتمال بين سنذكره في أحكام النظر فان لم يكونوا فذووا الارحام الذين لا محرمية لهم فان لم يكونوا فأهل الصلاح من الاجانب قال الامام وما أرى تقديم ذوى الارحام محتوما بخلاف تقديم المحارم لان الذين لا محرمية لهم من ذوى الارحام كالا جانب في وجوب الاجتناب عنهم في الحياة وقدم في العدة صاحبها نساء القرابة على الرجال الاجانب وهو خلاف النص والمذهب المشهور إذا عرفت ما ذكرنا فلا يخفى عليك ان قوله في الكتاب(5/207)
زوجها ومحارمها ليس للجمع ولا للتخيير وإنما الامر فيه علي الترتيب وان قوله فعبيدها يجوز أن يعلم بالواو وكذا قوله فخصيان (وقوله) فأرحام أي ذووا أرحام (وقوله) لانهن يضعفن عن مباشرة هذا الامر تعليل لاول الكلام وهو قوله: ولا يضع الميت في قبره الا الرجال ويجوز أن يعلم قوله فان لم يكن فالاجانب بالواو أيضا لما ذكرنا في العدة (الخامسة) ان استقل واحد بوضع الميت في القبر فان كان طفلا فذاك وإلا فالمستحب أن يكون عدد الدافنين وترا ثلاثة أو خمسة علي قدر الحاجة وكذلك عدد الغاسلين ويروى أن النبي صلي الله عليه وسلم دفنه علي والعباس وأسامة رضي الله عنهم) ويستحب أن يستر القبر عند الدفن بثوب رجلا كان الميت أو امرأة لكن(5/208)
ستر المرأة آكد وعند أبي حنيفة رحمه الله يختص الاستحباب بالمرأة وروى مثله عن أحمد واختاره أبو الفضل بن عبد ان من أصحابنا * لنا ما روى (ان النبي صلي الله عليه وسلم لما دفن سعد بن معاذ رضي الله عنه ستر قبره بثوب) والمعنى فيه انه ربما ينكشف عند الاضجاع وحل الشداد ويستحب لمن يدخله القبر أن يقول بسم الله وعلي ملة رسول الله روى ذلك عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم ثم يقول اللهم أسلمه اليك الاشخاص من ولده وأهله وقرابته واخوانه(5/209)
وفارقه من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت(5/210)
خير منزول به ان عاقبته فبذنبه وان عفوت فأهل العفو أنت.
أنت غني عن عذابه وهو فقير الي رحمتك اللهم اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحتمك إلا من(5/211)
من عذابك واكفه كل هول دون الجنة اللهم فاخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين هذا لدعاء منقول عن لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر(5/212)
قال (ثم يضجع الميت على جنبه الا يمن في اللحد بحيث لا ينكب ولا يستلقي ويفضي بوجهه الي تراب أو لبنة ثم ينضد اللبن علي فتح اللحد وتسد الفرج بما يمنع التراب ثم يحثى عليه كل من دنا ثلاث(5/213)
حثيات ثم يهال عليه التراب بالمساحي)(5/214)
إذا دخل اليت القبر أضجع في اللحد علي جنبه الايمن مستقبل القبله كذلك فعل برسول الله صلي الله عليه وسلم وكذلك كان يفعله وليكن الاضجاع بحيث لا ينكب ولا يستلقى وذلك بأن يدنى من جدار اللحد فيسند إليه وجهه ورجلاه ويجعل في باقى بدنه بعض التجافي فتكون هيئته قريبة من هيئة الراكعين ويسند ظهره إلي لبنة ونحوها فهذا يمنعه من الاستلقاء وذلك من الانكباب(5/215)
واعلم بأن وضعه مستقبل القبلة واجب علي ما حكاه الجمهور حتى لو دفن مستدبرا أو مستلقيا فانه ينبش ويوجه الي القبلة ما لم يتغير فان تغير فقد قال في التهذيب وغيره لا ينبش بعد ذلك وحكي عن القاضى أبى الطيب انه قال في المجرد والتوجيه إلى القبلة سنة فإذا ترك فيستحب أن ينبش ويوجه ولا يجب ولو ماتت ذمية في بطنها جنين مسلم ميت فيجعل ظهرها إلى القبلة توجيها للجنين المسلم(5/216)
الي القبلة فان وجه الجنين فيما ذكر الي ظهر الام وأين تدفن هذه قيل بين مقابر المسلمين والكفار
وقيل في مقابر المسلمين وتنزل هي منزلة صندوق للولد ويروى أن عمر رضى الله عنه أمر بذلك(5/217)
وحكي في العدة وجها آخر أنها تدفن في مقابر المشركين (وأما) الاضجاع علي اليمين فليس بواجب بل لو وضع على الجنب الايسر مستقبلا كره ولم ينبش كذلك ذكر في التتمة ويجعل تحت رأس(5/218)
الميت لبنة أو حجرا ويفضى بخده الايمن إليه أو الي التراب فذلك أبلغ في الاستكانة ولا يوضع تحت رأسه مخدة ولا يفرش تحته فراش حكى العراقيون كراهة ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه لانه لم ينقل عن احد من السلف وفيه تضييع المال وقال في التهذيب لا بأس به إذ روى عن ابن(5/219)
عباس رضي الله عنهما (انه جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطفة حمراء) ويكره ان يجعل في تابوت(5/220)
إلا إذا كانت الارض رخوة أو ندية ولا تنفذ الوصية به الا في مثل هذه الحالة ثم يكون التابوت من رأس المال ثم إذا وقع الفراغ من وضع الميت نصب اللبن علي فتح اللحد روى عن سعد بن ابي وقاص رضى الله عنه انه قال (اصنعوا بى كما صنعتم برسول الله صلي الله عليه وسلم انصبوا علي اللبن واهليوا على التراب) وتسد فرج اللبن بكسر اللبن مع الطين أو بالاذخر ونحوه ثم يحثى كل من(5/221)
دنا ثلاث حثيات من التاب بيديه ثم يهال بالمساحي روي ان النبي صلي الله عليه وسلم (حتى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا) قال في التتمة ويستحب ان يقول مع الاولي (منها خلقنا كم) ومع(5/222)
الثانية (وفيها نعيدكم) ومع الثالثة (ومنها تخرجكم تارة أخرى) وقوله في الكتاب ثم ينضد اللبن من التنضيد وهكذا ذكر امام الحرمين ولفظ الشافعي رضي الله عنه وعامة الاصحاب رحمة الله عليهم ينصب وهما جميعا مؤديان الغرض *
قال (ولا يرفع نعش القبر الا بقدر شبر ولا يجصص ولا يطين ولا بأس بالحصى ووضع الحجر علي رأس القبر للعلامة ثم التسنيم افضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض) *(5/223)
المستحب أن لا يزاد في القبر على ترابه الذى خرج منه حتى لا يعظم شخوصه عن الارض ولا يرفع نعشه إلا قدر شبر ما روى عن جابر رضي الله عنه (أنه لحد لرسول الله صلي الله عليه وسلم ونصب عليه اللبن نصبا ورفع قبره عن الارض قدر شبر) وعن القاسم بن محمد قال (دخلت علي(5/224)
عائشة رضى الله عنها فقلت يا أماه اكتشفي لي عن قبر النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مرفة ولا لاطئة مبطوحة بطحاء العرصة الحمراء) وإنما يرفع نعش القبر(5/225)
ليعرف فيزاد ويحترم واستثنى في التتمة ما إذا مات مسلم في بلاد الكفر قال لا يرفع قبره ويخفى كيلا يتعرض له الكفار إذا خرج المسلمون منها ويكره تجصيص القبر والكتابة والبناء عليه لما روى عن النبي صلي الله عليه وسلم (أنه نهي عن تجصيص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب وأن يوطأ) ولو بني عليه هدم إن كانت المقبرة مسبلة وإن كان القبر في ملكه فلا (وأما قوله) فلا يطين(5/226)
فليس له ذكر في أكثر كتب الاصحاب وإنما ذكره المصنف وامام الحرمين كأنهما ألحقا التطيين بالتجصيص لكن لا يبعد الفرق بيهما فان التجصيص زينة دون التطيين أو الزينة في التجصيص اكثر وذلك لا يناسب حال الميت وقد روى أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي رضي الله عنه أنه لا باس بالتطيين وروى مثله عن أحمد فلك أن تعلم قوله ولا يطين بالواو والالف ويستحب أن يرش الماء علي القبر ويوضع عليه الحصي روى ذلك (عن فعل النبي صلي الله عليه وسلم بقبر ابنه ابراهيم)(5/227)
(ورش بلال رضى الله عنه علي قبر النبي صلي الله عليه وسلم) ويستحب أن يوضع عند رأسه صخرة
أو خشبة ونحوها (وضع النبي صلي الله عليه وسلم صخرة علي رأس قبر عثمان بن مظعون وقال أعلم بها قب رأخي وادفن إليه من مات من أهلي) (وقوله) في الكتاب ولا بأس بالحصي ووضع حجر لا يقتضي(5/228)
الا نفى الحرمة والكراهة وهما مع ذلك مستحبان نص عليه الائمة كما بيناه فاعرف ذلك ثم الافضل في شكل القبر التسطيح أو التسنيم ظاهر المذهب أن التسطيح أفضل وقال مالك وابو حنيفة رحمهم الله(5/229)
التسنيم أفضل * لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم (سطح قبرا بنه ابراهيم) وعن القاسم بن محمد قال رأيت قبر النبي(5/230)
صلي الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما مسطحة) وقال ابن أبي هريرة إن الافضل الآن العدول من التسطيح(5/231)
إلى التسنيم لان التسطيح صار شعارا للروافض فالاولي مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام(5/232)
بالبدعة ومثله ما حكى عنه أن الجهر بالتسمية إذا صار في موضع شعارا لهم فالمستحب الاسرار بها(5/233)
مخالفة لهم واحتج له بما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يقوم إذا بدت جنازة فأخبر أن اليهود تفعل ذلك فترك القيام بعد ذلك مخالفة لهم) وهذا الوجه هو الذى أجاب به في الكتاب(5/234)
ومال إليه الشيخ أبو محمد رحمه الله وتابعه القاضي الرواياني.
لكن الجمهور علي أن المذهب الاول قالوا ولو تركنا ما ثبت في السنة لاطباق بعض المبتدعة عليه لجر نا ذلك الي ترك سنن كثيرة وإذا(5/235)
اطرد جرينا علي الشىء خرج عن أن يعد شعارا للمبتدعة * قال (ثم الافضل لمشيع الجنازة أن يمكت الي مواراة الميت)(5/236)
عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال (من صلي علي الجنازة ورجع فله قيراط ومن صلي عليها ولم يرجع حتي دفن فله قيراطان أصغرهما وروى احد هما مثل أحد) قال الاصحاب وللانصراف من الجنازة(5/237)
أربع درجات (احداها) أن ينصرف عقيب الصلاة فله من الاجر قيراط (والثانية) ان يتبعها حتى توارى ويرجع قبل اهالة التراب (والثالثة) ان يقف الي الفراغ من القبر وينصرف من غير دعاء (والرابعة)(5/238)
ان يقف علي القبر ويستغفر الله تعالي جده للميت وهذه اقصى الدرجات في الفضيلة روى ان النبي صلى(5/239)
الله عليه وسلم (كان إذا فرغ من قبر الرجل وقف عليه وقال استغفر والله له واسألوا الله تعالي له التثبيت فانه الآن يسأل) وحيازة القيراط الثاني تحصل لصاحب الدرجة الثالثة وهل تحصل لصاحب الثانية(5/240)
حكي الامام فيه ترددا واختار الحصول وإذا وقفت على ما ذكرنا عرفت انه ليس الغرض من قوله في الكتاب ثم الافضل لمشيع الجنازة الخ انه الافضل علي الاطلاق بل فوقه ما هو افضل منه وانما المراد(5/241)
أنه أفضل من الانصراف عقيب الصلاة ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن فيقال يا عبد الله ابن أمة الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وانك رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن اماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين اخوانا ورد الخبر به عن النبي صلي الله عليه وسلم *(5/242)
قال (فرعان (الاول) لا يدفن في قبر واحد ميتان الالحاجة ثم يقدم الافضل إلى جدار اللد؟(5/243)
ولا يجمع بين الرجال والنساء الالشدة الحاجة ثم يجعل بينهما حاجز من التراب) *(5/244)
المستحب في حال الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر كذلك (فعل النبي صلي الله عليه وسلم وأمر به) فان كثر الموتي بقتل وغيره وعسر افراد كل ميت بقبر دفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد لما روى (أنه صلي الله عليه وسلم قال للانصار يوم أحد احفروا واوسعوا وعمقوا واجعلوا الا ثنين والثلاثة في القبر الواحد وقدموا اكثرهم قرآنا) وليقدم الافضل الي جدار للحد مما يلي القبلة(5/245)
ويقدم الاب علي الابن وان كان الابن افضل لحرمة الابوة وكذلك تقدم الام على البنت ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا عند شدة الحاجة وانتهائها الي الضرورة ويجعل بينهما حاجز من التراب ويقدم الرجل وان كان ابنا والمرأة امه فان اجتمع رجل وأمراة وخنثى وصبى قدم الرجل ثم الصبى ثم الخنثي ثم المرأة والسابق الي الفهم من لفظ الكتاب واشارة جمع من الاصحاب أنه لا حاجة الي الحاجز بين الرجلين وبين المرأتين وانما الحاجز عند اختلاف النوع وذكر العراقيون أنه يجعل بين الرجلين حاجز أيضا وكذا بين المرأتين والله أعلم * قال (الثاني) القبر يحترم فيصان عن الجلوس والمشى والاتكاء عليه بل يقرب الانسان منه كما يقرب في زيارته لو كان حيا ولا ينبش القبر الا إذا انمحق اثر الميت بطول الزمان أو دفن من غير غسل أو في ارض مغصوبة أو في كفن مغصوب ولو دفن قبل التكفين لم ينبش علي أظهر الوجهين والكتفى بالتراب ساترا) * أصل الفرع أن القبر محترم توقيرا للميت ويبنى عليه مسائل (احداها) انه يكره) الجلوس عليه والاتكاء وكذلك وطؤه الا لحاجة بان لا يصل إلى قبر ميته الا بوطئه وعن مالك أنه لا يكره شئ من ذلك * لنا ما روي ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (لان يجلس أحد كم علي جمرة فتحرق ثيابه فتخلص الي جلده خير له من أن يجلس علي قبر) (الثانية) يستحب زيارة القبور للرجال لما روى(5/246)
أنه صلي الله عليه وسلم قال (كنت انهيكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكر الآخرة)(5/247)
واما النساء فهل يكره لهن الزيارة فيه وجهان (احدهما) ولم يذكر الاكثرون سواه نعم لقلة صبرهن وكثرة جز عهن وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم (لعن زوارات القبور) (والثانى) لا قال الرويانى(5/248)
في البحر وهذا اصح عندي إذا امن الافتتان والسنة ان يقول الزائر سلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله عن قريب بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وينبغي أن يدنو الزائر من القبر المزور بقدر ما يدنو من صاحبه لو كان حيا وزاره وسئل القاضى أبو الطيب عن ختم القرآن في المقابر فقال الثواب للقارئ ويكون الميت كالحاضرين يرجى له الرحمة والبركة فيستحب قراءة القرآن في المقابر لهذا المعني وأيضا فالدعاء عقيب القراءة أقرب الي الاجابة والدعاء ينفع الميت (الثالثة) لا يجوز نبش القبلا الا في مواضع (منها) ان يبلي الميت ويصير ترابا فيجوز نبشه ودفن غيره فيه(5/249)
ويرجع في ذلك الي اهل الخبرة ويختلف بالختلاف اهوية البلاد وأرضها وإذا بلي الميت لم يجز عمارة القبر وتسوية التراب عليه في المقابر المسبلة لئلا يتصور بصور القبور الجديدة فيدفن فيه من شاء ميته (ومنها) أن يدفن الي غير القبلة وقد سبق (ومنها) أن يدفن من يجب غسله من غير غسل فظاهر المذهب وهو المذكور في الكتاب انه يجب النبش تداركا لواجب الغسل وعن صاحب التقريب حكاية قول أنه لا يجب ذلك بل يكره لما فيه من هتك الميت وعلي الاول متى يخرج للغسل فيه وجهان مذكوران في العدة (أظهرهما) وهو المذكور في النهاية والتهذيب ما لم يتغير الميت (والثانى) ما دام يبقى جزء منه من عظم وغيره وعند ابى حنيفة لو أهيل عليه التراب لم ينبش والا نبش ليغسل فلذلك اعلم قوله أو دفن من غير غسل بالحاء مع الواو (ومنها) لو دفن في ارض مغصوبة فالاولى لصحابها أن يتركه فان ابى وطلب اخراجه كان له ذلك قال في النهاية وأشار الائمة إلى انه يخرج وان تغير وكان في اخراجه هتك حرمته لان حرمة الحى الولي بالمراعاة ويجوز ان يظن ظان
تركه فانه سيبلي عن قريب وقد تنزل حرمة الميت منزلة الحي فيما هذا سبيله (ومنها) لو كفن في ثوب مغصوب أو مسروق ودفن فهل ينبش أورد فيه ثلاثة اوجه (اظهرها) وهو المذكور في الكتاب نعم كما ينبش لرد الارض المغصوبة (والثاني) وهو الذى ذكره صاحب الشامل لا يجوز نبشه لانه مشرف علي الهلاك بالتكفين بخلاف الارض فيعطى حق إلها لك وينقل حكم المالك الي القيمة ولان هتك الحرمة في نزع الكفن اكثر (والثالث) إن تغير الميت وكان في النبش ورد الثوب هتكه لم ينبش والا نبش ورد (ومنها) لو دفن في ثوب حرير هل ينبش فيه هذا الحلاف ولو دفن من غير كفن فهل ينبش ليكفن فيه وجهان (احدهما) نعم كما لو دفن من غير غسل فان كل واحد منهما واجب (وأظهرهما) لا فان المقصود من التكفين ستره واحترامه وقد ستره التراب فالاكتفاء به أولي من هتك حرمته بالنبش (ومنها) لو وقع في القبر خاتم أو متاع آخر ينبش ويرد ولو ابتلع في حياته مالا ثم مات وطلب صاحبه الرد شق جوفه ورد قال في العدة الا ان يضمن الورثة مثل أو قيمته فلا يخرج ولا يرد في أصح الوجهين وفيه وجه آخرو هو اختيار القاضى أبى الطيب انه لا يخرج أصلا ويجب الغرم من تركته علي الورثة ولو ابتلع شيئا من مال نفسه ومات فهل يخرج فيه وجهان لانه كالمستهلك لمال(5/250)
نفسه بالابتلاع قال أبو العباس الجرجاني في الشافي: والاصح الاخراج ايضا إذا عرفت ذلك فحيث قلنا يشق جوفه ويخرج فلو دفن قبل الشق ينبش لذلك ايضا وإذا تأملت ما ذكرناه عرفت ان قوله لا ينبش القبر الا إذا انمحق إلى آخره وان كان ظاهره يقتضى حصر الاستثناء في الصورة المذكورة لكنه ليس كذلك * (فرع) لو مات انسان في السفينة فان كان أهلها بقرب الساحل أو بقرب جزيرة انتظروا به ليدفنوه في البر والا شدوه بين لوحين لئلا ينتفخ والقوه في البحر ليلقيه البحر ليلقيه البحر بالساحل فلعله يقع الي قوم يدفنونه فان كان أهل الساحل كفارا ثقل بشئ ليرسب * * (القول في التعزية والبكاء علي الميت) * قال (التعزية سنة الي ثلاثة أيام وهو الحمل على الصبر بوعد الاجر والدعاء للميت والمصاب ويعزى
المسلم بقريبه الكافر والدعاء للحي ويعزى الكافر بقريبه المسلم والدعاء للميت ويستحب تهيئة طعام لاهل الميت والبكاء جائز من غير ندب ولا نياحة ومن غير جزع وضرب خد وشق ثوب وكل ذلك حرام ولا يعذب الميت بنياحة أهله الا إذا اوصي به فلا تزر وازرة وزر اخرى) * في الفصل ثلاث مسائل (احداها) التعزية سنة روى أنه صلي الله عليه وسلم قال ((من عزى مصابا فله مثل اجره) وينبغي ان يعزى جميع اهل الميت الكبير والصغير والرجل والمراة نعم(5/251)
الشابة لا يعزيها الا محارمها ويكره الجلوس لها ولا فرق فيها بين ما قبل الصلاة وبعدها وما قبل الدفن وبعده فيما يرجع إلى اصل الشريعة لكن تأخيرها إلى ما بعد الدفن حسن لاشتغال اهل الميت قبله بتجهيزه ولاشتداد حزنهم حينئذ بسبب المفارقة وعن ابي حنيفة ان التعزية قبل الدفن فاما بعده فلا والى متى تشرع التعزية فيه وجهان (اظهرهما) وهو المذكور في الكتاب إلي ثلاثة أيام فلا يعزيه بعد ذلك إلا ان يكون المعزى أو المعزي غائبا وهذا لان الغرض من التعزية تسكين قلب المصاب والغالب سكون قلبه في هذه المدة فلا يجدد عليه الحزن قال الشيخ أبو محمد فيما علق عنه: وهذا المدة على التقريب دون التحديد (والثاني) حكاه في النهاية مع الاول انه لا امد تقطع عندها التعزية فان الغرض الاعظم منها الدعاء ومعنى التعزية الامر بالصبر والحمل عليه بوعد الاجر والتحذير عن الوزر بالجزع والدعاء للميت بالغفرة وللمصاب بجبر المصيبة فيقول في تعزية المسلم بالمسلم اعظم الله اجرك واحسن عزاك وغفر لميتك وفي تعزية المسلم بالكافر: اعظم الله أجرك واخلف عليك أو جبر الله مصيبتك والهمك الصبر وما اشبه ذلك وفي تعزية الكافر بالمسلم: غفر الله لميتك واحسن عزاك.
ويجوز للمسلم ان يعزى الذمي بقريبه الذمي فيقول: اخلف الله عليك ولا نقص عددك وهذا لتكثر الجزية للمسلمين (الثانية) يستحب لجيران الميت والا بعدين من قرابته تهيئة طعام لاهل الميت يشبعهم في يومهم وليلتهم فانهم لا يفرغون له ولو اشتغلوا به لعيروا روى (انه لما جاء نعي جعفر رضى الله عنه قال النبي صلي الله عليه وسلم اجعلو الآل(5/252)
جعفر طعاما فقد جاءهم امر يشغلهم) ويستحب الحاحهم على الاكل ولو اجتمع نساء ينحن لم يجز ان يتخذ(5/253)
لهن طعام فانه إيمانة علي المعصية (الثالثة) البكاء علي الميت جائر قبل زهوق الروح وبعده وقبل(5/254)
الزهوق أولي روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإذا وجب فلا تبكين باكية) وجعل رسول الله(5/255)
صلي الله عليه وسلم ابنه ابراهيم في حجره وهو يجود بنفسه فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم(5/256)
فقبل في ذلك فقال انها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ثم قال العين تدمع والقلب يحزن(5/257)
ولا نقول الا ما يرض ربنا) والندب حرام وهو ان يعد شمائل الميت فيقال واكهفاه واجبلاه ونحو(5/258)
ذلك وكذا النياحة والجزع بضرب الخد وشق الثوب ونشر الشعر كل ذلك حرام لما روى ان(5/259)
النبي صلي الله عليه وسلم قال (لعن الله النائحة والمستمعة) وروى انه قال (ليس منا من ضرب الخدود(5/260)
وشق الجيوب) ولو فعل اهل الميت شيئا من ذلك لم يعذب الميت به قال الله تعالي (ولا تزر وازرة(5/261)
وزر اخرى) وما روى من أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (إن الميت ليعذب وببكاء أهله عليه) وفي رواية(5/262)
(إن الله تعالى يزيد الكافر عذابا على عذابه ببكاء أهله عليه) فقد أولوه من وجوه (منها) قال المزني(5/263)
بلغني أنهم كانوا يوصون بالندب والنياحة وذلك حمل منهم علي المعصية وهو ذنب فزيدوا عذابا بذلك إذا عمل أهلهم بوصيتهم ولك ان تقول ذنب الميت الحمل على الحرام والامر به فوجب ان لا(5/264)
يختلف عذابه بالامتثال وعدمه فان كان لا متثالهم أثر فالاشكال بحاله (ومنها) قال بعضهم المراد منه(5/265)
أن يقال للميت إذا ندبوه اكنت كما يقولونه ولك ان تقول لا شك ان هذا الكلام توبيخ له(5/266)
وتخويف وهو ضرب من التعذيب فليس في هذا الكلام سوى بيان نوع التعذيب فلم يعذب(5/267)
بما يفعلون (ومنها) قيل انهم كانوا ينوحون علي الميت ويعدون جرائمه وهم يظنونها خصال محمودة كالفتك والتصعلك وشن الغارات فاراد انه يعذب بما يبكونه عليه (ومنها) أن قوله ببكاء أهله(5/268)
أي عند بكاء أهله وانما يعذب بذنبه قال القاضى الحسين يجوز أن يكون الله تعالي قدر العفو عنه(5/269)
ان لم يبكو عليه وانقادوا لقضائه فإذا جزعوا عوقب بذنبه وقد روى عن عائشة رضي الله عنها(5/270)
انها قلت (رحم الله عمرو الله ما كذب ولكنه أخطأ أو نسى انما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم(5/271)
علي يهودية وهم يبكون علهيا فقال انهم يبكون وانها لتعذب في قبرها) فهذه الرواية مجراة على(5/272)
ظاهرها ومبينة أن المراد من قوله ببكاء أهله ما سبق وكأنه قال: هي معذبة فما ينفعها بكاؤهم عليها(5/273)
والله اعلم.(5/274)
(باب تارك الصلاة)(5/277)
قال (من ترك صلاة واحدة عمدا وامتنع عن قضائها حتى خرج وقت الرفاهية والضرورة(5/278)
قتل (ح) بالسيف ودفن كما يدفن سائر المسلمين ويصلى عليه ولا يطمس قبره وقيل لا يقتل الا إذا صار(5/279)
الترك عادة له وقيل إذا ترك ثلاث صلوات والله أعلم) .(5/280)
اخر حجة الاسلام رحمه الله هذا الباب إلى هذا الموضع وهو في ترتيب المزني وجمهور الاصحاب(5/281)
مقدم علي كتاب الجنائز ولعله اليق ومقصوده الكلام في عقوبة تارك الصلاة فنقول تارك الصلاة(5/282)
ضربان (أحدهما) أن يتركها جاحدا لوجوبها فهذا مرتد تجرى عليه أحكام المرتدين إلا ان يكون قريب(5/283)
عهد بالاسلام يجوز ان يخفى عليه ذلك وهذا لا يختص بالصلاة بل يجرى في جحود كل حكم مجمع عليه(5/284)
(والثاني) ان يتركها غير جاحد وهو ضربان (احدهما) أن يترك بعذر من نوم؟ أو نسيان فعليه القضاء(5/285)
لا غير.
ووقت القضاء موسع (والثانى) أن يترك من غير عذر بل كسلا أو تهاونا بفعلها(5/286)
فلا يحكم بكفره خلافا لاحمد وبه قال شرذمة من اصحابنا حكاه الجناطى وصاحب المهذب وغيرهما(5/287)
لنا ما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (خمس صلوات كتبهن الله عليكم في اليوم والليلة فمن(5/288)
جاء بهن لم يضيع منهن شيئا كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ان شاء عذبه وان شاء أدخله الجنة) ويشرع القتل في هذا القسم حدا وبه قال مالك خلافا(5/289)
لابي حنيفة حيث قال في رواية لا يتعرض لتارك الصلاة فهي أمانة بينه وبين الله تعالي وحده(5/290)
والامر فيها موكول الي الله تعالى وقال في رواية إنه ليس ويؤدب حتي يصلي وبه قال المزني.
لنا(5/291)
ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من ترك الصلاة فقد برئت منه الذمة) ولانها ركن من(5/292)
الخمسة لا يدخلها النيابة بيدن ولا مال فيقتل تاركه كالشهادتين.
إذ عرف ذلك نفرع عليه مسائل(5/293)
(احداها) في عدد الصلاة المستحق بتركه القتل وظاهر المذهب استحقاق القتل بترك صلاة واحدة(5/294)
فإذا تضيق وقتها طالبناه بفعلها وقلنا له إن أخرتها عن وقتها قتلناك فإذا أخرها فقدا ستوجب القتل(5/295)
ولا يعتبر بضيق وقت الثانية وبهذا قال مالك.
واحتج له بقوله صلي الله عليه وسلم (من ترك صلاة(5/296)
متعمدا فقد كفر أي استوجب ما يستوجبه الكافر) وهذا قد ترك صلاة ويحكى عن أبى اسحق(5/297)
أنه أنما يستوجب القتل إذا ضاق وقت الثانية وامتنع من أدائها وعن الاصطخرى أنه لا يقتل(5/298)
حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة ويمنع من أدئها هذه هي الرواية المشهورة عنه(5/299)
وفى النهاية روايتان أخريان عن الاصطخرى (احداهما) أنه إنما يستوجب القتل إذا ترك أربع(5/300)
صلوات وامتنع عن القضاء (والثانية) أنه لا تخصيص بعدد ولكن إذا ترك من الصلوات قدر ما يظهر(5/301)
لنا به اعتياده الترك وتهاونه بأمر الصلاة فحينئذ يقتل وقد نقل صاحب الافصاح هذا وجها لبعض(5/302)
الاصحاب وإن لم ينص على قائله والمذهب الاول والاعتبار باخراج الصلاة عن وقت العذر(5/303)
والضرورة فإذا ترك الظهر لم يقتل حتي تغرب الشمس وإذا ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر(5/304)
حكاه الصيد لاني وتابعه الائمة عليه (الثانية) علي اختلاف الوجوه لابد من الاستتابة قبل القتل(5/305)
فانه ليس بأشد حالا من المرتد والمرتد يستتاب وهل تكفى الاستتابة في الحال أم بمهل ثلاثا فيه(5/306)
قولان كما سيأتي ذكر هما في استتابة المرتدو اختار المزني للشافعي رضى الله عنه أنه لا يمهل وذكر في(5/307)
العدة أنه المذهب والقولان في الوجوب أو في الاستحباب حكي المعلق عن الشيخ أبى محمد فيه طريقين(5/308)
(أصحهما) أنهما في الاستحباب (الثالثة) الظاهر أنه يقتل صبرا بالسيف كالمرتد وهو الذى ذكره(5/309)
في الكتاب وعن صاحب التلخيص أنه ينخسن فيه حديدة ويقال قم فصل فان قام ترك وإلا زيد(5/310)
في النخسن حتي يصلى أو يموت لان المقصود حمله علي الصلاة فان فعل فذاك وإلا عوقب كما يعاقب الممتنع من سائر الحقوق ويقاتل ويروى مثل هذا عن ابن سريج ويروى عنه أن يضرب بالخشب(5/311)
حتى يصلي أو يموت (الرابعة) إذا قتل غسل وصلى عليه ودفن في مقابر المسلمين ولا يطمس قبره(5/312)
كسائر أصحاب الكبائر إذا حدوا وقد حكينا من قبل عن صاحب التلخيص أنه لا يصلي عليه ولا يغسل وإذا دفن في مقابر المسلمين طمس قبره حتي ينسى ولا يذكر وإن أراد الامام المعاقبة على ترك الصلاة فقال صليت في بيتى صدق وإذا عرفت ما ذكرنا أعلمت قوله في الكتاب قتل بالحاء والزاى (وقوله) بالسيف بالواو (وقوله) كما يدفن سائر المسلمين بالواو وكذا قوله ويصلى عليه ولا يطمس ولك أن تعلم (قوله) كما يدفن (وقوله) ويصلي عليه بالالف لما حكينا عن أحمد رحمه الله وأنه يكفر بترك الصلاة (فرعان) (أحدهما) قال حجة الاسلام في الفتاى لو امتنع عن صلاة الجمعة من غير عذر وقال أصليها ظهرا لم يقتل لان الصوم لم يلحق بالصلاة في هذا الحكم فالجمعة مع أن لها بدلا واعذارها أكثر أولى ألا تلحق (الثاني) حكي القاضي الرواياتي في تارك الوضوء وجهين (اصحهما) أنه يقتل لان الامتناع منه امتناع من الصلاة والله أعلم * * (كتاب الزكاة) * (وفيه سنة أنواع)
قال ((النوع الاول) زكاة النعم والنظر في وجوبها وأدائها أما الوجوب فله ثلاثة أركان (الاول) قدر الواجب وسيأتى بيانه (الثاني) ما يجب فيه وهو المال وله ستة شرائط أن يكون نعما.
نصابا.
مملوكا.
متهيئا لكمال التصرف.
سائمة.
باقية حول (الشرط الاول) أن يكون نعما فلا زكاة إلا في الابل والبقر والغنم ولا تجب في غيرها ولا في الخيل (ح) ولا في المتولد بين الظباء والغنم وإن كانت الامهات (ح) من الغنم) .
قال الله تعالي: (وآتوا الزكاة) وقال تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) وقال صلى الله عليه وسلم (مانع الزكاة في النار)(5/313)
* الزكاة أحد أركان الاسلام فمن منعها جاحدا كفر الا أن يكون حديث عهد بالاسلام لا يعرف وجوبها فيعرف ومن منعها وهو معتقد لوجوبها أخذت منه قهرا فان لم يكن في قبضة الامام وامتنع القوم قاتلهم الامام على منعها كما فعل الصديق رضى الله عنه قال الاصحاب: الزكاة نوعان (زكاة الابدان) وهى الفطرة ولا تعلق لها بمال إنما يراعى فيها إمكان الا داء (وزكاة الاموال) وهى ضربان (زكاة تتعلق بالقيمة والمالية) وهى زكاة التجارة (وزكاة تتعلق بالعين) والاعيان التى تتعلق بها الزكاة ثلاث.
حيوان.
وجوهر.
ونبات.
وتختص من الحيوان بالنعم ومن الجواهر بالنقدين ومن النبات بما يقتات علي ما سفنصل جميعه وصاحب الكتاب ترك الترتيب والتقسيم واقتصر علي المقاصد فقال: الزكاة ستة انواع وهي زكاة النعم والمعشرات والنقدين والتجارة والمعادن وزكاة الفطر ثم تكلم في زكاة النعم في طرفين الوجوب والاداء ولك أن تقول كان الاحسن في الترتيب أن يقول أولا النظر في طرفين الوجوب والاداء ونتكلم في الانواع النسة في طرف الوجوب ثم نعود إلى طرف الاداء لان الكلام في الاداء لا اختصاص له بزكاة النعم بل يعم سائر الانواع ثم جعل للوجوب ثلاثة أركان (قدر الواجب) و (ما تجب فيه) و (من تجب عليه) ولك أن تقول من تجب عليه زكاة النعم هو الذى تجب عليه زكاة المعشرات وغيرها فلا تفصيل فيه بين الانواع وانما التفصيل في الركنين الباقيين فكان الاولى أن يقول:
النظر في الزكاة في الوجوب والاداء وللوجوب أركان (أحدها) من تجب عليه ونفرغ منه ثم نذكر(5/314)
الركينين الآخرين وندرج فيهما تفصيل الانواع وما يختلف فيه ثم قدر الواجب من الاركان الثلاثة يتبين في خلال بيان النصب فلذلك أحاله على ما بعده وأما ما تجب فيه وهو المال فقد قال له ستة شروط (أحدها) كونه نعما (والثانى) كونه نصابا (والثالث) الحول (والرابع) دوام الملك فيه مدة الحول (والخامس) السوم (والسادس) كمال الملك وههنا كلامان (أحدهما) أن من هذه الشروط ما لا يختص بزكاة النعم كالحول وكمال الملك وما يعتبر في هذا النوع وغيره لا يحسن تخصيص هذا النوع بذكره بل الاحسن ايراد يستوى نسبتها إليه (والثانى) أن قوله ما تجب فيه وهو المال لا شك أن المراد منه ما تجب فيه زكاة النعم فان الكلام فيها ولا معنى لزكاة النعم سوى الزكاة الواجبة في النعم فكأنه قال شرط الزكاة الواجبة في النعم أن يكون الواجب فيه نعما وهذا ركيك من الكلام وان لم يكن ركيكا فهو أوضح من أن يحتاج الي ذكره وفقه الفصل أنه لا تجب الزكاة في غير الابل والبقر والغنم من الحيوانات كالخيل والرقيق إلا أن يكون للتجارة وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا كانت الخيل ذكورا وإناثا أو إناثا فصاحبها بالخيار إن شاء أعطي من كل فرس دينارا وان شاء قومها وأعطي من كل مائتي درهم خمسة دراهم وان كانت ذكورا منفردة فلا شئ فيها * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (ليس علي المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) ولا تجب الزكاة فيما يتولد من الظباء والغنم سواء كانت الغنم فحولا أو أمهات خلافا لاحمد رحمه الله حيث قال: تجب في الحالتين.
ولا بى حنيفة ومالك حيث قالا تجب ان كانت الامهات من الغنم * لنا أنه لم يتولد من اصلين تجب الزكاة في جنسهما فلا تجب فيه الزكاة كما إذا كانت الفحول والامهات ظباء وأيد الشافعي رضي الله عنه المسألة بأن البغل لم يسهم له سهم الفرس وإن كان أحد أصليه فرسا وموضع العلامة في الصورتين من لفظ الكتاب واضح وإنما ذكرهما ليشير إلي الخلاف فيهما وإلا ففى قوله فلا زكاة إلا في الابل والبقر والغنم ما يفيد نفى الوجوب في الصورتين بل في قولنا يشترط كونه نعما ما يفيد نفى الوجوب في غير(5/315)
الابل والبقر والغنم لان اسم النعم لهذه الحيوانات الثلاثة عند العرب ولذلك قال الله تعالي (والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) ثم قال (والخيل والبغال والحمير) ففصل الخيل عن الانعام وإنما صرح بقوله فلا زكاة الا في الابل والبقر والغنم إيضاحا وفيه إشارة إلى اختصاص اسم النعم بالانواع الثلاثة وأما قوله بعد ذلك ولا تجب في غيرها فلا فائدة فيه: * قال (الشرط الثاني أن تكون النعم نصابا أما الا بل ففى أربع وعشرين من الابل فماد ونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين الي خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثي فان لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين الي خمس واربعين ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستا وأربعين إلي ستين ففيها حقة فإذا بلغت احدى وستين الي خمس وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستا وسعين الي تسعين ففيها بنتا لبون فإذ بلغت إحدى وتسعين إلي عشر ومائة ففيها حقتان فإذا صارت إحدى وعشرين مائة ففيها ثلاث بنات لبون فإذا صارت مائة وثلاثين فقد استقر الحساب ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون (ح) كل ذلك لفظ أبى بكر رضى الله عنه في كتاب الصدقة وبنت المخاض لها سنة وبنت اللبون لها سنتان وللحقى؟ ثلاث وللجذعة أربع) * الاصل المرجوع إليه في نصااب الابل ما روى الشافعي رضى الله عنه باسناده عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال هذه الصدقة بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المسلمين التي أمر الله بها فمن سئلها على وجهه فليعطها ومن سئلها فوق حقه فلا يعطه في أربع وعشرين من الابل فما دونها الغنم وذكر مثل ما أورده في الكتاب لفظا(5/316)
بلفظ إلى قوله ففى كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة إلا أنه قال في ست وأربعين ففيها حقة طروقة الجمل وفي إحدى وتسعين حقتان طروقتا الجمل (قوله) هذه الصدقة ترجمع الكتاب وعنوانه كما يقال هذا مختصر كذا وكتاب كذا ثم افتتح الكتاب وقوله هذه فريضة الصدقة أي بيان الصدقة التي أمر الله بها وأجمل ذكرها بقوله (خذ من أموالهم صدقة تظهر هم) وقوله التى فرضها رسول الله صلي الله عليه ولم قال الصيدلاني يعني قدرها وقال المسعودي يعنى أوجبها وصاحب الشامل أوردهما معا علي سبيل الاحتمال وقوله من سئلها فوق حقه فلا يعطه فيه وجهان لاصحابنا
(منهم) من قال لا يعطه شيئا (ومهم) من قال لا يعطه الزيادة وهو الاصح باتفاق الشارحين: إذا تقرر ذلك فنقول لا زكاة في الابل حتى تبلغ خسما فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ولا يزيد بزيادتها شئ حتي تبلغ عشرا فحينئذ فيها شاتان ولا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ خمس عشرة فحينئذ فيها ثلاث شياه(5/317)
ولا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ عشرين فحينئذ فيها أربع شياه ثم لا يزيد شئ حتى تبلغ خمسا وعشرين فحينئذ فيها بنت مخاض ثم لا شئ حتي تبلغ ستا وثلاثين ففيها بنت لبون ثم لا شئ حتى تبلغ ستا وأربعين ففيها حقة ثم لا شئ حتي تبلغ احدى وستين ففيها جذعة ثم لا شئ حتى تبلغ ستا وسبعين ففيها بنتا لبون ثم لا شئ حتى تبلغ احدى وتسعين فيها حقتان ثم لا يزيد شئ بزيادتها حتي تجاوز مائة وعشرين فان زادت واحدة وجبت ثلاث بنات لبون وإن زاد شقص من واحدة فهل هو كزيادة الواحدة حتي تجب ثلاث بنات لبون أم لا فيه وجهان (أحدهما) وبه قال الا صطخري نعم لظاهر قوله صلي الله عليه وسلم (فان زادت علي عشرين ومائة) وزيادتها علي هذا المبلغ كما تحصل بواحدة تحصل بما دونها (وأصحهما) لا والا يجب إلا حقتان لان الزيادة مفسرة بالواحدة وفي رواية ابن عمر رضى الله عنهما ولان الزكاة مبنية علي تغيير واجبها بالاشخاص دون الاشقاص وإذا زادت واحدة وأوجبنا ثلاث بنات لبون فهل للواحدة قسط من الواجب أم لا فيه وجهان قال الاصطخرى لا لانه صلي الله عليه وسلم قال (ففى كل أربعين بنت لبون) ولو قدرنا أن لها قسط من الواجب لكانت كل بنت لبون في أربعين وثلث وقال الا كثرون (نعم) لان تغير الواجب بالواحدة فيتعلق الواجب بها كالعاشرة والخامسة والعشرين وغيرهما وما ذكر من الظاهر يعارضه ما روي في بعض الرويات أنه صلى الله عليه وسلم قال (فإذا زادت واحدة علي المائة والعشرين فيها ثلاث بنات لبون) فعلي(5/318)
هذا لو بلغت الواحدة بعد الحول وقبل التمكن سقط من الواجب جزء من مائة واحدى وعشرين جزءا وعلي قول الاصطخرى لا يسقط شئ ثم الامر يستقر بعد بلوغ الابل مائة واحدى وعشرين فيجب في كل اربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وإنما يتغير الواجب بزيادة عشر عشر وإذا وجب
عدد من بنات اللبون ثم زادت عشر فصيرت ثلاثين أربعين أبدلت بنت لبون بحقة فان زادت عشرة أخرى أبدلت بأخرى وهكذا حتى يصير الكل حقاقا فإذا زادت عشر بعد ذلك أبدلت الحقاق كلها ببنات اللبون وزيدت واحدة (مثاله) في مائة واحدى وعشرين ثلاث بنات لبون كما عرفت فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها بنتا لبون وحقة فإذا صارت مائة وأربعين ففيها بنت لبون وحقتان فإذا صارت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق فإذا صارت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون ثم في مائة وسبعين ثلاث بنات لبن وحقة وفي مائة وثمانين بنتا لبون وحقتان وعلي هذا القياس هذا مذهبنا والحجة عليه الخبر الذى تقدم وساعدنا أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله علي ما ذكرنا إلى مائة وعشرين ففيها حقتان بالاتفاق ثم عند أبى حنيفة يستانف الحساب ففى كل خمس تزيد شاة مع الحقتين فإذا بلغت مائة وخمسا واربعين ففيها بنت فيها بنت مخاض مع الحقتين فإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ثم يستأنف الحساب فيجب في كل خمس تزيد شاة مع الحقاق الثلاث الي أن تبلغ مائة وخمسا وسبعين(5/319)
فحينئذ فيها بنت مخاض وثلاث حقاق وفي مائة وست وثمانين بنت لبون وثلاث حقاق وفي مائة وست وتسسعين أربع حقاق وربما قيل وفي مائتين أربع حقاق لان الاربع عفو لا يختلف الواجب بوجودها وعدمها ثم بعد المائتين يستأنف الحساب وعلى رأس كل خمسين يجعل أربع عفوا علي ما ذكرنا وعند مالك إذا زاد علي عشرين ومائة أقل من عشر لم يتغير الواجب فإذا بلغت مائة وثلاثين فحينئذ فيها بنتا لبون وحقة وقد استقر الحساب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وعنه رواية أخرى مثل مذهبنا ورواية ثالثة أنه إذا زادت واحدة علي المائة والعشرين تغير الفرض ويتخير الساعي بين الحقتين وبين ثلاث بنات لبون وعن احمد روايتان كالروايتين الاولتين عن مالك والاصح عنه مثل مذهبنا.
إذا عرفت هذه المذاهب رقمت قوله في الكتاب فإذا زادت علي عشرين ومائة ففى كل أربعين بنت لبون (بالحاء والميم والالف) وقد أعلم بالواو أيضا لان امام الحرمين قال حكي العراقيون أن ابن خيران من شيوخنا كان يخير وراء المائة والعشرين بين مذهب الشافعي رضي الله عنه ومذهب أبى حنيفة رحمه الله فجعل ذلك وجها لكن لم أجد في الكتب المشهورة للعراقيين وتعليقا تهم
نسبة هذا المذهب الي ابن خيران وانما حكوه عن ابن جرير الطبري وربما وقع تغيير في بعض النسخ لتقارب الاسمين وتفرد ابن جرير لا يعد وجها في المذهب وان كان معدود امن طبقة أصحاب الشافعي رضى الله عنه ثم في الفصل أمور لا بد من معرفتها (أحدها) أن قوله في الكتاب فان لم يكن في ماله بنت مخاض فابن لبون ذكر إنما ذكره جريا علي لفظ الخبر ونظامه وأما فقهه وتعريفه فهو مذكور من بعد ولماذا قيد ابن اللبون بالذكر وبنت المخاض قبل ذلك بالانثي ذكروا فيه قولين (أصحهما) أنه وقع تأكيدا في الكلام كما يقال رأيت بعينى وسمعت باذني وكما قال صلي الله عليه وسلم (ما أبقت الفرائض فلا ولي رجل ذكر) (والثانى) أن الغرض منه ان لا يؤخذ الخنثى فان في خلقته تشويها(5/320)
وعيبا والصحيح اجزاء الخنثى علي ما سيأتي ثم في لفظ الابن والبنت ما يغنى عنه (الثاني) ربما نجد في بعض النسخ عند قوله فإذا زادت علي عشرين ومائة ففى كل اربعين بنت لبون وفي كل(5/321)
خمسين حقة زيادة وهى فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل اربعين بنت لبون وهذه الزيادة صحيحة لكن الكلام مستقيم دونها والظاهر انها ملحقة غير(5/322)
مذكورة من جهة المصنف لامرين (احدهما) انه لم يذكر ها في الوسيط (والثاني) انه قال آخرا كل ذلك لفظ ابي بكر رضى الله عنه في كتاب الصدقة وليس فيما نقل من لفظ ابى بكر رضى الله عنه هذه الزيادة(5/323)
وانما نسبه الي ابى بكر لانه رضى الله عنه هو الذى كتب لانس ومالك رضى الله عنه كتاب الصدقة لما وجهه الي البحرين (الثالث) بيان الاسنان التى جرى ذكرها في الفصل اعلم ان الناقة اول ما ولدت يسمي(5/324)
ولدها الذكر ربعا والانثى ربعة ثم يقال لله تبيع وتبيعة ثم فصيل الي تمام سنة فإذا تمت له السنة وطعن(5/325)
في الثانية سمى ابن مخاض ان كان ذكرا وبنت مخاض ان كانت انثي وذلك لان الناقة بعد تمام سنة(5/326)
من ولادتها تحبل مرة اخرى فتصير من المخاض وهى الحوامل فيكون الولد ولد ناقة هي المخاض وتسمي بذلك وان لم تحبل بعد نظرا الي الوقت ثم إذا تمت للولد سنتان وطعن في الثالثة سمى الذكر(5/327)
ابن لبون والانثي بنت لبون لان الام قد ولدت وصرت لبو نا ثم إذا استوفى الولد ثلاث سنين(5/328)
وطعن في الرابعة سمى الذكر حقا والانثي حقة ولم سمى بذلك اختلفوا فيه منهم من قال لا ستحقاقه الحمل عليه وركوبه ومهم من قال لان الذكر استحق أن ينزو والانثى استحققت ان ينزى عليها(5/329)
وبحسب هذين القولين اختلفوا في قوله طروقة الجمل علي ما سبق في الخبر فمن قال بالاول قرأ(5/330)
طروقه الحمل بالحاء أي استحقت الحمل عليه ومن قال بالثاني قرأ طروقه الجمل بالجيم لانها استحقت أن يطرقها الجمل ذكر ذلك كله المسعودي والمشهور الصحيح هو الجمل ويدل عليه ما روى في بعض الروايات طروقه الفحل ثم إذا استوفى الولد اربع سنين وطعن في الخامسة سمى الذكر جذعا والانثى(5/331)
جذعة لانه يجدع مقدم اسنانه أي يسقطه وهذه غاية اسنان الزكاة *(5/332)
قال (وأما البقر ففى ثلاثين منه تبيع هو الذى له سنة وفي أربعين مسنة وهى التى لها سنتان(5/333)
ثم في الستين تبيعان ثم استقر الحساب ففى كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة) *(5/334)
عن النبي صلي الله عليه وسلم انه أمر معاذا حين بعثه إلي اليمن أن ياخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ومن أربعين مسنة * لا شئ في البقر حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ثم لا شئ(5/335)
في زيادتها حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم لا شئ حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان وقد استقر الحساب في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ويتغير الواجب بزيادة عشر عشر ففى سبعين تبيع ومسنة وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاث اتبعة وفي مائة مسنة وتبيعان وعلى هذا القياس وبقولنا قال احمد ومالك وعن أبى حنيفة ثلاث روايات (احداها) مثل قولنا (وأظهرها) ان فيما زاد علي الاربعين يجب بحساب ذلك في كل بقرة ربع عشر مسنة الي أن يبلغ ستين (والثالثة) انه لا شئ في الزيادة على الاربعين حتي تبلغ خمسين فيجب فيها مسنة وربع مسنة وإذا بلغت ستين وجب تبيعان عى الروايات كلها واستقر الحسا كما ذكرنا والتبيع هو الذى له سنة وطعن في الثانية سمي بذلك لانه يتبع الام وقيل لان قرنه يتبع اذنه ويكاد يساويها والانثى تبيعة والمسنة هي التى تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة والذكر مسن هذا هو المشهور في تفسيرهما ويجوز أن يعلم قوله وهو الذى له سنة وقوله وهى التى لها(5/336)
سنتان بالواو لان صاح العدة وغيره حكوا وجها ان المسنة ما تم لها سنة والتبيع ماله ستة اشهر وقد أشار في النهاية الي هذا الوجه قال ورد في بعض اخبار الجذع مكان التبيع والجذع من البقر كالجذع من الضأن وفي سن الجذعة من الضأن تردد سيأتي وهو يجري في التبيع قال والمسنة في البقر بمثابة الثنية في الغنم * قال (وأما الغنم ففى أربعين شاة شاة وفي مائة واحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحد ثلاث شياه وفي أربعمائة أربع شياه وما بينهما أوقاص لا يعتد بها ثم استقر الحساب ففى كل مائة شاة والشاة الواجبة في الغنم إما الجذعة من الضأن وهى التى لها سنه أو الثنية من المعز وهي التى لها سنتان) *(5/337)
عن أنس ان أبا بكر رضى الله عنه كتب له (فريضة الصدقة التى أمر الله تعالى ورسوله صلي
الله عليه وسلم وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين الي عشرين ومائة شاة فإذا زادت علي عشرين ومائة واحدة الي مائتين ففيها شاتان فإذا زادت علي مائتين واحدة الي ثلثمائة ففيها شاة ثم لا يزيد بزيادتها شئ حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين ففيها شاتان ثم لا يزاد شئ حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه ثم لا يزاد شئ حتي تبلغ أربعمائة ففيها اربع شياه اربع شياه وقد استقر الحساب في كل مائة شاة وبهذا قال مالك وابو حنيفة واحمد والشاة الواجبة فيها الجذعة من الضأن أو الثنية من المعزوبه قال احمد خلافا لمالك حيث قنع فيهما بالجذعة ولابي حنيفة حيث اوجب فيهما الثنية وروى عنه مثل مذهبنا أيضا لنا ما روى سويد بن غفلة قال سمعت مصدق النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم بالجذعة من الضأن والثنية من المعز) ولانهما ساعدانا(5/338)
في الاضحية على * واحتج الاصحاب على مالك في الجذعة من المعز بان هذا سن لا يجوز اضحية فلا يجوز في صدقة الغنم قياسا على ما دونها وعلى أبي حنيفة في الجذعة من الضأن بانها سن يجوز أضحية(5/339)
فيجوز في صدقة الغنم كالثنية واختلفوا في تفسير هما علي أوجه (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أن الجذعة ما استوفت سنة ودخلت في الثانية والثنية ما استوفت سنتين سميت الجذعة جذعة لانها تجدع السن كما ذكر في الابل (والثانى) ان الجذعة ما لها ستة أشهر والثنية ما لها سنة وهو الذى ذكره في الثنية (والثالث) أن الجذعة هي التي لها ثمانية أشهر والثنية هي التي لها سنة وهو اختيار القاضي الروياني في الحلية(5/340)
ويقال إذا بلغ الضأن سبعة أشهر وكان من بين شاتين فهو جذع لان له نزوا وضرابا وان كان من بين هرمين فلا تسمى جذعة حتى تستكمل ثمانية أشهر (وقوله) في أثناء الكلام وما بينها أو قاص هي جمع وقص وهو ما بين الفريضتين ثم منهم من يقول القاف من الوقص محركة وهو الذى ذكره في الصحاح قالوا ولو كانت ساكنة لجاء الجمع علي افعل كفلس وأفلس وكلب وأكلب ومنهم من يسكن القاف ويقول(5/341)
هو مثل هول وأهوال وحول وأحوال والشنق بمعنى الوقص ومنهم من قال الوقص في البقرو الغنم خاصة والشنق في الابل خاصة (وقوله) لا يعتد بها يجوز انه يريد به أنا لا تؤثر في زيادة الواجب ويجوز أن يريد به أن الواجب لا ينبسط عليها بل هي عفو وهو الصحيح وفيه خلاف مذكور في الكتاب من بعد (وقوله) أما الجذعة من الضأن وهى التى لها سنة ليس المفسر الجذعة من الضأن بخصوصها(5/342)
بل الجذعة من الغنم هي التي لها سنة علي اوجه الاظهر سواء كانت من الضأن أو المعز وكذلك الثنية من الغنم هي التى لها سنتان سواء كانت من الضأن أو من المعز ثم الواجبة من هذه الجذعة ومن تلك الثنية والله أعلم * قال (ثم يتصدى النظر في زكاة الابل في خسمة مواضع (الاول) في اخراج شاة عن الابل وهي(5/343)
جذعة من الضأن أو ثنية من المعز والعبرة في تعبين الضان أو المعز بغالب غنم البلد وقيل أنه يخرج ما شاء ويؤخذ منه لان الاسم ينطلق عليه ولو أخرج ذكرا فعلى هذين الوجهين ولو أخرج بعيرا عن خمس أو عن عشرا اخذ وان نقصت قيمته عن قيمة شاة) * لك ان تقول النظر الثالث والخامس لا اختصاص لهما بزكاة الابل علي ما سنبينه من بعدوانما كان يحسن قوله في زكاة الابل في خمسة مواضع إذا كانت المواضع كلها مختصة بالابل إذا تقرر ذلك فالنظر الاول في كيفية اخراج الشاة من الابل وقد ذكرنا أن الواجب في الابل قبل بلوغها خسما(5/344)
وعشرين الشياه وانما تجب الجذعة من الضأن والثنية من المعز كما ذكرنا في الشاة الواجبة في الغنم لما روى أن مصدق النبي صلي الله عليه وسلم قال (انما حقنا في الجذعة من الضأن والثنية من المعز) وروى أنه قال (أمرنا باخذهما) وخلاف ابي حنيفة في أن الواجب منها الثنية ومالك: في ان الجذعة منهما تجزئ عائد ههنا أيضا ثم في الفصل مسائل (إحداها) هل يتعين أحد النوعين(5/345)
من الضأن والمعز حكي في الكتاب فيه وجهين (أحدهما) أنه يتعين غالب غانم البلد إن كان الغالب الضأن وجب الضأن وإن كان الغالب المعز وجب المعز لانه مال وجب في الذمة بالشرع فاعتبر فيه عرف البد كالكفارة هذا ما ذكره صاحب المهذب وقال إن استويا يخير بينهما (والثانى) أنه يخرج ما شاء من النوعين ولا يتعين الغالب في البلد لانه صلي الله عليه وسلم قال (في خمسن من الابل شاة) واسم الشاة يقع عليهما جميعا فصار كما في الاضحية لا يتعين فيها غنم البلد وفي النهاية والوسيط حكاية وجه آخر وهو أنه يتعين نوع غنمه إن كان يملك غنما كما إذا كان يزكى عن الغنم وكما في ابل العاقلة على رأى ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فغالب غنم البلد وكذا قوله يخرج ما شاء بالواو لمكان هذا الوجه الثالث والثاني معلم بالميم ايضا لان الحاكية عن مالك أنه يجب من غالب غنم البلد وقوله يخرج ما شاء ويؤخذ منه لا ضرورة الي الجمع بين هذين اللفظين والمقصود حاصل بأحدهما ثم أعلم أن إيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول وحكاه إمام الحرمين عن العراقيين وذكر أن صاحب التقريب نقله عن نص الشافعي رضي الله عنه ونقل نصوصا أخر تقتضي التخيير ورجحها وساعده الامام عليه واليه صار الا كثرون وربما لم يذكروا سواه فإذا الوجه الثاني أصح في المذهب والشبهة داخلة في حكاية الامام عن العراقيين من وجهين (أحدهما) أن الشيخ ابا حامد وشيعته نصوا على أنه لا يعتبر غالب غنم البلد وإنا يعتبر غنم البلد فحسب (والثانى) أنه يشبه أنهم أرادوا بما ذكروا تعيين ضأن البلد ومعزه وذلك لا ينا في التخيير بين الضان والمعز يدل عليه أن صاحب الشامل خير بين الضأن والمعز ومع ذلك قال يخرج من غنم البلد وكذلك خير في التتمة بين النوعين ثم حكى وجهين في أن الضأن المخرج أيضا مثلا هل يجب أن تكون من نوع ضان البلد أم لا ومن قال يتعيين غنم البلد قال لو أخرج غيرها وهى خير من غنم البلد باقيمة اجزأته وكذلك لو كانت مثلها إنما الممتنع أن يخرجها وهى دونها (الثانية) لو أخرج جذعا من الضأن أو ثنيا من المعز هل يجزئه فيه وجهان (أحدهما) لا كالشاة المخرجة من الاربعين من الغنم وكاسنان الابل المؤداة فيها (واظهرهما) وبه قال أبو اسحاق نعم: لشمول الاسم كما في الاضحية.
ثم ذكر في التتمة طريقين(5/346)
(اشهرهما) ان الوجهين مطردان فيما إذا كانت الابل ذكورا كلها وفيما إذا كانت اناثا أو مختلطة وهذا هو الموافق لا طلاق الكتاب والمذكور في التهذيب (والثاني) انها إذا كانت اناثا أو كان بعضها اناثا لم يجز اخراج الذكر والوجهان مخصوصان بما إذا كانت ذكورا كلها والوجهان مبنيان علي اصل سنذكره وهو ان الشاة المخرجة عن الابل اصل بنفسها ام بدل عن الابل ان قلنا بدل جاز اخراج الذكر كما لو اخرج عنها بعيرا ذكرا يجزله وان قلنا اصل لم يجز جريا علي الاصل المعتبر في الزكوات وهو كون المخرج انثى وقوله في الكتاب فعلى هذين الوجهين اشار به إلى تقارب مأخذ الخلاف في هذه المسألة والتي قبلها (الثالثة) لو ملك خمسا من الابل ولزمته شاة فاخرج بعيرا فظاهر المذهب أنه يجزئه وان كانت قيمته أقل من قيمة شاة خلافا لمالك وأحمد حيث قالا لا يجزئ الا الشاة * لنا ان البعير يجزئ عن خمس وعشرين والخمس داخلة فيها فأولى أن يجزى عنها منفردة وفي المسألة وجهان آخران (أحدهما) أن البعير انما يجزئ إذا بلغت قيمته قيمة شاة اما إذا انقصت فلا لما فيه من الاجحاف بالفقراء حكى هذا عن القفال والشيخ أبى محمد (والثاني) أنه ان كانت الابل مراضا أو قليلة القيمة لعيب بها فأخرج بعيرا منها جاز وان كانت قيمته أقل من قيمة الشاة اما إذا كانت صحاحا سليمة لم يجز أن يخرج عنها بعيرا قليل القيمة والفرق أنه في المرض لا يعتقد باداء البعير تطوعا وفى الصحاح يعتقد التطوع واقل ما في التطوع ان لا ينقص عن الواجب وهذا الوجه هو الذى اورده الصيدلاني وحكي المنع فيما إذا كانت الابل صحاحا هو وغيره عن نص الشافعي رضي الله عنه وفي كلام الشيخ ابى محمد حمل ذلك النص علي الاستحباب وإذا قلنا بظاهر المذهب فاخرج بعيرا عن خمس من الابل فهل يكون كله فرضا أو يكون خمسه فرضا والباقى تطوعا فيه وجهان شبههما الائمة بالوجهين في المتمتع إذا ذبح بدنة بدل الشاة هل تكون كلها فرضا أو الفرض سبعها وفيمن مسح جميع الرأس هل يقع الكل فرضا ام لا وجعلوا المصير إلى أن الكل ليس بفض وفي مسألتي الاستشهاد أو جه لان الاقتصار علي سبع بدنة في الهدايا وعلي بعض الرأس في المسح جائز ولا يجزئ ههنا اخراج خمس بعير بالاتفاق ولذلك قال الامام من يقول الفرض مقدار الخمس يعنى به علي شرط التبرع بالباقي ليتزول عيب التشقيص وذكر قوم منهم صاحب
التهذيب ان الوجهين مبنيان علي صل وهو ان الشياه الواجبة في الابل اصل بنفسها ام هي بدل عن الابل فيه وجهان (احدهما) انها اصل جريا علي ظاهر النص (والثاني) بدل لان(5/347)
الاصل وجوب جنس المال الا ان ايجاب بغير قبل كثرة الابل بجحف برب المال وايجاب شقص بعير مما يشق لم فيه من نقصان القيمة وعسر الانتفاع فعدل الشارع إلى الشاة ترفيها وارفاقا فان قلنا الاصل هو الشاة فإذا أخرج البعير كان كله فرضا كالشاة وان قلنا الاصل هو الابل فإذا أخرج بعير كان الواجب خمسه لانه يجزى عن خمس وعشرين وحصة كل خمس حينئذ خمسه ولو أخرج بعيرا عن عشر من الابل أو عن خمس عشرة أو عشرين هل يجزئه فيه وجهان بنوهما علي الخلاف الذى تقدم ان قلنا إذا أخرجه عن الخمس وقع الكل فرضا وقام مقام شاة فلا يكفى في العشر بعير واحد بل لابد من بعيرين أو بعير وشاة وفي الخمس عشرة من ثلاثة ابعرة أو بعيرين وشاة أو شاتين وبعير أو ثلاث شياه وفي العشرين من اربعة وان قلنا الفرض قدر خمسه فيجزئ ويكون متبرعا في العشر بثلاثة أخماسه وفي الخمس عشرة بخمسه وفي العشرين بخمسه ولم يرتض الامام هذا البناء ومن وجوه الاشكال فيه الخمس عشرة بخمسه وفي العشرين بخمسه ولم يرتض الامام هذا البناء ومن وجوه الاشكال فيه انه يقال لم يلزم من كون كله فرضا إذا اخرجه عن خمس الا يكتفى به عن العشر بل يجوز أن يكون كاله فرضا إذا اخرج عن هذا وفرضا إذا اخرج عن ذاك الا ترى انه يقع فرضا فيكتفى به عن الخمس والشعرين مع الحكم بان كله فرض إذا اخرج عن الخمس وكذ البدنة ضحية واحدة إذا ضحى بها وهي بعينها ضحية سبع إذا اشتركوا فيها وسواء كان البناء المذكور مريضا ام لا فظاهر المذهب اجزاؤها عما دون الخمس والعشرين كاجزائها عن الخمس والعشرين وهو المكور في الكتاب والوجهان المذكوران ههنا مبنيان علي الصحيح؟ في إجزاء البعير عن الخمس مطلقا والوجهان الآخران ثم يعودان ههنا أيضا ونعتبر تفريعا عليهما أن لا تنقص قيمته في العشر عن قيمة شاتين وفى الخمس عشرة عن قيمة ثلاث شياه وفي العشرين عن قيمة أربع وإذا عرفت جميع ما ذكرنا رقمت قوله في الكتاب أخذ بالميم والالف والواو وقوله وإن نقصت قيمته (بالواو) ايضا للوجه المنسوب إلي القفال وابي محمد رحمهما الله
(واعلم) أن الشاة الواجبة في الابل يجب أن تكون صحيحة وإن كانت الابل مراضا لانها في الذمة ثم فيها وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده كثيرون أنه يؤخذ من المراض صحيحة تليق بها (مثاله) خمس من الابل مراض قيمتها خمسون ولو كنت صحاحا لكانت قيمتها مائة وقيمة الشاة المجزئة عنها ستة دراهم يؤمر باخراج شاة صحيحة تساوى ثلاثة دراهم فان لم توجد بهذه القيمة شاة صحيحة قال في الشامل فرق الدراهم (والثانى) أنه يجب فيها ما يجب في الابل الصحاح بلا فرق قال في المهذب وهذا ظاهر المذهب ونسب الاول الي أبي علي إبن خيران *(5/348)
قال (النظر الاني في العدول الي ابن اللبون فمن وجب عليه بنت مخاض ولم تكن في ماله أخذ ابن اللبون وإن لم يكونا في ماله جاز له شراء ابن اللبون ولو كان في ماله بنت مخاض معيبة فهى كالمعدومة ولو كانت كريمة لزمه علي الاقيس شراء بنت مخاض لانها موجودة في ماله وإنما تترك نظرا له وتؤخذ الخنثي من بنات اللبون بدلا عن بنت مخاض عند فقدها ويؤخذ الحق بدلا عن بنت لبون عند فقدها كما يؤخذ ابن لبون بدلا عن بنت مخاض) * إذا ملك خمسا وعشرين من الابل وجبت عليه بنت مخاض فان وجدها لم يعدل إلى إبن اللبون وإن لم يجدها وكان عنده ابن لبون جاز أخذه منه سواء قدر علي تحصيل بنت المخاض أم لا وسواء كانت قيمته أقل من قيمة بنت المخاض أو لم يكن لما رويناه في الخبر ولا جبران بل فضل السن يجير فضل الانوثة ثم فيه مسائل (إحداها) لو لم يكن في ماله بنت المخاض ولا ابن اللبون ففيه وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يشترى ما شاء منهما ويخرجه أما بنت المخاض فلا نها الاصل وأما ابن اللبون فلان شرط اجزأئة شرط اجزائه موجود وهو فقد بنت المخاض عنده ولانه لا منع من شراء ابن اللبون وإذا اشتراه كان في ماله ابن لبون وهو فاقد لبنت المخاض (والثانى) وبه قال مالك واحمد وصاحب التقريب يتعين عليه شراء بنت المخاض لانهما لو استويا في الوجود لم يخرج ابن اللبون فكذلك إذا استويا في الفقد وقدر علي تحصيلهما (الثانية) لو كانت عنده بنت مخاض معيبة فهي كالمعدومة لانها غير مجزئة ولو كانت كريمة وابله مهازيل فلا يكلف اخراجها لما روى أنه
صلي الله عليه وسلم قال (اياك وكرائم أموالهم) فان تطوع بها فقد أحسن وان أراد اخراج ابن لبون ففيه وجهان (أظهرهما) عند صاحب الكتاب وشيخه أنه لا يجوز لان شرط العدول الي ابن(5/349)
اللبون أن لا يكون في ماله بنت مخاض وهى موجودة هنا بصفة الاجزاء الا أنها تركت نظرا له ورعاية لجانبه وهذا ما أجاب به الشيخ أبو حامد واكثر شيعته ورجحه الاكثرون (والثانى) يجوز لانها لما لم تكن موجودة في ماله كانت كالمعدومة ويحكى هذا عن نصه والي ترجيحه يميل كلام صاحبي المهذب والتهذيب قوله في الكتاب لزمه علي الاقيس شراء بنت مخاض لا يخفى أنه ليس الغرض منه عين الشراء بل المقضود تحصيله بأى طريق كان واخراجه عن الزكاة وكذا حيث قلنا في هذه المسائل يجوز الشراء أولا يجوز وقوله في أول الفصل أخذ منه ابن لبون ليس علي معنى أنه يلزم بذلك إذ لو حصل بنت مخاض واخرجها جاز ولكن المعنى أنه يقنع به (الثالثة) لو لم يكن في ماله بنت مخاض فاخرج خنثى من أولاد اللبون هل يجزئه فيه وجهان (احدهما) لا لنشوه الخلقة بنقصان الخنوثة فأشبه سائر العيوب (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب نعم فانه اما ذكر وابن اللبون مأخوذ بدلا عن بنت المخاض أو أنثى وهى أولي بالجواز لزيادة السن مع بقاء الانوثة ثم لا جبران للمالك لجواز ان يكون المخرج ذكرا بخلاف ما إذا لم يكن في ماله بنت مخاض وكانت عنده بنت لبون فاخرجها له الجبران ولو وجد ابن اللبون وبنت اللبون فاراد اخراج بنت اللبون وأخذ الجبران لم يكن له ذلك في أصح الوجهين قاله في العدة ولو لزمته بنت مخاض وهى موجودة في ماله فاراد أن يخرج خنثى من أولاد اللبون بدلا لم يجز لجواز أن يكون ذكرا وابن اللبون مأخوذ بدلا عن بنت المخاض مع وجودها بخلاف ما لو اخرج بنت لبون وقوله في الكتاب وتؤخذ الخنثى من بنات اللبون لو قال من اولاد اللبون لكان أحسن فان الخنوثة تمنع من معرفة كونه ابنا أو بنتا وكذلك هو في بعض النسخ (الرابعة) لو اخرج حقا بدلا عن بنت مخاض عند فقدها فلا شك في جوازه لان اخراج ابن اللبون جائز فالحق اجوز واولي ولو اخرجه بدلا عن بنت لبون لزمته فوجهان (احد هما) يجوز لاختيار فضيلة الانوثة بزيادة السن كما يجوز اخراج ابن اللبون بدلا عن بنت المخاض
(والثانى) لا يجوز لان النص ورد ثم وهذا ليس في معناه لان تفاوت السن في بنت المخاض وابن اللبون تفاوت يوجب اختصاصه بقوة ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع والتفاوت بين بنت اللبون والحق لا يوجب اختاص الحق بهذه القوة بل هي موجودة فيهما جميعا فلا يلزم من كون تلك الزيادة حائزة لفضيلة الا نوثه كون هذه الزيادة جابرة لها والمذكور في الكتاب من هذين الوجهين هو الاول لكن المذهب الثاني بل الجمهور لم يذكروا سواء ولم يتعرض للخلاف(5/350)
الا الاقلون منهم الحناطى * قال (النظر الثالث إذا ملك مائتين من الابل فان كان في ماله احد السنين اخذ منه الموجود وان لم يكونا في ماله اشترى (و) ما شاء من الحقاق أو ببنات اللبون وان وجدا جميعا وجب اخراج الاغبط للمساكين وقيل الخيرة إليه وقيل يتعين الحقاق فلو اخذ الساعي غير الاغبط قصدا علي قولنا يجب الاغبط لم يقع الموقع وان اخذ باجتهأده فقيل لا يقع الموقع وقيل يقع الموقع وليس عليه جبر التفاوت وقيل عليه جبر التفاوت ببذل الدراهم وقيل يجب جبره بأن يشترى بقدر التفاوت شقصا ان وجده اما من جنس الاغبط على رأى أو من جنس المخرج على رأى) * مقصود هذا النظر الكلام فيما إذا بلغت ماشيته حدا يخرج فرضه بحاسبين كما إذا ملك مائتين من الابل فهي اربع خمسينات وخمس اربعينات وقد روينا في الخبر أنه صلي الله عليه وسلم قال (في كل اربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة) فما الواجب فيها نص في الجديد على ان الواجب أربع حقاق أو خمس بنات لبون وفي القديم علي انه يجب اربع حقاق واختلفوا على طريقين (أحدهما) ان المسألة علي قولين (اصحهما) ان الواجب أحد الصنفين لما ذكرنا ان المائتين اربع خمسينات وخمس اربعينات فيتعلق بها احد الفرضين (والثاني) ان الواجب الحقاق لان الاعتبار في زكاة الا بل بزيادة السن ما وجد إليها سبيل الا ترى ان الشرع رقى في نصيبها إلى منتهي الكمال في الاسنان ثم عدل بعد ذلك إلي زيادة العدد فاشعر ذلك بزيادة الرغبة في السن (والطريق الثاني) القطع بما ذكره في الجديد وحمل القديم على ما إذا لم يوجد الا الحقاق فان اثبتنا القديم وفرعنا عليه نظر إن وجدت
الحقاق بصفة الاجزاء لم يجز غيرها والا نزل منها الي بنات اللبون أو صعد الي الجذاع مع الجيران وان(5/351)
فرعنا علي الجديد الصحيح فللمسألة أحوال ذكرنا ثلاثا منها في الكتاب فنشرحها ثم نذكر غيرها علي الاختصار (احدى الاحوال الثلاث) أن يوجد في المال القدر الواجب من احد الصنفين بكماله دون الآخر فيؤخذ ولا يكلف تحصيل الصنف الثاني وان كان أنفع للمساكين ولا يجوز النزول والصعود عنه مع الجبران ولا فرق بين ان لا يوجد الصنف الآخر اصلا وبين ان يوجد بعضه والناقص كالمعدوم ولا يجوز ان يؤخذ الموجود من الناقص ويعدل بالباقي الي الصعود والنزول مع الجبران إذ لا ضرورة إليه ولو وجد الصنفان لكن أحدهما معيب فهو كالمعدوم (والحالة الثانية) ان لا يوجد في ماله شئ من الصنفين وفي معناه ان يوجد اوهما معيبان فان اراد تحصيل أحدهما بشراء وغيره فوجهان (احدهما) يجب تحصيل الاغبط كما يجب علي الظاهر اخراج الاغبط إذا وجد على ما سيأتي (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب يحصل ما شاء من الحقاق أو بنات اللبون فانه إذا اشترى أحد الصنفين صار واجدا له دون الآخر فيجزئه والوجهان كالوجهين فيما إذا ملك خمسا وعشرين وليس فيها بنت مخاض ولا ابن لبون هل يجب تحصيل بنت المخاض ام لا ويجوز في هذه المسألة ان لا يحصل الحقاق ولا بنات اللبون ولكن ينزل أو يصعد مع الجبران وحينئذ ان شاء جعل بنات اللبون اصلا ونزل منها الي خمس بنات مخاض فاخرجها مع خمس جبرانات وان شاء جعل الحقاق اصلا وصعد منها الي اربع جذاع فاخرجها وأخذ اربع جبرانات ولا يجوز ان يجعل الحقاق اصلا وينزل منها إلى اربع بنات مخاض مع ثمان جبرانات ولا ان يجعل بنات اللبون أصلا ويصعد منها إلى خمس جذاع ويأخذ عشر جبرانات لامكان تقليل الجبران يجعل الجذاع بدل الحقاق وبنات المخاض بدل بنات اللبون وحكى الشيخ أبو محمد في الفرق وجها اخر وهو انه يجوز النزول والصعود فيهما كما لو لزمته حقة فلم يجدها ولا بنت لبون في ماله فنزل الي بنت المخاض فاخرجها مع جبرانين أو لزمته بنت لبون فلم يجدها ولاحقة في ماله فيصعد الي الجذعة فيخرجها ويأخذ جبرانين يجوز والظاهر الاول والفرق ان في صورتي الاستشهاد لا يتخطى واجب ماله وفيها(5/352)
نحن فيه يتخطى في الصعود والنزول أحد واجبى ماله (والحالة الثالثة) أن يوجد الصنفان معا بصفة الاجزاء فقد قال الشافعي رضى الله عنه نصا يأخذ الساعي ما هو الاغبط منهما لاهل السهمين لان كل واحد من الصنفين فرض نصابه لو انفرد فإذا اجتمعا روعي الاصلح للمحتاجين * واحتج له بظاهر قوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وعن ابن سريج أن المالك بالخيار يعطي ما شاء منهما كما أنه بالخيار في الصعود والنزول عند فقد الفرض وأجاب الاصحاب ان المالك ثم بسبيل من ترك الصعود والنزول معا بأن يحصل الفرض وانما شرع ذلك تخفيفا للامر عليه ففوض إليه وههنا خلافه (التفريع) إن خيرنا المعطى علي رأى ابن سريج فيستحب له مع ذلك أن يعطي الاغبط إلا أن يكون ولي يتيم فيراعي حظه وان فرعنا علي النص وهو ظاهر المذهب فلو أخذ الساعي غير الاغبط نظر إن وجد تقصير منه بأن أخذه مع العلم بحاله أو أخذه من غير اجتهاد ونظر في أن الاغبط ماذا أو وجد تقصير من المالك بأن دلس وأخفى الاغبط لم يقع المأخوذ عن جهة الزكاة وإن لم يوجد تقصير من واحد منهما وقع عن جهة الزكاة هذا ما اعتمده الاكثرون منهم صاحب المهذب وهو الظاهر وزاد في التهذيب شيئا آخر وهو أن لا يكون باقيا بعينه في يد الساعي فان كان باقيا لم يقع عن الزكاة وإن لم يقصر واحد منهما وهذا قد حكاه الشيخ أبو الفضل ابن عبدان عن ابن جيران ووراء ما نقلنا من الظاهر وجوه أخر (أحدها) أنه يقع عن الزكاة بكل حال وان أخذ من غير اجتهاد حكاه ابن كج وغيره لانه يجزئ عند الانفراد فكذا عند الاجتماع وهذا رجوع إلى رأى ابن(5/353)
سريج (والثانى) لا يقع عن الزكاة بحال لانه ظهر أن المأخوذ غير المأمور به (والثالث) إن فرقه علي المستحقين ثم ظهر الحال حسب عن الزكاة بكل حال والا لم يحسب والفرق عسر الاسترجاع (والرابع) عن أبي الحسن ابن القطان عن بعض الاصحاب أنه إن دفع المالك مع العلم بانه الادنى لم يجزه وإن كان الساعي هو الذى أخذ جاز ويقرب من هذا عد صاحب التهذيب مجرد علم المالك بحاله تقصيرا مانعا من الاجزاء وإن لم يوجد اخفاء وتدليس وفي كلام الصيد لانى وغيره ما ينازع
فيه إذا أخذه الساعي بالاجتهاد فهذا بيان الاختلافات في هذا الموضع (التفريع) حيث قلنا لا يقع المأخوذ عن الزكاة فعليه اخراج الزكاة وعلي الساعي رد ما أخذه ان كان باقيا وقيمته ان كان تالفا وحيث قلنا يقع فهل يجب اخراج قدر التفاوت فيه وجهان (أحدهما) أنه يستحب ولا يجب لان المخرج محسوب عن الزكاة فيغى عن غيره كما إذا ادى اجتهاد الامام الي أخذ القيمة وأخذها لا يجب شئ آخر (وأصحهما) أنه يجب لنقصان حق أهل السهمين قال الائمة وانما يعرف قدر التفاوت بالنظر الي القيمة فإذا كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنات اللبون أربعمائة وخمسون وقد أخذ الحقاق فقدر التفاوت خمسون (التفريع) ان كان قدر التفاوت يسيرا لا يؤخذ به شقص من ناقة دفع الدراهم للضرورة وحكي امام الحرمين رحمه الله عن صاحب التقريب اشارة الي أنه يتوقف الي أن يجد شقصا واسبعدها وان كان قدرا يؤخذ به شقص فهل يجب شراؤه أم يجوز دفع الدراهم فيه وجهان (أحدهما) يجب لان الواجب الابل والعدول إلى غير جنس الواجب في الزكاة ممتنع علي أصلنا (واصحهما) أنه يجوز دفع الدراهم لما في اخراج الشقص من ضرر المشاركة وقد يعدل إلى غير جنس الواجب لضرورة تعرض ألا ترى أنه لو وجب شاة عليه في خمس من الابل ولم يوجد جنس الشاة يخرج قيمتها ولو لزمته بنت مخاض فلم يجدها ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن يعدل إلى القيمة علي أن الغرض ههنا جبران الواجب فاشبه دراهم الجبران (التفريع) ان قلنا يجوز دفع الدراهم فلو اخرج بها شقصا فالظاهر جوازه قال في النهاية وفيه أدني نظر لما فيه من العسر علي المساكين وإن قلنا يجب اخراج شقص فينبغي أن يكون ذلك الشقص من الاغبط أو من المخرج فيه وجهان (احدهما) من المخرج كيلا تتفرق الصدقة (واظهرهما) عند الصيدلانى وغيره من الاغبط فانه الواجب في الاصل ففى المال الذى سبق ذكره يخرج على الوجه الاول نصف حقة لان قيمة كل حقة مائة وقدر التفاوت(5/354)
خمسون وعلي الوجه الثاني يخرج خمسة اتساع بنت لبون لان قيمة كل بنت لبون تسعون فإذا أخرج الشقص لزم صرفه الي الساعي علي قولنا يجب الصرف الي الامام في الاموال الظاهرة وإذا أخرج الدراهم فوجهان (احدهما) لا يجب الصرف إليه لانها من الاموال الباطنة (والثاني) يجب لانها جبران
المال الظاهر هذا تمام الكلام في الاحوال المذكورة في الكتاب.
ومن أحوال المسألة أن يوجد بعض كل واحد من الصنفين كما إذا وجد ثلاث حقاق واربع بنات لبون فهو بالخيار بين أن يجعل الحقاق أصلا فيعطيها مع بنت لبون وجبران وبين ان يجعل بنات اللبون اصلا فيعطيها مع حقة ويأخذ جبرانا وهل يجوز ان يعطى حقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات فيه وجهان لبقاء بعض الفرض عنده وكثرة الجبران مع الاستغناء عنه ويجرى الوجهان فيما إذا لم يجد الا اربع بنات لبون وحقة فاعطي الحقة مع ثلاث بنات لبون وثلاث جيرانات ونظائره قال صاحب التهذيب ويجوز في الصورة الاولى أن يعطي الحقاق مع الجذعة ويأخذ جيرانا وأن يعطي بنات اللبون وبنت مخاض مع جبران (ومن أحوال المسألة) أن يوجد بعض أحد المصنفين ولا يوجد من الآخر شئ كما إذا لم يجد إلا حقتين فله أن يجعلها أصلا ويخرجها مع جذعتين ويأخذ جيرانين وله أن يجعل بنات اللبون أصلا فيخرج بدلها خمس بنات مخاض مع خمس جيرانات ولو لم يجد إلا ثلاث بنات لبون فله أن يخرجها مع بنتي مخاض وجيرانين وله أن يجعل الحقاق أصلا فيخرج أربع جذاع بدلها ويأخذ أربع جيرانات هكذا ذكر الصورتين وله أن يجعل الحقاق صلا فيخرج أربع جذاع بدلها ويأخذ أربع جيرانات هكذا ذكر الصورتين في التهذيب ولم يحك خلافا صلا وقياس الوجهين المذكورين في الحالة السابقة علي هذه يقتضي طرد الخلاف في جعل بنات اللبون أصلا في الصورة الاولي وجعل الحقاق أصلا في الصورة الثانية لقاء بعض الفروض عنده وكثرة الجبران فان كان هذا جوابا على الظاهر فالظاهر ثم أيضا الجواز (واعلم) أنه إذا بلغت البقر مائة وعشرين كان حكمها حكم بلوغ الابل مائتين فانها ثلاث أربعينات وأربع ثلاثينات والواجب فيها ثلاث مسنات أو أربع اتبعة ويعود فيها الخلاف والتفاريع التى ذكرناها ولهذا قلنا إن الكلام في النظر الثالث لا يختص بزكاة الابل وأعود بعد هذا إلي ما يتعلق بلفظ الكتاب ونظمه (أما قوله) إذا ملك مائتين من الابل فان كان في ماله أحد السنين ففيه شئ مدرج تقديره إذا ملك مائين من الابل فعليه اربع حقاق أو خمس بنات لبون فان كان في ماله هذا أو ما أشبهه (وقوله) وجب إخراج الاغبط للمساكين لفظ المساكين في هذا الموضع وامثاله لا يعنى به الذين هم أحد الاصناف الثمانية خاصة بل اهل السهمان كلهم لكن المساكين والفقراء اشهر(5/355)
الاصناف فيسبق اللسان إلي ذكرهم (وقوله) وقيل الخيرة إليه هو الوجه المنسوب الي ابن سريج (وقوله) وقيل تتعين الحقاق هو القول المنقول عن القديم لكن ايراده في الموضع المذكور في الكتاب يقتضى اختصاصه بما إذا وجد الصنفان جميعا في ماله وهكذا زعم القاضى بن كج لكن الشيخ أبو حامد وعامة من نقل ذلك القول اثبته عند بلوغ الابل مائتين علي الاطلاق وتفريعه ما قدمناه (وقوله) فيما إذا اخذ غير الاغبط قصدا لم يقع الموقع معلم بالواو لانه لم يحك الخلاف إلا فيما أخذه بالاجتهاد وقد حكينا وجها أنه يقع الموقع وإن أخذه من غير الاجتهاد (وقوله) قيل لا يقع الموقع وقيل يقع الموقع ليس المراد منه الكلام في كونه مجزئا اذلو كان كذلك لما انتظم التفريع علي وجه وقوع الموقع بانه هل يلزم جبر التفاوت ام لا وإنما المراد من وقوعه الموقع كونه محسوبا عن الزكاة (وقوله) وقيل عليه جبر التفاوت ببذل الدراهم يشبه أن لا تكون الدراهم في كلام الاصحاب معينة في هذا الفصل بعينها بل المعتبر نقد البلد وهذه العبارة هي التى اوردها الشيخ ابراهيم المروذى فيما علق عنه (وقوله) أما من جنس الاغبط علي رأى أو من جنس المخرج على راى يجوز أن يعلم بالواو لان إمام الحرمين حكي عن إشارة بعض المصنفين وجها ثالثا ومال إليه وهو أنه يتخير بين الصنفين بعد حصول الجيران ولا يتعين هذا ولا ذاك * قال (فرع) لو أخرج حقتين وبنتى لبون ونصفا لم يجز للتشقيص ولو ملك اربعمائة فاخرج أربع حقاق وخمس بنات لبون جاز على الاصح) * مالك المائتين من الابل لو أخرج حقتين وبنتى لبون ونصفا لم يجز لان التشقيص نقصان وعيب ولو ملك اربعمائة من الابل فعليه ثمان حقاق أو عشر بنات لبون لانها ثمان خمسينات وعشر اربعينات ويعود فيها جميع ما في المأتين من الخلاف والتفريع ولو أخرج عنها اربع حقاق وخمس بنات لبون ففى جوازه وجهان قال الاصطخرى لا يجوز لانه تفريق الفريضة كما في المائتين وتمسك بنصه في المختصر(5/356)
ولا يفرق الفريضة (والاصح) وبه قال الجمهور يجوز فان كل مائتين أصل علي الانفراد فيجوز إخراج
فرض من إحداهما وفرض من الاخرى كما يجوز في إحدى الكفارتين إلا طعام وفي الاخرى الكسوة وكما يجوز في أحد الجبرانين الشياه وفي الآخر الدراهم بخلاف ما إذا لم يملك الامائتين فان التفريقق فيها كالتفريق في الجبران الواحد والكفارة الواحدة علي أنه ليس المانع من المائتين مجرد التفريق الا ترى أنه لو أخرج حقتين وثلاث بنات لبون يجز قاله صاحب التهذيب وكذا لو أخرج اربع بنات لبون وحقة بدل بنت لبون يجوز وإنما المانع من المائتين التشقيص ولا تشقيص ههنا (وقوله) ولا يفرق الفريضة منهم من لم يثبته لما بينا من جواز التفريق وقال الثابت رواية الربيع وهى ولا تفارق الفريضة(5/357)
إذا وجد الساعي في المال أحد الصنفين دون الآخر لم يجز ان يفارق الموجود ويكلفه تحصيل المفقود ومن اثبته حمل علي تفريق التشقيص في صورة المائتين أو التفريق مع الجبران من غير ضرورة مثل أن يأخذ اربع بنات لبون وحقة ويعطى الجبران وهى واجد لخمس بنات لبون وتجرى الوجهان متى بلغ المال اربعينات وخمسينات بحيث يخرج منها بنات اللبون والحقاق بلا تشقيص ولعلك تقول ذكر تمأن الساعي يأخذ الاغبط ويلزم من ذلك ان يكون أغبط الصنفين هو المخرج فكيف يخرج البعض من هذ والبعض من ذاك فاعلم ان ابن الصباغ اجاب عن هذا فقال اما ابن سريج فلا يلزمه هذا إذ الخيار هذا عنده لرب المال أما على قول الشافعي رضى الله عنه فيجوز أن يكون لهم حظ(5/358)
ومصلحة في اجتماع النوعين وهذا يفيد معرفة شئ آخر وهو أن جهة الغبطة غير منحصرة في زيادة القيمة لكن إذا كان التفاوت لا من جهة القيمة يتعذر اخراج الفضل وقدر التفاوت * قال: (النظر الرابع في الجبران وجبران كل مرتبة في السن عند فقد السن الواجب بشاتين أو بعشرين در هما فان رقى الي الاكبر أخذ الجبران وان نزل اعطى والخيرة في تعيين الدراهم والشاة (و) إلى المعطى والخيرة في الانخفاض والارتفاع الي المالك الا إذا كانابله مراضا فارتقى وطلب الجبران لم يجز لانه ربما يكون خيرا مما أخرجه) * في حديث أنس رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ومن بلغت صدقته(5/359)
جذعة وليست عنده وعنده حقة فانها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما) وروى مثل ذلك في بنت المخاض وبنت اللبون من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده جاز ان يخرج بنت لبون ويأخذ من الساعي شاتين أو عشرين درهما وان وجبت عليه بنت لبون وليست عنده جاز أن يخرج حقة ويأخذ ما ذكرنا وان وجبت عليه حقة وليست عنده جاز أن يخرج جذعة ويأخذ ما ذكرنا وهذه صور الارتقاء عن الواجب ولو وجبت عليه جذعة وليست عنده جاز ان يخرج حقة مع شاتين أو عشرين درهما ولو وجبت عليه حقة وليست عنده جاز ان(5/360)
يخرج بنت لبون مع ما ذكرنا ولو وجبت عليه بنت لبون وليست عنده جاز ان يخرج بنت مخاض مع ما ذكرنا وهذه صور النزول وجملة ذلك تفصيل قوله في الكتاب وجبران كل مرتبة في السن إلى قوله اعطى وصفة شاه الجبران ما ذكرنا في الشاة المخرجة عما دون خمس من الابل في اشتراط الانوثة إذا كان المعطى هو المالك الوجهان المذكوران في تلك الشاة والدراهم التى يخرجها هي البقرة قال في النهاية وكذلك دراهم الشرعية حيث وردت فإذا احتاج الامام والي اعطاء الجبران ولم يكن في بيت المال دراهم باع شيئا من مال المساكين وصرفه إلى الجبران والي من تكون الخيرة في تعيين الشاة أو الدراهم نص في المختصر علي ان الخيرة إلى المعطى سواء كان هو الساعي أو المالك وعن الاملاء قول آخر ان الخيرة للساعي يأخذ الاغبط منها للمساكين وللاصحاب فيه طريقان مذكوران في النهاية (أحداهما) ان المسألة علي قولين (أصحهما) ان الخيرة للمعطى لقوله صلي الله عليه سلم (وأخرج معها شاتين أو عشرين درهما) وهذا تخيير للمخرج فان كان الساعي هو المعطي راعى(5/361)
مصلحة المساكين (والثاني) أن الخيار الي الساعي كالخيار في المأتين بين الحقاق وبنات اللبون علي الظاهر (والطريقة الثانية) وبها قال الاكثرون إن الخيرة الي المعطي بلا خلاف وما ذكرناه في الكتاب يجوز ان يكون جوابا علي هذه الطريقة ويجوز ان يكون جوابا علي الصحيح مع تسليم الخلاف وهو الذى ذكره
في الوسيط وإذا فقد السن الواجبة وأمكن الصعود والنزول فالي من الخيار فيهما فيه وجهان (احدهما) إلى الساعي كما في تخيبره بين الحقاق وبين بنات اللبون في المائتين من الابل (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب الي المالك لان الصعود والنزول شرعا تخفيفا عليه فيفوض الا مر إلى خيرته وموضع لا وجهين ما إذا طلب المالك خلاف الاغبط للمساكين فان كان الاغبط ما يطلبه فلا خلاف وعلي الساعي مساعدته وهذا عند الصحة والسلامة فاما إذا كان الواجب مريضا أو معيبا لكون ابله مراضا أو معيبة فاراد الصعود وطلب الجبران مثل ان يجب بنت مخاض معيبة فارتقى الي بنت لبون معيبة(5/362)
وطلب الجبران فيبنى ذلك علي الوجهين ان قلنا الخيار الي الساعي فلو رأى الساعي الغبطة فيه جاز وان فرعنا علي الصحيح وهو تفويض الخيار إلى المالك فينبغي في هذه الحالة ان لا يفوض الخيار إليه علله جماعة منهم صاحب الكتاب بان الجبران المأخوذ قد يزيد علي المعيب المدفوع ومقصود الزكاة افادة المساكين لا الاستفادة منهم واحسن منه ما أشار إليه العراقيون فقالوا لو صرف إليه الجبران اما ان يصرف إليه الجبران المشروع بين الصحيحين أو غيره (والاول) ممتنع لان قدر التفاوت بين الصحيحين فوق قدر التفاوت بين المريضين فما يدفع إليه لا علي التفاوتين كيف يدفع لادناهما(5/363)
(والثاني) ممتنع لانه لا نظر الي القيمة في الزكوات عندنا ولم يرد نص فنتبعه ولو اراد أن ينزل من السن المريضة أو المعيبة الي سن ناقصة دونها ويبذل الجبران فهذا لا منع منه لانه تبرع بزيادة لان ما يعطيه من الجبران هو الجبران المشروع بين الصحيحين * قال: (ولو اخرج بدل الجذعة ثنية لم يكن له جبران علي أظهر الوجهين لانه جاوز اسنان الزكاة ولو كان عليه بنت لبون فلم بحدوا في ماله حقة وجذعة فرقى الي الجذعة لم يجز علي اظهر الوجهين(5/364)
لانه كثر الجبران مع الاستغناء عنه ولو أخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم لم يجزو لو أخرج عن جبرانين شاتين وعشرين در هما جاز) *
في الفصل مسائل (احداها) لو وجب عليه جذعة فاخرج مكانها ثنية ولم يطلب جبرانا جاز وقد زاد خيرا ولو طلب الجبران فوجهان (أحدهما) يجوز لزيادتها في السن كما في سائر المراتب والي هذا(5/365)
يميل كلام العراقيين وهو ظاهر النص (وأظهرهما) عند المنف وصاحب التهذيب المنع لان المؤدى ليس من أسنان الزكاة فاشبه ما لو أخرج فصيلا لم يبلغ أسنان الزكاة مع الجبران لا يجوز (الثانية) كما يجوز الصعود والنزول بدرجة واحدة يجوز بدرجتين مثل أن يعطى مكان بنت اللبون جذعة عند(5/366)
فقدها وفقد الحقة ويأخذ جبرانين أو يعطى بدل الحقة بنت مخاض عند فقدها مع جبرانين وكذلك بثلاث جبرانات أو يعطى مكان الجذعة عند فقدها وفقد الحقة وبنت اللبون بنت مخاض مع ثث جبرانات أو يعطى مكان بنت المخاض عند فقدها وفقد بنت اللبون والحقة جذعة ويأخذ ثلاث جبرانات وهل يجوز الصعود والنزول بدرجتين مع القدرة على الدرجة القربي كما إذا لزمته بنت لبون فلم يجدها في ماله ووجد حقة وجذعة فرقى الي الجذعة فيه وجهان (أحدهما) يجوز كما لو لم يجد الحقة فانها ليست واجب ماله فوجودها وعدمها بمثابة واحدة وهذا ما ذكره القاضي ابن كج ونسبه الامام الي القفال رحمه الله (وأصحهما) عند الاكثرين المنع للاستغناء عن أخذ الجبرانين ببذل الحقة وموضع الوجهين ما إذا رقى إلى الجذعة وطلب جبرانين اما لو رضى جبران واحد فلا(5/367)
خلاف في الجواز ويجرى الخلاف في النزول من الحقة الي بنت المخاض مع وجود بنت اللبون ولو لزمته بنت اللبون فلم يجدها في ماله ولا حقة ووجد جذعة وبنت مخاض فهل يجوز أن يترك النزول الي بنت المخاض ويرقى الي الجذعة فيه وجهان مرتبان وأولي بالجواز وبه أجاب الصيدلانى لان بنت المخاض وان كانت أقرب إلا أنها ليست في الجهة المعدول إليها (الثالثة) لو أخرج المالك(5/368)
عن جبرانين شاتين وعشرين درهما جاز كما يجوز اطعام عشرة مساكين في كفارة يمين وكسوة عشرة
في أخرى ولو أخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم لم يجز لان الجبر يقتضي التخيير بين شاتين وعشرين درهما فلا تثبت خيرة ثالثة كما أن في الكفارة الواحدة لا يجوز أن يطعم خمسة ويكسو خمسة ولو كان المالك هو الآخذ ورضي بالتفريق جاز فانه حقه وله اسقاطه اصلا ورأسا * (فرع) لو لزمته بنت لبون فلم يجدها في ماله ووجد ابن لبون وحقة فاراد أن يعطي ابن اللبون مع الجبران هل يجوز فيه وجهان نقلهما القاضي ابن كج وغيره وجه الجواز أن الشرع نزله منزلة بنت المخاض حيث أقامه مقامها في خمس وعشرين قال في العدة: والاصح المنع (وأعلم) أن الجبران لا مدخل له في زكاة البقر والغنم لان السنة لم ترد به الا في الابل وليس هو بموضع القياس والله أعلم * قال (النظر الخامس في صفة المخرج في الكمال والنقصان والنقصان خمسة (الاول) المرض فان كان كل المال مراضا أخذ (م) منه مريضة وان كان فيها صحيح لم يؤخذ إلا صحيحة نقرب قيمتها من ربع عشر ماله إذا كان ماله أربعين شاة) * هذا النظر لا يختص بزكاة الابل ومقصوده الكلام في صفة المخرج في الكمال والنقصان ومن الصفات ما يعد في هذا الباب نقصانا وهو كمال في غيره كالذكور لان الاناث في مظنة الدر والنسل فهي أرفق بالفقراء ثم جعل أسباب النقصان خمسة (أحدها) المرض فان كانت ماشيته كلها مراضا لم يكلفه الساعي إخراج صحيحة وعن مالك انه يكلفه ذلك * لنا ان ماله ردئ فلا يلزمه(5/369)
إخراج الجيد كما في الحبوب ثم المأخوذ من المراض الوسط جمعا بين الحقين ولو انقسمت الماشية الي صحاح ومراض فاما أن يكون الصحيح منها قدر الواجب فصاعدا أو كان دونه فان كان قدر الواجب فصاعدا لم يجز اخراج المريضة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال: (لا تؤخذ في الزكاة هرمة ولا ذات عوار) فان كانت المريضة ذات عوار فالنص مانع منها والا فهى مبنية عليها وقضية ذلك ان لا تؤخذ المريضة أصلا.
خالفنا فيما إذا كانت ماشيته كلها مراضا فيبقى الباقي علي قضية الدليل هذا إذا وجب حيوان واحد فان وجب اثنان ونصف ماشيته مراض كبنتي لبون في ست وسبعين
وشاتين في مائتين من الشياه فهل يجوز أن يخرج صحيحة ومريضة فيه وجهان حكاهما في التهذيب(5/370)
(أظهرهما) عنده نعم (وأقربهما) إلي كلام الاكثرين لا وان كان الصحيح منها دون قدر الواجب كما إذا وجب شاتان في مائتي شاة وليس فيها إلا صحيحة فوجهان (أحدهما) ويحكي عن الشيخ أبى محمد أنه يجب عليه صحيحتان ولا يجزئه صحيحة ومريضة لان المخرجتين كما يزكيان ماله يزكي كل واحد منهما الاخرى فيلزم ان تزكي المريضة الصحيحة وهو ممتنع (وأصحهما) ولم يذكر العراقيون والصيدلانى غيره أنه يجزئه صحيحة ومريضة لان امتناع اخراج المراض مقدر بقدر وجود الصحاح الا ترى ان ماشيته لو كانت مراضا باسرها جاز له اخراج محض المراد فالمطلوب أن لا يخرج مريضة ويستبقي صحيحة كيلا يكون متيمما بخبيث ماله لينفق منه وإذا أخرج صحيحة من المال المنقسم الي الصحاح والمراض فلا يجب أن تكون من صحاح ماله ولا مما يساويها في القيمة ولكن يؤخذ صحيحة لائقة بماله (مثاله) اربعون شاة نصفها صحاح وقيمة كل صحيحة ديناران وقيمة كل مريضة دينار يخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وذلك دينار ونصف ولو كان الصحاح منها ثلاثين والقيمة ما ذكرناه أخرج صحيحة بقيمة ثلاثة أرباع صحيحة وربع مريضة وهو دينار ونصف وربع ولو لم يكن فهيا الاصحيحة اخرج صحيحة بقيمة تسعة وثلاثين جزءا من أربعين من مريضة وجزء من أربعين من صحيحة وذلك دينار وربع عشر دينار وجميع ذلك ربع عشر المال على ما قال في الكتاب تقرب قيمتها من ربع عشر مالله إذا كان ماله أربعين شاة واعرف في هذا اللفظ شيئين (أحدهما) ان قوله تقرب قيمتها يشعر بان الامر في ذلك علي التقريب وهذا لم أره في كلام غيره ولا ينبغى أن يسامح بالنقصان والبخس (والثانى) الذى ذكرناه من طريق التقسيط هوما أورده(5/371)
أكثر الاصحاب وهو يتضمن النظر الي آحاد الماشية ولا يستمر الا فيما إذا استوت قيم الصحاح وقيم المراض وقد تكون مختلفة القيمة ولفظ الكتاب يعنى عن النظر إلى الآحاد ورأيت القاضى ابن كج رواه عن أبي اسحق فمتى قوم جملة النصاب وكانت الصحيحة المخرجة ربع عشر القيمة كفي
ثم لا يخفى أن هذا في الشاة مع الاربعين فان ملك مائة واحدى وعشرين شاة فينبغي أن تكون قيمة الشاتين قدر جزء من مائة وإحدى وعشرين من قيمة الجملة وان ملك خمسا وعشرين من الابل فينبغي أن تكون الناقة المأخوذة بالقيمة جزءا من خمسة وعشرين جزءا من قيمة الكل وقس على هذا سائر النصب وواجباتها (ومن الامثلة) في الباب لو ملك ثلاثين من الابل نصفها صحاح ونصفها مراض وقيمة كل صحيحة اربعة دنانير وقيمة كل مريضة ديناران يجب عليه صحيحة بقيمة نص صحيحة ونصف مريضة وهو ثلاثة دنانير أورده صاحب التهذيب وغيره ولك أن تقول هلا كان هذا ملتفتا علي أن الزكاة هل تنبسط على الوقص ام لا فان انبسطت فذاك والا قسط المأخوذ على الخمس والعشرين * قال (الثاني العيب فان كان كل المال معيبا أخذ منه معيبة وان كان فيها سليمة طلبنا سليمة تقرب قيمتها من ربع عشر ماله وان كان الكل معيبا وبعضه اردا أخذ الوسط مما عنده) * الكلام في العيب كالكلام في المرض سواء تمحضت الماشية معيبة أو انقسمت إلى سليمة ومعيبة (وأعلم) قوله أخرج الوسط مما عنده بالواو وليس هذا الاعلام للخلاف الذى يو همه نظم الوسيط ولكنه يصح لغيره (اما) أنه ليس لما يوهمه نظم الوسيط (فلانه) لا خلاف في ذلك الوجه ولا عبرة بايهامه بيانه أنه قال في الوسيط قال الشافعي رضى الله عنه يخرج أجود ما عنده وقال الاصحاب يأخذ الوسط بين الدرجتين وهو الاصح فاوهم أن في المسالة خلافا وأراد بما نقله عن الشافعي رضى الله عنه ما رواه المزني في المختصر حيث قال ويأخذ خير المعيب لكن الاصحاب متفقون على أنه مأول منهم من قال أراد بالخير الوسط ومنهم من قال غير ذلك ولم يثبتوا خلافا بحال (وأما) أنه يصح لغير ذلك (فلان) امام الحرمين حكي وجها فيما إذا ملك خمسا وعشرين من الابل معيبة وفيها بنتا مخاض احدا هما من أجود المال مع العيب والاخرى دونها (احدهما) أنه يأخذ التى(5/372)
هي أجود (وأصحهما) أنه يأخذ الوسط وذكر ان من قال بالاول شبه المسألة باخذ الاغبط من الحقاق وبنات اللبون إذا اجتمع الصنفان في المالين ثم العيب المرعي في الباب ماذا فيه وجهان (أصحهما)
ما ثبت الرد به في البيع (والثاني) هذا مع ما يمنع الاجزاء في الضحايا * قال (الثلث الذكورة فان كان في ماله انثى أو كان الكل أناثا لم يؤخذ الا الانثى لو رود النص بالاناث وان كان الكل ذكورا لم يؤخذ الذكر أيضا على أظهر الوجهين لظاهر النص) *(5/373)
غرض الفصل يتصح بتفصيل أجناس النعم اما الابل فان تمحضت اناثا أو انقسمت الي انااث وذكور فلا يجوز فيها اخراج الذكر الا في خمس وعشرين فانه يجزئ فيها ابن لبون عند عدم بنت المخاض وان كانت كلها اناثا وذلك في المستثني والمستثنى منه مأخوذ من النص علي ما تقدم وإن تمحضت ذكورا فهل يحوز أخذ الذكر فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سلمة وأبو إسحق لا(5/374)
ويروى هذا عن مالك لان النص ورد بالاناث من بنت المخاض وبنت اللبون وغيرهما فلا عدول عنها وعلى هذا فلا يؤخذ منها أنثى كانت تؤخذ لو تمحضت ابله اناثا بل تقوم ماشيته لو كانت اناثا وتقوم الانثى المأخوذة مننها ويعرف نسبتها من الجملة ثم تقوم ماشيته الذكور ويؤخذ منها أنثى قيمتها ما تقتضيه النسبة وكذلك الانثي المأخوذة من الاناث والذكور تكون دون الانثى المأخوذة من محض(5/375)
الاناث وطريق التقسيط ما ذكرناه في المراض (وأظهر هما) وبه قال اببن خيران ويروى عن نصه في الام أنه يجوز أخذ الذكور منها كما يجوز أخذ المريضة من المراض والمعنى فيه أن في تكليفه الشراء حرجا وتشديدا وأمر الزكاة مبنى علي الرفق ولهذا شرع الجبران ومنهم من فصل فقال إن أدى أخذ الذكور الي التسوية بين نصابين لم يؤخذ وإلا فيؤخذ (بيانه) يؤخذ ابن مخاض من خمس وعشرين وحق من ست وأربعين وجذع من إحدى وستين وكذا يؤخذ الذكر إذا زادت الابل واختلف الفرض بزيادة العدد ولا يؤخذ ابن لبون من ست وثلاثين لان ابن اللبون مأخذ من خمس وعشرين عند فقد بنت المخاض فيلزم التسوية بينهما ومن قال بالوجه الثاني قال لا تسوية لا في كيفية الاخذ ولا في المأخوذ (أما) في كيفية الاخذ (فلان) أخذ ابن اللبون من ست وثلاثين مشروط بعدم بنت اللبون لا بعدم
بنت المخاض وأخذه من خمس وعشرين مشروط بعدم بنت المخاض لا بعدم بنت اللبون (وأما) في المأخوذ (فلان) عندي يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون فوق ابن اللبون المأخوذ من خمس وعشرين ويعرف ذلك بالتقويم والنسبة (وأما) البقر فالتبيع مأخوذ منها في مواضع وجوبه وجب واحد منه أو عدد(5/376)
للنص الذى رويناه ولا فرق بين أن تتمحض اناثا أو ذكورا أو تنقسم إلى النوعين وحيث تجب المسنة فهل يؤخذ السن منها ان تمحضت اناثا أو انقسمت الي ذكور واناث فلا وان تمحضت ذكورا فوجهان كما في الابل وأما الغنم فان تمحضت اناثا أو كانت ذكورا واناثا لم يجز فيها الذكر خلافا لا بي حنيفة حيث قال يؤخذ الذكر منها مكان الانثى وسلم في الابل أنه لا يؤخذ الا على طريق(5/377)
اعتبار القيمة علي اصله في دفع القيم لنا قياس الغنم علي الابل وايضا فقد روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس) وان تمحضت ذكورا فطريقان (أحدهما) القطع بانه يؤخذ الذكر منها (والثاني) طرد الوجهين المذكورين في الابل والاول هو ما اورده الاكثرون وفرقوا بان أخذ الذكر منها لا يؤدى إلى التسوية بين نصابين فان الفرض فيها يتغير بالعدد وفي الابل يؤدى الي التسوية بين القليل والكثير لان الفرض فيها يتغير بالسن أولا كما سبق وعد بعد هذا إلي لفظ الكتاب واعلم قوله لم يؤخذ الا الانثى بالحاء فان عند ابي حنيفة رحمه الله يؤخذ الذكر علي ما بيناه ولفظ الكتاب وان كان مطلقا ولكن لابد من استثناء أخذ التبيع في مواضع وجوبه عنه وكذلك أخذ ابن اللبون بدلا عن بنت مخاض وذكروا وجهين فيما إذا اخرج عن اربعين من البقر أو خمسين (اظهرهما) عند الاكثرين الجواز لان اخراجهما عن ستين جائز فعما دونها اجوز فعلى هذا تستثنى هذه الصورة ايضا (وقوله) لم يأخذ الذكر أيضا يجوز أن يعلم بالالف لان ظاهر كلام احمد فيما رواه اصحابه انه يجوز أخذه وقوله على احد الوجهين بالواو لان اللفظ يشمل الغنم وغيرها وفي الغنم طريقة اخرى قاطعة بالجواز * قال (الرابع الصغر فان كان في المال كبيرة لم يأخذ الصغيرة فان كان الكل صغارا كالسخال
والفصلان اخذنا الصغيرة وقيل لا تؤخذ في الابل لانه في الابل يؤدى الي التسوية بين القليل ولا كثير وقيل يؤخذ في غير الابل وفى الابل فبما جاوز احدى وستين ولا يؤخذ فيما دونه كيلا يؤدى إلى التسوية) * الماشية اما ان تكون كلها أو بعضها في سن الفرض أولا يكون شئ منها في تلك السن وحينئذ اما أن تكون في سن فوقها أودنها فهذه ثلاث أحوال (الحالة الاولي) أن تكون كلها أو بعضها في سن الفرض فيؤخذ لواجبها ما في سن الفرض ولا يؤخذ ما دونه ولا يكف بما فوقه (اما) الاول فللنصوص المقتضية لوجوب الاسنان المقدرة (واما) الثاني (فلما) فيه من الاجحاف والاضرار بالمالك وقد روى(5/378)
أن عمر رضى الله عنه قال لساعيه سفيان بن عبد الله الثقفى رحمه الله (اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي علي يده ولا تأخذها ولا تأخذ الاكول والربئ والماخض ولا فحل الغنم وخذ الجذعة والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره) الاكولة هي المسمنة للاكل في قول ابى عبيدة وقال شم اكولة غنم الرجل الخصى والهرمة والعاقر والربئ هي الشاة الحديثة العهد بالنتاج ويقال هي في ربائها كما يقال المرأة في نفاسها والجمع رباب بالضم والماخض الحامل وفحل الغنم الذكر المعد للضراب والغذاء السخال الصغار جمع غذى وهذه التى فسرناها لو تبرع بها المالك اخذت الا فحل الغنم ففيه ما ذكرنا في أخذ الزكاة (الحالة الثانية) أن تكون كلها في سن فوق سن الفرض فلا يكلف باخراج شئ منها بل يحصل السن الواجبة ويخرجها وله الصعود والنزول في الابل كما سبق (والحالة الثالثة) أن يكون الكل في سن دونها وقد يستبعد تصوير هذه الحالة ببادى الرأى فيقال لا شك ان المراد من الصغر هو الانحطاط عن السن المجزئة ومعلوم ان احد شروط الزكاة الحول واذ حال الحول فقد بلغت الماشية حد الاجزاء والاصحاب صورها فيما إذا حدثت من الماشية في أثناء الحول فصلان أو عجول أو سخال ثم ماتت(5/379)
الامهات كلها وتم حولها وهى صغار بعد وهذا مبني علي ظاهر المذهب في ان الحول لا ينقطع بموت الامهات بل تجب الزكاة في النتاج إذا كان نصابا عند تمام حول الاصل وبه قال مالك وذهب أبو
القاسم الانماطى من أصحابنا إلي أن الامهات مهما نقصت عن النصاب انقطع حول النتاج فضلا من ان لا يبقى منها شئ فعلي قوله لا تتصور هذه الحالة الثالثة من هذا الطريق وكذلك لا يتصور عند أبى حنيفة رحمه الله لانه شرط بقاء شئ من الامهات ولو واحدة وان لم يشترط بقاء النصاص وعن احمد رحمه الله روايتان (أصحهما) كمذهبنا (والاخرى) كمذهب ابى حنيفة رحمه الله وسيأتي هذا الاصل بشرحه في شرط الحول ان شاء الله تعالي ويمكن ان تصور هذه الحالة في صورة أخرى وهى ان يملك نصابا من صغار المعزو يمضى عليها حول فتجب فيها الزكاة وان لم تبلغ سن الاجزاء فان الثنية من المعز على أظهر الاوجه التى سبقت هي التى لها سنتان وهذه الصورة لا تستمر على مذهب أبى حنيفة رحمه الله أيضا لان عنده لا ينعقد الحول علي الصغار من المواشي وانما يبتدئ الحول من وقت زوال الصغر إذا عرف التصوير ففيما يؤخذ وجهان وقال صاحب التهذيب وغيره قولان (القديم) أنه لا يؤخذ الا كبيرة لان الاخبار الواردة في الباب تقتضي ايجاب الاسنان المقدرة من غير فرق بين ان تكون الماشية صغارا أو كبارا وعلي هذا تؤخذ كبيرة هي دون الكبيرة المأخوذة من الكبار في القيمة وكذا إذا انقسم ماله إلى صغار وكبار يأخذ الكبيرة بالقسط علي ما سبق في نظائره فان لم توجد كبيرة بما يقتضيه التقسيط يؤخذ منه القيمة للضرورة ذكره المسعودي في الافصاح (والجديد) أنه لا يشترط كونها كبيرة بل يجوز أخذ الصغيرة من الصغار كما يجوز أخذ المريضة من المراض وعلي هذا فتؤخذ مطلقا أم كيف الحال قطع الجمهور بأخذ الصغيرة من الصغار في الغنم وذكروا في البقر والابل ثلاثة أوجه (أحدها) وبه قال أبو العباس وأبو إسحق انه لا يؤخذ منها الصغار لانا لو أحذنا لسوينا بين ثلاثين من البقر واربعين في أخذ عجل وبين خمس وعشرين من الابل واحدى وستين وما بينهما من النصابين في اخذ فصيل ولا سبيل الي التسوية بين القليل والكثير بخلاف ما في الغنم فان الاعتبار فيها بالعدد فلا يؤدى أخذ الصغار إلى التسوية وعلي هذا(5/380)
فتؤخذ كبيرة بالقسط على ما سبق في نظائره ولا يكلف كبيرة تؤخذ من الكبار (والوجه الثاني) انه لا يؤخذ الفصيل من احدى وستين فما دونها لان الواجب فيها واحد واختلافه بالسن فلو أخذنا
فصيلا لسوينا بين القليل والكثير اما إذا جاوز ذلك فالاعتبار بالعدد فاشبه الغنم وكذلك البقر (والثالث) انه يؤخذ الصغار منهما مطلقا اعتبارا بجنس المال كما يؤخذ من الغنم لكن يجتهد الساعي ويحترز عن التسوية فيأخذ من ست وثلاثين فصيلا فوق الفصيل المأخوذ من خمس وعشرين ومن(5/381)
ست وأربعين فصيلا فوق المأخوذ من ست وثلاثين وعلى هذا القياس والله أعلم * ولنبين ما في الكتاب من هذه الاختلافات والاظهر منها (قوله) أخذنا الصغيرة هو الوجه الاخير المجوز لاخذ الصغار(5/382)
من الغنم وغير الغنم وايراد يشعر بترجيحه ذكر صاحب التهذيب وآخرون أنه الاصح وليكن قوله أخذنا معلم بالميم والحاء (اما) بالميم (فلان) عنده لا تؤخذ الا الكبيرة (واما) بالحاء (فلان) عنده لا تؤخذ الصغيرة ولا الكبيرة ولا زكاة في الصغار كمل سبق بيانه (وقوله) وقيل لا يؤخذ هو المحكي عن القديم الصائر الي المنع مطلقا وأراد بقوله لانه في الابل يؤدى الي التسوية أنا لو أخذنا الصغيرة لاخذناها من الابل ايضا كالمريضة والمعيبة حيث؟ تؤخذ تؤخد في غير الابل من جميع النعم ولو أخذنا من الابل لزم التسوية بين القليل والكثير فامتنع الاخذا أصلا ورأسا وقوله وقيل يؤخذ في غير الابل إلى آخره هو الوجه الثاني من الوجوه التى بيناها علي الجديد وزيفه الائمة من وجهين (أحدهما) أن التسوية التى تلزم في إحدى وستين فما دونها تلزم في ست وسبعين واحدى وتسعين أيضا فان الواجب في ست وسبعين بنتا لبون وفي احدى وتسعين حقتان فإذا أخذنا فصيلين من هذا ومن ذاك فقد سوينا بينهما لا فرق إلا ان المأخوذ قبل مجاوزة إحدى وستين وحدا وبعد مجاوزتها اثنان فان وجب الاحتراز عن تلك التسوية فكذلك عن هذه (والثانى) أن هذه التسوية تلزم في البقر بين(5/383)
الثلاثين والاربعين وعبر قوم من الاصحاب عن هذا الوجه بعبارة أخرى تدفع هذين الالتزامين وهى ان الصغيرة تؤخذ حيث لا يؤدى أخذها الي التسوية بين القيل والكثير ولا تؤخذ حيث يؤدى أخذها إلى التسوية وهكذا ذكر المصنف في الوسيط والامام في النهاية (وقوله) ولا يؤخذ فيما
دونه يجوز ان يعلم بالواو لان صاحب التهذيب خص وجه المنع بالست والثلاثين والست والاربعين فما فوقهما وجوز اخراج فصيل من خمس وعشرين إذ ليس في تجويزه وحده تسوية وفي كلام الصيدلانى مثل ذلك * قال (الخامس راداءة النوع فان كان الكل معزا أخذ المعز وإن اختلف فقولان (أحدهما) أنه ينظر إلى الاغلب وعند التساوي يراعى الاغبط للمساكين (والثاني) أنه يأخذ من كل جنس بقسطه) * نوع الجنس الذى يملكه من الماشية ان اتحد أخذ الفرض منها كما إذا كانت إبله ارحبية كلها أخذ الفرض منها وان كانت مهرية أخذ الفرض منها وان كانت غنمه ضأنا أخذ الضأن وان كانت معزا أخذ المعز وذكر في التهذيب في ذلك وجهين في أنه هل يجوز أن يؤخذ ثنية من المعز باعتبار القيمة عن اربعين ضأنا أو جذعة من الضأن عن اربعين معزا (احدهما) لا كما لا يجوز البقر عن الغنم (واصحهما) نعم لاتفاق الجنس كالمهرية مع الارحبية * وحكي عن القاضى حسن أنه يحتمل ان لا يؤخذ المعز من الضأن ويؤخذ الضأن من المعز لان المعز دون الضان كما تؤخذ المهرية عن المجيدية ولا تؤخط المجيدية عن المهرية وكلام امام الحرمين رحمه الله يقرب من هذا التفصيل فانه قال الضأن اشرف من المعز فلو ملك اربعين من الضأن الوسط فاخرج ثنية من المعز الشريفة وهى تساوى جذعة من الضأن الذى يملكه فهذا محتمل(5/384)
والظاهر اجزاؤها وان اختلف نوع الجنس الذى يمكله من الماشية كالمهرية والارحبية من الابل والعراب والجواميس من البقر والضأن والمعز من الغنم فيضم البعض إلي البعض لاتحاد الجنس وفي كيفية أخذ الزكاة منها قولان مشهوران (احدهما) انها تؤخذ من الاغلب لان النظر إلى كل نوع مما يشق فيتبع الاقل الاكثر ولو استوى النوعان أو الانواع في المقدار فقد قال في النهاية تفريعا علي هذا القول انه عند الائمة بمثابة ما لو اجتمع في المائتين من الابل الحقاق وبنات اللبون فظاهر المذهب ان الساعي يأخذ الاغبط للمساكين وهو المشهور والمذكور في الكتاب ومن قال ثم الخيرة إلى المالك فكذلك يقول ههنا فيجوز ان يرقم لهذا قوله وعند التساوي يراعي الاغبط بالواو والقول (الثاني) وهو الاظهر انه يؤخذ من كل نوع بالقسط رعاية للجانبين وليس معناه ان يؤخذ شقص من هذا وشقص من ذاك فانه لا يجزئ
بالاتفاق ولكن المراد النظر الي الاصناف باعتبار القيمة علي ما سنبينه في الامثلة وإذا اعتبرت(5/385)
القيمة والتقسيط فمن أي نوع كان المأخوذ جاز هكذا قال الجمهور وقال ابن الصباغ ينبغى ان يكون المأخوذ من أعلي الانواع كما لو انقسمت ماشيته الي صحاح ومراض يأخذ بالحصة من الصحاح ولك أن تقول ورد النهى عن المريضة والمعيبة فلذلك لا نأخذها ما قدرنا على صحيحة وما نحن فيه بخلافه وفي المسألة قول ثالث محكى عن الام وهو أنه إذا اختلفت الانواع يؤخذ الفرض من الوسط كما في الثمار ولا يجئ هذا القول فيما إذا لم يكن الا نوعين ولا فيما إذا كانت أنواعا متساوية في الجودة والردءة وحكى القاضي ابن كج وجها وهو أنه يؤخذ من الاجود أخذا من نصه في اجتماع الحقاق وبنات اللبون ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب فقولان بالوا ولان القاضى أبا القاسم بن كج حكى عن أبى اسحق ان موضع القولين ما إذا لم يحتمل الابل أخذ واجب كل نوع لو كان وحده منه فان احتمل أخذ كذلك بلا خلاف مثل ان يملك مائتين من إلا بل مائة مهرية ومائة أرحبية فيؤخذ حقتان من هذه وحقتان من هذه المشهور طرد الخلاف علي ما يقتضيه لفظ الكتاب ونوضح القولين بمثالين (احدهما) له خمس وعشرون من الابل عشرة مهرية وعشرة ارحبية وخمسة مجيدية فعلى(5/386)
القول الاول تؤخذ بنت مخاض أرحبية أو مهرية بقيمة نصف أرحبيه ومهرية لان هذين النوعين اغلب ولا نظر الي المجيدية وعلي الثاني يؤخذ بنت مخاض من أي الانواع أعطى بقيمة خمس مهرية وخمس ارحبية وخمس مجيدية فإذا كانت قيمة بنت مخاض مهرية عشرة وقيمة بنت مخاض مجيدية ديناران ونصف فيأخذ بنت مخاض من أحد أنواعها قيمتها ستة ونصف وهى خمسا عشرة وخمسا خمسة وخمس دينارين ونصف وصور بعضهم قيمة المجيدية أكثر وذلك فرض في ابل الشخص على الخصوص والا فالمجيدية ارادأ الانواع الثلاثة وغرض التمثيل لا يختلف (والثانى) له ثلاثون ماعزة وعشر من الضأن فعلي القول الاول يؤخذ ثنية من المعز قال في النهاية ويكتفى بماعزة كما يأخذها لو كانت غنمه كلها معزا وعلي عكسه لو كانت ثلاثون منها ضأنا أحذنا جذعة من الضأن كنا نأخذها
لو تمحضت غنمه ضأنا وعلي القول الثاني يخرج ضأنه أو ما عزه بقيمة ثلاثة ارباع ما عزه وربع ضانه في الصورة الاولى وبقيمة ثلاثة أرباع ضأنه وربع ما عزه في الصورة الثانية ولا يجئ قول اعتبار الوسط ههنا وعلي الوجه الذى رواه ابن كج يؤخذ من الاشرف فلا يخفى قياسها في المثال الاول * قال (هذا بيان النصاب ولا زكاة فيما دونه الا إذا تم بخلطة نصابا) *(5/387)
(باب صدقة الخلطاء) * وفيه خمسة فصول (الاول) في حكم الخلطة وشرطها وحكم الخلطة تنزيل المالين منزلة مال واحد فلو خلط اربعين باربعين لغيره ففى الكل شاة واحدة (ح) ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ففى كل واحد نصف (م ح) شاة) * النظر في المواضع الخمسة كان معترضا في شرط النصاب فلما فرغ منها عاد الي القول في النصاب ولما كانت الزكاة قد تجب علي من لا يملك نصابا بسبب الخلطة وجب استثناؤها علي اشتراط النصاب فاستثنى ووصل به باب صدقة الخلطاء وهو من اصول أبواب الزكاة ودرج مقصوده في خمسة فصول (اولها) في حكم الخلطة وشرطها.
أعلم أن الخطة نوعان حلطة اشتراك وخلطة جوار وقد يعبر(5/388)
عن الاولي بخلطة الاعيان والثانى بخلطة الاوصاف والمراد من النوع الاول ان لا يتميز نصيب احد الرجلين أو الرجل عن نصيب غيره كماشية ورثها اثنان أو قوم أو ابتاعوها معا فهى شائعة بينهم ومن النوع الثاني ان يكون مال كل واحد معينا متميزا عن مال غيره ولكن تجاورا تجاور المال الواحد علي ما سنصفه ولكلتى الخطتين اثر في الزكاة ويجعلان مال الشخصين أو الاشخاص(5/389)
منزلة مال الشخص الواحد في الزكاة ثم تكثر الزكاة كما لو كان جملة المال أربعين من الغنم يجب فيها شاة ولو انفرد كل بنصيبه لما وجب شئ وقد تقل كما لو كان بينهما ثمانون مختلطة يجب
فيها شاة ولو انفرد كل واحد باربعين لوجب على هذا شاة وعلى هذا شاة وحكى الحناطي وجها(5/390)
غريبا ان خلطة الجوار لا اثر لها وانما تؤثر خلطة لشيوع وعند أبي حنيفة رحمه الله لا حكم للخلطة أصلا وكل واحد يزكي زكاة الانفراد إذا بلغ نصبه نصابا وعند مالك لا حكم للخلطة الا إذا كان نصيب كل واحد منهما نصابا فلذلك اعلم قوله في الكتاب الا إذا تم بلخلطة نصابا بالحاء والميم وكذلك قوله في كل واحد نصف شاة وقوله في الكل شاة واحدة بالحاء وحده ومذهب احمد رحمه الله كمذهبنا والدليل عليه ما روى في حديث انس وابن عمر رضي الله عنهم ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فانهما يتراجعان بينهما بالسوية) قال العلماء هذا نهى للساعي والملاك عن الجمع والتفريق اللذين يقصد بهما الساعي تكثير الصدقة والملاك تقليلها فجمع الساعي ان يكون لزيد عشرون من الغنم ولعمرو عشرون وهى متفرقة متميزة فاراد الساعي الجمع بينهما ليأخذ مها شاة وتفريقه أن يكون بينهما ثمانون مختلطة فاراد أن يفرق ليأخذ شاتين (وأما) جمع الملاك مثل أن يكون لزيد اربعون من الغنم ولعمرو اربعون متفرقة فأراد الجمع لئلا يأخذ الساعي منها الا واحدة وتفريقهم مثل ان يكون لهما اربعون مختلطة فاراد التفريق لئلا يأخذ منهما شيئا ولولا ان الخلطة مؤثرة لما كان لهذا الجمع والتفريق معني(5/391)
قال (وشرط الخلطة اتحاد المسرح والمرعى والمراح والمشرع وكون الخليط اهلا للزكاة لا كالذمي والمكاتب وفي اشتراك الراعى والفحل والمحلب ووجود الاختلاط في اول السنة وجريان الاختلاط بالقصد واتفاق اوائل الاحوال خلاف) * نوعا الخلطة يشتركان في اعتبار شروط وتختص خلطة المجاورة بشروط زائدة فمن الشروط المشتركة أن يكون المجموع نصابا وفى لفظ الكتاب ما يدل علي اعتباره حيث قال الا إذا تم بخلطه نصابا فلو مالك زيد عشرين شاة وعمرو مثلها فخلطا تسع عشرة بتسع عشرة وتركا شاتين منفردتين فلا أثر لخلطتهما ولا زكاة أصلا (ومنها) أن يكون الخليطان من أهل وجوب الزكاة
فلو كان أحد هما ذميا أو مكاتبا فلا أثر للخلطة بل ان كان نصيب الحر المسلم نصابا زكى زكاة الانفراد(5/392)
ولا فلا شئ عليه لان من ليس أهلا لوجوب الزكاة عليه لا يجوز ان يصير ماله سببا لتغيير زكاة المسلم (ومنها) دوام الخلطة في جميع السنة علي ما سيأتي شرحه (وأما) الشروط التي تختص خلطة الجوار باعتبارها (فمنها) اتحاد المرعي والمسرح والمراح والمشرع هذا لفظ الكتاب والمراد من اتحاد المشرع ان تسقى غنمهما من ماء واحد من نهر أو عين أو بئر أو حوض أو مياه متعددة ولا تخص غنم أحد هما بالسقى من موضع وغنم الآخر بالسقى من غيره والمراد بالمراح مأواها ليلا فلو كان يختص غنم أحد هما بمراح وغنم الآخر بمراح آخر لم تثبت الخلطة وإن كانا يخلطانها نهارا (واما) المرعى والمسرح (فلفظ) الكتاب يقتضي تغايرهما وكلام كثير من الائمة يوافقه ومنهم من يقتصر علي ذكر المسرح ويفسره بالمرعي ولفظ المختصر قريب منه وليس في الجقيقة اختلاف لكن الماشية إذا سرحت عن اماكنها تجئ قطعة قطعة وتقف في موضع فإذا اجتمعت امتدت الي المرعى وكان بعضهم اطلق اسم المسرح على ذلك الموضع وعلي المرتع نفسه لان الابل مسرحة الهيا ومنهم من خص اسم المسرح بذلك الموضع(5/393)
وانما شرط اتحاد المالين في هذه الامور ليجتمع اجتماع ملك المالك الواحد على الاعتياد وقد روى عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه انه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجمتع خشية الصدقة والخليطان ما إذا اجتمعا في الحوض والفحل والراعي) فنص علي اعتبار الاجتماع في الحوض والرعي من الامور الاربعة وقيس عليها الباقي ومنها اشتراك المالين في الراعى حكي المصنف وشيخه وجهين (أظهرهما) أنه يشترط كالاشتراك في المراح والمسرح وأيضا فقد روى في بعض الروايات عن سعد بدل الرعي الراعي (والثاني) أنه ليس بشرط لان الافتراق فيه لا يرجع الي نفس المال فلا يضر بعد الاجتماع في المراح وسائر ما ذكرنا ولا شك في أنه لا بأس بتعدد الرعاة والخلاف في أنه هل يشترط أن لا تختص غنم أحدهما براع أم لا ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب في اشتراك الراعى بالواو لان كثيرا من الاصحاب نفوا الخلاف في اشتراطه (ومنها)
الاشتراك في الفحل فيه وجهان كما في الراعي (أحدهما) أنه لا يعتبر ولا يقدح في الخلطة اختصاص كل واحد منهما بانزاء فحل علي ماشيته وهذا اصح عند المسعودي لكن يشترط كون الانزاء علي(5/394)
موضع واحد على ما سنذكره في الخلاف (وأظهرهما) ولم يذكر الجمهور سواه انه يعتبر لما ذكرنا في خبر سعد وعلي هذا فالمراد أن تكون الفحولة مرسلة بين ماشيتهما ولا يخص واحد منهما ماشيته بفحل سواء كانت الفحولة مشتركة بينهما أو مملوكة لا حدهما أو مستعارة وحكي الشيخ أبو محمد وغيره(5/395)
وجها آخر انه يجب ان تكون مشتركة بينهما وضعفوه ولك أن تعلم لفظ الفحل بالواو لمثل ما ذكرنا في الراعى (ومنها) حكى في الكتاب في الاشتراك في المحلب خلافا وشرحه أن المزني روى في المختصر في شرائط الخلطة أنه يعتبر أن يحلبا معا وحكي مثله عن حرملة ورواية الزعفراني وليسن له ذكر في الام فاختلفوا منهم من أثبت قولين (احدهما) اعتباره كما في السقى والرعي (والثانى) المنع فانه ارتفاق وانتفاع فلا يعتبر الاجتماع فيه كما في الركوب ومنهم من قطع بنفى الاعتبار حكى الطريقتين القاضي ابن كج والظاهر الذي أورده الاكثرون وفرعوا عليه إنما هو الاعتبار ثم ههنا أشياء موضع يحلب فيه واناء يتقاطر فيه اللبن وهو المحلب وشخص يحلب ففيما ذا يعتبر الاشتراك أما الموضع فلابد(5/396)
من الاشتراك فيه كالمراح والمرعي فلو حلب هذا ماشيته في أهله وذك ماشيته في أهله لم يثبت حكم الخلطة وأما الحالب ففيه وجهان (أحدهما) أنه يعتبر الاشتراك فيه أيضا علي معني أنه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بحالب يمنع عن حلب ماشية لآخر وهذا ما ذكره الصيدلانى (وأظهرهما) وبه قال أبو اسحق لا يعتبر ذلك كما في الجاز وفي الاشتراك في المحلب وجهان أيضا (أظهرهما) لا يعتبر الاشتراك فيه(5/397)
كما لا يعتبر الاشتراك في آلات الجز فان كل واحد منهما نوع انتفاع (والثانى) يعتبرو به قال أبو اسحق ههنا ومعناه أنه لا يجوز أن ينفرد أحد هما بمحلب أو محالب ممنوعة عن الثاني وعلي هذا فهل يشترط
خلط اللبن أو يجوز أن يحلب احدهما في الاناء ويفرغه ثم يحلب الآخر فيه وجهان (أظهرهما) أنه(5/398)
لا يشترط ذلك فان لبن أحدهما قد يكون أكثر فإذا اختلطت امتنعت القسمة (والثانى) يشترط ثم يتسامحون في القسمة كما يخلط المسافرون ازوادهم ثم يأكلون وفيهم الزهيد والرغيب ومنهانية الخلطة وفي اشتراطها وجهان (أحدهما) انها تشترط لانها تغير امر الزكاة إما بالتكثير وإما بالتقليل ولا ينبغى أن يكثر من غير قصده ورضاه ولا أن يقل إذا لم يقصد محافظة علي حق الفقراء (وأظهرهما) أنها(5/399)
لا تشترط فان الخلطة إنما تؤثر من جهة خفة المؤنة باتحاد المرافق وذلك لا يختلف بلقصد وعدمه وهذان الوجهان كوجهين يأتيان في قصد الاسامة والعلف ويجريان غالبا فيما لو افترقت الماشية في شئ مما يعتبر الاجتماع فيه بنفسها أو فرقها الراعى ولم يشعر المالكان إلا بعد طول الزمان هل تنقطع(5/400)
الخلطة ام لا ولو فرقاها أو أحدهما قصدا في شئ من ذلك انقطع حكم الخلطة وإن كان يسيرا والتفرق اليسير من غير قصد لا يؤثر لكن لو اطلعا عليه فاقراها علي تفرقهما ارتفعت الخلطة ومهما(5/401)
ارتفعت الخلطة فعلى من كان نصيبه نصابا زكاة الانفراد إذا تم الحول من يوم الملك لا من يوم ارتفاعها وأما قوله ووجود الاختلاط في أول السنة وقوله واتفقاق أوائل الاحوال فهما المسألتان اللتان يشتمل(5/402)
عليهما الفصل الثالث ونشرحهما إذا انتهينا إليه والخلاف الذى ابهم ذكره في جميع الصور وجهان إلا في وجود الاختلاط في اول السنة فهو في هذه المسألة قولان ستعرفهما ولك ان تعلم قوله وشرط(5/403)
الخلطة اتحاد المرعى والمسرح إلي آخره بالميم لان ابن الصباغ حكي عن أصحاب مالك اختلافا في الامور التي شرطناها في الخلطة فمنهم من شرط اجتماع المالين في امرين منها ومنهم من اعتبر الرعى
والراعي ومنهم من اعتبر الرعي وامرا آخر ايما كان * قال (وفي تأثير الخلطة في الثمار الزرع ثلاثه أقوال فعلي الثلث تؤثر خلطة الشيوع دون الجوار ولا تؤثر خلطة الجوار في مال التجارة وفي الشيوع قولان) * لا خلاف عندنا في تأثير الخطة في المواشي وهل تؤثر في غير المواشى من الثمار والزروع والنقدين وأموال التجارة أما خلطة المشاركة ففيها قولان (القديم) وبه قال مالك وكذلك احمد في أصح الروايتين أنها لا تثبت بخلاف المواشى فان فيها أو قاصا فالخلطة تنفع المالك تارة والمسكين أخرى ولا وقص في المعشرات فلو أثبتنا الخلطة فيها لتمحضت ضررا في حق المالكين لانها تضر فيما إذا كان ملك كل واحد منهما دون النصاب ولا يثبت نفع بأزائه (واحتج له أيضا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي) فانه يقتضى حصر الخليطين في المجتمعين في هذه الامور وذلك لا يفرض الا في المواشي (والجديد) أنها تثبت لانهما كما يرتفقان بالخلطة في المواشى لخفة المؤنة باتحاد المرافق كذلك يرتفقان في غيرهما باتحاد الجرين والناطور والدكان والحارس والمتعهد وكراء البيت وغيرها * واحتج له باطلاق قوله صلي الله عليه وسلم ((لا يجمع بين متفرق ولا يفرق ببن مجتمع خشية الصدقة ((واما) خلطة المجاورة فان لم تثبت خلطة المشاركة فهذه اولي وإن أثبتنا تلك ففى هذه قولان ومنهم من يقول وجهان وذلك بأن يكون لكل واحد صف نخيل أو زرع في حائط واحد أو كيس دراهم في صندوق واحدأ وامتعة تجارة في خزانة واحدة (أصحهما) عند العراقيين وصاحب التهذيب والاكثرين أنها تثبت أيضا كما في المواشى وهذا الحصول حصول الارتفاق(5/404)
باتحاد الناطور والعامل والنهر الذى منه تسقى وباتحاد الحارث ومكان الحفظ وغيرها (والثانى) أنها لا تثبت لان كل نخلة متميزة بمكانها الذى تشرب منه فاشبه افتراق الماشية في الشرب ونسب القاضي ابن كج هذا إلى اختيار ابى اسحق والاول الي اختيار ابن ابى هريرة ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين الثمار أو الزروع وبين النقدين واموال التجارة على المشهور وعن القفال طريقة أخرى وهي ان الخلاف في الثمار والزروع في الخلطتين جميعا وفي النقدين وأموال التجارة في خلطة المشاركة وحدها وفي خلطة الجوار
نقطع بانها لا تثبت فيها وهذه الطريقة هي التي أوردها الشيخان الصيدلانى وأبو محمد وذكرها صاحب الكتاب فقال ولا تؤثر خلطة الجوار في مال التجارة وفي الشيوع قولان فاعلم قوله ولا تؤثر بالواو وقوله تؤثر خلطة الشيوع بالميم والالف لما قدمناه واعرف أنا حيث اثبتنا الخلاف وتركنا الترتيب حصلت ثلاثة أقوال كما ذكر في الكتاب (أحدها) تأثير الخلطتين (والثاني) المنع (والثالث) تأثير خلطة الشيوع دون الاخرى وفرعوا علي الصحيح وهو تأثير الخلطتين فروعا (منها) نخيل موقوفة على جماعة معينين في حائط واحد أثمرت خمسة أو سق لزمهم الزكاة وساعدنا مالك في هذه الصورة ويمثله لو وقف أربعين شاة علي جماعة معينين هل تحب عليهم الزكاة يبنى ذلك علي أن الملك في(5/405)
الوقف هل ينتقل إليهم (إن قلنا) لا فلا زكاة عليهم (وإن قلنا) نعم فوجهان (أصحهما) لا زكاة لنقصان ملكهم كما في ملك المكاتب (ومنها) لو استأجر اجيرا ليتعهد نخيله علي ثمرة نخلة بعينها بعد خروج ثمارها وقبل بدو الصلاح وشرط القطع لكن لم يتفق القطع حتي بدا الصلاح وكان مبلغ ما في الحائط نصابا وجب علي الاجير نصف عشر ثمرة تلك النخلة وإن قلت * قال ((الفصل الثاني في التراجع) وللساعي ان يأخذ من عرض المال ما يتفق ثم يرجع المأخوذ منه يقيمة حصة خليطه فلو خلط اربعين من البقر بثلاثين لغيره لم يجب علي الساعي اخذ المسنة من الاربعين والتبيع من الثلاثين بل يأخذ كيف اتفق فان اخذ كذلك فيرجع باذل المسنة بثلاثة اسباعها علي خليطه وباذل التبيع باربعة اسباعه على خليطه لان كل واحد من السنين واجب في الجميع علي الشيوع كأن(5/406)
المال ملك واحد) * روينا عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال (وما كانا من حليطين فانهما يتراجعان بينهما بالسوية) اخذ الزكاة من مال الخليطين يقتضى رجوع احدهما على صاحبه دون رجوع الآخر عليه وقد يقتضى التراجع بينهما وهو الذى تعرض له الخبر وقوله بالسوية حمله الائمة علي الحصة فإذا ملكا ما دون خمس وعشرين من الابل بينهما نصفين وأخذ الساعي واجبا من احدهما رجع
بنصف قيمة المأخوذ علي صاحبه ولو كانت بينهما اثلاثا أو ارباعا فالرجوع بالسحاب ثم الرجوع والتزاجع يكثران في خلطة الجوار وإنما رسم الفصل في الكتاب للتراجع في هذه الخلطة وقد يتفقان قليلا في خلطة المشاركة أيضا على ما سنذكره آخرا وحكي المحاملي فيما يحمل عليه الخبر من الخلطتين قولين (الجديد) ان مطلق الخلطة ينصرف الي خلطة المشاركة (والقديم) أنه ينصرف إلى خلطة المجاورة(5/407)
وعليها حمل المعظم الخبر إذا عرفت هذه المقدمة فنتكلم في مقصود الفصل أولا ونقول: إذا اختلط المالان خلطة جوار بشرائطها ووجبت الزكاة نظر هل يمكن أخذ ما يخص مال كل واحد منهما لو انفرد من ماله ام لا فن لم يمن فللساعي أن يأخذ الفرض من أيهما شاء فان لم يجد سن الفرض بصفة الاجزاء إلا في مال أحدهما أخذه منه (مثاله) بينهما أربعون من الغنم بالسوية لا يمكن التشقيص فيأخذ شاة من ايهما اتفق ولو وجبت بنت لبون في إبلهما ولم يجدها إلا في مال أحدهما أخذها نه ولو كانت ماشية أحدهما مراضا أو معيبة أخذ الفرض من الآخر وان امكن أخذ ما يخص مال كل واحد منهما لو انفرد منه فوجهان (أحدهما) وبه قال أبو اسحق ياخذ كل واحد ما يخص ماله ولا يجوز غير ذلك اغناء لهما عن التراجع (وأصحهما) وبه قال ابن أبى هريرة والمعظم وهو المذكور في الكتاب ان له ان يأخذ من عرض المال ما يتفق ولا حجر عليه بل وإن أخذ كما ذكر صاحب الوجه الاول يبقي التراجع بينهما وذلك لان المالين عند الخلطة يتزلان منزلة المال لواحد ألا ترى ان الواجب يقل تارة ويكثر أخرى كما لو كان الكل لواحد وإذا كان كذلك فكل المأخوذ شائع في جميع المال وليس شئ منه بعينه عن شئ من المال بعينه والباقى عن الباقي (مثال) هذه الحالة التى فيها(5/408)
الوجهان ان تجب شاتان في الغنم المخلوطة وأمكن أخذ أحداهما من هذا والثانية من ذاك وكذلك(5/409)
لو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لاحدهما وثلاثون للآخر وأمكن أخذ المسنة من الاربعين(5/410)
والتبيع من الثلاثين وكذلك لو كان بينهما مائة وثمانون من الابل مائة لاحدهما وثمانون للآخر(5/411)
وأمكن أخذ حقتين من الماثة وبني لبون من الثمانين ولا يخفى نظائره إذا تقرر ذلك فلنبين كيفية(5/412)
الرجوع والتراجع عند أخذ لزكاة علي الوجه المحوج لي أحدهما علي حسب الخلاف الذى حكيناه(5/413)
فنقول: إذا أخذ شة من أحد الخليطين عن أربعين من الغنم عشرون منها لهذا وعشرون للآخر(5/414)
رجع المأخوذ منه بنصف قيمة الشاة المأخوذة على الآخر ولا يرجع بنصف شاة لان الشاة ليست بمثلية(5/415)
ولو كانت ثلاثون لاحدهما وعشرة للآخر فان أخذ الشاة من صاحب الثلاثين رجع بربعها على الآخر(5/416)
ولا يرجع بنصف شاة وإن أخذها من الآخر ورجع بثلاثة ارباعها علي صاحب الثلاثين ولو كان(5/417)
بينهما مائة وخمسون شاة لا حدهما مائة وللآخر خمسون فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين فيها من(5/418)
صاحب المأنة رجع علي الآخر بقيمة ثلث كل شاة ولا نقول بقيمة ثلثى شاة لان قيمة الشاتين تختلف(5/419)
وإن اخذها من صاحب الخمسين رجع علي الآخر بقيمة ثلثى شاة ولو اخذ من كل واحد شاة رجع صاحب المائة علي صاحب الخمسين بقيمة ثلث شاته وصاحب الخمسين علي صاحب المائة(5/420)
بقيمة ثلثى شاته ولو كان نصف الشياه لهذا ونصفها للآخر فكل واحد منهما يرجع علي الآخر
بقيمة نصف شاته فان تساوت القيمتان خرج علي أقوال التقاص عند تساوى الدينين قدر أو جنسا(5/421)
ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لاحدهما وثلاثون الآخر فالتبيع والمسنة واجبان عليهما علي صاحب(5/422)
الاربعين أربعة اسباعهما وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما فلو أخذهما الساعي من صاحب الاربعين رجع(5/423)
بقيمة ثلاثة اسباعهما على الآخر ولو أخذهما من الآخر رجع بقيمة أربعة اسباعهما علي صاحب الاربعين ولو أخذ(5/424)
التبيع من صاحب الاربعين والمسنة من صاحب الثلاثين رجع صاحب الاربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على(5/425)
الآخر ورجع الآخر عليه بقيمة أربعة أسباع المسنة ولو أخذ المسنة من صاحب الاربعين والتبيع من الآخر(5/426)
رجع صاحب الاربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنة على الآخر ورجع الآخر عليه بقيمة أربعة اسباع التبيع وهذه الحالة الرابعة المذكورة في الكتاب ولك أن تعلم قوله من عرض المال ما يتفق بالواو(5/427)
وكذا قوله لم يجب علي الساعي اخذ المسنة وقوله بل يأخذ كيف اتفق وقوله فيرجع باذل المسنة(5/428)
للوجه المنسوب إلي ابى اسحق فان كان ذلك مشروط على ذلك الوجه بان لا يمكن اخذ ما يخص(5/429)
كل واحد منهما لو انفرد منه علي ما سبق وقوله بثلاثة اسباعهما أي بقيمتها وكذا قوله بأربعة اسباعه(5/430)
ولو ظلم الساعي فأخذ من احد الخليطين والواجب شاة حبلي ربى أو ما خضا رجع المأخوذ(5/431)
منه على الآخر بنصف قيمة الواجب لا قيمة المأخوذ في الساعي ظلمه بالزيادة والمظلوم يرجع علي(5/432)
الظالم دون غيره فان كان المأخوذ باقيا في يد الساعي استرده وإلا استرد الفضل والفرض ساقط ولو أخذ القيمة في الزكاة أو اخذ من السخال كبيرة فهل يرجع علي خليطه فيه وجهان (أحدهما) وبه(5/433)
قال أبو اسحق في أخذ القيمة أنه لا يرجع (واصحهما) وبه قال ابن أبى هريرة يرجع لانهما من مسائل(5/434)
الاجتهاد فالقيمة مأخوذة عند أبى حنيفة ومالك والواجب في السخال كبيرة عند مالك ومنهم من خص الوجهين بمسألة القيمة وقطع في اخذ الكبيرة بالرجوع هذا تمام ما نذكره من خلطة الجوار (اما) خلطة الشيوع فان كان الواجب من جنس المال واخذه الساعي منه فلا يراجع فان المأخوذ مشاع بينهما(5/435)
وإن كان الواجب من غير جنس المال كالشاة فيما دون خمس وعشرين من الابل فإذا أخذ الساعي شاة من احد الخليطين عن خمس من الابل بينهما رجع المأخوذ منه علي الآخر بنصف قيمتها ولو كان(5/436)
بينهما عشر فاخذ من كل واحد منهما شاة ثبت التراجع فان تساوت القيمتان خرج على اقوال(5/437)
التقاص ومتي ثبت الرجوع وتنازعا في قيمة المأخوذ قول المأخوذ منه لانه غارم * قال ((الفضل الثالث في اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد فإذا ملك رجلان كل واحد اربعين غرة المحرم وخلطا غرة صفر فعلي الجديد يجب علي كل واحد في آخر الحول الاول شاة وفيما بعده من(5/438)
الاحوال نصف شاة تغليبا للانفراد وعلي القديم يجب ابدا نصف شاة فان ملك غرة صفر
وخلطا غرة ربيع الاول فالقولان جاريان وخرج ابن سريج قولا أن الخلطة لا تثبت أبدا لتقاطع(5/439)
أواخر الاحوال) * اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد إما أن يكون بطرو الخلطة على الانفراد أو بطرو(5/440)
الانفراد علي الخلطة وهذا الفصل الثالث مرسوم للقسم الاول فنبينة وتقول لا خلاف في أنه لو لم تكن لهما حالة انفراد بان ورثا ماشية أو ابتاعاها دفعة واحدة شائعة أو غير شائعة لكن مخلوطة وأداما الخلطة أنهما يزكيان زكاة الخلطة وكذا لو كان ملك كل واحد منهما دون النصاب وبلغ بالخلطة(5/441)
نصابا زكاة زكاة الخلطة لان الحول لم ينعقد علي ما ملكاه عند الانفراد فاما إذا انعقد الحول علي الانفراد ثم طرأت الخلطة فلا يخلو إما يتفق ذلك في حق الخليطين جميعا أو في حق أحدهما (الحالة(5/442)
الاولى) أن ينعقد الحلول علي الانفراد في حقهما جميعا ثم تطرأ الخلطة فاما أن يفق حولاهما أو يختلف فان انفق كما لو ملك كل واحد أربعين شاة غرة المحرم ثم خلطا غرة صفر ففيه قولان (الجديد) وبه(5/443)
قال احمد ان حكم الخلطة لا يثبت في السنة الاولى لان الاصل الانفراد والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد علي الانفراد فعلى هذا إذا جاء المحرم وجب علي كل واحد منهما شاة (والقديم)(5/444)
وبه قال مالك أنه يثبت حكم الخلطة نظرا إلي آخر الحول والعبرة في قدر الزكاة بآخر الحول ألا ترى أنه لو ملك مائة وإحدى وعشرين شاة فتلف منها شاة أو شاتان في آخر الحول لا يجب عليه(5/445)
إلا شاة فعلي هذا إذا جاء المحرم فعلي كل واد منهما نصف شاة وعلي القولين جميعا في الحول
الثاني وما بعده يزكيان زكاة الخلطة لوجودها في جميع السنة (فإذا قلنا) بالجديد فوجود الحلطة في جميع(5/446)
السنة شرط في ثبوت حكم الخلطة فلذلك أدرج حجة الاسلام قدس الله روحه هذه المسألة في جملة الشرائط التى حكى الخلاف فيها علي ما سبق وإن اختلف حولاهما كما لو ملك هذا غرة المحرم وهذا غرة(5/447)
صفر وخلطا غرة شهر ربيع الاول فينبني علي القولين عند اتفاق الحول (فعلي الجديد) إذا جاء المحرم فعلى الاول شاة وإذا جاء صفر فعلي الثاني شاة (وعلي القديم) إذا جاء المحرم فعلى الاول نصف شاة وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة ثم في سائر الاحوال بتفق القولان علي ثبوت حكم الخلطة فيكون على الاول عند غرة كل محرم(5/448)
نصف شاة وعلي الثاني عند غرة كل صفر نصف شاة وذهب بعض الاصحاب إلي أن حكم الخلطة لا يثبت في سائر الاحوال أيضا ويزكيان أبدا زكاة الانفراد واتفق حملة المذهب علي ضعف هذا الوجه وقالوا بان الخلطة(5/449)
* في سائر الاحوال حاصلة في جميع الحول فيثبت حكمها كما لو اتفق الحول ولا شك في بعد هذا الوجه لو سلم صاحبه ثبوت القول القديم في الحول الاول وامتنع من طرده في سائر الاحوال لكنه لو طرد(5/450)
القولين في سئر الاحوال وكان ما ذكر من عدم ثبوت الخلطة تفريعا علي الجديد لم يكن بعيدا ويجوز أن يوجه بن حول الثاني غير تام عند تمام حول الاول وحكم الانفراد مستمر عليه فيلزم انعقاد الحول الثاني للاول علي حكم الانفراد وإذا انعقد الحول علي الانفراد يستمر حكمه كما في الحول الاول ثم إذا تم حول الثاني فلصاحبه حكم الانفراد فينعقد حوله الثاني على الانفراد أيضا وهكذا ابدا وسواء قوى هذا أو ضعف فمن صار إليه جعل اتفاق اوائل الاحوال من شرائط ثبوت الخلطة ولذلك(5/451)
ادرج حجة الاسلام هذه المسألة في الشرائط المختلف فيها ونسب المعظم هذا الوجه إلي تخريج ابن
سريج وعلي ذلك جرى في الكتاب فقال وخرج ابن سريج أن الخلطة لا تثبت أبدا ولم يصحح ذلك علي ابن سريح المحاملي وذكر ان أبا اسحق حكى في الشرح عن ابن سريج مثل هذا المذهب وأضاف الوجه المذكور إلي غيره من الاصحاب فان كان المراد أنه غير ثابت عنه فيجوز أن(5/452)
يعلم قوله وخرج ابن سريج بالواو ويجوز أن يقال خرجه ولم يذهب إليه جمعا بين الروايتين ويجوز اعلام قوله لا تثبت بدا بالميم والالف لان عند هما تثبت الخلطة في سائر الاحوال وإنما يختلفان في الحول الاول إختلاف القديم والجديد ولا يخفى موضع رقمهما في الصورة الاولي (والحالة الثانية) أن ينعقد الحول علي الانفراد في حق أحد هما دون الآخر كما لو ملك احدهما أربعين غرة المحرم وملك الثاني أربعين غرة صفر وكما ملك خلطا أو خلط الاول اربعينه غرة صفر باربعين لغيره ثم باع الثاني اربعينه من ثالث فان الاول يثبت له حكم الانفراد شهرا والثانى لم يثبت له حكم الانفراد أصلا فيبنى الحكم ههنا علي الحكم في الحالة الاولي فإذا جاء المحرم فعلي الاول شاة في القديم ونصف شاة في الجديد(5/453)
شاة في القديم (وأما) الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة في القديم وفي الجديد وجهان (احدهما) شاة لان الاول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الاول ايضا (واظهرهما) نصف شاة لانه كان خليطا في جميع الحول واما في سائر الاحوال فيثبت حكم الخلطة على الظاهر وعلي الوجه المنسوب إلي ابن سريج لا يثبت وفرعوا على هذه الاختلافات صورا (منها) لو ملك الرجل اربعين غرة المحرم ثم اربعين غرة صفر فإذا جاء المحرم فعلى الجديد يلزمه للاربعين الاولي شاة وإذا جاء صفر يلزمه للاربعين الثانية نصف شاة أو شاة فيه وجهان (أصحهما) أولها (وعلي القديم) إذا جاء المحرم لزمه للاربعين الاولي نصف شاة لانه كان خليطا لملكه في آخر الحول فإذا جاء صفر لزمه للاربعين الثانية نصف شاة في سائر الاحوال يتفق القولان وعلي الوجه المنسوب إلى ابن سريج يجب في الاربعين(5/454)
الاولي شاة عند تمام حولها وفي الثانية شاة عند تمام حولها وهكذا ابدا ما لم ينقص النصاب وكما يمتنع
حكم الخلطة في ملك الشخصين عند اختلاف التاريخ كذلك يمتنع في ملكي الواحد (ومنها) لو ملك الرجل اربعين غرة المحرم ثم أربعين غرة صفر ثم اربعين غرة شهر ربيع الاول (فعلى القديم) يجبب في كل اربعين عند تمام حولها ثلث شاة (وعلي الجديد) يجب في الاولي عند تمام حولها شاة وفيما يجب في الثانية عند(5/455)
تمام حولها وجهان (احدهما) شاة لان الاربعين الاولي لم يلحقها تخفيف بالثانية فلا يلحق الثانية تخفيف بها (واصحهما) نصف شاة لانها كانت خليطة اربعين في جميع حولها وفي الاربعين الثالثة(5/456)
عند تمام حولها وجهان ايضا (اصحهما) ثلث شاة لكونها خليطة ثمانين (والثاني) شاة وفي سائر الاحوال يتفق القولان وعلى الوجه المنسوب إلى ابن سريج يجب في كل اربعين عند راس حولها شاة ابدا (ومنها) لو ملك رجل اربعين غرة المحرم وملك آخر عشرين غرة صفر وكما ملك خلطا فإذا(5/457)
جاء المحرم وجب علي الاول شاة في الجديد وثلثا شاة في القديم تغليبا للخلطة وإذا جاء صفر وجب علي الثاني ثلث شاة على القولين جميعا لانه كان مخالطا في جميع حوله وعلى الوجه المنسوب إلي بن سريج يجب على صاحب الاربعين شاة أبدا ولا شئ علي صاحب العشرين ولا تثبت الخلطة لاختلاف التاريخ (واعلم) أن الاختلاط مع من لا زكاة عليه كالانفراد حتى لو كان بين مسلم وذمى ثمانون شاة ملكاها(5/458)
أول المحرم ثم أسلم الذمي غرة صفر كان المسلم بمثابة ما إذا انفرد بماله شهرا ثم طرأت الخلطة وجميع ما ذكرنا في الحالتين مفروض فيما إذا طرأت خلطة الجوار أما إذا طرأت خلطة الشيوع كما إذا ملك أربعين شاة وأقامت في يده ستة أشهر ثم باع نصفها مشاعا فهل ينقطع حول البائع في الباقي جعله ابن خيران علي قولين مبنيين على القولين فيما إذا انعقد حولهما علي الانفراد ثم خلطا إن قلنا يزكيان زكاة(5/459)
الخلطة ينقطع الحول ههنا وإن قلنا يزكيان ثم زكاة الانفراد ولا يبني حول الخلطة على حول الانفراد إذا نقطع
الحول لنقصان النصاب والذى قطع به الجمهور ورواه المزني والربيع عن نصه أن الحول لا ينقطع لاستمرار النصاب اما بصفة الانفراد أو بصفة الاشتراك فعلى هذا إذا مضت ستة أشهر من يوم الشراء(5/460)
فعلي البائع نصف شاة لتمام حوله وأما المشترى فينظر إن أخرج البائع واجبه وهو نصف شاة من المال المشترك فلا شئ عليه لنقصان المجموع عن النصاب قبل تمام حوله وإن أخرج من غيره فيبنى علي أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة (إن قلنا) تعلق بالذمة فعليه أيضا نصف شاة تمام حوله(5/461)
(وإن قلنا) تتعلق بالعين ففى انقطاع حول المشترى قولان (أصحهما) عند العراقيين الانقطاع ومأخذ القولين أن اخراج الواجب من موضع آخر يمنع زوال الملك عن قدر الزكاة أو يفيد عوده بعد الزوال ولو ملك ثمانين شاة فباع نصفها مشاعا في أثناء الحول لم ينطقع حول البائع عن النصف الباقي قطعا وفيما يجب(5/462)
عليه عند تمام حوله وجهان (أحدهما) شاة لانه كان منفردا بنصاب في بعض الحول فغلب حكم الانفراد (وأصحهما) عند صاحب التهذيب نصف شاة لان الحول انعقد علي ثمانين والنصف الذى بقى آخرا كان مختلطا بأربعين في جميع الحول ولو ملك أربعين وباع نصفها معينا نظر ان ميزها قبل البيع أو بعده وأقبضها(5/463)
فقد زالت الخلطة ان كثر زمان التفريق فإذا خلطا يستأنف الحول وان كان زمان التفريق يسيرا ففى انقطاع الحول وجهان (أوفقهما) لكلام الاكثرين الانقطاع ولو لم يميز لكن أقبض البائع المشترى جميع الاربعين لتصير العشرون مقبوضة فالحكم كما لو باع النصف مشاعا فلا ينقطع حول الباقي علي الصحيح وفيه وجه أنه ينقطع الانفراد بالبيع والطارئ في صورة بيع النصف على التعيين خلطة الجواز وان اوردناه(5/464)
في هذا الموضع ولو أن رجلين لهذا أربعون ولهذا أربعون فباع أحدهما جميعها بجميع ما لصاحبه في خلال الحول انقطع حولاهما واستأنفا من يوم المبايعة ولو باع أحدهما النصف الشائع من أغنامه
بالنصف الشائع من أغنام صاحبه والاربعينان متميزان فحكم الحول فيما بقى لكل واحد منهما من أربعينة كالحكم فيما إذا كان للرجل أربعون فباع نصفها شائعا والصحيح أنه لا ينقطع فإذا تم حول ما بقى لكل واحد منهما فهذا مال ثبت له الانفراد أولا والخلطة في آخر الحول ففيه القولان السابقان (القديم) أنه يجب علي كل واحد ربع شاة لانه خليط ثمانيه حال الوجوب وحصة العشرين ربع (والجديد) أنه يجب علي كل واحد منهما نصف شاة لانه كان منفردا باربعينه وحصة العشرين(5/465)
منها النصف وإذا مضي حول من وقت التبايع فعلي كل واحد منهما للقدر الذي ابتاعه ربع شاة علي القديم وفى الجديد وجهان (أصحهما) ربع شاة أيضا لانه كان مختلطا من حين ملك الي آخر الحول (والثانى) نصف شاة لانه لما لم يرتفق الباقي لكل واحد منهما بالحادث لم يرتفق الحادث بالباقي أيضا (القسم الثاني) أن يطرأ الانفراد علي الخلطة فيزيكى من بلغ ماله نصابا زكاة الانفراد من وقت الملك كما سبق ولو كان بينهما أربعون مختلطة فخالطهما رجل بعشرين في أثناء حولهما ثم ميز أحد الاولين ماله قبل تمام الحول فلا شئ عليه عند تمامه ويجب علي الآخر نصف شاة وكذا علي الثالث عند تمام حوله نصف والوجه المنسوب الي ابن سريج ينازع فيه ولو كان بينهما ثمانون مشتركة فاقتسما(5/466)
بعد ستة أشهر فان قلنا القسمة إفراز فعلي كل واحد عند تمام الحول شاة كما لو ميزا في خلطة الجوار وان قلنا بيع فيجب على واحد عند تمام باقي نصف شاة ثم إذا مضي حول من وقت القسمة فعلى كل واحد منهما نصف شاة لما تجدد ملكه عليه وهكذا في كل ستة أشهر كما لو كان بينهما أربعون شاة فاشترى أحدهما نصف الآخر بعد مضي ستة أشهر يجب عليه عند مضي كل ستة أشهر نصف شاة والله تعالي أعلم * قال (الفصل الرابع في اجتماع المختلط والمنفرد في ملك واحد فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك أربعين ببلده أخرى فقولان (أحدهما) ان الخلطة خلطة ملك فكأنه خلط الستين بالعشرين (والثانى)(5/467)
أنه خلطة عين فلا يتعدى حكمها الي غير المخلوط فان قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وان قلنا بخلطة الملك فعليه ربع شاة وكأنه خلط الستين وأما صاحب الستين فقد قيل يلزمه شاة تغليبا للانفراد وقيل ثلاثة أرباع شاة تغليبا للخطة وقيل خمسة أسداس ونصف سدس جمعا بين الاعتبارين فيقدر في الاربعين كانه منفرد بجميع الستين فيخص الاربعين ثلثا شاة ويقدر في العشرين كانه مخالط بالجميع فيخص العشرين ربع شاة والمجموع ما ذكرناه ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكل واحد أربعون ينفرد بها فالاوجه الثلاثة جارية في حق كل واحد) *(5/468)
هذا الفصل والذى بعده ذو اغور لالتفاف ما فيهما من الاختلافات فتشمر للفهم * واعلم أنه إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة وماشية منفردة من جنسها كما لو خلط عشرين شاة بعشرين لغيره خلطة جوار أو خلطة شركة وله أربعون منفرد بها فكيف يؤديان الزكاة فيه قولان أصلهما أن الخلطة خلطة ملك أو خلطة عين وفيه قولان (أصحهما) وعليه فرع المختصر وهو اختيار ابن سريج وأبي اسحق والاكثرين أن الخلطة خلطة ملك أي كل ما في ملكه يثبت فيه حكم الخلطة ووجهه ان الخلطة(5/469)
تجعل مال الاثنين كمال الواحد ومال الواحد يضم بعضه إلى بعض وإن كان في مواضع متفرقة فعلى هذا في الصورة المذكور يجعل كأن صاحب الستين خلط جميع ستينه بعشرين لصاحبه فيلزمهما شاة ثلاثة أرباعها علي صاحب الستين وربعها علي صاحب العشرين (والثاني) أن الخلطة خلطة عين أي يقتصر حكمها علي قدر المخلوط ووجهه ان علة ثبوت الخلطة خفة المؤنة في المرافق لا جتماع الماشية في المكان الواحد وهذا المعني لا يوجد إلا في القدر المختلط واستفيد هذا القول من نصه في رواية الربيع أن الرجل إذا كان له ثمانون من الغنم ببلدين أربعون بكل واحد منهما فباع نصف أحد هما شائعا من رجل فإذا تم حول البائع فعليه شاة وإذا تم حول المشترى فعليه نصف شاة قال أبو بكر(5/470)
الفارسي: ولولا أنه لم يحكم بالخلطة إلا في القدر المختلط لكان علي صاحب الستين ثلاثة أرباع شاة وعلي صاحب العشرين ربعها عند تمام حولها وهكذا يكون الجواب إذا فرعنا على أن الخلطة خلطة ملك وإذا قلنا بالقول الثاني ففى الصورة المذكورة اولا يجب على صاحب العشرين نصف شاة بلا خلاف لان جميع ماله خليط عشرين وفي أربعين شاة فحصة العشرين نصفها * وما الذى يجب علي صاحب الستين فيه خمسة أوجه ذكر الثلاثة الاولى منها في الكتاب (أصحها) وهو اختيار الاودنى والقفال أنه يلزمه شاة لانه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فيغلب حكم الانفراد كما لو انفرد بالمال في بعض الحول ثم خلط وإذا غلبنا حكم الانفراد صار كأنه منفرد بجميع الستين وفيها شاة وهذا الوجه هو(5/471)
الذى نص عليه في المسألة التي حكيناها عن رواية الربيع (والثانى) ذكره ابن أبى هريرة وأبو علي الطبري فيما حكاه صاحب الشامل أنه يلزمه ثلاثة أرباع شاة لان جميع ماله ستون وبعضه مختلط حقيقة فلا بد من اثبت حكم الخلطة فيه وإذا اثبتنا حكم الخلطة فيه وجب اثباته في الباقي لان ملك الواحد لا يتبعض حكمه فيجعل كأنه خلط جميع الستين بالعشرين وواجبها شاة حصة الستين منها ثلاثة ارباع وهذا معنى قوله في الكتاب تغليبا للخلطة وهذا الوجه يشبه القول القديم في تغليب الخلطة إذا انفرد في بعض الحول ثم خلط وهو والاول متفقان علي انه لا يمكن ان يحكم لمالى صاحب الستين بحكمين مختلفين الخلطة والانفراد ثم صاحب الوجه الاول يقول تغليب الانفراد اولي(5/472)
وصاحب الثاني يقول الخلطة أولي وأما أصحاب الوجوه الآتية فيجوزون الحكم في مالى المالك الواحد بحكمين مختلفين ويحتجون عليه بما لو مالك زرعين سقي أحدهما بالنضح وسقي الثاني بماء السماء فانه يجب في هذا العشر وفي ذاك نصف الشعر ويضم البعض الي البعض في استكمال النصاب (والوجه الثالت) وهو اختيار أبي زيد والخضرى أن عليه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعا ببن اعتبار الخلطة والانفرد وذلك لان جميع ماله ستون بعضه مختلط وبعضه منفرد ولابد من ضم أحدهما إلي الآخر وإن حكمنا لهما بحكمين مختلفين فنوجب في الاربعين المنفردة حصتها
من الواجب لو انفرد بالكل وذلك شاة حصة الاربعين منها ثلثا شاة ونوجب في العشرين المختلطة حصتها من الواجب لو خلط الكل وهي ربع شاة لان الكل ثمانون وواجب ثمانين شاة فحصة عشرين منها ربع والثلثان والربع خمسة أسداس ونصف سدس (والوجه الرابع) ويحكى عن ابن سريج واختيار صاحب التقريب ان عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة كما انها واجب خليطه في عشرينه المختلطة فلا يتعدى حكم الخلطة عن الاربعين وثلثا شاة في الاربعين المنفردة فانه حصة الاربعين لو انفرد بجميع ماله (والوجه الخامس) أن عليه شاة ونصف شاة في الاربعين المنفردة ونصف شاة في العشرين المختلطة كما لو كان المالان لمالكين وهذا أضعف الوجوه لان فيه افراد ملك الواحد بعضه عن بعض مع اتحاد الجنس وإيجاب شاة ونصف شاة في الستين ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكل واحد منهما أربعون منفرد ببها فقد اجتمع في ملك كل واحد منهما المختلط والمنفرد ففيما يجب عليهما القولان إن قلنا الخلطه خلطة ملك فعليهما شاة على كل واحد نصفها لان جميع المال مائة وعشرون وفيها شاة وإن قلنا الخلطة خلطة عين ففيما علي كل واحد منهما الاوجه الخمسة لكن قد يختلف المقدار في بعض الوجوه (أصحها) أن علي كل واحد منهما شاة تغليبا(5/473)
للانفراد (وثانيها) أن علي كل واحد ثلاثة أرباع شاة لان كل واحد منهما يملك ستين منها ما هو خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكل فيكون لكل ثمانون حصة ستين منها ثلاثة أرباع هكذا ذكر في التهذيب ولفظ الكتاب يوافقه حيث قال فالاوجه الثلاثة جارية في حق كل واحد لكن الشيخ ابا علي وإمام الحرمين قالا إذا غلبنا حكم الخلطة يجب على كل واحد منهما في هذه الصورة نصف شاة بخلاف الصورة الاولي وجب فيها على صاحب الستين ثلاثة أرباع لان ثم إذا قدرنا الاختلاط في جميع المالين يكون المبلغ ثمانين والستون ثلاثة أرباعها وههنا إذا غلبنا الخلطة وأثبتناها في الكل يكون المبلغ مائة وعشرين فواجبها شاة حصة كل واحد نصفها ولمن قال بالاول أن يقول انما ثبت حكم المختلط في المنفرد برابطة اتحاد المالك وذلك يقتضى أن يدخل في الحساب علي كل واحد منهما ما ينفد به كل واحد واحد ثم علي ما ذكره الشيخ يكون الواجب عليهما
جميعا شاة واحدة وجملة المال مائة وعشرون والواجب عليهما في الصورة الاولى شاة وربع مع ان جملة المال ثمانون فكيف يزداد المال وينقص الواجب مع وجود الخلطة في الحالتين (وثالثها) أن علي كل واحد منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعا بين اعتبار الخلطة والانفراد فيقدر كل واحد منهما منفردا بالستين ولو كان كذلك لكان فيها شاة فحصة الاربعين فيها ثلثا شاة ثم يقدر أنه خلط جميع الستين بالعشرين وذلك ثمانون وفيها شاة فحصة العشرين منها ربع شاة فالجموع خمسة أسداس ونصف سدس هكذا ذكر الشيخ أبو علي والامام وهو الموافق للفظ الكتاب وأورد في التهذيب أن على كل واحد منهما علي هذا الوجه خمسة أسداس شاة بلا زيادة توجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطا وذلك مائة وعشرون وواجبها شاة فحصة العشرين سدس شاة ويجب في الاربعين ثلثا شاة كما سبق فالمبلغ خمسة أسداس (وأعلم) ان هذا التوجيه مثل(5/474)
ما ذكره الشيخ والامام في الوجه الثاني وما ذكرناه في هذا الوجه مثل ما ذكره في التهذيب في الوجه الثاني ولم يستمر واحد من الكلامين علي طريقة متحدة والله أعلم (ورابعها) أن على كل واحد منهما شاة وسدس شاة نصف شاة في العشرين المختلطة قصرا لحكم الخلطة علي الاربعين وثلثا شاة في الاربعين المنفردة علي ما سبق (وخامسها) أن علي كل واحد منهما شاة ونصف شاة شاة للاربعين المنفردة ونصف شاة للعشرين المختلطة هذا شرح المسألتين المذكورين في الكتاب ثم نعود الي ما يتعلق بلفظ الكتاب (أما قوله) فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك أربعين ببلدة أخرى فقد يخطر ببالك في هذا الموضع يحثان (أحدهما) أنه لم قال ببلدة أخرى وما الحكم لو كان بتلك البلدة فاعلم أن ابا نصر صاحب الشامل رحمه الله صرح بنفى الفرق بين أن يكون الاربعون المنفردة في بلد المال المختلطة أو في بلد أخرى ولا شبهة في أن الامر علي ما ذكره وكأن تعرض الاصحاب لكون الاربعين في بلدة اخرى اتباع للفظة الشافعي رضى الله عنه فانه هكذا صور المسألة في المختصر لكن من يورد القولين لا يحسن منه ذكره في صورة المسألة حسنه في المختصر لانه أجاب فيه علي ان الخلطة خلطة ملك فالفرض فيما إذا كان ماله المنفرد في بلدة اخرى يفيد غرض المبالغة لانه إذا
اتحد الحكم وبعض المال في بلدة أخرى فلان يتحد والكل في بلدة واحدة كان اولى (والثانى) ان التصوير فيما إذا اتفق حول صاحب الستين وصاحب العشرين ام فيما إذا اختلف حولاهما أم لا فرق (والجواب) انه لا فرق في اثبات القولين ثم ان اختلف الحولان زاد النظر في التفصيل المذكورة في الفصل قبل هذا وذكر القاضى ابن كج ان الخلاف فيما إذا اختلف حولاهما فاما إذا اتفقا فلا خلاف في ان عليهما شاة ربعها علي صاحب العشرين والباقى علي صاحب الستين وهذا يرخص في اعلام قوله في الكتاب فقولان بالواو والمشهور الاول (وقوله) فان قلنا بخلطة العين الي آخره في نظم الكتاب خلط في تفريع أحد القولين بالآخر ولم ينص علي ما يجب علي صاحب الستين علي قولنا(5/475)
الخلطة خلطة ملك (وقوله) عقيب التفريع على أهذا القول وأما صاحب الستين يرجع الي اول الكلام وهو التفريع علي خلطة العين فاعرف ذلك وكان الاحسن به ان يقول فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب العشرين ربع شاة وان قلنا بخلطة العين فعليه نصف شاة وأما صاحب الستين إلى آخره حتي لا يدخل الكلام من قول في قول ويجوز ان يعلم قوله يلزمه شاة بالواو وكذا الحكم المذكور في الوجهين بعده اشعارا بأن في المسالة وراء هذه الوجوه خلافا آخر (وقوله) في الصورة الثانية فالاوجه الثلاثة جارية أي علي قول خلطة العين وأما علي قول خلطة الملك فالحكم ما قدمناه ولك أن تعلم قوله جارية بالواو لما حكينا من الاضطراب في الوجه الثاني والثالث والله أعلم * قال (الفصل الخامس في تعدد الخليط فإذا ملك أربعين فخلط عشرين بعشرين لرجل وعشرين بعشرين لآخر فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب الاربعين نصف شاة فان الكل ثمانون وصاحب العشرين يضم ماله إلى خليطه وهل يضم إلي خليط خليطه وجهان فان ضم فواجبه ربع شاة وإلا فواجبه ثلث شاة لان المجموع ستون وإن قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وفي صاحب الاربعين الاوجه الثلات وهو شاة بتغليب الانفراد أو نصفها بتغليب الاختلاط أو ثلثا شاة للجمع بين الاعتبارين) * كلام هذا الفصل مبنى على قولي خلطة الملك والعين أيضا وخاصيته ان الواحد خالط ببعض
ماله واحد وببعضه آخر ولم يخالط أحد خليطه الآخر وما ترجم الفصل به لا يفصح عن هذه الخاصية لكنها هي المقصودة إذا عرفت ذلك فلقول إذا كان للرجل أربعون من الغنم مخلط عشرين منها بعشرين لرجل لا يملك سواها والعشرين الباقية بعشرين لآخر لا يملك سواها فان قلنا الخلطة خلطة(5/476)
الملك فعلي صاحب الاربعين نصف شاة لانه خليط لهما ومبلغ الاموال ثمانون وواجبها شاة فحصة الاربعين نصفها وأما كل واحد من صاحبي العشرين فما له مضموم إلي جميع مال صاحب الاربعين وهل يضم الي مال الآخر أيضا فيه وجهان (أحدهما) نعم لينضم الكل في حقهما كما انضم في حق صاحب الاربعين (والثاني) لالان كل واحد منهما لم يخالط بماله الآخر أصلا بخلاف صاحب الاربعين فانه خالط كل واحد منهما ببعض ماله فلذلك ضم الكل في حقه وهذا أصح عند الشيخ أبى علي والاول اختيار صاحب التقريب وبه أجاب أصحابنا العراقيون * وان قلنا بالوجه لثاني فعلي كل واحد منهما ثلث شاة لان مبلغ ماله ومال خليطه ستون وواجبها شاة حصة العشرين منها ثلث وإن قلنا بالاول فعلي كل واحد منهما ربع شاة لان المجموع ثمانون حصة العشرين منها ربع وان قلنا الخلطة خلطة عين فعلى كل واحد من صاحبي العشرين نصف شاة لان مبلغ ماله وما خالط ماله اربعون وله نصفها وأما صاحب الاربعين فيجئ فيه الوجوه المذكورة في الفصل الاول في حق صاحب الستين (أحدها) ان عليه شاة تغليبا للانفراد هذا لفظ صاحب الكتاب والائمة ولم يريدوا به حقيقة الانفراد فانه غير منفرد بشئ من ماله لكن قالوا ما لم يخالط به زيدا فهو منفرد عنه ولا فرق بالاضافة إليه بين أن يكون مخلوطا بمال غيره وبين ان لا يكون مخلوطا أصلا وإذا كان كذلك فيعطي لله حكم الانفراد ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالبافي أيضا وكذا بالاضافة الي الخليط الثاني وكأنه لم يخالط أحدا وعلي الوجه الثاني يلزمه نصف شاة تغليبا للخلطة فانه لابد من اثبات حكمها فيما وجدت ولابد من ضم ملكية احد هما الي الآخر للاجتماع في الملك وكل المال ثمانون وكأنه خلط أربعين بأربعين قال في النهاية وهذا الوجه أصح ههنا وعلي الوجه الثالث يلزمه ثلثا شاة جمعا بين اعتبار الخلطة(5/477)
والانفراد وذلك بأن نقول لو كان جميع ماله مضموما الي ملك زيد لكان المبلغ ستين وواجبها شاة حصة العشرين منها الثلث وهكذا نفرض في حق الثاني فيجتمع عليه ثلثان وعلي الوجه الرابع وهو أن ثمة يجب شاة وسدس ههنا يجب شاة مثل ما ذكرنا في الوجه الاول لانا نوجب في العشرين المختلطة بمال زيد نصف شاة وكذا في العشرين المختلطة بمال عمرو فيجتمع عليه شاة وهكذا يكون قياس الوجه الخامس ههنا فالحاصل في المسألة ثلاثة أوجه على ماذ كر في الكتاب لا غير * ونختم الباب بذكر صور أخرى مما يتفرع علي القولين (احداها) ملك ستين من الغنم وخالط بكل عشرين منها عشرين لرجل فان قلنا بخلطة الملك فعلي صاحب الستين نصف شاة وفي أصحاب العشرينات وجهان ان ضممنا مال بعضهم الي بعض كما نضم مال صاحب الستين إلى مال كل واحد منهم فعلي كل واحد منهم سدس شاة والا فعليه ربع شاة وان قلنا بخلطة العين فعلى كل واحد من أصحاب العشرينات نصف شاة وفي صاحب الستين الوجوه: علي الاول يلزمه شاة وعلى (الثاني) نصف شاة وعلى (الثالث) ثلاثة أرباع شاة لان كل ماله لو كان مع زيد كان المبلغ ثمانين حصة العشرين المخلطة منها ربع وهكذا يقدر بالاضافة الي عمرو وبكر فيجتمع ثلاثة أرباع وعلي (الرابع) شاة ونصف في كل عشرين نصف شاة كما يجب ذلك علي كل خليط (الثانية) ملك خمسا وعشرين من الابل فخالط بكل خمس منها خمسا لرجل إن قنلا بخلطة الملك فعلي صاحب الخمس والعشرين نصف حقة لان الكل خمسون وفيما علي كل واحد من خلطائه وجهان (أحدهما) عشر حقة (والثانى) سدس بنت مخاض كأنه خلط خمسا بخمس وعشرين لا غير: وإن قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من خلطائه شاة وفي صاحب الخمس والعشرين الوجوه المتقدم: على الاول عليه بنت مخاض وعلى الثاني(5/478)
نصف حقة وعلي الثالث خمسة أسداس بنت مخاض لان جميع ماله لو كان مختلطا بالخمس التى هي لزيد مثلا كان المبلغ ثلاثين وفيها بنت مخاض حصة الخمس سدسها وهكذا نقدر في حق سائر الخلطاء فيجتمع ما ذكرنا وعلي الرابع خمس شياه في كل خمس شاة كما في حق خلطائه (الثالثة) له عشر من الابل خلط خمسا منها بخمس عشرة لرجل وخمسا بخمس عشرة لآخر إن قلنا بخلطة
الملك فعلى صاحب العشر ربع بنتت لبون لان الكل أربعون وفيما علي صاحبيه وجهان إن ضممنا مال (أحدهما) مع مال صاحب العشر إلي الآخر فعلي كل واحد ثلاثة اثمان بنت لبون لان خمسة عشر ثلاثة أثمان أربعين وان لم نضمه الا الي مال صاحب العشرة فعلي كل واحد ثلاثة اخماس بنت مخاض لان الكل خمس وعشرون وان قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من الخليطين ثلاث شياه لانه خالط خمس عشرة بخمس وحكم الخلطة لا يتعدى المخلوط علي هذا القول: وفيما يلزم صاحب الشعر الوجوه: علي الاول يلزمه شاتان كأنه منفرد بالعشر وعلي الثاني ربع بنت لبون كأنه خلط عشرا بثرثين وعلى الثلث خمسا بنت مخاض إذ لو خلط كل العشر بمال زيد لكان فيها بنت مخاض وخصة الخمس خمس بنت مخاض وهكذا نقدر في حق الآخر فيجتمع ما ذكرنا وعلى الرابع(5/479)
يلزمه شاتان كما ذكرنا في الوجه الاول كما لو كانت الخمستان لشخصين فتعود الاوجه الي ثلاثة في هذه الصورة وهذه الصورة من مولدات ابن الحداد وجوابه فيها أن علي صاحب العشر ربع بنت لبون وعلى كل واحد من خليطيه ثلث شياه وغلطه أبو زيد والخضرى وغير هما فقالوا ايجاب ربع بنت اللبون علي صاحب الشعر جواب علي قول خلطة الملك وايجاب الشياه عليهما جواب علي قول خلطة العين ولا يصح أن يفرع الجواب في حق البعض علي قول وفي حق البعض علي قول آخر وصوبه القفال وقال كلاهما صحيح تفريعا على قول خلطة العين أما ايجاب الشاة علهيا فظاهر وأما ايجاب ربع بنت اللبون فهو جرى منه علي الوجه الثاني من الوجوه المذكورة على هذا القول وعليه بنى مسائل في المولدات ولعل تغليط الشيخين أبي زيد والخضرى مبنى على أنهما يذهبان إلى الوجه الثالث كما سبق وتابع الشيخ أبو علي القفال في التصويب (الرابعة) ان أردت أن تفرع صورة على هذه الاختلافات من عند نفسك فقدر أن لك عشرين من الابل خلطت كل خمس منها بخمس وأربعين لرجل واعرف أنا ان قلنا بخلطة الملك فعليك الاغبط من نصف بنت لبون أو خمسى حقة على الصحيح وذلك لانها قد قدمنا أن الابل إذا بلغت مائتين فالصحيح أن واجبها الاغبط من خمس بنات لبون أو أربع حقاق وجملة أموال خلطائك مع مالك(5/480)
مائتبن فان كان الاغبط خمس بنات لبون فحصة عشرين منها نصف بنت لبون وان كان الاغبط أربع حقاق فحصة العشرين مها خمسا حقة وفيما يجب على خلطائك وجهان ان ضممنا مالك الي مال كل واحد منهم مع ضم مال بعضهم الي بعض فعلي كل واحد منهم تسعة اثمان بنت لبون وهى بنت لبون وثمن أو تسعة اعشار حقة وان لم يضم مال كل واحد منهم الا مالك فعلى كل واحد منهم تسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة لان جملة المال خمس وستون وواجبها جذعة فحصة خمس وأربعين منها ما ذكرنا: وان قلنا بخلطة العين فعلي كل واحد من خلطاءك تسعة أعشار حقة لان المبلغ خمسون وفيما يلزمك الوجوه: على الاول يلزمك أربع شياه كأنك منفرد بالعشرين وعلي الثاني يلزمك الاغبط من نصف بنت لبون أو خمس حقة كأنك خلطت العشرين بمائة وثمانين وعلى الثالث يلزمك أربعة اجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة إذ لو خلطت جميع مالك إلى مال زيد من خلطائك لبلغ المجموع خمسا وستين وفيها جذعة حصة خمس منها جزء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة وهكذا نقدر في حق الثلاثة الباقين فيجتمع ما ذكرنا وعلي الرابع يلزمك أربع شياه كما في الوجه الاول كما لو كانت كل خمس لرجل وهذه المسائل كلها مفروضة فيما إذا اتفقت اوائل الاحوال فان اختلفت انضم الي هذه الاختلافات ما سبق من الخلاف عند اختلاف الحول (مثاله) في الصورة الاخيرة لو اختلف حول خلطائك وحولك فتزكى وهم في السنة الاولي زكاة الانفراد وهى الشياه كل عند تمام حوله وفي سائر السنين كل يؤدى زكاة الخلطة هذا هو الصحيح وفي القديم الواجب في السنة الاولى أيضا زكاة الخلطة وعلي الوجه المنسوب إلى ابن سريج لا تثبت الخلطة أصلا *(5/481)
(فرع) لو خلط خمس عشرة من الغنم بخمس عشرة لغيره ولاحدهما خمسون ينفرد بها فان قلنا الخلطة خلطة عين فلا شئ علي صاحب الخمس عشرة لان المبلغ ناقص عن النصاب وعلي الآخر زكاة خمس وستين وهى شاة وهو كمن خالط ذميا أو مكاتبا حكمه حكم المنفرد وإن قلنا الخلطة خلطة ملك ففيه وجهان (أحدهما) أنه لاحكم لهذه الخلطة أيضا لان المختلط يجب أن يكون نصابا ليثبت حكم الخلطة فيه ثم يستتبع غيره (والثاني) وهو الاصح يثبت حكم الخلطة ويجعل كأن الخمسين
مضمومة الي الثلاثين المختلطة والمجموع ثمانون وواجبها شاة فيجب على صاحب الخمس والستين ستة أثمان شاة ونصف ثمن وعلي الآخر ثمن ونصف ولا يخفى نظائره علي الموفق * قال (الشرط الثالث في الحول فلا زكاة في النعم حتي يحول عليها الحول الا السخال الحاصلة في وسط الحول من نفس النصاب الذى انعقد الحول عليه فان الزكاة تجب فيها بحول الامهات مهما أسيمت في بقية السنة فلو ماتت الامهات وهي نصاب لم تقطع التبعية (ح و) ولو ملك مائة وعشرين فنتجت في آخر الحول سخلة وجبت شاتان لحدوثها في وسط الحول) * ذكر في أول كتاب الزكاة للمال لواجب فيه ستة شروط (أحدها) كونه نعما (والثاني) كونه نصابا وقد تم الكلام فيهما (والثالث الحول) فيشترط في وجوب الزكاة في النعم حولان الحول عملا باطلاق ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) ويستثنى عنه النتاج(5/482)
فيضم الي الامهات في الحول لما روينا من قبل عن عمر رضى الله عنه ان قال لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة وعن علي رضى الله عنه أنه قال اعتد عليهم بالكبار والصغار وإنما يضم بثلاثة شروط (أحدها) أن يحدث قبل تمام الحول سواء كثر الباقي من الحول أو قل فاما إذا حدث بعد تمام الحول فينظر ان حدث بعد امكان الاداء فلا تضم إلى الامهات في الحول الاول لاستقرار واجبه ولكن يضم إليها في الحول الثاني إن كان قبل إمكان الاداء فطريقان (أحدهما) وبه قال القاضي أبو حامد أنه يبني علي القولين وسنذكرهما في أن الامكان شرط الوجوب أو شرط الضمان ان قلنا شرط الوجوب فتضم الي الامهات كالنتاج قبل الحول وإن قلنا شرط الضمان فلا (واحتج) للاول بان عمر رضى الله عنه قال: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي علي يديه ومعلوم أنه لا يروح بها إلا وقد ولدت في ذلك اليوم ولا تعد المواشي إلا بعد الحول وذكر في البيان أن من الاصحاب من يجعل المسألة على قولين غير مبنيين علي شرط (وأظهرهما) وهو المذكور في الوسيط أنه لا يضم أصلا لان الحول الثاني ناجز فالضم إليه أولى من الضم إلى المنقضى (والشرط الثاني) أن يحدث من نفس ماله اما المستفاد بالشراء أو الارث أو الهبة فلا يضم إلى ما عنده في الحول وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة ولمالك أيضا فيما رواه القاضي ابن كج وغيره
لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس في مال المستفيد زكاة حتي يحول عليه الحول) وأيضا(5/483)
فانه مستفاد هو أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فينفرد بالحول كالمستفاد من غير الجنس وأيضا فان أبا حنيفة رحمه الله سلم أنه لو كان له دراهم فاخرج زكاتها ثم اشتري بها ماشية لا تضم إلي ما عنده في الحول فنقيس غيره عليه ثم عندنا المستفادات وإن لم تضم ألي ما عنده في الحول تضم إليه في النصاب علي ظاهر المذهب وبيانه بصور (احداها) ملك ثلاثين من البقر ستة أشهر ثم اشترى عشرة أخرى فعليه عند تمام حول الاصل تبيع ثم إذا تم حول العشرة فعليه ربع مسنة فإذا حال حول ثان علي الاصل فعليه ثلاثة أرباع مسنة فإذا حال حول ثان علي العشرة فعليه ربع مسنة وهكذا أبدا وهذا كما ذكرنا في طرو الخلطة على الانفراد يجب في السنة الاولى زكاة الانفراد وبعدها زكاة الخلطة: وعن ابن سريج أن المستفاد لا يضم إلى الاصل في النصاب كما لا يضم إليه في الحول فعلى هذا لا ينعقد الحول علي العشرة حتى يتم حول الثلاثين ثم يستأنف الحول على الكل (الثانية) ملك عشرين من الابل ستة أشهر ثم اشترى عشرا فعليه عند تمام حول العشرين أربع شياه وعند تمام حول العشرة ثلث بنت مخاض لانها خالطت العشرين في جميع حولها وواجب الثلاثين بنت مخاض حصة العشرة ثلثها فإذا حال حول ثان علي العشرين فعليه ثلثا بنت مخاض وإذا حال حول ثان علي(5/484)
العشرة فعليه ثلث بنت مخاض وهكذا يزكي أبدا: وعلي ما حكى عن ابن سريج عليه أربع شياه عند تمام الحول علي العشرين وشاتان عند تمام الحول على العشرة ولا نقول ههنا بعدم انعقاد الحول على العشرة حتى يستفتح حول العشرين لان العشرة من الابل نصاب بخلاف العشرة من البقر في الصورة الاولي ولو كانت المسألة بحالها واشترى خمسا فإذا تم حول العشرين فعليه أربع شياه وإذا تم حول الخمس فعليه خمس بنت مخاض وإذا تم الحول الثاني علي الاصل فعليه أربعة أخماس بنت مخاض وعلى هذا القياس وعلي ما حكي عن ابن سريج في العشرين أربع شياه أبدا عند تمام حولها وفي الخمس شاة أبدا ورأيت في بعض الشروح حكاية وجه آخر أن الخمسة لا تجرى في الحول
حتى يتم حول الاصل ثم ينعقد الحول علي جميع المال وهذا يطرد في العشرة في الصورة السابقة بلا شك (الثالثة) ملك أربعين من الغنم غرة المحرم ثم اشترى أربعين غرة صفر ثم أربعين غرة شهر ربيع الاول فقد ذكرناها وما يناظرها في الفصل الثالث من الخلطة قال الصيدلانى وغيره وجميع ذلك إذا قلنا الزكاة في الذمة وأداها من غير المال فان قلنا انها تتعلق بالعين أو قلنا هي في الذمة أداها من المال فينقص الواجب من المستفاد بالقسط وكذلك في الاصل عند تمام الحول الثاني (والشرط الثالث)(5/485)
أن يكون حدوث الفروع بعد بلوغ الامهات نصابا فلو ملك عددا من الماشية ثم توالدت فبلغ النتاج مع الاصل نصابا فالحول يبتدئ من وقت كمال النصاب خلافا لمالك حيث اعتبر الحول من حين ملك الاصول وبه قال احمد في إحدى الروايتين والاصح عنه مثل مذهبنا * لنا مطلق الخبر (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ولانها زيادة بها تم النصاب فيبتدئ الحول من وقت التمام كالمستفاد بالشراء وإذا اجتمعت الشرائط الثلاث ثم ماتت الامهات جميعها أو بعضها والفروع نصاب لم ينقطع حول الامهات بل تجب الزكاة فيها عند تمام حول الامهات لان الولد إذا اتبع الام في الحكم لم ينقطع الحكم بموت الام كالاضحية وغيرها هذا ظاهر المذهب وفيه وجهان آخران (أحدهما) ويشهر بالانماطى أنه يشترط بقاء نصاب من الامهات فلو نقصت عن النصاب انقطعت(5/486)
التبعية وكان حول الفروع من يوم حصلت لانها خرجت عن أن تجب فيها الزكاة ولو انفردث فلا تستتبع غيرها (والثانى) نقله القاضي ابن كج عن رواية أبى حامد أنه لا يشترط بقاء نصاب منها ولكن لابد من بقاء شئ منها ولو واحدة وبه قال أبو حنيفة وقد سبق ذلك في فصل صفات النقصان وقد ذكرنا مذهب مالك واحمد ايضا ثم * وأما ما يتعلق بلفظ الكتاب (فقوله) إلا في السخالي ليس الحكم مقصورا علي السخالى بل العجول والفصلان في معناها (وقوله) في وسط الحول إشارة إلى شرط الاول ويجوز أن يعلم بالميم لان القاضى ابن كج حكي عن مالك أنها تضم الي الامهات وان توالدت بعد الحول ولو حصلت بعد الحول وقبل المكان وجعلناها مضمومة إلى الامهات كما سبق فلا يكون الحصول في وسط
الحول شرطا فيجوز اعلامه بالواو أيضا لذلك (وقوله) من نفس النصاب فيه اشارة الي الشرطين الآخرين (وقوله) الذى انعقد عليه الحول جار مجرى التأكيد والايضاح (وقوله) مهما أسيمت في بقية السنة كالمستغنى عنه في هذا المقام لانه ليس فيه الا تعرض لشرط السوم ونحن إذا تكلمنا في شرط لا نحتاج الي التعرض لسائر الشروط في أثنائه (وقوله) لم تنقطع التبعية معلم بالحاء والالف والواو لما قدمناه (وقوله) في آخر الفصل لحدوثها في وسط الحول كذا هو في بعض النسخ باللام وفي بعضها كحدوثها بالكاف (والاول) أقرب الي سياق كلامه في الوسيط فانه ذكر هذه المسألة بعد ذكر(5/487)
ما لو ملك تسعا وثلاثين فحدثت سخلة يستفتح الحول من حينئذ وبين تغايرهما بان هناك لم يكن الاصل نصابا ولم ينعقد الحول عليه وههنا ما سبق جار في الحول هذا لفظه: وهو معنى قوله ههنا لحدوثها في وسط الحول أي في أثناء الحول المنعقد علي الاصل وان قرب من الانقضاء ومن قرأ كحدوثها في وسط الحول لا يمكنه حمل وسط الحول علي ما هو المراد منه عند قوله الا في السخال الحاصلة في وسطه فان المراد ثم ما قبل التمام ولا شك أن المراد من آخر الحول ههنا حالة القرب من التمام وهى قبل التمام فلا يغاير حتى يشبه أحدهما بالآخر فلعله يحمل الوسط على حقيقة المشهورة وليس ذلك بالجيد واعلم أن فائدة الضم انما تظهر إذا بلغت الماشية بالنتاج نصابا ثانيا كما لو ملك مائة شاة فحدثت احدى وعشرون سخلة فاما إذا لم يحدث الا عشرون فلا تظهر فائدته والاعتبار بالانفصال فلو خرج(5/488)
بعض السخلة وتم الحول قبل انفصالها فلا حكم لها ولفظ الحصول في قوله الحاصلة في وسط الحول قد يوهم خلافه فلا يغلط وإذا اختلف الساعي والمالك فقال المالك حصل هذا النتاج بعد الحول وقال الساعي بل قبله أو قال المالك حصل بسبب مستقل وقال الساعي بل من نفس النصاب فالقول قول المالك فان اتهمه الساعي حلفه * قال (الشرط الرابع أن لا يزول الملك عن عين النصاب في الزكاة العينية فان زال بالابدال بمثله ولو في آخر السنة انقطع الحول فلو عاد بفسخ أو برد بعيب استؤنف الحول ولم يبن وكذلك إذا انقطع
ملكه بالردة ثم أسلم وكذا لا يبني إذا مات حول وارثه علي حوله ومن قصد ببيع ماله في آخر الحول دفع الزكاة صح بيعه (م) واثم) * قد سبق أن الزكاة ضربان زكاة تتعلق بالقيمة وهي زكاة التجارة فلا يقدح فيها ابدال عين بعين وزكاة تتعلق بالعين والاعيان التى تجب فيها الزكاة ويشترط في وجوبها الحول لو زال الملك عنها في خلاله انقطع الحول سواء بادل بجنسه كالابل بالابل أو بغير جنسه كالابل بالبقر وإذا تباد لا بكل واحد منهما يستأنف الحول وكذا الحول الحكم في النقدين إذا بادل الذهب بالذهب أو بالورق ولم يكن صيرفيا يقصد به التجارة وان كان صيرفيا اتخذ التصرف في النقدين منجرا ففيه وجهان في رواية ابن كج والحناطي وصاحب المهذب وغيرهم وقولان في رواية الشيخ أبى محمد وصاحب التهذيب وآخرين (أحدهما) لا ينقطع الحول كما في العروض لو بادل بعضها ببعض علي قصد التجارة (وأصحهما) وهو الجديد علي رواية القولين أنه ينقطع لان التجارة فيها ضعيفة نادرة والزكاة الواجبة فيها زكاة عين والي هذا ذهب ابن سريج ويحكي عنه أنه قال: بشروا الصيارفة بأن لا زكاة عليهم وبنى الصيدلانى وطائفة المسألة علي أصل وهو أن زكاة التجارة وزكاة العين إذا اجتمعتا في مال أيتهما تقدم وفيه خلاف مذكور في الكتاب في موضعه أو غلبنا زكاة التجارة لم ينقطع الحول وان غلبنا زكاة العين فحينئذ فيه وجهان وجه عدم الانقطاع ان دوام الملك حولا شرط في زكاة العين وقد فقد فيصار الي زكاة التجارة كما لو لم يبلغ ماله نصاب زكاة العين وبلغت قيمته نصاب زكاة التجارة تجب زكاة التجارة وازالة الملك عن بعض المال وو الباقي دون النصاب كازالته عن جميع النصاب هذا(5/489)
تفصيل مذهبنا وساعدنا أبو حنيفة في المواشى وقال في مبادلة النقد بالنقد ان الحول لا ينقطع سواء بادل الجنس بالجنس أو بغير الجنس وقال في مبادلة بعض النصاب بالجنس لا ينقطع الحول سواء فيه المواشي وغيرها بناء علي أصلين احدهما أن نقصان النصاب في أثناء الحول لا يقطع الحول عنده والثاني أن المستفاد بالشراء ونحوه يضم الي الاصل في الحول فقال مالك إذا بادل نصابا بجنسه بنى علي الحول سواء فيه المواشي وغيرها وفي مبادلة الحيوان بالنقد وعكسه ينقطع وفي مبادلة جنس من الحيوان بجنس آخر عنه روايتان وقال احمد في مبادلة النقد بالنقد بقول أبى حنيفة رحمه الله وفي مبادلة الجنس
بالجنس من المواشي بقول مالك وفي مبادلة الجنس بغير الجنس من المواشي قال ينقطع * لنا ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتي يحول عليه الحول) ولانه أصل تجب الزكاة في عينه فلا ينبني حوله على حول غيره كالجنسين وكل ما ذكرنا في المبادلة الصحيحة اما الفاسدة فلا تقطع الحول لانها لا تزيل الملك خلافا لابي حنيفة فيما إذا اتصل القبض بها * ثم لو كانت سائمة وعلفها المشترى فقد قال في التهذيب هو كعلف الغاصب لقطع الحول وفيه وجهان وقال القاضى ابن كج عندي تسقط الزكاة وينقطع الحول لانه مأذون من جهة المالك في التصرف فاشبه علفه علف الوكيل بخلاف الغاصب.
ولو باع معلوفة بيعا فاسدا فأسامها المشترى فهو كما لو أسامها الغاصب وسيأتى ذلك * إذا عرفت هذا الاصل فيتعلق به مسائل (احداها) لو باع المال الزكوى أو بادله قبل تمام الحول ثم وجد المشترى به عيبا قديما نظر ان لم يمض عليه حول من يوم الشراء فله الرد بالعيب والمردود عليه يستأنف الحول سواء رده بعد القبض أو قبله وقال أبو حنيفة رحمه الله: ان رده قبل القبض أو بعده لكن بقضاء القاضى يبني علي الحول الاول وان رده بعد القبض بالرضا يستأنف.
وان مضي عليه حول من يوم الشراء ووجب عليه الزكاة فينظر ان لم يخرج الزكاة بعد فليس له الرد سواء قلنا الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة لان للساعي أخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشترى فلا يتقاعد وجوب الزكاة فيه عن عيب حادث ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلي أن يؤدى الزكاة لانه غير متمكن من الرد قبله وإنما يبطل الحق بالتأخير مع التمكن ولا فرق في ذلك بين عروض التجارة وبين الماشية التى تجب زكاتها من جنسها وبين الابل التي تجب فيها الغنم وبين سائر الاموال.
وفي كلام ابن الحداد(5/490)
تجويز الرد قبل إخراج الزكاة ولم يثبتوه وجها وان أخرج الزكاة نظر إن أخرجها من مال آخر فينبني جواز الرد علي أن الزكاة تتعلق بالعين أو تجب في الذمة وفيه خلاف يأتي من بعد إن قلنا تجب في الذمة والمال مرهون به فله الرد كما لو رهن ما اشترى ثم انفك ووجد به عيبا وان قلنا يتعلق بالعين تعلق الارش بالعبد الجاني فكذلك الجواب وان قلنا المسكين شريك فهل له الرد حكي الشيخ أبو على فيه طريقين (أحدهما) ان فيه وجهين كما لو اشترى شيئا وباعه وهو غير عالم بعيبه
ثم اشتراه أو ورثه هل يرد فيه خلاف وهذا ما ذكره العراقيون والصيدلاني وغيرهم (والثانى) القطع بأن له الرد إذ ليس للمسكين شركة محققة في هذا المال ألا ترى أن له أن يودى الزكاة من مال آخر بخلاف ما لو باعه فانه زال الملك لا محالة ولانه بالبيع قد استدرك الظلامة التي لحقته بالشراء من حيث انه روج كما روج عليه وباخراج الزكاة لم يستدرك الظلامة قال الشيخ هذا الطريق علي الصحيح وبه أجاب كثير من أئمتنا ولم يذكروا سواه ورأيت للقاضي ابن كج رواية وجه غريب انه ليس له الرد على غير قول الشركة أيضا لان ما أداه عن الزكاة قد يخرج مستحقا فيتبع الساعي عين النصاب وامام الحرمين أشار إلى هذا الوجه لكن خصه بقدر الزكاة وقال فيما وراءه قولا تفريق الصفقة وان أخرج الزكاة من عين المال فان كان الواجب من جنس المال أو كان من غير جنسه فباع منه بقدر الزكاة فهل له رد الباقي فيه قولان (أحدهما) وهو المنصوص عليه في الزكاة انه ليس له ذلك وهذا إذا لم نجوز تفريق الصفقة وعلي هذا هل يرجع بالارش منهم من قال لا يرجع ان كان المخرج باقيا في يد المساكين فانه ربما يعود إلي ملكه فيتمكن من أداء الجميع فان كان تالفا رجع ومنهم من قال يرجع مطلقا وهو ظاهر نصه لان نقصانه عنده كعيب حادث ولو حدث عيب وامتنع الرد يرجع بالارش ولا ينتظر زوال العيب الحادث (والقول الثاني) انه يرد الباقي بحصته من الثمن وهذا إذا جوزنا تفريق الصفقة وسيأتي القولان في موضعهما إن شاء الله تعالي وفيه قول ثالث أنه يرد الباقي وقيمة المخرج في الزكاة ويسترد جميع الثمن ليحصل غرض الرد ولا تتبعض الصفقة ولو اختلفا في قيمة المخرج علي هذا القول فقال البائع ديناران وقال المشترى بل دينار فالقول قول من: فيه قولان(5/491)
(أحدهما) قول البائع لان الاصل استمرار ملكه في الثمن فلا يسترد منه الا بما يقر به (والثاني) قول المشترى لانه غارم لما أخرجه (المسألة الثانية) حكم الاقالة حكم الرد بالعيب في جميع ما ذكرنا ولو باع المال الزكوى في خلال الحول بشرط الخيار وفسخ البيع فان قلنا الملك في زمان الخيار للبائع أو هو موقوف بنى علي حوله ولم يستأنف وان قلنا انه للمشترى فالبائع يستأنف بعد الفسخ (الثالثة) لو ارتد في خلال الحول هل ينقطع الحول يبني علي الخلاف في ملك المرتد ان قلنا يزول بالردة ينقطع فان
عاد الي الاسلام استأنف وإن قلنا لا يزول فالحول مستمر وعليه الزكاة عند تمامه وان قلنا انه موقوف فان هلك علي الردة تبين الانقطاع من وقت الردة وان عاد الي الاسلام تبين استمرار الملك ووجوب الزكاة علي المرتد في الاحوال الماضية في الرد ينبنى على هذا الخلاف أيضا وسنذكره في الركن الثالث ان شاء الله تعالي (الرابعة) لو مات في أثناء الحول وانتقل مال الزكاة الي الوارث هل يبنى علي حول المورث فيه قولان (القديم) نعم لانه خليفته في حقوق الملك ألا ترى انه يقوم مقامه في حق الخيار والرد بالعيب (والجديد) وهو المذكور في الكتاب انه لا يبني بل يبتدئ الحول من يوم ملكه كما لو ملك بالشراء وغيره وبهذا قال أبو حنيفة وذكر القاضي ابن كج أن أبا اسحق قطع به وامتنع من اثبات قول آخر فحصل في المسألة طريقان وحيث قلنا لا يبنى فلو كان مال تجارة لا ينعقد الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنية التجارة ولو كانت سائمة ولم يعلم الوارث الحال حتي تم الحول فهل تجب الزكاة أم يبتدئ الحول من يوم علم: فيه خلاف مبنى علي أن قصد السوم هل يعتبر وسيأتى ذلك (الخامسة) لا فرق في انقطاع الحول بالمبادلة والبيع في خلاله بين أن يكون محتاجا إليه وبين أن لا يكون بل قصد الفرار من الزكاة الا انه يكره الفرار وعن مالك وأحمد إذا قصد الفرار من الزكاة أخذت منه الزكاة وهل ذلك لامتناع صحة البيع أم كيف الحال قال في الوسيط عند(5/492)
مالك لا يصح البيع وأشار المسعودي الي انه إذا عاد الي ملكه يبنى ولا يستأنف ونقل الماضي ابن كج انه إذا باع وقد قرب الحول فرارا من الزكاة أخذت منه الزكاة وهذا يوهم الاكتفاء بما مضى من الحول والله أعلم * ونرجع الآن إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب ونظمه (أما قوله) أن لا يزول الملك عن عين النصاب في الزكوات العينية فلا شك ان المراد منه عدم الزوال مدة هذا الحول لا على الاطلاق واحترز بالزكاة العينية عن زكاة التجارة فان التبادل فيها لا يقدح علي ما قدمنا ولمستدرك أن يقول الكلام الآن في زكاة النعم والشروط المذكورة تنصرف من حيث النظم والترتيب إليها فلا حاجة إلي الاحتراز عن زكاة التجارة وهو غير متناول بالكلام.
واعلم أن السابق إلي الفهم من حولان الحول هو مضي المدة المعلومة في ملكه بصفة التوالي لكن لا يمكن أن يكون مراد صاحب الكتاب من
شرط الحول هذا لانه لو أراده لارتفع الفرق بين الشرط الثالث والرابع وعاد إلى شئ واحد بل المراد من شرط الحول في إيراده مجرد مضي المدة في ملكه من غير اعتبار صفة التوالى (وقوله) فان زال بالابدال بمثله لا فرق عندنا بين أن يبدله بالمثل أو بغير المثل وإنما خص الكلام بالابدال بالمثل لانه محل النظر والخلاف على ما تقدم واعلم لذلك قوله انقطع الحول بالحاء والميم والالف (وقوله) ولو عاد بفسخ أورد بعيب الرد بالعيب هو: ضرب من الفسخ أيضا لكن كأنه أراد بالفسخ ما ثبت لا بسبب العيب كالفسخ بشرط الخيار وخيار الروية إن اثبتناه والمقابلة إذا جعلناها فسخا وهو الصحيح (وقوله) وكذا إذا انقطع ملكه بالردة أي إذا قلنا إن الردة نزيل الملك فإذا أسلم استأنف الحول علي ما بينا وقد وسم قوله وكذا إذا انقطع بالواو لا للخلاف في أن الردة هل تزيل الملك أم لا فان في نفس اللفظ أشعارا به لكن لانه ذكر في الوسيط أن القول القديم في أن الوارث يبني علي حول المورث طرد في أن المرتد بعد الاسلام يبني وان حكمنا بانقطاع ملكه بالردة وحكى الحناطي أيضا وجها علي هذا القول أنه لا يستأنف (وقوله) من قصد بيع ماله فيه إضمار أي قصد فرارا من الزكاة واعلم قوله صح بيعه بالميم لما ذكرنا عن مالك في بعض الروايات (وقوله) وأثم حكم بالتحريم وقد حكاه امام الحرمين عن بعض المصنفين وتردد فيه من جهة أنه تصرف مسوغ(5/493)
ولو أثمناه لكان ذلك بمجرد القصد والموجود في لفظ الشافعي رضي الله عنه وجمهور الاصحاب انما هو الكراهية والله أعلم * قال (الشرط الخامس السوم فلا زكاة فيما علف في معظم السنة وفيما دونه أربعة أوجه (أفقهها) أن المسقط قدر يعد مؤنة بالاضافة الي رفق السائمة وقيل لا يسقط الا العلف في معظم السنة وقيل القدر الذى كانت الشاة تموت لولاه يسقط حتي لو أسامها نهارا وعلفها ليلا لم يسقط وقيل ما يتمول من العلف يسقط) * لا تجب الزكاة في النعم الا بشرط السوم خلافا لمالك واحتج الشافعي رضى الله عنه بمفهوم ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال (في سائمة الغنم زكاة) وعن أنس (أن أبا بكر رضي الله عنهما
كتب له فريضة الصدقة التى أمر الله تعالى رسوله بها وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة إذا عرف ذلك فالسائمة في جميع الحول تجب فيها الزكاة والمعلوفة في جميع الحول أو اكثره لا زكاة فيها وان اسيمت في بعض الحول وعلفت في بعضه وهو دون المعظم فقد حكي في الكتاب فيه أربعة أوجه (أفقهها) عنده أنه أن علفت قدرا يعد مؤنة بالاضافة الي رفق السائمة فلا زكاة وان استحقر بالاضافة إليه وجبت الزكاة كما لو اسيمت في جميع الحول وفسر رفق السائمة بدرها ونسلها وأصوافها وأوبارها ويجوز أن يقال: المراد منه رفق اسامتها فان في الرعى تخفيفا عظيما فان كان قدر العلف حقيرا بالاضافة لايه فلا عبرة به والي هذا الوجه يميل كلام القاضي ابن كج وفيما علق عن الشيخ ابي محمد أن أبا اسحاق رجع إليه بعد ما كان يعتبر الاغلب (والثانى) أن(5/494)
ذلك لا أثر له وانما ينقطع الحول وتسقط الزكاة بالعلف في اكثر السنة وبه قال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله لانه إذا كانت الاسامة اكثر تخف المؤنة ويحكي هذا عن ابن ابي هريرة تخريجا من احد القولين في السقى بماء السماء والنضح أنه يعتبر الاغلب منهما وعلي هذا الوجه لو استويا قال في النهاية فيه تردد والاظهر السقوط (والوجه الثالث) أنه ان علف قدرا كانت الماشية تعيش لولاه لم يؤثر وان علف قدرا كانت تموت لو لم نزع ولا علفت في تلك المدة انقطع الحول وسقطت الزكاة لظهور المؤنة وهذا هو الذى ذكره الصيدلاني وصاحب المهذب وكثير من الائمة وقد قيل ان الماشية تصبر عن العلف اليوم واليومين ولا تصبر ثلاثة فصاعدا قال في النهاية ولا يبعد أن يلحق الضرر البين بالهلاك على هذه الطريقة (والوجه الرابع) أن ما يتمول من العلف وان قل يبطل حكم السوم فلو أسيمت بعد ذلك استؤنف الحول لان رفق السوم لم يتكامل * فان قلت هذه الوجوه مخصوصة بما إذا لم يقصد بالعلف قطع السوم وان قصده ينقطع الحول لا محالة أو هي مخصوصة بما إذا قصده وإن لم يقصد لم يؤثر لا محالة أو هي شاملة للحالتين: فاعلم أن في كلام الناقلين لبسا في ذلك ولعل الاقرب تخصيص الخلاف بما إذا لم يقصد شيئا أما إذا علف علي قصد قطع السوم ينقطع الحول لا محالة كذا أورد صاحب العدة وغيره ولا أثر لمجرد نية العلف ولو علفها قدرا يسيرا لا يتمول فلا أثر له أيضا
واليه أشار بقوله في الكتاب في الوجه الرابع وقيل كل ما يتمول من العلف يسقط ويجوز أن يعلم من لفظ الكتاب ما سوى الوجه الثاني بالالف والحاء لما ذكرنا أن مذهبهما الثاني ولا يخفى أن المراد من قوله ولا زكاة فيما علف في معظم السنة ما إذا تمحض العلف إذ لو كانت تسام نهارا وتعلف ليلا في جميع السنة كان موضع الخلاف علي ما سبق * (فرع) لو كانت ماشيته سائمة لكنها تعمل كالنواضح ونحوها فهل تجب الزكاة فيها فيه وجهان حكاهما أبو القاسم الكرخي وآخرون (أصحهما) لا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو ما أورده معظم العراقيين لانها لا تقتنى للنماء وإنما تقتنى للاستعمال فلا تجب الزكاة فيها كثياب البدن ومتاع الدار(5/495)
وروى أنه صلي لله عليه وسلم قال (ليس في البقر العوامل صدقة) (والثاني) نعم لحصول الرفق بالاسامة وزيادة فائدة الاستعمال وفي لفظ المختصر ما يمكن الاحتجاج به لهذا الوجه وهو الذى ذكره الشيخ أبو محمد في مختصر المختصر وغيره * قال (ولو اعتلفت الشاة بنفسها أو علفها المالك لامتناع السوم بالبلح علي أن يردها الي الاسامة أو علفها الغاصب ففى سقوط الزكاة وجهان يعبر عنهما بأن القصد هل يعتبر وكذا الخلاف في قصد السوم فان أوجبنا الزكاة في معلوفة اسامها الغاصب ففى رجوعه بالزكاة علي المغصوب منه الوجهان) * الاصل في هذه المسائل انه اختلف الوجه في أن القصد في العلف والسوم هل يعتبر فمن الاصحاب من قال لا يعتبر اما في العلف فلانه يفوت شرط السوم سواء كان عن قصد أو لم يكن (واما) في السوم (فلانه) يحصل به الرفق وتخف المؤنة وان لم يكن عن قصد ومنهم من قال يعتبر (اما) في العلف (فلانه) إذا لم يقصده يدام حكم السوم رعاية لجانب المحتاجين (واما) في السوم) فلانه) إذا لم يلتزم وجوب الزكاة في هذا المال وجب ان لا يلزم ويتفرع علي هذا الاصل صور منها لو اعتلفت سائمة بنفسها القدر المؤثر من العلف هل ينقطع الحول فيه وجهان(5/496)
والموافق لاختيار الاكثرين في نظائرها انه ينقطع لفوات شرط السوم فصار كفوات سائر شروط الزكاة لا فرق فيه بين ان يكون عن قصد أو اتفاقا ولو رتعت الماشية بنفسها ففي وجوب الزكاة وجهان ايضا وفي كلام اصحابنا العراقيين طريقة أخرى قاطعة بعدم الوجوب ههنا (ومنها) لو علف المالك ماشيته لامتناع السوم بالبلح وهو علي عزم ردها إلى الاسامة عند الامكان ففيه الوجهان (أظهرهما) انقطاع الحول لفوات الشرط (والثاني) لا كما لو لبس ثوب تجارة لا بنية القنية لا تسقط الزكاة.
وأعلم أن العلف في هذه الصور جرى بقصد المالك واختياره لكن لما كانت الضرورة داعية إليه وكان ملجأ إليه الحقت الصورة بما إذا جرى العلف من غير قصده وطرد الخلاف فيها (ومنها) لو غصب سائمة وعلفها فيخرج اولا على انه لو لم يعلفها هل كان تجب الزكاة فيها أم لا تجب لكونها مغصوبة وفيه خلاف يأتي في الفصل التالي لهذا الفصل فان قلنا لا زكاة في المغصوب فلا شئ فيها وان قنلا تجب الزكاة في المغصوب فههنا وجهان (أحدهما) تجب لان فعل الغاصب عديم الاثر في تغيير حكم الزكاة الا يرى أنه لو غصب ذهبا وصاغه حليا لا تسقط الزكاة (والثانى) لا تجب لفوات شرط السوم كما لو ذبح الغاصب بعض الماشية وانتقص النصاب وهذا أصح عند الاكثرين وفصل الشيخ أبو محمد فقال ان علفها بعلف من عنده فالاظهر أن حكم السوم لا ينقطع لانه لا يلحق مؤنه بالمالك ولو كان الامر بالعكس فغصب معلوفة وأسامها ان قلنا لا زكاة في المغصوب فذاك وان قلنا تجب فوجهان (احدهما) تجب لخصول الرفق وخفة المؤنة وصار كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر فيما ينبت منها (وأظهرهما) لا تجب لان المالك لم يقصد الاسامة وشبهوا ذلك بما إذا رتعت الماشية بنفسها لكن الخلاف يجرى فيه على أحد الطريقين كما سبق وإذا أوجبنا الزكباة فقد حكي في التهذيب وجهين في انها تجب علي الغاصب لانها مؤنة لزمت بفعله أو علي المالك لان نفع خفة المؤنة عائد إليه ثم حكي علي هذا وجهين آخرين في انه إذا أخرج المالك بزكاة هل يرجع بها علي الغاصب وقوله في الكتاب فان أوجبنا الزكاة في معلوفة اسامها الغاصب ففى رجوعه بالزكاة علي الغاصب على الغاصب وجهان أراد به ان اوجبناها علي المالك وجه عدم الرجوع أن سبب الزكاة ملك(5/497)
المال ووجه الرجوع وهو الاظهر أنه لولا فعل الغاصب لما وجبت الزكاة وقطع صاحب التتمة بالرجوع ورد الخلاف الي أنه هل يؤمر الغاصب بالاخراج أم يخرج المالك ثم يغرم له الغاصب وذكر في النهاية وجهين في أنا إذا أثبتنا الرجوع للمالك هل يرجع قبل إخراج الزكاة أم يخرج ثم يرجع.
واعلم أن الجارى على قياس المذهب لمن أوجب الزكاة ههنا أن يوجبها علي المالك ثم يغرم له الغاصب (أما) ايجاب الزكاة علي غير المالك فبعيد وان كنا نوجب عليه ابتداء فيجب أن نوجب أيضا وإن قلنا لا تجب الزكاة في المغصوب * قال (الشرط السادس كمال الملك وأسباب الضعف ثلاثة (الاول) امتناع التصرف فإذا تم الحول على مبيع قبل القبض أو مرهون أو مغصوب أو ضال أو مجحود ولا بينة عليه أو دين علي معسر ففى جميع ذلك خلاف لحصول الملك وامتناع التصرف وفي المغصوب قول ثالث أنه إن عاد بجميع فوائده زكاه لاحواله الماضية وإن لم تعد الفوائد فلا والتعجيل قبل عود المال غير واجب قطعا والدين المؤجل قيل انه يلحق بالمغصوب وقيل كالغائب الذى يسهل احضاره فان اوجبنا لم يجب التعجيل في أصح الوجهين لان الخمسة نقدا تساوى ستة نسيئه فيودى إلى الاجحاف به) * انما جعل أسباب الضعف ثلاثة لان المالك اما أن لا يكون مستقرا هو السبب الثالث أو يكون مستقرا فاما ان يتسلط الغير علي إزالته وهو السبب الثاني اولا يتسلط فاما تمتنع فيه التصرفات بكمالها وهو السبب الاول أو لا تمتنع فلا ضعف ومما يجب معرفته أن اعتبار هذا الشرط مختلف فيه فان في مسائله كلها اختلاف قول أو وجه على ما سيأتي * إذا تقرر ذلك ففى الفصل مسائل (احداها) ما لو ضل ماله أو غصب أو سرق وتعذر انتزاعه أو اودعه عند انسان فجحده أو وقع في بحر فهل تجب فيه الزكاة قال في باب صدقة الغنم: ولو ضلت عنمه أو غصبها أحوالا ثم وجدها زكاها لاحوالها وقال في باب الدين مع الصدة: ولو جحد ماله أو غصبه أو غرق فاقام زمانا ثم قدر عليه فلا يجوز فيه الا واحد من قولين أن لا يكون عليه زكاة حتى يحول الحول عليه من يوم قبضه لانه مغلوب عليه أو يكون عليه الزكاة لان ملكه لم يزل عنه واختلف الاصحاب على ثلاث طرق (أصحهما)(5/498)
أن المسألة علي قولين (أحدهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا زكاة في هذه الاموال لتعطل نماءها وفائدتها عليه بسبب خروجها من يده وامتناع التصرف فيها فاشبهت مال المكاتب لا تجب الزكاة فيها على السيد (وأصحهما) الوجوب لملك النصاب وحولان الحول وعبر أصحابنا العراقيون وغيرهم عن هذا القول بالجديد وعن الاول بالقديم وعن احمد روايتان كالقولين (أصحهما) الوجوب * وقال مالك: تجب فيها زكاة الحول الاول دون سائر الاحوال (والطريق الثاني) أنه تجب الزكاة فيها قولا واحدا ومن قال بهذا يحمل ما ذكره من الترديد علي الرد على مالك فقال: أراد الشافعي رضي الله عنه أن لا يتوجه الا وجوب زكاة جميع الاحوال كما قلت لاستمرار الملك أو نفيها علي الاطلاق كما قال أبو حنيفة (أما) الفصل بين السنة الاولي وغيرها فلا سبيل إليه والثالث حكي القاضى ابن كج عن ابن خيران أن المسألة علي حالين حيث قال: يزكيها لاحوالها أراد إذا عادت إليه بنماءها وحيث قال لا تجب أراد إذا عادت إليه من غير نماءها فان قلنا بالطريقة الاولى فهل القولان مطلقان أم لا فيه طريقان احدهما وبه قال ابن سريج وأبو إسحق لا بل موضع القولين ما إذا عادت إليه من غير نماءها فان عادت إليه بنماءها وجبت الزكاة قطعا لان الموثر علي قول إنما هو فوات النماء عليه وذكر امام الحرمين شيئين على هذه الطريقة ينبغي أن يحاط بهما (أحدهما) أنه إن عاد المال إليه مع بعض الفوائد دون بعض كان كما لو لم يعد شئ من الفوائد إليه (والثانى) أن المعنى بفوات الفوائد أن يهلكها الغاصب أو تضيع لزوال نظر المالك ويتعذر تغريم الغاصب (فأما) إذا فات شئ في يد الغاصب كان يفوت في يد المالك أيضا (فلا) مبالاة ولو غرم الغاصب كان كما لو عادت الفوائد بأعيانها ويتخرج علي هذه الطريقة قول من قال: ان كان المال المغصوب الدراهم والدنانير ففى وجوب الزكاة قولان وان كان المواشي فتجب الزكاة بلا خلاف لان الدراهم لا تعود بربحها فان ما حصل من الربح يكون للغاصب والمواشى تعود بفوائدها اما بعينها أو بقيمتها حتى لو غصبها أهل الحرب وأتلفوا الدر والنسل جرى فبها القولان هذا أحد الطريقين (وأصحهما) وبه قال أبو على بن ابي هريرة والطبري طرد القولين في الحالتين لان المؤثر علي أحد القولين فوات(5/499)
اليد والتصرف دون فوات النماء ألا ترى ان الذكور التى لا تنمو تجب فيها الزكاة وجميع ما ذكرناه فيما إذا عاد المال إليه إليه ولا شك في أنه لا يجب اخراج الزكاة قبل عود المال الي يده.
ولو تلف بعد مضي أحوال في الحيلولة سقطت الزكاة علي قول الوجوب لانه لم يتمكن من المال وتلف المال بعد الوجوب وقبل التمكن يسقط الزكاة ثم اعرف في المسألة أمرين آخرين (احد هما) ان موضع الخلاف في الماشية المغصوبة ما إذا كانت سائمة في يد المالك والغاصب جميعا فان كانت معلوفة في يد احدهما عاد النظر في أن علف الغاصب واسامته هل يؤثر ان (والثاني) ان زكاة الاحوال الماضية انما تجب علي أحد القولين إذا لم تنقص الماشية عن النصاب باخراج زكاة بعض الاحوال أما إذا كانت نصابا بلا مزيد ومضي عليه أحوال فالحكم علي هذا القول كما لو كانت في يده ومضى أحوال ولم يخرج الزكاة وسنذكره ان شاء الله تعالي جده ولو كانت له اربعون من الغنم فضلت منها واحدة ثم وجدها ان قلنا لا زكاة في الضالة استأنف الحول سواء وجدها قبل تمام الحول أو بعده وان قلنا تجب الزكاة فيها فان وجدها قبل تمام الحول بنى وان وجدها بعده اخرج الزكاة عن الا ربعين ولو دفن ماله في موضع ونسيه ثم تذكره فهذا ضرب من الضلال وفيه ما ذكرنا من الخلاف ولا فرق بين ان يكون الدفن في داره أو في غيرها وقطع بعض المثبتين للقولين في سائر صور الضلال بالوجوب ههنا لانه غير معذور بالنسيان وعند ابي حنيفة رحمه الله ان دفنه في حرزه ففيه الزكاة والا فلا ولو أسر المالك وحيل بينه وبين ماله ففيه طريقان منهم من طرد الخلاف ومنهم من قطع بالوجوب وهو الاصح لان تصرفه نافذ فيه بالبيع وغيره بخلاف ما لو غصب ماله أو ضل.
واعلم ان الائمة ذكروا ان مذهب مالك في الفصل بين الحول الاول وما بعده علي ما سبق مبني علي اصل له وهو ان الامكان من شرائط وجوب الزكاة ولا يبتدئ الحول الثاني الا من يوم الامكان ويوم الامكان ههنا هو يوم الوجدان فمنه يفتتح الحول الثاني ولا يخرج لما مضي الا زكاة حول وهذا الذى ذكروا يقتضى أن يكون للشافعي رضي الله عنه قول مثل مذهبه لان له قولا كمذهبه في أن لامكان من شرائط الوجوب والله أعلم (المسألة الثانية) لو اشترى من الاموال الزكوية نصابا ولم يقبضه حتي مضى حول(5/500)
في يد البائع هل تجب الزكاة على المشترى فيه طرق (أحدها) حكي في النهاية عن بعض المصنفين عن القفال أنها لا تجب قولا واحدا بخلاف المغصوب لان ملك المشترى ضعيف فيه الا ترى أنه لا ينفذ تصرفه وإن رضي البائع ولو تلف تلف علي ملك البائع (وثانيها) أنه على القولين في المغصوب (وأصحهما) وبه قطع الجمهور وجوب الزكاة فيها قولا واحدا بخلاف المغصوب فانه يتعذر الوصول إليه وانتزاعه وههنا يمكنه تسليم الثمن وتسلم المبيع (الثالثة) لو رهن ما شيته أو غيرها من اموال الزكاة فقد حكى الامام والمصنف في الوسيط في وجوب الزكاة فيها عند تمام الحول وجهين لامتناع التصرف وعلي ذلك جرى ههنا فا ثبت الخلاف في المرهون كما في المغصوب والمجحود ونحوهما وقطع الجمهور بوجوب الزكاة فيه وقالوا لا اعتبار بامتناع التصرف فيه كما في الصبى والمجنون ولهم أن يفرقوا بين الحيلولة وامتناع التصرف الواقعين في المرهون وبين الحيلولة وامتناع التصرف الواقعين في المغصوب بأن ما حصل في ما حصل في المرهون حصل برهنه واقباضه وهو بما فعل منتفع بملكه ضربا من الانتفاع بخلاف المغصوب والمجحود نعم يجئ في وجوب الزكاة في المرهون الخلاف بجهة أخرى وهى أن الرهن لابد وان يكون بدين فيأتى فيه الخلاف الذى سنذكره في ان الدين هل يمنع وجوب الزكاة ام لا والذى قاله الجمهور جواب علي القول المشهور وهو انه لا يمنع ثم إذا حكمنا بوجوب الزكاة فيبقى الكلام في انها تؤخذ من عين المرهون أو غيره وقد ذكر في الكتاب قبيل النوع الثاني من الزكاة فنشرحه إذا انتهينا إليه (الرابعة) الدين الثابت علي الغير إما ان لا يكون لا زما كمال الكتابة فلا زكاة فيه لان الملك غير تام فيه وللعبد اسقاطه متى شاء وان كان لازما فينظر ان كان ماشية فلا زكاة فيها ايضا وذكروا له معنيين (احد هما) ان السوم شرط لزكاة المواشى وما في الذمة لا يتصف بالسوم وذلك ان تقول لم لا يجوز ان تكون الماشية الثابتة في الذمة موصوفة بوصف كونها سائمة الا ترى انا نقول ذا اسلم في اللحم يتعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة فإذا جاز ان يثبت في الذمة لحم راعية جاز ان يثبت في الذمة راعية (واصحهما) ان الزكاة انما تجب في المال النامى والماشية في الذمة لا تنموا بخلاف الدراهم إذا ثبتت في الذمة فان سبب الزكاة فيها رواجها وكونها معدة للتصرف ولا فرق(5/501)
فيه بين ان يكون نقدا أو على مليئ وان كان الدين عروض تجارة أو دراهم أو دنانير ففيه قولان قال في القديم فيما رواه الزعفراني لا زكاة في الدين بحال لانه لا ملك فيه حقيقة فأشبه دين المكاتب (والجديد) الصحيح انها تجب في الدين في الجملة وتفصيله انه ان كان يتعذر الاستيفاء لكون من عليه معسرا أو لكونه جاحدا ولا بينة عليه أو ماطله فهو كالمغصوب ففى وجوب الزكاة فيه القولان ولا يجب الاخراج قبل حصوله قطعا وفرق في العدة بين الجحود والاعسار فجعل وجوب الزكاة في الصورتين علي القولين وبين المطل فقطع بوجوب الزكاة فيه وكذا فيما إذا كان دينه علي مليئ غائب وإن لم يتعذر استيفاؤه بأن كان علي مليئ مقر باذل فينظر ان كان حالا وجبت الزكاة فيه ويلزم إخراجها في الحال خلافا لا بى حنيفة وأحمد رحمهما الله حيث قالا لا يؤمر باخراجها الا بعد القبض لنا انه مال مقدور عليه فأشبه ما لو كان مودعا عند انسان وان كان مؤجلا ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انها تجب فيه الزكاة قولا واحدا كالمال الغائب الذى يسهل احضاره (والثانى) انه لا زكاة فيه قولا واحدا ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة لان من له دين مؤجل لا يملك شيئا قبل حلول الاجل (والثالث) وبه قال أبو إسحق أنه علي القولين في المغصوب والمجحود لانه لا يتوصل إلى التصرف فيه قبل الحلول وهذا أظهر عند الائمة وإذا قلنا تجب فيه الزكاة فهل يلزم اخراجها في الحال فيه وجهان (أحدهما) نعم كالغائب الذى يسهل احضاره (وأصحهما) لا حتى يقبضه لانه لو أخرج خمسة نقدا مثلا وماله مؤجل كان بمثابة اخراج ستة وهو اجحاف به فان الخمسة نقدا تساوى ستة نسيئة ولا سبيل الي القناعة بما دون الخمسة (الخامسة) المال الغائب إذا لم يكن مقدورا عليه لا نقطاع الطريق أو انقطاع خبره فهو كالغصوب والمجحود وذكر في التهذيب وجها آخر انه يجب الزكاة فيه لا محالة نعم لا يخرج في الحال حتى يصل إليه وان كان مقدورا عليه معلوم السلامة وجب اخراج زكاته في الحال وينبغي أن يخرج في بلد المال فان أخرج في غير ذلك البلد ففيه خلاف نقل الصدقة وهذا إذا كان المال مستقرا في بلد فان كان سائرا فقد قال في العدة لا يخرج زكاته حتي يصل إليه فإذا وصل زكاه لما مضي بلا خلاف ثم أعود بعد هذا الي ما يتعلق بألفاظ الكتاب(5/502)
(قوله) أو مجحود لا بينه عليه يتناول العين بجحدها من أودع عنده والدين جميعا وانما قل لا بينة عليه لانه لو كان له بينة عاد له فالحكم كما لو لم يكن جاحدا لانه يقدر على الاثبات والاستيفاء ولو كان القاضي عالما بالحال وقلنا انه يقضى بعلمه فهو كما لو كانت له بينة (وقوله) ففى جميع ذلك خلاف أراد بالخلاف الذى أبهمه وجهين في الرهون على ما صرح به في الوسيط وقولين في سائر المسائل جوابا علي طريقة اثبات القولين فيهما ألا تراه يقول بعد ذلك وفي المغصوب قول ثالث ولك ان تعلم قوله ففى جميع ذلك خلاف بالواو اشاره الي الطرق القاطعة بالنفى أو الاثبات (وقوله) وفي المغصوب قول ثالث اشارة الي طريق من خص القولين بما إذا عاد المال إليه بفوائده وإذا ضم ذلك الي قول من طرد القولين خرجت ثلاثة اقوال كما ذكره وربما اوهم قوله وفي المغصوب قول ثلث تخصيص هذا القول بالمغصوب من بين سائر الصور وليس كذلك بل هو جار في الضال والمجحود ايضا (وقوله) ايضا قبل ذلك لحصول؟ الملك وامتناع التصرف اشارة الي توجيه القولين فحصول الملك وجه الوجوب وامتناع التصرف وجه المنع (وقوله) وان لم تعد الفوائد فلا غير مجرى على ظاهره بل المعنى لا بأعيانها ولا بابدالها على ما سبق بيانه (وقوله) والتعجيل قبل عود المال وقوله بعده لم يجب التعجيل ليس المراد من التعجيل ههنا معناه المشهور في الزكاة وهو التقديم على الحول وانما المراد التقديم علي اخذ المال وقد جرى ذلك في لفظ الشافعي رضى الله عنه (وقوله) والدين المؤجل أي علي الموسر المقر (وقوله) قيل انه كالمغصوب ليس للتسوية على الاطلاق فان القول الثلث في المغصوب لا يأتي ههنا وانما الغرض منه التسوية في القولين الا ولين وكذا (قوله) وقيل كالغائب الذي يسهل احضاره ليس مجريا علي اطلاقه لان الغائب الذى يسهل احضاره يجب اخراج زكاته في الحال وفي الدين لا يجب في اظهر الوجهين بل المراد التسوية في وجوب الزكاة قولا واحدا ثم يجوز أعلام كلاميهما بالواو وللوجه المعزى الي ابن أبى هريرة * قال (السبب الثاني تسلط الغير على ملكه كالملك في زمن الخيار والمالك في اللقطة في السنة الثانية إذا لم يتملكها الملتقط هل تجب الزكاة فيها فيه خلاف) *(5/503)
في الفصل مسألتان (أحدهما) إذا باع مالا زكويا قبل تمام الحول بشرط الخيار فتم الحول في مدة الخيار أو اصطحبابه مدة فتم الحول في خيار المجلس فوجوب الزكاة ينبنى علي الخلاف في أن الملك في زمان الخيار لمن يكون: إن قلنا أنه للبائع فعليه الزكاة وبهذا القول أجاب الشافعي رضى الله عنه في هذه المسألة التى نحن فيها وإن قلنا انه للمشترى فلا زكاة علي البائع لانقطاع حوله بزوال ملكه والمشترى يبتدئ الحول من يوم الشراء فإذا تم الحول من يومئذ وجبت الزكاة عليه وان قلنا انه موقوف فان تم العقد تبين الملك للمشترى وان فسخ تبينا انه كان للبائع وحكم الحالتين ما ذكرنا هذا ما ذكره الجمهور من أئمتنا رضي الله عنهم ولم يتعرضوا لخلاف بعد البناء على الاصل المذكور قال امام الحرمين: الا صاحب التقريب فانه قال وجوب الزكاة علي المشترى مخرج علي القولين في المغصوب وبل أولى لعدم استقرار الملك مع ضعف التصرف وعلي هذا جري المصنف فاثبت الخلاف في الملك في زمان الخيار قال امام الحرمين وانما خرجه صاحب التقريب علي القولين إذا كان الخيار للبائع أو لهما فأما إذا كان الخيار للمشترى وحده والتفريع علي أن الملك له مملكه ملك الزكاة بلا خلاف لان الملك ثابت والتصرف نافذ وتمكنه من رد الملك لا يوجب توهينا وعلي قياس هذه الطريقة يجرى الخلاف في جانب البائع أيضا إذا فرعنا علي أن الملك له وكان الخيار للمشترى فانه لو أجاز لزال ملك البائع فهو ملك بتسلط الغير علي ازالته (الثانية) اللقطة في السنة الاولى باقية على ملك المالك فلا زكاة فيها على الملتقط وفي وجوبها علي المالك الخلاف المذكور في المغصوب والضال ثم ان لم يعرفها حولا فهكذا الحكم في سائر السنين وان عرفها فيبنى حكم الزكاة على أن الملك في اللقطة يحصل بنفس مضى سنة التعريف أو باختيار التملك أو بالتصرف وفيه اختلاف يأتي في موضعه ان شاء الله تعالى جده فان قلنا يملك بانقضائها فلا زكاة على المالك وفي وجوبها على الملتقط وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وبناهما على ان المالك لو علم بالحال والعين باقية هل يتمكن من الاسترداد ولا ان قلنا نعم فهو ملك يتسلط الغير علي ازالته وان قلنا يملك باختيار التملك وعليه بنى المسالة في الكتاب حيث قال: إذا لم يتملكها(5/504)
الملتقط وهو المذهب فينظر ان لم يتملكها فهى باقية على ملك المالك وفي وجوب الزكاة عليه طريقان (احدهما) ان فيه قولين كما في السنة الاولى قال في الشامل وغيره وهو الاصح (والثاني) القطع بنفى الزكاة فيها وينقل ذلك عن حكاية ابى اسحاق والفرق ان ملك المالك في المغصوب ونظائره مستقر غير معرض للزوال وملكه في اللقطة بعد سنة التعريف تعرض للازالة وان تملكها الملتقط فليس علي صاحبها زكاتها وهو يستحق القيمة على التملك لكنها في حقه ملك ضال في وجوب زكاتها الخلاف من وجهين (احدهما) انه دين (والثاني) انه غير مقدور عليه فهو كالاعيان التى لا يقدر عليها ثم الملتقط مديون بالقيمة فان لم يملك غيرها ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف الذي نذكره في ان الدين هل يمنع وجوب الزكاة وان ملك ما بقى بالقيمة ففي الوجوب وجهان مبنيان على ما سبق (اظهرهما) واشهرهما الوجوب وان قلنا ان الملك فيها يحصل بالتصرف ولم يتصرف فالحكم كما إذا لم يتملك وقلنا لا بد منه (واعلم) ان الملتقط لورد اللقطة بعد ظهور المالك تعين عليه القبول وفي تمكن المالك من استردادها قهرا وجهان وهذا يوجب ان تكون القيمة الواجبة بعرض السقوط و (حينئذ) لا يبعد التردد في امتناع الزكاة فان قلنا الدين لا يمنع الزكاة كالتردد في وجوب الزكاة على الملتقط مع الحكم بثبوت الملك له لكونه يعرض للزوال وذا عرفت المسالتين لم يخف عليك أن المراد من الخلاف الذى أبهم ذكره طريقان (أظهرهما) في كلام الاصحاب في المسالة الاولي القطع بالوجوب (والثانى) اثبات القولين (واظهرهما) في الثانية اثبات القولين (والثاني) القطع بالمنع (وقوله) إذا لم يتملكها الملتقط أي بعد التعريف سنة فان التسلط حينئذ يثبت قال (وإذا استقرض المفلس مائتي درهم ففى زكاته قولان وجه المنع ضعف الملك لتسلط مستحق الدين عليه وقد يعلل بادئه الي تثنية الزكاة إذ يجب على المستحق باعتبار يساره بهذا المال وعلي هذا إن كان المستحق بحيث لا تلزمه الزكاة لكونه مكاتبا أو ذميا أو لكون الدين حيوانا أو ناقصا عن النصاب وجبت الزكاة علي المستقرض فان كان المستقرض غنيا بالعقار وغيره لم يمتنع (ز ح م) وجوب الزكاة بالدين وقيل أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة إلا في الاحوال الباطنة (ح)) * الدين هل يمنع الزكاة اختلف فيه قول الشافعي رضي الله عنه قال في أكثر الكتب الجديدة
لا يمنع وهو المذهب لاطلاق النصوص الواردة في باب الزكاة وأيضا فانه مالك النصاب وتصرفه نافذ فيه وايضا فان الزكاة إما أن تتعلق بالذمة أو بعين المال ان كان الاول فالذمة لا تضيق عن(5/505)
ثبوت الحقوق وإن كان الثاني فالدين المتعلق بالذمة لا يمنع الحق المتعلق بالعين الا ترى أن عبد المديون لو جني تعلق ارش الجناية برقبته وقال في القديم وفي اختلاف العراقيين من الجديد أنه يمنع لان الزكاة حق يجب في الذمة بوجود مال فمنع الدين وجوبه كالحج وأيضا فلما سيأتي في التفريع ومن الاصحاب من حكى قولا ثالثا وهو أن الدين يمنع الزكاة في الاموال الباطنة وهى الذهب والفضة وعروض التجارة ولا يمنعها في الاموال الظاهرة وهي المواشي والزروع والثمار والمعادن والفرق أن الاموال الظاهرة تنمو بنفسها أو هي نماء في نفسها والاموال الباطنة ليست كذلك وانما الحقت بالناميات للاستغناء عنها واستعدادها للاسترباح بالتصرف والاخراج والدين يمنع من ذلك ويحوج ألي صرفها إلى قضائه وبهذا القول الثالث قال مالك رضي الله عنه وبالقول الثاني قال أبو حنيفة رضي الله عنه إلا أنه لا يمنع العسر عنده وعندنا لا فرق وعند احمد رحمه الله يمنع الزكاة في الاموال الباطنة وفي الظاهرة روايتان * (التفريع) إن قلنا الدين لا يمنع الزكاة فلو أحاطت بالرجل ديون وحجر عليه القاضي فله ثلاث أحوال (إحداها) أن يحجر ويفرق ماله بين الغرماء فههنا قد زال ملكه ولا زكاة عليه (والثانية) أن يعين لكل واحدد منهم شيئا من ماله علي ما يقتضيه التقسيط ومكنهم من أخذه فحال الحول ولم يأخذوه وقال معظم الاصحاب لا زكاة عليه أيضا لانه ضعف ملكه وصاروا هم أحق به ولم يحكوا فيه خلافا وحكى الشيخ أبو محمد في هذه الصورة عن بعض الاصحاب أن وجوب الزكاة يرج على الخلاف في المجحود والمغصوب لانه حيل بينه وبين ماله وعن القفال انه يخرج علي الخلاف في اللقطة في السنة الثانية لانهم تسلطوا علي إزالة ملكه تسلط الملتقط بخلاف المجحود والمغصوب ولك أن تقول ميل الاكثرين في صورة اللقطة إلى وجوب الزكاة وههنا نفوا الوجوب والصورتان يشتر كان في المعنى فهل من فارق (والجواب) انه يجوز أن يقال تسلط الغرماء أقوى من تسلط الملتقط لانهم اصحاب حق على المالك ولان تسلطهم يستند إلي تسليط الحاكم بخلاف
تسلط الملتقط وأيضا فالملك الذى يتسلطون علي ازالة ملك المالك باثباته أقوى الا ترى أن للمالك استرداد اللقطة بعد تملك المتلتقط على أحد الوجهين وههنا بخلافه (واعلم) أن الشافعي رضى الله عنه قال في المختصر ولو قضى عليه بالدين وجعل لهم ماله حيث وجدوه قبل الحول ثم حال الحول قبل أن يقضيه الغرماء لم يكن عليه زكاة لانه صار لهم دونه قبل الحول فمن الاصحاب من حمله على الحالة الاولي ومنهم من حمله على الثانية (والثالثة) أن لا يفرق ماله ولا يعنى لكل واحد من الغرماء شيئا ويحول(5/506)
الحول في دوام الحجر ففى وجوب الزكاة ثلاثة طرق (أصحها) تخريجه علي الخلاف في المغصوب والمجحود لان الحجر مانع من التصرف (والثانى) القطع بالوجوب وبه قال صاحب الافصاح لان الملك حاصل والحجر لا يؤثر كحجر السفيه (والثالث) ويحكى عن أبى اسحق القطع بالوجوب في الموضي لان الحجر لا يؤثر في نمائها وتخريج الذهب والفضة علي الخلاف في المغصوب لامتناع التصرف وتوقف النماء فيها علي التصرف وان قلنا الدين يمنع الزكاة فقد ذكر الائمة في توجيهه أولا شيئين واختلفوا في ان العلة منها ماذا (أحدهما) أن ملك المديون ضعيف لان مستحق الدين بسبيل من أخذه إذا لم يوفر دينه (والثاني) أن مستحق الدين يلزمه الزكاة علي ما سبق فلو ألزمنا المديون الزكاة ايضا لصار المال الواحد سببا الزكاتين علي شخصين وهو ممتنع ويتفرع علي هذا الاختلاف صور (أحداها) لو كان مستحق الدين لا تلزمه الزكاة لكونه ذميا أو مكاتبا فان قلنا بالمعنى الثاني وجب علي المديون لانه لا يلزمه التثنية ههنا وان قنلا بالمعنى الاول لم يجب لان ضعف الملك لا يختلف (الثانية) لو كان الدين حيوانا كماذا ملك أربعين من سائمة الغنم وعليه اربعون من الغنم دينا عن سلم فان قلنا بالمعنى الاول لم تجب الزكاة وان قلنا بالثاني تجب إذ لا تثنية فانه لا زكاة في الحيوان في الذمة كما مر في الفصل قبل هذا وعلى هذا يخرج ايضا ما لو أنبتت أرضه نصبا من الحنطة وعليه مثله عن سلم (والثالثة) لو ملك نصابا والدين الذى عليه ناقص عن النصاب كما لو ملك مائتي درهم وعليه مائة دينار ان قلنا بالمعني الاول فلا زكاة لتطرق النقصان إلى بعض المال ونقصان النصاب بسببه وان قلنا بالمعنى الثاني تجب لانه لا زكاة علي المستحق باعتبار هذا المال كذا أطلقوه والمراد
ما إذا لم يملك سواه من دين أو عين والا فلو ملك ما يتم به النصاب فعليه زكاة باعتبار هذا المال ولو ملك بقدر الدين ما لا زكاة فيه من العقار وغيره وجبت الزكاة في النصاب الزكوى علي هذا القول ايضا خلافا لا بي حنيفة رحمه الله وحكى الشيخ أبو حامد وجها مثل مذهبه مبنيا علي لزوم التثنية ووجه الوجوب مراعاة الحظ والنفع للمساكين ولو زاد ماله الزكوى علي الدين نظر ان كان الفاضل نصابا وجبت الزكاة فيه وفي قدر الدين القولان وان كان دون النصاب لم يجب علي هذا القول لا في القدر المقابل للدين ولا في الفاضل * (فرع) منقول عن الام.
ملك أربعين من الغنم فاستأجر راعيا يرعاها بشاة وحال الحول علهيا نظر إن استأجر بشاة معينة من الاربعين فكانت مختلطة بباقى الشياه فعليها شاة علي الراعي(5/507)
جزء من أربعين منها والباقى علي المستأجر وإن كانت منفردة فلا زكاة علي واحد منهما وان استاجره بشاة موصوفة في الذمة فان كان للمستأجر مال آخر يفى بها وجبت الزكاة في الاربعين وإلا فعلي القولين في أن الدين هل يمنع الزكاة (وأما) ما يتعلق بلفظ الكتاب من الفوائد (فقوله) وإذا استقرض المفلس مائتي درهم أشار بلفظ المفلس إلي أنه لا يملك شيئا سوى ما استقرضه ففى هذه الصورة يظهر القولان وفى معناها ما إذا كان الدين ينقص النصاب وإن لم يستغرقه فاما إذا ملك ما يفى به مما لا زكاة فيهمع النصاب أو ملك فوق قدر الدين فقد ذكرناه ثم ان أجدت النظر في لفظ الكتاب بحثت عن شيئين (أحد هما) أنه صور في الاستقراض ولا مدخل للاجل فيه فهل له اثر أم لا فرق بين الدين الحال والمؤجل (والثاني) أنه صور فيما إذا كان من جنس ما على فهل يختص القولان به أم لا وان لم يخص فما الحكم عند اختلاف الجنس (والجواب) أما الاول فلا فرق بين الدين الحال والمؤجل هكذا اورد صاحب التهذيب وغيره (واما الثاني) فان قنلا الدين لا يمنع الزكاة عند اتحاد الجنس فعند الاختلاف اولي وان قلنا يمنع فقد اشار امام الحرمين إلى تردد عند اختلاف الجنس وقال الاصح المنع في هذه الصورة والاشبه بسياق كلامه انه اراد منع التأثير لكن الاصح في التهذيب انه يمنع الزكاة تفريعا علي هذا القول كا لو اتحد الجنس ويجوز ان يخرج هذا التردد علي ما سبق
من التعليلين ان عللنا بالضعف فهو موجود وان عللنا بالتثنية فههنا لا تلزم التثنية في مال واحد (وقوله) وجه المنع ضعف الملك الي ان قال وقد يعلل اداءه الي تثنية الزكاة.
فيه اشارة الي ترجيح العلة الاولي حيث وجه المنع بها ثم حكي العلة الثانية حكاية والامر علي ما شار إليه نقلا ومعنى اما النقل فلان الاكثرين اجابوا في الصور المفرعة على التعليلين بما يقتضيه الاول وأما المعنى فمن وجهين (احدهما) انا لا نسلم لزوم التثنية في المال الواحد وهذا لان المستحق للمقترض هذا المال والمستحق للمقترض مطلق المال لا هذا المال فليس وجوب الزكاة عليه باعتبار هذا المال حتي تلزم التثنية (والثاني) هب انه تلزم التثنية في المال الواحد لكن التثنية كما تندفع بأن لا تجب الزكاة علي المديون تندفع بأن لا تجب على الدائن فلم يتعين الاول فان رجح جانب المديون بضعف ملكه عاد الكلام الي العلة الاولي وان رجح بأن ماله مستغرق بحاجة مهمة وهى قضاء الدين فهذا كاف في التوجيه ولا حاجة إلى توسط واسطة التثينة (وقلوه) أو يكون الدين حيوانا فيه استدراك لفظي من جهة أنه لم يذكر في أصل المسألة عبارة تشمل الحيوان وغيره حتى يخرج على التعليلين ما إذا كان الدين حيوانا وإنما تكلم في استقراض مائتي(5/508)
درهم والمديون بالدراهم لا يكون دينه حيوانا إلا ان اعتمد فهم المعنى والمقصود (وقوله) وان كان المستقرض غنيا بالعقار وغيره ولم يمتنع معلم بالحاء والواو لما قدمنا وأشار بلفظ العقار إلي أنه ملك ما لا غير زكوى ولك ان تبحث عن قوله وغيره فتقول المراد مطلق غير العقار أم غير العقار الذى ليس بزكوى فان كان الثاني فما الحكم لو كان عليه دين وله مالان زكويان (والجواب) أن المراد الغير الذى ليس بزكوى (أما) إذا ملك ما لين زكويين كنصاب من الغنم ونصاب من النقد وعليه دين نظر ان لم يكن الدين من جنس ما يملكه فقد قال في التهذيب يقض عليهما فان خص كل واحد منهما ما ينقص به النصاب فلا زكاة على القول الذى عليه تفرع وذكر أبو القاسم الكرخي وصاحب الشامل أنه يراعى الاحظ للمساكين كما أنه لو ملك مالا آخر غير زكوى صرفنا لا ادين إليه رعاية لحقهم.
ويحكي عن ابن سريح ما يوافق هذ وإن كان الدين من جنس أحد المالين فان قلنا الدين يمنع الزكاة فيما هو من غير جنسه فالحكم كما لو لم يكن من جنس أحد هما وإن قلنا لا يؤثر من غير الجنس اختص بالجنس (وقوله) وقيل الدين لا يمنع الزكاة اشارة
إلي القول الثالث في أصل المسالة على ما صرح به في الوسيط ويأتى فيه مثل استدراكه الذى على القولين الاولين والله أعلم * قال (ولو قال لله علي أن أتصدق بهذا النصاب فهذا أولي بأن يمنع الزكاة لتعلقه بعين المال ولو قال جعلت هذه الاغنام ضحايا فلا يبقى لايجاب الزكاة وجه متجه وإن تم الحول عليه.
ولو قال لله علي التصدق بأريعين من الغنم فهذا دين لله فهو مرتب على دين الآدميين وأولي بأن لا يدفع الزكاة ودين الحج كدين النذر) * إذا قلنا الدين يمنع الزكاة فلا فرق عندنا بين دين الآدميين ودين الله تعالي وعند أبى حنيفة رحمه الله دين الآدميين يمنع وكذا الزكاة تمنع الزكاة والكفارات لا تمنع.
إذا عرفت ذلك ففى الفصل صور (إحداها) لو ملك نصابا من المواشي أو غيرها فقال لله علي أن أتصدق بهذا المال أو بكذا من هذا المال فمضى الحول قبل التصدق هل تجب زكاته إن قلنا الدين يمنع وجوب الزكاة فههنا أولي بن لا تجب الزكاة لتعلق النذر بعين المال وصيرورته واجب التصرف الي ما نذر قبل وقت وجوب الزكاة وإن قلنا الدين لا يمنع وجوب الزكاة فههنا وجهان (أحدهما) أنه كالدين لانه في ملكه الي أن يتصدق (والثاني) يمنع لتعلقه بعين المال وامتناع التصرف فيه ويخرج مما حكيناه طريقان في هذه الصورة (أحدهما) القطع بالمنع (والثانى) التخريج علي الخلاف السابق والي هذا الترتيب أشار في الكتاب(5/509)
بقوله فهذا أولى بأن يمنع الزكاة (الثانية) لو قال جعلت هذا المال صدقة أو هذه الاغنام ضحايا فقد طرد في النهاية أصل التردد فيها وقال الظاهر أنه لا زكاة لان ما جعل صدقة لا يبقي فيه حقيقة ملك بخلاف الصورة الاولى فانه لم يتصدق وانما التزم أن يتصدق ولفظ الكتاب يشعر أيضا ببقاء الخلاف ههنا فانه لم يجزم بامتناع الوجوب ولا نفى الخلاف وانما نفى أن يكون للوجوب وجه بصفة الاتجاه ولو قال لله على أن أضحي بهذه الشاة فهو كقوله جعلتها ضحية ان قلنا ان قوله لله علي التضحية بهذه يفيد التعيين وفيه خلاف مذكور في موضعه وإن تم الحول عليه لو لم يذكره لم يضر كما لم يتعرض له في اخوات هذه الصورة وذلك لانه لا يخفى ان الخلاف في وجوب الزكاة حينئذ يفرض (الثالثة)
لو أرسل النذر فقال لله علي أن أتصدق بأربعين من الغنم أو بمائة درهم ولم يضف إلى ماشيته وورقه فهذا دين نذر لله تعالي فيرتب علي دين الآدميين فان قلنا أنه لا يمنع فهذا اولي وان قلنا انه يمنع ففى هذا وجهان (أحدهما) يمنع لانه أيضا دين لازم في الذمة (واصحهما) عند الامام أنه لا يمنع وفرق بين الدينين من وجهين (أحدهما) ان هذا الدين لا يطالب به في الحال فكان اضعف حالا (والثانى) ان النذر يشبه التبرعات إذا الناذر بالخيار في نذره فالوجوب بالنذر اضعف وهذه الصورة والاولى حكاهما أبو القاسم الكرخي وغيره عن تفريع ابن سريج علي كلام لحمد رضي الله عنهما وينبغى أن يفهم هنا أن المال يتعين بتعيين الناذر اياه للصدقة ولو لم يتعين لما انتظم قوله في الصورة الاولي لتعلقه بعين المال ولما كان فرق بين أن ينذر التصدق بهذه الاربعين وبين أن ينذر التصدق باربعين وهذا المفهوم هو ظاهر المذهب وفيه شئ نذكره ان شاء الله تعالى في شرح قوله في كتاب لا ضحايا ولو عين الدراهم للصدقة لم تتعين وبالجملة فمن أجاب بعدم التعيين لا يستقيم منه الفرق في هذه الصورة وقوله في هذه الصورة وفي الاولي لو قال لله علي لو ابدله بأن يقول لو نذر التصدق بكذا لكان أولي لان الصيغة التي لا خلاف فيها في النذر ان يقول ان شفى الله مريضي فلله علي كذا اما إذا اقتصر علي قو لله علي كذا ففيه قولان مذكوران في كتاب النذر فان قلنا أنها غير ملتزمة احتجنا الي اضمار في لفظ الكتاب ههنا (الرابعة) لو وجب عليه الحج وتم الحول علي نصاب في ملكه هل يكون وجوب الحج دينا مانعا من الزكاة إن قلنا الدين لا يمنع الزكاة فلا أثر له وان قلنا يمنع فقد ذكر الامام وتابعه المصنف ان فيه وجهين كالوجهين في دين النذر في الصورة التي قبل هذه لان دين الحج وان وجب من غير اختيار لكن المال غير مقصود فيه ودين النذر وان كانت المالية مقصودة لكن الناذر التزمه متبرعا(5/510)
فيعتدلان وايضا فدين الجح لا يطالب به في الحال كدين النذر * قال (وأذا اجتمع الزكاة ونذر في تركة ففى التقديم ثلاثة اقوال وفي الثالث يسوى بينهما ووجه تقديم الزكاة تعلقها بالعين) * إذا قلنا الدين لا يمنع الزكاة فمات قبل الاداء واجتمع الدين والزكاة في تركته ففيه ثلاثة
أقوال (أظهرها) أن الزكاة تقدم لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق بالقضاء) ولان الزكاة متعلقة بالعين والدين مسترسل في الذمة ولهذا تقدم الزكاة في حال الحياة ثم يصرف الباقي إلى الغرماء (والثانى) يقدم دين الآدمى لافتقار دين الآدمى واحتياجه ولهذا إذا اجتمع القصاص وحد السرقة يقدم القصاص (والثالث) أنهما يستويان فيوزع المال عليهما لان الحق المالى المضاف الي الله تعالي تعود فائدته الي الآدميين أيضا وهم المنتفعون بها وعلي هذه الاقوال تجرى مسائل نذ كرها في موضعها ان شاء الله تعالي جده ولك أن تعلم قوله ثلاثة أقوال بالواو لان عن بعض الاصحاب طريقة أخرى قاطعة بتقديم الزكاة المتعلقة بالعين والاموال في اجتماع الكفارات وغيرها مما يسترسل في الذمة مع حقوق الآدميين وقد تعرض الزكاة من هذا القبيل بأن يتلف ماله بعد الوجوب والامكان ثم يموت وله مال فان الزكاة ههنا متعلقة بالذمة لا تعلق لها بعين ماله والله اعلم * قال (السبب الثالث عدم قرار الملك ففى الزكاة في الغنيمة قبل السمة ثلاثة أوجه وجه الاسقاط ضعف الملك فانه يسقط بالاسقاط وفي الثالث إن كان الكل زكويا وجب وإلا فلا لاحتمال أن الزكاة تقع في سهم الخمس ولو أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار نقدا وجب عليه في السنة الاولى زكاة ربع المائة وفي الثانية زكاة نصفها لسنتين الا ما أدى وفي الثالثة زكاة ثلاثة أرباعها لثلاث سنين لا ما أدى وفي الرابعة زكاة الجميع لاربع سنين ويحط عنه ما أدى لان الاجرة هكذا تستقر بخلاف الصداق فان تشطره بالطلاق ليس مقتضي العقد وسقوط الاجرة بالانهدام مقتضى الاجارة(5/511)
وفى المسألة قول ثان انه يجب في كل سنة اخراج زكاة جميع المائة) * مقصود الفصل مسألتان (إحداهما) إذا أحرز الغازون الغنيمة فينبغي للامام أن يعجل قسمتها ويكره له التأخير من غير عذر فإذا قسم فكل من اصابه مال زكوى وهو نصاب أو بلغ نصابا مع الذى كان يملكه ابتدأ الحول من حينئذ وإن تأخرت القمسة بعذر أو بغير عذر حتي مضي حول فهل تجب الزكاة ينظر إن لم يختاروا التملك فلا زكاة لانها غير مملوكة للغانمين أو هي مملوكة لهم
ملكا في غاية الضعف والوهن ألا ترى أنه يسقط بمجرد الاعراض وللامام ان يقسمها بينهم قسمة تحكم فيخص بعضهم ببعض الانواع وبعض الاعيان إن اتحد النوع ولا يجوز هذا الضرب من القسمة في سائر الا ملاك المشتركة الا بالتراضى وان اختاروا التملك ومضي حول من وقت الاختيار نظر ان كانت الغنيمة أصنافا فلا زكاة سواء كانت مما تجب الزكاة في جميعها أو كان بعضها مما لا يجب فيه زكاة لان كل واحد منهم لا يدرى ماذا يصيبه وكم يصيبه وان لم تكن الا صنفا واحدا زكويا وبلغ نصيب كل واحد من الغانمين نصابا فعليهم الزكاة وان بلغ مجموع انصبائهم نصابا وكانت الغنيمة ماشية فكذلك وهم خلطاء فيها وكذا لو كانت غير ماشية وأثبتنا الخلطة فيه ولو كان يتم انصباء هم بالخمس نصابا فلا زكاة عليهم إذ الخلطة مع اهل الخمس لا تثبت لانه لا زكاة في الخمس بحال من حيث انه لغير معينين كمال بيت المال من الفيئ وغيره ومال المساجد والرباطات ففهذا حكم زكاة الغنيمة علي ما ذكره جمهور ائمتنا رحمهم الله من العراقيين والمراوزة وهو ظاهر المذهب وزاد في التهذيب شيئين (احد هما) ان لا زكاة قبل افراز الخمس بحال فن افرز فحينئذ نفصل الامرين أن يختار والتملك أو لا يختاروه وهذا لم يتعرض له الاكثرون ولم يفصلوا بين ان يفرز الخمس أو لا يفرز وصرح في العدة بأنه لا فرق بين الحالين (والثانى) حكي في حالة عدم الاختيار وجها آخر انه تجب الزكاة وهذا يتعرض له ما في الكتاب فانه جعل وجوب الزكاة قبل القسمة علي ثلاثة اوجه وهكذا حكى امام الحمين قدس الله روحه على اصل مذكور في السير وهو ان الغنيمة هل تملك قبل القسمة ام لا ان قلنا لا فلا زكاة فيها بحال وان قلنا نعم ففى وجوب الزكاة هذه الاوجه (احدها) لا لضعف الملك (والثانى) نعم اكتفاء بأصل الملك (والثالث) ان كان في الغنيمة ما ليس بزكوى فلا تجب لجواز أن يجعل الامام الزكوى سهم الخمس وان كان الكل زكويل تجب وكان الاحسن لصاحب هذا الوجه أن يقول ان كان الزكوى بقدر خمس المال لا تجب الزكاة فان زاد تجب زكاة القدر الزائد ويخرج مما تقدم وجه رابع وهو الظاهر(5/512)
انهم ان اختاروا التملك وكانت الغنيمة صنفا واحدا زكويا وجبت الزكاة وإلا فلا وتمام توجيهه ينكشف عند معرفة الاصل المحال علي كتاب السير (المسألة الثانية) في زكاة الاجرة وقد أدرج في خلالها مسألة
أخرى يقتضى الشرح أن نقدمها فتقول إذا أصدق امرأته أربعين شاة سائمة بأعيانها فعليها الزكاة إذا تم حول من يوم الاصداق سواء دخل بها أو لم يدخل قبضتها أو لم تقبض لانها ملكت الصداق بالعقد وبه قال أحمد رحمه الله وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا لم تقبضها فليس عليها ولا على الزوج زكاتها ويأتى لنا وجه مثله تفريعا علي أن الصداق مضمون ضمان العقد فانه يكون على الخلاف الذى سبق في المبيع قبل القبض وظاهر المذهب هو القطع بالوجوب وعلي هذا فلو طلقها قبل الدخول نظر ان طلق قبل الحول عاد نصفها إلي الزوج فان لم يميزا فهما خليطان فعليها عند تمام الحول من يوم الاصداق نصف شاة وعليه عند تمام الحول من يوم الطلاق نصف شاة وإن طلقها بعد الحول فلا يخلو اما ان حكانت قد أخرجت الزكاة من عينها أو من موضع آخر أو لم تخرج اصلا فهذه ثلاث أحوال (إحداها) إذا كانت قد أخرجت الزكاة من عينها فالي ماذا ترجع فيه ثلاثة أقوال (إحدها) أنه يأخذ نصف الصداق من الموجود ويجعل المخرج من نصيبها فان تساوت قيم الشياه أخذ عشرين منها وإن تفاوتت أخذ النصف بالقيمة قال المسعودي وهذا رواية الربيع (والثانى) يأخذ نصف الاغنام الباقية ونصف قيمة الشاة المخرجة (والثالث) انه بالخيار بين ما ذكرنا في القول الثاني وبين أن يترك الكل ويأخذ نصف القيمة وهذا مخرج مما لو أصدقها إناءين فانكسر أحدهما وطلقها قبل الدخول نص فيه علي القول الثاني والثالث قال الائمة ولفظ المختصر في المسألة التي نحن فيها صالح للقول الاول والثانى وهو الي الاول أقرب (الحالة الثانية) إذا كانت قد أخرجت من موضع آخر فان قلنا تتعلق الزكاة بالذمة أو قلنا تتعلق بالعين لا علي سبيل الشركة عاد نصف الاربعين الي الزوج وإن قلنا تتعلق بالعين على سبيل الشركة فقد قال الصيد لاني وجماعة من الائمة يبني هذا على الوجهين فيما إذا زال ملكها عن الصداق وعاد إليها ثم طالقها قبل الدخول (أحدهما) يرجع بنصف القيمة كما لو طلقها ولم يعد (والثاني) بنصف العين كما لو طلقها ولم يزل لكن الشاة التى زال ملكها عنها وعاد باداء الزكاة من موضع آخر غير متعينة فعلي الوجه الاول لا ياخذ شيئا من الاربعين بل يدع الي نصف القيمة وعلي الثاني يأخذ نصف الاربعين وهذا ما ذكره أصحابنا العراقيون وغيرهم من غير تفصيل (والثالثة) إذا لم تخرج الزكاة أصلا حتى طلقها ففيه اختلاف وتفريع طويل مبنى على كيفية تعلق الزكاة والجواب الخارج علي ظاهر المذهب
ما ذكره في التهذيب إن شاء الله تعالي وهو ان نصف الاربعين يعود الي الزوج شائعا فان جاء الساعي(5/513)
وأخذ من عينها شاة رجع الزوج عليها بنصف قيمتها * جئنا إلى مسألة الاجرة إذا أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار معجلة وقبضها كيف يخرج زكاتها فيه قولان (أحد هما) ذكره في الام ونقله المزني في المختصر أنه لا يلزمه أن يخرج عند تمام كل سنة الا زكاة القدر الذى استقر ملكه عليه لانها قبل الاستقرار يعرض السقوط بانهدام الدار فأورث ضعف الملك (والثاني) قاله في البويطي واختاره المزني أنه يلزمه عند تمام السنة الاولى زكاة جميع المائة لانه ملكها ملكا تاما ألا ترى أنه لو كانت الاجرة جارية يحل وطؤها وطؤها ولو كان الملك ضعيفا لم حل غايته أنه يتوهم سقوط بعض الاجرة بالانهدام لكنه لا يقدح في وجوب الزكاة كما أن المرأة يلزمها زكاة الصداق قبل الدخول وإن كان يتوهم عود جميعه بارتداد أحدهما أو عود نصفه بالطلاق وهذا القول أصح عند صاحب المهذب ومال إليه في الشامل لكن الجمهور علي ترجيح القول الاول وهو الذى يقتضيه ايراد الكتاب والقول بثبوت الملك التام في الاجرة ممنوع علي رأى بعض الاصحاب فان صاحب النهاية حكى طريقة أن الملك يحصل في الاجرة شيئا فشيئا فمن قال بذلك لا يسلم بثبوت الملك في الاجرة فضلا عن ثبوت الملك التام وعلي التسليم فوجه الضعف والنقصان ما ذكرنا واما حل الوطئ فلا نسلم أنه يتوقف علي ارتفاع الضعف من كل جهة وأما الصداق فقد روي الحناطى عن ابن سريج تخريج قول من الاجرة في الاصداق فعلى هذا لا افرق وعلي التسليم فالفرق أن الاجرة تستحق في مقابلة المنافع فإذا لم تسلم المنافع للمستأجر ينفسخ العقد من أصله والصداق ليس في مقابلة المنافع ألا ترى أنها لو ماتت يستقر الصداق وان لم تسلم المنافع للزوج والتشطر ثبت بتصرف من جهة الزوج يفيد ملك النصف عليها ولا ينقص ملكها من الاصل (التفريع) إن قلنا بالقول الاول أخرج عن تمام السنة الاولى زكاة ربع المائة وهو خمسة وعشرون دينارا وزكاتها خمسة أثمان دينار لان ملكه استقر على هذا القدر فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه علي خمسين دينارا وكانت في ملكه سنتين زكاها زكاة خمسين لسسنتين وهى ديناران ونصف لكنه قد أدى زكاة خمسة وعشرين لسنة فيحط ذلك ويخرج الباقي وهو
دينار وسبعة أثمان دينار فإذا مضت السنة الثالثة فقد استقر ملكه على خمسة وسبعين دينار أو كانت في ملكه ثلاث سنين وزكاتها لثلاث سنين خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار أخرج منها للسنتين الماضيتين دينارين ونصفا يبقي ثلاثة دنانير وثمن يخرجها الآن فإذا مضت السنة الرابعة فقد استقر ملكه علي جميع المائة وكانت في ملكه أربع سنين وزكاة المائة لاربع سنين عشرة دنانير أخرج من ذلك خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار فيخرج الباقي وهو أربعة دنانير وثلاثة أثمان دينار وقد(5/514)
يعبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى فيقال يخرج عند تمام السنة الاولى زكاة خمسة وعشرين لسنة وعند تمام الثانية زكاة خمسة وعشرين لسنتين وزكاة الخمسة والعشرين الاولى لسنة وعند تمام الثالثة زكاة الخمسين لسنة وزكاة خمسة وعشرين أخرى لثلاث سنين عند تمام الرابعة زكاة الخمسة والسبعين لسنة وزكاة خمسة وعشرين لاربع سنين هذا إذا كان يخرج واجب كل سنة من غير المائة وأما إذا أخرج من عينها واجب السنة الاولي فعند تمام الثانية أخرج زكاة الخمسة والعشرين الاولى سوى ما أخرج في السنة الاولي لسنة وزكاة خمسة وعشرين أخرى لسنتين وعند تمام الثالثة يخرج زكاة الخمسين سوى ما أخرج في السنتين الاوليين وزكاة خمسة وعشرين أخرى لثلاث سنين وعلي هذا قياس السنة الرابعة.
وإن قلنا بالقول الثاني وهو أنه يخرج زكاة جميع المائة عند تمام السنة الاولي فعليه مثل ذلك عند تمام كل سنة إن كان يخرج الواجب من موضع آخر وإن كان يخرج منها فعند تمام السنة الثانية يخرج زكاة سبعة وتسعين دينارا ونصفا وقس على هذا السنتين الاخرين.
وزاد أصحابنا العراقيون في التفريع علي القول الاول كلاما آخر وهو مبنى علي أن القولين في المسألة في كيفية الاخراج وزكاة جميع الملة واجبة عند تمام الحول الاول بلا خلاف أو هما في نفس الوجوب فعن القاضي أبي الطيب أنهما في نفس الوجوب وبه يشعر كلام طائفة وقال الشيخ أبو حامد وشيعته: القولان في كيفية الاخراج والوجوب ثابت قطعا واحتجوا له له بأنه لو امتنع الوجوب على أحد القولين لعدم استقرار الملك لكان يستأنف الحول ولا يزكيه لما مضى كمال الكتابة فلما نص في هذا القول علي انه يزكي لما مضي دانه ل؟ لم يجعل هذا الاختلال مانعا من الوجوب وهذا قضية كلام الاكثرين صريحا أو إشارة ثم هؤلاء
القاطعون بالوجوب غاصوا فقالوا في التفريع على القول الاول يخرج في السنة الاولى زكاة خمسة وعشرين كما سبق ثم يبني الحكم بعدها علي الخلاف في أن الزكاة استحقاق جزء من العين أم لا وإن قلنا ليست استحقاق جزء من العين فهل الدين يمنع الزكاة أم لا فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه علي خمسين أما الخمسة والعشرون الاولي فقد زكاها للسنة الاولى فان كان قد أخرج زكاتها من غيرها زكاها للسنة الثانية أيضا وإن كان قد أخرج من عينها زكى ما بقى منها (وأما) الخمسة والعشرون الثانية فقد وجب الزكاة في السنة الاولي في جميعها وعليه إخراجها الآن وأما زكاة السنة الثانية فان قلنا ليست استحقاق جزء وقلنا الدين لا يمنع الزكاة فكذلك يخرج الزكاة عن جميعها وإن قلنا أنها استحقاق جزء وقلنا ليست كذلك لكن الدين يمنع الزكاة ولم يملك شيئا آخر فلا يزكي للسنة الثانية عن جميعها بل عما سوى القدر الواجب في السنة الاولي لان ذلك القدر قد(5/515)
استحقه المساكين أو هو دين يمنع وجوب الزكاة في قدره ثم إذا مضت السنة الثالثة فقد استقر ملكه علي خمسة وعشرين أخرى أما الاولي والثانية فقد اخرج زكاتهما لما مضى على التفصيل المذكور فان اخرج من موضع آخر زكي جميعها للسنة الثالثة أيضا وإن أخرج منها زكي الباقي وأما هذه الثالثة فقد مضي عليها ثلاث سنين فان قلنا الزكاة ليست استحقاق جزء والدين لا يمنع الزكاة أخرج زكاة جميعها لثلاث سنين وإن قلنا انها استحقاق جزء وقلنا الدين يمنع الزكاة ولم يملك شيئا آخر فيخرج زكاة جميعها للسنة الاولى وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السنة الاولي للثانية وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السنتين الاوليين للثالثة وقس الرابعة علي هذا * ثم ههنا كلامان (أحدهما) للمسألة شريطة ذكرها إمام الحرمين وهى ان تكون أجرة السنتين متساوية ولابد منها لانها لو تفاوتت لزاد القدر المستقر في بعض السنين علي ربع المائة ونقص في بعضها لان الاجارة إذا انفسخت توزع الاجرة المسماة علي أجرة المثل في المدتين الماضية والمستقبلة (والثانى) لعلك تبحث فتقول: كلام المسألة فيما إذا كانت المائة في الذمة ثم نقدا أم فيما إذا كانت الاجارة بمائة معينة أم لا فرق (أما) كلام النقلة (فانه) يشمل الحالتين جميعا (وأما) التفصيل والنص عليهما فلم أر له
تعرضا الا في فتاوى القاضى حسين قال في الحالة الاولى: الظاهر أنه يجب زكاة كل المائة إذا حال الحول لان ملكه مستقر على ما أخذ حتي لو انهدمت الدار لا يلزمه رد المقبوض بل له رد مثله وفي الحالة الثانية قال: حكم الزكاة حكمها في المبيع قبل القبض لانه بفرض ان يعود الي المستأجر بانفساخ الاجارة وبالجملة فالصورة الثانية احق بالخلاف من الاولي وما ذكره القاضى اختيار للوجوب في الحالتين جميعا فاعلم ذلك.
وعد بعده الي لفظ الكتاب (اما قوله) نقدا (فهو) اشارة الي كونها حالة مقبوضة والاجرة عندنا تملك بنفس العقد معجلة ان اطلقا أو شرطا التعجيل ومؤجلة ان شرطا التأجيل فإذا كانت دينا حالا أو مؤجلا زاد ما سبق من الكلام في زكاة الدين (وقوله) وجبت عليه في السنة الاولي (فيه) المباحث التي تقدمت في ان الكلام في نفس الوجوب أو في وجوب الاخراج واللفظ الي الاحتمال الاول اقرب (وقوله) زكاة ربع المائة وكذا زكاة نصفها وزكاة نصفها وزكاة ثلاثة ارباعها (يجوز) ان يعلم بالميم لان الشيخ ابا محمد حكى فيما علق عنه عن مالك انه يجب في كل سنة زكاة جميع المائة كالقول الثاني (وقوله) في القول الثاني تجب في كل سنة (معلم) بالحاء لان مذهب أبي حنيفه رحمه الله كالقول الاول وعبارة الكتاب في القولين جميعا محمولة علي ما إذا أخرج الواجب من غير المائة وهى الحالة التى ينزل عليها كلام الشافعي رضى الله عنه في المختصر فان كان(5/516)
يخرج من عينها فقد ذكرنا حكمه * ثم نختم الفصل بفرعين (أحدهما) باع شيئا بنصاب من النقد مثلا وقبضه ولم يقبض المشترى المبيع حتي حال الحول هل يجب على البائع اخراج الزكاة يخرج علي القولين لان الثمن قبل قبض المبيع غير مستقر وخرجوا على القولين أيضا ما إذا أسلم نصابا في ثمرة أو غيرها وحال الحول قبل قبض المسلم فيه وقلنا إن تعذر المسلم فيه يوجب انفساخ العقد وان قلنا انه يوجب الخيار فعليه اخراج الزكاة (الثاني) أو ضي لانسان بنصاب ومات الموصى ومضى حول من يوم موته قبل القبول.
ان قلنا الملك في الوصية يحصل بالموت فعلى الموصى له الزكاة وان كان يرتد برده وان قلنا يحصل بالقبول فلا زكاة عليه ثم ان ابقيناه على ملك الميت فلا زكاة على أحد وان قلنا انه للوارث فهل عليه الزكاة فيه وجهان (أصحهما) لا وان قلنا أنه
موقوف فإذا قبل بان أنه ملك بالموت فهل عليه الزكاة روى في التهذيب فيه وجهين (أصحهما) لا لان ملكه لم يكن مستقرا عليه * قال (الركن الثالث فيمن تجب عليه وهو كل مسلم حر فتجب في مال الصبى (ح) والمجنون (ح) وفي مال الجنين تردد وتجب علي المرتد (م ح) ان قلنا ببقاء ملكه مؤاخذة له بالاسلام ولا زكاة على مكاتب ورقيق ولا على سيديهما في مالهما ومن ملك بنصفه الحر شيئا لزمته (م ح) لزكاة) * فقه الفصل صور (احداها) تجب الزكاة في مال الصبى والمجنون وبه قال مالك وأحمد خلافا لابي حنيفة رحمهم الله وسلم وجوب العشر وصدقة الفطر لنا ما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (من ولي يتيما فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) وروى أنه صلي الله عليه وسلم قال(5/517)
(ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) إذا تقرر ذلك فيجب علي الولي اخراجها من مالها فان لم يفعل أخرج الصبي بعد البلوغ والمجنون بعد الافاقة زكاة ما مضى وهل تجب في المال المنسوب إلي الجنين حكي إمام الحرمين فيه ترددا لوالده رحمهما الله قال والذى ذهب إليه الائمة أن الزكاة لا تجب فيه لان حياة الحمل غير موثوق بها وكذلك وجوده ونحن وإن قضينا بأن الحمل يعرف فالحكم يتعلق به عند انفصاله (والثانى) أنه تجب الزكاة إذا انفصل كما في مال الصبي والمجنون (الثانية) الكافر الاصلي غير ملزم باخراج الزكاة لا في الحال ولا بعد الاسلام وأما المرتد فلا يسقط عنه ما وجب في الاسلام فإذا حال الحول علي ماله في الردة فهل تجب فيه الزكاة يبني علي الخلاف في ملكه إن قلنا يزول ملكه بالردة (فلا) (وان قلنا) لا يزول (فنعم) مؤاخذة له بحكم الاسلام (وان قلنا) انه موقوف إلى أن يعود إلي الاسلام أو يهلك علي الردة فالزكاة أيضا على الوقف فان قلنا لا يزول ملكه وأوجبنا الزكاة فقد ذكر في التهذيب انه لو أخرج في حال الردة جاز كما لو أطعم عن الكفارة بخلاف الصوم لا يصح منه لانه عمل البدن فلا يصح إلا ممن يكتب له وروى في النهاية(5/518)
عن صاحب التقريب أنه لا يبعد أن يقال لا يخرجها ما دام مرتدا وكذا الزكاة الواجبة قبل الردة
لان الزكاة قربة مفتقرة إلى النية فعلي هذا ان عاد الي الاسلام أخرج الزكاة الواجبة في الردة وقبلها وان هلك علي الردة حصل اليأس عن الاداء وبقيت العقوبة في الآخرة قال الامام هذا خلاف ما قطع به الاصحاب لكن يحتمل أن يقال إذا أخرج في الردة ثم أسلم هل يعيد الزكاة فيه وجهان كالوجهين في الممتنع إذا ظفر الامام بماله وأخذ الزكاة منه هل يجزئه أم لا ولك ان تعلم قوله في الكتاب ان قلنا يبقي ملكه بالواو لان الحناطي ذكر انه يحكي عن ابن سريج أنه تجب الزكاة على الاقاويل كلها كالنفقات والغرامات (الثالثة) لا تجب الزكاة علي المكاتب لا العشر ولا غيره وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة يجب العشر في زرعه لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال المكاتب) وأيضا فان ملكه ضعيف ألا ترى انه لا يرث ولا يورث عنه ولا يعتق عليه قريبه ثم إذا عتق وبقي المال في يده ابتدأ الحول من يوم العتق وان عجز وصار ما في يده للسيد ابتدأ الحول حينئذ (الرابعة) العبد القن لا يملك بغير تمليك السيد لا محالة وهل يملك بتمليك السيد فيه قولان مذكوران في الكتاب في موضعهما فان قلنا لا وهو المذهب فزكاة ما ملكه من الاموال الزكوية على السيد ولا حكم لذلك التمليك وان قلنا نعم فلا زكاة علي العبد كما لا زكاة علي المكاتب وبل اولي لان للسيد ان يسترده وينتزعه متى شاء وهل يجب علي السيد فيه وجهان (أصحهما) لا لان ملكه زائل (والثاني) نعم لان ثمرة الملك باقية فان للسيد أن يتصرف فيه كييف شاء وإذا اعتق العبد ارتد الملك إليه بخلاف ملك المكاتب إذا عتق حكي هذا الوجه أبو عبد الله الحناطي ونقله الامام عن شرح التلخيص وقد عرفت بما ذكرنا ان قوله ولا على سيديهما في مالهما تفريع علي أن العبد يملك بتمليك السيد إياه والا فليس للعبد مال وهو معلم بالواو لما روينا من الوجه الثاني والمدبر وأم الولد كالعبد القن (الخامسة) من بعضه حر وبعضه رقيق لو ملك بنصفه الحر نصابا فهل عليه زكاته فيه وجهان (أحدهما) لا لنقصانه بالرق كالعبد والمكاتب وهذا هو الذى ذكره في الشامل (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه تجب لان ملكه تام علي ما ملكه بالجزء الحر منه(5/519)
ولهذا قال الشافعي رضى الله عنه أنه يكفر كفارة الحر الموسر وقال انه يلزمه زكاة الفطر بقدر
ما هو حر هذا تمام الصور وقد تبين بها أن المعتبر فيمن تجب عليه الحرية والاسلام علي ما ذكر أول الفصل لكن قوله وهو كل حر مسلم يقتضي أن لا تجب الزكاة علي من ملك بنصفه الحر لانه يقع علي من جميعه حر فأما من بعضه حر وبعضه رقيق يصدق عليه القول بأنه ليس بحر فلما وجبت الزكاة عليه علي ظاهر المذهب وهو الذى ذكره في الكتاب وجب تأويل اللفظ * قال (النظر الثاني للزكاة طرف الاداء وله ثلاثة أحوال (الاولي) الاداء في الوقت وهو واجب علي الفور (ح) عندنا ويتخير بين الصرف الي الامام أو إلي المساكين في الاموال الباطنة وأيهما اولى فيه وجهان والصرف الي الامام اولى في الاموال الظاهرة وهى يجب فيه قولان) * ذكر في اول الزكاة أن النظر في الوجوب والاداء وقد فرغ الآن من النظر الاول (وأما) الاداء (فله) ثلاث حالات لانه إما يتفق في الوقت أو قبله أو بعده (الحالة الاولى) الاداء في الوقت وهو واجب علي الفور بعد التمكن وقوله عندنا قصد به التعرض لمذهب أبى حنيفة رحمه الله فيما رواه امام الحرمين وغيره انها واجبة علي التراخي ونقل صاحب الشامل وغيره اختلافا لاصحابه فيه فعن الكرخي انها علي الفور وعن أبي بكر الرازي انها علي التراخي * لنا أن الامر بايتاء الزكاة وارد وحاجة المستحقين ناجزة فيتحقق الوجوب في الحال * ثم أداء الزكاة يفتقر الي وظيفتين فعل الاداء يفرض على ثلاثة اوجه (احدهما) أن يباشره بنفسه وهو جائز في الاموال الباطنة لما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض دينه ثم ليزك بقية ماله) والاموال الباطنة هي الذهب والفضة وعرض التجارة والركاز وزكاة الفطر ملحقة بهذا النوع وأما الاموال الظاهرة وهي المواشى والمعشرات والمعادن فهل يجوز أن يفرق زكاتها بنفسه فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد نعم كزكاة الاموال الباطنة (والثاني) وهو القديم ومذهب أبي حنيفة رحمه الله ويروى عن مالك أيضا انه لا يجوز بل يجب صرفها الي الامام لقوله تعالي (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولانه مال للامام المطالبة به فيجب دفعه إليه كالخراج هذا إذا كان الامام عادلا فان كان جائرا فوجهان (أحدهما) يجوز ولا يجب خوفا من أن لا يوصله(5/520)
إلي المستحقين (وأصحهما) انه يجب لنفاذ حكمه وعدم انعزاله بالجور وعلي هذا القول لو فرق بنفسه لم يحسب وعليه أن يؤخر ما دام يرجو مجئ الساعي فإذا أيس فرق بنفسه (والثانى) أن يصرف إلى الامام وهو جائز فان نائب المستحقين (وكان النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السعاة لاخذ الزكاة) (والثالث) أن يوكل بالصرل إلى الامام أو بالتفرقة علي المستحقين حيث يجوز له التفرقة بنفسه وهو جائز أيضا لانه حق مالي فيجوز التوكيل في أدائه كديون الآدميين (وأما) الافضل من هذه الطرق فلا خلاف في أن تفرقة الزكاة بنفسه أفضل من التوكيل بها لانه على يقين من من فعل نفسه وفي شك من فعل الوكيل وبتقدير أن يجوز لا يسقط الفرض عن الموكل وله على الوكيل غرم ما أتلف وفي الافضل من الطريقين الاولين في الاموال الباطنة وجهان (أحدهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق ان الصرف الي الامام أولى لانه أعرف بأهل السهمان واقدر علي التفرقة بينهم ولانه إذا فرق الامام كان علي يقين من سقوط الفرض بخلاف ما لو فرق بنفسه لجواز ان أن يسلم الي من ليس بصفة الاستحقاق وهو يظنه بصفة الاستحقاق (والثانى) أن الاولي أن يفرقها
__________
في بعض النسخ وبعث الوليدين عقبة إلى بني المصطلق ساعيا(5/521)
بنفسه لانه بفعل نفسه اوثق ولينال اجر التفريق وليخص به اقاربه وجيرانه وهذا الوجه هو المذكور في التهذيب والعدة ومن قال به تعلق بقوله في المختصر وأحب أن يتولى الرجل قسمتها بنفسه ليكون علي يقين من أداءها عنه والاول هو الاظهر عند أكثر الائمة من العراقيين وغيرهم ولم يذكر الصيدلانى غيره وحملوا قول الشافعي رضى الله عنه على انه أولى من التوكيل ومنهم من قال أراد به في الاموال الغير الظاهرة وأما في الاموال الظاهرة فالاولى الصرف الي الامام ليخرج عن شبهة الخلاف ومنهم من أطلق الخلاف من غير فرق بين الاموال الباطنة والظاهرة وهكذا فعل صاحب الكتاب في قسم الصدقات وعبر عن هذا الخلاف بالقولين علي خلاف المشهور ورأيت المحاملي صرح في القولين والوجهين بطرد الخلاف فليكن قوله والصرف الي الامام في الاموال
الظاهرة أولي معلما بالواو وحيث قلنا الصرف إلي الامام أولى فذلك إذا كان الامام عادلا فان كان جائرا فوجهان (أحدهما) انه كالعادل ويحكى ذلك عن صاحب الافصاح لما روى ان سعد ابن ابي وقاص وأبا هريرة وأبا سعيد رضى الله عنهم سئلوا عن الصرف الي الولاة الجائرين فأمروا به واصحهما وهو الذى ذكره في الكتاب في قسم الصدقات ان التفريق بنفسه اولي من الصرف إليه لظهور جوره وخيانته بل حكى الحناطي وجها انه لا يجوز الصرف إلي الجائر فضلا عن الافضلية * قال (وتجب نية الزكاة بالقلب (ح) فينوي الزكاة المفروضة فان لم يتعرض للفرض فوجهان ولا يلزم تعيين المال فان قال عن مالي الغائب وكان تالفا لم ينصرف الي الحاضر ولو قال عن الغائب فان كان تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة جاز لانه مقتضي الاطلاق) * الوظيفة الثانية النية ولابد منها في الجملة لقوله صلي الله عليه وسلم (إنما الاعمال بالنيات) وهل المعتبر قصد القلب أم يكفى القول باللسان قال الشافعي رضى عنه في المختصر وإذا ولى الرجل زكاة ماله لم يجزه إلا بنية أنه فرض والنية هي القصد فقضية هذا اعتبار قصد القلب ونقل عن الام أنه سواء نوى أو تكلم بلسانه انه فرض يجزئه قال الاصحاب في المسألة وجهان وقال القفال وغيره قولان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه لابد من قصد القلب وهذا ما خرجه ابن القاص واليه(5/522)
ذهب صاحب التقريب (والثاني) انه يكفى القول باللسان وهو اختيار القفال فيما حكى الصيدلانى واحتج بأن اخراج الزكاة في حال الردة جائز ومعلوم أن المرتد ليس من أهل نية هي قربة فدل أن لفظه كاف وأيضا فان الزكاة تجرى فيها النيابة وان لم يكن النائب من أهلها فإذا جاز ان ينوب فيها شخص عن شخص جاز ان ينوب اللسان عن القلب ولا يلزم الحج فان النائب فيه لابد وأن يكون من أهل الحج ومن قال بالاول حمل كلامه في الام على انه لا فرق بين أن يقتصر علي قصد القلب وبين ان يجمع بين قصد القلب والتلفظ (وأما) فصل المرتد ففى أداءه الزكاة في حال الردة كلام تقدم وعلي التسليم فلا نسلم ان القصد غير معتبر في حق المرتد نعم لا يتصور منه قصد هو قربة لكن كما لا يتصور منه ذلك لا يتصور ايضا لفظ هو قربة وقد قيل للقفال لا يسقط الفرض
حتى يقول المرتد هذا عطاء فرض فقال كذا ينبغى ان يكون فإذا جاز اعتبار اللفظ وإن لم يكن قربة لم لا يجوز اعتبار القصد وان لم يكن قربة (وأما الوجه الثاني) فهو باطل بالوضوء فانه يجوز فيه إنابة الاهل وغير الاهل ومع ذلك يعتبر فيه قصد القلب وروى الشيخ ابو على طريقة أخرى عن بعضهم قاطعة باعتبار قصد القلب * وكيفية النية ان ينوى هذا فرض زكاة مالي أو فرض صدقة مالى أو زكاة مالي المفروضة أو الصدقة المفروضة ولا يكفي التعرض لفرض المال فان ذلك قد يكون كفارة ونذرا ولا يكفى التعرض للصدقة في اصح الوجهين فانها قد تكون نافلة ولو تعرض للزكاة دون صفة الفرضية فهل يجزئه فيه وجهان الذى ذكره الاكثرون انه يجئه لان الزكاة لا تكون الا مفروضة قال في النهاية وهما كالوجهين فيما إذا نوى صلاة الظهر ولم يتعرض للفرضية لكن صلاة الظهر قد تكون نافلة من الصبي وممن صلي منفردا ثم اعاد في جماعة ولا انقسام في الزكاة ولا يجب تعيين المال المزكي عنه فان غرض تنقيص المال ودفع حاجة المستحقين لا يختلف بل يزكي عن مواشيه ونقوده حتى يخرج تمام الواجب فلو ملك اربعمائة درهم مثلا مائتان حاضرتان ومائتان غائبتان فأخرج خمسين من غير تعيين جاز وكذا لو ملك اربعين من الغنم وخمسا من الابل فأخرج شاتين ولو أخرج خمسة مطلقا ثم بان له تلف احد المالين أو تلف أحدهما بعد الاخراج فله ان يحسب المخرج عن الزكاة الاخرى ولو عين مالا لم ينصرف إلي غير حتى لو اخرج الخمسة عن المال الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلي الحاضر ولو قال هذه عن مالي الغائب إن كان سالما فبان تالفا هل له الصرف إلى الحاضر حكى في العدة فيه وجهين قال والاصح انه لا يجوز ولو قال هذه عن مالى الغائب فان كان تالفا(5/523)
فهي صدقة أو قال ان كان مالى الغائب سالما فهذه زكاته والا فهى صدقة جاز لان اخراج الزكاة عن الغائب هكذا يكون وان اقتصر علي قوله عن مالى الغائب حتى لو بان تالفا لا يجوز له الاسترداد الا إذا صرح فقال هذا عن مالي الغائب فان بان تالفا استرددته وليست هذه الصورة كما إذا اخرج خمسة وقال ان كان مورثي قد مات وورثت ماله فهذه زكاته فبان موته لا يحسب المخرج عن الزكاة لان الاصل بقاء المورث وعدم الارث وههنا الاصل سلامة المال فالتردد معتضد بهذا الاصل ونظير
هذه المسألة أن يقول في آخر شهر رمضان أصوم غدا عن رمضان ان كان من الشهر يصح ونظير مسألة الميراث أن يقول في أوله أنا صائم غدا عن رمضان ان كان من الشهر لا يصح ولو قال هذه عن مالي الغائب فان كان تالفا فعن الحاضر فالذي قاله معظم الائمة أن الغائب ان كان سالما يقع عنه والا فلا يقع بل يقع عن الحاضر لانه قد جزم بكونها زكاة ماله والتردد في انها عن أي المالين بحسب بقاء الغائب وتلفه لا يضر كالتردد بين الفرض والنفل في الصورة السابقة علي اختلاف التقديرين وهذا لان تعيين المال ليس بشرط فلا يقدح التردد فيه حتي لو قال هذه عن مالى الغائب أو الحاضر أجزأته وعليه خمسة أخرى ويخالف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت ان دخل الوقت والا فعن الفائتة لا يجزئه لان التعيين شرط في العبادات البدنية وحكى في النهاية ترددا عن صاحب التقريب في وقوع المخرج عن الحاضر لان النية مترددة بالاضافة إليه ترددا غير معتضد بالاصل فانه إنما جعلها عن الحاضر بشرط تلف الغائب والاصل في الغائب البقاء والاستمرار وكان الوقوع عن الغائب علي خلاف الاصل ويخالف ما لو قال والا فهى نافلة لانه يحتاط في الفرض بمالا يحتاط به للنفل (وقوله) في الكتاب فان كان تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة ليس المراد منه ان الناوى ردد هكذا لكنهما صورتان عطف احداهما علي الاخرى والمعني أو قال هو صدقة ولو ردد فقال عن الحاضر أو هو صدقة وكان الغائب تالفا لم يقع عن الحاضر كما قال الشافعي رضي الله عنه لو قال ان كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته أو نافلة وكان ماله سالما لم يجزه لانه لم يقصد بالنية قصد فرض خالص ونظيره أن يقول أصلي فرض الظهر أو نافلة وأصوم غدا عن رمضان أو نافلة فلا ينعقد (وقوله) جاز معلم بالواو لانه حكم بالجواز في الصورتين معا وفيما إذا قال فان كان تالفا فمن الحاضر الوجه المنقول عن صاحب التقريب (وقوله) لانه مقتضى الاطلاق يرجع الي الصورة الاخيرة وهى أن يقول فان كان تالفا فهو صدقة لان المفهوم من الاطلاق ههنا أن يقتصر علي قوله(5/524)
هذا المال عن الغائب ولو اقتصر عليه وكان الغائب تالفا يكون المخرج صدقة علي ما سبق ولا يقع عن الحاضر فظهر أن الاجزاء عن الحاضر ليس مقتضى الاطلاق (فان قلت) في جواز نقل الصدقة
خلاف يأتي في موضعه فتجويز الاخراج عن المال الغائب في مسائل الفصل جواب علي قول الجواز أم كيف الحال (فالجواب) أن أبا القاسم الكرخي جعلها جوابا علي قول الجواز ويجوز أن تفرض الغيبة عن منزله وعدم وقوفه على بقاء المال وهلاكه فيصح تصوير هذه المسائل من غير النظر الي ذلك الخلاف وقد أشار إلي هذا في الشامل * قال (وينوى ولى الصبي والمجنون وهل ينوى السلطان إذا أخذ الزكاة من الممتنع إن قلنا لا تبرأ ذمة الممتنع فلا وإن قلنا تبرأ فوجهان) * كما أن صاحب المال قد يفرق الزكاة بنفسه فغيره قد ينوب عنه فيه فان فرق بنفسه فلابد من النية كما بيناه وإن ناب عنه غيره فذلك يفرض علي وجوه (منها) نيابة الولي عن الصبى والمجنون ويجب عليه أن ينوى لان المؤدى عنه ليس أهلا للنية كما ليس أهلا للقسم والتفريق فينوب عنه في النية كما ينوب عنه في القسم قال القاضي ابن كج: فلو دفع من غير نية لم يقع الموقع وعليه الضمان (ومنها) أن يتولى السلطان قسم زكاته وذلك إما أن يكون بدفعه الي السلطان طوعا أو يأخذ السلطان منه كرها فان دفع طوعا ونوى عند الدفع كفى وإن لم ينو السلطان لانه نائب المستحقين فالدفع إليه كالدفع إليهم وإن لم ينو صاحب المال ونوى السلطان أو لم ينوهوا ايضا ففيه وجهان (احدهما) وهو ظاهر كلامه في المختصر ولم يذكر كثير من العراقيين سواه انه يجزئ ووجهوه بانه لا يدفع إلى السلطان الا الفرض وهو لا يفرق علي اهل السهمان الا الفرض فأغنت هذه القرينة عن النية (والثانى) لا يجزى لان الامام نائب الفقراء ولو دفع إليهم بغير نية لم يجز فكذلك إذا دفع إلى نائبهم قال صاحب المهذب والتهذيب وجمهور المتأخرين: هذا اصح وهو اختيار القاضى ابى الطيب وحملوا كلام الشافعي رضي الله عنه علي الممتنع يجزئه المأخوذ وان لم ينو لكن نقل عن نصه في الام انه قال يجزئه وان لم ينو طائعا كان أو كارها واما إذا امتنع عن اداء الزكاة فللسلطان اخذها منه كرها خلافا لابي حنيفة * لنا قوله تعالي جده (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولا يأخذ الا قد الزكاة على الجديد(5/525)
لقوله صلي الله عليه وسلم (ليس في المال حق سوى الزكاة) وقال في القديم يأخذ مع الزكاة شطر
ماله لما روى انه صلى الله عليه وسلم قال (في كل اربعين من الابل السائمة بنت لبون من اعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فانا آخذوها وشطر ماله عزمة من عز مات ربنا ليس لآل محمد فيها شئ) إذا عرفت ذلك فان نوى الممتنع حالة الاخذ برئت ذمته ظاهرا وباطنا ولا حاجة الي نية الامام وان لم ينو فهل تبرأ ذمته نظر ان نوى الامام سقط عنه الفرض ظاهرا ولا يطالب به ثانيا وهل يسقط باطنا فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لم ينو وهو متعبد بأن يتقرب بالزكاة وأظهرهما) أنه يسقط إقامة لنية الامام(5/526)
مقام نيته كما ان قسمه قام مقام قسمه وكما أن نية الولى تقوم مقام نية الصبى وان لم ينو الامام أيضا لم يسقط الفرض في الباطن وكذا في الظاهر على أظهر الوجهين هذا الترتيب والتفصيل ذكره في التهذيب وإذا اقتصر خرج منه الوجهان المشهوران في أن الممتنع إذا أخذت منه الزكاة ولم ينو هل يسقط الفرض عنه باطنا: وبنى امام الحرمين وصاحبا الكتاب وجوب النية علي الامام علي هذين الوجهين ان قلنا لا تبرأ ذمة الممتنع باطنا فلا يجب وان قلنا تبرأ فوجهان (أحدهما) لا كيلا يتهاون المالك فيما هو متعبد به (والثانى) نعم لان الامام فيما يليه من أمر الزكاة كولي الطفل والممتنع مقهور كالطفل وظاهر المذهب أنه يجب عليه أن ينوي ولو لم ينو عصي وأن نيته تقام مقام نية المالك وهذا لفظ القفال في شرح التلخيص (ومنها) أن يوكل وكيلا بتفريق الزكاة وان نوى الموكل عند الدفع الي الوكيل ونوى الوكيل عند الدفع الي المساكين فهو أولي وان لم ينو واحد منهما أو لم ينو الموكل لم يجز كما لو دفع الي المساكين بنفسه ولم ينو ان نوى الموكل عند الدفع ولم ينو الوكيل فيه طريقان (أحدهما) القطع بالجواز كما لو دفع الي الامام ونوى (وأظهرهما) أنه يبني علي أنه لو فرق بنفسه هل يجزئه تقديم النية علي التفرقة فيه وجهان (أحدهما) لا كما في الصلاة (وأظهرهما) وبه قال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله نعم كما في الصوم للعسر ولان المقصود الاظهر من الزكاة اخراجها وسد خلات المستحقين بها ولذلك جازت النيابة فيه مع القدرة علي المباشرة وعلي هذا تكفي نية الموكل عند الدفع الي الوكيل وعلى الاول لابد من نية الوكيل عند الدفع الي المساكين أيضا ولو وكل وكيلا وفوض النية إليه أيضا جاز كذا ذكره في النهاية والوسيط *
(فرع) لو تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة لم تسقط عنه الزكاة وعن أصحاب أبي حنيفة رحمه الله أنها تسقط *(5/527)
قال (ويستحب للساعي ان يعلم في السنة شهر الاخذ الزكاة وأن يرد المواشي الي مضيق قريب من المرعي ليسهل عليه الاخذ والعد) * كان النبي صلي الله عيه وسلم والخلفاء بعده يبعثون السعاة لاخذ الزكاة والمعني فيه ان كثيرا من الناس لا يعرفون الواجب والواجب فيه ومن يصرف إليه فبعثوا ليأخذوا من حيث تجب ويضعوا حيث يجب والاموال نوعان (أحدهما) ما لا يعتبر فيه الحول كالثمار والزروع فتبعث السعاة لوقت وجوبها وهو ادراك الثمار واشتداد الحبوب وذلك لا يختلف في الناحية الواحدة كثير اختلاف (والثاني) ما يعتبر فيه الحول وهو موضع كلام الكتاب فأحوال الناس تختلف ولا يمكن بعث ساع الي كل واحد عند تمام حوله فيعين شهرا يأتيهم الساعي فيه واستحب الشافعي رضي الله عنه ان يكون ذلك الشهر المحرم صيفا كان أو شتاء فانه أول السنة الشرعية وليخرج قبل المحرم ليوافيهم أول المحرم ثم إذا جاءهم فمن تم حوله أخذ زكاته ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل فان لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل وان وثق به فوض التفريق إليه وأن ياخذ زكاة المواشي إن كانت ترد الماء أخذها على مياههم ولا يكلفهم ردها الي البلد ولا يلزمه أن يتبع المراعى وبهذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم (لا جلب لا جنب) أي لا يكلفون أن يجلبوها الي البلد وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه فان كان لرب المال ماء ان أمره بجمعها عند أحدهما وان اجتزأت الماشية بالكلا في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقضيته تجويز تكليفهم الرد إلى الافنية وقد صرح به المحاملي وغيره وأذا أراد معرفة عددها فان أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله وإلا أحصاها والاولى أن تجمع في حظيرة ونحوها وينصب علي ألباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة ويثبت كل شاة إذا بلغت المضيق ويقف رب المال أو نائبه من جانب والساعى أو نائبه من جانب وبيد
كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به فذلك أبعد عن الغلط وإن اختلفا بعد الاحصاء وكان الواجب يختلف أعاد العد (وقوله) قريب من المرعي فيه إشارة إلي انه لا يكلفهم الرد من المرعي إلي البلدة والقرية بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المرعى فان عسر الحضور ثم فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الافنية * (والثاني) ما يعتبر فيه الحول وهو موضع كلام الكتاب فأحوال الناس تختلف ولا يمكن بعث ساع الي كل واحد عند تمام حوله فيعين شهرا يأتيهم الساعي فيه واستحب الشافعي رضي الله عنه ان يكون ذلك الشهر المحرم صيفا كان أو شتاء فانه أول السنة الشرعية وليخرج قبل المحرم ليوافيهم أول المحرم ثم إذا جاءهم فمن تم حوله أخذ زكاته ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل فان لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل وان وثق به فوض التفريق إليه وأن ياخذ زكاة المواشي إن كانت ترد الماء أخذها على مياههم ولا يكلفهم ردها الي البلد ولا يلزمه أن يتبع المراعى وبهذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم (لا جلب لا جنب) أي لا يكلفون أن يجلبوها الي البلد وليس لهم أن يجنبوها الساعي فيشقوا عليه فان كان لرب المال ماء ان أمره بجمعها عند أحدهما وان اجتزأت الماشية بالكلا في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقضيته تجويز تكليفهم الرد إلى الافنية وقد صرح به المحاملي وغيره وأذا أراد معرفة عددها فان أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله وإلا أحصاها والاولى أن تجمع في حظيرة ونحوها وينصب علي ألباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة ويثبت كل شاة إذا بلغت المضيق ويقف رب المال أو نائبه من جانب والساعى أو نائبه من جانب وبيد كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به فذلك أبعد عن الغلط وإن اختلفا بعد الاحصاء وكان الواجب يختلف أعاد العد (وقوله) قريب من المرعي فيه إشارة إلي انه لا يكلفهم الرد من المرعي إلي البلدة والقرية بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المرعى فان عسر الحضور ثم فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الافنية *(5/528)
قال (ويستحب أن يقول للمؤدى آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت
ولا يقول صلي الله عليك وإن قاله عليه السلام لآل أبي أو في لانه مخصوص به فله أن ينعم به على غيره وكما لا يقال محمد عزوجل وإن ان عزيزا جليلا فلا يحسن أن يقال أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن كان يدخل تحت آله تبعا) * قال الله تعالى (وصل عليهم) أي ادع لهم فيستحب للساعي أن يدعو لرب المال ترغيبا له في الخير وتطييا لقلبه ولا يتعين شئ من الادعية واستحب الشافعي رضي الله عنه أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت وهو لائق بالحال.
وحكي الحناطي وجها أنه يجب عليه الدعاء وله تمسك من لفظ الشافعي رضى الله عنه فانه محق على الوالى أن يدعو له وكما يستحب للساعي يستحب للمساكين أيضا إذا فرق رب المال عليهم وقد روى عن عبد الله بن أبي أو في رضي الله عنه قال كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال (اللهم صلى علي آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صلى علي آل أبى أوفى) قال الائمة: هذا وإن ذكره النبي صلي الله عليه وسلم لا يقوله غيره لان الصلاة قد صارت مخصوصة في لسان السلف بالا نبياء عليهم(5/529)
الصلاة والسلام كما أن قولنا عزوجل صار مخصوصا بالله تعلى جده وكما لا يقال محد عزوجل وإن كان عزيزا جليلا لا يقال أبو بكر وعلي صلوات الله عليهما وإن صح المعنى وهل يكره ذلك أم هو مجرد ترك أدبب أطلق القاضي حسين لفظ الكراهة وكذا فعل المصنف في الوسيط ووجهه إمام الحرمين بان قال المكروه يتميز عن ترك الاولى بن يفرض فيه نهي مقصود فقد ثبت نهى مقصود عن التشبه باهل البدع وإظهار شعارهم والصلاة علي غير الانبياء مما اشتهر بالفئة الملقبة بالرفض وظاهركم الصيدلاني أنه في حكم ترك الادب والاولي وبه يشعر قوله في الكتاب فلا يحسن أن يقال أبو بكر صلوات الله عليه وصرح بنفي الكراهة في العدة وقال أيضا الصلاة بمعنى الدعاء تجوز ععلى كل أحد أما بمعني التعظيم والتكريم يختص به الانبياء عليهم السلام والمشهور ما سبق ويجوز أن يجعل غير الانبياء تبعا لهم في الصلاة فيقال اللهم صلي علي محمد وعلي آله واصحابه وأزواجه وأتباعه لان ذلك لم يمتنع منه السلف وقد أمرنا به في التشهد وغيره ققال الشيخ أبو محمد
والسلام في معني الصلاة وقد قرن الله تعالي بينهما فقال (صلوا عليه وسلموا تسليما) فلا يفرد به غائب غير الانبياء ولا بأس به في معرض المخاطبة فيقال للاحياء والاموات من المؤمنين السلام عليكم.
إذا تقرر ذلك فالصلاة لما كانت حقا للنبى صلى الله عليه وسلم كان له أن ينعم بها علي غيره وغيره لا يتصرف فيما هو حقه كما أن صاحب المنزل يجلس غيره علي تكرمته وغيره لا يفعل ذلك (وقوله) وان كان يدخل تحت آله تبعا انما يستمر علي قولنا ان كل مسلم من آل النبي صلي الله عليه وسلم لكن الظاهر المنقول عن نص الشافعي رضى الله عنه أن آله بنو هاشم وبنو المطلب فعلي هذا لا يدخل ابو بكر رضى الله عنه تحت الآل وانما يدخل تحت الاصحاب وقد ذكرنا هذا الخلاف في موضعه * قال (القسم الثاني في التعجيل والنظر في أمور ثلاثة الاول في وقته ويجوز تعجيل الزكاة (ح م) قبل تمام الحول ولا يجوز قبل تمام النصاب ولا قبل السوم وفي تعجيل صدقة عامين وجهان ولو ملك مائة وعشرين شاة فعجل شاتين ثم حدثث سخلة ففى أجزاء الثانية وجهان (أحدهما) وهو الاصح اجزاءه) * التعجيل جائز في الجملة وبه قال أبو حنيفة وأحمد لما روى عن علي رضي الله عنه أن العباس رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له.
إذا عرفت ذلك فالحجة تمس الي معرفة(5/530)
أن التعجيل بأية مدة يجوز وانه إذا عجل في الوقت يجزئه علي الاطلاق أوله شرائط وانه إذا لم يقع مجزئا هل للمعجل أن يرجع فيما دفع فلذلك قال: والنظر في ثلاثة أمور (أحدها) في التعجيل والاموال الزكوية ضربان (أحدهما) مال تجب فيه الزكاة بالحول والنصاب فيجوز تعجيل زكاته قبل الحول خلافا لمالك حيث قال لا يجوز قال المسعودي: الا أن يقرب وقت الوجوب بأن لم يبق من الحول الا يوم أو يومان * لنا ما سبق من الخبر وأيضا فان الزكاة حق مالي أجل رفقا فجاز تعجيله قبل محله كالدين المؤجل وككفارة اليمين قبل الحنث فان مالكا سلم جواز التعجيل في الكفارة ولا يجوز التعجيل قبل تمام النصاب كماذا ملك مائة درهم فعجل منها خمسة دراهم أو ملك تسعا وثلاثين شاة فعجل شاة ليكون المعجل عن زكاته إذ اتم النصاب وحال الحول عليه وذلك لان الحق المالي إذا تعلق بشيئين ووجد أحداهما يجوز تقديمه علي الآخر لكن لا يجوز تقديمه عليهما جميعا ألا ترى أنه يجوز
تقديم الكفارة علي الحنث إذا كان قد حلف ولا يجوز تقديمها علي الحنث واليمين جميعا وهذا في الزكاة العينية أما إذا اشترى عرضا للتجارة يساوى مائة درهم فعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساوى مائتين جاز المعجل عن الزكاة على ظاهر المذهب وان لم يكن يوم التعجيل نصابا لان الحول منعقد والاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول ولو ملك أربعين من الغنم المعلوفة وعجل شاة علي عزم أن يسيمها حولا لم يقع عن الزكاة إذا أسامها لان المعلوفة ليست مال الزكاة كالناقص عن النصاب وانما تعجل الزكاة بعد انعقاد الحول ولو عجل صدقة عامين فصاعدا فهل يجزئ المخرج عما عدا السنة الاولى فيه وجهان (أحدهما) نعم لما روى أنه صلي لله عليه وسلم قال (تسلفت من العباس صدقة عامين) وبهذا قال(5/531)
أبو إسحق (والثانى) لا لان زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها والتعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز كالتعجيل قبل كمال النصاب.
والوجه الاول أصح عند صاحب الكتاب ذكره في الوسيط وكذا قاله الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل: والا كثرون على ترجيح الوجه الثاني ومنهم معظم العراقيين وصاحب التهذيب وحملوا الحديث على أنه تسلفها بدفعتين فان جوزنا فذلك ان بقى عنده بعد التعجيل نصاب كامل كما إذا ملك ثنتين وأربعين شاة فعجل منها شاتين فاما إذا لم يبق عنده بعد التعجيل نصاب كامل كما إذا ملك أربعين أو احدي وأربعين فعجل شاتين فوجهان (أحدهما) الجواز كما لو عجل عن أربعين صدقة عام فانه يجوز (وأصحهما) المنع لان التعجيل على النصاب لا يجوز وفي تعجيل شاتين ما يوجب نقصان النصاب في جميع السنة الثانية وذكر أبو الفضل بن عبد ان تفريعا علي جواز تعجيل صدقة عامين أنه هل يجوز أن ينوى تقديم زكاة السنة الثانية علي الاولي فيه وجهان كالوجهين في تقديم الصلاة الثانية علي الاولي في الجمع ولو ملك نصابا فعجل زكاة نصابين نظر ان كان ذلك في زكاة التجارة كما لو اشترى عرضا بنية التجارة بمائتي درهم وأخرج زكاة اربعمائة فحال الحول والعرض يساوى اربعمائة اجزأه ما اخرج لان الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول وإن كان في زكاة العين فان اخرج علي توقع حصول نصاب آخر بسبب مستقبل كما لو ملك مائتي درهم فأخرج زكاة اربعمائة علي توقع الكتساب مائتين واكتسب مائتين لم يجزئه ما اخرجه عن المائتين الحادثتين
وبه قال احمد خلافا لا بي حنيفة بناء علي ان المستفاد في اثناء الحول مضموم إلي ما عنده في الحول فكأنه موجود وقت الاخراج وإن اخرج علي رجاء حصول نصاب آخر أو كمال نصاب آخر من عين ما عنده فصدق رجاؤه كما إذا ملك مائة وعشرين شاة فعجل شاتين ثم حدثت سخلة أو ملك خمسا من الابل فعجل شاتين تم بلغت بالتوالد عشرا فهل يجزئه ما اخرج عن النصاب الذى كمل الآن فيه وجهان (أصحهما) عند حجة الاسلام وصاحب التتمة الاجزاء لان النتاج الحاصل في اثناء الحول بمثابة الموجود في اوله وهذا قياس المحكى عن ابى حنيفة رحمه الله في الصورة السابقة (والثاني) وهو الاصح عند العراقيين وصاحب التهذيب المنع لانه تقديم زكاة العين علي النصاب فأشبه ما لو اخرج زكاة اربعمائة درهم وهو لا يملك إلا مائتين ورتب امام الحرمين هذين الوجهين علي الوجهين في جواز تقديم صدقة عامين إن جوزنا ذاك فالتقديم للنصاب الثاني اولي وان منعنا ذاك فههنا وجهان والفرق(5/532)
ان النتاج الحاصل في وسط الحول لا يحتاج الي حول جديد وكان حول المال الذى واجبه شاة منعقد علي ما واجبه شاتان ولا كذلك زكاة السنة الثانية فان حولها لم يدخل بحال وطرد ابن عبدان الوجهين المذكورين في هذه الصورة في الصورة الاولى أيضا وهي ما إذا اشترى عرضا بمائتين واخرج زكاة اربعمائة فحال الحول وقيمته اربعمائة ولو عجل شاة عن اربعين فولدت اربعين وهلكت الامهات هل يجزئه ما اخرج عن السخال نقل في التهذيب فيه وجهين ولك ان تعلم قوله في الكتاب ويجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول بالواو مع الميم المشيرة الي مذهب مالك لان الموفق بن طاهر حكى عن ابي عبيد بن خرنومه من اصحابنا منع التعجيل كما يحكي عن مالك * قال (واما زكاة الفطر فتعجل في اول رمضان وزكاة الرطب والعنب لا تعجل قبل الجفاف وقيل تعجل بعد بدو الصلاح وقيل تعجل بعد بدو الطلع واما الزرع فوجوب زكاته بالفرك والتنقية ويجوز عند الادراك وبعد الادراك وان لم يفرك وقيل يجوز بعد ظهور الحب وان لم يشتد) * الضرب الثاني ما لا يتعلق وجوب الزكاة فيه بالحول كالثمار والزروع ولنتكلم في زكاة الفطر أولا
(اما) انها تجب فسيأتي في موضعه واما تعجيلها فيجوز بعد دخول شهر رمضان لان ابن عمر رضى الله عنهما كان يبعث صدقة الفطر الي الذى يجمع عنده قبل الفطر بيومين واحتج له أيضا بان وجوبها بشيئين برمضان والفطر منه وقد وجد أحدهما وهو حصول رمضان هذا ما قاله جمهور الاصحاب وذكر ابو سعيد المتولي ان زمان جواز تعجيلها من أول اليوم الاول من رمضان لا من أول رمضان لان زكاة الفطر وجبت بالفطر عن رمضان والصوم هو سبب الفطر فلا تعجل زكاة الفطر قبل سبب الفطر (وقوله) في الكتاب فتعجل من أول رمضان يجوز أن يعلم بالواو لما حكينا عن التتمة ولانه لابتداء الغاية وفي جواز تعجيلها علي دخول رمضان وجهان كالوجهين في تعجيل صدقة عامين والاصح المنع كما هو قضية لفظه ويجوز ان يعلم بالحاء أيضا لان عن أبي حنيفة أنه يجوز تقديمها علي رمضان من غير ضبط وبالالف لان عن احمد أنه لا تعجل من أول رمضان انما تعجل قبل الفطر بيوم أو يومين (واما) الثمار والزروع (فاعلم) أن زكاة الثمار تجب ببدو الصلاح وزكاة الزروع تجب باشتداد الحب على ما سيأتي وليس المراد منه وجوب الاداء بل المراد ان حق المساكين يثبت في هاتين الحالتين ثم الاخراج يلزم بعد الجفاف وتنقية الحبوب.
إذا عرفت ذلك فالاخراج بعد ما صار الرطب تمرا والعنب زبيبا ليس بتعجيل بل هو لازم حينئذ ولا خلاف انه لا يجوز التقديم علي بد والصلاح وخروج(5/533)
الثمرة كما لا يجوز التعجيل في الضرب الاول على كمال النصاب ووراء ذلك للثمار حالتان (احداهما) ما بعد الطلع وخروج الثمرة وقبل بدو الصلاح فيه وجهان (اظهرهما) عند اكثر العراقيين وتابعهم في التهذيب انه لا يجوز الاخراج ووجهوه بشيئين (أحدهما) أنه لا يظهر ما يمكن معرفة مقداره تحقيقا ولا خرصا وتخمينا فصار كما لو قدم الزكاة علي الصناب (والثاني) ان هذه الزكاة تجب بسبب واحد وهو ادراك الثمار فيمتنع التقديم عليه (والوجه الثاني) أنه يحوز كزكاة المواشى قبل الحول وحكي الحناطى هذا الوجه عن ابن سريج ويشهر بابن أبي هريرة والاول بابى اسحق وذكر القاضي ابن كج ان أبا اسحق أجاب بالوجهين في دفعتين ولمن قال بالثاني ان يقول: أما التوجيه الاول فالكلام فيما إذا عرف حصول قدر النصاب وان لم يعرف جملة الحاصل فبعد ذلك ان
خرج زائدا على ما ظنه فيزكى الزيادة وإن خرج ناقصا فبعض المخرج تطوع فلم يمتنع الاخراج (وأما) الثاني (فلا) نسلم ان لهذه الزكاة سببا واحدا بل لها سببان ايضا ظهور الثمرة وادراكها والادراك بمثابة حولان الحول (الحالة الثانية) ما بعد بدو الصلاح وقبل الجفاف وقد حكي امام الحرمين في هذه ايضا وجهين (أحدهما) المنع لعدم العلم بالقدر (واصحهما) ولم يذكر الجمهور سواه الجواز كما يجوز إخراج الزكاة في الضرب الاول بعد النصاب وقبل الحول بل اولي إذ لا وجوب ثم بعد وههنا يبدو الصلاح قد ثبت الوجوب وان لم يلزم الاخراج وإذا تركت هذا التفصيل واختصرت؟ فالحاصل ثلاثة أوجه كما ذكر في الكتاب (أحدها) أن زكاة الثمار لا تعجل قبل الجفاف (والثانى) أنها تعجل بعد بدو الصلاح (والثالث) أنها تعجل بعد بدو الطلع وبه قال أحمد وإيراد الكتاب يقتضي ترجيح الوجه الاول وقد صرح به في الوسيط لكن الظاهر عند المعظم هو الثاني بل نفى أبو الحسين بن القطان أن يكون فيه خلاف وكذا نقل صاحب العدة فهذا هو الكلام في زكاة الثمار ويقاس بها زكاة الزروع فالاخراج بعد الفرك والتنقية لازم وليس بتعجيل ولا يجوز الاخراج قبل نبات الزرع ورأيت في بعض كتب اصحاب أحمد أن أبا حنيفة يجوزه بعد طرح البذر في الارض ثم وراء ذلك حالتان (إحداهما) ما بعد التسنبل وانعقاد الحبوب وقبل اشتدادها ففيه وجهان علي ما سبق والمنع ههنا أولي لان الحبوب غير موجودة والزرع بقل والثمار موجودة وإن لم يبد فيها الصلاح (والثانية) ما بعد الاشتداد والادراك وقبل الفرك والتنقية فالصحيح جواز الا خراج وعن الشيخ أبى محمد أنه لا يجوز الاخراج ما لم ينق لان قدر المال إنما يعرف بالتنقية (وقوله) في الكتاب لا يعجل ينبغى أن يعلم بالالف لما ذكرنا (وقوله) وأما الزرع فوجوب زكاته بالفرك (أي) وجوب الاخراج والا فالحق(5/534)
يثبت عند الاشتداد (وقوله) ويجوز عند الادراك وكذا قوله يجوز بعد ظهور الحب لا بأس باعلامهما بالواو للوجه الصائر إلى أنه لا يجوز الاخراج قبل التنقية.
ثم عد الائمة في هذا الباب ما يقدم علي وقت الوجوب من الحقوق المالية وما لا يقدم (فمنها) كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وسيأتي ذكرها في موضها إن شاء الله تعالي (ومنها) لا يجوز للشيخ الهرم والحامل والمرضع تقديم الفدية علي
رمضان (ومنها) لا يجوز تقديم الاضحية علي يوم النحر (ومنها) كفارة الوقاع في رمضان حكى الحناطي في جواز تقديمها علي الوقاع وجهين (والاصح) المنع (ومنها) إذا قال إذا شفى الله مريضي فلله على أن أعتق رقبة فأعتق قبل الشفاء قال ابن عبدان لا يجزئ في أصح الوجهين ومما ذكره وهو من شرط الباب زكاة المعدن والركاز قال لا يجوز تقديمهما علي الحصول * قال (الثاني ففى الطورئ المانعة من الاجزاء وهو فوات شرط الوجوب وذلك في القابض أن يرتد أو يموت أو يستغنى بحال آخر فان عرضت بعض هذه الحالات وزالت قبل الحول فوجهان أو في المالك بان يرتد أو يموت أو يتلف ماله فيتبين بجميع ذلك ان المعجل لم يقع عن الزكاة أما المال لو تلف في يد المسكين أو في يد الامام وقد قبض بسؤال المسكين فلا بأس وان قبض بسؤال المالك فهو من ضمان المالك وان اجتمع سؤال المالك والمسكين فأى الجانبين يرجح فيه وجهان وحاجة أطفال المساكين كسؤالهم وحاجة البالغين هل تنزل منزلة سؤالهم فيه وجهان.
) * يشترط في كون المعجل مجزئا أن يبقى القابض بصفة الاستحقاق إلى آخر الحول فلو ارتد قبل الحول أو مات لم يحسب المعجل عن الزكاة وان استغني نظر ان استغنى بالمدفوع إليه أو به وبمال آخر لم يضر فان الزكاة انما تصرف إليه ليستغني فلا يصير ما هو المقصود مانعا من الاجزاء وان استغني بمال خر لم يحسب المعجل عن الزكاة لخروجه عن أهلية أخذ الزكاة عند الوجوب وان عرض شئ من الحالات المانعة ثم زال وكان بصفة الاستحقاق عند تمام الحول ففيه وجهان (أحدهما) انه يجزئ المعجل كما لو لم يكن عد الاخذ من أهل ثم صار عند تمام الحول من أهله (وأصحهما) انه يجزئ اكتفاء بالاهلية في طرفي الاداء والوجوب.
هذا ما يشترط في القابض ويشترط في المالك بقاءه بصفة وجوب الزكاة عليه إلي آخر الحول فلو ارتد وقلنا الردة تمنع وجوب الزكاة أو مات أو تلف جميع ماله أو باعه ونقص عن انصاب لم يكن المعجل زكاة وهل يحسب في صورة الموت عن زكاة الوارث.
نقل عن نصه في الام ان المعجل يقع عن الوارث وقد سبق ذكر قولين في ان(5/535)
الوارث هل يبني علي حول المورث ام لا فقال الاصحاب هذا الذى ذكره في الام يستمر جوابا علي القول القديم وهو انه يبنى لان الوارث علي هذا القول يبني علي حكم ذلك النصاب والحول فيجزئه ما عجله المورث كما كان يجزئ المورث لو بقى.
وعلى هذا لو تعدد الورثة ثبت حكم الخلطة بينهم ان كان المال ماشية أو غير ماشية وقلنا بثبوت الخلطة في غير الماشية وان قلنا لا تثبت ونقص نصيب كل واحد عن النصاب أو اقتسموا المال ماشية كانت أو غيرها ونقص نصيب كل واحد عن النصاب فينقطع الحول ولا تجب الزكاة علي المشهور وعن صاحب التقريب وجه آخر انهم يجعلون كالشخص الواحد وكأنهم عين المتوفى فيستدام حكمه في حقهم (فأما) إذا فرعنا علي الجديد الصحيح وهو ان الوارث لا يبنى علي حول المورث (فلا) يجزئ المعجل عن الوارث لانه مالك جديد وذلك المعجل مقدم علي النصاب والحول في حقه هذا هو الاظهر ومنهم من قال يجزئه المعجل كما ذكر في الام وهو جواب علي احد الوجهين في تعجيل صدقة عامين فتعجل السنة المستأنفة في حق الوارث كالسنة الثانية في حق المعجل إذا عرفت ذلك فنقول: الامام إذا اخذ من المالك قبل ان يتم حوله مالا للسماكين فلا يخلو إما ان يأخذه بحكم القرض أو ليحسبه عن زكاته عند تمام الحول (الحالة الاولي) ان يأخذ بحكم القرض فينظر ان استقرض بسؤال المساكين فضمانه عليهم سواء تلف في يده أو سلمه إليهم كما لو استقرض الرجل مالا لغيره باذنه وهل يكون الامام طريقا في الضمان حتي يؤخذ منه ويرجع علي المساكين ام لا ان علم المأخوذ منه انه يستقرض للمساكين باذنهم فلا يكون طريقا علي اظهر الوجهين بل يرجع عليهم (والثاني) انه يكون طريقا كالوكيل بالشراء يكون مطالبا علي ظاهر المذهب وإن ظن المأخوذ منه ان يستقرض لنفسه أو للمساكين من غير سؤالهم فله ان يرجع علي الامام والامام يقضيه من مال الصدقة أو يجعله محسوبا عن زكاة المقرض.
ولو أقرضه المالك للمساكين ابتداء من غير سؤالهم فتلف في يد الامام فلا ضمان علي احد (اما) علي المساكين فظاهر (واما) على الامام فلانه وكيل المالك كما لو دفع الرجل مالا إلى غيره ليقرضه من ثالث فهلك عنده لا ضمان عليه.
(ولو استقرض الامام بسؤال المقرض والمساكين جميعا فهلك عنده فهو من ضمان المالك أو المساكين فيه وجهان علي ما سنذكر في الحالة الثانية ولو استقرض
لا بسؤال المالك ولا بسؤال المساكين فينظر ان استقرض ولا حاجة بهم الي القرض فالقرض يقع للامام وعليه ضمانه من خالص ماله سواء اتلف في يده أو دفعه الي المساكين ثم إن دفع إليهم متبرعا فلا رجوع وان اقرضهم فقد اقرضهم من مال نفسه وان استقرض لهم وبهم حاجة(5/536)
فان هلك في يده فوجهان (احدهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد رحمهما الله انه من ضمان المساكين يقضيه الامام من مال الصدقة كولي اليتيم إذا استقرض لحاجته فهلك في يده يكون الضمان في مال الصبى (واصحهما) ان عليه الضمان من خالص ماله لان المساكين غير معينين وفيهم أو اكثرهم اهل رشد لا ولاية عليهم لاحد الا ترى انه لا يجوز منع الصدقة عنهم من غير عذر ولا التصرف في مالهم بالتجارة وانما يجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة بخلاف اليتيم وان دفع المستقرض إليهم فالضمان عليهم والامام طريق فيه فإذا أخذ الزكاة والمدفوع إليه بصفة الاستحقاق فله أن يقضيه من الزكاة وله أن يحسبه عن صدقة المقرض وان لم يكن المدفوع إليه بصفة الاستحقاق عند تمام حول الزكاة المأخوذة لم يجز قضاءه منها بل يقضي من مال نفسه ثم يرجع علي المدفوع إليه الا إن وجد له مالا.
(الحالة الثانية) أن يأخذ المال ليحسبه عن زكاة المأخوذ مه عند تمام حوله وفيها أربع مسائل كما في القرض (الاولي) أن يستلف بسؤال المساكين فان دفع إليهم قبل الحول وتم الحول وهم بصفة الاستحقاق والمالك بصفة الوجوب وقع الموقع وان خرجوا عن الاستحقاق فعليهم الضمان وعلي رب المال اخراج الزكاة ثانيا.
وان تلف في يده قبل تمام الحول من غير تفريط فينظر ان خرج المالك عن أن تجب عليه الزكاة فله الضمان على المساكين وهل يكون الامام طريقا فيه وجهان علي ما ذكرناه في الاستقراض وان لم يخرج عن أن تجب عليه الزكاة فهل يقع المخرج عن زكاته فيه وجهان (أظهرهما) نعم وهو المذكور في الشامل والتتمة لان الامام نائب المساكين فصار كما لو أخذوه وتلف في يدهم (والثاني) لا لا لانه لم يصل إلى المستحقين وعلي هذا له أخذ الضمان من المساكين وفي أخذه من الامام الوجهان فان لم يكن للمساكين مال صرف الامام إذا اجتمعت الزكاة عنده ذلك القدر إلى قوم آخرين عن جهة الذى تسلف منه (الثانية)
أن يتسلف بسؤال المالك فان دفع الي المساكين فتم الحول وهو بصفة الاستحقاق وقع الموقع والا رجع المالك علي المساكين دون الامام وان تلف في يد الامام لم يجزئ المالك سواء كان التلف بتفريط من الامام أو بغير تفريط كما لو دفعه إلى وكيله فتلف عنده ثم ان تلف بتفريط منه فعليه الضمان للمالك وان تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه ولا علي المساكين (الثالثة) أن يتسلف بسؤال المالك والمساكين جميعا فمن ضمان من يكون: فيه وجهان (أحدهما) أنه من ضمان المالك كما لو تسلف بمحض سؤاله لان جانبه أقوى إذ الخيار في الدفع والمنع إليه (والثاني) انه من ضمان المساكين لان المنفعة تعود إليهم فيكون المال من ضمانهم الا ترى أن ضمان العارية علي المستعبر(5/537)
لعود المنفعة عليه وهذا الوجه أصح عند صاحب الشامل واليه يميل كلام الاكثرين وفي التتمة والعدة أن الاول أصح (الرابعة) أن يتسلف لا بسؤال المالك ولا بسؤال المساكين لما رأى بهم من الخلة والحاجة فهل تنزل حاجتهم منزلة سؤالهم فيه وجهان حكاهما امام الحرمين وغيره (أحدهما) نعم لان الزكاة مصروفة إلى جهة الحاجة لا إلى قوم معينين والامام ناظر لها فإذا رأى المصلحة في الاخذ كان له ذلك وكان كما لو أخذ بسؤالهم وصار كولى الطفل (واظهرهما) انها لا تنزل منزلة سوألهم لانهم اهل رشد ونظر ولو عرفوا صلاحهم في التسلف لا التمسوه من الامام فعلي هذا ان دفعه إليهم وخرجوا عن الاستحقاق عند تمام الحول استرده منهم ودفعه إلى غير هم وان خرج الدافع عن اهلية الوجوب استرده ورده إليه فان لم يجد للمدفوع إليه مالا ضمنه من مال نفسه فرط أو لم يفرط وعلي المالك اخراج الزكاة ثانيا وفيه وجه آخر أنه لا ضمان علي الامام ويحكى مثله عن أبى حنيفة واحمد ثم الوجهان في ان الحاجة هل تنزل منزلة السؤال في حق البالغين (فأما) إذا كانوا اطفالا فهذا يبني أولا علي ان الصغير هل يدفع إليه من سهم الفقراء والمساكين ام لا (اما) إذا كان مكتفيا بنفقة ابيه أو غيره من الاقارب ففيه وجهان مذكوران في قسم الصدقات في الكتاب وسنشرحها ثم ان شاء الله تعالي جده (واما) إذ لم يكن من ينفق عليه من اب وجد وغيرهما فقد حكي القاضي ابن كج عن ابي اسحق انه لا يجوز صرف الزكاة إليه لاستغنائه عن الزكاة بالسهم المصروف إلي
اليتامى من الغنيمة.
وعن ابن ابي هريرة انه يجوز صرف الزكاة إلى قيمه قال: وهذا هو المذهب إذا عرفت ذلك فان قلنا بجواز الصرف فحاجة اطفال المساكين كسؤال البالغين إذ ليس لهم اهلية النظر والتماس التسلف فتسلف الامام الزكاة واستقراضه لهم كاستقراض قيم اليتيم له.
هذا إذا كان الذى يلي امرهم الامام فاما إذا كان يلى امرهم من هو مقدم علي الامام فحاجتهم كحاجة البالغين لان لهم من يسأل التسلف لو كان صلاحهم فيه اما إذا قلنا لا يجوز الصرف إلى الصغير فلا تجئ هذه المسألة في سهم الفقراء والمساكين ويجوز ان تجئ في سهم الغارمين ونحوه لان الخلاف في المكفى بنفقة أبيه لا يتجه في سهم الغارمين إذ ليس علي القريب قضاء دين القريب وفي المسائل كلها لو تلف المعجل في يد الساعي أو الامام بعد تمام الحول سقطت الزكاة عن المالك لان الحصول في يدهما بعد الحول كالوصول الي المساكين كما لو اخذ بعد الحول ثم ان فرط في الدفع إليهم ضمن من مال نفسه لهم والا فلا ضمان علي احد وليس من التفريط ان ينتظر انضمام غيره إليه لقلته فانه لا يجب تفريق كل قليل يحصل عنده.
وعد بعد هذا الي لفظ الكتاب واعلم ان قوله(5/538)
وهي فوات شرط الوجوب يفتقر إلى التأويل إذ ليس الطوارئ المانعة من الاجزاء منحصرة في فوات شرط الوجوب بل فوات شرط الاستحقاق في القابض مانع من الاجزاء أيضا.
وأيضا فانه قال وذلك في القابض بان يرتد إلي آخره وصفات القابض ليست من شروط الوجوب في شئ وجواز الصرف إليه (وقوله) بان يرتد أو يموت أو يستغنى معلم بالحاء لان عند أبي حنيفة تغير حال القابض لا يؤثر إذا كان عند الاخذ بصفة الاستحقاق (وقوله) أو في المالك بان يرتد يجوز ان يرقم قوله يرتد بالواو لانا ان ابقينا ملك المرتد وجوزنا إخراج الزكاة في حال الردة أجزأ المعجل (وقوله) أما المال لو تلف إلي آخر الفصل يمكن حمله على الاستقراض وعلى التسلف للزكاة ومراده الثاني على ما صرح به في الوسيط (وقوله) لو تلف في يد المساكين مطلقا سواء قبض الامام بسؤال المالك أو بسؤال المساكين وسلمه إليهم والتفصيل فيما إذا كان التلف في يد الامام (وقوله) فلا ضمان أي إذا اجتمع شرائط الوجوب والاستحقاق جميعا أجزأ المعجل عن الزكاة ولا ضمان على أحد وقد
نجد في بعض النسخ فلا بأس بدل قوله فلا ضمان ولا بأس به معناه لا يضر ذلك وتقع الزكاة موقعها وأيهما كان فهو عند اجتماع الشرائط كما سبق (وقوله) وحاجة أطفال المساكين كسؤالهم أي كسؤال البالغين لا كسؤال الاطفال ثم ليس من ضرورة أطفال المساكين ان يكونوا مساكين فاللفظ الناص علي الفرض أن يقال وحاجة الاطفال ثم ليس من ضرورة أطفال المساكين ان يكونوا مساكين فاللفظ الناص علي الفرض أنن يقال وحاجة الاطفال المساكين ولا يخفى أن لفظ المساكين في هذه المسائل كناية عن أهل السهمان جميعا وأنه ليس المراد جميع آحاد الصنف بل سؤال طائفة منهم وحاجتهم * قال (الثالث في الرجوع عند طريان هذه الاحوال فان قال هذه زكاتي المعجلة فله الرجوع وقيل شرطه أن يصرح بالرجوع وعلي هذا لو نازعه المساكين في الشرط فالمالك هو المصدق في احدى الوجهين لانه المؤدى (أما) إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المساكين ففى الرجوع وجهان.
فان قلنا يرجع فيصدق مع يمينه إذا قال قصدت التعجيل) * إذا دفع الزكاة المعجلة إلي الفقراء وقال انها معجلة فان عرض مانع استردت فله الاسترداد ان عرض مانع وعن أبي حنيفة انه لا استرداد إلا إذا كان المال في يد الامام بعد أو الساعي * لنا أنه مال دفعه لما يستحقه القابض في المستقبل فإذا عرض ما يمنع الاستحقاق استرده كما إذا عجل الاجرة ثم انهدمت الدار قبل انقضاء المدة.
وان اقتصر علي قوله هذه زكاة معجلة وعلم القابض ذلك ولم يذكر الرجوع فهل له الاسترداد عند عروض مانع فيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد وغيره (أحدهما) لا لان العادة جارية بأن المدفوع الي الفقير لا يسترد فكأنه ملكه بالجهة المعينة ان وجد(5/539)
شرطها والا فهو صدقة وصار كما لو صرح وقال هذه زكاتي المعجلة فان وقعت الموقع فذاك والا فهي نافلة (وأصحهما) ولم يذكر المعظم غيره ان له الرجوع لانه عين الجهة فان بطلت رجع كما قلنا في تعجيل الاجرة قال صاحب الوجه الاول: هذا يشكل بما إذا قال هذه الدراهم عن مالي الغائب وكان تالفا فانه يقع صدقة ولا يتمكن من الرجوع الا إذا شرط الرجوع بتقدير تلف الغائب.
أجاب الصيد لاني بانه قد تعرض لكونها معجلة وإذا تعرض لذلك فقد شرط الرجوع ان عرض مانع
وهذا غير واضح كما ينبغي وقرب امام الحرمين في المسالة من القولين فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا وهذان الوجهان فيما إذا دفع المالك بنفسه وفيه تكلم صاحب الكتاب ألا تراه يقول فلو قال هذه زكاتي المعجلة والامام لا يقول ذلك (اما) إذا دفع الامام فلا يمكن حعله نافلة فلا حاجة الي شرط الرجوع لكن لو لم يعلم القابض أنه زكاة غيره فيجوز أن يقال علي الوجه الاول لا يسترد وعلي الامام الضمان للمالك لتقصيره بترك شرط الرجوع ولو جرى الدفع من غير تعرض للتعجيل ولا علم القابض به فهل يثبت الاسترداد ظاهر نصه في المختصر انه ان كان المعطي الامام يثبت وان اعطى المالك بنفسه فلا يثبت وللاصحاب فيه طريقان (أحد هما) تقرير النصين والفرق ان المالك يعطي من ماله الفرض التطوع فإذا لم يقع عن الفرض وقع تطوعا والامام يقسم مال الغير فلا يعطى الا الفرض فكان مطلق دفعه كالمقيد بالفرض وهذا هو الذي ذكره القاضى ابن كج وعامة أصحابنا العراقيين (والثاني) أنه لا فرق بين الامام والمالك لان الامام قد يتصدق بمال نفسه كما يفرق مال الغير وبتقدير أن لا يقسم الا الفرض لكنه قد يكون معجلا وقد يكون في وقته واختلف هؤلاء علي طريقين (أحدهما) تنزيل النصين علي حالين حيث قال يثبت الرجوع فذلك عند وقوع التعرض للتعجيل وحيث قال لا يثبت فذلك عند اهماله والامام والمالك يستويان في الحالتين وذكر في الشامل ان الشيخ أبا حامد حكى هذا الطريق ايضا وهو الذى أورده الجامعون لطريقة القفال واختياراته (والثانى) ان فيهما قولين نقلا وتخريجا (احدهما) أنه يثبت الرجوع كما لو دفع مالا الي غيره على ظن ان له عليه دينا فلم يكن له الا سترداد (والثاني) لا يثبت لان الصدقة تنقسم إلى فرض وتطوع وإذا لم تقع فرضا تقع تطوعا كما لو أخرج زكاة ماله الغائب وهو يظن سلامته فبان تالفا يقع تطوعا وهاذ الطريق أو فق لما ذكره في الكتاب إلا أنه حكي بدل القولين وجهين وكذا فعل امام الحرمين وهو قريب في موضع النقل والتخريج ولم يحك الخلاف في الامام والمالك جميعا فان المسألة مسوقة علي ما سبق في أول الفصل وهو كلام في المالك على ما بينته والاظهر أنه لا يثبت(5/540)
الرجوع سواء أثبتنا الخلاف أم لا وهو فيما إذا دفع المالك بنفسه أولي وأظهر في ظاهر النصين
المنقولين عن المختصر وكشف المراد منهما كلام كثير لا يحتمله هذا الموضع.
فان قلنا يثبت الاسترداد وان لم يتعرض للتعجيل ولا علمه القابض فمهما قال المالك قصدت التعجيل ونازعه القابض فالقول قوله المالك مع اليمين فانه أعرف بنيته ولا سبيل الي معرفتها الا من جهته ولو ادعى المالك علم القابض بأنها كانت معجلة فالقول قول القابض لان الاصل عدم العلم والغالب هو الاداء في الوقت.
وان قلنا لا يثبت الاسترداد عند عدم التعرض للتعجيل وعلم القابض فلو تنازعا في أنه هل شرط التعجيل على الوجه الاصح أو في أنه هل شرط مع ذلك الرجوع علي الوجه الثاني فالقول قول من: فيه وجهان (أحدهما) أن القول قول المالك مع يمينه لانه المؤدى وهو أعرف بقصده ولهذا لو دفع ثوبا الي غيره واختلفا فقال الدافع هو عارية وقال الآخر هبة كان القول قول الدافع (وأظهرهما) ولم يذكر في العدة غيره أن القول قول المسكين مع يمينه لان الاصل عدم الاشتراط والغالب كون الاداء في الوقت ولانهما اتفقا علي انتقال اليد والملك والاصل استمرارها (وقوله) في الكتاب وعلي هذا لو نازعه المساكين في الشرط قد يتوهم تخصيص المسألة والوجهين فيها بالوجه المذكور قبله وهو قوله وقيل شرطه أن يصرح بالرجوع وليس كذلك بل سواء اكتفينا بشرط التعجيل أو شرطنا التصريح بالرجوع وفرض النزاع جرى الوجهان ولو أنه أخر المسالة إلى أن يفرغ من الكلام فيما إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المساكين لكان أولى لان هذا النزاع انا يجرى إذا قلنا لا يثبت الاسترداد ثم إذا اثبتناه فلا فائدة للنزاع في جريان الاشتراط فان المالك وان سلمه وادعي أنه قصد التعجيل والرجوع نصدقه كما سبق والوجهان في تنازع المالك والقابض يجريان في تنازع الامام والقابض إذا قلنا انه يحتاج الي الاشتراط ولفظ التهذيب يشمل الصورتين جميعا (وقوله) ففى الرجوع وجهان يجوز أن يعلم بالواو لما قدمنا من الطريقة القاطعة بامتناع الرجوع ولك أن تبحث في قوله أما إذا لم يتعرض لتعجيل ولا علمه المسكين فتقول هذا يشمل ما إذا سكت فلم يذكر شيئا أصلا وما إذا قال هذه زكاتي أو صدقتي المفروضة ولم يتعرض للتعجيل ولا علمه المسكين فهل يجوز لمخرج الزكاة أن لا يتلفظ بشئ أصلا وبتقدير أن يجوز فهل الحكم واحد في الحالتين أم بينهما فرق.
والجواب أما الاول فقد ذكر صاحب النهاية وغيره أن مخرج الزكاة لا يحتاج إلى لفظ لانه في حكم
توفية حق علي مستحق قال وفي صدقة التطوع تردد والظاهر الذى به عمل الكافة أنه لا حاجة إلى لفظ أصلا (واما الثاني) ففيه طريقان (احدهما) انه إذا قال هذه زكاتي أو صدقتي المفروضة كان بمثابة ما لو ذكر التعجيل ولم يصرح بالرجوع (واظهرهما) انه كما لو لم يذكر شيئا اصلا فان ذكر(5/541)
التعجيل يعرف انها في الحال غير واجبة وقوله هذه زكاتي لا يفيد ذلك والغالب انما هو الاداء في الوقت.
والذى اجاب به العراقيون انه لا يسترد المالك بخلاف الامام فن الامام قد يستعجل الزكاة في العادة والملاك لا يؤدون قبل دخول وقت الوجوب غالبا وهذا جرى منهم على طريقتهم التي سبقت وحكوا في التفريع عليها وجهين في انه لو كان الطارئ موت المسكين هل للمالك ان يستحلف ورثته علي نفى العلم بأنها معجلة.
عن ابي يحيي البلخي انهم يحلفون لا مكان صدقه وعن غيره انهم لا يحلفون لان الظاهر من قوله هذه زكاتي انها واجبة في الحال فليس له دعوى خلافه وشبهوا هذا بالوجهين فيما إذا رهن واقر بأنه اقبض ثم ادعى بأنه لم يقبض واراد التحليف عليه وقوله في اول الفصل الثالث في الرجوع عند طريان هذه الا حوال اشارة الي انه لابد للرجوع من عروض شئ من هذا الخلاف وليس له ان يسترد المعجل من غير سبب لانه تبرع بالتعجيل فأشبه ما لو عجل دينا مؤجلا لا استرداد له * قال (ولو تلف النصاب بنفسه لم يمتنع الرجوع علي اصح الوجهين) * من الطوارئ المانعة من وقوع المعجل زكاة تلف النصاب فحيث يثبت الاسترداد بهدا السبب هل يثبت لو اتلفه المالك بنفسه فيه وجهان (احدهما) لا لتقصيره بالاتلاف (واصحهما) نعم لحصول التلف وخروج المعجل عن ان يكون زكاة وقضية التعليل الاول ان لا يجرى الخلاف فيما إذا اتلفه بالانفاق وغيره من وجوه الحاجات ولو اتلف بعض ماله حتى انتقض النصاب كان كاتلاف جميع المال مثل ان يعجل خمسة دراهم عن مائتي درهم ثم يتلف منها درهما وتنقل هذه الصورة والوجهان فيها عن الاصطخرى * قال (وان كان المال تالفا في يد المسكين فعليه ضمانه وان كان ناقصا ففى الارش
وجهان وان كان باقيا يرد بزوائده المنفصلة والمتصلة وينقض تصرفه وكأنه بان انه لم يملك وقيل انا نقدره مقرضا ان لم يقع عن جهة الزكاة فتلتفت هذه الاحكام على ان القرض يملك بالقبض أو التصرف) * متى اثبتنا حق الاسترداد فلا يخلو المعجل اما ان يكون تالفا أو باقيا في يد القابض فان كان تالفا فعليه ضمانه بالمثل ان كان مثليا والقيمة ان كان متقوما وفي القيمة المعتبرة وجهان (احدهما) انه يعتبر قيمة يوم التلف لان الحق انتقل إلى القيمة يوم التلف فاعتبرت قيمة ذلك اليوم كما في العارية (والثانى) ويحكي عن احمد انه يعتبر قيمة يوم القبض لان ما زاد عليها زاد في ملك القابض فلم يضمنه كما لو تلف الصداق في يد المرأة ثم ارتدت قبل الدخول أو طلقها فان الزوج(5/542)
يرجع بقيمة يوم القبض قال المحاملى وهذا اشبه.
وينقدح عند امام الحرمين وجه ثالث وهو ايجاب اقصي القيم بناء على ان الملك غير حاصل للقابض واليديد ضمان وقد ذكر مثل هذا في المستعير والمستام فان كان القابض قد مات فالضمان في تركته.
وان كان المعجل باقيا نظر ان لم يحصل فيه زيادة ولا نقصان استرده ودفعه ومثله إلي المستحق ان بقى بصفة الوجوب وان كان الدافع الامام أخذه وهل يصرفه الي المستحقين بدون اذن جديد من المالك: حكي في التتمة فيه وجهين (أظهرهما) وهو المذكور في التهذيب له ذلك وإذا أخذ القيمة فهل يجوز صرفها الي المستحقين فيه وجهان لان دفع القيم لا يجزئ فان جوزناه وهو الاظهر فهل يحتاج الي اذن جديد فيه وجهان.
وان حصلت فيه زيادة فن كانت متصلة كالسمن والكبر أخذه مع الزيادة كما ولو زاد الموهوب في يد الابن زيادة متصلة ورجع الاب فيه وكما إذا أفلس المشترى بالثمن وقد زاد المبيع زيادة متصلة وان كانت منفصلة كالولد واللبن فهل يأخذها مع الاصل فيه وجهان احدهما نعم لانا بينا بما طرأ اخيرا انه لم يملك المقبوض واصحهما ولم يذكر الجمهور غيره لا كما ان الاب لا يرجع في الزيادة المنفصلة من الموهوب وكما أنها للمشترى إذا رد الاصل بالعيب أو رد عليه العوض ويحكي هذا الثاني عن نص الشافعي رضى الله عنه وان حدث
فيه نقصان فهل يجب فيه أرشه فيه وجهان (أحدهما) نعم كما يجب الضمان عند التلف فيعتبر الجزء بالجملة (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم لا وحكوه عن ظاهر نصه في الام ووجه بأنه نقصان حدث في ملكه فلا يضمنه كالاب إذا رجع في الموهوب وقد نقص فلا يأخذ معه الارش كالبائع إذا استرد المبيع وقد نقص عند افلاس المشترى ليس له الارش وهذا الوجه هو اختيار القفال فيما حكي الصيدلانى قال واستشهد عليه بما إذا رد المبيع بعيب والثمن باق لكنه حدث فيه عيب ليس له الا المعيب وان كان يأخذ مثله أو قيمته لو كان تالفا قال امام الحرمين وهذا مشكل والزامه الرضا بالثمن المعيب بعيد وانما الذى قاله الاصحاب أنه لو وجد بالمبيع عيبا وتمكن من الرد فرضى لا أرش له والكلام فيه يتضح في موضعه ان شاء الله تعالي جده.
ثم أشار حجة الاسلام رحمه الله في هذه المسائل إلى أصل ذكره الامام وهو أن المعجل هل يصير ملكا للقابض أم لا وان صار ملكا له فيأتى فيه وجه يكون ماكا له قال حيث لا يثبت الرجوع فالمعجل مردد بين أن يكون فرضا أو تطوعا والملك حاصل للقابض على التقديرين وحيث يثبت فله تقديران لم يصرح بهما الاصحاب وجزم عليهما صاحب التقريب (أحد هما) أن الملك موقوف إلى أن يكشف الامر في المال فان حدث مانع تبين استمرار ملك المالك والا تبين أنه صار ملكا للقابض من يومئذ (والثانى) أن(5/543)
الملك ثابت للقابص لكن ان استمرت السلامة تبين أنه ملك عن جهة زكاة مستحقة والا تبين وقوعه فرضا ثم الفرض يملك بالقبض أو بالتصرف وان ملك بالتصرف فبأى تصرف يملك: فيه خلاف مذكور في بابه وعلي هذا الاصل يجرى الوجهان في الزوائد المنفصلة وان قلنا بالتوقف وجب ردها لتبين حدوثها علي ملك المالك وان قلنا بتقدير الفرض فان قلنا إنه يملك بالقبض سلمت الزوائد للقابض وان قلنا يملك بالتصرف وحدثت الزوائد قبل التصرف وهذا كما لو استقرض أغناما ونتجت في يده ثم باعها واستبقى النتاج قال الامام ينقدح فيه أمران (أحدهما) أن يقدر انتقال الملك في الاغنام الي المستقرض قبيل البيع ويجعل النتاج للمستقرض (والثاني) ان يستند الملك إلى حالة القبض ويجعل النتاج للمستقرص ومما يخرج على هذا الاصل تصرفه في المال المعجل
بأن باع ما قبضه ثم طرأ بعض الاحوال المانعة فان توقفنا في الملك تبين انتقاض بيعه وان قلنا بالفرض فلا ومما يخرج عليه أنه هل يجوز للقابض عند بقاء العين الابدال أم يلزمه رد عين المأخوذ فان قلنا بالتوقف لزم رد عينه وان قلنا بالفرض فان قلنا يملك بالقبض فله الابدال وان قلنا يملك بالتصرف ولم يوجد فللمالك استرداده بعينه: واعلم أن ايراد الكتاب يقتضى ترجيح التقدير الاول لكن كلام المعظم يقتضي ترجيح الجزم بثبوت الملك ولذلك قالوا لا يجب رد الزوائد المنفصلة ولا أرش النقصان علي ما قدمناه * قال (ولو لم يملك الا أربعين فعجل واحدة فاستغني القابض أو مات فان جعلنا المخرج للزكاة قرضا لم يلزمه تجديد الزكاة لان الحول انقضى علي تسع وثلاثين بخلاف ماذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج عن الزكاة لان الحول انقضى علي ستع وثلاثين بخلاف ماذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج عن الزكاة كالباقي وان قلنا تبين أن الملك لم يزل التفت علي المجحود والمغصوب لوقوع الحيلولة) * الذى يحتاج الي معرفته أولا وقد أشار إليه في اثناء الفصل ان المعجل للزكاة مضموم الي ما عنده ونازل منزلة ما لو كان في يده (بيانه) لو اخرج شاة من اربعين ثم حال الحول الحول ولم يطرأ مانع أجزأه ما عجل وكانت تلك الشاة بمثابة الباقيات عنده ولو عجل شاة عن مائة وعشرين ثم نتجت واحدة أو عن مائة وحدثت عشرون وبلغت غنمه مع الواحدة المعجة مائة وإحدى وعشرين لزمه شاة أخرى وان انفق القابض تلك المعجلة ولو عجل شاتين عن مائتين ثم حدثت سخلة قبل الحول فقد بلغت غنمه مع المعجلتين مائتين وواحدة فيلزمه عند تمام الحول شاة ثالثة فلو كانت المعجلة في هاتين الصورتين معلوفة أو اشتراها وأخرجها لم يجب شئ زائد لان المعلوفة والمشتراة لا يتم بهما النصاب وإن جاز إخراجهما عن الزكاة.
وخالف أبو حنيفة هذا الاصل فلم يحوز التعجيل الا بشرط(5/544)
ان يكون الباقي عنده نصابا ولم يجعل المعجل مضموما الي ما عنده فيخرج من ذلك امتناع التعجيل في الصورة الاولي وأن لا تجب شاة ثانية في الثانية ولا ثالثة في الثالثة وساعدنا احمد علي ما ذكرنا واحتج الاصحاب علي جواز التعجيل عن الاربعين فحسب بأن قالوا هذا نصاب يجب الزكاة فيه بحولان
الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان اكثر من أربعين واحتج الشافعي رضي الله عنه علي تكميل النصاب الثاني والثالث بالمعجل بأن التعجيل انما جوز ارفاقا بالفقراء فلا يجوز أن يصير سببا لاسقاط حقوقهم ومعلوم أنه لولا التعجيل لو جبت زيادة علي ما أخرجه.
إذا عرفت ذلك فلا يخلوا لحال بعد تعجيل الزكاة اما أن يتم الحول علي السلامة أو يعرض مانع فان تم الحول علي السلامة أجزأه ما اخرج ثم كيف التقدير إذا كان الباقي عنده ناقصا عن النصاب كما لو لم يملك الا اربعين فعجل منها واحدة: أيزول الملك عن المعجل ومع ذلك يحتسب عن الزكاة أم لا يزول: عن صاحب التقريب أنه يقدر كأن الملك لم يزل لينقضي الحول وفي ملكه نصاب واستبعد امام الحرمين ذلك وقال تصرف القابض فيه نافذ بالبيع والهبة وغير هما فكيف فقول ببقاء ملك المعطى وهذا الاستبعاد حق ان أراد صاحب التقريب بقاء ملكه حقيقة إلي آخر الحول وإن أراد أنه نازل منزلة الباقي حتي يكون مجزئا عن زكاته ويكمل بالنصاب الآخر فلا استبعاد والاصحاب مطبقون عليه وكأنه اكتفى عن التعجيل بمضي ما سبق من الحول علي كمال النصاب رفقا بالفقراء فهذا إذا تم الحول على السلامة وإن عرض مانع من وقوع المعجل زكاة نظر ان كان المخرج أهلا للوجوب وبقى في يده نصاب لزمه الاخراج ثانيا وان كان الباقي دون النصاب فحيث لا يثبت الاسترداد فلا زكاة عليه وكأنه تطوع بشاة قبل تمام الحول وحيث يثبت الاسترداد فاسترد فقد ذكر شيوخنا العراقيون فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه يستأنف الحول ولا زكاة لما مضى لنقصان ملكه عن النصاب قبل تمام الحول (والثانى) أنه تجب الزكاة للحول الماضي لان المخرج للزكاة كالباقي واحتجوا عليه بما إذا وقع عن الزكاة (والثالث) أنه يفرق بين النقد فيزكيه لما مضى وبين الماشية فلا يزكيها لما مضى لان السوم شرط في زكاة المشاية وذلك ممتنع في الحيوان في الذمة.
قالوا وأظهر الوجوه هو الثاني وهو الذى ذكره في التهذيب بل لفظه يقتضي وجوب الاخراج ثانيا وإن لم يسترد بعد إذا كان المخرج بعينه باقيا في يد القابض وعن صاحب التقريب بناء المسألة على الاصل السابق وهو أنه إذا ثبت الاسترداد فتبين ان الملك لم يزل عن المعجل أو يقال بالزوال ويجعل قرضا إن قلنا بالزوال فإذا استرجع استفتح الحول من يومئذ ولا زكاة لما مضى.
وان قلنا يتبين أن الملك لم يزل لزمه الزكاة لما مضى لتبين
أطراد الحول علي نصاب كامل وزاد الامام شيئا آخر على هذا القدير الثاني فقال: الشافة التى تسلط(5/545)
القابض على التصرف فيها قد حصلت الحيولة بينها وبين المالك فيجئ فيها خلاف المغصوب والمجحود وهذا الطريق هو الذى أورده في الكتاب وكلام العراقيين يعر بتخريج الوجوء كلها بعد تسليم زوال الملك عن المعجل وكيف ما كان فالظاهر عند المعظم أنه يجب تجديد الزكاة.
ولو كان المخرج تالفا في يد القابض فقد صار الضمان دينا عليه فان أو جبنا تجديد الزكاة إذا كان باقيا فيجئ ههنا قولا وجوب الزكاة في الدين هذا في الدين وفي المواشي لا تجب الزكاة بحال لان الواجب علي القابض القيمة فلا يكمل بها نصاب المشاية.
وروى القاضي ابن كج عن ابن اسحق اقامة القيمة مقام العين ههنا مراعاة لجانب المساكين وقوله في اول الفصل ولو لم يملك الا اربعين فعجل واحدة فاستغنى القابض أي بغير الزكاة وذكر الاستغناء مثالا والحكم لا يختص به بل الموت وسائر الطوارئ في معناه (وقوله) بخلاف ما إذا وقع المخرج عن الزكاة لان المخرج كالباقي للزكاة أي المخرج للزكوة إذا وقع عن الزكاة كالباقي.
فاما إذا طرأ مانع فلا يجعل كالباقي وهكذا ذكر صاحب التهذيب في فرع سنذكره على الاثر لكن ما حكينا عن العراقيين في توجيه الوجه الثاني ينازع فيه ويصرح بكونه كالباقي وان لم يقع عن الزكاة * (فرع) لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين من الابل فبلغت بالتوالد ستا وثلاثين قبل الحول فلا يجزئه بنت المخاض المعجلة وان صارت بنت لبون في يد القابض بل يستردها ويخرجها ثانيا أو بنت لبون أخرى.
قال صاحب التهذيب من عنده: فان كان المخرج هالكا والنتاج لم يزد علي أحد عشر ولم تكن ابله ستا وثلاثين الا مع المخرج وجب ان لا تجب بنت لبون لانا انما نجعل المخرج كالقائم إذا وقع محسوبا عن الزكاة أما إذا لم يقع محسوبا فلا بل هو كهلاك بعض المال قبل الحول * قال (القسم الثالث في تأخير الزكاة وهو سبب الضمان (ح) والعصيان (ح) عند التمكن وان تلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن فلا زكاة) *
إذا تم الحول على المال الذى يشترط في زكاته الحول وتمكن من الاداء فأخر عصى لما تقدم أن الزكاة علي الفور ويدخل في ضمانه حتي لو تلف المال بعد ذلك لزمه الضمان سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقراء أو قبل ذلك وعند ابي حنيفة رحمه الله تسقط الزكاة ولا ضمان * إن كان التلف قبل المطالبة.
وان كان بعدها فلا صحابه فيه اختلاف * لنا انه قصر بحبس الحق عن المستحق فلزمه ضمانه ولو تلف ماله بعد الحول وقبل التمكن فلا شئ كما لو دخل وقت الصلاة فعرض له جنون أو نحوه قبل التمكن من فعلها أو ملك الزاد والراحلة ولم يتمكن(5/546)
من فعل الحج.
وان اتلفه بنفسه بعد الحول وقبل التمكن لم تسقط عنه الزكاة لتقصيره باتلافه وعن مالك انه ان لم يقصد بالاتلاف الفرار عن الزكاة تسقط وان اتلفه غيره فينبنى علي اصل سيأتي وهو ان الامكان من شرائط الوجوب أو من شرائط الضمان ان قلنا بالاول فلا زكاة كما لو اتلف قبل الحول وان قلنا بالثاني وقلنا مع ذلك الزكاة تتعلق بالذمة فلا زكاة ايضا لانه تلف قبل حصول شرط الاستقرار وان قلنا تتعلق بالعين انتقل حق المستحقين الي القيمة كما إذا قتل العبد الجاني أو المرهون ينتقل الحق الي القيمة (وقوله) في الكتاب هو سبب الضمان والعصيان معلم بالحاء لما ذكرنا ويجوز ان يعلم قوله فلا زكاة بالالف لان صاحب الشامل حكى عن احمد انه لا تسقط الزكاة كما لو اتلفه * قال (وإن ملك خمسا من الابل فتلف قبل التمكن واحد فأحد القولين أنه يسقط كل الزكاة كما لو تلف قبل الحول لان الامكان شرط للوجوب (والاصح) أنه لا يسقط إلا خمس شاة لان الامكان شرط الضمان وعلي هذا لو ملك تسعا فتلف أربع قبل التمكن فالجديد أن الزكاة لا تسقط عن الوقص فلا يسقط بسببه شئ من الزكاة.
وعلي القديم يسقط أربعة أتساع شاة) * مسألتا الفصل مبنيتان علي أصلين (أحدهما) أن امكان الاداء من شرائط الضمان وهل هو مع ذلك من شرائط الوجوب فيه قولان (احدهما) ويحكى عن القديم وبه قال مالك أنه من شرائط
الوجوب كما في الصوم والصلاة والحج لانه لو تلف قبل الامكان سقطت الزكاة ولو وجبت لما سقطت وبهذا أجاب في المختصر في مواضع (وأصحهما) عند ابن سريج وجمهور الاصحاب وهو قوله في الاملاء ومذهب أبى حنيفة رحمه الله أنه ليس الا من شرائط الضمان لانه لو تلف المال بعد الحول لا تسقط عنه الزكاة ولولا الوجوب لسقطت كما لو تلف قبل الحول.
واحتج كثيرون لهذا القول بأنه لو تأخر الامكان مدة فابتداء الحول الثاني يحسب من تمام الحول الاول لامن حصول الامكان وبأنه لو حدث نتاج بعد الحول وقبل الامكان يضم الي الاصل في الحول الثاني دون الاول وهذا جرى منهم في المسألة الثانية علي أظهر الطريقين وقد قدمنا في فصل النتاج أن من الاصحاب من بنى المسألة علي القولين في الامكان.
وعند مالك ابتداء الحول الثاني من وقت حصول الامكان والنتاج الحادث من وقت حصول الامكان مضموم إلى الاصل في الحول الاول وعبر صاحب التتمة عن تحقيق هذا الخلاف بأنا إذا قلنا الامكان من شرائط الوجوب فهو علي(5/547)
سبيل التبيين معناه أنا نتبين بالامكان حصول الوجوب عند تمام الحول ونسميه شرط الوجوب توسعا.
ومالك يجعله شرط الوجوب حقيقة ولا يقول بالتبيين.
وبعض أصحابنا يعبر عن القول الاول بالقديم وعن الثاني بالجديد وهو اقتصار من الجديد علي ما يقابل القديم والا فقضية ما ذكرنا حصول قولين في الجديد (أحدهما) كالقديم (والثانى) خلافه (الاصل الثاني) أن الاوقاص وهى ما بين النصابين كما بين الخمس والعشر من الابل يتعلق الواجب بها مع النصب أم هي عفو والزكاة تتعلق بالنصب فيه قولان (أصحهما) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله والمزنى أنها عفو لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (في خمس من الابل شاة ولا شئ في زيادتها حتى تبلغ عشرا) ولا نالو بسطنا الواجب علي الوقص والنصاب لسقط قسط من الواجب بتلف الوقص بعد الحول كما سيأتي ومالا تزيد الزكاة بزيادته لا ينبغي أن تنقص بنقصانه (والثاني) وهو اختيار ابن سريج أن الواجب ينبسط علي الكل لقوله صلي الله عليه وسلم في حديث أنس (في أربع وعشرين فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض) علق الفرض
بالنصاب والوقص ولانه حق لله تعالى يتعلق بنصاب من المال فيتعلق به وبما زاد كما لو سرق اكثر من نصاب يتعلق القطع بالكل فإذا ملك تسعا من الابل فعلي القول الاول عليه في خمس منها لا بعينها شاة والباقى عفو (وعلى الثاني) الشاة واجبة في الكل وقال امام الحرمين: الوجه عندي أن تكون الشاة متعلقة بجميع التسع لا محالة والمراد من القولين أن الوقص هل يجعل وقاية للنصاب كما يجعل الربح في القراض وقاية لرأس المال عند الخشران ففى قول يجعل وقاية له وهو الصحيح لان الزكاة لا تزيد به ولا تنقص بتلفه وفي قول تجعل وقاية حتي لو تلف البعض سقطت حصته وهذا أحسن والمشهور الاول إذا عرفت ذلك فاحدى مسألتي الفصل أن تملك خمسا ويحول عليها الحول ثم تتلف منها واحدة قبل التمكن فلا زكاة عليه للتالف وهل يجب للباقى.
يبنى علي الاصل الاول: ان قلنا الامكان شرط للوجوب فلا شئ عليه كما لو تلف قبل(5/548)
تمام الحول وان قلنا انه شرط الضمان دون الوجوب فعليه أربعة أخماس شاة لان هذا القدر هو المستقر بالامكان ولو تلف أربع فعلى الاول لا شئ عليه وعلي الثاني عليه خمس شاة ولو ملك ثلاثين من البقر وتلف خمس منها قبل الامكان وبعد الحول فان قلنا بالاول فلا شئ عليه وان قلنا بالثاني فعليه خمسة أسداس تبيع (والمسألة الثانية) ملك تسعا من الابل وحال عليها الحول تم تلف قبل التمكن اربع فحكمها يقتبس من الاصلين.
ان قلنا الامكان شرط الوجوب فعليه شاة كما لو تلف قبل الحول وان قلنا انه شرط للضمان فان قلنا الوقص عفو فعليه شاة أيضا لبقاء متعلق الواجب وان قلنا الواجب ينبسط علي الجميع ففيه وجهان (أصحهما) ولم يذكر الجمهور سواه أن عليه خمسة أتساع شاة لانها متعلقة بجميع التسع فحصة كل بعير منها تسع يسقط بتلف الاربع اربعة اتساع ويبقي الباقي والثانى عن القاضي ابى الطيب أن أبا اسحق قال عليه شاة ايضا ووجهه ابن الصباغ بان الزيادة ليست شرطا في الوجوب فلا يؤثر تلفها وان تعلق بها الواجب كما لو شهد خمسة على محصن بالزنا فرجمناه ثم رجع واحد منهم وزعم انه غلط فلا ضمان على واحد منهم وان رجع اثنان حينئذ يجب الضمان ولو كانت المسألة بحالها وتلف خمس فان قلنا الامكان من شرائط الوجوب فلا شئ عليه لانتقاص
النصاب قبل الوجوب كما لو تلف قبل الحول وان قلنا من شرائط الضمان فان قلنا الوقص عفو فعليه اربعة اخماس شاة لان الواجب لم يتعلق إلا بخمس منها ولم يتلف من الخمس الا واحدة وان بسطنا الواجب علي الكل فعليه اربعة اتساع شاة لان الشاة تعلقت بالتسع وقد بقى منها اربع فلا يجئ ههنا وجه ابي اسحق ولو ملك ثمانين من الغنم فتلف منها اربعون بعد الحول وقبل التمكن فان قلنا الامكان شرط الوجوب أو قلنا انه شرط الضمان والوقص عفو فعليه شاة وان قلنا انه شرط الضمان وبسطنا الواجب علي الكل فعليه نصف شاة وعلي الوجه المروى عن أبى اسحق تجب شاة أيضا وعلي هذه الصورة يقاس نظائرها (واما) لفظ الكتاب (فقوله) فتلف قبل التمكن واحد أي وبعد الحول (وقوله) لان الامكان شرط الوجوب (معلم) بالحاء (وقوله) شرط الضمان بالميم لما قدمناه وقد استدرك من جهة اللفظ على قوله يسقط كل الزكاة لان السقوط يفتقر الي سبق الثبوت ونحن علي هذا القول نقول بعدم الوجوب أصلا الا أن لفظ السقوط قد يستعمل حيث يكون الشئ بعرضية الثبوت فتبطل عرضيته (وقوله) في أول الصورة الثانية وعلي هذا أي علي قولنا الامكان شرط الضمان فانا حينئذ نبني المسألة على الخلاف في الوقص (وقوله) يسقط أربعة أتساع شاة (أي) لان الزكاة تنبسط علي الوقص ويجوز أن يعلم بالحاء والزاى والواو أيضا لوجه أبي اسحق (وقوله)(5/549)
فالجديد أن الزكاة لا تنبسط علي الوقص وتسمية ما يقابله قديما اتباع لما ذكره الصيدلانى والامام وليس ذلك علي سبيل جزم الجديد بعدم الانبساط لان الشيخ أبا حامد وغيره من الشيوخ نقلوا عدم الانبساط عن القديم وأكثر الكتب الجديدة والانبساط عن البويطي والاملاء فاقتضي ذلك قولين في الجديد وكلامهم يشعر بجزم القديم بعدم الانبساط فان كان كذلك لم يجز نسبة الانبساط إلى القديم وإلا فهو غير جازم بالانبساط كما أن الجديد غير جازم بعدم الانبساط * قال (وإمكان الاداء يفوت بغيبة المال أو بغيبة المستحق وهو المسكين أو السلطان فان حضر مستحق فأخر لانتظار القريب أو الجار لم يعص علي أحد الوجهين ولكن جواز التأخير بشرط الضمان علي أصح الوجهين) *
مقصود الفصل بيان المراد من إمكان الاداء فاعلم أنه ليس المراد من الامكان مجرد كونه بسبيل من إخراج الزكاة ولكن يعتبر معه شئ آخر وهو وجوب الاخراج وذلك بأن تجتمع شرائطه (فمنها) أن يكون المال حاضرا عنده فأما إذا كان غائبا فلا يوجب إخراج زكاته من موضع آخر وإن جوزنا نقل الصدقات (ومنها) أن يجد المصروف إليه والاموال علي ما قدمنا ظاهرة وباطنة والباطنة يجوز صرف زكاتها إلى السلطان ونائبه ويجوز أن يفرقها بنفسه فيكون واجد المصروف إليه سواء وجد أهل السهمان أو الامام أو نائبه وأما في الاموال الظاهرة فكذلك ان جوزنا له ان يفرق زكاتها بنفسه وإلا فلا امكان حتي يجد الامام أو نائبه ثم إذا وجد من يجوز الصرف إليه لكن أخر لطلب الافضل ففى جوازه وجهان وذلك كما إذا وجد الامام أو نائبه وأخر ليفرق بنفسه حيث قلنا انه أولي أو وجد أهل السهمان فأخر ليدفع الي الامام أو نائبه حيث قلنا انه أولي أو أخر لانتظار قريب أو جار أو من هو احوج إليه (احد الوجهين) انه لا يجوز التأخير لذلك لان المستحق حاضر والزكاة واجبة علي الفور فلا يؤخر (وأظهرهما) الجواز لانه تأخير لغرض ظاهر وهو اقتناص الفضيلة به فيسامح فعلي هذا لو أخر وتلف هل يضمن فيه وجهان (أحدهما) لا كالتأخير لسائر الاسباب الجائزة (وأصحهما) نعم لان الامكان حاصل وإنما يؤخر لغرض نفسه فيتقيد جوازه بشرط سلامة العاقبة وذكر إمام الحرمين للوجهين شرطين (أحدهما) أن يظهر اتصاف الحاضرين بصفة الاستحقاق فان تردد في بقائهم وأخر ليتروى وينظر فلا خلاف (والثانى) أن لا تشتد حاجة الحاضرين وفاقتهم أما لو كانوا يتضررون جاعا فأخر لانتظار قريب أو جار لم يجز بلا خلاف ولك ان تقول اشباع الجائعين وإن وجب لكنه غير متعين علي هذا الشخص ولا من هذا المال ولا من مطلق مال الزكاة وإذا كان كذلك فلم يلزم من وجوب الاشباع أن لا يجوز تأخير الزكاة لاقتناص فضيلة في الاداء(5/550)
وقوله في الكتاب أو بغيبة المستحق أراد به مستحق الزكاة لا مستحق المال المأخوذ وقوله وهو المسكين أو السلطان اشارة إلى الخلاف في وجوب صرف زكاة الاموال الظاهرة معناها وهو المسكين في المال الباطن والسلطان في المال الظاهر علي أحد القولين وهذا لفظه في الوسيط لكن قوله وهو
المسكين غير مجرى علي ظاهره فان المسكين غير متعين الاستحقاق في المال الباطن بل يجوز الصرف إلى السلطان ايضا ثم قضية قوله وامكان الاداء يفوت بغيبة المال أو بغيبة المستحق انحصار فوات الامكان في الامرين وبتقدير ان يكون كذلك يكون الامكان لازم الحصول عند اجتماع الامرين لكن صاحب التهذيب وغيره يشترط في امكان الاداء ان لا يكون مشتغلا بشئ يهمه من امر دينه ودنياه فإذا اللفظ محتاج الي ضرب من التأويل * قال (فان قيل فما وجه تعلق الزكاة بالعين قلنا فيه اربعة اقوال * قيل لا تتعلق به وقيل المسكين شريكه فيه وقيل هو كاستيثاق المرتهن وقيل ان له تعلقا كتعلق أرش الجناية وهو الاصح) * سقوط الزكاة بتلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن يشعر بان الزكاة متعلقة بالنصاب غير مسترسلة في الذمة فلما جرى ذكر هذه المسألة حسن البحث عن وجه ذلك التعلق والوجه أن نشرح ما أورده في الكتاب ثم نذكر ما ينبغى أن يعرف (فأما) ترتيب ما في الكتاب (فهو) أن للشافعي رضي الله عنه قولين في كيفية تعلق الزكاة (أحدهما) أنها في الذمة ولا تعلق لها بالعين لانها عبادة وجبت ابتداء من جهة الشرع فتتعلق بالذمة كالحج وصدقة الفطر وكذلك الكفارات (والثاني) أتها تتعلق بالعين لقوله صلي الله عليه وسلم (في أربعين شاة شاة) وعلي هذا ففى كيفية التعلق قولان (أحدهما) أن أهل السهمان يصيرون شركاء لرب المال في قدر الزكاة لان الواجب يتبع المال في الصفة حتى يؤخذ من المراض مريضة ومن الصحاح صحيحة ولانه لو امتنع من اخراج الزكاة أخذها الامام من عين النصاب قهرا كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة (والثاني) انه يتعلق بالمال تعلق استيثاق لانه لو صار مشتركا لما جاز لرب المال الاخراج من موضع آخر كما لا يجوز للشريك اداء حق الشريك من غير مال الشركة وعلى هذا ففى كيفية الاستيثاق قولان (أحدهما) أنه يتعلق به تعلق الدين بالرهن بدليل أنه لو امتنع من اداء الزكاة أو لم يوجد السن الواجبة في ماله كان للامام بيع بعض النصاب وشراء السن الواجبة كما يباع المرهون لقضاء الدين (والثانى) أنه يتعلق به تعلق الارش برقبة العبد الجاني لانه يسقط الواجب بهلاك النصاب ولو كان تعلقها كتعلق الدين بالموهون لما سقطت ويخرج من ذلك عند الاختصار أربعة أقوال كما ذكر في الكتاب ويجوز أن يعلم قوله
في أربعة أقوال بالواو لان امام الحرمين ثم صاحب البيان حكيا عن ابن سريج أنه لا خلاف في(5/551)
تعلقها بالعين وإنما الخلاف في كيفية التعلق فتعود الاقوال علي هذه الطريقة إلي ثلاثة.
وعند مالك رحمه الله تتعلق الزكاة بالعين تعلق استحقاق وشركة فلك أن تعلم ما عدا هذا القول بالميم.
وعند أبي حنيفة رحمه الله فيما رواه الصيدلانى وصاحب الشامل تتعلق تعلق الارش برقبة الجاني وهو احدي الروايتين عن احمد رحمه الله تعالي فيجوز أن يعلم ما عدا هذا القول بالحاء والالف.
واعرف بعد هذا أمورا (أحدها) أن عامة مشايخنا رحمهم الله لم يردوا الا قول الذمة وقول الشركة وقالوا الاول قديم والثانى هو الجديد الصحيح واعتذروا عن جواز الابدال استقلالا بأن أمر الزكاة مبين علي المساهلة والارفاق فيحتمل فيه مالا يحتمل في سائر الاموال المشتركة وصاحب الكتاب رجح القول الرابع وهو أن تعلق الزكاة كتعلق الارش فيجوز أن يقال الكلامان مختلفان فيما هو الاصح في المسألة ويجوز أن يقال انهم حكموا بأن الشركة أصح من قول الذمة ولا يلزم منه أن يكون أصح علي وجه الاطلاق والاول أظهر (والثانى) أن ايراد الكتاب يقتضى كون الوجوب في الذمة قولا برأسه وتعلق الرهن قولا برأسه وكذا نقل الامام لكن العراقيين والصيدلانى والقاضي الروياني والجمهور جعلوا الامرين قولان واحدا فقالوا انها تتعلق بالذمة والمال مرتهن بها.
وجمع صاحب التتمة بين الطريقين فحكى وجهين في انا إذا قلنا بتعلقها بالذمة هل تجعل المال خلوا أو نقول هو رهن بها (والثالث) أنا إذا قلنا بثبوت استيثاق المرتهن اما قولا برأسه أو جزءا من قول الذمة فهل يجعل جميع المال مرهونا به أو يخص قدر الزكاة بالرهن بها.
فيه وجهان سنفرع عليهما وكذا الخلاف إذا قلنا بثبوت تعلق كتعلق الارش في أنه يتعلق بجميع النصاب أم بقدر الزكاة.
جميع ما ذكرناه فيما إذا كان الواجب من جنس المال وأما إذا كان من غير جنسه كالشاة الواجبة في الابل ففيه طريقان مذكوران في التتمة وغيرها (أحدهما) القطع بتعلقها بالذمة لتغاير الجنس (وأظهرهما) أنه على لخلاف السابق اما الاستيثاق فلا يختلف وأما الشركة فسبيلها تقدير الاستحقاق بمقدار قيمة الشاة وهذا الطريق هو الموافق لاطلاق الكتاب *
قال (وعليه نفرع فنقول أيصح بيعه قبل أداء الزكاة ولكن الساعي يتبع المال ان لم يؤد المالك فان أخذ الساعي من المشترى انتقض البيع فيه وفي الباقي قولا تفريق الصفقة وللمشترى الخيار قبل أخذ الساعي إذا عرف ذلك علي أحد الوجهين لتزلزل ملكه وإن أدى المالك سقط خياره على الاصح ولا يلتفت إلي رجوع الساعي بخروج ما أخذه مستحقا) * القول في بيع مال الزكاة يتفرع علي أصلين (أحدهما) ما ذكرنا أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة (والثانى) تفريق الصفقة وسيأتى في بابه ان شاء الله تعالى جده وتفصيله أنه إذا باع مال الزكاة(5/552)
بعد الحول وقبل إخراج الزكاة لم يخل اما أن يبيع جميع النصاب أو بعضه فان باع جميعه فهل يصح في قدر الزكاة يتفرع علي الافوال.
إن قلنا أن الزكاة في الذمة والمال خلو عنها فيصح وإن قلنا المال مرهون بها فقولان (أحدهما) وهو الذى ذكره امام الحرمين أنه لا يصح لان بيع المرهون بدون إذن المرتهن باطل (وأصحهما) عند العراقيين وغيرهم أنه صحيح لان هذه علقة تثبت من غير اختيار المالك وليس ثبوتها لشخص معين فيتسامح فيها بما لا يتسامح في سائر الرهون وهذا كما إذا قلنا على قول الشركة بنينا الامر على المسامحة وإن قلنا بالشركة فقد حكي القاضى ابن كج طريقين (عن ابن القطان) القطع بالبطلان (وعن أبى اسحق وغيره) أن المسألة على قولين وهذا ما أورده أكثر العراقيين (أحدهما) الصحة لان ملك المساكين غير مستقر فيه فان له اسقاطه بالاخراج من موضع آخر فإذا باعه فقد اختار الاخراج من موضع آخر (والثاني) البطلان لانه باع ما لا يملكه وهذا ما أجاب به صاحب التهذيب وعامة المتأخرين فيمكن أن يكون ذلك اختيارا منهم للقول الثاني علي هذه الطريقة ويمكن ان يكون ذهابا منهم إلي الطريقة الاولى.
وان قلنا ان تعلق الزكاة كتعلق الارش ففي صحة البيع قولان كما في بيع العبد الجاني فان صححنا فيكون بالبيع ملتزما للفداء كما سيأتي ببانه في موضعه ثم إذا حكمنا بالصحة في قدر الزكاة ففيما عداه أولى وإذا حكمنا بالبطلان فهل يبطل فيما عداه: أما علي قول الشركة ففيما عداه قولا تفريق الصفقة: وأما علي قول الاستيثاق فان قلنا حق الاستيثاق متعلق
بجميع المال فالبيع باطل في الباقي أيضا ولا فرق وان قصرنا الاستيثاق علي قدر الزكاة ففى الباقي قولا التفريق: قال في النهاية والقصر هو الحق الذى قاله الجمهور وما عداه هفوة وهل تفترق الفتوى فيما عدا قدر الزكاة بين أن يكون لقدر الزكاة جزئية معلومة كالعشر في المعشرات وربع العشر في النقدين وبين أن لا يكون كذلك كالشاة من الاربعين هذا قد ذكره صاحب الكتاب في باب تفريق الصفقة وسنشرحه إن شاء الله تعالي جده وحيث منعنا البيع في الثمار فذلك قبل الخرص فأما بعده فلا منع إذا قلنا أن الخرص تضمين علي ما سنبينه (التفريع) اعلم أن مجموع ما يحصل من الاختلافات التي ذكرنا ثلاثة أقوال بطلان البيع في الكل وصحته في الكل وبطلانه في قدر الزكاة وصحته في الباقي (أما الاول) فلا يخفى حكمه (وأما الثاني) فقد تعرض في الكتاب لتفريعه وإن قصر الكلام علي القول الرابع (وأما الثالث) فلم يتعرض له ونحن نذكرها جميعا أما إذا صححنا البيع في الجميع فان أدي البائع الزكاة من موضع آخر فذاك والا فللساعي أن يبيع المال الحاصل في يد المشترى فيأخذ الزكاة من عينه وفاقا وهذا يضعف قول التعلق بمحض الذمة إذ لو كان كذلك(5/553)
لما كان له أن يتتبعه كمن باع مالا وفي ذمته دين مرسل ليس لصاحب الدين أن يبيعه فان أخذ الساعي الواجب من عين المال انفسخ البيع في قدر الزكاة وهل ينفسخ في الباقي فيه الخلاف في تفريق الصفقة في الدوام ان قلنا ينفسخ استرد الثمن والا فله الخيار ان كان جاهلا لتبعض ما اشتراه ان فسخ فذاك وان أجاز في الباقي فيجيز بقسطه من الثمن أم بالجميع فيه قولان (أصحهما) أو لهما ولو لم يأخذ الساعي الواجب منه ولم يؤد البائع الزكاة من غيره فهل للمشترى الخيار ان اطلع علي حقيقة الحال فيه وجهان (أصحهما) نعم لتزلزل ملكه وتعرضه لاخذ الساعي (والثاني) لا لان ملكه في الحال حاصل والظاهر استمراه وأداء البائع الواجب من موضع آخر فان قلنا بالاول فإذا أخرج البائع الواجب من موضع آخر هل يسقط خياره فيه وجهان (اصحهما) نعم وهو المذكور في التهذيب لحصول استقرار الملك كما إذا اشترى معيبا ولم يرده حتى زال العيب لا يبقي له الرد (والثاني لا يسقط لانه لا يحتمل ان يخرج ما دفعه الي الساعي مستحقا فيرجع الساعي الي عين المال والوجهان
جاريان فيما إذا باع العبد الجاني ثم فداه السيد هل يبقي للمشترى الخيار.
اما إذا افسدنا البيع في قدر الزكاة وصححناه في الباقي فللمشترى الخيار بين فسخ البيع في الباقي وأجازته ولا يسقط الخيار بأداء البائع الزكاة من موضع آخر لانه ان فعل ذلك فالقصد لا ينقلب صحيحا في قدر الزكاة وإذا اجاز فيجيز بقسط الباقي من الثمن أو بالجميع فيه قولان كما ذكرنا وفي النهاية ان بعض الاصحاب قطع بأنه يخير بجميع الثمن في المواشى لان الشاة ليست معينة ولا جزءأ معلوما فاستحقاقها كعيب شائع في الجميع والمشترى إذا اطلع على عيب قديم واراد الاجازة فانما(5/554)
يجيز بجميع الثمن والصحيح الاول.
هذا كله فيما إذا باع جميع النصاب (أما) إذا باع بعضه (نظر) إن لم يستبق قدر الزكاة فالحكم كما لو باع الكل.
وان استبقى قدر الزكاة اما علي قصد صرفه إلى الزكاة أولا علي هذا القصد فان فرعنا علي قول الشركة ففى صحة البيع وجهان (أحدهما) أنه يصح لان ما باعه حقه (وأقيسهما) عند ابن الصباغ المنع لان حق أهل السمهان شائع في الكل فأى قدر باعه كان حقه وحقهم وهذا الخلاف مبنى على كيفية ثبوت الشركة وفيه وجهان حكاهما صاحب التتمة وغيره (أحدهما) ان الزكاة شائعة في الكل متعلقة بكل واحدة من الشياة بالقسط (والثاني) ان محل الاستحقاق قدر الواجب ثم يتعين بالاخراج.
(وأما) علي قول الرهن (فيبنى) على ما قدمنا ان جميع المال مرهون أو المرهون قدر الزكاة فعلي الاول لا يصح البيع وعلي الثاني يصح (وأما) على قولنا إن تعلق الزكاة كتعلق الارش (فان) صححنا بيع العبد الجاني صح البيع والا فالتفريع كالتفريع علي قول الرهن والله أعلم.
* (أما) لفظ الكتاب (فيجوز) إعلام قوله يصح بيعه قبل اداء الزكاة بالواو لانه وان تكلم علي القول الرابع ففى صحة البيع علي ذلك القول قولان كما في بيع العبد الجاني (وقوله) ولكن للساعي أن يتبع المال لا يختص بهذا القول بل الحكم كذلك متى صححنا البيع على جميع الاقوال (وقوله) إذا عرف ذلك علي الوجهين تنبيه على أنه لو عرف الحال من الابتداء لم يكن له الخيار وقوله.
ولا يلتفت إلي رجوع الساعي الي آخره.
إشارة إلي توجيه الوجه المقابل وبيان انه لا مبالاة به على الاصح وهو كما لو أدى الزكاة ثم باع النصاب.
واعلم ان كلام الفصل أصلا وشرحا
في بيع الغصب التى يجب فيها زكاة الاعيان فأما بيع مال التجارة بعد وجوب الزكاة فيه فستأتي في بابها * قال (وإذا ملك أربعين من الغنم فتكرر الحول قبل اخراج الزكاة فزكاة الحول الثاني واجبة إن قنلا إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة) * هذه المسأله تنبنى علي أصلين سبقا (أحدهما) أن الزكاة تتعلق بالعين أو الذمة (والآخر) ان الدين هل يمنع الزكاة أم لا.
وصورتها أن رجلا ملك أربعين من الغنم فحال الحول عليها ولم يخرج(5/555)
زكاتها حتى حال عليها حول آخر ولا يخلوا إما أن يحدث منها في كل حول يخلة فصاعدا أولا يحدث منها شئ.
فان حدثت سخلة فصاعدا فعليه لكل حول شاة بلا خلاف لانه مضي علي نصاب كامل وإن لم يحدث شئ وهذه الحالة هي المقصودة في الكتاب فلا خلاف في لزوم الشاة للحول الاول وهل تجب شاة للحول الثاني.
فان قلنا الزكاة تجب في الذمة وكان يملك غير النصاب ما يفى بشاة فنعم.
وإن لم يملك سوى النصاب شيئا فينبنى ذلك علي أن الدين هل يمنع الزكاة أم لا إن قلنا يمنع لم يجب للحول الثاني شئ لان واجب الحول الاول دين في ذمته وإن قلنا الزكاة تتعلق بالعين علي سبيل الشركة لم يجب للحول الثاني شئ لان أهل السهمان ملكوا واحدة منها للحول الاول فانتقص النصاب.
قال القاضى ابن كج وإمام الحرمين: وانما لم تجب زكاة الخلطة لان الزكاة غير واجبة علي أهل السهمان فيما استحقوه فالاختلاط معهم كهو مع المكاتب والذمى.
وان فرعنا علي أن تعلق الزكاة كتعلق الرهن أو كتعلق الارش فقد قال الامام كالتفريع على قول الذمة وكلام الكتاب ينزل علي التفريع علي القول الآخر فانه وعد في الفصل السابق بأنه عليه يفرع التفريع ورأيت كلام الصيدلاني في التفريع على القول الآخر بخلاف ما ذكراه فانه قال: إذا قلنا إنها متعلقة بالعين فيجب في العام الاول شاة وبعد ذلك لا يجب لان النصاب ناقص سواء جعلنا تعلقه بالعين للاستيفاء كالجناية أو على معنى الشركة وقياس المذهب ما ذكراه نعم يجوز أن يفرض خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الغير عليه وان قلنا الدين لا يمنع الزكاة علي ما قدمنا نظائره وبتقدير
أن يكون كذلك فلا يختص بالقول الاخير بل يجرى على قول الرهن والذمة أيضا ولو ملك خمسا وعشرين من الابل ومضي عليها حولان ولا نتاج فان قلنا الزكاة تتعلق بالذمة وقلنا الدين لا يمنع الزكاة أو كان له ما بفى بالواجب فعليه بنتا مخاض وان قلنا بالشركة فعليه للحول الاول بنت مخاض وللثاني أربع شياه وتفريع القولين الآخرين على قياس ما سبق ولو ملك خمسا من الابل ومضى عليه حولان بلا نتاج فالحكم كما في الصورتين السابقتين نعم قد ذكرنا أن من الاصحاب من لا يثبت قول الشركة فيما إذا كان الواجب من غير جنس الاصل فعلي هذا يكون الحكم في هذه الصورة مطلقا كما في الاوليين تفريعا على قول الذمة (والظاهر) وهو اختيار المزني أنه لا فرق بين(5/556)
أن يكون الواجب من جنس المال أولا من جنسه ولهذا يجوز للساعي أن يبيع جزءأ من الابل في الشاة فدل ذلك علي تعلق الحق بعينها وإذا تعلق بعينها فكما يجوز أن يملك أهل السهمان قدر الزكاة إذا كان من جنس المال يجوز أن يملكوه إذا كان من غير الجنس * قال (ولو رهن مال الزكاة صح فان كان قبل الحول وقلنا ان الدين مع الرهن لا يمنع الزكاة أخرجت الزكاة من عين المرهون علي الاصح تقديما لحق الزكاة على الرهن كما يقدم حق المجني عليه.
ثم لو أيسر المالك فهل يلزمه أن يجبر للمرتهن قدر الزكاة ببذل قيمته لكون رهنا عنده فيه وجهان) * رهن مال الزكاة إما أن يكون بعد تمام الحول أو قبله وقد ذكر الحالتين في الكتاب (فالاولي) في قوله ولو رهن مال الزكاة صح.
وأعلم أن القول في صحة الرهن في قدر الزكاة كالقول في صحة بيعه فيعود فيه جميع ما قدمناه ويحتاج إلى اعلام قوله صح بالواو لمثل ما ذكرنا في البيع ثم إذا صححناه في قدر الزكاة ففيما عداه أولي وإن أبطلناه في قدر الزكاة فالحكم فيما عداه يترتب علي البيع إن صححنا البيع فالرهن أولي وإن أبطلناه ففى الرهن قولان مبنيان علي العلتين المشهورتين لقول فساد التفريق.
إن منعنا التفريق لاتحاد الصيغة وفسادها في بعض مواردها بطل الرهن أيضا وإن عللنا باتحاد العوض لم يبطل ويخرج مما ذكرناه طريقة جازمة بصحة الرهن فيما عدا قدر الزكاة
وبها قال ابن خيران.
ثم ان صححنا الرهن في الجميع ولم يؤد الزكاة من موضع آخر كان للساعي أخذها منه فإذا أخذ انفسخ الرهن فيه وفي الباقي الخلاف كما تقدم في البيع وان ابطلناه في الجميع أو في قدر الزكاة خاصة وكان الرهن مشروطا في بيع ففى فساد البيع قولان.
وإن لم يفسد فللمشترى الخيار ولا يسقط خياره باداء الزكاة من موضع آخر (الحالة الثانية) أن يرهن قبل تمام الحول ثم يتم الحول فقد ذكر في وجوب الزكاة فيه خلافا في الكتاب قبل هذها وشرحناه والرهن لابد أن يكون بدين وفي كون الدين مانعا من الزكاة الخلاف المشهور.
(فان قلنا) الرهن لا يمنع الزكاة قلنا الدين أيضا لا يمنع أو قلنا انه يمنع لكن كان له مال آخر يفى بالدين وجبت الزكاة وإلا لم تجب.
إذا عرف ذلك فلا يخلو إما أن لا يملك هذا الراهن مالا آخر أو يملك فان لم يملك فهل تؤخذ الزكاة من عين المرهون ينبى ذلك علي كيفية تعلق الزكاة.
ان قلنا تتعلق بالذمة فعن أبى علي الطبري وغيره(5/557)
أنه قد اجتمع ههنا حق الله تعالي وحق الآدمى فيخرج على الاقوال الثلاثة في اجتماعهما فان سوينا بينهما وزعنا وعن أكثر الاصحاب أنه يقدم الرهن لانه أسبق ثبوتا والمرهون لا يرهن وهذا الوجه الثاني حكاه الامام رضي الله عنه عن شيخه تفريعا علي قول الرهن ثم أنه خالفه واختار تقديم الزكاة وأعلم ان الذين حكوا الوجهين تفريعا علي قول الذمة هم العراقيون القائلون بان المال مرتهن بالزكاة على قول الذمة (فأما) من محض تعلقها بالذمة فينبغي أن ينقطع بامتناع الاخذ من المرهون كسائر الديون المرسلة وان قلنا بالشركة فتوخذ الزكاة من عين المرهون وكذا ان قلنا ان تعلق الزكاة كتعلق الارش كما تقدم حق المجني عليه على حق المرتهن ويحصل عند الاختصار مما حكينا وجهان كما ذكر في الكتاب (أصحهما) الاخذ من عين المرهون وعلى هذا لو كانت الزكاة من غير جنس المال كالشاة في الابل يباع جزء من المال في الزكاة وهذا هو الطريق المشهور وهو المحكى عن أبي اسحاق وعن ابن أبى هريرة وأبى حامد القاضى أنه إذا لم يكن له مال آخر تؤخذ الزكاة من عين المرهون بلا خلاف إن كان الواجب من جنس المال وإنما يكون الخلاف فيما إذا كان من غير جنسه والفرق أنه إذا كان الواجب من غير جنس الاصل لم يكن متعلقا بعينه حكى
ذلك عنهما القاضى ابن كج في أثناء طريقتين بينهما بعض الاختلاف ثم إذا أخذت الزكاة من غير المرهون وأيسر المالك الراهن بعد ذلك فهل يغرم قدر الزكاة ليكون رهنا عند المرتهن ان قلنا الزكاة تتعلق بالذمة فنعم وإن قلنا تتعلق بالعين فوجهان (أحدهما) نعم لانصرافه الي مصلحة براءة ذمته (وأظهرهما) لا لتعلقه بالمال بغير اختياره وهذان الوجهان بناهما الشيخان أبو محمد والصيدلاني علي أن الزكاة المخرجة من مال القراض علي قولنا العامل لا يملك الربح الا بالقسمة معدودة من المؤن أو هي كطائفة من المال يستردها المال إن قلنا بالاول لم يجب علي الراهن الجبر وان وان قلنا بالثاني فيجب وليس هذا البناء على التقدير الاول بواضح فان مؤنات المرهون علي الراهن لا من نفس المرهون بخلاف مؤنة مال القراض فانها من الربح هذا كله فيما إذا لم يملك مالا آخر فاما إذا مالك مالا آخر فالذي قاله الجمهور ان الزكاة تؤخذ من سائر أمواله ولا تؤخذ من عين المرهون لانها من مؤنة المال فاشبهت النفقة وعن أبي علي الطبري وآخرين انا إذا أوجبنا الزكاة في عين المال أخذناها من المرهون وان(5/558)
ملك مالا آخر وهذا هو القياس كما لا يجب علي السيد فداء العبد المرهون إذا جنى وأبدى الامام من عند نفسه ترددا في المسألة مبنيا على وجوب الجبران في صورة الاعسار ان قلنا ان المعسر إذا أيسر لزمه الجبر وجب علي الموسر ابتداء أداء الزكاة من مال آخر وان قلنا لا يلزمه الجبر لم يجب وقوله في الكتاب أخرجت الزكاة من عين المرهون علي الاصح أراد به ما إذا لم يملك الراهن مالا آخر دون ما إذا ملك وان كان اللفظ مطلقا والخلاف في الحالتين ثابت بدليل قوله من بعد ثم لو أيسر المالك ويجوز أن يعلم قوله علي الاصح بالواو لان فيه اثبات الخلاف علي الاطلاق وعلى ما قدمنا رواية عن ابن أبى هريرة وأبي حامد تخرج الزكاة من عين المرهون بلا خلاف في بعض الاحوال وأعلم ان هذه المسألة ليست تفريعا من حجة الاسلام علي القول الرابع فحسب بخلاف المسائل التي قبل هذه لانه ذكر الخلاف فيها ولا يجئ الخلاف إذا أفرد القول الرابع بالنظر وهو ان تعلق الزكاة كتعلق الارش وانما يجئ إذا نظرنا الي غير هذا القول أيضا علي ما سبق وقوله يبذل قيمته أراد في المواشي فانها غير مثلية فاما إذا كان النصاب من جنس المثليات كان الجبر بذل المثل علي
ما هو قاعدة الغرامات وقد صرح بذلك صاحب التهذيب وغيره * قال (النوع الثاني زكاة المعشرات والنظر في الموجب والواجب ووقت الوجوب (الطرف الاول) الموجب وهو مقدار خمسة أو سق من كل مقتات (ح م) في حالة الاختيار (م) انبتته ارض مملوكة أو مستأجرة (ح) خراجية (ح) أو غير خراجية إذا كان المالك معينا (ح) حرا (ح) مسلما (ح) ولا زكاة علي الجديد في الزيتون والورس والعسل (ح) والزعفران والعصفر كما لا زكاة في الفواكه (ح) والخضروات ولكن يجب في الارز والماش والباقلا وغيرها من الاقوات والنصاب معتبر وهو ثمانمائة من فان الوسق ستون صاعا وكل صاع أربعة امداد وكل مد رطل وثلث بالبغدادي وكل رطل مائة وثلاثون درهما والمن مائتان وستون درهما والرطل نصف من وهو اثنتا عشرة أو قية والاوقية عشرة دراهم وأربعة دوانيق والدرهم أربعة عشر قيراطا كل ذلك بالوزن البغدادي فان جعلنا ذلك تقريبا لا تحديدا فلا تسقط الزكاة الا بمقدار ما لو وزع علي الاوسق الخمسة لظهر النقصان) *(5/559)
حصر كلام هذا النوع في ثلاثة أطراف في أنه بم يجب وكم يجب ومتى يجب فأما أنه علي من يجب فعلى ما سبق في النوع الاول وقد أدرجه في ضبط الموجب ههنا أيضا أما الطرف الاول فيحتاج فيه إلى معرفة جنس الموجب وقدره وامور أخر نذكر جميعها في مسائل (المسألة الاولى) تجب الزكاة في الاقوات وهى من الثمار ثمر النخل والكرم ومن الحبوب الحنطة والشعير والارز والعدس والحمص والباقلاء والدخن والذرة واللوبيا وتسمى الدخن أيضا والماش والهرطمان قال أبو القاسم الكرخي وهو الجلبان والجلبان والخلر واحد فيما ذكر صاحب الشافي وروى الازهرى عن ابن الاعرابي أن الخلر هو الماش فان ثبتت المقدمتان فالهرطمان والماش والخلر والجلبان عبارات عن معبر واحد(5/560)
ووجه وجوب الزكاة في هذه الاجناس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة في كثير منها وألحق الباقي به لشمول معني الاقتيات لجميعها وصلاحها للاقتناء والادخار وعظم المنافع فيها وأما ما سوى الاقوات فلم يختلف قول الشافعي رضي الله عنه في معظمها أنه لا زكاة فيه سواء كان من الثمار
أو الحبوب أو الخضروات وذلك كالتين والسفرجل والخوخ والتفاح والرمان وغيرهما وكالقطن والكتان والسمسم والاسبيوش وهو المعروف ببزر قطونا والثفاء وهو حب الرشاد والكمون والكزبرة والبطيخ والقثاء والسلق والجرز والقنبيط وحبوبها وبذورها واختلف قوله قديما وجديدا في أشياء منها الزيتون فالجديد الصحيح أنه لا زكاة فيه كالجوز واللوز وسائر الثمار وأيضا فقد روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (الصدقة في أربعة في التمر والزبيب والشعير والحنطة وليس فيما سواها صدقة) هذا الخبر ينفى الزكاة في غير الاربعة لكن ثبت أخذ الصدقة من الذرة وغيرها بأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم في الاوقوات وتمسكنا به فيما عداها قال في القديم تجب الزكاة في(5/561)
الزيتون لما روى عن عمر رضي الله عنه وغيره أن (في الزيتون العشر) وبه قال مالك رحمه الله فعلي هذا وقت الوجوب بدو الصلاح فيه وهو نضجه واسوداده ويعتبر النصاب كما في الرطب والعنب هكذا قاله الجمهور وحكى القاضي ابن كج أن ابن القطان خرج اعتبار النصاب فيه وفي جميع ما يختص القديم بايجاب الزكاة فيه علي قولين ثم إن كان الزيتون مما لا يجئ منه الزيت كالبغدادي أخرج عشره زيتونا وإن كان مما يجئ منه الزيت كالشامي فعن ابن المرزبان حكاية وجهين في جواز اخراج الزيتون (وجه المنع) ان نهاية أمره الزيت فيتعين الاخراج كالثمرة مع الرطب (والصحيح) عند المعظم وهو نصه في القديم جواز اخراج الزيتون لامكان إدخاره ولو أخرج الزيت فهو أولى وروى إمام الحرمين وجها آخر أنه يتعين اخراج الزيتون وعلل بأن النصاب يعتبر فيه دون الزيت بالاتفاق ومنها الورس والزعفران والورس شجر يخرج شيئا كالزعفران فلا زكاة فيهما على الجديد لما سبق ونقل عن القديم أنه يجب في الزكاة إن صح حديث أبي بكر رضى الله عنه وهو ما روى أنه كتب إلي بنى خفاش (أن أدوا زكاة الذرة والورس) ثم قال في القديم من قال في الورس العشر يحتمل أن يقول يمثله في الزعفران لاشتراكهما في المنفعة والفائدة ويحتمل أن لا يوجب فيه شيئا لان الورس ثمرة شجرة لها ساق والزعفران نبات كالخضروات فقال الصيدلانى وغيره له في الورس قولان في القديم لانه مثل وعلق بثبوت حديث أبى بكر رضي الله عنه والزعفران باتفاق الاصحاب
مرتب على الورس إن لم تجب فيه ففي الزعفران أولي وإن وجب ففى الزعفران قلان وإن أوجبنا فيهما الزكاة ففى اعتبار النصاب ما سبق من الخلاف والاكثرون علي عدم الاعتبار ههنا لان الاثر الوارد مطلق والغالب أنه لا يحصل الواحد منهما قدر النصاب فدل أنه كان يؤخذ من القليل(5/562)
والكثير ومنها العسل فالجديد انه كما سبق وبه قال مالك لما روى أن معاذا لم يأخذ زكاة العسل وقال (لم يأمرني النبي صلي الله عليه وسلم فيه بشئ) وعن علي وابن عمر رضي الله عنهم (أنه لا زكاة فيه) وعن أبى اسحق أن الشافعي رضى الله عنه علق القول فيه في القديم لما روي أن أبا بكر رضى الله عنه (كان يأخذ الزكاة منه) وروى فيه الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم أيضا فان قلنا بالوجوب فاعتبار النصاب كما سبق ومذهب أحمد وجوب الزكاة فيه وبه قال أبو حنيفة رحمه الله إذا أخذه من غير أرض الخراج وذهب الشيخ أبو حامد وغيره إلي أنه قطع القول بنفى الزكاة فيه قديما وجديدا فيحصل فيه طريقان (ومنها) حب العصفر وهو القرطم فالجديد كما سبق والقديم وجوب الزكاة فيه لما روى أن أبا بكر رضى الله عنه (كان يأخذ منه) فعلي هذا الظاهر اعتبار النصاب فيه كما في سائر الحبوب والعصفر نفسه هل يجرى فيه الخلاف قال أبو القاسم الكرخي لا والخلاف في الحب واجري القاضي ابن كج الخلاف فيه وفى الحب ويمكن تشبيهه بالورس والزعفران ومنها الترمس وهو فيما ذكره الصيدلاني وصاحب التهذيب شبيه بالباقلا لكنه أصغر منه وقيل هو شبيه باللوبيا ولا زكاة فيه علي الجديد لانه لا يقتات انما يؤكل تداويا ويقال انه يهيج الباءة وحكى العراقيون عن القديم أنه يجب فيه الزكاة لشبهه بالباقلا واللوبيا (ومنها)(5/563)
حب الفول حكى القاضي إبن كج وجوب الزكاة فيه على القديم ولم أر هذا النقل لغيره وليس في الفرق بينه وبين حبوب سائر البقول معني معقول (المسألة الثانية) لا يكفى في وجوب الزكاة كون الشئ مقتاتا علي الاطلاق بل المعتبر ان يقتات في حالة الاختيار وقد يقتات الشئ للضرورة فلا زكاة فيه ومثله الشافعي رضي الله عنه بالغث وحب الحنظل وسائر البذور البرية وشبهها بالظباء وبقر الوحش
لا زكاة فيهما لان الآدميين لا يستبيحونها ولا يتعهدونها كذلك هذه الحبوب واختلف في تفسير الغث فعن المزني وطائفة انه حب الغاسول وهو الاشنان ولانه إذا ادرك وتناهي نضجه حصلت فيه مرارة(5/564)
وحموضة وربما اقتاتها المضطرون وقال آخرون انه حب اسود يابس يدفن حتى تلين قشرته ثم يزال قشره ويطحن ويخبز ويقتاته اعراب طئ: واعلم أن الائمة ضبطوا ما يجب العشر فيه بوصفين (أحدهما) أن يكون قوتا (والثانى) أن يستنبته الآدميون أي يكون من ذلك الجنس وقالوا ان فقد الاول كما في الاسبيوش أو الثاني كما في الغث أو كلاهما كما في الثفاء فلا زكاة وانما يحتاج الي الوصف الثاني من لم يتعرض لكونه مقتاتا في حال الاختيار بل اطلق الاقتيات: فاما من تعرض لذلك فهو غنى عن ذكر الوصف الثاني إذ ليس فيما لا يستنبت شئ يقتات اختيارا واعتبر العراقيون مع هذين الوصفين وصفين آخرين (أحدهما) أن يدخر (والثانى) أن ييبس ولا حاجة اليهما فانهما لا زمان لكل مقتات مستنبت (المسألة الثالثة) : النصاب معتبر في المعشرات وهو قدر خمسة أو سق وبه قال مالك واحمد وقال أبو حنيفة رحمهما الله يجب العشر في القليل والكثير لكن له أن يفرق بنفسه فيما دون خمسة أو سق فإذا بلغها دفع الي الامام لنا ما روى ابو سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (ليس فيما دونه خمسه أو سق من التمر صدقة) وفي رواية جابر وغيره الوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث رطل وهى منوان وثلثا من ويكون الوسق الواحد مائة ستين منا وجملة الاوسق الخمسة ثلثمائة صاع وهى ثمانمائة من وهذا بالمن الصغير وبالكبير اعني الذى وزنه ستمائة درهم يكون ثلثمائة من وستة وأربعين منا وثلثي من هل يعتبر القدر المذكور تقريبا أم تحديدا فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى ذكره الصيدلانى تقريبا لان الوسق عبارة عن حمل بعير وذلك قد يزيد وينقص وانما قدر بستين صاعا تقريبا وأخدا بالوسط (وأصحهما) عند المحاملي والاكثرين انه(5/565)
تحديد لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت (جرت السنة انه ليس فيما دون خمسة أو سق من التمر صدقة) ولان نصاب المواشى وغيرها معتبر علي التحديد فكذلك هههنا فان قلنا بالاول احتمل
نقصان القدر القليل كالرطل والرطلين وحاول امام الحرمين ضبطه فقال الاوساق هي الا وقار والوقر المقتصد مائة وستون منا فكل نقصان لو وزع على الاوسق الخمسة لم تعد منحطة عن حد الاعتدال فلا يضر وان عدت منحطة عن حد الاعتدال لم يحتمل وان اشكل الامر فيجوز أن يقال لا زكاة الي أن تتحقق الكثرة ويجوز أن يقال يجب لبقاء الاوسق وتعليق الزكاة بها في الخبر الذى رويناه قال وهذا اظهر ثم جرى في أثناء كلامه أن الاعتبار فيما علقه الشارع بالصاع والمد بمقدار موزون يضاف إلى الصاع والمد لا بما يحوى البر ونحوه وذكر القاضي الروياني وغيره ان الاعتبار بالكيل لا بالوزن قال ابو العباس الجرجاني الا العسل إذا اوجبنا الزكاة فيه فالاعتبار فيه بالارطال قال فانه لا يكال وهذا هو الصحيح وسيأتي شواهده ومنه قوله في المختصر مكيلة زكاة الفطر هذه الترجمة تشعر بأن المعتبر الكيل وعلى هذا توسط في العدة بين وجهى التقريب والتحديد فقال هو على التحديد في الكيل وعلي التقريب في الوزن وانما قدره العلماء بالوزن استطهارا (المسألة الرابعة) لا فرق بين ما تنبته الارض المملوكة وما تملكه الارض المكتراة في وجوب العشر ويجتمع علي المكترى العشر والاجرة كما لو اكترى حانوتا للتجارة يجب عليه الاجرة وزكاة التجارة جميعا وعند أبي حنيفة رحمه الله العشر علي المكرى لان العشر عنده حق الارض وعلي هذا الاصل يبنى الخلاف في اجتماع العشر والخراج فعندنا هما يجتمعان وعنده لا عشر فيما تنبته الارض الخراجية لنا انهما حقان وجبا بسببين مختلفين فلا يمنع أحدهما الاخر كالقيمة والجزاء في الصيد المملوك ثم قال الاصحاب وانما تكون الارض خراجية في صورتين (احداهما) أن يفتح الامام بلدة قهر أو يقسمها بين الغانمين ثم يبدلهم عنهما ويقفها علي المسلمين ويضرب عليها خراجا كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق علي الصحيح وفيه لابن سريج خلاف مذكور في موضعه (والاخرى) أن يفتح بلدة صلحا علي أن تكون الاراضي للمسلمين ويسكنها الكفار بخراج معلوم فالاراضي فئ المسلمين والخراج عليها أجرة لا يسقط بالسلامهم وكذا لو انجلي الكفار عن بلدة وقلنا ان الاراضي تصير وقفا علي مصابح المسلمين فيضرب عليها خراج يؤديه(5/566)
من يسكنها مسلما كان أو ذميا فاما إذا فتحت بلدة صلحا ولم يشترط كون الاراضي للمسلمين ولكن
مكثوا فيها بخراج فهذا يسقط بالاسلام فانه جزية وعند أبى حنيفة لا يسقط البلاد التي فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين واستبقيت في أيديهم وكذا التى اسلم أهلها عليها والاراضي التي أحياها المسلمون عشرية محضة وأخذ الخراج منها ظلم (فرع) النواحى التى يؤخذ الخراج منها ولا يعرف كيف كان حالها في الاصل حكى الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي رضي الله عنه انه يستدام الاخذ منها فانه يجوز ان يكون الذى افتتحها صنع بها ما صنع عمر رضى الله عنه بسواد العراق والظاهر أن ما جرى طول الدهر جرى رحق فان قيل فهل يثبت فيها حكم أراضي السواد من امتناع البيع والرهن قيل يجوز أن يقال الظاهر في الاخذ كونه حقا وفي الايدى الملك فلا نترك واحدا من الظاهرين الا بيقين ولهذا نظائر (فرع) الخراج المأخوذ ظلما لا يقوم مقام العشر فان أخذ السلطان علي أن يكون بدلا عن العشر فهذا كاخذ القيمة في الزكاة بالاجتهاد وقد حكوا في سقوط الفرض به وجهين الذى ذكره في التتمة انه يسقط فان لم يبلغ ذلك قد العشر اخرج الباقي وفي النهاية ان بعض المصنفين حكى قريبا من هذا عن أبى زيد المروزى والستبعده: ونعود بعد هذا إلي ما يتعلق بلفظ الكتاب اما قوله وهو مقدار خمسة أو سق معلم بالحاء لان عنده لا حاجة إلي التقييد بهذا المقدار وقوله من كل مقتات بالحاء والميم والالف لان عندهم لا يتقيد الوجوب بالاقوات بل عند أبى حنيفة يجب في جميع الثمار والخضروات والحبوب التى تنبتها الادميون الا الحشيش والقصب والحطب وعند مالك يجب في كل ما تعظم منفعته ويدخر كالسمسم وبدر الكتان والقطن وعند احمد يجب في جميع الثمار والحبوب التى تكال وتدخر سواء النابت بنفسه والمستنبت وقوله في حال الاختيار يحصل به الاحتراز عن الغث وغيره مما يقتات عند الضرورة وذكر في الوسيط أنه احترز به عن الثفاء والترمس فان العرب تقتاته في حالة الاضطرار وأورده الامام نحوا من ذلك والذى قاله الجمهور في الثفاء والترمس ما قدمنا ولم يجعلوهما مما يقتات وعد الازهرى كليهما مما لا يقتات والله أعلم.
وقوله أو مستأجرة وكذا قوله خراجية مرقومان بالحاء لان عنده لا يجب العشر على مالك الاوسق الخمسة المرفوعة منهما وقوله إذا كان مالكه معينا احترز به عن ثمار البستان وغلد الضيعة الموقوفين علي المساجد والرباطات
والقناطر والفقراء والمساكين فلا زكاة فيها إذ ليس لها مالك معين ويجوز ان يعلم بالواو ولان صاحب البيان حكي ان ابن المنذر روى عن الشافعي رضي الله عنه وجوب الزكاة فيها واليه ذهب ابو حنيفة بناء على ما سبق ان العشر حق الارض وأوجبه على المكاتب والذمى ايضا فليكن قوله معينا(5/567)
حرا مسلما معلما جميعها بالحاء فاما إذا كان الوقف علي جماعة معينين فقد كتبناه في باب الخلطة وقوله فلا زكاة على الجديد في الزيتون إلى قوله والعصفر لتكن جميعها معلما بالحاء وكذا قوله كما زكاة في الفواكه لما قدمنا والزيتون بالميم أيضا والعسل بالالف ايضا لما مضي ولك تعلم قوله على الجديد بالواو لانه يقتضي اثبات القولين في الاشياء المذكور من الزيتون الي العصفر وقد ذكرنا في العسل طريقة نافية للخلاف بل حكى القاضي ابن كج فيما سوى الزيتون طريقة نافية للخلاف قاطعة بالوجوب وفي جريان الخلاف في العصفر أيضا كلام قد تقدم (وقوله) النصاب معتبر وتعاد العلامة عليه بالحاء وقد وقع التعرض له في أول الكلام حيث قال وهو مقدر خمسة أو سق لكن القصد بذكر هذا الموضع وانما اعترض ذكره ثم لانه حاول استيعاب الامور التى عندها يثبت الوجوب (وقوله) فان جعلنا هذا تقريبا لا تحديدا يتضمن بيان الخلاف كما يصرح بتفريع التقريب * قال (ثم هذه الاوسق تعتبر زبيبا أو تمرا وفي الحبوب منقى عن القشر الا فيما يطحن مع قشره كالذرة ومالا يتتمر بوسق رطبا) * غرض الفصل بيان الحالة التى يعتبر فيها بلوغ المعشر خمسة أوسق فاما في ثمر النخيل والكرم فيعتبر بلوغه هذا المقدار تمرا وزبيبا لما روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) اعتبر الاوسق من التمر وعن احمد رواية انه يعتبر الاوسق رطبا ويؤخذا عشره يابسا والاصح عنه مثل مذهبنا فان كان له رطب لا يتخذ منه تمر ففى كيفية اعتبار النصاب فيه وجهان (أظهرهما) أنه يوسق رطبا لانه ليس له حالة جفاف ورطوبته اكمل احواله فلا ينظر الا إليها (والثاني) انه يعتبر حالة الجفاف كما في سائر الانواع وعلي هذا فالاعتبار
بنفسه أم بغيره فيه وجهان (أحدهما) بنفسه فيعتبر بلوغ يابسه نصابا وان كان حشفا قليل الخير (والثاني) انه يعتبر بأقرب الارطاب إليه فيقال لو كان بدله ذلك النوع الذى تجفف هل كان يبلغ ثمره نصابا لانه لما لم يمكن اعتباره بنفسه اعتبر بغيره كالجناية على الحر إذا لم يكن لها أرش مقدر وهذا إذا كان يجئ منه تمر وان كان حشفا رديئا فاما إذا كان يفسد بالكلية لم يجئ فيه الوجه الثاني ولفظ الكتاب الي هذا أقرب فانه قال ومالا يتتمر ولم يقل ومالا يتمر وكيف ما كان فقوله بوسق رطبا معلم بالواو والعنب الذى لا يزبب كالرطب الذى لا يتمر ولا خلاف في ضم مالا يجفف منهما إلى ما يجفف في اكمال النصاب قاله في التهذيب ثم في أخذ الواجب من الذى لا يجفف اشكال ستعرفه ووجه الخلاص فيه في مسألة اصابة النخيل العطش ان شاء الله تعالي جده وأما الحبوب فيعتبر بلوغها(5/568)
نصابا بعد التصفية من التبن والاخراج من السنابل ثم قشورها على ثلاثة اضرب (أحدها) قشر لا يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه فهو كالتبن المحض ولا يدخل في النصاب (والثاني) قشر يدخر الحب فيه ويؤكل معه كالذرة تطحن وتؤكل مع قشرها غالبا فيؤخذ ذلك القشر في الحساب فانه طعام وان كان قد يزال تنعما كما تقشر الحنطة فتجعل حوارى وهل يدخل في الحساب القشرة السفلى من الباقلاء حكوا فيه وجهين قال في العدة المذهب انه لا تدخل لانها غليظة غير مقصودة (والثالث) قشر يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه فلا يدخل في حساب النصاب ولكن يؤخذ الواجب فيه وهذا كما في العلس والارز أما العلس فقد قال الشافعي رضى الله عنه في الام أنه بعد الدياسة يبقى علي كل حبتين منه كمام لا يزول الا بالرحى الخفيفة أو بالمهراس ادخاره علي ما ذكره أهله في ذلك الكمام أصلح له وإذا أزيل كان الصافى نصف المبلغ فلا يكلف صاحبه ازالة دلك الكمام عنه ويعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة اوسق ليكون الصافى منه خمسة أوسق وأما الارز فيدخر أيضا ممع قشره فانه ابقى له فيعتبر بلوغه مع القشر عشرة اوسق وعن الشيخ ابي حامد انه قد يخرج منه الثلث فيعتبر بلوغه قدرا يكون الخارج منه نصابا قال (ولا يكمل نصاب جنس بجنس آخر (م) ويكمل العلس بالحنطة فانه حنطة حبتان منه في كمام واحد والسلت قيل انه يضم إلى الشعير لصورته * وقيل يضم
إلى الحنطة * لانه علي طبعها * وقيل هو اصل بنفسه) * لا يضم التمر إلى الزبيب في تكميل النصاب ويضم أنواع التمر بعضها إلي بعض وكذلك أنواع الزبيب ولا تضم أيضا الحنطة إلى الشعير ولا سائر أجناس الحبوب بعضها إلي بعض خلافا لمالك حيث قال تضم الحنطة الي الشعير وتضم القطنية بعضها إلى بعض ولا يضمان إلى القطنية ولاحمد حيث قال يضم أحدهما إلى الآخر ويضمان إلى القطنية أيضا والقطنية هي العدس والحمص ونحوها سميت بذلك لقطونها البيوت: لنا أن كل واحد من أصناف الحبوب منفرد باسم خاص وطبع خاص ولا يضم بعضها إلى بعض كما لا يضم الزبيب الي التمر ويضم العلس الي الحنطة فانه نوع من الحنطة وإذا نحيت الاكمة التى يحوى الواحد منها حبتين خرجت الحنطة الصافية وقبل التنحية لو كان له وسقا علس وأربعة أو سق من الحنطة فقد تم النصاب ولو كان له ثلاثة أو سق من الحنطة فانما يتم النصاب باربعة اوسق من العلس وعلي هذا القياس: وأما السلت فقد اختلفوا في وصفه اولا فذكر العراقيون انه حب يشبه الحنطة في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع وتابعهم في التهذيب علي ما ذكروا وعكس الصيدلانى وآخرون فقالوا انه في صورة الشعير وطبعه حاركا لحنطة وهذا ما ذكره في الكتاب وكيف(5/569)
ما كان فله شبه من الحنطة وشبه من الشعير وفيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يضم الي الشعير لما له من شبهه ويحكي هذا عن صاحب الافصاح وصاحب التقريب وبه أجاب أقضى القضاة الماوردى في الاحكام السلطانية (وثانيها) أنه يضم إلى الحنطة لما له من شبهها (وأظهرها) وهو اختيار القفال فيما حكي الصيدلاني أنه أصل بنفسه لا يضم الي واحد منهما لانه اكتسب من تركب الشبهين طبعا ينفرد به وصار أصلا برأسه وهذا ما حكاه القاضي أبو الطيب عن نصه في البويطى ولك أن تعلم قوله وقيل الي الحنطة لانه علي طبعها بالواو لان أبا سعيد المتولي قال لا خلاف في أنه لا يضم الي الحنطة والخلاف في أنه اصل بنفسه أو يضم إلى الشعير وقد وصف واصفون السلت بان فيه حموضة يسيرة لكنه ليس بالذى يسمي بالفارسية ترش جو فانه شعير علي التحقيق ذكره الامام قال وما عندي ان السلت المذكور في الكتب موجود في هذه الديار *
قال (ولا يكمل ملك رجل بمالك غيره الا الشريك والجار إذا جعلنا للخلطة فيه أثرا) * ذكرنا في باب الخلطة الخلاف في أن الخلطة هل تثبت في الثمار والزروع ام لا وان ثبتت فهل تثبت الخلطتان أو لا تثبت الا خلطة الشيوع والظاهر ثبوتهما جميعا فان قلنا لا تثبتان فلا يكمل ملك رجل بملك غيره في حق النصاب وان قلنا تثبتان فيكمل ملك رجل بملك غيره في حق النصاب وان قنلا تثبتان فيكمل ملك الرجل بملك الشريك والجار: ومما يتفرع على هذا الاختلاف ما لو مات أنسان وخلف ورثة ونخيلا مثمرة أو غير مثمرة وبدا الصلاح في الحالتين في ملك الورثة ان قلنا لا تثبت الخلطة في الثمار فحكم كل واحد منهم منقطع من غيره فمن بلغ نصيبه نصابا فعليه الزكاة ومن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شئ عليه ولا فرق بين أن يقتسموا أولا يقتسموا وان قلنا تثبت الخلطة فقد قال الشافعي رضي الله عنه ان اقتسموا قبل بدوا الصلاح سقط حكم الخلطة وزكوا زكاة الانفراد فمن لم يبلغ نصيبه نصابا فلا شئ عليه وهذا إذا لم تثبت خلطة الجوار أو أثبتناها وكانت متباعدة فاما إذا كانت متجاورة وأثبتنا خلطة الجوار فيزكون زكاة الخلطة كما قبل القسمة وان اقتسموا بعد بدو الصلاح زكوا زكاة الخلطة لانهم كانوا شركاء حالة الوجوب وهى بدو الصلاح وبدو الصلاح في الثمار كمضي الحول كله في المواشي وههنا كلامان (احدهما) اعترض المزني فقال القسم بيع وبيع الربويات بعضها ببعض جزافا لا يجوز وبيع الرطب بالرطب على رؤس النخل بيع جزاف وايضا فبيع الرطب بالرطب لا يجوز عند الشافعي رضي الله عنه بحال ولا يندفع هذا الاشكال بان يقال الرطب لم يتمحض عوضا في واحد من الجانبين بل الجذع بل الجذع يدخل في القسمة لان عند الشافعي رضى الله عنه لا يجوز بيع الربوي وشئ آخر بذلك الربوي وشئ آخر وأجاب الاصحاب بوجهين (احدهما) قالوا الامر علي ما ذكرت ان فرعنا على ان القسمة(5/570)
بيع لكن له قول آخر وهو ان القسمة افراز حق وعلي ذلك القول اجاب ههنا (والثاني) انا وان قلنا ان القسمة بيع فيتصور فرض القسمة ههنا من وجوه (منها) ان تكون بعض النخيل مثمرة وبعضها غير مثمرة فيجعل هذا سهما وذلك سهما ويقسم قسمة تعديل فيكون بيع النخل والرطب بمحض النخل
وأنه جائز (ومنها) ان تكون التركة نخلتين والوارث شخصان فيشترى احدهما نصيب صاحبه من احدى النخلتين جذعا ورطبا بعشرة ويبيع نصيب نفسه من صاحبه من النخلة الاخرى جذعا ورطبا بعشرة ويتقاضان الدراهم قال الائمة ولا تحتاج إلى شرط القطع وان كانت الصفقتان قبل بدو الصلاح لان المبيع جزء شائع من الثمرة والشجرة معا فصار كما لو باع كلها صفقة واحدة وانما تحتاج الي شرط القطع حينئذ عند افراد الثمرة بالبيع ومنا أن يبيع كل واحد منهما نصيبه من ثمرة أحدى النخلتين نصيب صاحبه من جذعها فيجوز بعد بدو الصلاح ولا يلزم الربوا وقبل بدو الصلاح لا يجوز إلا بشرط القطع لانه بيع ثمرة تكون للمشترى على جذع البائع ذكره صاحب الشامل وغيره وقد حكي القاضى بن كج عن بعض الاصحاب أن قسمة الثمار بالخرص جائزة علي أحد القولين والذى ذكره ها هنا جواب علي ذلك القول ولك أن تقول هذا لو دفع انما يدفع اشكال البيع جزافا فلا يدفع اشكال منع بيع الرطب (الكلام الثاني) قال أصحابنا العراقيون تجوز القسمة قبل اخراج الزكاة بناء على أن الزكاة في الذمة أما إذا قلنا إنها تتعلق بالعين فلا تصح القسمة واعلم أنه يمكن تصحيح القسمة مع التفريع علي قول العين بأن يخرص الثمار عليهم ويضمنوا حق المساكين فلهم التصرف بعد ذلك وأيضا فانا حكينا في البيع قولين تفريعا علي التعلق فكذلك القسمة إذا جعلناها بيعا وان جعلناها افرازا فلا منع وجميع ما ذكرنا من المسألة فيما إذا لم يكن علي الميت دين فأما إذا مات وعليه دين وخلف علي ورثته نخيلا مثمرة فبدا الصلاح فيها بعد موته وقبل ان تباع في الدين ففى وجوب الزكاة علي الورثة قولان حكاهما الشيخ أبو على (أحدهما) لا يجب لان ملكهم فيها غير مستقر في الحال إنما يستقر بعد قضاء الدين من غيره فأشبه ملك المكاتب لما لم يستقر إلا بتقدير أداء النجوم لم تجب الزكوة فيه قبل ذلك (وأصحهما) وهو الذى أورده الجمهور يجب لانها ملكهم ما لم تبع في الدين ألا ترى أن لهم أن يمسكوها ويقضوا الدين من موضع آخر فإذا ملكوا وهم من أهل الزكوة لزمهم الزكوة فعلي هذا القول في أنهم يزكون زكاة الخلطة والانفراد علي ما سبق فيها إذ لم يكن علي الميت دين قال الشيخ ويمكن بناء القولين على الخلاف في أن الدين هل يمنع الميراث فيه قولان وغيره يحكيه وجهين (أحدهما) ويروى عن الاصطخرى نعم لان الله تعالي أثبت الارث بعد الدين حيث
قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (وأصحهما) لا لان الدين لا يستحق الا التعلق به وطلب الحق منه(5/571)
فتكون الرقبة لهم كالمال المرهون والعبد الجاني رقبتهما للمالك فإذا فرعنا علي الاصح وهو وجوب الزكوة عليهم فان كانوا موسرين أخذت الزكوة منهم وصرفت النخيل والثمار إلى دين الغرماء وإن كانوا معسرين فهل تؤخذ الزكوة منهم فيه طريقان (أحدهما) انه على الخلاف في أن الزكوة تتعلق بالذمة أو بالعين ان قلنا بالذمة والمال مرهون بها فيخرج عل الاقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدميين فان سوينا وزعنا المال على الزكاة وحق الغرماء وإن قلنا تتعلق بالعين أخذت الزكوة سواء قلنا بتعلق الشركة أو بمثل تعلق الارش (والطريق الثاني) وهو الاصح ان الزكاة تؤخذ بكل حال لان حق الزكوة أقوى تعلقا بالمال من حق الرهن ألا ترى أن الزكاة تسقط بتلف المال بعد الوجوب وقبل امكان الاداء والدين لا يسقط بهلاك الرهن ثم حق المرتهن مقدم علي حق غيره فحق الزكاة أولي أن يكون مقدما ثم إذا أخذت الزكاة من العين ولم يف الباقي بالدين غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا لان وجوب الزكاة عليهم وبسببه تلف ذلك القدر على الغرماء قال صاحب التهذيب هذا إذا قلنا الزكوة تتعلق بالذمة فان علقناها بالعين لم يغرموا كما ذكرنا في الرهن ولو أن اطلاع النخيل كان بعد موته فالثمار محض حق الورثة ولا تصرف الي دين الغرماء إلا إذا قلنا الدين يمنع الميراث فحكمها حكم ما لو حدثت قبل موته * قال (ولا يضم حمل نخلة الي حملها الثاني ولا حمل نخلة الي حمل أخرى إذا تأخر اطلاع الاخير عن جذاذ الاولى وان تأخر عن زهوها فوجهان ووقت الجذاذ كالجذاذ على رأى) * لا خلاف في أن ثمرة العام الثاني لا تضم الي ثمرة العام الاول في تكميل النصاب وان فرض اطلاع ثمرة العام الثاني قبل جذاذ ثمرة العام الاول ولو كانت له نخيل تثمر في العام الواحد مرتين فلا يضم الحمل الثاني الي الاول لان كل حمل كثمرة عام وفي هذه المسألة كلامان (أحدهما) قال الاصحاب هذا لا يكاد يقع لان النخل والكرم اللذين يختصان بايجاب الزكاة في ثمارهما لا يحملان
حملين وانما نفرض ذلك في التين وما لا زكاة فيه وانما ذكر الشافعي رضي الله عنه المسألة بيانا للحكم بتقدير التصور (والثاني) أن القاضى ابن كج فصل فقال ان اطلعت النخل للحمل الثاني بعد جذاذ الاول فلا ضم وان اطلعت قبل جذاذه وبعد بدو الصلاح فيه خلاف كما سنذكره في حمل نخلتين وهذا لا يخالف اطلاق الجمهور عدم الضم فان السابق إلى الفهم من الحمل الثاني هو الحادث بعد جذاذ الاول والله أعلم *(5/572)
ولو كانت له نخيل أو كروم يختلف ادراك ثمارها في العام الواحد إما بحسب اختلاف النوع أو بحسب اختلاف البلاد حرارة وبرودة فهل يضم بعض ثمارها الي بعض نظر ان اطلع ما تبطؤ ثمارها قبل زهو الاول وبدو الصلاح فيه وجب الضم لوجود حمل الثاني يوم وجوب الزكاة في الاول والاشجار تطلع وتدرك ثمارها علي تدريج وتفاوت وان اطلع الثاني بعد جذاذ الاول ففيه وجهان (احدهما) وهو الذى أورده القاضى بن كج واصحاب القفال أنه لا يضم لان الثاني حدث بعد انصرام الاول فاشبه ثمرة عامين وهذا هو المذكور في الكتاب (والثاني) وهو الذى قاله أصحاب الشيخ ابى حامد انه يضم لانهما ثمرة عام واحد ولهؤلاء أن يحتجوا على ما ذكروه بقول الشافعي رضي الله عنه وثمرة النخيل تختلف فثمر النخل يجذ بتهامة وهو بنجد بسر وبلح فيضم بعض ذلك الي بعض لانها ثمرة عام وان كان بينهما الشهر والشهران فان قلنا بالوجه الثاني فلو كان اطلاع الثاني قبل الجذاذ وبعد بدو الصلاح فهو أولي بالضم وان قلنا بالاول فههنا وجهان (أحدهما) ويحكى عن أبي اسحق انه لا يضم لحدوث الثاني بعد وجوب الزكاة في الاول فصار كثمرة عامين وذكر في التهذيب ان هذا اصح (والثانى) يضم لاجتماعهما على رأس النخيل كما لو اطلع قبل زهو الاول ثم اختلف الصائرون الي الوجه المذكور في الكتاب وهو اعتبار الجذاذ في ان وقت الجذاذ هل يقام مقام الجذاذ علي وجهين (أحدهما) لا يقام لاجتماع الثمرتين قبل الجذاذ على رأس النخيل (وافقههما) وهو الذى ذكره الصيدلاني انها تقام مقام الجذاذ فان الثمار بعد دخول الوقت كالمجذوذة الاثري انه لو اطلعت النخلة للعام الثاني وقد تركت بعض ثمرة العام الاول عليها لا يثبت الضم
فعلي هذا قال امام الحرمين للجذاذ أول وقت ونهاية ترك الثمار إليها اولي وتلك النهاية أحق بالاعتبار قال (ولو ضممنا نخلة إلى أخرى فجدت التى أطلعت أولا ثم اطلعت ثانيا قبل جذاذ الثانية لم نضمها الي الثانية لان فيها ضما الي الاولي وقد أطلعت بعد جذاذها وذلك يتسلسل فلا تضم الي الثانية) * اذكر المسألة في قالب المثال الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه وتابعه الاصحاب فيه ثم اعود الي عبارة الكتاب فان فيها لبسا اعلم ان من المواضع التى يختلف ادراك الثمار فيها بحسب اختلاف الاهوية تهامة ونجد فتهامة بلاد حارة ونجد بلاد باردة وثمر النخيل بتهامة اسرع ادراكا منها بنجد فإذا كانت للرجل نخيل تهامية واخرى نجدية فاطلعت التهامية ثم أطلعت النجدية لذلك العام واقتضي الحال ضم ثمرة النجدية إلى ثمرة التهامية علي ما فصلناه في الفصل السابق فضممناها إليها ثم اطلعت التهامية مرة أخرى فلا تضم ثمرة هذه المرة إلى ثمرة النجدية وان طلعت قبل بدو الصلاح فيها(5/573)
لان في ضمها الي النجدية ضما الي ثمرتها المرة الاولي ولا سبيل إليه لان ثمرتها المرة الثانية اما حمل ثان علي تصوير ان تكون تلك التهاميات مما تحمل في كل سنة مرتين وإما حمل سنة ثانية وعلي التقديرين فلا ضم علي ما سبق وهذا ما ذكره الاصحاب ثم قال الصيدلانى وامام الحرمين ولو لم تكن ثمرة النجدية مضمومة إلى حمل التهامية أولا بان اطلعت بعد جذاذ ذلك الحمل لكنا نضم حملها الثاني المطلع قبل جذاذ النجدية إليها إذ لا يلزم ههنا المحذور الذى ذكرناه وهذا قد لا يسلمه سائر الاصحاب لانهم حكموا بضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض وبان ثمرة عام لا تضم إلى ثمرة عام آخر ومعلوم ان ادراك ثمار التهامية في كل عام اسرع من ادراك ثمار النجدية فيكون اطلاع التهامية ثانيا للعام القابل وما على النجدية من العام الاول.
وأما كلام الكتاب فأما ان اراد به الصورة التي نقلناها عن جمهور الاصحاب وأما ان أراد به ما يشعر به ظاهره فان أراد تلك الصورة وهى التي أوردها في الوسيط فاللفظ هههنا يحال عن وجهه تصويرا وتعليلا اما التصوير فلان للجمهور صورا في اطلاع النخلة الاولى مرة أخرى: وهو صور في ثلاث نخلات متغايرة اطلعت الثالثة بعد
جذاذ الاولي وقبل جذاذ الثانية وأما التعليل فلان قوله لان فيها ضما الي قوله وذلك يتسلسل يشعر بان امتناع الضم الي حمل الثانية لتضمنه الضم الي حمل الاولي وقد أطلع هذا بعد جذاذه ولا سبيل الي ضم ما اطلع بعد المجذوذ إليه ولو جوزنا ذلك للزم ضم نخلة إلى نخلة بلا نهاية وهذا التعليل غير التعليل اللذى سبق وان أراد ما يشعر به ظاهر الكلام فعدم الضم مما تنازع فيه كلام الاصحاب اللذين قالوا بانضمام ثمار العام الواحد بعضها الي بعض ولم يبالوا باطلاع الآخر بعد جذاذ الاول علي ما أسلفناه وفي ضبطهم بالعام الواحد ما يقطع التسلسل الذى ادعاه ولا يخفى ان قوله ولو ضممنا نخلة إلى آخرى معناه حمل نخلة الي حمل نخلة اخرى بحذف المضاف قل (وأما الذرة لو زرعت بعد حصاد الاولي فعلي قول هما كحملي شجرة فلا يضم وعلي قول يضم مهما وقع الزرعان والحصادان في سنة وعلي قول يكتفى في الضم بوقوع الزرعين في سنة لانه الداخل تحت الاختيار وعلي قول ينظر الي اجتماع الحصادين فانه المقصود وعلي قول إن وقع الزرعان أو الحصادان معا أو زرع الثاني وحصاد الاول اكتفى به: والزرع بعد اشتداد الحب كهو بعد الحصاد على أحد الرأيين والزرع بتناثر الحبات للاول أو بنقر العصافير كهو بالاختيار وقيل انه يضم لانه تابع ولو أدرك أحد الزرعين والاخر بقل فالظاهر الضم وقيل يخرج علي الاقوال) * الاصل الذى لابد من معرفته أولا أن زرع عام لا يضم الي زرع عام آخر في تكميل النصاب واختلاف أوقات الزراعة لضرورة التدريج فيها كالذى يبتدئ الزراعة ولا يزال يزرع الي شهر أو شهرين لا يقدح بل هي(5/574)
معدودة زرعا واحدا يضم بعضها الي بعض عند اتحاد الجنس إذا عرفت ذلك ففى الفصل مسألتان (أحدهما) ان الشئ قد يزرع في سنة واحدة مرارا كالذرة تزرع في فصول مختلفة في الخريف والربيع والصيف ففى ضم البعض إلى البعض أقوال (احدها) ان المزروع بعد حصد الاولي لا يضم إليه كما لا يضم أحد حملي الشجر إلى الآخر (والثانى) يضم ان وقع الزرعان والحصادان في سنة لانهما حينئذ يعدان زرع سنة واحدة وهو اجتماعهما في سنة واحدة بان يكون بين الزرع الاول وحصد الثاني اقل من اثنى عشر شهرا عربية كذا قال صاحب النهاية والتهذيب فان كان بينهما سنة فصاعدا فلا يضم
(والثالث) ان الاعتبار بوقوع الزرعين في سنة ولا نظر الي الحصاد لان الزرع هو المتعلق بالاختيار والحصاد لا اختيار في وقته ويختلف باختلاف حال الارض والهواء وأيضا فان الزرع هو الاصل والحصاد فرعه وثمرته فيعتبر ما هو الاصل فعلي هذا يضم وان كان حصاد الثاني خارجا عن السنة (والرابع) ان المعتبر اجتماع الحصادين في سنة فإذا حصل وجب الضم وان كان زرع الاول خارجا عن السنة لان الحصاد هو المقصود وعنده يستقر الوجوب فاعتباره أولى وهذه الاقوال الاربعة مدونة في المختصر (والخامس) ويحكى عن رواية الربيع انه ان وقع الزرعان والحصادان أو زرع الثاني وحصد الاول في سنة ضم احداهما إلى الثاني وهذا بعيد عند الاصحاب لانه يوجب ضم زرع السنة الي زرع السنة الاخرى فان العادة ابتداء الزرع الثاني بعد مضى شهر من حصد الاول هذا بيان الاقوال علي الوجه المذكور في الكتاب واختلفوا في الاظهر منها وكلام الاكثرين مائل الي ترجيح القول الرابع ونقل المسعود في الافصاح القول الخامس علي وجه أخص مما ذكرنا فقال الاعتبار بجميع السنة بأحد الطرفين: إما الزرعين أو الحصادين ولم يلجق بهما زرع الثاني وحصد الاول والشيخ أبو حامد في طائقة جعلوا الفصل بدلا عن السنة في حكاية القول الثاني والثالث والرابع واعتبروا علي القول الثاني ان يكون الزرعان في فصل واحد والحصادان في فصل واحد وما المعنى بالفصل: ذكر القاضي الروياني ان المعني بالفصل هههنا أربعة أشهر والطريقة التى تقدمت أوفق للفظ المختصر وهى التى(5/575)
اعتمدها القاضى بن كج ونقلها أصحاب القفال وغيرهم وعن أبي اسحق انه خرج قولان أن ما يعد زرع سنة يضم بعضه إلى بعض ولا أثر لاختلاف الزرع والحصاد قال وأعنى ههنا بالسنة اثني عشر شهرا فان الزرع لا يبقى هذه المدة وانما أعنى بها ستة اشهر إلى ثمانية وإذا جمع جامع بين ما نقلناه من الروايات انتظمت في المسألة عشرة أقوال فتأملها وهذا كله فيما إذا كان زرع الثاني بعد حصول الاول ووراء ذلك حالتان (احداهما) أن يكون زرع الثاني بعد اشتداد حب الاول فالخلاف فيه مرتب علي الخلاف فيما إذا كان زرع الثاني بعد حصد الاول وههنا أولي بالضم لاجتماعها في النبات في الارض والحصول فيها وقوله في الكتاب علي أحد الروايتين المراد منه طريقان يتولدان من
هذا الترتيب (أحدهما) القطع بالضم (والثاني) باثبات الخلاف وهو أظهر والثانية أن يكون الزرعان معا أو علي التواصل المعتبر ثم يدرك أحدهما والثانى بعد بقل لم يشتد حبه أصلا ففيه طريقان (أصحهما) القطع بالضم لان ذلك يعد زرعا واحدا والثانى وحكاه الامام عن أبي اسحق انه على الاقوال لاختلافهما في وقت الوجوب بخلاف ما لو تأخر بدو الصلاح في بعض الثمار فانه يضم إلى ما بدأ فيه الصلاح لا محالة لان الثمرة الحاصلة هي متعلق الزكاة بعينها والمنتظر فيها صفة الثمرة وههنا متعلق الواجب الحب ولم يخلق بعد والموجود حشيش محض (المسألة الثانية) قال الشافعي رضي الله عنه الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم يستخلف في بعض المواضع فتحصد أخرى فهو زرع واحد وان تأخرت حصدته الاخرى اختلف المفسرون لكلامه في المراد بهذه الصورة على ثلاثة أوجه (أحدها) أن المراد بها ما إذا تسنبلت الذرة واشتدت فانتثر بعض حباتها بنفسها أو بنقل العصافير أو بهبوب الرياح فسقى الارض فنبتت تلك الحبات المنثورة في تلك السنة مرة أخرى وأدركت ومنهم من قال المراد بها ما إذا نبتت فالتفت وعلا بعض طاقاتها فغطي البعض وبقي ذلك المغطي مخضرا تحث ما علا فإذا حصد العالي أثرت الشمس في المخضر فأدرك (ومنهم) من قال المراد بها الذرة الهندية تحصد سنابلها ويبقى ساقها فيخرج سنابل أخرى ويحكى هذا الوجه الثاني عن ابن سريج ثم اختلفوا في الصور الثلاث بحسب اختلافهم في المراد من النص واتفاق الجمهور علي أن ما ذكره قطع بالضم وليس جوابا علي بعض الاقوال التي سبقت فذكروا في الصورة الاولي طريقين (احدهما) أنها علي الاقوال في الزرعين المختلفى الوقت فانه زرع مفتتح بعد زرع (والثانى) القطع بالضم لانه تابع للاول غير حاصل بالقصد والاختيار وايراد الكتاب يشعر بترجيح(5/576)
الاول وهو قضية ما في التهذيب وذكروا في الصورة الثانية طريقين أيضا (أظهرهما) القطع بالضم لانها حصلت دفعة واحدة وانما تفاوت الادراك (والثاني) ويحكي عن ابى اسحق انها مخرجة علي الاقوال وذكروا في الثالثة ثلاثة طرق (احدها) انها علي الخلاف فيما لو حصد زرع ثم زرع آخر (والثانى) لا يضم قولا واحدا كالنخلة تحمل في السنة
حملين (والثالث) يضم قولا واحدا بخلاف الزرع بعد الزرع فان أحدهما مفصول عن الآخر وههنا الزرع واحد وانما تفرق ريعه وبخلاف حملي النخلة فانها شجرة لها ثمر بعد ثمر فحملاها في سنة كحملها في سنتين والذرة زرع لا يبقى فالخارج من ساقها ملحق بالاول كزرع تعجل ادراك بعضه وتأخر ادراك بعضه وهذا أصح عند صاحب التهذيب * قال (الطرف الثاني في الواجب وهو العشر فيما سقت السماء ونصف العشر فيما سقى بنضح أو دالية والقنوات كالسماء والناعور الذى يدبر الماء بنفسه كالدواليب) * الاصل في قدر الواجب في هذا النوع ما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (فيما سقت السماء أو العيون أو كان عثريا العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر) ويروى (وما سقى بنضح أو غرب ففيه نصف العشر) قال في الصحاح العثرى بالتحريك الزرع الذى لا يسقيه(5/577)
الاماء المطر وقال الازهرى وسقيه بالنضح أن يستقى له من ماء النهر أو البئر بساتينه وغيرها وتسمي السوانى نواضح الواحدة سانية والغرب الدلو الكبير: إذا عرف ذلك فيجب فيما سقى بماء السماء من الثمار والزروع العشر وكذا البعل وهو الذى يشرب بعروقه لقربه من الماء وكذا ما يشرب من ماء ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة كل ذلك فيه العشر وما سقى بالنضح أو بالدلاء أو بالدواليب ففيه نصف العشر وكذا ما سقى بالدالية قال في الصحاح وهى المنجنون تديرها البقرة وما سقي بالناعور وهو الذى يديره الماء بنفسه لانه تسبب الي النزح كالاستقاء بالدلاء والنواضح والمعني الكلي الذى يقتضيه التفاوت ان أمر الزكاة مبني علي الرفق بالمالك والمساكين فإذا كثرت المؤنة خف الواجب أو سقط كما في المعلوفة وإذا خفت المؤنة كثر الواجب كما في الركاز وأما القنوات وفي معناها السواقى المحفورة من النهر العظيم إلى حيث يسوق الماء إليه فالذي ذكره في الكتاب ان السقى منها كالسقى بماء السماء وهذا هو الذى أورده طوائف الاصحاب من العراقيين وغيرهم وعللوا بان مؤنة القنوات انما تتحمل لاصلاح الضيعة والانهار تشق لاحياء الارض فإذا تهيأت وصل الماء الي الزرع بطبعه مرة بعد أخرى بخلاف السقى بالنواضح ونحوها فان المونة ثم تتحمل
لنفس الزرع: وادعي امام الحرمين اتفاق الائمة على هذا لكن ابا عاصم العبادي ذكر في الطبقات ان ابا سهل الصعلوكى افتى بأن المسقي من ماء القناة فيه نصف العشر لكثرة المونة وفصل صاحب التهذيب فقالى ان كانت القناة أو العين كثيرة المونة بان كانت لا تزال تنهار وتحتاج الي استحداث حفر فالمسقى بها كالمسقي بالسواقي وان لم يكن لها مؤنة اكثر من مؤنة الحفر الاول وكسحها في بعض الاوقات ففى السقى بها العشر والمشهور الاول * (فرع) اشار القاضى ابن كج الي أنه لو احتاح الي شراء الماء كان الواجب نصف العشر ونقله عنه صريحا صاحب الرقم ولو سقاه بماء مغصوب فكذلك لان عليه الضمان وهذا حسن جار على كل مأخذ فانه لا يتعلق به صلاح الضيعة بخلاف القناة ثم حكي القاضى عن أبى الحسين وجهين فيما لو وهب منه الماء ورجح الحاقه بما لو غصب لما في قبول الهبة من المنة العظيمة فصاركا لو علف ماشيته بعلف موهوب والله أعلم * قال (ولو اجتمع السقيان على التساوى وجب ثلاثة أرباع العشر في كل نصف بحسابه وان كان أحدهما أغلب اعتبر الاغلب في قول ووزع في الثاني عليهما: والاغلب يعرف بالعدد في وجه وبزيادة النمو والنفع في وجه: وإذا أشكل الاغلب فهو كالاستواء) *(5/578)
إذا اجتمع السقيان في زرع وكان يسقى بماء السماء مدة وبالنضح مدة فلا يخلو اما أن يكون الزرع منشأ على هذا القصد أو بنى أمره علي أحد الشقين ثم اعترض الآخر واجتمعا (الحالة الاولي) وهى المقصودة في الكتاب أن ينشأ الزرع على قصد السقى بهما جميعا ففيه قولان كالقولين فيما إذا تنوعت ابله أو غنمه (أظهرهما) أنه يقسط الواجب عليهما لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فيما إذا تنوعت (فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بنضح نصف العشر) فعلي هذا لو كان ثلثا السقى بماء السماء والثلث بالنضح وجب خمسة أسداس العشر ثلثا العشر للثلثين وثلث نصف العشر للثلث ولو سقى علي التساوى وجب نصف العشر ونصف نصف العشر وذلك ثلاثة أرباع العشر (والقول الثاني) وحكاه في الشامل عن أبى حنيفة واحمد ان الاعتبار بالاغلب فان كان السقى بماء السماء أغلب ففيه العشر وان كان السقى بالنضح
أغلب ففيه نصف العشر لان النظر الي اعداد السقى وازمنته مما يشق ويعسر فيدار الحكم علي الغالب تخفيفا وعلي هذا لو استويا ففيه وجهان حكاهما الامام (أحدهما) انه يجب العشر نظرا للمساكين وهذا هو الذى حكاه المسعودي تفريعا على القول الثاني (وأصحهما) وهو الذى أورده في الكتاب انا نقسط الواجب عليهما كما ذكرنا علي القول الاول لانتفاء الغلبة من الجانبين وعلى هذا فالحكم حالة الاستواء واحد علي القولين فينتظم ان يقال ان استويا وجب ثلاثة أرباع العشر فان كان أحدهما أغلب فقولان وهكذا أورد صاحب الكتاب والاكثرون ثم سواء قلنا بالتقسط أو اعتبرنا الاغلب فالنظر إلى ماذا في معرفة المقادير: فيه وجهان (احدهما) أن النظر إلى عدد السقيات لان المؤونة بحسبها تقل وتكثر ولا شك أن الاعتبار بالسقيات المفيدة دون ما لا تفيد أو تضر (وأوفقهما) لظاهر نصه أن الاعتبار بعيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أم لا وكذا عيش التمر فانه المقصود وقال في النهاية وعبر بعضهم عن هذا بعبارة أخرى فقال النظر الي النفع وقد تكون السقية الواحدة أنفع من سقيات كثيرة قال وهما متقاربان الا أن صاحب العبارة الثانية لا ينظر الي المدة وانما ينظر الي النفع الذى يحكم به أهل الخبرة وصاحب العبارة الاولى يعتبر المدة: واعلم أن اعتبار المدة هو الذى ذكره الاكثرون على الوجه الثاني وذكروا في المثال انه لو كانت المدة من يوم الزرع إلى الادراك ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زماني الشتاء والربيع الي سقيتين فسقى بماء السماء وفي شهرين وهو زمان الصيف الي ثلاث سقيات فسقي بالنضح فان اعتبرنا عدد السقيات فعلي قول التوزيع يجب خمسا العشر وثلاثة اخماس نصف العشر وذلك ثلاثة اخماس العشر ونصف خمسه وعلي قول اعتبار الاغلب يجب نصف العشر لان عدد السقيات بالنضح أكثر وان اعتبرنا المدة فعلى قول التوزيع يجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر وعلي قول اعتبار الاغلب يجب العشر لان مدة السقى بماء السماء(5/579)
أطول ولو سقى الزرع بماء السماء والنضح جميعا لكن اشكل مقدار كل واحد منهما فعن ابن سريج وتابعه الجمهور أنه يجب ثلاثة أرباع العشر أخذا بالاستواء وذكر القاضي ابن كج وجها آخر ان الواجب نصف العشر لانه اليقين والاصل براءة ذمته عن الزيادة وإذا عرفت ما ذكرنا يتبين
لك ان الوجهين في قوله (والاغلب يعرف بزيادة العدد الي آخره) لا يختصان بالاغلب بل يجريان فيما يعتبر به الاستواء أيضا (وقوله) إذا اشكل الاغلب فهو كالاستواء انما صور الاشكال في الاغلب لانه قصد التفريع علي قول اعتبار الاغلب والا فلو لم يعرف هل أحدهما أغلب من الآخر كما لو عرف أن أحدهما اغلب وشك في انه هذا ام ذاك والحالة (الثانية) ان يبنى الامر على أحد السقيين ثم يعرض الاخر فهل يستصحب حكم قصده أولا ويعتبر الحكم فيه وجهان (اصحهما) الثاني ثم في كيفية اعتبارهما الخلاف الذى ذكرنا * (فرع) لو اختلف الساعي والمالك في انه بماذا سقى فالقول قول المالك لان الاصل عدم وجوب الزيادة (آخر) لو كان له زرع مسقى بماء السماء وآخر مسقى بالنضح ولم يبلغ واحد منهما نصا باضم احدهما الي الثاني في حق النصاب وان اختلف مقدار الواجب * قال (ويجب ان يخرج العشر من جنس المعشر ونوعه فان اختلف النوع فمن كل بقسطه فان عسر فالوسط) * (قوله) ويجب ان يخرج العشر من جنس المعشر ولا يجوز ان يعلم بالحاء لان ابا حنيفة رحمه الله يجوز اخراج القيم في الزكاة فلا يجب عنده اخراج الجنس * لنا قوله صلي الله عليه وسلم (خذ من الابل الابل) الخبر (وقوله) ونوعه ليس مجرى علي اطلاقه فانه لو اخرج الاجود عن الارد أجاز انما الواجب ألا يخرج أردأ مما عنده وغرض الفصل انه لو كان الجنس الذى يملكه من الثمار والحبوب نوعا واحدا فيؤخذ منه الزكاة وان اختلف انواعه كما إذا ملك من التمر البردى والكبيس وهما نوعان جيدان والجعرور ومصران الفارة وعذق الجبيق وهي انواع رديئة ومنهم من يجعل الجعرور وسطا فان لم يعسر(5/580)
أخذ الواجب من كل نوع بالحصة أخذ بالحصة بخلاف نظيره في المواشي حيث ذكرنا فيه خلافا من قبل والفرق ان التشقيص في الحيوان محذور بخلاف ما في الثمار الا ترى ان في المواشي وان قلنا بالتقسيط فاننا نعتبر قيم الانواع ونأخذ ما يقتضيه التوزيع ونأمره بدفع نوع منها على ما يقتضيه التوزيع ولا يأخذ البعض من هذا والبعض من ذاك وههنا بخلافه وطرد القاضى ابن كج القولين
ههنا والمشهور الفرق وان عسر اخذ الواجب من كل نوع بأن كثرت الانواع وقل مقدار كل نوع فما الذي يؤخذ.
حكى عن صاحب الافصاح فيه ثلاثة اوجه (اصحها) وهو المذكور في الكتاب انه لا يكلف بالاخراج من كل نوع لما فيه من العسر ولا يكلف بالاخراج من الاجود ولا نرضي بالردئ بل يؤخذ من الوسط رعاية للجانبين (والثانى) انه يؤخذ من كل نوع بالقسط كما إذا قلت الانواع (والثالث) انه يؤخذ من الغالب ويجعل غيره تبعا له وروى القاضى ابن كج في المسأله طريقين (احدهما) القطع بأخذ الوسط والثانى ان فيها قولين (احدهما) اخذ الوسط (والثاني) اخذ الغالب * إذا عرفت ذلك فاعلم قوله فان عسر فالوسط بالواو واعلم انه ليس المراد وجوب اخراج الوسط حتى لا يجوز اخذ غيره بل لو تحمل العسر واخرج من كل نوع بالقسط جاز ووجب على الساعي قبوله فإذا أراد الساعي أخذ العشر كيل لرب المال تسعة وأخذ الساعي العاشر وانما يبدأ بجانب المالك لان حقه أكثر ولان حق المساكين انما يتبين به ولو بدأ بجانبهم فربما لا يفى الباقي بحقه فيحتاج الي رد ما كيل لهم وان كان الواجب نصف العشر كيل لرب المال تسعة عشر وأخذ الساعي العشرين وان كان الواجب ثلاثة أرباع العشر كيل لرب المال سبعة وثلاثون وللمساكين ثلاثة ولا يهز المكيال ولا يزلزل ولا توضع البد فوقه ولا يمسح لان ذلك مما يختلف فيه بل يصب فيه ما يحتمله ثم يفرغ * قال (الطرف الثالث في وقت الوجوب وهو الزهو في الثمار والاشتداد في الحبوب فينعقد سبب وجوب اخراج التمر والحب عند الجفاف والتنقية فلو أخرج الرطب في الحال كان بدلا) * وقت وجوب الصدقة في النخل والكرم الزهو وهو بدو الصلاح لان النبي صلى الله عليه وسلم (كان حينئذ ببعث الخارص) للخرص ولو تقدم الوجوب عليه لبعثه قبل ذلك ولو تأخر عنه لما بعثه(5/581)
إلي ذلك الوقت ووقت الوجوب في الحبوب اشتدادها لانها حينئذ تصير طعاما كما أن حمل النخل والكرم عند بدو الصلاح يصير ثمرة كاملة وهو قبل ذلك بلح وحصرم هذا هو المشهور وفي النهاية أن صاحب التقريب حكي قولا غريبا أن وقت الوجوب هو الجفاف والاشتداد ولا يتقدم الوجوب علي الامر بالاداء: وفي الشامل أن الشيخ أبا حامد حكى عن القديم أنه أومأ الي أن الزكاة تجب
عند فعل الحصاد فيجوز أن يعلم قوله في الكتاب (وهو الزهو في الثمار والاشتداد في الحبوب لهذين والكلام في معني بدو الصلاح وأن بدو الصلاح في البعض كبدوه في الكل على ما هو مذكور في كتاب البيع ولا يشترط تمام اشتداد الحب كما لا يشترط تمام الصلاح في الثمار ويتفرع على المذهب المشهور أنه لو اشترى نخيلا مثمرة أو ورثها قبل بدو الصلاح ثم بدا الصلاح بعد ذلك فعليه الزكاة ولو اشترى بشرط الخيار فبدا الصلاح في زمان الخيار فان قلنا الملك للبائع فالزكاة عليه وان امضي البيع وان قلنا للمشترى الزكاة عليه وان فسخ البيع وان قلنا بالوقف فأمر الزكاة موقوف أيضا: وفرع ابن الحداد علي هذا الاصل أنه لو باع المسلم نخيله المثمرة قبل بدو الصلاح من ذمي فبدا الصلاح في ملكه فلا زكاة علي واحد منهما: أما الذمي فظاهر: وأما المسلم فلان الثمرة لم تكن في ملكه وقت الوجوب ولو عاد إلى ملكه بعد بدو الصلاح ببيع مستأنف أو بهبة أو تقابل أورد بعيب فلا زكاة عليه أيضا لانه لم تكن في ملكه حين الوجوب والبيع من المكاتب كالبيع من الذمي فيما ذكرنا ولو باع النخل من مسلم قبل بدو الصلاح فبدا الصلاح في ملك المشترى ثم وجد بها عيبا فليس له الرد الا برضا البائع لانها تعلق بها حق الزكاة فكان كعيب حدث في يده فان أخرج المشترى الواجب: اما من تلك الثمرة أو من غيرها فالحكم علي ما ذكرنا في زكاة النعم في الشرط الرابع: اما إذا باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح فهذا البيع لا يصح الا بشرط القطع فان شرطه ولم يتفق القطع حتى بدا فيها الصلاح فقد وجب العشر وينظر فان رضيا بابقائها الي اوان الجذاذ جاز والعشر على المشترى وعن الشيخ(5/582)
ابى حامد ان ابا اسحاق حكي قولا اخر انه ينفسخ البيع لانه لو اتفقا عليه عند البيع لبطل البيع فإذا وجد هذا الشرط المبطل بعده ينفسخ والصحيح الاول وان لم يرضيا بالابقاء لم تنقطع الثمرة لان فيه اضرارا بالمساكين ثم فيه قولان (احدهما) ينفسخ البيع لتعذر امضائه فان البائع يبتغى القطع لشرطه وهو ممتنع لما ذكرنا (واصحهما) انه لا ينفسخ فانه عيب حدث بعد البيع لكن ان لم يرض البائع بالابقاء ينفسخ البيع وان رضى البائع بالابقاء وابي المشترى الا القطع فوجهان (احدهما) يفسخ أيضا (وأصحهما) أنه لا يفسخ لان البائع قد زاده خيرا والقطع انما كان لحقه حتى لا تمتص الثمرة
ماء الشجرة فإذا رضي تركت الثمرة بحالها ولو رضى البائع ثم رجع كان له ذلك لان رضاه اعارة وحيث قلنا يفسخ البيع ففسخ فعلي من تجب الصدقة: فيه قولان (أحدهما) علي البائع لان الفسخ كان لشرط القطع فأسند الي أصل العقد (واصحها) انها علي المشترى لان بدو الصلاح كان في ملكه فاشبه ما لو فسخ بعيب فعلي هذا لو أخذ الساعي من غير الثمار رجع البائع علي المشترى (وقوله) فينعقد سبب وجوب اخراج الثمرة والحب عند الجفاف معناه انا وان قلنا ان بدو الصلاح واشتداد الحب وقت الوجب فلا نكلفه بالاخراج في الحال لكن ينعقد حينئذ سبب وجوب اخراج الثمرة والزبيب والحب المصفى ويصير ذلك مستحقا للمساكين يدفع إليهم بالاجرة ولو اخرج الرطب في الحال لم يجز لما روى عن غياث بن أسيد ان النبي صلي الله عليه وسلم قال (في زكاة الكرم انها تخرص كما تخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدي زكاة الرطب تمرا) لان المقاسمة بيع علي الصحيح(5/583)
وبيع الرطب بالرطب لا يجوز فلو أخذ الساعي الرطب لم يقع الموقع ووجب الرد ان كان باقيا وان كان تالفا فوجهان (الذى) نص عليه وقاله الاكثرون انه ترد القيمة (والثانى) انه يرد المثل والخلاف يبنى علي ان الرطب والعنب مثليان أم لا: (وقد ذكر الخلاف فيه في الكتاب) في باب الغصب وجعل الاظهر انهما مثليان فمن قال به حمل النص على ما إذ لم يوجد المثل ولو جف عند الساعي نظر ان كان قدر الزكاة اجزأ والارد التفاوت أو أخذ هكذا قال العراقيون والاولى وجه آخر ذكره القاضي ابن كج وهو انه لا يجزى بحال لفساد القبض من أصله وقوله في الكتاب فلو أخذ الرطب في الحال كان بدلا أراد به انه لا يقع الموقع لان البدل لا يجزئ في الزكاة إذا فرضت ضرورة واعلم ان ما ذكرناه أصلا وشرحا في أخذ الرطب مما يجئ منه التمر والزبيب فان لم يكن كذلك فسيأتي * (قال ويستحب (ح) ان يخرص عليه فيعرف قدر ما يرجع إليه تمرا ويدخل في الخرص جميع النخيل ولا يترك بعضه ولمالك النخيل وهل يكفى خارص واحد كالحاكم أو لابد من اثنين كالشاهد فيه قولان) *
الاصل في الخرص ما روينا من حديث غياث بن اسيد وروى ايضا أن النبي صلي الله عليه وسلم (خرص حديقة امرأة بنفسه) وإنما يكون ذلك في الثمار دون الزروع لانه لا يمكن الوقوف عليها لاستتارها وايضا فان الزروع لا تؤكل في حال الرطوبة والثمار توكل فيحتاج المالك إلى ان يخرص عليه ويمكن من التصرف فيها ووقته بدو الصلاح لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة خارصا أول ما تطيب الثمرة) وكيفيته أن(5/584)
يطوف بالنخلة ويرى جميع عناقيدها ويقول خرصها كذا رطبا ويجئ منها التمر كذا ثم يأتي نخلة أخرى فيفعل بها مثل ذلك الي أن يأتي علي جميع ما في الحديقة ولا يقتصر على رؤية البعض وقياس الباقي عليه لانها تتفاوت وانما يخرص كل نخلة رطبا ثم تمرا لان الارطاب تتفاوت (فمنها) ما يكون اكثر نماء وأقل تمرا (ومنها) ما يكون بخلاف ذل فان اتحد النوع جاز ان يخرص الجميع رطبا ثم تمرا وفي الفصل بعد هذا مسألتان (احداهما) هل تدخل النخيل كلها في الخرص: الصحيح المشهور ادخال الكل لاطلاق النصوص المقتضية لوجوب العشر: وعن صاحب التقريب ان للشافعي رضي الله عنه قولا في القديم انه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها أهله ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم (فال؟) وذلك في مقابلة قيامه بتربية الثمار إلى الجذاذ وتعبه في(5/585)
التجفيف (وقد يحتج له) بما روى ان النبي صلي الله عليه وسلم قال إذا (خرصتم فاتركوا لهم الثلث فان لم تتركوا الثلث فاتركوا لهم الربع) ومن قال بالصحيح قال اما مؤونة الجذاذ والتجفيف فهى من خالص مال المالك وكذا مؤونة التنقية في الحبوب لما سبق أن المستحق لهم هو اليابس وأما الخبر فهو محمول علي ترك البعض لرب المال عند اخذ الزكاة ليفرقه بنفسه علي اقاربه وجيرانه أي لا يؤاخذ بدفع جميع ما خرص عليه اولا (الثانية) هل يكفى خارص واحد ام لابد من اثنين فيه طريقان (اظهرهما) ان المسألة علي قولين (احدهما) انه لابد من اثنين لان الخرص تقدير للمال فاشبه التقويم (واصحهما) وبه قال احمد أنه يكفى واحد لانه يجتهد ويعمل على حسب اجتهاده فهو كالحاكم وقد(5/586)
روى ان النبي صلى الله عليه وسلم (بعث عبد الله بن رواحة خارصا) وروى (انه بعث معه غيره) فيجوز ان يكون ذلك في دفعتين ويجوز ان يكون المبعوث معه معينا أو كاتبا وحكى القاضي ابن كج وغيره قولا ثالثا هو انه ان كان الخرص علي صبي أو مجنون أو غائب فلابد من اثين والا كفى واحدا (والطريق الثاني) وبه قال ابن سريج والاصطخري القطع بانه يكفى خارص واحد وسواء اكتفينا بواحد واعتبرنا اثنين فلابد من أن يكون الخارص مسلما عدلا عالما بالخرص: وهل تعتبر الذكورة والحرية (قال) في العدة ان اكتفينا بواحد فيعتبر ان وان قلنا لابد من اثنين جاز أن يكون أحدهما عبدا أو امرأة وعن الشاشي حكاية وجهين في اعتبار الذكورة مطلقا ولك أن تقول ان اكتفينا بواحد فسبيله سبيل الحكم فينبغي ان تعتبر الحرية والذكورة وإن اعتبرنا اثنين فسبيله سبيل الشهادان فينبغي أن تعتبر الحرية أيضا وأن تعتبر الذكورة في أحدهما وتقام امرأتان مقام الثاني وأما لفظ الكتاب (فقوله) ويستحب أن يخرص عليه يجوز أن يعلم بالحاء لان أبى حنيفة رحمه الله في الخرص روايتين (احداهما) أنه لا يجوز اصلا (والثانية) أنه لا يتعلق به التضمين كما هو أحد قولينا ويجوز اعلامه بالواو أيضا لان صاحب البيان حكي وجها أن الخرص واجب (وقوله) فيعرف ما يرجع إليه تمرا تمثيل لا تخصيص فان الكرم أيضا يخرص فيعرف ما يرجع إليه زبيبا (وقوله) ولا يترك بعضه لمالك النخيل معلم بالواو لما رواه صاحب التقريب وبالالف لان عند أحمد لا يحسب عليه ما يأكله بالمعروف ولا يطعم جاره وصديقه و (وقوله) قبله ويدخل في الخرص جميع النخل لو اقتصر عليه ولم يذكر ولا يترك بعضه لمالك النخل لكان بسبيل منه (وقوله) أو لا بد من اثنين يجوز اعلامه بالالف لما سبق (وقوله) قولان بالواو للطريقة القاطعة بالاكتفاء بواحد(5/587)
قال (ومهما تلف بآفة سماوية فلا ضمان علي المالك لفوات الامكان ولو كان باتلافه غرم قيمة عشر الرطب علي قولنا ان الخرص عبرة أو قيمة عشر التمر علي قولنا أنه تضمين ثم إذا ضمناه التمر نفذ تصرفه في الجميع وان لم نضمنه نفذ في الاعشار التسعة ولم ينفذ في الشعر إلا إذا قلنا
الزكاة لا تتعلق بالعين) * حكى الائمة قولين فيأن الخرص عبرة أو تضمين (أحدهما) انه عبرة أي هو لاعتبار المقدار ولا يصير حق المساكين بجريانه في ذمة رب المنال بل يبقى علي ما كان لانه ظن وتخمين فلا يؤثر في نقل الحق إلي الذمة (وأصحهما) أنه تضمين أي حق المساكين ينقطع به عن عين الثمرة وينتقل إلى ذمة رب المال لان الخرص يسلطه على التصرف في الجميع على ما سيأتي وذلك يدل علي انقطاع حقهم عنها ولم أر نقل الخلاف في هذا الاصل هكذا إلا لاصحاب القفال ومن تابعهم وان تعرضوا لآثاره وجعله القاضى ابن كج علي وجهين لابن سريج وذكر أن أبا الحسين قال بالثاني وإن قلنا الخرص عبرة فلو ضمن الخارص المالك حق المساكين صريحا وقبله المالك كان لغوا ويبقي حقهم علي ما كان وقد فسر الامام قولنا انه عبرة بانه يفيد الاطلاع علي المقدار ظناو حسبانا ولا يغير حكما وذكر صاحب الكتاب مثله في الوسيط وليس الامر فيه علي هذا الاطلاق لانه يفيد جواز التصرف علي ما سيأتي ولو أتلف رب المال الثمار أخذت الزكاة منه بحساب ما خرص عليه ولولا الخرص لكان القول قوله في ذلك وان قلنا انه تضمين فهل يقول نفس الخرص تضمين أو لابد من تصريح الخارص بذلك نقل الامام فيه وجهين (وقال) والذى اراه انه يكفى تضمين الخارص ان اعتبرناه ولا حاجة الي قبول المخروص عليه وما عليه الاعتماد واورده المعظم أنه لا بد من التصريح بالتضمين وقبول المخروص عليه فان لم يضمنه الخارص أو لم يقبله المخروص عليه بقى حق المساكين علي ما كان: وهل يقوم وقت الخرص مقام الخرص ذكروا فيه وجهين أيضا وجه (قولنا) نعم أن العشر لا يجب الا تمرا والخرص يظهر المقدار لا أنه يلزم بنفسه شيئا وينبغى أن يرتب هذا علي المسألة الاولي ان قلنا لا بد من التصريح بالتضمين لم يقم على وقت الخرص مقامه بحال وأن أغنينا عنه فحينئذ فيه الخلاف (وقوله) في الكتاب علي قولنا أنه تضمين يجوز أن يعلم بالحاء(5/588)
لما ذكرنا من الرواية الثانية عن أبى حنيفة رحمه الله في الفصل قبل هذا: إذا تقرر هذا الاصل ففيه ثلاث مسائل (أحداها) لو اصابت الثمار آفة سماوية أو سرقة إما من الشجرة أو من الجرين قبل الجفاف
نظر إن أصابت الكل فلا شئ عليه لفوات الامكان وهذه الحالة هي المرادة في الكتاب ولا يخفى ان الفرض فما إذا لم يكن منه تقصير (فأما إذا أمكن الدفع فاخرأ وضعها في غير الحرز ضمن (قال) الامام وكان يجوز أن يقال تفريعا علي ان الخرص تضمين ان الضمان يلزم بكل حال ويلزم بالخرص ذمته التمر الزام قرار لكن قطع الاصحاب بخلافه وان تلف بعض الثمار دون بعض فان كان الباقي نصابا زكاه وان كان أقل من نصاب فيبني علي ان الامكان شرط الوجوب أو الضمان ان قلنا بالاول فلا شئ عليه وان قلنا بالثاني فعليه حصة الباقي.
(الثانية) لو اتلف المالك الثمرة أو اكلها نظر ان كان قبل بدو الصلاح فلا زكاة عليه لكنه مكروهان قصد الفرار من الزكاة وان قصد الاكل أو التخفيف عن الشجرة أو غرضا آخر فلا كراهة وان كان بعد بدو الصلاح ضمن للمساكين ثم له حالتان (احداهما) وهى المقصودة في الكتاب ان يكون ذلك بعد الخرص فان قلنا الخرص عبرة فيضمن لهم قيمة عشر الرطب أو عشر الطرب فيه (وجهان) مبنيان علي ان الطرب مثلى أو متقوم والذى اجاب به الاكثرون ايجاب القيمة وهو المذكور في الكتاب لكن الثاني هو المطابق لقوله في الغصب والاظهر ان الرطب والعنب مثلي وبه اجاب في الوسيط وان قلنا الخرص تضمين غرم للمساكين عشر الثمر فان ذلك قد ثبت في ذمة بالخرص على التفصيل الذى سبق إذا عرفت ذلك فسم قوله غرم قيمة عشر الرطب بالواو واعلم ان الصواب في عبارة الكتاب علي القول الثاني أو عشر التمر علي قولنا انه تضمين وفي اكثر النسخ أو قيمة عشر التمر وهو غلط (والحالة الثانية) وان يكون الاكل والاتلاف قبل الخرص فيتقرر عليه الواجب عليه ضمان الرطب ان قلنا لو جرى الخرص كان عبرة وان قلنا لو جرى لكان تضمينا فوجهان حكاهما الصيدلاني (اصحهما) ان الواجب عليه ضمان الرطب ايضا لان قبل الخرص لا يصير التمر في ذمته (والثانى) عليه عشر التمر لان الزكاة قد وجبت ببدو الصلاح وإذا أتلف فهو الذى منع الخرص فصار كما لو أتلفه بعد الخرص (وحكى) القاضى بن كج وجها آخر عن أبى اسحاق وابن أبي هريرة في هذه الحالة أنه تضمن اكثر الامرين من عشر التمر أو قيمة عشر الرطب: واعلم ان الحالتين جميعا مفروضتان في الرطب الذى يجئ منه التمر والعنب الذى يجئ(5/589)
منه الزبيب فأن لم يكن كذلك فالواجب في الحالتين ضمان الرطب بلا خلاف: ولك ان تقول ينبغي أن يكون الواجب في الرطب الذى يجئ منه التمر ضمان التمر مطلقا وان فرعنا على قول العبرة لان الواجب عليه ببدو الصلاح التمر الا تراه قال في الكتاب (عند بدو الصلاح ينعقد سبب وجوب اخراج التمر) فإذا وجب لهم التمر فلم يصرف إليهم الرطب أو قيمته غايته أن الواجب متعلق به لكن الاتف متعلق الحق لا يقتضي انقطاع الحق وانتقاله إلى غرامة المتعلق الا ترى انه لو ملك خمسا من الابل واتلفها بعد الحول يلزمه للمساكين شاة دون قيمة الابل نعم لو قيل يضمن الرطب ليكون مرهونا بالتمر الواجب الي أن يخرجه كان ذلك مناسبا لقولنا ان الزكاة تتعلق بالمال تعلق الدين بالرهن (المسألة الثالثة) في تصرف المالك فيما خرص عليه بالبيع والاكل وغيرهما وهو مبنى علي قولي التضمين والعبرة فان قلنا بالتضمين فله التصرف في الكل بيعا وأكلا وقد روى أن النبي صلي الله عليه وسلم قال في آخر خبر عتاب (ثم يخلي بينه وبين أهله) وكان من مقاصد الخرص وفوائده التمكين من التصرف شرع ذلك لما في الحجر علي اصحاب الثمار إلى وقت الجفاف من الحرج العظيم وان قلنا بالعبرة فقد ذكر الائمة ان تصرفه في قدر الزكاة مبنى علي الخلاف في تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة كما سبق واما فيما عدا قدر الزكاة فينفذ: حكى الامام قطع الاصحاب به ووجهه بان ارباب الثمار يتحملون مؤنة تربيتها إلى الجفاف فجعل تمكينهم من التصرف في الاعشار التسعة في مقابلة ذلك بخلاف المواشى حيث ذكرنا في التصرف فيما وراء قدر الزكاة منها خلافا وان بقى قدر الزكاة وحجة الاسلام تابعه علي دعوى القطع في الوسيط لكنك إذا راجعت كتب اصحابنا العراقيين الفيتهم يقولون لا يجوز البيع ولا سائر التصرفات في شئ من الثمار في ذمته بالخرص فان ارادوا بذلك نفي الاباحة ولم يحكموا بالفساد فذلك والا فدعوى القطع غير مسلمة والله اعلم: وكيف ما كان فظاهر المذهب نفوذ التصرف في الاعشار التسع سواء أفردت بالتصرف أو وردت بالتصرف علي الكل لانا وان حكمنا بالفساد في قدر العشر فلا نعديه الي الباقي علي ما سيأتي في باب تفريق الصفقة فهذا حكم التصرف بعد الخرص وأما قبله فقد قال في التهذيب لا يجوز ان يأكل شيئا ولا ان يتصرف في شئ فان لم يبعث الحاكم خارصا أو لم يكن حاكم تحاكم إلى عدلين يخرصان عليه: واعلم ان من اجاد
النظر في قولى العبرة وتأمل ما قيل فيهما تفسيرا وتوجيها ظهر له انهما مبنيان على تعلق الزكاة بالعين(5/590)
فأما إذا علقناها بالذمة فكيف نقول بالخرص ينقطع حقهم عن العين ويتعلق بالذمة وكان قبله كذلك (وقوله) في الكتاب ولم ينفذ في العشر يجوز اعلامه بالواو لانا وان علقنا الزكاة بالعين فقد ينفذ التصرف على بعضن الاقوال علي ما بيناه من قبل قال (ومهما ادعى المالك جائحة ممكنة صدق بيمينه ولو ادعي غلط الخارص صدق أيضا الا إذا ادعي قدرا لا يمكن الغلط فيه أو ادعي كذبه قصدا) * إذا ادعى المالك هلاك الثمار المخروصة عليه أو هلاك بعضها نظر إن أسنده إلي سبب يكذبه الحسن فيه كما لو قال هلك بحريق وقع في الجرين ونحن نعلم انه لم يقع في الجرين حريق أصلا قال فلا يبالى بكلامه وان لم يكن كذلك نظر ان اسنده الي سبب خفى كالسرقة فلا يكلف بالبين عليه ويقبل قوله مع اليمين: وهل هي واجبة أو مستحبة فيه وجهان قال في العدة وغيره (اصحهما الثاني) وان اسند الي سبب ظاهر كالنهب والبرد والجراد ونزول العسكر فان عرف وقوع هذا السبب وعموم أثره صدق ولا حاجة الي اليمين فان اتهم في هلاك ثماره بذلك السبب حلف وان لم يعرف وقوعه فوجهان (أظهرهما) الذى ذكره المعظم أنه يطالب بالبينة عليه لامكانها ثم القول في حصول الهلاك بذلك السبب قوله مع اليمين (والثاني) عن الشيخ أبي محمد ان القول قوله مع اليمين ولا يكلف البينة لانه مؤتمن شرعا فيصدق في الممكن الذى يدعيه كالمودع إذا ادعي الرد ورأيت في كلام الشيخ ان هذا إذا لم يكن ثقة فإذا كان ثقة فيغنى عن اليمين أيضا وما في الكتاب جواب علي الوجه الثاني فانه جعل القول قوله مع اليمين ولم يشرط الا الامكان فيجب اعلامه بالواو.
وحيث قلنا يحلف ففى كون اليمين واجبة أو مستحبة ما سبق من الوجهين هذا كله إذا اسند الهلاك الي سبب بان اقتصر علي دعوى الهلاك فالمفهوم من كلام الاصحاب قبوله مع اليمين حملا علي وجه يغنى عن البينة: وان ادعي المالك اجحافا في الخرص فان زعم ان الخارص تعمد ذلك لم يلتفت إلى قوله كما لو ادعى الميل على الحكم والكذب علي الشاهد لا يقبل الا ببينة وان ادعي انه غلط فان لم يبين المقدار لم يسمع أيضا ذكره في التهذيب وان بين فان كان قدرا يحتمل
في مثله الغلط كخمسة أوسق في مائة قبل: فان اتهم حلف وحط وهذا إذا كان المدعين فوق ما يقع أما لو ادعي بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص قدر ما يقع بين الكيلين فهل يحظ: فيه وجهان (احدهما) لا لاحتمال أن النقصان وقع في الكيل ولعله يفى إذا كيل(5/591)
ثانيا وصار كما لو اشترى حنطة مكايلة وباعها مكايلة فانتقض بقدر ما يقع بين الكيلين لا يرجع على الاول لانه كما يجوز أن يكون ذلك لنقصان في الكيل الاول يجوز أن يكون لزيادة في الثاني (وأصحهما) نعم لان الكيل يقين والخرص تخمين وظن فالا حالة عليه اولي وان ادعى نقصانا فاحشا لا يجوز أهل النظر الغلط بمثله فلا يقبل قوله في حط ذلك القدر وهل يحط القدر المحتمل فيه وجهان (احدهما) لا لانه ادعى محالا في للعادة فالظاهر كذبه (واصحهما) نعم وبه قال القفال استنباطا مما إذا ادعت ذات الاقراء انقضاء عدتها قبل زمان الامكان وكذبناها فأصرت علي دعواها حتي جاء زمان الامكان فانا نحكم بانقضاء عدتها عند أول زمان الامكان (وقوله) في الكتاب أو ادعى كذبه قصدا معطوف علي قوله الا إذا ادعى قدرا لا يمكن الغلط فيه وهو مستثنى من دعوى الغلط لكن استثناء الكذب قصدا من الغلط لا يكاد ينتظم فليؤول والله أعلم قال (ومهما اصاب النخيل عطش يضر بابقاء الثمار جاز للمالك قطعه لان في ابقاء النخيل منفعة للمساكين ثم يسلم الي المساكين عشر الرطب إذا قلنا ان القسمة افراز حق أو ثمنه إذا منعناه القسمة وقيل يتخير إذ لا يبعد جواز القسمة بالحاجة كما لا يبعد اخذ البدل للحاجة فليس احدهما اولي من الآخر) * إذا أصاب النخيل عطش ولو تركت الثمار عليها إلى وقت الجذاذ لا ضرت بها لامتصاصها ماءها جاز قطع ما يندفع به الضرر من كلها أو بعضها لان ابقاء النخيل انفع للمالك والمساكين من ابقاء ثمرة العام الواحد وهل يستقل المالك بقطعها أو يحتاج إلى استئذان الامان والساعى ذكر الصيد لانى وصاحب التهذيب وطائفة أنه يستحب الاستئذان وقضيته جواز الاستقلال وذكر آخرون أنه ليس له الاستقلال ولو قطع من غير استئذان عزر ان كان عالما ويجوز أن يكون هذا الخلاف مبنيا علي الخلاف
في وجه تعلق الزكاة: إذا عرف ذلك فلو اعلم الساعي به قبل القطع وأراد المقاسمة بان يخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات باعيانها فقد حكوا في جوازه قولين منصوصين وقالوا هما مبنيان علي أن القسمة إفراز حق أو بيع فان قلنا افراز فيجوز ثم للساعي أن يبيع نصيب المساكين من المالك أو غيره وأن يفرق بينهم يفعل ما فيه الحظ لهم وان قلنا انها بيع فلا يجوز وعلي هذا الخلاف يخرج القسمة بعد قطعها فان جعلناها افرازا فيجوز وان جعلناها بيعا فقد ذكر الامام أن(5/592)
قسمتها تخرج علي بيع الطرب الذي لا يتتمر بمثله وفيه خلاف يذكر في البيع فان جاز جازت القسمة بالكيل وان لم يجز ففيه وجهان (أحدهما) ان مقاسمته للساعي جائزة أيضا لانها ليست بمعاوضة وانما هي استيفاء حق فلا يراعى فيه تعبدات الربا وايضا فانها وان كانت بيعا فان الحاجة ماسة الي تجويزها فتستثني عن البياعات الصريحة ويحكى هذا الوجه عن أبي اسحاق وابن أبى هريرة (وأصحهما) عند القاضي أبى الطيب وابن الصباغ والاكثرين انه غير جائزة لانا نفرع علي أن القسمة بيع وبيع الرطب بالرطب لا يجوز وعلي هذا فالمفروض طريقان (أحدهما) أخذ قيمة العشر من الثمار المقطوعة وهى وان كانت بدلا لكن جوز بعضهم أخذها للحاجة علي ما سبق نظيره فيما إذا وجب شقص من حيوان (والثاني) أن يسلم عشرها مشاعا الي الساعي لتعيين حق المساكين فيه وطريق تسليم المشاع تسليم الكل فإذا جرى ذلك فللساعي أن يبيع نصيب المساكين من رب المال أو غيره أو يبيع مع رب المال الجميع ويقتسما لثمن ولا خلاف في ان هذا الطريق جاء وهو متعين عند من لم يجوز القسمة واخذ القيمة وخير بعض الاصحاب الساعي بين القسمة واخذ القيمة وقال كل منهما على خلاف القاعدة الممهدة ولا بد من مخالفتها في أحدهما سبب الحاجة فيفعل ما فيه الحظ للمساكين: هذا بيان الخلاف في المسألة وقد اختلفوا بحسبه في تفسير نصه في المختصر ويؤخذ منه ثمن عشرها أو عشرها مقطوعة فمن جوز القسم وأخذ القيمة جميعا حمل اللفظ على ظاهر التخيير وقال أراد بالثمن القيمة ومن لم يجوزهما فال هذا تعليق قول بناء علي أن القسمة افراز أو بيع فان قلنا بالاول أخذ عشرها وان قلنا بالثاني بيع الكل علي ما قدمنا واقتسما الثمن أو باع نصيب المساكين من رقب المال بعد القبض
أبى الطيب وابن الصباغ والاكثرين انه غير جائزة لانا نفرع علي أن القسمة بيع وبيع الرطب بالرطب لا يجوز وعلي هذا فالمفروض طريقان (أحدهما) أخذ قيمة العشر من الثمار المقطوعة وهى وان كانت بدلا لكن جوز بعضهم أخذها للحاجة علي ما سبق نظيره فيما إذا وجب شقص من حيوان (والثاني) أن يسلم عشرها مشاعا الي الساعي لتعيين حق المساكين فيه وطريق تسليم المشاع تسليم الكل فإذا جرى ذلك فللساعي أن يبيع نصيب المساكين من رب المال أو غيره أو يبيع مع رب المال الجميع ويقتسما لثمن ولا خلاف في ان هذا الطريق جاء وهو متعين عند من لم يجوز القسمة واخذ القيمة وخير بعض الاصحاب الساعي بين القسمة واخذ القيمة وقال كل منهما على خلاف القاعدة الممهدة ولا بد من مخالفتها في أحدهما سبب الحاجة فيفعل ما فيه الحظ للمساكين: هذا بيان الخلاف في المسألة وقد اختلفوا بحسبه في تفسير نصه في المختصر ويؤخذ منه ثمن عشرها أو عشرها مقطوعة فمن جوز القسم وأخذ القيمة جميعا حمل اللفظ على ظاهر التخيير وقال أراد بالثمن القيمة ومن لم يجوزهما فال هذا تعليق قول بناء علي أن القسمة افراز أو بيع فان قلنا بالاول أخذ عشرها وان قلنا بالثاني بيع الكل علي ما قدمنا واقتسما الثمن أو باع نصيب المساكين من رقب المال بعد القبض وأخذ الثمن (وقوله) في الكتاب أو ثمنه إذا منعنا القسمة أي إذا جعلناها بيعا فانها حينئذ تمتنع في الرطب وهو جواب علي جواز أخذ القيمة فيجوز أن يعلم بالواو للوجه الذاهب إلي امتناعه وايراد التهذيب يقتضي ترجيح ذلك الوجه وكان يجوز تأويل قوله أو ثمنه على تقدير البيع كما ذكروا في نص الشافعي رضى الله عنه إلا أنه صرح بما ذكرنا في الوسيط: وأعلم أن ما ذكرنا من الخلاف والتفصيل في إخراج الواجب يجرى بعينه في إخراج الواجب عن الرطب الذى لا يتتمر والعنب الذى لا يتزبب(5/593)