القَوْل الدَّال عَلَيْهِ وَمن كَونه عِنْد القَاضِي، فَيكون أَرْكَانهَا ثَلَاثَة، وَيحْتَمل أَن كَونهَا عِنْد القَاضِي شَرط كَمَا سيصرح بِهِ فَيكون الرُّكْن شَيْئَيْنِ فَقَط القَوْل ومدلوله، وَظَاهر كَلَام الشَّارِح أَن الرُّكْن هُوَ الْمَدْلُول فَقَط.
وَأما القَوْل فَهُوَ وَسِيلَة إِلَيْهِ فَيكون أَرَادَ بالركن الْمَاهِيّة وَكَثِيرًا مَا يَقع ذَلِك فِي كَلَامه، فَلْيتَأَمَّل.
قَوْله: (كوكيل ووصي) الاولى كموكل ويتيم.
قَوْله: (عِنْد النزاع الخ) إِنَّمَا تسمى دَعْوَى عِنْد النزاع لانه حِينَئِذٍ يُسمى مُدعيًا، أما بعد ثُبُوت حَقه وَانْقِطَاع النزاع عَنهُ فَلَا يُسمى مُدعيًا، وَكَذَا عِنْد المسالمة فَإِنَّهَا لَيست دَعْوَى شرعا.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَخَرَّجَ الْإِضَافَةَ حَالَةَ الْمُسَالَمَةِ فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَة لَا شرعا.
اهـ.
وَنَظِير مَا تقدم عَن الْبَزَّازِيَّة عِنْد قَوْله يقْصد بِهِ طلب حق.
قَوْله: (وَأَهْلهَا) أدخلهُ فِي الْبَحْر فِي الشُّرُوط، ونظم الْحَمَوِيّ الشُّرُوط بقوله: أيا طَالبا مني شَرَائِط دَعْوَة فَتلك ثَمَان من نظامي لَهَا حلا فحضرة خصم وَانْتِفَاء تنَاقض ومجلس حكم بِالْعَدَالَةِ سربلا كَذَلِك معلومية الْمُدَّعِي بِهِ وإمكانه وَالْعقل دَامَ لَك الْعلَا كَذَاك لِسَان الْمُدَّعِي من شُرُوطهَا وإلزامه خصما بِهِ النّظم كملا
قَوْله: (وَلَو صَبيا) أَي وَلَو الْمُمَيز صَبيا.
قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن مَأْذُونا لَا تصح دَعْوَاهُ كَسَائِر عِبَارَته الدائرة بَين الضّر والنفع.
تَتِمَّة: نقل الْعَلامَة أَبُو السُّعُود عَن الزَّيْلَعِيّ أَن الصَّبِي الْعَاقِل الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف وَيقْضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ، وَلَا يسْتَحْلف الاب فِي مَال الصَّبِي وَالْوَصِيّ فِي مَال الْيَتِيم وَلَا الْمُتَوَلِي فِي مَال الْوَقْف إِلَّا إِذا ادّعى عَلَيْهِم العقد فيستحلفون حِينَئِذٍ.
وَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: لَو ادّعى على صبي مَحْجُور عَلَيْهِ شَيْئا وَله وَصِيّ حَاضر لَا تشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي ذكره فِي كتاب الْقِسْمَة، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي عينا أَو دينا وَجب بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ أَو وَجب لَا بمباشرته كضمان الِاسْتِهْلَاك وَنَحْوه.
وَذكر الْخصاف فِي أدب القَاضِي: لَو ادّعى على صبي مَحْجُور مَالا بالاستهلاك أَو بِالْغَصْبِ، إِن قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة حَاضِرَة تسمع دَعْوَاهُ وَيشْتَرط حُضُور الصَّغِير لَان الصَّبِي مؤاخذ بأفعاله وَالشُّهُود محتاجون إِلَى الاشارة لَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ أَو وَصِيّه، حَتَّى إِذا ألزم الصَّغِير بشئ يُؤَدِّي عَنهُ أَبوهُ من مَاله: يَعْنِي من مَال الصَّغِير.
وَذكر بعض الْمُتَأَخِّرين حَضْرَة الصَّغِير الدَّعَاوَى شَرط، سَوَاء كَانَ الصَّغِير مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ.
وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط حَضْرَة الاطفال الرضع عِنْد الدَّعَاوَى، هَكَذَا ذكر فِي الْمُحِيط، وَذكر رشيد الدّين فِي فَتَاوَاهُ أَن الْمُخْتَار أَنه يشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد الدَّعَاوَى.
اهـ.
وَفِي جَامع أَحْكَام الصغار للاستروشني: وَلَو ادّعى رجل على صبي مَحْجُور شَيْئا وَله وَصِيّ حَاضر لَا يشْتَرط حُضُور الصَّبِي، هَكَذَا ذكر شيخ الاسلام، وَلم يفصل بَين مَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي دينا أَو عينا وَجب الدّين بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ أَو لَا.(8/9)
وَذكر الناطفي فِي أجناسه: إِذا كَانَ الدّين وَاجِبا بِمُبَاشَرَة هَذَا الْوَصِيّ لَا يشْتَرط إِحْضَار الصَّبِي.
وَفِي أدب القَاضِي للخصاف: إِذا وَقع الدَّعْوَى على الصَّبِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ إِذا لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة فَلَيْسَ لَهُ حق إِحْضَاره إِلَى بَاب القَاضِي: لانه لَو حضر لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْيَمين، لانه لَو نكل لَا يقْضِي بِنُكُولِهِ، وَإِن كَانَت لَهُ بَيِّنَة وَهُوَ يَدعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك كَانَ لَهُ حق إِحْضَاره، لَان الصَّبِي مؤاخذ بأفعاله وَالشُّهُود يَحْتَاجُونَ إِلَى الاشارة إِلَيْهِ فَكَانَ لَهُ حق إِحْضَاره، وَلَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ حَتَّى إِذا لزم الصَّبِي شئ يُؤَدِّي عَنهُ أَبوهُ من مَاله.
وَفِي كتاب الاقضية أَن إِحْضَار الصَّبِي فِي الدَّعَاوَى شَرط، وَبَعض الْمُتَأَخِّرين من مَشَايِخ زَمَاننَا مِنْهُم من شَرط ذَلِك سَوَاء كَانَ الصَّغِير مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من أَبى ذَلِك.
وَإِذا لم يكن
للصَّبِيّ وَصِيّ وَطلب الْمُدَّعِي من القَاضِي أَن ينصب عَنهُ وَصِيّا أَجَابَهُ القَاضِي إِلَى ذَلِك.
وَفِي فَتَاوَى القَاضِي ظهير الدّين: وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط حَضْرَة الاطفال الرضع عِنْد الدَّعْوَى، ونشترط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد نصب الْوَصِيّ للاشارة إِلَيْهِ.
هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى.
وَفِي كتاب الاقضية: وَمن مَشَايِخ زَمَاننَا من أَبى ذَلِك، وَقَالَ لَو كَانَ الصَّبِي فِي المهد يشْتَرط إِحْضَار المهد مجْلِس الحكم، وَلَا شكّ أَن اشْتِرَاطه بعيد، والاول أقرب إِلَى الصَّوَاب وأشبه بالفقه.
اهـ.
وَفِي جَامع أَحْكَام الصغار للاستروشني أَيْضا: الصَّبِي التَّاجِر وَالْعَبْد التَّاجِر يسْتَحْلف وَيقْضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ.
وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث أَن الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف عِنْد عُلَمَائِنَا، وَبِه نَأْخُذ.
وَفِي الْفَتَاوَى أَنه لَا يَمِين على الصَّبِي الْمَأْذُون حَتَّى يدْرك.
وَذكر فِي النَّوَادِر: يحلف الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ وَيَقْضِي بِنُكُولِهِ.
وَفِي الْمنية: الصَّبِي الْعَاقِل الْمَأْذُون لَهُ يسْتَحْلف وَيَقْضِي بِنُكُولِهِ.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: صبي مَأْذُون بَاعَ شَيْئا فَوجدَ المُشْتَرِي بِهِ عَيْبا فَأَرَادَ تَحْلِيفه فَلَا يَمِين عَلَيْهِ حَتَّى يدْرك.
وَعَن مُحَمَّد: لَو حلف وَهُوَ صبي ثمَّ أدْرك لَا يَمِين عَلَيْهِ كالنصراني إِذا حلف ثمَّ أسلم لَا يَمِين عَلَيْهِ، فَهَذَا دَلِيل على أَنه لَو حلف يكون مُعْتَبرا.
وَعَن مُحَمَّد: إِذا ادّعى على الصَّبِي دين وَأنكر الْغُلَام فَالْقَاضِي يحلفهُ، وَإِن نكل يقْضى بِالدّينِ عَلَيْهِ وَلَزِمَه فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْكَبِير، وَفِي الصَّبِي الْمَحْجُور إِذا لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة لَا يكون لَهُ إِحْضَاره إِلَى بَاب القَاضِي، لانه لَو حلف وَنكل لَا يقْضى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَلَو كَانَ لَهُ بَيِّنَة وَهُوَ يَدعِي عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاك لَهُ إِحْضَاره لانه مَأْخُوذ بأفعاله، وَإِن لم يكن مأخوذا بأقواله وَالشُّهُود محتاجون إِلَى الاشارة إِلَيْهِ فيحضر، لَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ وَمن هُوَ فِي مَعْنَاهُ، لَان الصَّبِي بِنَفسِهِ لَا يَلِي شَيْئا فيحضر الاب، حَتَّى إِذا لزمَه يُؤمر الاب بالاداء عَنهُ فِي مَاله.
كَذَا فِي الْحَوَاشِي الحموية.
وَالْحَاصِل: أَن الْمَفْهُوم مِمَّا ذكر أَنه لَا يلْزم إِحْضَار الصَّغِير وَلَو مدْركا على الصَّحِيح مَا لم يكن مُسْتَهْلكا للاشارة إِلَيْهِ فِي الشَّهَادَة وَلَكِن يحضر مَعَه أَبوهُ أَو وَصِيّه.
قَوْلُهُ: (وَشَرْطُهَا) لَمْ أَرَ اشْتِرَاطَ لَفْظٍ مَخْصُوصٍ لِلدَّعْوَى وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَزْمِ وَالتَّحْقِيقِ، فَلَوْ قَالَ أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ لَمْ تصح
الدَّعْوَى.
بَحر.
فَائِدَة: لَا تُسْمَعْ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ، لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَة: ادّعى أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَلِك وَأَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي فِي يَدِهِ لَهُ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَوْ ابْتَدَأَ بِدَعْوَى الْإِقْرَارِ وَقَالَ إنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا لِي أَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ كَذَا.(8/10)
قِيلَ يَصِحُّ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْإِقْرَارِ لِلِاسْتِحْقَاقِ إلَخْ.
بَحْرٌ مِنْ فَصْلِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ.
وَسَيَأْتِي متْنا أول الاقرار.
قَوْله: (أَي شَرط جَوَاز الدَّعْوَى) أَي صِحَّتهَا.
قَوْله: (مجْلِس الْقَضَاء) فِيهِ مناقشته، فَإِن شَرط الشئ خَارج عَن ذَلِك الشئ وَحُضُور مجْلِس القَاضِي مَأْخُوذ فِي مَفْهُوم الدَّعْوَى حَيْثُ عرفهَا فِي الدُّرَر بِأَنَّهَا مُطَالبَة حق عِنْد من لَهُ الْخَلَاص.
وَأما على تَعْرِيف الْكَنْز بِأَنَّهَا إِضَافَة الشئ إِلَى نَفسه حَالَة الْمُنَازعَة فَلَا ترد هَذِه المناقشة.
أَبُو السُّعُود.
وَالْمرَاد بِمَجْلِس القَاضِي مَحل جُلُوسه حَيْثُ اتّفق وَلَو فِي بَيت أَو دكان، إِذْ لَا تسمع الدَّعْوَى وَلَا الشَّهَادَة إِلَّا بَين يَدي القَاضِي، أما نوابه الْآن فِي محاكم الكنارات فَلَا يَصح سماعهم الدَّعْوَى إِلَّا بهَا مَا لم يُطلق لَهُم الاذن بسماعها أَيْنَمَا أَرَادوا، فَإِذا أطلق لَهُم صَارُوا مثله.
قَوْله: (وَحُضُور خَصمه) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا بُد من بَيَان من يكون خصما فِي الدَّعَاوَى ليعلم الْمُدعى عَلَيْهِ، وَقد أغفله الشارحون وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي.
فَأَقُول: فِي دَعْوَى الْخَارِج ملكا مُطلقًا فِي عين فِي يَد مُسْتَأْجر أَو مستعير أَو مُرْتَهن فَلَا بُد من حَضْرَة الْمَالِك وَذي الْيَد، إِلَّا إِذا ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ قبل الاجارة فالمالك وَحده يكون خصما، وتشترط حَضْرَة المزراع إِن كَانَ الْبذر مِنْهُ أَو كَانَ الزَّرْع نابتا وَإِلَّا لَا.
وَفِي دَعْوَى الْغَصْب عَلَيْهِ لَا تشْتَرط حَضْرَة الْمَالِك.
وَفِي البيع قبل التَّسْلِيم لَا بُد فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق وَالشُّفْعَة من حَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي فَاسِدا بعد الْقَبْض خصم لمن يَدعِي الْملك فِيهِ وَقبل الْقَبْض الْخصم هُوَ البَائِع وَحده وَأحد الْوَرَثَة ينْتَصب خصما عَن الْكل فالقضاء عَلَيْهِ قَضَاء الْكل وعَلى الْمَيِّت.
وَقَيده فِي الْجَامِع بِكَوْن الْكل فِي يَده وَأَن الْبَعْض فِي يَده فبقدره وَالْمُوصى لَهُ لَيْسَ بخصم فِي إِثْبَات الدّين إِنَّمَا هُوَ خصم فِي إِثْبَات الْوكَالَة أَو الْوِصَايَة، إِلَّا إِذا كَانَ موصى لَهُ بِمَا زَاد على الثُّلُث وَلَا وَارِث فَهُوَ كالوارث.
وَاخْتِلَاف الْمَشَايِخ فِي إِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت وَلَيْسَ بوارث وَلَا وَصِيّ، وَلَا
تسمع دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت على غَرِيم الْمَيِّت مديونا أَو دائنا أَي لاجل المحاصصة.
والخصم فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ: الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ والغريم للْمَيت أَو على الْمَيِّت.
وقف على صَغِير لَهُ وَصِيّ ولرجل فِيهِ دَعْوَى يَدعِيهِ على مُتَوَلِّي الْوَقْف لَا على الْوَصِيّ لَان الْوَصِيّ لَا يَلِي الْقَبْض.
وَلَا تشْتَرط حَضْرَة الصَّبِي عِنْد الدَّعْوَى عَلَيْهِ وتكفي حَضْرَة وَصِيّه دينا أَو عينا بَاشرهُ الْوَصِيّ أَو لَا.
وَلَا تشْتَرط حَضْرَة العَبْد والامة عِنْد دَعْوَى الْمولى أَرْشه ومهرها.
وَلَو ادّعى على صبي مَحْجُور عَلَيْهِ استهلاكا أَو غصبا وَقَالَ لي بَيِّنَة حَاضِرَة تسمع دَعْوَاهُ وتشترط حَضْرَة الصَّبِي مَعَ أَبِيه أَو وَصِيّه وَإِلَّا نصب لَهُ القَاضِي وَصِيّا، وتشترط حَضرته عِنْد الدَّعْوَى مُدعيًا أَو مدعى عَلَيْهِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ عِنْد الدَّعْوَى.
وَالْمُسْتَأْجر خصم لمن يَدعِي الاجارة فِي غيبَة الْمَالِك على الاقرب إِلَى الصَّوَاب، وَلَيْسَ بخصم على الصَّحِيح لمن يَدعِي الاجارة أَو الرَّهْن أَو الشِّرَاء وَالْمُشْتَرِي خصم للْكُلّ كالموهوب لَهُ.
وَفِي دَعْوَى الْعين الْمَرْهُونَة تشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن وَتَصِح الدَّعْوَى على الْغَاصِب وَإِن لم تكن الْعين فِي يَده، فَلِذَا كَانَ للْمُسْتَحقّ الدَّعْوَى على البَائِع وَحده، وَإِن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي(8/11)
لكَونه غَاصبا وَالْمُودع أَو الْغَاصِب إِذا كَانَ مقرا بالوديعة وَالْغَصْب لَا ينْتَصب خصما للْمُشْتَرِي وينتصب خصما لوَارث الْمُودع أَو الْمَغْصُوب مِنْهُ.
وَمن اشْترى شَيْئا بِالْخِيَارِ فَادَّعَاهُ آخر يشْتَرط حَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي بَاطِلا لَا يكون خصما للْمُسْتَحقّ، وَإِذا اسْتحق الْمَبِيع بِالْملكِ الْمُطلق وَقضى بِهِ فبرهن البَائِع على النِّتَاج وَبرهن على المُشْتَرِي فِي غيبَة الْمُسْتَحق ليدفع عَنهُ الرُّجُوع بِالثّمن اخْتلف الْمَشَايِخ، والاصح أَنه لَا يشْتَرط حَضرته.
وَمِنْهُم من قَالَ: الْمُخْتَار اشْتِرَاطهَا، وَأفْتى السَّرخسِيّ بالاول وَهُوَ الاظهر.
والاشبه أَن الْمُوصى لَهُ ينْتَصب خصما للْمُوصى لَهُ فِيمَا فِي يَده، فَإِن لم يقبض وَلَكِن قضى لَهُ بِالثُّلثِ فخاصمه موصي لَهُ آخر: فَإِن إِلَى القَاضِي الَّذِي قضى لَهُ كَانَ خصما، وَإِلَّا فَلَا.
وَإِذا ادّعى نِكَاح امْرَأَة وَلها زوج ظَاهر يشْتَرط حَضرته لسَمَاع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَدَعوى النِّكَاح عَلَيْهَا بتزويج أَبِيهَا صَحِيحَة بِدُونِ حَضْرَة أَبِيهَا.
وَدَعوى الْوَاهِب الرُّجُوع فِي الْهِبَة للْعَبد عَلَيْهِ صَحِيحَة إِن كَانَ مَأْذُونا، وَإِلَّا فَلَا بُد من حَضْرَة مَوْلَاهُ.
وَالْقَوْل للْوَاهِب أَنه مَأْذُون وَلَا تقبل بَيِّنَة العَبْد أَنه مَحْجُور، فَإِن غَابَ العَبْد لم تصح دَعْوَى الرُّجُوع على مَوْلَاهُ إِن كَانَت الْعين فِي يَد العَبْد.
وَتَمَامه فِي خزانَة الْمُفْتِينَ.
اهـ.
قَوْله: (فَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ عَنْ الْبَلَد إِلَّا أَن يكون ذَلِك ضَرُورِيًّا، كَمَا إِذا توجه الْقَضَاء على الْخصم فاستتر بِشَرْطِهِ الْمَذْكُور فِي مَوْضِعه.
ابْن الْغَرْس: وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَيَقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ قَضَاءُ إِعَانَة، لَكِن قَالَ فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من جَامع الْفُصُولَيْنِ نَاقِلا عَن الْخَانِية: غَابَ الْمُدعى عَلَيْهِ بعد مَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ لَا يَحْكُمُ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يحكم وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ.
وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ وَكِيلُهُ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا يَقْضِي عَلَى الْوَارِثِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى مُوَرِّثِهِ، وَقد مر الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي الْقَضَاء، فَرَاجعه.
وَكَذَا لَا تسمع الشَّهَادَة على غَائِب إِلَّا إِذا التمس الْمُدَّعِي بذلك كتابا حكميا للْقَضَاء بِهِ فَيُجِيبهُ القَاضِي إِلَيْهِ، فَيكْتب إِلَى القَاضِي الْغَائِب الَّذِي بطرفه الْخصم بِمَا سَمعه من الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة ليقضي عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْبَدَائِع.
قَوْله: (وَهل يحضرهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى) أَي يحضر القَاضِي الْخصم.
قَوْله: (فحتى يبرهن) يَعْنِي قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا يحضرهُ إِذا برهن على دَعْوَاهُ لَا للْقَضَاء بهَا بل ليعلم صدقه.
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا تُقَام الْبَيِّنَة على الْخصم وَلَا خصم هُنَا بل يحلفهُ بِاللَّه أَنه صَادِق فِيمَا يَدعِي عَلَيْهِ ليعلم بذلك صدقه، فَإِن حلف أحضر لَهُ خَصمه.
قَوْله: (أَو يحلف) أَو لحكاية الْخلاف، لانهما قَوْلَانِ لَا قَوْلٌ وَاحِدٌ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْبُرْهَان والتحليف.
قَالَ فِي الْبَحْر: إِن كَانَ فِي الْمصر أَو قَرِيبا مِنْهُ بِحَيْثُ لَو أجَاب يبيت فِي منزله، وَإِن كَانَ أبعد(8/12)
مِنْهُ قيل يَأْمُرهُ بإقامته الْبَيِّنَة على مُوَافقَة دَعْوَاهُ لاحضار خَصمه والمستور فِي هَذَا يَكْفِي، فَإِذا أَقَامَ يَأْمر إنْسَانا ليحضر خَصمه.
وَقيل يحلفهُ القَاضِي، فَإِن نكل أَقَامَهُ عَن مَجْلِسه، وَإِن حلف أَمر بإحضاره.
اهـ.
قَالَ قاضيخان: فَإِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة قبلت بَينته للاشخاص لَا للْقَضَاء اهـ: أَي بل لاحضاره، فَإِذا حضر أعَاد الْبَيِّنَة ثَانِيًا، فَإِن عدلت قضى عَلَيْهِ كَمَا فِي شرح أدب القَاضِي.
قَالَ الشلبي: وَعمل قُضَاة زَمَاننَا على خلاف مَا تقدم، فَإِذا أَتَى لَهُم شخص فَقَالَ لي دَعْوَى على شخص يأمرون بإحضاره من غير أَن يستفسروا الْمُدَّعِي عَن دَعْوَاهُ ليعلموا صِحَّتهَا من فَسَادهَا، وَهَذَا مِنْهُم غَفلَة عَمَّا ذَكرُوهُ أَو جهل بِهِ.
اهـ.
وَفِي خزانَة الاكمل: قَالَ أَبُو يُوسُف: لَو اختفى الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْبَيْت بعث إِلَيْهِ القَاضِي نسَاء وأمرهن بِدُخُول دَاره، فَإِن عرفنه، وَإِلَّا عزل النِّسَاء فِي بَيت ثمَّ يدْخل الرِّجَال فيفتشون بَقِيَّة الدَّار، قَالَ هِشَام لمُحَمد: مَا تَقول فِي رجل لَهُ حق على ذِي سُلْطَان فَلم يجِئ مَعَه إِلَى مجْلِس القَاضِي؟ فَأَخْبرنِي أَن أَبَا يُوسُف كَانَ يعْمل بالاعداء وَهُوَ قَول أهل الْبَصْرَة وَبِه نَأْخُذ.
والاعداء أَن يبْعَث القَاضِي إِلَى بَابه من يَأْتِيهِ بِهِ، بِأَن يَقُول لَهُ إِن القَاضِي يَدْعُوك إِلَى مجْلِس الحكم، فَإِن أَجَابَهُ فبها، وَإِلَّا جعل القَاضِي وَكيلا عَنهُ.
وَلَا يَأْخُذ أَبُو حنيفَة بالاعداء اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم يذكر الشارحون هُنَا حكم اسْتِيفَاء ذِي الْحق حَقه من الْغَيْر بِلَا قَضَاء، وأحببت جمعه من موَاضعه تكثرا للفوائد وتيسيرا على طالبيها، فَإِن كَانَ الْحق حد قذف فَلَا يَسْتَوْفِيه بِنَفسِهِ لَان فِيهِ حق الله تَعَالَى اتِّفَاقًا.
والاصح أَن الْغَالِب فِيهِ حَقه تَعَالَى، فَلَا يَسْتَوْفِيه إِلَّا من يُقيم الْحُدُود وَلَكِن يطْلب الْمَقْذُوف كَمَا بَيناهُ فِي بَابه، وَإِن كَانَ قصاصا فَقَالَ فِي جنايات الْبَزَّازِيَّة: قتل الرجل عمدا وَله ولي لَهُ أَن يقْتَصّ بالسي فَقضى بِهِ أَولا وَيضْرب علاوته، وَلَو رام قَتله بِغَيْر سيف منع، وَإِن فعل عزّر لَكِن لَا يضمن لاستيفائه حَقه اهـ.
وَإِن كَانَ تعزيرا فَفِي حُدُود الْقنية: ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يعزران، وَيبدأ بِإِقَامَة التَّعْزِير بالبادئ مِنْهُمَا لانه أظلم
وَالْوُجُوب عَلَيْهِ أسبق اهـ.
وَأما إِذا شَتمه فَلهُ أَن يَقُول لَهُ مثله، والاولى تَركه كَمَا قدمْنَاهُ فِي مَحَله، بِخِلَاف مَا إِذا قذفه فَلَا يجوز لَهُ أَن يَقُول لَهُ مثله كَمَا إِذا قَالَ لَهُ يَا كلب لانه كذب مَحْض.
وَقَالُوا: للزَّوْج أَن يُؤَدب زَوجته، وَله أَن يضْربهَا على عدم إجَابَته إِذا دَعَاهَا لفراشه وَلَا مَانع، وعَلى ترك الزِّينَة وَهُوَ يريدها، وعَلى ضربهَا وَلَده، وعَلى خُرُوجهَا بِغَيْر إِذْنه بِغَيْر حق، وعَلى صعودها على السلط لتطل على الْجِيرَان أَو يَرَاهَا الاجانب، وَحِينَئِذٍ فَلهُ أَن يقفل عَلَيْهَا الْبَاب.
وَالصَّحِيح أَنه لَا يضْربهَا على ترك الصَّلَاة كَمَا مر فِي مَوْضِعه مفصلا.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من التَّحْلِيف: وَمن عَلَيْهِ التَّعْزِير لَو مكن صَاحب الْحق مِنْهُ أَقَامَهُ: يَعْنِي لم يخْتَص الامام بإقامته، فَإِن الزَّوْج يُؤَدب الْمَرْأَة وَلَو رأى أحدا يفعل ذَلِك فَلهُ أَن يمنعهُ ويضربه لَو لم ينزجر بِالْمَنْعِ بِاللِّسَانِ، وَلَو كَانَ حَقه تَعَالَى لانعكست هَذِه الاحكام اهـ.
وَإِن كَانَ عينا.
فَفِي إِجَارَة الْقنية: وَلَو غَابَ الْمُسْتَأْجر بعد السّنة وَلم يسلم الْمِفْتَاح إِلَى الْآجر فَلهُ أَن يتَّخذ مفتاحا آخر، وَلَو أجره من غير إِذن الْحَاكِم جَازَ اهـ.(8/13)
مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى وَقد صَارَت حَادِثَة الْفَتْوَى: مَضَت الْمدَّة وَغَابَ الْمُسْتَأْجر وَترك مَتَاعه فِي الدَّار فأفتيت بِأَن لَهُ أَن يفتح الدَّار ويسكن فِيهَا، وَأما الْمَتَاع فَيَجْعَلهُ فِي نَاحيَة إِلَى حُضُور صَاحبه، وَلَا يتَوَقَّف الْفَتْح على إِذن القَاضِي أخذا مِمَّا فِي الْقنية.
وَفِي غصب منية الْمُفْتِي: أخذت أَغْصَان شَجَرَة إِنْسَان هَوَاء دَار آخر فَقطع رب الدَّار الاغصان: فَإِن كَانَت الاغصان بِحَال يُمكن لصَاحِبهَا أَن يشدها بِحَبل ويفرغ هَوَاء دَاره ضمن الْقَاطِع، وَإِن لم يكن لَا يضمن إِذا قطع من مَوضِع لَو رفع إِلَى الْحَاكِم أَمر بِالْقطعِ من ذَلِك الْموضع.
اهـ.
وَإِن كَانَ دينا، فَفِي مداينات الْقنية رب الدّين إِذا ظفر من جنس حَقه من مَال الْمَدْيُون على صفته فَلهُ أَخذه بِغَيْر رِضَاهُ، وَلَا يَأْخُذ خلاف جنسه كالدراهم وَالدَّنَانِير.
وَعند الشَّافِعِي: لَهُ أَخذه بِقدر قِيمَته.
وَعَن أبي بكر الرَّازِيّ: لَهُ أَخذ الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسا، وَلَو أَخذ من الْغَرِيم جنس الْحق غير رب الدّين وَدفعه
لرب الدّين.
قَالَ ابْن سَلمَة: هُوَ غَاصِب والغريم غَاصِب الْغَاصِب، فَإِن ضمن الْآخِذ لم يصر قصاصا بِدِينِهِ، وَإِن ضمن الْغَرِيم صَار قصاصا.
وَقَالَ نصير بن يحيى: صَار قاصصا بِدِينِهِ والآخذ معِين لَهُ، وَبِه يُفْتى.
وَلَو غصب غير الدَّائِن جنس الدّين من الْمَدْيُون فغصبه مِنْهُ الدَّائِن، فالمختار هُنَا قَول ابْن سَلمَة اهـ.
وَظَاهر قَول أَصْحَابنَا أَن لَهُ الاخذ من جنسه مقرا كَانَ أَو مُنْكرا لَهُ بَيِّنَة أَو لَا، وَلم أر حكم مَا إِذا لم يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِكَسْر الْبَاب ونقب الْجِدَار، وَيَنْبَغِي أَن لَهُ ذَلِك حَيْثُ لَا يُمكنهُ الاخذ بالحاكم وَإِذا أَخذ غير الْجِنْس بِغَيْر إِذْنه فَتلف فِي يَده ضمنه ضَمَان الرَّهْن كَمَا فِي غصب الْبَزَّازِيَّة: رفع عِمَامَة مديونه عَن رَأسه حِين تقضاه الدّين وَقَالَ لَا أردهَا عَلَيْك حَتَّى تقضي الدّين فَتلفت الْعِمَامَة فِي يَده تهْلك هَلَاك الرَّهْن بِالدّينِ.
قَالَ: هَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا أمكنه استردادها فَتَركهَا عِنْده.
أما إِذا عجز فَتَركهَا لعَجزه فَفِيهِ نظر اهـ.
وَأَنت خَبِير بِأَن مَا هُنَا مُشكل، إِذْ يَقْتَضِي أَن الزَّائِد على الدّين أَمَانَة مَعَ كَونه غَاصبا، إِذْ لَيْسَ لَهُ أَخذ غير جنس حَقه، فَتَأمل ذَلِك.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي الرَّهْن، تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأسه وَأَعْطَاهُ منديلا فلفه عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْده رَضِي بِكَوْنِهَا رهنا، وَسَيَأْتِي فِي الرَّهْن متْنا أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تكن رهنا اهـ.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَخذ عِمَامَة مديونه لتَكون رهنا لم يجز أَخذه وهلكه كرهن، وَهَذَا ظَاهر لَو رَضِي الْمَدْيُون بِتَرْكِهِ رهنا.
اهـ.
والتوفيق بَين النقول ظَاهر، فَتَأمل، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَوْله: (منية) عبارتها إِذا طلب من القَاضِي إِحْضَار الْخصم وَهُوَ خَارج الْمصر، إِن كَانَ الْوَضع قَرِيبا بِحَيْثُ لَو ابتكر من أَهله أمكنه أَن يحضر مجْلِس القَاضِي ويجيب خَصمه ويبيت فِي منزله يحضرهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، كَمَا إِذا كَانَ فِي الْمصر، وَإِن كَانَ أبعد قيل يَأْمر بِإِقَامَة الْبَيِّنَة على مُوَافقَة دَعْوَاهُ لاحضار خَصمه.
وَقيل يحلفهُ القَاضِي، فَإِن نكل أَقَامَهُ عَن مَجْلِسه وَإِن حلف يَأْمر بإحضاره.
اهـ.
كَمَا قدمْنَاهُ بأوضح من هَذَا.
قَوْلُهُ: (وَمَعْلُومِيَّةُ الْمَالِ الْمُدَّعَى) أَيْ بِبَيَانِ جِنْسِهِ وَقدره بالاجماع، لَان الْغَرَض إِلْزَام الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْد إِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلَا إِلْزَام فِيمَا لَا يعلم جنسه وَقدره.(8/14)
قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ بِاشْتِرَاط معلومية الْجِنْس وَالْقدر إِلَى أَنه لَا بُد من بَيَان الْوَزْن فِي الموزونات.
وَفِي دَعْوَى وقر رمان أَو سفرجل لَا بُد من ذكر الْوَزْن للتفاوت فِي الوقر، وَيذكر أَنه حُلْو أَو حامض أَو صَغِير أَو كَبِير.
وَفِي دَعْوَى الكعك يذكر أَنه من دَقِيق المغسول أَو من غَيره، وَمَا عَلَيْهِ من السمسم أَنه أَبيض أَو أسود وَقدر السمسم.
وَقيل لَا حَاجَة إِلَى السمسم وَقدره وَصفته.
وَفِي دَعْوَى الابريسم بِسَبَب السّلم لَا حَاجَة إِلَى ذكر الشَّرَائِط، وَالْمُخْتَار أَنه لَا بُد من ذكر الشَّرَائِط.
وَفِي الْقطن يشْتَرط بَيَان أَنه بخاري أَو خوارزمي.
وَفِي الْحِنَّاء لَا بُد من بَيَان أَنه مدقوق أَو ورق.
وَفِي الديباج إِن سلما يذكر الاوصاف وَالْوَزْن، وَإِن عينا لَا حَاجَة إِلَى ذكر الْوَزْن وَيذكر الاوصاف، وَلَا بُد من ذكر النَّوْع وَالْوَصْف مَعَ ذكر الْجِنْس وَالْقدر فِي المكيلات، وَيَذْكُرُ فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ أَعْلَامِ جِنْسِ رَأس المَال وَغَيره ونوعه وَصفته وَقدره بِالْوَزْنِ إِن كَانَ وزنيا، وانتقاده بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ بِسَبَبِ بَيْعٍ صَحِيحٍ جَرَى بَيْنَهُمَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِلَا خِلَافٍ.
وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ قَليلَة يَكْتَفِي بقوله بِسَبَب كَذَا صَحِيح.
وَإِن ادّعى ذَهَبا أَو فضَّة فَلَا بُد من بَيَان جنسه ونوعه إِن كَانَ مَضْرُوبا كبخاري الضَّرْب وصنعته جيدا أَو وسطا أَو رديئا إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة.
وَفِي الْعِمَادِيّ: إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود وأحدها أروج لَا تصح الدَّعْوَى مَا لم يبين.
وَتَمَامه فِي الْبَزَّازِيَّة وخزانة الْمُفْتِينَ اهـ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَو قَالَ بسلم صَحِيح وَلم يذكر الشَّرَائِط، كَانَ شمس الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى يُفْتِي بِالصِّحَّةِ وَغَيره لَا، لَان شَرَائِط مِمَّا لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص وَيخْتَلف فِيهِ بَعْضهَا.
وَفِي الْمُنْتَقى: لَو قَالَ بِبيع يَكْفِي، وعَلى هَذَا كل مَا لَهُ شَرَائِط كَثِيرَة لَا يَكْتَفِي فِيهِ بقوله بِسَبَب صَحِيح، وَإِذا قلت الشَّرَائِط يَكْتَفِي بِهِ.
أجَاب شَمْسُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ قَالَ كَفَلَ كَفَالَةً صَحِيحَةً أَنه لَا يَصح كَمَا فِي السّلم لَان الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا، فَلَعَلَّهُ صَحِيح على اعْتِقَاده لَا فِي الْوَاقِع وَلَا عِنْد الْحَاكِم، والحنفي يعْتَقد عدم
صِحَة الْكفَالَة بِلَا قبُول فَيَقُول كفل وَقبل الْمَكْفُول لَهُ فِي الْمجْلس فَيصح وَيذكر فِي الْقَرْض وأقرضه مِنْهُ مَال نَفسه لجَوَاز أَن يكون وَكيلا فِي الاقراض من غَيره وَالْوَكِيل سفير فِيهِ فَلَا يملك الطّلب وَيذكر أَيْضا قبض الْمُسْتَقْرض وَصَرفه إِلَى حَوَائِجه ليَكُون دينا بالاجماع، فَإِن كَونه دينا عِنْد الثَّانِي مَوْقُوف على صرفه واستهلاكه، وَتَمَامه فِيهَا.
قَوْله: (إِذْ لَا يقْضِي بِمَجْهُول) أَي لَان فَائِدَة الدَّعْوَى الْقَضَاء بهَا وَلَا يقْضِي بِمَجْهُول فَلَا تصح دَعْوَى الْمَجْهُول.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالْغَصْب، لما فِي الْخَانِية: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا وَلَمْ يُسَمُّوا الثَّوْبَ وَلَمْ يَعْرِفُوا عَيْنَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْب.
اهـ.
فالدعوى بالاولى.
وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَفَسَادُ الدَّعْوَى، إمَّا أَنْ لَا يكون لزمَه شئ عَلَى الْخَصْمِ أَوْ يَكُونَ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، بِأَنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُول بِلَا خلاف اهـ.
فبلغت المستثنيات خَمْسَة.
اهـ.
وَفِي الاشباه: وَلَا يحلف على مَجْهُول إِلَّا فِي مسَائِل: الاولى: إِذا اتهمَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم.(8/15)
الثَّانِيَة: إِذا اتهمَ مُتَوَلِّي الْوَقْف فَإِنَّهُ يحلفهما نظرا للْوَقْف واليتيم.
الثَّالِثَة: إِذا ادّعى الْمُودع خِيَانَة مُطلقَة.
الرَّابِعَة: الرَّهْن الْمَجْهُول.
الْخَامِسَة: دَعْوَى الْغَصْب.
السَّادِسَة: دَعْوَى السّرقَة.
اهـ.
قَوْله: (وَلَا يُقَال مدعى فِيهِ) قَالَ الْحلَبِي: تعديته بفي لم أرها فَليُرَاجع.
اهـ.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الطّيب: لم أجد فِي كتاب أَن الْمُدعى فِيهِ خطأ أَو لَغْو، وَلَعَلَّ الشَّارِح وجده.
اهـ.
وَفِي طلبة الطّلبَة: وَلَا يُقَال مُدَّعًى فِيهِ وَبِهِ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ المتفقهة إِلَّا أَنه مَشْهُورٌ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ مَهْجُورٍ.
حَمَوِيٌّ.
أَقُول: وَحِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَمَّا قَالَه الشَّارِح من أَن الادعاء يضمن معنى الاخبار فيعدي بِالْبَاء.
تَأمل.
قَوْله: (إِلَّا أَن يتَضَمَّن الاخبار) فِي بعض النّسخ إِلَّا بتضمن الاخبار بِحَذْف أَن وبالباء الْمُوَحدَة فِي تضمن: أَي فعل الدَّعْوَى يتَعَدَّى بِنَفسِهِ فَيُقَال ادَّعَاهُ، وَقد يضمن معنى الاخبار فَيُقَال ادّعى بِأَرْض أَي أخبر بِأَنَّهَا لَهُ فَهُوَ رَاجع إِلَى بِهِ وَبَقِي الاول على عُمُومه.
قَوْله: (وَكَونهَا ملزمة) فَلَا تصح دَعْوَى التَّوْكِيل على مُوكله الْحَاضِر لامكان عَزله.
بَحر.
قَوْله: (وظهوره) أَي الْكَذِب وَهُوَ بِالْجَرِّ عطفا
على تَيَقّن.
قَوْله: (كدعوى مَعْرُوف بالفقر) وَهُوَ أَن يَأْخُذ الزَّكَاة من الاغنياء.
منح: أَي إِن ادّعى لنَفسِهِ، أما لَو ادّعى وكَالَة عَن غَنِي فَيصح كَمَا صرح بِهِ ابْن الْغَرْس لانه غير مُسْتَحِيل عَادَة.
قَوْله: (أَنه أقْرضهُ إِيَّاهَا) نَقْدا منح.
قَوْله: (دفْعَة وَاحِدَة) ظَاهر التَّقْيِيد بِمَا ذكر أَنه إِذا ادَّعَاهَا ثمن عقار كَانَ لَهُ أَو ادَّعَاهَا قرضا بدفعات أَن تسمع دَعْوَاهُ.
قَوْله: (وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ) فِي القضايا الْحكمِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَمن شُرُوط صِحَة الدَّعْوَى أَن يكون الْمُدَّعِي بِهِ مِمَّا يحْتَمل الثُّبُوت بِأَن يكون مستحيلا عقلا أَو عَادَة، فَإِن الدَّعْوَى وَالْحَال مَا ذكر ظَاهِرَة الْكَذِب فِي المستحيل العادي يقينية الْكَذِب فِي المستحيل الْعقلِيّ مثلا، الدَّعْوَى بالمستحيل العادي دَعْوَى من هُوَ مَعْرُوف بالفقر وَالْحَاجة، وَهُوَ أَن يَأْخُذ الزَّكَاة من الاغنياء وَيَدعِي على آخر أَنه أقْرضهُ مائَة ألف دِينَار ذَهَبا نَقْدا دفْعَة وَاحِدَة وَأَنه تصرف فِيهَا بِنَفسِهِ ويطالبه برد بدلهَا فَمثل هَذِه الدَّعْوَى لَا يلْتَفت إِلَيْهَا القَاضِي لخروجها مخرج الزُّور والفجور، وَلَا يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن جوابها اهـ.
قَالَ فِي الْمِنَحِ: لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي مَنْعِ دَعْوَى الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِي إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخ اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر فِي آخر بَاب التَّحَالُف وَالله أعلم هَل مَنْقُول أَو قَالَه تفقها كَمَا وَقع لي ثمَّ ذكر نَحْو مَا ذكره ابْن الْغَرْس، إِلَى أَن قَالَ: قلت: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: غصب لي مَالا عَظِيما كنت ورثته من مورثي الْمَعْرُوف بالغنى فَحِينَئِذٍ تسمع.
اهـ.
قُلْت: لَكِنْ فِي الْمَذْهَبِ فُرُوعٌ تَشْهَدُ لَهُ مِنْهَا مَا سَيَأْتِي آخر فصل التَّحَالُف.
قَوْله: (حَتَّى لَو سكت) لَا يظْهر التَّفْرِيع ط.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَزَاد الزَّيْلَعِيّ وجوب الْحُضُور على الْخصم، وَفِيه نظر لَان حُضُوره شَرطهَا كَمَا قدمْنَاهُ فَكيف يكون وُجُوبه حكمهَا الْمُتَأَخر عَنْهَا اهـ.(8/16)
وَأَقُول: وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ: وَحكمهَا وجوب الْجَواب على الْخصم إِذا صحت، وَيَتَرَتَّب على صِحَّتهَا وجوب إِحْضَار الْخصم، والمطالبة بِالْجَوَابِ بِلَا أَو نعم، وَإِقَامَة الْبَيِّنَة أَو الْيَمين إِذا أنكر.
اهـ.
فَلَيْسَ فِي كَلَام الزَّيْلَعِيّ مَا يُفِيد أَنه جعل وجوب الْحُضُور حكما.
وَغَايَة مَا اسْتُفِيدَ من كَلَامه أَن القَاضِي لَا يحضرهُ بِمُجَرَّد طلب الْمُدَّعِي بل بعد سَمَاعه دَعْوَاهُ، فَإِن رَآهَا صَحِيحَة أحضرهُ لطلب
الْجَواب وَإِلَّا فَلَا، فَتدبر.
أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (وسنحققه) أَي فِي شرح قَول المُصَنّف وَقضى بِنُكُولِهِ مرّة.
قَوْله: (تعلق الْبَقَاء) أَي بَقَاء عَالم الْمُكَلّفين.
قَوْله: (الْمُقدر) أَي الْمُحكم وَهُوَ نعت الْبَقَاء: أَي الَّذِي قدره الله تَعَالَى.
قَوْله: (بتعاطي الْمُعَامَلَات) أَي بِسَبَب تعَاطِي الْمُعَامَلَات، وَهُوَ مُتَعَلق بتعلق: أَي والمعاملات من نَحْو البيع والاجارة والاستئجار وَغير ذَلِك يجْرِي فِيهَا الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان والاقرار والجحود وَالتَّوْكِيل وَغير ذَلِك، فَكَانَت الدَّعْوَى مِمَّا يتقضي بَقَاءَهُ، لانه لَو أهملت لضاعت أَحْوَاله، لَان الانسان مدنِي بالطبع لَا يُمكن أَن يقوم بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَالدَّعْوَى من الْمُعَامَلَات، فَمَا كَانَ سَببا للمعاملات وَهُوَ تعلق الْبَقَاء كَانَ سَببا لَهَا.
قَوْله: (فَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ مَنْقُولًا) أَي مجحودا غير وَدِيعَة، أما الْمقر بِهِ لَا يلْزم إِحْضَاره لانه يَأْخُذهُ من الْمقر، وَكَذَا لَو كَانَ وَدِيعَة لَا يَصح الامر بإحضارها إِذْ الْوَاجِب فِيهَا التَّخْلِيَة لَا النَّقْل ط.
وَيرد عَلَيْهِ أَن الدَّعْوَى فِي الْعين الْوَدِيعَة إِنَّمَا تكون إِذا جَحدهَا، وَحِينَئِذٍ فَتكون مَغْصُوبَة، وَالْعين الْمَغْصُوبَة يُكَلف إحضارها.
تَأمل.
والقهستاني زَاد: وَذكر فِي الخزانة أَنهم لَو شهدُوا بشئ مغيب عَن الْمجْلس قبلت وَإِن أمكن إِحْضَاره، بِخِلَاف مَا قَالَ بعض الْجُهَّال إِنَّه لَا تقبل اهـ.
لكنه غَرِيب فَلْيتَأَمَّل، وَيَأْتِي خِلَافه.
قَوْله: (وَذكر الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِهِ) فَلَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ يُقْبَلُ وَيُجْبَرُ بِإِحْضَارِهِ؟ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ خُرُوجُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَبْقَى وَلَا تَزُولُ بِشَكٍّ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ.
وَرَدَّهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ بِأَنَّ هَذَا اسْتِصْحَابٌ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدّفع لَا فِي الاثبات، وَلَا شكّ أَن مَا ذكر من قبيل الاثبات.
قَالَ صَاحب التَّوْضِيح: وَمن الْحجَج الْفَاسِدَة الِاسْتِصْحَاب، وَهُوَ حجَّة عِنْد الشَّافِعِي فِي كل مَا يثبت وجوده بِدَلِيل ثمَّ وَقع الشَّك فِي بَقَائِهِ.
وَعِنْدنَا حجَّة للدَّفْع لَا للاثبات، إِذْ الدَّلِيل الْمُوجب لَا يدل على الْبَقَاء وَهَذَا ظَاهر اهـ.
قَوْله: (بِغَيْر حق لاحْتِمَال كَونه مَرْهُونا الخ) فَإِن الشئ قد يكون فِي يَد غير الْمَالِك بِحَق كَالرَّهْنِ فِي يَد الْمُرْتَهن وَالْمَبِيع فِي يَد البَائِع لاجل قبض الثّمن.
قَالَ صدر الشَّرِيعَة: هَذِه عِلّة تَشْمَل الْعقار أَيْضا، فَمَا وَجه تَخْصِيص الْمَنْقُول بِهَذَا الحكم؟
أَقُول: دراية وَجهه مَوْقُوفَة على مقدمتين مسلمتين.
إِحْدَاهمَا: أَن دَعْوَى الاعيان لَا تصح إِلَّا على ذِي الْيَد كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَة: إِنَّمَا ينْتَصب خصما إِذا كَانَ فِي يَده.
وَالثَّانيَِة: أَن الشُّبْهَة مُعْتَبرَة يجب دَفعهَا لَا شُبْهَة الشُّبْهَة، كَمَا قَالُوا: إِن شُبْهَة الرِّبَا مُلْحقَة بِالْحَقِيقَةِ لَا شُبْهَة الشُّبْهَة.(8/17)
إِذا عرفتهما فَاعْلَم أَن فِي ثُبُوت الْيَد على الْعقار شُبْهَة لكَونه غير مشَاهد، بِخِلَاف الْمَنْقُول فَإِن فِيهِ مُشَاهدَة فَوَجَبَ دَفعهَا فِي دَعْوَى الْعقار بإثباته بِالْبَيِّنَةِ لتصح الدَّعْوَى، وَبعد ثُبُوته يكون احْتِمَال كَون الْيَد لغير الْمَالِك شُبْهَة الشُّبْهَة فَلَا يعْتَبر.
وَأما فِي الْيَد فِي الْمَنْقُول فلكونه مشاهدا لَا يحْتَاج إِلَى إثْبَاته.
لَكِن فِيهِ شُبْهَة كَون الْيَد لغير الْمَالِك فَوَجَبَ دَفعهَا لتصح الدَّعْوَى.
اهـ.
قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: قد نَشأ من كَلَام صدر الشَّرِيعَة هَذَا كَلِمَات للفضلاء الْمُتَأَخِّرين، وعد كل مِنْهُم مَا طولوا تَحْقِيقا وَمَا لخصوا تدقيقا، وَقد وَقع بَينهم تدافع فذيلوا كَلَامهم بِالْحَمْد لله على كَونهم مهتدين لما منحوا.
أَقُول: وَمن الله التَّوْفِيق وَبِيَدِهِ أزمة التَّحْقِيق والتدقيق: إِنَّه لَا خَفَاء فِي أَنه لَا اخْتِصَاص لقَوْله بِغَيْر حق بالمنقول لَان مفاده دفع احْتِمَال كَون الْمُدَّعِي مَرْهُونا أَو مَحْبُوسًا بِالثّمن فِي يَده، فَفِي الْمَنْقُول: كَمَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا الدّفع احْتَاجَ فِي الْعقار أَيْضا.
وَمن ذَلِك أَن الْمَشَايِخ صَرَّحُوا فِي هَذَا الدّفع بِأَنَّهُ وَجب أَن يَقُول فِي الْمَنْقُول بِغَيْر حق، وَأَن يذكر فِي الْعقار أَنه يُطَالِبهُ، لَان ظَاهر حَال الطَّالِب أَن لَا يُطَالِبهُ إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ الطّلب وَذَا لَا يكون إِذا كَانَ فِي يَد غَيره بِحَق، فمطالبته بالعقار تَتَضَمَّن قَوْله بِغَيْر حق، وَلذَلِك دفعت هَذَا الِاحْتِمَال كَمَا صرح بِهِ فِي الْهِدَايَة.
وَقد قَالَ ظهير الدّين المرغيناني: إِنَّه لَا بُد فِي دَعْوَى الْعقار من معرفَة القَاضِي كَونه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ، فيذكر الْمُدَّعِي أَنه فِي يَده الْيَوْم بِغَيْر حق كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
وَأَيْضًا لَا اخْتِصَاص فِي الْمُطَالبَة بالعقار، إِلَّا أَن وُجُوبهَا لما كَانَ بعد إِحْضَار الْمَنْقُول وتضمنها
طلب الاحضار فِي الْجُمْلَة لم يحتاجوا إِلَى التَّصْرِيح بهَا، وَللَّه دِرْهَم فِي التَّحْقِيق والتدقيق.
إِذا عرفت هَذَا ظهر أَن إِشْكَال صدر الشَّرِيعَة سَاقِط عَن أصل، وَأَنه لَا فرق بَينهمَا فِي الِاحْتِيَاج إِلَى هَذَا الدّفع.
نعم وجد الْفرق بَينهمَا وَهُوَ أَن الْمَنْقُول لما غلب فِيهِ الاعارة وَالرَّهْن بل البيع وَجرى الْغَصْب عَلَيْهِ بالِاتِّفَاقِ دون الْعقار أوجبوا فِي الْمَنْقُول التَّصْرِيح بِأَنَّهُ فِي يَده بِغَيْر حق، واكتفوا فِي الْعقار بتضمن كَلَامه هَذَا الْمَعْنى.
وَأَيْضًا مَا ذكره المُصَنّف هُنَا يصلح أَن يكون عِلّة أَيْضا للُزُوم التَّصْرِيح فِي الْمَنْقُول بِغَيْر حق وللاكتفاء بتضمن كَلَامه ذَلِك فِي الْعقار هَذَا، خير الْكَلَام مَا قل وَدلّ، وَلَا تعجب من تَبْدِيل كَلِمَات جم غفير فَإِنَّهُ ثَمَرَة الانتباه.
وَلَا مبدل لكلمات الله.
وَلَا يشاركها فِيهِ كَلِمَات من سواهُ يورثه من يَشَاء * ((7) الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله) * (الاعراف: 34) وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل.
قَوْله: (وَطلب الْمُدَّعِي إِحْضَاره) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُودِعًا، فَإِذن ادَّعَى عَيْنَ وَدِيعَةٍ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهَا بَلْ يُكَلف التَّخْلِيَة كَمَا تقدم قَرِيبا.
وَنَقله فِي الْبَحْر عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ.
قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: ثمَّ إِذا حضر ذَلِك الشئ إِلَى مجْلِس القَاضِي فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ لَهُ وَلم يشْهدُوا بِأَنَّهُ ملكه يجوز لَان اللَّام للتَّمْلِيك، وَكَذَلِكَ إِن شهدُوا بِأَن هَذَا مَالك لَهُ أَو شهدُوا على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ للْمُدَّعِي وَذَلِكَ لَا إِشْكَال فِيهِ، إِنَّمَا الاشكال فِيمَا لَو ادّعى أَنه أقرّ بِهَذَا الشئ وَلم يدع بِأَنَّهُ ملكي وَأقَام الشُّهُود على ذَلِك هَل يقبل وَهل يقْضِي بِالْملكِ؟ مِنْهُم من يَقُول نعم، فقد ذكرنَا أَن الشُّهُود لَو شهدُوا بِأَن هَذَا أقرّ بِهَذَا الشئ لَهُ تقبل وَإِن لم يشْهدُوا بِأَنَّهُ ملكه وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي، وَأَكْثَرهم على أَنه لَا(8/18)
تصح الدَّعْوَى مَا لم يقل أقرّ بِهِ وَهُوَ ملكي، لَان الاقرار خبر وَالْخَبَر يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، فَإِذا كَانَ كذبا لَا يُوجب وَالْمُدَّعِي يَقُول أقرّ بِهِ لي يصير مُدعيًا للْملك والاقرار غير مُوجب لَهُ فَلم تُوجد دَعْوَى الْملك، فَلهَذَا شَرط قَوْله وَهُوَ ملكي، بِخِلَاف الشَّهَادَة لَان الثَّابِت بهَا كَالثَّابِتِ بالمعاينة.
اهـ.
مُلَخصا.
قَوْله: (إِن أمكن) المُرَاد بالممكن مَا لَا مُؤنَة فِي نَقله لَا مَا يُمكن مُطلقًا، لِئَلَّا يلْزم تَكْلِيفه الاحضار مَعَ الامكان وَلَو فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة مَعَ أَنه لَا يلْزمه.
أَبُو السُّعُود.
وَقيل فِي كَلَام الْمُتُون مساهلة، لَان فِي
دَعْوَى عين وَدِيعَة لَا يُكَلف إحضارها وَإِنَّمَا يُكَلف التَّخْلِيَة.
أَقُول: سوق الْكَلَام على أَن الْمُدَّعِي الْوَاجِب إِحْضَاره مَا يكون فِي يَد الْخصم بِغَيْر حق، والوديعة لَيست كَذَلِك فَلَا يشملها صدر الْكَلَام حَتَّى يحْتَاج إِلَى تدارك إخْرَاجهَا هُنَا كَمَا لَا يخفى، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: بالانكار لَهَا صَارَت غصبا فيكلف إحضارها كَمَا قدمْنَاهُ عِنْد قَوْله فَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ مَنْقُولًا فَتدبر.
قَوْله: (فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره) قدره ليُفِيد وُجُوبه، وَهَذَا إِذا لم يكن هَالكا وَلَا غَائِبا وَلَا مُمْتَنع الْوُصُول إِلَيْهِ بِسَبَب من الاسباب وَلَا يحْتَاج إِلَى حمل وَمؤنَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.
قَوْله: ليشار إِلَيْهِ فِي الدَّعْوَى بِأَن يَقُول هَذَا ثوبي مثلا، لَان الاعلام أقْصَى مَا يُمكن شَرط وَذَلِكَ بالاشارة فِي الْمَنْقُول لَان النَّقْل مُمكن والاشارة أبلغ فِي التَّعْرِيف.
قَوْله: (وَالشَّهَادَة) بِأَن يَقُول الشَّاهِد أشهد أَن هَذَا الثَّوْب لهَذَا الْمُدَّعِي مثلا.
قَوْله: (والاستحلاف) بِاللَّه الْعَظِيم هَذَا الثَّوْب لي وَهُوَ فِي يدك بِغَيْر حق.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهَا مُؤْنَةٌ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الرَّحَى وَالصُّبْرَةِ فَذِكْرُهُ هَهُنَا سَهْو.
قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ: إلَّا إذَا تَعَسَّرَ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَإِنْ قُلْت ذَكَرَهُ فِي الخزانة.
والاولى فِي التَّرْكِيب أَن يَقُول: إِن تعذر إِحْضَار الْعين بهلاكها أَو غيبتها أَو تعسر بِأَن كَانَ فِي نقلهَا مُؤنَة أَو يَقُول وَهُوَ مُقَيّد بِمَا لَا حمل لَهُ وَلَا مُؤنَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَهَذَا إِذا كَانَت الْعين قَائِمَة، فَلَو كَانَت هالكة فَهُوَ كدعوى الدّين فِي الْحَقِيقَة كَمَا فِي جَامع الْفَتَاوَى.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَتَفْسِير الْحمل والمؤنة كَونه بِحَال لَا يحمل إِلَى مجْلِس القَاضِي إِلَّا بِأُجْرَة مجَّانا، وَقيل مَا لَا يُمكن حمله بيد وَاحِدَة، وَقيل مَا يحْتَاج فِي نَقله إِلَى مُؤنَة كبر وشعير لَا مَا لَا يحْتَاج فِي نَقله إِلَى مُؤنَة كمسك وزعفران قَلِيل، وَقيل مَا اخْتلف سعره فِي الْبلدَانِ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حمل وَمؤنَة لَا مَا اتّفق.
اهـ.
وَعبارَة ابْن الْكَمَال متْنا وشرحا: وَهِي إِنَّمَا تصح فِي الدّين بِذكر جنسه وَقدره.
وَفِي الْعين الْمَنْقُول: أَي الَّذِي يحْتَمل النَّقْل بالاشارة إِلَيْهِ، فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره مجْلِس القَاضِي إلَّا إذَا تَعَسَّرَ بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤنَة وَإِن قلت: ذكره فِي الخزانة.
حضر الْحَاكِم عِنْده أَو بعث أَمينا.
اهـ.
فَتَأَمّله.
وَتَأمل هَذَا الشَّارِح فَإِنَّهُ ظَاهر فِي أَنه إِذا كَانَ فِي النَّقْل مُؤنَة يَكْتَفِي بِذكر الْقيمَة مَعَ أَن الْمُصَرّح بِهِ أَنه فِي صُورَة
التعسر يحضرهُ الْحَاكِم أَو يبْعَث أَمِينه ليشير إِلَيْهَا كَمَا سيجئ قَرِيبا، وَذكر الْقيمَة إِنَّمَا هُوَ فِي المتعذر إِحْضَاره حَقِيقَة بِأَن يكون هَالكا أَو حكما بِأَن يكون غَائِبا، وَإِن لم يكن بِهَذِهِ المثابة بِأَن كَانَ متعسر الاحضار مَعَ بَقَائِهِ كالرحى وصبرة الطَّعَام وقطيع الْغنم أرسل القَاضِي أَمِينه أَو أحضرهُ بِنَفسِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يذكرهَا بعد قَوْله فِيمَا سَيَأْتِي وَإِن تعذر إحضارها وَكَانَ الاولى للماتن أَن يَقُول: وَإِن تعسر بدل تعذر، لَان الرحمى وصبرة الطَّعَام من قبيل المتعسر كَمَا هُوَ الْمُصَرّح بِهِ فِي غير كتاب، فَتَأمل.
لَكِن(8/19)
الَّذِي عَلَيْهِ الْمجلة بِمُوجب الامر الشريف السلطاني أَن الْمَنْقُول مَتى احْتَاجَ إِحْضَاره لمصرف وَلَا يُمكن إِلَّا بذلك فَيَكْفِي فِيهِ التَّعْرِيف وَذكر الْقيمَة كَمَا فِي مَادَّة 0261 ومادة 1261.
قَوْله: (أَو غيبتها) أَي بِحَيْثُ لَا يُمكن إحضارها وَلَا حُضُور القَاضِي بِنَفسِهِ أَو أَمِينه لبعد مَسَافَة أَو مَانع آخر فَيكون ذَلِك بِمَنْزِلَة الْهَلَاك فقد تعذر إحضارها حَقِيقَة فِي الْهَلَاك وَحكما فِي الْغَيْبَة فيكتفي بِذكر قيمتهَا، وَلذَا قَالَ قاضيخان: بِأَن لَا يدْرِي مَكَانهَا.
قَوْله: (لانه) أَي الْمَذْكُور وَهُوَ الْقيمَة، وَهَذَا مِمَّا يزِيد الْعبارَة غموضا لاحتياجه إِلَى التويل وَكَأَنَّهُ تَحْرِيف من النَّاسِخ.
والاولى أَن يُقَال: لانها أَي الْقيمَة مثلهَا: أَي مثل الْعين كَمَا فِي شَرحه الْمُلْتَقى.
قَوْله: (مثله) أَي مثل مَا يَدعِيهِ، وَهُوَ عِلّة لقَوْله وَذكر قِيمَته عِنْد تعذر إِحْضَار الْعين فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَان ذكر الْقيمَة مثل إِحْضَار الْعين، لَان الْمَقْصُود من الْمُدَّعِي مَالِيَّته وَالْقيمَة تماثله فِي الْمَالِيَّة فصح تذكير الضميرين، وَقد قَالُوا: قيمَة القيمي كعينه.
قَوْله: (وَإِن تعذر) المُرَاد بالتعذر هُنَا التعسر.
قَوْله: (مَعَ بَقَائِهَا) أَي وَالْحَال أَن القَاضِي يُمكنهُ أَن يحضرها بِنَفسِهِ أَو أَمِينه لتفترق عَمَّا قدمه من قَوْله أَو غيبتها.
قَوْله: (بعث القَاضِي الخ) لَان أَمِينه يقوم مقَام نَفسه، فَلَو ذهب بِنَفسِهِ لَكَانَ هُوَ الاصل فَلَا شُبْهَة فِي صِحَّته، وَمثله مَا ذكره ابْن الْكَمَال حَيْثُ قَالَ: فعلى الْغَرِيم إِحْضَاره إلَّا إذَا تَعَسَّرَ، بِأَنْ كَانَ فِي نَقْلِهِ مُؤنَة وَإِن قلت.
ذكره فِي الخزانة.
حضر القَاضِي عِنْده أَو بعث أَمينا.
اهـ.
وَهِي الَّتِي قدمهَا الشَّارِح، وَقدمنَا أَنه ذكرهَا فِي غير محلهَا لانه جعلهَا مِثَالا لما تعذر نَقله وَأَنه يَكْتَفِي فِيهِ بِذكر الْقيمَة، وَالْحَال أَنه مِمَّا تعسر لَا مِمَّا تعذر، وَأَن الحكم فِيهِ أَن الْحَاكِم يحضر عِنْده أَو يبْعَث أَمينا وَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِذكر الْقيمَة كَمَا تفيده عبارَة ابْن الْكَمَال الَّتِي نقل الشَّارِح عَنهُ.
تَأمل.
قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: من المنقولات مَا لَا يُمكن إِحْضَاره عِنْد القَاضِي كالصبرة من الطَّعَام والقطيع من الْغنم، فَالْقَاضِي فِيهِ بِالْخِيَارِ: إِن شَاءَ حضر ذَلِك الْموضع لَو تيَسّر لَهُ ذَلِك، وَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ الْحُضُور وَكَانَ مَأْذُونا بالاستخلاف بعث خَلِيفَته إِلَى ذَلِك، وَهُوَ نَظِير مَا إِذا كَانَ القَاضِي يجلس فِي دَاره وَوَقع الدَّعْوَى فِي جمل لَا يسع بَاب دَاره فَإِنَّهُ يخرج إِلَى بَاب دَاره أَو يَأْمر نَائِبه حَتَّى يخرج ليشير إِلَيْهِ الشُّهُود بِحَضْرَتِهِ.
وَتَمَامه فِي الدُّرَر.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الدَّابَّة يُخَيّر القَاضِي، إِن شَاءَ خرج إِلَيْهَا، وَإِن شَاءَ بعث إِلَيْهَا من يسمع الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة بحضرتها كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
اهـ.
لَكِن قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: فَإِن كَانَت دَابَّة وَلَا يَقع بصر القَاضِي عَلَيْهَا وَلَا تتأتى الاشارة من الشُّهُود وَالْمُدَّعِي وَهُوَ على بَاب الْمَسْجِد يَأْمر بإدخالها فَإِنَّهُ جَائِز عِنْد الْحَاجة.
أَلا ترى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام طَاف بِالْبَيْتِ على نَاقَته مَعَ أَن حُرْمَة الْمَسْجِد الْحَرَام فَوق حُرْمَة سَائِر الْمَسَاجِد، وَإِن كَانَ يَقع بصر القَاضِي عَلَيْهَا فَلَا يدخلهَا لانه لَا يَأْمَن مَا يكون مِنْهَا وَالْحَاجة منعدمة اهـ.
قَوْله: (وَإِلَّا تكن بَاقِيَة الخ) هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ.
وَالْحَاصِل: أَن الْمُدعى بِهِ إِن أمكن إِحْضَار عينه، وَلم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة كلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِحْضَاره، وَإِن لم يُمكن بِأَن تعذر لهلاك الْعين أَو غيبتها، أَو تعسر بِأَن كَانَ فِي نقلهَا مُؤنَة ذكر الْمُدَّعِي الْقيمَة، وَإِن لم تكن هالكة وَلَا غَائِبَة وَلَا يُمكن إحضارها إِلَى مجْلِس القَاضِي لتعذره كبستان ورحى أَو(8/20)
تعسره كصبرة وقطيع غنم خير الْحَاكِم: إِن شَاءَ حضر بِنَفسِهِ لانه الاصل، أَو بعث أَمِينه.
وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْمجلة من أَنه إِذا لم يكن إِحْضَار الْمَنْقُول إِلَّا بمصرف يَكْفِي تَعْرِيفه وَذكر قِيمَته.
قَوْلُهُ: (بِذِكْرِ الْقِيمَةِ) لِأَنَّ عَيْنَ الْمُدَّعِي تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهَا وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالْوَصْفِ، فَاشْتُرِطَ بَيَانُ الْقيمَة لانها شئ تُعْرَفُ الْعَيْنُ الْهَالِكَةُ بِهِ.
غَايَةَ الْبَيَانِ.
وَفِي شَرْحِ ابْنِ الْكَمَالِ: وَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ لِلتَّوْصِيفِ لِأَنَّهُ لَا يُجْدِي بِدُونِ ذِكْرِ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ ذِكْرِهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، أُشِيرَ إلَى ذَلِك فِي الْهِدَايَة.
اهـ.
وَفِي قَوْلِهِ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ إشَارَةٌ إِلَى أَنه لَا يشْتَرط ذكر اللَّوْن فِي الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَةِ وَالسِّنِّ فِي الدَّابَّةِ، وَفِيهِ
خِلَافٌ كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
وَقَالَ السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم: إنَّ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ لِلْمُدَّعِي لَازِمَةٌ إذَا أَرَادَ أَخْذَ عَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ فِي الْمِثْلِيِّ، أَمَّا إذَا أَرَادَ أَخْذَ قِيمَتِهِ فِي الْقِيَمِيِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي مَحَاضِرِ الخزانة اهـ.
فَرْعٌ: وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ: إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ لِأَنَّهَا دَعْوَى مُبْتَدَأَةٌ، وَإِلَّا فَلَا.
بَحر عَن الْبَزَّازِيَّة.
قَوْله: (وَقَالُوا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ عَيْنَ كَذَا الخ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَأطلق فِي بَيَان وجوب الْقيمَة عِنْد التَّعَذُّر واستثنوا مِنْهُ دَعْوَى الْغَصْب وَالرَّهْن.
فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى عينا غَائِبا لَا يعرف مَكَانَهُ بِأَن ادّعى أَنه غصب مِنْهُ ثوبا أَو قِنَا وَلَا يدْرِي قِيَامه وهلاكه، فَلَو بَين الْجِنْس وَالصّفة وَالْقيمَة تقبل دَعْوَاهُ، وَإِن لم يبين قِيمَته أَشَارَ فِي عَامَّة الْكتب إِلَى أَنَّهَا تقبل، فَإِنَّهُ ذكر فِي كتاب الرَّهْن لَو ادّعى أَنه رهن عِنْده ثوبا، وَهُوَ يُنكر تسمع دَعْوَاهُ.
وَذكر فِي كتاب الْغَصْب: ادّعى أَنه غصب مِنْهُ أمة وَبرهن تسمع.
وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا: إِنَّمَا تسمع دَعْوَاهُ إِذا ذكر الْقيمَة، وَهَذَا تَأْوِيل مَا ذكر فِي الْكتاب أَن الشُّهُود شهدُوا على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ، فَيثبت غصب الْقِنّ بِإِقْرَارِهِ فِي حق الْحَبْس وَالْحكم جَمِيعًا، وَعَامة الْمَشَايِخ على أَن هَذِه الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة تقبل، وَلَكِن فِي حق الْحَبْس وَإِطْلَاق مُحَمَّد فِي الْكتاب يدل عَلَيْهِ.
وَمعنى الْحَبْس: أَن يحْبسهُ حَتَّى يحضرهُ ليعيد الْبَيِّنَة عَليّ عينه، فَلَو قَالَ لَا أقدر عَلَيْهِ حبس قدر مَا لَو قدر أحضرهُ ثمَّ يقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِه اهـ.
وَلم يبين الحكم فِيمَا إِذا لم يدر قيمتهَا أَيْضا.
قَالَ فِي الدُّرَر: قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا، وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ، ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْلَمُ قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ.
أَقُولُ: فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ، وَالْجَبْرِ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نكل عَن الْيَمين، فَلْيتَأَمَّل.
فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيق اهـ.
وَقَوله فائدتها توجه الْيَمين: أَي حَيْثُ لَا بَيِّنَة، وَإِلَّا ففائدتها الْحَبْس كَمَا علمت.
وَقَوله ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَعَامة الْمَشَايِخ على أَن هَذِه الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة تقبل وَلَكِن فِي حق الْحَبْس لَا الحكم، وَقدر الْحَبْس بشهرين كَمَا فِي الْخَانِية.
وَالْحَاصِل: أَنه فِي دَعْوَى الرَّهْن وَالْغَصْب لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة، وَيكون القَوْل فِي الْقيمَة للْغَاصِب وَالْمُرْتَهن.
بَحر: أَي مَعَ الْيَمين كَمَا هُوَ الظَّاهِر.
قُلْت: وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ: دَعْوَى الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ قَالَ فَإِن فيهمَا: يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ، وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُولِ بِلَا خلاف اهـ.
فَهِيَ خَمْسَة.
قَوْله: (وَلِهَذَا) أَي لسَمَاع الدَّعْوَى فِي الْغَصْب وَإِن لم يذكر(8/21)
الْقيمَة.
قَوْله: (مُخْتَلفَة الْجِنْس وَالنَّوْع) كثياب ودواب فَإِن تحتهَا أنواعا.
قَوْله: (كفى ذَلِك الاجمال) أَي وَلَا يشْتَرط التَّفْصِيل.
هندية.
قَوْله: (على الصَّحِيح) كَمَا فِي حزانة الْمُفْتِينَ وقاضيخان.
هندية.
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) أَيْ عَلَى الْقِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (أَو يحلف) أَي عِنْد عدم الْبُرْهَان.
قَوْله: (على الْكل مرّة) أَي وَلَا يحْتَاج أَن يحلفهُ على كل وَاحِد بِخُصُوصِهِ، خلافًا لمن اخْتَار ذَلِك رَاجع مَا هُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِك.
قَوْله: (لانه) عِلّة لِلْعِلَّةِ.
قَوْله: (وَقيل فِي دَعْوَى السّرقَة) حَكَاهُ يقبل، لَان ثُبُوت حق الِاسْتِرْدَاد أَو تضمين الْقيمَة لَا يتَوَقَّف على ذَلِك، بل يتَوَقَّف عَلَيْهِ لُزُوم الْقطع مَعَ الْبَيِّنَة من الْمُدَّعِي أَو الاقرار من السَّارِق، وَهَذَا مُقَابل لقَوْل المُصَنّف فِيمَا تقدم، وَذكر قِيمَته إِن تعذر.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِنَّمَا يشْتَرط ذكر الْقيمَة فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت دَعْوَى سَرقَة ليعلم أَنَّهَا نِصَاب أَو لَا، فَأَما فِيمَا سوى ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَانهَا اهـ وَعَلِيهِ فَكَانَ الاولى ذكره هُنَاكَ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ حَاضِرَةً لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ قِيمَتِهَا إِلَّا فِي دَعْوَى السّرقَة.
حموي.
والتقويم يكون من أهل الْخِبْرَة فِيمَا يظْهر لَا بقول الْمُدَّعِي.
قَوْله: (فَأَما فِي غَيرهَا) أَي السّرقَة فَلَا يشْتَرط: أَي ذكر الْقيمَة.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُور من الِاكْتِفَاء بِذكر الْقيمَة.
قَوْله: (فِي دَعْوَى الْعين) أَي الشئ الْمُتَعَيّن المحسوس الْمَمْلُوك للْمُدَّعِي على زَعمه كالمغصوب والوديعة.
قَوْله: (لَا الدّين) أَي الْحق الثَّابِت فِي الذِّمَّة، وَسَتَأْتِي دَعْوَى الدّين فِي الْمَتْن.
قَوْله: (فَلَو ادّعى الخ) هُوَ تَمْثِيل للدّين، لَان الْقيمَة لَازِمَة ذمَّة الْمُدعى عَلَيْهِ فِي زعم الْمُدَّعِي اهـ.
رَحْمَتي.
لَكِن قَالَ بعض الافاضل: هُوَ تَفْرِيع على كَون الشُّرُوط الْمَارَّة إِنَّمَا هِيَ فِي دَعْوَى الْعين، وَأما الدّين فَسَيَأْتِي بأقسامه.
تَأمل.
قَوْله: (بَيَان جنسه) أَي جنس الْقيمَة، وَكَذَا كل دين يَدعِي وجنسه
كالذهب مثلا أَو الْفضة أَو النّحاس، وَكَذَا كل مَكِيل أَو مَوْزُون يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة يبين جنسه مَا هُوَ فَلَا يَكْفِي ذكر الْفرش والحرف فِي الْمَدِينَة، لانها كالعنقاء مَعْلُوم الِاسْم مَجْهُول الْجِنْس وَالنَّوْع.
قَوْله: (ونوعه) فَفِي الذَّهَب يبين أَنه من نوع كَذَا، وَكَذَا فِي الْفضة، وَكَذَا فِي الْبر بِأَن يَقُول: حورانية أَو بلدية أَو جيدورية أَو سلمونية.
قَالَ ط: فِيهِ أَنه عِنْد دَعْوَاهُ الْعين لَا يَكْفِي ادِّعَاء عين مَجْهُولَة، بل لَا بُد من بَيَان جِنْسهَا ونوعها ثمَّ يذكر الْقيمَة، فَالْقيمَة إِنَّمَا أغنت عَن الْحُضُور فَحِينَئِذٍ لَا بُد من ذكر الْجِنْس وَالنَّوْع فِي كل، فَلْيتَأَمَّل.
وَلذَا قَالُوا فِي التَّعْلِيل لذكر الْقيمَة لَان الاعيان تَتَفَاوَت وَالشّرط أَن يكون فِي مَعْلُوم وَقد تعذر مشاهدته لانها خلف عَنهُ.
وَفِي الذَّخِيرَة: إِن كَانَ الْعين غَائِبا وَادّعى أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فَأنْكر إِن بَين الْمُدَّعِي قِيمَته وَصفته تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته اهـ.
قَوْله: (ليعلم القَاضِي بِمَاذَا يقْضِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَة مثلا: لَو كَانَ الْمُدَّعِي مَكِيلًا لَا بُد من بَيَان جنسه بِأَنَّهُ حِنْطَة أَو شعير، ونوعه بِأَنَّهَا سقية أَو بَريَّة، وصفتها بِأَنَّهَا جَيِّدَة أَو رَدِيئَة، وَقدره بِأَن يَقُول كَذَا قَفِيزا، وَسبب وُجُوبهَا ذكره ابْن ملك.(8/22)
أَقُولُ: لِي شُبْهَةٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةً، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْقِيمَةِ لِلْكُلِّ جُمْلَةً.
وَذَكَرَ فِي الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَة بِيَدِهِ يُؤمر بإحضارها فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا وَلَوْ قَالَ إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.
فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَى الْأَعْيَانِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ هَالِكَةً، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْضَارِهَا.
وَقَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهَا بِهَلَاكٍ وَنَحْوِهِ، فَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُغْنٍ عَنْ التَّوْصِيفِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَعْيَانِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ، فَقَوْلُهُ هُنَا اشْتَرَطَ بَيَانَ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ مُشْكِلٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ مِنْ بَيَانِ التَّوْصِيفِ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ دَعْوَى الْقِيمَةِ وَدَعْوَى نَفْسِ الْعَيْنِ الْهَالِكَةِ، فَمَا معنى قَوْله تبعا للبحر فِيمَا تقدم، وَهَذَا كُلُّهُ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ، فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: ادَّعَى ثَمَنَ مَحْدُود لم يشْتَرط بَيَان حُدُوده.
اهـ.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا ادّعى على آخر ثمن مَبِيع مَقْبُوض وَلم يبين الْمَبِيع أَو مَحْدُود وَلم يحدد يجوز،
وَهُوَ الاصح وَكَذَا فِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة لَا يشْتَرط تَحْدِيد الْمُسْتَأْجر اهـ.
قَوْله: (وَاخْتُلِفَ فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ) أَي المستهلكة، أما الْقَائِمَة فَهِيَ حَاضِرَة فِي الْمجْلس مشار إِلَيْهَا، وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الدَّابَّة فَفِي الرَّقِيق أولى.
قَوْله: (فشرطه أَبُو اللَّيْث أَيْضا) أَي كَمَا شَرط بَيَان الْقيمَة.
قَوْله: (وَشرط الشَّهِيد بَيَان السن أَيْضا) أَي كَمَا يشْتَرط بَيَان الْقيمَة والذكورة أَو الانوثة.
قَالَ فِي الْمنح: وَذكر الصَّدْر الشَّهِيد إِذا ادّعى قيمَة دَابَّة مستهلكة لَا بُد من ذكر الذُّكُورَة أَو الانوثة، وَلَا بُد من بَيَان السن، وَهَذَا على أصل أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى مُسْتَقِيم، لَان عِنْده الْقَضَاء بِقِيمَة الْمُسْتَهْلك بِنَاء على الْقَضَاء بِملك الْمُسْتَهْلك، لَان حق الْمَالِك عِنْده بَاقٍ فِي الْعين المستهلكة، فَإِنَّهُ قَالَ: يَصح الصُّلْح عَن الْعين الْمَغْصُوب الْمُسْتَهْلك على أَكثر من قِيمَته، فَلَو لم يكن الْعين الْمُسْتَهْلك ملكا لَا يجوز الصُّلْح على أَكثر من قِيمَته، لانه حِينَئِذٍ يكون الْوَاجِب فِي ذمَّة الْمُسْتَهْلك قيمَة الْمَغْصُوب، وَهُوَ دين فِي الذِّمَّة، وَإِن صَالح من الدّين على أَكثر من قِيمَته لَا يجوز، وَإِذا كَانَ الْقَضَاء بِالْقيمَةِ بِنَاء على الْقَضَاء بِملك الْمُسْتَهْلك لَا بُد من بَيَان الْمُسْتَهْلك فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِيَعْلَمَ الْقَاضِي بِمَاذَا يَقْضِي، وَهَذَا الْقَائِل يَقُول: مَعَ ذكر الانوثة والذكورة لَا بُد من ذكر النَّوْع بِأَن يَقُول: فرس أَو حمَار أَو مَا أشبه ذَلِك، وَلَا يَكْتَفِي بِذكر اسْم الدَّابَّة لانها مَجْهُولَة.
اهـ.
قَالَ فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: وَلَا يشْتَرط ذكر اللَّوْن والشية فِي دَعْوَى الدَّابَّة، حَتَّى لَو ادّعى أَنه غصب مِنْهُ حمارا وَذكر شيته، وَأقَام الْبَيِّنَة على وفْق دَعْوَاهُ فأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ حمارا فَقَالَ الْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي ادعيته وَزعم الشُّهُود كَذَلِك أَيْضا فنظروا فَإِذا بعض شياته على خلاف مَا قَالُوا، بِأَن ذكر الشُّهُود بِأَن مشقوق الاذن وَهَذَا الْحمار غير مشقوق الاذن، قَالُوا: لَا يمْنَع هَذَا الْقَضَاء للْمُدَّعِي وَلَا يكون هَذَا خللا فِي شَهَادَتهم.
اهـ.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة ادّعى على آخر ألف دِينَار بِسَبَب الِاسْتِهْلَاك أعيانا لَا بُد وَأَن يبين قيمتهَا فِي مَوضِع الِاسْتِهْلَاك، وَكَذَا لَا بُد وَأَن يبين الاعيان فَإِن مِنْهَا مَا يكون مثلِيا وَمِنْهَا مَا يكون من ذَوَات الْقيم.
اهـ.
وفيهَا وَفِي دَعْوَى خرق الثَّوْب وجرح الدَّابَّة لَا يشْتَرط إِحْضَار الثَّوْب وَالدَّابَّة، لَان الْمُدعى بِهِ فِي الْحَقِيقَة الْجُزْء الْفَائِت من الثَّوْب وَالدَّابَّة.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.(8/23)
إِذا ادّعى جوهرا لَا بُد من ذكر الْوَزْن إِذا كَانَ غَائِبا وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مُنْكرا كَون ذَلِك فِي يَده كَذَا فِي السِّرَاجِيَّة.
وَفِي اللُّؤْلُؤ يذكر درره وضوءه ووزنه.
كَذَا فِي حزانة الْمُفْتِينَ.
اهـ.
قَوْله: (سَوَاء كَانَ لَهُ حمل أَو لَا) لَان الْمُودع عَلَيْهِ أَن يخلي بَينه وَبَين الْوَدِيعَة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن ينقلها إِلَيْهِ مُطلقًا لانه محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل، فَلَا بُد من بَيَان مَكَان الايداع حَتَّى يلْزمه تَسْلِيمهَا فِيهِ دفعا للضَّرَر عَنهُ لَا فرق بَين مَاله حمل أَو لَا.
وَفِي فَتَاوَى رشيد الدّين: يَنْبَغِي أَن تكون لَفْظَة الدَّعْوَى فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة أَن لي عِنْده كَذَا قِيمَته كَذَا فَأمره ليحضره لاقيم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة على أَنه ملكي إِن كَانَ مُنْكرا وَإِن كَانَ مقرا فَأمره بِالتَّخْلِيَةِ حَتَّى أرفع وَلَا يَقُول فَأمره بِالرَّدِّ.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
قَوْلُهُ: (مِنْ بَيَانِهِ) أَيْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْغَصْبِ لانه يلْزمه تَسْلِيم مَا غصبه مِنْهُ، غير أَنه إِذا كَانَ لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يلْزمه بنقله لانه لَا يُكَلف فَوق جِنَايَته فَيشْتَرط حِينَئِذٍ مَحل بَيَان الْغَصْب.
قَوْله: (وَإِلَّا حمل لَهُ لَا) أَي وَإِن لم يكن لَهُ حمل وَمؤنَة لَا يلْزم بَيَان الْمَكَان، وَمَا فسرنا بِهِ هُوَ الْمُوَافق للقواعد.
قَالَ المُصَنّف فِي الْغَصْب: وَيجب رد عين الْمَغْصُوب فِي مَكَان غصبه.
قَالَ الْمُؤلف: لتَفَاوت الْقيم باخْتلَاف الاماكن.
اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَن يجب بَيَان الْمَكَان مُطلقًا، إِلَّا أَن هَذَا فِي الْهَالِك وَكَلَام المُصَنّف فِي الْقَائِم.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: وَفِي غَصْبِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَإِهْلَاكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَخَيَّرُ الْمَالِك أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ يَوْمَ هَلَاكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهَا قِيمَةُ: أَيِّ الْيَوْمَيْنِ انْتهى.
وَإِن كَانَ الْمُدعى بِهِ هَالكا لَا تصح الدَّعْوَى إِلَّا بِبَيَان جنسه وسنه وَصفته وحليته وَقِيمَته، لانه لَا يصير مَعْلُوما إِلَّا بِذكر هَذِه الاشياء.
وَشرط الْخصاف: بَيَان الْقيمَة.
وَبَعض الْقُضَاة لَا يشترطون بَيَان الْقيمَة كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
اهـ.
وَالْحَاصِل: أَنه يجب بَيَان مَكَان الايداع مُطلقًا، لَان الرَّد غير وَاجِب على الْمُودع وَلَيْسَ مُؤْنَته عَلَيْهِ بل على الْمَالِك وَالْوَاجِب عَلَيْهِ تَسْلِيمهَا لَهُ بِمَعْنى عدم الْمَنْع، فَلَو لم يبين الْمَكَان رُبمَا لحق الْمُودع ضَرَر، وَهُوَ مَرْفُوع بِخِلَاف الْغَصْب، فَإِن رد الْعين الْمَغْصُوبَة فِي مَكَان غصبه وَاجِب على الْغَاصِب فَلَا بُد من
بَيَانه إِن كَانَ للْمَغْصُوب حمل وَمؤنَة لاخْتِلَاف القيمي باخْتلَاف الاماكن، بِخِلَاف مَا لَا حمل لَهُ وَلَا مُؤنَة.
قَوْله: (يَوْم غصبه على الظَّاهِر) بِصِيغَة الْفِعْل والمصدر، وَظَاهره جَرَيَان خلاف.
وَسَيَأْتِي فِي الْغَصْب مَا نَصه: وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ يَوْمَ غَصْبِهِ إجْمَاعًا.
اهـ.
ط.
وَفِي رِوَايَة: يُخَيّر كَمَا مر قَرِيبا عَن نور الْعين.
تَتِمَّة: قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَدَعوى الجمد حَال انْقِطَاعه لَا تصح، وَإِن كَانَت من ذَوَات الامثال لعدم وجوب رد مثله لانقطاعه فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بِقِيمَتِه يَوْم الْخُصُومَة.
كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ.
وَفِي دَعْوَى الرَّهْن وأشباهه: إِن كَانَت الدَّعْوَى بِسَبَب البيع يحْتَاج إِلَى الاحضار للاشارة إِلَيْهِ، وَإِن كَانَت بِسَبَب الِاسْتِهْلَاك أَو بِسَبَب الْقَرْض أَو بِسَبَب الثمنية لَا يحْتَاج إِلَى الاحضار.
كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ اهـ.
قَوْله: (وَيشْتَرط التَّحْدِيد فِي دَعْوَى الْعقار) لانه تعذر التَّعْرِيف بالاشارة لتعذر النَّقْل فصير إِلَى التَّحْدِيد فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة، وَجمعه عقارات.
قَالَ فِي الْمغرب: الْعقار الضَّيْعَة، وَقيل كل مَا لَهُ أصل كَالدَّارِ(8/24)
والضيعة.
اهـ.
وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالنَّخْلَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا عَرْصَةٍ فَإِنْ بِيعَا مَعهَا وَجَبت تبعا، وَقد غلط بعض العصرين فَجَعَلَ النَّخِيلَ مِنْ الْعَقَارِ وَنُبِّهَ فَلَمْ يَرْجِعْ كعادته.
بَحر.
وَذكر بعده على قَول الْكَنْز: وَقيل لخصمه أعْطه كَفِيلا الخ عَن الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَو طلب الْمُدَّعِي من القَاضِي وضع الْمَنْقُول على يَد عدل، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ، وَإِن فَاسِقًا أَجَابَهُ، وَفِي الْعَقَارِ: لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمر لَان الثَّمر نقلي.
اهـ.
قَالَ الْمُؤلف هُنَاكَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ.
وَفِي حَاشِيَة أبي السُّعُود هُنَاكَ: أَقُول: نقل الْحَمَوِيّ عَن الْمَقْدِسِي التَّصْرِيح بِأَن الشّجر عقار.
اهـ.
قلت: وَيُؤَيِّدهُ كَلَام الْمِصْبَاح، لانه إِذا قيل إِنَّه عقار يبتنى عَلَيْهِ وجوب التَّحْدِيد فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة وَكَيف يُمكن ذَلِك فِي شَجَرَة بُسْتَان بَين أَشجَار كَثِيرَة، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: وَقَوْلُهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَخْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً، وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ بِالْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ تَثْبُتُ فِيهِ
الشُّفْعَةُ، لِأَنَّهُ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ.
اهـ.
أَقُول: لَكِن الَّذِي اعْتَمدهُ الشَّارِح فِي بَابهَا عدم ثُبُوت الشُّفْعَة فِيهِ بقوله: وَأما مَا جزم بِهِ ابْن الْكَمَال مِنْ أَنَّ الْبِنَاءَ إذَا بِيعَ مَعَ حَقِّ الْقَرار يلْتَحق الْعقار، فَرده شَيخنَا الرَّمْلِيّ، وَأفْتى بعدمها تبعا للبزازية وَغَيرهَا فَلْيحْفَظ اهـ.
وَأقرهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَبَالغ فِي الرَّد على اسْتِدْلَال أبي السُّعُود، فَرَاجعه ثمَّة.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: قَالَ جمَاعَة من أهل الشُّرُوط: يَنْبَغِي أَن يذكر فِي الْحُدُود دَار فلَان وَلَا يذكر لزيق دَار فلَان، وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا سَوَاء طحم: يكْتب فِي الْحَد يَنْتَهِي إِلَى كَذَا ويلاصق كَذَا أَو لزيق كَذَا، وَلَا يكْتب أحد حُدُوده كَذَا.
وَقد قَالَ ح: لَو كتب أحد حُدُوده دجلة أَو الطَّرِيق أَو الْمَسْجِد فَالْبيع جَائِز، وَلَا تدخل الْحُدُود فِي البيع إِذْ قصد النَّاس بهَا إِظْهَار مَا يَقع عَلَيْهِ البيع، لَكِن س قَالَ: البيع فَاسد إِذْ الْحُدُود فِيهِ تدخل فِي البيع، فاخترنا يَنْتَهِي أَو لزيق أَو يلاصق تَحَرُّزًا عَن الْخلاف، ولان الدَّار على قَول من يَقُول يدْخل الْحَد فِي البيع فِي الْموضع الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَأَما ذَلِك الْموضع المنتهي إِلَيْهِ.
فقد جعل حدا وَهُوَ دَاخل فِي البيع.
وعَلى قَول من يَقُول: لَا يدْخل الْحَد فِي البيع فالمنتهي إِلَى الدَّار لَا يدْخل تَحت البيع، وَلَكِن عِنْد ذكر قَوْلنَا بِحُدُودِهِ يدْخل فِي البيع وفَاقا.
قَالُوا: وَالصَّحِيح من الْجَواب أَن يُقَال: لَو ذكر فِي الْحَد لزيق أَو يَنْتَهِي أَو نَحوه تصح الشَّهَادَة، وَلَو ذكر دَار فلَان أَو طَرِيق مَسْجِد لَا تصح الشَّهَادَة ط.
وَالشَّهَادَة كالدعوى فِيمَا مر من الاحكام.
فش: كتب فِي الْحَد لزيق الزقيقة أَو الزقاق وإليها الْمدْخل أَو الْبَاب لَا يَكْفِي لِكَثْرَة الازقة، فَلَا بُد أَن ينسبها إِلَى مَا تعرف بِهِ، وَلَو كَانَت لَا تنْسب إِلَى شئ يَقُول: زقيقة بهَا: أَي بالمحلة أَو الْقرْيَة أَو النَّاحِيَة ليَقَع بِهِ نوع معرفَة.
أَقُول: دلّ هَذَا على أَنه لَا يَكْفِي ذكر الثَّلَاثَة، وَيحْتَمل أَن يكون غَرَضه من قَوْله لَا يَكْفِي فَلَا بُد الخ، أَنه فِي بَيَان الرَّابِع لَا بُد مِنْهُ كَذَا، وَهَذَا لَا يدل على أَن بَيَان الرَّابِع لَا بُد مِنْهُ، إِذْ بَين قَوْلنَا بَيَان الرَّابِع لَا يبين إِلَّا بِكَذَا فرق بَين فَلَا دلَالَة حِينَئِذٍ، وَالله أعلم بغرضه.
وَأَقُول: أَيْضا بالحدود الثَّلَاثَة تتَمَيَّز تِلْكَ الزقيقة من سَائِر الازقة فَلَا تضر الْكَثْرَة، وَأَيْضًا فِي قَوْله(8/25)
بهَا: أَي بالمحلة الخ نظر، إِذْ الْمعرفَة الْحَاصِلَة بِذكر الْمحلة أَو الْقرْيَة تحصل بِدُونِ ذكرهَا، إِذْ من الْمَعْلُوم أَن الزقيقة لَا تكون إِلَّا بالمحلة أَو الْقرْيَة فَذكرهَا وَعَدَمه سَوَاء، لَكِن يمْنَع أَن الزقيقة لَا تكون إِلَّا بالمحلة أَو الْقرْيَة لجَوَاز أَن يكون مقابلها أَو بقربها أَو نَحْو ذَلِك فَقَط.
لَو كَانَ الْحَد الرَّابِع ملك رجلَيْنِ لكل مِنْهُمَا أَرض على حِدة فَذكر فِي الْحَد الرَّابِع لزيق ملك فلَان وَلم يذكر الآخر يَصح، وَكَذَا لَو كَانَ الرَّابِع لزيق أَرض أَو مَسْجِد فَذكر الارض لَا الْمَسْجِد يجوز.
وَقيل الصَّحِيح: أَنه لَا يَصح الفصلان إِذا جعل الْحَد الرَّابِع كُله لزيق ملك فلَان، فَإِذا لم يكن كُله ملك فلَان فدعواه لم تتَنَاوَل هَذَا الْمَحْدُود فَلَا يَصح، كَمَا لَو غلط فِي أحد الاربعة، بِخِلَاف سُكُوته عَن الرَّابِع.
فش: لَو كَانَ الْمُدَّعِي أَرضًا وَذكروا أَن الْفَاصِل شَجَرَة لَا يَكْفِي، إِذْ الشَّجَرَة لَا تحيط بِكُل الْمُدعى بِهِ، والفاصل يجب أَن يكون محيطا بِكُل الْمُدعى بِهِ حَتَّى يصير مَعْلُوما.
فش: الشَّجَرَة والمسناة تصلح فاصلا.
وَالْحَاصِل: أَن الشَّجَرَة تصلح فاصلا إِذا أحاطت، وَإِلَّا لَا.
أَقُول: وَمثل الشَّجَرَة الْبِئْر وَعين المَاء عدَّة.
الْمقْبرَة لَو كَانَت ربوة تصلح حدا، وَإِلَّا فَلَا: أَي بِأَن كَانَت تلاط.
لَو ذكر فِي الْحَد لَزِيقَ أَرْضُ الْوَقْفِ لَا يَكْفِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يذكر أَنَّهَا وقف على الْفُقَرَاء أَو على مَسْجِد كَذَا وَنَحْوه، أَو فِي يَد من أَو ذكر الْوَاقِف.
أَقُول: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا وَمَا يتلوه من جنسه عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ إلَّا بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تضييق بِلَا ضَرُورَة.
جف: ذكر اسْم جد الْمَالِك للحد شَرط، وَكَذَا ذكر جد الْوَاقِف لَو كَانَ الْحَد وَقفا، إِلَّا إِذا كَانَ مَشْهُورا مَعْرُوفا لَا يلتبس بِهِ غَيره.
طذ: لَو ذكر لزيق ملك وَرَثَة فلَان لَا يَكْفِي، إِذْ الْوَرَثَة مَجْهُولُونَ مِنْهُم ذُو فرض وَعصب وَذُو رحم فجهلت جَهَالَة فَاحِشَة، أَلا يرى أَن الشَّهَادَة بِأَن هَذَا وَارِث فلَان لَا تقبل لجَهَالَة فِي الْوَارِث.
فش: لَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ دَارِ وَرَثَةِ فُلَانٍ لَا يحصل التَّعْرِيف بِذكر الِاسْم وَالنّسب.
وَقيل يَصح ذكره حدا لانه من أَسبَاب التَّعْرِيف عدَّة.
لَو كتب لزيق أَرض وَرَثَةِ فُلَانٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ.
قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا.
ش: كَتَبَ لَزِيقَ دَارٍ مِنْ تَرِكَةِ فُلَانٍ يَصِحُّ حدا.
كتب لزيق أَرض مبان وَهِي لَا تَكْفِي.
كَذَا ذكره الشَّارِح وَقَالَ: لَان أَرض مبان وَهِي قد تكون للْغَائِب، وَقد تكون أَرضًا تَركه مَالِكه على أهل الْقرْيَة بالخراج، وَقد تكون أَرضًا تركت لرعي دَوَاب الْقرْيَة من وَقت الْفَتْح فَهِيَ مبان فَبِهَذَا الْقدر مَا يحصل التَّعْرِيف.
أَقُول: فِيهِ نظر، لَان أَرض مبان وَهُوَ لَو كَانَ مَعْرُوفا فِي نَفسه يَنْبَغِي أَن يحصل بِهِ التَّعْرِيف والجهالة فِي مَالِكه، وَفِي جِهَة تَركه لَا يضر التَّعْرِيف.
ط: لَو جعل الْحَد طَرِيق الْعَامَّة لَا يشْتَرط فِيهِ ذكر أَنه طَرِيق الْقرْيَة أَو الْبَلدة، لَان ذكر الْحَد لاعلام مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمَحْدُود، وَقد حصل الْعلم حَيْثُ انْتهى إِلَى الطَّرِيق.
ط: الطَّرِيق يصلح حدا وَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى بَيَان طوله وَعرضه إِلَّا على قَول شح فَإِنَّهُ قَالَ: تبين(8/26)
الطَّرِيق بالذراع وَالنّهر لَا يصلح حدا عِنْد الْبَعْض، وَكَذَا السُّور، وَهُوَ رِوَايَة عَن ح.
وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه يصلح حدية، وَالْخَنْدَق كنهر فَإِنَّهُ يصلح حدا عِنْدهمَا.
وَاخْتَارَ من قَوْلهمَا، وَلَا عِبْرَة لمن قَالَ: إِن النَّهر يزِيد وَينْقص وَإِن السُّور يخرب وَإِن الطَّرِيق يتْرك السلوك فِيهِ، لَان تبدل دَار فلَان أسْرع من تبدل السُّور وَنَحْوه فَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك أولى: أَي بصلاحيتها حدا.
ذ: ولوحد بِأَنَّهُ لَزِيقُ أَرْضُ فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا المدعاة أَرَاضٍ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُخْتَلِفَةٌ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ.
اهـ.
بِزِيَادَة وَبَعض تَغْيِير.
قَوْله: (كَمَا يشْتَرط فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ) لانه بهَا يصير مَعْلُوما عِنْد القَاضِي.
قَوْله: (وَلَو كَانَ الْعقار مَشْهُورا) لانه يعرف بِهِ مَعَ تعذر الاشارة إِلَيْهِ، وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الصَّحِيح.
كَذَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن السراج الْوَهَّاج.
لَان قدرهَا لَا يصير مَعْلُوما إِلَّا بالتحديد.
دُرَر.
قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي فَإِن عِنْدهمَا إِذا كَانَ الْعقار مَشْهُورا شهرة الرجل فَلَا يحْتَاج إِلَى تحديده.
قَوْله: (إِلَّا إِذا عرف) بتَشْديد الرَّاء الشُّهُود الدَّار بِعَينهَا: أَي بِأَن أشاروا
إِلَيْهَا حَاضِرَة وَقَالُوا نشْهد أَن هَذِه الدَّار لفُلَان، فَافْهَم.
قَوْله: (فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر حُدُودهَا) قَالَ شمس الائمة السَّرخسِيّ: يشْتَرط فِي شِرَاء الْقرْيَة الْخَالِصَة أَن يذكر حُدُود المستثنيات من الْمَسَاجِد والمقابر والحياض للعامة وَنَحْوهَا، وَأَن يذكر مقاديرها طولا وعرضا، وَكَانَ يرد المحاضر والسجلات والصكوك الَّتِي فِيهَا اسْتثِْنَاء هَذِه الاشياء مُطلقَة فَلَا تَحْدِيد وَلَا تَقْرِير.
وَكَانَ أَبُو شجاج لَا يشْتَرط ذَلِك.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَمَا يَكْتُبُونَ فِي زَمَاننَا وَقد عرف المتعاقدان جَمِيع ذَلِك وأحاطا بِهِ علما فقد استرذله بعض مَشَايِخنَا وَهُوَ الْمُخْتَار، إِذْ البيع لَا يصير بِهِ مَعْلُوما للْقَاضِي عِنْد الشَّهَادَة فَلَا بُد من التَّعْيِين اهـ.
أَي بِذكر حُدُوده أَو بالاشارة إِلَيْهِ فِي مَحَله.
قَوْله: (كَمَا لَو ادّعى ثمن الْعقار الخ) ظَاهره وَلَو غير مَقْبُوض.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَو ادّعى ثمن مَبِيع لم يقبض لَا بُد من إِحْضَار الْمَبِيع مجْلِس الحكم حَتَّى يثبت البيع عِنْد القَاضِي، بِخِلَاف لَو ادّعى ثمن مَبِيع قبض فَإِنَّهُ لَا يجب إِحْضَاره لانه دَعْوَى الدّين حَقِيقَة.
اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَن يفصل فِي الْعقار، وَذكر حُدُوده تُقَام مقَام إِحْضَاره.
قَوْله: (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَلْدَةٍ بِهَا الدَّارُ) ذكر شيخ الاسلام الْفَقِيه أَحْمد أَبُو النَّصْر مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي فِي شُرُوطه.
وَفِي دَعْوَى الْعقر لَا بُد أَن يذكر بَلْدَة فِيهَا الدَّار، ثمَّ الْمحلة ثمَّ السِّكَّة، فَيبْدَأ أَولا بِذكر الكورة ثمَّ الْمحلة اخْتِيَارا لقَوْل مُحَمَّد: فَإِن مذْهبه أَن يبْدَأ بالاعم ثمَّ بالاخص.
وَقيل يبْدَأ بالاخص ثمَّ بالاعم فَيَقُول دَار فِي سكَّة كَذَا فِي محلّة كَذَا، وقاسه على النّسَب حَيْثُ يُقَال فلَان ثمَّ يُقَال ابْن فلَان، ثمَّ يذكر الْجد بِمَا هُوَ أقرب فيترقى إِلَى الابعد، وَقَول مُحَمَّد أحسن إِذْ الْعَام يعرف بالخاص لَا بِالْعَكْسِ، وَفصل النّسَب حجَّة عَلَيْهِ إِذْ الاعم اسْمه، فَإِن أَحْمد فِي الدُّنْيَا كثير، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الْحَد.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز ط.
وَالَّذِي فِي شرح أدب القَاضِي: يجب على الْمُدَّعِي وعَلى الشُّهُود الاعلام بأقصى مَا يُمكن، وَهُوَ فِي الدَّار بالبلدة ثمَّ الْمحلة الَّتِي فِيهَا الدَّار فِي تِلْكَ الْبَلدة، ثمَّ يبين حُدُود الدَّار لَان أقْصَى(8/27)
مَا يُمكن فِي التَّعْرِيف هَذَا اهـ.
وَالشَّارِح تبع مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
قَالَ ط: وَالَّذِي يظْهر الاول.
اهـ.
تَأمل.
وَذكر بعض الافاضل على هَامِش الدّرّ قَوْله: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَلْدَةٍ بِهَا الدَّارُ الخ.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يلْزم.
وَذكر المرغيناني أَنه لَو سمع قَاض تصح هَذِه الدَّعْوَى.
وَقَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَيشْتَرط
تَحْدِيد الدَّار بِمَا لَا يتَغَيَّر كالدور والاراضي والسور وَالطَّرِيق فَخرج النَّهر لانه يزِيد وَينْقص ويعمر، وَلَو لم تحد وَقضى بِحِصَّة ذَلِك نفذ.
اهـ.
أَقُول: لَكِن قد علمت مِمَّا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْفُصُولَيْنِ أَنه لَا عِبْرَة لمن قَالَ: إِن النَّهر يزِيد وَينْقص الخ فَلَا تنسه.
وَأَقُول: لَكِن الْمشَاهد فِي دِيَارنَا دمشق الشَّام، وَبَعض أنهارها فِي بعض المحلات كنهر بردى فَإِنَّهُ كثيرا مَا يتْرك أرضه وَيَمْشي فِي أَرض أُخْرَى مَمْلُوكَة للْغَيْر.
ويمر على ذَلِك أَعْوَام كَثِيرَة بِسَبَب انحدار المَاء إِلَى تِلْكَ الارض ويسفلها ويجعلها لَهُ طَرِيقا آخر فتتغير الْحُدُود وَتصير نسيا منسيا، وَعَلِيهِ فالنهر لَا يصلح أَن يكون حدا إِلَّا إِذا كَانَ جَرَيَانه فِي أَرض لَا يُمكن للْمَاء نحرها وتغيير مَحَله بِأَن كَانَت حافتاه مبنيتين بالآجر والاحجار والمؤنة، أَو كَانَ جَرَيَانه فِي أَرض مثقوبة من صَخْر أَو نَحْو ذَلِك، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَوْله: (كَمَا فِي النّسَب) أَي إِذا ادّعى على رجل اسْمه جَعْفَر مثلا، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الاخص فَيَقُول ابْن مُحَمَّد، فَإِن عرف وَإِلَّا ترقى إِلَى الْجد.
قَوْله: (ويكتفي بِذكر ثَلَاثَة) لَان للاكثر حكم الْكل.
زَيْلَعِيّ.
فَيجْعَل الرَّابِع بِإِزَاءِ الثَّالِث حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مبدأ الْجد الاول.
فصولين.
وَفِي الْحَمَوِيّ: وَقَالَ زفر، لَا بُد من ذكر الْحُدُود الاربعة لَان التَّعْرِيف لَا يتم إِلَّا بهَا، وَلنَا أَن للاكثر حكم الْكل، على أَن الطول يعرف بِذكر الحدين وَالْعرض بِأَحَدِهِمَا، وَقد يكون بِثَلَاثَة.
روى عَن أبي يُوسُف: يَكْفِي الِاثْنَان، وَقيل الْوَاحِد، وَالْفَتْوَى على قَول زفر.
وَلذَا لَو قَالَ: غَلطت فِي الرَّابِع لَا يقبل، وَبِه قَالَت الثَّلَاثَة.
وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي يُفْتِي بهَا بقول زفر كَمَا أَشرت إِلَى ذَلِك فِي منظومتي فِيمَا يُفْتى بِهِ من أَقْوَال زفر بِقَوْلِي: دَعْوَى الْعقار بهَا لَا بُد أَرْبَعَة من الْحُدُود وَهَذَا بَين وجلي اهـ ط بِزِيَادَة.
لَكِن قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى المحبية بعد كَلَام طَوِيل: فَإِذا كَانَت الْحُدُود الثَّلَاثَة كَافِيَة عِنْد الائمة الثَّلَاثَة كَانَ الْفَتْوَى على ذَلِك، فَقَوْل زفر لانه لَا بُد من الْحُدُود الاربعة غير مفتى بِهِ اهـ.
أَقُول: وَكَون الْفَتْوَى على قَول زفر لم أَجِدهُ فِي كتب الْمَذْهَب وَلَا فِي نظم سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى الْمسَائِل الْعشْرين الَّتِي يُفْتى بهَا على قَول زفر.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَرَكَ) أَيْ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدُ الرَّابِع صَحَّ، فَحكمهَا فِي التّرْك والغلط وَاحِد.
قَوْله: (وَإِن ذكره) أَي الْحَد الرَّابِع وَغلط فِيهِ لَا: أَي لَا يَصح، وَهُوَ المفتوى بِهِ ط.
لانه يخْتَلف الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِك بِتَرْكِهِ، وَنَظِيره إِذا ادّعى شِرَاء بِثَمَنٍ مَنْقُودٍ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ جِنْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ ذَكَرُوهُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لم تقبل.
كَذَا فِي الزَّيْلَعِيّ.(8/28)
قَوْله: (بِإِقْرَار الشَّاهِد) كَذَا فِي الْبَحْر، وَفِي الْحَمَوِيّ: والغلط إِنَّمَا يثبت بِإِقْرَار الْمُدَّعِي أَنه غلط الشَّاهِد، وَالظَّاهِر أَن الْغَلَط يثبت بهما، أما لَو ادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الْغَلَط لَا تسمع هَذِه الدَّعْوَى، وَلَو أَقَامَ بَيِّنَة لَا تقبل، وَبَيَانه فِي الْبَحْر وَغَيره.
قَوْله: (فصولين) وَعبارَته: وَإِنَّمَا يثبت الْغَلَط بِإِقْرَار الشَّاهِد إِنِّي غَلطت فِيهِ، أما لَو ادَّعَاهُ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا تسمع وَلَا تقبل بَينته، لَان دَعْوَى غلط الشَّاهِد من الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّمَا تكون بعد دَعْوَى الْمُدَّعِي.
وَجَوَاب الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَجَابَ الْمُدَّعِي، فَقَدْ صَدَّقَهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بِهَذِهِ الْحُدُودِ، فَيَصِيرُ بِدَعْوَى الْغَلَطِ مناقضا بعده.
أَوْ نَقُولُ: تَفْسِيرُ دَعْوَى الْغَلَطِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ الْحُدُودِ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ، أَوْ يَقُولُ صَاحِبُ الْحَدِّ لَيْسَ بِهَذَا الِاسْمِ كُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تقبل.
اهـ.
قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ فِي عبارَة الْفُصُولَيْنِ: إِسْقَاط من أصل النُّسْخَة وَلَا بُد مِنْهُ وَهُوَ بعد قَوْله بِدَعْوَى الْغَلَط بعده مناقضا فَيَنْبَغِي أَن يفصل أَيْضا، وَيُمكن أَن يغلط لمُخَالفَته لتحديد الْمُدَّعِي فَلَا تنَاقض.
ثمَّ قَالَ: أَو نقُول الخ، وَقد كتبت على نُسْخَتي جَامع الْفُصُولَيْنِ فِي هَذَا الْمحل كِتَابَة حَسَنَة فَرَاجعهَا فَإِنَّهَا مفيدة وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَيْضا.
أَقُول: لَو قَالَ بعض حُدُوده كَذَا لَا مَا ذكره الشَّاهِد وَالْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَن تقبل بَينته عَلَيْهِ من حَيْثُ إثْبَاته أَن بعض حُدُوده كَذَا فينفي مَا ذكره الْمُدَّعِي ضمنا، فَيكون شَهَادَة على الاثبات لَا على النَّفْي، وَيدل عيه مَسْأَلَة ذكرت فِي فصل التَّنَاقُض أَنه ادّعى دَارا محدودة، فَأجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه ملكي وَفِي يَدي ثمَّ ادّعى أَن الْمُدَّعِي غلط فِي بعض حُدُوده لم يسمع، لَان جَوَابه إِقْرَار بِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْحُدُود، وَهَذَا إِذا
أجَاب بِأَنَّهُ ملكي.
أما لَو أجَاب بقوله لَيْسَ لهَذَا ملكك وَلم يزدْ عَلَيْهِ يُمكن الدّفع بعده بخطأ الْحُدُود.
كَذَا حكى عَن ط أَنه لقن الْمُدعى عَلَيْهِ الدّفع بخطأ الْحُدُود.
أَقُول: دلّ على هَذَا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو برهن على الْغَلَط يقبل، فَدلَّ على ضعف الجوابين الْمَذْكُورين فَالْحق مَا قلت من أَنه يَنْبَغِي أَن يكون على هَذَا التَّفْصِيل وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
قَالَ فِي نور الْعين: جَمِيع مَا ذكره الْمُعْتَرض فِي هَذَا الْبَحْث مَحل نظر كَمَا لَا يخفى على من تَأمل وتدبر اهـ.
أَقُول: والملخص كَمَا ذكره السائحاني أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الْمَحْدُودُ لَيْسَ فِي يَدِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ بَلْ فِي يَدِك وَلَكِنْ حَصَلَ غَلَطٌ فَيُمْنَعُ بِهِ، وَلَوْ تَدَارَكَ الشَّاهِدُ الْغَلَطَ فِي الْمَجْلِسِ يُقْبَلُ أَو فِي غَيره إِذا وفْق.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَوْ غَلِطُوا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ حَدَّيْنِ ثمَّ تداركوا فِي الْمجْلس أَو فِي غَيْرِهِ يُقْبَلُ عِنْدَ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يَقُولَ كَانَ اسْمُهُ فُلَانًا ثُمَّ صَارَ اسْمُهُ فُلَانًا أَو بَاعَ فلَان وَاشْتَرَاهُ الْمَذْكُور.
اهـ.
وَفِيه مسَائِل أَحْبَبْت ذكرهَا هُنَا تتميما للفائدة.
وَفِي ذ: بَين حُدُوده وَلم يبين أَنه كرم أَو أَرض أَو دَار وشهدا كَذَلِك قيل لَا تسمع الدَّعْوَى، وَلَا الشَّهَادَة وَقيل تسمع لَو بَين الْمصر والمحلة والموضع.
ادّعى عشر دبرات أَرض وحد التسع لَا الْوَاحِدَة لَو كَانَت هَذِه الْوَاحِدَة فِي وسط التسع تقبل وَيَقْضِي بِالْجُمْلَةِ لَا لَو على طرف.
جف: ادّعى سُكْنى دَار وَنَحْوه وَبَين حُدُوده لَا يَصح إِذْ السُّكْنَى نقلي فَلَا يحد بشئ.(8/29)
فش: وَإِن كَانَ السُّكْنَى نقليا لَكِن لما اتَّصل بالارض اتِّصَال تأييد كَانَ تَعْرِيفه بِمَا بِهِ تَعْرِيف الارض، إِذْ فِي سَائِر النقليات إِنَّمَا لَا يعرف بالحدود لامكان إِحْضَاره فيستغني بالاشارة إِلَيْهِ عِنْد الْحَد، أما السُّكْنَى فنقله لَا يُمكن لانه مركب فِي الْبناء تركيب قَرَار فالتحق بِمَا لَا يُمكن نَقله أصلا.
اهـ.
أَقُول: وَالْمرَاد بِالسُّكْنَى مَا ركب فِي الارض كَمَا ظهر فِي كَلَامه: أَي لانه مَنْقُول تعسر إِحْضَاره فَلَا يَكْفِي تحديده، وَلَا بُد من الاشارة إِلَيْهِ عِنْد الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة وَالْحكم عَلَيْهِ.
وَقَوله: وَإِن كَانَ السُّكْنَى نقليا الخ هَذَا قَول آخر نَقله عَن فَتْوَى رشيد الدّين: أَي فَيَكْفِي تحديده وَإِن كَانَ نقليا لانه
الْتحق بالعقار لاتصاله بالارض اتِّصَال قَرَار.
أَقُول: وَمِنْه يظْهر حكم حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي مَا لَو أَرَادَ مُتَوَلِّي أَرض وقف مَعْلُومَة انتزاعها من يَد مستأجرها بعد مُضِيّ مُدَّة الاجارة وَرفع يَده عَنْهَا وَكَانَ قد غرس وَبنى فِيهَا الْمُسْتَأْجر بِإِذن متوليها بِحَق الْقَرار فَأثْبت بناءه وأشجاره الْمَوْضُوعَة فِي الارض على الْوَجْه الْمَذْكُور لَدَى الْحَاكِم الشَّرْعِيّ بِذكر حُدُود الارض فَقَط من غير إِشَارَة إِلَى الْبناء والاشجار وَحكم لَهُ الْحَاكِم الشَّرْعِيّ بِحَق الْقَرار فِيهَا فَإِنَّهُ يَصح على هَذَا القَوْل الثَّانِي سِيمَا وَقد اتَّصل بِحكم الْحَاكِم.
وَأَقُول: أَيْضا قد تأيد ذَلِك بِأَمْر السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن كَمَا سمعته فِي الْمَنْقُول الَّذِي يحْتَاج نَقله إِلَى مصرف، وَقد تأيد ذَلِك عِنْدِي بعده بفتوى من مفتي الانام بوأهم الله دَار السَّلَام أفتوا فِيهَا بِصِحَّة حجج الاحترام طبق هَذَا المرام، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فَتَأَمّله منصفا بِكَمَال الالمام.
وَفِيه برمز طظه: شرى علو بَيت لَيْسَ لَهُ سفل يحد السّفل لَا الْعُلُوّ، إِذْ السّفل مَبِيع من وَجه من حَيْثُ إِن قَرَار الْعُلُوّ عَلَيْهِ، فَلَا بُد من تحديده، وتحديده يُغني عَن تَحْدِيد الْعُلُوّ، إِذْ الْعُلُوّ عرف بتحديد السّفل، ولان السّفل أصل والعلو تبع فتحديد الاصل أولى.
قَالَ طى: هَذَا إِذا لم يكن حول الْعُلُوّ حجرَة، فَلَو كَانَت يَنْبَغِي أَن يحد الْعُلُوّ لانه هُوَ الْمَبِيع فَلَا بُد من إِعْلَامه وَهُوَ يحد الْعُلُوّ لانه هُوَ الْمَبِيع فَلَا بُد من إِعْلَامه وَهُوَ يحده وَقد أمكن.
قَوْله: (وَأَسْمَاء أنسابهم) جمعنسب بِمَعْنى مَنْسُوب إِلَيْهِ.
قَالَ فِي الْبَحْر: الْمَقْصُود الاعلام.
اهـ.
وَفِي الْمُلْتَقط: رُبمَا لَا يحد إِلَّا بِذكر الْجد، وَإِذا لم يعرف جده لَا يتَمَيَّز عَن غَيره إِلَّا بِذكر موَالِيه أَو ذكر حرفته أَو وَطنه أَو دكانه أَو حليته إِنَّمَا التَّمْيِيز هُوَ الْمَقْصُود فَيحصل بِمَا قل أَو كثر.
اهـ.
وَلَو ذكر مولى العَبْد وَأَبا مَوْلَاهُ يَكْفِي على الْمُفْتى بِهِ ط.
مطلب: الْمَقْصُود التَّمْيِيز لمعْرِفَة الْحَد
قَوْله: (وَإِلَّا اكْتفى باسمه لحُصُول الْمَقْصُود) قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: أما الدَّارِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ وَلَوْ مَشْهُورًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَمَامُ حَدِّهِ بِذِكْرِ جَدِّ صَاحِبِ الْحَدِّ.
وَعِنْدَهُمَا: التَّحْدِيدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الدَّار الْمَعْرُوف كدار عمر بن الْحَرْث بِكُوفَةَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَكَرَ لَزِيقَ دَارِ فُلَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يَكْفِيهِ إذْ الْحَاجَةُ إلَيْهِمَا لِإِعْلَامِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَهَذَا مِمَّا يحفظ جدا.
اهـ.
وَفِيه: وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضُ الْمَمْلَكَةِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ لِأَنَّهَا فِي يَدِ السُّلْطَانِ بِوَاسِطَةِ يَدِ نَائِبِهِ.
اهـ.
وَهَذَا إِذا كَانَ الامير وَاحِدًا، فَلَو كَانَ اثْنَيْنِ لَا بُد أَن يبين اسْم الامير وَنسبه كَمَا فِي الْخُلَاصَة.(8/30)
رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَقَالَ لَهُ القَاضِي هَل تعرف حُدُود الدَّار؟ قَالَ لَا، ثمَّ ادَّعَاهَا وَبَين الْحُدُود لَا تسمع.
أما إِذا قَالَ لَا أعرف أسامي أَصْحَاب الْحُدُود ثمَّ ذكر فِي الْمرة الثَّانِيَة فَتسمع، وَلَا حَاجَة إِلَى التَّوْفِيق.
كَذَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة.
وفيهَا: وَلَو أَنه قَالَ لَا أعرف الْحُدُود ثمَّ ذكر الْحُدُود بعد ذَلِك ثمَّ قَالَ: عنيت بِقَوْلِي لَا أعرف الْحُدُود وَلَا أعرف أَسمَاء أَصْحَاب الْحُدُود قبل ذَلِك مِنْهُ، وَتسمع دَعْوَاهُ.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
رجل ادّعى محدودة وَذكر حُدُودهَا وَقَالَ فِي تَعْرِيفهَا: وفيهَا أَشجَار، وَكَانَت المحدودة بِتِلْكَ الْحُدُود وَلكنهَا خَالِيَة عَن الاشجار لَا تبطل الدَّعْوَى، وَكَذَا لَو ذكر مَكَان الاشجار الْحِيطَان، وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي قَالَ فِي تَعْرِيفهَا: لَيْسَ فِيهَا شجر وَلَا حَائِط فَإِذا فِيهَا أَشجَار عَظِيمَة لَا يتَصَوَّر حدوثها بعد الدَّعْوَى إِلَّا أَن حُدُودهَا توَافق الْحُدُود الَّتِي ذكر تبطل دَعْوَاهُ.
وَلَو ادّعى أَرضًا ذكر حُدُودهَا وَقَالَ: هِيَ عشر دبرات أَرض أَو عشر جرب، فَكَانَت أَكثر من ذَلِك لَا تبطل دَعْوَاهُ، وَكَذَا لَو قَالَ: هِيَ أَرض يبذر فِيهَا عشر مكاييل فَإِذا هِيَ أَكثر من ذَلِك أَو أقل إِلَّا أَن الْحُدُود وَافَقت دَعْوَى الْمُدَّعِي لَا تبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي، لَان هَذَا خلاف يحْتَمل التَّوْفِيق وَهِي غير محتاجة إِلَيْهِ.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: رجل ادّعى على رجل أَنه وضع على حَائِطه لَهُ خشبا أَو أجْرى على سطحه مَاء أَو دَاره ميزابا أَو ادّعى أَنه فتح فِي حَائِط لَهُ بَابا أَو بنى على حَائِط لَهُ بِنَاء أَو ادّعى أَنه رمى التُّرَاب أَو الزبل فِي أرضه أَو دَابَّة ميتَة فِي أرضه أَو غرس شَجرا أَو مَا فِيهِ فَسَاد الارض وَصَاحب الارض يحْتَاج إِلَى رَفعه وَنَقله، وَصَححهُ دَعْوَاهُ بِأَن بَين طول الْحَائِط وَعرضه وموضعه وَبَين الارض بِذكر الْحُدُود وموضعها، فَإِذا صحت دَعْوَاهُ وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ يتسحلفه على السَّبَب، وَلَو كَانَ صَاحب الْخشب هُوَ
الْمُدَّعِي فَقدم صَاحب الْحَائِط إِلَى القَاضِي وَقَالَ: كَانَ لي على حَائِط هَذَا الرجل خشب فَوَقع أَو قلعته لاعيده وَأَن صَاحب الْحَائِط يَمْنعنِي عَن ذَلِك لَا تسمع دَعْوَاهُ مَا لم يَصح، وَتَصْحِيح الدَّعْوَى بِأَن يبين مَوضِع الْخشب وَأَن لَهُ حق وضع خَشَبَة أَو خشبتين أَو مَا أشبه ذَلِك وَبَين غلظ الْخَشَبَة وخفتها، فَإِذا صحت الدَّعْوَى وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ يحلفهُ القَاضِي على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لهَذَا فِي هَذَا الْحَائِط وضع الْخشب الَّذِي يَدعِي وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي مَوضِع كَذَا من الْحَائِط فِي مقدم الْبَيْت أَو مؤخره حق وَاجِب لَهُ، فَإِذا نكل ألزمهُ القَاضِي حَقه.
اهـ.
قَوْله: (وَذكر أَنه أَي الْعقار فِي يَده الخ) أَي لَان الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يكون خصما إِلَّا إِذا كَانَ الْعقار فِي يَده، فَلَا بُد من ذكره، وَإِنَّمَا خصصه فِي الذّكر، لَان الْكَلَام فِيهِ وَإِلَّا فالمنقول كَذَلِك، وَلذَا جعل صَاحب الْبَحْر الضَّمِير رَاجعا إِلَى الْمُدَّعِي الشَّامِل للمنقول وَالْعَقار.
قَالَ: وَلم أخصصه بالعقار كَمَا فعل الشَّارِح لكَونه شرطا فيهمَا.
اهـ.
وَفِي كَلَامه إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك فِي الدَّعْوَى، أما إِذا شهدُوا بمنقول أَنه فِي ملك الْمُدَّعِي تقبل، وَإِن لم يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق، لانهم شهدُوا بِالْملكِ لَهُ وَملك الانسان لَا يكون فِي يَد غَيره إِلَّا بِعَارِض وَالْبَيِّنَة تكون على مدعي الْعَارِض وَلَا تكون على صَاحب الاصل.
وَقَالَ بَعضهم: مَا لم يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق لَا تقطع يَد الْمُدعى عَلَيْهِ، والاول أصح.
وَفِيمَا سوى الْعقار لَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ لَان القَاضِي يرَاهُ فِي يَده فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَيَان.
كَذَا فِي(8/31)
الْخَانِية.
بَحر.
قَوْله: (إِن كَانَ مَنْقُولًا) هَذَا تكْرَار لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَعَ قَوْله فِيمَا تقدم فِي الْمَنْقُول ذكر أَنه فِي يَده بِغَيْر حق، إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا ذكره مَعَ مَا تقدم ليشير أَن فِي الْعقار لَا يَتَأَتَّى ذَلِك لَان الْيَد لَا تستولي عَلَيْهِ وَلذَا لَا يثبت فِيهِ الْغَصْب.
تَأمل.
قَوْله: (لما مر) أَي من احْتِمَال كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَده: أَي ليصير خصما: أَقُول: هَذَا يَشْمَل الْعقار، فالتقييد لَا يُفِيد، وَهَكَذَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَيزِيد أَيْضا فِي الْعقار عِنْد بعض الْمَشَايِخ كَمَا فِي قاضيخان، وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد كثير من أهل الشُّرُوح، وَمثله فِي الخزانة.
قَوْله: (وَلَا تثبت يَده) أَي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بتصادقهما لَان الْيَد فِيهِ غير مُشَاهدَة، وَلَعَلَّه فِي
يَد غَيرهمَا تواضعا فِيهِ ليَكُون لَهما ذَرِيعَة إِلَى أَخذه بِحكم الْحَاكِم.
عَيْني.
وسيشير إِلَيْهِ الشَّارِح لَكِن اعْترض على تَعْلِيل الْعَيْنِيّ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَل مَا لَا يُمكن حُضُوره إِلَى مجْلِس الحكم كصبرة بر ورحى كَبِيرَة وَنَحْو ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يلْحق بالعقار لمشابهتها لَهُ.
أَقُول: هَذَا الِاعْتِرَاض فِي غَايَة السُّقُوط لما سبق، وسيجئ أَن مَا تعذر نَقله من الْمَنْقُول يحضرهُ القَاضِي أَو يبْعَث أَمينا أَو نَائِبه فَيسمع، وَيَقْضِي ثمَّ يمْضِي القَاضِي، فَفِي صُورَة الْحُضُور مشَاهد أَيْضا، وَفِي صُورَة بعث القَاضِي كالمشاهد، وَلذَلِك أمضى قَضَاءَهُ، بِخِلَاف الْعقار فَإِن كَونه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ قد لَا يُشَاهِدهُ القَاضِي وَإِن حضر عِنْده، وَلذَلِك صَرَّحُوا بِأَن ثُبُوت يَده عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَا غير.
أَقُول: وَهَذَا مِمَّا يَقَعُ كَثِيرًا وَيَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ قُضَاةِ زَمَانِنَا حَيْثُ يُكْتَبُ فِي الصُّكُوكِ فَأَقَرَّ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي إنَّهُ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْعقار وَيشْهد لَهُ شَاهِدَانِ، وَلذَا نظم سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ذَلِك بقوله: وَالْيَد لَا يثبت فِي الْعقار مَعَ التصادق فَلَا تُمَارِي بَلْ يَلْزَمُ الْبُرْهَانُ إنْ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ غصبا أَو شِرَاء مدعي
قَوْله: (بل لَا بُد من بَيِّنَة) أَي من الْمُدَّعِي تشهد أَنهم عاينوه فِي يَده: أَي لصِحَّة الْقَضَاء بِالْملكِ، وَلَا يشْتَرط ذَلِك لصِحَّة الدَّعْوَى.
قَالَ فِي الْخَانِية: قَالَ أَبُو بكر: لَا تقبل بَيِّنَة الْمُدَّعِي على الْملك مَا لم يقم الْبَيِّنَة أَنَّهَا فِي يَد ذِي الْيَد، وَمثله فِي الْقُهسْتَانِيّ بأوضح بَيَان.
ثمَّ قَالَ: وَإِذا شهدُوا أَنه فِي يَده يسألهم القَاضِي أَنهم شهدُوا عَن سَماع أَو مُعَاينَة لانهم رُبمَا سمعُوا إِقْرَاره أَنه فِي يَده، وَهَذَا لَا يخْتَص بِهِ، فَإِنَّهُم لَو شهدُوا على البيع مثلا يسألهم عَن ذَلِك لانها شَهَادَة بِالْملكِ للْبَائِع وَالْملك لَا يثبت بالاقرار.
قَوْله: (أَو علم قَاض) هَذَا بِنَاء على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ، وَكَثِيرًا مَا يذكرُونَهُ فِي الْمسَائِل، والمفتى بِهِ: أَنه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فَعَلَيهِ لَا بُد من الْبَيِّنَة.
قَوْله: (لاحْتِمَال تزويرهما) هُوَ الصَّحِيح، اعْتَرَضَهُ صدر الشَّرِيعَة بِأَن تُهْمَة الْمُوَاضَعَة ثَابِتَة مَعَ إِقَامَة الْبَيِّنَة أَيْضا، فَإِن الدَّار مثلا إِذا كَانَت أَمَانَة فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ فتواضعا على أَن لَا يقر بالامانة فيقيم الْبَيِّنَة على الْيَد، ثمَّ إِنَّهَا ملكه فَيقْضى عَلَيْهِ.
وَأجِيب بِأَن تُهْمَة الْمُوَاضَعَة فِي صُورَة
الاقرار ظَاهِرَة وَقَرِيبَة بل أَكثر، وَفِي صُورَة إِقَامَة الْبَيِّنَة خُفْيَة وبعيدة بل نادرة وَأبْعد، لَان مبْنى ذَلِك على مواضعة الْخَصْمَيْنِ وشاهدي زور وارتكاب ضَرَر، فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا حكم عَلَيْهِ وأخرجت من(8/32)
يَده يتَضَرَّر، فَتدبر.
وَعند الْبَعْض يَكْفِي تَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي يَده، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة، لانه إِن كَانَ فِي يَده وَأقر بذلك فالمدعي يَأْخُذ مِنْهُ إِن ثَبت ملكيته بِالْبَيِّنَةِ أَو بِإِقْرَار ذِي الْيَد أَو نُكُوله، وَإِن لم يكن فِي يَده لَا يكون للْمُدَّعِي ولَايَة الاخذ من ذِي الْيَد، لَان الْبَيِّنَة قَامَت على غير خصم فالضرر لَا يلْحق إِلَّا بِذِي الْيَد، على أَن التزوير يُوجد لَو كَانَت فِي يَده أَمَانَة، وَلم يذكر إِلَّا مُجَرّد أَنَّهَا فِي يَده كَمَا علمت.
قَوْله: (لمعاينة يَده) قدمنَا قَرِيبا الِاعْتِرَاض على هَذَا التَّعْلِيل، وَإِن الِاعْتِرَاض الذُّكُور فِي غَايَة السُّقُوط فَلَا تنسه.
قَوْله: (ثمَّ هَذَا) أَي عدم ثُبُوت الْيَد بالتصادق.
قَوْله: (ملكا مُطلقًا) أَي بِلَا بَيَان سَبَب الْملك.
قَوْله: (فَلَا يفْتَقر لبينة) أَي أَنه فِي يَده بِغَيْر حق كَمَا فِي الْعمادِيَّة وَغَيرهَا، وَظَاهره أَنه يَصح دَعْوَى الْعقار بِلَا بَيَان سَبَب.
وَقَالَ فِي الْبَحْر: فَظهر بِمَا ذَكرْنَاهُ وَأطْلقهُ أَصْحَاب الْمُتُون أَنه يَصح دَعْوَى الْملك الْمُطلق فِي الْعقار، بِلَا بَيَان سَبَب الْملك.
ثمَّ نقل عَن الْبَزَّازِيَّة أَن صِحَة دَعْوَى الْملك الْمُطلق فِي الْعقار فِي بِلَاد لم يقدم بناؤها، أما فِي بلد قدم بِنَاؤُه فَلَا تسمع فِيهِ دَعْوَى الْملك الْمُطلق لوجوه بَينهَا فِيهِ.
وَظَاهره اعْتِمَاد الاول.
هَذَا خُلَاصَة كَلَامه.
وَقيد بِالدَّعْوَى لَان الشَّاهِد إِذا شهد أَنه ملكه وَلم يقل فِي يَده بِغَيْر حق اخْتلفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنه يقبل فِي حق الْقَضَاء بِالْملكِ لَا فِي حق الْمُطَالبَة بِالتَّسْلِيمِ، حَتَّى لَو سَأَلَ القَاضِي الشَّاهِد أهوَ فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق؟ فَقَالَ لَا أَدْرِي يقبل على الْملك، نَص عَلَيْهِ فِي الْمُحِيط كَمَا فِي شَهَادَة الْبَزَّازِيَّة، فَظهر أَن الْمُدَّعِي لَو ادّعى أَنه فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق وطالبه وَشهد شاهداه أَنه ملك الْمُدَّعِي وَأَنه فِي يَده الْمُدعى عَلَيْهِ عَن مُعَاينَة يقْضِي القَاضِي بِالْملكِ وَالتَّسْلِيم، إِذْ لَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يثبت كلا الْحكمَيْنِ بِشَهَادَة فريق وَاحِد أَو فريقين كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان مفصلا.
قَوْله: (لَان دَعْوَى الْفِعْل) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْفرق بَين دَعْوَى الْملك الْمُطلق، وَدَعوى الْفِعْل.
وَحَاصِله: أَن دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ عَلَى ذِي الْيَدِ تصح على غَيره أَيْضا، فَإِنَّهُ يَدعِي عَلَيْهِ
التَّمْلِيك والتملك وَهُوَ كَمَا يتَحَقَّق من ذِي الْيَد يتَحَقَّق من غَيره أَيْضا، فَعدم ثُبُوت الْيَد لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى.
أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطلق فَدَعْوَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا من صَاحب الْيَد، وبإقراره لَا يثبت كَون ذَا يَد لاحْتِمَال الْمُوَاضَعَة.
أَفَادَهُ فِي الْبَحْر.
قَوْله: (وَذكر أَنه يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا، فَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ لِلْقَاضِي مُرْهُ حَتَّى يُعْطِيهِ، وَقيل: تصح وَهُوَ الصَّحِيح.
قُهُسْتَانِيّ.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَفْظَ وَأُطَالِبُهُ بِهِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ مُرْهُ لِيُعْطِيَنِي حَقي، وَأما أَصْحَاب الْفَتَاوَى كالخلاصة جعلُوا اشْتِرَاطه قولا ضَعِيفا، فَالصَّحِيح على مَا فِي الْفَتَاوَى عدم اشْتِرَاط الْمُطَالبَة أصلا.
كَذَا بِخَط شَيخنَا اهـ.
وَمثله فِي الْعُمْدَة، وَسَيَأْتِي فِي دَعْوَى الدّين قَرِيبا.
قَوْله: (لتوقفه) أَي توقف دَعْوَى الْعقار ذكر الضَّمِير، وَإِن كَانَ الْمرجع مؤنثا لاكتسابه التَّذْكِير من الْمُضَاف إِلَيْهِ.
قَوْله: (ولاحتمال رَهنه أَو حَبسه بِالثّمن) أَو لدفع التَّأْجِيل فِي نَحْو الدّين وكل ذَلِك يَزُول بالمطالبة.
قَوْله: (وَبِه) أَي بِذكر أَنه يُطَالِبهُ، لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِحَق.
قَوْله: (اسْتغنى عَن زِيَادَة بِغَيْر حق)(8/33)
فَرجع الْكَلَام إِلَى مُوَافقَة صدر الشَّرِيعَة فِي التَّسْوِيَة بَين الْمَنْقُول وَالْعَقار.
قَوْله: (فَافْهَم) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن ذكر كَونه بِغَيْر حق غير لَازم فِي الْعقار وَالْمَنْقُول لَان الْمُطَالبَة تغني عَنهُ.
قَوْله: (وَلَو كَانَ مَا يَدعِيهِ دينا) أَي فِي الذِّمَّة.
قَوْله: (مَكِيلًا أَو مَوْزُونا) إِنَّمَا قيد بِهِ لانه هُوَ الَّذِي يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة، وَيلْحق بِهِ المذروع إِذا استوفى شُرُوط السّلم، وَكَذَا العددي المتقارب كالجوز وَالْبيض وَاللَّبن الَّذِي سمي فِيهِ ملبنا مَعْلُوما وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُمكن ثُبُوته فِي الذِّمَّة.
قَوْله: (نَقْدا أَو غَيره) تَعْمِيم فِي الْمَوْزُون.
قَوْله: (ذكر وَصفه) أَنه جيد أَو ردئ لانه لَا يعرف إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى ذكر وَصفه إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة، أما إِذا كَانَ فِي الْبَلَد نقد وَاحِد فَلَا.
حموي.
زَادَ فِي الْكَنْزِ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُتُونِ والشروح، وَأما أَصْحَاب الْفَتَاوَى فَجعلُوا اشْتِرَاطه قولا ضَعِيفا كَمَا فِي الْعُمْدَة انْتهى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ هُنَا: أَي فِي دَعْوَى الدّين كَمَا ذكره فِي دَعْوَى الْعقار لِمَا قَالُوا: أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، لَكِنْ هَذَا عِنْدَ
التَّصْرِيحِ بِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ عَدَمِ التَّصْرِيحِ أَصْلًا، أَمَّا لَوْ ذَكَرْت مَسْأَلَةَ فِي الْمُتُونِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِتَصْحِيحِهَا بَلْ صَرَّحُوا بِتَصْحِيحِ مُقَابِلِهَا فَقَدْ أَفَادَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ تَرْجِيحَ الثَّانِي، لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ صَرِيحٌ، وَمَا فِي الْمُتُونِ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ، وَالتَّصْحِيحُ الصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّصْحِيحِ الِالْتِزَامِيِّ: أَيْ الْتِزَامُ الْمُتُونِ ذِكْرُ مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَب كَمَا تقدم فِي رسم الْمُفْتِي أول الْكتاب.
قَالَ ط: وَلَو اسْتغنى عَن ذكر الدّين وَأدْخلهُ فِي جملَة الْمِثْلِيَّات الَّتِي ذكر حكمهَا بعد لَكَانَ أَخْضَر.
قَوْله: (من ذكر الْجِنْس) كحنطة وَالنَّوْع كبلدية أَو حورانية وَالصّفة كجيدة وَالْقدر كعشرة أَقْفِزَة إِن كَانَ كيليا وَعشرَة أَرْطَال إِن كَانَ وزنيا.
قَوْله: (وَسبب الْوُجُوب) بِأَن يَقُول بِسَبَب بيع صَحِيح جرى بَينهمَا.
قَوْله: (لم تسمع) وَكَذَا لَو ادّعى مَالا بِسَبَب لَهُ كحساب جرى بَينهمَا لَا يَصح، لَان الْحساب لَا يصلح سَببا لوُجُوب المَال كَمَا فِي مُشْتَمل الاحكام والهندية عَن الْخُلَاصَة.
وَفِي الاشباه: لَا يلْزم الْمُدَّعِي بَيَان السَّبَب وَتَصِح بِدُونِهِ، إِلَّا فِي الْمِثْلِيَّات وَدَعوى الْمَرْأَة لدين على تَرِكَة زَوجهَا، فَلَو ادّعى مَكِيلًا مثلا فَلَا بُد من بَيَان سَبَب الْوُجُود لاخْتِلَاف الاحكام باخْتلَاف الاسباب حَتَّى من أسلم يحْتَاج إِلَى بَيَان مَكَان الايفاء تَحَرُّزًا عَن النزاع.
وَكَذَا لَو ادَّعَت الْمَرْأَة على تَرِكَة الزَّوْج لم تسمع مَا لم تبين السَّبَب، لجَوَاز أَن يكون دين النَّفَقَة وَهِي تسْقط بِمَوْتِهِ جملَة.
اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّة: وَإِن وَقعت الدَّعْوَى فِي الدّين فَلَا بُد من بَيَان السَّبَب، لانه لَا يجب فِي الذِّمَّة إِلَّا بالاستهلاك، بِخِلَاف دَعْوَى الاملاك والاعيان فَلَا يحْتَاج.
مطلب: فِيمَا يجب ذكره فِي دَعْوَى العقد
قَوْله: (فِي مَكَان عَيناهُ) هَذَا عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا فِي مَكَان العقد، وَهَذَا فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، وَمَا لَا حمل لَهُ كمسك لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ اتِّفَاقًا، ويوفي حَيْثُ شَاءَ كَمَا تقدم فِي السّلم.
وَيَنْبَغِي على قَوْلهمَا أَن يذكر فِي الدَّعْوَى مَكَان العقد فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، لَان عِنْدهمَا يجب تَسْلِيمه فِيهِ يُرَاجع.
وَقدمنَا فِي هَذَا الْبَاب أَنه يذكر فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ أَعْلَامِ جِنْسِ رَأْسِ المَال وَغَيره ونوعه(8/34)
وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ وَزْنِيًّا وَانْتِقَادٍ بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصح الخ، فَرَاجعه..
قَوْله: (وَفِي نَحْو قرض
الخ) أَي وَفِي دَعْوَى نَحْو الْقَرْض الخ، وَلَا بُد أَن يذكر أَنه أقْرضهُ كَذَا من مَال نَفسه، لجَوَاز أَن يكون وَكيلا بالاقراض، وَالْوَكِيل بالاقراض سفير ومعبر لَا يُطَالب بالاداء، وَيذكر أَيْضا أَنه صرف ذَلِك إِلَى حَاجَة نَفسه ليصير ذَلِك دينا عَلَيْهِ إِجْمَاعًا، لَان الْقَرْض عِنْد أبي يُوسُف ف لَا يصير دينا فِي ذمَّة الْمُسْتَقْرض إِلَّا بصرفه فِي حوائج نَفسه هـ.
فَلَو كَانَ بَاقِيا عِنْد الْمُسْتَقْرض لَا يصير دينا عِنْده، وَنَحْو الْقَرْض ثمن الْمَبِيع، فَإِنَّهُ يتَعَيَّن مَكَان العقد للايفاء ط.
قَالَ صدر الاسلام: لَا يشْتَرط بَيَان مَكَان الايفاء فِي الْقَرْض وَتَعْيِين مَكَان العقد.
هندية عَن الْوَجِيز الْكرْدِي.
قَوْله: (وغصب واستهلاك فِي مَكَان الْقَرْض) وَهَذَا فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة، وَإِلَّا فَلَا كَمَا تقدم قَرِيبا.
قَوْله: (وَنَحْوه) أَي من الْغَصْب والاستهلاك فَيتَعَيَّن مكانهما للتسليم، وَقد مثل ذَلِك فِي الْبَحْر بِالْحِنْطَةِ لما أَن مَحل ذَلِك فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة.
مطلب: فِي كَلَام الْمُتُون والشروح فِي الدَّعْوَى قُصُور إِذا لم يبينوا بَقِيَّة الشُّرُوط قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن فِي كَلَام أَصْحَاب الْمُتُون والشروح فِي دَعْوَى قصورا، فَإِنَّهُم لم يبينوا بَقِيَّة شَرَائِط دَعْوَى الدّين وَلم يذكرُوا دَعْوَى العقد.
أما الاول: فَفِي دَعْوَى البضاعة والوديعة بِسَبَب مَوته مجهلا لَا بُد أَن يبين قِيمَته يَوْم مَوته إِذْ هُوَ يَوْم الْوُجُوب، وَفِي الْمُضَاربَة بِمَوْت الْمضَارب مجهلا لَا بُد من ذكر أَن مَال الْمُضَاربَة يَوْم مَوته نقد أَو عرض، لَان الْعرض يَدعِي قِيمَته، وَفِي مَال الشّركَة لَا بُد من ذكر أَنه مَاتَ مجهلا لمَال الشّركَة أَو للْمُشْتَرِي بمالها إِذْ مَالهَا يضمن بِمثلِهِ وَالْمُشْتَرِي بمالها يضمن بِالْقيمَةِ.
وَلَو ادّعى مَالا بكفالة لَا بُد من بَيَان المَال بِأَيّ سَبَب لجَوَاز بُطْلَانهَا، إِذْ الْكفَالَة بِنَفَقَة الْمَرْأَة إِذا لم تذكر مُدَّة مَعْلُومَة لَا تصح إِلَّا أَن يَقُول: مَا عِشْت أَو دمت فِي نِكَاحه وَالْكَفَالَة بِمَال الْكِتَابَة لَا تصح، وَكَذَا بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة، وَلَا بُد أَن يَقُول: وَأَجَازَ الْمَكْفُول لَهُ الْكفَالَة فِي مجْلِس الْكفَالَة، حَتَّى لَو قَالَ فِي مَجْلِسه لم يجز وَلَا يشْتَرط بَيَان الْمَكْفُول عَنهُ كَمَا فِي الْخَانِية.
وَلَو ادَّعَت امْرَأَة مَالا على وَرَثَة الزَّوْج لم يَصح مَا لم تبين السَّبَب لجَوَاز أَن يكون دين النَّفَقَة، وَهِي تسْقط بِمَوْتِهِ.
وَفِي دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت لَو كتب توفّي بِلَا أَدَائِهِ وَخلف من التَّرِكَة بيد هَذَا الْوَارِث مَا يَفِي تسمع هَذِه الدَّعْوَى وَإِن لم يبين أَعْيَان التَّرِكَة وَبِه يُفْتى.
لَكِن إِنَّمَا يَأْمر القَاضِي الْوَارِث بأَدَاء الدّين لَو ثَبت وُصُول التَّرِكَة إِلَيْهِ، وَلَو أنكر
وصولها إِلَيْهِ لَا يُمكن إثْبَاته إِلَّا بعد بَيَان أَعْيَان التَّرِكَة فِي يَده لما يحصل بِهِ الاعلام.
وَلَو ادّعى الدّين بِسَبَب الوراثة لَا بُد من بَيَان كل ورثته وَفِي دَعْوَى السّعَايَة بِهِ إِلَى الْحَاكِم لَا يجب ذكر قَابض المَال، وَلَكِن فِي محْضر دَعْوَاهَا لابد أَن يبين السّعَايَة لينْظر أَنه هَل يجب الضَّمَان عَلَيْهِ لجَوَاز أَنه سعى بِحَق فَلَا يضمن.
وَلَو ادّعى الضَّمَان على الْآمِر أَنه أَمر فلَانا وَأخذ مِنْهُ كَذَا تصح الدَّعْوَى على الامر لَو سُلْطَانا، وَإِلَّا فَلَا.
مطلب: فِي شُرُوط العقد وَأما دَعْوَى العقد من بيع وَإِجَارَة وَوَصِيَّة وَغَيرهَا من أَسبَاب الْملك لَا بُد من بَيَان الطوع وَالرَّغْبَة بِأَن يَقُول: بَاعَ فلَان مِنْهُ طَائِعا أَو رَاغِبًا فِي حَال نَفاذ تصرفه لاحْتِمَال الاكراه.
وَفِي ذكر التخارج وَالصُّلْح عَن التَّرِكَة لَا بُد من بَيَان أَنْوَاع التَّرِكَة، وتحديد الْعقار، وَبَيَان قيمَة كل نوع، ليعلم أَن الصُّلْح(8/35)
لم يَقع على أَزِيد من قيمَة نصِيبه، لانهم لَو استهلكوا التَّرِكَة ثمَّ صَالحُوا الْمُدَّعِي على أَزِيد من نصِيبه لم يجز عِنْدهم، كَمَا فِي الْغَصْب إِذا استهلكوا الاعيان وصالحوا، وَفِي دَعْوَى البيع مكْرها لَا حَاجَة إِلَى تعْيين الْمُكْره.
هَذَا مَا حررته من كَلَامهم.
اهـ.
قلت: إِنَّمَا تركُوا ذكر ذَلِك لذكرهم حكم كل وَاحِد فِي بَابه، وَفِي كتب الشُّرُوط استوفوا هَذَا.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَإِن ادّعى الْحِنْطَة أَو الشّعير بالامناء فالمختار للْفَتْوَى أَنه يسْأَل الْمُدَّعِي عَن دَعْوَاهُ، فَإِن ادّعى بِسَبَب الْقَرْض والاستهلاك لَا يُفْتى بِالصِّحَّةِ، وَإِن ادّعى بِسَبَب بيع عين من أَعْيَان مَاله بحنطة فِي الذِّمَّة أَو بِسَبَب السّلم يُفْتى بِالصِّحَّةِ، هَكَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَإِن ادّعى مكايلة حَتَّى صحت الدَّعْوَى بِلَا خلاف وَأقَام الْبَيِّنَة على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْحِنْطَةِ أَو بِالشَّعِيرِ وَلم يذكر الصّفة فِي إِقْرَاره قبلت الْبَيِّنَة فِي حق الْجَبْر على الْبَيَان، لَا فِي حق الْجَبْر على الاداء.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
وَفِي الذّرة والمج: يعْتَبر الْعرف.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
إِذا ادّعى الدَّقِيق بالقفيز لَا تصح، وَمَتى ذكر الْوَزْن حَتَّى صحت دَعْوَاهُ لَا بُد أَن يذكر دَقِيق
منخول أَو غير منخول مخبوز أَو غير مخبوز والجودة والوساطة والرداءة.
هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة.
وَإِذا ادّعى على آخر مائَة عدالية غصبا وَهِي مُنْقَطِعَة عَن أَيدي النَّاس يَوْم الدَّعْوَى يَنْبَغِي أَن يَدعِي قِيمَته، غير أَن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى تعْتَبر الْقيمَة يَوْم الدَّعْوَى وَالْخُصُومَة.
وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الْغَصْب، وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الِانْقِطَاع، وَلَا بُد من بَيَان سَبَب وجوب الدَّرَاهِم فِي هَذِه الصُّورَة.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَفِي الدّين: لَو ادّعى الْمَدْيُون أَنه بعث كَذَا من الدَّرَاهِم إِلَيْهِ أَو قضى فلَان دينه بِغَيْر أمره صحت الدَّعْوَى وَيحلف، وَلَو ادّعى عَلَيْهِ قرض ألف دِرْهَم وَقَالَ: وصل إِلَيْك بيد فلَان وَهُوَ مَالِي لَا تسمع دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْعين.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَفِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة بِمَوْت الآخر: إِذا كَانَت الاجرة دَرَاهِم أَو عدالية يَنْبَغِي أَن يذكر كَذَا دَرَاهِم كَذَا عدالية رائجة من وَقت العقد إِلَى وَقت الْفَسْخ.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَفِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة لَا يشْتَرط تَحْدِيد الْمُسْتَأْجر، وَكَذَا ثمن مَبِيع مَقْبُوض، وَلم يبين البيع أَو مَحْدُود وَلم يحدده وَهُوَ الاصح.
وَلَو ادّعى على آخر أَنه اسْتَأْجر الْمُدَّعِي لحفظ عين معِين سَمَّاهُ، وَوَصفه كل شهر بِكَذَا وَقد حفظه مُدَّة كَذَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاء الاجرة الْمَشْرُوطَة، وَلم يحضر ذَلِك الْعين فِي مجْلِس الدَّعْوَى يَنْبَغِي أَن تصح الدَّعْوَى اهـ.
وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط حَضْرَة الْمُسْتَعِير مَعَ الْمُعير فِي دَعْوَى الْمُسْتَعَار وحضرة الْمُودع مَعَ الْمُودع فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة، وَكَذَا فِي اشْتِرَاط حُضُور الْمزَارِع مَعَ رب الارض فِي دَعْوَى الارض.
بَزَّازِيَّة.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: تشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي دَعْوَى عين رهن وَالْعَارِية والاجارة كَالرَّهْنِ، وَأما حَضْرَة الْمزَارِع فَهَل هِيَ شَرط فِي دَعْوَى الضّيَاع إِن كَانَ الْبذر من الْمزَارِع فَهُوَ كالمستأجر يشْتَرط حُضُوره، وَإِن لم يكن الْبذر مِنْهُ إِن نبت الزَّرْع فَكَذَلِك ك، وَإِن لم ينْبت لَا يشْتَرط.
هَذَا فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق.
أما إِذا ادّعى على آخر غصب ضيعته وَأَنَّهَا فِي يَد الْمزَارِع فَلَا تشْتَرط حَضْرَة الْمزَارِع لانه يَدعِي عَلَيْهِ الْفِعْل، وَلَو كَانَت الدَّار فِي يَد البَائِع بعد البيع فجَاء مُسْتَحقّ واستحقها لَا يقْضِي بِالدَّار لَهُ إِلَّا بِحَضْرَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَلَو ادّعى مسيل مَاء فِي دَار الآخر لَا بُد أَن يبين أَنه مسيل(8/36)
مَاء الْمَطَر أَو مَاء الْوضُوء، وَيَنْبَغِي أَن يبين مَوضِع المسيل أَنه فِي مقدم الْبَيْت أَو مؤخره.
وَلَو ادّعى طَرِيقا فِي دَار الآخر يَنْبَغِي أَن يبين طوله وَعرضه وموضعه فِي الدَّار.
جَامع الْفُصُولَيْنِ.
وَفِيه وَفِي دَعْوَى الاكراه على بيع وَتَسْلِيم يَنْبَغِي أَن يَقُول: بِعته مكْرها وسلمته مكْرها ولي حق فَسخه فافسخه، وَلَو قبض ثمنه يذكر وقبضت ثمنه مكْرها، ويبرهن على كل ذَلِك.
أما لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه ملكي وَفِي يَده بِغَيْر حق لَا تسمع، إِذْ بيع الْمُكْره يُفِيد الْملك بِقَبْضِهِ، فالاسترداد بِسَبَب فَسَاد البيع يَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك.
وفيهَا لَو ادّعى فَسَاد البيع يستفسر عَن سَبَب فَسَاده لجَوَاز أَن يظنّ الصَّحِيح فَاسِدا، وَفِي دَعْوَى البيع مكْرها لَا حَاجَة إِلَى تعْيين الْمُكْره، كَمَا لَو ادّعى السّعَايَة فَلَا حَاجَة إِلَى تعْيين العون.
قَوْله: (وَيسْأل القَاضِي) أَي بِطَلَب الْمُدَّعِي وَقيل: إِن كَانَ الْمُدَّعِي جَاهِلا يسْأَل القَاضِي الْمُدعى عَلَيْهِ بِدُونِ طلبه.
اهـ.
سراجية.
وفيهَا: إِذا حضر الخصمان لَا بَأْس أَن يَقُول مَا لَكمَا، وَإِن شَاءَ سكت حَتَّى يبتدئاه بالْكلَام، وَإِذا تكلم الْمُدَّعِي يسكت الآخر وَيسمع مقَالَته، فَإِذا فرغ يَقُول للْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِطَلَب الْمُدَّعِي مَاذَا تَقول.
وَقيل إِن الْمُدَّعِي إِذا كَانَ جَاهِلا فَإِن القَاضِي يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ بِدُونِ طلب الْمُدَّعِي.
اهـ.
وَفِي شَهَادَات الخزانة: يجوز للْقَاضِي أَن يَأْمر رجلا يعلم الْمُدَّعِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَة إِذا كَانَ لَا يقدر عَلَيْهَا وَلَا يحسنها.
اهـ.
قَوْله: (بعد صِحَّتهَا) أَي إِذا جَازَت وَقَامَت دَعْوَى الْمُدَّعِي برعاية مَا سبق من شُرُوط صِحَّتهَا.
قَوْله: (لعدم وجوب جَوَابه) الاولى أَن يُعلل بِعَدَمِ الْبَاعِث على السُّؤَال، فَتَأمل ط.
قَوْله: (قَوْله فِيهَا) إِنَّمَا قدره فِرَارًا من اسْتِعْمَال قضى الْآتِي فِي كَلَام المُصَنّف فِي حَقِيقَته ومجازه، لَان الاقرار حجَّة ملزمة بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَضَاء، فإطلاق اسْم الْقَضَاء فِيهِ مجَاز عَن الامر بِالْخرُوجِ عَمَّا لزمَه بالاقرار كَمَا صرح بِهِ فِي التَّبْيِين اهـ ح.
بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِن الشَّهَادَة خبر مُحْتَمل بِالْقضَاءِ تصير حجَّة وَسقط احْتِمَال الْكَذِب.
كَذَا فِي التَّبْيِين.
فَقَوْل الشَّارِح فِيهَا أَي فبالقضية الْمَطْلُوبَة حصل الْمَقْصُود وَلَزِمَه الْحق سَوَاء قضى بِهِ القَاضِي أَو لَا، وبالقضاء لَا يثبت أَمر زَائِد، أَلا يرى أَنه يلْزمه الْحق بِإِقْرَارِهِ عِنْد غير القَاضِي، أَو أنكر الْخصم فبرهن الْمُدَّعِي قضى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَزِمَه الْحق بِالْقضَاءِ وَيثبت حكم الْبَيِّنَة بِهِ، أما بِدُونِ
الْقَضَاء فَلَا يثبت بِالْبَيِّنَةِ حكم، وَكَذَا لَا تعْتَبر فِي غير مجْلِس القَاضِي.
قَالَ فِي الاشباه: لَا يجوز للْمُدَّعى عَلَيْهِ الانكار إِذا كَانَ عَالما بِالْحَقِّ، إِلَّا فِي دَعْوَى الْعَيْب فَإِن للْبَائِع إِنْكَاره ليقيم المُشْتَرِي الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ليتَمَكَّن من الرَّد على بَائِعه، وَفِي الْوَصِيّ إِذا علم بِالدّينِ.
كَذَا فِي بُيُوع النَّوَازِل.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا فِي الْكتاب أَن القَاضِي لَا يُمْهل الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا استمهله، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَفِي الْبَزَّازِيَّة: ويمهله ثَلَاثَة أَيَّام إِن قَالَ الْمَطْلُوب لي دفع وَإِنَّمَا يمهله هَذِه الْمدَّة لانهم كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام أَو جُمُعَة، فَإِن كَانَ يجلس كل يَوْم وَمَعَ هَذَا أمهله ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ، فَإِن مَضَت لمُدَّة وَلم يَأْتِ بِالدفع حكم اهـ.
قَوْله: (أَو أنكر فَبَرْهَنَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ عَلَى مقرّ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا فِي الْكتاب أَن الْبَيِّنَة لَا تُقَام إِلَّا على مُنكر فَلَا تُقَام على مقرّ.
وكتبنا فِي فَوَائِد كتاب(8/37)
الْقَضَاء أَنَّهَا تُقَام على الْمقر فِي وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ عَلَيْهِ لِلتَّعَدِّي، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ، ثمَّ زِدْت الْآن رَابِعا من جَامع الْفُصُولَيْنِ من فصل الِاسْتِحْقَاق قَالَ: المرجوع عَلَيْهِ عِنْد الِاسْتِحْقَاق لَو أقرّ الِاسْتِحْقَاق وَمَعَ ذَلِك برهن الرَّاجِع على الِاسْتِحْقَاق كَانَ لَهُ أَن يرجع على بَائِعه إِذْ الحكم وَقع بِبَيِّنَة لَا بِإِقْرَار، لانه مُحْتَاج إِلَى أَن يثبت عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاق ليمكنه الرُّجُوع على بَائِعه.
وَفِيه لَو برهن الْمُدَّعِي ثمَّ أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بِالْملكِ لَهُ يقْضِي لَهُ بالاقرار لَا بِبَيِّنَة، إِذا الْبَيِّنَة إِنَّمَا تقبل على الْمُنكر لَا على الْمقر.
وَفِيه من مَوضِع آخر: فَهَذَا يدل على جَوَاز إِقَامَتهَا مَعَ الاقرار فِي كل مَوضِع يتَوَقَّع الضَّرَر من غير الْمقر لولاها فَيكون هَذَا أصلا.
اهـ.
قَوْله: (بِلَا طلب الْمُدَّعِي) وإعلامه الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه يُرِيد الْقَضَاء عَلَيْهِ أدب غير لَازم وَتقدم فِي الْقَضَاء أَنه مَتى قَامَت الْبَيِّنَة العادلة وَجب على القَاضِي الحكم بِلَا تَأْخِير.
مطلب: لَا يجوز للْقَاضِي تَأْخِير الحكم بعد شَرَائِطه إِلَّا فِي ثَلَاث قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ شَرَائِطه إِلَّا فِي ثَلَاث مَوَاضِع: الاولى: رَجَاء الصُّلْح بَين الاقارب.
الثَّانِيَة: إِذا استمهل الْمُدَّعِي.
الثَّالِثَة: إِذا كَانَ عِنْده رِيبَة اهـ.
قَوْله: (وَإِلَّا حلفه الْحَاكِم) لانه لَا بُد أَولا من سُؤال القَاضِي الْمُدَّعِي بعد إِنْكَار الْخصم عَن الْبَيِّنَة ليتَمَكَّن من
الِاسْتِحْلَاف لَان النَّبِي (ص) قَالَ للْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَة؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: لَك يَمِينه سَأَلَ ورتب الْيَمين على عدم الْبَيِّنَة، وَإِنَّمَا تعْتَبر إِقَامَتهَا بعد الانكار والاستشهاد من الْمُدَّعِي، حَتَّى لَو شهدُوا بعد الدَّعْوَى والانكار بِدُونِ طلب الْمُدَّعِي الشَّهَادَة لَا تسمع عِنْد الطَّحَاوِيّ، وَعند غَيره تسمع كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
وفيهَا: ثمَّ بعد صِحَة الدَّعْوَى إِنَّمَا يسْتَحْلف فِيهَا سوى الْقصاص بِالنَّفسِ فِي مَوضِع يجوز الْقَضَاء بِالنّكُولِ.
وَفِي مَوضِع: لَا يجوز الْقَضَاء بِالنّكُولِ لَا يجوز الِاسْتِحْلَاف.
وتحليف الاخرس أَن يُقَال لَهُ عَلَيْك عهد الله وميثاقه أَنه كَانَ كَذَا فيشير بنعم.
بَحر.
وَإِنَّمَا يظْهر لَو كَانَ يسمع.
وَانْظُر حكم الاخرس الَّذِي لَا يسمع، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَلَا الْوَصِيّ فِي مَال الْيَتِيم وَلَا الْمُتَوَلِي فِي مَال الْوَقْف، وَسَيَأْتِي فِي كَلَام المُصَنّف وَيذكر تَمَامه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (بعد طلبه) قيد بِهِ لَان الْحلف حَقه، وَلِهَذَا أضيف إِلَيْهِ بِحرف اللَّام فِي الحَدِيث وَهِي للتَّمْلِيك، وَإِنَّمَا صَار حَقًا لَهُ لَان الْمُنكر قصد إتواء حَقه على زَعمه بالانكار فمكنه الشَّارِع من إتواء نَفسه بِالْيَمِينِ الكاذبة، وَهِي الْغمُوس إِن كَانَ كَاذِبًا كَمَا يزْعم وَهُوَ أعظم من إتواء المَال، وَإِلَّا يحصل للْحَالِف الثَّوَاب بِذكر الله تَعَالَى، وَهُوَ صَادِق على وَجه التَّعْظِيم، وَلَا بُد أَن يكون النّكُول فِي مجْلِس الْقَضَاء لَان الْمُعْتَبر يَمِين قَاطع للخصومة، وَلَا عِبْرَة للْيَمِين عِنْد غَيره.
وَلَو حلفه القَاضِي بِغَيْر طلبه ثمَّ طلب الْمُدَّعِي التَّحْلِيف فَلهُ أَن يحلفهُ ثَانِيًا كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
وَلَو حلف بِطَلَب الْمُدَّعِي بِدُونِ تَحْلِيف القَاضِي لم يعْتَبر، وَإِن كَانَ بَين يَدَيْهِ، لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي بِطَلَب الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْقنية.
وَيَأْتِي تَمَامه فِي كَلَام المُصَنّف.
وَأطلق الْحَالِف فَيشْمَل الْمُسلم وَالْكَافِر وَلَو مُشْركًا، إِذْ لَا يُنكر أحد مِنْهُم الصَّانِع فيعظمون اسْم الله تَعَالَى ويعتقدون حرمته، لَا الدهرية والزنادقة وَأهل الاباحة، وَهَؤُلَاء أَقوام لم يتجاسروا على إِظْهَار نحلهم فِي عصر من الاعصار إِلَى يَوْمنَا هَذَا، وَنَرْجُو من فضل الله تَعَالَى على أمة حَبِيبه أَن لَا يقدرهم على إِظْهَار مَا انتحلوه(8/38)
إِلَى انْقِضَاء الدُّنْيَا كَمَا فِي الْبَدَائِع.
ثمَّ إِذا حلف لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَامَهَا وَقُضِيَ لَهُ بِهَا.
دُرَر.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؟ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ
شَاهد الزُّور.
اهـ.
وَفِيه أَيْضا أَنه لَا يَحْنَث لَو كَانَ حلفه بِالطَّلَاق وَنَحْوه.
وَقيل عِنْد أبي يُوسُف، يظْهر كذبه.
وَعند مُحَمَّد: لَا يظْهر.
اهـ.
وَفِي الْخَانِية: وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد: يظْهر أَيْضا، وَالْفَتْوَى على أَنه يَحْنَث، وَهَكَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة وَذكر فِي المنبع.
وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ف ثمَّ برهن ظهر كذبه، وَإِنْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ، لِجَوَازِ أَنَّهُ وجد الْقَرْض مثلا ثمَّ وجد الابراء أَو الايفاء.
اهـ.
وَهَكَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، فَظهر أَن مَا اخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيّ وَتَبعهُ فِي الدُّرَر من الصَّوَاب خلاف مَا يُفْتى بِهِ، سِيمَا وَقع فِي أَمر الدّين.
تدبر
قَوْله: (إِذْ لَا بُد من طلب الْيَمين فِي جَمِيع الدَّعَاوَى) قَالَ فِي الاشباه: الاصح أَنه لَا تَحْلِيف فِي الدّين الْمُؤَجل قبل حُلُوله، لانه لَا تسوغ لَهُ الْمُطَالبَة حَتَّى يَتَرَتَّب على إِنْكَاره التَّحْلِيف.
اهـ.
وَإِذا أَرَادَ تَحْلِيفه يَنْبَغِي للْمُدَّعى عَلَيْهِ أَن يسْأَل القَاضِي إِن الْمُدَّعِي يَدعِي حَالَة أم نَسِيئَة، فَإِن قَالَ حَالَة يحلف بِاللَّه مَا لَهُ عَليّ هَذِه الدَّرَاهِم الَّتِي يدعيها ويسعه ذَلِك كَمَا فِي الْبَحْر.
مطلب: يحلف بِلَا طلب فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع
قَوْله: (إِلَّا عِنْد الثَّانِي فِي أَربع) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيف إِلَّا بعد طلب عِنْدهمَا فِي جَمِيع الدَّعَاوَى وَعند أبي يُوسُف: يسْتَحْلف بِلَا طلب فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع فِي الرَّد بِالْعَيْبِ: يسْتَحْلف المُشْتَرِي على عدم الرِّضَا بِهِ، وَالشَّفِيع على عدم إِبْطَاله الشُّفْعَة، وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِب تستحلف أَنَّهَا لم يطلقهَا زَوجهَا وَلم يتْرك لَهَا شَيْئا وَلَا أَعْطَاهَا النَّفَقَة، وَالرَّابِع الْمُسْتَحق يحلف بِاللَّه تَعَالَى مَا بِعْت وَهَذَا بِنَاء على جَوَاز تلقين الشَّاهِد.
اهـ.
والاولى: أَن يحلف على أَنه لم يستوفه كلا أَو بَعْضًا بِالذَّاتِ أَو بالواسطة وَلم يُبرئهُ مِنْهُ، وَلم يكن عِنْده بِهِ رهن أَو بشئ مِنْهُ، وَقَوله بِاللَّه مَا بِعْت فِيهِ قُصُور، والاولى أَن يحلف بِاللَّه مَا خرج عَن ملكك ليشْمل مَا لَو خرج عَن ملكه بِالْبيعِ وَغَيره، وَانْظُر للْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَكَذَا يحلف القَاضِي الْبكر الطالبة للتفريق أَنَّهَا اخْتَارَتْ الْفرْقَة حِين بلغت وَإِن لم يَطْلُبهُ الزَّوْج كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
قَالَ فِي التَّتِمَّة: وَلَو ادّعى دعاوى مُتَفَرِّقَة لَا يحلفهُ القَاضِي على كل شئ مِنْهَا، بل يجمعها ويحلفه يَمِينا وَاحِدَة على كلهَا إِذا برهن فَإِنَّهُ يحلف كَمَا وَصفنَا، وَهِي فِي الْخُلَاصَة.
قَوْله: (قَالَ) أَي البزازي.
قَوْله: (وَأَجْمعُوا على التَّحْلِيف) أَي وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَمَا فِي الاشباه عَن التاترخانية، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ مِنْ الْقَضَاءِ.
قَوْله: (فِي دَعْوَى الدّين) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا خُصُوصِيَّة لدعوى الدّين بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَة وأثبته بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يحلف من غير خصم، بل وَإِن أَبى الْخصم كَمَا صرح بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّة لانه حق الْمَيِّت أَنه مَا استوفى حَقه وَهُوَ مثل حُقُوق الله تَعَالَى يحلف من غير دَعْوَى.
كَذَا فِي الْوَلوالجِيَّة.
اهـ.
وَقيد بإثباته بالبنية لانه لَو أقرّ بِهِ الْوَارِث أَو نكل عَن الْيَمين(8/39)
المتوجهة عَلَيْهِ لَا يحلف كَمَا يعلم من مَسْأَلَة إِقْرَار الْوَرَثَة بِالدّينِ وَمِمَّا قدمْنَاهُ من كَون الاقرار حجَّة بِنَفسِهِ، بِخِلَاف الْبَيِّنَة.
تَأمل.
لَكِن ذكر فِي خزانَة أبي اللَّيْث خَمْسَة نفر جَائِز للْقَاضِي تحليفهم، ثمَّ قَالَ: وَرجل ادّعى دينا فِي التَّرِكَة يحلفهُ القَاضِي بِاللَّه الْعَظِيم جلّ ذكره مَا قَبضته.
اهـ.
فَهَذَا مُطلق وَمَا هُنَا مُقَيّد بِمَا إِذا أثْبته بِالْبَيِّنَةِ، وتعليلهم بِأَنَّهُ حق الْمَيِّت رُبمَا يُعَكر على مَا تقدم.
وَقد يُقَال: التَّرِكَة ملكهم خُصُوصا عِنْد عدم دين على الْمَيِّت، وَقد صَادف إقرارهم ملكهم فَأنى يرد، بِخِلَاف الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا حجَّة قَائِمَة من غَيرهم عَلَيْهِم فيحتاط فِيهَا، وَأما الاقرار فَهُوَ حجَّة مِنْهُم على أنفسهم فَلَا يتَوَقَّف على شئ آخر.
وَأَقُول: يَنْبَغِي أَن يحلفهُ القَاضِي مَعَ الاقرار فِيمَا إِذا كَانَ فِي التَّرِكَة دين مُسْتَغْرق لعدم صِحَة إقرارهم فِيهَا وَالْحَال هَذِه فيحلفه القَاضِي بِطَلَب الْغُرَمَاء إِذا أَقَامَ بَيِّنَة وَبِغير طَلَبهمْ، لَكِن إِذا صدقوه شاركهم لانهم أقرُّوا بِأَن هَذَا الشئ الَّذِي هُوَ بَينهم خَاص بهم لهَذَا فِيهِ شركَة مَعنا بِقدر دينه.
تَأمل.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ، هَلْ يَحْلِفُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يحلف احْتِيَاطًا.
اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: يَنْبَغِي أَن لَا يتَرَدَّد فِي التَّحْلِيف أخذا من قَوْلهم الدُّيُون تقضى بأمثالها لَا بِأَعْيَانِهَا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ قد ادّعى حَقًا للْمَيت.
اهـ.
ذكره الْغَزِّي.
وَأَقُول: يَنْبَغِي أَن يُقَال بدل اللَّام على كَمَا هُوَ ظَاهر.
وَأَقُول: قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا باستصحاب الْحَال وَقد استوفى فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ.
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الدَّيْنِ فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى حَقِيقَةِ الدَّفْعِ فَانْتَفَى الِاحْتِمَال الْمَذْكُور، فَكيف يُقَال: يَنْبَغِي أَن لَا يتَرَدَّد فِي التَّحْلِيف؟ تَأمل.
وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي أَوَاخِر دَعْوَى النّسَب.
قَوْله: (بل يحبس) أَي يحْبسهُ القَاضِي، لانه ظَالِم فَجَزَاؤُهُ الْحَبْس.
قَوْله: (ليقْرَأ وينكر) هَذَا عِنْد أبي حنيفَة، وَقَالا: يستحلفه كَمَا فِي الْمجمع، وَجه قَوْلهمَا: إِن كلاميه تَعَارضا وتساقطا فَكَأَنَّهُ لم يتَكَلَّم بشئ فَكَانَ ساكتا، وَالسُّكُوت بِلَا آفَة نُكُول فيستحلفه القَاضِي وَيَقْضِي بِالنّكُولِ كَمَا فِي المنبع.
وَفِي الْبَدَائِع: هُوَ الاشبه.
قَوْله: (وَكَذَا لَوْ لَزِمَ السُّكُوتَ بِلَا آفَةٍ عِنْدَ الثَّانِي) أَي فَإِنَّهُ يحبس لانه نُكُول حكما، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى، وَعند أبي يُوسُف: السُّكُوت لَيْسَ بإنكار، فحبس إِلَى أَن يُجيب.
صرح بِهِ السَّرخسِيّ.
وقولهما: هُوَ الاشبه كَمَا فِي الْبَدَائِع وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي المنبع، وَصرح فِي رَوْضَة الْفُقَهَاء أَن السُّكُوت لَيْسَ بإنكار بِلَا خلاف.
وَفِي الْقنية وَالْبَزَّازِيَّة: الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف: فَلَو سكت الْخصم بِلَا آفَة وَقضى صَحَّ، وَكَذَا لَو نكل مرّة لَان الْيَمين وَاجِبَة عَلَيْهِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ترك هَذَا الْوَاجِب بِالنّكُولِ دَلِيل على أَنه باذل ومقر، وَإِلَّا قدم على الْيَمين تفصيا عَن عُهْدَة الْوَاجِب ودفعا للضَّرَر عَن نَفسه ببذل الْمُدَّعِي أَو الاقرار بِهِ، وَالشَّرْع ألزمهُ التورع عَن الْيَمين الكاذبة دون الترفع عَن الْيَمين الصادقة، فترجح هَذَا الْجَانِب: أَي جَانب كَون الناكل باذلا أَو مقرا على جَانب التورع فِي نُكُوله.
كَذَا فِي الدُّرَر.
وَسَيَأْتِي تَمَامه.
قَوْله: (عِنْد الثَّانِي) وَعِنْدَهُمَا: إِذا لزم السُّكُوت(8/40)
يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل، ثمَّ يسْأَل جِيرَانه عَسى أَن يكون بِهِ آفَة فِي لِسَانه أَو سَمعه، فَإِن أخبروا أَنه لَا آفَة بِهِ يحضر مجْلِس الحكم، فَإِن سكت وَلم يجب ينزله مُنْكرا: أَي فَيحلف من غير حبس ط.
قَوْله: (لما أَن الْفَتْوَى على قَول الثَّانِي) أَقُول: ظهر مِمَّا هُنَا وَمِمَّا تقدم أَنه قد اخْتلف التَّصْحِيح وَالتَّرْجِيح، وَلَكِن
الارجح قَول أبي يُوسُف لما يُقَال فِيهِ: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَقد مر غير مرّة وَيَأْتِي.
قَوْله: (ثمَّ نقل عَن الْبَدَائِع الخ) رَاجع إِلَى قَول الْمَتْن وَإِذا قَالَ الخ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمَجْمَعِ: وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَالْقَاضِي لَا يَسْتَحْلِفُهُ.
قَالَ الشَّارِح: بل يحبس عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَقَالا: يسْتَحْلف.
وَفِي الْبَدَائِع: الاشبه أَنه إِنْكَار.
اهـ.
وَهُوَ تَصْحِيح لقولهما: فَإِنَّ الْأَشْبَهَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
فحاصل مَا فِي الْبَحْر: اخْتِيَار قَول الثَّانِي لَو لزم السُّكُوت بِلَا آفَة فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يقر أَو يُنكر، وَاخْتِيَار قَوْلهمَا فِيمَا إِذا قَالَ لَا أقرّ وَلَا أنكر يَقْتَضِي اخْتِيَار جعله إنكارا فِي مَسْأَلَة السُّكُوت بالاولى، فَكَانَ نقل صَاحب الْبَحْر تَصْحِيح الثَّانِي رُجُوعا عَمَّا أفتى بِهِ أَولا فِي مَسْأَلَة السُّكُوت، فَلِذَا قَالَ الشَّارِح ثمَّ نقل الخ ليُفِيد أَن تَصْحِيح مَا فِي الْبَدَائِع يَقْتَضِي تَصْحِيح قَول الامامين فِي الاولى، وَلَا يشكل مَا قدمْنَاهُ عَن رَوْضَة الْفُقَهَاء من أَن السُّكُوت لَيْسَ بإنكار بِلَا خلاف، لَان الْكَلَام هما فِيمَا إِذا لزم السُّكُوت، وَمَا هُنَاكَ لَا يعد نكولا بِمُجَرَّد سُكُوته فَيقْضى عَلَيْهِ، وشتان مَا بَينهمَا:
قَوْله: (اصطلحا على أَن يحلف الخ) سَيذكرُ الشَّارِح لَو قَالَ: إِذا حَلَفت فَأَنت برِئ مِنْ الْمَالِ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْحَقِّ قبل، لَكِن هُنَا الْيَمين من الْمُدَّعِي، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ ثمَّة.
قَوْله: (لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْقَاضِي مَعَ طَلَبِ الْخَصْمِ) الاولى كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْقنية: لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي اهـ.
حَتَّى لَو أَبرَأَهُ الْخصم عَنهُ لَا يَصح.
بَزَّازِيَّة.
وكما أَن التَّحْلِيف عِنْد غير القَاضِي، لَا يعْتَبر فَكَذَلِك النّكُول عِنْد غَيره لَا يُوجب الْحق، لانص الْمُعْتَبر يَمِين قَاطِعَة للخصومة، وَالْيَمِين عِنْد غير القَاضِي غير قَاطِعَة.
دُرَر.
وَكَذَلِكَ لَا عِبْرَة لَهَا عِنْده بِلَا تَحْلِيفه كَمَا قَيده بقوله مَعَ طلب الْخصم، لَكِن الَّذِي يُشِير إِلَيْهِ كَلَام الدُّرَر والعيني أَن الْيَمين حق الْمُدَّعِي.
وَاسْتدلَّ لَهُ فِي الدُّرَر بقوله: وَلِهَذَا أضيف إِلَيْهِ بِحرف اللَّام فِي الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لَك يَمِينه قَالَ: وَوجه كَونه حَقًا لَهُ أَن الْمُنكر قصد إتواء حَقه الخ، وَكَانَ الاولى لَهُ أَن يُعلل الْمَسْأَلَة بقوله: لَان الْمُعْتَبر يَمِين قَاطِعَة للخصومة الخ، ثمَّ يسْتَدرك بِمَا نَقله المُصَنّف عَن الْقنية الْآتِي ذكره، فَلَو فعل ذَلِك لسلم من التّكْرَار.
قَوْله: (وَلَا عِبْرَة الخ) أَي وَلَا يعْتَبر إبراؤه الْمُعَلق بِهَذَا الشَّرْط،
لَان الابراء من الدّين لَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ كَمَا تقدم.
قَوْله: (فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى حَقِّهِ يُقْبَلُ) هَذَا لَا يصلح تَفْرِيعا على مَا قبله، فَإِنَّهُ لَو حلف عِنْد قَاض ثمَّ برهن الْمُدَّعِي يقبل كَمَا سَيَأْتِي ح.
إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا فَرعه عَلَيْهِ بِاعْتِبَار قَوْله: وَإِلَّا يحلف ثَانِيًا عِنْد قَاض: أَي حَيْثُ لم يعْتَبر حلفه عِنْد غير(8/41)
القَاضِي لَهُ تَحْلِيفه عِنْد القَاضِي عِنْد عدم الْبَيِّنَة، بِخِلَاف مَا لَو حلفه عِنْد قَاض فَإِنَّهُ لَا يحلف ثَانِيًا لَان الْحلف الاول مُعْتَبر، وَهَذَا معنى قَوْله: إِلَّا إِذا كَانَ حلفه الخ.
قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَ حَلِفُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ قَاضٍ فَيَكْفِي: أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحْلِيفِ ثَانِيًا.
هَذَا، وموقع للاستثناء كَمَا لَا يخفى ح: أَي لانه اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ الْحلف الاول عِنْد غير قَاضِي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِنْدَهُ قَبْلَ تقلده الْقَضَاء.
تَأمل وراجع.
قَوْله: دُرَر عبارتها يحلفهُ القَاضِي لَو لم يكن حلفه الاول حِين الصُّلْح عِنْده.
قَوْله: (وَنقل المُصَنّف عَن الْقنية هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُغَايِرُ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي الْمَتْنِ.
فَإِنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا حَلَفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ، وَهَذِهِ فِيمَا إذَا حَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي بِاسْتِحْلَافِ الْمُدَّعِي لَا القَاضِي ح: أَي وكما أَنه لَا يَصح التَّحْلِيف إِلَّا عِنْد القَاضِي لَا يَصح إِلَّا تَحْلِيف القَاضِي، حَتَّى لَو أَن الْخصم حلف خَصمه فِي مجْلِس القَاضِي لَا يعْتَبر، لَان التَّحْلِيف حق القَاضِي لَا حق الْخصم.
قَوْله: (وَكَذَا لَو اصطلحا الخ) فِي الْوَاقِعَات الحسامية قبيل الرَّهْن.
وَعَن مُحَمَّدٍ قَالَ لِآخَرَ: لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ إنْ حَلَفْت إنَّهَا لَك أَدَّيْتهَا إلَيْك فَحَلَفَ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إنْ كَانَ أَدَّاهَا إلَيْهِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرط فَهُوَ بَاطِل، وللمؤدي أَن يرجع بِمَا أَدَّى، لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنَّ الْيَمين على من أنكر دون الْمُدَّعِي، إِ هـ بَحر.
قَوْله: (لم يضمن) وَلَو أدّى لَهُ على هَذَا الشَّرْط رَجَعَ بِمَا أدّى لَان هَذَا الشَّرْط بَاطِل كَمَا علمت.
قَوْله: (لحَدِيث الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي) تتمته وَالْيَمِين على مَا أنكر وَالدَّلِيل مِنْهُ من وَجْهَيْن الاول أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قسم بَينهمَا وَالْقِسْمَة تنَافِي الشّركَة، وَجعل جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شئ.
الثَّانِي: أَن أل فِي الْيَمين للاستغراق، لَان لَام التَّعْرِيف تحمل على الِاسْتِغْرَاق، وَتقدم على تَعْرِيف الْحَقِيقَة إِذا لم يكن هُنَاكَ مَعْهُود، فَيكون الْمَعْنى: أَن جَمِيع الايمان على المنكرين، فَلَو رد الْيَمين على
الْمُدَّعِي لزم الْمُخَالفَة لهَذَا النَّص.
الثَّالِث: إِن قَوْله: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي يُفِيد الْحصْر، فَيَقْتَضِي أَن لَا شئ عَلَيْهِ سواهُ.
قَالَ الْقُسْطَلَانِيّ: وَالْحكمَة فِي كَون الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ إِن جَانب الْمُدَّعِي ضَعِيف، لَان دَعْوَاهُ خلاف الظَّاهِر، فَكَانَت الْحجَّة القوية عَلَيْهِ وَهِي الْبَيِّنَة، لانها لَا تجلب لنَفسهَا نفعا وَلَا تدفع عَنْهَا ضَرَرا فيتقوى بهَا ضعف الْمُدَّعِي، وجانب الْمُدعى عَلَيْهِ قوي لَان الاصل فرَاغ ذمَّته فَاكْتفى فِيهِ بِحجَّة ضَعِيفَة وَهِي الْيَمين، لَان الْحَالِف يجلب لنَفسِهِ النَّفْع وَيدْفَع عَنْهَا الضَّرَر، فَكَانَ ذَلِك فِي غَايَة الْحِكْمَة اهـ.
وَهَذَا من حَيْثُ مَا ذكره ظَاهر: أَي من ضعف الْيَمين، وَإِلَّا فاليمين إِذا كَانَت غموسا مهلكة لصَاحِبهَا، فَتَأمل.
قَوْله: (وَحَدِيث الشَّاهِد وَالْيَمِين) هُوَ مَا رُوِيَ: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قضعى بِشَاهِد وَيَمِين " حَلَبِيّ عَن التَّبْيِين.
قَوْله: (عَيْني) عِبَارَته: ولانه يرويهِ ربيعَة عَن سهل بن أبي(8/42)
صَالح وَأنْكرهُ سهل، فَلَا يبْقى حجَّة بعد مَا أنكرهُ الرَّاوِي فضلا عَن أَن يكون مُعَارضا لصحاح الْمَشَاهِير.
اهـ.
قَوْله: (وَطلب من القَاضِي) يَعْنِي الْمُدعى عَلَيْهِ.
قَوْله: (أَن يحلف الْمُدَّعِي) الْمُنَاسب أَو الشُّهُود، وَيَأْتِي بضميرهم بعد بدل الِاسْم الظَّاهِر ط.
قَوْله: (أَو على أَن الشُّهُود) أَي أَو طلب الْمُدعى عَلَيْهِ من القَاضِي أَن يحلف الشُّهُود على أَنهم صَادِقُونَ، كَمَا يدل عَلَيْهِ اللحاق ح.
قَوْله: (لَا يجِيبه القَاضِي) كَمَا لَا يُجيب ذَا الْيَد إِذا طلب مِنْهُ استحلاف الْمُدَّعِي مَا تعلم أَنِّي بنيت بِنَاء هَذِه الدَّار.
قنية: أَي لانه خلاف الشَّرْع.
قَوْله: (إِلَى طلبته) بِكَسْر اللَّام مَا طلبه والطلبة بِالضَّمِّ السفرة الْبَعِيدَة والطلاب اسْم مصدر طَالب كالطلبة بِالْكَسْرِ قَامُوس.
قَوْله: (لَان الْخصم) فِيهِ أَنه لم يتَقَدَّم مِنْهُ حلف، فالاولى أَن يُعلل بقوله لانه خلاف الشَّرْع، وَيجْعَل هَذَا التَّعْلِيل للثَّانِيَة، وَهُوَ تَحْلِيف الشُّهُود على الصدْق أَو أَنهم محقون لَا يجِيبه لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ فَكَيْفَ الشَّاهِدُ.
قَوْله: (لَان لفظ أشهد عندنَا يَمِين) وَإِن لم يقل بِاللَّه، فَإِذا طلب مِنْهُ الشَّهَادَة فِي مجْلِس الْقَضَاء وَقَالَ أشهد فقد حلف.
قَوْله: (لانا أمرنَا بإكرام الشُّهُود) أَي وَفِي التَّحْلِيف تَعْطِيل هَذَا الْحق.
قَوْله: (لَان لَا يلْزمه) أَي الاداء حِينَئِذٍ.
قَوْله: (وَبَيِّنَة الْخَارِج) أَي الَّذِي لَيْسَ ذَا يَد.
قَوْله: (وَفِي الْملك الْمُطلق) قيد بِهِ لما سَيَأْتِي، وَأطْلقهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا،
وَتَارِيخُ الْخَارِجِ مُسَاوٍ أَوْ أَسْبَقُ، أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ، فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَا لَا يدل عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ فَيُقْضَى لَهُ.
هَذَا هُوَ الصَّحِيح.
بَحر.
قَوْله: (وَهُوَ الَّذِي لم يذكر لَهُ سَبَب) السَّبَب كَشِرَاء وَارِث فالمطق مَا يتَعَرَّض للذات دون الصِّفَات لَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات ط.
قَوْله: (أَحَق من بَيِّنَة ذِي الْيَد) أَي أولى بِالْقبُولِ مِنْهَا، لَان الْخَارِج أَكثر إِثْبَاتًا وإظهارا، لَان ملك ذِي الْيَد ظَاهر فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَيِّنَة: يَعْنِي لَو ادّعى خَارج دَارا أَو مَنْقُولًا ملكا مُطلقًا وَذُو الْيَد ادّعى ذَلِك وبرهنا وَلم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا لَا تقبل بَيِّنَة ذِي الْيَد، وَيَقْضِي للْخَارِج، أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ يقْضى لذِي الْيَد، ثمَّ يَسْتَوِي الْجَواب بَين أَن يكون الْخَارِج مُسلما أَو ذِمِّيا أَو مستأمنا أَو عبدا أَو حرا أَو امْرَأَة أَو رجلا، وبقولنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ الامام أَحْمد، وَقَالَ الامام مَالك وَالشَّافِعِيّ وَزفر: بَيِّنَة ذِي الْيَد أولى.
ط بِاخْتِصَار.
قَوْله: (لانه الْمُدَّعِي) أَي وَذُو الْيَد مدعى عَلَيْهِ لانطباق تَعْرِيف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ عَلَيْهِمَا.
قَوْله: (بِخِلَاف الْمُقَيد بِسَبَب) أَي لَا يتَكَرَّر.
قَوْله: (كنتاج) صورته: أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة على أَنَّهَا ولدت عِنْده فذو الْيَد أولى، لَان بَينته قد دلّت على مَا دلّت عَلَيْهِ بَيِّنَة الْخَارِج: أَي نَظِيره وَمَعَهُ تَرْجِيح الْيَد فَكَانَ أولى.
عَيْني.
قَوْله: (وَنِكَاح) صورته: أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنه نَكَحَهَا فذو الْيَد أولى فَالْمُرَاد بِالْملكِ مَا يعم الْحكمِي.
قَوْله: (فَالْبَيِّنَة لذِي الْيَد) أَي فِي الصُّورَتَيْنِ.
قَوْله: (إِجْمَاعًا) أَي لَان بَينته قَامَت على أَوْلَوِيَّة ملكه فَلَا يثبت للْخَارِج إِلَّا بالتلقي مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه مفصلا.
قَوْله: (كَمَا(8/43)
سيجئ) أَي فِيمَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ، والاولى ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مقَامهَا.
قَوْله: (وَقضى القَاضِي الخ) أَي قضى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، وَأفَاد أَن النّكُول لَا يُوجب شَيْئا إِلَّا إِذا اتَّصل بِهِ الْقَضَاء وبدونه لَا يُوجب شَيْئا وَهُوَ بذل على مَذْهَب الامام، وَإِقْرَار على مَذْهَب صَاحِبيهِ وَحَيْثُ لم يقدم على الْيَمين دلّ على أَنه بذل الْحق أَو أقرّ، وَإِذا بذل أَو أقرّ وَجب على القَاضِي الحكم بِهِ، فَكَذَا إِذا نكل.
قَوْله: (حَقِيقَة) الاولى ذكره بعد قَوْله مرّة لَان المتصف بِكَوْنِهِ حَقِيقَة وَحكما أَو صَرِيحًا وَدلَالَة إِنَّمَا هُوَ النّكُول كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.
قَوْله: (أَو حكما كَأَن سكت) .
أَقُول: تقدم أَنه مُنْكِرًا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يحبس إلَى أَنْ يُجِيبَ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا لزم السُّكُوت ابْتِدَاء وَلم يجب على الدَّعْوَى بِجَوَابٍ، وَهَذَا فِيمَا إذَا أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ ثمَّ لزم السُّكُوت تَأمل.
كَذَا أَفَادَهُ الْخَيْر الرَّمْلِيّ.
ومفاد ذكر المُصَنّف للحكمي بِالسُّكُوتِ تَصْحِيح لقولهما أَيْضا مَنْقُول عَن السراج، كَمَا تقدم اقْتِضَاء تَصْحِيحه عَن الْبَحْر بعد أَن أفتى بِخِلَافِهِ.
قَوْله: (من غير آفَة) أما إِذا كَانَ بهَا فَهُوَ عذر كَمَا فِي الِاخْتِيَار، وَيَأْتِي قَرِيبا بَيَانه.
قَوْله: (كخرس) وَآفَة بِاللِّسَانِ تمنع الْكَلَام أصلا.
قَوْله: (وطرش) يُقَال طرش يطرش طرشا من بَاب علم: أَي صَار أطروشا، وَهُوَ الاصم.
قَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا تقدم.
وَقيل إِذا سكت يحْبسهُ حَتَّى يُجيب، وَأما إِذا كَانَ بِهِ آفَة الخرس فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يحسن الْكِتَابَة، أَو يسمع أَو لَا يحسن شَيْئا، فَإِذا لم يسمع وَله إِشَارَة مَعْرُوفَة فإشارته كالبيان، وَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك أعمى نصب القَاضِي لَهُ وَصِيّا، وَيَأْمُر الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ مَعَه إِن لم يكن لَهُ أَب أَو جد أَو وصيهما، وَإِذا كَانَ يسمع يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إِن كَانَ كَذَا، فَإِن أَوْمَأ بِرَأْسِهِ أَن نعم فَإِنَّهُ يصير حَالفا فِي هَذَا الْوَجْه، وَلَا يَقُول لَهُ بِاللَّه إِن كَانَ كَذَا لانه إِن أَشَارَ بِرَأْسِهِ أَن نعم لَا يصير حَالفا بِهَذَا الْوَجْه بل مقرا كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة.
قَوْله: (وَعرض) مُبْتَدأ خَبره قَوْله ثمَّ الْقَضَاء.
قَوْله: (أحوط) أَي على وَجه النّدب، وَإِنَّمَا لم يعرج عَلَيْهِ المُصَنّف لانه غير ظَاهر الرِّوَايَة.
قَالَ فِي الْكَافِي: يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يَقُول إِنِّي أعرض عَلَيْك الْيَمين ثَلَاث مَرَّات فَإِن حَلَفت وَإِلَّا قضيت عَلَيْك بِمَا ادّعى، وَهَذَا الانذار لاعلامه بالحكم إِذْ هُوَ مُجْتَهد فِيهِ فَكَأَنَّهُ مَظَنَّة الخفاء اهـ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَو قضى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ينفذ وَهُوَ نَظِير إمهال الْمُرْتَد كَمَا فِي التَّبْيِين.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: لَو كَانَ مَعَ الْخصم بَيِّنَة وَلم يذكرهَا، وَطلب يَمِين الْمُنكر يحل لَهُ إِن ظن أَنه ينكل.
وَأما إِذا ظن أَنه يحلف كَاذِبًا لم يعْذر فِي التَّحْلِيف ثمَّ على الاحوط، ذكر فِي الْخَانِية وَلَو أَن القَاضِي عرض عَلَيْهِ الْيَمين فَأبى، ثمَّ قَالَ قبل القَاضِي أَنا أَحْلف بحلفه وَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بشئ، وَهَذَا الاحوط جعله صدر الشَّرِيعَة متْنا.
فَتنبه.
لَكِن جعله ابْن ملك مُسْتَحبا فِي مَوضِع الخفاء ويترجح مَا فِي الْخَانِية بِكَوْن الْمَتْن منع الْحلف بعد الْقَضَاء فَافْهَم أَنه قبله لَا يمْنَع مِنْهُ.
قَوْله: (وَهل يشْتَرط) الاولى وَهل
يفترض.
قَوْله: (على فَور النّكُول خلاف) أَي فِيهِ خلاف، وَلم يبين الْفَوْر بِمَاذَا يكون.
حموي.
قَالَ ط: قلت: هُوَ ظَاهر، وَهُوَ أَن يقْضِي عقبه من غير تراخ قبل تكراره أَو بعده على الْقَوْلَيْنِ.(8/44)
قَوْله: (قلت قدمنَا) أَي فِي كتاب الْقَضَاء: أَي وجزمهم هُنَاكَ بِهِ مُطلقًا حَيْثُ شَمل كَلَامهم هُنَاكَ مَا بعد الْبَيِّنَة والاقرار، والنكول تَرْجِيح لُزُوم الْفَوْر الَّذِي هُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ، وَكَأن المُصَنّف غفل عَنهُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: لم أر فِيهِ تَرْجِيحا، إِلَّا أَن الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الاشباه قَالَ: اعْلَم أَنه يجب على القَاضِي الحكم بِمُقْتَضى الدَّعْوَى عِنْد قيام الْبَيِّنَة على سَبِيل الْفَوْر، وَعَزاهُ لجامع الْفُصُولَيْنِ وَقد خصّه بِالْبَيِّنَةِ كَمَا ترى، فَلَا يُفِيد تَرْجِيح أحد الْقَوْلَيْنِ فِي لُزُوم الْقَضَاء فَوْرًا بعد النّكُول، وَحِينَئِذٍ فَمَا ذكر من الِاسْتِدْرَاك فمحله بعد الْبَيِّنَة أَو الْيَمين، فَتدبر.
قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث) قدمنَا أَنَّهَا أَن يرتاب القَاضِي فِي طَرِيق الْقَضَاء كالبينة وَأَن يستمهل الْخصم: أَي الْمُدَّعِي، وَأَن يكون لرجاء الصُّلْح بَين الاقارب، وَظَاهره أَنه لَا خلاف.
قَوْله: (لَا يلْتَفت إِلَيْهِ) لانه أبطل حَقه بِالنّكُولِ فَلَا ينْقض بِهِ الْقَضَاء قيد بِالْقضَاءِ، لانه قبله إِذا أَرَادَ أَن يحلف يجوز، وَلَو بعد الْعرض كَمَا فِي الدُّرَر، أما لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة بعد النّكُول فَإِنَّهَا تقبل كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.
قَوْله: (فبلغت طرق الْقَضَاء ثَلَاثًا) بَيِّنَة وَإِقْرَار ونكول، وَهُوَ تَفْرِيع على قَوْله فَإِن أقرّ أَو أنكر الخ.
قَوْله: (سبعا) فِيهِ أَن الْقَضَاء بالاقرار مجَاز كَمَا تقدم، والقسامة دَاخِلَة فِي الْيَمين، وَعلم القَاضِي مَرْجُوح والقرينة مِمَّا انْفَرد بذكرها ابْن الْغَرْس فَرَجَعت إِلَى ثَلَاث، فَتَأمل ط.
قَوْله: (بَيِّنَة) لَا شكّ أَن الْبَيِّنَة طَرِيق للْقَضَاء وَأَن الحكم لَا يثبت بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى يقْضِي بهَا كَمَا تقدم.
قَوْله: (وَإِقْرَار) تقدم أَن الْحق يثبت بِهِ بِدُونِ حكم، وَإِنَّمَا يَأْمُرهُ القَاضِي بِدفع مَا لزمَه بِإِقْرَارِهِ، وَلَيْسَ لُزُوم الْحق بِالْقضَاءِ كَمَا لَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ، فَجعل الاقرار طَرِيقا للْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ ظَاهرا، وَإِلَّا فَالْحق ثَبت بِهِ لَا بِالْقضَاءِ.
قَوْله: (وَيَمِين) لَيْسَ الْيَمين طَرِيقا للْقَضَاء، لَان الْمُنكر إِذا حلف وَعجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة يتْرك الْمُدَّعِي فِي يَده لعدم قدرَة الْمُدَّعِي على إثْبَاته لَا قَضَاء لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلذَا لَو جَاءَ الْمُدَّعِي بعد ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ يقْضِي لَهُ بهَا، وَلَو ترك المَال فِي يَده قَضَاء لَهُ لم ينْقض فَجعله طَرِيقا للْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ ظَاهر بِاعْتِبَار أَن الْقَضَاء يقطع النزاع، وَهَذَا يقطعهُ لَان الاتيان بِالْبَيِّنَةِ بعد الْعَجز عَنْهَا نَادِر.
قَوْله: (ونكول عَنهُ) الْفرق بَين
النّكُول والاقرار أَن الاقرار مُوجب للحق بِنَفسِهِ لَا يتَوَقَّف على قَضَاء القَاضِي، فحين الاقرار يثبت الْحق كَمَا ذكرنَا، وَأما النّكُول فَلَيْسَ بِإِقْرَار صَرِيحًا وَلَا دلَالَة لَكِن يصير إِقْرَارا بِقَضَاء القَاضِي بإنزالة مقرا، وَعَلِيهِ يظْهر كَونه رَابِعا.
أما لَو أرجعناه إِلَى الاقرار فَلَا يظْهر كَونه رَابِعا كَمَا فِي الْمُحِيط.
قَوْله: (وقسامة) قَالَ المُصَنّف: وَسَيَأْتِي أَن الْقسَامَة من طرق الْقَضَاء بِالدِّيَةِ.
قَوْله: (وَعلم قَاض على الْمَرْجُوح) وَظَاهر مَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَن الْفَتْوَى أَنه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ لفساد قُضَاة الزَّمَان.
بَحر.
قَوْله: (وَالسَّابِع قرينَة) ذكر ذَلِك ابْن الْغَرْس.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم أره إِلَى الْآن لغيره.
اهـ.
قَالَ بعض الافاضل: صَرِيح قَول ابْن الْغَرْس فقد قَالُوا: إِنَّه مَنْقُول عَنْهُم، لَا أَنه قَالَه من عِنْد نَفسه، وَعدم رُؤْيَة صَاحب الْبَحْر لَهُ لَا يَقْتَضِي عدم وجوده فِي كَلَامهم، والمثبت مقدم.
لَكِن قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَلَا شكّ أَن مَا زَاده ابْن الْغَرْس غَرِيب خَارج عَن الجادة، فَلَا يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْضُدْهُ نَقْلٌ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ فَلَا تغتر بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
وَالْحق أَن هَذَا مَحل تَأمل، وَلَا يظنّ أَن فِي مثل ذَلِك يجب عَلَيْهِ الْقصاص مَعَ أَن الانسان قد يقتل(8/45)
نَفسه وَقد يقْتله آخر ويفر.
وَقد يكون أَرَادَ قتل الْخَارِج فَأخذ السكين وَأصَاب نَفسه فَأَخذهَا الْخَارِج وفر مِنْهُ وَخرج مذعورا، وَقد يكون اتّفق دُخُوله فَوَجَدَهُ مَنْقُولًا فخاف من ذَلِك وفر، وَقد يكون السكين بيد الدَّاخِل فَأَرَادَ قتل الْخَارِج وَلم يتَخَلَّص مِنْهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَصَارَ دفع الصَّائِل، فَلْينْظر التَّحْقِيق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة.
وَالْحَاصِل: أَن الْقَضَاء فِي الاقرار مجَاز والقسامة دَاخِلَة فِي الْيَمين وَعلم القَاضِي مَرْجُوح والقرينة مِمَّا انْفَرد بهَا ابْن الْغَرْس فَرَجَعت إِلَى ثَلَاث، فَتَأمل.
لَكِن فِي الْمجلة مَادَّة 1471 قد اعْتبر الْقَرِينَة القاطعة الْبَالِغَة حد الْيَقِين وَصدر الامر السلطاني بِالْعَمَلِ بموجبها.
قَوْله: (يَنْبَغِي) أَي تورعا ندبا بِدَلِيل قَوْله تَحَرُّزًا لَان اتقاء الشُّبُهَات مَنْدُوب لَا وَاجِب، وَهُوَ عِنْد من يضن بِدِينِهِ منزلَة الْوَاجِب خوفًا من الْيَمين الْفَاجِرَة الَّتِي تدع الديار بَلَاقِع: أَي خَالِيَة عَن أَهلهَا وخوفا من أكل مَال الْغَيْر، لَكِن قد يُقَال: أَن التَّحَرُّز عَن الْحَرَام وَاجِب لَا مَنْدُوب.
تَأمل.
قَوْله: (وَإِن أَبى خَصمه) هَذِه غير مَسْأَلَة الشَّك،
وَقَوله بِأَن غلب على ظَنّه أَنه محق تقدم أَن الشَّك نَظِيره.
قَوْله: (حلف) لجَوَاز بِنَاء الاحكام وَالْحلف على غَالب الظَّن، وَإِلَّا سلم أَن لَا يفعل بذلا للدنيا لحفظ الدّين، بل لَو تحقق إبِْطَال الْمُدَّعِي الاولى فِي حَقه أَن يبْذل لَهُ مَا يَدعِيهِ وَلَا يحلف كَمَا فعله السّلف الصَّالح مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (بِأَن غلب على ظَنّه) ظَاهر هَذِه الْعبارَة مُشكل، لانه يَقْتَضِي أَنه إِذا اسْتَوَى عِنْده الطرفان أَنه يحلف، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل لَا يجوز لَهُ الْحلف إِلَّا إِذا غلب على ظَنّه أَنه محق، وَالشَّارِح هُنَا تبع المُصَنّف فِي هَذِه الْعبارَة.
وَالَّذِي نَقله فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة أَن أكبر رَأْيه أَن الْمُدَّعِي محق لَا يحلف، وَإِن مُبْطل سَاغَ لَهُ الْحلف، وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن.
قَوْله: (وَتقبل الْبَيِّنَة الخ) لامكان التَّوْفِيق بِالنِّسْيَانِ ثمَّ بالتذكر، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لم تسمع للتناقض.
قَوْله: (خلافًا لما فِي شرح الْمجمع) عبارَة ابْن ملك فِيهِ.
وَفِي الْمُحِيط: إِذا قَالَ لَيْسَ لي بَيِّنَة على هَذَا ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة عَلَيْهِ لَا تقبل عِنْد أبي حنيفَة لانه كذب بَينته، وَتقبل عِنْد مُحَمَّد، لانه يحْتَمل أَنه كَانَ لَهُ بَيِّنَة ونسيها انْتهى.
فقد ذكر خلافًا فِي الْمَسْأَلَة لكنه لم يتَعَرَّض للْيَمِين، وَرجح فِي السِّرَاجِيَّة قَول مُحَمَّد.
وَفِي الدُّرَر قَالَ لَا بَيِّنَة لي ثمَّ برهن أَولا شَهَادَة ثمَّ شهد، فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة لَا تقبل لظَاهِر التَّنَاقُض، وَفِي رِوَايَة تقبل، والاصح الْقبُول.
وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاة بَين مَا ذكره وَبَين مَا فِي الْمجمع بل حكى قَوْلَيْنِ.
تَأمل.
لَكِن الْآن قد صدر أَمر السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن بِالْعَمَلِ بِمُوجب الْمجلة من أَنه إِذا قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَة لي أبدا ثمَّ أحضر بَيِّنَة لَا تقبل أَو قَالَ لَيْسَ لي بَيِّنَة سوى فلَان وَفُلَان وأتى بِغَيْرِهِمَا لَا تقبل كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة 3571.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْيَمين انْقِطَاع الْخُصُومَة للْحَال مؤقتا إِلَى غَايَة إِحْضَار الْبَيِّنَة عِنْد الْعَامَّة وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقيل انقطاعها مُطلقًا ط.
وَقَوله بعد الْيَمين مُتَعَلق بتقبل: أَي لَو حلف الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْد عدم حُضُور الْبَيِّنَة من الْمُدَّعِي سَوَاء قَالَ لَا بَيِّنَة لي أَو لَا ثمَّ أَتَى بهَا تقبل.
قَوْله:(8/46)
(كَمَا تقبل الْبَيِّنَة بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ) أَي لَو نكل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن الْيَمين وَقضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ جَاءَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ يقْضِي بهَا: أَي كَمَا يقْضِي بهَا مَعَ الاقرار فِي مسَائِل وَقد مرت، فَإِن قيل مَا فَائِدَة قبُولهَا بعده، وَقد لزم حق الْمُدَّعِي بِالْقضَاءِ.
قلت: فائدتها التَّعَدِّي إِلَى غَيره فِي الرَّد بِالْعَيْبِ، لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَهُوَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَة.
قَوْلُهُ: (خَانِيَةٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا يُبْطِلُهُ لِمَا فِي الْخَانِية من بَاب مَا يبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْب عِنْده فاستحلف فنكل فَقضى عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ الْعَبْدَ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْت تَبَرَّأْت إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْب وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته.
اهـ.
أَقُولُ: إنْ كَانَ مَبْنَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ نُكُولَهُ عَنْ الْحَلِفِ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْعَيْبَ عِنْدَهُ، فَإِقَامَتُهُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ مُؤَكِّدٌ لِمَا أَقَرَّ بِهِ فِي ضِمْنِ نُكُولِهِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِهِ يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ وَحُكْمًا بِهِ، فَإِذَا بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَضَاهُ إيَّاهُ يَكُونُ تَنَاقُضًا وَنَقْضًا لِلْحُكْمِ، فَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فرق، فَكيف تصبح قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْبَحْرِ فِي إقَامَةِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الخاني من هَذَا الْوَجْه أَيْضا.
وَعبارَة صَاحب الْبَحْر فِي الاشياء: وَتسمع الدَّعْوَى بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِية.
قَالَ محشيها الْحَمَوِيّ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَا يُخَالف مَا ذكره، وَعبارَته: ادّعى عبدا فِي يَد رجل أَنه لَهُ فَجحد الْمُدعى عَلَيْهِ فاستحلفه فنكل وَقضى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ إِن المقضى عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ فَاشْترى هَذَا العَبْد من الْمُدَّعِي قبل دَعْوَاهُ لَا تقبل هَذِه الْبَيِّنَة، إِلَّا أَن يشْهد أَن كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بعد الْقَضَاء.
وَذكر فِي مَوضِع آخر أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو قَالَ كنت اشْتَرَيْته مِنْهُ قبل الْخُصُومَة وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته وَيَقْضِي لَهُ انْتهى.
قلت: وَذكر فِي الْبَحْر فِي فصل رفع الدَّعْوَى عَن الْبَزَّازِيَّة: وَكَانَ يَصح الدّفع قبل الْبُرْهَان يَصح بعد إِقَامَته أَيْضا، وَكَذَا يَصح قبل الحكم كَمَا يَصح بعده، وَدفع الدّفع وَدفعه وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، وَسَنذكر تَمَامه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
لَكِن ذكر فِي الْبَحْر فِي أول فصل دَعْوَى الخارجين عَن النِّهَايَة مَا نَصه: وَلَو لم يبرهنا حلف صَاحب الْيَد، فَإِن حلف لَهما تتْرك فِي يَده قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، حَتَّى لَو أَقَامَا الْبَيِّنَة بعد ذَلِك يقْضِي بهَا، وَإِن نكل لَهما جَمِيعًا يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، ثمَّ
بعده إِذا أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه ملكه لَا يقبل، وَكَذَا لَو ادّعى أحد الْمُسْتَحقّين على صَاحبه وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا ملكه لَا تقبل لكَونه صَار مقضيا عَلَيْهِ.
اهـ.
وَلَعَلَّه مَبْنِيّ على القَوْل الآخر الْمُقَابل لِلْقَوْلِ الْمُخْتَار.
تَأمل.
قَوْله: (عِنْد الْعَامَّة وَهُوَ الصَّحِيح) رَاجع إِلَى الْقَضَاء بِالْبَيِّنَةِ بعد الْيَمين بِدَلِيل تَعْلِيله بقول سيدنَا شُرَيْح: إِذْ لَا يَمِين فاجرة مَعَ النّكُول وبدليل قَوْله: ولان الْيَمين الخ وَالْمرَاد بالعامة الكافة لَا مَا قَابل الْخَاصَّة.
قَوْله: (وَيظْهر كذبه) فيعاقب معاقبة شَاهد الزُّور، وَلَو ألحق بِيَمِينِهِ يَمِين طَلَاق أَو عتاق يَقع(8/47)
عَلَيْهِ.
قَوْله: (بِلَا سَبَب) تقدم أَنه لَا يَصح دَعْوَى إِلَّا بعد ذكر سَببه، وَالْحلف لَا بُد أَن يكون بعد صِحَة الدَّعْوَى.
تَأمل.
فَكيف يُقَال: لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال: إِن هَذَا فِي دَعْوَى عين لَا دين.
قَوْله: (حَتَّى يَحْنَث فِي يَمِينه) أَي لَو كَانَ بِطَلَاق أَو عتاق لانه هُوَ الَّذِي يدْخل تَحت الْقَضَاء.
قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) وَهُوَ قَول أبي يُوسُف.
قَوْله: (طَلَاق الْخَانِية) وعبارتها: ادّعى عَلَيْهِ ألفا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن كَانَ لَك عَليّ ألف فامرأتي طَالِق، وَقَالَ الْمُدَّعِي إِن لم يكن لي عَلَيْك ألف فامرأتي طَالِق، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة على حَقه وَقضى القَاضِي بِهِ وَفرق بَين الْمُدعى عَلَيْهِ وَبَين امْرَأَته.
وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
فَإِن أَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بعد ذَلِك أَنه كَانَ أوفاه ألف دِرْهَم تقبل دَعْوَاهُ، وَيبْطل تَفْرِيق القَاضِي بَين الْمُدعى عَلَيْهِ، وَبَين امْرَأَته، وَتطلق امْرَأَة الْمُدَّعِي إِن زعم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَّا ألف دِرْهَم، وَإِن أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَلف قَالُوا لم يفرق القَاضِي بَين الْمُدعى عَلَيْهِ وَبَين امْرَأَته.
أَقُول: ظهر لَك مِمَّا نَقَلْنَاهُ وَمن عبارَة الشَّارِح أَن عبارَة الشَّارِح غير محررة، لَان الَّذِي نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ طَلَاقِ الْخَانِيَّةِ والولجية مِنْ الْحِنْثِ مُطْلَقٌ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالسَّبَبِ وَعَدَمِهِ.
وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ مُطْلَقًا جَعَلُوهُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَاَلَّذِي جَعَلُوا الْفَتْوَى عَلَيْهِ هُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ، وَهُوَ قَول أَبِي يُوسُف، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ ذَكَرَهُ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَسَنذكر قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (خلافًا لاطلاق الدُّرَر) تبعا للتبيين، وعبارتها: وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؟ وَالصَّوَابُ أَنه لَا يظْهر كذبه حَتَّى لَا يُعَاقب عِقَاب شَاهد الزُّور اهـ.
وَمثله فِي الْعَيْنِيّ تبعا
للزيلعي.
وَقيل عِنْد أبي يُوسُف: يظْهر كذبه، وَعند مُحَمَّد لَا يظْهر لجَوَاز أَن يكون لَهُ بَيِّنَة أَو شَهَادَة فنسيها ثمَّ ذكرهَا، أَو كَانَ لَا يعلمهَا ثمَّ علمهَا.
وَقيل: تقبل إِن وفْق وفَاقا.
ذكره فِي الْمُلْتَقط.
وَكَذَا إِذا قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَقيل: تقبل إِن وفْق وفَاقا.
ذكره فِي الْمُلْتَقط.
وَكَذَا إِذا قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَقيل: لَا يَصح دَفعه اتِّفَاقًا لَان مَعْنَاهُ لَيْسَ لي دَعْوَى الدّفع، وَمن قَالَ لَا دَعْوَى لي قبل فلَان ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ لَا تسمع، كَذَا هَا هُنَا.
وَبَعْضهمْ قَالَ: يَصح وَهُوَ الاصح، لَان الدّفع يحصل بِالْبَيِّنَةِ على دَعْوَى الدّفع لَا بِدَعْوَى الدّفع فَيكون قَوْله لَا دفع لي بِمَنْزِلَة قَوْله لَا بَيِّنَة لي.
كَذَا فِي الْعمادِيَّة.
قَوْله: (وَإِن ادَّعَاهُ بِسَبَب) كقرض.
قَوْله: (أَنه لَا دين عَلَيْهِ) ظَاهره أَنه لَو حلف أَنه لم يقْرضهُ يَحْنَث وَهُوَ ظَاهر ط.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَقَامَهَا الْمُدَّعِي) سَيُعِيدُ الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أثْنَاء هَذَا الْبَاب.
قَوْله: (ثمَّ وجد الابراء أَوْ الْإِيفَاءَ) بَحَثَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّابِتِ أَنْ يَبْقَى عَلَى ثُبُوتِهِ، وَقد حكمتهم لمن شهد لَهُ بشئ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِذَا وجد السَّبَب ثَبت والاصل بَقَاؤُهُ انْتهى.
وَأجَاب عَنهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن إِثْبَات كَون الشئ لَهُ يُفِيدُ مِلْكِيَّتَهُ لَهُ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ، وَاسْتِصْحَابُ هَذَا الثَّابِتِ يَصْلُحُ لِدَفْعِ مَنْ يُعَارِضُهُ فِي الْمِلْكِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا لَهُ، وَقَدْ قَالُوا: الِاسْتِصْحَابُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ، وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْحِنْثَ بِكَوْنِ الْأَصْلِ بَقَاءَ الْقَرْضِ يَكُونُ مِنْ الْإِثْبَاتِ بِالِاسْتِصْحَابِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ.
فَتَأمل.
قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) أَي على التَّفْصِيل الَّذِي فِي المُصَنّف، وَمُقَابِله إِطْلَاق الدُّرَر تبعا للزيلعي، بل هُوَ الَّذِي عَن إِطْلَاق الْخَانِية كَمَا يفِيدهُ سِيَاق الْمنح،(8/48)
ويستغني بعبارته هُنَا عَن قَوْله أَولا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
طَلَاق الْخَانِية ط.
قَوْله: (فصولين) قَالَ فِي الْبَحْر وَفِي الْجَامِع: وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ثمَّ برهن ظهر كذبه، وَلَو ادَّعَاهُ بِسَبَب وَحلف أَنه لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ، لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ اهـ.
فَإِن قلت: هَل يقْضِي بِالنّكُولِ عَن الْيَمين لنفي التُّهْمَة كالامين إِذا ادّعى الرَّد أَو الْهَلَاك فَحلف
وَنكل عَن الْيَمين الَّتِي للِاحْتِيَاط فِي مَال الْمَيِّت كَمَا قدمْنَاهُ؟.
قلت: أما الاول فَنعم كَمَا فِي الْقنية، وَأما الثَّانِي فَلم أره إِ هـ.
وَعبارَة الْبَحْر: قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالْوَجْه يَقْتَضِي الْقَضَاء بِالنّكُولِ فِيهَا أَيْضا، إِذْ فَائِدَة الِاسْتِحْلَاف الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا هُوَ ظَاهر.
تَأمل.
قَالَ فِي نور الْعين: حلف أَن لادين عَلَيْهِ ثمَّ برهن عَلَيْهِ الْمُدَّعِي، فَعِنْدَ مُحَمَّد لَا يظْهر كذبة فِي يمنه إِذْ الْبَيِّنَة حجَّة من حَيْثُ الظَّاهِر، وَعند أبي يُوسُف يظْهر كذبه فَيحنث.
وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة الدّين: أَنه لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف ثمَّ برهن عَلَيْهِ يظْهر كذبه، وَلَو ادَّعَاهُ بِسَبَب وَحلف أَن لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ برهن على السَّبَب لَا يظْهر كذبه، لجَوَاز أَن وجد الْقَرْض ثمَّ وجد الايفاء أَو الابراء.
قلت: حلف بطرق أَو عتق مَاله عَلَيْهِ شئ فشهدا عَلَيْهِ بدين لَهُ وألزمه القَاضِي وَهُوَ يُنكر.
قَالَ أَبُو يُوسُف: يَحْنَث، وَقَالَ مُحَمَّد: لَا يَحْنَث لانه لَا يدْرِي لَعَلَّه صَادِق، وَالْبَيِّنَة حجَّة من حَيْثُ الظَّاهِر فَلَا يظْهر كذبه فِي يَمِينه.
ذكر مُحَمَّد فِي ح قَالَ: امْرَأَته طَالِق إِن كَانَ لفُلَان عَلَيْهِ شئ فشهدا أَن فلَانا أقْرضهُ كَذَا قبل يَمِينه وَحكم بِالْمَالِ لم يَحْنَث، وَلَو شَهدا أَن لفُلَان عَلَيْهِ شَيْئا وَحكم بِهِ حنث لانه جعل شَرط حنثه وجوب شئ من المَال عَلَيْهِ، وَقت الْيَمين وَحين شَهدا بالقرض لم يظْهر كَون المَال عَلَيْهِ وَقت الْحلف، بِخِلَاف مَا لَو شَهدا أَن المَال عَلَيْهِ.
يَقُول الحقير: قَوْله بِخِلَاف مَا لَو شَهدا مَحل نظر، إِذْ كَيفَ يظْهر كَون المَال عَلَيْهِ إِذا شَهدا بِأَن المَال عَلَيْهِ بعد أَن مر آنِفا أَن الْبَيِّنَة حجَّة ظَاهرا، فَلَا يظْهر كذبه فِي يَمِينه، وَأَيْضًا يرد عَلَيْهِ أَن يُقَال فعلى مَا ذكر، ثمَّ يَنْبَغِي أَن يَحْنَث فِي مَسْأَلَة الْحلف بِطَلَاق أَو عتق أَيْضا، إِذْ لَا شكّ أَن الْحلف عَلَيْهِمَا لَا يكون إِلَّا بطرِيق الشَّرْط أَيْضا.
وَالْحَاصِل: أَنه يَنْبَغِي أَن يتحد حكم الْمَسْأَلَتَيْنِ نفيا أَو إِثْبَاتًا، وَالْفرق تحكم فالعجب كل الْعجب من التَّنَاقُض بَين كَلَامي مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى مَعَ أَنه إِمَام ذَوي الادب والارب إِلَّا أَن تكون إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ غير صَحِيحَة إِ هـ.
مَا قَالَه فِي أَوَاخِر الْخَامِس عشر.
قَوْله: (وَلَا تَحْلِيف فِي نِكَاح) أَي مُجَرّد عَن المَال عِنْد الامام رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن ادّعى رجل على امْرَأَة أَو هِيَ عَلَيْهِ نِكَاحا والاخر يُنكر، مَا إِذا
ادَّعَت الْمَرْأَة تزَوجهَا على كَذَا وَادعت النَّفَقَة وَأنكر الزَّوْج يسْتَحْلف اتِّفَاقًا.
وَهَذِه الْمسَائِل خلافية بَين الامام وصاحبيه، والخرف بَينهم مَبْنِيّ على تَفْسِير الانكار فَقَالَا: إِن النّكُول إِقْرَار لانه يدل على كَونه كَاذِبًا فِي الانكار فَكَانَ إِقْرَار أَو بَدَلا عَنهُ، والاقرار يجْرِي فِي هَذِه الاشياء.
وَقَالَ الامام: إِنَّه بذل وَالْبدل لَا يجْرِي فِي هَذِه الاشياء لانه إِنَّمَا يجْرِي فِي الاعيان.
وَفَائِدَة الِاسْتِحْلَاف الْقَضَاء بِالنّكُولِ، فَلَا يسْتَحْلف.
وأنما قُلْنَا: إِن الْبَدَل لَا يجْرِي فِي هَذِه الْمسَائِل، لانها لَو قَالَت الْمَرْأَة: لَا نِكَاح بيني وَبَيْنك(8/49)
وَلَكِن بذلت نَفسِي لَك لم يَصح، وَلَو قَالَ فِي دَعْوَى الْوَلَاء عَلَيْهِ: لست أَنا مَوْلَاهُ بل أَنا حر أَو مُعتق فلَان آخر وَلَكِن أبحت لَهُ ولائي لَا يكون لَهُ عَلَيْهِ وَلَاء، وَكَذَا سَائِر الامثلة.
وَسَيَأْتِي بَيَانه قَرِيبا بأوضح من هَذَا.
وَصُورَة الِاسْتِحْلَاف فِي النِّكَاح على قَوْلهمَا أَن يَقُول فِي يَمِينه: مَا هِيَ بِزَوْجَة لي، وَإِن كَانَت زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق بَائِن، لانها إِن كَانَت صَادِقَة لَا يبطل النِّكَاح بجحوده، فَإِذا حلف تبقى معطلة إِن لم يقل مَا ذكر، وَلَا يلْزمه مهر، فَإِن أَبى الْحلف على هَذِه الصُّورَة أجْبرهُ القَاضِي.
بَحر عَن الْبَدَائِع.
وَسَيَأْتِي أَنه بِالنّكُولِ عَن الْحلف يثبت مَا ادَّعَتْهُ من الصَدَاق أَو النَّفَقَة دون النِّكَاح.
فَإِن كَانَ مدعي النِّكَاح وَهُوَ الزَّوْج لم يجز لَهُ تزوج أُخْتهَا أَو أَربع سواهَا مَا لم يطلقهَا وَإِن كَانَت الزَّوْجَة وَأنْكرهُ الزَّوْج فَلَيْسَ لَهَا التَّزَوُّج بسواه، والمخلص لهاما ذَكرْنَاهُ إِن كَانَت زَوْجَة لي الخ.
وَفِي الْقنية: يسْتَحْلف فِي دَعْوَى الاقرار بِالنِّكَاحِ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهره أَنه بِاتِّفَاق إِ هـ.
أَقُول: وَهَذَا إِذا لم يَجْعَل الاقرار سَببا لدعوى النِّكَاح بِأَن ادّعى أَنَّهَا زَوجته لانها أقرَّت بِالزَّوْجِيَّةِ لي، أما لَو ادّعى نِكَاحهَا وَأَنَّهَا أقرَّت لَهُ بِهِ فَإِنَّهَا تسمع.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة وكما لَا تصح دَعْوَى المَال بِسَبَب الاقرار لَا تصح دَعْوَى النِّكَاح أَيْضا.
قَوْله: (أنكرهُ هُوَ أَو هِيَ) قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ الدَّعْوَى فِي هَذِه الاشياء تتَصَوَّر من أحد الْخَصْمَيْنِ أَيهمَا كَانَ، إِلَّا فِي الْحَد وَاللّعان وَالِاسْتِيلَاد، وَقد فرعوا فروعا على قَول الامام فِي هَذِه الْمسَائِل مَحل بَيَانهَا المطولات.
قَوْله: (بعدة عدَّة) قيد للثَّانِي كَمَا فِي الدُّرَر، أما قبل مُضِيّ الْعدة يثبت بقوله وَإِن كَذبته، لانه أَمر يملك استئنافه للْحَال، وَلَو ادعتها هِيَ فِيهَا فَهِيَ من مَوَاضِع الْخلاف، وَلَو ادَّعَاهَا بعد مضيها وصدقته ثَبت بتصادقهما.
بَحر.
وَلَو كَذبته وَلَا بَيِّنَة فعلى
قوليهما يحلف لَا على قَوْله، وَهِي مَسْأَلَة الْمَتْن، وَكَذَا لَو ادَّعَت أَنه رَاجعهَا وكذبها.
قَوْله: (وَفِي إِيلَاء) زَاد الشَّارِح لَفْظَة إِيلَاء لتوضيح الْمَسْأَلَة، وَإِلَّا فالفئ لَا يسْتَعْمل فِي عرف الْفُقَهَاء إِلَّا فِي الايلاء، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة.
قَوْله: (بعد الْمدَّة) لَو فِيهَا ثَبت بقوله لانه يملك الِاسْتِئْنَاف لَو كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْج وَلَو كَانَت هِيَ فَهِيَ من مَوَاضِع الْخلاف.
وَصُورَة الْمَسْأَلَة: لَو حلف لَا يقر بهَا أَرْبَعَة أشهر ثمَّ قَالَ: فئت وَأنْكرت، فَلَو ادَّعَاهُ فِي مُدَّة الايلاء ثَبت بقوله، لَان من ملك الانشاء مَالك الاقرار، وَلَو بعد مضيها فَإِن صدقته ثَبت، وَإِلَّا لَا، أما لَو ادَّعَت أَنه فَاء إِلَيْهَا وَأنكر الزَّوْج فَلَا يثبت سَوَاء كَانَت فِي الْمدَّة أَو بعْدهَا.
وَالْحَاصِل: أَن التَّقْيِيد بِهِ لَا يظْهر إِلَّا فِيمَا إِذا ادّعى عَلَيْهَا رَجْعَة فأنكرت، لانه إِذا ادّعى فِي الْعدة الرّجْعَة كَانَ رَجْعَة، وَأما إِذا ادَّعَت هِيَ الرّجْعَة فَأنْكر فَلَا لَان دَعْوَاهَا فِي الْعدة وَبعدهَا سَوَاء.
قَوْلُهُ: (تَدَّعِيهِ الْأَمَةُ) بِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا وَقَدْ مَاتَ أَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ وَصَارَت أم ولد وَأنْكرهُ الْمولى فَهُوَ على هَذَا الْخلاف.
ابْن كَمَال.
قَوْله: (لثُبُوته بِإِقْرَار) وَلَا يعْتَبر إنكارها وَكَذَا الْحَد وَاللّعان، بِخِلَاف سَائِر الاشياء الْمَذْكُورَة إِذْ يَتَأَتَّى فِيهَا الدَّعْوَى من الْجَانِبَيْنِ.
شَيخنَا عَن الدُّرَر وعزمي زَاده.
وَقَوله وَكَذَا الْحَد وَاللّعان: أَي لَا يتَصَوَّر أَن يكون الْمُدَّعِي إِلَّا الْمَقْذُوف والامة: أَي الْمَقْذُوف بِالنِّسْبَةِ للحد وَاللّعان والامة بِالنِّسْبَةِ للاستيلاد، فَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ من قَوْله وَالْمولى سبق قلم، وَالصَّوَاب والامة.
بَقِي أَن يُقَال: ظَاهر كَلَام الشَّارِح كَغَيْرِهِ أَنَّهَا ادَّعَت الِاسْتِيلَاد مُجَردا عَن دَعْوَى اعترافه، وَالَّذِي(8/50)
فِي صدر الشَّرِيعَة ادَّعَت أَنَّهَا ولدت مِنْهُ هَذَا الْوَلَد وادعاه: أَي ادَّعَت أَنه ادَّعَاهُ فَهُوَ من تَتِمَّة كَلَامهَا كَمَا ذكره أخي جلبي.
وَالَّذِي يظْهر أَن التَّقْيِيد بِهِ لَيْسَ احترازيا، بل يبتني على مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَنه يشْتَرط لثُبُوت نسب ولد الامة وجود الدَّعْوَى من السَّيِّد، وعَلى غير الْمَشْهُور لَا يشْتَرط ذَلِك، بل يَكْفِي عدم نَفْيه.
وَكَذَا ظَاهر كَلَامهم ادَّعَت أمة يُفِيد الِاحْتِرَاز عَن دَعْوَى الزوجه، وَيُخَالِفهُ قَول الْقُهسْتَانِيّ بعد قَول الْمَتْن واستيلاد بِأَن ادّعى أحد من الامة وَالْمولى وَالزَّوْجَة وَالزَّوْج أَنَّهَا ولدت مِنْهُ ولدا حَيا أَو مَيتا
كَمَا فِي قاضيخان.
وَلَكِن فِي الْمَشَاهِير أَن دَعْوَى الزَّوْج وَالْمولى لَا تتَصَوَّر، لَان النّسَب يثبت بِإِقْرَارِهِ، وَلَا عِبْرَة لانكارها بعده، وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه بِحَسب الظَّاهِر لم يدع النّسَب كَمَا يدل عَلَيْهِ تصويرهم.
اهـ.
أَبُو السُّعُود.
قَالَ البرجندي: وَيُمكن تَصْوِير الْعَكْس فِيهِ أَيْضا بِأَن حبلت من الْمولى فَأعْتقهَا قبل وضع الْحمل وَبعد قرب الْولادَة قتلت الْوَلَد، وَادّعى الْمولى دِيَة الْوَلَد عَلَيْهَا، وَلَا بُد من ثُبُوت الْوَلَد فأنكرت الامة ذَلِك اهـ.
وَفِيه تَأمل.
قَوْله: (وَنسب) قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَوِلَادٍ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ: لَمْ يَقُلْ وَنَسَبٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْأَبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ.
ابْن كَمَال.
قَوْله: (وَبِالْعَكْسِ) بِأَن ادّعى مَجْهُول الْحَال على رجل أَنه مَوْلَاهُ وَأنكر الْمولى أَو ادّعى مَجْهُول الْحَال عَلَيْهِ أَنه أَبوهُ، وَهَذَا فِي دَعْوَى نسب مُجَرّد عَن المَال، أما إِذا ادّعى مَالا بِدَعْوَى النّسَب بِأَن ادّعى رجل على رجل أَنه أَخُوهُ وَقد مَاتَ الاب وَترك مَالا فِي يَد هَذَا، وَطلب الْمِيرَاث أَو ادّعى على رجل أَنه أَخُوهُ لابيه وَطلب من القَاضِي أَن يفْرض لَهُ النَّفَقَة، وَأنكر الْمُدعى عَلَيْهِ ذَلِك فَالْقَاضِي يحلفهُ اتِّفَاقًا، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فعلى الْخلاف الْمَذْكُور، وَحِينَئِذٍ فيلغز: أَيُّ شَخْصٍ أَخَذَ الْإِرْثَ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ.
ط عَن الْحَمَوِيّ بِزِيَادَة: وَفِيه عَن الاتقاني: يثبت الِاسْتِحْلَاف عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي النّسَب الْمُجَرّد بِدُونِ دَعْوَى حق آخر، وَلَكِن يشْتَرط أَن يثبت النّسَب بِإِقْرَار الْمقر: أَي يكون النّسَب بِحَيْثُ يثبت بالاقرار.
أما إِذا كَانَ بِحَيْثُ لَا يثبت النّسَب بِإِقْرَار الْمقر فَلَا يجْرِي الِاسْتِحْلَاف فِي النّسَب الْمُجَرّد عِنْدهمَا أَيْضا، بَيَانه أَن إِقْرَار الرجل يَصح بِخَمْسَة بالوالدين وَالْولد وَالزَّوْجَة وَالْمولى، لانه إِقْرَار بِمَا يلْزمه وَلَيْسَ فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر، وَلَا يَصح إِقْرَاره بِمَا سواهُم، وَيصِح إِقْرَار الْمَرْأَة بأَرْبعَة بالوالدين وَالزَّوْج وَالْمولى وَلَا يَصح بِالْوَلَدِ وَمن سوى هَؤُلَاءِ، لَان فِيهِ تحميل النّسَب على الْغَيْر، إِلَّا إِذا صدقهَا الزَّوْج فِي إِقْرَارهَا بِالْوَلَدِ أَو تشهد بِوِلَادَة الْوَلَد قَابِلَة.
قَوْله: (وَوَلَاء عتاقة) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَعْرُوفِ الرِّقِّ أَنَّهُ مُعْتقه أَو مَوْلَاهُ.
قَوْله: (أَو مُوالَاة) أَي ادّعى عَلَيْهِ أَنه مَوْلَاهُ.
قَوْله: (ادَّعَاهُ الاعلى أَو الاسفل) بِأَن ادّعى على رجل مَعْرُوف أَنه مَوْلَاهُ أَو ادّعى الْمَعْرُوف ذَلِك وَأنكر الآخر.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَأَشَارَ إِلَى عدم الْفرق فِي دَعْوَى الْوَلَاء بَين الْمَعْرُوف والمجهول، بِخِلَاف دَعْوَى الرّقّ وَالنّسب فَإِن مجهولية نسب الْمُدَّعِي على
رقّه، وَنسبه شَرط صِحَة الدَّعْوَى شَيخنَا.
قلت: وَلِهَذَا قَالَ الشمني فِي جَانب دَعْوَى الْوَلَاء بِأَن ادّعى رجل على آخر بِأَن لَهُ عَلَيْهِ وَلَاء عتاقة أَو مُوالَاة أَو الْعَكْس.
اهـ.
وَلم يُقيد بِالْمَجْهُولِ.
قَوْله: (وحد ولعان) هَذَانِ مِمَّا لَا يحلف فيهمَا اتِّفَاقًا، أما على قَول الامام فَظَاهر، وَأما على قَوْلهمَا فَإِن النّكُول وَإِن كَانَ إِقْرَارا عِنْدهمَا لكنه إِقْرَار فِيهِ شُبْهَة، وَالْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ وَاللّعان فِي معنى الْحَد ط.
قَوْله: (وَالْفَتْوَى الخ) هُوَ قَول(8/51)
الصاحبين.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عِنْدَهُمَا.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ) أَيْ السَّبْعَةِ الْأُولَى مِنْ التِّسْعَة، وَعبر عَنْهَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بالاشياء السَّبْعَة.
وَفِيه ادّعى نِكَاحهَا، فحيلة دفع الْيَمين عَنْهَا على قَوْلهمَا أَن تتَزَوَّج فَلَا تحلف، لانها لَو نكلت فَلَا يحكم عَلَيْهَا، لانها لَو أقرَّت بعد مَا تزوجت لم يجز إِقْرَارهَا.
وَكَذَا لَو أقرَّت بِنِكَاح لغَائِب: قيل يَصح إِقْرَارهَا لَكِن يبطل بالتكذيب، ويندفع عَنْهَا الْيَمين، وَقيل لَا يَصح إِقْرَارهَا فَلَا ينْدَفع عَنْهَا الْيَمين.
اهـ.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: رجل تزوج امْرَأَة بِشَهَادَة شَاهِدين ثمَّ أنْكرت وَتَزَوَّجت بآخر وَمَا شُهُود الاول لَيْسَ للزَّوْج الاول أَن يخاصمها لانها للتحليف، وَالْمَقْصُود مِنْهُ النّكُول، وَلَو أقرَّت صَرِيحًا لم يجز إِقْرَارهَا، لَكِن يُخَاصم الزَّوْج الثَّانِي ويحلفه، فَإِن حلف برِئ وَإِن نكل فَلهُ أَن يخاصمها ويحلفها، فَإِن نكلت يقْضِي بهَا للْمُدَّعِي، وَهَذَا الْجَواب على قَوْلهمَا الْمُفْتى بِهِ.
اهـ.
قَوْله: (بِالنّسَبِ) نظرا إِلَى دَعْوَى الامة.
قَوْله: (أَو الرّقّ) نظرا إِلَى إِنْكَار الْمولى.
قَوْله: (حد قذف ولعان) بِأَن ادَّعَت الْمَرْأَة على زَوجهَا أَنه قَذفهَا بِالزِّنَا وَعَلَيْك اللّعان وَهُوَ مُنكر، وَفِي الْحَد بِأَن ادّعى على آخر بأنك قد قذفتني بِالزِّنَا عَلَيْك الْحَد وَهُوَ يُنكر، وَهَاتَانِ الصورتان مِمَّا لَا يُمكن تصويرهما إِلَّا من جَانب وَاحِد كَمَا تقدم.
قَوْله: (فِي الْكل) لَان هَذِه حُقُوق تثبت بِالشُّبُهَاتِ فَيجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَاف كالاموال، وَاخْتَارَ الْمُتَأَخّرُونَ أَنه إِن كَانَ الْمُنكر مُتَعَنتًا يسْتَحْلف أخذا بقولهمَا، وَإِن كَانَ مَظْلُوما لَا يسْتَحْلف أخذا بقول الامام زَيْلَعِيّ.
صُورَة الِاسْتِحْلَاف على قَوْلهمَا كَمَا تقدم: مَا هِيَ بِزَوْجَة لي، وَإِن كَانَت زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق بَائِن إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ.
وَقَالَ بَعضهم: يسْتَحْلف على النِّكَاح، فَإِن حلف يَقُول القَاضِي فرقت بَيْنكُمَا كَمَا فِي
الْبَدَائِع
قَوْله: (فَلَا يَمِين إِجْمَاعًا) يرد عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِع من قَوْله: وَأما فِي دَعْوَى الْقَذْف إِذا حلف على ظَاهر الرِّوَايَة فنكل يقْضِي بِالْحَدِّ فِي ظَاهر الاقاويل، لانه بِمَنْزِلَة الْقصاص فِي الطّرف عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَة النَّفس.
وَقَالَ بَعضهم: بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُدُود لَا يقْضِي فِيهِ بشئ وَلَا يحلف.
وَقيل يحلف وَيَقْضِي فِيهِ بالتعزير دون الْحَد كَمَا فِي السّرقَة يحلف وَيَقْضِي بِالْمَالِ دون الْقطع.
شرنبلالية.
قَوْله: (إِلَّا إِذا تضمن) أَي دَعْوَى الْحَد حَقًا: أَي حق عبد.
قَوْله: (بِأَن علق) كَأَن قَالَ: إِن زَنَيْت فَعَبْدي حر فَادّعى العَبْد زِنَاهُ وَأنكر حَقًا: أَي حق عبد.
قَوْله: (فللعبد تَحْلِيفه) أَي على السَّبَب بِاللَّه مَا زَنَيْت بَعْدَمَا حَلَفت بِعِتْق عَبدك هَذَا.
بَحر.
قَالَ الْعَلامَة سعدي: وَيَنْبَغِي أَن يَقُول العَبْد أَنه قد أَتَى بِمَا علق عيه عتقي وَلَا يَقُول زنى كَيْلا يكون قَاذِفا إِ هـ.
قَالَ الرحمتي وَلَا حد على العَبْد لانه غير قَاصد الْقَذْف وَإِنَّمَا يُرِيد إِثْبَات عتقه.
قَوْله: (وَكَذَا يسْتَخْلف السارف لاجل المَال) يَعْنِي كَمَا أَن مولى العَبْد يسْتَحْلف على الزِّنَا لاجل عتق العَبْد لَا لاقامة الْحَد.
كَذَا يسْتَحْلف السَّارِق لاجل المَال لَا للْقطع.
قَالَ ط: هُوَ من جملَة المستثني، قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يسْتَخْلف فِي شئ من الْحُدُود، لَا فِي الزِّنَا وَلَا فِي السّرقَة وَلَا الْقَذْف وَلَا شرب الْخمر وَلَا السكر، إِلَّا إِن طَالب الْمَسْرُوق مِنْهُ بِضَمَان المَال استحلفه، فَإِن نكل على الْيَمين ضمنه المَال وَلم يقطعهُ، وَذَلِكَ لَان الدَّعْوَى تَتَضَمَّن أَمريْن: الضَّمَان، وَالْقطع، وَالضَّمان لَا يَسْتَوْفِي النّكُول فَوَجَبَ إِثْبَات أَحدهمَا وَإِسْقَاط الآخر إِ هـ.
وَكَذَا يحلف فِي النِّكَاح إِن ادَّعَت المَال: أَي(8/52)
إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَغَرَضُهَا الْمَالُ كَالْمَهْرِ وَالنَّفقَة فَأنْكر الزَّوْج يحلف، فَإِن نكل يلْزم الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْمَالَ يثبت بالبذل لَا الْحِلِّ.
وَفِي النَّسَبِ: إذَا ادَّعَى حَقًّا مَالًا كَانَ كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَحَقِّ الْحَضَانَةِ فِي اللَّقِيطِ وَالْعِتْقِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ: فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَعَلَى الْخلاف الْمَذْكُور، وَكَذَا مُنكر الْقود إلَخْ.
ابْنُ كَمَالٍ.
وَإِنْكَارُ الْقَوَدِ سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.
وَفِي صدر الشَّرِيعَة فيلغز: أما امْرَأَةٍ تَأْخُذُ نَفَقَةً غَيْرَ مُعْتَدَّةٍ وَلَا حَائِضَةٍ وَلَا نفسَاء وَلَا يحل وَطْؤُهَا، وَفِيه يلغز اللغز الْمُتَقَدّم.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَحْلِيفَ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَدَّعِ مَعَهَا مَالًا فَإِنَّهُ يحلف وفَاقا.
قَوْله: (لاجل المَال) أَي بِطَلَب الْمَسْرُوق مِنْهُ، فَلَو لن يطْلب المَال لَا يحلف لَان الْيَمين لَا تلْزم إِلَّا بِطَلَب الْخصم.
قَوْله: (فَإِن نكل ضمن وَلَمْ يُقْطَعْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَطْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَمَا فِي قَوَدِ الطَّرَفِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ النُّكُولَ فِي قطع الطّرف النّكُول فِي السَّرِقَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَا فِي إيجَابِ الْقطع، وَعَدَمه، وَيُمكن الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوَدَ الطَّرَفِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَالْأَمْوَالِ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَظهر الْفرق، فَلْيتَأَمَّل.
يعقوبية.
قَوْله: (وَقَالُوا يسْتَحْلف فِي التَّعْزِيرِ) .
لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا يملك العَبْد بإسقاطه بِالْعَفو وَحُقُوق الْعباد مَبْنِيَّة على المشاحة لَا تسْقط بِالشُّبْهَةِ، فَلَو كَانَ التَّعْزِير لمحض حق الله تَعَالَى كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه قبل امْرَأَة بِرِضَاهَا: فَإِنَّهُ إِذا أثبت عَلَيْهِ ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ يعزران، وَإِذا أنكر يَنْبَغِي أَن لَا يستحلفا.
قَوْله: (كَمَا بَسطه فِي الدُّرَر) وَنَصه: وَيحلف فِي التَّعْزِير: يَعْنِي إِذا ادّعى على آخر مَا يُوجب التَّعْزِير، وَأَرَادَ تَحْلِيفه إِذا أنكر فَالْقَاضِي يحلفهُ، لَان التَّعْزِير مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ بِالْعَفو وَلَا يمْنَع الصغر وُجُوبه، وَمن عَلَيْهِ التَّعْزِير إِذا أمكن صَاحب الْحق مِنْهُ أَقَامَهُ، لَو كَانَ حق الله تَعَالَى لكَانَتْ هَذِه الاحكام على عكس هَذَا، والاستحلاف يجْرِي فِي حُقُوق الْعباد سَوَاء كَانَت عُقُوبَة أَو مَالا إِ هـ.
وتعليله هُنَا: بِأَن التَّعْزِير مَحْض حق العَبْد مُخَالف لما سبق لَهُ فِي فصل التَّعْزِير أَن حق العَبْد غَالب فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ عزمي زَاده: بَين كَلَامه تدفع إِ هـ.
قلت: لَا يَخْلُو حق العَبْد من حق الله فَلَا يسْتَقلّ عبد بِحَق، لَان الَّذِي جعله حَقه هُوَ الْحق تَعَالَى الْآمِر الناهي، فَكَلَامه الثَّانِي مؤول بالاول.
قَوْله: (وَفِي الْفُصُول) قدمنَا هَذِه الْمَسْأَلَة قَرِيبا بأوضح مِمَّا هُنَا مَعَ فروع أخر.
قَوْله: (فحيلة دفع يَمِينهَا) أَي على قَوْلهمَا.
قَوْله: (أَن تتَزَوَّج) أَي بآخر.
قَوْله: (فَلَا تحلف) لانها لَو نكلت لَا يحكم عَلَيْهَا وَلَو أقرَّت بَعْدَمَا تزوجت لم يجز إِقْرَارهَا، وَكَذَا لَو أقرَّت بِنِكَاح غَائِب فَإِنَّهُ يَصح إِقْرَارهَا على أحد قَوْلَيْنِ، وَلَكِن يبطل بالتكذيب وتندفع عَنْهَا الْيَمين.
قَالَ بعض الافاضل: هَذِه الْحِيلَة ظَاهِرَة لَو تزوجته، أما لَو تزوجت غَيره فَالظَّاهِر عدم صِحَة العقد إِلَّا إِذا حَلَفت نعم لَو تزوجت قبل الرّفْع إِلَى القَاضِي رُبمَا يظْهر.
اهـ.
تَأمل.
قَوْلُهُ: (فِي إحْدَى وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً)(8/53)
تقدّمت فِي الْوَقْف وَذكرهَا فِي الْبَحْر هُنَا.
قَوْله: (فِي الِاسْتِحْلَاف) يَعْنِي يجوز أَن يكون شخص نَائِبا عَن آخر لَهُ حق على غَيره فِي طلب الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة، فالسين وَالتَّاء فِي قَوْله الِاسْتِحْلَاف للطلب كَمَا يفِيدهُ كَلَامه بعد، وَهَذَا الَّذِي ذكره المُصَنّف ضَابِط كلي، أَفَادَهُ عماد الدّين فِي فصوله فِي مَوَاضِع إِجْمَالا تَارَة وتفصيلا أُخْرَى فِي الْفَصْل السَّادِس عشر، وَالْمُصَنّف لخصه كَمَا نرى.
وَابْن قَاضِي سماوة لخصه فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أخصر مِنْهُ كَمَا هُوَ دأبه، وَهَذَا من الْمسَائِل الَّتِي أوردهَا المُصَنّف فِي كِتَابه، وَلم يُؤْت بهَا فِي الْمُتُون الْمَشْهُور سوى الْغرَر، وَلَيْسَ فِي كَلَامه مَا يُخَالف الاصل إِلَّا فِي تَعْمِيم الشَّارِح ضمير إِقْرَار فَفِيهِ نوع حزازة، لَان كلا من الْوَصِيّ وَمن بعده لَيْسُوا كَالْوَكِيلِ فِي صِحَة إقرارهم تَارَة وَعدمهَا أُخْرَى، وَأَيْضًا لَيْسَ الْوَكِيل مُطلقًا كَذَلِك كَمَا أَفَادَهُ التَّقْيِيد.
فَلَو قَالَ: إِلَّا إِذا كَانَ الْوَكِيل وَكيلا بِالْبيعِ أَو الْخُصُومَة فِي الرَّد بِالْعَيْبِ لصِحَّة إِقْرَاره بدل قَوْله: أَو صَحَّ إِقْرَاره الخ لَكَانَ سالما، ثمَّ إِنَّه لَا يلْزم من عدم التَّحْلِيف عدم سَماع الدَّعْوَى، بل يَجْعَل كل مِنْهُم خصما فِي حق سَماع الدَّعْوَى وَإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ من غير استحلاف كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
قَوْله: (لَا الْحلف) يَعْنِي لَا يجوز أَن يكون شخص نَائِبا عَن شخص توجه عَلَيْهِ الْيَمين ليحلف من قبله، وَيُخَالِفهُ مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الاخرس الاصم الاعمى يحلف وليه عَنهُ، وَهُوَ الْمُسْتَثْنى من الضَّابِط الْمَذْكُور كَمَا صرح بِهِ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (وَفرع على الاول) الاولى إِسْقَاطه وَأَن يَقُول: وَفرع عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَار الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ، فعلى الاول قَوْله فالوكيل الخ وعَلى الثَّانِي قَوْله فَلَا يحلف أحد مِنْهُم.
قَوْله: (فَلهُ طلب) أَي ظَاهرا، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَة خَصمه الاصيل.
قَوْله: (وَلَا يحلف) لَو قَالَ: وَفَرَّعَ عَلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلَا يَحْلِفُ إلَخْ لَكَانَ أسبك.
قَوْله: (أحد مِنْهُم) أَشَارَ بذلك إِلَى جَوَاب مَا يرد على قَوْله يملك الِاسْتِحْلَاف حَيْثُ وَقع خَبرا عَن قَوْله فالوكيل الخ حَيْثُ وَقع خَبرا عَن الْمُبْتَدَأ وَمَا عطف عَلَيْهِ، وَهُوَ جملَة فَيجب اشتماله على ضمير مُطَابق، فَيُقَال: يملكُونَ وَلَا يحلفُونَ، فَأجَاب بِأَنَّهُ مؤول: أَي يملك كل وَاحِد مِنْهُم الِاسْتِحْلَاف وَلَا يحلف، وكما يَصح التَّأْوِيل فِي الْخَبَر يَصح فِي الْمُبْتَدَأ، والسر فِي أَنه يملك الِاسْتِحْلَاف، وَلَا يحلف أحد مِنْهُم، وَذَلِكَ أَن الْوَكِيل
وَمَا عطف عَلَيْهِ لما كَانَ لَهُ الطّلب وَقد عجز عَن الْبَيِّنَة فَيحلف خَصمه، إِذْ لَا مَانع من ذَلِك.
وَأما إِذا ادّعى عَلَيْهِم فَإِن الْحلف يقْصد بِهِ النّكُول ليقضي بِهِ، والنكول إِقْرَار أَو بذل كَمَا علم، وَلَا يملك وَاحِد مِنْهُم الاقرار على الاصيل وَلَا بذل مَاله وَهُوَ نَائِب فِي الدَّعْوَى قد يعلم حَقِيقَتهَا وَقد لَا يعلم، فَكيف يحلف على مَا لَا علم لَهُ بِهِ؟ تَأمل.
قَوْله: (إِلَّا إِذا ادّعى عَلَيْهِ العقد) أَي عقد بيع أَو شِرَاء أَو إِجَارَة، لانه يكون حِينَئِذٍ أصلا فِي الْحُقُوق فَتكون الْيَمين متجهة عَلَيْهِ لَا على الاصيل، فَلَا نِيَابَة فِي الْحلف فالاستثناء مُنْقَطع، وَهُوَ شَامِل للاربعة.
وَالْمرَاد بِالْعقدِ مَا ذكر، أما عقد النِّكَاح فَغير مُرَاد هُنَا لَان الشَّارِح قدم أَنه لَا تَحْلِيف فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَعِنْدَهُمَا: يُسْتَحْلَفُ الاب الصَّغِير.
تَأمل.
أَفَادَهُ الْخَيْر الرَّمْلِيّ.
قَوْله: (أَو صَحَّ إِقْرَاره) مُخْتَصّ بالوكيل فَقَط كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله كَالْوَكِيلِ الخ.
قَوْله: (فيستحلف) الاولى فِي الْمُقَابلَة فَيحلف.
قَوْله: (حِينَئِذٍ) لَا حَاجَة إِلَيْهِ.
قَوْله: (كَالْوَكِيلِ بِالْبيعِ) هُوَ دَاخل تَحت قَوْله إِذا ادّعى عَلَيْهِ العقد فَكَانَ الاول مغنيا عَنهُ.
تَأمل.
نعم كَانَ الاولى بِهَذَا(8/54)
الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ، فَإِنَّهُ يَصح إِقْرَاره على الْمُوكل، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يسْتَحْلف على مُقْتَضى قَوْله أَو صَحَّ إِقْرَاره وَلَيْسَ كَذَلِك.
بَقِيَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَلَى الْبَتَاتِ؟ ذُكِرَ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ نور الْعين: أَنه الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ.
اهـ.
فَتَأَمّله.
وَالْحَاصِل: أَن كل من يَصح إِقْرَاره كَالْوَكِيلِ يَصح استحلافه، بِخِلَاف من لَا يَصح إِقْرَاره كالوصي.
قَوْله: (فَإِن إِقْرَاره صَحِيح) لم يبين إِقْرَاره بِأَيّ شئ.
وليحرر.
ط.
أَقُول: الظَّاهِر أَن إِقْرَاره فِيمَا هُوَ من حُقُوق العقد كالاقرار بِعَيْب أَو أجل أَو خِيَار للْمُشْتَرِي.
قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث ذكرهَا) هِيَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يحلف، فَإِن أَقَرَّ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ.
الثَّالِثَةُ: الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأهُ عَن الدّين وَطلب يَمِين الْوَكِيل على الْعلم لَا يحلف وَإِن أقرّ بِهِ لزمَه.
اهـ.
منح
قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ فِي أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ) أَيْ بِضَمِّ الثَّلَاثَة إِلَى مَا فِي الْخَانِية، لَكِن الاوى مِنْهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (لِابْنِ الْمُصَنِّفِ) وَهُوَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ عَبْدُ الْقَادِرِ وَهُوَ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَأَخُوهُ الشَّيْخُ صَالِحٌ صَاحِبُ الزواهر.
قَوْله: (وَلَوْلَا خشيَة التَّطْوِيل لاوردتها كلهَا) هَذِه ونظائرها تَقْتَضِي أَنه لم يقدمهَا وَأَخَوَاتهَا قبيل الْبيُوع، مَعَ أَن ذكرهَا هُنَاكَ لَا مُنَاسبَة لَهُ، وَهُوَ مَفْقُود فِي بعض النّسخ الصَّحِيحَة، وَلَعَلَّ الشَّارِح جمعهَا فِي ذَلِك الْمحل بعد تتميم الْكتاب وَبَلغت هُنَاكَ إِحْدَى وَسِتِّينَ مَسْأَلَة.
مسَائِل الْخَانِية إِحْدَى وَثَلَاثُونَ، ومسائل الْخُلَاصَة ثَلَاث، ومسائل الْبَحْر سِتَّة، وَزِيَادَة تنوير البصائر أَرْبَعَة عشر، وَزِيَادَة زواهر الْجَوَاهِر سَبْعَة، وَزَاد عَلَيْهَا سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ثَمَان مسَائِل من جَامع الْفُصُولَيْنِ فَصَارَت تِسْعَة وَسِتِّينَ، فَرَاجعهَا ثمَّة إِن شِئْت فِي آخر كتاب الْوَقْف قبيل الْبيُوع.
قَوْله: (أَي الْقطع) فِي بعض كتب الْفِقْه الْبَتّ بدل الْبَتَات وَهُوَ أولى.
وَقد ذكر فِي الْقَامُوس أَن الْبَتّ: الْقطع، وَأَن الْبَتَات: الزَّاد والجهاز ومتاع الْبَيْت، والجميع أبتة ط.
قَوْله: (بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك) هَذَا فِي النَّفْي أَو أَنه كَذَلِك فِي الاثبات.
قَوْله: (على الْعلم) أَي على نَفْيه.
قَوْله: (لعدم علمه بِمَا فعل غير ظَاهرا) فَلَو حلف على الْبَتَات لامتنع عَن الْيَمين مَعَ كَونه صَادِقا فيتضرر بِهِ، فطولب بِالْعلمِ فَإِذا لم يقبل مَعَ الامكان صَار باذلا أَو مقرا، وَهَذَا أصل مُقَرر عِنْد أَئِمَّتنَا.
دُرَر.
قَوْله: (يتَّصل بِهِ) أَي يتَعَلَّق حكمه بِهِ بِحَيْثُ يعود إِلَى فعله.
قَوْلُهُ: (أَوْ إبَاقَهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِبَاقِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي الْإِبَاقَ الْكَائِنَ(8/55)
عِنْدَهُ، إذْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ لَا يلْزمه شئ، لِأَنَّ الْإِبَاقَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُعَاوَدَةِ، بِأَنْ يُثْبِتَ وُجُودَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كِلَاهُمَا فِي صِغَرِهِ أَوْ كِبَرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي مَحَلِّهِ.
أَبُو السُّعُودِ.
وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَوْلُهُ: يَحْلِفُ على الْبَتَات بِاللَّه مَا أبق.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك حق الرَّدُّ، فَإِنَّ فِي الْحَلِفِ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ البَائِع أَو قد يبرأ المُشْتَرِي عَن الْعَيْب.
قَوْله: (وَأثبت ذَلِك) أَي على مَا سبق فِي مَحَله من وجوده عِنْد البَائِع ثمَّ عِنْد المُشْتَرِي الخ.
قَوْله: (يحلف البَائِع على الْبَتَات) يَعْنِي أَنَّ مُشْتَرِيَ الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ إبَاقَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ التَّحْلِيفَ
يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ بِاَللَّهِ مَا سَرَقَ فِي يَدِك، وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ.
دُرَر.
قَوْله: (فَرجع إِلَى فعل نَفسه) وَهُوَ تَسْلِيمه سليما.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا آكَدُ) أَيْ لِأَنَّ يَمِينَ الْبَتَاتِ آكِد من يَمِين الْعلم حَيْثُ جزم فِي الاولى، وَلم يجْزم فِي الثَّانِيَة، مَعَ أَن فِي الاولى إِنَّمَا حلف على علمه أَيْضا، إِذْ غَلَبَة الظَّن تبيح لَهُ الْحلف، لكنه إِذا جزم بهَا كَانَت آكِد صُورَة.
قَوْله: (وَلذَا تعْتَبر مُطلقًا) أَي فِي فعل نَفسه وَفعل غَيره، فَلَو حلف على الْبَتَات فِي فعل غَيره أَجزَأَهُ بالاولى لانه قد أَتَى بالآكد.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) يَعْنِي أَنَّ يَمِينَ الْعِلْمِ لَا تَكْفِي فِي فعل نَفسه ح.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ فِي كل مَوضِع وَجَبت فِيهِ الْيَمين عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ كَفَى وَسَقَطَتْ عَنْهُ، وَعَلَى عَكْسِهِ لَا، وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبا عَلَيْهِ.
اهـ.
قَالَ فِي الدُّرَر: وَاعْلَم أَن فِي كل مَوضِع الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَات آكِد فَيعْتَبر مُطلقًا، بِخِلَاف الْعَكْس.
ذكره الزَّيْلَعِيّ.
اهـ.
وَاسْتشْكل الثَّانِي الْعِمَادِيّ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَجه الاشكال أَنه كَيفَ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَى الْبَتِّ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَاعْتُبِرَ فَيَكُونُ قَضَاءً بَعْدَ نُكُولٍ عَنْ يَمِين مسقطة للحلف عَنهُ، بِخِلَاف عَكسه، وَلِهَذَا يحلف فِيهِ ثَانِيًا لِعَدَمِ سُقُوطِ الْحَلِفِ عَنْهُ بِهَا، فَنُكُولُهُ عَنهُ لعدم اعْتِبَاره والاجتزاء بِهِ فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بِسَبَب.
تَأمل.
أَقُول: يشكل قَول الرَّمْلِيّ بِأَنَّهُ يَزُول الاشكال الخ، مَعَ أَنه لَا يَزُول بذلك بعد قَول الْبَحْر: وَلَا يقْضِي بِنُكُولِهِ عَمَّا لَيْسَ وَاجِبا عَلَيْهِ.
تَأمل.
وَاسْتشْكل فِي السعدية الْفَرْع الاول بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، بل اللَّائِق أَن يقْضِي بِالنّكُولِ، فَإِنَّهُ إِذا نكل عَن الْحلف على الْعلم فَفِي الْبَتَات أولى.
وَأجَاب عَنهُ: بِالْمَنْعِ لانه يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ، فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التّكْرَار، وَهُوَ بِمَعْنى مَا ذكره الرَّمْلِيّ، وَاسْتشْكل الثَّانِي أَيْضا بِأَنَّهُ مَحل تَأمل، فَإِنَّهُ إِذا لم يجب عَلَيْهِ كَيفَ يقْضِي عَلَيْهِ إِذا نكل، وَلم يجب عَنهُ بِجَوَاب، وَاسْتَشْكَلَهُ الخادمي أَيْضا بِأَن الْبَتَات أَعم تحققا من الْعلم، وَيعْتَبر فِي الْيَمين انتفاؤهما وَانْتِفَاء الاعم أخص من انْتِفَاء الاخص، فَكيف يقْضِي بِالنّكُولِ
عَن الْبَتَات فِي مَوضِع يجب عَلَيْهِ الْحلف على الْعلم، فَإِنَّهُ بعد هَذَا النّكُول يحْتَمل أَن يحلف على الْعلم.
ا(8/56)
هـ.
قَالَ الْفَاضِل يَعْقُوب باشا بعد نَقله عَن النِّهَايَة: وَفِيه كَلَام، وَهُوَ أَن الظَّاهِر عدم الحكم بِالنّكُولِ لعدم وجوب الْيَمين على الْبَتَات كَمَا لَا يخفى، فَتَأمل.
اهـ.
قَالَ عزمي زَاده: وَفِي هَذَا الْمقَام كَلَام.
اهـ.
فَليُرَاجع.
فرع: مِمَّا يحلف فِيهِ على الْعلم مَا إِذا قَالَ فِي حَال مَرضه لَيْسَ لي شئ فِي الدُّنْيَا ثمَّ مَاتَ عَن زَوْجَة وَبنت وَرَثَة فللورثة أَن يحلفوا زَوجته وَابْنَته على أَنَّهُمَا لَا يعلمَانِ بشئ من تَرِكَة المتوفي بطريقه اهـ.
بَحر عَن الْقنية.
قَوْله: (عَنهُ) أَي عَن الزَّيْلَعِيّ.
قَوْله: (هَذَا إِذا قَالَ الْمُنكر أَيْضا) حكى هَذَا الْقُهسْتَانِيّ بقيل.
قَوْله: (كمودع إِلَخ) صورته: قَالَ رب الْوَدِيعَة أودعتك كَذَا فَرده عَليّ فَقَالَ الْمُودع سلمته إِلَيْك فَالْقَوْل للْمُودع، لانه يَنْفِي الضَّمَان عَن نَفسه وَيَمِينه على الْبَتَات بِأَن يَقُول: وَالله سلمته إِلَيْك، إِذْ مَعْنَاهُ النَّفْي وَهُوَ أَنَّك لَا تسْتَحقّ عِنْدِي شَيْئا، وَمثله وَكيل البيع إِذا ادّعى قبض الْمُوكل الثّمن، وكما لَو قَالَ إِن لم يدْخل فلَان الْيَوْم الدَّار فامرأته طَالِق ثمَّ قَالَ إِنَّه دخل يحلف على الْبَتَات بِاللَّه أَنه دخل الْيَوْم مَعَ أَنه فعل الْغَيْر لكَونه ادّعى علما بذلك.
أَفَادَهُ فِي الْبَحْر.
قَوْله: (سبق الشِّرَاء) أَي من عَمْرو ومثلا.
قَوْله: (وَهُوَ بكر) صَوَابه: وَهُوَ زيد لَان بكرا هُوَ الْمُدَّعِي، وَالَّذِي يحلف زيد الْمُدعى عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ جعله تَفْسِيرا للهاء فِي خَصمه، فَيكون الْمَعْنى وَهُوَ خصم بكر وخصم بكر هُوَ زيد، والاولى أَن يَقُول: أَي خصم بكر هُوَ زيد.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْمُصَنِّفَ وَصَاحِبَ الدُّرَرِ.
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: صَوَابُهُ زَيْدٌ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَنْ يَحْلِفَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لَا لِلْمَفْعُولِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحْلِيفِ لَهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَهُوَ بَكْرٌ تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ فِي خَصمه، لَكِن فِيهِ ركاكة اهـ.
قَوْله: (لما مر) أَي من أَنه يحلف فِي فعل الْغَيْر على الْعلم وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ لعلمه من التَّفْرِيع.
قَوْله: (كَذَا إدا ادّعى دينا) بِأَن يَقُول رجل لآخر إِن لي على مورثك ألف دِرْهَم فَمَاتَ وَعَلِيهِ الدّين وَلَا بَيِّنَة لَهُ، فَيحلف الْوَارِث على الْعلم.
دُرَر: أَي لَا على
الْبَتَات، وَهَذَا لَو قبض الدّين على مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيه وقاضيخان، خلافًا للخصاف.
قُهُسْتَانِيّ.
وَفِي الْبَحْر: وَحَاصِل مَا ذكره الصَّدْر فِي دَعْوَى الدّين على الْوَارِث: أَن القَاضِي يسْأَله أَولا عَن موت أَبِيه ليَكُون خصما فَإِن أقرّ بِمَوْتِهِ سَأَلَهُ عَن الدّين، فَإِن أقرّ بِهِ يَسْتَوْفِيه الْمُدَّعِي من نصِيبه فَقَط لانه لَا يَصح إِقْرَارا على الْمَيِّت فَيبقى إِقْرَارا فِي حق نَفسه، وَإِن أنكر فبرهن الْمُدَّعِي اسْتَوْفَاهُ من التَّرِكَة، لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَدعِي على الْمَيِّت، وَإِلَّا يبرهن الْمُدَّعِي وَطلب يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ استحلفه على الْعلم: أَي بِاللَّه مَا تعلم أَن لفُلَان بن فلَان هَذَا على أَبِيك هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ ألف دِرْهَم وَلَا شئ مِنْهُ قضى عَلَيْهِ، فيستوفي من نصِيبه إِن أقرّ بوصول نصِيبه من الْمِيرَاث إِلَيْهِ، وَإِلَّا يقر بوصوله إِلَيْهِ، فَإِن صدقه الْمُدَّعِي فَلَا شئ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اسْتحْلف على الْبَتَات مَا وصل إِلَيْهِ قدر مَال الْمُدَّعِي وَلَا بعضه، فَإِن نكل لزمَه الْقَضَاء وَإِلَّا لَا، هَذَا إِذا حلفه على الدّين أَولا، فَإِن حلفه(8/57)
على الْوُصُول أَولا فَحلف فَلهُ تَحْلِيفه على الدّين ثَانِيًا: أَي على الْعلم لاحْتِمَال ظُهُور مَاله فَكَانَ فِيهِ فَائِدَة منتظرة.
وَإِن لم يصل المَال إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَتى استحلفه وَأقر أَو نكل وَثَبت الدّين فَإِذا ظهر للاب مَال من الْوَدِيعَة أَو البضاعة عِنْد إِنْسَان لَا يحْتَاج إِلَى الاثبات، فَهَذِهِ الْفَائِدَة المنتظرة، وَلَو أَرَادَ الْمُدَّعِي استحلافه على الدّين والوصول مَعًا فَقيل لَهُ ذَلِك وعامتهم إِنَّه يحلف مرَّتَيْنِ وَلَا يجمع وَإِن أنكر مَوته حلفه على الْعلم، فَإِن نكل حلف على الدّين: أَي على الْعلم أَيْضا.
مطلب: دَعْوَى الْوَصِيَّة على الْوَارِث كدعوى الدّين إِذا أنكرها يحلف على الْعلم وَدَعوى الْوَصِيَّة على الْوَارِث كدعوى الدّين، فَيحلف على الْعلم لَو أنكرها ومدعي الدّين على الْمَيِّت إِذا ادّعى على وَاحِد من الْوَرَثَة وحلفه فَلهُ أَن يحلف الْبَاقِي، لَان النَّاس يتفاوتون فِي الْيَمين، وَرُبمَا لَا يعلم الاول بِهِ وَيعلم الثَّانِي.
وَلَو ادّعى أحد الْوَرَثَة دينا على رجل للْمَيت وحلفه لَيْسَ للْبَاقِي تَحْلِيفه، لَان الْوَارِث قَائِم مقَام الْمُورث وَهُوَ لَا يحلفهُ إِلَّا مرّة.
انْتهى مُلَخصا بِزِيَادَة.
قَوْله: (أَو عينا على وَارِث) صورته: أَن يَقُول إِن هَذَا العَبْد الَّذِي ورثته عَن فلَان ملكي وبيدك بِغَيْر حق وَلَا بَيِّنَة لَهُ فَإِن الْوَارِث يحلفهُ على الْعلم يُخَصِّصَ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ بِصُورَةِ الْعَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ، فَإِنَّ جَرَيَانَ ذَلِكَ فِي
الدَّيْنِ مُشكل.
عزمي.
وَهَذَا بِنَاء على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ والمفتى بِهِ لَا فَيكون علمه كَعَدَمِهِ.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو الطّيب: أَقُول فِي قَوْله فَإِن جَرَيَان ذَلِك فِي الدّين مُشكل نظر، لما قَالَ فِي نور الْعين نقلا عَن الْمُحِيط البرهاني: إِنَّمَا يحلف على الْعلم فِي الارث لَو علم القَاضِي بالارث أَو أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي أَو برهن عَلَيْهِ، وَإِلَّا يحلف بتا، وَكَذَا لَو ادّعى دينا على الْوَارِث يحلف على الْعلم.
اه.
قَوْله: (أَو أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي) هُوَ كَمَا سبق فِي التَّصْوِير.
قَوْلُهُ: (أَوْ بَرْهَنَ الْخَصْمُ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَيحلف) أَي الْوَارِث على الْعلم فَإِن لم يعلم القَاضِي حَقِيقَة الْحَال وَلَا أقرّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ وَلَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ هَذَا الْعين إِلَى الْمُدَّعِي.
عمادية.
قَالَ ط: يُمكن تَصْوِير بِأَن ادّعى مُدع على شخص إِن هَذِه الْعين لَهُ وَعجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة فَطلب يَمِينه على الْبَتّ فَقَالَ إِنَّهَا إِرْث وَأَرَادَ الْيَمين على الْعلم فَأنْكر الْمُدَّعِي ذَلِك فَأَقَامَ الْوَارِث بَيِّنَة على مدعاه فَإِنَّهُ يحلف على الْعلم: أَي فَالشَّرْط فِي تَحْلِيفه الْوَارِث على الْعلم فِي دَعْوَى الْعين أحد هَذِه الثَّلَاثَة.
قَوْله: (وَالْعين) الْوَاو بِمَعْنى أَو.
قَوْله: (الْوَارِث) أَي إنَّهُمَا حق موروث وَأنكر الْخصم.
قَوْله: (يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات) أَي إنَّهُمَا ليسَا بِحَق مُوَرِثه.
قَوْله: (كموهوب وَشِرَاء.
دُرَر) يَعْنِي لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فَقَبَضَهُ أَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَجَاءَ رجل وَزعم أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَأَرَادَ استحلاف الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف على الْبَتَات.
حَلَبِيّ عَن الدُّرَر: أَي أَنه لَيْسَ بِعَبْدِهِ، والاولى كموهوب ومشتري أَو كَهِبَة وَشِرَاء للموافقة لفظا، وَعلله الزَّيْلَعِيّ بِأَن الْهِبَة وَالشِّرَاء سَبَب مَوْضُوع للْملك بِاخْتِيَار الْمَالِك ومباشرته وَلَو لم يعلم أَنه ملك للْملك لَهُ لما بَاشر السَّبَب ظَاهرا، فَيحلف على(8/58)
الْبَتَات، فَإِذا امْتنع عَمَّا أطلق لَهُ يكون باذلا، أما الْوَارِث فُلَانُهُ لَا اخْتِيَار لَهُ فِي الْملك، وَلَا يَدعِي مَا فعل الْمُورث فَلم يُوجد مَا يُطلق لَهُ الْيَمين على الْبَتَات، ولان الْوَارِث حلف على الْمُورث وَالْيَمِين لَا تجْرِي فِيهَا النِّيَابَة فَلَا يحلف على الْبَتَات، وَالْمُشْتَرِي والموهوب لَهُ أصل بِنَفسِهِ فَيحلف عَلَيْهِ.
اهـ.
قَوْله: (وَيحلف جَاحد الْقود) أَي مُنكر الْقصاص بِأَن ادّعى رجل عَلَيْهِ قصاصا.
عَيْني: أَي سَوَاء كَانَ فِي النَّفس أَو الاطراف بالِاتِّفَاقِ.
دامادا.
قَوْله: (حبس) أَي وَلَا يقْتَصّ، أما عِنْده فلَان النّكُول بذل وَلَا
يجْرِي فِي النَّفس، أَلا ترى أَنه لَو قَتله بأَمْره يجب عَلَيْهِ الْقصاص فِي رِوَايَة، وَفِي أُخْرَى الدِّيَة، وَلَو قطع يَده بأَمْره لَا يجب عَلَيْهِ شئ، إِلَّا أَنه لَا يُبَاح لعدم الْفَائِدَة، أما مَا فِيهِ فَائِدَة كالقطع للاكلة وَقلع السن للوجع لَا يَأْثَم بِفِعْلِهِ، وَأما عِنْدهمَا فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ إِقْرَارا إِلَّا أَن فِيهِ شُبْهَة فَلَا يثبت فِيهِ الْقود لانه كالحدود من وَجه.
قَوْله: (حَتَّى يقر) أَي فيقتص مِنْهُ.
قَوْله: (أَو يحلف) أَي عِنْد الامام فَيبرأ من الدَّعْوَى.
وَفِي الشلبي عَن الاتقاني، أَو يَمُوت جوعا لَان الانفس لَا يسْلك بهَا مسالك الاموال فَلَا يجْرِي فِيهَا الْبَذْل الَّذِي هُوَ مؤدي الانكار، وَإِذا امْتنع الْقصاص وَالْيَمِين حق مُسْتَحقّ يحبس بِهِ كَمَا فِي الْقسَامَة، فَإِنَّهُم إِذا نكلوا عَن الْيَمين يحبسون، حَتَّى يقرُّوا أَو يحلفوا.
وَفِي الْخَانِية فِي كَيْفيَّة التَّحْلِيف بِالْقَتْلِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة يسْتَحْلف على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لَهُ عَلَيْك دم ابْنه فلَان مثلا وَلَا قبلك حق بِسَبَب هَذَا الدَّم الَّذِي يَدعِي.
وَفِي رِوَايَة يحلف على السَّبَب بِاللَّه مَا قتلت فلَان بن فلَان ولي هَذَا عمدا.
وَفِيمَا سوى الْقَتْل من الْقطع والشجة وَنَحْو ذَلِك يحلف على الْحَاصِل بِاللَّه مَا لَهُ عَلَيْك قطع هَذَا العَبْد وَلَا لَهُ عَلَيْك ك حق بِسَبَبِهَا، وَكَذَلِكَ فِي الشجاج والجراحات الَّتِي يجب فِيهَا الْقصاص.
اهـ.
قَوْله: (وَفِيمَا دونه) أَي دون الْقود من الاطراف.
قَوْله: (يقْتَصّ) مِنْهُ: أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى كَمَا علم مَا مر.
قَوْله: (فَيجْرِي فِيهَا الابتذال) أَي فَتثبت بِالنّكُولِ كَمَا أَن المَال يثبت بِهِ، والاولى الْبَذْل كَمَا فِي بعض النّسخ.
قَوْله: (خلافًا لَهما) فَإِنَّهُمَا قَالَا: يجب عَلَيْهِ الارش فيهمَا، وَلَا يقْضِي بِالْقصاصِ لَان الْقصاص فِيمَا دون النَّفس عُقُوبَة تدرأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا تثبت بِالنّكُولِ كَالْقصاصِ فِي النَّفس، ولان النّكُول وَإِن كَانَ إِقْرَارا عِنْدهمَا فَفِيهِ شُبْهَة الْعَدَم فَلَا يثبت بِهِ الْقصاص، وَيجب بِهِ المَال خُصُوصا إِذا كَانَ امْتنَاع الْقصاص لِمَعْنى من جِهَة من عَلَيْهِ خَاصَّة، كَمَا إِذا أقرّ بالْخَطَأ وَالْوَلِيّ يَدعِي الْعمد، وَإِذا امْتنع الْقود تجب الدِّيَة، وَعند الثَّلَاثَة يقْتَصّ فيهمَا بعد حلف الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْعَيْنِيّ، وَأما إِذا كَانَ الِامْتِنَاع من جَانب من لَهُ كَمَا إِذا أَقَامَ على مَا ادّعى وَهُوَ الْقصاص رجلا وَامْرَأَتَيْنِ أَو الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بشئ لَان الْحجَّة قَامَت بِالْقصاصِ لَكِن تعذر اسْتِيفَاؤهُ وَلم يشبه الْخَطَأ فَلَا يجب شئ، وَلَا تفَاوت فِي هَذَا الْمَعْنى بَين النَّفس وَمَا دونهَا كَمَا فِي الْعِنَايَة.
قَوْله: (قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة الخ) أَطْلَقَ حُضُورَهَا فَشَمِلَ حُضُورَهَا فِي الْمِصْرِ بِصِفَةِ الْمَرَضِ،
وَظَاهِرُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ خِلَافُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الدَّعَاوَى الصَّحِيحَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُدَّعِي لَا شُهُودَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ أَوْ فِي الْمصر.
اهـ.
بَحر.
قَوْله: (فِي الْمصر) أَرَادَ بِهِ حضورهما فِيهِ أَو مَحل بَينه وَبَين مَحل الْمُدَّعِي دون مَسَافَة الْقصر، كَمَا يفِيدهُ الْكَلَام الْآتِي.
وَقيد فِي الْمصر، وَإِن كَانَ إِطْلَاق كَلَام المُصَنّف متناولا لما لَو كَانَت حَاضِرَة فِي الْمجْلس لانه الْمُخْتَلف فِيهِ.(8/59)
قَالَ فِي الْبَحْر: أطلق فِي حُضُورهَا فَشَمَلَ حُضُورهَا فِي مجْلِس الحكم، وَلَا خلاف لَا يحلف وحضورها فِي الْمصر وَهُوَ مَحل الِاخْتِلَاف.
قَوْله: (لم يحلف) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، لَان ثُبُوت الْحق فِي الْيَمين مُرَتّب على الْعَجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة، فَلَا تكون حَقه دونه.
عَيْني: أَي فَلَا تكون الْيَمين حَقه دون الْعَجز.
قَوْله: (خلافًا لَهما) لَان الْيَمين حَقه بِالْحَدِيثِ الشريف، وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَك يَمِينه حِين سَأَلَ الْمُدَّعِي فَقَالَ: أَلَك بَيِّنَة؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لَك يَمِينه، فَقَالَ يحلف وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ (ص) : لَيْسَ لَك إِلَّا هَذَا، شَاهِدَاك أَو يَمِينه فَصَارَ الْيَمين حَقًا لَهُ لاضافته إِلَيْهِ بلام التَّمْلِيك، فَإِذا طَالبه بِهِ يجِيبه.
قَالَ ط: وَفِي الِاسْتِدْلَال بِهِ نظر لانه (ص) إِنَّمَا جعل لَهُ الْيَمين عِنْد فَقده الْبَيِّنَة.
قَالَ فِي الْبَحْر: اخْتلف النَّقْل عَن مُحَمَّد، فَمنهمْ من ذكره مَعَ أبي يُوسُف كالزيلعي والخصاف، وَمِنْهُم من ذكره مَعَ الامام كالطحاوي.
قَوْله: (وَقدر فِي الْمُجْتَبى الْغَيْبَة بِمدَّة السّفر) قَالَ فِيهِ بينتي غَائِبَة عَن الْمصر حلف عِنْد أبي حنيفَة، وَقيل قدر الْغَيْبَة بمسيرة سفر.
اهـ.
فقد خَالف مَا نَقله المُصَنّف عَن ابْن ملك من أَن فِي الغائبة عَن الْمصر يحلف اتِّفَاقًا.
قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُ الْقَاضِي) أَيْ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الصُّغْرَى: هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي عَالِمًا بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَالْقَاضِي يَطْلُبُ.
رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ.
بَحر.
وَالْمرَاد بِأخذ القَاضِي كَفِيلا: أَي مِمَّن عَلَيْهِ الْحق لَا بِالْحَقِّ نَفسه، وَقد تقدم فِي كتاب الْكفَالَة فِي كَفَالَة النَّفس أَنه لَو أعْطى كَفِيلا بِنَفسِهِ بِرِضَاهُ جَازَ اتِّفَاقًا، وَلَا يجْبر عَلَيْهِ عِنْد الامام خلافًا لَهما، فعندهما يجْبر بالملازمة فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَة للتَّقْيِيد بِهَذَا، وَلَيْسَ مَذْكُورا فِي الدُّرَر وَلَا فِي شرح الْكَنْز.
تَأمل.
قَوْله: (فِي مَسْأَلَة الْمَتْن) وَهِي قَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة حَاضِرَة الخ وَقيد بِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ
لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.
كَذَا فِي الْهِدَايَة.
قَوْله: (فِيمَا لَا يسْقط بِشُبْهَة) أما فِيمَا يسْقط بهَا كالحدود وَالْقصاص، فَلَا يجْبر على دفع الْكَفِيل كَمَا تقدم.
قَالَ فِي الْبَحْر: ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يُقْضَى بِالْقِصَاصِ قِيَاسًا كَالْأَمْوَالِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يُؤَجَّلُ اسْتِعْظَامًا لامر الدَّم.
اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَمُقْتَضى الاطلاق أَن دَعْوَى الطَّلَاق كدعوى الاموال وَأَن احتاطوا فِي الْفروج لَا تبلغ استعظام أَمر الدِّمَاء، وَلذَلِك يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ.
اهـ.
قَوْله: (كَفِيلا ثِقَة يُؤمن هروبه) وَله أَن يطْلب وَكيلا بخصومته.
قَالَ فِي الْكَافِي: وَله أَن يطْلب وَكيلا بخصومته حَتَّى لَو غَابَ الاصل يُقيم الْبَيِّنَة على الْوَكِيل، فَيقْضى عَلَيْهِ، وَإِن أعطَاهُ وَكيلا أَن يُطَالِبهُ بالكفيل بِنَفس الْوَكِيل، وَإِذا أعطَاهُ كَفِيلا بِنَفس الْوَكِيل لَهُ أَن يُطَالِبهُ بالكفيل بِنَفس الاصيل لَو كَانَ الْمُدَّعِي دينا، لَان الدّين يَسْتَوْفِي من ذمَّة الاصيل دون الْوَكِيل، فَلَو أَخذ كَفِيلا بِالْمَالِ لَهُ أَن يطْلب كَفِيلا بِنَفس الاصيل، لَان الِاسْتِيفَاء من الاصيل قد يكون أيسر، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي مَنْقُولًا لَهُ أَن يطْلب مِنْهُ مَعَ ذَلِك كَفِيلا بِالْعينِ ليحضرها، وَلَا يغيبه الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عقارا لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك لانه لَا يقبل التغييب، وَصَحَّ أَن يكون الْوَاحِد كَفِيلا بِالنَّفسِ ووكيلا بِالْخُصُومَةِ لَان الْوَاحِد يقوم بهما، فَلَو أقرّ وَغَابَ قضى، لانه قَضَاء إِعَانَة اهـ.(8/60)
وَفِيه: وَلَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة فَلم تزك فَغَاب الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَزُكِّيَتْ لَا يقْضى عَلَيْهِ حَال غيبته فِي ظَاهر الرِّوَايَة، لَان لَهُ حق الْجرْح فِي الشُّهُود، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يقْضى.
اهـ.
وَاعْلَم أَنه يَنْبَغِي أَن يشْتَرط فِي الْوَكِيل مَا سبق فِي الْكَفِيل من كَونه ثِقَة مَعْرُوف الدَّار، وَفِي الْبَحْر عَن الصُّغْرَى: لَو أَبى إِعْطَاء الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ لم يجْبر.
اهـ.
قَوْله: (يُؤمن هروبه) تَفْسِير للثقة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفَسرهُ فِي الصُّغْرَى بِأَن لَا يخفي نَفسه وَلَا يهرب من الْبَلَد بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ مَعْرُوفَةٌ وَحَانُوتٌ مَعْرُوفٌ لَا يَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ وَيَتْرُكُهُ وَيَهْرُبُ مِنْهُ، وَهَذَا شئ يحفظ جدا، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْفَقِيه ثِقَة بوظائفه بالاوقاف، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ فِي دَارٍ أَو حَانُوت لانه لَا يَتْرُكهَا ويهرب اهـ.
وَفَسرهُ فِي شرح الْمَنْظُومَة بِأَن يكون مَعْرُوف الدَّار وَالتِّجَارَة، وَلَا يكون لحوحا مَعْرُوفا بِالْخُصُومَةِ، وَأَن يكون من أهل الْمصر لَا غَرِيبا.
اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَكَذَا العسكري فَإِنَّهُ لَا يهرب وَيتْرك علوفته من الدِّيوَان.
وَالْحَاصِل: أَن الْمدَار على الامن من الهروب اهـ.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا عَن كَفَالَة الصُّغْرَى: القَاضِي أَوْ رَسُولِهِ إذَا أَخَذَ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفسِهِ بِأَمْر الْمُدَّعِي أَولا بِأَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ أَعْطِ كَفِيلًا بِنَفْسِك، وَلَمْ يَقُلْ للطَّالِب ترجع الْحُقُوق إِلَى القَاضِي وَرَسُوله، حَتَّى لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْكَفِيلَ يَبْرَأُ، وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي فَلَا، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْمُدَّعِي كَانَ الْجَواب على الْعَكْس اهـ.
وَفِيهِ عَنْهَا: طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي وَضْعَ الْمَنْقُول على يَد عَدْلٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِكَفِيلِ النَّفْسِ: فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ فَاسِقًا يُجِيبُهُ.
وَفِي الْعَقَارِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرُ لِأَنَّ الثَّمَرَ نقلي.
اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ، وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ.
وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ من الْعقار.
اهـ.
أَقُول: وَقدمنَا الصَّحِيح من ذَلِك فَلَا تنسه.
وَفِي الخزانة: إِذا أَقَامَ بَيِّنَة وَلم تزك فِي جَارِيَة يَضَعهَا القَاضِي على يَد امْرَأَة ثِقَة حَتَّى يسْأَل عَن الشُّهُود، وَلَا يَتْرُكهَا فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ عدلا كَانَ أَو لَا.
هَذَا إِن سَأَلَ الْمُدَّعِي من القَاضِي وَضعهَا.
اه.
وَإِنَّمَا أَخذ الْكَفِيل بِمُجَرَّد الدَّعْوَى اسْتِحْسَانًا لَان فِيهِ نظرا للْمُدَّعِي، وَلَيْسَ فِيهِ كثير ضَرَر بالمدعى عَلَيْهِ، وَهَذَا لَان الْحُضُور مُسْتَحقّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى فصح التكفيل بإحضاره: أَي من غير جبر كَمَا قدمنَا.
قَوْله: (وَلَو وجيها) ضد الخامل، والوجيه من لَهُ حَظّ ورتبة، والخامل من خمل الرجل خمولا من بَاب قعد: سَاقِط لنباهة لَا حَظّ لَهُ.
مِصْبَاح.
قَوْله: (فِي ظَاهر الْمَذْهَب) أَي الْمُعْتَمد.
وَعَن مُحَمَّد أَن الْخصم إِذا كَانَ مَعْرُوفا أَو المَال حَقِيرًا وَالظَّاهِر من حَاله أَنه لَا يخفي نَفسه بذلك الْقدر من المَال لَا يجْبر على إِعْطَائِهِ الْكَفِيل.
قَوْله: (فِي الصَّحِيح) قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ تأقيت الْكفَالَة بِثَلَاثَة أَيَّام وَنَحْوهَا لَيْسَ لاجل أَن يبرأ الْكَفِيل عَنْهَا بعد الْوَقْت، فَإِنَّ الْكَفِيلَ إلَى شَهْرٍ لَا يَبْرَأُ بَعْدَهُ، لَكِنَّ التَّكْفِيلَ إلَى شَهْرٍ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْكَفِيلِ، فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهِ، لَكِنْ لَوْ عجل يَصِحُّ، وَهُنَا
لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْحَالِ إذْ قَدْ يَعْجِزُ الْمُدَّعِي عَن إِقَامَتهَا، وَإِنَّمَا يسلم إِلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْحَالِ إذْ قد يعجز الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَتِهَا، وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ إلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ.
قَوْلُهُ: (إلَى مَجْلِسِهِ) أَي(8/61)
القَاضِي.
قَوْله: (لَازمه بِنَفسِهِ) أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ فَلَا يُلَازِمُهُ فِي مَكَان معِين، وَلَا يُلَازِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلذِّكْرِ، بِهِ يُفْتى.
بَحر.
وَفِيه: وَيَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا يَدُورُ مَعَهُ.
وَرَأَيْت فِي الزِّيَادَات أَن الطَّالِب لَو أَمر غَيره بملازمة مديونه فللمديون أَن لَا يرضى بالامين عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى التَّوْكِيل بِلَا رضَا الْخصم، لكنه لَا يحْبسهُ فِي مَوضِع لَان ذَلِك حبس، وَهُوَ غير مُسْتَحقّ عَلَيْهِ بِنَفس الدَّعْوَى، وَلَا يشْغلهُ عَن التَّصَرُّف بل هُوَ يتَصَرَّف وَالْمُدَّعِي يَدُور مَعَه.
مطلب: هَل للطَّالِب أَن يمنعهُ من دُخُول دَاره إِن لم يَأْذَن لَهُ بِالدُّخُولِ مَعَه؟ وَإِذا انْتهى الْمَطْلُوب إِلَى دَاره فَإِن الطَّالِب لَا يمنعهُ من الدُّخُول إِلَى أَهله بل يدْخل والملازم يجلس على بَاب دَاره.
اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَة: وَمن الْقُضَاة الْمُتَأَخِّرين من أوجب حبس الْخصم، لَان الْمُدَّعِي يحْتَاج إِلَى طلب الشُّهُود وَغَيره.
اهـ.
وَفِي الْبَحْر: عَن الزِّيَادَات: أَن الْمَطْلُوب إِذا أَرَادَ أَن يدْخل بَيته، فإمَّا أَن يَأْذَن للْمُدَّعِي فِي الدُّخُول مَعَه أَو يجلس مَعَه على بَاب الدَّار، لانه لَو تَركه حَتَّى يدْخل الدَّار وَحده فَرُبمَا يهرب من جَانب آخر فَيفوت مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْهَا.
مطلب: فِيمَا لَو كَانَ الْمَطْلُوب امْرَأَة وَفِي تَعْلِيق أستاذنا: لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ امْرَأَة فَإِن الطَّالِب لَا يلازمها بِنَفسِهِ، بل يسْتَأْجر امْرَأَة فتلازمها.
وَفِي أول كَرَاهِيَة الْوَاقِعَات: رجل لَهُ على امْرَأَة حق فَلهُ أَنْ يُلَازِمَهَا وَيَجْلِسَ مَعَهَا وَيَقْبِضَ عَلَى ثِيَابِهَا لَان هَذَا لَيْسَ بِحرَام، فَإِن هربت وَدخلت خربة لَا بَأْس بذلك إِذا كَانَ الرجل يَأْمَن على نَفسه وَيكون بَعيدا مِنْهَا يحفظها بِعَيْنِه، لَان فِي هَذِه الْخلْوَة ضَرُورَة، وَأَشَارَ بملازمته إِلَى مُلَازمَة الْمُدَّعِي لما فِي خزانَة الْمُفْتِينَ إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ متلافا وأبى عَطاء الْكَفِيل بالمدعي.
مطلب: لَهُ مُلَازمَة الْمُدَّعِي
فللمدعي أَن يلازم ذَلِك الشئ أَن يُعْطِيهِ كَفِيلا، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي ضَعِيفا عَن ملازمته يضع ذَلِك الشئ على يَد عدل.
اهـ.
وَظَاهر مَا فِي السراج الْوَهَّاج أَنه لَا يلازمه إِلَّا بِإِذن القَاضِي، وَذكر فِيهِ أَن مِنْهَا أَن يسكن حَيْثُ سكن.
وَفِي الْمِصْبَاح: دَار حول الْبَيْت يَدُور دورا ودورانا طَاف بِهِ، ودوران الْفلك تَوَاتر حركاته بَعْضهَا أثر بعض من غير ثُبُوت وَلَا اسْتِقْرَار.
وَمِنْه قَوْلهم: دارت الْمَسْأَلَة: أَي كلما تعلّقت بِمحل توقف ثُبُوت الحكم على غَيره فتنتقل إِلَيْهِ ثمَّ يتَوَقَّف على الاول وَهَكَذَا.
اهـ.
قَوْله: (مِقْدَار مُدَّة التكفيل) فَإِن لم يَأْتِ بِبَيِّنَة أمره أَن يخلي سَبيله وَلَا يقبل دَعوته إِلَّا بإحضار الْبَيِّنَة كَمَا لَا يخفى.
قَوْله: (إِلَّا أَن يكون الْخصم غَرِيبا أَي مُسَافِرًا) وَأي تَفْسِير مُرَاد، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن حكم الْمُقِيم مُرِيد السّفر كالغريب.
قَالَ فِي الْمنح: المُرَاد من الْغَرِيب الْمُسَافِر.
قَوْله: (إِلَى انْتِهَاء مجْلِس القَاضِي) أطلق فِي مِقْدَار القَاضِي فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَ يجلس فِي كل خَمْسَة عشرَة يَوْمًا مرّة.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَوْله: (دفعا للضَّرَر) بِأخذ الْكَفِيل وبالملازمة أَزِيد من ذَلِك، كَذَا علله فِي الْهِدَايَة لَان فِي أَخذ الْكَفِيل والملازمة زِيَادَة على ذَلِك إِضْرَارًا بِهِ يمنعهُ عَن السّفر، وَلَا ضَرَر هَذَا الْمِقْدَار ظَاهرا.
قَوْله: (حَتَّى لَو علم وَقت سَفَره) بِأَن قَالَ أخرج غَدا مثلا، فَلَو علم أَن السّفر قبل انْتِهَاء مجْلِس القَاضِي يكون التكفيل إِلَى(8/62)
وَقت السّفر دفعا للضَّرَر.
قَوْله: (إِلَيْهِ) أَي إِلَى وَقت سَفَره.
قَوْله: (أَو يستخبر رفقاءه) بِأَن يبْعَث إِلَيْهِم أَمينا، فَإِن قَالُوا أعد لِلْخُرُوجِ مَعنا يكفله إِلَى وَقت الْخُرُوج.
بَحر.
قَوْله: (لَا بَيِّنَة لي الخ) هَذِه الْمَسْأَلَة من تَتِمَّة قَوْله وَتقبل الْبَيِّنَة لَو أَقَامَهَا بعد الْيَمين، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِح هُنَاكَ بقوله: وَإِنْ قَالَ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا بَيِّنَةَ لِي، فَكَانَ الْمُنَاسب أَن يذكرهَا هُنَاكَ ح.
قَوْله: (قبل ذَلِك الْبُرْهَان) لَان الْيَمين الْفَاجِرَة أَحَق بِالرَّدِّ من الْبَيِّنَة العادلة كَمَا مر.
قَوْله: (فَهِيَ شُهُود زور) لَان الشَّهَادَة تتَعَلَّق بالشهود، وَيجب عَلَيْهِم أَدَاؤُهَا وَيَأْثَم كاتمها، وَهَذَا القَوْل مِنْهُ لَا يثبت زور الْعدْل لانه قبل الشَّهَادَة ولانه فِي غير مَعْلُوم ولانه جرح مُجَرّد ط.
قَوْله: (أَو قَالَ) أَي الْمُدَّعِي.
قَوْله: (حَلَفت) بتاء الْخطاب.
قَوْله: (كَمَا مر) عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ إلَخْ لَكِنْ هُنَاكَ الْيَمِينُ من الْمُدَّعِي، وَقدمنَا الْكَلَام
عَلَيْهِ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِمُدَّعِي الْإِيصَالِ.
قَوْلُهُ (فَطَلَبَ يَمِينَهُ) أَيْ يَمِينَ الدَّائِنِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ الْمُدَّعِي) أَيْ مُدَّعِي الدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْم) المُرَاد بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم: المنقد فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْقَامُوس إِن المختم كمنبر آلَة ينْقد بهَا، فَرَاجعه ط.
أَقُول: وَلَعَلَّه الْمعد الَّذِي يعد عَلَيْهِ الصيارفة والتجار وَفِي بَيت المَال الدَّرَاهِم، وَالْمَقْصُود إِحْضَار الْحق.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: المُرَاد، بالختم الصَّك، وَمَعْنَاهُ اكْتُبْ الصَّك بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ استحلفني، أَو المُرَاد بإحضار نفس الْحق فِي شئ مَخْتُومٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْفَتَاوَى الْأَنْقِرَوِيَّةِ: يَعْنِي أَحْضِرْ حَقِّي ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي، وَمثله فِي الحامدية.
قَوْله: (لحَدِيث من كَانَ حَالفا) صَدره كَمَا فِي الْحَمَوِيّ: لَا تحلفُوا بإبائكم وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ، فَمن كَانَ حَالفا الخ.
وَلما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سمع عمر يحلف بِأَبِيهِ فَقَالَ: إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد.
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله (ص) لَا تحلفُوا إِلَّا بِاللَّه، وَلَا تحلفُوا إِلَّا وَأَنْتُم صَادِقُونَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
عَيْني.
قَوْله: (وَظَاهره) أَي ظَاهر قَول الخزانة من قَوْله: وَهُوَ قَوْله وَالله إِنَّه لَو حلفه بِغَيْرِهِ من أَسمَاء الله أَو صفة تعورف الْحلف بهَا لم يكن يَمِينا: يَعْنِي فِي بَاب الدَّعْوَى، وَيُمكن أَن يكون وَجهه أَن لفظ الْجَلالَة جَامع لجَمِيع الاسماء وَالصِّفَات حَتَّى صحّح بَعضهم(8/63)
أَنه الِاسْم الاعظم، وَقد ورد تَحْلِيف الشَّارِع بِهِ فَيقْتَصر عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَنه ذكره على سَبِيل التَّمْثِيل لما علم فِي كتاب الايمان أَنه ينْعَقد الْحلف بِكُل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وكل صفة تعورف الْحلف بهَا، وَقد صَرَّحُوا هُنَا بِمَا يدل على ذَلِك.
قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: مَتى حلفه بِاللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم كَانَ يَمِينا وَاحِدًا، وَإِذا حلفه بِاللَّه والرحمن والرحيم يكون ثَلَاثَة أَيْمَان اهـ.
فَهَذَا صَرِيح بِأَن الرَّحْمَن والرحيم يَمِين.
تَأمل.
وَمثله فِي التَّبْيِين فَإِنَّهُ قَالَ: ويحترز عَن عطف بعض الاسماء على بعض كَيْلا يتَكَرَّر عَلَيْهِ الْيَمين، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ
يَمِين وَاحِدَة وَقد أَتَى بهَا.
اهـ.
وسيصرح الشَّارِح بِهِ فِي قَوْله ويجتنب الْعَطف كي لَا يتَكَرَّر الْيَمين وَفِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَالْحَقِّ، أَوْ بِصِفَةٍ يُحْلَفُ بِهَا مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَعِزَّةِ اللَّهِ وجلاله وكبريائه وعظمته الخ، فَهَذَا كُله يدل على كَونه يَمِينا، وَكَذَا مَا ثَبت فِي الحَدِيث وَرب الْكَعْبَة وَنَحْوه يَقْتَضِي أَن الْحلف بالرحمن والرحيم وَغَيره من أَسْمَائِهِ تَعَالَى يكون يَمِينا، على أَنه صرح فِي رَوْضَة الْقُضَاة بِأَن الْيَمين يكون بالرحمن والرحيم وَسَائِر أَسْمَائِهِ تَعَالَى.
وَأما الْحصْر فِي الحَدِيث الشريف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجبت والطاغوت وَنَحْوهمَا.
قَوْله: (بِغَيْرِهِ) كالرحمن والرحيم.
بَحر.
قَوْله: (لم يكن يَمِينا) قد علمت أَن الْحق أَنه يَمِين، وَلَا يشكل عَلَيْهِ مَا يفهم من ظَاهر عبارَة الدُّرَر من قَوْله: وَالْحلف بِاللَّه تَعَالَى دون غَيره، وَإِن كَانَ ظَاهره أَن هَذَا التَّرْكِيب للحصر كَمَا فِي الْحَمد لله لَان المُرَاد أَن لَا يكون الْحلف إِلَّا بِذَاتِهِ تَعَالَى: أَي باسم من أَسْمَائِهِ الذاتية أَو الصفاتية فقد انْتَفَى الاشكال، على أَنه هُوَ الْمُصَرّح بِهِ فِي عُمْدَة الْكتب بل عامتهم، وَلَا يُمكن أَن يُقَال إِن مَا ذَكرُوهُ فِي كتاب الايمان فرق عَن هُنَا: أَي الدَّعْوَى لانه لم يُصَرح أحد يفرق أصلا.
قَوْله: (وَلم أره صَرِيحًا بَحر) حَيْثُ قَالَ بعد نَقله عبارَة الخزانة: وَظَاهره أَنه لَا تَحْلِيف بِغَيْر هَذَا الِاسْم، فَلَو حلفه بالرحمن أَو الرَّحِيم لَا يكون يَمِينا، وَلم أره صَرِيحًا اهـ.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: فِيهِ قُصُور لوُجُود النَّص على خِلَافه، فقد ذكر فِي كتاب الايمان أَنه لَو قَالَ: والرحمن أَو الرَّحِيم أَو الْقَادِر فَكل ذَلِك يَمِين، وَيدل عَلَيْهِ قَوْلهم فِيمَا إِذا غلظ بِذكر الصّفة يحْتَرز عَن الاتيان بِالْوَاو لِئَلَّا تَتَكَرَّر الْيَمين وَنَصه هُنَا فِي تَحْلِيف الاخرس أَن يُقَال لَهُ عهد الله عَلَيْك، وَلَا فرق بَينه وَبَين الصَّحِيح بل صرح بِهَذَا الصَّحِيح، وَصرح فِي رَوْضَة الْقُضَاة بِأَن الرَّحْمَن الرَّحِيم وَسَائِر أَسمَاء الله تَعَالَى تكون يَمِينا اهـ.
أَقُول: وَالْعجب من المُصَنّف حَيْثُ نَقله وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الشَّارِح.
قَوْله: (لَا بِطَلَاق وعتاق وَإِن ألح الْخصم) أَي داوم على طلب الْيَمين بهما، وَمثل الطَّلَاق وَالْعتاق الْحَج كَمَا فِي الْعِنَايَة، وَقد قصد بِهَذَا مُخَالفَة الْكَنْز والدرر حَيْثُ قَالَ: إِلَّا إِذا ألح الْخصم، وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي بقيل، وَكَذَا فِي
الْهِدَايَة، فَإِن مَا مَشى عَلَيْهِ الشَّارِح هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة.
قَوْله: (لَان التَّحْلِيف بهما حرَام) بل فِي الْقُهسْتَانِيّ عَن الْمُضْمرَات اخْتلفُوا فِي كفره إِذا قَالَ حلفه بِالطَّلَاق، وَقدمنَا الْكَلَام قَرِيبا على مَا لَو حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا مَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ برهن الْمُدَّعِي على المَال، وَسَيَأْتِي فِي كَلَام الشَّارِح.
قَوْله: (وَقِيلَ إنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ فُوِّضَ إلَى الْقَاضِي) قَالَ فِي الْمنية: وَإِن مست الضَّرُورَة يُفْتِي أَن الرَّأْي فِيهِ للْقَاضِي.
قَوْله:(8/64)
(وَظَاهره أَنه مُفَرع على قَول الاكثر) تبع فِيهِ المُصَنّف وَصَاحب الْبَحْر وَهُوَ عَجِيب، فَإِن صَاحب الخزانة صرح بِأَن ذَلِك على قَول الاكثر فَهُوَ صَرِيح لَا ظَاهر.
قَوْله: (وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة) قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: قد تكون فَائِدَته اطمئنان خاطر الْمُدَّعِي إِذا حلف فَرُبمَا كَانَ مشتبها عَلَيْهِ الامر لنسيان وَنَحْوه، فَإِذا حلف لَهُ بهما صدقه اهـ.
وَفِي شرح الْمُلْتَقى عَن الباقلاني: الاقرار بالمدعي إِذا احْتَرز عَنهُ.
اهـ: أَي تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ نُكُولِهِ، فَإِذَا طَلَبَ حَلِفَهُ بِهِ رُبَّمَا يمْتَنع ويقر بالمدعي.
قَوْله: (وَاعْتَمدهُ المُصَنّف) حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا كَلَام ظَاهر يجب قبُوله والتعويل عَلَيْهِ، لَان التَّحْلِيف إِنَّمَا يقْصد لنتيجته، وَإِذا لم يقْض بِالنّكُولِ عَنهُ فَلَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَال بِهِ، وَكَلَام الْعُقَلَاء فضلا عَن الْعلمَاء الْعِظَام يصان عَن اللَّغْو، وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ اهـ.
لَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْكَمَالِ: فَإِنْ أَلَحَّ الْخَصْمُ: قيل يَصح بِهِمَا فِي زَمَانِنَا لَكِنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ انْتَهَت.
وَاسْتشْكل فِي السعدية بِأَنَّهُ إِذا امْتنع عَمَّا هُوَ مَنْهِيّ عَنهُ شرعا فَكيف يجوز للْقَاضِي تَكْلِيف الاتيان بِمَا هُوَ مَنْهِيّ عَنهُ شرعا؟ وَلَعَلَّ ذَلِك الْبَعْض يَقُول النَّهْي تنزيهي، وَمثل مَا فِي ابْن الْكَمَال فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا يَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلَكِنْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى دِيَانَةٍ لَا يَحْلِفُ بِهِمَا كَاذِبًا فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى طَلَاقِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ إمْسَاكِهِمَا بِالْحَرَامِ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُتَسَاهَلُ بِهِ فِي زَمَانِنَا كَثِيرًا.
تَأَمَّلْ.
قَوْله: (لَا يفرق) أَي بَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة.
قَوْله: (لَان السَّبَب لَا يسْتَلْزم قيام الدّين) لاحْتِمَال وفائه أَو إبرائه أَو هِبته مِنْهُ، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ
الْمُفْتى بِهِ كَمَا فِي شرح عبد الْبر ط.
قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ الْمَالِ: لَا يَحْنَث لاحْتِمَال صدقه) .
أَقُول: تقدم قَرِيبا قَوْله وَيظْهر كذبه بإقامتها لَوْ ادَّعَاهُ: أَيْ الْمَالَ بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ، وَإِن ادَّعَاهُ بِسَبَب فَحلف أَن لَا دين عَلَيْهِ ثمَّ أَقَامَهَا لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ، ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
وَقد ذكرنَا هُنَاكَ الْكَلَام وَبحث الْمَقْدِسِي فِيهِ وَالْجَوَاب عَنهُ فَرَاجعه إِن شِئْت.
قَوْله: (وَقد تقدم) أَي فِي كَلَام المُصَنّف حَيْثُ قَالَ: وَيظْهر كذبه بإقامتها لَو ادَّعَاهُ بِلَا سَبَب فَحلف الخ، وَإِنَّمَا أعَاد هُنَا لَان هَذِه الْعبارَة أوضح وأدل على الْمَطْلُوب، وفيهَا زِيَادَة فَائِدَة كذكر الْخلاف بَين مُحَمَّد وَأبي يُوسُف، وَهُوَ كالشرح للعبارة الْمُتَقَدّمَة، فقد بَين بِهِ أَن إِطْلَاق الدُّرَر على قَول أحد الشَّيْخَيْنِ، وَلَا اعْتِرَاض على من أَتَى بالعبارة التَّامَّة بعد الْعبارَة القاصرة، كَمَا قَالُوا فِي عطف الْعَام على الْخَاص لَا يحْتَاج إِلَى نُكْتَة لما فِيهِ من زِيَادَة الْفَائِدَة.
تَأمل.(8/65)
مطلب: مسَائِل ذكرهَا الْخصاف فِي آخر كتاب الْحِيَل قَالَ الْعَلامَة الشلبي فِي حَاشِيَة الزَّيْلَعِيّ: وَنَذْكُر نبذا من مسَائِل ذكرهَا الْخصاف فِي آخر كتاب الْحِيَل: إِن قَالَ كل امْرَأَة لي طَالِق مثلا، وَنوى كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا بِالْيَمِينِ أَو الْهِنْد أَو بالسند أَو فِي بلد من الْبلدَانِ لَهُ نِيَّته، وَإِن ابْتَدَأَ الْيَمين يحتال وَيَقُول: هُوَ الله، ويدغم ذَلِك حَتَّى لَا يفهم المستحلف.
فَإِن قَالَ المستحلف: إِنَّمَا أحلفك بِمَا أُرِيد وَقل أَنْت نعم، وَيُرِيد أَن يستحلفه بِاللَّه وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَالْمَشْي وَصدقَة مَا يملك، يَقُول نعم وَيَنْوِي نعما من الانعام، وَكَذَا لَو قيل لَهُ نساؤك طَوَالِق وَنوى نِسَاءَهُ العور أَو العميان أَو العرجان أَو المماليك أَو اليهوديات فَيكون لَهُ نِيَّته.
وَإِن أَرَادَ أَن يحلف أَنه لم يفعل كَذَا وأحصر الْمَمْلُوك ليحلف بِعِتْقِهِ قَالَ: يضع يَده على رَأس الْمَمْلُوك أَو ظَهره وَيَقُول هَذَا حر: يَعْنِي ظَهره إِن كَانَ فعل فَلَا يعْتق الْمَمْلُوك.
وَإِن حلف بِعِتْق الْمَمْلُوك أَنه لم يفعل كَذَا، وَنوى بِمَكَّة أَو فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، أَو فِي بلد من
الْبلدَانِ لَا يَحْنَث إِن كَانَ فعله فِي غير ذَلِك الْموضع.
وَإِن حلف بِطَلَاق امْرَأَته وَيَقُول امْرَأَتي طَالِق ثَلَاثًا، وَيَنْوِي عملا من الاعمال كالخبز وَالْغسْل أَو أطالق من وثاق، وَيَنْوِي بقوله ثَلَاثًا ثَلَاثَة أَيَّام أَو أشهر أَو جمع فَلَا حنث.
وَلَو بلغ سُلْطَانا عَن رجل كَلَام فَأَرَادَ السُّلْطَان أَن يحلفهُ عَلَيْهِ فَالْوَجْه أَن يَقُول: مَا الَّذِي بلغك عني؟ فَإِذا قَالَ بَلغنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا، فَإِن شَاءَ حلف لَهُ بالعتاق وَالطَّلَاق أَنه مَا قَالَ هَذَا الْكَلَام الَّذِي حَكَاهُ هَذَا وَلَا سمع بِهِ إِلَّا هَذِه السَّاعَة فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَإِن شَاءَ نوى فِي الطَّلَاق وَالْعتاق مَا شرحناه، وَإِن شَاءَ نوى أَنه لم يتَكَلَّم بِهَذَا الْكَلَام بِالْكُوفَةِ مثلا غير الْبَلَد الَّذِي تكلم فِيهِ بِهِ أَو الْموضع، أَو يَنْوِي عدم التَّكَلُّم لَيْلًا، وَإِن تكَلمه نَهَارا أَو عَكسه أَو يَنْوِي زَمنا غير الَّذِي تكلم فِيهِ.
اهـ مُلَخصا.
أَقُول: الظَّاهِر فِي ذَلِك أَن الْحَالِف مَظْلُوما، أما لَو كَانَ ظَالِما فَلَا يَنْوِي، بل الْعبْرَة بِظَاهِر اللَّفْظ الْعرفِيّ الَّذِي حلف بِهِ، لَان الْأَيْمَان مَبْنِيَّة على الْأَلْفَاظ لَا على الْأَغْرَاض كَمَا علم ذَلِك من كتاب الايمان، فَرَاجعه.
قَوْله: (ويغلظ بِذكر أَوْصَافه تعاى) أَيْ يُؤَكِّدُ الْيَمِينَ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مثل قَوْله: * ((59) هُوَ الله الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم) * (الْحَشْر: 22) الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ وَلَا شئ مِنْهُ، لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَنْ يمْتَنع عَن الْيَمين بالتغليظ، ويتجاسر عِنْدَ عَدَمِهِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ، وَلَو لم يغلظ جَازَ، وَقيل: لَا تَغْلِيظ على الْمَعْرُوف بالصلاح، ويغلظ على غَيره، وَقيل يغلظ على الخطير من المَال دون الحقير.
عَيْني.
قَوْله: (وَقَيده) أَي قيد بَعضهم التَّغْلِيظ.
قَوْله: (بفاسق) أَي إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ فَاسِقًا.
قَوْله: (وَمَال خطير) أَي كَمَا ذكرنَا كَمَا بَينه فِي خزانَة الْمُفْتِينَ وتبيين الْحَقَائِق.
قَوْله: (وَالِاخْتِيَار فِيهِ) أَي فِي التَّغْلِيظ لما علمت من أَنه جَائِز وَيجوز إرجاع الضَّمِير إِلَى أصل الْيَمين: أَي الِاخْتِيَار فِي الْيَمين بِأَن يَقُول لَهُ قل وَالله أَو بِاللَّه أَو الرَّحْمَن والقادر على مَا سلف، وَقد صَرَّحُوا أَن التَّحْلِيف حق القَاضِي: أَي الِاخْتِيَار فِي صفة التَّغْلِيظ إِلَى الْقُضَاة يزِيدُونَ فِيهِ مَا شاؤوا أَو ينقصُونَ مَا شاؤوا وَلَا يغلظون لَو شاؤوا كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَة.
قَوْله: (وَفِي صفته) أَي التَّغْلِيظ(8/66)
الَّتِي ينْطَلق بهَا.
قَوْله: (إِلَى القَاضِي) أَي تفويضه إِلَى القَاضِي.
قَوْله: (ويجتنب الْعَطف) أَي فِي الْيَمين فَلَا يذكرهُ بِحرف الْعَطف ويحترز عَن عطف بعض الاسماء على بعض وَإِلَّا لتَعَدد الْيَمين، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِين وَاحِدَة وَقد أَتَى بهَا كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيّ وقدمناه قَرِيبا فَلَا تنسه.
قَوْله: (لَا يسْتَحبّ) وَقيل لَا يجب، وَقيل لَا يشرع.
وَظَاهر مَا فِي الْهِدَايَة أَن الْمَنْفِيّ وجوب التَّغْلِيظ بهما فَيكون مَشْرُوعا، وَظَاهر مَا فِي الْمُحِيط فِي مَوضِع أَن الْمَنْفِيّ كَونه سنة وَفِي مَوضِع بعده عدم مشروعيته حَيْثُ قَالَ: لَا يجوز التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان، وَصرح فِي غَايَة الْبَيَان أَن للْحَاكِم فعله عندنَا إِن رأى ذَلِك، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه وَاجِبا أَو سنة.
وَفِي الْبَحْر: لَا يجوز التَّغْلِيظ بِالْمَكَانِ.
قَالَ فِي الْكَافِي: قيل لَا يجب، وَقيل لَا يشرع، لَان فِي التَّغْلِيظ بِالزَّمَانِ تَأْخِير حق الْمُدَّعِي إِلَى ذَلِك الزَّمَان.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: وَكَذَا فِي الْمَكَان لَان فِيهِ التَّأْخِير إِلَى الْوُصُول إِلَى ذَلِك الْمَكَان المغلظ بِهِ، فَلَا يشرع.
كَذَا فِي التَّبْيِين وَالْكَافِي.
اهـ.
قلت: وَهَذَا لَا يظْهر إِذا كَانَ على وفْق مَطْلُوبه، وَلَو علل بمخالفته الْمَشْرُوع لَكَانَ أولى، وَعند الشَّافِعِي: يسْتَحبّ هَذَا التَّغْلِيظ فِي قَول، وَيجب فِي قَول بِهِ قَالَ مَالك كَمَا فِي البناية وَغَيره.
أَقُول: الظَّاهِر أَن الْمَذْهَب عندنَا عدم جَوَاز هَذَا التَّغْلِيظ، وَعَلِيهِ دَلَائِل مَشَايِخنَا الْمَذْكُورَة فِي الشُّرُوح وَأما سلب حسن هَذَا لتغليظ تَارَة وسلب الْوُجُوب أُخْرَى فِي عبارتهم فمبني على نفي مَذْهَب الْخصم.
تدبر.
قَوْله: (بِزَمَان) مثل يَوْم الْجُمُعَة.
قَوْله: (وَلَا بمَكَان) مثل الْجَامِع عِنْد الْمِنْبَر أَو مَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَعند قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَعند صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس.
قَوْله: (وَظَاهره أَنه مُبَاح) فِيهِ أَن الْمُبَاح مَا اسْتَوَى طرفاه فَكَانَ يَقُول فَهُوَ خلاف الاولى.
وَأَقُول كَيفَ يكون مُبَاحا وَفِيه زِيَادَة على النَّص، وَهُوَ قَوْله (ص) الْيَمين على من أنكر وَهُوَ مُطلق عَن التَّقْيِيد بِزَمَان أَو مَكَان، والتخصيص بهما زِيَادَة على النَّص، وَهُوَ نسخ كَمَا أَفَادَهُ الْعَيْنِيّ.
وَفِي شرح الْمُلْتَقى للداماد وَعند الائمة الثَّلَاثَة: يجوز أَن تغلظ بهما أَيْضا إِن كَانَت الْيَمين فِي قسَامَة ولعان وَمَال عَظِيم.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَعَن أبي يُوسُف أَنه يوضع الْمُصحف فِي حجره، وَيقْرَأ الْآيَة الْمَذْكُورَة وَهِي * ((3) إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا) * (آل عمرَان: 77) الْآيَة ثمَّ يحلف فِي مَكَان مِنْهَا
كَمَا فِي الْمُضْمرَات.
قَوْله: (ويستحلف الْيَهُودِيّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: الْيَهُودِيّ نِسْبَة إِلَى هود، وَهُوَ اسْم نَبِي عَرَبِيّ، وَسمي بِالْجمعِ والمضارع من هدى إِذا رَجَعَ، وَيُقَال هم يهود وَهُوَ غير منصرف للعلمية وَوزن الْفِعْل، وَجَاز تنوينه، وَقيل نِسْبَة إِلَى يهود بن يَعْقُوب.
قَوْله: (بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى) لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِابْنِ صوريا الاعور: أنْشدك بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى أَن حكم الزِّنَا فِي كتابكُمْ هَذَا كَمَا فِي الْبَحْر.(8/67)
قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَلَا يحلف على الاشارة إِلَى مصحف معِين: أَي من التَّوْرَاة بِأَن يَقُول: بِاللَّه الَّذِي أنزل هَذِه التَّوْرَاة أَو هَذَا الانجيل، لانه ثَبت تَحْرِيف بَعْضهَا فَلَا يُؤمن أَن تقع الاشارة إِلَى الْحَرْف المحرف فَيكون التَّحْلِيف تَعْظِيمًا لما لَيْسَ كَلَام الله تَعَالَى شرنبلالية.
أَو من حَيْثُ إِن الْمَجْمُوع لَيْسَ كَلَام الله تَعَالَى ط.
قَوْله: (وَالنَّصْرَانِيّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: رجل نَصْرَانِيّ بِفَتْح النُّون وَامْرَأَة نَصْرَانِيَّة، وَرُبمَا قيل نصران ونصرانة، وَيُقَال هُوَ نِسْبَة إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا نصْرَة، وَلِهَذَا قيل فِي الْوَاحِد نصري على الْقيَاس، وَالنَّصَارَى جمعه مثل مهري ومهارى، ثمَّ أطلق النَّصْرَانِي على كل من تعبد بِهَذَا الدّين اهـ.
قَوْله: (والمجوسي) قَالَ فِي الْمِصْبَاح: هِيَ كلمة فارسية يُقَال تمجس: إِذا دخل فِي دين الْمَجُوس، كَمَا يُقَال تهود أَو تنصر إدا دخل فِي دين الْيَهُود والنصاري.
قَوْله: (فيغلظ على كل بمعتقده) لتَكون ردعا لَهُ عَن الْيَمين الكاذبة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَمَا ذكره من صُورَة تَحْلِيف الْمَجُوسِيّ مَذْكُور فِي الاصل.
وروى عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يحلف أحد: أَي من أهل الْكفْر إِلَّا بِاللَّه خَالِصا تحاشيا عَن تشريك الْغَيْر مَعَه فِي التَّعْظِيم.
وَذكر الْخصاف أَنه لار يحلف غير الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِلَّا بِاللَّه، وَاخْتَارَهُ بعض مَشَايِخنَا لما فِي ذكر النَّار من تعظيمها، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِك، بِخِلَاف الْكِتَابَيْنِ لانهما من كتبه تَعَالَى، وَظَاهر مَا فِي الْمُحِيط أَن مَا فِي الْكتاب قَول مُحَمَّد، وَمَا ذكره الْخصاف قَوْلهمَا.
فَإِنْ قُلْت: إذَا حَلَفَ الْكَافِرُ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَنَكَلَ عَمَّا ذُكِرَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ قلت: لم أره صَرِيحًا، وَظَاهر قَوْلهم إِن يُغَلَّظُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَنَّهُ مِنْ بَاب التَّغْلِيظ، فَيَكْفِي بِاَللَّهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُور.
اهـ.
قَوْله: (اخْتِيَار) قَالَ فِيهِ بعد قَول الْمَتْن ويستحلف الْيَهُودِيّ الخ وَلَو اقْتصر
فِي الْكل على قَوْله بِاللَّه فَهُوَ كَاف، لَان الزِّيَادَة للتَّأْكِيد كَمَا قُلْنَا فِي الْمُسلم، وَإِنَّمَا يغلظ ليَكُون أعظم فِي قُلُوبهم فَلَا يتجاسرون على الْيَمين الكاذبة.
اهـ.
قَوْله: (والوثني) الْوَثَنُ: الصَّنَمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حجر أَو غَيره، وَالْجمع وثن مثل أَسد وَأسد وأوثان، وينسب إِلَيْهِ من يتدين بِعِبَادَتِهِ على لَفظه فَيُقَال رجل وَثني، وَأَرَادَ بالوثني الْمُشرك سَوَاء عبد صنما أَو وثنا أَو غَيرهمَا.
قَوْله: (لانه يقر بِهِ وَإِن عبد غَيره) أَي يعْتَقد أَن الله تَعَالَى خالقه لكنه يُشْرك مَعَه غَيره.
قَالَ تَعَالَى: * (وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات والارض ليَقُولن الله) * (لُقْمَان: 52) .
قَوْله: (وَجزم ابْن الْكَمَال بِأَن الدهرية) بِفَتْح الدَّال.
أَي الطَّائِفَة الَّذين يَقُولُونَ بقدم الدَّهْر وَيُنْكِرُونَ الصَّانِع وَيَقُولُونَ: إِن هِيَ إِلَّا أَرْحَام تدفع وَأَرْض تبلع، وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر.
قَالَ فِي الْقَامُوس: الدَّهْر قد يعد فِي الاسماء الْحسنى والزمن الطَّوِيل والامد الْمَمْدُود وَألف سنة، والدهري وَيضم الْقَائِل بِبَقَاء الدَّهْر.
قَوْله: (لَا يعتقدونه تَعَالَى) وَإِن قَالُوا يقدمهُ لَان قدمه عِنْدهم بِأَنَّهُ قديم بِالزَّمَانِ، وَذَلِكَ لَان مِنْهُم من يَقُول القدماء خَمْسَة: الرب، والدهر، والفلك، والعناصر، والفراغ: أَي الْخَلَاء وَرَاء الْعَام، فالزهرا الْخَالِق لَهَا وَهِي قديمَة بِالزَّمَانِ لَا بِالذَّاتِ كَمَا فِي حَاشِيَة الْكُبْرَى.
قَوْله: (قلت وَعَلِيهِ فبماذا يحلفُونَ) قلت يحلفُونَ بِاللَّه تَعَالَى(8/68)
لما فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة عَن الْمَبْسُوط الْحر والمملوك وَالرجل وَالْمَرْأَة وَالْفَاسِق والصالح وَالْكَافِر وَالْمُسلم فِي الْيَمين سَوَاء، لَان الْمَقْصُود هُوَ الْقَضَاء بِالنّكُولِ، وَهَؤُلَاء فِي اعْتِقَاد الْحُرْمَة فِي الْيَمين الكاذبة سَوَاء.
اهـ.
أَقُول: والزنديق والمباحي داخلون تَحت الْمُشْركين، إِذْ قد سبق فِي صدر الْكتاب من الْبَدَائِع أَنهم لم يتجاسروا فِي عصر من الاعصار على إِظْهَار نحلهم سوء كفرهم، فَلَمَّا لم يقرُّوا بِالْوَاجِبِ الْوُجُود لله تَعَالَى تقدس عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ، وَلَا نَبِي من الانبياء، وَلم يقدروا على إِظْهَار مللهم ألْحقُوا بالمشركين، فيعدون مِنْهُم حكما، على أَنه قد صرح فِي بعض الْكتب أَنهم يقرونَ بِهِ تَعَالَى.
وَلَكِن ينفون الْقدر عَنهُ تَعَالَى فَظهر أَن الْكَفَرَة بأسرهم يَعْتَقِدُونَ الله تَعَالَى وتعمهم الْآيَة الْكَرِيمَة الْمُتَقَدّمَة، فيستحلفون بِاللَّه تَعَالَى، سَوَاء كَانَ المستحلف مِمَّن يعْتَقد الله تَعَالَى أَو لَا، فَإِنَّهُ وَإِن لم يعلم الله تَعَالَى يُعلمهُ،
فَإِذا حلف بِهِ كَاذِبًا فَالله تَعَالَى يقطع دابره وَيجْعَل دياره بَلَاقِع: أَي خَالِيَة، وَحِينَئِذٍ فَلَا معنى لقَوْل الشَّارِح: قلت الخ تَأمل.
أَقُول: وَهَذَا كُله بِخِلَاف الكتابيين كَمَا مر من أَنهم يحلفُونَ بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة أَو الانجيل، وَفِي الْمَقْدِسِي: لانهما من كتبه تَعَالَى.
قَالَ فِي شرح الاقطع: أما الصابئة إِن كَانُوا يُؤمنُونَ بِإِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام استحلفوا بِالَّذِي أنزل الصُّحُف على إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِن كَانُوا يعْبدُونَ الْكَوَاكِب استحلفوا بِالَّذِي خلق الْكَوَاكِب.
اه.
إتقاني.
وَلَا تنس مَا قَرّرته.
قَوْله: (أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ) وَلَا يَقُول لَهُ: تحلف بِاللَّه مَا لهَذَا عَلَيْك حق فَإِنَّهُ لَا يكون يَمِينا، وَلَو أشر بنعم لانه يصير كَأَنَّهُ قَالَ احْلِف وَذَلِكَ لَا يكون يَمِينا أَفَادَهُ الاتقاني.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَلَا يَقُول لَهُ بِاللَّه إِن كَانَ كَذَا، لانه إِذا قَالَ نعم إِقْرَارا لَا يَمِينا.
اهـ.
قَوْله: (فَإِذَا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ صَارَ حَالِفًا) وَإِن أَشَارَ بالانكار صَار نكولا وَيَقْضِي عَلَيْهِ: قنية.
قَوْله: (أَن عرفه) أَي الْخط.
قَوْله: (وَإِلَّا فبإشارته) ويعامل مُعَاملَة الاخرس.
عبد الْبر.
قَوْله: (وَلَو أعمى أَيْضا) أَي وَهُوَ أَصمّ أُخْرَى.
قَوْله: (فأبوه الخ) مُرَاده بِهِ مَا يعم الْجد، كَمَا أَن المُرَاد بوصيه مَا يَشْمَل وَصِيّ الْجد.
أَفَادَهُ عبد الْبر.
وَظَاهره أَنه يسْتَحْلف عَنهُ، فَإِن كَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يكون مُخَصّصا لما تقدم من قَوْله إِن النِّيَابَة لَا تجْرِي فِي الْحلف.
كَذَا أَفَادَهُ بعض الْفُضَلَاء.
لَكِن صرح الْعَلامَة أَبُو السُّعُود بِأَنَّهُ مُسْتَثْنى من قَوْلهم الْحلف لَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة، وَهُوَ ظَاهر فِي أَنه يحلف وَهُوَ ظَاهر فِي أَنه يحلف أَبوهُ أَو وَصِيّه.
تَأمل.
قَوْله: (أَو من نَصبه القَاضِي) الصَّوَاب ثمَّ من نَصبه القَاضِي لانه إِنَّمَا ينصب عَنهُ إِذا فقد من سبق ذكره عبد الْبر، وَهل يحلفُونَ على الْعلم لكَونه مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر أَو على الْبَتّ؟ يحرر ط.
قَوْله: (بَحر) قَالَ فِيهِ: وَالْقَاضِي لَا يحضرها بل هُوَ مَمْنُوع عَن ذَلِك.
كَذَا فِي الْهِدَايَة وَلَو قَالَ الْمُسلم لَا يحضرها لَكَانَ أولى، لما فِي التاترخانية: يكره للْمُسلمِ الدُّخُول فِي الْبيعَة والكنيسة من حَيْثُ إِنَّه مجمع الشَّيَاطِين، وَالظَّاهِر أَنَّهَا تحريمية لانها المرادة عِنْد الاطلاق، وَقَدْ أَفْتَيْت بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُود.
اهـ.
قَوْله: (فِي دَعْوَى سَبَب يرْتَفع) أَي سَبَب ملك وَلَو حكميا أَو سَبَب ضَمَان، وَقيد بِهِ لَان الدَّعْوَى إِذا وَقعت مُطلقَة عَن سَبَب بِأَن ادّعى عبدا أَنه ملكه فاليمين على(8/69)
الحكم بِلَا خلاف، فَيُقَال قل بِاللَّه مَا هَذَا العَبْد لفُلَان هَذَا وَلَا شئ مِنْهُ كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
قَوْله: (يرْتَفع) أَي برافع كالاقالة وَالطَّلَاق وَالرَّدّ.
قَوْله: (أَي على صُورَة إِنْكَار الْمُنكر) وَهُوَ صُورَة دَعْوَى الْمُدَّعِي.
بَحر: هَذَا مَعْنَاهُ الاصطلاحي، أما مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ: فَالْحَاصِل من كل شئ مَا بَقِي وَثَبت وَذهب مَا سواهُ كَمَا فِي الْقَامُوس، وَيُمكن اعْتِبَاره هُنَا فَإِنَّهُ يحلف على الثَّابِت والمستقر الْآن، وَيكون قَوْله أَي على صُورَة الخ تَفْسِير مُرَاد، وَإِنَّمَا كَانَ على صورته، لَان الْمُنكر يَقُول لم يكن بَيْننَا بيع وَلَا طَلَاق وَلَا غصب.
وَالْحَاصِل: أَن التَّحْلِيف على الْحَاصِل نوع آخر من كَيْفيَّة الْيَمين، وَهُوَ الْحلف على الْحَاصِل وَالسَّبَب، وَالضَّابِط فِي ذَلِك أَن السَّبَب إِمَّا أَن يكون مِمَّا يرْتَفع برافع أَو لَا، فَإِن كَانَ الثَّانِي فالتحليف على السَّبَب بالاجماع، وَإِن كَانَ الاول فَإِن تضرر الْمُدَّعِي بالتحليف على الْحَاصِل عِنْد الطَّرفَيْنِ، وعَلى السَّبَب عِنْد أبي يُوسُف كَمَا سَيَأْتِي مفصلا.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي مَوَاضِعِ التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ جغ.
ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي دَيْنًا أَوْ مِلْكًا فِي عَيْنٍ أَوْ حَقًّا فِي عَيْنٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ، فَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ مَا لَهُ قِبَلَك مَا ادَّعَاهُ وَلَا شئ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى مِلْكًا فِي عَيْنٍ حَاضِرٍ أَوْ حَقًّا فِي عَيْنٍ حَاضِرٍ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِل مَا هَذَا لفُلَان وَلَا شئ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ بِأَنْ ادّعى دينا بسب قَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ ادَّعَى غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً يُحَلَّفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَا عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا غصبت مَا استقرضت مَا أودعك مَا شريت مِنْهُ.
كَافِي.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُحَلَّفُ عَلَى السَّبَب فِي هَذِه الصُّور الْمَذْكُورَةِ، إلَّا عِنْدَ تَعْرِيضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ أَيُّهَا الْقَاضِي قَدْ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ شَيْئا ثمَّ يقيل، فَحِينَئِذٍ يحلف القَاضِي على الْحَاصِل صَحَّ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يُحَلَّفُ عَلَى السَّبَبِ، وَلَوْ قَالَ مَا عَليّ مَا يَدعِيهِ يحلف على الْحَاصِل.
قاضيخان.
وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ عِنْدِي وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ.
يَقُول الْحَقِيرِ: وَكَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ.
وَقَالَ فَخر الاسلام الْبَزْدَوِيّ: اللَّائِق أَن يُفَوض الامر إِلَى القَاضِي فَيحلف على الْحَاصِل أَو السَّبَب أَيهمَا رَآهُ مصلحَة كَمَا فِي الْكَافِي، وَمَا فِي الْمَتْن ظَاهر الرِّوَايَة كَمَا فِي الشُّرُوح، وَاعْترض على رِوَايَة عَن أبي يُوسُف بِأَنِّي اللَّائِق التَّحْلِيف على السَّبَب دَائِما، وَلَا اعْتِبَار للتعريض، لانه لَو وَقع فعلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة، وَإِن عجز فعلى الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين.
وَأجِيب بِأَنَّهُ قد لَا يقدر عَلَيْهَا والخصم مِمَّن يقدم على الْيَمين الْفَاجِرَة، فاللائق التَّحْلِيف على الْحَاصِل كي لَا يبطل الْحق.
قَالَ البرجندي: مَا ذكره الْمُعْتَرض اعْتِرَاض على قَول أبي يُوسُف بِأَنَّهُ لَا فرق فِي ذَلِك بَين التَّعْرِيض وَعَدَمه، وَذَا لَا ينْدَفع بِهَذَا الْجَواب.
قَوْله: (أَي بِاللَّه مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ) إدْخَالُ النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُحَلَّفُ فِيهَا عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَهُمَا غَفْلَةٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِينَ، لِأَنَّ أَبَا حنيفَة لَا يَقُول بالتحليف بِالنِّكَاحِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلهمَا كتفريعه فِي الْمُزَارعَة على قَوْلهمَا.
بَحر.
أَو يُقَالَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاح دَعْوَى المَال كَمَا نقل عَن الْمَقْدِسِي، وَلَكِن ذكره فِي اليعقوبية أَيْضا ثمَّ قَالَ: وَهَذَا بعيد، لَان الظَّاهِر أَنه يحلف عِنْده فِي تِلْكَ الصُّورَة على(8/70)
عدم وجوب المَال لَا على عدم النِّكَاح، فَلْيتَأَمَّل.
اهـ.
قَوْله: (وَمَا بَيْنكُمَا بيع قَائِم الْآن) هَذَا قَاصِر، وَالْحَقُّ مَا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ.
قَالَ الْمُشْتَرِي: إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ فَإِنْ ذَكَرَ نَقْدَ الثَّمَنِ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا العَبْد ملك الْمُدَّعِي، وَلَا شئ مِنْهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي ادَّعَى، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْته، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْتَرِي نَقْدَ الثَّمَنِ يُقَالُ لَهُ أَحْضِرْ الثَّمَنَ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَمْلِكُ قَبْضَ هَذَا الثَّمَنِ وَلَا تَسْلِيم هَذَا الْعَبْدِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَإِنْ شَاءَ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا شِرَاءٌ قَائِمٌ السَّاعَةَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ نَقْدِ الثَّمَنِ دَعْوَى الْمَبِيعِ مِلْكًا مُطْلَقًا وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثّمن فَيحلف على ملك الْمَبِيع، وَدَعوى البيع مَعَ تَسْلِيم الْمَبِيع، وَدَعوى الثَّمَنِ مَعْنًى وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَة الْمَبِيع فَيحلف على ملك الثّمن.
قَوْله: (وَمَا يجب عَلَيْك رده الْآن) الصَّوَاب مَا فِي الْخُلَاصَة: مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ وَلَا مِثْلِهِ وَلَا بَدَلِهِ وَلَا شئ من ذَلِك انْتهى.
وَإِلَى بعض ذَلِك أَشَارَ الشَّارِح بقوله أَو بدله لَان الْمَغْصُوب لَو كَانَ هَالكا لَا يجب على
الْغَاصِب رد عينه لتعذر ذَلِك، بل يجب عَلَيْهِ رد مثله لَو مثلِيا أَو قِيمَته لَو قيميا، فَلَو حلفه بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده وَكَانَ ذَلِك بعد هَلَاكه وَحلف على ذَلِك لم يَحْنَث لعدم وجوب رده ح.
بل يحلفهُ بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده، وَلَا رد بدله ليعم حَاله قيام الْمَغْصُوب وهلاكه فَلَو ادّعى عَلَيْهِ قيام الْمَغْصُوب حلفه بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك رده، وَإِن ادّعى عَلَيْهِ أَن الْمَغْصُوب قد هلك فِي يَده وَيُرِيد تَضْمِينه حلف بِاللَّه مَا يجب عَلَيْك بدله، وَإِنَّمَا عبر بِالْبَدَلِ ليعم الْمثل لَو مثلِيا وَالْقيمَة لَو قيميا.
قَوْله: (وَمَا هِيَ بَائِن مِنْك الْآن) هَذَا فِي الْبَائِن الْوَاحِد، وَأما إِذا كَانَ بِالثلَاثِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنكُمَا وَفِي الرَّجْعِيّ يحلف بِاللَّه تَعَالَى مَا هِيَ طَالِقٌ فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا، وَهُوَ معنى قَوْله الْآن قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاح الَّذِي بَيْنكُمَا.
قَوْله: (وَمَا بِعْت) أَي أَو مَا غصبت أَو مَا طلقت لاحْتِمَال أَنه رده أَو جدد النِّكَاح بعد الابانة.
قَالَ فِي الْبَحْر وَلم يسْتَوْف الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى الْمسَائِل المفرعة على هَذَا الاصل، فَمِنْهَا الامانة وَالدّين وَقد ذكرناهما.
وَفِي منية الْمُفْتِي: الْمُدعى عَلَيْهِ الالف يحلف بِاللَّه مَا لَهُ قبلك مَا يَدعِي وَلَا شئ مِنْهُ، لانه قد يكون عَلَيْهِ الالف إِلَّا درهما فَيكون صَادِقا.
اهـ.
وَفِيمَا ذكره الاسبيجابي فِي التَّحْلِيف على الْوَدِيعَة إِذا أنكرها الْمُدعى عَلَيْهِ يحلف على صُورَة إِنْكَاره بِاللَّه لَيْسَ لَهُ عنْدك شئ، وَلَا عَلَيْك دين وَعند أبي يُوسُف بِاللَّه مَا أودعهُ وَلَا بَاعه وَلَا أقْرضهُ قُصُور، وَالصَّوَاب مَا فِي الخزانة.
وَفِي دَعْوَى الْوَدِيعَة: إِذا لم تكن حَاضِرَة يحلف بِاللَّه مَا لَهُ هَذَا المَال الَّذِي ادَّعَاهُ فِي يَديك وَدِيعَة وَلَا شئ مِنْهُ، وَلَا لَهُ قبلك حق مِنْهُ لانه مَتى استهلكها أَو دلّ إنْسَانا عَلَيْهَا لَا تكون فِي يَدَيْهِ وَيكون عَلَيْهِ قيمتهَا فَلَا يَكْتَفِي بقوله فِي يَديك بل يضم إِلَيْهِ وَلَا لَهُ قبلك حق مِنْهُ احْتِيَاطًا.
اهـ.
وَمِنْهَا دَعْوَى الْملك الْمُطلق: فَإِن كَانَ فِي ملك مَنْقُول حَاضر فِي الْمجْلس يحلف بِاللَّه مَا هَذَا الْعين(8/71)
ملك الْمُدَّعِي من الْوَجْه الَّذِي يَدعِيهِ وَلَا شئ مِنْهُ، وَإِن كَانَ غَائِبا من الْمجْلس إِن أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه فِي يَده وَأنكر كَونه ملك الْمُدَّعِي كلف إِحْضَاره ليشير إِلَيْهِ، وَإِن أنكر كَونه فِي يَده فَإِنَّهُ يسْتَحْلف بعد
صِحَة الدَّعْوَى مَا لهَذَا فِي يَديك كَذَا وَلَا شئ مِنْهُ وَلَا شئ عَلَيْك وَلَا قبلك وَلَا قيمَة وَهِي كَذَا وَلَا شئ مِنْهَا.
كَذَا فِي الخزانة.
وَمِنْهَا دَعْوَى إِجَارَة الضَّيْعَة أَو الدَّار أَو الْحَانُوت أَو العَبْد أَو دَعْوَى مُزَارعَة فِي أَرض أَو مُعَاملَة فِي نخل بِاللَّه مَا بَيْنك وَبَين هَذَا الْمُدَّعِي إِجَارَة قَائِمَة تَامَّة لَازِمَة الْيَوْم فِي هَذَا الْعين الْمُدَّعِي وَلَا لَهُ قبلك حق بالاجارة الَّتِي وصفت.
كَذَا فِي الخزانة.
وَمِنْهَا: مَا لَو ادَّعَت امْرَأَة على زَوجهَا أَنه جعل أمرهَا بِيَدِهَا وَإِنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا وَأنكر الزَّوْج، فَالْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أوجه، إِمَّا أَن يُنكر الزَّوْج الامر وَالِاخْتِيَار جَمِيعًا وَفِيه لَا يحلف على الْحَاصِل بِلَا خلاف، لانه لَو حلف مَا هِيَ بَائِن مِنْك السَّاعَة رُبمَا تَأَول قَول بعض الْعلمَاء: إِن الْوَاقِع بالامر بِالْيَدِ رَجْعِيّ، فَيحلف على السَّبَب، وَلكنه يحْتَاط فِيهِ للزَّوْج بِاللَّه مَا قلت لَهَا مُنْذُ آخر تزوج تَزَوَّجتهَا أَمرك بِيَدِك، وَمَا تعلم أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا بِحكم ذَلِك الامر، وَإِن أقرّ بالامر وَأنكر اخْتِيَارهَا يحلف بِاللَّه مَا تعلم أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفسهَا، وَإِن أقرّ بِالِاخْتِيَارِ وَأنكر الامر يحلف بِاللَّه مَا جعلت أَمر امْرَأَتك هَذِه بِيَدِهَا قبل أَن تخْتَار نَفسهَا فِي ذَلِك الْمجْلس، وَكَذَا إِن ادَّعَت أَن الزَّوْج حلف بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَن لَا يفعل كَذَا وَقد فعل فَهُوَ على التَّفْصِيل.
كَذَا فِي الخزانة.
وَمِنْهَا: أَن مَا ذكره فِي حلف البيع قَاصِر، وَالْحق مَا فِي الخزانة وَقد قدمْنَاهُ قَرِيبا.
وَمِنْهَا: فِي دَعْوَى الْكفَالَة إِذا كَانَت صَحِيحَة بِأَن ذكر أَنَّهَا منجزة أَو معلقَة بِشَرْط مُتَعَارَف وَأَنَّهَا كَانَت بِإِذْنِهِ أَو أجازها فِي الْمجْلس، وَإِذا حلفه يحلفهُ بِاللَّه مَا لَهُ قبلك هَذِه الالف بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة الَّتِي يدعيها حَتَّى لَا يتَنَاوَلهُ كَفَالَة أُخْرَى، وَكَذَا إِذا كَانَت كَفَالَة بِعرْض بِاللَّه مَا لَهُ قبلك هَذَا الثَّوْب بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة، وَفِي النَّفس بِاللَّه مَا لَهُ قبلك تَسْلِيم نفس فلَان بِسَبَب هَذِه الْكفَالَة الَّتِي يدعيها.
كَذَا فِي الخزانة.
وَمِنْهَا: تَحْلِيف الْمُسْتَحق.
قَالَ فِي الخزانة: رجل أعَار دَابَّة أَو أجرهَا أَو أودعها فجَاء مُدع وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ لَا يقْضِي لَهُ بشئ حَتَّى يحلف بِاللَّه مَا بِعْت وَلَا وهبت وَلَا أَذِنت فيهمَا وَلَا هِيَ خَارِجَة عَن ملكك للْحَال.
وَمِنْهَا: إِذا ادّعى غَرِيم الْمَيِّت إِيفَاء الدّين لَهُ وَأنكر الْوَارِث يحلف مَا تعلم أَنه قَبضه، وَلَا شئ مِنْهُ وَلَا برِئ إِلَيْهِ مِنْهُ.
كَذَا فِي الخزانة وَقدمنَا كَيْفيَّة تَحْلِيف مدعيه على الْمَيِّت.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: قَوْله: وَلَا برِئ الخ لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه يَدعِي الايفاء لَا الْبَرَاءَة فَلَا وَجه لذكره فِي التَّحْلِيف إِ هـ.
وأوجبت عَنهُ فِيمَا كتبناه عَلَيْهِ بِجَوَاز أَن الْمَيِّت أَبرَأَهُ وَلم يعلم الْمَدْيُون أَنه لَا يتَوَقَّف على قبُوله إِ هـ.
أَقُول: وَأجَاب عَنهُ أَيْضا فِي نور الْعين حَيْثُ قَالَ قَوْله: لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَحل نظر، لَان الْمُدَّعِي هُوَ إِيفَاء مَجْمُوع الدّين، فَلَو أُرِيد تسويته بالمحلوف عَلَيْهِ لاكتفى فِي الْحلف بِلَفْظ مَا تعلمُونَ أَن أَبَاكُم قَبضه فَزِيَادَة لفظ وَلَا شئ مِنْهُ تدل قطعا على أَن المُرَاد إِنَّمَا هُوَ دفع جَمِيع الْوُجُوه المحتملة فِي جَانب الْمُورث نظرا للْغَرِيم وشفقة عَلَيْهِ، وَيجوز أَن يكون وَجه زِيَادَة، وَلَا برِئ إِلَيْهِ احْتِمَال أَن الْغَرِيم تجوز، فَأَرَادَ بالايفاء الابراء نظرا إِلَى اتِّحَاد مآلها وَهُوَ خلاص الذِّمَّة إِ هـ.(8/72)
وَفِي الْبَحْر أَيْضا: وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الاتلاف، قَالَ فِي الخزانة: ادّعى على آخر أَنه خرق ثَوْبه، واحضر مَعَه إِلَى القَاضِي لَا يحلفهُ مَا خرقت لاحْتِمَال أَنه خرقه وَأَدَّاهُ ضَمَانه ثمَّ ينظر فِي الْخرق إِن كَانَ يَسِيرا وَضمن النُّقْصَان يحلف مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْقدر من الدَّرَاهِم الَّتِي تَدعِي، وَلَا أقل مِنْهُ وَإِن لم يكن الثَّوْب حَاضرا كلفه القَاضِي بَيَان قِيمَته، وَمِقْدَار النُّقْصَان ثمَّ تترتب عَلَيْهِ الْيمن وَكَذَلِكَ هَذَا فِي هدم الْحَائِط أَو فَسَاد مَتَاع أَو ذبح شَاة أَو نَحوه اه.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّحْلِيفِ تَكْرَارٌ، لَا فِي لَفْظِ الْيَمِينِ خُصُوصًا فِي تَحْلِيفِ مُدَّعِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تَصِلُ إلَى خَمْسَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَرْبَعَة مَعَ قَوْلهم فِي كتاب الايمان: الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ حَرْفِ الْعَطْفِ، مَعَ قَوْلِهِ: لَا، كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، وَمَعَ قَوْلِهِمْ هُنَا فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ: يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعَطْفِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا عَطَفَ صَارَتْ أَيْمَانًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابا بل وَلَا من تعرض لَهُ اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: إِذا تَأمل المتأمل وجد التّكْرَار لتكرار الْمُدَّعِي فَلْيتَأَمَّل.
إِ هـ: يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَإِنْ ادَّعَى
شَيْئًا وَاحِدًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ لِأَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ ضِمْنًا فَيحلف الْخصم عَلَيْهَا احْتِيَاطًا.
قَوْله: (خلافًا للثَّانِي) فَقَالَ: الْيَمين تستوفى لحق الْمُدَّعِي فَيجب مطابقتها لدعواه وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَب، إِلَّا إِذا عرض الْمُدعى عَلَيْهِ بِمَا ذكرنَا بِأَن يَقُول الْمَطْلُوب عِنْد طلب يَمِينه قد يَبِيع الشَّخْص شَيْئا ثمَّ يقايل فَيحلف حِينَئِذٍ على الْحَاصِل ط.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (نظرا للْمُدَّعى عَلَيْهِ) أَي كَمَا هُوَ نظر للْمُدَّعِي.
وَهَذَا تَعْلِيل لقَوْل الامام وَالثَّالِث، وَهُوَ مَا مَشى عَلَيْهِ فِي الْمَتْن من التَّحْلِيف على الْحَاصِل: يَعْنِي إِنَّمَا يحلفهُ على الْحَاصِل، لَا على السَّبَب لاحْتِمَال طَلَاقه بعد النِّكَاح وإقالته بعد البيع: أَي وأدائه أَو إبرائه بعد الْغَصْب، وتزوجه بعد الابانة وَلَو بعد زوج آخر فِي الْحُرْمَة الغليظة، فَلَو حلف على السَّبَب لَكَانَ حانثا، وَلَو ادّعى الْوَاقِع بعد السَّبَب لكلف إثْبَاته فيتضرر بذلك، فَكَانَ فِي التَّحْلِيف على الْحَاصِل نظر للْمُدَّعى عَلَيْهِ.
قَوْله: (لاحْتِمَال طَلَاقه) أَي فِي دَعْوَى النِّكَاح.
قَوْله: (وإقالته) أَي فِي البيع وإدانته أَو إبرائه بعد الْغَصْب وتزوجه بعد الابانة.
وَالْحَاصِل: أَن الْيَمين كَمَا تقدم شرعت لرجاء النّكُول، فَإِذا حلف على السَّبَب الَّذِي يرْتَفع برافع فنكل وَأقر بِالسَّبَبِ ثمَّ ادّعى الرافع لَا يقبل مِنْهُ قيتضرر، بِخِلَاف مَا إِذا حلف على الْحَاصِل فَإِن فِيهِ نظرا إِلَيْهَا.
قَوْله: (على السَّبَب) بِأَن يحلفهُ بِاللَّه مَا اشْتريت هَذِه الدَّار وَمَا هِيَ مُطلقَة مِنْك بَائِنا فِي الْعدة، وَتقدم تَفْصِيله موضحا فَارْجِع إِلَيْهِ.
قَوْله: (كدعوى شُفْعَة بالجوار وَنَفَقَة مبتوتة) قيد بهما لَان فِي الشُّفْعَة بِالشّركَةِ وَنَفَقَة الرَّجْعِيّ يسْتَحْلف على الْحَاصِل عِنْدهمَا، وَعند أبي يُوسُف على السَّبَب إِلَّا إِذا عرض كَمَا سبق.
أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (لكَونه شافعيا) ظَاهر كَلَام الْخصاف والصدر الشَّهِيد أَن معرفَة كَون الْمُدعى عَلَيْهِ شافعيا إِنَّمَا هُوَ بقول الْمُدَّعِي، وَلَو تنَازعا فَالظَّاهِر من كَلَامهم أَنه لَا اعْتِبَار بقول الْمُدعى عَلَيْهِ.
بَحر: أَي سَوَاء كَانَ فِي جَمِيع الْمسَائِل أَو فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَط، حَتَّى لَو كَانَ حنفيا لحلف على السَّبَب لاحْتِمَال أَن يقْصد تَقْلِيد الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عِنْد الْحلف، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُحَلِّفُ عَلَى(8/73)
الْحَاصِلِ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَهُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً وَلَا شُفْعَة مثلا فَيُضَيِّعُ النَّفْعَ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَبَانَهَا وَمَا اشْترى ظَهَرَ النَّفْعُ، وَرِعَايَةُ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، لِأَنَّ السَّبَبَ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ الْحَقُّ وَاحْتِمَالُ سُقُوطِهِ
بِعَارِض موهوم، والاصل عَدمه حَتَّى يقوم الدَّلِيل على الْعَارِض.
قَالَ تَاج الشَّرِيعَة: حكى عَن القَاضِي أبي عَليّ النَّسَفِيّ أَنه قَالَ: خرجت حَاجا فَدخلت على القَاضِي أبي عَاصِم فَإِنَّهُ كَانَ يدرس وخليفته يحكم، فَوَافَقَ جلوسي أَن امْرَأَة ادَّعَت على زَوجهَا نَفَقَة الْعدة وَأنكر الزَّوْج، فحلفه بِاللَّه مَا عَلَيْك تَسْلِيم النَّفَقَة من الْوَجْه الَّذِي تَدعِي، فَلَمَّا تهَيَّأ الرجل ليحلف نظرت إِلَى القَاضِي، فَعلم أَنِّي لماذا نظرت، فَنَادَى خَلِيفَته فَقَالَ: سل الرجل من أَي محلّة هُوَ؟ حَتَّى إِن كَانَ من أصَاب الحَدِيث حلفه بِاللَّه مَا هِيَ مُعْتَدَّة مِنْك، لَان الشَّافِعِي لَا يرى النَّفَقَة للمبتوتة، وَإِن كَانَ من أَصْحَابنَا حلفه بِاللَّه مَا لَهَا عَلَيْك تَسْلِيم النَّفَقَة إِلَيْهَا من الْوَجْه الَّذِي تدعى نظرا لَهَا أهـ.
قَوْله: (فيتضرر الْمُدَّعِي) فَإِن قلت: التَّحْلِيف على السَّبَب روعي فِيهِ جَانب الْمُدَّعِي، وَلَا نظر فِيهِ للْمُدَّعى عَلَيْهِ لانه قد يثبت البيع وَالشِّرَاء، وَلَا شُفْعَة بِأَن يُسَلِّمهَا الْمُدَّعِي أَو يسكت عَن الطّلب.
وَالْجَوَاب: أَنَّ الْقَاضِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَر بِأَحَدِهِمَا، ورعاية جَانب الْمُدَّعِي أولى، لَان سَبَب وجوب الْحق لَهُ وَهُوَ الشِّرَاء إِذا ثَبت ثَبت الْحق لَهُ، وثبوته إِنَّمَا يكون بِأَسْبَاب عارضة فصح التَّمَسُّك بالاصل حَتَّى يقوم دَلِيل على الْعَارِض كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا.
قَوْله: (وَأما مَذْهَب الْمُدَّعِي فَفِيهِ خلاف) فَقيل لَا اعْتِبَار بِهِ أَيْضا، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار لمَذْهَب القَاضِي، فَلَو ادّعى شَافِعِيّ شُفْعَة الْجوَار عِنْد حَنَفِيّ سَمعهَا وَقيل لَا.
قَوْله: (والاوجه أَن يسْأَله) أَي الْمُدَّعِي.
قَوْله: (هَلْ تَعْتَقِدُ وُجُوبَ شُفْعَةِ الْجِوَارِ أَوْ لَا) فَإِن قَالَ اعتقدها يحلف على الْحَاصِل، وَإِن كَانَ لَا يعتقدها يحلف على السَّبَب.
قَوْله: (وَاعْتَمدهُ المُصَنّف) أَي تبعا للبحر: وَالَّذِي يظْهر القَوْل بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَار بِمذهب الْمُدعى عَلَيْهِ بل لمَذْهَب القَاضِي كَمَا هُوَ أحد الاقوال الثَّلَاثَة، حَتَّى لَو ادّعى شَافِعِيّ شُفْعَة الْجوَار عِنْد حَنَفِيّ سَمعهَا أَلا يرى أَن أهل الذِّمَّة إِذا تحاكموا إِلَيْنَا نحكم عَلَيْهِم بمعتقدنا فَهَذَا أولى فَلْيتَأَمَّل.
على أَن قُضَاة زَمَاننَا مأمورون بالحكم بِمذهب سيدنَا أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى من السُّلْطَان عز نَصره.
قَوْله: (لعدم تكَرر رقّه) لَان الْمُرْتَد لَا يسترق وَإِن لحق بدار الْحَرْب، لانه لَو ظفر بِهِ فموجبه الْقَتْل فَقَط إِن لم يسلم كَمَا مر فِي بَابه، وَالظَّاهِر أَنه يَكْتَفِي بِإِسْلَامِهِ حَال ادعوى عملا باستصحاب الْحَال كَمَا فِي مَسْأَلَة الطاحون.
قَوْله: (على الْحَاصِل) فَيحلف السَّيِّد على أَنه بَيْنكُمَا عتق قَائِم الْآن لَا مَا أَعتَقته لجَوَاز أَنه أعْتقهُ فلحق ثمَّ عَاد إِلَى
رقّه فيتضرر بِصُورَة هَذَا الْيَمين، وَكَذَا يُقَال فِي الامة ط.
قَوْله: (وَصَحَّ فدَاء الْيَمين) أَي بِمثل الْمُدَّعِي، أَو أقل.
حموي.
مِثَاله إِذا توجه حلف على الْمُدعى عَلَيْهِ أعْطى الْمُدَّعِي مثل الْمُدَّعِي أَو أقل صَحَّ.
قَوْله:(8/74)
(وَالصُّلْح مِنْهُ) أَي على شئ أقل من الْمُدَّعِي، لَان مبْنى الصُّلْح على الحطيطة.
حموي.
فَيكون الْفِدَاء أَعم من الصُّلْح وَحِينَئِذٍ فَيحْتَاج إِلَى نُكْتَة، وَظَاهر مَا قَرَّرَهُ الشَّارِح أَن أَخذ المَال فِي الْفِدَاء وَالصُّلْح عَن الْيَمين إِنَّمَا يحل إِذا كَانَ الْمُدَّعِي محقا ليَكُون الْمَأْخُوذ فِي حَقه بَدَلا كَمَا فِي الصُّلْح عَن إِنْكَار، فَإِن كَانَ مُبْطلًا لم يجز.
اهـ.
بَحر.
قَوْله: (لحَدِيث ذبوا عَن أعراضكم بأموالكم) قَالَ الْحَمَوِيّ: لما رُوِيَ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه افتدى يَمِينه بِمَال، وَكَذَا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ افتدى يَمِينه حِين ادّعى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ درهما، فَقيل أَلا تحلف وَأَنت صَادِق؟ فَقَالَ أَخَاف أَن يُوَافق قدر يَمِيني فَيُقَال هَذَا بِيَمِينِهِ الكاذبة.
ولان فِيهِ صون عرضه وَهُوَ مستحسن عقلا وَشرعا، ولانه لَو حلف يَقع فِي القيل والقال، فَإِن النَّاس بَين مُصدق ومكذب، فَإِذا افتدى بِيَمِينِهِ فقد صان عرضه وَهُوَ حسن.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذبوا عَن أعراضكم بأموالكم.
قَوْله: (أَي ثَابت) الاولى أَن يُقَال: أَي لَازم من جِهَة الحزم والمروءة وصيانة الْعرض: أَي متأكد الْفِعْل بِمَنْزِلَة الْوَاجِب الْعرفِيّ لَا الشَّرْعِيّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من الْعبارَة.
نعم هُوَ غير وَاجِب شرعا لما علل بِهِ.
قَوْله: (بِدَلِيل جَوَاز الْحلف صَادِقا) وَقد وَقع من النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم تَعْلِيما وتشريعا.
قَوْله: (وَلَا يحلف) بِالتَّشْدِيدِ من التَّحْلِيف: أَي لَيْسَ للْمُدَّعِي أَن يحلفهُ بعده.
قَوْله: (لانه) أَي لَان الْمُدَّعِي أسقط حَقه فِي الْيَمين بِأخذ الْفِدَاء أَو الصُّلْح عَنهُ.
قَوْله: (أسقط) الَّذِي فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ.
قَوْله: (حَقه) أَي حق خصومته بِأخذ المَال مِنْهُ.
قَوْله: (لَو أسْقطه أَي الْيَمين) ذكر بِاعْتِبَار كَون الْيَمين قسما وَإِلَّا فَهِيَ مُؤَنّثَة.
قَوْله: (أَو تركته عَلَيْهِ) الاوضح أَو تركته لَك ليناسب الْخطاب قبله وَلَا يظْهر التَّعْبِير بعلى.
قَوْله: (بِخِلَاف الْبَرَاءَة عَن المَال) أَي فَإِنَّهَا لَهُ فيستقل بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ، وَكَذَا عَن الدَّعْوَى: أَي فَيصح لانه حَقه.
قَوْله: (لَان التَّحْلِيف للْحَاكِم) أَي هُوَ حق الْحَاكِم، حَتَّى لَو حلفه الْمُدَّعِي، وَلَو عِنْد الْحَاكِم لَا يعْتَبر كَمَا تقدم فَلَا يَصح الابراء عَن حق غَيره، وَإِنَّمَا صَحَّ فِي الْفِدَاء وَالصُّلْح اسْتِحْسَانًا على خلاف
الْقيَاس بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكره، ولان بِالْفِدَاءِ وَالصُّلْح يَأْخُذهُ الْمُدَّعِي على أَنه هُوَ مَا يَدعِيهِ على زَعمه أَو صلحا عَنهُ فَتسقط دَعْوَاهُ، فَيسْقط الْيَمين ضمنا لَا قصدا.
قَوْله: (لعدم ركن البيع) وَهُوَ مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ فَلم يجز، لَكِن لَا يظْهر تَعْلِيل الشَّارِح فِيمَا ذكر، لَان الَّذِي سبق لَهُ فِي أول البيع بِأَن المَال مَحل البيع على أَن عبارَة الدُّرَر خلية عَن ذَلِك حَيْثُ قَالَ: لَان الشِّرَاء عقد تمْلِيك المَال بِالْمَالِ، وَالْيَمِين لَيست بِمَال وَحِينَئِذٍ فعبارة الدُّرَر أظهر.
فَتَأمل.
ولانه إِسْقَاط للْيَمِين قصدا وَالْمُدَّعِي لَا يملكهُ، لانه لَيْسَ حَقًا لَهُ بل للْقَاضِي كَمَا مر بِخِلَاف الاول، فَإِن الْفِدَاء وَالصُّلْح وَقع عَن الْمُدَّعِي وَهُوَ حق الْمُدَّعِي على زَعمه.
قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن عِنْد حَاكم أَو مُحكم لانه حِينَئِذٍ غير مُعْتَبر، وَكَذَا إِذا كَانَ عِنْد أَحدهمَا، لَكِن بتحليف الْمُدَّعِي لَا الْحَاكِم أَو لم يبرهن لعدم ثُبُوت التَّحْلِيف
قَوْله: (فَلهُ تَحْلِيفه)(8/75)
أَي تَحْلِيف الْمُدَّعِي لما سبق من أَن التَّحْلِيف للْحَاكِم، فَإِذا وَقع عِنْد غَيره لَا يبْنى عَلَيْهِ حكم دينوي.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَرَادَ تَحْلِيفَهُ فَبَرْهَنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ حَلَّفَنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضِي كَذَا يقبل، وَلَوْلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يَدَّعِي بَقَاءَ حَقِّهِ فِي الْيَمِينِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ إذْ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ اسْتَحَقَّ الْجَوَابَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ إمَّا إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ.
وَقَوْلُهُ أَبْرَأَنِي إلَخْ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَلَا إنْكَارٍ فَلَا يُسْمَعُ، وَيُقَالُ لَهُ أَجِبْ خَصْمَك ثُمَّ ادَّعِ مَا شِئْت، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبْرَأَنِي عَنْ هَذَا الْأَلْفِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ، إذْ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِهِ وَالْإِقْرَارُ جَوَابٌ، وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ مُسْقِطٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الصَّوَابُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى دَعْوَى الْبَرَاءَةِ كَمَا يحلف على دَعْوَى التَّحْلِيف، وَإِلَيْهِ مَال مح، وَعَلِيهِ أَكثر قُضَاة زَمَاننَا اهـ.
وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَاسْتَحْلَفَهُ: أَيْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي جَازَ انْتَهَتْ.
وَبِهِ عُلِمَ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الايهام فَتنبه.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
وَنقل أَيْضا عَن الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ إنَّهُ حَلَّفَنِي عَلَى هَذَا المَال عَنهُ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْهُ إنْ بَرْهَنَ قُبِلَ وَانْدَفَعَ عَنْهُ الدَّعْوَى، وَإِلَّا قَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ: انْقَلَبَ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ انْدفع الدَّعْوَى، وَإِن حلف لزمَه الْمَالُ، لِأَنَّ دَعْوَى
الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى المَال.
اهـ.
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُهُ: أَيْ وَإِلَّا يُبَرْهِنُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ: أَيْ تَحْلِيف الْمُدَّعِي الاول تَأمل.
قَوْله: (قلت وَلم أر الخ) قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَجَدْت فِي هَامِشِ نُسْخَةِ شَيْخِنَا بِخَطِّ بَعْضِ الْعلمَاء مَا نَصه: قَدْ رَأَيْتهَا فِي أَوَاخِرِ الْقَضَاءِ قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَة من فَتَاوَى الكرنبشي معزيا الاول قَضَاءِ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
وَعِبَارَتُهُ: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَعْوَى وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَلَمَّا عَرَضَ القَاضِي الْيَمين عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت بِالطَّلَاق أَن لَا أَحْلِفُ أَبَدًا، وَالْآنَ لَا أَحْلِفُ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْيَمين ثَلَاثًا ثمَّ يحكم عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ بِهَذَا الْيَمِينِ اهـ.
قَوْله: (فَليُحرر) هُوَ مُحَرر لانه ناكل عَن الْيَمين فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ، لَان الَّذِي تقدم أَن الآفة إِنَّمَا هِيَ قيد فِي السُّكُوت لَا فِي قَوْله لَا أَحْلف لَو فرض إِن هَذَا من الآفة.
وَسبق عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا فِي الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْحَاصِل، أَو على السَّبَب، فمراعاة جَانب الْمُدَّعِي أولى، فعلى هَذَا لَا يُعَزّر بِدَعْوَاهُ بِالْحلف بِالطَّلَاقِ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْحَقَ الضَّرَرَ بِنَفسِهِ بإقدامه على الْحلف بِالطَّلَاق كَمَا أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود.
وَأَقُول: لَو كَانَ ذَلِك حجَّة صَحِيحَة لتحيل بِهِ كل من تَوَجَّهت عَلَيْهِ يَمِين فَيلْزم ضَيَاعُ حَقِّ الْمُدَّعِي وَمُخَالَفَةُ نَصِّ الْحَدِيثِ وَالْيَمِينُ على من أنكر فَتدبر، وَالله تَعَالَى أعلم واستغفر الله الْعَظِيم.
بَاب التَّحَالُف
التَّحَالُف من الْحلف بِفَتْح الْحَاء: وَهُوَ الْقسم وَالْيَمِين، فَيكون مَعْنَاهُ التقاسم، وَأما الْحلف بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْعَهْد.
وَفِي الْبَحْر عَن الْقَامُوس: تحالفوا تَعَاهَدُوا.
وَفِي الْمِصْبَاح: الحليف الْمعَاهد، يُقَال(8/76)
مِنْهُ: تحَالفا: تعاهدا وتعاقدا على أَن يكون أَمرهمَا وَاحِدًا فِي النُّصْرَة والحماية، وَلَيْسَ بِمُرَاد هُنَا وَإِنَّمَا المُرَاد حلف الْمُتَعَاقدين عِنْد الِاخْتِلَاف، يُرِيد بِهِ أَن كلا مِنْهُمَا لم يذكر التَّحَالُف بِمَعْنى التقاسم، وَهَذَا اصْطِلَاح جَدِيد من الْفُقَهَاء، وَلَا يذهب عَلَيْك أَن هَذَا غَفلَة عَن دأب أهل اللُّغَة، فَإِنَّهُم يذكرُونَ أصل الْمَادَّة فِي كل كلمة ثمَّ يفرعون عَلَيْهَا المزيدات تَارَة وَلَا يفرعون أُخْرَى، وَهنا كَذَلِك حَيْثُ فرعوا بالمزيد
على الْحلف بِالْكَسْرِ، وَلم يفرعوا بِهِ على الْحلف بِالْفَتْح تدرب كَمَا لَا يخفى.
قَوْله: (ذكر يَمِين الِاثْنَيْنِ) ليناسب الْوَضع الطَّبْع.
قَوْله: (فِي قدر ثمن) دخل فِيهِ رَأس المَال فِي السّلم كَمَا دخل الْمُسلم فِيهِ فِي الْمَبِيع.
بَحر.
قَوْله: (أَو وَصفه) بِأَن ادّعى البَائِع أَنه بِدَرَاهِم رائجة وَادّعى المُشْتَرِي أَنه بِدَرَاهِم فَاسِدَة.
قَوْله: (أَو جنسه) بِأَن ادّعى البَائِع أَنه بِالدَّنَانِيرِ وَالْمُشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ، وَكَذَا لَو اخْتلفَا فِي جنس العقد كَالْهِبَةِ وَالْبيع على الْمُخْتَار فيهمَا.
قَوْله: (أَو فِي قدر مَبِيع) وَلم يتَعَرَّض للِاخْتِلَاف فِي وَصفه أَو جنسه لانه لَا يُوجب التَّحَالُف، بل القَوْل فِيهِ للْبَائِع مَعَ يَمِينه، صرح بالاول فِي الظَّهِيرِيَّة على مَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد ذكر الشَّارِح لَهُ، وَلم أر من صرح بِالثَّانِي، وَلَكِن يدْخل تَحت الِاخْتِلَاف فِي أصل البيع.
تدبر.
قَوْله: (لانه نور دَعْوَاهُ بِالْحجَّةِ) وَبَقِي فِي الآخر مُجَرّد الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة أقوى لانها تلْزم الحكم على القَاضِي، بِخِلَاف الدَّعْوَى.
وَفِي الْبَحْر عَن الْمِصْبَاح، الْبُرْهَان: الْحجَّة وإيضاحها.
قيل النُّون زَائِدَة، وَقيل أَصْلِيَّة.
وَحكى الازهري الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ فِي بَاب الثلاثي: النُّون زَائِدَة، وَقَوله برهن فلَان مولد، وَالصَّوَاب أَن يُقَال أَبرَأَهُ إِذا جَاءَ بالبرهان كَمَا قَالَ ابْن الاعرابي.
وَقَالَ فِي بَاب الرباعي: برهن: إِذا أَتَى بِحجَّة اهـ.
قَوْله: (وَإِن برهنا فلمثبت الزِّيَادَة) بَائِعا كَانَ أَو مُشْتَريا.
حموي.
إِذْ لَا مُعَارضَة أَي فِي الزِّيَادَة: أَي إِن برهن كل مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ حكم لمن أثبت الزِّيَادَة، وَهُوَ البَائِع إِن اخْتلفَا فِي قدر الثّمن، وَالْمُشْتَرِي إِن اخْتلفَا فِي قدر الْمَبِيع، هَذَا مُقْتَضى ظَاهر كَلَامه.
وَكَذَا إِذا اخْتلفَا فِي وصف الثّمن أَو جنسه، وَبرهن كل على مَا ادَّعَاهُ حكم لمثبت وصف أَو جنس اقْتضى زِيَادَة، وَهَذَا مُقْتَضى سِيَاق كَلَامه وسياقه أَيْضا حَيْثُ صرح فِي بَيَان اخْتِلَاف الاجل بِأَن التَّحَالُف يجْرِي فِي الِاخْتِلَاف فِي وصف الثّمن أَو جنسه.
تدبر.
قَوْله: (إِذْ الْبَينَات للاثبات) ومثبت الاقل لَا يُعَارض مُثبت الاكثر، ولان النَّافِي مُنكر ويكفيه الْيَمين فَلَا حَاجَة لبينته، بِخِلَاف مدعي الزِّيَادَة لانه مُدع حَقِيقَة، وَلَا يعْطى بِدَعْوَاهُ بِلَا برهَان.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ، قَالَ البَائِع بِعْتُك هَذِه الْجَارِيَة بعبدك هَذَا وَقَالَ المُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِمِائَة دِينَار وَأَقَامَا الْبَيِّنَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى لانها تثبت الْحق لَهُ فِيهِ والاخرى تنفيه، وَالْبَيِّنَة للاثبات دون النَّفْي.
قَوْله: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ جَمِيعًا بِأَن ادّعى البَائِع أَكثر مِمَّا يَدعِيهِ المُشْتَرِي من الثّمن،
وَادّعى المُشْتَرِي أَكثر مِمَّا يقر البَائِع من الْمَبِيع فِي حَالَة وَاحِدَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى فِي الثّمن، وَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى فِي الْمَبِيع، لَان حجَّة البَائِع فِي الثّمن أَكثر إِثْبَاتًا وَحجَّة المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع أَكثر إِثْبَاتًا.
دُرَر.
وَصُورَة فِي الْعِنَايَة بِمَا إِذا قَالَ البَائِع بِعْتُك هَذِه الْجَارِيَة بِمِائَة دِينَار وَقَالَ المُشْتَرِي بعتنيها وَأُخْرَى مَعهَا بِخَمْسِينَ دِينَارا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة، فَبَيِّنَة البَائِع أولى فِي الثّمن، وَبَيِّنَة المُشْتَرِي أولى فِي الْمَبِيع نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة فهما جَمِيعًا للْمُشْتَرِي بِمِائَة دِينَار.
قيل هَذَا قَول أبي حنيفَة آخرا، وَكَانَ يَقُول أَولا وَهُوَ(8/77)
قَول زفر: يقْضِي بهما للْمُشْتَرِي بِمِائَة وَخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا.
قَوْله: (لَو فِي الثّمن) يجب إِسْقَاط لَو هُنَا، وَفِي قَوْله لَو فِي الْمَبِيع ح.
لَان فِي زِيَادَة لَو هُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ خللا، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا، فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَوْلَى، وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى نَظَرًا إلَى زِيَادَة الاثبات.
مدنِي.
قَوْله: (فِي الصُّور الثَّلَاث) فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا.
قَوْله: (فَإِن رَضِي كل بمقالة الآخر فِيهَا) بِأَن رَضِي البَائِع بِالثّمن الَّذِي ذكره المُشْتَرِي عِنْد الِاخْتِلَاف فِيهِ أَو رَضِي المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الَّذِي ذكره البَائِع إِن كَانَ الِاخْتِلَاف فِيهِ، أَو رَضِي كل بقول الآخر إِن كَانَ الِاخْتِلَاف فيهمَا.
والاولى فِي التَّعْبِير أَن يَقُول: فَإِن تَرَاضيا على شئ بِأَنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي، أَو رَضِي المُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ رَضِيَ كُلٌّ بِقَوْلِ الْآخَرِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فيهمَا، لَان مَا ذكره الشَّارِح لَا يَشْمَل إِلَّا صُورَة الِاخْتِلَاف فيهمَا، فَتَأمل.
قَول: (وَإِن لَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ تَحَالَفَا) قيد بِهِ للاشارة إِلَى أَن القَاضِي يَقُول لكل مِنْهُمَا: إِمَّا أَن ترْضى بِدَعْوَى صَاحبك وَإِلَّا فسخنا البيع، لَان الْقَصْد قطع الْمُنَازعَة، وَقد أمكن ذَلِك بِرِضا أَحدهمَا بِمَا يَدعِيهِ الآخر، فَيجب أَن لَا يعجل القَاضِي بِالْفَسْخِ حَتَّى يسْأَل كلا مِنْهُمَا بِمَا يختاره كَمَا فِي الدُّرَر، وَهَذَا قياسي إِن كَانَ قبل الْقَبْض لَان كلا مِنْهُمَا مُنكر، واستحساني بعده لَان المُشْتَرِي لَا يَدعِي شَيْئا لَان الْمَبِيع سلم لَهُ.
بَقِي دَعْوَى البَائِع فِي زِيَادَة الثّمن وَالْمُشْتَرِي يُنكره، فَكَانَ يَكْفِي حلفه لَكِن عَرفْنَاهُ بِحَدِيث إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وترادا.
قَالَ فِي الاشباه: وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عبدا فَحلف كل بِعِتْقِهِ على صدق دَعْوَاهُ،
فَلَا تحالف وَلَا فسخ وَيلْزم البيع وَلَا يعْتق، وَالْيَمِين على المُشْتَرِي كَمَا فِي الْوَاقِعَات.
اهـ.
وَيلْزم من الثّمن مَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي لانه مُنكر الزِّيَادَة، لَان البَائِع قد أقرّ أَن العَبْد قد عتق.
قَوْله: (تحَالفا) أَي اشْتَركَا فِي الْحلف.
قُهُسْتَانِيّ.
وَظَاهر كَلَامهم وَمَا سَيَأْتِي أَنه يَقع أَيْضا على الْحلف مِنْهُمَا.
قَوْله: (مَا لم يكن فِيهِ خِيَار) أَي لاحدهما.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَأَشَارَ بعجزهما إلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِهَذَا.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ خِيَارُ شَرط لَا يَتَحَالَفَانِ.
اهـ.
وَالْبَائِع كالمشتري وَظَاهره أَنه يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْفَسْخ، فَلَو أَبى يجْبر وَيُحَرر.
وَالْمَقْصُود أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَأَنْكَرَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ فَلَا.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي زِيَادَةَ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهَا فَإِنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ، وَأَمَّا خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَخْرِيجًا لَا نقلا.
بَحر.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ دَائِمًا فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْإِطْلَاقِ.
قَوْلُهُ: (فَيفْسخ) لانه يَسْتَغْنِي عَن التَّحَالُف حِينَئِذٍ.
قَوْله: (وَبَدَأَ) أَي القَاضِي بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي: أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي شرح ابْن الْكَمَال، وَكَذَا فِي صُورَتي الِاخْتِلَاف فِي الْوَصْف وَالْجِنْس.
قَوْله: (لانه(8/78)
البادئ بالانكار) لانه يُطَالب أَولا بِالثّمن وَهُوَ يُنكره، ولاحتمال أَن ينكل فتتعجل فَائِدَة نُكُوله بإلزامه الثّمن، وَلَو بَدَأَ بِيَمِين البَائِع فنكل تَأَخَّرت مُطَالبَته بِتَسْلِيم الْمَبِيع حَتَّى يَسْتَوْفِي الثّمن، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحَالُفِ فِي الثَّمَنِ، أَمَّا فِي الْمَبِيعِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الثَّمَنِ فَلَا يَظْهَرُ، لِأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُنْكِرُ فَالظَّاهِرُ الْبُدَاءَةُ بِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجّر، وَإِلَى ذَلِك أَوْمَأ الْقُهسْتَانِيّ وَبحث مثل هَذَا الْعَلامَة الرَّمْلِيّ.
قَوْله: (هَذَا) أَي البدء بِيَمِين المُشْتَرِي.
قَوْله: (مقايضة) وَهِي بيع سلْعَة بسلعة.
قَوْله: (أَو صرفا) هُوَ بيع ثمن بِثمن.
قَوْله: (فَهُوَ مُخَيّر) لَان كلا مِنْهُمَا فيهمَا مُشْتَر من وَجه فاستويا فَيُخَير القَاضِي، ولانهما يسلمان مَعًا فَلم يكن أَحدهمَا سَابِقًا.
قَوْله: (وَقيل يقرع ابْن ملك) هَذَا رَاجع إِلَى مَا قبل فَقَط لَا إِلَى المقايضة وَالصرْف لانه لم يحك فيهمَا خلافًا.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَبَدَأَ بِيَمِين المُشْتَرِي عِنْد مُحَمَّد وَأبي يُوسُف وَزفر وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، وَعَن أبي يُوسُف أَنه يبْدَأ بِيَمِين البَائِع وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَقيل يقرع بَينهمَا فِي الْبدَاءَة اهـ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّفْيِ) بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ وَالله مَا بَاعه بِأَلف وَيَقُول المُشْتَرِي وَالله مَا اشْتَرَاهُ بِأَلفَيْنِ وَلَا يزِيد الاول وَلَقَد بِعته بِأَلفَيْنِ وَلَا يزِيد الثَّانِي وَلَقَد بَاعَنِي بِأَلف، لَان الايمان على ذَلِك وضعت، أَلا ترى أَنه اقْتصر عَلَيْهِ فِي الْقسَامَة بقَوْلهمْ مَا قتلنَا وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا.
وَالْمعْنَى: أَن الْيَمين تجب على الْمُنكر وَهُوَ النَّافِي فَيحلف على هَيْئَة النَّفْي إشعارا بِأَن الْحلف وَجب عَلَيْهِ لانكاره، وَإِنَّمَا وَجب على البَائِع وَالْمُشْتَرِي، لَان كلا مِنْهُمَا مُنكر.
قَوْله: (فِي الاصح) إِشَارَة إِلَى تَضْعِيف مَا فِي الزِّيَادَات بِضَم الاثبات إِلَى النَّفْي تَأْكِيدًا، وَعبارَته: يحلف البَائِع بِاللَّه مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلف.
قَالَ فِي الْمنح: والاصح الِاقْتِصَار على النَّفْي لَان الايمان على ذَلِك وضعت.
قَوْله: (بِطَلَب أَحدهمَا) وَهُوَ الصَّحِيح، لانهما لما حلفا لم يثبت مدعي كل مِنْهُمَا فَبَقيَ بيعا بِثمن مَجْهُول، فيفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة.
وَفرع عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوط بقوله: فَلَو وطئ المُشْتَرِي الْجَارِيَة الْمَبِيعَة بعد التَّحَالُف، وَقبل الْفَسْخ يحل لانها لم تخرج عَن ملكه مَا لم يفْسخ القَاضِي.
دُرَر.
وَفسخ القَاضِي لَيْسَ بِشَرْط، حَتَّى لَو فسخاه انْفَسَخ، لَان الْحق لَهما، وَظَاهره أَن فسخ أَحدهمَا لَا يَكْفِي وَإِن اكْتفى بِطَلَبِهِ.
بَحر وحموي.
وَقَوله فِي الدُّرَر: لَو وطئ المُشْتَرِي الْجَارِيَة الخ يُفِيد أَن وطأه لَا يمْنَع من ردهَا بعد الْفَسْخ للتحالف، بِخِلَاف مَا لَو ظهر بهَا عيب قديم بعد الوطئ حَيْثُ لَا يملك ردهَا، وَإِنَّمَا يرجع بِالنُّقْصَانِ إِلَّا إِذا وطئ لاختبار بَكَارَتهَا فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا وَنزع من سَاعَته وَلم يلبث اهـ.
فَيُفَرق بَين هَذَا وَاللّعان، وَهُوَ أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا تلاعنا فَالْقَاضِي يفرق بَينهمَا طلبا التَّفْرِيق أَو لم يطلباه، لَان حُرْمَة الْمحل قد ثبتَتْ شرعا للعان على مَا قَالَه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المتلاعنان لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا وَهَذِه الْحُرْمَة حق الشَّرْع، وَأما العقد وفسخه فحقهما بِدَلِيل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تحَالفا وترادا.
قَوْله: (أَو طلبهما) لَا
حَاجَة إِلَيْهِ لعلمه بالاولى.
قَوْله: (وَلَا يَنْفَسِخ بالتحالف) فِي الصَّحِيح: أَي بِدُونِ فسخ القَاضِي لانهما لما حلفا لم يثبت مدعاهما فَيبقى بيعا مَجْهُولا فيفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة، أَو أَنه لما لم يثبت بدل(8/79)
يبْقى بيعا بِلَا بدل، وَهُوَ فَاسد فِي رِوَايَة، وَلَا بُد من الْفَسْخ فِي الْفَاسِد اهـ.
حموي.
قَوْله: (وَلَا بِفَسْخ أَحدهمَا) لبَقَاء حق الآخر وَلَا ولَايَة لصَاحبه عَلَيْهِ، بِخِلَاف القَاضِي فَإِن لَهُ الْولَايَة الْعَامَّة.
قَوْله: (بل بفسخهما) أَي بِلَا توقف على القَاضِي لَان لَهما الْفَسْخ بِدُونِ اخْتِلَاف فَكَذَا مَعَه، فَكَمَا ينْعَقد البيع بتراضيهما يَنْفَسِخ بِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى قَضَاء.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَظَاهر مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهُمَا لَوْ فَسَخَاهُ انْفَسَخَ بِلَا توقف عَلَى الْقَاضِي، وَأَنَّ فَسْخَ أَحَدِهِمَا لَا يَكْفِي وَإِن اكْتفى بِطَلَب أَحدهمَا.
قَوْله: (لزمَه دَعْوَى الآخر) لانه جعل باذلا فَلم تبْق دَعْوَاهُ مُعَارضَة لدعوى الآخر فَلَزِمَ القَوْل بِثُبُوتِهِ.
منح: أَي بِثُبُوت مدعي الآخر.
قَوْله: (بِالْقضَاءِ) مُتَعَلق بقوله لزم: أَي لَا بِمُجَرَّد النّكُول، بل إِذا اتَّصل بِهِ الْقَضَاء.
قَالَ فِي التَّبْيِين: لانه بِدُونِ اتِّصَال الْقَضَاء بِهِ لَا يُوجب شَيْئا، أما على اعْتِبَار الْبَذْل فَظَاهر، وَأما على اعْتِبَار أَنه إِقْرَار فُلَانُهُ إِقْرَار فِيهِ شُبْهَة الْبَذْل فَلَا يكون مُوجبا بِانْفِرَادِهِ.
اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا هَلَكَتْ وَسَيَأْتِي متناف.
قَوْله: (وَهَذَا كُله) أَي من التَّحَالُف وَالْفَسْخ.
قَوْله: (كاختلافهما فِي الزق) أَي الظّرْف بِأَن بَاعه التَّمْر فِي زق ووزنه مائَة رَطْل ثمَّ جاءز بالزق فَارغًا ليَرُدهُ على صَاحبه وَزنه عِشْرُونَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا زِقِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ زِقُّك، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رِطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ، فَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْمَقْبُوضِ.
وَفِيهِ الْقَوْلُ قَول الْقَابِض، وَإِن كَانَ فِي ضمنه اخْتِلَاف فِي الثّمن لم يُعْتَبَرْ فِي إيجَابِ التَّحَالُفِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَقع مُقْتَضى اخْتِلَافهمَا فِي الزق.
قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي) لَان القَوْل قَول الْقَابِض أَمينا كَانَ أَو ضمينا.
قَوْله: (وَلَا تحالف) وَإِن لزم فِي ضمنهما الِاخْتِلَاف فِي الثّمن فالبائع يَجعله تسعين وَالْمُشْتَرِي ثَمَانِينَ، لكنه لَيْسَ مَقْصُودا، بل وَقع فِي ضمن اخْتِلَافهمَا فِي الزق.
وَفِي الْبَحْر من البيع الْفَاسِد: وَلَو رد المُشْتَرِي الزق وَهُوَ عشرَة أَرْطَال فَقَالَ البَائِع الزق غَيره وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه، لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوض فَالْقَوْل قَول
الْقَابِض ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَة اهـ.
قَوْله: (كَمَا لَو اخْتلفَا فِي وصف الْمَبِيع) مُحْتَرز قَوْله سَابِقًا أَو وَصفه أَي الثّمن.
وَالْحَاصِل: أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فِي الْوَصْف فَإِن كَانَ وصف الثّمن تحَالفا وَإِن كَانَ وصف الْمَبِيع فَالْقَوْل للْبَائِع وَلَا تحالف.
قَوْله: (فَالْقَوْل للْبَائِع وَلَا تحالف) لَان اخْتِلَافهمَا لَيْسَ فِي الْبَدَل، لَكِن المُشْتَرِي يَدعِي اشْتِرَاط أَمر زَائِد وَالْبَائِع يُنكره وَالْقَوْل للْمُنكر بِيَمِينِهِ.
قَوْله: (لكَونه لَا يخْتل بِهِ قوام العقد) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِهِ فَأشبه الِاخْتِلَاف فِي الْحَط والابراء.
قَوْله: (نَحْو أجل) أطلقهُ فَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ فِي أَصْلِهِ وَقَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الزَّائِدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي(8/80)
السَّلَمِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِهِ وَخَرَجَ الِاخْتِلَافُ فِي مُضِيِّهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ.
كَذَا فِي النِّهَايَة.
بَحر.
قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَقَوله والاجل: أَي فِي أَصله أَو فِي قدره أَو فِي مضيه أَو فِي قدره ومضيه، فَفِي الاولين: القَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه.
وَفِي الثَّالِث: القَوْل قَول المُشْتَرِي.
وَفِي الرَّابِع: القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي الْمُضِيّ وَقَول البَائِع فِي الْقدر.
وَبَاقِي التَّفْصِيل فِيهَا وَفِي غَايَة الْبَيَان.
وَمِنْه: مَا لَو ادّعى عَلَيْهِ أَنه اشْترى بِشَرْط كَونه كَاتبا أَو خبازا فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِيمه.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَجَلِ مَا لَوْ اخْتلفَا فِي الاجل فِي السَّلَمِ بِأَنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِمُدَّعِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ فِيهِ شَرْطٌ وَتَرْكُهُ فِيهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِقْدَامُهُمَا عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِيهِ، فَكَانَ القَوْل لنا فِيهِ.
اهـ.
وَفِيه عَن الظَّهِيرِيَّة: قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي رجلَيْنِ تبَايعا شَيْئا وَاخْتلفَا فِي الثّمن فَقَالَ المُشْتَرِي اشْتريت هَذَا الشئ بِخَمْسِينَ درهما إِلَى عشْرين شهرا على أَن أؤدي إِلَيْك كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا وَقَالَ البَائِع بعتكه بِمِائَة دِرْهَم إِلَى عشرَة أشهر على أَن تُؤدِّي إِلَيّ كل عشرَة دَرَاهِم وَأَقَامَا الْبَيِّنَة.
قَالَ مُحَمَّد: تقبل شَهَادَتهمَا وَيَأْخُذ البَائِع من المُشْتَرِي سِتَّة أشهر كل شهر عشرَة وَفِي الشَّهْر السَّابِع سَبْعَة وَنصفا ثمَّ يَأْخُذ بعد ذَلِك كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا إِلَى أَن تتمّ لَهُ مائَة، لَان المُشْتَرِي أقرّ لَهُ بِخَمْسِينَ
درهما على أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِ كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا، وَبرهن دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ وَأقَام البَائِع الْبَيِّنَة بِزِيَادَة خمسين على أَن يَأْخُذ من هَذِه الْخمسين مَعَ مَا أقرّ لَهُ بِهِ المُشْتَرِي فِي كل شهر عشرَة، فَالزِّيَادَة الَّتِي يدعيها البَائِع فِي كل شهر سَبْعَة وَنصف، وَمَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي لَهُ فِي كل شهر دِرْهَمَانِ وَنصف فَإِذا أَخذ فِي كل شهر عشرَة فقد أَخذ فِي كل سِتَّة أشهر مِمَّا ادَّعَاهُ خَمْسَة وَأَرْبَعين وَمِمَّا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي خَمْسَة عشر.
بَقِي إِلَى تَمام مَا يَدعِيهِ من الْخمسين خَمْسَة، فيأخذها البَائِع مَعَ مَا يقر بِهِ المُشْتَرِي فِي كل شهر، وَذَلِكَ سَبْعَة وَنصف ثمَّ يَأْخُذ بعد ذَلِك فِي كل شهر دِرْهَمَيْنِ وَنصفا إِلَى عشْرين شهرا حَتَّى تتمّ الْمِائَة.
وَهَذِه مَسْأَلَة عَجِيبَة يقف عَلَيْهَا من أمعن النّظر فِيمَا ذَكرْنَاهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَشَرْطِ رَهْنٍ) أَيْ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي.
قَوْله: (أَو خِيَار) فَالْقَوْل لمنكره على الْمَذْهَب، وَقد ذكر الْقَوْلَيْنِ فِي بَاب خِيَار الشَّرْط، وَالْمذهب مَا ذَكرُوهُ هُنَا لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ.
بَحر.
وَلَا فرق بَين أصل شَرط الْخِيَار، وَقدره عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة ويتحالفان عِنْد زفر وَالشَّافِعِيّ وَمَالك كَمَا فِي البناية.
قَوْله: (أَو ضَمَان) أَي ضَمَان الثّمن بِأَن قَالَ بعتكه بِشَرْط أَن يتكفل لي بِالثّمن فلَان وَأنكر المُشْتَرِي، وَمثله ضَمَان الْعهْدَة.
حموي.
فَالْقَوْل قَول الْمُنكر.
قَوْلُهُ: (وَقَبْضِ بَعْضِ ثَمَنٍ) أَوْ حَطِّ الْبَعْضِ أَو إِبْرَاء الْكل وَقيد بِالْبَعْضِ مَعَ أَن كل الثّمن كَذَلِك لدفع وهم، وَهُوَ أَن الاخلاف فِي أصل بعض الثّمن لما أوجب التَّحَالُف كَمَا سبق ذهب الْوَهم إِلَى أَن الِاخْتِلَاف فِي قبض بعضه يُوجب ب التَّحَالُف أَيْضا فَصرحَ بِذكرِهِ دفعا لَهُ كَمَا فِي البرجندي، فَظهر أَن الْقَيْد لَيْسَ للِاحْتِرَاز بل لدفع الْوَهم وَأَرَادَ بِالْقَبْضِ الِاسْتِيفَاء، فَيشْمَل الاخذ والحط والابراء وَلَو كلا، كَمَا فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة.
قَوْله: (وَالْقَوْل للْمُنكر بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِهِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِانْعِدَامِهِ لَا يَخْتَلُّ مَا بِهِ قِوَامُ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جنس فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة الِاخْتِلَاف فِي الْقدر فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ، وَلَا كَذَلِك الاجل فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَصْف، أَلا(8/81)
ترى أَن الثّمن مَوْجُود بعد مضيه فَالْقَوْل لمنكر الْخِيَار والاجل مَعَ يَمِينه، لِأَنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِعَارِضِ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ.
بَحر.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: ولان أصل الثّمن حق البَائِع والاجل حق المُشْتَرِي، وَلَو كَانَ وَصفا لَهُ لتبع الاصل وَكَانَ حَقًا للْبَائِع، وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا خلاف الْمَعْقُول، لانه اسْتِدْلَال بِبَقَاء الْمَوْصُوف على بَقَاء الصّفة، وَالصّفة قد تَزُول مَعَ بَقَاء الْمَوْصُوف بِأَن تنزل صِفَاته، فعندكم البيع يَقع بِثمن ثمَّ يُزَاد أَو ينقص مَعَ بَقَائِهِ.
اهـ.
تَأمل.
قَوْله: (وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ: يَتَحَالَفَانِ) أَي فِي الْمسَائِل الثَّلَاثَة وَهِي الاجل وَالشّرط وَقبض بعض الثّمن، وَعَلِيهِ صَاحب الْمَوَاهِب بقوله: وَإِن اخْتلفَا فِي الاجل أَو شَرط أَو قبض الثّمن لم يتحالفا عندنَا واكتفيا بِيَمِين الْمُنكر، حَيْثُ أَشَارَ بعندنا إِلَى خلاف مَالك وَالشَّافِعِيّ، وباكتفيا إِلَى خلاف زفر، فَكَانَ على الشَّارِح أَن يزِيد مَالِكًا، وَجعل الْعَيْنِيّ الْخلاف قاصرا على الاجل حَيْثُ قَالَ: وَعند زفر وَالشَّافِعِيّ وَمَالك يَتَحَالَفَانِ فِي الاجل إِذا اخْتلفَا فِي أَصله وَقدره.
قَوْله: (بعد هَلَاك البيع) أَي عِنْد المُشْتَرِي، إِمَّا إِذا هلك عِنْد البَائِع قبل قَبضه انْفَسَخ البيع ط ومعراج، وَأفَاد أَنَّهُ فِي الْأَجَلِ وَمَا بَعْدَهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ الْهَلَاكِ أَوْ قَبْلَهُ.
قَوْله: (أَو تعيبه بِمَا لَا يرد بِهِ) هَذَا دَاخِلٌ فِي الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مِنْهُ.
تَأَمَّلْ.
ثُمَّ إِن عباراتهم هَكَذَا، أَوْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: بِأَنْ زَادَ زِيَادَة مُتَّصِلَة أَو مُنْفَصِلَة إِ هـ: أَيْ زِيَادَةً مِنْ الذَّاتِ كَسِمَنٍ وَوَلَدٍ وَعُقْرٍ.
قَالَ فِي غرر الافكار: أَو تغير إِلَى زِيَادَة منشؤها الذَّات بعد الْقَبْض مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة كَوَلَد وَأرش وعقر، وَإِذا تحَالفا عِنْد مُحَمَّد يفْسخ على الْقيمَة، إِلَّا إِذا اخْتَار المُشْتَرِي رد الْعين مَعَ الزِّيَادَة، وَلَوْ لَمْ تَنْشَأْ مِنْ الذَّاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ من حَيْثُ السّعر أَو غَيره كَانَت قبل الْقَبْض أَو بعده يتحالفات اتِّفَاقًا، وَيكون الْكسْب للْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا: إِ هـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَقد صَرَّحُوا بِأَن الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة بِالْمَبِيعِ الَّتِي تتولد من الاصل مَانِعَة من الرَّد كالغرس وَالْبناء وطحن الْحِنْطَة وشي اللَّحْم وَخبر الدَّقِيق، فَإِذا ژجد شئ من ذَلِك لَا تحالف عِنْدهمَا، خلافًا لمُحَمد، وَالله تَعَالَى أعلم.
لم يذكر غَالب الشَّارِحين وَأَصْحَاب الْفَتَاوَى اخْتِلَافهمَا بعد الزِّيَادَة وَلَا بعد موت الْمُتَعَاقدين أَو أَحدهمَا، مَعَ شدَّة الْحَاجة إِلَى ذَلِك، وَقد ذكر ذَلِك مفصلا فِي التاترخانية فَارْجِع إليبه إِن شِئْت، ثمَّ بحثت فِي الْكتب فَرَأَيْت ابْن ملك قَالَ فِي شرح الْمجمع: اعْلَم أَن مَسْأَلَة التَّغَيُّر مَذْكُورَة فِي الْمَنْظُومَة
وَقد أهملها المُصَنّف، ثمَّ تغيره إِلَى زِيَادَة إِن كَانَ من حَيْثُ الذَّات بعد الْقَبْض مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة، مُتَوَلّدَة من عينهَا كَالْوَلَدِ أَو بدل الْعين كالارض والعقر يَتَحَالَفَانِ عِنْد مُحَمَّد خلافًا لَهما، وَإِذا تحَالفا يترادان الْقيمَة عِنْده، إِلَّا إِن شَاءَ المُشْتَرِي أَن يرد الْعين مَعَ الزِّيَادَة، وَقيل: يترادان إِن رَضِي المُشْتَرِي أَو لَا.
قيدنَا الزِّيَادَة بقولنَا من حَيْثُ الذَّات، لانها لَو كَانَت من حَيْثُ السّعر يَتَحَالَفَانِ، سَوَاء كَانَ قبل الْقَبْض أَو بعده، وَقَيَّدنَا بقولنَا مُتَوَلّدَة من عينهَا، لانها لَو لم تكن كَذَلِك يَتَحَالَفَانِ اتِّفَاقًا، وَيكون الْكسْب للْمُشْتَرِي عِنْدهم جَمِيعًا.(8/82)
وَفِي التاترخانية: وَفِي التَّجْرِيد: وَإِن وَقع الِاخْتِلَاف بَين ورثتهما أَو بَين وَرَثَة أَحدهمَا وَبَين الْحَيّ: فَإِن كَانَ قبل قبض السّلْعَة يَتَحَالَفَانِ بالاجماع، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ: إِلَّا أَن الْيمن على الْوَرَثَة على الْعلم.
وَإِن كَانَ الْقَبْض فَكَذَلِك عِنْد مُحَمَّد، وعَلى قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف يَتَحَالَفَانِ، وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ: وَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي أَو قَول ورثته بعد وَفَاته.
وفيهَا وَفِي الْخُلَاصَة: رجل اشْترى شَيْئا فَمَاتَ البَائِع أَو المُشْتَرِي وَوَقع الِاخْتِلَاف فِي الثّمن بَين الْحَيّ وورثة الْمَيِّت إِن مَاتَ البَائِع، فَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد الْوَرَثَة يَتَحَالَفَانِ، وَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد الْحَيّ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدهمَا.
وَقَالَ مُحَمَّد: يَتَحَالَفَانِ، هَذَا إِذا مَاتَ البَائِع، فَإِن مَاتَ المُشْتَرِي والسلعة فِي بُد البَائِع يَتَحَالَفَانِ عِنْد الْكل، وَإِن كَانَت السّلْعَة فِي يَد وَرَثَة المُشْتَرِي عِنْدهمَا لَا يَتَحَالَفَانِ، وعَلى قَول مُحَمَّد يَتَحَالَفَانِ وهلاك الْعَاقِد بِمَنْزِلَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ ذكر مَسْأَلَة بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص الِاخْتِيَار والمنهاج والتغير بِالْعَيْبِ الدُّرَر وَالْغرر، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَاقعَة الْحَال: اخْتلف المُشْتَرِي مَعَ الْوَكِيل بِقَبض الثّمن، هَل يجْرِي التَّحَالُف بَينهمَا؟ وَقد كتبت الْجَواب: لَا يجْرِي إِذْ الْوَكِيل بِالْقَبْضِ لَا يحلف وَإِن ملك الْخُصُومَة عِنْد الامام فَيدْفَع الثّمن الَّذِي أقرّ بِهِ لَهُ، وَإِذا حضر الْمُوكل الْمُبَاشر للْعقد وَطَلَبه بِالزِّيَادَةِ يَتَحَالَفَانِ حِينَئِذٍ إِ هـ.
ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ الدُّرَرَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالُوهُ أَوْلَى لِمَا عَلِمْت مِنْ شُمُوله الْعَيْب، وَغَيره.
تَأمل.
قَوْله: (وَحلف المُشْتَرِي) لانه يُنكر زِيَادَة الثّمن، فَلَو ادّعى البَائِع أَن مَا دَفعه إِلَيْهِ بعض مِنْهُ هُوَ الْمَبِيع وَالْبَاقِي وَدِيعَة يَنْبَغِي أَن يكون
القَوْل فوله لانه مُنكر لتمليك الْبَاقِي، وليراجع.
قَوْله: (إِلَّا إِذا اسْتَهْلكهُ البَائِع الخ) أَي فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لقيان الْقيمَة مقَام الْعين، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمُسْتَهْلك المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَجْعَل قَابِضا باستهلاكه وَيلْزمهُ الْمَبِيع، وَصَارَ كَمَا لَو هلك فِي يَده فَلَا تحالف، وَالْقَوْل لَهُ فِي أنكار الزِّيَادَة بِيَمِينِهِ، وَلَو اسْتَهْلكهُ البَائِع كَانَ فسخا للْبيع كَمَا لَو هلك بِنَفسِهِ، فَلَا حَاجَة إِلَى التَّحَالُف، وَلذَا قَاضِي زَاده فِي قَوْله بعد هَلَاك الْمَبِيع: لَو عِنْد المُشْتَرِي، وَأَرَادَ بِغَيْر المُشْتَرِي الاجنبي فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ على قيمَة الْمَبِيع كَمَا فِي التَّبْيِين وَالْبَحْر.
قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِك) وَهل تعْتَبر قِيمَته يَوْم التّلف أَو الْقَبْض أَو أقلهما يُرَاجع.
قَوْله: (وَهَذَا) أَي الِاقْتِصَار على يَمِين المُشْتَرِي.
قَوْله: (لَو الثّمن دينا) بِأَن كَانَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو مَكِيلًا أَو مَوْزُونا، وَإِن كَانَ عينا بِأَن كَانَ العقد مقايضة فاختلفا بعد هَلَاك أحد الْبَدَلَيْنِ يَتَحَالَفَانِ بالِاتِّفَاقِ كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح.
قَوْله: (فَلَو مقايضة تحَالفا) وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْبَدَلِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ عَيْنًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ دَيْنًا لَا يَتَحَالَفَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كِفَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَبِيع كل مِنْهُمَا) أَي فَكَانَ العقد قَائِما بِبَقَاء الْبَاقِي مِنْهُمَا.
قَوْله: (وَيرد مثل الْهَالِكِ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا.
قَوْله: (كَمَا لَو اخْتلفَا فِي جنس الثّمن الخ) كألف دِرْهَم وَألف دِينَار، وَهَذَا تَشْبِيه بالمقايضة فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ بِلَا خلاف، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ، فَلَا بُدَّ من التَّحَالُف ف للْفَسْخ كَمَا فِي الْبَحْر، وَبِهَذَا تعلم أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ كَالِاخْتِلَافِ فِي قدره، إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَهِي مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع هَالكا.(8/83)
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا هلك الْمَبِيع لَا تحالف عِنْدهمَا خلافًا لمُحَمد إِذا كَانَ الثّمن دينا، وَاخْتلفَا فِي قدره أَو وَصفه، أما إِذا اخْتلفَا فِي جنسه أَو لم يكن دينا فَلَا خلاف فِي التَّحَالُف.
قَوْله: (وَلَا تحالف بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ) أَيْ هَلَاكِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا سَيذكرُهُ قَرِيبا، لَان التَّحَالُف بعد الْقَبْض ثَبت بِالنَّصِّ على خلاف الْقيَاس، وورلاد الشَّرْع بِهِ فِي حَال قيام السّلْعَة، والسلعة اسْم لجميعها فَلَا تبقى بعد فَوَات جُزْء مِنْهَا، وَلَا يُمكن التَّحَالُف فِي الْقَائِم إِلَّا على اعْتِبَار حِصَّته من الثّمن، وَلَا بُد من الْقِسْمَة على قيمتهمَا،
وَالْقيمَة تعرف بِالظَّنِّ والحزر فَيُؤَدِّي إِلَى التَّحْلِيف مَعَ الْجَهْل وَذَلِكَ لَا يجوز.
قَوْله: (عِنْد المُشْتَرِي) أَي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ قَبْضِهِمَا) فَلَوْ قَبْلَهُ يَتَحَالَفَانِ فِي مَوْتِهِمَا وَمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَفِي الزِّيَادَة لوُجُود الانكار من الْجَانِبَيْنِ.
كِفَايَة.
وَلَو عِنْد البَائِع قبل الْقَبْض تحَالفا على الْقَائِم عِنْدهم.
قَوْله: (لم يتحالفا عِنْد أبي حنيفَة) أَي وَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ التَّحَالُفَ مَشْرُوطٌ بَعْدَ الْقَبْضِ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِي اسْم لجَمِيع الْمَبِيع كَمَا تقدم، فَإِذا هلك بعضه انْعَدم الشَّرْط.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يَتَحَالَفَانِ فِي الْحَيّ وَيفْسخ العقد فِيهِ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِي الْهَالِك، وَيكون القَوْل فِي ثمنه قَول المُشْتَرِي، وَقَالَ مُحَمَّد: يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا وَيفْسخ العقد فيهمَا، وَيرد الْحَيّ وَقِيمَة الْهَالِك كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.
قَوْله: (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ أصلا) أَي لَا يَأْخُذ من ثمن الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا، وَيَجْعَلُ الْهَالِكَ كَأَنْ لَمْ يكن وَكَأن العقد لن يكن، إِلَّا على الْحَيّ فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ فِي ثمنه وَيكون الثّمن كُله فِي مُقَابلَة الْحَيّ، وبنكول أَيهمَا لزم دَعْوَى الآخر كَمَا فِي غُرَرُ الْأَفْكَارِ.
قَوْلُهُ: (يَتَحَالَفَانِ) أَيْ عَلَى ثَمَنِ الْحَيّ فَإِن حلفا فسخ العقد فِيهِ وَأَخذه، وَلَا يُؤْخَذ من ثمن الْهَالِك وَلَا فِي قِيمَته شئ، وَأيهمَا نكل لزمَه دَعْوَى الآخر كَمَا فِي التَّبْيِين.
قَوْله: (هَذَا على تَخْرِيج الْجُمْهُور) أَي صرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى التَّحَالُف، وَلَفظ الْمَبْسُوط يدل على هَذَا، لَان الْمُسْتَثْنى مِنْهُ عدم التَّحَالُف حَيْثُ قَالَ: لم يتحالفا إِلَّا أَن يرضى الخ.
قَوْله: (وَصرف مَشَايِخ بَلخ الِاسْتِثْنَاء) أَيْ الْمُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا تحالف بعد هَلَاكه بعضه بل الْيَمين على المُشْتَرِي.
قَالَ فِي غرر الافكار بعد ذكره مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى حَلِفِ الْمُشْتَرِي الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ يَعْنِي يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِك قدر مَا أقرّ بِهِ المُشْتَرِي وَحلف، لَا الزَّائِد إِلَّا أَن يرضى البَائِع أَن يَأْخُذ الْقَائِم، وَلَا يخاصمه فِي الْهَالِك، فَحِينَئِذٍ لَا يحلف المُشْتَرِي إِذا الْبَائِعُ أَخَذَ الْقَائِمَ صُلْحًا عَنْ جَمِيعِ مَا ادَّعَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي لَا الزِّيَادَة، فيتحالفان ويترادان فِي الْقَائِم إِ هـ.
قَوْله: (إِلَى يَمِين المُشْتَرِي) اعْلَم أَن الْمَشَايِخ اخْتلفُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء، فالعامة على أَنه منصرف إِلَى التَّحَالُف، لانه الْمَذْكُور فِي كَلَام الْقَدُورِيّ، فتقدير الْكَلَام: لم يتحالفا إِلَّا إِذا ترك البَائِع حِصَّة الْهَالِك فيتحالفان.
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه منصرف إِلَى يَمِين المُشْتَرِي الْمُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَلَا تَحَالُفَ بَعْدَ هَلَاكِ
بَعْضِهِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي إِلَّا أَن يرضى الخ: أَي فَحِينَئِذٍ لَا يَمِين على المُشْتَرِي، لانه لما أَخذ البَائِع بقول المُشْتَرِي وَصدقه لَا يحلف المُشْتَرِي، وَيكون القَوْل قَوْله بِلَا يَمِين، وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر أَن لَو كَانَ الثّمن مفصلا أَو كَانَت قيمَة الْعَبْدَيْنِ سَوَاء أَو مُتَفَاوِتَة مَعْلُومَة، أما إِذا كَانَت قيمَة الْهَالِك مَجْهُولَة(8/84)
وتنازعا فِي الْقدر الْمَتْرُوك لَهَا فَلم أره، وَالظَّاهِر أَن القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي تعْيين الْقدر وَيُحَرر.
ط.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا هلك بعض الْمَبِيع أَو أخرجه المُشْتَرِي عَن ملكه لَا تحالف، وَالْقَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ فيتحالفان، فَيحلف البَائِع أَنه مَا بَاعه بِمَا يَقُول للْمُشْتَرِي، وَيحلف المُشْتَرِي بِأَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ بِمَا يَقُوله البَائِع وَيفْسخ العقد بَينهمَا، وَيَأْخُذ البَائِع الْقَائِم فَقَط وَلَا شئ لَهُ سواهُ، لانه رَضِي بِإِسْقَاط حِصَّة الْهَالِك هَذَا مَا تفيده عبارَة الْمَبْسُوط، وَجعله الشَّارِح تبعا للزيلعي تَخْرِيج الْجُمْهُور، وَالَّذِي تفهمه عبارَة الْجَامِع الصَّغِير، اخْتَارَهُ مَشَايِخ بَلخ عدم التَّحَالُف مُطلقًا، وَأَن القَوْل للْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ، وَأخذ الْقَائِم صلحا عَمَّا يَدعِيهِ من جملَة الثّمن وَلَا شئ لَهُ سواهُ لرضاه بِهِ، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَوْله: (وَلَا فِي قدر بدل كِتَابَة) أَي إِذا اخْتلف الْمولى وَالْمكَاتب، فَلَا تحالف عِنْد الامام لَان التَّحَالُف فِي الْمُعَاوَضَات اللَّازِمَة، وَبدل الْكِتَابَة غير لَازم على الْمكَاتب مُطلقًا فَلم يكن فِي معنى البيع، ولان فَائِدَة النّكُول ليقضى عَلَيْهِ، وَالْمكَاتب لَا يقْضى عَلَيْهِ، ولان الْبَدَل فِي الْكِتَابَة مُقَابل بفك الْحجر، وَهُوَ ملك التَّصَرُّف وَالْيَد فِيهِ للْحَالِف وَقد سلم ذَلِك لَهُ وَلَا يَدعِي على مَوْلَاهُ شَيْئا، وَقد بَينا أَن التَّحَالُف بعد الْقَبْض على خلاف الْقيَاس فَلَا يَتَحَالَفَانِ، فَيكون القَوْل قَول العَبْد لكَونه مُنْكرا، وَإِنَّمَا يصير مُقَابلا بِالْعِتْقِ عِنْد الاداء وَقَبله لَا يُقَابله أصلا.
فتعليل الشَّارِح تبع فِيهِ المُصَنّف حَيْثُ علل للامام الْقَائِل بِعَدَمِ التَّحَالُف فِي الْكِتَابَة بِأَن التَّحَالُف فِي الْمُعَاوَضَات اللَّازِمَة وَبدل الْكِتَابَة غير لَازم على الْمكَاتب مُطلقًا، فَلم يكن فِي معنى البيع.
وَقَالا: يَتَحَالَفَانِ وتفسخ الْكِتَابَة كَالْبيع، وَإِن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة قبلت، وَإِن أقاماها فَبَيِّنَة الْمولى أولى لاثباتها الزِّيَادَة، لَكِن يعْتق بأَدَاء قدر مَا برهن عَلَيْهِ، وَلَا يمْتَنع وجوب بدل الْكِتَابَة بعد عتقه، كَمَا لَو كَاتبه على ألف على أَنه إِذا أدّى خَمْسمِائَة عتق، وكما لَو اسْتحق الْبَدَل بعد الاداء كَمَا فِي التَّبْيِين.
قَوْله:
(وَقدر رَأس مَال بعد إِقَالَة عقد السّلم) أَي بِأَن اخْتلف رب السّلم وَالْمُسلم إِلَيْهِ فِي قدر رَأس المَال بعد إِقَالَة السّلم، فَقَالَ رب السّلم رَأس المَال عشرَة وَقَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ خَمْسَة لم يتحالفا، لَان التَّحَالُف مُوجبه رفع الاقالة وعود السّلم: أَي مَعَ أَنه دين وَقد سقط والساقط لَا يعود، ولانها لَيست بِبيع بل هِيَ إبِْطَال من وَجه، فَإِن رب السّلم لَا يملك الْمُسلم فِيهِ بالاقالة بل يسْقط فَلم يكن فِيهَا معنى البيع حَتَّى يتحالفا، وَاعْتبر حَقِيقَة الدَّعْوَى والانكار وَالْمُسلم إِلَيْهِ هُوَ الْمُنكر فَكَانَ القَوْل قَوْله، وَقيد بالاختلاف بعْدهَا، لانهما لَو اخْتلفَا قبلهَا فِي قدره تحَالفا كالاختلاف فِي نَوعه وجنسه وَصِفَتِهِ، كَالِاخْتِلَافِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْوُجُوهِ الاربعة على مَا قدمْنَاهُ.
قَوْله: (بل القَوْل للْعَبد وَالْمُسلم إِلَيْهِ) مَعَ يَمِينِهِمَا.
بَحْرٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَيَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ بَعْدَهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ هُنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ تَقْبَلُ الْإِقَالَةَ، إلَّا فِي إقَالَةِ السَّلَمِ، وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَقْبَلُهَا، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْفَوَائِد.
قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا فِي مِقْدَار الثّمن الخ) بِأَن اشْترى أمة بِأَلف دِرْهَم وَقَبضهَا ثمَّ تَقَايلا البيع حَال قيام الامة، ثمَّ اخْتلفَا فِي مِقْدَار الثّمن بعد الاقالة قبل أَن يقبض البَائِع الامة بِحكم الاقالة تحَالفا وَيعود البيع الاول.
قَوْله: (وَلَا بَيِّنَة) أما إِذا(8/85)
وجدت لاحدهما عمل بهَا لَهُ وَإِن برهنا، فَبَيِّنَة مُثبت الزِّيَادَة مُقَدّمَة، وَهَذَا قِيَاس مَا تقدم ط.
قَوْله: (وَعَاد البيع) حَتَّى يكون البَائِع فِي الثّمن وَحقّ المُشْتَرِي فِي الْمَبِيع كَمَا كَانَ قبل الاقالة، لَان التَّحَالُف قبل الْقَبْض مُوَافق للْقِيَاس لما أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُدع ومنكر فيتعدى إِلَى الاقالة، وَلَا بُد من الْفَسْخ مِنْهُمَا أَو من القَاضِي.
أبي السُّعُود.
قَوْله: (لَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَقْبُوضًا) فَلَو لم يَكُونَا مقبوضين أَو أَحدهمَا فَلَا يعود البيع وَالْقَوْل قَول مُنكر الزِّيَادَة مَعَ يَمِينه.
هَذَا مَا ظهر لي ط.
وَفِي مِسْكين: وَالْقَوْل للْمُنكر.
قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) لانه يرى النَّص معلولا بعد الْقَبْض أَيْضا، وهما قَالَا: كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا تحالف مُطلقًا، لانه إِنَّمَا ثَبت فِي البيع الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ، والاقالة فسخ فِي حَقّهمَا إِلَّا أَنه قبل الْقَبْض على وفْق الْقيَاس، فَوَجَبَ الْقيَاس عَلَيْهِ كَمَا قسنا الاجارة على البيع قبل الْقَبْض وَالْوَارِث
على الْعَاقِد وَالْقيمَة على الْعين فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي.
بَحر.
قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا فِي قدر الْمهْر) كألف وألفين.
هَذِه الْمَسْأَلَة وَقعت مكررة، لانها ذكرت فِي بَاب الْمهْر وَتبع فِيهِ صَاحب الْهِدَايَة والكنز، وَلذَلِك لم يذكرهَا هُنَا صَاحب الْوِقَايَة، لَان محلهَا الانسب ثمَّة، إِلَّا أَن المُصَنّف ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة على تَخْرِيج الْكَرْخِي هُنَا وعَلى تَخْرِيج الرَّازِيّ ثمَّة، وَهَكَذَا فِي الْكَنْز، وَقصد مِنْهُ نُكْتَة تخرجها عَن حد التّكْرَار على مَا تقف عَلَيْهِ الْآن إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقيد بِقدر الْمهْر، لَان الِاخْتِلَاف لَو كَانَ فِي أَصله يجب مهر الْمثل لما سبق فِي بَابه، وَالِاخْتِلَاف فِي جنسه كالاختلاف فِي قدره، إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مهر مثلهَا كقيمة مَا عينته الْمَرْأَة مهْرا أَو أَكثر فلهَا قِيمَته لَا عينه كَمَا يَأْتِي ذكره فِي الْهِدَايَة وَغَيرهَا.
قَوْله: (أَو جنسه) كَمَا إِذا ادّعى أَن مهرهَا هَذَا العَبْد وَادعت أَنه هَذِه الْجَارِيَة فَحكم الْقدر وَالْجِنْس وَاحِد، إِلَّا فِي صُورَة وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا قِيمَةُ الْجَارِيَةِ لَا عينهَا.
بَحر.
وَفِيه: لم يَذْكُرْ حُكْمَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةُ لَهَا الْمُتْعَةُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ نصف الْجَارِيَة اهـ.
قَوْله: (قضى لمن أَقَامَ الْبُرْهَان) لانه نور دَعْوَاهُ بهَا، أَمَّا قَبُولُ بَيِّنَةِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ وَلَا إشْكَالَ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى قَبُولِ بَيِّنَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْيَمين لَا الْبَيِّنَة، فَكيف تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ.
قُلْنَا: هُوَ مُدَّعٍ صُورَةً لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْمَرْأَةِ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا بِأَدَاءِ مَا أقرّ بِهِ الْمَهْرِ، وَهِيَ تُنْكِرُ وَالدَّعْوَى كَافِيَةٌ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي دَعْوَى الْمُودِعِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ.
مِعْرَاجٌ.
قَوْله: (بِأَن كَانَ كمقالته أَو أقل) لانها تثبت الزِّيَادَة، وَبَيِّنَة الزَّوْج تَنْفِي ذَلِك والمثبت أولى، ولان الظَّاهِر يشْهد لَهُ وَبَيِّنَة الْمَرْأَة تثبت خلاف الظَّاهِر، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبر فِي الْبَينَات.
قَوْله: (فبينته أولى) هَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَكَذَا الزَّيْلَعِيُّ هُنَا وَفِي بَابِ الْمهْر.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا أَظْهَرَتْ شَيْئا لم يكن ظَاهرا بتصادقهما كَمَا فِي الْبَحْر.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قُلْت: بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَهْرُ الْمِثْلِ كَيْفَ يُفْعَلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُمَاثِلُهَا.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لاثباتها(8/86)
خلاف الظَّاهِر) عِلّة للمسألتين أَيْ وَالظَّاهِرِ مَعَ مَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمثل.
قَوْله: (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ شَاهِدٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بَينهمَا) لَيْسَ المُرَاد أَنه متوسط بَينهمَا، بل المُرَاد أَنه أقل مِمَّا ادَّعَتْهُ وَأكْثر مِمَّا ادَّعَاهُ، وَبِه عبر فِي الدُّرَر.
قَوْله: (فالتهاتر) أَي التساقط: أَي فَالْحكم حِينَئِذٍ التهاتر مَعَ الهتر بِكَسْر الْهَاء وَهُوَ السقط من الْكَلَام أَو الْخَطَأ فِيهِ.
عناية.
قَوْله: (للاستواء) أَي فِي الاثبات، لَان بينتها تثبت الزِّيَادَة وبينته تثبت الْحَط، وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر.
دُرَر.
قَوْله: (وَيجب مهر الْمثل عَلَى الصَّحِيحِ) قَيْدٌ لِلتَّهَاتُرِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّحِيح التهاتر وَيجب مهر الْمثل.
قَوْله: (تحَالفا) أَي عِنْد أبي حنيفَة وَأيهمَا نكل لزمَه دَعْوَى الآخر، لانه صَار مقرا بِمَا يَدعِيهِ خَصمه، أَو باذلا.
دُرَر.
وَعند أبي يُوسُف لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْل قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه، إِلَّا أَن يَأْتِي بشئ مستنكر لَا يتعارف مهْرا لَهَا.
وَقيل هُوَ أَن يَدعِي مَا دون عشرَة دَرَاهِم كَمَا فِي الْجَوْهَرَة.
وَقَالَ الامام جَوَاهِر زَاده: هُوَ أَن يَدعِي مهْرا لَا يتَزَوَّج مثلهَا عَلَيْهِ عَادَة، كَمَا لَو ادّعى النِّكَاح على مائَة دِرْهَم وَمهر مثلهَا ألف.
وَقَالَ بَعضهم: المستنكر مَا دون نصف الْمهْر، فَإِذا جَاوز نصف الْمهْر لم يكن مستنكرا.
عَيْني.
قَوْله: (وَلم يفْسخ النِّكَاح لتبعية الْمهْر) لَان أثر التَّحَالُف فِي انعدام التَّسْمِيَة وَذَا لَا يخل بِصِحَّة النِّكَاح: أَي لَان يَمِين كل مِنْهُمَا يبطل مَا يَدعِيهِ صَاحبه من التَّسْمِيَة، وَهُوَ لَا يفْسد النِّكَاح إِذْ الْمهْر تَابع فِيهِ.
بِخِلَاف البيع فَإِن عدم تَسْمِيَته الثّمن يُفْسِدهُ كَمَا مر ويفسخه القَاضِي قطعا للمنازعة بَينهمَا.
قَوْلُهُ: (وَيَبْدَأُ بِيَمِينِهِ) نَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ مَهْرِ الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا اسْتِحْبَابا لانه لَا رُجْحَان لاحدهما على الآخر.
وَاخْتَارَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَكَثِيرُونَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ الْيَمِينَيْنِ عَلَيْهِ كتقديم المُشْتَرِي على البَائِع، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَوَّلَ التَّسْلِيمَيْنِ) التسليمان: هما تَسْلِيم الزَّوْج الْمهْر، وَتَسْلِيم الْمَرْأَة نَفسهَا، وَالسَّابِق فيهمَا تَسْلِيم معجل الْمهْر، وَمَا ذكر تَخْرِيج الْكَرْخِي فَيقدم التَّحَالُف عِنْد الْعَجز عَن الْبُرْهَان فِي الْوُجُوه كلهَا: يَعْنِي فِيمَا إِذا كَانَ مهر الْمثل مثل مَا اعْترف بِهِ الزَّوْج أَو أقل مِنْهُ أَو مثل مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة أَو أَكثر مِنْهُ، أَو كَانَ بَينهمَا خَمْسَة أوجه.
وَأما على تَخْرِيج الرَّازِيّ فَلَا تحالف إِلَّا فِي وَجه وَاحِد، وَهُوَ مَا إِذا لم يكن مهر الْمثل شَاهدا لاحدهما، وَفِيمَا عداهُ فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ إِذا كَانَ مهر الْمثل مثل مَا يَقُول أَو
أقل، وَقَوْلها مَعَ يَمِينهَا إِذا كَانَ مثل مَا ادَّعَتْهُ أَو أَكثر.
أَبُو السُّعُود عَن الْعِنَايَة.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّحَالُفَ فِيمَا إذَا خَالَفَ قَوْلَهُمَا، أَمَّا إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ لَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ يَتَحَالَفَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ يَحْكُمُ مهر الْمثل.
وَصَححهُ فِي الْمَبْسُوط وَالْمُحِيط بِهِ جزم فِي الْكَنْز.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ الاول وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَة.
وَقَالَ قاضيخان إنَّهُ الْأَوْلَى وَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِير غَيره، وَالْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا.
قَوْله: (وحيكم بِالتَّشْدِيدِ) وَهَذَا: أَعْنِي التَّحَالُفَ أَوَّلًا ثُمَّ التَّحْكِيمَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، لَان مهر الْمثل لَا اعْتِبَار لَهُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِهَا بِالتَّحَالُفِ، فَلِهَذَا يقدم فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الرَّازِيّ فالتحكيم قَبْلَ التَّحَالُفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَهْرِ مَعَ بَيَانِ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ وَخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ.
بَحْرٌ.(8/87)
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَلقَائِل أَن يَقُول: مَا بالهم لَا يحكمون قيمَة الْمَبِيع إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي الثّمن لمعْرِفَة من يشْهد لَهُ الظَّاهِر كَمَا فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا مَحْظُور فِيهِ، وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن مهر الْمثل أَمر مَعْلُوم ثَابت بِيَقِين فَجَاز أَن يكون حكما، بِخِلَاف الْقيمَة فَإِنَّهَا تعلم بالحزر وَالظَّن فَلَا تفِيد الْمعرفَة فَلَا جعل حكما.
عناية.
قَوْله: (وَلَو اخْتلفَا الخ) وَجه التَّحَالُف أَن الاجارة قبل قبض الْمَنْفَعَة كَالْبيع قبل قبض الْمَبِيع فِي كَون كل من الْمُتَعَاقدين يَدعِي على الآخر وَهُوَ يُنكر، وَكَون كل من الْعقْدَيْنِ مُعَاوضَة يجْرِي فِيهَا الْفَسْخ فالتحقت بِهِ.
وَاعْترض بِأَن قيام الْمَعْقُود عَلَيْهِ شَرط لصِحَّة التَّحَالُف، وَالْمَنْفَعَة مَعْدُومَة، وَأجِيب بِأَن الدَّار مثلا أُقِيمَت مقَام الْمَنْفَعَة فِي حق إِيرَاد العقد عَلَيْهَا فَكَأَنَّهَا قَائِمَة تَقْديرا.
دُرَر.
قَوْله: (فِي بدل الاجارة) أَي فِي قدرهَا بِأَن ادّعى الْمُؤَجّر أَنه آجر شهرا بِعشْرَة وَادّعى الْمُسْتَأْجر أَنه آجره بِخَمْسَة.
قَوْله: (أَو فِي قدر الْمدَّة) بِأَن ادّعى الْمُؤَجّر أَنه آجر شهرا وَالْمُسْتَأْجر شَهْرَيْن.
قَوْله: (قبل الِاسْتِيفَاء للمنفعة) لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَالْإِجَارَةُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ نَظِيرُهُ.
بَحْرٌ.
وَفِيه: المُرَاد بِالِاسْتِيفَاءِ التَّمَكُّن مِنْهُ فِي الْمُدَّةِ وَبِعَدَمِهِ عَدَمُهُ لِمَا عُرِفَ أَنه قَائِم مقَامه فِي وجوب الاجر اهـ.
فَلَو أبدل المُصَنّف قَوْله قبل الِاسْتِيفَاء بقوله قبل التَّمَكُّن من الِاسْتِيفَاء لَكَانَ أولى، وَأَشَارَ فِي الْبَحْر بقوله فِي وجوب الاجر إِلَى الِاحْتِرَاز عَن الاجارة الْفَاسِدَة، فَإِن أجر الْمثل إِنَّمَا يجب بِحَقِيقَة الِاسْتِيفَاء لَا بِمُجَرَّد التَّمَكُّن على مَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (تَحَالَفَا) وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأيهمَا برهن قبل.
قَوْله: (وبدئ بِيَمِين الْمُسْتَأْجر) لانه هُوَ الْمُنكر للزِّيَادَة.
فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ الْآجِرِ لِتَعْجِيلِ فَائِدَةِ النُّكُولِ، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاجِب.
وَأجِيب بِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةَ التَّعْجِيلِ فَهُوَ الاسبق إنْكَارًا فَيَبْدَأُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَا يمْنَع الْآجِرُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ.
أَبُو السُّعُودِ
قَوْله: (والمؤجر لَوْ فِي الْمُدَّةِ) وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ نَحْوُ: أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ ولمستأجر شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَيُقْضَى بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ.
بَحْرٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِن برهنا فَالْبَيِّنَة للمؤجر فِي الْبَدَل) نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة، وَلَو اخْتلفَا فيهمَا فَتقدم حجَّة كل فِي زَائِد يَدعِيهِ.
قَوْله: (وللمستأجر فِي الْمدَّة) نظرا إِلَى إِثْبَات الزِّيَادَة.
قَوْله: (وَبعده) أَي بعد الِاسْتِيفَاء لَا تحالف، وَالْمرَاد من الِاسْتِيفَاء التَّمَكُّن كَمَا تقدم.
قَوْله: (وَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر) أَي إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الاجرة، فَلَو كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الْمدَّة كَأَن ادّعى الْمُسْتَأْجر بعد الِاسْتِيفَاء مُدَّة أَكثر مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُؤَجّر لَا يكون القَوْل للْمُسْتَأْجر بل للمؤجر، وَكَأَنَّهُم تركُوا التَّنْبِيه على ذَلِك لظُهُوره.
أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (وَفسخ العقد فِي الْبَاقِي) لانه من الِاخْتِلَاف فِي(8/88)
العقد.
قَوْله: (وَالْقَوْل فِي الْمَاضِي للْمُسْتَأْجر) لانه من الِاخْتِلَاف فِي الدّين وَهَذَا بالاجماع فَأَبُو يُوسُف مر على أَصله فِي هَلَاك بعض الْمَبِيع، فَإِن التَّحَالُف فِيهِ يتَقَدَّر بِقدر الْبَاقِي عِنْده، فَكَذَا هُنَا، وهما خالفا أَصلهمَا فِي الْمَبِيع، وَالْفرق لمُحَمد مَا بَيناهُ فِي اسْتِيفَاء الْكل من أَن الْمَنَافِع لَا تتقوم إِلَّا بِالْعقدِ، فَلَو تحَالفا لَا يبْقى العقد، فَلم يُمكن إِيجَاب شئ، وَالْفرق لابي حنيفَة أَن العقد فِي الاجارة ينْعَقد سَاعَة فساعة على حسب حُدُوث الْمَنَافِع، فَيصير كل جُزْء من الْمَنَافِع كالمعقود عَلَيْهِ عقدا مُبْتَدأ على حِدة، فَلَا يلْزم من تعذر التَّحَالُف فِي الْمَاضِي التَّعَذُّر فِيمَا بَقِي إِذْ هما فِي حكم عقدين مُخْتَلفين فيتحالفان، بِخِلَاف مَا إِذا
هلك بعض الْمَبِيع حَيْثُ يمْنَع التَّحَالُف فِيهِ عِنْده لانه عقد وَاحِد، فَإِذا امْتنع فِي الْبَعْض امْتنع فِي الْكل ضَرُورَة كي لَا يُؤَدِّي إِلَى تَفْرِيق الصَّفْقَة على البَائِع.
زَيْلَعِيّ.
قَوْله: (لانعقادها سَاعَة فساعة) أَي على حسب حُدُوث الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا فِي الاجارة.
قَوْله: (فَكل جُزْء كعقد) أَي فَيصير كل جُزْء من الْمَنْفَعَة كالمعقود عَلَيْهِ ابْتِدَاء.
قَوْله: (بِخِلَاف البيع) أَي بِخِلَاف مَا إِذا هلك بعض الْمَبِيع، لَان كل جُزْء لَيْسَ بمعقود عَلَيْهِ عقدا مُبْتَدأ، بل الْجُمْلَة معقودة بِعقد وَاحِد، فَإِذا تعذر العقد فِي بعضه بِالْهَلَاكِ تعذر فِي كُله ضَرُورَة.
قَوْله: (وَإِن اخْتلف الزَّوْجَانِ الخ) قيد باختلافهما للِاحْتِرَاز عَن اخْتِلَاف نسَاء الزَّوْج دونه، فَإِن مَتَاع النِّسَاء بَينهُنَّ على السوَاء إِن كن فِي بَيت وَاحِد، وَإِن كَانَت كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ فِي بَيت على حِدة فَمَا فِي بَيت كل امْرَأَة بَينهَا وَبَين زَوجهَا على مَا ذكر بعد، وَلَا يشْتَرك بَعضهنَّ مَعَ بعض.
كَذَا فِي خزانَة الاكمل وَالْخَانِيَّة.
وللاحتراز عَن اخْتِلَاف الاب وَالِابْن فِيمَا فِي الْبَيْت.
قَالَ فِي خزانَة الاكمل: قَالَ أَبُو يُوسُف: إِذا كَانَ الاب فِي عِيَال الابْن فِي بَيته فالمتاع كُله للِابْن، كَمَا لَو كَانَ الابْن فِي بَيت الاب وَعِيَاله فمتاع الْبَيْت للاب.
اهـ.
وَانْظُر هَل يَأْتِي التَّفْصِيل هُنَا كَمَا ذَكرُوهُ فِي الزَّوْجَيْنِ بِأَن يكون أَحدهمَا عَالما مثلا وَالْآخر جَاهِلا، وَفِي الْبَيْت كتب وَنَحْوهَا مِمَّا يصلح لاحدهما فَقَط؟ وَكَذَا لَو كَانَت الْبِنْت فِي عِيَال أَبِيهَا فَهَل لَهَا ثِيَاب النِّسَاء؟ وَيَقَع كثيرا إِن الْبِنْت يكون لَهَا جهاز فيطلقها زَوجهَا فتسكن فِي بَيت أَبِيهَا فَهَل تكون كَمَسْأَلَة الزَّوْجَيْنِ أَو كَمَسْأَلَة الاسكاف والعطار الْآتِيَة؟ لم أره فَليُرَاجع.
قَالَ فِي الْبَحْر: قَالَ مُحَمَّد: رجل زوج ابْنَته وَهِي وَخَتنه فِي دَاره وَعِيَاله ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَتَاع الْبَيْت فَهُوَ للاب، لانه فِي بَيته وَفِي يَده، وَلَهُم مَا عَلَيْهِم من الثِّيَاب انْتهى.
لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: وَهُوَ مُخَالف لما مر عَن خزانَة الاكمل من عدم اعْتِبَار الْبَيْت، بل الْيَد هِيَ الْمُعْتَبرَة كَمَا سَيذكرُهُ الشَّارِح عَنْهَا.
أَقُول: وَيظْهر من هَذَا جَوَاب الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة هِيَ: لَو طلقت الْبِنْت وَلها جهاز وسكنت عِنْد أَبِيهَا فَتَأمل.
وللاحتراز عَن إسكاف وعطار، اخْتلفَا فِي آلَة الاساكفة أَو آلَة العطارين وَهِي فِي أَيْدِيهِمَا، فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا بَينهمَا وَلَا ينظر إِلَى مَا يصلح لاحدهما، لانه قد يَتَّخِذهُ لنَفسِهِ أَو للْبيع فَلَا يصلح مرجحا،
وللاحتراز عَمَّا إِذا اخْتلف الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر فِي مَتَاع الْبَيْت فَإِن القَوْل فِيهِ للْمُسْتَأْجر، لكَون الْبَيْت مُضَافا إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وللاحتراز عَن اخْتِلَاف الزَّوْجَيْنِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت، وَكَانَ أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كالاجنبيين يقسم بَينهمَا، وَقد ذكر الْمُؤلف بعد بعض مَا ذكر.
قَوْله: (وَلَو مملوكين) أَي أَو حُرَّيْنِ أَو مُسلمين أَو كَافِرين أَو كبيرين، وَأما إِذا كَانَ أَحدهمَا حرا وَالْآخر مَمْلُوكا فَسَيَأْتِي، وَأَشَارَ باختلافهما أَنَّهُمَا حَيَّان،(8/89)
وَلذَلِك فرع عَلَيْهِ بعد حكم موت أَحدهمَا.
قَوْله: (وَالصَّغِير يُجَامع) قيد بِالْجِمَاعِ ليَكُون القَوْل قَوْله فِي الصَّالح لَهما، لَان الْمَرْأَة لَا تكون مَعَ مَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج إِلَّا بذلك، بِخِلَاف الصَّغِير الَّذِي لم يبلغ حد الْجِمَاع، فَإِنَّهُ لَا يَد لَهُ على زَوجته، أما فِي الصَّالح لَهُ فَالْقَوْل لوَلِيِّه فِيهِ، سَوَاء كَانَ يُجَامع أَو لَا.
ثمَّ معنى كَون القَوْل للصَّغِير أَن القَوْل لوَلِيِّه لَان عِبَارَته غير مُعْتَبرَة.
قَوْله: (أَو ذِمِّيَّة) لَان لَهُم مَا لنا وَعَلَيْهِم مَا علينا فِي الْمُعَامَلَات.
قَوْله: (قَامَ النِّكَاح أَو لَا) بِأَن طَلقهَا مثلا، ويستثني مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ عِدَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ الرَّمْلِيّ: أَي سَوَاء وَقع الِاخْتِلَاف بَينهمَا حَال قيام النِّكَاح أَو بعده، وَمَا هُنَا هُوَ الَّذِي مَشى عَلَيْهِ الشُّرَّاح، وَإِن كَانَ فِي لِسَان الْحُكَّام مَا يُخَالف ذَلِك.
قَوْله: (فِي مَتَاع) مُتَعَلق باختلف.
قَوْله: (هُوَ هُنَا مَا كَانَ فِي الْبَيْت) الاولى أَن يَقُول الْبَيْت وَمَا كَانَ فِيهِ بِدَلِيل مَا ذكره فِي الْبَحْر عَن خزانَة الاكمل معزيا للامام الاعظم، من أَن الْمنزل وَالْعَقار والمواشي والنقود مِمَّا يصلح لَهما.
تَأمل.
وَسَيذكر الشَّارِح أَن الْبَيْت للزَّوْج إِلَّا أَن يكون لَهَا بَيِّنَة: أَي لكَونه ذَا يَد وَهُوَ تبع لَهُ فِي السُّكْنَى، وَهِي خَارِجَة معنى كَمَا علل بِهِ فِي الْخَانِية، وَالْمَتَاع لُغَة: كل مَا ينْتَفع بِهِ كالطعام والبز وأثاث الْبَيْت، وَأَصله مَا ينْتَفع بِهِ من الزَّاد، وَهُوَ اسْم من متعته بالتثقيل: إِذا أَعْطيته ذَلِك، وَالْجمع أَمْتعَة.
كَذَا فِي الْمِصْبَاح.
بَحر.
قَالَ الرَّمْلِيّ: أَقُول: الَّذِي يظْهر أَن المُرَاد بقوله فِي مَتَاعِ هُوَ هُنَا مَا كَانَ فِي الْبَيْت: أَي مَا ثَبت وضع أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ أَو تصرفهما فِيهِ بِأَن كَانَت أَيْدِيهِمَا تتعاقب عَلَيْهِ وتختلف بِالتَّصَرُّفِ، يدل عَلَيْهِ التَّعْلِيل فِي مسَائِل هَذَا الْبَاب بِالْيَدِ وَعدمهَا فِي الاخذ بقول الْمُدَّعِي وَعَدَمه.
تَأمل.
اهـ.
قَوْله: (وَلَو ذَهَبا أَو فضَّة) أَقُول: جعل الشَّارِح فِي الدّرّ الْمُنْتَقى النُّقُود مِمَّا يصلح لَهما، وَمثله فِي الْقُهسْتَانِيّ.
قَوْله: (فِيمَا صلح لَهُ) أَي لكل مِنْهُمَا مَعَ يَمِينه، فالصالح لَهُ الْعِمَامَة والقباء والقلنسوة والطيلسان وَالسِّلَاح
والمنطقة والكتب وَالْفرس والدرع الْحَدِيد، والصالح لَهَا الْخمار والدرع والاساور وخواتيم النِّسَاء والحلي والخلخال وَنَحْوهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ سَقَطَ قَوْلُهَا لانها أقرَّت بِأَن الْملك للزَّوْج ثُمَّ ادَّعَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا شكّ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى شِرَائِهِ كَانَ كَإِقْرَارِهَا بِهِ فَلَا بُد من بَيِّنَة على انْتِقَاله لَهَا.
اهـ.
بَدَائِع.
وَكَذَا إِذا ادَّعَت أَنَّهَا اشترته مِنْهُ مثلا فَلَا بُد من بَيِّنَة على الِانْتِقَال إِلَيْهَا مِنْهُ بِهِبَة أَو نَحْو ذَلِك، لَا يَكُونُ اسْتِمْتَاعُهَا بِمُشْرِيهِ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا ذَلِكَ كَمَا تَفْهَمُهُ النِّسَاءُ وَالْعَوَامُّ، وَقد أَفْتيت بذلك مرَارًا بَحر.
أَقُول: وَظَاهر قَوْله وَهَذَا كُله إِذا لم تقر الْمَرْأَة الخ شَامِل لما يخْتَص بِالنسَاء.
تَأمل.
وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا لم يكن من ثِيَاب الْكسْوَة الْوَاجِبَة على الزَّوْج.
تَأمل.
وَفِي الْبَحْر عَن الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِ الْبَنَاتِ: افْتَرقَا وَفِي بَيتهَا جَارِيَة نقلهَا مَعهَا وَاسْتَخْدَمَتْهَا سَنَةً وَالزَّوْجُ عَالِمٌ بِهِ سَاكِتٌ ثُمَّ ادَّعَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ، لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً وَلم يُوجد المزيل.
اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ عِنْدَ نَقْلِهَا مَا يصلح لَهما لَا يبطل دَعْوَاهُ اهـ.
أَقُول: قَوْله لَا يبطل دَعْوَاهُ: أَي وَلَا دَعْوَاهَا لَان الْجَارِيَة صَالِحَة لَهما.
قَوْله: (فِيمَا صلح لَهُ)(8/90)
أَي لكل مِنْهُمَا مَعَ يَمِينه، وَتقدم الْفرق بَين الصَّالح لَهُ والصالح لَهَا.
قَوْله: (فَالْقَوْل لَهُ) أَي للَّذي يفعل أَو يَبِيع من الزَّوْجَيْنِ.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: لَيْسَ هَذَا على ظَاهره، لَان الْمَرْأَة وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج، وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا يخْتَص بهَا لانه عَارض يَد الزَّوْج مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي الْعِنَايَة، لكنه خلاف مَا عَلَيْهِ الشُّرُوح فقد صرح الْعَيْنِيّ بِخِلَافِهِ.
قَوْله: (لتعارض الظاهرين) أَي ظَاهر صالحيته لَهما، وَظَاهر اصطناعه أَو بَيْعه لَهُ فتساقطا ورجعنا إِلَى اعْتِبَار الْيَد، وَهِي وَمَا فِي يَدهَا فِي يَده.
وَبِهَذَا الْحل ظهر أَنه لَا وَجه لتوقف سَيِّدي أبي السُّعُود فَإِنَّهُ قَالَ: وَاعْلَم أَن فِي التَّعْلِيل بتعارض الظاهرين تأملا، لانه حَيْثُ اسْتَويَا فِي الْقُوَّة لَا يصلح أَن يكون تعارضهما مرجحا لاحدهما، هَكَذَا توقفت بُرْهَة ثمَّ راجعت عبارَة الدُّرَر فَلم أجد فِيهَا التَّعْلِيل الْمَذْكُور.
اهـ.
فَإِنَّهُ يَجْعَل التَّعَارُض مرجحا:
أَي بل هُوَ مسْقط والمرجح الْيَد فَلْيتَأَمَّل.
وَالْحَاصِل: أَن مَا علل بِهِ الشَّارِح لَا يصلح عِلّة لوَجْهَيْنِ.
الاول إِذا كَانَ الزَّوْج يَبِيع مَا يصلح لَهُ يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرَانِ الْيَدُ وَالْبَيْعُ لَا ظَاهِرٌ وَاحِد فَلَا تعَارض، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت هِيَ تبيع ذَلِك لَا يتَرَجَّح ملكهَا إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا عَلَى أَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ بَلْ التَّهَاتُرَ.
الثَّانِي أَنه إِذا كَانَ الزَّوْج يَبِيع فَلَا تعَارض، وَإِن كَانَت هِيَ تبيع فَكَذَلِك، وَحِينَئِذٍ الاوجه فِي التَّعْلِيل أَن يُقَال: لَان ظَاهر الَّذِي يفعل وَيبِيع أظهر وَأقوى، كَمَا أَن ظَاهرهَا فِيمَا يخْتَص بهَا أظهر وَأقوى من ظَاهره مَعَ أَن لَهُ يَد عَلَيْهِ.
تَأمل.
قَوْله: (دُرَر وَغَيرهَا) عِبَارَةُ الدُّرَرِ: إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يفعل أَو يَبِيع مَا يصلح للْآخر اهـ.
أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ صَائِغًا وَلَهُ أساور وَخَوَاتِيمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهَا، فَلَا يَكُونُ لَهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ أَوْ تَاجِرَةً تَتَّجِرُ فِي ثِيَابِ الرِّجَال أَوْ النِّسَاءِ أَوْ ثِيَابِ الرِّجَالِ وَحْدَهَا.
كَذَا فِي شُرُوح الْهِدَايَة.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَول الدُّرَرِ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلزَّوْجِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَوْ كَانَتْ تَبِيعُ ثِيَابَ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ، فَالْقَوْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا بِجَعْلِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ رَاجِعًا إلَى الزَّوْجِ، ثُمَّ قَوْلُهُ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً سَوَاءٌ حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ يَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرَانِ الْيَدُ وَالْبَيْعُ لَا ظَاهِرٌ وَاحِدٌ فَلَا تَعَارُضَ، إلَّا إذَا كَانَتْ هِيَ تبيع فَلَا يُرَجَّحُ مِلْكَهَا لِمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا، عَلَى أَنَّ التَّعَارُض لَا يَقْتَضِي التَّرْجِيح بَلْ التَّهَاتُرَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَبِيعُ فَلَا تَعَارُضَ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَبِيعُ هِيَ فَكَذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، فَتَنَبَّهْ.
أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعِنَايَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَرْأَةِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَالْخِمَارِ وَالدِّرْعِ والملحفة والحملى فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ: أَيْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهَا لِشَهَادَةِ الظَّاهِر.
اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لَا يَكُونُ القَوْل قَوْله فِي ذَلِك.
اهـ.
فَالظَّاهِر أَن فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ
فَليُحرر.
اهـ.
أَقُول: وَالْحَاصِل أَن القَوْل للرجل فِيمَا يخْتَص بِهِ، وَفِي الْمُتَشَابه سَوَاء كَانَت الْمَرْأَة دلَالَة أَو لَا،(8/91)
وَإِذا كَانَ يصنع أَو يَبِيع ثِيَاب النِّسَاء وحليهن فَالْقَوْل لَهُ فِي الاجناس كلهَا فِي الْمَشْهُور.
قَوْله: (وَالْقَوْل لَهُ فِي الصَّالح لَهما) أَي القَوْل لَهُ فِي مَتَاع يصلح للرجل وللمرأة.
قَوْله: (لانها وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج) أَي وَالْقَوْل فِي الدعاوي لصَاحب الْيَد، وَشَمل كَلَامه مَا إِذا كَانَ فِي لَيْلَة الزفاف فَيكون القَوْل لَهُ، لَكِن قَالَ الاكمل فِي الخزانة: لَو مَاتَت الْمَرْأَة فِي لَيْلَة زفافها فِي بَيته لَا يستحسن أَن يَجْعَل مَتَاع الْبَيْت من الْفرش وحلي النِّسَاء وَمَا يَلِيق بِهن للزَّوْج والطنافس والقماقم والاباريق والفرش والخدم واللحف للنِّسَاء، وَكَذَا مَا يُجهز مثلهَا، إِلَّا أَن يكون الرجل مَعْرُوفا بِتِجَارَة جنس مِنْهَا فَهُوَ لَهُ.
وَاسْتثنى أَبُو يُوسُف من كَون مَا يصلح لَهما لَهُ مَا إِذا كَانَ مَوتهَا لَيْلَة الزفاف، فَكَذَا إِذا اخْتلفَا حَال حياتهما فِيمَا يصلح لَهما فَالْقَوْل لَهُ، وَإِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي لَيْلَة الزفاف فَالْقَوْل لَهَا فِي الْفرش وَنَحْوهَا لجَرَيَان الْعرف غَالِبا من الْفرش والصناديق والخدم تَأتي بِهِ الْمَرْأَة، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلْفَتْوَى، إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَصٌّ فِي حكمه لَيْلَة الزفاف عَن الامام بِخِلَافِهِ فَيتبع، بَحر.
لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد نَقله عبارَة الاكمل: فَيَنْبَغِي أَن يتَأَمَّل فِيهِ.
اهـ.
قَوْله: (بِخِلَاف مَا يخْتَص بهَا الخ) جَوَاب سُؤال ورد على الْكَلَام السَّابِق تَقْرِيره إِذا كَانَ القَوْل فِي الدَّعَاوَى لذِي الْيَد وَالْمَرْأَة وَمَا فِي يَدهَا فِي يَد الزَّوْج يكون القَوْل للزَّوْج أَيْضا فِي الْمُخْتَص بهَا لانه فِي يَده ط.
قَوْله: (وَهُوَ) أَي ظَاهرهَا.
قَوْله: (لانها خَارِجَة) أَي عَن اعْتِبَار الظَّاهِر، إِذْ الظَّاهِر أَنه لَهُ لانه فِي يَده وَبَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة على بَيِّنَة ذِي الْيَد، لَكِن تقدم أَن هَذَا مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَت الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق، فَإِن كَانَت على النِّتَاج وَسبب ملك لَا يتَكَرَّر كَانَت الْبَيِّنَة لذِي الْيَد فَيَنْبَغِي أَن يجْرِي هَذَا هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَالْبَيْتُ لِلزَّوْجِ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْت فَهُوَ لَهُ لانه من الصَّالح لَهما وَفِي يَده حَتَّى لَو برهنا قضى ببرهانها خَارِجَة.
خَانِية.
وفيهَا: إِن كَانَ غير الزَّوْجَة فِي عِيَال أحد كَابْن فِي عيلة أَب أَو الْقلب كَانَ الْمَتَاع عِنْد الِاشْتِبَاه للَّذي يعول.
قَوْله: (إِلَّا أَن يكون لَهَا بَيِّنَةٌ) أَيْ فَيَكُونُ الْبَيْتُ لَهَا، وَكَذَا لَو برهنت على كل مَا صلح لَهما أَو لَهُ وَالْبَيْت الْمسكن، وَبَيت الشّعْر
مَعْرُوف.
مِصْبَاح.
وَالْبَيْت اسْم لمسقف وَاحِد.
مغرب.
وَلم يذكر الدَّار، وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي الْعقار فَالظَّاهِر أَن حكمه مثل الْبَيْت بِدَلِيل مَا نَقله سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَاب الدُّخُول وَالْخُرُوج، وَكَذَا صَاحب الْبَحْر عَن الْكَافِي أَن الْعرف الْآن أَن الدَّار وَالْبَيْت وَاحِد، فَيحنث إِن دخل صحن الدَّار، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
اهـ.
إِلَّا أَن يفرق بَين هَذَا وَبَين الْيَمين.
أَقُول: وَالَّذِي نَقله الشَّارِح هُنَا عَن الْبَحْر أَنَّهَا للزَّوْج على قَوْلهمَا، وَيُؤَيِّدهُ مَا قدمْنَاهُ وَللَّه الْحَمد.
قَالَ فِي الْبَحْر: إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت، وَكَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كالاجنبيين يقسم بَينهمَا.
اهـ.
وَبِه علم أَن الْعقار إِذا لم يَكُونَا ساكنين فِيهِ لم يدْخل فِي مُسَمّى مَتَاع الْبَيْت، لَان الْكَلَام فِي مَتَاع الْبَيْت فَقَط، وَقد علمت تَفْسِير مَتَاع الْبَيْت مِمَّا قدمْنَاهُ من أَن الاولى فِي تَفْسِيره بِالْبَيْتِ، وَبِمَا كَانَ فِيهِ، لما ذَكرْنَاهُ من الِاخْتِلَاف فِي نفس الْبَيْت كَذَلِك، فَعلم أَن قَول الْبَحْر: وَإِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي غير مَتَاع الْبَيْت: المُرَاد بِهِ مَا كَانَ خَارِجا عَن سكناهما فَيقسم بَينهمَا، فَيتَعَيَّن تَقْيِيد الْعقار بِمَا كَانَا ساكنين فِيهِ، فَلْيتَأَمَّل.
قَوْله: (وَهَذَا) أَي مَا تقدم لَو حيين.
قَوْله:: (فِي الْمُشكل) وَالْجَوَاب فِي غير الْمُشكل على(8/92)
مَا مر.
حموي: أَي أَن القَوْل لكل مِنْهُمَا فِيمَا يخْتَص بِهِ ط.
قَوْله: (الصَّالح لَهما) بَيَان للمراد بالمشكل على حذف أَي التفسيرية.
قَوْله: (فَالْقَوْل فِيهِ للحي) أَي بِيَمِينِهِ إِذْ لَا يَد للْمَيت.
در منتقى.
وَأما مَا يصلح لاحدهما وَلَا يصلح للْآخر فَهُوَ على مَا كَانَ قبل الْمَوْت وَيقوم ورثته مقَامه فِيهِ.
عَيْني.
وَأفَاد قَوْله يقوم وَارثه مقَامه أَنه يعْمل بِبَيِّنَة وَارِث الزَّوْجَة فِي الصَّالح لَهما.
قَوْله: (وَلَو رَقِيقا) لَان الرَّقِيق لَهُ يَد، وَهَذَا لَا يُنَاسب الْمقَام لَان الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَا حُرَّيْنِ، وَأما إِذا كَانَ أَحدهمَا مَمْلُوكا فَهِيَ الْمَسْأَلَة الْآتِيَة، وَعَلِيهِ فَلَو حذفه وَاسْتغْنى بِمَا يَأْتِي فِي الْمَتْن لَكَانَ أولى.
قَوْله: (وَهِي المسبعة) أَي الَّتِي فِيهَا سَبْعَة أَقْوَال لارباب الِاجْتِهَاد.
قَوْلُهُ: (تِسْعَةُ أَقْوَالٍ) الْأَوَّلُ: مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ.
الثَّانِي: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِلْمَرْأَةِ جِهَازُ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي لِلرَّجُلِ: يَعْنِي فِي الْمُشْكِلِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.
الثَّالِثُ: قَوْلُ ابْنِ أبي ليلى: الْمَتَاع كُله لَهُ وَلها مَا عَلَيْهَا فَقَط.
الرَّابِع: قَوْلُ ابْنِ مَعْنٍ وَشَرِيكٍ هُوَ بَيْنَهُمَا.
الْخَامِسُ قَول
الْحسن الْبَصْرِيّ: كُلُّهُ لَهَا وَلَهُ مَا عَلَيْهِ.
السَّادِسُ: قَوْلُ شُرَيْح: الْبَيْت للْمَرْأَة.
السَّابِع: قَول مُحَمَّد: إِن الْمُشْكِلِ لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ، وَوَافَقَ الْإِمَامُ فِيمَا لَا يُشْكِلُ.
الثَّامِنُ: قَوْلُ زُفَرَ الْمُشْكِلُ بَينهمَا.
التَّاسِع: قَول مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لكل بَيْنَهُمَا.
هَكَذَا حَكَى الْأَقْوَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَلَا يخفى أَن التَّاسِع هُوَ الرَّابِع.
حَلَبِيّ عَن الْبَحْر.
قَالَ فِي الْكِفَايَة: وعَلى قَول الْحسن الْبَصْرِيّ إِن كَانَ الْبَيْت بَيت الْمَرْأَة فالمتاع كُله لَهَا إِلَّا مَا على الزَّوْج من ثِيَاب بدنه، وَإِن كَانَ الْبَيْت للزَّوْج فالمتاع كُله لَهُ اهـ.
قَوْله: (وَلَو أَحدهمَا مَمْلُوكا فَالْقَوْلُ لِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ) كَمَا فِي عَامَّة شُرُوح الْجَامِع.
وَذكر السَّرخسِيّ أَنه سَهْو، وَالصَّوَاب أَنه للْحرّ مُطلقًا.
وَفِي الْمُصَفّى: ذكر فَخر الاسلام أَن القَوْل هُنَا فِي الْكُلِّ لَا فِي خُصُوصِ الْمُشْكِلِ، لَكِن اخْتَار فِي الْهِدَايَة قَول الْعَامَّة فاققتفى أَصْحَاب الْمُتُون أَثَره، وَهُوَ قَول الامام وَعِنْدَهُمَا: الْمَأْذُون وَالْمكَاتب كَالْحرِّ كَمَا فِي الداماد شرح الْمُلْتَقى.
قَوْله: (هما كَالْحرِّ) لَان لَهما يدا مُعْتَبرَة، وَله أَن يَد الْحر أقوى وَأكْثر تَصرفا فتقدمت.
قَوْله: (فَالْقَوْل للْحرّ) قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَقَوله الْكل مشير إِلَى وُقُوع الِاخْتِلَاف فِي مُطلق الْمَتَاع على مَا ذكر فَخر الاسلام كَمَا فِي الْمُصَفّى، لَكِن فِي الْحَقَائِق قَيده بِمَا إِذا كَانَ الِاخْتِلَاف فِي الامتعة المشكلة اهـ بِتَصَرُّف.
ذكره أَبُو السُّعُود.
وللحي فِي الْمَوْت حرا كَانَ أَو رَقِيقا، إِذْ لَا يَد للْمَيت فَبَقيت يَد الْحَيّ بِلَا معَارض، هَكَذَا ذكره فِي الْهِدَايَة وَالْجَامِع الصَّغِير للصدر الشَّهِيد وَصدر الاسلام وشمس الائمة الْحلْوانِي وقاضيخان.
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد والزعفراني: للْحرّ مِنْهُمَا بالراء اهـ.
دُرَر.
قَوْله: (لَان يَد الْحر أقوى) عِلّة للمسألة الاولى، وَقَوله وَلَا يَد للْمَيت عِلّة للمسألة الثَّانِيَة، وَهِي كَون القَوْل للحي فِيمَا إِذا مَاتَ أَحدهمَا سَوَاء كَانَ الْحَيّ الْحر أَو العَبْد، لانها إِنَّمَا تظهر قَوِيَّة يَد الْحر إِذا كَانَ حيين، أما الْمَيِّت فَلَا يَد لَهُ حرا كَانَ أَو عبدا فَلِذَا كَانَ القَوْل للحي مِنْهُمَا، وَفِيه لف وَنشر مُرَتّب،(8/93)
وَبحث فِيهِ صَاحب اليعقوبية فَليُرَاجع.
قَوْله: (واختارت نَفسهَا) أَي لم ترض ببقائها فِي نِكَاحه فَاخْتَارَتْ نَفسهَا.
قَوْله: (فَهُوَ للرجل) لتحققه عِنْده وَهِي رقيقَة وَالرَّقِيق لَا ملك لَهُ.
قَوْله: (قبل أَن
تخْتَار نَفسهَا) الظَّاهِر أَنه قيد اتفاقي، بل الحكم كَذَلِك وَلَو بعد الِاخْتِيَار، لانه لَا يشْتَرط قيام النِّكَاح كَمَا تقدم، وَعَلِيهِ فَلَا فرق وَإِن وَقع الِاخْتِلَاف بعد الْفرْقَة أَو بعد انْقِضَاء الْمدَّة.
تَأمل ط بِزِيَادَة.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ) يَعْنِي الْمُشْكِلَ لِلزَّوْجِ وَلَهَا مَا صَلَحَ لَهَا لِأَنَّهَا وَقْتَهُ حُرَّةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ السِّيَاقِ وَاللَّحَاقِ.
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السِّرَاجِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَالْمَرْأَةُ مُكَاتَبَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَقَدْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، فَمَا أحدثا قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا أَحْدَثَاهُ بَعْدَهُ فهما فِيهِ كلاحرين اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْر: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا: أَيْ جَمِيعُ مَا مر إِذا لم يَقع التنازل بَيْنَهُمَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالنِّكَاحِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ وَقع قَالَ فِي الْخَانِية: وَلَو كَانَت الدَّار فِي يَد رجل وَامْرَأَة فأقامت الْمَرْأَة الْبَيِّنَة أَن الدَّار لَهَا وَأَن الرجل عَبدهَا وَأقَام الرجل الْبَيِّنَة أَن الدَّار لَهُ وَالْمَرْأَة امْرَأَته تزَوجهَا بِأَلف دِرْهَم، وَدفع إِلَيْهَا وَلم يقم الْبَيِّنَة أَنه حر يقْضِي بِالدَّار وَالرجل للْمَرْأَة وَلَا نِكَاح بَينهمَا، لَان الْمَرْأَة أَقَامَت الْبَيِّنَة على رق الرجل وَالرجل لم يقم الْبَيِّنَة على الْحُرِّيَّة فَيَقْضِي بِالرّقِّ، وَإِذا قضى بِالرّقِّ بطلت بَيِّنَة الرجل فِي الدَّار وَالنِّكَاح ضَرُورَة، وَإِن كَانَ الرجل أَقَامَ بَيِّنَة أَنه حر الاصل وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا يقْضِي بحريّة الرجل وَنِكَاح الْمَرْأَة، وَيَقْضِي بِالدَّار للْمَرْأَة لانا لما قضينا النِّكَاح صَار الرجل فِي الدَّار صَاحب يَد وَالْمَرْأَة خَارِجَة فَيَقْضِي بِالدَّار لَهَا، كَمَا لَو اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي دَار فِي أَيْدِيهِمَا كَانَت الدَّار للزَّوْج فِي قَوْلهمَا، وَلَو اخْتلفَا فِي الْمَتَاع وَالنِّكَاح فأقامت الْبَيِّنَة أَن الْمَتَاع لَهَا وَأَنه عَبدهَا وَأقَام أَن الْمَتَاع لَهُ وَأَنه تزَوجهَا بِأَلف ونقدها فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ عبدا لَهَا وبالمتاع أَيْضا لَهَا، وَإِن برهن على أَنه حر الاصل قضى لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وبالمرأة وَالْمَتَاع إِن كَانَ مَتَاع النِّسَاء، وَإِن كَانَ مُشكلا قضى بحريَّته وبالمرأة وبالمتاع لَهَا اهـ.
قَوْله: (طَلقهَا وَمَضَت الْعدة فالمشكل للزَّوْج) قد اسْتُفِيدَ هَذَا من التَّعْمِيم السَّابِق فِي قَوْله قَامَ النِّكَاح أَو لَا وَصَاحب الْبَحْر إِنَّمَا فرض الْمَسْأَلَة فِيمَا إِذا مَاتَ الزَّوْج بعد انْقِضَاء الْعدة، وَجعل الْمُشكل لوَارث الزَّوْج، وَلَا اعْتِبَار للزَّوْجَة وَإِن كَانَت حَيَّة لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة إِلَى آخر مَا يَأْتِي عَن الْمنح قَرِيبا.
وَلما شَرْطِيَّة، وَالْجَوَاب: فَكَذَا يكون القَوْل لوَارِثه ط.
قَوْله: (لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة) تَعْلِيل لقَوْله ولورثته بعده يَعْنِي إِنَّمَا قُلْنَا أَن القَوْل للحي لَو مَاتَ وَهِي فِي نِكَاحه، أما بعد انْقِضَاء الْعدة فقد صَارَت أَجْنَبِيَّة
فَلم يبْق لَهَا يَد على الصَّالح لَهما فَكَانَ القَوْل فِيهِ لوَرَثَة الزَّوْج، لَان الْمَتَاع فِي يدهم بعد مُورثهم، وَفِيه تَأمل.
أَو هُوَ مَحْمُول على مَا إِذا انْتَقَلت وَتركت الْمَتَاع بِالْبَيْتِ، أما لَو بقيت سَاكِنة بعد انْقِضَاء الْعدة فَالظَّاهِر أَن الْمَتَاع بَاقٍ فِي يَدهَا فَيكون القَوْل قَوْلهَا فِي الصَّالح لَهما فَليُحرر، قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَيُسْتَفَاد من التَّعْلِيل أَنَّهُمَا لَو مَاتَا فَكَذَلِك.
قَوْله: (وَلما ذكرنَا الخ) الاولى إِسْقَاطه لعلمه من قَوْله ولورثته بعده وَلذَا لم يذكرهُ فِي الْبَحْر.
قَوْله: (أما لَو مَاتَ الخ) لَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ الطَّلَاق فِي مرض الْمَوْت بِدَلِيل تَعْلِيله بقوله بِدَلِيل إرثها قَالَ فِي الْمنح: قيد بكونهما زَوْجَيْنِ للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا طَلقهَا فِي الْمَرَض وَمَات الزَّوْج بعد انْقِضَاء الْعدة، فَإِن الْمُشكل(8/94)
لوَارث الزَّوْج لانها صَارَت أَجْنَبِيَّة لم يبْق لَهَا يَد، وَإِن مَاتَ قبل انْقِضَاء الْعدة كَانَ الْمُشكل للْمَرْأَة فِي قَول أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهَا تَرِثُ فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً، فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة مَا لَو مَاتَ الزَّوْج قبل الطَّلَاق، كَذَا فِي الْخَانِية.
مطلب: تورك على عبارَة الشَّارِح وَهَذِه الْعبارَة هِيَ الَّتِي نقلهَا الشَّارِح هُنَا، إِلَّا أَنه أخل بقوله طَلقهَا فِي الْمَرَض، ثمَّ نقل المُصَنّف بعْدهَا عَن الْبَحْر: وَإِن علم أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا فِي صِحَّته أَو فِي مَرضه وَقد مَاتَ بعد انْقِضَاء عدتهَا فَمَا كَانَ من مَتَاع الرِّجَال وَالنِّسَاء فَهُوَ لوَرَثَة الزَّوْج، وَإِن مَاتَ فِي عدَّة الْمَرْأَة فَهُوَ للْمَرْأَة كَأَنَّهُ لم يُطلق.
اهـ.
فَيمكن أَن يرجع قَوْله: وَإِن مَاتَ فِي عدَّة الْمَرْأَة الخ إِلَى قَوْله أَو مَرضه، ليُوَافق مَا نَقله عَن الْخَانِية ولظهور وَجهه حِينَئِذٍ.
تَأمل.
قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُسْتَأْجر بِيَمِينِهِ) لَان الْبَيْت مُضَاف إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى، وَقد سبق ذَلِك فِي المحترزات.
مطلب: تورك على كَلَام الشَّارِح
قَوْله: (فِي آلَات الاساكفة وآلات العطارين) لَعَلَّ الْوَاو بِمَعْنى أَو: أَي اخْتلفَا فِي آلَات الاساكفة مُنْفَرِدَة أَو آلَات العطارين مُنْفَرِدَة، لَان مَا اخْتلفَا فِيهِ فِي أَيْدِيهِمَا فَيقسم بَينهمَا، كَمَا لَو اخْتلفَا فِي سفينة فِي أَيْدِيهِمَا، أَو فِي دَقِيق فِي أَيْدِيهِمَا وَكَانَ أَحدهمَا ملاحا وَالْآخر بَائِع الدَّقِيق، فَإِن كلا من السَّفِينَة
والدقيق يقسم بَينهمَا لما ذكرنَا، بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلفَا فيهمَا مُجْتَمعين، فَإِنَّهُ يُعْطي لكل مِنْهُمَا مَا يُنَاسِبه، كَمَا لَو اخْتلفَا فِي سفينة ودقيق وَهِي الَّتِي تَأتي فِي الْمَتْن.
أما لَو لم نحمل الْوَاو على معنى أَو وَتَركنَا الْعبارَة على ظَاهرهَا وأعطينا الاسكاف نصف آلَات الْعَطَّار والعطار نصف آلَات الاسكاف فنكون تركنَا الِاسْتِصْحَاب وَالْعَمَل بِالظَّاهِرِ من الْحَال، وَيكون خَالف هَذَا الْفَرْع مَا قبله وَمَا بعده، وَيُعَكر علينا ذَلِك، لَان تِلْكَ الْفُرُوع تَقْتَضِي أَن لكل مَا عرف بِهِ، فَتَأمل وراجع.
قَوْله: (فَهِيَ بَينهمَا الخ) لانه قد يَتَّخِذهُ لنَفسِهِ أَو البيع، فَلَا يصلح مرجحا.
تَأمل وتفطن.
قَوْله: (وعَلى عُنُقه بدرة) هِيَ كيس فِيهِ ألف أَو عشرَة آلَاف دِرْهَم أَو سَبْعَة آلَاف دِينَار.
اهـ.
قَامُوس.
وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بهَا المَال الْكثير.
قَوْله: (وَذَلِكَ بداره) يفهم مَفْهُومه بالاولى.
قَوْله: (فَهُوَ للمعروف باليسار) وَهَذَا كَالَّذي بعده مِمَّا عمل فِيهِ الاصحاب بِظَاهِر الْحَال.
مطلب: استنبط صَاحب الْبَحْر أَن من شَرط صِحَة الدَّعْوَى أَن يكذب الْمُدَّعِي ظَاهر حَاله وَقد تقدم تَحْقِيقه أول الدَّعْوَى قَالَ فِي الْبَحْر: وَقد استنبطت من فرع الْغُلَام أَن من شَرط سَماع الدَّعْوَى أَن لَا يكذب الْمُدَّعِي ظَاهر حَاله كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي كتب الشَّافِعِيَّة، فَلَو ادّعى فَقير ظَاهر الْفقر على رجل أَمْوَالًا عَظِيمَة(8/95)
قرضا أَو ثمن مَبِيع لَا تسمع فَلَا جَوَاب لَهَا، وَقدمنَا تَحْقِيق ذَلِك أَوَائِل الدَّعْوَى.
قَوْله: (وعَلى عُنُقه قطيفة) القطيفة دثار مخمل وَالْجمع قطائف وقطف مثل صحيفَة وصحف كَأَنَّهَا جمع قطيف وصحيف، وَمِنْه القطائف الَّتِي تُؤْكَل صِحَاح.
قَوْله: (الَّذِي هِيَ) هَكَذَا فِي نُسْخَتي الَّتِي بيَدي وَهِي الصَّحِيحَة، وَفِي بعض النّسخ كنسخة الطَّحْطَاوِيّ الَّذِي هُوَ بضمير الْمُذكر، وَكتب عَلَيْهَا الاولى: وَهِي بضمير المؤنثة، وَكَذَا يُقَال فِي ادَّعَاهُ.
قَوْله: (وَآخر مُمْسك) الظَّاهِر أَنه ماسك الدَّفَّةَ الَّتِي هِيَ لِلسَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ اللِّجَامِ لِلدَّابَّةِ.
قَوْله: (وَآخر يجذب) بحبلها على الْبر.
قَوْله: (وَآخر يمدها) أَي يجريها بمقدافها.
قَوْله: (وَلَا شئ للماد) لانه لَا يَد لَهُ فِيهَا أَو أجبرهم على الْعَمَل، بِخِلَاف البَاقِينَ لانهم المتصرفون فِيهَا التَّصَرُّف الْمُعْتَاد.
قَوْله: (وَآخر رَاكب) أَي بَعِيرًا مِنْهَا.
قَوْله: (إِن على الْكل مَتَاع الرَّاكِب) أَي إِن كَانَ
على جَمِيع الابل مَتَاع الرَّاكِب فَجَمِيع الابل للراكب، وَإِن لم يكن على الابل شئ من الْحمل فللراكب الْبَعِير الَّذِي هُوَ رَاكب عَلَيْهِ مَعَ مَا عَلَيْهِ وَبَاقِي الابل للقائد.
قَالَه أَبُو الطّيب.
وَالظَّاهِر أَن الحكم كَذَلِك لَو كَانَ على الْكل مَتَاع الْقَائِد، فَإِن اخْتلفَا فِي الْمَتَاع كَيفَ يكون وَيُرَاجع.
مطلب: تورك على كَلَام الشَّارِح
قَوْله: (بِخِلَاف الْبَقر وَالْغنم) أَي إِذا كَانَ عَلَيْهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَائِدٌ وَالْآخَرُ سَائِقٌ، فَهِيَ لِلسَّائِقِ إلَّا أَنْ يَقُودَ شَاةً مَعَهُ فَتَكُونَ لَهُ تِلْكَ الشَّاة وَحدهَا.
بَحر عَن نَوَادِر الْمُعَلَّى: أَي إِلَّا أَن يكون السَّائِق للبقر أَو الْغنم مَعَه شَاة يَقُودهَا: أَي أَو بقرة فَيكون لَهُ تِلْكَ الشَّاة أَو الْبَقَرَة وَحدهَا، وَانْقطع حكم السُّوق وَيكون الْبَاقِي لقائدها، وَعَلِيهِ فَكَلَام الشَّارِح غير تَامّ.
قَوْله: (وَتَمَامه فِي خزانَة الاكمل) وَيَأْتِي تَمام تفاريع هَذِه الْمسَائِل فِي الْفَصْل الْآتِي.
وَذكر فِي الْمنح مسَائِل من هَذَا الْقَبِيل قَالَ: دخل رجل فِي منزل يعرف الدَّاخِل أَنه يُنَادي بِبيع الذَّهَب وَالْفِضَّة أَو الْمَتَاع، وَمَعَهُ شئ من ذَلِك فادعياه، فَهُوَ لمن يعرف بِبيعِهِ، وَلَا يصدق رب الْمنزل، وَإِن لم يكن كَذَلِك القَوْل قَول رب الْمنزل.
رجل خرج من دَار إِنْسَان وعَلى عُنُقه مَتَاع رَآهُ قوم وَهُوَ مَعْرُوف بِبيع مثله من الْمَتَاع فَقَالَ صَاحب الدَّار ذَلِك الْمَتَاع متاعي وَالْحَامِل يَدعِيهِ فَهُوَ للَّذي يعرف بِهِ وَإِن لم يعرف بِهِ فَهُوَ لصَاحب الدَّار.
اهـ.
مطلب: لَا تسمع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ الْمدَّة قَالَ فِي الْبَحْر عَن ابْن الْغَرْس: رجل تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَانع من الدَّعْوَى ثمَّ ادّعى لم تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يدل على عدم الْحق ظَاهرا، وَقدمنَا(8/96)
عَنْهُم أَن من الْقَضَاء الْبَاطِل الْقَضَاء بِسُقُوط الْحق بِمُضِيِّ سِنِين، لَكِن مَا فِي الْمَبْسُوط لَا يُخَالِفهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَضَاء بالسقوط، وَإِنَّمَا فِيهِ عدم سماعهَا.
مطلب: نهى السُّلْطَان عَن سَماع حَادِثَة لَهَا خمس عشرَة سنة وَقد كثر السُّؤَال بِالْقَاهِرَةِ عَن ذَلِك مَعَ وُرُود النَّهْي من السُّلْطَان أيده الله تَعَالَى بِعَدَمِ سَماع حَادِثَة لَهَا خمس عشرَة سنة، وَقد أَفْتيت بِعَدَمِ سماعهَا عملا بنهيه على مَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ، وَالله سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أعلم.
اهـ.
مطلب: لَا تسمع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة إِذا كَانَ التّرْك بِلَا عذر شَرْعِي من كَون الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَيْسَ لَهما ولي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ ذَا شَوْكَة أَو أَرض وقف لَيْسَ لَهَا نَاظر وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ تَصَرَّفَ زَمَانًا فِي أَرْضٍ وَرَجُلٌ آخَرُ رَأَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى وَلَدِهِ فَتُتْرَكُ عَلَى يَدِ الْمُتَصَرِّفِ، لِأَنَّ الْحَالَ شَاهِدٌ.
اهـ.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي عُقُود الدرية بعد كَلَام أَقُول: وَالْحَاصِل من هَذِه النقول أَن الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة أَو بعد ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ لَا تسمع إِذا كَانَ التّرْك بِلَا عذر من كَون الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَيْسَ لَهُمَا وَلِيٌّ، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمِيرًا جَائِرًا يخَاف مِنْهُ، أَو أَرض وقف لَيْسَ لَهَا نَاظر، لَان تَركهَا هَذِه الْمدَّة مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا كَمَا مر عَن الْمَبْسُوط، وَإِذا كَانَ الْمُدَّعِي نَاظرا ومطلعا على تصرف الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا تسمع الدَّعْوَى على ورثته كَمَا مر عَن الْخُلَاصَة.
وَكَذَا لَو مَاتَ الْمُدَّعِي لَا تسمع دَعْوَى ورثته كَمَا مر عَن الْوَلوالجِيَّة.
وَالظَّاهِر أَن الْمَوْت لَيْسَ بِقَيْد وَأَنه لَا تَقْدِير بِمدَّة مَعَ الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لما ذكره المُصَنّف وَالشَّارِح فِي مسَائِل شَتَّى آخر الْكتاب.
مطلب: بَاعَ عقارا أَو غَيره وَزَوجته أَو قَرِيبه حَاضر سَاكِت يعلم البيع لَا تسمع دَعْوَاهُ بَاعَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثَوْبًا وَابْنُهُ وَامْرَأَته أَو غَيرهمَا من أَقَاربه حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ مَثَلًا أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.
كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَجُعِلَ سُكُوتُهُ كَالْإِفْصَاحِ قَطْعًا للتزوير والحيل.
مطلب: لَا يعد سكُوت الْجَار رضَا بِالْبيعِ إِلَّا إِذا سكت عِنْد التَّسْلِيم وَالتَّصَرُّف بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ سُكُوتَهُ وَلَوْ جَارًا لَا يَكُونُ رِضًا، إلَّا إذَا سَكَتَ الْجَارُ وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً فَحِينَئِذٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَة.
اهـ.
وَقَوله لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ: أَيْ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جارا كَمَا فِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْمنح،
وَأطَال فِي تَحْقِيقه فِي فَتَاوِيهِ الْخَيْرِيَّة من كتاب الدَّعْوَى، فقد جعلُوا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مُجَرّد السُّكُوت عِنْد البيع مَانِعا من دَعْوَى الْقَرِيب وَنَحْوه كَالزَّوْجَةِ بِلَا تَقْيِيد باطلاع عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى.
وَأَمَّا دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا فَلَا يمْنَعهَا مُجَرّد السُّكُوت عِنْد البيع، بل لَا بُد من الِاطِّلَاعِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمُدَّةٍ وَلَا بِمَوْت كَمَا ترى.(8/97)
مطلب: مَا يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْمُورث يمْنَع صِحَة دَعْوَى وَارثه لَان مَا يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْمُورث يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْوَارِث لقِيَامه مقَامه كَمَا فِي الْحَاوِي الزَّاهدِيّ وَغَيره، فَتَأمل.
ثمَّ إِن مَا فِي الْخُلَاصَة والولجية يدل على أَن البيع غير قيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الاجنبي وَلَو جارا، بل مُجَرّد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف مَانع من الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا فَائِدَة التَّقْيِيد هِيَ الْفرق بَين الْقَرِيب والاجنبي، فَإِن الْقَرِيب للْبَائِع لَا تسمع دَعْوَاهُ إِذا سكت عِنْد البيع، بِخِلَاف الاجنبي، فَإِنَّهُ لَا تسمع إِذا اطلع على تصرف المُشْتَرِي وَسكت فالمانع لدعواه هُوَ السُّكُوت عِنْد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لَا السُّكُوت عِنْد البيع، فلاجل الْفرق بَينهمَا صوروا الْمَسْأَلَة بِالْبيعِ، وَوجه الْفرق بَينهمَا مَعَ تَمام بَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة مُحَرر فِي حواشينا رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار.
ثمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى المرحوم الْعَلامَة الْغَزِّي صَاحب التَّنْوِير مَا يُؤَيّد ذَلِك، وَنَصه: سُئِلَ عَن رجل لَهُ بَيت فِي دَار يسكنهُ مُدَّة تزيد على ثَلَاث سنوات وَله جَار بجانبه، وَالرجل الْمَذْكُور يتَصَرَّف فِي الْبَيْت الْمَزْبُور هدما وَعمارَة مَعَ اطلَاع جَاره على تصرفه فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة، فَهَل إِذا ادّعى الْبَيْت أَو بعضه بَعْدَمَا ذكر من تصرف الرجل الْمَذْكُور فِي الْبَيْت هدما وَبِنَاء فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة تسمع دَعْوَاهُ أم لَا؟ أجَاب: لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى إِ هـ.
فَانْظُر كَيفَ أفتى بِمَنْع سماعهَا من غير الْقَرِيب بِمُجَرَّد التَّصَرُّف مَعَ عدم سبق البيع، وَبِدُون مُضِيّ خمس عشرَة سنة أَو أَكثر.
ثمَّ اعْلَم أَن عدم سَماع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة أَو بعد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لَيْسَ مَبْنِيا على بطلَان الْحق فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد منع للقضاة عَن سَماع الدَّعْوَى مَعَ بَقَاء الْحق لصَاحبه، حَتَّى
لَو أقرّ بِهِ الْخصم يلْزمه، وَلَو كَانَ ذَلِك حكما بِبُطْلَانِهِ لم يلْزمه وَيدل على مَا قُلْنَاهُ تَعْلِيلهم للْمَنْع بِقطع التزوير والحيل كَمَا مر فَلَا يرد مَا فِي قَضَاء الاشباه مِنْ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، ثمَّ رَأَيْت التَّصْرِيح بِمَا نَقَلْنَاهُ فِي الْبَحْر قبيل قُضَاته دفع الدَّعْوَى، وَلَيْسَ أَيْضا مَبْنِيا على الْمَنْع السلطاني حَيْثُ منع السُّلْطَان عز نَصره قُضَاته من سَماع الدَّعْوَى بعض خمس عشرَة سنة فِي الاملاك وَثَلَاثِينَ سنة فِي الاوقاف، بل هُوَ حكم اجتهادي نَص عَلَيْهِ الْفُقَهَاء كَمَا رَأَيْت، فاغتنم تَحْرِير هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنعم الْوَهَّاب إِ هـ.
أَقُول: وعَلى هَذَا لَو ادّعى على آخر دَارا مثلا وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ متصرفا فِيهَا هدما وَبِنَاء أَو مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة، وَسَوَاء فِيهِ الْوَقْف وَالْملك وَلَو بِلَا نهي سلطاني، أَو خمس عشرَة سنة وَلَو بِلَا هدم وَبِنَاء فيهمَا، وَالْمُدَّعى مطلع على التَّصَرُّف فِي الصُّور الثَّلَاث مشَاهد لَهُ فِي بَلْدَة وَاحِدَة، وَلم يدع وَلم يمنعهُ من الدَّعْوَى مَانع شَرْعِي لَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ.
أما الاول: فاطلاعه على تصرفه هدما وَبِنَاء وسكوته، وَهُوَ مَانع من الدَّعْوَى كَمَا عرفت.
وَأما الثَّانِي: فلتركه الدَّعْوَى للمدة المزبورة وسكوته، وَهُوَ دَلِيل على عدم الْحق لَهُ، ولان صِحَة الدَّعْوَى شَرط لصِحَّة الْقَضَاء وَالْمَنْع مِنْهُ حكم اجتهادي كَمَا علمت.
وَأما الثَّالِث: فللمنع من السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن قُضَاته فِي سَائِر ممالكه عَن سماعهَا بعد خمس عشرَة سنة إِذا كَانَ تَركهَا لغير عذر شَرْعِي فِي الْملك لَا لكَون التقادم يبطل الْحق بِدَلِيل أَن الْحق بَاقٍ، وَيلْزمهُ لَو أقرّ بِهِ فِي مجْلِس القَاضِي، فَلَو قَالَ: لَا أسلمها لمضي هَذِه الْمدَّة مَعَ عدم دَعْوَاهُ عَليّ وَهُوَ مَانع مِنْهَا لَا يلْتَفت إِلَى تعلله وتنزع من يَده، فَلَو ادّعى أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ لي بهَا فِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة وَهُوَ يُنكره(8/98)
يَنْبَغِي أَن تسمع أَيْضا، لَان لما كَانَ الْمَنْع من سَماع أصل الدَّعْوَى ففرعها وَهُوَ الاقرار أولى بِالْمَنْعِ لما أَن النَّهْي مُطلق فيشملهما، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي كَمَا عرفت، فتنزع من يَده لابطاله ملكه ولالزامه الْحجَّة على نَفسه، وَهِي الاقرار بِعَدَمِ صِحَة تصرفه.
مطلب: لَو ترك دَعْوَاهُ الْمدَّة ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة على أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ لَهُ بهَا تسمع لَكِن يُعَارض ذَلِك إِطْلَاق عبارَة الاسماعيلية حَيْثُ قَالَ فِيمَا إِذا كَانَت دَار بَين زيد وَهِنْد فَوضع
زيد يَده على الدَّار المزبورة مُدَّة تزيد على خمس عشرَة سنة، وَطلبت هِنْد مِنْهُ فِي أثْنَاء الْمدَّة أَن يقسم لَهَا حصَّتهَا وأجابها إِلَى ذَلِك وَمَات وَلم يقسم لَهَا فطالبت أَوْلَاده بحصتها فِي الدَّار فَذكرُوا بِأَن والدهم تصرف أَكثر من خمس عشرَة سنة وَلم تدع عَلَيْهِ هِنْد وَلم يمْنَعهَا من الدَّعْوَى مَانع شَرْعِي، فَلَا تسمع دَعْوَاهَا بذلك، فَهَل تسمع دَعْوَاهَا حَيْثُ كَانَ معترفا بِأَن لَهَا فِي الدَّار حِصَّة؟ أجَاب: تسمع دَعْوَاهَا حَيْثُ كَانَ معترفا بِأَن لَهَا حِصَّة إِ هـ.
إِلَى غير ذَلِك من الاجوبة، إِلَّا أَنه لم يعز ذَلِك لَاحَدَّ كَمَا هُوَ عَادَته فِي فَتَاوَاهُ، لَكِن يُؤَيّد إِطْلَاق التَّنْقِيح أَيْضا، فَتَأمل وراجع يظْهر لَك الْحق.
أما عدم ترك الدَّعْوَى فِي مُدَّة الْخمس عشرَة سنة فَيشْتَرط كَون الدَّعْوَى عِنْد القَاضِي، فَإِن ادّعى عِنْد القَاضِي مرَارًا فِي أثْنَاء الْمدَّة الَّتِي هِيَ خمس عشرَة سنة إِلَّا أَن الدَّعْوَى لم تفصل، فَإِن دَعْوَاهُ تسمع وَلَا يمْنَع مُرُور الزَّمَان، أما لَو كَانَ الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ غَائِبا مَسَافَة لسفر ثمَّ حضر مرَارًا فِي أثْنَاء الْمدَّة الَّتِي هِيَ خمس عشرَة سنة وَسكت ثمَّ أَرَادَ أَن يَدعِي بعد ذَلِك فَلَا تسمع دَعْوَاهُ.
كَذَا فِي فَتَاوَى عَليّ أَفَنْدِي، وَإِذا كَانَ الْمَانِع شَوْكَة الْمُدعى عَلَيْهِ وزالت فَلَا يمْنَع الدَّعْوَى إِلَّا إِذا استدام زَوَال شوكته خمس عشرَة سنة، فَلَو زَالَت شوكته أقل من خمس عشرَة سنة ثمَّ صَار ذَا شَوْكَة لَا يمْنَع بعد ذَلِك من الدَّعْوَى لانه لم يصدق أَنه ترك الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَة زَوَال الشَّوْكَة خمس عشرَة سنة، وَإِنَّمَا قيدت بِقَوْلِي عِنْد القَاضِي، فَلَو ترك الْمدَّة المزبورة إِلَّا أَنه فِي أثْنَاء ذَلِك ادّعى مرَارًا عِنْد غير القَاضِي لَا تعْتَبر دَعْوَاهُ كَمَا فِي تَنْقِيح سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، هَذَا مَا ظهر لي تفقها أخذا من مَفْهُوم عِبَارَات السَّادة الاعلام بوأهم الله تَعَالَى دَار السَّلَام.
وَأَقُول: لَكِن الْمُعْتَبر الْآن مَا تقرر فِي الْمجلة الشَّرْعِيَّة فِي الاحكام العدلية، وَصدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بمواجبه أَن دَعْوَى الاقرار بعد مُضِيّ مُدَّة الْمَنْع من سَماع الدَّعْوَى لَا تسمع إِذا ادّعى أَنه أقرّ لَهُ بهَا من جُمُعَة أَو سنة مثلا، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي أَو تحرر بِهِ سَنَد شَرْعِي بإمضاء الْمقر أَو سنة مثلا، إِلَّا إِذا كَانَ الاقرار عِنْد القَاضِي أَو تحرر بِهِ سَنَد شَرْعِي بإمضاء الْمقر أَو خَتمه المعروفين، وَكَانَ بِمحضر من الشُّهُود وشهدوا بذلك فَإِنَّهَا تسمع حِينَئِذٍ إِذا لم يمض على الاقرار خمس عشرَة سنة، أَو كَانَ دَعْوَى الاقرار على عقار وَكَانَ يستأجره الْمُدعى عَلَيْهِ مُدَّة تزيد على
خمس عشرَة سنة وَالْمُسْتَأْجر يَدعِي التَّصَرُّف وينكر الِاسْتِئْجَار وَأثبت الْمُدَّعِي الِاسْتِئْجَار ومواصلة الاجرة فِي كل سنة وَكَانَ ذَلِك مَعْرُوفا بَين النَّاس، فَإِنَّهَا تسمع الدَّعْوَى حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ حق فِي دَعْوَى التَّصَرُّف الْمدَّة الْمَمْنُوع من سَماع الدَّعْوَى بهَا، وَأَيْضًا فَإِن أول ابْتِدَاء مُدَّة الْمَنْع من حِين زَوَال الْعذر كَمَا تقدم.
وَدَعوى الْمَرْأَة مهرهَا الْمُؤَجل إِذا تركت دَعْوَاهُ وَالْوَقْف الْمُرَتّب بثم إِذا كَانَ الْمُدعى محجوبا بالطبقة إِذا اسْتحق بزوالها وَترك دَعْوَاهُ، فَإِنَّهُ يعْتَبر مُدَّة التّرْك من حِين الْوَفَاة أَو الطَّلَاق وَزَوَال الدرجَة لَو كَانَ خمس عشرَة سنة لَا تسمع.(8/99)
وَدَعوى الدّين على مُعسر أيسر إِذا تَركهَا الْمدَّة الْمَذْكُورَة من حِين الْيَسَار.
وَمُدَّة عدم سَماع الدَّعْوَى فِي الْوَقْف سِتّ وَثَلَاثُونَ سنة إِذا كَانَ بِدُونِ عذر شَرْعِي وَكَانَ للْوَقْف متول.
وَأما دَعْوَى الاراضي الاميرية فَمن بعد مُرُور عشر سِنِين لَا تسمع الدَّعْوَى بهَا وَلَا بشئ من حُقُوقهَا.
وَأما الدَّعْوَى فِي الْمَنَافِع الْعَامَّة كالطريق الْعَام وَالنّهر الْعَام والمرعى وأمثال ذَلِك إِذا تصرف بهَا أحد: أَي مُدَّة كَانَت فَإِنَّهَا تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ بهَا.
وَأَن الْقَاصِر إِذا ادّعى عقارا إِرْثا عَن وَالِده مثلا بعد بُلُوغه وأثبته بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة فَلَا يسري سَماع الدَّعْوَى لبَقيَّة الْوَرَثَة البَاقِينَ الْبَالِغين التاريكين للدعوى مُدَّة الْمَنْع، وَمثله من كَانَ مُسَافِرًا.
وَأَنه إِذا ترك شخص الدَّعْوَى عشر سِنِين مثلا بِلَا عذر شَرْعِي وَمَات وَترك دَعْوَاهَا وَارثه أَيْضا الْبَالِغ عشر سِنِين أَو خمس سِنِين فَلَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث حِينَئِذٍ لَان مَجْمُوع المدتين مُدَّة الْمَنْع، وَأَيْضًا الْمَالِك وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ إِذا تركا الدَّعْوَى كَذَلِك لَا تسمع دَعْوَى المُشْتَرِي فِيمَا يتَعَلَّق بِحُقُوق الْمَبِيع إِذا كَانَ مَجْمُوع المدتين خمس عشرَة سنة كَمَا فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب الدَّعْوَى من الْمجلة، وفيهَا من الْمَادَّة (0381) : لَو أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ غَابَ قبل الحكم عَلَيْهِ وَكَانَ الاقرار لَدَى القَاضِي فَلهُ أَن يحكم عَلَيْهِ فِي غيابه، وَكَذَلِكَ لَو ثَبت الْحق عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَغَابَ قبل التَّزْكِيَة وَالْحكم، فللحاكم أَن يُزكي
الشُّهُود وَيحكم عَلَيْهِ فِي غيبته وفيهَا من الْمَادَّة (4381) لَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على وَكيل الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ حضر الْمُدعى عَلَيْهِ بِالذَّاتِ فللحاكم أَن يحكم عَلَيْهِ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ يحكم على الْوَكِيل، وَكَذَلِكَ لَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على أحد الْوَرَثَة بِحَق ثمَّ غَابَ فللحاكم أَن يحضر وَارِثا آخر ليحكم عَلَيْهِ، وفيهَا فِي الْمَادَّة الْمَذْكُورَة: إِذا طلب الْحَاكِم الشَّرْعِيّ الْخصم بِطَلَب الْمُدَّعِي وَامْتنع عَن الْحُضُور بِلَا عذر فللحاكم إِحْضَاره جبرا، وَإِذا لم يُمكن إِحْضَاره فَبعد طلبه بورثة الاحضار ثَلَاث مَرَّات فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يُمكن إِحْضَاره فللحاكم أَن ينصب عَنهُ وَكيلا لتقام عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَيحكم عَلَيْهِ.
مطلب فِي أَمْرَد كره خدمَة سَيّده لفسقه فَادّعى السَّيِّد عَلَيْهِ مبلفا سَمَّاهُ وَقَامَت الامارات على السَّيِّد بِأَن غَرَضه استبقاؤه لَا تسمع دَعْوَاهُ فَرْعٌ: سُئِلَ فِي شَابٍّ أَمْرَدَ كَرِهَ خِدْمَةَ مَنْ هُوَ فِي خِدْمَتِهِ لِمَعْنًى هُوَ أَعْلَمُ بِشَأْنِهِ وَحَقِيقَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَاتَّهَمَهُ أَنَّهُ عمد إِلَى سبته وَكَسَرَهُ فِي حَالَ غَيْبَتِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَذَا الْمبلغ سَمَّاهُ وَقَامَتْ أَمَارَةٌ عَلَيْهِ بِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ بذلك استبقاؤه واستقراره فِي يَده على مَا يتوخاه، هَلْ يَسْمَعُ الْقَاضِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ مُتَقَيِّدٌ بِخِدْمَتِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَمَرَقَتِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِحُبِّ الْغِلْمَانِ، الْجَوَابُ وَلَكُمْ فَسِيحُ الْجِنَانِ.
الْجَوَابُ: قَدْ سَبَقَ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَتْوَى بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي سَمَاعُ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى مُعَلِّلًا بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحِيلَةِ مَعْهُودٌ فِيمَا بَين الفجرة واختلاقاتهم فِيمَا بَين النَّاس مشتهرة، وفيهَا من لَفظه رَحمَه الله تَعَالَى: لَا بُد للْحَاكِم أَن لَا يصغوا لمثل هَذِهِ الدَّعَاوَى، بَلْ يُعَزِّرُوا الْمُدَّعِيَ وَيَحْجِزُوهُ عَنْ التَّعَرُّضِ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْغَمْرِ الْمُنْخَدِعِ، وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ، لِانْتِشَارِ ذَلِكَ فِي غَالِبِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ فُرُوعٌ ذُكِرَتْ فِي بَاب الدَّعْوَى،(8/100)
تَتَعَلَّقُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُدَّعِي وَحَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيزِيد ذَلِك بعد إشهاده من بعشاه يتعشى وبغداه يَتَغَدَّى، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لم يكن، وَالله تَعَالَى أعلم.
فتاوي الْخَيْرِيَّة.
وَعبارَة المُصَنّف فِي فَتَاوِيهِ بعد ذكره فَتْوَى أَبِي السُّعُودِ: وَأَنَا أَقُولُ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْفِسْقِ وَحُبِّ الْغِلْمَانِ وَالتَّحَيُّلِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ فَلَهُ سَمَاعُهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم واستغفر الله الْعَظِيم.
مطلب: دفع الدَّعْوَى صَحِيح وَكَذَا دفع الدّفع وَمَا زَاد عَلَيْهِ الحكم وَبعده على الصَّحِيح إِلَّا فِي المخمسة فصل فِي دفع الدَّعَاوَى قَالَ فِي الاشباه: دفع الدَّعْوَى صَحِيح، وَكَذَا دفع الدّفع وَمَا زَاد عَلَيْهِ يَصح هُوَ الْمُخْتَار، وكما يَصح الدّفع قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة يَصح بعْدهَا، وكما قبل الحكم يَصح بعده، إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة كَمَا كتبناه فِي الشَّرْح، وكما يَصح عِنْد الْحَاكِم الاول يَصح عِنْد غَيره، وكما يَصح قبل الاستمهال يَصح بعده هُوَ الْمُخْتَار، إِلَّا فِي ثَلَاث: الاولى: إِذا قَالَ لي دفع وَلم يبين وَجهه لَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
الثَّانِيَة: لَو بَينه لَكِن قَالَ بينتي غَائِبَة عَن الْبَلَد لم تقبل.
الثَّالِثَة: لَو بَين دفعا فَاسِدا وَلَو كَانَ الدّفع صَحِيحا وَقَالَ بينتي حَاضِرَة فِي الْمصر يمهله إِلَى الْمجْلس الثَّانِي.
كَذَا فِي جامعي الْفُصُولَيْنِ.
والامهال هُوَ الْمُفْتى بِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وعَلى هَذَا: لَو أقرّ بِالدّينِ فَادّعى إيفاءه أَو الابراء فَإِن قَالَ بينتي فِي الْمصر لَا يقْضى عَلَيْهِ بِالدفع، وَإِلَّا قضي عَلَيْهِ الدّفع بعد الحكم صَحِيح، إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة كَمَا ذكرته فِي الشَّرْح.
مطلب: لَا يَصح الدّفع من غير الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ أحد الْوَرَثَة الدّفع من غير الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يَصح إِلَّا إِذا كَانَ أحد الْوَرَثَة اهـ: أَي فَإِنَّهُ يسمع دَفعه وَإِن ادّعى على غَيره لقِيَام بَعضهم مقَام الْكل، حَتَّى لَو ادّعى مُدع على أحد الْوَرَثَة فبرهن الْوَارِث الآخر أَن الْمُدَّعِي أقرّ بِكَوْنِهِ مُبْطلًا فِي الدَّعْوَى تسمع كَمَا فِي الْبَحْر، لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا لَهُم وَعَلَيْهِم.
قَوْله: (ذكر من لَا يكون خصما) لَان معرفَة الملكات قبل معرفَة الاعدم، فَإِن قيل الْفَصْل مُشْتَمل على ذكر من يكون خصما أَيْضا قلت: نعم من حَيْثُ الْفرق لَا من حَيْثُ الْقَصْد الاصلي.
عناية.
قَوْله: (هَذَا الشئ أَو دعنيه الخ) أطلق قَوْله هَذَا فَشَمَلَ أَنه قَالَ ذَلِك وَبرهن عَلَيْهِ قبل تَصْدِيقه الْمُدَّعِي فِي أَن الْملك لَهُ أَو بعد تَصْدِيقه كَمَا فِي تَلْخِيص الْجَامِع، أَو أنكر كَونه ملكا لَهُ، فَطَلَبَ
مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ وَلَمْ يَقْضِ القَاضِي حَتَّى دَفعه الْمُدَّعِي بِأحد هَذِه الاشياء كَمَا فِي الشُّرُوح، فَظهر أَن قَوْله فِي التَّصْوِير زيد لغَائِب بِنَاء لما فِي الشُّرُوح فَيحمل على التَّمْثِيل، لَكِن فِي نور الْعين برمز قَشّ: ادّعى ذُو الْيَد وَدِيعَة وَلم يُمكنهُ إِثْبَاتهَا حَتَّى حكم للْمُدَّعِي وَنفذ حكمه ثمَّ لَو برهن على الايداع لَا يقبل، فَلَو قدم الْغَائِب فَهُوَ على حجَّته.(8/101)
مطلب: لَا تنْدَفع الدَّعْوَى لَو كَانَ الْمُدَّعِي هَالكا يَقُول الحقير: فِيهِ إِشْكَال لما سَيَأْتِي فِي أَوَاخِر هَذَا الْفَصْل نقلا عَن الذَّخِيرَة أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعده أَيْضا، وَلَعَلَّه بِنَاء على أَن الدّفع بعد الحكم لَا يسمع، وَهُوَ خلاف القَوْل الْمُخْتَار كَمَا سَيَأْتِي أَيْضا هُنَاكَ، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
وَأَشَارَ بقوله هَذَا الشئ إِلَى أَن الْمُدَّعِي بِهِ قَائِم كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح، إِذْ لَو كَانَ هَالكا لَا تنْدَفع الْخُصُومَة، فَيَقْضِي بِالْقيمَةِ على ذِي الْيَد للْمُدَّعِي، ثمَّ إِن حضر الْغَائِب فَصدقهُ فِيمَا قَالَ فَفِي الْوَدِيعَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْمُضَاربَة وَالشَّرِكَة يرجع الْمُدعى عَلَيْهِ على الْغَائِب بِمَا ضمن، وَلَا يرجع الْمُسْتَعِير وَالْغَاصِب وَالسَّارِق كَمَا فِي الْعمادِيَّة، وَإِلَى أَنه أَعم من أَن يكون مَنْقُولًا أَو عقارا كَمَا صرح بِهِ الشَّارِح أَيْضا كَمَا فِي الْمَبْسُوط، وَظَاهر هَذَا القَوْل على أَن ذَا الْيَد ادّعى إِيدَاع الْكل أَو عاريته أَو رَهنه الخ.
مطلب: قَالَ النّصْف لي وَالنّصف وَدِيعَة لفُلَان هَل تبطل الدَّعْوَى فِي الْكل وَفِي النّصْف؟ وَلَو ادّعى أَن نصفه وَنَحْوه ملكه وَنصفه الآخر وَدِيعَة فِي يَد لفُلَان الْغَائِب قيل لَا تبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي إِلَّا فِي النّصْف، وَإِلَيْهِ الاشارة فِي بُيُوع الْجَامِع الْكَبِير كَمَا فِي الذَّخِيرَة.
وَقيل تبطل فِي الْكل لتعذر التَّمْيِيز، وَعَلِيهِ كَلَام الْمُحِيط وَالْخَانِيَّة وَالْبَحْر، وَاخْتَارَ فِي الِاخْتِيَار.
وَلَكِن قَالَ صَاحب الْعمادِيَّة: فِي هَذَا القَوْل نظر، فَيظْهر مِنْهُ أَن الْمُخْتَار عِنْده عدم الْبطلَان فِي النّصْف.
وَنقل فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ هَذَا النّظر من غير تعرض، وَكَذَا صَاحب نور الْعين، وَاقْتصر المُصَنّف عَلَى الدَّفْعِ بِمَا ذُكِرَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا زَادَ وَقَالَ كَانَتْ دَارِي بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَوْدَعَنِيهَا أَوْ ذَكَرَ هِبَةً وَقَبْضًا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ، وَلَو أجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِي أَوْ هِيَ لِفُلَانٍ وَلَمْ يزدْ لَا يكون دفعا.
حموي
مُلَخصا.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ بقوله: وَبرهن عَلَيْهِ أَي على مَا قَالَ إِلَى أَنه لَو برهن على إِقْرَار الْمُدَّعِي أَنه لفُلَان وَلم يزِيدُوا فالخصومة بَينهمَا قَائِمَة كَمَا فِي خزانَة الاكمل.
اهـ.
لَكِن يُخَالِفهُ مَا ذكره بعد عَن الْبَزَّازِيَّة أَنَّهَا تنْدَفع فِي هَذِه الصُّورَة، وَكَذَا مُخَالف لما قدمه قبل أسطر عَن خزانَة الاكمل، لَكِن مَا قدمه فِيهِ الشَّهَادَة على إِقْرَار الْمُدَّعِي أَن رجلا دَفعه إِلَيْهِ وَمَا هُنَا على إِقْرَار بِأَنَّهُ لفُلَان بِدُونِ التَّصْرِيح بِالدفع، فَتَأمل.
مطلب: حِيلَة إِثْبَات الرَّهْن على الْغَائِب
قَوْله: (أَو رهننيه) هَذِه مِمَّا تصلح حِيلَة لاثبات الرَّهْن فِي غيبَة الرَّاهِن كَمَا فِي حيل الْوَلوالجِيَّة.
مطلب: لَا بُد من تعْيين الْغَائِب فِي الدّفع وَالشَّهَادَة
قَوْله: (زيد الْغَائِب) أَتَى باسم الْعلم لانه لَو قَالَ أودعينه رَحل لَا أعرفهُ لن تَنْدَفِعْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْغَائِبِ فِي الدّفع، وَكَذَا فِي الشَّهَادَة كَمَا يذكرهُ الشَّارِحُ، فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ عَنْ حزانة الْأَكْمَلِ وَالْخَانِيَّةِ: لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ رَجُلًا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ فَلَا خُصُومَة بَينهمَا.
مطلب: أطلق فِي الْغَائِب فَشَمَلَ الْبعيد والقريب وَأَطْلَقَ فِي الْغَائِبِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَعِيدًا مَعْرُوفًا يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ قَرِيبًا،
قَوْله: (أَو(8/102)
غصبته مِنْهُ) المُرَاد أم الْمُدَّعِيَ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ وَلَمْ يدع فعلا.
وَحَاصِلُ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ يَده يَد أَمَانَة أَو مَضْمُونَة وَالْملك لغيره.
قَوْله: (وَبرهن عَلَيْهِ) مُرَاده بالبرهان: أَي بعد إِقَامَة الْمُدَّعِي الْبُرْهَان على مدعاه، لانه لما ادّعى الْملك أنكرهُ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَطلب مِنْهُ الْبُرْهَان، وَلم يقْض للْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفعه الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِمَا ذكرنَا وَبرهن على الدّفع، وَلَا بُد من ذَلِك، حَتَّى لَو قضي للْمُدَّعى لم يسمع برهَان ذِي الْيَد كَمَا فِي الْبَحْر.
لَكِن قدمنَا عَن نور الْعين معزيا للذخيرة أَن الْمُخْتَار خِلَافه، وَهُوَ أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعده أَيْضا فَلَا تنسه، وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ إِذا لم يدع
الايداع أَو ادَّعَاهُ وَلم يبرهن عَلَيْهِ لم يظْهر أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة فتوجهت عَلَيْهِ دَعْوَى الْخَارِج، وَصَحَّ الحكم بهَا بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة على الْملك لانها قَامَت على خصم، ثمَّ إِذا أَرَادَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَن يثبت الايداع لَا يُمكنهُ، لانه صَار أَجْنَبِيّا يُرِيد إِثْبَات الْملك الْغَائِب وإيداعه، فَلم تَتَضَمَّن دَعْوَاهُ إبِْطَال الْقَضَاء السَّابِق، وَالدَّفْع إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ فِيهِ برهَان على إبِْطَال الْقَضَاء، وَلما لم يقبل برهانه وَلَا دَعْوَاهُ لما قُلْنَا لم يظْهر بطلَان الْقَضَاء، وعَلى هَذَا لَا نرد الْمَسْأَلَة وعَلى القَوْل الْمُخْتَار، فَلْيتَأَمَّل.
قَالَ فِي نور الْعين: ادّعى ملكا مُطلقًا فَقَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ اشْتَرَيْته مِنْك فَقَالَ الْمُدَّعِي قد أقلت البيع فَلَو قَالَ الآخر إِنَّك أَقرَرت أَنِّي مَا أشتريته يسمع إِذا ثبتَتْ الْعَدَالَة، إِذْ وَيصِح الدّفع قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَبعدهَا وَقبل الحكم وَبعده، وَدفع الدّفع وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، حَتَّى لَو برهن عل مَال وَحكم لَهُ فبرهن خَصمه أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الحكم أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ بَطل الحكم.
قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَقُول: يَنْبَغِي أَن لَا يبطل الحكم لَو أمكن التَّوْفِيق بحدوثه بعد إِقْرَاره على مَا سَيَأْتِي قَرِيبا فِي فش أَنه لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك.
يَقُول الحقير: قَوْله: يَنْبَغِي مَحل نظر، لَان مَا فِي ذَلِك بِنَاء على اخْتِيَار اشْتِرَاط التَّوْفِيق، وَعدم الِاكْتِفَاء بِمُجَرَّد إِمْكَان التَّوْفِيق كَمَا مر مرَارًا، فغقط متقدمو مَشَايِخنَا جوزوا دفع الدّفع، وَبَعض متأخريهم على أَنه لَا يَصح، وَقيل يَصح مَا لم يظْهر احتيال وتلبيس.
فش: حكم لَهُ بِمَال ثمَّ رَفعه إِلَى قَاض آخر جَاءَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِالدفع يسمع وَيبْطل حكم الاول، وَفِيه: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَنَّهُ شراه بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان، ثمَّ مضى وقتا الحكم فملكه، فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل وَلَا يحكم، إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ.
يَقُول الحقير: الظَّاهِر أَنه لَو برهن قبل الحكم فِيمَا لم يكن التَّوْفِيق خفِيا يَنْبَغِي أَن لَا يقبل، وَيحكم على مذب من جعل إِمْكَان التَّوْفِيق كَافِيا إِذْ لَا شكّ حِينَئِذٍ لَان إِمْكَانه كتصريحه عِنْدهم، وَالله تَعَالَى أعلم.
ا.
هـ.
ثمَّ نقل عَن الْبَزَّازِيَّة الْمُقْتَضِي عَلَيْهِ: لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده فِيهِ إِلَّا أَن يبرهن على إبِْطَال الْقَضَاء بِأَن ادّعى دَارا بالارث وَبرهن وَقضى ثمن ادّعى الْمقْضِي عَلَيْهِ الشِّرَاء من مورث أَو ادّعى الْخَارِج الشِّرَاء من فلَان وَبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ من شِرَائِهِ من فلَان أَو من الْمُدَّعِي قبله أَو يقْضِي عَلَيْهِ بالدابة فبرهن على نتاحها عِنْده.
اه.(8/103)
مطلب: أرد بالبرهان الْحجَّة سَوَاء كَانَت بَيِّنَة أَو إِقْرَار الْمُدَّعِي وَمرَاده بالبرها وجود حجَّة على مَا قَالَ، واء كَانَت بَيِّنَة أَو إِقْرَار الندعي كَمَا فِي الْبَحْر، وَقدمنَا مَا يدل عَلَيْهِ قَرِيبا، لَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ لِعَيْنِ مَا ادَّعَاهُ لما فِي الْبَحْر أَيْضا عَن خزانَة الاكمل قَالَ: شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا نَدْرِي لمن هُوَ، فَلَا خُصُومَة بَينهمَا، وَلَو لَك يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خَصْمًا، وَإِن نكل فَلَا خصوة.
ا.
هـ.
وَفِي الخزانة: وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ كَانَ خصما، وَإِن نكل فَلَا خُصُومَة ا.
هـ.
وَإِن ادّعى أَن الْغَائِب أودعهُ عِنْده يحلفهُ الْحَاكِم بِاللَّه لقد أودعها إِلَيْهِ على الْبَتَات لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لَكِن تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول.
بَزَّازِيَّة.
قَالَ الْبَدْر الْعَيْنِيّ: وَالشّرط إِثْبَات هَذِه الاشياء دون الْملك، حَتَّى لَو شهدُوا بِالْملكِ للْغَائِب دون هَذِه الاشياء لم تنْدَفع الْخُصُومَة وَبِالْعَكْسِ تنْدَفع
قَوْله: (وَالْعين قَائِمَة) مفهومة أَنَّهَا لَا تنْدَفع لَو كَانَ الْمُدَّعِي هَالكا وَسَيَأْتِي، وَبِه صرح فِي الْعِنَايَة أخدا من خزانَة الاكمل فَقَالَ: عبد هلك فِي يَد رجل أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَ الَّذِي مَاتَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانٌ أَوْ غَصَبَهُ أَو آجره وَلم يُقْبَلْ وَهُوَ خَصْمٌ، فَإِنَّهُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ عَلَيْهِ وَإِيدَاعُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُدَّعِي، أَمَّا لَوْ كَانَ غصبا لَمْ يَرْجِعْ.
وَكَذَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاقُ مِثْلُ الْهَلَاك هَاهُنَا، فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ يَوْمًا يَكُونُ عَبْدًا لِمَنْ اسْتَقر عَلَيْهِ الضَّمَان.
اهـ.
وَكَأن الشَّارِح أَخذ التَّقْيِيد من الاشارة بقوله الْمَار هَذَا الشئ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا إلَى مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وأشرنا إِلَيْهِ فِيمَا سبق.
قَوْله: (وَقَالَ الشُّهُود نعرفه) أَي الْغَائِب الْمُودع باسمه وَنسبه.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَا بُد من تعْيين الْغَائِب فِي الدّفع وَالشَّهَادَة، فَلَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدَا بِمُعَيَّنٍ أَوْ عَكسه لم تنْدَفع.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِوَجْهِهِ) فَمَعْرِفَتُهُمْ وَجْهَهُ فَقَطْ كَافِيَةٌ عِنْد الامام كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَوْله: (وَشرط مُحَمَّد مَعْرفَته بِوَجْهِهِ أَيْضا) صَوَاب الْعبارَة: وَشرط مُحَمَّد مَعْرفَته بِوَجْهِهِ واسْمه وَنسبه أَيْضا، أَو يَقُولَ: وَلَمْ يَكْتَفِ مُحَمَّدٌ بِمَعْرِفَةِ الْوَجْهِ فَقَطْ.
قَالَ فِي الْمنح: فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنّسب.
اهـ.
وَمحل الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ مِنْ مُعَيَّنٍ بِالِاسْمِ وَالنّسب فشهدا بِمَجْهُول لَكِن قَالَا نعرفه بِوَجْهِهِ، أما لَوْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ إِجْمَاعًا.
كَذَا فِي شرح أدب القَاضِي للخصاف.
قَوْله: (فَلَو حلف لَا يعرف فلَانا) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْرِيعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَمْ يَكْتَفِ ف مُحَمَّدٌ بِمَعْرِفَةِ الْوَجْهِ فَقَطْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ.
وَالْمَعْرِفَةُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: هَلْ تعرف اسْمه وَنسبه؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: إِذا لَا تعرفه وَكَذَا لَو حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بِوَجْهِهِ لَا يَحْنَث.
قَوْله: (ذكره الزَّيْلَعِيّ) عِبَارَته: وَهَذَا كُله فِيمَا إِذا قَالَ الشُّهُود نَعْرِف صَاحب المَال وَهُوَ الْمُودع أَو الْمُعير باسمه وَنسبه وَوَجهه، لَان الْمُدَّعِي يُمكنهُ أَن يتبعهُ، وَإِن قَالُوا لَا نعرفه بشئ من ذَلِك لَا يقبل القَاضِي شَهَادَتهم وَلَا تنْدَفع الْخُصُومَة عَن ذِي الْيَد بالاجماع، لانهم مَا أحالوا الْمُدَّعِي على رجل مَعْرُوف تمكن مخاصمته، وَلَعَلَّ الْمُدَّعِي هُوَ ذَلِك الرجل،(8/104)
وَلَو اندفعت لبطل حَقه، ولانه لَو كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُودع لَا يبطل، وَإِن كَانَ غَيره يبطل، فَلَا يبطل بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَال دفعا للضَّرَر عَنهُ، إِلَّا إِذا أَحَالهُ على مَعْرُوف يُمكن الْوُصُول إِلَيْهِ كي لَا يتَضَرَّر الْمُدَّعِي، والمعرفة بِوَجْهِهِ فَقَط لَا تكون معرفَة الخ.
وَالْحَاصِل على مَا يُؤْخَذ من كَلَامهم: إِذا قَالُوا نعرفه باسمه وَنسبه وَوَجهه تنْدَفع اتِّفَاقًا، وَإِن قَالُوا نعرفه بِوَجْهِهِ وَلَا نعرفه باسمه وَنسبه تنْدَفع عِنْد أبي حنيفَة، وَلَا تنْدَفع عِنْد مُحَمَّد وَأبي يُوسُف، فَإِنَّهُمَا يشترطان مَعْرفَته باسمه وَوَجهه، وَأما مَعْرفَته باسمه دون وَجهه فَلَا تَكْفِي كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
قَوْله: (وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة) وَفِي الْمنح تبعا للبحر: وتعويل الائمة على قَول مُحَمَّد.
قَوْلُهُ: (دُفِعَتْ خُصُومَةُ
الْمُدَّعِي) أَيْ حَكَمَ الْقَاضِي بدفعها لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْفِعْل عَلَيْهِ كالغصب وَغَيره، لَان ذَا الْيَد صَار خصما للْمُدَّعِي بِاعْتِبَار دَعْوَى الْفِعْل عَلَيْهِ، فَلَا تنْدَفع الْخُصُومَة بِإِقَامَة الْبَيِّنَة أَن الْعين لَيْسَ للْمُدَّعِي.
زَيْلَعِيّ.
وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى إعَادَةِ الدَّفْعِ بَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ دُفِعَتْ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ بعد الْبُرْهَان كَيفَ يتَوَهَّم وجوب الْحلف، أما قبله فقد نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لَقَدْ أَوْدَعَهَا إلَيْهِ لَا عَلَى الْعِلْمِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ الْإِيدَاعَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا تَنْدَفِعُ بَلْ يحلف الْمُدَّعِي على عدم الْعلم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن صَاحب الْبَحْر لاحظ أَنه يُمكن قِيَاسه على مديون الْمَيِّت.
تَأمل.
قَالَ ط: وَأطلق فِي اندفاعها فَشَمَلَ مَا إِذا صدقه ذُو الْيَد على دَعْوَى الْملك ثمَّ دَفعه بِمَا ذكر فَإِنَّهَا تنْدَفع كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلم يشْتَرط أحد من أَئِمَّتنَا لقبُول الدّفع إِقَامَة الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة، فَقَوْل صَاحب الْبَحْر: وَلَا بُد من الْبُرْهَان من الْمُدَّعِي غير مُسلم، لانه لم يسْتَند فِيهِ إِلَى نقل أَبُو السُّعُود اهـ.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: شح قَالَ ذُو الْيَد أَنه للْمُدَّعِي إِلَّا أَنه أودعني فلَان تنْدَفع الْخُصُومَة لَو برهن، وَإِلَّا فَلَا.
فش لَا تنْدَفع الْخُصُومَة إِذا صدقه.
أَقُول: فعلى إِطْلَاقه يَقْتَضِي أَن لَا تنْدَفع وَلَو برهن على الايداع، وَفِيه نظر.
اهـ.
قَوْله: (للْملك الْمُطلق) أَي من غير زِيَادَة عَلَيْهِ، وَاحْترز بِهِ عَمَّا إِذا ادّعى عبدا أَنه ملكه وَأعْتقهُ فَدفعهُ الْمُدعى عَلَيْهِ بِمَا ذكر وَبرهن فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الْخُصُومَة، وَيَقْضِي بِالْعِتْقِ على ذِي الْيَد، فَإِن جَاءَ الْغَائِب وَادّعى وَبرهن أَنه عَبده أَو أَنه أعْتقهُ يقْضى بِهِ، فَلَو ادّعى على آخر أَنه عَبده لم يسمع.
وَكَذَا فِي الِاسْتِيلَاد وَالتَّدْبِير.
وَلَو أَقَامَ العَبْد بَيِّنَة أَن فلَانا أعْتقهُ وَهُوَ يملكهُ فبرهن ذُو الْيَد على إِيدَاع فلَان الْغَائِب بِعَيْنِه يقبل، وَبَطلَت الْبَيِّنَة العَبْد، فَإِذا حضر الْغَائِب قيل للْعَبد أعد الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، فَإِن أَقَامَهَا قضينا بِعِتْقِهِ وَإِلَّا رد عَلَيْهِ، وَلَو قَالَ العَبْد أَنا حر الاصل قبل قَوْله، وَلَو برهن ذُو الْيَد على الايداع، وَلَا يُنَافِيهِ دَعْوَى حريَّة الاصل، فَإِن الْحر قد يودع، وَكَذَا الاجارة والاعارة.
وَأما فِي الرَّهْن قَالَ بَعضهم: الْحر قد برهن.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يرْهن، فَتعْتَبر الْعَادة.
كَذَا فِي خزانَة الاكمل.
اهـ.
لَكِن قَالَ الرَّمْلِيّ: قَالُوا الْحر لَا يجوز
رَهنه لانه غير مَمْلُوك.
وَأَقُول: فَلَو رهن رجل قرَابَته كابنه أَو أَخِيه على مَا جرت بِهِ عَادَة السلاطين فَلَا حكم لَهُ لقَوْله(8/105)
تَعَالَى: * (فرهان مَقْبُوضَة) * (الْبَقَرَة: 382) .
وَالْحر لَا تثبت عَلَيْهِ الْيَد.
قَالَ بَعضهم: وَرَأَيْت فِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم وَهُوَ النَّخعِيّ قَالَ: إِذا رهن الرجل الْحر فَأقر بذلك كَانَ رهنا حَتَّى يفكه الَّذِي رَهنه أَو يفك نَفسه.
وَجه كَلَام النَّخعِيّ الْمُؤَاخَذَة بِإِقْرَارِهِ اهـ.
وَمن الْملك الْمُطلق دَعْوَى الْوَقْف وَدَعوى غلبته.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَو ادّعى وقفية مَا فِي يَد آخر وَبرهن فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَنَّهُ مُودع فلَان وَنَحْوه فبرهن فَإِنَّهَا تنْدَفع خُصُومَة الْمُدَّعِي كَمَا فِي الاسعاف.
قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عُرِفَ ذُو الْيَدِ بِالْحِيَلِ) بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَ إنْسَانٍ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعَهُ سِرًّا إلَى مُرِيدِ سَفَرٍ وَيُودِعُهُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى إذَا جَاءَ الْمَالِكُ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَهُ فِيهِ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً على أَن فلَانا أودعهُ فَيبْطل حَقه.
أَفَادَهُ الْحلَبِي.
قَوْله: (وَبِه يُؤْخَذ ملتقى) وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَار.
قَالَ فِي التَّبْيِين: فَيجب على القَاضِي أَن ينظر فِي أَحْوَال النَّاس وَيعْمل بِمُقْتَضى حَالهم، فقد رَجَعَ أَبُو يُوسُف إِلَى هَذَا القَوْل بعد مَا ولي الْقَضَاء وابتلي بِأُمُور النَّاس وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان اهـ.
وَمثله فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة.
قَوْله: (لَان فِيهَا أَقْوَال خَمْسَة عُلَمَاء) الاول: مَا فِي الْكتاب.
الثَّانِي: قَول أبي يُوسُف: إِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ صَالحا فَكَمَا قَالَ الامام، وَإِن كَانَ مَعْرُوفا بالحيل لم تنْدَفع عَنهُ.
الثَّالِث: قَول مُحَمَّد: إِنَّه لَا بُد من معرفَة الِاسْم وَالنّسب.
وَالْوَجْه الرَّابِعُ، قَوْلُ ابْن شُبْرُمَةَ: إنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ عَنهُ مُطلقًا لانه تعذر إِثْبَات الْملك للْغَائِب لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْهُ وَدَفَعَ الْخُصُومَةَ بِنَاءً عَلَيْهِ.
الْخَامِسُ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَة لاقرار بِالْملكِ للْغَائِب، وَقد علم مِمَّا ذكر من قَول مُحَمَّد: إِن الْخلاف لم يتوارد على مورد وَاحِد.
وشبرمة بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء، واسْمه عبد الله بن صبية بِفَتْح الصَّاد وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الطُّفَيْل أحد فُقَهَاء الْكُوفَة، ونظمها بَعضهم فَقَالَ: إِذا قَالَ: إِنِّي مُودع كَانَ دافعا لمن يَدعِي ملكا لَدَى ابْن أبي ليلى كَذَا عندنَا إِن جَاءَ فِيهِ بِحجَّة وَلم تنْدَفع عِنْد ابْن شبْرمَة الدَّعْوَى
وَيَكْفِي لَدَى النُّعْمَان قَول شُهُوده بِأَنا عرفنَا ذَلِك الْمَرْء بالمرأى كَذَاك لَدَى الثَّانِي إِذا كَانَ مصلحا وَآخرهمْ يَأْبَى إِذا لم يكن سمى قَوْله: أَو لَان صورها خمس هِيَ الْمَذْكُورَة فِي الْمَتْن.
قَوْله: (عَيْني) لم يقْتَصر الْعَيْنِيّ على هَذَا الْوَجْه وَإِنَّمَا ذكر الِاحْتِمَالَيْنِ.
قَوْله: (وَفِيه نظر الخ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ وَكَّلَنِي يَرْجِعُ إلَى أَوْدَعَنِيهِ، وَأَسْكَنَنِي إلَى أَعَارَنِيهِ وَسَرَقْته مِنْهُ إلَى غَصَبْته مِنْهُ، وَضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته إلَى أَوْدَعَنِيهِ، وَهِيَ فِي يَد مُزَارَعَةً إلَى الْإِجَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ، فَلَا يُزَادُ على الْخمس بِحَسب أُصُولهَا، وَإِلَّا فبحسب الْفُرُوع أحد عشر كَمَا ذكره الشَّارِح، وَبِه ينْدَفع التنظير ويندفع مَا أوردهُ صَاحب الْبَحْر على الْبَزَّازِيَّة، وَنسبَة الذهول إِلَيْهِ كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.
قَوْله: (أَو أسكنني فِيهَا زيد الْغَائِب الخ) هِيَ وَمَا قبلهَا ألحقهما فِي الْبَحْر بالامانة: أَي الْوَدِيعَة وَالْعَارِية.
وَفِي الْكَافِي: ادّعى دَارا أَنَّهَا دَاره فبرهن ذُو الْيَد أَن فلَانا أسْكنهُ بهَا، فَهَذَا على أَرْبَعَة أوجه: إِن شَهدا بِإِسْكَان فلَان وتسليمه أَو بإسكانه وَكَانَت فِي يَد سَاكن يَوْمئِذٍ أَولا فِي يَد السَّاكِن(8/106)
تنْدَفع، وَإِن قَالُوا: كَانَت يَوْمئِذٍ فِي يَد ثَالِث لَا تقبل.
أما الاول: فلانهما شَهدا على إسكان صَحِيح لَان الصَّحِيح يكون فِيهِ تَسْلِيم وتسلم.
وَكَذَا الثَّانِي: لَان الْقَبْض الْمَوْجُود عقب العقد يُضَاف إِلَيْهِ.
وَكَذَا الثَّالِث: لَان تحكيم الْحَال لمعْرِفَة الْمِقْدَار أصل مُقَرر وَالرَّابِع فَاسد.
قَوْله: (أَو سَرقته مِنْهُ) هِيَ وَالَّتِي بعْدهَا ألحقهما فِي الْبَحْر بِالْغَصْبِ.
قَوْله: (أَو انتزعته مِنْهُ) عبر فِي الْبَحْر بدل بدله بقوله أَو أَخَذته مِنْهُ وَالْحكم وَاحِد ط.
قَوْله: (بَحر) ذكر فِيهِ بعد هَذَا نَا نَصه: وَإِلَّا ولان رَاجِعَانِ إلَى الْأَمَانَةِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ إلَى الضَّمَانِ لَمْ يَشْهَدْ فِي الْأَخِيرَةِ وَإِلَّا فَإِلَى الْأَمَانَةِ، فَالصُّوَرُ عَشْرٌ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِر فِي الْخمس.
اهـ.
وَقد علمت أَن عدم انحصارها بِحَسب فروعها، وَإِلَّا فعلى مَا قَرَّرَهُ من رُجُوع الْخَمْسَة المزيدة إِلَى الْخَمْسَة الاصول فَهِيَ منحصرة، فَالْمُرَاد انحصار أُصُولهَا فِي الْخَمْسَة، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِ مَا زَادَهُ لي مَا ذُكِرَ لَا مَحَلَّ لِلِاعْتِرَاضِ بِعَدَمِ الِانْحِصَارِ.
تَأمل.
قَوْله: (أَو هِيَ فِي يَدي مُزَارعَة) مُقْتَضى كَلَامهَا أَن هَذِه لَيْسَتْ فِي الْبَحْرِ مَعَ أَنَّهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا فِيهِ ح.
قَوْله: (ألحق) بِصِيغَة الْمَاضِي الْمَعْلُوم.
قَوْله:
(الْمُزَارعَة بالاجارة) من حَيْثُ إِن الْعَامِل إِذا دفع الْبذر مِنْهُ كَانَ مُسْتَأْجرًا لَهَا، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَت الارض لوَاحِد وَالْبذْر وَالْعَمَل للْآخر، فَإِنَّهُ يَجْعَل كَأَنَّهُ أجره أرضه بِمَا شَرطه من الْخَارِج.
قَوْله: (أَو الْوَدِيعَة) من حَيْثُ عدم الضَّمَان لنصيب صَاحبه إِذا ضَاعَ مِنْهُ من غير تعد كَمَا إِذا كَانَ الْعَمَل لوَاحِد وَالْبَاقِي لآخر، أَو الْعَمَل وَالْبَقر فَإِنَّهُ يَجْعَل كَأَنَّهُ اسْتَأْجرهُ، أَو اسْتَأْجرهُ مَعَ بقره ليعْمَل لَهُ فِي أرضه ببذر صَاحب الارض وَصَارَت الارض وَالْبذْر فِي يَد الْعَامِل بِمَنْزِلَة الْوَدِيعَة.
قَوْله: (قل) أَي فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَوْله: (فَلَا يُزَاد على الْخمس) أَيْ لَا تُزَادُ مَسْأَلَةُ الْمُزَارَعَةِ الَّتِي زَادَهَا الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُزَاد لباقية أَيْضا، لَكِن فِي الْبَزَّازِيَّة لم يبين إِلَّا إِلْحَاق الْمُزَارعَة، وَمَا فِي الْبَحْر من رُجُوع الاولين إِلَى الامانة وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة إِلَى الضَّمَان لَيْسَ فِيهِ بَيَان إِلْحَاق، لَان الامانة وَالضَّمان ليستا من الْمسَائِل الْخمس، غَايَته أَنه بَين أَن بَعْضهَا، رَاجع إِلَى الامانة والامانة أَنْوَاع، وَكَذَا الضَّمَان.
نعم قَوْله أسكنني فِيهَا رَاجع إِلَى الْعَارِية، وَهِي من الصُّور الْخمس وانتزعته مِنْهُ رَاجع إِلَى الْغَصْب، وَهُوَ كَذَلِك فَألْحق أَنَّهَا ثَمَان صور أَو تسع، لَان الْمُزَارعَة وَإِن رجعت إِلَى غَيرهَا لَكِنَّهَا تميزت باسم على حِدة وَكَذَا بِأَحْكَام، فَإِن الاجارة بِالْمَجْهُولِ وَإِعْطَاء الاجير من عمله مَشْرُوطَة لَهُ ذَلِك لَا يَصح، وفيهَا يَصح.
قَوْله: (وَقد حررته فِي شرح الْمُلْتَقى) حَيْثُ عمم قَوْله: غبته مِنْهُ بقوله وَلَو حكما، فَأدْخل فِيهِ بقوله أَوْ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ انْتَزَعْته مِنْهُ، وَكَذَا عَمَّمَ قَوْلَهُ أَوْدَعَنِيهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ حُكْمًا، فَأَدْخَلَ فِيهِ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُحَرَّرٌ أَحْسَنُ مِمَّا هُنَا، فَإِنَّهُ هُنَا أَرْسَلَ الِاعْتِرَاضَ، وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ فأوهم خُرُوج مَا عَداهَا عَمَّا ذَكَرُوهُ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ كَمَا عَلِمْت، فَافْهَم.
مطلب: إِذا حضر الْغَائِب وَصدق الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضمن للْمُدَّعِي وَحَاصِل مَا يُقَال: أَنه إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ فِي الْإِيدَاعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْن رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا(8/107)
ضمن للْمُدَّعِي، لانه هُوَ الَّذِي أوقعه فِي هَذِه الْمسَائِل لانه عَامل لَهُ، أما فِي الايداع فَظَاهر.
وَأما فِي الاجارة: فُلَانُهُ لما أَخذ الْبَدَل صَار كَأَنَّهُ هُوَ المستوفي للمنفعة باستيفائه بدلهَا فَصَارَ الْمُسْتَأْجر عَاملا لَهُ،
وَكَذَا الرَّاهِن فَإِنَّهُ موف لدينِهِ بِالرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهن مستوف بِهِ دينه فَأشبه عقد الْمُعَارضَة، فَإِن مَنْفَعَة الرَّهْن لَهُ ليحصل بِهِ غَرَضه عَن وُصُوله إِلَى الدّين، أما لَو كَانَ غصبا فلَان ضَمَان الْمَغْصُوب عَلَيْهِ وَقد أَدَّاهُ فَلَا يرجع بِهِ على غَيره، لَكِن ظَاهر كَلَام الْمنح أَنه لَيْسَ للْمقر لَهُ رُجُوع عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ بعد اسْتِيفَاء الْمُدَّعِي، لانه صَار مُكَذبا شرعا فِي إِقْرَاره للْغَائِب، وَكَذَا الْعَارِية، لَا يرجع فِيهَا على الْمُعير، لَان الْمُسْتَعِير عَامل لنَفسِهِ، والمعير محسن وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل فَلَا رُجُوع لَهُ على معيره.
وَيَنْبَغِي أَن يرجع عَلَيْهِ لانه عَامل لَهُ، والمسروق مِنْهُ كالمغصوب مِنْهُ.
وَينظر فِي اللّقطَة هَل يرجع عَلَيْهِ لانه عَامل لَهُ؟ يتَأَمَّل فِي ذَلِك.
والمزارعة كالاجارة.
قَوْله: (وَإِن كَانَ هَالكا) مُحْتَرز قَوْله وَالْعين قَائِما، وَقد سبق أَنه يَدعِي الدّين عَلَيْهِ وَهُوَ قيمَة الْهَالِك، وإيداع الدّين لَا يُمكن وَكَذَا أَخَوَات الايداع.
قَوْله: (أَوْ قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ) لانهم مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ تُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ، وَلَعَلَّ الْمُدَّعِي هُوَ ذَلِك الرجل، وَلَو اندفعت لبطل حَقه كَمَا مر.
لَكِن قد يُقَال: إِن مُقْتَضى الْبَيِّنَة لشيئين ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَائِبِ وَلَا خَصْمَ فِيهِ فَلَمْ يثبت، وَدفع خُصُومَة الْمُدَّعِي وَهُوَ خصم فَيثبت.
وَكَذَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي الْمَجْهُول أَن لَا يثبت للْمَجْهُول وتندفع خُصُومَة الْمُدَّعِي.
تَأمل.
قَوْله: (أَو أقرّ ذُو الْيَد بيد الْخُصُومَة) كيد الْملك فَإِن القَاضِي يقْضِي ببرهان الْمُدَّعِي، لَان ذَا الْيَد لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خصما.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَوْ بَرْهَنَ بَعْدَهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَمْ تُسْمَعْ.
قَوْله: (قَالَ ذُو الْيَد اشْتَرَيْته) وَلَو فَاسِدا مَعَ الْقَبْض كَمَا فِي الْبَحْر، وَأطلق فِي الشِّرَاء فَعم الْفَاسِد كَمَا فِي أدب القَاضِي، وَأَشَارَ إِلَى أَن المُرَاد من الشِّرَاء الْملك الْمُطلق، وَلَو هبة كَمَا يذكر.
وَحَاصِل هَذِهِ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِي الْعَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمِلْكِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ: يَعْنِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِبُرْهَانِ الْمُدَّعِي، لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ: وَإِذَا لم تنْدَفع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى لَهُ ثمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبَ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، لِأَنَّ الْغَائِب لم يصر مقضيا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً.
اهـ.
لَكِن فِيهِ أَن الْقَضَاء على ذِي الْيَد قَضَاء على من تلقى ذُو الْيَد الْملك مِنْهُ أَيْضا، فَلَا تسمع دَعْوَاهُ
أَيْضا إِلَّا إِذا ادّعى النِّتَاج وَنَحْوه كَمَا تقدم فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق.
تَأمل.
وَحِينَئِذٍ فَيجب تصويرها فِيمَا إِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ: هَذَا الشئ ملك فلَان الْغَائِب وَلم يزدْ على ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الدَّعْوَى عَنهُ بذلك، فَإِذا جَاءَ الْمقر لَهُ الخ فبناؤها على مَا قبلهَا غير صَحِيح، وَهُوَ خلط مَسْأَلَة بِمَسْأَلَة.
تَأمل.
قَوْله: (أَو اتهبته من الْغَائِب) أَي وقبضته، وَمثلهَا الصَّدَقَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَهَذَا كَمَا ترى لَيْسَ فِيهِ إِلَّا دَعْوَى مَا ذكر من غير أَن يَدعِي ذُو الْيَد أَن الْمُدَّعِي بَاعهَا من الْغَائِب، فَلَو ادّعى ذَلِك: أَي وَبرهن تقبل وتندفع الْخُصُومَة، وَكَذَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد ذَلِك وَإِن لم يدع تلقى الْملك من الْغَالِب ط.
قَوْله: (أَو لم يدع الْملك الْمُطلق) الضَّمِير فِي يَدعِي يرجع إِلَى الْمُدَّعِي لَا إِلَى ذِي الْيَد، والاوضح إِظْهَاره لدفع التشتيت(8/108)
وَقد سبق بَيَانه.
قَوْلُهُ: (بَلْ ادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذِي الْيَدِ الْفِعْلَ، وَقَيَّدَ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ على غَيره فَدفعهُ ذُو الْيَد لوَاحِد مِمَّا ذُكِرَ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
بَحْرٌ.
وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَصَبَ مِنِّي إلَخْ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَبَرْهَنَ يُنَافِيهِ مَا سننقله عَن نور الْعين مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُتُون بِأَن قَالَ الْمُدَّعِي غصبته مني أَو سرق مني، ذكر الْغَصْب وَالسَّرِقَة تَمْثِيلٌ، وَالْمُرَادُ دَعْوَى فِعْلٍ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أَوْ اشْتَرَيْته مِنْك وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيد ملك الرَّقَبَة لَهُ لَا يدْفع.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
بَحْرٌ.
فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُول: كَأَن قَالَ سرق مني.
قَوْله: (وبناه للْمَفْعُول للستر عَلَيْهِ) والاولى لدرء الْحَد عَنهُ، لَان السّتْر يحْتَاج إِلَيْهِ كل من السَّارِق وَالْغَاصِب، لَان فعلهمَا مَعْصِيّة، لَكِن الْغَصْب لَا حد فِيهِ وَالسَّرِقَة فِيهَا الْحَد، وَيعلم بالاولى حكم مَا إِذا بناه للْفَاعِل فقد نَص على الموهوم وَمَوْضِع الْخلاف، فَإِن مُحَمَّدًا يَجْعَلهَا كالغصب، فَلَو بناه للْفَاعِل فَهُوَ مَحل اتِّفَاق على عدم صِحَة الدّفع.
قَوْله: (فَكَأَنَّهُ قَالَ سَرقته مني) فَإِنَّهُ لَا تنْدَفع الْخُصُومَة اتِّفَاقًا لانه يَدعِي عَلَيْهِ الْفِعْل، وَأما سرق مني فَهُوَ عِنْد الامام الاول وَالثَّانِي.
وَمُحَمّد يَقُول: تنْدَفع الْخُصُومَة، لانه لم يدع عَلَيْهِ الْفِعْل فَهُوَ كَقَوْلِه غصب مني، وقولهما اسْتِحْسَان، لانه فِي معنى سَرقته مني، وَإِنَّمَا بناه للْمَفْعُول لما قدمْنَاهُ لدرء الْحَد الخ.
قَوْله: (بِخِلَاف غصب مني) أَي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول، فَإِن الْخُصُومَة تنْدَفع فِيهِ
لاحْتِمَال أَن الْغَاصِب غير ذِي الْيَد.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَكَذَا أَخذ مني.
اهـ.
وَمفَاده أَن الاخذ كالغصب كَمَا تقدم.
قَوْله: (أَو غصبه مني فلَان الخ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَقيد بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَوْله: (وَهل تنْدَفع) أَي خُصُومَة الْمُدَّعِي بِالْمَصْدَرِ بِأَن قَالَ الْمُدَّعِي هَذَا ملكي وَهُوَ فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ غصب فبرهن ذُو الْيَد عَن الايداع وَنَحْوه، قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تنْدَفع.
أما فِي السّرقَة فَيجب أَن لَا تنْدَفع كَمَا فِي بنائِهِ للْمَفْعُول.
خير الدّين على الْمنح.
وَمِثَال السّرقَة أَن يَقُول: هَذَا ملكي فِي يَده سَرقَة.
قَوْله: (الصَّحِيح لَا) أَي لَا تنْدَفع بل تتَوَجَّه الْخُصُومَة عَلَيْهِ لما قُلْنَا.
وَقيل تنْدَفع لعدم دَعْوَى الْفِعْل عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (بَزَّازِيَّةٌ) قَالَ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي يَدِهِ غُصِبَ فَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ، قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تنْدَفع.
بَحر.
قَوْله: (أودعنيه) ظَاهر الْبَزَّازِيَّة أَو الْوَدِيعَة مِثَال.
وعبارتها: لَو برهن الْمُدَّعِي أَنَّهَا لَهُ سرقت مِنْهُ لَا ينْدَفع وَإِن برهن الْمُدعى عَلَيْهِ على الْوُصُول إِلَيْهِ بِهَذِهِ الاسباب.
قَوْلُهُ: (وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ) أَرَادَ بِالْبُرْهَانِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ: مَنْ صَارَ خَصْمًا لِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِإِيدَاعِ الْغَائِبِ مِنْهُ تنْدَفع، وَإِن لم تنْدَفع بِإِقَامَة الايداع بِثُبُوت إِقْرَار الْمُدَّعِي أَن يَده لَيست يَد خُصُومَة.
بَحر.
قَوْله: (لَا تنْدَفع فِي الْكل) أَي فَيَقْضِي ببرهان الْمُدَّعِي.
قَوْله: (لما قُلْنَا) أَي من أَنه أقرّ ذُو الْيَد بيد الْخُصُومَة، أَمَّا فِي مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ فَأَشَارَ إلَى عِلَّةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ أَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِيَدِ الْخُصُومَةِ، وَإِلَى عِلَّةِ الثَّانِيَةِ(8/109)
بِقَوْلِهِ ادَّعَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ: أَيْ فَإِنَّهُ صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَأَمَّا عِلَّةُ مَا إذَا كَانَ هَالِكًا فَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا، وَهِيَ أَنَّهُ يَدَّعِي الدَّيْنَ وَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا بِذِمَّتِهِ وَبِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا فِي ذمَّته لغيره، فَلَا تنْدَفع كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَكَذَا عِلَّةُ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ، وَهِيَ أَنَّهُمْ مَا أَحَالُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ تُمْكِنُ
مخاصمته.
كَذَا قيل.
قَوْله: (قَالَ) أَي ذُو الْيَد.
قَوْله: (ثمَّ قَالَ فِي مَجْلِسه) أَي مجْلِس الحكم.
قَوْله: (وَلَو برهن الْمُدَّعِي) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: تَطْوِيل من غير فَائِدَة، والاخضر الاوضح أَن يَقُول: إِلَّا إِذا برهن الْمُدَّعِي على ذَلِك الاقرار، ومحصله: إِن ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي إِقْرَاره فِي غير مجْلِس الحكم لَا يقبل إِلَّا إِذا برهن عَلَيْهِ.
قَوْله: (يَجعله الخ) أَي يَجْعَل الْحَاكِم ذَا الْيَد خصما فَيحكم عَلَيْهِ بإثباته للْمُدَّعِي.
قَوْلُهُ: (لِسَبْقِ إقْرَارٍ) بِإِضَافَةِ سَبْقٍ إلَى إقْرَارٍ وَيمْنَع فعل مضارع وَالدَّفْع مَفْعُوله وَلَا يخفى مَا فِيهِ من التعقد.
قَوْله: (يمْنَع الدّفع) أَي دفع ذِي الْيَد بِأَنَّهُ عَارِية مثلا من فلَان.
قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْمُدَّعِي الَّذِي يَدعِي الشِّرَاء مِنْهُ، وَقيد بِهِ للِاحْتِرَاز عَمَّا لَو ادّعى الشِّرَاء من فلَان الْغَائِب الْمَالِك وَبرهن ذُو الْيَد على إِيدَاع غَائِب آخر مِنْهُ لَا تنْدَفع.
ذكره فِي الْبَحْر.
قَوْلُهُ: (أَيْ بِنَفْسِهِ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوْدَعَنِيهِ لَا تَفْسِير لقَوْله ذَلِك ح.
قَوْله: (لم تنْدَفع) أَي الْخُصُومَة بِلَا بَيِّنَة، لانه لَمْ يُثْبِتْ تَلَقِّي الْيَدِ مِمَّنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكيله لانكار المُشْتَرِي.
بَحر.
ولان الْوكَالَة لَا تثبت بقوله.
مِعْرَاج.
قَوْله: (دفعت الْخُصُومَة) جَوَاب إِن.
قَوْله: (وَإِن لم يبرهن) لم يذكر يَمِين ذِي الْيَد وَفِي الْبِنَايَةِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى الايداع يحلف على الْبَتَات انْتهى.
بَحر.
قَوْله: (لتوافقهما أَن أصل الْملك للْغَائِب) فَيكون وصولها إِلَى يَده من جِهَته فَلم تكن يَده يَد خُصُومَة.
قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي.
قَوْلُهُ: (اشْتَرَيْته) أَي من الْغَائِب.
قَوْله: (ووكلني بِقَبْضِهِ) أَي مِنْك: أَعنِي وَاضع الْيَد فَيَأْخذهُ لكَونه أَحَق بِالْحِفْظِ.
عَيْني.
قَوْله: (وَبرهن) أَي فَحِينَئِذٍ يَصح دَعْوَاهُ.
وَالْحَاصِل: أَنه بِدَعْوَى الْوَدِيعَة ينْدَفع الْمُدَّعِي إِلَّا إِذا ادّعى أَنه اشْتَرَاهُ من الْغَائِب، وَأَن البَائِع أمره بِالْقَبْضِ.
قَوْله: (بِإِقْرَارِهِ) أَي بِإِقْرَار ذِي الْيَد والاقرار حجَّة قَاصِرَة لَا تسري على الْمَالِك.
وَحَاصِل هَذِه الْمَسْأَلَة: أَن الْمُدَّعِي ادّعى الْملك بِسَبَب من جِهَة الْغَائِب فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَن يَده من الْغَائِب، فقد اتفقَا على أَن الْملك فِيهِ للْغَائِب فَيكون وصولها إِلَى ذِي الْيَد من جِهَته، فَلم تكن يَده يَد خُصُومَة، إِلَّا أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن فلَانا وَكله بِقَبْضِهِ لانه أَن يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن فلَانا وَكله بِقَبْضِهِ لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ كَونه كَونه أَحَق بإمساكها، وَلَو صدقه ذُو الْيَد فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرهُ القَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ حَتَّى لَا يكون قَضَاء على الْغَائِب.
قَوْله: (وَهِي عَجِيبَة) سبقه على التَّعَجُّب الزَّيْلَعِيّ، وَلَا عجب أصلا لَان إِقْرَاره على الْغَيْر غير مَقْبُول، لَان الاقرار(8/110)
حجَّة قَاصِرَة لَا تتعدى إِلَى غير الْمقر، وَقد اتفقَا على أَن الْمُدعى بِهِ ملك الْغَائِب فَلَا ينفذ إِقْرَار مودعه عَلَيْهِ، وَلها نَظَائِر كَثِيرَة كمتولي الْوَقْف وناظر الْيَتِيم فَإِنَّهُ يلْزمه بالبرهان لَا بالاقرار، وَتَقَدَّمت هَذِه بِعَينهَا فِي كتاب الْوكَالَة أَن الْمُودع لَو أقرّ لَهُ أَن الْمُودع وَكله بِقَبض الْوَدِيعَة لَا يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ لعدم نُفُوذ إِقْرَار الْمُودع على الْمُودع فِي إبِْطَال يَده، وَلَو برهن على الْوكَالَة أَمر بِالدفع إِلَيْهِ، بِخِلَاف مَا لَو كَانَ مديون الْغَائِب وَادّعى عَلَيْهِ شخص الْوكَالَة بِالْقَبْضِ وَصدقه فَإِنَّهُ يدْفع إِلَيْهِ لَان الدُّيُون تقضي بأمثالها، فَكَانَ إِقْرَارا على نَفسه لَا على الْغَائِب، وَيُمكن أَن يُقَال فِي وَجه الْعجب: أَن فِي كل من الْمَسْأَلَتَيْنِ قَضَاء على الْغَائِب، وَقد أَمر بِالتَّسْلِيمِ فِي الاولى دون الثَّانِيَة، ولانا نلزمه بِالتَّسْلِيمِ بالبرهان لَا بالاقرار.
تَأمل.
قَوْله: (وَلَو ادّعى أَنه لَهُ) قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَعَارَهُ لِفُلَانٍ كَمَا يظْهر من الْعلَّة.
قَوْلُهُ: (انْدَفَعَتْ) أَيْ بِلَا بَيِّنَةٍ.
نُورُ الْعَيْنِ.
قَوْله: (وَلَو كَانَ مَكَان الْغَصْب سَرقَة لَا تنْدَفع) أَي دَعْوَى سَرقَة الْغَائِب، وَفِيه أَنَّهُمَا توافقا أَن الْيَد لذَلِك الرجل.
قَالَ صَاحب الْبَحْر: وَقد سَأَلت بَعْدَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ بِيَوْمٍ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مَتَاعَ أُخْتِهِ مِنْ بَيْتِهَا وَرَهَنَهُ وَغَابَ فَادَّعَتْ الْأُخْتُ بِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ.
فَأَجَابَ بِالرَّهْنِ، فأجبت إِن ادَّعَت الاخت غَصْبَ أَخِيهَا وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ اندفعت وَإِن ادَّعَت السّرقَة لَا، وَالله تَعَالَى أعلم: أَيْ لَا تَنْدَفِعُ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ سَرِقَةَ أَخِيهَا مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ تَقْيِيدَ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى ذِي الْيَدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ ذُو الْيَد بِوَاحِد مِمَّا ذكر وَبرهن تنْدَفع كدعوى الْملك الْمُطلق، فَيجب أَن يحمل كَلَامه هُنَا عَلَى أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ سُرِقَ مِنْهَا مَبْنِيًّا للْمَجْهُول لتَكون الدَّعْوَى على ذِي الْيَد، وَإِن أبقى على ظَاهره يكون جَريا على مُقَابل الِاسْتِحْسَان الْآتِي قَرِيبا، لَكِن يُنَافِي الْحمل الْمَذْكُور قَوْلُهَا أَنَّ أَخَاهَا أَخَذَهُ مِنْ بَيْتِهَا.
تَأَمَّلْ، وَقيد بقوله غصبه مِنْهُ أَو سَرقه للِاحْتِرَاز عَن قَوْلِهِ إنَّهُ ثَوْبِي سَرَقَهُ مِنِّي زَيْدٌ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ زَيْدٌ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ اسْتِحْسَانًا.
يَقُولُ الْحُقَيْرُ: لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ أَن الْغَصْب إِزَالَة الْيَد المحققة بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ كَمَا ذُكِرَ
فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، فَالْيَدُ لِلْغَاصِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ إذْ الْيَدُ فِيهَا لِذِي الْيَدِ، إذْ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ شَرْعًا، ثُمَّ إنَّ فِي عِبَارَةِ لَا يَدَ لِلسَّارِقِ نُكْتَةٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهَا عَلَى ذَوِي النُّهَى.
نُورُ الْعَيْنِ.
وَهَذَا أولى مِمَّا قَالَهُ السَّائِحَانِيُّ: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَالَ سُرِقَ مِنِّي، أَمَّا لَوْ قَالَ سَرَقَهُ الْغَائِبُ مِنِّي فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ لِتَوَافُقِهِمَا أَنَّ الْيَدَ لِلْغَائِبِ، وَصَارَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَفَادَ أَنَّهَا مَبْنِيَّة لِلْفَاعِلِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْفُصُولَيْنِ، فَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ قِيَاسا واستحسانا انْتهى.
قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) قدمنَا وَجهه قَرِيبا عَن نور الْعين، وَلَعَلَّ وَجهه أَيْضا دفع إِفْسَاد السراق، لَان الضَّرُورَة فِي السّرقَة أعظم من غَيرهَا لانها تكون خُفْيَة، وَلذَا شرع فِيهَا الْحَد.
قَوْله: (لم يكن الثَّانِي خصما للاول) أَي مَا لم يدع عَلَيْهِ فعلا أَو حَتَّى يحضر الْمَالِك بِمَنْزِلَة(8/111)
الْمُسْتَعِير، لانه لَا يَدعِي ملك الْعين فَلَا يكون خصما للاول.
اهـ.
عبد الْبر.
وَلَا يحْتَاج فِي دفع هَذِه إِلَى الْبَيِّنَة لاتِّفَاقهمَا على ملك زيد وَأَنه صَاحب الْيَد.
قَوْله: (وَلَا لمُدعِي رهن أَو شِرَاء) لما ذكرنَا من الْعلَّة.
قَوْله: (أما المُشْتَرِي فخصم للْكُلّ) وَكَذَلِكَ الْمَوْهُوب لَهُ: أَي من يَدعِي الشِّرَاء أَو الْهِبَة مَعَ الْقَبْض إِذا برهن يكون خصما للْمُسْتَأْجر، ولمدعي الرَّهْن ولمدعي الشِّرَاء.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: بِيَدِهِ دَار زعم شراءها من فلَان الْغَائِب أَو صَدَقَة مَقْبُوضَة وَهبة مُنْذُ شهر أَو أمس وَبرهن أَولا وَبرهن آخرا أَن ذَلِك الْغَائِب رَهنهَا مُنْذُ شهر وأجرها أَو أعارها وَقَبضهَا يحكم بهَا للْمُسْتَعِير، وَالْمُسْتَأْجر وَالْمُرْتَهن، ثمَّ ذُو الْيَد بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سلم الْمُدَّعِي وتربص إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة أَو فك الرَّهْن، وَإِن شَاءَ نقض البيع، وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي برهن أَن الدَّار لَهُ أعارها أَو أجرهَا أَو رَهنهَا من الْغَائِب أَو اشْتَرَاهَا الْغَائِب مِنْهُ وَلم ينْقد الثّمن قبل أَن يَشْتَرِيهَا ذُو الْيَد يقْضِي بهَا للْمُدَّعِي فِي الْوُجُوه كلهَا، أما فِي الاعارة فلعدم اللُّزُوم، وَأما فِي الاجارة فُلَانُهُ عذر فِي الْفَسْخ لانه يُرِيد إِزَالَتهَا عَن ملكه، وَأما فِي الشِّرَاء فلَان لَهُ حق الِاسْتِرْدَاد لِاسْتِيفَاء الثّمن، فَإِذا دفع الْحَاكِم الدَّار إِلَى الْمُدَّعِي: فَإِن كَانَ أجرهَا وَلم يقبض الاجرة أخد مِنْهُ كَفِيلا بِالنَّفسِ إِلَى انْقِضَاء الْمدَّة، وَإِن كَانَ قبض الاجرة أَو كَانَ ادّعى رهنا لَا تدفع للْمُدَّعِي تُوضَع على يَد عدل.
وَفِي الْقنية: فَلَو ادّعى ذُو الْيَد أَن الْمُدَّعِي بَاعَ الْعين للْغَائِب وَبرهن ذكر فِي أَجنَاس الناطفي أَنَّهَا تقبل وتندفع الْخُصُومَة.
قَوْله: (يُمْهل إِلَى الْمجْلس الثَّانِي) أَي مجْلِس القَاضِي، وَظَاهر الاطلاق يعم مَا طَال فَصله وَقصر، وَهَذَا بعد السُّؤَال عَنهُ وَعلمه بِأَنَّهُ دفع صَحِيح كَمَا تقدم قبيل التَّحْكِيم.
قَوْله: (للْمُدَّعِي تَحْلِيف مدعي الايداع على الْبَتَات) يَعْنِي إِذا ادّعى شِرَاء شئ من زيد وَادّعى ذُو الْيَد إيداعه مِنْهُ فَإِنَّهَا تنْدَفع الْخُصُومَة من غير برهَان لاتِّفَاقهمَا على أَن أصل الْملك الْغَائِب، لَكِن لمُدعِي الشِّرَاء تَحْلِيف دي الْيَد على الايداع على الْبَتّ لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لَكِن تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول.
وَفِي الذَّخِيرَة: لَا يحلف ذُو الْيَد على الايداع لانه مدعي الايداع وَلَا حلف على الْمُدَّعِي، وَلَو حلف أَيْضا لَا تنْدَفع، وَلَكِن لَهُ أَن يحلف الْمُدَّعِي على عدم الْعلم.
اهـ.
فَأفَاد بِذكر عبارَة الذَّخِيرَة أَن مَا نَقله أَولا مَعْنَاهُ أَن حَقه لَو حلف يحلف على الْبَتَات، وَلكنه بحلفه لَا تنْدَفع الدَّعْوَى كَمَا هُوَ ظَاهر، وَلذَا قَالَ فِي الدُّرَر: الظَّاهِر أَن التَّحْلِيف يَقع على التَّوْكِيل لَا على الايداع فَإِن طلب مدعي الايداع يَمِين مدعي التَّوْكِيل بِنَاء على مَا ادّعى من الايداع وَعجز عَن إِقَامَة الْبُرْهَان عَلَيْهِ حلف على الْبَتَات: يَعْنِي على عدم تَوْكِيله إِيَّاه لَا على عدم علمه بتوكيله إِيَّاه.
وَعبارَة الدُّرَر غير صَحِيحَة لانه جعل الْيَمين على مدعي التَّوْكِيل، وَإِنَّمَا هِيَ على الْمُدعى عَلَيْهِ: أَي مدعي الايداع كَمَا هُوَ ظَاهر من قَول الْكَافِي، فَإِن طلب الْمُدَّعِي: أَي مدعي الشِّرَاء يَمِينه: أَي يَمِين مدعي الايداع.
كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَحَاصِله: أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء من الْمَالِك وَأَنه وَكله بِقَبْضِهِ فَأنْكر ذُو الْيَد الْوكَالَة، وَعجز الْمُدَّعِي(8/112)
عَن إِثْبَاتهَا للْمُدَّعِي أَن يحلف ذَا الْيَد على أَنه لم يُوكله بِقَبض مَا بَاعه إِيَّاه مِمَّا هُوَ تَحت يَد الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات وَلَكِن فِي تَحْلِيفه حِينَئِذٍ على الْبَتَات.
تَأمل.
لانه تَحْلِيف على فعل الْغَيْر فَلِذَا اضْطَرَبَتْ عباراتهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَحَاصِل كَلَام الشَّارِح للْمُدَّعِي: أَي مدعي الشِّرَاء من الْغَائِب وتوكيله إِيَّاه بِالْقَبْضِ إِذا جحد مدعي الايداع تَوْكِيله إِيَّاه وَعجز عَن الْبُرْهَان أَن يحلف مدعي الايداع بِاللَّه مَا وَكله الْغَائِب بِقَبض
مَا بَاعه إِيَّاه على الْبَتَات لَا على الْعلم، لَكِن ينظر هَل هَذَا مُوَافق لعبارة الدُّرَر فَيصح عزوه إِلَيْهَا وَيُمكن حمل كَلَام الدُّرَر على مَا إِذا ادّعى الشِّرَاء وَالتَّوْكِيل بِالْقَبْضِ، فَإِن برهن قبل برهانه وَله أَخذه، فَإِن عجز عَن الْبُرْهَان وَطلب يَمِين مدعي الايداع على مَا ادّعى من الايداع حلف على الْبَتَات.
قَالَ عزمي: وَهُوَ صَرِيح عبارَة التسهيل حَيْثُ قَالَ: وَحلف ذُو الْيَد على الايداع بِطَلَب مدعي البيع إِذا لم يكن لَهُ بَيِّنَة على التَّوْكِيل.
اهـ.
وَعَلِيهِ فَكَانَ على الشَّارِح أَن يذكر هَذَا الْفَرْع فِي مَحَله كَمَا نَقله صَاحب الدُّرَر.
فَتَأمل.
وَحَاصِله: أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء من الْمَالِك وَأَنه وَكله بِقَبْضِهِ فَأنْكر ذُو الْيَد الْوكَالَة وَعجز الْمُدَّعِي عَن إِثْبَاتهَا للْمُدَّعِي أَن يحلف ذَا الْيَد على أَنه لم يُوكله بِقَبض مَا بَاعه إِيَّاه مِمَّا هُوَ تَحت يَد الْمُدعى عَلَيْهِ على الْبَتَات.
قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَزَّازِيَّة) وعبارتها كَمَا فِي الْبَحْر: وَإِن ادّعى ذُو الْيَد الْوَدِيعَة وَلم يبرهن عَلَيْهَا وَأَرَادَ أَن يحلف أَن الْغَائِب أودعهُ عِنْده يحلف الْحَاكِم الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِاللَّه تَعَالَى لقد أودعها إِلَيْهِ على الْبَتَات لَا على الْعلم، لانه وَإِن كَانَ فعل الْغَيْر لكنه تَمَامه بِهِ وَهُوَ الْقبُول، وَإِن طلب الْمُدعى عَلَيْهِ يَمِين الْمُدَّعِي فعلى الْعلم بِاللَّه تَعَالَى مَا يعلم إِيدَاع فلَان عِنْده لانه فعل الْغَيْر وَلَا تعلق لَهُ بِهِ.
اهـ.
قَوْله: (ابْن ملك) ذكر ذَلِك فِي جَوَاب سُؤال ورد على دفع الدَّعْوَى بِأحد الامور الْمُتَقَدّمَة، وَنَصه: فَإِن قيل ذُو الْيَد خصم ظَاهرا وَدفع الْخُصُومَة عَن نَفسه تَابع لثُبُوت الْملك للْغَائِب، وَهَذِه الْبَيِّنَة لم تثبته، فَكيف يثبت التَّابِع بِلَا ثُبُوت الاصل؟ قُلْنَا: هَذِه الْبَيِّنَة تَقْتَضِي أَمريْن: أَحدهمَا: الْملك للْغَائِب، وَهُوَ لَيْسَ يخصم فِيهِ، إِذْ لَا ولَايَة لَهُ فِي إِدْخَال شئ فِي ملك غَيره بِلَا رِضَاهُ.
وَثَانِيهمَا: دفع الْخُصُومَة عَنهُ وَهُوَ خصم فِيهِ فَكَانَت مَقْبُولَة، كمن وكل وَكيلا ينْقل أمته فأقامت بَيِّنَة أَنه أعْتقهَا تقبل فِي قصر يَد الْوَكِيل عَنْهَا، وَلَا تقبل فِي وُقُوع الْعتاق مَا لم يحضر الْغَائِب، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
أَقُول: وَكَذَا إِذا وَكله بِنَقْل امْرَأَته فأقامت الْبَيِّنَة أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا تقبل فِي قصر يَد الْوَكِيل عَنْهَا، وَلَا تقبل فِي وُقُوع الطَّلَاق مَا لم يحضر الْغَائِب كَمَا فِي الْكَافِي.
فروع: فِي يَدَيْهِ وَدِيعَة لرجل: جَاءَ رجل وَادّعى أَنه وَكيل الْمُودع بقبضها وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة، وَأقَام الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْوَدِيعَة بَيِّنَة أَن الْمُودع قد أخرج هَذَا من الْوكَالَة قبلت بَينته، وَكَذَا إِذا أَقَامَ بَيِّنَة أَن شُهُود الْوَكِيل عبيد.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
ادّعى على آخر دَارا فَقَالَ ذُو الْيَد إِنَّهَا وَدِيعَة من فلَان فِي يَدي وَأقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ حَتَّى اندفعت عَنهُ الْخُصُومَة، ثمَّ حضر الْغَائِب وَسلمهَا ذُو الْيَد إِلَيْهِ، وَأعَاد الْمُدَّعِي وَالدَّعْوَى فِي الدَّار، فَأجَاب: أَنَّهَا وَدِيعَة فِي يَدي من فلَان، وَأقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، قَالَ: تنْدَفع الْخُصُومَة عَنهُ أَيْضا كَمَا فِي الِابْتِدَاء.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ إِذا ادّعى على ذِي الْيَد فعلا لم تَنْتَهِ أَحْكَامه بِأَن ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ بِأَلف وَلم يذكر أَنه نقد الثّمن وَلَا قبض مِنْهُ، فَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه لفُلَان الْغَائِب أودعنيه أَو غصبته مِنْهُ لَا تنْدَفع عَنهُ(8/113)
الْخُصُومَة فِي قَوْلهم، وَإِن ادّعى عَلَيْهِ عقدا انْتَهَت أَحْكَامه بِأَن ادّعى أَنه اشْترى مِنْهُ هَذِه الدَّار أَو هَذَا العَبْد ونقده الثّمن وَقبض مِنْهُ الْمَبِيع، ثمَّ أَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه لفُلَان الْغَائِب أودعنيه، اخْتلفُوا فِيهِ.
قَالَ بَعضهم: تنْدَفع عَنهُ الْخُصُومَة وَهُوَ الصَّحِيح.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان فِي دَعْوَى الدّور والاراضي.
عبد أَقَامَ الْبَيِّنَة أَن فلَانا أعْتقهُ وَأقَام صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَن فلَانا ذَلِك أودعهُ تقبل، وَتبطل بَيِّنَة العَبْد وَلَا يُحَال بَينه وَبَين العَبْد قِيَاسا ويحال اسْتِحْسَانًا، وَيُؤْخَذ من العَبْد كَفِيل بِنَفسِهِ استيثاقا حَتَّى لَا يهرب، فَإِذا حضر الْغَائِب: فَإِن أعَاد الْبَيِّنَة عتق، وَإِلَّا فَهُوَ عبد.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
وَكَذَا لَو أَقَامَ ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن فلَانا آخر أودعهُ إِيَّاه كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
لَو ادّعى العَبْد أَنه حر الاصل فَإِن أَقَامَ ذُو الْيَد الْبَيِّنَة على الْملك وإيداعه تقبل، وَإِن أَقَامَ على إيداعه فَحسب لَا تقبل، بِخِلَاف الدَّار، وَإِن برهن على الْملك والايداع وَبرهن العَبْد على حريَّة الاصل حيل بَينهمَا بكفيل.
كَذَا فِي الْكَافِي.
عبد فِي يَد رجل ادّعى رجل أَنه قتل وليا لَهُ خطأ وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن العَبْد لفُلَان أودعهُ اندفعت عَنهُ الْخُصُومَة.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
رجل ادّعى على آخر أَنه بَاعه جَارِيَة فَقَالَ لم أبعها مِنْك قطّ، فَأَقَامَ المُشْتَرِي الْبَيِّنَة على الشِّرَاء فَوجدَ بهَا أصبعا زَائِدَة وَأَرَادَ ردهَا وَأقَام البَائِع الْبَيِّنَة أَنه برِئ إِلَيْهِ من كل عيب لم تقبل بَيِّنَة البَائِع.
وَذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الْمَسْأَلَة فِي آخر أدب القَاضِي وَقَالَ على قَول أبي يُوسُف رَحمَه الله
تَعَالَى: تقبل بَينته.
كَذَا فِي شرح الْجَامِع للصدر الشَّهِيد.
ادّعى على آخر محدودا فِي يَده وَقَالَ هَذَا ملكي بَاعه أبي مِنْك حَال مَا بلغت وَقَالَ ذُو الْيَد: بَاعه مني حَال صغرك فَالْقَوْل قَول الْمُدَّعِي.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
اشْترى دَارا لِابْنِهِ الصَّغِير من نَفسه وَأشْهد على ذَلِك شُهُودًا وَكبر الابْن وَلم يعلم بِمَا صنع الاب ثمَّ إِن الاب بَاعَ تِلْكَ الدَّار من رجل وَسلمهَا إِلَيْهِ ثمَّ إِن الابْن اسْتَأْجر الدَّار من المُشْتَرِي ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ فَادَّعَى الدَّارَ على المُشْتَرِي وَقَالَ إِن أبي كَانَ اشْترى هَذِه الدَّار من نَفسه فِي صغري وَإِنَّهَا ملكي وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة، فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ فِي دفع دَعْوَى الْمُدَّعِي إِنَّك متناقض فِي هَذِه الدَّعْوَى لَان استئجارك الدَّار مني إِقْرَار بِأَن الدَّار لَيست لَك فدعواك بعد ذَلِك الدَّار لنَفسك يكون تناقضا، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة صَارَت وَاقعَة الْفَتْوَى.
مطلب: وَاقعَة الْفَتْوَى وَقد اخْتلفت أجوبة الْمُفْتِينَ فِي هَذَا، وَالصَّحِيح أَن هَذَا لَا يصلح دفعا لدعوى الْمُدَّعِي وَدَعوى الْمُدَّعِي صَحِيحَة وَإِن ثَبت التَّنَاقُض، إِلَّا أَن هَذَا تنَاقض فِيمَا طَرِيقه طَرِيق الخفاء.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
ادّعى دَارا بِسَبَب الشِّرَاء من فلَان فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنِّي اشْتريت من فلَان ذَلِك أَيْضا وَأقَام بَيِّنَة وتاريخ الْخَارِج أسبق فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن دعواك بَاطِلَة لَان فِي التَّارِيخ الَّذِي اشْتريت هَذِه الدَّار من فلَان كَانَت رهنا عِنْد فلَان وَلم يرض بشرائك وَأَجَازَ شرائي، لانه كَانَ بعد مَا فك الرَّهْن وَأقَام الْبَيِّنَة لَا يَصح هَذَا الدّفع.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي ادّعى إِن هَذَا الْعين كَانَ لفُلَان رَهنه(8/114)
بِكَذَا عِنْدِي وقبضته وَأقَام الْبَيِّنَة وَأقَام الْمُدعى عَلَيْهِ فِي دفع دَعْوَاهُ أَنه اشْتَرَيْته مِنْهُ ونقدته الثّمن كَانَ ذَلِك دفعا لدعوى الرَّهْن.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان فِي بَاب الْيَمين.
ادّعى عَلَيْهِ دَارا فِي يَده إِرْثا أَو هبة فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ على أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبرهن الْمُدَّعِي على إقالته صَحَّ دفع الدّفع.
كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ.
دَار فِي يَد رجل وَادّعى أَن أَبَاهُ مَاتَ وَترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا لَهُ وَأقَام بَيِّنَة شهدُوا أَن
أَبَاهُ مَاتَ وَهَذِه الدَّار فِي يَدَيْهِ وَأخذ هَذَا الرجل هَذِه الدَّار من تركته بعد وَفَاته أَو أَخذهَا من أبي هَذَا الْمُدَّعِي فِي حَال حَيَاته وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَن الْوَارِث أَو أَبَاهُ أقرّ أَن الدَّار لَيست لَهُ، فَالْقَاضِي يقْضِي بِدفع الدَّار إِلَى الْوَارِث.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
رجل ادّعى على آخر ضَيْعَة فَقَالَ: الضَّيْعَة كَانَت لفُلَان مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لاخته فُلَانَة ثمَّ مَاتَت فُلَانَة وَأَنا وارثها وَأقَام الْبَيِّنَة تسمع، فَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الدّفع إِن فُلَانَة مَاتَت قبل فلَان مورثها صَحَّ الدّفع.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
رجل ادّعى على آخر مائَة دِرْهَم فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ دفعت إِلَيْك مِنْهَا خمسين درهما وَأنكر الْمُدَّعِي قبض ذَلِك مِنْهُ فَأَقَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه دفع إِلَى الْمُدَّعِي خمسين درهما، فَإِنَّهُ لَا يكون دفعا مَا لم يشْهدُوا أَنه دفع إِلَيْهِ أَو قضى هَذِه الْخمسين الَّتِي يَدعِي.
كَذَا فِي جَوَاهِر الْفِقْه.
ادّعى على غَيره كَذَا كَذَا دِينَارا أَو دَرَاهِم فَادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ الايفاء وَجَاء بِشُهُود شهدُوا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ دفع هَذَا المَال كَذَا كَذَا درهما من الدَّرَاهِم وَلَكِن لَا يدْرِي بِأَيّ جِهَة دفع، هَل يقبل القَاضِي هَذِه الشَّهَادَة وَهل تنْدَفع بهَا دَعْوَى الْمُدَّعِي؟ عَن بعض مَشَايِخنَا رَحِمهم الله تَعَالَى: أَنه يقبل وتندفع بهَا دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الاشبه والاقرب إِلَى الصَّوَاب.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط، الْكل من الْهِنْدِيَّة من الْبَاب السَّادِس فِيمَا تدفع بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي.
وَفِي نور الْعين: ادّعى إِرْثا لَهُ ولاخيه فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّك أَقرَرت إِن أخي بَاعه مِنْك وَسلم وَهَذَا إِقْرَار بِأَنَّهُ ملك الاخ فَلَا يَصح مِنْك دَعْوَى الارث، قيل لَا ينْدَفع لانه لم يقر أَن أخي بَاعَ جَائِزا لَكِن أقرّ بِالْبيعِ فَقَط، وَمن أقرّ أَن فلَانا بَاعه ثمَّ ادّعى أَنه ملكه يسمع، إِلَّا إِذا أقرّ أَنه بَاعَ بيعا صَحِيحا جَائِزا فَحِينَئِذٍ لَا يسمع دَعْوَاهُ بعده.
وَقيل: لَو بَاعَ وَالدَّار بِيَدِهِ وَقت البيع أَو قَالَ: بَاعَ وَسلم فَهَذَا يَكْفِي لانه مِمَّا يدل على الْملك.
وَفِيه لَو برهن ذُو الْيَد على إِقْرَار الْوَصِيّ بِأَنَّهُ بوصاية قَالُوا: لَا يقبل، لَا أَن يشْهدُوا أَنه وصّى من جِهَة الْمُورث أَو القَاضِي إِذْ الْوِصَايَة لَا تثبت بِإِقْرَارِهِ إِ هـ.
الابراء الْعَام فِي ضمن عقد فَاسد لَا يمْنَع الدَّعْوَى.
أَبرَأَهُ عَن الدَّعَاوَى ثمَّ ادّعى مَالا بِالْوكَالَةِ أَو الْوِصَايَة يقبل.
لَا تسمع دَعْوَاهُ فِي شئ من الاشجار بعد مَا ساقى عَلَيْهَا.
التَّنَاقُض يمْنَع الدَّعْوَى لغيره كَمَا يمنعهُ لنَفسِهِ.
من أقرّ بِعَين لغيره فَكَمَا لَا يملك أَن يَدعِيهِ لنَفسِهِ لَا يملك أَن يَدعِيهِ لغيره بوكالة أَو وصاية لَا ينفذ الْقَضَاء بِالدفع قبل يَمِين الِاسْتِظْهَار.
الدَّعْوَى على بعض الْوَرَثَة صَحِيحَة.
لَا تسمع دَعْوَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِم إِلَّا بِإِذن القَاضِي أَو كَون الْمُدَّعِي نَاظرا.(8/115)
الْخَصْمُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْغَرِيمُ لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَى الْمَيِّتِ كَمَا تقدم.
دَعْوَى الْملك لَا تصح على غير ذِي الْيَد.
ادّعى أَنه عَم الْمَيِّت، لَا بُد أَن يُفَسر أَنه لابيه أَو لامه وَأَن يَقُول هُوَ وَارثه وَلَا وَارِث لَهُ غَيره بعد أَن ينْسب الشُّهُود الْمَيِّت وَالْمُدَّعِي لبنوة العمومة حَتَّى يلتقيا إِلَى أَب وَاحِد بعد دَعْوَى المَال.
العَبْد إِذا انْقَادَ للْبيع لَا تسمع دَعْوَاهُ حريَّة الاصل بِدُونِ بَيِّنَة.
الابْن إِذا كَانَ فِي عِيَال الاب يكون معينا لَهُ فِيمَا يصنع.
مَا اكْتَسبهُ الابْن يكون لابيه إِذا اتّحدت صنعتهما وَلم يكن مَال سَابق لَهما وَكَانَ الابْن فِي عِيَال أَبِيه، لَان مدَار الحكم كَونه معينا لابيه.
القَوْل للدافع لانه أعلم بِجِهَة الدّفع.
دفع إِلَى ابْنه مَالا فَأَرَادَ أَخذه صدق فِي أَنه دَفعه قرضا.
يَصح إِثْبَات الشِّرَاء فِي وَجه مدعي دين فِي التَّرِكَة المستغرقة.
التَّنَاقُض لَا يمْنَع دَعْوَى الْحُرِّيَّة سَوَاء كَانَت أَصْلِيَّة أَو عارضة.
لَا تسمع الدَّعْوَى بِالْعينِ أَنَّهَا لَهُ بعد مَا ساومه عَلَيْهَا.
لَا تسمع الدَّعْوَى بعد الابراء الْعَام إِلَّا ضَمَان الدَّرك، وَإِلَّا إِذا ظهر شئ للقاصر بعد إبرائه
وَصِيّه بعد بُلُوغه وَلم يكن يُعلمهُ.
يدْخل فِي قَوْله لَا حق لي قبله كل عين وَدين وكفالة وَجِنَايَة وَإِجَارَة وَحبس.
لَا تسمع دَعْوَى الْكفَالَة بعد الابراء الْعَام.
ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الزَّوْج الظَّاهِر.
السَّبَاهِي لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْأَرْضِ مِلْكًا أَو وَقفا.
الاستيداع يمْنَع دَعْوَى الْملك.
لَاحَدَّ الْوَرَثَة حق الاستخلاص من التَّرِكَة المستغرقة بأَدَاء قِيمَته إِلَى الْغُرَمَاء إِذا امْتنع الْبَاقُونَ.
لَيْسَ لَهُ الدَّعْوَى على وَكيله بِقَبض الرسومات بِمَا أَخذه من الرسومات لَهُ بل الدَّعْوَى لَهُم عَلَيْهِ.
إِذا برهن على مديون مديونه لَا يقبل، وَلَيْسَ لَهُ أَخذه مِنْهُ بِدُونِ وكَالَة أَو حِوَالَة.
لَا يجوز الابراء عَن الاعيان، وَيجوز عَن دَعْوَاهَا.
الارث جبري لَا يسْقط بالاسقاط.
هَل يشْتَرط حَضْرَة الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي دَعْوَى الرَّهْن؟ قَولَانِ.
هَل يشْتَرط حَضْرَة الْمُودع فِي إِثْبَات الْوَدِيعَة؟ فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ.
ادّعى الشِّرَاء ثمَّ ادّعى الارث تقبل، وبعكسه لَا.
كل مَا كَانَ مَبْنِيا على الخفاء يُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُض، فالمديون بعد قَضَاء الدّين لَو برهن على إِبْرَاء الدَّائِن، وَالْمُخْتَلِعَةُ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْخُلْعِ لَوْ بَرْهَنَتْ على طَلَاق الزَّوْج قبل الْخلْع يقبل، وَكَذَلِكَ الْوَرَثَة إِذا قاسموا مَعَ الْمُوصى لَهُ بِالْمَالِ ثمَّ ادعوا رُجُوع الْمُوصي يَصح لانفراد الْمُوصي بِالرُّجُوعِ.(8/116)
التَّنَاقُض إِذا كَانَ ظَاهرا والتوفيق خفِيا لَا يَكْفِي إِمْكَان التَّوْفِيق، بل لَا بُد من بَيَانه وَإِلَّا يَكْفِي الامكان.
جحد الامين الامانة ثمَّ اعْترف وَادّعى الرَّد لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة.
التَّصْدِيق إِقْرَار إِلَّا فِي الْحُدُود.
إِذا ثَبت اسْتِحْقَاقه فَطَلَبه على من تنَاول الْغلَّة لَا على النَّاظر.
لَا تصح دَعْوَى التَّمْلِيك مَا لم يبين أَنه بعوض أَو بِلَا عوض.
إِذا ادّعى الْمَأْذُون بالانفاق أَو الدّفع يصدق إِن كَانَ المَال أَمَانَة، وَإِن كَانَ دينا فِي ذمَّته فَلَا.
الدَّعْوَى مَتى فصلت مرّة بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ لَا تنقض وَلَا تُعَاد مَا لم يكن فِي إِعَادَتهَا فَائِدَة بِأَن أَتَى بهَا مَعَ دفع أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا تسمع.
غلط الِاسْم لَا يضر لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان.
لَا يلْزم الابْن وَفَاء دين أَبِيه من اسْتِحْقَاقه الْمُنْتَقل إِلَيْهِ عَنهُ فِي وَقت أَهلِي.
ادّعى بعد مَا أقرّ بِالْمَالِ: إِن بعضه قرض وَبَعضه رَبًّا يسمع.
مَاتَ لَا عَن وَارِث وَعَلِيهِ دين لزيد أثْبته زيد فِي وَجه وصيي نَصبه القَاضِي لَهُ أَخذه من التَّرِكَة.
لَا يُكَلف الاب إِحْضَار ابْنه الْبَالِغ لاجل دَعْوَى عَلَيْهِ.
لَا تصح الدَّعْوَى على جَمِيع الضاربين بالبندق إِذا أَصَابَت وَاحِدًا بندقة فَقتلته إِذا لم يعلم الضَّارِب.
العَبْد إِذا ادّعى حريَّة الاصل ثمَّ الْعتْق الْعَارِض تسمع، والتناقض لَا يمْنَع الصِّحَّة.
وَفِي حريَّة الاصل لَا تشْتَرط الدَّعْوَى.
وَفِي الاعتاق الْمُبْتَدَأ تشْتَرط الدَّعْوَى عِنْد أبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا لَيست بِشَرْط.
وَأَجْمعُوا على أَن دَعْوَى الامة لَيست بِشَرْط لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج فَهِيَ حسبَة، الْكل من التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
كفل بِثمن أَو مهر ثمَّ برهن الْكَفِيل على فَسَاد البيع أَو النِّكَاح لَا يقبل، لَان إقدامه على الْتِزَام المَال إِقْرَار مِنْهُ بِصِحَّة سَبَب وجود المَال فَلَا يسمع مِنْهُ بعده دَعْوَى الْفساد، وَلَو برهن على إِيفَاء الاصيل أَو على إبرائه لَا يقبل لانه تَقْرِير للْوُجُوب السَّابِق.
ادّعى دَارا فَأنْكر ذُو الْيَد فَصَالحه على ألف على أَن يسلم الدَّار لذِي الْيَد ثمَّ برهن ذُو الْيَد على صلح قبل هَذَا الصُّلْح صَحَّ الصُّلْح الاول وَبَطل الثَّانِي.
فِي وَقَالَ كل صلح بعد صلح فَالثَّانِي بَاطِل، وَلَو شراه ثمَّ بَطل الاول وَنفذ الثَّانِي.
وَلَو صَالح ثمَّ شرى جَازَ الشِّرَاء وَبَطل: أَي فِي الصُّلْح الَّذِي هُوَ بِمَعْنى أما إِذا كَانَ الصلج عَلَى عِوَضٍ ثُمَّ اصْطَلَحَا عَلَى عِوَضٍ آخَرَ فَالثَّانِي هُوَ الْجَائِزُ وَانْفَسَخَ الاول كَالْمَبِيعِ.
يقبل عذر الْوَارِث وَالْوَصِيّ وَالْمُتوَلِّيّ بالتناقض للْجَهْل.
الاقرار الْمُتَأَخر يرفع الانكار الْمُتَقَدّم، والاقرار الْمُتَقَدّم يمْنَع الانكار الْمُتَأَخر.
ادّعى مَالا فَصَالح ثمَّ ظهر أَنه لَا شئ عَلَيْهِ بَطل الصُّلْح.(8/117)
من دفع شَيْئا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ لَهُ الرُّجُوع بِمَا دفع.
دَعْوَى الدّفع من الْمُدعى عَلَيْهِ لَيْسَ بتعديل للشُّهُود، حَتَّى لَو طعن فِي الشَّاهِد أَو فِي الدَّعْوَى يَصح من نور الْعين، وَمن أَرَادَ اسْتِيفَاء الْمَقْصُود من مسَائِل الدفوع فَليرْجع إِلَيْهِ الْفَصْل الثَّامِن عشر.
وَذكر فِي الْمجلة فِي مَادَّة 881 البيع بِشَرْط مُتَعَارَف بَين النَّاس فِي الْبَلَد صَحِيح، وَالشّرط مُعْتَبر، وَإِن كَانَ فِيهِ نفع لَاحَدَّ الْمُتَعَاقدين أَو لَهما، وَإِن كَانَ لَا يلائم العقد.
وَفِي 291: الاقالة بالتعاطي الْقَائِم مقَام الايجاب وَالْقَبُول صَحِيحَة.
وَفِي 022: بيع الصُّبْرَة كل مد بقرش يَصح فِي جَمِيع الصُّبْرَة.
وَفِي 983: كل شئ تعومل بَيْعه بالاستصناع يَصح فِيهِ على الاطلاق إِذا وصف الْمَصْنُوع وعرفه على الْوَجْه الْمُوَافق الْمَطْلُوب وَيلْزم، وَلَيْسَ لاحدهما الرُّجُوع إِذا كَانَ على الاوصاف الْمَطْلُوبَة، وَإِذا خَالف يكون المُشْتَرِي مُخَيّرا.
وَأما مَا لَا يتعامل استصناعه إِذا بَين فِيهِ الْمدَّة صَار سلما فَتعْتَبر فِيهِ حِينَئِذٍ شَرَائِط السّلم، وَإِذا لم يبين فِيهِ الْمدَّة كَانَ من قبيل الاستصناع أَيْضا.
وَفِي 893: إِذا شَرط فِي بيع الْوَفَاء أَن يكون قدر من مَنَافِع الْمَبِيع للْمُشْتَرِي صَحَّ وَيلْزم الْوَفَاء بِالشّرطِ.
وَفِي 044: الاجارة المضافة صَحِيحَة لَازِمَة قبل حُلُول وَقتهَا، وَقد صدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضى ذَلِك كُله، فاحفظه وَالسَّلَام، وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.
بَاب دَعْوَى الرجلَيْن
لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ عَقْدَ الْبَابِ لِدَعْوَى الرَّجُلَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدَّعَاوَى لَا تَكُونُ إلَّا
بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ، فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعْوَى.
وَقلت: وَلَعَلَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ إنَّمَا أَخَّرَهَا إلَى هَذَا الْمَقَامِ مُقْتَفِيًا فِي ذَلِكَ أَثَرَ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ، لِتَحَقُّقِ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ بِحَيْثُ تَكُونُ فَاتِحَةً لِمَسَائِلِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ: عزمي.
قَوْله: (تقدم حجَّة خَارج) هُوَ الَّذِي لم يكن ذَا يَد وَالْخَارِج الْمُدَّعِي، لانه خَارج عَن يَده فأسند إِلَى الْمُدَّعِي تجوزا، وَإِنَّمَا قدمت بَيِّنَة الْخَارِج، لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ، وَفِيه خلاف الشَّافِعِي وَإِنَّمَا كَانَ الْخَارِج مُدعيًا لصدق تَعْرِيفه عَلَيْهِ.
قَوْله: (فِي ملك مُطلق) أَي ملك المَال، بِخِلَاف ملك النِّكَاح فَإِن ذَا الْيَد مقدم وَلَو بِلَا برهَان مَا لم يسْبق تَارِيخ الْخَارِج كَمَا سَيَأْتِي، وَقيد الْمِلْكُ بِالْمُطْلَقِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ، وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ، وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ، فَإِنَّ فِي هَذِه الصُّور تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي دُرَر: أَي وَلم يلْزم انْتِقَاض مُقْتَضى الْقِسْمَة لَان قبُول بَيِّنَة ذِي الْيَد إِنَّمَا هُوَ من حَيْثُ مَا ادّعى من زِيَادَة النِّتَاج وَغَيره، فَهُوَ مُدع من تِلْكَ الْجِهَة، وَالْمرَاد بِالْقَبْضِ التلقي من شخص مَخْصُوص مَعَ قَبضه، فَلَا يرد مَا قيل كَون الْمُدَّعِي فِي يَد الْقَابِض أَمر معاين لَا يَدعِيهِ ذُو الْيَد فضلا من إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وقبولها بالاجماع.
فَإِن قلت: هَل يجب على الْخَارِج الْيَمين لكَونه إِذْ ذَاك مدعى عَلَيْهِ؟ قلت: لَا، لَان الْيَمين إِنَّمَا يجب عِنْد عجز الْمُدَّعِي عَن الْبَيِّنَة، وَهنا لم يعجز كَمَا فِي الْعِنَايَة.(8/118)
أَو رد عَلَيْهِ بِأَن مُرَاد السَّائِل هَل يجب على الْخَارِج الْيَمين عِنْد عجز ذِي الْيَد عَن الْبَيِّنَة؟ وَإِلَّا فَلَا تمشية لسؤاله أصلا اهـ.
يُرِيد بِهِ أَن الْجَواب لم يدْفع السُّؤَال بل هُوَ بَاقٍ، وَلم يتصد للجواب عَنهُ.
أَقُول: الظَّاهِر أَن يجب الْيَمين على الْخَارِج عِنْد عجز ذِي الْيَد عَن بَيِّنَة فِيمَا إِذا ادّعى الزِّيَادَة، لانه مُدع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا، وَلِهَذَا لزم عَلَيْهِ الْبُرْهَان، فَيكون الْمُدَّعِي مدعى عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فَيلْزم عَلَيْهِ الْيَمين عِنْد الْعَجز عَن الْبُرْهَان، وَبَيِّنَة الْمُدَّعِي لم تعْمل مَا لم تسلم من دفع ذِي الْيَد إِذْ هُوَ معَارض لَهَا، وَدَعوى ذِي الْيَد لم تسْقط بعجزه عَن الْبُرْهَان عَلَيْهَا، بل تتَوَجَّه الْيَمين على من كَانَ فِي مُقَابِله كَمَا هُوَ
شَأْن الدَّعْوَى، فَيحلف على عدم الْعلم بِتِلْكَ الزِّيَادَة، فَإِن حلف يحكم للْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ لكَونهَا سَالِمَة عَن الْمعَارض، وَإِن نكل يكون مقرا أَو باذلا فَيمْنَع وَيبقى الْمُدعى فِي يَد ذِي الْيَد نعم لَا يجْبر الْخَارِج على الْجَواب عَن دَعْوَى ذِي الْيَد لَو ترك دَعْوَاهُ لعدم كَونه ذَا يَد، لَا لقُصُور فِي كَون ذِي الْيَد مُدعيًا فِيمَا ادَّعَاهُ كَمَا توهمه صَاحب التكملة، هَذَا هُوَ التَّحْقِيق تدبر.
عبد الْحَلِيم
قَوْله: (أَي لم يذكر لَهُ سَبَب) أَي معِين، أَو مُقَيّد بتاريخ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لَو ذكر لَهُ سَبَب يتَكَرَّر، فَإِن ذكر لَهُ سَبَب لَا يتَكَرَّر قدم بِبَيِّنَة ذِي الْيَد كَمَا يَأْتِي أَيْضا، وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فِي منية الْمُفْتِي: أَقَامَا بَيِّنَة على عبد فِي يَد رجل أَحدهمَا بِغَصب وَالْآخر بوديعة فَهُوَ بَينهمَا: أَي لَان الْمُودع بالجحود يصير غَاصبا.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ لَوْ ادَّعَيَا إرْثًا مِنْ وَاحِدٍ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى كَمَا فِي الشِّرَاءِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ تَلَقِّيَ الْملك من جِهَة وَاحِدَة، فَلَو ادّعَيَا مِنْ جِهَةِ اثْنَيْنِ يُحْكَمُ لِلْخَارِجِ، إلَّا إذَا سبق تَارِيخُ ذِي الْيَدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَيَاهُ من وَاحِد فَإِنَّهُ هُنَا يقْضِي لذِي الْيَد، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ الْخَارِجُ.
وَالْفَرْقُ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ فَهُوَ أَوْلَى: كَمَا لَوْ حَضَرَ الْبَائِعَانٍ وَبَرْهَنَا وَأَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ تَارِيخًا وَالْمَبِيعُ فِي يَد أَحدهمَا يحكم للاسبق اهـ من الثَّامِن، وَتَمَامه فِيهِ.
وَفِي الاشباه قبيل الْوكَالَة: إذَا بَرْهَنَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ عَلَى نَسَبِ صَغِيرٍ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخِزَانَةِ.
الْأُولَى: لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى أَنه ابْنه من امْرَأَته هَذِه وَهُمَا حُرَّانِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى أُمِّهِ فَهُوَ لِلْخَارِجِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ ذُو الْيَدِ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمًا فَبَرْهَنَ الذِّمِّيُّ بِشُهُودٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَبَرْهَنَ الْخَارِجُ قُدِّمَ الْخَارِجُ سَوَاءٌ بَرْهَنَ بِمُسْلِمِينَ أَوْ بِكُفَّارٍ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْكَافِرُ بِمُسْلِمِينَ قُدِّمَ عَلَى الْمُسلم مُطلقًا اهـ.
قَوْله: (وَإِن وَقت أَحدهمَا فَقَط) ، إِن وصلية ومقتضاها الْعُمُوم: أَي إِن لم يوقتا أَو وقتا مُتَسَاوِيا أَو مُخْتَلفا أَو وَقت أَحدهمَا وَعَلِيهِ مُؤَاخذَة، وَهُوَ أَنه إِذا وقتا وَاخْتلف تاريخهما فَالْعِبْرَة للسابق مِنْهُمَا على مَا تقدم، لَان للتاريخ عِبْرَة فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق إِذا كَانَ من الطَّرفَيْنِ عِنْد أبي حنيفَة، ووافقاه فِي رِوَايَة، وخالفاه فِي أُخْرَى، فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول إِن لم يوقتا أَو وقتا وَأَحَدهمَا مسَاوٍ للْآخر أَو وَقت أَحدهمَا
فَقَط.
قَالَ فِي الْغُرَرِ: حُجَّةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى، إِلَّا إِذا أرخا وَذُو الْيَد أسبق
قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُف: ذُو الْوَقْت أَحَق) أَي فِيمَا لَو وَقت أَحدهمَا فَقَط، لَان التَّارِيخ من أحد الطَّرفَيْنِ مُعْتَبر عِنْده.
وَالْحَاصِل: أَن الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى، إلَّا إذَا أرخا وَذُو الْيَد أسبق.
قَوْله: (وثمرته) أَي ثَمَرَة الْخلاف الْمَعْلُوم من الْمقَام.
قَوْله: (هَذَا العَبْد لي) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ مَتْنًا قُبَيْلَ السَّلَمِ.
قَوْلُهُ: (تَارِيخُ(8/119)
غيبَة) أَي غيبَة العَبْد عَن يَده، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (مُنْذُ شَهْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِغَابَ فَهُوَ قيد للغيبة.
قَوْله: (مُنْذُ سَنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (لِي) أَيْ مِلْكٌ لِي مُنْذُ سَنَةٍ فَهُوَ قيد للْملك وتاريخ، وَالْمُعْتَبَرُ تَارِيخُ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.
قَوْله: (فَلم يُوجد التَّارِيخ) أَي تَارِيخ الْملك.
قَوْله: (من الطَّرفَيْنِ) بل وجد من طرف ذِي الْيَد والتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد لَا يعْتَبر عِنْد الامام، فَكَانَ دَعْوَى صَاحب الْيَد مُطلق الْملك كدعوى الْخَارِج فَيَقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج.
قَوْله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُف) أَي فِيمَا لَو وَقت أَحدهمَا فَقَط
قَوْله: (وَلَو حَالَة الِانْفِرَاد) أَي قَالَ أَبُو يُوسُف: يقْضى للمؤرخ سَوَاء أرخا مَعًا وَكَذَا لَو أرخا حَالَة الِانْفِرَاد، لَان التَّارِيخ حَالَة الِانْفِرَاد مُعْتَبر عِنْده، وَالْحكم فِيمَا لَو أرخا مَعًا أولى بالحكم حَالَة الِانْفِرَاد، لانه مُتَّفق عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مذْهبه فَقَط كَمَا هِيَ الْقَاعِدَة فِي لَو الوصلية: أَي الحكم فِي الْمُقدر قبلهَا أولى بالحكم مِمَّا بعْدهَا، وَالْمرَاد بِمَا إِذا أرخا مَعًا سبق تَارِيخ أَحدهمَا أما لَو اسْتَوَى تاريخهما فَهُوَ كَمَا لَو لم يؤرخا لتساقطهما، وَالْفُقَهَاء يطلقون الْعبارَة عِنْد ظُهُور الْمَعْنى، وَحِينَئِذٍ فَقَوْل بعض المحشين: الاولى إِسْقَاط لَو لَان الْكَلَام فِي حَالَة الِانْفِرَاد، وَكَلَامه ينْحل أَنه يقْضى للمؤرخ حَال صُدُور التَّارِيخ مِنْهُمَا.
وَفِي حَالَة الِانْفِرَاد وَلَا معنى للْقَضَاء للمؤرخ فِيمَا إِذا أرخا لتحققه مِنْهُمَا بل الْقَضَاء للسابق اهـ غير لَازم، لَان إِعْمَال الْكَلَام أولى من إهماله.
قَوْله: (كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ اسْتحق حمارا فَطُلِبَ ثَمَنُهُ مِنْ بَائِعِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ كَمْ مُدَّةً غَابَ عَنْك هَذَا الْحِمَارُ؟ فَقَالَ: مُنْذُ سَنَةٍ، فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُ أَرَّخَ غَيْبَتَهُ لَا الْمِلْكَ وَالْبَائِعُ أَرَّخَ الْمِلْكَ وَدَعْوَاهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي لِتَلَقِّيهِ مِنْ جِهَتِهِ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى مِلْكَ بَائِعِهِ بِتَارِيخِ عَشْرِ سِنِينَ، غَيْرَ أَنَّ التَّارِيخَ لَا يُعْتَبَرُ حَالَةَ الِانْفِرَاد عِنْد أبي حنيفَة، فَبَقيَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَحُكِمَ لِلْمُسْتَحِقِّ.
أَقُولُ: يُقْضَى بهَا للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف، لانه يرجع المؤرخ حَالَة الِانْفِرَاد اهـ مُلَخصا.
قَوْله: (وَأقرهُ المُصَنّف) وناقشه الْخَيْر الرَّمْلِيّ بِأَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ ذكره فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر، وَقدم فِي الثَّامِن الصَّحِيح الْمَشْهُور عَن الامام أَنه لَا عِبْرَة للتاريخ فِي الْملك الْمُطلق حَالَة الِانْفِرَاد، وَحَاصِله أَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّامِن فِي دَعْوَى الخارجين نقل أَن الصَّحِيح الْمَشْهُور عَن الامام عدم اعْتِبَاره حَالَة الِانْفِرَاد وَفِي الثَّامِن عشر فِي الِاسْتِحْقَاق قَالَ: يَنْبَغِي أَن يُفْتى بقول أبي يُوسُف من اعْتِبَاره لانه أوفق وَأظْهر، وَمَا ذكره الْفَقِيه فِي بَابه أولى بِالِاعْتِبَارِ، وَهُوَ مَا ذكره فِي الثَّامِن، وَلَا سِيمَا أَنه نَقله جَازِمًا بِهِ وَأقرهُ، وَالثَّانِي فِي غير بَابه وَعبر عَنهُ بينبغي مَعَ مَا قَالُوا أَنه يُفْتى بقول الامام قطعا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مَعَه غَيره كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ وَافقه مُحَمَّد.
تَأمل.
قَوْله: (وَلَو برهن خارجان على شئ) يَعْنِي: إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَزَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَلَا تَارِيخَهُ قُضِيَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَيَا الْوَقْفَ فِي يَدٍ ثَالِثٍ فَيُقْضَى بالعقار نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَقْفٍ النِّصْفُ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ دَعْوَى الْملك الْمُطلق بِاعْتِبَار ملك الْوَاقِف، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقنية: دَار فِي يَد رجل أَقَامَ عَلَيْهِ رجل بَيِّنَة أَنَّهَا وقفت عَلَيْهِ وَأقَام قيم الْمَسْجِد بَيِّنَة أَنَّهَا وقف الْمَسْجِد:(8/120)
فَإِن أرخا فَهِيَ للسابق مِنْهُمَا، وَإِن لم يؤرخا فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ اهـ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يَدعِي ذُو الْيَد الْملك فِيهَا أَو الْوَاقِف على جِهَة أُخْرَى.
مطلب: دَعْوَى الْوَقْف من قبيل دَعْوَى الْملك الْمُطلق وَالْحَاصِل: أَن دَعْوَى الْوَقْف من قبيل دَعْوَى الْملك الْمُطلق، وَلِهَذَا لَو ادّعى وقفية مَا فِي يَد آخر وَبرهن فَدفعهُ ذُو الْيَد بِأَنَّهُ مُودع فلَان وَنَحْوه وَبرهن فَإِنَّهَا تنْدَفع خُصُومَة الْمُدَّعِي كَمَا فِي الاسعاف، فدعوى الْوَقْف دَاخل فِي الْمَسْأَلَة المخمسة، وكما تقسم الدَّار بَين الوقفين كَذَلِك لَو برهن كل على أَن الْوَاقِف جعل لَهُ الْغلَّة وَلَا مُرَجّح، فَإِنَّهَا تكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لما فِي الاسعاف من بَاب إِقْرَار الصَّحِيح بِأَرْض فِي يَده أَنَّهَا وقف: لَو شهد اثْنَان على إِقْرَار رجل بِأَن أرضه وقف على زيد ونسله، وَشهد آخرَانِ على إِقْرَاره بِأَنَّهَا وقف على عَمْرو ونسله تكون وَقفا على الاسبق وقتا إِن علم، وَإِن لم يعلم أَو
ذكرُوا وقتا وَاحِدًا تكون الْغلَّة بَين الْفَرِيقَيْنِ أنصافا، وَمن مَاتَ من ولد زيد فَنصِيبه لمن بَقِي مِنْهُم، وَكَذَلِكَ حكم أَوْلَاد عَمْرو.
وَإِذا انقرض أحد الْفَرِيقَيْنِ رجعت إِلَى الْفَرِيق الْبَاقِي لزوَال المزاحم اهـ.
وَقُيِّدَ بِالْبُرْهَانِ مِنْهُمَا، إذْ لَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ، فَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ الْآخَرُ يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ، لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ صَار ذَا يَد بِالْقضَاءِ لَهُ، وَإِن لم تكن الْعين فِي يَده حَقِيقَة فَتقدم بَيِّنَة الْخَارِج الآخر عَلَيْهِ، وَلَو لم يبرهنا حلف صَاحب الْيَد، فَإِن حلف لَهما تتْرك فِي يَده قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، حَتَّى لَو أَقَامَا الْبَيِّنَة بعد ذَلِك يقْضى بهَا، وَإِن نكل لَهما جَمِيعًا يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، ثمَّ بعده إِذا أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه ملكه لَا تقبل، وَكَذَا إِذا ادّعى أحد الْمُسْتَحقّين على صَاحبه وَأقَام بَيِّنَة أَنَّهَا ملكه لَا تقبل لكَونه صَار مقضيا عَلَيْهِ.
بَحر لَكِن قدمنَا عَن الاشباه أَنَّهَا تسمع الدَّعْوَى بعد الْقَضَاء بِالنّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِية، ونقلنا عَن محشيها الْحَمَوِيّ مَا يُخَالف مَا ذكر من أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو نكل عَن الْيَمين للْمُدَّعِي وَقضي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ ثمَّ إِن الْمقْضِي عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ اشْترى هَذَا الْمُدَّعِي من الْمُدعى قبل دَعْوَاهُ لَا تقبل هَذِه الْبَيِّنَة، إِلَّا أَن يشْهد أَنه كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بعد الْقَضَاء، وَقدمنَا أَنه كَمَا يَصح الدّفع قبل الْبُرْهَان يَصح بعد إِقَامَته أَيْضا، وَكَذَا يَصح قبل الحكم كَمَا يَصح بعده، وَدفع الدّفع وَدفعه وَإِن كثر صَحِيح فِي الْمُخْتَار، وَلَعَلَّ مَا مشي عَلَيْهِ صَاحب الْبَحْر هُنَا مَبْنِيّ على القَوْل الآخر الْمُقَابل لِلْقَوْلِ الْمُخْتَار.
تَأمل.
قَوْله: (قضى بِهِ لَهما) لما رُوِيَ عَن أبي مُوسَى أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا على عهد رَسُول الله (ص) ، فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا بِشَاهِدين، فَقَسمهُ رَسُول الله (ص) بَينهمَا نِصْفَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، ولان الْبَينَات من حجج الشَّرْع فَيجب الْعَمَل بهَا مَا أمكن، وَقد أمكن هُنَا، لَان الايدي قد تتوالى فِي عين وَاحِدَة فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة، فيعتمد كل فريق مَا شَاهد من السَّبَب الْمُطلق للشَّهَادَة وَهُوَ الْيَد فَيحكم بالتنصيف بَينهمَا.
وَتَمَامه فِي الزَّيْلَعِيّ.
قَوْله: (فَإِن برهنا فِي دَعْوَى نِكَاح) أَي مَعًا لانه لَو برهن مدعي نِكَاحهَا وَقضي لَهُ بِهِ ثمَّ برهن الآخر على نِكَاحهَا لَا يقبل، كَمَا فِي الشِّرَاء إِذا ادَّعَاهُ من فلَان وَبرهن عَلَيْهِ وَحكم لَهُ بِهِ ثمَّ ادّعى آخر شِرَاءَهُ من فلَان أَيْضا لَا تقبل، وَيجْعَل الشِّرَاء الْمَحْكُوم بِهِ سَابِقًا، وَلَا وَجه للتفريع، فالاولى الاتيان بإلا الاستثنائية.
قَوْله: (سقطا) الضَّمِير للخارجين، فَلَو أَحدهمَا خَارِجا وَالْآخر ذَا يَد فالخارج أَحَق قِيَاسا
على الْملك، وَقيل ذُو الْيَد أولى على كل حَال، وَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (لتعذر الْجمع) أَي اجْتِمَاع الزَّوْجَيْنِ على زَوْجَة وَاحِدَة فَإِنَّهُ مُتَعَذر شرعا، لَان النِّكَاح لَا يقبل الِاشْتِرَاك فتتهاتر الْبَيِّنَتَانِ(8/121)
وَيفرق القَاضِي بَينهمَا حَيْثُ لَا مُرَجّح، وَإِن كَانَ ذَلِك قبل الدُّخُول فَلَا شئ على كل وَاحِد مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْر.
قَوْله: (لَو حَيَّة) أَي هَذَا الحكم كَمَا ذكر لَو حَيَّة، وَلَو ميتَة قضى بِهِ: أَي بِالنِّكَاحِ بَينهمَا سَوَاء أرخا واستوى تاريخهما أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط أَو لم يؤرخا، وَفَائِدَة الْقَضَاء تظهر فِيمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ، وَلَا يلْزم جمع على وطئ، لانه حِينَئِذٍ دَعْوَى مَال وَهُوَ الْمِيرَاث، أَو دَعْوَى نسب، وَيُمكن ثُبُوته مِنْهُمَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب، وَسَيَأْتِي فِي بَاب دَعْوَى النّسَب أَنَّهُمَا لَو ادّعَيَا نسب مَجْهُول كَانَ ابنهما بتصديقه، وَهنا ثُبُوت الْفراش يقوم مقَام التَّصْدِيق.
قَوْله: (وعَلى كل نصف الْمهْر) وَلَو مَاتَ قبل الدُّخُول، لَان الْمَوْت متمم للمهر.
فَإِن قلت: كل مِنْهُمَا مدعي الزَّوْجِيَّة معترف بِأَن عَلَيْهِ الْمهْر كَامِلا فَيَنْبَغِي أَن يلْزمه ذَلِك الْمُسَمّى إِن أثبت تَسْمِيَته، وَإِلَّا فمهر الْمثل.
فَالْجَوَاب أَنه لما قضى بِدَعْوَى رَفِيقه فِي النّصْف صَار مُكَذبا شرعا بِالنِّسْبَةِ إِلَى نصف الْمهْر فَوَجَبَ عَلَيْهِ النّصْف فَقَط.
قَوْله: (ويرثان مِيرَاث زوج وَاحِد) لانه دَاخل تَحت أول الْمَسْأَلَة، فَإِن كلا مِنْهُمَا يَدعِي الْمِيرَاث كَامِلا فينصف بَينهمَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَلَدَتْ) أَيْ الْمَيِّتَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَظَاهر الْعبارَة أَنَّهَا ولدت بعده، وَلَكِن لينْظر هَل يُقَال لَهُ ولادَة؟ استظهر بعض الْفُضَلَاء عدم اتصاف الْميتَة بِالْولادَةِ الْحَقِيقِيَّة، وَأَن المُرَاد بِالْولادَةِ انْفِصَال الْوَلَد مِنْهَا بِنَفسِهِ أَو غَيره من الاحياء.
قَوْله: (يثبت النّسَب مِنْهُمَا) أَي لَو ادّعَيَا بعد الْمَوْت أَنَّهَا كَانَت زَوْجَة لَهما قبل الْولادَة أَو ولدت بعد الْمَوْت وَقد ادّعى كل مِنْهُمَا أَنَّهَا زَوجته.
قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْخُلَاصَة) وَهُوَ أَنَّهُمَا يرثان مِنْهُ مِيرَاث أَب وَاحِد وَيَرِثُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ.
منح وَمَا لَو كَانَ البرهانان بِلَا تَارِيخ أَو بتاريخ مستو أَو من أَحدهمَا كَمَا فِي الْخُلَاصَة.
وَفِي الْمنية: وَلَا يعْتَبر فِيهِ الاقرار وَالْيَد، فَإِن سبق تَارِيخ أَحدهمَا يقْضى لَهُ، وَلَو ادّعَيَا نِكَاحهَا وبرهنا وَلَا مُرَجّح ثمَّ مَاتَا فلهَا نصف الْمهْر وَنصف الْمِيرَاث من كل مِنْهُمَا، وَلَو مَاتَت قبل الدُّخُول فعلى
كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الْمُسَمّى، وَلَو مَاتَ أَحدهمَا فَقَالَت هُوَ الاول لَهَا الْمهْر وَالْمِيرَاث.
مقدسي عَن الظَّهِيرِيَّة.
قَوْله: (وَهِي لمن صدقته) أَي إِن لم يسْبق تَارِيخ الآخر، لَان النِّكَاح مِمَّا يحكم بِهِ بتصادق الزَّوْجَيْنِ فَيرجع إِلَى تصديقها، إِلَّا إِذا كَانَت فِي بَيت أَحدهمَا أَو دخل بهَا أَحدهمَا فَيكون هُوَ أَوْلَى، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنه تزَوجهَا قبله فَيكون هُوَ أولى، لَان الصَّرِيح يفوق الدّلَالَة.
زَيْلَعِيّ.
وَفِي الْبَحْر عَن الظَّهِيرِيَّة: لَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَهِيَ فِي بَيْتِ الآخر فَصَاحب الْبَيْت أولى، وَأطلق فِي التَّصْدِيق فَشَمَلَ مَا إذَا سَمِعَهُ الْقَاضِي أَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ مدعيه بعد إنكارها لَهُ.
قَالَ فِي التَّبْيِين: حَاصله أَنَّهُمَا إِذا تنَازعا فِي امْرَأَة وَأَقَامَا الْبَيِّنَة.
فَإِن أرخا وَكَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أقدم كَانَ أولى، وَإِن لم يؤرخا أَو اسْتَوَى تاريخهما، فَإِن كَانَ مَعَ أَحَدُهُمَا قَبَضَ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى منزله كَانَ أولى، وَإِن لم يُوجد شئ من ذَلِك يرجع إِلَى تَصْدِيق الْمَرْأَة.(8/122)
وَفِي الْبَحْر: وَالْحَاصِل أَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ مِنْ الْكُلِّ، ثُمَّ الْيَد، ثمَّ الدُّخُول، ثمَّ الاقرار، ثمَّ ذُو التَّارِيخ اهـ.
ثمَّ اعْلَم أَن بَعضهم عبر بإقرارها وَبَعْضهمْ بتصديقها، فَالظَّاهِر أَنَّهُمَا سَوَاء هُنَا، وَلَكِن فرقوا بَينهمَا فَقَالَ الزَّيْلَعِيّ فِي بَاب اللّعان: فَإِن أَبَت حبست حَتَّى تلاعن أَو تصدقه.
وَفِي بعض نسخ الْقَدُورِيّ: أَو تصدقه فتحد، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً، وَهُوَ لَا يجب بالتصديق أَربع مَرَّات، لَان التَّصْدِيق لَيْسَ بِإِقْرَار قصدا لكنه إِقْرَار ضمنا، فَلَا يعْتَبر فِي حق وجوب الْحَد، وَيعْتَبر فِي درئه فيندفع بِهِ اللّعان وَلَا يجب بِهِ الْحَد اهـ.
وَتقدم فِي حد الْقَذْف أَنه لَو قَالَ لرجل يَا زاني فَقَالَ لَهُ غَيره صدقت حد الْمُبْتَدِئ دون الْمُصدق، وَلَو قَالَ صدقت هُوَ كَمَا قلت فَهُوَ قَاذف أَيْضا اهـ.
وَإِنَّمَا وَجب فِي الثَّانِيَة للْعُمُوم فِي كَاف التَّشْبِيه لَا للتصديق، فَعلم بِهَذَا أَن الْحَد لَا يجب بالتصديق.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: قَالَ لي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ صدقت يلْزمه إِذا لم يقل على وَجه الِاسْتِهْزَاء وَيعرف ذَلِك بالنغمة اهـ فَهُوَ صَرِيح فِيمَا ذكرنَا.
وَأَقُول: لَو اخْتلفَا فِي كَونه صدر على وَجه الِاسْتِهْزَاء أم لَا فَالْقَوْل لمنكر الِاسْتِهْزَاء بِيَمِينِهِ،
وَالظَّاهِر أَنه على نفي الْعلم لَا على فعل الْغَيْر.
تَأمل.
وَفِي شرح أدب الْقَضَاء: وَإِن شَهدا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْدَمَا شَهدا عَلَيْهِ: الَّذِي شهد بِهِ فلَان عَليّ هُوَ الْحق ألزمهُ القَاضِي وَلم يسْأَل عَن الآخر لَان هَذَا إِقْرَار مِنْهُ، وَإِن قَالَ قبل أَن يشهدَا عَلَيْهِ: الَّذِي يشْهد بِهِ فلَان عَليّ حق أَو هُوَ الْحق فَلَمَّا شَهدا قَالَ للْقَاضِي سل عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا شَهدا عَليّ بباطل وَمَا كنت أظنهما يَشْهَدَانِ لم يلْزمه وَسَأَلَ عَنْهُمَا لانه إِقْرَار مُعَلّق بالخطر فَلَا يَصح اهـ.
قَوْله: (إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ) فَلَو وجد أَحدهمَا لَا يعْتَبر قَوْلهَا كَمَا علمت.
قَوْله: (وَلم يكن دخل من كَذبته بهَا) لَان الدُّخُول صَار ذَا يَد، وَذَلِكَ دَلِيل سبق عقده ظنا بِالْمُسلمِ خيرا وحملا لامره على الصّلاح، ولاهل الذِّمَّة مَا لنا فِي الْمُعَامَلَات.
قَوْله: (هَذَا إِذا لم يؤرخا) مثل عدم التأريخ مِنْهُمَا إِذا أرخا تأريخا مستويا أَو أرخ أَحدهمَا.
بَحر
قَوْله: (فَالسَّابِق أَحَق بهَا) أَيْ وَإِنْ صَدَّقَتْ الْآخَرَ أَوْ كَانَ ذَا يَد أَو دخل بهَا لانه لَا يعْتَبر مَعَ السَّبق وضع يَد وَلَا دُخُول لكَونه صَرِيحًا وَهُوَ يفوق الدّلَالَة كَمَا علمت.
قَوْله: (فَهِيَ لمن صدقته) إِن لم يكن لاحدهما يَد: أَي أَو دُخُول.
قَوْله: (أَو لذِي الْيَد) أَي إِن كَانَت يَد، وَلَا يعْتَبر تَصْدِيق مَعَه: أَي إِن أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلِلْآخَرِ يَدٌ فَإِنَّهَا لِذِي الْيَدِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الثَّانِي) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُقْضَى لِلْمُؤَرِّخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَيُقْضَى هُنَا لِلْمُؤَرِّخِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ ذَا يَدٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمُؤَرِّخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَهُوَ أولى، وَسَيَأْتِي متْنا.
قَوْله: (وَلم أر من نبه على هَذَا) ذكره فِي الْبَحْر بحثا حَيْثُ قَالَ: فَالْحَاصِل كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة إِنَّه لَا يتَرَجَّح أَحدهمَا إِلَّا بسبق التَّارِيخ أَو بِالْيَدِ أَو بإقرارها بِدُخُول أَحدهمَا اهـ.
وَكَانَ يَبْتَغِي أَن يزِيد أَو بتاريخ من أَحدهمَا فَقَط كَمَا عَلمته اهـ.
وَلَعَلَّ وَجه عدم التَّنْبِيه أَنَّهُمَا إِذا أرخ أَحدهمَا وَللْآخر يَد فاليد دَلِيل على العقد والتأريخ لَيْسَ بِدَلِيل عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَتَأمل) أَي هَل يجْرِي قَوْله هُنَا وَيعْتَبر التأريخ من(8/123)
جَانب وَاحِد أَو لَا يعْتَبر احْتِيَاطًا فِي أَمر الْفروج، وَالَّذِي يظْهر الثَّانِي فَرَاجعه.
قَوْله: (وَإِن أقرَّت) أَي الْمَرْأَة لمن لَا حجَّة لَهُ فَهِيَ لَهُ لما عرفت من أَن النِّكَاح يثبت بتصادق الزَّوْجَيْنِ.
قَوْله: (وَإِن برهن الآخر) أَي بعد الحكم للاول بِمُوجب الاقرار، والاولى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ فَهِيَ لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ، ثُمَّ إنْ
بَرْهَنَ الْآخَرُ قضي لَهُ.
قَوْله: (قضى لَهُ) لانه أقوى من التصادق، لَان الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بالمعاينة وَيثبت فِي حق الْكل، بِخِلَاف الاقرار فَإِنَّهُ حجَّة قَاصِرَة يثبت فِي حق الْمقر فَقَط، فإقرارها إِنَّمَا نفذ عَلَيْهَا لَا على من أَقَامَ الْبُرْهَان على أَنَّهَا زَوجته، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي حق الْكل لَان الْقَضَاء لَا يكون على الكافة إِلَّا فِي الْقَضَاء بِالْحُرِّيَّةِ وَالنّسب وَالْوَلَاء وَالنِّكَاح، وَلَكِن فِي النِّكَاح شَرط هُوَ أَن لَا يؤرخا، فَإِن أرخ الْمَحْكُوم لَهُ ثمَّ ادَّعَاهَا آخر بتاريخ أسبق فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ وَيبْطل الْقَضَاء الاول، ويشترك ذَلِك أَيْضا فِي الْحُرِّيَّة الاصلية كَمَا فِي الْبَحْر.
وَقَوله: (وَلَكِن فِي النِّكَاح الخ) أَي الْقَضَاء فِي النِّكَاح إِنَّمَا يكون على الكافة إِذا لم يؤرخا، وَيحمل على مَا إِذا ترجحت بَينته بمرجح آخر غير التَّارِيخ كَالْقَبْضِ والتصديق، وَإِلَّا فَلَا يتَصَوَّر الْقَضَاء لَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي عدم التَّارِيخ.
قَوْله: (لم يقْض لَهُ) لتأكد الاول بِالْقضَاءِ.
قَوْله: (إِلَّا إِذا ثَبت سبقه) أَي سبق الْخَارِج بالتاريخ بِأَن أرخ الاول تَارِيخا مَعَ الْبُرْهَان وأرخ الثَّانِي تَارِيخا سَابِقًا وَأقَام الْبُرْهَان فَإِنَّهُ يقدم.
قَالَ الْمَقْدِسِي: وَنَظِيره الشِّرَاء من زيد لَو حكم بِهِ ثمَّ ادَّعَاهُ آخر من زيد وَبرهن، وَكَذَا النّسَب وَالْحريَّة بِخِلَاف الْملك الْمُطلق.
اهـ: يَعْنِي الحكم فِيهِ لمن برهن بعد الحكم لآخر وَإِن لم يثبت السَّبق.
قَوْله: (لَان الْبُرْهَان مَعَ التَّارِيخ) أَي السَّابِق بِدَلِيل مَا قَالَ فِي الْمَتْن إِلَّا إِذا ثَبت سبقه ولان من الْمَعْلُوم أَنه إِنَّمَا يكون أقوى بِالسَّبقِ.
قَوْله: (أقوى مِنْهُ بِدُونِهِ) أَي بِدُونِ التَّارِيخ السَّابِق.
وَصُورَة الْمَسْأَلَة: ادّعى أَنه تزَوجهَا الْعَام وَأقَام بَيِّنَة على ذَلِك فَقضى لَهُ ثمَّ ادّعى آخر نِكَاحهَا قبل الْعَام تسمع وَيَقْضِي لَهُ لسبقه، لَان السَّبق لَا يتَحَقَّق إِلَّا عِنْد التَّارِيخ مِنْهُمَا، لَكِن لما كَانَ الثَّانِي سَابِقًا فَكَأَن الاول لم يؤرخ أصلا.
قَوْله: (ظهر نِكَاحه) أَي ثَبت نِكَاحه وظهوره إِنَّمَا يكون بِالْبَيِّنَةِ.
وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن ذَا الْيَد لَو برهن بَعْدَمَا قضى للْخَارِج يقبل.
وَقَالَ بَعضهم: إِن لم يقْض لَهُ.
قَوْله: (إِلَّا إِذا ثَبت سبقه) أَي سبق نِكَاحه: أَي سبق الْخَارِج بالتاريخ فَإِنَّهُ يقدم على مَا علم مِمَّا ذَكرْنَاهُ من الْحَاصِل عَن التَّبْيِين وَالْبَحْر، وَقد تبع المُصَنّف صَاحب الدُّرَر فِي ذكر هَذِه الْعبارَة.
وَقَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَهِي مَوْجُودَة فِي النّسخ بِصُورَة الْمَتْن، وَلَعَلَّه شرح إِذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة على الْمُتَقَدّم اهـ.
وَاعْلَم أَنه إِذا ادّعى نِكَاح صَغِيرَة بتزويج الْحَاكِم لَا تسمع إِلَّا بِشُرُوط: أَن يذكر اسْم الْحَاكِم
وَنسبه وَأَن السُّلْطَان فوض إِلَيْهِ التَّزْوِيج وَأَنه لم يكن لَهَا ولي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
ثمَّ اعْلَم: أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَيَوْم الْقَتْل يدْخل، هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة والعمادية والولجية وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا.
وفرعوا على الاول مَا لَو برهن الْوَارِث على موت مُوَرِثه فِي يَوْم ثمَّ برهنت امْرَأَة على أَن مُوَرِثه كَانَ نَكَحَهَا بعد ذَلِك الْيَوْم يقْضِي لَهَا بِالنِّكَاحِ، وعَلى الثَّانِي لَو برهن الْوَارِث على أَنه قتل يَوْم كَذَا فبرهنت امْرَأَة على أَن هَذَا الْمَقْتُول نَكَحَهَا بعد ذَلِك الْيَوْم لَا تقبل.
وعَلى هَذَا جَمِيع الْعُقُود والمداينات.
وَكَذَا لَو برهن الْوَارِث على أَن مُوَرِثه قتل يَوْم كَذَا فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه(8/124)
كَانَ مَاتَ قبل هَذَا بِزَمَان لَا يسمع، وَلَو برهن على أَن مُوَرِثه قتل يَوْم كَذَا فَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ فُلَانٌ قَبْلَ هَذَا بِزَمَان يكون دفعا لدُخُوله تَحت الْقَضَاء، هَذِه عبارَة الْبَزَّازِيَّة.
وَزَاد الْوَلْوَالجيّ موضحا لدعوى الْمَرْأَة النِّكَاح بعد ثُبُوت الْقَتْل فِي يَوْم كَذَا.
بقوله: أَلا ترى أَن امْرَأَة لَو أَقَامَت الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَقَضَى بِشُهُودِهَا ثُمَّ أَقَامَتْ أُخْرَى بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْم النَّحْر بخراسان لَا تقبل بَيِّنَة الْمَرْأَة الاخرى لِأَنَّ النِّكَاحَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ التَّارِيخ، فَإِذا ادَّعَت امْرَأَة أُخْرَى بعد ذَلِك التَّارِيخ بتاريخ لم يقبل اهـ.
أَقُول: وَجه الشّبَه بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ أَن تَارِيخ برهَان الْمَرْأَة على نِكَاح الْمَقْتُول مُخَالف لتاريخ الْقَتْل، إِذْ لَا يتَصَوَّر بعد قَتله أَن ينْكح، كَمَا أَن نِكَاح الثَّانِيَة لَهُ يَوْم النَّحْر بخراسان لَا يتَصَوَّر مَعَ نِكَاح الاولى لَهُ يَوْمه بِمَكَّة فَهُوَ مُخَالف من هَذِه الْحَيْثِيَّة، فَأَشْبَهت هَذِه الْمَسْأَلَة الاولى فِي الْمُخَالفَة، وكل من النِّكَاح وَالْقَتْل يدْخل تَحت الحكم فَتَأمل.
وَفِي الظهيرين: ادّعى ضَيْعَة فِي يَد رجل أَنَّهَا كَانَت لفُلَان مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لفلانة لَا وَارِث لَهُ غَيرهَا، ثمَّ إِن فُلَانَة مَاتَت وتركتها مِيرَاثا لي لَا وَارِث لَهَا غَيْرِي وَقضى القَاضِي لَهُ بالضيعة فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ دفعا للدعوى إِن فُلَانَة الَّتِي تَدعِي أَنْت الارث عَنْهَا لنَفسك مَاتَت قبل فلَان الَّذِي تَدعِي الارث عَنهُ لفلانة اخْتلفُوا.
بَعضهم قَالُوا: إِنَّه صَحِيح، وَبَعْضهمْ قَالُوا: إِنَّه غير صَحِيح بِنَاء على أَنَّ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ اهـ.
وَإِذا كَانَ الْمَوْت مستفيضا علم بِهِ كل صَغِير وكبير وكل عَالم
وجاهل لَا يقْضى لَهُ وَلَا يَكُونُ بِطَرِيقِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ على ذَلِك الْمَوْت بل يكون بطرِيق التيقن بكذب الْمُدَّعِي.
قَالَ فِي التاترخانية: فِي الْفَصْل الثَّامِن فِي التهاتر نقلا عَن الذَّخِيرَة: فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشُّهُودَ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فَأَقَامَ الشُّهُود أَنه: أَي القَاضِي مَاتَ فِي سنة كَذَا الخ أَنه لَا يقْضِي بِهِ إِلَّا إذَا كَانَ مَوْتُ الْقَاضِي قَبْلَ تَارِيخِ شُهُودِ الْمُدعى عَلَيْهِ مستفيضا اهـ مَعَ غَايَة الِاخْتِصَار، فَرَاجعه إِن شِئْت، وَالله تَعَالَى الْمُوفق.
وَتَمام التفاريع على هَذِه الْمَسْأَلَة فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَنور الْعين وَالْبَحْر وَغَيرهَا، وَقد مر تَحْقِيقه فِي فصل الْحَبْس فَرَاجعه إِن شِئْت.
قَوْله: (وَإِن ذكرا) هُوَ مُقَابل لقَوْله وَإِن برهن الخارجان مَعْطُوف عَلَيْهِ: أَي إِن برهنا على مُطلق الْملك فقد تقدم حكمه: وَإِن ذكرا سَبَب الْملك فحكما هَذَا.
قَوْله: (بِأَن برهنا على شِرَاء شئ من ذِي يَد) مثله مَا إِذا برهن الخارجان على ذِي يَد أَن كلا أودعهُ الَّذِي فِي يَده فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَكَذَا الارث، فَلَو ادّعى كل من خَارِجين الْمِيرَاث عَن أَبِيه وَبرهن قضى بِهِ بَينهمَا، وَأفَاد المُصَنّف باقتصار كل على دَعْوَى الشِّرَاء مُجَرّدَة أَنه لَو ادّعى أَحدهمَا شِرَاء وعتقا وَالْآخر شِرَاء فَقَط يكون مدعي الْعتْق أولى، فَإِن الْعتْق بِمَنْزِلَة الْقَبْض.
ذكره فِي خزانَة الاكمل.
وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه لَو أرخ أَحدهمَا فَهُوَ لَهُ، وَفِي
قَوْله: (من ذِي يَد) إِشَارَة إِلَى أَنه لَو فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، وَإِن أرخ الْخَارِج.
نعم لَو تلقياه من جِهَتَيْنِ كَانَ الْخَارِج أَحَق وَهَذَا أوضح مِمَّا فِي الْمَتْن.
قَوْله: (فَلِكُل نصفه) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَب، لكنه يُخَيّر كَمَا ذكره بعد فَصَارَ كفضوليين بَاعَ كل(8/125)
مِنْهُمَا من رجل وَأَجَازَ الْمَالِك البيعين فَإِن كلا مِنْهُمَا يُخَيّر أَنه تغير عَلَيْهِ شَرط عدم عقده، فَلَعَلَّ رغبته فِي تملك الْكل اهـ.
قَوْله: (بِنصْف الثّمن) أَي الَّذِي عينه أَحدهمَا، وَإِن كَانَ مَا عينه الآخر، كَأَن ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِمِائَتَيْنِ أَخذ الاول نصفه بِخَمْسِينَ وَالْآخر نصفه بِمِائَة، وَقيد بِالشِّرَاءِ من ذِي الْيَد لانه لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من ذِي الْيَد فَإِنَّهُ يَأْتِي حكمه.
قَوْله: (لتفريق الصَّفْقَة عَلَيْهِ) فَلَعَلَّ رغبته فِي تملك الْكل.
قَوْله: (وَإِن ترك أَحدهمَا بَعْدَمَا قضى لَهما) أَفَادَ أَنه بِالْقضَاءِ لَهُ بِالنِّصْفِ
لَا يجْبر على أَخذه لما فِيهِ من الضَّرَر.
قَوْله: (لانفساخه) أَي انْفِسَاخ البيع فِي النّصْف بِالْقضَاءِ: أَي لانه صَار مقضيا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ لصَاحبه فانفسخ البيع فِيهِ فَلَا يكون لَهُ أَن يَأْخُذهُ بعد الِانْفِسَاخ، لَان العقد مَتى انْفَسَخ بِقَضَاء القَاضِي لَا يعود إِلَّا بتجديده وَلم يُوجد.
قَوْله: (فَلَو قبله) أَي فَلَو ترك أَحدهمَا قبل الْقَضَاء بِهِ بَينهمَا فللآخر أَن يَأْخُذهُ كُله، لانه أثبت بِبَيِّنَتِهِ أَنه اشْترى الْكل، وَإِنَّمَا يرجع إِلَى النّصْف بالمزاحمة ضَرُورَة الْقَضَاء بِهِ وَلم يُوجد، وَنَظِيره تَسْلِيم أحد الشفيعين قبل الْقَضَاء، وَنَظِير الاول تَسْلِيمه بعد الْقَضَاء كَمَا فِي الْبَحْر
قَوْله: (للسابق تأريخا إِن أرخا) أَي لانه أثبت الشِّرَاء فِي زمن لَا ينازعه فِيهِ أحد فَانْدفع الآخر بِهِ، وَهَذَا كَمَا علمت فِيمَا إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد، فَلَو اخْتلف بائعهما لم يتَرَجَّح أسبقهما تَارِيخا وَلَا المؤرخ فَقَط لَان ملك بائعهما لَا تَارِيخ لَهُ.
قَوْله: (فَيرد البَائِع مَا قَبَضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ لِذِي يَد) أَي الْمُدَّعِي بِالْفَتْح إِن لم يؤرخا الخ.
لما ذكر مَا إِذا ادّعى الخارجان الشِّرَاء من ذِي الْيَد، وَفِيه لَا يتَرَجَّح وَاحِد إِلَّا بسبق التَّارِيخ، أَخذ يتَكَلَّم على مَا إِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد الشِّرَاء من وَاحِد ويترجح ذُو الْيَد لانها دَلِيل سبقه ولانهما اسْتَويَا فِي الاثبات وترجيح ذِي الْيَد بهَا وَلَيْسَ للثَّانِي مَا يعارضها فَلَا يُسَاوِيه، ولان يَد الثَّابِت لَا تنقص بِالشَّكِّ.
وَيكون التَّرْجِيح أَيْضا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بسبق التَّارِيخ، فيترجح ذُو الْيَد فِي أَربع: مَا إِذا سبق تَارِيخه وَهُوَ ظَاهر، وَمَا إِذا لم يؤرخا لما ذكر، وَمَا إِذا كَانَ التَّارِيخ من جَانب لانه غير مُعْتَبر كَمَا لَو لم يؤرخا، وَمَا إِذا اسْتَوَى التاريخان لتعارضهما فَصَارَ كَمَا لَو لم يؤرخا، ويترجح الْخَارِج فِي وَاحِدَة وَهُوَ مَا إِذا سبق تَارِيخه.
وَيُمكن أَن تجْعَل هَذِه الْمَسْأَلَة من تفاريع مَا إِذا ادّعى الخارجان الشِّرَاء من ذِي الْيَد وَأثبت أَحدهمَا بِالْبَيِّنَةِ قَبضه فِيمَا مضى من الزَّمَان على مَا نَقله فِي الْبَحْر عَن الْمِعْرَاج.
وَيشكل عَلَيْهِ مَا ذكره بعد عَن الذَّخِيرَة من أَن ثُبُوت الْيَد بِأَحَدِهِمَا بالمعاينة.
وَيُمكن أَن يُقَال: مَا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ مُعَاينَة لَان المعاينة لَا تَكْفِي من القَاضِي لانه لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فَلم يبْق إِلَّا مُعَاينَة الشُّهُود.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِي إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكتاب، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضٌ فِي خَارِجَيْنِ تَنَازَعَا فِيمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَإِذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ ذَا يَدٍ تَنَازَعَ مَعَ خَارِجٍ فَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ.
ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْمِعْرَاجِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ جَوَازِ أَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ قَبْضَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْآن فِي
يَد البَائِع انْتهى.
إِلَّا أَنه يشكل مَا ذكره بعد عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ انْتهى وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهَا.
وَحَاصِلُهَا: أَنَّ خَارِجًا وَذَا يَدٍ ادَّعَى كُلٌّ الشِّرَاء من ثَالِث وَبَرْهَنَا قُدِّمَ ذُو الْيَدِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَالْخَارِج فِي وَجه وَاحِد انْتهى كَلَام الْبَحْر.
وَفِيه الاشكال الَّذِي ذكره عَن الذَّخِيرَة.(8/126)
وَأجَاب الْمَقْدِسِي بِأَن
قَوْله: (وَهُوَ لذِي يَد إِن لم يؤرخا) يرجع إِلَى مُطلق مدعيين لَا بِقَيْد كَونهمَا خَارِجين، وَقد أَشَارَ المُصَنّف إِلَى مَا قدمنَا من أَن الْحق أَنَّهَا مَسْأَلَة أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفرادها، حَيْثُ ذَكَرَ قَوْلَهُ وَلِذِي وَقْتٍ، وَلَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَلِذِي يَدٍ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَلِذِي اسْتِئْنَاف مَسْأَلَة أُخْرَى.
فرع: لَو برهنا على ذِي يَد بالوديعة يقْضِي بهَا لَهما نِصْفَيْنِ ثمَّ ذَا أَقَامَ أَحدهمَا الْبَيِّنَة على صَاحبه أَنه لَهُ لم يسمع، وَلَو برهن أَحدهمَا وَأقَام الآخر شَاهِدين وَلم يزكيا قضى بِهِ لصَاحب الْبَيِّنَة، ثمَّ أَقَامَ الآخر بَيِّنَة عادلة أَنه ملكه أودعهُ عِنْد الَّذِي فِي يَده أَو لم يذكرُوا ذَلِك فَقضى بِهِ لَهُ على الْمقْضِي لَهُ أَولا، وَهَذَا يُخَالف الشِّرَاء فَإِن فِيهِ لَا يحكم للثَّانِي، وَلَعَلَّه لَان الايداع من قبيل الْمُطلق.
قَوْله: (وَهُوَ لذِي وَقت الخ) الاولى تَقْدِيمهَا على
قَوْله: (وَهُوَ لذِي يَد) لانها من تَتِمَّة الاولى، وَإِنَّمَا كَانَ القَوْل لَهُ لثُبُوت ملكه فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ احْتِمَال الآخر أَن يكون قبله أَو بعده فَلَا يقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ، وإنهما اتفقَا على أَن الْملك للْبَائِع وَلم يثبت الْملك لَهما إِلَّا بالتلقي مِنْهُ وَأَن شراءهما حَادث والحادث يُضَاف إِلَى أقرب الاوقات، إِلَّا إِذا ثَبت التَّارِيخ فَيثبت تقدمه، فَلهَذَا كَانَ المؤرخ أولى، بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلف بائعهما على مَا بَينا، وَبِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْملك وَلم يدع الشِّرَاء من ذِي الْيَد حَيْثُ لم يكن التَّارِيخ أولى عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد.
تَبْيِين: قَالَ الْمدنِي: أَقُولُ التَّارِيخُ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا عِبْرَةَ بِهِ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِهِ فِي الْمِلْكِ بِسَبَب كَمَا هُوَ مَعْرُوف اهـ.
وَفِيه عَن الْقُهسْتَانِيّ عَن الخزانة أَنه لَو وَقت أَحدهمَا شهرا وَالْآخر سَاعَة فالساعة أولى والتاريخ هُوَ
قلب التَّأْخِير.
وَاصْطِلَاحا: هُوَ تَعْرِيف وَقت الشئ بِأَن يسند إِلَى وَقت حُدُوث أَمر شَائِع كظهور دولة أَو غَيره كطوفان وزلزلة لينسب إِلَى ذَلِك الْوَقْت الزماني الْآتِي، وَقيل هُوَ يَوْم مَعْلُوم نسب إِلَيْهِ ذَلِك الزَّمَان، وَقيل هُوَ مُدَّة مَعْلُومَة بَين حُدُوث أَمر ظَاهر وَبَين أَوْقَات حوادث أخر كَمَا فِي نِهَايَة الادراك.
قَوْله: (وَالْحَال أَنه لَا يَد لَهما) بِأَن كَانَ الْمَبِيع فِي يَد ثَالِث.
قَوْله: (وَإِن لم يوقتا الخ) لَا حَاجَة إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى ذِي يَدٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ مِنْهُ كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَوْ أَحَدُهُمَا ذَا يَدٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْضَى لِلْخَارِجِ أَوْ لِلْأَسْبَقِ تَارِيخًا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَلَا تَرْجِيحَ، وَلَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَا يَدٍ فَهُوَ لَهُمَا، أَوْ للاسبق تَارِيخا كدعوى ملك مُطلق، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُمَلَّكُ اسْتَوَيَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلَّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا سَوَاء، بِخِلَاف مَا لَو اتَّحد لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ، وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى، وَأَطْلَقَ فِي الْهِبَةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّسْلِيمِ وَبِأَنْ لَا تَكُونَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَتْ بَيْعًا، وَأَشَارَ إلَى اسْتِوَاءِ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي التَّبَرُّعِ، وَلَا تَرْجِيحَ لِلصَّدَقَةِ بِاللُّزُومِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْهِبَةُ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً كَهِبَةِ مُحْرِمٍ وَالصَّدَقَةُ قَدْ لَا تَلْزَمُ بِأَنْ كَانَت لَغَنِيّ كَذَا فِي الْبَحْر مُلَخصا.
وَفِيهِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَعَ الْقَبْضِ وَالْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي كُلٍّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى(8/127)
الْقَبْضِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الشِّرَاءِ لِلْمُعَاوَضَةِ.
وَرَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَن الاولى تَقْدِيم الْهِبَة لكَونهَا مَشْرُوعَة وَالْبيع الْفَاسِد مَنْهِيّ عَنهُ، وَلم يذكر مَا لَو اخْتلفَا فِي الشِّرَاء مَعَ الْوَقْف، فَحكمه مَا فِي مُشْتَمل الاحكام عَن الْقنية قَالَ: ادّعى على رجل أَن هَذِه الدَّار الَّتِي فِي يَده وقف مُطلق وَذُو الْيَد ادّعى أَن بائعي اشْتَرَاهَا من الْوَقْف وأرخا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة فَبَيِّنَة الْوَقْف أولى، ثمَّ إِذا أثبت ذُو الْيَد تَارِيخا سَابِقًا على الْوَقْف فبينته أولى، وَإِلَّا فبينه الْوَقْف أولى اهـ.
وَفِي فَتَاوَى مؤيد زَاده: ادّعى عَلَيْهِ دَارا أَنه بَاعهَا مني مُنْذُ خمس عشرَة سنة وَادّعى الآخر أَنَّهَا وقف عَلَيْهِ مسجل وَأَقَامَا بَيِّنَة فَبَيِّنَة مدعي البيع أولى، وَإِن ذكر الْوَاقِف بِعَيْنِه فَبَيِّنَة الْوَقْف أولى لانه
يصير مقضيا عَلَيْهِ.
قَوْله: (وَصدقَة) قَالَ فِي الْبَحْر: الصَّدَقَة المقبوضة وَالْهِبَة كَذَلِك سَوَاء للتبرع فيهمَا، وَلَا تَرْجِيح للصدقة باللزوم لَان أثر اللُّزُوم يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَهُوَ عَدَمُ التَّمَكُّنِ من الرُّجُوع فِي الْمُسْتَقْبل، وَالتَّرْجِيح يكون بِمَعْنى قَائِم فِي الْحَال، وَالْهِبَة قد تكون لَازِمَة بِأَن كَانَت لمحرم، وَالصَّدَََقَة قد تلْزم بِأَن كَانَت لَغَنِيّ.
قَوْله: (وَرهن وَلَو مَعَ قبض) إِنَّمَا قدم الشِّرَاء عَلَيْهِ لانه يُفِيد الْملك بعوض للْحَال وَالرَّهْن لَا يُفِيد الْملك للْحَال فَكَانَ الشِّرَاء أقوى، وَقد علمت أَن الْهِبَة بعوض كالشراء فَتقدم عَلَيْهِ وَقَوله وَلَو مَعَ قبض رَاجع إِلَى الرَّهْن فَقَط لَان دَعْوَى الْهِبَة أَو الصَّدَقَة غير المقبوضة لَا تسمع.
قَوْله: (واتحد المملك) أما إِذا كَانَ المملك مُخْتَلفا فَلَا يعْتَبر فِيهِ سبق التَّارِيخ.
أَبُو السُّعُود.
بل يستويان كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْبَحْر: أطلقهُ وَهُوَ مُقَيّد بِأَن لَا تَارِيخ لَهما، إِذْ لَو أرخا مَعَ اتِّحَاد المملك كَانَ للاسبق، فَأَخذه مِنْهُ وَذكر مَا ذكر من خلل صَاحب الْكَنْز بِهَذَا الْقَيْد مَعَ جَوَاز الِاعْتِذَار بِحمْل الْمُطلق على الْخَالِي من التَّارِيخ إِذْ الاصل عَدمه، فَتَأمل.
أَفَادَهُ الرَّمْلِيّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لما تقدم فِيمَا إِذا أرخت إِحْدَى بينتي مدعي الشِّرَاء من وَاحِد.
قَوْله: (فالمؤرخة أولى) لانهما اتفقَا على الْملك وَالْملك لَا يتلَقَّى إِلَّا من جِهَة المملك وَهُوَ وَاحِد، فَإِذا أثبت أَحدهمَا تَارِيخا يحكم لَهُ بِهِ دُرَر.
قَوْله: (اسْتَوَيَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلَّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إِذا اتَّحد لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ، وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى كَمَا فِي الْبَحْر: أَي فينصف الْمُدَّعِي بَين مدعي الشِّرَاء ومدعي الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، وَهَذَا ظَاهر فِي غير الرَّهْن، أما فِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح فِيهِ مُطلقًا لعدم صِحَة رهن الْمشَاع شيوعا مُقَارنًا أَو طارئا على حِصَّة شائعة يقسم أَو لَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابه.
وَأما طروه على حِصَّة مفروزة فَلَا يُبطلهُ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمَقْدِسِي، فَتنبه.
وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَآخَرُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ الْمِيرَاثَ مِنْ أَبِيهِ وَالرَّابِعُ الصَّدَقَةَ مِنْ آخَرَ قُضِيَ بَينهم أَربَاعًا، لانهم يلتقون الْمِلْكَ مِنْ مُمَلَّكِهِمْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق.
قَوْله: (وَهَذَا) أَي الاسْتوَاء.
اعْلَم أَن صَاحب الْبَحْر والهندية جعلا ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا.
وَعبارَة الْبَحْر بعد أَن صرح بِأَن مدعي الشِّرَاء وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض خارجان، ادّعَيَا على ثَالِث نَصهَا: وَقيد بكونهما خَارِجين
للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يقْضى للْخَارِج، إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهُوَ للاسبق، وَإِن أرخت إِحْدَاهمَا فَلَا تَرْجِيح لَهَا كَمَا فِي الْمُحِيط، وَإِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا فَيَقْضِي بَينهمَا، إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهِيَ لَهُ كدعوى ملك مُطلق، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُدعى مِمَّا لَا يقسم كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة.(8/128)
وَأما فِيمَا يقسم كَالدَّارِ فَإِنَّهُ يقْضى لمُدعِي الشِّرَاء، لَان مدعي الْهِبَة أثبت بِالْبَيِّنَةِ الْهِبَة فِي الْكل ثمَّ اسْتحق الآخر نصفه بِالشِّرَاءِ، وَاسْتِحْقَاق نصف الْهِبَة فِي مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة يبطل الْهِبَة بالاجماع.
فَلَا تقبل بَيِّنَة مدعي الْهِبَة، فَكَانَ مدعي الشِّرَاء مُنْفَردا بِإِقَامَة الْبَيِّنَة.
اهـ.
ونقلاها عَن الْمُحِيط.
وَكَلَام الْمُؤلف يُفِيد أَن ذَلِك فِيمَا إِذا اخْتلف المملك واستويا، وَالْحكم وَاحِد لَان الاشاعة تتَحَقَّق فِي حَال اختلافه أَيْضا.
قَوْله: (لَان الِاسْتِحْقَاق) أَي اسْتِحْقَاق مدعي الشِّرَاء النّصْف، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يفْسد الْهِبَة وَيفْسد الرَّهْن اهـ.
وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ نَقْلًا عَنْ الدُّرَرِ: عَدُّهُ صُورَةَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكَافِي وَالْفُصُولَيْنِ، فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيكون مُقَارنًا لَهَا لَا طارئا عَلَيْهَا انْتَهَت: أَي وَحَيْثُ كَانَت مِنْ قَبِيلِ الْمُقَارِنِ وَهُوَ يُبْطِلُ الْهِبَةَ إجْمَاعًا ينْفَرد مدعي الشِّرَاء بالبرهان فَيكون أولى.
قَوْله: (من قبيل الشُّيُوع الْمُقَارن) أَي وَهُوَ يبطل الْهِبَة بالاجماع كَمَا علمت، فينفرد مدعي الشِّرَاء بِإِقَامَة الْبَيِّنَة فَيكون أولى.
قَوْله: (لَا الطَّارِئ) لانه لَا يفْسد الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، بِخِلَاف الْمُقَارن كَمَا علمت، وَهَذَا جَوَاب عَمَّا قَالَه الْعِمَادِيّ كَمَا تقدم، وَالرُّجُوع بِبَعْض الْهِبَة كالشيوع الطَّارِئ.
قَوْله: (هبة الدُّرَر) وَمثله فِي التَّبْيِين والمنح.
قَوْله: (وَالشِّرَاء وَالْمهْر سَوَاء) يَعْنِي إِذا ادّعى أَحدهمَا الشِّرَاء من ذِي يَد وَادعت امْرَأَة أَنه تزَوجهَا عَلَيْهِ فهما سَوَاء لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّة، فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُعَاوضَة يثبت الْملك بِنَفسِهِ، وَهَذَا عِنْدهمَا.
وَقَالَ مُحَمَّد: الشِّرَاء أولى.
قَوْله: (وَترجع هِيَ) أَي على الزَّوْج بِنصْف الْقيمَة لاسْتِحْقَاق نصف الْمُسَمّى.
قَوْله: (وَهُوَ بِنصْف الثّمن) أَي إِن كَانَ نَقده.
قَوْله: (أَو يفْسخ) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول ليشْمل الْمهْر وَالْمُشْتَرِي، لَان كلا مِنْهُمَا
دخل عَلَيْهِ عيب تَفْرِيق الصَّفْقَة، فللمرأة أَن ترده وَترجع بِجمع الْقيمَة وَالْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثّمن
قَوْله: (لما مر) أَي من تفرق الصَّفْقَة عَلَيْهِ.
قَوْله: (أَو أرخا واستوى تاريخهما الخ) قَالَ فِي تَرْجِيح الْبَينَات للبغدادي: قَامَت بَيِّنَة على المَال وَبَيِّنَة على الْبَرَاءَة وأرخا: فَإِن كَانَ تَارِيخ الْبَرَاءَة سَابِقًا يقْضِي بِالْمَالِ، وَإِن كَانَ لاحقا يقْضِي بِالْبَرَاءَةِ، وَإِن لم يؤرخا أَو أرخت إِحْدَاهمَا، دون الاخرى أَو أرخا وتاريخهما سَوَاء فالبراءة أولى، لَان الْبَرَاءَة إِنَّمَا تكْتب لتَكون حجَّة صَحِيحَة وَلَا صِحَة لَهَا إِلَّا بعد وجوب المَال، وَالظَّاهِر أَنه كَانَ بعد وجوب المَال اهـ.
قَوْله: (قيد بِالشِّرَاءِ) أَي فِي جعله مَعَ الْمهْر سَوَاء، لَان الْهِبَة وَأَخَوَاتهَا لَا تَسَاوِي الْمهْر وَلذَا قَالَ الشَّارِح: لَان النِّكَاح أَحَق.
قَوْله: (لِأَنَّ النِّكَاحَ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَو صَدَقَة) انْظُر مَا معنى هَذِه الْعبارَة مَعَ قَوْله الْمَار وَالشِّرَاء وَالْمهْر سَوَاء فَلم يظْهر لي فائدتها سوى أَنه تكْرَار مَحْض.
تَأمل.
قَوْله: (وَالْمرَاد من النِّكَاح) أَي فِي قَول الْعِمَادِيّ لَان النِّكَاح الخ الْمهْر.
قَالَ فِي الْبَحْر نَاقِلا عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ: لَوْ اجْتَمَعَ نِكَاحٌ وَهِبَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ بالبينتين لَو استويتا بِأَن تكون مَنْكُوحَة لذا وَهبة للْآخر بِأَن يهب أَمَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ بَيِّنَةُ الْهِبَة حذرا من تَكْذِيب(8/129)
الْمُؤمن، وَكَذَا الصَّدَقَةُ مَعَ النِّكَاحِ، وَكَذَا الرَّهْنُ مَعَ النِّكَاح اهـ.
وَهُوَ وهم لانه فهم أَن المُرَاد لَو تَنَازَعَا فِي أَمَةِ أَحَدِهِمَا ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْهبةِ وَالْآخر أَنه تزَوجهَا وَلَيْسَ مُرَادهم، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ النِّكَاحِ الْمَهْرُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحِيط فِي الْكتاب، وَلذَا قَالَ فِي الْمُحِيط: وَالشِّرَاء أولى من النِّكَاح عِنْد مُحَمَّد.
وَعند أبي يُوسُف: هما سَوَاء.
لمُحَمد أَن الْمهْر صلَة من وَجه قد أطلق النِّكَاح وَأَرَادَ الْمهْر، وَمِمَّا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ أَن الْعِمَادِيّ بَعْدَمَا ذكر أَن النِّكَاح أولى قَالَ: ثمَّ إِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي للْخَارِج، وَلَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا يقْضى بهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَيَقْضِي لَهُ اهـ.
وَكَيف يتَوَهَّم أَن الْكَلَام فِي الْمَنْكُوحَة بعد قَوْله تكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ؟.
وَيَنْبَغِي لَو تنَازعا فِي الامة ادّعى أَحدهمَا أَنَّهَا ملكه وَالْآخر أَنَّهَا منكوحته وهما من رجل وَاحِد وبرهنا وَلَا مُرَجّح أَن يثبتا لعدم الْمُنَافَاة فَتكون ملكا لمُدعِي الْملك هبة أَو شِرَاء مَنْكُوحَة للْآخر كَمَا
بَحثه فِي الْجَامِع، وَلم أره صَرِيحًا.
اهـ.
فَالْحَاصِل: أَن صَاحب الْبَحْر اسْتحْسنَ بحث صَاحب الْفُصُولَيْنِ وَلكنه لم يره مَنْقُولًا، ووهمه فِي حمله قَوْلهم النِّكَاح أولى من الْهِبَة أَن المُرَاد ادِّعَاء أَحدهمَا نِكَاح الامة وَالْآخر هبتها، بِدَلِيل مَا ذكره فِي الْعمادِيَّة أَنَّهَا لَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مُرَجّح يقْضِي بَينهمَا، وَلَا يَصح ذَلِك فِي الْمُدَّعِي نِكَاحهَا، وَأَن صَاحب الْمُحِيط أطلق النِّكَاح وَأَرَادَ الْمهْر كَمَا بَينه.
قَوْله: (الْمهْر) فَيكون من إِطْلَاق الشئ وَإِرَادَة أَثَره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ.
قَوْله: (كَمَا حَرَّره فِي الْبَحْر مُغَلِّطًا لِلْجَامِعِ) أَيْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي قَوْلِهِ لَو اجْتمع نِكَاح وَهبة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ.
قَوْله: (نعم الخ) هَذَا الَّذِي جعله صَاحب الْبَحْر بحثا لصَاحب الْفُصُولَيْنِ وَذكر أَنه لم يره مَنْقُولًا كَمَا تقدم، وَهُوَ اسْتِدْرَاك على قَوْله وَالْمرَاد من النِّكَاح الْمهْر.
قَوْله: (لَو تنَازعا فِي الامة) أَي وبرهنا.
قَوْله: (وَلَا مُرَجّح) كسبق التَّارِيخ.
قَوْله: (فَتكون مملكا لَهُ الخ) لعدم الْمُنَافَاة.
قَوْله: (وَرهن مَعَ قبض الخ) أَي إِن لم يكن مَعَ وَاحِد مِنْهُمَا تَارِيخ.
قَوْله: (مَعَه) أَي مَعَ الْقَبْض.
قَالَ المُصَنّف فِي منحه: قولي بِلَا عوض هُوَ قيد لَازم أخل بِهِ صَاحب الْكَنْز والوقاية قَالَ الرَّمْلِيّ: هُوَ لصَاحب الْبَحْر مَعَ أَنه لَا يضر تَركه، إِذا الْهِبَة إِذا أطلقت يُرَاد بهَا الخالية عَن الْعِوَض كَمَا هُوَ ظَاهر.
بل لقَائِل أَن يَقُول: ذكرهَا رُبمَا يشبه التّكْرَار لانها بيع انْتِهَاء حَتَّى جرت أَحْكَام البيع عَلَيْهَا فَيعلم حكمهَا مِنْهُ.
تَأمل.
قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَجه الِاسْتِحْسَان أَن الرَّهْن مَضْمُون، فَكَذَا الْمَقْبُوض بِحكم الرَّهْن وَالْهِبَة أَمَانَة، والمضمون أقوى فَكَانَ أولى.
وَالْقِيَاس أَن الْهِبَة أولى لانها تثبت الْملك وَالرَّهْن لَا يُثبتهُ.
قَوْله: (وَلَو الْعين مَعَهُمَا اسْتَويَا) يَعْنِي أَن مَا تقدم فِيمَا إِذا كَانَ خَارِجين: فَإِن كَانَت فِي يديهما فهما سَوَاء، وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى إِلَّا أَن يؤرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي لَهُ.
وَبحث فِيهِ الْعِمَادِيُّ بِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ يُفْسِدُ الرَّهْنَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِالْكُلِّ لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ،(8/130)
لِأَنَّ مُدَّعِيَ الرَّهْنِ أَثْبَتَ رَهْنًا فَاسِدًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَصَارَ كَأَنَّ مُدَّعِيَ الشِّرَاءِ انْفَرَدَ بِإِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلِهَذَا قَالَ شيخ الاسلام خُوَاهَر زَاده: إِنَّه إِنَّمَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا فِيمَا إِذا اجْتمع الشِّرَاء وَالْهِبَة إِذا كَانَ الْمُدَّعِي
مِمَّا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة، أما إِذا كَانَ شَيْئا يحتملها يقْضِي بِالْكُلِّ لمُدعِي الشِّرَاء، قَالَ: لَان مدعي الشِّرَاء قد اسْتحق النّصْف على مدعي الْهِبَة، وَاسْتِحْقَاق نصف الْهِبَة فِي مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة يُوجب فَسَاد الْهِبَة فَلَا تقبل بَيِّنَة مدعي الْهِبَة، غير أَن الصَّحِيح مَا أعلمتك من أَن الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيُفْسِدُ الرَّهْن، وَالله تَعَالَى أعلم.
بَحر.
قُلْت: وَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى لِمُدَّعِي الشِّرَاءِ بِالْأَوْلَى، فَالْحُكْمُ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُشكل، فَلْيتَأَمَّل.
قَالَ المُصَنّف فِي الْمنح: هَذَا الْكَلَام من الْعِمَادِيّ يُشِير إِلَى أَن الِاسْتِحْقَاق من قبيل الشُّيُوع الطَّارِئ، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من الشُّيُوع الْمُقَارن الْمُفْسد كَمَا صرح بِهِ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَصَححهُ فِي شرح الدُّرَر وَالْغرر وَنَقله فِي الْكَنْز فِي كتاب الْهِبَة وَأقرهُ.
قَوْلِهِ: (وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ الخ) قَيَّدَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا فِي يَده مُنْذُ سِنِين وَلم يشْهد أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْيَدِ لَا بِالْملكِ كَمَا فِي الْبَحْر.
وَفِيه: وَمن أهم مسَائِل هَذَا الْبَاب معرفَة الْخَارِج من ذِي الْيَد: وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادّعى كل أَنه فِي يَده، فَلَو برهن أَحدهمَا يقبل وَيكون الآخر خَارِجا، وَلَوْلَا بَيِّنَة لَهما لَا يحلف وَاحِد مِنْهُمَا.
وَلَو برهن أَحدهمَا على الْيَد وَحكم بِيَدِهِ ثمَّ برهن على الْملك لَا تقبل، إِذْ بَيِّنَة ذِي الْيَد على الْملك لَا تقبل.
مطلب: من أهم مسَائِله دَعْوَى الرجلَيْن معرفَة الْخَارِج من ذِي الْيَد أَخذ عينا من يَد آخر وَقَالَ إِنِّي أَخَذته من يَده لانه كَانَ ملكي وَبرهن على ذَلِك تقبل، لانه وَإِن كَانَ ذَا يَد بِحكم الْحَال لكنه لما أقرّ بِقَبْضِهِ مِنْهُ فقد أقرّ أَن ذَا الْيَد فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْخَارِج.
وَلَو غصب أَرضًا وزرعها فَادّعى رجل أَنَّهَا لَهُ وغصبها مِنْهُ: فَلَو برهن على غصبه وإحداث يَده يكون هُوَ ذَا يَد والزراع خَارِجا، وَلَو لم يثبت إِحْدَاث يَده فالزارع ذُو يَد وَالْمُدَّعِي هُوَ الْخَارِج.
بِيَدِهِ عقار أحدث الآخر عَلَيْهِ يَده لَا يصير بِهِ ذَا يَد، فَلَو ادّعى عَلَيْهِ أَنَّك أحدثت الْيَد وَكَانَ
بيَدي فَأنْكر يحلف اهـ.
وَبِه علم أَن الْيَد الظَّاهِر لَا اعْتِبَار بهَا.
ثمَّ اعْلَم: أَن الرجلَيْن إِذا ادّعَيَا عينا، فإمَّا أَن يدعيا ملكا مُطلقًا أَو ملكا بِسَبَب مُتحد قَابل للتكرار أَو غير قَابل أَو مُخْتَلف أَحدهمَا أقوى من الآخر أَو مستويان من وَاحِد أَو من مُتَعَدد أَو يَدعِي أَحدهمَا الْملك الْمُطلق وَالْآخر الْملك بِسَبَب أَو أَحدهمَا مَا يتَكَرَّر وَالْآخر مَا لَا يتَكَرَّر فَهِيَ تِسْعَة، وكل مِنْهُمَا إِمَّا أَن يبرهن أَو يبرهن أَحدهمَا فَقَط، أَو لَا برهَان لوَاحِد مِنْهُمَا وَلَا مُرَجّح أَو لاحدهما مُرَجّح، فَهِيَ أَرْبَعَة صَارَت سِتا وَثَلَاثِينَ، وكل مِنْهَا إِمَّا أَن يكون الْمُدَّعِي فِي يَد ثَالِث أَو فِي يدهما أَو فِي يَد(8/131)
أَحدهمَا فَهِيَ أَرْبَعَة صَارَت مائَة وَثَمَانِية وَعشْرين وكل مِنْهَا على أَرْبَعَة: إِمَّا أَن لَا يؤرخا أَو أرخا واستويا أَو سبق أَحدهمَا أَو أرخ أَحدهمَا صَارَت خَمْسمِائَة واثني عشر اهـ.
وَقد أوصلها فِي التسهيل لجامع الْفُصُولَيْنِ إِلَى سَبْعَة آلَاف وسِتمِائَة وَسبعين مَسْأَلَة، وأفردها برسالة خَاصَّة، وَقد تخرج مَعَ هَذَا الْعَاجِز الحقير زِيَادَة على ذَلِك بِكَثِير حررته فِي ورقة حِين اطلاعي على تِلْكَ الرسَالَة، وسأجمع فِي ذَلِك رِسَالَة حافلة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَلَكِن ذكر ذَلِك هُنَا يطول وَلَا حَاجَة إِلَى ذكره، بل اقْتصر على مَا ذكره الْعَلامَة عبد الْبَاقِي أَفَنْدِي أسيري زَاده حَيْثُ جعل لَهَا ميزانا، إِلَّا أَنه أوصل الصُّور إِلَى سِتَّة وَتِسْعين فَقَالَ: اعْلَم أَن الرجلَيْن إِذا ادّعَيَا عينا وبرهنا فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَن ادّعى كِلَاهُمَا ملكا مُطلقًا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا بِسَبَب وَاحِد بِأَن ادّعَيَا إِرْثا أَو شِرَاء من اثْنَيْنِ أَو من وَاحِد، أَو ادّعى أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا نتاجا، أَو ادّعى كِلَاهُمَا ملكا، وَأَنه إِمَّا أَن يكون الْمُدعى بِهِ فِي يَد ثَالِث أَو فِي يَد أَحدهمَا.
وكل وَجه على أَرْبَعَة أَقسَام: إِمَّا إِن لم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق، أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر، وَجُمْلَة ذَلِك سِتَّة وَتسْعُونَ فصلا كَمَا سيجئ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَهِي هَذِه كَمَا ترى أَحْبَبْت ذكرهَا تسهيلا للمراجعة وتقريبا، وَإِن كَانَ فِي المُصَنّف وَالشَّارِح شئ كثير مِنْهَا، لَكِن بِهَذِهِ الصُّورَة يقرب المأخذ، وَإِن تكَرر فَإِن المكرر للْحَاجة يحلو.
ادّعَيَا عينا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَد ثَالِث
(1) : إِن لم يؤرخا يقْضِي بَينهمَا.
(2) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا يقْضِي بَينهمَا.
(3) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْدهمَا: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد فِي رِوَايَة: يقْضِي بَينهمَا.
(4) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا: وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ.
وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا بقول أبي حنيفَة.
وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا تَارِيخا وَاحِدًا وبرهنا: يقْضِي بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة.
وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق لانه أثبت الْملك لنَفسِهِ فِي زمَان لَا ينازعه فِيهِ غَيره فَيَقْضِي بِالْملكِ لَهُ ثمَّ لَا يقْضِي بعده لغيره إِلَّا إِذا تلقى الْملك مِنْهُ، وَمن ينازعه لم يتلق الْملك مِنْهُ فَلَا يقْضِي لَهُ بِهِ.
مطلب: تسْتَحقّ الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة والمنفصلة وَلَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا عِبْرَة للتاريخ وَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لَان تَوْقِيت أَحدهمَا لَا يدل على تقدم ملكه، لانه يجوز أَن يكون الآخر أقدم مِنْهُ وَيحْتَمل أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَنهُ فَيجْعَل مُقَارنًا رِعَايَة للاحتمالين.
وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ لانه أثبت لنَفسِهِ الْملك فِي ذَلِك الْوَقْت يَقِينا، وَمن لم يؤرخ ثَبت للْحَال يَقِينا، وَفِي ثُبُوته فِي وَقت تَارِيخ صَاحبه شكّ وَلَا يُعَارضهُ.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي لمن أطلق لَان دَعْوَى الْملك الْمُطلق من الاصل، وَدَعوى الْملك المؤرخ يقْتَصر على وَقت(8/132)
التَّارِيخ، وَلِهَذَا يرجع الباعة بَعضهم على بعض، أَو تسْتَحقّ الزَّوَائِد الْمُتَّصِلَة والمنفصلة فَكَانَ الْمُطلق أسبق تَارِيخا فَكَانَ أولى، هَذَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَد ثَالِث.
وَفِي الْخُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: يقْضِي للاسبق لانه أثبت الْملك لنَفسِهِ فِي زمَان لَا ينازعه فِيهِ غَيره فَيَقْضِي بِالْملكِ لَهُ ثمَّ لَا يقْضِي بعده لغيره، إِلَّا إِذا تلقى الْملك مِنْهُ، وَمن ينازعه لم يتلق الْملك مِنْهُ فَلَا يقْضِي لَهُ بِهِ.
من الْمحل الْمَزْبُور: فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا عِبْرَة للتاريخ وَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لَان تَوْقِيت أَحدهمَا
لَا يدل على تقدم ملكه لانه يجوز أَن يكون الآخر أقدم مِنْهُ، وَيحْتَمل أَن يكون مُتَأَخِّرًا عَنهُ فَجعل مغايرا رِعَايَة للاحتمالين.
من الْمحل الْمَزْبُور: وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ، لانه أثبت لنَفسِهِ الْملك فِي ذَلِك الْوَقْت يَقِينا، وَمن لم يؤرخ ثَبت للْحَال يَقِينا، وَفِي ثُبُوته فِي وَقت تَارِيخ صَاحبه شكّ فَلَا يُعَارضهُ.
من الْمحل الْمَزْبُور: وَعند مُحَمَّد يقْضِي لمن أطلق، لَان دَعْوَى الْملك الْمُطلق دَعْوَى الْملك من الاصل وَدَعوى الْملك المؤرخ تقتصر على وَقت التَّارِيخ.
ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (5) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا.
(6) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا.
(7) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْدهمَا: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد فِي رِوَايَة: يقْضِي بَينهمَا، ومشايخنا أفتوا بأولوية الاسبق على قَول الامامين.
(8) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا.
وَعند أبي يُوسُف: للمؤرخ وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق، ومشايخنا أفتوا على قَول أبي حنيفَة.
وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا، فَإِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِك الْجَواب: أَي كَمَا كَانَت الْعين فِي يَد ثَالِث، لانه لم يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر بِالْيَدِ وَلم ينحط حَاله عَن حَال الآخر بِالْيَدِ.
جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن.
ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (9) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج.
(01) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج.
(11) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق، عِنْدهمَا: يقْضِي لاسبقهما، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج، أفتى مَشَايِخنَا بأولوية الاسبق على قَول الامامين.
(21) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج، أفتى مَشَايِخنَا على قَول مُحَمَّد.
وَلَو ادّعَيَا ملكا مُطلقًا: فَإِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا: فَإِن كَانَا أرخا سَوَاء أَو لم يؤرخا فَهُوَ للْخَارِج لَان بَينته أَكثر إِثْبَاتًا، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما.
وَعَن مُحَمَّد: أَنه رَجَعَ عَن هَذَا القَوْل وَقَالَ: لَا تقبل بَيِّنَة ذِي الْيَد على الْوَقْت وَلَا على غَيره، لَان الْبَيِّنَتَيْنِ قامتا على الْملك الْمُطلق وَلم
يتعرضا لجِهَة الْملك فَاسْتَوَى التَّقَدُّم والتأخر فَيَقْضِي للْخَارِج.
مطلب: الْبَيِّنَة مَعَ التَّارِيخ تَتَضَمَّن معنى بَيِّنَة دفع الْخَارِج وَلَهُمَا أَن الْبَيِّنَة مَعَ التَّارِيخ تَتَضَمَّن الدّفع، فَإِن الْملك إِذا ثَبت للشَّخْص فِي وَقت فثبوته لغيره بعده لَا يكون إِلَّا بالتلقي مِنْهُ، فَصَارَت بَيِّنَة ذِي الْيَد بِذكر التَّارِيخ متضمنة دفع بَيِّنَة الْخَارِج على معنى(8/133)
أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا بعد إِثْبَات التلقي من قبله وبينته على الدّفع مَقْبُولَة، وعَلى هَذَا إِذا كَانَت الدَّار فِي أَيْدِيهِمَا فَصَاحب الْوَقْت الاول أولى عِنْدهمَا، وَعِنْده يكون بَينهمَا.
وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَعِنْدَ أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ لَان بَينته أقدم من الْمُطلق، كَمَا لَو ادّعى رجلَانِ شِرَاء من آخر وأرخ أَحدهمَا لَا الآخر كَانَ المؤرخ أولى.
وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد يقْضِي للْخَارِج وَلَا عِبْرَة للْوَقْت لَان بَيِّنَة ذِي الْيَد إِنَّمَا تقبل إِذا كَانَت متضمنة معنى الدّفع، وَهنا وَقع الِاحْتِمَال فِي معنى الدّفع لوُقُوع الشَّك فِي وجوب التلقي من جِهَته لجَوَاز أَن شُهُود الْخَارِج لَو وقتوا لَكَانَ أقدم، فَإِذا وَقع الشَّك فِي تضمنه معنى الدّفع فَلَا يقبل مَعَ الشَّك وَالِاحْتِمَال، جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن.
قَالَ الرَّمْلِيّ أَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة المنقولة عَن الْخُلَاصَة لَيست من بَاب دَعْوَى الْملك الْمُطلق.
وَفِي الْخُلَاصَة: إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ وَالدَّار فِي يَد أَحدهمَا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج سَوَاء أرخا أَو لم يؤرخا، أَو أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ صَاحب الْيَد أسبق اهـ.
قَالَ: رجل ادّعى دَارا أَو عقارا أَو مَنْقُولًا فِي يَد رجل ملكا مُطلقًا وَأقَام الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق وَأقَام ذُو الْيَد بَيِّنَة أَيْضا أَنه ملكه: فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة، وَهَذَا إِذا لم يذكرَا تَارِيخا.
وَأما إِذا ذكرَاهُ وتاريخهما سَوَاء فَكَذَلِك يقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج، وَإِن كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق فلاسبقهما تَارِيخا سَوَاء كَانَ خَارِجا أَو صَاحب يَد، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَول أبي يُوسُف قَول مُحَمَّد أَولا، وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخرا، لَا عِبْرَة فِيهِ للتاريخ بل يقْضِي للْخَارِج، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَكَذَلِك يقْضِي للْخَارِج.
من صرة الفتاوي نقلا من الذَّخِيرَة حجَّة الْخَارِج فِي الْملك
الْمُطلق أولى من حجَّة ذِي الْيَد، لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ، إِلَّا إِذا كَانَا أرخا وَذُو الْيَد أسبق، لَان للتاريخ عِبْرَة عِنْد أبي حنيفَة فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق إِذا كَانَ من الطَّرفَيْنِ، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف آخرا، وَقَول مُحَمَّد أَولا.
وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخرا: لَا عِبْرَة لَهُ بل يقْضِي للْخَارِج دُرَر.
ادّعَيَا ملكا إِرْثا من أَبِيه وَالْعين فِي يَد ثَالِث (31) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(41) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا.
يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(51) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة: يقْضِي للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لملك مورثهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لمَوْت مورثهما: عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(61) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا إِجْمَاعًا.
وَلَو ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا إِرْثا من أَبِيه: فَلَو كَانَ الْعين فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف.
وَكَانَ أَبُو يُوسُف يَقُول أَولا: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ فِي الارث وَالْملك الْمُطلق ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا قُلْنَا.
وَقَالَ مُحَمَّد فِي رِوَايَة أبي حَفْص كَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة.
وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: لَا عِبْرَة للتاريخ(8/134)
فِي الارث فَيَقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن سبق تَارِيخ أَحدهمَا لانهما لَا يدعيان الْملك لانفسهما ابْتِدَاء بل لمورثهما ثمَّ يجرانه إِلَى أَنفسهمَا وَلَا تَارِيخ لملك المورثين، فَصَارَ كَمَا لَو حضر المورثان وبرهنا على الْملك الْمُطلق، حَتَّى لَو كَانَ لملك المورثين تَارِيخ: يقْضِي لاسبقهما.
أَقُول: يَنْبَغِي أَن يكون حكم هَذَا كَحكم دَعْوَى الشِّرَاء من اثْنَيْنِ، لَان المورثين كبائعين فِي تلقي الْملك مِنْهُمَا، فَمن لم يعْتَبر التَّارِيخ فِي الشِّرَاء من البائعين يَنْبَغِي أَن لَا يعْتَبر التَّارِيخ فِي الارث أَيْضا، فَرد الاشكال على من خَالف فيشكل التفصي: أَي التَّخَلُّص إِلَّا بِالْحملِ على الرِّوَايَتَيْنِ.
وَالْحَاصِل: أَن فِي اعْتِبَار تَارِيخ تلقي الْملك من البائعين اخْتِلَاف الرِّوَايَات على مَا سيجئ، فَكَذَا الارث، فَلَا فرق بَينهمَا فِي الحكم فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ، وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا
نِصْفَيْنِ إِجْمَاعًا لانهما ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ فَلَا عِبْرَة للتاريخ.
وَقيل يقْضِي للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّامِن.
وَفِي كتاب الدَّعْوَى من الْخُلَاصَة وَإِن أرخا لملك مورثهما يعْتَبر سبق التَّارِيخ فِي قَوْلهم جَمِيعًا اهـ: أَي بِأَن أَقَامَ أَحدهمَا بَيِّنَة أَن أَبَاهُ مَاتَ مُنْذُ سنة وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَأقَام الآخر بَيِّنَة أَن أَبَاهُ مَاتَ مُنْذُ سنتَيْن وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ، فَفِي هَذَا الْوَجْه خَالف مُحَمَّد أنقروي فِي دَعْوَى الارث.
ادّعَيَا ملكا إِرْثا من أَبِيهِمَا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا أَي ادّعى كل مِنْهُمَا الارث من أَبِيه (71) : لم يؤرخا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(81) : أَو أرخا تَارِيخا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(91) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة: يقْضِي للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لمَوْت مورثهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لملك مورثهما عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَرجح صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ قَول مُحَمَّد هُنَا.
(02) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا إِجْمَاعًا.
أَي كَمَا لَو كَانَت الْعين فِي يَد ثَالِث، وَلَو ادّعَيَا ملكا إِرْثا.
فَإِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِك الْجَواب.
فِي أول الثَّامِن الْفُصُولَيْنِ مُلَخصا.
ادّعَيَا ملكا إِرْثا لابيه وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (12) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج.
(22) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج.
(32: أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْدهمَا يقْضِي للْخَارِج، ومشايخنا أفتوا بأولوية الاسبق على قَول الامامين.
(42) أَو أرخ أَحدهمَا الآخر: يقْضِي للْخَارِج إِجْمَاعًا.
وَلَو ادّعَيَا ملكا إِرْثا لابيه: إِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء يقْضِي للْخَارِج، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَهُوَ لاسبقهما.
وَعند مُحَمَّد: للْخَارِج لانه لَا عِبْرَة للتاريخ هُنَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَهُوَ للْخَارِج إِجْمَاعًا، وَقيل يقْضى للمؤرخ عِنْد أبي يُوسُف من جَامع الْفُصُولَيْنِ فِي الثَّامِن.
أَقُول: أَو أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق، وَإِن أرخا وتاريخ ذِي الْيَد أسبق فَهُوَ لَهُ.(8/135)
وَالْحَاصِل: أَنه للْخَارِج إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ ذِي الْيَد كَمَا سَيَأْتِي، وَوضع الْمَسْأَلَة فِي تلقي الْملك عَن
اثْنَيْنِ، خير الدّين.
وَفِي الْخُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: وَلَو ادّعَيَا الْمِيرَاث كل وَاحِد مِنْهُمَا يَقُولُ هَذَا لِي وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي لَو كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ للْخَارِج، إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ ذِي الْيَد أسبق فَهُوَ أولى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَهُوَ للْخَارِج بالاجماع.
قَالَ فِي الرَّابِع من الاستروشنية وَالثَّامِن من الْعمادِيَّة نقلا عَن التَّجْرِيد: لَو ادّعى صَاحب الْيَد الارث عَن أَبِيه وَادّعى خَارج مثل ذَلِك وَأقَام الْبَيِّنَة: يقْضِي للْخَارِج فِي قَوْلهم جَمِيعًا، وَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق قضى للاسبق عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج اهـ.
قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان نقلا عَن الْمَبْسُوط لخواهر زَاده: إِن ادّعَيَا ملكا بِسَبَب بِأَن ادّعى كل تلقي الْملك من اثْنَيْنِ بِالْمِيرَاثِ أَو بِالشِّرَاءِ فَالْجَوَاب عَنهُ كالجواب فِي الْملك الْمُطلق على التَّفْصِيل الَّذِي ذَكرْنَاهُ اهـ.
وَقد ذكر أَن الْعين فِي الْملك الْمُطلق إِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا وأرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: فعلى قَول أبي حنيفَة وَقَول أبي يُوسُف الآخر وَهُوَ قَول مُحَمَّد الاول: يقْضِي لاسبقهما تَارِيخا، وعَلى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الآخر: يقْضِي للْخَارِج من هَامِش الانقروي فِي نوع دَعْوَى الارث من كتاب الدَّعْوَى.
ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد ثَالِث (52) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(62) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(72) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة للاسبق إِن كَانَ تاريخهما لملك بائعهما، وَإِن كَانَ تاريخهما لوقت اشترائهما: عِنْد مُحَمَّد يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَرجح صَاحب الْفُصُولَيْنِ قَول مُحَمَّد.
(82) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا اتِّفَاقًا.
وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وَالدَّار فِي يَد الثَّالِث، فَإِن لم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: قضى بِالدَّار بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذكرنَا فِي الْمِيرَاث: يَعْنِي
أَن فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فَهُوَ على مَا ذكرنَا فِي الْمِيرَاث أَيْضا.
وَأما إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء من اثْنَيْنِ وأرخا الشِّرَاء وتاريخ أَحدهمَا أسبق: فقد روى عَن مُحَمَّد أَنَّهُمَا إِذا لم يؤرخا ملك البائعين: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ كَمَا فِي فصل الْمِيرَاث، فعلى هَذِه الرِّوَايَة لَا يحْتَاج إِلَى الْفرق بَين الشِّرَاء وَالْمِيرَاث، وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة: يقْضِي فِي فصل الشِّرَاء لاسبقهما تَارِيخا عِنْد مُحَمَّد، وعَلى ظَاهر رِوَايَة مُحَمَّد يحْتَاج إِلَى الْفرق.
أنقروي من نوع فِي دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما اتِّفَاقًا، بِخِلَاف مَا لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من رجلَيْنِ لانهما يثبتان الْملك لبائعهما وَلَا تَارِيخ بَينهمَا لملك البائعين فتاريخه لملكه لَا يعْتد بِهِ، وصارا كَأَنَّهُمَا حضرا وبرهنا على الْملك بِلَا تَارِيخ فَيكون بَينهمَا.
أما هُنَا فقد اتفقَا على أَن الْملك كَانَ لهَذَا الرجل، وَإِنَّمَا اخْتلفَا فِي الملتقي مِنْهُ وَهَذَا الرجل أثبت التلقي لنَفسِهِ فِي وَقت لَا ينازعه فِيهِ صَاحبه(8/136)
فَيَقْضِي لَهُ بِهِ، ثمَّ لَا يقْضِي بِهِ لغيره بعد إِلَّا إِذا تلقى مِنْهُ وَهُوَ لَا يتلَقَّى مِنْهُ انْتهى.
وَفِيه أَيْضا أَقُول: يتَرَاءَى لي أَن الاصوب هُوَ أَن لَا يعْتَبر سبق التَّارِيخ فِي صُورَة التلقي من اثْنَيْنِ، إِذْ لَا تَارِيخ لابتداء ملك البائعين، فتاريخ المُشْتَرِي لملكه لَا يعْتد بِهِ مَعَ تعدد البَائِع فصارا كَأَنَّهُمَا حضرا وبرهنا على الْملك الْمُطلق بِلَا تَارِيخ اهـ.
ادّعَيَا شِرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (92) لم يؤرخا.
يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(03) أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(13) أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما.
(23) أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
وَفِي الرَّابِع من دَعْوَى الْمُحِيط فِي نوع فِي دَعْوَى صَاحب الْيَد تلقي الْملك من جِهَة غَيرهمَا: ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِدَة وَلم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: يقْضِي بِالْعينِ بَينهمَا، وَكَذَلِكَ إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا بِالدَّار، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما
تَارِيخا، وَإِن ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة اثْنَيْنِ فَكَذَلِك الْجَواب على التَّفْصِيل الَّذِي قُلْنَا فِيمَا إِذا ادّعَيَا التلقي من جِهَة وَاحِدَة.
أنقروي فِي آخر دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع.
ادّعَيَا عينا شِرَاء من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (33) : لم يؤرخا يقْضِي للْخَارِج.
(43) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج (53) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما.
(63) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر يقْضِي للْخَارِج إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من رجلَيْنِ وَالدَّار فِي يَد أَحدهمَا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج سَوَاء أرخا أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر، إِلَّا إِذا كَانَ تَارِيخ صَاحب الْيَد أسبق.
خُلَاصَة من الثَّالِث عشر من كتاب الدَّعْوَى.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: عبد فِي يَد رجل برهن رجل على أَنه كَانَ لفُلَان اشْتَرَاهُ مِنْهُ عشرَة أَيَّام وَبرهن ذُو الْيَد على أَنه كَانَ لآخر اشْتَرَاهُ مِنْهُ مُنْذُ شهر بِكَذَا وَسَماهُ، فعلى قَول الثَّانِي فِي قَوْله الثَّانِي هُوَ لاسبقهما تَارِيخا وَهُوَ ذُو الْيَد.
وَقَالَ مُحَمَّد فِي قَوْله الآخر: هُوَ للْمُدَّعِي، وعَلى قِيَاس قَول الثَّانِي أَولا هُوَ للْمُدَّعِي اهـ.
أَقُول: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُفْتى لاسبقهما تَارِيخا، كَمَا لَو ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد، لَان الْعَمَل بِظَاهِر الرِّوَايَة أولى.
ادّعَيَا عينا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد ثَالِث (73) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(83) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج.
(93) :(8/137)
أَو أرخا وتاريخ أحداهما أسبق: يقْضِي لاسبقهما (04) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي للْخَارِج، وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحجَّة، وَإِن أرخا وَأَحَدهمَا أسبق يقْضِي لاسبقهما اتِّفَاقًا، وَإِن أرخ أَحدهمَا: أَي وهما خارجان لَا الآخر فَهُوَ للمؤرخ اتِّفَاقًا.
من الْفُصُولَيْنِ من الثَّامِن.
وَلَو ادّعَيَا الشِّرَاء وَالدَّار فِي يَد ثَالِث، إِن ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا الشِّرَاء من صَاحب الْيَد وَلم
يؤرخا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا النّصْف بِنصْف الثّمن، وَلَهُمَا الْخِيَار: إِن شَاءَ قبض كل وَاحِد مِنْهُمَا النّصْف بِنصْف الثّمن، وَإِن شَاءَ ترك، فَإِن ترك أَحدهمَا: إِن ترك قبل الْقَضَاء فالآخر يَأْخُذهُ بِجَمِيعِ الثّمن بِلَا خِيَار، وَإِن ترك بعد الْقَضَاء لَا يقبض إِلَّا النّصْف بِنصْف الثّمن.
وَلَو ادّعَيَا الشِّرَاء من غير صَاحب الْيَد فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، هَذَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، وَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فأسبقهما تَارِيخا أولى بالاجماع، فَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر يقْضِي لصَاحب التَّارِيخ.
خُلَاصَة من الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى.
وَلَو كَانَ الْمَبِيع فِي يَد بَائِعه فبرهن أَحدهمَا على الشِّرَاء وَأَنه قَبضه مُنْذُ شهر وَبرهن آخر على الشِّرَاء وَأَنه قَبضه مُنْذُ عشرَة أَيَّام فذو الْوَقْت الاول أولى.
جَامع الْفُصُولَيْنِ.
ادّعَيَا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (14) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(24) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(34) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما.
(44) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
وَإِن ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا فَهُوَ بَينهمَا، إِلَّا إِذا أرخا وَأَحَدهمَا أسبق فَحِينَئِذٍ يقْضِي لاسبقهما.
من جَامع الْفُصُولَيْنِ من الثَّامِن مُلَخصا.
إِذا ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِدَة وَلم يؤرخا أَو أرخا وتاريخهما على السوَاء: يقْضِي بِالْعينِ بَينهمَا، وَكَذَلِكَ إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق يقْضِي لاسبقهما تَارِيخا.
فِي الرَّابِع من دَعْوَى الْمُحِيط.
وَفِي بَاب بَيَان اخْتِلَاف الْبَينَات فِي البيع وَالشِّرَاء من دَعْوَى الْمُحِيط: إِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا يقْضِي بَينهمَا فِي الْفُصُول، إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق.
وَفِي غَايَة الْبَيَان عَن مَبْسُوط خُوَاهَر زَاده: إِن كَانَت الْعين فِي أَيْدِيهِمَا إِن لم يؤرخا أَو أرخ سَوَاء أَو أرخ أَحدهمَا دون الآخر: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، أما فِي الاولين فَلَا إِشْكَال فِيهِ.
وَأما إِذا أرخ أَحدهمَا دون الآخر فَكَذَلِك يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، لانه لَا عِبْرَة للتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد إِذا كَانَت الْعين المؤرخ بيدهما مَعًا، أَلا ترى أَنه لَو كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فأرخ الْخَارِج لَا يكون تَارِيخ أَحدهمَا عِبْرَة لَا تنقض يَد ذِي الْيَد بِالِاحْتِمَالِ؟ فَكَذَا لَا يكون
التَّارِيخ عِبْرَة إِذا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا حَتَّى لَا ينْقض مَا يثبت من يَد الآخر فِي النّصْف، وَإِن لم يكن للتاريخ حَالَة الِانْفِرَاد عِبْرَة بِمُقَابلَة الْيَد صَار وجود التَّارِيخ وَعَدَمه بِمَنْزِلَة، وَلَو عدم: يقْضِي بِالدَّار بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
من هَامِش الانقروي فِي أول دَعْوَى الشِّرَاء وَالْبيع.
ادّعَيَا عينا شِرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (54) : لم يؤرخا: يقْضِي لذِي الْيَد.
(64) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لذِي الْيَد.
(74) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لاسبقهما.
(84) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لذِي الْيَد.
وَإِن(8/138)
ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ لذِي الْيَد سَوَاء أرخ أَو لم يؤرخ، إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَيَقْضِي بِهِ للْخَارِج ف أول الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ.
وَفِيه فِي أواسط الْفَصْل الْمَذْكُور: وَلَو ادّعى الْخَارِج وَذُو الْيَد بِسَبَب بِهَذَا السَّبَب نَحْو شِرَاء وإرث وَشبهه، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يدعيا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِد أَو من جِهَة اثْنَيْنِ: فَلَو ادعياه من جِهَة وَاحِد وبرهنا حكم بِهِ لذِي الْيَد لَو لم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء، فَلَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق فَهُوَ أولى، وَلَو أرخ أَحدهمَا فذو الْيَد أولى، إِذْ وَقت السَّاكِت مُحْتَمل فَلَا ينْقض قَبضه بشك اهـ.
وَفِيه أَيْضا فِي الْمحل الْمَزْبُور بِإِشَارَة الْمَبْسُوط: وَأَجْمعُوا أَن الْخَارِج وَذَا الْيَد لَو أثبتا الشِّرَاء من وَاحِد وأرخ أَحدهمَا لَا الآخر فذو التَّارِيخ أولى (فش) ذُو الْيَد أولى (فث) إِذْ تَارِيخ الْخَارِج فِي حَقه مخبر بِهِ وَالْقَبْض فِي حق ذِي الْيَد معاين، وَهُوَ دَلِيل على سبق عقده، والمعاينة أقوى من الْخَبَر إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق يحكم للْخَارِج اهـ.
وَفِي بعده مَسْأَلَة: وَلَو برهن من لَيْسَ بِيَدِهِ على أَنه قَبضه مُنْذُ شهر وَبرهن ذُو الْيَد على قَبضه بِلَا تَوْقِيت أَو برهن على الشِّرَاء وَلم يذكر شُهُوده الْقَبْض فالمبيع لَهُ، إِذْ يَده فِي الْحَال تدل على مَا سبق قَبضه وَقد ثَبت لَهُ التَّارِيخ ضمنا وَلَا يدْرِي أَنه قبل قبض الْخَارِج أَو بعده فلغت الْبَيِّنَتَانِ، وترجح ذُو الْيَد بِيَدِهِ الْقَائِمَة فِي الْحَال اهـ.
ادّعَيَا عينا أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي يَد ثَالِث
(94) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(05) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(15) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(25) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
ادّعَيَا عينا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (35) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(45) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(55) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(65) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
ادّعَيَا عينا أَحدهمَا ملكا مُطلقًا وَالْآخر نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (75) : لم يؤرخا: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(85) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لصالح النِّتَاج.
(95) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
(06) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لصَاحب النِّتَاج.
فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن من الدُّرَر وَالْغرر: وَلَو برهن أَحدهمَا من الْخَارِج وَذي الْيَد على الْملك الْمُطلق وَالْآخر على النِّتَاج فذو النِّتَاج أولى.
وَفِي الْبَاب الْمَزْبُور من الملتقي: وَلَو برهنا على الْملك وَالْآخر على النِّتَاج فَهُوَ أولى، وَكَذَا لَو كَانَا خَارِجين اهـ.
وَفِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ من شرح الْمجمع: لَو أَقَامَ أحد المدعيين بَيِّنَة على الْملك وَالْآخر على النِّتَاج قدم صَاحب النِّتَاج سَوَاء كَانَ خَارِجا أَو ذَا يَد، لَان صَاحب النِّتَاج يثبت أولية الْملك فَلَا يملكهُ الْغَيْر إِلَّا بالتلقي مِنْهُ اهـ.(8/139)
وَقَالَ أَبُو السُّعُود الْعِمَادِيّ فِي تحريراته: قد علم من هَذِه النقول أَنه لَا فرق فِي أَوْلَوِيَّة صَاحب النِّتَاج بَين أَن تكون الْعين فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يَد ثَالِث، فَإِن كَانَت الْعين فِي يدهما فَكَذَلِك صَاحب النِّتَاج أولى، لَان كل وَاحِد من صَاحب الْيَد ذُو يَد فِي نصفه وخارج فِي النّصْف الآخر كذي الْيَد مَعَ
الْخَارِج.
وَالْحَاصِل: إِذا برهن المدعيان أَحدهمَا على الْملك الْمُطلق وَالْآخر على النِّتَاج تقدم بَيِّنَة النِّتَاج، سَوَاء كَانَ الْعين فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يدهما أَو فِي يَد ثَالِث كَمَا بَين فِي الاصول اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي الْقَضَاء: أطْلقُوا هَذِه الْعبارَة وَهِي قَوْلهم: تقدم بَيِّنَة النِّتَاج على بَيِّنَة الْملك الْمُطلق، فَشَمَلَ مَا إِذا أرخا واستويا أَو سبق أَحدهمَا أَو أرخ أَحدهمَا أَو لم يؤرخا أصلا، فَلَا اعْتِبَار للتاريخ مَعَ النِّتَاج إِلَّا من أرخ تَارِيخا مستحيلا بِأَن لم يُوَافق سنّ الْمُدَّعِي لوقت ذِي الْيَدِ وَوَافَقَ وَقْتَ الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ للْخَارِج، وَلَو خَالف سنه للوقتين لَغَتْ الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَيُتْرَكُ فِي يَد ذِي الْيَد على مَا كَانَ.
والنتاج بِكَسْر النُّون: ولادَة الْحَيَوَان وَوَضعه عِنْد مِنْ نُتِجَتْ عِنْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ: وِلَادَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَو ملك بَائِعه أَو مورثها اهـ.
وَالْمرَاد لكَون التَّارِيخ مستحيلا فِي دَعْوَى النِّتَاج عدم مُوَافقَة التَّارِيخ لسن الْمَوْلُود.
وَدَعوى النِّتَاج دَعْوَى سَبَب الْملك بِالْولادَةِ فِي ملكه، لَان سَبَب ذَلِك نَوْعَانِ: أَحدهمَا: لَا يُمكن تكرره وَالثَّانِي: يُمكن تكرره، فَمَا لَا يُمكن تكرره هُوَ النِّتَاج، فوقوع النِّتَاج فِي الْخَارِج مرَّتَيْنِ محَال: يَعْنِي لَا يتَصَوَّر عود الْوَلَد إِلَى بطن أمه ثمَّ خُرُوجه مرّة بعد أُخْرَى، فَإِذا كَانَ الامر كَذَلِك الْوَلَد لَا يُعَاد وِلَادَته بعد الْولادَة مرّة أُخْرَى، وَمَا كَانَ من الْمَتَاع كَذَلِك وَلَا يصنع مرّة أُخْرَى بعد نقضه فَلَا يكون نَحْو النِّتَاج كَمَا صرح بِهِ فِي المفصلات اهـ.
فدعوى النِّتَاج دَعْوَى مَا لَا يتَكَرَّر كَمَا صرح بِهِ قاضيخان فِي آخر دَعْوَى الْمَنْقُول، وَدَعوى النِّتَاج دَعْوَى أولية الْملك كَمَا ذكرُوا فِي آخر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ، فَيكون كل دَعْوَى أولية الْملك كالنتاج، وعَلى هَذَا اتِّفَاق الائمة الفحول فِي الْفُرُوع والاصول كَمَا حَقَّقَهُ جوى زَاده.
فَكل سَبَب للْملك من الْمَتَاع مَا لَا يتَكَرَّر: يَعْنِي لَا يُعَاد وَلَا يصنع مرّة بعد أُخْرَى بعد نقضه فَهُوَ فِي معنى النِّتَاج، وَدَعوى الْملك بِهَذَا السَّبَب كدعواه بالنتاج فَإِن مثله فِي عدم التكرر فَحكمه كحكمه فِي جَمِيع أَحْكَامه، وَأما كل سَبَب للْملك من الْمَتَاع مَا يتَكَرَّر: يَعْنِي يُعَاد ويصنع مرّة بعد أُخْرَى بعد نقضه: فَهُوَ لَا يكون بِمَعْنى النِّتَاج بل يكون فِي منزلَة الْملك الْمُطلق كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُحِيط والمبسوط والزيلعي والظهيرية وَغَيرهَا اهـ.
مِثَال مَا لَا يتَكَرَّر كنسخ ثِيَاب قطنية أَو كتانية لَا تنسج إِلَّا مرّة، فنسج ثوب قطن أَو كتَّان سَبَب للْملك لَا يتَكَرَّر فَهُوَ كالنتاج، فَلَو أَقَامَ خَارج وَذُو يَد على أَن هَذَا الثَّوْب ملكه وَأَنه نسخ عِنْده فِي ملكه كَانَ ذُو الْيَد أولى كَمَا فِي الْخَانِية وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا اهـ.
وكحلب لبن فَحلبَ لبن سَبَب للْملك لَا يتَكَرَّر فَهُوَ كالنتاج، فَلَو برهن كل من خَارج وَذي يَد على أَن هَذَا اللَّبن حلب فِي ملكه كَانَ ذُو الْيَد أولى كَمَا نَقله شَارِح الملتقي وَحْدَتي عُثْمَان أَفَنْدِي الاسكوبي.(8/140)
وَمِثَال مَا يتَكَرَّر كالمنطقة المصنوعة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغَيرهمَا كالبناء وَالشَّجر والمغروس وَالْبر المزروع وَسَائِر الْحُبُوب وَنَحْوهَا مثلا فَهُوَ مِمَّا يتَكَرَّر ويعاد لَهُ بعد النَّقْض مرّة أُخْرَى، فَلَو برهن كل من الْخَارِج وَذي الْيَد أَن المنطقة صنعت فِي ملكه وَأَن الشّجر المغروس لَهُ فِي ملكه وَأَن الْبر لَهُ زرعه والحبوب الْمَمْلُوكَة لَهُ كَانَ الْخَارِج أولى، لاحْتِمَال أَن الْخَارِج فعله أَولا ثمَّ غصبه ذُو الْيَد مِنْهُ ونقضه وَفعل ثَانِيًا فَيكون ملكا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيق، فَلم يكن فِي معنى النِّتَاج بل يكون بِمَنْزِلَة الْملك الْمُطلق كَمَا ذكره ابْن ملك على الْمجمع، فَإِن الذَّهَب الْمَصْنُوع وَالْفِضَّة المصنوعة وَالْبناء ينْقض ويعاد ثَانِيًا، وَالشَّجر يغْرس ثمَّ يقطع من الارض ويغرس ثَانِيًا، والحبوب تزرع ثمَّ تغربل مَعَ التُّرَاب فتميز ثمَّ تزرع ثَانِيًا، وَكَذَلِكَ الْمُصحف الشريف مِمَّا يتَكَرَّر، فَلَو أَقَامَ كل من الْخَارِج وَذي الْيَد الْبَيِّنَة أَنه مصحفه كتبه فِي ملكه فَإِنَّهُ يقْضِي بِهِ للْمُدَّعِي، لَان الْكِتَابَة مِمَّا يتَكَرَّر يكْتب ثمَّ يمحى ثمَّ يكْتب كَمَا فِي دَعْوَى الْمَنْقُول من قاضيخان.
وَفِي الْخُلَاصَة فِي الثَّالِث عشر من الدَّعْوَى: أما لسيف فَمِنْهُ مَا يضْرب مرَّتَيْنِ وَمِنْه مَا يضْرب مرّة وَاحِدَة فَيسْأَل عُلَمَاء الصياقلة، إِن قَالُوا يضْرب مرَّتَيْنِ يقْضِي للْمُدَّعِي، وَإِن قَالُوا مرّة يقْضِي لذِي الْيَد، فَإِن أشكل عَلَيْهِم أَو اخْتلفُوا، فَفِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: يقْضِي بِهِ لذِي الْيَد، وَفِي رِوَايَة حَفْص: يقْضِي للْخَارِج.
وَفِي الْوَجِيز للسرخسي: وَإِن كَانَ مُشكلا فالاصح أَنه مُلْحق بالنتاج اهـ.
وَفِي الدُّرَر: فَإِن أشكل يرجع إِلَى أهل الْخِبْرَة لانهم أعرف بِهِ، فَإِن أشكل عَلَيْهِم قضى بِهِ للْخَارِج، لَان الْقَضَاء بِبَيِّنَة هُوَ
الاصل والعدول عَنهُ بِحَدِيث النِّتَاج، فَإِذا لم يعلم يرجع إِلَى الاصل اهـ.
ادّعَيَا عينا نتاجا وَالْعين فِي يَد ثَالِث (16) : لم يؤرخا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر: قضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(26) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكر قضى بِهِ بَينهمَا، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا قضى بِهِ بَينهمَا كَذَلِك نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف مِنْهُ الْوَقْت الَّذِي ذكرا بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض وَيقْضى بِهِ بَينهمَا عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر.
(36) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ أَحدهمَا قضى بِهِ إِن وَافق سنه وقته، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن أشكل على أَحدهمَا.
قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف للوقتين يطْلب الْبَيَان عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر.
وَإِن خَالف سنّ الْمَوْلُود لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ: قضى بِهِ للْآخر.
(46) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان أَو الرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود التَّارِيخ المؤرخ قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن(8/141)
أشكل عَلَيْهِمَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف سنه لوقت المؤرخ: يقْضِي بِهِ لمن لم يؤرخ، لانه إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضي بهَا لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ.
ادّعَيَا نتاجا وَالْعين فِي أَيْدِيهِمَا (56) : لم يؤرخا: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا
نِصْفَيْنِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
(66) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكر: قضى بِهِ بَينهمَا، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ بَينهمَا كَذَلِك نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف سنه للْوَقْت الَّذِي ذكرا بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض وَيَقْضِي بِهِ بَينهمَا عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وَحقه صَاحب الدُّرَر.
(76) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضِي بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن وَافق سنه وقته، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن أشكل على وَاحِد مِنْهُمَا: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف سنه للوقتين بطلت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد الْبَعْض، وَهُوَ الاصح على مَا قَالَه الزَّيْلَعِيّ وحققه صَاحب الدُّرَر.
وَإِن خَالف سنّ الْمَوْلُود لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ: قضى بِهِ للْآخر.
(86) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر، إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع: يقْضى بِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ، وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: وَإِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ المؤرخ قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل: يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَإِن خَالف الْوَقْت المؤرخ: يقْضى بِهِ لمن لم يؤرخ انْتهى.
لانه إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ أشكل الْوَقْت الآخر: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ.
فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: التَّارِيخ فِي دَعْوَى النِّتَاج لَغْو على كل حَال أرخا سَوَاء أَو مُخْتَلفين أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط انْتهى.
وَفِيه: برهن الخارجان على النِّتَاج: فَلَو لم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر فَهُوَ بَينهمَا لفقد الْمُرَجح، وَلَو أرخا وَأَحَدهمَا أسبق: فَلَو وَافق سنه لاحدهما فَهُوَ لَهُ لظُهُور كذب الآخر، وَلَو خالفهما أَو أشكل فَهُوَ بَينهمَا لانه لم يثبت الْوَقْت فكأنهما لم يؤرخا.
وَقيل فِيمَا خالفهما بطلت الْبَيِّنَتَانِ لظُهُور كذبهما فَلَا يقْضِي لَهما اهـ.
وَاعْلَم أَنه إِذا تنَازعا فِي دَابَّة وبرهنا على النِّتَاج عِنْده أَو عِنْد بَائِعه وَلم يؤرخا يحكم بهَا لذِي الْيَد إِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا، أَو يحكم لَهما إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث كَمَا ذكره الزَّيْلَعِيّ.
وَفِي الثَّامِن عشر من دَعْوَى التاترخانية: وَإِن أرخا سَوَاء ينظر إِلَى سنّ الدَّابَّة: إِن كَانَ مُوَافقا للْوَقْت الَّذِي ذكرا يقْضِي بهَا بَينهمَا، وَإِن أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق يقْضِي لصَاحب الْوَقْت الَّذِي سنّ(8/142)
الدَّابَّة عَلَيْهِ اهـ.
يَعْنِي قضى لمن وَافق سنّهَا وقته، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَوَافَقَ سنّ الدَّابَّة الْوَقْت المؤرخ: قضى بِهِ للمؤرخ أَيْضا، لانه إِذا كَانَ أَحدهمَا أسبق قضى بِهِ لمن وَافق سنّهَا وقته، فَإِذا كَانَ الامر كَذَلِك: إِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر كَانَ وَقت غير المؤرخ مُبْهما لعدم ذكر التَّارِيخ، فَإِن فرض المؤرخ سَابِقًا أَو غير سَابق يَسْتَقِيم على صُورَة مَسْأَلَة سبق أحد التاريخين، وَفِي ذَلِك قضى لمن وَافق سنّهَا، فَهُنَا كَذَلِك قضى للمؤرخ لموافقة تَارِيخه سنّهَا، وَإِن فرض المؤرخ مُسَاوِيا لغير المؤرخ قضى للمؤرخ أَيْضا لَان فِي مُوَافقَة غير المؤرخ شكا فَلَا يُعَارضهُ لموافقته المؤرخ.
كَذَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته اهـ.
فَلَا فرق للْقَضَاء لمن وَافق سنّهَا بَين أَن تكون الدَّابَّة فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يديهما أَو فِي يَد ثَالِث لَان الْمَعْنى لَا يخْتَلف، وَإِن خَالف سنّهَا للوقتين أَو أشكل يقْضِي بهَا بَينهمَا إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث.
وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا حَقَّقَهُ صَاحب الدُّرَر نقلا عَن الزَّيْلَعِيّ وأيده بقوله وَهُوَ الاصح اهـ.
ثمَّ اعْلَم أَن هَذَا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا للوقتين، أما إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضى بالدابة لصَاحب الْوَقْت الَّذِي أشكل سنّ الدَّابَّة عَلَيْهِ، كَذَا فِي الثَّانِي عشر من دَعْوَى التاترخانية اهـ.
هَذَا إِن أرخا كِلَاهُمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لتاريخ المؤرخ: يقْضِي لمن لم يؤرخ لانه بِالطَّرِيقِ الاولى فِي أَن يكون مُشكلا على من لم يؤرخ، لَان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بَينه وَبَين سنّ الدَّابَّة بِالطَّرِيقِ الاولى، فَيقْضى بالدابة لمن أشكل عَلَيْهِ سنّ الدَّابَّة وَهُوَ من لم يؤرخ.
كَذَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته انْتهى.
وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا قضى بَينهمَا كَمَا فِي الثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر
من دَعْوَى التاترخانية انْتهى.
هَذَا إِذا كَانَت الدَّابَّة فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث.
وَأما إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا قضى بهَا لذِي الْيَد إِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا كَمَا حَقَّقَهُ جوى زَاده فِي تحريراته.
وَالْمرَاد من الْمُخَالفَة بَين السن والوقتين كَون الدَّابَّة أكبر من الْوَقْتَيْنِ أَو أَصْغَر مِنْهُمَا كَمَا فِي الثَّامِن عشر من دَعْوَى الْمُحِيط.
وَفِي عبارَة دَعْوَى التَّتِمَّة فِي فصل مَا يتَرَجَّح بِهِ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ: إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة دون الْوَقْتَيْنِ أَو فَوْقهمَا يكون مُخَالفا للوقتين، وَالْمرَاد بالاشكال عدم ظُهُور سنّ الدَّابَّة كَمَا قَالَ ابْن مَالك على الْمجمع فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ، فَإِن أشكل: أَي إِن لم يظْهر سنّ الدَّابَّة اهـ.
وَاخْتلفت عِبَارَات بعض النّسخ فِيمَا إِذا خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين.
قَالَ فِي الْهِدَايَة فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ: وَإِن خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين بطلت الْبَيِّنَتَانِ.
كَذَا ذكره الْحَاكِم وَتَبعهُ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَة وَغَايَة الْبَيَان والبدائع.
وَقَالَ مُحَمَّد: والاصح أَن تكون الدَّابَّة بَينهمَا، لانه إِذا خَالف سنّ الدَّابَّة للوقتين أَو أشكل يسْقط اعْتِبَار ذكر الْوَقْت فَينْظر إِلَى مقصودهما وَهُوَ إِثْبَات الْملك فِي الدَّابَّة وَقد اسْتَويَا فِي الدَّعْوَى وَالْحجّة فَوَجَبَ الْقَضَاء بهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
كَذَا فِي الْكَافِي كَمَا حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته.
وَفِي آخر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: التَّارِيخ فِي دَعْوَى النِّتَاج لَغْو على كل حَال أرخا سَوَاء أَو مُخْتَلفين أَو لم يؤرخا أَو أرخ أَحدهمَا فَقَط.
قَالَ الْمولى قَاضِي زَاده أخذا من كَلَام صَاحب الدُّرَر والبدائع: بِأَن مُخَالفَة السن للوقتين مكذب الْوَقْتَيْنِ لَا مكذب الْبَيِّنَتَيْنِ، فاللازم مِنْهُ سُقُوط اعْتِبَار ذَلِك(8/143)
الْوَقْت لَا سُقُوط اعْتِبَار أصل الْبَيِّنَتَيْنِ، لانا لم نتيقن بكذب إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لجَوَاز أَن يكون سنّ الدَّابَّة مُوَافقا للوقتين وَلَا يعرف النَّاظر كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ السَّرخسِيّ فِي محيطه، وَقد يُشَاهد أَن بعض أهل النّظر نظر فِي سنّ فرس وَقَالَ إِن سنه اثْنَان وَنصف وَكَانَ سنه ثَلَاثًا وَنصفا.
فَإِذا تقرر هَذَا فَاعْلَم أَنه إِذا لم يثبت الْوَقْت صَار كَمَا لَو لم يُوَقت على ذكر شيخ الاسلام الاسبيجابي فِي شرح الْكَافِي، لَان الاصل عدم اعْتِبَار التَّارِيخ فِي النِّتَاج كَمَا مر آنِفا من الْفُصُولَيْنِ كَذَا
حَقَّقَهُ جوي زَاده فِي تحريراته.
وَقَالَ: قَالَ قاضيخان فِي أَوَاخِر دَعْوَى الْمَنْقُول: وَإِن خَالف سنّ الدَّابَّة الْوَقْتَيْنِ: فِي رِوَايَة يقْضى لَهما، وَفِي رِوَايَة يبطل الْبَيِّنَتَانِ اهـ.
وَكَذَا فِي خزانَة الاكمل.
وَفِي الثَّامِن من الْعمادِيَّة.
وَفِي الرَّابِع عشر من الاستروشنية كَمَا فِي الْخَانِية: وَالظَّاهِر من كَلَام قاضيخان أَنه رجح الْقَضَاء بَينهمَا لانه قَالَ فِي أول كِتَابه: وَفِيمَا كثرت فِيهِ الاقاويل من الْمُتَأَخِّرين اختصرت عَلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ وَقَدَّمْتُ مَا هُوَ الاظهر وافتتحت بِمَا هُوَ الاشهر.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيّ فِي شرح الْكَنْز نقلا من الْمَبْسُوط: والاصح أَنَّهُمَا لَا تبطلان، بل يقْضِي بَينهمَا إِذا كَانَا خَارِجين أَو كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا، وَإِن كَانَت فِي يَد أَحدهمَا يقْضِي بهَا لذِي الْيَد، وَهَكَذَا ذكر مُحَمَّد.
وَأما مَا ذكره الْحَاكِم بقوله بطلت الْبَيِّنَتَانِ، وَهُوَ قَول بعض الْمَشَايِخ وَهُوَ لَيْسَ بشئ اهـ.
وَاعْتمد صَاحب الدُّرَر مَا فِي الزَّيْلَعِيّ.
وَقَالَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ: وَقَول الزَّيْلَعِيّ ظَاهر الرِّوَايَة وَهُوَ اخْتِيَار الائمة الثَّلَاثَة كَمَا فِي مِعْرَاج الدِّرَايَة.
وَفِي رضَاع الْبَحْر: الْفَتْوَى إِذا اخْتلفت كَانَ التَّرْجِيح بِظَاهِر الرِّوَايَة تمت النقول من تحريرات المرحوم أنقروي أَفَنْدِي رَحمَه الله تَعَالَى.
ادّعَيَا عينا نتاجا وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (96) : لم يؤرخا إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة على النِّتَاج فَصَاحب الْيَد أولى.
كَذَا أفتى الْمولى عَليّ أَفَنْدِي.
وَإِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: قضى بِهِ لذِي الْيَد من بَاب دَعْوَى الرجلَيْن فِي دَعْوَى الْهِنْدِيَّة.
(07) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا، إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق، إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود للْوَقْت الَّذِي ذكرا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل أَو خالفهما: قضى بِهِ لذِي الْيَد كَذَلِك.
(17) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق، إِن وَافق سنّ الدَّابَّة
لتاريخ أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن وَافق سنه، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن أشكل على أَحدهمَا: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ، وَإِن خَالف سنه للوقتين: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن خَالف لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ قضى بِهِ للْآخر.
(27) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: إِن ادّعَيَا أَن الْملك بِسَبَب عملهما فِيمَا لَا يتَكَرَّر من الْمَتَاع قضى بِهِ لصَاحب الْيَد، وَلَا يعْتَبر التَّارِيخ فِيهِ إِن ادّعَيَا الْملك بِسَبَب الْولادَة من الْحَيَوَان وَالرَّقِيق: إِن وَافق سنّ الْمَوْلُود لتاريخ المؤرخ: قضى بِهِ للمؤرخ، وَإِن لم يُوَافق بِأَن أشكل عَلَيْهِمَا: قضى بِهِ لذِي الْيَد، وَإِن خَالف سنه لوقت المؤرخ: يقْضِي بِهِ لمن لم يؤرخ، لانه إِذا(8/144)
كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر: قضى بِهِ لمن أشكل عَلَيْهِ وَهُوَ من لم يؤرخ.
قَالَ مُحَمَّد فِي الاصل: إِذا ادّعى الرجل دَابَّة فِي يَد إِنْسَان أَنَّهَا ملكه نتجت عِنْده وَأقَام بَيِّنَة عَلَيْهِ وَأقَام صَاحب الْيَد بَيِّنَة بِمثل ذَلِك الْقيَاس يقْضى بهَا للْخَارِج.
وَفِي الِاسْتِحْسَان: يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد سَوَاء أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ قبل الْقَضَاء بهَا للْخَارِج أَو بعده وَفِي الْهِدَايَة: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي أَوَائِل الثَّانِي عشر من دَعْوَى التاترخانية.
هَذَا إِذا لم يؤرخا، وَإِن أرخا قضى بهَا لصَاحب الْيَد، إِلَّا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لوقت صَاحب الْيَد مُوَافقا لوقت الْخَارِج فَحِينَئِذٍ يقْضِي للْخَارِج فِي الثَّانِي عشر من دَعْوَى الْمُحِيط.
وَلَا عِبْرَة للتاريخ مَعَ النِّتَاج إِلَّا إِذا أرخا وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين وَوَافَقَ سنّ الدَّابَّة تَارِيخ الْخَارِج فَإِنَّهُ يقْضى بهَا للْخَارِج، وَإِن وَافق تَارِيخ ذِي الْيَد أَو كَانَ مُشكلا أَو خالفهما: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا فِي دَعْوَى الْوَجِيز.
فَاعْلَم هَذَا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا للوقتين.
أما إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ فَلَا يَخْلُو من أَن يكون مُوَافقا أَو مُخَالفا أَو مُشكلا للْآخر: فَإِن كَانَ مُوَافقا فَكَمَا مر حكمه آنِفا قضى لمن وَافق، وَإِن كَانَ مُخَالفا للوقتين قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا مر، وَإِن كَانَ مُشكلا قضى بهَا لمن أشكل عَلَيْهِ لما ذكر فِي التاترخانية وَالْمُحِيط مُطلقًا إِذا كَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لَاحَدَّ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ مُشكل فِي الْوَقْت الآخر قضى بالدابة لصَاحب الْوَقْت الَّذِي أشكل سنّ الدَّابَّة عَلَيْهِ اهـ.
هَذَا إِذا كَانَا أرخا كِلَاهُمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ
الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُخَالفا لتاريخ المؤرخ يقْضِي لمن لم يؤرخ، لانه بِالطَّرِيقِ الاولى من أَن يكون مُشكلا على من لم يؤرخ، لَان من لم يؤرخ أبهم وقته فتحقق الاشكال بَينه وَبَين سنة الدَّابَّة بِالطَّرِيقِ الاولى فَيَقْضِي بالدابة لمن أشكل عَلَيْهِ سنّ الدَّابَّة وَهُوَ من لم يؤرخ، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر وَكَانَ سنّ الدَّابَّة مُشكلا عَلَيْهِمَا: قضى بهَا لذِي الْيَد كَمَا حَقَّقَهُ جوي زَاده اهـ.
وَفِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن فِي ملتقى الابحر: وَإِن برهن خَارج وَذُو الْيَد على النِّتَاج فذو الْيَد أولى، وَكَذَا لَو برهن كل من تلقى الْملك من آخر على النِّتَاج عِنْده اهـ.
يَعْنِي لَو كَانَ النِّتَاج وَنَحْوه عِنْد بَائِعه فذو الْيَد أولى، كَمَا لَو كَانَ النِّتَاج وَنَحْوه عِنْد نَفسه فَإِن كلا مِنْهُمَا إِذا تلقى الْملك من رجل وَأقَام الْبَيِّنَة على سَبَب ملك عِنْده لَا يتَكَرَّر فَهُوَ بِمَنْزِلَة من أَقَامَهَا على ذَلِك السَّبَب عِنْد نَفسه، لَان بَيِّنَة ذِي الْيَد قَامَت على أوليه الْملك فَلَا يثبت للْخَارِج إِلَّا بالتلقي مِنْهُ كَمَا صرح بِهِ فِي الدُّرَر وَالْغرر فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن اهـ.
وَفِي الْهِدَايَة فِي بَاب مَا يَدعِيهِ الرّجلَانِ: وَلَو تلقى كل وَاحِد مِنْهُمَا الْملك من رجل على حِدة وَأقَام الْبَيِّنَة على النِّتَاج عِنْده فَهُوَ بِمَنْزِلَة إِقَامَتهَا على النِّتَاج عِنْد نَفسه اه.
وَسَوَاء تلقى كل وَاحِد مِنْهُمَا بشرَاء أَو إِرْث أَو هبة أَو صَدَقَة مقبوضتين كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الثَّامِن من شَهَادَات الْبَزَّازِيَّة.
وَفِي آخر دَعْوَى الْمَنْقُول من قاضيخان: عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده اشْتَرَاهُ من فلَان آخر وَأَنه ولد فِي ملك بَائِعه فلَان فَإِنَّهُ يقْضِي بِالْعَبدِ لذِي الْيَد لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا ادّعى نتاج بَائِعه وَدَعوى نتاج بَائِعه كدعوى نتاج نَفسه فَيَقْضِي بِبَيِّنَة ذِي الْيَد انْتهى.
لَان كل وَاحِد من الْخَارِج وَذي الْيَد خصم فِي إِثْبَات نتاج بَائِعه كَمَا أَنه خصم فِي إِثْبَات الْملك لَهُ، وَلَو حضر البائعان وَأَقَامَا الْبَيِّنَة على النِّتَاج كَانَ صَاحب النِّتَاج أولى، فَكَذَا من قَامَ مقامهما كَمَا صرح بِهِ الزَّيْلَعِيّ انْتهى.(8/145)
وَفِي الدُّرَر فِي بَاب دَعْوَى الرجلَيْن: قَالَ فِي الذَّخِيرَة: وَالْحَاصِل أَن بَيِّنَة ذِي الْيَد على النِّتَاج إِنَّمَا تترجح على بَيِّنَة الْخَارِج على النِّتَاج أَو على مُطلق الْملك، بِأَن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج النِّتَاج، أَو ادّعى الْخَارِج الْملك الْمُطلق إِذا لم يدع الْخَارِج على ذِي الْيَد فعلا نَحْو الْغَصْب أَو الْوَدِيعَة أَو الاجارة
أَو الرَّهْن أَو الْعَارِية وَنَحْوهَا، فَأَما إِذا ادّعى الْخَارِج فعلا مَعَ ذَلِك فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى.
وَقَالَ فِي الْعمادِيَّة بعد نقل كَلَام الذَّخِيرَة: ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بَاب دَعْوَى النِّتَاج من الْمَبْسُوط مَا يُخَالف الْمَذْكُور فِي الذَّخِيرَة فَقَالَ: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته آجرها من ذِي الْيَد أَو أعارها مِنْهُ أَو رَهنهَا إِيَّاه وَذُو الْيَد أَقَامَ بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته نتجت عِنْده فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا لذِي الْيَد لانه يَدعِي النِّتَاج وَالْآخر يَدعِي الاجارة أَو الاعارة والنتاج أسبق مِنْهُمَا فَيَقْضِي لذِي الْيَد، وَهَذَا خلاف مَا نقل عَنهُ اهـ.
وَفِي البرهاني فِي الْفَصْل الثَّانِي عشر من كتاب الدَّعْوَى: إِذا ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ذُو الْيَد كَانَت بَيِّنَة الْخَارِج أولى، وَكَذَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج أَنه ملكه أجره أَو أودعهُ أَو أَعَارَهُ كَانَت بَيِّنَة الْخَارِج أولى.
قَالَ شيخ الاسلام: الْحَاصِل أَن بَيِّنَة ذِي الْيَد على النِّتَاج إِنَّمَا تترجح على بَيِّنَة الْخَارِج على النِّتَاج أَو على الْملك الْمُطلق، بِأَن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج وَادّعى الْخَارِج الْملك الْمُطلق أَو النِّتَاج إِذا لم يدع الْخَارِج على ذِي الْيَد فعلا نَحْو الْغَصْب أَو الْوَدِيعَة أَو الاجارة أَو الرَّهْن أَو الْعَارِية أَو مَا أشبه ذَلِك.
أما إِذا ادّعى الْملك الْمُطلق وَمَعَ ذَلِك فعلا فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى، وَأَشَارَ مُحَمَّد ثمَّة إِلَى هَذَا الْمَعْنى، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه الصُّورَة أَكثر إِثْبَاتًا انْتهى.
هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة فِي النَّوْع الثَّانِي من كتاب الدَّعْوَى.
تمت النقول.
وَأفْتى مَشَايِخنَا بِمَسْأَلَة الْمُحِيط يَعْنِي يُفْتِي بترجيح بَيِّنَة الْخَارِج فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة.
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من وَاحِد وَالْعين فِي يَد ثَالِث (37) : لم يؤرخا: يقْضى لمُدعِي الشِّرَاء.
(47) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لمُدعِي الشِّرَاء.
(57) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق.
(67) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي للمؤرخ.
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من وَاحِد وَالْعين فِي يدهما (77) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا.
(87) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا.
(97) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق.
(08) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا.
ادّعَيَا ملكا بسببين من وَاحِد وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (18) : لم يؤرخا: يقْضِي لذِي الْيَد.
(28) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي لذِي الْيَد.
(38) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق: يقْضِي للاسبق.
(48) أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي لذِي الْيَد.(8/146)
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد ثَالِث (58) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(68) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(78) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين.
(88) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: يقْضِي بَينهمَا عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ.
وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قبُول أبي حنيفَة.
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يدهما (98) : لم يؤرخا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(09) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(19) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق.
عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بَينهمَا كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين.
(29) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر عِنْد أبي حنيفَة: يقْضِي بَينهمَا.
وَعند أبي يُوسُف: يقْضِي للمؤرخ وَعند مُحَمَّد: لمن أطلق كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول أبي حنيفَة.
ادّعَيَا ملكا بسببين مُخْتَلفين من اثْنَيْنِ وَالْعين فِي يَد أَحدهمَا (39) : لم يؤرخا: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(49) : أَو أرخا تَارِيخا وَاحِدًا: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
(59) : أَو أرخا وتاريخ أَحدهمَا أسبق عِنْد الامامين: يقْضِي للاسبق.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول الامامين.
(69) : أَو أرخ أَحدهمَا لَا الآخر: عِنْد مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج.
وَعند أبي يُوسُف: يقْضى للمؤرخ كَمَا فِي الْملك الْمُطلق.
ومشايخنا أفتوا على قَول مُحَمَّد.
ادّعَيَا عينا فِي يَد آخر فبرهن أَحدهمَا أَنه اشْتَرَاهُ من زيد وَبرهن الآخر أَنه ارتهنه من زيد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فالشراء أولى، وَإِن أرخ أَحدهمَا وَلم يؤرخ الآخر فالمؤرخ أولى.
وَلَو أرخا وَأَحَدهمَا أقدم فَهُوَ أولى، وَلَو كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ الْخَارِج فَهُوَ للْخَارِج، وَلَو ادّعى أَحدهمَا هبة وقبضا من زيد وَادّعى الآخر شِرَاء من زيد وَلم يؤرخا أَو أرخا سَوَاء فالشراء أولى، وَكَذَا جَمِيع مَا مر فِي الرَّهْن.
وَلَو كَانَت الْعين بيدهما فَهُوَ بَينهمَا، إِلَّا أَن يؤرخ وَأَحَدهمَا أقدم فَهُوَ أولى، وَالصَّدَََقَة مَعَ الشِّرَاء كَالْهِبَةِ مَعَ الشِّرَاء، وَلَو اجْتمعت الهبتان فَحكمه حكم مَا اجْتمع الشراءان.
فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ: وَإِذا اجْتمعت الْهِبَة مَعَ الْقَبْض وَالصَّدَََقَة مَعَ الْقَبْض فَالْجَوَاب فِيهِ كالجواب فِيمَا إِذا اجْتمع الشراءان.
من أنقروي.
فِي دَعْوَى الرجلَيْن بسببين مُخْتَلفين من كتاب الدَّعْوَى نقلا فِي الرَّابِع من دَعْوَى التاترخانية.
هَذَا لَو ادّعَيَا تلقي الْملك من جِهَة وَاحِد بسببين مُخْتَلفين، فَلَو ادعياه من جِهَة اثْنَيْنِ بسببين(8/147)
مُخْتَلفين، بِأَن ادّعى أَحدهمَا هبة وَالْآخر شِرَاء، لَو كَانَت الْعين بيد ثَالِث أَو بيدهما أَو بيد أَحدهمَا فَحكمه كَحكم مَا إِذا ادّعَيَا ملكا مُطلقًا، إِذْ كل مِنْهُمَا يثبت الْملك الْمُطلق لمملكه ثمَّ يثبت الِانْتِقَال إِلَى نَفسه، فَكَأَن المملكين ادّعَيَا ملكا مُطلقًا وبرهنا، فَفِي كل مَوضِع ذكرنَا فِي دَعْوَى الْملك الْمُطلق أَن يقْضِي بَينهمَا فَكَذَا هُنَا، كَذَا ذَا.
وَفِي يس: عين بِيَدِهِ وَبرهن آخر أَنه شراه من زيد وَبرهن آخر أَن بكرا وهبه فَهُوَ بَينهمَا، وَلَو برهنا على التلقي من وَاحِد فالشراء أولى إِذا تَصَادقا، على أَنه لوَاحِد فَبَقيَ النزاع فِي السَّبق فالشراء أسبق، لانه لما لم يبين سبق أَحدهمَا جعلا كَأَنَّهُمَا وافقا مَعًا، وَلَو تقارنا كَانَ الشِّرَاء أسْرع نفاذا من الْهِبَة لانها لَا تصح إِلَّا بِقَبض وَالْبيع يَصح بِدُونِهِ.
هَذَا، وَإِن ادّعى أَحدهمَا الشِّرَاء من زيد وَالْآخر هبة وقبضا من الآخر وَالْعين فِي يَد ثَالِث: قضى بَينهمَا، وَكَذَا لَو ادّعى ثَالِث مِيرَاثا عَن أَبِيه وَادّعى رَابِع صَدَقَة وقبضا من آخر: قضى بَينهم أَربَاعًا عِنْد اسْتِوَاء الْحجَّة إِذْ تلقوا الْملك من مملكهم فكأنهم حَضَرُوا وبرهنوا على الْملك الْمُطلق.
فصولين من أَوَاخِر الثَّامِن.
وَإِن ادّعى أَحدهمَا شِرَاء من زيد وَالْآخر الْهِبَة من الآخر وَالْعين فِي يَد ثَالِث: قضى بَينهمَا، وَكَذَا إِن ادّعى ثَالِث مِيرَاثا عَن أَبِيه وَادّعى رَابِع صَدَقَة من آخر: قضى بَينهم أَربَاعًا، وَإِن كَانَت الْعين فِي يَد أَحدهمَا: يقْضى للْخَارِج إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ، وَإِن كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا: يقْضى بَينهمَا إِلَّا فِي أسبق التَّارِيخ فَهُوَ لَهُ، وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يقسم كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّة.
وَأما مَا يقسم كَالدَّارِ وَالْعَقار فَإِنَّهُ يقْضِي لمُدعِي الشِّرَاء.
أنقروي.
وَإِنَّمَا يَصح أَن يقْضى بَينهمَا لَو كَانَ الْمُدَّعِي مِمَّا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة، أما الْمُحْتَمل فَيَقْضِي بكله لمُدعِي الشِّرَاء.
وَالصَّحِيح فِي الْهِبَة أَن يقْضِي بَينهمَا احْتمل الْقِسْمَة أَو لَا، إِذْ الشُّيُوع الطَّارِئ لَا يفْسد الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فِي الصَّحِيح وَيفْسد الرَّهْن.
كَذَا فِي أَوَاخِر الْفَصْل الثَّامِن من الْفُصُولَيْنِ.
وَهَذَا آخر مَا وجدته ونقلته من نُسْخَة محرفة تحريفا كليا بعد أَن صححت مَا ظهر لي من الْغَلَط بِالرُّجُوعِ إِلَى أُصُوله الَّتِي هِيَ فِي يَدي وَمَتى ظَفرت بِبَقِيَّة الاصول الْمَنْقُول عَنْهَا تمم تصحيحهما إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (أَو شِرَاء مؤرخ) أَشَارَ بِذكرِهِ بعد ذكر الْملك إِلَى أَنه لَا فرق بَين دَعْوَى الْملك الْمُطلق وَالَّذِي بِسَبَب.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَأما الصُّورَة الثَّانِيَة: أَي صُورَة الشِّرَاء فلانهما لما ادّعَيَا الشِّرَاء من شخص وَاحِد فقد اتفقَا أَن الْملك لَهُ، فَمن أثبت مِنْهُمَا التلقي من جِهَته فِي زمَان لَا يزاحمه فِيهِ أحد كَانَ أولى اهـ.
فَقَوله وَإِن برهن خارجان الخ يشْتَمل على ثَمَان مسَائِل من الصُّور الْمُتَقَدّمَة.
قَوْله: (من وَاحِد غير ذِي يَد) إِنَّمَا قيد بِهِ تبعا للهداية، لَان دَعْوَى الخارجين الشِّرَاء من ذِي يَد قد تقدّمت فِي قَوْله وَلَو برهن خارجان على شئ قضى بِهِ لَهما فَلَا فَائِدَة فِي التَّعْمِيم.
بَحر.
وَفِيه: وَقيد بالبرهان على التَّارِيخ أَي مِنْهُمَا فِي الاولى، لانه لَو أرخت إِحْدَاهمَا دون الاخرى فَهُوَ سَوَاء كَمَا لم يؤرخا عِنْده.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: المؤرخ أولى.
وَقَالَ مُحَمَّد: الْمُبْهم أولى، بِخِلَاف مَا إِذا أرخت إِحْدَاهمَا فَقَط فِي الثَّانِيَة فَإِن المؤرخ أولى.
وَالْحَاصِل: أَنَّهُمَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا واستويا فَهِيَ بَينهمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَإِن أرخا وَسبق أَحدهمَا فَالسَّابِق أَوْلَى فِيهِمَا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهِيَ الاحق فِي الثَّانِيَة لَا فِي الاولى، وَقدمنَا أَن دَعْوَى الْوَقْف كدعوى الْملك الْمُطلق فَيقدم الْخَارِج والاسبق تَارِيخا.
قَوْله: (وَذُو يَد على ملك) قيد بِالْملكِ،(8/148)
لانها لَوْ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سنتَيْن وَلم يشهدَا أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْيَدِ لَا بِالْملكِ.
قَوْلُهُ: (فَالسَّابِقُ أَحَقُّ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَلَا يُتَلَقَّى الْمِلْكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلم يتلق الآخر مِنْهُ، وَقُيِّدَ بِالتَّارِيخِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَيَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا فَالسَّابِقَةُ أَوْلَى فِيهِمَا، وَإِنْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَهِيَ الْأَحَقُّ فِي الثَّانِيَةِ لَا الْأُولَى، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالْخَارِجُ أَوْلَى فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ.
وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: (مُتَّفق) يجوز أَن يقْرَأ بِالرَّفْع خبر لمبتدأ مَحْذُوف: أَي هُوَ: أَي الشَّأْن مُتَّفق، وَيجوز النصب على الْحَال من فَاعل برهنا.
قَوْله: (أَو مُخْتَلف عَيْنِيٍّ) وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلْكَافِي.
وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ سَهْوٌ، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَسْبَقَ تَارِيخًا، وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ هُوَ السَّاهِي، فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ.
فَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو بَرْهَنَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أسبق اخْتلف الرِّوَايَاتُ فِي الْكُتُبِ فَمَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ يُشِير إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِسَبْقِ التَّارِيخِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَقَ أَوْلَى، ثمَّ رجح صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ الاول اهـ مُلَخصا.
وَفِي نور الْعين عَن قاضيخان: ادّعَيَا شِرَاء من اثْنَيْنِ يقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ فَهُوَ أَحَق من ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يُعْتَبَرُ التَّارِيخُ: يَعْنِي يقْضِي بَينهمَا، وَإِن أرخ أَحدهمَا فَقَط يقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وِفَاقًا، فَلَوْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَالْخَارِجُ أولى خُلَاصَة، إِلَّا إِذا سبق تَارِيخ ذِي الْيَد هِدَايَة.
برهن خارجان على شِرَاء شئ من اثْنَيْنِ وأرخا فهما سَوَاء، لانهما يثبتان الْملك لبائعهما فَيصير كَأَنَّهُمَا حضرا وادعيا ثمَّ يُخَيّر كل مِنْهُمَا كَمَا فِي مَسْأَلَة دَعْوَى الخارجين شِرَاء من ذِي الْيَد كِفَايَة.
لَو برهنا على شِرَاء من اثْنَيْنِ وتاريخ أَحدهمَا أسبق اخْتلفت رِوَايَات الْكتب، فَمَا فِي الْهِدَايَة يُشِير إِلَى أَنه لَا عِبْرَة لسبق التَّارِيخ بل يقْضِي بَينهمَا، وَفِي الْمَبْسُوط مَا يدل صَرِيحًا أَن الاسبق أولى.
يَقُول الحقير: وَيُؤَيِّدهُ مَا مر عَن قاضيخان أَنه ظَاهر الرِّوَايَة، فَمَا فِي الْهِدَايَة اخْتِيَار قَول مُحَمَّد
اهـ.
ثمَّ قَالَ: وَدَلِيل مَا فِي الْمَبْسُوط وقاضيخان وَهُوَ أَنَّ الْأَسْبَقَ تَارِيخًا يُضِيفُ الْمِلْكَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ غَيْرُهُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَنَّهُمَا يثبتان الْملك لبائعهما فكأنهما حضرا أَو ادّعَيَا الْملك بِلَا تَارِيخ، وَوجه قُوَّةِ الْأَوَّلِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ، ويرجحه أَنه ظَاهر الرِّوَايَة اهـ.
وَكَذَا بُحِثَ فِي دَلِيلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فَرَاجِعْهَا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِاتِّفَاقِ التَّارِيخِ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَة، فَهُوَ أولى مِمَّا فعله الشَّارِح مُتَابعًا للدرر وَإِنْ وَافَقَ الْكَافِيَ وَالْهِدَايَةَ وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بالسهو كَمَا تقدم عَن الْبَحْرِ فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي.
قَوْلُهُ: (مِنْ رَجُلٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ الَّذِي يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ صَاحبه زَيْلَعِيّ.
قَوْله: (اسْتَويَا) لانهما فِي الاول يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا، وَلَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَتَوْقِيتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ.
بَحْرٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثّمن، وَإِن شَاءَ ترك اهـ.
قَوْله: (وَإِن اتَّحد الخ) ذكرنَا الْكَلَام(8/149)
عَلَيْهِ آنِفا، وَتَقَدَّمت فِي هَذَا الْبَاب فِي محلهَا عَن السراج
قَوْله: (مَا يُفِيد مِلْكَ بَائِعِهِ) بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فلَان وَهُوَ يملكهَا.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْبَيِّنَة على الشِّرَاء لَا تقبل حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا كَمَا فِي خزانَة الاكمل.
وَفِي السراج الْوَهَّاج: لَا تقبل الشَّهَادَة على الشِّرَاء من فلَان حَتَّى يشْهدُوا أَنه بَاعهَا مِنْهُ وَهُوَ يَوْمئِذٍ يملكهَا، أَو يشْهدُوا أَنَّهَا لهَذَا الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا من فلَان بِكَذَا ونقده الثّمن وَسلمهَا إِلَيْهِ، لَان الانسان قد يَبِيع مَا لَا يملك لجَوَاز أَن يكون وَكيلا أَو مُتَعَدِّيا فَلَا يسْتَحق المُشْتَرِي الْملك بذلك فَلَا بُد من ذكر ملك البَائِع أَو مَا يدل عَلَيْهِ اهـ.
قلت: إِذا كَانَ البَائِع وَكيلا فَكيف يشْهدُونَ بِأَنَّهُ بَاعهَا وَهُوَ يملكهَا، فَلْيتَأَمَّل اهـ.
أَقُول: إِذا عرف الشُّهُود أَن البَائِع وَكيل فَالظَّاهِر أَنهم يَقُولُونَ بَاعهَا بِالْوكَالَةِ عَمَّن يملكهَا لَان
خُصُوص وَهُوَ يملكهَا غير لَازم.
قَالَ فِي نور الْعين فِي آخر الْفَصْل السَّادِس رامزا للمبسوط: لَا تقبل بَيِّنَة الشِّرَاء من الْغَائِب إِلَّا بِالشَّهَادَةِ بِأحد الثَّلَاثَة، إِمَّا بِملك بَائِعه بِأَن يَقُولُوا بَاعَ وَهُوَ يملكهُ، وَإِمَّا بِملك مُشْتَرِيه بِأَن يَقُولُوا هُوَ للْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ من فلَان، وَإِمَّا بِقَبْضِهِ بِأَن يَقُولُوا هُوَ للْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَقَبضه اهـ.
وَفِيه رامز الْفَتَاوَى القَاضِي ظهير: ادّعى إِرْثا وَرثهُ من أَبِيه وَادّعى آخر شِرَاءَهُ من الْمَيِّت وشهوده شهدُوا بِأَن الْمَيِّت بَاعه مِنْهُ وَلم يَقُولُوا بَاعه مِنْهُ وَهُوَ يملكهُ، قَالُوا: لَو كَانَت الدَّار فِي يَد مدعي الشِّرَاء أم مدعي الارث فالشهادة جَائِزَة لانها على مُجَرّد البيع، إِنَّمَا لَا تقبل إِذا لم تكن الدَّار فِي يَد المُشْتَرِي أَو الْوَارِث، أما لَو كَانَت فالشهادة بِالْبيعِ كَالشَّهَادَةِ بِبيع وَملك اهـ.
وَفِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة: إِذا كَانَ الْمَبِيع فِي يَد البَائِع تقبل من غير ذكر ملك البَائِع، وَإِن كَانَ فِي يَد غَيره وَالْمُدَّعِي يَدعِيهِ لنَفسِهِ، أَن ذكر الْمُدَّعِي وشهوده أَن البَائِع يملكهَا أَو قَالُوا سلمهَا إِلَيْهِ وَقَالَ سلمهَا إِلَيّ أَو قَالَ قبضت وَقَالُوا قبض أَو قَالَ ملكي اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَهِي لي تقبل، فَإِن شهدُوا على الشِّرَاء والنقد وَلم يذكرُوا الْقَبْض وَلَا التَّسْلِيم وَلَا ملك البَائِع وَلَا ملك المُشْتَرِي لَا تقبل الدَّعْوَى وَلَا الشَّهَادَة، وَلَو شهدُوا بِالْيَدِ للْبَائِع دون الْملك اخْتلفُوا اهـ.
قَوْله: (إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ) أَي وَهُوَ يَدعِي الشِّرَاء مِنْهُ وَبرهن فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى شَهَادَة الشُّهُود بِملك البَائِع لمعاينة وضع يَده.
قَوْله: (وَلَو شهدُوا بِيَدِهِ) أَي بيد البَائِع دون الْملك: أَي وَالْمَبِيع لَيْسَ فِي يَده.
قَوْله: (فَقَوْلَانِ) يَنْبَغِي أَن يعْتَمد عدم صِحَة ذَلِك، لَان الْيَد تتنوع إِلَى يَد ملك وَيَد غصب وَيَد أَمَانَة، وَبَيَان الْعَام لَا يُحَقّق الْخَاص وَهُوَ الْمَطْلُوب الَّذِي هُوَ الْملك.
تَأمل.
قَوْله: (وَذُو الْيَد على الشِّرَاء مِنْهُ) صورته: عبد فِي يَد زيد ادَّعَاهُ بكر أَنه ملكه وَبرهن عَلَيْهِ وَبرهن زيد على الشِّرَاء مِنْهُ فذو الْيَد أولى، لَان الْخَارِج إِن كَانَ يثبت أولية الْملك فذو الْيَد يتلَقَّى الْملك مِنْهُ فَلَا تنَافِي فِيهِ، فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ بِالْملكِ لَهُ ثمَّ ادّعى الشِّرَاء مِنْهُ، وَكَذَا لَو برهن الْخَارِج على الارث، فصولين.
وَلَو برهن على الشِّرَاء من أَجْنَبِي فالخارج أَحَق.(8/150)
مطلب: لَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مِنْ أرخ تَارِيخا مستحيلا
قَوْلُهُ: (أَوْ بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ سَبَقَ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا أصلا أَو أرخت إِحْدَاهمَا فَلَا اعْتِبَار للتاريخ مَعَ النِّتَاج، إِلَّا أَن مَنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ من الْمُدَّعِي لوقت ذِي الْيَدِ وَوَافَقَ وَقْتَ الْخَارِجِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ للْخَارِج، وَلَو خَالف سنه للوقتين لغت الْبَيِّنَتَانِ عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ يتْرك فِي يَدِ ذِي الْيَدِ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَةٍ.
كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
وَفِيهِ: برهن الْخَارِج أَن هَذِه أمته ولدت هَذَا الْقِنَّ فِي مِلْكِي وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى مِثْلِهِ يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا فِي الْأَمَةِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي ثمَّ يسْتَحق الْقِنّ تبعا اه.
مطلب: يقدم ذُو الْيَد فِي دَعْوَى النِّتَاج إِن لم يكن النزاع فِي الام وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ ذَا الْيَدِ إنَّمَا يُقَدَّمُ فِي دَعْوَى النِّتَاج على الْخَارِج إِن لَمْ يَتَنَازَعَا فِي الْأُمِّ، أَمَّا لَوْ تَنَازَعَا فِيهَا فِي الْملك الْمُطلق وَشَهِدُوا بِهِ وَبِنِتَاجِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ وَهَذِه يجب حفظهَا اهـ.
تَعْرِيف النِّتَاج
قَوْله: (كَالنِّتَاجِ) هُوَ وِلَادَةُ الْحَيَوَانِ، مِنْ نُتِجَتْ عِنْدَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلَدَتْ وَوَضَعَتْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ.
مطلب: المُرَاد بالنتاج وِلَادَته فِي ملكه أَو ملك بَائِعه أَو مُوَرِثه وَالْمرَاد وِلَادَته فِي ملكه أَو ملك بَائِعه أَو مُوَرِثه.
مطلب: هَذَا الْوَلَد وَلدته أمته وَلم يشْهدُوا بِالْملكِ لَهُ لَا يقْضى لَهُ وَلذَا قَالَ فِي خزانَة الاكمل: لَو أَقَامَ ذُو الْيَد أَن هَذِه الدَّابَّة نتجت عِنْده أَو نسج هَذَا الثَّوْب عِنْده أَو أَن هَذَا الْوَلَد وَلدته أمته وَلم يشْهدُوا بِالْملكِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يقْضِي لَهُ اهـ.
وَكَذَا لَو شهدُوا أَنَّهَا بنت أمته لانهم إِنَّمَا شهدُوا بِالنّسَبِ.
كَذَا فِي الخزانة.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: برهن كل من الْخَارِج وَذي الْيَد على نتاج فِي ملك بَائِعه حكم لذِي الْيَد إِذْ كل مِنْهُمَا خصم عَن بَائِعه، فَكَأَن بائعيهما حضرا وادعيا ملكا بنتاج لذِي الْيَد اهـ.
وَإِنَّمَا حكم لذِي الْيَد لَان الْبَيِّنَة قَامَت على مَا لَا تدل عَلَيْهِ الْيَد وترجحت بَيِّنَة ذِي الْيَد بِالْيَدِ فَقضى لَهُ، وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيح.
وَالْقَضَاء بِبَيِّنَة الْخَارِج هُوَ الاصل، وَإِنَّمَا عدلنا عَنهُ بِخَبَر النِّتَاج، وَهُوَ مَا روى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نَاقَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَده بَيِّنَة أَنَّهَا نَاقَته نتجها، فَقضى بهَا رَسُول الله (ص) للَّذي هِيَ فِي يَده وَهَذَا حَيْثُ مَشْهُور صَحِيح، فَصَارَت مَسْأَلَة النِّتَاج مَخْصُوصَة كَمَا فِي الْمُحِيط.
وَفِي الْقنية كَمَا تقدم: بَيِّنَة ذِي الْيَد إِذا أَثْبَتَت أولية الْملك بالنتاج عِنْده، فَكَذَا إِذا ادَّعَاهُ عِنْد مُوَرِثه اهـ.
وَلَو برهن أَنه لَهُ ولد فِي ملكه وَبرهن ذُو الْيَد أَنه لَهُ ولد فِي ملك بَائِعه حكم بِهِ لذِي الْيَد لانه خصم عَمَّن تلقى الْملك مِنْهُ وَيَده يَد الملتقي مِنْهُ فَكَأَنَّهُ حضر وَبرهن على النِّتَاج وَالْمُدَّعِي فِي يَده يحكم لَهُ بِهِ.
كَذَا هَذَا اهـ.
مطلب: لَا يتَرَجَّح نتاج فِي ملكه على نتاج فِي ملك بَائِعه وَبِه ظهر أَنه لَا يتَرَجَّح نتاج فِي ملكه على نتاج فِي ملك بَائِعه.(8/151)
مطلب: لَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا أَن أمه فِي ملكه وَلَا يشْتَرط أَن يشْهدُوا بِأَن أمه فِي ملكه، لَكِن لَو شهِدت بَيِّنَة بذلك دون أُخْرَى قدمت عَلَيْهَا، لما فِي الخزانة: عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه وَأقَام آخر الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه من أمته هَذِه قضى للَّذي أمه فِي يَده، فَإِن أَقَامَ صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد فِي ملكه من أمة أُخْرَى فَصَاحب الْيَد أولى.
مطلب: برهن كل من خَارِجين أَنه عَبده ولد من أمته وَعَبده هذَيْن ينصف وَهُوَ ابْن عَبْدَيْنِ وأمتين عبد فِي يَد رجل أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه عَبده ولد من أمته هَذِه من عَبده هَذَا وَأقَام رجل آخر الْبَيِّنَة بِمثل ذَلِك فَيكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَيكون ابْن عَبْدَيْنِ وأمتين.
وَقَالَ صَاحِبَاه: لَا يثبت نسبه مِنْهُمَا اهـ.
وَمحل تَقْدِيم بَيِّنَة ذِي الْيَد فِي النِّتَاج إِذا لم يدع الْخَارِج نتاجا وعتقا، وَإِلَّا كَانَ الْخَارِج أولى، لَان بَيِّنَة النِّتَاج مَعًا لعتق أَكثر إِثْبَاتًا، لانها أَثْبَتَت أولية الْملك على وَجه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ أصلا، وَبَيِّنَة ذِي الْيَد
أَثْبَتَت الْملك على وَجه يتَصَوَّر اسْتِحْقَاق ذَلِك عَلَيْهِ، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الْخَارِج الْعتْق مَعَ مُطلق الْملك وَذُو الْيَد ادّعى النِّتَاج فَبَيِّنَة ذِي الْيَد أولى.
مطلب: رأى دَابَّة تتبع دَابَّة وترتضع يشْهد بِالْملكِ والنتاج وَفِي شَهَادَات الْبَزَّازِيَّة الشَّاهِد عاين دَابَّة تتبع دَابَّة وترتضع لَهُ أَن يشْهد بِالْملكِ والنتاج اهـ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وعَلى هَذَا لَو شهد شَاهِدَانِ على النِّتَاج لزيد وآخران على النِّتَاج لعَمْرو، وَيتَصَوَّر هَذَا بِأَنْ رَأَى الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَآخَرَانِ رَأَيَا أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى فِي مِلْكٍ آخر فَتحل الشَّهَادَة لِلْفَرِيقَيْنِ اهـ.
قَوْله: (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) مِمَّا لَا يتَكَرَّر.
قَوْله: (كنسج لَا يُعَاد) كالثياب القطني.
قَوْله: (وحلب لبن) واتخاذ الْجُبْن واللبد والمرعزاء وجز الصُّوف، فَإِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد أَن هَذِه ثِيَابِي نسجت عِنْدِي أَو لبني حلب عِنْدِي أَو جبني أَو لبدي اتخذ عِنْدِي أَو صوفي جز عِنْدِي فَإِنَّهُ يقدم ذُو الْيَد كَمَا فِي النِّتَاج، وَالْعلَّة مَا فِي النِّتَاج والجبن بضمة وبضمتين كقبل قَامُوس.
والمرعزاء إِذا شددت الزَّاي قصرت وَإِذا خففت مدت وَالْمِيم وَالْعين مكسورتان، وَقد يُقَال: مرعزاء بِفَتْح الْمِيم مخففا ممدودا وَهِي كالصوف تَحت شعر العنز.
مغرب.
قَالَ أَبُو السُّعُود: هُوَ الشّعْر الْخَفِيف الَّذِي ينتف من ظهر الْمعز وَيعْمل مِنْهُ الاقمشة الرفيعة اهـ.
أَقُول: وَيُوجد جنس مَخْصُوص يُسمى المرعز يعْمل من صوفه الشال اللاهور والفرماش، وَهُوَ يشبه الْمعز فِي الْخلقَة وَالْغنم فِي الصُّوف إِلَّا أَنه أَلين من صوف الْغنم، وَلَعَلَّه هُوَ هُوَ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا بُد من الشَّهَادَة بِالْملكِ مَعَ السَّبَب الَّذِي لَا يتَكَرَّر كالنتاج اهـ ط.
قَوْله: (وَلَو عِنْد بَائِعه) أَو عِنْد مُوَرِثه كَمَا تقدم: أَي لَا فرق بَين أَن يَدعِي كل مِنْهُمَا النِّتَاج وَنَحْوه عِنْده أَو عِنْد بَائِعه، فَحكم النِّتَاج يجْرِي على مَا فِي مَعْنَاهُ من كل غير متكرر.
قَوْله: (فذو الْيَد أَحَق) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَو سبق أَحدهمَا إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن الْبَحْر
قَوْله: (إِلَّا إِذا ادّعى الْخَارِج الخ) أَي حَيْثُ تكون بَيِّنَة الْخَارِج أولى وَإِن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه(8/152)
الصُّور أَكثر إِثْبَاتًا لانها تثبت الْفِعْل على ذِي الْيَد وَهُوَ الْغَصْب وأشباهه إِذْ هُوَ غير ثَابت أصلا، وأولية
الْملك إِن لم يكن ثَابتا بِالْيَدِ فَأصل الْملك ثَابت بهَا ظَاهرا فَكَانَ ثَابتا بِالْيَدِ من وَجه دون وَجه، فَكَانَ إِثْبَات غير الثَّابِت من كل وَجه أولى إِذْ الْبَيِّنَة للاثبات كَمَا فِي التَّبْيِين.
بَقِي مَا إِذا ادّعى الْخَارِج فعلا ونتاجا يقدم بالاولى.
وَيُمكن إدخالها فِي عِبَارَته بِأَن يُقَال: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته ملكا أَو نتاجا أَخذهَا من ذِي الْيَد.
تَأمل.
قَوْلُهُ: (فِعْلًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ النِّتَاج.
تَأمل.
مطلب: ادّعى الْخَارِج الْفِعْل على ذِي الْيَد الْمُدَّعِي النِّتَاج فالخارج أولى
قَوْله: (كغصب أَو وَدِيعَة) قَالَ فِي الْبَحْر وَقد يكون كل مِنْهُمَا مُدعيًا للْملك والنتاج فَقَطْ، إذْ لَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أولى، وَإِن ادّعى ذُو الْيَد النِّتَاج، لَان بَيِّنَة الْخَارِج فِي هَذِه الصُّور أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ إِذْ هُوَ غير ثَابت أصلا كَمَا ذكره الشَّارِح اهـ.
قَوْلُهُ: (فِي رِوَايَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي قَول كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لما قَالَ فِي العماية بعد نقل كَلَام الذَّخِيرَة: ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث فِي بَاب دَعْوَى النِّتَاج عَن الْمَبْسُوط مَا يُخَالف الْمَذْكُور فِي الذَّخِيرَة، فَقَالَ: دَابَّة فِي يَد رجل أَقَامَ آخر بَيِّنَة أَنَّهَا دَابَّته آجرها من ذِي الْيَد أَو أعارها مِنْهُ أَو رَهنهَا إِيَّاه وَذُو الْيَد أَنَّهَا دَابَّته نتجت عِنْده فَإِنَّهُ يقْضِي بهَا لذِي الْيَد، لانه يَدعِي ملك النِّتَاج وَالْآخر يَدعِي الاجارة أَو الاعارة والنتاج أسبق مِنْهُمَا فَيَقْضِي لذِي الْيَد.
وَهَذَا خلاف مَا نقل عَنهُ دُرَر.
وَاسْتظْهر فِي نور الْعين أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ، وَبِه ظهر عدم الِاخْتِلَاف بَين العبارتين، بِأَن يحمل الاول على أَن كلا مِنْهُمَا ادّعى النِّتَاج وَنَحْوه وَزَاد دَعْوَى الْفِعْل، وَمَا نَقله عَن أبي اللَّيْث أَن الْخَارِج إِنَّمَا ادّعى الْفِعْل فَقَط بِدُونِ النِّتَاج، لَكِن تَعْلِيل الزَّيْلَعِيّ يَقْتَضِي أَن الْمُثبت للْفِعْل أَكثر إِثْبَاتًا سَوَاء كَانَ مَعَه دَعْوَى نتاج أَو لَا، فَلذَلِك حكم صَاحب الدُّرَر أَنَّهَا رِوَايَة ثَانِيَة، وَعَلَيْهَا اقْتصر فِي الْبَحْر وشراح الْهِدَايَة.
وَعبارَة الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ تَعْلِيلِ: تَقْدِيمِ ذِي الْيَدِ فِي دَعْوَى النِّتَاجِ بِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فِيهَا، فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ، وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْفِعْلَ على ذِي الْيَد حَيْثُ تَكُونُ بَيِّنَتُهُ أَرْجَحَ وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لاثباتها مَا هُوَ غير ثَابت أصلا.
اهـ مُلَخصا ويؤيدها مَا نذكرهُ قَرِيبا إِن
شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد قَول المُصَنّف قضى بهَا لذِي الْيَد وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الْأُمِّ كَمَا مَرَّ، وَمَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ إعْتَاقًا على النِّتَاج كَمَا مر وَيَأْتِي.
فروع فِي الْبَحْر: شَاتَان فِي يَد رجل إِحْدَاهمَا بَيْضَاء والاخرى سَوْدَاء فادعاهما رجل وَأقَام الْبَيِّنَة أَنَّهُمَا لَهُ وَأَن هَذِه الْبَيْضَاء ولدت هَذِه السَّوْدَاء فِي ملكه وَأقَام ذُو الْيَد الْبَيِّنَة أَنَّهُمَا لَهُ وَأَن هَذِه السَّوْدَاء ولدت هَذِه الْبَيْضَاء فِي ملكه فَإِنَّهُ يقْضِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالشَّاة الَّتِي ذكرت شُهُوده أَنَّهَا ولدت فِي ملكه: أَي فَيَقْضِي للاول بِالسَّوْدَاءِ وَللثَّانِي بالبيضاء.
قَالَ فِي التاترخانية: هَكَذَا ذكر مُحَمَّد، وَهَذَا إِذا كَانَ سنّ الشاتين مُشكلا، فَإِن كَانَت وَاحِدَة مِنْهُمَا تصلح أما للاخرى والاخرى لَا تصلح أما لهَذِهِ كَانَت عَلامَة الصدْق ظَاهِرَة فِي شَهَادَة شُهُود أَحدهمَا فَيَقْضِي بِشَهَادَة شُهُوده.(8/153)
وَعَن أبي يُوسُف فِيمَا إِذا كَانَ سنّ الشاتين مُشكلا: إِنِّي لَا أقبل بينتهما وأقضي بِالشَّاة لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالشَّاة فِي يَده، وَهَذَا قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق.
وَلَو أَقَامَ الَّذِي فِي يَده الْبَيْضَاء أَن الْبَيْضَاء شاتي ولدت فِي ملكي والسوداء الَّتِي فِي يَد صَاحِبي شاتي ولدت من هَذِه الْبَيْضَاء وَأقَام الَّذِي السَّوْدَاء فِي يَده أَن السَّوْدَاء ولدت فِي ملكي والبيضاء الَّتِي فِي يَد صَاحِبي ملكي ولدت من هَذِه السَّوْدَاء فَإِنَّهُ يقْضِي لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَا فِي يَده اهـ.
وَإِن كَانَ فِي يَد رجل حمام أَو دَجَاج أَو طير مِمَّا يفرخ أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه لَهُ فرخ فِي ملكه وَأقَام صَاحب الْيَد الْبَيِّنَة على مثل ذَلِك: قضى بِهِ لصَاحب الْيَد.
وَلَو ادّعى لَبَنًا فِي يَد رجل أَنه لَهُ ضربه فِي ملكه وَبرهن ذُو الْيَد: يقْضِي بِهِ للْخَارِج، وَلَو كَانَ مَكَان اللَّبن آجر أَو جص أَو نورة: يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد، وغزل الْقطن لَا يتَكَرَّر فَيَقْضِي بِهِ لذِي الْيَد، بِخِلَاف غزل الصُّوف وورق الشّجر وثمرته بِمَنْزِلَة النِّتَاج، بِخِلَاف غُصْن الشَّجَرَة وَالْحِنْطَة لابد من الشَّهَادَة بِالْملكِ مَعَ السَّبَب الَّذِي لَا يتَكَرَّر كالنتاج.
لَو برهن الْخَارِج على أَن الْبَيْضَة الَّتِي تفلقت عَن هَذِه الدَّجَاجَة كَانَت لَهُ لم يقْض لَهُ بالدجاجة
وَيَقْضِي على صَاحب الدَّجَاجَة ببيضة مثلهَا لصَاحِبهَا، لَان ملك الْبَيْضَة لَيْسَ لملك الدَّجَاجَة، فَإِن من غصب بَيْضَة وحضنها تَحت دجَاجَة لَهُ كَانَ الفرخ للْغَاصِب وَعَلِيهِ مثلهَا، بِخِلَاف الامة فَإِن وَلَدهَا لصَاحب الام، وَجلد الشَّاة يقْضِي بِهِ لصَاحب الْيَد والجبة المحشوة والفرو وكل مَا يقطع من الثِّيَاب والبسط والانماط وَالثَّوْب الْمَصْبُوغ بعصفر أَو زعفران يقْضِي بهَا للْخَارِج اهـ.
قَوْله: (أَو كَانَ سَببا يتَكَرَّر) عطف على ادّعى: يَعْنِي أَن ذَا الْيَد أَحَق فِي كل حَال إِلَّا فِي حَال مَا إِذا ادّعى غصبا أَو كَانَ سَببا يتَكَرَّر فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج بِمَنْزِلَة الْملك الْمُطلق
قَوْله: (كبناء) أَي كَمَا إِذا ادّعى ذُو الْيَد أَن هَذَا الْآجر ملكي بنيت بِهِ حائطي وَادّعى الْخَارِج كَذَلِك يقدم الْخَارِج لانه يُمكن تكرره.
قَوْله: (وغرس) قَالَ الْحَمَوِيّ: وَالْحِنْطَة مِمَّا يتَكَرَّر، فَإِن الانسان قد يزرع فِي الارض ثمَّ يغربل التُّرَاب فيميز الْحِنْطَة مِنْهَا ثمَّ يزرع ثَانِيَة، فَإِذا ادّعى كل أَنَّهَا حنطته زَرعهَا وَأَقَامَا برهانا فَإِنَّهُ يقدم الْخَارِج، وَالنَّخْل يغْرس غير مرّة فَإِذا تنَازعا فِي أَرض ونخيل: أَي كل يَدعِي غرسه وبرهنا فَإِنَّهُ يقْضِي للْخَارِج بهما، وَكَذَا الارض المزروعة: يَعْنِي أَنَّهَا أرضه زَرعهَا كل يَدعِي ذَلِك، أما إِذا كَانَ الزَّرْع مِمَّا يتَكَرَّر فَظَاهر وَإِلَّا كَانَ تبعا للارض كَمَا فِي الْخُلَاصَة.
وَالْحَاصِل: أَن المنظور إِلَيْهِ فِي كَونه يتَكَرَّر أَولا يتَكَرَّر هُوَ الاصل لَا التبع كَمَا فِي الْبَحْر
قَوْله: (ونسج خَز) الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ، ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ من وبره خَزًّا.
قيل هُوَ نسج إِذا بلَى يغزل مرّة ثَانِيَة ثمَّ ينسج.
عزمي.
قَوْله: (أَو أشكل على أهل الْخِبْرَة) قَالَ فِي الْبَحْر ونصل السَّيْف يسْأَل عَنهُ، فَإِن أخبروا أَنه لَا يضْرب إِلَّا مرّة كَانَ لذِي الْيَد وَإِلَّا للْخَارِج: أَي فَإِذا ادّعى خَارج وَذُو يَد أَن هَذَا النصل لَهُ ضربه بِيَدِهِ وَأَقَامَا برهانا فَهُوَ على هَذَا اهـ.
قَالَ أَبُو السُّعُود: فَإِن أشكل على أهل الْخِبْرَة قضى بِهِ للْخَارِج وَالْوَاحد مِنْهُم يَكْفِي والاثنان أحوط.
عزمي وزيلعي.
وَذكر فِي غَايَة الْبَيَان أَنه إِذا أشكل على أهل الْخِبْرَة اخْتلفت الرِّوَايَة، فَفِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان: يقْضِي لذِي الْيَد.
وَفِي رِوَايَة أبي حَفْص: يقْضِي للْخَارِج اهـ.
قَوْله: (لانه الاصل) أَي كَون الْمُدَّعِي(8/154)
للْخَارِج المبرهن لَان الْقَضَاء بِبَيِّنَة هُوَ الاصل، فَإِذا لم يعلم يرجع إِلَى الاصل.
قَوْله: (وَإِنَّمَا عدلنا عَنهُ
بِحَدِيث النِّتَاج) سبق مَا فِيهِ قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: النِّتَاج بِالْكَسْرِ مصدر، يُقَال نتجت النَّاقة بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نتاجا: ولدت قَالَ شيخ الاسلام زَكَرِيَّا: النِّتَاج بِكَسْر النُّون من تَسْمِيَة الْمَفْعُول بِالْمَصْدَرِ، يُقَال نتجت النَّاقة بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول نتاجا: ولدت اهـ.
وَقَالَ ابْن الملقن فِي ضبط كَلَام الْمِنْهَاج النِّتَاج بِفَتْح النُّون، وَرَأَيْت بِخَط المُصَنّف فِي الاصل بِكَسْرِهَا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع اهـ.
قَالَ الهيتمي: ضَبطه المُصَنّف: يَعْنِي النَّوَوِيّ بِكَسْر النُّون، وَضَبطه الاستاذ بِالْفَتْح اهـ.
تَتِمَّة: الْمقْضِي عَلَيْهِ فِي حَادِثَة لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده إِلَّا إِذا برهن على إبِْطَال الْقَضَاء أَو على تلقي الْملك من الْمقْضِي لَهُ أَو على النِّتَاج كَمَا فِي الْعمادِيَّة وَالْبَزَّازِيَّة.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر أَن مَا فِي خزانَة الاكمل هُوَ الرَّاجِح كَمَا يشْهد لَهُ الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فِي الْعمادِيَّة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا، فازدد نقلا فِي الْمَسْأَلَة إِن شِئْت، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ فِي دفع الدَّعْوَى.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْآخَرِ) أَيْ مِنْ خَصْمِهِ الْآخَرِ.
قَوْله: (بِلَا وَقت) قيد بِهِ لانهما لَو أرخا يقْضِي بِهِ لصَاحب الْوَقْت الاخير، كَذَا فِي خزانَة الاكمل.
قَوْله: (وَتُرِكَ الْمَالُ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ مَنْ مَعَه) أَي لَا على وَجه الْقَضَاء بل عملا بالاصل، لانه لما تهاترت الْبَيِّنَتَانِ رَجَعَ إِلَى الاصل، وَهُوَ أَن وضع الْيَد من أَسبَاب الْملك.
قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج) أَي لامكان الْعَمَل بالبينتين وَبِأَن يَجْعَل ذُو الْيَد كَأَنَّهُ اشْترى من الآخر وَقبض ض ثمَّ بَاعَ، لَان الْقَبْض دَلِيل الشِّرَاء فَيُؤْمَر بِالدفع إِلَيْهِ لَان تمكنه من الْقَبْض دَلِيل السَّبق.
وَلَا يعكس الامر لَان البيع قبل الْقَبْض لَا يجوز وَإِن كَانَ فِي الْعقار عِنْده، وَهَذَا فِيمَا إِذا كَانَت فِي يَد أَحدهمَا كَمَا يظْهر من تَقْرِير كَلَامه.
وَجه قَوْلهمَا كَمَا فِي الْبَحْر أَن الاقدام على الشِّرَاء إِقْرَار مِنْهُ بِالْملكِ للْبَائِع فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ.
وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بالاجماع.
كَذَا هُنَا.
ولان السَّبَب يُرَاد لحكمه وَهُوَ الْملك وَلَا يُمكن الْقَضَاء لذِي الْيَد إِلَّا بِملك مُسْتَحقّ فَبَقيَ الْقَضَاء بِمُجَرَّد السَّبَب وَأَنه لَا يفِيدهُ، ثمَّ لَو شهِدت الْبَيِّنَتَانِ على نقد الثّمن فالالف بالالف قصاص عِنْدهمَا إِذا اسْتَويَا لوُجُود قبض الْمَضْمُون من كل جَانب، وَإِن لم يشْهدُوا على نَقده الثّمن فالقصاص مَذْهَب مُحَمَّد للْوُجُوب عِنْده.
قَوْله: (قُلْنَا الاقدام) أَي من الْخَارِج على الشِّرَاء الَّذِي ادَّعَاهُ والاقدام من ذِي الْيَد على الشِّرَاء الَّذِي ادَّعَاهُ.
قَوْله: (إِقْرَار مِنْهُ) أَي من القادم بِالْملكِ لَهُ للْآخر فَصَارَت بَيِّنَة كل وَاحِد مِنْهُمَا كَأَنَّهَا قَامَت على إِقْرَار الآخر، وَفِيه التهاتر بالاجماع لتعذر الْجمع.
قَوْله:
(وَلَو أثبتا قبضا تهاترتا اتِّفَاقًا) لَان الْجمع غير مُمكن عِنْد مُحَمَّد لجَوَاز كل وَاحِد من البيعين، بِخِلَاف الاول، وَهَذَا فِي غير الْعقار، أما فِي الْعقار: فَإِن وقتت الْبَيِّنَتَانِ وَلم يثبتا قبضا، فَإِن كَانَ وَقت الْخَارِج أسبق: يقْضِي لصَاحب الْيَد عِنْدهمَا فَيجْعَل كَأَن الْخَارِج اشْترى أَولا ثمَّ بَاعَ قبل الْقَبْض من صَاحب الْيَد وَهُوَ جَائِز فِي الْعقار عِنْدهمَا.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي للْخَارِج لانه لَا يَصح بَيْعه قبل الْقَبْض فَبَقيَ على ملكه، وَإِن أثبتا قبضا: يقْضِي بهَا لصَاحب الْيَد بالاجماع، وَإِن كَانَ وَقت صَاحب الْيَد أسبق: يقْضِي بهَا للْخَارِج سَوَاء شهدُوا بِالْقَبْضِ أَو لم يشْهدُوا كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْهِدَايَة.
وَفِيه وَفِي الْمَبْسُوط مَا يُخَالِفهُ كَمَا علم من الْكَافِي اه.(8/155)
أَقُول: ثمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة مَا يكون تأييدا لكَلَام الْهِدَايَة، حَيْثُ قَالَ: وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بالبينتين: يَعْنِي إِن ذكرُوا الْقَبْض الخ.
تَأمل.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا عَن الْكَافِي: دَار فِي يَد زيد برهن عَمْرو على أَنه بَاعهَا من بكر بِأَلف وَبرهن بكر على أَنه بَاعهَا من عَمْرو بِمِائَة دِينَار وَجحد زيد ذَلِك كُله قضى بِالدَّار بَين المدعيين وَلَا يقْضِي بشئ من الثمنين لانه تعذر الْقَضَاء بِالْبيعِ لجَهَالَة التَّارِيخ وَلم يتَعَذَّر الْقَضَاء بِالْملكِ.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بهَا بَينهمَا.
وَلكُل وَاحِد نصف الثّمن على صَاحبه، لانه لم يسلم لكل وَاحِد إِلَّا نصف الْمَبِيع.
وَلَو ادَّعَت امْرَأَة شِرَاء الدَّار من عَمْرو بِأَلف وَعَمْرو ادّعى أَنه اشْتَرَاهَا مِنْهَا بِأَلف وَزيد وَهُوَ ذُو الْيَد يَدعِي أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا من عَمْرو بِأَلف وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة: قضى لذِي الْيَد لتعارض بينتي غَيره فَبَقيت بَينته بِلَا معَارض.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بِالدَّار لذِي الْيَد بِأَلف عَلَيْهِ للْخَارِج وَيَقْضِي لَهَا على الْخَارِج بِأَلف، لَان ذَا الْيَد وَالْمَرْأَة ادّعَيَا التلقي من الْخَارِج فَيجْعَل كَأَنَّهَا فِي يَده اهـ.
مطلب: برهن كل على إِقْرَار الآخر أَنَّهَا لَهُ تهاترا وَأَشَارَ الْمُؤلف إِلَى أَنه لَو برهن كل على إِقْرَار الآخر أَن هَذَا الشئ لَهُ فَإِنَّهُمَا يتهاتران وَيبقى فِي يَد ذِي الْيَد.
كَذَا فِي الخزانة.
قَوْله: (وَلَا ترجح) يحْتَمل أَن يقْرَأ الْفِعْل بالتذكير أَو التَّأْنِيث، فعلى الاولى يعود الضَّمِير الْمُسْتَتر على الحكم، وعَلى الثَّانِي يعود على الدَّعْوَى.
إِلَى هَذَا أَشَارَ الْعَيْنِيّ.
قَوْله:
(فَإِن التَّرْجِيح عندنَا) أَي وَعند الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَبَعض الْمَالِكِيَّة يرجحون بِكَثْرَة الْعدَد.
قَوْله: (بِقُوَّة الدَّلِيل) بِأَن يكون أَحدهمَا متواترا وَالْآخر من الْآحَاد أَو كَانَ أَحدهمَا مُفَسرًا وَالْآخر مُجملا، فيرجح الْمُفَسّر على الْمُجْمل والتواتر على الْآحَاد لقُوَّة فِيهِ، وَكَذَا لَا يرجح أحد القياسين وَلَا الحَدِيث بِحَدِيث آخر، وَشَهَادَة كل شَاهِدين عِلّة تَامَّة فَلَا تصليح للترجيح كَمَا فِي الْبَحْر.
وَسَيَأْتِي قَرِيبا تَمَامه.
قَوْله: (لَا بكثرته) وَلذَا لَا ترجح الْآيَة بِآيَة أُخْرَى وَلَا الْخَبَر بالْخبر وَلَا أحد القياسين بِقِيَاس آخر.
قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: لَان التَّرْجِيح يكون بِقُوَّة الْعلَّة لَا بِكَثْرَة فِي الْعِلَل، وَلذَلِك قُلْنَا: إِن الْخَبَرَيْنِ إِذا تَعَارضا لَا يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر بِخَبَر آخر بل بِمَا بِهِ يتَأَكَّد معنى الْحجَّة فِيهِ، وَهُوَ الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) حَتَّى يتَرَجَّح الْمَشْهُور بِكَثْرَة رُوَاته على الشاذ لظُهُور زِيَادَة الْقُوَّة فِيهِ من حَيْثُ الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) ، ويترجح بِفقه الرَّاوِي وَحسن ضَبطه وإتقانه لانه يتقوى بِهِ معنى الِاتِّصَال برَسُول الله (ص) على الْوَجْه الَّذِي وصل إِلَيْنَا بِالنَّقْلِ، وَكَذَلِكَ الْآيَتَانِ إِذا وَقعت الْمُعَارضَة بَينهمَا لَا تترجح إِحْدَاهمَا بِآيَة أُخْرَى، بل بِقُوَّة فِي معنى الْحجَّة وَهُوَ أَنه نَص مُفَسّر وَالْآخر مؤول، وَكَذَلِكَ لَا يتَرَجَّح أحد الْخَبَرَيْنِ بِالْقِيَاسِ، فَعرفنَا أَن مَا يَقع بِهِ التَّرْجِيح هُوَ مَا لَا يصلح عِلّة للْحكم ابْتِدَاء بل مَا يكون مقويا لما بِهِ صَارَت الْعلَّة مُوجبَة للْحكم اهـ.
قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم: قَوْله فلَان التَّرْجِيح لَا يَقع بِكَثْرَة الْعِلَل بل التَّرْجِيح يَقع بِقُوَّة الْعلَّة وَلذَلِك ترجح شَهَادَة الْعدْل على شَهَادَة المستور، كَمَا يرجح كَون أحد الْخَبَرَيْنِ أَو الْآيَتَيْنِ مُفَسرًا أَو محكما على الآخر اهـ.
قَوْله: (فهما سَوَاء فِي ذَلِك) أَي فِي الاقامة الْمَأْخُوذَة من أَقَامَ: أَي فِي حكمهَا.(8/156)
قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ فَإِنَّهُ يُفِيد حِينَئِذٍ الْعِلْمَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْجَانِبِ الْآخَرِ اهـ.
أَقُولُ: ظَاهِرُ مَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَنَا أَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَالتَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّتِهَا، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُتَوَاتِرًا وَالْآخَرُ آحَادًا أَوْ يكون أَحدهمَا مُفَسرًا وَالْآخر مُجملا فيرجح الْمُفَسّر على الْمُجْمل والمتواتر على الْآحَاد اهـ.
بيري.
وَفِي شرح الْمُفْتِي أَن عدد الشُّهُود إِذا بلغ حد التَّوَاتُر يَنْبَغِي أَن يرجح على من لم يبلغهُ قِيَاسا على الْخَبَر من أَنه يرجح كَون أحد الْخَبَرَيْنِ إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا وَلم أظفر على الرِّوَايَة اهـ، أَقُول: قد ذكر فِي التَّحْرِير وَشَرحه مَا حَاصله: فرق بَين الشَّهَادَة وَالْخَبَر، لَان السّمع ورد فِي الشَّهَادَة على خلاف الْقيَاس بِأَن يكون نصابها اثْنَيْنِ فَلَا يكون لكثرتهم قُوَّة زَائِدَة تمنع مَا اعْتَبرهُ السّمع فِي الطّرف الآخر، بِخِلَاف الرِّوَايَة فِي الْخَبَر فَإِن الحكم فِيهِ نيط بِرِوَايَة كل من الرَّاوِي، فَلَا شكّ أَن كثرتهم تزيد الظَّن وَالْقُوَّة وَفِيه فَافْتَرقَا على أَن مَا ورد فِيهِ النَّص لَا يؤثره الْقيَاس.
تدبر.
قَوْله: (لَان الْمُعْتَبر أصل الْعَدَالَة) بل الْمُعْتَبر فِيهِ الْولَايَة بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّاس فِيهِ سَوَاء وَالْعَدَالَة شرطت لظُهُور أثر الصدْق حَتَّى وَجب على القَاضِي الْقَضَاء وَلذَلِك لم يلْتَفت إِلَى زِيَادَة قُوَّة فِي الْعَدَالَة، وَبَاقِي التَّفْصِيل فِي شرح الْمُفْتِي الشَّارِح الْهِنْدِيّ.
قَوْله: (وَلَا حد للاعدلية) أَي فَلَا يَقع التَّرْجِيح بهَا لاحْتِمَال أَن يجد الآخر مَا هُوَ أعدل فَلَا يسْتَقرّ الحكم على حَالَة.
قَوْلُهُ: (بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ) اعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحمَه الله تَعَالَى اعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَ الْمُنَازَعَةِ، وَهُوَ أَنَّ النِّصْفَ سَالِمٌ لِمُدَّعِي الْكُلِّ بِلَا مُنَازَعَةٍ، بَقِي النّصْف الآخر وَفِيه منازعتهما على السوَاء فينصف، فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الرُّبْعُ، وَهُمَا اعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَذَا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كُلًّا وَنِصْفًا، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ، فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ هَذَا هُوَ الْعَوْلُ.
وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْرِبُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، فَصَاحِبُ الْكُلِّ لَهُ ثُلُثَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيُضْرَبُ الثُّلُثَانِ فِي الدَّارِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ لَهُ ثُلُثٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيُضْرَبُ الثُّلُثُ فِي الدَّارِ فَحَصَلَ ثُلُثُ الدَّارِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْكُسُورِ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ إذَا ضُرِبَ الثُّلُثُ فِي السِّتَّةِ مَعْنَاهُ ثلث السِّتَّة وَهُوَ اثْنَان.
منح.
قَالَ فِي الْهِدَايَة: إِن لهَذِهِ الْمَسْأَلَة نَظَائِر وأضدادا لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر، وَقد ذَكرنَاهَا فِي الزِّيَادَات اهـ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَن شرح الزِّيَادَات لقاضيخان.
قَوْله: (بطرِيق الْعَوْل) هُوَ فِي اللُّغَة الزِّيَادَة والارتفاع.
وَعند أهل الْحساب أَن يُزَاد على الْمخْرج من أخواته إِذا ضَاقَ عَن فرض ذِي السهْم.
قَوْله: (فَالْمَسْأَلَة من اثْنَيْنِ) لوُجُود كسر مخرجه ذَلِك وَهُوَ النّصْف.
قَوْله: (وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ) فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النّصْف سهم فَيقسم أَثلَاثًا بَينهمَا.
والاصل أَنه إِذا(8/157)
وَقعت الدَّعْوَى فِي شئ معِين كَانَت الْقِسْمَة بطرِيق الْمُنَازعَة، وَمَتى كَانَت الدَّعْوَى فِي جُزْء غير معِين وَكَانَ باسم السهْم والنصيب كَانَت الْقِسْمَة بطرِيق الْعَوْل، فَالْوَجْه لَهما أَن الدَّعْوَى وَقعت فِي جُزْء غير معِين وَهُوَ النّصْف فَيقسم على طَرِيق الْعَوْل كَمَا فِي الْمَوَارِيث.
وَله أَن الدَّعْوَى وَقعت فِي الْعين وَإِن كَانَت باسم النّصْف شَائِعا، لَكِن الدَّعْوَى لَا تصح إِلَّا بالاضافة والاشارة إِلَى مَحل معِين كَأَن يَقُول نصف هَذِه الدَّار، فَإِذا صحت الدَّعْوَى على تعْيين الْمحل الَّذِي وَقعت الدَّعْوَى فِيهِ أَخذ حكم دَعْوَى شئ معِين، وَالْعين قطّ لَا تعول فَيقسم على طَرِيق الْمُنَازعَة، بِخِلَاف الْمَوَارِيث والديون لَان المنازع فِيهِ ابْتِدَاء هُوَ الدُّيُون فِي ذمَّة الْمَيِّت دون الْعين، وَكَذَا الْمَوَارِيث أنصباء غير مُعينَة بل هِيَ شائعة فِي التَّرِكَة.
كَذَا فِي الْكَافِي شرح الْمَنْظُومَة.
قَوْله: (مِيرَاث) يَعْنِي إِذا اجْتمعت سِهَام الْفَرَائِض فِي التَّرِكَة وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَن الْوَفَاء بهَا تقسم على طَرِيق الْعَوْل، فَإِن مَاتَت وَتركت زوجا وأختا شَقِيقَة وأختا لَام فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة وتعول إِلَى سَبْعَة.
قَوْله: (وديون) بِأَن كَانَ عَلَيْهِ مِائَتَان وَترك مائَة فيعطي لكل ذِي مائَة خَمْسُونَ، فَلَو كَانَ لاحدهما مائَة وَللْآخر خَمْسُونَ قسمت الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم اثْنَان لصَاحب الْمِائَة وَوَاحِد لصَاحب الْخمسين.
قَوْله: (وَوَصِيَّة) أَي بِمَا دون الثُّلُث كَمَا قَيده الزَّيْلَعِيّ إِذا اجْتمعت وزادت على الثُّلُث، كَمَا لَو أوصِي لرجل بسدس مَاله وَلآخر بِثُلثِهِ وَلم تجز الْوَرَثَة يقسم الثُّلُث بطرِيق الْعَوْل فَيجْعَل الثُّلُث ثَلَاثَة أسْهم سهم لصَاحب السُّدس وسهمان لصَاحب الثُّلُث.
قَوْله: (ومحاباة) أَي الْوَصِيَّة بالمحاباة، بِأَن أوصى بِأَن يُبَاع عبد يُسَاوِي مائَة بِخَمْسِينَ وَعبد يُسَاوِي مِائَتَيْنِ بِمِائَة وَلم يتْرك غَيرهمَا وَلم تجز الْوَرَثَة كَانَ ثلث المَال مائَة والمحاباة مائَة وَخمسين فتجعل الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان للمحابي بِمِائَة وَسَهْم للمحابي بِخَمْسِينَ.
قَوْله: (ودراهم مُرْسلَة) أَي مُطلقَة غير مُقَيّدَة بِثلث أَو نصف أَو نَحْوهمَا: كَمَا إِذا أوصى لرجل بِمِائَة وَلآخر بمائتين وَلم يتْرك إِلَّا ثلثمِائة فَكَانَ ثلث المَال مائَة وَلم تجز الْوَرَثَة تقسم الْمِائَة ثَلَاثَة أسْهم سهم لصَاحب الْمِائَة وسهمان لصَاحب الْمِائَتَيْنِ.
قَوْله: (وسعاية) بِأَن أوصى بِعِتْق عَبْدَيْنِ أَو أعتقهما فِي مرض مَوته وَلم يتْرك غَيرهمَا وَلم تجز الْوَرَثَة يسْعَى كل بِثُلثي قِيمَته، فَلَو أعتق وَاحِدًا وَنصف الآخر أَو أوصى بعتقهما كَذَلِك وقيمتهما سَوَاء وَكَانَ ذَلِك جَمِيع التَّرِكَة
وَلم تجز الْوَرَثَة وَقِيمَة العَبْد مائَة وَقِيمَة نصف العَبْد خَمْسُونَ وَثلث وَالْمَال خَمْسُونَ يَجْعَل الْخَمْسُونَ ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان للْعَبد وَيسْعَى فِي بَاقِي قِيمَته وَسَهْم لنصف العَبْد وَيسْعَى فِي الْبَاقِي.
قَوْله: (وَجِنَايَة رَقِيق) أَدخل فِي هَذِه صُورَتَيْنِ، جِنَايَة العَبْد الرَّقِيق غير الْمُدبر وَالْمُدبر.
وَصُورَة الاولى: عَبْدٌ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَإِنَّهُ يدْفع لَهما بطرِيق الْعَوْل، فأولياء الْمَقْتُول يريدونه كُله وَصَاحب الْعين يُرِيد نصفه وَالْكل نِصْفَانِ مَعَ نصف صَاحب الْعين فَيجْعَل ثَلَاثَة أسْهم سَهْمَان لوَلِيّ الْمَقْتُول وَسَهْم للمقلوع عينه.
وَصُورَة الثَّانِيَة: جِنَايَة الْمُدبر إِذا جنى على هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُ يدْفع السَّيِّد قِيمَته ثلثاها لوَلِيّ الْمَقْتُول وثلثها لصَاحب الْعين، وَكَأَنَّهَا سَقَطت من الْكَاتِب فَإِنَّهَا لم تُوجد فِي نسخ الدّرّ.
وَبَقِي من الصُّور الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ وَبهَا تتمّ الثمان.
قَوْله: (وَهِي مَسْأَلَة الفضوليين) بِأَن بَاعَ فُضُولِيّ عبد إِنْسَان بِمِائَة وفضولي آخر نصف ذَلِك العَبْد بِخَمْسِينَ وَأَجَازَ الْمَالِك البيعين كَانَ لصَاحب الْكل ثَلَاثَة أَربَاع العَبْد أَو(8/158)
ترك وَصَاحب النّصْف ربعه أَو ترك بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْدهم جَمِيعًا.
قَوْله: (وَإِذا أوصى لرجل بِكُل مَاله) أَي وَلآخر بِنصفِهِ وأجازت الْوَرَثَة ذَلِك، فَعِنْدَ أبي حنيفَة: صَاحب النّصْف لَا يُنَازع صَاحب الْكل فِي أحد النصفين فَيسلم لَهُ ويتنازعان فِي النّصْف الثَّانِي فيقتسمانه.
وَعِنْدَهُمَا: للْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ نِصْفَانِ وللموصى لَهُ بِالنِّصْفِ وَاحِد، فَيجْعَل المَال ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَان للْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ، وَسَهْم للْمُوصى لَهُ بِالنِّصْفِ، وَكَذَا الْمُوصى لَهُ بِالْعَبدِ: ثَلَاثَة أَرْبَاعه عِنْده، وللموصى لَهُ بِالنِّصْفِ ربعه.
وَعِنْدَهُمَا: يَجْعَل ثَلَاثَة أسْهم.
قَوْله: (وَهُوَ خمس) الاولى: عبد مَأْذُون بَين رجلَيْنِ أدانه أحد الموليين مائَة: يَعْنِي بَاعه شَيْئا نَسِيئَة بِمِائَة وأدانه أَجْنَبِي مائَة فَبيع العَبْد بِمِائَة: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم ثمن العَبْد بَين الْمولى الدَّائِن وَبَين الاجنبي أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ للاجنبي وَثلثه للْمولى، لَان إدانته تصح فِي نصيب شَرِيكه لَا فِي نصِيبه.
الثَّانِيَة: إِذا أدانه أَجْنَبِي مائَة وأجنبي آخر خمسين وَبيع العَبْد: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم الثّمن بَينهمَا أَثلَاثًا وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا.
الثَّالِثَة: عبد قتل رجلا خطأ وَآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا: يُخَيّر مولى العَبْد بَين
الدّفع وَالْفِدَاء، فَإِن فدى الْمولى يفْدي بِخَمْسَة عشر ألفا خَمْسَة آلَاف لِشَرِيك الْعَافِي وَعشرَة آلَاف لوَلِيّ الْخَطَأ، فَإِن دَفعه يقسم العَبْد بَينهمَا أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا.
الرَّابِعَة: لَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَدفع الْمولى الْقيمَة.
الْخَامِسَة: أم ولد قتلت مَوْلَاهَا وأجنبيا عمدا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا وليان فَعَفَا أحد ولي كل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّعَاقُب سعت فِي ثَلَاثَة أَربَاع قيمتهَا وَكَانَ للساكت من ولي الاجنبي ربع الْقيمَة، وَيقسم نصف الْقيمَة بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا بطرِيق الْمُنَازعَة.
كَذَا فِي الْبَحْر.
وَالَّذِي فِي التَّبْيِين: فَيعْطى الرّبع لِشَرِيك الْعَافِي آخرا وَالنّصف الآخر بَينه وَبَين شريك الْعَافِي أَولا أَثلَاثًا: ثُلُثَاهُ لِشَرِيك الْعَافِي أَولا، وَالثلث لِشَرِيك الْعَافِي آخرا عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا.
مطلب: جنس مسَائِل الْقِسْمَة أَرْبَعَة
قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَحْر) نَقله عَن شرح الزِّيَادَات لقاضيخان حَيْثُ قَالَ: وجنس مسَائِل الْقِسْمَة أَرْبَعَة: مِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل وَالْمُضَاربَة عِنْد الْكل.
وَمِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْدهم.
وَمِنْهَا مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: بطرِيق الْعَوْل وَالْمُضَاربَة.
ومنهما مَا يقسم على عكس ذَلِك.
مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْدهم ثَمَانِيَة أما مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْدهم فثمانية.
إِحْدَاهَا: الْمِيرَاث إِذا اجْتمعت سِهَام الْفَرَائِض فِي التَّرِكَة وَضَاقَتْ التركت عَن الْوَفَاء بهَا تقسم التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون بطرِيق الْعَوْل.
وَالثَّانيَِة: إِذا اجْتمعت الدُّيُون المتفاوتة وَضَاقَتْ التَّرِكَة عَن الْوَفَاء بهَا: تقسم التَّرِكَة بَين أَرْبَاب الدُّيُون بطرِيق الْعَوْل.(8/159)
وَالثَّالِثَة: إِذا أوصى لرجل بِثلث مَاله وَلآخر بربعه وَلآخر بسدس مَاله وَلم يجز الْوَرَثَة حَتَّى عَادَتْ الْوَصَايَا إِلَى الثُّلُث: يقسم الثُّلُث بَينهم على طَرِيق الْعَوْل.
وَالرَّابِعَة: الْوَصِيَّةُ بِالْمُحَابَاةِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ هَذَا الرجل بألفي دِرْهَم وَأوصى لآخر بِأَن يُبَاعَ الْعَبْدُ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ حَتَّى حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لَهُمَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَ الثُّلُث بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل.
وَالْخَامِسَة: الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ نِصْفُهُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ هَذَا الآخر ثلثه وَذَاكَ لَا يخرج من الثُّلُث: يُقْسَمُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، وَيَسْقُطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْ السِّعَايَةِ.
وَالسَّادِسَة: الْوَصِيَّة بِأَلف مُرْسلَة: إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفٍ وَلِآخَرَ بِأَلْفَيْنِ كَانَ الثُّلُث بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل.
وَالسَّابِعَة: عَبْدٌ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَدفع بهَا: يُقْسَمُ الْجَانِي بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ، ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْقَتِيل، وَثلثه للْآخر.
وَالثَّامِنَة: مُدَبَّرٌ جَنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَدُفِعَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْل.
مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة مَسْأَلَة وَاحِدَة وَأما مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة فَمَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ: فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَم وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ آخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَأَجَازَ الْمَوْلَى البيعين جَمِيعًا: خير المشتريان، فَإِن اختارا الاخذ أخذا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِمُشْتَرِي الْكُلِّ وَرُبْعُهُ لمشتري النّصْف عِنْدهم جَمِيعًا.
مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْده وبطريق الْعَوْل عِنْدهمَا ثَلَاث مسَائِل وَأما مَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا بطرِيق الْعَوْل فَثَلَاث مسَائِل.
إِحْدَاهَا: دَار تنَازع فِيهَا رجلَانِ أَحدهمَا يَدعِي كلهَا وَالْآخر يَدعِي نصفهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَة: عِنْد أبي حنيفَة: تقسم الدَّار بَينهمَا بطرِيق الْمُنَازعَة، ثَلَاثَة أرباعها لمُدعِي الْكل وَالرّبع لمُدعِي النّصْف.
وَعِنْدَهُمَا: أَثلَاثًا، ثلثاها لمُدعِي الْكل وثلثها لمُدعِي النّصْف.
وَالثَّانيَِة: إِذا أوصى بِجَمِيعِ مَاله لرجل وَنصفه لآخر وأجازت الْوَرَثَة: عِنْد أبي حنيفَة المَال بَينهمَا
أَربَاعًا، وَعِنْدَهُمَا أَثلَاثًا.
وَالثَّالِثَة: إِذا أوصى بِعَبْد بِعَيْنِه لرجل وبنصفه لآخر وَهُوَ يخرج من ثلثه أَو لَا يخرج وأجازت الْوَرَثَة كَانَ العَبْد بَينهمَا أَربَاعًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا: أَثلَاثًا.
مطلب: مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْده وبطريق الْمُنَازعَة عِنْدهمَا خمس مسَائِل وَأما مَا يقسم بطرِيق الْعَوْل عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا بطرِيق الْمُنَازعَة فَخمس مسَائِل.
مِنْهَا: مَا ذكره فِي الْمَأْذُون: عبد مَأْذُون بَين رجلَيْنِ أدانه أحد الموليين مائَة: يَعْنِي بَاعه شَيْئا بنسيئة وأدانه أَجْنَبِي مائَة فَبيع العَبْد بِمِائَة: عِنْد أبي حنيفَة: يقسم ثمن العَبْد بَين الْمولى الْمَدِين وَبَين الاجنبي أَثلَاثًا ثُلُثَاهُ للاجنبي وَثلثه للمولي، لَان إدانته تصح فِي نصيب شَرِيكه لَا فِي نصِيبه.(8/160)
وَالثَّانيَِة: إِذا أدانه أَجْنَبِي مائَة وأجنبي آخر خمسين وَبيع العَبْد: عِنْد أبي حنيفَة يقسم الثّمن بَينهمَا أَثلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا أَربَاعًا.
وَالثَّالِثَة: عبد قتل رجلا خطأ وَآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا: يُخَيّر مولى العَبْد بَين الدّفع وَالْفِدَاء، فَإِن هَذَا الْمولى يفْدي بِخَمْسَة عشر ألفا خَمْسَة آلَاف لشَرِيكه الْعَافِي وَعشرَة آلَاف لوَلِيّ الْخَطَأ، فَإِن دفع يقسم العَبْد بَينهمَا أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا.
وَالرَّابِعَة: لَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا وَدفع الْمولى الْقيمَة.
وَالْخَامِسَة: مَسْأَلَة الْكتاب أم ولد قتلت مَوْلَاهَا وأجنبيا عمدا وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا وليان فَعَفَا أحد وليي كل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّعَاقُب سعت فِي ثَلَاثَة أَربَاع قيمتهَا: كَانَ للساكت من ولي الاجنبي ربع الْقيمَة، وَيقسم نصف الْقيمَة بَينهمَا بطرِيق الْعَوْل أَثلَاثًا عِنْد أبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا: أَربَاعًا بطرِيق الْمُنَازعَة.
والاصل لابي يُوسُف وَمُحَمّد أَن الْحَقَّيْنِ مَتى ثبتا على الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد كَانَت الْقِسْمَة عولية، وَإِن ثبتا على وَجه التَّمْيِيز أَو فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين كَانَت الْقِسْمَة نزاعية، وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْقيَاس يَأْبَى الْقِسْمَة بطرِيق الْعَوْل، لَان تَفْسِير الْعَوْل أَن يضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقه أَحدهمَا بِنصْف
المَال وَالْآخر بِالْكُلِّ، وَالْمَال الْوَاحِد لَا يكون لَهُ كل وَنصف آخر، وَلِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: من شَاءَ باهلته، إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل فِي المَال الْوَاحِد ثلثين وَنصفا وَلَا نِصْفَيْنِ وَثلثا، وَإِنَّمَا تركنَا الْقيَاس فِي الْمِيرَاث بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَيلْحق بِهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي الْمِيرَاث حُقُوق الْكل ثبتَتْ على وَجه الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ حَالَة الْمَوْت، وَفِي التَّرِكَة إِذا اجْتمعت حُقُوق مُتَفَاوِتَة حق أَرْبَاب الدُّيُون وَثَبت فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ حَالَة الْمَوْت أَو الْمَرَض فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَلِكَ فِي الْوَصَايَا وَفِي العَبْد وَالْمُدبر إِذا فَقَأَ عين إِنْسَان وَقتل آخر خطأ حق أَصْحَاب الْجِنَايَة ثَبت فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ وَقت دفع العَبْد الْجَانِي أَو قيمَة الْمُدبر لَان مُوجب جِنَايَة الْخَطَأ لَا يملك قبل الدّفع، وَلِهَذَا لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة قبل الْقَبْض وَلَا تصح بِهِ الْكفَالَة.
وَإِنَّمَا يملك التَّسْلِيم وَوقت الدّفع وَاحِد.
وَفِي مَسْأَلَة دَعْوَى الدَّار الْحق إِنَّمَا يثبت بِالْقضَاءِ وَوقت الْقَضَاء وَاحِد فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَفِي مَسْأَلَة بيع الْفُضُولِيّ وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، لَان الْملك ثَبت عِنْد الاجارة مُسْتَندا إِلَى قوت العقد وَوقت العقد مُخْتَلف.
وَفِي الْقسم الرَّابِع وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، أما فِي مَسْأَلَة الادانة فلَان الْحق ثَبت بالادانة وَوقت الادانة مُخْتَلف.
وَفِي العَبْد إِذا قتل رجلا عمدا وَآخر خطأ وللمقتول عمدا وليان فَعَفَا أَحدهمَا وَاخْتَارَ الْمولى دفع العَبْد أَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فَدفع الْمولى الْقيمَة عِنْدهمَا يقسم بطرِيق الْمُنَازعَة، لَان وَقت ثُبُوت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلف، لَان حق السَّاكِت من ولي الدَّم كَانَ فِي الْقصاص لَان مثل وَالْمَال بدل عَن الْقصاص وَوُجُوب الْبَدَل مُضَاف إِلَى سَبَب الاصل وَهُوَ الْقَتْل، فَكَانَ وَقت ثُبُوت حَقه الْقَتْل وَحقّ ولي الْخَطَأ فِي الْقيمَة، إِذْ العَبْد الْمَدْفُوع يثبت عِنْد الدّفع لَا قبله، لانه صلَة معنى والصلات لَا تملك قبل الْقَبْض، فَكَانَ وَقت الْحَقَّيْنِ مُخْتَلفا فَلم يكن فِي معنى الْمِيرَاث وَكَانَت القسمتين نزاعية.
وَفِي جِنَايَة أم الْوَلَد وجوب الدِّيَة للَّذي لم يعف مُضَاف إِلَى الْقَتْل لما قُلْنَا والقتلان وجدا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين فَكَانَت الْقِسْمَة نزاعية عِنْدهمَا.(8/161)
والاصل لابي حنيفَة أَن قسْمَة الْعين مَتى كَانَت بِحَق ثَابت فِي الذِّمَّة أَو بِحَق ثَبت فِي الْعين
على وَجه الشُّيُوع فِي الْبَعْض دون الْكل كَانَت الْقِسْمَة عولية، وَمَتى وَجب قسْمَة الْعين بِحَق ثَبت على وَجه التَّمْيِيز أَو كَانَ حق أَحدهمَا فِي الْبَعْض الشَّائِع وَحقّ الآخر فِي الْكل كَانَت الْقِسْمَة نزاعية.
وَالْمعْنَى فِيهِ أَن الْحُقُوق مَتى وَجَبت فِي الذِّمَّة فقد اسْتَوَت فِي الْقُوَّة، لَان الذِّمَّة متسعة فَيضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقه فِي الْعين وَكَذَا إِذا كَانَ حق كل وَاحِد فِي الْعين، لَكِن فِي الْجُزْء الشَّائِع فقد اسْتَوَت فِي الْقُوَّة، لَان مَا من جُزْء ثَبت فِيهِ حق أَحدهمَا إِلَّا وَللْآخر أَن يزاحمه فَكَانَت الْحُقُوق مستوية فِي الْقُوَّة.
والاصل فِي قسْمَة الْعَوْل الْمِيرَاث كَمَا قَالَا، وثمة حق كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَبت فِي الْبَعْض الشَّائِع.
وَإِذا ثَبت الحقان على وَجه التَّمْيِيز لم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَا إِذا كَانَ حق أَحدهمَا فِي الْبَعْض الشَّائِع وَحقّ الآخر فِي الْكل لم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، لَان صَاحب الْكل يزاحم صَاحب الْبَعْض فِي كل شئ، أما صَاحب الْبَعْض فَلَا يزاحم صَاحب الْكل فَلم يكن فِي معنى الْمِيرَاث، ولان حق كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا كَانَ فِي الْبَعْض الشَّائِع وَمَا يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحكم الْقِسْمَة غير مُقَرر وَأَنه غير الشَّائِع كَانَ الْمَأْخُوذ بدل حَقه لَا أصل حَقه، فَيكون فِي معنى الْمِيرَاث والتركة الَّتِي اجْتمعت فِيهَا الدُّيُون.
وَفِي مسَائِل الْقِسْمَة إِنَّمَا وَجَبت بِحَق ثَابت فِي الذِّمَّة، لَان حق كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مُوجب الجباية، وَمُوجب الْجِنَايَة يكون فِي الذِّمَّة فَكَانَت الْقِسْمَة فِيهَا عولية، فعلى هَذَا تخرج الْمسَائِل.
هَذَا إِذا لم يكن لَهَا ولد من الْمولى، فَإِن كَانَ لَهَا ولد من الْمولى يَرِثهُ فَلَا قصاص عَلَيْهَا بِدَم الْمولى، لَان الْوَلَد لَا يسْتَوْجب الْقصاص على وَالِديهِ، وَلِهَذَا لَو قتلت الْمَرْأَة وَلَدهَا لَا يجب عَلَيْهَا الْقصاص لَان الوالدة سَبَب لوُجُوده فَلَا يسْتَحق قَتلهَا، وَلِهَذَا لَا يُبَاح لَهُ قتل وَاحِد من أَبَوَيْهِ وَإِن كَانَ حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا أَو زَانيا مُحصنا.
فَإِذا سقط حق وَلَدهَا سقط حق الْبَاقِي وانقلب الْكل مَالا، لَان الْقصاص تعذر اسْتِيفَاؤهُ لَا لِمَعْنى من جِهَة الْقَاتِل بل حكما من جِهَة الشَّرْع فَانْقَلَبَ الْكل مَالا، بِخِلَاف مَا تقدم، لَان ثمَّة الْعَافِي أسقط حق نَفسه فَلَا يَنْقَلِب نصِيبه مَالا.
فَإِن قيل: إِذا لم تكن هَذِه الْجِنَايَة مُوجبَة للْقصَاص عَلَيْهَا بِدَم الْمولى يَنْبَغِي أَن تكون هدرا كَمَا لَو قتلته خطأ.
قُلْنَا: الْجِنَايَة وَقعت مُوجبَة للْقصَاص، لانه يجب للمقتول وَالْمولى يسْتَوْجب الْقصاص على مَمْلُوكه، وَإِنَّمَا سقط الْقصاص ضَرُورَة الِانْتِقَال إِلَى الْوَارِث وَهِي حرَّة وَقت الِانْتِقَال فتنقلب مَالا
وتلزمها الْقيمَة دون الدِّيَة اعْتِبَارا بِحَالَة الْقَتْل.
هَذَا كمن قتل رجلا عمدا وَابْن الْقَاتِل وَارِث الْمَقْتُول كَانَ لِابْنِ الْمَقْتُول الدِّيَة على وَالِده الْقَاتِل كَذَلِك هُنَا، ولورثة الاجنبي الْقصاص كَمَا كَانَ، لَان حَقّهمَا يمتاز عَن حق وَرَثَة الْمولى فَكَانَ لَهما الْقصاص: وَإِن شاءا أخرا حَتَّى يُؤَدِّي الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى، وَإِن شاءا عجلا الْقَتْل، لانهما لَو أخرا إِلَى أَن يُؤَدِّي السّعَايَة رُبمَا لَا يُؤَدِّي مَخَافَة الْقَتْل فَيبْطل حَقّهمَا فَكَانَ لَهما التَّعْجِيل، فَإِن عَفا أحد وليي الاجنبي وَجب للساكت مِنْهُمَا نصف الْقيمَة أَيْضا، وجنايات أم الْوَلَد وَإِن كثرت لَا توجب إِلَّا قيمَة وَاحِدَة فَصَارَت الْقيمَة مُشْتَركَة بَين وَرَثَة الْمولى ووارث الاجنبي.
ثمَّ عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تقسم قيمتهَا بَينهمَا أَثلَاثًا، وَعِنْدَهُمَا أَربَاعًا لما ذكرنَا، فَإِن كَانَت سعت فِي قيمتهَا لوَرَثَة الْمولى ثمَّ عَفا أحد وليي الاجنبي: إِن دفعت الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى بِقَضَاء القَاضِي لَا سَبِيل لوَارث الاجنبي عَلَيْهَا لَان الْوَاجِب عَلَيْهَا قيمَة وَاحِدَة وَقد أدَّت بِقَضَاء القَاضِي(8/162)
فتفرغ ذمَّتهَا وَيتبع وَارِث الاجنبي وَرَثَة الْمولى ويشاركهم فِي تِلْكَ الْقيمَة لانهم أخذُوا قيمَة مُشْتَركَة، وَإِن دفعت بِغَيْر قَضَاء عِنْدهمَا كَذَلِك.
وَعند أبي حنيفَة.
وَارِث الاجنبي بِالْخِيَارِ: إِن شَاءَ يرجع على وَرَثَة الْمولى، وَإِن شَاءَ يرجع على أم الْوَلَد.
لَهما: أَنَّهُمَا فعلت عين مَا يَفْعَله القَاضِي لَو رفع الامر إِلَيْهِ فيستوي فِيهِ الْقَضَاء وَعَدَمه كالرجوع فِي الْهِبَة لما كَانَ فسخا بِقَضَاء لَو حصل بتراضيهما يكون فسخا.
ولابي حنيفَة أَن مُوجب الْجِنَايَة فِي الذِّمَّة، فَإِذا أدَّت فقد نقلت من الذِّمَّة إِلَى الْعين فَيظْهر أثر الِانْتِقَال فِي حق الْكل إِن كَانَ بِقَضَاء، وَلَا يظْهر إِذا كَانَ بِغَيْر قَضَاء فَكَانَ لَهُ الْخِيَار: إِن شَاءَ رَضِي بدفعها وَيتبع وَرَثَة الْمولى، وَإِن شَاءَ لم يرض وَيرجع عَلَيْهَا بِحقِّهِ، وَهُوَ ثلث الْقيمَة عِنْد أبي حنيفَة، وَترجع هِيَ على وَرَثَة الْمولى.
هَذَا إِذا دفعت الْقيمَة إِلَى وَرَثَة الْمولى ثمَّ عَفا ولي الاجنبي، فَإِن عَفا أحد وليي الاجنبي ثمَّ دفعت الْقيمَة قَالَ بَعضهم: إِن كَانَ الدّفع بِغَيْر قضاءء يتَخَيَّر ان وإرث الاجنبي عِنْدهم، وَإِن كَانَ بِقَضَاء عِنْد أبي حنيفَة يتَخَيَّر.
وَعِنْدَهُمَا لَا يتَخَيَّر.
وَالصَّحِيح أَن هُنَا يتَخَيَّر عِنْد الْكل سَوَاء كَانَ
الدّفع بِقَضَاء أَو بِغَيْر قَضَاء، لَان قَضَاء القَاضِي بِدفع الْكل إِلَى وَرَثَة الموى بعد تعلق حق الاجنبي وثبوته لَا يَصح، بِخِلَاف الْوَصِيّ إِذا قضى دين أحد الغريمين بِأَمْر القَاضِي حَيْثُ لَا يضمن لَان للْقَاضِي أَن يضع مَال الْمَيِّت حَيْثُ شَاءَ، أما هُنَا فبخلافه، وَإِذا لم يَصح قَضَاء القَاضِي فلَان لَا يَصح فعلهَا بِغَيْر قَضَاء أولى.
قَوْله: (والاصل عِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة أَن الْقِسْمَة: أَي قسْمَة الْعين.
قَوْله: (فِي عين أَو ذمَّة) أَي بِحَق ثَابت فِي ذمَّة الاولى زِيَادَة فِي الْبَعْض، بِأَن يَقُول أَو لاحدهما فِي الْبَعْض شَائِعا: أَي أَو وَجَبت الْقِسْمَة لاحدهما الخ، أَو أَن يَقُول فِي ذمَّة أَو عين شَائِعا لانه لَا يعقل التَّبْعِيض فِي الذِّمَّة.
والاولى أَن يَقُول شَائِعا فِي الْبَعْض دون الْكل.
وَعبارَة الْبَحْر: والاصل لابي حنيفَة أَن قسْمَة الْعين مَتى كَانَت بِحَق ثَابت الخ كَمَا قدمناها قَرِيبا.
قَوْله: (شَائِعا) أَي على وَجه الشُّيُوع فِي بعض دون الْكل.
قَوْله: (فعولية) أَي كَانَت الْقِسْمَة عولية.
قَوْله: (أَو مُمَيّزا) أَي وَمَتى وَجب قسْمَة الْعين بِحَق ثَابت على وَجه التَّمْيِيز دون الشُّيُوع.
قَوْله: (أَو لاحدهما) أَي كَانَ حق لاحدهما فِي الْبَعْض شَائِعا.
قَوْله: (وَللْآخر فِي الْكل) أَي وَحقّ الآخر فِي الْكل.
قَوْله: (فمنازعة) أَي كَانَت الْقِسْمَة نزاعية، وَقدمنَا الْحَاصِل على قَول الامام فَلَا تنسه.
قَوْله: (وَإِلَّا) أَي بِأَن ثبتا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين أَو على وَجه التَّمْيِيز فمنازعة، فحقوق الْكل فِي الْمِيرَاث ثبتَتْ على وَجه الشُّيُوع فِي وَقت وَاحِد وَهُوَ وَقت الْمَوْت فتقسم بطرِيق الْعَوْل، وَكَذَا التَّرِكَة إِذا اجْتمعت فِيهَا دُيُون مُتَفَاوِتَة فَإِن حَقهم يثبت فِي وَقت وَاحِد، وَهُوَ حَالَة الْمَوْت أَو الْمَرَض فَكَانَت فِي معنى الْمِيرَاث، وَكَذَلِكَ الْوَصَايَا، وَفِي العَبْد وَالْمُدبر إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر فَلَا تنسه.
قَوْله: (فَهِيَ للثَّانِي) وَهُوَ مدعي الْكل.
قَوْله: (نصف لَا بِالْقضَاءِ) لَان دَعْوَى مدعي النّصْف منصرفة إِلَى مَا بِيَدِهِ لتَكون يَده محقة فَسلم النّصْف لمُدعِي الْجَمِيع بِلَا مُنَازعَة، فَيبقى مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء إِذْ لَا قَضَاء بِدُونِ الدَّعْوَى، وَاجْتمعَ بَيِّنَة الْخَارِج وَذي الْيَد فِيمَا فِي يَد صَاحب النّصْف فَتقدم بَيِّنَة الْخَارِج، وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي المقولة الثَّانِيَة موضحا.
قَوْله: (وَنصف بِهِ) لانه خَارج: يَعْنِي دَعْوَى مدعي النّصْف منصرفة إِلَى مَا بِيَدِهِ، لتَكون يَده محقة لَا يَدعِي(8/163)
شَيْئا مِمَّا فِي يَد صَاحبه فَسلم النّصْف لمُدعِي الْجَمِيع بِلَا مُنَازعَة، فَيبقى مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء إِذْ
لَا قَضَاء بِدُونِ الدَّعْوَى.
وَأما مدعي الْكل فَإِنَّهُ يَدعِي مَا فِي يَد نَفسه وَمَا فِي يَد الآخر وَلَا ينازعه أحد فِيمَا فِي يَده فَيتْرك مَا فِي يَده لَا على وَجه الْقَضَاء، وَقد اجْتمعت بَيِّنَة الْخَارِج وَذي الْيَد فِيمَا فِي يَد صَاحب النّصْف فَكَانَت بَينته أولى فَتقدم لانه خَارج فِيهِ فَيَقْضِي لَهُ فِي ذَلِك النّصْف، فَسلم لَهُ كل الدَّار نصفهَا بِالتّرْكِ لاعلى وَجه الْقَضَاء وَالنّصف الآخر بِالْقضَاءِ كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.
قَوْله: (وَآخر ثلثهَا) الاولى ثلثيها كَمَا سيتضح فِي المقولة الْآتِيَة.
قَوْله: (وَبَيَانه فِي الْكَافِي) هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الْمجمع وَشَرحه لِابْنِ ملك حَيْثُ قَالَ: وَلَو ادّعى أحد ثَلَاثَة فِي يدهم دَار كلهَا وَالْآخر ثلثيها وَالْآخر نصفهَا وَبرهن كل على مَا ادَّعَاهُ، فلنفرض اسْم مدعي الْكل كَامِلا ومدعي الثُّلثَيْنِ ليثا ومدعي النّصْف نصرا، فَهِيَ مقسومة بَينهم.
عِنْد أبي حنيفَة بالمنازعة من أَرْبَعَة وَعشْرين لكامل خَمْسَة عشر وَهِي خَمْسَة أَثمَان الدَّار وربعها لليث وَثمنهَا لنصر.
بَيَانه أَنا نجْعَل الدَّار سِتَّة لاحتياجنا إِلَى النّصْف والثلثين، وَأَقل مخرجهما سِتَّة فِي يَد كل مِنْهُم سَهْمَان، وَمَعْلُوم أَن بَيِّنَة كل مِنْهُم على مَا فِي يَده غير مَقْبُولَة لكَونه ذَا يَد وَإِن بَيِّنَة الْخَارِج أولى فِي الْملك الْمُطلق، فَاجْتمع كَامِل وَلَيْث على مَا فِي يَد نصر فكامل يَدعِي كُله وَلَيْث نصفه وَذَلِكَ لانه يَقُول حَقي فِي الثُّلثَيْنِ ثلث فِي يَدي وَبَقِي لي ثلث آخر نصفه فِي يَد كَامِل وَنصفه فِي يَد نصر فَسلم لكامل نصف مَا فِي يَده وَهُوَ سهم بِلَا نزاع وَالنّصف الآخر وَهُوَ سهم بَينهمَا نِصْفَانِ فَيضْرب مخرج النّصْف وَهُوَ اثْنَان فِي سِتَّة فَصَارَت اثْنَي عشر، ثمَّ كَامِل وَنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد لَيْث وَهُوَ أَرْبَعَة فكامل يَدعِي كُله وَنصر ربعه، لانه يَقُول حَقي فِي النّصْف سِتَّة وَقد أَخذ الثُّلُث أَرْبَعَة وَبَقِي لي سدس من الدَّار وَهُوَ سَهْمَان سهم فِي يَد اللَّيْث وَسَهْم فِي يَد كَامِل وَثَلَاثَة من الاربعة سلمت لكامل وتنازعا فِي سهم، فَيضْرب مخرج النّصْف فِي اثْنَي عشر فَصَارَت الدَّار أَرْبَعَة وَعشْرين فِي يَد كل مِنْهُم ثَمَانِيَة.
اجْتمع كَامِل وَلَيْث على الثَّمَانِية الَّتِي فِي يَد نصر فَأَرْبَعَة سلمت لكامل بِلَا نزاع لَان ليثا يَدعِي الثُّلثَيْنِ وَهُوَ سِتَّة عشر ثَمَانِيَة مِنْهَا فِي يَده وَأَرْبَعَة فِي يَد نصر وَأَرْبَعَة فِي يَد كَامِل والاربعة بَين كَامِل وَلَيْث نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُنَازعَة فَحصل لكامل سِتَّة ولليث سَهْمَان، ثمَّ اجْتمع كَامِل وَنصر على مَا فِي يَد لَيْث فنصر يَدعِي ربع مَا فِي يَده وَهُوَ سَهْمَان فَسلمت سِتَّة لكامل واستوت منازعتهما فِي سَهْمَيْنِ
فَصَارَ لكل وَاحِد مِنْهُم سهم فَحصل لكامل سَبْعَة ولنصر سهم، ثمَّ اجْتمع لَيْث وَنصر على مَا فِي يَد كَامِل فليث يَدعِي نصف مَا فِي يَده أَرْبَعَة وَنصر يَدعِي ربع مَا فِي يَده سَهْمَيْنِ وَفِي المَال سَعَة فَيَأْخُذ لَيْث أَرْبَعَة وَنصر سَهْمَيْنِ فَيبقى مَا فِي يَد كَامِل سَهْمَان فَحصل لكامل مِمَّا فِي يَد نصر سِتَّة وَمِمَّا فِي يَد لَيْث سَبْعَة وَمِمَّا فِي يَده سَهْمَان فجميعه خَمْسَة عشر، وَللثَّانِي سِتَّة وَهِي ربع الدَّار، لانه حصل لَهُ مِمَّا فِي يَد نصر سَهْمَان وَمِمَّا فِي يَد كَامِل أَرْبَعَة فَذَاك سِتَّة، وللثالث وَهُوَ نصر ثَلَاثَة وَهِي ثمن الدَّار، لانه حصل لَهُ مِمَّا فِي يَد لَيْث سهم وَمِمَّا فِي يَد كَامِل سَهْمَان وَذَا ثَلَاثَة.
وبالاختصار، تكون الْمَسْأَلَة من ثَمَانِيَة: خَمْسَة أثمانها لكامل وربعها سَهْمَان لليث وَثمنهَا وَاحِد لنصر، وَهَذَا قَول الامام وَقَالا: بالعول تقسم.
وَبَيَانه أَن الدَّار بَينهم أَثلَاثًا الْكَامِل وَاللَّيْث اجْتمعَا على مَا فِي يَد نصر فكامل يَدعِي كُله وَلَيْث(8/164)
نصفه فنأخذ أقل عدد لَهُ نصف وَهُوَ اثْنَان فَيضْرب الْكَامِل بكله سَهْمَيْنِ وَلَيْث بِنصفِهِ سَهْما فعالت إِلَى ثَلَاثَة، ثمَّ الْكَامِل والنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد لَيْث والكامل يَدعِي كُله وَنصر ربعه ومخرج الرّبع أَرْبَعَة فَيضْرب بربعه سهم وكامل بكله أَرْبَعَة فعالت إِلَى خَمْسَة، ثمَّ لَيْث وَنصر اجْتمعَا على مَا فِي يَد كَامِل فليث يَدعِي نصف مَا فِي يَده وَنصر يَدعِي ربعه وَالنّصف وَالرّبع يخرجَانِ من أَرْبَعَة فَنَجْعَل مَا فِي يَده أَرْبَعَة لَان فِي المَال سَعَة فنصفه سَهْمَان لليث وربعه سهم لنصر وَبَقِي ربع لكامل فَحصل هُنَا ثَلَاثَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعَة وانكسر حِسَاب الدَّار على هَذَا وَهِي متباينة فضربنا الثَّلَاثَة فِي الاربعة فَصَارَت اثْنَي عشر ضربناها فِي خَمْسَة صَارَت سِتِّينَ ضربناها فِي أصل الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة بلغت مائَة وَثَمَانِينَ فِي يَد كل وَاحِد سِتُّونَ فلكامل مائَة وَثَلَاثَة، لَان ربع مَا فِي يَده وَهُوَ الْخَمْسَة عشر سلم لَهُ وَأخذ من نصر ثُلثي مَا فِي يَده وَهُوَ أَرْبَعُونَ وَمن لَيْث أَرْبَعَة أخماسه وَهِي ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ فَصَارَ الْمَجْمُوع مائَة وَثَلَاثَة ولليث خَمْسُونَ لَان ليثا أَخذ نصف مَا فِي يَد كَامِل وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَثلث فِي يَد نضر وَهُوَ عشرُون وللثالث وَهُوَ نصر سَبْعَة وَعِشْرُونَ لانه أَخذ خمس مَا فِي يَد لَيْث، وَهُوَ اثْنَا عشر وَربع مَا فِي يَد كَامِل وَهُوَ خَمْسَة اهـ.
حَلَبِيّ بِتَصَرُّف.
وَهَذَا كُله اعْتِبَار وَتَقْدِير ط وَذكره فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَرْهَنَا
الخ) يُتَصَوَّرُ هَذَا بِأَنْ رَأَى الشَّاهِدَانِ أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَآخَرَانِ رَأَيَا أَنَّهُ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِ أُنْثَى فِي مِلْكٍ آخَرَ فَتَحِلُّ الشَّهَادَةُ لِلْفَرِيقَيْنِ.
بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَة.
وقدمناه وَقدمنَا عَنهُ أَيْضا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالتَّارِيخِ مَعَ النِّتَاجِ إلَّا مِنْ أَرَّخَ تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا إلَخْ، فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (تَارِيخه) أَي تَارِيخ الْبَيِّنَة، وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير بِتَأْوِيل الْبُرْهَان.
حموي.
قَوْله: (بِشَهَادَة الظَّاهِر) لَان عَلامَة الصدْق ظَهرت فِيمَن وَافق تَارِيخه سنّهَا فترجحت بِبَيِّنَتِهِ بذلك، وَفِي الاخرى ظَهرت عَلامَة الْكَذِب فَيجب ردهَا منح.
وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن تكون الدَّابَّة فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد أَحدهمَا أَو فِي يَد ثَالِث، لَان الْمَعْنى لَا يخْتَلف.
بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت الدَّعْوَى فِي النِّتَاج من غير تَارِيخ حَيْثُ يحكم بهَا لذِي الْيَد كَمَا صرح بِهِ المُصَنّف إِن كَانَت بيد أَحدهمَا أَو لَهما إِن كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا أَو فِي يَد ثَالِث.
زَيْلَعِيّ.
قَوْله: (قضى بهَا لذِي الْيَد) لَان ذَا الْيَد مقدم على الْخَارِج فِي دَعْوَى النِّتَاج.
قَالَ فِي الاشباه هَكَذَا أطلق أَصْحَاب الْمُتُون.
قلت: إِلَّا مَسْأَلَتَيْنِ: الاولى لَو كَانَ النزاع فِي عبد فَقَالَ الْخَارِج إِنَّه ولد فِي ملكي وَأعْتقهُ وَبرهن وَقَالَ ذُو الْيَد ولد فِي ملكي فَقَط قدم على ذِي الْيَد أَي لَان بَينته أَكثر إِثْبَاتًا، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ الْخَارِج كاتبته أَو دَبرته فَإِنَّهُ لَا يقدم، لَكِن فِي الاشباه أَيْضا الشَّهَادَة بحريّة العَبْد بِدُونِ دَعْوَاهُ لَا تقبل عِنْد الامام إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، إِلَى أَن قَالَ: وَالصَّحِيح عِنْده اشْتِرَاط دَعْوَاهُ فِي الْعَارِضَة والاصلية، وَلَا تسمع دعو الاعتاق من غير العَبْد إِلَّا فِي مَسْأَلَة الخ.
وَفِي فتاوي الحانوتي جَوَابا عَن سُؤال: حَيْثُ اعْترف العَبْد بالعبودية لسَيِّده بانقياده للْبيع يكون عبدا لَهُ وَسَوَاء كَانَ هُنَاكَ بَيِّنَة أم لَا، وَلَا عِبْرَة بقول المنازع إِنَّه حر الاصل مَعَ عدم دَعْوَى العَبْد لذَلِك، لَان حريَّة العَبْد لَا تثبت إِلَّا بعد دَعْوَاهُ، وَلَا تجوز فِيهَا دَعْوَى الْحِسْبَة، بِخِلَاف الامة لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج إِلَى آخر مَا قَالَ.
الثَّانِيَة: لَو قَالَ الْخَارِج ولد فِي ملكي من أمتِي هَذِه وَهُوَ ابْني قدم على ذِي الْيَد اهـ.
وَقدمنَا أَنه إِنَّمَا يقْضِي بالنتاج لذِي الْيَد فِيمَا إِذا ادّعى كل مِنْهُمَا النِّتَاج فَقَط، أما لَو ادّعى الْفِعْلَ عَلَى ذِي(8/165)
الْيَدِ كَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِهَا الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ كَمَا فِي
الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَنَقَلَهُ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَرْجَحُ، لِمَا فِي الْخُلَاصَة من كِتَابِ الْوَلَاءِ لِخُوَاهَرْ زَادَهُ أَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا ادَّعَى النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ذُو الْيَدِ أَوْ أَوْدَعَهُ لَهُ أَوْ أَعَارَهُ مِنْهُ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا تَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى فِعْلًا كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا لانها تثبت الْفِعْل عَلَيْهِ اهـ.
وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عِنْد قَول الشَّارِح فِي رِوَايَة.
قَالَ ط: وَالظَّاهِر أَن حكم موافقتهما لسنها أَنه يحكم بهَا لذِي الْيَد.
قَوْله: (وَلَهُمَا أَن فِي أَيْدِيهِمَا) لَان أَحدهمَا لَيْسَ أولى من الآخر.
قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما بِأَن خَالف أَو أشكل) أَي فَلَو خَالف السن تاريخهما كَانَ كَمَا لَو لم يؤرخا، وَكَذَا إِذا أشكل وَقد تقدم أَنه يحكم لذِي الْيَد.
قَوْله: (فَلَهُمَا إِن الخ) لعدم تَرْجِيح أَحدهمَا.
قَوْله: (قضى بهَا لَهُ) لانه لما أشكل أَي أَو خَالف سقط التاريخان فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لم يؤرخا.
قَوْله: (هُوَ الاصح) مُقَابِله مَا فِي الْهِدَايَة، إِذا خَالف سنّهَا الْوَقْتَيْنِ بطلت الْبَيِّنَتَانِ لظُهُور كذب الْفَرِيقَيْنِ فَتتْرك فِي يَد من كَانَت فِي يَده.
ب
قَوْله: (وَهَذَا أولى مِمَّا وَقع فِي الْكَنْز) أَي مَا ذكر المُصَنّف.
ب
قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) لعمومه أولى مِمَّا فِي الْكَنْز وَمَا عطف عَلَيْهِ من تَعْبِيره ب
قَوْله: (وَإِن أشكل) .
أَقُول: قد ذكره المُصَنّف فِي شرح الْمنح تبعا للبحر حَيْثُ قَالَ: وَإِن لم يوافقهما يَشْمَل مَا إِذا أشكل سنّهَا بِأَن لم يعلم وَمَا إِذا خَالف سنّهَا تاريخهما فَإِنَّهَا تكون لَهما على الاصح.
قَالَ الرَّمْلِيّ: الاولى من هَذَا التَّعْبِير وَإِن خالفها أَو أشكل فَلَهُمَا.
على أَن لنا أَن لَا نسلم عدم شُمُول مَا فِي الْكَنْز وشمول مَا عبر بِهِ، إِذْ الاشكال الالتباس.
وَفِي الصُّورَتَيْنِ التباس الامر على الْحَاكِم وَعدم موافقتهما غير عدم الْعلم أصلا لانه للْعلم بالمخالفة كَمَا قَرَّرَهُ الشُّرَّاح فَكيف يدْخل فِيهِ عدم الْعلم بشئ لانه مَعَ عدم الْعلم يحْتَمل الْمُوَافقَة والمخالفة.
والصور ثَلَاثَة: إِمَّا عدم الْعلم الْمُوَافقَة لَهما وَهُوَ الْمُخَالفَة، بِأَن تحقق مُخَالفَته للتاريخين، وَإِمَّا الْمُوَافقَة لاحدهما فَقَط والمخالفة للْآخر، وَأما عدم معرفَة شئ وَهِي لَا تدخل فِي صور الْمُخَالفَة الَّتِي هِيَ عدم الْمُوَافقَة فَلم يشملها.
قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) على أَن الظَّاهِر أَن اختبار صَاحب الْكَنْز فِي صُورَة
الْمُخَالفَة بطلَان الْبَيِّنَتَيْنِ وَالتّرْك فِي يَد ذِي الْيَد كَمَا أفْصح عَنهُ فِي الْكَافِي، فَخص صُورَة الاشكال ليحترز بِهِ عَن صُورَة الْمُخَالفَة، فَتنبه لكَلَام هَذَا الْعَالم النحرير يظْهر لَك مِنْهُ حسن التَّعْبِير اهـ.
ثمَّ الظَّاهِر أَن مُرَاد صَاحب الْبَحْر والمنح من.
قَوْله: (وَإِن لم يوافقهما) أَي لم تظهر مُوَافقَة السن للتاريخين فَشَمَلَ الصُّورَتَيْنِ لكنه تَأْوِيل، فَلِذَا قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: الاولى من هَذَا التَّعْبِير وَلم يقل الصَّوَاب.
تَأمل.
قَوْله: (فِي الْكَنْز والدرر والملتقي) حَيْثُ ث قَالَ: وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ لم يوافقهما أَعم من قَول الْكَنْز، كَذَا قَوْلُ الْكَنْزِ فَلَهُمَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يكن فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.
وَعِبَارَةُ الْمُلْتَقَى وَالْغُرَرِ: وَإِنْ أَشْكَلَ فَلَهُمَا، وَإِنْ خَالَفَهُمَا بَطَلَ.
قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: فَيُقْضَى لِذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ كَذَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي.(8/166)
قُلْت: لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ كَالْمُشْكِلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْوِيرِ وَالدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا.
فَلْيُحْفَظْ اهـ.
قُلْت: نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ.
وَقَالَ: وَمُحَصِّلُهُ اخْتِلَافُ التَّصْحِيح اهـ.
قَالَ الْمولى عبد الْحَلِيم، بل اللَّائِق على المُصَنّف أَن يَقُول هَكَذَا: وَإِن أشكل أَو خَالف الْوَقْتَيْنِ فَلَهُمَا إِن لم يكن فِي يَد أَحدهمَا فَقَط، وَإِلَّا فَلَا.
وَاعْلَم أَن سنّ الدَّابَّة لَو خَالف الْوَقْتَيْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَة يقْضِي لَهما، وَفِي رِوَايَة تبطل الْبَيِّنَتَانِ، صرح بِهِ الامام قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ من غير تَرْجِيح إِحْدَاهمَا على الاخرى، وبطلانهما رِوَايَة أبي اللَّيْث الْخَوَارِزْمِيّ.
وَاخْتَارَهُ الْحَاكِم الشَّهِيد حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح، وَتَبعهُ صَاحب الْهِدَايَة وَمن تَابعه، وَالْقَضَاء بَينهمَا ظَاهر الرِّوَايَة.
اخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوط حَيْثُ قَالَ وَهُوَ الاصح، وَتَبعهُ الزَّيْلَعِيّ وَمن تَابعه.
وَقد اخْتلف التَّصْحِيح والرجحان لظَاهِر الرِّوَايَة وَقد سبق غير مرّة.
هَذَا زبدة مَا فِي الشُّرُوح والفتاوي، فَظهر أَن المُصَنّف اخْتَار مَا هُوَ الارجح اهـ.
قَوْله: (برهن أحد الخارجين) على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَهُوَ زيد.
قَوْلُهُ: (مِنْ زَيْدٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ عَلَى الْغَصْبِ مِنْ يَدِهِ أَيْ مِنْ يَدِ أَحَدِ الْخَارِجِينَ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمِنَحُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ وَالْآخَرُ بالوديعة اسْتَوَتْ دَعْوَاهُمَا حَتَّى يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ
غَصْبًا بِالْجُحُودِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مَدَنِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ عَلَى الْغَصْبِ النَّاشِئِ مِنْ زَيْدٍ فَزَيْدٌ هُوَ الْغَاصِبُ، فَمِنْ لَيْسَتْ صِلَةَ الْغَصْبِ بَلْ ابْتِدَائِيَّةٌ.
تَأَمَّلْ.
قَوْله: (وَالْآخر) أَي برهن الآخر.
قَوْله: (على الْوَدِيعَة مِنْهُ) أَي قَالَ الآخر هُوَ مَالِي أودعته من زيد وَزيد يُنكر ذَلِك.
قَوْله: (اسْتَويَا) أَي الخارجان فِي الدَّعْوَى، لانه لَو كَانَ كَمَا يَدعِي الثَّانِي وَدِيعَة من زيد صَارَت غصبا حَيْثُ جَحدهَا الْمُودع، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِح لانها أَي الْوَدِيعَة بالجحد تصير غصبا حَتَّى يجب عَلَيْهِ الضَّمَان، وَلَا يسْقط بِالرُّجُوعِ إِلَى الْوِفَاق بالاقرار حَتَّى يرد إِلَى صَاحبه، بِخِلَاف مَا إِذا خَالف بِالْفِعْلِ بِلَا جحود ثمَّ عَاد إِلَى الْوِفَاق كَمَا فِي الْحَمَوِيّ، فَمن فِي.
قَوْله: (من زيد) للابتداء وَفِي
قَوْله: (مِنْهُ) صلَة الْوَدِيعَة لانها تتعدى بِمن، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهَا فِي الاول لَان الْغَصْب محلى بأل فِي عبارَة المُصَنّف فَلم يُمكنهُ إِضَافَته إِلَى زيد، وَحِينَئِذٍ فَمَا نَقله بعض الافاضل عَن عزمي زَاده من أَن هَذَا التَّصْوِير سَهْو، والاولى إِسْقَاطه فِيهِ مَا فِيهِ فَرَاجعه.
قَوْله: (النَّاس أَحْرَار) لَان الدَّار دَار الْحُرِّيَّة أَو لانهم أَوْلَاد آدم وحواء عَلَيْهِمَا السَّلَام وَقد كَانَا حُرَّيْنِ.
قَوْله: (الشَّهَادَة) أَي فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِظَاهِر الْحُرِّيَّة بل يسْأَل عَنهُ إِذا طعن الْخصم بِالرّقِّ، أما إِذا لم يطعن فَلَا يسْأَل كَمَا فِي التَّبْيِين، لَان الْحُرِّيَّة تثبت بطرِيق الظُّهُور وَالظَّاهِر يصلح للدَّفْع لَا للاستحقاق، فَلَا يسْتَحق الْمُدَّعِي إِلْزَام الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات حريَّة شُهُوده، وَكَذَا لَا يسْتَحق الشَّاهِد اسْتِحْقَاق الْولَايَة على الْمَشْهُود عَلَيْهِ ونفاذ شَهَادَته عَلَيْهِ إِلَّا بذلك، فَإِن قَالَ الشُّهُود نَحن أَحْرَار لم نملك قطّ لم يقبل قَوْلهمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قبُول شَهَادَتهمَا حَتَّى يأتيا بِالْبَيِّنَةِ على ذَلِك وَإِلَّا فهما مصدقان فِي قَوْلهمَا إِنَّا أَحْرَار لم نملك قطّ بِحَسب الظَّاهِر.
وَفِي أبي السُّعُود على الاشباه تَفْسِيره فِي الشَّهَادَة: إِذا شهد شَاهِدَانِ لرجل بِحَق من الْحُقُوق فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ هما عَبْدَانِ وَإِنِّي لَا أقبل شَهَادَتهمَا حَتَّى أعلم أَنَّهُمَا حران.(8/167)
وَتَفْسِيره فِي الْحَد: إِذا قذف إنْسَانا ثمَّ زعم الْقَاذِف أَن الْمَقْذُوف عبد فَإِنَّهُ لَا يحد الْقَاذِف حَتَّى يثبت الْمَقْذُوف حُرِّيَّته بِالْحجَّةِ.
وَفِي الْقصاص: إِذا قطع يَد إِنْسَان وَزعم الْقَاطِع أَن الْمَقْطُوع يَده عبد فَإِنَّهُ لَا يقْضِي بِالْقصاصِ حَتَّى يثبت حُرِّيَّته.
وَفِي الدِّيَة: إِذا قتل إنْسَانا خطأ وَزَعَمت الْعَاقِلَة أَنه عبد
فَإِنَّهُ لَا يقْضِي عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة على حُرِّيَّته.
وَفِي البيري: لَو كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ حدا أَو قصاصا سَأَلَ القَاضِي عَنْهُم طعن الْخصم أَولا بالاجماع اهـ.
لَان فِي الْقَذْف: أَي مثلا إِلْزَام الْحَد على الْقَاذِف، وَفِي الْقصاص إِيجَاب الْعقُوبَة على الْقَاطِع، وَفِي الْقَتْل خطأ إِيجَاب الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَذَلِكَ لَا يجوز إِلَّا بِاعْتِبَار حريَّة الشَّاهِد، فَمَا لم تثبت الْحُرِّيَّة بِالْحجَّةِ لَا يجوز الْقَضَاء بشئ من ذَلِك ط.
مطلب: الاصل فِي النَّاس الْفقر والرشد والامانة وَالْعَدَالَة وَإِنَّمَا على القَاضِي أَن يسْأَل عَن الشُّهُود سرا وعلنا قَالَ الْحَمَوِيّ: وَقد سُئِلَ شيخ مَشَايِخنَا الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الْعَبَّادِيّ: هَل الاصل فِي النَّاس الرشد أَو السَّفه، وَهل الاصل فِي النَّاس الْفقر أَو الْغنى، وَهل الاصل فِي النَّاس الامانة أَو الْخِيَانَة، وَهل الاصل فِي النَّاس الْجرْح أَو التَّعْدِيل؟ فَأجَاب: الاصل الرشد والفقر والامانة وَالْعَدَالَة، وَإِنَّمَا على القَاضِي أَن يسْأَل عَن الشُّهُود سرا وعلنا لَان الْقَضَاء مَبْنِيّ على الْحجَّة وَهِي شَهَادَة الْعدْل فيتعرف عَن الْعَدَالَة، وَفِيه صون قَضَائِهِ عَن لبُطْلَان، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَفِي قَوْله صون قَضَائِهِ عَن الْبطلَان نظر، فتدبره اهـ.
وَوَجهه أَنه إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق يَصح قَضَاؤُهُ.
مطلب: منع السُّلْطَان عَن نصْرَة قُضَاته عَن الحكم بِشَهَادَة الشُّهُود إِلَّا بعد التَّزْكِيَة سرا وَعَلَانِيَة لَكِن فِي زَمَاننَا قد تكَرر أَمر السُّلْطَان نَصره الله تَعَالَى فِي منع قُضَاته فِي سَائِر مَمْلَكَته أَن يحكموا بعد الشَّهَادَة بِدُونِ تَزْكِيَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، فَافْهَم.
قَوْله: (وَالْحُدُود) فَلَو أنكر الْقَاذِف حريَّة الْمَقْذُوف لَا يحد حَتَّى يثبت حُرِّيَّته لانه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْحَد إِلَّا بِالْحُرِّيَّةِ، وَالظَّاهِر لَا يَكْفِي للاستحقاق، ولان الْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ فيحتاط فِي إِثْبَاتهَا، وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عَن البيري.
قَوْله: (وَالْقصاص) أَي فِي الاطراف، فَلَو أنكر الْقَاطِع حريَّة الْمَقْطُوع لَا يقطع حَتَّى يثبت حُرِّيَّته، لانه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْقطع إِلَّا بِالْحُرِّيَّةِ إِذْ لَا قصاص بَين طرفِي حر وَعبد، لَان الاطراف يسْلك بهَا مَسْلَك الاموال.
قَوْله: (وَالْقَتْل) أَي خطأ فَلَا تثبت الدِّيَة
على الْعَاقِلَة حَتَّى تثبت حريَّة الْقَاتِل لانه يُرِيد اسْتِحْقَاق الْعقل عَلَيْهِ فَلَا يثبت بِظَاهِر الْحُرِّيَّة، وَلذَا وَقع فِي نُسْخَة الْعقل: يَعْنِي لَا يثبت الْعقل إِلَّا بعد ثُبُوت الْحُرِّيَّة، وَهُوَ معنى عبارَة الاشباه من
قَوْله: (وَالدية) .
قَوْله: (وَفِي نُسْخَة الْعقل) هُوَ فِي معنى الاول: يَعْنِي لَا يثبت الْعقل إِلَّا بعد ثُبُوت الْحُرِّيَّة، وَلَو قَالَ فِي الْحُرِّيَّة وَعدمهَا لَكَانَ أوضح.
قَوْله: (وَعبارَة الاشباه وَالدِّيَةُ) الثَّلَاثُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (أحر أم لَا) .
بَيَان لوجه جَهَالَة حَاله.
وَلَو قَالَ فِي الْحُرِّيَّة وَعدمهَا لَكَانَ أوضح.
قَوْله: (لتمسكه بالاصل) أَي وَهُوَ دَافع، وَظَاهر الْحَال يَكْفِي للدَّفْع عَيْني.
قَوْله: (واللابس للثوب الخ) شُرُوع فِي مسَائِل يصدق فِيهَا(8/168)
وَاضع الْيَد بِلَا برهَان، وَهل يصدق بِيَمِينِهِ، ينظر، وَيَأْتِي حكمه فِي التَّنْبِيه الْآتِي ط.
وَإِنَّمَا كَانَ اللابس أَحَق لَان تصرفه أظهر لاقْتِضَائه الْملك فَكَانَ صَاحب يَد والآخذ خَارِجا وَذُو الْيَد أولى، بِخِلَاف مَا إِذا أَقَامَ آخذ الْكمّ الْبَيِّنَة حَيْثُ يكون أولى وَالْعلَّة الْمَذْكُورَة تجْرِي فِيمَا بعد.
قَالَ الْعَلامَة قَاسِمٌ: فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا اسْتِحْقَاقٍ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ.
شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ فِي السَّرْجِ) أَي أولى من رديفه، لَان تمكنه فِي ذَلِك الْموضع دَلِيل على تقدم يَده.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: نَقَلَ النَّاطِفِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ النَّوَادِرِ، وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة هِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهَا بَينهمَا قولا وَاحِدًا كَمَا فِي الْعِنَايَة.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَرَّجَةً اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى مِثْلُ مَا فِي الْمَتْن فَتنبه، وَمَا فِي الْهِدَايَة وَهُوَ على رِوَايَة النَّوَادِر، وَلَو كَانَ أَحدهمَا مُتَعَلقا بذنبها وَالْآخر ماسك بِلِجَامِهَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَن يكون الماسك أولى.
قَوْله: (مِمَّن علق كوزه بهَا) احْتَرز بِذكر الْكوز عَمَّا لَو كَانَ لَهُ بعض حملهَا، فَلَو كَانَ لاحدهما من وَللْآخر مائَة من كَانَت بَينهمَا شرنبلالية عَن التَّبْيِين وَالْحمل: بِكَسْر الْحَاء مَا يحمل على ظهر أَو رَأس حموي.
قَوْله: (لانه أَكثر تَصرفا) عِلّة لجَمِيع الْمسَائِل.
أَقُول: لَكِن فِيهِ أَنه لَا يعْتَبر الاكثر تَصرفا كَمَسْأَلَة الْمَنّ وَالْمِائَة من، والاولى أَن يعلق بِأَنَّهُ لَا يعد متصرفا عرفا كَمَسْأَلَة الهرادي الْآتِيَة.
تَأمل.
قَول: (والجالس على الْبسَاط والمتعلق بِهِ سَوَاء) لَان الْجُلُوس لَيْسَ بِيَدِهِ عَلَيْهِ، لَان الْيَد تثبت بِكَوْنِهِ فِي بَيته أَو بنقله من مَوْضِعه، بِخِلَاف الرّكُوب واللبس
حَيْثُ يكون بهما غَاصبا لثُبُوت يَده وَلَا يصير غَاصبا بِالْجُلُوسِ على الْبسَاط كَمَا فِي الدُّرَر، لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون الْقَاعِد أَحَق من الْمُتَعَلّق.
تَأمل.
وَعبارَة الدُّرَر: وينصف الْبسَاط بَين جالسه والمتعلق بِهِ بِحكم الاسْتوَاء بَينهمَا لَا بطرِيق الْقَضَاء الخ.
وَفِي النِّهَايَة يقْضِي بَينهمَا.
وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن بَين الْكَلَامَيْنِ تدافعا وَأجِيب بِأَن الْمَنْفِيّ قَضَاء الِاسْتِحْقَاق لَا قَضَاء التّرْك.
وَاعْترض على هَذَا الْجَواب بِأَن قَضَاء التّرْك يَقْتَضِي ثُبُوت الْيَد على مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسْأَلَة التَّنَازُع فِي الْحَائِط.
وَأجِيب بِأَن قَضَاء التّرْك يتَحَقَّق فِي الْمَنْقُول من غير ثُبُوت الْيَد الْمُعْتَبرَة شرعا بِثُبُوت الْيَد ظَاهرا فَإِن القَاضِي علم حسا وعيانا أَن هَذَا الْبسَاط لَيْسَ فِي يَد غَيرهمَا فَقضى بَينهمَا لِانْعِدَامِ مُدع غَيرهمَا عيَانًا بِالْيَدِ أَو بِالْملكِ هَذَا.
قَوْله: (وراكبي سرج) أَي فينصف بَينهمَا أَي فِي الصُّورَتَيْنِ.
قَوْله: (وطرفه مَعَ آخر) فينتصف بَينهمَا لَان يَد كل مِنْهُمَا ثَابِتَة فِيهِ وَإِن كَانَ يَد أَحدهمَا فِي الاكثر فَلَا يرجح بِهِ، لما مر أَنه لَا تَرْجِيح بالاكثرية دُرَر: أَي كَمَا فِي مَسْأَلَة كَثْرَة شُهُود أحد المدعيين، هَذَا كُله إِذا لم يقم الْبَيِّنَة فَإِذا أَقَامَا الْبَيِّنَة فَبَيِّنَة الْخَارِج أولى من بَيِّنَة ذِي الْيَد كَمَا مر.
قَوْله: (لَا هدبته) وَيُقَال لَهُ بالتركي سجق وَيسْتَعْمل هَذَا اللَّفْظ الْآن فِي بِلَادنَا.
قَوْله: (الْغَيْر منسوجة) الاولى أَن يَقُول المنسوجة بالالف وَاللَّام لَان غير بِمَنْزِلَة اسْم الْفَاعِل لَا يُضَاف إِلَّا لما فِيهِ أل أَو مَا أضيف إِلَى مَا فِيهِ أل كالضارب رَأس الْجَانِي ط.
قَوْله: (لانها لَيست بِثَوْب) فَلم يكن فِي يَده شئ من الثَّوْب فَلَا يزاحم الآخر.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ جَالِسَيْ دَارٍ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَة.(8/169)
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ ادَّعَيَا دَارًا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِيهَا فَهِيَ لِلسَّاكِنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَو حفر فَهِيَ لَهُ، وَلَو لم يكن شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دَاخِلٌ فِيهَا وَالْآخَرَ خَارِجٌ عَنْهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَا جَمِيعًا فِيهَا، لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْعَقَارِ لَا تثبت بالكون فِيهَا وَإِنَّمَا تثبت بِالتَّصَرُّفِ اهـ.
أَقُول: لَكِن الَّذِي يفهم من التَّعْلِيل وَمِمَّا تقدم قَرِيبا أَنه لَا يقْضِي لَهما فِي مَسْأَلَة كَون أَحدهمَا
دَاخِلا فِيهَا وَالْآخر خَارِجا عَنْهَا تَأمل.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ كُلُّ مَوْضِعٍ قُضِيَ بِالْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمين لصَاحبه إِذا طلب، فَإِن حلف برِئ، وَإِن نكل قضى عَلَيْهِ بِهِ اهـ.
شرنبلالية.
قَوْله: (حَيْثُ لَا يقْضِي لَهما) لَا بطرِيق التّرْك وَلَا بِغَيْرِهِ لَان الْجُلُوس لَا يدل على الْملك.
اهـ دُرَر.
قَوْله: (وَهنا) أَي فِي الْجُلُوس على الْبسَاط إِذا كَانَا جالسين عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ فِي دَارٍ وَتَنَازَعَا فِيهَا حَيْثُ لَا يُحْكَمُ لَهُمَا بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَهُنَا علم أَنه لَيْسَ فِي يَد غَيرهمَا اهـ.
مطلب: مسَائِل الْحِيطَان
قَوْله: (الْحَائِط لمن جذوعه عَلَيْهِ) جمع جذع بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة للنخلة وَغَيرهَا، وَالْمرَاد الاخشاب الَّتِي ترص على الجدران لاجل تركيب السّقف عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لانه فِي يَد صَاحب الْجُذُوع، لَان يَده يَد اسْتِعْمَال والحائط مَا بني إِلَّا لَهُ فَوَضعه عَلامَة ملكه: وَلَو كَانَ لكل مِنْهُمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أصل الْعلَّة وَلَا يعْتَبر بِالْكَثْرَةِ والقلة بعد أَن تبلغ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا شرطت الثَّلَاثَة لَان الْحَائِط يَبْنِي للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِمَا دون الثَّلَاث غَالِبا فَصَارَ الثَّلَاث كالنصاب لَهُ، وَلَو كَانَ عَلَيْهِ جُذُوع لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر أقل فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة عِنْد أبي حنيفَة اسْتِحْسَانًا.
وَالْقِيَاس أَن يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنهُ، وَلَو كَانَ لاحدهما جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر قيل هما سَوَاء، وَقيل صَاحب الْجذع أولى.
عَيْني.
وَفِي الفتاوي الْخَيْرِيَّة من فصل الْحِيطَان: فَلَو كَانَ لكل جذع مُشْتَرك، فَلَو اخْتلفَا وأقيمت الْبَيِّنَة عمل بهَا وَينظر فِي وضع الآخر، فَإِن كَانَ قَدِيما يتْرك على قَدَمَيْهِ إِذْ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ للظن بِأَنَّهُ مَا وضع إِلَّا بِوَجْه شَرْعِي.
مطلب: حد الْقَدِيم مَا لَا يحفظ الاقران وَرَاءه وحد الْقَدِيم أَن لَا يحفظ أقرانه وَرَاء هَذَا الْوَقْت كَيفَ كَانَ فَيجْعَل أقْصَى الْوَقْت الَّذِي يحفظه الاقران حد الْقَدِيم، وَإِن كَانَ حَادِثا يُؤمر بِرَفْعِهِ، وَإِن سقط لَيْسَ لَهُ إِعَادَته بِغَيْر رضَا مَالِكه، لانه إِن
كَانَ بِإِذْنِهِ فَهُوَ معير وللمعير أَن يرجع مَتى شَاءَ، وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذْنه فَهُوَ غَاصِب.
وَإِذا اخْتلفَا فِي الْحُدُوث: فَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَمر بِرَفْعِهِ وإزالته عَن ملك الْغَيْر شرعا، وَإِن لم يثبت بِالْبَيِّنَةِ لَا يهدم، وَتَمَامه فِيهِ.
وَالْحَاصِل: أَن الْحَائِط تَارَة يثبت بِالْبَيِّنَةِ والبرهان وَتارَة بغَيْرهَا، فَإِن أَقَامَ أحد الْخَصْمَيْنِ الْبَيِّنَة قضى لَهُ وَلَو أَقَامَا الْبَيِّنَة قضى لَهما قَضَاء التّرْك، حَتَّى لَو أَقَامَ الآخر الْبَيِّنَة قضى لَهُ كَمَا فِي الْفَيْض.(8/170)
وَأما مَا يثبت بغَيْرهَا فَقَالَ فِي الْمُنْتَقى: الايدي فِي الْحَائِط على ثَلَاث مَرَاتِب: اتِّصَال تربيع، واتصال ملازقة ومجاورة، وَوضع جُذُوع ومحاذاة، فأولاهم صَاحب التربيع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْجُذُوع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب اتِّصَال الملازقة.
بَيَانه: حَائِط بَين دارين يدعيانه: فَإِن كَانَ مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا دون الآخر فَصَاحب الِاتِّصَال أولى، وَإِن كَانَ مُتَّصِلا ببنائهما اتِّصَال تربيع أَو ملازقة فَهُوَ بَينهمَا، وَإِن كَانَ لاحدهما اتِّصَال تربيع وَللْآخر اتِّصَال ملازقة لصَاحب التربيع أَو للْآخر عَلَيْهِ جُذُوع، فالحائط لصَاحب الِاتِّصَال، وَلِصَاحِب الْجُذُوع مَوضِع جذوعه.
وروى الطَّحَاوِيّ أَن الْكل لصَاحب التربيع، وَإِن لاحدهما اتِّصَال ملازقة وَللْآخر جُذُوع فَصَاحب الْجُذُوع أولى، وَسَيَأْتِي قَرِيبا بأوضح من هَذَا.
أَقُول: ذكر الْحَنَابِلَة فِي كتبهمْ أَن الْمُعْتَبر فِي التربيع أساس الْحَائِط دون اللَّبن وَهُوَ حسن وَكَأَنَّهُ لما يحصل لَهُ من التَّغَيُّر، وَظَاهر نُصُوص أَئِمَّتنَا الاطلاق كَمَا ترى، وَكَأَنَّهُم لم يعتبروا هَذَا لانه عَارض وَيدْرك عروضه.
نعم لَو كَانَ التربيع فِي الاساس دون اللَّبن فَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة للاساس لانه أقوى لما يعرض للبن من الاصلاح، وَهَذَا وَلَو كَانَ لاحدهما التربيع فِي الاساس وَللْآخر فِي اللَّبن فَالظَّاهِر أَنه لصَاحب تربيع الاساس وَلم أره.
ثمَّ قَالَ صَاحب الْمُنْتَقى: وَإِذا كَانَ الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ مُتَّصِلا من جَانب وَاحِد يَقع فِيهِ التَّرْجِيح وَهُوَ الصَّحِيح.
ذكره الطَّحَاوِيّ.
وَذكر الْكَرْخِي أَنه لَا يَقع بِهِ التَّرْجِيح مَا لم يكن مَوْصُولا طرفاه بالحائطين.
قلت: وَظَاهر الرِّوَايَة يشْتَرط من جوانبه الاربع كَمَا فِي الْفَيْض وَغَيره، لَكِن قَالُوا: الاظهر مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ وَعَلِيهِ مَشى فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا من المعتمدات كالهندية وَالْمُحِيط وَالْخَانِيَّة وَغَيرهَا.
ثمَّ ذكر أَيْضا: حَائِط بَين دارين يَدعِيهِ صَاحب أَحدهمَا وَلم يكن مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا: فَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع فَهُوَ أولى، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر قيل هُوَ بَينهمَا، وَقيل لصَاحب الْجذع، وَإِن كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا وَلَا عِبْرَة لِكَثْرَة الْجُذُوع لاحدهما: أَي بعد الثَّلَاثَة.
أَقُول: بَعْدَمَا كَانَ لَاحَدَّ الشَّرِيكَيْنِ ثَلَاثَة جُذُوع وَللْآخر أَكثر لَا يتَرَجَّح بهَا، وَلَكِن فِي الْعمادِيَّة مَا نَصه: وءن كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَسْفَل وجذوع الآخر أَعلَى وتنازعا فِي الْحَائِط فَإِن لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ لِسَبْقِ يَدِهِ وَلَا تُرْفَعُ جُذُوعُ الاعلى اهـ.
فَالَّذِي يظْهر من كَلَام الْعمادِيَّة أَن مَحل وجود الْخشب على الْحَائِط لكل مُوجب للاشتراك إِذا لم يكن خشب أَحدهمَا أَعلَى وخشب الآخر أَسْفَل، أما إِذا كَانَ كَذَلِك وتنازعا فِي الْحَائِط فَهُوَ لصَاحب الاسفل وَلَا ترفع جُذُوع الآخر، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا مُقَيّد لكلامهم، وَلَكِن لَا تظهر ثَمَرَة ذَلِك إِلَّا فِي التَّصَرُّف فِي الْحَائِط وعمارته، فَافْهَم.(8/171)
ثمَّ قَالَ صَاحب الْمُنْتَقى: وَإِن كَانَ لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر وَاحِد فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة، إِلَّا مَوضِع الْجذع الْوَاحِد وَهُوَ الاصح، وَمَا بَين الْجُذُوع قيل يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ، وَقيل يكون على أحد عشر جُزْءا.
وَإِن كَانَ الْحَائِط طَويلا وكل وَاحِد مِنْهُمَا مُنْفَرد بِبَعْض الْحَائِط فِي الِاتِّصَال وَوضع الْجُذُوع قضى لكل وَاحِد بِمَا يوازي ساحته من الْحَائِط وَمَا بَينهمَا من الْقَضَاء يقْضِي بِكَوْنِهِ بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
لكل وَاحِد مِنْهُمَا بوار وَهُوَ الْقصب فَهُوَ بَينهمَا.
لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَللْآخر عَلَيْهِ بوار يقْضِي بِهِ لصَاحب الْجُذُوع وَلَكِن لَا يُؤمر بِرَفْع البواري.
لاحدهما عَلَيْهِ خشب وَللْآخر عَلَيْهِ حَائِط ستْرَة فالحائط الاسفل لصَاحب الْخشب وَلِصَاحِب
الستْرَة سترته، وَلَو تنَازعا فِي الْحَائِط والسترة جَمِيعًا فهما لصَاحب الْخشب اهـ مَا فِي الْمُنْتَقى.
وَقَالَ برهَان الدّين الكركي فِي الْفَيْض: حَائِط ادَّعَاهُ رجلَانِ وغلق الْبَاب إِلَى أَحدهمَا يقْضِي بِالْحَائِطِ وَالْبَاب بَينهمَا نِصْفَيْنِ عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا الْحَائِط بَينهمَا وَالْبَاب للَّذي الغلق إِلَيْهِ، وَأَجْمعُوا أَنه إِذا كَانَ للباب غلقان فِي كل جَانب وَاحِد فَهُوَ بَينهمَا.
وَذكر فِيهِ أَيْضا: رجلَانِ ادّعَيَا حَائِطا وَلَيْسَ الْحَائِط مُتَّصِلا بِبِنَاء أَحدهمَا وَلَيْسَ لاحدهما جُذُوع أَو غَيرهَا يقْضِي بِهِ بَينهمَا، وَإِن كَانَت لاحدهما هرادي أَو بوار فَكَذَلِك، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر أَو لَهُ عَلَيْهِ هرادي لم يذكر فِي الْكتاب.
قَالَ بَعضهم: لَا يتَرَجَّح بجذع وَاحِد.
وَقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد: يقْضِي لَهُ، وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ خَشَبَة وَللْآخر عَلَيْهِ عشر خشبات يقْضِي بِهِ لصَاحب الْعشْرَة وَللْآخر مَوضِع جذعه.
وَالصَّحِيح أَن الْحَائِط لصَاحب الْجُذُوع وَلَا ينْزع جذع الآخر.
أَقُول: أَي لَان الْملك الثَّابِت بِكَثْرَة الْجُذُوع هَاهُنَا ثَابت بِنَوْع الِاسْتِظْهَار فَهُوَ صَالح للدَّفْع لَا لابطال حق صَاحب الْجذع، بِخِلَاف مَا لَو أَقَامَ صَاحب الْجُذُوع الْبَيِّنَة كَانَ الْحَائِط لَهُ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ يرفع جذع الآخر كَمَا بَينه صَاحب الذَّخِيرَة، وسيأتيك بأوضح من هَذَا.
وَعَن أبي يُوسُف أَن الْحَائِط بَينهمَا على أحد عشر سَهْما.
وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جذعان وَللْآخر عشرَة اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ.
قَالَ بَعضهم: جذعان بِمَنْزِلَة جذع وَاحِد.
وَقَالَ بَعضهم: بِمَنْزِلَة الثَّلَاثَة، وَلَو كَانَ لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر عشرَة فَهُوَ بَينهمَا، وَكَذَا لَو كَانَ لاحدهما خَمْسَة وَللْآخر عشرَة فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَقيل أَثلَاثًا.
تنَازعا فِي خص أَو حَائِط بَين داريهما وَلَا بَيِّنَة والقمط: أَي الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ الخص وَالْوَجْه: أَي وَجه الْحَائِط أَو الطاقات أَو أَنْصَاف اللَّبن إِلَى أَحدهمَا.
قَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ بَينهمَا إِذْ الانسان كَمَا يَجْعَل الْمَذْكُور إِلَى جَانِبه فِي ملكه الْخَاص يَجعله إِلَى جَانِبه فِي الْمُشْتَرك أَيْضا إِذا تولى الْعَمَل فَلَا يصلح حجَّة.
وَقَالا: هُوَ لمن الْمَذْكُور إِلَى جَانِبه إِذْ الظَّاهِر يشْهد لَهُ، لَان الانسان يزين وَجه دَاره إِلَى نَفسه لَا إِلَى جَاره، وَكَذَا القمط لانه وَقت العقد يَقُول على سطحه فَيجْعَل القمط إِلَيْهِ.
زَاد فِي الْهِنْدِيَّة: هَذَا إِذا جعل وَجه الْبناء حِين بنى.
وَأما إِذا جعل الْوَجْه بعد الْبناء بالنقش
والتطيين فَلَا يسْتَحق بِهِ الْحَائِط فِي قَوْلهم جَمِيعًا.
كَذَا فِي غَايَة الْبَيَان شرح الْهِدَايَة
قَوْله: (أَو مُتَّصِل بِهِ) الاوضح أَن يَقُول: أَو هُوَ مُتَّصِل ببنائه اتِّصَال تربيع.
قَوْله: (بِأَن تتداخل أَنْصَاف لبنَاته) أَي مثلا فَدخل الْآجر وَالْحجر.
وَاخْتلف فِي صفة اتِّصَال التربيع، فَقَالَ الْكَرْخِي: صفته أَن يكون الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ مُتَّصِلا(8/172)
بحائطين لاحدهما من الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا والحائطان متصلان بحائط لَهُ بِمُقَابلَة الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ حَتَّى يصير مربعًا يشبه الْقبَّة، فَحِينَئِذٍ يكون الْكل فِي حكم شئ وَاحِد.
والمروي عَن أبي يُوسُف أَن اتِّصَال جَانِبي الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ بحائطين لاحدهما يَكْفِي، وَلَا يشْتَرط اتِّصَال الحائطين بحائط لَهُ بِمُقَابلَة الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ.
وَعبارَة الْكَافِي: هُوَ أَن يكون أحد طرفِي الآخر فِي هَذَا الْحَائِط والطرف الآخر فِي الْحَائِط الآخر حَتَّى يصير فِي معنى حَائِط وَاحِد وَبِنَاء وَاحِد فَيكون ثُبُوت الْيَد على الْبَعْض ثبوتا على الْكل، وَهُوَ عين مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف، وَمعنى التربيع فِيمَا قَالَ الْكَرْخِي أظهر.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: وَذكر الطَّحَاوِيّ: إِن كَانَ مُتَّصِلا بحائط وَاحِد يَقع بِهِ التَّرْجِيح.
قَالُوا: وَالصَّحِيح رِوَايَة الطَّحَاوِيّ اهـ.
وَعَزاهُ إِلَى مُحِيط السَّرخسِيّ.
قَوْله: (وَلَو من خشب) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: إِذا كَانَ الْحَائِط من لبن وَلَو من خشب الخ.
قَوْله: (لدلَالَة) هَذِه عِلّة لكَون صَاحب اتِّصَال التربيع أولى.
قَوْله: (على أَنَّهُمَا) أَي الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ والحائطين المتصلين بِهِ.
قَوْله: (وَلذَا سمي بذلك) أَي لِكَوْنِهِمَا بنيا مَعًا سمى باتصال التربيع قد علمت تَفْسِير اتِّصَال التربيع على قَول الْكَرْخِي وَهُوَ ظَاهر وتسميته بِهِ على قَول أبي يُوسُف بِاعْتِبَار التربيع فِي حائطيه باللبنات.
قَوْله: (يبْنى مربعًا) هَذَا إِنَّمَا يظْهر على قَول الْكَرْخِي.
قَوْله: (لَا لمن لَهُ اتِّصَال ملازقة) بِأَن يكون الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ ملازقا لحائط أَحدهمَا من غير إِدْخَال فِيهِ.
قَوْله: (أَو نقب وَإِدْخَال) وَهَذَا فِيمَا لَو كَانَ من خشب: أَي بِأَن نقب وأدخلت الْخَشَبَة فِيهِ، وَهَذَا مُحْتَرز.
قَوْله: (فِي حَائِط الْخشب) ، بِأَن تكون الْخَشَبَة مركبة فِي الاخرى.
قَالَ الْبَدْر الْعَيْنِيّ: وَإِذا كَانَ الْجِدَار من خشب فالتربيع أَن يكون سَاج أَحدهمَا مركبا على
الآخر.
وَأما إِذا نقب وَأدْخل فَلَا يكون مربعًا فَلَا عِبْرَة بِهِ وَلَا باتصال الملازقة من غير تربيع لعدم المداخلة فَلَا يدل على أَنَّهُمَا بنيا مَعًا اهـ.
وَمثله فِيمَا يظْهر النقب فِي جِدَار نَحْو اللَّبن.
قَوْله: (أَو هرادي) جَمْعُ هَرْدِيَّةٍ: قَصَبَاتٌ تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بِطَاقَاتٍ مِنْ الْكَرم فترسل عَلَيْهَا قصبات الْكَرم، كَذَا فِي ديوَان الادب، وَصحح فِيهَا الْحَاء وَالْهَاء جَمِيعًا، وَأنكر الْهَاء صَاحب الصِّحَاح، وَالرِّوَايَة فِي الاصل وَالْكَافِي للشهيد بِالْحَاء.
وَفِي الْجَامِع الصَّغِير وَشرح الْكَافِي بِالْهَاءِ لَا غير.
شلبي فِي الْحَاشِيَة مُلَخصا.
وَفِي الْمنح: هِيَ خشبات تُوضَع على الْجُذُوع ويلقى عَلَيْهَا التُّرَاب.
وَفِي الواني: هِيَ جمع هردي بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقصر الالف.
وَفِي مُنْهَوَاتِ الْعَزْمِيَّةِ: الْهُرْدِيَّةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ.
والهرادي بِفَتْح الْهَاء وَكسر الدَّال: نوع من النبت، وَقيل قصب يوضع فَوق الْحَائِط فَهِيَ كالزرب أَو المكعب.
وَمثل الهرادي البواري، وَهِي والبوري والبورية والبورياء والباري والبارياء والبارية: الْحَصِير المنسوج، وَإِلَى بَيْعه ينْسب الْحسن بن الرّبيع البواري شيخ البُخَارِيّ وَمُسلم كَمَا فِي الْقَامُوس.
قَوْله: (بل صَاحب الْجذع الْوَاحِد الخ) قَالَ فِي غَايَة الْبَيَان: وَالثَّلَاث هِيَ الْمُعْتَبرَة، حَتَّى لَو كَانَ لاحدهما ذَلِك وَللْآخر أَكثر لَا اعْتِبَار لَهُ، فالحائط(8/173)
بَينهمَا، وَلَو كَانَ لاحدهما جذع أَو اثْنَان وَللْآخر ثَلَاثَة أَو أَكثر فَهُوَ لَهُ، وَأما لصَاحب مَا دون الثَّلَاثَة فموضع جذوعه: يَعْنِي مَا تَحْتَهُ فِي رِوَايَة، وَله حق الْوَضع فِي رِوَايَة اهـ.
وَفِي نور الْعين: وَلَو لاحدهما جذع وَاحِد وَللْآخر هرادي أَو لَا شئ لَهُ لم يذكرهُ مُحَمَّد فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَقد قيل لَا يقْضِي بِهِ لَهُ إِذْ الْحَائِط لَا يبْنى لوضع جذع وَاحِد.
وَعَن مُحَمَّد: إِنَّه لرب الْجذع، إِذا لَهُ مَعَ الْيَد نوع اسْتِعْمَال، إِذا وَضعه اسْتِعْمَال حَتَّى قضء لرب الْجذع فَيكون وَاحِدهَا اسْتِعْمَالا للحائط بِقَدرِهِ وَلَيْسَ للْآخر ذَلِك، وَقد يبْنى الْحَائِط لوضع جذع وَاحِد لَو كَانَ الْبَيْت صَغِيرا، وَهَذَا كُله لَو لم يتَّصل الْحَائِط ببنائهما، فَلَو اتَّصل اتِّصَال تربيع أَو ملازقة قيقضى بِهِ نِصْفَيْنِ بَينهمَا إِذا ستويا اهـ.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: وَإِذا كَانَ لاحدهما جذع وَاحِد وَلَا شئ للْآخر اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ: فَقيل: هما سَوَاء لَان الْوَاحِد لَا يعْتد بِهِ، وَقيل: صَاحب الْجذع أولى لَان الْحَائِط قد يبْنى لجذع وَاحِد، وَإِن كَانَ
غير غَالب.
قَالَ فِي شرح الْمُلْتَقى للداماد: والهرادي غير مُعْتَبرَة، وَكَذَا البواري لانه لم يكن اسْتِعْمَالا وضعا، إِذْ الْحَائِط لَا يبْنى لَهَا بل للتسقيف، وَهُوَ لَا يُمكن على الهرادي والبواري كَمَا فِي الدُّرَر انْتهى.
وَفِيه: وَلَا مُعْتَبر بِكَثْرَة الْجُذُوع وَقتهَا بعد أَن تبلغ ثَلَاثًا، لَان التَّرْجِيح بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ على مَا بَينا، وَاشْترط أَن يبلغ الثَّلَاث لَان الْحَائِط يبْنى للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِمَا دون الثَّلَاث غلبا فَصَارَ الثَّلَاث كالنصاب لَهُ اهـ.
فَتَأمل.
قَوْله: (وَقيل لذِي الْجُذُوع) وَصَححهُ السَّرخسِيّ، وَصحح الاول الْجِرْجَانِيّ.
وَقَالَ فِي الْمُحِيط: الايدي على ثَلَاث مَرَاتِب: اتِّصَال تربيع واتصال ملازقة ومجاورة، وَوضع جُذُوع محاذاة بِنَاء.
وَلَا عَلامَة فِي الْحَائِط سوى هَذَا، فأولاهم صَاحب التربيع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْجُذُوع، فَإِن لم يُوجد فَصَاحب الْمُحَاذَاة اهـ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَإِنْ كَانَ كِلَا الِاتِّصَالَيْنِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ أَوْ اتِّصَالَ مُجَاوَرَةٍ يُقْضَى بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تَرْبِيعٌ وَلِلْآخَرِ مُلَازَقَةٌ يُقْضَى لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تَرْبِيعٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَصَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى، وَصَاحِبُ الْجُذُوعِ أَوْلَى مِنْ اتِّصَالِ الْمُلَازَقَةِ، ثُمَّ فِي اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ هَلْ يَكْفِي مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؟ فَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يَكْفِي، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُشْتَرَطُ مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُمَا، وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ اهـ.
وَقدمنَا نَحوه.
قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْعَيْنِيّ وَغَيره) قَالَ الْعَلامَة الْعَيْنِيّ: وَلَو كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة جُذُوع فَهُوَ بَينهمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أصل الْعلَّة، وَلَا يعْتَبر بِالْكَثْرَةِ والقلة بعد أَن تبلغ ثَلَاثَة، وَإِنَّمَا شرطت الثَّلَاثَة، لَان الْحَائِط يبْنى للتسقيف وَذَلِكَ لَا يحصل بِدُونِ الثَّلَاثَة غَالِبا فَصَارَت الثَّلَاثَة كالنصاب لَهُ، وَلَو لاحدهما ثَلَاثَة وَللْآخر أقل فَهُوَ لصَاحب الثَّلَاثَة.
استحسنه الامام.
وَالْقِيَاس المناصفة وَقد رُوِيَ عَنهُ أَيْضا.
ثمَّ لصَاحب الْجذع الْوَاحِد أَو الِاثْنَيْنِ حق الْوَضع، لانا حكمنَا بِالْحَائِطِ لصَاحب الْجُذُوع: أَي الثَّلَاثَة فَأكْثر بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ يصلح حجَّة للدَّفْع لَا للاستحقاق، فَلَا يُؤمر بِالْقَلْعِ إِلَّا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَن الْحَائِط لصَاحب الْجُذُوع فَحِينَئِذٍ يُؤمر بِالْقَلْعِ اهـ.
وَهل الحكم كَذَلِك إِذا أقرّ لَهُ بِهِ؟ الظَّاهِر نعم.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز (جع) : جُذُوع أَحدهمَا فِي أحد النصفين وجذوع الآخر فِي
النّصْف فَلِكُل مِنْهُمَا مَا عَلَيْهِ جذوعه، وَمَا بَين النصفين والجذوع أولى من الستْرَة، فالحائط لرب الجدوع، وَكَذَا الستْرَة لَو تنَازعا فِيهَا، وَلَو توافقا أَن الستْرَة للْآخر لَا ترفع كمن لَهُ سفل وتنازعا فِي(8/174)
سقفه وَمَا عَلَيْهِ فَالْكل لذِي السّفل، وَلَو توافقا أَن الْعُلُوّ للْآخر لَا يرفع إِلَّا إِذا برهن.
اهـ: أَي لانه هُوَ الْمُتَنَازع فِيهِ، فَإِذا برهن ذُو السّفل أَن السّقف لَهُ رفع مَا هُوَ مَوْضُوع عَلَيْهِ بِغَيْر حق، فَتَأمل.
وَإِنَّمَا لم يرفع أَولا قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة، لَان الظَّاهِر أَن وَضعه بِحَق، وَلم يحكم لَهُ بالسفل لَان الظَّاهِر يصلح للدَّفْع لَا للاستحقاق وَهُوَ لصَاحب السّفل كَمَا هُوَ صَرِيح الْخَانِية.
فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين ثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ يرفع بهَا وَبَين ثُبُوته بِظَاهِر الْيَد وَلم يرفع؟ قلت: الْبَيِّنَة كاسمها بَيِّنَة، وَهِي حجَّة متعدية فَيلْزم بهَا الرّفْع، وَالْيَد حجَّة لصَاحب الْحَال فصلحت للدَّفْع لَا للرفع، فَتَأمل.
وَمِمَّا يتَّصل بمسائل الْحِيطَان مَا نَقله فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو كَانَ لَاحَدَّ المدعيين على الْحَائِط الْمُتَنَازع فِيهِ أَزجّ من لبن أَو آجر: أَي ضرب من الابنية فَهُوَ بِمَنْزِلَة الستْرَة.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
جُذُوع شاخصة إِلَى دَار رجل لَيْسَ لَهُ أَن يَجْعَل عَلَيْهَا كنيفا إِلَّا بِرِضا صَاحب الدَّار وَلَيْسَ لصَاحب الدَّار قطعهَا إِذا أمكنه الْبناء عَلَيْهَا، وَإِن لم يُمكن الْبناء عَلَيْهَا بِأَن كَانَت جذوعا صغَارًا أَو جذعا وَاحِدًا ينظر: إِن كَانَ قطعهَا يضر بِبَقِيَّة الْجُذُوع ويضعفها لَا يملك الْقطع، وَإِن لم يضر بهَا يُطَالِبهُ بِالْقطعِ، وَلَو أَرَادَ صَاحب الدَّار أَن يعلق على أَطْرَاف هَذِه الْجُذُوع شَيْئا لَيْسَ لَهُ ذَلِك.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
جِدَار بَين اثْنَيْنِ لَهما عَلَيْهِ حمولة غير أَن حمولة أَحدهمَا أثقل فالعمارة بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ حمولة والجدار مُشْتَرك بَينهمَا: قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى: للْآخر أَن يضع عَلَيْهِ بِمثل حمولة صَاحبه إِن كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك، أَلا ترى أَن أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى قَالُوا فِي كتاب الصُّلْح: لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل ذَلِك، وَلم يذكرُوا أَنه قديم أَو حَدِيث.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة فِي كتاب الْحِيطَان.
وَإِن لم يكن
لَهما عَلَيْهِ خشب فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك وَلَيْسَ للْآخر أَن يمنعهُ وَيُقَال لَهُ: ضع أَنْت مثل ذَلِك إِن شِئْت.
كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
لَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ جُذُوع فَأَرَادَ أَن يضع والجدار لَا يحْتَمل جُذُوع اثْنَيْنِ وهما مقران بِأَن الْحَائِط مُشْتَرك بَينهمَا، يُقَال لصَاحب الْجُذُوع إِن شِئْت فارفع ذَلِك عَن الْحَائِط لتستوي بصاحبك، وَإِن شِئْت فحط عَنهُ بِقدر مَا يُمكن لشريكك من الْحمل، كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
جِدَار بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ بِنَاء فَأَرَادَ أَن يحول جذوعه إِلَى مَوضِع آخر: قَالَ: إِن كَانَ يحول من الايمن إِلَى الايسر أَو من الايسر إِلَى الايمن لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَإِن أَرَادَ أَنى يسفل الْجُذُوع فَلَا بَأْس بِهِ، وَإِن أَرَادَ أَن يَجعله أرفع عَمَّا كَانَ لَا يكون لَهُ ذَلِك.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
حَائِط بَينهمَا وَكَانَ لكل وَاحِد جُذُوع فللذي هُوَ صَاحب السّفل أَن يرفعها بحذاء صَاحب الاعلى إِن لم يضر بِالْحَائِطِ، وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا أَن ينْزع جذوعه من الْحَائِط لَهُ ذَلِك إِن لم يكن فِي نَزعه ضَرَر بِالْحَائِطِ، هَكَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة.
إِذا كَانَت جُذُوع أَحدهمَا مُرْتَفعَة وجذوع الآخر متسفلة فَأَرَادَ أَن ينقب الْحَائِط لينزل فِيهِ الْخشب هَل لَهُ ذَلِك؟ قيل لَيْسَ لَهُ ذَلِك.
وَكَانَ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ يُفْتِي بِأَن لَهُ ذَلِك.
وَقيل: ينظر: إِن كَانَ(8/175)
ذَلِك مِمَّا يُوجب فِيهِ وَهنا لم يكن لَهُ ذَلِك، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يدْخل فِيهِ وَهنا فَلهُ ذَلِك.
كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
جِدَار بَين رجلَيْنِ أَرَادَ أَحدهمَا أَن يزِيد فِي الْبناء لَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن الشَّرِيك، أضرّ الشَّرِيك ذَلِك أَو لم يضر.
كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: حَائِط بَين رجلَيْنِ انْهَدم جَانب مِنْهُ فَظهر أَنه ذُو طاقين متلازقين فيريد أَحدهمَا أَن يرفع جِدَاره وَيَزْعُم أَن الْجِدَار الْبَاقِي يَكْفِيهِ للستر فِيمَا بَينهمَا قبل أَن يتَبَيَّن أَنَّهُمَا حائطان فكلا الحائطين بَينهمَا، وَلَيْسَ لاحدهما أَن يحدث فِي ذَلِك شَيْئا بِغَيْر إِذن شَرِيكه، وَإِن أقرا أَن كل حَائِط لصَاحبه فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يحدث فِيهِ مَا أحب.
كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي كتاب الْحِيطَان.
جِدَار بَين اثْنَيْنِ وهى وَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يصلحه وأبى الآخر يَنْبَغِي أَن يَقُول لَهُ: ارْفَعْ حمولتك بعمد لاني أرفعه فِي وَقت كَذَا وَيشْهد على ذَلِك، فَإِن فعل فبها، وَإِن لم يفعل فَلهُ أَن يرفع الْجِدَار، فَإِن سَقَطت حمولته لَا يضمن، كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَعَن الشَّيْخ الامام أبي الْقَاسِم: جِدَار بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة لَيْسَ للْآخر شئ فَمَال الْجِدَار إِلَى الَّذِي لَا حمولة فَأشْهد على صَاحب الحمولة فَلم يرفعهُ مَعَ إِمْكَان الرّفْع بعد الاشهاد حَتَّى انْهَدم وأفسد شَيْئا قَالَ: إِذا ثَبت الاشهاد وَكَانَ مخوفا وَقت الاشهاد يضمن الْمَشْهُود عَلَيْهِ نصف قيمَة مَا أفسد من سُقُوطه.
هَكَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: حَائِط بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ غرفَة وَالْآخر عَلَيْهِ سقف بَيته فهدما الْحَائِط من أَسْفَله ورفعا أَعْلَاهُ بالاساطين ثمَّ اتفقَا جَمِيعًا حَتَّى بنيا فَلَمَّا بلغ الْبناء مَوضِع سقف هَذَا أَبى صَاحب السّقف أَن يبْنى بعد ذَلِك لَا يجْبر أَن ينْفق فِيمَا جَاوز ذَلِك.
كَذَا فِي الصُّغْرَى رجل لَهُ ساباط أحد طرفِي جُذُوع هَذَا الساباط على حَائِط دَار رجل فتنازعا فِي حق وضع الْجُذُوع فَقَالَ صَاحب الدَّار: جذوعك على حائطي بِغَيْر حق فارفع جذوعك عَنهُ وَقَالَ صَاحب الساباط: هَذِه الْجُذُوع على حائطك بِحَق وَاجِب، ذكر صَاحب كتاب الْحِيطَان الشَّيْخ الثَّقَفِيّ أَن القَاضِي يَأْمُرهُ بِرَفْع جذوعه.
وَقَالَ الصَّدْر الشَّهِيد رَحمَه الله تَعَالَى: وَبِه يُفْتى.
وَإِن تنَازعا فِي الْحَائِط يقْضى بِالْحَائِطِ لصَاحب الدَّار فِي ظَاهر مَذْهَب أَصْحَابنَا لَان الْحَائِط مُتَّصِل بِملك صَاحب الدَّار وبالاتصال تثبت الْيَد، وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ اتِّصَال اتِّصَال تربيع، إِمَّا إِذا كَانَ اتِّصَال ملازقة فَصَاحب الساباط أولى.
وَهَكَذَا فِي الْمُحِيط فِي كتاب الْحِيطَان.
الْكل الْهِنْدِيَّة.
أَقُول: ثمَّ التَّصَرُّف فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك بعد ثُبُوته شرعا قِسْمَانِ: مُمْتَنع إِلَّا بِإِذن شَرِيكه وَهُوَ مُقْتَضى شركَة الْملك وَالْقِيَاس.
وَجَائِز لضَرُورَة مَنْفَعَة الِاشْتِرَاك لغير إِذن شَرِيكه.
أما الْمُمْتَنع فَهُوَ زِيَادَة خشب على خشب شَرِيكه أَو اتِّخَاذ ستر عَلَيْهِ أَو فتح كوَّة أَو بَاب، وَهُوَ مَحل إِطْلَاقهم الْوَاقِع فِي بعض عباراتهم من أَنه لَيْسَ لَهُ: أَي الشَّرِيك أَن يحدث فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك حَدثا بِغَيْر إِذن شَرِيكه أَو يزِيد عَلَيْهِ.
وَأما الْجَائِز بِغَيْر إِذْنه فَلهُ صور: مِنْهَا: مَا هُوَ جَائِز بِاتِّفَاق، وَهُوَ مَا إِذا لم يكن عَلَيْهِ لوَاحِد مِنْهُمَا خشب فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك، وَلَا يكون لصَاحبه مَنعه وَلَكِن يُقَال لَهُ: ضع أَنْت مثل ذَلِك إِن شِئْت.(8/176)
وَمِنْهَا: مَا هُوَ جَائِز بالِاتِّفَاقِ أَيْضا، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ لَهُ جُذُوع ولشريكه أَكثر مِنْهَا فَلهُ الْمُسَاوَاة بِاتِّفَاق كلماتهم، كَمَا ستطلع عَلَيْهِ قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى، كَذَا قَالُوا.
وَأَقُول: هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهِي مَا إِذا كَانَت حمولته محدثة يَنْبَغِي أَن تكون عين الْمَسْأَلَة الاولى الْجَائِزَة بالانفاق، فَتَأمل.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد على قَول وَالرَّاجِح الاطلاق، وَهِي مَا إِذا كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر ذَلِك فَأَرَادَ أَن يحدث حمولة فالمرجح لَهُ أَن يحدث إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك.
وَقَالَ بَعضهم فِي هَذِه الصُّورَة: إِن كَانَت حمولة صَاحبه محدثة فَلهُ ذَلِك، وَإِن كَانَت قديمَة فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك.
ثمَّ فِي هَذِه الصُّورَة على الرَّاجِح قد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِن كَانَ الْحَائِط لَا يحْتَمل حمولتين يُؤمر الآخر بِرَفْع حمولته لتحصل التَّسْوِيَة مَعَ صَاحبه أَو بِرَفْع الْبَعْض لتمكن شَرِيكه من الْحمل فَهُوَ كالمهايأة.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُقَيّد بِعَدَمِ الْمضرَّة، وَهُوَ مَا إِذا كَانَ لَهما عَلَيْهِ حمولة وحمولة أَحدهمَا أَسْفَل من حمولة الآخر فَأَرَادَ هُوَ أَن يرفع حمولته ويضعها بِإِزَاءِ حمولة صَاحبه فَلهُ ذَلِك وَلَيْسَ لصَاحبه مَنعه، وَكَذَا لَو كَانَت حمولة أَحدهمَا فِي وسط الْجِدَار وحمولة الآخر فِي أَعْلَاهُ فَأَرَادَ أَن يضع حمولته فِي أَعلَى الْجِدَار لَهُ ذَلِك إِذا لم يدْخل على الاعلى مضرَّة، وَكَذَا إِذا أَرَادَ أَن يسفل الْجُذُوع، وَقَيده بَعضهم بِمَا إِذا انْهَدم أَو هدماه، لانه إِذا يحصل ذَلِك يحصل مضرَّة وَلَا بُد، والمدار فِي أَجنَاس هَذَا على عدم الضَّرَر.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ التعلي، وَهُوَ أَن يزِيد فِي أَعلَى الْجِدَار فِي هَوَاء الْمُشْتَرك كَانَ للْآخر مَنعه لانه تصرف فِي شئ مُشْتَرك، وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن مُحَمَّد، وَقيل لَا يمْنَع.
أَقُول وَالْحَاصِل: أَن فِي مَسْأَلَة التعلي ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا: لَهُ التعلي مُطلقًا.
ثَانِيهَا: لَهُ بِمَا إِذا لم يكن خَارِجا عَن الرَّسْم الْمُعْتَاد، وَاعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة والشرنبلالي.
ثَالِثهَا: الْمَنْع مُطلقًا، وَاعْتَمدهُ
قاضيخان وَاقْتصر عَلَيْهِ فِي الْخَيْرِيَّة فَكَانَ عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد، وبالعمل بِهِ صدر الامر السلطاني وَجرى عَلَيْهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة ألف وَمِائَتَيْنِ وَعشرَة.
قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا كَانَ الْحَائِط بَين رجلَيْنِ وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يضع عَلَيْهِ خشبا لَهُ ذَلِك، وَلَا يكون لصَاحبه أَن يمنعهُ عَن ذَلِك وَلَكِن يُقَال أَنْت ضع مثل ذَلِك إِن شِئْت، هَكَذَا حكى الامام النَّيْسَابُورِي.
وَكَانَ بَين هَذَا وَبَين مَا إذَا كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يزِيد عَلَيْهِ خشبا على خشب صَاحبه وَأَرَادَ أَن يتَّخذ سترا أَو يفتح كوَّة أَو بَابا حَيْثُ لَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا بِإِذن صَاحبه وَكَانَ لصَاحبه ولَايَة الْمَنْع.
وَالْفرق أَن الْقيَاس أَن لَا يكون لَهُ ولَايَة وضع الْخشب من غير إِذن شَرِيكه لانه تصرف فِي شئ مُشْتَرك، إِلَّا إِذا تركنَا الْقيَاس لضَرُورَة أَنا لَو منعناه عَن وضع الْخشب من غير إِذن شَرِيكه رُبمَا لَا يَأْذَن لَهُ شَرِيكه فِي ذَلِك، فتتعطل عَلَيْهِ مَنْفَعَة الْحَائِط.
وَهَذِه الصُّورَة مَعْدُومَة فِي زِيَادَة الْخشب وَفتح(8/177)
الكوة فَيرد لي الْقيَاس اهـ.
وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا من الْكتب الْمُعْتَبرَة، لكنه مُقَيّد فِي الْبَزَّازِيَّة بِمَا إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك، وَهَذَا الْقَيْد لَا بُد مِنْهُ فِي أَمْثَال هَذَا.
وَعبارَة الذَّخِيرَة أغفلته وقيدناه فِيمَا أسلفناه لَك، فَتنبه.
قَالَ السَّرخسِيّ فِي الْوَجِيز عَن النَّوَادِر حَائِط بَين رجلَيْنِ ولاحدهما عَلَيْهِ عشر خشبات وَللْآخر أَربع فَلصَاحِب الاربع أَن يتم عشر خشبات مثل صَاحبه وَلَيْسَ لَهُ الزِّيَادَة، وَإِن كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ خشب وَلَا شئ للْآخر عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَن يحمل مثل خشب صَاحبه، قيل لَهُ ذَلِك، وَقيل لَيْسَ لَهُ ذَلِك اهـ.
فَانْظُر كَيفَ نقل الْخلاف فِي الصُّورَة الثَّانِيَة وَلم يحكه فِي الاولى، وَالْفرق بَينهمَا وَاضح كَمَا ستقف عَلَيْهِ.
قَالَ برهَان الدّين الكركي فِي الْفَيْض من كتاب الْحِيطَان: حَائِط بَين رجلَيْنِ وَكَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع أَكثر من جُذُوع الآخر فَلصَاحِب الْقَلِيل أَن يزِيد فِي جذوعه حَتَّى تكون مثل جذوعه صَاحبه اهـ.
وَفِي الْعمادِيَّة: وَلَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل ذَلِك وَلم يفصلوا بَين الْقَدِيم والْحَدِيث اهـ.
قَالَ فِي الْخَانِية: وَلَو كَانَ الْحَائِط بَين دَاري رجلَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا يَدعِيهِ وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوع يقْضِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ هُوَ الْمُخْتَار، فَإِن كَانَت جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه حَتَّى تكون مثل جُذُوع الآخر، وَهَذَا إِذا كَانَ الْحَائِط يحْتَمل الزِّيَادَة، فَإِن كَانَ لَا يحْتَمل لَيْسَ لَهُ أَن يزِيد اهـ.
قلت: وَانْظُر إِلَى قَوْله وكل وَاحِد يَدعِيهِ إِلَى قَوْله يقْضِي نجده صَرِيحًا فِي أَنه لَا يلْزم فِي هَذِه الصُّورَة أَن يكون الْحَائِط ثَابتا بِالْبَيِّنَةِ بَينهمَا، خلافًا لمن وهم من أَنَّهَا لَا تثبت الْمُسَاوَاة فِي وضع الْجُذُوع إِلَّا إِذا ثَبت الْحَائِط لَهما بِالْبَيِّنَةِ، ومنشؤه أخذا من عبارَة الذَّخِيرَة وَذَلِكَ من عدم التَّأَمُّل بهَا.
وَحَاصِل عبارَة الذَّخِيرَة: أَن الْملك الثَّابِت بِنَوْع ظَاهر كالاتصال والتربيع لَا يصلح لابطال حق الآخر، لانا هَاهُنَا لم نبطل حق الآخر بل قصدنا الْمُسَاوَاة، نعم هَذَا يظْهر من يثبت لَهُ الْحَائِط بالتربيع وَكَانَ لصَاحبه جُذُوع فَلَيْسَ لَهُ أَن يرفع جُذُوع الآخر إِلَّا إِذا ثَبت الْحَائِط بِالْبَيِّنَةِ فَلهُ رفع جُذُوع لآخر كَمَا ستراه فِي عبارَة الذَّخِيرَة، هَذَا وَقد اتّفقت كلمتهم فِي كتاب الصُّلْح على أَنه لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر، فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل.
وَلما كَانَت هَذِه الْمَسْأَلَة اتفاقية قَاس عَلَيْهَا الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة، وَهِي مَا إِذا كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع وَأَرَادَ الآخر أَن يحدث جذوعا فَرجع هُوَ والحسام الشَّهِيد وهما من أهل التَّرْجِيح جَوَاز إِحْدَاث الْجُذُوع أَيْضا مُطلقًا قديمَة كَانَت الاولى أَو لَا، وَإِن كَانَ بَعضهم قد أبدى فرقا بَين الحديثة والقديمة كَمَا ستطلع عَلَيْهِ.
قَالَ الحسام الشَّهِيد فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَو كَانَ لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَلَيْسَ للْآخر عَلَيْهِ حمولة وَيُرِيد الَّذِي لَا حمولة لَهُ أَن يضع على هَذَا الْجِدَار حمولة مثل حمولة شَرِيكه، إِن كَانَت حمولته عَلَيْهَا محدثة فللآخر أَن يضع عَلَيْهِ حمولة مثلهَا، وَإِن كَانَت الحمولة الَّتِي لَهُ قديمَة فَلَيْسَ للْآخر أَن يضع حمولة.
قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: للْآخر أَن يضع عَلَيْهِ حمولة مثل حمولة صَاحبه إِن كَانَ الْحَائِط يحْتَمل مثل ذَلِك مُطلقًا:(8/178)
أَي سَوَاء كَانَت حمولة صَاحبه محدثة أَو قديمَة، أَلا ترى أَن أَصْحَابنَا قَالُوا فِي كتاب الصُّلْح: لَو كَانَ جُذُوع أَحدهمَا أَكثر فللآخر أَن يزِيد فِي جذوعه إِن كَانَ يحْتَمل ذَلِك، وَلم يشترطوا لَا قَدِيما وَلَا حَدِيثا.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم: فِي حَائِط بَين رجلَيْنِ لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع فَأَرَادَ الآخر أَن ينصب عَلَيْهِ جذوعا فَمَنعه من ذَلِك صَاحبه والجدار لَا يحْتَمل ذَلِك: أَي الحملين يُقَال لصَاحب الْجُذُوع إِن شِئْت فحط حملك لتستوي مَعَ صَاحبك ك، وَإِن شِئْت فحط عَنهُ مَا يُمكن شريكك من الْحمل، لَان الْبناء الَّذِي عَلَيْهِ إِن كَانَ بِغَيْر رضَا صَاحبه فَهُوَ مُعْتَد ظَالِم، وَإِن كَانَ بِإِذن صَاحبه فَهُوَ عَارِية، أَلا يرى أَن دَارا بَين رجلَيْنِ وَأَحَدهمَا ساكنها، فَأَرَادَ الآخر أَن يسكن مَعَه وَالدَّار لَا تسع لسكنهما فَإِنَّهُمَا يتهايان بهَا، كَذَا هُنَا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: وروينا عَن أبي بكر خلاف هَذَا، وَبقول أبي الْقَاسِم نَأْخُذ.
وَوجه الْقَائِل بِالْمَنْعِ الْفرق، لجَوَاز أَن يكون هَذَا مُسْتَحقّا لاحدهما من أصل الْملك وَذَلِكَ حَال الْقِسْمَة بِأَن يَقع الْحَائِط بِنَصِيب أَحدهمَا وَيكون للْآخر عَلَيْهِ حق الْخشب، أما تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَهِي مَا لَو كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا عَلَيْهِ خشبات فَفِيهَا دلّ على أَن التَّصَرُّف فِي الِابْتِدَاء ثَبت لَهما فَيثبت بعد ذَلِك لَهما.
كَذَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة لِابْنِ الشّحْنَة.
أَقُول: وَمُقْتَضى كَلَامه أَن الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة اتفاقية، فَافْهَم.
وَالْحَاصِل: أَن كلا الشَّرِيكَيْنِ إِذا لم يكن لَهما عَلَيْهِ حمولة صَاحبه كَانَ لكل وَاحِد مِنْهَا وضع حمولة بِلَا إِذن شَرِيكه اتِّفَاقًا، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا كَانَ لَهُ حمولة أنقص من حمولة صَاحبه كَانَ لَهُ الْمُسَاوَاة اتِّفَاقًا أَيْضا، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا كَانَ لَهُ حمولة وَالثَّانِي لَا حمولة لَهُ كَانَ لَهُ أَن يُسَاوِي مَعَ صَاحبه، على مَا رَجحه أَبُو اللَّيْث والحسام الشَّهِيد قِيَاسا على الْمَسْأَلَة الاتفاقية كَمَا تقدم، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أَرَادَ أَن يسفل الْجُذُوع أَو يعليها أَو يتوسط بهَا للمساواة عِنْد عدم الضَّرَر لَهُ ذَلِك، وَأَن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أَرَادَ أَن يعلي بِأَن يزِيد فِي الْجِدَار فِي هَوَاء مُشْتَرك لم يكن للْآخر مَنعه، والمروي عَن مُحَمَّد لَهُ الْمَنْع، وَلذَا قدمه ابْن وهبان فِي الْمَنْظُومَة بقوله:
وَمَا لِشَرِيكٍ أَنْ يُعَلِّيَ حَيْطَهُ وَقِيلَ التَّعَلِّي جَائِز فيعمر وعَلى الْمَنْع مُطلقًا مَشى فِي الْخَانِية فَلْيَكُن هُوَ الْمعول.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ: وَلَو أَرَادَ أَحدهمَا نزع جذوعه من الْحَائِط فَلهُ ذَلِك لَو لم يصر بِالْحَائِطِ.
وَفِيه: انْهَدم حَائِط بَينهمَا فَبنى أَحدهمَا فَإِنَّهُ وَجْهَيْن: إِمَّا عَلَيْهِ حمولة أَو لَا.
والاحكام ثَلَاثَة: أَحدهَا طلب أَحدهمَا قسْمَة عَرصَة الْحَائِط وأبى الآخر.
وَالثَّانِي أَرَادَ أَحدهمَا أَن يبْنى ابْتِدَاء بِلَا طلب الْقِسْمَة وأبى الآخر.
وَثَالِثهَا لَو بناه بِلَا إِذن شريكة هَل يرجع عَلَيْهِ بشئ.
أما الْوَجْه الاول وَهُوَ عدم الحمولة عَلَيْهِ، فَأَما الحكم الاول وَهُوَ طلب الْقِسْمَة وإباء الآخر فقد ذكر فِي بعض الْمَوَاضِع مُطلقًا أَنه لَا يجْبر، وَبِه نَأْخُذ ص.
أما لَو لم تكن عَرصَة الْحَائِط عريضة بِحَيْثُ لَو قسمت لَا يُصِيب كلا مِنْهُمَا شئ يُمكنهُ أَن يَبْنِي فِيهِ فَظَاهر لتعنته فِي طلب الْقِسْمَة، وَأما لَو عريضة بِحَيْثُ يُصِيب كلا مِنْهُمَا مَا يُمكن الْبناء فِيهِ فلَان القَاضِي لَو قسم يقرع بَينهمَا، وَرُبمَا يخرج فِي قرعَة كل مِنْهُمَا مَا يَلِي دَار شَرِيكه فَلَا ينْتَفع بِهِ فَلَا تقع الْقِسْمَة مفيدة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ م فِيمَا روى عَنهُ هِشَام: انْهَدم حَائِط بَينهمَا فَقَالَ أَحدهمَا أقسم وَالْآخر أَبى قَالَ لَا أقسم بَينهمَا إِذْ رُبمَا يُصِيب كلا(8/179)
مِنْهُمَا مَا يَلِي دَار شَرِيكه.
وَبَعض الْمَشَايِخ قَالُوا: لَو كَانَ القَاضِي لَا يرى الْقِسْمَة إِلَّا بإقراع لَا يَسْتَقِيم لما مر.
وَأما لَو يَرَاهَا بِلَا إقراع فيقسمه لَو كَانَت الْعَرَصَة عريضة على وَجه مر وَيجْعَل نصيب كل مِنْهُمَا مِمَّا يَلِي دَاره تتميما للمنفعة عَلَيْهِمَا.
مطلب: لَو كَانَت عَرصَة الْحَائِط عريضة تقسم بَينهمَا وَيُعْطى كلا من جِهَة دَاره بِلَا قرعَة وَيجْبر الآبي بِهِ يُفْتى وَقَالَ ص: لَو عريضة فَالْقَاضِي يجْبر الآبي على كل حَال وَبِه يُفْتى، إِذْ الْعَرَصَة لَو عريضة على وَجه مر فطالب الْقِسْمَة طلب بهَا تتميم الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ فَيجْبر شَرِيكه عَلَيْهِ كدار وَأَرْض.
س: يجْبر الآبي على قسْمَة حَائِط بَينهمَا وَذكر الْجَبْر بِلَا فصل بَين العريضة وَغَيرهَا اهـ.
أَقُول: يُؤْخَذ من هَذَا جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي دَار لزيد وَدَار أُخْرَى مُشْتَركَة بَينه وَبَين عَمْرو
أَرَادَ زيد قسمتهَا وَأخذ حِصَّته مِنْهَا من جِهَة دَاره حَيْثُ لَا يُمكن الِاتِّصَال إِلَيْهَا إِلَّا من دَاره وَالدَّار قَابِلَة للْقِسْمَة والمعادلة مُمكنَة فللقاضي قسمتهَا على هَذَا الْوَجْه وَإِن لم يرض عَمْرو بذلك، وَلَا تلْزم الْقرعَة فِي هَذَا، على أَن الْقرعَة لَيست بواجبة على القَاضِي، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنهم قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَن يقرع بَينهمَا تطييبا لقلوبهما، وَلَا نقُول إِن يَنْبَغِي هُنَا بِمَعْنى يجب لما أَنهم صَرَّحُوا فِي غير مَا كتاب أَنَّهَا مُسْتَحبَّة، لَا سِيمَا وَفِيه رفع الضَّرَر عَن أَحدهمَا وَعدم الضَّرَر بِالْآخرِ، فَتَأمل وراجع.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ: الحكم الثَّانِي أَرَادَ أَحدهمَا أَن يبْنى ابْتِدَاء بِلَا طلب الْقِسْمَة وأبى الآخر، فَلَو عَرصَة الْحَائِط عريضة بِحَيْثُ لَو قسمت أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يُمكنهُ أَن يَبْنِي فِيهِ حَائِطا لنَفسِهِ لَا يجْبر على الْبناء فِي ملك شَرِيكه إِلَّا إِذا تضرر شَرِيكه بِتَرْكِهِ وَلَا ضَرَر هُنَا، وَلَو غير عريضة فَاخْتلف الْمَشَايِخ، قِيلَ لَا يُجْبَرُ، وَقِيلَ يُجْبَرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، إِذا بِتَرْكِهِ يتَضَرَّر شَرِيكه بتعطيل مَنَافِع الْحَائِط والباني لَا يتَضَرَّر إِذْ يحصل لَهُ بدل مَا أنْفق، وَمَال إِلَى الثَّانِي الشَّيْخ الامام الْجَلِيل أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْفضل وَالشَّيْخ الامام الاجل شمس الائمة.
الحكم الثَّالِث: لَو بنى أَحدهمَا بِلَا إِذن شَرِيكه هَل يرجع على شَرِيكه بشئ؟ اخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِ: قيل لَا يرجع مُطلقًا، وَهَكَذَا ذكر فِي كتاب الاقضية، وَهَكَذَا ذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّوَازِل عَن أَصْحَابنَا.
وَقيل لَو عريضة على مَا بَينا لَا يرجع لانه غير مُضْطَر فِيهِ، وَإِن كَانَت غير عريضة يرجع.
قلت: لاحدهما أَن يمْتَنع من الْبناء إِذْ لَهُ أَن يقاسم أَرض الْحَائِط نِصْفَيْنِ، وَلَو بنى أَحدهمَا لَا يرجع على شَرِيكه إِذْ لَيْسَ لَهُ أَخذه بِالْبِنَاءِ.
الْوَجْه الثَّانِي: لَو كَانَ على الْحَائِط حمولة بِأَن كَانَ عَلَيْهِ جُذُوع فَهُوَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا وَهُوَ مَا لَو كَانَ لَهما عَلَيْهِ جُذُوع وَطلب أَحدهمَا قسْمَة عَرصَة الْحَائِط لَا يجْبر شَرِيكه عَلَيْهَا إِلَّا عَن ترَاض مِنْهُمَا وَلَو عريضة على مَا بَينا إِذْ تعلق حق كل مِنْهُمَا بِكُل الْعَرْصَةِ وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ، فَلَو قسمت بِلَا رضَا أَحدهمَا يسْقط عَمَّا حصل لشَرِيكه بِلَا رِضَاهُ وَأَنه لم يجز، فَإِذا أَرَادَ أَحدهمَا الْبناء وأبى الآخر قَالَ ض: لَا يجْبر لَو عريضة.
وَذكر شيخ الاسلام أَنه لَا يجْبر بِلَا تَفْصِيل.
ذكر شح أَنه يجْبر من غير تَفْصِيل، وَبِه يُفْتى.
إِذا فِي عدم الْجَبْر تَعْطِيل حق شَرِيكه إِذْ لَهُ حق وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ.
وَلَوْ بَنَى أَحدهمَا بِدُونِ إِذن شَرِيكه، قيل لَو عريضة على مَا فسرنا لَا يرجع الْبَانِي وَيكون
مُتَطَوعا، وَكَذَا عَن مُحَمَّد وَهُوَ الصَّحِيح، إِذْ للثَّانِي حق وضع الْجُذُوع على جَمِيع الْحَائِط وَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِبِنَاء جَمِيع الْحَائِط فَكَانَ مُضْطَرّا فِي الْبناء فَلَا تبرع، كَمَا لَو غير عريضة فبناه أَحدهمَا اهـ.
وَفِي(8/180)
الْهِنْدِيَّة: هَكَذَا ذكر الْخصاف فِي نفقاته.
وَبَعض مَشَايِخنَا قَالُوا: لَا يكون مُتَطَوعا، وَإِلَيْهِ إشار فِي كتاب الاقضية، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن سَمَّاعَة فِي نوادره رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الاصح.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: مَرَّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ شَرِيكَهُ يُجْبَرُ على الْبناء وَلَا اضطرار فِيمَا يجْبر، وسيجئ تَحْقِيقه فَيَنْبَغِي أَن تكون الْفَتْوَى على أَنه مُتَبَرّع، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَإِن كَانَ بناه بِإِذْنِهِ لَيْسَ لَهُ أَن يمنعهُ، لَكِن يرجع عَلَيْهِ بِنصْف مَا أنْفق.
كَذَا فِي فتاوي قاضيخان.
صل: انْهَدم حائطهما وَعَلِيهِ جُذُوع لاحدهما وَطلب رب الْجُذُوع الْبناء من شَرِيكه لَا يجْبر عَلَيْهِ وَيُقَال لَهما إِن شئتما اقْتَسمَا أَرض الْحَائِط، وَلَو شَاءَ رب الْجُذُوع الْبناء وَأَرَادَ الآخر الْقِسْمَة يقسم بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
الْوَجْه الثَّانِي من هَذَا الْوَجْه: لَو لاحدهما عَلَيْهِ حمولة وَطلب هُوَ الْقِسْمَة وَأبي الاخير يجْبر الآبي لَو عريضة كَمَا مر وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ يُفْتَى وَلَوْ أَرَادَ ذُو الْحُمُولَةِ الْبِنَاءَ وَأَبَى الْآخَرُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْبَرُ لما مر فِيمَا لَهما عَلَيْهِ حمولة.
وَلَو بنى ذُو الحمولة فَحكمه حكم مَالهمَا عَلَيْهِ حمولة فَالصَّحِيح أَنه يرجع لما مر ثمَّة أَنه مُضْطَر.
وَلَو بناه الآخر وعرصة الْحَائِط عريضة كَمَا مر فَهُوَ مُتَبَرّع إِذا لم يضر فِي الْبناء إِذْ لَا يجْبر بِهِ حَقًا لنَفسِهِ، ثمَّ فِي كل مَحل لم يكن الْبَانِي مُتَبَرعا كَمَا لَهُ أَو لَهما عَلَيْهِ حمولة كَانَ للباني مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ عَلَى مَا اخْتلفُوا فِيهِ على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَلَو قَالَ صَاحبه أَنا لَا أتمتع بِالْبِنَاءِ هَل يرجع الْبَانِي؟ قيل لَا يرجع، وَقيل يرجع.
شجي: رب الْعُلُوّ يرجع على رب السّفل بِقِيمَة السّفل مَبْنِيا لَا بِمَا أنْفق.
فض يرجع بِمَا أنْفق فِي السّفل، وَأما فِي الْحَائِط الْمُشْتَرك فَيرجع بِنصْف مَا أنْفق.
وَاسْتحْسن بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالُوا: لَو بنى بِأَمْر القَاضِي يرجع بِمَا أنْفق، وَلَو بنى بِلَا أَمر
القَاضِي رَجَعَ بِقِيمَة الْبناء.
لاحدهما بِنَاء وأبى جَاره أَن يَبْنِي لَا يجْبر قَالَ ت: هُوَ الْقيَاس وَهُوَ قَول عُلَمَائِنَا وَقَالَ بَعضهم: لَا بُد من بِنَاء يكون سترا بَينهمَا وَبِه نَأْخُذ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابنَا إِنَّه لَا يجْبر لانهم كَانُوا فِي زمن الصّلاح، أما فِي زَمَاننَا فَلَا بُد من حاجز بَينهمَا.
جص: جِدَار بَين كرمين لِرجلَيْنِ انْهَدم فاستعدى أَحدهمَا على السُّلْطَان لما أَبى شَرِيكه أَن يَبْنِي فَأمر السُّلْطَان بِنَاء بِرِضا المستعدي أَن يبنيه على أَن يَأْخُذ الاجر مِنْهُمَا فَلهُ أَخذه مِنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو بكر: انْهَدم جِدَار بَينهمَا وَأَحَدهمَا غَائِب فبناه الْحَاضِر فِي ملكه من خشب وَبَقِي مَوضِع الْحَائِط على حَاله ثمَّ قدم الْغَائِب فَأَرَادَ أَن يَبْنِي على طرف الْحَائِط مِمَّا يَلِي جَاره وَيجْعَل ساحة الْحَائِط إِلَى ملكه لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَلَو أَرَادَ أَن يَبْنِي حَائِطا غلظه كالاول أَو يَبْنِي أدق مِنْهُ فِي وسط الاس ويدع الْفضل من أسه مِمَّا يَلِي ملكه لَهُ ذَلِك.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَمثله فِي نور الْعين.
لَكِن قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: جِدَار بَين رجلَيْنِ انْهَدم وَأحد الجارين غَائِب فَبنى الْحَاضِر فِي ملكه جدارا من خشب وَترك مَوضِع الْحَائِط على حَاله فَقدم الْغَائِب فَأَرَادَ أَن يَبْنِي الْحَائِط فِي الْموضع الْقَدِيم وَمنعه الآخر.
قَالَ الْفَقِيه أَبُو بكر: إِن أَرَادَ الَّذِي قدم أَن يَبْنِي على مَوضِع طرف الْحَائِط مِمَّا يَلِيهِ جَازَ، وَإِن جعل ساحة أس الْحَائِط إِلَى جَانب نَفسه لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَإِن أَرَادَ أَن يَبْنِي الْحَائِط كَمَا كَانَ(8/181)
أَو أدق مِنْهُ وَيتْرك الْفضل من الْجَانِبَيْنِ سَوَاء لَهُ ذَلِك.
كَذَا فِي فتاوي قاضيخان فِي الْحِيطَان.
اهـ أَقُول: وَهَذَا أشبه بالقواعد، وَلم يظْهر لي مَا نَقله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَتَبعهُ فِي نور الْعين.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَقَالَ فِي جِدَار بَينهمَا وَلكُل مِنْهُمَا عَلَيْهِ حُمُولَةٌ فَوَهَى الْحَائِطُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا رَفْعَهُ لِيُصْلِحَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدُ الْإِصْلَاحِ لِلْآخَرِ ارْفَعْ حُمُولَتَكَ بِأُسْطُوَانَاتٍ وَعُمُدٍ وَيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُرِيد رَفعه فِي وَقت كَذَا وَيشْهد عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ رَفْعُ الْجِدَار، فَلَو سقط حمولته لم يضمن.
فض: حَائِطٌ بَيْنَهُمَا وَهَى وَخِيفَ سُقُوطُهُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يُجْبَرُ عَلَى نَقْضِهِ، وَلَوْ
هَدَمَا حَائِطًا بَيْنَهُمَا فَأَبَى أَحَدُهُمَا عَنْ بِنَائِهِ يُجْبَرُ، وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنَّهُ يَبْنِي الْآخَرُ فَيَمْنَعُهُ حَتَّى يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ لَوْ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَنِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ لَو أنْفق بِلَا أَمر القَاضِي انْتهى.
أَقُول: قَوْله لَا يجْبر صَرِيح فِي أَنه لَيْسَ للْآخر مَنعه من الْبناء لَان لَهُ غَرضا فِي وُصُوله إِلَى حَقه، فَلَا يُقَال هُوَ تصرف فِي الْمُشْتَرك فَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يكون يجوز بِدُونِ رضَا الشَّرِيك.
وَأَقُول: قيد بقوله وهى لانه لَو لم يكن كَذَلِك لَا يملك هَدمه وبناءه لانه تصرف فِي الْمُشْتَرك، وَلَا بُد وَأَن يكون معنى قَوْله وَلكنه يبْنى: أَي بِغَيْر النَّقْض الْمُشْتَرك، أما بِهِ لَا لانه تصرف فِي الْمُشْتَرك.
تَأمل رملي.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ برمز ت: قَالَ أَبُو بكر فِي جِدَار بَينهمَا وَبَيت أَحدهمَا أَسْفَل وَبَيت الآخر أَعلَى قدر ذِرَاع أَو ذراعين فانهدم فَقَالَ ذُو الاعلى لذِي الاسفل ابْن لي حذاء أسي ثمَّ نَبْنِي جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ ذَلِك، بل يبنيانه جَمِيعًا من أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ.
قَالَت: وَلَو بَيت أَحدهمَا أَسْفَل بأَرْبعَة أَذْرع أَو نَحْوهَا قدر مَا يُمكن أَن يتَّخذ بَيْتا فإصلاحه على ذِي الاسفل حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مَحل الْبَيْت الآخر لانه كحائطين سفل وعلو، وَقيل: يبنيان الْكل.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: فِي حَائِط بَينهمَا عَلَيْهِ لاحدهما غرفَة وَللْآخر سقف بَيت فهدما الْحَائِط من أَسْفَله ورفعا أَعْلَاهُ بأساطين ثمَّ اتفقَا حَتَّى يبنيا فَلَمَّا بلغ الْبناء مَوضِع سقف هَذَا أَبى رب السّقف أَن يَبْنِي بعمده لَا يجْبر أَن ينْفق فِيمَا جاوزه.
وَقَالَ: حَائِط بَينهمَا انْهَدم جَانب مِنْهُ فَظهر أَنه ذُو طاقين متلاصقين فَأَرَادَ أَحدهمَا رفع جِدَاره وَزعم أَن الْجِدَار الْبَاقِي يَكْفِي للْآخر ستْرَة بَينهمَا وَزعم الآخر أَن جِدَاره لَو بَقِي ذَا طاق يهي وينهدم، فَلَو سبق مِنْهُمَا إِقْرَار أَن الْحَائِط بَينهمَا قبل أَن يتَبَيَّن أَنه حائطان فكلاهما بَينهمَا، وَلَيْسَ لاحدهما أَن يحدث فِي ذَلِك شَيْئا إِلَّا بِإِذن الآخر، وَلَو أقرّ أَن كل حَائِط لصَاحبه فَلِكُل مِنْهُمَا أَن يحدث فِيهِ مَا أحب.
قاضيخان.
حَائِط بَين رجلَيْنِ انْهَدم فبناه أَحدهمَا عِنْد غيبَة شَرِيكه.
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: إِن بناه ينْقض الْحَائِط الاول فَهُوَ مُتَبَرّع وَلَا يكون لَهُ أَن يمْنَع شَرِيكه من الْحمل عَلَيْهِ، وَإِن بناه بِلَبن أَو خشب من قبل نَفسه فَلَيْسَ للشَّرِيك أَن يحمل على الْحَائِط حَتَّى يُؤَدِّي نصف قيمَة الْحَائِط.
أَرَادَ أَحدهمَا نقض جِدَار مُشْتَرك وأبى الآخر فَقَالَ لَهُ صَاحبه أَنا أضمن لَك كل شئ ينهدم لَك من بَيْتك وَضمن ثمَّ نقض الْجِدَار بِإِذن شَرِيكه فانهدم من منزل الْمَضْمُون لَهُ شئ لَا يلْزمه ضَمَان ذَلِك، وَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا لَو قَالَ رجل لآخر ضمنت لَك مَا يهْلك من مَالك لَا يلْزمه شئ.
خُلَاصَة.(8/182)
حَائِطٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَبَنَى أَحدهمَا للباني أَن يمْنَع الآخر من وضع الْخشب على الْحَائِط حَتَّى يُعْطِيهِ نصف الْبناء مَبْنِيا.
وَفِي الاقضية: حَائِط بَين اثْنَيْنِ أَرَادَ أَحدهمَا نقضه وأبى الآخر: لَو بِحَال لَا يخَاف سُقُوطه لَا يجْبر، وَلَو يخَاف فَعَن الفضلي أَنه يجْبر، فَإِن هدما وَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يَبْنِي وأبى الآخر لَو أس الْحَائِط عريضا يُمكنهُ بِنَاء حَائِطه فِي نصِيبه بعد الْقِسْمَة لَا يجْبر الشَّرِيك، وَلَو لم يُمكن يجْبر، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
وَتَفْسِير الْجَبْر أَنه إِن لم يُوَافقهُ الشَّرِيك فَهُوَ ينْفق على الْعِمَارَة، وَيرجع على الشَّرِيك بِنصْف مَا أنْفق لَو أس الْحَائِط لَا يقبل الْقِسْمَة.
وَفِي فَتَاوَى الفضلي: وَلَو هدماه وأبى أَحدهمَا عَن الْبناء يجْبر، وَلَو انْهَدم لَا يجْبر، وَلَكِن يمْنَع من الِانْتِفَاع بِهِ مَا لم يسْتَوْف نصف مَا أنْفق فِيهِ مِنْهُ إِن فعل ذَلِك بِقَضَاء القَاضِي، وَلَو بِغَيْر قَضَاء فَنصف قيمَة الْبناء، وَإِن انْهَدم أَو خيف وُقُوعه فهدم أَحدهمَا لَا يجْبر الآخر على الْبناء.
وَلَو كَانَ الْحَائِط صَحِيحا فهدمه أَحدهمَا بِإِذن الآخر لَا شكّ أَنه يجْبر الهادم على الْبناء إِن أَرَادَ الآخر الْبناء كَمَا لَو هدماه.
وَعَن ابْن أبي سَلمَة: لَو لَهما عَلَيْهِ حمولة وانهدم وأبى الآخر الْعِمَارَة فَبنى أَحدهمَا يمْنَع الآخر من وضع الحمولة حَتَّى يُؤَدِّي نصف مَا أنْفق، وَإِن لم يكن عَلَيْهِ حمولة لَا يجْبر على الْعِمَارَة وَلَا يرجع بشئ لانه بِمَنْزِلَة الستارة، وَهَذَا كُله إِذا أنْفق فِي الْعِمَارَة بِغَيْر إِذن صَاحبه، فَلَو بِإِذْنِهِ أَو بِأَمْر الْحَاكِم يرجع عَلَيْهِ بِنصْف مَا أنْفق.
وَفِي الْبناء الْمُشْتَرك: لَو أَحدهمَا غَائِبا فهدم الآخر بِإِذن القَاضِي أَو بِلَا إِذْنه لَكِن بنى بِإِذن القَاضِي فَهُوَ كإذن شَرِيكه لَو حَاضرا فَيرجع عَلَيْهِ بِمَا أنْفق لَو حضر.
كَذَا فِي نور الْعين.
أَقُول: أما قَوْله وَإِن لم يكن عَلَيْهِ حمولة لَا يجْبر الخ هَذَا على جَوَاب الْمُتَقَدِّمين.
وَأما على مَا
اخْتَارَهُ الْمُتَأَخّرُونَ من أَنه إِذا كَانَ لَهُ حرم فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا لَو كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حمولة، فَتَأمل وراجع.
قَوْله: (فَلَا يسْقط بإبراء) أَي عَن رفع الْجُذُوع، لَان الابراء لَا يكون فِي الاعيان بل عَمَّا فِي الذِّمَّة.
قَوْله: (وَلَا صلح) بشئ عَن الْوَضع لجَهَالَة مُدَّة الْوَضع.
قَوْله: (وَبيع) أَي إِذا بَاعَ الْوَاضِع أَو الْمَوْضُوع على حَائِط دَاره فَلِلْمُشْتَرِي حق الْمُطَالبَة بِالرَّفْع.
وَذكر الْحَمَوِيّ أَن المُرَاد بِالْبيعِ بيع الْحَائِط الْمَوْضُوع عَلَيْهِ الْجُذُوع وإجارتها.
قَوْله: (وَإِجَارَة) أَي إِذا آجر دَاره مِنْهُ لَا تسْقط الْمُطَالبَة بِالرَّفْع بالاجارة.
قَوْلُهُ: (أَشْبَاهٍ مِنْ أَحْكَامِ السَّاقِطِ لَا يَعُودُ) صَوَابه: لَا يقبل الاسقاط من الْحُقُوق وَمَا لَا يقبله وَهُوَ قبله، وَلذَا قَالَ ط: وَلم أَقف عَلَيْهِ.
وَسَيَأْتِي للشَّارِح فِي الْعَارِية عَن الاشباه تَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ فِيمَا إذَا اسْتَعَارَ جِدَارَ غَيْرِهِ لِوَضْعِ جُذُوعِهِ فَوَضَعَهَا ثُمَّ بَاعَ الْمُعِيرُ الْجِدَارَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَفْعُهَا، وَقِيلَ نَعَمْ إلَّا إذَا شَرَطَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ.
قُلْت: وَبِالْقِيلِ جَزَمَ فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا، وَكَذَا قاضيخان مِنْ بَابِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا من الْفَصْل الاول، وَمثله فِي الاشباه من الْعَارِية، لَكِن فِيهِ أَن الشَّرْط إِذا كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعقل لَا يلائمه وَفِيه نفع لَاحَدَّ الْمُتَعَاقدين أَو لآخر من أهل الِاسْتِحْقَاق وَلم يتعارف بَين النَّاس يفْسد البيع،(8/183)
فَلَو كَانَ متعارفا كَبيع نعل على أَنه يحذوه البَائِع فَالْبيع صَحِيح للْعُرْف.
تَأمل.
قَوْله: (وَذُو بَيت) يَعْنِي إِذا كَانَ بَيت من دَار فِيهَا بيُوت كَثِيرَة فِي يَد رجل والبيوت الْبَاقِيَة فِي يَد آخر.
قَوْله: (فِي حق ساحتها) بِالْحَاء الْمُهْملَة هِيَ عَرصَة فِي الدَّار أَو بَين يَديهَا.
قَالَ فِي شرح الطَّحَاوِيّ: وَلَو كَانَ الْعُلُوّ فِي يَد أَحدهمَا والسفل فِي يَد آخر والساحة فِي أَيْدِيهِمَا وَلم يكن لَهما بَيِّنَة وحلفا وكل مِنْهُمَا يَدعِي الْجَمِيع يتْرك السّفل فِي يَد صَاحبه والعلو كَذَلِك والساحة لصَاحب السّفل، وَلِصَاحِب الْعُلُوّ حق الْمُرُور فِي رِوَايَة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى الساحة بَينهمَا نِصْفَانِ.
اهـ.
قَوْله: (فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ) لانهما اسْتَويَا فِي اسْتِعْمَال الساحة فِي الْمُرُور وَوضع الامتعة وَكسر الْحَطب وَنَحْو ذَلِك وَلم تكن فِي يَد أَحدهمَا دون الآخر وهما فِي ذَلِك سَوَاء فتنصف بَينهمَا كالطريق، لَان التَّرْجِيح بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود: وَاعْلَم أَن الْقِسْمَة على الرؤوس: فِي السَّاحَةِ وَالشُّفْعَةِ وَأُجْرَةِ الْقَسَّامِ وَالنَّوَائِبِ: أَيْ الْهَوَائِيَّةَ الْمَأْخُوذَةَ ظُلْمًا وَالْعَاقِلَةِ وَمَا يُرْمَى مِنْ الْمركب خوف الْغَرق والحريق اهـ.
قَوْله: (كالطريق) فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهَا صَاحب الْبَيْت وَصَاحب الْمنزل وَصَاحب الدَّار.
اتَّقَانِي.
وَصَاحب بَيت وَصَاحب بيُوت.
قَالَ فِي الْقنية: الطَّرِيق يقسم على عدد الرؤوس، لَا بِقدر ساحة الْأَمْلَاكِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ الْأَنْصِبَاءِ، وَفِي الشُّرْبِ مَتَى جَهِلَ قَدْرَ الْأَنْصِبَاءِ يُقْسَمُ عَلَى قدر الاملاك لَا الرؤوس اهـ.
وَاعْترض بِأَن الْبيُوت الْكَثِيرَة تجمع عَادَة جمعا كثيرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَيْت الْوَاحِد فَيكون احتياجهم إِلَى نَحْو التوضي أَكثر وقوعا فَيَنْبَغِي أَن يرجح صَاحبهَا وَلَا أقل أَن يُسَاوِي.
أَقُول: الْمَسْأَلَة من مسَائِل الْجَامِع الصَّغِير، والمجتهد لَيْسَ بغافل عَن مثل هَذِه الملاحظة، فاللازم علينا أَن نلاحظ وَجه الاستنباط وَذَا هُنَا أَنه ثَبت فِي أصولهم أَن التَّرْجِيح لَا يَقع بِكَثْرَة الْعِلَل فتفرع عَلَيْهِ مسَائِل جمة: مِنْهَا هَذِه الْمَسْأَلَة، وَمِنْهَا مَسْأَلَة أَنه لَا يرجح صَاحب الْجِرَاحَات على صَاحب جِرَاحَة وَاحِدَة، فَإِنَّهُ إِذا مَاتَ الْمَجْرُوح يجب الْقصاص عَلَيْهِمَا فِي الْعمد وَالدية نِصْفَيْنِ فِي الْخَطَأ حَيْثُ لم يعتبروا عدد الْجِرَاحَات مَعَ إِمْكَان اعْتِبَار تَقْسِيم الدِّيَة عَلَيْهَا، فَكَذَا لم يعتبروا تعدد الْبيُوت فِي تَقْسِيم الساحة عَلَيْهَا فضلا أَن يرجح صَاحبهَا وَيحكم بِكُل الساحة لَهُ سوى حق الْمُرُور لصَاحب الْبَيْت.
تدبر.
قَوْله: (بِخِلَاف الشّرْب) لَان الشّرْب يحْتَاج إِلَيْهِ لاجل سقِِي الارض، فَعِنْدَ كَثْرَة الاراضي تكْثر الْحَاجة إِلَيْهِ فَيقدر بِقدر الاراضي منح.
وَفِي الثَّالِث عشر من الْبَزَّازِيَّة: دَارٌ فِيهَا عَشَرَةُ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ وَبَيْتٌ وَاحِدٌ لِرَجُلٍ تَنَازَعَا فِي السَّاحَةِ أَوْ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ تَنَازَعَا فِيهِ فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِفضل الْيَد، كَمَا لَا اعْتِبَار لفضل الشُّهُود لبُطْلَان التَّرْجِيح بِكَثْرَة الادلة.
اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ جُهِلَ أَصْلُ الْمِلْكِ، أَمَّا لَوْ عُلِمَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ تَقَاسَمُوا الْبُيُوتَ مِنْهَا فَالسَّاحَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قدر الْبيُوت.
قَوْله: (يقدر بالارض بِقَدْرِ سَقْيِهَا) فَعِنْدَ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَرَاضِي.
بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْلَاكِ كَالْمُرُورِ(8/184)
فِي الطَّرِيق.
زَيْلَعِيّ.
قَوْله: (برهنا أَي الخارجان الخ) أَي إِن لكل يَد فِيهَا، وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَت فِي أَيْدِيهِمَا لانهما فِي حَالَة الدَّعْوَى خارجان، وَعبارَة الشَّارِح هُنَا تبع فِيهَا الدُّرَر والمنح.
وَعبارَة الزَّيْلَعِيّ كَغَيْرِهَا تفِيد أَنَّهُمَا ذُو أيد.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ خَ: ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ وَفِي يَدِهِ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا فَالْيَمِينُ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ عَلَيْهِ لَمَّا ادَّعَى الْيَدَ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ وَيَصِيرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُدَّعِيًا، وَلَوْ بَرْهَنَا يُجْعَلُ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي إثْبَاتِ الْيَدِ.
وَفِي دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْعَقَارِ لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ، وَدَعْوَى الْيَدِ تُقْبَلُ عَلَى غَيْر ذِي الْيَدِ لَوْ نَازَعَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي الْيَدِ فَيُجْعَلُ مُدَّعِيًا لِلْيَدِ مَقْصُودا ومدعيا للْملك تبعا اهـ.
وَفِي الْكِفَايَةِ: وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: فَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينَ صَاحِبِهِ مَا هِيَ فِي يَدِهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هِيَ فِي يَد صَاحبه على الْبَتَات فَإِن حلفا لَمْ يُقْضَ بِالْيَدِ لَهُمَا وَبَرِئَ كُلٌّ عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتُوقَفُ الدَّارُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَال، فَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلٍّ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِكُلِّهَا لِلْحَالِفِ نِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَنِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بِنُكُولِهِ، وَإِن كَانَت الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ لَمْ تُنْزَعْ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الثَّالِث اهـ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْخَارِجَيْنِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ.
قَوْله: (قضى بيدهما فتنصف) لَان الْيَد فِيهَا غير مُشَاهدَة لتعذر إحضارها وَالْبَيِّنَة تثبت مَا غَابَ عَن علم القَاضِي.
دُرَر.
وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْيَد لَا تثبت فِي الْعقار بالتصادق وَكَذَا بِالنّكُولِ عَن الْيَمين لاحْتِمَال أَنَّهَا فِي يَد غَيرهمَا.
وَإِن ادّعَيَا أَنَّهَا فِي يَد أَحدهمَا فَكَذَلِك لانهما يُمكن أَنَّهُمَا تواضعا على ذَلِك ط.
وَأَشَارَ إِلَى أَنه لَو طلبا الْقسم لم يقسم بَينهمَا مَا لم يبرهنا على الْملك.
قيل هَذَا بالِاتِّفَاقِ، وَقيل هَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى.
وَعِنْدَهُمَا: يقسم بَينهمَا كَمَا فِي الشُّرُوح.
قَوْله: (بِأَن لبن أَو بنى) وَلبن بتَشْديد الْبَاء: أَي ضرب فِيهَا الْبَنَّا وَهُوَ الطوب النئ، بِخِلَاف المشوي فَإِنَّهُ آجر.
قَوْله: (قضى بِيَدِهِ لوُجُود تصرفه) لَان التَّمَكُّن من هَذِه الاشياء دَلِيل على أَنَّهَا فِي يَده، وَمحل ذَلِك إِذا لم يقم الآخر برهانا كَمَا لَا يخفى زَيْلَعِيّ.
قَوْله: (لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي زَمَانٍ يُحْكَمُ
بِبَقَائِهِ) فشهادتهم تثبت الْملك فِي الْحَال والماضي.
قَوْله: (فَالْقَوْل لَهُ) فَلَا تقبل دَعْوَى أحد عَلَيْهِ أَنه عَبده عِنْد إِنْكَاره إِلَّا بِبَيِّنَة.
اهـ.
دُرَر وَهَذَا لَان الاصل أَن يكون لكل إِنْسَان يَد فِي نَفسه إبانة لِمَعْنى الْكَرَامَة، إِذْ كَونه فِي يَد غَيره دَلِيل الاهانة وَمَعَ قيام يَده على نَفسه لَا تثبت يَد الْغَيْر عَلَيْهِ للتنافي بَين الْيَدَيْنِ.
حموي.
قَوْله: (قضى بِهِ لذِي الْيَد) لَا يُقَالُ: الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الصَّبِيِّ.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ الْمَضَارِّ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ بَعْدَهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ.
وَلَا يُقَالُ: الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّيَّةُ فَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى بِلَا بَيِّنَةٍ، وَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ كاللقيط لَا يقبل قَوْله الْمُلْتَقِطِ إنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا(8/185)
اعْترض على الاصل دَلِيل خِلَافه بَطَلَ وَثُبُوتُ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّقِيطَ إذَا عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَقَرَّ بِالرِّقِّ يُخَالِفُهُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ لَمْ يُعَبِّرْ فَلَيْسَ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لانه أَمِين.
زَيْلَعِيّ مُلَخصا.
حموي.
قَوْله: (كمن لَا يعبر عَن نَفسه) مَفْهُوم من يعبر.
قَوْله: (لاقراره بِعَدَمِ يَده) حَيْثُ أقرّ على نَفسه بِالْملكِ وَثبتت رقيته بِدَعْوَى ذِي الْيَد الخالية عَن الْمعَارض لَا بِإِقْرَارِهِ فَكَانَ ملكا لمن فِي يَده كالقماش وَمن لَا يعبر بِمَنْزِلَة الْمَتَاع فَلَا يقبل قَوْله أَنا حر، لَكِن هُنَا بعد أَن صرح بِأَنَّهُ عبد فلَان فَيكون مقرا بِمَا للْغَيْر فَلَا يسري إِقْرَاره عَلَيْهِ: أَي على الْغَيْر، بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن بيد أحد حَيْثُ يَصح إِقْرَاره لانه حِينَئِذٍ فِي يَد نَفسه.
تَأمل.
قَوْله: (لَا يمْنَع صِحَة الدَّعْوَى) لَا سِيمَا وَقد صدر الاقرار الاول حَال عدم التَّكْلِيف.
فروع رحى مَاء بَينهمَا فِي بَيت لَهما فخربت كلهَا حَتَّى صَارَت صحراء لم يجبرا على الْعِمَارَة وتقسم الارض بَينهمَا: أَي بطلبهما أَو بِطَلَب أَحدهمَا، وَلَو قَائِمَة ببنائها وأدواتها إِلَّا أَنه ذهب شئ مِنْهَا يجْبر الشَّرِيك على أَن يعمر مَعَ الآخر وَلَو مُعسرا قيل لشَرِيكه أنْفق أَنْت لَو شِئْت فَيكون نصفه دينا على شريكك وَكَذَا الْحمام لَو صَار صحراء تقسم الارض بَينهمَا، وَلَو تلف شئ مِنْهُ يجْبر الآبي على عِمَارَته.
ن عَن م: فِي حمام بَينهمَا انْهَدم بَيت مِنْهُ أَو احْتَاجَ إِلَى قدر وَمَرَمَّة وأبى أَحدهمَا لَا يجْبر وَيُقَال
للْآخر إِن شِئْت فابنه أَنْت وَخذ من غَلَّته نَفَقَتك ثمَّ تستويان.
ط عَن بعض الْمُتَأَخِّرين: لَو أَبى أَحدهمَا فَالْقَاضِي يخرج الْحمام من أَيْدِيهِمَا ويؤجره ثمَّ يعمره فَيَأْخُذ نَفَقَته من أجرته.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
وَفِي الْخَانِية من بَاب الْحِيطَان: دَار بَين رجلَيْنِ انْهَدَمت أَو بَيت بَين رجلَيْنِ انْهَدم فبناه أَحدهمَا لَا يرجع هُوَ على شَرِيكه بشئ لَان الدَّار تحْتَمل الْقِسْمَة، فَإِذا أمكنه أَن يقسم يكون مُتَبَرعا فِي الْبناء وَالْبَيْت، كَذَلِك إِذا كَانَ كَبِيرا يحْتَمل الْقِسْمَة، وَكَذَلِكَ الْحمام إِذا خرب وَصَارَ ساحة، وَكَذَلِكَ الْبِئْر أَرَادَ بِهِ إِذا امتلات من الحمأة فَلهُ أَن يُطَالب شَرِيكه بِالْبِنَاءِ، فَإِذا لم يُطَالِبهُ وَأَصْلَحهَا وفرغها كَانَ مُتَبَرعا اهـ.
ومفاد هَذَا أَن الدَّار لَو كَانَت صَغِيرَة لَا تمكن قسمتهَا أَنه لَا يكون مُتَبَرعا لانه حِينَئِذٍ يكون مُضْطَرّا إِلَى الْبناء ليتوصل إِلَى الِانْتِفَاع بِملكه، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت كَبِيرَة لانه يُمكنهُ أَن يقسم حِصَّته مِنْهَا ثمَّ يَبْنِي فِي حِصَّته، فَإِذا بنى قبل الْقِسْمَة لم يكن مُضْطَرّا فَيكون مُتَبَرعا، وَلذَا قيد الْحمام بِمَا إِذا خرب وَصَارَ ساحة لانه حِينَئِذٍ تمكن قسمته فَإِذا لم يقسم يكون مُتَبَرعا، لَكِن فِي الْبِئْر يَنْبَغِي أَن لَا يكون مُتَبَرعا لكَونه مِمَّا لَا يقسم، لَكِن أَشَارَ صَاحب الْخَانِية إِلَى الْفرق بِأَن لَهُ أَن يُطَالب شَرِيكه بِالْبِنَاءِ: أَي فَيجْبر شَرِيكه عَلَيْهِ كَمَا صرح بِهِ غَيره.
مطلب: الاصل أَن مَا اضْطر إِلَى بنائِهِ مِمَّا لَا يقسم لَا يكون مُتَبَرعا وَإِذا أجبر لم يكن الآخر مُضْطَرّا فَصَارَ الاصل أَن مَا اضْطر إِلَى بنائِهِ بِأَن كَانَ مِمَّا لَا يقسم أَو مِمَّا لَا يجْبر الشَّرِيك على بنائِهِ فبناه أَحدهمَا لم يكن مُتَبَرعا، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرّع، لَكِن اسْتشْكل هَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بِأَن من لَهُ حمولة على حَائِط لَو بنى الْحَائِط يرجع لانه مُضْطَر إِذْ لَا يتَوَصَّل إِلَى حَقه إِلَّا بِهِ مَعَ أَن الشَّرِيك يجْبر أَيْضا كالبئر فَيَنْبَغِي أَن يتحد حكمهمَا.(8/186)
مطلب: التَّبَرُّع وَالرُّجُوع دائر على الْجَبْر وَعَدَمه ثمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يجْبر صَاحبه كَمَا سيجئ، فَيَنْبَغِي أَن يَدُور التَّبَرُّع وَالرُّجُوع على الْجَبْر وَعَدَمه، إِلَى أَن قَالَ: وَهَذَا يخلصك من التحير بِمَا وَقع فِي هَذَا الْبَاب من
الِاضْطِرَاب، ويرشدك إِلَى الصَّوَاب اهـ.
لَكِن عبارَة الْخُلَاصَة الَّتِي ذكرهَا الْمُؤلف تدل على أَن للْقَاضِي أَن يَأْمُرهُ بِبِنَاء الدَّار، فَإِن كَانَ كَذَلِك لم يكن مُضْطَرّا إِلَى الْبناء أَبى شَرِيكه لانه يُمكنهُ اسْتِئْذَان القَاضِي.
وَقد يُجَاب بِأَن للْقَاضِي ذَلِك إِذا كَانَ الشَّرِيك غَائِبا مثلا لانه حِينَئِذٍ لَا يُمكن طلب الْبناء مِنْهُ وَلَا الْقِسْمَة مَعَه.
فَالْحَاصِل: أَنه إِذا كَانَت الدَّار تحْتَمل الْقِسْمَة، فَإِن أذن لَهُ شَرِيكه بنى، وَإِلَّا قسمهَا جبرا عَلَيْهِ ثمَّ بنى فِي حِصَّته، فَإِن لم يكن اسْتِئْذَانه يبْنى بِإِذن القَاضِي، وَفِيمَا عدا ذَلِك فَهُوَ مُتَطَوّع.
وَذكر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب الْقِسْمَة من تنقيحه أَن فِي غير مُحْتَمل الْقِسْمَة للطَّالِب أَن يَبْنِي ثمَّ يُؤجر ثمَّ يَأْخُذ نصف مَا أنْفق فِي الْبناء من الْغلَّة.
وَذكر هُنَاكَ عَن الاشباه أَنه يرجع بِمَا أنْفق لَو بنى بِأَمْر قَاض إِلَّا فبقيمة الْبناء وَقت الْبناء اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُحَرر كَمَا قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّة، لَكِن هَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا ذَكرُوهُ فِي السّفل إِذا انْهَدم، وَعبارَة الاشباه مُطلقَة.
وَالَّذِي يظْهر الاطلاق إِذْ لَا فرق يظْهر، فَيجْرِي ذَلِك فِي كل مَا يضْطَر فِيهِ أَحدهمَا إِلَى الْبناء كالسفل والجدار والرحى وَالْحمام وَالْبَيْت وَالدَّار الصَّغِيرَة وَالله تَعَالَى أعلم.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: لَو ادّعى على آخر حق الْمُرُور ورقبة الطَّرِيق فِي دَاره فَالْقَوْل قَول صَاحب الدَّار، وَلَو أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة أَنه كَانَ يمر فِي هَذِه الدَّار لم يسْتَحق بِهَذَا شَيْئا.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَلَو شهد الشُّهُود أَن لَهُ طَرِيقا فِي هَذِه الدَّار جَازَت شَهَادَتهم وَإِن لم يَجدوا الطَّرِيق وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي الْخَانِية وَالْمُحِيط، لَكِن فِي الْمُحِيط عبر بالاصح إِذا كَانَ لَهُ بَاب مَفْتُوح من دَاره على حَائِط فِي زقاق أنكر أهل الزقاق أَن يكون لَهُ حق الْمُرُور فِي زقاقهم فَلهم مَنعه، إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة على أَن لَهُ طَرِيقا ثَابتا فِيهَا.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
إِذا كَانَ الْمِيزَاب مَنْصُوبًا إِلَى دَار رجل وَاخْتلفَا فِي حق إِجْرَاء المَاء وإسالته، فَإِن كَانَ فِي حَال عدم جَرَيَان المَاء لَا يسْتَحق إِجْرَاء المَاء وإسالته إِلَّا بِبَيِّنَة.
هَكَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ.
وَلَيْسَ لصَاحب الدَّار أَيْضا أَن يقطع الْمِيزَاب.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
وَحكى الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى أَنهم استحسنوا أَن الْمِيزَاب إِذا كَانَ قَدِيما وَكَانَ تصويب
السَّطْح إِلَى دَاره وَعلم أَن التصويب قديم وَلَيْسَ بمحدث أَن يَجْعَل لَهُ حق التسييل، وَإِن اخْتلفَا فِي حَال جَرَيَان المَاء، قيل القَوْل لصَاحب الْمِيزَاب وَيسْتَحق إِجْرَاء المَاء، وَقيل لَا يسْتَحق، فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على أَن لَهُ حق المسيل وبينوا أَنه لماء الْمَطَر من هَذَا الْمِيزَاب فَهُوَ لماء الْمَطَر، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسيل مَاء الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فِيهِ، وَإِن بينوا أَنه لماء الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء فَهُوَ كَذَلِك، وَلَيْسَ لَهُ أَن يسيل مَاء الْمَطَر فِيهِ، وَإِن قَالُوا لَهُ فِيهَا حق مسيل مَاء وَلم يبنوا أَنه لماء الْمَطَر أَو غَيره صَحَّ، وَالْقَوْل لرب الدَّار مَعَ يَمِينه أَنه لما الْمَطَر أَو لماء الْوضُوء والغسالة.
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: لَا تقبل هَذِه الشَّهَادَة فِي المسيل، وَفِي الطَّرِيق تقبل.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
وَلَو لم تكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة أصلا اسْتحْلف صَاحب الدَّار وَيَقْضِي فِيهِ بِالنّكُولِ.
كَذَا فِي الْحَاوِي.(8/187)
رجل لَهُ قناة خَالِصَة عَلَيْهَا أَشجَار لقوم أَرَادَ صَاحب الْقَنَاة أَن يصرف قناته من هَذَا النَّهر ويحفر لَهُ موضعا آخر لَيْسَ لَهُ ذَلِك، وَلَو بَاعَ صَاحب الْقَنَاة الْقَنَاة كَانَ لصَاحب الشَّجَرَة شُفْعَة جوَار، كَذَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة فِي الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.
بَاب دَعْوَى النّسَب
حَقه التَّقْدِيم بِالنّظرِ إِلَى أَنه دَعْوَى الانفس، إِلَّا أَن دَعْوَى المَال لما كَانَت كَثِيرَة الْوُقُوع والانواع قدمهَا اهتماما.
والدعوة إِلَى الطَّعَام بِالْفَتْح، وَفِي النّسَب بِالْكَسْرِ، وَقد يعكس، وَأما بِالْحَرْبِ فبالضم: نِهَايَة.
قَوْله: (الدعْوَة نَوْعَانِ) زَاد أَبُو السُّعُود ثَالِثَة، وَهِي دَعْوَى شُبْهَة، وَهِي دَعْوَة الاب ولد أمة ابْنه فَيثبت مِنْهُ النّسَب وَإِن لم يصدقهُ ابْنه بِشَرْط أَن تكون الامة فِي ملك ابْنه من حِين الْعلُوق إِلَى حِين الدعْوَة.
قَوْله: (وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَمَا إذَا وطئ جَارِيَة ابْنه فَولدت فَادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِلْكُهُ فِيهَا وَيَثْبُتُ عِتْقُ الْوَلَدِ وَيضمن قيمتهَا لوَلَده كَمَا تقدم، وَحِينَئِذٍ فَيكون النَّوْع الثَّانِي على قسمَيْنِ: دَعْوَة الْملك، ودعوة شُبْهَة الْملك، فَتبقى الدعْوَة نَوْعَيْنِ لَا ثَلَاثَة، لَكِن الاتقاني جعلهَا ثَلَاثَة كَمَا قدمْنَاهُ عَن أبي السُّعُود.
قَوْله: (وَهُوَ بِخِلَافِهِ) بِأَن لَا يكون الْعلُوق فِي ملك الْمُدَّعِي.
قَوْله: (واستنادها لوقت الْعلُوق) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ.
قَالَ فِي الدُّرَرِ:
والاولى أولى لانها أسبق لاستنادها.
حَلَبِيّ وَأَنت بِاعْتِبَار الْمَعْنى.
قَوْله: (مبيعة) وَلَو بيعا بِخِيَار للْبَائِع أَو المُشْتَرِي أَو لَهما إِلَى وَقت الْولادَة.
حموي.
وَالظَّاهِر أَنه على قَوْلهمَا، وَإِلَّا فمدة الْخِيَار عِنْده ثَلَاثَة أَيَّام ط.
قَوْله: (ولدت لاقل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) أَفَادَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْمدَّة، وَإِلَّا فَفِي التاترخانية عَنْ الْكَافِي: قَالَ الْبَائِعُ بِعْتهَا مِنْكَ مُنْذُ شَهْرٍ وَالْوَلَدُ مِنِّي وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَهَا مِنِّي لاكثر من سِتَّة أشهر وَالْوَلَدُ لَيْسَ مِنْك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْبَائِعِ، وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ.
قَوْله: (وَلَو تنَازعا الخ) وَقُيِّدَ بِدَعْوَى الْبَائِعِ، إذْ لَوْ ادَّعَاهُ ابْنُهُ وَكذبه المُشْتَرِي صدقه البَائِع أَو لَا فدعوته بَاطِلَة وَتَمَامه فِيهَا.
قَوْله: (فَادَّعَاهُ البَائِع) أَي وَلَو أَكثر من وَاحِد.
قُهُسْتَانِيّ.
والاداء بِالْفَاءِ يُفِيد أَنَّ دَعْوَتَهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَوْقُوفَةٌ، فَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا ثَبَتَ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ كَانَتْ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَشَرَاهَا أَحَدُهُمْ فَوَلَدَتْ فَادَّعَوْهُ جَمِيعًا ثَبَتَ مِنْهُمْ عِنْدَهُ وَخَصَّاهُ بِاثْنَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي النَّظْمِ، وَبِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ الْعُلُوقُ عِنْدَكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ، فَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا فَبَيِّنَتُهُ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الثَّانِي وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ عِنْدَ الثَّالِثِ كَمَا فِي الْمنية شرح الملتقي.
قَوْلُهُ: (ثَبَتَ نَسَبُهُ) صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ، وَأَطْلَقَ فِي الْبَائِعِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْحَرَّ وَالْمُكَاتَبَ، كَذَا رَأَيْتُهُ معزوا للاختيار، وَشرط أَبُو السُّعُود أَن لَا يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى.
قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) أَيْ لَا قِيَاسًا، لِأَنَّ بَيْعَهُ إِقْرَار مِنْهُ بِأَنَّهَا أمة فَيصير مناقضا.
وَالْقِيَاس أَن لَا يثبت، وَبِه قَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَان بَيْعه إِقْرَار كَمَا علمت.(8/188)
وَجه الِاسْتِحْسَان أَنه تنَاقض فِي مَحل الخفاء فيغتفر لَان النّسَب يبتني على الْعلُوق، وَفِيه من الخفاء مَا لَا يخفى.
وَنَظِيره المختلعة تَدعِي الطَّلَاق وتريد الرُّجُوع بِالْبَدَلِ مدعية أَنه طَلقهَا قبل الْخلْع تسمع دَعْوَاهَا وَإِن كَانَت متناقضة كَمَا قدمْنَاهُ، لَان إقدامها على الْخلْع كالاقرار بِقِيَام الْعِصْمَة، لَكِن لما كَانَ التَّنَاقُض فِي مَحل الخفاء جعل عفوا لَان الزَّوْج يسْتَقلّ بِالطَّلَاق فَلَعَلَّهُ طلق وَلم تعلم، فَإِذا أَقَامَت الْبَيِّنَة على
الطَّلَاق قبلت.
قَوْله: (لعلوقها الخ) قَالَ فِي الْمنح وَلنَا أَن مَبْنِيّ النّسَب فِيهِ على الخفاء فيعفى فِيهِ التَّنَاقُض فَتقبل دَعوته إِذا تَيَقّن بالعلوق فِي ملكه بِالْولادَةِ للاول فَإِنَّهُ كالبينة العادلة فِي إِثْبَات النّسَب مِنْهُ، إِذْ الظَّاهِر عدم الزِّنَا مِنْهَا وَأمر النّسَب على الخفاء، فقد يظنّ الْمَرْء أَن الْعلُوق لَيْسَ مِنْهُ ثمَّ يظْهر أَنه مِنْهُ فَكَانَ عذرا فِي أسقاط اعْتِبَار التَّنَاقُض اهـ.
قَوْله: (وَإِذا صحت) أَي الدَّعْوَى.
قَوْله: (فَيفْسخ البيع) لعدم جَوَاز بيع أم الْوَلَد.
قَوْله: (وَيرد الثّمن) لَان سَلامَة الثّمن مَبْنِيَّة على سَلامَة الْمَبِيع.
قَوْله: (وَلَكِن إِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي الخ) قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَته على مِسْكين: وَالْحَاصِل أَن البَائِع إِذا ادّعى ولد الْمَبِيعَة فَلَا يَخْلُو، إِمَّا أَن تجئ بِهِ لاقل من سِتَّة أشهر أم لَا.
وَالثَّانِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تجئ بِهِ لاقل من سنتَيْن أم لَا، ثمَّ ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يصدقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى أم لَا، وكل ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدَّعْوَى أم لَا، بِأَن ادَّعَاهُ مَعَ البَائِع أَو بعده أَو لم يدع أصلا، وكل ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْوَلَد الْمُدَّعِي نسبه حَيا أَو مَيتا، والاول لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُوقع المُشْتَرِي بِهِ مَا لَا يُمكن نقضه كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير، أَو مَا يُمكن كَالْبيع وَالْكِتَابَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْهِبَة أم لَا، وَكَذَلِكَ الام على هَذَا التَّقْسِيم إِمَّا أَن تكون وَقت الدعْوَة حَيَّة أَو ميتَة، فَإِن كَانَت حَيَّة فإمَّا أَن يكون المُشْتَرِي أوقع بهَا مَا لَا يُمكن نقضه وَهُوَ الْعتْق وَالتَّدْبِير، أَو يُمكن وَهُوَ البيع وَالْكِتَابَة وَالرَّهْن والاجارة وَالْهِبَة وَالتَّزْوِيج.
إِذا عرف هَذَا فَنَقُول: إِذا ادّعى البَائِع ولد الْمَبِيعَة ينظر إِذا جَاءَت لاقل من سِتَّة أشهر وَهُوَ حَيّ لم يَتَّصِف بِالْعِتْقِ أَو التَّدْبِير وَلم يسْبقهُ المُشْتَرِي فِي الدعْوَة ثَبت النّسَب من البَائِع مُطلقًا صدقه المُشْتَرِي أم لَا، فالتقييد بِالْحَيَاةِ للِاحْتِرَاز عَن الْوَفَاة حَيْثُ لَا يثبت نسبه، لَان الْحُقُوق لَا تثبت للْمَيت ابْتِدَاء وَلَا عَلَيْهِ، وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ اتصافه بِالْعِتْقِ أَو التَّدْبِير للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا كَانَ الْوَلَد عِنْد الدعْوَة عتيقا أَو مُدبرا، بِأَن أعْتقهُ المُشْتَرِي أَو دبره حَيْثُ لَا يثبت نسبه أَيْضا، لَان ثُبُوت نسبه يسْتَلْزم نقص عتقه أَو تَدْبيره، وكل مِنْهُمَا بعد وُقُوعه لَا ينْتَقض، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى نسبه بعد أَن بَاعه المُشْتَرِي أَو كَاتبه أَو رَهنه أَو وهبه أَو آجره حَيْثُ يثبت نسبه وتنقض هَذِه التَّصَرُّفَات، وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ سبق المُشْتَرِي البَائِع فِي الدعْوَة للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا ادَّعَاهُ قبله فَإِن النّسَب مِنْهُ يثبت وَلَا يتَصَوَّر بعده ثُبُوت النّسَب من البَائِع، بِخِلَاف مَا إِذا ادَّعَاهُ مَعَه أَو قبله حَيْثُ لَا تعْتَبر دَعْوَة المُشْتَرِي مَعَ دَعْوَة البَائِع لَان دَعْوَة البَائِع أقوى لاستنادها
إِلَى وَقت الْعلُوق، بِخِلَاف دَعْوَة المُشْتَرِي فَإِنَّهَا تقتصر وَلَا تستند لعدم كَون الْعلُوق فِي ملكه، فَيُفَرق بَين مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد مَوته أَو عتقه أَو تَدْبيره، وَبَين مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد كِتَابَته أَو رَهنه أَو نَحْو ذَلِك، فَفِي الثَّانِي يثبت النّسَب لَا فِي الاول، بِخِلَاف مَا إِذا ادَّعَاهُ بعد موت أمه أَو عتقهَا أَو تدبيرها حَيْثُ لَا يفْتَرق الْحَال فِي ثُبُوت النّسَب بَين مَوتهَا وعتقها وتدبيرها وَبَين كتَابَتهَا وإجارتها وتزويجها وَنَحْو ذَلِك مِمَّا سبق الْكَلَام عَلَيْهِ، بل يثبت نسب وَلَدهَا بالدعوة مُطلقًا وَلَا يمْنَع مِنْهُ ثُبُوت هَذِه الاوصاف لامه،(8/189)
غير أَنه فِي الْوَجْه الاول: أَعنِي الْمَوْت وأخويه لَا يثبت لَهَا أمومية الْوَلَد، أما فِي الْمَوْت فَلَمَّا سبق من أَن الْمَيِّت لَا يثبت لَهُ الْحُقُوق ابْتِدَاء وَلَا عَلَيْهِ، وَأما فِي الْعتْق وَنَحْوه فلَان ثُبُوت أمومية ولد لَهَا يسْتَلْزم نقض الْعتْق وَهُوَ بعد وُقُوعه لَا ينْتَقض فِي الْوَجْه الثَّانِي: أَعنِي الْكِتَابَة وَأَخَوَاتهَا يثبت لَهَا أمومية الْوَلَد بالتبعية لثُبُوت نسب الْوَلَد لعدم الْمَانِع، لَان الْكِتَابَة وَنَحْوهَا تنْتَقض ضمن ثُبُوت الِاسْتِيلَاد لَهَا.
هَذَا كُله إِذا ادّعى نسبه وَالْحَال أَنَّهَا قد جَاءَت بِهِ لاقل من سِتَّة أشهر، فَإِن جَاءَت بِهِ لاكثر ردَّتْ دَعوته إِلَّا أَن يصدقهُ المُشْتَرِي، فَإِن صدقه ثَبت مِنْهُ النّسَب سَوَاء جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن أَو لاكثر مِنْهُمَا، وَهل يثبت لامه الِاسْتِيلَاد فينتقض البيع وَيرد الثّمن أم لَا؟ إِن جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن انْتقض البيع وَثَبت لَهَا الِاسْتِيلَاد فَتَصِير أم ولد البَائِع وَيرد الثّمن، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْله: (قبله) أَي قبل ادِّعَاء البَائِع.
قَوْله: (لوُجُود ملكه) وَهُوَ المجوز للدعوى، أَلا ترى أَنه يجوز إِعْتَاقه وإعتاق أمه.
قَوْله: (وأميتها) بِالرَّفْع عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ ثَبَتَ.
ح: وَهَذَا لَوْ جُهِلَ الْحَالُ لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِيلَادِ أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ فَمَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَمَرَّ فِيهِ مَتْنًا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ظَنَنْتُ حِلَّهَا لِي فَلَا نَسَبَ، وَإِنْ مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّارِحُ ثَمَّةَ: وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ لِعَدَمِ ثُبُوت نسبه.
قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِهِ) ثُمَّ لَا تَصِحُّ دَعْوَى الْبَائِعِ بعده لاستغناء الْوَلَد بِثُبُوت نسبه من المُشْتَرِي ولانه لَا يحْتَمل الابطال زَيْلَعِيّ.
قَوْله: (وَقيل يحمل الخ) أَي حملا لحاله على الصّلاح فَإِنَّهُ حَيْثُ لم يكن تَحْتَهُ حرَّة فنكاحه صَحِيح، وَإِلَّا ففاسد، وَكِلَاهُمَا يثبت بِهِ النّسَب، وَمَعَ كل فدعوة البَائِع مُقَدّمَة، لَان ملكه وَقت الْعلُوق مُحَقّق وَملك
المُشْتَرِي مَفْرُوض فَلَا يُعَارضهُ.
تَأمل.
وَلم يذكر فِي الْمنح وَلَا فِي غَيرهَا لَفظه قيل.
قَوْله: (لَان دَعوته تَحْرِير) على أَنه لما ثَبت نسبه من البَائِع بَطل البيع فَلم يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي فَهُوَ كأجنبي كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.
قَالَ ط: فِيهِ أَنَّهَا دَعْوَة استيلاد أَيْضا، إِلَّا أَن يُقَال إِنَّهَا دَعْوَة تَحْرِير بعد دَعْوَة البَائِع
قَوْله: (وَكَذَا يَثْبُتُ مِنْ الْبَائِعِ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ موت الام) أَي وَقد ولدت لاقل من سِتَّة أشهر وَذَلِكَ لَان الْوَلَد هُوَ الاصل فِي النّسَب وَلذَلِك تُضَاف إِلَيْهِ وَيُقَال أم الْوَلَد، والاضافة إِلَى الشئ أَمارَة أَصَالَة الْمُضَاف إِلَيْهِ ولانها تستنفيد مِنْهُ الْحُرِّيَّة، أَلا ترى إِلَى قَوْله (ص) : أعْتقهَا وَلَدهَا قَالَه حِين قيل بِهِ وَقد ولدت مَارِيَة الْقبْطِيَّة إِبْرَاهِيم من رَسُول الله (ص) أَلا تعتقها؟ فالثابت لَهَا حق الْحُرِّيَّة وَله حَقِيقَة الْحُرِّيَّة، والحقيقة أولى من الْحق فيستتبع الادنى وَلَا يضرّهُ فَوَات التبع.
قَوْله: (بِخِلَاف موت الْوَلَد) أَي دون الام لفَوَات الاصل وَهُوَ الْوَلَد: أَي وَقد ولدت لِدُونِ الْأَقَلِّ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ لفَوَات الاصل لانه اسْتَغْنَى بِالْمَوْتِ عَنْ النَّسَبِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ التَّعْلِيل بالاستغناء كَمَا لَا يخفى، فَتدبر.
وعللوا لمَوْت الْوَلَد بتعذر ثُبُوت النّسَب فِيهِ لَان الْحُقُوق لَا تثبت للْمَيت وَلَا عَلَيْهِ كَمَا سبق، وَإِذا(8/190)
لم يثبت النّسَب لم يثبت الِاسْتِيلَاد لانه فرع النّسَب وَكَانَت الام بِحَالِهَا.
إتقاني.
قَوْله: (وَيسْتَرد المُشْتَرِي كُلَّ الثَّمَنِ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَالِيَّتُهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَضْمَنُهَا هِدَايَة.
قَوْله: (وَقَالا حِصَّته) أَي الْوَلَد فَقَط، وَلَا يرد حِصَّة الام لانها مُتَقَومَة عِنْدهمَا فتضمن بِالْغَصْبِ وَالْعقد فيضمنها المُشْتَرِي، فَإِذا رد الْوَلَد دونهَا يجب على البَائِع رد حِصَّة مَا سلم لَهُ وَهُوَ الْوَلَد كي لَا يجْتَمع الْبَدَل والمبدل فِي ملكه، وَلَا يجب رد حِصَّة الام.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: هَكَذَا ذكرُوا الحكم على قَوْلهمَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يرد البَائِع جمع الثّمن عِنْدهمَا أَيْضا ثمَّ يرجع بِقِيمَة الام، لانه لما ثَبت نسب الْوَلَد مِنْهُ تبين أَنه بَاعَ أم وَلَده وَبيع أم الْوَلَد غير صَحِيح بالاجماع فَلَا يجب فِيهِ الثّمن، وَلَا يكون لاجراء الْمَبِيع مِنْهُ حِصَّة، بل يجب على كل وَاحِد من الْمُتَعَاقدين رد مَا قَبضه إِن كَانَ بَاقِيا وَإِلَّا فبدله اهـ.
قَالَ الْمَقْدِسِي: لَعَلَّ مُرَادهم مَا ذكره بِنَاء على أَن الْغَالِب تَسَاوِي الثّمن وَالْقيمَة اهـ.
قَوْله: (وإعتاقهما أَي إِعْتَاق المُشْتَرِي الام وَالْولد) الْوَاو بِمَعْنى أَو المجوزة للْجمع.
قَوْلُهُ: (كَمَوْتِهِمَا) حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ لَا الْوَلَد فَادّعى البَائِع أَنه ابْنه صحت دَعوته وَثَبت نَسَبُهُ مِنْهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ لَا الْأُمَّ لَمْ تَصِحَّ دَعَوْته لَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي حَقِّ الْأُمِّ كَمَا فِي الْمَوْتِ، أما الاول فلانها إِن صحت بَطل إِعْتَاقه وللعتق بعد وُقُوعه لَا يحْتَمل الْبطلَان.
وَأما الثَّانِي فلانها تبع لَهُ، فَإِذا لم تصح فِي حق الاصل لم تصح فِي حق التبع ضَرُورَة اهـ.
منح.
فَقَوله أما الاول أَي عدم صِحَّته فِي حق الْوَلَد، وَقَوله وَأما الثَّانِي: أَي عدم صِحَّته فِي حق الام.
وَيشكل على قَوْله وَالْعِتْق بعد وُقُوعه إِلَى آخِره مَا سَيَأْتِي متْنا فِي قَوْله بَاعَ أحد التوأمين إِلَى أَن قَالَ وَبَطل عتق المُشْتَرِي.
قَالَ فِي الْمنح: لَان الَّذِي عِنْده ظهر أَنه حر الاصل، وَقَالَ الشَّارِح بِأَمْر فَوْقه وَهُوَ حريَّة الاصل فَكَذَا يُقَال هُنَا فَيَنْبَغِي أَن تصح دَعوته بعد الاعتاق لانه ظهر أَنه أعتق حر الاصل فَلم يَصح أعتاقه.
تَأمل.
وَأجَاب عَنهُ الْعَيْنِيّ تبعا للزيلعي بِأَنَّهُ لَو بَطل فِيهِ بَطل مَقْصُود الاجل دَعْوَة البَائِع وَأَنه لَا يجوز.
وَفِي مَسْأَلَة التوأمين تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يُبَعْ ثُمَّ يتَعَدَّى إِلَى آخر ضمنا وتبعا، إِذْ يَسْتَحِيل أَن يلحقا من مَاء وَاحِد وَأَحَدهمَا حر وَالْآخر رَقِيق، وَكم من شئ يثبت ضمنا وَإِن لم يثبت مَقْصُودا اهـ.
فَإِن قلت: تَحْرِير المُشْتَرِي تبين أَنه وَقع فِي غير ملكه لانه أعتق حر الاصل فَلم يَصح عتقه يُجَاب بِأَنَّهُ أعتق ملكه فِي وَقت لَا ينازعه فِيهِ أحد فنفذ عتقه وَثَبت وَلَاؤُه، وكل من الْوَلَاء والاعتاق لَا يحْتَمل النَّقْض، وبثبوت ذَلِك صَار البَائِع مُكَذبا شرعا فِي ادعائه فَلم تصح دَعوته وَتبين صِحَة عتق المُشْتَرِي.
قَوْله: (لانه أَيْضا لَا يحْتَمل الابطال) لثُبُوت بعض آثَار الْحُرِّيَّة كامتناع التَّمْلِيك للْغَيْر.
منح وَيرد عَلَيْهِ مَا ورد على مَا قبله، وَعلم جَوَابه مِمَّا مر عَن الْعَيْنِيّ.
والاولى أَن يَقُول وإعتاقهما وتدبيرهما كموتهما، إِذا لَا يظْهر فَائِدَة فِي تَشْبِيه الاعتاق بِالْمَوْتِ ثمَّ تَشْبِيه التَّدْبِير بالاعتاق.
تَأمل.
قَوْله: (وَيرد حِصَّته اتِّفَاقًا) أَي فِيمَا إِذا أعتق المُشْتَرِي الام أَو دبرهَا فَقَط دون الْوَلَد فَيقسم الثّمن على قيمَة الام(8/191)
وَقِيمَة الْوَلَد، فَمَا أصَاب الْوَلَد يردهُ وَمَا أصَاب الام لَا يردهُ، وَتعْتَبر قيمَة الام يَوْم الْقَبْض وَقِيمَة الْوَلَد يَوْم الْولادَة لانها دخلت فِي ضَمَانه بِالْقَبْضِ وَصَارَ لَهُ قيمَة وبالولادة فَتعْتَبر الْقيمَة بذلك كَمَا فِي صدر الشَّرِيعَة والشرنبلالية.
قَوْله: (وَكَذَا حصَّتهَا أَيْضًا) أَيْ فِي التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ.
وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَيَرُدُّ حِصَّتَهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ رَحمَه الله تَعَالَى قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ.
قَالَ: وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا يَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَهُ: يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوْتِ.
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ح.
فَصَارَ الْحَاصِل من هَذَا أَنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَهُوَ حِصَّةُ الْأُمِّ وَحِصَّةُ الْوَلَدِ فِي الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَيَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا.
وَعَلَى مَا فِي الْكَافِي يَرُدُّ حِصَّتَهُ فَقَطْ فِي الْإِعْتَاقِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا.
قَوْلُهُ: (على الصَّحِيح من مَذْهَب الامام) لَان أم الْوَلَد لَا قيمَة لَهَا عِنْده وَلَا تضمن بِالْعقدِ فيؤاخذ بِزَعْمِهِ.
قَوْله: (وَنَقله فِي الدُّرَر والمنح عَن الْهِدَايَة) قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: يَرُدُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتَهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ الْمُشْتَرِي فَبَطَلَ زَعْمُهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ فَيَسْتَرِدُّ حِصَّتَهَا.
كَذَا فِي الْكَافِي.
اهـ.
لَكِنْ رَجَّحَ فِي الزَّيْلَعِيِّ كَلَامَ الْمَبْسُوطِ وَجَعَلَهُ هُوَ الرِّوَايَةَ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ التَّصْحِيحِ عَنْ الْهِدَايَة.
وَهُوَ يُخَالف الرِّوَايَةِ، وَكَيْفَ يُقَالُ يَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ إِعْتَاقه، بل برد حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قيمتهمَا يعْتَبر قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَار لَهُ الْقيمَة بِالْولادَةِ فَتعْتَبر قِيمَته عِنْد ذَلِك اهـ.
وقدمناه قَرِيبا فَلَا تغفل عَنهُ.
قَوْله: (عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْكَافِي عَنْ الْمَبْسُوطِ) من أَنه لَا يرد حصَّتهَا عِنْده أَيْضا وَقد تقدم ذَلِك.
قَوْله: (وَقِيلَ لَا يَرُدُّ حِصَّتَهَا فِي الْإِعْتَاقِ بِالِاتِّفَاقِ) هُوَ الْمُعْتَمد كَمَا تقدم، وَهَذَا من تَتِمَّة عبارَة الْمَوَاهِب فَلَا يعْتَرض بِأَنَّهُ مُكَرر لانه عين مَا فِي الْمَبْسُوط
قَوْله: (لاكثر من حَوْلَيْنِ) مثله تَمام الْحَوْلَيْنِ إِذْ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ يَقِينًا وَهُوَ الشَّاهِد وَالْحجّة.
شرنبلالية.
قَوْله: (ثَبت النّسَب بتصديقه) إِذْ عدم ثُبُوته لرعاية حَقه.
وَإِن صدقه زَالَ ذَلِك الْمَانِع وَلم يبطل بَيْعه بِالْجَزْمِ بِأَن الْعلُوق لَيْسَ فِي ملكه فَلَا تثبت حَقِيقَة الْعتْق وَلَا حَقه لانها دَعْوَة تَحْرِير، وَغير الْمَالِك لَيْسَ من أَهله.
قَالَ فِي التاترخانية: وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ صَحَّ وَكَانَتْ دَعْوَةَ استيلاد، وَإِن ادعياه مَعًا أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي لَا البَائِع.
قَوْله: (على الْمَعْنى اللّغَوِيّ) أَي إِنَّهَا كَانَت زَوجته وَأَتَتْ مِنْهُ بِولد وَلَيْسَت أم ولد لَهُ بِالْمَعْنَى الاصطلاحي، وَهِي من اسْتَوْلدهَا فِي ملكه لما تقدم من تَيَقّن أَنَّهَا فِي غير ملكه.
وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِيلَاد لَا يَصح فِي غير الْملك، بل لَو ملكهَا بعد ذَلِك لَصَارَتْ بعد ذَلِك أم وَلَده شرعا أَيْضا.
قَوْله: (نِكَاحا) أَي يحمل على أَنه زوجه إِيَّاهَا المُشْتَرِي وَإِلَّا كَانَ زنا، وَيُعْطى الْوَلَد(8/192)
حكم ولد أمة الْغَيْر الْمَنْكُوحَة فَيكون للْمُشْتَرِي وَالنّسب ثَابت من البَائِع.
وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَيبقى الْوَلَد عبدا، فَهُوَ كالاجنبي إِذا ادَّعَاهُ لانه بتصادقهما أَن الْوَلَد من البَائِع لَا يثبت كَون الْعلُوق فِي ملكه لَان البَائِع لَا يَدعِي ذَلِك، وَكَيف يَدعِي وَالْولد لَا يبْقى فِي الْبَطن أَكثر من سنتَيْن فَكَانَ حَادِثا بعد زَوَال ملك البَائِع، وَإِذا لم يثبت الْعلُوق فِي ملك البَائِع لَا يثبت حَقِيقَة الْعتْق للْوَلَد وَلَا حق الْعتْق للامة وَلَا يظْهر بطلَان البيع، وَدَعوى البَائِع هُنَا دَعْوَة تَحْرِير، وَغير الْمَالِك لَيْسَ بِأَهْل لَهَا اهـ.
قَوْله: (حملا لامره على الصّلاح) عِلّة.
ل
قَوْله: (نِكَاحا) أَي فَهُوَ ولد نِكَاح لَا زنا حملا الخ.
وَالْحَاصِل: أَنه لَو ولدت لاكثر من سنتَيْن من وَقت البيع ردَّتْ دَعْوَة البَائِع إِلَّا إِذا صدقه المُشْتَرِي فَيثبت النّسَب مِنْهُ، وَيحمل أَن البَائِع اسْتَوْلدهَا بِحكم النِّكَاح حملا لامره على الصّلاح وَيبقى الْوَلَد عبدا للْمُشْتَرِي وَلَا تصير الامة أم ولد للْبَائِع، كَمَا لَو ادَّعَاهُ أَجْنَبِي آخر لَان بتصادقهما أَن الْوَلَد من البَائِع لَا يثبت كَون الْعلُوق فِي ملكه لَان البَائِع لَا يَدعِي ذَلِك، وَكَيف يَدعِي وَالْولد لَا يَبْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سنتَيْن فَكَانَ حَادِثا بعد زَوَال ملك البَائِع، وَإِذا لم يثبت الْعلُوق فِي ملك البَائِع لَا يثبت حَقِيقَة الْعتْق للْوَلَد وَلَا حق الْعتْق للامة، وَلَا يظْهر بطلَان البيع، ودعوة البَائِع هُنَا دَعْوَة تَحْرِير غير الْمَالِك لَيْسَ بِأَهْلِهَا، فَلِذَا حول الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى الْعبارَة وَحملهَا على الْمَعْنى اللّغَوِيّ، لَكِن إِنَّمَا يتم هَذَا الْحمل إِذا لم يكن تَحْتَهُ حرَّة أما لَو كَانَ فَإِن نِكَاحه لَا يَصح وَمَعَ ذَلِك يثبت بِهِ النّسَب كَمَا مر.
قَوْله: (فِيمَا بَين الاقل والاكثر) المُرَاد بالاقل آخر الاقل من سِتَّة أشهر ليشْمل مَا إِذا ادَّعَاهُ فِي سِتَّة أشهر، كَمَا أَفَادَهُ
الْقُهسْتَانِيّ.
قَوْله: (فَحكمه كالاول) يَعْنِي نسبه وأميتها فَيكون الْوَلَد حرا وَيفْسخ البيع وَيرد الثّمن لاحْتِمَال أَن يكون الْعلُوق فِي ملك البَائِع.
دُرَر.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَالْحَاصِل أَن رد الدَّعْوَى فِيمَا إِذا جَاءَت بِهِ لاكثر من سِتَّة أشهر لَوْلَا التَّصْدِيق، لَا فرق فِيهِ بَين مَا إِذا جَاءَت بِهِ لاقل من سنتَيْن أَو لاكثر إِلَّا من جِهَة ثُبُوت الِاسْتِيلَاد للام بعد التَّصْدِيق وَنقض البيع فِيهَا ورد الثّمن: أَي فِي الاقل مِنْهُمَا دون الاكثر اهـ بِتَصَرُّف ط.
قَوْله: (لاحْتِمَال الْعلُوق قبل بَيْعه) قَالَ فِي التاترخانية: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا عَلِمَتْ الْمُدَّةَ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ إلَى سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي يَصح، وَإِن ادَّعَاهُ مَعًا لَا تصح دَعْوَة وَاحِد مِنْهُمَا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا: فَلَوْ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَلَوْ الْبَائِعُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
قَوْله: (وَإِلَّا لَا) أَي لَا يصدقهُ بِأَن كذبه وَلم يَدعه أَو ادَّعَاهُ أَو سكت فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي حكم الاول فِيهِ فَهُوَ أَعم من قَوْله وَلَو تنَازعا.
وَالْحَاصِل: أَنه يثبت نسبه وَتصير أم وَلَده شرعا لَا على الْمَعْنى اللّغَوِيّ كَمَا فِي الصُّورَة الَّتِي قبلهَا، وَيرد الثّمن وَيجْرِي فِيهِ مَا تقدم من التفاريع كلهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَنَازَعَا) أَيْ فِي كَوْنِهِ لِأَقَلَّ من سِتَّة أشهر أَو لاكثر بِأَن قَالَ البَائِع بعتها لَك مُنْذُ شهر وَالْولد مني وَقَالَ المُشْتَرِي لاكثر من سِتَّة أشهر وَالْولد لَيْسَ مِنْك فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي لانه مدعي الصِّحَّة فَالظَّاهِر شَاهد لَهُ، وَكَذَا لَو ادّعى الْوَلَد صحت دَعوته لوُقُوع الْعلُوق فِي ملكه دون البَائِع تحكما للْحَال، وَأما إِذا سكت فقد تقدم حكم سكُوت الْمُدَّعِي عَلَيْهِ(8/193)
بعد الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يَجْعَل إنكارا، فَقَوله وَلَو تنَازعا يَشْمَل الصُّور الثَّلَاث.
قَوْله: (فَالْقَوْل للْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا) لانه يُنكر دَعْوَى البَائِع نقض البيع ولانه وَاضع الْيَد فَهُوَ مُنكر وَالْآخر خَارج فَهُوَ مُدع وَالْبَيِّنَة للْمُشْتَرِي.
قَوْله: (وَكَذَا الْبَيِّنَة لَهُ عِنْد الثَّانِي) لانه أثبت زِيَادَة مُدَّة للشراء، وَهَذَا أَمر حَادث وَهُوَ صِحَة ملكه.
قَوْله: (خلافًا للثَّالِث) فَقَالَ الْبَيِّنَة بَيِّنَة البَائِع لانه يثبت نسب الْوَلَد واستيلاد الامة وَنقض البيع.
حموي عَن الْكَافِي: أَي وَهُوَ إِثْبَات خلاف الظَّاهِر كَمَا هُوَ شَأْن الْبَينَات، لَان الظَّاهِر وُقُوع العقد
صَحِيحا، وَبَيِّنَة البَائِع أَثْبَتَت فَسَاده فَكَانَت أولى بِالْقبُولِ، ولان البَائِع يَدعِي فَسَاد العقد وَالْمُشْتَرِي يُنكره وَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمُدَّعِي، وَالَّذِي يظْهر أوجهية قَول مُحَمَّد، فَلْيتَأَمَّل.
قَوْلُهُ: (وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ) أَيْ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أشهر.
قَوْله: (ثَبت نسبهما) أَي التوأمين من البَائِع لانهما خلقا من مَاء وَاحِد.
وَإِذا صحت الدَّعْوَى فيهمَا كَانَت فِي حكم أول مَسْأَلَة من الْفَصْل فَيفْسخ البيع وَيرد الثّمن فَتَأمل.
وَفِي الاتقاني عَن الْمغرب: يُقَال هما توأمان كَمَا يُقَال هما زوجان، وَقَوْلهمْ هما توأم وهما زوج خطأ اهـ.
قَوْله: (لكَون الْعلُوق فِي ملكه) أَي فَهُوَ كالبينة الشاهدة لَهُ على مدعاه، وَهَذَا يُفِيد تَقْيِيد المُصَنّف، فَقَوله بَاعَ من ولد عِنْده أَي وعلق عِنْده، أما إِذا كَانَ الْعلُوق عِنْد غَيره والوضع عِنْده فَهِيَ دَعْوَة تَحْرِير ط.
قَوْله: (ورد بَيْعه) لانه تبين أَنه بَاعَ حر الاصل، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعده من كِتَابَة الْوَلَد وَرَهنه، أما فِي إِجَارَته فَالَّذِي يرد نفاذها، أما لَو رأى الاب إجازتها فَيَنْبَغِي أَن يجوز لَان للاب إِجَارَته فَكَذَا يملك إجَازَة لَهُ.
قَوْله: (لَان البيع يحْتَمل النَّقْض) أَي وَمَاله من حق الدَّعْوَى لَا يحْتَملهُ فينتقض البيع لاجله.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَاتَبَ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْوَلَد أَو رَهنه مِنْهُ، كَذَا فِي نُسْخَة، وَلَا وجود للفظ مِنْهُ فِيمَا شرح عَلَيْهِ المُصَنّف وَلَا فِي أَصله الَّذِي نقل عَنهُ وَهُوَ الدُّرَر، وَالضَّمِير فِي الافعال رَاجع إِلَى المُشْتَرِي.
وَاعْلَم أَن عبارَة الْهِدَايَة هَكَذَا: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ابْنُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالُهُ مِنْ حَقِّ الدِّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ كَانَتْ الدِّعْوَةُ، لِأَنَّ هَذِه الْعَوَارِض تحْتَمل النَّقْض فينقض ذَلِكَ كُلُّهُ وَتَصِحُّ الدِّعْوَةُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: ضَمِيرُ كَاتَبَ إنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ وَكَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْوَلَدِ لَا بَيْعُ الْأُمِّ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَكَاتَبَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ؟ وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى مَنْ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا، فَالْمَسْأَلَةُ أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ مَنْ وُلِدَ عِنْدَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ كَانَتْ الدِّعْوَةُ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْسُنُ قَوْلُهُ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِعْتَاقِ الَّتِي مَرَّتْ مَا إذَا أعتق المُشْتَرِي الْوَلَد، لَان الْفرق الصَّحِيح أَن
يَكُونُ بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَكِتَابَتِهِ لَا بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي وَكِتَابَةِ الْبَائِعِ، إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي كَاتَبَ الْوَلَدَ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَفِي كَاتَبَ الْأُمَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ: مَنْ بَاعَ اهـ.(8/194)
أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِمَا الْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْوَلَدِ لَا بَيْعُ الْأُمِّ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ بَيْعُهُ مَعَ أُمِّهِ بِقَرِينَة الْوِقَايَة سَوْقِ الْكَلَامِ، وَدَلِيلِ كَرَاهَةِ التَّفْرِيقِ بِحَدِيثِ سَيِّدِ الْأَنَامِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَعَمْ كَانَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ أَنْ يُقَالَ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيه، وَكَذَا بَعْدَ كِتَابَةِ الْوَلَد وَرَهنه الخ، لكنه سَهْو.
إِنِّي عَلَى الدُّرَرِ
قَوْلُهُ: (أَوْ كَاتَبَ الْأُمَّ) أَيْ لَوْ كَانَتْ بِيعَتْ مَعَ الْوَلَدِ فَالضَّمِيرُ فِي الْكل للْمُشْتَرِي وَبِه سقط مَا فِي صدر الشَّرِيعَة.
قَوْله: (وَترد هَذِه التَّصَرُّفَات) لانه بَاعَ حر الاصل فتصرف المُشْتَرِي فِي غير مَحَله فينقض، وَهَذَا ظَاهر فِي غير الاجارة، أما فِيهَا فَالَّذِي يرد نفاذها إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا.
قَوْله: (بِخِلَاف الاعتاق) أَي إِعْتَاق المُشْتَرِي، وَمثل الاعتاق التَّدْبِير كَمَا فِي عزمي زَاده.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي أَولا ثمَّ ادَّعَاهُ البَائِع حَيْثُ لَا يثبت النّسَب من البَائِع كَمَا مر.
قَوْله: (بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ الْمَوْلُودَيْنِ يَعْنِي عَلَقًا وَوَلَدًا) لما كَانَ لفظ المُصَنّف وَهُوَ قَوْله المولودين عِنْده مُحْتملا لشيئين، كَون الْعلُوق عِنْده أَو عِنْد غَيره، بِأَن اشْتَرَاهَا بعد الْولادَة أَو اشْترى أمهما وَهِي حُبْلَى بهما وَكَانَ الحكم مُخْتَلفا فسره بقوله: يَعْنِي الَّتِي يُؤْتى بهَا إِذا كَانَ التَّفْسِير بِغَيْر الظَّاهِر من اللَّفْظ.
قَالَ فِي الرَّمْز تبعا للتبيين: هَذَا إِذا كَانَ الْعلُوق فِي ملكه بِأَن اشتراهما بعد الْولادَة أَو اشْترى أمهما وَهِي حُبْلَى بهما أَو بَاعهَا فَجَاءَت بهما لاكثر من سنتَيْن يثبت نسبهما أَيْضا لانهما لَا يفترقان فِيهِ، لَكِن لَا يعْتق الَّذِي لَيْسَ فِي ملكه، وَإِن كَانَ المُشْتَرِي قد أعْتقهُ لَا يبطل عتقه، لَان هَذِه الدَّعْوَى دَعْوَة تَحْرِير لعدم الْعلُوق فِي الْملك، بخلا ف الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي ملكه حَيْثُ يعتقان جَمِيعًا لانها دَعْوَة استيلاد فتستند وَمن ضَرُورَته عتقهما بِدَلِيل أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا.
اهـ.
فَقَوله أَو بَاعهَا فَجَاءَت بهما الخ: أَي ثمَّ ملك وَاحِد مِنْهُمَا فَادَّعَاهُ، وَقَوله: علقا مُحْتَرزه قَوْله حَتَّى لَو اشْتَرَاهَا حُبْلَى الخ.
قَوْله: (ثَبت نسبهما) أَي التوأمين من البَائِع، لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ صَحَّتْ فِي الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لِمُصَادِفَةِ الْعُلُوقِ وَالدَّعْوَى مِلْكُهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ ثُبُوتُ الْآخَرِ
لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا.
وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ.
قَوْله: (وَهُوَ حريَّة الاصل) أَي الثَّابِتَة بِأَصْل الْخلقَة، وَأما حريَّة الاعتاق فعارضة وحرية الاصل هُنَا فِي الَّذِي أعْتقهُ، لَان الَّذِي عِنْد البَائِع ظهر أَنه حر الاصل فَاقْتضى كَون الآخر أَيْضا كَذَلِك إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ.
قَوْله: (لانهما علقا فِي ملكه) أَي وَقد خلقا من مَاء وَاحِد، وَهَذَا كُله يصلح جَوَابا لما يرد من أَن نقض الاعتاق مُخَالفا، لما سبق من أَن الْعتْق بعد وُقُوعه لَا يحْتَمل الانتقاض والبطلان.
وَحَاصِله: أَن الْمَمْنُوع هُوَ انْتِقَاض الْعتْق إِلَى الرّقية وَهِي دونه لَا إِلَى شئ فَوْقه وَهِي الْحُرِّيَّة: أَي لانها ثَابِتَة بِأَصْل الْخلقَة كَمَا أَفَادَهُ عزمي، وَهَذَا لَا يتم وَلَا يطرد، فَإِن فِي السَّابِقَة وَهِي دَعْوَة من ولد عِنْد المُشْتَرِي لاقل من سِتَّة أشهر فَأعْتقهُ لَا يقبل مَعَ أَنه انْتقض الْعتْق بِأَمْر فَوْقه، وَهَذَا الامر لَا يتم فِي هَذَا الْمقَام، فَإِن حريَّة أحد التوأمين يظْهر حريَّة الآخر وينعدم تَأْثِير الاعتاق.
وَعبارَة الْعَيْنِيّ: فَإِذا ثَبت نسبهما بَطل عتق المُشْتَرِي إِيَّاه، لَان دَعْوَة البَائِع بعده صحت فِي الَّذِي لم يبع، وَمن ضَرُورَة ذَلِك ثُبُوت نسب الآخر لانهما من وَاحِد فَيلْزم مِنْهُ بطلَان عتق المُشْتَرِي لِكَوْنِهِمَا حري الاصل، إِذا يَسْتَحِيل(8/195)
أَن يكون أَحدهمَا حر الاصل وَالْآخر رَقِيقا وهما من مَاء وَاحِد، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ فِيهِ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ لَوْ بَطل فِيهِ بَطل مَقْصُودا لاجل حق الدَّعْوَى لِلْبَائِعِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُنَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِي الَّذِي لَمْ يُبَعْ ثُمَّ تَتَعَدَّى إلَى الآخر ضمنا وتبعا، وَكم من شئ يثبت ضمنا وَإِن لم يثبت مَقْصُودا اهـ.
فالشارح رَحمَه الله تَعَالَى ذكر آخر عبارَة الدُّرَر وَترك صدرها، فَكَانَ الاولى فِي التَّعْلِيل لانهما علقا فِي ملكه من مَاء وَاحِد، فَإِذا ثبتَتْ حريَّة أَحدهمَا ثبتَتْ حريَّة الآخر تبعا والشئ قد يثبت تبعا وَإِن لم يثبت قصدا.
قَوْله: (حَتَّى لَو اشْتَرَاهَا) أَي البَائِع حُبْلَى وَجَاءَتْ بِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ.
عَيْنِيٌّ.
قَوْله: (لم يبطل عتقه) قَالَ الْأَكْمَلُ: وَنُوقِضَ بِمَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ وَاشْتَرَى أَبُوهُ الْآخَرَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الَّذِي فِي يَدِهِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ ويعتقان جَمِيعًا وَلَمْ تَقْتَصِرْ الدَّعْوَى.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمُوجِبٍ آخر، وَهُوَ أَن الْمُدَّعِي إِن كَانَ هُوَ الْأَبَ فَالِابْنُ قَدْ مَلَكَ أَخَاهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الِابْنَ فَالْأَبُ قَدْ مَلَكَ حَافِدَهُ فَيَعْتِقُ، وَلَوْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى أَبُو الْبَائِعِ الْوَلَدَيْنِ
وَكَذَّبَاهُ: أَيْ ابْنَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِالْقِيمَةِ وَثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَعَتَقَ الَّذِي فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلَا يَعْتِقُ الْمَبِيعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ مِلْكِهِ الظَّاهِرِ، بِخِلَافِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ فِي دَعْوَى الْبَائِعِ بِعُلُوقٍ فِي ملكه، وَهنا حجَّة الاب شُبْهَةَ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ تَظْهَرُ فِي مَالِ ابْنه البَائِع فَقَط.
وَفِي التاترخانية: فَإِن بَاعَ الامة مَعَ أحد الْوَالِدين ثمَّ ادّعى أَبُو البَائِع نسب الْوَلَدَيْنِ جَمِيعًا وَكذبه المُشْتَرِي وَالْبَائِع: فَفِي قَول مُحَمَّد: دَعْوَى الاب بَاطِلَة، وَعند أبي يُوسُف: وَدَعوى الاب لَا تصح فِي حق الامة وَلَا تصير أم ولد لَهُ، وَتَصِح دَعوته فِي حق الْوَلَدَيْنِ نسبا، وَلَا يحكم بحريّة الْمَبِيع، وَالْولد الثَّانِي حر بِالْقيمَةِ.
وَإِن صدق المُشْتَرِي وَكذب البَائِع فالامة تصير أم وَلَده اتِّفَاقًا وَعَلِيهِ قيمتهَا للِابْن، وَيثبت نسب الْوَلَدَيْنِ مِنْهُ، وَالْمَبِيع حر بِالْقيمَةِ على الاب عِنْد أبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد: حر بِغَيْر الْقيمَة، وَإِن صدقه البَائِع وَكذبه المُشْتَرِي ثَبت نسب الْوَلَدَيْنِ من أبي البَائِع، فَمن الْمَشَايِخ من ظن أَن ثُبُوت نسبهما من أبي البَائِع قَول أبي يُوسُف، وَقَول مُحَمَّد: يَنْبَغِي أَن لَا يثبت نسبهما مِنْهُ وَالصَّحِيح أَن مَا ذكره مُحَمَّد قَول الْكل، وَلم يذكر مُحَمَّد حكم الام.
وَقَالَ أَبُو حَازِم وَالْقَاضِي أَبُو الهشيم على قِيَاس أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يضمن البَائِع قيمتهَا للاب لَا على قَول أبي حنيفَة.
وَقَالَ أَكثر مَشَايِخنَا: لَا يضمن شَيْئا لصَاحبه بالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْمَقْدِسِي.
وَفِيه: رجل حملت أمته عِنْده وَولدت فَكبر عِنْده فَزَوجهُ أمة لَهُ فَولدت لَهُ ابْنا فَبَاعَ الْمولى هَذَا الابْن وَأعْتقهُ المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع نسب الاكبر ثَبت وَبَطل الْعتْق، وَإِن ادّعى نسب الثَّانِي لَا تسمع، وَلَو بَاعَ الام مَعَ أَحدهمَا ثمَّ ادّعى الاب صحت عِنْد أبي يُوسُف وَثَبت نسبهما، وَالْولد الْمَبِيع مَعَ أمه بقيا على ملك المُشْتَرِي، وَعند مُحَمَّد: لَا تصح.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ) لِعَدَمِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ.
قَوْلُهُ: (فَتَقْتَصِرُ) بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ يَعْتِقَانِ جَمِيعًا لِمَا ذُكِرَ أَنَّهَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَتَسْتَنِدُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عِتْقُهُمَا بِطَرِيقِ أَنَّهُمَا حُرَّا الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا.
عَيْنِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَلَا تصح دَعْوَاهُ أبدا) أَي وَإِن جحد العَبْد، وَهَذَا عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا: تصح دَعْوَاهُ إِن جحد العَبْد.(8/196)
وَوجه قَول الامام أَن الاقرار ابالنسب من الْغَيْر إِقْرَار بِمَا لَا يحْتَمل النَّقْض فَلَا تصح دَعْوَة الْمقر بعد ذَلِك، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه لَا يحْتَمل النَّقْض لَان فِي زعم الْمقر أَنه ثَابت النّسَب من الْغَيْر وَالنّسب إِذا ثَبت لَا ينْتَقض بالجحود والتكذيب، وَلِهَذَا لَو عَاد الْمقر لَهُ إِلَى تَصْدِيقه جَازَ وَثَبت النّسَب مِنْهُ وَصَارَ كَالَّذي لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ ط.
قَوْله: (وَقد أَفَادَهُ) أَي أَفَادَ نَظِيره لَا عينه.
قَوْله: (مَعَه أَو مَعَ غَيره) أَشَارَ إِلَى أَن مَا وَقع من التَّقْيِيد بِكَوْنِهِ مَعَه لَيْسَ احترازيا.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: لَا يشْتَرط لهَذَا الحكم أَن يكون الصَّبِي فِي يَده، واشتراطه فِي الْكتاب وَقع اتفاقيا اهـ شرنبلالية.
قَوْله: (الْغَائِب) إتقاني أَيْضا.
قَوْله: (خلافًا لَهما) فَقَالَا تصح دَعْوَة الْمقر بعد جحود الْمقر لَهُ أَن يكون ابْنه، لَان إِقْرَاره لَهُ بَطل بجحود الْمقر لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لم يقر وَقد تقدم تَوْجِيه قَول الامام، وَذكره الْمُؤلف.
وَعبارَة الدُّرَر: هُمَا قَالَا: إذَا جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ ابْن للْمقر، إِذا صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَدْرِ تَصْدِيقَهُ وَلَا تَكْذِيبه لم تصح دَعْوَة الْمقر عِنْدهم.
لَهما أَن الاقرار ارْتَدَّ برد زيد فَصَارَ كَأَن لم يكن، والاقرار بِالنّسَبِ يرْتَد بِالرَّدِّ، وَلِهَذَا إِذا أكره على الاقرار بِالنّسَبِ فَأقر بِهِ لَا يثبت، وَكَذَا لَو هزل بِهِ وَإِن لم يحْتَمل النّسَب نَفسه، النَّقْض، وَله أَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، والاقرار بِمثلِهِ لَا يرْتَد بِالرَّدِّ: أَي بِمثل مَا لَا يحْتَمل النَّقْض إِذْ تعلق بِهِ حق الْمقر لَهُ، حَتَّى لَو صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ.
وَأَيْضًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمقر لَهُ اهـ.
قَالَ قاضيخان: وَمن جملَة النّسَب لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِي حق الْمقر لَان فِي زَعمه أَنه ثَابت النّسَب من الْغَيْر فيصلح حجَّة فِي حق نَفسه وَإِن لم يصلح على الْغَيْر، كمن أقرّ بحريّة عبد إِنْسَان وَكذبه الْمولي لَا يبطل إِقْرَاره فِي حق نَفسه، حَتَّى لَو ملكه بعد ذَلِك يعْتق عَلَيْهِ اهـ.
وَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِي حق الْمقر، وَمن ذَلِك لَو صدقه الخ، وَلَا فِي حق الْوَلَد لاحتياجه إِلَى النّسَب.
قَوْله: (بعد ثُبُوته) وَهنا أثبت مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ لِلْمُقَرِّ لَهُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ، وَفِي التَّفْرِيع خَفَاء لانه لَيْسَ هَذَا متفرعا على مَا زَعمه، بل على أَن الاقرار بِمَا لَا يحْتَمل النَّقْض لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْر، كمن أقرّ بحريّة عبد غَيره فكذبه مَوْلَاهُ فَيبقى فِي حق الْمقر حرا وَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ، حَتَّى لَو ملكه عتق
عَلَيْهِ، وَكَمن شهد على رجل بنس ب صَغِير فَردَّتْ شَهَادَته لتهمة فَادَّعَاهُ الشَّاهِد لَا تقبل.
وَلَا يرد مَا لَو أقرّ المُشْتَرِي على البَائِع بِإِعْتَاق الْمَبِيع قبل البيع وَكذبه البَائِع ثمَّ قَالَ المُشْتَرِي أَنا أعْتقهُ يتَحَوَّل الْوَلَاء إِلَيْهِ لانها من مَحل الْخلاف، وَلَو سلم فالنسب ألزم من الْوَلَاء لقبوله التَّحَوُّل من موَالِي الام إِلَى موَالِي الاب أَو إِلَى مولى آخر فِيمَا لَو ارْتَدَّت الْمُعتقَة ثمَّ سبيت بَعْدَمَا لحقت فاشتراها آخر وأعتقها.
وَلَا يرد أَيْضا مَا لَو أقرّ أَن عَبده ابْن الْغَيْر ثمَّ ادَّعَاهُ حَيْثُ يعْتق، لَان الْعتْق لَيْسَ لثُبُوت نسبه مِنْهُ، بل لَان إِقْرَاره يسري على نَفسه كَقَوْلِه لعبد الثَّابِت نسبه من غَيره هُوَ ابْني.
وَعبارَة الدُّرَر كَمَا سَمعتهَا فِي المقولة السَّابِقَة.
فَظَهَرَ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ.
تَأمل.
قَوْله: (فَلَا حَاجَة إِلَى(8/197)
الاقرار بِهِ ثَانِيًا) بِأَن يَقُول هُوَ ابْني.
قَوْله: (وَلَا سَهْو فِي عبارَة الْعِمَادِيّ) عِبَارَته هَكَذَا: هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ، إذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ ثَبَتَ نسبه فَلَا يَصح نَفْيه.
قَالَ فِي الدُّرَر: هَذَا سَهْو لَان التَّعْلِيل يَقْتَضِي أَن هُنَاكَ ثَلَاث عِبَارَات: إِثْبَات وَنفي وعود إِلَى الاثبات.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَالَّذِي يظْهر لي أَن عوده إِلَى التَّصْدِيق لَيْسَ لَهُ فَائِدَة فِي ثُبُوت النّسَب لانه بعد الاقرار لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ.
وَأَقُول: هَذَا يُقرر مدعي الدُّرَر، وَلَيْسَ بِجَوَاب عَن الْعِمَادِيّ.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: نفي النّسَب عَن نَفسه لَا يمْنَع الاقرار بِهِ بعده، بِأَن قَالَ لَيْسَ هَذَا بِابْني ثمَّ قَالَ هُوَ ابْني اهـ.
وَأَقُول: لَيْسَ فِي عبارَة الْعِمَادِيّ سبق الاقرار على النَّفْي، وَانْظُر تَحْقِيقه فِيمَا يَأْتِيك فِي المقولة الْآتِيَة.
قَوْله: (كَمَا زَعمه منلا خسرو) رَاجع إِلَى الْمَنْفِيّ الَّذِي هُوَ السَّهْو، وَنَصه قَالَ: هَذَا الْوَلَد مني ثمَّ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مني صَحَّ، إِذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ تعلق حق الْمقر لَهُ إِذا ثَبت نسبه من رجل معِين حَتَّى يَنْتَفِي كَونه مخلوقا من مَاء الزِّنَا، فَإِذا قَالَ لَيْسَ مني هَذَا الْوَلَد لَا يملك إبِْطَال حق الْوَلَد، فَإِذا عَاد إِلَى التَّصْدِيق صَحَّ.
أَقُول: قد وَقعت الْعبارَة فِي الاستروشنية كالعمادية: هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مني صَحَّ، إِذْ بِإِقْرَارِهِ أَنه مِنْهُ الخ الظَّاهِر أَنه سَهْو من النَّاسِخ الاول، يدل عَلَيْهِ التَّعْلِيل الَّذِي ذكره لانه يَقْتَضِي أَن يكون هُنَا ثَلَاث عِبَارَات: تفِيد الاولى: إِثْبَات الْبُنُوَّة، وَالثَّانيَِة: نَفيهَا، وَالثَّالِثَة: الْعود إِلَى الاثبات، وَالْمَذْكُور فيهمَا العبارتان فَقَط.
قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَالَّذِي يظْهر لي أَن اللَّفْظ الثَّالِث وَهُوَ قَوْله ثمَّ قَالَ هُوَ مني لَيْسَ لَهُ فَائِدَة لثُبُوت النّسَب لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ وَلَا يحْتَاج إِلَى الاقرار بِهِ بعده، فَلْيتَأَمَّل اهـ.
وَلذَلِك قَالَ فِي الْخُلَاصَة.
وَلَو قَالَ هَذَا الْوَلَد لَيْسَ مني ثمَّ قَالَ مني صَحَّ، وَلَو قَالَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا يَصِحُّ النَّفْي اهـ.
فاقتصر هُنَا على العبارتين كالعمادية والاستروشنية، لَكِن كَلَام الشُّرُنْبُلَالِيّ لَا يدْفع كَلَام صَاحب الدُّرَر، لَان مناقشته إِنَّمَا هِيَ فِي إِسْقَاط الاولى، أما الثَّالِثَة فَهِيَ مَوْجُودَة فِي عبارَة الْعمادِيَّة والاستروشنية، فَصَاحب الدُّرَر ناقش: فِي إِسْقَاط الاولى والشرنبلالي فِي إِسْقَاط الثَّالِثَة.
تَأمل.
وَالْحَاصِل: أَن الِاعْتِبَار إِنَّمَا هُوَ إِلَى وجدان الاقرار سَوَاء تقدم عَلَيْهِ النَّفْي أَو تَأَخّر عَنهُ كَمَا علم من صَرِيح الْخُلَاصَة، وَمِمَّا ذكرنَا، فهر أَنه الْخلَل فِي سبك تَعْلِيل الاستروشني وَتَبعهُ الْعِمَادِيّ، وَأَن منلا خسرو لم يتفطنه وَظن أَنه مُحْتَاج إِلَى عبارَة أُخْرَى، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِذْ الاقرار الْوَاحِد يَكْفِي سَوَاء وجد مقدما على النَّفْي أَو مُتَأَخِّرًا عَنهُ كَمَا لَا يخفى، فَتدبر.
قَوْله: (كَمَا أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ) رَاجع إِلَى النَّفْي الَّذِي هُوَ عدم السَّهْو.
ط عَن الْحلَبِي.
وَتقدم نَص عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَمُقْتَضى مَا يظْهر لي أَنه رَاجع إِلَى قَوْله فَلَا حَاجَة إِلَى الاقرار بِهِ ثَانِيًا.
قَوْله: (وَهَذَا) أَي ثُبُوت النّسَب إِذا صدقه الابْن، أما بِدُونِهِ فَلَا لانه إِقْرَار على الْغَيْر بِأَنَّهُ جزؤه فَلَا يتم إِلَّا بِتَصْدِيق ذَلِك الْغَيْر، وَهَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا يَأْتِي فِي الاقرار بصبي يعبر عَن نَفسه، أما لَو كَانَ صَغِيرا لَا يعبر عَن نَفسه يصدق الْمقر اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْخُلَاصَة.(8/198)
قَوْله: (أما بِدُونِهِ فَلَا) أَي فَلَا يتم إِلَّا بِتَصْدِيق ذَلِك الْغَيْر.
قَوْله: (لبَقَاء إِقْرَار الاب) لَان إِقْرَار الاب لم يبطل لعدم تَصْدِيق الابْن فَيثبت النّسَب كَمَا فِي الدُّرَر.
قَوْله: (قبل) لانه إِقْرَار على نَفسه بِأَنَّهُ جزؤه.
دُرَر.
قَوْله: (فَلَا يقبل) أَي على الْغَيْر.
قَوْله: (وَبَين جِهَة الارث صَحَّ) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: إِذا
إِثْبَات الوراثة لَا يَصح مَا لم يعين جِهَة الارث.
قَوْله: (وَلَو ادّعى بنوة الْعم) عبارَة الدُّرَر: ادّعى الاخوة وَلم يذكر راسم الْجد صَحَّ، بِخِلَاف دَعْوَى كَونه ابْن عَمه حَيْثُ يشْتَرط فِيهَا ذكر اسْم الْجد كَمَا فِي الْعمادِيَّة ح.
وَفِي الْخَيْرِيَّة: وَمِمَّا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ دَعْوَى بُنُوَّةِ الْعَمِّ تحْتَاج إِلَى ذكر نِسْبَة الْعم والام إِلَى الْجد ليصير مَعْلُوما لانه لَا يحصل الْعلم للْقَاضِي بِدُونِ ذكر الْجد، وَتحقّق العمومة بأنواع مِنْهَا الْعم لَام ذكره فِي كتاب الْوَقْف.
وَفِي التَّنْقِيح أَن الشُّهُود إِذا شهدُوا بِنسَب فَإِن القَاضِي لَا يقبلهم وَلَا يحكم بِهِ إِلَّا بعد دَعْوَى مَال، إِلَّا فِي الاب وَالِابْن، وَأَن ينْسب الشُّهُود الْمَيِّت وَالْمُدَّعِي لبنوة العمومة حَتَّى يلتقيا إِلَى أَب وَاحِد، وَأَن يَقُول هُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره كَمَا صرح قاضيخان، وَلَا بُد أَن يكون الاب الْوَاحِد الملتقي إِلَيْهِ مَعْرُوفا للْقَاضِي بِالِاسْمِ وَالنّسب بالاب وَالْجد إِذْ الْخِصَام فِيهِ، والتعريف بذلك عِنْد الامام الاعظم رَحمَه الله تَعَالَى، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
فَإِذا لم يُوجد شَرط من هَذِه الشُّرُوط لَا تقبل وَلَا يَصح الْقَضَاء بهَا، وَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاط بِالشَّهَادَةِ بِالنّسَبِ سِيمَا فِي هَذَا الزَّمن.
قَالَ الحامدي: قلت: هَذَا مُنَاقض لما ذكره فِي الظَّهِيرِيَّة والعمادية وَغَيرهمَا من أَنه يشْتَرط ذكر الْجد الَّذِي التقيا إِلَيْهِ، وَقد مثل لَهُ فِي الظَّهِيرِيَّة مِثَالا وَلم يذكر اسْم أَب الْجد وَلَا اسْم جده، لَكِن أفتى الامام أَبُو السُّعُود بِاشْتِرَاط ذكر الاب كَمَا ذكره اليشمقجي فِي فَتَاوِيهِ، وأظن أَن الرحيمية اشْترط ذَلِك بِنَاء على قَوْلهم كصاحب التَّنْوِير وَغَيره: إِذا كَانَت الدَّعْوَى على غَائِب يشْتَرط ذكر أَبِيه وجده، وَإِن حكم بِدُونِ ذكر الْجد نفذ وَأَنه ظن أَن الدَّعْوَى على الْجد الَّذِي التقيا إِلَيْهِ، وَالْحَال أَن الدَّعْوَى على الْمَيِّت الَّذِي يطْلبُونَ إِرْثه، فَتنبه اهـ.
قَالَ فِي الدُّرَر: قَالَ أحد الْوَرَثَة لَا دَعْوَى لي فِي التَّرِكَة لَا تبطل دَعْوَاهُ، لَان مَا ثَبت شرعا من حق لَازم لَا يسْقط بالاسقاط، كَمَا لَو قَالَ لست ابْنا لابي قَالَ ذُو الْيَد لَيْسَ هَذَا لي وَنَحْوه.
أَي لَيْسَ ملكي وَلَا حق لي فِيهِ وَنَحْو ذَلِك وَلَا مُنَازع ثمَّة ثمَّ ادَّعَاهُ فَقَالَ: أَي ذُو الْيَد هُوَ لي صَحَّ وَالْقَوْل قَوْله، لَان هَذَا الْكَلَام لم يثبت حَقًا لَاحَدَّ، لَان الاقرار للْمَجْهُول بَاطِل، والتناقض إِنَّمَا يبطل إِذا تضمن إبِْطَال حق
على أحد، وَلَو كَانَ ثمَّة مُنَازع كَانَ إِقْرَارا لَهُ فِي رِوَايَة وَهِي رِوَايَة الْجَامِع الصَّغِير، وَفِي أُخْرَى لَا، وَهِي(8/199)
رِوَايَة دَعْوَى الاصل، لَكِن قَالُوا: القَاضِي يسْأَل ذَا الْيَد أهوَ ملك الْمُدَّعِي؟ فَإِن أقرّ بِهِ أمره بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، وَإِن أنكر أَمر الْمُدَّعِي بِإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَلَو قَالَه: أَي قَالَ لَيْسَ هَذَا لي وَنَحْوه الْخَارِج لَا يَدعِي ذَلِك الشئ بعده للتناقض وَإِنَّمَا لم يمْنَع ذُو الْيَد على مَا مر لقِيَام الْيَد.
كَمَا فِي الْعمادِيَّة.
أَقُول: لَكِن قَيده فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بِمَا إِذا قَالَ ذَلِك مَعَ وجود النزاع، أما لَو قَالَه قبل النزاع فعلى الْخلاف على عكس ذِي الْيَد، وَقَوله لقِيَام الْيَد وَهُوَ دَلِيل الْملك فنفي الْملك عَن نَفسه من غير إِثْبَات للْغَيْر لَغْو.
وَفِي الدُّرَر أَيْضا: ادّعى الْعُصُوبَة وَبَين النّسَب وَبرهن الْخصم أَن النّسَب بِخِلَافِهِ، إِن قضى بالاول لم يقْض بِهِ، وَإِلَّا تساقطا للتعارض وَعدم الاولولية.
قَوْله: (مَا لم يذكر اسْمَ الْجَدِّ) بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ الْجَدِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْأُخُوَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لَا يَصح مَا لَمْ يَدَّعِ قَبْلَهُ مَالًا.
قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ فَجَحَدَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ أَلَكَ قِبَلَهُ مِيرَاثٌ تَدَّعِيهِ أَوْ نَفَقَةٌ أَوْ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ؟ فَإِن كَانَ كَذَلِك يقبل القَاضِي بِبَيِّنَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَإِلَّا فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ مَالًا لَمْ يَدَّعِ حَقًّا، لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ الْمُجَاوَرَةُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي الصُّلْبِ أَوْ الرَّحِمِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبُوهُ وَأَنْكَرَ فَأَثْبَتَهُ يُقْبَلُ، وَكَذَا عَكْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ قِبَلَهُ حَقًّا، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ صَحَّ فينتصب خصما، هَذَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي حَقًّا، فَإِنَّ الِابْنَ يَدَّعِي حَقَّ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ وَالْأَبُ يَدَّعِي وُجُوبَ الِانْتِسَابِ إلَى نَفْسِهِ شَرْعًا.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
اهـ مُلَخصا.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: ادّعى على آخر أَنه أَخُوهُ لابويه: إِن ادّعى إِرْثا أَو نَفَقَة وَبرهن تقبل وَيكون قَضَاء على الْغَائِب أَيْضا، حَتَّى وَلَو حضر الاب وَأنكر لَا يقبل وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة لانه لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات الْحق على الْغَائِب.
وَإِن لم يدع مَالا بل ادّعى الاخوة الْمُجَرَّدَة لَا يقبل، لَان هَذَا فِي
الْحَقِيقَة إِثْبَات الْبُنُوَّة على أَب الْمُدعى عَلَيْهِ والخصم فِيهِ هُوَ الاب لَا الاخ.
وَكَذَا لَو ادّعى أَنه ابْن ابْنه أَو أَبُو أَبِيه وَالِابْن والاب غَائِب أَو ميت لَا يَصح مَا لم يدع مَالا، فَإِن ادّعى مَالا فَالْحكم على الْغَائِب والحاضر جَمِيعًا كَمَا مر، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى رجل أَنه أَبوهُ أَو ابْنه، وَتَمَامه فِيهَا.
قَوْله: (وَلَو برهن الخ) مُكَرر مَعَ مَا قدمه قَرِيبا.
قَوْله: (تقبل لثُبُوت النّسَب بِإِقْرَارِهِ) أَي ويزاحم الْوَارِث الْمَعْرُوف، وَيظْهر أَن الابوة مثل ذَلِك كَمَا علمت مِمَّا مر.
بَقِي: فِيمَا لم يثبت بِإِقْرَارِهِ فَيشْتَرط أَن يَدعِي حَقًا آخر كإرث أَو نَفَقَة، فَلَو برهنت أَنه عَمها مريدة النَّفَقَة مِنْهُ فبرهن على زيد أَنه أَخُوهَا برِئ الْعم، بِخِلَاف دَعْوَى الابوة كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.
وَقَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أقرّ ذُو ابْن بِأَن فلَانا وَارثه ثمَّ مَاتَ الابْن ثمَّ الْمقر يَأْخُذ الْمقر لَهُ المَال: يَعْنِي بِحكم الْوَصِيَّة لَان هَذَا وَصِيَّة.
حَتَّى لَو قَالَ هُوَ قريبي وَمَات الْمقر عَن زَوْجَة أخذت الرّبع وَالْبَاقِي للْمقر لَهُ اهـ.
وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لَا يلْزم معرفَة جِهَة الْقَرَابَة، وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَو ادّعى الارث بالاخوة يلْزم، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْمَعُ) أَيْ بَيِّنَةُ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ، لَكِن فِي الاشباه تقبل الشَّهَادَة حسبَة فِي النّسَب.(8/200)
وَيُمكن أَن يوفق بَينهَا وَبَين مَا هُنَا فِيمَا إِذا لم يكن خصم، كَمَا لَو ترك صَغِيرا وَارِثا فَإِن الشَّهَادَة حسبَة تقبل وَلَا تكون التَّرِكَة فِي بَيت المَال، بِخِلَاف مَا إِذا حصل خصام من الورقة مَعَ الْمُدَّعِي فَلَا بُد مِمَّا ذكر هُنَا.
قَوْله: (وَهُوَ وَارِث) وَكَذَا على الْوَصِيّ.
نور الْعين
قَوْله: (أَو دائن) أَي على مَا ذكره الْخصاف وَخَالفهُ بعض الْمَشَايِخ، وَانْظُر مَا صورته، وَلَعَلَّ صورته أَنه يَدَّعِيَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَيَنْصِبَ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يُثْبِتُ فِي وَجْهِهِ دَيْنَهُ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِرْثِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْمُوصى لَهُ تَأمل.
وَيُمكن التَّصْوِير لَهما: أَي الْوَارِث والدائن بِأَن يكون دفع القَاضِي التَّرِكَة للدائن بِدِينِهِ ثمَّ حضر مدعي الارث وَنَازع الدَّائِن بِأَنَّهُ يُرِيد استلام التَّرِكَة وَدفع جَمِيع الدّين إِلَيْهِ فَأنْكر الدَّائِن أَن يكون الْمُدَّعِي وَارِث الْمَيِّت يكون خصما فِي إِثْبَات النّسَب.
قَوْله: (فَلَو أقرّ) أَي الْمُدعى عَلَيْهِ.
قَوْله: (بِهِ) أَي
بالبنوة بالموروث.
قَوْله: (والدافع على الابْن) عَليّ بِمَعْنى من أَو مُتَعَلق بِمَحْذُوف: أَي وَيرجع الدَّافِع على الابْن.
قَوْله: (وَلَو أنكر) أَي الْمُدَّعِي عَلَيْهِ دَعْوَة النُّبُوَّة.
قَوْله: (وَالصَّحِيح تَحْلِيفه) أَي تَحْلِيف الْمُنكر على الْعلم: أَي على أَنه لَا يعلم أَنَّك ابْن فلَان، فَإِذا أَرَادَ الْوَلَد أَخذ المَال كلف إِقَامَة الْبَيِّنَة على مدعاه.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِ فُلَانٍ إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي الْمَوْتَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَحْلِيفِهِ إلَّا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَوْتِ.
تَأمل.
قَوْله: (ثمَّ يُكَلف الابْن الخ) أَي إِن حلف، وَإِن نكل يكون مقرا، فَإِن كَانَ مُنْكرا لِلْمَالِ يحلف عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ) حَيْثُ قَالَ: وَلَو نكل يصير مقرا بِنسَب وَمَوْت، وَصَارَ كَمَا لَو أقرّ بهما صَرِيحًا وَأنكر المَال، وَلَو كَانَ كَذَلِك لَا يَجْعَل القَاضِي الابْن خصما فِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على إِثْبَات المَال، وَلَكِن يَجعله خصما فِي حق التَّحْلِيف على المَال وَأَخذه مِنْهُ فيحلفه بتا.
قَوْله: (من الْفَصْل السَّابِع وَالْعِشْرين) صَوَابه: الثَّامِن وَالْعِشْرين.
قَوْله: (هُوَ عَبدِي) قيد بِهِ لانه لَو قَالَ هُوَ ابْني يقدم الْمُسلم.
قَوْلُهُ: (وَالْإِسْلَامَ مَآلًا) لِظُهُورِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ لِكُلِّ عَاقِلٍ، وَفِي الْعَكْسِ يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ تَبَعًا، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِهَا دُرَر.
وَاسْتَشْكَلَهُ الاكمل بمخالفته لقَوْله تَعَالَى: * ((2) ولعَبْد مُؤمن خير من مُشْرك) * (الْبَقَرَة: 112) وَدَلَائِل التَّوْحِيد وَإِن كَانَت ظَاهِرَة لَكِن الالفة مَعَ الْكفَّار مَانع قوي، أَلا ترى أَن آباءه كفرُوا مَعَ ظُهُور أَدِلَّة التَّوْحِيد، وَيُؤَيِّدهُ أَن الذِّمِّيَّة الْمُطلقَة أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ أَو يخف أَن يألف الْكفْر للنَّظَر قبل ذَلِك وَاحْتِمَال الضَّرَر بعده.
وَأجَاب بِأَن قَوْله تَعَالَى: * ((33) ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ) * (الاحزاب: 5) يُوجب دَعْوَة الاولاد(8/201)
لِآبَائِهِمْ، ومدعي النّسَب أَب لَان دَعوته لَا تحْتَمل النَّقْض فتعارضت الْآيَتَانِ، وَكفر الْآبَاء جحود والاصل عَدمه، أَلا ترى إِلَى انتشار الاسلام بعد الْكفْر فِي الْآفَاق.
وَأما الْحَضَانَة فَتَركهَا لَا يلْزم مِنْهُ رق اهـ.
بِخِلَاف ترك النّسَب هُنَا فَإِن الْمصير بعده إِلَى الرّقّ وَهُوَ ضَرَر عَظِيم لَا محَالة اهـ.
أَقُول: لَكِن بعد اسْتِدْرَاك الشَّارِح الْآتِي عَن ابْن كَمَال بِأَنَّهُ يكون مُسلما فَلَا إِشْكَال، وَإِن اعْترض عَلَيْهِ فَإنَّك ستسمع الِاعْتِرَاض وَالْجَوَاب.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَهَذَا إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا، فَلَوْ سَبَقَ
دَعْوَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَلَوْ ادَّعَيَا الْبُنُوَّةَ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ إذْ الْقَضَاءُ بِنَسَبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ قَضَاءٌ بِإِسْلَامِهِ.
قَوْله: (لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا) أَي تبعا للدَّار وابنا للْكَافِرِ بالدعوة كَمَا صرح بِهِ فِيهِ، لَان حكمه حكم دَار الاسلام، وَفِيه أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلدَّارِ مَعَ وُجُودِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ح.
قُلْت: يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرُوا فِي اللَّقِيطِ لَوْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَهُوَ مُسلم تبعا للدَّار، وَتقدم فِي كِتَابه عَن الْوَلوالجِيَّة: وَلَا يُقَال إِن تَبَعِيَّة الدَّار إِنَّمَا تكون عِنْد فقد الابوين لَان تبعيته قبل ثُبُوت أَن الذِّمِّيّ أَب لَهُ حَيْثُ كَانَ فِي يَد الْمُسلم وَالْكَافِر يتنازعان فِيهِ، وَهُوَ قَول فِي غَايَة الْحسن وَإِن كَانَ مُخَالفا الظَّاهِر.
تَعْلِيل الْهِدَايَة وَغَيرهَا فليتبصر.
قَوْله: (قَالَ زوج امْرَأَة لصبي مَعَهُمَا) أَيْ فِي يَدِهِمَا اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.
قَالَ فِي التاترخانية: وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَوْ يَدِ الْمَرْأَةِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِيهِمَا، وَقُيِّدَ بِإِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَدَ إلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، لِمَا فِيهَا أَيْضًا عَنْ الْمُنْتَقَى: صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَالَتْ الْمَرْأَةُ هَذَا ابْنِي مِنْ هَذَا الرجل وَقَالَ ابْنِي مِنْ غَيْرِهَا يَكُونُ ابْنَ الرَّجُلِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ جَاءَتْ بِامْرَأَةٍ شَهِدَتْ عَلَى وِلَادَتِهَا إيَّاهُ كَانَ ابْنَهَا مِنْهُ وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَادَّعَاهُ وَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْهُ وَشَهِدَتْ امْرَأَة عَلَى الْوِلَادَةِ لَا يَكُونُ ابْنَهَا مِنْهُ بَلْ ابْنُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَاحْتُرِزَ عَمَّا فِيهَا أَيْضًا: صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ لَا يَدَّعِيهِ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا وَلَدَتْهُ وَلَمْ تُسَمِّ أَبَاهُ وَأَقَامَ رَجُلٌ أَنَّهُ وُلِدَ فِي فِرَاشِهِ وَلَمْ يُسَمِّ أُمَّهُ يُجْعَلُ ابْنَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْيَدِ، كَمَا لَوْ ادعها رَجُلَانِ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لذِي الْيَد.
قَوْله: (فَهُوَ ابنهما) لَان كل وَاحِد مِنْهُمَا أقرّ للْوَلَد بِالنّسَبِ وَادّعى مَا يبطل حق صَاحبه وَلَا رُجْحَان لاحدهما على الآخر لِاسْتِوَاء أَيْدِيهِمَا فِيهِ فَيكون ابنهما، هَذَا إِذا كَانَ لَا يعبر عَن نَفسه وَإِلَّا فَهُوَ لمن صدقه.
عَيْني.
قَوْله: (إِن ادّعَيَا) هَذَا إِذا كَانَ النِّكَاح بَينهمَا ظَاهرا، وَإِن لم يكن ظَاهرا بَينهمَا يقْضِي بِالنِّكَاحِ بَينهمَا.
هندية عَن شرح الطَّحَاوِيّ.
قَوْله: (وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيل ابْن كَمَال) حَيْثُ قَالَ: وَإِلَّا فعلى التَّفْصِيل الَّذِي فِي شرح الطَّحَاوِيّ وَلم يبين ذَلِك التَّفْصِيل، وَظَاهر إِطْلَاق الْمُتُون والشروح أَنه لَا فرق بَين أَن يدعيا مَعًا أَو متعاقبا وَهِي الْمَوْضُوعَة لنقل الْمَذْهَب فَلْيَكُن الْعَمَل عَلَيْهَا، ولان مَا يَدعِيهِ أَحدهمَا غير مَا يَدعِيهِ الآخر إِذْ هُوَ يَدعِي أبوته وَهِي تَدعِي الامومة، وَلَا يُنَافِي
إِحْدَى الدعوتين الاخرى، غير أَن كلا يكذب صَاحبه فِي حق لَا يَدعِيهِ لنَفسِهِ فَيلْغُو قَوْله وَلَا يعْتَبر السَّبق فِيهِ، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو ادّعى الزَّوْج أَولا أَنه ابْنه من غَيرهَا وَهُوَ فِي يَدَيْهِ يثبت النّسَب من غَيرهَا،(8/202)
فَبعد ذَلِك إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة لَا يثبت النّسَب مِنْهَا، وَإِن ادَّعَت الْمَرْأَة أَولا أَنه من غَيره وَهُوَ فِي يَدهَا فَادّعى الرجل أَنه ابْنه من غَيرهَا بعد ذَلِك: فَإِن كَانَ بَينهمَا نِكَاح ظَاهر لَا يقبل فَهُوَ ابنهما، وَإِن لم يكن بَينهمَا نِكَاح ظَاهر فَالْقَوْل قَوْلهَا، وَيثبت نسبه مِنْهَا إِذا صدقهَا ذَلِك الرجل، هَذَا إِذا كَانَ الْغُلَام لَا يعبر عَن نَفسه.
أما إِذا كَانَ يعبر عَن نَفسه وَلَيْسَ هُنَاكَ رق ظَاهر فَالْقَوْل قَول الْغُلَام أَيهمَا صدقه يثبت نسبه مِنْهُ بتصديقه.
كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج.
وأوضحه فِي الْعِنَايَة أيضاحا حسنا حَيْثُ قَالَ: إِذا ادَّعَت امْرَأَة صَبيا أَنه ابْنهَا، فإمَّا أَن تكون ذَات زوج أَو مُعْتَدَّة، أَو لَا مَنْكُوحَة وَلَا مُعْتَدَّة، فَإِن كَانَت ذَات زوج وصدقها فِيمَا زعمت أَنه ابْنهَا مِنْهُ ثَبت النّسَب مِنْهُمَا بالتزامه فَلَا حَاجَة إِلَى حجَّة، وَإِن كذبهَا لم تجز دعوتها حَتَّى تشهد بِالْولادَةِ امْرَأَة لانها تَدعِي تحميل النّسَب على الْغَيْر فَلَا تصدق إِلَّا بِالْحجَّةِ وَشَهَادَة الْقَابِلَة كَافِيَة لَان التَّعْيِين يحصل بهَا وَهُوَ الْمُحْتَاج إِلَيْهِ، إِذْ النّسَب يثبت بالفراش الْقَائِم، وَقد صَحَّ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قبل شَهَادَة الْقَابِلَة على الْولادَة وَإِن كَانَت مُعْتَدَّة احْتَاجَت إِلَى حجَّة كَامِلَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: أَي وَهِي شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، إِلَّا إِذا كَانَ هُنَاكَ حَبل ظَاهر أَو اعْترف من قبل الزَّوْج.
وَقَالا: يَكْفِي فِي الْجَمِيع شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة، وَقد مر فِي الطَّلَاق: وَإِن لم تكن ذَات زوج وَلَا مُعْتَدَّة قَالُوا يثبت النّسَب بقولِهَا لَان فِيهِ إلزاما على نَفسهَا دون غَيرهَا.
وَفِي هَذَا لَا فرق بَين الرجل وَالْمَرْأَة، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يقبل قَوْلهَا سَوَاء كَانَت ذَات زوج أَو لَا.
وَالْفرق هُوَ أَن أصل أَن كل من ادّعى أمرا لَا يُمكنهُ إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ كَانَ القَوْل فِيهِ قَوْله من غير بَيِّنَة، وكل من ادّعى أمرا يُمكن إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ لَا يقبل قَوْله فِيهِ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَالْمَرْأَة يُمكنهَا إِثْبَات النّسَب بِالْبَيِّنَةِ لَان انْفِصَال الْوَلَد مِنْهَا مِمَّا يُشَاهد فَلَا بُد لَهَا من بَيِّنَة، وَالرجل لَا يُمكنهُ إِقَامَة الْبَيِّنَة على الاعلاق لخفاء فِيهِ فَلَا يحْتَاج إِلَيْهَا، والاول هُوَ الْمُخْتَار لعدم التحميل على أحد فيهمَا اهـ.
قَوْله: (وَهَذَا لَو غير
معبر) أَي إِذا كَانَ الْغُلَام لَا يعبر عَن نَفسه.
قَوْله: (فَهُوَ لمن صدقه) أَي فَالْقَوْل قَول الْغُلَام أَيهمَا صدقه يثبت نسبه مِنْهُ بتصديقه، فَلَو لم يصدقهما جَمِيعًا فَالظَّاهِر أَن الْعبْرَة لقَوْله ط.
قَوْله: (لَان الخ) عِلّة لقَوْله فَهُوَ ابنهما، فَكَانَ الاولى تَقْدِيمه على قَوْله وَإِلَّا، وَأما كَونه لمن كَانَ صدقه إِذا كَانَ معبرا فعلته أَنه فِي يَد نَفسه.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَادّعى الْوَلَد.
حموي.
قَوْله: (غرم الاب قيمَة الْوَلَد) وَلَا يغرم الْوَلَد حَتَّى لَو كَانَ الاب مَيتا تُؤْخَذ من تركته، وَوَلَاؤُهُ للْمُسْتَحقّ عَلَيْهِ لانه علق حر الاصل، وَإِنَّمَا قدر الرّقّ ضَرُورَة الْقَضَاء بِالْقيمَةِ فَلَا تعدو محلهَا.
قَوْله: (يَوْم الْخُصُومَة) لَا يَوْم الْقَضَاء وَلَا يَوْم الْولادَة.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يغرم قيمَة الْوَلَد يَوْم الْقَضَاء، وَإِلَيْهِ يُشِير.
قَوْله: (لانه يَوْم الْمَنْع) أَي منع الْوَلَد من الْمُسْتَحق، لَكِن فِي حَاشِيَة الشَّيْخ حسن الشُّرُنْبُلَالِيّ مَا يُخَالِفهُ، حَيْثُ فسر يَوْم التخاصم بِيَوْم الْقَضَاء، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِعِبَارَة الزَّيْلَعِيّ وَشرح الطَّحَاوِيّ، وَلَا شكّ أَن الْمُغَايرَة بَينهمَا أظهر لاحْتِمَال تَأَخّر الْقَضَاء عَن التخاصم بِأَن لم يقم الْمُسْتَحق الْبَيِّنَة فِي يَوْم دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق بل فِي يَوْم آخر وَكَانَ بَين الْيَوْمَيْنِ تفَاوت بِالْقيمَةِ، يُؤَيّدهُ أَن قَول الطَّحَاوِيّ صَرِيح فِي الْمُغَايرَة بَين يومي التخاصم وَالْقَضَاء، إِلَّا أَن يُقَال: الْجمع بَينهمَا مُمكن.
تَأمل.
قَوْله: (وَهُوَ حر) أطلقهُ، وَلَكِن هَذَا إِذا(8/203)
كَانَ حرا، أما إِذا كَانَ مكَاتبا أَو عبدا مَأْذُونا لَهُ فِي التَّزَوُّج يكون وَلَده عبدا: أَي قِنَا للْمُسْتَحقّ عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف خلافًا لمُحَمد، وَهُوَ حر بِالْقيمَةِ عِنْده، وَبَاقِي التَّفْصِيل مَذْكُور فِي بَابه.
قَوْله: (لانه مغرور) أَي والامة ملك للْمُسْتَحقّ وَالْولد جزؤها فاستوجب الْمُسْتَحق النّظر إِلَيْهِ والمغرور مَعْذُور، وَقد بنى الامر على سَبَب صَحِيح فَوَجَبَ الْجمع بَين النظرين مهما أمكن، وَذَلِكَ بِجعْل الْوَلَد حر الاصل فِي حق الاب ورقيقا فِي حق الْمُسْتَحق، لَان اسْتِحْقَاق الاصل سَبَب اسْتِحْقَاق الْجُزْء فَيضمن الاب قِيمَته يَوْم الْخُصُومَة.
وَاعْلَم أَن ولد الْمَغْرُور حر الاصل من غير خلاف، وَلَا خلاف أَنه مَضْمُون على الاب إِلَّا أَن السّلف اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة الضَّمَان، فَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يفك الْغُلَام بالغلام وَالْجَارِيَة بالجارية: يَعْنِي إِذا كَانَ الْوَلَد غُلَاما فعلى الاب غُلَام مثله، وَإِن كَانَ جَارِيَة فَعَلَيهِ جَارِيَة
مثلهَا.
وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ: قِيمَته، وَإِلَيْهِ ذهب أَصْحَابنَا، فَإِنَّهُ قد ثَبت بِالنَّصِّ أَن الْحَيَوَان لَا يضمن بِالْمثلِ، وَتَأْويل الحَدِيث الْغُلَام بِقِيمَة الْغُلَام وَالْجَارِيَة بِقِيمَة الْجَارِيَة، ولان النّظر من الْجَانِبَيْنِ وَاجِب دفعا للضَّرَر عَنْهُمَا فَيجْعَل الْوَلَد حر الاصل فِي حق أَبِيه رَقِيقا فِي حق مدعيه نظرا لَهما.
عناية.
قَوْله: (فَلِذَا قَالَ) أَي لكَون الْمَغْرُور من اعْتمد فِي وَطئه على ملك يَمِين الخ: أَي وَلم يُقيد بِالشِّرَاءِ، فَعلم أَن قَول المُصَنّف أَولا اشْتَرَاهَا اتفاقي.
قَوْله: (وَكَذَا الحكم لَو ملكهَا بِسَبَب آخر) كَمَا لَو ملكهَا أُجْرَة عين لَهُ آجرها أَو اتهبها أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ أَو أوصى لَهُ بهَا، إِلَّا أَن رُجُوع الْمَغْرُور بِمَا ضمن لَا يعم هَذِه الصُّور، بل يقْتَصر على الْمُشْتَرَاة والمجعولة أُجْرَة والمنكوحة بِشَرْط الْحُرِّيَّة لَا الْمَوْهُوبَة.
والمتصدق بهَا وَالْمُوصى بهَا.
أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (عَيْني) حَيْثُ قَالَ: النّظر من الْجَانِبَيْنِ وَاجِب فَيجْعَل الْوَلَد حر الاصل فِي حق الاب رَقِيقا فِي حق الْمُسْتَحق فَيضمن قِيمَته يَوْم الْخُصُومَة لانه يَوْم الْمَنْع، وَيجب على الاب دون الْوَلَد، حَتَّى لَو كَانَ الاب مَيتا تُؤْخَذ من تركته، وَلَا وَلَاء للْمُسْتَحقّ عَلَيْهِ لانه علق حر الاصل، وَكَذَا إِذا ملكهَا بِسَبَب آخر غير الشِّرَاء، وَكَذَا إِذا تزَوجهَا على أَنَّهَا حرَّة فَولدت ثمَّ اسْتحقَّت، روى ذَلِك عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي النِّكَاح.
وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الشِّرَاء بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا اهـ.
قَوْله: (كَمَا لَو تزَوجهَا على أَنَّهَا حرَّة) أَي بِأَن كَانَ المزوج وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا عَنْهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَلَا رُجُوعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُخْبِرِ إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل: مِنْهَا إذَا كَانَ الْغُرُورُ بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قيمَة الْوَلَد.
وَتَمَامه فِي بَاب الْمُرَابَحَة التَّوْلِيَة وَفِي بَاب الِاسْتِحْقَاق.
قَوْله: (غرم قيمَة وَلَده) أَي وَيرجع ذَلِك عَلَى الْمُخْبِرِ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرَابَحَة.
قَوْله: (وإرثه لَهُ) أَي لَو مَاتَ الْوَلَد وَترك مَالا فَهُوَ لابيه، وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَن الْوَلَد فَلَا يقوم مقَامه فَلم يَجْعَل سَلامَة الارث كسلامته.
قَوْله: (لانه حر الاصل) فَإِن قلت: إِنَّه ظهر مِنْهُ أَنه رَقِيق فِي حق الْمُسْتَحق فَوَجَبَ أَن تكون التَّرِكَة بَينهمَا، قلت: بل هُوَ حر فِي حق الْمُسْتَحق أَيْضا، حَتَّى لَو لم(8/204)
يكن لَهُ وَلَاء فِيهِ، وَإِنَّمَا جعل رَقِيقا ضَرُورَة الْقَضَاء بِالْقيمَةِ، وَمَا ثَبت بِالضَّرُورَةِ يتَقَدَّر بِقَدرِهَا كَمَا فِي الشُّرُوح، فَظهر أَن معنى قَوْله لانه حر الاصل فِي حَقه أَنه حر فِي جَمِيع الاحكام من كل وَجه فِي حق غير الْمُسْتَحق، وَفِي حق الْمُسْتَحق إِنَّمَا هُوَ رَقِيق فِي حق الضَّمَان.
قَوْله: (فَإِن قَتله أَبوهُ) إِنَّمَا غرم لَان الْمَنْع تحقق بقتْله.
قَوْله: (غرم الاب قِيمَته للْمُسْتَحقّ) لوُجُود الْمَنْع مِنْهُ فِيمَا إِذا كَانَ هُوَ الْقَاتِل ولقبضه بدله فِيمَا إِذا كَانَ الْقَاتِل غَيره، فَلِذَا لَا يُؤْخَذ مِنْهُ فَوق مَا قبض كَمَا سَيَأْتِي، بِخِلَاف مِيرَاث الْوَلَد فَإِنَّهُ لَيْسَ بَدَلا عَنهُ، بل آل إِلَيْهِ خلَافَة عَنهُ كَمَا هُوَ طَريقَة الارث وَهُوَ حر الاصل فِي حَقه، والغرامة فِي مَاله لَو كَانَ الْوَلَد حَيا لَا فِي مَال الْوَلَد وَهُوَ لم يمنعهُ وَلَا بدله فَلَا شئ عَلَيْهِ.
قَوْله: (لَا شئ عَلَيْهِ) لَان الْمَنْع لَا يتَحَقَّق فِيمَا لم يصل إِلَيْهِ.
قَوْله: (لزمَه بِقَدرِهِ) اعْتِبَارا للْبَعْض بِالْكُلِّ.
قَوْله: (فِي الصُّورَتَيْنِ) أَي صُورَتي الْملك والتزوج، أما فِي صُورَة الْملك فلَان البَائِع صَار كَفِيلا بِمَا شَرطه من الْبَدَل لوُجُوب سَلامَة الْبَدَلَيْنِ فِي البيع وَلما سلم الثّمن للْبَائِع وَجب سَلامَة الْمَبِيع للْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ بِجعْل البَائِع كَفِيلا لتملكه الْبَدَل، لانه ضمن سلامتها من عيب والاستحقاق عيب.
وَأما فِي صُورَة النِّكَاح فلَان الِاسْتِيلَاد مَبْنِيّ على التَّزَوُّج وَشرط الْحُرِّيَّة كوصف لَازم للتزوج فَنزل: أَي المزوج قَائِلا: أَنا كَفِيل بِمَا لزم فِي هَذَا العقد، بِخِلَاف مَا إِذا أخبرهُ رجل أَنَّهَا حرَّة أَو أخبر بِهِ هِيَ وَتَزَوجهَا من غير شَرط الْحُرِّيَّة حَيْثُ يكون الْوَلَد رَقِيقا، وَلَا يرجع على الْمخبر بشئ لَان الاخبار سَبَب مَحْض، لَان العقد حصل بِاخْتِيَار الرجل وَالْمَرْأَة، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ حكم الْعلَّة بالغرور وَذَلِكَ بِأحد أَمريْن: بِالشّرطِ أَو بالمعاوضة كَمَا فِي الْمَقْدِسِي، وَهَذَا ظَاهر فِيمَا إِذا أرجعنا الصُّورَتَيْنِ إِلَى مَا ذكرنَا، أما إِذا أرجعنا الصُّورَتَيْنِ إِلَى قَوْله فَإِن قَتله أَبوهُ أَو غَيره كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيّ فَلَا يظْهر فِيمَا إِذا قَتله الاب لانه ضَمَان إِتْلَاف فَكيف يرجع بِمَا غرم؟ وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِذَلِكَ: أَيْ بِالرُّجُوعِ فِيمَا إِذا قَتله غَيره وبعدمه بقتْله، والاولى إرجاع الصُّورَتَيْنِ إِلَى مَا إِذا اسْتَوْلدهَا وَمَا إِذا قَتله غير الاب، فَتَأمل.
قَوْله: (وَلَو هالكة) يَعْنِي إِذا هَلَكت عِنْد المُشْتَرِي فضمنه: أَي الْمُسْتَحق قيمتهَا وَقِيمَة الْوَلَد فَإِنَّهُ يرجع على البَائِع بِثمنِهَا وبقيمة الْوَلَد لَا بِمَا ضمن من قيمتهَا، لانه لما أَخذ الْمُسْتَحق قيمتهَا صَار كَأَنَّهُ أَخذ عينهَا، وَفِي أَخذ الْعين لَا يرجع إِلَّا بِالثّمن فَكَذَا فِي أَخذ الْقيمَة.
وَالْحَاصِل: أَن الْمُسْتَحق يَأْخُذهَا لَو قَائِمَة وَقيمتهَا لَو كَانَت هالكة، وَيرجع بذلك على بَائِعه لانه بِعقد البيع ضمن لَهُ السَّلامَة، بِخِلَاف الْوَاهِب أَو الْمُعير لَو هَلَكت فِي يَده فضمنه الْمُسْتَحق قيمتهَا لانهما محسنان وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل فَلَا يرجع عَلَيْهِمَا كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (وَكَذَا لَو اسْتَوْلدهَا المُشْتَرِي الثَّانِي) فَإِن المُشْتَرِي الثَّانِي يرجع على المُشْتَرِي الاول بِالثّمن وبقيمة الْوَلَد.
قَوْله: (لَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الاول بِالثّمن فَقَط) وَلَا يرجع بِقِيمَة الْوَلَد عِنْد الامام.
وَقَالا: يرجع عَلَيْهِ(8/205)
بِقِيمَة الْوَلَد أَيْضا، لَان البَائِع الاول ضمن للثَّانِي سَلامَة الْوَلَد فِي ضمن البيع وَلم يسلم لَهُ حَيْثُ أَخذ مِنْهُ قيمَة الْوَلَد فَيرجع بِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الثّمن وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ.
ولابي حنيفَة أَن البَائِع الاول ضمن للْمُشْتَرِي سَلامَة أَوْلَاده دون أَوْلَاد المُشْتَرِي مِنْهُ، لَان ضَمَان السَّلامَة إِنَّمَا بثبت بِالْبيعِ، وَالْبيع الثَّانِي لَا يُضَاف إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُضَاف إِلَى البَائِع الثَّانِي لمباشرته بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْقَطِع بِهِ سَبَب الاول، بِخِلَاف الثّمن لَان البَائِع الاول ضمن للْبَائِع الثَّانِي سَلامَة الْمَبِيع وَلم يسلم لَهُ فَلَا يسلم للْبَائِع الثّمن، وَبِخِلَاف الرَّد بِالْعَيْبِ لَان المُشْتَرِي الاول اسْتَحَقَّه سليما وَلم يُوجد اهـ.
منح.
قَوْله: (كَمَا فِي الْمَوَاهِب) وعبارتها: وَلَو اسْتحقَّت أمة بَعْدَمَا اسْتَوْلدهَا المُشْتَرِي الثَّانِي غرم الْعقر وَقِيمَة الْوَلَد وَقت الْخُصُومَة، وَيرجع بِالثّمن وَقِيمَته على البَائِع وَهُوَ يرجع بِالثّمن فَقَط انْتهى.
قَوْله: (لَا بعقرها) أَي لَا يرجع بالعقر الَّذِي أَخذه مِنْهُ الْمُسْتَحق لانه لزمَه بِاسْتِيفَاء مَنَافِعهَا: أَي مَنَافِع بضعهَا وَهُوَ الوطئ وَهِي لَيست من أَجزَاء الْمَبِيع فَلم يكن البَائِع ضَامِنا لسلامته.
صدر الشَّرِيعَة.
قَوْله بِاسْتِيفَاء مَنَافِعهَا على حذف مُضَاف: أَي مَنَافِع بضعهَا، دلّ على ذَلِك قَول الزَّيْلَعِيّ: الْعقر عوض عَمَّا استوفى من مَنَافِع الْبضْع، فَلَو رَجَعَ بِهِ سلم لَهُ المستوفي مجَّانا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يرجع بالعقر أَيْضا على البَائِع.
قَوْله: (التَّنَاقُض فِي مَوضِع الخفاء عَفْوٌ) فِي الْأَشْبَاهِ: يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي للْجَهْل اهـ.
لَعَلَّهُ لِجَهْلِهِ بِمَا فَعَلَهُ الْمُوَرِّثُ وَالْمُوصِي وَالْمَوْلَى.
وَفِي دَعْوَى الْأَنْقِرْوِيِّ فِي التَّنَاقُضِ الْمَدْيُونُ بَعْدَ قَضَاء الدّين أَو المختلعة بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْخُلْعِ: لَوْ بَرْهَنَتْ عَلَى طَلَاقِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَبَرْهَنَ عَلَى إبْرَاءِ الدّين يقبل، ثمَّ نُقِلَ أَنَّهُ إذَا اُسْتُمْهِلَ فِي قَضَاءِ
الدَّيْنِ ثمَّ ادّعى الابراء لَا يسمع.
سائحاني.
وَقدمنَا نَظِيره وَمِنْه الاقرار بِالرّضَاعِ، فَلَو قَالَ هَذِه رضيعتي ثمَّ اعْترف بالْخَطَأ يصدق فِي دَعْوَاهُ الْخَطَأ، وَله أَن يَتَزَوَّجهَا بعد ذَلِك، وَهَذَا مَشْرُوط بِمَا إِذا لم يثبت على إِقْرَاره بِأَن قَالَ هُوَ حَقٌّ أَوْ صِدْقٌ أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُهُودًا أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ الثَّبَاتِ اللَّفْظِيِّ الدَّالِّ على الثَّبَات النَّفْسِيّ، واتفقت فِي ذَلِك مبَاحث طَوِيلَة الذيول لَا يحْتَمل هَذِه الاوراق إيرادها، والعذر للْمقر فِي رُجُوعه عَن ذَلِك لانه مِمَّا يخفى عَلَيْهِ، فقد يظْهر بعد إِقْرَاره خطأ النَّاقِل.
وَمِنْهَا: تَصْدِيق الْوَرَثَة الزَّوْجَة على الزَّوْجِيَّة وَدفع الْمِيرَاث لَهَا ثمَّ دَعوَاهُم استرجاع الْمِيرَاث بِحكم الطَّلَاق الْمَانِع مِنْهُ حَيْثُ تسمع دَعوَاهُم لقِيَام الْعذر فِي ذَلِك لَهُم حَيْثُ استصحبوا الْحَال فِي الزَّوْجِيَّة وخفيت عَلَيْهِم الْبَيْنُونَة.
وَمِنْهَا: مَا إِذا أدّى الْمكَاتب بدل الْكِتَابَة ثمَّ ادّعى الْعتْق قبل الْكِتَابَة قيل لانه يخفى عَلَيْهِ الْعتْق.
وَمِنْهَا: مَا إِذا اسْتَأْجر دَارا ثمَّ ادّعى ملكهَا على الْمُؤَجّر وَأَنَّهَا صَارَت إِلَى الْمُسْتَأْجر مِيرَاثا عَن أَبِيه إِذْ هُوَ مِمَّا يخفى.
وَمِنْهَا: مَا إِذا اسْتَأْجر ثوبا مطويا فِي جراب أَو منديل أَو غير ذَلِك، فَلَمَّا نشره قَالَ هَذَا متاعي(8/206)
تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته، فالدعوى مسموعة مَعَ التَّنَاقُض فِي جَمِيع هَذِه الصُّور مُطلقًا لمُطلق الْعذر على الرَّاجِح الْمُفْتى بِهِ.
وَمن الْمَشَايِخ من اعْتبر الناقض فِي جَمِيع هَذِه الصُّور فَمنع سَماع الدَّعْوَى إِذا تقدم مَا ينافيها إِلَّا فِي مَسْأَلَة الرَّضَاع وَمَسْأَلَة إكذاب القَاضِي الْمُدَّعِي فِي التَّنَاقُض السَّابِق، وَهِي مَا إِذا أَمر إنْسَانا بِقَضَاء دينه فَزعم الْمَأْمُور أَنه قَضَاء عَن أمره وَصدقه الْآمِر وَكَانَ الاذن بِالْقضَاءِ مَشْرُوطًا بِالرُّجُوعِ فَرجع الْمَأْمُور على الْآمِر بِالْمَالِ الَّذِي صدقه على أَدَائِهِ للدائن فجَاء رب الدّين بعد ذَلِك وَادّعى على الْآمِر الْمَدْيُون بِدِينِهِ وَأَن الْمَأْمُور لم يُعْطه شَيْئا وَحلف على ذَلِك يقْضِي لَهُ القَاضِي على الْآمِر بأَدَاء الدّين، فَإِذا أَدَّاهُ ثمَّ ادّعى الْآمِر على الْمَأْمُور بِمَا كَانَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ بِحكم تَصْدِيقه، فَهَل الدَّعْوَى مسموعة مَعَ التَّنَاقُض لَان القَاضِي أكذب الْمُدَّعِي الَّذِي هُوَ الْآمِر فِيمَا سبق مِنْهُ من تَصْدِيق الْمَأْمُور حَيْثُ قضى عَلَيْهِ
بِدفع الدّين إِلَى الدَّائِن وَالْحَال مَا ذكر مَانِعا من الرُّجُوع عَلَيْهِ بِالْمَالِ؟ ثمَّ قَالَ: وَهل يشْتَرط فِي صِحَة سَماع الدَّعْوَى إبداء الْمُدَّعِي عذره عِنْد القَاضِي والتوفيق بَين الدَّعْوَى وَبَين مَا سبق، أَو لَا يشْتَرط ذَلِك ويكتفي القَاضِي بِإِمْكَان الْعذر والتوفيق، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفِي، فَرَاجعه.
وَمِمَّا يتَّصل بِهَذَا الْفَرْع: أَعنِي قَوْله التَّنَاقُض فِي مَوضِع الخفاء عَفْو مَا ذكره فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: قدم بَلْدَة واستأجر دَارا فَقيل لَهُ هَذِه دَار أَبِيك مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا فادعاها الْمُسْتَأْجر وَقَالَ مَا كنت أعلم بهَا لَا تسمع للتناقض.
أَقُول: يَنْبَغِي أَن تسمع فِيهِ وَفِي أَمْثَاله، إِذْ التَّنَاقُض إِنَّمَا يمْنَع مَا لم يوفق أَو لم يُمكن توفيقه.
وَأما إِذا وفْق فَيَنْبَغِي أَن تسمع إِذْ لَا تنَاقض حِينَئِذٍ حَقِيقَة، أما لَو أمكن توفيقه وَلَكِن لم يوفق فَفِيهِ اخْتِلَاف، وَنَصّ فِي هَذَا وَغَيره على أَن الامكان يَكْفِي اهـ.
وَقدمنَا أَنه فِي مَحل الخفاء لَا يَكْفِي الامكان، وَإِلَّا فَلَا بُد مِنْهُ.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر أَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ لم يطلع على نَص صَرِيح يُفِيد سماعهَا، وَقد ظَفرت بِهِ فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق، وَفِي شرح قَوْله لَا الْحُرِّيَّة وَالنّسب وَالطَّلَاق، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْعُيُون: قدم بَلْدَة وَاشْترى أَو اسْتَأْجر دَارا ثمَّ ادَّعَاهَا قَائِلا بِأَنَّهَا دَار أَبِيه مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا وَكَانَ لم يعرفهُ وَقت الاستيام لَا يقبل وَالْقَبُول أصح.
اهـ.
ذكره الْغَزِّي.
أَقُول: قَول أَقُول الخ لَا يدل على عدم اطِّلَاعه، بل هُوَ اخْتِيَار مِنْهُ لما هُوَ الاصح وتعليل لَهُ.
وَأَقُول: قَوْله وَاشْترى يدل على أَنه لَو قَاسم فَهُوَ كَذَلِك، وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى.
قَاسم عَمْرو كرما ثمَّ اطلع على أَن الْجَمِيع لوالده غرسه بِيَدِهِ ثمَّ مَاتَ وَتَركه لَهُ مِيرَاثا وَلم يعلم بذلك وَقت الْقِسْمَة، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ أدل، فَلْيتَأَمَّل.
وَالظَّاهِر أَن قَوْله قدم بَلْدَة لَيْسَ بِقَيْد بل لانه غَالِبا مَحل الخفاء، وَإِذا كَانَ مُقيما لَا يخفى غَالِبا، يُؤَيّدهُ مَا قدمه من قَوْله شراه أبي فِي صغري، فَتَأمل اهـ.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين: دفع الْوَصِيّ جَمِيع تَرِكَة الْمَيِّت إِلَى وَارثه وَأشْهد على نَفسه أَنه قبض مِنْهُ جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلَمْ يَبْقَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ قَلِيلٌ وَلَا كثير إِلَّا اسْتَوْفَاهُ ثمَّ ادّعى دَارا فِي يَد الْوَصِيّ أَنَّهَا من تَرِكَة وَالِدي وَلم أقبضها، قَالَ: أقبل بِبَيِّنَتِهِ وأقضي بهَا لَهُ، أَرَأَيْت إِن قَالَ
قد استوفيت جَمِيع مَا تَركه وَالِدي من دين على النَّاس وقبضت كُله ثمَّ ادّعى دينا على رجل لابيه أَلا أقبل بِبَيِّنَتِهِ وأقضي لَهُ بِالدّينِ اهـ.(8/207)
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ ثُمَّ ادَّعَى التَّرِكَة وَأنكر وَإِلَّا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ.
وفيهَا: وَلَو قَالَ تركت حَقي من الْمِيرَاث أَو بَرِئت مِنْهَا وَمن حصتي لَا يَصح وَهُوَ على حَقه، لَان الارث جبري لَا يَصح تَركه اهـ.
وَفِي الْخَانِية: وَفِي الْوَصَايَا من تَصَرُّفَات الْوَصِيّ: أشهد الْيَتِيم على نَفسه بعد الْبلُوغ أَنه قبض من الْوَصِيّ جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلم يبْق لَهُ من تَرِكَة وَالِده عِنْده من قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا قَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادّعى فِي يَد الْوَصِيّ شَيْئا وَقَالَ هُوَ من تَرِكَة وَالِدي وَأقَام الْبَيِّنَة قبلت بَينته، وَكَذَا لَو أقرّ الْوَارِث أَنه قد استوفى جَمِيع مَا ترك وَالِده من الدّين على النَّاس ثمَّ ادّعى لابيه دينا على رجل تسمع دَعْوَاهُ اهـ.
وَقَول قاضيخان أشهد الْيَتِيم على نَفسه أَنه قبض تَرِكَة وَالِده.
أَقُول: ذكر الطرسوسي فِي شرح فَوَائده الْمَنْظُومَة قلت: انْتقض قَوْلهم إِن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم، لَان قَوْله لم يبْق حق نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي، فعلى مُقْتَضى الْقَاعِدَة لَا تصح دَعْوَاهُ بعد ذَلِك لتناقضه والمتناقض لَا تسمع دَعْوَاهُ وَلَا بَينته اهـ.
أَقُول: إِنَّمَا اغتفر مثله لانه مَحل الخفاء بِكَوْنِهِ لَا يُحِيط علمه بِمَا ترك وَالِده بل قد يخفى عَلَيْهِ ذَلِك فيعفى التَّنَاقُض تَأمل.
وَأَقُول: قد حرر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى الْمَسْأَلَة برسالة سَمَّاهَا (إِعْلَام الاعلام بِأَحْكَام الابراء الْعَام) وفْق فِيهَا بَين عِبَارَات متعارضة وَرفع مَا فِيهَا من المناقضة.
وَحَاصِل مَا فِيهَا الْفرق بَين إِقْرَار الابْن للْوَصِيّ وَبَين إِقْرَار الْوَرَثَة للْبَعْض، لما فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الْمُحِيط لَو أَبْرَأ أحد الْوَرَثَة الْبَاقِي إِلَى آخر عبارتها الْمُتَقَدّمَة.
وَوجه الْفرق بَينهمَا أَن الْوَصِيّ هُوَ الَّذِي يتَصَرَّف فِي مَال الْيَتِيم بِلَا اطِّلَاعه، فيعذر إِذا بلغ وَأقر
بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ لجهله، بِخِلَاف بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِنَّهُم لَا تصرف لَهُم فِي مَاله، وَلَا فِي شئ من التَّرِكَة إِلَّا باطلاع وَصِيَّة الْقَائِم مقَامه فَلَا يعْذر بالتناقض، وَمن أَرَادَ مزِيد الْبَيَان وَرفع الْجَهَالَة فَعَلَيهِ بِتِلْكَ الرسَالَة فَفِيهَا الْكِفَايَة لِذَوي الدِّرَايَة.
قَوْله: (لَا تسمع الدَّعْوَى) أَي من أَي مُدع كَانَ كغريم دائن ومودع هَذَا.
وَقد تقدم أَن دَعْوَى أَنه وَارِث تسمع على الدَّائِن والمديون.
قَوْله: (على غَرِيم ميت) بالاضافة، وَالْمرَاد بِهِ دائن الْمَيِّت كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من البيري وَاسْتظْهر الْحَمَوِيّ أَنه مديون الْمَيِّت.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا ادّعى قوم على الْمَيِّت ديونا وَأَرَادُوا أَن يثبتوا ذَلِك فَلَيْسَ لَهُم أَن يثبتوا على غَرِيم للْمَيت عَلَيْهِ دين وَلَا على موصي لَهُ بل لَا بُد من حُضُور وَارِث أَو وَصِيّ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَإِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت هَل يَصح؟ اخْتلف الْمَشَايِخ.
وَصورته: الْمَرِيض مرض الْمَوْت وهب كل مَاله فِي مَرضه أَو أوصى بِجَمِيعِ مَاله ثمَّ ادّعى رجل دينا على الْمَيِّت؟ قَالَ السَّعْدِيّ: نصب القَاضِي وَصِيّا وَسمع الْخُصُومَة عَلَيْهِ.
وَقَالَ شمس الائمة: يسمع على من فِي يَده المَال.
اهـ.
وَمن هُنَا تعلم أَن قَوْله الْآتِي زَائِدا صَوَابه ذَا يَد كَمَا هُوَ فِي أصل عبارَة الاشباه.
وَفِي الْبَحْر: وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِي إِثْبَات الدّين على من فِي يَده مَال الْمَيِّت وَلَيْسَ بوارث وَلَا وَصِيّ، وَلَا تسمع دَعْوَى دين على ميت على غَرِيم الْمَيِّت مديونا أَو دائنا.
اه.(8/208)
وَفِي حَاشِيَة الاشباه للحموي: واستثناء الْمَوْهُوب لَهُ من غَرِيم الْمَيِّت مُنْقَطع، إِذْ لَيْسَ هُوَ من الْغُرَمَاء حَتَّى يكون مُتَّصِلا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: تقبل بَيِّنَة إِثْبَات الدّين على الْمَيِّت على الْمُوصى لَهُ أَو مديون الْمَيِّت أَو الْوَارِث أَو الَّذِي لَهُ على الْمَيِّت دين وَمثله فِي العطائية.
وَفِي قاضيخان من الْوَصَايَا: رجل مَاتَ وَعَلِيهِ دين مُحِيط بِمَالِه.
قَالَ أَبُو بكر: الْوَارِث لَا يصير خصما للْغُرَمَاء لانه لَا يَرث.
وَقَالَ عَليّ بن مُحَمَّد: الْوَارِث يصير خصما وَيقوم مقَام الْمَيِّت فِي الْخُصُومَة وَبِه نَأْخُذ.
ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح أَن يكون الْوَارِث خصما لمن يَدعِي الدّين على الْمَيِّت وَإِن لم يملك شَيْئا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا: والخصم فِي إِثْبَات كَونه وَصِيّ الْوَارِث أَو الْمُوصى لَهُ أَو مديون الْمَيِّت أَو دائنه، وَقيل الدَّائِن لَيْسَ بخصم.
قَالَ فِي نور الْعين من الْخَامِس: لَا تقبل دَعْوَى من يَدعِي على ميت بِحَضْرَة رجل يَدعِي أَنه وَصِيّ الْمَيِّت وَأقر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بالوصاية.
اهـ.
فَتبين من هَذَا أَن الدَّعْوَى إِنَّمَا تسمع على وَصِيّ مُحَقّق.
وَفِيه من السَّادِس فِي دَعْوَى دين على الْمَيِّت: يَكْفِي حُضُور وَصِيّه أَو وراثه، وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر كل الْوَرَثَة.
اهـ.
وَعبارَة الاشباه: لَا تسمع الدَّعْوَى بدين على ميت لَا على وَارِث أَو وَصِيّ موصى لَهُ، وَلَا تسمع على غَرِيم لَهُ كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، إلَّا إذَا وَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَهُ لَهُ فَإِنَّهَا تسمع عَلَيْهِ لكَونه ذَا يَد كَمَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ انْتهى، فعلى هَذَا.
قَوْله: غَرِيم ميت تركيب إضافي بِمَعْنى اللَّام.
فرع: قَالَ فِي خزانَة الاكمل: لَو مَاتَ رجل فِي بلد بعيد وَترك مَالا وَادّعى رجل عَلَيْهِ دينا وورثته فِي بلد مُنْقَطع عَنهُ فَإِن القَاضِي ينصب لَهُ وَصِيّا وَيسمع بِبَيِّنَتِهِ وَيَقْضِي لَهُ بِالدّينِ، وَلَو لم يكن مُنْقَطِعًا لَا تسمع بَينته على غير الْوَارِث انْتهى
قَوْله: (إِلَّا إِذا وهب الخ) صورته: رجل وهب جَمِيع مَاله لانسان وَسلمهُ إِيَّاه ثمَّ مَاتَ فَادّعى عَلَيْهِ آخر أَن هَذِه الْعين لَهُ أَو أَنه لَهُ على الْمَيِّت كَذَا من الدّين فَإِنَّهَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ، لَان فِي الاولى الْعين الَّتِي يدعيها فِي يَد الْمَوْهُوب لَهُ، وَفِي الثَّانِيَة الدّين مُتَعَلق بِالتَّرِكَةِ وَهِي فِي يَده، لَكِن فِي الثَّانِيَة يشْتَرط أَن تكون الْهِبَة فِي مرض الْمَوْت لَان الدّين إِنَّمَا يتَعَلَّق بهَا فِيهِ، فَعلم أَن الِاسْتِثْنَاء هُنَا مُنْقَطع لَان الْمَوْهُوب لَهُ لَيْسَ بغريم.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة أَن الْمُوصى لَهُ بِجَمِيعِ المَال أَو بِمَا زَاد على الثُّلُث خصم لعدم الْوَارِث لَان اسْتِحْقَاق الزَّائِد على الثُّلُث من خَصَائِص الْوَارِث فَيلْحق بالوارث.
حموي.
قَوْله: (لكَونه زَائِدا) أَي عَليّ الثُّلُث كَمَا تقدم، وَفِي نُسْخَة ذَا يَد أَي صَاحب يَد، وَقد علمت تَوْجِيهه وَإِن كَانَ الاول صَوَابا أَيْضا كَمَا ذكر فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَلْحَقُ بِهَذَا مُدَّعِي الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يُنْكِرُ الْحَقَّ حَتَّى يَثْبُتَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَا يَقْدِرُ.
وَأَيْضًا ادِّعَاءُ الْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ وَثُبُوتُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخَصْمِ الْجَاحِدِ كَمَا ذكره
قاضيخان، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ شَرْعًا صَحِيحًا يَجُوزُ فَيَلْحَقُ هَذَا أَيْضًا بِهِمَا، وَيَلْحَقُ بِالْوَصِيِّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الدّين فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِالْحَقِّ يلْزمه الْكُلُّ مِنْ حِصَّتِهِ، وَإِذَا(8/209)
أَنْكَرَ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ مِنْ حِصَّتِهِ وحصتهم.
حموي.
قَوْله: (ليبرهن فيتمكن من الرَّد) لانه إِن قبله بِغَيْر قَضَاء لم يكن لَهُ الرَّد، وَالظَّاهِر أَن هَذَا فِيمَا إِذا كَانَ بَائِعه تملكه بِالشِّرَاءِ من آخر، أما إِذا كَانَ موروثا أَو موهوبا أَو موصى بِهِ أَو نتاجا فَلَا يُنكر الْبَتَّةَ.
وَصورته: أَن لَا يكون عَالما بِالْعَيْبِ قبل البيع، وَإِلَّا كَانَ رَاضِيا بِهِ فَلَا يتَمَكَّن من الرَّد.
قَوْله: (إِذا علم بِالدّينِ) فَإِنَّهُ لَو أقرّ يلْزمه وَلَا يرجع، بِخِلَاف مَا إِذا أنكر وأقيمت الْبَيِّنَة.
زَاد أَبُو السُّعُود: أَو إِذا علم الْوَصِيّ بِالنّسَبِ كَمَا فهمه من عبارَة الحانوتي فِي فَتَاوَاهُ.
قَوْله: (لَا تَحْلِيف مَعَ الْبُرْهَان) قيل عَلَيْهِ: لَو قَالَ مَعَ الْبَيِّنَة لَكَانَ صَوَابا، إِذْ لَا تَحْلِيف مَعَ الاقرار بِعَين وَهُوَ برهَان اهـ.
وَالْجَوَاب أَن الْمُطلق مَحْمُول على الْفَرد الْكَامِل وَهُوَ الْبَيِّنَة.
اهـ.
قَوْله: (دَعْوَى دين على ميت) فِي أَوَائِل دَعْوَى التَّنْقِيح: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يَحْلِفُ بِلَا طَلَبِ وَصِيٍّ وَوَارِثٍ: بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ دَيْنَكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ عَنْهُ وَمَا قَبَضَهُ قَابِضٌ وَلَا أَبْرَأْتَهُ وَلَا شَيْئا مِنْهُ، وَلَا أحلّت بِهِ وَلَا بشئ مِنْهُ على أحد وَلَا عنْدك وَلَا بشئ مِنْهُ رهن، فَإِذا حلف أَمر بِالدفع إِلَيْهِ وَإِن نكل لم يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ.
خُلَاصَةٌ.
فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ لم ينفذ حكمه، وَتَمَامه فِيهَا.
وفيهَا عَن الْبَحْر: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ هَلْ يَحْلِفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يحلف احْتِيَاطًا، لَكِن رده الرَّمْلِيّ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَة دفع الدّين شهدُوا على حَقِيقَة الدّفع فانتقى احْتِمَال أَنهم شهدُوا باستصحاب الْحَال، وَقد استوفى فِي بَاطِن الامر كَمَا فِي مدعي الدّين، وارتضاه الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بقوله: وَكَلَام الرَّمْلِيّ هُوَ الاوجه كَمَا لَا يخفى على من تنبه، وقدمناه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ.
قَوْله: (وَاسْتِحْقَاق مَبِيع) يَعْنِي إِذا اسْتحق الْمَبِيع بِالْبَيِّنَةِ من المُشْتَرِي فللمستحق عَلَيْهِ تَحْلِيف الْمُسْتَحق بِاللَّه مَا بِعته وَلَا وهبته وَلَا تَصَدَّقت بِهِ وَلَا خرجت الْعين عَن ملكك بِوَجْه من الْوُجُوه.
قَوْله: (وَدَعوى آبق) أَي دَعْوَى تملك آبق.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: لَعَلَّ صُورَتَهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ عَبْدِي أَبَقَ مِنِّي وَأَقَامَ بَيِّنَة على أَنه عَبده فليحلف أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بَاعَهُ.
تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْتُ فِي شَرْحِ هَذَا الشَّرْحِ نُقِلَ عَنْ الْفَتْحِ هَكَذَا.
وَعِبَارَتُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: يَحْلِفُ مُدَّعِي الْآبِق مَعَ الْبَين بِاللَّه أَنه بَاقٍ عَلَى مِلْكِك إلَى الْآنِ لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ وَلَا هبة وَلَا نَحْوهَا.
اهـ.
وَصُورَة ط: بِمَا إِذا حبس القَاضِي الْآبِق فجَاء رجل وادعاه وَأقَام بَيِّنَة أَنه عَبده يسْتَحْلف بِاللَّه أَنه بَاقٍ فِي ملكه وَلم يخرج بِبيع وَلَا هبة فَإِذا حلف دَفعه إِلَيْهِ، وَذَلِكَ صِيَانة لقضائه عَن الْبطلَان ونظرا لمن هُوَ عَاجز عَن النّظر لنَفسِهِ من مُشْتَر وموهوب لَهُ، وَيلْحق بِهَذِهِ الْمسَائِل مَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة للْغَرِيم الْمَجْهُول حَاله بِأَنَّهُ معدم فَلَا بُد من يَمِينه أَنه لَيْسَ لَهُ مَال ظَاهر وَلَا بَاطِن وَإِن وجد مَالا يُؤَدِّي حَقه عَاجلا، لَان الْبَيِّنَة إِنَّمَا قَامَت على الظَّاهِر وَلَعَلَّه غيب مَاله، وَمَا لَو شهد الشُّهُود أَن لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِم سَوَاء قَالُوا لَا نَعْرِف عَددهَا، أم لَا تجْعَل ثَلَاثَة وَيحلف على نفي مَا زَاد عَنْهَا إِذا كَانَ الْمُدَّعِي يَدعِي الزِّيَادَة.
اهـ.
قَوْلُهُ: (الْإِقْرَارُ لَا يُجَامِعُ الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّهَا لَا تُقَام إِلَّا على مُنكر، وَذكر هَذَا الْأَصْلَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ: وَهِيَ مَا سِوَى دَعْوَى الْآبِقِ، وَكَذَا ذَكَرَهَا قَبْلَهُ(8/210)
فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَامِسَةَ بل زَاد غَيرهَا وأوصلها إِلَى سبع وَتَأْتِي هُنَا مفصلة مَعَ زِيَادَة ثَلَاثَة أخر، وَعَلِيهِ فَتكون عشرَة.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَهَذَا يدل على جَوَاز إِقَامَتهَا مَعَ الاقرار فِي كل مَوضِع يتَوَقَّع الضَّرَر من الْمقر لولاها فَيكون هَذَا أصلا.
قَوْله: (إِلَّا فِي أَربع) الَّذِي ذكره هُنَا خَمْسَة وَلكنهَا سَبْعَة كَمَا فِي الْحَمَوِيّ.
ملخصها: أَنه لَا تسمع الْبَيِّنَة على مقرّ إِلَّا على وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ الْبَيِّنَةُ لِلتَّعَدِّي، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِهِ مَعَ إقْرَارِ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيمَا لَوْ خُوصِمَ الْأَبُ بِحَقٍّ عَنْ الصَّبِيِّ فَأَقَرَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَلَكِنْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ
وَأَمِينُ الْقَاضِي إذَا أَقَرَّ خَرَجَ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَفِيمَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِ.
وَفِيمَا لَوْ أَجَّرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مِنْ آخَرَ فَأَقَامَ الْأَوَّلُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ حَاضِرًا تُقْبَلُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ يقر بِمَا يَدعِي.
قَوْله: (وكَالَة) يَعْنِي لَو أقرّ بوكالة رجل بِقَبض دين عَلَيْهِ لمُوكلِه فَإِن الْوَكِيل يُقيم بَينته، إِذْ لَو دَفعه بِلَا بَيِّنَة يتَضَرَّر إِذْ لَا تَبرأ ذمَّته إِذا أنكر الْمُوكل وكَالَته اهـ.
ط.
زَاد الْفَاضِل الْحَمَوِيّ ثامنة وتاسعة نقلهما عَن الْبَدَائِع من كتاب الْقِسْمَة.
الثَّامِن: الْوَرَثَة إِذا كَانُوا مقرين بالعقار لَا بُد من إِقَامَة الْبَيِّنَة على بَعضهم على قَول أبي حنيفَة.
التَّاسِع: الاب أَو الْوَصِيّ إِذا أقرّ على الصَّغِير لَا بُد من بَيِّنَة مقَام عَلَيْهِ مَعَ كَونه مقرا اهـ.
وَزَاد بعض الْفُضَلَاء عاشرا: وَهُوَ ادّعى على آخر عقارا أَنه فِي يَده وَهُوَ مُسْتَحقّ فَأقر بِالْيَدِ تسمع بَينته أَنه ذُو الْيَد مَعَ إِقْرَاره اهـ.
قَوْله: (ووصاية) يَعْنِي إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بالوصاية.
وَصورته: رجل قَالَ للْقَاضِي إِن فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ أقامني وَصِيّا وَمَات وَله على هَذَا كَذَا أَو فِي يَد هَذَا كَذَا فَصدقهُ الْمُدعى عَلَيْهِ فَالْقَاضِي لَا يثبت وصايته بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة عَلَيْهَا، لانه إِذا دفع إِلَيْهِ المَال اعْتِمَادًا على الاقرار فَقَط لَا تَبرأ ذمَّته من الدّين إِذا أنكر الْوَارِث، أما لَو دفع بعد الْبُرْهَان تَبرأ ذمَّته.
أَفَادَهُ صَاحب تنوير الاذهان.
قَوْله: (وَإِثْبَات دين على ميت) صورته: ادّعى على بعض الْوَرَثَة دين على الْمَيِّت فَأقر الْوَارِث بِالدّينِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي من نصِيبه قدر مَا يَخُصُّهُ من الدّين، وللطالب أَن يُقيم بَيِّنَة على حَقه ليَكُون حَقه فِي كل التَّرِكَة، وَكَذَا إِذا أقرّ جَمِيع الْوَرَثَة تقبل بَينته لَان الْمُدَّعِي يحْتَاج إِلَى إِثْبَات الدّين فِي حَقهم وَحقّ دائن آخر.
وَفِي البيري: اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة هَل يقْضِي عَلَيْهِ بالاقرار أَو بِالْبَيِّنَةِ.
قيل يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ لانه بالانكار وَإِقَامَة الْبَيِّنَة اسْتحق عَلَيْهِ الحكم فَلَا يبطل الْحق السَّابِق بالاقرار اللَّاحِق، ولان زِيَادَة التَّعَدِّي الثَّابِتَة بالبرهان حَقه فَلَا يُؤثر الاقرار اللَّاحِق فِي بُطْلَانه.
اهـ.
موضحا ط.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ.
قَوْله: (وَاسْتِحْقَاق عين من مُشْتَر) فَإِن المُشْتَرِي إِذا أقرّ بِالِاسْتِحْقَاقِ للْمُسْتَحقّ لَا يتَمَكَّن من الرُّجُوع بِالثّمن على بَائِعه، فَإِذا أُقِيمَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أمكنه ذَلِك، وَقد تقدم أَنه يسوغ لَهُ الانكار مَعَ الْعلم لاجل هَذَا التَّمَكُّن ط.
لَكِن قد يُقَال مَعَ الاقرار كَيفَ يكون لَهُ الرُّجُوع.
تَأمل.
قَوْله: (وَدَعوى الْآبِق) يَعْنِي إِذا ادّعى على شخص أَن العَبْد الَّذِي عِنْده أبق مِنْهُ، وَأقر وَاضع الْيَد بذلك(8/211)
فَلهُ أَن يطْلب الْبَيِّنَة على ذَلِك لاحْتِمَال أَن الْغَيْر تملكه مِنْهُ.
قَوْله: (لَا تَحْلِيف على حق مَجْهُول) أَي ادّعى بِهِ مُدع، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ خِيَانَةً مُبْهَمَةً لم يحلف كَمَا فِي الْخَانِية.
لَكِن أفتى قَارِئ الْهِدَايَة بِخِلَافِهِ.
وَعبارَته: سُئِلَ إِذا ادّعى أحد الشَّرِيكَيْنِ على آخر خِيَانَة وَطلب من الْحَاكِم يَمِينه هَل يلْزم أَو لَا؟ أجَاب: إِذا ادّعى عَلَيْهِ خِيَانَة فِي قدر مَعْلُوم وَأنكر فَحلف عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مِقْدَارًا فَكَذَا الْحُكْمُ، لَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ أَنْ يبين مِقْدَار مَا كَانَ فِيهِ، وَالْقَوْل فِي مِقْدَاره إِلَى الْمقر مَعَ يَمِينه لَان نُكُوله كالاقرار بشئ مَجْهُولٍ، وَالْبَيَانُ فِي مِقْدَارِهِ إلَى الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً عَلَى الاكثر، وَمثله الْمضَارب مَعَ رب المَال.
قَوْله: (إذَا اتَّهَمَ الْقَاضِي وَصِيَّ يَتِيمٍ وَمُتَوَلِّيَ وَقْفٍ) وَلم يدع عَلَيْهِ شَيْئا مَعْلُوما فَإِنَّهُ يحلف نظرا لليتم.
وَالْوَقْف.
حموي.
قَوْله: (وَفِي رهن مَجْهُول) أَي لَو ادّعى الرَّاهِن رهنا مَجْهُولا: أَي كَثوب مثلا فَأنْكر الْمُرْتَهن فَإِنَّهُ يحلف، وَقَيده بعض الْفُضَلَاء عازيا إِلَى الْقنية بِمَا إِذا ذكر الْمُدَّعِي قدر الدّين الَّذِي وَقع بِهِ الرَّهْن ط.
قَوْله: (وَدَعوى سَرقَة) أَقُول: فِيهِ نظر لما نقل قاضيخان من أَنه يشْتَرط ذكر الْقيمَة فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت سَرقَة ليعلم أَنَّهَا نِصَاب أَو لَا، فَأَما فِيمَا سوى ذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَانهَا.
أَبُو السُّعُود.
وَلَعَلَّ ذَلِك فِي حق الْقطع لَا الضَّمَان كَمَا يفِيدهُ كَلَامه ط.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: ادَّعَى أَعْيَانَا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قيمَة الْكل جملَة وَلم يذكر كلا على حِدة، اخْتلف فِيهِ الْمَشَايِخ: قيل لَا بُد من التَّفْصِيل، وَقيل يَكْتَفِي بالاجمال وَهُوَ الصَّحِيح، إِذْ الْمُدَّعِي لَو ادّعى غصب هَذِه الاعيان لَا يشْتَرط لصِحَّة دَعْوَاهُ بَيَان الْقيمَة، فَلَو ادّعى أَن الاعيان قَائِمَة فَيُؤْمَر بإحضارها فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا، وَلَوْ قَالَ إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَين قيمَة الْكل تسمع دَعْوَاهُ.
وَفِي ج: وَلَو ادّعى أَنه غصب أمته وَلم يذكر قيمتهَا تسمع دَعْوَاهُ وَيُؤمر برد الامة، وَلَو هالكة
فَالْقَوْل فِي قدر الْقيمَة للْغَاصِب فَلَمَّا صَحَّ دَعْوَى الْغَصْب بِلَا بَيَان الْقيمَة فَلَأَنْ يَصِحَّ إذَا بَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً أولى، وَقيل إِنَّمَا يشْتَرط ذكر الْقيمَة لَو كَانَت الدَّعْوَى سَرقَة ليعلم أَن السّرقَة كَانَت نِصَابا وَفِي غَيرهَا لَا يشْتَرط ذكره الْحَمَوِيّ، فَظهر أَن إيرادها فِي هَذَا الْمحل فِي حق الضَّمَان لَا الْقطع كَمَا قدمْنَاهُ عَن ط.
قَوْله: (وغصب) قَالَ فِي الدُّرَر وَالْغرر: وَلَو قَالَ غصب مني عين كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنه هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَته، وَذكر فِي عَامَّة الْكتب أَنَّهَا تسمع الدَّعْوَى لَان الانسان رُبمَا لَا يعرف قِيمَةَ مَالِهِ، فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ.
وَفَائِدَة صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرِ عَلَى الْبَيَان إِذا أقرّ وَنكل عَن الْيَمين.
اهـ.
وقدمناه فِي الدَّعْوَى مَعَ مَا عَلَيْهِ من الْكَلَام، فَرَاجعه.
قَوْله: (وخيانة مُودع) فَإِنَّهُ يحلف مَا خَان فِيمَا ائْتمن، فَإِن حلف برِئ، وَإِن نكل يجْبر على بَيَان قدر مَا نكل عَنهُ، وَقيل لَا يسْتَحْلف حَتَّى يقدر شَيْئا يسْتَحْلف عَلَيْهِ.
وَذكر بعض الْفُضَلَاء: أَن سَماع الدَّعْوَى فِي مثل هَذِه الْمسَائِل مَعَ الْجَهَالَة مُتَّفق عَلَيْهِ إِلَّا فِي دَعْوَى الْوَدِيعَة وَدَعوى الْغَصْب حَيْثُ يشْتَرط لسماعها فيهمَا بَيَان الْقيمَة عِنْد بعض الْمَشَايِخ اهـ.
وَيَنْبَغِي زِيَادَة دَعْوَى السّرقَة كَمَا يعلم من الْحَمَوِيّ.(8/212)
قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: الْجَهَالَة كَمَا تمنع قَول الْبَيِّنَة تمنع الِاسْتِحْلَاف.
إِلَّا إِذا اتهمَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم الخ.
وَحِينَئِذٍ فدعوى الْمَجْهُول لَا يسْتَحْلف عَلَيْهَا، فَلَو ادّعى على رجل أَنه اسْتهْلك مَاله وَطلب التَّحْلِيف من القَاضِي لَا يحلفهُ، وَكَذَا لَو قَالَ بَلغنِي أَن فلَان بن فلَان أوصى لي وَلَا أَدْرِي قدره وَأَرَادَ أَن يحلف الْوَارِث لَا يجِيبه القَاضِي، وَكَذَا الْمَدْيُون إِذا قَالَ قضيت بعض ديني وَلَا أَدْرِي كم قضيت أَو قَالَ نسيت قدره وَأَرَادَ تَحْلِيف الطَّالِب لَا يلْتَفت إِلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِية.
قَوْله: (إِلَّا فِي مَسْأَلَة فِي دَعْوَى الْبَحْر الخ) أَي قبل قَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ.
قَوْلُهُ: (وَهِي غَرِيبَة يجب حفظهَا) سَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَكَتَبَ الْمُحَشِّي هُنَاكَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ فَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ فِي النُّسْخَةِ خَلَلًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَمَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَحْلِفُ عَلَيْهَا: أَيْ عَلَى نَفْيِهَا، وَفِي ظَنِّي أَنَّ أَصْلَ النُّسْخَةِ فَإِنْ بَيَّنَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيَّنَهُ وَأَقَلُّ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمَالِك هَذَا.
وَيَنْبَغِي أَن يُقَارب فِي الْبَيَانَ، حَتَّى لَوْ بَيَّنَ قِيمَةَ فَرَسٍ بِدِرْهَمٍ لَا يقبل مِنْهُ كَمَا تقدم نَظِيره.
اهـ.
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ هُنَاكَ وَلَوْ حَلَفَ الْمَالِكُ أَيْضًا عَلَى الزِّيَادَةِ أَخَذَهَا لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ، فَليُرَاجع اهـ.
قَوْله: (وألزم ببيانه) لانه أقرّ بِقِيمَة مَجْهُولَة، فَإِن أخبر بشئ يحلف على مَا يَدعِيهِ الْمَغْصُوب مِنْهُ من الزِّيَادَة، فَإِن حلف لَا يثبت مَا ادَّعَاهُ الْمَغْصُوب مِنْهُ، وَإِن نكل لَا يثبت أَيْضا مَا لم يحلف الْمُدَّعِي أَن قِيمَته مائَة فَإِن حلف أَخذ من الْغَصْب مائَة، وَقَوله يحلف على مَا يَدعِيهِ الْمَغْصُوب مِنْهُ فِيهِ أَنه حلف أَولا على ذَلِك، فَلَو كَانَت هَذِه الْيَمين على مَا ذكره من الْقيمَة بِأَن يحلف أَن قِيمَته مَا ذكره.
وَحَاصِله: أَن يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ أَنَّهَا لم تكن قِيمَته مائَة وَيَمِين الْمُدَّعِي أَن قِيمَته الْمِائَة.
قَوْلُهُ: (يَحْلِفُ عَلَى الزِّيَادَةِ) أَيْ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْمَالِك، فَإِن حلف ف لَا يثبت مَا ادَّعَاهُ الْمَغْصُوب مِنْهُ، وَإِن نكل لَا يثبت أَيْضا مَا لم يحلف الْمُدَّعِي أَن قِيمَته مائَة، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: ثمَّ يحلف الْمَغْصُوب مِنْهُ الخ وَالظَّاهِر أَن ثَمَرَة هَذَا الْيَمين ثُبُوت الْخِيَار لَهُ إِذا ظهر.
قَوْله: (ثُمَّ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَتَهُ مائَة) فَإِن حلف أَخذ من الْغَاصِب مائَة، لَكِن قد يُقَال: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَمَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي يحلف عَلَيْهَا، وَعَلِيهِ فالاولى أَن يَقُول فَإِن بَيَّنَ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيَّنَهُ وَأَقَلُّ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ.
تَأمل.
قَوْله: (وَلَو ظهر) أَي الثَّوْب.
قَوْله: (بَين أَخذه) أَي الثَّوْب بِمَا دَفعه من الدَّرَاهِم لَا بِقِيمَة الثَّوْب فِي ذَاته وَإِن كَانَت أنقص أَو أَزِيد لَان الْمَالِك لم يرض إِلَّا بِدَفْعِهِ بِالْمِائَةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قِيمَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ: أَي أَو أَخذ قِيمَته بِأَن يردهُ وَيَأْخُذ الْقيمَة الَّتِي دَفعهَا.
وَفِي متفرقات إِقْرَار التاترخانية: وَيُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَالِكُ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ حَلَفَ وَلَمْ يُثْبِتْ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ يَحْلِفُ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ مِائَةً فَإِذَا أَخَذَ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّوْبُ خُيِّرَ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَخْذِهِ أَو رده وَأخذ الْقيمَة.
وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُكِرَ مِنْ تَحْلِيفِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَأخذ الْمِائَة بِثمنِهِ مِنْ الْغَاصِبِ هَذَا بِالْإِنْكَارِ يَصِحُّ، وَكَانَ يَقُولُ: الصَّحِيحُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُجْبَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ أَبَى(8/213)
يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَكَانَ قِيمَتُهُ مِائَةً؟ فَإِنْ قَالَ لَا، يَقُولُ أَكَانَ خَمْسِينَ؟ فَإِنْ قَالَ لَا، يَقُول خَمْسَةً
وَعِشْرِينَ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ قِيمَتُهُ عُرْفًا وَعَادَةً فَيَلْزَمُهُ ذَلِك.
اهـ.
لَكِن قَالَ بعض الْفُضَلَاء: الْحصْر مَمْنُوع لانهما إِذا اخْتلفَا فِي قدر الثّمن أَو الْمَبِيع وَلَا بَيِّنَة تحَالفا، وَلَو اشْترى أمة بِأَلف وَقَبضهَا ثمَّ تَقَايلا وَقيل قبضهَا اخْتلفَا فِي قدر الثّمن تحَالفا، وَلَو اخْتلفَا فِي الاجرة أَو الْمَنْفَعَة أَو فيهمَا قبل التَّمَكُّن فِي الدمرة تحَالفا.
حموي.
وَفِيه أَن كلا مِنْهُمَا فِي هَذِه الْمسَائِل مُدع ومدعى عَلَيْهِ.
ط عَن الطوري.
وَمثله فِي حَاشِيَة الْحَمَوِيّ.
تذنيب برهن أَنه ابْن عَمه لابيه وَأمه وَبرهن الدَّافِع أَنه ابْن عَمه لامه فَقَط أَو على إِقْرَار الْمَيِّت بِهِ: أَي بِأَنَّهُ ابْن عَمه لامه فَقَط كَانَ دفعا قبل الْقَضَاء بالاول لَا بعده لتأكده بِالْقضَاءِ.
ادّعى مِيرَاثا بالعصوبة فَدفعهُ أَن يَدعِي خَصمه قبل الحكم بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ من ذَوي الارحام إِذْ يكون حِينَئِذٍ متناقضا.
ادّعى قيمَة جَارِيَة مستهلكة فبرهن الْخصم أَنَّهَا حَيَّة رأيناها فِي بلد كَذَا لَا يقبل إِلَّا أَن يجِئ بهَا حَيَّة.
الْكَفِيل ينصب خصما عَن الاصل بِلَا عكس، لَان الْقَضَاء على الْكَفِيل قَضَاء على الاصيل وَلَا عكس.
إِذا اشْترك الدّين بَين شَرِيكَيْنِ لَا بِجِهَة الارث فأحدهما لَا ينْتَصب خصما عَن الآخر الْكل من الدُّرَر.
رجل غَابَ عَن امْرَأَته وَهِي بكر أَو ثيب فَتزوّجت بِزَوْج آخر وَولدت كل سنة ولدا: قَالَ أَبُو حنيفَة: الاولاد للاول.
وَعنهُ أَنه رَجَعَ عَن هَذَا وَقَالَ: لَا يكون الاولاد للاول وَإِنَّمَا هم للثَّانِي.
وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِية.
وَلَو ادّعى عَلَيْهِ مهر امْرَأَة فَقَالَ مَا تزَوجهَا ثمَّ ادّعى الابراء عَن الْمهْر فَهُوَ دفع مسموع إِن وفْق كَمَا فِي الْقنية.
وفيهَا: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَأمره القَاضِي بالمصالحة فَقَالَ لَا أرْضى بِهَذِهِ الْمُصَالحَة وَتركته أصلا فَهُوَ إِسْقَاط لما يَدعِيهِ عَنْك.
إِذا قَالَ تركته أصلا فَهُوَ إِبْرَاء وَعنهُ: لَو قَالَ تَرَكْت دَعْوَايَ عَلَى فُلَانٍ وَفَوَّضْت أَمْرِي إِلَى الْآخِرَة لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده.
أَقُول: قيد القَاضِي اتفاقي كَمَا لَا يخفى.
وَفِي الفتاوي النجدية: رجل مَاتَ فَقَالَت امْرَأَة لِابْنِ الْمَيِّت كنت امْرَأَة أَبِيك مُحَمَّد إِلَى يَوْم مَوته وَطلبت الْمهْر وَالْمِيرَاث فَأنْكر الابْن وَقَالَ اسْم أبي لم يكن مُحَمَّدًا وَإِنَّمَا كَانَ عمر، ثمَّ جَاءَت فادعت أَنَّهَا امْرَأَة أَبِيه عمر إِلَى يَوْم مَوته وطلبتهما تسمع دَعْوَاهَا وَلَيْسَ بتناقض لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان شَذَّ تسمع إِذا وفْق الْمُدَّعِي.
أَقُول: وَجه التَّوْفِيق بِأَن تَقول كنت أعلم أَن لابيه اسْمَيْنِ فادعيت بِأَحَدِهِمَا فَلَمَّا أنكر ادعيت بِالْآخرِ، وَفهم من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن تسمع الدَّعْوَى على الْمَيِّت بِدُونِ اسْم أَبِيه وَنسبه.
تدبر.(8/214)
قَالَ فِي التاترخانية فِي الْخَامِس عشر من الدَّعْوَى: غلط الِاسْم لَا يضر لجَوَاز أَن يكون لَهُ اسمان، وَمثله فِي صور الْمسَائِل عَن الْفَتَاوَى الرشيدية.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي السَّادِس عشر من الِاسْتِحْقَاق، وَكَذَا فِي الْخَيْرِيَّة من الْعشْر وَالْخَرَاج وقدمناه عَن التَّنْقِيح.
ولنختم هَذَا الْبَاب بِمَسْأَلَة ختم بهَا كتاب الدَّعْوَى فِي الْجَامِع الصَّغِير، نسْأَل الله حسن الخاتمة.
وَهِي أَنه إِذا قَالَت الْمَرْأَة أَنَّهَا أم ولد هَذَا الرجل وأرادت استحلافه لَيْسَ لَهَا ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة، خَاصَّة لَان أمومية الْوَلَد تَابع للنسب وَهُوَ لَا يرى الْيَمين فِي النّسَب اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.(8/215)
كتاب الاقرار
ثَبت بِالْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وليملل الَّذِي عَلَيْهِ الْحق) * (الْبَقَرَة: 282) أمره بالاملال، فَلَو لم يقبل إِقْرَاره لما كَانَ للاملال معنى، وَقَوله: * (كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم) * (النِّسَاء: 531) وَالْمرَاد بِهِ إِقْرَار.
زَيْلَعِيّ.
وَالسّنة، فقد قبل (ص) إِقْرَار مَاعِز والغامدية والاجماع.
فقد أَجمعت الامة على أَن الاقرار حجَّة فِي حق نَفسه حَتَّى أوجبوا الْحَد وَالْقصاص بِإِقْرَارِهِ وَإِن لم يكن حجَّة فِي حق غَيره
لعدم ولَايَته عَلَيْهِ فَأولى المَال والمعقول، فَإِن الْعَاقِل لَا يقر على نَفسه كَاذِبًا فِيمَا فِيهِ ضَرَر على نَفسه أَو مَاله فترجحت جِهَة الصدْق فِي حق نَفسه لعدم التُّهْمَة وَكَمَال الْولَايَة اهـ.
بِخِلَاف إِقْرَاره فِي حق غَيره.
حَتَّى لَو أقرّ مَجْهُول النّسَب بِالرّقِّ جَازَ ذَلِك على نَفسه وَمَاله وَلَا يصدق على أَوْلَاده وأمهاتهم ومدبريه ومكاتبيه، بِخِلَاف مَا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ لَان الْبَيِّنَة إِنَّمَا تصير حجَّة بِالْقضَاءِ وَالْقَضَاء ولَايَة عَامَّة فَينفذ فِي حق الْكل.
أما الاقرار فحجة بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَضَاء فَينفذ عَلَيْهِ وَحده الخ، وَقَوله وَلَا يصدق على أَوْلَاده الخ لانه ثَبت لَهُم حق الْحُرِّيَّة أَو اسْتِحْقَاقهَا فَلَا يصدق عَلَيْهِم كَمَا فِي الدُّرَر.
قَوْله: (مناسبته) أَي للدعوى.
وَوجه تَأْخِيره عَنْهَا أَن الدَّعْوَى تَنْقَطِع بِهِ فَلَا يحْتَاج بعده إِلَى شئ آخر، حَتَّى إِذا لم يُوجد يحْتَاج إِلَى الشَّهَادَة، وركنه لفظ أَو مَا فِي حكمه دَال عَلَيْهِ كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ كَذَا أَو مَا يُشبههُ، لانه يقوم بِهِ ظُهُور الْحق وانكشافه حَتَّى لَا يَصح شَرط الْخِيَار فِيهِ بِأَن أقرّ بدين أَو بِعَين على أَنه بِالْخِيَارِ إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَالْخِيَار بَاطِل، وءن صدقه الْمقر لَهُ وَالْمَال لَازم كَمَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ: وَله شُرُوط ستذكر فِي أثْنَاء الْكَلَام، وَهِي: الْعقل وَالْبُلُوغ بِلَا خلاف وَالْحريَّة فِي بعض الاحكام دون الْبَعْض، حَتَّى لَو أقرّ العَبْد الْمَحْجُور بِالْمَالِ لَا ينفذ فِي حق الْمولى، وَلَو أقرّ بِالْقصاصِ يَصح.
كَذَا فِي الْمُحِيط ويتأخر إِقْرَاره بِالْمَالِ إِلَى مَا بعد الْعتْق، وَكَذَا الْمَأْذُون لَهُ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِمَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كإقراره بِالْمهْرِ بوطئ امْرَأَة تزَوجهَا بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ، وَكَذَا إِذا أقرّ بِجِنَايَة مُوجبَة لِلْمَالِ لَا يلْزمه، بِخِلَاف مَا إِذا أقرّ بالحدود وَالْقصاص كَمَا فِي التَّبْيِين، وَكَون المقربة مِمَّا يجب تَسْلِيمه إِلَى الْمقر لَهُ، حَتَّى لَو أقرّ أَنه غصب كفا من تُرَاب أَو حَبَّة حِنْطَة لَا يَصح، لَان الْمقر بِهِ لَا يلْزمه تَسْلِيمه إِلَى الْمقر لَهُ، وَمِنْهَا الطواعية وَالِاخْتِيَار، حَتَّى لَا يَصح إِقْرَار الْمُكْره فِي النِّهَايَة، وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ صَحِيحٌ إلَّا فِي حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ مِمَّا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَإِن كَانَ بطرِيق مُبَاح لَا كَمَا فِي الْبَحْر، وَحكمه ظُهُور الْمقر بِهِ: أَي لُزُومه على الْمقر بِلَا تَصْدِيق وَقبُول من الْمقر لَهُ فَإِنَّهُ يلْزم على الْمقر مَا أقرّ بِهِ لوُقُوعه دَالا على الْمخبر بِهِ لَا ثُبُوته ابْتِدَاء كَمَا فِي الْكَافِي، لانه لَيْسَ بناقل لملك الْمقر إِلَى الْمقر لَهُ فَلِذَا فرع عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي من صِحَة الاقرار بِالْخمرِ للْمُسلمِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدأ لما صَحَّ، وَكَذَلِكَ لَا يَصح الاقرار
بِالطَّلَاق وَالْعتاق مَعَ الاكراه والانشاء يَصح مَعَ الاكراه كَمَا فِي الْمُحِيط.
وَحَاصِله: أَن قَول الْمقر إِن هَذَا الشئ لفُلَان مَعْنَاهُ أَن الْملك فِيهِ ثَابت لفُلَان وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه ملك للْمقر وَجعله للْمقر لَهُ فَهُوَ إِخْبَار دَال على الْمخبر بِهِ فَيلْزمهُ الصدْق، وَيحْتَمل الْكَذِب فَيجوز تخلف مَدْلُوله عَنهُ كَمَا فِي الاقرار بِالطَّلَاق مكْرها كَمَا قُلْنَا، وَسَيَأْتِي لقِيَام دَلِيل الْكَذِب وَهُوَ الاكراه، وَلَو كَانَ مَعْنَاهُ الثُّبُوت ابْتِدَاء لصَحَّ لكَونه إنْشَاء والانشاء لَا يتَخَلَّف مَدْلُوله عَنهُ كَمَا سَيَأْتِي تَمَامه قَرِيبا.
وَلَو أقرّ(8/216)
لغيره بِمَال وَالْمقر لَهُ يعلم أَنه كَاذِب فِي إِقْرَاره لَا يحل لَهُ ديانَة إِلَّا أَن يُسلمهُ بِطيب من نَفسه فَيكون هبة مِنْهُ ابْتِدَاء كَمَا فِي الْقنية، وَإِنَّمَا يعْتَبر الاقرار إِظْهَارًا فِي حق ملكية الْمقر بِهِ حَتَّى يحكم بملكيته للْمقر لَهُ بِنَفس الاقرار وَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيق الْمقر لَهُ، أما فِي حق الرَّد فَيعْتَبر تَمْلِيكًا مُبْتَدأ كَالْهِبَةِ حَتَّى يبطل برد الْمقر لَهُ وَبَعْدَمَا وجد التَّصْدِيق من الْمقر لَهُ لَا يعْمل رده لَو رد الاقرار بعد ذَلِك، ثمَّ الاقرار إِنَّمَا يبطل برد الْمقر لَهُ إِذا كَانَ الْمقر لَهُ يبطل بِالرَّدِّ حق نَفسه خَاصَّة، أما إِذا كَانَ يبطل حق غَيره فَلَا يعْمل رده، كَمَا إِذا أقرّ لرجل أَنِّي بِعْت هَذَا العَبْد من فلَان بِكَذَا فَرد الْمقر لَهُ إِقْرَاره وَقَالَ: مَا اشْتريت مِنْك شَيْئا ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: اشْتريت فَقَالَ البَائِع مَا بعتكه لزم البَائِع البيع بِمَا سمي لانه جحد البيع بعد تَمَامه، وجحود أحد الْمُتَعَاقدين لَا يضر، حَتَّى أَن المُشْتَرِي مَتى قَالَ مَا اشْتريت وَصدقه البَائِع وَقَالَ نعم مَا اشْتريت ثمَّ قَالَ لَا بل اشْتريت لَا يثبت الشِّرَاء وَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة على ذَلِك، لَان الْفَسْخ تمّ بجحودهما، ثمَّ فِي كل مَوضِع بَطل الاقرار برد الْمقر لَهُ، لَو أعَاد الْمقر ذَلِك الاقرار فَصدقهُ الْمقر لَهُ كَانَ للْمقر لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَان.
هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
ثمَّ اعْلَم أَن السُّكُوت نزلوه منزلَة الاقرار فِي مسَائِل سيذكرها الشَّارِح، وَنَذْكُر تَمامهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَذَلِك الايماء بِالرَّأْسِ وسيذكره المُصَنّف.
قَوْله: (إِمَّا مُنكر أَو مقرّ) واللائق بِحَال الْمُسلم الاقرار بِالْحَقِّ كي لَا يحْتَاج الْمُدَّعِي إِلَى تدارك الشُّهُود والملازمة فِي بَاب القَاضِي للاحضار، وَلَا سِيمَا وَمَا يلْزم عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَان للتسبب بالوصول إِلَى سحت الْمَحْصُول، كَمَا أَن اللَّائِق بالمدعي أَن تكون دَعْوَاهُ حَقًا لِئَلَّا يلْزم الْمُدعى عَلَيْهِ الدّفع لسحت الْمَنْع وَقدمه: أَي الاقرار على مَا بعده وَهُوَ الصُّلْح لترتبه على
الانكار غَالِبا، ثمَّ إِذا حصل بِالصُّلْحِ شئ: إِمَّا إِن يستربح فِيهِ بِنَفسِهِ وَتقدم طَرِيقه فِي البيع أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُضَاربَة وَإِن لم يستربح فإمَّا أَن يحفظه بِنَفسِهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى بَيَان حكمه أَو بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَة.
قَوْله: (وَهُوَ) أَي الاقرار أقرب، أَي لحَال الْمُسلم.
قَوْله: (لغَلَبَة الصدْق) أَي من الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ وَمن الْمقر فِيمَا أقرّ لَهُ، لَان الْعَاقِل لَا يقر على نَفسه كَاذِبًا فِيمَا ضَرَر على نَفسه أَو مَاله، فترجحت جِهَة الصدْق فِي حق نَفسه لعدم التُّهْمَة وَكَمَال الْولَايَة، بِخِلَاف إِقْرَار فِي حق غَيره.
قَوْله: (هُوَ لُغَة) فَإِذا كَانَ حسيا يُقَال أقره، وَإِذا كَانَ قوليا يُقَال أقرّ بِهِ، فالاقرار إِثْبَات لما كَانَ متزلزلا بَين الْجُحُود والثبوت.
أَبُو السُّعُود.
وَهُوَ مُشْتَقّ من الْقَرار.
دُرَر.
قَالَ فِي الْمنح: وَهُوَ فِي اللُّغَة إفعال من قر الشئ إِذا ثَبت، وَأقرهُ غَيره إِذا أثْبته،
قَوْله: (وَشرعا إِخْبَار) أَي فِي الاصح وَلَيْسَ بإنشاء لصِحَّته فِي ملك غَيره، وَلَو أقرّ مَرِيض بِمَالِه لاجنبي صَحَّ من غير توقف على إجَازَة وَارِث.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: وَلَعَلَّه ينْتَقض بالاقرار بِأَن لَا حق لَهُ على فلَان، وبالابراء وَإِسْقَاط الدّين وَنَحْوه كإسقاط حق الشُّفْعَة اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: فِيهِ إخْبَارٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ عدم وجوب الْمُطَالبَة.
تَأمل.
وللقول بِأَنَّهُ إنْشَاء فروع تشهد لَهُ: مِنْهَا لَو رد إِقْرَاره ثمَّ قبل لَا يَصح، وَكَذَا الْملك الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَلَا يملكهَا الْمقر لَهُ حموي.
أَقُول:
قَوْله: (لَا يظْهر فِي حق الزَّوَائِدُ الْمُسْتَهْلَكَةُ يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي حق الزَّوَائِد الْغَيْر(8/217)
المستهلكة) .
وَهُوَ مُخَالف لما فِي الْخَانِية: رَجُلٌ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ وَوَلَدُهَا أَقَرَّ أَنَّ الْجَارِيَةَ لِفُلَانٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَلَدُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى جَارِيَةٍ أَنَّهَا لَهُ يَسْتَحِقُّ أَوْلَادهَا اهـ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْبَاعَةَ يَتَرَاجَعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ الاقرار حَيْثُ لَا يتراجعون.
بَقِي أَن يُقَال فِي قَول السَّيِّد الْحَمَوِيّ هُوَ إِخْبَار فِي الاصح وَلَيْسَ بإنشاء مُخَالفَة لما صرح بِهِ فِي الْبَحْر وَجرى عَلَيْهِ المُصَنّف من أَنه إِخْبَار من وَجه إنْشَاء من وَجه فللاول يَصح إِقْرَاره بمملوك الْغَيْر وَيلْزمهُ تَسْلِيمه إِذا ملكه، وَلَو أقرّ بِالطَّلَاق وَالْعتاق مكْرها لَا يَصح، وَللثَّانِي لَو رد إِقْرَاره ثمَّ قبل لَا
يَصح، وَكَذَا الْملك الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَلَا يملكهَا الْمقر لَهُ.
اهـ.
من غير ذكر خلاف، وَمِنْه تعلم أَن مَا ذكره السَّيِّد الْحَمَوِيّ مِمَّا يدل على ثُبُوت الْخلاف فِيهِ حَيْثُ صحّح كَونه إِخْبَار الانشاء لَا يَصح عزوه لصَاحب الْبَحْر كَمَا وَقع فِي كَلَام بَعضهم، فَتنبه.
قَوْله: (بِحَق عَلَيْهِ للْغَيْر) قَيده بِأَن يكون عَلَيْهِ، لانه لَو كَانَ على غَيره لغيره يكون شَهَادَة ولنفسه يكون دَعْوَى زَيْلَعِيّ، وَأطلق الْحق فِي قَوْله هُوَ إِخْبَار بِحَق عَلَيْهِ ليشْمل مَا لَو كَانَ الْحق الْمقر بِهِ من قبيل الاسقاطات كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق، إِذا الطَّلَاق رفع الْقَيْد الثَّابِت شرعا بِالنِّكَاحِ، فَإِذا أقرّ بِالطَّلَاق يثبت للْمَرْأَة من الْحق مَا لم يكن لَهَا من قبل، وَكَذَا العَبْد يثبت لَهُ على سَيّده حق الْحُرِّيَّة إِذا أقرّ سَيّده بِعِتْقِهِ، فَمَا قيل من أَنه يرد على التَّعْرِيف الاقرار بالاسقاطات كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق لعدم الاخبار فِيهَا عَن ثُبُوت حق للْغَيْر غير سديد.
قَوْلُهُ: (إنْشَاءً مِنْ وَجْهٍ) هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: إنْشَاءً وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي غَايَة الْبَيَان عَن الاستروشنية.
قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ سَبَب للْملك أَو لَا؟ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: لَا، وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَتَيْنِ.
إحْدَاهُمَا الْمَرِيضُ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ يَصِحُّ بِلَا إجَازَةِ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا يَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ.
وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاسْتَدَلَّ بمسائل: مِنْهَا إِن أقرّ لوَارِثه بدين فِي الْمَرَض لَا يَصح، وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لصَحَّ اهـ.
مُلَخَّصًا فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ جَمْعٌ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ ثُبُوتُ مَا اسْتدلَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ.
تَأمل أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
لَكِن لَو كَانَ إِخْبَارًا من وَجه وإنشاء من وَجه كَمَا ذكره المُصَنّف لعرف بِحَدّ يشملها وَلَا قَائِل بِهِ، ولانهم قَالُوا: لَو أقرّ بِمَال للْغَيْر لزمَه تَسْلِيمه للْمقر لَهُ إِذا ملكه، وَلَو أقرّ بِالطَّلَاق وَالْعتاق الخ فأمثال هَذِه الْمسَائِل دلّت على أَن الاقرار إِخْبَار لَا إنْشَاء.
إِذْ لَو كَانَ إنْشَاء لم تكن كَذَلِك، وَمَا اسْتدلَّ بِهِ على كَونه إنْشَاء مُطلقًا أَو من وَجه أَنه لَو أقرّ لرجل فَرد إِقْرَاره ثمَّ قبل لم يَصح وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لصَحَّ، وَأَنه لَو ثَبت الْملك بِسَبَب الاقرار لم يظْهر فِي حق الزَّوَائِد الْمُتَقَدّم ذكرهَا، وَلَو كَانَ إِخْبَارًا لَصَارَتْ مَضْمُونَة عَلَيْهِ.
أَقُول: أما الْجَواب عَن الاول فَهُوَ أَن ارتداده بِالرَّدِّ نَاشِئ من أَن حكمه الظُّهُور لَا الثُّبُوت ابْتِدَاء وَذَلِكَ نَاشِئ من كَونه حجَّة قَاصِرَة، فَلَمَّا صَار مُرْتَدا بِالرَّدِّ جعل كَأَنَّهُ لم يكن فَلذَلِك لم يَصح قبُوله بعده.
على أَن هَذَا الدَّلِيل مُشْتَرك الالزام حَيْثُ إِنَّه دَلِيل على أَنه لَيْسَ بإنشاء، إِذْ الانشاء مِمَّا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فِيمَا يكون من قبيل الاسقاطات، كَمَا لَو قَالَ هَذَا الْوَلَد مني يرْتَد برد الْوَلَد فَهَذَا دَلِيل على أَن الاقرار إِخْبَار ثمَّ عَاد الْوَلَد إِلَى التَّصْدِيق يثبت النّسَب نظرا إِلَى احْتِيَاج الْمحل، وَقد سبق.(8/218)
وَأما الْجَواب عَن الثَّانِي: أَن الاقرار لما كَانَ حجَّة قَاصِرَة اقْتصر ثُبُوت الْملك وظهوره على الْمقر بِهِ فَلم يَتَعَدَّ إِلَى الزَّوَائِد المستهلكة كَمَا مر وَيَأْتِي، فَتبين أَنه لَيْسَ بإنشاء أصلا.
تدبر.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْسِهِ) أَيْ عَلَى الْغَيْر، وَلَو للْغَيْر على الْغَيْر يكون شَهَادَة كَمَا قدمْنَاهُ.
قَوْله: (لَا إِقْرَارا) وَلَا ينْتَقض إِقْرَار الْوَكِيلِ وَالْوَلِيِّ وَنَحْوِهِمَا لِنِيَابَتِهِمْ مَنَابَ الْمُنَوِّبَاتِ شَرْعًا.
شرح الْمُلْتَقى.
قَوْله: (ثمَّ فرع على كل من الشبهين) صَوَابه من الْوَجْهَيْنِ لانه لم يقل الاقرار يشبه الاخبار ويشبهه الانشاء، بل قَالَ من وَجه وَمن وَجه: أَي إِخْبَار من وَجه بِالنّظرِ لترتب بعض أَحْكَام الاخبارات عَلَيْهِ، وإنشاء من وَجه من حَيْثُ ترَتّب بعض أَحْكَام الانشاءات عَلَيْهِ، وَقد تبع الشَّارِح المُصَنّف فَالْمَعْنى أَنه يعْطى حكم الاخبار فِي بعض الجزئيات وَحكم الانشاء فِي بعض آخر، وَأما بِالنّظرِ للفظه فَهُوَ إِخْبَار عَن ثُبُوت حق عَلَيْهِ لغيره لَا غير.
قَوْله: (فللوجه الخ) عِلّة مُقَدّمَة على الْمَعْلُول.
قَوْله: (صَحَّ إِقْرَاره) لَان الاخبار فِي ملك الْغَيْر صَحِيح لكم بِالنّظرِ للْمقر، وَأفَاد أَنه لَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول كَمَا قدمْنَاهُ.
وَفِي الْمنح عَن تَتِمَّة الفتاوي: الاقرار يَصح من غير قبُول، لَكِن الْبطلَان يقف على الابطال وَالْملك للْمقر لَهُ يثبت من غير تَصْدِيق وَقبُول لَكِن يبطل برده، وَالْمقر لَهُ إِذا صدق الْمقر فِي الاقرار ثمَّ رده لَا يَصح الرَّد، وَأفَاد أَيْضا صِحَة الاقرار للْغَائِب.
وَأَيْضًا يُسْتَفَاد هَذَا مِمَّا سَيَأْتِي من قَوْله هِيَ: أَي الالف الْمعينَة لفُلَان لَا بل لفُلَان لَا يجب عَلَيْهِ للثَّانِي شئ: أَي لانه أقرّ بهَا للاول ثمَّ رَجَعَ وَشهد بهَا للثَّانِي فرجوعه لَا يَصح وشهادته لَا تقبل، وَبِهَذَا تبين ضعف مَا فِي الْخَانِية من قَوْله لَو أقرّ لغَائِب ثمَّ أقرّ لآخر قبل حُضُور الْغَائِب صَحَّ إِقْرَاره للثَّانِي، لَان الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم بل يتَوَقَّف على التَّصْدِيق
انْتهى.
وَيُمكن أَن يُقَال: معنى صِحَّته للثَّانِي لَيست لاحتياجه للتصديق وَإِنَّمَا لاجل أَن يرْتَد بِالرَّدِّ، فَأفَاد فِي الْخَانِية أَنه يَأْخُذهُ الثَّانِي، فَإِذا جَاءَ الاول وصادق قبل رده الاقرار يَأْخُذهُ، وَإِن قَالَ لَيْسَ لي يكون ملكا للثَّانِي، وَلَكِن أَفَادَ فِي الْبَدَائِع أَنه إِن دفع للاول بِلَا قَضَاء يضمن للثَّانِي لَان إِقْرَاره بهَا صَحِيح فِي حق الثَّانِي إِذا لم يَصح للاول اهـ.
وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا التَّعْلِيل رُبمَا يرد عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فتعليل الْمنح ظَاهر وَهُوَ الْمُوَافق لظواهر الْكتب الْمُعْتَمدَة.
وَفِي الْمنح فِي مسَائِل شَتَّى فسر الرَّد بِأَن يَقُول مَا كَانَ لي عَلَيْك شئ أَو يَقُول بل هُوَ لَك أَو لفُلَان.
قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: قَوْلهم الاقرار صَحِيح بِدُونِ التَّصْدِيق لَا يُعَارض قَول الْعِمَادِيّ: إِن إِقْرَاره للْغَائِب توقف عمله على تَصْدِيق الْغَائِب، إِذْ لَا مَانع من توقف الْعَمَل مَعَ الصِّحَّة كَبيع الْفُضُولِيّ يَصح ويتوقف، وَكَذَا لَا يُعَارض مَا فِي الْخَانِية من قَوْله: وَأما الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم بل يتَوَقَّف على التَّصْدِيق، إِذْ مَعْنَاهُ يتَوَقَّف لُزُومه لَا صِحَّته، وَقَوله: فَإِن كَانَ صَحِيحا يمْتَنع الاقرار بِهِ للْغَيْر غير مُسلم لعدم الْمُلَازمَة، أَلا ترى أَن للفضولي قبل إجَازَة الْمَالِك أَن يَبِيع الْمَبِيع الَّذِي بَاعه الآخر ويتوقف فَلم يلْزم من صِحَّته عدم صِحَة بَيْعه للْآخر، بل الاقرار بِمَال الْغَيْر يَصح وَيلْزم تَسْلِيمه إِذا ملكه، وَهَذَا يدل على أَن الاقرار لَيْسَ بِسَبَب للْملك كَمَا سَيَأْتِي فَكيف يلْزم من صِحَة إِقْرَاره لغَائِب لَا يلْزمه ذَلِك حَتَّى كَانَ لَهُ الرَّد عدم صِحَة الاقرار بِهِ للْغَيْر.(8/219)
وَالْحَاصِل: أَن الاقرار يَصح مُطلقًا بِلَا قبُول وَلَا يلْزم لَو كَانَ الْمقر لَهُ غَائِبا وَلعدم لُزُومه جَازَ أَن يقر بِهِ لغيره قبل حُضُوره فاجتمعت كلمتهم على أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ، وَأما لُزُومه فشئ آخر، وَالْمُصَنّف لم يفرق بَين الصِّحَّة واللزوم فاستشكل فِي منحه على الصِّحَّة المجتمعة عَلَيْهَا كلمتهم باللزوم.
وَأما مَا أجَاب بِهِ الْمُجيب الْمَذْكُور فَفِيهِ نظر، إِذْ لَو كَانَ كَمَا فهمه لما افترق الاقرار للحاضر وَالْغَائِب مَعَ أَن بَينهمَا فرقا فِي الحكم، أَلا ترى إِلَى قَوْله فِي الْخَانِية: وَلَو أقرّ لوَلَده الْكَبِير
الْغَائِب أَو أَجْنَبِي بعد قَوْله وَأما الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم، فَالَّذِي يظْهر أَن الاقرار للْغَائِب لَا يلْزم من جَانب الْمقر حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ من جَانب الْمقر لَهُ حَتَّى رَدُّهُ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِلْحَاضِرِ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمقر حَتَّى لَا يَصح إِقْرَاره بِهِ لغيره قَبْلَ رَدِّهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِحُّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلَا شُبْهَةَ فِيهَا فِي الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ الْقبُول كَمَا يفهم من كَلَامهم انْتهى.
وَفِيه: وَيشكل على مَا فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة من قَوْله: وَإِن ادّعى الرجل عينا فِي يَد رجل وَأَرَادَ استحلافه فَقَالَ صَاحب الْيَد هَذِه الْعين لفُلَان الْغَائِب لَا ينْدَفع الْيَمين عَنهُ مَا لم يقم الْبَيِّنَة على ذَلِك، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ هَذَا لِابْني الصَّغِير.
وَالْفرق أَن إِقْرَاره للْغَائِب توقف عمله على تَصْدِيق الْغَائِب فَلَا يكون الْعين مَمْلُوكا لَهُ بِمُجَرَّد إِقْرَار ذِي الْيَد فَلَا ينْدَفع الْيَمين.
وَأما إِقْرَاره للصَّبِيّ فَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيق الصَّبِي فَيصير الْعين ملكا للصَّبِيّ بِمُجَرَّد إِقْرَاره فَلَا يَصح إِقْرَاره بعد ذَلِك لغيره فَلَا يُفِيد التَّحْلِيف لَان فَائِدَته النّكُول الَّذِي هُوَ كالاقرار.
أَقُول: لَا يشكل ذَلِك، فَإِن قَوْله توقف عمله صَرِيح فِي صِحَّته وَلَكِن لما توقف عمل وَهُوَ اللُّزُوم على تَصْدِيقه لم تنْدَفع الْيَمين بِمُجَرَّدِهِ مَا لم يقم الْبَيِّنَة عَلَيْهِ.
تَأمل.
قَوْله: (إِذا ملكه بُرْهَة من الزَّمَان) أَي قَلِيلا من الزَّمَان، حَتَّى لَو تصرف فِيهِ لغير الْمقر لَهُ بعد ملكه لَا ينفذ تصرفه وينقض لتصرفه فِي ملك غَيره كَمَا يُؤْخَذ من الْقَوَاعِد.
وَيُؤْخَذ من هَذَا الْفَرْع كَمَا قَالَ أَبُو السُّعُود: أَنه لَو ادّعى شخص عينا فِي يَد غَيره فَشهد لَهُ بهَا شخص فَردَّتْ شَهَادَته لتهمة وَنَحْوهَا كتفرد الشَّاهِد ثمَّ ملكهَا الشَّاهِد يُؤمر بتسليمها إِلَى الْمُدَّعِي انْتهى.
قَوْله: (لما صَحَّ) أَي إِقْرَاره للْغَيْر: أَي وَلَو ملكه بعد.
قَوْله: (لما صَحَّ) (وَلَا يرجع بِالثّمن) على البَائِع: أَي لاقتصار إِقْرَاره عَلَيْهِ فَلَا يتَعَدَّى لغيره.
قَوْله: (صَارَت وَقفا) بِخِلَاف مَا إِذا غصب دَارا من رجل فوقفها ثمَّ اشْتَرَاهَا حَيْثُ لَا يجوز وَقفه.
وَالْفرق أَن فعل الْغَاصِب إنْشَاء فِي غير ملكه فَلَا يَصح، لَان شَرط صِحَّته ملكه لَهُ، بِخِلَاف الاقرار لكَونه إِخْبَارًا لَا إنْشَاء.
قَوْله: (مكْرها) حَال من الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ الاقرار، وَإِنَّمَا لم يَصح إِقْرَاره بهَا مُكْرَهًا لِقِيَامِ دَلِيلِ الْكَذِبِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الوضعي عَنهُ.
منح.
قَوْله: (وَلَو كَانَ إنْشَاء لصَحَّ لعدم
التَّخَلُّف) أَي تخلف مَدْلُول الانشاء عَنهُ: أَي لانه يمْتَنع فِي الانشاء تخلف مَدْلُول لَفظه الوضعي عَنهُ:(8/220)
أَي مَتى وجد اللَّفْظ الدَّال على إنْشَاء الطَّلَاق أَو الْعتاق سَوَاء وجد مَدْلُوله فِي حَال الطواعية أَو الاكراه وَهَذَا مَخْصُوص فِيمَا يَصح مَعَ الاكراه، بِخِلَاف مَا لَا يَصح مَعَه كَالْبيع فَإِنَّهُ يتَخَلَّف مَدْلُوله عَنهُ مَعَ الاكراه: أَي وَهُوَ إِثْبَات الْملك غير مُسْتَحقّ الْفَسْخ.
قَوْله: (وَصَحَّ إِقْرَار العَبْد الْمَأْذُون بِعَين فِي يَده) وَلَو كَانَ إنْشَاء لَا يَصح، لانه يصير تَبَرعا مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ أَهلا لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُسْلِمُ بِخَمْرٍ) حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَو كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدأ لما صَحَّ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَمْرَ قَائِمَةٌ لَا مُسْتَهْلَكَةٌ إذْ لَا يَجِبُ بَدَلُهَا لِلْمُسْلِمِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.
قَوْله: (وبنصف دَاره مشَاعا) أَي الدَّار الْقَابِلَة للْقِسْمَة فَإِنَّهُ يَصح الاقرار بهَا لكَونه إِخْبَارًا، وَلَو كَانَ إنْشَاء لَكَانَ هبة، وَهبة الْمشَاع الْقَابِل للْقِسْمَة لَا تتمّ، وَلَو قبض بِخِلَاف مَالا يقسم كبيت وحمام صغيرين فَإِنَّهَا تصح فِيهِ وتتم بِالْقَبْضِ.
قَوْله: (وَالْمَرْأَة بِالزَّوْجِيَّةِ من غير شُهُود) لانه إِخْبَار عَن عقد سَابق، وَلَو كَانَ إنْشَاء لما صَحَّ إِقْرَارهَا بِالزَّوْجِيَّةِ من غير شُهُود، لَان إنْشَاء عقد النِّكَاح يشْتَرط لصِحَّته حضورهم كَمَا مر فِي بَابه.
قَوْله: (وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بشئ معِين بِنَاء على الاقرار لَهُ بذلك) يَعْنِي إِذا ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا لما أَنه أَقَرَّ لَهُ بِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا سَبَبٌ لِلُزُومِ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَقَدْ عَلَّلَ وُجُوبَ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ بِالْإِقْرَارِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ أُطَالِبُهُ بِمَا لَا سَبَبَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ.
مِنَحٌ.
وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الدَّعْوَى بالشئ الْمُعَيَّنِ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَتْن لَا بالاقرار بِنَاء على الاقرار، قَوْله بِأَنَّهُ أقرّ لَهُ لَا مَحل لَهُ، وَفِي إقحامه ركاكة.
تَأمل.
قَوْله: (بِهِ يُفْتِي) مُقَابِله أَنَّهَا تسمع كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
وَحَاصِله: أَن الاقرار هَل هُوَ بَاقٍ فِي الشَّرْع أَو هُوَ إنْشَاء فِي الْمَعْنى فَيكون سَببا لذَلِك، فَمن جعله إنْشَاء سوغ هَذِه الدَّعْوَى، وَمن جعله بَاقِيا على مَعْنَاهُ الاصلي لم يجوز سماعهَا، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور وَجَمِيع الْمُتَأَخِّرين، وَهُوَ الصَّحِيح الْمعول عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَة.
قَوْله: (لانه إِخْبَار) أَي لَا سَبَبٌ لِلُزُومِ الْمُقَرِّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَهُوَ قد جعل سَبَب وجوب الْمُدعى بِهِ على الْمقر الاقرار فَكَأَنَّهُ قَالَ أطالبه بِلَا سَبَبَ
لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا بَاطِل لما علم من كَلَام مَشَايِخنَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَحِلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ: أَي لَا يجوز لَهُ أَخذه جبرا ديانَة كإقراره لامْرَأَته بِجَمِيعِ مَا فِي منزله وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ اهـ.
بَحر: أَي وَلَو كَانَ إنْشَاء يحل أَخذه كَمَا فِي الدُّرَر، وَمَا نَقله فِي الْقنية عَن بعض الْمَشَايِخ من أَن الاقرار كَاذِبًا يكون نَاقِلا للْملك فخلاف الْمُعْتَمد الصَّحِيح من الْمَذْهَب الَّذِي إِلَيْهِ يذهب.
قَوْله: (نَعَمْ لَوْ سَلَّمَهُ بِرِضَاهُ كَانَ ابْتِدَاءَ هِبَةٍ وَهُوَ الاوجه) هَذَا ظَاهر إِذا تعمد الْكَذِب، أما إِذا كَانَ يظنّ أَنه وَاجِب عَلَيْهِ يتَعَيَّن الافتاء بِعَدَمِ الْحل.
فرع: الابراء والاقرار لَا يحتاجان إِلَى الْقبُول.
أَفَادَهُ السائحاني.
قَوْله: (أَوْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ كَذَا وَهَكَذَا أَقَرَّ بِهِ) أَي إِنَّه لي عَلَيْهِ.
وَفِي شرح تحفة الاقران وَأَجْمعُوا أَنه لَو قَالَ هَذَا الْعين ملكي وَهَكَذَا أقرّ بِهِ الْمُدعى عَلَيْهِ يقبل.(8/221)
قَوْله: (ثمَّ لَو أنكر الاقرار) أَي وَقد ادّعى مَا أقرّ بِهِ لكَونه ملكه وَلم يبن على مُجَرّد إِقْرَاره لما تقدم.
قَوْله: (الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِقْرَارِ بَلْ على المَال) قَالَ ابْن الْغَرْس: ثمَّ لَا يجوز أَن يحلف أَنه مَا أقرّ بِهِ قولا وَاحِدًا، لَان الصَّحِيح أَن الاقرار لَيْسَ بِسَبَب للْملك، وَقد علمت الحكم فِي الاسباب الشَّرْعِيَّة الْمُتَّفق على سببيتها وَأَن الصَّحِيح أَنه لَا يحلف عَلَيْهَا فَكيف الْحَال فِيمَا سببيته قَول مَرْجُوح اهـ.
وَقيل يحلف بِنَاء على أَنه إنْشَاء ملك.
قَوْله: (وَأما دَعْوَى الاقرار فِي الدّفع) بِأَن أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَنه لَا حق لَهُ قبل الْمُدعى عَلَيْهِ، أَو أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَن هَذِه الْعين ملك الْمُدعى عَلَيْهِ فَتسمع، وَأَمَّا دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقِيلَ لَا تُسْمَعُ لانه دَعْوَى الاقرار فِي طرف الِاسْتِحْقَاقِ، إذْ الدَّيْنُ يُقْضَى بِمِثْلِهِ.
فَفِي الْحَاصِلِ: هَذَا دَعْوَى الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ فَكَانَ دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي طرف الِاسْتِحْقَاق، فَلَا تسمع، جَامع الْفُصُولَيْنِ معزيا للمحيط والذخيرة.
وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة لَكِن زَاد فِيهَا: وَقِيلَ: يُسْمَعُ لِأَنَّهُ فِي الْحَاصِلِ يَدْفَعُ أَدَاءَ الدَّيْنِ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي طَرَفٍ الدّفع.
ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُدَّعَى، أَوْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ أَو مَا كَانَت ملكا لَهُ
ينْدَفع الدَّعْوَى إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ مَعْرُوفٍ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ بِالْإِرْثِ، فَبَرْهَنَ الْمَطْلُوبُ عَلَى إِقْرَار الْمُورث بِمَا ذكرنَا، وَتَمَامه فِيهَا.
قَوْله: (فَتسمع عِنْد الْعَامَّة) كَمَا فِي الدُّرَر وَشرح أدب القَاضِي وَالْخَانِيَّة، وَهَذَا مُقَابل قَول المُصَنّف وَلَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ.
قَوْله: (لَا يَصح) هَذَا فِي الاقرار بِمَا يرْتَد، أما فِيمَا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ كالرق وَالنّسب، فَإِنَّهُ لَو أقرّ بِهِ ثمَّ ادَّعَاهُ الْمقر لَهُ بعد رده يقبل مَبْسُوط والعقود اللَّازِمَة مثل النِّكَاح مِمَّا لَا يرْتَد بِالرَّدِّ، فَلَو قَالَ لَهَا تَزَوَّجتك أمس فَقَالَت لَا ثمَّ قَالَت بلَى وَقَالَ هُوَ لَا لزمَه النِّكَاح، لَان إِقْرَاره لم يبطل، إِذْ النِّكَاح عقد لَازم لَا يبطل بِمُجَرَّد جحود أحد الزَّوْجَيْنِ، فَيصح بتصديقها بعد التَّكْذِيب فَيثبت، وَلَا يعْتَبر إِنْكَاره بعد اه.
سري الدّين مُلَخصا ط.
قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ قَوْله لَا يَصِحُّ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِثْلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُمَا مِثْلُ الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ فَلَا، وَهُوَ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضا بِمَا إِذا لم يكن الْمقر مقصرا عَلَى إقْرَارِهِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا شئ لَهُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى تَصْدِيقِهِ وَهُوَ مصر اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لِآخَرَ كُنْتُ بِعْتُكَ الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْآخَرُ لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْك فَسَكَتَ الْبَائِعُ حَتَّى قَالَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بعده بلَى اشْتَرَيْته مِنْك بِأَلف فَهُوَ جَائِز، وَكَذَا النِّكَاح، وكل شئ يكون لَهما جَمِيعًا فِيهِ حق، وكل شئ يكون الْحق فِيهِ لِوَاحِدٍ مِثْلُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بعد ذَلِك.
قَوْله: (وَأما بعد الْقبُول فَلَا يرْتَد بِالرَّدِّ) يَعْنِي لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ وَنَفْيُ الْمَالِكِ مِلْكَهُ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَا يَصِحُّ.
نَعَمْ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ صَحَّ لِمَا تقدم فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ طَلَبَ رِبْحُ مَالٍ ادَّعَاهُ عَلَى آخَرَ فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَوْفَاهُ إيَّاهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ بِتَصَادُقِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يكن عَلَيْهِ شئ، فَانْظُر(8/222)
كَيْفَ التَّصَادُقُ اللَّاحِقُ نَقَضَ السَّابِقَ مَعَ أَنَّ ربحه طيب حَلَال.
قَوْله: (لانه إِقْرَار آخر) أَي وَقد صدقه فِيهِ فَيلْزمهُ.
قَالَه الْعَلامَة عبد الْبر.
وَفِي التاترخانية: وَفِي كل مَوضِع بَطل الاقرار برد الْمقر لَهُ لَو عَاد الْمقر إِلَى ذَلِك الاقرار وَصدقه الْمقر لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن لَا يكون لَهُ ذَلِك اهـ.
وَوجه الْقيَاس: أَن الاقرار الثَّانِي عين الْمقر بِهِ، فالتكذيب فِي الاول تَكْذِيب فِي الثَّانِي.
وَوجه الِاسْتِحْسَان: أَنه يحْتَمل أَنه كذبه بِغَيْر حق لغَرَض من الاغراض الْفَاسِدَة فَانْقَطع عَنهُ ذَلِك الْغَرَض فَرجع إِلَى تَصْدِيقه، فقد جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل.
حموي
قَوْله: (ثمَّ لَو أنكر إِقْرَاره الثَّانِي) أَي وادعاه الْمقر لَهُ لكَونه ملكه وَأقَام بَيِّنَة عَلَيْهِ لَا تسمع، وَلَو أَرَادَ تَحْلِيفه لَا يلْتَفت إِلَيْهِ للتناقض بَين هَذِه الدَّعْوَى وَبَين تَكْذِيبه الاقرار الاول.
قَوْله: (قَالَ البديع) هُوَ أستاذ صَاحب الْقنية، فَإِنَّهُ عبر فِيهَا بقال أستاذنا.
قَالَ عبد الْبر: يَعْنِي للْقَاضِي البديع.
وَفِي بعض النّسخ قَالَ فِي الْبَدَائِع: وَلَيْسَ بصواب ط.
قَوْله: (والاشبه) أَي بِالصَّوَابِ وَالْقَوَاعِد.
قَوْله: (وَاعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة وَأقرهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ) وَعبارَته: وَلَو أنكر الْمقر الاقرار الثَّانِيَ لَا يَحْلِفُ، وَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ للتناقض من الْكَذِب للاقرار الاول.
وَقَالَ القَاضِي البديع: يَنْبَغِي أَن تقبل بَيِّنَة الْمقر لَهُ على إِقْرَاره ثَانِيًا وَهُوَ الاشبه بِالصَّوَابِ.
وَقَالَ الشَّارِح.
أَي عبد الْبر ناظما لَهُ: الطَّوِيل وَقد صوب القَاضِي البديع قبُولهَا وَعِنْدِي لَهُ الْوَجْه الصَّحِيح الْمنور وَمن أَرَادَ الْمَزِيد فَعَلَيهِ بشرحه.
قَوْله: (لَا يظْهر فِي حق الزَّوَائِدُ الْمُسْتَهْلَكَةُ) يُفِيدُ بِظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي حق الزَّوَائِد بِغَيْر المستهلكة، وَهُوَ مُخَالف لما فِي الْخَانِية كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهَا وَقيد بهَا فِي الاستروشنية وَنَقله عَنْهَا فِي غَايَة الْبَيَان، وَتقدم فِي الِاسْتِحْقَاق نَظِير مَا قدمْنَاهُ عَن الْخَانِية، وَأَنه فرق فِي الِاسْتِحْقَاق لولد الْمُسْتَحقَّة بَين الاقرار، فَلَا يتبعهَا وَلَدهَا وَبَين الاثبات فيتبعها وَلَدهَا وَكَذَا سَائِر الزَّوَائِد، وَهُوَ عَام يَشْمَل المستهلكة وَغَيرهَا، وَهنا قد قيدها بالمستهلكة فَافْهَم أَن الْقَائِمَة يظْهر بهَا لاقرار، فَليُحرر.
وَلَعَلَّه أَرَادَ الِاحْتِرَاز بالمستهلكة عَن الهالكة بِنَفسِهَا لانها غير مَضْمُونَة مُطلقًا لانها كزوائد الْمَغْصُوب.
تَأمل
قَوْله: (فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُقَرُّ لَهُ وَلَوْ إخْبَارًا لَمَلَكَهَا) قَالَ فِي نور الْعين: شرى أمة فَولدت عِنْده لَا بِاسْتِيلَادِهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَصْلِ، وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْبَاعَةَ يتراجعون فِيمَا بَينهم، بِخِلَاف الاقرار حَيْثُ لَا يَتَرَاجَعُونَ ف.
ثُمَّ الْحُكْمُ بِأَمَةٍ حُكْمٌ بِوَلَدِهَا وَكَذَا الْحَيَوَانُ، إذْ الْحُكْمُ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَلَدَ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ نَاقِصَة، وَهَذَا الْوَلَدُ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَوْ فِي مِلْكٍ آخَرَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ.
اهـ.
فَفِيهِ مُخَالفَة لمَفْهُوم كَلَام المُصَنّف، وَيُشبه أَن تكون هَذِه التفريعات كلهَا جَامعا بَين قَول من قَالَ إِن الاقرار إِخْبَار بِحَق لآخر لَا إِثْبَات، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْفضل وَالْقَاضِي أبي حَازِم وَقَول من قَالَ: إِنَّه تمْلِيك فِي الْحَال وَهُوَ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ.
قَالَه فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَذكر استشهاد كل على مَا قَالَ بمسائل ذكرت فِي الْفَصْل التَّاسِع من الاستروشنية.(8/223)
وَالْحَاصِل أَن الاقرار هَل هُوَ إِخْبَار بِحَق لآخر أم تمْلِيك فِي الْحَال على مَا قدمْنَاهُ من الْخلاف؟ وَقد علمت أَن الاكثر على الاول الَّذِي عَلَيْهِ الْمعول، وَقد ذكرُوا لكل مسَائِل تدل على مَا قَالَ، وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
قَوْله: (أقرّ حر مُكَلّف) أَي بَالغ عَاقل.
دُرَر.
قيد بِالْحرِّ، لَان العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِالْمَالِ إِلَى مَا بعد الْعتْق، وَكَذَا الْمَأْذُون لَهُ يتَأَخَّر إِقْرَاره بِمَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كَمَا قدمْنَاهُ.
وَكَذَا إِذا أقرّ بِجِنَايَة مُوجبَة لِلْمَالِ لَا يلْزمه لَان الاذن لم يتَنَاوَل إِلَّا التِّجَارَة، بِخِلَاف مَا إِذا أقرّ بالحدود وَالْقصاص، لَان العَبْد مبقى على أصل الْحُرِّيَّة فِي حَقّهمَا.
زَيْلَعِيّ
قَوْله: (مُكَلّف) شَرط التَّكْلِيف لَان إِقْرَار الصَّبِي وَالْمَعْتُوه وَالْمَجْنُون لَا يَصح لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّة الِالْتِزَام، إِلَّا إِذا كَانَ الصَّبِي مَأْذُونا لَهُ فَيصح إِقْرَاره بِالْمَالِ لكَونه من ضرورات التِّجَارَة، لانه لَو لم يَصح إِقْرَاره لَا يعامله أحد، فَدخل فِي الاذن كل مَا كَانَ طَرِيقه التِّجَارَة كالديون والودائع والعواري والمضاربات والغصوب فَيصح إِقْرَاره بهَا لالتحاقه فِي حَقّهَا بالبالغ الْعَاقِل، لَان الاذن يدل على عقله، بِخِلَاف مَا لَيْسَ من بَاب التِّجَارَة كالمهر وَالْجِنَايَة وَالْكَفَالَة حَيْثُ لَا يَصح إِقْرَاره بهَا، لَان التِّجَارَة مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ وَالْمهْر مُبَادلَة مَال بِغَيْر مَال، وَالْجِنَايَة لَيست بمبادلة، وَالْكَفَالَة تبرع ابْتِدَاء فَلَا تدخل تَحت الاذن والنائم والمغمى عَلَيْهِ كالجنون لعدم التَّمْيِيز، وَإِقْرَار السَّكْرَان جَائِز إِذا سكر بمحظور، لانه لَا يُنَافِي الْخطاب إِلَّا إِذا أقرّ بِمَا يقبل الرُّجُوع كالحدود الْخَالِصَة، وَإِن سكر بمباح كالشرب مكْرها لَا يلْزمه شئ.
زَيْلَعِيّ.
وَالرِّدَّة كالحدود الْخَالِصَة.
حموي.
قَوْله: (يقظان) أخرج بِهِ النَّائِم فَلَا يُؤَاخذ بِمَا أقرّ بِهِ فِي النّوم لارْتِفَاع الاحكام عَنهُ.
قَوْله: (طَائِعا) أخرج بِهِ الْمُكْره فَلَا يَصح إِقْرَاره، وَلَو بِطَلَاق وعتاق كَمَا تقدم، أما طَلَاقه وعتاقه فيقعان.
قَوْله: (إِن أقرُّوا بِتِجَارَة) أَي بِمَال فَيصح، وَجَوَابه قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي صَحَّ أَيْ صَحَّ لِلْحَالِ.
قَوْله:
(كإقرار مَحْجُور) أَي عبد لانه مبقى على أصل الْحُرِّيَّة فِي الْحُدُود وَالْقصاص ولانه غير مُتَّهم بِهَذَا الاقرار لَان مَا يدْخل عَلَيْهِ بِهَذَا الاقرار من الْمضرَّة أعظم مِمَّا يدْخل على مَوْلَاهُ، وَلَيْسَ هُوَ عَائِدًا إِلَى الصَّبِي وَالْمَعْتُوه فَإِنَّهُ لَا حد عَلَيْهِمَا، وَلَا قَود لَان عمد الصَّبِي خطأ وَالْمَعْتُوه كَالصَّبِيِّ، وَيدل على تَخْصِيصه بِالْعَبدِ قَول الشَّارِح وَإِلَّا فَبعد عتقه أَي إِلَّا يكن إِقْرَار العَبْد الْمَحْجُور بِحَدّ أَو قَود بل بِمَال، فَإِنَّهُ لَا ينفذ عَلَيْهِ فِي الْحَال لانه وَمَا فِي يَده لمَوْلَاهُ والاقرار حجَّة قَاصِرَة لَا تتعدى لغير الْمقر، فَلَا ينفذ على مَوْلَاهُ فَإِن عتق سقط حق الْمولى عَنهُ فنفذ إِقْرَاره على نَفسه والاولى أَن يعبر بدل الْمَحْجُور بِالْعَبدِ وَأَن يُؤَخِّرهُ بعد قَوْله الْآتِي صَحَّ.
قَوْله: (بِحَدّ وقود) أَي مِمَّا لَا تُهْمَة فِيهِ كَمَا ذكرنَا فَيَصِحُّ لِلْحَالِ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ تُهْمَة.
قَوْله: (فَبعد عتقه) أَي فتتأخر الْمُؤَاخَذَة بِهِ إِلَى عتقه، وَكَذَا الْمَأْذُون رِعَايَة لحق الْمولى.
عَيْني
قَوْله: (ونائم) قصد بِهَذَا كَالَّذي قبله وَبعده بَيَان المحترزات.
قَوْله: (أَو مَجْهُول) إِنَّمَا صَحَّ الاقرار بِهِ لَان الْحق قد يلْزمه مَجْهُولا بِأَن أتلف مَالا لَا يدْرِي قِيمَته أَو جرح جِرَاحَة لَا يعلم أَرْشهَا، وَالضَّمِير فِي صَحَّ يرجع للاقرار الْمَعْلُوم من أقرّ.
قَوْله: (لَان جَهَالَة الْمقر بِهِ لَا تضر) كَمَا إِذا أقرّ أَنه غصب من رجل مَالا مَجْهُولا فِي كيس أَو أودعهُ مَالا فِي كيس صَحَّ الْغَصْب والوديعة، وَثَبت حكمهمَا لَان الْحق قد يلْزمه مَجْهُولا الخ.
قَوْله: (إلَّا إذَا بَيَّنَ سَبَبًا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَبَيْعٍ) أَي لَو قَالَ لَهُ(8/224)
سهم من دَاري غير معِين وَلَا مَعْلُوم مِقْدَاره، لاني قد كنت بِعته ذَلِك لَا يَصح لَان البيع الْمَجْهُول فَاسد، وَكَذَا لَو كَانَ الاقرار بِإِجَارَة كَذَلِك.
وَاعْلَم أَن الْمقر بِالْمَجْهُولِ تَارَة يُطلق، وَتارَة يبين سَببا لَا تضره الْجَهَالَة كالغصب وَالْجِنَايَة، وَتارَة يبين سَببا تضره الْجَهَالَة، فالاول يَصح وَيحمل على أَن الْمقر بِهِ لزمَه بِسَبَب لَا تضره الْجَهَالَة، وَالثَّانِي ظَاهر، وَالثَّالِث لَا يَصح الاقرار بِهِ كَالْبيع والاجارة، فَإِن مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَو آجر مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ كَذَا بشئ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيم شئ.
أَفَادَهُ فِي الدُّرَر والشرنبلالية.
قَوْله: (كَقَوْلِه لَك على أَحَدنَا ألف) ظَاهره أَن الْقَائِل وَاحِد من جمَاعَة وَلَو يُحصونَ، وصدوره من أحدهم لَا يعين أَنه هُوَ المطالب، وَأَنه لَا يجْبر الْمُتَكَلّم على الْبَيَان
قَوْله: (إِلَّا إِذا جمع بَين
نَفسه وَعَبده فَيصح) هَذَا فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ، لِأَنَّ مَا عَلَى عَبْدِهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ إنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، أَمَّا مَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهِ، فَإِذَا جَمَعَهُ مَعَ نَفْسِهِ كَانَ كَقَوْلِهِ لَك عَليّ أَو على زيد وَهُوَ مَجْهُول لَا يَصح.
حموي.
قَالَ فِي الاشباه: إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، فَلَا يَصح: الاولى أَن يكون العَبْد مديونا، الثَّانِيَة أَن يكون مكَاتبا، فَافْهَم.
قَوْله: (وَكَذَا تضر جَهَالَة الْمقر لَهُ) أَي فَتبْطل فَائِدَة الاقرار لعدم اعْتِبَاره.
قَوْله: (وَإِلَّا لَا) أَي لَا تضر الْجَهَالَة إِن لم تتفاحش على مَا ذكر شيخ الاسلام فِي مبسوطه والناطفي فِي واقعاته، وَسوى شمس الائمة بَين المتفاحشة وَغَيرهَا فِي عدم الِاعْتِبَار، لَان الْمَجْهُول لَا يصلح مُسْتَحقّا إِذْ لَا يُمكنهُ جبره على الْبَيَان من غير تعْيين الْمُدَّعِي فَلَا يُفِيد فَائِدَته كَمَا فِي الْمنح.
قَالَ الْحَمَوِيّ: أَقُول مثل شرَّاح الْهِدَايَة وَغَيرهَا للفاحشة بِأَن قَالَ لوَاحِد من النَّاس ولغير الْفَاحِشَة بِأَن قَالَ لاحدكما وَوَقع تردد بدرس شيخ مَشَايِخنَا بَين أهل الدَّرْس: لَو قَالَ لاحدكم وهم ثَلَاثَة أَو أَكثر محصورون هَل هُوَ من الثَّانِي أَو الاول؟ فَمَال بَعضهم إِلَى أَنه من قبيل غير الْفَاحِشَة، وانتصر لَهُ بِمَا فِي الْخَانِية لَو قَالَ من بَايَعَك من هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ إِلَى قوم مُعينين معدودين فَأَنا قبيل بِثمنِهِ جَازَ اهـ.
قَالَ السائحاني: وَيظْهر لي أَن المتفاحش مائَة.
أَقُول: لَكِن الَّذِي يظْهر لي أَن الْفَاحِش مَا زَاد على الْمِائَة أخذا من قَوْلهم فِي كتاب الشَّهَادَات من الْبَاب الرَّابِع فِيمَن تقبل شَهَادَته من الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة: شَهَادَة الْجند للامير لَا تقبل إِن كَانُوا يُحصونَ، وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ تقبل.
نَص فِي الصيرفية فِي حد الاحصاء مائَة وَمَا دونه، وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُحصونَ.
كَذَا فِي جَوَاهِر الاخلاطي، وقدمناه فِي الشَّهَادَات.
قَوْله: (فَيصح) لَان صَاحب الْحق لَا يعدو من ذكره وَفِي مثله يُؤمر بالتذكر، لَان الْمقر قد ينسى صَاحب الْحق.
منح.
وَهَذَا قَول الناطفي.
وَقَالَ السَّرخسِيّ إِنَّهَا تضر أَيْضا
قَوْله: (وَلَا يجْبر على الْبَيَان) أَي إِن فحشت أَو لَا زَادَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ ينسى صَاحِبَ الْحَقِّ، وَزَادَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا ادَّعَى.
وَفِي التاترخانية: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ، بَعْضُهُمْ قَالُوا نَعَمْ، وَيَبْدَأُ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ يُقْرِعُ، وَإِذَا حَلَفَ لِكُلٍّ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ حَلَفَ
لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ يُقْضَى بِالْعَبْدِ لِلْآخَرِ فَقَطْ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا يُقْضَى بِهِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ سَوَاءٌ(8/225)
نَكَلَ لَهُمَا جُمْلَةً بِأَنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بِأَنْ حَلَّفَهُ لِكُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ حَلَفَ فَقَدْ بَرِئَ عَن دَعْوَة كل، فَإِن أَرَادَ أَن يصطلحا وأخذا الْعَبْدَ مِنْهُ لَهُمَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا قَبْلَ الْحَلِفِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ اصْطِلَاحُهُمَا بَعْدَ الْحَلِفِ، قَالُوا: وَلَا رِوَايَةَ عَن أبي حنيفَة اهـ.
أَقُول: وَالْحَاصِل: أَن قَول الشَّارِح وَلَا يجْبر على الْبَيَان مُوَافق لما فِي الْبَحْر والزيلعي والعيني وَشرح السَّيِّد حموي، وَيُخَالِفهُ مَا فِي الدُّرَر عَن الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِن لم يفحش بِأَن أقرّ أَنه غصب هَذَا العَبْد من هَذَا أَو من هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصح عِنْد شمس الائمة السَّرخسِيّ، لانه إِقْرَار للْمَجْهُول.
وَقيل يَصح وَهُوَ الاصح لانه يُفِيد وُصُول الْحق إِلَى الْمُسْتَحق، لانهما إِذا اتفقَا على أَخذه فَلَهُمَا حق الاخذ وَيُقَال لَهُ: بَين الْمَجْهُول، لَان الاجمال من جِهَته كَمَا لَو أعتق أحد عبديه وَإِن لم يبين أجْبرهُ القَاضِي على الْبَيَان إيصالا للحق إِلَى الْمُسْتَحق اهـ.
وَكَلَام الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُفِيد مُوَافقَة مَا فِي الدُّرَر من أَنه يجْبر على الْبَيَان حَيْثُ قَالَ: قَوْله كَمَا لَو أعتق أحد عبديه: يَعْنِي من غير تعْيين، أما لَو أعتق أَحدهمَا بِعَيْنِه، ثمَّ نَسيَه لَا يجْبر على الْبَيَان كَمَا فِي الْمُحِيط اهـ.
وَأَقُول: قَوْله لَان الاجمال الخ هَكَذَا فِي الْهِدَايَة وَعَامة الشُّرَّاح قاطبة ربطوا هَذَا الْكَلَام على صِحَة الاقرار للْمَجْهُول، وَصَاحب الدُّرَر ظن أَنه مُرْتَبِط بالاقرار بِالْمَجْهُولِ، وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا يظْهر لمن نظر نظر التدبر فِي كَلَام صَاحب الْكَافِي أَيْضا، وَقد سبق أَنه لَا جبر على الْمقر لبَيَان الْمقر لَهُ عِنْد كَونه مَجْهُولا غير متفاحش، فاللائق عَلَيْهِ أَن يَأْتِي بِهَذَا الْكَلَام فِي شرح قَوْله وَلَزِمَه بَيَان مَا جهل.
أَقُول: وَإِنَّمَا يجْبرهُ القَاضِي على الْبَيَان فِيمَا إِذا أعتق أحد عبديه من غير تعْيين، لَان الظَّاهِر من حَال الْمقر هُوَ الْعلم بِالْحَقِّ الَّذِي أقرّ بِهِ، فَيجب عَلَيْهِ الْبَيَان.
لَا يُقَال: إِنَّه تقدم عِنْد.
قَوْله: (أَو مَجْهُول) أَن الْمقر قد يتْلف مَالا لَا يدْرِي قِيمَته أَو يجرح جِرَاحَة لَا يعلم أَرْشهَا.
لانا نقُول: إِن ذَلِك احْتِمَال اعْتبر هُنَاكَ بتصحيح الاقرار بِالْمَجْهُولِ، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يسمع قَوْله لَا أَدْرِي فِي جَمِيع مَا
أقرّ بِهِ، بل على القَاضِي أَن يعْتَمد على ظَاهر الْحَال وَلَا يصدقهُ فِيمَا هُوَ مُحْتَمل.
قَوْله: (لجَهَالَة الْمُدَّعِي) أَي فيهمَا، ولانه قد يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال الْحق على الْمُسْتَحق، وَالْقَاضِي إِنَّمَا نصب لايصال الْحق إِلَى مُسْتَحقّه لَا لابطاله اهـ.
منح.
قَوْله: (بَحر) تَتِمَّة عِبَارَته: وَلكُل مِنْهُمَا أَن يحلفهُ.
قَوْله: (وَنَقله فِي الدُّرَر لَكِن بِاخْتِصَار مخل كَمَا بَينه عزمي زَاده) لَيْسَ فِي كَلَامه اخْتِصَار مخل بل زِيَادَة مضرَّة ذكرهَا فِي غير موضعهَا، وَقد سَمِعت عِبَارَته وصدرها، وَلم يَصح الاقرار للْمَجْهُول إِذا فحشت جهالته بِأَن يَقُول هَذَا العَبْد لوَاحِد من النَّاس، لَان الْمَجْهُول لَا يكون مُسْتَحقّا، وَإِن لم تفحش إِلَى آخر مَا قدمنَا عَنْهَا، وَاعْتَرضهُ عزمي زَاده بِأَن قَوْله: وَيُقَال لَهُ بَين الْمَجْهُول مُرْتَبِط بِصِحَّة الاقرار مَعَ جَهَالَة الْمقر بِهِ لَا بِعَدَمِ الصِّحَّة فِي جَهَالَة الْمقر لَهُ، وَلَا مساغ لحمله على ذَلِك لانه علل الْمَسْأَلَة بِأَنَّهُ إِقْرَار للْمَجْهُول، وَلَا يُفِيد لَان فَائِدَته الْجَبْر على الْبَيَان، وَصَاحب الْحق مَجْهُول، وَكَانَ الْوَاجِب ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي أثْنَاء شرح قَوْله أقرّ بِمَجْهُول صَحَّ ليُوَافق كَلَامه كَلَامهم ومرامه مرامهم اهـ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ مِنْ الْجَبْرِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا جَهِلَ الْمُقَرَّ بِهِ لَا الْمُقَرَّ لَهُ لِقَوْلِ الْكَافِي لِأَنَّهُ إِقْرَار للْمَجْهُول، وَأَنه لَا يُفِيد لَان فَائِدَته الْجَبْر على الْبَيَان، وَلَا يجْبر على الْبَيَان لانه إِنَّمَا يكون ذَلِك لصَاحب الْحق وَهُوَ مَجْهُول.(8/226)
فَرْعٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْإِقْرَارَ الْعَامَّ وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْر، وَفِي الْمِنَحِ، وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْعَامِّ كَمَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ جَمِيعِ مَا يُعْرَفُ بِي أَوْ جَمِيع مَا ينْسب إِلَيّ لفُلَان وَإِن اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَوْ لَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي يَدِهِ وَقْتَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ، لَكِنَّهُ يَرْتَدُّ برد الْمقر لَهُ.
صرح فِي الْخُلَاصَة، وَكثير من الْكتب الْمُعْتَمدَة وَاسْتَشْكَلَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى هَذَا قَوْلَ الْعِمَادِيِّ وقاضيخان: الْإِقْرَارُ لِلْغَائِبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّصْدِيقِ.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ وَبَحَثَ فِي الْجَوَابِ الرَّمْلِيُّ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ اللُّزُومَ غَيْرُ الصِّحَّةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَوَقُّفِ الْعَمَلِ مَعَ صِحَّتِهِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ، فَالْمُتَوَقِّفُ لُزُومُهُ لَا
صِحَّتُهُ، فالاقرار للْغَائِب لَا يلْزم حَتَّى صَحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى صَحَّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ لِلْحَاضِرِ فَيَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِغَيْرِهِ بِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَانِبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِحُّ رَدُّهُ، وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَلَا شُبْهَةَ فِيهَا من الْجَانِبَيْنِ بِدُونِ الْقبُول وَقدمنَا شَيْئا من ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ.
قَوْله: (وَلَزِمَه بَيَان مَا جهل) أَي يجْبر عَلَيْهِ إِذا امْتنع كَمَا فِي الشمني، لانه لزمَه الْخُرُوج عَمَّا وَجب عَلَيْهِ بالاقرار، لَان كثيرا من الاسباب تتَحَقَّق مَعَ الْجَهَالَة كالغصب والوديعة، لَان الانسان يغصب مَا يُصَادف ويودع مَا عِنْده من غير تَحْرِير فِي قدره وجنسه وَوَصفه فَيحمل عَلَيْهِ حَتَّى لَو فسره بِالْبيعِ أَو الاجارة لَا يَصح إِقْرَاره، لَان هَذِه الْعُقُود لَا تصح مَعَ الْجَهَالَة فَلَا يجْبر على الْبَيَان.
زَيْلَعِيّ.
قَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ: أَقُول بِهِ استخرجت جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى: كرم وقف اسْتهْلك الْعَامِل عَلَيْهِ حِصَّة الْوَقْف مُدَّة سِنِين أَو مَاتَ الْعَامِل وَأقر ورثته باستهلاك ثَمَرَته فِي السنين الْمعينَة إِقْرَارا مَجْهُولا فِي الْغلَّة.
فأجبت: بِأَنَّهُم يجبرون على الْبَيَان وَالْقَوْل لَهُم مَعَ الْحلف إِلَّا أَن يُقيم الْمُتَوَلِي بَيِّنَة بِأَكْثَرَ، فَتَأمل اهـ.
وَقَالَ أَيْضا: ذكر صَاحب الْبَحْر فِي البيع فِي شرح قَوْله: وَإِن اخْتلفت النُّقُود فسد البيع، لَو أقرّ بِعشْرَة دَنَانِير حمر وَفِي الْبَلَد نقود مُخْتَلفَة حمر لَا يَصح بِلَا بَيَان، بِخِلَاف البيع فَإِنَّهُ يتَصَرَّف إِلَى الاروج.
اهـ.
وَلَا ريب أَن معنى قَوْله: لَا يَصح بِلَا بَيَان: أَي لَا يثبت بِهِ شئ بِلَا بَيَان، بِخِلَاف البيع فَإِنَّهُ يثبت الاروج بِدُونِ بَيَان، إِذْ صِحَة الاقرار بِالْمَجْهُولِ مقررة وَعَلِيهِ الْبَيَان.
تَأمل.
وَفِي الْمَقْدِسِي: وَلَو بَين الْغَصْب فِي عقار أَو خمر مُسلم صَحَّ لانه مَال، فَإِن قيل الْغَصْب أَخذ مَال مُتَقَوّم مُحْتَرم بِغَيْر إِذن الْمَالِك على وَجه يزِيل يَده، وَهُوَ لَا يصدق على الْعقار وخمر الْمُسلم.
وَأجِيب: بِأَن ذَلِك حَقِيقَة وَقد تتْرك بِدلَالَة الْعَادة وَفِي خير مَطْلُوب سَوَاء عين فِي هَذِه الْبَلدة أَو غَيرهَا، وَلَو قَالَ: الدَّار الَّتِي فِي يَد فلَان صَحَّ بَيَانه، وَلَا تُؤْخَذ من يَده وَلَا يضمن الْمقر شَيْئا لانه أقرّ بغصبها وَهِي لَا تضمن بِالْغَصْبِ اهـ.
أَقُول: وَإِنَّمَا يلْزمه بَيَان مَا جهل، هَذَا إِذا لم يكن الحكم عَلَيْهِ من لخارج، أما إِذا أمكن فَلَا وَيحكم عَلَيْهِ بالمتيقن، أَلا يرى أَنه لَو قَالَ: لَا أَدْرِي لَهُ عَليّ سدس أَو ريع فَإِنَّهُ يلْزم الاقل.
وَسَيَأْتِي مَا
يُوضح مَا ظهر لي.
وَفِي الْمَقْدِسِي: لَهُ عَليّ عبد أَو قَالَ لَهُ شرك فِيهِ: أوجب أَبُو يُوسُف قيمَة وسط فِي الاول والشطر فِي الثَّانِي، وَمُحَمّد الْبَيَان فيهمَا، وَلَو قَالَ لَهُ عشرَة دَرَاهِم ودانق أَو قِيرَاط فهما من(8/227)
الدَّرَاهِم وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ صَحَّ وَيُقْضَى بِقِيمَةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّد: القَوْل لَهُ فِي الْقيمَة.
وَفِي الاشباه: الاقرار بِالْمَجْهُولِ صَحِيح، وَاعْتَرضهُ الْحَمَوِيّ بِمَا فِي الْمُلْتَقط: إِذا قَالَ عَليّ دَار أَو شَاة: قَالَ أَبُو يُوسُف: يلْزمه الضَّمَان بِقِيمَة الْمقر بِهِ وَالْقَوْل قَوْله.
وَقَالَ بشر: تجب الشَّاة.
اهـ.
وَيُمكن الْجَواب بمشي الاشباه على قَول الامام وَالْخَانِيَّة والملتقط على قَول غَيره، وَلَعَلَّ المُرَاد بالوسط أَو الْقيمَة من أقل الْمقر بِهِ لانه مقرّ بِأَحَدِهِمَا الْمُبْهم إِلَّا بالاثنين، وَحِينَئِذٍ فَحلف بشر لَفْظِي.
كَذَا بِخَط الْعَلامَة السائحاني.
قَوْله: (كشئ وَحقّ) بِأَن قَالَ عَليّ لفُلَان شئ أَو حق، لَان الْحق قد يلْزم مَجْهُولا بِأَن يتْلف مَالا أَو يجرح جِرَاحَة أَو تبقى عَلَيْهِ بَاقِيَة حِسَاب لَا يعرف قيمتهَا وَلَا أَرْشهَا وَلَا قدرهَا كَمَا فِي الْعَيْنِيّ، وَلَو قَالَ فِي قَوْله: عَليّ حق أردْت بِهِ حق الاسلام لم يصدق مُطلقًا، سَوَاء قَالَه مَوْصُولا أَو مَفْصُولًا، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الزَّيْلَعِيّ والعيني والكفاية لانه خلاف الْعرف، فَإِذا بَين بِغَيْر ذَلِك كَانَ رُجُوعا فَلَا يَصح وَعَلِيهِ الْمعول كَمَا فِي التَّبْيِين.
وَفِي تَكْمِلَة قَاضِي زَاده: أَنه إِذا وَصله صدق وَإِن فَصله لَا يصدق، وَعَلِيهِ مَشى فِي التاترخانية، وَنَقله الْحَمَوِيّ، وَكَذَا نَقله صَاحب الْكِفَايَة عَن الْمُحِيط والمستزاد كَمَا فِي الشلبي.
قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: بَقِي لَو مَاتَ قبل الْبَيَان توقف فِيهِ الشَّيْخ الحانوتي، قَالَ الْعَلامَة الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَيَنْبَغِي أَن يرجع فِيهِ للْوَرَثَة.
اهـ.
وَفِيه أَن الْوَارِث إِذا كَانَ لَا يعلم كَيفَ يرجع إِلَيْهِ فَليُحرر بِالنَّقْلِ.
وَفِيه أَن الْوَارِث قد يعلم فالرجوع إِلَيْهِ لاستكشاف مَا عِنْده، فَإِنَّهُ علمه وَافق علم بِهِ.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي أَن يصدق فِي حق الشُّفْعَة أَو التطرق وَنَحْوه.
اهـ.
قَوْله: (وَالْقَوْل للْمقر مَعَ حلفه لانه الْمُنكر) ولانه لما كذبه فِيمَا بَين وَادّعى شَيْئا آخر بَطل إِقْرَاره بتكذيبه وَكَانَ القَوْل للْمقر فِيمَا ادّعى عَلَيْهِ اهـ.
قَوْله: (وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ فِي عَليّ مَال) لَان مَا دونه من الكسور لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم المَال عَادَة وَهُوَ الْمُعْتَبر زَيْلَعِيّ، وَمثله فِي الْهِنْدِيَّة.
وَهَذَا اسْتِحْسَان، وَفِي الْقيَاس يصدق فِي الْقَلِيل
وَالْكثير كَمَا قَالَ الْقَدُورِيّ.
قَالَ ط: وَظَاهر الْبَحْر أَنه يلْزمه دِرْهَم، وَلَا يجْبر على الْبَيَان، وَعبارَته: وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دَار أَو عبد لَا يلْزمه شئ، أَو مَال قَلِيل أَو دِرْهَم عَظِيم أَو دريهم لزمَه دِرْهَم.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ النِّصَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ دِرْهَم وَكَذَا المعطوفات بعده.
قَوْله: (أَي نِصَاب الزَّكَاة) لانه عَظِيم فِي الشَّرْع حَتَّى اعْتبر صَاحبه غَنِيا وَأوجب عَلَيْهِ مواساة الْفُقَرَاء، وَفِي الْعرف حَتَّى يعد من الاغنياء عَادَة.
منح.
قَوْله: (وَقيل إِن الْمقر فَقِيرا الخ) قَالَ فِي الْمنح: والاصح أَنه على قَوْله مَبْنِيّ عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ، وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيّ لَيْسَ بعظيم وَهُوَ فِي الشَّرْع مُتَعَارِضٌ، فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ وَفِي السّرقَة وَالْمهْر الْعشْرَة عَظِيم، فَيرجع إِلَى حَاله.
كَذَا فِي النِّهَايَة.
قَوْله: (فِي مَال عَظِيم) مَعْطُوف على قَوْله فِي عَليّ مَال الْمَعْمُول ليصدق فَفِيهِ الْعَطف على معمولين لعاملين مُخْتَلفين، وَهُوَ لَا يجوز، والاولى أَن يَقُول: وَلزِمَ فِي عَليّ مَال دِرْهَم، وَفِي عَليّ مَال عَظِيم نِصَاب، وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ الْعَطف على معمولين لعامل وَاحِد.
تَأمل.(8/228)
وَاعْلَم أَن المَال الْقَلِيل دِرْهَم، فَإِذا قَالَ فِي لَهُ عَليّ مَال عَظِيم وَسُئِلَ الْبَيَان فَقَالَ لَا قَلِيل وَلَا كثير لزمَه مِائَتَان، لانه لما قَالَ لَا قَلِيل لزمَه الْكثير.
كَذَا عَن مُحَمَّد.
وَيظْهر لي أَن يلْزمه عِنْد الامام عشرَة إِذْ هِيَ الْكثير عِنْده، وَلَو قَالَ عَليّ شئ من الدَّرَاهِم أَو من دَرَاهِم فَعَلَيهِ ثَلَاثَة.
قلت: وعَلى تَقْدِير من تبعيضية لَا يظْهر مقدسي
قَوْله: (قَوْله لَو بَينه الخ) بِأَنْ قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ قَالَ من الْفضة لزمَه النّصاب من الْمقر بِهِ وَمن الابل أَخذ نصابها أَيْضا، فَإِن قَالَ من ثِيَاب أَو كتب اعْتبر النّصاب بِالْقيمَةِ.
قَوْله: (وَمن خمس وَعشْرين من الابل) أَيْ وَلَا يَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَوْ قَالَ: مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الْإِبِلِ.
قَوْله: (لانها أدنى نِصَاب يُؤْخَذ من جنسه) جَوَاب سُؤال حَاصله: أَن أدنى نِصَاب الابل خمس فَإِنَّهُ يُؤْخَذ فِيهَا شَاة.
وَحَاصِل الْجَواب: أَن مَا دون الْخمس وَالْعِشْرين من الابل لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة من جنسه، وَإِن وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة، وَتَقْرِير ذَلِك أَن الْخمس س من الابل وَإِن كَانَت مَالا عَظِيما فَعَظمهُ لمَالِكه نسبي، فَصَارَ
لَهُ جهتان: جِهَة الْغَنِيّ بتملكها فأوجبنا الشَّاة فِيهَا، وجهة عدم الْعظم الْحَقِيقِيّ، فَقُلْنَا بِعَدَمِ جَوَاز صَدَقَة فِيهَا مِنْهَا.
أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ.
وَالظَّاهِر أَنه يعْتَبر فِي الْبَقر وَالْغنم نصابهما إِذا بَين بهما كَمَا يُسْتَفَاد من الْمنح ط.
قَوْله: (وَمن ثَلَاثَة نصب فِي أَمْوَال عِظَام) لَان أقل الْجَمِيع ثَلَاثَة فَلَا يصدق فِي أقل مِنْهُ للتيقن بِهِ، وَيَنْبَغِي على قِيَاس قَول الامام أَن يعْتَبر فِيهِ حَال الْمقر.
منح.
وَفِي الذَّخِيرَة: وَلَو قَالَ مَال نَفِيس أَو كريم أَو خطير أَو جليل: قَالَ الناطفي: لم أَجِدهُ مَنْصُوصا، وَكَانَ الْجِرْجَانِيّ يَقُول: يلْزمه مِائَتَان.
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا قَالَ عَليّ دَرَاهِم مضاعفة فَعَلَيهِ سِتَّة دَرَاهِم، لَان أدنى الْجمع ثَلَاثَة وضعفها سِتَّة، وَلَو قَالَ دَرَاهِم أَضْعَاف مضاعفة يلْزمه ثَمَانِيَة عشر درهما، لَان أضعافا لفظ الْجمع وَأقله ثَلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة ومضاعفة التِّسْعَة ثَمَانِيَة عشر.
ذكره الشمني.
قَوْله: (ثَلَاثَة) لانها أدنى الْجمع.
قَوْله: (عشرَة) عِنْد الامام وَقَالا نِصَاب، والاصل أَن رِعَايَة الْكَثْرَة وَاجِبَة، لكنه اعْتبر الْعرف لُغَة وهما اعتبراه شرعا.
قَوْله: (لانها نِهَايَة اسْم الْجمع) الاضافة للْبَيَان: أَي نِهَايَة اسْم هُوَ الْجمع وَهُوَ دَرَاهِم إِذْ هُوَ جمع دِرْهَم وَلَيْسَ المُرَاد اسْم الْجمع المصطلح عَلَيْهِ كَمَا لَا يخفى: يَعْنِي أَن الْعشْرَة أقْصَى مَا يذكر بِلَفْظ الْجمع فَكَانَ هُوَ الاكثر من حَيْثُ اللَّفْظ فَيَنْصَرِف إِلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا: لَا يصدق فِي أقل من نِصَاب: والاصل فِيهِ مَا قدمنَا من أَن رِعَايَة الْكَثْرَة وَاجِبَة الخ، وَهُوَ أول مَا يصدق عَلَيْهِ جمع الْكَثْرَة.
أما تَعْلِيل الشَّارِح فيوهم أَن الْعبْرَة لاقل مَا يصدق اللَّفْظ لَا لنهايته، إِذْ هِيَ مشكوكة وَالْمَال لَا يثبت بِالشَّكِّ فَتعين مَا قُلْنَا.
تَأمل
قَوْله: (وَكَذَا درهما دِرْهَم) أَي لَا يصدق فِي أقل من دِرْهَم فِي قَوْله لَهُ عَليّ كَذَا درهما لانه تَفْسِير للمبهم.
كَذَا فِي الْهِدَايَة وَفِيه مَا سبق من مُخَالفَة الْعَطف.
قَالَ الاتقاني: وَيَنْبَغِي أَن يلْزمه فِي هَذَا أحد عشرَة لانه أول الْعدَد الَّذِي يَقع مميزه مَنْصُوبًا، هَكَذَا نقل عَن أهل اللُّغَة فَلَا يصدق فِي بَيَانه(8/229)
بدرهم، وَالْقِيَاس فِيهِ مَا قَالَه فِي مُخْتَصر الاسرار إِذا قَالَ لَهُ كَذَا دِرْهَم أَنه يلْزمه عشرُون، لانه ذكر جملَة وفسرها بدرهم مَنْصُوب.
وَذَلِكَ يكون من عشْرين إِلَى تسعين فَيجب الاقل وَهُوَ عشرُون لانه مُتَيَقن اهـ.
وَمثله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَفِي السراج: وَإِن قَالَ كَذَا درهما لزمَه عشرُون، وَإِن قَالَ كَذَا دِرْهَم بالخفض لزمَه مائَة، وَإِن قَالَ كَذَا دِرْهَم بِالرَّفْع أَو بِالسُّكُونِ لزمَه دِرْهَم وَاحِد لانه تَفْسِير للمبهم.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُعْتَمَدِ) لِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى.
شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَفِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ دِرْهَمَانِ، لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ، إذْ الْوَاحِد لَا يعد حَتَّى يكون مَعَه شئ.
وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ: يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بعده الدِّرْهَم بِالنّصب عشرُون.
منح.
قَوْله: (وَلَو خفضه لزمَه دِرْهَم) كَذَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد، وَإِن قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَم بالخفض لزمَه ثَلَاثمِائَة، والتوجيه فِي غَايَة الْبَيَان.
قَوْله: (وَفِي دريهم الخ) أَي بِالتَّصْغِيرِ، وَكَذَا لَو صغر الدِّينَار يلْزمه تَاما، لَان التصغير يكون لصِغَر الحجم وللاستحقار ولخفة الْوَزْن فَلَا ينقص الْوَزْن بِالشَّكِّ ط.
قَوْله: (أَو دِرْهَم عَظِيم) إِنَّمَا لزمَه دِرْهَم لَان الدِّرْهَم مَعْلُوم الْقدر فَلَا يزْدَاد قدره بقوله عَظِيم لانه وصف اهـ.
تَبْيِين.
قَالَ الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي إِذا كَانَت الدَّرَاهِم مُخْتَلفَة أَن يجب من أعظمها عملا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور حموي.
قَوْله: (وَالْمُعْتَبر الْوَزْن الْمُعْتَاد إِلَّا بِحجَّة) قَالَ صَاحب الْهِدَايَة: وينصرف إِلَى الْوَزْن الْمُعْتَاد: أَي بَين النَّاس، وَذَلِكَ لَان الْمُطلق من الالفاظ ينْصَرف إِلَى الْمُتَعَارف وَهُوَ غَالب نقد الْبَلَد.
وَلَا يصدق فِي أقل من ذَلِك لانه يُرِيد الرُّجُوع عَمَّا اقْتَضَاهُ كَلَامه.
قَالَ فِي تحفة الْفُقَهَاء: وَلَو قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم فَهُوَ على مَا يتعارفه أهل الْبَلَد من الاوزان أَو الْعدَد، وَإِن لم يكن شَيْئا متعارفا يحمل على وزن سَبْعَة فَإِنَّهُ الْوَزْن الْمُعْتَبر فِي الشَّرْع، وَكَذَلِكَ فِي الدِّينَار يعْتَبر المثاقيل إِلَّا فِي مَوضِع مُتَعَارَف فِيهِ بِخِلَافِهِ اهـ.
شلبي.
وَفِي الْكَافِي: وَإِن كَانَ نقد الْبَلَد مُخْتَلفا فَهُوَ على الاقل من ذَلِك اهـ.
وَلَا يصدق إِن ادّعى وزنا دون ذَلِك اهـ.
بِتَصَرُّف فَقَوله إِلَّا بِحجَّة إِن أُرِيد بهَا الْبَيَان فالامر ظَاهر، وَإِن لم يكن بَيَانا فالحجة عرف الْبَلَد، فَتدبر.
ط.
قَوْله: (وَكَذَا كَذَا درهما) بِالنّصب.
قَوْله: (أحد عشر) لانه ذكر عددين مبهمين بِدُونِ حرف الْعَطف أقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد عشر وَأَكْثَره تِسْعَة عشر، والاقل يلْزمه من غير بَيَان وَالزِّيَادَة تقف على بَيَانه.
منح.
وبالخفض ثَلَاثمِائَة وَفِي كَذَا وَكَذَا درهما، وَكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَيْهِ مِنْ كُلٍّ أَحَدَ عَشَرَ، وَفِي كَذَا كَذَا دِينَارًا وَدِرْهَمًا أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيُقْسَمُ سِتَّةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ
وَخَمْسَةٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ احْتِيَاطًا، وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ أَقَلُّ مَالِيَّةً وَالْقِيَاسُ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ مِنْ كُلٍّ، لَكِنْ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ.
غَايَة الْبَيَان مُلَخصا.
أَقُول: لَكِن مُقْتَضى الِاحْتِيَاط أَن يلْزمه دِينَار وَاحِد وَعشرَة دَرَاهِم لانه أقل مَا يصدق عَلَيْهِ القَوْل الْمَذْكُور.
تَأمل.
قَوْله: (لَان نَظِيره الخ) لَو قَالَ: لَان أقل نَظِير لَهُ وَاحِد وَعِشْرُونَ لَكَانَ أولى.
قَالَ فِي الْمنح: لَان فصل بَينهمَا بِحرف الْعَطف، وَأَقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد وَعِشْرُونَ،(8/230)
وَأَكْثَره تِسْعَة وَتسْعُونَ، والاقل يلْزمه من غير بَيَان وَالزِّيَادَة تقف على بَيَانه اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ ثَلَّثَ) بِأَنْ قَالَ كَذَا كَذَا كَذَا دِرْهَمًا.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا نَظِيرَ لَهُ) وَمَا قِيلَ نَظِيرُهُ مِائَةُ أَلْفِ أَلْفٍ فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَصْبِ الدِّرْهَمِ وَتَمْيِيزُ هَذَا الْعَدَدِ مَجْرُورٌ، وَلْيُنْظَرْ هَلْ إذَا جَرَّهُ يلْزمه ذَلِك؟ وَظَاهر كَلَامهم لَا.
قَوْله: (فَحمل على التّكْرَار) أَي تكْرَار لفظ كَذَا الاخير.
قَوْله: (زيد ألف) فَيجب ألف وَمِائَة وَأحد وَعِشْرُونَ لانه أقل مَا يعبر عَنهُ بأَرْبعَة أعداد مَعَ الْوَاو.
ط عَن أبي السُّعُود.
قَوْله: (وَلَو خمس زيد عَشَرَةُ آلَافٍ) هَذَا حَكَاهُ الْعَيْنِيُّ بِلَفْظِ يَنْبَغِي لَكِنَّهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْعَشَرَةَ آلَافٍ تَتَرَكَّبُ مَعَ الْأَلْفِ بِلَا وَاوٍ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ ألفا، فتهدر الْوَاو الَّتِي تعْتَبر مهما أَمْكَنَ وَهُنَا مُمْكِنٌ فَيُقَالُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَمِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا.
نَعَمْ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ سدس الخ) مُسْتَقِيم.
سائحاني.
أَي بِأَن قَالَ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَكَذَا لَوْ سَبَّعَ زِيدَ قَبْلَهُ أَلْفٌ أَلْفٌ، وَمَا ذَكَرَهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ زِيدَ عَشَرَةُ آلَافٍ فِيهِ أَنَّهُ يُضَمُّ الالف إل الْعَشَرَةِ آلَافٍ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ، وَالْقِيَاسُ لُزُومُ مائَة ألف وَعشرَة آلَاف الخ.
اهـ.
لِأَنَّ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا أَقَلُّ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ فَلَا يَجِبُ الْأَكْثَرُ، وَيَلْزَمُ أَيْضًا اخْتِلَالُ الْمَسَائِلِ الَّتِي بَعْدَهُ كُلِّهَا فَيُقَالُ لَوْ خَمَّسَ زِيدَ مِائَةُ أَلْفٍ، وَلَوْ سَدَّسَ زِيدَ أَلْفُ أَلْفٍ، وَهَكَذَا بِخِلَافِهِ على مَا مر، فَتدبر.
قَوْله: (وَهَكَذَا يعْتَبر نَظِيره أبدا) أَي كلما زَاد مَعْطُوفًا بِالْوَاو زيد عَلَيْهِ مَا جرت بِهِ الْعَادة إِلَى مَا لَا يتناهى كَمَا فِي الْبَحْر، وَفِيه: وَالْمُعْتَبر الْوَزْن الْمُعْتَاد فِي كل زمَان أَو مَكَان، والنيف مَجْهُول يرجع إِلَيْهِ فِيهِ والبضعة للثَّلَاثَة.
اهـ.
فَلَو قَالَ عشرَة ونيف فالبيان فِي النيف إِلَيْهِ، فَإِن فسره بِأَقَلّ من دِرْهَم جَازَ، لَان النيف مُطلق الزِّيَادَة، وَلَو قَالَ بضع
وَعِشْرُونَ فَفِي الْبَدَائِع: الْبضْع فِي عرف اللُّغَة من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة فَيحمل على الاقل للتيقن.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: اليضعة النّصْف.
قَوْله: (لَان على للايجاب) قَالَ الاتقاني: أما قَوْله عَليّ فَإِنَّمَا كَانَ إِقْرَارا بِالدّينِ بسبيل الِاقْتِضَاء، وَإِن لم يذكر الدّين صَرِيحًا لَان كلمة عَليّ تسْتَعْمل فِي الايجاب، وَمحل الايجاب الذِّمَّة، وَالثَّابِت فِي الذِّمَّة الدّين لَا الْعين فَصَارَ إِقْرَاره بِالدّينِ مُقْتَضى قَوْله عَليّ، وَالثَّابِت اقْتِضَاء كَالثَّابِتِ نصا وَلَو نَص فَقَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم دين كَانَ مقرا بِالدّينِ لَا بِالْعينِ، فَكَذَلِك هُنَا اهـ.
قَوْله: (وقبلي للضَّمَان غَالِبا) قَالَ الاتقاني: لَان.
قَوْله: (قبلي) وَإِن كَانَ يسْتَعْمل فِي الايجابات والامانات يُقَال لفُلَان قبلي وَدِيعَة وقبلي أَمَانَة غلب اسْتِعْمَاله فِي الايجابات، وَالْمُطلق من الْكَلَام ينْصَرف إِلَى مَا هُوَ الْغَالِب فِي الِاسْتِعْمَال.
اهـ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: كل من تقبل بشئ مقاطعة وَكتب عَلَيْهِ بذلك كتابا فالكتاب الَّذِي يكْتب هُوَ القبالة بِالْفَتْح، وَالْعَمَل قبالة بِالْكَسْرِ لانه صناعَة اهـ.
وَفِي بعض النّسخ: وَقبل عوض وقبلي.
قَوْله: (وَصدق إِن وصل بِهِ هُوَ وَدِيعَة) أَي بِأَن يَقُول لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم وَدِيعَة فَلَا تكون على للالزام، وَكَذَا لَو قَالَ أردْت بِهِ الْوَدِيعَة مُتَّصِلا عَيْني.
قَوْله:(8/231)
(لانه يحْتَملهُ مجَازًا) وَذَلِكَ لَان لفظ عَليّ وقبلي ينشأن عَن الْوُجُوب، وَهُوَ مُتَحَقق فِي الْوَدِيعَة إِذْ حفظهَا وَاجِب، فَقَوله لَهُ عَليّ كَذَا: أَي يجب لَهُ عَليّ حفظ كَذَا، فَأطلق مَحل وجوب الْحِفْظ وَهُوَ المَال وَأَرَادَ الْحَال فِيهِ وَهُوَ وجوب حفظه، وَأما قبلي فقد تقدم أَنَّهَا تسْتَعْمل فِي الامانة ط.
قَوْله: (لتقرره بِالسُّكُوتِ) فَلَا يجوز تَغْيِيره بعد ذَلِك كَسَائِر الْمُغيرَات من الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط.
ط
قَوْله: (عِنْدِي) أَي لَهُ عِنْدِي، وَكَذَا يُقَال فِي الْجَمِيع.
قَوْله: (عملا بِالْعرْفِ) لَان الْكل إِقْرَار بِكَوْن الشئ فِي يَده وَذَا يكون أَمَانَة، لانه قد يكون مَضْمُونا وَقد يكون أَمَانَة وَهَذِه أقلهما.
وَفِي كَفَالَة الْخَيْرِيَّة عَن التاترخانية لَفْظَة عِنْدِي للوديعة، لكنه بِقَرِينَة الدّين تكون كَفَالَة.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: مُطلقَة يحْتَمل الْعرف، وَفِي الْعرف إِذا قرن بِالدّينِ يكون ضمانا، وَقد صرح بِضَمَان بِأَن عِنْد إِذا اسْتعْملت فِي الدّين يُرَاد بِهِ الْوُجُوب اهـ.
أَقُول: وَكَأَنَّهُ فِي عرفهم إِقْرَار بالامانة، أما الْعرف الْيَوْم فِي عِنْدِي وَمَعِي الدّين، لَكِنْ ذَكَرُوا
عِلَّةً أُخْرَى تُفِيدُ عَدَمَ اعْتِبَارِ عرفنَا اهـ.
قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلُّ الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ، إذْ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَالْعَيْنُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً وَأَمَانَةً وَالْأَمَانَةُ أَدْنَى فَحُمِلَ عَلَيْهَا، وَالْعرْف يشْهد لَهُ أَيْضا.
فَإِن قيل: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِيعَةُ دَيْنٍ أَوْ دَيْنُ وَدِيعَةٍ لَا تَثْبُتُ الْأَمَانَةُ مَعَ أَنَّهَا أَقَلُّهُمَا.
أُجِيبَ: بِأَنَّ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ إذَا كَانَ لِلْأَمَانَةِ وَالْآخَرُ لِلدَّيْنِ فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي الْإِقْرَارِ يَتَرَجَّحُ الدَّيْنُ اهـ.
أَي بِخِلَاف اللَّفْظ الْوَاحِد الْمُحْتَمل لمعنيين كَمَا هُنَا.
تَأمل.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر فِي كلمة عِنْدِي أَنَّهَا عِنْد الاطلاق للامانة، وَلذَا قَالَ فِي التاترخانية: إِنَّهَا بِقَرِينَة الدّين للكفالة، وَيُسْتَفَاد من هَذَا أَنَّهَا بِقَرِينَة الْغَصْب تكون لَهُ كَمَا لَو قَالَ غصبت مني كَذَا فَقَالَ عِنْدِي، فَتَأمل.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَيْضا أَنه لَو سَأَلَ القَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى فَقَالَ عِنْدِي يكون إِقْرَارا بالمدعي، وَقد نَص عَلَيْهِ السُّبْكِيّ من أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَلَا تأباه قواعدنا، فَتَأمل اهـ.
قَوْله: (فَهُوَ هبة لَا إِقْرَار) أَي لَان مَاله أَو مَا ملكه يمْتَنع أَن يكون لآخر فِي ذَلِك الْحَال فَلَا يَصح الاقرار، وَاللَّفْظ يحْتَمل الانشاء فَيحمل عَلَيْهِ وَيكون هبة.
قَوْله: (كَانَ إِقْرَار بِالشّركَةِ) قَالَ الْحَمَوِيّ: لَو قَالَ لَهُ فِي مَالِي ألف دِرْهَم أَو فِي دراهمي هَذِه فَهُوَ إِقْرَار، ثمَّ إِن كَانَ مُمَيّزا فوديعة وَإِلَّا فشركة.
اهـ.
فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول: أَو بالوديعة.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ إقْرَارًا لَا يحْتَاج إِلَى التَّسْلِيم، والاوضح أَن يَقُول: بِخِلَاف مَا لَو كَانَ إِقْرَارا كَمَا أَن الاوضح فَلَا بُد فِيهَا من التَّسْلِيم.
قَوْله: (والاصل أَنه مَتى أضَاف المقربة الخ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ فِي كَمَا يعلم مِمَّا قبله.
قَوْله: (كَانَ هبة) لَان إِضَافَته إِلَى نَفسه تُنَافِي حَمْلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ إخْبَارٌ لَا إنْشَاءٌ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً، فَيَكُونُ هِبَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ مِنَحٌ.
إذَا قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَأَوْصَيْت أَنَّ لِفُلَانِ فِي مَالِي أَلْفًا، فَالْأُولَى وَصِيَّةٌ وَالْأُخْرَى إقْرَارٌ، وَفِي الْأَصْلِ: إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ سُدُسُ دَارِي لِفُلَانٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي فَإِقْرَارٌ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ جَعَلَ لَهُ سُدُسَ دَارٍ جَمِيعهَا(8/232)
مُضَافٌ إلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّمْلِيكِ، وَفِي الثَّانِي جَعَلَ دَارَ نَفْسِهِ ظَرْفًا للسدس الَّذِي سَمَّاهُ كَانَ لفُلَان، وَإِنَّمَا يكون دَارُهُ ظَرْفًا لِذَلِكَ السُّدُسِ إذَا كَانَ السُّدُسُ مَمْلُوكًا لِفُلَانٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ
إقْرَارًا، أَمَّا لَوْ كَانَ إنْشَاءً لَا يَكُونُ ظَرْفًا، لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا لَهُ فَلَا يَكُونُ الْبَعْضُ ظَرْفًا لِلْبَعْضِ.
وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي فَهُوَ وَصِيَّةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ فِي مَالِي فَهُوَ إِقْرَار اهـ.
من النِّهَايَة.
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ هِبَةٌ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي هَذَا الْأَصْلِ خِلَافٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ، وَسَيَأْتِي فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْهِبَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ أَنَّهُ إقْرَارٌ، وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِح هُنَاكَ وأوضحه سَيِّدي الْوَالِد ثَمَّةَ، فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِدُ) أَيْ عَلَى مَنْطُوق الاصل الْمَذْكُور، فَإِن الاضافة مَوْجُودَة وَمَعَ ذَلِك جعل إِقْرَارا، لَكِن الاضافة فِي الظّرْف لَا المظروف وَهُوَ الْمقر بِهِ.
قَوْله: (مَا فِي بَيْتِي) أَي فَإِنَّهُ إِقْرَار، وَكَذَا مَا فِي مَنْزِلِي، وَيَدْخُلُ فِيهِ الدَّوَابُّ الَّتِي يبعثها فِي النَّهَار وتأوي إلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَكَذَا الْعَبِيدُ كَذَلِكَ كَمَا فِي التاترخانية.
قَوْله: (لانها إِضَافَة نِسْبَة) أَيْ فَإِنَّهُ أَضَافَ الظَّرْفَ لَا الْمَظْرُوفَ الْمُقَرَّ بِهِ كَمَا علمت: يَعْنِي أَن الاضافة هُنَا كلا إِضَافَة، لاحْتِمَال أَن الْبَيْت أَو الصندوق أَو الْكيس ملك غَيره، وَمر فِي الايمان أَن المُرَاد بِالْبَيْتِ مَا ينْسب إِلَيْهِ بِالسُّكْنَى سَوَاء كَانَ بِملك أَو إِجَارَة أَو إِعَارَة أَو غير ذَلِك، وَالْمقر بِهِ هُنَا مَا فِي الْبَيْت وَهُوَ غير مُضَاف أصلا، فَيكون قَوْله مَا فِي بَيْتِي إِقْرَارا لَا تَمْلِيكًا لعدم وجود إِضَافَة الْمقر بِهِ إِلَى ملكه، بل جعله مظروفا فِيمَا أضيف إِلَيْهِ نِسْبَة.
قَوْله: (وَلَا الارض) عطف على مَا قبله.
أَي وَلَا يرد على عكس الْقَاعِدَة قَوْله.
قَوْله: (الارض) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُضِفْهُ كَانَ إقْرَارًا، وَإِنَّمَا لَا وُرُود لَهَا على الاصل الْمُتَقَدّم إِذْ إِضَافَة فِيهَا إلَى مِلْكِهِ.
نَعَمْ نَقَلَهَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُنْتَقَى نَظِيرَتُهَا عَلَى أَنَّهَا إقْرَارٌ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: إقْرَارُ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ تَمْلِيكٌ إنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فِي الْإِقْرَار وَإِن أطلق فإقرار، كَمَا فِي سدس دَارِي وَسُدُسُ هَذِهِ الدَّارِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ ثُمَّ قَالَ: قُلْت بَعْضُ هَذِهِ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا، فَيُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ فِيهَا الْهِبَةُ بِدُونِ الْقَبْضِ، لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ قَبْضٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ.
وَلَوْ كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِير شئ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالتَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِافْتِقَارِهِ إلَى الْقَبْضِ مفرزا اهـ.
ثُمَّ قَالَ: وَهُنَا مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ: وَهِيَ مَا إِذا أقرّ لآخر إِلَى آخر مَا ذكر الشَّارِحُ مُخْتَصَرًا.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ اخْتَلَفَ النَّقْلُ فِي قَوْله الارض الَّتِي حددوها كَذَا لِطِفْلِي هَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ هِبَةٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا شئ مِمَّا يحْتَمل الْقِسْمَة، فتظهر حِينَئِذٍ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، وَكَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بِأَنْ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى مَا إذَا كَانَت مَعْلُومَة بَين النَّاس أَنَّهَا ملكه فَيكون فِيهَا الْإِضَافَةُ تَقْدِيرًا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا إقْرَارٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ.
قَوْله وَلَا الْأَرْضُ أَيْ وَلَا تَرِدُ مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ(8/233)
الَّتِي إلَخْ عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ فَإِنَّهَا هِبَةٌ: أَيْ لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لِلْإِضَافَةِ تَقْدِيرًا، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ كَمَا اقْتَضَاهُ الْأَصْلُ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ دفع الْوُرُود.
تَأمل
قَوْله: (وَإِن لم يقبضهُ) قَالَ فِي الْمنح وَمَسْأَلَةُ الِابْنِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ فِيهَا الْهِبَةُ بِدُونِ الْقَبْض، لَان كَونه فِي يَده قبض لَهُ فَلَا فرق بَين الاظهار: أَي الاقرار وَالتَّمْلِيك، بِخِلَاف الاجنبي، فَإِنَّهُ يشْتَرط فِي التَّمْلِيك الْقَبْض دون الاقرار.
اهـ.
وَإِنَّمَا يتم فِي حق الصَّغِير بِدُونِ قبض، لَان هبة الاب لطفله تتمّ بقوله: وهبت لطفلي فلَان كَذَا، وَيقوم مقَام الايجاب وَالْقَبُول وَيَكْفِي فِي قبضهَا بَقَاؤُهَا فِي يَده، لَان الاب هُوَ ولي طِفْله فَيقوم إِيجَابه مقَام إِيجَابه عَن نَفسه، وقبوله لطفله لانه هُوَ الَّذِي يقبل لَهُ وبقاؤها فِي يَده قبض لطفله، إِلَّا إِذا كَانَ مَا وهبه مشَاعا يحْتَمل الْقِسْمَة فَلَا بُد من إفرازه وَقَبضه بعد الْقِسْمَة لعدم صِحَة هبة الْمشَاع.
قَوْله: (إِلَّا أَن يكون مِمَّا يحْتَمل الْقِسْمَة) أَي وَقد ملكه بعضه.
قَوْله: (مفرزا) فِي بعض النّسخ بعد هَذَا اللَّفْظ لفظ اهـ.
وَفِي بَعْضهَا بَيَاض.
قَوْله: (للاضافة تَقْديرا) عِلّة.
قَوْله: (وَلَا الارض) أَي إِنَّمَا كَانَت تَمْلِيكًا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَإِن لم يُوجد فِيهَا إِضَافَة صَرِيحًا لَان فِيهَا إِضَافَة تقديرية كَأَنَّهُ قَالَ: أرضي الخ وَالدَّلِيل عَلَيْهَا أَن ملكه إِيَّاهَا مَعْلُوم للنَّاس.
فَالْحَاصِل: أَن الاضافة إِلَى نَفسه الَّتِي تَقْتَضِي التَّمْلِيك، إِمَّا أَن تكون صَرِيحَة أَو تقديرية تعلم بالقرائن، كَأَن كَانَ مَشْهُورا بَين النَّاس أَنَّهَا ملكه، وَبِهَذَا يظْهر الْجَواب عَن مسَائِل جعلوها تَمْلِيكًا وَلَا إِضَافَة فِيهَا، فَلَا حَاجَة إِلَى مَا ادَّعَاهُ المُصَنّف من ثُبُوت الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة حَيْثُ قَالَ بعض هَذِه الْفُرُوع
تَقْتَضِي التَّسْوِيَة: أَي فِي التَّمْلِيك بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا، فَيُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خلافًا اهـ.
فَلْيتَأَمَّل ط.
وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ من إِفَادَة التَّوْفِيق.
قَوْله: (فَهَل يكون إِقْرَارا أَو تَمْلِيكًا) أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْمُقَرَّ بِهِ أَوْ الْمَوْهُوبَ إلَى نَفْسِهِ كَانَ هِبَةً، وَإِلَّا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ فَيُعْمَلُ بِالْقَرَائِنِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا عَنْ نَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ إقْرَارٌ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَرُبَّمَا يُوَفَّقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا كَانَ ظَاهِرًا لِلْمِلْكِ فَهُوَ تَمْلِيكٌ، وَإِلَّا فَهُوَ إقْرَارٌ إِن وجدت قرينَة، وتمليك أَو وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ فَإِنَّا نَجِدُ فِي الْحَوَادِثِ مَا يَقْتَضِيهِ رَمْلِيٌّ.
وَقَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ أَقْوَالَ الْمَذْهَبِ كَثِيرَةٌ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْأَصْلِ إلَخْ وَفِي الْمِنَحِ عَنْ السَّعْدِيِّ: أَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِعَيْنِ مَالِهِ تَمْلِيكٌ إنْ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ فَانْظُرْ لِقَوْلِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ، وَلِقَوْلِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَهُوَ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا يُعْهَدُ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ مَا فِي بَيْتِي وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ جَمِيعُ مَا يعرف بِي أَو جَمِيع مَا ينْسب إِلَيّ لفُلَان، قَالَ الاسكاف إِقْرَار.
اهـ.
فَإِنَّ مَا فِي بَيْتِهِ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ يَكُونُ مَعْلُومًا لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِنَّ الْيَدَ وَالتَّصَرُّفَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إقْرَارٌ، وَأَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، وَبِهِ تَأَيَّدَ بَحْثُ السَّائِحَانِيِّ.
وَلَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ بِالْهِبَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ فِيهَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِطِفْلِهِ، وَلِذَا ذَكَرَهَا فِي الْمُنْتَقَى فِي جَانِبِ غَيْرِ الطِّفْلِ مُضَافَةً لِلْمُقِرِّ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ(8/234)
أَرْضِي هَذِهِ وَذَكَرَ حُدُودَهَا لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ الْأَرْضُ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا لِوَلَدِي فُلَانٍ وَهُوَ صَغِيرٌ كَانَ جَائِزًا وَيَكُونُ تَمْلِيكًا، فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم.
أَقُول: لَعَلَّه إِنَّمَا كَمَا كَذَلِك: أَي تَمْلِيكًا من حَيْثُ إِن الارض مَشْهُورَة إِنَّهَا ملك وَالِده، واستفادة الْملك إِنَّمَا تكون من جِهَته وَذَلِكَ بالتمليك مِنْهُ، بِخِلَاف الاقرار للاجنبي ولولده الْكَبِير حَيْثُ يُمكن أَن تكون ملكهمَا من غير جِهَة الْمقر.
تَأمل.
قَوْله: (فَقَالَ اتزنه) أَصله أَو تزنه قلبت الْوَاو تَاء وأدغمت فِي التَّاء، وَهُوَ أَمر مَعْنَاهُ: خُذ بِالْوَزْنِ الْوَاجِب لَك عَليّ.
قَوْله: (وَنَحْو ذَلِك) كأحل بهَا غرماءك أَو
من شِئْت مِنْهُم أَو أضمنها لَهُ أَو يحتال بهَا عَليّ أَو قضي فلَان عني.
حموي.
أَو خُذْهَا أَو تنَاولهَا أَو استوفها.
منح أَو سأعطيكها أَو غَدا أعطيكها أَو سَوف أعطيكها، أَو قَالَ: لَيست الْيَوْم عِنْدِي أَو أجلني فِيهَا كَذَا أَو أَخّرهَا عني أَو نفسني فِيهَا أَو تبرأتني بهَا أَو أبرأتني فِيهَا، أَو قَالَ: وَالله لَا أقضيكها أَو لَا أزنها لَك الْيَوْم أَو لَا تأخذها مني الْيَوْم، أَو قَالَ: حَتَّى يدْخل عَليّ مَالِي أَو حَتَّى يقدم عَليّ غلامي أَو لم يحل بعد، أَو قَالَ: غَدا أَو لَيست بمهيأة أَو ميسرَة الْيَوْم، أَو قَالَ: مَا أَكثر مِمَّا تتقاضى بهَا.
هندية عَن مُحِيط السَّرخسِيّ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِهَا) وَكَذَا لَا أقضيكها أَو وَالله لَا أعطيكها فإقرار.
مقدسي.
وَكَذَا غممتني بهَا، ولزمتني بهَا وأذيتني فِيهَا.
ذكره الْعَيْنِيّ.
وَفِي الْمَقْدِسِي أَيْضا قَالَ: أَعْطِنِي الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: اصبر أَو سَوف تأخذها لَا يكون إِقْرَارا، وَقَوْلُهُ أَتَزِنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إقْرَارٌ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَوْلُهُ عِنْدَ دَعْوَى الْمَالِ مَا قَبَضْتُ مِنْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَلَوْ قَالَ: بِأَيّ سَبَب دَفعه إِلَيّ قَالُوا يكون إِقْرَارا، وَفِيه نظر اهـ.
قَدَّمَهُ إلَى الْحَاكِمِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَطَالَبَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَا لَهُ عَلَيَّ الْيَوْم شئ وَهَذَا الْحَلِفُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا.
وَقَالَ الْفَقِيهُ: لَا يلْتَفت إِلَى قَول من جعله إِقْرَارا سائحاني.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: رجل قَالَ اقضني الالف الَّتِي لي عَلَيْك فَقَالَ نعم فقد أقرّ بهَا وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ فَاقْعُدْ فاتزنها فانتقدها فاقبضها.
وَفِي نوار هِشَام قَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول فِي رجل قَالَ لآخر أَعْطِنِي ألف دِرْهَم فَقَالَ اتزنها قَالَ لَا يلْزمه شئ، لانه لم يقل أَعْطِنِي ألفي كَذَا فِي الْمُحِيط اهـ.
قَوْله: (لرجوع الضَّمِير إِلَيْهَا فِي كل ذَلِك) فَكَانَ إِعَادَة فَكَأَنَّهُ قَالَ أَتَزِنُ الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ وَنَحْوه.
قَوْله: (فَكَانَ جَوَابا) لَا ردا وَلَا ابْتِدَاء فَيكون إِثْبَاتًا للاول.
قَوْله: (وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ) ويستدل عَلَيْهِ بالقرائن.
قَوْله: (أما لَو ادّعى الِاسْتِهْزَاء لم يصدق) أَفَادَ كَلَامه أَن مُجَرّد دَعْوَاهُ الِاسْتِهْزَاء لَا تعْتَبر، بل لَا بُد من الشَّهَادَة عَلَيْهِ، وَلَا تعْتَبر الْقَرِينَة كهز الرَّأْس مثلا، وَيدل لَهُ مَا سَيَأْتِي من أَنه إِذا ادّعى الْكَذِب بعد الاقرار لَا يقبل، وَيحلف الْمقر لَهُ عِنْد أبي يُوسُف.
وَفِي الفتاوي الْخَيْرِيَّة: سُئِلَ عَن دَعْوَى النسْيَان بعد الاقرار، لَا تسمع دَعْوَاهُ النسْيَان كَمَا هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة، وعَلى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ: أَنَّ دَعْوَى الْهَزْلِ فِي الْإِقْرَارِ تَصِحُّ وَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى أَن الْمقر مَا كَانَ كَاذِبًا فِي إِقْرَاره اهـ.
فَلَعَلَّ قَول الشَّارِح أما لَو ادّعى الِاسْتِهْزَاء لم يصدق جرى
على ظَاهر الرِّوَايَة.
نعم يرد عَلَيْهِ مَسْأَلَة الصُّلْح الْآتِيَة حَيْثُ قَالُوا: تسمع دَعْوَاهُ بِعَين بعد الابراء الْعَام، وَقَوله لَا حق لي عِنْده: أَي مِمَّا قَبضته فقد اكتفوا بِالْقَرِينَةِ، وَسَيَأْتِي فِي عبارَة الاشباه مَا يُفِيد اعْتِبَار(8/235)
الْقَرِينَة، لَكِن فِيهَا عَن الْقنية فِي قَاعِدَة السُّؤَال معاد فِي الْجَواب، قَالَ لآخر لي عَلَيْك ألف فادفعه إِلَيّ فَقَالَ استهزاء نعم أَحْسَنت، فَهُوَ إِقْرَار عَلَيْهِ وَيُؤْخَذ بِهِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَلَو قَالَ أَعْطِنِي الالف الَّتِي عَلَيْك فَقَالَ اصبر أَو قَالَ سَوف تأخذها لم يكن إِقْرَارا، لَان هَذَا قد يكون استهزاء واستخفافا بِهِ اهـ.
معزيا للمحيط.
وفيهَا عَن النَّوَازِل: إِذا قَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ كيسه بِدُونِ قبضي كن: أَي خيط الْكيس واقبض لَا يكون إِقْرَارا، وَكَذَا قَوْله بكير: أَي أمسك لَا يكون إِقْرَارا، لَان هَذِه الالفاظ تصلح للابتداء، وَكَذَا إِذا قَالَ كنش كيسه بِدُونِ شئ لَا يكون إِقْرَارا، لَان هَذِه الالفاظ تذكر للاستهزاء.
ثمَّ ذكر مسَائِل بِالْفَارِسِيَّةِ أَيْضا وَقَالَ: قد اخْتلف الْمَشَايِخ والاصح أَنه إِقْرَار، لَان هَذِه الالفاظ لَا تذكر على سَبِيل الِاسْتِهْزَاء وَلَا تصح للابتداء فتجعل للْبِنَاء مربوطا.
كَذَا فِي الْمُحِيط.
اهـ.
فَلْيتَأَمَّل.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَلَو اخْتَلَفْنَا فِي كَونه صدر على وَجه الِاسْتِهْزَاء أم لَا فَالْقَوْل لمنكر الِاسْتِهْزَاء بِيَمِينِهِ، وَالظَّاهِر أَنه على نفي الْعلم لَا على فعل الْغَيْر كَمَا سَيَأْتِي ذَلِك مفصلا فِي مسَائِل شَتَّى قبيل الصُّلْح إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (لعدم انْصِرَافه) الاولى فِي التَّعْلِيل أَن يُقَال: لانه يحْتَمل أَنه أَرَادَ مَا استقرضت من أحد سواك فضلا عَن استقراضي مِنْك، وَكَذَلِكَ فِيمَا بعْدهَا وَهُوَ الظَّاهِر فِي مثل هَذَا الْكَلَام، وَيحْتَمل مَا استقرضت من أحد سواك بل مِنْك فَلَا يكن إِقْرَارا مَعَ الشَّك.
قَوْلُهُ: (إلَى الْمَذْكُورِ) أَيْ انْصِرَافًا مُتَعَيِّنًا، وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَمل.
قَوْله: (والاصل أَن إلَخْ) كَالْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي بَعْدَ هَذَا كَمَا فِي الْمنح: فَإِن ذكر ضمير صلح جَوَابا لابتداء وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ جَوَابًا وَابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ.
قَوْله: (كل مَا يصلح جَوَابا) كَمَا لَو تقاضاه بِمِائَة دِرْهَم فَقَالَ أبرأتني فَإِنَّهُ يصلح جَوَابا، لَان الضَّمِير يعود إِلَى كَلَام الْمُدَّعِي، وَلَو كَانَ ابْتِدَاء بَقِي بِلَا مرجع.
قَوْله: (وَمَا يصلح للابتداء) كتصدقت عَليّ ووهبت لي وَمَا استقرضت من أحد سواك وَنَحْوه.
قَوْلُهُ: (لَا لِلْبِنَاءِ)
أَيْ عَلَى كَلَامٍ سَابِقٍ بِأَن يكون جَوَابا عَنهُ.
قَوْله: (أَو يصلح لَهما) كاتزن.
قَوْله: (لِئَلَّا يلْزمه المَال بِالشَّكِّ) تَعْلِيل لما يصلح لَهما وَذَلِكَ كَقَوْلِه مَا استقرضت من أحد الخ كَمَا تقدم.
وَالْحَاصِل: أَنه إِن ذكر الضَّمِير صلح جَوَابا للابتداء، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا أَوْ يَصْلُحُ جَوَابًا وَابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ لعدم التيقن بِكَوْن جَوَابا، وبالشك لَا يجب المَال.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ التَّفْصِيلُ بَيْنَ ذِكْرِ الضَّمِيرِ وَعَدَمِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ قَبْلُ.
قَوْلُهُ: (إِذا كَانَ الْجَواب مُسْتقِلّا) أَي بالمفهومية بِأَن يفهم معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ فيتأتى فِيهِ التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم.
قَوْله: (فَلَو غير مُسْتَقل) بِأَن لَا يَتَأَتَّى فهمه إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى مَا بني عَلَيْهِ.
قَوْله: (كَانَ إِقْرَار مُطلقًا) ذكره بضمير بِأَن يَقُول نعم هُوَ عَليّ بعد قَوْله لي عَلَيْك ألف أَو لَا كَمَا مثل، وَحِينَئِذٍ فَلَا يظْهر مَا قَالَه، لَان نعم لَا تستقل بالفهومية فَإِنَّهَا حرف جَوَاب يقدر مَعهَا جملَة السُّؤَال فَتكون إِقْرَارا، وَلذَلِك لَا يَتَأَتَّى الاطلاق لَان فِيهِ التَّفْصِيل،(8/236)
إِذْ لَا يُمكن أَن تكون ابْتِدَاء لَا بِنَاء وَلَا يصلح لَهما لانها وضعت للجواب.
فَفِي لفظ الاطلاق هُنَا تسَامح، وَفِي الْحَمَوِيّ عَن الْمَقْدِسِي: لقَائِل أَن يَقُول: نعم جَوَاب فِي الْخَبَر لَا فِي الانشاء، وَهَذِه الامور إنْشَاء مَعَ أَنه قد يَقُوله ليستعيد الْكَلَام، فَكَأَنَّهُ يَقُول مَاذَا تَقول، وَيُمكن أَن يُقَال الْكَلَام الْمَذْكُور وَإِن كَانَ إنْشَاء لكنه مُتَضَمّن للْخَبَر، فَنعم جَوَاب لَهُ اهـ.
قَوْله: (بِالْعَبدِ) أَي وَالثَّوْب.
حموي.
قَوْله: (وَالدَّابَّة) أَي والسرج كَمَا يفِيدهُ الْحَمَوِيّ.
قَوْله: (فَهُوَ إِقْرَار لَهُ بهَا) لَان بلَى تقع جَوَابا لاستفهام دَاخل على نفي فتفيد إِبْطَاله.
قَول: (وَإِن قَالَ نعم) لَان نعم تَصْدِيق للمستخبر بِنَفْي أَو إِيجَاب، فَقَوله بلَى بعد أَلَيْسَ لي عَلَيْك ألف إبِْطَال للنَّفْي، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَك عَليّ ألف فَكَانَ إِقْرَارا، بِخِلَاف نعم بعد النَّفْي كَأَنَّهُ قَالَ: نعم لَيْسَ لَك عَليّ ألف فَيكون جحُودًا
قَوْله: (وَقيل نعم) أَي نعم يكون مقرا بقوله نعم بعد.
قَوْله: (أَلَيْسَ الخ) .
قَوْله: (لَان الاقرار يحمل على الْعرف) لَان الْمُتَكَلّم يتَكَلَّم بِمَا هُوَ الْمُتَعَارف عِنْده، والعوام لَا يدركون الْفرق بَين بلَى وَنعم، وَالْعُلَمَاء لَا يلاحظون ذَلِك فِي محاوراتهم فِيمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ بَين النَّاس، وَإِنَّمَا يلاحظونه فِي مسَائِل الْعلم، وَلذَلِك كَانَ مسَائِل الاقرار وَالْوكَالَة والايمان مَبْنِيَّة على الْعرف.
قَوْله: (وَالْفرق) الاوضح تَقْدِيمه على قَوْله وَقيل: نعم وَهَذَا على القَوْل
بِالْفرقِ بَين بلَى وَنعم، وَهُوَ مَا مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف، وَأما مَا نَقله الشَّارِح عَن الْجَوْهَرَة فَلَا فرق.
قَوْله: (أَن بلَى الخ) ذكر فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ مُوجِبَ نَعَمْ تَصْدِيقُ مَا قَبْلَهَا مِنْ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ أَوْ مُثْبَتٍ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا، كَمَا إذَا قِيلَ لَك: قَامَ زَيْدٌ أَوْ أَقَامَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت نَعَمْ كَانَ تَصْدِيقًا لِمَا قَبْلَهُ وَتَحْقِيقًا لِمَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَمُوجِبُ بَلَى إيجَابُ مَا بَعْدَ النَّفْيِ اسْتِفْهَامًا كَانَ أَوْ خَبَرًا، فَإِذَا قِيلَ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقُلْت بَلَى كَانَ مَعْنَاهُ قَدْ قَامَ، إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْعُرْفُ حَتَّى يُقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَام الآخر.
ذكره فِي شرح الْمنَار لِابْنِ نجيم.
قَوْله: (من النَّاطِق) احْتَرز بِهِ عَن الاخرس، فَإِن إِشَارَته قَائِمَة مقَام عِبَارَته فِي كل شئ من بيع وَإِجَارَة وَهبة وَرهن وَنِكَاح وَطَلَاق وعتاق وإبراء وَإِقْرَار وقصاص على الْمُعْتَمد فِيهِ إِلَّا الْحُدُود، وَلَو حد قذف وَالشَّهَادَة، وتعمل إِشَارَته وَلَو قَادِرًا على الْكِتَابَة على الْمُعْتَمد، وَلَا تعْمل إِشَارَته إِلَّا إِذا كَانَت معهودة، وَأما معتقل اللِّسَان فالفتوى على أَنه إِن دَامَت العقلة إِلَى وَقت الْمَوْت يجوز إِقْرَاره بالاشارة والاشهاد عَلَيْهِ، وَقد اقْتصر فِي الاشباه وَغَيرهَا على اسْتثِْنَاء الْحُدُود.
وَزَاد فِي التَّهْذِيب: وَلَا تقبل شَهَادَته أَيْضا، وَأما يَمِينه فِي الدَّعَاوَى فقدمناه، وَظَاهر اقْتِصَار الْمَشَايِخ على اسْتثِْنَاء الْحُدُود فَقَط صِحَة إِسْلَامه بالاشارة، وَلم أره الْآن نقلا صَرِيحًا وَكِتَابَة الاخرس كإشارته.
وَاخْتلفُوا فِي أَن عدم الْقُدْرَة على الْكِتَابَة شَرط للْعَمَل بالاشارة أَو لَا، وَالْمُعْتَمد لَا.
قَالَ ابْن الْهمام: لَا يخفى أَن المُرَاد بالاشارة الَّتِي يَقع بهَا طَلَاقه الاشارة المقرونة بتصويت مِنْهُ، إِذْ الْعَادة مِنْهُ ذَلِك فَكَانَت بَيَانا لما أجمله الاخرس اهـ.
وَلَو أَشَارَ الاخرس بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ جنب يَنْبَغِي أَن يحرم أخذا من قَوْلهم يجب على الاخرس تَحْرِيك لِسَانه، فَجعلُوا التحريك قِرَاءَة، وَلَو علق رجل الطَّلَاق بِمَشِيئَة أخرس فَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ يَنْبَغِي الْوُقُوع لوُجُود الشَّرْط، وَلَو علق بِمَشِيئَة رجل نَاطِق فخرس فَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ(8/237)
يَنْبَغِي الْوُقُوع أَيْضا.
نور الْعين عَن الاشباه.
وَفِيه عَن الْهِدَايَة: أخرس قرئَ عَلَيْهِ كتاب وَصِيَّة فَقيل لَهُ نشْهد عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكتاب، فَأَوْمأ بِرَأْسِهِ.
أَي نعم أَو كتب، فَإِذا جَاءَ من ذَلِك مَا يعرف أَنه إِقْرَار فَهُوَ جَائِز، وَلَا يجوز ذَلِك فِي معتقل اللِّسَان، وَالْفرق أَن الاشارة إِنَّمَا تعْتَبر إِذا صَارَت مَعْلُومَة، وَذَلِكَ فِي الاخرس لَا فِي معتقل للسان، حَتَّى لَو امْتَدَّ الاعتقال وَصَارَت لَهُ إِشَارَة مَعْلُومَة قَالُوا هَذَا
بِمَنْزِلَة الاخرس، وَلَو كَانَ الاخرس يكْتب كتابا أَو يومي إِيمَاء يعرف بِهِ جَازَ نِكَاحه وطلاقه وَبيعه وشراؤه ويقتص مِنْهُ وَلَا يحد، وَلَا يحد لَهُ، وَالْفرق أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ.
وَأما الْقصاص فَفِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يثبت مَعَ الشُّبْهَة كالمعاوضات اهـ.
قَوْله: (بِخِلَاف إِفْتَاء) أَي لَو سَأَلَ مفتيا عَن حكم فَقَالَ: أهكذا الحكم؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَي نعم كَمَا نَقله فِي الْقنية عَن عَلَاء الدّين الزَّاهدِيّ، وَنقل عَن ظهير الدّين المرغيناني: أَنه لَا يعْتَبر، قَالَ: لَان الاشارة من النَّاطِق لَا تعْتَبر.
وَفِي مجمع الفتاوي: تعْتَبر، وَمثله فِي تَنْقِيح المحبوبي وَنور الْعين وَغَيرهمَا، لَان جَوَاب الْمُفْتى بِهِ لَيْسَ بِحكم مُتَعَلق بِاللَّفْظِ، إِنَّمَا اللَّفْظ طَرِيق معرفَة الْجَواب عِنْد المستفتي، وَإِذا حصل هُنَا الْمَقْصُود استفتى المستفتي عَن اللَّفْظ كَمَا لَو حصل الْجَواب بِالْكِتَابَةِ، بِخِلَاف الشَّهَادَة وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهُمَا يتعلقان بِاللَّفْظِ، والاشارة إِنَّمَا تقوم مقَام اللَّفْظ عِنْد الْعَجز.
وَفِي شرح الشافية: أَن جَارِيَة أُرِيد إعْتَاقهَا فِي كَفَّارَة فجِئ بهَا إِلَى رَسُول الله (ص) فَسَأَلَهَا: أَيْن الله تَعَالَى؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء، فَقَالَ: أعْتقهَا فَإِنَّهَا مسلمة كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحموية وَغَيرهَا.
قَوْله: (وَنسب) بِأَن قيل لَهُ أَهَذا ابْنك؟ فَأَشَارَ بنعم ط.
قَالَ أَبُو السُّعُود
قَوْله: (وَنسب) أَي الاشارة من سيد الامة تنزل منزلَة صَرِيح الدَّعْوَى.
قَوْله: (وَكفر) بِأَن قَالَ لَهُ قَائِل: أتعتقد هَذَا الْمُكَفّر؟ فَأَشَارَ بنعم.
قَوْله: (وَإِشَارَة محرم لصيد) فَإِذا أَشَارَ لشخص يدله على طير فَقتله يجب جَزَاء على المشير.
قَوْله: (وَالشَّيْخ بِرَأْسِهِ فِي رِوَايَة الحَدِيث) أَي لَو قيل لَهُ: أجزني بِرِوَايَة كَذَا عَنْك فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ كفى، أما لَو قَرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِت فَإِنَّهُ يرويهِ عَنهُ، وَلَا يحْتَاج إِلَى إِشَارَة، وَمَسْأَلَة الشَّيْخ مُلْحقَة بِمَسْأَلَة الافتاء.
قَوْله: (وَالطَّلَاق) أَي وَإِشَارَة عدد الطَّلَاق المتلفظ بِهِ.
قَوْله: (هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث) فالاشارة مبينَة لهَذَا الْمُبْهم، فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَأَشَارَ بِثَلَاث لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة.
أشباه.
قَالَ فِيهَا: وَلم أر الْآن حكم أَنْت هَكَذَا مُشِيرا بِأُصْبُعِهِ وَلم يقل طَالِق اهـ.
وَالظَّاهِر عدم الْوُقُوع لانه لَيْسَ من صَرِيح الطَّلَاق وَلَا كنايته لانه لَيْسَ لفظ يحْتَملهُ وَغَيره ط.
أَقُول: الْمَفْهُوم من عبارَة الشَّارِح المنقولة عَن الاشباه فِي قَوْله: وَالطَّلَاق فِي أَنْت طَالِق أَي وَبِخِلَاف الطَّلَاق الْكَائِن فِي أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث، فَإِن الاشارة بِالرَّأْسِ فِيهِ كالنطق.
لَكِن
تقدم فِي كتاب الطَّلَاق أَنه لَو قَالَ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث يَقع ثَلَاث وَلَو لم يشر بِالرَّأْسِ، فَالظَّاهِر أَنه فِي هَذِه الصُّورَة لَا فَائِدَة فِي إِشَارَة الرَّأْس.
وَقَالَ فِي الاشباه: وَيُزَاد أخذا من مَسْأَلَة الافتاء بِالرَّأْسِ وَإِشَارَة الشَّيْخ فِي رِوَايَة الحَدِيث.
وأمان الْكَافِر أخذا من النّسَب لانه محتاط فِيهِ لحقن الدَّم، وَلذَا يثبت بِكِتَاب الامام كَمَا تقدم، أَو أخذا من الْكتاب وَالطَّلَاق إِذا كَانَ تَفْسِيرا لمبهم كَمَا لَو قَالَ: أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاث وَقعت، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ: أَنْت وَأَشَارَ بِثَلَاث لم يَقع أَلا وَاحِدَة كَمَا علم فِي(8/238)
الطَّلَاق اهـ.
من أَحْكَام الاشارة.
نعم لَو قيل: مُخَالفَة هَذِه الْمَسْأَلَة لما قبلهَا فِي كَونهَا تعْتَبر فِيهَا الاشارة مُطلقًا كَانَ الْكَلَام منتظما كَمَا قَالَ أَبُو الطّيب.
أَقُول: وَعبارَة الْمنح فِي كتاب الطَّلَاق هَكَذَا: وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَأَشَارَ بأصابعه وَلم يقل هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَة لفقد التَّشْبِيه، لَان الْهَاء للتّنْبِيه وَالْكَاف للتشبيه اهـ.
وَفِي الْبَحْر عَن الْمُحِيط: لَو قَالَت لزَوجهَا: طَلقنِي فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِثَلَاث أَصَابِع وَأَرَادَ بِهِ ثَلَاث تَطْلِيقَات لَا يَقع مَا لم يقل هَكَذَا، لانه لَو وَقع وَقع بالضمير وَالطَّلَاق لَا يَقع بالضمير اهـ.
وَأَنت خَبِير بِأَن اعْتِرَاض الْمحشِي لَيْسَ فِي مَحَله، لانه إِذا أَتَى بقوله هَكَذَا اعْتبرت الاشارة، فَإِذا قيل لَهُ: أطلقت أمرأتك هَكَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِثَلَاث أَصَابِع فَأَوْمأ بِرَأْسِهِ: أَي نعم فَإِنَّهُ يَقع الثَّلَاث كَمَا هُوَ ظَاهر.
تَأمل.
قَوْله: (إِشَارَة الاشباه) أَي كَذَا فِي أَحْكَام الاشارة من الاشباه فِي الْفَنّ الثَّالِث.
قَوْله: (وَيُزَاد الْيَمين الخ) ظَاهره أَن جَمِيع الايمان يَحْنَث فِيهَا بالاشارة لَان الْمَذْكُور أَمْثِلَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ إِذا حلف ليضربن فَأَشَارَ بِالضَّرْبِ لَا يبرأ، أَو حلف لَا يضْرب فَأَشَارَ بِالضَّرْبِ لَا يَحْنَث إِذا كَانَ مثله مِمَّن يباشره.
وَالَّذِي فِي الْمنح عَن إِيمَان الْبَزَّازِيَّة: إِذا حلف لَا يظْهر سر فلَان أَو لَا يفشى أَو لَا يعلم فلَانا بسر فلَان أَو حلف ليكتمن سره أَو ليخفينه أَو ليسترنه أَو حلف لَا يدل على فلَان فَأخْبر بِهِ بِالْكِتَابَةِ أَو برسالة أَو كَلَام أَو سَأَلَهُ أحد أَكَانَ سر فلَان كَذَا أَو أَكَانَ فلَان بمَكَان كَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: أَي نعم حنث فِي جَمِيع هَذِه الْوُجُوه، وَكَذَا إِذا حلف لَا يستخدم فلَانا فَأَشَارَ إِلَيْهِ بشئ من الْخدمَة حنث فِي يَمِينه
خدمه فلَان أَو لَا يَخْدمه اهـ ط.
أَقُول: وَإِنَّمَا حنث للْعُرْف إِذْ الايمان مبناها عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْعرف يكون بذلك مظْهرا سره ومفشيه ومعلما بِهِ كَمَا هُوَ مُقَرر فِي مَحَله، وَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي خُرُوجهَا عَن الضَّابِط الْمَذْكُور، فَافْهَم.
قَوْله: (وَأَشَارَ حنث) قَالَ فِي الاشباه: حلفه السراق أَن لَا يخبر بِأَسْمَائِهِمْ، فَالْحِيلَةُ أَن يعد عَلَيْهِ الاسماء فَمن لَيْسَ بسارق يَقُول لَا وَالسَّارِق يسكت عَن اسْمه فَيعلم الْوَالِي السَّارِق وَلَا يَحْنَث الْحَالِف اهـ.
وَفِي مَسْأَلَتنَا: الْحِيلَة أَن يُقَال لَهُ: أَنا تذكر أمكنة وَأَشْيَاء من السِّرّ فَمَا لَيْسَ بمَكَان فلَان وَلَا سره فَقل: لَا، فَإِذا تكلمنا بسره أَو مَكَانَهُ فاسكت أَنْت، فَفعله وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على سره ومكانه لَا يَحْنَث.
قَوْله: (إِلَّا فِي تسع) وَيدخل تَحت الْيَمين مِنْهَا ثَلَاث صور.
يَنْبَغِي أَن يُزَاد على التسع تَعْدِيلُ الشَّاهِدِ مِنْ الْعَالِمِ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّهَا تَكْفِي كَمَا قدمْنَاهُ فِي الشَّهَادَات.
فَقَالَ: اعْلَم أَن من الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة أَنه لَا ينْسب إِلَى سَاكِت قَول كَمَا فِي مسَائِل: مِنْهَا: رأى أَجْنَبِيّا يَبِيع مَاله وَلم يَنْهَهُ لَا يكون وَكيلا لسكون الْمَالِك.
وَمِنْهَا: لَو رَأَى الْقَاضِي الصَّبِيَّ أَوْ الْمَعْتُوهَ أَوْ عَبْدَهُمَا يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت لَا يكون إِذْنا فِي التِّجَارَة.
وَمِنْهَا: لَو رأى الْمُرْتَهن راهنه يَبِيع الرَّهْن فَسكت لَا يبطل الرَّهْن وَلَا يكون مَأْذُونا بِالْبيعِ وَزَاد فِي الاشباه.
قَوْله: (فِي رِوَايَة) .(8/239)
وَمِنْهَا: لَوْ رَأَى غَيْرَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ فَسَكَتَ لَا يكون إِذْنا بإتلافه.
وَمِنْهَا: لَو رأى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَا يكون إِذْنا.
وَمِنْهَا: لَو سكت على وطئ أمته لم يسْقط الْمهْر، وَكَذَا عَن قطع عضوه آخِذا من سُكُوته عِنْد إِتْلَاف مَاله.
وَمِنْهَا: لَو رأى قنه أَو أمته يتَزَوَّج فَسكت وَلم يَنْهَهُ لَا يصير لَهُ آذنا فِي النِّكَاح.
وَمِنْهَا: لَو زوجت غير كُفْء فَسكت الْوَلِيّ عَن مُطَالبَة التَّفْرِيق لَيْسَ بِرِضا وَإِن طَال ذَلِك، لَان
فِي الْمَوَانِع كَثْرَة: إِي مَا لم تَلد مِنْهُ.
وَمِنْهَا: سكُوت امْرَأَة الْعنين لَيْسَ بِرِضا وَإِن أَقَامَت مَعَه سِنِين.
وَمِنْهَا: الاعارة لَا تثبت بسكوت.
وَمِنْهَا: حلف لَا يسلم شُفْعَة فَلم يُسَلِّمهَا وَلَكِن سكت عَن خُصُومَة فِيهَا حَتَّى بطلت شفعته لَا يَحْنَث.
وَمِنْهَا: حلف لَا يُؤَخر عَن فلَان حَقًا لَهُ عَلَيْهِ شهرا فَلم يُؤَخِّرهُ شهرا وَسكت عَن تقاضيه حَتَّى مضى الشَّهْر لَا يَحْنَث.
وَمِنْهَا: لَو وهبت شَيْئا والموهوب لَهُ سَاكِت لَا يَصح مَا لم يقل قبلت، بِخِلَاف الصَّدَقَة كَمَا يَأْتِي.
وَمِنْهَا: لَو أجر قنه أَو عرضه للْبيع أَو ساومه أَو زوجه فَسكت الْقِنّ لَا يكون إِقْرَارا برقه، بِخِلَاف مَا لَو بَاعه أَو رَهنه أَو دَفعه بِجِنَايَة فَسكت كَمَا سَيَأْتِي أَيْضا.
وَمِنْهَا: أحد شَرِيكي عنان قَالَ لصَاحبه: إِنِّي اشْتريت هَذِه الامة لنَفْسي خَاصَّة فَسكت صَاحبه فشراها لَا تكون لَهُ مَا لم يقل صَاحبه نعم.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ مُوَافقا للخلاصة وَغَيرهَا.
وَزيد فِي مختارات النَّوَازِل: فَإِذا قَالَ نعم فَهِيَ لَهُ بِغَيْر شئ عِنْد أبي حنيفَة، إِذْ الاذن يتَضَمَّن هبة نصِيبه مِنْهُ، إِذْ الوطئ لَا يحل إِلَّا بِالْملكِ بِخِلَاف طَعَام وَكِسْوَة.
يَقُول الحقير: وَفِي الاشباه: فَسكت صَاحبه لَا تكون لَهما، وَذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِيمَا يكون السُّكُوت فِيهِ كالنطق، كل ذَلِك سَهْو وَاضح لمُخَالفَته لما مر آنِفا من الْمُعْتَبرَات، وَاحْتِمَال كَون الْمَسْأَلَة خلافية فِيهَا رِوَايَتَانِ بعيد، إِذْ لَو كَانَت كَذَلِك لتعرض لَهُ أحد من أَصْحَاب الْمُعْتَبرَات الْمَنْقُول عَنْهَا.
ثمَّ اعْلَم أَنه خرج عَن الْقَاعِدَة السَّابِقَة مسَائِل كَثِيرَة صَار السُّكُوت فِيهَا كالنطق: أَي يكون رضَا.
فَمِنْهَا: سكُوت الْبكر عِنْد استئمار وَليهَا عَنْهَا قبل التَّزْوِيج وَبعده هَذَا لَو زَوجهَا الْوَلِيّ، فَلَو زوج الْجد مَعَ قيام الاب لَا يكون سكُوتهَا رضَا.
وَمِنْهَا سكُوتهَا عِنْد قبض مهرهَا الْمهْر أَبوهَا أَو من زَوجهَا فَسَكَتَتْ يكون إِذْنا بِقَبْضِهِ، إِلَّا أَن تَقول لَا تقبضه فَحِينَئِذٍ لم يجز الْقَبْض عَلَيْهَا وَلَا يبرأ الزَّوْج.
وَمِنْهَا: سكُوت الصبية إِذا بلغت بكرا يكون رضَا وَيبْطل خِيَار بُلُوغهَا لَا لَو بلغت ثَيِّبًا.
وَمِنْهَا: بكر حَلَفت أَن لَا تزوج نَفسهَا فَزَوجهَا أَبوهَا فَسَكَتَتْ حنثت فِي يَمِينهَا كرضاها بِكَلَام، وَلَو حَلَفت بكر أَن لَا تَأذن فِي تَزْوِيجهَا فَزَوجهَا أَبوهَا فَسَكَتَتْ لَا تَحنث إِذْ لم تَأذن وَلزِمَ النِّكَاح بِالسُّكُوتِ.(8/240)
وَمِنْهَا: تصدق على إِنْسَان فَسكت الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ يثبت وَلَا يحْتَاج إِلَى قبُوله قولا، بِخِلَاف الْهِبَة وَمِنْهَا: قبض هبة وَصدقَة بِحَضْرَة الْمَالِك وَهُوَ سَاكِت كَانَ إِذْنا بِقَبْضِهِ.
وَمِنْهَا: لَو أَبْرَأ مديونه فَسكت الْمَدْيُون يبرأ وَلَو رد يرْتَد برده.
وَمِنْهَا: الاقرار يَصح وَلَو سكت الْمقر لَهُ ويرتد برده.
وَمِنْهَا: لَو وَكله بشئ فَسكت الْوَكِيل وباشره صَحَّ ويرتد برده فَلَو وَكله بِبيع قنه فَلم يقبل وَلم يرد فَبَاعَهُ جَازَ وَيكون قبولا.
وَمِنْهَا: لَو أوصى إِلَى رجل فَسَكَتَ فِي حَيَاتِهِ فَلَمَّا مَاتَ بَاعَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ أَوْ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَهُوَ قَبُولٌ للوصاية.
وَمِنْهَا: الامر بِالْيَدِ إِذا سكت الْمُفَوض إِلَيْهِ صَحَّ يرْتَد برده.
وَمِنْهَا: الْوَقْف على رجل معِين صَحَّ وَلَو سكت الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَو رده، قيل يبطل، وَقيل لَا.
وَمِنْهَا: تواضعا على تلجئة ثمَّ قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: قَدْ بَدَا لِي أَنْ أَجْعَلَهُ بَيْعًا صَحِيحًا، فَسكت الآخر ثمَّ تبَايعا صَحَّ البيع وَلَيْسَ للساكت إِبْطَاله بعد مَا سمع قَول صَاحبه.
وَمِنْهَا: سُكُوتُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ حِينَ قُسِمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغَانِمين رضَا، كَمَا لَو أسر قن لمُسلم فَوَقع فِي الْغَنِيمَة وَقسم ومولاه الاول حَاضر فَسكت بَطل حَقه فِي دَعْوَى قنه.
وَمِنْهَا: لَو كَانَ المُشْتَرِي مُخَيّرا فِي قن شراه فَرَأى الْقِنّ يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت بَطل خِيَاره، وَلَو كَانَ الْخِيَار للْبَائِع لَا يبطل خِيَاره.
وَمِنْهَا: للْبَائِع حبس الْمَبِيع لثمنه، فَلَو قَبضه المُشْتَرِي وَرَآهُ البَائِع وَسكت كَانَ إِذْنا فِي قَبضه، الصَّحِيح وَالْفَاسِد فِيهِ سَوَاء فِي رِوَايَة، وَهُوَ رضَا بِقَبض فِي الْفَاسِد لَا فِي الصَّحِيح فِي رِوَايَة.
وَمِنْهَا: علم الشَّفِيع بِالْبيعِ وَسكت يبطل شفعته.
وَمِنْهَا: رأى غير القَاضِي قنه يَبِيع وَيَشْتَرِي وَسكت كَانَ مَأْذُونا فِي التِّجَارَة لَا فِي بيع ذَلِك الْعين.
وَمِنْهَا: لَو حلف الْمولى لَا يَأْذَن لقنه فَرَآهُ يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت يَحْنَث فِي ظَاهر الرِّوَايَة، لَا فِي رِوَايَة عَن أبي يُوسُف.
وَمِنْهَا: بَاعَ قن شَيْئا بِحَضْرَة مَوْلَاهُ ثمَّ ادَّعَاهُ الْمولى أَنه لَهُ فَلَو كَانَ مَأْذُونا يَصح دَعْوَى الْمولي وَلَو مَحْجُورا صَحَّ.
قَالَ الاستروشني: فَإِن قيل ألم يصر مَأْذُونا بسكوت مَوْلَاهُ؟ قُلْنَا نعم، وَلَكِن أثر الاذن يظْهر فِي الْمُسْتَقْبل.
وَمِنْهَا: بَاعَ قِنَا والق حَاضر علم بِهِ وَسكت، وَفِي بعض الرِّوَايَات فانقاد للْبيع وَالتَّسْلِيم ثمَّ قَالَ أَنا حر لَا يقبل قَوْله.
كَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ مُوَافقا لما فِي فتاوي قاضيخان.
وَفِي فَوَائِد العتابي: وَلَو سكت الْقِنّ وَهُوَ يعقل فَهُوَ إِقْرَار برقه، وَكَذَا لَو رَهنه أَو دَفعه بِجِنَايَة والقن سَاكِت، بِخِلَاف مَا لَو آجره أَو عرضه للْبيع أَو ساومه أَو زوجه فسكوته هُنَا لَيْسَ بِإِقْرَار برقه.
يَقُول الحقير: قَوْله وَفِي بعض الرِّوَايَات الخ ظَاهره يشْعر بِضعْف اشْتِرَاط الانقياد أَو تَسَاوِي(8/241)
الِاحْتِمَالَيْنِ، لَكِن الاظهر أَن الانقياد شَرط لما ذكر فِي مَحل آخر من فتاوي قاضيخان: رجل شرى أمة وَقَبضهَا فَبَاعَهَا من آخر وَالثَّانِي من ثَالِث فادعت حريتها فَردهَا الثَّالِث على الثَّانِي فقبلها ثمَّ أَرَادَ ردهَا على الاول فَلم يقبل لَهُ ذَلِك لَو ادَّعَت عتقا، إِذْ الْعتْق لَا يثبت بقولِهَا، وَلَو ادَّعَت حريَّة الاصل: فَلَو كَانَت حِين بِيعَتْ وسلمت انقادت لبيع وَتَسْلِيم فَكَذَلِك إِذْ الانقياد إِقْرَار بِالرّقِّ، وَإِن لم تنقد فَلَيْسَ للاول أَن لَا يقبل اهـ.
وَمِنْهَا: حلف لَا ينزل فلَانا دَاره وَفُلَان نَازل فِيهَا فَسكت الْحَالِف حنث، لَا لَو قَالَ لَهُ: اخْرُج
فَأبى أَن يخرج فَسكت.
وَمِنْهَا: ولدت ولدا فهنأ النَّاس زَوجهَا فَسكت الزَّوْج لزمَه الْوَلَد وَلَيْسَ لَهُ نَفْيه كإقراره.
وَمِنْهَا: أم ولد ولدت فَسكت مَوْلَاهَا حَتَّى مضى يَوْمَانِ لهَذَا الْوَلَد لَا يملك نَفْيه بعده.
وَمِنْهَا: السّكُون قبل البيع عِنْد الاخبار بِالْعَيْبِ رضَا بِهِ، حَتَّى لَو قَالَ رجل: هَذَا الشئ معيب فَسَمعهُ وأقدم مَعَ ذَلِك على شِرَائِهِ فَهُوَ رضَا لَو الْمخبر عدلا لَا لَو فَاسِقًا عِنْد أبي حنيفَة، وَعِنْدَهُمَا هُوَ رضَا وَلَو فَاسِقًا.
وَمِنْهَا: سكُوت بكر عِنْد إخبارها بتزويج الْوَلِيّ على خلاف مَا مر آنِفا.
وَمِنْهَا: بَاعَ عقارا وَامْرَأَته أَو وَلَده أَو بعض أَقَاربه حَاضر فَسكت ثمَّ ادَّعَاهُ على المُشْتَرِي من كَانَ حَاضرا عِنْد البيع أفتى مَشَايِخ سَمَرْقَنْد أَنه لَا يسمع، وَجعل سُكُوته فِي هَذِه الْحَالة كإقرار دلَالَة قطعا للاطماع الْفَاسِدَة، وَأفْتى مَشَايِخ بُخَارى أَنه يَنْبَغِي أَن يسمع فَينْظر الْمُفْتِي فِي ذَلِك، فَلَو رأى أَنه لَا يسمع لاشتهار الْمُدَّعِي بحيلة وتلبيس وَأفْتى بِهِ كَانَ حسنا سدا لباب التزوير.
وَمِنْهَا: الْحَاضِر عِنْد البيع لَو بعث البَائِع إِلَى المُشْتَرِي وتقاضاه الثّمن لَا يسمع دَعْوَاهُ الْملك لنَفسِهِ بعده لانه يصير مجيزا للْبيع بتقاضيه.
وَمِنْهَا: رَآهُ يَبِيعُ عَرَضًا أَوْ دَارًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ المُشْتَرِي زَمَانا وَهُوَ سَاكِت سقط دَعْوَاهُ.
يَقُول الحقير: وَفِي الْفَتَاوَى الْوَلوالجِيَّة: رجل تصرف أَيْضا زَمَانا وَرَجُلٌ آخَرُ رَأَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ، وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَا يسمع بعد ذَلِك دَعْوَى وَلَده فَيتْرك على يَد الْمُتَصَرف، لَان الْحَال شَاهد.
وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْوَكِيل بشرَاء شئ بِعَيْنِه لمُوكلِه إِنِّي أُرِيد شِرَاءَهُ لنَفْسي فَسكت مُوكله ثمَّ شراه يكون للْوَكِيل.
يَقُول الحقير: وَجه الْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين مَا مر نَحْو ورقة من مَسْأَلَة شَرِيكي الْعَنَان، وَهُوَ مَا ذكره صَاحب الْخُلَاصَة بعد ذكر هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ بقوله: وَالْفرق أَن الْوَكِيل يملك عزل نَفسه إِذا علم الْمُوكل رَضِي أَو سخط، بِخِلَاف أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذْ لَا يملك فسخ الشّركَة إِلَّا بِرِضا صَاحبه.
وَمِنْهَا: لي صبي عَاقل رأى الصَّبِي يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت يكون إِذْنا.
وَمِنْهَا: سكُوت رجل رأى غَيره شقّ زقه حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ يكون رضَا.
وَمِنْهَا: سكُوت الْحَالِف بِأَن لَا يستخدم فلَانا: أَي مَمْلُوكه ثمَّ خدمه فلَان بِلَا أمره وَلم يَنْهَهُ حنث.(8/242)
وَمِنْهَا: امْرَأَة دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِبِنْتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ أَمْتِعَةِ الاب والاب سَاكِت فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَاد.
وَمِنْهَا: أنفقت الام فِي تجهيز بنتهَا مَا هُوَ مُعْتَاد فَسكت الاب لَا تضمن الام.
وَمِنْهَا: بَاعَ أمه وَعَلَيْهَا حلي وقرطان وَلم يشْتَرط ذَلِك لَكِن تسلم المُشْتَرِي الامة وَذهب بهَا وبالبائع سَاكِت كَانَ سُكُوته بِمَنْزِلَة التَّسْلِيم فَكَانَ الْحلِيّ لَهَا.
وَمِنْهَا: الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَهُوَ سَاكِت تنزل منزلَة نطقه فِي الاصح.
وَمِنْهَا: مَا ذكر فِي قَضَاء الْخُلَاصَة: ادّعى على الآخر مَالا فَسكت وَلم يجب أصلا: يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل ثمَّ يسْأَل جِيرَانه عَسى بِهِ آفَة فِي لِسَانه أَو سَمعه، فَلَو أخبروا أَنه لَا آفَة بِهِ يحضر مجْلِس الحكم، فَإِن سكت وَلم يجب ينزل منزلَة الْمُنكر عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف: يحبس حَتَّى يُجيب، فَإِن فهم أَنه أخرس يُجيب بالاشارة انْتهى.
وَمِنْهَا: سكُوت الْمُزَكي عِنْد سُؤَاله عَن حَال الشَّاهِد تَعْدِيل.
وَمِنْهَا: سُكُوتُ الرَّاهِنِ عِنْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ.
يَقُول الحقير: فَصَارَت الْمسَائِل الَّتِي يكون السُّكُوت فِيهَا رضَا أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة: ثَلَاثُونَ مِنْهَا ذكرت فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ، وَعشرَة مِنْهَا زِيَادَة صَاحب الاشباه والنظائر نقلهَا عَن الْكتب الْمُعْتَبرَة انْتهى.
الْكل من نور الْعين.
وَقد ذكرنَا بعض هَذِه فِيمَا قدمنَا محررا فَرَاجعه إِن شِئْت، وَتَقَدَّمت فِي كَلَام الشَّارِح قبيل الدَّعْوَى آخر الْوَقْف وَزَاد على مَا هُنَا مسَائِل كَثِيرَة، وَكتب عَلَيْهَا سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَزَاد عَلَيْهَا، فَرَاجعهَا ثمَّة.
قَوْله: (لزمَه الدّين حَالا) قَالَ فِي الدُّرَر: لانه أقرّ بِحَق على نَفسه وَادّعى لنَفسِهِ حَقًا فِيهِ فَيصدق فِي الاقرار بِلَا حجَّة دون الدَّعْوَى اهـ.
قَالَ فِي الْوَاقِعَات: هَذَا إِذا لم يصل الاجل
بِكَلَامِهِ، أما إِذا وصل صدق اهـ.
قَوْله: (لانه دَعْوَى بِلَا حجَّة) قَالَ الْحَمَوِيّ: لانه أقرّ بِحَق على نَفسه وَادّعى حَقًا على الْمقر لَهُ فَإِقْرَاره حجَّة عَلَيْهِ وَلَا تقبل دَعْوَاهُ بِلَا حجَّة اهـ.
قَوْله: (لثُبُوته بِالشّرطِ) الاوضح أَن يَقُول: يثبت بِالشّرطِ وَيكون بَيَانا.
ل
قَوْله: (عَارض) وَعبارَة الْحَمَوِيّ: والاجل عَارض وَلَا يثبت بِنَفس العقد بل بِالشّرطِ وَالْقَوْل للْمُنكر فِي الْعَارِض.
اهـ.
قَوْله: (وَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي النَّوْعِ وَلِلْمُنْكِرِ فِي الْعَوَارِضِ) أَي فَكَانَت من قبيل الاقرار بالنوع لَا بالعارض، لَان حَقِيقَة النَّوْع أَن يكون الشئ من أَصله مَوْصُوفا بِتِلْكَ الصّفة، وَكَذَلِكَ الدّين الْمُؤَجل الْمَكْفُول بِهِ فَإِنَّهُ مُؤَجل بِلَا شَرط، بل من حِين كفله كَانَ مُؤَجّلا فَإِذا أقرّ بِهِ لم يكن مقرا بِالْحَال، كَمَا أَن الدَّرَاهِم السود من أَصْلهَا سود، وَلَيْسَ السوَاد عارضا بِالشّرطِ فَكَانَ إِقْرَارا بالنوع، بِخِلَاف الدّين فَإِن الاصل فِيهِ الْحُلُول، وَلَا يصير مُؤَجّلا إِلَّا بِالشّرطِ، فَكَانَ الاقرار بِالدّينِ الْمُؤَجل إِقْرَارا بِالدّينِ، وادعاء لحُصُول الْعَارِض وَالْمقر لَهُ يُنكر الْعَارِض وَالْقَوْل للْمُنكر، وَمثله إِجَارَة العَبْد كَمَا أَفَادَهُ بعض الافاضل.(8/243)
وَالْحَاصِل: أَن الاجل عَارض لَا يثبت بِنَفس العقد بل بِالشّرطِ وَالْقَوْل للْمُنكر فِي الْعَارِض.
قَوْله: (لثُبُوته فِي كَفَالَة الْمُؤَجل بِلَا شَرْطٍ) فَالْأَجَلُ فِيهَا نَوْعٌ فَكَانَتْ الْكَفَالَةُ الْمُؤَجَّلَةُ أَحَدَ نَوْعَيْ الْكَفَالَةِ فَيُصَدَّقُ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ لَا يُجْعَلُ إقْرَارًا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ، لَان حَقِيقَة النَّوْع أَن يكون للشئ من أَصله مَوْصُوفا بِتِلْكَ الصّفة، وَكَذَلِكَ الدّين الْمُؤَجل الْمَكْفُول بِهِ فَإِنَّهُ مُؤَجل بِلَا شَرط، بل من حِين كفله كَانَ مُؤَجّلا، فَإِذا أقرّ بِهِ لم يكن مقرا بِالْحَال كَمَا أَن الدَّرَاهِم السود من أَصْلهَا سود كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا وَقد مرت الْمَسْأَلَة فِي كتاب الْكَفَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَك مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَى شهر فراجع.
قَوْله: (وشراؤه أمة متنقبة) فَإِذا لم تكن متنقبة فَأولى بالحكم الْمَذْكُور.
قَوْله: (كَثوب فِي جراب) أَي كَشِرَاء ثوب فِي جراب.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: عَلَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالضَّابِطُ أَنَّ الشئ إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ كَالْجَارِيَةِ الْقَائِمَةِ الْمُتَنَقِّبَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهَا فَيُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ كَثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ، أَوْ جَارِيَةٍ قَاعِدَةٍ عَلَى رَأسهَا غطاء لَا يرى مِنْهَا شئ يقبل، وَلِهَذَا اخْتلفت أقاويل الْعلمَاء فِي ذَلِك اهـ.
وَبِه ظهر أَنَّ الثَّوْبَ فِي الْجِرَابِ كَهُوَ فِي الْمِنْدِيلِ، وَيدل عَلَيْهِ مَا فِي
الْفَوَاكِه البدرية لِابْنِ الْغَرْس حَيْثُ عد مَسْأَلَة الثَّوْب فِي الجراب، مِمَّا يغْتَفر فِيهِ التناقد فَقَالَ: وَإِذا اشْترى ثوبا مطويا فِي جراب أَو منديل فَلَمَّا نشره قَالَ هَذَا متاعي نسْمع دَعْوَاهُ، فالدعوى مسموعة مَعَ التناقد فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل: أَي الَّتِي مِنْهَا هَذِه على الرَّاجِح الْمُفْتى بِهِ، وَمن الْمَشَايِخ من اعْتَبرهُ التَّنَاقُض مُطلقًا فَمنع سَماع الدَّعْوَى إِذا تقدم مَا يناقضها، وَقدمنَا ذَلِك فِي الدَّعْوَى، فَرَاجعه.
قَوْله: (وَكَذَا الاستيام والاستيداع) أَي طلب إيداعه عِنْده، وَمثله يُقَال فِي الاستيهاب والاستئجار.
قَالَ فِي تنوير البصائر: وَمِمَّا يجب حفظه هُنَا أَن المساومة بِالْملكِ للْبَائِع أَو بِعَدَمِ كَونه ملكا لَهُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، وَلَيْسَ كَالْإِقْرَارِ صَرِيحًا بِأَنَّهُ ملك البَائِع، والتفاوت إِنَّمَا يظْهر فِيمَا إِذا وصل الْعين إِلَى يَده، وَيُؤمر بِالرَّدِّ إلَى الْبَائِعِ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ الصَّرِيحِ، وَلَا يُؤْمَرُ فِي فَصْلِ الْمُسَاوَمَةِ.
وَبَيَانُهُ: اشْتَرَى مَتَاعًا مِنْ إنْسَانٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ إنَّ أَبَا الْمُشْتَرِي اسْتَحَقَّهُ بِالْبُرْهَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَوَرِثَهُ الِابْنُ الْمُشْتَرِي لَا يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ إلَى الْبَائِعِ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمَتَاعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، هَذَا بِالْإِرْثِ.
وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ أَبُوهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الاب وَورثه الابْن المُشْتَرِي هَذَا لَا يرجع إِلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ بِحكم الشِّرَاء الاول لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يُوجِبُ فسخ البيع قبل الرُّجُوع بِالثّمن.
اهـ.
كَذَا فِي جَامع البزازي.
قَوْلُهُ: (وَالْإِعَارَةُ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِعَارَةُ كَمَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الْعَاشِر: أَي لَو قبل إِعَارَة الثَّوْب وَالْجَارِيَة الْمَذْكُورين كَانَ قبُوله إِقْرَارا بِالْملكِ، فَإِن الْقبُول هُوَ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ والاعارة فعل ذِي الْيَد فَكيف تكون إِقْرَارا بِالْملكِ؟ وَالَّذِي سهل ذَلِك وُقُوعهَا بَين الاستيداع والاستيهاب.
وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِعَارَة هِيَ الَّتِي تكون إِقْرَارا بِالْملكِ للْغَيْر، أما الاعارة فَهِيَ فعل الْمُعير.
تَأمل
قَوْله: (والاستيهاب والاستئجار) قَالَ فِي الاشباه الِاسْتِئْجَار إِقْرَار بِعَدَمِ الْملك لَهُ على أحد الْقَوْلَيْنِ.
وَفِي الْحَمَوِيّ: إِن مِمَّا يغْتَفر التَّنَاقُض اسْتِئْجَار دَار ثمَّ ادِّعَاء ملكهَا لانه مَوضِع خَفَاء.
وَقيل يجب تَقْيِيده بِمَا إِذا لم يكن ملكه فِيهِ ظَاهرا، فَإِنَّهُم صَرَّحُوا بِأَن الرَّاهِن أَو البَائِع وَفَاء إِذا اسْتَأْجر الرَّهْن أَو الْمَبِيع لَا(8/244)
يَصح، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي عدم كَون الِاسْتِئْجَار إِقْرَارا بِعَدَمِ الْملك لَهُ اهـ.
وَمثله فِي الْحَوَاشِي الرملية.
قَالَ الْعَلامَة الْحَمَوِيّ: قيل عَلَيْهِ الِاسْتِئْجَار إِقْرَار بِعَدَمِ الْملك لَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه إِقْرَارا لذِي الْيَد بِالْملكِ فقد اشْتبهَ على صَاحب الاشباه الاول بِالثَّانِي فَأجرى الْخلاف بالاول كَمَا فِي الثَّانِي، وَهُوَ سَهْو عَظِيم، ورد بِأَن الضَّمِير فِي لَهُ رَاجع للمؤخر، والقرينة عَلَيْهِ قَوْله: على أحد الْقَوْلَيْنِ اهـ.
وَهُوَ بيعد جدا.
وَقد صحّح الْعِمَادِيّ كلا الْقَوْلَيْنِ فِي فصوله فِي الْفَصْل السَّادِس.
وَفِي الاشباه: إِلَّا إِذا اسْتَأْجر الْمولى عَبده من نَفسه لم يكن إِقْرَارا بحريَّته كَمَا فِي الْقنية.
قَوْله: (وَلَو من وَكيل) أَي وَكيل وَاضع الْيَد والاستنكاح فِي الامة يمْنَع دَعْوَى الْملك فِيهَا ودعواه فِي الْحرَّة يمْنَع دَعْوَى نِكَاحهَا.
كَذَا فِي الدُّرَر.
قَوْله: (فَيمْنَع دَعْوَاهُ لنَفسِهِ وَلغيره الخ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِذِي الْيَدِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الصُّغْرَى.
قَالَ فِي عدَّة الفتاوي: الِاسْتِعَارَة والاستيداع والاستيهاب من الْمُدعى عَلَيْهِ أَو من غَيره، وَكَذَا الشِّرَاء والمساومة وَمَا أشبهه من الاجارة وَغَيرهَا تمنع صَاحبهَا من دَعْوَى الْملك لنَفسِهِ وَلغيره.
قَالَ صَاحب جَامع الْفُصُولَيْنِ أَقُول: كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ ظَاهر، وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا.
قَالَ: وَالظَّاهِر عِنْدِي أَن مُجَرّد ذَلِك لَيْسَ بِإِقْرَار لذِي الْيَد، إِذْ قد بِفعل مَعَ وَكيل الْمَالِك فَلَا يكون إِقْرَارا بِالْملكِ لذِي الْيَد، فَلَا بُد أَن يُمَيّز بالقرائن فَيجْعَل إِقْرَارا فِي مَوضِع دون مَوضِع بِحَسب الْقَرَائِن، فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تصح دَعْوَاهُ لغيره فِي بعض الْمَوَاضِع لَا فِي بَعْضهَا، فَإِن برهن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ على وَكيل الْخُصُومَة أَنه سبقت مِنْهُ مساومة أَو اسْتِعَارَة أَو نَحْوهمَا عزل من الْوكَالَة، لانه لَو فعله عِنْد القَاضِي عَزله وَالْمُوكل على حَقه لَو شَرط أَن إِقْرَاره عَلَيْهِ لَا يجوز.
قَالَ صَاحب نور الْعين: قَوْله لَو شَرط الخ مُسْتَدْرك، إِذْ لَو صدر ذَلِك من الْوَكِيل فِي غير مجْلِس القَاضِي لَا يعْتَبر، فَلَا حَاجَة إِلَى الشَّرْط الْمَذْكُور، هَذَا إِذا كَانَ قَوْله وَالْمُوكل على حَقه مَعْطُوفًا على قَوْله عزل من الْوكَالَة، أما إِذا كَانَ مَعْطُوفًا على قَوْله فعله عِنْد القَاضِي عَزله فَلَا اسْتِدْرَاك حِينَئِذٍ، لَكِن مَسْأَلَة الاولى نَاقِصَة، حَيْثُ لم يتَعَرَّض فِيهَا إِلَى كَون الْمُوكل على حَقه أَو لَا فِي صُورَة مساومة
وَكيله فِي غير مجْلِس القَاضِي، وَهَذَا قُصُور وإبهام فِي مقَام بَيَان وإعلام كَمَا لَا يخفى على ذَوي الاعلام.
اهـ.
وَفِيه الاستيام هَل هُوَ إِقْرَار؟ وَفِيه رِوَايَتَانِ، على رِوَايَة الزِّيَادَات: يكون إِقْرَارا بِكَوْنِهِ ملك البَائِع.
وَفِي رِوَايَة: لَا يكون إِقْرَارا والاول أصح.
وعَلى الرِّوَايَتَيْنِ لَا تسمع دَعْوَاهُ بعد الاستيام، والاستيام من غير البَائِع كالاستيام من البَائِع والاستيداع والاستعارة والاستيهاب والاستئجار وَإِقْرَار بِأَنَّهُ لذِي الْيَد سَوَاء ادَّعَاهُ لنَفسِهِ أَو لغيره.
وَلَو أُقِيمَت الْبَيِّنَة على أَن الْوَكِيل ساومه فِي مجْلِس الْقَضَاء خرج من الْخُصُومَة هُوَ وموكله أَيْضا، وَلَو كَانَت المساومة فِي غير مجْلِس الْقَضَاء خرج هُوَ من الْخُصُومَة دون مُوكله.
اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ صَحَّحَ رِوَايَةَ إفَادَتِهِ الْمِلْكَ، فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لِلرِّوَايَتَيْنِ، وَيُبْتَنَى عَلَى عَدَمِ إفَادَتِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَازُ دَعْوَى الْمُقِرِّ بِهَا لِغَيْرِهِ اهـ.
وَنَقَلَ السَّائِحَانِيُّ عَنْ الْأَنْقِرْوِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ.(8/245)
قلت: فيفتى بِهِ لترجحه بِكَوْن ظَاهر الرِّوَايَة وَإِن اخْتلف التَّصْحِيح كَمَا تقدم.
أَقُول: وَمثل مَا تقدم من الِاسْتِعَارَة والاستيداع وَأَخَوَاتهَا الاقتسام.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ رامزا لفتاوى رشيد الدّين: قسم تَرِكَة بَين وَرَثَة أَو قبل تَوْلِيَة لوقف أَو وصاية فِي تَرِكَة بعد الْعلم، وَالْيَقِين بِأَن هَذَا تَرِكَة أَو وقف ثمَّ ادَّعَاهُ لنَفسِهِ لَا تسمع اهـ.
وَتَمَامه فِيهِ.
قَوْله: (فَيمْنَع دَعْوَاهُ لنَفسِهِ) هَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ، وَأما كَونه إِقْرَارا بِالْملكِ لذِي الْيَد فَفِيهِ رِوَايَتَانِ مصححتان كَمَا علمت.
قَوْله: (وَلغيره) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الْحَاصِل من جملَة مَا مر: أَن الْمُدَّعِي لَو صدر عَنهُ مَا يدل على أَن الْمُدَّعِي ملك الْمُدعى عَلَيْهِ تبطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ، وَلغيره للتناقض، وَلَو صدر عَنهُ مَا يدل على عدم ملكه وَلَا يدل على عدم ملك الْمُدعى عَلَيْهِ بَطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ لَا لغيره لانه إِقْرَار بِعَدَمِ ملكه لَا بِملك الْمُدعى عَلَيْهِ.
وَلَو صدر عَنهُ مَا يحْتَمل الاقرار وَعَدَمه فالترجيح بالقرائن.
وَإِلَّا فَلَا يكون إِقْرَارا للشَّكّ.
اهـ.
قَوْله: (بوكالة أَو وصاية) يَعْنِي إِذا أقرّ الرجل بِمَال أَنه لفُلَان، ثمَّ ادَّعَاهُ لنَفسِهِ لم يَصح، وَكَذَا إِذا ادَّعَاهُ بوكالة أَو وصاية لوَرَثَة موصيه لَان فِيهِ تناقضا، لَان المَال الْوَاحِد لَا يكون لشخصين فِي حَالَة وَاحِدَة كَمَا فِي الدُّرَر.
قَوْله: (للتناقض) مَحَله مَا إِذا كَانَ لَا يخفى سَببه كَمَا تقدم.
قَوْله: (بِخِلَاف إبرائه) أَي لَو أَبرَأَهُ
من جَمِيع الدَّعَاوَى ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ وكَالَة للْغَيْر أَو ليتيم هُوَ وَصِيّه صَحَّ لعدم التَّنَاقُض، لانه إِنَّمَا أَبرَأَهُ عَن حق نَفسه لَا عَن حق غَيره.
قَوْله: (بهما) أَي بِالْوكَالَةِ والوصاية.
قَوْله: (لعدم التَّنَاقُض) لَان إِبْرَاء الرجل عَن جَمِيع الدَّعَاوَى الْمُتَعَلّقَة بِمَالِه لَا يَقْتَضِي عدم صِحَة دَعْوَى مَال لغيره على ذَلِك الرجل.
دُرَر.
قَوْلُهُ: (ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَذْكُورِ مَتْنًا مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذَا إلَخْ سِوَى الاعادة وَإِلَى الْمَذْكُورِ شَرْحًا، فَجَمِيعُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِيهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَامِعِ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي الْمَتْنِ فَقَطْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِكَوْنِهِ إقْرَارًا مُنْلَا خُسْرو.
وَفِي النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ لعبد الْبر ذكر خلافًا.
ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَنَّ الِاسْتِيَامَ وَالِاسْتِئْجَارَ وَالِاسْتِعَارَةَ وَنَحْوَهَا إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُسَاوَمِ مِنْهُ وَالْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ، وَرِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
وَحَكَى فِيهَا اتِّفَاقَ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُسَاوِمِ وَنَحْوِهِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْخلاف يبتنى صِحَّةُ دَعْوَاهُ مِلْكًا لِمَا سَاوَمَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَو لغيره اهـ.
وَإِنَّمَا جَزَمْنَا هُنَا بِكَوْنِهِ إقْرَارًا أَخْذًا بِرِوَايَةِ الْجَامِع الصَّغِير، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنْ أَبْدَى عُذْرًا يُفْتَى بِمَا فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِيَامَ وَنَحْوَهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح.
وَفِي السِّرَاجِيَّة أَنه الاصح.
وَقدمنَا عَن الانقروي أَنه قَالَ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الزِّيَادَاتِ وَأَنَّهُ ظَاهر الرِّوَايَة اهـ.
أَقُول: لَكِن فِي الاستيام لنَفسِهِ على كل من الرِّوَايَتَيْنِ يكون إِقْرَارا بِأَنَّهُ لَا ملك لَهُ فِيهِ فَكيف يَدعِيهِ لنَفسِهِ؟ نعم لَهُ أَن يَدعِيهِ لغيره لعدم التَّنَاقُض بِنَاء على رِوَايَة الزِّيَادَات، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا نذكرهُ قَرِيبا فِي المقولة الْآتِيَة فِي التَّتِمَّة حَتَّى لَو برهن يكون دفعا.
تَأمل.
قَوْله: (وَصَححهُ فِي الْجَامِع) أَي صحّح مَا مر من أَن الاستيام والاستعارة والاستئجار وَنَحْوهَا إِقْرَار بِالْملكِ للمساوم مِنْهُ والمستعار مِنْهُ، وَالْمُسْتَأْجر مِنْهُ، وَالْمرَاد بالجامع جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ.(8/246)
تَتِمَّة: الاستشراء مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ إقْرَارًا بِأَنَّهُ لَا ملك للْمُدَّعِي كالاستشراء مِنْ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ يَكُونُ دَفْعًا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الصُّغْرَى: أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيدَاعُ وَكَذَا الاستيهاب وَنَحْوه كالاستشراء.
قَوْله: (خلافًا لتصحيح الْوَهْبَانِيَّة) أَي فِي مَسْأَلَة الاستيام، لَان الْمَبِيع يحْتَمل أَن يكون فِي يَد البَائِع عَارِية أَو غصبا أَو يكون وَكيلا أَو فضوليا، فَلم يقتض ثُبُوت الْملك للْبَائِع، كَذَا ذكره ابْن وهبان، وَهَذَا مَا فِي الزِّيَادَات.
قَوْله: (ووفق شارحها الشُّرُنْبُلَالِيّ) أَي بَين مَا فِي الْجَامِع والزيادات.
قَوْله: (بِأَنَّهُ إِن قَالَ بِعني هَذَا) أَي مثلا أَو هبني أَو أجرني وَنَحْوه.
قَوْله: (كَانَ إِقْرَارا) أَي اعترافا لَهُ بِالْملكِ لانه جازم بِأَنَّهُ ملكه، وَقد طلب شِرَاءَهُ مِنْهُ أَو هِبته أَو إِجَارَته.
قَوْله: (وَإِن قَالَ أتبيع هَذَا) أَو هَل أَنْت بَائِع هَذَا لَا يكون إِقْرَارا بل استفهاما، لانه يحْتَمل أَن يقْصد بذلك استظهار حَاله، هَل يَدعِي الملكية وَجَوَاز البيع لَهُ أَو لَا؟ أَو يكون مُرَاده طلب إشْهَادٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِإِرَادَةِ بَيْعِ مِلْكِ الْقَائِلِ؟ فَيلْزمهُ بِهِ بعد ذَلِك: أَي بِإِقْرَارِهِ الضمني بِنَاء على رِوَايَة الْجَامِع، ونفتي بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة بِرِوَايَة الزِّيَادَات، لَكِن قد يُقَال: إِن مَا ذكره لَا يصلح أَن يكون تَوْفِيقًا بَين الْقَوْلَيْنِ بل هُوَ تَفْصِيل فِي كَون الْمَذْكُورَات قد يكون بَعْضهَا إِقْرَارا بِعَدَمِ ملك الْمقر، وَقد يكون ملك الْمقر، فَتَأمل.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا قَالَ بِعني إِيَّاه إِنَّمَا يَصح ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مَمْلُوكا للمخاطب، فَإِن الانسان لَا يطْلب من غَيره أَن يَبِيعهُ مَال نَفسه، فَيكون ذَلِك اعترافا مِنْهُ لَهُ بِالْملكِ فَلَا يَدعِيهِ بعد ذَلِك لنَفسِهِ، وَلَا لغيره.
وَإِن قَالَ أتبيع فَلَعَلَّهُ يُرِيد أَن يَبِيعهُ لَو وكَالَة عَنهُ أَو فضولا فَلَا يكون إِقْرَارا لَهُ بِالْملكِ.
قَوْله: (صك البيع) أَي وَثِيقَة الْمُبَايعَة.
قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي مَا ذكر من كِتَابَة الِاسْم والختم.
قَوْله: (لَيْسَ بِإِقْرَار بِعَدَمِ ملكه) أَي فَمَا هُنَا أولى أَو مسَاوٍ: أَي فَلهُ أَن يَدعِيهِ بعد ذَلِك لنَفسِهِ وَلغيره: أَي فَقَوله أتبيع هَذَا أولى بِأَن لَا يكون إِقْرَارا بِعَدَمِ ملكه، وَصُورَة مَسْأَلَة كِتَابَته وختمه على صك البيع: هِيَ أَنه لَو كتب شَهَادَته وَختم عَلَيْهَا على صك فِيهِ بَاعَ فلَان لَا يكون اعترافا مِنْهُ بِالْبيعِ، فَإِن الانسان قد يَبِيع مَال غَيره فضولا، بِخِلَاف مَا لَو كَانَ الصَّك مَكْتُوبًا فِيهِ بيعا صَحِيحا أَو نَافِذا، فَإِن كِتَابَة الشَّهَادَة عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تكون اعترفا لَهُ بِالْملكِ، فَلَا يَصح بعد ذَلِك أَن يَدعِيهِ لنَفسِهِ، وَكَذَلِكَ هُنَا إِذا قَالَ بعنيه إِنَّمَا يَصح ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ مَمْلُوكا للمخاطب، فَإِن الانسان لَا يطْلب من غَيره أَن يَبِيعهُ مَال نَفسه إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ، وَيجب تَقْيِيده أَيْضا بِغَيْر أحد الزَّوْجَيْنِ وَالرحم الْمحرم وَبِمَا إِذا لم يُصَرح فِي صك البيع.
مهمة: فِي الْبَزَّازِيَّة عَن الزِّيَادَات: ساوم ثوبا ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ لَهُ قبل المساومة أَو كَانَ لابيه يَوْم مَاتَ قبل ذَلِك وَتَركه مِيرَاثا لَا يسمع.
أما لَو قَالَ كَانَ لابي وَكَذَلِكَ بِالْبيعِ فساومته وَلم يتَّفق البيع يسمع، وَلَو ادَّعَاهُ أَبوهُ يسمع أَيْضا، وَكَذَا لَو قَالَ قضى لابي وَمَات قبل الْقَبْض وَتَركه مِيرَاثا لي يسمع أَيْضا وَإِن لم يقْض للاب حَتَّى مَاتَ وَتَركه مِيرَاثا لَا يقْضى، لَان دوَام الْخُصُومَة شَرط وَلَا يُمكن، لانه لَا يصلح خصما بعد المساومة.
وعَلى هَذَا لَو الادعى رجل شِرَاء ثوب وشهدا لَهُ بِالشِّرَاءِ من الْمُدعى عَلَيْهِ وَقضى أَولا ثمَّ زعم أحد الشَّاهِدين أَن الثَّوْب لَهُ أَو لابيه وَورثه هُوَ عَنهُ لَا يسمع دَعْوَاهُ لما قُلْنَا.
وَلَو قَالَ عِنْد الشَّهَادَة هَذَا الثَّوْب بَاعه مِنْهُ هَذَا لكنه لي أَو لابي ورثته عَنهُ يقْضى بِالْبيعِ وَيسمع دَعْوَى الشَّاهِد، فَإِذا برهن على مدعاه قضى لَهُ لِانْعِدَامِ التَّنَاقُض، وَلَو قَالَ قولا وَلم يؤديا الشَّهَادَة ثمَّ ادَّعَاهُ(8/247)
لنَفسِهِ أَو أَنه لابيه وَكله بِالطَّلَبِ يقبل، وَكَذَا إِذا شهد بِهِ الِاسْتِئْجَار أَو الاستيداع أَو الاستيهاب أَو الِاسْتِعَارَة من الْمُدَّعِي بَطل دَعْوَاهُ لنَفسِهِ أَو لغيره وَسَوَاء طلب تَحْقِيق هَذِه الْعُقُود الْمُدَّعِي من الْمُدعى عَلَيْهِ أَو غَيره، لَو ساوم ثمَّ ادَّعَاهُ مَعَ الآخر يقبل فِي نصيب الآخر، وَلَا يقبل فِي نصيب المساوم، ومساومة الابْن لَا تمنع دَعْوَى الاب، لَكِن بعد موت الاب لَا يملك الدَّعْوَى، وَإِن كَانَ الاب ادَّعَاهُ وَقضى لَهُ بِهِ أَخذه الابْن، وَقبل الْقَضَاء لَا لما مر آنِفا وَلَو برهن.
وَفِي الاقضية: ساوم ولد جَارِيَة أَو زرع أَرض أَو ثَمَرَة نخل ثمَّ برهن على أَن الاصل ملكه تقبل، وَإِن ادّعى الْفَرْع مَعَ الاصل يقبل فِي حق الاصل لَا الْفَرْع، فعلى هَذَا لَوْ ادَّعَى شَجَرًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَاوِمْنِي ثمره أَو اشْترى مني لَا يكون دفعا لجَوَاز أَن يكون الشّجر لَهُ وَالثَّمَر لغيره.
وَفِي الخزانة: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَقَالَ اشْتَرَيْته من فلَان وأجزت البيع لَا يكون دفعا، لَان الانسان قد يُجِيز بيع الْغَيْر ملك الْغَيْر.
وَفِي الْمُحِيط: برهن على أَن هَذَا الْكَرم لَهُ فبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه كَانَ آجر مِنْهُ نَفسه فِي عمل هَذَا الْكَرم ينْدَفع.
وَفِي الْمُنْتَقى: اسْتَأْجر ثوبا ثمَّ برهن أَنه لِابْنِهِ الصَّغِير تقبل.
قَالَ القَاضِي هَذِه على الرِّوَايَة الَّتِي
جعل الِاسْتِئْجَار وَنَحْوه إِقْرَارا بِعَدَمِ الْملك لَهُ، فَعدم كَونه ملكا يمْنَع كَونه ملكا لغيره، فَجَاز أَن يَنُوب عَن الْغَيْر.
فَأَما على الرِّوَايَة الَّتِي تكون إِقْرَارا بِأَنَّهُ ملك للمطلوب لَا تسمع الدَّعْوَى لغيره كَمَا لَا تسمع لنَفسِهِ اهـ.
قَوْله: (مائَة وَدِرْهَم) وَكَذَا لَو قَالَ مائَة ودرهمان أَو مائَة وَثَلَاثَة دَرَاهِم كَمَا فِي الْخَانِية: وَعَلِيهِ التَّعْلِيل الْآتِي، وَأَرَادَ بدرهم مَال مُقَدّر فَشَمَلَ الدِّينَار وَسَائِر الموزونات والمكيل.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا ذكر بعد عقد من الاعداد شئ من المقدرات أَو عدد مُضَاف نَحْو مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب أَو أَفْرَاس يكون بَيَانا، وَإِلَّا فَلَا يكون بَيَانا كَمَا فِي المنبع.
قَوْله: (كلهَا دَرَاهِم) أَي فَيلْزمهُ مائَة دِرْهَم وَدِرْهَم فِي قَوْله لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم.
قَالَ فِي الْمُخْتَار: وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم فَالْكل دَرَاهِم وَكَذَا كل مَا يُكَال ويوزن.
وَاعْلَم أَن صَاحب الدُّرَر ذكر مُمَيّز الْمِائَة بِصِيغَة الْجمع، وَلَفظه إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة وَدِرْهَم لزمَه مائَة دَرَاهِم وَدِرْهَم، وَتعقبه عزمي بِأَن الصَّوَاب مائَة دِرْهَم بالافراد، وَاسْتدلَّ بِمَا فِي الْمُقدمَة الحاجبية حَيْثُ قَالَ: ومميز مائَة وَألف مخفوض مُفْرد اهـ.
وَاعْتَرضهُ أَيْضا عبد الْحَلِيم بِأَن الالف فِي دَرَاهِم من طغيان الْقَلَم، لَان مُمَيّز مائَة مُفْرد لَا غير، وَأجَاب شيخ الْمولى أَبُو السُّعُود بِأَن دَعْوَى التصويب سَاقِطَة، وَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب فِي الْمُقدمَة هُوَ الْكثير، وَمَا وَقع لصَاحب الدُّرَر حَيْثُ أضَاف الْمِائَة إِلَى الْجمع قَلِيل، وَلَيْسَ بخطأ، وَمِنْه قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: * ((18) وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين) * (الْكَهْف: 52) بِإِضَافَة مائَة إِلَى سِنِين.
وَالْحَاصِل أَن الْعدَد الْمُضَاف على قسمَيْنِ: أحدهم مَا لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى جمع وَهُوَ ثَلَاثَة إِلَى عشرَة.
وَالثَّانِي: مَا لَا يُضَاف كثيرا إِلَّا إِلَى مُفْرد وَهُوَ مائَة وَألف وتثنيتهما نَحْو مِائَتَا دِرْهَم وَألف دِرْهَم الخ.
قَوْله: (وَكَذَا الْمكيل وَالْمَوْزُون) كمائة وقفيز حِنْطَة أَوْ رِطْلٌ كَذَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ نِصْفُ دِرْهَم ودينار وثوب فَعَلَيهِ نصف كل مِنْهَا، وَكَذَا نِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ، لِأَنَّ الْكَلَام كُله وَقع على شئ(8/248)
بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَيَنْصَرِفُ النِّصْفُ إلَى الْكُلِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ معِين كَنِصْف هَذَا الدِّينَار وَدِرْهَم يجب عَلَيْهِ نصف الدِّينَار وَالدِّرْهَم كُله.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ.
وَأَصله: أَن الْكَلَام إِذا كَانَ كُله على شئ بِعَيْنِه أَو كَانَ كُله على شئ بِغَيْر عينه فَهُوَ كُله على الانصاف، وَإِن كَانَ أَحدهمَا بِعَيْنِه وَالْآخر بِغَيْر عينه فالنصف على الاول مِنْهُمَا.
شرنبلالية.
لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد أَن عزا وجوب كل الدِّرْهَم للتبيين: فِيهِ أَن هَذَا على تَقْدِير خفض الدِّرْهَم مُشكل، وَأما فِي الرّفْع والسكون فَمُسلم اهـ.
وَأَقُول: لَا إِشْكَال على لُغَة الْجَوَاز، على أَن الْغَالِب على الطّلبَة عدم اعْتِبَار الاعراب: أَيْ فَضْلًا عَنْ الْعَوَّامِ، وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ الِاسْتِفْسَارُ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَعَلَّهُ قَصَدَ الْجَرَّ.
تَأمل.
قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاس أَن يلْزمه الْمَعْطُوف وَيرجع فِي بَيَان الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِلَيْهِ، وبالقياس أَخذ الامام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (وَفِي مائَة ثوب) نَحْو مائَة وشَاة وَمِائَة وَعبد.
قَوْله: (لانها مُبْهمَة) قَالَ فِي التَّبْيِين: وَجه الِاسْتِحْسَان أَن عطف الْمَوْزُون والمكيل على عدد مُبْهَم يكون بَيَانا للمبهم عَادَة، لَان النَّاس استثقلوا تكْرَار التَّفْسِير وَهُوَ الدِّرْهَم عِنْد كَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَذَلِكَ فِيمَا يجْرِي فِيهِ التَّعَامُل وَهُوَ مَا يثبت فِي الذِّمَّة وَهُوَ الْمكيل وَالْمَوْزُون، لانها تثبت دينا فِي الذِّمَّة سلما وقرضا وَثمنا، واكتفوا بِذكرِهِ مرّة لِكَثْرَة أَسبَابه ودورانه فِي الْكَلَام، بِخِلَاف الثِّيَاب وَغَيرهَا مِمَّا لَيْسَ من المقدرات: أَي مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزن، لانها لَا يكثر التَّعَامُل بهَا لعدم ثُبُوتهَا فِي الذِّمَّة جَمِيع الْمُعَامَلَات وَالثيَاب، وَإِن ثبتَتْ فِي الذِّمَّة فِي السّلم وَالنِّكَاح إِلَّا أَنَّهُمَا لَا يكثرن كَثْرَة الْقَرْض وَالثمن، فَلم يستثقلوا ذكرهَا لعدم دورانها فِي الْكَلَام والاكتفاء بِالثَّانِي للكثرة وَلم تُوجد فَبَقيَ على الْقيَاس، بِخِلَاف قَوْله مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب حَيْثُ يكون الاثواب تَفْسِيرا للمائة أَيْضا، وَيَسْتَوِي فِيهِ المقدرات وَغَيرهَا، لانه ذكر عددين مبهمين وأعقبهما تَفْسِيرا فَيَنْصَرِف إِلَيْهِمَا فَيكون بَيَانا لَهما، وَهَذَا بالاجماع لَان عَادَتهم جرت بذلك، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ أحد وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَة وَخَمْسُونَ درهما فَيَنْصَرِف التَّفْسِير إِلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجة إِلَيْهِ اهـ.
قَالَ أَبُو السُّعُود: والمتقارب الَّذِي لَا تخْتَلف آحاده بِالْكبرِ والصغر كالمكيل وَالْمَوْزُون.
قَوْله: (وَفِي مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب) أَو دَرَاهِم أَو شِيَاه.
قَوْلُهُ: (كُلُّهَا ثِيَابٌ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وأردفها بالتفسير فصرف إِلَيْهِمَا لعدم العاطف، وَهَذَا بالاجماع.
قَوْله: (خلافًا للشَّافِعِيّ) ظَاهر كَلَامه أَن مُخَالفَته فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَط، وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ الْعَيْنِيّ: وَعند الشَّافِعِي وَمَالك تَفْسِير الْمِائَة إِلَيْهِ فِي الْكل، وَعند أَحْمد:
الْمُبْهم من جنس الْمُفَسّر فِي الْفَصْلَيْنِ اهـ.
وَنَحْوه فِي الدُّرَر.
قَوْله: (لم تذكر بِحَرْفِ الْعَطْفِ) بِأَنْ يَقُولَ مِائَةٌ وَأَثْوَابٌ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي مائَة وثوب.
قَوْله: (فَانْصَرف التَّفْسِير) أَي بالاثواب.
قَوْله: (إِلَيْهِمَا) يَعْنِي أَنَّهَا تكون تَفْسِيرا لَهما لِاسْتِوَاء الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ فِي الْحَاجة إِلَى التَّفْسِير.
قَوْله: (تلْزمهُ الدَّابَّة فَقَط) لَان غصب الْعقار لَا يتَحَقَّق عِنْدهمَا، وعَلى قِيَاس قَول مُحَمَّد يضمنهما.
قَوْله: (وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصْلُحُ ظَرْفًا إنْ أَمْكَنَ نَقله) كتمر فِي قوصرة لزماه، وَمثله طَعَام فِي جوالق أَو فِي سفينة.
قَوْله:(8/249)
(لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْغَصْبِ إخْبَارٌ عَنْ نَقْلِهِ، وَنَقْلُ الْمَظْرُوفِ حَالَ كَوْنِهِ مَظْرُوفًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِنَقْلِ الظَّرْفِ فَصَارَ إقْرَارًا بِغَصْبِهِمَا ضَرُورَةً، وَيرجع فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ.
هَكَذَا قَرَّرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَظَاهِرُهُ قَصْرُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ صَحَّ، وَيُقْضَى بِقِيمَةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّد: القَوْل لَهُ فِي الْقيمَة اهـ.
وَفِي الْبَحْر والاشباه: لَا يلْزمه شئ اهـ.
وَلَعَلَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا قَاصِرٌ عَلَى الْغَصْبِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقيمَة أَو لم يلْزمه شئ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: إِن أضَاف مَا أقربه إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْهُ تَمْرًا فِي قوصرة لزمَه التَّمْر والقوصرة وَإِلَّا يضفه إِلَى فعل، بل ذكره ابْتِدَاء وَقَالَ لَهُ عَلَى تَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ القوصرة، لَان الاقرار قَول وَالْقَوْل يُمَيّز الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُ لَهُ زعفرانا فِي سلة.
اهـ.
وَللَّه تَعَالَى الْحَمد، وَمثله فِي حَاشِيَة أبي السُّعُود على منلا مِسْكين، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ: قِيمَتُهُ.
تَأَمَّلْ اهـ.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
أَقُول: وَلَعَلَّ عَلَيْهِ التَّمْر لَا قِيمَته لانه مثلي.
تَأمل.
قَوْله (وَإِلَّا لزم المظروف فَقَط) وَهَذَا عِنْدَهُمَا، لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ ينْقل لم يصدق لانه أقرّ بِغَصب تَامّ لانه مُطلق فَيحمل على الْكَمَال.
قَوْله: (خلافًا لمُحَمد) بِنَاء على غصب الْغَائِب الْعقار فعندهما غير مُتَصَوّر، فَيكون الاقرار بالمظروف فَقَط، وَعِنْده مُتَصَوّر فَيكون إِقْرَارا بالظرف والمظروف.
قَوْله: (وَإِن لم يصلح) أَي مَا جعل ظرفا صُورَة وَهُوَ قَوْله فِي دِرْهَم، وَالدِّرْهَم لَا يصلح أَن يكون
ظرفا للدرهم فَيكون قَوْله فِي دِرْهَم لَغوا وَيلْزمهُ دِرْهَم فَقَط.
قَوْلُهُ: (فِي خَيْمَةٍ) فِيهِ أَنَّ الْخَيْمَةَ لَا تسمى ظرفا حَقِيقَة، وَالْمُعْتَبر كَونه ظرفا حَقِيقَة كَمَا فِي الْمنح.
قَوْله: (فَليُحرر) هُوَ ظَاهر الحكم أخذا من الاصل، وَيدل عَلَيْهِ مَا يَأْتِي متْنا وَهُوَ قَوْله ثوب فِي منديل أَو ثوب، بل هُنَا أَوْلَى.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ قَالَ غصبتك كَذَا فِي كَذَا وَالثَّانِي مِمَّا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ لَزِمَاهُ، وَفِيهَا: وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ فَقَطْ وَإِنْ صَلُحَ الْقَفِيزُ ظَرْفًا، بَيَانُهُ مَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهُ: أَنَّهُ أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ فِي الذِّمَّةِ وَمَا فِيهَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِي شئ آخر اهـ.
وَنَحْوه فِي الاسبيجابي.
وَاسْتظْهر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أَنَّ هَذَا فِي الْإِقْرَارِ ابْتِدَاءً، أَمَّا فِي الْغَصْبِ فَيَلْزَمُهُ الظَّرْفُ أَيْضًا كَمَا فِي غَصَبْتُهُ دِرْهَمًا فِي كِيسٍ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَيُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ دِرْهَمٌ فِي ثوب.
تَأمل.
قَوْله: (وبخاتم) بِأَن يَقُول هَذَا الْخَاتم لَك.
قَوْله: (تلْزمهُ حلقته) الْحلقَة بِسُكُون اللَّام فِي حَلقَة الْبَاب وَغَيره، وَالْجمع حلق بِفتْحَتَيْنِ على غير قِيَاس.
وَقَالَ الاصمعي بِكَسْر الاولى كقصعة وقصع وبدرة وَبدر، وَحكى يُونُس عَن ابْن الْعَلَاء أَن الْفَتْح لُغَة فِي السّكُون ط.
قَوْله: (وفصه) هُوَ مَا يركب فِي الْخَاتم من غَيره.
وَفِي الْقَامُوس: الفص للخاتم مُثَلّثَة، وَالْكَسْر غير لحن.
قَوْله: (جَمِيعًا) لَان اسْم الْخَاتم يشملهما، وَلِهَذَا يدْخل الفص فِي بيع الْخَاتم من غير تَسْمِيَة.
ط عَن الشلبي.
قَوْله: (جفْنه)(8/250)
بِفَتْح الْجِيم غمده وقرابه.
قَوْله: (وحمائله) جمع حمالَة بِكَسْر الْحَاء علاقته ط.
وَهِي مَا يشد بِهِ السَّيْف على الخاصرة قِطْعَة جلد، وَنَحْوهَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَإِنَّمَا وَاحِدهَا محمل.
عَيْني.
قَوْله: (ونصله) حديده لَان اسْم السَّيْف يُطلق على الْكل.
قَوْله: (بَيت مزين بستور وسرر) وَمُقْتَضى هَذَا التَّفْسِير أَن يلْزم الْبَيْت أَيْضا وَفِي الْحَمَوِيّ: وَقيل يتَّخذ من خشب وَثيَاب وَهُوَ ظَاهر، وَفِي الْعَيْنِيّ: هُوَ بَيت يزين بالثياب والاسرة والستور، وَيجمع على حجال.
قَالَ منلا مِسْكين: واسْمه بشخانه، وَقيل خرشمانه اهـ.
وَيُقَال لَهَا الْآن: الناموسية، وَالظَّاهِر لُزُومهَا لانها من مفهومها، وَصدق الِاسْم على الْكل كَمَا لَزِمته العلاقة لصدق السَّيْف عَلَيْهَا، وَيُمكن الْفرق بالاتصال وَعَدَمه.
تَأمل.
قَوْله: (العيدان) بِضَم النُّون جمع عود كدود جمعه ديدان والدود جمع دودة.
صِحَاح.
قَوْلُهُ: (فِي
قَوْصَرَّةٍ) بِالتَّشْدِيدِ وَقَدْ تُخَفَّفَ.
مُخْتَارٌ الصِّحَاح.
قَالَ صَاحب الجمهرة: أما القوصرة فأحسبها دخيلا، وَقد روى: أَفْلح من كَانَت لَهُ قوصره يَأْكُل مِنْهَا كل يَوْم مره ثمَّ قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا صِحَة هَذَا الْبَيْت اهـ.
وَهِي وعَاء التَّمْر منسوج من قصب، وَيُسمى بهَا مَا دَامَ التَّمْر فِيهَا، وَإِلَّا فَهِيَ تسمى بالزنبيل كَمَا فِي الْمغرب.
أَقُول: والزنبيل مَعْرُوف، وَيُسمى فِي عرف الشَّام قفة، فَإِذا كَسرته شددت فَقلت زنبيل، لانه لَيْسَ فِي الْكَلَام فعليل بِالْفَتْح.
كَذَا فِي الصِّحَاح.
بَقِي أَن يُقَال: مُقْتَضى قَوْله فَإِذا كَسرته الخ يُفِيد جَوَاز الْفَتْح، وَقَوله لانه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب الخ يقْضى عدم جَوَازه، وَعبارَة الْقَامُوس تفِيد جَوَازه مَعَ الْقلَّة.
قَوْله: (جوالق) كصحائف جمع جولق بِكَسْرِ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْجِيم وَفَتْحِ اللَّامِ وَكسرهَا وعَاء مَعْرُوف.
قَامُوس: أَي وَهُوَ الْعدْل.
قَوْله: (أَو ثوب فِي منديل) لانه ظرف لَهُ، وَهُوَ مُمكن حَقِيقَة فَيدْخل فِيهِ على مَا بَينا.
زَيْلَعِيّ والمنديل بِكَسْر الْمِيم.
قَالَ فِي الْمغرب: تمندل بمنديل خيش أَي شده بِرَأْسِهِ، وَيُقَال تمندلت بالمنديل وتمندلت: أَي تمسحت بِهِ حموي.
قَوْله: (يلْزمه الظّرْف كالمظروف لما قدمْنَاهُ) أَي من أَن الصَّالح للظرفية حَقِيقَة إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ الْمَظْرُوفَ فَقَط عِنْدهمَا، وَكَذَا لَو أقرّ بِأَرْض أَو دَار يدْخل الْبناء والاشجار إِذا كَانَا فيهمَا حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ أَن الْبناء والاشجار والفص والجفن والعيدان لي لم يصدق وَلم تقبل بَينته كَمَا فِي المنبع وَغَيره، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان إِلَّا بناؤها فَإِنَّهُ لي، وَكَذَا فِي سائرها، وَإِن لم يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَيكون الْكل للْمقر لَهُ، إِلَّا أَنه لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة تقبل كَمَا فِي الْخَانِية.
قَوْله: (لَا تلْزمهُ القوصرة) لَان من للانتزاع فَكَانَ إِقْرَارا بالمنتزع.
قَوْله: (كَثوب فِي عشرَة وَطَعَام فِي بَيت) هُوَ على قَوْلهمَا، وَقِيَاس مُحَمَّد لزومهما.
قَوْله:(8/251)
(فليلزمه المظروف فَقَط) عِنْدهمَا وألزمه مُحَمَّد الْكل لَان النفيس قد يلفت فِي عشرَة، ونوقض بِمَا لَو قَالَ كرباس فِي عشرَة حَرِيرًا.
قَوْله: (لَا تكون ظرفا لوَاحِد عَادَة) والممتنع عَادَة كالممتنع حَقِيقَة.
وَفِي قد تَأتي بِمَعْنى بَين أَي على معنى الْبَين وَالْوسط مجَازًا كَقَوْلِه تَعَالَى: * ((89) فادخلي فِي عبَادي) * (الْفجْر: 92)
فَوَقع الشَّك والاصل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْمَال لَا يجب مَعَ الِاحْتِمَال، وَفِي كَلَام الشَّرْح أَن فِي الْآيَة بِمَعْنى مَعَ.
قَوْله: (وعنى معنى على) لَان غصب الشئ من مَحل لَا يكون مقتضيا غصب الْمحل كَمَا فِي النِّهَايَة عَن الْمَبْسُوط.
زَيْلَعِيّ فِي تَعْلِيل قَوْله بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ غصبت إكافا على حمَار حَيْثُ يلْزمه الاكاف دون الْحمار، لَان الْحمار مَذْكُور لبَيَان مَحل الْمَغْصُوب حِين أَخذه فَيُقَال هُنَا إِذا قَالَ خَمْسَة فِي خَمْسَة، وعنى على فقد أقرّ باغتصاب خَمْسَة مُسْتَقِرَّة على خَمْسَة، فالمغصوب هُوَ الْخَمْسَة المستقرة والخمسة المستقر عَلَيْهَا مَذْكُور لبَيَان مَحل الْمَغْصُوب حِين أَخذه، وغصب الشئ من مَحل لَا يكون مقتضيا بِالْغَصْبِ الْمحل.
تَأمل.
قَوْله: (أَو الضَّرْب خَمْسَةٌ) لِأَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي تَكْثِير المَال دُرَر.
قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: إنْ عَنَى بِعَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ الضَّرْبَ فَقَط أَو الضَّرْب وتكثير الْأَجْزَاءِ فَعَشَرَةٌ، وَإِنْ نَوَى بِالضَّرْبِ تَكْثِيرَ الْعَيْنِ لزمَه مائَة.
قَوْله: (لما مر) أَي فِي الطَّلَاق من أَن الضَّرْب يكثر الاجزاء لَا المَال، فَإِذا قلت: خَمْسَة فِي خَمْسَة تُرِيدُ بِهِ أَن كل دِرْهَم من الْخَمْسَة مثلا خَمْسَة أَجزَاء.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: أَي فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ على عشرَة فِي عشرَة إِن نوى الضَّرْب إِن قَالَ نَوَيْت تَكْثِير الاجزاء لَا يلْزمه إِلَّا عشرَة، وَإِن نوى تَكْثِير الْعين لزمَه مائَة، وَإِن نوى الضَّرْب وَلم ينْو شَيْئا آخر لزمَه عشرَة حملا على نِيَّة الاجزاء، وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوت خلاف فِي هَذِه الصُّورَة وَنَحْوهَا، وَمَعْلُوم أَن ذَلِك عِنْد التجاحد، أما عِنْد الِاتِّفَاق فالامر ظَاهر.
قَوْله: (وألزمه زفر بِخَمْسَة وَعشْرين) وَهُوَ قَول الْحسن بن زِيَاد، وَفِي الشَّارِح.
وَقَالَ زفر: عَلَيْهِ عشرَة، فَلَعَلَّ عَن زفر رِوَايَتَيْنِ: وَفِي التَّقْرِيب ذكر أَن مَذْهَب زفر مثل قَول الْحسن كَمَا ذكره الْعَيْنِيّ مُخَالفا للزيلعي.
قَالَ فِي التَّبْيِين: وَقَالَ زفر عَلَيْهِ عشرَة وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد خَمْسَة وَعِشْرُونَ لعرف الْحساب، لانهم يُرِيدُونَ بِهِ ارْتِفَاع أحد العددين بِقدر الْعدَد الآخر، ولزفر أَن حرف فِي يسْتَعْمل بِمَعْنى مَعَ، وَإِن مَا يُرَاد بِهِ ارْتَفع أحد العددين بِقدر الآخر عِنْد الْخَواص من النَّاس فَتعين الْمجَاز الْمُتَعَارف بَين النَّاس، وَقُلْنَا: لما تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَة وَهِي الظَّرْفِيَّة لَغَا، وَلَا يُصَار إِلَى الْمجَاز لَان الْمجَاز متعارض لانها تسْتَعْمل بِمَعْنى الْوَاو وَبِمَعْنى مَعَ وَبِمَعْنى على، وَلَيْسَ حملهَا على الْبَعْض أولى من الْبَعْض فلغت اهـ مُلَخصا.
قَوْله: (وَعشرَة إِن عَنى مَعَ) لَان اللَّفْظ يحْتَمل الْمَعِيَّة فقد نوى مُحْتَمل كَلَامه فَيصدق، وَفِي البيانية على
دِرْهَم مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَاهُ، وَكَذَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَوْ وَدِرْهَمٌ، بِخِلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ، لِأَنَّ الثَّانِيَ تَأْكِيدٌ، وَلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي قَفِيزِ بُرٍّ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَبَطَلَ الْقَفِيزُ كَعَكْسِهِ، وَكَذَا لَهُ فَرْقُ زَيْتٍ فِي عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَة وَدِرْهَم بدرهم وَاحِد لانه للبدلية اهـ مُلَخَّصًا.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَنَيِّفٌ لَزِمَهُ مِائَةٌ وَالْقَوْلُ لَهُ فِي النَّيِّفِ، وَفِي قَرِيبٍ مِنْ أَلْفٍ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسمِائَة وَالْقَوْل لَهُ فِي الزِّيَادَة.
قَوْله: (كَمَا مر فِي الطَّلَاق) من أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق(8/252)
وَاحِدَة فِي ثِنْتَيْنِ طلق وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ، وَإِن نوى وَاحِدَة وثنتين فَثَلَاث، وَإِن نوى مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَثَلَاث، وبثنتين فِي ثِنْتَيْنِ بنية الضَّرْب ثِنْتَانِ، وَإِن نوى الْوَاو أَو مَعَ كَمَا مر وَكَذَا يُقَال مثله فِي مَسْأَلَتنَا، فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة فِي عشرَة إِن نوى الضَّرْب بِأَن قَالَ نَوَيْت تَكْثِير الاجزاء لَا تلْزمهُ إِلَّا عشرَة، وَإِن نوى تَكْثِير الْعين لزمَه مائَة، وَإِن نوى الضَّرْب وَلم ينْو شَيْئا آخر لزمَه عشرَة حملا على نِيَّة الاجزاء كَمَا فِي الْوَلوالجِيَّة، وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوت خلاف فِي هَذِه الصُّورَة وَنَحْوهَا، لَان ذَلِك عِنْد التجاحد، أما عِنْد الِاتِّفَاق فالامر ظَاهر كَمَا مر قَرِيبا تَأمل.
قَوْله: (تِسْعَة) أَي عِنْد الامام وَعِنْدَهُمَا عشرَة وَعند زُفَرُ ثَمَانِيَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حدا للموجود ووجوده بِوُجُوبِهِ فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ، وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي المغيا لِأَنَّ الْحَدَّ يُغَايِرُ الْمَحْدُودَ، لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْأُولَى لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِيَ وَالثَّالِث لَا يتَحَقَّق بِدُونِ الاول، فَدخلت الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الثَّانِيَةِ.
دُرَرٌ.
وَفِي الْمنح: ولان الْعدَد يَقْتَضِي ابْتِدَاء، فَإِذا أخرجنَا الاول من أَن يكون ابْتِدَاء صَار الثَّانِي هُوَ الاول فَيخرج هُوَ أَيْضا من أَن يكون ابْتِدَاء كالاول، وَكَذَا الثَّالِث وَالرَّابِع الخ فَيُؤَدِّي إِلَى خُرُوج الْكل من أَن يكون وَاجِبا وَهُوَ بَاطِل اهـ.
وَالْمرَاد بالغاية الثَّانِيَة المتمم للمذكور، فالغاية فِي الْعشْرَة الْعَاشِر وَفِي الالف الآخر الاخير
وَهَكَذَا، فَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة فِي الْغَايَة الاولى: اسْتِحْسَان، وَفِي الثَّانِيَة: قِيَاس، وَمَا قَالَاه فِي الغايتين اسْتِحْسَان، وَمَا قَالَه زفر فيهمَا قِيَاس كَمَا فِي قَاضِي زَاده.
قَوْله: (بِخِلَاف الثَّانِيَة) أَي مَا بعد إِلَى فَإِن للتسعة وجودا بِدُونِ الْعَاشِر فَلَا دَلِيل على دُخُوله فَلَا يدْخل بِالشَّكِّ.
قَوْله: (وَمَا بَين الحائطين) أَي بِخِلَاف مَا بَين الحائطين: أَي لَو قَالَ: لَهُ فِي دَاري من هَذَا الْحَائِط إِلَى هَذَا الْحَائِط فَإِنَّهُمَا لَا يدخلَانِ فِي الاقرار، لَان الْغَايَة لَا تدخل فِي المغيا فِي المحسوس وَلَا المبدأ، بِخِلَاف مَا تقدم، وَبِخِلَاف الْمَعْدُوم فَإِنَّهُ لَا يصلح حدا إِلَّا بِوُجُودِهِ ووجوده بِوُجُوبِهِ، وَمن ذَلِك لَو وضع بَين يَدَيْهِ عشرَة دَرَاهِم مرتبَة فَقَالَ مَا بَين هَذَا الدِّرْهَم إِلَى هَذَا الدِّرْهَم وَأَشَارَ إِلَيْهِمَا لفُلَان لم يدْخل الدرهمان تَحت الاقرار بالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي المنيع.
قَوْله: (فَلِذَا قَالَ) أَي لما كَانَ فِي الْمَعْدُود تدخل الْغَايَة الاولى دون الثَّانِيَة.
قَالَ: وَفِي لَهُ كرّ حِنْطَة الخ لَان الْكر مَعْدُود بالقفيز عَادَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ من قفيز إِلَى تَمام القفزان من قفيزي حِنْطَة وشعير، فَتدخل الْغَايَة الاولى وَلَا يدْخل القفيز الاخير من كرّ الشّعير، لانه ذكر الشّعير بعد إِلَى فَيلْزمهُ كرّ حِنْطَة وكر شعير إِلَّا قَفِيزا.
قَالَ فِي الْمنح: لَان القفيز الاخير من الشّعير هُوَ الْغَايَة الثَّانِيَة، وَعِنْدَهُمَا: يلْزمه الكران.
قَوْله: (إِلَّا قَفِيزا) من شعير.
قَالَ الْقَدُورِيّ فِي التَّقْرِيب: قَالَ أَبُو حنيفَة: فَمن قَالَ لفُلَان عَليّ مَا بَين كرّ شعير إِلَى كرّ حِنْطَة لزمَه كرّ شعير وكر حِنْطَة إِلَّا قَفِيزا، وَلم يَجْعَل الْغَايَة جَمِيع الْكر لَان الْعَادة أَن الْغَايَة لَا تكون أَكثر الشئ وَلَا نصفه، وَالْكر عبارَة عَن جملَة من القفزان فَوَجَبَ أَن يصير الِانْتِهَاء(8/253)
إِلَى وَاحِد مِنْهَا اهـ.
شلبي عَن الاتقاني.
وَمثل هَذَا يُقَال فِي مَسْأَلَة المُصَنّف.
وَنقل الشلبي أَيْضا عَن قاضيخان: لَو قَالَ لَهُ عَليّ بَين مائَة إِلَى مِائَتَيْنِ فِي قَول أبي حنيفَة: يلْزمه مائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ فَتدخل فِيهِ الْغَايَة الاولى دون الثَّانِيَة.
وَلَو قَالَ من عشرَة دَرَاهِم إِلَى عشرَة دَنَانِير فَعنده تلْزمهُ الدَّرَاهِم وَتِسْعَة دَنَانِير، وَعِنْدَهُمَا الْكل.
ذكره الزَّيْلَعِيّ عَن النِّهَايَة وَانْظُر مَا وَجه لُزُوم الْكر من الشّعير إِلَّا قَفِيزا مَعَ أَنه جعل الْغَايَة نفس الْكر.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْغَايَةَ الثَّانِيَة لَا تدخل لعدم الضَّرُورَة، والغاية الاولى دَاخِلَة لضَرُورَة بِنَاء الْعدَد عَلَيْهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَايَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَمِّمُ لِلْمَذْكُورِ، فالغاية فِي إِلَى عشرَة الْعَاشِر، وَفِي إلَى أَلْفٍ الْفَرْدُ
الْأَخِيرُ، وَهَكَذَا عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي.
قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى دِينَارٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الدِّينَارُ، وَفِي الْأَشْبَاهِ عَليّ من شَاة إِلَى بقرة لم يلْزمه شئ سَوَاء كَانَ بِعَيْنِه أَو لَا، وَرَأَيْت مَعْزِيًّا لِشَرْحِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُمَا عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ مَا بَين دِرْهَم إِلَى دَرَاهِم فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَدِرْهَمَانِ عِنْدَ أبي يُوسُف، سائحاني.
قَوْله: (لَهُ مَا بَينهمَا فَقَط) أَي دون الحائطين لقيامهما بأنفسهما شرنبلالية عَن الْبُرْهَان، وَعلل الْمَسْأَلَة فِي الدُّرَر تبعا للزيلعي بقوله: لما ذكرنَا أَن الْغَايَة لَا تدخل فِي المغيا اهـ.
وَلَا يخفى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ للمبدأ لدُخُوله فِيمَا سبق، بِخِلَاف مَا هُنَا، وَلِهَذَا زَاد الْعَيْنِيّ على مَا اقْتصر عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيّ حَيْثُ قَالَ: لَان الْغَايَة لَا تدخل فِي المحسوس وَلَا المبدأ، بِخِلَاف مَا تقدم اهـ.
وقدمناه قَرِيبا
قَوْله: (لما مر) هُوَ لم يقدم لَهُ تعليلا، وَإِنَّمَا ذكر مُخَالفَته لقَوْله من دِرْهَم إِلَى عشرَة أَو بَين دِرْهَم إِلَى عشرَة، وَقد ذكره فِي الْمنح بقوله: بِخِلَاف مَا ذكر من المحسوس لانه مَوْجُود فيصلح حدا فَلَا يدخلَانِ اهـ.
والمحسوس هُوَ هَذِه الْمَسْأَلَة ط.
قَوْلُهُ: (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ) سَوَاءٌ كَانَ حَمْلَ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ حَمْلُ أَمَتِي أَوْ حَمْلُ شَاتِي لِفُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ سَبَبًا، لِأَنَّ لِتَصْحِيحِهِ وَجْهًا وَهُوَ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِهِ، كَأَنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِحَمْلِ شَاةٍ مَثَلًا لِآخَرَ وَمَاتَ فَأَقَرَّ ابْنُهُ بِذَلِكَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ.
حموي.
قَوْله (الْمُحْتَمل) اسْم فَاعل من احْتمل: أَي يَصح أَن يحمل عَلَيْهِ لفظ الْوُجُود فَيُقَال: هَذَا الْحمل مَوْجُود وَهُوَ أَعم من كَونه لانه مَاله أَولا، فَإِنَّهَا إِذا ولدت بعده لدوّنَ نصف حول كَانَ مَوْجُودا.
محققا ولدون حَوْلَيْنِ لَو مُعْتَدَّة غير مُحَقّق، لكنه مُمكن، وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه مُحَقّق شرعا لثُبُوت نسبه.
كَذَا غير الْآدَمِيّ إِذا قدر بِأَدْنَى مُدَّة الْحمل المتصورة فِيهِ كَانَ محققا وجوده، فَلَو قَالَ الْمَعْلُوم وجوده أَو الْمُحْتَمل كَمَا فِي التَّبْيِين لَكَانَ أظهر، وَاسْتغْنى عَن التَّكَلُّف، وَاقْتصر على الْمَعْلُوم وجوده لما علم فِي مَسْأَلَة الْمُعْتَدَّة أَنه مَعْلُوم شرعا، وَلَعَلَّ أصل الْعبارَة كالتبيين فَسقط لفظ الْمَعْلُوم من قلم النَّاسِخ مَعَ أَنه يرد على قَوْله الْمُحْتَمل مَا لَو جَاءَت بِهِ الْمُزَوجَة لدوّنَ سنتَيْن، فَإِنَّهُ مُحْتَمل وجوده بِمَعْنى الامكان، مَعَ أَنه لَا يَصح الاقرار بِهِ حِينَئِذٍ فَتعين الِاقْتِصَار على قَوْلنَا لمعلوم وجوده، وَيدخل فِيهِ ولد الْمُعْتَدَّة لدوّنَ السنتين(8/254)
كَمَا علمت.
قَوْله: (بِأَن تَلد) أَي الامة.
قَوْله: (لدوّنَ نصف حول لَو مُزَوّجَة) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لما تقرر أَن أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر، وأكثرها سنتَانِ، فَإِذا كَانَت مُزَوّجَة وَجَاءَت بِالْوَلَدِ لاقل من سِتَّة أشهر علم أَنه مَوْجُود وَقت الاقرار وَكَونه ابْن الزَّوْج لَا يمْنَع الاقرار بِهِ لغيره، لَان ولد الامة رَقِيق كَمَا فِي الدُّرَر.
قَوْله: (أَو لدوّنَ حَوْلَيْنِ لَو مُعْتَدَّة) أَي لَو كَانَت مُعْتَدَّة فَجَاءَت بِهِ لاقل من حَوْلَيْنِ يَصح الاقرار بِهِ للْعلم بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار.
قَوْله: (لثُبُوت نسبه) أَي أَنه لما حكم الشَّارِع بِثُبُوت نسبه من الْمُطلق كَانَ حكما بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار بِهِ.
قَوْله: (وَلَو الْحمل غير آدَمِيّ) كحمل الشَّاة مثلا بِأَن قَالَ حمل شاتي لفُلَان كَمَا مر بِشَرْط أَن يتَيَقَّن بِوُجُودِهِ وَقت الاقرار.
قَوْله: (ذَلِك) أَي الْحمل وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ، لَان الْموضع للاضمار.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ) الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَة إِذْ لَا يلْزم فِيمَا ذكر.
مطلب: أقل مُدَّة الْحمل للآدمي وَغَيره
قَوْله: (أقل مُدَّة حمل الشَّاة الخ) سَيَأْتِي فِي كتاب الْوَصَايَا نقلا عَن الْقُهسْتَانِيّ أَن أقل مُدَّة الْحمل للآدمي سِتَّة أشهر، وللفيل أحد عشر، وللابل وللخيل وَالْحمير سَنَةٌ، وَلِلْبَقَرِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَلِلشَّاةِ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، وَمثله الْمعز، وللسنور شَهْرَان، وللكلب أَرْبَعُونَ يَوْمًا وللطير إِحْدَى وَعِشْرُونَ يَوْمًا.
قَوْله: (وَصَحَّ لَهُ) أَي للْحَمْل الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لدوّنَ نصف حول أَو لِسنتَيْنِ: أَي وَهِي زَوْجَة حَلَال وَأَبوهُ ميت، أما لَو جَاءَت بِهِ لِسنتَيْنِ وَأَبُو حَيّ ووطئ الام لَهُ حَلَال فالاقرار بَاطِل، لانه يُحَال بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُودُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا.
بَيَانِيَّةٌ وكفاية.
قَوْله: (إِن بَين سَببا صَالحا يتَصَوَّر للْحَمْل) أَي يتَصَوَّر ثُبُوته للْحَمْل: أَي بِأَن بَين سَببا صَالحا لثُبُوت الحكم لَهُ.
قَوْله: (كالارث وَالْوَصِيَّة) الْكَاف استقصائية لانحصار السَّبَب الصَّالح فيهمَا.
قَوْله: (فورثه) الْحمل واستهلكت من مَال الْمُورث ألفا مثلا.
قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يبين سَببا صَالحا بِأَن لم يبين سَببا أصلا، أَو بَين سَببا غير صَالح لَا يَصح الاقرار بل بلغو كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.
قَوْله: (كَمَا يَأْتِي) أَي فِي قَوْله وَإِن فسره الخ.
قَوْله: (لاقل من نصف حول) أَي بِأَن كَانَت ذَات زوج أَو لاقل من سنتَيْن إِن كَانَت مُعْتَدَّة، فَإِن وَلدته لاكثر من سِتَّة أشهر لم يسْتَحق شَيْئا حموي.
وَمثله فِي ابْن الْكَمَال.
قَوْله: (وَإِن ولدت حيين) أَي ذكرين أَو انثيين.
قَوْله: (فَلَهُمَا) لَان مجموعهما هُوَ الْحمل وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره فالموروث أَو الْمُوصى بِهِ، وَقَوله نِصْفَيْنِ نصب على الْحَال من الضَّمِير فِي الْخَبَر: أَي فَهُوَ لَهما نِصْفَيْنِ.
قَوْله: (فَكَذَلِك) أَن نِصْفَانِ فِي الْوَصِيَّة، لَان المَال للْحَمْل وَهُوَ مجموعهما،، وَلَا أرجحية لاحدهما على الآخر فِيهِ.
قَوْله: (بِخِلَاف الْمِيرَاث) فَإِن فِيهِ للذّكر مثل(8/255)
مثل حَظّ الانثيين.
قَوْله: (لوَرَثَة ذَلِك) لَا حَاجَة إِلَى اسْم الاشارة.
قَوْله: (الْمُوصي والمورث) عبارَة الْبَحْر: وَإِن ولدت مَيتا يرد إِلَى وَرَثَة الْمُوصي أَو وَرَثَة أَبِيه اهـ.
قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: أَقُول يَعْنِي إِذا قَالَ الْمقر أوصى لَهُ بِهِ فلَان ثمَّ ولد مَيتا فَإِنَّهُ يرد إِلَى وَرَثَة الْمُوصي الَّذِي قَالَ الْمقر: إِنَّه أوصى للْحَمْل، وَقَوله أَو وَرَثَة أَبِيه: يَعْنِي إِن قَالَ الْمقر مَاتَ أَبوهُ فورثه فَإِنَّهُ يرد إِلَى وَرَثَة أَبِيه إِن ولد مَيتا عملا بقول الْمقر فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
قَوْله: (لعدم أَهْلِيَّة الْجَنِين) أَي لَان هَذَا الاقرار فِي الْحَقِيقَة لَهما: أَي للْمُوصي والمورث، وَإِنَّمَا ينْتَقل للجنين بعد وِلَادَته حَيا، وَلم ينْفَصل حَيا فَيكون لورثتهما كَمَا فِي الدُّرَر.
وَالْحَاصِل: أَن الْحمل لَا يكون أَهلا لَان يَرث وَيُورث، وَيسْتَحق الْوَصِيَّة إِلَّا إِذا خرج أَكْثَره حَيا.
قَوْله: (كَهِبَة) أَي للْحَمْل فَإِنَّهَا لَا تصح لَهُ لَان حكمهَا ثُبُوت الْملك للْمَوْهُوب لَهُ وَالْحمل لَا يملك
قَوْله: (أَو بيع أَو إقراض) بِأَن قَالَ الْحمل: بَاعَ مني أَو أَقْرضنِي دُرَر.
إِذْ لَا يتَصَوَّر شئ مِنْهُ من الْجَنِين لَا حَقِيقَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا حكما لانه لَا يُولى عَلَيْهِ.
قَوْله: (أَو أبهم الاقرار وَلم يبين سَببا) بِأَن قَالَ لحمل فُلَانَة كَذَا.
قَوْله: (لَغَا) أَي بَطل فَلَا يلْزمه شئ أَيْضا عِنْد أبي يُوسُف، لَان مُطلق الاقرار ينْصَرف إِلَى الاقرار بِسَبَب التِّجَارَة، وَلِهَذَا حمل إِقْرَار الْمَأْذُون وَأحد الْمُتَفَاوضين عَلَيْهِ فَيصير كَمَا إِذا صرح بِهِ وَلَا يَصح، فَكَذَا هَذَا.
دُرَر
قَوْله: (وَحمل مُحَمَّد الْمُبْهم على السَّبَب الصَّالح) لانه يحْتَمل الْجَوَاز وَالْفساد، ولان الاقرار إِذا صدر من أَهله مُضَافا إِلَى مَحَله كَانَ حجَّة يجب الْعَمَل بهَا، وَلَا نزاع فِي صدوره من أَهله لانه هُوَ الْمَفْرُوض وَأمكن إِضَافَته إِلَى مَحَله بِحمْلِهِ على السَّبَب الصَّالح حملا لكَلَام الْعَاقِل على الصِّحَّة، كَالْعَبْدِ الْمَأْذُون إِذا أقرّ بدين فَإِن إِقْرَاره وَإِن احْتمل الْفساد بِكَوْنِهِ صَدَاقا أَو دين
كَفَالَة وَالصِّحَّة بِكَوْنِهِ من التِّجَارَة كَانَ صَحِيحا تَصْحِيحا لكَلَام الْعَاقِل.
عناية وَأَبُو يُوسُف يُبطلهُ، لَان لجوازه وَجْهَيْن: الْوَصِيَّة، والارث، ولبطلانه وُجُوهًا وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر، فَحكم بِالْفَسَادِ، نَظِيره: لَو شرى عبدا بِأَلف ثمَّ قبل النَّقْد بَاعه وعبدا آخر من البَائِع بِأَلف وَخَمْسمِائة وقيمتهما سَوَاء فَإِنَّهُ يبطل، وَإِن أمكن جَوَازه بِأَن يَجْعَل الالف أَو أَكثر حِصَّة المُشْتَرِي، وَالْبَاقِي حِصَّة الآخر زَيْلَعِيّ.
وَفِيه نظر، إِذْ لَا نسلم أَن تعدد جِهَة الْجَوَاز توجب الْفساد لم لَا يَكْفِي فِي صِحَة الْحمل على الْجَوَاز صَلَاحِية فَرد من الْوَجْهَيْنِ، وَإِن لم يتَعَيَّن خُصُوصِيَّة، أَلا ترى أَن جَهَالَة نفس الْمقر بِهِ لَا تمنع صِحَة الاقرار اتِّفَاقًا فَكيف تمنعها جَهَالَة سَبَب الْمقر بِهِ.
حموي عَن قَاضِي زَاده، وَهَذَا تَرْجِيح مِنْهُ لقَوْل مُحَمَّد، وَيُقَوِّي بحث قَاضِي زَاده مَا ذكره فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَلقَائِل أَن يَقُول قد تقدم من الزَّيْلَعِيّ فِي الاقرار بِالْمَجْهُولِ أَنه إِذا لم يبين السَّبَب يَصح، وَيحمل على أَنه وَجب عَلَيْهِ بِسَبَب تصح مَعَه الْجَهَالَة، فَمَا الْفرق بَينه وَبَين مَا ذكر هُنَا من عدم حمله على السَّبَب الْمُوجب للصِّحَّة، على قَول الْقَائِل بِهِ، وَفِي كل احْتِمَال الْفساد وَالصِّحَّة اهـ.
وَفِي التَّبْيِين: وَلَا يُقَال إِن ظَاهر إِقْرَار يَقْتَضِي الْوُجُوب، فَكيف يقدر على إِبْطَاله بِبَيَان سَبَب غير صَالح، والابطال رُجُوع عَن الاقرار، وَهُوَ يملك الرُّجُوع لانا نقُول لَيْسَ بِرُجُوع وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان(8/256)
سَبَب يحْتَمل، لانه يحْتَمل أَن أحدا من أوليائه بَاعه مِنْهُ فَحسب أَن ذَلِك صَحِيح فَيقر بِهِ ويضيفه إِلَى الْجَنِين مجَازًا اهـ مُلَخصا.
ثمَّ على قَول مُحَمَّد: إِذا صَحَّ الاقرار مَعَ إِيهَام السَّبَب ثمَّ ولد الْحمل مَيتا أَو لم يُوجد حمل لمن يرد الْمقر بِهِ يُرَاجع.
وَأفَاد فِي الزَّيْلَعِيّ والعناية أَنه تحصل أَن للمسألة ثَلَاث صور: إِمَّا أَن يبهم الاقرار فَهُوَ على الْخلاف، وَإِمَّا أَن يبين سَببا صَالحا فَيجوز بالاجماع، وَإِمَّا أَن يبين سَببا غير صَالح فَلَا يجوز بالاجماع، فَإِن قيل: ظَاهر إِقْرَاره يَقْتَضِي الْوُجُوب، فَكيف يقدر على إِبْطَاله بِبَيَان سَبَب غير صَالح، والابطال رُجُوع وَهُوَ فِي الاقرار لَا يَصح؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوع بل ظُهُور كذبه يبْقين كَمَا لَو قَالَ: قطعت يَد فلَان عمدا أَو خطأ وَيَد فلَان صَحِيحَة اهـ.
ثمَّ قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم: وَقيل أَبُو حنيفَة مَعَ أبي يُوسُف، وَاخْتَارَ صَاحب الْهِدَايَة
قَول أبي يُوسُف على مَا هُوَ دأبه فِي تَرْتِيب الْمسَائِل، وَتَبعهُ صَاحب الْوِقَايَة حَيْثُ ترك قَول مُحَمَّد رَأْسا إِشَارَة إِلَى رُجْحَان قَول أبي يُوسُف، وَعَلِيهِ أَكثر الشُّرَّاح حَيْثُ قووا دَلِيله اهـ.
ثمَّ قَالَ: فَظهر أَن قَول أبي يُوسُف هُوَ الْمُخْتَار وَأقوى، وَإِن من قَالَ وَلم نظفر فِيمَا عِنْدِي من الْمُعْتَبرَات مَا يرجح قَول أَحدهمَا على قَول الآخر أظهر عدم تتبعه كَمَا لَا يخفى اهـ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ صَحِيحٌ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ، لَكِنَّ بُطْلَانَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِبْطَالِ كَمَا فِي الانقروي، وَأما الاقرار للصَّغِير فَلَا يتَوَقَّف على تَصْدِيقه، فَيصير الشئ الْمقر بِهِ لَهُ ملكا لَهُ بِمُجَرَّد الاقرار، وَلَا يَصح إِقْرَار الْمقر بعد ذَلِك للْغَيْر كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْخَيْر الرَّمْلِيّ موضحا فَرَاجعه إِن شِئْت.
قَوْله: (لَان هَذَا الْمقر الخ) قَالَ الْعَلامَة الاتقاني: بِخِلَاف مَا لَو أقرّ لرضيع أَن عَلَيْهِ ألف دِرْهَم بِالْبيعِ أَو الاجارة، لَان الرَّضِيع من أهل أَن يسْتَحق الدّين بِهَذَا السَّبَب بِتِجَارَة وليه، لانه يتجر لَهُ إِن كَانَ لَا يتجر هُوَ بِنَفسِهِ، بِخِلَاف الْجَنِين اهـ.
أَي فَإِنَّهُ لَا يَلِي أحد عَلَيْهِ.
قَالَ بعض الْفُضَلَاء، الْفرق بَين الرَّضِيع وَالْحمل حَيْثُ جَازَ الاقرار للاول، وَإِن بَين أَنه قرض أَو ثمن مَبِيع، وَلم يجز للثَّانِي لانه لَا يتَصَوَّر البيع مَعَ الْجَنِين وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أحد، بِخِلَاف الصَّغِير لثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهِ فيضاف إِلَيْهِ عقد الْوَلِيّ مجَازًا، هَكَذَا فهمت من كَلَامهم اهـ.
أَقُول: وَجه فِي الْمُحِيط صِحَة الاقرار للصَّغِير وَإِن بَين سَببا غير صَالح بِأَنَّهُ أقرّ بِوُجُوب الدّين بِسَبَب، وَإِن لم يثبت لانه لَا يتَصَوَّر من الصَّبِي نفي الاقرار بِالدّينِ كَمَا لَو كذبه الْمقر لَهُ فِي السَّبَب بِأَن قَالَ لَك عَليّ ألف غصبا فَقَالَ الْمقر لَهُ بل دينا يلْزمه المَال وَإِن لم يثبت السَّبَب.
كَذَا هَذَا وَمثله فِي الْحَوَاشِي الحموية.
قَوْله: (فِي الْجُمْلَة أشباه) قَالَ محشيه الْحَمَوِيّ: يَعْنِي لَان البيع أَو الْقَرْض صدر من بعض أوليائه، فإضافته إِلَى الصَّغِير مجَاز انْتهى.
قَوْله: (أقرّ بشئ على أَنه بِالْخِيَارِ الخ) يَعْنِي بِأَن قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ قَائِمَة أَو مستهلكة على أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام منح.
قَوْله: (لزمَه بِلَا خِيَار) لوُجُود الصِّيغَة الملزمة.
قَوْله: (فَلَا يقبل الْخِيَار) لَان الْمَقْصُود من الْخِيَار هُوَ الْفَسْخ، وَلما لم يحْتَمل الاقرار وَالْفَسْخ لم يجز شَرط الْخِيَار لَهُ، وَلَزِمَه المَال، لانه إِن كَانَ صَادِقا فَهُوَ وَاجِب الْعَمَل بِهِ، وَإِن لم يخْتَر وَإِن كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ وَاجِب الرَّد فَلَا يتَغَيَّر بِاخْتِيَارِهِ وَعدم اخْتِيَاره، وَإِنَّمَا
تَأْثِير اشْتِرَاط الْخِيَار فِي الْعُقُود ليتخير من لَهُ الْخِيَار بَين فَسخه وإمضائه.
دُرَر وعناية.(8/257)
فَإِن قيل: الاقرار يرْتَد بِالرَّدِّ وَهُوَ فسخ.
قُلْنَا: لَيْسَ بِفَسْخ للاقرار لانه رفع للشئ بعد ثُبُوته ورد الاقرار لَيْسَ رفعا لَهُ بعد ثُبُوته فِي حَقه، بل بَيَان أَنه غير ثَابت أصلا لانه يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، فَإِذا كذبه الْمقر لَهُ ثَبت الْكَذِب فِي حَقه لانه إِقْرَار على نَفسه، وَإِذا صَحَّ التَّكْذِيب فِي حَقه ظهر أَن الاقرار لم يثبت من الاصل، بِخِلَاف البيع لانه تصرف يحْتَمل الْفَسْخ بعد وُقُوعه، لَان مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْهُ وَهُوَ الْملك مِمَّا يَنْفَسِخ بانفساخ البيع لانه ثَابت بِهِ، وَالْمَقْصُود من فسخ السَّبَب فسخ حكمه، فَإِذا كَانَ حكم السَّبَب مُحْتملا للْفَسْخ كَانَ السَّبَب كَذَلِك وَعَكسه.
قَوْله: (لم يعْتَبر تَصْدِيقه) الاولى حذفه، بل يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّ إِن وصلية فَلَا جَوَاب لَهَا ح: أَي بل جوابها مَفْهُوم من الْكَلَام السَّابِق، إِلَّا أَن يُقَال: هَذَا بَيَان لذَلِك الْمَفْهُوم فَلَا اعترا ض حِينَئِذٍ.
قَوْله: (إِلَّا إِذا أقرّ بِعقد) أَي بدين لزمَه بِسَبَب عقد الخ بِأَن يَقُول لَهُ عَليّ ألف ثمن مَبِيع بِخِيَار.
قَوْله: (وَقع بِالْخِيَارِ لَهُ) فَحِينَئِذٍ يثبت الْخِيَار لَهُ إِذا صدقه الْمقر لَهُ أَو أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَة إِلَّا أَن يكذبهُ الْمقر لَهُ فَلَا يثبت الْخِيَار، وَكَانَ القَوْل قَول الْمقر لَهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.
فَإِن قيل: إِن لم يقبل الاقرار الْفَسْخ فالسبب الَّذِي بِهِ وَجب المَال وَهُوَ التِّجَارَة تقبل.
فَيجب أَن يكون الْخِيَار مَشْرُوطًا فِي سَبَب الْوُجُود.
قُلْنَا: السَّبَب غير مَذْكُور، وَإِنَّمَا يعْتَبر مَذْكُورا ضَرُورَة صِحَة الاقرار، وَإِذا ثَبت مُقْتَضى صِحَّته اعْتبر مَذْكُورا فِي حَقه فَقَط دون صِحَة الْخِيَار، وَأما إِذا قَالَ عَليّ ألف ثمن مَبِيع بِخِيَار فَيصح إِن صدقه الْمقر لَهُ أَو برهن، لَان الْمقر بِهِ عقد يقبل الْخِيَار، وَهُوَ من الْعَوَارِض فَلَا بُد من التَّصْدِيق أَو الْبَيَان، وَإِن أقرّ بدين بِسَبَب كَفَالَة على أَنه بِالْخِيَارِ مُدَّة مَعْلُومَة، وَلَو طَوِيلَة جَازَ إِن صدقه، لَان الْكفَالَة تحْتَمل من الْجَهَالَة والخطر مَا لَا يحْتَملهُ البيع، فَإِذا جَازَ شَرطه فِيهِ فَفِيهَا أولى، ثمَّ لم يقدر فِيهَا لَان إِطْلَاق الْخِيَار فِي البيع يُنَافِي حِكْمَة الْملك الْمُطلق، وَحكم الْخِيَار منع السَّبَب من الْعَمَل وَحكم الْكفَالَة لُزُوم الدّين وَأَنه يَصح مُطلقًا ومقيدا.
مقدسي.
قَوْله: (لانه مُنكر) للخيار فِي العقد الَّذِي هُوَ من الْعَوَارِض وَالْقَوْل فِيهَا للْمُنكر.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَصِيرَةً) الْأَوْلَى حَذْفُهَا كَمَا لَا يخفى.
حَلَبِيّ.
وَإِنَّمَا جَازَت الْكفَالَة مُطلقَة ومقيدة لَان حكمهَا هَاهُنَا
لُزُوم الدّين، وَهُوَ يَصح مُطلقًا ومقيدا فَلَا يكون اشْتِرَاط الْخِيَار كَذَلِك منافيا لَهَا، بِخِلَاف البيع فَلَا بُد من التَّوْقِيت فِيهِ بِثَلَاثَة، لَان إِطْلَاق الْخِيَار يُنَافِي حكم البيع، لَان حكمه الْملك الْمُطلق وَحكم الْخِيَار منع السَّبَب من الْعَمَل، وَبَينهمَا مُنَافَاة.
وَالْحَاصِل: أَنه كَمَا أَن البيع عقد يَصح فِيهِ شَرط الْخِيَار، وَلَا يُزَاد فِيهِ على ثَلَاثَة أَيَّام عِنْد الامام، وَالْكَفَالَة عقد أَيْضا يَصح فِيهِ شَرط الْخِيَار، وَيصِح اشْتِرَاطه مُدَّة طَوِيلَة أَو قَصِيرَة، لانها عقد تبرع يتوسع فِيهَا بعد أَن تكون الْمدَّة مَعْلُومَة، لَكِن قد صدر فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ والالف أَمر حَضْرَة السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن لسَائِر قُضَاته ونوابه فِي الممالك المحروسة بالحكم على قَول الصاحبين فِي امتداد خِيَار الشَّرْط أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام مُوَافقا لما فِي الْمَادَّة الثلاثمائة من الْجُزْء الاول من كتاب البيع من الاحكام العدلية حِين كنت فِي الآستانة الْعلية، ومتشرفا بتوظيفي بِتِلْكَ الجمعية العلمية بِأَمْر من حَضرته نَصره الله تَعَالَى بجمعها.
قَوْله: (إِذا صدقه) فَإِذا كذبه يلْزمه المَال من غير شَرط وَالْقَوْل لَهُ لانه(8/258)
يَدعِي عَلَيْهِ التَّأْخِير وَهُوَ يُنكر.
إتقاني.
قَوْله: (لَان الْكفَالَة عقد أَيْضا) عِلّة للتشبيه الْمُسْتَفَاد من الْكَاف.
قَوْله: (بِخِلَاف مَا مر) أَي من قَوْله أقرّ بشئ كَمَا بَيناهُ.
قَوْله: (لانها أَفعَال) لَان الشئ الْمُقَرَّ بِهِ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ وَدِيعَةٌ عَارِية أَو قَائِمَة أَو مستهلكة، فالقرض وَمَا عطف عَلَيْهِ أَفعَال قد أخبر بوقوعها فَلَا يَصح فِيهَا شَرط الْخِيَار.
قَوْله: (الامر بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ) بِخِلَافِ أَمْرِهِ بِكِتَابَةِ الْإِجَارَةِ وَأَشْهَدَ وَلم يجر عقد لَا تَنْعَقِد أشباه.
قَوْله: (إِقْرَار حكما) لَان الامر إنْشَاء والاقرار اختبار فَلَا يكونَانِ متحدين حَقِيقَة، بل المُرَاد أَن الامر بِكِتَابَة الاقرار إِذا حصل حصل الاقرار.
حَلَبِيّ عَن الدُّرَر.
قَوْلُهُ: (يَكُونُ بِالْبَنَانِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ: أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِالْبَنَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَتَبَ أَمْ لَمْ يَكْتُبْ، وَبِدَلِيلِ مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبَنَانِ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ رَجُلٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ ذِكْرَ حَقٍّ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ أَوْ أَمْلَى عَلَى إنْسَانٍ لِيَكْتُبَ ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا لِفُلَانٍ كَانَ إقْرَارًا اهـ.
فَإِنَّ ظَاهِرَ التَّرْكِيبِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِثَالٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْبَنَانِ وَالثَّانِيَةَ لِلْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ، فَتَأَمَّلْ ح.
قَوْله: خطّ إقراري أَي الْخط الدَّال على إقراراي فالاضافة من
إِضَافَة الدَّال إِلَى الْمَدْلُول وَالدّلَالَة التزامية، وَفِي أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ إذَا كَتَبَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ.
قَالَ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ: إنْ كَتَبَ مُصَدَّرًا: يَعْنِي كَتَبَ فِي صَدْرِهِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ لَهُ عَلَيَّ كَذَا أَوْ أَمَّا بَعْدُ فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَ عَلَيَّ بِهِ، وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ، وَلَوْ كَتَبَ وقرأه عِنْد الشُّهُود حلت، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمْ، وَلَوْ كَتَبَ عِنْدَهُمْ وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، إنْ عَلِمُوا بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا، وَإِلَّا فَلَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ إنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ خَطَّهُ فَاسْتَكْتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَة تدل على أَنهم خطّ كَاتب وَاحِد لَا يحكم عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خَطِّي وَأَنَا حَرَّرْتُهُ لَكِنْ لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال، وثمة لَا يجب كَذَا هُنَا إلَّا فِي دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ انْتهى.
وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَفِي الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفًا أَوْ وَجَدْتُ فِي ذِكْرِي أَوْ فِي حِسَابِي أَو بخطي أَو قَالَ: كتبت بيَدي أَنه لَهُ عَلَيَّ كَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ قَالُوا فِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ: إنَّ مَا وُجِدَ فِيهِ بِخَطِّ الْبَيَّاعِ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا مَا عَلَى النَّاسِ لَهُ وَمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ النسْيَان، وَالْبناء على الْعَادة الظَّاهِرَة وَاجِب انْتهى.
فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ أَئِمَّتِنَا لَا يعلم بِالْخَطِّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ، وَاسْتِثْنَاءُ دَفْتَرِ السِّمْسَارِ وَالْبَيَّاعِ لَا يَظْهَرُ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُعْزَى إِلَى جمَاعَة من أَئِمَّة بَلخ وَأَن يُفِيد بِكَوْنِهِ فِيمَا عَلَيْهِ - وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ رد الطرطوسي الْعَمَل بِهِ مؤيد بِالْمذهبِ، فَلَيْسَ إِلَى غَيره نَذْهَب، وَانْظُر مَا تقدم فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي وَمَا قدمْنَاهُ فِي الشَّهَادَات.
وَحَاصِل مَا تحرر فِي مَسْأَلَة الْخط: أَن عَامَّة عُلَمَائِنَا على عدم الْعَمَل بِهِ، إِلَّا مَا وجده القَاضِي فِي أَيدي الْقُضَاة الماضين وَله رسوم فِي دواوينهم: أَي السجلات، وَخط السمسار والبياع والصراف وَإِن لم(8/259)
يكن معنونا ظَاهرا بَين النَّاس، وَكَذَلِكَ مَا يكْتب النَّاس فِيمَا بَينهم على أنفسهم فِي دفاترهم المحفوظة عِنْدهم بخطهم الْمَعْلُوم بَين التُّجَّار وَأهل الْبَلَد فَهُوَ حجَّة عَلَيْهِ وَلَو بعد مَوْتهمْ، وَكَذَلِكَ كتاب الامان
والبراءات السُّلْطَانِيَّة والدفتر الخاقاني كَمَا قدمنَا ذَلِك فِي الشَّهَادَات موضحا بأدلته فَرَاجعه.
وَمَشى فِي الْفَتَاوَى النعيمية فِي رَجُلٌ كَانَ يَسْتَدِينُ مِنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُ لَهُ ثمَّ تحاسبا على مبلغ دين تبقى لِزَيْدٍ بِذِمَّةِ الرَّجُلِ وَأَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنَّ ذَلِكَ آخِرُ كُلِّ قَبْضٍ وَحِسَابٍ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ يُرِيدُ نَقْضَ ذَلِكَ وَإِعَادَةَ الْحِسَابِ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الدُّرَرِ: لَا عذر لمن أقرّ اهـ.
وَفِيهَا فِي شَرِيكَيْ تِجَارَةٍ حَسَبَ لَهُمَا جَمَاعَةٌ الدَّفَاتِرَ فَتَرَاضَيَا وَانْفَصَلَ الْمَجْلِسُ وَقَدْ ظَنَّا صَوَابَ الْجَمَاعَةِ فِي الْحِسَابِ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْحساب لَدَى جمَاعَة أخر، فَهَل يرجع الصَّوَاب؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ لِقَوْلِ الْأَشْبَاهِ: لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ فِي شَرِيكَيْ عِنَانٍ تَحَاسَبَا ثُمَّ افْتَرَقَا بِلَا إبْرَاءٍ أَوْ بَقِيَا عَلَى الشَّرِكَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ أَوْصَلَ لِشَرِيكِهِ أَشْيَاء من الشّركَة غير مَا تحسبا عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَلَا بَيِّنَةَ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمين على من أنكر؟ الْجَواب نعم اهـ.
قَوْله: (عدم اعْتِبَار مشابهة الخطين) هُوَ الصَّحِيح، فَإِذا ادّعى عَلَيْهِ حَقًا وَأظْهر خطّ يَده فاستكتب فَكتب فَإِذا الْخط يشبه الْخط لَا يقْضى عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم: يقْضى عَلَيْهِ، وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْمجلة فِي مَادَّة 7061 وَفِي 9061 وَفِي 0161 وَفِي 6381 وَفِي 7371 وَفِي 8371 وَفِي 9371، وَصدر الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُوجبِه إِذا كَانَ خَالِيا من الشُّبْهَة والتصنع والتزوير فَيعْمل بهَا، ككتاب الْقُضَاة والوقفية إِذا كَانَت مسجلة وسجلات الْقُضَاة والبراءات السُّلْطَانِيَّة والدفاتر الخاقانية ودفاتر التُّجَّار فِيمَا عَلَيْهِم والصكوك والقامبيالي والوصول، وَعلم الْخَبَر إِذا كَانَت بِخَط من عَلَيْهِ الدّين أَو إمضائه وختمه المعروفين، فَلَو لم تكن مَعْرُوفَة يسْتَكْتب عِنْد أهل الْخِبْرَة، فَإِذا وَافق الْخط الْخط وَكَانَا كخط وَاحِد يلْزم بِالْمَالِ، وَعَلِيهِ قَارِئ الْهِدَايَة وبموجبه صدر الامر السلطاني كَمَا علمت.
قَوْله: (وجحده الْبَاقُونَ) وَإِنْ صَدَّقُوا جَمِيعًا لَكِنْ عَلَى التَّفَاوُتِ كَرَجُلٍ مَاتَ عَن ثَلَاثَة بَنِينَ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوهَا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا، فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَبِيهِمْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْسَطُ فِي الْأَلْفَيْنِ وَالْأَصْغَرُ فِي الْأَلْفِ أَخَذَ مِنْ الْأَكْبَرِ أَلْفًا وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَة أَسْدَاس الالف وَمن الاصغر ثلث الالف عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي الْأَصْغَرِ والاكبر كَذَلِك، وَفِي الاوسط يَأْخُذُ الْأَلْفَ، وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْكَافِي.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ التزمته لَيْسَ بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ لَا يُلَائِمُهُ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ من أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيَّ فُلَانٌ فَأَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ وَعْدًا.
كَذَا فِي الْمُحِيطِ شرنبلالية.
فَرْعٌ: ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الدَّائِنَ كَتَبَ عَلَى قِرْطَاسٍ بِخَطِّهِ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فلَان ابْن فلَان أَبرَأته عَنهُ صَحَّ وَسَقَطَ الدَّيْنُ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمَرْسُومَةَ الْمُعَنْوَنَةَ كَالنُّطْقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ بِطَلَبِ الدَّائِنِ أَوْ لَا بِطَلَبِهِ.
بَزَّازِيَّةٌ مِنْ آخر الرَّابِع عشر من(8/260)
الدَّعْوَى.
قَوْله: (يلْزمه كل الدّين) أَي فِي قَول أَصْحَابنَا.
منح.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ حِصَّتُهُ) عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وسيجئ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَوْ أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ وِفَاقًا.
وَفِي مَجْمُوعَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ: أَحَدُ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ بالِاتِّفَاقِ، وَإِذا مَاتَ وَترك ثَلَاث بَنِينَ وَثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ كُلُّ ابْنٍ أَلْفًا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثلث مَاله وَصدقه أحد النين فَالْقِيَاسُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ قَول عُلَمَائِنَا رَحِمهم الله تَعَالَى لَنَا أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ ثُلُثُ ذَلِكَ فِي يَدِهِ وَثُلُثَاهُ فِي يَد شريكيه، فَمَا كَانَ إِقْرَارا فِيمَا يَده قبل وَمَا كَانَ إقْرَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ لَا يقبل، فَوَجَبَ أَن يسلم إلَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ اهـ.
قَوْله: (دفعا للضَّرَر) أَي من الْمقر: أَي لانه إِنَّمَا أقرّ بِمَا تعلق بِكُل التَّرِكَة.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ مَعَ آخَرَ الخ) وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ الطَّالِبُ عَلَى هَذَا الْمُقِرِّ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، كَمَا فِي وَكِيلٍ قَبَضَ الْعين: لَوْ أَقَرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْعَيْنُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِهَا لَا يَكْفِي إقْرَارُهُ.
وَيُكَلَّفُ الْوَكِيلُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ قبض ذَلِك، فَكَذَا هُنَا جَامع الْفُصُولَيْنِ وَفِيه خَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ مَاتَ مورثك؟ فَإِن قَالَ نعم، فَحِينَئِذٍ يَسْأَلُهُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ: فَلَوْ أَقَرَّ وَكَذَّبَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُقْضَ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ وَأَجْنَبِيٌّ مَعَهُ يُقْبَلُ، وَيُقْضَى عَلَى الْجَمِيعِ وَشَهَادَتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَوْ نَكَلَ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
يُؤْخَذُ كُلُّ الدَّيْنِ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ الدّين مقدم على إِرْثه.
وَقَالَ ث: وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدِي أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يَخُصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ، وَهَذَا القَوْل أعدل وَأبْعد من الضَّرَر، وَلَوْ بَرْهَنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مَا يَخُصُّهُ وفَاقا انْتهى.
بَقِي مَا لَو برهن عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَيْنِهِ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَهَل للدائن أَخذ كُلِّهِ مِنْ حِصَّةِ الْحَاضِرِ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ.
فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ إِلَّا مَا يَخُصُّهُ انْتهى مُلَخصا.
قَوْله: (وَبِهَذَا) أَي بِقبُول شَهَادَة الْمقر مَعَ آخر أَنه على الْمَيِّت.
قَوْله: (بِمُجَرَّد إِقْرَاره) إِذا لَو أقرّ وَلَزِمَه جَمِيع المَال ثمَّ شهد مَعَ آخر، وَقبلت شَهَادَته لزمَه بِقدر حِصَّته، فَيكون فِي شَهَادَته دفع مغرم عَن نَفسه، وَالشَّهَادَة كَذَلِك لَا تقبل فقبولها دَلِيل أَن إِقْرَاره الاول لَا يعْتَبر وَلَا يلْزمه بِهِ دين وَهُوَ مُشكل، فَإِن إِقْرَار الانسان حجَّة فِي حق نَفسه، وَالْقَضَاء فِيهِ مظهر لَا مُثبت، وَلَو جعل هَذَا الْفَرْع مخرجا على قَول الْفَقِيه لَكَانَ ظَاهرا لانه لم يدْفع بِهَذِهِ الشَّهَادَة مغرما عَن نَفسه ط.
قَالَ الباقاني: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ مَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ دفع المغرم عَنهُ.
قَوْله: (فلتحفظ هَذِه الزِّيَادَة) وَهِي كَون الاقرار غير مُلْزم إِلَّا بِالْقضَاءِ لما ذكرنَا، وَحَاصِل مَا يُقَال: إِنَّه إِذا ادّعى رجل دينا على ميت وَأقر بعض الْوَرَثَة بِهِ فَفِي قَول أَصْحَابنَا يُؤْخَذ من حِصَّة الْمقر جَمِيع الدّين.
قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: هُوَ الْقيَاس، لَكِن الِاخْتِيَار عِنْدِي أَن يُؤْخَذ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ من الدّين، وَهَذَا القَوْل أبعد من الضَّرَر.
وَذكره شمس الائمة الْحلْوانِي أَيْضا.
وَقَالَ مَشَايِخنَا هُنَا: زِيَادَة شئ لم(8/261)
تشْتَرط فِي الْكتب، وَهُوَ أَن يقْضِي القَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إِذْ بِمُجَرَّد الاقرار لَا يحل الدّين فِي نصِيبه، بل يحل بِقَضَاء القَاضِي، وَيظْهر ذَلِك بِمَسْأَلَة ذكرهَا فِي الزِّيَادَات، وَهِي أَن أحد الْوَرَثَة إِذا أقرّ بِالدّينِ ثمَّ شهد هُوَ وَرجل أَن الدّين كَانَ على الْمَيِّت فَإِنَّهَا تقبل وَتسمع شَهَادَة هَذَا الْمقر إِذا لم يقْض عَلَيْهِ القَاضِي بِإِقْرَارِهِ، فَلَو كَانَ الدّين يحل فِي نصِيبه بِمُجَرَّد إِقْرَاره لزم أَن لَا تقبل فِيهَا لما فِيهِ من الْغرم.
قَالَ صَاحب الزِّيَادَات: وَيَنْبَغِي أَن تحفظ هَذِه الزِّيَادَة فَإِن فِيهَا فَائِدَة عَظِيمَة.
كَذَا فِي الْعمادِيَّة.
لَكِن يشكل على هَذَا أَن إِقْرَار الانسان حجَّة فِي حق نَفسه وَالْقَضَاء فِيهِ مظهر لَا مُثبت كَمَا ذكرُوا، وَأَيْضًا فَإِن المَال يلْزمه بِمُجَرَّد الاقرار، وَالْقَضَاء إِنَّمَا يحْتَاج فِي الْبَيِّنَة، إِذْ لَا يتهم الْمَرْء فِيمَا أقرّ بِهِ على نَفسه، وَلِهَذَا لَو أقرّ بِمعين لانسان ثمَّ أقرّ بِهِ لآخر كَانَ للاول وَلَا شئ للثَّانِي، على أَنه يكون حِينَئِذٍ فِي عرضية أَن يقْضِي عَلَيْهِ فَلَزِمَ رد شَهَادَته، كَمَا ترد شَهَادَة أهل قَرْيَة وجد فِيهَا قَتِيل وَقد ادّعى وليه الْقَتْل على بَعضهم، فَلَو جعلُوا هَذَا الْفَرْع مخرجا على قَول الْفَقِيه لَكَانَ ظَاهرا لانه لم يدْفع بِهَذِهِ الشَّهَادَة مغرما عَن نَفسه، تَأمل.
قَوْلُهُ: (أَشْهَدَ عَلَى أَلْفٍ إلَخْ) نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ لَيْسَ مَا فِي الْمَتْنِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا.
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَلْزَمَهُ الْمَالَانِ إنْ أَشْهَدَ فِي الْمَجْلِسِ.
الثَّانِي: عَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمَا كَانَ المَال وَاحِدًا، وأخراهما أَنَّهُ إنْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدَيْنِ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ جَمِيعًا، سَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ الثَّانِي الاولين أَو غَيرهمَا اهـ.
فلزوم الْمَالَيْنِ إِن أشهد فِي مجْلِس آخَرَيْنِ لَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا ذُكِرَ، وَنُقِلَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْإِمَامِ الْأُولَى، وَأَبْدَلَ الثَّانِيَةَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَابَعَةً لَهُ، وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ ابْتِدَاعُ قَوْلٍ ثَالِثٍ غَيْرِ مُسْنَدٍ إلَى أَحَدٍ وَلَا مَسْطُورٍ فِي الْكُتُبِ.
تَأمل.
قَوْلُهُ: (فِي مَجْلِسٍ آخَرَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشْهَدَ أَوَّلًا وَاحِدًا وَثَانِيًا آخَرَ فِي مَوْطِنٍ أَوْ مَوْطِنَيْنِ فَالْمَالُ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ أَشْهَد عَلَى الْأَوَّلِ وَاحِدًا وَعَلَى الثَّانِي أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَالْمَالُ وَاحِدٌ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عِنْده على الظَّاهِر.
منح.
قَوْله: (لزم المالان) اعْلَم أَنَّ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِسَبَبٍ، أَوْ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ فَيَلْزَمُ مَالٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ، أَوْ بِسَبَبٍ مُخْتَلِفٍ فَمَالَانِ مُطلقًا، وَإِن كَانَ مُطلقًا إِمَّا بصك أَو لَا، وَالْأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا بِصَكٍّ وَاحِدٍ فَالْمَالُ وَاحِدٌ مُطْلَقًا، أَوْ بِصَكَّيْنِ فَمَالَانِ مُطْلَقًا وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ يَلْزَمُ مَالَانِ عِنْدَهُ وَوَاحِدٌ عِنْدَهُمَا.
وَإِنْ كَانَ فِي مَوْطِنَيْنِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الثَّانِي شُهُودَ الاول فمثال وَاحِدٌ عِنْدَهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَطْلُوبُ هُمَا مَالَانِ، وَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمَا فَمَالَانِ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْهُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ إنْ اتَّحد الشُّهُود فمالان عِنْده، وَإِلَّا فواجد عِنْدَهُمَا.
وَأَمَّا عِنْدَهُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ مَالَانِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ مَالٌ وَاحِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيُّ: مَالَانِ، وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيّ: وَاحِد، وَإِلَيْهِ ذهب شيخ الاسلام اهـ.
مُلَخصا من التاترخانية.
وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ الشَّرْحِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنا مَا فِي الْمَتْنِ رِوَايَةٌ مَنْقُولَةٌ، وَأَنَّ اعْتِرَاضَ الغرمية عَلَى الدُّرَرِ مَرْدُودٌ حَيْثُ جَعَلَهُ قَوْلًا مُبْتَدَعًا غَيْرَ مَسْطُورٍ فِي الْكُتُبِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ.(8/262)
الْأُولَى: لُزُومُ مَالَيْنِ إنْ اتَّحَدَ الشُّهُودُ، وَإِلَّا فَمَال وَاحِد.
وَالثَّانيَِة: لُزُومُ مَالَيْنِ إنْ أَشْهَدَ عَلَى كُلِّ إقْرَارٍ شَاهِدين اتَّحد أَوْ لَا، وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَرَاجعهَا، وَسَنذكر توضيحها قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فقد تحقق أَن كَلَام المُصَنّف هُنَا هُوَ مَا فِي الْخَانِية، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالف مَا فِيهَا كَمَا لَا يخفى على من نظر فِيهَا.
قَوْله: (أَلفَانِ) بدل كل من قَوْله المالان.
قَالَ فِي الاشباه: وَإِذا تعدد الاقرار بموضعين لزمَه الشيئان، إِلَّا بالاقرار بِالْقَتْلِ بِأَن قَالَ قتلت ابْن فلَان ثمَّ قَالَ قتلت ابْن فلَان، وَكَذَا فِي العَبْد فَهُوَ إِقْرَار بِوَاحِد، إِلَّا أَن يكون سمى اسْمَيْنِ مُخْتَلفين، وَكَذَا التَّزْوِيج والاقرار بالجراحة فَهُوَ ثَلَاث، وَلَا يشبه الاقرار بِالْمَالِ فِي موضِعين اهـ.
قَالَ فِي الدُّرَر: هَذَا عِنْد أبي حنيفَة، لَكِن بِشَرْط مُغَايرَة الشَّاهِدين الآخرين للاولين فِي رِوَايَة وَشرط عدم مغايرتهما لَهما فِي أُخْرَى، وَهَذَا بِنَاء على أَن الثَّانِي غير الاول، وَعِنْدَهُمَا: لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِدَة لدلَالَة الْعرف على أَن تكْرَار الاقرار لتأكيد الْحق بِالزِّيَادَةِ فِي الشُّهُود اهـ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ) وَلَوْ فِي مجْلِس وَاحِد.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: جَعَلَ الصِّفَةَ كَالسَّبَبِ حَيْثُ قَالَ: إنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ بِيضٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ سُودٍ فَمَالَانِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ اخْتِلَافَ السَّبَبِ وَزَعَمَ الْمُقِرُّ اتِّحَادَهُ أَوْ الصَّكَّ أَوْ الْوَصْفَ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ، وَلَوْ اتَّحَدَ السَّبَبُ وَالْمَالُ الثَّانِي أَكْثَرُ يَجِبُ الْمَالَانِ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَم الْأَكْثَرُ.
سَائِحَانِيٌّ.
قَوْله: (بِخِلَاف مَا لَو اتَّحَدَ السَّبَبُ) بِأَنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثَمَنُ هَذَا الْعَبْدِ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ فِي ذَلِك الْمجْلس أَو فِي غَيره.
منح.
قَوْله: (أَو الشُّهُود) هَذَا على مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا مر وَيَأْتِي، لَكِن قَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا لم يُوَافق أحد الْقَوْلَيْنِ السَّابِقين، فَإِن القَوْل الاول حَاصله أَن اتِّحَاد الشُّهُود يُوجب
التَّعَدُّد وَاخْتِلَافهمْ لَا يُوجِبهُ، وَالثَّانِي اعْتبر اخْتِلَاف المواطن، فَتَأمل اهـ.
أَقُول: لَا يخفى عَلَيْك أَن مَا مر من التَّفْصِيل يُؤَيّد كَلَام الشَّارِح وَأَنه الِاسْتِحْسَان بِأَنَّهُ مَال وَاحِد، فَتَأمل.
وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي قَرِيبا.
قَوْله: ثمَّ عِنْد القَاضِي) إِنَّمَا كَانَ وَاحِدًا لانه أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ عِنْده تثبيته على نَفسه خوف مَوته أَو جحوده، وَكَذَا لَو كَانَ كل عِنْد القَاضِي فِي مجلسين ط أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ عَن الْمجلة صُدُور الامر الشريف السلطاني بِالْعَمَلِ بِمُوجبِه، وفيهَا أَيْضا فِي مَادَّة 1161، لَو كتب على نَفسه سندا وأمضاه أَو خَتمه على المرسوم الْمُتَعَارف كَمَا مر وَسلمهُ للدائن ثمَّ مَاتَ من عَلَيْهِ الدّين وَأنكر الْوَرَثَة الْخط وَالدّين: فَإِذا كَانَ خطه وختمه مشهورين ومعروفين بَين النَّاس يعْمل بِمُوجب السَّنَد، وَفِي مَادَّة 2161: لَو وجد عِنْد الْمَيِّت صرة نقود مَكْتُوب عَلَيْهَا بِخَط الْمَيِّت هَذِه أَمَانَة فلَان الْفُلَانِيّ ودراهمه من يَده تُؤْخَذ من التَّرِكَة وَلَا يحْتَاج لاثباتها إِذا كَانَ الْخط مَعْرُوفا بِأَنَّهُ خطه.
قَوْله: (أَو بعكسه) لانه يخبر عَمَّا لزمَه فِي مَجْلِسه.
قَوْله: (أَن الْمُعَرّف) كَمَا إِذا عين سَببا وَاحِدًا لِلْمَالِ فِي الاقرارين.
قَوْله: (أَو الْمُنكر) كَمَا إِذا أقرّ بِأَلف مُطلق عَن السَّبَب ثمَّ أقرّ بِأَلف ثمن هَذَا العَبْد.
قَوْله: (أَو مُنْكرا فَغَيره) كَمَا إِذا أقرّ بِأَلف ثمَّ بِأَلف أَو أقرّ بِأَلف ثمن عبد ثمَّ بِأَلف ثمن عبد، وَصُورَة إِعَادَة الْمُعَرّف مُنْكرا، مَا إِذا أقرّ بِأَلف ثمن هَذَا العَبْد ثمَّ أقرّ بِأَلف، وَالْمَسْأَلَة الاولى هِيَ(8/263)
الخلافية، هَل يعْتَبر اتِّحَاد الشُّهُود أَو اتِّحَاد الموطن على الْقَوْلَيْنِ السَّابِقين، فكونه غيرا عِنْد التنكير على هَذَا التَّفْصِيل ط.
قَوْله: (وَلَو نسي الشُّهُود) أَي فِي صُورَة تعدد الاشهاد
قَوْله: (وَقيل وَاحِد) لَان المَال لَا يجب بِالشَّكِّ.
قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْخَانِية) وَحَاصِله: أَن الصُّور أَربع: فِي اثْنَيْنِ يكون الثَّانِي عين الاول، وَفِي اثْنَيْنِ يكون غيرا، وَهَذَا كُله فِيمَا اتَّحد المالان أما إِذا اخْتلفَا قلَّة وَكَثْرَة فقد ذكره فِي الْمجمع والمنظومة.
وَعبارَة الْمجمع: وتعدد المشهد: أَي مَوضِع الاشهاد والشاهدين العدلين مُلْزم للمالين وَالزِّيَادَة بالاكثر إِن تَفَاوتا.
قَالَ شَارِحه: رجل أقرّ بِأَلف فِي مجْلِس وَأشْهد عَلَيْهِ شَاهِدين عَدْلَيْنِ، ثمَّ أقرّ فِي مجْلِس آخر
بِأَلف أَو أقل أَو أَكثر وَأشْهد عَدْلَيْنِ آخَرين.
قَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه المالان، وَقَالا: يلْزمه مَال وَاحِد إِن تَسَاويا، وَإِن تَفَاوتا لزمَه أكثرهما، لَان الاقرار إِخْبَار بِالْحَقِّ الثَّابِت والاخبار قد يُكَرر فَيكون الثَّانِي عين الاول، فَصَارَ كَمَا لَو أقرّ بهما فِي مجْلِس وَاحِد أَو أشهد عدلا وَاحِدًا فِي الاول أَو فاسقين، وَله أَنَّهُمَا إقراران مُخْتَلِفَانِ، وَالْمَال قد يجب وقتا بعد وَقت، وَالظَّاهِر أَن الثَّانِي غير الاول، على أَن النكرَة إِذا كررت لم يكن الثَّانِي عين الاول، إِلَّا إِذا أُعِيدَت معرفَة كَقَوْلِه تَعَالَى: * (كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا) * (المزمل: 51 - 61) وَفِي الْكَافِي شرح الْمَنْظُومَة: من أقرّ على نَفسه لرجل بِمِائَة دِرْهَم مثلا فِي مَوضِع وَأشْهد شَاهِدين ثمَّ أقرّ وَأشْهد فِي مَوضِع آخر شَاهِدين على مائَة دِرْهَم أَو أقل أَو أَكثر فَعَلَيهِ المالان إِذا ادّعى الطَّالِب الْمَالَيْنِ، وَقَالا: عَلَيْهِ مَال وَاحِد، فَإِن تَفَاوتا فَعَلَيهِ أكثرهما، وَهَذَا إِذا لم يبين سَببا، فَإِن بَين السَّبَب متحدا بِأَن قَالَ فِي الْمَرَّتَيْنِ عَن هَذَا العَبْد يلْزمه مَال وَاحِد، وَإِن بَين سَببا مُخْتَلفا بِأَن قَالَ أَو لَا ثمن هَذَا العَبْد وَثَانِيا ثمن هَذِه الْجَارِيَة يلْزمه المالان، قيد: أَي صَاحب الْمجمع بِتَعَدُّد الاشهاد والمشهد، لانه إِذا اتَّحد أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا يلْزمه مَال وَاحِد اتِّفَاقًا، وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف بل أَلفَانِ لزمَه أَلفَانِ.
وَقَالَ زفر: يلْزمه ثَلَاثَة اهـ.
وَالْحَاصِل: أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على وُجُوه: لانه إِمَّا أَن يضيف إِقْرَاره إِلَى سَبَب أَو لَا.
والاول إِمَّا أَن يكون السَّبَب متحدا أَو مُخْتَلفا، فَإِن أضَاف إِلَى سَبَب وَاحِد بِأَن قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد ثمَّ أقرّ بعد ذَلِك فِي ذَلِك الْمجْلس أَو مجْلِس آخر أَن لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد وَالْعَبْد وَاحِد لَا يلْزمه إِلَّا ألف وَاحِد على كل حَال فِي قَوْلهم جَمِيعًا، وَإِن كَانَ السَّبَب مُخْتَلفا بِأَن قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذِه الْجَارِيَة ثمَّ قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمن هَذَا العَبْد يلْزمه المالان فِي قَوْلهم أقرّ بذلك فِي موطن أَو موطنين.
وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكْتب بِهِ صكا على نَفسه، فَإِن كَانَ الصَّك وَاحِدًا لزمَه مَال وَاحِد، وَإِن كَانَ كتب صكين وَأقر بِهَذَا ثمَّ بِهَذَا لزمَه المالان، وَنزل اخْتِلَافهمَا بِمَنْزِلَة اخْتِلَاف السَّبَب، وَإِن لم يكْتب صكا لكنه أقرّ مُطلقًا فَإِن تعدد الاقرار والاول عِنْد غير القَاضِي وَالثَّانِي عِنْده لزمَه مَال وَاحِد، وَكَذَا لَو كَانَ كل عِنْد القَاضِي لَكِن فِي مجلسين فَادّعى الطَّالِب مالين وَالْمَطْلُوب يَقُول إِنَّه وَاحِد فَالْقَوْل قَول الْمَطْلُوب، وَإِن تعدد الاقرار عِنْد غير القَاضِي: فَإِن أشهد على كل إِقْرَار فَردا فَالْمَال وَاحِد
عِنْد الْكل تعدد الْمجْلس أَو اخْتلف، وَإِن أشهد على الاول وَاحِدًا وَعلي الثَّانِي جمَاعَة فَالْمُعْتَمَد لُزُوم مَال(8/264)
وَاحِد عِنْد الْجَمِيع، وَإِن أشهد على كل إِقْرَار شَاهِدين فَقَالَ الامام: يلْزمه مالان إِن لم يتَغَيَّر الشُّهُود، فَإِن تغيرُوا كَانَ المَال وَاحِدًا، فبعض الْمَشَايِخ قَالُوا: إِن كَانَ ذَلِك فِي موطنين وَأشْهد على إِقْرَاره شَاهِدين فَإِنَّهُ يلْزمه المالان جَمِيعًا، سَوَاء أشهد على قَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: كَذَا ذكره إِقْرَاره الثَّانِي الاولين أَو غَيرهمَا الْخصاف، وَالظَّاهِر أَن الْخلاف بَينهم فِيمَا إِذا كَانَ الاقراران فِي موطنين، أما إِذا كَانَ فِي موطن وَاحِد فَيكون المَال وَاحِدًا وَحَاصِله: أَن الصُّور الوفاقية والخلاقية ثَمَانِيَة: وَاحِدَة خلافية وَالْبَاقِي وفاقية، وَذَلِكَ لانه إِذا لم يبين السَّبَب وَاخْتلف الْمجْلس وَالشُّهُود لزم مالان عِنْده خلافًا لَهما، وَإِن اتَّحد الْمجْلس وَبِه صك فاللازم ألف وَاحِدَة اتِّفَاقًا، وَإِن كَانَ لَا صك فَفِي تَخْرِيج الْكَرْخِي أَلفَانِ، وَفِي تَخْرِيج الطَّحَاوِيّ ألف، وَإِن بَين السَّبَب: فَإِن كَانَ مُخْتَلفا فألفان، وَإِن متحدا فألف، وَكَذَا إِن اتَّحد الشُّهُود أَو اتَّحد الصَّك، وَإِن كَانَ صكان فَأشْهد عَلَيْهِمَا لزم مالان.
وَحَاصِل الصُّور الْعَقْلِيَّة اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ صُورَة، لانه لَا يَخْلُو: إِمَّا أَن لَا يبين السَّبَب، أَو يبين سَببا مُخْتَلفا أَو متحدا، فَهِيَ ثَلَاث، وَفِي كل: إِمَّا أَن يكون فِي مجْلِس أَو فِي مجلسين فَهِيَ سِتَّة، وَفِي كل: إِمَّا أَن تتحد الشُّهُود أَو تخْتَلف فَهِيَ اثْنَا عشر، وَفِي كل: إِمَّا أَن لَا يكون بِهِ صك أَو بِهِ صك وَاحِد أَو صكان فَهِيَ سِتَّة وَثَلَاثُونَ، وَفِي كل: إِمَّا أَن يتحدا المالان أَو يختلفا فَهِيَ اثْنَان وَسَبْعُونَ.
هَذِه خُلَاصَة مَا حَقَّقَهُ المحشون فِي هَذَا الْمحل فاغتنمه فَإِنَّهُ من فيض الْمُنعم الاجل.
قَوْلُهُ: (أَقَرَّ) أَيْ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَتَّى الْفَرَائِض من الْكَنْز
قَوْله: (عِنْد الثَّانِي) وَعِنْدَهُمَا لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله.
قَوْله: (وَبِه يُفْتى) وَهُوَ الْمُخْتَار.
بَزَّازِيَّة ظَاهره أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا ادَّعَى الْإِقْرَارَ كَاذِبًا يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ وَارِثُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مُضْطَرًّا إلَى الْكَذِبِ فِي الْإِقْرَارِ أَوْ لَا.
قَالَ شَيخنَا: وَلَيْسَ كَذَلِك لما سَيَأْتِي من مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الصُّلْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي صَكٍّ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ ثمَّ ادّعى أَن بعض الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ قَرْضٌ وَبَعْضَهُ رِبًا إلَخْ حَيْثُ نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُفْتَى بِقَوْلِ أبي يُوسُف، من أَنه يحلف الْمقر لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ كَاذِبًا فِي كل صُورَةٍ يُوجَدُ فِيهَا اضْطِرَارُ الْمُقِرِّ إلَى الْكَذِبِ فِي الاقرار، أَبُو السُّعُود.
وَفِيه: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا، لِأَنَّ الْعِبَارَةَ هُنَاكَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، فَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ، كُلَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَبِهِ جزم المُصَنّف، فَرَاجعه اهـ.
أَقُول: وَقدمنَا شَيْئا مِنْهُ فِي شَتَّى الْقَضَاء وَسَيَأْتِي فِي شَتَّى الاقرار.
قَوْله: (دُرَر) نَصهَا: وَهُوَ اسْتِحْسَان، وَوَجهه أَن الْعَادة جرت بَين النَّاس أَنهم إِذا أَرَادوا الِاسْتِدَانَة يَكْتُبُونَ الصَّك قبل الاخذ ثمَّ يَأْخُذُونَ المَال، فَلَا يكون الاقرار دَلِيلا على اعْتِبَار هَذِه الْحَالة فَيحلف، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى لتغير أَحْوَال النَّاس، وَكَثْرَة الخداع والخيانات، وَهُوَ يتَضَرَّر وَالْمُدَّعِي لَا يضرّهُ الْيَمين إِن كَانَ صَادِقا فيصار إِلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا يُؤمر بِتَسْلِيم الْمقر بِهِ إِلَى الْمقر لَهُ، وَهُوَ الْقيَاس، لَان الاقرار حجَّة ملزمة شرعا كالبينة بل أولى لَان احْتِمَال الْكَذِب فِيهِ أبعد اهـ.
وَقَيده فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة بِأَنَّهُ لم يصر مَحْكُومًا عَلَيْهِ بالاقرار.
فَإِن صَار مَحْكُومًا عَلَيْهِ بالاقرار لَا يحلف كَمَا هُوَ صَرِيح كَلَام الْبَزَّازِيَّة.(8/265)
قَالَ فِي الْمنح: كَمَا فِي كثير من الْمُعْتَبرَات، وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد: لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله.
قَالَ فِي الْخَانِية بعد ذكر الْخلاف فِي كتاب الاقرار: فَإِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة خلاف أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ يُفَوض ذَلِك إِلَى رأى القَاضِي والمفتى.
ذكره فِي كتاب الدَّعْوَى فِي بَاب الْيَمين.
قَوْله: (فَيحلف) أَي الْمقر لَهُ أَنه لم يكن الْمُورث كَاذِبًا فِيمَا أقرّ وَبَعْضهمْ على إنَّهُ لَا يَحْلِفُ.
بَزَّازِيَّةٌ.
وَالْأَصَحُّ التَّحْلِيفُ.
حَامِدِيَّةٌ عَن صدر الشَّرِيعَة.
قَوْله: (وَإِن كَانَت الدَّعْوَى) أَي من الْمقر أَو من وَارثه.
قَوْله: (أَنا لَا نعلم) بدل مِمَّا قبله.
قَوْله: (إِنَّه كَانَ كَاذِبًا) إِذا لم يكن إِبْرَاء عَام، فَلَوْ كَانَ لَا تُسْمَعُ، لَكِنْ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ نجيم رِسَالَة أفتى فِيهَا بسماعها حاصلها: لَو أقرَّت امْرَأَة فِي صِحَّتهَا لبنتها بمبلغ معِين ثمَّ وَقع بَينهمَا إِبْرَاء عَامٌّ ثُمَّ مَاتَتْ فَادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ تسمع دَعْوَاهُ، وَله تَحْلِيف الْبِنْت، وَلَا يَصح الْحُكْمِ قَبْلَ التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ، لَان الْإِبْرَاءَ هُنَا لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَدَّعِي عدم لُزُوم شئ، بِخِلَافِ مَا إذَا
دَفَعَ الْمُقِرُّ الْمَالَ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِرْجَاعَ الْمَالِ والبراءة مَانِعَة من ذَلِك.
أما الاولى: فَإِنَّهُ لم يدع استرجاع شئ وَإِنَّمَا يدْفع عَن نَفسه فَافْتَرقَا، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقَرَّ فَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ إنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا فَلَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَالْمُقَرُّ لَهُ عَالِمٌ بِهِ لَيْسَ لَهُمْ تَحْلِيفُهُ، إذْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِمَالِ الْمُقِرِّ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ، وَحَيْثُ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ صَارَ حَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ ص.
أَقَرَّ وَمَاتَ فَقَالَ وَرَثَتُهُ إِنَّه أقرّ تلجئة يحلف لَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَقَرَّ لَك إقْرَارًا صَحِيحًا ط.
وَارِثٌ ادَّعَى أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَقَرَّ تَلْجِئَةً: قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا لَا يُقْبَلُ.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: يَقُولُ الْحَقِيرُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُ الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرًا إذْ الْإِقْرَارُ كَاذِبًا مَوْجُودٌ فِي التَّلْجِئَةِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ التَّلْجِئَةَ أَنْ يُظْهِرَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فِي الْعَلَنِ خِلَافَ مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ، فَفِي دَعْوَى التَّلْجِئَةِ يَدَّعِي الْوَارِثُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فِعْلًا لَهُ، وَهُوَ تَوَاضُعُهُ مَعَ الْمُقِرِّ فِي السِّرِّ فَلِذَا يَحْلِفُ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِقْرَارِ كَاذِبًا كَمَا لَا يخفى على من أُوتِيَ فهما صافيا اهـ.
من أَوَاخِر الْفَصْل الْخَامِس عشر، وَالله تَعَالَى أعلم وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.
بَاب الِاسْتِثْنَاء
لما ذكر الاقرار بِلَا تَغْيِير شرع فِي بَيَان مُوجبه مَعَ التَّغْيِير بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشّرط وَنَحْوه، وَهُوَ استفعال من الثني، وَهُوَ لُغَة: الصّرْف وَالرَّدّ، فالاستثناء صرف الْقَائِل: أَي رده عَن الْمُسْتَثْنى فَيكون حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل والمنفصل، لَان إِلَّا هِيَ الَّتِي عدت الْفِعْل إِلَى الِاسْم حَتَّى نصبته فَكَانَت بِمَنْزِلَة الْهمزَة فِي التَّعْدِيَة، والهمزة تعدِي الْفِعْل إِلَى الْجِنْس وَغير الْجِنْس حَقِيقَة وفَاقا، فَكَذَا مَا هُوَ بمنزلتها.
حموي.
وَاصْطِلَاحا: مَا ذكره الشَّارِح وَهُوَ مُتَّصِل وَهُوَ الاخراج، والتكلم بِالْبَاقِي ومنفصل وَهُوَ مَا لَا يَصح إِخْرَاجه كَمَا فِي الْعِنَايَة.
قَوْله: (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَي مثل التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله، وَكَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم وَدِيعَة كَمَا هُوَ مُقَرر فِي كَلَامهم.
فتال.
قَوْله: (كالشرط نَحوه) أَي فِي كَونه مغيرا كالشرط وَهُوَ(8/266)
الصّفة وَالْحَال، وَاعْترض قَاضِي زَاده على من قَالَ: وَهُوَ الشَّرْط بِأَنَّهُ يَقْتَضِي حصر مَا فِي مَعْنَاهُ فِي
الشَّرْط فَلَا يدْخل أَكثر مَا فِي هَذَا الْبَاب، فالاولى مَا فِي شرح تَاج الشَّرِيعَة والكفاية من قَوْله: كالشرط وَغَيره كَمَا عبر الشَّارِح، فَلَا غُبَار على عبارَة الشَّارِح حَيْثُ قَالَ وَنَحْوه، لانها بَيَان لما فِي قَول المُصَنّف وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ قد صرح بهَا بِمَا علم التزاما من كَاف التَّمْثِيل الْمشعر عَن الْكَثْرَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور بَين الْجُمْهُور، وَهَذَا الْجمع بَينهمَا قد وَقع من صَاحب الْمِفْتَاح فِي مَوَاضِع وَالْمرَاد بِنَحْوِ الشَّرْط مَا ذكرنَا، وَمَا سيجئ من إِقْرَاره بدين ثمن عبد غير عين وإنكاره قَبضه وَإِقْرَاره بِثمن مَتَاع وَبَيَانه بِأَنَّهُ زيوف وَنَحْوهمَا فَظهر أَن من فسر قَوْله وَمَا بِمَعْنَاهُ بقوله وَهُوَ الشَّرْط لم يصب لانه يُوهم الْحصْر كَمَا لَا يخفى.
قَوْله: (هُوَ عندنَا تكلم بِالْبَاقِي) أَي معنى لَا صُورَة.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الثُّنْيَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَفِي آخِرِهِ ألف مَقْصُورَة اسْم من الِاسْتِثْنَاء، وَكَذَلِكَ الثنوي بِالْفَتْح مَعَ الْوَاو وَفِي الحَدِيث من اسْتثْنى فَلهُ ثنياه.
أَي مَا اسْتَثْنَاهُ وَالْمرَاد بعد الثنيا: أَي بعد الْمُسْتَثْنى، فَيكون الِاسْتِثْنَاء عندنَا لبَيَان أَن الصَّدْر لم يتَنَاوَل الْمُسْتَثْنى، وَعند الشَّافِعِي إِخْرَاج بطرِيق الْمُعَارضَة.
قَالَ فِي شرح الْمنَار لِابْنِ ملك: فَصَارَ تَقْدِير قَول الرجل لفُلَان عَليّ ألف إِلَّا مائَة عندنَا لفُلَان عَليّ تِسْعمائَة، وَإنَّهُ لم يتَكَلَّم بالالف فِي حق لُزُوم الْمِائَة، وَعند الشَّافِعِي إِلَّا مائَة فَإِنَّهَا لَيست عَليّ فَإِن صدر الْكَلَام يُوجِبهُ وَالِاسْتِثْنَاء يَنْفِيه فتعارضا فتساقطا بِقدر الْمُسْتَثْنى اهـ.
وَاسْتشْكل الزَّيْلَعِيّ مَذْهَب الشَّافِعِي بِوُقُوعِهِ فِي الطَّلَاق وَالْعتاق، فَلَو كَانَ إخراجا بطرِيق الْمُعَارضَة لما صَحَّ، لَان الطَّلَاق وَالْعتاق لَا يحتملان، وَالرَّفْع بعد الْوُقُوع.
قَالَ: وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا مائَة أَو خمسين فعندنا يلْزمه تِسْعمائَة، لانه لما كَانَ تكلما بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعا من الدُّخُول شككنا فِي الْمُتَكَلّم بِهِ، والاصل بَرَاءَة الذمم فَلَا يلْزمه الزَّائِد بِالشَّكِّ، فَصَارَ نَظِير مَا لَو قَالَ عَليّ تِسْعمائَة أَو تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ فَإِنَّهُ يلْزمه الاقل، وَعِنْده: لما دخل الالف كُله صَار فِي الْمخْرج شكّ، فَيخرج الاقل وَهُوَ خَمْسُونَ وَالْبَاقِي على حَاله انْتهى.
لَكِن قَول الزَّيْلَعِيّ: فعندما يلْزمه تِسْعمائَة خلاف الاصح.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِذَا اسْتَثْنَى عَدَدَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الشَّكِّ كَانَ الاقل مخرجا بحوله على ألف دِرْهَم إِلَّا مائَة أَو خمسين لزمَه تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ على الاصح انْتهى.
كَذَا فِي حَاشِيَة أبي السُّعُود على مِسْكين.
أَقُول: لَكِن نقل الْمَقْدِسِي عَن متفرقات وَصَايَا الْكَافِي: أَن الْقَائِل بِأَن الْمُسْتَثْنى خَمْسُونَ الْعَامَّة، وَقَالَ مُحَمَّد: إِنَّه مائَة.
وَذكر فِي الظَّهِيرِيَّة والولوالجية أَن قَول مُحَمَّد رِوَايَة أبي حَفْص، وَتلك رِوَايَة سُلَيْمَان، وَفِي الدِّرَايَة صححها، وَصحح قاضيخان فِي شرح الزِّيَادَات رِوَايَة أبي حَفْص وَقَالَ: وَهُوَ الْمُوَافق لقواعد الْمَذْهَب، وَسَيَأْتِي للفرع تَتِمَّة.
قَوْله: (بِاعْتِبَار الْحَاصِل من مَجْمُوع التَّرْكِيب) هَذَا كالتأكيد لما قبله، فَإِن التَّكَلُّم بِالْبَاقِي بعد الثنيا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالنّظرِ لما بعد إِلَّا وَمَا قبلهَا، فالمتحصل من مَجْمُوع لَهُ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لَهُ عَليّ سَبْعَة.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَا حكم فِيمَا بعد إِلَّا بل مسكوت عَنهُ عِنْد عدم الْقَصْد كَمَسْأَلَة الاقرار فِي قَول لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لفهم أَن الْغَرَض الاثبات فَقَط، فنفي الثَّلَاثَة إِشَارَة لَا عبارَة، وَإِثْبَات السَّبْعَة عَكسه، وَعند الْقَصْد يثبت لما بعْدهَا نقيض مَا قبلهَا ككلمة التَّوْحِيد نفي وَإِثْبَات قصدا فالاستثناء تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوع التَّرْكِيب، وَنفي وَإِثْبَات بِاعْتِبَار الاجزاء اهـ.
فالباقي(8/267)
والثنيا هما عين النَّفْي والاثبات، فَلَو صدر بِالنَّفْيِ لم يكن مقرا بشئ كَمَا لَو قَالَ لَيْسَ لَهُ عَليّ سَبْعَة كَمَا فِي التَّنْقِيح.
قَالَ: فَأصل هَذَا يُفِيد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله لَا يُفِيد التَّوْحِيد مَعَ أَنهم أَجمعُوا على الافادة.
الْجَواب، أَن إلهنا مُتَّفق على وُجُوبه ثمَّ قُلْنَا بِنَفْي غَيره، وَقد أَفَادَهُ هَذَا التَّرْكِيب وَبِهَذَا الِاعْتِبَار أَفَادَ التَّوْحِيد.
قَوْله: (باعبتار الاجزاء) أَي اللفظية فصدر الْجُمْلَة الاستثنائية نفي وعجزها إِثْبَات أَو بِالْعَكْسِ ط.
قَوْله: (فالقائل لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة) أَي فالمقر بسبعة.
قَوْله: (لَهُ عبارتان)
قَوْله: (وَهَذَا) الظَّاهِر أَنه رَاجع إِلَى قَول المُصَنّف هُوَ تكلم بِالْبَاقِي الخ وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ حِينَئِذٍ: أَي إِلَى.
قَوْله بِاعْتِبَار الْحَاصِل من مَجْمُوع التَّرْكِيب ط.
أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا ذكره الاصوليون فِي الِاسْتِثْنَاء.
قَالَ فِي التَّنْقِيح وَشَرحه: وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة عمل بَيَان التَّغْيِير، فَفِي قَوْله: لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة لَا يَخْلُو، أما إِن أطلق الْعشْرَة على السَّبْعَة فَحِينَئِذٍ قَوْله إِلَّا ثَلَاثَة يكون بَيَانا لهَذَا، فَهُوَ كَأَن قَالَ لَيْسَ عَليّ ثَلَاثَة مِنْهَا، فَيكون كالتخصيص بالمستقل، أَو أطلق الْعشْرَة على عشرَة أَفْرَاد ثمَّ أخرج لَهُ ثَلَاثَة بِحكم، وَهَذَا تنَاقض وَإِن كَانَ بعد الاقرار وَلَا أَظُنهُ مَذْهَب أحد أَو قبله، ثمَّ حكم على الْبَاقِي أَو أطلق
عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة على السَّبْعَة فَكَأَنَّهُ قَالَ عَليّ سَبْعَة، فَحصل ثَلَاثَة مَذَاهِب، فعلى هذَيْن: أَي المذهبين الآخرين يكون الِاسْتِثْنَاء تكلما بِالْبَاقِي فِي صدر الْكَلَام بعد الثنيا: أَي الْمُسْتَثْنى، فَفِي قَوْله لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة صدر الْكَلَام عشرَة والثنيا ثَلَاثَة، وَالْبَاقِي فِي صدر الْكَلَام بعد الْمُسْتَثْنى سَبْعَة فَكَأَنَّهُ تكلم بالسبعة وَقَالَ لَهُ عَليّ سَبْعَة، وَإِنَّمَا قُلْنَا على الآخرين تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا، أما على الْمَذْهَب الآخير فلَان عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة مَوْضُوعَة للسبعة فَيكون تكلما بالسبعة، وَأما على الْمَذْهَب الثَّانِي فُلَانُهُ أخرج الثَّلَاثَة قبل الحكم من إِفْرَاد الْعشْرَة ثمَّ حكم على السَّبْعَة، فالتكلم فِي حق الحكم يكون بالسبعة: أَي يكون الحكم على السَّبْعَة فَقَط لَا على الثَّلَاثَة لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بالاثبات اهـ.
فرع: لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا خَمْسَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما، فطريقه أَن يخرج الاخير وَهُوَ الدِّرْهَم مِمَّا يَلِيهِ يبْقى دِرْهَمَانِ، ثمَّ تخرجهما مِمَّا بَينهمَا وَهُوَ الْخَمْسَة يبْقى ثَلَاثَة فأخرجها من السَّبْعَة يبْقى أَرْبَعَة فأخرجها من الْعشْرَة يبْقى سِتَّة.
سائحاني.
قَوْله: (وَشرط فِيهِ) أَي فِي اعْتِبَاره شرعا.
قَوْله: (الِاتِّصَال بالمستثنى مِنْهُ) لَان تَمام الْكَلَام بِآخِرهِ، وَإِذا انْقَطع فقد تمّ.
عَيْني.
وَنقل عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا جَوَاز التَّأْخِير.
دُرَر.
قَالَ أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَته عَليّ مِسْكين عِنْد قَوْله وَكَذَا إِن كَانَ مَفْصُولًا: بَطل الِاسْتِثْنَاء خلافًا لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا اسْتدلَّ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: وَالله لاغزون قُريْشًا، ثمَّ قَالَ بعد سنة: إِن شَاءَ الله قُلْنَا: هُوَ مغير والمغير لَا يَصح إِلَّا مُتَّصِلا كالشرط، واستثناء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لامتثال أمره تَعَالَى بِقدر الامكان فَلَا يمْنَع الِانْعِقَاد.
زَيْلَعِيّ.
وَقَوله لامتثال أمره تَعَالَى يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: * () * (الْكَهْف: 32 - 42) .
قَوْله: (لانه للتّنْبِيه) أَي تَنْبِيه الْمُنَادِي لما يلقى إِلَيْهِ من الْكَلَام.
قَوْله: (والتأكيد) بِتَعْيِين الْمقر لَهُ فَصَارَ من الاقرار، لِأَنَّ الْمُنَادَى هُوَ الْمُخَاطَبُ، وَمُفَادُهُ لَوْ كَانَ(8/268)
الْمُنَادِي غير الْمقر لَهُ يضر.
نَقله الْحَمَوِيّ عَنْ الْجَوْهَرَةِ.
وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا.
لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إلَّا عَشَرَةً كَانَ جَائِزًا، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ لِشَخْصٍ خَاصٍّ، وَهَذَا صيغته فَلَا يعد فاصلا اهـ.
تَأمل.
قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لِأَنَّ النِّدَاءَ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِتَأْكِيدِ الْخِطَابِ وَالْإِقْرَارِ، فَصَارَ مِنْ
الْإِقْرَارِ اهـ.
ثمَّ اعْلَم أَن الملائم للاقرار لَا يمْنَع الاتصاف وَغير الملائم يمنعهُ، فَمن قبيل الاول التنفس والسعال وَأخذ الْفَم وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا لَا تفصل الِاسْتِثْنَاء، وَكَذَا النداء سَوَاء كَانَ مُفردا نَحْو يَا فلَان أَو مُضَافا نَحْو يَا ابْن فلَان، سَوَاء كَانَ المنادى مقرا لَهُ أَو غَيره نَحْو لَك عَليّ مائَة دِرْهَم يَا فلَان أَو يَا ابْن فلَان إِلَّا عشرَة، وَنَحْو قَوْلك لزيد عَليّ مائَة دِرْهَم يَا عَمْرو إِلَّا عشرَة من قبيل الثَّانِي مَا لَو هلل أَو سبح أَو كبر أَو قَالَ فَاشْهَدُوا، فَإِن كلا مِنْهَا جعل فاصلا كَمَا فِي الْغَايَة والظهيرية، وَبَاقِي التَّفْصِيل فِي تنوير تَلْخِيص الْجَامِع الْكَبِير فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء يكون على الْجمع.
قَوْله: (وَلَو الاكثر عِنْد الاكثر) أَي وَلَو أَكثر من النّصْف عِنْد أَكثر النُّحَاة.
قَالَ الْفراء: اسْتثِْنَاء الاكثر لَا يجوز لَان الْعَرَب لم تَتَكَلَّم بِهِ، وَالدَّلِيل على جَوَازه قَوْله تَعَالَى: * () * (المزمل: 2 - 3 - 4) وَقَوله تَعَالَى: * ((15) إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين) * (الْحجر: 24) فاستثنى المخلصين تَارَة والغاوين أُخْرَى، فَأَيّهمَا كَانَ أَكثر لزمَه وَلَا تمنع صِحَّته وَإِن لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب إِذا كَانَ مُوَافقا لطريقهم كاستثناء الكسور لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب، وَهُوَ صَحِيح لَكِن يدل على تكلم الْعَرَب بِهِ وردوه فِي الْقُرْآن كَمَا سَمِعت النَّص الْكَرِيم.
وَقَالَ الشَّاعِر: أَدّوا الَّتِي نقصت تسعين من مائَة ثمَّ ابْعَثُوا حكما بِالْعَدْلِ حكام اسْتثْنى تسعين من مائَة وَإِن لم يكن بأداته لانه فِي مَعْنَاهُ.
وَقَالَ صَاحب النِّهَايَة: وَلَا فرق بَين اسْتثِْنَاء الاقل والاكثر وَإِن لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب، وَلَا يمْنَع صِحَّته إِذا كَانَ مُوَافقا لطريقهم.
وَعَن أبي يُوسُف وَهُوَ قَول مَالك وَالْفراء: لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء إِلَّا إِذا كَانَ الْبَاقِي أَكثر كَمَا فِي مِسْكين.
قَوْله: (وَالِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق بَاطِل وَلَو فِيمَا يقبل الرُّجُوع) قَالَ فِي الْمنح: لما تقرر من أَنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا، وَلَا حَاصِل بعد الْكل فَيكون رُجُوعا.
وَالرُّجُوع عَن الاقرار بَاطِل مَوْصُولا كَانَ أَو مَفْصُولًا.
كَذَا فِي الْعِنَايَة وَغَيرهَا، لَكِن مُقْتَضى هَذَا الْكَلَام صِحَة اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل فِيمَا يقبل الرُّجُوع، وَلَيْسَ كَذَلِك وَمن ثمَّ قلت: وَلَو فِيمَا يقبل الرُّجُوع كوصية.
قَالَ فِي الْجَوْهَرَة: وَاخْتلفُوا فِي اسْتثِْنَاء الْكل، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ رُجُوع لانه يبطل كل الْكَلَام، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ اسْتثِْنَاء فَاسد وَلَيْسَ بِرُجُوع(8/269)
وَهُوَ الصَّحِيح، لانهم قَالُوا فِي الْمُوصي: إِذا اسْتثْنى جَمِيع الْمُوصى بِهِ بَطل الِاسْتِثْنَاء وَالْوَصِيَّة صَحِيحَة، وَلَو كَانَ رُجُوعا لبطلت الْوَصِيَّة لَان الرُّجُوع فِيهَا جَائِز اهـ.
قَوْله: (هُوَ الصَّحِيح) على خلاف مَا فِي الدُّرَر حَيْثُ قَالَ: لانك قد عرفت أَنه تكلم بِالْبَاقِي بعد الثنيا، وَلَا بَاقِي بعد الْكل فَيكون رُجُوعا وَالرُّجُوع بعد الاقرار بَاطِل مَوْصُولا كَانَ أَو مَفْصُولًا.
قَوْله: (بِعَين لفظ الصَّدْر) كنسائي طَوَالِق إِلَّا نسَائِي وكعبيدي أَحْرَار إِلَّا عَبِيدِي.
قَوْله: (أَو مساويه) نَحْو نسَائِي طَوَالِق إِلَّا زوجاتي أَو عَبِيدِي أَحْرَار إِلَّا مماليكي.
قَالَ فِي الْمنح نقلا عَن الْعِنَايَة معزيا إِلَى الزِّيَادَات: اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل إِنَّمَا لَا يَصح إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء بِعَين ذَلِك اللَّفْظ، أما إِذا كَانَ بِغَيْر ذَلِك فَيصح كَمَا إِذا قَالَ نسَائِي طَوَالِق إِلَّا نسَائِي لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَلَو قَالَ إِلَّا عمْرَة وَزَيْنَب وسعاد حَتَّى أَتَى على الْكل صَحَّ.
قيل وَتَحْقِيق ذَلِك إِن الِاسْتِثْنَاء إِذا وَقع بِغَيْر اللَّفْظ الاول أمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، لانه إِنَّمَا صَار كلا ضَرُورَة عدم ملكه فِيمَا سواهُ لَا لامر يرجع إِلَى اللَّفْظ الاول، فبالنظر إِلَى ذَات اللَّفْظ أمكن أَن يَجْعَل الْمُسْتَثْنى بعض مَا تنَاوله الصَّدْر والامتناع من خَارج، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بِعَين ذَلِك اللَّفْظ، فَإِنَّهُ لم يُمكن جعله تكلما بالحاصل بعد الثنيا، فَإِن قيل: هَذَا مرجع جَانب اللَّفْظ على الْمَعْنى وإهمال الْمَعْنى رَأْسا فَمَا وَجه ذَلِك؟ أُجِيب بِأَن الِاسْتِثْنَاء تصرف لَفْظِي: أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق سِتّ تَطْلِيقَات إِلَّا أَرْبعا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء وَوَقع تَطْلِيقَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ السِّتُّ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاث وَمَعَ هَذَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبعا فَكَانَ اعْتِبَاره أولى انْتهى.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا) بِأَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ فِي الْمَفْهُوم، لَكِن فِي الْوُجُود يُسَاوِيه.
قَوْله: (إِذْ الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاءِ) أَيْ بِحَسَبِ صُورَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تصرف لَفْظِي فَلَا يضر إهمال الْمَعْنى، أَفَادَهُ المُصَنّف.
قَوْله: (وَوَقع ثِنْتَانِ) وَإِن كَانَ السِّتَّة لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَمَعَ هَذَا لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا أَرْبعا، فَكَانَ اعْتِبَار اللَّفْظ أولى كَمَا فِي الْعِنَايَة وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الِاسْتِثْنَاء من جملَة الْكَلَام السَّابِق، لَا من جملَة الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ، فَإِن الْكَلَام السَّابِق سِتّ
والاربع بعضه فَلم يكن مُسْتَغْرقا، وَلَو جَعَلْنَاهُ اسْتثِْنَاء من الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ لَكَانَ مُسْتَغْرقا فَيبْطل الْكَلَام الَّذِي يحكم بِصِحَّتِهِ لَو طَلقهَا سِتا فَثَلَاث لانه غَايَة الطَّلَاق والاربع تزيد عَلَيْهَا.
وَالشَّارِح جعله غَايَة لكَونه شَرط الِاسْتِثْنَاء أَن يكون بِلَفْظ الصَّدْر أَو مساويه، والاربعة لَيست بِلَفْظ السِّت وَلَا مُسَاوِيَة لَهَا بل بَعْضهَا فصح اسْتِثْنَاؤُهُ، لَان الثِّنْتَيْنِ لَهَا عبارتان كَمَا ذكره الشَّارِح، والست إِلَّا أَربع هِيَ الْعبارَة المطولة، فاشتراط كَون الِاسْتِثْنَاء من جملَة الْكَلَام السَّابِق مَبْنِيّ على هَذَا.
قَوْله: (كَمَا صَحَّ اسْتثِْنَاء الكيلي) فَصله عَمَّا قبله الان بَيَانٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ، فَإِنْ مُقَدَّرًا مِنْ مُقَدَّرٍ صَحَّ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَتُطْرَحُ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَإِنْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ مِنْ مُقَدَّرٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا قِيَاسًا واستحسانا، خلافًا للشَّافِعِيّ نَحْو مائَة دِرْهَم إِلَّا ثوبا، لَكِن حَيْثُ(8/270)
لَمْ يَصِحَّ هُنَا الِاسْتِثْنَاءُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ، وَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، وَلَكِنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ.
ذكره فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن قَاضِي زَاده.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَخرج بِمَا ذكر القيمي كَمَا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة دِرْهَم إِلَّا ثوبا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يَصح من حَيْثُ إنَّهُمَا متحدا الْمَالِيَّة، وَبِه قَالَ ملك.
قَوْله: (وَيكون الْمُسْتَثْنى الْقيمَة) مِثَاله أَن يَقُول: لَهُ عَليّ عشرَة قروش إِلَّا أردب قَمح يَصح ذَلِك، وَيكون بِالْقيمَةِ وَإِن استغرقت الْقيمَة الْمُسْتَثْنى مِنْهُ يَصح كَمَا فِي الْبَحْر.
قَوْله: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاس أَن لَا يَصح هَذَا الِاسْتِثْنَاء كَمَا تقدم، لَان الِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج بعض مَا يتَنَاوَلهُ صدر الْكَلَام على معنى أَنه لَوْلَا الِاسْتِثْنَاء لَكَانَ دَاخِلا تَحت الصَّدْر، وَهَذَا لَا يتَصَوَّر فِي خلاف الْجِنْس، لَكِن أَبَا حنيفَة وَأَبا يُوسُف صَحَّحَاهُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الدُّرَر.
قَوْله: (لثبوتها) أَي هَذِه الْمَذْكُورَات فِي الذِّمَّة، لانها مقدرات وَهِي جنس وَاحِد معنى وَإِن كَانَت أجناسا صُورَة، لانها تثبت فِي الذِّمَّة ثمنا، أما الدِّينَار وَالدِّرْهَم إِذا استثنيا فَظَاهر، وَكَذَا غَيرهمَا من المكيلات والموزونات، لَان الكيلي والوزني مَبِيع بأعيانهما ثمن بأوصافهما، حَتَّى لَو عينا تعلق العقد بأعيانهما، وَلَو وَصفا وَلم يعينا صَار حكمهمَا كَحكم التَّمْيِيز، فَكَانَت فِي حكم الثُّبُوت فِي الذِّمَّة كجنس وَاحِد معنى، فالاستثناء فِيهَا تكلم بِالْبَاقِي معنى لَا صُورَة، كَأَنَّهُ قَالَ ثَبت لَك فِي ذِمَّتِي كَذَا إِلَّا كَذَا: إِي إِلَّا قيمَة كَذَا، وَلَو اسْتثْنى
غير المقدرات من المقدرات لَا يَصح قِيَاسا واستحسانا كَمَا قدمْنَاهُ، لَان مَالِيَّته غير مَعْلُومَة لكَونه متفاوتا فِي نَفسه، فَيكون اسْتثِْنَاء للْمَجْهُول من الْمَعْلُوم فَيفْسد فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي، ولان الثَّوْب لَا يجانس الدَّرَاهِم لَا صُورَة وَلَا وجوبا فِي الذِّمَّة.
وَتَمَامه فِي الاتقاني.
قَوْله: (وَكَانَت كالثمنين) لانها بأوصافها أَثمَان حَتَّى لَو عينهَا تعلق العقد بِعَينهَا، وَلَو وصفت وَلم تعين صَار حكمهَا كَحكم الدِّينَار.
كِفَايَة.
قَوْله: (لاستغراقه بِغَيْر الْمسَاوِي) أَي وَهُوَ يُوهم الْبَقَاء وإبهام الْبَقَاء كَاف.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ) وَمِثْلُهُ فِي الْيَنَابِيعِ، وَنَقله قَاضِي زَاده عَن الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهَا قَالَ الشَّيْخُ عَليّ الْمَقْدِسِي رَحمَه الله تَعَالَى: لَو اسْتثْنى دَنَانِير من دَرَاهِم أَو مَكِيلًا أَو مَوْزُونا على وَجه يستوعب الْمُسْتَثْنى كَقَوْلِه لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِينَارًا وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ وَإِلَّا كُرَّ بُرٍّ كَذَلِكَ إنْ مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ بِغَيْرِ لَفْظِهِ صَحِيحٌ، يَنْبَغِي أَنْ يبطل الاقرار.
لَكِن فِي ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ.
قَالَ عَلَيَّ دِينَارٌ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ.
مِنْ الصَّدْرِ: مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِفُلَانٍ إلَّا أَلْفًا: يُنْظَرُ إنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمُقِرِّ، وَإِنْ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَكُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ.
قلت: وَوَجهه ظَاهر بِالتَّأَمُّلِ اهـ.
قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِن استغرقت.
تَأمل.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود قلت: وَلَا شكّ أَن مَا فِي الْجَوْهَرَة أوجه لما سبق من أَن بطلَان الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ بِلَفْظِهِ أَو بمرادفه.(8/271)
وَاعْلَم أَن المُصَنّف تبع قاصيخان فِي تفريعه على هَذِه الْمَسْأَلَة: أَعنِي صِحَة اسْتثِْنَاء الكيلي والوزني وَنَحْوهمَا من المقدرات، الَّتِي تثبت فِي الذِّمَّة من الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَقَالَ: لَو قَالَ لَهُ دِينَار إِلَّا درهما أَو إِلَّا قَفِيزا أَو إِلَّا مائَة جوزة صَحَّ، ويطرح من الْمُقدم قدر قيمَة الْمُسْتَثْنى، فَإِن كَانَت قِيمَته تَأتي على جَمِيع مَا أقرّ بِهِ لَا يلْزمه شئ، وَإِن لم يكن الْمُسْتَثْنى من جنس مَا أقرّ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ جنس من مثله كَقَوْلِه دِينَار
إِلَّا ثوبا أَو شَاة لم يَصح الِاسْتِثْنَاء، وَإِن كَانَ من جنسه صَحَّ الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْلهم إِلَّا أَن يسْتَثْنى جَمِيع مَا تكلم بِهِ فَلَا يَصح الِاسْتِثْنَاء اهـ.
وَآخره يُخَالف أَوله.
كَذَا بِخَط السَّيِّد الْحَمَوِيّ عَن الرَّمْز.
وَأَقُول: يُمكن الْجَواب بِحمْل مَا ذكره قاضيخان آخرا على مَا إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء بمرادفه كَقَوْلِه لَهُ عَليّ ألف دِينَار إِلَّا خَمْسمِائَة وخمسائة فَلَا يُخَالف مَا ذكره أَولا، لَان الِاسْتِغْرَاق فِيهِ من حَيْثُ الْقيمَة، فَتدبر.
قَوْلُهُ: (فَيُحَرَّرُ) الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ مَبْنِيَّتَيْنِ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَو جِنْسَانِ ح.
وتوضيحه: أَنهم جعلُوا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير نوعا وَاحِدًا فِي بعض الْمسَائِل نظرا لَان الْمَقْصُود مِنْهَا الثمنية، وَفِي بعض الْمسَائِل جعلوها نَوْعَيْنِ بِاعْتِبَار الصُّورَة كَمَا بَينه الشَّارِح فِي غير هَذَا الْمحل، فَصَاحب الْبَحْر جعلهَا فِي مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء مِمَّا هِيَ مُعْتَبرَة فِيهِ نوعا وَاحِدًا، فَكَانَ اسْتثِْنَاء الْمِائَة دِرْهَم من الدِّينَار اسْتثِْنَاء بالمساوي لانها تبلغ قيمَة الدِّينَار أَو تزيد عَلَيْهِ، وَصَاحب الْجَوْهَرَة نظر إِلَى أَنَّهُمَا نَوْعَانِ فِي نفس الامر كَمَا اعتبروها كَذَلِك فِي بعض الْمسَائِل، فَلذَلِك كَانَ اسْتثِْنَاء الْعشْرَة الدَّنَانِير من الْمِائَة الدِّرْهَم وَهِي تبلغها قيمَة أَو تزيد اسْتثِْنَاء صَحِيحا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظ الاول وَلَا مُسَاوِيَة لانهما نَوْعَانِ، إِذْ الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاء لَا حَقِيقَة كَمَا ذكره الشَّارِح، والايهام مَوْجُود هُنَا، وَيُؤَيِّدهُ مَسْأَلَة اسْتثِْنَاء الْمكيل وَالْمَوْزُون والمعدود.
وَالْحَاصِل: أَن الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق إِن كَانَ بِلَفْظ الصَّدْر فَبَاطِل، وَإِن لم يكن بِلَفْظ الصَّدْر وَلَا مُسَاوِيا لَهُ كاستثناء كرّ بر من الدَّرَاهِم صَحِيح لما تقدم أَن الشَّرْط إِيهَام الْبَقَاء لَا حَقِيقَته، وَإِن كَانَ بِغَيْر لفظ الصَّدْر لَكِن بمساويه كاستثناء الدَّرَاهِم من الدَّنَانِير أَو الْعَكْس فَوَقع فِيهِ اخْتِلَاف إِذا كَانَ مُسْتَغْرقا فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة يَقْتَضِي بُطْلَانه، وَمَا فِي الْجَوْهَرَة والينابيع والذخيرة يُخَالِفهُ.
قَوْله: (على الاصح) لَان الالف متيقنة الثُّبُوت وَالْخَمْسُونَ متحققة الْخُرُوج وَتَمام الْمِائَة مَشْكُوك فِي خُرُوجهَا والمتيقن ثُبُوته لَا يبطل فِي الْمَشْكُوك بِخُرُوجِهِ وَهُوَ تَمام الْمِائَة، بل بالمتيقن خُرُوجه وَهُوَ خَمْسُونَ، لَكِن فِيهِ مُخَالفَة لما مهده أَولا من أَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي عندنَا، وَإِنَّمَا يُنَاسب مَا نلقناه عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى أَنه إِخْرَاج بعد الدُّخُول بطرِيق الْمُعَارضَة، وَقدمنَا أَن ثَمَرَة الْخلاف إِنَّمَا تَظْهَرُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ
تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ على هَذِه الرِّوَايَة، وَهِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان، وَفِي رِوَايَة تِسْعمائَة، وَهِي رِوَايَة أبي حَفْص، وَهِي الْمُوَافقَة لقواعد الْمَذْهَب، لانه لما كَانَ تكلما بِالْبَاقِي وَكَانَ مَانِعا من الدُّخُول شككنا فِي الْمُتَكَلّم بِهِ، والاصل فرَاغ الذِّمَّة فَلَا يلْزمه الزَّائِد بِالشَّكِّ، وَعَلِيهِ فَكَانَ الاولى التَّفْرِيع على قَاعِدَة الْمَذْهَب، ثمَّ يذكر هَذَا على أَنه قَول آخر.
تَأمل.
قَوْله: (ثَبت الاكثر) أَي أَكثر الْمقر بِهِ.
قَوْله: (إِلَّا شَيْئا) لَان(8/272)
اسْتثِْنَاء الشئ اسْتثِْنَاء الاقل عرفا فأوجبنا النّصْف وزياة دِرْهَم بِنَقْد اسْتثْنى الاقل اه.
شلبي
قَوْله: (فَيحكم بِخُرُوجِ الْأَقَلِّ) وَهُوَ مَا دُونَ النِّصْفِ لِأَنَّ اسْتثِْنَاء الشئ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ عُرْفًا فَأَوْجَبْنَا النِّصْفَ وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ، لِأَنَّ أَدْنَى مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْقِلَّةُ النَّقْصُ عَن النّصْف بدرهم.
قَوْله: (وَلَو وصل إِقْرَاره بإن شَاءَ الله) وَلَو من غير قصد كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان نقلا عَن الْوَاقِعَات الحسامية، وَقيد بالوصل لانه لَو كَانَ مَفْصُولًا لَا يُؤثر، خلافًا لِابْنِ عَبَّاس كَمَا سبق، إِلَّا إِذا كَانَ عدم الْوَصْل لعذر من الاعذار الَّتِي تقدّمت.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَلَو قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق فَجرى عَلَى لِسَانِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَكَانَ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ، لَان الِاسْتِثْنَاء مَوْجُود حَقِيقَة، وَالْكَلَام مَعَ الِاسْتِثْنَاء لَا يكون إيقاعا، وَمثل تَعْلِيقه بِمَشِيئَة الله تَعْلِيق إِقْرَاره بِمَشِيئَة من لَا تعلم مَشِيئَته كالجن وَالْمَلَائِكَة.
حموي عَن الْمُخْتَار.
وَإِنَّمَا بَطل الاقرار فِي هَذِه لَان التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى إبِْطَال عِنْد مُحَمَّد فَبَطل قبل انْعِقَاده للْحكم وَتَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ عِنْد أبي يُوسُف.
دُرَر وَثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ إنْ شَاءَ الله أَنْت طَالِق، فَعِنْدَ من قَالَ إِنَّه إبِْطَال لَا يَقع الطَّلَاق، وَعند من قَالَ إِنَّه تَعْلِيق يَقع لانه إِذا قدم الشَّرْط وَلم يذكر حرف الْجَزَاءَ لَمْ يَتَعَلَّقْ، وَبَقِيَ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ شَرط فَيَقَع.
كِفَايَة.
وَاخْتَارَ قَول مُحَمَّد صَاحب الْكِفَايَة وَغَايَة الْبَيَان وَصَاحب الْعِنَايَة، وَكَذَا تظهر أَيْضا ثَمَرَة الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ لامْرَأَته إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى يَحْنَث عِنْد أبي يُوسُف لانه يَمِين عِنْده، وَعند مُحَمَّد لَا يكون يَمِينا فَلَا يَحْنَث عَيْني.
تَنْبِيه: مَا سبق من أَن التَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله إبِْطَال عِنْد مُحَمَّد وَتَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ عِنْد أبي يُوسُف يشكل بِمَا نَقَلْنَاهُ مِمَّا يَقْتَضِي كَون الْخلاف بَين الصاحبين على عكس مَا ذكر فِي الدُّرَر.
وَجَوَابه
أَن النَّقْل عَنْهُمَا قد اخْتلف: فَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بعد أَن ذكر مَا نَقَلْنَاهُ من الْخلاف قَالَ: وَقيل الْخلاف على الْعَكْس، وَاخْتَارَهُ بعض شرَّاح الْهِدَايَة، وَأَيْضًا فَإِن مَا ذكرنَا من أَنه عِنْد أبي يُوسُف تَعْلِيق بِشَرْط لَا يُوقف عَلَيْهِ أحد وَجْهَيْن، وَالْوَجْه الثَّانِي هُوَ أَن الاقرار لَا يحْتَمل التَّعْلِيق بِالشّرطِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَن قَاضِي زَاده.
قَوْله: (أَو فلَان) فَيبْطل وَلَو قَالَ فلَان شِئْت لانه علق وَمَا نجز واللزوم حكم التَّنْجِيز لَا التَّعْلِيق، ولان مَشِيئَة فلَان لَا توجب الْملك شلبي.
أَقُول: وَينظر مَعَ مَا قدمنَا فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِمَشِيئَة العَبْد فشاء فِي مَجْلِسه صَحَّ وَوَقع الطَّلَاق شرنبلالية.
وَجَوَابه أَن الاقرار إِخْبَار فَلَا يَصح تَعْلِيقه.
وَالطَّلَاق إنْشَاء لَا إِسْقَاط فصح تَعْلِيقه، واقتصرت مَشِيئَته على الْمجْلس نظرا لِمَعْنى التَّمْلِيك.
أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (أَو علقه بِشَرْط على خطر) كَقَوْلِه لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم إِن شَاءَ فلَان، وَكَذَا كل إِقْرَار علق بِالشّرطِ نَحْو قَوْله إِن دخلت الدَّار وَإِن أمْطرت السَّمَاء أَو هبت الرّيح أَو إِن قضى الله تَعَالَى أَو أَرَادَهُ أَو رضيه أَو أحبه أَو قدره أَو دبره كَمَا فِي الْعَيْنِيّ.
وَمِنْه: إِن حَلَفت فلك مَا ادعيت، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ دَفَعَ بِنَاءً على أَنه يلْزمه فَلهُ أَن يسْتَردّ الْمَدْفُوع كَمَا فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ صُلْحِ الْوَرَثَةِ بقوله: وَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِن حَلَفت أَنَّهَا لَك دفعتها فَحلف الْمُدَّعِي وَدفع الْمُدعى عَلَيْهِ الدَّرَاهِم، إِن كَانَ دفع لَهُ بِحكم الشَّرْط فَهُوَ بَاطِل وللدافع أَن يسْتَردّ اهـ.
وَقَيَّدَ فِي الْبَحْرِ التَّعْلِيقَ عَلَى خَطَرٍ بِأَنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى الْأَجْلِ.
قَالَ: وَإِنْ تَضَمَّنَ مثل إِذا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ للْحَال ويستحلف الْمقر لَهُ فِي الاجل اهـ.
تَأَمَّلْ.
وَفِي الْبَحْرِ(8/273)
أَيْضًا: وَمِنْ التَّعْلِيقِ الْمُبْطِلِ لَهُ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ أَرَى غَيْرَهُ أَوْ فِيمَا أَعْلَمُ، وَكَذَا اشْهَدُوا أَنَّ لَهُ عَليّ كَذَا فِيمَا أعلم انْتهى.
أَو قَالَ عَليّ ألف فِي شَهَادَة فلَان أَو علمه، لانه فِي معنى الشَّرْط، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ ذَلِك بِالْبَاء لانها للالصاق، وَلَو قَالَ وجد ت فِي كتابي: أَي دفتري أَنه عَليّ كَذَا فَهُوَ بَاطِل.
وَقَالَ جمَاعَة من أَئِمَّة بَلخ: أَنه يلْزمه لانه لَا يكْتب فِي دفتره إِلَّا مَا عَلَيْهِ النَّاس صِيَانة عَن النسْيَان وللبناء على الْعَادة الظَّاهِرَة، فعلى هَذَا لَو قَالَ الْبَيَّاعُ وَجَدْتُ فِي يَادَكَارِي بِخَطِّي أَوْ كَتَبْتُ فِي يَادَكَارِي بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ ألف دِرْهَم كَانَ إِقْرَارا ملزما.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: وَلَو قَالَ فِي ذكرى أَو
بكتابي لزمَه اهـ.
حموي.
وَقد تقدم ذَلِك مَبْسُوطا، وَأَن مَوضِع الْكَلَام فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ، وتصوير الاقرار بِمَا عَلَيْهِ فِي كِتَابه هُوَ مَا ذكرهَا قَالَ الْحَمَوِيّ: وَلَا يفرق بَين قَوْله فِي كتابي أَو فِي كتاب فلَان.
نَقله عَن الْوَلوالجِيَّة.
قَالَ الْعَلامَة المقسي فِي الرَّمْز: وَأَنت خَبِير بِأَن كتاب فلَان غير مَأْمُون عَلَيْهِ من التَّغْيِير، بِخِلَاف كتاب الْمقر.
اهـ.
قَالَ ط: وَهَذَا يُفِيد أَنه لَا يعْمل بِإِقْرَارِهِ بِمَا عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ بكتابته، وَأَنه لَا يعْمل بكتابته مَاله على النَّاس لانه إِثْبَات حق على غَيره بِمُجَرَّد كتاب الْمُدَّعِي، وَلَا نَظِير لَهُ فِي الشَّرِيعَة، فالافتاء بلزومه بِمُجَرَّد ذَلِك ضلال مُبين.
قَوْله: (كَإِن مت فَإِنَّهُ ينجز) الْمُعَلق بِكَائِنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْلِيقًا حَقِيقَةً بَلْ مُرَادُهُ بِهِ أَن يُشْهِدَهُمْ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ جَحَدَ الْوَرَثَة فَهُوَ عَلَيْهِ مَاتَ أَو عَاشَ، فمرجعه إِلَى تَأْكِيد الاقرار كَمَا فِي الْحَمَوِيّ والزيلعي وَغَيرهمَا، وَالشَّارِح تبع فِيهِ المُصَنّف وَهُوَ تبع صَاحب الْبَحْر.
قَالَ ط: وَمِنْه يعلم أَن قَوْله فِي الْبَحْر: وَإِن بِشَرْط كَائِن فتنجيز كعلي ألف دِرْهَم إِن مت لزمَه قبل الْمَوْت مَنْظُور فِيهِ، وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن قَوْله إِن مت فِي عبارَة الشَّرْح يحْتَمل رُجُوعه إِلَى الاقرار لَا إِلَى الشَّهَادَة.
وَأجِيب بِأَن تصرف الْعَاقِل يصان عَن الالغاء مَا أمكن، وَذَلِكَ بجعله شرطا للشَّهَادَة، فَلَو قَالَ الْمقر أردْت تَعْلِيق الاقرار وَرَضي بالغاء كَلَامه.
قُلْنَا: تعلق حق الْمقر لَهُ يمْنَع ذَلِك كَمَا فِي الرَّمْز.
اهـ.
مُخْتَصرا.
قَالَ ط: بَقِي لَو كَانَ الْكَلَام من أول الامر بِصُورَة صَاحب الْبَحْر وَالظَّاهِر اللُّزُوم حَالا كَمَا قَالَ لتَعلق حق الْمقر، وَلَا يَجْعَل وَصِيَّة، وَقد اسْتُفِيدَ هَذَا من قَوْله فَلَو قَالَ الْمقر أردْت الخ.
اهـ.
لَكِنْ قُدِّمَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيَّة.
وَالْحَاصِل أَن التَّعْلِيق على ثَلَاثَة أَقسَام: إِمَّا أَن يصل إِقْرَاره بإن شَاءَ الله، فَإِنَّهُ بَاطِل عِنْد مُحَمَّد، وَتَعْلِيق عِنْد أبي يُوسُف.
وَإِمَّا أَن يصله بإن شَاءَ فلَان وَنَحْوه مِمَّا هُوَ تَعْلِيق على خطر فَهُوَ تَعْلِيق اتِّفَاقًا والاقرار لَا يَصح تَعْلِيقه بِالشّرطِ وَإِمَّا أَن يعلقه بكائن لَا محَالة فَهُوَ تَنْجِيز فَلَا يبطل الاقرار وَكَذَا إِذا قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر أَو أفطر النا س أَو إِلَى الْفطر أَو إِلَى الضُّحَى، لَان هَذَا لَيْسَ بتعليق وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَيُقْبَلُ إِقْرَاره، ودعواه الاجل لَا تقبل إِلَّا بَيِّنَة أَو إِقْرَار الطَّالِب.
قَوْله: (بَقِي لَوْ ادَّعَى الْمَشِيئَةَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله (قَالَ
المُصَنّف) وَعبارَته: وَيقبل قَوْله إِن ادَّعَاهُ، وَأنْكرهُ فِي ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ.
وَقِيلَ لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة على الِاعْتِمَاد لغَلَبَة الْفساد خاينة.
وَقيل إِن عرف بالصلاح فَالْقَوْل لَهُ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ: أَقُولُ: الْفِقْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ إقْرَارُهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً أَقْرَرْتُ لَهُ بِكَذَا مُسْتَثْنِيًا فِي إقْرَارِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عِنْدِي كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ(8/274)
لانه يُرِيد إِبْطَاله بعد تقرره.
تَأمل اهـ.
قَوْله: (وَصَحَّ اسْتثِْنَاء الْبَيْت من الدَّار) لانه جُزْء من أَجْزَائِهَا فَيصح اسْتثِْنَاء الْجُزْء من الْكل كالثلث أَو الرّبع.
بَدَائِع.
وَلَو قَالَ هَذِه النّخل بأصولها لفُلَان وَالثَّمَر لي كَانَ الْكل للْمقر لَهُ، وَلَا يصدق الْمقر إِلَّا بِحجَّة كَمَا فِي الْخَانِية.
قَوْله: (مِنْهُمَا) أَي من الدَّار وَالْبَيْت.
قَوْله: (لدُخُوله تبعا) أَي لدُخُول الْبناء معنى وتبعا لَا لفظا، وَالِاسْتِثْنَاء تصرف فِي الملفوظ، وَذَلِكَ لَان الدَّار اسْم لما أدير عَلَيْهِ الْبناء من الْبقْعَة، وَبحث منلا خسروا بِأَنَّهُ لَا يُنكر أَن الْبناء جُزْء من الدَّار لَا يرد الْمَنْصُوص، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْض لَا يسْقط شئ من الثّمن بمقابلته، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي.
بِخِلَافِ الْبَيْتِ تَسْقُطُ حِصَّتُهُ من الثّمن أَو حَاصله.
قَوْله: (واستثناء الْوَصْف لَا يجوز) كَقَوْلِه لَهُ هَذَا العَبْد إِلَّا سوَاده.
قَوْله: (وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَعَرْصَتُهَا لَك فَكَمَا قَالَ) وَكَذَا لَوْ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي.
قَوْلُهُ: (هِيَ الْبُقْعَةُ) فَقَصْرُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْوَصْفِ تَبَعًا.
قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ قَالَ وَأَرْضُهَا لَك كَانَ لَهُ الْبناء أَيْضا) .
أَقُول: هَذَا مُخَالف للْعُرْف الْآن، فَإِن الْعرف أَن الارض بِمَعْنى الْعَرَصَة، وَعَلِيهِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يكون الْبناء تَابعا للارض تَأمل.
قَوْله: (إلَّا إذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِزَيْدٍ وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو فَكَمَا قَالَ) لانه لما أقرّ بِالْبِنَاءِ لزيد صَار ملكه، فَلَا يخرج عَن ملكه بِإِقْرَارِهِ لعَمْرو بالارض، إِذْ لَا يصدق قَوْله فِي حق غَيره، بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الاولى، لَان الْبناء مَمْلُوك لَهُ، فَإِذا أقرّ بالارض لغيره يتبعهَا الْبناء، لَان إِقْرَاره مَقْبُول فِي حق نَفسه.
وَحَاصِله فِي الدَّار والارض اسْم لما وضع عَلَيْهِ الْبناء لَا اسْم للارض وَالْبناء، لَكِن الْبناء يدْخل تبعا فِي بَيْعه والاقرار بِهِ، والعرصة اسْم للارض خَالِيَة عَن الْبناء، فَلَا يدْخل فِيهَا الْبناء لَا أصلا وَلَا تبعا.
والاصل: أَن الدَّعْوَى لنَفسِهِ لَا تمنع الاقرار لغيره، والاقرار لغيره يمْنَع الاقرار لشخص آخر،
إِذا علم هَذَا فَإِذا أقرّ بِالدَّار لشخص فقد أقرّ بالارض الَّتِي أدير عَلَيْهَا الْبناء، وَلَفظ الدَّار لَا يَشْمَل الْبناء، لكنه يدْخل تبعا فَكَانَ بِمَنْزِلَة الْوَصْف.
وَالِاسْتِثْنَاء أَمر لَفْظِي لَا يعْمل إِلَّا فِيمَا يتَنَاوَلهُ اللَّفْظ، فَلَا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ للْبِنَاء لانه لم يتَنَاوَلهُ لفظ الدَّار، بل إِنَّمَا دخل تبعا، وَهَذَا معنى.
قَوْله واستثناء الْوَصْف لَا يجوز بِخِلَاف الْبَيْت فَإِنَّهُ اسْم لجزء من الدَّار مُشْتَمل على أَرض وَبِنَاء فصح اسْتِثْنَاؤُهُ بِاعْتِبَار مَا فِيهِ من الاصل، وَهُوَ الارض، فَكَانَ متناوله لفظ الدَّار وَالِاسْتِثْنَاء: إِخْرَاج لما تنَاوله لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ، وَلَا يضر كَون الْبناء جُزْءا من مُسَمّى الْبَيْت مَعَ أَنه وصف من الدَّار، لانه لم يسْتَثْن الْوَصْف مُنْفَردا بل قَائِما بالاصل الَّذِي هُوَ الارض.
وَتَخْرِيج جنس هَذِه الْمسَائِل على أصلين أَحدهمَا: أَنَّ الدَّعْوَى قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الاقرار، وَالدَّعْوَى بعد الاقرار لبَعض مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ لَا تَصِحُّ.
وَالثَّانِي: أَن إِقْرَار الانسان على نَفسه جَائِز وعَلى غَيره لَا يجوز.
إِذا عرفنَا هَذَا فَنَقُول: إِذا قَالَ بِنَاء هَذِه الدَّار لي وأرضها لفُلَان كَانَ الْبناء(8/275)
والارض للْمقر لَهُ، لانه لما قَالَ بِنَاء هَذِه الدَّار لي فقد ادّعى لنَفسِهِ، فَلَمَّا قَالَ وأرضها لفُلَان فقد جعل مقرا بِالْبِنَاءِ للْمقر لَهُ تبعا للاقرار بالارض لَان الْبناء تبع للارض، إِلَّا أَنَّ الدَّعْوَى قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الاقرار: وَإِن قَالَ أرْضهَا لي وبناؤها لفُلَان كَانَت الارض لَهُ وبناؤها لفُلَان، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لي فقد ادّعى الارض لنَفسِهِ، وَادّعى الْبناء أَيْضا لنَفسِهِ تبعا للارض، فَإِذا قَالَ بعد ذَلِك وبناؤها لفُلَان فقد أقرّ لفُلَان بِالْبِنَاءِ بَعْدَمَا ادَّعَاهُ لنَفسِهِ، والاقرار بعد الدَّعْوَى صَحِيح فَيكون لفُلَان الْبناء دون الارض، لَان الارض لَيْسَ بتابع للْبِنَاء، وَإِن قَالَ أرْضهَا لفُلَان وبناؤها لي كَانَت الارض وَالْبناء للْمقر لَهُ بالارض، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لفُلَان فقد جعل مقرا لفُلَان وبناؤها لي كَانَ الارض للْمقر لَهُ بالارض، لانه لما قَالَ أَولا أرْضهَا لفُلَان فقد جعل مقرا بِالْبِنَاءِ، فَلَمَّا قَالَ بناؤها لي فقد ادّعى لنَفسِهِ بَعْدَمَا أقرّ لغيره، وَالدَّعْوَى بعد الاقرار لبَعض مَا تنَاوله الاقرار لَا يَصح.
وَإِن قَالَ أرْضهَا لفُلَان وبناؤها لفُلَان آخر كَانَ الارض وَالْبناء للْمقر لَهُ الاول لانه جعل مقرا للْمقر لَهُ الاول بِالْبِنَاءِ، فَإِذا قَالَ بناؤها لفُلَان جعل مقرا على الاول لَا على نَفسه، وَقد ذكرنَا أَن
إِقْرَار الْمقر على نَفسه جَائِز وعَلى غَيره لَا يجوز.
وَإِن قَالَ بناؤها لفُلَان وأرضها لفُلَان آخر كَانَ كَمَا قَالَ، لانه لما أقرّ بِالْبِنَاءِ أَولا صَحَّ إِقْرَاره للْمقر لَهُ لانه إِقْرَار على نَفسه، فَإِذا أقرّ بعد ذَلِك بالارض لغيره فقد أقرّ بِالْبِنَاءِ لذَلِك الْغَيْر تبعا للاقرار بالارض، فَيكون مقرا على غَيره وَهُوَ الْمقر لَهُ الاول، وَإِذا أقرّ الانسان على غَيره لَا يَصح لما علمت من الاصل الثَّانِي من أَن إِقْرَار الانسان على غَيره لَا يجوز.
أَقُول: لَكِن نقض بِمَا لَو أقرّ مُسْتَأْجر بدين فيسري على الْمُسْتَأْجر، وَيفْسخ بِهِ عِنْد الامام، وَلَو أقرَّت زَوجته بدين تحبس بِهِ وَيمْنَع مِنْهَا كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.
قَوْله: (واستثناء فص الْخَاتم) بِأَن قَالَ هَذَا الْخَاتم لفُلَان إِلَّا فصه.
وَفِي الذَّخِيرَة عَن الْمُنْتَقى: إِذا قَالَ هَذَا الْخَاتم لي إِلَّا فصه فَإِنَّهُ لَك، أَو قَالَ هَذِه المنطقة لي إِلَّا حليتها فَإِنَّهَا لَك، أَو قَالَ هَذَا السَّيْف لي إِلَّا حليته أَو قَالَ إِلَّا حمائله فَإِنَّهَا لَك، أَو قَالَ هَذِه الْجُبَّة لي إِلَّا بطانتها فَإِنَّهَا لَك، وَالْمقر لَهُ يَقُول هَذِه الْجُبَّة لي فَالْقَوْل قَول الْمقر، فَبعد ذَلِك ينظر إِن لم يكن فِي نزع الْمقر بِهِ ضَرَر للْمقر يُؤمر الْمقر بالنزع وَالدَّفْع للْمقر لَهُ، وَإِن كَانَ فِي النزع ضَرَر وَأحب الْمقر أَن يُعْطِيهِ قيمَة مَا أقرّ بِهِ فَلهُ ذَلِك، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تَعَالَى اهـ.
وَلَو قَالَ الْحلقَة لَهُ والفص لي، يَصح ذكره، صدر الشَّرِيعَة.
قَوْله: (ونخلة الْبُسْتَان) وَمثله نَخْلَة الارض إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا بِأُصُولِهَا، لِأَنَّ أُصُولَهَا دَخَلَتْ فِي الْإِقْرَارِ قَصْدًا لَا تَبَعًا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَصِّ وَالنَّخْلَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ قَالَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ.
لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَقَرَّ بِأَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِرَجُلٍ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً بَعْدَ(8/276)
ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَشْجَارَ لَهُ لَمْ تقبل بَينته اهـ.
إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَوْنِهِ مَفْصُولًا لَا مَوْصُولًا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ سَائِحَانِيٌّ.
وَفِي الْخَانِية: لَو قَالَ هَذَا الْبُسْتَان لفُلَان إِلَّا النَّخْلَة بِغَيْر أُصُولهَا فَإِنَّهَا لي لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء، بِخِلَاف إِلَّا نخلها بأصولها، وَكَذَلِكَ هَذِه الْجُبَّة لفُلَان إِلَّا بطانتها لَان البطانة تدخل فِي البيع تبعا فَكَانَت كالبناء، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ مَحْمُول على جُبَّة بطانتها فِي النفاسة دون الظهارة.
قَالَ فِي الرَّمْز: وَمَا
نقل عَن السّير الْكَبِير أَن الامام لَو قَالَ من أصَاب جُبَّة خَز فَهِيَ لَهُ فَلهُ الظهارة دون البطانة، حمل على جُبَّة بطانتها كظهارتها نفاسة، فَلَا تتبعها فَهِيَ كجبتين، وَمَا هُنَا على دون البطانة حَتَّى لَو اسْتَويَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء اهـ.
أَقُول: وَمثل نَخْلَة الْبُسْتَان نَخْلَة الارض، لَان الشّجر يدْخل فِي الْبُسْتَان والارض تبعا فَلَا يَصح استثناءه، بِخِلَاف نَخْلَة عَرصَة الْبُسْتَان، لَان الْعَرَصَة لَا تتَنَاوَل الشَّجَرَة كَمَا لَا تتَنَاوَل الْبناء لَا أصلا وَلَا تبعا إِلَّا أَن يستثنيها بأصولها كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (وطوق الْجَارِيَة) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُمْ نَصُّوا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَعَهَا تبعا إِلَّا الْمُعْتَاد للمهنة لَا غير كَالطَّوْقِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا قيمَة لَهُ كَثِيرَة كطوق حَدِيد أَو نُحَاس، وَفِيه نظر.
ط عَن الْحَمَوِيّ.
أَقُول: ذَلِك فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهَا وَمَا عَلَيْهَا لِلْبَائِعِ، أَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا ظَهَرَ أَنَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ مَا عَلَيْهَا لِمَالِكِهَا فَيَتْبَعُهَا وَلَوْ جَلِيلًا.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فِيمَا مَرَّ) أَيْ من أَنه لَا يَصح.
قَوْله: (قَالَ مُكَلَّفٌ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عبد مَا قَبضته) قيد قَوْله عَليّ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ، كَمَا قُبِلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِعْتُهُ هَذَا وَلَمْ أَقْبِضْ الثَّمَنَ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ قَبْضَ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا قَبَضْتُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ كَذَا رُجُوعٌ، فَلَا يَصِحُّ.
أَفَادَهُ الرَّمْلِيّ.
قَوْله: (حَال مِنْهَا) أَي حَال كَون قَوْله مَا قَبضته مَوْصُولا بالْكلَام الاول، فَلَو لم يصله لم يصدق أَفَادَهُ المُصَنّف.
وَالَّذِي يظْهر أَنه حَال من الضَّمِير فِي قَالَ: أَي قَالَ حَال كَونه واصلا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَلَّمَهُ) لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّسْلِيمِ هُنَا الْإِحْضَارَ، أَوْ يُخَصُّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ المُشْتَرِي تَسْلِيم الثّمن أَو لَا، لانه لَيْسَ بِبيع صَرِيح.
مقدسي مُلَخصا
قَوْله: (عملا بِالصّفةِ) قَالَ فِي الْمنح: وَإِن لم يُوجد مَا ذكر من الْقَيْد وَهُوَ التَّسْلِيم لَا يلْزمه لانه أقرّ لَهُ بالالف على صفة فَيلْزمهُ الصّفة الَّتِي أقرّ بهَا، وَإِذا لم تُوجد لَا يلْزمه اهـ.
وصل أَو فصل، هَذَا مَذْهَب الامام، وَقَالا: إِن وصل صدق فَلَا يلْزمه، وَإِن فصل لَا يصدق.
قَوْله: (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَبْدَ لَزِمَهُ الْأَلْفُ مُطْلَقًا وصل أم فصل) كَأَنَّهُ بَيَان لوجه الاطلاق، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ بالاطلاق سَوَاء كذبه الْمقر لَهُ أَو صدقه بِدَلِيل مَا يَأْتِي حَيْثُ قيدها بقوله وَإِن كذبه الْمقر لَهُ، وَهُوَ أولى لانه حِينَئِذٍ يتَّجه فصلها لكنه يبعد أَن يلْزمه ذَلِك مَعَ اعْتِرَاف كل مِنْهُمَا أَنه
حرَام أَو رَبًّا تَأمل.
قَوْله: (لانه رُجُوع) أَي عَمَّا أقرّ بِهِ، وَذَلِكَ لَان الصَّدْر مُوجب وإنكار قبض مَبِيع غير معِين يُنَافِيهِ، ولانه لَو ادّعى تَأْخِير الثّمن شهرا لم يقبل، فَكيف دهرا، إِذْ مَا من عبد يَأْتِي بِهِ البَائِع إِلَّا يَأْتِي للْمُشْتَرِي منع كَونه الْمَبِيع، بِخِلَاف الْمعِين.
وَمَا ذكره المُصَنّف أحد وُجُوه أَرْبَعَة فِي الْمَسْأَلَة.(8/277)
وَالثَّانِي: أَن يَقُول الْمقر لَهُ العَبْد عَبدك مَا بعتكه وَإِنَّمَا بِعْتُك عبدا آخر وسلمته إِلَيْك، وَالْحكم فِيهِ كالاول لانهما اتفقَا على مَا أقرّ بِهِ من أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق مَا أقرّ بِهِ، غير أَنَّهُمَا اخْتلفَا فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق، وَلَا يُبَالِي باختلافهما، وَلَا باخْتلَاف السَّبَب عِنْد حُصُول الْمَقْصُود واتحاد الحكم، فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ لَهُ بِغَصب ألف دِرْهَم فَقَالَ الْمقر لَهُ هِيَ قرض فَإِنَّهُ يُؤمر بِالدفع إِلَيْهِ لاتِّفَاقهمَا على الِاسْتِحْقَاق.
وَالثَّالِث: أَن يَقُول العَبْد عبددي مَا بعتكه، وَحكمه أَن لَا يلْزم الْمقر شئ لما ذكر أَنه أقرّ لَهُ على صفة وَهِي سَلامَة العَبْد، فَلَا يلْزمه بِدُونِهَا.
وَالرَّابِع: أَن يَقُول الْمقر لَهُ لم أبعك هَذَا العَبْد وَإِنَّمَا بِعْتُك عبدا آخر، فَحكمه أَن يتحالفا لانهما اخْتلفَا فِي الْمَبِيع إِذْ كل مِنْهُمَا مُدع ومنكر، فَإِذا حلفا انْتَفَى دَعْوَى كل عَن صَاحبه، فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بشئ وَالْعَبْد سَالم فِي يَده اهـ.
وَتَمَامه فِي الزَّيْلَعِيّ والدرر موضحا.
قَوْله: (كَقَوْلِه من ثمن خمر الخ) تَشْبِيه للمسألة السَّابِقَة حكما وَخِلَافًا.
قَوْله: (أَو مَال قمار) الانسب تَأْخِيره عَمَّا بعده ليسلط لفظ الثّمن على الْحر وَالْميتَة وَالدَّم، وَهُوَ مَعْطُوف على ثمن.
قَوْله: (فَيلْزمهُ مُطلقًا) عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: إِن وصل صدق، وَإِن فصل لَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَة الاولى،
قَوْله: (إِلَّا إِذا صدقه) أَي الْمقر لَهُ.
قَوْله: (أَو أَقَامَ عَلَيْهِ) أَي الْمقر، وَاعْتمد المُصَنّف فِي تعْيين مرجع الضميرين الْمقَام والظهور.
قَوْله: (لاحْتِمَال حلّه عِنْد غَيره) أَي فِي مَذْهَب غَيره كَمَا إِذا بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ قبل قَبضه من بَائِعه بِثمن أقل مِمَّا اشْترى بِهِ فَالزِّيَادَة هَذِه عندنَا حرَام أَو رَبًّا، وَعند الشَّافِعِي: يجوز هَذَا البيع، وَلَيْسَ زِيَادَة أحد الثمنين حَرَامًا وَلَا رَبًّا، وَظَاهر هَذَا التَّعْلِيل أَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على ذَلِك لَا يلْزم الْمقر شئ ط.
قَوْله: (وَلَو قَالَ على زورا أَو بَاطِلا) أَي هُوَ على حَال كَون زورا أَو بَاطِلا، أَو من جِهَة ذَلِك فهما منصوبان على الْحَال أَو التَّمْيِيز.
قَوْله:
(لزمَه إِن كذبه) أَي فِي كَونه زورا أَو بَاطِلا.
قَوْله: (هِيَ أَن يلجئك الخ) قَالَ الشَّارِح فِي التذنيب آخر الصّرْف: هُوَ أَنْ يُظْهِرَا عَقْدًا وَهُمَا لَا يُرِيدَانِهِ يُلْجَأُ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ، وَهُوَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَة بل كالهزل انْتهى.
قَوْله: (إِن كذبه) أَي المُشْتَرِي البَائِع.
قَوْله: (وَإِلَّا لَا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِالتَّلْجِئَةِ بِأَنْ يَقُولَ لِآخَرَ إنِّي أُقِرُّ لَك فِي الْعَلَانِيَةِ بِمَالٍ وَتَوَاضَعَا عَلَى فَسَادِ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، حَتَّى لَا يملكهُ الْمقر لَهُ.
قَوْله: (زيوف) جمع زيف وصف بِالْمَصْدَرِ ثمَّ جمع على معنى الاسمية.
يُقَال: زافت الدَّرَاهِم تزيف زيفا ردأت وَالْمرَاد بِهِ مَا يردهُ بَيت المَال ويقبله التُّجَّار والنبهرجة دون الزُّيُوف، فَإِنَّهُمَا مِمَّا يردهَا التُّجَّار والستوقة أردأ من النبهرجة، وَتقدم آخر الْبيُوع، وقدمناه فِي شَتَّى الْقَضَاء.
قَوْله: (وَلم يذكر السَّبَب) كَثمن مَبِيع أَو غصب أَو وَدِيعَة.
قَوْله: (على الاصح) أَي إِجْمَاعًا، وَقيل على الْخلاف الْآتِي.
قَوْله: (وَهِي زيوف مثلا) أَو نبهرجة.
قَوْله: (لم(8/278)
يصدق مُطلقًا) أَي عِنْده، وَقَالا: يصدق إِن وصل: أَي فِي قَوْله زيوف أَو نبهرجة بل يلْزمه الْجِيَاد لَان العقد يقتضيها.
فدعوى الزيف رُجُوع عَمَّا أقرّ بِهِ، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ إِلَّا أَنَّهَا وزن خَمْسَة وَنقد الْبَلَد وزن سَبْعَة حَيْثُ يَصح مَوْصُولا لَا مَفْصُولًا، لانه اسْتثْنى الْقدر فَصَارَ مغيرا فَيصح بِشَرْط الْوَصْل وَلَو قَالَ عَليّ كرّ حِنْطَة من ثمن دَار اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ إِلَّا أَنَّهَا رَدِيئَة يقبل مَوْصُولا ومفصولا، لَان الرداءة نوع لَا عيب فمطلق العقد لَا يَقْتَضِي السَّلامَة عَنْهَا، بِخِلَاف الْجَوْدَة.
زَيْلَعِيّ.
وَقَوله: مُطلقًا: أَي وصل أم فصل.
وَقَالَ زفر: يبطل إِقْرَاره إِذا قَالَ الْمقر لَهُ هِيَ جِيَاد.
قَوْلُهُ: (صُدِّقَ مُطْلَقًا) لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَالْمُودِعَ يُودِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي السَّلامَة.
قَوْله: (وصل أم فصل) إِذْ لَا اخْتِصَاص للغصب والوديعة بالجياد دون الزُّيُوف إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ، فَلم يكن زُيُوفًا تَفْسِيرا لاول كَلَامه بل هِيَ بَيَان للنوع فصح مَوْصُولا ومفصولا دُرَر.
وَحَاصِل الْفرق بَينهمَا وَبَين مَا تقدم أَن فِيمَا تقدم أقرّ بِعقد البيع أَو الْقَرْض وَالْعقد يَقْتَضِي سَلامَة الْعِوَضَيْنِ عَن الْعَيْب كَمَا تقدم، وَهنا أقرّ بِالْغَصْبِ والوديعة وهما لَا يقتضيان السَّلامَة، وَهُوَ قَابض وَالْقَوْل للقابض أَمينا كَانَ أَو ضمنيا.
قَوْله: (لانها دَرَاهِم مجَازًا) فَكَانَ
هَذَا من بَاب التَّغْيِير فَلَا يَصح مَفْصُولًا.
قَوْله: (وَصدق بِيَمِينِهِ فِي غصبته أَو أودعني) لَان الْغَصْب والوديعة لَا يقتضيان وصف السَّلامَة كَمَا تقدم.
قَوْله: (مثلا) أَي أَو قرضا.
قَوْله: (إِلَّا أَنه ينقص كَذَا) أَي الدَّرَاهِم، وَمثله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ إلَّا أَن ينق ص كَذَا: أَي مائَة دِرْهَم وَهُوَ ظَاهر.
قَوْله: (أَي الدَّرَاهِم الخ) أَي أَن كل عشرَة من دَرَاهِم هَذَا الالف وزن خَمْسَة مَثَاقِيل لَا وزن سَبْعَة مِنْهَا.
قَوْله: (مُتَّصِلا) أَي قَالَ ذَلِك مُتَّصِلا.
قَوْله: (وَإِن فصل بِلَا ضَرُورَة لَا يصدق) .
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَلَو كَانَ الِانْقِطَاع بِسَبَب انْقِطَاع النَّفس أَو بِسَبَب دفع السعال، فَعَن أبي يُوسُف أَنه يَصح إِذا وَصله بِهِ، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى لَان الانسان يحْتَاج إِلَى أَن يتَكَلَّم بِجَمِيعِ ذَلِك بِكَلَام كثير وَيذكر الِاسْتِثْنَاء فِي آخِره، وَلَا يُمكنهُ أَن يتَكَلَّم بِجَمِيعِ ذَلِك بِنَفس وَاحِد، فَلَو لم يَجْعَل عذرا يكون عَلَيْهِم حرج، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
اهـ.
قَوْله: (لَا الْوَصْف كالزيافة) فَلِذَا لم يَصح لَهُ عَليّ ألف من ثمن مَتَاع إِلَّا أَنَّهَا زيوف فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ: وَهِي زيوف.
وَحَاصِل الْفرق بَين هَذَا وَبَين مَا إِذا قَالَ هِيَ زيوف حَيْثُ لَا يصدق هُنَاكَ، لَان الزيافة وصف فَلَا يَصح استثناؤها وَهَذَا قدر.
قَوْله: (ضمن الْمقر) مَا أقرّ بِأَخْذِهِ لَهُ لانه أقرّ بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الاخذ، ثمَّ إِنَّه ادّعى مَا يُوجب الْبَرَاءَة وَهُوَ الاذن بالاخذ وَالْآخر يُنكر، فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لَهُ الْمقر لَهُ بل أَخَذتهَا قرضا، حَيْثُ يكون القَوْل للْمقر كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لَو قَالَ(8/279)
أَخَذته عَارِية فَقَالَ بل بيعا فَالْقَوْل للآخذ لانكاره البيع، وَهَذَا إِذا لم يلْبسهُ بَزَّازِيَّة وَالْعلَّة فِي عدم الضَّمَان هُوَ اتِّفَاقهمَا أَن الاخذ كَمَا بالاذن سائحاني.
وَلَعَلَّ الْعَارِية محرفة عَن الْوَدِيعَة، لَان اللّبْس فِي الْعَارِية مُبَاح دون الْوَدِيعَة، وَمَعْلُوم أَن الْعَارِية تبيح التَّصَرُّف كَالْبيع، فَلَا يصلح اللّبْس هُنَا فارقا، لَكِن فِي الْبَدَائِع قَالَ: أعرتني ثَوْبك فَهَلَك وَقَالَ الْمقر لَهُ لَا بل غصبته، فَإِن الْهَلَاك بعد اللّبْس يضمن، لَان لبس ثوب الْغَيْر سَبَب لوُجُوب الضَّمَان فِي الاصل، فدعوى الاذن فدعوى بَرَاءَة عَن الضَّمَان فَلَا يثبت إِلَّا بِحجَّة اهـ.
قَوْله: (وَهُوَ سَبَب الضَّمَان) قَالَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى ترده أَي ثمَّ بعد إِقْرَاره بالاخذ ادّعى
مَا يُوجب بَرَاءَته، وَهُوَ الاذن بالاخذ وَالْآخر يُنكر، فَكَانَ القَوْل لَهُ بِيَمِينِهِ، فَإِن نكل عَنهُ لَا يلْزم، أما لَو قَالَ لَهُ بعد قَوْله أَخَذتهَا وَدِيعَة بل أَخَذتهَا قرضا يكون القَوْل للْمقر، لانهما تَصَادقا على أَن الاخذ حصل بالاذن، وَهُوَ لَا يُوجب الضَّمَان، ثمَّ إِن الْمَالِك يَدعِي عقد الْقَرْض وَالْمقر يُنكره فَالْقَوْل لَهُ، وَمثله لَو قَالَ أَخَذتهَا بيعا بعد قَوْله مَا تقدم.
أَفَادَهُ المُصَنّف وَمثله فِي الْعَيْنِيّ.
قَوْله: (أعطيتنيه) قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَمثله دفعتها لي وَدِيعَة وَنَحْوه مِمَّا يكون من فعل الْمقر لَهُ.
تَأمل.
قَوْله: (لانكاره الضَّمَان) قَالَ المُصَنّف: لانه لم يقر بِسَبَب الضَّمَان بل أقرّ بالاعطاء وَهُوَ فعل الْمقر لَهُ، فَلَا يكون مقرا على نَفسه بِسَبَب الضَّمَان وَالْمقر لَهُ يَدعِي عَلَيْهِ سَبَب الضَّمَان، وَهُوَ يُنكر وَالْقَوْل قَول الْمُنكر.
قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَالْفرق أَن فِي الْفَصْل الاول أقرّ بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الاخذ ثمَّ ادّعى مَا يُبرئهُ وَهُوَ الاذن وَالْآخر يُنكره، فَيكون القَوْل لَهُ مَعَ الْيَمين، وَفِي الثَّانِي أضَاف الْفِعْل إِلَى غَيره وَذَلِكَ يَدعِي بِسَبَب الضَّمَان وَهُوَ الْغَصْب وَهُوَ يُنكر فَيكون القَوْل للْمُنكر مَعَ الْيَمين.
وَمِمَّا يكثر وُقُوعه مَا فِي التاترخانية أَعَرْتَنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ فَقَالَ لَا وَلَكِنَّك غَصَبْتَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعِيرُ رَكِبَهَا فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضمن، وَكَذَا دفعتها لي عَارِيَّةً أَوْ أَعْطَيْتَنِيهَا عَارِيَّةً.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَالَ أَخَذْتُهَا مِنْك عَارِيَّةً وَجَحَدَ الْآخَرُ ضَمِنَ، وَإِذَا قَالَ أَخَذْتُ هَذَا الثَّوْبَ مِنْك عَارِيَّةً فَقَالَ أَخَذْتَهُ مِنِّي بَيْعًا فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ مَا لم يلْبسهُ لانه مُنكر الثّمن، فَإِنْ لَبِسَ ضَمِنَ أَعَرْتنِي هَذَا فَقَالَ لَا بَلْ آجَرْتُك لَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ بِخِلَافِ قَوْله غصبته حَيْثُ يضمن إِن كَانَ اسْتَعْملهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) فِيهِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْإِشَارَةِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ الْمُقِرُّ.
تَأَمَّلْ.
قَوْله: (لاقراره بِالْيَدِ ثمَّ بالاخذ مِنْهُ) أَي ثمَّ ادّعى الِاسْتِحْقَاق بعد فَلَا يصدق بِلَا برهَان.
قَوْله: (وَصُدِّقَ مَنْ قَالَ آجَرْتُ فُلَانًا فَرْسَى هَذِهِ الخ) أَقُول صُورَة الْمَسْأَلَة: فِي يَد إِنْسَان فرس أَو ثوب فَقَالَ مُخَاطبا لزيد إِنَّك كنت أجرت أَو أعرت فرسي هَذِه أَو ثوبي هَذَا لعَمْرو فَرده عَمْرو عَليّ وَكذبه عَمْرو: أَي قَالَ لم أستأجره وَلم أستعره فَالْقَوْل للْمقر الَّذِي هُوَ ذُو الْيَد، وَلَا يكون قَوْله لزيد أجرته أَو أعرته إِقْرَارا لزيد بِالْملكِ لقَوْله فرسي أَو ثوبي.
تَأمل.
ذكره فِي الْحَوَاشِي الْخَيْرِيَّة.
قَوْله:(8/280)
(فَالْقَوْل للْمقر اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَول الامام وَقَالا القَوْل قَول الْمَأْخُوذ مِنْهُ، وَكَذَا الاعارة والاسكان لانه أقرّ لَهُ بِالْيَدِ، ثمَّ ادّعى الِاسْتِحْقَاق وَله أَن الْيَد فِيمَا ذكر لضَرُورَة اسْتِيفَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ، فَلَا يكون إِقْرَارا بِالْيَدِ قصدا فَبَقيت فِيمَا وَرَاء الضَّرُورَة فِي حكم يَد الْمَالِك، بِخِلَاف الْوَدِيعَة وَالْقَرْض وَنَحْوهمَا، ولان فِي الاجارة وَنَحْوهَا أقرّ بيد من جِهَته فَالْقَوْل لَهُ فِي كيفيتها، وَلم يقر بذا فِي الْوَدِيعَة فَيحْتَمل أَنَّهَا وَدِيعَة بإلقاء الرّيح فِي بَيته حَتَّى لَو قَالَ أودعتها فَهُوَ على الْخلاف، وَلَيْسَ مدَار الْفرق على ذكر الاخذ الْوَدِيعَة وَنَحْوهَا كَمَا توهمه الزَّيْلَعِيّ، لانه ذكر الاخذ فِي لطرف الآخر فِي إِقْرَار.
كَذَا فِي التَّبْيِين.
وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ لم يذكر فِي الْقَرْض مَا ذكر فِي الْوَدِيعَة فَكَانَ قاصرا، وَمَا ذكره فِيهَا نَادِر لَا يبتنى عَلَيْهِ حكم إِلَّا أَن يُقَال: اكْتفي بِمَا سَيذكرُهُ بعد فِي تَوْجِيه حكم قَوْله قبضت مِنْهُ ألفا كَانَت لي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَشْمَل الْقَرْض كَمَا لَا يخفى.
وَنقل الزَّيْلَعِيّ عَن النِّهَايَة: أَن الْخلاف إِذا لم يكن الْمقر بِهِ مَعْرُوفا للْمقر، وَإِلَّا فَالْقَوْل لَهُ إِجْمَاعًا وَعَزاهُ إِلَى الاسرار، وَفِيه بِأَنَّهُ إِذا كَانَ مَعْرُوفا بِهِ فَالْقَاضِي لَا يعرف ذَلِك إِلَّا بِشَهَادَة العارفين عِنْده لَا بِمُجَرَّد قَوْله، فَلْيتَأَمَّل.
وَإِن قُلْتُمْ: القَاضِي يعلم ذَلِك.
قُلْنَا: لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ الْآن.
وَلَو قَالَ قبضت مِنْهُ ألفا كَانَت لي عَلَيْهِ وَأنكر عَلَيْهِ أَخذهَا لانه أقرّ لَهُ بِالْملكِ وَأَنه أَخذ بِحقِّهِ وَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ، إِذْ الدّين يقْضِي بِمثلِهِ وَادّعى مَا يُبرئهُ وَالْآخر يُنكر، بِخِلَاف الاجارة وَنَحْوهمَا لما بَينا، ولانا لَو آخذنا النَّاس بإقرارهم فِيهَا لامتنعوا عَنْهَا وَالْحَاجة ماسة إِلَيْهَا، فَلَا يُؤَاخذ بِهِ اسْتِحْسَانًا دفعا للْحَرج.
وَفِي الْوَلوالجِيَّة: وعَلى هَذَا الْخلاف لَو قَالَ أودعت فلَانا هَذِه الالف ثمَّ أَخَذتهَا مِنْهُ هما يَقُولَانِ أقرّ بِسَبَب يُوجب ضَمَان الرَّد وَادّعى مَا يُبرئهُ فَلَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة، كَمَا لَو قَالَ أخذت مِنْك ألفا كَانَت وَدِيعَة لي عنْدك وَقَالَ الْمَأْخُوذ مِنْهُ بل ملكي، وَأَبُو حنيفَة يَقُول: الاقرار بالاجارة والاعارة والايداع أَولا صَحَّ، لانه أقرّ بِمَا فِي يَده وَلَيْسَ بِحقِّهِ دَعْوَى الْبَرَاءَة عَن الضَّمَان فَصَارَ الثَّابِت بالاقرار كثابت عيَانًا، وَلَو عاينا أَنه أعَار أَو آجر أَو أودع ثمَّ أَخذ لَا يلْزمه الرَّد، كَذَا هَاهُنَا، فَأَما إِذا قَالَ أخذت مِنْهُ وَهُوَ كَانَ عِنْده عَارِية أَو إِجَارَة أَو وَدِيعَة، فالاقرار بِهَذِهِ الاشياء لَا يَصح، فَصَارَ كَمَا لَو سكت عَن دَعْوَى الثَّلَاثَة، وَلَو قَالَ فلَان سَاكن فِي هَذِه الدَّار فَالْقَوْل للساكن أَنَّهَا لَهُ، وَلَو قَالَ
زرع هَذِه الارض أَو بنى هَذِه الدَّار أَو غرس الْكَرم وَهُوَ بيد الْمقر أَو خاط الْقَمِيص وَلم يقل قَبضته مِنْهُ فَقَالَ بل ملكي فَالْقَوْل للْمقر والاقرار بِالسُّكْنَى إِقْرَار بِالْيَدِ، وَلَو قَالَ ذَا اللَّبن أَو الْجُبْن من بقرته أَو الصُّوف من غنمه أَو التَّمْر من نخله أَو الْعَسَل من نحله وَطَلَبه أَمر بِالدفع إِلَيْهِ.
وَفِي الْخَانِية: ولدت أمة فِي يَده وَقَالَ الامة لفُلَان وَالْولد لي فَكَمَا قَالَ، لَان الاقرار بالجارية لَا يكون إِقْرَار بِالْوَلَدِ، بِخِلَاف الْبناء وَنَحْوه، وَكَذَا سَائِر الْحَيَوَان وَالثِّمَار المحرزة فِي الاشجار بِمَنْزِلَة ولد الْجَارِيَة، وَلَو قَالَ لصندوق فِيهِ مَتَاع فِي يَده الصندوق لفُلَان وَالْمَتَاع لي أَو هَذِه الدَّار لفُلَان وَمَا فِيهَا من الْمَتَاع لي فَالْقَوْل لَهُ.
مقدسي.
قَوْله: (بِخِلَاف الْوَدِيعَة) وَمثلهَا الْقَرْض، لَان الْيَد فيهمَا مَقْصُورَة فَيكون الاقرار بهما إِقْرَارا بِالْيَدِ كَمَا فِي الْمنح.
قَوْله: (وعَلى الْمقر ألف مثله للثَّانِي) لَان الاقرار صَحَّ(8/281)
للاول، قَوْله لَا بل وَدِيعَة فلَان إضراب عَنهُ وَرُجُوع، فَلَا يقبل قَوْله فِي حق الاول، وَيجب عَلَيْهِ ضَمَان مثلهَا للثَّانِي لانه أقرّ لَهُ بهَا وَقد أتلفهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بهَا للاول فَيضمن لَهُ.
منح.
وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الصُّلْحِ مَا لَوْ قَالَ أَوْصَى أَبِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ بَلْ لِفُلَانٍ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَاف هِيَ لفُلَان الخ) فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ حَيْثُ أقرّ بِأَنَّهُ وَدِيعَة لفُلَان الآخر يَكُونُ ضَامِنًا حَيْثُ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَكَانَتْ مِلْكَ الْأَوَّلِ وَلَا يُمكن تَسْلِيمُهَا لِلثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لِلْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمُجَرَّدِ البيع حَيْثُ يُمكنهُ دَفعهَا لَهُ بهَا هَذَا مَا ظهر.
فَتَأمل.
وَأَيْضًا لانه أقرّ بهَا للاول ثمَّ رَجَعَ وَشهد بهَا للثَّانِي فرجوعه لَا يَصح وشهادته لَا تقبل.
منح.
فَرْعٌ: أَقَرَّ بِمَالَيْنِ وَاسْتَثْنَى كُلَّهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا: فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمَالَيْنِ وَاحِدًا يُصْرَفُ إلَى الْمَالِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ قِيَاسًا وَإِلَى الْأَوَّلِ اسْتِحْسَانًا لَوْ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ رَجُلَيْنِ يُصْرَفُ إلَى الثَّانِي مُطْلَقًا، مِثْلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ آخَرَ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا هَذَا كُلُّهُ قَوْلُهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَا لِرَجُلٍ يُصْرَفُ إلَى جِنْسِهِ، وَإِنْ لِرَجُلَيْنِ لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء أصلا.
تاترخانية عَن الْمُحِيط.
قَوْله: (لزمَه أَيْضا) الثَّانِي ألف لانه أقرّ لَهُ بشئ تقبله الذِّمَّة بِأَن كَانَ دينا أَو قرضا وَهِي تقبل حقوقا شَتَّى كَالدّين وَالْقَرْض وَنَحْوهمَا:
قَوْله: (وَعَلِيهِ للثَّانِي مثلهَا) لما
تقدم فِي الْوَدِيعَة.
قَوْله: (وَلَو كَانَ الْمقر لَهُ وَاحِدًا) وَقد زَاد فِي أحد الاقرارين قدرا أَو وَصفا.
قَوْله: (يلْزمه أكثرهما قدرا وأفضلهما وَصفا) أَي سَوَاء كَانَ مَا بعد بل هُوَ الافضل أَو مَا قبلهَا، وَسَوَاء كَانَ الْفضل فِي الذَّات أَو فِي الصّفة لانه حَيْثُ أقرّ بِالْقدرِ الزَّائِد أَو الْوَصْف الْفَاضِل لَا يَصح الرُّجُوع عَنهُ أَو أَخذه، لانه إِن لم يقر بِهِ أَولا فقد أقرّ بِهِ ثَانِيًا وَهَذَا إِذا كَانَ جِنْسا وَاحِدًا، فَلَو كَانَ جِنْسَيْنِ كألف دِرْهَم لَا بل دِينَار لزمَه الالفان.
قَوْله: (أَو عَكسه) رَاجع إِلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْقِيَاس أَن يلْزمه المالان وَبِه قَالَ زفر، كَمَا إِذا اخْتلف جنس الْمَالَيْنِ بِأَن قَالَ لفُلَان ألف دِرْهَم بل ألف دِينَار، فَإِنَّهُ يلْزمه المالان بالاجماع كَمَا قدمنَا.
وَالْحَاصِل: أَن هَذِه الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَن يكون المَال متحدا.
وَالثَّانِي: أَن يكون مُخْتَلفا.
فَإِن كَانَ متحدا فَإِنَّهُ يلْزمه أفضل الْمَالَيْنِ، سَوَاء كَانَ مَا بعد بل هُوَ الافضل أَو مَا قبلهَا، وَسَوَاء كَانَ الْفضل فِي الذَّات أَو فِي الصّفة كَمَا قدمنَا، فَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوط: إِذا أقرّ لفُلَان بِأَلف دِرْهَم ثمَّ قَالَ بل بِخَمْسِمِائَة فَعَلَيهِ ألف، وَكَذَا لَو قَالَ خَمْسمِائَة بل ألف، وَلَو قَالَ عشرَة دَرَاهِم بيض لَا بل سود أَو قَالَ سود لَا بل بيض أَو قَالَ جيد لَا بل ردئ أَو ردئ بل جيد فَعَلَيهِ أفضلهما، وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فَعَلَيهِ المالان لَان الْغَلَط لَا يَقع فِي الْجِنْس الْمُخْتَلف عَادَة فرجوعه عَن الاول بَاطِل والتزامه الثَّانِي صَحِيح، فَلَو قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم بل دِينَار لزمَه ودينار، وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ كرّ حِنْطَة لَا بل كرّ شعير(8/282)
لزمَه الكران.
اهـ.
كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ إِقْرَار لَهُ) أَي للْمقر لَهُ، قَالَ فِي شرح الملتقي: وَإِن تعدّدت الدُّيُون والودائع، وَلَا يصدق الْمقر لَهُ قَالَ عنيت بَعْضهَا اهـ.
قَوْله: (وَحقّ الْقَبْض للْمقر) فَيَأْخُذ مَا ذكر ويدفعه للْمقر لَهُ.
قَالَ فِي شرح الْمُلْتَقى: وَلَو جحد الْمُودع ضمن للْمقر لَهُ إِذا تلف.
قَوْله: (برِئ) أَي إِذا أقرّ الْمقر أَنه أذن لَهُ.
كَذَا فِي شرح الْمُلْتَقى.
قَوْله: (لكنه مُخَالف الخ) هَذَا الاستدارك وجيه ومؤيد لَا يقبل التَّغْيِير، وَرُبمَا كلمة لي فِي الْخُلَاصَة من زِيَادَة النَّاسِخ، وَلذَا لم تُوجد فِي الْوَدِيعَة بعده، لَكِن كَلَام الْحَاوِي يُؤَيّد الزِّيَادَة، وَزِيَادَة الْحَاوِي وجيهة على مَا ظهر لي حَيْثُ إِن الْعبْرَة لآخر الْكَلَام.
قَوْله: (لما مر الخ) أَي أَوَائِل كتاب الاقرار عِنْد قَول المُصَنّف جَمِيع مَالِي أَو مَا
أملكهُ هبة لَا إِقْرَار وَقدمنَا الْجَواب عَن ذَلِك والتوفيق بِمَا يشفي الغليل، فَرَاجعه إِن شِئْت.
قَوْله: (إِن أضَاف إِلَى نَفسه كَانَ هبة) أَي فيراعي شُرُوطهَا وَلَا يكون إِقْرَارا لانه إِخْبَار، وَقَضِيَّة الاضافة إِلَى نَفسه مُنَافِيَة لَهُ فَيكون هبة.
قَوْله: (فَيلْزم التَّسْلِيم) لَان هبة الدّين لَا تصح مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَّا إذَا سلط على قَبضه.
قَوْله: (وَلذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدسِي) عِبَارَته كَمَا فِي الْمنح قَالَ: الدّين الَّذِي لي على زيد فَهُوَ لعَمْرو وَلم يُسَلِّطهُ على الْقَبْض لَكِن قَالَ وَاسْمِي فِي كِتَابِ الدَّيْنِ عَارِيَّةٌ صَحَّ، وَلَو لم يقل هَذَا لم يَصح اهـ.
فَهُوَ من غير ذكر لفظ لَو، واستفيد من هَذَا أَنه لَو سلطه على قَبضه أَو قَالَ هَذِه الْجُمْلَة صَحَّ على أَنه إِقْرَار وَإِلَّا يَصح إِقْرَارا بل هبة.
قَوْله: (قَالَ المُصَنّف وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَصِحَّ هُوَ الْمَذْكُور فِي عَامَّة الْمُعْتَبرَات، خلافًا للخلاصة.
حَاصله: أَنه إنْ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ أَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ وَلَكِنْ قَالَ اسْمِي فِيهِ عَارِيَّةٌ يَصِحُّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ هِبَةً وَعَلَى الثَّانِي إقْرَارًا، وَتَكُونُ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ نِسْبَةٍ لَا مِلْكٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ.
قَوْلَهُ: وَاسْمِي عَارِيَّةٌ لِيَكُونَ قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ إضَافَةِ النِّسْبَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَتْنِ وَيَكُونُ إطْلَاقًا فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فِي جَعْلِهِ إقْرَارًا وَلَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ الْمَارَّ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ.
وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ الصَّدَاقُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي مِلْكُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهِ وَصَدَّقَهَا الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا قِيلَ يَبْرَأُ، وَقِيلَ لَا.
وَالْبَرَاءَةُ أَظْهَرُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَرْغِينَانِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَة الاقرار، فَيكون الابراء ملاقيا لمحله اهـ.
أَي فَإِنَّ هُنَا الْإِضَافَةَ لِلْمِلْكِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ صَدَاقَهَا لَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا فَكَانَ إقْرَارُهَا لَهُ هِبَةً بِلَا تسليط على الْقَبْض.
وَأعَاد الشَّارِحُ الْمَسْأَلَةَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْهِبَةِ وَاسْتَشْكَلَهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ زَوَالَ الْإِشْكَالِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فَاغْتَنِمْهُ.
قَوْله: (فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى) الْعبْرَة لما فِي عَامَّة كتب الْمَذْهَب، وَفِي شرح الْعَلامَة عبد الْبر، وَقَالُوا: إِذا أضَاف المَال إِلَى نَفسه بِأَن قَالَ عَبدِي هَذَا لفُلَان يكون هبة على كل حَال، وَإِن لم يضف إِلَى نَفسه بِأَن قَالَ هَذَا المَال لفُلَان يكون إِقْرَارا اهـ.
وَهَذِه الْمَسْأَلَة ذكرهَا ابْن وهبان حَيْثُ قَالَ:(8/283)
وَمن قَالَ ديني ذَا لذا صَحَّ دَفعه إِلَى ذَا وَذَا حَيْثُ التصادق يذكر قَالَ شارحها عبد الْبر: مَسْأَلَة الْبَيْت من التَّتِمَّة وَغَيرهَا قَالَ الْمقر لَهُ بِالدّينِ إِذا أقرّ أَن الدّين لفُلَان وَصدقه فلَان صَحَّ، وَحقّ الْقَبْض للاول دون الثَّانِي، لَكِن مَعَ هَذَا لَو أدّى إِلَى الثَّانِي برِئ، وَجعل الاول كوكيل، وَالثَّانِي كموكل.
اهـ.
وَظَاهره أَنه يكون لفُلَان بِمُجَرَّد التصادق وَإِن لم يقل اسْمِي عَارِية، وَلم يُسَلط الْمقر لَهُ على قَبضه، فَكَانَ هَذَا التصادق مُفِيدا لملك الْمقر لَهُ، وَكَانَ الْمقر كَالْوَكِيلِ عَن الْمقر لَهُ، وَإِن حمل مَا فِي الْحَاوِي على أَن الْمقر لَهُ كَانَ ساكتا، وَمَسْأَلَة الْبَيْت فِيمَا إِذا وجد مِنْهُ تَصْدِيق حصل التوافق وَزَالَ التَّنَافِي وَالِاضْطِرَاب، وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.
بَاب إِقْرَار الْمَرِيض
وَجه تَأْخِيره ظَاهر، لانه عَارض وإفراده فِي بَاب على حِدة لاختصاصه بِأَحْكَام على حِدة، ولان فِي بَعْضهَا اخْتِلَافا.
قَالَ فِي نور الْعين: وَمن الامور المعترضة على الاهلية الْمَرَض، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة وجوب الحكم حتما لله تَعَالَى أَو للْعَبد، وَلَا لاهلية الْعبارَة حَتَّى صَحَّ نِكَاح الْمَرِيض وطلاقه وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بالعبارة، وَلَكِن الْمَرَض لما كَانَ سَبَب الْمَوْت وَالْمَوْت عجز خَالص كَانَ الْمَرَض من أَسبَاب الْعَجز فشرعت الْعِبَادَات على الْمَرِيض بِقدر الْقُدْرَة، وَلما كَانَ الْمَوْت عِلّة خلَافَة الْوَارِث والغرماء فِي المَال كَانَ الْمَرَض من أَسبَاب تعلق حق الْوَارِث والغريم بِمَالِه فَيكون الْمَرَض من أَسبَاب الْحجر على الْمَرِيض بِقدر مَا يتَعَلَّق بِهِ صِيَانة للحقين، إِذا اتَّصل الْمَرَض بِالْمَوْتِ مُسْتَندا إِلَى أول الْمَرَض، حَتَّى لَا يُورث الْمَرَض فِيمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حق غَرِيم، ووارث كَنِكَاح بِمهْر الْمثل حَيْثُ يَصح مِنْهُ لانه من الْحَوَائِج الاصلية وحقهم يتَعَلَّق فِيمَا فضل عَنْهَا، فَيصح فِي الْحَال كل تصرف يحْتَمل الْفَسْخ كَهِبَة وَبيع بمحاباة، ثمَّ ينْتَقض إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ، وَمَا لَا يحْتَمل النَّقْض جعل كمعلق بِالْمَوْتِ كإعتاق إِذا وَقع على حق غَرِيم أَو ورث، بِخِلَاف إِعْتَاق الرَّاهِن حَيْثُ ينفذ، لَان حق الْمُرْتَهن فِي ملك الْيَد دون الرَّقَبَة اهـ.
قَوْله: (يَعْنِي مرض الْمَوْت) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن أل للْعهد، وَلما كَانَت أل تحْتَمل الِاسْتِغْرَاق وَغَيره فَسرهَا بيعني وَكَانَ الْمقَام أَي.
قَوْله: (مر فِي طَلَاق الْمَرِيض) وَهُوَ قَوْلَهُ مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ أَضْنَاهُ مَرَضٌ عَجَزَ بِهِ عَنْ إِقَامَة مَصَالِحه
خَارج الْبَيْت أَو بارز رجلا أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ بَقِيَ عَلَى لَوْحٍ مِنْ السَّفِينَةِ أَوْ افترسه سبع وَبَقِي فِي فِيهِ، وَلَا يَصح تبرعه إِلَّا من الثُّلُث اهـ.
وَمِنْه: لَو قدمه ظَالِم ليَقْتُلهُ، وَمِنْه: لَو تلاطمت الامواج وَخيف الْغَرق فَهُوَ كَالْمَرِيضِ: أَي وَمَات من ذَلِك كُله كَمَا قَيده ثمَّة وأوضحه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، فَرَاجعه.
قَوْله: (وسيجئ فِي الْوَصَايَا) حَيْثُ قَالَ الْمُؤلف هُنَاكَ: قيل مَرَضِ الْمَوْتِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِحَوَائِجِ نَفْسِهِ، وَعَلِيهِ اعْتمد فِي التَّجْرِيد.
بَزَّازِيَّة.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْمَوْتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ.
قُهُسْتَانِيُّ عَنْ هبة الذَّخِيرَة.
اهـ.
وَاخْتَارَهُ صَاحب الْهِدَايَة فِي التَّجْنِيس.
لَكِن فِي الْمِعْرَاجِ: وَسُئِلَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ عَنْ حَدِّ مَرَضِ الْمَوْتِ، فَقَالَ: كَثُرَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الْمَشَايِخِ، وَاعْتِمَادُنَا فِي ذَلِك على قَول الفضلي، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَذْهَبَ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ خَارِجَ الدَّارِ وَالْمَرْأَةُ لِحَاجَتِهَا دَاخِلَ الدَّار لصعود السَّطْح وَنَحْوه اهـ.
وَهَذَا الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ، وَصَححهُ الزَّيْلَعِيّ.(8/284)
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ الَّتِي طَالَتْ، وَلَمْ يُخَفْ مِنْهَا الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ صَيَّرَتْهُ ذَا فِرَاشٍ وَمَنَعَتْهُ عَنْ الذَّهَابِ فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يُخَالِفُ مَا جَرَى عَلَيْهِ أَصْحَاب الْمُتُون والشروح هُنَا تَأمل.
قَالَ فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة: مَنْ بِهِ بَعْضُ مَرَضٍ يَشْتَكِي مِنْهُ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَخْرُجُ إلَى السُّوقِ وَيَقْضِي مَصَالِحه لَا يكون بِهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ وَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ، وَإِذَا بَاعَ لِوَارِثِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَا يتَوَقَّف على إجَازَة بَاقِي الْوَرَثَة اهـ.
وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك مفصلا فِي المحلين الْمَذْكُورين.
قَوْله: (إِقْرَاره بدين لاجنبي) المُرَاد بالاجنبي من لم يكن وَارِثا وَإِن كَانَ ابْن ابْنه.
قَوْله: (نَافِذ من كل مَاله) لَكِنْ يَحْلِفُ الْغَرِيمُ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيم، وَمثله فِي قَضَاء الاشباه.
قَوْله: (بأثر عمر) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا أقرّ الْمَرِيض بدين جَازَ ذَلِك عَلَيْهِ فِي جَمِيع تركته، والاثر فِي مثله كالخبر لانه من المقدرات، فَلَا يتْرك بِالْقِيَاسِ فَيحمل على أَنه سَمعه من النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ولان قَضَاء الدّين من الْحَوَائِج الاصلية لَان فِيهِ تَفْرِيغ ذمَّته وَرفع الْحَائِل بَينه وَبَين الْجنَّة فَيقدم
على حق الْغُرَمَاء كَسَائِر حَوَائِجه، لَان شَرط تَعْلِيق حَقهم الْفَرَاغ من حَقه، وَلِهَذَا يقدم كَفنه عَلَيْهِم، وَالْقِيَاس أَن لَا ينفذ إِلَّا من الثُّلُث، لَان الشَّرْع قصر تصرفه على الثُّلُث وعلق حق الْوَرَثَة بالثلثين، فَكَذَا إِقْرَاره.
كَذَا فِي الزَّيْلَعِيّ.
وَفِيه: ولانه لَو لم يقبل إِقْرَاره لامتنع النَّاس عَن مُعَامَلَته حذرا من إتواء مَالهم فينسد عَلَيْهِم طَرِيق التِّجَارَة أَو المداينة اهـ.
وَفِي بعض النّسخ بأثر ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: وَهِي الْمُوَافقَة لما فِي الاتقاني عَن الْمَبْسُوط.
أَقُول: وَفِي البُخَارِيّ فِي كتاب الْوَصَايَا مَا نَصه: وَيذكر أَن شريحا وَعمر بن عبد الْعَزِيز وطاوسا وَعَطَاء وَابْن أذينة أَجَازُوا إِقْرَار الْمَرِيض بدين اهـ.
فَلَعَلَّ مُرَاد الشَّارِح بأثر عمر هُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز
قَوْله: (وَلَو بِعَين فَكَذَلِك) قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الْمنح: قَوْله إِقْرَاره بدين لَيْسَ احْتِرَازًا عَن الْعين لَان إِقْرَاره لَهُ بهَا صَحِيح.
قَالَ فِي مجمع الفتاوي إِذا أقرّ الْمَرِيض لاجنبي بِجَمِيعِ مَاله صَحَّ، وَلَو أقرّ لغير الْوَارِث بِالدّينِ يَصح وَلَو أحَاط بِجَمِيعِ مَاله، وَبِه نَأْخُذ.
وفيهَا: الْمَرِيض الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ دين إِذا أقرّ بِجَمِيعِ مَاله صَحَّ إِقْرَاره وَلَا يتَوَقَّف على إجَازَة الْوَرَثَة، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُث عِنْد عدم الاجازة، وَقد ذكر الزَّيْلَعِيّ: لَو كَانَ عَلَيْهِ دين لَا يَصح إِقْرَاره بدين وَلَا بِعَين فِي يَده لآخر فِي حق غُرَمَاء الصِّحَّة وَالْمَرَض بِأَسْبَاب مَعْلُومَة اهـ.
قَوْله: (إِلَّا إِذا علم تملكه) أَيْ بَقَاءُ مِلْكِهِ لَهَا فِي زَمَنِ مَرَضِهِ.
قَوْله: (فيتقيد بِالثُّلثِ) أَي فَيكون إِقْرَاره لَهُ تَمْلِيكًا لَهُ وَالتَّمْلِيك فِي الْمَرَض وَصِيَّة، وَهُوَ معنى مَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ أَن إِقْرَاره بِالْعينِ للاجنبي صَحِيح إِن كَانَ إِقْرَاره حِكَايَة، وَإِن كَانَ بطرِيق الِابْتِدَاء يَصح من الثُّلُث كَمَا فِي فُصُول الْعِمَادِيّ.
وَقد سُئِلَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: عَن المُرَاد بالحكاية والابتداء.
فَأجَاب: بِأَن الْمُرَادُ بِالِابْتِدَاءِ مَا يَكُونُ صُورَتُهُ صُورَةَ إقْرَارٍ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بِأَنْ يَعْلَمَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مِلْكٌ لَهُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إخْرَاجَهُ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَنْعٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْمُقِرِّ، كَمَا يَقَعُ أَنَّ الانسان يُرِيد أَن يتَصَدَّق على فَقير وَلكنه يعرض عَنهُ(8/285)
بَين النَّاس، وَإِذا خلا بِهِ تصدق عَلَيْهِ كي لَا يُحْسَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ فَيَحْصُلَ مِنْهُمْ إيذَاءٌ فِي الْجُمْلَةِ بِوَجْهٍ مَا، وَأَمَّا الْحِكَايَةُ فَهِيَ على حَقِيقَة الاقرار.
اهـ.
وَقَول الْمَقْدِسِي: بِأَن يعلم الخ، يُفِيد إِطْلَاقه أَن
التَّقْيِيد من الْمُؤلف.
قَوْله: فِي مَرضه اتفاقي ط.
قَالَ: إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يصدقهُ الْوَرَثَة اهـ.
وَهَكَذَا فِي عَامَّة الْمُعْتَمدَة الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ: أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ لَا يَجُوزُ حِكَايَةً وَلَا ابْتِدَاءً، وَإِقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ يَجُوزُ حِكَايَةً مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَابْتِدَاءً مِنْ ثلث المَال.
اهـ.
قُلْت: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ الْمَشَايِخُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالِابْتِدَاءِ مَا يَكُونُ صُورَتُهُ صُورَةَ إقْرَارٍ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بِأَنْ يَعْلَمَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مِلْكٌ لَهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ إخْرَاجَهُ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِي ذَلِك إِظْهَار على الْمقر لَهُ، وكما يَقع لبَعض أَن يتَصَدَّق على فَقير الخ.
وَأما الْحِكَايَة فَهُوَ على حَقِيقَة الاقرار، وَبِهَذَا الْفرق أجَاب الْعَلامَة الْمَقْدِسِي، وَنَقله عَن السَّيِّد الْحَمَوِيّ كَمَا نَقله الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَة جَامع الْفُصُولَيْنِ.
أَقُولُ: وَمِمَّا يَشْهَدُ لِصِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ.
أَقَرَّ الصَّحِيحُ بِعَبْدٍ فِي يَدِ أَبِيهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَالِابْنُ مَرِيضٌ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُتَرَدِّدٌ بَين أَن يَمُوت الابْن أَولا فَيبْطل، أَو الْأَبُ أَوَّلًا فَيَصِحَّ، فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ الْمُبْتَدَإِ فِي الْمَرَض.
قَالَ أستاذنا: فَهَذَا كالتنصيص أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكُهُ إيَّاهُ فِي حَالِ مَرضه مَعْلُوما حَتَّى أمكن جعل إِقْرَاره إِظْهَارًا أَي لحق الْمقر لَهُ لَا تَمْلِيكًا، فَأَمَّا إذَا عُلِمَ تَمَلُّكُهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ فَإِقْرَارُهُ بِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ ثُلُثِ المَال.
قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: وَأَنه حسن من حَيْثُ الْمَعْنى اهـ.
قُلْت: وَإِنَّمَا قَيَّدَ حَسَنَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ فِي مُخْتَصَرَاتِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فَكَانَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ وَارِثِهِ صَحِيحًا مُطْلَقًا، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
مُعِينُ الْمُفْتِي.
وَنَقَلَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَام طَوِيل فَالَّذِي تحرر مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَشَمِلَ الدَّيْنَ وَالْعَيْنَ، وَالْمُتُونُ لَا تَمْشِي غَالِبًا إلَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِت: مَتى اخْتلف التَّرْجِيح
رجح إِطْلَاق مَا فِي الْمُتُون اهـ.
وَقد علمت أَن التَّفْصِيل مُخَالف لما أطْلقُوا، وَإِنْ حَسَّنَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا الرِّوَايَةُ اهـ.
فقد عَلِمْتَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُصَنِّف لم يرتضه المُصَنّف.
أَقُول: حَاصِل هَذَا الْكَلَام: أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَحَاطَ بِكُل مَاله، لكنه مَشْرُوط بِمَا إِذا لم يعلم أَنه ابْتِدَاء تمْلِيك فِي الْمَرَض كَمَا إِذا علم أَن مَا أقرّ بِهِ إِنَّمَا دخل فِي ملكه فِي مَرضه، كَمَا إِذا أقرّ فِي مرض مَوته بشئ لاجنبي لم يعلم تملكه لَهُ فِي مَرضه، وَلم يكن عَلَيْهِ دين الصِّحَّة، فَإِن إِقْرَاره بِأَنَّهُ ملك فلَان الاجنبي دَلِيل على أَنه ابْتِدَاء تمْلِيك، كَمَا يَقع كثيرا فِي زَمَاننَا من أَن الْمَرِيض يقر بالشئ لغيره إِضْرَارًا لوَارِثه، فَإِذا علم ذَلِك تقيد بِثلث مَاله، وَهُوَ معنى قَول الْفُصُول الْعمادِيَّة: وَابْتِدَاء من ثلث مَاله، لَكِن أَنْت خَبِير بِأَن الْمُعْتَمد أَن الاقرار إِخْبَار لَا تمْلِيك، وَأَن الْمقر لَهُ بشئ إِذا لم يَدْفَعهُ لَهُ الْمقر بِرِضَاهُ لَا يحل لَهُ أَخذه ديانَة إِلَّا إِذا كَانَ قد ملك ذَلِك بِنَحْوِ بيع أَو هبة وَإِن(8/286)
كَانَ يحكم لَهُ بِأَنَّهُ ملكه بِنَاء على ظَاهر الامر، وَإِن الْمقر صَادِق فِي إِقْرَاره، فعلى هَذَا إِذا علمنَا أَن هَذَا الْمقر كَاذِب فِي إِقْرَاره وَأَنه قصد بِهِ ابْتِدَاء تمْلِيك فبالنظر إِلَى الدّيانَة لَا يملك الْمقر لَهُ شَيْئا مِنْهُ، وبالنظر إِلَى الْقَضَاء فِي ظَاهر الشَّرْع يحكم لَهُ بِالْكُلِّ، فَلَا وَجه لتخصيص نفاذه من الثُّلُث، لانا حَيْثُ صدقناه فِي إِقْرَاره فِي ظَاهر الشَّرْع لزم نفاذه من كل مَاله، وَإِن أحَاط بِهِ، فَلِذَا أطلق أَصْحَاب الْمُتُون والشروح نَفاذ الاقرار للاجنبي من كل المَال، فَلَيْسَ فِيمَا ذكره فِي الْقنية شئ من الْحسن، لَا من حَيْثُ الْمَعْنى وَلَا من حَيْثُ الرِّوَايَة، وَلَا يكون فِيهِ تأييد لما ذكره من الْفرق إِلَّا أَن يحمل الاقرار الْمَزْبُور على الْهِبَة، وَهِي فِي الْمَرَض وَصِيَّة لكنه يشْتَرط فِيهَا التَّسْلِيم، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى ملكه كَانَ هبة، فعلى هَذَا فَيمكن حمل مَا ذكر على الْوَصِيَّة حَيْثُ كَانَ الْمقر فِي ذكر الْوَصِيَّة، فَلَا يشْتَرط التَّسْلِيم، وَإِلَّا حمل على الْهِبَة وَاشْترط التَّسْلِيم كَمَا علمت، وَهَذَا كُله أَيْضا حَيْثُ أضَاف مَا أقرّ بِهِ إِلَى نَفسه كَقَوْلِه دَاري أَو عَبدِي لفُلَان، بِخِلَاف قَوْله هَذِه الدَّار أَو العَبْد لفُلَان وَلم يكن مَعْلُوما للنَّاس بِأَنَّهُ ملك الْمقر، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمكن حمله على التَّمْلِيك بطرِيق الْهِبَة أَو الْوَصِيَّة، لانه يكون مُجَرّد إِقْرَار وَهُوَ إِخْبَار لَا تمْلِيك كَمَا فِي الْمُتُون والشروح.
وَمَا نقل عَن الْقنية مَحْمُول على إِنَّه إنْشَاء تمْلِيك ابْتِدَاء، وَلذَا قيد نفاذه
بِكَوْنِهِ من الثُّلُث، إِلَّا أَن يُقَال: إِن إِقْرَار هَذَا الابْن كَانَ إِخْبَارًا فِي حَال صِحَّته لكنه لما دخل العَبْد فِي ملكه وَهُوَ مَرِيض وَلَزِمَه تَسْلِيمه إِلَى الْمقر لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالة اعْتبر تَبَرعا فِي الْمَرَض فتقيد بِالثُّلثِ.
وَمَا نقل عَن الْعمادِيَّة فَالْمُرَاد بِهِ الاقرار بالابراء عَن الْعين: يَعْنِي أَنه إِذا أقرّ الْمَرِيض أَنه أَبْرَأ وَارثه عَن دين لَهُ عَلَيْهِ لَا يَصح حِكَايَة بِأَن يسند الابراء إِلَى حَال الصِّحَّة، وَلَا ابْتِدَاء بِأَن يقْصد إبراءه الْآن.
وَأما الاجنبي إِذا حكى أَنه أَبرَأَهُ فِي الصِّحَّة يجوز من كل المَال، وَإِذا ابْتَدَأَ إبراءه الْآن لَا على سَبِيل الْحِكَايَة فَمن الثُّلُث لانه تبرع.
وَمَا نقل عَن جَامع الْفُصُولَيْنِ من أَنه لم يجز فَصرحَ فِي الْجَوْهَرَة بِأَنَّهُ أَي من كل المَال، وَإِنَّمَا يجوز من الثُّلُث، وَعَلِيهِ فَلَا فرق فِي إِقْرَاره بإبراء الاجنبي بَين كَونه حِكَايَة أَو ابْتِدَاء، حَيْثُ ينفذ من الثُّلُث، بِخِلَاف الاقرار بِقَبض الدّين مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْكل كَمَا مر اهـ.
مُلَخصا من التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
أَقُول: لَكِن فِي قَوْله فِي صدر الْعبارَة وَإِن أقرّ لوَارث فَهُوَ بَاطِل فِيهِ نظر، لَان الْبَاطِل لَا تلْحقهُ الاجارة، فَيتَعَيَّن أَن يُقَال إِنَّه مَوْقُوف لَا بَاطِل.
تَأمل.
وَفِي الْمجلة من الْمَادَّة 1061: الاقرار لاجنبي صَحِيح من جَمِيع المَال فِي مرض الْمَوْت إِذا لم يكن عَلَيْهِ دين الصِّحَّة، وَلم يعلم أَن الْمقر ملكه بِسَبَب هبة أَو إِرْث أَو شِرَاء من مُدَّة قريبَة، وَأما إِذا علم أَن الْمَرِيض كَانَ ملكه بِسَبَب مِمَّا ذكر وَكَانَ قريب عهد فِي تملكه، فَيكون من الثُّلُث، سَوَاء حمل على الْوَصِيَّة إِن كَانَ فِي مذاكرة الْوَصِيَّة، وَإِلَّا فعلى الْهِبَة إِذا كَانَ مَعْلُوما ذَلِك عِنْد كثير من النَّاس.
قَوْلُهُ: (فِي مُعِينِهِ) وَهُوَ مُعِينُ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ.
قَوْله: (وَأخر الارث عَنهُ) لَان قَضَاء الدّين من الْحَوَائِج الاصلية، لَان فِيهِ تَفْرِيغ ذمَّته وَرفع الْحَائِل بَينه وَبَين الْجنَّة كَمَا قدمنَا فَيقدم على حق الْوَرَثَة.
قَوْله: (وَدين الصِّحَّة مُطلقًا) سَوَاء علم بِسَبَب مَعْرُوف أَو بِإِقْرَارِهِ، سَوَاء كَانَ لوَارث أم لَا بِعَين أَو بدين ط.
قَوْله: (وَدين) مُبْتَدأ خَبره جملَة قدم، وَيصِح جَرّه، والاول قَول الشَّارِح فِي الْفَرَائِض: وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ إنْ جهل سَببه وَإِلَّا فسيان.
قَوْله: (وَمَا لزمَه فِي مَرضه بِسَبَب مَعْرُوف) وَإِنَّمَا سَاوَى مَا قبله لانه لما علم سَببه انْتَفَت التُّهْمَة عَن الاقرار.
منح.(8/287)
قَالَ فِي الْمَبْسُوط: إِذا اسْتقْرض مَالا فِي مَرضه وعاين الشُّهُود دفع الْمقْرض المَال إِلَى الْمُسْتَقْرض أَو اشْترى شَيْئا بِأَلف دِرْهَم وعاين الشُّهُود قبض الْمَبِيع أَو تزوج امْرَأَة بِمهْر مثلهَا أَو اسْتَأْجر شَيْئا بمعاينة الشُّهُود، فَإِن هَذِه الدُّيُون تكون مُسَاوِيَة لديون الصِّحَّة، وَذَلِكَ لانها وَجَبت بِأَسْبَاب مَعْلُومَة لَا مرد لَهَا، ولانه بالقرض وَالشِّرَاء لم يفوت على غُرَمَاء الصِّحَّة شَيْئا لانه يزِيد فِي التَّرِكَة مِقْدَار الدّين الَّذِي تعلق بهَا، وَمَتى لم يتَعَرَّض لحقوقهم بالابطال نفذ مُطلقًا اهـ.
جلبي وَفِي التَّعْلِيل الثَّانِي نظر لاحْتِمَال اسْتِهْلَاك مَا اقترضه أَو مَا اشْتَرَاهُ ط
قَوْله: (أَو بمعاينة قَاض) هَذَا بِنَاء على أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ وَهُوَ مَرْجُوح كَمَا مر مرَارًا.
قَوْله: (قدم على مَا أقرّ بِهِ فِي مر ض مَوته) حَتَّى لَو أقرّ من عَلَيْهِ دين فِي صِحَّته فِي مَرضه لاجنبي بدين، أَو عين مَضْمُونَة أَو أَمَانَة بِأَن قَالَ مُضَارَبَة أَو وَدِيعَة أَو غصب يقدم دين الصِّحَّة، وَلَا يَصح إِقْرَاره فِي حق غُرَمَاء الصِّحَّة، فَإِن فضل شئ من التَّرِكَة يصرف إِلَى غُرَمَاء الْمَرَض.
إتقاني.
وَإِنَّمَا قدم عَلَيْهِ، لَان الْمَرِيض مَحْجُور عَن الاقرار بِالدّينِ مَا لم يفرغ عَن دين الصِّحَّة، فالدين الثَّابِت بِإِقْرَار الْمَحْجُور لَا يزاحم الدّين الثَّابِت بِلَا حجر، كَعبد مَأْذُون أقرّ بدين بعد حجره، فَالثَّانِي لَا يزاحم الاول.
حموي.
وَفِيه: وَلنَا أَن حق غُرَمَاء الصِّحَّة تعلق بِمَال الْمَرِيض مرض الْمَوْت فِي أول مَرضه لانه عجز عَن قَضَائِهِ من مَال آخر، فالاقرار فِيهِ صَادف حق غُرَمَاء الصِّحَّة فَكَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ ومدفوعا بِهِ.
قَوْله: (وَلَو الْمقر بِهِ وَدِيعَة) أَي لم يتَحَقَّق ملكه لَهَا فِي مَرضه، وَإِلَّا كَانَت وَصِيَّة.
قَوْله: (وَعند الشَّافِعِي الْكل سَوَاء) لانه إِقْرَار لَا تُهْمَة فِيهِ لانه صادر عَن عقد والذمة قَابِلَة للحقوق فِي الْحَالين، وَلنَا أَن الْمَرِيض مَحْجُور عَن الاقرار بِالدّينِ مَا لم يفرغ عَن دين الصِّحَّة، فالدين الثَّابِت بِإِقْرَار الْمَحْجُور لَا يزاحم الدّين الثَّابِت بِلَا حجر، كَعبد مَأْذُون أقرّ بِالدّينِ بعد الْحجر، فَالثَّانِي لَا يزاحم الاول.
دُرَر.
وَالْحَاصِل: أَن الدّين الثَّابِت قبل الْحجر لَا يزاحمه الثَّابِت بعده، وَلَكِن مَا لَو علم مِنْهُ سَبَب بِلَا إِقْرَار يلْحق بالثابت قبل الْحجر فيؤخر عَنْهُمَا الثَّابِت بِمُجَرَّد الاقرار، ثمَّ الدّين الثَّابِت بِالسَّبَبِ نَوْعَانِ: نوع لَو قبض صَاحبه من الْمَرِيض ذَلِك لَا يُشَارِكهُ فِيهِ صَاحب دين الصِّحَّة كالمقرض وَالْمَبِيع فِيهِ.
وَنَوع: يُشَارك فِيهِ مَعَه كمهر قَبضته الْمَرْأَة وَأُجْرَة قبضهَا الْآجر كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان، وَأُجْرَة مَسْكَنه ومأكله
وملبسه، وَمِنْه أدويته وَأُجْرَة طبيبه من النَّوْع الاول لَو قبضت لَا يشاركها الْغُرَمَاء وَالْمهْر من النَّوْع الثَّانِي، وَلم يعد من التَّبَرُّعَات لَان النِّكَاح من الْحَوَائِج الاصلية كَمَا مر وَيَأْتِي.
قَوْله: (كَنِكَاح مشَاهد) أَي للشُّهُود، وَإِنَّمَا جعل النِّكَاح من جملَة مَا يجب تَقْدِيمه لانه من الْحَوَائِج الاصلية كَمَا مر، وَإِن كَانَت رَابِعَة لشيخ فان، لَان النِّكَاح فِي أصل الْوَضع من مصَالح الْمَعيشَة، والاصل الْوَضع لَا الْحَال لَان الْحَال مِمَّا لَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمنح.
قَوْله: (أما الزِّيَادَة فباطلة) أَي مَا لم تجزها الْوَرَثَة لانها وَصِيَّة لزوجته الوارثة، فَافْهَم.
قَوْله: (وَبيع مشَاهد) إِنَّمَا يكون مشاهدا بِالْبَيِّنَةِ على مَا تقدم.
قَوْلُهُ: (وَالْمَرِيضُ) بِخِلَافِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي حَبْسِ الْعِنَايَةِ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَرِيضِ، وَمُفَادُهُ أَن تَخْصِيص الصَّحِيح صَحِيح كَمَا فِي حَجْرِ النِّهَايَةِ شَرْحِ الْمُلْتَقَى.
قَوْلُهُ: (دين بعض الْغُرَمَاء) وَلَو غُرَمَاء(8/288)
لتَعلق حق كل الْغُرَمَاء بِمَا فِي يَده، وَالتَّقْيِيد بالمريض يُفِيد أَن الْحر غير الْمَحْجُور لَا يمْنَع من ذَلِك.
قَالَ فِي الدُّرَر: وَلم يجز تَخْصِيص غَرِيم بِقَضَاء دينه، وَهَذَا ظَاهر فِي أَنه لَو أَدَّاهُ شَاركهُ الْغُرَمَاء الآخر، بِخِلَاف قَوْله وَلَيْسَ لَهُ الخ، فَإِنَّهُ يحْتَمل، وَيدل على ذَلِك قَول الشَّارِح فَلَا يسلم لَهما.
قَوْله: (فَلَا يسلم) بِفَتْح اللَّام المخففة من السَّلامَة.
قَوْله: (لَهما) بَلْ يُشَارِكُهُمَا غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ النِّكَاحِ وَسُكْنَى الدَّارِ لَا يَصْلُحُ لتَعلق حَقهم بِعَين التَّرِكَة، فَكَانَ تَخْصِيصُهُمَا إبْطَالًا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهِ مِثْلُ مَا نَقَدَ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَعْنَى التَّرِكَة لَا بالصورة، فَإِذا حصل لَهُ مثله لَا يعد تفويتا كَمَا فِي الْكِفَايَة وَهَذَا فِي الاجرة المستوفية الْمَنْفَعَة.
أما إِذا كَانَت الاجرة مَشْرُوطَة التَّعْجِيل وَامْتنع من تَسْلِيم الْعين الْمُؤجرَة حَتَّى يقبض الاجرة فَهِيَ كَمَسْأَلَة ثمن الْمَبِيع الْآتِيَة الَّذِي امْتنع من تَسْلِيمه حَتَّى يقبض ثمنه.
قَوْله: (إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الخ) وَذَلِكَ لَان الْمَرِيض إِنَّمَا منع من قَضَاء دين بعض الْغُرَمَاء لما فِيهِ من إِسْقَاط حق البَاقِينَ، فَإِذا حصل للْغُرَمَاء مثل مَا قضى وَلم يسْقط من حَقهم شئ جَازَ الْقَضَاء، ولان حق الْغُرَمَاء فِي معنى التَّرِكَة لَا فِي عينهَا كَمَا مر.
فَإِذا اشْترى عبدا وأوفى ثمنه من التَّرِكَة فَمَعْنَى التَّرِكَة حَاصِل لَهُم لم يسْقط مِنْهُ شئ فَجَاز مَا فعله ط.
قَوْله: (لَو بِمثل الْقيمَة) وَالزِّيَادَة تبرع فَهِيَ وَصِيَّة.
قَوْلُهُ: (أَيْ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ
الْقَرْض وَالشِّرَاء.
قَوْله: (بِخِلَاف اعطاء الْمهْر وَنَحْوه) أَي كإيفاء أُجْرَة عَلَيْهِ، وذكرهما ليُفِيد الحكم فيهمَا وَفِيمَا ذكره المُصَنّف بعد.
قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: الْمَرِيض إِذا تزوج امْرَأَة وَأَعْطَاهَا مهرهَا يسْتَردّ مِنْهَا مَا أخذت وَيكون بَين الْغُرَمَاء بِالْحِصَصِ، وَالْمَرْأَة وَاحِدَة مِنْهُم، بِخِلَاف ثمن الْمَبِيع، فَإِن الثّمن يسلم للدافع: أَي للْبَائِع الَّذِي دفع السّلْعَة، أما إِذا لم يَدْفَعهَا فَإِن لَهُ حَبسهَا حَتَّى يقبض الثّمن على كل حَال، وَلَكِن ينظر الْفرق بَين الْمهْر وبذل الاجرة وَبَين ثمن الْمَبِيع وَالْقَرْض، وَالْفرق أَن الْمهْر تبرع من وَجه وصلَة وَعرض من وَجه، فباعتبار مَا فِيهِ من الْمُعَاوضَة تشارك الْغُرَمَاء، وَبِاعْتِبَار مَا فِيهِ من الصِّلَة والتبرع يسْتَردّ مَا أَخَذته فِي الْمَرَض والاجرة بعد اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة دين فِي ذمَّة الْمُسْتَأْجر فساوت بِقِيمَة الدُّيُون، أما قَضَاء مَا اسْتقْرض فِي مَرضه لَا يسْتَردّ دفعا للْحَرج، لَان الْمقْرض إِذْ علم عدم وفائه فِي الْمَرَض يمْتَنع عَن إقراضه، وَكَذَا البَائِع فَيلْحق الْمَرِيض الْحَرج، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
قَوْله: (وَمَا إِذا لم يؤد) أَي وَبِخِلَاف مَا إِذا لم يؤد بدل مَا اسْتقْرض أَو ثمن مَا اشْترى فِي الْمَرَض.
قَوْله: (فَإِن البَائِع) أَي والمقرض.
قَوْله: (أُسْوَة) بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا وَبِهِمَا قرئَ فِي السَّبع.
قَوْله: (فِي الثّمن) الاولى أَن يَقُول فِي التَّرِكَة.
قَوْله: (كَانَ أولى) فتباع وَيقْضى من ثمنهَا مَاله، فَإِن زَاد رده فِي التَّرِكَة، وَإِن نقص حاصص بنقصه كَمَا لَا يخفى.
قَوْله: (أقرّ الْمَرِيض الخ) وَلَو للْمَرِيض على الْوَارِث دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ، سَوَاءٌ وَجَبَ الدّين بِصِحَّتِهِ أَوْ لَا عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ أَوْ لَا.
فصولين.
قَوْله: (ثمَّ أقرّ بدين) وَقد تساوى الدينان صِحَة أَو مَرضا.
قَوْله: (للاستواء) فِي الثُّبُوت فِي ذمَّة الْمقر.
قَوْله: (وَلَو أقرّ بدين ثمَّ(8/289)
بوديعة تحاصا) لانه لما بَدَأَ بالاقرار بِالدّينِ تعلق حق الْغَرِيم بالالف الَّتِي فِي يَده، فَإِذا أقرّ أَنَّهَا وَدِيعَة يُرِيد أَن يسْقط حق الْغَرِيم عَنْهَا فَلَا يصدق إِلَّا أَنه قد أقرّ بوديعة تعذر تَسْلِيمهَا بِفِعْلِهِ، فَصَارَت كالمستهلكة فَتكون دينا عَلَيْهِ، ويساوي الْغَرِيم الآخر فِي الدّين وَلَو أقرّ بوديعة ثمَّ بدين، فَصَاحب الْوَدِيعَة أولى بهَا لانه لما بَدَأَ بالوديعة ملكهَا الْمقر لَهُ بِعَينهَا، فَإِذا أقرّ بدين لم يجز أَن يتَعَلَّق بِمَال الْغَيْر ط عَن الْحَمَوِيّ.
قَوْله: (وبعكسه الْوَدِيعَة أولى) يَعْنِي أَن الالف الْمعِين يصرف للوديعة من غير محاصصة
فِيهِ، لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ بِهَا عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، ثُمَّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لَا يَكُونُ شَاغِلًا لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ.
بَزَّازِيَّة.
وَالْحَاصِل: أَن فِي الصُّورَة الاولى يتحاصان، وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة ينْصَرف للوديعة من غير تحاصص وَيلْزمهُ مَا أقرّ بِهِ، وَإِقْرَاره بِمَال فِي يَده إِنَّه بضَاعَة أَو مُضَارَبَة حكمه مسَاوٍ للوديعة كَمَا فِي الْبَدَائِع.
قَوْله: (وإبراؤه مديونه وَهُوَ مديون) أَي بمستغرق قُيِّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِ الْمَدْيُونِ، فَإِنْ لم يكن مديونا وَأَبْرَأ الاجنبي فَهُوَ نَافِذ من الثُّلُث كَمَا فِي الْجَوْهَرَة.
قَالَ أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَة الاشباه مَا نَصه: لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل يُقيد أَن لَا يبْقى لَهُ من المَال الفارغ عَن الدّين مَا يُمكن خُرُوج الْقدر المبرأ من ثلثه، وَلَا بُد من قيد آخر وَهُوَ أَن يكون لَهُ وَارِث وَلم يجز.
قَوْله: (للتُّهمَةِ) علله أَو السُّعُود فِي حَاشِيَة الاشباه بقوله: لَان إِبْرَاء الْوَارِث فِي مرض مَوته وَصِيَّة، وَهِي للْوَارِث لَا تجوز مَا لم يجز الْوَارِث الآخر، لَكِن الشَّارِح تبع الْمنح، والاظهر مَا نَقَلْنَاهُ عَن أبي السُّعُود.
قَوْله: (إِن كَانَ أَجْنَبِيًّا) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ كَفِيلًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ، إذْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ جَامع الْفُصُولَيْنِ.
وَلَو أقرّ بِاسْتِيفَائِهِ دَيْنَهُ مِنْهُ صُدِّقَ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْوَلوالجِيَّة.
قَوْله: (وَإِن كَانَ وَارِثا فَلَا يجوز) أَي سَوَاءٌ كَانَ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَصَالَةً أَوْ كَفَالَةً، وَكَذَا إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ وَاحْتِيَالِهِ بِهِ على غَيره.
فصولين.
قَوْله: (وحيلة صِحَّته الخ) قَالَ فِي الاشباه: وَهِي الْحِيلَة فِي إِبْرَاء الْمَرِيض وَارثه مرض مَوته، بِخِلَاف قَوْله أَبْرَأتك فَإِنَّهُ يتَوَقَّف كَمَا فِي حيل الْحَاوِي الْقُدسِي، وعَلى هَذَا لَو أقرّ الْمَرِيض بذلك لاجنبي لم تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ بشئ من الْوَارِث، فَكَذَا إِذا أقرّ بشئ لبَعض ورثته كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَوْله: (يَشْمَل الْوَارِث وَغَيره) صَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ حَيْثُ قَالَ: مَرِيضٌ لَهُ عَلَى وَارِثِهِ دَيْنٌ فَأَبْرَأَهُ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْك شئ ثُمَّ مَاتَ جَازَ إقْرَارُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً اهـ.
وَيَنْبَغِي لَو ادّعى الْوَارِث الآخر أَن الْمُقِرُّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُقَرُّ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَى عَلَيْهِ ديونا ومالا ووديعة فَصَالَحَ الطَّالِبُ عَلَى يَسِيرٍ سِرًّا وَأَقَرَّ الطَّالِبُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدعى عَلَيْهِ شئ وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمُدَّعِي ثُمَّ مَاتَ فَبَرْهَنَ الْوَارِثُ أَنَّهُ
كَانَ لِمُوَرِّثِي عَلَيْهِ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّمَا قَصَدَ حِرْمَانَنَا لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَارِثَ الْمُدَّعِي وَجَرَى مَا ذَكَرْنَا فَبَرْهَنَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلَى أَنَّ أَبَانَا قصد حرماننا بِهَذَا الاقرار تسمع.
اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ، لَكِنْ فرق فِي الاشباه بِكَوْنِهِ مُتَّهمًا فِي هَذِه الْإِقْرَارِ لِتَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالصُّلْحِ مَعَهُ عَلَى يَسِيرٍ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ عَلَى التُّهْمَةِ.
اهـ.(8/290)
قُلْت: وَكَثِيرًا مَا يَقْصِدُ الْمُقِرُّ حِرْمَانَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِي زَمَانِنَا، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ الْقَرِينَة مِنْ الصَّرِيحِ، فَعَلَى هَذَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ عَلَى قِيَامِ الْحَقِّ على الْمقر لَهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ يَجْرِي لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُقِرِّ فَيحلف، وَالنَّفْي عبر عَنهُ فِي الْبَحْر هُنَا بالاقرار، وَتارَة عبر عَنهُ بالابراء فِي أول الاقرار، وَفِي الصُّلْح، وَكَذَا البزازي، وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي الْمَتْن إِمَّا إِقْرَار أَو إِبْرَاء، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ كَمَا فِي الْمُتُونِ والشروح، فَمَا فِي الْمَتْن هُنَا غَرِيب لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَصِيرَ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ الْإِرْثِ الجبري مَعَ ضعفه، ويوضحه مَا لَو قَالُوا قصد حرماننا بذلك تسمع دَعوَاهُم كَمَا سَمِعت وَيَأْتِي، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَوْله: (صَحِيح قَضَاء لَا ديانَة) لانه فِي الدّيانَة لَا يجوز إِذا كَانَ بِخِلَاف الْوَاقِع، وَنَفس الامر بِأَن كَانَ لَهُ فِي الْوَاقِع عَلَيْهِ شئ لاستلزامه إِيثَار بعض الْوَرَثَة، وحرمان الْبَعْض، إِذْ لَو قَالَ طابق الْوَاقِع إِقْرَاره بِأَن لم يكن عَلَيْهِ شئ لصَحَّ قَضَاء وديانة كَمَا لَا يخفى.
قَوْله: (إِلَّا الْمهْر) أَي إِذا قَالَت فِي مرض مَوتهَا لَا مهر لي عَلَيْهِ أَو لم يكن لي عَلَيْهِ مهر.
قَوْله: (على الصَّحِيح) مُقَابِله مَا فِي الْمنح عَن الْبَزَّازِيَّة معزيا إِلَى حيل الْخصاف قَالَت فِيهِ: لَيْسَ على زَوجي مهر أَو قَالَ فِيهِ لم يكن لي على فلَان شئ يبرأ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ اهـ.
قَوْله: (لظُهُور أَنه عَلَيْهِ غَالِبا) لَعَلَّ المُرَاد مَا تعورف تأجليه غَالِبا.
تَأمل قَوْله (بِخِلَاف) رَاجع إِلَى.
قَوْله: (فَلَا يَصح) .
قَوْله: (فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى زَوْجِهَا فِيهِ) اعْلَم أَن صَاحب الاشباه استنبط هَذِه الْمَسْأَلَة من مَسْأَلَة الاقرار الْمصدر بِالنَّفْيِ، وَقَالَ: إِن هَذَا الاقرار مِنْهَا: أَي الْبِنْت بِمَنْزِلَة قَوْلهَا لَا حق لي فِيهِ، فَيصح وَلَيْسَ من قبيل الاقرار بِالْعينِ للْوَارِث لانه فِيمَا إِذا قَالَ هَذَا لفُلَان، فَلْيتَأَمَّل وَيُرَاجع الْمَنْقُول اهـ.
وَأقرهُ على ذَلِك المُصَنّف فِي منحه حَيْثُ قَالَ: وَفِي التاترخانية من بَاب إِقْرَار الْمَرِيض معزيا إِلَى
الْعُيُون: ادّعى على رجل مَالا وأثبته وأبرأه لَا تجوز بَرَاءَته إِن كَانَ عَلَيْهِ دين، وَكَذَا لَو أَبْرَأ الْوَارِث لَا يجوز سَوَاء كَانَ عَلَيْهِ دين أَو لَا، وَلَو أَنه قَالَ لم يكن لي على هَذَا الْمَطْلُوب شئ ثمَّ مَاتَ جَازَ إِقْرَاره فِي الْقَضَاء اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة معزيا إِلَى حيل الْخصاف قَالَت فِيهِ: لَيْسَ لي على زَوجي مهر وَقَالَ فِيهِ لم يكن لي على فلَان شئ يبرأ عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ.
اهـ.
وفيهَا قبله وإبراء الْوَارِث لَا يجوز فِيهِ.
قَالَ فِيهِ: لم يكن لي عَلَيْهِ شئ لَيْسَ لوَرثَته أَن يدعوا عَلَيْهِ شَيْئا فِي الْقَضَاء، وَفِي الدّيانَة لَا يجوز هَذَا الاقرار، وَفِي الْجَامِع أقرّ الابْن فِيهِ أَنه لَيْسَ لَهُ على وَالِده شئ من تَرِكَة أمه صَحَّ، بِخِلَاف مَا لَو أَبرَأَهُ أَو وهبه، وَكَذَا لَو أقرّ بِقَبض مَاله مِنْهُ اهـ.
وَبِهَذَا علم صِحَة مَا أفتى بِهِ مَوْلَانَا صَاحب الْبَحْر: فِيمَا لَو أقرَّت الْبِنْت فِي مرض مَوتهَا بِأَن الامتعة الْفُلَانِيَّة ملك أَبِيهَا لَا حق لَهَا فِيهَا أَنه يَصح، وَلَا تسمع دَعْوَى زَوجهَا فِيهَا مُسْتَندا إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ، وَقد خَالفه فِي ذَلِك شَيخنَا أَمِين الدّين بن عبد العال الْمصْرِيّ، وَأفْتى بِعَدَمِ الصِّحَّة مُسْتَندا إِلَى عَامَّة مَا فِي الْمُعْتَبرَات من أَن الاقرار للْوَارِث لَا يَصح، وَكثير من النقول الصَّحِيحَة يشْهد بِصِحَّة هَذَا: أَي إِفْتَاء صَاحب الْبَحْر، وَلَيْسَ هَذَا من قبيل الاقرار لوَارث كَمَا لَا يخفى.
قَالَ مَوْلَانَا صَاحب الْبَحْر: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة معزيا للذخيرة قَوْلهَا فِيهِ لَا مهر لي عَلَيْهِ أَو(8/291)
لَا شئ لي عَلَيْهِ أَو لم يكن لي عَلَيْهِ مهر قيل يَصح، وَقيل لَا يَصح، وَالصَّحِيح أَنه لَا يَصح.
اهـ.
لَان هُنَا فِي خُصُوص الْمهْر لظُهُور أَنه عَلَيْهِ غَالِبا، وكلامنا فِي غير الْمهْر، وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضا مَا ذكره فِي الْبَزَّازِيَّة أَيْضا بعده: ادّعى عَلَيْهِ مَالا وديونا ووديعة فَصَالح مَعَ الطَّالِب على شئ يَسِيرٍ سِرًّا وَأَقَرَّ الطَّالِبُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لم يكن لَهُ على الْمُدعى عَلَيْهِ شئ وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمُدَّعِي ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لوَرثَته أَن يدعوا على الْمُدعى عَلَيْهِ بشئ، وَإِن برهنوا على أَنه كَانَ لمورثنا عَلَيْهِ أَمْوَال لكنه قصد بِهَذَا الاقرار حِرْمَانَنَا لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَارِثَ الْمُدَّعِي وَجَرَى مَا ذَكَرْنَا فَبَرْهَنَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلَى أَنَّ أَبَانَا قَصَدَ حِرْمَانَنَا بِهَذَا الاقرار وَكَانَ عَلَيْهِ أَمْوَال تسمع اهـ.
لكَونه مُتَّهمًا فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالصُّلْحِ
مَعَهُ عَلَى يَسِيرٍ، وَالْكَلَامُ عِنْد عدم قرينَة على التُّهْمَة وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
مَا ذكره فِي الْمنح.
وَأقرهُ على ذَلِك الشَّارِح كَمَا ترى، قَالَ محشيه الْفَاضِل الْخَيْر الرَّمْلِيّ قَوْله: وَبِهَذَا علم صِحَة مَا أفتى بِهِ مَوْلَانَا صَاحب الْبَحْر الخ.
أَقُول: لَا شَاهد على ذَلِك مِمَّا تقدم، وَحَيْثُ كَانَت الامتعة فِي يَد الْبِنْت المقرة لَا يَصح إِقْرَارهَا بهَا لابيها، يدل عَلَيْهِ مَا صرح بِهِ الزَّيْلَعِيّ وَغَيره من أَنه لَو أقرّ بِعَين فِي يَده لآخر لَا يَصح فِي حق غُرَمَاء الصِّحَّة، وَإِذا لم يَصح فِي حق غُرَمَاء الصِّحَّة لَا يَصح فِي حق بَقِيَّة الْوَرَثَة لاشْتِرَاكهمَا فِي الحكم لشمُول الْعلَّة وَهِي التُّهْمَة لَهما، وَمَا قدمه من قَوْله بِخِلَاف إِقْرَاره بِأَن هَذَا العَبْد لفُلَان، فَإِنَّهُ كَالدّين فَإِذا كَانَ كَالدّين فَكيف يَصح الاقرار بِهِ للْوَارِث، أما عدم شَهَادَة مَا تقدم لَهُ فبيانه أَن قَوْله لَيْسَ لي على فلَان أَو لم يكن لي عَلَيْهِ دين مُطَابِقٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ خُلُوِّ ذِمَّتِهِ عَن دينه فَلم يكن من بَاب الاقرار لَهُ، فَصَارَ كَاعْتِرَافِهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِ زَيْدٍ بِأَنَّهَا لِزَيْدٍ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ، وَمِثْلُهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى وَالِدِهِ شئ مِنْ تَرِكَةِ أُمِّهِ، وَلَيْسَ لِي عَلَى زَوْجِي مهر على القَوْل الْمَرْجُوح، وَقد علمت أَن الاصح أَنه لَا يَصح، بِخِلَاف الامتعة الَّتِي بيد المقرة، فَإِنَّهُ إِقْرَار بهَا لِلْوَارِثِ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ على الْملك الْيَد، فقد أقرَّت بِمَا هُوَ ملكهَا ظَاهرا لوارثها فَأنى يَصح وأنى تَنْتفِي التُّهْمَة؟ وَقَوله وَكثير من النقول الصَّحِيحَة نشْهد بِصِحَّة هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب الاقرار لوَارث غير صَحِيح، لانا لم نجد فِي النقول الصَّحِيحَة وَلَا الضعيفة مَا يشْهد بِصِحَّتِهِ، وَوجدنَا النقول مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدِ الْمقر كالاقرار بِالدّينِ، وَلم يبعد عَهْدك بنقلها وَقَول صَاحب الْبَحْر وَلَا يُنَافِيهِ الخ.
أَقُول: بل يفهم مِنْهُ عدم الصِّحَّة بالاولى، وَذَلِكَ لانه إِذا لم يَصح فِيمَا مِنْهُ الاصل بَرَاءَة الذِّمَّة، فَكيف يَصح فِيمَا فِيهِ الْملك مشَاهد؟ ظَاهرا بِالْيَدِ نعم، لَو كَانَت فِي الامتعة يَد الاب هِيَ الْمُشَاهدَة لَا يَد الْبِنْت، فَلَا كَلَام فِي الصِّحَّة، فَالْحق مَا أفتى بِهِ ابْن عبد العال، وَيدل أَيْضا لصِحَّة مَا قُلْنَا مَا فِي شرح الْقَدُورِيّ الْمُسَمّى بمجمع الرِّوَايَة من قَوْله قَالَ فِي حَاشِيَة الْهِدَايَة: قَوْله وَإِقْرَار الْمَرِيض لوَارِثه لَا يَصح إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّة الْوَرَثَة، هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن إِقْرَار الْمَرِيض لوَارِثه إِذا كَانَ هُنَا وراث آخر غير الْمقر لَهُ إِنَّمَا لَا يَصح لَا لعدم الْمَحَلِّيَّة بل لحق بَقِيَّة الْوَرَثَة، فَإِذا لم يكن لَهُ وَارِث غير الْمقر لَهُ صَحَّ إِقْرَاره، دلّ
عَلَيْهِ مَا ذكر فِي الدِّيات إِذا مَاتَت الْمَرْأَة وَتركت زوجا وعبدين لَا مَال لَهَا غَيرهمَا فأقرت أَن هَذَا العَبْد بِعَيْنِه وَدِيعَة لزَوجهَا عِنْدهَا، ثمَّ مَاتَت فَذَلِك جَائِز وَيكون العَبْد للزَّوْج بالاقرار بالوديعة وَالْعَبْد الآخر مِيرَاث نصفه للزَّوْج وَنصفه لبيت المَال اهـ.
فَهَذَا صَرِيح فِي أَنه إِذا كَانَ هُنَاكَ وَارِث غير الزَّوْج وَغير بَيت المَال لَا يَصح إِقْرَارهَا بِالْعَبدِ للزَّوْج، وَأي فرق بَين قَول الْبِنْت هَذِه الامتعة الَّتِي بيَدي أَو فِي بَيْتِي(8/292)
ملك أبي لَا حق لي فِيهَا، وَبَين قَول الزَّوْجَة هَذَا العَبْد ملك زَوجي، فَإِن كَانَ زِيَادَة لَا حق لي فِيهَا فَهَذَا نفى حَقّهَا الْمشَاهد بِالْيَدِ ظَاهرا بعد إثْبَاته للاب.
وَبِه لَا يخرج عَن كَونه إِقْرَارا للْوَارِث بِعَين فِي يَده، فَتَأمل اهـ مَا ذكره الشَّيْخ خير الدّين الرَّمْلِيّ رَحمَه الله تَعَالَى، فالعجب من الشَّارِح مَعَ قَول شَيْخه الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الاشباه أَيْضا: أَن كل مَا أَتَى بِهِ من الشواهد لَا يشْهد لَهُ مَعَ تصريحهم بِأَن إِقْرَار الْمَرِيض بِعَين فِي يَده لوَارِثه لَا يَصح، وَلَا شكّ أَن الامتعة الَّتِي بيد الْبِنْت، وملكها فِيهَا ظَاهر بِالْيَدِ إِذا قَالَت هِيَ ملك أبي لَا حق لي فِيهَا إِقْرَار بِالْعينِ للْوَارِث، بِخِلَاف قَوْله لم يكن لي عَلَيْهِ شئ أَو لَا حق لي عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لي عَلَيْهِ شئ وَنَحْوه من صور النَّفْي لتمسك النَّافِي فِيهِ بالاصل، فَكيف يسْتَدلّ بِهِ على مدعاه، ويجعله صَرِيحًا فِيهِ.
ثمَّ قَالَ: وَقد خَالفه فِي ذَلِك عُلَمَاء عصره بِمصْر، وأفتوا بِعَدَمِ الصِّحَّة، وَمِنْهُم وَالِد شَيخنَا الشَّيْخ أَمِين الدّين بن عبد العال.
وَبعد هَذَا الْبَحْث والتحرير رَأَيْت شيخ شَيخنَا شيخ الاسلام الشَّيْخ عَليّ الْمَقْدِسِي رد على الْمُؤلف: أَي صَاحب الاشباه كَلَامه، وَكَذَلِكَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْغَزِّي على هَامِش نُسْخَة الاشباه والنظائر، فقد ظهر الْحق واتضح وَللَّه الْحَمد والْمنَّة اهـ كَلَام الْخَيْر الرَّمْلِيّ أَيْضا.
وَتَبعهُ السَّيِّد الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الاشباه، وَكَذَلِكَ رد عَلَيْهِ الْعَلامَة جوي زَاده كَمَا رَأَيْته مَنْقُولًا عَنهُ فِي هَامِش نُسْخَتي الاشباه، ورد عَلَيْهِ أَيْضا الْعَلامَة البيري وَقَالَ بعد كَلَام: وَعَلِيهِ فَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال لمفت وَلَا لقاض بِمَا أفتى بِهِ من صِحَة الاقرار للْوَارِث بالعروض فِي مرض الْمَوْت الْوَاقِع فِي زَمَاننَا، لَان الْخَاص وَالْعَام يعلمُونَ أَن الْمقر مَالك لجَمِيع مَا حوته دَاره لَا حق فِيهِ للْمقر لَهُ بِوَجْه من الْوُجُوه، وَإِنَّمَا قصد حرمَان بَاقِي الْوَرَثَة: أَي تُهْمَة بعد هَذِه التُّهْمَة يَا عباد الله اهـ.
وَكَذَا رد عَلَيْهِ الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الحائك مفتي دمشق الشَّام سَابِقًا حَيْثُ سُئِلَ: فِيمَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنْ لَا حق لَهُ فِي
الامتعة الْمَعْلُومَة مَعَ بنته وَملكه فِيهَا ظَاهر؟ فَأجَاب بِأَن الاقرار بَاطِل عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَلَوْ مُصَدَّرًا بِالنَّفْيِ خلافًا للاشباه وَقد أَنْكَرُوا عَلَيْهِ اهـ.
وَكَذَا رد عَلَيْهِ شَيخنَا السائحاني وَغَيره.
وَالْحَاصِل كَمَا رَأَيْته مَنْقُولًا عَن الْعَلامَة جوي زَاده: أَن الامتعة إِن كَانَت فِي يَد الْبِنْت فَهُوَ إِقْرَار بِالْعينِ للْوَارِث بِلَا شكّ، وَإِن لم تكن فِي يَدهَا فَهُوَ صَحِيح، وَبِه يشْعر كَلَام الْخَيْر الرَّمْلِيّ الْمُتَقَدّم، وَصرح بِهِ أَيْضا فِي حَاشِيَته على الْمنح، وَأطَال فِي الرَّد على الاشباه كَمَا علمت.
مطلب: الاقرار للْوَارِث مَوْقُوف إِلَّا فِي ثَلَاث فَإِن قلت: قد ذكر الشَّارِح فِيمَا يَأْتِي عَن الاشباه أَن إِقْرَاره للْوَارِث مَوْقُوف إِلَّا فِي ثَلَاث مِنْهَا: إِقْرَاره كلهَا الخ، وَقَول الْبِنْت هَذَا الشئ لابي إِقْرَار بالامانة بالامانات فَيصح وَإِن كَانَ فِي يَدهَا.
قلت: المُرَاد يَصح إِقْرَارهَا بِقَبض الامانة الَّتِي لَهُ عِنْد وَارثه، لَان صَاحب الاشباه ذكر عَن تَلْخِيص الْجَامِع أَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ مَوْقُوفٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ وَدِيعَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً، أَوْ بِقَبْضِ مَا قَبضه الْوَارِث بِالْوكَالَةِ من مديونه.
ثمَّ قَالَ فِي الاشباه: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِيَةِ إقْرَارُهُ بِالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا وَلَوْ مَالَ الشَّرِكَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ، وَالْمَعْنَى فِي الْكل أَنه لَيْسَ فِيهِ إيثارا لبَعض اهـ: يَعْنِي أَن الْوَدِيعَة فِي قَوْله أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً غير قيد، بل يَنْبَغِي أَن يلْحق بهَا الامانات كلهَا فَيكون إِقْرَاره بقبضها كإقراره بِقَبض الْوَدِيعَة، وَيُؤَيّد هَذَا الْبَحْث مَا قدمْنَاهُ(8/293)
عَن نور الْعين من قَوْله: مَرِيض عَلَيْهِ دين مُحِيط بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ وَكذبه الْمُورث يقبل قَول الْوَارِث اهـ.
فقد تبين لَك أَنه لَيْسَ المُرَاد إِقْرَاره بأمانة عِنْده لوَارِثه، بل المُرَاد مَا قُلْنَا فَتنبه لذَلِك، فَإِنِّي رَأَيْت من يُخطئ فِي ذَلِك مَعَ أَن النقول صَرِيحَة بِأَن إِقْرَاره لوَارِثه بِعَين غير صَحِيح كَمَا مر، ثمَّ إِن مَا ذكره فِي الاشباه من اسْتثِْنَاء الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الظَّاهِر أَنه يَسْتَغْنِي عَنهُ بِالثَّانِيَةِ، لَان الْمَرِيض إِذا كَانَ لَهُ دين على أَجْنَبِي فَوكل الْمَرِيض وَارثه بِقَبض الدّين الْمَذْكُور فَقَبضهُ صَار ذَلِك الَّذين أَمَانَة فِي يَد الْوَارِث، فَإِذا أقرّ
بِقَبْضِهِ مِنْهُ فقد أقرّ لَهُ بِقَبض مَا كَانَ لَهُ أَمَانَة عِنْده، لَان المَال فِي يَد الْوَكِيل أَمَانَة.
تَأمل.
وَقد ذكر فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ صُورَة الْمَسْأَلَة الاولى من الْمسَائِل الثَّلَاث فَقَالَ: صُورَتَهَا أَوْدَعَ أَبَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مَرَضِ الْأَبِ أَوْ صِحَّتِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَقَرَّ بِإِهْلَاكِهِ صُدِّقَ، إذْ لَوْ سَكَتَ وَمَات وَلَا يدْرِي مَا صنع كَانَت فِي مَاله، فَإِذا أقرّ بإتلافه فَأولى اهـ.
قَوْله عِنْد الشُّهُود قيد بِهِ لتَكون الْوَدِيعَة معرفَة بِغَيْر إِقْرَاره، وَلِهَذَا قيد فِي الاشباه بقوله الْمَعْرُوفَة، فَيدل على أَنه لَو أقرّ بإهلاك وَدِيعَة لوَارِثه وَلَا بَيِّنَة على الايداع لَا يقبل قَوْله، وَبِه تعلم مَا فِي عبارَة المُصَنّف وَالشَّارِح من الْخلَل حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لَهُ: أَيْ لِوَارِثِهِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَإِنَّهُ جَائِز.
وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِهَذَا الْوَارِث فاستهلكتها.
جَوْهَرَة اهـ.
فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول: بِخِلَاف إِقْرَاره لَهُ باستهلاك وَدِيعَة معرفَة فَإِنَّهُ جَائِز فاغتنم ذَلِك.
قَوْله: (كَمَا بَسطه فِي الاشباه الخ) أَقُول: وَقد خَالفه عُلَمَاء عصره، وأفتوا بِعَدَمِ الصِّحَّة كَمَا علمت.
وَقد كتب الْعَلامَة الْحَمَوِيّ فِي حَاشِيَة الاشباه فِي الرَّد على عبارتها فَقَالَ: كل مَا أَتَى بِهِ المُصَنّف: أَي صَاحب الاشباه لَا يشْهد لَهُ مَعَ تصريحهم بِأَن إِقْرَاره بِعَين فِي يَده لوَارِثه لَا يَصح، وَلَا شكّ أَن الامتعة الَّتِي بيد الْبِنْت ملكهَا فِيهَا ظَاهر بِالْيَدِ، فَإِذا قَالَت هِيَ ملك أبي لَا حق لي فِيهَا، فَيكون إِقْرَارا بِالْعينِ للْوَارِث، بِخِلَاف قَوْله لم يكن لي عَلَيْهِ شئ أَو لَا حق لي عَلَيْهِ أَو لَيْسَ لي عَلَيْهِ شئ وَنَحْوه من صُورَة النَّفْي لتمسك النَّافِي فِيهِ بالاصل، فَكيف يسْتَدلّ بِهِ على مدعاه ويجعله صَرِيحًا فِيهِ.
وَذكر الشَّيْخ صَالح فِي حَاشِيَته على الاشباه متعقبا لصَاحِبهَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا نَصه: أَقُول: مَا ذكره المُصَنّف هُنَا لَا يخرج عَن كَونه إِقْرَارا للْوَارِث بِالْعينِ، وَهُوَ غير صَحِيح، وَبِه أفتى شيخ الاسلام أَمِين الدّين، وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلا تَحت صور النَّفْي الَّتِي ذكرهَا مستدلا بهَا.
وَقَالَ أَخُو الْمُؤلف الشَّيْخ عمر بن نجيم: لَا يخفى مَا فِي إِقْرَارهَا من التُّهْمَة خُصُوصا إِذا كَانَ بَينهَا وَبَين زَوجهَا خُصُومَة كتزوجه عَلَيْهَا.
وَقَالَ البيري: الصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ لِلْوَارِثِ بِالْعَيْنِ بِصِيغَةِ النَّفْي، وَلَا نزاع فِي عدم صِحَة ذَلِك للْوَارِث فِي مرض الْمَوْت، وَمَا اسْتندَ لَهُ المُصَنّف مَفْرُوض فِي إِقْرَار بِصِيغَة النَّفْي فِي دين لَا فِي عين، وَالدّين وصف قَائِم بِالذِّمةِ وَإِنَّمَا يصير مَالا بِاعْتِبَار قَبضه اهـ.
وَقَول المُصَنّف: وَلَيْسَ هَذَا من
قبيل الاقرار للْوَارِث فِيهِ نظر.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَقَرَّ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَهُمَا تَصَادَقَا فِي الشَّرِكَةِ أَوْ تَكَاذَبَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لِلْأَجْنَبِيِّ بِحِصَّتِهِ لَوْ أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ الشَّرِكَةَ، وَبِالْعَكْسِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَال: إِنَّه على اخْتِلَاف، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ(8/294)
على قَول مُحَمَّد كَمَا هُوَ قَوْلهمَا اهـ.
لَهما أَن الاقرار إِخْبَار، وَلَا يَصح أَن ينفذ على خلاف الْوَجْه الَّذِي أقرّ بِهِ، فَإِذا أقرّ مُشْتَركا لَا يُمكن أَن ينفذ غير مُشْتَرك.
وَفِي أَحْكَام الناطفي: لَو أقرّ لاثْنَيْنِ بِأَلف فَرد أَحدهمَا وَقبل الآخر فَلهُ النّصْف.
قَوْله: (بِعَين) قيست على الدّين الْمَذْكُور فِي الحَدِيث، وَمِثَال الْعين أَن يقر الْمَرِيض بِأَن هَذِه الْعين وَدِيعَة وأرثي أَو عاريته أَو غصبتها أَو رهنتها مِنْهُ.
قَوْله: (بَطل) أَي على تَقْدِير عدم الاجازة، وَإِلَّا فَهُوَ مَوْقُوف اهـ.
منح لكنه لَو طلب سلم إِلَيْهِ، ثمَّ إِن مَاتَ لَا يرد لاحْتِمَال صِحَة الاقرار بالتحاق صِحَة الْمَرِيض اهـ.
حموي عَن الرَّمْز.
قَوْله: (وَلَنَا حَدِيثُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بدين) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، لَكِن فِي الْمَبْسُوط أَن الزِّيَادَة شَاذَّة وَلذَلِك تَركهَا فِي الدُّرَر، وَالْمَشْهُور: لَا وَصِيَّة لوَارث، ولدلالة نفي الْوَصِيَّة على نفي الاقرار لَهُ بِالطَّرِيقِ الاولى، لَان بِالْوَصِيَّةِ إِنَّمَا يذهب ثلث المَال، وبالاقرار يذهب كُله، فإبطالها إبِْطَال للاقرار بِالطَّرِيقِ الاولى كَمَا فِي المنبع.
فَظهر أَن مَا يُقَال الْمُدَّعِي عدم جَوَاز الاقرار وَالدَّلِيل على عدم جَوَاز الْوَصِيَّة.
فَالصَّوَاب مَا أَتَى بِهِ صَاحب الْهِدَايَة سَاقِط غَايَته أَن الدَّلِيل لم ينْحَصر على عبارَة النَّص كَمَا صرح بِهِ فِي الاصول.
قَوْله: (إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّة الْوَرَثَة) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا عِبْرَةَ لِإِجَازَتِهِمْ قَبْلَهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِنْ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِضِدِّهِ، وَأَجَابَ بِهِ ابْنُهُ نِظَامُ الدِّينِ وحفيده عِمَادُ الدِّينِ.
ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ شَرْحُ الْمُلْتَقَى.
وَفِي النعيمية: إذَا صَدَّقَ الْوَرَثَةُ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يُحْتَاجُ لِتَصْدِيقِهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَعَزَاهُ لِحَاشِيَةِ مِسْكِينٍ قَالَ: فَلَمْ تُجْعَلْ الْإِجَازَةُ كَالتَّصْدِيقِ، وَلَعَلَّه لانهم أقرُّوا اهـ.
قَالَ الْعَلامَة أَبُو السُّعُود فِي حَاشِيَة مِسْكين: وَكَذَا لَو كَانَ لَهُ دين على وَارثه فَأقر بِقَبْضِهِ لَا يَصح، إِلَّا أَن يصدقهُ الْبَقِيَّة.
زَيْلَعِيّ.
فَإِذا صدقوه فِي حَيَاة الْمقر فَلَا حَاجَة إِلَى التَّصْدِيق بعد الْمَوْت،
بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِمَا زَاد على الثُّلُث حَيْثُ لَا تنفذ إِلَّا بِإِجَازَة الْوَرَثَة بعد موت الْمُوصي حموي اهـ.
أَقُول: يَنْبَغِي أَن يكون على هَذَا المنوال رضَا الْغُرَمَاء قبل مَوته.
تدبر.
وَأَقُول: وَكَذَا وقف بَيْعه لوَارِثه على إجازتهم كَمَا قدمه فِي بَاب القضولي، وَأَشَارَ فِي الخزانة إِلَى أَنهم قَالُوا أجزنا إِقْرَاره فِي حَيَاته فَلهم الرُّجُوع: أَي فَلَا مُخَالفَة لَان التَّصْدِيق كصريح الاقرار، بِخِلَاف الاجازة.
قَوْله: (فَلَو لم يكن وَارِث آخر) أَي ذُو فرض أَو تصعيب أَو رحم محرم.
قَوْله: (أَو أوصى لِزَوْجَتِهِ) يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ، وَكَذَا فِي عَكسه كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَفِي بعض النّسخ وَأوصى بِدُونِ ألف، وَهِي الاولى لانه تَصْوِير للْوَصِيَّة للْوَارِث الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَارِث غَيره، وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر بِغَيْر أحد الزَّوْجَيْنِ لما قَالَه من أَن غَيرهمَا فرضا وردا.
قَوْله: (صحت الْوَصِيَّة) وَلَو كَانَ مَعهَا بَيت المَال لما أَنه غير وَارِث، بل يوضع فِيهِ المَال على أَنه مَال ضائع لَا بطرِيق الارث، فَلَا يُعَارضهُ الْوَصِيَّة والاقرار وَلَا الْمُحَابَاة، كَمَا أَفَادَهُ الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فَتَاوَاهُ آخر الْوَصَايَا، قَالَ فِيهَا: وَحَيْثُ لَا وَارِث نفذت محاباتها مَعَ زَوجهَا بِلَا توقف، وَلَو أوصت بِكُل مَا لَهَا نفذت وصيتها لَهُ، لَكِن قد يُقَال: إِن مَا ذكره الشَّارِح أَنه لَا يُوَافق مَسْأَلَة المُصَنّف، لَان موضوعها الاقرار لَا بملاحظة أَن هَذَا الاقرار(8/295)
يكون وَصِيَّة بِدَلِيل قَوْله: إِلَّا أَن يصدقهُ الْوَرَثَة فَإِنَّهُ يَصح الاقرار، وَإِن لم يكن وَارِث آخر.
وَالْحَاصِل: أَن الْمَسْأَلَة فِي حد ذَاتهَا صَحِيحَة، إِلَّا أَنَّهَا لَا توَافق مَسْأَلَة المُصَنّف لما ذكرنَا.
تَأمل.
قَوْله: (وَأما غَيرهمَا) أَي غير الزَّوْجَيْنِ وَلَو كَانَ ذَا رحم.
شرنبلالية.
قَوْله: (فرضا وردا) الْمُنَاسب زِيَادَة أَو تعصيبا ط.
قَوْله: (فَلَا يحْتَاج لوَصِيَّة شرنبلالية) وَالْحَاصِل أَن إِقْرَار الْمَرِيض لوارثة لَا يَصح إِذا كَانَ هُنَاكَ وَارِث آخر غير الْمقر لَهُ لَا لعدم الْمَحَلِّيَّة بل لحق الْوَرَثَة، فَإِذا لم يكن لَهُ وَارِث آخر غير الْمقر لَهُ صَحَّ إِقْرَاره.
قَوْله: (أقرّ بوقف الخ) هَذَا كَلَام مُجمل يحْتَاج إِلَى بَيَان، ذكر الشَّارِح الْعَلامَة عبد الْبر عَن الْخَانِية: رجل أقرّ فِي مَرَضِهِ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ أَنَّهَا وَقْفٌ إنَّ أَقَرَّ بِوَقْفٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعِتْقِ عَبده، وَإِن مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ إنْ صَدَّقَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَو ورثته جَازَ فِي الْكل، وَإِن لم يُبَيِّنْ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ من الثُّلُث.
وَفِي منية الْمُفْتِي مثله.
وَسَوَاء أسْند الْوَقْف إِلَى حَال الصِّحَّة أَو
لم يسند فَهُوَ من الثُّلُث، إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة أَو يصدقوه فِي الاسناد إِلَى الصِّحَّة، وَلَو كَانَ الْمسند إِلَيْهِ مَجْهُولا أَو مَعْرُوفا وَلم يصدق وَلم يكذب أَو مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ إِلَّا بَيت المَال فَالظَّاهِر أَن يكون من الثُّلُث، لَان التَّصْدِيق مِنْهُ أَو من الْوَارِث شَرط فِي كَونه من جَمِيع المَال، وَفرع عَلَيْهِ صَاحب الْفَوَائِد أَنه لَا يعْتَبر تَصْدِيق السُّلْطَان فِيمَا إِذا كَانَ لم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال، وَهَذَا مَنْقُول من كَلَام شَيخنَا وَإِن قَالَ الطرسوسي تفقها اهـ.
بِتَصَرُّف.
وَفِي شرح الشُّرُنْبُلَالِيّ: وَإِن أجَاز ورثته أَو صدقوه فَهُوَ من جَمِيع المَال، لَان مظهر بِإِقْرَارِهِ لَا منشئ، فَلَو لم يكن للْغَيْر وَارِث.
قَالَ المُصَنّف: لَا يعْتَبر تَصْدِيق السُّلْطَان، كَذَا أطلقهُ.
قلت: وَهَذَا فِي الْوَقْف لَا على جِهَة عَامَّة ظَاهر لتَضَمّنه إِقْرَاره على غَيره وَإِبْطَال حق الْعَامَّة، وَأما الْوَقْف على جِهَة عَامَّة فَيصح تَصْدِيق السُّلْطَان كإنشائه لما تقدم من صِحَة وقف السُّلْطَان شَيْئا من بَيت المَال على جِهَة عَامَّة، ثمَّ لَا يخفى أَن الْمقر لم يسْندهُ لغيره وَلم يكن لَهُ وَارِث تجوز إجَازَة السُّلْطَان، وَمن لَهُ بَيت المَال.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَلنَا فِيهِ رِسَالَة.
وَلَا يعْمل بِمَا فهمه الطرسوسي كَمَا نَقله المُصَنّف عَنهُ من أَنه يكون من الثُّلُث مَعَ عدم اعْتِبَار تَصْدِيق السُّلْطَان أَنه نَافِذ من كل المَال ط.
قَوْله: (فَلَو على جِهَة عَامَّة) كبناء القناطر والثغور.
قَوْله: (صَحَّ تَصْدِيق السُّلْطَان) لَان لَهُ أَن يفعل ذَلِك من بَيت المَال، وَمن حكى أمرا يملك استئنافه صدق.
قَوْله: (وَكَذَا لَو وقف) أَي أنشأ وَقفا فِي مرض مَوته وَلَا وَارِث لَهُ على جِهَة عَامَّة فَإِنَّهُ ينفذ من الْجَمِيع بِتَصْدِيق السُّلْطَان.
قَوْله: (خلافًا لمن زَعمه الطرسوسي) هُوَ يَقُول: لَو لم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال لَا يعْتَبر تَصْدِيق السُّلْطَان، بل يكون من الثُّلُث كَمَا يُؤْخَذ من شرح الْوَهْبَانِيَّة لعبد الْبر السَّابِقَة، وَوجه فَسَاد مَا زَعمه الطرسوسي أَن الْوَقْف وَالْحَالة هَذِه وَصِيَّة وَهِي مُقَدّمَة على بَيت المَال، بل لَا يحْتَاج ذَلِك لتصديق السُّلْطَان.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْإِقْرَارُ وَلَوْ وصلية.
قَوْله: (إِقْرَار بِقَبض دينه أَو غصبه) بِأَن أقرّ أَنه قبض مَا غصبه وَارثه مِنْهُ.(8/296)
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ مَاتَ فِيهِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ وَارِثِهِ، وَلَا من كَفِيل وَارثه، وَلَو
أقرّ لوَارِثه وَقت إِقْرَار وَوَقْتَ مَوْتِهِ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَطَلَ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُف، لَا عِنْد مُحَمَّد وَيَأْتِي تَمَامه، وَقُيِّدَ بِدِينِ الْوَارِثِ احْتِرَازًا عَنْ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ وَجَبَ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إِقْرَار بِاسْتِيفَائِهِ، وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ، سَوَاءٌ وَجَبَ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ الثّمن أَوْ لَا كَبَدَلِ صُلْحِ دَمِ الْعَمْدِ وَالْمَهْرِ وَنَحْوه، وَلَو دينا وَجب لَهُ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ أَوْ دَيْنٌ وَجب عَلَيْهِ بمعاينة الشُّهُود بمرضه، فَلَوْ مَا أَقَرَّ بِقَبْضِهِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ: أَيْ فِي حَقِّ غُرَمَاء الصِّحَّة أَو الْمَرَض بمعاينة الشُّهُود كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ جَازَ إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَعْرُوفٌ جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
وَفِيهِ: لَوْ بَاعَ فِي مَرَضِهِ شَيْئًا بِأَكْثَرَ من قِيمَته فَأقر بِقَبض ثمنه وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا من كَون الْمقر مديونا دينا مَعْرُوفا بِبَيِّنَة لَمْ يُصَدَّقْ، وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ ثَمَنَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ اُنْقُضْ الْبَيْعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعند مُحَمَّد: يُؤَدِّي قدر قِيمَته أَو ينْقض البيع.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِوَارِثِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ بَرِئَ فَهُوَ كَدَيْنِ صِحَّتِهِ، وَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ ثُمَّ برِئ بطلت وَصيته اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: نَفْسُ الْبَيْعِ مِنْ الْوَارِثِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ: يَعْنِي فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، لَكِنْ إنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ أَوْ مُحَابَاةٌ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّد وتكميل الْقيمَة اهـ.
أَقُول: وَبَيَان مَا تقدم أَن حق الْغُرَمَاء يتَعَلَّق بِذِمَّة الْمَدْيُون فِي الصِّحَّة، فَإِذا مرض تعلق بِمَعْنى التَّرِكَة، وَهِي أعيانها، وَالدّين مُطلقًا لَيْسَ مِنْهَا فَلم يكن أتلف عَلَيْهِم بِهَذَا الاقرار شَيْئا، وَأما إِذا مرض وَتعلق حَقهم بِعَين التَّرِكَة فَإِذا بَاعَ مِنْهَا شَيْئا أَو أقرّ بِاسْتِيفَاء ثمنه فقد أتلف عَلَيْهِم، وَقَوله وَقيل للْمُشْتَرِي أد ثمنه مرّة أُخْرَى: أَي على زعمك، وَإِلَّا بِأَن أقرُّوا: أَي الْغُرَمَاء بِدفع الثّمن لَا يكون لَهُم مُطَالبَة، وَهَذَا الْفَرْع مُشكل من حَيْثُ أَن البيع صَحِيح نَافِذ، فَكيف يتَخَيَّر وَالْحَالة هَذِه بَين نقض البيع أَو تأدية الثّمن.
وَقَول مُحَمَّد أَشد إشْكَالًا من حَيْثُ إِن الْوَاجِب فِي البيع الثّمن دون الْقيمَة، وَيُمكن تَصْوِيره على قَول الامام، وَذَلِكَ بِأَن يكون المُشْتَرِي وَارِثا وَالْبيع مِنْهُ غير نَافِذ عِنْده، بل مَوْقُوف على إجَازَة الْوَرَثَة، فَإِذا لم يجيزوا وَلم يردوا كَانَ للْمُشْتَرِي الْخِيَار.
وَحِينَئِذٍ يُخَيّر بَين الْفَسْخ وَعَدَمه.
فَإِذا قَالَت
لَهُ الْوَرَثَة إِن شِئْت فادفع الثّمن لنجيز البيع وَإِن شِئْت رد علينا بخيارك صَحَّ، لَكِن يشكل عَلَيْهِ قَول مُحَمَّد، وَأَن الْقَوْلَيْنِ مَنْسُوبا للصالحين، وهما يجيزان البيع من الْوَارِث مُطلقًا، غير أَنه يُقَال لَهُ فِي صُورَة الْمُحَابَاة: أد الْقيمَة أَو افسخ.
تَأمل.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَأَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَاسِدًا مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ رَجَعَ فِيمَا وهبه لَهُ مَرِيضا حموي ط.
أَو أَنه استوفى ثمن مَا بَاعه كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.
قَوْله: (بِقَبض دينه) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن إِقْرَاره وَدِيعَة لَهُ كَانَت عِنْده صَحِيح، وَبِه صرح فِي الاشباه ثمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بذلك الاقرار بالامانات كلهَا.
قَوْله: (لَا يَصح لوُقُوعه لمَوْلَاهُ) ملكا فِي العَبْد وَالْمكَاتب إِذا عجز وَحقا فِيهِ إِن لم يعجز نَفسه.
وَالْحَاصِل: أَنه لَا يَصِحُّ إقْرَارُ مَرِيضٍ مَاتَ فِيهِ بِقَبْضِ دَيْنٍ مِنْ وَارِثِهِ، وَلَا مِنْ كَفِيلِ وَارِثِهِ أَو عبد وَارثه، لَان الاقرار لعبد الْوَارِث إِقْرَار لمَوْلَاهُ، وَمَا أقرّ بِهِ للْمكَاتب فِيهِ حق لمَوْلَاهُ، لذَلِك قَالَ فِي الْمنح:(8/297)
لانه يَقع لمَوْلَاهُ ملكا أَو حَقًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَعَلَهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ للْوَارِث.
قَوْله: (ثمَّ برِئ) أَي من مَرضه.
قَوْله: (لعدم مرض الْمَوْت) فَلم يتَعَلَّق بِهِ حق الْوَرَثَة.
قَوْله: (وَلَو مَاتَ الْمقر لَهُ) أَي الْوَارِث للْمقر ثمَّ الْمَرِيض الْمقر.
قَوْله: (وورثة الْمقر لَهُ من وَرَثَة الْمَرِيض) صورته: أَقَرَّ لِابْنِ ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الِابْنِ عَن أَبِيه ثمَّ مَاتَ الْمقر عَن ذَلِك الابْن فَقَط أَو ابْنَيْنِ أَحدهمَا وَالِد الْمقر لَهُ أَو أقرّ لامْرَأَته بدين فَمَاتَتْ ثمَّ مَاتَ هُوَ وَترك مِنْهَا وَارِثا.
قَوْله: (جَازَ إِقْرَاره) عِنْد أبي يُوسُف آخرا وَمُحَمّد لِخُرُوجِهِ عَن كَونه وَارِثا فِي الصُّورَة الاولى، وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة فلَان الْعبْرَة لكَون الْمقر لَهُ وَارِثا وَلَا وَقت موت الْمقر، وَهِي إِذْ ذَاك لَيست وارثة، لَان الْمَيِّت لَيْسَ بوارث، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي قَرِيبا عَن الصيرفية.
قَوْله: (كإقراره لاجنبي) يَعْنِي لَو كَانَ الْمقر لَهُ أَجْنَبِيّا وَمَات قبل الْمقر وورثته وَرَثَة الْمقر فَإِن إِقْرَاره جَائِز لانه لم يقر لوَارث حِين أقرّ، أما فِي الاجنبي فَظَاهر، وَأما فِي الْوَارِث الَّذِي مَاتَ فَإِنَّهُ بِمَوْتِهِ قبل الْمقر خرج عَن كَونه وَارِثا لَهُ.
قَالَ فِي الْمنح: وَلَو أقرّ لوَارِثه ثمَّ مَاتَ الْمقر لَهُ ثمَّ الْمَرِيض ووارث الْمقر لَهُ من وَرَثَة الْمَرِيض لم يجز إِقْرَاره عِنْد أبي يُوسُف أَولا، وَقَالَ آخرا: يجوز وَهُوَ قَول مُحَمَّد.
قَوْله: (وسيجئ) أَي قَرِيبا.
قَوْله: (بوديعة مستهلكة) أَي وَهِي مَعْرُوفَة لعدم التُّهْمَة، وَلَو كذبناه وَمَات وَجب الضَّمَان من مَاله لانه مَاتَ
مجهلا، وَعَلِيهِ بَيِّنَة فَلَا فَائِدَة فِي تَكْذِيبه، وَلَو كَانَت الْوَدِيعَة غير مَعْرُوفَة لَا يقبل إِقْرَاره باستهلاكها إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّة الْوَرَثَة كَمَا فِي التَّبْيِين، والاصوب أَن يَقُول المُصَنّف باستهلاكه الْوَدِيعَة أَي الْمَعْرُوفَة بِالْبَيِّنَةِ بدل قَوْله بوديعة مستهلكة.
قَوْله: (وَصورته) لم يُبَيِّنْ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ مَعْرُوفَةٌ كَمَا صرح بِهِ فِي الاشباه، وَقد أوضح الْمَسْأَلَة فِي الولواجية فَرَاجعهَا وصورها فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَاقِمًا.
صُورَتَهَا: أَوْدَعَ أَبَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مَرَضِ الْأَبِ أَوْ صِحَّتِهِ عِنْدَ الشُّهُودِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَقَرَّ بِإِهْلَاكِهِ صُدِّقَ.
إذْ لَوْ سَكَتَ وَمَاتَ وَلَا يَدْرِي مَا صنع كَانَت دينا فِي مَاله، فَإِذا أقرّ باستهلاكه فَأولى، وَلَو أقرّ أَولا بتلفها فِي يَده فنكل عَن الْيَمين وَمَات لم يكن لوَارِثه فِي مَاله شئ اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَدَارَ الْإِقْرَارِ هُنَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَة الْمَعْرُوفَة لَا عَلَيْهَا، وَمِنْه تعلم أَن قَوْله وَمِنْهَا إِقْرَاره بالامانات كلهَا مُقَيّد بِمَا هُنَا، ثمَّ فِيهِ أَيْضا، لَو أقرّ الْمَرِيض بِقَبض ثمن مَا بَاعه لوَارِثه بأَمْره أَو بِولَايَة لم يصدق إِذا أقرّ بدين لوَارِثه إِلَّا أَن يَدعِي الْهَلَاك لكَونه دينا فِي تركته، فَلَو قَالَ قبضت الثّمن وأتلفته يبرأ المُشْتَرِي، وَلَو أدّى لم يرجع، وَكَذَا لَا يصدق فِي قبض ثمن مَا بَاعَ لغيره من وَارثه إِلَّا أَن يَقُول ضَاعَ عِنْدِي أَو دَفعته إِلَى الْآمِر اهـ.
وَاللَّام فِي لوَارِثه وَلغيره: لَام الْعلَّة أَو الْملك لَا التَّعْدِيَة، وَقَوله إِلَّا أَن يَدعِي الْهَلَاك لكَونه دينا فِي تركته صَوَابه: لكَونه لَيْسَ دينا فِي تركته، لَان الْوَكِيل أَمِين غير ضمين، وَيدل على ذَلِك أَيْضا قَوْله بعده إِلَّا أَن يَقُول ضَاعَ عِنْدِي أَو دَفعته إِلَى الْآمِر، لانه لم يصر دينا فِي التَّرِكَة لَا لوَارث وَلَا من جِهَة الْوَارِث، وَقَوله قبضت الثّمن وأتلفته هُوَ مثل إِقْرَاره لوَارِثه بوديعة استهلكها فتقيد الْمُبَايعَة بمعاينة الشُّهُود، وَحِينَئِذٍ فَإِذا أدّى ضَمَان ذَلِك للْوَارِث لم يرجع على المُشْتَرِي، وَيُمكن رُجُوع ضمير أدّى للْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَا يرجع لانه مُتَبَرّع، وَسَيَأْتِي فِي آخر كِتَابَته على الْوَصَايَا مَا يُخَالِفهُ، وَلَكِن مَا هُنَا أولى.(8/298)
وَفِي خزانَة الْمُفْتِينَ: بَاعَ عبدا من وَارثه فِي صِحَّته، ثمَّ أقرّ بِاسْتِيفَاء الثّمن فِي الْمَرَض لَا يَصح.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: لَو كَانَت الْوَدِيعَة غير مَعْرُوفَة لَا يقبل قَوْله استهلكتها إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّة الْوَرَثَة.
قَوْله: (وَالْحَاصِل الخ) فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْأَشْبَاهِ، وَنَصُّهَا: وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ للوراث فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، سَوَاءٌ
كَانَ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قَبْضٍ مِنْهُ أَوْ أَبْرَأَهُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ وَدِيعَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً، أَوْ بِقَبْضِ مَا قَبَضَهُ الْوَارِثُ بِالْوَكَالَةِ مِنْ مَدْيُونِهِ.
كَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يلْحق بِالثَّانِيَةِ إِقْرَاره بالامانات كلهَا وَلَو مَاتَ الشَّرِكَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ، وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ أَنَّهُ لَيْسَ يه إيثَارُ الْبَعْضِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَات هَذَا الْكتاب.
اه.
وَقد ظن من لَا خبْرَة لَهُ أَن النَّفْي من قبيل الاقرار وَهُوَ خطأ، وَقَالَ قبل هَذَا: لَو قَالَ الْمَرِيض مرض الْمَوْت لَا حق لي على فلَان الْوَارِث لم تسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ من وَارِث آخر، وعَلى هَذَا يَقع كثيرا أَن الْبِنْت فِي مرض مَوتهَا بِأَن الامتعة الْفُلَانِيَّة ملك أَبِيهَا لَا حق لَهَا فِيهَا، وَقد أجبْت فِيهَا مرَارًا بِالصِّحَّةِ لما فِي التاترخانية من بَاب إِقْرَار الْمَرِيض: ادّعى على رجل مَالا وأثبته وأبرأه لَا تجوز بَرَاءَته إِن كَانَ مديونا وَكَذَا لَو أَبْرَأ الْوَارِث لَا يجوز سَوَاء كَانَ مديونا أَو لَا، وَلَو قَالَ: لم يكن لي على هَذَا الْمَطْلُوب شئ ثمَّ مَاتَ جَازَ إِقْرَاره فِي الْقَضَاء.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: قَالَت فِيهِ لَيْسَ لي على زَوجي مهر يبرأ عندنَا، خلافًا للشَّافِعِيّ، وفيهَا قبله: قَالَ فِيهِ لم يكن لي عَلَيْهِ شئ لَيْسَ لوَرثَته أَن يدعوا عَلَيْهِ شَيْئا فِي الْقَضَاء، وَفِي الدّيانَة لَا يجوز هَذَا الاقرار.
وَفِي الْجَامِع: أقرّ الابْن فِيهِ أَنه لَيْسَ لَهُ على وَالِده شئ من تَرِكَة أمه صَحَّ، بِخِلَاف مَا لَو أَبرَأَهُ أَو وهبه، وَكَذَا لَو أقرّ بِقَبض مَاله مِنْهُ فَهَذَا صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة قَوْلهَا فِيهِ لَا مهر لي عَلَيْهِ أَو لَا شئ لي عَلَيْهِ أَو لم يكن عَلَيْهِ مهر، قيل لَا يَصح، وَقيل يَصح، وَالصَّحِيح أَنه لَا يَصح اهـ.
لَان هَذَا فِي خُصُوص الْمهْر لظُهُور أَنه على غَالِبا وكلامنا فِي غير الْمهْر، وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذكره البزازي أَيْضا: ادّعى عَلَيْهِ ديونا ومالا ووديعة فَصَالَحَ الطَّالِبُ عَلَى يَسِيرٍ سِرًّا وَأَقَرَّ الطَّالِبُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدعى عَلَيْهِ شئ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمُدَّعِي ثُمَّ مَاتَ فَبَرْهَنَ الْوَارِثُ أَنَّهُ كَانَ لِمُوَرِّثِي عَلَيْهِ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ حِرْمَانَنَا لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَارِثَ الْمُدَّعِي وَجَرَى مَا ذكرنَا فبرهن بَقِيَّة الْوَرَثَة على أَنا أَبَانَا قصد حرماننا بِهَذَا الاقرار تسمع اهـ.
لكَونه مُتَّهَمًا فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِتَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالصُّلْحِ مَعَهُ عَلَى يَسِيرٍ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ قرينَة على التُّهْمَة اهـ كَلَام الاشباه.
فَقَوْل الشَّارِح مِنْهَا إِقْرَاره الخ وَقَوله وَمِنْه هَذَا الشئ الخ إِنَّمَا هما بحثان لَا منقولان،
فتحريره فِي غير مَحَله لَان المُرَاد بالامانة قبضهَا مِنْهُ لَا أَنَّهَا لَهُ، وقدسها أَيْضا فِي الاخير لانه من الاقرار بِالْعينِ للْوَارِث، وَقدم هُوَ عدم صِحَة ذَلِك، وَقِيَاسه على قَول الْمُورث لم يكن لي على الْوَارِث دين قبل ثُبُوته قِيَاس مَعَ الْفَارِق، لَان الْعين غير الدّين وَهُوَ لَا يَصح، وَيَأْتِي قَرِيبا تأييد الْمُوَافقَة لما فهمته عَن الْخَيْر الرَّمْلِيّ والحموي والحامدي، وَللَّه تَعَالَى الْحَمد والْمنَّة، وَقدمنَا مَا يُفِيد ذَلِك مَعَ بعض النقول الْمَذْكُورَة.
قَوْله: (مِنْهَا إِقْرَاره بالامانات كلهَا) أَيْ بِقَبْضِ الْأَمَانَاتِ الَّتِي عِنْدَ وَارِثِهِ، لَا بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لِوَارِثِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ قَرِيبًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ، وَهَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِيَةِ إقْرَارُهُ بِالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا، فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَإِنَّا رَأَيْنَا مَنْ يُخْطِئُ فِيهِ وَيَقُول: إِن(8/299)
إقْرَارَهُ لِوَارِثِهِ بِهَا جَائِزٌ مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّ النُّقُولَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ إقْرَارَهُ لَهُ بِالْعَيْنِ كَالدَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ.
وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي بَقِيَّةِ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَهُوَ مُتَابِعٌ فِيهِ لِلْأَشْبَاهِ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ، وَخَالَفَهُ فِيهِ الْعُلَمَاءُ الْفُحُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْإِسْمَاعِيلِيَّة: سُئِلَ فِيمَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَسْبَابِ وَالْأَمْتِعَةِ الْمَعْلُومَةِ مَعَ بِنْتِهِ الْمَعْلُومَةِ وَأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ذَلِكَ دُونَهُ مِنْ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ، فَهَلْ إذَا كَانَتْ الْأَعْيَانُ الْمَرْقُومَةُ فِي يَدِهِ وَمِلْكُهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَمَاتَ فِي ذَلِك الْمَرَض فالاقرار بهَا للْوَرَثَة بَاطِلٌ؟.
الْجَوَابُ: نَعَمْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَلَوْ مُصَدَّرًا بِالنَّفْيِ خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ اهـ.
ونقه السائحاني فِي مَجْمُوعه ورد على الاشباه وَالشَّارِح فِي هَاشم نسخته.
وَفِي الحامدية: سُئِلَ فِي مَرَضَ الْمَوْتِ أَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَ زَوْجَتِهِ هِنْدَ حَقًّا وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهَا عَنْ كُلِّ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَمَاتَ عَنْهَا وَعَنْ وَرَثَةٍ غَيرهَا وَله تَحت يَدهَا أَعْيَان وَله بذمتها دَيْنٌ وَالْوَرَثَةُ لَمْ يُجِيزُوا الْإِقْرَارَ، فَهَلْ يَكُونُ غير صَحِيحٍ.
الْجَوَابُ: يَكُونُ الْإِقْرَارُ غَيْرَ صَحِيحٍ وَالْحَالَةُ هَذِه، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
أَقُول: لَكِن يجب تَقْيِيد عدم الصِّحَّة بِمَا إِذا كَانَ ملكه فِيهَا مَعْلُوما أَيْضا ليَكُون ذَلِك قرينَة على قصد الاضرار بباقي الْوَرَثَة لِئَلَّا يتنافى كَلَامهم.
تَأمل.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا النَّفْيُ) فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِلْوَارِثِ
كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْأَشْبَاهِ
قَوْلُهُ: (كَلَا حَقَّ لِي) هَذَا صَحِيحٌ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعين كَمَا مر.
قَوْله: (وَهِي الْحِيلَة) أَي فِي قَوْله: لَا حق لي قبل أُمِّي وَأبي: يَعْنِي إِذا علم أَنه لَا حق لَهُ قبلهمَا وَخَافَ أَن يتعلل عَلَيْهِمَا أحد من الْوَرَثَة أَو يَدعِي عَلَيْهِمَا بشئ، أما لَو كَانَ لَهُ حق فَلَا يحل لَهُ إِضْرَار بَاقِي الْوَرَثَة، فليتق الله من كَانَ خَارِجا من الدُّنْيَا مُقبلا على الْآخِرَة.
قَوْله: (وَمِنْه) الاولى وَمِنْه كَمَا قَالَ فِي سابقه إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّه عَائِد إِلَى النَّفْي: أَي وَمن النَّفْي السَّابِق هَذَا الخ.
قَوْله: (هَذَا) غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا مَرَّ لانه مُخَالف لعامة الْمُعْتَبرَات.
قَوْله: (وَهَذَا حَيْثُ لَا قرينَة) لم يذكر ذَلِك فِي الاشباه أصلا، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا إِقْرَارا بِعَين لوَارث وَأَنه لَا يَصح فَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّقْيِيد.
قَوْله: (فَلْيحْفَظ فَإِنَّهُ مُهِمّ) الْحَاصِل أَن الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى تَابع صَاحب الاشباه، وَقد علمت أَنه مُخَالف للمنقول، واستنبط من كَلَامه أَشْيَاء مُخَالفَة أَيْضا، وَقد ظهر لَك بِمَا قدمْنَاهُ حَقِيقَة الْحَال بعون الْملك المتعال.
تَتِمَّة: قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْقَضَاءِ: لَيْسَ لي على فلَان شئ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يحلف، وَعند أبي يُوسُف يحلف، وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخَرَ الْكِتَابِ أَنَّ الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف، وَاخْتَارَهُ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا ادَّعَاهُ وَارِثُ الْمُقِرِّ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْهُمَا شَيْئًا.
وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الرَّأْيُ فِي التَّحْلِيفِ إلَى الْقَاضِي، وَفَسَّرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِير بِأَنَّهُ يجْتَهد فِي خُصُوص الْوَقَائِعِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يقبض حِين أقرّ يحلف لَهُ الْخصم، وَمن لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَفَرِّسِ فِي الْأَخْصَامِ اهـ.
قلت: وَهَذَا مؤيد لما بحثناه، وَالْحَمْد لله.(8/300)
قَالَ فِي التاترخانية عَن الْخُلَاصَة: رجل قَالَ استوفيت جَمِيع مَالِي عَلَى النَّاسِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُ جَمِيعَ غُرَمَائِي لَا يَصِحُّ، إلَّا أَنْ يَقُولَ قَبِيلَةَ فُلَانٍ وَهُمْ يُحصونَ فَحِينَئِذٍ يَصح إِقْرَاره وَيبرأ.
وَفِي التاترخانية أَيْضا عَنْ وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ: أَشْهَدَتْ الْمَرْأَةُ شُهُودًا عَلَى نَفْسِهَا لِابْنِهَا أَوْ لِأَخِيهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ إضْرَارَ الزَّوْجِ، أَوْ أَشْهَدَ الرَّجُلُ شُهُودًا عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ لِبَعْضِ الْأَوْلَادِ يُرِيدُ بِهِ إضْرَارَ بَاقِي الْأَوْلَادِ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَسِعَهُمْ أَنْ لَا يُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ،
وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِذا كَانَ لِلْقَاضِي عِلْمٌ بِذَلِكَ لَا يَسَعُهُ الْحُكْمُ.
كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ والنظائر.
قَوْله: (يُؤمر فِي الْحَال بِتَسْلِيمِهِ) لاحْتِمَال صِحَة هَذَا الاقرار بِصِحَّتِهِ من هَذَا الْمَرَض.
قَوْله: (يردهُ) أَي إِن كَانَ لَهُ وَارِث غَيره وَلم يصدقهُ.
قَوْله: (تَصَرُّفَات الْمَرِيض نَافِذَة) لما تقدم احْتِمَال صِحَّته، وَيظْهر لي أَن يتَفَرَّع على هَذَا مَا فِي الْخَانِية، وَهُوَ لَو أقرّ لوَارِثه بِعَبْد فَقَالَ لَيْسَ لي لكنه لفُلَان الاجنبي فَصدقهُ ثمَّ مَاتَ الْمَرِيض فَالْعَبْد للاجنبي وَيضمن الْوَارِث قِيمَته وَتَكون بَينه وَبَين سَائِر الْوَرَثَة.
قَوْله: (وَإِنَّمَا ينتفض) أَي التَّصَرُّف الْمَأْخُوذ من التَّصَرُّفَات، وَهَذَا فِي تصرف ينْقض، أما مَا لَا ينْقض كَالنِّكَاحِ فالامر فِيهِ ظَاهر، وَفِي نُسْخَة بِالتَّاءِ.
قَوْله: (بعد الْمَوْت) مَحَله مَا إِذا تصرف لوَارث، وَأما إِذا كَانَ لغير وَارِث: فَإِن كَانَ تَبَرعا أَو مُحَابَاة ينفذ من الثُّلُث، وَإِلَّا فَصَحِيح كَالنِّكَاحِ.
قَوْله: (وَالْعبْرَة لكَونه وَارِثا الخ) قَالَ الزَّيْلَعِيّ: اعْلَم أَن الاقرار لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْمقر لَهُ وَارِثا وَقت الاقرار دون الْمَوْت، أَو كَانَ وَارِثا فيهمَا، وَإِن لم يكن وَارِثا فِيمَا بَينهمَا أَو لم يكن وَارِثا وَقت الاقرار وَصَارَ وَارِثا وَقت الْمَوْت، فَإِن كَانَ وَارِثا وَقت الاقرار دون وَقت الْمَوْت بِأَن أقرّ لاخيه مثلا ثمَّ ولد لَهُ ولد يَصح الاقرار، لعدم كَونه وَارِثا وَقت الْمَوْت، وَإِن كَانَ وَارِثا فيهمَا لَا فِيمَا بَينهمَا بِأَن لامْرَأَته ثمَّ أَبَانهَا وَانْقَضَت عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا أَو والى رجلا فَأقر لَهُ ثمَّ فسخ الْمُوَالَاة ثمَّ عقدهَا ثَانِيًا لَا يجوز الاقرار عِنْد أبي يُوسُف، لَان الْمقر مُتَّهم بِالطَّلَاق، وَفسخ الْمُوَالَاة ثمَّ عقدهَا ثَانِيًا، وَعند مُحَمَّد يجوز، لَان شَرط امْتنَاع الاقرار أَن يبْقى وَارِثا إِلَى الْمَوْت بذلك السَّبَب وَلم يبْق، ولانه لما صَار أَجْنَبِيّا تعذر الاقرار كَمَا لَو أنشأه فِي ذَلِك الْوَقْت، أَلا ترى أَنه لَو لم يعْقد ثَانِيًا كَانَ جَائِزا فَكَذَا إِذا عقد، وَإِن لم يكن وَارِثا وَقت الاقرار ثمَّ صَار وَارِثا وَقت الْمَوْت ينظر: فَإِن صَار وَارِثا بِسَبَب كَانَ قَائِما وَقت الاقرار بِأَن أقرّ لاخيه وَله ابْن مَاتَ الابْن قبل الاب لَا يَصح إِقْرَاره، فَإِن صَار وَارِثا بِسَبَب جَدِيد كالتزوج وَعقد الْمُوَالَاة جَازَ.
وَقَالَ زفر: لَا يجوز لَان الاقرار حصل للْوَارِث وَقت العقد فَصَارَ كَمَا إِذا صَار وَارِثا بِالنّسَبِ وَلنَا أَن الاقرار حِين حصل للاجنبي لَا للْوَارِث فَينفذ وَلزِمَ فَلَا يبطل، بِخِلَاف الْهِبَة لانها وَصِيَّة وَلِهَذَا من الثُّلُث، فَيعْتَبر وَقت الْمَوْت، بِخِلَاف مَا إِذا صَار وَارِثا بِالنّسَبِ بِأَن أقرّ مُسلم مَرِيض لاخيه الْكَافِر، ثمَّ أسلم قبل مَوته أَو كَانَ محجوبا بالابن ثمَّ مَاتَ الابْن، حَيْثُ لَا يجوز الاقرار لَهُ لَان سَبَب الارث كَانَ
قَائِما وَقت الاقرار، وَلَو أقرّ لوَارِثه ثمَّ مَاتَ الْمقر لَهُ ثمَّ الْمَرِيض ووارث الْمقر لَهُ من وَرَثَة الْمَرِيض لم يجز إِقْرَاره عِنْد أبي يُوسُف أَولا، لَان إِقْرَاره حصل للْوَارِث ابْتِدَاء وانتهاء.
وَقَالَ آخرا: يجوز وَهُوَ قَول(8/301)