بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أَبُو سُلَيْمَان الْجوزجَاني عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ قد بيّنت لكم(1/1)
قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلِي وَمَا لم يكن فِيهِ اخْتِلَاف فَهُوَ قَوْلنَا جَمِيعًا
// كتاب الصَّلَاة
//
- بَاب الْوضُوء
-
أَبُو سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة قَالَ إِذا أَرَادَ الرجل الصَّلَاة فَليَتَوَضَّأ وَالْوُضُوء أَن يبْدَأ فَيغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ يمضمض فَاه ثَلَاثًا ثمَّ يستنشق ثَلَاثًا ثمَّ يغسل وَجهه ثَلَاثًا ثمَّ يغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا(1/2)
ثمَّ يمسح بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مرّة وَاحِدَة ثمَّ يغسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا
قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ مثنى مثنى قَالَ يجْزِيه قلت فان تَوَضَّأ وَاحِدَة سابغة قَالَ يجْزِيه
- بَاب الدُّخُول فِي الصَّلَاة
-
أَبُو سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد قَالَ إِذا أَرَادَ الرجل الدُّخُول فِي الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ حذاء أُذُنَيْهِ ثمَّ يَقُول سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك لَا إِلَه غَيْرك ويتعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فِي نَفسه ثمَّ يفْتَتح الْقِرَاءَة ويخفي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَإِن كَانَ إِمَامًا وَكَانَ فِي صَلَاة يجْهر فِيهَا بِالْقُرْآنِ جهر بِالْقُرْآنِ وَإِن كَانَ فِي صَلَاة(1/3)
لَا يجْهر فِيهَا بِالْقُرْآنِ أسر وَقَرَأَ فِي نَفسه وَإِن كَانَ وَحده لَيْسَ بِإِمَام قَرَأَ فِي نَفسه إِن شَاءَ وَإِن كَانَ فِي صَلَاة يجْهر فِيهَا بِالْقُرْآنِ فَإِن شَاءَ جهر وأسمع أُذُنَيْهِ
وَالْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين من الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْقُرْآن وَسورَة وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْقُرْآن قلت فَإِن لم يقْرَأ فيهمَا أَو قَرَأَ فِي وَاحِدَة وَلم يقْرَأ فِي الْأُخْرَى قَالَ يجْزِيه وَالْقِرَاءَة فِي الْفجْر فِي كل رَكْعَة يقْرَأ بِفَاتِحَة الْقُرْآن وَسورَة وَالْإِمَام وَالَّذِي يُصَلِّي وَحده فِي ذَلِك سَوَاء فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع كبر وَركع وَوضع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ وَفرق بَين أَصَابِعه وَبسط ظَهره وَلم ينكس رَأسه وَلم يرفعهُ فَإِذا اطْمَأَن رَاكِعا رفع رَأسه وَقَالَ سمع الله لمن حَمده ثمَّ يَقُول فِي نَفسه رَبنَا لَك الْحَمد فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِن كَانَ(1/4)
إِمَامًا قَالَ من خَلفه رَبنَا لَك الْحَمد وَلَا يَقُولهَا هُوَ فِي قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَقُولهَا هُوَ وَمن وَخَلفه فَإِن كَانَ وَحده قَالَ رَبنَا لَك الْحَمد فِي قَوْلهم جَمِيعًا ثمَّ ينحط فيكبر وَيسْجد فَإِذا اطْمَأَن سَاجِدا رفع رَأسه وَكبر فَإِذا اطْمَأَن قَاعِدا سجد الْأُخْرَى وَكبر فَإِذا اطْمَأَن سَاجِدا رفع رَأسه وَكبر حَتَّى يفرغ من صلَاته وَيَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا وَفِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَأدنى مَا يَقُول من ذَلِك ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي كل رَكْعَة وَفِي كل سَجْدَة(1/5)
قَالَ وبلغنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا وَفِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا
قلت أَرَأَيْت إِذا سجد يضع يَدَيْهِ فِي السُّجُود حذاء أُذُنَيْهِ وَيُوجه أَصَابِعه نَحْو الْقبْلَة ويعتمد على راحتيه ويبدي ضبعيه ويعتدل فِي سُجُوده وَلَا يفترش ذِرَاعَيْهِ قَالَ نعم قلت وينحط فِي السُّجُود وَهُوَ يكبر وَيرْفَع رَأسه إِذا رَفعه من السُّجُود وَهُوَ يكبر قَالَ نعم قلت ويستتم(1/6)
قَائِما كَمَا هُوَ قَالَ نعم
قلت ويحذف التَّكْبِير حذفا وَلَا يطوله قَالَ نعم
قلت أفيستحب لَهُ إِذا نَهَضَ أَن ينْهض على صُدُور قَدَمَيْهِ إِذا رفع رَأسه من السُّجُود حَتَّى يستتم قَائِما وَلَا يقْعد قَالَ نعم يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك
قلت وَكَيف يقْعد الرجل فِي الصَّلَاة إِذا قعد فِي الثَّانِيَة وَالرَّابِعَة قَالَ يفترش رجله الْيُسْرَى فيجعلها بَين أليتيه فيقعد عَلَيْهَا وَينصب الْيُمْنَى نصبا وَيُوجه أَصَابِع رجله الْيُمْنَى نَحْو الْقبْلَة قلت وَكَذَلِكَ إِذا سجد وَجه أَصَابِع رجلَيْهِ قبل الْقبْلَة قَالَ نعم
قلت وَيسْتَحب لَهُ أَن يعْتَمد بِيَدِهِ الْيُمْنَى على الْيُسْرَى وَهُوَ قَائِم فِي الصَّلَاة قَالَ نعم(1/7)
قلت وتحب لَهُ أَن يكون مُنْتَهى بَصَره إِلَى مَوضِع سُجُوده وَلَا يلْتَفت وَلَا يعبث بِشَيْء قَالَ نعم
قلت أتكره لَهُ أَن يقعى فِي الصَّلَاة إقعاء قَالَ نعم قلت وَتكره لَهُ أَن يتربع فِي الصَّلَاة من غير عذر قَالَ نعم قلت وَتكره لَهُ أَن يلْتَفت أَو يقلب الْحَصَى أَو يفرقع أَصَابِعه أَو يعبث بِشَيْء من جسده(1/8)
أَو ثِيَابه أَو يعبث بالحصى أَو بِشَيْء غير ذَلِك أَو يضع يَده على خاصرته وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ أكره هَذَا كُله قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الْحَصَى لَا يُمكنهُ من السُّجُود قَالَ إِن سواهُ مرّة وَاحِدَة بِيَدِهِ فَلَا بَأْس بذلك وَتَركه أحب إِلَيّ قلت وَتكره أَن يمسح جَبهته من التُّرَاب بعد أَن يفرغ من صلَاته قَالَ لست أكره قلت فَإِن مسح جَبهته قبل أَن يفرغ من صلَاته قَالَ لَا أكره لَهُ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا قعد فِي الصَّلَاة فِي الثَّانِيَة وَالرَّابِعَة كَيفَ يتَشَهَّد قَالَ يَقُول التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَلَا يزِيد على هَذَا إِذا قعد فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة شَيْئا وَأما فِي الرَّكْعَة الرَّابِعَة فَإِذا فرغ من هَذَا دَعَا الله(1/9)
عز وَجل وَسَأَلَهُ حَاجته قلت وَتكره لَهُ أَن يزِيد فِي التَّشَهُّد حرفا أَو يَبْتَدِئ بِشَيْء قبل هَذَا قَالَ نعم
قلت وَكَيف يسلم الرجل إِذا فرغ من صلَاته قَالَ يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله عَن يَمِينه وَعَن يسَاره مثل ذَلِك وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمِ الأول من كَانَ عَن يَمِينه من الْحفظَة وَالرِّجَال وَالنِّسَاء فِي(1/10)
التسليمة الأولى وَعَن يسَاره مثل ذَلِك فَإِن كَانَ خلف الإِمَام سلم وَنوى مثل ذَلِك فَإِن كَانَ الإِمَام فِي جَانب الْأَيْمن نَوَاه فيهم وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فِي الْجَانِب الْأَيْسَر فَإِنَّهُ ينويه فيهم
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا صلى أتكره لَهُ أَن يُغطي فَاه وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ نعم قلت وَتكره للرجل أَن يُصَلِّي وَهُوَ معتجر أَو عاقص شعره قَالَ نعم أكره هَذَا كُله
قلت فَهَل يسْتَحبّ للرجل إِذا سجد أَن يضع رُكْبَتَيْهِ على الأَرْض قبل يَدَيْهِ وَإِذا رفع رَأسه فَقَامَ أَن يرفع يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ قَالَ نعم
قلت ويخفي الإِمَام التَّشَهُّد والتعوذ قَالَ نعم قلت ويخفي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وآمين واللهم رَبنَا لَك الْحَمد قَالَ نعم قلت وَيَنْبَغِي لَهُ إِذا فرغ من فَاتِحَة الْقُرْآن أَن يَقُول آمين قَالَ نعم قلت وَيَنْبَغِي لمن خَلفه أَن يقولوها ويخفوها قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَنفخ التُّرَاب عَن مَوضِع سُجُوده وَهُوَ نفخ(1/11)
يسمع قَالَ هَذَا بِمَنْزِلَة الْكَلَام وَهُوَ يقطع الصَّلَاة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يقطع الصَّلَاة إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ التأفيف وَهَذَا قَول أبي يُوسُف الأول ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يقطع صلَاته وَصلَاته تَامَّة قلت فَإِن كَانَ نفخا لَا يسمع قَالَ هَذَا قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد يتوشح بِهِ أَو فِي قَمِيص وَاحِد وَهُوَ صفيق هَل تكره لَهُ ذَلِك قَالَ لَا اكرهه وَلَا بَأْس بذلك قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ إِمَام قوم قَالَ نعم(1/12)
قلت أفتكره للرجل أَن يكف ثِيَابه إِذا سجد ويرفعها أَو يرفع شعره قَالَ نعم أكره ذَلِك كُله
قلت وَترى إِذا سجد أَن يضع جَبهته وَأَنْفه على الأَرْض قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن وضع جَبهته وَلم يضع أَنفه أَو وضع أَنفه وَلم يضع جَبهته قَالَ قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة فِي قَول أبي حنيفَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِن سجد على أَنفه دون جَبهته وَهُوَ يقدر على السُّجُود على جَبهته لم يجزه وَإِن سجد على جَبهته دون أَنفه أجزاه ذَلِك
- بَاب افْتِتَاح الصَّلَاة وَمَا يصنع الإِمَام
-
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا صلى هَل يرفع يَدَيْهِ فِي شَيْء من تَكْبِير الصَّلَاة حِين يرْكَع أَو حِين يسْجد أَو حِين يرفع رَأسه من الرُّكُوع أَو حِين يرفع رَأسه من السُّجُود قَالَ لَا يرفع يَدَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الَّتِي يفْتَتح بهَا الصَّلَاة(1/13)
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا انْتهى إِلَى الإِمَام وَقد سبقه الإِمَام بِرَكْعَتَيْنِ وَالْإِمَام قَاعد كَيفَ يصنع هَذَا الرجل قَالَ يكبر تَكْبِيرَة يفْتَتح بهَا الصَّلَاة ثمَّ يكبر أُخْرَى فيقعد بهَا فَإِذا نَهَضَ الإِمَام نَهَضَ مَعَه وَكبر فَإِذا فرغ الإِمَام من صلَاته وَسلم قَامَ فَقضى مَا سبقه بِهِ الإِمَام
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة بالتهليل أَو بالتحميد أَو بالتسبيح هَل يكون ذَلِك دُخُولا فِي الصَّلَاة قَالَ نعم قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو افْتتح الصَّلَاة فَقَالَ الله أجل أَو الله أعظم أَكَانَ هَذَا دُخُولا فِي الصَّلَاة قلت نعم قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَإِبْرَاهِيم وَالْحكم بن عتيبة وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجْزِيه إِذا كَانَ(1/14)
يعرف أَن الصَّلَاة تفتتح بالتكبيرة وَكَانَ يُحسنهُ وَإِن كَانَ لَا يعرف أجزاه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن افْتتح الصَّلَاة بِالْفَارِسِيَّةِ وَقَرَأَ بهَا وَهُوَ يحسن الْعَرَبيَّة أجزاه وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجْزِيه إِلَّا أَن يكون لَا يحسن الْعَرَبيَّة(1/15)
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة قبل الإِمَام ثمَّ كبر الإِمَام بعده فصلى الرجل بِصَلَاة الإِمَام قَالَ لَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ دخل فِي غير صَلَاة الإِمَام أَلا ترى أَنه قد أوجب الصَّلَاة على نَفسه وَدخل فِيهَا قبل أَن يُوجِبهَا الإِمَام على نَفسه قلت أَرَأَيْت إِن كبر بعد مَا كبر الإِمَام وَدخل مَعَه وَهُوَ يَنْوِي بذلك الدُّخُول فِي صَلَاة الإِمَام وَالْقطع لما كَانَ كبر قبله فصلى مَعَ الإِمَام قَالَ يجْزِيه قلت لم يكون التَّكْبِير قطعا للصَّلَاة وَلم يتَكَلَّم وَلم يسلم قَالَ لِأَنَّهُ قد دخل فِي(1/16)
صَلَاة أُخْرَى غير الأولى أَلا ترى أَن رجلا لَو صلى تَطَوّعا وَتشهد فنسى أَن يسلم فَقَامَ فَكبر وَهُوَ يَنْوِي الدُّخُول فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة أَن ذَلِك قطع للتطوع وَدخُول فِي الْفَرِيضَة فَكَذَلِك الأول
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا فرغ من صلَاته أيقعد فِي مَكَانَهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ أَو يقوم قَالَ إِذا كَانَت صَلَاة الظّهْر أَو الْمغرب أَو الْعشَاء فإنني أكره لَهُ أَن يقْعد فِي مَقْعَده حِين يسلم وَأحب إِلَى أَن يقوم وَأما الْفجْر وَالْعصر فان شَاءَ قَامَ وَإِن شَاءَ قعد قلت أفيستقبل الْقَوْم بِوَجْهِهِ أَو ينحرف من مَكَانَهُ قَالَ إِن كَانَ بحذائه إِنْسَان يُصَلِّي شَيْئا بقى عَلَيْهِ من صلَاته فَلَا يستقبله بِوَجْهِهِ وَإِن لم يكن بحذائه أحد يُصَلِّي فَإِن شَاءَ انحرف وَإِن شَاءَ اسْتَقْبَلَهُمْ بِوَجْهِهِ قلت فَإِن أَرَادَ فِي الظّهْر(1/17)
وَالْمغْرب وَالْعشَاء أَن يُصَلِّي تَطَوّعا أيصلي فِي مَكَانَهُ الَّذِي صلى بهم أَو يتَأَخَّر قَالَ بل يتَأَخَّر فَيصَلي خلف الْقَوْم أَو حَيْثُ أحب من الْمَسْجِد مَا خلا مَكَانَهُ الَّذِي يُصَلِّي بهم فِيهِ قلت فَالَّذِينَ خَلفه أيصلون فِي أمكنتهم الَّتِي صلوا فِيهَا أَو يتنحون قَالَ إِن فعلوا فَلَا بَأْس ويتنحون خطْوَة أَو خطوتين أحب إِلَى
قلت فَمَتَى يجب على الْقَوْم أَن يقومُوا فِي الصَّفّ قَالَ إِذا كَانَ الإِمَام مَعَهم فِي الْمَسْجِد فإنى أحب لَهُم أَن يقومُوا فِي الصَّفّ إِذا قَالَ الْمُؤَذّن حَيّ على الْفَلاح وَإِذا قَالَ قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام وَكبر الْقَوْم مَعَه وَأما إِذا لم يكن الإِمَام مَعَهم فِي الْمَسْجِد فإنني أكره(1/18)
لَهُم أَن يقومُوا فِي الصَّفّ وَالْإِمَام غَائِب عَنْهُم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَأما فِي قَول أبي يُوسُف فَإِنَّهُ لَا يكبر حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة قلت أَرَأَيْت إِن أخر الإِمَام ذَلِك حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة ثمَّ كبر وَدخل فِي الصَّلَاة قَالَ لَا بَأْس بذلك
قلت أَرَأَيْت الرجل يتثاءب فِي الصَّلَاة أَتُحِبُّ أَن يُغطي فَاه قَالَ نعم أحب لَهُ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى بِقوم وَكَانَ على دكان يُصَلِّي بهم وَأَصْحَابه على الأَرْض قَالَ أكره لَهُم ذَلِك وصلاتهم تَامَّة قلت(1/19)
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الإِمَام على الأَرْض وَأَصْحَابه على الدّكان قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يؤمهم العَبْد أَو الْأَعرَابِي أَو الْأَعْمَى أَو ولد الزِّنَا قَالَ صلَاتهم تَامَّة قلت ويؤمهم غير هَؤُلَاءِ أحب قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن أمّهم فَاسق قَالَ صلَاتهم تَامَّة
قلت أَي الْقَوْم أحب إِلَيْك أَن يؤمهم قَالَ أقرأهم لكتاب الله تَعَالَى وأعلمهم بِالسنةِ قلت فَإِن كَانَ فِي الْقَوْم رجلَانِ أَو ثَلَاثَة كَذَلِك(1/20)
قَالَ يؤمهم أكبرهم سنا قلت فَإِن كَانَ غَيره أورع مِنْهُ وَأبين صلاحا وهما بِالْقِرَاءَةِ وَالْفِقْه سَوَاء قَالَ يؤمهم أفضلهما ورعا وأبينهما صلاحا
قلت أفتكره للرجل أَن يؤم الرجل فِي بَيته قَالَ نعم بِغَيْر إِذْنه قلت فَإِن أذن لَهُ فِي ذَلِك قَالَ لَا بَأْس بذلك
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم إِذا كَانُوا ثَلَاثَة أحدهم الإِمَام كَيفَ يصنع قَالَ يتَقَدَّم الإِمَام فَيصَلي بهما قلت فَإِن لم يتَقَدَّم وَصلى بَينهمَا قَالَ(1/21)
صلَاتهم تَامَّة قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الْقَوْم كثيرا فَقَامَ الإِمَام وَسطهمْ أَو قَامَ فِي ميمنة الصَّفّ أَو فِي ميسرته فصلى بهم قَالَ هَذَا قد أَسَاءَ وصلاتهم تَامَّة قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام وَمَعَهُ رجل وَاحِد أَيْن يقوم الرجل قَالَ يقوم إِلَى جَانب الإِمَام الْأَيْمن قلت أَرَأَيْت إِن صلى خَلفه وَحده قَالَ صلَاته تَامَّة قلت أَرَأَيْت إِن صلى إِلَى جَانب الإِمَام الْأَيْسَر قَالَ قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يقوم(1/22)
عَن يَمِين الإِمَام
- بَاب الْوضُوء وَالْغسْل من الْجَنَابَة
-
أَبُو سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد قَالَ قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا أَرَادَ أَن يغْتَسل من الْجَنَابَة كَيفَ يغْتَسل قَالَ يبْدَأ فيفرغ على يَدَيْهِ المَاء فيغسلهما حَتَّى ينقيهما ثمَّ يفرغ بِيَمِينِهِ على شِمَاله فَيغسل فرجه حَتَّى ينقيه ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة كَمَا وصفت لَك وضوء الصَّلَاة غير رجلَيْهِ ثمَّ يفِيض المَاء على رَأسه ولحيته وعَلى سَائِر جسده فَيغسل ذَلِك كُله حَتَّى ينقيه ثمَّ يتَنَحَّى فَيغسل قَدَمَيْهِ قلت أَرَأَيْت إِن أَفَاضَ المَاء على(1/23)
رَأسه وَسَائِر جسده ثَلَاثًا ثَلَاثًا قَالَ يجْزِيه
قلت أدنى مَا يَكْفِي من المَاء فِي غسل الْجَنَابَة كم هُوَ قَالَ صَاع من مَاء قلت فكم أدنى مَا يَكْفِي فِي الْوضُوء من المَاء قَالَ مد من المَاء
قلت وَغسل الْمَرْأَة إِذا طهرت من حَيْضهَا وغسلها من الْجَنَابَة مثل غسل الرجل قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن اغْتَسَلت الْمَرْأَة وَلم تنقض شعر رَأسهَا إِلَّا أَن المَاء يبلغ الشّعْر قَالَ يجزيها
قلت أَرَأَيْت جنبا اغْتسل فانتضح من غسله شَيْء فِي إنائه هَل(1/24)
يفْسد عَلَيْهِ ذَلِك المَاء قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا مِمَّا لَا يُسْتَطَاع الِامْتِنَاع مِنْهُ قلت أَرَأَيْت إِن أَفَاضَ المَاء على رَأسه أَو على سَائِر جسده أَو غسل فرجه فَجعل ذَلِك المَاء كُله يقطر فِي الْإِنَاء قَالَ هَذَا يفْسد المَاء وَلَا يجْزِيه أَن يتَوَضَّأ بذلك المَاء وَلَا يغْتَسل بِهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ فِي إِنَاء نظيف فَتَوَضَّأ رجل آخر بذلك الْوضُوء قَالَ لَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد تَوَضَّأ بذلك المَاء مرّة فَلَا يَجْزِي من تَوَضَّأ بِهِ بعده قلت أَرَأَيْت إِن لم يعد الْوضُوء(1/25)
فصلى بِهِ يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَيسْتَقْبل الصَّلَوَات كلهَا
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَائِضًا شربت من مَاء أَو تَوَضَّأت بِهِ ففضل من ذَلِك المَاء فِي الْإِنَاء فَتَوَضَّأ بِهِ رجل قَالَ يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا المَاء طَاهِر قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الَّذِي شرب أَو تَوَضَّأ جنبا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة الْحَائِض تدخل يَدهَا فِي الْحبّ أَو فِي إِنَاء فِيهِ مَاء هَل يتَوَضَّأ من ذَلِك المَاء أَو يشرب مِنْهُ قَالَ إِن لم يكن فِي يَدهَا قذر فَلَا بَأْس بذلك وَإِن كَانَ فِي يَدهَا قذر فَلَا يشرب مِنْهُ وَلَا يتَوَضَّأ بِهِ قلت وَكَذَلِكَ الْجنب قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت جنبا أَرَادَ أَن يغْتَسل فَأدْخل يَده فِي الْإِنَاء قبل أَن يغسلهَا ثمَّ اغْتسل بذلك المَاء هَل يجْزِيه قَالَ إِن لم يكن فِي يَده قذر اجزاه وَإِن كَانَ فِي يَده قذر لم يجزه(1/26)
قلت أَرَأَيْت الرجل يَدْعُو بِالْوضُوءِ ليتوضأ أَو بِالْغسْلِ ليغتسل أَتُحِبُّ لَهُ أَن يذكر اسْم الله تَعَالَى حِين يَبْتَدِئ فِي ذَلِك قَالَ نعم قلت فَإِن ترك ذَلِك نَاسِيا أَو مُتَعَمدا قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يُؤْتى بِالْمَاءِ ليتوضأ بِهِ فيبزق أَو يمتخط فَيَقَع ذَلِك فِي إنائه ثمَّ يتَوَضَّأ بِهِ وَيُصلي قَالَ لَا بَأْس بذلك وَصلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت إِن شرب من إنائه سنور أيتوضأ بِهِ وَيُصلي قَالَ أحب إِلَى أَن يتَوَضَّأ بِغَيْرِهِ قلت فَإِن فعل وَصلى قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت إِن شربت من إنائه دجَاجَة هَل يتَوَضَّأ مِنْهُ قَالَ إِن كَانَت الدَّجَاجَة مخلا عَنْهَا فإنني أكره لَهُ أَن يتَوَضَّأ بِهِ وَإِن كَانَت محبوسة فَلَا بَأْس أَن يتَوَضَّأ بِهِ قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت مخلا عَنْهَا(1/27)
فَشَرِبت مِنْهُ فَتَوَضَّأ بفضلها فصلى قَالَ يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم ير فِي منقارها قذرا فَهُوَ يجْزِيه وَأحب إِلَيّ أَن يتَوَضَّأ بِغَيْرِهِ قلت أَرَأَيْت إِن رأى فِي منقارها قذرا فَشَرِبت مِنْهُ هَل يتَوَضَّأ بِهِ قَالَ لَا قلت فَإِن فعل وَصلى قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت أَن شرب من إنائه طير أَو شَاة أَو بقرة أَو بعير أَو فرس أَو برذون أَو شَيْء مِمَّا يُؤْكَل لَحْمه هَل يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَوَضَّأ بِفضل ذَلِك المَاء قَالَ نعم لَا بَأْس بِهِ قلت أَرَأَيْت إِن شرب مِنْهُ شَيْء لَا يُؤْكَل لَحْمه مثل الْحمار أَو الْبَغْل أَو شبه ذَلِك قَالَ لَا يتَوَضَّأ مِنْهُ قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ مِنْهُ وَصلى بذلك الْوضُوء يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء والصلوات كلهَا
قلت أَرَأَيْت إِن وَقع فِي إنائه ذُبَاب أَو زنبور أَو عقرب أَو خنفساء أَو جَراد أَو نمل أَو صراصر فَمَاتَ فِيهِ أَو وجد ذَلِك فِي الْجب مَيتا(1/28)
هَل يفْسد ذَلِك المَاء قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دم فَلَا بَأْس بِالْوضُوءِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ كل شَيْء لَيْسَ لَهُ دم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن وَقع فِي إنائه شَيْء من خمر أَو دم أَو بَوْل أَو عذرة أَو وَقع ذَلِك فِي الْجب وَهُوَ قَلِيل أَو كثير هَل يتَوَضَّأ أَو يشرب من ذَلِك المَاء قَالَ لَا قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ وَصلى أَيَّامًا قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء والصلوات كلهَا(1/29)
قلت أَرَأَيْت إِن وَقع فِي وضوئِهِ لعاب مَا يُؤْكَل لَحْمه أَو وَقع فِي الْجب قَالَ أما اللعاب فَلَيْسَ يفْسد المَاء وَلَا بَأْس أَن يتَوَضَّأ بِهِ وَيشْرب مِنْهُ
قلت أَرَأَيْت إِن وَقع بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه فِي الْإِنَاء أَو فِي الْجب قَالَ هَذَا فَاسد وَهُوَ يفْسد المَاء قلت فَإِن تَوَضَّأ بذلك المَاء وَصلى قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد مَا أكلت لَحْمه فَلَا بَأْس ببوله وَإِن وَقع فِي مَاء لم يفْسد حَتَّى يغلب على المَاء فَإِذا غلب على المَاء فَلم يتَوَضَّأ بِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس بِشرب بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه مثل النَّاقة وَشبههَا وبولها يفْسد المَاء وَإِن كَانَ قَلِيلا وَقَالَ مُحَمَّد لَا بَأْس بشربه فَلَيْسَ يفْسد المَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ فَبَدَأَ برجليه قبل ذِرَاعَيْهِ أَو بذراعيه قبل وَجهه أَو مسح رَأسه قبل أَن يغسل وَجهه أَو ترك بعض أَعْضَائِهِ حَتَّى جف مَا قد غسل أَو فعل ذَلِك فِي غسله ثمَّ غسل مَا بَقِي قَالَ(1/30)
يجْزِيه غسله ووضوؤه تَامّ وَلَكِن أفضل ذَلِك أَن يَبْتَدِئ بيدَيْهِ ثمَّ بِوَجْهِهِ ثمَّ بذراعيه ثمَّ يمسح بِرَأْسِهِ ثمَّ يغسل قَدَمَيْهِ
قلت الْإِنَاء يَقع فِيهِ خرء عُصْفُور أَو خرء حمام قَالَ يلقيه من الْإِنَاء ثمَّ يتَوَضَّأ بِهِ قلت فَإِن وَقع فِيهِ خرء دجَاجَة قَالَ لَا يتَوَضَّأ بِهِ قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ بِهِ وَصلى يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ يُعِيد الْوضُوء والصلوات كلهَا
قلت أَرَأَيْت الْإِنَاء تشرب مِنْهُ الْفَأْرَة أَو الْحَيَّة أَو الوزغة هَل يتَوَضَّأ بِهِ قَالَ لَا قلت فَإِن تَوَضَّأ بِهِ وَصلى قَالَ صلَاته تَامَّة وَقد أَسَاءَ
قلت أَرَأَيْت السَّبع من السبَاع أَو الْكَلْب يشرب من الْإِنَاء(1/31)
قَالَ لَا يتَوَضَّأ بِهِ قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ بِهِ وَصلى يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ يُعِيد الْوضُوء والصلوات كلهَا
قلت أَرَأَيْت الْإِنَاء يَقع فِيهِ بَوْل الخفافيش أَو وَقع فِيهِ شَيْء من البعوض أَو البراغيث قَالَ لَا بَأْس بِالْوضُوءِ من ذَلِك المَاء قلت لم وَهَذَا لَهُ دم قَالَ دم هَذَا لَيْسَ بِشَيْء
قلت أَرَأَيْت إِن شرب من إنائه من الطير مِمَّا لَا يُؤْكَل لَحْمه قَالَ أكره لَهُ أَن يتَوَضَّأ بِهِ قلت فَإِن تَوَضَّأ بِهِ وَصلى قَالَ يجْزِيه ذَلِك قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا وَالسِّبَاع الَّتِي لَا يُؤْكَل لَحمهَا قَالَ أما فِي الْقيَاس فهما سَوَاء وَلَكِنِّي أستحسن فِي هَذَا أَلا ترى أَنِّي أكره سُؤْر الدَّجَاجَة وَلَا آمره أَن يُعِيد مِنْهُ الْوضُوء وَالصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن شرب من إنائه باز أَو صقر قَالَ أكره الْوضُوء مِنْهُ وَإِن تَوَضَّأ أجزاه
قلت أَرَأَيْت الْجب تَمُوت فِيهِ السَّمَكَة أَو الضفدع أَو السرطان هَل ترى بالشرب وبالوضوء مِنْهُ بَأْسا قَالَ لَا بَأْس بِالْوضُوءِ وَالشرب مِنْهُ قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا يعِيش فِي المَاء ويسكنه أَلا ترى أَنه لَا بَأْس بِأَكْل السَّمَكَة حِين مَاتَت فِي الْجب لِأَنَّهَا ذكية(1/32)
قلت أَرَأَيْت لعاب مَا يُؤْكَل لَحْمه من الدَّوَابّ يَقع فِي الْإِنَاء أيتوضأ بِهِ قَالَ لَا قلت فَإِن تَوَضَّأ بِهِ وَصلى قَالَ يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ السبَاع قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْفَأْرَة أَو العصفور يَمُوت فِي الْبِئْر أَو الْجب فَيخرج مِنْهُمَا سَاعَة مَاتَت أيتوضأ من الْبِئْر أَو الْجب أَو يشرب مِنْهُمَا قَالَ لَا حَتَّى ينزف مِنْهَا عشرُون دلوا أَو ثَلَاثُونَ وَأما فِي الْجب فيهراق المَاء كُله وَلَا يشرب مِنْهُ وَلَا يتَوَضَّأ مِنْهُ قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ قبل ذَلِك من الْبِئْر أَو من الْجب فصلى أَيَّامًا بذلك الْوضُوء قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء والصلوات كلهَا قلت فَإِن وَقع فِيهِ دجَاجَة أَو سنور فَمَاتَتْ فأخرجت مِنْهَا سَاعَة مَاتَت قَالَ ينزف مِنْهَا أَرْبَعُونَ أَو خَمْسُونَ(1/33)
دلوا قلت أَرَأَيْت إِن وَقع فِيهَا شَاة أَو بقرة قَالَ ينزف مَاء الْبِئْر كُله إِلَّا أَن يَغْلِبهُمْ المَاء قلت فَإِن كَانَ الَّذِي ذكرت لَك قد انتفخ أَو تفسخ فِيهَا أَو تقطع فِيهَا قَالَ ينزف مَاء الْبِئْر كُله حَتَّى يَغْلِبهُمْ المَاء
قلت أَرَأَيْت صَبيا بَال فِي بِئْر أَو وَقعت فِيهَا عذرة أَو وَقع فِيهَا جنب فاغتسل فِيهَا قَالَ عَلَيْهِم أَن ينزفوا مَاء الْبِئْر كُله قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ رجل من تِلْكَ الْبِئْر وَصلى بذلك الْوضُوء يَوْمًا ثمَّ وجد فِيهَا من اللَّيْل دجَاجَة ميتَة لم تتفسخ بعد أَو علم أَن الصَّبِي قد كَانَ بَال فِيهَا قبل ذَلِك أَو جنب وَقع فِيهَا فاغتسل قَالَ على الرجل أَن يُعِيد الْوضُوء والصلوات كلهَا(1/34)
قلت فَإِن كَانَت الدَّجَاجَة أَو غير ذَلِك قد انتفخت وَإِنَّمَا كَانَ وضوء ذَلِك الرجل من تِلْكَ الْبِئْر وَلَا يعلم مَتى وَقعت فِيهَا الدَّجَاجَة إِلَّا أَنهم وجدوها منتفخة قَالَ على من تَوَضَّأ من ذَلِك المَاء وَصلى أَن يُعِيد الْوضُوء وَيُعِيد صَلَاة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن قلت وَلم وَهُوَ لَا يعلم مَتى وَقعت قَالَ أستحسن ذَلِك وآخذ بالثقة لِأَنَّهَا صَلَاة وَأَن يُصَلِّي الرجل شَيْئا قد صلاه وَفرغ مِنْهُ أحب إِلَيّ من أَن يتْرك شَيْئا وَاجِبا عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت مَا كَانَ من عجين قد عجن بذلك المَاء قَالَ أكره لَهُم أكله قلت فَإِن كَانَ قد غسل بذلك المَاء ثوب قَالَ آمُرهُم أَن يُعِيدُوا غسله بِمَاء نظيف
قلت فَإِن كَانَ الَّذِي أصَاب الثَّوْب أَكثر من قدر الدِّرْهَم الْكَبِير(1/35)
المثقال وَقد صلى فِيهِ يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد مَا صلى فِيهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى(1/36)
أَن يجْزِيه الْوضُوء وَالصَّلَاة وَلَا بَأْس بذلك الْعَجِين أَن يَأْكُلهُ وَلَا يغسل ثَوْبه حَتَّى يعلم أَن ذَلِك كُله كَانَ بَعْدَمَا مَاتَت فِي الْبِئْر وَهُوَ قَول مُحَمَّد قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الَّذِي أصَاب ثَوْبه أقل من قدر الدِّرْهَم وَقد صلى فِيهِ قَالَ لَا يُعِيد الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ رَوْث مَا يُؤْكَل لَحْمه وبوله قَالَ نعم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الروث كُله سَوَاء وروث الْحمار وَالْفرس إِذا أصَاب الثَّوْب مِنْهُ أَو النَّعْل أَكثر من قدر الدِّرْهَم لم تجز الصَّلَاة فِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد تجزى الصَّلَاة فِيهِ إِلَّا أَن يكون كثيرا فَاحِشا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة بَوْل الْحمار إِذا كَانَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم يفْسد وَبَوْل الْفرس لَا يفْسد إِلَّا أَن يكون كثيرا فَاحِشا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد فِي بَوْل الْحمار مثل قَوْلهمَا وَأما فِي بَوْل الْفرس فَلَا يفْسد فِي قَول مُحَمَّد وَإِن كَانَ كثيرا فَاحِشا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أخثاء الْبَقر وخرء الدَّجَاج مثل السرقين(1/37)
يفْسد مِنْهُ أَكثر من قدر الدِّرْهَم وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مثل ذَلِك فِي خرء الدَّجَاجَة خَاصَّة وَقَالَ مُحَمَّد الْكثير الْفَاحِش الرّبع فَصَاعِدا
قلت وَلَا ترى بَأْسا بلعاب مَا يُؤْكَل لَحْمه وَهُوَ كثير فَاحش قَالَ لَا بَأْس بِهِ وَإِن كَانَ كثيرا فَاحِشا وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء الْكثير الْفَاحِش شبر فِي شبر قلت وَكَذَلِكَ بَوْله إِذا أصَاب الثَّوْب قَالَ نعم مَا لم يكن كثيرا فَاحِشا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يفْسد بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه يُصِيب الثَّوْب وَإِن كَانَ كثيرا فَاحِشا
قلت أَرَأَيْت البئرين تَكُونَانِ فِي الْحُجْرَة أَحدهمَا بالوعة يهراق فِيهَا الْبَوْل وَالْوُضُوء وَالْأُخْرَى يستقى مِنْهَا المَاء كم أدنى مَا يكون بَينهمَا قَالَ خَمْسَة أَذْرع قلت فَإِن كَانَ بَينهمَا أقل من ذَلِك وَلَا يُوجد فِي المَاء طعم نَتن وَلَا لون شَيْء وَلَا رِيحه قَالَ لَا بَأْس بِالْوضُوءِ مِنْهُ قلت فَإِن كَانَ بَينهمَا سَبْعَة أَذْرع أَو اكثر من ذَلِك وَقد يُوجد طعم(1/38)
الْبَوْل مِنْهَا وريحه قَالَ لَا خير فِي الْوضُوء مِنْهَا قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ مِنْهَا إِنْسَان وَصلى قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل وَالْمَرْأَة يغتسلان من إِنَاء وَاحِد من الْجَنَابَة قَالَ لَا بَأْس بذلك
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَائِضًا طهرت فاغتسلت فَبَقيَ من غسلهَا أقل من مَوضِع الدِّرْهَم كَيفَ تصنع قَالَ تغسل ذَلِك الْمَكَان وَإِن كَانَت صلت قبل أَن تغسله فعلَيْهَا أَن تعيد الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ الْجنب قَالَ نعم(1/39)
قلت أَرَأَيْت رجلا جنبا اغْتسل فنسى الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق ثمَّ دخل فِي الصَّلَاة فصلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ضحك كَيفَ يصنع قَالَ عَلَيْهِ أَن يتمضمض ويستنشق وَيُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي صَلَاة لَو تمّ عَلَيْهَا لم تجزه فَإِذا ضحك فِيهَا لم يكن عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء قلت أَرَأَيْت إِن نسى الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْوضُوء فصلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ضحك قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَيسْتَقْبل الصَّلَاة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَو تمّ على صلَاته أجزاه ذَلِك قلت أَرَأَيْت رجلا جنبا اغْتسل فبقى من جسده قدر مَوضِع الدِّرْهَم لم يصبهُ المَاء ثمَّ صلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ضحك قَالَ عَلَيْهِ أَن يغسل ذَلِك الْمَكَان الَّذِي لم يصبهُ المَاء وَيسْتَقْبل الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ونسى أَن يمسح بِرَأْسِهِ ثمَّ صلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ضحك قَالَ عَلَيْهِ أَن يمسح بِرَأْسِهِ وَيسْتَقْبل الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء(1/40)
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ونسى الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أَو كَانَ جنبا فنسى الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق ثمَّ صلى قَالَ أما مَا كَانَ فِي الْوضُوء فَصلَاته تَامَّة وَأما مَا كَانَ فِي غسل الْجَنَابَة أَو طهر حيض فَإِنَّهُ يتمضمض ويستنشق وَيُعِيد الصَّلَاة قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ هما فِي الْقيَاس سَوَاء إِلَّا أَنا نَدع الْقيَاس للآثر الَّذِي جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قلت فَإِن نسى مسح الرَّأْس فِي الْوضُوء فصلى قَالَ عَلَيْهِ أَن يمسح بِرَأْسِهِ وَيُعِيد الصَّلَاة قلت لم أَمرته فِي هَذَا بِإِعَادَة الصَّلَاة وَلم تَأمره فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق قَالَ لِأَن مسح الرَّأْس فَرِيضَة فِي كتاب الله تَعَالَى وَلَيْسَت(1/41)
الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مثله
قلت فَإِن نسي أَن يمسح رَأسه وَكَانَ فِي لحيته مَاء فَأخذ مِنْهُ فَمسح بِهِ رَأسه قَالَ لَا يجْزِيه لِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ أَن يَأْخُذ مَاء فيمسح بِهِ رَأسه لِأَنَّهُ وَاجِب عَلَيْهِ وَقَالَ سُفْيَان يجْزِيه قلت فَإِن كَانَ فِي كَفه بَلل فَمسح بِهِ رَأسه قَالَ هَذَا يجْزِيه وَهَذَا بِمَنْزِلَة مَا لَو أَخذ من الْإِنَاء مَاء فَمسح بِهِ أَلا ترى أَنه أَيْضا يصل إِلَى الرَّأْس مِنْهُ البلل فَلَا أُبَالِي من يَدَيْهِ كَانَ أَو من الْإِنَاء وَأما مَا كَانَ على اللِّحْيَة فَإِنَّهُ مَاء قد تَوَضَّأ بِهِ مرّة فَلَا يجْزِيه أَن يتَوَضَّأ بِهِ ثَانِيَة
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح رَأسه بإصبع وَاحِدَة أَو بإصبعين قَالَ لَا يجْزِيه وَقَالَ زفر يجْزِيه قلت فَإِن مسح رَأسه بِثَلَاث أَصَابِع قَالَ هَذَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ مسح بِالْأَكْثَرِ من أَصَابِعه أَلا ترى أَنه لَو مَسحه بكفه كُله إِلَّا إصبعا وَاحِدَة أَو بعض إِصْبَع أَنه يجْزِيه وَلكنه أفضل أَن يمسح بكفيه كليهمَا وَكَذَلِكَ إِذا مسح بِثَلَاث(1/43)
أَصَابِع
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ شعره طَويلا يَقع على مَنْكِبَيْه فَمسح مَا تَحت أُذُنَيْهِ وَمَا على مَنْكِبَيْه قَالَ لَا يجْزِيه قلت فَإِن مسح مَا فَوق مَنْكِبَيْه وَأُذُنَيْهِ قَالَ هَذَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَن مَا تَحت الْأُذُنَيْنِ لَيْسَ من الرَّأْس وَمَا فَوق الْأُذُنَيْنِ من الرَّأْس
قلت أَرَأَيْت الْأُذُنَيْنِ يغسل مقدمهما مَعَ الْوَجْه وَيمْسَح مؤخرهما مَعَ الرَّأْس أَو يمسحهما قَالَ أَي ذَلِك فعل فَحسن وَأحب إِلَيّ أَن يمسحهما مَعَ الرَّأْس لِأَن الْأُذُنَيْنِ عندنَا من الرَّأْس مَا أقبل مِنْهُمَا وَمَا أدبر بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الأذنان من الرَّأْس(1/44)
قلت أَرَأَيْت إِن مسح رَأسه وَلم يمسح أُذُنَيْهِ قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن مسح أُذُنَيْهِ وَلم يمسح رَأسه قَالَ لَا يجْزِيه ذَلِك قلت فقد تركت قَوْلك قَالَ آخذ فِي الْأُذُنَيْنِ بالاستحسان وآخذ فِي الرَّأْس بالثقة(1/45)
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ جز شعره أَو نتف إبطه أَو قصّ أَظْفَاره أَو أَخذ من شَاربه هَل يمسح شَيْئا من ذَلِك قَالَ لَا لِأَن هَذَا طهُور ونظافة وَلَو كَانَ هَذَا ينْقض بعض الْوضُوء نقضه كُله هَل رَأَيْت شَيْئا ينْقض بعض الْوضُوء دون بعض وَهَذَا الَّذِي أَخذ من شَاربه وقص أَظْفَاره ونتف إبطه وَافق السّنة وازداد طهُورا فَلَا يجب عَلَيْهِ الْوضُوء فِيمَا صنع
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ مس ذكره فِي الصَّلَاة أَو فِي غير الصَّلَاة هَل ينْقض ذَلِك وضوءه وَهل يجب عَلَيْهِ غسل يَدَيْهِ قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ نظر إِلَى امْرَأَته من شَهْوَة(1/46)
وَلم يمذ هَل يجب عَلَيْهِ الْوضُوء قَالَ لَا قلت أَرَأَيْت إِن نظر إِلَى الْفرج قَالَ وَإِن نظر إِلَى الْفرج قلت أَرَأَيْت إِن نظر إِلَى الْفرج فأمنى أَو أمذى أَو أودى قَالَ أما إِذا أمنى وَجب عَلَيْهِ الْغسْل وَأما إِذا أمذى أَو أودى فَإِن عَلَيْهِ الْوضُوء وَلَا غسل عَلَيْهِ
قلت وَمَا المنى والودى والمذى قَالَ أما المنى فَهُوَ خاثر أَي بِهِ غلظ أَبيض ينكسر مِنْهُ الذّكر وَأما المذى فَهُوَ رَقِيق الى الْبيَاض مَا هُوَ وَأما الودى فَهُوَ رَقِيق يَجِيء بعد الْبَوْل
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ قبل امْرَأَته من شَهْوَة أَو لمسها لشَهْوَة أَو لمس فرجهَا لشَهْوَة هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ لَا(1/47)
قلت فَإِن بَاشَرَهَا لشَهْوَة وَلَيْسَ بَينهمَا ثوب وانتشر لَهَا قَالَ أما هَذَا فينقض وضوءه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا وضوء عَلَيْهِ حَتَّى يخرج مِنْهُ مذي أَو غير ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يُجَامع أَهله دون الْفرج وَلَا ينزل وَلَكِن يخرج مِنْهُ الودى أَو المذى قَالَ عَلَيْهِ الْوضُوء وَلَا غسل عَلَيْهِ قلت أَرَأَيْت إِن التقي الختانان وتوارت الْحَشَفَة قَالَ هَذَا يجب عَلَيْهِ الْغسْل(1/48)
قلت أَرَأَيْت رجلا احْتَلَمَ وَلم ينزل شَيْئا وَلم ير شَيْئا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ غسل قلت فَإِن علم أَنه لم يَحْتَلِم وَلكنه اسْتَيْقَظَ فَوجدَ على فرَاشه مذيا أَو فِي فخده وَقد رأى رُؤْيا أَو لم ير قَالَ هَذَا يجب عَلَيْهِ الْغسْل أخذا بالثقة فِي ذَلِك قلت فَإِن كَانَ لم ير مذيا وَلكنه أودى فِي رُؤْيَاهُ قَالَ هَذَا بَوْل وَلَيْسَ عَلَيْهِ غسل وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا غسل عَلَيْهِ حَتَّى يستيقن أَنه قد احْتَلَمَ قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة أَهِي فِي الِاحْتِلَام بِمَنْزِلَة الرجل قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تصيبها الْجَنَابَة ثمَّ تحيض قبل أَن تَغْتَسِل هَل عَلَيْهَا غسل الْجَنَابَة قَالَ إِن شَاءَت اغْتَسَلت وَإِن شَاءَت لم تَغْتَسِل حَتَّى تطهر
قلت أَرَأَيْت الْجنب وَالْحَائِض يعرقان فِي الثَّوْب هَل يغسل ذَلِك الثَّوْب أَو ينضح بِالْمَاءِ قَالَ لَا(1/49)
قلت أَرَأَيْت الْحَوْض تقع فِيهِ الجيفة هَل يتَوَضَّأ مِنْهُ أَو يشرب مِنْهُ قَالَ إِن كَانَ حوضا صَغِيرا يخلص بعضه إِلَى بعض فَلَا يتَوَضَّأ مِنْهُ وَلَا يشرب مِنْهُ إِلَّا أَن يخَاف الرجل على نَفسه فِي الْعَطش فيشرب مِنْهُ وَأما الْوضُوء فَلَا يتَوَضَّأ مِنْهُ وَإِن كَانَ الْحَوْض كَبِيرا لَا يخلص بعضه إِلَى بعض فَلَا بَأْس أَن يتَوَضَّأ من نَاحيَة أُخْرَى وَيشْرب مِنْهُ قلت(1/50)
وَكَذَلِكَ لَو بَال فِيهِ إِنْسَان أَو اغْتسل فِيهِ جنب أَو ألقِي فِيهِ عذرة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْحَوْض الَّذِي يخَاف أَن يكون فِيهِ قذر وَلَا يستيقن ذَلِك هَل يشرب مِنْهُ وَيتَوَضَّأ مِنْهُ قبل أَن يسْأَل عَنهُ قَالَ نعم يشرب مِنْهُ وَيتَوَضَّأ مِنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْأَل عَنهُ وَلَا يدع الشّرْب مِنْهُ وَلَا الْوضُوء حَتَّى يستيقن أَنه قذر قلت أَرَأَيْت المَاء يكون فِي الطَّرِيق فِي حَوْض وَقد أنتن وَلَيْسَ فِيهِ جيفة هَل يتَوَضَّأ مِنْهُ وَيشْرب مِنْهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت جنبا وَقع فِي نهر فانغمس فِيهِ انغماسة وَاحِدَة وتمضمض(1/51)
واستنشق وَأبقى الْفرج وَغسل كل شَيْء مِنْهُ مرّة وَاحِدَة قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ فنسى أَن يمسح بِرَأْسِهِ فَأصَاب رَأسه مَاء الْمَطَر فَأصَاب من ذَلِك مِقْدَار ثَلَاث أَصَابِع فمسحه بِهِ قَالَ يجْزِيه من مسح الرَّأْس
قلت أَرَأَيْت جنبا قَامَ فِي الْمَطَر الشَّديد متجردا فاغتسل بِمَا أَصَابَهُ من الْمَطَر وتمضمض واستنشق وَغسل فرجه قَالَ يجْزِيه غسله
قلت أَرَأَيْت جنبا وَقع فِي بِئْر فاغتسل فِيهَا قَالَ قد أفسد مَاء الْبِئْر وَلَا يجْزِيه غسله قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ حِين وَقع فِي الْبِئْر فقد أفسد المَاء كُله وَإِنَّمَا اغْتسل بِمَاء قذر فَلَا يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت الرجل يسئل عَن الْوضُوء فيتوضأ وضوءه للصَّلَاة يُرِيد بذلك تَعْلِيم الرجل الَّذِي سَأَلَهُ هَل يجْزِيه وضوؤه(1/52)
للصَّلَاة وَلم ينْو بِهِ الْوضُوء حِين تَوَضَّأ قَالَ نعم قلت لم وَلم يرد بِهِ الصَّلَاة وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يعلم الرجل الَّذِي سَأَلَ عَنهُ قَالَ إِذا تَوَضَّأ وَأَرَادَ بِهِ الصَّلَاة أَو لم يرد بِهِ فَإِنَّهُ يجْزِيه من وضوئِهِ أَلا ترى أَن جنبا لَو اغْتسل وَهُوَ نَاس للجنابة لَا يُرِيد بذلك غسل الْجَنَابَة أَن ذَلِك يجْزِيه من غسل الْجَنَابَة فَكَذَلِك هَذَا الَّذِي تَوَضَّأ وَلَا أُبَالِي نوى بِهِ الْغسْل أَو لم ينْو
قلت أَرَأَيْت الرجل يتَوَضَّأ ثمَّ يمسح الْوَجْه بالمنديل قَالَ لَا بَأْس بذلك قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو اغْتسل فِي لَيْلَة بَارِدَة أَكَانَ يقوم عُريَانا حَتَّى يجِف قلت لَا قَالَ فَلَا بَأْس بِأَن يمسح بالمنديل ويتمسح فِي ثوب من الْجَنَابَة وَالْوُضُوء
قلت أَرَأَيْت الْجنب أتكره لَهُ أَن ينَام أَو يعاود أَهله قبل أَن يتَوَضَّأ قَالَ لَا بَأْس بذلك إِن شَاءَ تَوَضَّأ وَإِن شَاءَ لم يتَوَضَّأ وَقد(1/53)
بلغنَا أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصِيب من أَهله وينام وَلم يصب مَاء ثمَّ يقوم فَإِن شَاءَ أعَاد وَإِن شَاءَ اغْتسل قلت فَإِن أَرَادَ أَن يَأْكُل كَيفَ يصنع قَالَ يغسل يَدَيْهِ ويتمضمض ثمَّ يَأْكُل قلت فَإِن كَانَت يَدَاهُ نظيفتين فَأكل وَلم يغسلهما قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك وَلَكِن الأحب إِلَى أَن يغسلهما ويتمضمض قلت وَلم لَا يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة قَالَ هَذَا لَيْسَ بِشَيْء قلت أَرَأَيْت الْحَائِض أتتوضأ وضوءها للصَّلَاة كُله إِذا أَرَادَت أَن تَأْكُل قَالَ لَا قلت فالمرأة مثل الرجل أَو أَشد حَالا قَالَ لَيْسَ على وَاحِد مِنْهُمَا أَن يتَوَضَّأ وَلكنه يغسل يَدَيْهِ ويتمضمض إِن شَاءَ(1/54)
قلت أَرَأَيْت الرجل تنكسر يَده فَتكون عَلَيْهَا الجبائر فيتوضأ للصَّلَاة أيجزيه أَن يمسح على الجبائر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ بِهِ قرحَة أَو جرح فَمسح فَوق الْخِرْقَة الَّتِي على الْجرْح قَالَ نعم يجْزِيه ذَلِك وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْجرْح فِي مَوضِع الْوضُوء فَإِن لم يكن مَوضِع الْوضُوء فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يمسح عَلَيْهِ قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت بِهِ جِرَاحَة وَهُوَ يخَاف على نَفسه أَن يمسح عَلَيْهَا قَالَ إِذا خَافَ على نَفسه أَن يمسح عَلَيْهَا فَلم يمسح عَلَيْهَا أجزاه
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت الْجراحَة فِي جَانب رَأسه وَهُوَ يقدر على أَن يمسح بَقِيَّة رَأسه وَلَا يضرّهُ قَالَ فليمسح مَا بَقِي من رَأسه قلت فَإِن لم يفعل وَصلى هَكَذَا أَيَّامًا من غير أَن يمسح على بَقِيَّة رَأسه قَالَ عَلَيْهِ أَن يمسح على بَقِيَّة رَأسه وَيُعِيد الصَّلَوَات كلهَا
قلت أَرَأَيْت إِن أجنب فاغتسل فَمسح بِالْمَاءِ على الجبائر الَّتِي على يَدَيْهِ أَو لم يمسح لِأَنَّهُ يخَاف على نَفسه أَن يمسح قَالَ يجْزِيه وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن ترك الْمسْح على الجبائر وَلَا يضرّهُ ذَلِك لم يجزه فَإِن صلى(1/55)
هَكَذَا أَيَّامًا أعَاد مَا كَانَ صلى حَتَّى يمسح عَلَيْهَا فَإِن مسح عَلَيْهَا وَدخل فِي الصَّلَاة ثمَّ سَقَطت الجبائر عَنهُ من غير برْء مضى فِي صلَاته وَلَا يشبه هَذَا الْمسْح على الْخُفَّيْنِ
قلت أَرَأَيْت الرجل ينكسر ظفره فَيجْعَل عَلَيْهِ الدَّوَاء أَو العلك فيتوضأ وَقد أَمر أَن لَا يَنْزعهُ عَنهُ قَالَ يجْزِيه قلت وَإِن لم يخلص المَاء إِلَيْهِ قَالَ وَإِن لم يخلص المَاء إِلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ تقيأ مُتَعَمدا أَو غير متعمد أَو قلس قَالَ إِذا كَانَ ذَلِك ملْء فِيهِ أَو أَكثر من ذَلِك أعَاد الْوضُوء وَإِن كَانَ القلس أقل من ملْء فِيهِ لم يعد الْوضُوء(1/56)
قلت أَرَأَيْت أَن تقيأ ملْء فِيهِ بلغما قَالَ لَا يُعِيد الْوضُوء قلت وَكَذَلِكَ البزاق قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف البلغم كَغَيْرِهِ من الطَّعَام وَالشرَاب إِذا كَانَ ملْء فِيهِ أعَاد الْوضُوء قلت فَإِن تقيأ ملْء فِيهِ مرّة قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء
قلت أَرَأَيْت رجلا بِهِ دمل أَو قرحَة فَخرج مِنْهُ دم أَو قيح أَو صديد فَسَالَ عَن رَأس الْجرْح قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء قلت فَإِن كَانَ قَلِيلا لم يسل عَن رَأس الْجرْح قَالَ فَلَا وضوء عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا بزق فَرَأى فِي بزاقه الصُّفْرَة هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ الدَّم هُوَ الْغَالِب قَالَ هَذَا ينْقض وضوءه قلت فَإِن كَانَ الدَّم والبزاق سَوَاء لَا يغلب أَحدهمَا صَاحبه قَالَ أحب إِلَيّ أَن يُعِيد الْوضُوء وَيَأْخُذ فِي ذَلِك بالثقة
قلت أَرَأَيْت الرعاف وَالرِّيح والضحك فِي الصَّلَاة هَل ينْقض الْوضُوء قَالَ نعم
قَالَ أَرَأَيْت النّوم هَل ينْقض الْوضُوء قَالَ إِذا كَانَ قَائِما(1/57)
أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا أَو قَاعِدا فَلَا ينْقض وضوءه وَأما إِذا نَام مُضْطَجعا أَو مُتكئا فَإِن ذَلِك ينْقض الْوضُوء وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن نَام مُتَعَمدا فِي السُّجُود فَسدتْ صلَاته وَإِن غَلبه النّوم فِي السُّجُود لم يضرّهُ قلت إِن نَام على إِحْدَى أليتيه أَو إِحْدَى وركيه متوركا قَالَ هَذَا ينْقض وضوءه
قلت أَرَأَيْت رجلا بِهِ جرح وكزه فَخرج مِنْهُ دم قَلِيل فمسحه ثمَّ خرج مِنْهُ أَيْضا فمسحه وَذَلِكَ كُله قبل أَن يسيل قَالَ إِن كَانَ الدَّم لَو ترك مَا مسح مِنْهُ سَالَ أعَاد الْوضُوء وَإِن كَانَ لَو ترك لم يسل لم ينْقض وضوءه
قلت أَرَأَيْت الْكَلَام الْفَاحِش هَل ينْقض الْوضُوء قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الطَّعَام هَل ينْقض شَيْء مِنْهُ الْوضُوء مثل لُحُوم الْإِبِل أَو الْبَقر أَو الْغنم أَو اللَّبن أَو غير ذَلِك مِمَّا مسته النَّار قَالَ لَيْسَ شَيْء من الطَّعَام ينْقض الْوضُوء إِنَّمَا الْوضُوء ينْتَقض مِمَّا يخرج وَلَيْسَ مِمَّا يدْخل(1/58)
وَلم تزِدْه النَّار إِلَّا طيبا وَلَو كَانَ هَذَا ينْقض الْوضُوء لَكَانَ من تَوَضَّأ بِمَاء سخن نقض وضوءه ولكان من ادهن بدهن قد مسته النَّار أعَاد الْوضُوء فَلَيْسَ شَيْء من هَذَا ينْقض وضوءه
قلت أَرَأَيْت رجلا تَبَسم فِي صلَاته وَلم يقهقه هَل ينْقض ذَلِك الْوضُوء قَالَ لَا قلت فَإِن قهقه قَالَ هَذَا ينْقض الْوضُوء وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الْوضُوء وَالصَّلَاة قلت لم قَالَ للأثر الَّذِي جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ فَمسح نصف رَأسه أَو ثلثه أَو أقل من ذَلِك قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَلم يخلل لحيته بِالْمَاءِ قَالَ يجْزِيه(1/59)
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا تَوَضَّأ أينبغي لَهُ أَن يخلل أَصَابِع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ بِالْمَاءِ قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا من مَوَاضِع الْوضُوء فَلَا بُد لَهُ من أَن يُصِيبهُ المَاء قلت فاللحية قَالَ اللِّحْيَة إِنَّمَا مَوَاضِع الْوضُوء مَا ظهر مِنْهَا فَإِذا امْر كفيه عَلَيْهَا أجزاه
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ ذبح شَاة هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ لَا
قلت فَإِن أصَاب يَده بَوْل أَو دم أَو عذرة أَو خمر هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ لَا وَلَكِن يغسل ذَلِك الْمَكَان الَّذِي أَصَابَهُ قلت فَإِن صلى بِهِ وَلم يغسلهُ قَالَ إِن كَانَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم غسله وَأعَاد الصَّلَاة وَإِن كَانَ قدر الدِّرْهَم أَو أقل من قدر الدِّرْهَم لم يعد الصَّلَاة(1/60)
وَلَكِن أفضل ذَلِك أَن يغسلهُ قلت وَكَذَلِكَ لَو أصَاب يَده الْقَيْء قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الروث وخرء الدَّجَاج قَالَ نعم قلت فَإِن أَصَابَهُ خرء طَائِر يُؤْكَل لَحْمه مثل الْحمام والعصفور قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا إِعَادَة
قلت أَرَأَيْت المنى يكون فِي الثَّوْب فيجف فيحكه الرجل قَالَ يجْزِيه ذَلِك بلغنَا عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تفركه من ثوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/61)
قلت فَإِن أصَاب الثَّوْب دم أَو عذرة فحكها قَالَ لَا يجْزِيه ذَلِك قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ هما فِي الْقيَاس سَوَاء غير أَنه جَاءَ فِي المنى أثر فأخذنا بِهِ قلت وَكَذَلِكَ رَوْث الْحمار أَو الْبَغْل هُوَ مثل الْعذرَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الدَّم أَو الْعذرَة أَو الروث إِذا أصَاب النَّعْل أَو الْخُف فيجف فمسحه الرجل بِالْأَرْضِ هَل يجْزِيه ذَلِك وَيُصلي فِي نَعله أَو خفيه قَالَ نعم قلت من أَيْن اخْتلف النَّعْل وَالثَّوْب قَالَ لِأَن النَّعْل جلد فَإِذا مَسحه بِالْأَرْضِ ذهب القذر مِنْهُ وَالثَّوْب لَيْسَ هَكَذَا لِأَن الثَّوْب ينشفه فَيبقى فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّد فِي الدَّم والعذرة إِذا أصَاب الْخُف والنعل لَا يجْزِيه أَن يمسحه من الْخُف والنعل حَتَّى يغسلهُ من مَوْضِعه وَإِن كَانَ يَابسا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا أصَاب الْخُف أَو النَّعْل أَو الثَّوْب الروث فصلى فِيهِ وَهُوَ رطب وَهُوَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم إِن صلَاته تَامَّة وَإِن كَانَ كثيرا فَاحِشا فصلى فِيهِ أعَاد الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ غمض مَيتا(1/62)
أَو غسله هَل يجب عَلَيْهِ الْغسْل أَو ينْتَقض وضوؤه قَالَ لَا إِلَّا أَن يُصِيب يَده أَو سَائِر جسده شَيْء فيغسله قلت لم لَا يجب عَلَيْهِ الْوضُوء وَقد مس مَيتا قَالَ لِأَن مس الْمَيِّت لَيْسَ بِحَدَث يُوجب عَلَيْهِ الْوضُوء أَلا ترى لَو أَن رجلا تَوَضَّأ ثمَّ مس كَلْبا أَو خنزيرا أَو جيفة لم ينْقض وضوءه وَهَذَا نجس فالمسلم الْمَيِّت أظهر وأنظف من هَذَا
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ احْتجم قَالَ قد نقض ذَلِك وضوءه قلت فَهَل يجب عَلَيْهِ الْغسْل قَالَ لَا وَلَكِن يجب عَلَيْهِ أَن يغسل مَوضِع المحجمة قلت فَإِن تَوَضَّأ وَلم يغسل مَوضِع المحجمة وَصلى فِيهِ أَيَّامًا قَالَ إِن كَانَ مَوضِع المحجمة قدر الدِّرْهَم أَو أقل من قدر الدِّرْهَم فَإِن صلَاته تَامَّة إِلَّا أَنه قد أَسَاءَ وَإِن كَانَ مَوضِع المحجمة أَكثر من قدر الدِّرْهَم غسله وَأعَاد مَا صلى قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ خرج من ذكره بَوْل هَل يجب عَلَيْهِ الْوضُوء قَالَ نعم قلت فَإِن قلس أقل من ملْء فِيهِ قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْوضُوء قلت من أَيْن اخْتلف القلس وَالْبَوْل قَالَ لَيْسَ الْفَم وَالذكر والدبر سَوَاء أَلا ترى أَنه لَو خرج من دبره ريح أعَاد الْوضُوء وَلَو تجشأ لم يكن عَلَيْهِ الْوضُوء قلت فَإِن خرج من جرحه دم وَلم يسل قَالَ لَا ينْقض ذَلِك(1/63)
وضوءه قلت لم لَا ينْقض وضوءه كَمَا أَنه لَو خرج من ذكره بَوْل نقض وضوءه قَالَ لِأَن مَا خرج من الذّكر حدث وَمَا خرج من الْجرْح لَيْسَ بِحَدَث إِلَّا أَن يسيل
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ خرج من دبره دَابَّة قَالَ هَذَا قد نقض وضوءه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الْوضُوء والصلوات
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ سقط من جرحه لحم أَو دَابَّة خرجت من جرحه هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ قشر من جرحه الْجلد هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ فِيهِ مَاء فَسَالَ قَالَ هَذَا ينْقض الْوضُوء قلت فَمَا فرق بَين الدَّابَّة إِذا خرجت من الدبر وَإِذا خرجت من الْجرْح قَالَ لِأَنَّهَا إِذا خرجت من الدبر فَهُوَ حدث وَإِذا خرجت من الْجرْح فَلَيْسَ بِحَدَث
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ رعف وَهُوَ قَلِيل لَا يسيل قَالَ لَا ينْقض وضوءه قلت من أَيْن اخْتلف الدَّم إِذا خرج من الْأنف(1/64)
وَالدَّابَّة إِذا خرجت من الدبر قَالَ لِأَن الدَّابَّة إِذا خرجت من الدبر فَهُوَ حدث وَإِذا خرج الدَّم من الْأنف وَلم يسل لم يكن ذَلِك بِحَدَث وَلَو كَانَ هَذَا حَدثا لَكَانَ إِذا خرج مِنْهُ المخاط أَو البزاق أعَاد الْوضُوء فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَلَا وضوء عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّد فِي النَّوَادِر إِذا نزل الدَّم فِي قَصَبَة الْأنف انْتقض وضوؤه وَإِذا وَقع الْبَوْل فِي قَصَبَة الذّكر لم ينْتَقض وضوؤه قَالَ مُحَمَّد فِيمَن قاء دَمًا لم ينْقض حَتَّى يمْلَأ الْفَم لِأَن الْجرْح إِذا كَانَ فِي الْجوف فَلَيْسَ بِجرح إِنَّمَا هَذَا قيء وَلَيْسَ بِدَم
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ تقيأ فَخرج مِنْهُ دم لم يخالطه شَيْء قَالَ هَذَا ينْقض وضوءه قلت وَكَذَلِكَ لَو قاء مرّة لم يخالطها شَيْء قَالَ وَكَذَلِكَ لَو قاء مرّة لم يخالطها شَيْء قلت فَإِن قاء بلغما لَا يخالطه شَيْء قَالَ هَذَا بزاق وَلَا ينْقض هَذَا وضوءه فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى الْمرة والبلغم والقيء سَوَاء وَهَذَا ينْقض الْوضُوء(1/65)
قلت أَرَأَيْت رجلا بِهِ جرح سَائل لَا يَنْقَطِع كَيفَ يتَوَضَّأ وَيُصلي قَالَ يتَوَضَّأ لوقت كل صَلَاة وَيُصلي قلت فَإِن صلى الظّهْر هَل يُصَلِّي مَا بَينه وَبَين الْعَصْر من التَّطَوُّع أَو فَرِيضَة قد نَسِيَهَا أَو صَلَاة قد جعلهَا لله على نَفسه قَالَ نعم يُصَلِّي مَا بَينه وَبَين الْعَصْر مَا شَاءَ مَا لم يحدث قلت وتأمره أَن يشد الْجرْح ويربطه قَالَ نعم قلت فَإِن شده وربطه ثمَّ سَالَ الدَّم حَتَّى نفذ الرِّبَاط قَالَ لَا ينْقض ذَلِك وضوءه حَتَّى يَجِيء وَقت صَلَاة أُخْرَى قلت فَإِن كَانَ أصَاب ثَوْبه من ذَلِك الدَّم قَالَ يغسلهُ وَيُصلي فِيهِ قلت فَإِن لم يغسلهُ وَصلى فِيهِ قَالَ إِن كَانَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم غسله وَأعَاد الصَّلَاة وَإِن كَانَ أقل من قدر الدِّرْهَم لم يعد الصَّلَاة وَلَكِن أفضل ذَلِك أَن يغسل ذَلِك الدَّم من ثَوْبه قلت أَرَأَيْت أَن تَوَضَّأ وربطه وشده ثمَّ سَالَ الدَّم وسال من مَكَان آخر قَالَ هَذَا ينْقض وضوءه وَلَا ينْقضه ذَلِك الْجرْح قلت لم جعلت عَلَيْهِ إِذا تَوَضَّأ أَن يُصَلِّي مَا بَينه وَبَين وَقت صَلَاة أُخْرَى بذلك الْوضُوء قَالَ هَذَا عِنْدِي بِمَنْزِلَة الْمُسْتَحَاضَة وَقد جَاءَ فِي الْمُسْتَحَاضَة أثر أَنَّهَا تتوضأ لوقت كل صَلَاة(1/66)
قلت أَرَأَيْت رجلا يتَوَضَّأ ثمَّ صلى على عذرة يابسة أَو دم يَابِس أَو مَشى فِي مَوضِع بِهِ دم هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ لَا قلت فَإِن قَامَ عَلَيْهِ هَل يجب عَلَيْهِ أَن يغسل رجلَيْهِ أَو يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ ثمَّ خَاضَ مَاء الْمَطَر إِلَى الْمَسْجِد أَو داس الطين إِلَى الْمَسْجِد هَل ينْقض ذَلِك وضوءه أَو يجب عَلَيْهِ غسل رجلَيْهِ أَو خفيه قَالَ لَا وَلَكِن يمسح مَا كَانَ على قَدَمَيْهِ أَو خفيه بِالْأَرْضِ وَيصلى وَلَا يجب عَلَيْهِ غسله حَتَّى يستيقن أَن الطين قذر وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْإِمْلَاء أكره أَن يمسح ذَلِك بحائط الْمَسْجِد من دَاخل أَو بأسطوانة من أساطينه(1/67)
قلت أَرَأَيْت رجلا مر بكنيف فَسَالَ عَلَيْهِ من ذَلِك الكنيف أَكثر من قدر الدِّرْهَم وَهُوَ لَا يعلم مَا هُوَ قَالَ إِن غسله فَحسن وَإِن لم يغسلهُ حَتَّى يعلم مَا هُوَ أجزاه ذَلِك قلت فَإِن كَانَ أَكثر ظَنّه أَنه قذر قَالَ يغسلهُ قلت أَرَأَيْت إِن لم يسل وَلَكِن هبت عَلَيْهِ ريح فانتضح عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء يسير كرؤس الإبر أَو أَصْغَر من ذَلِك قَالَ هَذَا لَيْسَ بِشَيْء قلت فَإِن استيقن أَنه بَوْل أَو قذر قَالَ وَإِن استيقن فَلَا يجب عَلَيْهِ غسله أَلا ترى أَن الرجل يدْخل الْمخْرج فَيَقَع الذُّبَاب على الْعذرَة وَالْبَوْل ثمَّ يقعن عَلَيْهِ وعَلى ثِيَابه فَلَيْسَ يجب عَلَيْهِ فِي هَذَا غسل قلت فَإِن انتضح عَلَيْهِ شَيْء كثير وَهُوَ يستيقن أَنه بَوْل قَالَ يغسلهُ
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ شكّ فِي بعض وضوئِهِ وَذَلِكَ أول مَا شكّ قَالَ عَلَيْهِ أَن يغسل ذَلِك الْموضع الَّذِي شكّ فِيهِ قلت(1/68)
فَإِن كَانَ يلقِي ذَلِك كثيرا يعرض لَهُ الشَّيْطَان بذلك فِي صلَاته أَو بعد فَرَاغه مِنْهَا حَتَّى يكثر ذَلِك عَلَيْهِ قَالَ لَا يلْتَفت إِلَى شَيْء من هَذَا ويمضي فِي صلَاته وَلَا يُعِيد شَيْئا من ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَفرغ من وضوئِهِ فَظن أَنه قد أحدث وَلم يستيقن قَالَ هُوَ على وضوئِهِ وَلَا يُعِيد قلت فَإِن كَانَ فِي الصَّلَاة فَظن أَنه قد أحدث قَالَ يمْضِي فِي صلَاته قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فرغ من صلَاته قَالَ نعم لَيْسَ يجب عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا أَو يستيقن بِحَدَث
قلت أَرَأَيْت الرجل تَوَضَّأ ثمَّ وجد أَي البلل سَائِلًا من ذكره قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء قلت فَإِن كَانَ الشَّيْطَان يرِيه ذَلِك كثيرا وَلَا يعلم ذَلِك يَقِينا أَنه بَوْل أَو مَاء قَالَ يمْضِي فِي صلَاته وَلَا ينظر فِي شَيْء من ذَلِك حَتَّى يستيقن أَنه بَوْل قلت أفترى لَهُ أَن ينضح(1/69)
فرجه بِالْمَاءِ إِذا تَوَضَّأ فَإِن سَالَ قَالَ هُوَ من المَاء الَّذِي انتضح بِهِ قَالَ نعم أرى لَهُ أَن يفعل ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا أحدث ثمَّ شكّ فَلَا يدْرِي أتوضأ أم لَا قَالَ هُوَ على حَدثهُ غير متوضئ حَتَّى يستيقن بِالْوضُوءِ وَإِذا تَوَضَّأ فَلَا يكون مُحدثا حَتَّى يستيقن بِالْحَدَثِ وَإِذا أحدث لم يكن متوضئا حَتَّى يستيقن بِالْوضُوءِ قلت أَرَأَيْت دم البراغيث والبق والحلم يكون فِي الثَّوْب قَالَ أما دم البق والبراغيث فَلَيْسَ بِهِ بَأْس وَأما دم الْحلم فَإِن كَانَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم وَقد صلى فِيهِ فَإِنَّهُ يُعِيد الصَّلَاة وَإِن كَانَ أقل من قدر الدِّرْهَم لم يعد وَلَكِن أفضل ذَلِك أَن يغسلهُ قلت من أَيْن اخْتلف دم البق والحلم قَالَ لَيْسَ للبق دم سَائل والحلم لَهُ دم سَائل قلت وَكَذَلِكَ كل شَيْء لَيْسَ لَهُ دم سَائل يَقع فِي الْإِنَاء فَلَا بَأْس بِالْوضُوءِ مِنْهُ قَالَ نعم إِذا كَانَ مثل الخنفساء أَو الْعَقْرَب(1/70)
وَالْجَرَاد أَو النَّمْل والزنبور والذباب والقراد فَإِنَّهُ إِذا وَقع شَيْء من هَذَا فِي المَاء لم يفْسد وَكَذَلِكَ دَمهَا إِذا أصَاب الثَّوْب لم يجب عَلَيْهِ غسله
قلت أَرَأَيْت دم السّمك مَا قَوْلك فِيهِ قَالَ لَيْسَ دم السّمك بِشَيْء وَلَا يفْسد شَيْئا
قلت أَرَأَيْت قَوْلك فِي الدَّم إِذا كَانَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم أعَاد الصَّلَاة لم قلته قَالَ لِأَنَّهُ بَلغنِي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ قدر الدِّرْهَم وَالدِّرْهَم قد يكون أكبر من الدِّرْهَم فوضعناه على أكبر مَا يكون مِنْهَا اسْتحْسنَ ذَلِك
قلت فَإِن كَانَ قدر مِثْقَال قَالَ لَا يُعِيد حَتَّى يكون أَكثر من قدر الدِّرْهَم
قلت أَرَأَيْت رجلا وضع المَاء ليتوضأ بِهِ فَأخْبرهُ بعض أَهله أَنه(1/71)
قذر قَالَ لَا يتَوَضَّأ بِهِ قلت أَرَأَيْت رجلا وضع المَاء ليتوضأ بِهِ فَأدْخل صبي يَده أَو رجله فِي ذَلِك المَاء وَلَيْسَ على يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ قذر قَالَ أحب ذَلِك إِلَى أَن يتَوَضَّأ بِغَيْرِهِ قلت فَإِن لم يفعل وَتَوَضَّأ قَالَ يجْزِيه قلت أَرَأَيْت الْحبّ يكون لَهُ الْكوز يوضع فِي نواحي الدَّار أَتَرَى للرجل أَن يتَوَضَّأ مِنْهُ وَيشْرب مِنْهُ قَالَ نعم إِذا لم يعلم فِيهِ قذرا وَهَكَذَا أَمر النَّاس(1/72)
قلت أرايت الشَّاة إِذا بَالَتْ فِي بِئْر المَاء قَالَ ينْزح مَاء الْبِئْر كُله إِلَى أَن يَغْلِبهُمْ المَاء قلت وَكَذَلِكَ بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه وَمَا لَا يُؤْكَل لَحْمه إِذا بَال شَيْء مِنْهَا فِي بِئْر المَاء أمرت أَن ينزف مَاء الْبِئْر كُله حَتَّى يَغْلِبهُمْ المَاء قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ أرواثها قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا بَأْس ببول مَا يُؤْكَل لَحْمه وَإِن بَال شَيْء من ذَلِك فِي بِئْر مَاء لم يفْسد المَاء وَلم يجب عَلَيْهِم أَن ينزفوها حَتَّى يتَغَيَّر المَاء وَكَذَلِكَ إِذا أصَاب الثَّوْب مِنْهُ شَيْء كثير فَاحش لم يجب عَلَيْهِم غسله أَلا ترى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَمر بِأَن يشرب أَبْوَال الْإِبِل وَأَلْبَانهَا وَلَو كَانَ نجسا لم يَأْمر بشربه
قلت أَرَأَيْت البعر من بعر الْغنم وَالْإِبِل يَقع فِي بِئْر المَاء قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك مَا لم يكن كثيرا فَاحِشا فَإِن كَانَ كثيرا فَاحِشا كَانَ(1/73)
عَلَيْهِم أَن ينزفوا مَاء الْبِئْر كُله وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْإِمْلَاء إِذا كَانَ البعر رطبا فقليله وَكَثِيره يفْسد المَاء قلت لم أَلَيْسَ قد قلت فِي بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه إِذا أصَاب الثَّوْب مِنْهُ وَهُوَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم إِنَّه لَا يفْسد وَإِن الصَّلَاة فِيهِ تَامَّة قَالَ بلَى قد قلت ذَلِك وَلَكِن لَا يشبه الْبَوْل فِي المَاء الْبَوْل يُصِيب الثَّوْب لِأَنَّهَا إِذا بَالَتْ فِي الْبِئْر فقد صَار المَاء كُله مثل ذَلِك الْبَوْل وَإِذا أصَاب الثَّوْب فَإِنَّمَا يُصِيب مِنْهُ موضعا وَاحِد أَلا ترى أَن الْبَوْل لَو أصَاب الثَّوْب وَهُوَ كثير فَاحش لم تجز الصَّلَاة فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّد لَو بَالَتْ شاه فِي بِئْر لم تنجسها وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الروث يُصِيب النَّعْل والخف وَالثَّوْب فصلى فِيهِ وَهُوَ رطب وَهُوَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم أَنه يجْزِيه مَا لم يكن كثيرا فَاحِشا وَإِن كَانَ كثيرا أعَاد وَهُوَ قَول مُحَمَّد
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا حضرت الصَّلَاة وَمَعَهُ نَبِيذ التَّمْر لَيْسَ مَعَه غَيره أيتوضأ بِهِ قَالَ نعم يتَوَضَّأ بِهِ وَيتَيَمَّم مَعَ ذَلِك أحب إِلَى فَإِن(1/74)
لم يتَيَمَّم وَتَوَضَّأ بالنبيذ وَحده قَالَ يجْزِيه فِي قَول أبي حنيفَة قلت لم يجْزِيه قَالَ لِأَنَّهُ بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ بالنبيذ وَقَالَ أَبُو يُوسُف يتَيَمَّم وَلَا يتَوَضَّأ بالنبيذ وَقَالَ مُحَمَّد يتَوَضَّأ وَيتَيَمَّم مَعَ ذَلِك قلت فَهَل يَجْزِي الْوضُوء بِشَيْء من الْأَشْرِبَة سوى نَبِيذ التَّمْر قَالَ إِذا لم يكن عِنْده مَاء لم يجزه الْوضُوء بِشَيْء من الْأَشْرِبَة سوى النَّبِيذ نَبِيذ التَّمْر قلت فَإِن تَوَضَّأ بِشَيْء من الْأَشْرِبَة سوى النَّبِيذ وَصلى بِهِ يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء والصلوات كلهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْجَامِع الصَّغِير يتَوَضَّأ بالنبيذ وَلَا يتَيَمَّم وروى نوح الْجَامِع عَنهُ أَنه رَجَعَ عَن هَذَا وَقَالَ يتَيَمَّم وَلَا يتَوَضَّأ بِهِ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ بِهِ بِمَكَّة وَنزلت آيَة التَّيَمُّم بِالْمَدِينَةِ(1/75)
قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ بالنبيذ وَهُوَ يجد المَاء قَالَ لَا يجْزِيه ذَلِك قلت فَإِن لم يعد الْوضُوء وَصلى بوضوئه ذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة فَمَكثَ على وضوئِهِ ذَلِك يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يحدث وَلم ينم أيصلي بذلك الْوضُوء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ثمَّ غشى عَلَيْهِ أَو أَصَابَهُ لمَم أَو أُغمي عَلَيْهِ أَو ذهب عقله من شَيْء ثمَّ زَالَ عَنهُ ذَلِك هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن الَّذِي أَصَابَهُ من ذهَاب عقله أَشد عَلَيْهِ من النّوم وَالنَّوْم ينْقض الْوضُوء إِذا نَام مضجعا قلت فَالَّذِي ذهب عقله أَو أَصَابَهُ مَا ذكرت لَك أسواء هُوَ إِن كَانَ قَائِما أَو قَاعِدا أَو مُضْطَجعا قَالَ نعم وَعَلِيهِ الْوضُوء فِي هَذَا كُله قلت فَلم استحسنت فِي النّوم إِذا كَانَ قَاعِدا أَو سَاجِدا أَو قَائِما أَو رَاكِعا قَالَ جَاءَ فِي ذَلِك أثر(1/76)
فَأخذت بِهِ وَأخذت فِي ذهَاب الْعقل بِالْقِيَاسِ لِأَن ذهَاب الْعقل أَشد من الْحَدث قلت فَإِن لم يعد الْوضُوء وَصلى هَكَذَا قَالَ يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة قلت لم وَلَو نَام قَائِما أَو قَاعِدا لم يجب عَلَيْهِ الْوضُوء قَالَ لِأَن ذهَاب الْعقل لَا يشبه النّوم فِي هَذَا قلت أَرَأَيْت رجلا صلى رَكْعَة بِقوم أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أغمى عَلَيْهِ أَو ذهب عقله أَو أَصَابَهُ لمَم قَالَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت وَإِن لم يذهب عقله وَلكنه وَقع فَمَاتَ قَالَ عَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة بِإِمَام غَيره
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا تمضمض واستنشق أَيَدْخُلُ يَده فِي أَنفه أَو فِي فِيهِ قَالَ إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك
قلت أَرَأَيْت الْغسْل أتراه وَاجِبا يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم عَرَفَة وَفِي الْعِيدَيْنِ وَعند الْإِحْرَام قَالَ لَيْسَ بِوَاجِب فِي شَيْء من هَذَا إِن اغْتسل(1/77)
فَحسن وَإِن ترك ذَلِك لم يضرّهُ قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ من سُؤْر حَائِض أَو جنب أَو مُشْرك أَو صبي قَالَ لَا بَأْس بذلك كُله فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
- بَاب الْبِئْر وَمَا ينجسها
-
أَبُو سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ قلت أَرَأَيْت فَأْرَة وَقعت فِي(1/78)
بِئْر المَاء فَمَاتَتْ فِيهَا وَلم تتفسخ قَالَ ينزف مِنْهَا عشرُون دلوا أَو ثَلَاثُونَ قلت فَإِن نزف مِنْهَا ثَلَاثُونَ دلوا أَو عشرُون دلوا والفأرة فِي الْبِئْر بعد قَالَ عَلَيْهِم أَن ينزفوا مِنْهَا عشْرين دلوا أَو ثَلَاثِينَ دلوا بعد خُرُوج الْفَأْرَة قلت فَإِن نزفوا مِنْهَا عشْرين دلوا ثمَّ اسْتخْرجُوا الْفَأْرَة ثمَّ نزفوا بعد ذَلِك عشر دلاء قَالَ لَا تطهر وَعَلَيْهِم أَن ينزفوا تَمام عشْرين دلوا أَو ثَلَاثِينَ من خُرُوج الْفَأْرَة قلت فَإِن كَانَ يقطر من الدلاء شَيْء فِي الْبِئْر قَالَ لَا ينجسها لِأَن هَذَا لَا يمْتَنع مِنْهُ قلت أَرَأَيْت إِن صب الدَّلْو الآخر فِي الْبِئْر بعد مَا نَحوه عَن رَأسهَا أَو قبل ذَلِك أَو بعد مَا أفرغوه فِي إِنَاء آخر قَالَ هَذَا كُله سَوَاء وَعَلَيْهِم أَن ينزفوا دلوا مثله قلت أَرَأَيْت إِن انصب ذَلِك الدَّلْو فِي بِئْر طَاهِرَة قَالَ عَلَيْهِم أَن ينزفوا مِنْهَا دلوا مثله وَذَلِكَ لِأَن المَاء قد صَار كُله مثل ذَلِك الدَّلْو وَإِنَّمَا يطهر هَذِه الْبِئْر مَا يطهر الَّتِي قبلهَا(1/79)
أَلا ترى أَن الْبِئْر الَّتِي قبلهَا إِنَّمَا يطهرها دلو وَاحِد لَو انصب فِيهَا ذَلِك الدَّلْو الآخر فَكَذَلِك هَذِه الْبِئْر قلت أَرَأَيْت إِن انصب فِي هَذِه الْبِئْر الطاهرة الدَّلْو الأول قَالَ ينزف مِنْهَا عشرُون دلوا قلت فَإِن انصب فِيهَا الدَّلْو الثَّانِي قَالَ عَلَيْهِم أَن ينزفوا مِنْهَا تِسْعَة عشر دلوا وَكَذَلِكَ لَو صب فِيهَا الدَّلْو الْعَاشِر كَانَ عَلَيْهِم أَن ينزفوا مِنْهَا عشر دلاء وَإِنَّمَا يطهرها مَا يطهر الأولى أَلا ترى أَنه كلما استسقى من الْبِئْر الأولى كَانَ أطهر لَهَا قلت أَرَأَيْت إِن استخرجت الْفَأْرَة فألقيت فِي هَذِه الْبِئْر الطاهرة وصب فِيهَا عشرُون دلوا قَالَ عَلَيْهِم أَن يخرجُوا الْفَأْرَة وَعشْرين دلوا قلت لم قَالَ لِأَن الدلاء الَّتِي صبَّتْ فِيهَا بِمَنْزِلَة مَاء الْبِئْر وَهُوَ كُله نجس وَإِنَّمَا يطهرها عشرُون دلوا(1/80)
وَمن قَالَ غير هَذَا فَلَا بُد لَهُ من أَن يخرج الْعشْرين الدَّلْو الَّتِي صبَّتْ فِيهَا مَعَ الْفَأْرَة وَعشْرين دلوا أُخْرَى قلت أَرَأَيْت إِن جاؤا بِدَلْو عَظِيم يسع عشْرين دلوا بدلوهم فاستقوا بِهِ دلوا وَاحِدًا قَالَ يجزيهم وَقد طهرت الْبِئْر قلت أَرَأَيْت إِن عَاد ذَلِك المَاء فأهرق فِي الْبِئْر قَالَ عَلَيْهِم أَن يخرجُوا مِنْهَا مثله قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ رجل من تِلْكَ الْبِئْر بعد إِخْرَاج ذَلِك الدَّلْو قَالَ يجْزِيه وضوؤه قلت فَإِن انصب فِيهَا ذَلِك الدَّلْو بعد ذَلِك قَالَ لَا يفْسد وضوء ذَلِك الرجل إِلَّا أَن يكون الدَّلْو فِي الْبِئْر بعد لم يَتَنَحَّ عَنْهَا فَمَا دَامَ الدَّلْو فِيهَا فَلَيْسَ يجزى من تَوَضَّأ مِنْهَا لِأَنَّهُ يقطر فِيهَا بعد فَإِذا تنحى عَنْهَا فقد طهرت وَقَالَ مُحَمَّد يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت ثوبا نجسا غسل فِي إجانة بِمَاء نظيف ثمَّ عصر(1/81)
وَلم يهرق ذَلِك المَاء ثمَّ غسل فِي إجانة أُخْرَى بِمَاء نظيف ثمَّ عصر وَلم يهرق ذَلِك المَاء ثمَّ غسل فِي إجانة أُخْرَى بِمَاء نظيف ثمَّ عصر مَا حكم الثَّوْب قَالَ قد طهر قلت فَهَل يجزى من تَوَضَّأ بِالْمَاءِ الأول أَو الثَّانِي أَو الثَّالِث قَالَ لَا قلت فَإِن تَوَضَّأ رجل من ذَلِك وَصلى قَالَ يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن غسل ذَلِك الثَّوْب فِي إجانة أُخْرَى بِمَاء طَاهِر هَل يجزى من تَوَضَّأ بذلك المَاء الرَّابِع قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لما غسل فِي الإجانة الثَّالِثَة فقد صَار طَاهِرا ثمَّ غسل فِي الإجانة الرَّابِعَة وَهُوَ طَاهِر فَلَا بَأْس بِأَن يتَوَضَّأ بذلك المَاء الرَّابِع لِأَنَّهُ طَاهِر
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ فِي إِنَاء نظيف وضوءه للصَّلَاة ثمَّ تَوَضَّأ وَهُوَ متوضئ فِي إِنَاء نظيف ثمَّ تَوَضَّأ فِي إِنَاء آخر نظيف وَهُوَ متوضئ هَل يجزى من تَوَضَّأ بِالْمَاءِ الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث قَالَ لَا قلت فَإِن تَوَضَّأ فِي إِنَاء نظيف أَيْضا وَهُوَ متوضئ هَل يجزى من تَوَضَّأ بِالْمَاءِ الرَّابِع قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ لَو تَوَضَّأ بخامس أَو سادس(1/82)
قَالَ نعم لَا يجزى من تَوَضَّأ بذلك المَاء
قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو استنجى بِمَاء عشر مَرَّات أَكَانَ يجزى من تَوَضَّأ بالعاشر قلت لَا قَالَ فَكَذَلِك هَذَا
قلت أرايت جنبا اغْتسل فِي بِئْر ثمَّ وَقع فِي أُخْرَى ثمَّ وَقع فِي أُخْرَى ثمَّ وَقع فِي أُخْرَى قَالَ قد أفسد الْآبَار كلهَا وَعَلَيْهِم أَن ينزفوا مَاء الْآبَار كلهَا حَتَّى يَغْلِبهُمْ المَاء
قلت وَهل يجْزِيه غسله قَالَ لَا وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يطهر إِذا اغْتسل فِي الْبِئْر الثَّالِثَة وَيفْسد المَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا طَاهِرا وَقع فِي بِئْر فاغتسل فِيهَا قَالَ قد أفسد مَاء الْبِئْر كُله قلت وَكَذَلِكَ لَو تَوَضَّأ فِيهَا قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو استنجى فِيهَا قَالَ نعم قلت فَمَا حَال الْبِئْر قَالَ عَلَيْهِم أَن ينزفوا مَاء الْبِئْر كُله إِلَّا أَن يَغْلِبهُمْ المَاء قلت أَرَأَيْت الرجل هَل يجْزِيه وضوؤه ذَلِك قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا جنبا دخل بِئْرا يطْلب دلوا لَهُ فِيهَا فانغمس فِيهَا وَهُوَ غير طَاهِر غير أَنه لَيْسَ فِي رجلَيْهِ وَلَا فِي جسده وَلَا فِي يَده قذر فَلم يدلك فِيهَا هَل يفْسد المَاء قَالَ لَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَلَو أَن جنبا دخل بِئْرا ليخرج دلوا مِنْهَا فانغمس فِي المَاء أَنه لَا يفْسد المَاء وَلَا يجْزِيه من الْغسْل وَقَالَ مُحَمَّد لَا يفْسد المَاء ويجزيه(1/83)
من الْغسْل وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء يفْسد الْجنب الْبِئْر إِن اغْتسل فِيهِ أَو لم يغْتَسل أَو انغمس لإِخْرَاج الدَّلْو
قلت أَرَأَيْت فَأْرَة وَقعت فِي بِئْر فَمَاتَتْ فِيهَا ثمَّ وَقعت فَأْرَة أُخْرَى فِي بِئْر أُخْرَى فَمَاتَتْ فاستقى من إِحْدَى البئرين عشْرين دلوا بعد خُرُوج الْفَأْرَة فصب ذَلِك المَاء فِي الْبِئْر الْأُخْرَى قَالَ عَلَيْهِم أَن ينزفوا مِنْهَا عشْرين دلوا بعد خُرُوج الْفَأْرَة لِأَن الَّذِي صبوا فِيهَا مثل مَا كَانَ فِيهَا قلت فَإِن وَقع فِي بِئْر أُخْرَى ثَالِثَة فَأْرَة فَمَاتَتْ فنزف مِنْهَا عشرُون دلوا فصب فِي هَذِه أَيْضا مَعَ الْعشْرين الأولى وَمَعَ الْفَأْرَة الَّتِي وَقعت فِيهَا قَالَ ينزف مِنْهَا أَرْبَعُونَ دلوا وَإِنَّمَا أنظر إِلَى مَا وَجب عَلَيْهَا وَإِلَى مَا صبوا فِيهَا فأنزف الْأَكْثَر من ذَلِك قلت فَإِن صبوا فِيهَا دلوا وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ قَالَ لَا ينزف مِنْهَا إِلَّا عشرُون دلوا قلت(1/84)
وَكَذَلِكَ لَو صبوا فِيهَا عشْرين دلوا قَالَ نعم لَا ينزف مِنْهَا إِلَّا عشرُون دلوا قلت فَإِن زادوا من الْبِئْر الثَّالِثَة دلوا أَو اثْنَيْنِ نزفت تِلْكَ الزِّيَادَة مَعَ الْعشْرين دلوا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْفَأْرَة مَاتَت فِي سمن جامد وتفسخت فِيهِ قَالَ تُؤْخَذ الْفَأْرَة وَمَا حولهَا فَيرمى بِهِ وَلَا بَأْس بِأَكْل مَا بَقِي وَالِانْتِفَاع بِهِ قلت فَإِن كَانَ السّمن ذائبا قَالَ أكره لَهُم أكله لِأَنَّهُ نجس قلت فَإِن استصبحوا بِهِ أَو دبغوا بِهِ جلدا قَالَ لَا بَأْس بذلك قلت فَإِن باعوه وَلم يبينوا مَا هُوَ ثمَّ علم المُشْتَرِي قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رده وَإِن شَاءَ أمْسكهُ قلت فَإِن باعوه وبينوا ذَلِك قَالَ لَا بَأْس بِهِ قلت فَإِن اشْتَرَاهُ رجل ثمَّ دبغ بِهِ جلدا قَالَ لَا بَأْس بالدباغة بِهِ ثمَّ يغسل الْجلد بعد ذَلِك بِالْمَاءِ(1/85)
قلت أَرَأَيْت فَأْرَة وَقعت فِي حب فِيهِ خل فَمَاتَتْ فِيهِ فَأدْخل رجل يَده فِيهِ ثمَّ أخرج يَده فغمسها فِي خابية أُخْرَى قَالَ أكره لَهُم جَمِيعًا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فِي الْحبّ الأول مَاء قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو غمس يَده فِي الْخلّ أَو المَاء ثمَّ أخرج يَده فغمسها فِي عشر خوابي أَو أَكثر من ذَلِك وَاحِدَة بعد وَاحِدَة أفسدهن كُلهنَّ قَالَ نعم قلت فَإِن صب مِنْهَا خابية فِي بِئْر فِيهَا مَاء قَالَ عَلَيْهِم أَن(1/86)
ينزفوا الْأَكْثَر من عشْرين دلوا وَمن مِقْدَار الخابية قلت وَكَذَلِكَ لَو أَدخل يَده فِي حب فِيهِ مَاء وَفِيه فَأْرَة ثمَّ أخرج يَده فَأدْخلهَا فِي عشر قَالَ نعم قد أفسد المَاء كُله وَلَا يجزى من تَوَضَّأ بِشَيْء مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ غمس يَده أول مرّة فِي مَاء نجس فَمَا أَدخل يَده فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ قلت فَإِن اخْرُج يَده فغسلها ثمَّ أدخلها فِي حب آخر قَالَ لَا يفْسد المَاء
- بَاب ثِيَاب أهل الذِّمَّة وَالصَّلَاة فِيهَا
-
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِلبْس ثِيَاب أهل الذِّمَّة كلهَا وَالصَّلَاة فِيهَا مَا لم يعلم أَنه أَصَابَهُ قذر إِلَّا الْإِزَار والسراويل فَإِنَّهُ كره للصَّلَاة فِي ذَلِك حَتَّى يغسل وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف قَالَ إِن صلى فِي الْإِزَار والسراويل أجزاه ذَلِك إِذا لم يعلم أَنه أَصَابَهُ قذر أَو شَيْء يُنجسهُ أَلا ترى أَن عَامَّة من ينسج هَذِه الثِّيَاب ويغزلها أهل الذِّمَّة(1/87)
وَأخْبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن شيخ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه سُئِلَ عَمَّا ينسج الْمَجُوس من الثِّيَاب أيصلي فِيهِ قبل أَن يغسل قَالَ نعم لَا بَأْس بذلك
- بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ
-
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَلبس خفيه وَصلى الْغَدَاة ثمَّ أحدث فَمَكثَ مُحدثا حَتَّى زَالَت الشَّمْس فَتَوَضَّأ وَمسح على خفيه حَتَّى مَتى(1/88)
يجْزِيه ذَلِك الْمسْح قَالَ إِلَى السَّاعَة الَّتِي أحدث فِيهَا من الْغَد قلت وَلَا يجْزِيه ذَلِك إِلَى السَّاعَة الَّتِي مسح عَلَيْهَا قَالَ لَا قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو مكث يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَقد أغمى عَلَيْهِ أَو مرض وَلم يصل ثمَّ أَفَاق أَكَانَ لَهُ أَن يمسح على الْخُفَّيْنِ وَقد مضى بعد مَا أحدث يَوْم أَو يَوْمَانِ قلت لَا قَالَ كَذَلِك الأول لَيْسَ لَهُ أَن يُجَاوز السَّاعَة الَّتِي أحدث فِيهَا من الْغَد وَكَذَلِكَ الْمُسَافِر لَهُ من السَّاعَة الَّتِي أحدث فِيهَا حَتَّى يستكمل ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها إِلَى مثل تِلْكَ السَّاعَة من الْيَوْم الرَّابِع
قلت أَرَأَيْت رجلا غسل رجلَيْهِ وَلبس خفيه على غير وضوء ثمَّ أحدث أيتوضأ وَيمْسَح على خفيه قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَن يمسح على الْخُفَّيْنِ حَتَّى يَلْبسهُمَا على وضوء تَامّ فَإِن لبسهما على وضوء تَامّ ثمَّ أحدث بعد ذَلِك تَوَضَّأ وَمسح عَلَيْهِمَا قلت أَرَأَيْت الْمسْح على الْخُفَّيْنِ كم هُوَ قَالَ مرّة وَاحِدَة
قلت أفيمسح من قبل السَّاق أَو يَبْتَدِئ من قبل الْأَصَابِع قَالَ بل يبْدَأ من قبل الْأَصَابِع حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى أصل السَّاق قلت فَإِن بَدَأَ من أصل السَّاق إِلَى رَأس الْأَصَابِع قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه مرّة وَاحِدَة بإصبع أَو بإصبعين قَالَ لَا يجْزِيه قلت أَرَأَيْت إِن مسح بِثَلَاثَة أَصَابِع(1/89)
أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ يجْزِيه قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ إِذا مسح بِالْأَكْثَرِ من أَصَابِعه أجزاه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه وَفِي خفيه خرق يخرج مِنْهُ إِصْبَع أَو إصبعان هَل يجْزِيه أَن يمسح على الْخُفَّيْنِ قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ يخرج مِنْهُ ثَلَاث أَصَابِع قَالَ لَا يجْزِيه قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ إِذا خرج من الْخُف أَكثر من نصف أَصَابِعه وَجب عَلَيْهِ غسل رجلَيْهِ قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَعَلِيهِ خفاه وهما منخرقان والخرق أَكثر من نصف قدمه من قبل عقبه هَل يجْزِيه أَن يمسح عَلَيْهِمَا قَالَ لَا قلت لم لَا يجْزِيه الْمسْح عَلَيْهِمَا وأصابعه مغطاة قَالَ لَا يجْزِيه إِلَّا الْغسْل قلت فَإِن خرج من عقبه أَو أَسْفَل من قدمه أَو ظاهرهما شَيْء قَلِيل قَالَ يجْزِيه الْمسْح عَلَيْهِمَا
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه ببلل أَخذه من لحيته قَالَ لَا يجْزِيه قلت فَإِن مسحهما ببلل فِي يَده قَالَ هَذَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا أَخذ لَهُ مَاء فمسحه فَإِنَّمَا يصل إِلَيْهِ البلل الَّذِي فِي كَفه فَلَا أُبَالِي أَكَانَ ذَلِك المَاء فِي كَفه أَو من شَيْء أَخذه فَأَما إِذا مسح خفيه ببلل أَخذه من رَأسه أَو من لحيته فَهُوَ مَاء قد تَوَضَّأ بِهِ مرّة(1/90)
فَلَا يجْزِيه أَن يتَوَضَّأ بِهِ ثَانِيَة قلت فَإِن كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ من المَاء هُوَ شَيْء فضل فِي يَدَيْهِ بعد مَا مسح رَأسه قَالَ لَا يجْزِيه أَن يمسح بِهِ قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على أَسْفَل خفيه وَلم يمسح على ظاهرهما قَالَ لَا يجْزِيه قلت فَإِن مسح على سَاق الْخُف قَالَ لَا يجْزِيه قلت فَإِن مسح على مقدم الْخُف قَالَ يجْزِيه قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على عمَامَته أَو على قلنسوته قَالَ لَا يجْزِيه قلت فَإِن كَانَت امْرَأَة فمسحت على خمارها قَالَ لَا يجزيها
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على جوربيه ونعليه أَو على جوربيه بِغَيْر نَعْلَيْنِ قَالَ لَا يجْزِيه الْمسْح على شَيْء من ذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله إِذا مسح على الجوربين أجزاه الْمسْح كَمَا يَجْزِي الْمسْح على الْخُف إِذا كَانَ الجوربان ثخينين لَا يشفان(1/91)
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على الجرموقين وأسفلهما أَدَم قَالَ نعم يجْزِيه قلت فَمَا شَأْن الجورب لَا يمسح عَلَيْهِ والجرموقان يمسح عَلَيْهِمَا قَالَ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أسفلهما أَدَم فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْخُف قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على نَعْلَيْه وعَلى قَدَمَيْهِ قَالَ لَا يجْزِيه قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا تَوَضَّأ أيجب عَلَيْهِ أَن يمسح بَاطِن الْخُف قَالَ لَا قلت فَإِن مسح وَصلى فِيهِ وَلم يمسح ظَاهر الْخُفَّيْنِ بِمَاء قَالَ لَا يجْزِيه ذَلِك وَعَلِيهِ أَن يمسح ظاهرهما وَيُعِيد الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن مسح من الْخُف شَيْئا قَلِيلا لَا يكون ثلثا وَلَا ربعا وَلَا خمْسا قَالَ لَا يجْزِيه إِلَّا أَن يمسح مِقْدَار ثَلَاثَة أَصَابِع من أَصَابِع الْيَد قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا مسح على الْخُفَّيْنِ ثمَّ صلى صَلَاة أَو صَلَاتَيْنِ ثمَّ أحدث أيمسح على الْخُفَّيْنِ أَيْضا قَالَ نعم يمسح على الْخُفَّيْنِ مَا دَامَ فِي وقته
قلت أَرَأَيْت إِذا اسْتكْمل الْمُقِيم يَوْمًا وَلَيْلَة وَهُوَ على وضوئِهِ(1/92)
لم يحدث أيصلي بذلك الْمسْح قَالَ لَا وَلكنه يخلع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ قلت فَإِن كَانَ مُسَافِرًا اسْتكْمل ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَلم يحدث وَلم ينم قَالَ ينْزع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ وَلَا يجب على وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُعِيد الْوضُوء كُله قلت لم قَالَ لِأَن الْوضُوء إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ فِي الْقَدَمَيْنِ فَأَما مَا سوى ذَلِك فَهُوَ طَاهِر قلت فَإِن صلى بعد مَا اسْتكْمل لوقت مَسحه ذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن ينْزع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ وَيُعِيد مَا صلى بعد خُرُوج الْوَقْت
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه فصلى صَلَاة أَو صَلَاتَيْنِ ثمَّ أحدث فَمسح على الْخُفَّيْنِ أَيكُون لَهُ كَمَال يَوْم وَلَيْلَة من الْحَدث الآخر أَو من الْحَدث الأول قَالَ بل من الْحَدث الأول قلت فَإِن صلى بمسحه ذَلِك الآخر كَمَال يَوْم وَلَيْلَة قَالَ عَلَيْهِ أَن ينْزع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ وَيُعِيد مَا صلى بعد خُرُوج الْوَقْت من الْحَدث الأول
قلت أفيمسح الرجل على الْخُفَّيْنِ مَا دَامَ فِي الْوَقْت من كل حدث غائطا كَانَ أَو بولا أَو رعافا أَو نوما أَو قيئا أَو أغمى عَلَيْهِ أَو ذهب عقله قَالَ نعم يمسح على خفيه مَا لم يخرج الْوَقْت إِلَّا أَن يجب عَلَيْهِ الْغسْل فَإِذا وَجب عَلَيْهِ الْغسْل فَلَا بُد من أَن يخلع خفيه قلت وَكَذَلِكَ لَو احْتَلَمَ أَو لامس من شَهْوَة فَأنْزل أَو جَامع فِيمَا دون الْفرج أَو نظر إِلَى(1/93)
فرج امْرَأَة فأمنى قَالَ نعم هَذَا كُله بَاب وَاحِد إِذا وَجب عَلَيْهِ الْغسْل فِي وَجه من الْوُجُوه فَلَا بُد من أَن يخلع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الرجل وَالْمَرْأَة هما سَوَاء فِي الْغسْل وَالْوُضُوء وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ قَالَ نعم هما سَوَاء فِي كل شَيْء من الْوضُوء وَالْغسْل وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ وَمسح الرَّأْس
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر يكون فِي أَرض الْجَبَل وَعَلِيهِ خفان وجرموقان فَوق الْخُفَّيْنِ أيتوضأ وَيمْسَح على الجرموقين وَقد كَانَ لبس خفيه على وضوء ثمَّ نزع أحد الجرموقين قَالَ عَلَيْهِ أَن يخلع الجرموق الثَّانِي وَيمْسَح على خفيه إِذا انْتقض بعض الْمسْح انْتقض كُله قلت لم قَالَ أَلا ترى أَنه إِذا وَجب عَلَيْهِ غسل إِحْدَى قَدَمَيْهِ وَجب(1/94)
عَلَيْهِ غسل الْأُخْرَى قلت أَرَأَيْت إِن لم ينْزع خفيه وَلكنه مسح عَلَيْهِمَا ثمَّ لبس فَوْقهمَا الجرموقين أيجب عَلَيْهِ أَن يمسح على الجرموقين دون أَن يحدث قَالَ لَا قلت لم لَا يكون هَذَا كالباب الأول حِين مسح على الجرموقين ثمَّ نزعهما وَجب عَلَيْهِ أَن يمسح على الْخُفَّيْنِ فَإِذا مسح على الْخُفَّيْنِ ثمَّ لبس فَوْقهمَا الجرموقين زعمت أَنه لَا يجب عَلَيْهِ أَن يمسح على الجرموقين حَتَّى يحدث قَالَ هما مُخْتَلِفَانِ أَلا ترى أَنه إِذا مسح على الْخُفَّيْنِ ثمَّ لبس فَوْقهمَا الجرموقين فَالَّذِي مسح عَلَيْهِمَا هُوَ بعد لابسهما فَإِذا مسح على الجرموقين ثمَّ نزعهما فقد بَقِي عَلَيْهِ خفان لم يمسحهما وَلَا بُد من أَن يمسح عَلَيْهِمَا
قلت أَرَأَيْت رجلا قَالَ لرجل عَلمنِي الْوضُوء وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ فَتَوَضَّأ وَمسح على خفيه وَلَا يَنْوِي بذلك وضوء الصَّلَاة هَل يجْزِيه من وضوئِهِ وَقد كَانَ لبس خفيه وَهُوَ على وضوئِهِ ثمَّ أحدث بعد ذَلِك قَالَ نعم يجْزِيه من وضوئِهِ وَإِن لم يكن ينويه
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ فنسى أَن يمسح على خفيه وَقد تَوَضَّأ(1/95)
وضُوءًا تَاما إِلَّا الْمسْح ثمَّ خَاضَ المَاء وَعَلِيهِ خفاه فَأصَاب المَاء ظَاهر الْخُفَّيْنِ وباطنهما قَالَ يجْزِيه ذَلِك من الْمسْح
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه وَهُوَ مُقيم فصلى بذلك الْوضُوء يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ سَافر بعد ذَلِك أَو سَافر قبل أَن يستكمل يَوْمًا وَلَيْلَة قَالَ إِذا سَافر بعد مَا اسْتكْمل يَوْمًا وَلَيْلَة فقد انْتقض الْمسْح وَلَا يجْزِيه دون أَن يغسل قَدَمَيْهِ إِن كَانَ على وضوء بعد وَإِن كَانَ أحدث اسْتقْبل الْوضُوء وَأما إِذا سَافر قبل أَن يستكمل يَوْمًا وَلَيْلَة فَلهُ أَن يُصَلِّي بذلك الْمسْح حَتَّى يستكمل ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها من السَّاعَة الَّتِي أحدث فِيهَا وَهُوَ مُقيم قلت فَإِن أحدث فِي الثَّلَاث قَالَ عَلَيْهِ أَن يتَوَضَّأ وَيمْسَح على خفيه قلت وَيجب عَلَيْهِ أَن يحْتَسب بِهِ فِي الثَّلَاثَة الْأَيَّام مَا صلى بِالْمَسْحِ وَهُوَ مُقيم قَالَ نعم قلت لم جعلت لَهُ هَهُنَا مَا للْمُسَافِر وَقد أحدث وَهُوَ مُقيم قَالَ لِأَنَّهُ سَافر قبل أَن يستكمل مُدَّة الْمسْح فَلهُ مَا للْمُسَافِر
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا مسح على خفيه ثمَّ قدم الْمصر فَأَقَامَ قَالَ يكون لَهُ مَا يكون للمقيم فَإِن كَانَ قد اسْتكْمل فِي سَفَره يَوْمًا(1/96)
وَلَيْلَة فقد انْتقض الْمسْح وَعَلِيهِ أَن ينْزع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ إِن كَانَ على وضوئِهِ وَإِن كَانَ أحدث اسْتقْبل الْوضُوء وَإِن كَانَ لم يستكمل فِي سَفَره يَوْمًا وَلَيْلَة اسْتكْمل يَوْمًا وَلَيْلَة قلت فَإِن مسح وَهُوَ مُسَافر ثمَّ أَقَامَ وَجب عَلَيْهِ مَا يجب على الْمُقِيم وانتقض حَال السّفر الأول قَالَ نعم قلت وَهَذَا قِيَاس الْبَاب الأول إِذا مسح وَهُوَ مُقيم ثمَّ سَافر قبل أَن يمْضِي يَوْم وَلَيْلَة كَانَ لَهُ مَا للْمُسَافِر وَإِذا مسح وَهُوَ مُسَافر ثمَّ أَقَامَ كَانَ لَهُ مَا للمقيم قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن مسح فِي السّفر يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ بدا لَهُ أَن يُقيم قَالَ قد انْتقض حَال السّفر وَرجع إِلَى حَال الْمُقِيم قلت أَرَأَيْت رجلا خرج إِلَى ضيعته بِالسَّوَادِ هَل يمسح ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها قَالَ إِن كَانَ سَفَره ذَلِك أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها مسح على خفيه ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها يكون لَهُ مَا للْمُسَافِر وَإِن كَانَ سَفَره ذَلِك أقل من ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَهَذَا والمقيم سَوَاء وَيكون لَهُ مَا للمقيم
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا مسح على خفيه فصلى صَلَاة أَو صَلَاتَيْنِ ثمَّ بدا لَهُ أَن يُقيم قَالَ قد انْقَطع حَال السّفر وَكَانَ لَهُ مَا للمقيم يَوْم(1/97)
وَلَيْلَة قلت فَإِن قدم أَرضًا وَقد سَافر إِلَيْهَا وَهِي مسيرَة شهر فَدَخلَهَا وَلَا يدْرِي مَتى يخرج مِنْهَا بقول الْيَوْم وَغدا أَله أَن يمسح على الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا مُسَافر بعد قلت أَرَأَيْت إِن بدا لَهُ أَن يُقيم خَمْسَة عشر يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك وَأجْمع رَأْيه على ذَلِك يَوْم دخل قَالَ هَذَا مُقيم وَله مَا للمقيم قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يغزون أَرض الْحَرْب فيقيمون فِي الْعَسْكَر شهرا أَو نَحْو ذَلِك أَو يحاصرون مَدِينَة من الْمَدَائِن كَيفَ يصلونَ أصلاة مُسَافر أَو صَلَاة مُقيم وَمَا حَالهم فِي الْمسْح قَالَ هَؤُلَاءِ مسافرون لَهُم من الْمسْح ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَعَلَيْهِم أَن يقصروا الصَّلَاة قلت لم وَهَؤُلَاء قد وطنوا أنفسهم على إِقَامَة شهر وَقد قلت إِذا وَطن الْمُسَافِر نَفسه بِإِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا وَجب عَلَيْهِ أَن يتم الصَّلَاة وَكَانَ لَهُ من الْمسْح مَا للمقيم قَالَ لِأَن الْعَسْكَر لَيْسَ كالأمصار والمدائن إِذا كَانَ الْقَوْم فِي عَسْكَر فهم مسافرون وَإِن وطنوا أنفسهم على إِقَامَة سنة قلت أَرَأَيْت رجلا خرج من الْكُوفَة إِلَى مصرين من الْأَمْصَار أَو إِلَى مدينتين من الْمَدَائِن وَالَّذِي بَينهمَا مسيرَة يَوْم أَو يَوْمَيْنِ وَهُوَ يُرِيد أَن يُقيم بهما جَمِيعًا خَمْسَة عشر يَوْمًا فَقدم أَحدهمَا مَا لَهُ من الْمسْح قَالَ لَهُ من الْمسْح مَا للْمُسَافِر قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يوطن نَفسه على إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فِي مَدِينَة وَاحِدَة(1/98)
قلت وَلَا ترى مدينتين فِي هَذَا مثل مَدِينَة وَاحِدَة قَالَ لَا أَلا ترى أَنه لم ينفذ إِلَى الْأُخْرَى بعد قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ المدينتان مثل الْحيرَة والكوفة قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء قلت لم صَار هَكَذَا قَالَ أَرَأَيْت رجلا من أهل الْحيرَة أقبل من خُرَاسَان حَتَّى أَتَى الْكُوفَة فَأَقَامَ بهَا ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَيَّام أَلَيْسَ هَذَا مُسَافِرًا حَتَّى يَأْتِي الْحيرَة لَهُ من الْمسْح مَا للْمُسَافِر وَعَلِيهِ من الصَّلَاة مَا على الْمُسَافِر قلت بلَى قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه وَصلى فَقعدَ فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد ثمَّ وجد فِي خفه شَيْئا فَنَزَعَهُ قَالَ صلَاته تَامَّة فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأما فِي قَول أبي حنيفَة فَإِنَّهُ يسْتَقْبل الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا تيَمّم وَهُوَ لَا يجد المَاء ثمَّ لبس خفيه على تيَمّمه ذَلِك ثمَّ صلى فَلَمَّا فرغ من صلَاته حضرت صَلَاة أُخْرَى فَوجدَ المَاء أيتوضأ وَيمْسَح على خفيه قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يَلْبسهُمَا على وضوء إِنَّمَا لبسهما على تيَمّم أَلا ترى أَنه لَو وجد المَاء لم يجزه تيَمّمه ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ الْوضُوء وَلَو لبس خفيه على وضوء ثمَّ أحدث وَتَوَضَّأ وَمسح عَلَيْهِمَا لم يجب عَلَيْهِ وضوء حَتَّى يحدث فَهَذَا مُخَالف لذَلِك قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على جبائر على يَدَيْهِ ثمَّ لبس خفيه(1/99)
ثمَّ أحدث بعد ذَلِك هَل يتَوَضَّأ وَيمْسَح على جبائر يَده أَيْضا وعَلى خفيه قَالَ نعم قلت لم وَقد لبس الْخُفَّيْنِ على غير وضوء تَامّ قَالَ هَذَا طهُور تَامّ فِي هَذِه الْحَال وَلَيْسَ هَذَا كالتيمم أَلا ترى أَن هَذَا على وضوئِهِ مَا لم يحدث والمتيمم إِذا وجد المَاء تَوَضَّأ وَإِن لم يحدث
قلت أَرَأَيْت رجلا اغْتسل من الْجَنَابَة ثمَّ لبس خفيه ثمَّ أحدث بعد ذَلِك أيتوضأ وَيمْسَح عَلَيْهِمَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا مُقيما تَوَضَّأ وَمسح على خفيه ثمَّ سَافر ثمَّ أحدث فَلم يجد المَاء أيتيمم وَلَا ينْزع خفيه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يمسح على الْخُفَّيْنِ أَتَرَى لَهُ أَن يؤم المتوضئين قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون متوضئا وَيُرِيد أَن يَبُول أَو يقْضِي حَاجته فيلبس خفيه ثمَّ يَبُول أَو يقْضِي حَاجته وَإِنَّمَا يُرِيد بذلك الْمسْح هَل يجْزِيه أَن يتَوَضَّأ وَيمْسَح على خفيه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه ثمَّ نزعهما وَعَلِيهِ جوربان ثمَّ أحدث أيجزيه أَن يمسح على الجوربين وَيُصلي قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن الْمسْح على الجوربين لَا يجزى وَلكنه يخلع جوربيه وَيغسل قَدَمَيْهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجْزِيه الْمسْح على الجوربين(1/100)
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَلبس خفيه ثمَّ خلع أَحدهمَا ثمَّ أحدث هَل يجْزِيه أَن يمسح على الْخُف الَّذِي لم ينْزع وَيغسل الْأُخْرَى قَالَ لَا وَلكنه يخلع الْأُخْرَى وَيغسل قَدَمَيْهِ إِذا وَجب الْغسْل فِي إِحْدَى رجلَيْهِ وَجب فِي الْأُخْرَى
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه ثمَّ بدا لَهُ أَن يخلعهما جَمِيعًا فَنزع الْقدَم من الْخُف غير أَنَّهَا فِي السَّاق بعد ثمَّ بدا لَهُ فلبسهما هَل يجب عَلَيْهِ غسل قَدَمَيْهِ جَمِيعًا قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد نزع الْقدَم من الْخُف فَإِذا نزع الرجل قَدَمَيْهِ من الْخُف وَجب عَلَيْهِ غسل قَدَمَيْهِ جَمِيعًا وَلَا ينْتَقض الْمسْح فِي قَول أبي حنيفَة إِلَّا أَن يخرج أَكثر عقبه عَن مَوْضِعه وَفِي قَول أبي يُوسُف حَتَّى يخرج أَكثر قدمه وَفِي قَول مُحَمَّد حَتَّى يخرج كُله
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة تَوَضَّأت ومسحت على القفازين قَالَ لَا يجزيها حَتَّى تغسل ذراعيها قلت فَإِن صلت بذلك الْمسْح قَالَ عَلَيْهَا أَن تنْزع القفازين وتغسل ذراعيها وتعيد الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا أَرَادَ أَن يمسح على خفيه أَتَرَى لَهُ أَن يغسل الْخُفَّيْنِ كَمَا يغسل قَدَمَيْهِ قَالَ لَا أرى لَهُ ذَلِك وَلكنه يمسحهما مسحا(1/101)
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه بِظَاهِر كفيه أَو بباطنهما هَل يجْزِيه قَالَ نعم وَلَكِن أفضل ذَلِك أَن يمسحهما بباطن كفيه
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَمسح على خفيه وَصلى ثمَّ قعد قدر التَّشَهُّد وَفرغ من التَّشَهُّد وَذهب وَقت الْمسْح حِين فرغ من التَّشَهُّد قبل أَن يسلم قَالَ أما فِي قَول أبي حنيفَة فَإِن عَلَيْهِ أَن ينْزع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ وَيسْتَقْبل الصَّلَاة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِن صلَاته تَامَّة وَعَلِيهِ أَن ينْزع خفيه وَيغسل رجلَيْهِ لصَلَاة أُخْرَى
قلت أَرَأَيْت رجلا لم يجد المَاء فَتَوَضَّأ بالنبيذ وَلبس خفيه ثمَّ أحدث وَتَوَضَّأ وَمسح على الْخُفَّيْنِ بذلك النَّبِيذ ثمَّ وجد المَاء قَالَ ينْزع خفيه وَيسْتَقْبل الْوضُوء بِالْمَاءِ وَإِنَّمَا يكون للرجل أَن يتَوَضَّأ بالنبيذ مَا لم يجد المَاء فَإِذا وجد المَاء لم يجزه أَن يتَوَضَّأ بالنبيذ وَإِن كَانَ قد تَوَضَّأ بالنبيذ ثمَّ وجد المَاء انْتقض وضوؤه ذَلِك وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الْوضُوء بِالْمَاءِ
قلت أَرَأَيْت رجلا بِهِ جرح عَلَيْهِ خرقَة وَقد نهى أَن يُصِيبهُ المَاء فَتَوَضَّأ وَمسح عَلَيْهِ ثمَّ لبس خفيه ثمَّ أحدث فَتَوَضَّأ وَمسح على الْخُفَّيْنِ ثمَّ برأَ ذَلِك الْجرْح كَيفَ يصنع قَالَ ينْزع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ وَيكون على وضوئِهِ لِأَن الْمسْح إِنَّمَا يجْزِيه مَا لم يبرأ ذَلِك الْجرْح
قلت أَرَأَيْت مُسْتَحَاضَة لَا يَنْقَطِع عَنْهَا الدَّم تَوَضَّأت ثمَّ سَالَ الدَّم بعد وضوئها ثمَّ لبست خفيها ثمَّ صلت ثمَّ أحدثت بعد مَا فرغت من(1/102)
الصَّلَاة فَتَوَضَّأت ومسحت على خفيها ثمَّ ذهب وَقت تِلْكَ الصَّلَاة أتتوضأ وتمسح على الْخُفَّيْنِ قَالَ لَا وَلَكِن تنْزع خفيها وتغسل قدميها وَإِنَّمَا يكون لَهَا أَن تمسح مَا كَانَت فِي وَقت الصَّلَاة فَإِذا دخل وَقت صَلَاة أُخْرَى فَلَا بُد لَهَا من أَن تنْزع خفيها وتغسل قدميها وتعيد الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ وَلبس خفيه ثمَّ أحدث فَتَوَضَّأ وَمسح على الْخُفَّيْنِ ثمَّ لبس الجرموقين فَوق الْخُفَّيْنِ ثمَّ أحدث قَالَ ينْزع الجرموقين وَيتَوَضَّأ وَيمْسَح على الْخُفَّيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ مَعَ الرجل فِي سَفَره مَاء هُوَ قدر مَا يتَوَضَّأ بِهِ وَفِي ثَوْبه دم أَنه يغسل ذَلِك الدَّم من ثَوْبه بذلك المَاء وَيتَيَمَّم بالصعيد وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة قَالَ حَمَّاد يتَوَضَّأ بذلك المَاء وَلَا يغسل ذَلِك الدَّم وَالله أعلم
- بَاب التَّيَمُّم بالصعيد
-
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر الَّذِي لَا يجد المَاء مَتى يتَيَمَّم وَكَيف يتَيَمَّم قَالَ ينْتَظر إِلَى آخر وَقت تِلْكَ الصَّلَاة الَّتِي حضرت فَإِن وجد المَاء تَوَضَّأ وَصلى وَإِن لم يجد المَاء يتَيَمَّم صَعِيدا طيبا وَالتَّيَمُّم أَن يضع يَدَيْهِ على الأَرْض ثمَّ يرفعهما فينفضهما ثمَّ يمسح بهما وَجهه ثمَّ يضعهما(1/103)
على الأَرْض ثمَّ يرفعهما ثمَّ يمسح بهما كفيه وذراعيه إِلَى الْمرْفقين ثمَّ يُصَلِّي
قلت أَرَأَيْت إِن مسح كفيه وَوَجهه وَلم يمسح ذِرَاعَيْهِ قَالَ لَا يجْزِيه ذَلِك قلت فَإِن مسح كفيه وذراعيه وَلم يمسح وَجهه قَالَ لَا يجْزِيه أَيْضا قلت فَإِن مسح وَجهه وذراعيه وَلم يمسح ظَاهر كفيه قَالَ لَا يجْزِيه أَيْضا
قلت أَرَأَيْت كل شَيْء يتَيَمَّم بِهِ من تُرَاب أَو طين أَو جص أَو نورة أَو زرنيخ أَو شَيْء مِمَّا يكون من الأَرْض قَالَ يجْزِيه التَّيَمُّم بذلك كُله
قلت فَإِن ضرب يَدَيْهِ على حَائِط أَو حَصَاة أَو على حِجَارَة عَلَيْهَا غُبَار فيتيمم بذلك قَالَ يجْزِيه
قلت فَإِن تيَمّم بِشَيْء غير الصَّعِيد وَلَيْسَ من الأَرْض قَالَ لَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} فَمَا كَانَ من الأَرْض فَهُوَ من الصَّعِيد وَمَا كَانَ من غير الأَرْض فَلَيْسَ بالصعيد وَلَا يَجْزِي التَّيَمُّم بِهِ
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا تيَمّم فِي أول الْوَقْت وَصلى وَلم ينْتَظر(1/104)
إِلَى آخر الْوَقْت ثمَّ وجد المَاء بعد فَرَاغه من الصَّلَاة وَبعد مَا سلم قَالَ صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت إِن وجد المَاء قبل أَن يسلم وَقد قعد قدر التَّشَهُّد أَو وجد المَاء قبل أَن يقْعد قدر التَّشَهُّد قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَيتَوَضَّأ وَيسْتَقْبل الصَّلَاة فِي قَول أبي حنيفَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَصلَاته تَامَّة إِذا كَانَ قد قعد قدر التَّشَهُّد فَإِن وجد المَاء قبل أَن يقْعد قدر التَّشَهُّد فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت الْمُتَيَمم هَل يُصَلِّي بالقوم المتوضئين قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين قَالَ بلغنَا ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الْجنب وَالْحَائِض وَغير الْجنب وَغير الْحَائِض أَهما سَوَاء فِي التَّيَمُّم كَمَا وصفت الْكَفَّيْنِ والذراعين وَالْوَجْه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا مُقيما فِي الْمصر لَا يَسْتَطِيع الْوضُوء(1/105)
لما بِهِ من الْمَرَض أيجزيه أَن يتَيَمَّم قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ جنبا من احْتِلَام وَلَا يَسْتَطِيع الْغسْل أيتيمم بالصعيد كَمَا وَصفنَا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ مَرِيضا كَمَا وصفت لَا يَسْتَطِيع الْوضُوء أيصلي بتيممه ذَلِك مَا لم يحدث قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ إِن مكث يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ على حَاله لَا يحدث وَلَا ينَام قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ مُسَافِرًا صلى بتيممه ذَلِك مَا لم يحدث أَو يجد المَاء قَالَ نعم قلت فَإِن تيَمّم وَصلى ثمَّ وجد المَاء فَلم يتَوَضَّأ ثمَّ حضرت صَلَاة أُخْرَى هَل يجْزِيه أَن يُصَلِّي بتيممه ذَلِك قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ حَيْثُ وجد المَاء فقد فسد تيَمّمه فَلَا بُد لَهُ من أَن يتَيَمَّم ثَانِيَة قلت وَكَذَلِكَ الْحَدث نعم
قلت أَرَأَيْت إِن تيَمّم بإصبع وَاحِدَة أَو بإصبعين قَالَ لَا يجْزِيه قلت فَإِن تيَمّم بِثَلَاثَة أَصَابِع قَالَ يجْزِيه قلت لم لِأَنَّهُ تيَمّم بِالْأَكْثَرِ من أَصَابِعه
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا تيَمّم أيجب عَلَيْهِ أَن يُصِيب رجلَيْهِ أَو رَأسه بِشَيْء من التَّيَمُّم قَالَ لَا إِنَّمَا التَّيَمُّم كَمَا وصفت لَك(1/106)
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا أجنب فَحَضَرت الصَّلَاة فَلم يقدر على المَاء ليغتسل بِهِ إِلَّا أَن عِنْده من المَاء قدر مَا يتَوَضَّأ بِهِ وَلَا يَسْتَطِيع أَن يغْتَسل بِهِ كَيفَ يصنع قَالَ يتَيَمَّم بالصعيد وَلَا يتَوَضَّأ بذلك المَاء قلت فَإِن تيَمّم بالصعيد وَصلى الظّهْر ثمَّ أحدث ثمَّ حضرت الْعَصْر وَذَلِكَ المَاء عِنْده قدر مَا يوضئه قَالَ يتَوَضَّأ بِهِ وَلَا يتَيَمَّم قلت فَإِن تيَمّم وَلم يتَوَضَّأ بذلك المَاء قَالَ لَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ طَاهِر وَعِنْده من المَاء قدر مَا يتَوَضَّأ بِهِ فَلَا يجْزِيه أَن يتَيَمَّم فَلذَلِك جعلت عَلَيْهِ الْوضُوء
قلت فَإِن تَوَضَّأ وَلبس خفيه ثمَّ أحدث ثمَّ تيَمّم ثمَّ أحدث ثمَّ أصَاب من المَاء مِقْدَار مَا يتَوَضَّأ قَالَ هَذَا يتَوَضَّأ وَيمْسَح على خفيه
قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ بذلك المَاء وَصلى الْعَصْر ثمَّ مر بِالْمَاءِ بعد مَا صلى الْعَصْر فَلم يغْتَسل ثمَّ حضرت الْمغرب وَقد أحدث أَو لم يحدث وَعِنْده من المَاء قدر مَا يتَوَضَّأ بِهِ وَلَا يَسْتَطِيع أَن يغْتَسل أيتوضأ بِهِ أَو يتَيَمَّم قَالَ بل يتَيَمَّم وَلَا يتَوَضَّأ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ حِين أبْصر المَاء قد عَاد جنبا كَمَا كَانَ قلت وَإِذا حضرت الصَّلَاة بعد ذَلِك فَلم يجد من المَاء قدر مَا يغْتَسل بِهِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يتَيَمَّم وَلَا يتَوَضَّأ قلت فَإِن تيَمّم وَصلى الْمغرب ثمَّ حضرت الْعشَاء وَقد أحدث وَعِنْده من المَاء قدر(1/107)
مَا يتَوَضَّأ بِهِ ايتوضأ بِهِ أم يتَيَمَّم قَالَ بل يتَوَضَّأ وَلَا يتَيَمَّم قلت أَلَيْسَ قد زعمت أَنه عَاد جنبا كَمَا كَانَ قَالَ أجل وَلكنه لما حضرت الْمغرب وَلم يجد من المَاء قدر مَا يغْتَسل فَتَيَمم وَصلى الْمغرب فقد صَار طَاهِرا فَإِذا حضرت الْعشَاء وَهُوَ يقدر على مَا يتَوَضَّأ بِهِ لم يجزه أَن يتَيَمَّم لِأَنَّهُ طَاهِر
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة وَلبس خفيه وَصلى الظّهْر ثمَّ أجنب ثمَّ حضرت الْعَصْر وَعِنْده من المَاء قدر مَا يتَوَضَّأ بِهِ وَلَا يغْتَسل فَتَيَمم بالصعيد وَصلى الْعَصْر ثمَّ حضرت الْمغرب وَعِنْده من المَاء قدر مَا يوضئه فَتَوَضَّأ بِهِ أيمسح على خفيه أَو ينزعهما قَالَ بل ينزعهما وَيغسل رجلَيْهِ قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ بِهِ وَنزع خفيه وَغسل قَدَمَيْهِ ثمَّ لبس خفيه وَصلى الْمغرب ثمَّ أحدث فَحَضَرت الْعشَاء وَعِنْده مَاء قدر مَا يوضئه أيمسح على خفيه أَو ينزعهما قَالَ بل يمسح على خفيه وَلَا ينزعهما قلت أَرَأَيْت إِن مسح عَلَيْهِمَا وَصلى الْعشَاء ثمَّ مر بِالْمَاءِ وَلم يغْتَسل فَحَضَرت صَلَاة الْفجْر وَعِنْده من المَاء قدر مَا يوضئه أيتوضأ بِهِ وَينْزع خفيه أَو يمسح أَو يتَيَمَّم كَيفَ يصنع قَالَ لَا يمسح وَلَا ينْزع خفيه وَلكنه يتَيَمَّم بالصعيد وَيُصلي الْفجْر قلت أَرَأَيْت(1/108)
إِن تيَمّم وَصلى الْفجْر ثمَّ أحدث ثمَّ حضرت الظّهْر وَعِنْده من المَاء قدر مَا يوضئه قَالَ يتَوَضَّأ بِهِ وَلَا يتَيَمَّم قلت فَهَل يمسح على خفيه قَالَ لَا وَلكنه ينزعهما وَيغسل رجلَيْهِ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ حَيْثُ مر بِالْمَاءِ فقد انْتقض وضوؤه كُله فَلَا بُد لَهُ من أَن ينْزع خفيه وَيغسل قَدَمَيْهِ قلت أَرَأَيْت إِن نزعهما وَغسل قَدَمَيْهِ ثمَّ لبس خفيه وَصلى الظّهْر ثمَّ أحدث فَحَضَرت الْعَصْر وَعِنْده من المَاء قدر مَا يتَوَضَّأ بِهِ قَالَ يتَوَضَّأ وَيمْسَح على خفيه وَلَا ينزعهما قلت لم قَالَ لِأَن رجلَيْهِ طاهرتان بعد قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ وَمسح على خفيه وَصلى الْعَصْر فَقعدَ قدر التَّشَهُّد ثمَّ أبْصر المَاء قَالَ قد انتقضت صلَاته حِين أبْصر المَاء فَعَلَيهِ أَن يغْتَسل وَيُعِيد الْعَصْر وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد صلَاته تَامَّة وَلَا يُعِيدهَا قلت أَرَأَيْت إِن قعد قدر التَّشَهُّد وَسلم ثمَّ أبْصر المَاء قَالَ عَلَيْهِ أَن يغْتَسل وَلَا يُعِيد الْعَصْر لِأَن صلَاته قد تمت
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا أجنب فَحَضَرت الظّهْر فَلم يجد المَاء فَتَيَمم بالصعيد وَصلى فَلَمَّا قعد قدر التَّشَهُّد وجد من المَاء قدر مَا يوضئه وَلَا يغْتَسل قَالَ يمْضِي على صلَاته قلت أَرَأَيْت إِن مضى على صلَاته وَسلم ثمَّ أحدث ثمَّ حضرت الْعَصْر فَلم يجد المَاء فَتَيَمم بالصعيد وَصلى الْعَصْر فَلَمَّا قعد قدر التَّشَهُّد وجد من المَاء قدر مَا يوضئه قَالَ قد انتقضت صلَاته حِين وجد من المَاء قدر مَا يوضئه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لما تيَمّم(1/109)
فِي الظّهْر وَصلى فقد صَار طَاهِرا فَإِذا دخل الْعَصْر فَوجدَ المَاء فَإِنَّهُ لَا يجْزِيه أَن يتَيَمَّم وَهُوَ يجد المَاء وَعَلِيهِ أَن يتَوَضَّأ وَيُصلي الْعَصْر
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ لما حضرت الظّهْر فَلم يجد المَاء فَتَيَمم وَصلى من الظّهْر رَكْعَة ثمَّ ضحك فَانْصَرف ثمَّ وجد من المَاء قدر مَا يغْتَسل بِهِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يغْتَسل وَيسْتَقْبل الظّهْر وَلَا يجْزِيه أَن يبْنى على صلَاته قلت وَكَذَلِكَ لَو تكلم أَو رعف أَو أحدث أَو تقيأ مُتَعَمدا أَو غير متعمد قَالَ نعم هَذَا كُله سَوَاء وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة لِأَنَّهُ لما وجد المَاء فقد انْتقض تيَمّمه وَعَاد جنبا كَمَا كَانَ فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا وجد بِئْرا فِي الطَّرِيق فِيهَا مَاء وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع ان يَأْخُذ مِنْهَا وَلَا يجد مَاء غَيره قَالَ يَتِيم بالصعيد وَيصلى وَهَذَا بِمَنْزِلَة من لَا يجد المَاء
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا تيَمّم بالصعيد وَالْمَاء مِنْهُ قريب وَهُوَ لَا يعلم بِهِ فصلى بتيممه ذَلِك وَسلم ثمَّ علم بِالْمَاءِ قَالَ صلَاته تَامَّة إِذا لم يعلم بِالْمَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة من لَا يجد المَاء
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا حضرت الصَّلَاة وَهُوَ على غير وضوء وَلَا يجد المَاء إِلَّا قدر مَا يغسل فرجه أَو قدر مَا يغسل وَجهه لَا يبلغ(1/110)
فِي وضوئِهِ كُله أيتيمم بالصعيد أَو يتَوَضَّأ بذلك المَاء قَالَ بل يتَيَمَّم للصَّلَاة وَلَا يتَوَضَّأ بذلك المَاء
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا عِنْده من المَاء قدر مَا يتَوَضَّأ بِهِ وَهُوَ يخَاف الْعَطش فَحَضَرت الصَّلَاة وَهُوَ فِي مفازة قَالَ يتَيَمَّم بالصعيد وَلَا يتَوَضَّأ قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ مَعَه من المَاء أَكثر مِمَّا يتَوَضَّأ بِهِ قَالَ نعم إِذا كَانَ يخَاف على نَفسه
قلت أَرَأَيْت إِن لم يكن مَعَه مَاء وَكَانَ مَعَه رَفِيق لَهُ مَاء فَأبى رَفِيقه أَن يُعْطِيهِ من المَاء شَيْئا إِلَّا بِثمن كثير قَالَ يتَيَمَّم وَلَا يَشْتَرِي إِن شَاءَ قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو قَالَ صَاحب المَاء أبيعك لوضوئك من المَاء مَا يَكْفِيك بِأَلف دِرْهَم أَو أَكثر من ذَلِك أَكَانَ يجب عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَلهُ أَن لَا يَشْتَرِيهِ وَلكنه يتَيَمَّم وَيُصلي قلت فَإِن وجد المَاء بِثمن رخيص كَمَا يجد النَّاس قَالَ يَشْتَرِي فيتوضأ وَيشْرب وَلَا يتَيَمَّم
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا فِي طين وردغة لَا يجد مَاء يتَوَضَّأ بِهِ وَلَا صَعِيدا يتَيَمَّم بِهِ كَيفَ يصنع قَالَ إِن كَانَ مَعَه لبد أَو سرج(1/111)
نفضه وَتيَمّم بغباره وَإِن لم يكن ذَلِك مَعَه نفض ثَوْبه فَتَيَمم بغباره قلت أَرَأَيْت إِن لم يكن فِي ثَوْبه غُبَار وَكَانَ قد أَصَابَهُ الْمَطَر وَلم يكن على دَابَّته سرج وَلَا لبد وَلَا يجد شَيْئا فِيهِ تُرَاب قَالَ يَأْخُذ من ذَلِك الطين شَيْئا فيلطخ بِهِ بعض ثِيَابه فَإِذا جف تيَمّم بِهِ قلت فَإِن لطخ بِهِ ثَوْبه فَلم يجِف وَلَا يجد مَاء وَلَا صَعِيدا قَالَ ينْتَظر حَتَّى يجِف أَو يجد صَعِيدا أَو مَاء قلت فَإِن ذهب الْوَقْت قَالَ وَإِن ذهب الْوَقْت لِأَنَّهُ لَا يجْزِيه أَن يُصَلِّي إِلَّا بِوضُوء أَو تيَمّم وَقَالَ أَبُو يُوسُف يُصَلِّي إِذا لم يجد المَاء وَلَا يجِف ذَلِك الطين فَإِذا جف الطين أَو وجد المَاء أَو الصَّعِيد تيَمّم وَأعَاد الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت إِن وجد سُؤْر حمَار أَو بغل أيتوضأ بِهِ أَو يتَيَمَّم قَالَ بل يتَوَضَّأ بِهِ وَيتَيَمَّم بعد ذَلِك ثمَّ يُصَلِّي قلت لم قَالَ هَذَا أَخذ بالثقة فَإِن أجزاه سُؤْر الْحمار لم يضرّهُ التَّيَمُّم شَيْئا وَإِن لم يجزه كَانَ قد تيَمّم(1/112)
قلت أرايت مُسَافِرًا تيَمّم ثمَّ أصَاب بعض جسده بَوْل أَو عذرة أَو دم أَو قيء أَو خمر وَلَا يجد المَاء هَل ينْقض ذَلِك تيَمّمه قَالَ لَا قلت فَكيف يصنع فِي الَّذِي أَصَابَهُ وَهُوَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم قَالَ يمسحه بِخرقَة أَو بِتُرَاب ثمَّ يُصَلِّي قلت فَإِن صلى وَلم يمسحه قَالَ يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يجد المَاء وَلَا يطهر ذَلِك الْمَكَان إِلَّا بِالْمَاءِ فَتَركه ومسحه سَوَاء
قلت أرايت رجلا تيَمّم للصَّلَاة ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام ثمَّ أسلم وَتَابَ أَيكُون على تيَمّمه ذَلِك مَا لم يجد المَاء أَو يحدث قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو تَوَضَّأ ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام ثمَّ أسلم قَالَ نعم قلت لم وَقد حَبط عمله قَالَ إِنَّمَا حَبط أجر عمله فَأَما الطُّهْر فَهُوَ طَاهِر
قلت أَرَأَيْت نَصْرَانِيّا تَوَضَّأ أَو اغْتسل ثمَّ أسلم أَيكُون على وضوئِهِ وغسله قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت نَصْرَانِيّا تيَمّم ثمَّ أسلم هَل يجْزِيه تيَمّمه ذَلِك مَا لم يجد المَاء أَو يحدث قَالَ لَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَن التَّيَمُّم لَا يكون إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجْزِيه وَهُوَ متيمم
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر تكون مَعَه امْرَأَته أَو جَارِيَته فَأَرَادَ أَن يَطَأهَا(1/113)
وَهُوَ يعلم أَنه لَا يجد المَاء أَتَرَى لَهُ أَن يَطَأهَا قَالَ نعم أَلا ترى قَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا}
قلت أَرَأَيْت رجلا قَالَ لرجل عَلمنِي التَّيَمُّم يُرِيد بذلك التَّعْلِيم وَلَا يَنْوِي بِهِ الصَّلَاة هَل يجْزِيه ذَلِك من تيَمّمه قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن التَّيَمُّم لَا يكون إِلَّا بِالنِّيَّةِ قلت فَلم يجْزِيه هَذَا فِي الْوضُوء إِذا علم بِهِ وَلَا يجْزِيه فِي التَّيَمُّم قَالَ هما مُخْتَلِفَانِ أَلا ترى لَو أَن رجلا جنبا وَقع فِي نهر وَهُوَ لَا يُرِيد الْغسْل فاغتسل فِيهِ أجزاه ذَلِك من غسله وَمن وضوئِهِ وَلَو أصَاب ذِرَاعَيْهِ وَوَجهه غُبَار لم يجزه من التَّيَمُّم أَو لَا ترى لَو أَصَابَهُ مطر ينقي ذِرَاعَيْهِ وَوَجهه وَرجلَيْهِ أجزاه ذَلِك من الْوضُوء فالوضوء لَا يشبه التَّيَمُّم
قلت أَرَأَيْت رجلا تيَمّم فَشك فِي شَيْء من تيَمّمه أهوَ عنْدك وَالَّذِي يشك فِي شَيْء من وضوئِهِ سَوَاء قَالَ نعم قلت فَإِذا أحدث فَهُوَ على حَدثهُ مَا لم يستيقن بِالتَّيَمُّمِ وَإِذا تيَمّم فَهُوَ على تيَمّمه حَتَّى يستيقن بِالْحَدَثِ قَالَ نعم قلت وَكَيف يستيقن بِالْحَدَثِ قَالَ إِن يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا قلت وكل شَيْء ينْقض الْوضُوء فَإِنَّهُ(1/114)
ينْقض التَّيَمُّم قَالَ نعم
قلت أرايت امْرَأَة مسافرة وَهِي حَائِض فطهرت من حَيْضهَا فَلم تَجِد المَاء فَتَيَمَّمت وصلت هَل لزَوجهَا أَن يُجَامِعهَا قَالَ نعم قلت وَلها أَن تصلي بِالتَّيَمُّمِ الْمَكْتُوبَة قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ زَوجهَا قد طَلقهَا قبل ذَلِك وطهرت من الْحَيْضَة الثَّالِثَة فَتَيَمَّمت وصلت قَالَ قد انتقضت عدتهَا وحلت للرِّجَال
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة إِذا طهرت وتيممت وصلت ثمَّ وجدت المَاء بعد ذَلِك أيجب عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل قَالَ نعم قلت فَهَل يملك زَوجهَا الرّجْعَة قَالَ لَا يملك رَجعتهَا قلت فَإِن كَانَت قد تزوجت زوجا غَيره قبل أَن تَجِد المَاء ثمَّ وجدت المَاء قَالَ نِكَاحهَا جَائِز وَعَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل قلت وَلَا ترى مَا وَجب عَلَيْهَا من الْغسْل حِين وجدت المَاء ينْقض شَيْئا من نِكَاحهَا قَالَ لَا نرى ذَلِك
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا جنبا وَهُوَ لَا يجد المَاء إِلَّا فِي الْمَسْجِد كَيفَ يصنع قَالَ يتَيَمَّم بالصعيد ثمَّ يدْخل الْمَسْجِد فيستقى من ذَلِك المَاء ثمَّ يخرج المَاء من الْمَسْجِد فيغتسل بِهِ قلت فَإِن لم يكن مَعَه شَيْء(1/115)
يَسْتَقِي بِهِ وَكَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يغترف من الْبِئْر وَلكنه يَسْتَطِيع أَن يَقع فِيهَا وَهِي بِئْر صَغِيرَة قَالَ يتَيَمَّم بالصعيد وَلَا يَقع فِيهَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا وَقع فِيهَا أفسد ماءها كُله وَلم يجزه غسله ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يتَيَمَّم بعد ذَلِك فَلذَلِك أَمرته أَن يتَيَمَّم وَلَا يَقع فِيهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يجد سُؤْر الْكَلْب أيتوضأ بِهِ أَو يتَيَمَّم قَالَ بل يتَيَمَّم وَلَا يتَوَضَّأ بِهِ قلت لم أَلَيْسَ هَذَا عنْدك مثل سُؤْر الْحمار والبغل قَالَ لَا سُؤْر الْحمار والبغل أحب إِلَى من هَذَا
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا قَرَأَ السَّجْدَة وَهُوَ لَا يجد المَاء قَالَ يتَيَمَّم وَيسْجد قلت وَكَذَلِكَ لَو أَرَادَ أَن يُصَلِّي تَطَوّعا فِي غير وَقت الْمَكْتُوبَة قَالَ نعم يتَيَمَّم وَيُصلي مَا بدا لَهُ قلت فَإِن تيَمّم وَصلى ثمَّ حضرت الصَّلَاة المكتوية أيصلي بذلك التَّيَمُّم مَا لم يجد المَاء أَو يحدث قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا حضرت الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَهُوَ على غير وضوء كَيفَ يصنع قَالَ يتَيَمَّم وَيُصلي عَلَيْهَا قلت لم وَهُوَ مُقيم(1/116)
فِي الْمصر قَالَ لِأَنَّهُ إِذا صلى عَلَيْهَا لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي عَلَيْهَا وَحده وَإِن ذهب يتَوَضَّأ سبق بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا
قلت أَرَأَيْت رجلا قَرَأَ السَّجْدَة وَهُوَ مُقيم بِالْمِصْرِ وَهُوَ على غير وضوء أيتيمم وَيسْجد قَالَ لَا قلت لم وَمن أَيْن اخْتلف هَذَا وَالْأول قَالَ لِأَن هَذَا لَا يفوتهُ فَمَتَى مَا شَاءَ تَوَضَّأ وَقضى السَّجْدَة
قلت أَرَأَيْت رجلا شهد الْعِيد مَعَ الإِمَام فِي الْجَبانَة وَهُوَ على غير وضوء أيتيمم وَيُصلي قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا خَارج من الْمصر فَإِن رَجَعَ فَتَوَضَّأ فَاتَتْهُ الصَّلَاة وَلَيْسَ صَلَاة الْعِيد إِلَّا مَعَ الإِمَام وَصَلَاة الْعِيد وَالصَّلَاة على الْجِنَازَة سَوَاء
قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن الإِمَام أحدث بعد مَا دخل فِي الصَّلَاة يَوْم الْعِيد تيَمّم وَصلى بهم بَقِيَّة الصَّلَاة قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو أحدث رجل خَلفه قَالَ نعم يتَيَمَّم وَيدخل مَعَه فِي صلَاته وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا دخل فِي الصَّلَاة متوضئا ثمَّ أحدث انحرف فَتَوَضَّأ ثمَّ بنى لِأَن هَذَا لَا تفوته الصَّلَاة قلت فَإِن كَانَ كل الَّذِي ذكرت لَك يجد المَاء من غير أَن تفوته الصَّلَاة قَالَ عَلَيْهِم أَن يتوضؤا وَلَا يجزيهم التَّيَمُّم
قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا شهد الْجُمُعَة فأحدث قَالَ لَا(1/117)
الْجُمُعَة لَيست مثل الْعِيد لِأَن الرجل فِي الْمصر وَلِأَن الْجُمُعَة إِذا فَاتَت الرجل كَانَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي الظّهْر أَرْبعا وَالظّهْر فَرِيضَة وَلَيْسَت الْجُمُعَة كالعيد وَلَا كَالصَّلَاةِ على الْجِنَازَة
قلت أرايت رجلا يتَيَمَّم بالصعيد القذر الَّذِي كَانَ فِيهِ بَوْل أَو عذرة فجف قَالَ لَا يجْزِيه قلت فَإِن صلى بذلك قَالَ يُعِيد التَّيَمُّم وَالصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا تيَمّم بالصعيد ثمَّ دخل فِي الصَّلَاة فأحدث كَيفَ يصنع قَالَ يَنْفَتِل فَيُعِيد التَّيَمُّم فَإِن تكلم اسْتقْبل الصَّلَاة وَإِن لم يتَكَلَّم اعْتد بِمَا مضى من صلَاته وَصلى مَا بَقِي قلت وَالتَّيَمُّم وَالْوُضُوء عنْدك فِي هَذَا سَوَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن تيَمّم فَدخل فِي الصَّلَاة ثمَّ أحدث فَانْفَتَلَ فَوجدَ المَاء قَالَ يتَوَضَّأ وَيسْتَقْبل الصَّلَاة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ حِين وجد المَاء انْتقض مَا مضى من صلَاته وَمَا بَقِي قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الصَّلَاة تَطَوّعا قَالَ نعم قلت فَهَل يجب عَلَيْهِ قَضَاء التَّطَوُّع قَالَ نعم قلت لم وَقد انتقضت صلَاته قَالَ لِأَنَّهُ افْتتح الصَّلَاة وَهُوَ على تيَمّم فَدخل فِي صَلَاة لَيست بفاسدة فَلَمَّا وجد المَاء انتقضت صلَاته وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يتَوَضَّأ ويقضيها أَلا ترى أَنه لَو لم يجد المَاء فتم عَلَيْهَا(1/118)
أجزته لِأَن أول دُخُوله فِيهَا كَانَ وَهِي صَحِيحَة وَلَا يشبه هَذَا الْحَدث الَّذِي يقْضِي مَا بَقِي ويعتد بِمَا مضى لِأَن هَذَا يفْسد مَا مضى وَمَا بَقِي لِأَنَّهُ حَيْثُ وجد المَاء صَار على غير وضوء إِلَّا أَن عَلَيْهِ قَضَاءَهُ
قلت أَرَأَيْت رجلا تيَمّم بصعيد فِيهِ بَوْل أَو عذرة ثمَّ افْتتح الصَّلَاة تَطَوّعا ثمَّ وجد المَاء هَل عَلَيْهِ أَن يقْضِي تِلْكَ الصَّلَاة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يَقْضِيهَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من لم يدْخل فِي الصَّلَاة أَلا ترى أَنه لَو تمّ عَلَيْهَا لم يجزه ذَلِك قلت هَذَا وَالَّذِي يدْخل فِي الصَّلَاة وَهُوَ على غير وضوء سَوَاء قَالَ نعم هما سَوَاء وَلَيْسَ على وَاحِد مِنْهُمَا الْقَضَاء
قلت أَرَأَيْت متيمما أم قوما متوضئين فأحدث فَتَأَخر وَقدم رجلا من المتوضئين ثمَّ إِن الْمُتَيَمم بعد ذَلِك وجد المَاء فَتَوَضَّأ أيبني على مَا مضى من صلَاته قَالَ لَا وَلَكِن يسْتَقْبل الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم إِذا صلى بهم الإِمَام الثَّانِي فَاسِدَة صلَاتهم أم تَامَّة قَالَ بل صلَاتهم تَامَّة قلت لم قَالَ لأَنهم قد خَرجُوا من صَلَاة الْمُتَيَمم وَصَارَ إمَامهمْ متوضئا فَلَا تفْسد صلَاتهم قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو ضحك الإِمَام الأول أَو تكلم أَو بَال أَو تقيأ هَل كَانَ تفْسد عَلَيْهِم صلَاتهم قلت لَا قَالَ هَذَا وَذَاكَ سَوَاء قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام الأول متوضئا وَالْإِمَام الثَّانِي متيمم فَلَمَّا أحدث الأول قدم الثَّانِي(1/119)
فصلى بهم رَكْعَة ثمَّ وجد المَاء الإِمَام الثَّانِي قَالَ صَلَاة الإِمَام الثَّانِي وَالْإِمَام الأول وَالْقَوْم جَمِيعًا كلهم فَاسِدَة قلت لم قَالَ لِأَن إمَامهمْ هُوَ الثَّانِي وَصَارَ هُوَ إِمَام الأول فَلَمَّا فَسدتْ صلَاته فَسدتْ صَلَاة الأول وَالْقَوْم جَمِيعًا وَهَذَا يبين لَك أَن الصَّلَاة فِي الْبَاب الأول تَامَّة لِأَن الثَّانِي هُوَ الإِمَام وَلَا يضرهم مَا دخل على الأول من فَسَاد صلَاته إِنَّمَا يضرهم مَا دخل على الإِمَام الثَّانِي لِأَن الإِمَام هُوَ الثَّانِي
قلت أَرَأَيْت رجلا متيمما أم قوما متيممين وَصلى بهم رَكْعَة ثمَّ رآى بعض من خَلفه المَاء وَعلم بمكانه وَلم يعلم بِهِ الإِمَام وَلَا بَقِيَّة الْقَوْم حَتَّى فرغوا من صلَاتهم وسلموا قَالَ أما من علم مِنْهُم بِالْمَاءِ فَصلَاته فَاسِدَة وَأما الإِمَام وَمن خَلفه الَّذين لم يعلمُوا بِالْمَاءِ فصلاتهم تَامَّة قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي الْقَوْم متوضؤن ومتيممون وَعلم المتوضؤن بِالْمَاءِ وَلم يعلم بِهِ الإِمَام وَلَا المتيممون حَتَّى سلم بهم قَالَ أما المتوضؤن فصلاتهم فَاسِدَة وَأما الإِمَام والمتيممون الَّذين لم يعلمُوا بِالْمَاءِ فصلاتهم تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا تيَمّم فَدخل فِي الصَّلَاة فصلى رَكْعَة فَبينا هُوَ فِي صلَاته إِذْ رآى سرابا فَظن أَنه مَاء فَانْفَتَلَ من صلَاته فَمشى إِلَيْهِ سَاعَة حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ سراب قَالَ يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت لم قَالَ لِأَن انْصِرَافه كَانَ إِلَى غير مَاء ومشيه الَّذِي مَشى فِيهِ حدث أحدثه وَعمل(1/120)
عمله فَعَلَيهِ أَن يُعِيد صلَاته وَهُوَ على تيَمّمه لِأَنَّهُ لم يحدث وَلم يجد المَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا تيَمّم وَصلى ثمَّ حضرت صَلَاة أُخْرَى فَأَرَادَ أَن يُصَلِّي بذلك التَّيَمُّم فَشك فَلم يدر أَمر على المَاء أم لَا قَالَ يُصَلِّي بتيممه ذَلِك حَتَّى يستيقن أَنه قد مر على المَاء أَو يستيقن بِالْحَدَثِ
قلت أَرَأَيْت رجلا أجنب فَلم يجد المَاء فتمعك فِي التُّرَاب فتدلك بِهِ جسده كُله هَل يجْزِيه ذَلِك من التَّيَمُّم قَالَ إِن كَانَ قد أصَاب وَجهه وذراعيه وكفيه فقد تمّ تيَمّمه وَإِن كَانَ لم يصبهُ فَعَلَيهِ أَن يُعِيد التَّيَمُّم قلت فَإِن كَانَ قد أصَاب وَجهه وذراعيه وكفيه التَّيَمُّم وَأصَاب سَائِر جسده هَل يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ تيمه قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا تيَمّم فَبَدَأَ بذراعيه فيممهما ثمَّ يمم وَجهه ثمَّ صلى قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن بَدَأَ فِيهِ وَجهه ثمَّ مكث سَاعَة ثمَّ يمم ذِرَاعَيْهِ ثمَّ مكث سَاعَة ثمَّ يمم كفيه قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت رجلا وضع يَدَيْهِ على الصَّعِيد فَتَيَمم بِهِ ثمَّ ان آخر تيَمّم(1/121)
بِمَا تيَمّم بِهِ الأول من الصَّعِيد قَالَ يجْزِيه قلت لم قَالَ أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ ففضل من وضوئِهِ مَاء فَتَوَضَّأ بذلك المَاء آخر أما يجْزِيه قلت بلَى قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة طهرت من حَيْضهَا فَتَيَمَّمت بالصعيد ثمَّ وضع رجل يَدَيْهِ فِي مَوضِع يَدهَا فَتَيَمم قَالَ يجْزِيه قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الأول جنبا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا نفض ثَوْبه أَو لبده فَتَيَمم بغباره وَهُوَ يقدر على الصَّعِيد أيجزيه قَالَ يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا صَعِيد أَيْضا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجْزِيه إِذا كَانَ يقدر على الصَّعِيد
قلت أَرَأَيْت رجلا مَقْطُوع الْيَدَيْنِ من الْمرْفقين فَأَرَادَ أَن يتَيَمَّم هَل يمسح على وَجهه وَيمْسَح على مَوضِع الْقطع قَالَ نعم قلت فَإِن مسح وَجهه وَترك مَوضِع الْقطع قَالَ لَا يجْزِيه قلت فَإِن صلى هَكَذَا أَيَّامًا قَالَ عَلَيْهِ أَن يمسح مَوضِع الْقطع وَيسْتَقْبل الصَّلَاة قلت فَإِن كَانَ الْقطع فِي الْيَدَيْنِ من الْمنْكب قَالَ عَلَيْهِ أَن يمسح وَجهه وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يمسح مَوضِع الْقطع قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْقطع من فَوق الْمرْفق(1/122)
دون الْمنْكب قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ الْقطع من الْمفصل قَالَ عَلَيْهِ أَن يمسح وَجهه وذراعيه قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ دون الْمرْفق قَالَ نعم قلت فَإِن لم يفعل وَصلى هَكَذَا أَيَّامًا قَالَ عَلَيْهِ أَن يمسح ذَلِك وَيُعِيد الصَّلَوَات كلهَا
قلت أَرَأَيْت رجلا تيَمّم وَصلى فَقعدَ قدر التَّشَهُّد ثمَّ وجد المَاء قَالَ يتَوَضَّأ وَيُعِيد الصَّلَاة فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا نرى عَلَيْهِ إِعَادَة قلت فَإِن كَانَ قد سلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة ثمَّ وجد المَاء قَالَ صلَاته تَامَّة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُعِيدهَا قلت فَإِن كَانَ قد سلم تسليمتين عَن يَمِينه وَعَن يسَاره وَقد كَانَ سَهَا فِي صلَاته ثمَّ سجد لسَهْوه ثمَّ رفع رَأسه وَهُوَ يُرِيد أَن يسْجد الْأُخْرَى فأبصر المَاء قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يتَوَضَّأ وَيُعِيد الصَّلَاة فِي قَول أبي حنيفَة قلت لم وَقد سلم وَفرغ من صلَاته قَالَ لِأَنَّهُ فِي شَيْء من صلَاته بعد أَلا ترى أَنه لَو كَانَ إِمَامًا فَأدْرك مَعَه رجل الصَّلَاة فِي هَذِه الْحَال كَانَ قد أدْرك مَعَه الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا تيَمّم وَمَعَهُ فِي رَحْله مَاء وَهُوَ لَا يعلم بِهِ فصلى فَلَمَّا فرغ من صلَاته وَسلم علم بِالْمَاءِ قَالَ صلَاته تَامَّة وَهَذَا مِمَّن لَا يجد المَاء لِأَن الله تَعَالَى لَا يكلفه إِلَّا علمه وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أبي يُوسُف لَا يجْزِيه قلت فَإِن علم بِالْمَاءِ قبل أَن يسلم قَالَ عَلَيْهِ أَن يتَوَضَّأ وَيسْتَقْبل الصَّلَاة(1/123)
قلت أَرَأَيْت رجلا بِهِ جراحات فِي عَامَّة جسده وَهُوَ يَسْتَطِيع أَن يغسل مَا بَقِي وَلَا يَسْتَطِيع أَن يغسل الْجِرَاحَات وَهِي فِي رَأسه وصدره أَو ظَهره وَعَامة جسده قَالَ يتَيَمَّم قلت فَإِن كَانَت الْجِرَاحَات فِي رَأسه أَو فِي إِحْدَى يَدَيْهِ قَالَ يغسل سَائِر جسده قلت فَكيف يصنع بمواضع الْجِرَاحَات قَالَ يمسح عَلَيْهَا بِالْمَاءِ قلت فَإِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع ذَلِك قَالَ يمسح على الْخِرْقَة الَّتِي فَوق الْجراحَة بِالْمَاءِ قلت فَإِن كَانَت الْجِرَاحَات فِي رَأسه قَالَ يغسل جسده ويدع رَأسه وَيمْسَح على الْجِرَاحَات بِالْمَاءِ
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا أجنب وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن يغْتَسل لما بِهِ من الجدري قَالَ يتَيَمَّم بالصعيد قلت فَإِن كَانَ بِهِ جرح فِي رَأسه وَهُوَ يَسْتَطِيع الْغسْل فِي سَائِر جسده قَالَ يغسل جسده ويدع رَأسه
قلت أَرَأَيْت رجلا صَحِيحا وَهُوَ فِي الْمصر فأصابته جَنَابَة فخاف إِن اغْتسل أَن يقْتله الْبرد قَالَ إِن خَافَ على نَفسه الْقَتْل من الْبرد فَإِنَّهُ يتَيَمَّم وَإِن لم يخف على نَفسه الْقَتْل فَلَا بُد من أَن يغْتَسل قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فِي السّفر قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة(1/124)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى أَن يجْزِيه ذَلِك فِي السّفر وَلَا يجْزِيه إِذا كَانَ مُقيما فِي الْمصر وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا حبس رجل فِي مخرج وَهُوَ مُقيم فِي الْمصر وَحَضَرت الصَّلَاة وَلم يقدر على مَكَان نظيف أَن يُصَلِّي فِيهِ وَلم يقدر على وضوء وَلَا على صَعِيد طيب فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي حَتَّى يخرج من ذَلِك الْمخْرج ثمَّ يتَوَضَّأ وَيَقْضِي مَا مضى من صلَاته وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُصَلِّي فِي ذَلِك الْمَكَان يومي إِيمَاء بِغَيْر وضوء وَلَا يتَيَمَّم فَإِذا خرج تَوَضَّأ وَقضى مَا مضى من صلَاته قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي غير مخرج وَكَانَ مَحْبُوسًا فِي السجْن لَا يقدر على مَاء يتَوَضَّأ بِهِ قَالَ يتَيَمَّم وَيُصلي فَإِذا خرج تَوَضَّأ وَأعَاد الصَّلَاة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ فِي الْمصر
قلت أَرَأَيْت رجلا أخر الصَّلَاة وَهُوَ على غير وضوء حَتَّى خَافَ(1/125)
ذهَاب الْوَقْت هَل يجْزِيه أَن يتَيَمَّم وَيُصلي قَالَ لَا يجْزِيه وَلكنه يتَوَضَّأ وَيُصلي وَإِن ذهب الْوَقْت
قلت أَرَأَيْت رجلا متيمما صلى بِقوم متوضئين فأبصر المتوضؤن المَاء وَلم يبصره الإِمَام وَلم يعلم بِهِ حَتَّى فرغ من صلَاته وَسلم قَالَ أما صَلَاة الإِمَام فتامة وَأما صَلَاة الْقَوْم جَمِيعًا فَهِيَ فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت لم أفسدت صَلَاة الْقَوْم وَصَارَ صَلَاة الإِمَام تَامَّة قَالَ هَذَا مثل إِمَام صلى بِقوم وتحرى الْقبْلَة فَأَخْطَأَ وَعرف الَّذين خَلفه أَنه على غير الْقبْلَة فَصَلَاة الإِمَام تَامَّة وَصَلَاة الْقَوْم فَاسِدَة
وَقَالَ مُحَمَّد لَا أرى أَن يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين على حَال وَلَا يجزيهم ذَلِك وَهُوَ قَول عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه
- بَاب مَا ينْقض التَّيَمُّم وَمَا لَا ينْقضه
-
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا تيَمّم وَهُوَ جنب فصلى بتيممه ذَلِك صَلَاة(1/126)
ثمَّ أحدث فَوجدَ من المَاء قدر مَا يتَوَضَّأ بِهِ وَلَا يَكْفِيهِ لغسله قَالَ يتَوَضَّأ بِهِ قلت لم أَلَيْسَ هَذَا جنب بعد فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَوَضَّأ حَتَّى يجد من المَاء قدر مَا يَكْفِيهِ للْغسْل قَالَ هُوَ طَاهِر لَيْسَ بِجنب حَتَّى يجد من المَاء مَا يَكْفِيهِ للْغسْل فَلذَلِك جعلت عَلَيْهِ الْوضُوء
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا جنبا غسل فرجه وَوَجهه وذراعيه وَرَأسه ثمَّ أهراق المَاء وَلَيْسَ مَعَه مَاء غَيره فَتَيَمم بالصعيد وَدخل فِي الصَّلَاة ثمَّ ضحك فقهقه ثمَّ وجد من المَاء مَا يَكْفِيهِ للْغسْل قَالَ يغسل وَجهه وذراعيه وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَيغسل مَا بَقِي من جسده سوى الْفرج وَالرَّأْس وَيغسل رجلَيْهِ والقهقهة هَهُنَا بِمَنْزِلَة الْحَدث تنقض الْوضُوء وَالتَّيَمُّم وَلَا تنقض مَا مضى من الْغسْل وَلَو أَن جنبا اغْتسل بِمَاء إِلَّا مَوضِع دِرْهَم من جسده بَقِي لم يجد لَهُ مَاء فَتَيَمم وَصلى ثمَّ وجد من المَاء مَا يغسل ذَلِك الْموضع وَحَضَرت صَلَاة أُخْرَى فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَن يغسل(1/127)
ذَلِك الْموضع وَيُصلي وَلَا يتَيَمَّم لِأَنَّهُ طَاهِر بِالْغسْلِ وَلَو كَانَ أحدث قبل أَن يغسل ذَلِك الْموضع كَانَ عَلَيْهِ أَن يغسل ذَلِك الْموضع وَيتَيَمَّم فَإِن بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ قبل أَن يغسل ذَلِك الْموضع ثمَّ غسل ذَلِك الْموضع أجزاه لِأَنَّهُ قد وَجب عَلَيْهِ التَّيَمُّم مَعَ غسل ذَلِك الْموضع فَإِذا وجبا عَلَيْهِ جَمِيعًا فَلَا يضرّهُ وبأيهما بَدَأَ أجزاه ذَلِك أَلا ترى أَنه لَو وجد سُؤْر حمَار كَانَ عَلَيْهِ أَن يتَوَضَّأ وَأَن يتَيَمَّم وبأيهما بَدَأَ أجزاه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت لَو وجد سُؤْر الْحمار واغتسل بِهِ بعد التَّيَمُّم وَقد بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ أما يجْزِيه هَذَا قَالَ يجْزِيه هَذَا مثل الأول وَقَالَ مُحَمَّد فِي رجل تيَمّم وَدخل فِي الصَّلَاة ثمَّ نظر إِلَى سُؤْر الْحمار أَو إِلَى نَبِيذ التَّمْر قَالَ يمْضِي فِي صلَاته وَلَا يقطعهَا فَإِذا فرغ من الصَّلَاة تَوَضَّأ بسؤر الْحمار أَو النَّبِيذ ثمَّ يُصَلِّي مرّة أُخْرَى وَكَذَلِكَ لَو كَانَ تَوَضَّأ بالنبيذ وَتيَمّم ثمَّ دخل فِي الصَّلَاة ثمَّ نظر إِلَى سُؤْر الْحمار مضى على صلَاته وَلَا يقطعهَا فَإِذا فرغ تَوَضَّأ بسؤر الْحمار وَصلى مرّة أُخْرَى(1/128)
- بَاب الْأَذَان
-
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا أَرَادَ أَن يُؤذن كَيفَ يُؤذن وَكَيف فِي أَذَانه قَالَ يسْتَقْبل الْقبْلَة فِي أَذَانه حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى الصَّلَاة وَإِلَى الْفَلاح حول وَجهه يَمِينا وَشمَالًا وَقَدمَاهُ مكانهما فَإِذا فرغ من الصَّلَاة والفلاح حول وَجهه إِلَى الْقبْلَة قلت وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة مثنى مثنى وَآخر الْأَذَان لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا أذن أيجعل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ قَالَ نعم قلت فان لم يفعل حَتَّى فرغ من أَذَانه قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت إِن اسْتقْبل الْقبْلَة بأذانه حَتَّى انْتهى إِلَى الصَّلَاة وَإِلَى الْفَلاح وَهُوَ فِي صومعته فَأَرَادَ أَن يخرج رَأسه من نَوَاحِيهَا فَلم يسْتَطع حَتَّى يحول قَدَمَيْهِ من مكانهما فدار فِي صومعته قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك شَيْئا
قلت فَهَل يثوب فِي شَيْء من الصَّلَاة قَالَ لَا يثوب إِلَّا فِي صَلَاة الْفجْر(1/129)
قلت فَكيف التثويب فِي صَلَاة الْفجْر قَالَ كَانَ التثويب الأول بعد الْأَذَان الصَّلَاة خير من النّوم فأحدث النَّاس هَذَا التثويب وَهُوَ حسن
قلت أفيحدر الْإِقَامَة حدرا ويترسل فِي الْأَذَان قَالَ نعم(1/130)
قلت أَرَأَيْت إِن حدرهما جَمِيعًا أَو ترسل فيهمَا جَمِيعًا أَو حدر الْأَذَان وَترسل فِي الْإِقَامَة هَل يضرّهُ ذَلِك قَالَ لَا وَلَكِن أفضل ذَلِك أَن يصنع كَمَا وصفت لَك
قلت أَرَأَيْت رجلا أذن وَهُوَ على غير وضوء وَأقَام كَذَلِك قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت رجلا أذن قَاعِدا قَالَ أكره لَهُ ذَلِك قلت فَهَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا أذن وَأقَام رجل آخر غَيره قَالَ لَا بَأْس بذلك
قلت أَرَأَيْت رجلا أذن وَلم يسْتَقْبل الْقبْلَة فِي أَذَانه قَالَ أكره لَهُ ذَلِك قلت فَهَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا أذن قبل وَقت الصَّلَاة قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد أَذَانه إِذا دخل الْوَقْت قلت فَإِن لم يفعل وَصلى بهم قَالَ صلَاتهم تَامَّة وَقَالَ أَبُو يُوسُف آخرا لَا بَأْس بِأَن يُؤذن للفجر خَاصَّة قبل طُلُوع الْفجْر
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر هَل يُؤذن وَهُوَ رَاكب قَالَ نعم إِن شَاءَ(1/131)
قلت فَكيف يصنع إِذا أَقَامَ قَالَ أحب ذَلِك إِلَى إِذا أَرَادَ أَن يُقيم أَن ينزل فيقيم وَهُوَ على الأَرْض قلت فَإِن لم يفعل وَأقَام رَاكِبًا كَمَا هُوَ قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت النِّسَاء هَل عَلَيْهِنَّ أَذَان وَإِقَامَة قَالَ لَيْسَ على النِّسَاء أَذَان وَلَا إِقَامَة
قلت أَرَأَيْت أهل الْمصر يصلونَ الْجَمَاعَة بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة قَالَ قد أساؤا فِي ذَلِك وصلاتهم تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فِي الْمصر وَحده هَل يجب عَلَيْهِ أَذَان وَإِقَامَة قَالَ إِن فعل فَحسن وَإِن اكْتفى بِأَذَان النَّاس وإقامتهم أجزاه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا انْتهى إِلَى الْمَسْجِد فَأَرَادَ أَن يُصَلِّي فِيهِ وَقد أذن فِي ذَلِك الْمَسْجِد وأقيم فِيهِ وَصلى النَّاس هَل يجب على هَذَا الرجل أَن يُؤذن لنَفسِهِ وَيُقِيم قَالَ لَا وَلكنه يُصَلِّي بأذانهم وإقامتهم
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر أيؤذن وَيُقِيم فِي السّفر قَالَ نعم(1/132)
قلت فَإِن أَقَامَ وَلم يُؤذن قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن أذن وَلم يقم قَالَ يجْزِيه وَقد أَسَاءَ قلت فَإِن لم يُؤذن وَلم يقم قَالَ قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة قلت أَرَأَيْت إِن كَانُوا جمَاعَة فِي سفر قَالَ الْجَمَاعَة فِي هَذَا وَالْوَاحد سَوَاء وَعَلَيْهِم أَن يؤذنوا ويقيموا وَإِن لم يَفْعَلُوا فقد أساؤا وصلاتهم تَامَّة قلت فَإِن أَقَامُوا وَتركُوا الْأَذَان قَالَ يجزيهم قلت وترخص للمسافرين فِي هَذَا وَلَا ترخص للمقيمين قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْأَذَان وَالْإِقَامَة هَل يجب فِي شَيْء من صَلَاة التَّطَوُّع قَالَ لَا إِنَّمَا الْأَذَان وَالْإِقَامَة فِي الصَّلَوَات الْخمس الْمَفْرُوضَة
قلت فَهَل فِي الْوتر أَذَان وَإِقَامَة قَالَ لَا قلت فَهَل فِي الْعِيدَيْنِ أَذَان وَإِقَامَة قَالَ لَيْسَ فِي الْعِيدَيْنِ أَذَان وَلَا إِقَامَة قلت فالجمعة قَالَ الْجُمُعَة فَرِيضَة وفيهَا أَذَان وَإِقَامَة قلت فَمَتَى الْأَذَان وَالْإِقَامَة يَوْم الْجُمُعَة قَالَ إِذا صعد الإِمَام الْمِنْبَر أذن الْمُؤَذّن وَإِذا نزل الإِمَام أَقَامَ الْمُؤَذّن
قلت أَرَأَيْت الْمُؤَذّن إِذا أذن وَأقَام هَل يتَكَلَّم فِي شَيْء من أَذَانه وإقامته قَالَ لَا قلت فَإِن تكلم فِي أَذَانه أَو فِي إِقَامَته وَصلى الْقَوْم بذلك قَالَ صلَاتهم تَامَّة وَأحب ذَلِك إِلَى أَن لَا يتَكَلَّم فِي أَذَانه وَلَا فِي إِقَامَته
قلت أَرَأَيْت الْمُؤَذّن يُؤذن للفجر قبل أَن ينشق الْفجْر أتأمره أَن يُعِيد الْأَذَان إِذا انْشَقَّ الْفجْر قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ(1/133)
أذن قبل الْوَقْت أَلا ترى أَنه لَو أذن لَهَا فِي عشَاء كَانَ يجب عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْأَذَان فَكَذَلِك إِذا أذن قبل دُخُول الْوَقْت قلت فَإِن لم يعد الْأَذَان فصلى بهم فِي الْوَقْت قَالَ صلَاتهم تَامَّة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الأول ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا بَأْس بِأَن يُؤذن فِي الْفجْر خَاصَّة قبل أَن يطلع الْفجْر
قلت أَرَأَيْت قوما فَاتَتْهُمْ الصَّلَاة فِي جمَاعَة فَدَخَلُوا الْمَسْجِد وَقد أقيم فِي ذَلِك الْمَسْجِد وَصلى فِيهِ فَأَرَادَ الْقَوْم أَن يصلوا فِيهِ جمَاعَة بِأَذَان وَإِقَامَة قَالَ أكره لَهُم ذَلِك وَلَكِن عَلَيْهِم أَن يصلوا وحدانا بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة لِأَن أَذَان أهل الْمَسْجِد وإقامتهم تجزيهم قلت فَإِن أذنوا وَأَقَامُوا وصلوا جمَاعَة قَالَ صلَاتهم تَامَّة وَأحب إِلَى أَن لَا يَفْعَلُوا قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ ذَلِك الْمَسْجِد فِي طَرِيق من طرق الْمُسلمين وَصلى فِيهِ قوم مسافرون بِأَذَان وَإِقَامَة ثمَّ جَاءَ قوم مسافرون سوى أُولَئِكَ فأرادوا أَن يؤذنوا فِيهِ ويقيموا ويصلوا جمَاعَة قَالَ لَا بَأْس بذلك قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا الْمَسْجِد لم يصل فِيهِ أَهله إِنَّمَا صلى فِيهِ أهل الطَّرِيق وَإِنَّمَا أكره ذَلِك إِذا كَانَ أَهله قد صلوا فِيهِ قلت فَإِن صلى فِي هَذَا الْمَسْجِد قوم مسافرون ثمَّ جَاءَ أهل الْمَسْجِد فَأذن مؤذنهم وَأقَام فصلوا فِيهِ ثمَّ جَاءَ قوم مسافرون فأرادوا أَن يصلوا(1/134)
فِيهِ جمَاعَة بِأَذَان وَإِقَامَة قَالَ أكره لَهُم ذَلِك لِأَن أهل الْمَسْجِد قد صلوا فِيهِ
- بَاب من نسي صَلَاة ذكرهَا من الْغَد
-
قلت أَرَأَيْت قوما فَاتَتْهُمْ الظّهْر نسوها حَتَّى الْغَد ثمَّ ذكروها فأرادوا أَن يقضوها جمَاعَة بِأَذَان وَإِقَامَة قَالَ لَا بَأْس بِأَن يؤذنوا ويقيموا ويؤمهم بَعضهم قلت فَإِن كَانَ رجل وَاحِد نسى هَذِه الصَّلَاة فَأَرَادَ أَن يَقْضِيهَا من الْغَد أيؤذن لَهَا وَيُقِيم قَالَ نعم قلت فَإِن لم يفعل وَصلى قَالَ صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت قوما نسوا صَلَاتَيْنِ حَتَّى الْغَد بَعضهم نسى الظّهْر وَبَعْضهمْ نسى الْعَصْر فَذكرُوا ذَلِك من الْغَد ألهم أَن يصلوا فِي جمَاعَة قَالَ أما من نسى الظّهْر فَلَا بَأْس بِأَن يصلى جمَاعَة وَلَا يُصَلِّي من نسى مَعَهم الْعَصْر وَيُصلي الَّذين نسوا الْعَصْر فِي جمَاعَة أَيْضا إِن شاؤا قلت فَإِن كَانَ الْقَوْم نسوا جَمِيعًا الصَّلَاتَيْنِ فَذكرُوا ذَلِك من الْغَد فَأذن مؤذنهم وَأقَام فصلوا الظّهْر فِي جمَاعَة ثمَّ أَن مؤذنهم أذن أَيْضا وَأقَام وصلوا الْعَصْر أَيجوزُ ذَلِك أَو نَحوه قَالَ نعم(1/135)
قلت أَرَأَيْت رجلَيْنِ نسيا صَلَاتَيْنِ أَحدهمَا نسى الظّهْر وَالْآخر نسى الْعَصْر فذكرا ذَلِك من الْغَد فَأَتمَّ أَحدهمَا صَاحِبَة وَالْإِمَام الَّذِي نسى الْعَصْر فصلى بِهِ قَالَ أما الإِمَام فَصلَاته تَامَّة وَأما الَّذِي نسى الظّهْر فَهُوَ إِنَّمَا دخل مَعَ الإِمَام فِي التَّطَوُّع فَهُوَ يجْزِيه من التَّطَوُّع قلت فَإِن نسيا صَلَاتَيْنِ من يَوْمَيْنِ وهما جَمِيعًا الْعَصْر فَأَتمَّ أَحدهمَا صَاحبه وَالْإِمَام الَّذِي نسى أَولا قَالَ صلَاته تَامَّة وَهَذَا الَّذِي نسى آخرا إِنَّمَا دخل مَعَه فِي التَّطَوُّع فَهُوَ يجْزِيه من التَّطَوُّع وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الْعَصْر قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الَّذِي نسى آخرا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يُؤذن لَهُم العَبْد أَو الْأَعرَابِي أَو ولد الزِّنَا أَو الْأَعْمَى قَالَ يجزيهم
قلت أَتُحِبُّ أَن يكون الْمُؤَذّن عَالما بِالسنةِ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يُؤذن لَهُم الْغُلَام الَّذِي لم يَحْتَلِم بعد وَقد راهق الْحلم قَالَ أحب إِلَى أَن يُؤذن لَهُم رجل قلت فَإِن صلوا بأذانه وإقامته قَالَ يجزيهم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم تؤذن لَهُم الْمَرْأَة فصلوها بأذانها وإقامتها(1/136)
قَالَ أكره لَهُم ذَلِك فَإِن فعلوا أجزاهم
قلت فالبصير أحب إِلَيْك أَن يُؤذن من الْأَعْمَى قَالَ نعم هُوَ أحب إِلَى لِأَن الْبَصِير أعرف بمواقيت الصَّلَاة
قلت فَأَيّهمَا أحب إِلَيْك أَن يُؤذن الْمُؤَذّن على المنارة أَو فِي صحن الْمَسْجِد قَالَ أحب ذَلِك إِلَى أَن يكون أسمعهُ للْقَوْم وَالْجِيرَان وكل ذَلِك حسن
قلت أفتحب للمؤذن يرفع صَوته بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة قَالَ نعم يسمع وَلَا يجْهد نَفسه
قلت أفتكره للمؤذن إِذا أذن أَن يتَطَوَّع فِي صومعته قَالَ لَا أكره لَهُ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت إِذا قَالَ الْمُؤَذّن الله أكبر الله أكبر أيطول ذَلِك قَالَ أحب ذَلِك إِلَى أَن يحذفه حذفا قلت فَإِن فعل قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت رجلا أذن فَظن أَنَّهَا الْإِقَامَة وَأقَام فِي آخرهَا فصلى الْقَوْم بذلك قَالَ يجزيهم قلت فَإِن أَقَامَ ثمَّ استيقن قبل أَن يدخلُوا فِي الصَّلَاة قَالَ أحب ذَلِك إِلَى أَن يتم الْأَذَان ثمَّ يُقيم(1/137)
وَإِن لم يفعل أجزاه
قلت أَرَأَيْت مُؤذنًا أذن ثمَّ مكث بعد أَذَانه سَاعَة فَأخذ فِي إِقَامَته فَظن أَنَّهَا الْأَذَان فَصنعَ فِيهَا مَا يصنع فِي الْأَذَان فَقَالَ لَهُ بعض الْقَوْم هَذِه الْإِقَامَة كَيفَ يصنع أيبتدئ الْإِقَامَة من أَولهَا أَو يَقُول قد قَامَت الصَّلَاة قَالَ بل يَبْتَدِئ الْإِقَامَة من أَولهَا قلت فَإِن لم يفعل وَقَالَ قد قَامَت الصَّلَاة قَالَ يجزيهم قلت أَرَأَيْت لَو أَنه حِين فعل فِي الْإِقَامَة مَا فعل ثمَّ ظن أَن ذَلِك لَا يجْزِيه فَاسْتقْبل الْأَذَان من أَوله ثمَّ أَقَامَ فصلى قَالَ يجْزِيه
قلت أرايت مُؤذنًا يثوب فِي الْفجْر فَظن أَن تثويبه ذَلِك إِقَامَة فَأَقَامَ فِيهَا الصَّلَاة ثمَّ علم بعد أَنه التثويب قبل أَن يدْخل الْقَوْم فِي الصَّلَاة قَالَ يكف الْقَوْم حَتَّى يَبْتَدِئ الْمُؤَذّن الْإِقَامَة من أَولهَا ثمَّ يقومُونَ إِلَى الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت مُؤذنًا أَخذ فِي الْإِقَامَة فغشى عَلَيْهِ قبل أَن يفرغ من إِقَامَته ثمَّ أَفَاق أيبتدئ بِالْإِقَامَةِ من أَولهَا أَو من الْمَكَان الَّذِي غشي عَلَيْهِ فِيهِ قَالَ أحب ذَلِك إِلَى أَن يَبْتَدِئ لَهَا من أَولهَا وَإِن(1/138)
لم يفعل أجزاه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت مُؤذنًا أَقَامَ ثمَّ رعف أَو أحدث قبل أَن يفرغ من إِقَامَته فَذهب فَتَوَضَّأ ثمَّ جَاءَ أيبتدئ الْإِقَامَة من أَولهَا أَو من الْموضع الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ قَالَ أحب إِلَى أَن يبتدئها من أَولهَا وَإِن لم يفعل فابتدأها من ذَلِك الْموضع أجزاه
قلت أَرَأَيْت مُؤذنًا أذن وَقدم شَيْئا قبل شَيْء فَقَالَ أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله ثمَّ قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ إِذا قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن عَلَيْهِ أَن يَقُول أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حَتَّى يكون بعْدهَا قلت فَإِن لم يفعل وَمضى على ذَلِك قَالَ يجزيهم قلت وَكَذَلِكَ كل شئ قدمه من الْأَذَان أَو أَخّرهُ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو فعل هَذَا فِي الْإِقَامَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت مُؤذنًا أَخذ فِي الْإِقَامَة فَلم يفرغ من الْإِقَامَة حَتَّى أحدث كَيفَ يصنع أيتم الْإِقَامَة ثمَّ يذهب فيتوضأ أَو يَبْتَدِئ فيتوضأ ثمَّ يتم الْإِقَامَة قَالَ يتم الْإِقَامَة ثمَّ يذهب فيتوضأ وَيُصلي وَأي ذَلِك فعل أجزاه(1/139)
قلت أَرَأَيْت مُؤذنًا أَخذ فِي الْإِقَامَة فَوَقع فَمَاتَ فَقَامَ رجل من الْقَوْم مَكَانَهُ أيبتدئ الْإِقَامَة من أَولهَا أَو يَأْخُذ من الْمَكَان الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ الْمَيِّت قَالَ أحب إِلَى أَن يَبْتَدِئ بهَا من أَولهَا وَإِن أَخذ من الْمَكَان الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ الْمَيِّت أجزاه قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن الأول أَصَابَهُ لمَم أَو جن أَو أغمى عَلَيْهِ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت مُؤذنًا أذن ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَخرج من الْمَسْجِد أَتَرَى للْقَوْم أَن يعتدوا بأذانه ويأمروا بعض الْقَوْم فيقيم بهم الصَّلَاة أَو يُعِيدُوا الْأَذَان قَالَ أَي ذَلِك مَا فعلوا أجزاهم
قلت أَرَأَيْت الْمُؤَذّن إِذا أذن فِي الْمغرب وَفرغ من أَذَانه أَتُحِبُّ لَهُ أَن يقْعد ثمَّ يقوم فيقيم بهم الصَّلَاة أَو يكون قَائِما كَمَا هُوَ حَتَّى يُقيم أَي ذَلِك أحب إِلَيْك قَالَ أحب إِلَى أَن يقوم قَائِما كَمَا هُوَ حَتَّى يُقيم بهم الصَّلَاة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أحب إِلَيّ أَن يجلس جلْسَة خَفِيفَة ثمَّ يقوم فيقيم بهم الصَّلَاة وَهُوَ قَول مُحَمَّد قلت فَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْفجْر وَالظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء قَالَ أحب ذَلِك إِلَى أَن يقْعد فِيهَا فِيمَا بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة قلت فَإِن لم يفعل وَلم يقْعد فِي شَيْء من ذَلِك غير أَنه أَقَامَ الصَّلَاة قَالَ يجزيهم قلت(1/140)
أَرَأَيْت إِن وصل الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَلم يَجْعَل بَينهمَا شَيْئا أَو لم يمْكث بَينهمَا قَالَ أكره لَهُ ذَلِك ويجزيهم قلت أَرَأَيْت مُؤذنًا اذن وَهُوَ فِي إِزَار وَاحِد واقام كَذَلِك قَالَ يجزيهم
قلت أَرَأَيْت الْمُؤَذّن أذن هَل تكره لَهُ أَن يُؤذن للْقَوْم وَيُقِيم وَيُصلي مَعَهم ثمَّ يَأْتِي قوما آخَرين فَيُؤذن لَهُم وَيُقِيم وَلَا يُصَلِّي مَعَهم قَالَ نعم أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن فعل قَالَ يجزيهم
قلت أَرَأَيْت الْمُؤَذّن إِذا لم يكن لَهُ مَنَارَة وَالْمَسْجِد صَغِير أَيْن أحب إِلَيْك أَن يُؤذن أيخرج من الْمَسْجِد فَيُؤذن حَتَّى يسمع النَّاس أَو يُؤذن فِي الْمَسْجِد قَالَ أحب ذَلِك الي أَن يُؤذن خَارِجا من الْمَسْجِد وَإِذا أذن فِي الْمَسْجِد أجزاه
قلت أرايت الْمُؤَذّن وَالْإِمَام هَل تكره لَهما أَن يؤذنا ويؤما(1/141)
بِأَجْر مَعْلُوم قَالَ نعم أكره لَهما ذَلِك وَلَا يَنْبَغِي للْقَوْم أَن يعطوهما على ذَلِك أجرا قلت فَإِن أَخذ على ذَلِك أجرا مَعْلُوما فَأذن لَهُم وَأم قَالَ يجزيهم قلت أَرَأَيْت إِن لم يشارطهم على شَيْء مَعْلُوم وَلَكنهُمْ عرفُوا حَاجته فَكَانُوا يجمعُونَ لَهُ فِي السّنة شَيْئا فيعطونه ذَلِك قَالَ هَذَا حسن
قلت أَرَأَيْت الْمُؤَذّن إِذا كَانَ رجل سوأ وَالْقَوْم يَجدونَ خيرا مِنْهُ(1/142)
من يُؤذن لَهُم قَالَ ليؤذن لَهُم من هُوَ خير من هَذَا قلت فَإِن لم يَفْعَلُوا وَأذن لَهُم هَذَا قَالَ يجزيهم
قلت أَرَأَيْت الرجل السوقي يُؤذن للْقَوْم الْفجْر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَيكون الظّهْر وَالْعصر فِي سوقه وَيُؤذن لَهُم الظّهْر وَالْعصر غَيره أتكره لَهُم ذَلِك قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ رجل يواظب عَلَيْهَا كلهَا قَالَ هُوَ أحب إِلَيّ 3 قلت أَرَأَيْت رجلا أذن وَأقَام وَهُوَ سَكرَان لَا يعقل أَو مَجْنُون مغلوب لَا يعقل فصلى الْقَوْم بذلك الْأَذَان قَالَ يجزيهم قلت أفتكره للسكران وَالْمَجْنُون الَّذِي لَا يعقل أَن يُؤذن للْقَوْم وَيُقِيم قَالَ نعم أكره لَهُم ذَلِك قلت وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوه قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن أذن وَأقَام للْقَوْم أَتَرَى للْقَوْم أَن يُعِيدُوا الْأَذَان وَالْإِقَامَة قَالَ نعم هُوَ أحب إِلَيّ أَن يَفْعَلُوا
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يكون بَينهم الْمَسْجِد ومؤذنهم وَاحِد فاقتسموا الْمَسْجِد بَينهم فَضربُوا حَائِطا وَسطه وَلكُل طَائِفَة إِمَام على حِدة هَل يجزيهم أَن يكون مؤذنهم وَاحِدًا قَالَ نعم وَلَكِن لَا يَنْبَغِي لَهُم أَن يقتسموا الْمَسْجِد وَلَا تجوز الْقِسْمَة فِيهِ قلت فَإِن اقتسموا ذَلِك(1/143)
قَالَ الْقِسْمَة مَرْدُودَة قلت وَإِن لم يردوا الْقِسْمَة وَرَضوا بِهِ جَمِيعًا قَالَ أحسن ذَلِك أَن يكون لكل طَائِفَة مُؤذن لِأَنَّهُمَا مسجدان
- بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة
-
قلت أَرَأَيْت وَقت الْفجْر مَتى هُوَ قَالَ من حِين يطلع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس
قلت أَرَأَيْت الْفجْر الَّذِي يطلع فَلَا يعْتَرض فِي الْأُفق أتعده من الْوَقْت قَالَ لَا لَيْسَ ذَلِك بِوَقْت قلت فَهَل يحرم الطَّعَام على الصَّائِم إِذا طلع ذَلِك الْفجْر الَّذِي يسطع فِي السَّمَاء قَالَ لَا وَلَكِن الْفجْر الَّذِي يحرم بِهِ الطَّعَام على الصَّائِم وَتحل بِهِ الصَّلَاة هُوَ الْفجْر الَّذِي يعْتَرض فِي الْأُفق
قلت أَرَأَيْت وَقت الظّهْر مَتى هُوَ قَالَ من حِين تَزُول الشَّمْس إِلَى أَن يكون الظل قامة فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يدْخل وَقت الْعَصْر حَتَّى يصير الظل قامتين فَإِذا صَار الظَّن قامتين دخل وَقت الْعَصْر(1/144)
قلت أَرَأَيْت وَقت الْعَصْر مَتى هُوَ قَالَ من حِين يكون الظل قامة فيزيد على الْقَامَة إِلَى أَن تَتَغَيَّر الشَّمْس فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يدْخل وَقت الْعَصْر حَتَّى يصير الظل قامتين وَآخر وَقتهَا غرُوب الشَّمْس قلت فَمن صلى الْعَصْر حِين تَغَيَّرت الشَّمْس قبل أَن تغيب أَتَرَى ذَلِك يجْزِيه قَالَ نعم يجْزِيه وَلَكِن أكره لَهُ أَن يؤخرها إِلَى أَن تَتَغَيَّر الشَّمْس
قلت أَرَأَيْت الْمغرب مَتى هُوَ قَالَ من حِين تغرب إِلَى أَن يغيب الشَّفق قلت وَتكره أَن يؤخرها إِذا غَابَ الشَّفق قَالَ نعم والشفق الْبيَاض الْمُعْتَرض فِي الْأُفق فِي قَول أبي حنيفَة وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد الْحمرَة وروى أَيْضا عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ الشَّفق هُوَ الْحمرَة(1/145)
قلت أَرَأَيْت وَقت الْعشَاء مَتى هُوَ قَالَ من حِين يغيب الشَّفق إِلَى نصف اللَّيْل قلت أَرَأَيْت من صلاهَا قبل أَن يطلع الْفجْر بعد مَا مضى نصف اللَّيْل قَالَ يجْزِيه وَلَكِن أكره لَهُ أَن يؤخرها إِلَى تِلْكَ السَّاعَة
قلت أَرَأَيْت الْفجْر أينور بهَا فِي الشتَاء والصيف أَو يغلس بهَا قَالَ أحب إِلَى أَن ينور بهَا
قلت أَرَأَيْت الظّهْر أيصليها حِين تَزُول الشَّمْس أَو يؤخرها قَالَ أما فِي الصَّيف فَأحب إِلَيّ أَن يؤخرها ويبرد بهَا وَأما فِي الشتَاء فَأحب ذَلِك إِلَيّ أَن يُصليهَا حِين تَزُول الشَّمْس
قلت أَرَأَيْت الْعَصْر أيصليها فِي أول وَقتهَا أَو يُصليهَا فِي آخر وَقتهَا(1/146)
قَالَ أحب ذَلِك إِلَيّ أَن يُصليهَا فِي آخر وَقتهَا وَالشَّمْس بَيْضَاء لم تَتَغَيَّر قلت والشتاء والصيف عنْدك سَوَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمغرب أيؤخرها بعد غرُوب الشَّمْس شَيْئا قَالَ أكره لَهُ أَن يؤخرها إِذا غربت الشَّمْس والشتاء والصيف سَوَاء
قلت أَرَأَيْت وَقت الْعشَاء أيصليها حِين يغيب الشَّفق أَو يؤخرها قَالَ أحب ذَلِك إِلَيّ أَن يؤخرها إِلَى مَا بَينه وَبَين ثلث اللَّيْل
قلت أَرَأَيْت إِذا كَانَ يَوْم فِيهِ غيم كَيفَ يصنع فِي مَوَاقِيت الصَّلَوَات كلهَا قَالَ أما الْفجْر فينور بهَا وَأما الظّهْر فيؤخرها وَأما الْعَصْر فيعجلها وَأما الْمغرب فيؤخرها وَأما الْعشَاء فيعجلها
قلت أَرَأَيْت هَل يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا فِي عَرَفَة وَجمع قَالَ لَا يجمع بَين صَلَاتَيْنِ فِي وَقت وَاحِد فِي حضر وَلَا سفر مَا خلا عَرَفَة والمزدلفة
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر إِذا صلى الظّهْر فِي آخر وَقتهَا وَالْعصر فِي أول وَقتهَا هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الْمغرب وَالْعشَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْوتر مَتى وقته قَالَ من حِين يُصَلِّي الْعشَاء إِلَى(1/147)
طُلُوع الْفجْر قلت فأئ ذَلِك أفضل عنْدك قَالَ أفضل ذَلِك عِنْدِي أَن يُوتر فِي آخر اللَّيْل قبل طُلُوع الْفجْر
قلت أَرَأَيْت رجلا أوتر قبل الْعشَاء مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ لَا يجْزِيه قلت وَكَذَلِكَ لَو أوتر بعد مَا غَابَ الشَّفق قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُوتر إِلَّا من بعد مَا يُصَلِّي الْعشَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الْعشَاء وَهُوَ على غير وضوء فَنَامَ ثمَّ اسْتَيْقَظَ سحرًا فأوتر وَهُوَ لَا يعلم أَنه حَيْثُ صلى الْعشَاء كَانَ على غير وضوء فَقَامَ وأوتر فَلَمَّا فرغ من الْوتر وَسلم ذكر أَنه كَانَ قد صلى الْعشَاء وَهُوَ على غير وضوء فَقَامَ وَصلى الْعشَاء أيجزيه وتره ذَلِك أم يُعِيد قَالَ يجْزِيه وَلَا يُعِيد فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُعِيد الْوتر وَإِن كَانَ بعد أَيَّام قلت أَرَأَيْت إِن لم يعلم أَنه صلى الْعشَاء وَهُوَ على غير وضوء أَيَّامًا وليالي ثمَّ ذكر بعد ذَلِك أيقضي الْوتر فِي كل لَيْلَة وَقد صلى هَكَذَا قَالَ لَا لَو اوجبت عَلَيْهِ ان يقْضى الْوتر فى كل لَيْلَة لأوجبت عَلَيْهِ أَن يَقْضِيهَا فِي أَكثر من ذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يقْضِي الْوتر الأول(1/148)
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي تَطَوّعا أيصلي فِي أَي سَاعَة شَاءَ من اللَّيْل وَالنَّهَار قَالَ نعم مَا خلا ثَلَاث سَاعَات إِذا طلعت الشَّمْس إِلَى أَن ترْتَفع وَإِذا انتصف النَّهَار إِلَى أَن تَزُول الشَّمْس وَإِذا احْمَرَّتْ الشَّمْس إِلَى أَن تغيب وَلَا صَلَاة بعد الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب
قلت أَرَأَيْت رجلا نسى صَلَاة مَكْتُوبَة فَذكرهَا بعد مَا صلى الْفجْر قبل أَن تطلع الشَّمْس أَو ذكرهَا بعد مَا صلى الْعَصْر قبل أَن تَتَغَيَّر الشَّمْس قَالَ عَلَيْهِ أَن يَقْضِيهَا سَاعَة ذكرهَا قلت لم وَقد زعمت أَنَّك تكره الصَّلَاة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ قَالَ إِنَّمَا أكره النَّافِلَة فَأَما الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا فِي هَاتين الساعتين قلت وَكَذَلِكَ لَو ذكر الْوتر فِي هَاتين الساعتين قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو سمع فِي هَاتين الساعتين سَجْدَة أَو قَرَأَهَا هُوَ أايسجدها قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ يُصَلِّي فيهمَا على الْجِنَازَة قَالَ نعم قلت لم أَلَيْسَ السَّجْدَة وَالصَّلَاة على الْجِنَازَة بِمَنْزِلَة التَّطَوُّع قَالَ لَا أَلا ترى أَن(1/149)
السَّجْدَة قد وَجَبت عَلَيْهِ حِين يسْمعهَا وَهُوَ فِي وَقت الصَّلَاة أَو لَا ترى أَنه لَو نسى الصَّلَاة فَذكرهَا فِي هَاتين الساعتين صلاهَا وَقد كَانَ يكون قد صلى فِي وَقت وَإِنَّمَا أكره الصَّلَاة فِي هَاتين الساعتين إِذا كَانَ قد صلى الْفجْر وَالْعصر وَهُوَ يُرِيد أَن يتَطَوَّع بِهِ بعد ذَلِك فَأَما صَلَاة ذكرهَا تِلْكَ السَّاعَة فلست أكره أَن يُصليهَا
قلت أَرَأَيْت رجلا نسى صَلَاة مَكْتُوبَة فَذكرهَا حِين طلعت الشَّمْس أَو حِين انتصف النَّهَار أَو ذكرهَا حِين تغيب الشَّمْس قَالَ لَا يُصليهَا فِي هَذِه السَّاعَات الثَّلَاث قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الصَّلَاة هِيَ الْوتر أَو الْمَكْتُوبَة أَو غَيرهَا قَالَ نعم لَا يُصَلِّي فِي هَذِه الثَّلَاث سَاعَات مَا خلا الْعَصْر فَإِنَّهُ إِذا ذكر الْعَصْر من يَوْمه ذَلِك قبل غرُوب الشَّمْس صلاهَا لِأَنَّهُ بلغنَا فِي ذَلِك أثر وَإِن كَانَت الْعَصْر قد نَسِيَهَا قبل(1/150)
ذَلِك بِيَوْم أَو بأيام لم يصلها فِي تِلْكَ السَّاعَة قلت فَإِن ذكر الْعَصْر عِنْد طُلُوع الشَّمْس أَو نصف النَّهَار قَالَ لَا يُصليهَا وَالْعصر وَغَيرهَا فِي هَذَا سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا سمع السَّجْدَة حِين طلعت الشَّمْس أَو حِين انتصف النَّهَار أَو حِين تغيب الشَّمْس قَالَ لَا يسجدها فِي هَذِه السَّاعَات الثَّلَاث وَلَكِن يسجدها بعد ذَلِك قلت وَكَذَلِكَ لَو قَرَأَهَا هُوَ قَالَ نعم
قلت فَإِن أَرَادَ أَن يُصَلِّي على جَنَازَة فِي هَذِه الثَّلَاث سَاعَات قَالَ لَا يُصَلِّي على جَنَازَة فِي هَذِه الثَّلَاث سَاعَات قلت فَإِذا ارْتَفَعت الشَّمْس فابيضت وَإِذا زَالَت الشَّمْس وَإِذا غربت الشَّمْس صلى على الْجِنَازَة إِن شَاءَ أَو صلى صَلَاة ذكرهَا أَو سَجْدَة كَانَت عَلَيْهِ أَو وترا قد نَسيَه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا نسى صَلَاة الْفجْر فَذكرهَا حِين زَالَت الشَّمْس(1/151)
أيبدأ بهَا أَو بِالظّهْرِ قَالَ بل يبْدَأ بهَا فيصلى الْفجْر ثمَّ يُصَلِّي الظّهْر قلت فَإِن بَدَأَ فصلى الظّهْر مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُصَلِّي الْفجْر ثمَّ يُصَلِّي الظّهْر
قلت أَرَأَيْت إِن نسى الْفجْر وَالظّهْر جَمِيعًا ثمَّ ذكر ذَلِك فِي آخر وَقت الظّهْر قَالَ يبْدَأ فَيصَلي الظّهْر ثمَّ يُصَلِّي الْفجْر قلت لم قَالَ لِأَن الْفجْر قد فَاتَتْهُ وَهُوَ فِي آخر وَقت من الظّهْر فَعَلَيهِ أَن يُصَلِّي الظّهْر وَلَا يدع أَن تفوته فَتكون قد فَاتَتْهُ صلاتان قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي أول وَقت الظّهْر وَقد نسى الْفجْر فَلم يذكرهَا حَتَّى صلى الظّهْر فَلَمَّا فرغ من الظّهْر ذكر الْفجْر قَالَ يُصَلِّي الْفجْر وَقد تمت الظّهْر قلت فَإِن ذكر ذَلِك وَقد بقيت عَلَيْهِ رَكْعَة من الظّهْر قَالَ الظّهْر فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يُصَلِّي الْفجْر ثمَّ يُعِيد الظّهْر قلت فَإِن ذكر بعد مَا قعد فِي الرَّابِعَة وَتشهد إِلَّا أَنه لم يسلم قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء وَالظّهْر فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يُصَلِّي الْفجْر ثمَّ يُعِيد الظّهْر فِي قَول أبي حنيفَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُ إِذا ذكرهَا(1/152)
بعد مَا تشهد إِن صلَاته تَامَّة قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ سلم وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو فسجدها ثمَّ ذكر الْفجْر وَهُوَ فِي سُجُوده قَالَ الظّهْر فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يُصَلِّي الْفجْر ثمَّ يُعِيد الظّهْر فِي قَول أبي حنيفَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ بعد فِي صَلَاة لم يفرغ مِنْهَا أَلا ترى لَو أَن رجلا دخل مَعَه فِي الصَّلَاة على تِلْكَ الْحَال كَانَ قد أدْرك الصَّلَاة مَعَه أَلا ترى لَو كَانَ الَّذِي دخل مَعَه مُسَافِرًا وَالْأول مُقيما كَانَ على الْمُسَافِر أَن يُصَلِّي أَرْبعا لِأَنَّهُ قد أدْرك الصَّلَاة مَعَه
قلت أَرَأَيْت رجلا نَام عَن صَلَاة الْفجْر فَاسْتَيْقَظَ وَقد كَادَت الشَّمْس أَن تطلع وَلم يُوتر أيبدأ بالوتر أَو بِالْفَجْرِ قَالَ إِن كَانَ لَا يخَاف أَن تفوته الْفجْر وَأَن تطلع الشَّمْس بَدَأَ فأوتر ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر ثمَّ صلى الْفجْر وَإِن كَانَ يخَاف أَن يفوتهُ الْفجْر ترك الْوتر وَصلى الْفجْر قلت فَإِن فرغ من الْفجْر وَسلم ثمَّ طلعت الشَّمْس مَتى يُوتر قَالَ إِذا ابْيَضَّتْ الشَّمْس أوتر
قلت فَإِن طلعت الشَّمْس وَقد بَقِي عَلَيْهِ من الْفجْر رَكْعَة قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الْفجْر إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس(1/153)
وابيضت قلت أَرَأَيْت إِن فرغ من الصَّلَاة وَقد قعد قدر التَّشَهُّد ثمَّ طلعت الشَّمْس قبل أَن يسلم قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يُعِيد إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا قعد قدر التَّشَهُّد ثمَّ طلعت الشَّمْس فَإِن صلَاته تَامَّة قلت فَإِن كَانَ سَهَا فِي صلَاته وَفرغ وَسلم ثمَّ سجد للسَّهْو سَجْدَة وَاحِدَة ثمَّ طلعت الشَّمْس قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يُعِيد إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس فِي قَول أبي حنيفَة
قلت أَرَأَيْت رجلا نسى الْعَصْر فَذكرهَا حِين احْمَرَّتْ الشَّمْس فصلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ غربت الشَّمْس قَالَ يَبْنِي على صلَاته فَيصَلي مَا بَقِي قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا الأول قَالَ لِأَن الَّذِي صلى الْفجْر فطلعت لَهُ الشَّمْس وَهُوَ فِي الصَّلَاة فقد فَسدتْ عَلَيْهِ صلَاته لِأَنَّهَا لَيست بساعة يصلى فِيهَا وَالَّذِي غربت لَهُ الشَّمْس وَقد صلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ فقد دخل فِي وَقت صَلَاة وَالصَّلَاة لَا تكره فِي تِلْكَ السَّاعَة فَعَلَيهِ أَن يتم مَا بَقِي مِنْهَا
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى تَطَوّعا رَكْعَة ثمَّ ذكر أَن عَلَيْهِ صَلَاة مَكْتُوبَة هَل يفْسد التَّطَوُّع وينصرف قَالَ لَا وَلكنه يمْضِي على صلَاته فَإِذا فرغ مِنْهَا صلى الْمَكْتُوبَة قلت فَمَا لَهُ إِن ذكرهَا فِي الْمَكْتُوبَة(1/154)
فَسدتْ عَلَيْهِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة إِلَّا كَمَا فرضت عَلَيْهِ الأولى فَالْأولى فَإِن بَدَأَ بِالْأُخْرَى قبل الأولى فَسدتْ عَلَيْهِ صلَاته وَقد خَالف حِين صلى الْعَصْر قبل الظّهْر والتطوع لَيْسَ مثل الْمَكْتُوبَة لِأَنَّهُ لَو ذكر مَكْتُوبَة عَلَيْهِ ثمَّ قَامَ فصلى قبلهَا تَطَوّعا لم يضرّهُ ذَلِك شَيْئا بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَام هُوَ وَأَصْحَابه عَن الْفجْر فاستيقظوا بعد مَا طلعت الشَّمْس فَلَمَّا ارْتَفَعت الشَّمْس تحول عَن ذَلِك الْوَادي ثمَّ أوتر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأوتر النَّاس ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأذن فصلى رَكْعَتي الْفجْر قبل الْفجْر ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاة فصلى بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفجْر فَمن ذكر صَلَاة مَكْتُوبَة عَلَيْهِ فَاتَتْهُ(1/155)
فَبَدَأَ قبلهَا بالتطوع لم يضرّهُ ذَلِك شَيْئا لِأَن هَذَا أثر قد جَاءَ لِأَنَّهُ لم يقدم مُؤَخرا وَلم يُؤَخر مقدما
قلت أَرَأَيْت التَّطَوُّع قبل الظّهْر كم هُوَ قَالَ أَربع رَكْعَات لَا يفصل بَينهُنَّ إِلَّا بالتشهد قلت فكم التَّطَوُّع بعْدهَا قَالَ رَكْعَتَانِ
قلت فَهَل قبل الْعَصْر تطوع قَالَ إِن فعلت فَحسن قلت فكم التَّطَوُّع قبلهَا قَالَ أَربع رَكْعَات
قلت فكم التَّطَوُّع بعد الْمغرب قَالَ رَكْعَتَانِ
قلت فَهَل بعد الْعشَاء تطوع قَالَ إِن تطوع فَحسن بلغنَا عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ من صلى أَربع رَكْعَات بعد الْعشَاء قبل أَن يخرج من الْمَسْجِد كن مِثْلهنَّ من لَيْلَة الْقدر(1/156)
قلت فَهَل بعد طُلُوع الْفجْر تطوع قَالَ نعم رَكْعَتَانِ قبل صَلَاة الْفجْر قلت وَيكرهُ الصَّلَاة بعد طُلُوع الْفجْر إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر قَالَ نعم قلت وَيكرهُ الْكَلَام بعد انْشِقَاق الْفجْر إِلَى أَن يُصَلِّي الْفجْر إِلَّا بِخَير قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت التَّطَوُّع يَوْم الْجُمُعَة كم هُوَ قَالَ قبلهَا أَربع رَكْعَات وَبعدهَا أَربع لَا يفصل بَينهُنَّ إِلَّا بالتشهد
قلت أرايت صَلَاة الْعِيد هَل قبلهَا صَلَاة قَالَ لَا قلت فبعدها قَالَ إِن فعلت فَحسن قلت فكم أُصَلِّي بعْدهَا قَالَ أَربع رَكْعَات لَا يفصل بَينهُنَّ إِلَّا بالتشهد
قلت فكم الصَّلَاة تَطَوّعا بِاللَّيْلِ قَالَ بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَمَان رَكْعَات ثمَّ يُوتر بِثَلَاث ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر قلت فَإِن تطوع بِاللَّيْلِ قَالَ لَا بَأْس بِأَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا أَو سِتا سِتا أَو ثمانيا ثمانيا لَا بَأْس بِأَن تفعل أَي ذَلِك شِئْت قلت فأئ ذَلِك أحب إِلَيْك قَالَ أَربع أَربع قلت وَكَذَلِكَ التَّطَوُّع بِالنَّهَارِ قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ يَعْقُوب وَمُحَمّد صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى(1/157)
قلت أَرَأَيْت الْأَثر الَّذِي جَاءَ لَا يُصَلِّي بعد صَلَاة مثلهَا قَالَ ذَلِك عِنْدِي فِي ترك الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّك لَا تقْرَأ فيهمَا إِن شِئْت فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
قلت فطول الْقُنُوت وَالْقِيَام فِي التَّطَوُّع أحب إِلَيْك أم كَثْرَة السُّجُود قَالَ طول الْقيام أحب إِلَيّ وَأي ذَلِك فعل فَحسن
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة يَنْوِي أَربع رَكْعَات ثمَّ تكلم(1/159)
قَالَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي رَكْعَتَيْنِ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يكون دَاخِلا فِي الْأَرْبَع حَتَّى يتَشَهَّد فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَيقوم فِي الثَّالِثَة
قلت فَإِن صلى أَربع رَكْعَات بِغَيْر قِرَاءَة كم يقْضِي قَالَ يقْضِي رَكْعَتَيْنِ قلت لم قَالَ لِأَن الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فاسدتان فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يقْضِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين قلت فَإِن قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى وَقَرَأَ فِي الرَّابِعَة أَو قَرَأَ فِي الأولى وَقَرَأَ فِي الثَّالِثَة قَالَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي أَربع رَكْعَات قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا وَالْأول قَالَ هَذَا فِي الْقيَاس سَوَاء وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ يَعْقُوب أما أَنا فَأرى عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَربع رَكْعَات قَرَأَ أَو لم يقْرَأ وَقَالَ مُحَمَّد أرى فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ إِذا أفسد الْأَوليين لم يقدر على أَن يدْخل فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهُوَ قَول زفر قلت أَرَأَيْت إِن صلى رَكْعَتَيْنِ بِغَيْر قِرَاءَة ثمَّ إِنَّه صلى رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَة وَلم يسلم وَنوى فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاء الْأَوليين قَالَ لَا يكون هَذَا قَضَاء وَعَلِيهِ قَضَاء رَكْعَتَيْنِ لِأَن هَذِه صَلَاة وَاحِدَة فَلَا يكون بَعْضهَا قَضَاء بعض قلت فَإِن دخل مَعَه رجل فِي الْأُخْرَيَيْنِ فصلاهما مَعَه قَالَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي الْأَوليين كَمَا يَقْضِيهَا الإِمَام قلت فَإِن دخل مَعَه فِي الْأَوليين رجل فَلَمَّا فرغ مِنْهُمَا تكلم الرجل فَمضى الإِمَام فِي صلَاته حَتَّى صلى أَربع رَكْعَات قَالَ على الرجل الَّذِي كَانَ خَلفه أَن يقْضِي رَكْعَتَيْنِ
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت الصَّلَاة كلهَا مُسْتَقِيمَة صَحِيحَة كم يكون على الرجل الَّذِي تكلم قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ قد خرج(1/160)
من أَن يكون هَذَا إِمَامه قبل أَن يدْخل فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ إِمَامه فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلين
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى رَكْعَتَيْنِ من آخر اللَّيْل وَهُوَ يَنْوِي بهما رَكْعَتي الْفجْر أيجزيه قَالَ لَا قلت فَإِن صلى رَكْعَتي الْفجْر وَلم يستيقن بِطُلُوع الْفجْر هَل يجْزِيه قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ لَو شكّ فِي رَكْعَة مِنْهُمَا قبل طُلُوع الْفجْر إِن لم يكن طلع قَالَ نعم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صلى الرجل الْفجْر وَلم يُوتر ثمَّ ذكر الْوتر فَعَلَيهِ قَضَاء الْوتر وَإِن صلى الْفجْر وَلم يصل رَكْعَتي الْفجْر ثمَّ ذكرهمَا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَيْسَ رَكعَتَا الْفجْر بِمَنْزِلَة الْوتر وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يَقْضِيهَا إِذا طلعت الشَّمْس
- بَاب مَا جَاءَ فِي الْقيام فِي الْفَرِيضَة
-
بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من أم قوما فَليصل بهم صَلَاة أضعفهم فَإِن فيهم الْمَرِيض وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَذَا الْحَاجة(1/161)
قلت أَرَأَيْت الإِمَام كم يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر قَالَ يقْرَأ بِأَرْبَعِينَ آيَة مَعَ فَاتِحَة الْكتاب فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا قلت فكم يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ من الظّهْر قَالَ يقْرَأ بِنَحْوِ من ذَلِك أَو دونه قلت كم يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ من الْعَصْر قَالَ بِعشْرين آيَة مَعَ فَاتِحَة الْكتاب قلت فكم يقْرَأ فِي الْمغرب قَالَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة بِسُورَة قَصِيرَة خمس آيَات أَو سِتّ آيَات مَعَ فَاتِحَة الْكتاب قلت فكم يقْرَأ فِي الْعشَاء قَالَ يقرا فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا بِعشْرين آيَة مَعَ فَاتِحَة الْكتاب قلت وَكلما ذكرت فَهُوَ بعد فَاتِحَة الْكتاب قَالَ نعم قلت فَكيف قلت يقْرَأ فِي(1/162)
السّفر فِي هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات الَّتِي ذكرت لَك قَالَ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَبِمَا شَاءَ وَلَا يشبه الْحَضَر السّفر
قلت وَيقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ من الْمَكْتُوبَة بِفَاتِحَة الْكتاب فِي كل رَكْعَة قَالَ نعم إِن شَاءَ قَرَأَ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْقُرْآن وَإِن شَاءَ سبح فيهمَا وَإِن شَاءَ سكت
قلت وَكَيف يقْرَأ فِي الْوتر وماذا يقْرَأ قَالَ مَا قَرَأَ من شَيْء فَهُوَ حسن وَقد بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ فِي الْوتر فِي الرَّكْعَة الأولى ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَة ب {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّالِثَة ب قل هُوَ الله أحد وبلغنا أَنه قنت فِيهَا(1/163)
بعد مَا فرغ من الْقِرَاءَة قبل أَن يرْكَع الثَّالِثَة
قلت فَهَل فِي شَيْء من الصَّلَوَات قنوت قَالَ لَا إِلَّا فِي الْوتر قلت فَمَا مِقْدَار الْقيام فِي الْقُنُوت قَالَ كَانَ يُقَال مِقْدَار {إِذا السَّمَاء انشقت} {وَالسَّمَاء ذَات البروج} قلت فَهَل فِيهِ دُعَاء موقت قَالَ لَا قلت فَهَل يرفع يَدَيْهِ حِين يفْتَتح بِالْقُنُوتِ قَالَ نعم ثمَّ يكفهما
قلت وَفِي كم موطن ترفع الْأَيْدِي قَالَ فِي سبع مَوَاطِن فِي افْتِتَاح الصَّلَاة وَفِي الْقُنُوت فِي الْوتر وَفِي الْعِيدَيْنِ وَعند استلام الْحجر وعَلى الصَّفَا والمروة وبعرفات وبجمع وَعند الْمقَام وَعند الْجَمْرَتَيْن
قلت أَرَأَيْت الرجل يؤم النِّسَاء لَيْسَ مَعَهُنَّ رجل غَيره قَالَ أما إِذا كَانَ مَسْجِد جمَاعَة تُقَام فِيهِ الصَّلَاة وَهُوَ إِمَام فَتقدم يُصَلِّي(1/164)
وَلَيْسَ مَعَه رجل فَدخلت نسْوَة فِي الصَّلَاة فَلَا بَأْس بذلك وَأما أَن يَخْلُو بِهن فِي بَيت أَو فِي مَكَان غير الْمَسْجِد فَأنى أكره لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يكون مَعَهُنَّ ذَات محرم مِنْهُنَّ
قلت أَرَأَيْت الرجل تفوته صَلَاة الْجَمَاعَة فِي مَسْجِد حيه أَتَرَى لَهُ أَن يَأْتِي مَسْجِدا آخر يَرْجُو أَن يدْرك الصَّلَاة قَالَ إِن فعل فَحسن وَإِن صلى فِي مَسْجِد حيه فَحسن قلت فَإِن صلى فِي مَسْجِد حيه أيتطوع قبل الْمَكْتُوبَة قَالَ إِن كَانَ فِي وَقت سَعَة فَلَا بَأْس بذلك وَإِن خَافَ ذهَاب الْوَقْت بَدَأَ بالمكتوبة
قلت أَرَأَيْت إِذا أَخذ الْمُؤَذّن فِي الْإِقَامَة أتكره للرجل أَن يفْتَتح التَّطَوُّع فَيصَلي قَالَ نعم أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن كَانَت رَكْعَتي الْفجْر قَالَ أما رَكْعَتي الْفجْر فَإِنِّي لَا أكرههما(1/165)
قلت أَرَأَيْت رجلا انْتهى إِلَى الْمَسْجِد وَالْقَوْم فِي الصَّلَاة أيصلي تَطَوّعا أَو يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي الْفَرِيضَة قَالَ لَا وَلكنه يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي صلَاتهم وَلَا يُصَلِّي من التَّطَوُّع شَيْئا إِلَّا أَن يَنْتَهِي إِلَى الإِمَام وَلم يكن صلى رَكْعَتي الْفجْر فَإِنَّهُ يُصَلِّيهمَا ثمَّ يدْخل فِي صَلَاة الْقَوْم قلت فَإِن كَانَ يخَاف أَن تفوته رَكْعَة من الْفجْر قَالَ وَإِن كَانَ يخَاف قلت فَإِن خَافَ أَن يفوتهُ الْفجْر فِي جمَاعَة قَالَ أحب ذَلِك إِلَيّ أَن يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي صلَاتهم ويدع الرَّكْعَتَيْنِ
قلت أَرَأَيْت رجلا نسى الْوتر فَذكر ذَلِك وَهُوَ يخَاف أَن يفوتهُ وَقت الْفجْر إِن أوتر كَيفَ يصنع قَالَ يُصَلِّي الْفجْر فَإِذا ارْتَفَعت الشَّمْس قضى الْوتر قلت أَرَأَيْت إِن لم يخف أَن تفوته الْفجْر قَالَ يبْدَأ فيوتر ثمَّ يُصَلِّي الْفجْر قلت فَإِن كَانَ لم يصل رَكْعَتي الْفجْر وَهُوَ يخَاف إِن صلاهما فَاتَتْهُ الْفجْر قَالَ يُصَلِّي الْفجْر وَلَا يُصَلِّيهمَا قلت(1/166)
فَإِن صلى الْفجْر وَلم يصلهمَا أيصليهما إِذا ارْتَفع النَّهَار قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُمَا ليستا مثل صَلَاة الْوتر الَّتِي يَقْضِيهَا إِذا ارْتَفع النَّهَار
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى وَسلم على تَمام فِي نَفسه ثمَّ دخل مَعَه رجل فِي الصَّلَاة وَالْإِمَام قَاعد بعد فَكبر الرجل وَدخل يأتم بِهِ ثمَّ ذكر الإِمَام الَّذِي سلم أَنه قد بقيت عَلَيْهِ سَجْدَة من التِّلَاوَة أَو ذكر أَنه لم يتَشَهَّد فِي الرَّابِعَة وَقد قعد قدر التَّشَهُّد ثمَّ إِن الإِمَام تكلم قَالَ صَلَاة الإِمَام تَامَّة وَصَلَاة الَّذِي دخل مَعَه تَامَّة يَبْنِي عَلَيْهَا لِأَن الإِمَام كَانَ فِي صَلَاة تَامَّة وَكَانَ تَسْلِيمه ذَلِك لَيْسَ يقطع الصَّلَاة أَلا ترى أَن عَلَيْهِ أَن يسْجد وَأَن يتَشَهَّد وَأَن يسلم فَكل شَيْء كَانَ يكون على الإِمَام قبل التَّسْلِيم فَهُوَ على هَذَا وَلَيْسَ على الرجل الدَّاخِل مَعَ الإِمَام سَجْدَة التِّلَاوَة لِأَن الإِمَام لم يسجدها قلت فَإِن كَانَ دخل مَعَه الرجل وَالْمَسْأَلَة على حَالهَا بعد مَا سلم الإِمَام إِلَّا أَن الإِمَام ذكر أَن عَلَيْهِ سَهوا فِي صلَاته فَلم يسْجد لسَهْوه حَتَّى تكلم وَقَامَ فَذهب قَالَ صَلَاة الإِمَام تَامَّة وَأما الرجل الدَّاخِل مَعَ الْقَوْم فَإِن عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ زفر وَمُحَمّد يقوم الرجل فَيصَلي بِصَلَاة الإِمَام لِأَن السَّهْو شَيْء ترك من الصَّلَاة(1/167)
- بَاب الْحَدث فِي الصَّلَاة وَمَا يقطعهَا
-
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل مَعَ الإِمَام ثمَّ أحدث حَدثا من بَوْل أَو غَائِط أَو قيء أَو رُعَاف أَو شَيْء يسْبقهُ وَلَا يتَعَمَّد لشَيْء من ذَلِك كَيفَ يصنع إِن كَانَ إِمَامًا أَو لم يكن إِمَامًا قَالَ إِن كَانَ إِمَامًا تَأَخّر وَقدم رجلا مِمَّن خَلفه يُصَلِّي بالقوم وَيذْهب هُوَ فيتوضأ فَإِن لم يكن تكلم اعْتد بِمَا مضى من صلَاته وَصلى مَا بقى فَإِن تكلم اسْتقْبل الصَّلَاة وَلم يعْتد بِشَيْء مِمَّا مضى قلت فَإِن لم يتَكَلَّم وَلكنه لما رَجَعَ إِلَى أَهله بَال أَو أَتَى غائطا هَل يتَوَضَّأ وَيَبْنِي على صلَاته قَالَ لَا وَلكنه إِذا تعمد بِشَيْء من هَذَا انتقضت صلَاته وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة إِذا تَوَضَّأ قلت وَلم يكون عَلَيْهِ فِي الْعمد أَن يسْتَقْبل وَلَا يكون فِيمَا سبقه وَلم يملكهُ قَالَ لِأَن الْأَثر وَالسّنة جَاءَ فِيمَا سبقه أَن يتَوَضَّأ وَيَبْنِي على مَا مضى(1/168)
من صلَاته ويعتد بِمَا مضى
قلت أَرَأَيْت الرجل إِن جَامع أَو دخل الْمخْرج أَو استقاء هَل يَبْنِي على صلَاته قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل قلت وَكَذَلِكَ إِن تقيأ قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن قاء مَاء كثيرا لَا يخالطه شَيْء أَو قاء مرّة لَا يخالطها شَيْء أَو قاء طَعَاما أَو تقيأ مُتَعَمدا لذَلِك أَو ذرعه الْقَيْء وَلم يتَعَمَّد قَالَ أما إِذا كَانَ ذَلِك عمدا اسْتقْبل الصَّلَاة وَالْوُضُوء وَإِن كَانَ غير متعمد للقيء تَوَضَّأ وَبنى على صلَاته قلت فَإِن قاء بلغما لَا يخالطه شَيْء هَل ينْقض ذَلِك وضوءه قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن البلغم بزاق وَلَا وضوء فِيهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ يَعْقُوب أما أَنا فَأرى عَلَيْهِ الْوضُوء فِي البلغم إِذا كَانَ ملْء فِيهِ أَو أَكثر
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل فِي الصَّلَاة فصلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تكلم فِي الصَّلَاة وَهُوَ نَاس أَو متعمد لذَلِك قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يستقبلها(1/169)
قلت فَإِن ضحك قَالَ إِن كَانَ الضحك دون القهقهة مضى على صلَاته وَإِن كَانَ قهقهة اسْتقْبل الْوضُوء وَالصَّلَاة نَاسِيا كَانَ أَو مُتَعَمدا قلت لم كَانَ الضحك عنْدك هَكَذَا والضحك وَالْكَلَام فِي الْقيَاس سَوَاء قَالَ أجل وَلَكِنِّي أخذت فِي الضحك بالأثر الَّذِي جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل فِي الصَّلَاة فصلى رَكْعَة اَوْ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ غشي عَلَيْهِ أَو أَصَابَهُ لمَم أَو وجع فَذهب عقله وَهُوَ إِمَام قَالَ صلَاته وَصَلَاة من خَلفه فَاسِدَة وعَلى الإِمَام أَن يسْتَقْبل الْوضُوء وَالصَّلَاة(1/170)
وَأما الْقَوْم فَإِن عَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة وَلَا وضوء عَلَيْهِم قلت وَكَذَلِكَ لَو ضحك الإِمَام حَتَّى قهقه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا أم قوما فصلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ نَام قَائِما قَالَ يمْضِي فِي صلَاته وَلَا وضوء عَلَيْهِ لَا إِعَادَة قلت فَإِن نَام مضجعا تعمدا لذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَيسْتَقْبل الصَّلَاة وعَلى الْقَوْم أَن يستقبلوا الصَّلَاة وَلَا وضوء عَلَيْهِم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى بِقوم فَقعدَ فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد ثمَّ ضحك حَتَّى قهقه قَالَ صلَاته وَصَلَاة من خَلفه تَامَّة وعَلى الإِمَام أَن يُعِيد الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى وَلَا وضوء على الْقَوْم قلت فَإِن ضحك الْقَوْم مَعَ الإِمَام جَمِيعًا مَعًا قَالَ عَلَيْهِم أَيْضا أَن يُعِيدُوا الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى قلت فَإِن ضحك الْقَوْم حَتَّى قهقهوا بعد مَا قهقه الإِمَام قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِم وضوء لصَلَاة أُخْرَى وَأما الإِمَام فَعَلَيهِ الْوضُوء قلت لم قَالَ لِأَن الإِمَام حِين قهقه فقد قطع الصَّلَاة وَهَؤُلَاء ضحكوا وَلَيْسوا فِي الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن الإِمَام أحدث مُتَعَمدا بعد مَا قعد قدر التَّشَهُّد قَالَ نعم عَلَيْهِ الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى وَلَا وضوء على الْقَوْم قلت وَكَذَلِكَ لَو غشي عَلَيْهِ أَو أَصَابَهُ لمَم أَو جن قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن أحدث الإِمَام غير متعمد قَالَ صلَاته تَامَّة لِأَنَّهُ قد قعد قدر التَّشَهُّد
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام قد سَهَا فَسجدَ سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ ضحك(1/171)
فيهمَا حَتَّى قهقه قَالَ يُعِيد الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى وَصلَاته وَصَلَاة الْقَوْم تَامَّة وَلَا وضوء على الْقَوْم قلت وَلم لَا يكون على من خَلفه الْوضُوء قَالَ لأَنهم لم يضحكوا وَلم يحدثوا
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا أحدث فَتَأَخر وَقدم رجلا مِمَّن خَلفه وَقد فَاتَتْهُ رَكْعَة كَيفَ يصنع قَالَ يُصَلِّي بالقوم فَإِذا تشهد تَأَخّر وَقدم رجلا من غير أَن يسلم بهم فَيسلم بهم الرجل الآخر ثمَّ يقوم هُوَ فَيَقْضِي مَا بَقِي من صلَاته وَيسلم قلت أَرَأَيْت إِن لم يفرغ من صلَاته حَتَّى ضحك قهقهة وَقد بقيت عَلَيْهِ رَكْعَة أَو رَكْعَتَانِ قَالَ صلَاته وَصَلَاة من خَلفه وَصَلَاة الإِمَام الأول فَاسِدَة وعَلى هَذَا الَّذِي ضحك أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة وَعَلَيْهِم جَمِيعًا أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت لم أفسدت صَلَاة الإِمَام الأول قَالَ لِأَن الإِمَام الثَّانِي هُوَ إِمَام الأول أَلا ترى أَن الإِمَام يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَوَضَّأ ثمَّ يَجِيء فَيدْخل مَعَ الثَّانِي فِي صلَاته قلت أَرَأَيْت إِن تَوَضَّأ الأول وَصلى فِي بَيته واعتد بِمَا مضى من صلَاته هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ إِن كَانَ صلى فِي بَيته بعد مَا سلم الإِمَام الثَّانِي وَفرغ من صلَاته فَإِن صلَاته تَامَّة وَإِن كَانَ الإِمَام الثَّانِي لم يفرغ من صلَاته فَإِن صلَاته فَاسِدَة(1/172)
وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت الإِمَام الثَّانِي إِن قعد فِي الرَّابِعَة وَهِي لَهُ الثَّالِثَة ثمَّ ضحك بعد مَا تشهد حَتَّى قهقه قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة وَأما من خَلفه فصلاتهم تَامَّة قلت لم كَانَ هَذَا هَكَذَا أَن يكون صَلَاة الإِمَام فَاسِدَة وَصَلَاة من خَلفه تَامَّة قَالَ لِأَن الإِمَام قد بقيت عَلَيْهِ رَكْعَة وَأما الَّذين خَلفه فقد استكملوا الصَّلَاة قلت فَمَا حَال الإِمَام الأول قَالَ إِن كَانَ خلف الثَّانِي وَقد فرغ من صلَاته مَعَه فَإِن صلَاته تَامَّة وَإِن كَانَ فِي بَيته لم يدْخل مَعَ الإِمَام الثَّانِي فِي الصَّلَاة فَإِن صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة لِأَن الإِمَام(1/173)
الثَّانِي حِين فَسدتْ صلَاته قبل أَن يتم الأول فَسدتْ صَلَاة الأول وَلَو كَانَ فِي الْقَوْم من لم يتم صلَاته كَانَ عَلَيْهِ أَيْضا أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة وَلَا يشبه هَذَا الإِمَام الأول أَلا ترى أَن الإِمَام الأول يقْضِي بِغَيْر قِرَاءَة فَكَأَنَّهُ خلف الإِمَام الثَّانِي وَهَذَا الَّذِي لم يدْرك الصَّلَاة يقْضِي بِقِرَاءَة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى من الظّهْر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تشهد فَسلم نَاسِيا ثمَّ ذكر فَظن أَن ذَلِك يقطع الصَّلَاة فَاسْتقْبل التَّكْبِير يَنْوِي بِهِ الدُّخُول فِي الظّهْر ثَانِيَة وَهُوَ إِمَام قوم فَكبر مَعَه الْقَوْم ينوون مَا صنع قَالَ هُوَ على صلَاته الأولى وَيُصلي مَا بَقِي مِنْهَا وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو وتكبيره لَا يكون قطعا للصَّلَاة لِأَنَّهُ فِيهَا بعد أَلا ترى لَو أَنهم أَحْدَثُوا كَانَت صلَاتهم تَامَّة قلت وَكَذَلِكَ إِن رعفوا قَالَ نعم(1/174)
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى وَحده رَكْعَة أَو هُوَ إِمَام ثمَّ جَاءَ قوم فَدَخَلُوا فِي صلَاته فَأَتمَّ لَهُم الصَّلَاة فَلَمَّا قعد قدر التَّشَهُّد ضحك الإِمَام حَتَّى قهقه قَالَ صَلَاة الإِمَام تَامَّة وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى وَأما صَلَاة الْقَوْم فَهِيَ فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت لم قَالَ أَلا ترى أَن الَّذين خَلفه لَو تكلمُوا أَو أَحْدَثُوا أَو ضحكوا أفسدت عَلَيْهِم صلَاتهم لِأَنَّهُ قد بقيت عَلَيْهِم رَكْعَة فَكَذَلِك الإِمَام يفْسد على من خَلفه وَلَا يفْسد على نَفسه لِأَنَّهُ قد أتم الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن الإِمَام أحدث مُتَعَمدا قَالَ نعم قلت فَإِن تكلم مُتَعَمدا قَالَ لَا يشبه الْكَلَام الضحك وَالْحَدَث لِأَن الْكَلَام بِمَنْزِلَة التَّسْلِيم وعَلى الْقَوْم أَن يقضوا تِلْكَ الرَّكْعَة الَّتِي بقيت عَلَيْهِم وصلاتهم تَامَّة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد(1/175)
صَلَاة من خَلفه تَامَّة يقومُونَ فِي ذَلِك كُله فيقضون وَإِن ضحك الإِمَام قهقهة وَبِهَذَا الْأَخير نَأْخُذ
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الظّهْر فِي الْمَسْجِد فصلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة كَيفَ يصنع قَالَ إِن كَانَ صلى رَكْعَة أضَاف إِلَيْهَا أُخْرَى ثمَّ يقطع وَيسلم وَيدخل مَعَ الإِمَام فِي صلَاته وَيكون لَهُ الركعتان تَطَوّعا قلت فَإِن كَانَ صلى رَكْعَتَيْنِ وَقَامَ فِي الثَّالِثَة فَقَرَأَ وَركع وَلم يسْجد حَتَّى أُقِيمَت الصَّلَاة قَالَ يقطعهما فَيدْخل مَعَ الإِمَام فِي صلَاته وَلَا يحْتَسب بِمَا صلاه وَحده فَيجْعَل صَلَاة الإِمَام فَرِيضَة وَمَا صلى تَطَوّعا قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ سجد(1/176)
فِي الثَّالِثَة سَجْدَة وَاحِدَة أَو سَجْدَتَيْنِ قَالَ يمْضِي على صلَاته حَتَّى يُتمهَا وَهِي الْفَرِيضَة ثمَّ يسلم فَإِذا سلم دخل مَعَ الإِمَام فِي صلَاته فيجعلهما تَطَوّعا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ هَذَا فِي صَلَاة الْعَصْر قَالَ نعم إِلَّا أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يُصَلِّي مَعَ الْقَوْم بعد الْعَصْر تَطَوّعا وَلكنه إِذا فرغ من صلَاته خرج وَلم يدْخل مَعَ الإِمَام فِي صلَاته قلت فَإِن كَانَ فِي الْفجْر وَكَانَ قد صلى رَكْعَة وَسجد سَجْدَتَيْنِ أَو هُوَ رَاكِع فِي الثَّانِيَة ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة قَالَ يقطعهَا وَيدخل مَعَ الإِمَام فِي صلَاته لِأَن صَلَاة الإِمَام فَرِيضَة وَلَا يحْتَسب بِمَا كَانَ صلى وَحده قلت فَإِن كَانَ قد سجد فِي الثَّانِيَة سَجْدَة أَو سَجْدَتَيْنِ ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة قَالَ يمْضِي على صلَاته وَيسلم ثمَّ يخرج من الْمَسْجِد وَلَا يدْخل مَعَ الإِمَام فِي صلَاته قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي الْمغرب وَقد صلى مِنْهَا رَكْعَة ثمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَة فَقَرَأَ وَركع ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة وَهُوَ رَاكِع قَالَ يقطعهَا وَيدخل مَعَ الإِمَام فِي صلَاته ويجعلها فَرِيضَة قلت فَإِن كَانَ قد سجد فِي الثَّانِيَة سَجْدَة أَو سَجْدَتَيْنِ ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة قَالَ يمْضِي فِي صلَاته حَتَّى يفرغ وَيسلم وَلَا يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي صلَاتهم قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا ثَلَاث رَكْعَات(1/177)
وأكره أَن يُصَلِّي ثَلَاثًا نَافِلَة يقْعد فِيهَا
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الْمغرب وَفرغ مِنْهَا ثمَّ دخل مَسْجِدا فأقيمت الصَّلَاة أيصلي مَعَهم أَو يخرج قَالَ بل يخرج من الْمَسْجِد وَلَا يُصَلِّي مَعَهم قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا ثَلَاث رَكْعَات فأكره لَهُ أَن يقْعد فِي الثَّالِثَة من النَّافِلَة قلت فَإِن دخل وَصلى مَعَهم قَالَ إِذا فرغ الإِمَام وَسلم قَامَ هَذَا فَيشفع بِرَكْعَة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر أَو الْعشَاء ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد فأقيمت الصَّلَاة أيصلي مَعَهم وَيجْعَل الَّذِي صلى تَطَوّعا قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد فأقيمت الصَّلَاة أيصلي مَعَهم الْجُمُعَة وَيجْعَل الَّتِي صلى تَطَوّعا قَالَ نعم قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا وَالْبَاب الأول قَالَ لِأَن هَذَا يجب عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي الْجُمُعَة مَعَ النَّاس وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُصَلِّي الظّهْر فِي بَيته يَوْم الْجُمُعَة من غير عذر وَالْبَاب الأول إِذا صلى الظّهْر فِي بَيته فَهِيَ الْفَرِيضَة وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَجْعَل الْفَرِيضَة نَافِلَة وَالْفَرِيضَة هَهُنَا هِيَ الْجُمُعَة(1/178)
- بَاب الإِمَام يحدث وَلَا يقدم أحدا
-
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أحدث فَلم يقدم أحدا حَتَّى خرج من الْمَسْجِد قَالَ صَلَاة الْقَوْم فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت لم قَالَ أستحسن ذَلِك وَأرى بِهِ قبيحا أَن يكون قوم فِي الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد وإمامهم فِي أَهله
قلت أَرَأَيْت إِن قدم الْقَوْم رجلا بعد خُرُوج الإِمَام من الْمَسْجِد قَالَ لَا يجزيهم وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت فَإِن قدمُوا رجلا قبل خُرُوج الإِمَام من الْمَسْجِد قَالَ صلَاته وصلاتهم تَامَّة قلت وَيكون هَذَا بِمَنْزِلَة الَّذِي لَو قدمه الإِمَام قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن قدم الْقَوْم رجلَيْنِ أم هَذَا طَائِفَة وَأم هَذَا طَائِفَة قَالَ صلَاتهم جَمِيعًا فَاسِدَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يكون إمامين يُصَلِّي كل وَاحِد مِنْهُمَا بطَائفَة وَقد كَانَ إمَامهمْ وَاحِدًا أَلا ترى أَنه لَو نوى كل وَاحِد أَن يؤم نَفسه وَيُصلي وَحده إِن هَذَا لَا يجزيهم فَكَذَلِك الإمامان إِذا لم يجْتَمع الْقَوْم على إِمَام وَاحِد فصلاتهم فَاسِدَة
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام الَّذِي أحدث لَيْسَ خَلفه إِلَّا رجل(1/179)
وَاحِد فأحدث الإِمَام فَانْفَتَلَ وَنوى هَذَا الَّذِي كَانَ خَلفه أَن يؤم نَفسه قبل خُرُوج الإِمَام من الْمَسْجِد قَالَ صلَاته تَامَّة وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْقَوْم لَو اجْتَمعُوا فقدموا رجلا فصلى بهم قلت فَإِن لم ينْو الَّذِي كَانَ خلف الإِمَام أَن يؤم نَفسه حَتَّى خرج الإِمَام من الْمَسْجِد قَالَ صلَاته تَامَّة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل
قلت أَرَأَيْت إِن قدمه الإِمَام حِين أحدث وَجعله إِمَامًا فَذهب الإِمَام الأول فَتَوَضَّأ وَرجع قَالَ يدْخل مَعَ هَذَا فِي صلَاته فيأتم بِهِ لِأَن الإِمَام هَهُنَا هُوَ الثَّانِي
قلت فَإِن كَانَ الإِمَام الأول حِين قدم الإِمَام الثَّانِي وَخرج من الْمَسْجِد ليتوضأ أحدث الإِمَام الثَّانِي فَذهب يتَوَضَّأ قَالَ صَلَاة الأول فَاسِدَة وَصَلَاة هَذَا تَامَّة قلت فَإِن لم يحدث هَذَا الثَّانِي وَلَكِن كَانَ على صلَاته حَتَّى جَاءَ الأول فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة ثمَّ أحدث الثَّانِي وَخرج من الْمَسْجِد وَلم يقدم هَذَا وَلم ينْو هَذَا الأول أَن يكون إِمَام نَفسه قَالَ صَلَاة الأول وَالثَّانِي تَامَّة وَلَيْسَ عَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة وَهَذَا الثَّانِي إِمَام إِن نوى أَو لم ينْو
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أحدث فَانْفَتَلَ وَلم يقدم أحدا فأجمع الْقَوْم على أَن يقدموا رجلا يُصَلِّي بهم قبل(1/180)
خُرُوج الإِمَام من الْمَسْجِد فقدموه وَقد اجْتمع عَلَيْهِ كلهم إِلَّا رجلا وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ وَنوى هَذَا الَّذِي لم يجمع مَعَهم أَن يُصَلِّي علا حِدة لنَفسِهِ قَالَ إِذا كَانَ جمَاعَة الْقَوْم قدمُوا رجلا قبل خُرُوج الإِمَام من الْمَسْجِد فَصَلَاة الَّذين ائتموا بِهِ تَامَّة وَصَلَاة الَّذين تفردوا فَاسِدَة إِن كَانَ وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا أحدث فَانْفَتَلَ فَقدم رجلا جَاءَ ساعتئذ فَلَمَّا قدمه كبر الرجل وَدخل فِي الصَّلَاة وَنوى أَن يؤم الْقَوْم بِصَلَاة الإِمَام أيجزيهم ذَلِك قَالَ نعم يجزيهم قلت فَإِن لم ينْو الَّذِي قدم أَن يُصَلِّي بهم صَلَاة الإِمَام وَلَكِن نوى أَن يُصَلِّي بهم صَلَاة مُسْتَقْبلَة فصلى بهم فَأَتمَّ الصَّلَاة وَنوى الْقَوْم صَلَاة الإِمَام الأول قَالَ أما الإِمَام الثَّانِي فَصلَاته تَامَّة وَأما الْقَوْم فَإِن صلَاتهم فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة(1/181)
- بَاب الْمُسَافِر يحدث فَيقدم مُقيما
-
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا أحدث وَهُوَ مُسَافر وَخَلفه قوم مقيمون ومسافرون فَقدم رجلا من المقيمين كَيفَ يصنع هَذَا الْمُقِيم قَالَ يُصَلِّي بهم تَمام صَلَاة الْمُسَافِر فَإِذا تشهد تَأَخّر من غير أَن يسلم بهم وَقدم رجلا من الْمُسَافِرين فَسلم بهم تَمام صَلَاة الْمُسَافِر وَقَامَ المقيمون فقضوا مَا بَقِي من صلَاتهم عَلَيْهِم وحدانا بِغَيْر إِمَام
قلت أَرَأَيْت إِن قدم الإِمَام الأول رجلا من المقيمين فصلى بهم وَقعد فِي الثَّانِيَة وَتشهد ثمَّ قَامَ فَأَتمَّ بالقوم الصَّلَاة وَصلى الْقَوْم مَعَه قَالَ أما المسافرون فصلاتهم جَمِيعًا تَامَّة وَأما المقيمون فَإِن صلَاتهم فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة إِلَّا الإِمَام فَإِن صلَاته تَامَّة قلت فَإِن لم يقْعد الإِمَام فِي الرَّكْعَتَيْنِ قدر التَّشَهُّد قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَصَلَاة من خَلفه من الْمُسَافِرين والمقيمين جَمِيعًا فَاسِدَة قلت فَمَا حَال الإِمَام الأول الْمُسَافِر الَّذِي أحدث قَالَ صلَاته أَيْضا فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت لم أفسدت صَلَاة الْمُسَافِرين قَالَ لِأَن صلَاتهم أَربع رَكْعَات وَلم يقْعد فِي الرَّكْعَتَيْنِ قدر التَّشَهُّد فَمَا زَاد على الرَّكْعَتَيْنِ فَهُوَ تطوع لأَنهم قد خلطوا الْمَكْتُوبَة بالتطوع فَلَمَّا خلطوا الْمَكْتُوبَة بالتطوع(1/182)
فَسدتْ صلَاتهم وَأما المقيمون فَإِنَّهُ أمّهم فِيمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يؤمهم فِيهِ فَلذَلِك أفسدت عَلَيْهِم صلَاتهم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى رَكْعَة بِغَيْر قِرَاءَة وَلَا سُجُود وَركع فَلَمَّا ركع رفع رَأسه فَقَرَأَ وَركع وَسجد وَأَتَاهُ رجل فَدخل مَعَه فِي صلَاته وَأدْركَ مَعَه الرَّكْعَة هَل يجْزِيه قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يصنع قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام قد قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى وَركع على فرَاغ من الْقِرَاءَة قَالَ رُكُوعه فِي الثَّانِي بَاطِل وَلَا يحْتَسب بِهِ لِأَنَّهُ حِين قَرَأَ أَولا ثمَّ ركع فقد تمت الرَّكْعَة قلت فَإِن دخل مَعَه رجل فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة هَل يجْزِيه من ركعته قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام حِين قَرَأَ وَركع أَولا أحدث وَخَلفه قوم فَقدم رجلا آخر فَاسْتقْبل هَذَا الرجل الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود فجَاء رجل فَدخل مَعَ هَذَا قَالَ إِن كَانَ الإِمَام الأول قد قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى فَهِيَ الرَّكْعَة وَهَذِه الرَّكْعَة الثَّانِيَة لَا تجزيه وَسُجُود الثَّانِيَة من السُّجُود للأولى وَلَا يَجْزِي الَّذِي دخل مَعَ هَذَا فِي الثَّانِيَة رُكُوعه وَسُجُوده(1/183)
وَإِن كَانَ الإِمَام الأول لم يقْرَأ حَتَّى ركع ثمَّ أحدث فَقدم هَذَا فَقَرَأَ هَذَا الإِمَام الثَّانِي وَركع ثمَّ دخل مَعَه رجل وَهُوَ رَاكِع فَإِنَّهُ يجْزِيه وَالْقَوْم والداخل مَعَه سَوَاء لِأَن الأول كَأَنَّهُ افْتتح الصَّلَاة ثمَّ أحدث فَقدم هَذَا فَقَرَأَ هَذَا الإِمَام الثَّانِي وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يصنع
- بَاب الإِمَام يحدث فَيقدم جنبا أَو صَبيا
-
قلت أَرَأَيْت رجلا أحدث وَهُوَ إِمَام فَتَأَخر وَقدم رجلا وَهُوَ على غير وضوء أَو هُوَ جنب أَو هُوَ صبي لم يَحْتَلِم قَالَ صلَاته وَصَلَاة الْقَوْم كلهم فَاسِدَة قلت لم قَالَ لِأَن صَلَاة إمَامهمْ الَّذِي(1/184)
قدم فَاسِدَة لَيست بِصَلَاة فَإِذا فَسدتْ صَلَاة الإِمَام فَسدتْ صَلَاة من خَلفه أَلا ترى لَو أَنه حِين أحدث قدم امْرَأَة أَن صلَاتهم كَانَت فَاسِدَة فَكَذَلِك كل من ذكرت
- بَاب صَلَاة الْأُمِّي
-
قلت أَرَأَيْت رجلا أُمِّيا صلى بِقوم أُمِّيين وَفِيهِمْ من يقْرَأ وَفِيهِمْ من لَا يقْرَأ قَالَ صلَاتهم فَاسِدَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد صَلَاة من يقْرَأ فَاسِدَة وَصَلَاة من لَا يقْرَأ تَامَّة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
قلت أَرَأَيْت إِن افْتتح بهم الصَّلَاة وَهُوَ أُمِّي فصلى بهم رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ علم سُورَة فقرأها فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة أيجزيه وَيجْزِي من خَلفه قَالَ لَا يجزيهم وصلاتهم فَاسِدَة قلت وَكَذَلِكَ لَو صلى بهم ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ علم سُورَة قَالَ نعم وَفِي الْإِمْلَاء عَن أبي يُوسُف أَن أَبَا حنيفَة كَانَ يَقُول أَولا فِي الْأُمِّي يتَعَلَّم سُورَة فِي خلال صلَاته إِنَّه يقْرَأ وَيَبْنِي ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك رَحْمَة الله عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت إِن افْتتح بهم الصَّلَاة وَهُوَ أُمِّي فصلى بهم تَمام الصَّلَاة فَلَمَّا قعد قدر التَّشَهُّد وَلم يسلم علم سُورَة قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء(1/185)
قلت فَإِن كَانَ خَلفه قوم لَا يقرأون فَافْتتحَ بهم وَهُوَ أُمِّي فَلَمَّا صلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ علم سُورَة فقرأها فِيمَا بَقِي قَالَ لَا يجزيهم وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ بنى صلَاته على غير قِرَاءَة ثمَّ علم سُورَة فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما نَحن فنرى إِذا صلى الْأُمِّي بِقوم أُمِّيين وبقوم يقرؤن فصلى بهم تَمام الصَّلَاة وَقد قعد قدر التَّشَهُّد ثمَّ علم سُورَة أَنه يجْزِيه صلَاته وَصَلَاة من خَلفه مِمَّن لَا يقْرَأ وَأما من كَانَ يقْرَأ فَصلَاته فَاسِدَة
قلت فَإِن كَانَ الإِمَام مِمَّن لَا يقْرَأ فَافْتتحَ الصَّلَاة ثمَّ أحدث قبل أَن يُصَلِّي شَيْئا فَقدم رجلا مِمَّن كَانَ يقْرَأ قَالَ صَلَاة الإِمَام وَصَلَاة من خَلفه فَاسِدَة فِي قَول أبي حنيفَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد وَجب عَلَيْهِ مَا وَجب على الإِمَام الأول لِأَن الإِمَام الأول كَانَ لَا يقْرَأ قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام الأول قد صلى رَكْعَة ثمَّ أحدث فَقدم هَذَا قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء قلت فَإِن كَانَ الإِمَام الأول حِين افْتتح بهم الصَّلَاة علم سُورَة فصلى رَكْعَتَيْنِ وَقَرَأَ فيهمَا تِلْكَ السُّورَة ثمَّ أحدث فَقدم رجلا(1/186)
مِمَّن لَا يقْرَأ قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء قلت فَإِن قدم رجلا مِمَّن يقْرَأ قَالَ هَذَا وَمَا قبله سَوَاء
قلت إِذا افْتتح أُمِّي بِقوم أُمِّيين الصَّلَاة فصلى بهم رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ علم سُورَة قَالَ صلَاتهم فَاسِدَة قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فيهم قوم يقرؤن قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة وَقد سبقه بِرَكْعَة وَالرجل أُمِّي فَلَمَّا فرغ الإِمَام من صلَاته قَامَ الرجل ليقضي أَتُحِبُّ لَهُ أَن يقْرَأ فِيمَا بَقِي قَالَ نعم قلت فَإِذا لم يحسن أَن يقْرَأ قَالَ أما فِي الْقيَاس فَإِن صلَاته فَاسِدَة وَلَكِن أدع الْقيَاس وأستحسن أَن يجْزِيه قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو كَانَ أخرس فسبقه الإِمَام بِرَكْعَة فَقَامَ يقْضِي أما كَانَ يجْزِيه صلَاته قلت بلَى قَالَ هَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فِي الْمَسْجِد وَحده تَطَوّعا فأحدث فَانْفَتَلَ(1/187)
فَذهب يتَوَضَّأ أيجزيه أَن يُصَلِّي فِي بَيته قَالَ أَي ذَلِك فعل فَحسن فَإِن كَانَ لم يتَكَلَّم بنى على صلَاته وَإِن كَانَ تكلم اسْتقْبل الصَّلَاة
- بَاب فِيمَن صلى تَطَوّعا أَو فَرِيضَة وَلم يقْعد فِي الثَّانِيَة
-
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح التَّطَوُّع فصلى أَربع رَكْعَات وَلم يقْعد فِي الثَّانِيَة قَالَ يجْزِيه وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو إِن كَانَ فعل ذَلِك نَاسِيا قلت لم أَلَيْسَ قد أفسدت الْأَوليين حِين لم يقْعد فيهمَا قَالَ أما فِي الْقيَاس فقد أفسدتهما وَلَكِن أدع الْقيَاس وأستحسن فأجعلهما بِمَنْزِلَة الْفَرِيضَة أَلا ترى لَو أَن رجلا صلى الظّهْر وَلم يقْعد فِي الثَّانِيَة وَقعد فِي الرَّابِعَة وَتشهد أَن صلَاته تَامَّة وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو فَكَذَلِك هَذَا
قلت أَرَأَيْت رجلا أُمِّيا افْتتح الظّهْر وَصلى ففرغ من صلَاته وَسلم ثمَّ ذكر أَن عَلَيْهِ سَهوا من صلَاته فَسجدَ سَجْدَة وَاحِدَة للسَّهْو ثمَّ علم سُورَة قبل أَن يسْجد الْأُخْرَى قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت فَإِن لم يسه فِي صلَاته وَلكنه صلى أَربع رَكْعَات فَقعدَ فِي الرَّابِعَة(1/188)
قدر التَّشَهُّد ثمَّ علم سُورَة قبل أَن يسلم قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما نَحن فنرى إِذا قعد قدر التَّشَهُّد ثمَّ علم سُورَة أَن صلَاته تَامَّة
- بَاب صَلَاة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال
-
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة صلت مَعَ الْقَوْم فِي الصَّفّ وَهِي تصلي بِصَلَاة الإِمَام مَا حَالهَا وَحَال من كَانَ بجنبها من الرِّجَال قَالَ أما صلَاتهَا فتامة وَصَلَاة الْقَوْم كلهم جَمِيعًا تَامَّة مَا خلا الرجل الَّذِي عَن يَمِينهَا وَالَّذِي كَانَ عَن يسارها وَالَّذِي خلفهَا بحيالها فَإِن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة يعيدون الصَّلَاة قلت لم قَالَ لِأَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة قد ستروا من خَلفهم من الرِّجَال وهما لكل رجل مِنْهُم بِمَنْزِلَة الْحَائِط بَين الْمَرْأَة وَبَين أَصْحَابه
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى بِقوم رجال وَنسَاء فَكَانَ صفا تَاما نسَاء وَهن خلف الإِمَام وَخلف ذَلِك صفان من الرِّجَال قَالَ صَلَاة الصفين فَاسِدَة وَصَلَاة الْقَوْم مِمَّن هُوَ أَمَام النِّسَاء وَالنِّسَاء كُلهنَّ تَامَّة(1/189)
قلت وَلم إِذا كَانَت الْمَرْأَة وَاحِدَة أفسدت صَلَاة الَّذِي خلفهَا وَلم تفْسد صَلَاة الَّذِي خلف أُولَئِكَ كَمَا أَنه لَو كَانَ صفا من النِّسَاء أفسدت صَلَاة الَّذِي خلفهن وَالَّذِي خلف ذَلِك أَيْضا قَالَ هَذَا فِي الْقيَاس سَوَاء وَلَكِنِّي أستحسن إِذا كَانَ صف تَامّ أفسدت صَلَاة من خلفهن من الرِّجَال وَإِن كَانُوا عشْرين صفا وَإِذا كَانَت امْرَأَة وَاحِدَة أَو اثْنَتَانِ أفسدت صَلَاة من كَانَ عَن يَمِينهَا وَعَن يسارها وَالَّذِي خلفهَا وَبَقِيَّة الْقَوْم صلَاتهم تَامَّة
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة صلت بحذاء الإِمَام تأتم بِهِ وَهُوَ يؤم الْقَوْم ويؤمها قَالَ صَلَاة الإِمَام وَالْقَوْم وَالْمَرْأَة جَمِيعًا فَاسِدَة قلت أَرَأَيْت إِن صلت أَمَام الإِمَام وَهِي تأتم بِهِ قَالَ صلَاتهَا فَاسِدَة وَصَلَاة الإِمَام وَمن خَلفه تَامَّة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ من كَانَ أَمَام الإِمَام فَلَا يكون(1/190)
فِي صَلَاة الإِمَام
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة صلت بحذاء رجل وهما جَمِيعًا فِي صَلَاة وَاحِدَة غير أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُصَلِّي لنَفسِهِ قَالَ صلاتهما جَمِيعًا تَامَّة وَلَا يفْسد على الرجل صلَاته إِذا كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا يُصَلِّي لنَفسِهِ
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة صلت إِلَى جنب رجل وَهِي تُرِيدُ أَن تأتم بِهِ وَالرجل يُصَلِّي وَحده لَا يَنْوِي أَن يكون إمامها قَالَ صَلَاة الرجل تَامَّة وَصَلَاة الْمَرْأَة فَاسِدَة قلت لم لَا تفْسد صَلَاة الرجل قَالَ إِذا لم ينْو الرجل أَن يكون إِمَامًا للْمَرْأَة فَلَا تفْسد عَلَيْهِ شَيْئا لِأَنَّهُ إِنَّمَا صلى وَحده وَلَو جعلته إمامها كَانَت الْمَرْأَة إِن شَاءَت أَن تفْسد على الرجل صلَاته جَاءَت فكبرت وَقَامَت بحذائه فتنتقض صلَاته فَهَذَا قَبِيح لَا يكون إمامها وَلَا تفْسد عَلَيْهِ صلَاته إِلَّا أَن يَنْوِي أَن يؤمها قلت فَإِن كَانَ يؤمها ويؤم غَيرهَا وائتمت بِهِ وَقَامَت بحذائه أفسدت عَلَيْهِ وعَلى من خَلفه وعَلى نَفسهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا وَامْرَأَة سبقهما الإِمَام بِرَكْعَة فَلَمَّا فرغ الإِمَام قاما يقضيان وَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا بحذاء صَاحبه فَهَل تفْسد الْمَرْأَة صَلَاة الرجل قَالَ لَا قلت وَلم وهما فِي صَلَاة وَاحِدَة قَالَ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُصَلِّي لنَفسِهِ أَلا ترى لَو أَن أَحدهمَا سَهَا فِيمَا يقْضِي فَسجدَ لسَهْوه لم يجب على صَاحبه أَن يسْجد مَعَه قلت فَإِن لم يسبقهما الإِمَام بِشَيْء مِمَّا ذكرنَا من صلَاته ولكنهما أدْركَا أول الصَّلَاة فَلَمَّا صليا رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ أحدثا(1/191)
فذهبا فتوضآ فجاءا وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته فقاما يقضيان مَا سبقهما الإِمَام بِهِ فَقَامَتْ الْمَرْأَة بحذاء الرجل فصلت قَالَ أما الْمَرْأَة فصلاتها تَامَّة وَأما الرجل فَإِن صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة لِأَنَّهُمَا فِي صَلَاة الإِمَام بعد أَلا ترى أَنَّهُمَا يقضيان بِغَيْر قِرَاءَة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى الظّهْر فائتمت بِهِ امْرَأَة فَقَامَتْ بحذائه تنوي صلَاته تُرِيدُ بذلك التَّطَوُّع وَالْإِمَام يَنْوِي أَن يؤمها قَالَ صَلَاة الإِمَام وَالْمَرْأَة وَالْقَوْم جَمِيعًا فَاسِدَة قلت لم أفسدت على الإِمَام صلَاته وَهِي لَا تنوي صلَاته قَالَ لِأَنَّهُ إِمَام لَهَا وَقد ائتمت بِهِ وَقَامَت بحذائه قلت فَهَل للْمَرْأَة أَن تقضي التَّطَوُّع الَّتِي دخلت فِيهِ مَعَ الإِمَام قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام يَنْوِي الظّهْر وَالْمَرْأَة تنوي الْعَصْر قَالَ صَلَاة الإِمَام وَالْقَوْم تَامَّة وصلاتها فَاسِدَة قلت فَهَل عَلَيْهَا أَن تقضي الْعَصْر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة دخلت مَعَ الإِمَام فِي صلَاته وَهُوَ على غير وضوء(1/192)
قَالَ صَلَاة الإِمَام وَالْقَوْم فَاسِدَة وصلاتها تَامَّة
- بَاب صَلَاة الْعُرْيَان
-
قلت أَرَأَيْت رجلا عُريَانا لَا يقدر على ثوب يُصَلِّي فِيهِ كَيفَ يصنع قَالَ يُصَلِّي قَاعِدا يومي إِيمَاء قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا رهطا صلوا وحدانا قَالَ نعم قلت فَإِن صلوا جمَاعَة يومون إِيمَاء ويجعلون السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع قَالَ يجزيهم قلت وَكَذَلِكَ لَو صلوا قيَاما وحدانا يومون إِيمَاء قَالَ نعم إِلَّا أَن أفضل ذَلِك أَن يصلوا قعُودا وحدانا يومون إِيمَاء قلت وَكَذَلِكَ لَو تقدم بَعضهم فصلى بهم يومي إِيمَاء قَالَ نعم يجزيهم
قلت أَرَأَيْت رجلا عُريَانا لَا يقدر على ثوب نظيف يُصَلِّي فِيهِ وَمَعَهُ ثوب فِيهِ دم أَكثر من قدر الدِّرْهَم كَيفَ يصنع قَالَ يُصَلِّي فِي ذَلِك الثَّوْب قلت فَإِن كَانَ فِي ثَوْبه قدر نصفه دم قَالَ يُصَلِّي فِيهِ قلت فَإِن كَانَ مملوءا كُله دَمًا قَالَ إِن صلى عُريَانا قَاعِدا أجزاه ذَلِك(1/193)
وَإِن صلى فِي الثَّوْب أجزاه ذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجْزِيه إِن صلى عُريَانا وَإِن كَانَ ثَوْبه مملوءا دَمًا إِلَّا أَن يُصَلِّي فِيهِ
- بَاب الرجل يحدث وَهُوَ رَاكِع أَو ساجد
-
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فأحدث وَهُوَ رَاكِع أَو ساجد فَذهب وَتَوَضَّأ وَجَاء أَتَرَى لَهُ أَن يُعِيد تِلْكَ الرَّكْعَة أَو تِلْكَ السَّجْدَة قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن الْحَدث قد نقضه قلت فَإِن كَانَ إِمَام قوم فأحدث وَهُوَ رَاكِع فَتَأَخر وَقدم رجلا أيمكث الرجل كَمَا هُوَ رَاكِعا حَتَّى يكون قدر ركعته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ذكر أَن عَلَيْهِ سَجْدَة من الرَّكْعَة الأولى أَو من التِّلَاوَة فَذكر ذَلِك وَهُوَ رَاكِع فَخر سَاجِدا ثمَّ رفع رَأسه أيعود فِي تِلْكَ الرَّكْعَة قَالَ نعم قلت وَلَا يجْزِيه مَا كَانَ مضى مِنْهَا قَالَ إِن احتسب بِتِلْكَ الرَّكْعَة أجزاه وَإِن عَاد فِي ذَلِك فَهُوَ أحب إِلَيّ قلت وَكَذَلِكَ إِن ذكرهَا وَهُوَ ساجد قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا أدْرك الإِمَام فِي الْمغرب وَقد بقيت عَلَيْهِ رَكْعَة فصلى مَعَه تِلْكَ الرَّكْعَة فَلَمَّا سلم الإِمَام قَامَ يقْضِي كَيفَ يصنع(1/194)
قَالَ يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة ثمَّ يرْكَع وَيسْجد وَيجْلس ثمَّ يقوم فَيقْرَأ ثمَّ يرْكَع وَيسْجد وَيجْلس فيتشهد وَيَدْعُو بحاجته ثمَّ يسلم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يقْضِي أول صَلَاة الإِمَام قلت فَلم يقْعد فِي الْآخِرَة مِنْهُمَا وَفِي الأولى وهما عنْدك أول الصَّلَاة قَالَ أما الأولى مِنْهُمَا فَهِيَ الثَّانِيَة لَهُ فِيمَا يُصَلِّي فَلَا بُد لَهُ من أَن يقْعد فِيهَا وَأما الثَّالِثَة فَلَا بُد لَهُ من أَن يقْعد فِيهَا حَتَّى يسلم
قلت أَرَأَيْت رجلا أدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة من الْوتر فِي رَمَضَان فقنت فِيهَا مَعَ الإِمَام ثمَّ قَامَ يقْضِي مَا سبق بِهِ هَل يقنت فِيمَا يقْضِي قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يقْضِي أول صَلَاة الإِمَام وَقد أدْرك آخرهَا وقنت أَلا ترى لَو أَن الإِمَام سَهَا فَسجدَ مَعَه سَجْدَتي السَّهْو لم يكن عَلَيْهِ أَن يَقْضِيهَا بعد
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَمر بَين يَدَيْهِ رجل أَو امْرَأَة أَو حمَار أَو كلب هَل يقطع شَيْء من ذَلِك صلَاته قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا لَا يقطع الصَّلَاة وَقد جَاءَ فِيهِ الْأَثر(1/195)
قلت فَهَل يجب على الرجل إِذا صلى أَن يدْفع عَن نَفسه من يمر بَين يَدَيْهِ قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ الَّذِي يمر بَين يَدَيْهِ شَيْء كثير إِذا أَرَادَ أَن يدرأه عَن نَفسه مَشى إِلَيْهِ سَاعَة قَالَ لَا يمشي إِلَيْهِ وَلَكِن يُصَلِّي مَكَانَهُ ويدعه لِأَن الَّذِي يدْخل عَلَيْهِ من الْمَشْي أَشد من ممر هَذَا بَين يَدَيْهِ
قلت إِن مر بَين يَدَيْهِ إِنْسَان فَمَنعه أَتَرَى لَهُ أَن يَدْفَعهُ ويعالجه ويمنعه من ذَلِك قَالَ لَا قلت فَإِن فعل قَالَ إِذن انْقَطَعت صلَاته قلت وَإِنَّمَا يدْرَأ عَن نَفسه مَا لَيْسَ فِيهِ مَشى وَلَا علاج قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فِي صحراء لَيْسَ بَين يَدَيْهِ شَيْء قَالَ(1/196)
أحب إِلَى أَن يكون بَين يَدَيْهِ شَيْء فَإِن لم يكن أجزته صلَاته قلت وَمَا أدنى مَا يَكْفِيهِ قَالَ طول ذِرَاع
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى بِقوم وَبَين يَدَيْهِ رمح قد ركزه أَو قَصَبَة وَلَيْسَ بَين يَدي أَصْحَابه الَّذين خَلفه شَيْء قَالَ تجزيهم صلَاتهم
قلت أَرَأَيْت رجلا انْتهى إِلَى الإِمَام وَقد سبقه بِرَكْعَة فَقَامَ الرجل خلف الصَّفّ فصلى وَحده بِصَلَاة الإِمَام قَالَ يجْزِيه قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو كَانَ مَعَه رجل على غير وضوء أَو كَانَ مَعَه صبي أَو كَانَ رجلَانِ فِي صف فَكبر أَحدهمَا قبل الآخر أما يجْزِيه قلت بلَى قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى مَعَ الإِمَام وَبَينه وَبَين الإِمَام حَائِط قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن كَانَ بَينه وَبَين الإِمَام طَرِيق يمر فِيهِ النَّاس وَهُوَ عَظِيم قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة لِأَن هَذَا لَيْسَ مَعَ الإِمَام قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي الطَّرِيق الَّذِي بَينه وَبَين الإِمَام(1/197)
مصلون يصلونَ بِصَلَاة الإِمَام صُفُوفا مُتَّصِلَة قَالَ صلَاته وَصَلَاة الْقَوْم تَامَّة قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا وَالْأول قَالَ إِذا كَانَ الطَّرِيق لَيْسَ فِيهِ من يُصَلِّي لم يجزه الصَّلَاة قَالَ لِأَنَّهُ قد جَاءَ الْأَثر فِي ذَلِك أَنه من كَانَ بَينه وَبَين الإِمَام نهر أَو طَرِيق فَلَيْسَ مَعَه وَإِذا كَانَ فِي الطَّرِيق مصلون فَلَيْسَ بَينهم وَبَين الإِمَام طَرِيق قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ بَينهم وَبَين الإِمَام صف من نسَاء قدامهم يصلين بِصَلَاة الإِمَام قَالَ لَا يجزيهم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى وَخَلفه رجل يتَعَلَّم الْقُرْآن فَاسْتَفْتَحَ فَفتح لَهُ الرجل الَّذِي يُصَلِّي غير مرّة قَالَ هَذَا يقطع صلَاته وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى مَعَ الإِمَام فَقَرَأَ الإِمَام فَفتح عَلَيْهِ هَل يكون هَذَا قد قطع صلَاته قَالَ لَا قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا قَالَ(1/198)
لِأَن هَذَا يُرِيد التِّلَاوَة وَالْأول يُرِيد التَّعْلِيم قلت أَرَأَيْت إِن أَرَادَ الأول التِّلَاوَة وَلم يرد التَّعْلِيم قَالَ لَا يقطع ذَلِك صلَاته قلت أفينبغي لمن خلف الإِمَام أَن يفتح على الإِمَام قَالَ لَا وَلَكِن يَنْبَغِي للْإِمَام إِذا أَخطَأ أَن يرْكَع عِنْد ذَلِك أَو يَأْخُذ فِي آيَة غَيرهَا أَو يَأْخُذ فِي سُورَة قلت فَإِن لم يفعل ذَلِك وَفتح عَلَيْهِ بعض الْقَوْم الَّذين خَلفه قَالَ أجزاهم وَلَكِن قد أَسَاءَ الإِمَام حِين ألجأهم إِلَى ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي فَيقْتل الْحَيَّة أَو الْعَقْرَب فِي صلَاته هَل يقطع ذَلِك صلَاته قَالَ لَا قلت فَهَل يقطعهُ فِي الِالْتِفَات قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَرمى على طير الْحجر وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ أكره لَهُ ذَلِك وَصلَاته تَامَّة قلت فَإِن أكل نَاسِيا أَو شرب نَاسِيا قَالَ هَذَا يقطع الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَأخذ فِي صلَاته قوسا فَرمى بهَا قَالَ قد قطع صلَاته قلت وَكَذَلِكَ لَو عالج رجلا أَو قَاتله قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو خاط ثوبا أَو ادهن أَو سرح رَأسه أَو قطع ثوبا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ بَين أَسْنَانه شَيْء من طَعَام فابتلعه قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك وَصلَاته تَامَّة قلت فَإِن قلس أقل من ملْء فِيهِ ثمَّ رَجَعَ فَدخل جَوْفه وَهُوَ لَا يملك ذَلِك قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك وَصلَاته تَامَّة قلت(1/199)
من أَيْن اخْتلف هَذَا وَالْأكل وَالشرب قَالَ لِأَن الْأكل وَالشرب عمل فَهُوَ يقطع الصَّلَاة وَلَيْسَ هَذَا بِعَمَل
- بَاب الرجل يُصَلِّي فَيُصِيب ثَوْبه أَو بدنه بَوْل أَو دم أَكثر من قدر الدِّرْهَم
-
قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي فينتضح عَلَيْهِ الْبَوْل فَيُصِيبهُ مِنْهُ أَكثر من قدر الدِّرْهَم قَالَ يَنْفَتِل فَيغسل مَا أصَاب جسده مِنْهُ وَلَا يبْنى على صلَاته وَإِن كَانَ فِي ثَوْبه أَلْقَاهُ وَصلى فِي غَيره
قلت فَإِن سَالَ من دمل فِيهِ دم كثير أَو قيح أَو أَصَابَهُ بندقة أَو حجر فَشَجَّهُ فَغسل ذَلِك أيبنى على مَا مضى من صلَاته قَالَ نعم إِن كَانَ لم يتَكَلَّم وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَأما أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فَقَالَا يُعِيد فِي الضَّرْبَة والشجة والبندقة وَلَا يبْنى
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَنَامَ فِي الصَّلَاة فَاحْتَلَمَ قَالَ أما فِي الْقيَاس فَعَلَيهِ أَن يغْتَسل ويبنى على مَا مضى من صلَاته وَلَكِن أدع الْقيَاس وآمره أَن يغْتَسل وَيسْتَقْبل الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى رَكْعَة فَوَقع عَنهُ ثَوْبه فَقَامَ عُريَانا وَهُوَ(1/200)
لَا يعلم بِهِ ثمَّ ذكر من سَاعَته فَتَنَاول ثَوْبه فلبسه قَالَ يمْضِي على صلَاته وَلَا يقطعهَا وَهِي تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى وفرجه أَو دبره مَكْشُوف وَهُوَ يعلم بذلك أَو لَا يعلم حَتَّى فرغ من صلَاته قَالَ صلَاته فَاسِدَة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فِي إِزَار أَو سَرَاوِيل أَو قَمِيص قصير أَو ثوب متوشح بِهِ وَهُوَ إِمَام أَو غير إِمَام قَالَ إِن كَانَ صفيقا فَصلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة صلت ورأسها أَو عورتها مكشوفة وَهِي تعلم أَو لَا تعلم قَالَ صلَاتهَا فَاسِدَة قلت فَإِن صلت وبطنها مَكْشُوف أَو فخذاها مكشوفان أَو صلت فِي درع رَقِيق يشف عَنْهَا أَو لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَار أَو صلت فِي خمار رَقِيق يرى رَأسهَا وكل شَيْء مِنْهَا قَالَ صلَاتهَا فَاسِدَة قلت فَإِن صلت وَقد انكشفت بعض رَأسهَا أَو بعض فَخذهَا أَو بعض بَطنهَا تَعَمّدت لذَلِك أَو لم تتعمد قَالَ إِن كَانَ ذَلِك يَسِيرا فصلاتها تَامَّة وَقد أساءت فِي ذَلِك وَإِن كَانَ كثيرا فعلَيْهَا أَن تعيد الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن صلت وَربع رَأسهَا أَو ثلثه مَكْشُوف أعادت الصَّلَاة وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك لم تعد وَهُوَ قَول مُحَمَّد(1/201)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تعيد حَتَّى يكون النّصْف مكشوفا وَكَذَلِكَ الْفَخْذ والبطن وَالشعر فِي قَوْله وقولهما
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة إِذا قعدت فِي الصَّلَاة كَيفَ تقعد قَالَ كأستر مَا يكون لَهَا
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة صلت فأرضعت وَلَدهَا فِي الصَّلَاة قَالَ هَذَا يقطع الصَّلَاة
- بَاب الدُّعَاء فِي الصَّلَاة
-
قلت أَرَأَيْت رجلا قد صلى فَدَعَا الله فَسَأَلَهُ الرزق وَسَأَلَهُ الْعَافِيَة هَل يقطع ذَلِك الصَّلَاة قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ كل دُعَاء من الْقُرْآن وَشبه الْقُرْآن فَإِنَّهُ لَا يقطع الصَّلَاة قَالَ نعم قلت فَإِن قَالَ اللَّهُمَّ اكسني ثوبا اللَّهُمَّ زَوجنِي فُلَانَة قَالَ هَذَا يقطع الصَّلَاة وَمَا كَانَ من الدُّعَاء مِمَّا يشبه هَذَا فَهُوَ كَلَام وَهُوَ يقطع الصَّلَاة قلت فَإِن قَالَ اللَّهُمَّ أكرمني اللَّهُمَّ أنعم عَليّ اللَّهُمَّ أدخلني الْجنَّة وَعَافنِي من النَّار اللَّهُمَّ أصلح لي أَمْرِي اللَّهُمَّ اغْفِر لي ولوالدي اللَّهُمَّ وفقني وسددني اللَّهُمَّ اصرف عني شَرّ كل ذِي شَرّ(1/202)
أعوذ بِاللَّه من شَرّ الْجِنّ وَالْإِنْس أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم أعوذ بِاللَّه من جهد الْبلَاء ودرك الشَّقَاء وَمن شماتة الْأَعْدَاء اللَّهُمَّ ارزقني حج بَيْتك وجهادا فِي سَبِيلك اللَّهُمَّ استعملني فِي طَاعَتك وَطَاعَة رَسُولك اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا صَادِقين اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا حامدين عابدين شاكرين اللَّهُمَّ ارزقنا وَأَنت خير الرازقين قَالَ هَذَا كُله حسن وَلَيْسَ شَيْء من هَذَا يقطع الصَّلَاة وَهَذَا من الْقُرْآن وَمَا يشبه الْقُرْآن وَإِنَّمَا يقطع الصَّلَاة مَا يشبه حَدِيث النَّاس
قلت أَرَأَيْت الرجل يمر بِالْآيَةِ فِيهَا ذكر النَّار فيقف عِنْدهَا ويتعوذ بِاللَّه ويستغفر الله وَذَلِكَ فِي التَّطَوُّع وَهُوَ وَحده قَالَ هَذَا حسن قلت فَإِن كَانَ الإِمَام قَالَ أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن فعل قَالَ صلَاته تَامَّة قلت أَرَأَيْت الرجل يكون خلف الإِمَام فَيقْرَأ الإِمَام بِسُورَة فِيهَا ذكر الْجنَّة وَذكر النَّار أَو ذكر الْمَوْت أينبغي(1/203)
لمن خَلفه أَن يتَعَوَّذ بِاللَّه من النَّار وَيسْأل الله الْجنَّة قَالَ يسمعُونَ وينصتون أحب إِلَيّ قلت أَرَأَيْت الرجل يكون خلف الإِمَام فيفرغ الإِمَام من السُّورَة أتكره للرجل أَن يَقُول صدق الله وَبَلغت رسله قَالَ أحب إِلَيّ أَن ينصت ويستمع قلت فَإِن فعل هَل يقطع ذَلِك صلَاته قَالَ لَا صلَاته تَامَّة وَلَكِن أفضل ذَلِك أَن ينصت قلت أَرَأَيْت الإِمَام يقْرَأ الْآيَة فِيهَا ذكر قَول الْكفَّار أينبغي لمن خَلفه أَن يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ أحب ذَلِك إِلَيّ أَن يستمعوا وينصتوا قلت فَإِن فعلوا قَالَ صلَاتهم تَامَّة
- الْإِشَارَة فِي الصَّلَاة
- قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فمرت خادمه بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي أَو قَرِيبا مِنْهُ فَقَالَ سُبْحَانَ الله أَو مَا بِيَدِهِ(1/204)
ليصرفها عَن نَفسه هَل يقطع ذَلِك صلَاته قَالَ لَا وَأحب إِلَيّ أَن لَا يفعل
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ رجل فسبح وَأَرَادَ بذلك إِعْلَامه أَنه فِي الصَّلَاة هَل يقطع ذَلِك صلَاته قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَأخْبر بِخَبَر يسوءه فَاسْتَرْجع فَأَرَادَ بِهِ جَوَابه قَالَ هَذَا كَلَام وَهُوَ يقطع الصَّلَاة قلت فَإِن أَرَادَ بذلك تِلَاوَة الْقُرْآن قَالَ صلَاته تَامَّة قلت فَإِن أخبر بِخَبَر يسوءه أَو يفرحه فَقَالَ سُبْحَانَ الله أَو قَالَ الْحَمد الله أَو قَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمد أَو قَالَ اللَّهُمَّ لَك الشُّكْر وَأَرَادَ بذلك جَوَابه قَالَ هَذَا كَلَام يقطع الصَّلَاة قلت فَإِن لم يرد بذلك جَوَابه وَلكنه حمد الله وَكبر وَسبح قَالَ هَذَا لَا يكون كلَاما وَصلَاته تَامَّة قلت وَكَيف يكون التَّسْبِيح والتحميد وَالتَّكْبِير وَالشُّكْر كلَاما قَالَ أَو لَيْسَ قد يكون الشّعْر تسبيحا وتحميدا فَلَو أَن شَاعِرًا أنْشد شعرًا فِي صلَاته أما يكون كلَاما وَيقطع صلَاته قلت بلَى قَالَ فَهَذَا(1/205)
وَذَاكَ سَوَاء وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَلَا أرى التَّسْبِيح والتحميد والتهليل كلَاما وَلَا يقطع الصَّلَاة وَإِن أَرَادَ بذلك الْجَواب
- فِيمَن يؤم الْقَوْم وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف
- قلت أَرَأَيْت الإِمَام يؤم الْقَوْم فِي رَمَضَان أَو فِي غير رَمَضَان وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف قَالَ أكره لَهُ ذَلِك قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ يُصَلِّي وَحده قَالَ نعم قلت فَهَل تفْسد صلَاته قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما نَحن فنرى أَن صلَاته تَامَّة وَلَكنَّا نكره لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ يشبه فعل أهل الْكتاب
قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي وَمَعَهُ جلد ميتَة مدبوغ قَالَ لَا بَأْس بذلك دباغه طهوره قلت فَإِن كَانَ الْجلد غير مدبوغ(1/206)
قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ لَو صلى وَمَعَهُ من لحومها شَيْء كثير قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن صلى وَمَعَهُ عظم من عظامها أَو صوف قَالَ صلَاته تَامَّة قلت لم قَالَ لِأَن الْعظم لَيْسَ من اللَّحْم وَالصُّوف كَذَلِك وَلَيْسَ عَلَيْهِ دباغ وَلَا بَأْس بِالِانْتِفَاعِ بِهِ
- فِيمَن صلى وقدامه الْعذرَة
- قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي وقدامه الْعذرَة أَو الْبَوْل أَو نَاحيَة مِنْهُ هَل يفْسد ذَلِك صلَاته قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ حَيْثُ سجد أَو حَيْثُ يقوم قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت فَإِن كَانَ نَاحيَة من مقَامه وَعَن مَوضِع سُجُوده قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك وَلَكِن أحب إِلَيّ أَن يتَنَحَّى عَن ذَلِك الْمَكَان قلت وَكَذَلِكَ الْخمر وَالْميتَة وَالدَّم والقيء قَالَ نعم
- فِيمَن يُصَلِّي على الأَرْض أَو الْبسَاط وقدامه بَوْل
- قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فِي مَكَان من الأَرْض قد كَانَ فِيهِ بَوْل أَو عذرة أَو دم أَو قيء أَو خمر وَقد جف ذَلِك وَذهب أَثَره قَالَ صلَاته تَامَّة قلت فَإِن كَانَ لم يذهب أَثَره قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ(1/207)
أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى على بِسَاط قد كَانَ أَصَابَهُ بَوْل أَو عذرة أَو دم أَو خمر أَو قيء قد جف وَذهب أَثَره قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يشبه الْبسَاط الأَرْض فِي هَذَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي على الطنفست أَو على الْحَصِير أَو على البوري أَو على الْمسْح أَو على الْمصلى يسْجد على ثَوْبه أَو لبده فَيسْجد عَلَيْهِ يتقى بذلك حر الأَرْض وبردها قَالَ صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي فِي جُلُود السبَاع وَقد دبغت قَالَ نعم لَا بَأْس بذلك قلت وَكَذَلِكَ الْميتَة قَالَ نعم
- فِي الصَّلَاة على الثَّلج
- قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي على الثَّلج قَالَ إِن كَانَ مُتَمَكنًا يَسْتَطِيع أَن يسْجد عَلَيْهِ فَلَا بَأْس بذلك
قلت أَرَأَيْت الْمَسْجِد هَل تكره أَن تكون قبلته إِلَى الْحمام أَو إِلَى(1/208)
مخرج أَو إِلَى قبر قَالَ نعم أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن صلى فِيهِ أحد يجْزِيه صلَاته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم الْمُسَافِرين تكره لَهُم أَن يصلوا على الطَّرِيق قَالَ نعم أكره لَهُم ذَلِك وَيَنْبَغِي لَهُم أَن يتنحوا عَن الطَّرِيق إِذا صلوا قلت فَإِن لم يتنحوا وصلوا على ظهر الطَّرِيق قَالَ صلَاتهم تَامَّة
فِيمَن سجد على بعض أَعْضَائِهِ أَو على ظهر الرجل قلت أَرَأَيْت رجلا صلى مَعَ النَّاس فزحمه النَّاس فَلم يجد موضعا لسجوده فَسجدَ على ظهر الرجل قَالَ صلَاته تَامَّة
- فِيمَن سجد على بعض أَعْضَائِهِ أَو على ظهر الرجل
-
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا صلى هَل تكره لَهُ أَن يُخَفف رُكُوعه وَسُجُوده وَلَا يُقيم ظَهره قَالَ نعم أكره ذَلِك أَشد الْكَرَاهِيَة
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل فِي صَلَاة الإِمَام وَلم يدر الظّهْر هِيَ أم الْجُمُعَة فصلى مَعَه رَكْعَتَيْنِ فَإِذا هِيَ الْجُمُعَة أَو إِذا هِيَ الظّهْر قَالَ يجْزِيه أَيهمَا كَانَت فقد نَوَاهَا لِأَنَّهُ قد نوى صَلَاة الإِمَام وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد قلت فَإِن دخل مَعَه فِي الصَّلَاة وَلم ينْو صَلَاة الإِمَام وَلكنه نوى الْجُمُعَة وَصلى مَعَه فَإِذا هِيَ الظّهْر قَالَ صلَاته فَاسِدَة قلت أَرَأَيْت إِن دخل مَعَه وَنوى الظّهْر وَلم ينْو صَلَاة الإِمَام فصلى مَعَه فَإِذا(1/209)
هِيَ الْجُمُعَة قَالَ صلَاته فَاسِدَة لِأَنَّهُ لم ينْو مَا نوى إِمَامه إِنَّمَا أوجب هَذَا على نَفسه غير مَا أوجب إِمَامه على نَفسه
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَوضع أَنفه على الأَرْض فِي سُجُوده وَلم يضع جَبهته أَو وضع جَبهته وَلم يضع أَنفه قَالَ تجزيه صلَاته وَقد أَسَاءَ حِين لم يضعهما جَمِيعًا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا سجد الرجل على أَنفه وَلم يسْجد على جَبهته من عِلّة بِهِ أجزاه ذَلِك وَمن غير عِلّة وَهُوَ يقدر على ذَلِك أعَاد الصَّلَاة وَإِن سجد على جَبهته وَلم يسْجد على أَنفه وَهُوَ يقدر على ذَلِك أجزاه(1/210)
- فِيمَن افْتتح التَّطَوُّع أَو الْمَكْتُوبَة قَائِما ثمَّ يعْتَمد على شَيْء أَو يقْعد من غير عذر
- قلت أَرَأَيْت الرجل يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة وَهُوَ إِمَام أَو وَحده أتكره أَن يعْتَمد على شَيْء قَالَ نعم أكره لَهُ ذَلِك إِلَّا من عذر قلت فَإِن فعل ذَلِك قَالَ صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل فِي الصَّلَاة فَقَرَأَ وَركع ثمَّ ذكر وَهُوَ رَاكِع أَنه لم يكبر تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح للصَّلَاة فكبرها وَهُوَ رَاكِع قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يرفع رَأسه من الرُّكُوع وَيكبر ثمَّ يقْرَأ ثمَّ يرْكَع فيكبر قلت أَرَأَيْت إِن لم يكبر تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَلَكِن لما ذكر كبر لركوعه ولسجوده قَالَ لَا يجْزِيه شَيْء من ذَلِك وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة فَرِيضَة كَانَت أَو تَطَوّعا
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة تَطَوّعا وَهُوَ قَائِم ثمَّ بدا لَهُ أَن يقْعد وَيُصلي قَاعِدا من غير عذر هَل يجْزِيه قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجْزِيه قلت فَإِن افْتتح الصَّلَاة وَهُوَ قَاعد ثمَّ بدا لَهُ أَن يقوم فَيصَلي قَائِما أَو يُصَلِّي بَعْضهَا قَائِما وَبَعضهَا قَاعِدا قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن افْتتح وَهُوَ قَاعد فَقَرَأَ حَتَّى إِذا أَرَادَ(1/211)
أَن يرْكَع قَامَ فَرَكَعَ فَفعل ذَلِك فِي صلَاته كلهَا قَالَ لَا بَأْس بذلك بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يفعل ذَلِك قلت أرايت الرجل إِذا افْتتح الصَّلَاة وَهُوَ قَائِم لم رخصت لَهُ أَن يقْعد وَلم لَا يكون هَذَا بِمَنْزِلَة رجل قَالَ لله عَليّ رَكْعَتَانِ قَائِما قَالَ هما بِالْقِيَاسِ سَوَاء غير أنني أستحسن فِي هَذَا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجْزِيه
- فِيمَن صلى على غير وضوء
- قلت أَرَأَيْت إِن افْتتح الصَّلَاة تَطَوّعا وَهُوَ على غير وضوء أَو كَانَ متوضئا وَعَلِيهِ ثوب فِيهِ دم أَو بَوْل أَو عذرة أَكثر من قدر الدِّرْهَم وَلم يعلم بذلك هَل ترى هَذَا دُخُولا فِي الصَّلَاة قَالَ لَيْسَ هَذَا دُخُولا فِي الصَّلَاة وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا لَو تمّ على صلَاته لم يجزه ذَلِك(1/212)
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة تَطَوّعا نصف النَّهَار أَو حِين احْمَرَّتْ الشَّمْس أَو بعد الْفجْر أَو قبل طُلُوع الشَّمْس فصلى رَكْعَتَيْنِ قَالَ قد أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ قلت أَرَأَيْت لَو قطعهَا وأفسدها قَالَ عَلَيْهِ أَن يَقْضِيهَا بعد ذَلِك فِي سَاعَة تحل فِيهَا الصَّلَاة قلت لم جعلت عَلَيْهِ الْقَضَاء وَقد افتتحها فِي سَاعَة لَا تحل فِيهَا الصَّلَاة قَالَ لِأَنَّهُ دخل فِي صَلَاة فافتتحها وأوجبها على نَفسه
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تصلي وَمَعَهَا صبيها تحمله قَالَ قد أساءت فِي حمل الصَّبِي وَيَنْبَغِي لَهَا أَن تضع صبيها ثمَّ تصلي قلت فَإِن لم تضع صبيها وصلت قَالَ صلَاتهَا تَامَّة
- فِيمَن صلى وَفِي فِيهِ دَنَانِير أَو دَرَاهِم
- قلت أَرَأَيْت رجلا صلى وَفِي فِيهِ دِرْهَم أَو دِينَار أَو لؤلؤة هَل يقطع ذَلِك صلَاته قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فِي فِيهِ عشرَة دَنَانِير قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فِي يَده مَتَاع أَو ثِيَاب أَو دَرَاهِم أَو جَوْهَر أَو دَنَانِير قَالَ نعم صلَاته فِي هَذَا كُله تَامَّة إِلَّا أَنِّي أكره لَهُ ذَلِك قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي يَده دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو مَتَاع وَلم يضع يَدَيْهِ على(1/213)
رُكْبَتَيْهِ فِي الرُّكُوع وَلم يضعهما على الأَرْض فِي السُّجُود قَالَ أكره لَهُ ذَلِك وَصلَاته تَامَّة
- فِيمَن صلى فأقعى من غير عذر
- قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فأقعى أَو تربع فِي صلَاته من غير عذر قَالَ قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا صلى تَطَوّعا قَاعِدا أيتربع وَيقْعد كَيفَ يَشَاء وَإِن شَاءَ يُصَلِّي مُحْتَبِيًا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَوق الْمَسْجِد بِصَلَاة الإِمَام هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ إِن كَانَ خلف الإِمَام فَصلَاته تَامَّة وَإِن كَانَ أَمَام الإِمَام فَصلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ السَّطْح إِلَى جنب الْمَسْجِد وَلَيْسَ بَينه وَبَين الْمَسْجِد طَرِيق فَيصَلي فِي ذَلِك السَّطْح بِصَلَاة الإِمَام قَالَ صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فِي بَيت وَفِي الْقبْلَة تماثيل مصورة وَقد قطع رؤسها قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك شَيْئا لِأَن هَذِه لَيست بتماثيل(1/214)
قلت أَرَأَيْت السّتْر الَّذِي يكون فِيهِ التماثيل أتكره أَن يكون فِي قبْلَة الْمَسْجِد قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ على بَاب الْبَيْت فِي مُؤخر الْقبْلَة قَالَ لَيْسَ بِمَنْزِلَة أَن يكون فِي الْقبْلَة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى وَعَلِيهِ ثوب فِيهِ تماثيل قَالَ أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن صلى فِيهِ قَالَ صلَاته تَامَّة قلت وَكَذَلِكَ لَو صلى فِي بَيت وَفِي قبْلَة الْمَسْجِد تماثيل قَالَ نعم صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى على بِسَاط فِيهِ تماثيل قَالَ أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن فعل قَالَ صلَاته تَامَّة والبساط أَهْون إِذا كَانَ فِيهِ تماثيل من أَن يكون فِي الْقبْلَة لِأَنَّهُ قد رخص فِي الْبسَاط
قلت أَرَأَيْت رجلا يقْرَأ دخل فِي صَلَاة أُمِّي تَطَوّعا ثمَّ أفسدها(1/215)
قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا قلت وَكَذَلِكَ لَو دخل فِي صَلَاة امْرَأَة قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو دخل فِي صَلَاة جنب أَو على غير وضوء قَالَ نعم لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء فِي شَيْء مِمَّا ذكرت قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يدْخل فِي صَلَاة تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة وَإِلَى جنبه جَارِيَة لم تَحض وَهِي تصلي بِصَلَاة الإِمَام هَل يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ صلَاته قَالَ إِذا كَانَت الْجَارِيَة تعقل الصَّلَاة فإنى أستحسن أَن أفسد صلَاته وآمره أَن يُعِيد أَلا ترى لَو أَن الْجَارِيَة صلت بِغَيْر وضوء أَو صلت عُرْيَانَة أَمَرتهَا أَن تعيد الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ الصَّبِي الَّذِي قد يكَاد أَن يبلغ وَلم يبلغ إِذا صلى بِغَيْر وضوء أَو صلى عُريَانا أَمرته أَن يُعِيد الصَّلَاة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت جَارِيَة قد راهقت وَلم تبلغ الْحيض فصلت بِغَيْر قناع قَالَ أستحسن فِي هَذَا وَأرى أَن يجزيها وَلَا يشبه هَذَا إِذا(1/216)
كَانَت عُرْيَانَة أَو على غير وضوء
قلت أَرَأَيْت أمة صلت بِغَيْر قناع قَالَ صلَاتهَا تَامَّة قلت وَكَذَلِكَ الْمُكَاتبَة والمدبرة وَأم الْوَلَد قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت أمة مُكَاتبَة أَو أم ولد صلت بِغَيْر قناع رَكْعَة ثمَّ اعتقت قَالَ عَلَيْهَا أَن تَأْخُذ قناعها وتبنى على مَا مضى من صلَاتهَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا قد صلت وَالصَّلَاة لَهَا حَلَال جَائِزَة تَامَّة ثمَّ اعتقت فصلت وَهِي حرَّة بقناع تمت صلَاتهَا أمة وحرة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
قلت أَرَأَيْت رجلا تَوَضَّأ فَبَقيَ عُضْو من أَعْضَائِهِ لم يصبهُ المَاء ثمَّ دخل الصَّلَاة فصلى رَكْعَة ثمَّ أحدث فَخرجت مِنْهُ ريح أَو رُعَاف أَو قيء فَتَوَضَّأ أيبنى على وضوئِهِ أم يسْتَأْنف قَالَ بل يسْتَأْنف الْوضُوء وَالصَّلَاة قلت لم وَلَو تمّ على صلَاته كَانَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد قَالَ لِأَنَّهُ لَو كَانَ قد تَوَضَّأ فَأَتمَّ الصَّلَاة ثمَّ أحدث كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَأْنف وضوءه فَإِذا كَانَ لم يتم وضوءه فَذَلِك أَحْرَى أَن يسْتَأْنف الصَّلَاة
- بَاب صَلَاة الْمَرِيض فِي الْفَرِيضَة
-
قلت أَرَأَيْت الْمَرِيض الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يقوم وَلَا يقدر على السُّجُود كَيفَ يصنع قَالَ يومى على فرَاشه إِيمَاء وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع قلت فَإِن صلى وَكَانَ يَسْتَطِيع أَن يقوم وَلَا يَسْتَطِيع(1/217)
أَن يسْجد قَالَ يُصَلِّي قَاعِدا يومى إِيمَاء قلت فَإِن صلى قَائِما يومى إِيمَاء قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يُصَلِّي إِلَّا مُضْطَجعا كَيفَ يصنع قَالَ يسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ يُصَلِّي مُضْطَجعا يومى إِيمَاء وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا صلى نَائِما فائتم بِهِ مَرِيض آخر مَعَه يومى إِيمَاء قَالَ يجزيهما جَمِيعًا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا جمَاعَة قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا صلى قَاعِدا يرْكَع وَيسْجد فائتم بِهِ قوم فصلوا خَلفه قيَاما قَالَ يجزيهم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام صَحِيحا وَهُوَ يُصَلِّي قَائِما وَخَلفه مَرِيض يُصَلِّي قَاعِدا قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن كَانَ الْمَرِيض الَّذِي خلف الإِمَام يومى إِيمَاء قَالَ يجْزِيه وَصلَاته تَامَّة(1/218)
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام الْمَرِيض لَا يَسْتَطِيع السُّجُود فَأومى إِيمَاء وَهُوَ جَالس فائتم بِهِ قوم يصلونَ قيَاما قَالَ يجْزِيه وَلَا يجزيهم
قلت أَرَأَيْت رجلا ينْزع المَاء من عَيْنَيْهِ وَأمر أَن يستلقي على ظَهره وَنهى عَن الْقعُود وَالسُّجُود هَل يجْزِيه أَن يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا يومى إِيمَاء قَالَ نعم يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت مَرِيضا صلى لغير الْقبْلَة أومى إِيمَاء مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد قلت وَكَذَلِكَ الصَّحِيح قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ مِنْهُ خطأ لم يتَعَمَّد لَهُ قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا صلى صَلَاة قبل وَقتهَا مُتَعَمدا لذَلِك مَخَافَة أَن يشْغلهُ الْمَرَض عَنْهَا أَو ظن أَنه فِي الْوَقْت ثمَّ علم بعد ذَلِك أَنه صلى(1/219)
قبل الْوَقْت قَالَ لَا يجْزِيه فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت قوما مرضى يكونُونَ فِي بَيت فيؤمهم بَعضهم يأتمون بِهِ وهم يصلونَ قعُودا قَالَ صلَاتهم تَامَّة
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام مَرِيضا وَخَلفه قوم أصحاء يأتمون بِهِ وَالْإِمَام قَاعد يومى إِيمَاء أَو مُضْطَجعا على فرَاشه يومى إِيمَاء وَالْقَوْم يصلونَ قيَاما قَالَ يجْزِيه وَلَا يجزى الْقَوْم فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
قلت أَرَأَيْت قوما مرضى يكونُونَ فِي بَيت فيؤمهم بَعضهم بِاللَّيْلِ وهم يصلونَ لغير الْقبْلَة وَالْإِمَام يُصَلِّي للْقبْلَة أَو صلى الإِمَام لغير الْقبْلَة وَصلى من خَلفه للْقبْلَة أَو غير الْقبْلَة وهم غير متعمدين لذَلِك وهم يرَوْنَ أَنهم قد أَصَابُوا الْقبْلَة قَالَ صلَاتهم تَامَّة
قلت أَرَأَيْت قوما مسافرين صلوا فِي السّفر فَأمهمْ رجل مِنْهُم وتعمدوا الْقبْلَة فأخطأوا وصلوا رَكْعَة ثمَّ علمُوا بالقبلة قَالَ يصرفون وُجُوههم فِيمَا بَقِي من صلَاتهم للْقبْلَة وصلاتهم تَامَّة قلت لم جعلت صلَاتهم تَامَّة وَقد صلوا لغير الْقبْلَة ثمَّ علمُوا بذلك قبل أَن يفرغوا من صلَاتهم قَالَ لأَنهم لَو تَمُّوا عَلَيْهَا أجزاهم
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا صلى وَهُوَ يومى إِيمَاء قَاعِدا أَو مُضْطَجعا فَسَهَا فِي صلَاته قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْجد سَجْدَتي السَّهْو يومى إِيمَاء(1/220)
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا لَا يَسْتَطِيع أَن يتَكَلَّم أيجزيه أَن يومى إِيمَاء بِغَيْر قِرَاءَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا أغمى عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ أَفَاق قَالَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي مَا فَاتَهُ من الصَّلَاة قلت فَإِن أغمى عَلَيْهِ أَيَّامًا قَالَ لَا يقْضِي شَيْئا مِمَّا ترك قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ للأثر الَّذِي جَاءَ عَن ابْن عمر
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا افْتتح الصَّلَاة فصلى رَكْعَة يومى إِيمَاء ثمَّ(1/221)
أحدث فَتَوَضَّأ أيبنى على مَا مضى من صلَاته قَالَ نعم الْمَرِيض الصَّحِيح فِي هَذَا سَوَاء قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا بِهِ جرح فِي جسده أَو فِي رَأسه أَو بِهِ وجع لَا يَسْتَطِيع الْقيام وَلَا الرُّكُوع وَلَا السُّجُود أيومى إِيمَاء قَاعِدا وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت رجلا أَصَابَهُ فزع أَو خوف من شَيْء فَلم يسْتَطع الْقيام لما بِهِ هَل يجْزِيه أَن يُصَلِّي قَاعِدا قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت رجلا فِي جَبهته جرح وَلَا يَسْتَطِيع أَن يسْجد عَلَيْهِ هَل يجْزِيه أَن يومى إِيمَاء قَالَ لَا وَلَكِن يسْجد على أَنفه قلت فَإِن أومى ايماء قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْجرْح بِأَنْفِهِ وَهُوَ يَسْتَطِيع أَن يسْجد على جَبهته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرِيض الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يرْكَع وَلَا يسْجد أيسجد على عود أَو قَصَبَة أَو وسَادَة ترفع إِلَيْهِ قَالَ أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن رفع إِلَيْهِ فَسجدَ عَلَيْهِ من غير أَن يومى إِيمَاء قَالَ لَا يجْزِيه صلَاته قلت فَإِن كَانَ يخْفض رَأسه بِالسُّجُود ثمَّ يقرب الْعود مِنْهُ فيلزقه بِأَنْفِهِ وجبهته حَتَّى فرغ من صلَاته قَالَ صلَاته تَامَّة قلت لم قَالَ لِأَن خفض رَأسه إِيمَاء(1/222)
قلت وَكَذَلِكَ لَو وضع للْمَرِيض وسَادَة أَو مرفقة يسْجد عَلَيْهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرِيض هَل يَسعهُ أَن يُصَلِّي بِغَيْر قِرَاءَة وَهُوَ يَسْتَطِيع الْقِرَاءَة قَالَ لَا قلت فَإِن صلى قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد
قلت فَهَل يقصر الْمَرِيض الصَّلَاة كَمَا يقصر الْمُسَافِر قَالَ لَا قلت فَهَل يُصَلِّي بِغَيْر وضوء وَهُوَ يقدر على الْوضُوء قَالَ لَا قلت فَإِن فعل فِي هَذَا كُله وَصلى قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة وَهُوَ صَحِيح قَائِم ثمَّ أَصَابَهُ وجع فَلم يسْتَطع أَن يُصَلِّي إِلَّا قَاعِدا يومى إِيمَاء أَو مُضْطَجعا يومى إِيمَاء أيصلي بَقِيَّة صلَاته بِالْإِيمَاءِ وَقد صلى بَعْضهَا قَائِما قَالَ نعم قلت فَإِن صلى قَاعِدا يسْجد ويركع وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ برأَ وَصَحَّ قَالَ يُصَلِّي بَقِيَّة صلَاته قَائِما فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يسْتَقْبل الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا لَا يَسْتَطِيع الرُّكُوع وَلَا السُّجُود فصلى رَكْعَة يومى إِيمَاء ثمَّ صَحَّ فَقَامَ أيصلي بَقِيَّة صلَاته قَائِما قَالَ أما هَذَا فيستقبل الصَّلَاة كلهَا قَائِما وَهَذَا لَا يشبه الأول لِأَن هَذَا كُله يومى وَالْأول كَانَ يسْجد(1/223)
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمَرِيض الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يرْكَع وَلَا يسْجد وَلَا يَسْتَطِيع الْجُلُوس فَأَرَادَ أَن يُصَلِّي مُضْطَجعا يومى إِيمَاء كَيفَ يومى قَالَ يتَوَجَّه نَحْو الْقبْلَة فيومى على قَفاهُ وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع حَتَّى يفرغ من صلَاته
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمَرِيض إِذا أَرَادَ أَن يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ قَالَ فَليدع الظّهْر حَتَّى يَأْتِي آخر وَقتهَا وَيقدم الْعَصْر فِي أول وَقتهَا وَلَا يجمع بَينهمَا فِي وَقت وَاحِد ويوتر ويقنت على كل حَال
- بَاب السَّهْو فِي الصَّلَاة وَمَا يقطعهَا
-
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَسَهَا فِي صلَاته فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أَو أَرْبعا وَذَلِكَ أول مَا سَهَا قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت فَإِن لَقِي ذَلِك غير مرّة كَيفَ يصنع قَالَ يتحَرَّى الصَّوَاب فَإِن كَانَ أَكثر رَأْيه أَنه قد أتم مضى على صلَاته وَإِن كَانَ أَكثر رَأْيه أَنه صلى ثَلَاثًا أتم الرَّابِعَة ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو وَيسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله فِي آحرها
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَقَامَ فِيمَا يقْعد فِيهِ أَو قعد فِيمَا يُقَام فِيهِ(1/224)
قَالَ يمْضِي على صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قلت وكل من وَجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو فَإِنَّمَا يسجدهما بعد التَّسْلِيم ويتشهد فيهمَا وَيسلم قَالَ نعم فَإِن شكّ فِي سُجُود السَّهْو عمل بِالتَّحَرِّي وَلم يسْجد لسهو السَّهْو
قلت أَرَأَيْت رجلا سَهَا فِي تَكْبِير الْعِيدَيْنِ هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت رجلا سَهَا فِي تَكْبِير الرُّكُوع وَالسُّجُود قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ تَكْبِير الرُّكُوع وَالسُّجُود بِمَنْزِلَة التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَلَا سَهْو عَلَيْهِ فِي هَذَا وتكبير الْعِيدَيْنِ بِمَنْزِلَة الْقُنُوت فِي الْوتر وَالتَّشَهُّد وَعَلِيهِ فِي ذَلِك السَّهْو
قلت أَرَأَيْت رجلا سَهَا فِي تَكْبِير الصَّلَاة كلهَا إِلَّا التَّكْبِيرَة الَّتِي يفْتَتح بهَا الصَّلَاة هَل عَلَيْهِ فِي ذَلِك سَهْو قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن التَّكْبِير لَيْسَ بِالصَّلَاةِ بِعَينهَا قلت وَكَذَلِكَ لَو سَهَا عَن التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع أَو فِي السُّجُود لم يكن عَلَيْهِ سَهْو قَالَ نعم قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو سَهَا فَترك التَّعَوُّذ وَترك سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك(1/225)
أَو ترك آمين هَل عَلَيْهِ سَهْو قلت لَا قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت فَإِن ترك التَّشَهُّد سَاهِيا قَالَ أستحسن أَن يكون عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو
قلت أَرَأَيْت إِن نسي فَاتِحَة الْقُرْآن فِي الرَّكْعَة الأولى أَو فِي الثَّانِيَة أَو بَدَأَ بغَيْرهَا فَلَمَّا قَرَأَ من السُّورَة شَيْئا ذكر أَنه لم يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب قَالَ يبْدَأ فَيقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب ثمَّ السُّورَة وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قلت أَرَأَيْت إِن نسي فَاتِحَة الْقُرْآن فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين وَقد قَرَأَ غَيرهَا هَل يقْرَأ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَالَ إِن شَاءَ قَرَأَهَا وَإِن شَاءَ لم يَقْرَأها قلت فَإِن قَرَأَهَا هَل يكون ذَلِك قَضَاء لما ترك قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا لَو كَانَت قَضَاء لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يَقْرَأها فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَكَانَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَو لم يقْرَأ
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِي كل وَاحِدَة بِفَاتِحَة الْقُرْآن وَلم يقْرَأ مَعهَا شَيْئا فَفعل ذَلِك سَاهِيا أعليه(1/226)
أَن يقْرَأ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعَ فَاتِحَة الْقُرْآن سُورَة قَالَ أحب إِلَيّ أَن يقْرَأ قلت فَإِن لم يفعل قَالَ يجْزِيه وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قَرَأَ أَو لم يقْرَأ قلت فَإِن لم يقْرَأ فِي الْأَوليين بِشَيْء من الْقُرْآن سَاهِيا أَتَرَى عَلَيْهِ أَن يقْرَأ بِفَاتِحَة الْقُرْآن وبسورة فِي كل رَكْعَة من الْأُخْرَيَيْنِ قَالَ نعم قلت فَإِن لم يقْرَأ فيهمَا أَو قَرَأَ فِي إِحْدَاهمَا قَالَ لَا يجْزِيه
قلت فَإِن كَانَ إِمَامًا وَكَانَت الْعشَاء فَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وأخفى بِالْقِرَاءَةِ أَو كَانَت الظّهْر وَالْعصر فَقَرَأَ فيهمَا وجهر بِالْقِرَاءَةِ أَكَانَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن لم يقْرَأ فِي الْأَوليين شَيْئا وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِآيَة آيَة وَهُوَ ساه فِي الْأَوليين مُتَعَمدا فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَالَ تجزيه إِن لم تكن آيَة قَصِيرَة جدا وَقَالَ أَبُو حنيفَة صلَاته جَائِزَة وَإِن كَانَت آيَة قَصِيرَة ثمَّ إِنَّه رَجَعَ عَن قَوْله الأول قلت(1/227)
أَرَأَيْت هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فجهر بِالْقُرْآنِ فِي صَلَاة يُخَافت بهَا أَو خَافت فِي صَلَاة يجْهر فِيهَا بِالْقُرْآنِ قَالَ قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة قلت فَإِن فعل ذَلِك سَاهِيا قَالَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قلت فَإِن لم يكن إِمَامًا وَلكنه صلى وَحده فخافت فِيمَا يجْهر فِيهِ أَو جهر فِيمَا يُخَافت فِيهِ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ إِذا كَانَ الرجل وَحده وأسمع أُذُنَيْهِ الْقُرْآن أَو رفع ذَلِك أَو خفض فِي نَفسه أجزاه ذَلِك وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْو لِأَنَّهُ وَحده وَإِذا كَانَ الإِمَام فَلَا بُد لَهُ من أَن يضع ذَلِك مَوْضِعه فَإِن كَانَ سَاهِيا فِيمَا صنع وَجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو(1/228)
وَإِن تعمد لذَلِك فقد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم وسها فِي صلَاته وَلم يسه من خَلفه قَالَ إِذا وَجب على الإِمَام سجدتا السَّهْو وَجب ذَلِك على من خَلفه وَإِن لم يسه مِنْهُم أحد غَيره
قلت أَرَأَيْت إِن سَهَا من خَلفه وَلم يسه الإِمَام قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِم وَلَا عَلَيْهِ سَهْو
قلت أَرَأَيْت رجلا سلم فِي الرَّابِعَة قبل التَّشَهُّد سَاهِيا قَالَ عَلَيْهِ أَن يتَشَهَّد ثمَّ يسلم ثمَّ يسْجد سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ يتَشَهَّد ثمَّ يسلم قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَيْهِ سَجْدَة من تِلَاوَة أَو رَكْعَة قد ترك مِنْهَا سَجْدَة فَذكر ذَلِك أَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسجدهما ويتشهد وَيسلم ثمَّ يسْجد للسَّهْو ويتشهد ثمَّ يسلم إِذا كَانَ سلم سَاهِيا وَإِن كَانَ سلم وَهُوَ ذَاكر لذَلِك فَصلَاته فَاسِدَة وَإِن كَانَت السَّجْدَة من الصَّلَاة قلت بلَى قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء إِذا كَانَت السَّجْدَة من الرَّكْعَة فَسلم وَهُوَ ذَاكر فَإِن صلَاته فَاسِدَة وَإِن كَانَت السَّجْدَة من تِلَاوَة فَصلَاته تَامَّة وَلَيْسَ عَلَيْهِ(1/229)
أَن يسْجد سَجْدَتي السَّهْو قلت فَإِن سلم مُتَعَمدا وَعَلِيهِ التَّشَهُّد وَقد قعد قدر التَّشَهُّد أجزاه ذَلِك وَلَيْسَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَسَهَا فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى ثمَّ استيقن أَنه صلى ثَلَاث رَكْعَات أيجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ إِن كَانَ حِين سَهَا لم يدر كم صلى حَتَّى تفكر وَنظر فِي ذَلِك فَإِن كَانَ تفكره وَنَظره فِي ذَلِك يشْغلهُ عَن شَيْء من صلَاته وَجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو وَإِن كَانَ تفكره وَنَظره فِي ذَلِك لم يطلّ وَلم يشْغلهُ عَن شَيْء من صلَاته فصلى فَلَا سَهْو عَلَيْهِ وَالْإِمَام وَالَّذِي صلى وَحده فِي ذَلِك سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى من الظّهْر رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ فِي الثَّالِثَة وَلم يجلس وَلم يستو قَائِما حَتَّى ذكر فَقعدَ هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد تغير عَن حَاله فَإِذا تغير عَن حَاله وَجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قلت وَكَذَلِكَ لَو فعل هَذَا فِي الرَّابِعَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَسَهَا فِي صلَاته مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا كم(1/230)
يجب عَلَيْهِ لسَهْوه ذَلِك قَالَ يجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو وَلَا يجب عَلَيْهِ غير ذَلِك وَالْإِمَام وَالَّذِي يُصَلِّي وَحده فِي ذَلِك سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَأَرَادَ أَن يقْرَأ فِي صلَاته بِسُورَة فَأَخْطَأَ فَقَرَأَ غَيرهَا أَو قَرَأَ تِلْكَ السُّورَة فَأَخْطَأَ فِيهَا هَل يجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ لَا وَالْإِمَام وَغَيره فِي ذَلِك سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى خلف الإِمَام وَكَانَ يقوم قبل الإِمَام أَو كَانَ يقْعد قبل قعُود الإِمَام أَو كَانَ سجد قبله وَهُوَ ساه فِي ذَلِك هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ لَيْسَ على من خلف الإِمَام سَهْو إِلَّا أَن يسهو الإِمَام قلت فَإِن كَانَ يرْكَع قبل الإِمَام وَيسْجد قبله قَالَ إِن أدْرك الإِمَام بِرَكْعَة وَهُوَ رَاكِع أَو يسْجد وَهُوَ ساجد أجزاه قلت إِن أدْرك الإِمَام وَهُوَ رَاكِع فَكبر مَعَه وَلم يرْكَع حَتَّى رفع الإِمَام رَأسه فَلَا يَسْتَطِيع أَن يرْكَع قبل أَن يرفع الإِمَام رَأسه ثمَّ ركع قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ قَضَاء تِلْكَ الرَّكْعَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يرْكَع مَعَ الإِمَام وَلم يدْرك مَعَ الإِمَام
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى بِقوم فَسَهَا فِي صلَاته فَلَمَّا قعد فِي الرَّابِعَة تشهد ثمَّ سجدهما قبل التَّسْلِيم هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم قلت فَهَل يعيدهما بعد التَّسْلِيم قَالَ لَا قلت وَالْإِمَام وَالَّذِي يُصَلِّي وَحده فِي ذَلِك سَوَاء قَالَ نعم(1/231)
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَسَهَا فِي صلَاته فَلَمَّا فرغ من صلَاته سجد لسَهْوه فَشك فَلم يدر أَسجد لسَهْوه وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ قَالَ يتحَرَّى الصَّوَاب فَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه سجد سَجْدَة وَاحِدَة سجد أُخْرَى وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه سجد سَجْدَتَيْنِ لسَهْوه تشهد وَسلم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فَسَهَا فِي صلَاته فَلَمَّا فرغ من صلَاته سلم وَهُوَ لَا يُرِيد أَن يسْجد للسَّهْو ثمَّ بدا لَهُ أَن يسْجد للسَّهْو وَهُوَ فِي مَجْلِسه ذَلِك قبل أَن يقوم وَقبل أَن يتَكَلَّم قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْجد سَجْدَتي السَّهْو وَيسْجد مَعَه أَصْحَابه قلت فَإِن قَامَ وَلم يسْجد قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء قلت وَكَذَلِكَ لَو تكلم قبل أَن يسْجد قَالَ نعم قلت فَإِن لم يتَكَلَّم وَلم يقم وَلكنه أَرَادَ السُّجُود وَفِي أَصْحَابه من قد تكلم وَمِنْهُم من قد قَامَ فَذهب قَالَ من تكلم مِنْهُم أَو خرج من الْمَسْجِد لم يكن عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو وَمن كَانَ مَعَ الإِمَام وَلم يتَكَلَّم وَلم يخرج فَعَلَيهِ أَن يسْجد مَعَ الإِمَام(1/232)
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ حِين سلم كَانَ من نِيَّته أَن يسْجد للسَّهْو فنسي أَن يسْجد حَتَّى تكلم أَو خرج من الْمَسْجِد قَالَ هَذَا قطع للصَّلَاة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ قلت فَإِن لم يتَكَلَّم وَلم يخرج وَكَانَ فِي مَجْلِسه وَقد نوى حِين سلم أَن يسْجد أَو لم ينْو ثمَّ ذكرهمَا وَهُوَ فِي مَجْلِسه قَالَ عَلَيْهِ أَن يسجدهما وَالنِّيَّة هَهُنَا وَغير النِّيَّة سوء قلت أَرَأَيْت إِن نوى لم لَا يكون عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو واجبتين قَالَ أَرَأَيْت لَو سَهَا وَأجْمع رَأْيه أَن لَا سُجُود عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَسلم على نِيَّته تِلْكَ ثمَّ بدا لَهُ من سَاعَته أَن يسْجد أَلَيْسَ يجب عَلَيْهِ أَن يسْجد قلت بلَى قَالَ أَفلا ترى أَن النِّيَّة هَهُنَا لَيست بِشَيْء
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فَسَهَا فِي صلَاته فَلَمَّا فرغ وَسلم جَاءَ رجل فَدخل مَعَه على تِلْكَ الْحَال قبل أَن يسْجد الإِمَام للسَّهْو ثمَّ إِن الإِمَام سجد للسَّهْو أيسجد هَذَا الرجل مَعَه قَالَ نعم قلت وتراه قد أدْرك الصَّلَاة مَعَه قَالَ نعم قلت فَإِن سجد مَعَ الإِمَام ثمَّ قَامَ يقْضِي أَتَرَى عَلَيْهِ أَن يُعِيد السَّهْو إِذا فرغ من صلَاته قَالَ لَا قلت(1/233)
لم قَالَ لِأَنَّهُ قد سجد الَّذِي وَجب عَلَيْهِ مَعَ الإِمَام وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد قلت أَرَأَيْت لَو سَهَا فِي صلَاته بَعْدَمَا قَامَ يقْضِي قَالَ يجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قلت لم قَالَ لِأَن سُجُوده الأول مَعَ الإِمَام لَا يجْزِيه من سَهْوه هَذَا الآخر وَلَا يكون سُجُوده قبل هَذَا السَّهْو وَقبل أَن يجب عَلَيْهِ سُجُوده فَهَذَا السَّهْو للْآخر قلت أَرَأَيْت إِن لم يسه مَعَ الإِمَام فَقَامَ يقْضِي بعد مَا فرغ الإِمَام من صلَاته فَسَهَا فِي صلَاته كم عَلَيْهِ أَن يسْجد قَالَ سَجْدَتَانِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيرهمَا قلت أَرَأَيْت إِن لم يسه حَتَّى فرغ من صلَاته هَل عَلَيْهِ أَن يسْجد لسهو الإِمَام قَالَ نعم قلت لم وَقد تَركهمَا فِي موضعهما قَالَ أدع الْقيَاس وَاسْتحْسن
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم رَكْعَة فَسَهَا فِيهَا ثمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَة فجَاء رجل فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة أيجب عَلَيْهِ أَن يسْجد مَعَ الإِمَام سَجْدَتي السَّهْو قَالَ نعم قلت لم وَإِنَّمَا دخل بعد مَا سَهَا قَالَ لِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ مَا يجب على الإِمَام أَلا ترى أَن الإِمَام يسجدهما وَهُوَ خَلفه(1/234)
فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يسجدهما مَعَه قلت فَإِن لم يسجدهما مَعَه قَالَ عَلَيْهِ أَن يسجدهما بعد مَا يفرغ من صلَاته
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَسَهَا فِي صلَاته فَلَمَّا فرغ وَسلم أحدث وَهُوَ غير متعمد لذَلِك هَل يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَوَضَّأ ثمَّ يعود إِلَى مَكَانَهُ فَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو ويتشهد وَيسلم قَالَ نعم قلت فَإِن لم يفعل قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فَسَهَا فِي صلَاته ثمَّ أحدث فَتَأَخر وَقدم رجلا هَل يجب على الثَّانِي سجدتا السَّهْو اللَّتَان كَانَتَا على الإِمَام الأول قَالَ نعم قلت فَإِن سَهَا الثَّانِي أَيْضا كم عَلَيْهِ للسَّهْو قَالَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو الأول وَلَيْسَ عَلَيْهِ لسَهْوه الآخر قلت أَرَأَيْت إِن لم يكن الأول سَهَا حَتَّى أحدث فَقدم الثَّانِي هَل يجب على الأول الَّذِي أحدث سجدتا السَّهْو قَالَ نعم إِن بنى على صلَاته قلت لم قَالَ لِأَن الثَّانِي إِمَام الأول فَمَا وَجب عَلَيْهِ وَجب على الأول أَلا ترى أَن الثَّانِي لَو ضحك أَو تكلم أفسد صلَاته وَصَلَاة من خَلفه وَكَانَ قد أفسد صَلَاة الأول أَو لَا ترى أَن مَا دخل على الثَّانِي دخل على الأول مثله قلت أَرَأَيْت لَو أحدث الإِمَام الأول أَو تكلم أَو ضحك هَل(1/235)
يفْسد على الإِمَام الثَّانِي أَو من خَلفه قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد خرج من أَن يكون إمَامهمْ وَصَارَ الإِمَام غَيره
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَسَهَا فِي صلَاته فَلَمَّا سلم سجد سَجْدَة وَاحِدَة للسَّهْو ثمَّ أحدث هَل يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَوَضَّأ ثمَّ يرجع إِلَى مَكَانَهُ فَيسْجد الْأُخْرَى ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم قَالَ نعم قلت فَإِن لم يفعل أَو تكلم قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فَسَهَا فِي صلَاته فَلَمَّا فرغ من صلَاته وَسلم سجد سَجْدَة وَاحِدَة للسَّهْو ثمَّ أحدث أينبغي لَهُ أَن يتَأَخَّر وَيقدم رجلا غَيره فَيسْجد بهم الثَّانِيَة قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ الإِمَام الأول حِين سلم قبل أَن يسْجد لسَهْوه دخل مَعَه رجل فِي الصَّلَاة فَسجدَ الإِمَام سَجْدَة وَاحِدَة ثمَّ أحدث فَقدم هَذَا الَّذِي أدْرك مَعَه السَّجْدَة الْوَاحِدَة كَيفَ يصنع قَالَ يسْجد بهم أُخْرَى ثمَّ يتَشَهَّد ثمَّ يتَأَخَّر فَيقدم رجلا قد أدْرك مَعَ الإِمَام الصَّلَاة فَسلم بهم ثمَّ يقوم هُوَ فَيَقْضِي مَا بَقِي من صلَاته
قلت أَرَأَيْت رجلا أدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة فِي أَيَّام التَّشْرِيق من صلَاته وَقد سبقه الإِمَام بِثَلَاث رَكْعَات وعَلى الإِمَام سَهْو أَلَيْسَ يسجدهما هَذَا الرجل مَعَ الإِمَام قبل أَن يقْضِي مَا سبقه بِهِ الإِمَام قَالَ نعم قلت فَكيف يضع إِذا كبر الإِمَام أيكبر أَو يقوم فَيَقْضِي قَالَ بل يقوم فَيَقْضِي مَا سبقه بِهِ الإِمَام فَإِذا فرغ وَسلم كبر بعد ذَلِك قلت وَكَذَلِكَ التَّلْبِيَة(1/236)
قَالَ نعم قلت من أَيْن اخْتلف التَّكْبِير وَالسُّجُود قَالَ لِأَن السُّجُود من الصَّلَاة أَلا ترى لَو أَن رجلا دخل مَعَه فِي سَجْدَتي السَّهْو أَو فِي إِحْدَاهمَا لَكَانَ قد أدْرك الصَّلَاة مَعَه وَلَو انْتهى إِلَى الإِمَام وَهُوَ يكبر فَكبر مَعَه لم يكن دَاخِلا فِي صلَاته لِأَن التَّكْبِير لَيْسَ من الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا انْتهى إِلَى الإِمَام وَقد فرغ من صلَاته وَعَلِيهِ السَّهْو فَسجدَ سَجْدَة وَاحِدَة ثمَّ سجد الْأُخْرَى فَدخل مَعَه الرجل فِي الْأُخْرَى هَل يجب عَلَيْهِ أَن يقْضِي تِلْكَ السَّجْدَة قَالَ لَا قلت مَا شَأْنه يقْضِي بَقِيَّة صلَاته وَلَا يقْضِي تِلْكَ السَّجْدَة قَالَ لِأَنَّهَا لَيست من صلب الصَّلَاة إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة سَجْدَة قَرَأَهَا الإِمَام وسجدها قبل أَن يدْخل مَعَه الرجل فَإِنَّمَا يقْضِي الرجل مَا بَقِي من صلَاته وَلَا يقْضِي السَّجْدَة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم رَكْعَة فَقَرَأَ سَجْدَة فنسي أَن يسْجد بهَا فَذكر ذَلِك وَهُوَ قَاعد أَو رَاكِع أَو ساجد كَيفَ يصنع قَالَ إِذا ذكرهَا وَهُوَ رَاكِع خر سَاجِدا لَهَا ثمَّ قَامَ فَعَاد فِي ركعته ثمَّ مضى فِي صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو وَإِن ذكر ذَلِك وَهُوَ قَاعد خر سَاجِدا ثمَّ رفع رَأسه وَكَانَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو وَإِن ذكر ذَلِك وَهُوَ ساجد رفع رَأسه فَسجدَ ثمَّ سجد للسَّهْو بعد التَّسْلِيم قلت فَإِن أَخّرهَا إِلَى آخر صلَاته قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم رَكْعَة فَترك سَجْدَة مِنْهَا ثمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَة فَقَرَأَ وَركع وَسجد ثمَّ ذكر تِلْكَ السَّجْدَة كَيفَ يصنع قَالَ(1/237)
يرفع رَأسه من السُّجُود وَيسْجد تِلْكَ السَّجْدَة الَّتِي كَانَ نَسِيَهَا ثمَّ سجد مَا كَانَ فِيهِ ثمَّ يمْضِي فِي صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قلت فَإِن ذكر ذَلِك وَهُوَ رَاكِع قَالَ عَلَيْهِ أَن يخر لَهَا سَاجِدا ثمَّ يقوم فَيَعُود إِلَى رُكُوعه ويمضي فِي صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو بعد التَّسْلِيم قلت فَإِن لم يعد إِلَى رُكُوعه قَالَ صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فنسى مِنْهَا سَجْدَة ثمَّ ذكر ذَلِك بعد مَا قَامَ فِي الثَّانِيَة بِأَيِّهِمَا يبْدَأ قَالَ بِالْأولَى قلت وَكَذَلِكَ لَو نسى ثَلَاث سَجدَات من ثَلَاث رَكْعَات قَالَ نعم قلت فَإِن نسى سَجْدَة التِّلَاوَة من الرَّكْعَة الأولى ونسى من الرَّكْعَة الثَّانِيَة سَجْدَة من صلب الصَّلَاة فَذكر ذَلِك بِأَيِّهِمَا يبْدَأ قَالَ يبْدَأ بِالْأولَى مِنْهُمَا تِلَاوَة كَانَت أَو من صلب الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن نسى سَجْدَة من رَكْعَة أَو سَجْدَة من تِلَاوَة فَلم يذكر ذَلِك حَتَّى فرغ من صلَاته وَسلم وَخرج من الْمَسْجِد ثمَّ ذكر بعد ذَلِك قَالَ إِن كَانَت السَّجْدَة من صلب الصَّلَاة فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة وَإِن كَانَت السَّجْدَة من تِلَاوَة فَصلَاته تَامَّة قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ لِأَن السَّجْدَة إِذا كَانَت من رَكْعَة فَهِيَ من صلب الصَّلَاة وَإِذا كَانَت من تِلَاوَة فَلَيْسَتْ من صلب الصَّلَاة فَإِذا ذكر ذَلِك من غير أَن يتَكَلَّم أَو يخرج من الْمَسْجِد(1/238)
سجدها وتمت صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو وَإِن كَانَ تكلم أَو خرج من الْمَسْجِد فَلَا يبْنى عَلَيْهِ قلت أَرَأَيْت لَو خرج من الْمَسْجِد لم جعلته قطعا للصَّلَاة قَالَ إِن لم أفعل ذَلِك لم يكن لي بُد من أَن أجعله قطعا للصَّلَاة إِذا خطا خطْوَة وَلَا أجعله قطعا وَإِن مَشى فرسخا فاستحسنت أَن أجعَل وَقت ذَلِك الْخُرُوج من الْمَسْجِد قلت فَإِن كَانَ فِي صحراء فَمَا وَقت ذَلِك عنْدك قَالَ وَقت ذَلِك أَن يُجَاوز أَصْحَابه قلت فَإِن تقدم إِمَامه مَتى وقته قَالَ وقته أَن يُجَاوز مَوضِع سُجُوده
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر خمس رَكْعَات سَاهِيا هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ إِن كَانَ لم يقْعد فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد فَصلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن ذكر حِين تمت(1/239)
الْخَامِسَة أَنه صلى خمْسا أيضيف إِلَيْهَا رَكْعَة حَتَّى تكون سِتا أَو يقطعهَا أَي ذَلِك أحب إِلَيْك قَالَ أحب أَلِي أَن يشفعها بِرَكْعَة ثمَّ يسلم وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة وَإِن لم يفعل لم يكن عَلَيْهِ شَيْء إِلَّا الظّهْر قلت فَإِن كَانَ قعد فِي الرَّكْعَة قدر التَّشَهُّد قَالَ قد تمت الظّهْر وَالْخَامِسَة تطوع وَعَلِيهِ أَن يضيف إِلَيْهَا رَكْعَة ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو وَقد تمت صلَاته قلت فَإِن لم يضف إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى وَتكلم قَالَ يجْزِيه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى رَكْعَة وَلم يسْجد لَهَا ثمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَة فَقَرَأَ وَسجد وَلم يرْكَع فَذكر ذَلِك قبل أَن يُصَلِّي الثَّالِثَة قَالَ هَذَا إِنَّمَا صلى رَكْعَة وَاحِدَة وَعَلِيهِ أَن يمْضِي فِي صلَاته وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو بعد التَّسْلِيم وَإِنَّمَا صَارَت السجدتان للركعة الأولى فَصَارَت رَكْعَة تَامَّة وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو فِيمَا سَهَا قلت فَإِن ركع فِي الأولى وَلم يسْجد ثمَّ ركع فِي الثَّانِيَة وَسجد ثمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَة وَلم يرْكَع وَسجد سَجْدَتَيْنِ قَالَ هَذَا إِنَّمَا صلى رَكْعَة وَاحِدَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ ركع أَولا ثمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَة فَرَكَعَ وَسجد فَصَارَت رَكْعَة تَامَّة وَبَطلَت الرَّكْعَة الأولى ثمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَة وَلم يرْكَع وَسجد سَجْدَتَيْنِ من غير رُكُوع فَلَا يجْزِيه قلت فَإِن سجد فِي الأولى سَجْدَتَيْنِ وَلم يرْكَع ثمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَة فَقَرَأَ وَركع وَلم يسْجد ثمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَة فَقَرَأَ وَركع ثمَّ سجد قَالَ هَذَا إِنَّمَا صلى رَكْعَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ حِين(1/240)
سجد أَولا ثمَّ ركع فِي الثَّانِيَة فَإِنَّهَا لَا تكون رَكْعَة تَامَّة لِأَنَّهُ سجد قبل الرُّكُوع وَإِنَّمَا السُّجُود بعد الرُّكُوع ثمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَة فَقَرَأَ وَركع ثمَّ سجد فَصَارَت رَكْعَة تَامَّة وَبَطل مَا كَانَ قبل ذَلِك قلت فَإِن ركع أَولا وَلم يسْجد ثمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَة فَقَرَأَ وَركع وَلم يسْجد ثمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَة فَقَرَأَ وَسجد وَلم يرْكَع قَالَ هَذَا إِنَّمَا صلى رَكْعَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ حَيْثُ ركع أَولا وَلم يسْجد حَتَّى قَامَ فِي الثَّانِيَة فَقَرَأَ وَركع وَلم يسْجد حَتَّى قَامَ فِي الثَّالِثَة وَسجد سَجْدَتَيْنِ فهاتان السجدتان للركعة الأولى وَبَطلَت الْوُسْطَى قلت وَعَلِيهِ فِي جَمِيع مَا صنع سجدتا السَّهْو بعد التَّسْلِيم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِذا صلى الرجل أَربع رَكْعَات وَقد قعد قدر التَّشَهُّد فِي الرَّابِعَة ثمَّ صلى الْخَامِسَة لم جعلت صلَاته تَامَّة قَالَ لِأَنَّهُ قد قعد قدر التَّشَهُّد فقد تمت صلَاته فَلَا يفْسد صلَاته مَا حدث بعد ذَلِك من كَلَام أَو ضحك أَو صَلَاة قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو ثمَّ فعل شَيْئا من ذَلِك بعد مَا تشهد قبل أَن يسجدهما أَو بعد مَا سجد إِحْدَاهمَا(1/241)
قَالَ صلَاته فِي هَذَا تَامَّة غير أَن عَلَيْهِ الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى إِذا قهقه أَو أحدث قلت لم جعلت عَلَيْهِ الْوضُوء وَهُوَ فِي غير الصَّلَاة وَقد زعمت أَن صلَاته تَامَّة قَالَ أجل إِن صلَاته تَامَّة غير أَنه قد بَقِي عَلَيْهِ شَيْء يجب عَلَيْهِ فِيهِ الْوضُوء إِذا قهقه أَو أحدث وَلَا تفْسد صلَاته أَلا ترى لَو أَن رجلا دخل مَعَه فِي الصَّلَاة على تِلْكَ الْحَال كَانَ قد أدْرك مَعَه الصَّلَاة أَو لَا ترى لَو أَن رجلا أدْرك الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة على تِلْكَ الْحَال كَانَ قد أدْرك مَعَه الْجُمُعَة أَو لَا ترى لَو أَن مُسَافِرًا دخل فِي صَلَاة الْمُقِيم على تِلْكَ الْحَال وَجب عَلَيْهِ صَلَاة الْمُقِيم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر فَقعدَ فِي الثَّانِيَة وَسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَاهِيا قَالَ يمْضِي فِي صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قلت أَو لَا ترى التَّسْلِيم قطعا للصَّلَاة كَمَا يقطعهَا الْكَلَام قَالَ أما إِذا كَانَ سَاهِيا فَلَا وَإِن كَانَ مُتَعَمدا لذَلِك فَصلَاته فَاسِدَة
- بَاب الزِّيَادَة فِي السُّجُود
-
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى فَسجدَ فِي رَكْعَة ثَلَاث سَجدَات أَو أَرْبعا هَل يفْسد ذَلِك صلَاته قَالَ لَا إِلَّا أَن عَلَيْهِ سَجْدَتي السَّهْو قلت وَكَذَلِكَ لَو ركع ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ ركع سَاهِيا قَالَ نعم
قلت أَو لَا ترى السَّجْدَة أَو السَّجْدَتَيْنِ أَو الرَّكْعَة إِذا لم يكن مَعهَا(1/242)
سُجُود وَلم يكن مَعَ السُّجُود رَكْعَة تفْسد الصَّلَاة قَالَ لَا إِنَّمَا يفْسد الصَّلَاة رَكْعَة وَسجْدَة أَو سَجْدَتَانِ
قلت أَرَأَيْت إِن زَاد فِي الظّهْر رَكْعَة وَسجْدَة أَو سَجْدَتَيْنِ وَلم يقْعد فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد قَالَ هَذِه الصَّلَاة قد صَارَت خمس رَكْعَات ففسدت فَعَلَيهِ أَن يُعِيدهَا
- فِي الإِمَام يحدث فَيقدم من فَاتَتْهُ رَكْعَة
-
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فَسَهَا فِي صلَاته ثمَّ أحدث فَقدم رجلا قد فَاتَتْهُ رَكْعَة كَيفَ يصنع قَالَ يُصَلِّي بالقوم فَإِذا انْتهى إِلَى تَمام صَلَاة الإِمَام تشهد ثمَّ تَأَخّر من غير أَن يسلم وَيقدم رجلا مِمَّن أدْرك أول الصَّلَاة فَيسلم بهم وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ يقوم هَذَا الإِمَام الثَّانِي فَيَقْضِي مَا سبقه قلت وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يسْجد سَجْدَتي السَّهْو مَعَ الَّذِي قدم قبل أَن يقْضِي قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن لم يكن فِي الْقَوْم رجل قد أدْرك الصَّلَاة من أَولهَا كَيفَ يصنع الإِمَام الثَّانِي قَالَ إِذا انْتهى إِلَى رَابِعَة الإِمَام الأول(1/243)
تشهد ثمَّ تَأَخّر من غير أَن يسلم فَقَامَ يقْضِي وَحده مَا سبق بِهِ وَقَامَ الْقَوْم يقضون وحدانا قلت فَإِذا قضوا وحدانا هَل عَلَيْهِم سجدتا السَّهْو اللَّتَان وجبتا على الإِمَام الأول قَالَ نعم قلت فَمَتَى يسجدهما قَالَ كلما فرغ رجل مِنْهُم من صلَاته وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو قلت لم أوجبت على كل رجل مِنْهُم أَن يسْجد للسَّهْو وَلم يسْجد الإِمَام وَزَعَمت أَنه إِذا لم يكن سجد الإِمَام فَلَا سُجُود على أَصْحَابه قَالَ لَيْسَ هَذَا كَذَلِك هَذَا قد وَجب على إِمَام هَؤُلَاءِ أَن يسْجد وَلكنه لم يدْرك أول الصَّلَاة فَلم يسْتَطع أَن يسْجد وَلم يكن لَهُم إِمَام يسْجد بهم واستحسنت أَن يسجدوا بهَا وحدانا كَمَا يقضون وحدانا
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا يؤم قوما مقيمين فَسَهَا فِي صلَاته فَسجدَ سَجْدَتي السَّهْو بعد مَا سلم من الرَّكْعَتَيْنِ أيسجد المقيمون مَعَه أم يقضون قبل ذَلِك ثمَّ يَسْجُدُونَ قَالَ بل يَسْجُدُونَ مَعَه ثمَّ يقومُونَ فيقضون صلَاتهم(1/244)
قلت فَإِن سجدوا مَعَه ثمَّ قَامُوا يقضون فَسَهَا رجل فِيمَا يقْضِي أَيُحِبُّ عَلَيْهِ أَن يسْجد سَجْدَتي السَّهْو بعد مَا يسلم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا نَام خلف الإِمَام ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته وَسلم وَعَلِيهِ سَهْو فَأَرَادَ أَن يسْجد لسَهْوه أيسجد هَذَا الرجل مَعَه أم يقْضِي قَالَ بل يبْدَأ فَيَقْضِي الأولى فَالْأولى من صلَاته فَإِذا فرغ وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو قلت فَإِن سجد مَعَ الإِمَام ثمَّ قَامَ يقْضِي قَالَ لَا يجْزِيه مَا سجد مَعَ الإِمَام وَعَلِيهِ أَن يسْجد إِذا فرغ من صلَاته قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا وَالَّذِي سبقه الإِمَام بِرَكْعَة قَالَ هَذَا قد أدْرك أول الصَّلَاة وَالَّذِي سبقه الإِمَام لم يدْرك أَولهَا أَلا ترى أَن الَّذِي لم يدْرك أول الصَّلَاة خَلفه عَلَيْهِ أَن يقْرَأ فِيمَا يقْضِي وَهَذَا الَّذِي(1/245)
أدْرك أول الصَّلَاة إِنَّمَا يتبع الإِمَام بِغَيْر قِرَاءَة حَتَّى يفرغ من صلَاته قلت فَهَل يقوم هَذَا الرجل الَّذِي أدْرك أول الصَّلَاة فِي كل رَكْعَة مِقْدَار قِرَاءَة الإِمَام قَالَ نعم قلت فَإِن نقص أَو زَاد قَالَ لَا يضرّهُ قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا أدْرك أول الصَّلَاة مَعَ الإِمَام ثمَّ أحدث فَذهب فَتَوَضَّأ فجَاء وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته قَالَ نعم قلت فَإِن اسْتَيْقَظَ النَّائِم وَقد بقيت على الإِمَام رَكْعَة أَو جَاءَ الَّذِي أحدث كَيفَ يصنعان أيصليان مَعَ الإِمَام مَا بَقِي عَلَيْهِ أم يبتديان فيقضيان مَا سبقا بِهِ ثمَّ يصليان هَذِه الرَّكْعَة قَالَ يبتديان فيقضيان مَا سبقا بِهِ من الصَّلَاة ثمَّ يصليان هَذِه الرَّكْعَة ثمَّ يسجدان سَجْدَتي السَّهْو فَإِن أدْركَا الإِمَام بعد مَا فرغا مِمَّا سبقا بِهِ قعدا مَعَ الإِمَام حَتَّى يفرغ
قلت أَرَأَيْت رجلا انْتهى إِلَى الإِمَام فِي الظّهْر أَو الْعَصْر وَقد سبقه الإِمَام بِرَكْعَتَيْنِ فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة فصلى مَعَه الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَلَمَّا سلم الإِمَام قَامَ يقْضِي أيقضي بِقِرَاءَة أم بِغَيْر قِرَاءَة قَالَ بل يقْضِي بِقِرَاءَة فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة وَهُوَ قَول مُحَمَّد قلت(1/246)
وَكَذَلِكَ لَو سبقه الإِمَام بِرَكْعَة قَالَ نعم قلت فَإِن سبقه بِثَلَاث رَكْعَات قَالَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فِيمَا يقْضِي بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة فِي كل رَكْعَة وَيقْرَأ فِي الْآخِرَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَإِن شَاءَ سبح وَإِن شَاءَ سكت قلت فَإِن كَانَ الإِمَام سَهَا فِي صلَاته وَقد أدْرك هَذَا مَعَه رَكْعَة أَو لم يدْرك مَعَه إِلَّا أَنه أدْركهُ جَالِسا أيسجد مَعَه إِذا سجد الإِمَام للسَّهْو قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن لم يقْرَأ فِيمَا يقْضِي قَالَ صلَاته فَاسِدَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ يقْضِي أول صلَاته فَعَلَيهِ أَن يقْرَأ
قلت أَرَأَيْت رجلا انْتهى إِلَى الإِمَام فِي الظّهْر وَقد صلى الإِمَام رَكْعَتَيْنِ وَلم يقْرَأ فيهمَا فَدخل الرجل مَعَه فِي الصَّلَاة فصلى مَعَه الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَقَرَأَ الإِمَام فيهمَا فَلَمَّا سلم قَامَ هَذَا يقْضِي أيقرأ فِيمَا يقْضِي من صلَاته قَالَ نعم قلت فَإِن لم يقْرَأ قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الصَّلَاة قلت وَلم قد أجزت الإِمَام وَصَلَاة هَذَا فَاسِدَة وَقد أدْرك مَعَه الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَرَأَ فيهمَا الإِمَام قَالَ لِأَن الإِمَام أخر الْقِرَاءَة عَن موضعهَا ثمَّ قَرَأَ فِي آخر صلَاته فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَهُوَ يجْزِيه وَأما(1/247)
هَذَا فَإِنَّهُ يقْضِي أول صلَاته فَلَا بُد لَهُ من أَن يقْرَأ فيهمَا قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ هَذَا حِين أدْرك الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ الإِمَام قَرَأَ فيهمَا قَالَ لَا يجْزِيه حَتَّى يقْرَأ فِيمَا يقْضِي قلت أَرَأَيْت إِن قَرَأَ فِيمَا يقْضِي بِفَاتِحَة الْكتاب وَحدهَا أَو بِسُورَة لَيْسَ مَعهَا فَاتِحَة الْكتاب قَالَ إِن كَانَ سَاهِيا فَعَلَيهِ سجدتا السَّهْو وَإِن تعمد لذَلِك فَصلَاته تَامَّة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا أَنه قد أَسَاءَ قلت أَرَأَيْت إِن قَامَ يقْضِي قبل أَن يتَشَهَّد مَعَ الإِمَام وَقبل أَن يقْعد قدر التَّشَهُّد فقضي وَفرغ مِمَّا عَلَيْهِ قَالَ لَا يجْزِيه ذَلِك قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو قَامَ يقْضِي وَقد بَقِي على الإِمَام رَكْعَة أَكَانَ يَجْزِي قلت لَا قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء قلت فَإِن قَامَ يقْضِي بعد مَا قعد الإِمَام قدر التَّشَهُّد وَفرغ من صلَاته قَالَ(1/248)
يجْزِيه قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ على الإِمَام سجدتا السَّهْو فسجدهما وَالرجل قَائِم يُصَلِّي وَلم يرْكَع أَو قد ركع وَلم يسْجد كَيفَ يصنع قَالَ يرفض ذَلِك ويخر سَاجِدا مَعَ الإِمَام فَيسْجد مَعَه فَإِذا سلم الإِمَام قَامَ فَقضى مَا عَلَيْهِ قلت فَإِن سجد الإِمَام سَجْدَتي السَّهْو وَقد صلى الرجل رَكْعَة وَسجْدَة أَو سَجْدَتَيْنِ أيرفض ذَلِك وَيدخل مَعَ الإِمَام قَالَ لَا قلت أَرَأَيْت لَو لم يكن سجد وَلكنه كَانَ ركع بهَا فَلَمَّا سجد الإِمَام سجد مَعَه ثمَّ قَامَ يقْضِي مَا سبقه الإِمَام أتحتسب تِلْكَ الْقِرَاءَة الَّتِي قَرَأَ قبل أَن يسْجد مَعَ الإِمَام قَالَ لَا وَقد انْتقض سُجُوده مَعَ(1/249)
الإِمَام وقراءته فَعَلَيهِ أَن يُعِيد الْقِرَاءَة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فَأَتمَّ بهم الصَّلَاة وَسلم وَمَعَهُ رجلَانِ أَو ثَلَاثَة مِمَّن لم يدْرك أول الصَّلَاة فَقَامُوا يقضون فَسَهَا أحدهم فِيمَا يقْضِي هَل يجب على صَاحبه السَّهْو قَالَ لَا قلت وَلم وصلاتهم وَاحِدَة فِيمَا أدركوا وَلَيْسَت بِوَاحِدَة فِيمَا يقضون قَالَ أَلا ترى لَو أَن أحدهم ضحك أَو أحدث أَو تقيأ أَو تكلم لم يفْسد على صَاحبه قلت أَرَأَيْت إِن قاما يقضيان فائتم أَحدهمَا بِصَاحِبِهِ قَالَ صَلَاة الإِمَام تَامَّة وَصَلَاة الآخر فَاسِدَة قلت لم أفسدت عَلَيْهِ صلَاته قَالَ لِأَنَّهُ صلى صَلَاة وَاحِدَة بإمامين
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا أم قوما مقيمين فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ وَسلم فَقَامَ المقيمون فائتموا بِرَجُل مِنْهُم هَل تجزيهم صلَاتهم قَالَ لَا صلَاتهم فَاسِدَة غير الإِمَام فَإِن صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم الظّهْر وَصلى إِمَام آخر بِقوم آخَرين الظّهْر فَلَمَّا سلم الإمامان مَعًا جَمِيعًا قَامَ رجل من هَؤُلَاءِ يقْضِي(1/250)
وَرجل من هَؤُلَاءِ يقْضِي وَقد بَقِي على كل وَاحِد مِنْهُمَا رَكْعَة فائتم أحد الرجلَيْن بِصَاحِبِهِ قَالَ صَلَاة الإِمَام مِنْهُمَا تَامَّة وَصَلَاة الْمُؤْتَم فَاسِدَة قلت وَسَوَاء إِن كَانَت صَلَاة وَاحِدَة أَو صَلَاتَيْنِ أَو ثَلَاث صلوَات قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة إِذا صلت وَحدهَا هَل يجب عَلَيْهَا من السَّهْو مَا يجب على الرجل قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا صلى تَطَوّعا أيجب عَلَيْهِ فِي ذَلِك من السَّهْو مَا يجب عَلَيْهِ فِي الْمَكْتُوبَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم الْغَدَاة وَتشهد ثمَّ طلعت الشَّمْس قبل أَن يسلم وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قَالَ صلَاته وَصَلَاة من خَلفه فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما نَحن فنرى صلَاته وَصَلَاة من خَلفه تَامَّة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم الْجُمُعَة فَقعدَ فِي الثَّانِيَة قدر التَّشَهُّد(1/251)
ثمَّ دخل وَقت الْعَصْر قَالَ عَلَيْهِم أَن يستقبلوا الظّهْر أَربع رَكْعَات وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما نَحن فنرى صلَاته وَصَلَاة من خَلفه تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا مُسَافِرًا عُريَانا لَا يجد ثوبا فصلى رَكْعَتَيْنِ فَقعدَ فيهمَا قدر التَّشَهُّد وَتشهد ثمَّ وجد ثوبا قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد نرى صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاة وَهُوَ يحسن الْعَرَبيَّة قَالَ تجزيه صلَاته قلت وَكَذَلِكَ الدُّعَاء قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا قَرَأَ الرجل فِي الصَّلَاة بِشَيْء من التَّوْرَاة أَو الْإِنْجِيل أَو الزبُور وَهُوَ يحسن الْقُرْآن أَو لَا يحسن إِن هَذَا لَا يجْزِيه لِأَن هَذَا كَلَام لَيْسَ بقرآن(1/252)
وَلَا تَسْبِيح
قلت أَرَأَيْت عرق الْحمار أَو الْبَغْل أَو لعابهما يُصِيب الثَّوْب قَالَ لَا يُنجسهُ قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ كثيرا فَاحِشا قَالَ نعم وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا سقط من لعاب الْحمار أَو الْبَغْل وعرقه شَيْء فِي وضوء الرجل قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا فَإِن ذَلِك يفْسد المَاء وَلَا يجزى من تَوَضَّأ بِهِ فَإِن تَوَضَّأ بِهِ رجل وَصلى أعَاد الْوضُوء وَالصَّلَاة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تَوَضَّأ الرجل بسؤر الْحمار أَو الْبَغْل وَهُوَ يجد غَيره لم يجزه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي لعاب الْكَلْب وَالسِّبَاع كلهَا إِذا كَانَ أَكثر من قدر الدِّرْهَم أفسد الصَّلَاة وَقَالَ لَا يتَوَضَّأ بسؤر شَيْء من السبَاع إِلَّا بسؤر السنور فَإِنَّهُ يتَوَضَّأ بسؤرها وَلَا بَأْس بلعابها وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَغير سؤرها أحب إِلَيّ أَن يتَوَضَّأ بِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بسؤر الْحَائِض والمشرك وَإِن أدخلا أَيْدِيهِمَا أَو شربا بعد أَن لَا يعلم فِي أَيْدِيهِمَا قذر(1/253)
قلت أَرَأَيْت رجلا نسي التَّكْبِير فِي دبر الصَّلَاة فِي أَيَّام التَّشْرِيق هَل عَلَيْهِ سَهْو قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا لَيْسَ من الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا نسي الْقُنُوت فِي الْوتر وَذكر ذَلِك بعد مَا رفع رَأسه من الرُّكُوع هَل يقنت قَالَ لَا لَيْسَ عَلَيْهِ قنوت بعد الرُّكُوع قلت فَهَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت فَإِن قنت بعد مَا رفع رَأسه من الرُّكُوع هَل يسْقط عَنهُ سجدتا السَّهْو قَالَ لَا قلت لم جعلت عَلَيْهِ سَجْدَتي السَّهْو فِي ترك الْقُنُوت وَلَا تجعلهما عَلَيْهِ فِي ترك التَّكْبِير فِي أَيَّام التَّشْرِيق قَالَ لِأَن الْقُنُوت عِنْدِي بِمَنْزِلَة التَّشَهُّد قلت فَمَا لَك لم تجْعَل عَلَيْهِ أَن يقنت بعد الرُّكُوع قَالَ لِأَن مَوضِع الْقُنُوت قبل الرُّكُوع فَإِذا لم يقنت فِي مَوْضِعه لم يكن عَلَيْهِ إِعَادَة وَكَانَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو إِذا فعل ذَلِك نَاسِيا قلت فَإِن فعل ذَلِك مُتَعَمدا قَالَ قد أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ(1/254)
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى رَكْعَتَيْنِ تَطَوّعا فَسَهَا فيهمَا وَتشهد وَسلم هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت فَإِن لم يسلم وَلكنه قَامَ يُصَلِّي أُخْرَيَيْنِ فَجعل صلَاته أَرْبعا ثمَّ يسلم هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو وَإِنَّمَا سَهَا فِي الْأَوليين قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا صَلَاة وَاحِدَة
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح التَّطَوُّع وَهُوَ يَنْوِي أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا صلى رَكْعَة سَهَا فِيهَا ثمَّ بدا لَهُ أَن يَجْعَل صلَاته أَرْبعا فَزَاد أُخْرَيَيْنِ هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت فَإِن لم يسه فِي الْأَوليين(1/255)
وَلكنه سَهَا فِيمَا زَاد أيجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم لِأَنَّهَا صَلَاة وَاحِدَة
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة وَالْإِمَام يُصَلِّي الظّهْر وَنوى الرجل بِدُخُولِهِ مَعَه التَّطَوُّع ثمَّ تكلم الإِمَام كَيفَ يصنع الرجل الدَّاخِل قَالَ يسْتَقْبل أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام لم يتَكَلَّم وَتمّ على صلَاته إِلَّا أَن الرجل الدَّاخِل مَعَه إِنَّمَا أدْرك الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ إِذا فرغ الإِمَام فَإِن عَلَيْهِ أَن يقوم فَيَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ حَتَّى تكون أَربع رَكْعَات مثل صَلَاة الإِمَام
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة للتطوع وَهُوَ يَنْوِي أَن يُصَلِّي أَرْبعا فَلَمَّا صلى رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ بدا لَهُ أَن لَا يُتمهَا أَرْبعا فَسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ هَل عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي أخراوين قَالَ لَا قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا وَالَّذِي خلف الإِمَام قَالَ لِأَن الَّذِي خلف الإِمَام قد دخل فِي صلَاته فَلَا بُد لَهُ من أَن يُتمهَا لِأَنَّهُ قد دخل فِيهَا وائتم بِهِ وَأما هَذَا فَلَا يجب عَلَيْهِ أَربع رَكْعَات حَتَّى يقوم فِي الثَّالِثَة فَإِذا قَامَ فِي الثَّالِثَة وَجب عَلَيْهِ أَن يُتمهَا أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل فِي الظّهْر وَهُوَ يَنْوِي أَن يُصَلِّي سِتّ رَكْعَات قَالَ صلَاته تَامَّة وَهَذَا وَالْأول سَوَاء وَلَا تفْسد(1/256)
عَلَيْهِ صلَاته الركعتان اللَّتَان نوى أَن يُصَلِّيهمَا لِأَنَّهُ لم يدْخل فيهمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ قضاؤهما
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا نوى أَن يُصَلِّي الظّهْر أَربع رَكْعَات ثمَّ بدا لَهُ فصلى رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا تفْسد صلَاته أَلا ترى أَنه لَو دخل فِي الظّهْر وَهُوَ يَنْوِي أَن يقطعهَا بِكَلَام أَو حدث فصلى رَكْعَة ثمَّ بدا لَهُ فأتمها وَلم يقطعهَا أَن صلَاته تَامَّة فَإِذا نوى شَيْئا فَلم يفعل أَو أَرَادَ أَن يزِيد شَيْئا ثمَّ بدا لَهُ فَلم يزدْ فَصلَاته تَامَّة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيمَا نوى
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح التَّطَوُّع وَنوى أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فصلى رَكْعَة فَقَرَأَ فِيهَا ثمَّ صلى رَكْعَة أُخْرَى فَلم يقْرَأ فِيهَا أَو قَرَأَ فِي الثَّانِيَة وَلم يقْرَأ فِي الأولى ثمَّ سلم قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن لم يسلم حَتَّى صلى أَربع رَكْعَات وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَو فِي الْأَوليين كَمَا وصفت لَك وَقد نوى بالأخريين قَضَاء الْأَوليين هَل يجْزِيه ذَلِك(1/257)
قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد أفسد الْأَوليين فَلَا يَسْتَطِيع أَن يدْخل فِي صَلَاة صَحِيحَة حَتَّى يقطع الْأَوليين قلت وَكَذَلِكَ لَو أتمهَا سِتّ رَكْعَات قَالَ نعم قلت لم أفسدت الْأَوليين قَالَ لِأَنَّهُ لم يقْرَأ فِي إِحْدَاهمَا فَلَا تكون صَلَاة بِغَيْر قِرَاءَة قلت فَإِن أضَاف إِلَيْهَا رَكْعَة بِقِرَاءَة يَنْوِي قَضَاء الَّتِي أفسدها قَالَ لَا يجْزِيه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد أفسدهما حِين لم يقْرَأ فِي إِحْدَاهمَا فَلَا يَسْتَطِيع أَن يضيف إِلَيْهَا أُخْرَى فَيكون إِذا ثَلَاثًا وَقد أفسد إِحْدَاهُنَّ فَعَلَيهِ رَكْعَتَانِ يقضيهما
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الْغَدَاة رَكْعَتَيْنِ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى وَلم يقْرَأ فِي الثَّانِيَة هَل يجْزِيه أَن يضيف إِلَيْهَا أُخْرَى قَالَ لَا يكون ثَلَاثًا فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل صَلَاة الْغَدَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة وَهُوَ يَنْوِي أَربع رَكْعَات فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى وَالرَّابِعَة وَلم يقْرَأ فِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل أَربع رَكْعَات قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ حَيْثُ قَرَأَ فِي الأولى وَلم يقْرَأ فِي الثَّانِيَة أفسد الرَّكْعَتَيْنِ ثمَّ قَرَأَ فِي الرَّابِعَة وَلم يقْرَأ فِي الثَّالِثَة فقد أفسد(1/258)
الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضا فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل أَرْبعا وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ قَضَاء رَكْعَتَيْنِ قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ سَهَا فِيمَا صلى وَأوجب على نَفسه سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ أَمرته أَن يُعِيد الصَّلَاة أَتَرَى عَلَيْهِ أَن يسْجد للسَّهْو فِيمَا يُعِيد قَالَ لَا يسْجد فِيمَا يُعِيد إِلَّا أَن يسهو فَإِن سَهَا سجد
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر أَو الْعَصْر فَلَمَّا صلى رَكْعَتَيْنِ ظن أَنه قد فرغ من صلَاته وَسلم ثمَّ ذكر مَكَانَهُ أَنه إِنَّمَا صلى رَكْعَتَيْنِ قَالَ يتم صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قلت أَرَأَيْت إِن لم يسلم وَلكنه لما صلى رَكْعَتَيْنِ ظن أَنه فرغ من صلَاته وَنوى الْقطع لصلاته وَالدُّخُول فِي التَّطَوُّع وَهُوَ ساه ثمَّ ذكر ذَلِك بعد مَا دخل فِي التَّطَوُّع أَنه إِنَّمَا صلى من الظّهْر رَكْعَتَيْنِ قَالَ يمْضِي فِي التَّطَوُّع فَإِذا فرغ اسْتقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات وَلَيْسَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو فِيمَا صنع لِأَن صلَاته قد انتقضت
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا سَهَا يَوْم الْجُمُعَة أَو سَهَا فِي الْعِيدَيْنِ أَو سَهَا فِي صَلَاة الْخَوْف أَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك مَا عَلَيْهِ فِيمَا ذكرت من الصَّلَوَات قَالَ نعم قلت وَمن دخل مَعَه فِي سَجْدَتي السَّهْو فقد دخل مَعَه فِي صلَاته وَوَجَب عَلَيْهِ مَا وَجب على الإِمَام قَالَ نعم(1/259)
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا سَهَا فِي صَلَاة الْخَوْف فَسجدَ أيسجد الطَّائِفَة الَّذين مَعَه قَالَ نعم قلت وَلَا تسْجد الطَّائِفَة الَّذين هم بازاء الْعَدو قَالَ نعم لَا يَسْجُدُونَ قلت فَإِن جَاءَت الطَّائِفَة الَّذين هم بازاء الْعَدو وقضوا مَتى يَسْجُدُونَ للسَّهْو قَالَ إِذا فرغوا من صلَاتهم قلت فَإِن سَهوا فِيمَا يقضون وَجب على من سَهَا مِنْهُم سجدتا السَّهْو قَالَ لَا إِنَّمَا عَلَيْهِم السَّهْو فِيمَا سَهَا إمَامهمْ
قلت أَرَأَيْت الرجل الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يسْجد وَهُوَ يومى إِيمَاء أَو ر جلّ يسير على دَابَّته لَا يَسْتَطِيع أَن ينزل من الْخَوْف فَسَهَا أحد من هَؤُلَاءِ فِي صلَاته هَل يجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت وَيجب عَلَيْهِ أَن يومى بسجدتي السَّهْو إِيمَاء بعد التَّسْلِيم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة فَقَرَأَ ثمَّ شكّ فَلم يدر أكبر(1/260)
التَّكْبِيرَة الَّتِي يفْتَتح بهَا الصَّلَاة أم لَا فَأَعَادَ التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة ثمَّ علم أَنه كَانَ كبر قَالَ يمْضِي فِي صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قلت إِن ذكر ذَلِك وَهُوَ رَاكِع أَو ساجد أَو بعد مَا صلى رَكْعَة ثمَّ استيقن أَنه قد كبر قَالَ يمْضِي فِي صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قلت فَإِن لم يكن صلى شَيْئا إِلَّا أَنه ركع فِي الأولى فَذكر أَنه لم يكبر فَرفع رَأسه وَكبر وَقَرَأَ ثمَّ ذكر أَنه قد كَانَ كبر قَالَ يمْضِي فِي صلَاته ويعتد بركعته تِلْكَ وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو قلت وَلَا يكون تَكْبِيرَة هَذَا قطعا للصَّلَاة قَالَ لَا أَلا ترى أَنه إِنَّمَا ينويها لَا يَنْوِي غَيرهَا قلت فَإِن ذكر وَهُوَ ساجد أَنه لم يكبر فَرفع رَأسه فَقَامَ فَكبر ثمَّ علم أَنه قد كَانَ كبر قَالَ يمْضِي فِي صلَاته ويعتد بركعته تِلْكَ وسجدتيه وَيتم مَا بَقِي من صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الظّهْر ثمَّ نسي فَظن أَنه فِي الْعَصْر فصلى هَكَذَا هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يعلم مَا صلى(1/261)
قلت وَكَذَلِكَ لَو افْتتح الظّهْر فصلى رَكْعَة ثمَّ ظن أَنَّهَا الْعَصْر فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ استيقن أَنَّهَا الظّهْر ثمَّ صلى الرَّابِعَة قَالَ نعم قلت وَلَا يفْسد هَذَا صلَاته قَالَ لَا قلت فَإِن مكث وَهُوَ يتفكر حَتَّى شغله ذَلِك عَن رَكْعَة أَو سَجْدَة أَو كَانَ رَاكِعا أَو سَاجِدا فَأطَال الرُّكُوع أَو السُّجُود يتفكر ثمَّ ظن أَنَّهَا الظّهْر يجب فِي ذَلِك عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ إِذا تغير عَن حَالَة فتفكر استحسنت أَن أجعَل عَلَيْهِ سَجْدَتي السَّهْو
قلت أَرَأَيْت الرجل الَّذِي نَام خلف الإِمَام قد أدْرك أول الصَّلَاة مَعَ الإِمَام فإستيقظ وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته وَالرجل الَّذِي أدْرك مَعَ الإِمَام أول الصَّلَاة فأحدث فَذهب يتَوَضَّأ وَيَجِيء وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته أَهما عنْدك سَوَاء قَالَ نعم قلت وَعَلَيْهِمَا أَن يبنيا على صلاتهما قَالَ نعم قلت وَلَا يقْرَأ وَاحِد مِنْهُمَا قَالَ لَا قلت فَإِن سَهوا فِي صلاتهما أَو سَهَا أَحدهمَا فَهَل على الَّذِي سَهَا سجدتا السَّهْو قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من خلف الإِمَام وَلَا سَهْو على(1/262)
من خلف الإِمَام إِذا لم يسه الإِمَام
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فَلَمَّا قعد فِي الرَّابِعَة تشهد ثمَّ شكّ فِي شَيْء من صلَاته فتفكر فِيهِ سَاعَة حَتَّى شغله تفكره عَن التَّسْلِيم ثمَّ استيقن أَنه قد أتم الصَّلَاة هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن لم يشك حَتَّى سلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة ثمَّ شكّ فَلم يدر أصلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا ثمَّ استيقن أَنه قد أتم الصَّلَاة هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا إِنَّمَا سَهَا بعد خُرُوجه من الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى وَحده فأحدث فَانْفَتَلَ ليتوضأ فَشك فِي صلَاته وَهُوَ يتَوَضَّأ فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أم رَكْعَتَيْنِ فَشَغلهُ ذَلِك عَن وضوئِهِ ثمَّ استيقن أَنه صلى رَكْعَتَيْنِ ففرغ من وضوئِهِ فجَاء فَبنى على صلَاته حَتَّى فرغ من صلَاته هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو بعد الْفَرَاغ قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاة أَلا ترى أَنه يعْتد بِمَا مضى من صلَاته وَيُصلي مَا بَقِي
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر أَربع رَكْعَات ثمَّ قَامَ فِي الْخَامِسَة سَاهِيا فَذكر قبل أَن يقْرَأ أَو بعد مَا قَرَأَ أَو بعد مَا ركع وَلم يسْجد كَيفَ يصنع وَقد قعد فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد أَو لم يقْعد قَالَ إِذا ذكر فليقعد وليتشهد وَيسلم وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو وَلَا يفْسد عَلَيْهِ مَا ذكرت شَيْئا من صلَاته لِأَنَّهَا لَيست بِرَكْعَة تَامَّة قلت فَإِن سجد فِي الْخَامِسَة ثمَّ ذكرهَا وَقد قعد قدر التَّشَهُّد قَالَ يضيف إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى ثمَّ يسْجد سَجْدَتي السَّهْو(1/263)
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة تَطَوّعا فَسَهَا فِي صلَاته فَأَتمَّ رَكْعَتَيْنِ وَسلم ثمَّ قَامَ فَدخل فِي صَلَاة مَكْتُوبَة أَو فِي صَلَاة تطوع غير تِلْكَ هَل عَلَيْهِ فِي ذَلِك سجدتا السَّهْو قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد قطع الَّتِي سَهَا فِيهَا وَدخل فِي غَيرهَا فَلَمَّا دخل فِي غَيرهَا سقط عَنهُ سجدتا السَّهْو
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر وَحده وَقد فرغ من صلَاته وَسلم ثمَّ دخل مَعَ الإِمَام فِي صَلَاة غَيرهَا ثمَّ شكّ فِي الأولى وَهُوَ فِي الصَّلَاة مَعَ الإِمَام فتفكر حَتَّى شغله تفكره هَل عَلَيْهِ فِي هَذِه الصَّلَاة سَهْو قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يشك فِي شَيْء مِنْهَا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ يُصَلِّي وَحده حَتَّى فرغ من الأولى فتفكر فِيهَا قَالَ نعم إِن لم يشْغلهُ عَنْهَا شَيْء
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى رَكْعَتَيْنِ فَسَهَا فيهمَا فَسجدَ لسَهْوه بعد التَّسْلِيم وَالتَّشَهُّد ثمَّ أَرَادَ أَن يضيف إِلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يسْتَقْبل التَّكْبِير أَلا ترى أَنه إِن بنى على التَّكْبِير الأول(1/264)
كَانَت عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو وَسَقَطت صلَاته وَلَا تكون سَجْدَة السَّهْو إِلَّا فِي آخر الصَّلَاة وَإِن اسْتقْبل التَّكْبِير وَدخل فِي الرَّكْعَتَيْنِ أجزاه
- بَاب صَلَاة الْمُسَافِر
-
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر هَل يقصر الصَّلَاة فِي أقل من ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ لَا قلت فَإِن سَافر مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا قَالَ يقصر الصَّلَاة حِين يخرج من مصره قلت وَلم وَقت لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ لِأَنَّهُ جَاءَ أثر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تُسَافِر الْمَرْأَة ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم فقست على ذَلِك وَبَلغنِي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير أَنَّهُمَا قَالَا إِلَى المداين وَنَحْوهَا(1/265)
قلت أَرَأَيْت إِن سَافر ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا فَقدم الْمصر الَّذِي خرج إِلَيْهِ أيتم الصَّلَاة قَالَ إِن كَانَ يُرِيد أَن يُقيم فِيهِ خَمْسَة عشر يَوْمًا أتم الصَّلَاة وَإِن كَانَ لَا يدْرِي مَتى يخرج قصر الصَّلَاة قلت وَلم وَقت خَمْسَة عشر يَوْمًا قَالَ للأثر الَّذِي جَاءَ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
قلت أَرَأَيْت إِذا خرج من مصره وَهُوَ يُرِيد السّفر فَحَضَرت الصَّلَاة وأمامه من مصره ذَلِك دَار أَو داران قَالَ يُصَلِّي صَلَاة الْمُقِيم مَا لم يخرج من مصره ذَلِك حَتَّى يخلف ذَلِك الْمصر قلت فَإِن كَانَ بَينه وَبَين الْمصر الَّذِي خرج إِلَيْهِ فَرسَخ أَو أقل من ذَلِك وَهُوَ يُرِيد الْمقَام فِيهِ أيصلي صَلَاة مُسَافر أَو صَلَاة مُقيم قَالَ بل صَلَاة مُسَافر حَتَّى يدخلهَا(1/266)
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا خرج من الْكُوفَة إِلَى مَكَّة وَمنى وَهُوَ يُرِيد أَن يُقيم بِمَكَّة وَمنى خَمْسَة عشر يَوْمًا أيكمل الصَّلَاة حِين يدْخل مَكَّة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُرِيد أَن يُقيم بِمَكَّة وَحدهَا خَمْسَة عشر يَوْمًا قلت وَلَا تعد مَكَّة وَمنى مصرا وَاحِدًا قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا أقبل من الْجَبَل يُرِيد الْحيرَة وَأَهله بهَا فَمر بِالْكُوفَةِ فَحَضَرت الصَّلَاة أيصلي صَلَاة مُسَافر أَو صَلَاة مُقيم قَالَ بل يُصَلِّي صَلَاة مُسَافر مَا لم يدْخل الْحيرَة أَو يوطن نَفسه على إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا بِالْكُوفَةِ قلت أَرَأَيْت إِن لم يكن أَهله بِالْحيرَةِ وَلكنه أقبل من الْجَبَل يُرِيد أَن يُقيم بِالْحيرَةِ والكوفة خَمْسَة عشر يَوْمًا فَقدم الْكُوفَة أيقصر الصَّلَاة أم يتم قَالَ بل يقصر الصَّلَاة قلت وَلم يقصر الصَّلَاة وَلَا يتم حِين يدْخل الْكُوفَة قَالَ لِأَنَّهُ لم يوطن نَفسه على إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فِي مصر وَاحِد أَلا ترى لَو أَن رجلا أقبل من الْجَبَل وَهُوَ يُرِيد أَن يُقيم بِالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فَقدم الْكُوفَة أَو الْبَصْرَة(1/267)
أَنه لم يجب عَلَيْهِ أَن يتم الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا خرج من مصره مُسَافِرًا بعد زَوَال الشَّمْس أيصلي صَلَاة الْمُسَافِر أم صَلَاة الْمُقِيم قَالَ بل صَلَاة مُسَافر قلت وَلم وَقد خرج من مصره فِي وَقت صَلَاة قد وَجَبت عَلَيْهِ قَالَ أَرَأَيْت لَو زَالَت الشَّمْس وَهُوَ مُسَافر ثمَّ قدم أَهله أَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر صَلَاة مُسَافر أَو صَلَاة مُقيم قلت بل صَلَاة مُقيم قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا خرج من مصره بعد ذهَاب وَقت الصَّلَاة وَلم يصلها أيصلي تِلْكَ الصَّلَاة صَلَاة مُسَافر أَو صَلَاة مُقيم قَالَ بل صَلَاة مُقيم قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا وَجَبت عَلَيْهِ قبل أَن يخرج من مصره قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن مُسَافِرًا دخل فِي وَقت الظّهْر وَلم يصلها حَتَّى ذهب الْوَقْت ثمَّ قدم الْمصر قَالَ نعم عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي صَلَاة مُسَافر قلت وَإِنَّمَا ينظر إِلَى ذهَاب الْوَقْت وَلَا ينظر إِلَى دُخُوله قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا خرج مُسَافِرًا فَحَضَرت الصَّلَاة وَهِي الظّهْر فَافْتتحَ الصَّلَاة ليُصَلِّي وَقد خرج من مصره وَهُوَ يُرِيد أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فأحدث حِين دخل فِي الصَّلَاة فَانْفَتَلَ فَأتى الْمصر فَتَوَضَّأ ثمَّ عَاد إِلَى مَكَانَهُ كم يُصَلِّي قَالَ أَربع رَكْعَات قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد دخل الْمصر(1/268)
فَصَارَ مُقيما وَهُوَ فِي الصَّلَاة بعد فَعَلَيهِ أَن يُصَلِّي صَلَاة الْمُقِيم قلت فَإِن انْفَتَلَ حِين أحدث وَهُوَ يُرِيد أَن يدْخل الْمصر ليتوضأ ثمَّ ذكر أَن عِنْده مَاء لم يعلم بِهِ قَالَ يتَوَضَّأ وَيُصلي أَربع رَكْعَات صَلَاة مُقيم قلت لم وَلم يدْخل الْمصر قَالَ لِأَنَّهُ حِين أجمع رَأْيه على دُخُوله الْمصر قد وَجب عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قلت لم كَانَ هَكَذَا عنْدك قَالَ أَرَأَيْت لَو بدا لَهُ أَن يُقيم وَيرجع إِلَى أَهله ألم يكن عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قلت بلَى وَلَكِن لَا يشبه هَذَا عِنْدِي ذَاك لِأَن هَذَا قد أَرَادَ الْإِقَامَة وَالْأول لم يرد أَن يُقيم قَالَ أَرَأَيْت لَو أجمع رَأْيه على أَن يدْخل أَهله فيمكث يَوْمًا ثمَّ يخرج كم كَانَ يُصَلِّي قلت أَرْبعا قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء قلت أَرَأَيْت إِن أَرَادَ الْمقَام وَهُوَ(1/269)
فِي الصَّلَاة ثمَّ بدا لَهُ أَن يتم على سَفَره وَلَا يرجع قَالَ إِذا أجمع رَأْيه على الْإِقَامَة فَهُوَ مُقيم وَلَا يكون مُسَافِرًا بِالنِّيَّةِ كَمَا يكون مُقيما بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يكون مُسَافِرًا حَتَّى يسير وَالْإِقَامَة إِنَّمَا تكون بِالنِّيَّةِ لِأَن الْإِقَامَة لَيْسَ بِعَمَل وَالسّفر عمل
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى فِي سَفَره أَرْبعا أَرْبعا حَتَّى رَجَعَ إِلَى أَهله مَا القَوْل فِي ذَلِك قَالَ إِن كَانَ قعد فِي كل رَكْعَتَيْنِ قدر التَّشَهُّد فَصلَاته تَامَّة وَإِن كَانَ لم يقْعد فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين قدر التَّشَهُّد فَصلَاته فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يُعِيد قلت لم كَانَ هَذَا عنْدك هَكَذَا قَالَ لِأَن صَلَاة الْمُسَافِر الْفَرِيضَة رَكْعَتَانِ فَمَا زَاد عَلَيْهَا فَهُوَ تطوع فَإِن خلط الْمَكْتُوبَة بالتطوع فَسدتْ صلَاته إِلَّا أَن يقْعد فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين قدر التَّشَهُّد لِأَن التَّشَهُّد فصل لما بَينهمَا أَلا ترى لَو أَنه تكلم وَقد قعد قدر التَّشَهُّد كَانَت صلَاته تَامَّة فَإِن كَانَت الصَّلَاة لم يُفْسِدهَا الْكَلَام وَلم يُفْسِدهَا صَلَاة(1/270)
أُخْرَى لِأَن الصَّلَاة لَا تكون أَشد من الْكَلَام
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا افْتتح الظّهْر وَهُوَ يَنْوِي أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات ثمَّ بدا لَهُ فصلى رَكْعَتَيْنِ وَسلم قَالَ صلَاته تَامَّة
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا افْتتح الظّهْر فصلى رَكْعَتَيْنِ وَتشهد وَقد سَهَا فِي صلَاته فَسلم وَهُوَ يُرِيد أَن يسْجد سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ بدا لَهُ أَن يُقيم قَالَ صلَاته تَامَّة وَلَيْسَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو وَنِيَّته هَذِه قطع للصَّلَاة أَلا ترى لَو أَنه ضحك فِي هَذِه الْحَال حَتَّى قهقه لم يكن عَلَيْهِ وضوء وَلَو كَانَ فِي صَلَاة لَكَانَ عَلَيْهِ الْوضُوء وَإِنَّمَا بدا لَهُ الْمقَام حِين فرغ من صلَاته فَلذَلِك لم يكن عَلَيْهِ أَن يتم الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن سجد لسَهْوه سَجْدَة وَاحِدَة أَو سَجْدَتَيْنِ ثمَّ بدا لَهُ الْمقَام قبل أَن يسلم قَالَ عَلَيْهِ أَن يكمل أَربع رَكْعَات وَعَلِيهِ أَن يسْجد سَجْدَتي السَّهْو بعد التَّسْلِيم ويتشهد فِيهَا وَيسلم أَلا ترى أَنه لَو ضحك فِي هَذِه الْحَال حَتَّى قهقه كَانَ عَلَيْهِ الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى أَو لَا ترى لَو أَن رجلا أدْرك مَعَه الصَّلَاة فِي هَذِه الْحَال كَانَ قد أدْرك مَعَه الصَّلَاة وَلَا يشبه هَذَا الأول لِأَن هَذَا بدا لَهُ الْمقَام وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَالْأول بدا لَهُ وَقد فرغ من صلَاته وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف(1/271)
وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر هَذَا كُله سَوَاء وَهُوَ فِي صلَاته بعد مَا لم يسلم قبل أَن يدْخل فِي سَجْدَتي السَّهْو إِن بدا لَهُ الْمقَام كَانَ مُقيما وَعَلِيهِ أَن يتم الصَّلَاة وَإِن دخل مَعَه رجل فِي تِلْكَ الْحَال كَانَ دَاخِلا فِي صلَاته وَإِن لم يسْجد الإِمَام سَجْدَتي السَّهْو وَإِن قهقه الإِمَام فِي تِلْكَ الْحَالة كَانَ عَلَيْهِ الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا افْتتح الظّهْر وَصلى رَكْعَة ثمَّ أحدث فَانْصَرف ليتوضأ فَلم يجد المَاء فَتَيَمم بالصعيد ثمَّ وجد المَاء قبل أَن يعود إِلَى مقَامه وبدا لَهُ الْمقَام قَالَ يتَوَضَّأ ويبنى على صلَاته ويكمل أَربع رَكْعَات قلت فَإِن قَامَ فِي مقَامه ثمَّ رأى المَاء ثمَّ بدا لَهُ الْمقَام قَالَ يتَوَضَّأ وَيسْتَقْبل الصَّلَاة أَربع رَكْعَات ورؤيته المَاء فِي مقَامه وَقبل أَن يقوم فِي مقَامه سَوَاء فِي الْقيَاس غير أَنى أستحسن ذَلِك وآمره أَن يتَوَضَّأ ويبنى على صلَاته مَا لم ير المَاء بعد مَا يقوم فِي مقَامه أَو يقوم فِي غير مقَامه يُرِيد الصَّلَاة فَإِذا فعل ذَلِك ثمَّ رأى المَاء اسْتقْبل الْوضُوء وَالصَّلَاة(1/272)
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا أم قوما مقيمين ومسافرين فصلى بهم رَكْعَة وَسجْدَة ثمَّ أحدث فَقدم رجلا دخل مَعَه فِي الصَّلَاة ساعتئذ وَهُوَ مُسَافر مثله قَالَ لَا يَنْبَغِي لذَلِك الرجل أَن يتَقَدَّم وَلَكِن يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يقدم من قد أدْرك أول الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن تقدم الرجل الْمُسَافِر كَيفَ يصنع قَالَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يسْجد تِلْكَ السَّجْدَة الَّتِي تَركهَا الإِمَام الأول ثمَّ يُصَلِّي بهم قلت فَإِن سَهَا عَن تِلْكَ السَّجْدَة فصلى بهم رَكْعَة وَسجد فِيهَا سَجْدَة ثمَّ أحدث فَقدم رجلا آخر دخل مَعَه فِي الصَّلَاة ساعتئذ فَذهب فَتَوَضَّأ وَجَاء فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة وَجَاء الإِمَام الأول فَدخل مَعَه كَيفَ يَنْبَغِي لهَذَا الإِمَام الثَّالِث أَن يصنع قَالَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يسْجد تِلْكَ السَّجْدَة الأولى ويسجدها مَعَه الإِمَام الأول وَالْقَوْم وَلَا يسجدها مَعَه الإِمَام الثَّانِي ثمَّ يسْجد السَّجْدَة الْآخِرَة ويسجدها مَعَه الإِمَام الثَّانِي وَالْقَوْم وَلَا يسجدها مَعَه الإِمَام الأول وَيُصلي الإِمَام الأول الرَّكْعَة الثَّانِيَة بِغَيْر قِرَاءَة فَإِن أدْرك مَعَ الإِمَام الثَّالِث السَّجْدَة الْآخِرَة يسجدها مَعَه وَإِن لم يُدْرِكهَا سجدها وَحده ويتشهد الإِمَام الثَّالِث ثمَّ يتَأَخَّر فَيقدم رجلا قد أدْرك(1/273)
أول الصَّلَاة فَيسلم بهم وَيسْجد بهم سَجْدَتي السَّهْو ويسجدون مَعَه جَمِيعًا ثمَّ يقوم الإِمَام الثَّانِي فَيَقْضِي الرَّكْعَة الَّتِي سبق بهَا فَيقْرَأ فِيهَا وَيقوم المقيمون فيقضون وحدانا بِغَيْر إِمَام حَتَّى يكملوا الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم الظّهْر وَهُوَ مُقيم وَالْقَوْم جَمِيعًا فصلى بهم رَكْعَة وَسجْدَة ثمَّ أحدث فَانْفَتَلَ وَقدم رجلا مِمَّن أدْرك أول الصَّلَاة فَسَهَا عَن هَذِه السَّجْدَة وَصلى بالقوم رَكْعَة وَسجْدَة ثمَّ رعف فَانْفَتَلَ وَقدم رجلا قد أدْرك أول الصَّلَاة فَسَهَا عَن السَّجْدَتَيْنِ جَمِيعًا وَصلى بهم رَكْعَة وَسجْدَة ثمَّ رعف فَتَأَخر وَقدم رجلا قد أدْرك أول الصَّلَاة فَسَهَا عَن الثَّلَاث سَجدَات وَصلى بهم رَكْعَة وَسجْدَة ثمَّ رعف وَقدم رجلا قد أدْرك أول الصَّلَاة وَتَوَضَّأ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وجاؤا جَمِيعًا وَلم يتكلموا قَالَ يَنْبَغِي للْإِمَام الْخَامِس أَن يسْجد بهم السَّجْدَة الأولى وَيسْجد مَعَه الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْقَوْم جَمِيعًا ثمَّ يسْجد السَّجْدَة الثَّانِيَة ويسجدونها مَعَه جَمِيعًا غير الإِمَام الأول وَالثَّانِي ثمَّ يسْجد السَّجْدَة الثَّالِثَة(1/274)
وَيسْجد مَعَه الْقَوْم إِلَّا الإِمَام الأول وَالثَّانِي ثمَّ يسْجد السَّجْدَة الرَّابِعَة ويسجدها مَعَه الْقَوْم جَمِيعًا إِلَّا الإِمَام الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث وَيَقْضِي الإِمَام الأول الرَّكْعَة الثَّانِيَة وسجدتيها ثمَّ يقْضِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة وسجودهما وَيَقْضِي الإِمَام الثَّانِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة بسجودهما وَيَقْضِي الإِمَام الثَّالِث الرَّكْعَة الرَّابِعَة بسجدتيها وَأَيّمَا إِمَام مِنْهُم أدْرك الإِمَام الآخر فِي سَجْدَة من ركعته الَّتِي يقْضِي سجدتها مَعهَا لم يُتَابِعه فِيهَا ثمَّ يسلم الإِمَام وَسجد سَجْدَتي السَّهْو ويسجدون مَعَه جَمِيعًا إِن كَانَ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة قد فرغوا من صلَاتهم وَإِن كَانَ قد بَقِي على أحد مِنْهُم شَيْء من صلَاته لم يسْجد مَعَ الإِمَام حَتَّى يفرغ من صلَاته فَإِذا فرغ من صلَاته سجد سَجْدَتي السَّهْو بعد مَا يسلم الإِمَام
قلت أَرَأَيْت مُقيما صلى بِقوم مقيمين رَكْعَة من الظّهْر وَنسي سَجْدَة(1/275)
ثمَّ أحدث فَقدم رجلا جَاءَ ساعتئذ فَلم يسْجد بهم تِلْكَ السَّجْدَة وَلكنه صلى بهم رَكْعَة وَسجْدَة ثمَّ أحدث وَقدم رجلا جَاءَ ساعتئذ فصلى بهم رَكْعَة وَسجْدَة ثمَّ أحدث فَقدم رجلا جَاءَ ساعتئذ فصلى بهم رَكْعَة وَسجْدَة ثمَّ أحدث وَقدم رجلا جَاءَ ساعتئذ ثمَّ تَوَضَّأ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وجاؤا جَمِيعًا قَالَ يَنْبَغِي لهَذَا الإِمَام الْخَامِس أَن يسْجد بهم أَربع سَجدَات يبْدَأ بِالْأولَى فَالْأولى وَيسْجد مَعَه الإِمَام الأول السَّجْدَة الأولى وَالْقَوْم وَلَا يسْجد مَعَه الإِمَام الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع تِلْكَ السَّجْدَة ثمَّ يسْجد السَّجْدَة الثَّانِيَة فيسجدها مَعَه الإِمَام الثَّانِي وَالْقَوْم وَلَا يسْجد مَعَه الإِمَام الأول وَالثَّالِث وَالرَّابِع ثمَّ يسْجد السَّجْدَة الثَّالِثَة فيسجدها مَعَه الإِمَام الثَّالِث وَالْقَوْم جَمِيعًا وَلَا يسجدها مَعَه الإِمَام الأول وَلَا الثَّانِي وَلَا الرَّابِع ثمَّ يسْجد السَّجْدَة الرَّابِعَة فيسجدها مَعَه الْقَوْم وَالْإِمَام الرَّابِع وَلَا يسجدها مَعَه الإِمَام الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث إِلَّا أَن يقْضِي الإِمَام الأول مَا سبق بِهِ من الصَّلَاة فَإِن أدْركهُ فِي شَيْء من هَذَا السُّجُود والسجدة الَّتِي سجدها الإِمَام من الرَّكْعَة الَّتِي يَقْضِيهَا الإِمَام الأول فَإِنَّهُ يسجدها مَعَه وَإِن لم يُدْرِكهَا مَعَه سجدها وَحده حِين يفرغ من صلَاته فَإِذا فرغ قعد مَعَ الإِمَام الْخَامِس إِن أدْركهُ قَاعِدا وَأما الإِمَام الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع فَإِنَّهُ لَيْسَ(1/276)
على أحد مِنْهُم أَن يقْضِي مَا سبق بِهِ الإِمَام قبل أَن يدْخل فِي صلَاته إِلَّا بعد مَا يسلم الإِمَام ويفرغ من صلَاته فَإِذا فرغ الإِمَام قَامُوا فقضوا بِقِرَاءَة وَأما الإِمَام الأول فَإِنَّهُ يقْضِي بِغَيْر قِرَاءَة وَأما الإِمَام الْخَامِس فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يتَشَهَّد بالقوم ثمَّ يتَأَخَّر فَيقدم رجلا قد أدْرك أول الصَّلَاة فَيسلم بهم وَيسْجد بهم سَجْدَتي السَّهْو وَيسْجد مَعَه الْقَوْم جَمِيعًا غير الإِمَام الأول إِلَّا أَن يكون الإِمَام الأول قد فرغ مِمَّا سبق بِهِ فَيسْجد مَعَه السَّجْدَتَيْنِ وَالْأَئِمَّة الْآخرُونَ وَإِن كَانُوا أَيْضا قضوا مَا أدركوا مَعَ الإِمَام الأول مَا لم يصلوا مَعَه فيسجدون مَعَه سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ يقوم هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فيقضون صلَاتهم بِقِرَاءَة
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى بِقوم مسافرين الْمغرب فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا قَامَ فِي الثَّالِثَة دخل مَعَه رجل مُقيم وَنوى بِدُخُولِهِ مَعَه التَّطَوُّع(1/277)
فصلى مَعَه الرَّكْعَة الثَّالِثَة ثمَّ سلم الإِمَام قَالَ يقوم هَذَا الْمُقِيم فَيصَلي ثَلَاث رَكْعَات يقْرَأ فِيهِنَّ جَمِيعًا وَيقْعد فِي الأولى مِنْهُنَّ لِأَنَّهَا الثَّانِيَة وَلَا يقْعد فِي الثَّانِيَة لِأَنَّهَا الثَّالِثَة وَيقْعد فِي الرَّابِعَة ويتشهد وَيسلم وَلَو أَن امْرَأَة صلت مَكْتُوبَة فِي حضر أَو فِي سفر فَهِيَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الرجل فَإِن ائتم بهَا رجل وَنوى التَّطَوُّع فقد أَسَاءَ وَدخل فِي غير صَلَاة فَإِن تمّ عَلَيْهَا لم تجزه وَإِن أفسدها لم يكن عَلَيْهِ قَضَاء وَلَا يشبه هَذَا الَّذِي دخل فِي الْمغرب
وَقَالَ أكره للرجل أَن يدْخل مَعَ الإِمَام فِي الْمغرب يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّع وَلَو دخل مَعَه وأفسدها كَانَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي أَربع رَكْعَات وَالَّذِي ائتم بِالْمَرْأَةِ لَا يشبه هَذَا أَلا ترى لَو أَن رجلا ائتم بصبي أَو بِرَجُل كَافِر لم يكن دَاخِلا فِي الصَّلَاة فَكَذَلِك الْمَرْأَة لَا يَنْبَغِي للْمَرْأَة أَن تؤم الرجل
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا أم قوما مقيمين ومسافرين فصلى بهم رَكْعَة ثمَّ بدا لَهُ أَن يُقيم قَالَ عَلَيْهِ أَن يكمل الصَّلَاة قلت فَإِن أحدث(1/278)
الإِمَام بعد مَا نوى الْإِقَامَة فَقدم رجلا قَالَ يتم بهم أَربع رَكْعَات قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام الثَّانِي قد أدْرك مَعَ الإِمَام أول الصَّلَاة وَلم يصلها مَعَه بِأَن نَام خَلفه عَنْهَا ثمَّ أحدث فَذهب فَتَوَضَّأ فجَاء فأحدث الإِمَام الأول فَقدم هَذَا فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ فِي هَذَا إِن تَأَخّر وَقدم غَيره مِمَّن قد صلى تِلْكَ الرَّكْعَة فَهُوَ أفضل وَأحب إِلَيّ وَإِن لم يفعل فَبَدَأَ بهَا فَصلاهَا وَهُوَ قدامهم أومى إِلَيْهِم فَقَامُوا أجزاه ذَلِك وأجزاهم وَإِن لم يَفْعَلُوا وَصلى بهم الثَّلَاث رَكْعَات وَتشهد وَقدم رجلا مِمَّن قد أدْرك أول الصَّلَاة فَسلم وَقَامَ هُوَ يقْضِي أجزاهم ذَلِك وَإِن صلى بهم رَكْعَة ثمَّ ذكر ركعته تِلْكَ فَإِن أفضل ذَلِك أَن يومى إِلَى الْقَوْم فَيقومُونَ حَتَّى يقْضِي هُوَ تِلْكَ الرَّكْعَة ثمَّ يُصَلِّي بهم بَقِيَّة صلَاتهم وَإِن لم يفعل وَلكنه تَأَخّر حِين ذكر فَقدم رجلا فصلى بهم فَهُوَ أفضل وَإِن لم يفعل ذَلِك وَلكنه صلى بهم وَهُوَ ذَاكر لركعته تِلْكَ أجزاه وأجزاهم غير أَنه يَنْبَغِي لَهُ إِذا تشهد أَن يتَأَخَّر وَيقدم رجلا قد أدْرك أول الصَّلَاة فَيسلم بهم وَيقوم فَيَقْضِي تِلْكَ الرَّكْعَة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم أَربع رَكْعَات فنسي سَجْدَتَيْنِ سَجْدَة من أول رَكْعَة وَسجْدَة من الثَّانِيَة فَلم يذكر ذَلِك حَتَّى قعد فِي الرَّابِعَة ثمَّ ذكر ذَلِك وَخَلفه رجل قد أدْرك مَعَه أول الصَّلَاة ونام خَلفه(1/279)
وَلم يصل مَعَه شَيْئا ثمَّ انتبه حَتَّى قعد مَعَ الإِمَام فِي الرَّابِعَة قَالَ يَنْبَغِي لهَذَا الرجل أَن يقوم فَيصَلي الرَّكْعَة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة بِغَيْر قِرَاءَة قلت فَإِن سجد الإِمَام السَّجْدَة الأولى فأدركه الرجل فِيهَا أيسجد مَعَه قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو أدْركهُ فِي السَّجْدَة الثَّانِيَة قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو أدْركهُ فِي السَّجْدَة الثَّالِثَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا نسى الظّهْر فَدخل أَهله وَقد ذهب وَقتهَا ثمَّ ذكر ذَلِك فَقَامَ يُصَلِّي فجَاء رجل مُقيم فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة وَقد فَاتَتْهُ تِلْكَ الصَّلَاة قَالَ يَنْبَغِي للْمُسَافِر أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيقْعد ويتشهد وَيسلم ثمَّ يقوم هَذَا الْمُقِيم فَيتم صلَاته أَربع رَكْعَات قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام هُوَ الْمُقِيم فائتم بِهِ الْمُسَافِر قَالَ صلَاته تَامَّة وَأما الْمُسَافِر فَصلَاته فَاسِدَة لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يكمل أَربع رَكْعَات لِأَنَّهَا صَلَاة قد ذهب وَقتهَا وَقد وَجَبت عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ فَلَا يَسْتَطِيع أَن يُتمهَا أَرْبعا
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا أم قوما مسافرين فِي مصر أيصلي بهم(1/280)
أَربع رَكْعَات أَو رَكْعَتَيْنِ قَالَ يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ والمصر فِي هَذَا وَغَيره سَوَاء قلت فَإِن قَامَت مَعَهم فِي الصَّلَاة جَارِيَة لم تَحض فصلت بِصَلَاة الإِمَام قَالَ أستحسن أَن تفْسد على الَّذِي خلفهَا صلَاته وَعَن يَمِينهَا وَعَن شمالها وبقيتهم صلَاتهم تَامَّة أَلا ترى أَنى آمرها أَن تتوضأ وَتصلي وَلَو صلت بِغَيْر وضوء أَمَرتهَا أَن تعيد وَكَذَلِكَ لَو صلت عُرْيَانَة وَهِي تَجِد ثوبا أَمَرتهَا بِالْإِعَادَةِ وَلَو كَانَ غُلَاما قد راهق وَلم يَحْتَلِم فَقَامَ مَعَ الْقَوْم فِي الصَّفّ أجزاه وأجزاهم وَلم يكن الْغُلَام بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة وَكَذَلِكَ الْغُلَام لَو قَامَ مَعَ رجل وَاحِد فِي الصَّفّ أجزى الرجل والغلام ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا ترك الصَّلَاة فِي السّفر أَيَّامًا أَيكُون بِمَنْزِلَة الْمغمى عَلَيْهِ قَالَ لَا وعَلى هَذَا أَن يقْضِي مَا ترك قلت وَكَذَلِكَ لَو صلى أَرْبعا وَلم يقْعد فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين قدر التَّشَهُّد قَالَ نعم عَلَيْهِ أَن يقْضِي مَا صلى هَكَذَا قلت أَرَأَيْت إِن ترك صَلَاة وَاحِدَة ثمَّ صلى شهرا وَهُوَ ذَاكر لتِلْك الصَّلَاة قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد تِلْكَ الصَّلَاة وَحدهَا وَلَا يُعِيد مَا بعْدهَا قلت فَإِن صلى يَوْمًا أَو أقل من ذَلِك وَهُوَ ذَاكر لَهَا قَالَ فَإِن أَبَا حنيفَة كَانَ يَقُول إِذا صلى يَوْمًا وَلَيْلَة أَو أقل من ذَلِك وَهُوَ ذَاكر لَهَا إِن عَلَيْهِ أَن يقْضِي تِلْكَ الصَّلَاة وَيُعِيد مَا صلى(1/281)
وَهُوَ ذَاكر لَهَا وَإِن كَانَ أَكثر من صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة أعَاد تِلْكَ الصَّلَاة وَحدهَا وَلَا يُعِيد مَا صلى وَهُوَ اسْتِحْسَان وَلَيْسَ بِقِيَاس وَأما قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فعلى مَا قَالَ أَبُو حنيفَة حَتَّى يُصَلِّي أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ ذَاكر لتِلْك الصَّلَاة فَإِذا فعل ذَلِك أعَاد تِلْكَ الصَّلَاة وَصَلَاة يَوْم وَلَيْلَة من أول مَا صلى وَلم يعد مَا بَقِي(1/282)
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى صَلَاة الظّهْر وَهُوَ على غير وضوء وَصلى الْعَصْر وَهُوَ ذَاكر أَنه صلى الظّهْر على غير وضوء وَهُوَ يحْسب أَنه يجْزِيه قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الظّهْر ثمَّ يُصَلِّي الْعَصْر قلت فَإِن لم يصل الظّهْر وَلَا الْعَصْر حَتَّى صلى الْمغرب وَهُوَ ذَاكر لما صنع فِي الظّهْر قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد الظّهْر ثمَّ الْعَصْر ثمَّ الْمغرب قلت فَإِن لم يصل الْمغرب حَتَّى أعَاد الظّهْر وَظن أَن الْعَصْر تَامَّة ثمَّ صلى الْمغرب قَالَ يُعِيد الْعَصْر وَلَا يُعِيد الْمغرب لِأَنَّهُ صلى الْمغرب بعد صَلَاة يرى أَنَّهَا تَامَّة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى الظّهْر بِغَيْر وضوء تَامّ وَهُوَ يرى أَنه تَامّ ثمَّ أحدث فَتَوَضَّأ وَصلى الْعَصْر ثمَّ ذكر أَن الظّهْر كَانَت بِغَيْر وضوء تَامّ قَالَ يُعِيد الأول وَلَا يُعِيد الآخر
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى بِقوم مسافرين رَكْعَة فَقَرَأَ سَجْدَة التِّلَاوَة فَلم يسجدها نَاسِيا ثمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَة فَدخل مَعَه مُسَافر فِي صلَاته فصلى الإِمَام رَكْعَة أُخْرَى تَمام صلَاته وَصلى الرجل مَعَه وَتشهد الإِمَام ثمَّ قَامَ الرجل يقْضِي قبل أَن يسلم الإِمَام فَقَرَأَ وَركع وَسجد سَجْدَة ثمَّ سلم الإِمَام ثمَّ ذكر الإِمَام سَجْدَة التِّلَاوَة فسجدها وَسجد الرجل مَعَه بعد مَا صلى رَكْعَة وَسجْدَة أَو سَجْدَتَيْنِ قَالَ صَلَاة الإِمَام وَالْقَوْم تَامَّة وَصَلَاة الرجل(1/283)
فَاسِدَة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ حِين قَامَ قبل أَن يسلم الإِمَام فَقَرَأَ وَركع وَسجد سَجْدَة فقد خرج من صَلَاة الإِمَام فَلَمَّا سجد مَعَه دخل فِي صَلَاة غَيرهَا فَصَارَت فَاسِدَة قلت أَرَأَيْت إِن قَرَأَ وَركع وَلم يسْجد حَتَّى سجد الإِمَام سَجْدَة التِّلَاوَة فَسجدَ الرجل مَعَه قَالَ قد أحسن وَصلَاته تَامَّة وَيقوم بعد مَا يفرغ الإِمَام فَيَقْضِي مَا سبقه الإِمَام بِهِ قلت فَإِن كَانَ حِين دخل مَعَ الإِمَام وَصلى مَعَه تِلْكَ الرَّكْعَة وَتشهد الإِمَام وَتشهد الرجل مَعَه ثمَّ قَامَ يقْضِي قبل أَن يسلم الإِمَام فَقَرَأَ وَركع وَلم يلْتَفت إِلَى الإِمَام ثمَّ سلم الإِمَام فَسجدَ سَجْدَة التِّلَاوَة وَسجد مَعَه أَصْحَابه وَأعَاد الإِمَام التَّشَهُّد وأعادوا مَعَه وَلم يتَشَهَّد الرجل مَعَه وَلم يلْتَفت إِلَى صلَاته قَالَ صَلَاة الرجل أَيْضا فَاسِدَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد تشهد مَعَ الإِمَام وَالْإِمَام لم يجزه تشهده ذَلِك وَهَذَا الرجل قَامَ يقْضِي مَا سبق بِهِ قبل فرَاغ الإِمَام من صلَاته وَقبل أَن يتَشَهَّد فَصلَاته فَاسِدَة(1/284)
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى بِقوم مسافرين رَكْعَة فَلَمَّا قَامَ فِي الثَّانِيَة دخل مَعَه رجل مُسَافر فِي الصَّلَاة فصلى مَعَه رَكْعَة فَلَمَّا قعد الإِمَام فِي الثَّانِيَة تَمام صلَاته لم يقْعد الرجل مَعَه وَلَكِن قَامَ يقْضِي مَا سبق بِهِ فَقَرَأَ وَركع وَسجد وَتشهد الإِمَام ثمَّ سلم قَالَ إِن كَانَ الرجل حِين قَامَ يقْضِي قَرَأَ بعد فرَاغ الإِمَام من تشهده آيَة أَو آيَتَيْنِ فَصلَاته تَامَّة قلت فَإِن كَانَ فرَاغ الإِمَام من التَّشَهُّد مَعَ فرَاغ الرجل من الْقِرَاءَة جَمِيعًا مَعًا وَلم يقْرَأ بعده شَيْئا قَالَ صلَاته فَاسِدَة وَلَا يجْزِيه حَتَّى يقْرَأ بعد فرَاغ الإِمَام من التَّشَهُّد آيَة أَو آيَتَيْنِ قلت أَرَأَيْت إِن قَامَ يقْضِي فَقَرَأَ وَركع وَلم يسْجد حَتَّى سلم الإِمَام وَعَلِيهِ السَّهْو لصلاته فَسجدَ الرجل مَعَه قَالَ قد أحسن وَصلَاته تَامَّة فَإِذا فرغ الإِمَام من صلَاته فليقض مَا سبقه بِهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا أسلم فِي دَار الْحَرْب فَمَكثَ بهَا شهرا أَو شَهْرَيْن وَلَا يعلم أَن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَلم يَأْمُرهُ بذلك أحد وَلم ير أحدا يُصَلِّي قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء قلت فَإِن كَانَ هَذَا فِي دَار الْإِسْلَام قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء(1/285)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هما فِي الْقيَاس سَوَاء وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الْقَضَاء حَتَّى يقوم عَلَيْهِمَا الْحجَّة وَيعلم أَن ذَلِك عَلَيْهِ وَلَكِن نَدع الْقيَاس وَالْقَوْل قَول أبي حنيفَة
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا ترك الظّهْر وَالْعصر من يَوْمَيْنِ مُخْتَلفين وَلَا يدْرِي لَعَلَّ الْعَصْر الَّذِي ترك أَولا قَالَ يتحَرَّى الصَّوَاب فَيَقْضِي الأولى مِنْهُمَا فِي نَفسه ثمَّ يقْضِي الْأُخْرَى قلت فَإِن لم يدر قَالَ يُصَلِّي الظّهْر ثمَّ يُصَلِّي الْعَصْر ثمَّ يُصَلِّي الظّهْر فَإِن كَانَ الْعَصْر أَولا أجزاه وأجزته الظّهْر بعد ذَلِك وَإِن كَانَ الظّهْر أَولا فقد أجزاه الظّهْر وأجزاه الْعَصْر بعد ذَلِك وَالظّهْر تطوع مِنْهُ وَهَذَا فِي الثِّقَة والتنزه وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لسنا نأمره بذلك وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يتحَرَّى(1/286)
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى فِي مَسْجِد فأحدث الإِمَام فَخرج وَتَركه وَنوى هَذَا الثَّانِي أَن يُصَلِّي لنَفسِهِ فجَاء مُسَافر فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة وَهُوَ يُرِيد أَن يأتم بِهِ ثمَّ أحدث الإِمَام الثَّانِي فَخرج من الْمَسْجِد ليتوضأ وَنوى هَذَا الثَّالِث أَن يؤم نَفسه ثمَّ أحدث الثَّالِث فَخرج ليتوضأ وَترك الْموضع بِغَيْر إِمَام قَالَ صَلَاة الأول وَالثَّانِي فَاسِدَة وَصَلَاة هَذَا الثَّالِث تَامَّة إِن لم يتَكَلَّم تَوَضَّأ وَبنى على صلَاته وَإِنَّمَا فَسدتْ صَلَاة الأول الثَّانِي لِأَنَّهُمَا لَا إِمَام لَهما فِي الْمَسْجِد قلت فَإِن لم ينْو الثَّالِث أَن يكون إِمَامًا حِين أحدث الثَّانِي قَالَ هُوَ إِمَام وَإِن لم ينْو قلت فَإِن أحدث الثَّالِث وَلم يخرج من الْمَسْجِد حَتَّى جَاءَ الأول وَالثَّانِي قَالَ يقدم أَحدهمَا قبل أَن يخرج هَذَا الثَّالِث من الْمَسْجِد فَهُوَ إِمَام وتجزيهم صلَاتهم وَإِن لم يتَقَدَّم أَحدهمَا حَتَّى خرج هَذَا الثَّالِث من الْمَسْجِد فَصَلَاة الأول وَالثَّانِي فَاسِدَة وَصَلَاة الثَّالِث تَامَّة
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر يؤم النِّسَاء فِي السّفر قَالَ أكره للرجل أَن يؤمهن فِي بَيت لَيْسَ مَعَهُنَّ ذَات محرم مِنْهُ فَإِن أمهن فأحدث الإِمَام فَتَأَخر ليتوضأ فَصَلَاة الإِمَام تَامَّة وَصَلَاة النسْوَة فَاسِدَة قلت فَإِن(1/287)
أمهن فِي مَسْجِد جمَاعَة أَو فِي بَيت وَمَعَهُ امْرَأَة ذَات محرم مِنْهُ قَالَ لَا بَأْس بذلك قلت فَإِن أحدث الرجل فَتَأَخر وَقدم امْرَأَة مِنْهُنَّ قَالَ صَلَاة النسْوَة كُلهنَّ فَاسِدَة وَصَلَاة الرجل فَاسِدَة قلت فَإِن تقدّمت امْرَأَة مِنْهُنَّ من غير أَن يقدمهَا قبل أَن يخرج من الْمَسْجِد قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء قلت لم صَارَت صَلَاة النسْوَة فَاسِدَة قَالَ لِأَن الإِمَام الأول رجل قلت فَإِن كَانَ الإِمَام الأول امْرَأَة قَالَ صلاتهن جَمِيعًا تَامَّة
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة المسافرة تؤم النِّسَاء قَالَ أكره ذَلِك قلت فَإِن فعلت ذَلِك قَالَ يجزيهم وَتقوم وسطا من الصَّفّ
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الظّهْر وَهُوَ مُسَافر فصلى رَكْعَتَيْنِ بِغَيْر قِرَاءَة ثمَّ بدا لَهُ الْمقَام قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَة وَالْمُسَافر والمقيم فِي هَذَا سَوَاء وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة لِأَنَّهُ أفسدها قبل أَن ينوى الْمقَام(1/288)
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا دخل فِي صَلَاة مُقيم فِي الظّهْر فَذهب وَقت الظّهْر قبل أَن يفرغ الإِمَام من الصَّلَاة ثمَّ إِن الإِمَام أفسد صلَاته بِكَلَام مَا صَلَاة الْمُسَافِر قَالَ على الْمُسَافِر أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قلت لم قَالَ لِأَن الْمُقِيم قد أفسد صلَاته وَإِنَّمَا كَانَ يجب على الْمُسَافِر أَربع لَو أتم الْمُقِيم صلَاته فَلَمَّا أفسدها عَاد الْمُسَافِر على حَاله فَعَلَيهِ رَكْعَتَانِ أَلا ترى لَو أَن مُسَافِرًا دخل فِي صَلَاة الْجُمُعَة مَعَ الإِمَام كَانَ عَلَيْهِ الْجُمُعَة فَإِن أفسدها وَجَبت عَلَيْهِ الظّهْر رَكْعَتَانِ إِذا أفسدها فِي الْوَقْت فَإِن ذهب الْوَقْت قبل أَن يفرغ مِنْهَا فقد فَسدتْ وعَلى الْمُسَافِر رَكْعَتَانِ
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر أَي صَلَاة يقصر قَالَ يُصَلِّي الْفجْر رَكْعَتَيْنِ مثل صَلَاة الْمُقِيم وَيقصر الظّهْر فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ وَيقصر الْعَصْر فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ وَيُصلي الْمغرب صَلَاة الْمُقِيم وَيقصر الْعشَاء فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ وَيُصلي الْوتر ثَلَاث رَكْعَات صَلَاة الْمُقِيم إِلَّا أَنه يقصر الْقِرَاءَة فِي كل مَا ذكرت وَلَا يشبه الْحَضَر السّفر فِي الْقِرَاءَة قلت وَكَذَلِكَ صَلَاة التَّطَوُّع فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وهما فِي الْحَضَر وَالسّفر سَوَاء قَالَ نعم(1/289)
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا دخل فِي صَلَاة مُقيم كم يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي صَلَاة مُقيم قلت وَكَذَلِكَ لَو أدْركهُ بعد مَا تشهد قبل أَن يسلم قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو أدْركهُ فِي سَجْدَتي السَّهْو قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر إِذا أم أَصْحَابه فِي الصَّلَوَات كلهَا مَا مِقْدَار قِيَامه وقراءته قَالَ يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب مَعَ أَي سُورَة تيسرت عَلَيْهِ قلت فَإِن قرا فِي الْفجْر ب {قل هُوَ الله أحد} قَالَ يجْزِيه قلت فَأَي ذَلِك أحب إِلَيْك أَن يقْرَأ فِي الْفجْر قَالَ أحب ذَلِك إِلَيّ أَن يقْرَأ {وَالسَّمَاء والطارق} {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} وَنَحْوهمَا مَعَ فَاتِحَة الْكتاب قلت وَكَذَلِكَ الظّهْر قَالَ نعم قلت وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء قَالَ ب {قل هُوَ الله أحد} و {إِذا جَاءَ نصر الله} مَعَ فَاتِحَة الْكتاب وَنَحْوهمَا قلت ويسبح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود بِثَلَاث ثَلَاث قَالَ نعم إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ أَكثر من ذَلِك وَلَكِن لَا أحب لَهُ أَن يكون أقل من ثَلَاث ثَلَاث
قلت فَهَل فِي شَيْء من الصَّلَوَات قنوت قَالَ لَا قنوت فِي شَيْء من الصَّلَوَات كلهَا فِي سفر وَلَا حضر إِلَّا فِي الْوتر بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يقنت قطّ إِلَّا شهرا وَاحِدًا حَارب حَيا من الْمُشْركين فقنت يَدْعُو عَلَيْهِم وبلغنا عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ(1/290)
أَنه لم يقنت وبلغنا عَن الْأسود بن يزِيد أَنه قَالَ صَحِبت عمر بن الْخطاب سنتَيْن فَلم أره قنت فِي سفر وَلَا حضر
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يخرجُون فِي الْغَزْو فَيدْخلُونَ أَرض الْحَرْب(1/292)
فيحاصرون مَدِينَة وَقد وطنوا أنفسهم على إِقَامَة شهر أَو أَكثر من ذَلِك هَل يتمون الصَّلَاة قَالَ لَا وَلَكنهُمْ يصلونَ صَلَاة الْمُسَافِر قلت لم وَقد وطنوا أنفسهم على إِقَامَة شهر قَالَ لأَنهم فِي عَسْكَر وَلَيْسَ الْعَسْكَر كالأمصار والمدائن إِنَّمَا هم قوم فِي غَزْو وَفِي حَرْب وَأي سفر أَشد من هَذَا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا فِي سفر وَقد حاصروا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن نزلُوا مَدِينَة من الْمَدَائِن فنزلوا بَعْضهَا وحاصروا أَهلهَا وقاتلوهم وَقد وطنوا أنفسهم على الْإِقَامَة قَالَ هَؤُلَاءِ مسافرون وَإِن وطنوا أنفسهم
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى بِقوم مسافرين وَنوى الْجُمُعَة وَنوى الْقَوْم ذَلِك قَالَ لَا تجزيهم وَعَلَيْهِم أَن يصلوا الظّهْر قلت لم قَالَ لأَنهم لم ينووا الظّهْر وَإِنَّمَا نووا الْجُمُعَة فَلَا تجزيهم من الْجُمُعَة لأَنهم مَعَ غير إِمَام فِي غير مصر قلت أَرَأَيْت إِن كَانُوا دخلُوا الْمصر(1/293)
فصلوا الْجُمُعَة مَعَ أَهله قَالَ تجزيهم قلت لم وهم مسافرون وَلَيْسَ عَلَيْهِم جُمُعَة قَالَ إِذا دخلُوا مَعَ الإِمَام وَجب عَلَيْهِم مَا وَجب على الإِمَام أَلا ترى أَن الْمَرْأَة وَالْعَبْد لَا جُمُعَة عَلَيْهِمَا وَلَو صليا الْجُمُعَة مَعَ الإِمَام أجزاهما أَو لَا ترى أَن الْمُسَافِر عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَإِذا دخل فِي صَلَاة مُقيم وَجب عَلَيْهِ مَا وَجب على الْمُقِيم فَكَذَلِك الْجُمُعَة
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا سَافر فَمر بِمَدِينَة أَو مصر من الْأَمْصَار فصلى بِأَهْلِهَا الْجُمُعَة وَهُوَ مُسَافر قَالَ يجْزِيه ويجزى أَهلهَا قلت لم وَهُوَ مُسَافر قَالَ لِأَن الإِمَام لَيْسَ كَغَيْرِهِ قلت وَكَذَلِكَ الْأَمِير إِذا مر بِمَدِينَة أَو بِمصْر من عمله قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت أَمِير الْمَوْسِم إِذا كَانَ من غير أهل مَكَّة وَقد اسْتعْمل عَلَيْهَا وَقد وَطن نَفسه على الْإِقَامَة أيتم الصَّلَاة أَيَّام الْمَوْسِم وَيجمع أهل منى يَوْم الْجُمُعَة قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ من أهل مَكَّة قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ من غير أهل مَكَّة وَإِنَّمَا اسْتعْمل على الْمَوْسِم وَلم يسْتَعْمل على مَكَّة وَلم يوطن نَفسه على إِقَامَة خَمْسَة عشر قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قلت فَهَل يجمع بِأَهْل منى يَوْم الْجُمُعَة قَالَ لَا(1/294)
قلت أَرَأَيْت الْمُسَافِر إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي تَطَوّعا وَهُوَ على دَابَّته يسير كَيفَ يصنع قَالَ يُصَلِّي على دَابَّته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ تَطَوّعا يومى إِيمَاء وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع قلت فعلى أَي الدَّوَابّ كَانَ أجزاه قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ على سَرْجه قذر هَل تفْسد صلَاته قَالَ لَا وَالدَّابَّة أَشد من ذَلِك ثمَّ لَا تفْسد عَلَيْهِ قلت وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة على الدَّابَّة قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو سمع سَجْدَة تِلَاوَة أَو تَلَاهَا على دَابَّته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن صلى الْمَكْتُوبَة على دَابَّته قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُعِيد قلت فَإِن كَانَ مَرِيضا لَا يَسْتَطِيع النُّزُول أَو كَانَ يتخوف على نَفسه من السبَاع وَغَيرهَا قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُقِيم هَل يُصَلِّي على دَابَّته تَطَوّعا قَالَ لَا قلت فَإِن خرج من الْمصر فرسخين أَو ثَلَاثَة هَل يُصَلِّي على دَابَّته تَطَوّعا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى على دَابَّته رَكْعَة تَطَوّعا ثمَّ قدم أَهله قَالَ يُصَلِّي رَكْعَة أُخْرَى
قلت أَرَأَيْت رجلا مُقيما أَو مُسَافِرًا صلى على الأَرْض رَكْعَة تَطَوّعا ثمَّ ركب دَابَّته فأضاف إِلَيْهَا أُخْرَى وَهُوَ رَاكب قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل رَكْعَتَيْنِ
قلت أَرَأَيْت رجلا قَالَ لله على أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَطَوّعا(1/295)
فصلاهما عل دَابَّته من غير عذر قَالَ لَا يجْزِيه قلت وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي أَربع رَكْعَات تَطَوّعا فصلى رَكْعَتَيْنِ وَلم يتَشَهَّد وَلم يسلم حَتَّى ركب دَابَّته فصلى أُخْرَيَيْنِ على الدَّابَّة ثمَّ سلم قَالَ نعم لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت رجلا سمع سَجْدَة أَو قَرَأَهَا وَهُوَ على غير وضوء ثمَّ تَوَضَّأ وَركب دَابَّته أيجزيه أَن يَقْضِيهَا على الدَّابَّة يومى إِيمَاء قَالَ لَا قلت فَإِن سَمعهَا وَهُوَ على دَابَّة ثمَّ نزل فسجدها على الأَرْض قَالَ يجْزِيه قلت وكل صَلَاة أَو سَجْدَة وَجَبت عَلَيْهِ وَهُوَ نَازل فَلَا يجْزِيه أَن يَقْضِيهَا على دَابَّة وكل صَلَاة أَو سَجْدَة وَجَبت عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكب ثمَّ نزل فَإِنَّهُ يجْزِيه أَن يَقْضِيهَا وَهُوَ نَازل قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلَيْنِ فِي محمل وَاحِد افْتتح أَحدهمَا الصَّلَاة تَطَوّعا وافتتح الآخر الَّذِي مَعَه وَهُوَ يَنْوِي أَن يأتم بِهِ قَالَ يجزيهما جَمِيعًا قلت فَإِن كَانَ عَن يسَار الإِمَام قَالَ لَا أحب لَهُ أَن يأتم بِهِ قلت فَإِن فعل قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا على دَابَّة فصلى أَحدهمَا فائتم بِهِ صَاحبه قَالَ أما الإِمَام فيجزيه وَأما الَّذِي ائتم بِهِ فَلَا يجْزِيه قلت من أَيْن اخْتلف هَذَا وَالْأول قَالَ ليستا(1/296)
بِسَوَاء أَلا ترى أَن بَين الدابتين طَرِيقا فَهُوَ الَّذِي أفسد عَلَيْهِ صلَاته
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا أم قوما مسافرين فَنَامَ رجل خَلفه فصلى الإِمَام وَفرغ من صلَاته ثمَّ اسْتَيْقَظَ الرجل بعد فرَاغ الإِمَام فأحدث فَخرج فَتَوَضَّأ ثمَّ بدا لَهُ الْإِقَامَة كم يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يقْضِي مَا صلى الإِمَام أَلا ترى أَنه إِنَّمَا يقْضِي بِغَيْر قِرَاءَة لِأَن قِرَاءَة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة أَو لَا ترى أَنه لَو دخل فِي الصَّلَاة وَحده فصلى رَكْعَة ثمَّ نَام فَاسْتَيْقَظَ وَقد ذهب الْوَقْت فأحدث فَدخل الْمصر فَتَوَضَّأ وَأقَام يقْضِي رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن كَانَ حِين دخل الْمصر فأحدث أَو تكلم وَقد نوى الْإِقَامَة وَهُوَ فِي الْوَقْت قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي صَلَاة مُقيم لِأَنَّهُ قد أفسد الصَّلَاة الَّتِي كَانَ فِيهَا أَو لَا ترى أَنه لَو دخل فِي الصَّلَاة وَحده فصلى رَكْعَة ثمَّ أحدث مُتَعَمدا أَو تكلم وَقد نوى الْإِقَامَة وَهُوَ فِي الْوَقْت قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي صَلَاة مُقيم لِأَنَّهُ قد أفسد الصَّلَاة الَّتِي كَانَ فِيهَا(1/297)
قلت أَرَأَيْت رجلا مُسَافِرًا صلى مَعَ إِمَام مُسَافر رَكْعَة وَقد سبقه الإِمَام بِرَكْعَة فَلَمَّا فرغ الإِمَام قَامَ الرجل يقْضِي ثمَّ بدا لَهُ الْإِقَامَة كم يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يقْضِي بِقِرَاءَة وَلَا يشبه هَذَا الأول
قلت أَرَأَيْت رجلا من أهل الْكُوفَة مُسَافِرًا افْتتح الصَّلَاة مَعَ إِمَام مُسَافر بطرِيق الْحيرَة ثمَّ نَام خَلفه فَاسْتَيْقَظَ وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته ثمَّ أحدث الرجل وَرجع إِلَى أَهله فَتَوَضَّأ قبل ذهَاب الْوَقْت ثمَّ نوى الْإِقَامَة قَالَ إِن تكلم صلى أَربع رَكْعَات وَإِن لم يتَكَلَّم صلى رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن أحدث وَدخل الْمصر بعد ذهَاب الْوَقْت وَقد تكلم فَتَوَضَّأ كم يُصَلِّي قَالَ رَكْعَتَيْنِ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ وَجَبت(1/298)
عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ فَلَا يَسْتَطِيع أَن يَجْعَلهَا أَرْبعا قلت فَإِذا دخل الْمصر قبل ذهَاب الْوَقْت وَقد نوى الْإِقَامَة قبل أَن يذهب وَقت تِلْكَ الصَّلَاة كم يُصَلِّي قَالَ رَكْعَتَيْنِ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ نوى الْإِقَامَة بعد فرَاغ الإِمَام من الصَّلَاة فَوَجَبت عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ فَعَلَيهِ أَن يتبع الإِمَام ويبنى على صلَاته مَا لم يتَكَلَّم فَإِن تكلم صلى أَرْبعا
قلت أَرَأَيْت رجلا من أهل خُرَاسَان قدم الْكُوفَة وَأَرَادَ الْمقَام هُنَاكَ شهرا فَأَتمَّ الصَّلَاة ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى الْحيرَة فوطن نَفسه بهَا على إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فَأَتمَّ الصَّلَاة ثمَّ خرج من الْحيرَة يُرِيد خُرَاسَان فَمر بِالْكُوفَةِ فَأَدْرَكته الصَّلَاة كم يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن خرج من الْكُوفَة إِلَى الْحيرَة وَلم يوطن نَفسه على إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا فَأَقَامَ بِالْحيرَةِ أَيَّامًا على تِلْكَ النِّيَّة وَهُوَ يتم الصَّلَاة ثمَّ خرج من الْحيرَة يُرِيد خُرَاسَان فَمر بِالْكُوفَةِ فَأَدْرَكته الصَّلَاة كم يُصَلِّي قَالَ أَربع رَكْعَات صَلَاة مُقيم لِأَنَّهُ مُقيم بعد لَا يقطع ذَلِك إِلَّا أَن يخرج مُسَافِرًا أَو يوطن(1/299)
نَفسه على الْمقَام فِي بَلْدَة أُخْرَى خَمْسَة عشر يَوْمًا
قلت أَرَأَيْت رجلا من أهل خُرَاسَان قدم الْكُوفَة فوطن نَفسه إِلَى الْإِقَامَة بهَا خَمْسَة عشر يَوْمًا أيتم الصَّلَاة حِين يدخلهَا قَالَ نعم قلت فَإِن أَقَامَ بهَا أَيَّامًا ثمَّ خرج وَهُوَ يُرِيد مَكَّة فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْقَادِسِيَّة ذكر حَاجَة لَهُ بِالْكُوفَةِ فَانْصَرف حَتَّى دخل الْكُوفَة وَهُوَ لَا يُرِيد الْإِقَامَة بهَا فَحَضَرت الصَّلَاة وَهُوَ بِالْكُوفَةِ كم يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد قطع لإقامته الأولى وَرجع إِلَى حَال السّفر(1/300)
قلت فَإِن كَانَ هَذَا الرجل من أهل الْكُوفَة وَالْمَسْأَلَة على حَالهَا قَالَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات وَلَا يشبه هَذَا الأول
قلت أَرَأَيْت رجلا من أهل الْكُوفَة خرج يُرِيد الْقَادِسِيَّة فِي حَاجَة لَهُ كم يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قلت فَإِن خرج من الْقَادِسِيَّة إِلَى الْحيرَة وَهُوَ يُرِيد أَن لَا يجاوزها قَالَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قلت فَإِن فعل هَكَذَا مسيرَة يَوْم أَو يَوْمَيْنِ حَتَّى أَتَى مَكَّة كلما سَافر يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ كَانَ من نِيَّته أَن لَا يُجَاوز قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي فِي هَذَا كُله صَلَاة الْمُقِيم قلت فَإِن خرج إِلَى الْقَادِسِيَّة وَهُوَ لَا يُرِيد أَن يجاوزها ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى الحفيرة ثمَّ خرج وَهُوَ يُرِيد الشَّام(1/301)
وَمر بالقادسية وَلَا يمر بِالْكُوفَةِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يخرج من الحفيرة مُقبلا فِيمَا بَينه وَبَين الْقَادِسِيَّة حَتَّى يَأْتِي الشَّام قلت فَإِن كَانَ لَهُ بالقادسية ثقل قد خَلفه فَخرج من الحفيرة إِلَى ثقلة فَحَمله مِنْهَا إِلَى الشَّام وَلم يمر بِالْكُوفَةِ قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن لم يَأْتِ الحفيرة وَلكنه يخرج من الْقَادِسِيَّة لحَاجَة لَهُ حَتَّى إِذا كَانَ قَرِيبا من الحفيرة بدا لَهُ أَن يرجع إِلَى الْقَادِسِيَّة فَيحمل ثقله مِنْهَا ويرتحل مِنْهَا إِلَى الشَّام وَلَا يمر بِالْكُوفَةِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي أَرْبعا حِين يرتحل مِنْهَا قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو خرج من الْقَادِسِيَّة فِي جَنَازَة أَو لغائط أَو بَوْل ثمَّ بدا لَهُ أَن يرتحل إِلَى الشَّام أَلَيْسَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبعا حَتَّى يرتحل مِنْهَا قلت نعم قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء(1/302)
قلت أَرَأَيْت رجلا أقبل من النّيل يُرِيد الْكُوفَة كم يُصَلِّي قَالَ أَرْبعا قلت فَإِن صلى أَرْبعا وَقدم الْكُوفَة وَوضع بهَا ثقله وَكَانَ يُصَلِّي أَرْبعا ثمَّ خرج فِي حَاجَة لَهُ إِلَى الْجَبانَة ثمَّ بدا لَهُ الشخوص إِلَى مَكَّة من وَجهه ذَلِك غير أَنه يُرِيد الْمَمَر على الْكُوفَة فَيحمل ثقله فَأتى الْكُوفَة كم يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات حَتَّى يشخص مِنْهَا لِأَن ثقله بِالْكُوفَةِ وَهُوَ غير مُسَافر فَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يقصر الصَّلَاة حَتَّى يحمل ثقله من الْكُوفَة وَهُوَ يُرِيد السّفر قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ حِين أَقَامَ بِالْكُوفَةِ خرج من الْكُوفَة إِلَى الْقَادِسِيَّة وطالب غريما لَهُ بِمَا لَهُ خلف ثقله بِالْكُوفَةِ كم يُصَلِّي مَا بَينه وَبَين الْقَادِسِيَّة فِي مقَامه بالقادسية قَالَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قلت فَإِن أقبل من(1/303)
الْقَادِسِيَّة وَهُوَ يُرِيد الشَّام وَيُرِيد أَن يمر بِالْكُوفَةِ فَيحمل ثقله ويمضي إِلَى الشَّام على حَاله قَالَ يُصَلِّي فِيمَا بَينه وَبَين الْكُوفَة حَتَّى يشخص مِنْهَا حَتَّى يَأْتِي الشَّام رَكْعَتَيْنِ إِلَّا أَن يوطن نَفسه على إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا بِالْكُوفَةِ لِأَن الْقَادِسِيَّة قَرْيَة قد أَتَاهَا وَقد انْقَطع سكناهُ بِالْكُوفَةِ وَصَارَ مُسَافِرًا من الْقَادِسِيَّة قلت فَإِن خرج من الْكُوفَة أول مَا خرج وَهُوَ يُرِيد الرُّجُوع إِلَيْهَا ثمَّ أَرَادَ السّفر إِلَى الشَّام وَأَن يمر بِالْكُوفَةِ فَيحمل ثقله قَالَ هَذَا وَالْبَاب الأول سَوَاء فِي الْقيَاس وَلَكِن أستحسن بالجبانة وآخذ فِي الْقَادِسِيَّة بِالْقِيَاسِ أَلا ترى لَو أَن رجلا خرج من الْكُوفَة يُرِيد الْقَادِسِيَّة أتم الصَّلَاة فَإِن خرج من الْقَادِسِيَّة يُرِيد الحفيرة أتم الصَّلَاة فَإِن خرج كَذَلِك بثقله حَتَّى أَتَى بُسْتَان بني عَامر ثمَّ ترك ثقله فِي الْبُسْتَان وَخرج إِلَى مَكَّة فحج ثمَّ أقبل من مَكَّة يُرِيد الْكُوفَة وَمر على الْبُسْتَان فَحمل ثقله أَنه مُسَافر حِين خرج من مَكَّة وَعَلِيهِ أَن يُصَلِّي صَلَاة مُسَافر(1/304)
قلت أَرَأَيْت رجلا من أهل خُرَاسَان أقبل يُرِيد مَكَّة فَدخل الْكُوفَة فوطن نَفسه على إِقَامَة شهر قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قلت فَإِن خرج من الْكُوفَة فِي جَنَازَة ثمَّ أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى مَكَّة من وَجهه ذَلِك وَأَن يمر بِالْكُوفَةِ فَيحمل ثقله قَالَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات حَتَّى يحمل ثقله وَيخرج من الْكُوفَة فَإِذا خرج صلى رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن خرج من الْكُوفَة إِلَى مَكَّة فَنزل الْقَادِسِيَّة ثمَّ بدا لَهُ أَن يرجع إِلَى خُرَاسَان فَمر بِالْكُوفَةِ قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حِين يخرج من الْقَادِسِيَّة لِأَنَّهُ مُسَافر والكوفة لَيست بوطن لَهُ لِأَن وَطنه قد انْتقض حِين خرج يُرِيد مَكَّة قلت وَإِن كَانَ هَذَا رجلا من أهل الْكُوفَة وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات حَتَّى يدْخل الْكُوفَة وَمَا دَامَ بِالْكُوفَةِ فَإِذا خرج مِنْهَا مُتَوَجها إِلَى خُرَاسَان صلى رَكْعَتَيْنِ
- بَاب الْمُسَافِر فِي السَّفِينَة
-
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى الْفَرِيضَة فِي السَّفِينَة وَهُوَ يَسْتَطِيع(1/305)
الْخُرُوج مِنْهَا قَالَ أحب إِلَى أَن يخرج مِنْهَا قلت فَإِن لم يفعل قَالَ يجْزِيه قلت فَإِن كَانُوا جمَاعَة فصلوا فِيهَا جمَاعَة قَالَ يجزيهم قلت فَإِن صلوا فِيهَا قعُودا وهم لَا يَسْتَطِيعُونَ الْقيام ويستطيعون الْخُرُوج من السَّفِينَة قَالَ يجزيهم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ إِمَام وَخَلفه قوم قعُود وَهُوَ يُصَلِّي بهم قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجزيهم إِذا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْقيام أَن يصلوا قعُودا(1/306)
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا صلى بالقوم فِي سفينة وَهِي تَدور فِي المَاء قَالَ عَلَيْهِم أَن يتوجهوا إِلَى الْقبْلَة كلما دارت السَّفِينَة بهم
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا صلى فِي السَّفِينَة أَيْن يسْجد قَالَ يسْجد فِي الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى فِي السَّفِينَة تَطَوّعا يومى إِيمَاء حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ السَّفِينَة قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يَقْضِيهَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ دخل فِيهَا وأوجبها على نَفسه ثمَّ أفسدها بعد ذَلِك حِين أومى وَصلى لغير الْقبْلَة فَعَلَيهِ أَن يُعِيد الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت قوما مسافرين سافروا فِي السفن وَأَقَامُوا فِيهَا زَمَانا هَل يكملون الصَّلَاة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لأَنهم قوم مسافرون مَا كَانُوا فِي السفن قلت أَرَأَيْت صَاحب السَّفِينَة نَفسه إِذا كَانَ مَعَ هَؤُلَاءِ هَل يتم الصَّلَاة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ بمنزلتهم قلت أَو لَيْسَ السَّفِينَة بِمَنْزِلَة بَيته الَّذِي يُقيم فِيهِ قَالَ لَا قلت فَإِن أَقَامَ فِي قريته الَّتِي هُوَ مِنْهَا ووطنه فِيهَا إِلَّا أَن منزله السَّفِينَة قَالَ هَذَا يتم الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى بِقوم مسافرين فِي سفينة فائتم بِهِ فِي سفينة أُخْرَى هَل يجزى أهل السَّفِينَة الأولى الَّذين يأتمون بِهِ قَالَ لَا يجزيهم(1/307)
وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا قلت فَإِن كَانُوا فِي سفينتين مقرونتين قَالَ يجزيهم صلَاتهم وَهَذَا بِمَنْزِلَة سفينة وَاحِدَة
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى بِقوم فِي سفينة وَهِي واقفة وَإِلَى جنب الْجد قوم يأتمون بِهِ قَالَ إِن لم تكن بَينهم طَرِيق أَو لم يكن بَينهم من النَّهر شَيْء فصلاتهم تَامَّة وَإِن كَانَ بَينهم وَبَين السَّفِينَة طَرِيق أَو طَائِفَة من النَّهر فصلاتهم فَاسِدَة قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الإِمَام يُصَلِّي على الْجد وَبَعض أَصْحَابه فِي السَّفِينَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم فِي السَّفِينَة وَبَعض أَصْحَابه على الأطلال قَالَ إِن لم يَكُونُوا قُدَّام الإِمَام فصلاتهم تَامَّة وَإِن(1/308)
كَانُوا قُدَّام الإِمَام فصلاتهم فَاسِدَة قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الإِمَام فَوق الأطلال وَالْقَوْم تَحْتَهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى على الْجد فَانْقَلَبت سفينته فخاف إِن أقبل على صلَاته وَتركهَا أَن تغرق سفينته قَالَ يقطع صلَاته وَيَأْتِي سفينته فيستوثق مِنْهَا ثمَّ يعود فيستقبل الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت دَابَّة أَو شَيْء من مَتَاعه فنحاف أَن يذهب قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ رَاع فتخوف على غنمه السَّبع قَالَ نعم(1/309)
- بَاب السَّجْدَة
-
قلت أَرَأَيْت الرجل يقْرَأ السُّورَة كلهَا فِيهَا السَّجْدَة أتكره لَهُ أَن يكف عَن قِرَاءَة السَّجْدَة من بَين السُّورَة قَالَ نعم أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن فعل ذَلِك قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
قلت أَرَأَيْت رجلا قَرَأَ السَّجْدَة من بَين السُّورَة هَل تكره لَهُ ذَلِك قَالَ أحب إِلَى أَن يَقْرَأها وآيات مَعهَا وَإِن لم يقْرَأ مَعهَا شَيْئا لم يضرّهُ ذَلِك قلت فَهَل عَلَيْهِ أَن يسجدها إِذا قَرَأَهَا وَحدهَا أَو مَعَ آيَات قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن قَرَأَهَا وَهُوَ على غير وضوء أيتيمم وَيسْجد قَالَ لَا وَلَكِن يتَوَضَّأ وَيسْجد قلت فَإِن تيَمّم وَسجد قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يتَوَضَّأ وَيُعِيد قلت وَلم لَا يجْزِيه التَّيَمُّم قَالَ إِذا كَانَ يقدر على المَاء فَلَا يجْزِيه لِأَنَّهُ لَا يتخوف فَوت(1/310)
السَّجْدَة قلت وَكَذَلِكَ لَو سَمعهَا من غَيره قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا سمع السَّجْدَة من صبي أَو من امْرَأَة حَائِض أَو من رجل جنب قَالَ عَلَيْهِ أَن يسجدها قلت فَإِن سَمعهَا من رجل كَافِر قَالَ عَلَيْهِ أَن يسجدها لِأَنَّهَا قد وَجَبت عَلَيْهِ وَلَا يُبْطِلهَا عَنهُ مَا ذكرت
قلت أَرَأَيْت جنبا سمع السَّجْدَة قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْجد إِذا اغْتسل
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَائِضًا سَمِعت السَّجْدَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَن تسْجد وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْقَضَاء قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا تدع مَا هُوَ أعظم من السَّجْدَة الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فَلَا يجب عَلَيْهَا أَن تقضيها
قلت أَرَأَيْت رجلا قَرَأَ السَّجْدَة وَمَعَهُ قوم قد سمعوها مِنْهُ أيسجدون مَعَه قَالَ نعم قلت فَهَل لَهُم أَن يرفعوا رُؤْسهمْ قبل الإِمَام(1/311)
قَالَ لَا قلت فَإِن رفعوا رُؤْسهمْ قبله قَالَ يجزيهم قلت أَرَأَيْت إِن لم يرفعوا رُؤْسهمْ قبله وَلَكِن سجدوها مَعَه وفرغوا مِنْهَا ثمَّ ذهب بعض الْقَوْم وَبَقِي بعض ثمَّ جَاءَ بعض من ذهب فَقَرَأَ تِلْكَ السَّجْدَة أَو قَرَأَ بعض مَا بَقِي قَالَ لَيْسَ على أحد مِنْهُم أَن يسْجد إِلَّا الَّذِي ذهب ثمَّ جَاءَ فَإِن عَلَيْهِ أَن يسْجد لَهَا قلت لم قَالَ إِذا سَمعهَا الرجل فَسجدَ لَهَا أَو قَرَأَهَا فَسجدَ لَهَا ثمَّ سَمعهَا بعد ذَلِك أَو قَرَأَهَا وَهُوَ فِي مَجْلِسه لم يكن عَلَيْهِ أَن يسْجد إِلَّا أَن يكون قد قَامَ من مَجْلِسه ثمَّ ذهب ثمَّ رَجَعَ فَعَلَيهِ أَن يسجدها قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الْقَوْم فِي مجلسهم ذَلِك فَسَمِعُوا سَجْدَة غَيرهَا قَالَ عَلَيْهِم أَن يسجدوها قلت وَكَذَلِكَ لَو سمعُوا سَجْدَة بعد سَجْدَة حَتَّى يمر بِكُل سَجْدَة فِي الْقُرْآن قَالَ نعم قلت وَلَا يَسْجُدُونَ لَهَا وَقد سجدوا لَهَا مرّة قَالَ نعم إِلَّا أَن يَكُونُوا قَامُوا من مجلسهم ذَلِك أَو قَامَ بَعضهم فَذهب فعلى من قَامَ إِذا سَمعهَا أَن يسجدها
قلت وَكم تعد فِي الْقُرْآن من سَجْدَة قَالَ الَّتِي فِي آخر الْأَعْرَاف(1/312)
وَالَّتِي فِي الرَّعْد وَالَّتِي فِي النَّحْل وَالَّتِي فِي بني إسرآئيل وَالَّتِي فِي مَرْيَم وَالَّتِي فِي الْحَج وَالَّتِي فِي الْفرْقَان وَالَّتِي فِي النَّمْل وَالَّتِي فِي تَنْزِيل السَّجْدَة وَالَّتِي فِي ص وَالَّتِي فِي حم السَّجْدَة وَالَّتِي فِي النَّجْم وَالَّتِي فِي إِذا السَّمَاء انشقت وَالَّتِي فِي إقرأ باسم رَبك قلت أَرَأَيْت الَّتِي فِي آخر الْحَج سَجْدَة هِيَ أم لَا قَالَ لَيست بِسَجْدَة
قلت أَرَأَيْت كل شَيْء مِمَّا ذكرت إِذا تلاه هُوَ أَو سَمعه من غَيره أعليه أَن يسْجد قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ رَاكِبًا فَسَمعَهَا أَو تَلَاهَا قَالَ نعم يومى إِيمَاء قلت فَإِن سَمعهَا وَهُوَ ماش أَو تَلَاهَا يجْزِيه أَن يومى إِيمَاء قَالَ لَا قلت من أَيْن اخْتلف الرَّاكِب والماشي قَالَ الْمَاشِي بِمَنْزِلَة الْقَائِم والقاعد أَلا ترى لَو أَن رجلا قَرَأَ السَّجْدَة فِي صلَاته وَهُوَ قَائِم أَن عَلَيْهِ أَن يسْجد لَهَا فَكَذَلِك الْمَاشِي وَأما الرَّاكِب فقد جَاءَ فِيهِ أثر أَنه يومى إِيمَاء(1/313)
قلت أَرَأَيْت الرجل يقْرَأ السَّجْدَة وَهُوَ فِي صَلَاة والسجدة فِي آخر السُّورَة إِلَّا آيَة بقيت من السُّورَة بعد آيَة السَّجْدَة قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ركع بهَا وَإِن شَاءَ سجد بهَا قلت فَإِن أَرَادَ أَن يرْكَع بهَا ختم السُّورَة ثمَّ ركع بهَا أيجزيه قَالَ نعم قلت فَإِن أَرَادَ أَن يسْجد بهَا سجد عِنْد الْفَرَاغ من السَّجْدَة ثمَّ يقوم فيتلو مَا بعْدهَا من السُّورَة وَهُوَ آيتان أَو ثَلَاث ثمَّ يرْكَع قَالَ نعم إِن شَاءَ وَإِن وصل بِسُورَة أُخْرَى فَهُوَ أحب إِلَيّ قلت فَإِن كَانَت سَجْدَة فِي آخر سُورَة لَيْسَ مَعهَا شَيْء فَسجدَ بهَا ثمَّ قَامَ قَالَ لَا بُد لَهُ أَن يقْرَأ سُورَة(1/314)
أَو آيَات من سُورَة أُخْرَى فيركع بهَا قلت فَإِن كَانَت السَّجْدَة فِي وسط السُّورَة كَيفَ يصنع لَهَا قَالَ يسْجد لَهَا ثمَّ يقوم فَيقْرَأ مَا بَقِي أَو مَا بدا لَهُ مِنْهَا ثمَّ يرْكَع
قلت فَإِن أَرَادَ أَن يرْكَع بِالسَّجْدَةِ بِعَينهَا هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ أما فِي الْقيَاس فالركعة فِي ذَلِك والسجدة سَوَاء لِأَن كل ذَلِك صَلَاة أَلا ترى إِلَى قَول الله تَعَالَى فِي كِتَابه {وخر رَاكِعا} وتفسيرها خر سَاجِدا والركعة والسجدة سَوَاء فِي الْقيَاس وَأما فِي الِاسْتِحْسَان فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يسجدها وبالقياس نَأْخُذ قلت فَإِن أَرَادَ أَن يسْجد وَهُوَ رَاكِع كَيفَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يصنع قَالَ يرفع رَأسه من الرُّكُوع فيخر سَاجِدا ثمَّ يرفع رَأسه فَيقوم فَيَعُود إِلَى حَال رُكُوعه قلت وَكَذَلِكَ لَو نسي سَجْدَة من الرَّكْعَة الأولى فَذكرهَا وَهُوَ رَاكِع فِي الثَّانِيَة قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو ذكرهَا وَهُوَ ساجد فَرفع رَأسه فَسجدَ الَّتِي ذكر ثمَّ يعود فِي هَذِه السَّجْدَة الَّتِي كَانَ فِيهَا قَالَ نعم قلت فَهَل يَكْتَفِي بِمَا كَانَ مِنْهَا قَالَ إِن شَاءَ اكْتفى بهَا قلت فَهَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت فَإِن ذكرهَا بعد مَا تشهد وَسلم وَهُوَ فِي مَجْلِسه لم يقم وَلم يتَكَلَّم قَالَ عَلَيْهِ أَن يسجدها ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو قلت فَإِن كَانَ قد تكلم أَو خرج من الْمَسْجِد والسجدة(1/316)
من صلب الصَّلَاة قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّلَاة قلت فَإِن كَانَت السَّجْدَة من تِلَاوَة قَالَ صلَاته تَامَّة قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا لَيست من صلب الصَّلَاة فَإِذا تَركهَا صَاحبهَا لم يكن عَلَيْهِ شَيْء قلت فَإِن ذكرهَا قبل أَن يتَكَلَّم وَقبل أَن يقوم من مَجْلِسه وَهُوَ إِمَام أيسجدها وَيسْجد مَعَه من خَلفه قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن دخل مَعَه رجل فِي الصَّلَاة على تِلْكَ الْحَال هَل يكون دَاخِلا فِي صلَاته قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ مُسَافِرًا وَالْإِمَام مُقيم فَدخل مَعَه فِي هَذِه الْحَال وَجب عَلَيْهِ صَلَاة مُقيم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت مَرِيضا سمع سَجْدَة التِّلَاوَة وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن يسْجد أيومى إِيمَاء قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يقْعد أومى إِيمَاء وَهُوَ مُضْطَجع قَالَ نعم قلت لم قَالَ أَلا ترى أَنه يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة هَكَذَا وَهِي أوجب من السَّجْدَة
قلت أَرَأَيْت الرجل سمع السَّجْدَة وَهُوَ على غير وضوء وَلَا يجد المَاء فيتيمم وَيسْجد يجْزِيه قَالَ نعم قلت لم قَالَ أَلا ترى أَنه لَو صلى الْمَكْتُوبَة هَكَذَا أجزاه
قلت أَرَأَيْت رجلا سمع السَّجْدَة أَو تَلَاهَا وَنسي أَن يسْجد ثمَّ افْتتح الصَّلَاة فَذكر تِلْكَ السَّجْدَة أيقضيها وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن السَّجْدَة لَيست من هَذِه الصَّلَاة فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يدْخل فِي شَيْء من هَذِه الصَّلَاة شَيْئا من غَيرهَا قلت فَإِن سمع السَّجْدَة(1/317)
وَهُوَ فِي الصَّلَاة أيسجد لَهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَلَاهَا غَيره وَلَيْسَت من صلَاته قلت فَإِن سجد لَهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة قلت فَهَل يجزى عَنهُ قَالَ لَا يجزى عَنهُ وَعَلِيهِ أَن يَقْضِيهَا بعد مَا يسلم
قلت أَرَأَيْت رجلا تَلا السَّجْدَة أَو سَمعهَا من غَيره فسجدها لغير الْقبْلَة مُتَعَمدا لذَلِك أَو جَاهِلا قَالَ إِن كَانَ تعمد لذَلِك لم يجزه وَإِن كَانَ جَاهِلا أجزاه
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ سجدها للْقبْلَة فَضَحِك فِيهَا حَتَّى قهقه أَو أحدث فِيهَا قَالَ إِذا أحدث أَو ضحك فقد أفسدها وَعَلِيهِ فِي الْحَدث أَن يُعِيد الْوضُوء وَيُعِيد السَّجْدَة وَأما فِي الضحك فَعَلَيهِ أَن يُعِيد السَّجْدَة وَلَا يُعِيد الْوضُوء قلت لم لَا يُعِيد الْوضُوء إِذا قهقه فِي السَّجْدَة قَالَ لِأَنَّهَا لَيست بِصَلَاة أَلا ترى أَنه لَا قِرَاءَة فِيهَا وَلَا تشهد
قلت أفيكبر إِذا سجد وَإِذا رفع رَأسه قَالَ نعم قلت فَإِن(1/318)
ترك ذَلِك قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا قَرَأَ السَّجْدَة يَوْم الْجُمُعَة قَالَ عَلَيْهِ أَن يسجدها وَيسْجد مَعَه من خَلفه
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا قَرَأَ السَّجْدَة فِي صَلَاة لَا يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ قَالَ لَيْسَ يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يقْرَأ بِسُورَة فِيهَا سَجْدَة من صَلَاة لَا يجْهر فِيهَا بِالْقُرْآنِ فَإِن فعل ذَلِك كَانَ عَلَيْهِ أَن يسجدها وَيسْجد مَعَه أَصْحَابه قلت لم وَلم يسْمعهَا أَصْحَابه قَالَ لِأَنَّهُ إمَامهمْ وَهُوَ مَعَهم فِي الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا قَرَأَ السَّجْدَة خلف الإِمَام وَهُوَ يسر بِالْقِرَاءَةِ أيسجدها قَالَ لَا قلت لم وَقد قَرَأَهَا فِي الصَّلَاة قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُخَالف إِمَامه وَلَا يصنع شَيْئا لم يجب على إِمَامه قلت فَهَل عَلَيْهِ أَن يَقْضِيهَا بعد مَا يفرغ قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قَرَأَهَا خلف الإِمَام وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يَقْضِيهَا إِذا فرغ من صلَاته لِأَنَّهَا لَيست من الصَّلَاة فَكَأَنَّهُ قد سَمعهَا من غَيره قلت فَإِن سمع سَجْدَة من غَيره وَهُوَ فِي الصَّلَاة خلف الإِمَام قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسجدها حَتَّى يفرغ الإِمَام من صلَاته فَإِذا فرغ الإِمَام من صلَاته سجدها
قلت أَرَأَيْت رجلا سمع الإِمَام يقْرَأ السَّجْدَة وَلَيْسَ الرجل مَعَه فِي الصَّلَاة هَل عَلَيْهِ أَن يسجدها قَالَ نعم قلت فَإِن دخل الرجل مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة قبل أَن يسجدها فسجدها مَعَه أجزاه وَلم يجب(1/319)
عَلَيْهِ أَن يسجدها إِذا فرغ وَإِن دخل مَعَه بعد مَا سجدها فصلى مَعَ الإِمَام الصَّلَاة كلهَا هَل عَلَيْهِ أَن يسجدها بعد مَا يفرغ من صلَاته وَقد كَانَ الإِمَام سجدها قبل أَن يدْخل مَعَه هَذَا الدَّاخِل فِي صلَاته قَالَ لَا قلت لم أَلَيْسَ قد وَجَبت عَلَيْهِ قبل أَن يدْخل فِي الصَّلَاة قَالَ بلَى قد وَجَبت عَلَيْهِ كَمَا وَجَبت على الإِمَام فَإِذا صلى تِلْكَ الصَّلَاة وَفرغ مِنْهَا فقد صلى مَا كَانَ على الإِمَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا أَلا ترى أَنه لَو دخل مَعَ الإِمَام فِي تِلْكَ الصَّلَاة وَهُوَ يَنْوِي التَّطَوُّع ثمَّ أفسدها ثمَّ دخل مَعَه أَيْضا فِي تِلْكَ الصَّلَاة وَهُوَ يَنْوِي تَطَوّعا آخر لم يكن عَلَيْهِ قَضَاء الأولى إِذا فرغ من هَذِه الْأُخْرَى(1/320)
قلت أَرَأَيْت السَّجْدَة هَل فِيهَا تَسْلِيم قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَائِضًا قَرَأت السَّجْدَة فَسَمعَهَا مِنْهَا رجل هَل عَلَيْهِ أَن يسجدها قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو قَرَأَهَا صبي أَو رجل كَافِر أَو رجل جنب قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا سمع السَّجْدَة وَهُوَ يُصَلِّي وَالَّذِي قَرَأَهَا لَيْسَ فِي الصَّلَاة قَالَ على الرجل الَّذِي يُصَلِّي إِذا فرغ من صلَاته أَن يسجدها(1/321)
وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن قَرَأَ الرجل الَّذِي يُصَلِّي تِلْكَ السَّجْدَة بِعَينهَا فِي الصَّلَاة بعد مَا سَمعهَا فَإِنَّهُ يسجدها وتجزيه من سَمَاعه الأولى وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يَقْضِيهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَو كَانَ الرجل الَّذِي يُصَلِّي هُوَ الَّذِي قَرَأَهَا أول مرّة ثمَّ سَمعهَا من ذَلِك الرجل أجزاه أَن يسجدها فِي الصَّلَاة مِنْهُمَا جَمِيعًا قلت لم قَالَ لِأَن السّنة جَاءَت أَنه إِذا سمع سَجْدَة وَاحِدَة مرَارًا فِي مقْعد وَاحِد ومقام وَاحِد أجزاه من ذَلِك سَجْدَة وَاحِدَة حَدثنَا أَبُو سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ حَدثنَا جَعْفَر بن عمر بن يعلى بن مرّة الثَّقَفِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَنه كَانَ يعلمهُمْ الْقُرْآن فيقرؤن السَّجْدَة عَلَيْهِ مرَارًا(1/322)
فَلَا يسْجد لَهَا إِلَّا مرّة وَاحِدَة
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة وَسمع السَّجْدَة من رجل لَيْسَ فِي الصَّلَاة وَسمع تِلْكَ السَّجْدَة بِعَينهَا من رجل آخر ثمَّ قَرَأَ هُوَ تِلْكَ السَّجْدَة قَالَ يجْزِيه إِذا سجد لَهَا من الثَّلَاث سَجدَات قلت فَإِن سمع من رجل سَجْدَة ثمَّ سمع من آخر سَجْدَة غير تِلْكَ السَّجْدَة ثمَّ قَرَأَ هُوَ(1/323)
سَجْدَة فَسجدَ لَهَا قَالَ عَلَيْهِ إِذا فرغ من صلَاته أَن يسْجد سَجْدَتَيْنِ لما كَانَ سمع قلت فَإِن سمع سَجْدَة وَهُوَ يُصَلِّي ثمَّ قَرَأَهَا هُوَ بِنَفسِهِ فَسجدَ لَهَا ثمَّ قَامَ فأحدث فَذهب فَتَوَضَّأ ثمَّ عَاد إِلَى مَكَانَهُ فَبنى على صلَاته ثمَّ قَرَأَ ذَلِك الرجل تِلْكَ السَّجْدَة بِعَينهَا قَالَ على الرجل إِذا فرغ من صلَاته أَن يسْجد هَذِه السَّجْدَة الَّتِي سَمعهَا لِأَنَّهُ حِين أحدث فَذهب فَتَوَضَّأ ثمَّ عَاد إِلَى مَكَانَهُ فَسمع السَّجْدَة فَعَلَيهِ أَن يسجدها لِأَن هذَيْن مقامان وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَو أَن رجلا قَرَأَ سَجْدَة فَسجدَ ثمَّ افْتتح الصَّلَاة مَكَانَهُ فَقَرَأَ تِلْكَ السُّورَة الَّتِي فِيهَا تِلْكَ السَّجْدَة كَانَ عَلَيْهِ أَن يسجدها أَيْضا وَلَو لم يكن سجد فِي الأولى حَتَّى دخل فِي الصَّلَاة ثمَّ قَرَأَهَا فسجدها أجزته من هَذِه الَّتِي فِي الصَّلَاة وَمن الأولى لِأَن الأولى قد وَجَبت عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْمقَام فَإِذا قَضَاهَا فِيهِ أجزته مِنْهُمَا جَمِيعًا أَلا ترى لَو أَن إِمَامًا(1/324)
قَرَأَ السَّجْدَة فِي الصَّلَاة فَسَمعَهَا مِنْهُ رجل لَيْسَ مَعَه فِي الصَّلَاة كَانَ عَلَيْهِ أَن يسجدها فَإِن سجدها ثمَّ دخل مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة فسجدها الإِمَام كَانَ عَلَيْهِ أَن يسجدها مَعَه وَلَو لم يكن يسجدها حَتَّى دخل مَعَ الإِمَام فسجدها مَعَه أجزاه
قلت أَرَأَيْت رجلا قَرَأَ السَّجْدَة فسجدها وَأطَال الْقعُود ثمَّ قَرَأَهَا ثَانِيَة قَالَ تجزيه الأولى قلت فَإِن أكل أَو نَام مُضْطَجعا أَو أَخذ فِي بيع أَو شِرَاء أَو فِي عمل آخر يعرف أَنه قطع لما كَانَ فِيهِ قبل ذَلِك حَتَّى طَال ذَلِك ثمَّ عَاد فقرأها قَالَ عَلَيْهِ أَن يسجدها وَإِن نَام قَاعِدا أَو أكل لقْمَة أَو شرب شربة أَو عمل عملا يَسِيرا ثمَّ قَرَأَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسجدها بعد قِرَاءَته الأولى إِنَّمَا أستحسن إِذا طَال الْعَمَل أَن أوجبهَا عَلَيْهِ
وَإِذا قَرَأَ الرجل السَّجْدَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة فسجدها ثمَّ قَرَأَهَا فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسجدها لِأَنَّهَا قد وَجَبت عَلَيْهِ فِي هَذِه الصَّلَاة مرّة فَلَا يجب عَلَيْهِ فِيهَا ثَانِيَة وَإِن طَالَتْ صلَاته فقرأها فِي أَولهَا وَآخِرهَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يسجدها مرّة وَاحِدَة
قلت وَإِذا قَرَأَ الإِمَام سَجْدَة فِي رَكْعَة فَسجدَ لَهَا وَفرغ مِنْهَا ثمَّ أحدث فَقدم رجلا دخل مَعَه فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَقَرَأَ الإِمَام الثَّانِي تِلْكَ السُّورَة(1/325)
وَتلك السَّجْدَة الَّتِي قَرَأَهَا الإِمَام الأول قَالَ عَلَيْهِ أَن يسجدها ويسجدها مَعَه الْقَوْم وَإِنَّمَا وَجَبت هَذِه السَّجْدَة على هَذَا الإِمَام الثَّانِي لِأَنَّهُ لم يسمع تِلْكَ السَّجْدَة الأولى وَلم تجب عَلَيْهِ فَلَمَّا قَرَأَهَا هُوَ وَجَبت عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه
وَإِذا قَرَأَ الإِمَام السَّجْدَة وَهُوَ قَاعد فِي الصَّلَاة فسجدها ثمَّ سلم وَتكلم ثمَّ قَرَأَهَا ثَانِيَة فَعَلَيهِ أَن يسجدها لِأَن الثَّانِيَة قد وَجَبت عَلَيْهِ فِي غير الصَّلَاة وَالْأولَى إِنَّمَا وَجَبت عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة فَإِذا سجدها وَسلم ثمَّ تكلم ثمَّ قَرَأَهَا فَلَا بُد لَهُ من أَن يسجدها فَإِن كَانَ لم يسجدها حَتَّى سلم وَتكلم ثمَّ قَرَأَهَا فسجدها فَإِنَّهُ يجْزِيه مِنْهُمَا جَمِيعًا
وَإِذا قَرَأَ الرجل السَّجْدَة فسجدها ثمَّ قَامَ فقرأها قبل أَن يتَحَوَّل أَو اضْطجع فقرأها لم يكن عَلَيْهِ أَن يسجدها ثَانِيَة وَإِن تحول أَو مَشى ثمَّ قَرَأَهَا فَعَلَيهِ أَن يسجدها إِذا تحول من ذَلِك الْمَكَان الَّذِي وَجَبت عَلَيْهِ فِيهِ
وَإِذا قَرَأَ الرجل سَجْدَة فسجدها ثمَّ قَرَأَ سُورَة طَوِيلَة أَو قَصِيرَة ثمَّ أعَاد فَقَرَأَ تِلْكَ السَّجْدَة لم يكن عَلَيْهِ أَن يسجدها لِأَن قِرَاءَة الْقُرْآن من السُّجُود(1/326)
وَلَو قَرَأَهَا وَهُوَ رَاكب ثمَّ نزل فقرأها فَإِن كَانَ لم ينزل حَتَّى سَار فَهَذَا عمل وَعَلِيهِ سَجْدَتَانِ وَإِن كَانَ وَاقِفًا حِين قَرَأَهَا ثمَّ نزل مَكَانَهُ فقرأها فإنى أستحسن أَن يكون عَلَيْهِ سَجْدَة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ لَو قَرَأَهَا وَهُوَ قَاعد ثمَّ قَامَ فَركب ثمَّ قَرَأَهَا بعد مَا ركب فَإِن كَانَ سَار من ذَلِك الْمَكَان فَعَلَيهِ سَجْدَتَانِ وَإِن لم يكن سَار من ذَلِك الْمَكَان لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا سَجْدَة وَاحِدَة فَإِن سجدها على الدَّابَّة إِيمَاء فَإِن ذَلِك لَا يجْزِيه لِأَن السَّجْدَة وَجَبت عَلَيْهِ وَهُوَ نَازل وَلَو قَرَأَهَا ثمَّ نزل ثمَّ ركب تِلْكَ الدَّابَّة ثمَّ قَرَأَهَا أَيْضا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يسْجد سَجْدَة وَاحِدَة مَا لم يكن سائرا وَعمل عملا يطول ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَرَأَ الرجل السَّجْدَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة خلف الإِمَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسجدها فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ إِن سجدها كَانَ مُخَالفا للامام وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يَقْضِيهَا بعد فرَاغ الإِمَام لِأَنَّهُ قَرَأَهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَكَذَلِكَ لَو سَمعهَا مِنْهُ الإِمَام وَالْقَوْم فَلَا شَيْء عَلَيْهِم وَلَا يشبه هَذَا الَّذِي يقْرَأ السَّجْدَة وَهُوَ فِي غير الصَّلَاة فَسَمعَهَا الْقَوْم فعلى من(1/327)
سَمعهَا أَن يسْجد لَهَا بعد الْفَرَاغ وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يسجدها من سَمعهَا إِذا فرغوا من الصَّلَاة ويسجدها الَّذِي قَرَأَهَا
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة تَطَوّعا وَهُوَ رَاكب فَقَرَأَ سَجْدَة ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ ركع وَسجد للصَّلَاة ثمَّ قَرَأَهَا فِي االركعة الثَّانِيَة بعد مسيرَة سَاعَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسجدها إِلَّا مرّة وَاحِدَة لَهما جَمِيعًا لِأَنَّهَا صَلَاة وَاحِدَة لَا يسْجد فِيهَا سَجْدَة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ وَهَذَا بِمَنْزِلَة سَجْدَتي السَّهْو أَلا ترى لَو أَن رجلا سَهَا فِي صَلَاة مرَارًا لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا سَجْدَتَانِ قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ هَذَا الرَّاكِب الَّذِي يُصَلِّي(1/328)
سمع السَّجْدَة من رجل فِي الرَّكْعَة الأولى ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ سَمعهَا من ذَلِك الرجل فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَالَ عَلَيْهِ إِذا فرغ من صلَاته أَن يسْجد لَهما سَجْدَة وَاحِدَة قلت لم وَقد سَمعهَا من موطنين بَينهمَا مسير وَعمل قَالَ لِأَن هَذَا الْمسير وَالْعَمَل لَا يفرق بَين الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا صَلَاة وَاحِدَة
- بَاب الْمُسْتَحَاضَة
-
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَاضَت حِين زَالَت الشَّمْس هَل عَلَيْهَا قَضَاء تِلْكَ الصَّلَاة إِذا طهرت من حَيْضهَا قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن الصَّلَاة لَا تجب عَلَيْهَا آلا ترى أَنَّهَا لَو لم تَحض وسافرت فِي تِلْكَ(1/329)
السَّاعَة كَانَ عَلَيْهَا أَن تصلي رَكْعَتَيْنِ وَلَو كَانَت الصَّلَاة وَجَبت عَلَيْهَا لم تجزها إِلَّا أَربع رَكْعَات أَلا ترى أَنَّهَا لَو كَانَت مسافرة فَزَالَتْ الشَّمْس وَهِي مسافرة ثمَّ قدمت فأقامت أَن عَلَيْهَا أَربع رَكْعَات وَلَو كَانَت الصَّلَاة قد وَجَبت عَلَيْهَا قبل أَن تقيم كَانَ عَلَيْهَا أَن تصلي رَكْعَتَيْنِ
قلت أَرَأَيْت إِن حَاضَت بعد ذهَاب وَقت الظّهْر وَلم تكن صلت قَالَ عَلَيْهَا إِذا طهرت أَن تقضيها لِأَن الصَّلَاة قد وَجَبت عَلَيْهَا قبل أَن تحيض وَإِنَّمَا وَجَبت الظّهْر عَلَيْهَا لِأَن الْوَقْت ذهب وَهِي طَاهِرَة
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة افتتحت الظّهْر فِي أول وَقتهَا فصلت رَكْعَة ثمَّ حَاضَت هَل يجب عَلَيْهَا أَن تقضي هَذِه الصَّلَاة إِذا طهرت قَالَ لَا قلت لم وَقد دخلت فِيهَا وَصَارَت الصَّلَاة وَاجِبَة عَلَيْهَا قَالَ الدُّخُول فِي هَذَا وَغَيره سَوَاء لَا يجب عَلَيْهَا الصَّلَاة حَتَّى يذهب الْوَقْت وَهِي طَاهِرَة وَلم تصل فَإِذا كَانَ هَكَذَا وَجب عَلَيْهَا أَن تقضيها إِذا طهرت
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة طهرت حِين زَالَت الشَّمْس هَل عَلَيْهَا أَن تصلي الظّهْر قَالَ نعم عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل وَتصلي الظّهْر
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة إِن طهرت فِي آخر وَقت الظّهْر وَعَلَيْهَا(1/330)
من الْوَقْت مَا لَو اغْتَسَلت لفرغت من غسلهَا قبل خُرُوج الْوَقْت فأخرت الْغسْل حَتَّى ذهب الْوَقْت قَالَ عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل وَتصلي الظّهْر قلت فَإِن طهرت فِي آخر وَقت الظّهْر وَعَلَيْهَا من الْوَقْت مَا لَا تَسْتَطِيع أَن تَغْتَسِل فِيهِ حَتَّى يذهب الْوَقْت قَالَ لَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاء لِلظهْرِ وَعَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل وَتصلي الْعَصْر قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ إِذا طهرت وَهِي تَسْتَطِيع أَن تَغْتَسِل قبل ذهَاب الْوَقْت فأخرت ذَلِك فعلَيْهَا الْقَضَاء لِأَنَّهَا قد طهرت قبل ذهَاب الْوَقْت وَإِنَّمَا جَاءَ التّرْك من قبلهَا وَإِذا كَانَت لَا تَسْتَطِيع أَن تَغْتَسِل حَتَّى يذهب الْوَقْت لقلَّة مَا بَقِي من الْوَقْت فَهِيَ غير طَاهِرَة لِأَنَّهَا لم تطهر حَتَّى ذهب الْوَقْت لِأَن الطُّهْر هَهُنَا هُوَ الْغسْل أَلا ترى أَن زَوجهَا لَو طَلقهَا كَانَ يملك رَجعتهَا مَا لم تَغْتَسِل أَو يذهب وَقت تِلْكَ الصَّلَاة أَو لَا ترى لَو أَن امْرَأَة حَاضَت وطهرت فَلم تَغْتَسِل لم يكن لزَوجهَا أَن يُجَامِعهَا حَتَّى تَغْتَسِل أَو يذهب وَقت تِلْكَ الصَّلَاة الَّتِي طهرت فِيهَا فَإِذا ذهب وَقت تِلْكَ الصَّلَاة أَو اغْتَسَلت كَانَ لزَوجهَا أَن يُجَامِعهَا
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَاضَت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ انْقَطع عَنْهَا الدَّم قَالَ لَيْسَ هَذَا بحيض وَلَا يكون الْحيض أقل من ثَلَاثَة أَيَّام قلت فَإِن كَانَت تركت الصَّلَاة فِي ذَلِك الْيَوْم أَو الْيَوْمَيْنِ قَالَ عَلَيْهَا أَن تقضي مَا تركت قلت فَهَل عَلَيْهَا غسل فِي انْقِطَاع الدَّم عَنْهَا قَالَ لَا قلت(1/331)
لم قَالَ لِأَن هَذَا لَيْسَ بحيض أَلا ترى أَنَّهَا لَو رَأَتْ الدَّم سَاعَة ثمَّ انْقَطع عَنْهَا الدَّم لم يكن هَذَا بحيض وَلم يكن عَلَيْهَا غسل فَكَذَلِك الأول
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فِي كل شهر ثمَّ زَاد يَوْمًا أَتُصَلِّي ذَلِك الْيَوْم قَالَ لَا وَهِي فِيهِ حَائِض قلت وَكَذَلِكَ لَو زَادَت خَمْسَة أَيَّام قَالَ نعم قلت فَإِن زَادَت على الْعشْرَة الْأَيَّام يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ قَالَ هَذِه مُسْتَحَاضَة فِيمَا يُزَاد على عشرَة أَيَّام فَتكون مُسْتَحَاضَة فِيمَا زَاد على أَيَّام أقرائها قلت فَهَل عَلَيْهَا قَضَاء مَا زَاد على أَيَّام أقرائها(1/332)
قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن الْحيض لَا يكون أَكثر من عشرَة أَيَّام فَإِن زَادَت على عشرَة أَيَّام عرفنَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَة فِيمَا زَادَت على أَيَّام أقرائها وَإِن لم تزد على عشرَة أَيَّام فَهِيَ حَائِض وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَن تقضي شَيْئا من الصَّلَاة بلغنَا عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَأَرْبَعَة أَيَّام إِلَى عشرَة أَيَّام(1/333)
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فِي أول كل شهر فَتقدم حَيْضهَا قبل ذَلِك بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة قَالَ هِيَ حَائِض أَلا ترى أَنَّهَا إِذا زَادَت على حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام كَانَت فِيهَا حَائِضًا فَكَذَلِك إِذا تقدّمت حَيْضَتهَا خَمْسَة أَيَّام كَانَت فِيهَا حَائِضًا
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَاضَت أول مَا حَاضَت فاستمر بهَا الدَّم كم تدع الصَّلَاة قَالَ عشرَة أَيَّام قلت فَإِذا مضى عشرَة أَيَّام كَيفَ تصنع قَالَ تَغْتَسِل وتحتشي وتتوضأ لوقت كل صَلَاة بعد ذَلِك وَلَا تقعد أقل من عشرَة أَيَّام وَلَا أَكثر من ذَلِك
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ وَقت نسائها خَمْسَة أَيَّام قَالَ لَا تنظر إِلَى ذَلِك لِأَن هَذَا لَيْسَ بِشَيْء قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت حَاضَت قبل ذَلِك سِنِين فَكَانَت تحيض خَمْسَة أَيَّام مرّة وَسَبْعَة أَيَّام مرّة أُخْرَى فَكَانَ حَيْضهَا يخْتَلف ثمَّ استحاضت كم تدع الصَّلَاة قَالَ أقل مَا كَانَت تقعد خَمْسَة أَيَّام وتغتسل وَتصلي قلت فَإِن كَانَ زَوجهَا قد طَلقهَا فَحَاضَت الْحَيْضَة الثَّالِثَة وَمَضَت خَمْسَة أَيَّام قَالَ لَا يملك زَوجهَا رَجعتهَا قلت فَهَل لَهَا أَن تتَزَوَّج ساعتئذ قَالَ لَيْسَ لَهَا أَن تتَزَوَّج حَتَّى يمْضِي سَبْعَة أَيَّام(1/334)
فَإِن تزوجت لم يجز النِّكَاح آخذ لَهَا فِي الصَّلَاة بالثقة فَتُصَلِّي وَهِي حَائِض أحب إِلَيّ من أَن تدع الصَّلَاة وَهِي طَاهِرَة وآخذ فِي التَّزْوِيج أَيْضا بالثقة فَلَا تتَزَوَّج حَتَّى يمْضِي أَكثر أَيَّامهَا
قلت أَرَأَيْت الْمُسْتَحَاضَة أتتوضأ لكل صَلَاة وتحتشي قَالَ نعم قلت وَتصلي الْمَكْتُوبَة وَمَا شَاءَت من التَّطَوُّع مَا دَامَت فِي وَقت تِلْكَ الصَّلَاة قَالَ نعم قلت فَإِن ذهب وَقت تِلْكَ الصَّلَاة انْتقض وضوؤها وَكَانَ عَلَيْهَا أَن تسْتَقْبل الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ عَلَيْهَا صلوَات قد نسيتهَا أَو جعلت لله على نَفسهَا أَن تصلي أَربع رَكْعَات أتصليها بِوضُوء وَاحِد مَا لم يذهب الْوَقْت قَالَ نعم تصلي مَا شَاءَت من فَرِيضَة أَو تطوع مَا دَامَت فِي وَقت تِلْكَ الصَّلَاة فَإِذا ذهب الْوَقْت فَإِن عَلَيْهَا أَن تعيد الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ بهَا جرح أَو قرحَة فَسَالَ مِنْهَا دم أَو قيح قَالَ هَذَا ينْقض وضوءها قلت فَإِن سَالَ الدَّم من حَيْضهَا أَو من الْجرْح بعد مَا تَوَضَّأت قَالَ الدَّم الَّذِي سَالَ من جرحها ينْقض وضوءها وَأما مَا سَالَ من حَيْضهَا فَإِنَّهُ لَا ينْقض وضوءها قلت وَكَذَلِكَ الرجل الَّذِي بِهِ جرح سَائل لَا يَنْقَطِع قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ المبطون(1/335)
الَّذِي لَا يَنْقَطِع استطلاق بَطْنه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَاضَت فِي أَيَّام حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام ثمَّ طهرت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْ الدَّم يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ هِيَ حَائِض وَعَلَيْهَا أَن تدع الصَّلَاة فَإِذا انْقَطع عَنْهَا الدَّم اغْتَسَلت قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو رَأَتْ الطُّهْر سَاعَة ثمَّ عاودها الدَّم ألم تكن حَائِضًا قلت بلَى قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء قلت فَإِن رَأَتْ الدَّم يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ انْقَطع الدَّم عَنْهَا يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْ الدَّم يَوْمَيْنِ ثمَّ انْقَطع عَنْهَا ثمَّ رَأَتْ الدَّم ثَلَاثَة أَيَّام وَهَذَا كُله فِي عشرَة أَيَّام قَالَ هَذَا حيض كُله وَعَلَيْهَا أَن تدع الصَّلَاة قلت فَإِن رَأَتْ الدَّم ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع عَنْهَا أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ عاودها الدَّم ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ هَذَا حيض قلت فَإِن رَأَتْ الدَّم سَبْعَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع عَنْهَا يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْ الدَّم فِي الْيَوْم الْعَاشِر بعض النَّهَار ثمَّ انْقَطع الدَّم عَنْهَا قَالَ هَذَا كُله حيض وَعَلَيْهَا أَن تدع الصَّلَاة فَإِذا طهرت اغْتَسَلت وَلم يكن عَلَيْهَا الْقَضَاء فِي شَيْء من ذَلِك
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فَحَاضَت سِتَّة أَيَّام ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أُخْرَى سَبْعَة أَيَّام ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أُخْرَى سِتَّة أَيَّام(1/336)
كم حَيْضهَا قَالَ سِتَّة أَيَّام قلت فَإِن كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فَحَاضَت سِتَّة أَيَّام ثمَّ حَاضَت ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أُخْرَى سَبْعَة أَيَّام كم حَيْضهَا قَالَ سَبْعَة أَيَّام قلت فَإِن حَاضَت سِتَّة أَيَّام ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أُخْرَى عشرَة أَيَّام ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أُخْرَى ثَمَانِيَة أَيَّام قَالَ حَيْضهَا ثَمَانِيَة أَيَّام كلما عاودها الدَّم مرَّتَيْنِ فِي يَوْم وَاحِد فحيضها ذَلِك
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة ترى فِي أَيَّام حَيْضهَا الصُّفْرَة أَو الكدرة قَالَ هَذَا حيض كُله وَهُوَ بِمَنْزِلَة الدَّم قلت فَإِن رَأَتْ الدَّم ثمَّ رَأَتْ الطُّهْر فِي نفَاسهَا فرأت حمرَة أَو صفرَة أَو كدرة هَل يكون هَذَا طهرا قَالَ لَا يكون هَذَا طهرا حَتَّى ترى الْبيَاض خَالِصا
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خمْسا فَحَاضَت خَمْسَة أَيَّام فِي أَيَّام أقرائها ثمَّ طهرت فاغتسلت ثمَّ صَامت ثَلَاثَة أَيَّام وصلت ثمَّ عاودها الدَّم يَوْمَيْنِ فِي الْعشْر هَل يجزيها مَا صَامت وصلت قَالَ لَا وَعَلَيْهَا أَن تعيد الصَّوْم قلت فَإِن حَاضَت خَمْسَة أَيَّام ثمَّ طهرت فصامت أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ عاودها الدَّم فِي الْيَوْم الْعَاشِر يَوْمًا تَاما قَالَ عَلَيْهَا أَن تعيد الصَّوْم وَلَا يجزيها قلت فَإِن حَاضَت خَمْسَة أَيَّام ثمَّ طهرت فصامت يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة ثمَّ عاودها الدَّم فاستمر بهَا شهرا قَالَ هَذِه(1/337)
مُسْتَحَاضَة ويجزيها صَومهَا وصلاتها قلت فَإِن حَاضَت خَمْسَة أَيَّام ثمَّ طهرت ثمَّ صَامت وصلت عشرَة أَيَّام ثمَّ عاودها الدَّم قَالَ هِيَ مُسْتَحَاضَة ويجزيها مَا صَامت وصلت فِي الْعشْر وَبعد ذَلِك
قلت وكل شَيْء جَعلتهَا فِيهِ حَائِضًا فَلَيْسَ عَلَيْهَا فِيهِ صَلَاة وَلَا يَنْبَغِي لزَوجهَا أَن يقربهَا حَتَّى تطهر وتغتسل وَإِن كَانَت رَأَتْ الطُّهْر بَين تِلْكَ الْأَيَّام فصامت فِيهَا لم يجزها صَومهَا قَالَ نعم قلت وكل شَيْء جَعلتهَا فِيهِ مُسْتَحَاضَة فَإِنَّهَا تَصُوم فِيهِ وَتصلي ويأتيها زَوجهَا قَالَ نعم قلت فَإِن تركت فِيهَا الصَّلَاة وَالصَّوْم كَانَ عَلَيْهَا أَن تقضي قَالَ نعم
قلت وَلَا يكون الْحيض أقل من ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا أَكثر من عشرَة أَيَّام قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا سِتَّة أَيَّام فَحَاضَت خَمْسَة أَيَّام فرأت الطُّهْر فاغتسلت فِي الْيَوْم الْخَامِس هَل ترى لزَوجهَا أَن يقربهَا قبل تَمام السِّت قَالَ أحب ذَلِك إِلَيّ أَن يكف عَنْهَا حَتَّى تمْضِي أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تحيض فِيهَا فَإِن فعل لم يضرّهُ قلت فَهَل على الْمَرْأَة أَن تدع الصَّلَاة وَالصَّوْم فِي ذَلِك الْيَوْم السَّادِس قَالَ لَا تدع الصَّلَاة وَالصَّوْم وَلكنهَا تَصُوم وَتصلي فَإِن كَانَت طَاهِرَة أجزاها وَإِن عاودها الدَّم فعلَيْهَا أَن تعيد الصَّوْم وَيَنْبَغِي لَهَا أَن تَأْخُذ بالثقة فتصوم وَتصلي
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة نفسَاء ولدت أول مَا ولدت فاستمر بهَا الدَّم أشهرا كم تدع الصَّلَاة قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذا مَضَت أَرْبَعُونَ يَوْمًا اغْتَسَلت وَهِي بِمَنْزِلَة الْمُسْتَحَاضَة فِيمَا بعد ذَلِك تَصُوم وَتصلي وتقرأ(1/338)
الْقُرْآن ويأتيها زَوجهَا قلت فَهَل تنظر إِلَى وَقت نسائها قَالَ لَا قلت فَإِن طهرت فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ تَغْتَسِل وَتصلي وتصوم وَتَكون طَاهِرَة قلت فَإِن اغْتَسَلت وصلت وصامت خَمْسَة أَيَّام ثمَّ عاودها الدَّم خَمْسَة أَيَّام فِي الْأَرْبَعين قَالَ لَا يجزيها صَومهَا وصلاتها وَعَلَيْهَا أَن تقضي الصَّوْم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ وَقتهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ طهرت فِي عشْرين يَوْمًا فَمَكثت فِي خَمْسَة أَيَّام طَاهِرَة وصلت وصامت فِيهَا ثمَّ عاودها الدَّم حَتَّى استكملت أَرْبَعِينَ قَالَ هِيَ بِمَنْزِلَة الْحَائِض وَعَلَيْهَا أَن تقضي الصَّوْم قلت فَإِن طهرت فِي عشْرين يَوْمًا فصامت وصلت عشرَة أَيَّام ثمَّ عاودها الدَّم فاستمر بهَا شَهْرَيْن قَالَ هَذِه مُسْتَحَاضَة فِيمَا زَاد على ثَلَاثِينَ يَوْمًا قلت فَهَل تقضي الصَّلَاة وَالصَّوْم فِيمَا تركت من الْأَيَّام بعد الثَّلَاثِينَ قَالَ نعم قلت فَهَل يجزيها صَومهَا الْعشْرَة من الْأَيَّام الَّتِي صَامت قبل الثَّلَاثِينَ قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت النُّفَسَاء ترى الصُّفْرَة أَو الكدرة أَو الْحمرَة قَالَ هَذَا(1/339)
كُله بِمَنْزِلَة الدَّم
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة حَامِلا حَاضَت كل شهر وَهِي حَامِل قَالَ لَيْسَ ذَلِك بحيض وَلَا نِفَاس
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة ولدت ولدا وَفِي بَطنهَا آخر هَل تَصُوم وَتصلي حَتَّى تضع الآخر قَالَ لَا إِنَّمَا النّفاس من الْوَلَد الأول حَتَّى يتم الْأَرْبَعين قلت فَإِن صَامت وصلت بعد مَا ولدت الأول قبل أَن تَلد الآخر قَالَ لَا يجزيها لِأَنَّهَا نفسَاء فِي قَول أبي يُوسُف وَأبي حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد النّفاس من الْوَلَد الآخر وَلَا تكون نفسَاء وَفِي بَطنهَا ولد كَمَا تكون حَائِضًا وَهِي حَامِل وَهُوَ قَول زفر
قلت أَرَأَيْت السقط إِذا استبان خلقه هَل يكون بِمَنْزِلَة الْوَلَد وَتَكون الْمَرْأَة فِيهِ بِمَنْزِلَة النُّفَسَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة كم أقل مَا يكون بَين حَيْضهَا قَالَ أَكثر(1/340)
مَا يكون الْحيض عشرَة أَيَّام وَأَقل مَا يكون ثَلَاثَة أَيَّام وَالطُّهْر أقل مَا يكون خَمْسَة عشر يَوْمًا فَإِذا رَأَتْ الدَّم فِي أقل من ذَلِك فَهِيَ مُسْتَحَاضَة قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت تحيض فِي كل شهر حيضتين قَالَ هَذِه مُسْتَحَاضَة قلت أَرَأَيْت إِن حَاضَت خَمْسَة أَيَّام ثمَّ طهرت خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ حَاضَت خَمْسَة أَيَّام هَل يكون هَذَا حيضا وَتَدَع فِيهِ الصَّلَاة وَالصَّوْم قَالَ نعم قلت فقد حَاضَت الْآن فِي الشَّهْر حيضتين وَقد زعمت أَنه لَا يكون الطُّهْر أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا قَالَ إِذا أحتسب بأيام طهرهَا وَأَيَّام حَيْضهَا كَانَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قلت أَرَأَيْت إِن قعدت بَين كل حيضتين ثَلَاثَة عشر يَوْمًا أَو أَرْبَعَة عشر يَوْمًا قَالَ هَذِه مُسْتَحَاضَة لِأَنَّهَا لَا يكون بَين حيضتين أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا(1/341)
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة أسقطت سقطا لم يتَبَيَّن شَيْء من خلقه أتعدها نفسَاء قَالَ لَا قلت فكم تدع الصَّلَاة قَالَ أَيَّام حَيْضهَا حَتَّى تستكمل مَا بَينهَا وَبَين الْعشْرَة الْأَيَّام قلت فَإِن اسْتمرّ بهَا الدَّم أَكثر من ذَلِك قَالَ هِيَ مُسْتَحَاضَة فِيمَا زَاد على أَيَّام أقرائها وَعَلَيْهَا أَن تقضي مَا تركت من الصَّلَاة قلت فَإِن كَانَت صَامت فِيمَا زَاد على أَيَّام أقرائها فِي الْعشْرَة قَالَ يجزيها قلت وَكَذَلِكَ الصَّلَاة قَالَ نعم وَإِذا تَوَضَّأت الْمُسْتَحَاضَة فِي وَقت الْعَصْر وَالدَّم مُنْقَطع فغربت الشَّمْس وَهِي طَاهِرَة ثمَّ رَأَتْ الدَّم فَإِنَّهَا تتوضأ وَالدَّم ينْقض طهرهَا فِي وَقت الْمغرب فَإِن سَالَ الدَّم فِي صَلَاة الْمغرب انصرفت(1/342)
فَتَوَضَّأت ثمَّ بنت على صلَاتهَا قلت أَرَأَيْت لَو لم تَرَ الدَّم حَتَّى الْغَد وَهِي على وضوئها ثمَّ رَأَتْ الدَّم من الْغَد حِين زَالَت الشَّمْس أَتُصَلِّي بذلك الْوضُوء وَقت الطُّهْر كُله قَالَ لَا وَقد نقض الدَّم طهرهَا وَعَلَيْهَا الْوضُوء وَلَو كَانَت لبست الْخُفَّيْنِ قبل الْمغرب ثمَّ لم تَرَ الدَّم حَتَّى صلت رَكْعَتَيْنِ من الْمغرب ثمَّ رَأَتْ الدَّم كَانَ عَلَيْهَا أَن تَنْصَرِف وتتوضأ وتمسح وتبنى على صلَاتهَا وَلَو لم تَرَ الدَّم وَلم تدخل فِي الْمغرب حَتَّى تَوَضَّأت من غير حدث ثمَّ دخلت فِي الْمغرب فرأت الدَّم كَانَ عَلَيْهَا أَن تَنْصَرِف وتتوضأ وتبنى على صلَاتهَا وَلَو أحدثت قبل الْمغرب فَتَوَضَّأت ثمَّ دخلت فِي الْمغرب فرأت الدَّم فَإِنَّهَا تَنْصَرِف وتتوضأ وتبني على صلَاتهَا وَلَو أحدثت بعد هَذَا الدَّم كَانَ عَلَيْهَا الْوضُوء أَيْضا وَلكنه لَو سَالَ مِنْهَا الدَّم أجزاها فِي ذَلِك الْوَقْت الْوضُوء الَّذِي كَانَ بعد الدَّم إِذا تَوَضَّأت للدم أجزاها من الدَّم الْحَادِث وَلَا يجزيها من الْحَدث وَإِذا تَوَضَّأت من الْحَدث وَلم تَرَ الدَّم ثمَّ رَأَتْ الدَّم لم يجزها وضوء الْحَدث من الدَّم أَلا ترى لَو أَن رجلا رعف من أحد الأنفين رعافا لَا يَنْقَطِع فَتَوَضَّأ أَنه يجْزِيه لوقت الصَّلَاة كُله(1/343)
وَلَو سَالَ من الْأنف الآخر دم نقض وضوءه فَهَذَا يبين لَك أَن الْحَدث ينْقض وضوء الْمُسْتَحَاضَة وَإِن دم الْمُسْتَحَاضَة ينْقض وضوء الْحَدث وَلَو تَوَضَّأت الْمُسْتَحَاضَة قبل الْمغرب وَلم تَرَ الدَّم بعد الْوضُوء حَتَّى صلت الْمغرب ثمَّ رَأَتْ الدَّم فَإِنَّهَا تعيد الْوضُوء وَالْمغْرب تَامَّة وَلَو كَانَت لبست الْخُفَّيْنِ قبل أَن ترى الدَّم أجزاها أَن تمسح عَلَيْهِمَا يَوْمًا وَلَيْلَة وَإِذا تَوَضَّأت الْمُسْتَحَاضَة وَالدَّم سَائل ولبست خفيها ثمَّ صلت رَكْعَة من الْعَصْر ثمَّ غَابَتْ الشَّمْس اسْتقْبلت الْوضُوء وَالصَّلَاة ونزعت خفيها وَلَو كَانَت لبستهما وَالدَّم مُنْقَطع ثمَّ صلت رَكْعَة ثمَّ رَأَتْ الدَّم ثمَّ غربت الشَّمْس تَوَضَّأت ومسحت على الْخُفَّيْنِ واستقبلت الصَّلَاة(1/344)
وَلَو سَالَ من منخريها دم فَانْقَطع من أَحدهمَا وسال من الآخر كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة منخر وَاحِد يسيل لِأَن هَذَا شَيْء وَاحِد وَلَا يشبه هَذَا إِذا سَالَ من منخر وَاحِد فَتَوَضَّأت ثمَّ سَالَ من المنخر الآخر وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
- بَاب صَلَاة الْجُمُعَة
-
قلت أَرَأَيْت الْجُمُعَة هَل تجب على أهل السوَاد وَأهل الْجبَال قَالَ لَا تجب الْجُمُعَة إِلَّا على أهل الْأَمْصَار والمدائن قلت أَرَأَيْت قوما من أهل السوَاد اجْتَمعُوا فِي مَسْجِدهمْ فَخَطب لَهُم بَعضهم ثمَّ صلى بهم(1/345)
الْجُمُعَة قَالَ لَا تجزيهم صلَاتهم وَعَلَيْهِم أَن يُعِيدُوا الظّهْر قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا مسافرين قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَلم يخْطب قَالَ لَا يجْزِيه صلَاته وَلَا من خَلفه وَعَلَيْهِم أَن يُعِيدُوا قلت فَإِن صلى بهم الظّهْر أَرْبعا وَترك الْجُمُعَة قَالَ يجْزِيه ويجزيهم وَقد أَسَاءَ الإِمَام فِي ترك الْجُمُعَة
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا أَرَادَ أَن يخْطب يَوْم الْجُمُعَة كَيفَ يخْطب قَالَ يخْطب قَائِما ثمَّ يجلس جلْسَة خَفِيفَة ثمَّ يقوم أَيْضا ويخطب
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ جنب أَو على غير وضوء ثمَّ اغْتسل أَو تَوَضَّأ وَصلى بِالنَّاسِ هَل تجزيه صلَاته قَالَ نعم وَلكنه قد أَسَاءَ حِين دخل الْمَسْجِد وخطب وَهُوَ جنب
قلت فَهَل يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يقْرَأ سُورَة يَوْم الْجُمُعَة فِي خطبَته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة فأحدث فَنزل فَتَوَضَّأ هَل يُعِيد الْخطْبَة قَالَ أَي ذَلِك فعل أجزاه
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة فأحدث فَأمر رجلا(1/346)
أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَالرجل لم يشْهد الْخطْبَة كم يُصَلِّي بهم قَالَ يُصَلِّي بهم أَربع رَكْعَات قلت فَإِن كَانَ شهد الْخطْبَة قَالَ يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أحدث فَأمر رجلا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَقد شهد الرجل الْخطْبَة فَتقدم فَافْتتحَ الصَّلَاة ثمَّ أحدث فَتَأَخر وَقدم رجلا كم يُصَلِّي بهم هَذَا الرجل قَالَ يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ يبْنى على صَلَاة الإِمَام قلت فَإِن أحدث الثَّانِي فَتَأَخر فَقدم رجلا كم يُصَلِّي بهم هَذَا الرجل الثَّالِث قَالَ رَكْعَتَيْنِ يبْنى على صَلَاة الإِمَام
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أحدث فَأمر رجلا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَالرجل جنب أَو على غير وضوء فَأمر الرجل رجلا غَيره مِمَّن قد شهد الْخطْبَة كم يُصَلِّي بهم قَالَ رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن كَانَ لم يشْهد الْخطْبَة قَالَ يُصَلِّي بهم أَربع رَكْعَات قلت فَإِن كَانَ الإِمَام لما أحدث أَمر رجلا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَالرجل جنب أَمر على غير وضوء فَأمر عبدا أَو مكَاتبا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَقد شهد الْخطْبَة كم يُصَلِّي بهم قَالَ رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن تقدم العَبْد أَو الْمكَاتب فأحدث فَتَأَخر(1/347)
وَقدم عبدا مثله قد شهد الْخطْبَة قَالَ يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ يبْنى على صَلَاة الإِمَام قلت وَكَذَلِكَ لَو أحدث الثَّانِي فَقدم ثَالِثا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ الأول الَّذِي أمره الإِمَام أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأمر هُوَ عبدا أَو مكَاتبا لم يشْهد الْخطْبَة كم يُصَلِّي بهم قَالَ أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فأحدث فَأمر صَبيا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فصلى بهم الصَّبِي قَالَ لَا يجزيهم وَعَلَيْهِم أَن يُعِيدُوا قلت فَإِن لم يصل بهم الصَّبِي وَلكنه أَمر رجلا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ فصلى بهم الرجل كم يُصَلِّي بهم قَالَ أَربع رَكْعَات قلت لم قَالَ أَلا ترى أَن الصَّبِي لَو صلى بهم لم يجزيهم فَكَذَلِك أمره لَا يجوز قلت لم وَكَذَلِكَ لَو أَن الإِمَام حِين أحدث أَمر امْرَأَة أَن تصلي بِالنَّاسِ فصلت بِالنَّاسِ أَو أمرت رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ نعم لَا يجزيهم قلت وَكَذَلِكَ لَو أَمر الإِمَام رجلا معتوها لَا يعقل أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأمر رجلا(1/348)
غَيره يُصَلِّي بهم قَالَ نعم لَا يجزيهم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام حِين أحدث لم يَأْمر أحدا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَتقدم صَاحب شرطة كم يُصَلِّي بهم قَالَ رَكْعَتَيْنِ قلت وَكَذَلِكَ لَو تقدم القَاضِي قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن لم يتَقَدَّم صَاحب شرطة وَلكنه أَمر رجلا أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ كم يُصَلِّي بهم قَالَ رَكْعَتَيْنِ إِن كَانَ الرجل قد شهد الْخطْبَة وَإِن كَانَ لم يشْهد الْخطْبَة صلى بهم أَربع رَكْعَات قلت فَإِن كَانَ الرجل قد شهد الْخطْبَة فَتقدم فَافْتتحَ الصَّلَاة ثمَّ أحدث فَتَأَخر وَقدم رجلا مِمَّن لم يشْهد الْخطْبَة كم يُصَلِّي بهم قَالَ يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ يبْنى على صَلَاة الإِمَام قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن الرجل الَّذِي أمره صَاحب الشرطة أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَتقدم فأحدث فَتَأَخر وَقدم عبدا أَو مكَاتبا قَالَ نعم إِن كَانَ أدْرك الْخطْبَة صلى رَكْعَتَيْنِ قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن القَاضِي أَمر رجلا أَو مكَاتبا أَو عبدا فَهُوَ على مَا وصفت لَك قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن صَاحب الشرطة أَو القَاضِي أَمر رجلا جنبا أَو على غير وضوء فَأمر هَذَا الرجل(1/349)
غَيره كَانَ على مَا وصفت لَك من أَمر الإِمَام قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَدخل فِي الصَّلَاة فأحدث بعد دُخُوله فَتَأَخر وَقدم رجلا مِمَّن شهد الْخطْبَة أَو مِمَّن لم يشْهد الْخطْبَة كم يُصَلِّي بهم قَالَ رَكْعَتَيْنِ قلت لم والداخل لم يشْهد الْخطْبَة قَالَ لِأَن النَّاس قد دخلُوا فِي الصَّلَاة وَهَذَا إِنَّمَا يبْنى على صَلَاة الإِمَام قلت فَإِن أحدث هَذَا الرجل الَّذِي قدمه الإِمَام فَتَأَخر وَقدم رجلا مِمَّن لم يشْهد الْخطْبَة قَالَ يُصَلِّي بهم رَكْعَتَيْنِ يبْنى على صَلَاة الإِمَام قلت وَكَذَلِكَ لَو أَمر عبدا أَو مكَاتبا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا خطب يَوْم الْجُمُعَة هَل يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَكَلَّم بِشَيْء من كَلَام النَّاس أومن حَدِيثهمْ قَالَ لَا قلت فَإِن فعل هَذَا هَل يقطع ذَلِك خطبَته قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت إِن خطب الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة هَل يَنْبَغِي لمن مَعَ الإِمَام أَن يتكلموا قَالَ لَا قلت أفتكره أَن يذكرُوا الله تَعَالَى إِذا ذكره الإِمَام ويصلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى عَلَيْهِ الإِمَام(1/350)
قَالَ أحب إِلَيّ أَن يستمعوا وينصتوا قلت فَهَل يشمتون الْعَاطِس ويردون السَّلَام قَالَ أحب إِلَيّ أَن يستمعوا وينصتوا
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا خطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ الْحَمد لله أَو قَالَ سُبْحَانَ الله أَو قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله أَو ذكر الله أيجزيه من الْخطْبَة وَلم يزدْ على هَذَا شَيْئا قَالَ نعم يجْزِيه وَهَذَا قَول أبي حنيفَة(1/351)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجْزِيه حَتَّى يكون كلَاما يُسمى الْخطْبَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بَأْس بالْكلَام قبل أَن يخْطب الإِمَام وَلَا بَأْس بالْكلَام إِذا نزل الإِمَام قبل أَن يفْتَتح الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا خرج هَل يقطع خُرُوجه الصَّلَاة قَالَ نعم قلت وَيَنْبَغِي لمن كَانَ فِي الصَّلَاة أَن يفرغ مِنْهَا وَيسلم إِذا خرج الإِمَام قَالَ نعم
قلت فَإِذا خطب الإِمَام كرهت الْكَلَام والْحَدِيث قَالَ نعم قلت فَهَل تكره ذَلِك قبل أَن يخْطب حِين يخرج قَالَ نعم قلت أفتكره الْكَلَام مَا بَين نُزُوله إِلَى دُخُوله فِي الصَّلَاة قَالَ نعم قلت وتحب للرجل أَن يسْتَقْبل الإِمَام إِذا خطب قَالَ نعم(1/352)
قلت أَرَأَيْت الْأَذَان وَالْإِقَامَة مَتى هُوَ يَوْم الْجُمُعَة قَالَ إِذا صعد الإِمَام الْمِنْبَر أذن الْمُؤَذّن فَإِذا نزل أَقَامَ الصَّلَاة بعد فَرَاغه من الْخطْبَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يقْرَأ الْقُرْآن وَالْإِمَام يخْطب أتكره لَهُ ذَلِك قَالَ أحب إِلَيّ أَن يستمع وينصت قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة مَعَ الإِمَام ثمَّ ذكر أَن عَلَيْهِ صَلَاة الْفجْر قَالَ عَلَيْهِ أَن يقطع الْجُمُعَة وينصرف فَيبْدَأ فَيصَلي الْغَدَاة فَإِذا فرغ مِنْهَا دخل مَعَ الإِمَام فِي الْجُمُعَة إِن أدْركهُ فِي الصَّلَاة وَإِن لم يُدْرِكهُ صلى الظّهْر أَربع رَكْعَات وَالْجُمُعَة وَغَيرهَا فِي هَذَا سَوَاء أَلا ترى أَنه إِذا فَاتَتْهُ الْجُمُعَة كَانَت عَلَيْهِ الظّهْر وَالظّهْر فَرِيضَة فَلَيْسَ تفوته وَهَذَا قَول(1/353)
أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد إِذا خَافَ الرجل أَن تفوته الْجُمُعَة مَعَ الإِمَام صلى الْجُمُعَة ثمَّ قضى الصَّلَوَات الَّتِي ذكر بعد ذَلِك لِأَن الْجُمُعَة فَرِيضَة وَلَا تجزى إِلَّا مَعَ الإِمَام فتفوته إِذا فَاتَتْهُ مَعَ الإِمَام وَهُوَ قَول زفر قلت أَرَأَيْت إِن لم يقطع الْجُمُعَة وَلم ينْصَرف وَلكنه مضى عَلَيْهَا مَعَ الإِمَام حَتَّى فرغ مِنْهَا قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يُصَلِّي الْفجْر ثمَّ الظّهْر
قلت أَرَأَيْت رجلا زحمه النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَلم يسْتَطع أَن يرْكَع وَيسْجد حَتَّى سلم الإِمَام كَيفَ يصنع قَالَ يرْكَع رَكْعَة ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ يقوم فيمكث سَاعَة ثمَّ يرْكَع رَكْعَة أُخْرَى ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ يتَشَهَّد ثمَّ يسلم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ قد ركع مَعَ الإِمَام رَكْعَة قَالَ يسْجد لَهَا سَجْدَتَيْنِ ثمَّ يقوم فيركع الثَّانِيَة وَيسْجد لَهَا سَجْدَتَيْنِ ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم قلت فَهَل يقْرَأ فِيمَا يقْضى قَالَ لَا لِأَنَّهُ قد أدْرك أول الصَّلَاة وَقِرَاءَة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة قلت فَإِن قَامَ يقْضِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَلم يقم فِيهَا قدر مِقْدَار قِرَاءَة الإِمَام أَو لم يقم فِيهَا قَالَ يجْزِيه إِذا استتم قَائِما ثمَّ يرْكَع الرَّكْعَة الثَّانِيَة(1/354)
قلت أَرَأَيْت الرجل أحدث يَوْم الْجُمُعَة فخاف إِن ذهب يتَوَضَّأ أَن تفوته الْجُمُعَة هَل يجْزِيه أَن يتَيَمَّم وَيُصلي قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يتَوَضَّأ فَإِن لم يتَكَلَّم اعْتد بِمَا مضى من الْجُمُعَة وَصلى مَا بَقِي وَإِن تكلم اسْتقْبل الصَّلَاة فصلى الظّهْر أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا لَا يَسْتَطِيع أَن يشْهد الْجُمُعَة فصلى الظّهْر فِي بَيته أيصليها بِأَذَان وَإِقَامَة قَالَ إِن فعل فَحسن وَإِن لم يفعل أجزاه قلت أَرَأَيْت رجلا مَرِيضا لَا يَسْتَطِيع أَن يشْهد الْجُمُعَة فَيصَلي فِي بَيته الظّهْر ثمَّ وجد خفَّة فَأتى الْجُمُعَة فصلى مَعَ الإِمَام أيتها الْفَرِيضَة قَالَ الْجُمُعَة هِيَ الْفَرِيضَة قلت فَإِن وجد خفَّة حِين صلى الظّهْر فِي بَيته فَخرج وَهُوَ يُرِيد أَن يشْهد الْجُمُعَة فجَاء وَقد فرغ الإِمَام من الْجُمُعَة قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي الظّهْر أَربع رَكْعَات قلت لم وَقد صلى فِي بَيته قَالَ لِأَنَّهُ حِين خرج وَنوى أَن يشْهد الْجُمُعَة فقد بَطل مَا صلى فَإِذا لم يدْرك مَعَ الإِمَام الْجُمُعَة كَانَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي الظّهْر أَربع رَكْعَات وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا تنقض صلَاته إِلَّا أَن يدْخل فِي الْجُمُعَة(1/355)
قلت أَرَأَيْت إِن جَاءَ فَدخل مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة ثمَّ أحدث فَذهب فَتَوَضَّأ فجَاء وَقد فرغ الإِمَام قَالَ إِن لم يتَكَلَّم صلى رَكْعَتَيْنِ وَبنى على صلَاته وَإِن تكلم اسْتقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا صلى الظّهْر فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قدم الْمصر فَأتى الْجُمُعَة فصلى مَعَ الإِمَام الْجُمُعَة أيتها الْفَرِيضَة قَالَ الْجُمُعَة هِيَ الْفَرِيضَة أستحسن ذَلِك وأدع الْقيَاس قلت فَإِن كَانَ حِين قدم خرج وَهُوَ يُرِيد الْجُمُعَة فَانْتهى إِلَى الْمَسْجِد وَقد صلى الإِمَام قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي الظّهْر أَربع رَكْعَات إِن كَانَ من أَهلهَا وَإِن كَانَ مُسَافِرًا صلى رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن انْتهى إِلَى الإِمَام فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة فصلى مَعَه رَكْعَة ثمَّ أحدث فَذهب(1/356)
فَتَوَضَّأ فجَاء وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته قَالَ إِن لم يتَكَلَّم بنى على صَلَاة الإِمَام وَإِن تكلم اسْتقْبل الظّهْر
قلت أَرَأَيْت رجلا صَحِيحا صلى الظّهْر فِي أَهله وَلم يشْهد الْجُمُعَة فَلَمَّا فرغ من صلَاته بدا لَهُ أَن يشْهد الْجُمُعَة فجَاء فَدخل مَعَ الإِمَام فصلى مَعَه أيتها الْفَرِيضَة قَالَ الَّتِي أدْرك مَعَ الإِمَام هِيَ الْفَرِيضَة قلت فَإِن جَاءَ وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته قَالَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي الظّهْر أَربع رَكْعَات وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد صلَاته الأولى تَامَّة مَا لم يدْخل فِي الْجُمُعَة فَإِذا دخل فِي الْجُمُعَة بطلت الظّهْر الَّتِي صلى قلت أَرَأَيْت إِن انْتهى إِلَى الإِمَام حِين خرج من بَيته فَأدْرك مَعَه الصَّلَاة فأحدث فَذهب فَتَوَضَّأ وَجَاء وَقد فرغ الإِمَام قَالَ إِن لم يتَكَلَّم بنى على صَلَاة الإِمَام وَإِن كَانَ قد تكلم اسْتقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات قلت فَإِن كَانَ حِين دخل مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة صلى رَكْعَة ثمَّ ذكر أَنه لم يصل الْفجْر قَالَ يقطع الصَّلَاة وَيُصلي الْفجْر ثمَّ يدْخل مَعَ الإِمَام(1/357)
فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف قلت فَإِن فرغ من الْفجْر وَقد صلى الإِمَام قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات قلت فَإِن تمّ عَلَيْهَا مَعَ الإِمَام وَلم يقطعهَا حَتَّى فرغ من صلَاته قَالَ لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يبْدَأ فَيصَلي الْفجْر ثمَّ يسْتَقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت عبدا أَو مكَاتبا صلى فِي أَهله يَوْم الْجُمُعَة الظّهْر ثمَّ أعتق فَنوى حِين أعتق أَن يشْهد الْجُمُعَة فجَاء إِلَى الإِمَام فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة فصلى مَعَه رَكْعَتَيْنِ قَالَ تجزيه وَهِي الْفَرِيضَة قلت فَإِن جَاءَ وَقد صلى الإِمَام قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات قلت أَرَأَيْت إِن جَاءَ فَأدْرك مَعَ الإِمَام الصَّلَاة ثمَّ أحدث فَذهب فَتَوَضَّأ فجَاء وَقد فرغ الإِمَام قَالَ إِن لم يتَكَلَّم بنى على صلَاته وَإِن تكلم اسْتقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة صلت الظّهْر فِي بَيتهَا ثمَّ بدا لَهَا أَن تشهد الْجُمُعَة فَجَاءَت فَدخلت مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة فصلت مَعَه أَيَّتهمَا الْفَرِيضَة قَالَ الْجُمُعَة هِيَ الْفَرِيضَة قلت فَإِن جَاءَت وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته قَالَ عَلَيْهَا أَن تسْتَقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة قلت وَهِي فِي جَمِيع مَا ذكرت لَك بِمَنْزِلَة الرجل قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ أم الْوَلَد والمدبرة وَالْمُكَاتبَة إِذا أعتقت فَهِيَ فِي جَمِيع مَا ذكرت(1/358)
لَك سَوَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة فصلى بهم الإِمَام فَلم يفرغ من صلَاته حَتَّى دخل وَقت الْعَصْر قَالَ فَسدتْ صلَاتهم وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل بهم الظّهْر أَربع رَكْعَات وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما نَحن فنرى صلَاتهم تَامَّة إِذا كَانَ قد قعد قدر التَّشَهُّد قبل أَن يدْخل وَقت الْعَصْر وَإِن ضحك فِي هَذِه الْحَال كَانَ عَلَيْهِ الْوضُوء لصَلَاة أُخْرَى قلت فَإِن كَانَ الإِمَام ضحك فِي هَذِه الْحَال حَتَّى قهقه وَهُوَ يتَشَهَّد هَل عَلَيْهِ الْوضُوء بعد خُرُوج الْوَقْت لصَلَاة أُخْرَى قَالَ لَا قلت فَإِن دخل مَعَه رجل فِي الصَّلَاة على هَذِه الْحَال لم يكن دَاخِلا مَعَه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل الَّذِي لَا يُرِيد أَن يشْهد الْجُمُعَة وَلَيْسَ لَهُ عذر من مرض وَلَا غَيره مَتى يُصَلِّي الظّهْر قَالَ يُصليهَا حِين ينْصَرف الإِمَام من الْجُمُعَة قلت فَإِن صلى قبل ذَلِك قَالَ يجْزِيه(1/359)
قلت أَرَأَيْت الإِمَام يمر بِمصْر من الْأَمْصَار أَو بِمَدِينَة من الْمَدَائِن فَيجمع يَوْم الْجُمُعَة بِأَهْلِهَا وَهُوَ مُسَافر هَل يجزيهم قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن الإِمَام فِي هَذَا لَا يشبه غَيره أَلا ترى أَنه لَا تكون جُمُعَة إِلَّا بِإِمَام
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ من غير أَن يَأْمُرهُ الْأَمِير قَالَ لَا يجزيهم وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الظّهْر قلت فَإِن كَانَ الْأَمِير أمره بذلك أَو كَانَ خَليفَة الْأَمِير أَو صَاحب شرطة أَو القَاضِي قَالَ تجزيهم صلَاتهم
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا دخل مصرا من الْأَمْصَار فَشهد مَعَ أَهلهَا الْجُمُعَة هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم قلت لم وَهُوَ مُسَافر قَالَ إِذا دخل مَعَ قوم فِي الصَّلَاة صلى بصلاتهم أَلا ترى أَنه لَو دخل مَعَ مُقيم فِي الظّهْر كَانَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات أَو لَا ترى لَو أَن امْرَأَة أَو عبدا شهد الْجُمُعَة كَانَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ على وَاحِد مِنْهُمَا أَن يشْهد الْجُمُعَة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَفَزعَ النَّاس كلهم(1/360)
فَذَهَبُوا كلهم إِلَّا رجلا وَاحِدًا بَقِي مَعَه كم يُصَلِّي مَعَ الإِمَام قَالَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات إِلَّا أَن يبقي مَعَه ثَلَاثَة رجال سواهُ فَيصَلي بهم الْجُمُعَة وَذَلِكَ أدنى مَا يكون قلت فَإِن كَانَ مَعَه عبيد أَو رجال أَحْرَار قَالَ يُصَلِّي يهم الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن بَقِي مَعَه نسَاء لَيْسَ مَعَهُنَّ رجل قَالَ يُصَلِّي بِهن الظّهْر أَربع رَكْعَات قلت من أَيْن اخْتلف العبيد وَالنِّسَاء وَلَيْسَ على وَاحِد مِنْهُمَا الْجُمُعَة قَالَ لِأَن العبيد رجال وَلَيْسَ النِّسَاء كالرجال
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فصلى بهم رَكْعَة ثمَّ فزع النَّاس فَذَهَبُوا كلهم وَبَقِي وَحده كم يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ قلت فَإِن فزع النَّاس فَذَهَبُوا بعد مَا افْتتح الصَّلَاة قبل أَن يُصَلِّي رَكْعَة قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات وَلَا يبْنى على شَيْء من صلَاته وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يمْضِي على الْجُمُعَة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ افْتتح الْجُمُعَة فَلَا يُفْسِدهَا ذهَاب النَّاس عَنهُ وَلَو ذهب النَّاس عَنهُ قبل أَن يفْتَتح الْجُمُعَة كَانَ عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي الظّهْر أَربع رَكْعَات(1/361)
قلت أَرَأَيْت رجلا صلى مَعَ الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة فَلم يقدر على السُّجُود فَسجدَ على ظهر رجل هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم يجْزِيه إِذا كَانَ لَا يقدر على السُّجُود
قلت أَرَأَيْت من صلى الْجُمُعَة فِي الطاقات أَو فِي السدة هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت من صلى الْجُمُعَة فِي دَار الصيارفة هَل يجزيهم قَالَ إِن كَانَ فِي الطاقات قوم يصلونَ وَكَانَت الصُّفُوف مُتَّصِلَة أجزاهم ذَلِك وَإِن لم يكن فِيهَا أحد يُصَلِّي فَلَا تجزيهم صلَاتهم لِأَن بَينهم وَبَين الإِمَام طَرِيقا
قلت أَرَأَيْت إِذا صف الْقَوْم يَوْم الْجُمُعَة بَين الأساطين فِي الْجُمُعَة وَغَيرهَا هَل تكره ذَلِك قَالَ لَا أكره وَلَيْسَ بِهِ بَأْس
قلت أَرَأَيْت رجلا أدْرك مَعَ الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة رَكْعَة أَو أدْرك الإِمَام فِي التَّشَهُّد قبل أَن يسلم أَو بعد مَا تشهد قبل أَن يسلم أَو أدْركهُ(1/362)
بعد مَا سلم وَهُوَ فِي سَجْدَتي السَّهْو قَالَ أدْرك هَذَا مَعَه الصَّلَاة وَعَلِيهِ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
قلت أَرَأَيْت رجلا أحدث وَهُوَ خلف الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة فَانْفَتَلَ فَذهب وَتَوَضَّأ وَقد فرغ الإِمَام من صلَاته كَيفَ يصنع قَالَ إِن كَانَ قد تكلم اسْتقْبل الظّهْر أَربع رَكْعَات وَإِن لم يتَكَلَّم بنى على صلَاته(1/363)
حَتَّى يتم رَكْعَتَيْنِ
قلت أَرَأَيْت رجلا أدْرك الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ يتَشَهَّد أيصلي الْجُمُعَة قَالَ نعم قلت لم قَالَ أَرَأَيْت مُسَافِرًا دخل فِي صَلَاة مُقيم كم يُصَلِّي قلت يُصَلِّي صَلَاة مُقيم أَربع رَكْعَات قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء أَلا ترى لَو أَنه أدْرك مَعَ الإِمَام الصَّلَاة وَجَبت عَلَيْهِ صلَاته فَكيف يُصَلِّي غير صلَاته وَقد دخل فِي صلَاته ونواها وَقَالَ مُحَمَّد يُصَلِّي الْجُمُعَة أَرْبعا إِن لم يدْرك الرَّكْعَة الْآخِرَة وَهُوَ قَول زفر
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فِي وَقت الظّهْر اَوْ صلى الْجُمُعَة فِي وَقت الْعَصْر وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم غيم هَل تجزيهم صلَاتهم قَالَ لَا قلت فَإِن لم يخْطب حَتَّى ذهب وَقت الظّهْر ثمَّ خطب فِي وَقت الْعَصْر وَصلى الْجُمُعَة قَالَ لَا تجزيهم فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الظّهْر أَربع رَكْعَات
قلت أَرَأَيْت أَمِير عَسْكَر نزل بِالنَّاسِ فِي بَلْدَة وَهُوَ لَا يُرِيد براحا غير أَنه يسرح الْجنُود هَل عَلَيْهِ أَن يقصر الصَّلَاة قَالَ لَا قلت فَهَل عَلَيْهِ أَن يخْطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ قَالَ نعم(1/364)
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا خطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا فرغ من خطبَته قدم عَلَيْهِ أَمِير آخر أيصلي القادم بِخطْبَة الأول أم يُعِيد الْخطْبَة قَالَ إِن صلى بِخطْبَة الْأَمِير الأول صلى أَربع رَكْعَات وَإِن هُوَ خطب النَّاس صلى بهم رَكْعَتَيْنِ
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم أتكره لَهُم أَن يصلوا الظّهْر فِي جمَاعَة يَوْم الْجُمُعَة قَالَ نعم أكره لَهُم ذَلِك إِذا كَانُوا فِي مصر قلت وَكَذَلِكَ إِذا كَانُوا فِي سجن أَو محبس قَالَ نعم وَإِن صلوا أجزاهم
قلت أَرَأَيْت الإِمَام هَل يجْهر بِالْقِرَاءَةِ يَوْم الْجُمُعَة قَالَ نعم
قلت فَمن يجب عَلَيْهِ أَن يَأْتِي الْجُمُعَة قَالَ على أهل الْأَمْصَار(1/365)
قلت أفتجب على من كَانَ بزرارة أَو نَحْوهَا أَن يَأْتِي الْجُمُعَة بِالْكُوفَةِ قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ أهل الْحيرَة وَالْمَدينَة قَالَ نعم لَيْسَ تجب على هَؤُلَاءِ الْجُمُعَة
قلت أَرَأَيْت الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة أَهِي قبل الصَّلَاة أَو بعْدهَا قَالَ بل قبلهَا قلت فَإِن خطب بعْدهَا هَل تجزيهم قَالَ لَا قلت فَإِن صلى بهم الْجُمُعَة وخطب بعد ذَلِك قَالَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَن يُعِيدُوا الْجُمُعَة بعد الْخطْبَة(1/366)
قلت أَرَأَيْت رجلا أدْرك الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة وَقد ركع وَرفع رَأسه من الرُّكُوع فأحدث الإِمَام فَقدم هَذَا الرجل فَسجدَ بهم قَالَ يجزيهم قلت فَهَل يجزى هَذَا الْمُقدم قَالَ يجْزِيه من سَجْدَتَيْنِ وَلَا يحْتَسب بهما من صلَاته لِأَنَّهُ لم يدْرك الرُّكُوع وَلَكِن يَجْعَل السَّجْدَتَيْنِ تَطَوّعا وَيُصلي الرَّكْعَة الَّتِي سبقه الإِمَام بهَا قلت فَكيف أجزى من خَلفه وَلَا يجْزِيه قَالَ لِأَنَّهُ لَو كَانَ خلف الإِمَام كَانَ عَلَيْهِ أَن يسجدهما
قلت أَرَأَيْت مُسَافِرًا شهد الْجُمُعَة مَعَ الإِمَام فَأدْرك الْخطْبَة فَلَمَّا فرغ الإِمَام من خطبَته أحدث فقدمه قبل أَن يدْخل فِي الصَّلَاة فصلى الْمُسَافِر بِالنَّاسِ الْجُمُعَة أتجزيهم صلَاتهم قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ العَبْد قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الْمُسَافِر لم يشْهد الْخطْبَة مَعَ الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة(1/367)
إِلَّا أَنه حِين دخل الْمَسْجِد أحدث الإِمَام قبل أَن يدْخل فِي الصَّلَاة فقدمه كَيفَ يصنع قَالَ يُصَلِّي بهم الظّهْر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم ثمَّ يقوم النَّاس فيقضون رَكْعَتَيْنِ وحدانا بِغَيْر إِمَام
قلت أَرَأَيْت الإِمَام مَا يجب عَلَيْهِ أَن يقْرَأ فِي الْجُمُعَة قَالَ مَا قَرَأَ فَحسن وَيكرهُ أَن يُوَقت فِي ذَلِك وقتا قلت فأى سُورَة يَقْرَأها على الْمِنْبَر قَالَ مَا قَرَأَ فَحسن قلت فَإِن قَرَأَ على الْمِنْبَر سُورَة فِيهَا سَجْدَة أيسجدها وَيسْجد من مَعَه قَالَ نعم قلت فَإِن قَرَأَهَا فِي الصَّلَاة قَالَ يسجدها وَيسْجد من مَعَه قلت فَإِن لم يسجدها وَفرغ من صلَاته وَسلم هَل يسْجد النَّاس بعد ذَلِك قَالَ إِذا لم يسْجد الإِمَام فَلَا يسْجد من خَلفه قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام حِين قَرَأَ السَّجْدَة أحدث قبل أَن يسجدها فَقدم رجلا أينبغي لذَلِك الرجل الْمُقدم أَن يسجدها وَيسْجد مَعَه النَّاس قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْجَيْش يغزون أَرض الْحَرْب فيحاصرون مَدِينَة(1/368)
ويوطنون أنفسهم على إِقَامَة شهر هَل يجمع بهم إمَامهمْ قَالَ لَا قلت لم قَالَ لأَنهم مسافرون قلت فَإِن صلى بهم إمَامهمْ الْجُمُعَة قَالَ لَا تجزيهم وَعَلَيْهِم أَن يُعِيدُوا رَكْعَتَيْنِ لأَنهم مسافرون فَلَا يجزيهم أَن يصلوا الْجُمُعَة إِلَّا فِي مصر من الْأَمْصَار مَعَ الإِمَام
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى الْجُمُعَة بِالنَّاسِ فَلَمَّا فرغ من الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَامَ حَتَّى اسْتَوَى قَائِما قَالَ عَلَيْهِ أَن يقْعد ويتشهد وَيسلم وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو قلت فَإِن قَامَ فِي الظّهْر فِي الرَّابِعَة حَتَّى اسْتَوَى قَائِما هَل عَلَيْهِ أَن يقْعد فيتشهد وَيسلم ثمَّ يسْجد سَجْدَتي السَّهْو قَالَ نعم قلت فَإِن قَامَ فِي الظّهْر فِي الثَّانِيَة حَتَّى اسْتَوَى قَائِما قَالَ لَا يقْعد وَلكنه يمْضِي على صلَاته فَإِذا سلم سجد سَجْدَتي السَّهْو قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ لِأَن الْجُمُعَة إِنَّمَا هِيَ رَكْعَتَانِ وَقد تمت وَالظّهْر أَربع رَكْعَات لم تتمّ بعد فَإِذا اسْتَوَى فِي الثَّانِيَة قَائِما أَمرته أَن يمْضِي فِي صلَاته وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو إِذا فرغ من صلَاته قلت فَإِن لم يستو قَائِما وَلكنه نَهَضَ وَحين نَهَضَ ذكر قَالَ يقْعد فيتشهد وَيسلم فَإِذا فرغ من صلَاته سجد سَجْدَتي السَّهْو بعد ذَلِك إِن كَانَ فعل ذَلِك نَاسِيا وَإِن تعمد ذَلِك فقد(1/369)
أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا افْتتح الصَّلَاة تَطَوّعا وَهُوَ يَنْوِي أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات فَلَمَّا صلى الثَّانِيَة قَامَ فَذكر قبل أَن يستتم قَائِما قَالَ يقْعد فيفرغ من بَقِيَّة صلَاته وَعَلِيهِ سجدتا السَّهْو قلت فَإِن استتم قَائِما وَمضى على صلَاته هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ لَا يُرِيد أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات فَلَمَّا قعد فِي الثَّانِيَة نَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى اسْتَوَى قَائِما ثمَّ ذكر قَالَ يقْعد فيتشهد وَيسلم وَيسْجد سَجْدَتي السَّهْو قلت وَكَذَلِكَ لَو نَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ من الْوتر أَو الْمغرب فَهُوَ مثل مَا وصفت لَك فِي الظّهْر وَالْعصر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل أيحتبي يَوْم الْجُمُعَة فِي الْمَسْجِد قَالَ إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل
- بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ
-
قلت أَرَأَيْت الْعِيدَيْنِ هَل يجب فيهمَا الْخُرُوج على أهل الْقرى(1/370)
وَالْجِبَال والسواد قَالَ لَا إِنَّمَا يجب على أهل الْأَمْصَار والمدائن
قلت أَرَأَيْت الإِمَام يَوْم الْعِيد أيبدأ بِالْخطْبَةِ أَو بِالصَّلَاةِ قَالَ بل يبْدَأ بِالصَّلَاةِ فَإِذا فرغ خطب ثمَّ جلس جلْسَة خَفِيفَة ثمَّ(1/371)
يقوم فيخطب وَيقْرَأ فِي خطبَته بِسُورَة من الْقُرْآن قلت أفتحب للْقَوْم أَن يستمعوا وينصتوا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت صَلَاة الْعِيدَيْنِ هَل فيهمَا أَذَان وَإِقَامَة قَالَ لَيْسَ فيهمَا أَذَان وَلَا إِقَامَة
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِن بَدَأَ بِالْخطْبَةِ فَخَطب ثمَّ صلى بهم هَل تجزيهم صلَاتهم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت التَّكْبِير فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ كَيفَ هُوَ قَالَ يقوم الإِمَام فيكبر وَاحِدَة يفْتَتح بهَا الصَّلَاة ثمَّ يكبر بعْدهَا ثَلَاثًا فَإِذا كبر قَرَأَ بِفَاتِحَة الْقُرْآن وبسورة فَإِذا فرغ من الْقِرَاءَة كبر الْخَامِسَة(1/372)
فَرَكَعَ بهَا فَإِذا فرغ من رُكُوعه وَسُجُوده قَامَ فِي الثَّانِيَة فَبَدَا فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْقُرْآن وبسورة فَإِذا فرغ من الْقِرَاءَة كبر ثَلَاث تَكْبِيرَات ثمَّ يكبر الرَّابِعَة فيركع بهَا ثمَّ يسْجد فَإِذا فرغ تشهد وَسلم قلت(1/373)
فَهَل يرفع يَدَيْهِ فِي كل تَكْبِيرَة من هَذِه التسع تَكْبِيرَات قَالَ نعم قلت وَلَا يرفع يَدَيْهِ فِي تكبيرتين من هَذِه التسع وَإِنَّمَا يرفع فِي السَّبع مِنْهَا قَالَ نعم قلت فَأَيهمْ الَّتِي يرفع فِيهَا يَدَيْهِ قَالَ إِذا افْتتح الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ ثمَّ يكبر ثَلَاثًا فيرفع يَدَيْهِ ثمَّ يكبر الْخَامِسَة(1/374)
وَلَا يرفع يَدَيْهِ فَإِذا قَامَ فِي الثَّانِيَة وَقَرَأَ كبر ثَلَاث تَكْبِيرَات وَيرْفَع يَدَيْهِ ثمَّ يكبر الرَّابِعَة للرُّكُوع وَلَا يرفع يَدَيْهِ قلت وَالتَّكْبِير فِي الْفطر والأضحى وَالْخطْبَة وَالصَّلَاة سَوَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يفوتهُ الْعِيد هَل عَلَيْهِ أَن يُصَلِّي شَيْئا قَالَ إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل قلت فكم يُصَلِّي إِن أَرَادَ أَن يُصَلِّي قَالَ إِن شَاءَ أَربع رَكْعَات وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا خرج إِلَى الْجَبانَة أينبغي لَهُ أَن يخلف رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِد قَالَ إِن فعل فَحسن وَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ قلت فَإِن فعل كَيفَ يُصَلِّي بهم الرجل قَالَ يُصَلِّي بهم كَمَا يُصَلِّي الإِمَام فِي الْجَبانَة(1/375)
قلت أَرَأَيْت رجلا أحدث فِي الْجَبانَة يَوْم الْعِيد وَهُوَ مَعَ الإِمَام فخاف إِن رَجَعَ إِلَى الْكُوفَة أَن تفوته الصَّلَاة وَلَا يجد المَاء كَيفَ يصنع قَالَ يتَيَمَّم وَيُصلي مَعَ النَّاس قلت لم قَالَ لِأَن الْعِيدَيْنِ إِن فَاتَتْهُ لم يكن عَلَيْهِ صَلَاة وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ بِمَنْزِلَة الصَّلَاة على الْجِنَازَة أَلا ترى أَنه إِذا صلى على الْجِنَازَة فأحدث فَإِنَّهُ يتَيَمَّم وَيُصلي عَلَيْهَا فَكَذَلِك الْعِيد قلت فَإِن أحدث بعد مَا صلى رَكْعَة أيتيمم مَكَانَهُ ويمضي على صلَاته قَالَ نعم قلت فَإِن لم يتَيَمَّم وَلكنه انْصَرف إِلَى الْكُوفَة فَتَوَضَّأ ثمَّ عَاد إِلَى الْمصلى فَوجدَ الإِمَام قد صلى كَيفَ يصنع قَالَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاة الإِمَام وَيكبر كَمَا يكبر الإِمَام قلت فَهَل يقْرَأ فيهمَا قَالَ لَا قلت فَمَا شَأْنه يكبر وَلَا يقْرَأ قَالَ لِأَن قِرَاءَة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة وَلَا يكون تَكْبِير الإِمَام لَهُ تَكْبِيرا أَلا ترى أَن من خلف الإِمَام يكبرُونَ مَعَه وَلَا يقرأون فَهَذَا وَالَّذِي خَلفه سَوَاء وَلِأَنَّهُ قد أدْرك أول الصَّلَاة مَعَ الإِمَام وَهَذَا قَول أبي حنيفَة(1/376)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا دخل مَعَ إِمَام فِي الصَّلَاة متوضيا لم يجزه التَّيَمُّم لِأَن هَذَا لَا يفوتهُ الصَّلَاة وَهَذَا قَول زفر
قلت أَرَأَيْت الإِمَام هَل يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ بِشَيْء مَعْلُوم قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقْرَأ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} وَأَيّمَا سُورَة من الْقُرْآن(1/377)
قَرَأَهَا أجزته وَقد يكره أَن يتَّخذ الرجل شَيْئا من الْقُرْآن(1/378)
حتما حَتَّى لَا يقْرَأ فِي تِلْكَ الصَّلَاة غَيرهَا
قلت فَهَل قبل الْعِيدَيْنِ صَلَاة قَالَ لَا قلت فَهَل بعْدهَا صَلَاة قَالَ إِن شَاءَ صلى أَرْبعا وَإِن شَاءَ لم يصل
قلت أَرَأَيْت رجلا أدْرك الإِمَام فِي صَلَاة الْعِيد بعد مَا تشهد وَلم يسلم أَو أدْركهُ بَعْدَمَا سلم وَسجد سَجْدَتي السَّهْو فَدخل مَعَه ثمَّ سلم الإِمَام أيقوم الرجل فَيصَلي صَلَاة الْعِيد قَالَ نعم قلت وَيقْرَأ وَيكبر قَالَ نعم قلت فَكيف يكبر إِذا قَامَ يُصَلِّي إِذا أدْركهُ قَالَ يكبر ثَلَاث تَكْبِيرَات ثمَّ يقْرَأ فَاتِحَة الْقُرْآن وَسورَة ثمَّ يكبر(1/379)
الرَّابِعَة فيركع بهَا وَيسْجد ثمَّ يقوم فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَيقْرَأ بِفَاتِحَة الْقُرْآن وَسورَة ثمَّ يكبر أَربع تَكْبِيرَات ويركع فِي التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة قلت لم جعلت على هَذَا ثَمَانِي تَكْبِيرَات قَالَ لِأَنَّهُ كبر تَكْبِيرَة وَاحِدَة حِين افْتتح بهَا الصَّلَاة مَعَ الإِمَام فألقيت عَنهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَة
قلت أَرَأَيْت رجلا أدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة من الْعِيد فَلَمَّا سلم الإِمَام قَامَ يقْضِي كَيفَ يكبر قَالَ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْقُرْآن وبسورة ثمَّ يكبر أَربع تَكْبِيرَات يرْكَع بآخرهن
قلت أَرَأَيْت الإِمَام هَل يَنْبَغِي لَهُ أَن يكبر فِي الْعِيدَيْنِ أَكثر من تسع تَكْبِيرَات قَالَ مَا أحب لَهُ ذَلِك قلت فَإِن فعل هَل يضرّهُ(1/380)
من ذَلِك شَيْء قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا قَرَأَ السَّجْدَة يَوْم الْعِيد قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْجد وَيسْجد مَعَه أَصْحَابه قلت وَكَذَلِكَ لَو قَرَأَهَا وَهُوَ يخْطب قَالَ نعم يسجدها وَيسْجد مَعَه من سَمعهَا وَأما إِذا قَرَأَهَا فِي الصَّلَاة فسجدها سجدها مَعَه من سَمعهَا وَمن لم يسْمعهَا جَمِيع من مَعَه فِي الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت النِّسَاء هَل عَلَيْهِنَّ خُرُوج فِي الْعِيدَيْنِ قَالَ قد كَانَ يرخص لَهُنَّ فِي ذَلِك فَأَما الْيَوْم فَإِنِّي أكره لَهُنَّ ذَلِك قلت أفتكره لَهُنَّ أَن يشهدن الْجُمُعَة وَالصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فِي جمَاعَة قَالَ نعم قلت(1/381)
فَهَل ترخص لشَيْء مِنْهُنَّ قَالَ أرخص للعجوز الْكَبِيرَة أَن تشهد الْعشَاء وَالْفَجْر وَالْعِيدَيْنِ فَأَما غير ذَلِك فَلَا
قلت أَرَأَيْت العَبْد هَل يجب عَلَيْهِ أَن يشْهد الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ قَالَ إِن فعل فَحسن وَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ قلت فَهَل يَنْبَغِي لَهُ أَن يفعل دون أَن يَأْذَن لَهُ مَوْلَاهُ قَالَ لَا قلت فَهَل يَنْبَغِي للْمولى أَن يمنعهُ من ذَلِك أَو من الصَّلَاة فِي جمَاعَة قَالَ إِن فعل لم يضرّهُ ذَلِك شَيْئا(1/382)
قلت أَرَأَيْت السَّهْو فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة وَالصَّلَاة الْمَكْتُوبَة والتطوع أهوَ سَوَاء قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ السَّهْو فِي صَلَاة الْخَوْف قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمِنْبَر هَل يخرج فِي الْعِيدَيْنِ قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا كبر فِي الْعِيدَيْنِ أَكثر من تسع تَكْبِيرَات(1/383)
أينبغي لمن خَلفه أَن يكبروا مَعَه قَالَ نعم يتبعونه إِلَّا أَن يكبر مَا لَا يكبر أحد من الْفُقَهَاء وَمَا لم تَجِيء بِهِ الْآثَار
- بَاب التَّكْبِير فِي أَيَّام التَّشْرِيق
-
قلت أَرَأَيْت التَّكْبِير فِي أَيَّام التَّشْرِيق مَتى هُوَ وَكَيف هُوَ وَمَتى يبْدَأ وَمَتى يقطع قَالَ كَانَ عبد الله بن مَسْعُود يَبْتَدِئ بِهِ من صَلَاة الْغَدَاة يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من يَوْم النَّحْر وَكَانَ عَليّ ابْن أبي طَالب يكبر من صَلَاة الْغَدَاة يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق فَأَي ذَلِك مَا فعلت فَهُوَ حسن وَأما أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذهُ بقول ابْن مَسْعُود وَيكبر من صَلَاة الْغَدَاة يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة(1/384)
الْعَصْر من يَوْم النَّحْر وَلَا يكبر بعْدهَا وَأما أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُمَا يأخذان بقول عَليّ بن أبي طَالب
قلت فَكيف التَّكْبِير قَالَ إِذا سلم الإِمَام قَالَ الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد بلغنَا ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود
قلت فَمن صلى الْمَكْتُوبَة فِي جمَاعَة فِي مصر من الْأَمْصَار فَعَلَيْهِم أَن يكبروا فِي هَذِه الْأَيَّام قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ مَعَهم نسَاء قَالَ عَلَيْهِنَّ أَن يكبرن(1/385)
قلت أَرَأَيْت من صلى وَحده من المقيمين والمسافرين أَو النِّسَاء هَل عَلَيْهِم أَن يكبروا قَالَ لَا قلت فَهَل على الْمُسَافِرين أَن يكبروا قَالَ لَا قلت أَرَأَيْت من صلى التَّطَوُّع فِي جمَاعَة أَو صلى الْوتر هَل يكبر بعْدهَا قَالَ لَا قلت فَهَل على السوَاد أَن يكبروا قَالَ لَا قلت فَإِن صلوا فِي جمَاعَة قَالَ وَإِن صلوا فِي جمَاعَة فَلَا تَكْبِير عَلَيْهِم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد نرى التَّكْبِير على من صلى الْمَكْتُوبَة رجل أَو امْرَأَة أَو مُسَافر أَو مُقيم صلى وَحده أَو فِي جمَاعَة
قلت أَرَأَيْت الْمحرم يَوْم عَرَفَة إِذا صلى وَسلم أيبدأ بِالتَّكْبِيرِ أَو بِالتَّلْبِيَةِ قَالَ بل يبْدَأ بِالتَّكْبِيرِ ثمَّ يُلَبِّي قلت لم قَالَ لِأَن التَّكْبِير أوجبهما
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا كَانَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو أيكبر قبل أَن(1/386)
يسجدهما قَالَ لَا وَلكنه يسجدهما وَيسلم ثمَّ يكبر
قلت أَرَأَيْت رجلا سبقه الإِمَام بِرَكْعَة فِي أَيَّام التَّشْرِيق أيكبر مَعَ الإِمَام حِين يسلم أَو يقوم فَيَقْضِي قَالَ بل يقوم فَيَقْضِي فَإِذا سلم كبر قلت لم قَالَ لِأَن التَّكْبِير لَيْسَ من الصَّلَاة أَلا ترى لَو أَن رجلا دخل مَعَهم فِي التَّكْبِير يُرِيد الصَّلَاة لم يجزه ذَلِك قلت وَهَذَا لَا يشبه سَجْدَتي السَّهْو قَالَ لَا أَلا ترى أَن من دخل مَعَ الإِمَام فِي سَجْدَتي السَّهْو فقد دخل مَعَه فِي الصَّلَاة لِأَن سَجْدَتي السَّهْو من الصَّلَاة وَالتَّكْبِير لَيْسَ من الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِالنَّاسِ يَوْم الْعِيد فَلَمَّا صلى الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَامَ حَتَّى اسْتَوَى قَائِما وَهُوَ ساه كَيفَ يصنع قَالَ يقْعد ويتشهد وَيسلم(1/387)
ثمَّ يسْجد سَجْدَتي السَّهْو وَيسْجد من خَلفه مَعَه ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم قلت أَرَأَيْت إِن لم ينْهض الإِمَام وَلَكِن نَهَضَ رجل مِمَّن خلف الإِمَام ثمَّ ذكر بعد مَا استتم قَائِما قَالَ يقْعد ويتشهد مَعَ الإِمَام وَيسلم مَعَه وَلَا سَهْو عَلَيْهِ قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ على من خلف الإِمَام سَهْو إِذا لم يسه الإِمَام
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِالنَّاسِ فِي أَيَّام التَّشْرِيق فنسي أَن يكبر حَتَّى قَامَ من مَجْلِسه ذَلِك أَو خرج من الْمَسْجِد ثمَّ ذكر قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يكبر وعَلى من خَلفه التَّكْبِير قلت فَإِن ذكر قبل أَن يقوم من مَجْلِسه وَقبل أَن يخرج من الْمَسْجِد وَلم يتَكَلَّم أيكبر وَيكبر من مَعَه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِالنَّاسِ يَوْم الْعِيد فأحدث قَالَ يتَيَمَّم ويمضي على صلَاته لِأَن الْعِيد لَيْسَ كَغَيْرِهِ أَلا ترى أَنه خَارج من الْمصر وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَاء
قلت فَإِن قدم الإِمَام رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ بعد مَا أحدث الإِمَام(1/388)
وَقد قَرَأَ السَّجْدَة وَلم يكن سجدها حَتَّى أحدث هَل يسجدها هَذَا الإِمَام الثَّانِي قَالَ نعم يسجدها وَيسْجد مَعَه النَّاس قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام الثَّانِي لم يكن دَاخِلا فِي صَلَاة الْقَوْم وَلم يسمع السَّجْدَة فَلَمَّا قدمه الإِمَام كبر ينوى الدُّخُول فِي صَلَاة الْقَوْم أيسجدها وَيسْجد من مَعَه قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام الأول لما قَرَأَ السَّجْدَة نسي أَن يسجدها فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرْكَع أحدث فَقدم هَذَا هَل على الإِمَام الأول وعَلى من خَلفه سجدتا السَّهْو قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الصَّلَاة قبل الْعِيد هَل تكرهها قَالَ نعم قلت أفتكرهها بعد قَالَ لست أكره إِن شَاءَ صلى وَإِن شَاءَ لم يصل
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا خطب فِي الْعِيدَيْنِ هَل يجب على النَّاس أَن ينصتوا ويستمعوا كَمَا يجب عَلَيْهِم فِي الْجُمُعَة قَالَ نعم(1/389)
- بَاب صَلَاة الْخَوْف والفزع
-
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا كَانَ مَوَاقِف الْعَدو فِي أَرض الْحَرْب فَحَضَرت الصَّلَاة فَأَرَادَ أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ كَيفَ يُصَلِّي بهم قَالَ تقف طَائِفَة من النَّاس بِإِزَاءِ الْعَدو ويفتتح الإِمَام الصَّلَاة وَطَائِفَة مَعَه فصلى بالطائفة الَّذين مَعَه رَكْعَة وسجدتين فَإِذا فرغ مِنْهَا انفلتت الطَّائِفَة الَّذين مَعَ الإِمَام من غير أَن يتكلموا وَلَا يسلمُوا فيقفون بِإِزَاءِ الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى الَّتِي كَانُوا بِإِزَاءِ الْعَدو فَيدْخلُونَ مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة فَيصَلي بهم الإِمَام رَكْعَة أُخْرَى وسجدتين ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم الإِمَام إِذا فرغ من الصَّلَاة ثمَّ تقوم الطَّائِفَة الَّتِي مَعَ الإِمَام فَيَأْتُونَ مقامهم من غير أَن يتكلموا وَلَا يسلمُوا حَتَّى يقفوا بِإِزَاءِ الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الَّتِي كَانَت بازاء الْعَدو وهم الَّذين صلوا مَعَ الإِمَام الرَّكْعَة الأولى فَيَأْتُونَ مكانهم الَّذِي صلوا فِيهِ فيقضون رَكْعَة وسجدتين وحدانا بِغَيْر إِمَام(1/390)
وَلَا قِرَاءَة ويقعدون ويسلمون ثمَّ يقومُونَ فَيَأْتُونَ مقامهم ثمَّ تَأتي الطَّائِفَة الَّذين صلوا مَعَ الإِمَام الرَّكْعَة الثَّانِيَة فيقضون رَكْعَة وسجدتين بِقِرَاءَة بِغَيْر إِمَام ويتشهدون ويسلمون ثمَّ يقومُونَ فَيَأْتُونَ أَصْحَابهم فيقفون مَعَهم قلت وَلم يُصَلِّي بهم الإِمَام رَكْعَة رَكْعَة قَالَ لقَوْل الله تَعَالَى فِي كِتَابه {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك وليأخذوا أسلحتهم فَإِذا سجدوا فليكونوا من وَرَائِكُمْ ولتأت طَائِفَة أُخْرَى لم يصلوا فليصلوا مَعَك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم}
قلت أَرَأَيْت لَو كَانَ هَذَا الْعَدو فِي الْقبْلَة فاستطاع الإِمَام أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَمِيعًا وَيسْتَقْبل الْعَدو يفعل ذَلِك قَالَ إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ صلى كَمَا وصفت لَك قلت فَإِذا كَانَت الصَّلَاة صَلَاة الْمغرب كَيفَ يُصَلِّي بهم قَالَ يفْتَتح الصَّلَاة وَمَعَهُ طَائِفَة وَطَائِفَة بِإِزَاءِ الْعَدو فَيصَلي بالطائفة الَّذين مَعَه رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تقوم الطَّائِفَة فتأتي(1/391)
مقامهم فيقفون بازاء الْعَدو من غير أَن يتكلموا وَلَا يسلمُوا وَتَأْتِي الطَّائِفَة الَّتِي كَانُوا بِإِزَاءِ الْعَدو فَيدْخلُونَ مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة فَيصَلي بهم رَكْعَة ويتشهد وَيسلم ثمَّ تقوم الطَّائِفَة الَّتِي مَعَه من غير أَن يتكلموا وَلَا يسلمُوا فَيَأْتُونَ مقامهم فيقفون بِإِزَاءِ الْعَدو وتجيء الطَّائِفَة الَّتِي صلت مَعَ الإِمَام الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فَيَأْتُونَ مقامهم الَّذِي صلوا فِيهِ فيقضون رَكْعَة وسجدتين وحدانا بِغَيْر إِمَام وَلَا قِرَاءَة ويتشهدون ويسلمون ثمَّ يقومُونَ فَيَأْتُونَ مقامهم بِإِزَاءِ الْعَدو وتجيء الطَّائِفَة الَّتِي صلت مَعَ الإِمَام الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَيَأْتُونَ مقامهم الَّذِي صلوا فِيهِ فيقضون رَكْعَتَيْنِ(1/392)
بِقِرَاءَة وحدانا ويتشهدون ويسلمون ثمَّ يأْتونَ مقامهم فيقفون مَعَ أَصْحَابهم
قلت أَرَأَيْت إِذا كَانَ الإِمَام مُقيما فِي مصر أَو فِي مَدِينَة فَأَتَاهُ الْعَدو فَحَضَرت الصَّلَاة فصلى صَلَاة الْخَوْف هَل يقصر الصَّلَاة قَالَ لَا وَلكنه يُصَلِّي بهم صَلَاة مُقيم قلت وَكَيف يُصَلِّي بهم قَالَ يفْتَتح الصَّلَاة وَمَعَهُ طَائِفَة وَطَائِفَة بازاء الْعَدو فَيصَلي بهم رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تقوم الطَّائِفَة الَّتِي مَعَه فيذهبون فيقفون بازاء الْعَدو من غير أَن يتكلموا وَلَا يسلمُوا وَتَأْتِي الطَّائِفَة الَّتِي كَانَت بازاء الْعَدو فَيدْخلُونَ مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة فَيصَلي بهم رَكْعَتَيْنِ تَمام صلَاته ويتشهد وَيسلم ثمَّ تقوم الطَّائِفَة الَّتِي صلوا مَعَه الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَيَأْتُونَ مقامهم من غير أَن يتكلموا وَلَا يسلمُوا وَتَأْتِي الطَّائِفَة الَّتِي صلت مَعَ(1/393)
الإِمَام الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين فيقضون رَكْعَتَيْنِ وحدانا بِغَيْر قِرَاءَة ويتشهدون ويسلمون ثمَّ يقومُونَ مقامهم وَتَأْتِي الطَّائِفَة الَّذين صلوا مَعَ الإِمَام الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فيقضون وحدانا رَكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ ويتشهدون ويسلمون ثمَّ يقومُونَ فيقفون بازاء الْعَدو
قلت أَرَأَيْت الطَّائِفَة الَّذين صلوا مَعَ الإِمَام الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين لم يقضون بِغَيْر قِرَاءَة قَالَ لأَنهم أدركوا أول الصَّلَاة مَعَ الإِمَام الرَّكْعَتَيْنِ فقراءة الإِمَام لَهُم قِرَاءَة وَأما الَّذين أدركوا مَعَ الإِمَام الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا بُد لَهُم من الْقِرَاءَة فِيمَا يقضون لأَنهم لم يدركوا مَعَ الإِمَام أول الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن لم يقْرَأ الطَّائِفَة الَّذين أدركوا مَعَ الإِمَام الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَالَ لَا يجزيهم وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت إِن ائتم أحد مِمَّن ذكرت لَك فِيمَا يقْضِي صَاحبه قَالَ أما الإِمَام فَصلَاته تَامَّة وَأما الَّذين ائتموا بِهِ فصلاتهم فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة(1/394)
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْخَوْف فَسَهَا فِي صلَاته قَالَ السَّهْو فِي صَلَاة الْخَوْف وَفِي غَيرهَا سَوَاء قلت فَمَتَى يسْجد للسَّهْو قَالَ إِذا فرغ من صلَاته وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو وتسجد مَعَه الطَّائِفَة الَّتِي خَلفه ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم ثمَّ تقوم الطَّائِفَة الَّتِي خَلفه فَيَأْتُونَ مقامهم فيقفون بازاء الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى فيقضون رَكْعَة وحدانا فَإِذا سلمو سجدوا سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ يتشهدون ويسلمون ثمَّ يأْتونَ مقامهم وَتَأْتِي الطَّائِفَة الَّتِي بازاء الْعَدو فيقضون رَكْعَة وحدانا وَلَا يَسْجُدُونَ للسَّهْو لأَنهم قد سجدوا مَعَ الإِمَام قلت فَإِن سَهَا رجل من الَّذين سجدوا مَعَ الإِمَام فِيمَا يقْضِي قَالَ عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو
قلت فَإِن سَهَا رجل من الَّذين لم يسجدوا مَعَ الإِمَام فِيمَا يقضون هَل عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو قَالَ لَا قلت لم قَالَ لأَنهم خلف الإِمَام أَلا ترى أَنهم يقضون الرَّكْعَة بِغَيْر قِرَاءَة وَلَا سَهْو على من خلف الإِمَام وَلَكنهُمْ يَسْجُدُونَ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا على الإِمَام
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة السَّجْدَة فسجدها بالطائفة الَّتِي مَعَه ثمَّ جَاءَت الطَّائِفَة الَّذين صلوا مَعَ الإِمَام أول رَكْعَة(1/395)
أيسجدون تِلْكَ السَّجْدَة قَالَ نعم قلت لم وَلم يسمعوها قَالَ لأَنهم قد أدركوا مَعَ الإِمَام أول الصَّلَاة فَعَلَيْهِم مَا على الإِمَام أَلا ترى لَو أَن رجلا نَام خلف الإِمَام فِي صَلَاة الْغَدَاة فَقَرَأَ الإِمَام السَّجْدَة ثمَّ اسْتَيْقَظَ الرجل بعد ذَلِك أَنه يَنْبَغِي لَهُ أَن يسْجد ثمَّ يرفع رَأسه فيصنع كَمَا يصنع الإِمَام وَهُوَ لم يسمع السَّجْدَة فَكَذَلِك هَذَا
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِقوم صَلَاة الْخَوْف فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة أحدث وَمَعَهُ الطَّائِفَة الَّذين لم يدركوا مَعَه أول الصَّلَاة كَيفَ يصنع قَالَ يقدم رجلا مِنْهُم فَيصَلي بهم تِلْكَ الرَّكْعَة فَإِذا تشهد تنحى من غير أَن يسلم ثمَّ انْفَتَلَ الْقَوْم جَمِيعًا فَقَامُوا بازاء الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الَّتِي أدْركْت أول الصَّلَاة فيقضون رَكْعَة وحدانا فَإِذا فرغوا أَتَوا مقامهم ثمَّ تَأتي الطَّائِفَة الَّذين أدركوا الرَّكْعَة الثَّانِيَة فيقضون رَكْعَة وحدانا قلت أَرَأَيْت الإِمَام الثَّانِي لما تقدم سَهَا فِي صلَاته كَيفَ يصنع(1/396)
قَالَ إِذا فرغ من تِلْكَ الرَّكْعَة تشهد وَتَنَحَّى من غير أَن يسلم وَلَا يسْجد فَيقومُونَ فَيَأْتُونَ مقامهم بِإِزَاءِ الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الَّذين أدركوا أول الصَّلَاة فيقضون رَكْعَة وحدانا فَإِذا تشهدوا وسلموا سجدوا سَجْدَتي السَّهْو فَإِذا فرغوا جَاءَت الطَّائِفَة الَّذين أدركوا الرَّكْعَة الثَّانِيَة فيقضون رَكْعَة وحدانا فَإِذا فرغوا وسلموا سجدوا سَجْدَتي السَّهْو
قلت أَرَأَيْت إِن حمل الْعَدو على الطَّائِفَة الأولى بعد مَا صلوا الرَّكْعَة الأولى وَقَامُوا بإزائهم فقاتلوهم قَالَ صلَاتهم فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الْعَدو إِنَّمَا حملُوا على الإِمَام وعَلى من خَلفه وَالْإِمَام وَمن خَلفه فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فقاتلوهم قَالَ صَلَاة الإِمَام وَصَلَاة من مَعَه وَصَلَاة الَّذين صلوا مَعَه الرَّكْعَة الأولى كلهم فَاسِدَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا فَسدتْ صَلَاة الإِمَام فَسدتْ صَلَاة من خَلفه وَالَّذين صلوا مَعَه الرَّكْعَة الأولى فهم خلف الإِمَام أَلا ترى أَنهم يقضون الرَّكْعَة بِغَيْر قِرَاءَة قلت لم أفسدت(1/397)
صَلَاة الإِمَام قَالَ لِأَنَّهُ قَاتل والقتال عمل فِي الصَّلَاة يُفْسِدهَا
قلت أَرَأَيْت رجلا يخَاف الْعَدو فَلَا يَسْتَطِيع النُّزُول عَن دَابَّته أيسعه أَن يُصَلِّي على دَابَّته وَهُوَ يسير حَيْثُ تَوَجَّهت يومي إِيمَاء وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا لَا يَسْتَطِيع أَن يقوم من خوف الْعَدو فَهَل يَسعهُ أَن يُصَلِّي قَاعِدا يومي إِيمَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم إِذا كَانُوا يُقَاتلُون الْعَدو فَحَضَرت الصَّلَاة هَل يصلونَ وهم فِي تِلْكَ الْحَال يقتتلون قَالَ لَا يصلونَ على تِلْكَ الْحَال وَلَكنهُمْ يدعونَ الصَّلَاة حَتَّى ينْصَرف عَنْهُم الْعَدو قلت فَإِن قَاتلهم(1/398)
الْعَدو حَتَّى ذهب وَقت صَلَاة أَو صَلَاتَيْنِ أَو ثَلَاثَة هَل يكفون عَن تِلْكَ الصَّلَاة قَالَ نعم قلت فَإِذا انْصَرف عَنْهُم الْعَدو قضوا مَا فاتهم قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الْعَدو لَا يقاتلونهم حَتَّى إِذا دخلُوا فِي الصَّلَاة أقبل الْعَدو نحوهم فَرَمَاهُمْ الْمُسلمُونَ بِالنَّبلِ والنشاب هَل يقطع هَذَا صلَاتهم قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا عمل فِي الصَّلَاة يُفْسِدهَا وَهَذَا والمسابقة سَوَاء وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل يخَاف السَّبع فَلَا يَسْتَطِيع النُّزُول عَن دَابَّته هَل يَسعهُ أَن يُصَلِّي على دَابَّته يومي إِيمَاء وَيجْعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ دَابَّته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يكونُونَ بِإِزَاءِ الْعَدو وهم يخَافُونَ هَل يصلونَ على الدَّوَابّ جمَاعَة كَمَا وصفت لَك قَالَ لَا(1/399)
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِن صلى بطَائفَة مِنْهُم وهم على الأَرْض فَلَمَّا صلى بهم الرَّكْعَة الأولى قَامَت الطَّائِفَة الَّتِي مَعَه فَرَكبُوا الْخَيل ثمَّ سَارُوا حَتَّى وقفُوا بِإِزَاءِ الْعَدو هَل تفْسد صلَاتهم قَالَ نعم وَهَذَا عمل فِي الصَّلَاة يُفْسِدهَا قلت فَإِن لم يركبُوا وَلَكنهُمْ مَشوا مشيا قَالَ صلَاتهم تَامَّة وَالْمَشْي لَا يفْسد الصَّلَاة هَهُنَا قلت من أَيْن اخْتلف الْمَشْي وَالرُّكُوب قَالَ لِأَن الْمَشْي لَا بُد مِنْهُ لأَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يقومُوا بازاء الْعَدو حَتَّى يمشوا وَالرُّكُوب مِنْهُ بُد
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْخَوْف فأحدث فِي الرَّكْعَة الأولى فَقدم رجلا كَيفَ يُصَلِّي بهم قَالَ يُصَلِّي بهم كَمَا يُصَلِّي الإِمَام الأول لَو لم يحدث على مَا وصفت لَك قلت أَرَأَيْت إِن تقدم الإِمَام الثَّانِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ بعد مَا أحدث الإِمَام الأول فقاتل الْعَدو هُوَ وَالَّذين(1/400)
مَعَه قَالَ صلَاته وَصَلَاة الْقَوْم وَصَلَاة الإِمَام الأول فَاسِدَة لِأَن الثَّانِي قد صَار إِمَامًا للْأولِ أَلا ترى أَن الأول يبْنى على صلَاته وتجزيه قِرَاءَة هَذَا الإِمَام الثَّانِي فَإِذا قَاتل هَذَا الإِمَام الثَّانِي فَسدتْ صلَاتهم
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْخَوْف وَالْإِمَام مُسَافر وَطَائِفَة من النَّاس مسافرون وَطَائِفَة مِنْهُم مقيمون كَيفَ يُصَلِّي بهم قَالَ يُصَلِّي بالطائفة الأولى رَكْعَة ثمَّ ينفتلون من غير أَن يسلمُوا وَلَا يتكلموا فَيَأْتُونَ حَتَّى يقفوا بازاء الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَيصَلي بهم رَكْعَة أُخْرَى ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم ثمَّ ينفتلون من غير أَن يسلمُوا وَلَا يتكلموا فيقفون بازاء الْعَدو ثمَّ تَأتي الطَّائِفَة الأولى فَمن كَانَ مِنْهُم مُسَافِرًا قضى رَكْعَة وَتشهد وَسلم وَمن كَانَ مِنْهُم مُقيما قضي ثَلَاث رَكْعَات وتشهدوا وسلموا فَإِذا فرغوا من صلَاتهم قَامُوا فوقفوا بِإِزَاءِ الْعَدو وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَمن كَانَ مِنْهُم مُسَافِرًا قضى رَكْعَة وَتشهد وَسلم وَمن كَانَ مِنْهُم مُقيما قضى ثَلَاث رَكْعَات(1/401)
وَتشهد وَسلم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام نَفسه مُقيما فصلى بهم قَالَ يصلونَ أَجْمَعُونَ صَلَاة مقيمين كَمَا وصفت لَك صَلَاة الْخَوْف
قلت أَرَأَيْت قوما مواقفي الْعَدو لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن ينزلُوا عَن دوابهم كَيفَ يصنعون قَالَ يصلونَ على دوابهم يومون إِيمَاء قلت فَإِن أمّهم بَعضهم فصلى بهم جمَاعَة وهم على دوابهم يومون إِيمَاء هَل تجزيهم صلَاتهم قَالَ لَا قلت فَكيف يصلونَ قَالَ يصلونَ وحدانا بِغَيْر إِمَام ويجعلون السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يكونُونَ فِي السفن فِي الْبَحْر يُقَاتلُون الْعَدو كَيفَ يصلونَ قَالَ يصلونَ كَمَا يصلونَ فِي الْبر
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يخَافُونَ الْعَدو فصلوا صَلَاة الْخَوْف على مَا وصفت لَك وَلم يعاينوا الْعَدو قَالَ أما الإِمَام فتجزيه صلَاته وَأما الْقَوْم فَلَا تجزيهم صلَاتهم قلت فَإِن رَأَوْا سوادا فظنوا أَنه(1/402)
الْعَدو فصلوا صَلَاة الْخَوْف على مَا وصفت لَك فَإِذا ذَلِك السوَاد إبل أَو بقر أَو شِيَاه قَالَ أما الإِمَام فتجزيه صلَاته وَأما الْقَوْم فَلَا تجزيهم لِأَن مشيهم وَاخْتِلَافهمْ عمل يقطع الصَّلَاة قلت فَإِن كَانَ ذَلِك السوَاد عدوا قَالَ صلَاتهم جَمِيعًا تَامَّة وَالله أعلم والموفق
- بَاب غسل الشَّهِيد وَمَا يصنع بِهِ
-
قلت أَرَأَيْت الشَّهِيد هَل يغسل قَالَ إِذا قتل فِي المعركة لم يغسل وَإِذا حمل من المعركة فَمَاتَ فِي بَيته أَو فِي أَيدي الرِّجَال غسل وحنط(1/403)
وصنع بِهِ مَا يصنع بِالْمَيتِ من الْكَفَن وَغَيره قلت فَإِذا قتل فِي المعركة هَل يُكفن قَالَ يُكفن فِي ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ غير أَنه ينْزع عَنهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ من السِّلَاح أَو فرو أَو حَشْو أَو جلد أَو خُفَّيْنِ أَو منْطقَة أَو قلنسوة ويحنط إِن شاؤا قلت فَهَل يُزَاد فِي كَفنه شَيْء أَو ينْزع مِنْهُ شَيْء قَالَ إِن أَحبُّوا فعلوا
قلت أَرَأَيْت من قتل فِي المعركة بسلاح أَو بعصا أَو بِحجر أَو قَصَبَة أَو غير ذَلِك أهوَ وَالَّذِي يقتل بِالسِّلَاحِ سَوَاء وَلَا يغسل قَالَ نعم(1/404)
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا وجد الرجل فِي المعركة وَبِه أثر جِرَاحَة فَهُوَ شَهِيد وَلَا يغسل وَإِن لم يكن بِهِ أثر جِرَاحَة فَهُوَ ميت وَيغسل وَقَالَ إِذا خرج الدَّم من أَنفه أَو دبره أَو ذكره فَإِنَّهُ يغسل وَإِذا خرج من أُذُنه أَو عينه فانه لَا يغسل
قلت أَرَأَيْت رجلا قطع عَلَيْهِ الطَّرِيق فَقتل دون مَاله قَالَ يصنع بِهِ مَا يصنع بالشهيد
قلت أَرَأَيْت من قتل فِي الْمصر بسلاح هَل يغسل قَالَ إِذا قتل مَظْلُوما فَهُوَ بِمَنْزِلَة الشَّهِيد وَلَا يغسل قلت فَمن قتل مَظْلُوما فِي الْمصر بِغَيْر سلَاح قَالَ هَذَا يغسل وَلَا يشبه هَذَا عِنْدِي الَّذِي يقتل بِالسِّلَاحِ أَو فِي الْحَرْب أَلا ترى أَنه لَا قصاص فِيهِ وَأَن على عَاقِلَة قَاتله الدِّيَة(1/405)
قلت أَرَأَيْت رجلا قتل فِي الْمصر بسلاح فِي قصاص أَو قتل وَهُوَ ظَالِم عدا على قوم وكابرهم فَقَتَلُوهُ هَل يغسل قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت المرجوم فِي الزِّنَا والمقتص مِنْهُ بِالْقَتْلِ والمحدود الَّذِي يَمُوت تَحت السِّيَاط أَو الَّذِي يضْرب فِي التَّعْزِير هَل يغسلون قَالَ نعم هَؤُلَاءِ كلهم يغسلون ويكفنون ويحنطون وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَة مَا وصفت لَك أَلا ترى أَنهم مَاتُوا فِي حق وَاجِب عَلَيْهِم
قلت أَرَأَيْت الَّذِي يَأْكُلهُ السَّبع أَو يتردى من الْجَبَل أَو يُوجد قَتِيلا فِي الْقَبِيلَة لَا يدْرِي أمظلوم هُوَ أَو ظَالِم قتل بسلاح أَو غَيره أَو الَّذِي يسْقط عَلَيْهِ الْحَائِط أَو الَّذِي يَمُوت فِي الْبِئْر هَل يغسل هَؤُلَاءِ قَالَ نعم يغسل هَؤُلَاءِ كلهم ويصنع بهم مَا يصنع بالموتى
قلت أَرَأَيْت الْمحرم والمحرمة تَمُوت هَل يصنع بهما مَا يصنع بِالْمَيتِ(1/406)
الْحَلَال من الْكَفَن والحنوط وَالْغسْل ويغطي وَجهه وَرَأسه قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا مَاتَ فقد ذهب عَنهُ إِحْرَامه قَالَ بلغنَا ذَلِك عَن عَائِشَة أَلا ترى أَنه يدْفن والدفن أَشد من تَغْطِيَة الْوَجْه(1/407)
قلت أَرَأَيْت الطَّائِفَتَيْنِ يقتتلون إِحْدَاهمَا باغية وَالْأُخْرَى عادلة كَيفَ يصنع بِأَهْل الْعدْل بقتلاهم قَالَ يصنع بهم مَا يصنع بِالشُّهَدَاءِ قلت أَرَأَيْت أهل الْحَرْب يغيرون على الْقرْيَة من قرى الْإِسْلَام فيقتتلون الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان هَل يغسل أحد مِنْهُم قَالَ أما الرِّجَال وَالنِّسَاء فَلَا يغسلون ويصنع بهم مَا يصنع بالشهيد لِأَن الْقَتْل كَفَّارَة وَأما الْولدَان الَّذين لَيست لَهُم ذنُوب يكفرهَا الْقَتْل فانهم يغسلون وَهَذَا(1/408)
قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما أَنا فَأرى أَن يصنع بالولدان مَا يصنع بِالشُّهَدَاءِ فَلَا يغسلون لِأَنَّهُ إِذا لم يكن لَهُم ذنُوب فَذَلِك أطهر لَهُم وَأَحْرَى أَن يَكُونُوا شُهَدَاء
قلت أَرَأَيْت الْقَتِيل يُوجد مِنْهُ يَد أَو رجل وَلَا يُوجد مِنْهُ بَقِيَّة جسده هَل يغسل ويكفن وَيُصلي عَلَيْهِ قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ من وجد مِنْهُ يدان أَو رجلَانِ أَو رَأسه وَلم يُوجد مِنْهُ الْبدن قَالَ نعم قلت فَإِن وجد أقل من نصف بدنه وَلَيْسَ مَعَه رَأس هَل يغسل ويكفن وَيُصلي عَلَيْهِ قَالَ لَا قلت فَإِن وجد أقل من نصف الْبدن وَفِيه الرَّأْس هَل يغسل ويكفن وَيُصلي عَلَيْهِ قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن(1/409)
وجد مشقوقا نِصْفَيْنِ طولا وَوجد أحد النصفين وَلم يُوجد الآخر هَل يُصَلِّي عَلَيْهِ ويصنع بِهِ مَا يصنع بِالْمَيتِ قَالَ لَا قلت فَإِن وجد نصف الْبدن سَوَاء لَيْسَ مَعَه رَأس قَالَ لَا يغسل وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ قلت أَرَأَيْت مَا كَانَ من هَذَا مِمَّا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ أيدفن قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الشَّهِيد الَّذِي لَا يغسل أيصلي عَلَيْهِ كَمَا يُصَلِّي على الْمَيِّت قَالَ نعم بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صلى على قَتْلَى أحد(1/410)
قلت أَرَأَيْت أهل بَيت يسْقط عَلَيْهِم الْبَيْت فيموتون جَمِيعًا وهم مُسلمُونَ إِلَّا أَن إنْسَانا وَاحِدًا فيهم كَافِر لَا يعرف فَكيف يصنع بهم قَالَ يغسلون جَمِيعًا ويحنطون ويكفنون وَيُصلي عَلَيْهِم وينوون بِالدُّعَاءِ الْمُسلمين وَلَا ينوون الْكَافِر بِالدُّعَاءِ قلت أرايت الرجل الْمُسلم يكون فِي الْمَوْتَى من الْكفَّار لَا يعرف أَيهمْ الْمُسلم هَل يُصَلِّي على أحد مِنْهُم قَالَ لَا قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ إِذا كَانُوا مُسلمين فيهم الْكَافِر أَو الِاثْنَان استحسنت الصَّلَاة عَلَيْهِم وَإِذا كَانُوا كفَّارًا فيهم مُسلم وَاحِد أَو اثْنَان لم أصل على وَاحِد مِنْهُم إِلَّا أَن أعرفهُ بِالْإِسْلَامِ(1/411)
قلت أَرَأَيْت يَد الْمُسلم أَو رجله إِذا وجدناها لم لَا تصلي عَلَيْهَا قَالَ لِأَنَّهَا لَيست ببدن كَامِل وَلَو صليت على يَده وَرجله لصليت على سنه إِذا وجدناها وَلَو وجدت أَيْضا يَد مطروحة لم أدر لَعَلَّ صَاحبهَا حَيّ قلت فَإِن علمت أَن صَاحبهَا ميت هَل تصلي عَلَيْهَا قَالَ لَا لست أُصَلِّي إِلَّا على الْبدن
قلت أَرَأَيْت رجلا مَاتَ فَلم يدر أمسلم هُوَ أم كَافِر هَل يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ قَالَ إِن كَانَ فِي مصر من أَمْصَار الْمُسلمين أَو مَدِينَة من مدائنهم أَو قَرْيَة من قراهم وَكَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسلمين غسل وَصلى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فِي قَرْيَة من قرى أهل الْكفْر وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسلمين لم يغسل وَلم يصل عَلَيْهِ(1/412)
قلت أَرَأَيْت رجلا مُسلما هَل يغسل أَبَاهُ وَهُوَ كَافِر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ كل ذِي رحم محرم مِنْهُ قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُسلم هَل يدْفن أَبَاهُ وَهُوَ كَافِر قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ الْمَيِّت هُوَ الابْن وَهُوَ مُسلم وَأَبوهُ كَافِر هَل يدْخل أَبوهُ مَعَ الْمُسلمين فِي الْقَبْر قَالَ أكره لَهُ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت حمل الْجِنَازَة وَالْمَشْي بهَا كَيفَ هُوَ قَالَ حملهَا من جوانبها الْأَرْبَع يبْدَأ بالأيمن الْمُقدم ثمَّ الْأَيْمن الْمُؤخر ثمَّ الْأَيْسَر الْمُقدم ثمَّ الْأَيْسَر الْمُؤخر قلت فَإِذا حملت جَانب السرير الْأَيْسَر فَذَلِك(1/413)
يَمِين الْمَيِّت قَالَ نعم قلت فالمشي قَالَ لَيْسَ فِي الْمَشْي شَيْء موقت غير أَن العجلة أحب إِلَيّ من الإبطاء بهَا قلت أَرَأَيْت الْمَشْي قدامها قَالَ لَا بَأْس بذلك وَالْمَشْي خلفهَا أحب إِلَيّ
قلت أَرَأَيْت رجلا سبق جَنَازَة ثمَّ قعد ينتظرها أَو يكون على دَابَّة فيسبقها ثمَّ يقف فينتظرها قَالَ الْمَشْي وَالسير مَعهَا أحب إِلَيّ
قلت أَرَأَيْت الْجِنَازَة إِذا انْتهى بهَا إِلَى الْقَبْر أتكره للْقَوْم أَن يجلسوا قبل أَن يوضع الْمَيِّت فِي اللَّحْد قَالَ إِذا وضعت الْجِنَازَة على الأَرْض فَلَا بَأْس بِالْجُلُوسِ قلت لم قَالَ أَرَأَيْت لَو انْتهى بهَا(1/414)
إِلَى الْقَبْر وَلم يلْحد بعد وَلم يفرغ مِنْهُ أيقوم الْقَوْم حَتَّى يفرغ من اللَّحْد وَغَيره قلت لَا قَالَ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَلَا بَأْس بِالْجُلُوسِ إِذا وضعت بِالْأَرْضِ وَإِنَّمَا أكره الْجُلُوس قبل أَن تُوضَع عَن مناكب الرِّجَال بِالْأَرْضِ
قلت أَرَأَيْت الصَّلَاة على الْجِنَازَة بالجبانة وَفِي الدّور أهوَ سَوَاء قَالَ أَي ذَلِك فعلوا فَحسن
قلت أَرَأَيْت الرجل يغسل الْمَيِّت أيغتسل نَفسه قَالَ لَا قلت فَإِن أَصَابَهُ من ذَلِك المَاء شَيْء قَالَ يغسلهُ
قلت أَرَأَيْت جَنَازَة الصَّبِي هَل تكره أَن تحمل على الدَّابَّة قَالَ يحملهَا الرِّجَال أحب إِلَيّ
قلت أَرَأَيْت الْمَوْلُود الَّذِي يُولد مَيتا هَل يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ قَالَ لَا قلت فَإِن ولد حَيا ثمَّ مَاتَ قَالَ يصنع بِهِ مَا يصنع بِالْمَيتِ(1/415)
قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ غير تَامّ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل الْجنب يقتل شَهِيدا هَل يغسل قَالَ نعم لِأَن الْأَثر جَاءَ بِأَن الْمَلَائِكَة غسلت حَنْظَلَة وَلم يغسل أحد مِمَّن قتل يَوْمئِذٍ غير ذَلِك لِأَن حَنْظَلَة كَانَ جنبا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأما قَول(1/416)
أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُ لَا يغسل جنبا كَانَ أَو غير جنب لِأَن بنى آدم لم تغسل حَنْظَلَة رَضِي الله عَنهُ
- بَاب غسل الْمَيِّت من الرِّجَال وَالنِّسَاء
-
قلت أَرَأَيْت الْمَيِّت كَيفَ يغسل قَالَ حَدثنَا أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ يجرد الْمَيِّت وَيُوضَع على تخت ويطرح على عَوْرَته خرقَة ثمَّ يوضأ وضوءه للصَّلَاة فَيبْدَأ(1/417)
بميامنه وَلَا يمضمض وَلَا يستنشق ثمَّ يغسل رَأسه ولحيته بالخطمى وَلَا يسرح ثمَّ يوضع على شقَّه الْأَيْسَر فَيغسل بِالْمَاءِ القراح حَتَّى ينقيه وَيرى أَن المَاء قد خلص إِلَى مَا يَلِي التخت مِنْهُ وَقد أمرت(1/418)
قبل ذَلِك بِالْمَاءِ فأغلى بالسدر فَإِن لم يكن سدر فحرض فَإِن لم يكن وَاحِد مِنْهُمَا أجزاك المَاء القراح ثمَّ تضجعه على شقة الْأَيْمن فتغسله بذلك المَاء حَتَّى تنقيه وَترى أَن المَاء قد خلص إِلَى مَا يَلِي التخت مِنْهُ ثمَّ تقعده فتسنده إِلَيْك فتمسح بَطْنه مسحا رَفِيقًا فَإِن سَالَ مِنْهُ شَيْء غسلته ثمَّ أضجعه على شقَّه الْأَيْسَر فاغسله بِالْمَاءِ القراح حَتَّى تنقيه وَترى أَن المَاء قد خلص إِلَى مَا يَلِي التخت مِنْهُ ثمَّ تنشفه فِي ثوب وَقد أمرت قبل ذَلِك بأكفانه وسريره فأجمرت وترا ثمَّ تبسط اللفافة بسطا(1/419)
وَهِي الرِّدَاء طولا ثمَّ تبسط الْإِزَار عَلَيْهَا طولا فَإِن كَانَ لَهُ قَمِيص ألبسته إِيَّاه فَإِن لم يكن لَهُ قَمِيص لم يضرّهُ ثمَّ تضع الحنوط فِي لحيته وَرَأسه وتضع الكافور على مساجده وَإِن لم يكن كافور لم يضرّهُ ثمَّ تعطف الْإِزَار عَلَيْهِ من قبل شقَّه الْأَيْسَر على رَأسه وَسَائِر جسده ثمَّ تعطفه من قبل شقَّه الْأَيْمن كَذَلِك ثمَّ تعطف اللفافة عَلَيْهِ وَهِي الرِّدَاء كَذَلِك فَإِن خفت أَن ينتشر عَلَيْهِ أَكْفَانه عقدته ثمَّ تَجْعَلهُ على سَرِيره وَلَا يتبع بِنَار إِلَى قَبره فَإِن ذَلِك يكره أَن يكون آخر زَاده من الدُّنْيَا نَار(1/420)
يتبع بهَا إِلَى قَبره فَإِذا انْتهى بِهِ إِلَى الْقَبْر فَلَا يضر وتر دخله أَو شفع فَإِذا وضع فِي اللَّحْد قَالَ بِسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت فَمن قبل الْقبْلَة يدْخل أَو يسل سلا قَالَ بل يدْخل من قبل الْقبْلَة(1/421)
قلت ويلحد لَهُ وَلَا يشق قَالَ نعم قلت فَأَي شَيْء يَجْعَل على لحده قَالَ اللَّبن والقصب قلت فَهَل يكره الْآجر قَالَ نعم قلت فَهَل يكره أَن يسجى الْقَبْر بِثَوْب حَتَّى يفرغ من اللَّحْد قَالَ أما إِذا كَانَت امْرَأَة فَلَا بَأْس بذلك وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَهُم أَن يصنعوا وَأما إِذا كَانَ رجلا فَلَا يضرهم أَن لَا يسجى الْقَبْر فَإِن فعلوا لم يضرهم
قلت أَرَأَيْت الْقَبْر يربع أم يسنم وَلَا يربع قَالَ بل يسنم وَلَا يربع
قلت أَرَأَيْت الْقَبْر هَل تكره أَن يجصص قَالَ نعم(1/422)
قلت أَرَأَيْت الصَّلَاة على الْمَيِّت من أَحَق بهَا قَالَ إِمَام الْحَيّ أَحَق بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قلت فَإِن لم يكن إِمَام قَالَ الْأَب أَحَق من غَيره قلت فالابن وَالْأَخ وَالْأَب قَالَ الْأَب أَحَق من هَؤُلَاءِ قلت فَابْن الْعم أَحَق بِالصَّلَاةِ على الْمَرْأَة أم زَوجهَا قَالَ بل ابْن الْعم أَحَق من الزَّوْج إِذا لم يكن لَهَا مِنْهُ ابْن
قلت فَكيف الصَّلَاة على الْمَيِّت قَالَ إِذا وضعت الْجِنَازَة تقدم(1/423)
الإِمَام واصطف الْقَوْم خَلفه فَكبر الإِمَام تَكْبِيرَة وَيرْفَع يَدَيْهِ وَيكبر الْقَوْم مَعَه ويرفعون أَيْديهم ثمَّ يحْمَدُونَ الله تَعَالَى ويثنون عَلَيْهِ ثمَّ يكبر الإِمَام التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة وَيكبر الْقَوْم وَلَا يرفعون أَيْديهم وَيصلونَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يكبر الإِمَام التَّكْبِيرَة الثَّالِثَة وَيكبر الْقَوْم مَعَه وَلَا يرفعون أَيْديهم ثمَّ يَسْتَغْفِرُونَ للْمَيت ويشفعون لَهُ ثمَّ يكبر الإِمَام التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة وَيكبر الْقَوْم مَعَه وَلَا يرفعون أَيْديهم ثمَّ يسلم الإِمَام عَن يَمِينه وشماله وَيسلم الْقَوْم كَذَلِك وَكَانَ ابْن أبي ليلى يكبر على الْجَنَائِز خمْسا قلت فَهَل يجهرون بِشَيْء من التَّحْمِيد وَالثنَاء(1/424)
وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالدُّعَاء للْمَيت قَالَ لَا يجهرون بِشَيْء من ذَلِك وَلَكنهُمْ يخفونه فِي أنفسهم قلت فَهَل يقْرَأ الإِمَام وَمن خَلفه بِشَيْء من الْقُرْآن قَالَ لَا يقْرَأ الإِمَام وَمن خَلفه بِشَيْء من الْقُرْآن(1/425)
قلت أَرَأَيْت إِذا اجْتمعت الْجَنَائِز فَكَانُوا رجَالًا كلهم كَيفَ يوضعون قَالَ إِن شاؤا وضعوهم صفا وَاحِدًا وَإِن شاؤا وضعوهم وَاحِدًا خلف وَاحِد أَمَام الإِمَام قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الْجَنَائِز نسَاء كُلهنَّ قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت الْجَنَائِز رجَالًا وَنسَاء قَالَ يوضع الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِمَام رجل خلف رجل وَيُوضَع النِّسَاء خلف الرِّجَال مِمَّا يَلِي الْقبْلَة امْرَأَة خلف امْرَأَة قلت أَرَأَيْت إِذا اجْتمع غُلَام وَامْرَأَة قَالَ يوضع الْغُلَام مِمَّا يَلِي الإِمَام وَالْمَرْأَة خَلفه مِمَّا يَلِي الْقبْلَة
قلت فَإِذا أَرَادَ الإِمَام أَن يُصَلِّي على الْجِنَازَة أَيْن يكون مقَامه من الْجِنَازَة قَالَ أحسن ذَلِك أَن يقوم بحذاء صدر الْمَيِّت قلت فَإِن قَامَ فِي غير ذَلِك الْمَكَان قَالَ يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت رجلا شهد جَنَازَة وَهُوَ على غير وضوء أَو كَانَ على وضوء ثمَّ أحدث كَيفَ يصنع قَالَ يتَيَمَّم وَيُصلي مَعَ الْقَوْم قلت(1/426)
فان كَانَ قَرِيبا من المَاء وَهُوَ يقدر على المَاء غير أَنه يخَاف إِن ذهب يتَوَضَّأ يسْبقهُ الإِمَام بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا قَالَ يتَيَمَّم وَيُصلي عَلَيْهَا مَعَهم قلت فَإِن كَانَ لَا يخَاف أَن يسْبقهُ الإِمَام بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا قَالَ يذهب فيتوضأ ثمَّ يُصَلِّي عَلَيْهَا قلت فَإِن كَانَ فِي الْمصر وَكَانَ على غير وضوء أَو كَانَ على وضوء فَلَمَّا كبر تَكْبِيرَة أَو تكبيرتين أحدث كَيفَ يصنع قَالَ يتَيَمَّم مَكَانَهُ وَيُصلي مَعَ الْقَوْم بَقِيَّة صلَاته قلت لم وَهُوَ فِي الْمصر قَالَ لِأَنَّهُ إِذا صلى مَعَ الْقَوْم على الْجِنَازَة وفرغوا لم يسْتَطع هُوَ أَن يُصَلِّي عَلَيْهَا بعدهمْ وَلَيْسَت هَذِه كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَة والتطوع
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى على جَنَازَة فَكبر تَكْبِيرَة أَو تكبيرتين ثمَّ جَاءَ رجل فَدخل مَعَه فِي الصَّلَاة أيكبر الرجل حِين يدْخل أم ينْتَظر الإِمَام حَتَّى يكبر الإِمَام قَالَ بل ينْتَظر حَتَّى يكبر الإِمَام فَإِذا كبر الإِمَام كبر مَعَه فَإِذا سلم الإِمَام قضى مَا بَقِي عَلَيْهِ قبل أَن ترفع الْجِنَازَة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى أَن يكبر الرجل حِين يدْخل فِي الصَّلَاة وَلَا ينْتَظر الإِمَام لِأَن الإِمَام فِي الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى على جَنَازَة وَفرغ وَسلم وَسلم الْقَوْم(1/427)
ثمَّ جَاءَ آخَرُونَ بعد فرَاغ الإِمَام من الصَّلَاة أيصلون عَلَيْهَا جمَاعَة أَو وحدانا قَالَ لَا يصلونَ عَلَيْهَا جمَاعَة وَلَا وحدانا
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى على جَنَازَة فَكبر تَكْبِيرَة وَاحِدَة وَكبر مَعَه الْقَوْم ثمَّ أَتَى بِجنَازَة أُخْرَى فَوضعت مَعهَا وَدخل الَّذين جاؤا بهَا مَعَ الْقَوْم فِي صلَاتهم كَيفَ يصنع الإِمَام وَالْقَوْم قَالَ إِذا فرغ الإِمَام(1/428)
وَالَّذين كَانُوا مَعَه من الصَّلَاة على الْجِنَازَة الأولى قضى الَّذين جاؤا بالجنازة الثَّانِيَة مَا بَقِي عَلَيْهِم من تَكْبِيرَة الْجِنَازَة الأولى ثمَّ يسْتَقْبل الإِمَام وَالْقَوْم جَمِيعًا الصَّلَاة على الْجِنَازَة الثَّانِيَة وَلَا يحتسبون بِمَا كبروا على الْجِنَازَة الأولى قلت لم قَالَ لأَنهم افتتحوا الصَّلَاة على الْجِنَازَة الأولى فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يدخلُوا مَعهَا جَنَازَة أُخْرَى جَاءَت بعد ذَلِك قلت فَإِن افْتتح الإِمَام وَالْقَوْم الصَّلَاة على الْجِنَازَة الثَّانِيَة فكبروا تَكْبِيرَة أَو تكبيرتين ثمَّ أَتَى بِجنَازَة أُخْرَى فَوضعت مَعَ الثَّانِيَة وَدخل الْقَوْم مَعَ الإِمَام فِي الصَّلَاة قَالَ يتم الإِمَام الصَّلَاة على الْجِنَازَة الثَّانِيَة وَالْقَوْم فَإِذا سلم قضى الَّذين جاؤا بالجنازة الثَّالِثَة مَا بَقِي عَلَيْهِم من التَّكْبِير على الْجِنَازَة الثَّانِيَة ثمَّ يسْتَقْبل الإِمَام وَالْقَوْم جَمِيعًا الصَّلَاة على الْجِنَازَة الثَّالِثَة
قلت أَرَأَيْت الصَّلَاة على الْجِنَازَة عِنْد غرُوب الشَّمْس أَو عِنْد طُلُوع الشَّمْس أَو نصف النَّهَار هَل تكره ذَلِك قَالَ نعم أكرهه قلت فَإِن فعلوا وصلوا عَلَيْهَا هَل عَلَيْهِم أَن يُعِيدُوا الصَّلَاة قَالَ لَا قلت أَرَأَيْت إِن صلوا عَلَيْهَا بعد طُلُوع الْفجْر أَو بعد الْعَصْر قبل أَن تَتَغَيَّر الشَّمْس قَالَ لَا أكره ذَلِك وصلاتهم تَامَّة قلت وَكَذَلِكَ(1/429)
لَو صلوا عَلَيْهَا بعد الْفجْر قبل طُلُوع الشَّمْس قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت هَاتين الساعتين أَهما ساعتا صَلَاة قَالَ ليستا بساعتي صَلَاة تطوع فَأَما صَلَاة مَكْتُوبَة أَو صَلَاة على جَنَازَة أَو سَجْدَة فَلَا بَأْس أَن يَقْضِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي هَاتين الساعتين
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم تغرب لَهُم الشَّمْس وهم يُرِيدُونَ أَن يصلوا على جَنَازَة أيبدؤن بالمغرب أم بِالصَّلَاةِ على الْجِنَازَة قَالَ بل يبدؤن بالمغرب لِأَنَّهَا أوجبهما عَلَيْهِم ثمَّ يصلونَ على الْجِنَازَة(1/430)
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى على جَنَازَة وَمَعَهُ قوم وَالْإِمَام على غير وضوء أَو هُوَ جنب قَالَ عَلَيْهِم أَن يُعِيدُوا الصَّلَاة قلت فَإِن كَانَ إمَامهمْ متوضئا وَكَانَ بَعضهم على غير وضوء أَو كَانَ من خَلفه كلهم على غير وضوء قَالَ لَا يعيدون الصَّلَاة عَلَيْهَا قلت لم قَالَ لِأَن إمَامهمْ قد صلى عَلَيْهَا فَلَا يعيدون الصَّلَاة عَلَيْهَا
قلت أَرَأَيْت قوما صلوا على جَنَازَة فأخطأوا بِالرَّأْسِ فجعلوه فِي مَوضِع الرجلَيْن حَتَّى فرغوا من الصَّلَاة عَلَيْهَا قَالَ يجزيهم قلت فَإِن فعلوا ذَلِك عمدا قَالَ قد أساؤا وصلاتهم تَامَّة
قلت أَرَأَيْت قوما صلوا على جَنَازَة فأخطأوا الْقبْلَة فصلوا عَلَيْهَا لغير الْقبْلَة حَتَّى فرغوا من صلَاتهم قَالَ صلَاتهم تَامَّة قلت فَإِن(1/431)
تعمدوا ذَلِك قَالَ يستقبلوا الصَّلَاة عَلَيْهَا
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يدفنون الْمَيِّت ونسوا الصَّلَاة عَلَيْهِ قَالَ يصلونَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْقَبْر كَمَا يصلونَ على الْجِنَازَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف يُصَلِّي على الْقَبْر فِي ثَلَاث فَإِذا مَضَت ثَلَاثَة لم يصل عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت قوما أَرَادوا الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَمَعَهُمْ نسَاء أَيْن تصف النِّسَاء قَالَ من وَرَاء صُفُوف الرِّجَال قلت أَرَأَيْت إِن قَامَت امْرَأَة مَعَهم فِي الصَّفّ أَو قَامَت بحذاء الإِمَام فصلت مَعَهم قَالَ صلَاتهم جَمِيعًا تَامَّة قلت لم قَالَ لِأَن هَذِه الصَّلَاة لَيست كَصَلَاة مَكْتُوبَة أَلا ترى لَو أَن رجلا قَرَأَ السَّجْدَة فسجدتها امْرَأَة مَعَه أَنه(1/432)
لَا يفْسد عَلَيْهِ فَكَذَلِك هَذَا
قلت أَرَأَيْت إِمَامًا صلى على جَنَازَة فَلَمَّا كبر تَكْبِيرَة أَو تكبيرتين ضحك الإِمَام حَتَّى قهقه قَالَ صلَاتهم فَاسِدَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة قلت فَهَل يُعِيد الْوضُوء من قهقه مِنْهُم قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن الإِمَام تكلم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت قوما صلوا على الْجِنَازَة وهم ركُوب أَو هم قعُود قَالَ أما فِي الْقيَاس فَإِنَّهُ يجزيهم وَلَكِنِّي أدع الْقيَاس وأستحسن فآمرهم بِالْإِعَادَةِ
قلت أَرَأَيْت رجلا مَاتَ فِي سَفَره وَمَعَهُ نسَاء لَيْسَ مَعَهُنَّ رجل هَل تغسله إِحْدَاهُنَّ قَالَ إِن كَانَت فِيهِنَّ امْرَأَته غسلته وَإِن لم تكن فِيهِنَّ امْرَأَته لم يغسلنه قلت وَلم تغسله امْرَأَته قَالَ لِأَنَّهَا فِي عدَّة مِنْهُ أَلا ترى أَنه لَا يحل أَن تتَزَوَّج مَا دَامَت فِي عدَّة مِنْهُ قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الْمَرْأَة لم يدْخل بهَا قَالَ نعم دخل بهَا أَو لم يدْخل بهَا فَهُوَ سَوَاء قلت فَإِن لم يكن فِيهِنَّ امْرَأَته وَلَكِن كَانَت فِيهِنَّ أُخْته أَو أمه أَو خَالَته أَو عمته قَالَ لَا تغسله وَاحِدَة مِنْهُنَّ مِمَّن ذكرت وَلَا ينظرن إِلَى عَوْرَته وَلكنهَا تيَمّمه بالصعيد كَمَا وصفت(1/433)
لَك التَّيَمُّم قلت فَهَل يصلين عَلَيْهِ قَالَ نعم قلت فَهَل تقوم الإِمَام مِنْهُنَّ وسط الصَّفّ قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَت فِيهِنَّ أم ولد لَهُ هَل تغسله قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا فِي غير عدَّة نِكَاح قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ أعْتقهَا قبل مَوته قَالَ سَوَاء وَلَا تغسله لِأَنَّهَا قد حرمت عَلَيْهِ قبل مَوته قلت أَرَأَيْت إِن فِيهِنَّ امْرَأَة وَقد طَلقهَا ثَلَاثًا فِي مَرضه أَو صِحَّته قَالَ لَا تغسله لِأَنَّهَا قد حرمت عَلَيْهِ قبل مَوته فَلَا تغسله قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ فِيهِنَّ امْرَأَته وَهِي(1/434)
امْرَأَته بِنِكَاح فَاسد فَمَاتَ عَنْهَا على ذَلِك النِّكَاح قَالَ لَا تغسله قلت فَإِن كَانَت مَعَه أمة أَو مُدبرَة وَقد كَانَ يَطَأهَا قَالَ لَا تغسله قلت فقد كَانَ فرجهَا حَلَالا لَهُ قَالَ لِأَنَّهُ لَا عدَّة على وَاحِدَة مِنْهُمَا أَلا ترى أَن الْأمة تبَاع والمدبرة إِن لم يكن لَهَا سِعَايَة فَتزوّجت سَاعَة مَاتَ الرجل كَانَ نِكَاحهَا جَائِزا وَكَانَ لزَوجهَا أَن يَطَأهَا فأستقبح أَن يَطَأهَا زَوجهَا وَينظر إِلَى فرجهَا وَهِي تنظر إِلَى فرج آخر وتغسله قلت فَإِن كَانَت فِيهِنَّ امْرَأَته وَقد طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا هَل تغسله قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت امْرَأَة مَاتَت فِي السّفر وَمَعَهَا رجال وَفِيهِمْ زَوجهَا هَل يغسلهَا قَالَ لَا قلت لم وَهِي تغسله وَهُوَ لَا يغسلهَا قَالَ لِأَنَّهُ لَا عدَّة عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه لَو شَاءَ تزوج أُخْتهَا وَلَو شَاءَ تزوج أَرْبعا وَلَو شَاءَ تزوج ابْنَتهَا إِن لم يكن دخل بالميتة فأستقبح أَن ينظر الرجل إِلَى فرج امْرَأَة وابنتها امْرَأَته أَو أُخْتهَا أَو لَهُ أَربع نسْوَة(1/435)
قلت فَإِن كَانَ أَخُوهَا مَعهَا أَو أَبوهَا قَالَ لَا يغسلهَا وَاحِد مِنْهُمَا
قلت أَرَأَيْت رجلا مَاتَ فِي سفر وَمَعَهُ نسَاء ومعهن رجل كَافِر هَل يَنْبَغِي لَهُنَّ أَن يصفن لَهُ كَيفَ يغسلهُ ثمَّ يخلين بَينه وَبَين الْمَيِّت قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن امْرَأَة مَاتَت فِي سفر وَمَعَهَا رجال وَمَعَهُمْ امْرَأَة كَافِرَة كَانَ يَنْبَغِي لَهُم أَن يصفوا لَهَا كَيفَ تغسلها ثمَّ يخلوا بَينهَا وَبَينهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِذا مَاتَت الْمَرْأَة كَيفَ تكفن قَالَ تكفن فِي لفافة وَهِي الرِّدَاء وَفِي إِزَار وَدرع وخمار وخرقة ترْبط فَوق(1/436)
الأكفان عِنْد الصَّدْر فَوق الثديين والبطن حَتَّى لَا ينتشر عَنْهَا الْكَفَن قلت وَمَوْضِع الحنوط والكافور من الْمَرْأَة مَوْضِعه من الرِّجَال قَالَ نعم قلت ويسدل شعرهَا من خلف ظهرهَا إِذا غسلت قَالَ لَا وَلكنه يسدل مَا بَين ثدييها من الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا ثمَّ يسدل الْخمار عَلَيْهَا كَهَيئَةِ المقنعة
قلت أَرَأَيْت إِذا مَاتَت الْمَرْأَة فكفنت فِي ثَوْبَيْنِ وخمار وَلم تكفن فِي درع هَل يجزيها ذَلِك قَالَ نعم
قلت فالخلق والجديد فِي ذَلِك سَوَاء قَالَ نعم فِي ذَلِك سَوَاء إِذا غسل قلت والبرود أحب إِلَيْك أم الْبيَاض قَالَ كل حسن بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كفن فِي حلَّة وقميص وبلغنا(1/437)
عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه أَمر وَأوصى أَن يغسل ثوباه ويكفن فيهمَا وَقَالَ الْحَيّ أحْوج إِلَى الْجَدِيد من الْمَيِّت(1/438)
فأيما فعل حسن
قلت فَإِن كفن الرجل فِي ثوب وَاحِد قَالَ مَا أحب لَهُ أَن ينقص من ثَوْبَيْنِ قلت فَإِن فعلوا فكفنوه فِي ثوب وَاحِد قَالَ يجزى وَقد أساؤا قلت وَالْمَرْأَة لَا تنقص من ثَوْبَيْنِ وخمار قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الصَّبِي إِذا كَانَ صَغِيرا لم يتَكَلَّم وَلم يعقل فِي أَي شَيْء يُكفن قَالَ إِن كفن فِي خرقتين إِزَار ورداء فَحسن وَإِن كَانَ إزارا وَاحِدًا أجزاه قلت فَإِن كَانَ غُلَاما قد راهق وَلم يَحْتَلِم إِلَّا أَنه قد صلى وَصَامَ وَلم يَحْتَلِم مثله قَالَ هَذَا يُكفن كَمَا يُكفن الرجل
قلت أَرَأَيْت الرجلَيْن هَل يدفنان فِي قبر وَاحِد قَالَ إِن احتاجوا إِلَى ذَلِك فعلوا وَإِن فعلوا ذَلِك فليقدموا فِي اللَّحْد أفضلهما وليجعلوا بَينهمَا حاجزا من الصَّعِيد(1/439)
قلت أَرَأَيْت الصَّبِي الصَّغِير الَّذِي لم يتَكَلَّم هَل تغسله الْمَرْأَة قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت الصبية الصَّغِيرَة الَّتِي لم تَتَكَلَّم هَل يغسلهَا الرجل وَهُوَ غير ذِي رحم مِنْهَا محرم وَلَا زوج لَهَا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَت قد كَبرت وَمثلهَا يُجَامع قَالَ لَا يغسلهَا الرِّجَال قلت وَكَذَلِكَ الْغُلَام إِذا كَانَ مثله يُجَامع لم يغسلهُ أحد من النِّسَاء مَا خلا امْرَأَته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَيِّت إِذا وضئ وضوءه للصَّلَاة هَل يغسل رِجْلَاهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة إِذا أسدل عَلَيْهَا خمارها أتحت الْكَفَن قَالَ فَوق الدرْع وَتَحْت الْإِزَار واللفافة
قلت أَرَأَيْت قوما صلوا على ميت قبل أَن يغسل ثمَّ ذكرُوا بعد مَا صلوا عَلَيْهِ كَيفَ يصنعون قَالَ يغسل الْمَيِّت ويعيدون الصَّلَاة عَلَيْهِ قلت فَإِن لم يذكرُوا غسله حَتَّى دفنوه هَل ينبشوا الْقَبْر ثمَّ يغسل وَيُصلي(1/440)
عَلَيْهِ قَالَ لَا قلت فَلم أَمرتهم بِغسْلِهِ وَقد صلوا عَلَيْهِ قَالَ أَمرتهم بِغسْلِهِ مَا دَامَ فِي أَيْديهم فَإِذا دفن فَلَا آمُرهُم أَن ينبشوا الْقَبْر
قلت أَرَأَيْت رجلا مَاتَ فَدفن وَوَجهه لغير الْقبْلَة أَو وضع على شقَّه الْأَيْسَر أَو جعل رَأسه فِي مَوضِع الرجلَيْن ثمَّ ذكرُوا ذَلِك بعد مَا فرغوا من دَفنه هَل ينبشون قَبره فيدفنونه على مَا يَنْبَغِي لَهُ قَالَ لَا وَلَكنهُمْ يَدعُونَهُ كَمَا هُوَ قلت فَإِن كَانُوا قد وضعُوا اللَّبن وَلم يهل التُّرَاب عَلَيْهِ بعد قَالَ ينْزع اللَّبن ثمَّ يهيؤنه على مَا يَنْبَغِي لَهُ قلت فَهَل يغسلونه إِن لم يكن غسل قَالَ نعم قلت فَإِن كَانُوا قد أهالوا عَلَيْهِ التُّرَاب قَالَ يتركونه كَمَا هُوَ على حَاله
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يسْقط مِنْهُم الثَّوْب فِي الْقَبْر أَو الشَّيْء من مَتَاعهمْ هَل ترى بَأْسا بِأَن يحفروا من التُّرَاب شَيْئا من غير أَن ينبشوا(1/441)
الْمَيِّت قَالَ لَا بَأْس بِأَن يحفروا من التُّرَاب شَيْئا فيخرجوا مَتَاعهمْ
قلت أَرَأَيْت اللَّحْد أتكره أَن يَجْعَل عَلَيْهِ رفوف خشب قَالَ نعم أكره ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الْمَيِّت إِذا وضع فِي اللَّحْد وَلم يغسل وَلم يهل عَلَيْهِ التُّرَاب قَالَ يَنْبَغِي لَهُم أَن يخرجوه فيغسلوه ويصلوا عَلَيْهِ قلت فَإِن كَانُوا قد نصبوا اللَّبن عَلَيْهِ وأهالوا عَلَيْهِ التُّرَاب قَالَ لَيْسَ يَنْبَغِي لَهُم أَن ينبشوا الْمَيِّت من قَبره قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا وضعُوا رَأسه مَكَان رجلَيْهِ أَو وضعوه على شقَّه الْأَيْسَر كَانَ لَهُم أَن يخرجوه فيهيؤه كَمَا يَنْبَغِي لَهُ مَا لم يهيلوا عَلَيْهِ التُّرَاب فَإِذا أهالوا عَلَيْهِ التُّرَاب لم يَنْبغ لَهُم أَن يخرجوه قَالَ نعم(1/442)
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تَمُوت مَعَ الرِّجَال وَالرجل يَمُوت مَعَ النِّسَاء لَيْسَ مَعَهُنَّ من يغسلهُ قَالَ يتَيَمَّم كل وَاحِد مِنْهُمَا بالصعيد الْوَجْه والذراعان من وَرَاء الثَّوْب
- بَاب صَلَاة الْكُسُوف
-
قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صلى رَكْعَتَيْنِ فِي الْكُسُوف ثمَّ كَانَ الدُّعَاء حَتَّى انجلت الشَّمْس وَإِنَّمَا الصَّلَاة رَكْعَتَانِ كَصَلَاة التَّطَوُّع وَإِن شِئْت طولتهما وَإِن شِئْت قصرتهما ثمَّ الدُّعَاء حَتَّى تجلى الشَّمْس
قلت وَالَّذِي ذكر من الصَّلَاة فيهمَا أيركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يسْجد قَالَ الصَّلَاة فيهمَا كَمَا ذكرت لَك كَصَلَاة النَّاس الْمَعْرُوفَة
قلت وَترى فِي كسوف الْقَمَر صَلَاة قَالَ نعم الصَّلَاة فِيهِ حَسَنَة قلت فَهَل يصلونَ جمَاعَة كَمَا يصلونَ فِي كسوف الشَّمْس قَالَ لَا
قلت فَهَل تكره الصَّلَاة فِي التَّطَوُّع جمَاعَة مَا خلا قيام رَمَضَان(1/443)
وَصَلَاة كسوف الشَّمْس قَالَ نعم وَلَا يَنْبَغِي أَن يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس جمَاعَة إِلَّا الإِمَام الَّذِي يُصَلِّي الْجُمُعَة فَأَما أَن يُصَلِّي النَّاس فِي مَسَاجِدهمْ جمَاعَة فَإِنِّي لَا أحب ذَلِك وليصلوا وحدانا
قلت أَرَأَيْت الصَّلَاة فِي غير كسوف الشَّمْس فِي الظلمَة تكون أَو فِي الرّيح الشَّدِيدَة قَالَ الصَّلَاة حَسَنَة فِي ذَلِك كُله وحدانا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبان بن أبي عَيَّاش عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِذا رَأَيْتُمْ من هَذِه الأفزاع شَيْئا فافزعوا إِلَى الصَّلَاة(1/444)
قلت فَإِن صلوا فِي كسوف الشَّمْس وحدانا قَالَ إِن صلوا وحدانا أَو فِي جمَاعَة كَيفَ مَا صلوا فَحسن قلت فَإِن صلوا جمَاعَة هَل يجهرون فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ قَالَ لَا وَلكنه يخفى فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَيْسَت هَذِه كَصَلَاة الْعِيدَيْنِ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صلى فِيهَا وَلم يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ويجهر فِيهَا فِي قَول أبي يُوسُف وَهُوَ قَول مُحَمَّد(1/445)
قَالَ بلغنَا ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه صلى فِي كسوف الشَّمْس وَأَنه جهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا
قلت أَرَأَيْت النِّسَاء هَل ترخص لَهُنَّ أَن يحضرن ذَلِك قَالَ لَا أرخص للنِّسَاء فِي شَيْء من الْخُرُوج إِلَّا الْعَجُوز الْكَبِيرَة فَإِنِّي أرخص لَهَا فِي الْخُرُوج فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي صَلَاة الْفجْر وَالْعشَاء وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَن فأرخص لَهُنَّ فِي الْخُرُوج فِي الصَّلَوَات كلهَا وَفِي صَلَاة الْكُسُوف(1/446)
وَفِي الاسْتِسْقَاء إِذا كَانَت عجوزا وَلَا بَأْس بِأَن تخرج فِي ذَلِك كُله وأكره للشابة ذَلِك وَهُوَ قَول مُحَمَّد
- بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء
-
قلت فَهَل فِي الاسْتِسْقَاء صَلَاة قَالَ لَا صَلَاة فِي الاسْتِسْقَاء إِنَّمَا فِيهِ الدُّعَاء قلت وَلَا ترى بِأَن يجمع فِيهِ للصَّلَاة ويجهر الإِمَام بِالْقِرَاءَةِ قَالَ لَا أرى ذَلِك إِنَّمَا بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خرج فَدَعَا وبلغنا عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه صعد(1/447)
الْمِنْبَر فَدَعَا واستسقى وَلم يبلغنَا فِي ذَلِك صَلَاة إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا شاذا لَا يُؤْخَذ بِهِ(1/448)
قلت فَهَل يسْتَحبّ أَن يقلب الإِمَام أَو أحد من الْقَوْم رِدَاءَهُ فِي ذَلِك قَالَ لَا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن أرى أَن يُصَلِّي الإِمَام فِي الاسْتِسْقَاء نَحوا من صَلَاة الْعِيد يبْدَأ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة وَلَا يكبر فِيهَا كَمَا يكبر فِي الْعِيدَيْنِ لِأَنَّهُ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صلى فِي الاسْتِسْقَاء وبلغنا عَن ابْن عَبَّاس أَنه(1/449)
أَمر بذلك ويقلب رِدَاءَهُ فِي ذَلِك وَقَلبه أَن يَجْعَل الْجَانِب الْأَيْسَر على الْأَيْمن والأيمن على الْأَيْسَر وَإِنَّمَا تتبع فِي هَذِه السّنة والْآثَار الْمَعْرُوفَة وَلَيْسَ يجب ذَلِك على من خلف الإِمَام
قلت أفتحب أَن يخرج أهل الذِّمَّة مَعَ أهل الْإِسْلَام فِي ذَلِك قَالَ مَا أحب ذَلِك وَلَا يَنْبَغِي لأهل الْإِسْلَام أَن يتقربوا إِلَى الله تَعَالَى بِأحد من أهل الذِّمَّة وبلغنا عَن عمر بن الْخطاب أَنه نهى أَن يحضر أحد من أهل الْكفْر عِنْد الْمُسلمين لِأَن السخطة تنزل عَلَيْهِم(1/450)
فَكيف أحضرهم دُعَاء الْمُسلمين
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا خطب فِي الاسْتِسْقَاء هَل يجب على الْقَوْم أَن يستمعوا وينصتوا قَالَ نعم أحب إِلَى أَن يستمعوا وينصتوا وَلَيْسَ بِوَاجِب مثل الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة
قلت فَهَل يخرج الْمِنْبَر فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاء قَالَ لَا قلت فَهَل فِي الْعِيدَيْنِ أَذَان وَإِقَامَة قَالَ لَا قلت فَهَل يخرج النِّسَاء(1/451)
فِي ذَلِك قَالَ لَا
- بَاب الصَّلَاة بِمَكَّة وَفِي الْكَعْبَة
-
قلت أَرَأَيْت الإِمَام إِذا صلى بِمَكَّة وصف النَّاس حول الْكَعْبَة فَقَامَتْ امْرَأَة بحذاء الإِمَام قَالَ إِن كَانَت تأتم من الْكَعْبَة بالجانب الَّذِي يأتم بِهِ الإِمَام وَنوى الإِمَام الَّذِي تأتم بِهِ أَن يؤمها ويؤم النَّاس فَصَلَاة الإِمَام وَصَلَاة النَّاس كلهم فَاسِدَة قلت فَإِن كَانَ يأتم بالجانب الْآخِرَة وَكَانَت إِلَى الْكَعْبَة أقرب من الإِمَام قَالَ صلَاتهَا وَصَلَاة الْقَوْم وَصَلَاة الإِمَام كلهم تَامَّة قلت فَإِن قَامَت بحذاء الإِمَام من الْجَانِب الآخر وصف مَعهَا النِّسَاء مُقَابل صف الإِمَام قَالَ صَلَاة(1/452)
الإِمَام وَصَلَاة النَّاس كلهم تَامَّة إِلَّا من كَانَ مَعَ النِّسَاء فِي ذَلِك الْجَانِب قلت فَمن كَانَ بحذائهن أَو خلفهن قَالَ صلَاته فَاسِدَة قلت فان صلى النَّاس فُرَادَى تَطَوّعا النِّسَاء وَالرِّجَال قَالَ هَذَا وَالْأول سَوَاء وَصَلَاة الرِّجَال تَامَّة من كَانَ بحذا النِّسَاء أَو خلفهن غير أَنه قد أَسَاءَ فِي قِيَامه بحذاء النِّسَاء أَو خلفهن
قلت فَإِن كَانَت الْكَعْبَة تبنى وَقَامَ الإِمَام يُصَلِّي بِالنَّاسِ وصف النَّاس حول الْكَعْبَة وَلَيْسَ بَين يَدي الإِمَام ستر يحجز بَينه وَبَين الصَّفّ الْمُسْتَقْبل قَالَ يجزى الإِمَام وَالْقَوْم جَمِيعًا وصلاتهم تَامَّة إِلَّا أَن الإِمَام قد أَسَاءَ فِي تَركه أَن يَجْعَل بَينهم وَبَينه ستْرَة قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ مَكَان صف الرِّجَال صف من النِّسَاء كَانَت صلَاته وَصَلَاة الْقَوْم كلهم تَامَّة قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ الإِمَام صلى فِي جَوف الْكَعْبَة مُسْتَقْبل حَائِط من(1/453)
حيطانها أَيجوزُ أَيْضا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ مَعَه فِي جَوف الْكَعْبَة قوم يصلونَ إِلَى الْحَائِط الَّذِي يُصَلِّي إِلَيْهِ الإِمَام وهم قُدَّام الإِمَام قَالَ لَا يجزيهم صلَاتهم لأَنهم قُدَّام الإِمَام يصلونَ إِلَى الْجَانِب الَّذِي يُصَلِّي إِلَيْهِ الإِمَام قلت فَإِن كَانَ مكانهم نسَاء قَالَ صَلَاة الإِمَام وَالْقَوْم تَامَّة وَصَلَاة النِّسَاء فَاسِدَة قلت فَإِن صف قوم مُسْتَقْبل الإِمَام بِوُجُوهِهِمْ إِلَى وَجه الإِمَام يأتمون بِالْإِمَامِ قَالَ يجزيهم ذَلِك إِلَّا أَن الإِمَام قد أَسَاءَ فِي ترك الستْرَة فِيمَا بَينهم قلت فان صافوا حَلقَة وَاحِدَة فِي جَوف الْكَعْبَة فصلوا بِإِمَام قَالَ يجزيهم صلَاتهم إِذْ كل وَاحِد مِنْهُم صلى على الْقبْلَة لِأَن كلا على الْقبْلَة
قلت فَإِن كَانُوا فِي غير الْكَعْبَة فتحروا الْقبْلَة فصلى كل إِنْسَان مِنْهُم إِلَى نَاحيَة بِالتَّحَرِّي وائتموا بِالْإِمَامِ قَالَ لَا يجزى من خَالف الإِمَام لِأَن الإِمَام على غير قبْلَة فَلَا يجزى أَن يأتم بِهِ وَلَا يشبه هَذَا الْكَعْبَة(1/454)
لِأَن الْكَعْبَة حَيْثُ مَا وَجهه مِنْهَا فَهُوَ قبْلَة وَهُوَ حق
قلت أَرَأَيْت قوما صلوا فَوق الْكَعْبَة بِإِمَام قَالَ يجزيهم قلت فَإِن كَانَ وَجه الإِمَام إِلَى نَاحيَة مِنْهَا وَوجه كل إِنْسَان مِنْهُم إِلَى نَاحيَة أُخْرَى قَالَ يجزيهم كلهم إِلَّا أَن يكون أحد مِنْهُم قُدَّام الإِمَام وظهره إِلَى وَجه الإِمَام من كَانَ هَكَذَا فَإِنَّهُ لَا تجزيه صلَاته قلت أَرَأَيْت إِن صف قوم مِنْهُم قُدَّام الإِمَام ووجوههم إِلَى وَجه الإِمَام قَالَ يجزيهم ذَلِك قلت وَالنِّسَاء فِي هَذَا الْبَاب مثل الرِّجَال قَالَ نعم غير أَنهم قد أساؤا فِي ترك السّتْر بَينهم وَبَين الإِمَام قلت أَرَأَيْت إِن صف قوم مِنْهُم خلف الإِمَام وَجعلُوا ظُهُورهمْ إِلَى ظهر الإِمَام وائتموا بِالْإِمَامِ قَالَ يجزيهم صلَاتهم لأَنهم خلف الإِمَام وَالْإِمَام على قبْلَة قلت أَرَأَيْت العبيد والأحرار وَالرِّجَال وَالنِّسَاء هم كلهم فِي هَذَا سَوَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الإِمَام يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَة بَينه وَبَين الْكَعْبَة(1/455)
مقَام إِبْرَاهِيم والصف الَّذِي مُقَابِله أقرب إِلَى الْكَعْبَة من الإِمَام قَالَ تجزيهم صلَاتهم كلهم قلت وَكَذَلِكَ الصَّفّ الآخر فِيمَا بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ إِلَى الْحجر وَهُوَ أقرب إِلَى الْبَيْت من الإِمَام قَالَ نعم تجزيهم كلهم صلَاتهم قلت فَإِن كَانَ الَّذِي فِي جَانب الإِمَام أقرب إِلَى الْكَعْبَة من الإِمَام قَالَ لَا تجزيهم وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت إِن استقبلوا الإِمَام بِوُجُوهِهِمْ والكعبة خلف ظُهُورهمْ قَالَ لَا تجزيهم صلَاتهم لأَنهم على غير الْقبْلَة وَعَلَيْهِم أَن يستقبلوا الصَّلَاة وَأما الإِمَام وَالْقَوْم جَمِيعًا غير هَؤُلَاءِ فَإِن صلَاتهم تَامَّة(1/456)
// كتاب الْحيض
//
- بَاب من الْمُسْتَحَاضَة فِي أول مَا يَمْتَد بِهِ الدَّم مَا يكون حيضا وَمَا لَا يكون
-
قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول إِذا بلغت الْمَرْأَة مبلغ النِّسَاء وَلم تَحض فرأت الدَّم أول مَا رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع عَنْهَا ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم يَوْمًا وَهُوَ تَمام الْعشْرَة ثمَّ انْقَطع فَهَذَا فِي قَول أبي يُوسُف حيض كُله وَقَالَ مُحَمَّد لَا يكون هَذَا حيضا لِأَن مَا بَين الدمين من(1/457)
الطُّهْر أَكثر من الدمين جَمِيعًا فَهَذَا لَيْسَ بحيض وَلَو كَانَ الدمَان أَكثر مِمَّا بَينهمَا من الطُّهْر أَو مثله كَانَ ذَلِك حيضا كُله لِأَن الْمَرْأَة الْحَائِض لَا ترى الدَّم سَائِلًا أبدا يَنْقَطِع الدَّم يَوْمًا وتراه يَوْمًا وَيَنْقَطِع يَوْمَيْنِ وتراه يَوْمَيْنِ وَيَنْقَطِع ثَلَاثَة أَيَّام وتراه بعد ذَلِك فَذَلِك دم وَاحِد وَإِن كَانَ بَين ذَلِك أَيَّام لَا ترى فِيهَا دَمًا إِذا كَانَ الدمَان أَكثر مِمَّا بَينهمَا من الطُّهْر أَو مثله
وَأَقل مَا يكون الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها لَا ينقص من ذَلِك شَيْئا وَأكْثر الْحيض عشرَة أَيَّام ولياليها لَا يزِيد على ذَلِك شَيْئا فَإِن رَأَتْ الْمَرْأَة الدَّم يَوْمَيْنِ وثلثي يَوْم ثمَّ انْقَطع ذَلِك لم يكن ذَلِك حيضا حَتَّى يكون مَا بَين أول الدَّم وَآخره ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها لَا ينقص من ذَلِك شَيْء أَلا ترى أَن الدَّم لَو زَاد على عشرَة أَيَّام ولياليها سَاعَة كَانَت تِلْكَ السَّاعَة(1/458)
اسْتِحَاضَة فَكَذَلِك النُّقْصَان إِذا نقص الدَّم من ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها شَيْئا لم يكن ذَلِك حيضا لِأَن الْأَثر جَاءَ أَن أدنى الْحيض ثَلَاثَة وَأَكْثَره عشرَة(1/459)
فَمن جعل أقل من ثَلَاثَة حيضا فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يَجْعَل أَكثر من عشرَة حيضا فَهَذَا لَا يَسْتَقِيم وَالْأَمر فِيهِ كَمَا وصفت لَك
وَإِذا بلغت الْمَرْأَة مبلغ النِّسَاء وَلم تَحض فرأت الدَّم أول مَا رَأَتْهُ فَمد بهَا الدَّم ثَلَاثَة أشهر فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ فِي ذَلِك حَيْضهَا من أول مَا رَأَتْ الدَّم عشرَة أَيَّام فَإِذا مَضَت اغْتَسَلت وتوضأت لكل وَقت صَلَاة وصلت عشْرين يَوْمًا فَإِذا مَضَت عشرُون يَوْمًا تركت الصَّلَاة عشرَة أَيَّام ثمَّ اغْتَسَلت فَكَانَ هَذَا حَالهَا حَتَّى يَنْقَطِع الدَّم لِأَنَّهَا تجْعَل حَيْضهَا أَكثر الْحيض لِأَنَّهُ لم يكن لَهَا أَيَّام مَعْرُوفَة فتجعل حَيْضهَا أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة إِنَّمَا جعلنَا طهرهَا عشْرين يَوْمًا وَقد يكون الطُّهْر أقل من ذَلِك لأَنا أَخذنَا فِي ذَلِك بِالْأَمر الظَّاهِر الْمَعْرُوف من أَمر النِّسَاء لِأَن الْغَالِب من أَمر النِّسَاء فِي الْحيض أَن فِي كل شهر حَيْضَة أَلا ترى أَن الله تبَارك وَتَعَالَى جعل على الَّتِي تحيض من الْعدة ثَلَاثَة قُرُوء فَإِن لم تكن تحيض من كبر أَو صغر جعل عَلَيْهَا ثَلَاثَة أشهر فَجعل مَكَان كل حَيْضَة شهر وَهَذَا الْغَالِب من أُمُور النِّسَاء
وَأدنى مَا يكون بَين الحيضتين من الطُّهْر خمس عشرَة لَيْلَة لَا ينقص(1/460)
شَيْئا قَلِيلا وَلَا كثيرا فَإِذا هِيَ رَأَتْ دمين بَينهمَا من الطُّهْر أقل من خمس عشرَة لَيْلَة فهذان الدمَان ليسَا بحيض جَمِيعًا لِأَن الحيضتين لَا يكون بَينهمَا من الطُّهْر أقل من خمس عشرَة لَيْلَة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِذا بلغت الْمَرْأَة مبلغ النِّسَاء وَلم تَحض فرأت الدَّم أول مَا رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع عَنْهَا تِسْعَة أَيَّام ورأته يَوْمًا ثمَّ انْقَطع فَإِن أَبَا يُوسُف قَالَ عشرَة أَيَّام من ذَلِك حيض الْيَوْم الأول الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم والتسعة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر حيض كُله وَالْيَوْم الآخر الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم اسْتِحَاضَة تَغْتَسِل وتقضي مَا زَاد على التِّسْعَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر من الصَّلَاة وَإِن كَانَت صَامت شَيْئا من شهر رَمَضَان فِي التِّسْعَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر قضتها لِأَنَّهَا كَانَت فِي ذَلِك حَائِضًا بِالْيَوْمِ الْحَادِي عشر الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم وَلَو لم تَرَ الدَّم فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر لم يكن شَيْء من ذَلِك حيضا وَقَالَ مُحَمَّد لَا يكون شَيْء من هَذِه الْأَيَّام كلهَا حيضا لِأَن الْيَوْم الْحَادِي عشر لم يكن حيضا فَلَا تكون التِّسْعَة الْأَيَّام الَّتِي فِيهَا الطُّهْر حيضا بِالدَّمِ الَّذِي رَأَتْ فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر وَذَلِكَ الدَّم لَيْسَ بحيض وَلَا يكون الْيَوْم الأول أَيْضا حَيْضهَا لِأَنَّهَا(1/461)
إِنَّمَا رَأَتْ الدَّم يَوْمًا وَاحِدًا وَلَا يكون الْحيض أقل من ثَلَاثَة أَيَّام أَرَأَيْتُم التِّسْعَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر أَيكُون حيضا إِن لم تَرَ الدَّم فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر قَالُوا لَا تكون تِلْكَ الْأَيَّام وَلَا الْيَوْم الَّذِي قبله حيضا قيل لَهُم إِنَّمَا تكون تِلْكَ التِّسْعَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر حيضا وَالْيَوْم الَّذِي قبلهَا بِالدَّمِ الَّذِي رَأَتْهُ فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر قَالُوا نعم قيل لَهُم فَذَلِك الدَّم أحيض هُوَ قَالُوا لَا قيل لَهُم فَكيف صير دم لَيْسَ بحيض غَيره من أَيَّام الطُّهْر حيضا وَهُوَ نَفسه لَيْسَ بحيض وَالْحكم فِيهِ عنْدكُمْ أَنه طهر فَكيف يَجْعَل الطُّهْر غَيره حيضا وَقد بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن امْرَأَة استحيضت فَسئلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ لَيْسَ ذَلِك بحيض وَإِنَّمَا هُوَ دم عرق فقد(1/462)
جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دم الِاسْتِحَاضَة غير دم الْحيض وَجعل ذَلِك بِمَنْزِلَة الْعرق يسيل مِنْهُ الدَّم وَإِنَّمَا ذَلِك بِمَنْزِلَة الرعاف وَغَيره من الدَّم الَّذِي يسيل من الْجَسَد إِلَّا أَن مخرجه ومخرج دم الْحيض من مَوضِع وَاحِد وَحكمه مُخْتَلف أما دم الْحيض فَيتْرك لَهُ الصَّلَاة وَإِن صَامت فِيهِ أعادت صيامها وَأما دم الِاسْتِحَاضَة فَحكمه كَحكم دم الرعاف تتوضأ مِنْهُ لوقت كل صَلَاة وَتصلي ويأتيها زَوجهَا وتصوم وَهِي فِيهِ بِمَنْزِلَة الطاهرة فَكل دم حكم على الْمَرْأَة أَنَّهَا فِيهِ بِمَنْزِلَة الطاهرة فَلَيْسَ يَجْعَل ذَلِك غَيره من أَيَّام الطُّهْر حيضا(1/463)
أَرَأَيْتُم امْرَأَة أول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع عَنْهَا تِسْعَة أَيَّام أَيكُون حيضا قَالُوا لَا قيل لَهُم فَإِن رعفت أَو سَالَ مِنْهَا دم من غير الْفرج أتكون بذلك حَائِضًا فِي التِّسْعَة الْأَيَّام الَّتِي طهرت فِيهَا قَالُوا لَا قيل لَهُم فالدم الَّذِي سَالَ من الْفرج فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر أحيض هُوَ قَالُوا لَا قيل لَهُ فاستحاضة هُوَ قَالُوا نعم قيل لَهُم فَحكمه كَحكم الرعاف فِي الصّيام وَالصَّلَاة وَغير ذَلِك قَالُوا نعم قيل لَهُم فَكيف جعل ذَلِك الْيَوْم الْأَيَّام التِّسْعَة الَّتِي كَانَت الْمَرْأَة فِيهَا طَاهِرا حيضا وَحكمه عَلَيْهَا غير حكم الْحيض هَل رَأَيْتُمْ دَمًا لَيْسَ بحيض يَجْعَل غَيره حيضا لَيْسَ هَذَا بِشَيْء إِنَّمَا الْحيض إِذا كَانَ الدمَان كِلَاهُمَا حيضا فِي أول ذَلِك وَآخره وَإِن كَانَ بَينهمَا طهر أَيَّام مثلهَا أَو أقل جعلنَا ذَلِك كُله حيضا وَإِن لم تَرَ فِيهِ الدَّم لِأَن الْمَرْأَة الْحَائِض لَا ترى الدَّم سَائِلًا أبدا يسيل مرّة وَيَنْقَطِع مرّة فَإِذا كَانَ أول دَمهَا حيضا وَآخره حيضا كَانَت الْأَيَّام كلهَا حيضا وَإِذا كَانَ(1/464)
أول الدَّم حيضا وَآخره اسْتِحَاضَة أَو أَوله لَيْسَ بحيض وَآخره لَيْسَ بحيض لم يكن بَينهمَا حيض أبدا وَكَذَلِكَ إِن كَانَ أَوله لَيْسَ بحيض وَآخره حيضا لم تكن تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي لم تَرَ فِيهَا الدَّم حيضا
وَإِذا بلغت الْمَرْأَة مبلغ النِّسَاء وَلم تَحض فرأت الدَّم يَوْمًا وَاحِدًا ثمَّ انْقَطع ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْهُ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع فَإِن قِيَاس قَول أبي يُوسُف فِي ذَلِك أَن الْيَوْم الأول وَالثَّمَانِيَة الطُّهْر وَالْيَوْم الْعَاشِر الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم حيض كُله واليومان الْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم فَهِيَ فيهمَا مُسْتَحَاضَة وَقَالَ مُحَمَّد الْأَيَّام الثَّلَاثَة الْأَوَاخِر حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَإِن كَانَت أول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع الدَّم تِسْعَة أَيَّام كَمَال الْعشْرَة ثمَّ رَأَتْ الدَّم ثَلَاثَة أَيَّام مُسْتَقْبلَة ثمَّ انْقَطع فَإِن قِيَاس قَول أبي يُوسُف فِي ذَلِك أَن الْيَوْم الأول الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم والتسعة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر حيض كُله وَالثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم اسْتِحَاضَة تَغْتَسِل عِنْد مُضِيّ الْعشْرَة وتتوضأ لكل وَقت وتصلى وَأما فِي قَول مُحَمَّد فَإِن الْأَيَّام الثَّلَاثَة الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم أخيرا هِيَ الْحيض تدع فِيهَا الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْيَوْم الأول الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم اسْتِحَاضَة تَصُوم فِيهِ وَتصلي ويأتيها زَوجهَا(1/465)
وَإِذا بلغت الْمَرْأَة مبلغ النِّسَاء وَلم تَحض فرأت الدَّم أول مَا رَأَتْهُ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع عَنْهَا سَبْعَة أَيَّام كَمَال الْعشْرَة ثمَّ رَأَتْهُ الْيَوْم الْحَادِي عشر ثمَّ انْقَطع فَإِن أَبَا يُوسُف قَالَ فِي هَذِه الثَّلَاثَة الأول والسبعة الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر حيض كُله وَالْيَوْم الْحَادِي عشر الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم اسْتِحَاضَة وَأما فِي قَول مُحَمَّد فالثلاث الأول الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة كُله لِأَن الدَّم الَّذِي رَأَتْهُ فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر دم اسْتِحَاضَة فَلَا يَجْعَل تِلْكَ السَّبْعَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر حيضا وَلَو كَانَت الْمَرْأَة أول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْهُ أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع خَمْسَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمَيْنِ ثمَّ انْقَطع فَإِن قَول أبي يُوسُف إِن الْأَيَّام الأول والخمسة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر وَالْيَوْم الْعَاشِر الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم حيض كُله وَالْيَوْم الْحَادِي عشر الَّذِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم اسْتِحَاضَة تَصُوم فِيهِ وَتصلي ويأتيها زَوجهَا فَكَذَلِك قَول مُحَمَّد فِي هَذَا أَيْضا لِأَن الْيَوْم الْعَاشِر رَأَتْ فِيهِ دَمًا فَكَانَ ذَلِك الدَّم حيضا فَيصير الطُّهْر الَّذِي قبله حيضا
- بَاب مَا يخْتَلف فِيهِ الْحيض وَالطُّهْر من الْمَرْأَة الَّتِي لم يكن لَهَا أَيَّام مَعْرُوفَة
-
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِذا بلغت الْمَرْأَة مبلغ النِّسَاء وَلم تَحض ثمَّ(1/466)
اسْتمرّ بهَا الدَّم فرأت يَوْمًا دَمًا وَيَوْما طهرا حَتَّى أَتَى عَلَيْهَا ثَلَاثَة أشهر ثمَّ انْقَطع عَنْهَا فَإِن أَبَا يُوسُف قَالَ عشرَة أَيَّام من أول دَمهَا حيض وَعِشْرُونَ طهر وَقَالَ مُحَمَّد تِسْعَة أَيَّام من أول مَا رَأَتْ الدَّم حيض وَوَاحِد وَعِشْرُونَ طهر وتسع حيض وَوَاحِد وَعِشْرُونَ طهر وَلَا يكون الْيَوْم الْعَاشِر حيضا لِأَنَّهَا رَأَتْ فِيهِ الطُّهْر وَلم يكن فِي الْيَوْم الَّذِي بعده حيض فنصيره حيضا
وَلَو كَانَت رَأَتْ يَوْمَيْنِ حيضا ويومين طهرا حَتَّى أَتَت عَلَيْهَا ثَلَاثَة أشهر كَانَت عشرَة من أول مَا رَأَتْ الدَّم حيضا وَعِشْرُونَ طهرا وَعشرَة حيضا وَعِشْرُونَ طهرا وَعشرَة حيضا وَعِشْرُونَ طهرا فِي قَول أبي يُوسُف وَأما فِي قَول مُحَمَّد فعشرة أَيَّام من أول دَمهَا حيض وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا طهر وَسِتَّة أَيَّام بعد ذَلِك حيض وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا طهر وَعشرَة أَيَّام حيض وَمَا بَقِي طهر
وَلَو كَانَت رَأَتْ ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا حَتَّى أَتَت عَلَيْهَا ثَلَاثَة أشهر كَانَ فِي قَول أبي يُوسُف عشرَة أَيَّام حيضا وَعِشْرُونَ طهرا وَعشرَة أَيَّام حيضا وَعِشْرُونَ طهرا وَعشرَة أَيَّام حيضا وَعِشْرُونَ طهرا وَفِي قَول مُحَمَّد تِسْعَة حيض وَوَاحِد وَعِشْرُونَ طهر حَتَّى تَأتي على الثَّلَاثَة الْأَشْهر
وَلَو رَأَتْ أَرْبَعَة أَيَّام دَمًا وَأَرْبَعَة أَيَّام طهرا كَانَ هَذَا فِي قَول(1/467)
أبي يُوسُف عشرَة حيضا وَعِشْرُونَ طهرا حَتَّى تَأتي على الثَّلَاثَة الْأَشْهر وَفِي قَول مُحَمَّد عشرَة من أول مَا رَأَتْ الدَّم حيض وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا طهر وَأَرْبَعَة حيض وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ طهر وَأَرْبَعَة حيض وَمَا بَقِي طهر
وَلَو كَانَت رَأَتْ خَمْسَة دَمًا وَخَمْسَة طهرا وَخَمْسَة دَمًا وَخَمْسَة طهرا حَتَّى أَتَت عَلَيْهَا ثَلَاثَة أشهر كَانَت عشرَة من أول مَا رَأَتْ الدَّم فِي قَول أبي يُوسُف عشرَة حيضا وَعِشْرُونَ طهرا وَعشرَة حيضا وَعِشْرُونَ طهرا وَعشرَة حيضا وَعِشْرُونَ طهرا وَأما فِي قَول مُحَمَّد فخمسة حيض وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ طهر وَخَمْسَة حيض وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ طهر وَخَمْسَة حيض وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ طهر حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهَا الثَّلَاثَة الْأَشْهر وَكَيف تكون الْخَمْسَة الَّتِي لم تَرَ فِيهَا الدَّم حيضا وَهِي لم تَرَ بعْدهَا فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر إِلَّا دم اسْتِحَاضَة وَدم الِاسْتِحَاضَة طهر فَكيف يكون مَا لم تَرَ فِيهِ دَمًا حيضا وَهِي لم تَرَ بعْدهَا حيضا
فَإِن كَانَت أول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْ سِتَّة أَيَّام دَمًا وَسِتَّة طهرا(1/468)
وَسِتَّة أَيَّام دَمًا وَسِتَّة طهرا وَسِتَّة دَمًا وَسِتَّة طهرا حَتَّى أَتَى ذَلِك على ثَلَاثَة أشهر كَانَ عشرَة من أول مَا رَأَتْ الدَّم فِيهِ حيضا وَمَا لم تَرَ فِيهِ الدَّم فِي قَول أبي يُوسُف عشرُون طهر وَعشرَة حيض وَعِشْرُونَ طهر وَأما فِي قَول مُحَمَّد فستة أَيَّام من أول مَا رَأَتْ الدَّم حيض وَثَلَاثُونَ طهر وَسِتَّة حيض وَثَمَانِية عشر يَوْمًا طهر وَسِتَّة أَيَّام حيض وَمَا بَقِي طهر لِأَنَّهَا حِين لم تَرَ الدَّم فِي أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة الأولى فِي الْحَيْضَة الثَّانِيَة وَرَأَتْ الطُّهْر أَيَّامهَا كلهَا لم يكن ذَلِك حيضا فَصَارَت السِّت الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم بعد أَيَّامهَا الَّتِي طهرتها فِي الْحيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة
- بَاب الْمَرْأَة يكون حَيْضهَا مَعْرُوفا فيزيد أَو ينقص
-
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِذا كَانَت الْمَرْأَة تحيض فِي أول كل شهر خَمْسَة أَيَّام حيضا مَعْرُوفا فَحَاضَت مرّة أَرْبَعَة ايام فِي أول الشَّهْر ثمَّ انْقَطع الدَّم خَمْسَة أَيَّام ثمَّ حَاضَت يَوْمًا بعد ذَلِك تَمام الْعشْرَة فَهَذَا حيض كُله فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِن رَأَتْ الدَّم ثَلَاثَة أَيَّام فِي أول الشَّهْر ثمَّ انْقَطع تِسْعَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن الْحيض الثَّلَاثَة الْأَيَّام الأول وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة فِي قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف خَمْسَة أَيَّام من أول الشَّهْر حيض الْأَيَّام الثَّلَاثَة الأول الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم ويومين(1/469)
من أَيَّام طهرهَا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَقَالَ مُحَمَّد وَكَيف يكون اليومان اللَّذَان رَأَتْ فيهمَا الطُّهْر حيضا وَهِي لم تَرَ بعدهمَا دَمًا يكون حيضا إِنَّمَا رَأَتْ دَمًا يكون اسْتِحَاضَة فَذَلِك الدَّم لَا يَجْعَل الطُّهْر حيضا
فَإِن كَانَ حَيْضهَا من أول الشَّهْر خَمْسَة أَيَّام فرأت الدَّم ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع خَمْسَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع فَإِن الْحيض الثَّلَاثَة الْأَيَّام الأول وَلَا يكون شَيْء مِمَّا سوى ذَلِك حيضا فِي قَول مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف خَمْسَة من أول الشَّهْر الثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم ويومان بعد ذَلِك حيض كُله فَإِن كَانَت صَامت فِي ذَيْنك الْيَوْمَيْنِ من أَمر وَاجِب عَلَيْهَا فلتقضه لِأَن الْخَمْسَة من أول الشَّهْر كَانَت أَيَّام حَيْضهَا فَهِيَ حيض كلهَا وَقَالَ مُحَمَّد لَا يكون اليومان اللَّذَان طهرت فيهمَا حيضا لِأَنَّهَا لم تَرَ بعدهمَا دَمًا يكون حيضا أَرَأَيْت لَو لم تَرَ الدَّم فِي هَذِه الْأَيَّام الثَّلَاثَة الْأَوَاخِر أَكَانَ يكون ذَانك اليومان حيضا قَالَ لَا إِنَّمَا ذَانك اليومان حيض إِذا رَأَتْ فِي هَذِه الثَّلَاثَة الْأَيَّام الْأَوَاخِر دَمًا قَالَ أَرَأَيْت الْيَوْم فِي هَذِه الْأَيَّام الثَّلَاثَة أحيض هُوَ قَالُوا لَا قَالَ وَتصلي فِيهِ وتصوم ويأتيها زَوجهَا لِأَنَّهَا فِيهِ بِمَنْزِلَة الطَّاهِر قَالُوا نعم قَالَ فَكيف يصير(1/470)
هَذَا الدَّم وَهُوَ غير حيض يَوْمَيْنِ لم تَرَ فيهمَا الدَّم حيضا لَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَلَيْسَ يكون اليومان حيضا إِلَّا ترى بعدهمَا دَمًا فَيكون حيضا
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا من أول الشَّهْر خَمْسَة أَيَّام فرأت فِي أول الشَّهْر يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ دَمًا ثمَّ رَأَتْ الْيَوْم الْعَاشِر وَالْيَوْم الْحَادِي عشر دَمًا ثمَّ انْقَطع الدَّم بعد ذَلِك قَالَ مُحَمَّد لَا يكون شَيْء من هَذَا الدَّم حيضا لِأَن الدَّم الثَّانِي اسْتِحَاضَة فَكَأَنَّهُ طهر وَلم تَرَ الدَّم فِي أول الشَّهْر فِي أَيَّام حَيْضهَا إِلَّا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ فَلَا يكون ذَلِك حيضا لِأَن الْحيض لَا يكون أقل من ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ أَبُو يُوسُف خمس من أول الشَّهْر حيض مَا رَأَتْ فِيهِ الدَّم وَمَا لم تَرَ فِيهِ
وَلَو كَانَت رَأَتْ الْيَوْم الْعَاشِر وَالْيَوْم الْحَادِي عشر وَالْيَوْم الثَّانِي عشر دَمًا وَرَأَتْ فِي أول الشَّهْر دَمًا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ فَإِن مُحَمَّدًا قَالَ فِي ذَلِك مَا رَأَتْ فِيهِ الدَّم فِي أول الشَّهْر اسْتِحَاضَة تقضي صلَاتهَا ويجزيها صَومهَا إِن كَانَت صَامت وَهَذِه الثَّلَاثَة الْأَيَّام الْأُخَر حيض إِن كَانَ بَينهَا(1/471)
وَبَين الدَّم الَّذِي يحدث بعد هَذَا خمس عشرَة لَيْلَة طهرا لِأَن هَذَا حيض منتقل وَقَالَ أَبُو يُوسُف هَذِه الْأَيَّام الْآخِرَة الثَّلَاثَة اسْتِحَاضَة وَخَمْسَة أَيَّام من أول الشَّهْر حيض وَإِن لم تكن رَأَتْ الدَّم من ذَلِك فِي أول الشَّهْر إِلَّا سَاعَة من نَهَار وَقَالَ مُحَمَّد كَيفَ يكون الطُّهْر حيضا بساعة من نَهَار رَأَتْ فِيهِ الدَّم وَالدَّم الْمَعْرُوف الَّذِي يشبه الْحيض لَيْسَ بحيض يَنْبَغِي لمن قَالَ هَذَا أَن يَقُول لَو أَن هَذِه الْمَرْأَة ثبتَتْ على هَذَا عشْرين سنة من عمرها ترى فِي أول الشَّهْر الدَّم سَاعَة من نَهَار ثمَّ يَنْقَطِع ثمَّ ترَاهُ الْيَوْم الْعَاشِر وَالْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر وَالرَّابِع عشر حَتَّى ترَاهُ خَمْسَة أَيَّام فَكَانَت ترى الدَّم هَكَذَا فِي كل شهر أول الشَّهْر سَاعَة وَخَمْسَة أَيَّام على هَذِه الصّفة لَكَانَ الْحيض فِي قَوْله الْخَمْسَة الأولى من الشَّهْر الَّتِي(1/472)
رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر إِلَّا سَاعَة حيض وَهَذِه الْخَمْسَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم طهر كلهَا تَصُوم فِيهَا وَتصلي ويأتيها زَوجهَا لَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَالْأَمر على مَا وصفت
- بَاب مَا يخْتَلف فِيهِ الطُّهْر وَالْحيض من الْمَرْأَة الَّتِي لَهَا أَيَّام مَعْرُوفَة
-
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من أول الشَّهْر فِي كل شهر مَعْرُوف ذَلِك فرأت فِي أول الشَّهْر يَوْمًا دَمًا وَيَوْما طهرا حَتَّى ترَاهُ على ذَلِك أَكثر من عشرَة أَيَّام كَانَت الْخَمْسَة الأولى حيضا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَو رَأَتْ فِي أول يَوْم من الشَّهْر طهرا وَالثَّانِي دَمًا وَالثَّالِث طهرا وَالرَّابِع دَمًا حَتَّى ترَاهُ أَكثر من عشرَة أَيَّام فَإِن قَول مُحَمَّد فِي ذَلِك إِن الْيَوْم الأول من الشَّهْر لَيْسَ بحيض وَثَلَاثَة أَيَّام بعد الْيَوْم الأول حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف فاليوم الأول لَيْسَ بحيض وَالْأَرْبَعَة الْأَيَّام الْبَاقِيَة حيض كلهَا
وَلَو كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من أول الشَّهْر فرأت أول يَوْم حيضا وَالثَّانِي طهرا وَالثَّالِث حيضا وَالرَّابِع طهرا وَالْخَامِس حيضا وَالسَّادِس طهرا وَالسَّابِع حيضا وَالثَّامِن طهرا وَالتَّاسِع حيضا والعاشر طهرا ثمَّ انْقَطع الدَّم كَانَ الْحيض تِسْعَة أَيَّام من أول الشَّهْر وَمَا سوى ذَلِك(1/473)
طهر فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَو كَانَت رَأَتْ الطُّهْر أول يَوْم من الشَّهْر وَالثَّانِي حيضا وَالثَّالِث طهرا وَالرَّابِع حيضا وَالْخَامِس طهرا وَالسَّادِس حيضا وَالسَّابِع طهرا وَالثَّامِن حيضا وَالتَّاسِع طهرا والعاشر حيضا ثمَّ انْقَطع الدَّم فَإِن تِسْعَة من ذَلِك حيض وَالطُّهْر من ذَلِك الْيَوْم الأول لِأَنَّهَا لم تَرَ فِيهِ دَمًا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من أول الشَّهْر فرأت الدَّم قبل رَأس الشَّهْر يَوْمًا وَيَوْما طهرا وَيَوْما حيضا حَتَّى تمت لَهَا عشرَة أَيَّام لم تزد على ذَلِك شَيْئا فاليوم الَّذِي تقدم قبل أول الشَّهْر اسْتِحَاضَة وَأما الْعشْرَة الَّتِي هِيَ أول الشَّهْر فَإِن تِسْعَة أَيَّام مِنْهَا حيض وَهُوَ الْيَوْم الأول وَالثَّمَانِيَة الْأَيَّام الَّتِي بعْدهَا وَالْيَوْم الْعَاشِر الَّذِي لم تَرَ فِيهِ دَمًا وَمَا بعد ذَلِك طهر كُله وَلَو كَانَت رَأَتْ الْيَوْم الْحَادِي عشر أَيْضا دَمًا ثمَّ انْقَطع الدَّم عَنْهَا فَإِن قَول مُحَمَّد فِي ذَلِك إِن ثَلَاثَة أَيَّام من ذَلِك حيض وَهُوَ الْيَوْم الثَّالِث الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم وَالْيَوْم الرَّابِع الَّذِي لم تَرَ فِيهِ دَمًا وَالْيَوْم الْخَامِس الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة لِأَن الْيَوْم الأول الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم لم يكن دَمه حيضا وَكَانَ اسْتِحَاضَة(1/474)
فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الدَّم غير حيض كَانَ الْيَوْم الَّذِي بعده الَّذِي لم تَرَ فِيهِ الدَّم طهرا أَيْضا وَهُوَ من أَيَّام أقرائها ثمَّ رَأَتْ الدَّم الْيَوْم الثَّالِث وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام أقرائها فَهَذَا أول حَيْضهَا ثمَّ رَأَتْ الْيَوْم الرَّابِع طهرا وَهُوَ الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام أقرائها ثمَّ رَأَتْ الْيَوْم الْخَامِس دَمًا وَهُوَ الْيَوْم الرَّابِع من أَيَّام حَيْضهَا فَكَانَ ذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَانَت فِيهِ طَاهِرا فِيمَا بَين هذَيْن الْيَوْمَيْنِ حيضا لِأَن قبله حيض وَبعده دم حيض وَرَأَتْ فِي الْيَوْم السَّادِس طهرا وَهُوَ الْيَوْم الْخَامِس من أَيَّام حَيْضهَا وَلم تَرَ بعده دم حيض فَذَلِك الْيَوْم لَا يكون حيضا فَكَانَ حَيْضهَا الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام حَيْضهَا وَالْيَوْم الثَّالِث وَالرَّابِع وَمَا سوى ذَلِك مِمَّا قبله وَبعده اسْتِحَاضَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف فالخمسة الْأَيَّام الَّتِي كَانَت تحبسها فِيمَا مضى من أول الشَّهْر حيض كلهَا وَالْأَيَّام الَّتِي قبلهَا الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم وَمَا بعْدهَا اسْتِحَاضَة كلهَا وَقَالَ مُحَمَّد كَيفَ يكون الْيَوْم الأول الَّذِي من أَيَّام حَيْضهَا حيضا وَلم تَرَ فِيهِ دَمًا وَإِنَّمَا رَأَتْ الدَّم فِي يَوْم كَانَ قبله وَلم يكن ذَلِك الدَّم حيضا فَكيف يكون الْيَوْم الأول من أَيَّام حَيْضهَا الَّذِي لم تَرَ فِيهِ الدَّم حيضا وَهِي لم تَرَ قبله حيضا لَيْسَ هَذَا بِشَيْء وَلَيْسَ الْحيض إِلَّا الدَّم الَّذِي يكون حيضا وَالطُّهْر الَّذِي بَين الدمين اللَّذين يكونَانِ حيضا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة(1/475)
- بَاب الْحيض الَّذِي يكون للْمَرْأَة فِيهِ أَيَّام مَعْرُوفَة فيتقدم الدَّم أَو يتَأَخَّر
-
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فِي كل(1/476)
شهر من أول الشَّهْر مَعْرُوف ذَلِك فرأت دَمًا خَمْسَة أَيَّام قبل هَذِه الْخَمْسَة الْأَيَّام وَرَأَتْ الطُّهْر أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة وَرَأَتْ بعد ذَلِك الدَّم يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَإِن مُحَمَّدًا قَالَ الْخَمْسَة الْأَيَّام الأول حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَفِي قَول أبي يُوسُف الْحيض الْخمس الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الطُّهْر وَالْخمس الأولى الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم واليومان الْآخرَانِ اللَّذَان رَأَتْ فيهمَا الدَّم اسْتِحَاضَة قَالَ مُحَمَّد وَكَيف تكون الْأَيَّام الَّتِي لم تَرَ فِيهَا الدَّم حيضا وَالْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم طهرا أَرَأَيْتُم لَو ثبتَتْ على هَذَا عشْرين سنة أَكَانَ يكون طهرهَا حيضا ودمها طهرا لَيْسَ هَذَا بِشَيْء إِنَّمَا يكون الطُّهْر حيضا إِذا كَانَ قبله دم يكون حيضا وَبعده دم يكون حيضا فَأَما مَا سوى ذَلِك من الْأَيَّام الَّتِي لم تَرَ فِيهَا الدَّم فَلَا يكون حيضا
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من أول كل شهر فَتقدم حَيْضهَا فرأت الدَّم قبل أَيَّام حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ بعد ذَلِك يَوْمَيْنِ دَمًا من أَيَّام حَيْضهَا ثمَّ رَأَتْ ثَلَاثَة أَيَّام من أَيَّام حَيْضهَا طهرا ثمَّ رَأَتْ بعد ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا ثمَّ انْقَطع فَإِن مُحَمَّدًا قَالَ فِي ذَلِك الْخمس الأول حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة
وَلَو كَانَت رَأَتْ الدَّم الْخمس الأول ثمَّ رَأَتْ ثَلَاثَة أَيَّام من أَيَّام حَيْضهَا طهرا ثمَّ رَأَتْ يَوْمَيْنِ من أَيَّام حَيْضهَا دَمًا ثمَّ رَأَتْ بعد ذَلِك(1/477)
ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا ثمَّ انْقَطع الدَّم فَإِن مُحَمَّدًا قَالَ الْخَمْسَة الْأَيَّام الأول الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم حيض كلهَا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة لِأَن الْأَيَّام الْخَمْسَة الأول لما كَانَت حيضا كَانَ مَا بعْدهَا من أَيَّامهَا اسْتِحَاضَة وَلَو لم أجعَل الْأَيَّام الأول حيضا تكن أَيَّامهَا حيضا فَلَا بُد من أَن أجعَل الْأَيَّام الأول حيضا فَإِذا جعلت الأول حيضا كَانَ مَا بعْدهَا من أَيَّامهَا اسْتِحَاضَة لِأَنَّهَا لم تَرَ فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا فَإِذا لم تَرَ فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا فَذَلِك حيض منتقل لِأَن أقل من ثَلَاثَة أَيَّام من الدَّم لَا يكون حيضا
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من أول الشَّهْر فَتقدم حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فرأت الدَّم خَمْسَة أَيَّام قبل أَيَّام حَيْضهَا ثمَّ رَأَتْ من أَيَّام حَيْضهَا ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا ثمَّ رَأَتْ الطُّهْر يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْ بعد ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا فَصَارَ ذَلِك كُله ثَلَاثَة عشر يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَة فِي ذَلِك فِي الأول وَفِي الآخر إِلَّا الثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم فِي أَيَّام حَيْضهَا خَاصَّة وَكَذَلِكَ لَو رَأَتْ الدَّم خَمْسَة أَيَّام قبل أَيَّام حَيْضهَا ثمَّ رَأَتْ الطُّهْر يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْ الدَّم الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة من أَيَّام حَيْضهَا ثمَّ رَأَتْ دَمًا ثَلَاثَة أَيَّام أُخْرَى حَتَّى كَانَ ذَلِك كُله ثَلَاثَة عشر يَوْمًا فَجَمِيع ذَلِك اسْتِحَاضَة إِلَّا الثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم فِي أَيَّام حَيْضهَا فَإِن ذَلِك حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَهَذَا كُله قَول مُحَمَّد وَفِي قَول أبي يُوسُف أَيَّامهَا الْخَمْسَة هِيَ الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيمَا مضى هِيَ الْحيض رَأَتْ فِيهَا الدَّم أم لم تره فِي ذَلِك كُله(1/478)
- بَاب انْتِقَال الْحيض عَن أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيمَا مضى
-
قَالَ مُحَمَّد لَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا فِي أول الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام مَعْرُوف ذَلِك لَهَا فَتقدم حَيْضهَا قبل أول الشَّهْر أحد عشر يَوْمًا وطهرت أَيَّام حَيْضهَا فَلم تَرَ فِيهِ دَمًا وَلَا بعْدهَا فَإِن قِيَاس قَول أبي حنيفَة فِي ذَلِك أَن الْأَحَد عشر يَوْمًا اسْتِحَاضَة كلهَا إِلَّا أَن يعاودها الدَّم فِي مثل تِلْكَ الْحَال أحد عشر يَوْمًا أُخْرَى فَإِن عاودها الدَّم كَانَت ثَلَاثَة أَيَّام من الْأَيَّام الأول أَولهَا حيض وَثَلَاثَة أَيَّام من هَذِه الْأَحَد عشر يَوْمًا(1/479)
الْآخِرَة من أَولهَا حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَأما فِي قَول مُحَمَّد فَثَلَاثَة الْأَيَّام من الْأَحَد عشر يَوْمًا الأول من أَولهَا حيض عاودها الدَّم أَو لم يعاودها فَإِن عاودها الدَّم أَيْضا كَذَلِك فَثَلَاثَة أَيَّام من أَولهَا حيض لِأَن أَيَّامهَا لما طهرت فِيهَا مرَّتَيْنِ علمنَا أَن حَيْضهَا قد انْتقل فَصَارَ حَيْضهَا ثَلَاثَة أَيَّام من هَذِه الْأَيَّام أَولهَا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَلَا يكون حَيْضهَا أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام لِأَنَّهُ حَيْضهَا الْمَعْرُوف إِلَّا أَن ذَلِك تحول عَن مَوْضِعه أَلا ترى أَن امْرَأَة لَو كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فِي أول الشَّهْر فَحملت فَوضعت لعشر بَقينَ من الشَّهْر وَذَلِكَ أول مَا حبلت فَمد بهَا الدَّم سبعين يَوْمًا ثمَّ انْقَطع كَانَت أَرْبَعُونَ يَوْمًا من ذَلِك نفاسا وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ طهرا وَخَمْسَة حيض لَا يزيدها فِي الْحيض على خَمْسَة أَيَّام لِأَن حَيْضهَا كَانَ خمْسا فقد تغير عَن مَوْضِعه وَلَا يُغَيِّرهُ عَن الْخمس إِلَى الْعشْر وَلَا إِلَى غَيرهَا وَلَا يُغير طهرهَا أَيْضا عَن حَاله فَكَذَلِك الْوَجْه الأول
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فِي أول الشَّهْر فحاضتها ثمَّ مد بهَا الدَّم حَتَّى أكملت الشَّهْر ثمَّ انْقَطع الدَّم أَيَّام حَيْضهَا الأول الَّتِي(1/480)
كَانَت تجْلِس الْخَمْسَة الْأَيَّام ثمَّ مد بهَا الدَّم كَذَلِك فَإِن مُحَمَّدًا قَالَ خَمْسَة أَيَّام من الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم بعد أَيَّامهَا الَّتِي طهرتها حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة حَتَّى تَجِيء كَذَلِك مرّة أُخْرَى أَيْضا فَلَا تزَال خَمْسَة أَيَّام بعد أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة الَّتِي طهرتها حيض وَمَا سوى ذَلِك لَيْسَ بحيض من الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم والخمسة الْأَيَّام الَّتِي طهرت فِيهَا وَلَا يكون الْأَيَّام الَّتِي طهرت فِيهَا حيضا وَهِي لم تَرَ فِيهَا دَمًا وَقَالَ فِي قِيَاس قَول أبي يُوسُف فَكل شَيْء رَأَتْ الدَّم فَهُوَ اسْتِحَاضَة والخمسة الْأَيَّام الَّتِي طهرت فِيهَا هِيَ الْحيض فَإِن كَانَت كَذَلِك عشْرين سنة أَو ثَلَاثِينَ سنة فَمَا رَأَتْ فِيهِ الدَّم فَهُوَ طهر فِي قِيَاس قَول أبي يُوسُف تَصُوم فِيهِ وَتصلي ويأتيها زَوجهَا والخمسة الْأَيَّام الَّتِي لم تَرَ فِيهَا الدَّم وَهِي فِيهَا حَائِض لَا تَصُوم فِيهَا وَلَا تصلي وَلَا يَأْتِيهَا زَوجهَا
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فِي أول كل شهر فَتقدم حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام وطهرت أَيَّامهَا فَإِن هَذَا فِي قَول مُحَمَّد حيض وأيامها طهر فَإِن رَأَتْ فِي الْحَيْضَة الثَّانِيَة الدَّم الْخَمْسَة الْأَيَّام الَّتِي تقدّمت وأيامها الأول وَزِيَادَة يَوْم آخر كَانَت مُسْتَحَاضَة فِي الْأَيَّام الْخَمْسَة الْمُتَقَدّمَة وَفِي الْيَوْم الْمُتَأَخر عَن أَيَّام حَيْضهَا الأول وَكَانَ أَيَّام حَيْضهَا من تِلْكَ هِيَ الْأَيَّام(1/481)
الأول الَّتِي كَانَت تقعد وَلَو كَانَت رَأَتْ الدَّم فِي الْخَمْسَة الْأَيَّام الْمُتَقَدّمَة مرَّتَيْنِ وطهرت أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة وَمَا بعْدهَا ثمَّ إِنَّهَا بعد ذَلِك رَأَتْ الدَّم الْخَمْسَة الْأَيَّام الْمُتَقَدّمَة والخمسة الْأَيَّام الَّتِي كَانَت ترى فِيهَا الدَّم فِيمَا مضى وَزِيَادَة يَوْم آخر فَإِن الْحيض من ذَلِك الْخَمْسَة الْأَيَّام الْمُتَقَدّمَة وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة لِأَن الدَّم عاودها فِي تِلْكَ الْأَيَّام مرَّتَيْنِ وَكَانَت أَيَّام حَيْضهَا طَاهِرا مرَّتَيْنِ فانتقل حَيْضهَا من أَيَّامهَا الأول إِلَى هَذِه الْخَمْسَة الْأَيَّام الْمُتَقَدّمَة
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من أول الشَّهْر فِي كل شهر فَانْقَطع الدَّم عَنْهَا شهرا لم تَرَ فِيهِ دَمًا فِي أَيَّام حَيْضهَا وَلَا فِي غَيرهَا فَلَمَّا كَانَ الشَّهْر الثَّانِي رَأَتْ الدَّم قبل أَيَّام حَيْضهَا بِخَمْسَة أَيَّام وَأَيَّام حَيْضهَا الْخَمْسَة وَزِيَادَة يَوْم فرأت الدَّم أحد عشر يَوْمًا فَإِن أَيَّامهَا الْخَمْسَة الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيمَا مضى هِيَ الْحيض وَمَا سوى ذَلِك مِمَّا تقدم أَو تَأَخّر اسْتِحَاضَة وَلَو أَنَّهَا طهرت أَيَّام حَيْضهَا الْمَعْرُوفَة مرَّتَيْنِ فَلم تَرَ فِيهَا وَلَا فِي غَيرهَا دَمًا فَانْقَطع الدَّم عَنْهَا شَهْرَيْن ثمَّ رَأَتْ الدَّم قبل أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة بِخَمْسَة أَيَّام ورأته أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة الْخَمْسَة أَيْضا ورأته زِيَادَة يَوْم فرأته أحد عشر يَوْمًا كَانَت خَمْسَة أَيَّام من أول هَذِه الْأَيَّام حيضا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة لِأَنَّهَا إِذا طهرت أَيَّام حَيْضهَا مرَّتَيْنِ فقد بطلت تِلْكَ الْأَيَّام من أَن تكون حَيْضهَا فأيام حَيْضهَا أول خَمْسَة أَيَّام ترى فِيهَا الدَّم وَمَا سوى ذَلِك(1/482)
اسْتِحَاضَة أَلا ترى أَنَّهَا لَو حبلت ثمَّ وضعت فأرضعت فَلم تَرَ حَيْضهَا فِي رضاعها كُله حَتَّى فطمت ثمَّ رَأَتْ الدَّم فَمد بهَا أشهرا أَن خَمْسَة أَيَّام من أول مَا رَأَتْ الدَّم حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة حَتَّى يمر بهَا تَمام شهر من حِين رَأَتْ الدَّم ثمَّ تكون خَمْسَة أَيَّام حيضا فَتكون كَذَلِك أبدا وَهُوَ حيض منتقل عَن الأول فَكَمَا تنقله بِرُؤْيَة الدَّم فِي غَيره مرَّتَيْنِ فَكَذَلِك تنقله بِرُؤْيَة الدَّم من أَن تكون حيضا بِالطُّهْرِ فِيهِ مرَّتَيْنِ رَأَتْ الدَّم فِي غَيره أَو لم تَرَ وَلكنه لَا ينْتَقل أَن يكون خمْسا خمْسا كَمَا كَانَ وَلكنه ينْتَقل من مَوضِع إِلَى مَوضِع لِأَن الْحيض يرفعهُ الْحَبل وَيَرْفَعهُ الرَّضَاع وَيَرْفَعهُ الرّيح ثمَّ يذهب الَّذِي رَفعه فَيَعُود فَإِذا عَاد كَانَ حَيْضهَا من يَوْم يعود وَلم تنْتَظر بهَا الْأَيَّام الَّتِي كَانَت تجلسها وَإِنَّمَا عَاد الْحيض الَّذِي كَانَ فَهُوَ على الْخَمْسَة أبدا حَتَّى تزيد على الْخَمْسَة مرَّتَيْنِ بِصِحَّة فَيكون قد تحول عَن الْخَمْسَة أَيْضا إِلَى غَيرهَا فَإِذا لم تزد على الْخَمْسَة فَإِنَّمَا عَاد فِي غير الْأَيَّام الَّتِي كَانَت تجلسها لِأَن الَّذِي منعهَا من الْحيض الْحَبل وَالرّضَاع وَالْمَرَض وَالرِّيح ثمَّ ذهب عَنْهَا فِي غير وَقتهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس فَعَاد ذَلِك الْحيض الَّذِي كَانَ ذهب فِي غير وَقتهَا على مَا كَانَ عَلَيْهِ من عدد(1/483)
هَذِه الْأَيَّام وَالطُّهْر
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من كل شهر فِي أول الشَّهْر فطهرت أَيَّامهَا الْخَمْسَة وَرَأَتْ الدَّم خَمْسَة بعْدهَا ثمَّ انْقَطع الدَّم فَإِنَّهَا فِي هَذِه الْخَمْسَة حَائِض وَلم ينْتَقل حَيْضهَا إِلَيْهَا بعد فان عَاد الشَّهْر الثَّانِي فطهرت الْخَمْسَة الأول الَّتِي كَانَت تحيض فِيهَا وخمستها هَذِه الَّتِي حاضتها فِي الشَّهْر الأول ثمَّ مد بهَا الدَّم أشهرا فان خَمْسَة أَيَّام من أول مَا رَأَتْ هَذَا الدَّم الآخر حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة حَتَّى يتم لَهَا شهر مُنْذُ رَأَتْ الدَّم الآخر ثمَّ تكون حَائِضًا خمْسا فَيكون هَذَا دأبها لِأَنَّهَا قد طهرت فِي أَيَّامهَا الأول مرَّتَيْنِ فَصَارَت لَيست لَهَا بأيام وَلم تَرَ الدَّم فِي أَيَّامهَا الثَّانِيَة مرَّتَيْنِ فَيكون حيضا انْتقل إِلَيْهَا فأيامها خَمْسَة أَيَّام من أول يَوْم من دَمهَا هَذَا الآخر
وَكَذَلِكَ لَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا الْمَعْرُوف خَمْسَة أَيَّام من أول الشَّهْر فطهرت تِلْكَ الْخَمْسَة الْأَيَّام مرّة فَلم تَرَ فِيهَا دَمًا ثمَّ رَأَتْ بعْدهَا أحد عشر يَوْمًا حيضا جعلنَا خَمْسَة أَيَّام من هَذِه الْأَيَّام حَيْضهَا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة فَإِذا طهرت أَيَّامهَا الْخَمْسَة فِي الشَّهْر الثَّانِي أَيْضا ثمَّ رَأَتْ أحد عشر يَوْمًا دَمًا كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة من أول هَذَا الدَّم وَقد انْتقل حَيْضهَا من الْخَمْسَة الْأَيَّام الأول فَصَارَت لَيست لَهَا بأيام حيض فان مد بهَا الدَّم بعد ذَلِك شهرا فرأت الدَّم تِلْكَ الْخَمْسَة الْأَيَّام الَّتِي كَانَت تجْلِس وَفِي غَيرهَا فخمسة أَيَّام من(1/484)
أول الْأَحَد عشر يَوْمًا الَّتِي حاضتها فِي تِلْكَ الْمَرَّتَيْنِ حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة إِذا طهرت فِي خمسها الَّتِي كَانَت تحيض فِيمَا مضى مرَّتَيْنِ وَلَا أُبَالِي إِلَى دم فَاسد انْتَقَلت أَو إِلَى دم جَائِز خَمْسَة أَيَّام من الدَّم الْفَاسِد الَّذِي انْتَقَلت إِلَيْهِ من أَولهَا حيضا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا أَرْبَعَة أَيَّام من أول الشَّهْر كل شهر فَحَاضَت أَرْبَعَة أَيَّام من أول الشَّهْر ثمَّ طهرت خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ الدَّم أحد عشر يَوْمًا فَصَارَ ذَلِك كَمَال الشَّهْر ثمَّ طهرت أَيَّامهَا الْأَرْبَعَة فَإِن أَرْبَعَة أَيَّام من أول الْأَحَد عشر يَوْمًا الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَلَو كَانَت لم تطهر أَيَّامهَا الْأَرْبَعَة وَلكنهَا رَأَتْ فِيهَا الدَّم مَعَ الْأَحَد عشر يَوْمًا الأول أَو رَأَتْ فِي ثَلَاثَة أَيَّام مِنْهَا فالأيام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم فِي أَيَّام حَيْضهَا هَذِه الْأَرْبَعَة الْآخِرَة حيض وَمَا سوي ذَلِك مِمَّا رَأَتْ فِيهِ الدَّم من الْأَحَد عشر يَوْمًا الْمُتَقَدّمَة اسْتِحَاضَة وَلَو كَانَت رَأَتْ الدَّم فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين من الْأَرْبَعَة الْأَيَّام أَيَّام حَيْضهَا الْآخِرَة أَو فِي الْيَوْمَيْنِ الآخرين لم يكن ذَلِك حيضا وَكَانَت أَرْبَعَة أَيَّام من أول الْأَحَد عشر الأول هِيَ الْحيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَهَذَا قَول مُحَمَّد وَأما فِي قَول أبي يُوسُف فَإِذا رَأَتْ الدَّم فِي الْيَوْمَيْنِ الآخرين من الْأَرْبَعَة الْأَيَّام الْآخِرَة أَيَّام حَيْضهَا وَرَأَتْ الطُّهْر فِي الْيَوْمَيْنِ(1/485)
الْأَوَّلين مِنْهَا فالأربعة كلهَا حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا أَرْبَعَة أَيَّام من أول كل شهر فرأت الدَّم أَرْبَعَة أَيَّام من أول الشَّهْر ثمَّ مد بهَا الدَّم حَتَّى مر الشَّهْر ثمَّ انْقَطع أَيَّام حَيْضهَا وَبعد ذَلِك فَهَذِهِ مُسْتَحَاضَة فِيمَا زَاد على الْأَرْبَعَة الْأَيَّام الأول لِأَن الدَّم كَانَ مَوْصُولا وَلم يكن بَينه وَبَين أَيَّام حَيْضهَا طهر خَمْسَة عشر يَوْمًا فَكَانَ ذَلِك دَمًا فَاسِدا وَكَانَت اسْتِحَاضَة كلهَا فَإِن طهرت أَيَّامهَا هَذِه الْأَرْبَعَة الثَّانِيَة ثمَّ رَأَتْ الدَّم بعد ذَلِك فَمد بهَا الدَّم أحد عشر يَوْمًا فَإِن أَرْبَعَة أَيَّام من هَذِه الْأَحَد عشر يَوْمًا حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة فِي قَول مُحَمَّد لِأَن أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة لما طهرت فِيهَا كَانَت أَرْبَعَة أَيَّام مِنْهَا من الدَّم الَّذِي رَأَتْهُ بعْدهَا حيضا وَفِي قَول أبي يُوسُف أَيَّامهَا الْأَرْبَعَة الَّتِي طهرت فِيهَا فَلم تَرَ فِيهَا دَمًا هِيَ أَيَّام الْحيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا أول الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر فرأت الدَّم يَوْمَيْنِ وَانْقطع يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ دَمًا فَلم تزل كَذَلِك فَإِن مُحَمَّدًا قَالَ خَمْسَة أَيَّام من كل شهر حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة لأنى لَو لم أجعَل الْيَوْمَيْنِ الرَّابِع وَالْخَامِس حيضا لم يكن مَا قبلهمَا حيضا فأجعلهما وَمَا قبلهمَا حيضا لِأَنَّهَا حِين لم تَرَ فِي أَيَّامهَا من الدَّم مَا يكون حيضا وَلم ينْتَقل إِلَى(1/486)
أَيَّام مثلهَا تكون حيضا فَصَارَ الدمَان لَا يكون أَحدهمَا حيضا إِلَّا بِصَاحِبِهِ جعلناهما جَمِيعًا حيضا وَجَعَلنَا مَا سواهُمَا من الدَّم غير حيض فَكَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فِي أول كل شهر الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين وَالْيَوْم الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الطُّهْر واليومين اللَّذين رَأَتْ فيهمَا الدَّم الرَّابِع وَالْخَامِس
وَلَو رَأَتْ يَوْمَيْنِ من أول الشَّهْر حيضا وَيَوْما طهرا ثمَّ مد بهَا الدَّم شهرا كَانَت ثَلَاثَة أَيَّام من أول الشَّهْر غير حيض الثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي كَانَت تقعد وَثَلَاثَة أَيَّام بعْدهَا من الْيَوْم الثَّانِي حيض لِأَنَّهَا حِين لم تَرَ فِي أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تقعد من الدَّم مَا يكون حيضا وَرَأَتْ بعْدهَا دَمًا مُتَّصِلا مثله يكون حيضا دون الدَّم الَّذِي قبله كَانَ هَذَا حيضا مَكَان الْحيض الأول فَكَانَ ثَلَاثَة أَيَّام من أول الدَّم الثَّانِي حيضا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَهَذَا قَول مُحَمَّد
وَلَو أَنَّهَا رَأَتْ فِي أول الشَّهْر يَوْمًا حيضا وَيَوْما طهرا ثمَّ رَأَتْ ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا ثمَّ انْقَطع كَانَ ذَلِك كُله حيضا فَإِن مد بهَا الدَّم كَانَت ثَلَاثَة أَيَّام من أول الدَّم الثَّانِي وَالْيَوْم الرَّابِع وَالْخَامِس وَالَّذِي وصفت لَك فِي الْمَسْأَلَة الأولى لما لم تكن الثَّلَاثَة الْأَيَّام الأول حيضا إِلَّا بهما لم يَكُونَا حيضا إِلَّا بِمَا قبلهمَا فَكَانَا هما وَالْأَيَّام الثَّلَاثَة الأول حيضا كُله
وَلَو كَانَت أَيَّامهَا أَرْبَعَة أَيَّام من أول الشَّهْر فرأت ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا(1/487)
ثمَّ طهرت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْ دَمًا فَمد بهَا الدَّم أَكثر من عشرَة أَيَّام فَثَلَاثَة أَيَّام من أول ذَلِك حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة فِي قَول مُحَمَّد
- بَاب الْمَرْأَة يمد بهَا الدَّم فَلَا تَدْرِي أَي أَيَّامهَا كَانَت أَيَّام حَيْضهَا
-
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي امْرَأَة كَانَت تحيض فِي كل شهر حَيْضَة فاستحيضت فطبقت بَين القرءين جَمِيعًا ونسيت أَيَّام أقرائها فِي عدد الْأَيَّام والموضع الَّذِي كَانَت تحيض فِيهِ فَإِنَّهَا تمْضِي على اكثر رأيها وظنها فِي ذَلِك لِأَن أَكثر الرَّأْي يجوز فِي الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة إِذا دخل فِيهَا الشَّك وَفِي الْوضُوء فَكَذَلِك هَذَا فَإِذا لم يكن لَهَا فِي ذَلِك رأى فَإِنَّهَا لَا تمسك عَن الصَّلَاة وَلَا عَن صَوْم وتغسل لكل صَلَاة وَلَا يَأْتِيهَا زَوجهَا لأَنا نخشى أَن يَطَأهَا وَهِي حَائِض وَهِي تعيد بعد شهر رَمَضَان من الصّيام عشْرين يَوْمًا لأَنا لَا نَدْرِي كم كَانَت أَيَّامهَا فآمرها(1/488)
بالثقة أَن لَا تدع شَيْئا من الصَّلَاة لِأَنَّهَا أَن تصلي وَهِي لَا تَدْرِي أحائض هِيَ أم طَاهِر أحب إِلَيْنَا من أَن تتْرك الصَّلَاة فِي شُبْهَة وَأما الصّيام فأمرناها بالثقة فِيهِ وَأَن لَا تفطر لِأَنَّهَا لَا تذكر أَيَّام قروئها وَقد علمنَا أَن ثَلَاثَة أَيَّام من شهر رَمَضَان لَا يجزيها فِيهَا الصَّوْم ويشك فِي السَّبْعَة أَيْضا فَهِيَ تعيد عشرَة أَيَّام لِأَن الْحَائِض تعيد الصَّوْم وَلَا تعيد الصَّلَاة فَإِذا أفطرت فلتعد فِي شَوَّال عشْرين يَوْمًا لِأَنَّهَا إِن صَامت فِي شَوَّال الْعشْرَة الأولى سوى يَوْم الْفطر أَو الْوُسْطَى أَو الآخرى فلعلها فِيهِ حَائِض فَإِن ذهبت تَصُوم فِي الشَّهْر الثَّانِي عشرَة أَيَّام فلتصمه فِي غير الْموضع الَّذِي صامته فِي شَوَّال وأوثق لَهَا أَن تَصُوم عشْرين يَوْمًا فِي شَوَّال وَإِذا علمت أَن أَيَّامهَا كَانَت ثَلَاثًا فنسيت أَيَّامهَا فَهِيَ فِي الصَّلَاة على مَا وَصفنَا وَأما الصّيام فتصوم سِتَّة أَيَّام بعد يَوْم الْفطر وَكَذَلِكَ لَو كَانَ قرؤها خمْسا أَو سبعا أعادت من الصّيام كَمَا وصفت لَك الضعْف على أَيَّام أقرائها فَإِن قَالَ قَائِل هَذِه امْرَأَة قد شدد عَلَيْهَا حِين أمرت أَن تَغْتَسِل لكل صَلَاة قيل لَهُم فقد جَاءَ عَن عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم أَنَّهُمَا كَانَا يأمران الْمُسْتَحَاضَة أَن تَغْتَسِل لكل صَلَاة(1/489)
وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يأمرها أَن تجمع بَين الظّهْر(1/490)
وَالْعصر فتغتسل فِي آخر الظّهْر غسلا فَتُصَلِّي بِهِ الظّهْر وَالْعصر ثمَّ تُؤخر الْمغرب فتفعل مثل ذَلِك فِي الْمغرب وَالْعشَاء وتغتسل للفجر غسلا وَتَفْسِير هَذَا عندنَا للَّتِي نسيت أَيَّام أقرائها وَلم يكن لَهَا فِي ذَلِك رأى لأَنا قد علمنَا أَن عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قد علمُوا أَن الْمَرْأَة إِذا طهرت أَن الْحيض لَا يرجع إِلَيْهَا من الْغَد وَلَا من الْيَوْم الثَّانِي حَتَّى تعود عَلَيْهَا أَيَّامهَا أَو يَجِيء من ذَلِك مَا يعلم أَنه حيض فَإِن كَانَ عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالُوا بذلك فِي الْمُسْتَحَاضَة الَّتِي علمُوا أَنَّهَا لَيست بحائض فَذَلِك أَحْرَى أَن يُقَال فِيمَا أشكل فَلم يدر أحيض هُوَ أَو لَا أَن تَغْتَسِل لكل صَلَاة
وَإِن كَانَ حيض الْمَرْأَة ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَعلمت أَنَّهَا كَانَت ترى الثَّلَاث فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من الشَّهْر بعد الْعشْرين وَلكنهَا لَا تَدْرِي أَي الْعشْر كَانَت ترى وَلَا رأى لَهَا فِي ذَلِك فَإِنَّهَا بعد الْعشْرين تتوضأ لكل صَلَاة وَتصلي فَإِذا جَاوَزت ثَلَاثَة أَيَّام اغْتَسَلت لكل صَلَاة حَتَّى يتم لَهَا(1/491)
عشر من أول الْعشْرين فَإِذا تمّ الشَّهْر اغْتَسَلت ثمَّ تتوضأ بعد ذَلِك لكل صَلَاة حَتَّى تَأتي على الْعشْرين وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْعشْرَة الأولى وَالْوُسْطَى إِذا كَانَت تذكر أَنَّهَا كَانَت فِي شَيْء مِنْهَا على مَا ذكرنَا
وَإِن كَانَ قرؤها أَرْبعا من الْعشْر الْأَوَاخِر لَا تَدْرِي مَتى كَانَت فَإِنَّهَا تصلي أَرْبَعَة أَيَّام تتوضأ لكل صَلَاة ثمَّ تَغْتَسِل لكل صَلَاة إِلَى تَمام الْعشْرَة وَكَذَلِكَ الْخمس
فَأَما إِذا كَانَ قرؤها سِتَّة فَإِنَّهَا تتوضأ لكل صَلَاة أَرْبَعَة أَيَّام وَتمسك عَن الصَّلَاة يَوْمَيْنِ لأَنا قد استيقنا أَن الْيَوْمَيْنِ حيض لِأَن الْيَوْمَيْنِ مَعَ الْأَرْبَع الأول سِتَّة وَمَعَ الْأَرْبَع الْأَوَاخِر سِتَّة فقد استيقنا أَن الْيَوْمَيْنِ حيض ثمَّ تَغْتَسِل بعد ذَلِك لكل صَلَاة إِلَى تَمام الْعشْر وَإِذا كَانَت تذكر أَنَّهَا كَانَت تطهر فِي آخر الشَّهْر وَلَا تَدْرِي كم كَانَ أَيَّام حَيْضهَا فَإِذا جَاوَزت عشْرين يَوْمًا تَوَضَّأت لكل صَلَاة حَتَّى تَأتي على سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا فَإِذا تمّ سَبْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا أَمْسَكت عَن الصَّلَاة ثَلَاثَة أَيَّام لأَنا قد عرفنَا أَن هَذِه الْأَيَّام حيض فَإِذا تمّ الثَّلَاث اغْتَسَلت(1/492)
غسلا وَاحِدًا ثمَّ تَوَضَّأت حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى أَيَّامهَا هَذِه الثَّلَاث أَيْضا وعَلى هَذَا مَا وصفت لَك فِي الْعشْرَة الأولى وَالْوُسْطَى إِذا كَانَت تذكر أَنَّهَا كَانَت تَغْتَسِل فِي آخر الْعشْر الأولى أَو الْوُسْطَى وَإِذا كَانَت تذكر أَنَّهَا كَانَت ترى الدَّم إِذا جَاوَزت عشْرين يَوْمًا وَلَا تَدْرِي كم كَانَ أَيَّام أقرائها أمرناها أَن تمسك عَن الصَّلَاة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ تَغْتَسِل لكل صَلَاة وَتصلي أَخذنَا لَهَا بالثقة فِي الصَّلَاة فَإِنَّهَا أَن تصلي فِي حَال الشَّك خير لَهَا من أَن تدع الصَّلَاة فِي حَال الشَّك لَعَلَّهَا طَاهِر وتعيد الصّيام فِي هَذِه الْعشْرَة الْأَيَّام كلهَا وَإِذا جَاوَزت هَذِه الْعشْرَة الَّتِي كَانَت ترى فِيهَا صَامت عشرَة أَيَّام لَيْسَ عَلَيْهَا إِلَّا عشرَة أَيَّام
وَإِذا كَانَت أَيَّامهَا سَبْعَة وَلَا تَدْرِي فِي أَي الْعشْر الْأَوَاخِر هِيَ فَإِنَّهَا تصلي إِذا جَاوَزت الْعشْرين ثَلَاثَة أَيَّام تتوضأ لكل صَلَاة وَتمسك أَرْبَعَة أَيَّام عَن الصَّلَاة وَلَا تتوضأ وَلَا تَغْتَسِل ثمَّ تَغْتَسِل بعد ذَلِك لكل صَلَاة
وَإِذا كَانَ قرؤها ثَمَانِيَة أَيَّام صلت بعد الْعشْرين يَوْمَيْنِ تتوضأ لكل وَقت صَلَاة وَأَمْسَكت عَن الصَّلَاة سِتَّة أَيَّام وَاغْتَسَلت يَوْمَيْنِ لكل صَلَاة
فَإِذا كَانَ أَيَّامهَا تِسْعَة صلت يَوْمًا بعد الْعشْرين تتوضأ لكل صَلَاة(1/493)
وَأَمْسَكت ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ اغْتَسَلت يَوْمًا لكل صَلَاة وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْعشْرَة الأولى وَالْوُسْطَى إِذا كَانَت تستيقن أَنَّهَا كَانَت تحيض فِيهَا وَإِذا كَانَت تستيقن أَنَّهَا كَانَت ترى الدَّم بعد مَا كَانَت تمْضِي سَبْعَة عشر يَوْمًا من الشَّهْر وَلَا تَدْرِي كم كَانَت ترى فَكَذَلِك تصنع تصلي ثَلَاثَة أَيَّام تتوضأ لكل صَلَاة وتغتسل سَبْعَة أَيَّام لكل صَلَاة وَإِذا كَانَ عَلَيْهَا صلوَات فَائِتَة وَلَا تَدْرِي مَتى كَانَ حَيْضهَا وَهِي مُسْتَحَاضَة فَأَنَّهَا تَأْخُذ فِي قَضَائهَا فَإِن كَانَت تَسْتَطِيع أَن تصلي مَا عَلَيْهَا من الْفَوَائِت فِي يَوْم وَلَيْلَة فعلت ثمَّ تنْتَظر عشرَة أَيَّام ثمَّ تعيد من يَوْم الْأَحَد عشر لِأَن الْحيض لَا يكون أَكثر من عشرَة فيجزي عَنْهَا إِمَّا فِي الْيَوْم الأول فِي الْعشْرَة الأولى أَو فِي الْيَوْم الْحَادِي عشر فَإِن لم تستطع قضاءهن فِي يَوْم فَفِي يَوْمَيْنِ ثمَّ تعيد بعد الْعشْرَة يَوْمَيْنِ فَكَذَلِك مَا كَانَ من نَحْو ذَا فَإِذا كَانَت تعلم أَنَّهَا كَانَت ترى الدَّم يَوْم أحد وَعشْرين من الشَّهْر وَلَا تذكر أَوله وَآخره فَإِنَّهَا لَا تزَال تصلي وتتوضأ لكل صَلَاة حَتَّى تَأتي على أحد وَعشْرين ثمَّ تمسك يَوْمئِذٍ فَإِذا تمّ يَوْمهَا اغْتَسَلت وصلت ثمَّ اغْتَسَلت بعد ذَلِك لكل صَلَاة تِسْعَة أَيَّام لِأَنَّهَا لَا تذكر أَكَانَ ذَلِك(1/494)
الْيَوْم أول حَيْضهَا أَو آخِره أَو التَّاسِع أَو الثَّامِن فأخذنا لَهَا بالثقة لِأَنَّهَا قبل ذَلِك إِمَّا أَن تكون حَائِضًا أَو طَاهِرا فَإِن كَانَت طَاهِرا فَلَا غسل عَلَيْهَا وَإِن كَانَت حَائِضًا فَلَا صَلَاة عَلَيْهَا وَأما الصَّوْم فَإِذا انْسَلَخَ شهر رَمَضَان صَامت عشرَة أَيَّام وَإِذا كَانَت تذكر أَنَّهَا كَانَت ترى الدَّم فِي آخر الْعشْرَة الأولى من الشَّهْر فَهِيَ فِي حَال الصَّلَاة وَالْغسْل على مَا وصفت لَك وَأما الصَّوْم فَإِنَّهَا تعيد الصَّوْم بعد مَا تمْضِي عشرُون من الشَّهْر الدَّاخِل لِأَنَّهَا إِن صَامت الْعشْرَة الأولى من الشَّهْر لم تدر لَعَلَّهَا أَن تكون فِيهَا حَائِضًا وَإِن صَامت الْعشْرَة الْوُسْطَى فَكَذَلِك أَيْضا فَإِن كَانَ عَلَيْهَا صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين صَامت شَهْرَيْن مُتَتَابعين وشهرا أَيْضا مَعَ ذَلِك لأَنا أَخذنَا لَهَا بالثقة فَقُلْنَا أَيَّامهَا عشر عشر فعلَيْهَا عشرُون يَوْمًا فَإِذا صَامت الشَّهْر الثَّالِث فقد عرفنَا أَنه قد تمّ صَومهَا لِأَن الْحيض لَا يكون فِي الشَّهْر أَكثر من عشرَة أَيَّام
وَإِذا كَانَ قرؤها خَمْسَة أَيَّام فرأت الدَّم يَوْمَيْنِ فِي أول أَيَّامهَا ثمَّ انْقَطع عَنْهَا فرأت الطُّهْر خَمْسَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم فَإِن انْقَطع الدَّم فِي تَمام الْعشْر فَإِنَّهُ حيض كُله اليومان إِلَى الْعشْرَة وَإِن جَاوَزت الْعشْر بِيَوْم فالدم الْأَخير هُوَ الْحيض لِأَنَّهَا لم تَرَ الدَّم فِي أَيَّام حَيْضهَا ثَلَاثَة(1/495)
أَيَّام فَإِن مد بهَا الدَّم الْأَخير بعد مَا تجاوزت أَرْبَعَة ايام إِلَى تَمام الْعشْرَة أَو دون الْعشْرَة فَوق خَمْسَة أَيَّام وَزَاد على الْعشْرَة فخمسة أَيَّام من ذَلِك من أَوله حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة فَإِذا كَانَت تعلم أَنَّهَا كَانَت تحيض فِي كل شهر مرّة فِي أَوله أَو آخِره وَلَا تَدْرِي كم كَانَ حَيْضهَا وَلَا رأى لَهَا فِي ذَلِك وَلَا يدْخل شهر فِي شهر فَإِنَّهَا تُؤمر إِذا رَأَتْ غرَّة الشَّهْر أَن تتوضأ ثَلَاثَة أَيَّام لكل صَلَاة ثمَّ تَغْتَسِل سَبْعَة أَيَّام لكل صَلَاة تَمام الْعشْرَة ثمَّ تتوضأ بعد ذَلِك لكل صَلَاة حَتَّى تتمّ الْعشْرَة ثمَّ تَغْتَسِل لتَمام الشَّهْر مرّة وَاحِدَة فَهَذَا دأبها لأَنا قد علمنَا أَن الْحيض كَانَ فِي كل شهر مرّة وَلَا يكون الْحيض أَكثر من عشرَة أَيَّام وَلَا أقل من ثَلَاثَة أَيَّام وَقد استيقنا أَن الْعشْرَة الْوُسْطَى لَا تكون فِيهِنَّ حَائِضًا لِأَن حَيْضهَا فِي أول الْعشْرَة الأولى أَو فِي آخر الْعشْرَة الْآخِرَة فَإِن جَاءَت بعد الْعشْرَة الأولى من الشَّهْر تستفتي فَإِن كَانَت قد اغْتَسَلت يَوْم الْعَاشِر فَذَاك وَإِلَّا أمرناها أَن تَغْتَسِل وتعيد مَا تركت من الصَّلَاة وَبعد ثَلَاثَة أَيَّام من غرَّة الشَّهْر وَإِن كَانَت تعرف أَنَّهَا كَانَت ترى الدَّم عشرَة أَيَّام من الشَّهْر لَا تَدْرِي فِي أول الشَّهْر(1/496)
أَو آخِره فَإِنَّهَا تصلي من الْغرَّة عشرَة أَيَّام كل صَلَاة تتوضأ فَإِذا تمّ عشرَة أَيَّام اغْتَسَلت ثمَّ تتوضأ وَتصلي إِلَى تَمام الشَّهْر كل صَلَاة بِوضُوء ثمَّ تَغْتَسِل غسلا عِنْد تَمام الشَّهْر فَذَلِك دأبها لِأَنَّهَا إِن كَانَت فِي أول الشَّهْر حَائِضًا فَلَيْسَ عَلَيْهَا صَلَاة وَلَا صَوْم فأخذنا لَهَا بالثقة فِي الصَّلَاة فَلَمَّا تمّ عشرَة أَيَّام أمرناها أَن تَغْتَسِل لأَنا خشينا أَن تكون حَائِضًا وَقد استيقنا أَنَّهَا فِي الْعشْرَة الْوُسْطَى لَيست بحائض وَفِي الْعشْرَة الْأَوَاخِر إِن كَانَت تحيض فَلَا صَلَاة عَلَيْهَا وَلَا صَوْم فأخذنا لَهَا بالثقة فَلَمَّا تمّ عشرَة أَيَّام أمرناها أَن تَغْتَسِل لِأَن الْغسْل فِي آخر الشَّهْر لَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهَا لَا بُد أَن تكون فِي الْعشْرَة الأولى حَائِضًا أَو الْعشْرَة الْأَوَاخِر وَإِذا قَضَت صَوْم شهر رَمَضَان فَإِنَّهَا تقضي الْعشْرَة الْوُسْطَى من الشَّهْر الثَّانِي
وَإِذا كَانَت أَيَّامهَا خَمْسَة من أول الشَّهْر أَو آخِره فَإِنَّهَا تتوضأ لكل صَلَاة من أول الشَّهْر ثمَّ تَغْتَسِل لتَمام الْيَوْم الْخَامِس من الْعشْرَة ثمَّ تتوضأ لكل صَلَاة حَتَّى يتم الشَّهْر ثمَّ تَغْتَسِل غسلا وتعيد صَلَاة خَمْسَة أَيَّام بعد مَا تمْضِي خَمْسَة أَيَّام من أول الْعشْرَة الأولى وَإِذا كَانَت تعلم أَنَّهَا كَانَت ترى الدَّم يَوْم عشْرين من الشَّهْر وأيامها خَمْسَة(1/497)
فَإِنَّهَا تتوضأ لكل صَلَاة وَتصلي حَتَّى تتمّ تِسْعَة عشر يَوْمًا ثمَّ تمسك عَن الصَّلَاة ذَلِك الْيَوْم وتغتسل أَرْبَعَة أَيَّام لكل صَلَاة وتتوضأ بعد ذَلِك
وَإِذا كَانَ لَهَا أَيَّام مَعْلُومَة من كل شهر فَانْقَطع عَنْهَا الدَّم زَمَانا حَتَّى مَضَت أَيَّامهَا الْمَعْلُومَة مرَّتَيْنِ أَو أَكثر من ذَلِك لَا ترى فِيهَا دَمًا ثمَّ عاودها وَقد نسيت أَيَّامهَا فَإِنَّهَا تمسك عَن الصَّلَاة ثَلَاثَة أَيَّام أول مَا ترى الدَّم ثمَّ تَغْتَسِل بعد ذَلِك لكل صَلَاة سَبْعَة أَيَّام تَمام الْعشْرَة ثمَّ تتوضأ لكل صَلَاة عشْرين يَوْمًا فَذَلِك دأبها وَإِذا جَاءَت تستفتي بعد مَا رَأَتْ الدَّم عشرَة أَيَّام أَو عشْرين يَوْمًا أَو شهرا فَإِن كَانَت اغْتَسَلت بعد الثَّلَاث فقد أَصَابَت وَلَا شَيْء عَلَيْهَا وَإِن لم تكن اغْتَسَلت فعلَيْهَا أَن تَغْتَسِل وتعيد الصَّلَوَات الَّتِي زَادَت على الثَّلَاثَة الْأَيَّام الأولى فَإِن علمت أَن عدَّة أَيَّامهَا كَانَت ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو عشرا فَهِيَ فِي أول مَا ترى الدَّم حَائِض بِعَدَد تِلْكَ الْأَيَّام بعد أَن يكون قد انْقَطع الدَّم عَنْهَا كَمَا وصفت لَك وَهُوَ أول حَيْضهَا وأيامها
وَإِذا نسيت الْمُسْتَحَاضَة أَيَّامهَا فَلم تدر فِي أَي الشَّهْر كَانَت تحيض وَلَا رأى لَهَا فِي ذَلِك وَلكنهَا مستيقنة بِالطُّهْرِ ثَلَاثَة أَيَّام الْيَوْم الْعَاشِر(1/498)
وَالْيَوْم الْعشْرين وَالْيَوْم الثَّلَاثِينَ فَإِنَّهَا فِي أول الْعشْرَة الأولى تصلي ثَلَاثَة أَيَّام تتوضأ ثمَّ تَغْتَسِل بعد ذَلِك سِتَّة أَيَّام لكل صَلَاة وَتصلي الْيَوْم الْعَاشِر كل صَلَاة بِوضُوء وَالْحَادِي عشر الثَّانِي عشر الثَّالِث عشر ثمَّ تَغْتَسِل الْيَوْم الرَّابِع عشر إِلَى تَمام تِسْعَة عشر لكل صَلَاة وَتصلي ثمَّ تصلي بِوضُوء لكل صَلَاة يَوْم عشْرين وَاحِد وَعشْرين واثنين وَعشْرين وَثَلَاث وَعشْرين وتغتسل يَوْم رَابِع وَعشْرين إِلَى تَمام تسع وَعشْرين لكل صَلَاة ثمَّ تصلي يَوْم الثَّلَاثِينَ كل صَلَاة بِوضُوء فَإِن كَانَت صَامت هَذِه الْأَيَّام فعلَيْهَا إِعَادَة صِيَام تِسْعَة أَيَّام وَلَا تَدْرِي أَي التسع من الشَّهْر هِيَ فلتصم ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَمَا صلت من الْفَوَائِت فِي التسع الأولى من الْعشْرَة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة أعادته يَوْم الْعَاشِر أَو يَوْم الْعشْرين أَو يَوْم الثَّلَاثِينَ وَلَا يقربهَا زَوجهَا إِلَّا فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة الَّتِي أيقنت فِيهِنَّ بِالطُّهْرِ وَإِذا كَانَت مستيقنة أَنَّهَا كَانَت تحيض ثَلَاثًا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من الشَّهْر وَلَا تَدْرِي إِذا مضى عشرُون من الشَّهْر أَو إِذا بَقِي ثَلَاث من الشَّهْر فَإِنَّهَا تصلي بِوضُوء حَتَّى تَأتي على الْعشْرين من الشَّهْر وَتصلي أَيْضا ثَلَاثَة أَيَّام كل صَلَاة بِوضُوء وتغتسل غسلا وَاحِدًا ثمَّ تصلي بعد ذَلِك كل صَلَاة بِوضُوء أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ تصلي أَيْضا ثَلَاثَة أَيَّام كل صَلَاة بِوضُوء وتغتسل فِي آخر الشَّهْر(1/499)
وَإِذا كَانَت أَيَّامهَا ثَلَاثًا من الْعشْر الْأَوَاخِر فِي وسط الْعشْرين الثَّلَاث الأول وَالثَّلَاث الْأَوَاخِر فَإِنَّهَا بعد الْعشْرين تصلي ثَلَاثَة أَيَّام كل صَلَاة بِوضُوء لِأَنَّهَا مستيقنة بِالطُّهْرِ فِيهِنَّ وَأما يَوْم رَابِع وَعشْرين فَهِيَ فِيهِ شاكة تصلي بِوضُوء لكل صَلَاة وَتَدَع الصَّلَاة يَوْم خَامِس وسادس وَعشْرين لِأَنَّهَا مستيقنة بِالْحيضِ فيهمَا ثمَّ تَغْتَسِل يَوْم سَابِع وَعشْرين لكل صَلَاة لِأَنَّهَا إِذا كَانَت يَوْم رَابِع وَعشْرين حَائِضًا فقد تمّ لَهَا ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا بُد لَهَا من الْغسْل وَإِن كَانَت طَاهِرا فَهَذَا الْيَوْم من أَيَّامهَا وَلم يجزها ذَلِك الْغسْل فأخذنا بالثقة فِي هَذَا الْيَوْم كَمَا أَخذنَا فِي الْأَرْبَع وَعشْرين فَهِيَ تصلي هَذَا الْيَوْم السَّابِع وَالْعِشْرين وتغتسل فِيهِ لكل صَلَاة وَتصلي بعد ذَلِك بِوضُوء حَتَّى تَأتي على أَيَّامهَا هَذِه
وَإِذا كَانَ للْمَرْأَة أَيَّام مَعْرُوفَة فِي كل شهر فَانْقَطع عَنْهَا الدَّم زَمَانا حَتَّى طهرت الَّتِي كَانَت تحيض مرَّتَيْنِ أَو أَكثر من ذَلِك لَا ترى فِيهَا الدَّم وَلَا فِي غَيرهَا ثمَّ رَأَتْ الدَّم بعد ذَلِك فَهَذِهِ الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم هِيَ من أَيَّام حَيْضهَا وَلَا تبالي مَتى مَا رَأَتْ الدَّم فَإِن مد بهَا الدَّم حَتَّى جَاوَزت الْعشْرَة وَقد كَانَت تعلم أَن أَيَّامهَا فِيمَا مضى خَمْسَة فِي كل شهر فَإِن خَمْسَة من أول مَا رَأَتْ الدَّم حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة إِلَّا أَن تعود تِلْكَ الْخَمْسَة من الشَّهْر الدَّاخِل فتجعل أَيَّامهَا الَّتِي تجْلِس فِي هَذَا الدَّم بِعَدَد الْأَيَّام الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيمَا مضى وطهرها مثل ذَلِك(1/500)
الطُّهْر الَّذِي كَانَ يكون إِلَّا أَن ذَلِك إِن كَانَ تقدم عَن أول الشَّهْر أَو آخِره أَو وَسطه فَلَا تبالي وَلَو علمنَا أَن طهرهَا بَين الحيضتين عشرُون لَيْلَة ثمَّ انْقَطع الدَّم زَمَانا ثمَّ عاودها كَانَ طهرهَا عشْرين لَيْلَة بَين الحيضتين كَمَا كَانَ يكون وَكَانَ حَيْضهَا مثل مَا كَانَ يكون وَإِن كَانَ قد تقدم عَن وقته أَو تَأَخّر فَإِن هِيَ نسيت أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيمَا مضى وَقد مد بهَا الدَّم وَكَانَت فِيمَا مضى تحيض فِي كل شهر مرّة وَلَا تَدْرِي كم كَانَ أَيَّام حَيْضهَا فَإِنَّهَا تدع الصَّلَاة ثَلَاثَة أَيَّام من أول مَا رَأَتْ الدَّم ثمَّ تَغْتَسِل بعد ذَلِك لكل صَلَاة وَتصلي حَتَّى كَمَال الْعشْر ثمَّ تتوضأ لكل صَلَاة وَتصلي حَتَّى ترجع الْأَيَّام الثَّلَاثَة الَّتِي كَانَت تركت فِيهَا الصَّلَاة فتصنع مثل ذَلِك
- بَاب من الدَّم الذى يكون أَكثر من الطُّهْر وَالطُّهْر الَّذِي يكون أَكثر من الدَّم فِي الْعشْر أول مَا ترى الدَّم وَفِي أَيَّام أقرائها الْمَعْرُوفَة
-
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي امْرَأَة أول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ طهرت ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ طهرت فَإِن فِي هَذَا قَوْلَيْنِ أما أَحدهمَا فَإِن هَذَا حيض وَهُوَ الَّذِي روى من قَول أبي حنيفَة الأول وَالْقَوْل الآخر إِن هَذَا لَيْسَ بحيض وَهُوَ أحسن الْقَوْلَيْنِ عِنْد مُحَمَّد بن الْحسن(1/501)
وَمن جعل هَذَا حيضا دخل عَلَيْهِ قَول قَبِيح
امْرَأَة أول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ الطُّهْر ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم خَمْسَة أَيَّام ثمَّ طهرت أَن الْيَوْم الأول وَالثَّمَانِيَة الْأَيَّام الطُّهْر وَالْيَوْم الْعَاشِر حيض كُله وَالْأَرْبَعَة الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم هُوَ الطُّهْر فَإِن رَأَتْ الدَّم فِي كل شهر هَكَذَا حَتَّى يمد بهَا عشْرين سنة كَانَ حَيْضهَا الْيَوْم الأول وَالثَّمَانِيَة الْأَيَّام الطُّهْر وَالْيَوْم الْعَاشِر وَكَانَت الْأَيَّام الْأَرْبَعَة الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم من كل شهر طهرا فَصَارَت أَيَّام دَمهَا أَيَّام طهرهَا وَأَيَّام طهرهَا أَيَّام دَمهَا فَهَذَا قَبِيح لَا يَسْتَقِيم وَلَكِن الْيَوْم الأول الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّم لَيْسَ بحيض والخمسة الْأَيَّام الْآخِرَة الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم هِيَ الْحيض
امْرَأَة أول مَا رَأَتْ الدَّم يَوْمًا ثمَّ انْقَطع يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو نَحوه فَقَالَ بَعضهم هَذَا حيض لِأَنَّهَا رَأَتْ الدَّم فِي الْعشْر ثَلَاثَة أَيَّام وَهَذَا أدنى مَا يكون من الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَلَو رَأَتْ الدَّم يَوْمَيْنِ فِي الْعشْر لم يكن حيضا فَإِذا رَأَتْهُ فِي الْعشْر ثَلَاثَة أَيَّام فَهُوَ حيض وَقَالُوا لَا يكون إِذا رَأَتْهُ يَوْمَيْنِ مُتَفَرّقين حيضا لِأَن الْيَوْمَيْنِ اللَّذين رَأَتْ فيهمَا لَو لم يكن غَيرهمَا لم يَكُونَا حيضا فَكيف يكونَانِ بِالطُّهْرِ الَّذِي بَينهمَا حيضا وَقَالَ مُحَمَّد لَا يُعجبنِي هَذَا القَوْل أَيْضا(1/502)
وَلَا يكون هَذَا أَيْضا حيضا لِأَن الطُّهْر أَكثر من الْحيض وَقَالَ بَعضهم إِذا كَانَ دمان فِي الْعشْر بَينهمَا ثَلَاثَة أَيَّام طهرا فَلَيْسَ ذَلِك بِدَم وَاحِد فَإِن كَانَت رَأَتْ أحد الدمين ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا فَهُوَ الْحيض وَإِن كَانَت رَأَتْهُ أقل من ثَلَاثَة أَيَّام فَلَيْسَ شَيْء من ذَلِك بحيض وَقَالُوا لَو أَن امْرَأَة رَأَتْ الدَّم أول مَا رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع سِتَّة أَيَّام ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع لم يكن ذَلِك حيضا وَإِن رَأَتْ يَوْمًا دَمًا أول مَا رَأَتْ الدَّم ثمَّ رَأَتْ ثَلَاثَة أَيَّام دَمًا لم يكن الْحيض من ذَلِك إِلَّا الثَّلَاثَة الْأَيَّام الْآخِرَة وَكَانَ مَا سوى ذَلِك لَيْسَ بحيض وَهَذَا أحسن من الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين وَيدخل فِيهِ بعض الْقبْح
وَلَو أَن امْرَأَة رَأَتْ الدَّم يَوْمَيْنِ ثمَّ طهرت ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم يَوْمَيْنِ لم يكن هَذَا فِي قَوْله حيضا وَلَو مكثت على هَذَا عمرها كُله ترى الدَّم فِي كل حَيْضَة يَوْمَيْنِ ثمَّ تطهر ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ترَاهُ يَوْمَيْنِ فَهَذَا قَبِيح وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن احسن الْأَقَاوِيل عندنَا أَن كل امْرَأَة رَأَتْ الدَّم أول مَا رَأَتْهُ فرأته دَمًا ثمَّ رَأَتْ طهرا ثمَّ رَأَتْ دَمًا فَإِن كَانَ بَين الدمين من الطُّهْر أقل من ثَلَاثَة أَيَّام فَذَلِك حيض كُله وَإِن كَانَت رَأَتْ بَين الدمين طهرا ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا انْظُر إِلَى الدَّم وَإِلَى الطُّهْر الَّذِي فِي الْعشْر فَإِن كَانَ الطُّهْر أَكثر لم يكن ذَلِك بحيض وَإِن كَانَ مَا رَأَتْ فِيهِ الدَّم أَكثر فَإِن ذَلِك حيض كُله وَإِن كَانَ الطُّهْر الَّذِي بَين الدمين(1/503)
أَكثر من الدمين جَمِيعًا فَهُوَ أَيْضا حيض كُله
وَمن ذَلِك امْرَأَة أول مَا رَأَتْ الدَّم يَوْمًا ثمَّ انْقَطع الدَّم يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ طهرت فَهَذَا حيض كُله لِأَن الطُّهْر بَين الدمين إِذا لم يكن ثَلَاثَة أَيَّام فَلَيْسَ بطهر وَكَأَنَّهُ دم كُله إِذا كَانَ الدمَان صَحِيحَيْنِ وَلم يكن وَاحِد مِنْهُمَا بفاسد
وَلَو أَن امْرَأَة رَأَتْ الدَّم يَوْمًا وَرَأَتْ الطُّهْر ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم يَوْمًا ثمَّ طهرت فَلم تَرَ دَمًا لم يكن هَذَا بحيض لِأَن مَا رَأَتْ فِيهِ الدَّم أقل من الطُّهْر الَّذِي بَينهمَا فَلَيْسَ ذَلِك بِدَم حيض وَلَو كَانَت رَأَتْ الدَّم يَوْمَيْنِ وَالطُّهْر ثَلَاثَة أَيَّام وَالدَّم يَوْمَيْنِ ثمَّ طهرت فَلم تَرَ دَمًا كَانَ هَذَا حيضا كُله لِأَن الدمين أَكثر مِمَّا بَينهمَا من الطُّهْر وَإِنَّمَا يُؤْخَذ فِي هَذَا بالاستحسان وَبِمَا عَلَيْهِ أَمر النِّسَاء
وَكَذَلِكَ لَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا الْمَعْرُوف سِتَّة أَيَّام فرأت يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَة أَيَّام طهرا وَيَوْما دَمًا فَهَذَا فِي القَوْل الأول حيض كُله وَفِي جَمِيع الْأَقَاوِيل لَيْسَ بحيض فَإِن رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا ويومين دَمًا فَهَذَا حيض كُله فِي الْأَقَاوِيل كلهَا إِلَّا فِي قَول وَاحِد من قَالَ إِذا كَانَ بَين الدمين طهر ثَلَاثَة أَيَّام لم يكن الدمَان دَمًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يَقُول لَيْسَ شَيْء من هَذَا حيضا وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن هَذَا حسن لِأَن الطُّهْر وَالدَّم سَوَاء فَهُوَ حيض كُله هَذَا أحسن الْأَقَاوِيل كلهَا وأشبهها بِأَمْر(1/504)
الْحيض وَمَا عَلَيْهِ النِّسَاء
وَقَالَ مُحَمَّد فِي امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا أَرْبَعَة أَيَّام فرأت يَوْمَيْنِ دَمًا وَأَرْبَعَة أَيَّام طهرا ويومين دَمًا ثمَّ طهرت إِن هَذَا لَيْسَ بحيض وَلَو كَانَت رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا ويومين دَمًا ثمَّ طهرت كَانَ هَذَا حيضا كُله لِأَنَّهَا رَأَتْ الدَّم أَكثر من الطُّهْر وَلَو أَنَّهَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا ثمَّ رَأَتْ يَوْمَيْنِ طهرا ثمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا ثمَّ رَأَتْ يَوْمَيْنِ طهرا ثمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا ثمَّ طهرت فتم طهرهَا كَانَ هَذَا حيضا كُله وَإِن كَانَ الطُّهْر أَكثر من الدَّم لِأَن كل دم من هَذِه الدِّمَاء لم يكن بَينه وَبَين صَاحبه طهر ثَلَاثَة أَيَّام فَهَذَا كَأَنَّهُ دم كُله
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا تِسْعَة أَيَّام فرأت يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا وَيَوْما دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا وَيَوْما دَمًا ثمَّ طهرت فتم بهَا الطُّهْر فَإِن هَذَا كُله لَيْسَ بحيض لِأَن الطُّهْر كَانَ أَكثر من الدَّم وَكَانَ بَين كل دمين طهر ثَلَاثَة أَيَّام
وَلَو رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا ويومين دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا ويومين دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا وَيَوْما دَمًا ثمَّ طهرت فَمد بهَا الطُّهْر كَانَ حَيْضهَا من ذَلِك سَبْعَة أَيَّام من أول ذَلِك لِأَنَّهَا رَأَتْ الدَّم بعد السَّبْعَة الْأَيَّام بعد مَا مَضَت الْعشْرَة فَلَيْسَ ذَلِك بحيض وَإِنَّمَا ذَلِك اسْتِحَاضَة فدم الِاسْتِحَاضَة لَا يَجْعَل الطُّهْر حيض لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/505)
قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَة لَيْسَ ذَلِك بحيض إِنَّمَا ذَلِك عرق فَإِذا جعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرقا لم يكن دم الْعرق إِلَّا بِمَنْزِلَة الرعاف وَلم يَجْعَل الرعاف وَدم الْعرق الطُّهْر الَّذِي قبلهمَا حيضا إِنَّمَا تكون الْأَيَّام الَّتِي لَا ترى فِيهَا الدَّم حيضا إِذا كَانَت بَين الدمين كِلَاهُمَا حيض
وَقَالَ مُحَمَّد فِي امْرَأَة أول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع أَرْبَعَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع أَرْبعا ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمًا ثمَّ انْقَطع أَرْبعا فَلَيْسَ شَيْء من هَذَا بحيض لِأَنَّهَا لم تَرَ الدَّم فِي الْعشْر إِلَّا يَوْمَيْنِ وطهرها أَكثر من دَمهَا فَلَيْسَ شَيْء من ذَلِك بحيض وَإِن كَانَت رَأَتْ الدَّم ثَلَاثًا وَالطُّهْر ثَلَاثًا وَالدَّم ثَلَاثًا وَالطُّهْر ثَلَاثًا فأيامها تِسْعَة أَيَّام من أول ذَلِك لِأَنَّهَا رَأَتْ الدَّم فِي الْعشْر أَكثر من الطُّهْر فالدمان اللَّذَان فِي الْعشْر وَمَا بَينهمَا حيض وَمَا سوى ذَلِك لَيْسَ بحيض وَإِذا رَأَتْ الدَّم يَوْمَيْنِ وَالطُّهْر ثَلَاثَة أَيَّام وَالدَّم يَوْمَيْنِ وَالطُّهْر ثَلَاثًا ثمَّ مد بهَا هَكَذَا فسبعة أَيَّام من أول ذَلِك حيض لِأَن الدمين اللَّذين فِي السَّبع أَكثر مِمَّا بَينهمَا من الطُّهْر وَلَو رَأَتْ الدَّم يَوْمًا وَالطُّهْر أَرْبعا وَالدَّم يَوْمَيْنِ وَالطُّهْر أَرْبعا ثمَّ مد بهَا الطُّهْر لم يكن هَذَا بحيض لِأَنَّهَا رَأَتْ الدَّم فِي الْعشْر أقل(1/506)
من الطُّهْر الَّذِي بَينهمَا
وَلَو رَأَتْ الدَّم أول مَا رَأَتْهُ يَوْمَيْنِ وَالطُّهْر أَرْبعا وَالدَّم يَوْمَيْنِ وَالطُّهْر أَرْبعا ثمَّ مد بهَا هَكَذَا فالحيض ثَمَان من أول مَا رَأَتْ ذَلِك لِأَن الدمين مثل الطُّهْر الَّذِي بَينهمَا فَذَلِك حيض كُله
وَقَالَ مُحَمَّد فِي امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خمْسا فِي أول كل شهر فرأت الدَّم يَوْمَيْنِ فِي أول أَيَّام حَيْضهَا ثمَّ انْقَطع عَنْهَا الدَّم فرأت الطُّهْر خَمْسَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم كَمَال الْعشْر ثمَّ انْقَطع فَذَلِك حيض كُله لِأَنَّهَا رَأَتْ الدَّم فِي الْعشْر مثل مَا بَين الدمين من الطُّهْر فَذَلِك حيض كُله وَلَو كَانَ الدَّم مد بهَا حَتَّى جَاوَزت الْعشْر فرأته يَوْم الْحَادِي عشر وَيَوْم الثَّانِي عشر ثمَّ انْقَطع فحيضها هَذِه الْخَمْسَة الْأَيَّام الْآخِرَة الَّتِي رَأَتْ فِيهَا الدَّم واليومان الْأَوَّلَانِ والخمسة الطُّهْر الَّتِي بعدهمَا لَيْسَ بِشَيْء من ذَلِك حيض فَإِن جَاوز الدَّم بعد الْعشْر ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَو أَكثر من ذَلِك فخمسة أَيَّام من أول الدَّم الآخر حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة من الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلين وَالْأَيَّام الْآخِرَة لِأَن أَيَّامهَا خَمْسَة أَيَّام فَلَا تتحول عَن الْخَمْسَة(1/507)
أَيَّام وَإِن كَانَت قد تحولت عَن موضعهَا الأول
وَقَالَ مُحَمَّد فِي امْرَأَة أول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْ يَوْمًا دَمًا ويومين طهرا وَيَوْما دَمًا ويومين طهرا وَيَوْما دَمًا ويومين طهرا حَتَّى مد بهَا هَكَذَا شهرا ثمَّ طهرت فَإِن عشرَة أَيَّام من أول ذَلِك حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَلَو رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْما طهرا ويومين دَمًا وَيَوْما طهرا فَمد بهَا هَكَذَا شهرا ثمَّ طهرت فَإِن عشرَة أَيَّام من أول ذَلِك حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة
وَقَالَ مُحَمَّد فِي امْرَأَة كَانَ أَيَّامهَا خَمْسَة أَيَّام فِي أول الشَّهْر فرأت يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَة أَيَّام طهرا وَيَوْما دَمًا ثمَّ مد بهَا الدَّم حَتَّى بلغت الْعشْر وَلم تجاوزها فَإِن هَذَا كُله حيض لِأَنَّهَا رَأَتْ الدَّم فِي الْعشْر أَكثر من الطُّهْر فَإِن جَاوز بهَا الدَّم الْعشْر فَمد بهَا إِلَى آخر الشَّهْر فالأربعة الْأَيَّام الأول لَيْسَ بحيض وَخَمْسَة أَيَّام بعد ذَلِك حيض وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة
وَقَالَ مُحَمَّد فِي امْرَأَة كَانَ أَيَّامهَا أَرْبَعَة أَيَّام فرأت يَوْمًا دَمًا ويومين طهرا وَيَوْما دَمًا ثمَّ انْقَطع الدَّم إِن ذَلِك حيض كُله فَإِن كَانَت أَيَّامهَا سَبْعَة أَيَّام فرأت الدَّم يَوْمَيْنِ ثمَّ انْقَطع سَبْعَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْهُ يَوْمَيْنِ ثمَّ انْقَطع فَلَيْسَ شَيْء من هَذَا بحيض لِأَن مَا بَين الدمين من الطُّهْر أَكثر من الدمين جَمِيعًا(1/508)
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من أول كل شهر فرأت الْحيض يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ الطُّهْر ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم يَوْمًا ثمَّ انْقَطع فَلَيْسَ هَذَا بحيض لِأَن الدَّم أقل من الطُّهْر فَإِن رَأَتْ الدَّم بعد ذَلِك أَيْضا حَتَّى بلغت الْعشْر ثمَّ انْقَطع فالعشر كُله حيض من أَوله إِلَى آخِره فَإِن زَادَت على الْعشْر يَوْمًا ثمَّ انْقَطع فخمسة أَيَّام من أول دَمهَا هَذَا الآخر حيض وَهُوَ الْيَوْم الْخَامِس وَالسَّادِس وَالسَّابِع وَالثَّامِن وَالتَّاسِع وَمَا سوى ذَلِك مِمَّا قبله وَبعده اسْتِحَاضَة وَلَا يكون مَا قبل هَذِه الْخَمْسَة الْأَيَّام حيضا لأَنا إِن جعلنَا ذَلِك حيضا جعلنَا هَذِه اسْتِحَاضَة وَإِنَّمَا مثل هَذَا مثل هَذَا مثل امْرَأَة كَانَ أَيَّام حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام من أول كل شهر فَتقدم حَيْضهَا يَوْمَيْنِ ثمَّ رَأَتْ الدَّم أَيَّام حَيْضهَا فَإِن انْقَطع الدَّم فَذَلِك كُله حيض فَإِن زَادَت على الْعشْر يَوْمًا كَانَت أَيَّام أقرائها الْخمس الْمَعْرُوفَة حيضا وَمَا سوى ذَلِك مِمَّا قبله وَبعده اسْتِحَاضَة فَكَذَلِك الْيَوْم الأول الَّذِي رَأَتْهُ فِي الْمَسْأَلَة الأولى لما جَاوز الدَّم الْعشْر فَإِن جعلنَا الْيَوْم حيضا لم نجد بدا من أَن نجْعَل الطُّهْر الثَّلَاثَة الْأَيَّام الَّتِي بعده حيضا فَإِن جعلناها حيضا وَالْيَوْم الْخَامِس صَار مَا بعد ذَلِك اسْتِحَاضَة فَإِذا صَار مَا بعد ذَلِك اسْتِحَاضَة لم يكن الْخَمْسَة الْأَيَّام الأولى حيضا لِأَنَّهَا رَأَتْ الدَّم فِيهَا أقل مِمَّا رَأَتْ الطُّهْر فَلَا يكون ذَلِك حيضا(1/509)
فَنَجْعَل خَمْسَة أَيَّام من أول مَا رَأَتْ الدَّم الثَّانِي حيضا ونجعل مَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي هَذَا كُله الْخَمْسَة الْأَيَّام الأول الَّتِي كَانَت أَيَّام حَيْضهَا هِيَ الْحيض وَإِن كَانَت لم تَرَ الدَّم فِيهَا إِلَّا سَاعَة من أَولهَا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة
وَقَالَ مُحَمَّد فِي امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا فِي أول كل شهر عشرَة أَيَّام فحاضتها ثمَّ طهرت عشْرين يَوْمًا ثمَّ طهرت عشرهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيهَا ثمَّ مد بهَا الدَّم بعد ذَلِك أشهرا فَإِن عشرا من أول مَا رَأَتْ الدَّم حيض تَغْتَسِل بعْدهَا وتتوضأ لكل صَلَاة وَتصلي خَمْسَة عشر يَوْمًا فَيكون خَمْسَة أَيَّام من آخر هَذِه الْأَيَّام من أَيَّامهَا الأولى الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيمَا مضى وَلَا تحتسب بهَا من حَيْضهَا وَتَكون خَمْسَة أَيَّام من أَيَّام أقرائها الأول حيضا وَمَا سوى ذَلِك اسْتِحَاضَة لِأَنَّهَا رَأَتْ فِي أَيَّامهَا الأول دَمًا خَمْسَة أَيَّام بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا فجعلناها اسْتِحَاضَة وَكَذَلِكَ لَو رَأَتْ فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام بعد تَمام خَمْسَة عشر يَوْمًا من الْوَقْت الَّذِي جَعَلْنَاهُ حيضا لَهَا فَإِن رَأَتْهُ يَوْمَيْنِ فِي أَيَّام حَيْضهَا الأول بعد تَمام خَمْسَة عشر يَوْمًا(1/510)
لم تكن أَيَّامهَا الأولى أَيَّام حَيْضهَا وَكَانَت أَيَّامهَا الْآخِرَة الْعشْرَة الثَّانِيَة هِيَ أَيَّام حَيْضهَا وَهَذِه امْرَأَة قد انْتقل حَيْضهَا إِلَى الْعشْرَة الثَّانِيَة فَإِن مد بهَا الدَّم فأيامها الَّتِي تدع فِيهَا الصَّلَاة عشرهَا الثَّانِي
- بَاب الْمَرْأَة يَنْقَطِع دَمهَا قبل وَقتهَا وَلَا يكون لَهَا وَقت مَعْرُوف حَتَّى يَطَأهَا زَوجهَا
-
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا فِي أول كل شهر سَبْعَة أَيَّام فَحَاضَت سِتَّة أَيَّام ثمَّ انْقَطع دَمهَا فَإِنَّهَا تنْتَظر حَتَّى تخَاف فَوت الصَّلَاة فَإِذا خَافت فَوت الصَّلَاة اغْتَسَلت وصلت وَلَا أحب لزَوجهَا أَن يقربهَا حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهَا أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيهَا آخذ لَهُ فِي ذَلِك بالثقة
وَلَو أَن امْرَأَة كَانَ حَيْضهَا خَمْسَة أَيَّام فِي أول كل شهر فَحَاضَت خَمْسَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع دَمهَا فَإِنَّهَا تُؤخر غسلهَا مَخَافَة أَن يعاودها الدَّم حَتَّى تخَاف فَوت الصَّلَاة أدنى الصَّلَوَات مِنْهَا فَإِذا جَاوز ذَلِك وَبَقِي عَلَيْهَا مِقْدَار مَا تَغْتَسِل وَتصلي فلتغتسل وَتصلي ويأتيها زَوجهَا وَلَا بَأْس بذلك وَلَا ينْتَظر زَوجهَا تَمام الْعشْرَة
وَلَو أَن امْرَأَة لم تكن تحيض فِيمَا مضى فَأول مَا رَأَتْ الدَّم رَأَتْهُ خَمْسَة أَيَّام ثمَّ انْقَطع فَإِنَّهَا تنْتَظر إِلَى آخر الْوَقْت أدنى مَوَاقِيت الصَّلَاة(1/511)
مِنْهَا ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي ويأتيها زَوجهَا وَلَا بَأْس بذلك وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن ينْتَظر إِلَى آخر الْعشْر لِأَن هَذِه لم يكن لَهَا أَيَّام مَعْرُوفَة فقصرت عَنْهَا إِنَّمَا أحب لزَوجهَا أَن لَا يَطَأهَا إِذا كَانَت لَهَا أَيَّام مَعْرُوفَة فقصرت عَنْهَا فَكَذَلِك لَا أحب لَهَا أَن تزوج إِن كَانَ هَذَا آخر عدتهَا من طَلَاق زوج كَانَ لَهَا حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهَا آخر أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس وَهِي إِن تزوجت فَالنِّكَاح جَائِز إِن لم يعاودها الدَّم وَإِن تزوجت فَأحب لزَوجهَا الَّذِي تزَوجهَا أَن لَا يقربهَا حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهَا آخر أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيهَا وَكَذَلِكَ الْجَارِيَة الَّتِي تستبرئ بِحَيْضَة لَا أحب للَّذي يَشْتَرِيهَا أَن يقربهَا حَتَّى يَأْتِي على آخر أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيهَا وَكَذَلِكَ النُّفَسَاء إِذا انْقَطع دَمهَا وَكَانَت تجْلِس فِيمَا مضى ثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي كل نِفَاس فَجَلَست خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ انْقَطع الدَّم فإنى آمرها أَن تُؤخر غسلهَا حَتَّى يكون آخر وَقت الصَّلَاة الَّتِي طهرت فِيهَا ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي وَلَا أحب لزَوجهَا أَن يقربهَا حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهَا أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس(1/512)
فِيمَا مضى وَهِي ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَإِن كَانَت تجْلِس فِيمَا مضى خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا فجلستها ثمَّ انْقَطع الدَّم فلتؤخر الْغسْل حَتَّى آخر وَقت صَلَاة تأتيها ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي ويأتيها زَوجهَا وَكَذَلِكَ إِن كَانَت أول مَا ولدت فَانْقَطع دَمهَا فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنَّهَا تُؤخر الْغسْل إِلَى آخر وَقت الصَّلَاة ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي ويأتيها زَوجهَا وَلَا تنْتَظر الْأَرْبَعين إِنَّمَا أحب للزَّوْج أَن ينْتَظر إِذا طهرت فِي أقل من أَيَّامهَا الَّتِي كَانَت تجْلِس فِيمَا مضى
- بَاب النّفاس وَالْوَقْت فِي ذَلِك
-
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِذا ولدت الْمَرْأَة ثمَّ انْقَطع دَمهَا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام فلتنتظر حَتَّى يكون آخر وَقت الصَّلَاة الَّتِي انْقَطع فِيهِ دَمهَا ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي وَلَا تدع الصَّلَاة وَهِي طَاهِر فَإِن هَذَا لَا يَنْبَغِي وَتصدق إِن طَلقهَا زَوجهَا حِين ولدت فِي انْقِضَاء الْعدة فِي(1/513)
أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا وَزِيَادَة مَا قَالَت من شَيْء لأَنا نجْعَل النّفاس مَا قَالَت وَخَمْسَة عشر يَوْمًا طهرا وَثَلَاثَة حيضا وَخَمْسَة عشر يَوْمًا طهرا وَثَلَاثَة حيضا وَخَمْسَة عشر يَوْمًا طهرا وَثَلَاثَة حيضا فَذَلِك أَرْبَعَة وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَمَا قَالَت النُّفَسَاء من شَيْء فَهِيَ فِيهِ مصدقة وَأما فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يصدقها فِي الْعدة فِي أقل من خَمْسَة وَثَمَانِينَ يَوْمًا إِذا طَلقهَا حِين ولدت لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول إِذا عاودها الدَّم فِي الْأَرْبَعين فَإِن كَانَ بَين الدمين قَلِيل أَو كثير فَهُوَ نِفَاس كُله وَكَانَ يَقُول أَيْضا لَا تصدق فِي انْقِضَاء الْعدة فِي أقل من شَهْرَيْن فَجعلنَا ذَلِك على خَمْسَة وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أصدق الَّتِي تطلق حِين تضع فِي(1/514)
أقل من خَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا لأنى أجعَل نفَاسهَا أَكثر من الْحيض فأجعل النّفاس أحد عشر يَوْمًا وَأَجْعَل الْعدة أَرْبَعَة وَخمسين لِأَن النّفاس لَا يكون نفاسا وَلَا تصدق عَلَيْهِ فِي أقل من أحد عشر يَوْمًا أَكثر من الْحيض وَهُوَ يَقُول إِن انْقَطع الدَّم عَن النُّفَسَاء فِي أقل من أحد عشر يَوْمًا اغْتَسَلت وصلت وَهَذَا ينْقض القَوْل الأول وَإِن كَانَت تَغْتَسِل وَتصلي فِي أقل من أحد عشر يَوْمًا لِأَنَّهَا تكون طَاهِرا فِي أقل من أحد عشر يَوْمًا فَيَنْبَغِي أَن تصدق فِي ذَلِك على الْعدة فَلَيْسَ القَوْل فِي هَذَا إِلَّا قَول وَاحِد وَهِي مصدقة فِيمَا قَالَت من النّفاس وَتَكون الْعدة بعد ذَلِك أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا لِأَن أقل الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا وَأَقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام
وَقَالَ مُحَمَّد كل دمين كَانَا فِي النّفاس بَينهمَا أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَذَلِك دم وَاحِد وَهُوَ نِفَاس كُله وَإِن كَانَ بَينهمَا أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَالْأول نِفَاس وَالْآخر حيض وَمن ذَلِك لَو أَن امْرَأَة وضعت فرأت الدَّم يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ طهرت ثَلَاثَة عشر يَوْمًا(1/515)
أَو أَرْبَعَة عشر يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ الدَّم كَانَ هَذَا نفاسا كُله وَلَو أَنَّهَا رَأَتْ الدَّم أول مَا ولدت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة ثمَّ انْقَطع الدَّم خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ رَأَتْ الدَّم بعد ذَلِك يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ فَإِن الأول نِفَاس وَالْآخر لَيْسَ بنفاس وَلَا حيض تتوضأ وَتصلي لِأَن مَا بَين الدمين أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا طهرا فَهَذَا الدَّم الثَّانِي دم غير الدَّم الأول وَلَيْسَ الدَّم الثَّانِي حيضا لِأَنَّهُ أقل من ثَلَاثَة أَيَّام وَلَو كَانَت رَأَتْ الدَّم بعد طهر خَمْسَة عشر يَوْمًا ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَكثر فَهَذَا حيض وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا عاودها الدَّم فِي الْأَرْبَعين فَهُوَ نِفَاس وَإِن كَانَ بَين الدمين خَمْسَة عشر يَوْمًا طهر فَهَذَا قَبِيح يَنْبَغِي فِي قَوْله إِن رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَة عشر يَوْمًا طهرا وَيَوْما دَمًا وَخَمْسَة عشر طهرا وَيَوْما دَمًا أَن يكون هَذَا نفاسا كُله وَهَذَا قَبِيح وَلَكنَّا نقُول الْيَوْم الأول نِفَاس وَمَا سوى ذَلِك لَيْسَ بنفاس وَلَا حيض فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ صيرت بَين دمي النّفاس الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا وَلم تصيره ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا صيرته فِي الْحيض قيل لَهُ لَا يشبه النّفاس الْحيض لِأَن الْحيض لأقله غَايَة ولأكثره غَايَة وَأَقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام فَجعلنَا(1/516)
أقل الطُّهْر الَّذِي يكون بَين الدمين ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن كَانَ الدمَان أقل من ثَلَاثَة أَيَّام لم يكن ذَلِك حيضا وَالطُّهْر أَكثر مِنْهُ وَكَيف يكون خَمْسَة أَيَّام حيضا وأكثرها لم تَرَ فِيهِ دَمًا هَذَا مَا لَا يكون وَأما النّفاس فَلَيْسَ لَهُ غَايَة فِي قَلِيله فَنَجْعَل الطُّهْر الْقَلِيل مثل النّفاس الْقَلِيل لِأَن النّفاس يكون سَاعَة لَو وضعت الْمَرْأَة ثمَّ رَأَتْ الدَّم سَاعَة ثمَّ انْقَطع ثمَّ رَأَتْ الطُّهْر كَانَت تِلْكَ السَّاعَة نفاسا فَلَمَّا رَأينَا النّفاس لَا وَقت لَهُ فِي قلته كَانَت أَيَّام النّفاس أَكثر من أَيَّام الْحيض وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا عاودها الدَّم فِي الْأَرْبَعين وَالَّذِي بَين الدمين قَلِيل أَو كثير كَانَ ذَلِك نفاسا كُله فاستحسنا أحسن ذَلِك كُله فَقُلْنَا إِن كَانَ بَين الدمين فِي الْأَرْبَعين أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَذَلِك نِفَاس كُله وَإِن كَانَ الَّذِي بَينهمَا أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَالْأول نِفَاس وَالثَّانِي لَيْسَ بنفاس لِأَن أَبَا حنيفَة وَجَمِيع أَصْحَابنَا قد أَجمعُوا على أَن الدمين فِي الْحيض الَّذِي بَينهمَا طهر خَمْسَة عشر يَوْمًا دمان مُخْتَلِفَانِ وليسا بِدَم وَاحِد فَلَمَّا قَالُوا ذَلِك فِي الْحيض قُلْنَا نَحن فِي النّفاس أحسن مَا عندنَا فِيهِ وَإنَّهُ ليدْخل فِي قَوْلنَا أَيْضا شَيْء قَبِيح وَهُوَ لَو أَن امْرَأَة نفست يَوْمًا ثمَّ طهرت أَرْبَعَة عشر يَوْمًا ثمَّ(1/517)
رَأَتْ الدَّم يَوْمًا ثمَّ انْقَطع كَانَ ذَلِك نفاسا كُله فَهَذَا أَيْضا قَبِيح وَلكنه لَا بُد من هَذَا لِأَن الدمين بَينهمَا من الطُّهْر أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَإِن لم نقل بِهَذَا القَوْل فَلَا بُد أَن نقف على شَيْء من ذَلِك مَعْرُوف فَإِن قَالَ قَائِل اثْنَا عشر يَوْمًا فَمَا أقرب هَذَا من أَرْبَعَة عشر يَوْمًا أَو يَقُول قَائِل كَيفَ يكون بَين الدمين طهر عشرَة أَيَّام فَيكون دمين مُتَفَرّقين فَلَا بُد من أَن يَأْتِي على هَذَا ببرهان فاحسن مَا هَهُنَا فِي هَذَا أَن كل دمين من النّفاس لَيْسَ بَينهمَا من الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا فَهُوَ نِفَاس كُله وكل دمين بَينهمَا من الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا فَصَاعِدا فَالْأول نِفَاس وَالثَّانِي إِن رَأَتْهُ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ انْقَطع فَلَيْسَ بحيض وَهُوَ اسْتِحَاضَة تتوضأ وَتصلي وَإِن رَأَتْ الْمَرْأَة بعد الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا دَمًا فرأته ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا فَهُوَ حيض وَالْأول الَّذِي رَأَتْهُ حِين ولدت نِفَاس فَهَذَا أحسن مَا عندنَا فِي هَذَا وعَلى هَذَا جَمِيع هَذَا الْوَجْه وَقِيَاسه
قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن عَن مَالك بن أنس قَالَ أَخْبرنِي الثِّقَة(1/518)
عِنْدِي عَن سَالم بن عبد الله وَسليمَان بن يسَار أَنَّهُمَا سئلا عَن الْحَائِض هَل يُصِيبهَا زَوجهَا إِذا رَأَتْ الطُّهْر قبل أَن تَغْتَسِل فَقَالَا لَا حَتَّى تَغْتَسِل
مُحَمَّد عَن مَالك بن أنس قَالَ أَخْبرنِي عبد الله بن أبي بكر عَن عمته عَن ابْنه زيد بن ثَابت أَنه بلغَهَا أَن نساءكن يدعونَ بالمصابيح من(1/519)
جَوف اللَّيْل فينظرن إِلَى الطُّهْر فَكَانَت تعيب ذَلِك عَلَيْهِنَّ وَتقول مَا كَانَ النِّسَاء يصنعن هَذَا
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أَيُّوب بن عتبَة اليمامي قَاضِي الْيَمَامَة قَالَ أَخْبرنِي يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ سَأَلت أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمُسْتَحَاضَة فَقَالَت تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها ثمَّ تَغْتَسِل وتتوضأ لكل صَلَاة وَتصلي
قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد عَن مَالك بن أنس قَالَ أَخْبرنِي عَلْقَمَة عَن أمه مولاة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا قَالَت(1/520)
كَانَ النِّسَاء يبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَة الدرجَة فِيهَا الكرسف فِيهِ الصُّفْرَة من الْحَيْضَة فَتَقول لَا تعجلن حَتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء تُرِيدُ بذلك الطُّهْر من الْحيض
هَذَا آخر كتاب الْحيض ويتلوه بَاب حيض النَّصْرَانِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
- بَاب حيض النَّصْرَانِيَّة
-
قَالَ مُحَمَّد امْرَأَة نَصْرَانِيَّة حَاضَت وَانْقطع عَنْهَا الدَّم ثمَّ أسلمت قبل أَن تَغْتَسِل وَلم يذهب وَقت الصَّلَاة وَكَانَ زَوجهَا طَلقهَا هَل لَهُ أَن يُرَاجِعهَا فَإِن قُلْتُمْ لَا لِأَن طهرهَا كَانَ انْقِطَاع الدَّم وَانْقِطَاع الدَّم من النَّصْرَانِيَّة طهر فَمَا تَقول فِي نَصْرَانِيَّة انْقَطع عَنْهَا الدَّم وَزوجهَا مُسلم ثمَّ إِنَّهَا أسلمت هَل لزَوجهَا أَن يَطَأهَا قبل أَن تَغْتَسِل فَإِن قُلْتُمْ لَا يَطَأهَا وَهِي قد صَارَت طَاهِرا بِانْقِطَاع الدَّم وَقد ذهب الْحيض(1/521)
وَإِن قُلْتُمْ يَطَأهَا فَهَل تقْرَأ الْقُرْآن هَذِه وَهل يَسْتَقِيم أَن تصير هَذِه طَاهِرا بِانْقِطَاع الدَّم وَهِي نَصْرَانِيَّة وَيحل لزَوجهَا أَن يَطَأهَا فَإِذا أسلمت عَادَتْ حَائِضًا لَا يحل لزَوجهَا أَن يَطَأهَا حَتَّى تَغْتَسِل وَكَانَ وَطْؤُهَا لَهُ حَلَالا قبل أَن تسلم فَمن أَيْن يحرمه الْإِسْلَام وَهل تشبه هَذِه الْمَرْأَة الْمسلمَة إِذا طهرت من الْحيض وَلم تَجِد المَاء فَتَيَمَّمت وصلت وَحل لزَوجهَا أَن يَطَأهَا ثمَّ إِنَّهَا قدرت على المَاء وَوَجَب عَلَيْهَا أَن تَغْتَسِل وَقد كَانَ وَطْؤُهَا حَلَالا قبل أَن تَجِد المَاء فَكيف يحرم ذَلِك بعد مَا وَطئهَا وَهل تشبه هَذِه النَّصْرَانِيَّة الَّتِي قبلهَا
أَرَأَيْت النَّصْرَانِيَّة الأولى لَو رَأَتْ طهرهَا ذَلِك فِي لَيْلَة من رَمَضَان وَعَلَيْهَا من اللَّيْل قدر مَا تغسل بعض جَسدهَا ثمَّ تصبح وَقد بَقِي عَلَيْهَا شَيْء فَأسْلمت قبل الصُّبْح فقد حفظت عِنْدِي فِي هَذَا أَن صَومهَا تَامّ فَإِن غسلت بعض جَسدهَا نَهَارا أتقضي صَوْم ذَلِك الْيَوْم لِأَنَّك زعمت أَن طهرهَا كَانَ انْقِطَاع الدَّم وَلم يكن طهرهَا الْغسْل فَهَل كَانَ لزَوجهَا أَن يَطَأهَا لِأَنَّهَا طَاهِر حَيْثُ انْقَطع الدَّم وَهِي نَصْرَانِيَّة قبل أَن تَغْتَسِل فَإِن قلت لَا يَطَأهَا فَمَا فصل مَا بَين الصَّوْم والوطئ فِي هَذَا قَالَ انْقِطَاع دم النَّصْرَانِيَّة طهرهَا يَطَأهَا زَوجهَا بعد الْإِسْلَام قبل أَن تَغْتَسِل(1/522)
وَإِن كَانَت طلقت فَلَا رَجْعَة لزَوجهَا بعد الْإِسْلَام قبل أَن تَغْتَسِل وَإِن كَانَت طلقت فَلَا رَجْعَة لزَوجهَا عَلَيْهَا بعد انْقِطَاع الدَّم فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة
والمتيممة إِذا صلت بتيممها حل لزَوجهَا أَن يَطَأهَا وَلكنهَا تقْرَأ الْقُرْآن مَا لم تَجِد المَاء فَإِذا تيممت وصلت وَوجدت المَاء وَجب عَلَيْهَا الْغسْل فَلَا تقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى تَغْتَسِل لِأَنَّهَا لَا تكون أحسن حَالا من الْمَرْأَة الْجنب وَالزَّوْج يَطَأهَا وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيَّة إِذا انْقَطع عَنْهَا الدَّم ثمَّ أسلمت لم تقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى تَغْتَسِل لِأَن الْحيض قد انْقَطع أَلا ترى أَن الْغسْل عَلَيْهَا وَاجِب وكل امْرَأَة كَانَ الْغسْل عَلَيْهَا وَاجِبا من الْحيض أَو جَنَابَة لم تقْرَأ حَتَّى تَغْتَسِل
امْرَأَة طهرت فِي أول اللَّيْل فِي وَقت الْعشَاء فرأت الْبيَاض خَالِصا وَلكنهَا تخَاف معاودة الدَّم إِلَى مَتى تدع الصَّلَاة أَو تُؤخر الْغسْل وَالصَّلَاة فَتكون من ذَلِك فِي سَعَة وَمَا وَقت الْعشَاء فِي هَذِه الْحَال وَمَا حَالهَا إِذا طهرت فِي وَقت كل صَلَاة وَلكنهَا تخَاف من معاودة الدَّم كَيفَ يكون هَذَا فِي الَّتِي طهرت فِي أول اللَّيْل إِلَى أَي حِين يَسعهَا أَن تُؤخر الْغسْل أَرَأَيْت إِن عجلت الْغسْل فِي وَقت الْعشَاء لِأَنَّهُ يشْتَد عَلَيْهَا الطُّهْر فِي نصف اللَّيْل أَو ثلثه فعجلت الْغسْل وصلت ونامت هَل(1/523)
يسْتَحبّ ذَلِك لَهَا أَرَأَيْت إِن فعلت ذَلِك ونامت ثمَّ انْتَبَهت غدْوَة وَهِي طَاهِر كَمَا نَامَتْ غير أَنَّهَا لَا تَدْرِي لَعَلَّ دَمهَا قد عاودها فِي بعض اللَّيْل ثمَّ انْقَطع وَلَعَلَّ الْحيض قد عاودها وَهِي نَائِمَة وَذَلِكَ فِي أَيَّام حَيْضهَا أَو فِي الْعشْرَة أتكتفي هَذِه بِالْغسْلِ الَّذِي اغْتَسَلت قبل النّوم أَو ترى لَهَا أَن تعيد الْغسْل لهَذَا الشَّك الَّذِي دَخلهَا قَالَ أحب إِلَيّ لهَذِهِ أَن تدع الصَّلَاة وَالْغسْل حَتَّى يبْقى من نصف اللَّيْل الأول مَا تقدر على أَن تَغْتَسِل وَتصلي قبل أَن يمْضِي النّصْف الأول من اللَّيْل وَإِن هِيَ عجلت الْغسْل وصلت أجزاها وَإِن كَانَت نَامَتْ فَاسْتَيْقَظت وَهِي على طهر فَهِيَ على الأول حَتَّى تعلم أَنَّهَا رَأَتْ دَمًا بعد الْغسْل
آخر بَاب الْحيض وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين رب اغْفِر وَارْحَمْ يتلوه كتاب الزَّكَاة(1/524)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
// كتاب الزَّكَاة
//
حَدثنَا زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيْسَ فِي أَربع من الْإِبِل السَّائِمَة صَدَقَة فَإِذا كَانَت خمْسا فَفِيهَا شَاة إِلَى تسع فَإِذا كَانَت عشرا فَفِيهَا شَاتَان إِلَى أَربع عشرَة فَإِذا كَانَت خمس عشرَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى تسع عشرَة فَإِذا كَانَت عشْرين فَفِيهَا أَربع شِيَاه إِلَى أَربع وَعشْرين فَإِذا كَانَت خمْسا وَعشْرين فَفِيهَا ابْنة مَخَاض إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا بنت لبون إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَإِذا زَادَت وَاحِدَة(2/1)
فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا جَذَعَة إِلَى خمس وَسبعين فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا ابنتا لبون إِلَى تسعين فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا حقتان إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَلَيْسَ فِي الزِّيَادَة شَيْء فَإِذا كَانَت خمْسا وَعشْرين وَمِائَة فَفِي الْخمس شَاة وَفِي الْعشْرين وَمِائَة حقتان إِلَى تسع وَعشْرين وَمِائَة فَإِذا كَانَت ثَلَاثِينَ وَمِائَة فَفِيهَا حقتان وشاتان إِلَى أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَإِذا كَانَت خمْسا وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَفِيهَا حقتان وَثَلَاث شِيَاه إِلَى تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَإِذا كَانَت أَرْبَعِينَ وَمِائَة فَفِيهَا حقتان وَأَرْبع شِيَاه إِلَى أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة فَإِذا كَانَت خمْسا وَأَرْبَعين وَمِائَة فَفِيهَا حقتان وَابْنَة مَخَاض إِلَى تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة فَإِذا كَانَت مائَة وَخمسين فَفِيهَا ثَلَاث حقاق(2/2)
أَبُو سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن حَدثنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك فَإِذا زَادَت على الْخمسين وَمِائَة شَيْئا فَاسْتقْبل الْفَرِيضَة كَمَا استقبلتها حِين زَادَت على الْمِائَة وَعشْرين فَإِذا زَادَت أَرْبعا فَلَيْسَ فِي الْأَرْبَع شَيْء حَتَّى تبلغ خمْسا فَفِيهَا شَاة وَثَلَاث حقاق إِلَى تسع فَإِذا كَانَت عشرا فَفِيهَا شَاتَان وَثَلَاث حقاق إِلَى أَربع عشرَة فَإِذا بلغت خمس عشرَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه وَثَلَاث حقاق إِلَى تسع عشرَة فَإِذا بلغت عشْرين فَفِيهَا أَربع شياة مَعَ وَثَلَاث حقاق إِلَى أَربع وَعشْرين فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين فَفِيهَا بنت مَخَاض مَعَ ثَلَاث حقاق إِلَى أَن تبلغ الزِّيَادَة خمْسا وَثَلَاثِينَ فَإِذا كَانَت سِتا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا ابْنة لبون مَعَ ثَلَاث حقاق إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا حقة مَعَ ثَلَاث حقاق إِلَى أَن تبلغ الْخمسين فَإِذا زَادَت الْإِبِل على الْمِائَتَيْنِ(2/3)
شَيْئا فَاسْتقْبل الْفَرِيضَة كَمَا استقبلتها حِين زَادَت على الْخمسين وَمِائَة
قلت أَرَأَيْت الْإِبِل إِذا وَجَبت فِيهَا صدقه فَلم يُوجد ذَلِك الْوَاجِب عَلَيْهَا فَوجدت ثِنْتَيْنِ أفضل مِنْهُ أَو دونه قَالَ تَأْخُذ قيمَة الَّذِي وَجب عَلَيْهَا وَإِن شِئْت أخذت أَيْضا مِنْهَا ورددت عَلَيْهِم مَا يفضل قِيمَته دَرَاهِم وَإِن شِئْت أخذت دونهَا وَأخذت الْفضل دَرَاهِم
قلت أَرَأَيْت الفصلان وَالْبَقر العجاجيل وَالْغنم الحملان كلهَا هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذ فِي صَدَقَة الْغنم إِلَّا الثنى فَصَاعِدا وَلَا يُؤْخَذ فِي صَدَقَة الْإِبِل وَالْبَقر إِلَّا مَا وصفت لَك من السن أَو قِيمَته وَلَيْسَ هَذَا مثل ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد(2/4)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى أَن تُؤْخَذ من الحملان الصَّدَقَة قدر الْوَاجِب مِنْهَا لَا يُؤْخَذ مِنْهَا مُسِنَّة إِلَّا أَن تكون فِيهَا مُسِنَّة فتأخذها وَلَا تُؤْخَذ الحملان وَكَذَلِكَ العجاجيل والفصلان
قلت أَرَأَيْت الْإِبِل تكون بَين الرجلَيْن وَهِي خمس هَل عَلَيْهِمَا فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ تسعا قَالَ لَيْسَ فِيهَا شَيْء قلت فَإِن كَانَ عشرا قَالَ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَة على كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاة إِلَى أَن تبلغ تسع عشرَة فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاتَان إِلَى أَن تبلغ تسعا وَعشْرين فَإِذا بلغت ثَلَاثِينَ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى أَن تبلغ تسعا وَثَلَاثِينَ فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَربع شِيَاه إِلَى أَن تبلغ تسعا وَأَرْبَعين فَإِذا بلغت خمسين فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا بنت مَخَاض إِلَى أَن تبلغ سبعين فَإِذا زَادَت اثْنَتَيْنِ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا بنت لبون إِلَى أَن تبلغ تسعين فَإِذا زَادَت اثْنَتَيْنِ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا حقة إِلَى أَن تبلغ مائَة وَعشْرين فَإِذا زَادَت اثْنَتَيْنِ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا جَذَعَة إِلَى أَن تبلغ مائَة وَخمسين فَإِذا زَادَت اثْنَتَيْنِ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا بِنْتا لبون إِلَى أَن تبلغ مائَة وَثَمَانِينَ فَإِذا زَادَت اثْنَتَيْنِ(2/5)
فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا حقتان إِلَى أَن تبلغ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين ثمَّ تسْتَقْبل الْفَرِيضَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل وَعَلِيهِ دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا هَل عَلَيْهِ صَدَقَة قَالَ لَا قلت فَإِذا جَاءَ الْمُصدق فَأخْبرهُ أَن عَلَيْهِ دينا وَحلف لَهُ أيقبل مِنْهُ ذَلِك ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت فَإِن قَالَ للمصدق إِنَّمَا أصبت هَذِه الْإِبِل مُنْذُ أشهر وَلم يزكها عِنْدِي حول وَحلف لَهُ على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم(2/6)
قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ للمصدق لَيست هَذِه الْإِبِل لي وَحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ للمصدق قد أدّيت زَكَاة هَذِه الْإِبِل إِلَى مُصدق غَيْرك وَجَاء بِبَرَاءَة وَحلف لَهُ على ذَلِك وَقد كَانَ عَلَيْهِم مُصدق غَيره فِي تِلْكَ السّنة أيقبل مِنْهُ ذَلِك ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن لم يكن عَلَيْهِم مُصدق غَيره فِي تِلْكَ السّنة وَقَالَ قد أَعْطَيْت زَكَاتهَا الْمَسَاكِين أيقبل ذَلِك مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ لَا(2/7)
قلت فَلم صدقته فِيمَا ذكرت لَك سوى هَذَا وَلم تصدقه فِي هَذَا قَالَ لِأَن صَدَقَة الْإِبِل إِنَّمَا تدفع إِلَى السعاة الَّذين عَلَيْهِم فَلَو قبل السعاة من النَّاس قَوْلهم هَذَا قد أعطيتهَا الْمَسَاكِين لم تُؤْخَذ صَدَقَة من أحد
قلت أَرَأَيْت الْيَتِيم الَّذِي لم يَحْتَلِم وَالْمَجْنُون المغلوب أَو العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَعَلِيهِ دين هَل يكون على أحد من هَؤُلَاءِ صَدَقَة إِذا كَانَت لَهُ إبل قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن الصَّلَاة لَا تجب على الصَّغِير وَلَا على الْمَعْتُوه الْمَجْنُون فَكَذَلِك لم تجب عَلَيْهِمَا الزَّكَاة وَأما العَبْد(2/8)
الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة الَّذِي عَلَيْهِ دين فَلَا يملك شَيْئا قلت وَكَذَلِكَ الْمكَاتب قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة إِذا لم يكن عَلَيْهِ دين قَالَ هَذَا يصير إبِله لمَوْلَاهُ وَيكون عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل الَّتِي تجب فِي مثلهَا الزَّكَاة إِذا كَانَ قبل تَمام الْحول بِيَوْم ورث إبِلا أَو اشْتَرَاهَا أَو وهبت لَهُ وَهِي سَائِمَة أيزكيها مَعَ إبِله قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ لَهُ إبل لَا يجب فِي مثلهَا الزَّكَاة وَورث غنما أَو اشْتَرَاهَا أَو وهبت لَهُ أَو كَانَت لَهُ غنم فَأصَاب إبِلا على مَا وصفت لَك(2/9)
أيزكيها مَعهَا قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا مُخَالف لِلْمَالِ الَّذِي عِنْده فعلى هَذَا إِذا حَال عَلَيْهَا الْحول من يَوْم استفادها الزَّكَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا حَال الْحول على إبِله الَّتِي كَانَت عِنْده ثمَّ أصَاب بعد ذَلِك إبِلا أيزكيها مَكَانَهُ قَالَ لَا وَلَكِن إِذا وَجَبت الزَّكَاة ثَانِيَة على إبِله الأولى زكى الَّتِي أَفَادَ مَعهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل بِالْكُوفَةِ أَو بِمصْر من الْأَمْصَار أَو بمدنية من الْمَدَائِن يعلفها أَو يعْمل عَلَيْهَا أَو يعلفها وَيشْرب أَلْبَانهَا وَلَا يعْمل عَلَيْهَا يعلفها فِي بَيته إِنَاثًا كَانَت أَو ذُكُورا يعتمل عَلَيْهَا ويعلفها وَكَيف إِن كَانَ هَذَا كُله فِي غير مصر وَكَانَت فِي الْبَريَّة أَو فِي السوَاد فَكَانَ يعْمل عَلَيْهَا ويعلفها ويستقي عَلَيْهَا قَالَ لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا وصفت صَدَقَة(2/10)
مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو حنيفَة عَن الْهَيْثَم عَمَّن حَدثهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ لَيْسَ فِي الْإِبِل العوامل والحوامل صَدَقَة(2/11)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل السَّائِمَة ذُكُور كلهَا هَل فِيهَا(2/12)
صَدَقَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل فَإِذا خَافَ أَن تجب عَلَيْهِ الصَّدَقَة بَاعهَا قبل ذَلِك بِيَوْم بِغنم أَو بقر أَو دَرَاهِم يُرِيد بذلك الْفِرَار من الصَّدَقَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول وَهِي عِنْده
قلت فَإِن بَاعَ الْإِبِل بابل قبل أَن تجب عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَة يُرِيد بذلك الْفِرَار من الصَّدَقَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة حَتَّى يحول الْحول على مَا بَقِي فِي يَده وَهَذَا وَالْبَاب الأول سَوَاء
قلت فَإِن بَاعهَا وَلَا يَنْوِي الْفِرَار من الصَّدَقَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ(2/13)
صَدَقَة حَتَّى يحول الْحول على مَا فِي يَدَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ إبل ثمَّ يُصِيب الدَّرَاهِم قبل أَن يحول الْحول على إبِله بِيَوْم ثمَّ زكى الْإِبِل ثمَّ يَبِيعهَا بِالدَّرَاهِمِ فَتجب الزَّكَاة فِي الدَّرَاهِم الَّتِي أصَاب قبل أَن يَبِيع الْإِبِل أيزكي مَعهَا ثمن الْإِبِل وَلم يحل عَلَيْهِ مُنْذُ يَوْم بَاعَ الْإِبِل قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ قد بَاعَ الْإِبِل فَإِن زكى تِلْكَ السّنة أثمانها فقد زكى مَالا وَاحِدًا(2/14)
فِي سنة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو أدّى عشر طَعَامه ثمَّ بَاعه بِدَرَاهِم فحال الْحول على مَاله وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة وزكى ثمن الطَّعَام مَعَه لِأَنَّهُ لَو مكث الطَّعَام عِنْده عشر سِنِين لم يزكه وَلَو مكثت الْإِبِل عِنْده زكاها فَلذَلِك اخْتلفَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف نرى أَن يُزكي ثمن الْإِبِل مَعَ مَاله كَمَا يزكّى ثمن الطَّعَام لِأَنَّهُ قد صَار دَرَاهِم كُله وَصَارَ مَالا وَاحِدًا وَهَذَا قَول مُحَمَّد(2/15)
قلت أَرَأَيْت رجلا يقتل أَبوهُ فَيَقْضِي على قَاتله بِالدِّيَةِ مائَة من الْإِبِل أَو كَاتب عَبده على مائَة من الْإِبِل ثمَّ يَأْخُذ الْإِبِل الَّتِي من دِيَة أَبِيه أَو الْإِبِل الَّتِي أَخذ من مكَاتبه عَبده وَقد حَال عَلَيْهِ الْحول قبل أَن يَأْخُذهَا أيزكيها قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا لم تكن سَائِمَة قلت فَإِذا مكثت عِنْده حولا مُنْذُ يَوْم قبضهَا وَهِي سَائِمَة أيزكيها قَالَ نعم قلت فَإِن لم تكن سَائِمَة وَكَانَ يعْمل عَلَيْهَا ويعلفها قَالَ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تزوج على عشرَة من الْإِبِل بِغَيْر أعيانها فَلَا تقبضها إِلَّا بعد حول أتزكيها قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا لَيست بسائمة قلت فَإِن كَانَت تزوجت عَلَيْهَا بِأَعْيَانِهَا وَهِي سَائِمَة ثمَّ قبضتها(2/16)
بعد حول أتزكيها قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَت إبِلا أَو بقرًا أَو غنما قَالَ نعم رَجَعَ أَبُو حنيفَة عَن هَذَا وَقَالَ بعد ذَلِك لَا زَكَاة عَلَيْهَا وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يأخذان بالْقَوْل الأول(2/17)
قلت أَرَأَيْت الرجل تكون لَهُ الْإِبِل السَّائِمَة فَأَرَادَ أَن يستعملها ويعلفها فَلم يفعل ذَلِك حَتَّى حَال عَلَيْهَا الْحول قَالَ عَلَيْهِ الزَّكَاة
قلت كَذَلِك إِن وَأَرَادَ أَن يَبِيعهَا فَلم يفعل ذَلِك حَتَّى حَال عَلَيْهَا الْحول قَالَ نعم عَلَيْهِ الزَّكَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ عشر من الْإِبِل لَا يزكيها سنتَيْن مَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ فِي السّنة الأولى شَاتَان وَفِي السّنة الثَّانِيَة شَاة
قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا قد نقصت من الْعشْر(2/18)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ خمس وَعِشْرُونَ من الْإِبِل فَلم يزكها سنتَيْن مَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ فِي السّنة الأولى بنت مَخَاض وَعَلِيهِ فِي السّنة الثَّانِيَة أَربع من الْغنم قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا نقصت من الْخمس وَالْعِشْرين
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ أَربع وَعِشْرُونَ فصيلا وناقة ثنية هَل عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل السَّائِمَة اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة أعليه زَكَاة السَّائِمَة أَو زَكَاة التِّجَارَة قَالَ عَلَيْهِ زَكَاة التِّجَارَة ويقومها ثمَّ يُزكي قيمَة كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل وشريكه فِيهَا صبي وَهِي(2/19)
خَمْسُونَ من الْإِبِل قَالَ على الرجل فِي حِصَّته بنت مَخَاض وَلَيْسَ على الصَّبِي شَيْء قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ شَرِيكه فِيهَا مَجْنُونا أَو معتوها أَو رجلا عَلَيْهِ دين أَو مكَاتبا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل فيغلب عَلَيْهَا الْعَدو أَو يغصبها إِيَّاه رجل فيمسكها سِنِين ثمَّ يَأْخُذهَا صَاحبهَا من الْغَاصِب أَو يُصِيبهَا الْمُسلمُونَ فيردونها عَلَيْهِ أيزكيها لما مضى من ذَلِك وَقد أَخذهَا بِأَعْيَانِهَا قَالَ لَا قلت لم قَالَ أما مَا كَانَ فِي يَد الْعَدو فَلم يكن لَهُ لِأَن الْعَدو لَو أَسْلمُوا عَلَيْهَا كَانَت لَهُم وَلَو باعوها لم يأخذوها إِلَّا بِالثّمن وَكَانَ بَيْعه جَائِزا وَأما الْغَاصِب فَإِنَّهُ لم يقدر عيلها أَن يَأْخُذهَا من الْغَاصِب وَلَيْسَ الْغَصْب بِمَنْزِلَة الدّين الَّذِي يقر لَهُ فَيَأْخذهُ بِهِ إِذا شَاءَ فيزكي لما مضى(2/20)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ خمس من الْإِبِل فَإِذا كَانَ قبل الْحول بِشَهْر هَلَكت مِنْهَا وَاحِدَة ثمَّ يحول الْحول عَلَيْهَا بعد هَلَاك الْوَاحِدَة هَل عَلَيْهِ صَدَقَة قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت إِن أصَاب وَاحِدَة مثلهَا قبل أَن يحول عَلَيْهَا الْحول أَو نتج بَعضهنَّ وَاحِدَة قبل أَن يحول عَلَيْهَا الْحول فحال عَلَيْهَا الْحول وعدتها كَامِلَة فَهَل عَلَيْهِ الزَّكَاة قَالَ نعم الزَّكَاة فِيهَا لِأَن الْحول حَال عَلَيْهَا وَهِي خَمْسَة كَمَا كَانَت وعدتها تَامَّة
قلت أَرَأَيْت إِن مكثت عِنْده يَوْمًا ثمَّ هلك مِنْهَا وَاحِدَة فَمَكثت أحد عشر شهرا أَو عشرَة أشهر إِلَّا يَوْمًا نَاقِصَة ثمَّ أصَاب وَاحِدَة فحال الْحول عَلَيْهَا وَهِي تَامَّة أيزكيها قَالَ نعم قلت لم وَإِنَّمَا ملك مَا يجب(2/21)
فِيهِ الزَّكَاة أَيَّامًا من السّنة وَمَا بَين ذَلِك لم يكن يملك مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة قَالَ إِذا ملك ذَلِك فِي أول الْحول وَآخره لم أنظر إِلَى مَا نقص فِيمَا بَين ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون فِي إبِله العمياء أَو الْعَجْفَاء أَو العرجاء هَل يحْسب ذَلِك عَلَيْهِ فِي الْعد قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل تجب فِي إبِله الصَّدَقَة فيبيعها والمصدق ينظر ثمَّ يَقُول لَيْسَ عِنْدِي شَيْء هَل للمصدق أَن يَأْخُذ صدقتها من المُشْتَرِي وَهِي فِي يَدَيْهِ بِأَعْيَانِهَا قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ البَائِع حَتَّى يُؤَدِّي صدقتها وَإِن شَاءَ أَخذ مِمَّا فِي يَدي المُشْتَرِي(2/22)
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ المُشْتَرِي قد ذهب وتفرقا ثمَّ جَاءَ الْمُصدق بعد أيأخذ مِمَّا فِي يَدي المُشْتَرِي قَالَ مَا أستحسن ذَلِك(2/23)
قلت أَرَأَيْت الرجل تجب فِي إبِله الصَّدَقَة فتنفق كلهَا بعد الْحول هَل عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ إِن استهلكها رجل فَذهب بهَا قَالَ نعم قلت فَإِن نفق بَعْضهَا وَبَقِي بعض وَهِي أَرْبَعُونَ من الْإِبِل وَكَانَ الَّذِي هلك مِنْهَا عشْرين وَبَقِي عشرُون قَالَ عَلَيْهِ الصَّدَقَة فِي هَذِه الْعشْرين أَربع من الْغنم وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا مَاتَ وَهلك شَيْء لِأَنَّهُ لم يستهلكها هُوَ
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ حَبسهَا بعد مَا وَجب فِيهَا الزَّكَاة حَتَّى مَاتَت أما ترَاهُ ضَامِنا لم مَاتَ بحبسها قَالَ لَا(2/24)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْإِبِل فيعجل زَكَاتهَا أَو يُعْطي مِنْهَا زَكَاة سِنِين ويعجل ذَلِك هَل يَسعهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ نعم يَسعهُ هَذَا كُله
قلت أَرَأَيْت الرجل تكون لَهُ الْإِبِل والجواميس وَالْبَقر وَالْغنم وَالْخَيْل قد اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة أيزكيها زَكَاة السَّائِمَة أَو زَكَاة التِّجَارَة وَهِي سَائِمَة فِي الْبَريَّة ترعى وَقد اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة قَالَ يزكيها زَكَاة التِّجَارَة
قلت فَإِن كَانَت أَرْبَعِينَ شَاة وَهِي لَا تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا أَو خمس من الْإِبِل وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا وَهِي لَا تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم أَو ثَلَاثِينَ من الْبَقر وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة لِأَنَّهَا للتِّجَارَة(2/25)
قلت فَإِن كَانَت ثَلَاثِينَ من الْغنم أَو عشْرين من الْبَقر أَو أَربع من الْإِبِل وَلَيْسَ من هَذَا شَيْء إِلَّا يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَهُوَ للتِّجَارَة فحال عَلَيْهَا الْحول وَهِي كَذَلِك قَالَ يزكيها
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي الْإِبِل للتِّجَارَة ثمَّ يَبْدُو لَهُ فيجعلها سَائِمَة فيحول عَلَيْهَا الْحول مُنْذُ يَوْم اشْتَرَاهَا وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا وَإِنَّمَا لَهُ مُنْذُ جعلهَا سَائِمَة سِتَّة أشهر قَالَ عَلَيْهِ زَكَاة السَّائِمَة إِذا مَضَت تَمام سنة مُنْذُ يَوْم جعلهَا سَائِمَة قلت فَإِن كَانَ إِنَّمَا فر بهَا من الزَّكَاة فَإِذا حَال الْحول مُنْذُ يَوْم جعلهَا سَائِمَة زكاها زَكَاة السَّائِمَة قَالَ نعم(2/26)
قلت أَرَأَيْت نَصَارَى بنى تغلب هَل يُؤْخَذ من أحد مِنْهُم من إبِله صَدَقَة قَالَ نعم قلت وَكَيف يُؤْخَذ مِنْهُم قَالَ من كَانَت(2/27)
لَهُ مِنْهُم أَربع من الْإِبِل فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فَإِذا كَانَت خمْسا فَعَلَيهِ شَاتَان يُضَاعف عَلَيْهِم الصَّدَقَة قلت أفتأخذ من أغنامهم وبقرهم وجواميسهم أَيْضا كَذَلِك قَالَ نعم بلغنَا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ضاعف عَلَيْهِم الصَّدَقَة قلت فَكيف يُضَاعف عَلَيْهِم الصَّدَقَة قَالَ(2/28)
9 -(2/29)
تنظر إِلَى إبل أحدهم فَإِذا كَانَ مِمَّا تجب فِيهَا الزَّكَاة إِذا كَانَت لمُسلم فَيُؤْخَذ مِنْهَا الزَّكَاة مضاعفة قلت وَكَذَلِكَ الْغنم وَالْبَقر والجواميس قَالَ نعم
قلت فَلَو كَانَ لأَحَدهم من الْإِبِل مَا لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة لَو كَانَت لمُسلم فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء قَالَ نعم لَا شَيْء فِيهِ قلت وَكَذَلِكَ الْبَقر وَالْغنم والجواميس قَالَ نعم
قلت فَمن لم يكن لَهُ مِنْهُم مَال أتأخذ مِنْهُم شَيْئا قَالَ لَا قلت فَمن كَانَ مِنْهُم صَغِيرا أَو كَبِيرا لَهُ إبل وَعَلِيهِ دين كثير يُحِيط بِمَالِه أتأخذ مِنْهُ شَيْئا قَالَ لَا آخذ مِنْهُ شَيْئا
قلت وَالْإِبِل تكون للْمَرْأَة مِنْهُم عَلَيْهَا من الصَّدَقَة مثل مَا على الرجل قَالَ نعم(2/30)
قلت وَالْعَبْد يعتقونه وَيكون لَهُ الْإِبِل تضَاعف عَلَيْهِ الصَّدَقَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن بني تغلب صَالحهمْ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ على هَذَا فمواليهم لَا يكونُونَ أعظم عِنْدِي حُرْمَة من موَالِي الْمُسلم فالمسلم يعْتق عَبده النَّصْرَانِي نَأْخُذ مِنْهُ الْخراج فَلَيْسَ نَتْرُك موَالِي بني تغلب أَن يوضع على رُؤْسهمْ الْخراج وعَلى أَرضهم وأهمل أَمْوَالهم فَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا شَيْء تكون بِمَنْزِلَة أَمْوَال أهل الذِّمَّة
قلت أَرَأَيْت مَا أَخذ مِنْهَا من أَمْوَال بني تغلب أتقسمها فِي فقرائهم قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا لَيست بِصَدقَة إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة الْخراج فَهِيَ للْمُسلمين ترفع إِلَى بَيت مَالهم
قلت أَرَأَيْت الْمُسلم يمر على الْعَاشِر بابل وَهِي ثمن مَال كثير(2/31)
فَيَقُول لَيْسَ شَيْء من هَذَا للتِّجَارَة وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ قَالَ نعم قلت فالحربي قَالَ أما الْحَرْبِيّ فَإِنَّهُ إِذا مر بِشَيْء مِمَّا ذكرت قوم وَأخذ مِنْهُ الْعشْر
قلت أَرَأَيْت قوما من الْخَوَارِج ظَهَرُوا على قوم من الْمُسلمين من أهل الْعدْل فَأخذُوا زَكَاة الْإِبِل ثمَّ ظهر عَلَيْهِم الإِمَام وَأهل الْعدْل أيحسبون لَهُم تِلْكَ الصَّدَقَة قَالَ نعم قلت وَلم قَالَ لأَنهم(2/32)
لم يمنعوهم مِنْهُم
قلت وَكَيف يَنْبَغِي أَن يصنع بِصَدقَة الْإِبِل قَالَ يَنْبَغِي أَن يقسم صَدَقَة كل بِلَاد فِي فقرائهم وَلَا يُخرجهَا من تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى غَيرهَا
قلت أَرَأَيْت النَّصْرَانِي من بني تغلب يمر على الْعَاشِر وَمَعَهُ الْغنم للتِّجَارَة فَيَقُول عَليّ دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا وَيحلف على ذَلِك أيكف عَنهُ ويصدقه قَالَ نعم يصدقهُ ويكف عَنهُ
قلت أَرَأَيْت الْمُصدق إِذا جَاءَ إِلَى الرجل يَأْخُذ من صَدَقَة(2/33)
غنمه فَقَالَ عَليّ دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا هَل عَلَيْهِ شَيْء قَالَ لَا إِذا حلف على ذَلِك صدقه
قلت أَرَأَيْت الصَّبِي من بني تغلب لَهُ إبل أَو غنم أَو بقر وَهُوَ نَصْرَانِيّ هَل صَدَقَة مضاعفة قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ صَغِير وَإِنَّمَا يُضَاعف على الْكَبِير
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون فِي عَسْكَر الخوارح وَلَا يُؤَدِّي زَكَاة إبِله أَو بقره أَو غنمه سنة أَو سنتَيْن ثمَّ يَتُوب أهل الْبَغي وَهُوَ مُقيم مَعَهم هَل يُؤْخَذ هُوَ وَأَصْحَابه بِزَكَاة مَا مضى من السنين قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لأَنهم لم تكن أحكامنا تجْرِي عَلَيْهِم فِي عَسْكَرهمْ قلت فَهَل عَلَيْهِم فِيمَا بَينهم وَبَين الله تَعَالَى أَن يؤدوا زَكَاة مَا مضى قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يبعثونه رَسُولا من أهل الْبَغي إِلَى أهل الْعدْل فيمر على الْعَاشِر بِالْمَالِ أيأخذ مِنْهُ الصَّدَقَة قَالَ نعم قلت(2/34)
وَكَذَلِكَ لَو مر بِالْإِبِلِ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يسلمُونَ فِي أَرض الْحَرْب فيمكثون سِنِين وَقد علمُوا أَن الزَّكَاة تجْرِي عَلَيْهِم كَمَا تجْرِي عَلَيْهِم الصَّلَاة فصدقوا بذلك وعرفوه فِي أَمْوَالهم وإبلهم وبقرهم وغنمهم فَلم يؤدوها سِنِين ثمَّ خَرجُوا إِلَى دَار الْإِسْلَام بإبلهم وبقرهم وغنمهم وَأَمْوَالهمْ هَل يؤخذوا الْمَاضِي من السنين بِشَيْء من ذَلِك قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن الحكم لم يكن يجْرِي عَلَيْهِم قلت فَعَلَيْهِم أَن يؤدوها فِيمَا بَينهم وَبَين الله تَعَالَى قَالَ نعم(2/35)
قلت أَرَأَيْت رجلا لَهُ إبل فَأَتَاهُ الْمُصدق وَأخذ صَدَقَة إبِله فَقَالَ للمصدق قد أدّيت صَدَقَة هَذِه الْإِبِل إِلَى مُصدق غَيْرك وجاءه بِبَرَاءَة وَحلف لَهُ على ذَلِك وَقد كَانَ عَلَيْهِم مُصدق غَيره فِي تِلْكَ السّنة فَقبل مِنْهُ وكف عَنهُ وأتى على ذَلِك سِنِين ثمَّ اطلع الْمُصدق على ذَلِك أَنه بَاطِل فَأخْبرهُ الرجل بذلك هَل يَأْخُذ الْمُصدق مِنْهُ صَدَقَة تِلْكَ السنين قَالَ نعم قلت فَإِن لم يعلم الْمُصدق بذلك أيؤديها هُوَ إِلَى الْمَسَاكِين قَالَ نعم
- بَاب صَدَقَة الْغنم
-
قَالَ مُحَمَّد قَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ فِي أقل من أَرْبَعِينَ من الْغنم السَّائِمَة صَدَقَة فَإِذا كَانَت أَرْبَعِينَ شَاة سَائِمَة فَفِيهَا شَاة بلغنَا ذَلِك عَن رَسُول الله(2/36)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى ثَلَاثمِائَة فَإِذا زَادَت على ثَلَاثمِائَة شَاة فَلَيْسَ فِي الزِّيَادَة شَيْء حَتَّى تبلغ مائَة فَإِذا بلغت الزِّيَادَة مائَة كَانَ فِيهَا شَاة مَعَ الثَّلَاث لِأَن الْغنم إِذا كثرت كَانَ فِي كل مائَة شَاة شَاة
قلت أَرَأَيْت الْغنم أيحسب عَلَيْهِم فِي الْعدَد الصَّغِيرَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْغنم مَا لَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة مِنْهَا قَالَ لَا تُؤْخَذ الربى وَلَا الأكيلة وَلَا الماخض وَلَا فَحل الْغنم
قَالَ مُحَمَّد حَدثنَا بذلك أَبُو حنيفَة عَن عمر بن الْخطاب(2/37)
قلت وَمَا الربى قَالَ الَّتِي تربي وَلَدهَا قلت وَمَا الأكيلة(2/38)
قَالَ الَّتِي تسمن للْأَكْل قلت فَمَا الماخض قَالَ الَّتِي فِي بَطنهَا ولد
قلت فَهَل يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة الْجَذعَة من الْغنم قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة إِلَّا الثنى فَصَاعِدا وَلَا يُؤْخَذ(2/39)
هرمة وَلَا ذَات عوار(2/40)
قلت أَرَأَيْت الْغنم الحملان كلهَا هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذ فِي صَدَقَة الْغنم إِلَّا الثنى فَصَاعِدا وَكَذَلِكَ(2/41)
بلغنَا عَن عَامر الشّعبِيّ فِي الحملان وَلَا يُؤْخَذ فِي صَدَقَة الْإِبِل وَالْبَقر(2/42)
إِلَّا مَا وصفت لَك من السن أَو قِيمَته وَلَيْسَ هَذَا مثل ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجلَيْن يكون بَينهمَا أَرْبَعُونَ شَاة هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ بَينهمَا تسع وَسَبْعُونَ شَاة هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت فثمانون قَالَ نعم على كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاة إِلَى أَن تبلغ أغنامهما مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين شَاة فَإِذا زَادَت شَاتين فعلى كل(2/43)
وَاحِد مِنْهُمَا شَاتَان إِلَى أَن تبلغ أغنامهما أَرْبَعمِائَة شَاة فَإِذا زَادَت اثْنَتَيْنِ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى أَن تبلغ أغنامهما سِتّمائَة فَمَا زَاد على الستمائة فَلَيْسَ فِي الزِّيَادَة شَيْء حَتَّى تبلغ الْغنم ثَمَانمِائَة فَإِذا بلغتهَا الْغنم فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَربع شِيَاه
قلت فَإِذا زَادَت قَالَ لَيْسَ فِي الزِّيَادَة شَيْء حَتَّى تبلغ ألفا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم وَعَلِيهِ دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا هَل عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت فَإِذا جَاءَهُ الْمُصدق فَأخْبرهُ أَن عَلَيْهِ دينا وَحلف لَهُ أيقبل ذَلِك مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت فَإِن قَالَ إِنَّمَا أصبت هَذِه الْغنم مُنْذُ قريب وَلم يتم لَهَا عِنْدِي حول مُنْذُ أصبتها وَحلف لَهُ على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ للمصدق قد أدّيت زَكَاة هَذِه الْغنم إِلَى مُصدق غَيْرك وجاءه بِبَرَاءَة وَحلف لَهُ على ذَلِك وَقد كَانَ عَلَيْهِم مُصدق غَيره فِي تِلْكَ السّنة أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ للمصدق قد أَعْطَيْت زَكَاتهَا للْمَسَاكِين أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ لَا قلت فَلم صدقته فِيمَا سوى هَذَا(2/44)
مِمَّا ذكرت لَك وَلم تصدقه فِي هَذَا قَالَ لِأَن صَدَقَة الْغنم إِنَّمَا تدفع إِلَى السعاة الَّذين عَلَيْهِم فَلَو قبل السعاة من النَّاس قَوْلهم قد أعطيناها الْمَسَاكِين لم تُؤْخَذ صَدَقَة أبدا
قلت أَرَأَيْت الْيَتِيم الَّذِي لم يَحْتَلِم وَالْمَجْنُون المغلوب وَالْعَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَعَلِيهِ دين هَل يكون على أحد من هَؤُلَاءِ صَدَقَة إِذا كَانَت لَهُ غنم قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن الصَّلَاة لَا تجب على الصَّغِير وَلَا على الْمَعْتُوه وَلَا على الْمَجْنُون فَكَذَلِك لَا تجب الزَّكَاة عَلَيْهِم فَأَما العَبْد الَّذِي عَلَيْهِ دين وَالْمكَاتب فهما لَا يملكَانِ شَيْئا
قلت فَالْعَبْد الَّذِي لَا دين عَلَيْهِ قَالَ هَذَا يصير مَاله لمَوْلَاهُ وَتَكون فِيهِ الزَّكَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم الَّتِي تجب فِي مثلهَا الزَّكَاة إِذا كَانَ قبل الْحول بِيَوْم ورث إبِلا أَو اشْتَرَاهَا أَو وهبت لَهُ وَهِي سَائِمَة أيزكيها مَعَ غنمه قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ لَهُ غنم لَا تجب فِي مثلهَا الزَّكَاة وَورث إبِلا أَو اشْتَرَاهَا أَو وهبت لَهُ أَو كَانَت لَهُ إبل فَأصَاب غنما على مَا وصفت لَك(2/45)
أيزكيها مَعهَا قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا مُخَالف لِلْمَالِ الَّذِي عِنْده وعَلى هَذَا إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول من يَوْم قبضهَا أَو ملكهَا الزَّكَاة إِذا كَانَ يجب فِي مثله الزَّكَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم بِالْكُوفَةِ أَو بِمصْر من الْأَمْصَار أَو بِمَدِينَة من الْمَدَائِن يعلفها وَيشْرب أَلْبَانهَا أَو يعلفها فِي بَيته ويصيب من أَلْبَانهَا فَكيف إِن كَانَ هَذَا كُله فِي غير مصر أَو كَانَ هَذَا كُله فِي الْبَريَّة أَو فِي السوَاد وَكَانَ يعلفها قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْء مِمَّا وصفت صَدَقَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم السَّائِمَة ذُكُور كلهَا هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم فَإِذا خَافَ أَن يجب فِيهَا صَدَقَة بَاعهَا قبل ذَلِك بِيَوْم بِإِبِل أَو ببقر أَو بِدَرَاهِم يُرِيد بذلك الْفِرَار من الصَّدَقَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول وَهِي عِنْده قلت فَإِن بَاعَ ذَلِك بِغنم قبل أَن تجب عَلَيْهِ صَدَقَة بِيَوْم يُرِيد بذلك الْفِرَار من الصَّدَقَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَهَذَا وَالْبَاب الأول سَوَاء(2/46)
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تزوج على غنم تجب فِي مثلهَا الزَّكَاة فَلَا تقبضها إِلَّا بعد حول أتزكيها قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهَا لَيست بسائمة
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تزوج على غنم بِعَينهَا وَهِي سَائِمَة تجب فِي فِي مثلهَا الزَّكَاة فَلَا تقبضها إِلَّا بعد حول أتزكيها قَالَ نعم وَقَالَ أَبُو حنيفَة بعد ذَلِك لَا تزكيها
قلت فَإِن دَفعهَا إِلَى امْرَأَته وَحَال عَلَيْهَا الْحول ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ تزكي الْمَرْأَة نصف ذَلِك كُله قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ فِي ملكهَا وَوَجَبَت عَلَيْهَا فِيهِ الزَّكَاة
قلت وَكَذَلِكَ لَو تزَوجهَا على بقر أَو إبل سَائِمَة ثمَّ دَفعهَا إِلَيْهَا(2/47)
حَال الْحول عَلَيْهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ لَو تزَوجهَا على عبد وَدفعه إِلَيْهَا فجَاء يَوْم الْفطر هُوَ عِنْدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فعلَيْهَا الزَّكَاة قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ العَبْد عِنْد الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْفطر وَلَا عَلَيْهِ قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الْإِبِل وَالْغنم وَالْبَقر عِنْد الزَّوْج وَهِي سَائِمَة فَتَزَوجهَا عَلَيْهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا ثمَّ دفع إِلَيْهَا نصفهَا فَإِنَّهَا تزكيها وَقد حَال عَلَيْهَا الْحول قَالَ إِن كَانَ فِي مثل مَا أخذت تجب فِيهَا الزَّكَاة زكتها وَإِلَّا فَلَا زَكَاة عَلَيْهَا وَأما الزَّوْج فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة الأول وَقَالَ أَبُو حنيفَة بعد ذَلِك لَا زَكَاة عَلَيْهَا فِيمَا قبضت
قلت فَمَا ترى فِي رجل لَهُ مِائَتَا دِرْهَم وَعَلِيهِ مثلهَا دين وَله أَرْبَعُونَ شَاة سَائِمَة أَو خمس من الْإِبِل أَو ثَلَاثُونَ من الْبَقر هَل عَلَيْهِ زَكَاة قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن عِنْده دَرَاهِم وَفَاء بِدِينِهِ قلت فَإِن كَانَ عَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة فِي شَيْء من(2/48)
ذَلِك قلت وَلم قَالَ لِأَن عَلَيْهِ فضل دين وَلَيْسَ عِنْده بِهِ وَفَاء من الدَّرَاهِم
قلت أَرَأَيْت رجلا لَهُ أَرْبَعُونَ شَاة سَائِمَة وَمِائَتَا دِرْهَم دين هَل عَلَيْهِ زَكَاة قَالَ نعم عَلَيْهِ زَكَاة الْغنم وَتبطل عَنهُ زَكَاة الدَّرَاهِم
قلت فَإِن لم يَأْته الْمُصدق وَكَانَ ذَلِك إِلَيْهِ وَالْغنم تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم يُزكي أَيهمَا شَاءَ وَيتْرك الْأُخْرَى وَترى ذَلِك يجْزِيه قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت لَهُ خمس من الْإِبِل مَكَان الدَّرَاهِم وَهِي تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم يُزكي أَيهمَا شَاءَ قَالَ نعم قلت فَإِذا جَاءَ الْمُصدق فَأخْبرهُ بِمَا عَلَيْهِ من الدّين وَبِمَا لَهُ قَالَ يصدق الْمُصدق الْإِبِل
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون عِنْده عشرُون وَمِائَة شَاة سَائِمَة يَأْتِي عَلَيْهَا سنتَانِ لَا يزكيها قَالَ عَلَيْهِ زَكَاة سنتَيْن فِي كل سنة شَاة
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَة شَاة فَلم يزكها سنتَيْن قَالَ عَلَيْهِ فِي السّنة الأولى شَاتَان وَعَلِيهِ فِي السّنة الثَّانِيَة شَاة
قلت فَإِن كَانَت أَرْبَعِينَ شَاة قَالَ عَلَيْهِ فِي السّنة الأولى شَاة(2/49)
وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السّنة الْأُخْرَى شَيْء لِأَنَّهَا قد نقصت
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم السَّائِمَة اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة أعليه زَكَاة السَّائِمَة أَو زَكَاة التِّجَارَة قَالَ عَلَيْهِ زَكَاة التِّجَارَة يقومهما ثمَّ يُزكي قيمَة كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم وشريكه فِيهَا صبي هَل عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَة قَالَ نعم عَلَيْهِ الزَّكَاة فِي حِصَّته وَلَيْسَ على الصَّبِي شَيْء قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ شَرِيكه فِيهَا معتوها أَو رجلا عَلَيْهِ دين أَو مكَاتبه قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَ بَينهمَا إبل أَو بقر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل تكون لَهُ الْغنم فيغلب عَلَيْهَا الْعَدو أَو يغصبها إِيَّاه رجل فتمكث عِنْده سِنِين ثمَّ يَأْخُذهَا صَاحبهَا من الْغَاصِب أَو يُصِيبهَا الْمُسلمُونَ فيردونها عَلَيْهِ أيزكيها لما مضى وَقد أَخذهَا بِأَعْيَانِهَا قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن مَا كَانَ فِي أَيدي الْعَدو لم يكن لَهُ لِأَن الْعَدو لَو أسلم عَلَيْهَا كَانَت لَهُ وَلَو بَاعهَا لم يَأْخُذهَا إِلَّا بِالثّمن وَكَانَ بَينهم جَائِزا وَأما الْغَاصِب فَإِنَّهُ لم يكن يقدر عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة الدّين الَّذِي يقر لَهُ بِهِ فيزكيه لما مضى بعد مَا يَأْخُذهُ(2/50)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم وَهِي أَرْبَعُونَ شَاة فَإِذا كَانَ قبل الْحول هَلَكت مِنْهَا وَاحِدَة فحال الْحول بعد هَلَاك الْوَاحِدَة هَل عَلَيْهِ صَدَقَة قَالَ لَا قلت أَرَأَيْت إِن أصَاب وَاحِدَة مثلهَا قبل أَن يحول الْحول عَلَيْهَا أَو ولد بَعضهنَّ وَاحِدَة قبل أَن يحول الْحول فحال الْحول عَلَيْهَا وعدتها كَامِلَة أيزكيها قَالَ نعم قلت وَلم وَإِنَّمَا ملك مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة أَيَّامًا من السّنة وَمَا بَين ذَلِك لم يكن يملك مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة قَالَ أما مَا ملك فِي أول الْحول أَو آخِره لم ينظر إِلَى مَا نقص من ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون فِي غنمه العمياء أَو العرجاء أَو الْعَجْفَاء أتحسب عَلَيْهِ فِي الْعدَد قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت قَوْلك لَا نفرق بَين مُجْتَمع مَا هُوَ قَالَ يكون للرجل مائَة وَعِشْرُونَ شَاة فَفِيهَا شَاة وَاحِدَة فَإِن فرقها الْمُصدق فَجَعلهَا أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه
قلت أَرَأَيْت قَوْلك لَا نجمع بَين متفرق مَا هُوَ قَالَ(2/51)
الرّجلَانِ يكون بَينهمَا أَرْبَعُونَ شَاة فَإِن جمعهَا كَانَت فِيهَا شَاة وَلَو فرقها عشْرين عشْرين لم يكن فِيهَا شَيْء قلت فَلَو كَانَا شَرِيكَيْنِ متفاوضين لم يجمع بَين أغنامهما قَالَ نعم لَا يجمع بَينهمَا
قلت أَرَأَيْت الرجل تجب فِي غنمه الصَّدَقَة فيبيعها صَاحبهَا والمصدق ينظر إِلَيْهِ ثمَّ يَقُول لَيْسَ عِنْدِي شَيْء هَل يَأْخُذ صدقتها(2/52)
من المُشْتَرِي وَهِي فِي يَدَيْهِ بِأَعْيَانِهَا قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ البَائِع حَتَّى يُؤَدِّي صدقتها وَإِن شَاءَ أَخذ مِمَّا فِي يَد المُشْتَرِي قلت فَإِن كَانَ المُشْتَرِي قد ذهب وتفرقا وَجَاء الْمُصدق بعد أيأخذ مِمَّا فِي يَد المُشْتَرِي قَالَ مَا أستحسن ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل فِي غنمه الصَّدَقَة ثمَّ ينْفق كلهَا بعد الْحول هَل عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت وَلم وَقد حَال عَلَيْهَا الْحول وَوَجَبَت فِيهَا الصَّدَقَة قَالَ لِأَنَّهَا هَلَكت وموتت قلت وَكَذَلِكَ إِن استهلكها رجل فَذهب بهَا قَالَ نعم
قلت فَإِن نفق بَعْضهَا وَبَقِي بَعْضهَا وَهِي أَرْبَعُونَ من الْغنم فَكَانَ الَّذِي هلك مِنْهَا عشْرين وَبَقِي عشرُون قَالَ فَعَلَيهِ الصَّدَقَة فِي هَذِه الْعشْرين عَلَيْهِ فِيهَا نصف شَاة وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا مَاتَ وَهلك شَيْء قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ لم يستهلكها هُوَ قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ حَبسهَا بعد مَا وَجب فِيهَا الزَّكَاة حَتَّى مَاتَت أما ترَاهُ ضَامِنا لَهَا لما مَاتَت(2/53)
مِنْهَا بحبسه إِيَّاهَا قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ أَرْبَعُونَ من الْغنم فيعجل زَكَاتهَا قبل الْحول أَو يعْطى مِنْهَا زَكَاة سِنِين ويعجل ذَلِك هَل يَسعهُ ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ نعم يَسعهُ هَذَا كُله بلغنَا نَحْو من ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/54)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْغنم اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة أيزكيها زَكَاة السَّائِمَة أَو زَكَاة التِّجَارَة وَهِي سَائِمَة فِي الْبَريَّة ترعى وَقد اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة قَالَ يزكيها زَكَاة التِّجَارَة قلت فَإِن كَانَت أَرْبَعِينَ شَاة وَلَا تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة لِأَنَّهَا للتِّجَارَة
قلت فَإِن كَانَت ثَلَاثِينَ من الْغنم أَو عشْرين من الْبَقر أَو أَرْبَعَة من الْإِبِل وَلَيْسَ شَيْء من هَذِه إِلَّا يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَهِي للتِّجَارَة فحال عَلَيْهَا الْحول وَهِي كَذَلِك قَالَ يزكيها زَكَاة التِّجَارَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي الْغنم للتِّجَارَة فيبدوا لَهُ فيجعلها سَائِمَة فيحول عَلَيْهَا الْحول وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا وَإِنَّمَا جعلهَا مُنْذُ سِتَّة أشهر أعليه زَكَاة التِّجَارَة إِذا مضى سنة مُنْذُ يَوْم اشْتَرَاهَا قَالَ لَا قلت(2/56)
فَإِن كَانَ إِنَّمَا فر بهَا من الزَّكَاة قَالَ فَإِذا حَال عَلَيْهَا الْحول مُنْذُ يَوْم جعلهَا سَائِمَة زكاها زَكَاة السَّائِمَة وَلَا يزكيها للتِّجَارَة
قلت أَرَأَيْت نَصَارَى بني تغلب هَل يُؤْخَذ من أحد مِنْهُم من غَنمهمْ شَيْء قَالَ نعم قلت وَكَيف يُؤْخَذ مِنْهُم قَالَ تضَاعف عَلَيْهِم الصَّدَقَة إِذا كَانَت مِمَّا تجب فِيهَا الزَّكَاة لَو كَانَت لمُسلم فَيُؤْخَذ مِنْهُ فِيهَا الزَّكَاة مضاعفة قلت وَكَذَلِكَ الْإِبِل وَالْبَقر والجواميس قَالَ نعم
قلت فَإِذا كَانَ لأحد مِنْهُم من الْغنم مَا لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة لَو كَانَت لمُسلم فَلَيْسَ فِيهِ شَيْء قَالَ نعم لَيْسَ فِيهِ شَيْء قلت فَمن لم يكن مِنْهُم لَهُ مَال أتأخذ مِنْهُ شَيْئا قَالَ لَا قلت فَمن كَانَ مِنْهُم لَهُ غنم وَعَلِيهِ دين يُحِيط بِمَالِه أتأخذ مِنْهُ شَيْئا قَالَ لَا آخذ مِنْهُ
قلت فالغنم تكون للْمَرْأَة مِنْهُم عَلَيْهَا مَا على الرجل قَالَ نعم قلت فَالْعَبْد يكون لَهُم فيعتقونه يكون لَهُ الْغنم يُضَاعف عَلَيْهَا الصَّدَقَة(2/57)
قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن بني تغلب صَالحهمْ عمر بن الْخطاب فَصَالحهُمْ على هَذَا فمواليهم لَا يكونُونَ أعظم حُرْمَة عِنْدِي من موَالِي الْمُسلمين فَإِن الْمُسلم يعْتق عَبده النَّصْرَانِي فنأخذ مِنْهُ الْخراج فَلَيْسَ نَتْرُك موَالِي بني تغلب أَن يوضع على رُؤْسهمْ الْخراج وعَلى أرضيهم وأهمل أَمْوَالهم فَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا شَيْء بِمَنْزِلَة موَالِي أهل الذِّمَّة
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُسلم يمر على الْعَاشِر بِغنم وَهِي مَال كثير فَيَقُول لَيْسَ شَيْء من هَذَا للتِّجَارَة وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ذَلِك ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ والتغلبي قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيّ قَالَ لَا أما الْحَرْبِيّ فَإِذا مر بِشَيْء مِمَّا ذكرت قوم وَأخذ مِنْهُ الْعشْر(2/58)
قلت أَرَأَيْت قوما من الْخَوَارِج ظَهَرُوا على قوم من الْمُسلمين فَأخذُوا زَكَاة أغنامهم ثمَّ ظهر عَلَيْهِم الإِمَام بعد ذَلِك وَأهل الْعدْل أيحسبون لَهُم تِلْكَ الصَّدَقَة قَالَ نعم قلت لم قَالَ لأَنهم لم يمنعوهم
قلت وَكَيف يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يصنع بِصَدقَة الْغنم قَالَ يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يقسم صَدَقَة كل بِلَاد فِي فقرائهم وَلَا يُخرجهَا من تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى غَيرهَا
قلت أَرَأَيْت النَّصْرَانِي من بني تغلب يمر على الْعَاشِر وَمَعَهُ غنم للتِّجَارَة فَيَقُول عَليّ دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا وَيحلف على ذَلِك أيكف عَنهُ وَيقبل مِنْهُ ذَلِك وَيصدق قَالَ نعم يكف عَنهُ
قلت أَرَأَيْت إِذا جَاءَ الْمُصدق يَأْخُذ صَدَقَة غنمه فَقَالَ على دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا وَحلف على ذَلِك قَالَ لَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا(2/59)
قلت أَرَأَيْت الصَّبِي النَّصْرَانِي من بني تغلب هَل يُؤْخَذ من غنمه الصَّدَقَة مضاعفة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ صَغِير وَإِنَّمَا يُضَاعف على الْكَبِير من بني تغلب
قلت أَرَأَيْت الرجل يَمُوت وَقد وَجَبت فِي غنمه وَإِبِله وبقره وجواميسه الصَّدَقَة فَيَجِيء الْمُصدق وَهِي فِي أَيدي الْوَرَثَة فَيَأْخُذ صدقتها مِنْهُم قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا قد خرجت من ملك الَّذِي كَانَت لَهُ صَارَت لغيره(2/60)
- بَاب صَدَقَة الْبَقر
-
قَالَ مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ لَيْسَ فِيمَا دون ثَلَاثِينَ بقرة صَدَقَة فَإِذا كَانَت ثَلَاثِينَ سَائِمَة فَفِيهَا تبيع أَو تبيعة إِلَى تسع وَثَلَاثِينَ فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّة بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو ذَلِك فَمَا زَاد على الْأَرْبَعين فَإِن الزِّيَادَة(2/61)
بِحِسَاب ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما نَحن فنرى أَن لَا يُؤْخَذ مِمَّا زَاد على الْأَرْبَعين شَيْء حَتَّى تبلغ الْبَقر سِتِّينَ فَإِذا كَانَت سِتِّينَ فَفِيهَا تبيعان إِلَى تسع وَسِتِّينَ فَإِذا كَانَت سبعين فَفِيهَا مُسِنَّة وتبيع إِلَى أَن تبلغ تسعا وَسبعين فَإِذا بلغت ثَمَانِينَ فَفِيهَا مسنتان إِلَى أَن تبلغ تسعا وَثَمَانِينَ فَإِذا بلغت تسعين فَفِيهَا ثَلَاثَة أتبعة إِلَى أَن تبلغ تسعا وَتِسْعين فَإِذا بلغت مائَة فَفِيهَا مُسِنَّة وتبيعان(2/62)
قلت أَرَأَيْت الجواميس هِيَ بِمَنْزِلَة الْبَقر صدقتها وَصدقَة الْبَقر سَوَاء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِذا وَجب فِيهَا شَيْء فَلم يُوجد الشَّيْء الَّذِي وَجب عَلَيْهَا فِيهَا يُؤْخَذ أفضل مِنْهُ أَو دونه قَالَ يَأْخُذ قيمَة ذَلِك الشَّيْء الَّذِي وَجب عَلَيْهِ وَإِن شِئْت أخذت أفضل مِنْهَا ورددت عَلَيْهِ قيمَة الْفضل دَرَاهِم وَإِن شِئْت أخذت دونهَا وَأخذت بِالْفَضْلِ قِيمَته دَرَاهِم
قلت أَرَأَيْت الْبَقر العجاجيل كلهَا والحملان والفصلان هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذ فِي صَدَقَة الْبَقر وَالْإِبِل وَالْغنم إِلَّا مَا وصفت لَك من السن أَو قِيمَته وَلَيْسَ هَذَا مثل ذَلِك وَلَا يُؤْخَذ فِي صَدَقَة الْغنم إِلَّا الثنى فَصَاعِدا قلت أَرَأَيْت الرجلَيْن بَينهمَا تسع وَخَمْسُونَ من الْبَقر أَو جواميس هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَت سِتِّينَ قَالَ على كل وَاحِد مِنْهُمَا تبيع أَو تبيعة إِلَى أَن تبلع تسعا وَسبعين فَإِذا كَانَت ثَمَانِينَ فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا مُسِنَّة فَمَا زَاد فبحساب ذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَلَيْسَ فِي(2/63)
الزِّيَادَة شَيْء حَتَّى تبلغ مائَة وَعشْرين
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْخَيل السَّائِمَة الذُّكُورَة كلهَا هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَت إِنَاثًا وذكورة يطْلب نسلها قَالَ فَفِي كل فرس دِينَار وَإِن شِئْت قومتها دَرَاهِم فَجعلت فِي كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا نرى فِي الْخَيل صَدَقَة لِأَنَّهُ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ عَفَوْت لأمتي عَن صَدَقَة الْخَيل وَالرَّقِيق إِلَّا أَن فِي الرَّقِيق صَدَقَة الْفطر(2/64)
وَهُوَ قَول مُحَمَّد(2/65)
قلت أَرَأَيْت الْحمر وَالْبِغَال السَّائِمَة هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْبَقر يجب فِي مثلهَا الصَّدَقَة(2/66)
وَعَلِيهِ دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا هَل عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت فَإِذا جَاءَ الْمُصدق فَأخْبرهُ أَن عَلَيْهِ دينا وَحلف على ذَلِك لَهُ أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت فَإِن قَالَ إِنَّمَا أصبت هَذِه الْبَقر مُنْذُ شهر وَلم يتم لَهَا عِنْدِي حول وَحلف على ذَلِك هَل يقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ للمصدق قد أدّيت زَكَاة هَذِه الْبَقر إِلَى مُصدق غَيْرك وجاءه بِبَرَاءَة وَحلف لَهُ على ذَلِك وَقد كَانَ عَلَيْهِم مُصدق غَيره فِي تِلْكَ السّنة أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ قد أَعْطَيْت زَكَاتهَا الْمَسَاكِين أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ لَا قلت لم صدقته فِي مَا سوى هَذَا مِمَّا ذكرت لَك وَلم تصدقه فِي هَذَا قَالَ لِأَن الصَّدَقَة إِنَّمَا تدفع إِلَى السعاة عَلَيْهِم فَإِن قبل السعاة من النَّاس قَوْلهم هَذَا أعطيناها الْمَسَاكِين لم يُؤْخَذ صَدَقَة أبدا
قلت أَرَأَيْت الْيَتِيم الَّذِي لم يَحْتَلِم وَالْمَجْنُون المغلوب وَالْعَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة عَلَيْهِ دين هَل على أحد من هَؤُلَاءِ صَدَقَة إِذا كَانَت بقر يجب فِي مثلهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن الصَّغِير وَالْمَعْتُوه لَا يجب(2/67)
عَلَيْهِمَا الصَّلَاة فَكَذَلِك لَا يجب عَلَيْهِمَا الزَّكَاة وَأما العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة الَّذِي عَلَيْهِ دين وَالْمكَاتب فهما لَا يملكَانِ شَيْئا
قلت أَرَأَيْت العَبْد الْمَأْذُون لَهُ إِذا لم يكن عَلَيْهِ دين قَالَ هَذَا مَاله لمَوْلَاهُ وَيكون عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْبَقر الَّتِي تجب فِي مثلهَا الزَّكَاة فَإِذا كَانَ قبل الْحول بِيَوْم ورث بقرًا أَو اشْتَرَاهَا أَو وهبت لَهُ وَهِي سَائِمَة أيزكيها مَعَ بقرة قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ لَهُ بقر لَا يجب فِي مثلهَا الزَّكَاة أَو تجب وَورث إبِلا وَغنما أَو اشْتَرَاهَا لَهُ أَو وهبت أَو أصَاب على مَا وصفت لَك أيزكيها مَعهَا قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا مُخَالف لِلْمَالِ الَّذِي عِنْده وعَلى هَذَا إِذا حَال عَلَيْهَا الْحول من يَوْم قبضهَا الزَّكَاة
قلت أرايت الرجل إِذا حَال الْحول على بقره الَّتِي كَانَت عِنْده(2/68)
ثمَّ أصَاب بقرة بعد ذَلِك أيزكيها مَكَانَهُ قَالَ لَا وَلَكِن إِذا وَجَبت الزَّكَاة ثَانِيَة على بقره الأولى زكى بقره الَّتِي أَفَادَ مَعهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون عِنْده الْبَقر السَّائِمَة ذكورة كلهَا هَل فِيهَا صَدَقَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْبَقر الَّتِي تجب فِي مثلهَا الزَّكَاة فَإِذا خَافَ أَن يجب عَلَيْهَا صَدَقَة بَاعهَا قبل ذَلِك بِيَوْم بِإِبِل أَو غنم أَو دَرَاهِم يُرِيد بذلك الْفِرَار من الصَّدَقَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى يحول الْحول عَلَيْهَا وَهِي عِنْده
قلت أَرَأَيْت إِن بَاعَ ببقر قبل أَن تجب عَلَيْهِ الصَّدَقَة بِيَوْم يُرِيد بذلك الْفِرَار من الصَّدَقَة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء وَهَذَا وَالْبَاب الأول سَوَاء
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تزوج على أَرْبَعِينَ من الْبَقر بِغَيْر أعيانها فَلَا تقبضها إِلَّا بعد حول أتزكيها قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا لَيست بسائمة قلت فَإِن كَانَت تزوجت عَلَيْهَا بِأَعْيَانِهَا وَهِي سَائِمَة ثمَّ قبضتها بعد حول أتزكيها قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت إبِلا أَو غنما قَالَ نعم رَجَعَ أَبُو حنيفَة بعد ذَلِك وَقَالَ لَا زَكَاة عَلَيْهَا(2/69)
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تزوج على مائَة من الْبَقر بِعَينهَا فيحول عَلَيْهَا الْحول وَهِي فِي يَد الزَّوْج ثمَّ يطلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا على من زَكَاة هَذِه الْبَقر قَالَ يدْفع النّصْف إِلَى الْمَرْأَة وَعَلَيْهَا فِيهَا الزَّكَاة فِي قَوْله الأول وَأما فِي قَوْله الآخر فَلَا زَكَاة عَلَيْهَا وَلَيْسَ على الزَّوْج زَكَاة فِي النّصْف الآخر قلت لم قَالَ لِأَن الْمَرْأَة قد حَال عَلَيْهَا الْحول وَهِي تملك الَّذِي أخذت وَوَجَب عَلَيْهَا فِيهِ الزَّكَاة وَالزَّوْج إِنَّمَا وَجب لَهُ نصف ذَلِك بعد مَا طَلقهَا فَلَا تجب عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاة لِأَنَّهُ لم يحل عَلَيْهَا الْحول مُنْذُ ملكهَا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت بِغَيْر أعيانها قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ دَفعهَا إِلَى امْرَأَته وَحَال الْحول عَلَيْهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ على الْمَرْأَة زَكَاة نصفهَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا كَانَت فِي ملكهَا وَوَجَب عَلَيْهَا فِيهَا الزَّكَاة قلت وَكَذَلِكَ لَو تزَوجهَا على إبل أَو غنم سَائِمَة ثمَّ دَفعهَا إِلَيْهَا وَحَال عَلَيْهَا الْحول ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ نعم عَلَيْهَا زَكَاة نصف ذَلِك
قلت أَرَأَيْت لَو تزَوجهَا على عبد وَدفعه إِلَيْهَا فجَاء يَوْم الْفطر وَهُوَ(2/70)
عِنْدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ عَلَيْهَا زَكَاة الْفطر
قلت فَإِن كَانَ عبد الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ لَيْسَ على الرجل وَلَا على الْمَرْأَة زَكَاة الْفطر قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْغنم وَالْإِبِل وَالْبَقر عِنْد الزَّوْج وَهِي سَائِمَة فَتَزَوجهَا عَلَيْهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا ثمَّ دفع إِلَيْهَا نصفهَا وَقد حَال عَلَيْهَا الْحول قَالَ نعم لَا زَكَاة عَلَيْهَا فِي قَوْله الآخر وَأما فِي قَوْله الأول فَإِن كَانَت أخذت مثل مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة زكتها وَأما الزَّوْج فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الرجل تكون لَهُ الْبَقر السَّائِمَة فَأَرَادَ أَن يستعملها ويعلفها وَلم يفعل ذَلِك حَتَّى حَال عَلَيْهَا الْحول قَالَ عَلَيْهِ الزَّكَاة
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ أَرْبَعُونَ بقرة فَمَكثَ سِنِين لَا يزكيها قَالَ عَلَيْهِ فِي السّنة الأولى مُسِنَّة وَعَلِيهِ فِي السّنة الثَّانِيَة تبيع أَو تبيعة قلت لم قَالَ لِأَنَّهَا قد نقصت من الْأَرْبَعين
قلت أَرَأَيْت الرجل تكون لَهُ ثَلَاثُونَ بقرة فتمكث سِنِين(2/71)
لَا يزكيها قَالَ عَلَيْهِ فِي السّنة الأولى تبيع أَو تبيعة وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَة شَيْء لِأَنَّهَا قد نقصت من الثَّلَاثِينَ
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ تسع وَعِشْرُونَ عجلا وبقرة مُسِنَّة أَو جاموس هَل عَلَيْهِ صَدَقَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْبَقر السَّائِمَة أَو الجواميس اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة أعليه زَكَاة السَّائِمَة أَو زَكَاة التِّجَارَة قَالَ عَلَيْهِ زَكَاة التِّجَارَة يقومها ثمَّ يُزكي قيمَة كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم
قلت أَرَأَيْت الرجل تكون لَهُ الْبَقر يجب فِي مثلهَا الصَّدَقَة وشريكه فِيهَا صبي وَهِي ثَمَانُون بقرة قَالَ على الرجل فِي حِصَّته مُسِنَّة وَلَيْسَ على الصَّبِي فِي حِصَّته شَيْء قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ شَرِيكه فِيهَا معتوها أَو رجلا عَلَيْهِ دين قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ شَرِيكه فِيهَا مكَاتبا قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بَينهمَا إبل أَو غنم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْبَقر فيغلبه الْعَدو أَو يغصبه إِيَّاهَا رجل فتمكث عِنْده سِنِين ثمَّ يَأْخُذهَا صَاحبهَا من الْغَاصِب أَو يُصِيبهَا(2/72)
الْمُسلمُونَ فيردونها عَلَيْهِ أيزكيها لما مضى من السنين وَقد أَخذهَا بِأَعْيَانِهَا قَالَ لَا قلت لم قَالَ أما مَا كَانَ فِي يَد الْعَدو فَلم يكن لَهُ لِأَن الْعَدو لَو أَسْلمُوا عَلَيْهَا كَانَت لَهُم وَلَو باعوها جَازَ بيعهم وَلم يَأْخُذهَا هَذَا إِلَّا بِالثّمن وَأما الْغَاصِب فَإِنَّهُ لم يقدر عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة الَّذِي يقر لَهُ بِهِ فيزكيه لما مضى بعد مَا أَخذه
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ ثَلَاثُونَ بقرة فَإِذا كَانَ بِشَهْر هَلَكت مِنْهَا وَاحِدَة ثمَّ يحول عَلَيْهَا بعد الْوَاحِدَة الْحول هَل عَلَيْهَا صَدَقَة فِيمَا بَقِي قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت إِن أصَاب وَاحِدَة مثلهَا قبل أَن يحول عَلَيْهَا أَو نتجت بَعضهنَّ وَاحِدَة قبل أَن يحول الْحول فحال الْحول عَلَيْهَا وَهِي تَامَّة كَمَا كَانَت أيزكيها قَالَ نعم قلت وَإِنَّمَا ملك مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة أَيَّامًا من السّنة وَمَا بَين ذَلِك لم يكن يملك مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة قَالَ إِذا ملك(2/73)
ذَلِك فِي أول الْحول وَآخره لم أنظر إِلَى مَا نقص فِيمَا بَين ذَلِك قلت أَرَأَيْت الرجل يكون فِي بقره العمياء أَو الْعَجْفَاء أَو العرجاء أيحسب ذَلِك فِي الْعدَد قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت قَوْلك لَا يجمع بَين متفرق كَيفَ هُوَ قَالَ هُوَ الرّجلَانِ يكون بَينهمَا أَرْبَعُونَ بقرة فَإِن جمعهَا الْمُصدق كَانَ عَلَيْهِ مُسِنَّة وَإِن فرقها لم يكن عَلَيْهَا شَيْء قلت أَرَأَيْت قَوْلك لَا يفرق بَين مُجْتَمع قَالَ الرجل يكون لَهُ أَرْبَعُونَ بقرة فَفِيهَا مُسِنَّة فَإِن فرقها لم يكن فِيهَا شَيْء قلت فَإِن كَانَا متفاوضين لم يجمع بَينهمَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يجب فِي بقره الصَّدَقَة فيبيعها والمصدق ينظر إِلَيْهَا تبَاع ثمَّ يَقُول لَيْسَ عِنْدِي شَيْء أَيكُون للمصدق أَن يَأْخُذ صدقتها من المُشْتَرِي وَهِي فِي يَدَيْهِ بِأَعْيَانِهَا قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ البَائِع حَتَّى يُؤَدِّي صدقتها وَإِن شَاءَ أَخذ مِمَّا فِي يَدي المُشْتَرِي قلت(2/74)
فَإِن كَانَ المُشْتَرِي قد ذهب وتفرقا ثمَّ جَاءَ الْمُصدق بعد أَله أَن يَأْخُذ مِمَّا فِي يَد المُشْتَرِي قَالَ مَا أستحسن ذَلِك وَلَكِن يضمن البَائِع زَكَاتهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يجب فِي بقره صَدَقَة ثمَّ تَمُوت كلهَا بعد الْحول هَل عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَة قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ لَو استهلكها رجل فَذهب بهَا قَالَ نعم
قلت فَإِن موت بَعْضهَا وَبَقِي بعض وَهِي أَرْبَعُونَ من الْبَقر وَكَانَ الَّذِي هلك مِنْهَا عشْرين وَبَقِي عشرُون قَالَ عَلَيْهِ الصَّدَقَة فِي هَذِه الْعشْرين نصف قيمَة مُسِنَّة وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا مَاتَ وَهلك شَيْء قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ لم يستهلكها هُوَ
قلت فَإِن كَانَ حَبسهَا هُوَ بعد مَا وَجب فِيهَا الزَّكَاة حَتَّى موتت وَهَلَكت أما ترَاهُ ضَامِنا لما مَاتَ مِنْهَا وَهلك بِالْحِسَابِ قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ أَرْبَعُونَ بقرة فيعجل زَكَاتهَا قبل الْحول فيعطي مِنْهَا زَكَاة سِنِين هَل يَسعهُ ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ نعم يَسعهُ هَذَا كُله وَقد بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/75)
أَنه تعجل من الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب زَكَاة سِنِين
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ أَتَى عمر بن الْخطاب بِمَال فَقَسمهُ بَين الْمُسلمين فَبَقيَ مِنْهُ بَقِيَّة فَشَاور الْقَوْم فِيهِ فَقَالَ بَعضهم قد أَعْطَيْت كل ذِي حق حَقه فَأمْسك هَذِه الْبَاقِيَة لنائبة إِن كَانَت قَالَ وَعلي فِي الْقَوْم سَاكِت قَالَ فَقَالَ عمر مَا تَقول يَا أَبَا الْحسن قَالَ فَقَالَ على قد قَالَ الْقَوْم قَالَ فَقَالَ عمر لتقولن قَالَ فَقَالَ لَهُ على لم تجْعَل يقينك شكا وَتجْعَل علمك جهلا قَالَ فَقَالَ لَهُ عمر لتخْرجن مِمَّا قلت قَالَ فَقَالَ لَهُ على أما تذكر حِين بَعثك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساعيا فَأتيت الْعَبَّاس فَلم يعطك وَكَانَ بَيْنك وَبَينه كَلَام فَوجدَ عَلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستعنت بِي عَلَيْهِ فصلينا مَعَه الظّهْر فَدخل ثمَّ صلينَا مَعَه الْعَصْر فَدخل ثمَّ استأذنا عَلَيْهِ فَأذن لنا فاعتذرت إِلَيْهِ فعذرك ثمَّ قَالَ أما علمت أَن عَم الرجل صنو أَبِيه إِنَّا كُنَّا احتجنا إِلَى مَال فتسلفنا(2/76)
من الْعَبَّاس صَدَقَة سنتَيْن فَقُلْنَا قد صلينَا مَعَك الظّهْر وَالْعصر فَقَالَ مَال أَتَانِي فقسمته فَبَقيت مِنْهُ فضلَة فَمَكثت فِي ذَلِك حَتَّى وجدت لَهَا موضعا فَقَالَ عمر وَبِذَلِك وانا بى لم أحاربك بهَا فقسم ذَلِك المَال فَأصَاب طَلْحَة ثَمَانمِائَة دِرْهَم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْبَقر والجواميس أَو الْخَيل قد اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة وَهِي سَائِمَة ترعى فِي الْبَريَّة أيزكيها زَكَاة السَّائِمَة أَو زَكَاة التِّجَارَة قَالَ بل يزكيها زَكَاة التِّجَارَة
قلت فَإِن كَانَت لَهُ عشرُون بقرة أَو عشرُون من الْخَيل وَلَيْسَ شَيْء من هَذَا إِلَّا يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَهِي للتِّجَارَة فحال عَلَيْهِ الْحول وَهِي كَذَلِك قَالَ يزكيها زَكَاة التِّجَارَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي الْبَقَرَة للتِّجَارَة ثمَّ يَبْدُو لَهُ فيجعلها سَائِمَة ثمَّ يحول عَلَيْهِ الْحول وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا وَإِنَّمَا لَهُ مُنْذُ جعلهَا سَائِمَة سِتَّة أشهر قَالَ عَلَيْهِ زَكَاة السَّائِمَة إِذا مَضَت سنة مُنْذُ جعلهَا سَائِمَة قلت فَإِن كَانَ إِنَّمَا فر بهَا من الزَّكَاة فَإِذا حَال عَلَيْهَا الْحول مُنْذُ يَوْم جعلهَا سَائِمَة زكاها قَالَ نعم(2/77)
قلت أَرَأَيْت نَصَارَى بني تغلب هَل يُؤْخَذ من أحد مِنْهُم من بقره شَيْء قَالَ نعم قلت وَمن جواميسهم قَالَ نعم قلت وَكَيف تُؤْخَذ مِنْهُم صَدَقَاتهمْ قَالَ يُضَاعف عَلَيْهِم الصَّدَقَة ينظر إِلَى بقر أحدهم وجواميسه فَإِذا كَانَت مِمَّا يجب فِيهِ الصَّدَقَة لَو كَانَت لمُسلم فتؤخذ مِنْهَا الصَّدَقَة مضاعفة قلت وَكَذَلِكَ الْإِبِل وَالْغنم قَالَ نعم قلت فالخيل تكون سَائِمَة للرجل مِنْهُم يَأْخُذ مِنْهَا الصَّدَقَة كَمَا يَأْخُذ من الْمُسلم إِذا وَجب فِيهَا الصَّدَقَة مضاعفة قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ لأَحَدهم بقر مِمَّا لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة لَو كَانَت الْمُسلم أفليس عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء قَالَ نعم لَا شَيْء فِيهِ قلت فَمن لم يكن لَهُ مِنْهُم مَال أيأخذ مِنْهُ شَيْئا قَالَ لَا قلت فَمن كَانَ مِنْهُم لَهُ بقر وَعَلِيهِ دين كثير يُحِيط بِمَالِه أيأخذ مِنْهُ شَيْئا قَالَ لَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا قلت فالبقر تكون للْمَرْأَة مِنْهُم أعليها مثل مَا على الرجل مِنْهُم(2/78)
قَالَ نعم قلت وَالْعَبْد يعتقونه مِنْهُم فَيكون لَهُ الْبَقر أَو الجواميس يُضَاعف عَلَيْهَا الصَّدَقَة قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ صَالحهمْ على هَذَا فمواليهم لَا يكونُونَ أعظم حُرْمَة عِنْدِي من موَالِي الْمُسلمين فَإِن الْمُسلم يعْتق عَبده النَّصْرَانِي وآخذ مِنْهُ الْخراج أَو لَيْسَ نَتْرُك موَالِي بني تغلب حَتَّى يوضع على رُؤْسهمْ الْخراج وعَلى أرضيهم وأهمل أَمْوَالهم فَلَا نَأْخُذ مِنْهُم شَيْئا بِمَنْزِلَة موَالِي أهل الذِّمَّة
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُسلم يمر على الْعَاشِر بالبقر والجواميس وَهِي ثمن مَال كثير فَيَقُول لَيْسَ شَيْء من هَذَا للتِّجَارَة وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الْإِبِل وَالْغنم وَالطَّعَام قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ قَالَ نعم قلت فالحربي قَالَ لَا أما الْحَرْبِيّ إِذا مر بِشَيْء مِمَّا ذكرت قوم فَأخذ مِنْهُ الْعشْر
قلت أَرَأَيْت قوما من الْخَوَارِج ظَهَرُوا على قوم من الْمُسلمين فَأخذُوا زَكَاة بقرهم ثمَّ ظهر عَلَيْهِم الإِمَام وَأهل الْعدْل أيحسبون لَهُم تِلْكَ الصَّدَقَة قَالَ نعم قلت وَلم قَالَ لأَنهم لم يمنعوهم من(2/79)
الْخَوَارِج قلت فَكيف يَنْبَغِي أَن يصنع بِصَدقَة الْبَقر قَالَ يَنْبَغِي أَن تقسم صَدَقَة كل بِلَاد فِي فقرائهم وَلَا تخرج من تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى غَيرهَا
قلت أَرَأَيْت رجلا يَمُوت وَقد وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة فِي بقره وجواميسه فَيَجِيء الْمُصدق وَهِي فِي أَيدي الْوَرَثَة أيأخذ صدقتها مِنْهُم قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهَا قد خرجت من ملك الَّذِي كَانَت لَهُ فَصَارَت لغيره
قلت أَرَأَيْت النَّصْرَانِي من بني تغلب يمر على الْعَاشِر وَمَعَهُ الْبَقر للتِّجَارَة فَيَقُول عَليّ دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا وَيحلف على ذَلِك أيكف عَنهُ ويصدقه قَالَ نعم يصدق ويكف عَنهُ قلت أَرَأَيْت إِن جَاءَ الْمُصدق يَأْخُذ صَدَقَة بقره أَو جواميسه فَقَالَ عَليّ دين يُحِيط بِقِيمَتِهَا هَل عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء قَالَ لَا يَأْخُذ صدقتها مِنْهُ
قلت أَرَأَيْت الصَّبِي من بني تغلب لَهُ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَهُوَ نَصْرَانِيّ هَل عَلَيْهِ الصَّدَقَة مضاعفة قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ صَغِير وَإِنَّمَا يُضَاعف على الْكَبِير من بني تغلب(2/80)
- بَاب زَكَاة المَال
-
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يكون لَهُ المَال تجب فِي مثله الزَّكَاة فَإِذا كَانَ قبل الْحول بِيَوْم أَو بِشَهْر اسْتَفَادَ مَالا آخر فحال الْحول عَلَيْهِمَا جَمِيعًا أيزكيها جَمِيعًا قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ المَال الَّذِي اسْتَفَادَ مِيرَاثا وَرثهُ أَو هبة وهبت لَهُ أَو صَدَقَة تصدق بهَا عَلَيْهِ أَو ربحا ربحه أَو وَصِيَّة أوصى بهَا لَهُ أيزكيها مَعَه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت التَّاجِر يُصِيبهُ فِي مَاله الْآفَات ثمَّ يحول عَلَيْهِ الْحول وَقد زَادهَا لَهُ فِي سعر غلاء أَو غير ذَلِك فارتفع فِي يَدَيْهِ فيزكيه فَهَل يحط عَنهُ من الزَّكَاة شَيْء لما أَصَابَته من الْآفَات قَالَ يقوم مَاله كُله يَوْم حَال عَلَيْهِ الْحول فيزكيه بِقِيمَتِه يَوْمئِذٍ لَا ينظر إِلَى مَا كَانَ من نُقْصَان فِيهِ من قبل تِلْكَ الْآفَات وَلَا من زِيَادَة
قلت أَرَأَيْت التَّاجِر يكون لَهُ المَال وَيكون عَلَيْهِ المَال كَيفَ يصنع إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول قَالَ يقوم كل مَال التِّجَارَة وكل مَال عَلَيْهِ(2/81)
فان كَانَ المالان سَوَاء أَو كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ من الدّين أَكثر فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة وَإِن كَانَ مَاله أَكثر مِمَّا عَلَيْهِ من الدّين بِمِائَتي دِرْهَم فَصَاعِدا أَو بِعشْرين مِثْقَالا من ذهب فَصَاعِدا زكى هَذَا الْفضل الَّذِي فضل عَمَّا عَلَيْهِ من الدّين
قلت فَإِذا كَانَ لَهُ ألف دِرْهَم لَا يقدر عَلَيْهَا وَمَا فِي يَدَيْهِ فَهُوَ كفاف بِمَا عَلَيْهِ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْفضل زَكَاة حَتَّى يَأْخُذ تِلْكَ الْألف قلت فَإِذا أَخذهَا بعد سِنِين قَالَ يزكيها للسّنة الأولى خمْسا وَعشْرين درهما فَهَذِهِ زَكَاة الْألف ويزكي السّنة الثَّانِيَة ألفا غير خَمْسَة وَعشْرين
قلت فَإِن توالت عَلَيْهِ سنُون زكى لأوّل سنة ألفا كَامِلا ثمَّ ينقص فِي كل سنة تِلْكَ الزَّكَاة الَّتِي زكى أبدا كَذَلِك حَتَّى تنقض من مِائَتي دِرْهَم قَالَ نعم وَلَيْسَ فِي أقل من مِائَتي دِرْهَم زَكَاة وَلَا صَدَقَة فَإِذا بلغت مِائَتي دِرْهَم وَحَال عَلَيْهَا الْحول فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم وَمَا زَاد على الْمِائَتَيْنِ فَلَيْسَ فِي الزِّيَادَة شَيْء حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ درهما فَإِذا بلغت(2/82)
مِائَتي دِرْهَم وَأَرْبَعين درهما فَفِي الْمِائَتَيْنِ خَمْسَة دَرَاهِم وَفِي الْأَرْبَعين دِرْهَم كَذَلِك بلغنَا عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَبِه كَانَ يَأْخُذ أَبُو حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مَا زَاد على الْمِائَتَيْنِ شَيْء فبحساب(2/83)
ذَلِك كَذَلِك بلغنَا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يكون فِي يَدَيْهِ الرَّقِيق قد اشْتَرَاهُ بِدَنَانِير أَو بِدَرَاهِم وَفِي يَدَيْهِ الْمَتَاع قد اشْتَرَاهُ بِغَيْر مَا اشْترى بِهِ الرَّقِيق كَيفَ يُزَكِّيه عِنْد رَأس الْحول أيقوم ذَلِك كُله دَرَاهِم أَو دَنَانِير ثمَّ يُزَكِّيه قَالَ أَي ذَلِك مَا فعل أجزى عَنهُ
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ مَثَاقِيل ذهب أَرْبَعَة أَو خَمْسَة تَسَاوِي مائَة دِرْهَم وَله مائَة دِرْهَم أُخْرَى ثمَّ يحول عَلَيْهِ الْحول أيزكيها جَمِيعًا قَالَ نعم يزكيها جَمِيعًا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فلست أرى عَلَيْهِ فِي شَيْء من هَذَا زَكَاة حَتَّى تبلغ الدَّرَاهِم مائَة(2/84)
دِرْهَم وَالذَّهَب عشرَة مَثَاقِيل وَهُوَ قَول مُحَمَّد(2/85)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ مِائَتَا دِرْهَم فيمكث أشهرا ثمَّ ينْفق مِنْهَا مائَة دِرْهَم أَو يهْلك مائَة دِرْهَم فَإِذا كَانَ قبل الْحول بِيَوْم أصَاب مائَة دِرْهَم فحال عَلَيْهَا الْحول وَهِي مِائَتَا دِرْهَم قَالَ يزكيها قلت وَلم قَالَ لِأَن هَذَا مثل رجل اشْترى جَارِيَة للتِّجَارَة بِمِائَتي دِرْهَم قبل الْحول وَذَلِكَ قيمتهَا ثمَّ إِنَّهَا أعورت فَصَارَت قيمتهَا مائَة دِرْهَم أَو غلا الرَّقِيق فَصَارَت قيمتهَا عوراء مِائَتي دِرْهَم أَو ولدت ولدا يُسَاوِي مائَة دِرْهَم أَو زَادَت فِي جسمها حَتَّى صَارَت تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم فحال عَلَيْهَا الْحول وَهِي تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم فَعَلَيهِ أَن يزكيها
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ مائَة دِرْهَم فَإِذا كَانَ قبل الْحول أصَاب مائَة دِرْهَم أُخْرَى أَو ألفا أعليه أَن يُزكي قَالَ لَا حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول من يَوْم كَانَت مِائَتي دِرْهَم فَصَاعِدا وَلَيْسَ فِي أقل من(2/86)
عشْرين مِثْقَالا ذَهَبا صَدَقَة فَإِذا كَانَت عشْرين مِثْقَالا ذَهَبا وَحَال عَلَيْهَا الْحول فَفِيهَا نصف مِثْقَال ذهب بلغنَا ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا زَاد على الْعشْرين مِثْقَالا ذَهَبا فَلَيْسَ فِي الزِّيَادَة شَيْء حَتَّى تبلغ الزِّيَادَة أَرْبَعَة مَثَاقِيل فَإِذا بلغت أَرْبَعَة مَثَاقِيل فَفِيهَا عشر مِثْقَال مَعَ نصف المثقال الَّذِي فِي الْعشْرين وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مَا زَاد على الْعشْرين مِثْقَالا وعَلى الْمِائَتَيْنِ من الْفضة فبحساب ذَلِك وَمَا كَانَ من الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَالْفِضَّة تبرا مكسورا أَو حليا مصوغا أَو حلية سيف أَو شَيْئا مصوغا من ذَلِك فِي إِنَاء أَو منْطقَة أَو دَرَاهِم مَضْرُوبَة أَو دَنَانِير فَفِي هَذَا كُله الزَّكَاة إِذا كَانَ الذَّهَب يبلغ عشْرين مِثْقَالا وَالْفِضَّة تبلغ مِائَتي دِرْهَم وَحَال عَلَيْهِ الْحول مُنْذُ يَوْم ملكه
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ عشرَة مَثَاقِيل تبر وَذهب أَو دَنَانِير مَضْرُوبَة وَمِائَة دِرْهَم أَو وَزنهَا تبر فضَّة هَل عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة قَالَ نعم(2/87)
قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ لَهُ خَمْسَة عشر مِثْقَالا ذهب وَخَمْسُونَ درهما أَو كَانَ لَهُ مائَة وَخَمْسُونَ درهما وَخَمْسَة مَثَاقِيل ذَهَبا قَالَ نعم قلت فَهَل فِي شَيْء من هَذَا زَكَاة إِذا لم يمْكث عِنْد صَاحبه حولا فَإِذا مكث عِنْد صَاحبه حولا وَجب عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاة وَلَا زَكَاة فِي المَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ عِنْد صَاحبه من يَوْم أَصَابَهُ
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا زَكَاة فِي المَال حَتَّى يبلغ مِائَتي دِرْهَم فَإِذا بلغ مِائَتي دِرْهَم وَحَال عَلَيْهِ الْحول فَفِيهِ خَمْسَة دَرَاهِم وَلَيْسَ فِي الذَّهَب زَكَاة حَتَّى يبلغ عشْرين مِثْقَالا فَإِذا بلغ عشْرين مِثْقَالا وَحَال عَلَيْهِ الْحول فَفِيهِ نصف دِينَار وَبِهَذَا يَأْخُذ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
قلت أَرَأَيْت الرجل يقْرض الرجل مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا فيحول عَلَيْهِ الْحول ثمَّ يقبض مِنْهُ بعد الْحول عشْرين درهما مِنْهَا هَل عَلَيْهِ فِي هَذِه الْعشْرين زَكَاة قَالَ لَا
قلت فَإِن أنفقها وَقبض مِنْهَا عشْرين أُخْرَى هَل عَلَيْهِ فِيهَا(2/88)
زَكَاة قَالَ نعم عَلَيْهِ فِي الْعشْرين الأولى وَفِي هَذِه الْعشْرين الْأُخْرَى دِرْهَم قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ قد قبض مِنْهَا أَرْبَعِينَ درهما
قلت فَإِن قبض مِنْهَا عشْرين أُخْرَى هَل عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء قَالَ لَا لَيْسَ فِي شَيْء يقبض مِنْهَا بعد هَذِه الْأَرْبَعين شَيْء حَتَّى يتم أَرْبَعِينَ أُخْرَى وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى عَلَيْهِ فِي كل شَيْء يقبضهُ درهما فَمَا فَوْقه أَن يُزَكِّيه وَهُوَ قَول مُحَمَّد
قلت أَرَأَيْت الرجل يَرث مِائَتي دِرْهَم وَهِي دين على رجل وَلَا مَال لَهُ غَيرهَا فيحول عَلَيْهَا الْحول ثمَّ يقبض مِنْهَا أَرْبَعِينَ درهما هَل عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة قَالَ لَا حَتَّى يقبضهَا كلهَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ لم يَقع فِي يَده المائتا دِرْهَم
قلت أَرَأَيْت الرجل يُؤَاجر عَبده بِمِائَتي دِرْهَم وَلَا مَال لَهُ غَيرهَا فيمكث حولا ثمَّ يَأْخُذ مِنْهَا أَرْبَعِينَ درهما هَل عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ حَتَّى يَأْخُذ الْمِائَتَيْنِ كلهَا إِذا لم يكن لَهُ مَال غَيرهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يستهلك الدَّابَّة أَو العَبْد أَو الْمَتَاع فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِه وَقد كَانَ لغير التِّجَارَة وَهِي مِائَتَا دِرْهَم وَلَيْسَ لصَاحِبهَا مَال(2/89)
غَيرهَا فيحول عَلَيْهَا الْحول ثمَّ يَأْخُذ مِنْهَا أَرْبَعِينَ درهما أيزكيها قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ حَتَّى يَأْخُذهَا كلهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل إِن بَاعَ شَيْئا مِمَّا ذكرت لَك وَقد كَانَ أَصله للتِّجَارَة فَبَاعَهُ بِمِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا ثمَّ أَخذ مِنْهَا أَرْبَعِينَ درهما وَقد حَال عَلَيْهَا الْحول أيزكيها قَالَ نعم قلت من أَيْن افْتَرقَا قَالَ لِأَن هَذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ للتِّجَارَة فَإِن رَجَعَ إِلَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ درهما زكاها والأشياء الَّتِي ذكرت لغير التِّجَارَة وَمِنْهَا مَا لم يكن فِي يَده قطّ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى ذَلِك كُله سَوَاء إِذا أَخذ من ذَلِك شَيْئا درهما أَو أَكثر زَكَّاهُ وَهُوَ قَول مُحَمَّد
قلت أَرَأَيْت رجلا كَانَت لَهُ ألف دِرْهَم فَلَمَّا حَال عَلَيْهَا الْحول اشْترى بهَا مَتَاعا للتِّجَارَة فَهَلَك الْمَتَاع قَالَ لَا زَكَاة عَلَيْهِ قلت فَإِن كَانَ اشْترى بهَا خَادِمًا للْخدمَة وَغنما سَائِمَة فَهَلَكت قَالَ يزكّى الْألف كلهَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ قد صرفهَا فِي غير مَا كَانَت فِيهِ
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تزوج على ألف دِرْهَم فيحول عَلَيْهَا الْحول(2/90)
ثمَّ تَأْخُذ مِنْهَا أَرْبَعِينَ درهما أتزكيها قَالَ لَا تزكيها حَتَّى تقبض مِائَتَيْنِ ويحول الْحول عَلَيْهَا وَهِي عِنْدهَا فِي قَول أبي حنيفَة الآخر وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهَا تزكيها
قلت أَرَأَيْت الرجل يُكَاتب عَبده على ألف دِرْهَم أَو يعْتق نصف عَبده فيسعى فِي نصف قِيمَته وَهِي ألف دِرْهَم لَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا فَيَأْخُذ مِنْهَا مِائَتي دِرْهَم بعد حول أيزكيها قَالَ لَا حَتَّى تمكث المائتان عِنْده حولا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ مَال مكَاتبه وَدين عَبده لَيْسَ بدين كَمَا يكون على غَيره وَلَا مَال لَهُ غَيره وَلَا مَال فِي يَدَيْهِ
قلت وَكَذَلِكَ عبد بَينه وَبَين رجل فَأعتق شَرِيكه نصفه فقوم العَبْد فسعى لَهُ قَالَ نعم(2/91)
قلت فَإِن كَانَ شَرِيكه مُوسِرًا فضمنه القَاضِي نصف الْقيمَة فَأخذ مِنْهَا مِائَتي دِرْهَم بعد حول أيزكيها قَالَ نعم قلت وَلم قَالَ لِأَن هَذَا دين لَيْسَ على عَبده مِنْهُ شَيْء
قلت فَإِن أَخذ مِنْهَا أَرْبَعِينَ درهما أيزكيها قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يكن فِي يَده للتِّجَارَة وَلِأَنَّهُ لم يكن أصل الْوَرق عِنْده
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر لَهُ ألف دِرْهَم وَعَلِيهِ ألف دِرْهَم وَله دَار وخادم وَلَا يطْلب بهما التِّجَارَة وداره تَسَاوِي عشرَة آلَاف أَو أَكثر أيزكي مَا عِنْده قَالَ لَا قلت وَلم وَعِنْده وَفَاء لدينِهِ وَفضل قَالَ لِأَن الدَّار وَالْخَادِم ليسَا للتِّجَارَة قلت أَرَأَيْت إِن تصدق عَلَيْهِ فِي هَذِه الْحَال ألم يكن موضعا للصدقة قَالَ بلَى قلت فَكيف تجب الزَّكَاة على رجل وَالصَّدَََقَة لَهُ حَلَال قلت وَلم قلت إِن الصَّدَقَة لَهُ حَلَال قَالَ لِأَنَّهُ معدم وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدَيْهِ فضل(2/92)
قلت أَرَأَيْت رجلا لَهُ مسكن وخادم يساويان عشرَة آلَاف دِرْهَم وَعَلِيهِ دين خَمْسَة آلَاف وَله ألف دِرْهَم أَيحلُّ لَهُ أَن يقبض الصَّدَقَة قَالَ نعم(2/93)
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا غَالب بن عبيد الله عَن الْحسن ابْن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ إِن الصَّدَقَة كَانَت تحل للرجل وَهُوَ صَاحب عشرَة آلَاف دِرْهَم قيل يَا أَبَا سعيد وَكَيف ذَلِك قَالَ يكون لَهُ الدَّار وَالْخَادِم والكراع وَالسِّلَاح وَكَانُوا ينهون عَن بيع ذَلِك
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ إِن الصَّدَقَة تحل للرجل إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا دَار وخادم وَكَذَلِكَ لَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة إِذا كَانَ بِهَذِهِ الْمنزلَة(2/94)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم وَعَلِيهِ مثلهَا وَهُوَ يتقلب فِيهَا ثمَّ لَا يزكّى مَا عِنْده وَهُوَ مَاله يَشْتَرِي بِهِ وَيبِيع وَهُوَ يملكهُ وَلَو أعتق عبدا قد اشْتَرَاهُ بذلك المَال جَازَ عتقه وَلَو تزوج بِهِ امْرَأَة جَازَ ذَلِك لَهُ قَالَ نعم هُوَ جَائِز لَهُ وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ قلت وَلم قَالَ لِأَن عَلَيْهِ دينا مثله وَلِأَنَّهُ تحل لَهُ الصَّدَقَة أَن يَأْخُذهَا وَلَا يجوز أَن تحل لَهُ الصَّدَقَة وَتجب عَلَيْهِ الزَّكَاة وَلَو كَانَ تجب الزَّكَاة على الَّذِي عَلَيْهِ الدّين لزكى المَال الْوَاحِد فِي الْيَوْم الْوَاحِد ثَلَاث مَرَّات وَذَلِكَ أَن العَبْد يَشْتَرِي العَبْد بِأَلف وَقِيمَته ذَلِك نَسِيئَة فَتجب الزَّكَاة فِي مَاله فيزكيه مَعَ مَاله ثمَّ يَبِيعهُ من آخر بنسيئة فَتجب الزَّكَاة فِي مَاله بعد مَا اشْتَرَاهُ فيزكيه مَعَ مَاله ثمَّ يَبِيعهُ بعد مَا اشْتَرَاهُ أيزكيه مَعَ مَاله فيزكى عبدا وَاحِدًا ومالا وَاحِدًا فِي يَوْم وَاحِد ثَلَاث مَرَّات يقبح هَذَا ويفحش إِذا كَانَ هَكَذَا وَإِنَّمَا الزَّكَاة على صَاحب الدّين(2/95)
الَّذِي هُوَ لَهُ وَعَلِيهِ أَن يُزَكِّيه إِذا خرج كَذَلِك جَاءَ الْأَثر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مُحَمَّد أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن الْهَيْثَم عَن ابْن سِيرِين عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي الرجل يكون لَهُ الدّين فيقبضه إِنَّه يُزَكِّيه لما مضى
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يكون لَهُ المَال الْكثير دينا مُتَفَرقًا على النَّاس مِنْهُم الملى الَّذِي يعلم أَن مَاله فِي ثِقَة وَأَنه سيقضيه إِيَّاه وَمِنْهُم الْمُفلس مَا القَوْل فِي ذَلِك قَالَ إِذا خرج مَاله أَو شَيْء مِنْهُ يبلغ أَرْبَعِينَ درهما زَكَاة قلت فَإِن زَكَّاهُ وَهُوَ دين كُله أيجزيه ذَلِك قَالَ نعم وَقد أحسن هَذَا وَأخذ بِالْفَضْلِ قلت فَإِن زكى لِسنتَيْنِ أيجزيه ذَلِك قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ نظر إِلَى من كَانَ مليئا فزكى(2/96)
مَا عَلَيْهِ وَمن كَانَ مُفلسًا وقف عَلَيْهِ حَتَّى يخرج فيزكيه قَالَ هَذَا حسن كل شَيْء عجل زَكَاته من ذَلِك فانما هُوَ فضل أَخذ بِهِ وكل شَيْء أَخّرهُ حَتَّى يخرج فيزكيه فَهُوَ يجْزِيه وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يَشْتَرِي الدَّار ليسكنها أَو العَبْد وَالْخَادِم ليخدمه أَو يُسلمهُ فِي الْغلَّة أَو الدَّابَّة ليرْكبَهَا أَو الطَّعَام رزقا لأَهله أَو الثِّيَاب كسْوَة لأَهله أَو الْمَتَاع ليتجمل بِهِ فِي بَيته أَو الْآنِية يتجمل بهَا الرجل فِي بَيته وَقِيمَة كل وَاحِد مَا ذكرت لَك ألف أَو أَكثر فحال عَلَيْهِ الْحول أيزكيه مَعَ مَاله قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن هَذَا مَال لَيْسَ للتِّجَارَة شَيْء مِنْهُ قلت فَإِن اشْترى لؤلؤا يتجمل بِهِ أَهله أَو جوهرا يتجمل بِهِ أَهله وَلَا يُرِيد بِهِ التِّجَارَة وَهُوَ يُسَاوِي مَالا عَظِيما فحال الْحول على مَاله أيزكيه مَعَ مَاله قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ للتِّجَارَة
قَالَ مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ لَيْسَ فِي شَيْء من الْعرُوض والجوهر واللؤلؤ زَكَاة إِلَّا مَا كَانَ للتِّجَارَة فَإِن(2/97)
كَانَ للتِّجَارَة قوم فزكى من كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي الْفُلُوس للنَّفَقَة والآنية من النّحاس ليتجمل بهَا فِي بَيته ويستعملها هَل عَلَيْهِ فِي شَيْء من هَذَا زَكَاة قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي شَيْئا مِمَّا وصفت لَك من هَذَا للتِّجَارَة ويبدو لَهُ فَيَجْعَلهُ لشَيْء مِمَّا وصفت لَك من التجمل والسكن أَو النَّفَقَة أَو الْخدمَة أَو الْكسْوَة فيحول الْحول على مَاله أيزكيه مَعَ مَاله قَالَ لَا قلت وَلم وَقد كَانَ أَصله للتِّجَارَة قَالَ لِأَنَّهُ قد أخرجه من ذَلِك الصِّنْف فَجعله لما ذكرت
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ اشْتَرَاهُ لغير التِّجَارَة أَو اشْتَرَاهُ لشَيْء مِمَّا وصفت لَك من التجمل ثمَّ بدا لَهُ بعد أشهر أَن يَجعله للتِّجَارَة فَوَجَبت الزَّكَاة فِي مَاله وَقد جعله للتِّجَارَة أيزكيه مَعَ مَاله قَالَ لَا يُزَكِّيه مَعَ(2/98)
مَاله لِأَنَّهُ على مَا جعله عَلَيْهِ فَلَا يكون للتِّجَارَة حَتَّى يَبِيعهُ قلت وَمَا باله إِذا نوى بِهِ التجمل جعلته على ذَلِك وَإِذا نوى السُّكْنَى أَو الْخدمَة أَو اللبوس أبطلت عَنهُ الزَّكَاة لهَذَا الدّين وَإِذا أَرَادَ أَن يَجعله بعد(2/99)
ذَلِك للتِّجَارَة لم تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فِيهِ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ حِين اشْتَرَاهُ وَجعله مِمَّا وصفت لَك وَلم يردهُ للتِّجَارَة فَهُوَ على ذَلِك أبدا حَتَّى يَبِيعهُ وَلَيْسَت النِّيَّة الَّتِي نَوَاهَا للتِّجَارَة بِشَيْء لِأَن أَصله كَانَ لغير التِّجَارَة
قلت وَكَذَلِكَ الْمَتَاع وَالرَّقِيق والجوهر والآنية يَرِثهَا الرجل أَو توهب لَهُ وَهِي تَسَاوِي مَالا عَظِيما قَالَ نعم وَإِن كَانَت تَسَاوِي مَالا عَظِيما(2/100)
قلت وَكَذَلِكَ الْحِنْطَة وَالشعِير أَو شَيْء من الْحُبُوب قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي العَبْد للتِّجَارَة فيحول عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ لَا يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره هَل عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاة قَالَ لَا قلت فَهَل عَلَيْهِ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ للتِّجَارَة فَلَا تجب فِيهِ صَدَقَة غَيرهَا
- بَاب الْعَاشِر
-
قلت أَرَأَيْت الرجل يمر على الْعَاشِر بِالْمَالِ بِدَرَاهِم أم دَنَانِير أقل(2/101)
من مِائَتي دِرْهَم أَو أقل من عشْرين مِثْقَالا ذهب فَيَقُول لَيْسَ لي مَال غَيرهَا وَيحلف على ذَلِك هَل يقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم يقبل مِنْهُ وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا قلت وَكَذَلِكَ إِن مر بهَا ذمِّي قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ إِن مر بهَا رجل من أهل الْحَرْب قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَت مِائَتي دِرْهَم فَصَاعِدا أَو عشْرين مِثْقَالا فَصَاعِدا فَمر بهَا رجل مُسلم على الْعَاشِر فَقَالَ إِنَّمَا أصبت هَذِه مُنْذُ أشهر وَلم يحل عَلَيْهَا الْحول بعد وَحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيّ قَالَ لَا أما الْحَرْبِيّ فَإِذا مر على الْعَاشِر وَمَعَهُ مِائَتَا دِرْهَم أَو عشرُون مِثْقَالا ذهب فَإِنَّهُ يَأْخُذ مِنْهَا الْعشْر(2/102)
قلت أَرَأَيْت الذِّمِّيّ إِذا مر بهَا وَقد حَال عَلَيْهَا الْحول كم يَأْخُذ مِنْهُ قَالَ نصف الْعشْر قلت فالمسلم إِذا مر بهَا كم يَأْخُذ مِنْهُ قَالَ ربع الْعشْر
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُسلم يمر على الْعَاشِر بالمتاع أَو الطَّعَام أَو الرَّقِيق أَو الْإِبِل أَو الْبَقر أَو الْغنم وَهِي ثمن مَال كثير فَيَقُول لَيْسَ شَيْء من هَذَا للتِّجَارَة وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيّ قَالَ لَا أما الْحَرْبِيّ فَإِذا مر بِشَيْء مِمَّا ذكرت أَخذ مِنْهُ الْعشْر
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُسلم يمر بالمتاع يُسَاوِي مَالا عَظِيما فَيَقُول عَليّ من الدّين كَذَا وَكَذَا وَهُوَ يُحِيط بِهَذَا المَال الَّذِي معي وَهَذَا الْمَتَاع وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيّ قَالَ لَا أما الْحَرْبِيّ فَإِنَّهُ إِذا مر بِشَيْء مِمَّا ذكرت فَإِنَّهُ يعشر وَلَا يقبل قَوْله إِن عَلَيْهِ دينا يُحِيط بِمَا مَعَه
قلت أَرَأَيْت الْمكَاتب يمر بِالْمَالِ الْكثير على الْعَاشِر أيأخذ مِنْهُ عشورة قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يمر بِالْمَالِ الْكثير على الْعَاشِر فَيَقُول هَذِه بضَاعَة لفُلَان أيقبل قَوْله على ذَلِك ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت مَال الْيَتِيم يمر بِهِ وَصِيّه على الْعَاشِر يتجر فِيهِ(2/103)
فَيَقُول إِنَّه ليتيم فِي حجري وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يمر على الْعَاشِر بالمتاع فيخبره أَنه مروى أَو هروى ليَكُون أقل لقيمته فيتهمه الْعَاشِر ويظن أَنه قوهى فَإِن فَتحه أضرّ بمتاعه وكسره أيقبل قَوْله على ذَلِك ويحلفه وَيَأْخُذ مِنْهُ الصَّدَقَة على مَا يَقُول قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يمر على الْعَاشِر فيريد أَن يَأْخُذ مِنْهُ الصَّدَقَة فَيَقُول قد أَخذهَا منى عَاشر غَيْرك كَذَا وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ قَوْله وَيطْلب مِنْهُ الْبَرَاءَة من ذَلِك الْعَاشِر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ قَالَ نعم قلت وَلَا يَأْخُذ من هَؤُلَاءِ صَدَقَة تِلْكَ السّنة وكل عَاشر يمر بِهِ وَحلف لَهُ على ذَلِك وجاءه بِالْبَرَاءَةِ(2/104)
أينبغي لَهُ أَن يقبل قَوْله ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل النَّصْرَانِي من بني تغلب يمر على الْعَاشِر بِالْمَالِ للتِّجَارَة أَو غنم أَو إبل أَو بقر أَو غير ذَلِك أهوَ بِمَنْزِلَة الذِّمِّيّ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْحَرْبِيّ يمر على الْعَاشِر بِمَال فَيَأْخُذ مِنْهُ الْعَاشِر الْعشْر ثمَّ يعود الْحَرْبِيّ فَيدْخل دَار الْحَرْب ثمَّ يخرج فِي ذَلِك الشَّهْر وَمَعَهُ ذَلِك المَال أيعشره أَيْضا ثَانِيَة قَالَ نعم
قلت أفيعشره فِي السّنة إِذا كَانَ هَكَذَا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ نعم قلت وَلم قَالَ إِذا دخل أَرض الْحَرْب سقط مَا كَانَ أدّى فَدخل حَيْثُ لَا تجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُسلمين
قلت أَرَأَيْت إِن لم يدْخل أَرض الْحَرْب وَمر عَلَيْهِ الْحَرْبِيّ الثَّانِيَة بعد مَا عشرَة تِلْكَ السّنة أيعشره الثَّانِيَة قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ فِي دَار الْإِسْلَام بعد وتجرى عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُسلمين قلت وَكَذَلِكَ إِن مر على عَاشر غَيره فَجَاءَهُ بِالْبَرَاءَةِ الَّتِي كتب بهَا الْعَاشِر الأول قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل من أهل الْحَرْب يمر على الْعَاشِر برقيق أَو مَتَاع فَيَقُول لَيْسَ هَذَا للتِّجَارَة أَو يَقُول عَليّ دين أَو يَقُول إِنَّمَا(2/105)
أصبت هَذَا مُنْذُ أشهر قَالَ لَا يلْتَفت إِلَى قَوْله وَيَأْخُذ مِنْهُ الْعشْر
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ أهل الْحَرْب يَأْخُذُونَ من تجار الْمُسلمين الْخمس قَالَ إِذن يُؤْخَذ من تجارهم الْخمس قلت فَإِن كَانَ أهل الْحَرْب يَأْخُذُونَ من تجار الْمُسلمين ربع الْعشْر قَالَ إِذن يُؤْخَذ من الْحَرْبِيّ ربع الْعشْر قلت فَإِنَّمَا نَأْخُذ مَا يَأْخُذ أَصْحَابه من تجار الْمُسلمين قَالَ نعم قلت فَإِن لم يكن يعلم كم يُؤْخَذ من أَصْحَاب الْمُسلمين قَالَ إِذن يُؤْخَذ مِنْهُ الْعشْر بلغنَا نَحْو ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب(2/106)
قلت إِن كَانَ مَعَ الْحَرْبِيّ رَقِيق فَقَالَ هم أَوْلَادِي وَأُمَّهَات أَوْلَادِي أيؤخذ عشرهم قَالَ لَا وَلَكِن يكف عَنهُ إِذا قَالَ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل النَّصْرَانِي يمر ببضاعة فَيَقُول هَذِه بضَاعَة لرجل مُسلم أَو لنصراني وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت العَبْد يمر بِمَال مَوْلَاهُ يتجر فِيهِ أيؤخذ مِنْهُ الصَّدَقَة قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ مَوْلَاهُ حَاضرا أخذت مِنْهُ قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ العَبْد نَصْرَانِيّا ومولاه مُسلم أَو كَانَ العَبْد مُسلما ومولاه(2/107)
نَصْرَانِيّ فانما نَنْظُر إِلَى الْمولى فَإِن كَانَ مُسلما شَاهدا أَخذ مِنْهُ زَكَاة الْمُسلمين وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا شَاهدا أَخذ مثل مَا يُؤْخَذ من الذِّمِّيّ قَالَ نعم قلت وَإِن كَانَ الْمولى غَائِبا لم يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يمر وَمَعَهُ مَال مُضَارَبَة أيؤخذ مِنْهُ الصَّدَقَة قَالَ لَا يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء قلت وَكَذَلِكَ الْأَجِير يمر بِمَال أستاذه قَالَ نعم قلت وَيكون هَذَا مثل صَاحب البضاعة قَالَ نعم قلت أفتزكيه بِربع الْعشْر إِن كَانَ مُسلما وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا فَنصف الْعشْر قَالَ نعم إِذا كَانَ حَاضرا(2/108)
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يمر على الْعَاشِر بِأَلف دِرْهَم أَو بِمِائَتي مِثْقَال ذهب وَقد حَال عَلَيْهَا الْحول فَقَالَ لست أُرِيد بهَا التِّجَارَة قَالَ يَأْخُذ مِنْهُ الزَّكَاة وَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْله قلت وَالذَّهَب وَالْفِضَّة تبرا كَانَ أَو مصوغا أيأخذ مِنْهُ الزَّكَاة قَالَ نعم قلت وَلَا يشبه هَذَا الْمَتَاع وَالْعرُوض قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يمر على الْعَاشِر وَيَجِيء مَعَه بِبَرَاءَة بِغَيْر اسْمه فَيَقُول هَذِه بَرَاءَة لي من عَاشر كَذَا وَكَذَا مر بهَا رجل كَانَ هَذَا المَال مَعَه مُضَارَبَة أَتَرَى لَهُ أَن يقبل ذَلِك مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم قلت فَإِن قَالَ لَهُ احْلِف فَأبى أَن يحلف وَادّعى هَذَا قَالَ إِذن تُؤْخَذ مِنْهُ الزَّكَاة وَلَا يلْتَفت إِلَى ادعائه إِذا لم يحلف
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا مر على عَسْكَر الْخَوَارِج وَلَهُم عَاشر(2/109)
فعشر أيحسب لَهُ من زَكَاته قَالَ لَا
قلت فَإِن مر على عَاشر الْمُسلمين وَأهل الْعدْل فَأَتَاهُ بِالْبَرَاءَةِ الَّتِي اكتتبها من عَاشر الْخَوَارِج أيحسبها لَهُ قَالَ لَا قلت فَإِن حلف عَلَيْهَا قَالَ وَإِن حلف عَلَيْهَا قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا لَا يجزى عَنهُ من زَكَاة مَاله
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي النَّسمَة من زَكَاة مَاله فيعتقها أيجزيه ذَلِك قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يحجّ عَن الرجل من زَكَاة مَاله أَو يُكَفِّنهُ أَو يَبْنِي مَسْجِدا من زَكَاة مَاله هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ لَا
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ لَا يعْطى من زَكَاة فِي حج وَلَا غَيره وَلَا يقْضِي مِنْهُ دين الْمَيِّت وَلَا يعْتق مِنْهُ رَقَبَة تَامَّة وَلَا يعْطى فِي رَقَبَة وَلَا فِي كفن ميت وَلَا فِي بِنَاء مَسْجِد وَلَا يُعْطي مِنْهَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ وَلَا مَجُوسِيّ وَلَا بَأْس بِأَن يعين حَاجا مُنْقَطِعًا مُقيما وغازيا مُنْقَطِعًا بِهِ وَلَا بَأْس بِأَن(2/110)
يعين مكَاتبا وَبِهَذَا يَأْخُذ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بِهَذَا الحَدِيث
قلت أَرَأَيْت رجلا قضى دين رجل حَيّ مغرم من زَكَاته بأَمْره أيجزيه ذَلِك من زَكَاة مَاله قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة الدَّرَاهِم فِي زَكَاة مَاله فيعطي قيمتهَا حِنْطَة أَو تَمرا أَو شَعِيرًا أَو شَيْئا مِمَّا يُكَال أَو يُوزن أَو ثيابًا أَو غير ذَلِك أيجزيه ذَلِك من زَكَاة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يعْطى الْمكَاتب من زَكَاته أيجزيه قَالَ نعم قلت فَإِن عجز الْمكَاتب قَالَ يجْزِيه مَا كَانَ أعطَاهُ من زَكَاة مَاله
قلت أَرَأَيْت الرجل يدْخل أَرض الْحَرْب فَيُؤْخَذ مِنْهُ الْعشْر ثمَّ يخرج فيمر على عَاشر الْمُسلمين أتحسب لَهُ ذَلِك قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت قوما من الْخَوَارِج ظَهَرُوا على قوم من الْمُسلمين فَأخذُوا زَكَاة أَمْوَالهم وإبلهم وغنمهم وبقرهم ثمَّ ظهر عَلَيْهِم الإِمَام وَأهل الْعدْل أيحسبون لَهُم تِلْكَ الصَّدَقَة قَالَ نعم قلت لم قَالَ لأَنهم لم يمنعوهم مِنْهُم قلت وَكَذَلِكَ إِن أخذُوا صدقَات إبلهم وبقرهم(2/111)
وغنمهم قَالَ نعم قلت فَهَل يجزى مَا أَخذ الْخَوَارِج مِنْهُ من الصَّدَقَة فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الإِمَام كَيفَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يضع بِصَدَقَاتِهِمْ قَالَ يقسم صَدَقَة كل بِلَاد فِي فقرائهم وَلَا يُخرجهَا من تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى غَيرهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الدّين فَيتَصَدَّق بِهِ على الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَيَنْوِي أَن يكون من زَكَاة مَاله هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ لَا قلت فَعَلَيهِ أَن يُزكي ذَلِك الدّين مَعَ مَاله قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يقبضهُ قلت أَرَأَيْت إِن قَبضه ثمَّ تصدق بِهِ عَلَيْهِ هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يُعْطي الرجل مَالا مُضَارَبَة فيربح فِيهِ الْمضَارب على من يكون زَكَاة المَال وَزَكَاة الرِّبْح قَالَ على رب المَال زَكَاة المَال وحصته من الرِّبْح وعَلى الْمضَارب زَكَاة حِصَّته من الرِّبْح إِذا وصل إِلَيْهِ إِن كَانَ يجب فِي مثله الزَّكَاة وَإِن كَانَ لَا يجب فِي مثله(2/112)
الزَّكَاة وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء قلت فَإِن كَانَ لَهُ مَال غير ذَلِك قَالَ يضمه إِلَى مَاله فيزكيه مَعَه
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ المَال فَإِذا حَال عَلَيْهِ الْحول هلك بعضه بعد مَا وَجب عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاة أعليه أَن يُزَكِّيه كُله أَو يُزكي مَا بَقِي عِنْده من المَال قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُزكي مَا هلك وَعَلِيهِ أَن يُزكي مَا فِي يَده وَلَا يُزكي مَا هلك مِنْهُ قلت وَكَذَلِكَ إِن سرق بعضه أَو غصبه مِنْهُ إِنْسَان فَذهب بِهِ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة من أهل الْحَرْب تمر على الْعَاشِر بِمَال للتِّجَارَة أيعشرها قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ الصَّبِي من أهل الْحَرْب يمر مَعَ عَمه وَمَعَهُ مَال للتِّجَارَة وَيُقِيم الْبَيِّنَة أَنه مَال هَذَا الصَّبِي قَالَ نعم يُؤْخَذ مِنْهُ الزَّكَاة قلت فَإِن كَانَ أهل الْحَرْب لَا يَأْخُذُونَ من الصّبيان إِذا دخلُوا إِلَيْهِم من الْمُسلمين قَالَ إِذن لَا يُؤْخَذ من الصَّبِي الْحَرْبِيّ شَيْء
قلت أَرَأَيْت الْمكَاتب من أهل الْحَرْب يمر على الْعَاشِر بِمَال لَهُ وَيعرف أَنه مكَاتب أيعشره قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ أهل الْحَرْب لَا يعشرُونَ مكَاتب الْمُسلم إِذا دخل عَلَيْهِم قَالَ إِذن لَا يُؤْخَذ من مكَاتب الْحَرْبِيّ شَيْء(2/113)
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة من أهل الذِّمَّة تمر على الْعَاشِر بِالْمَالِ قَالَ يَأْخُذ مِنْهَا نصف الْعشْر
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة الْمسلمَة تمر على الْعَاشِر بِالْمَالِ قَالَ يُؤْخَذ مِنْهَا ربع الْعشْر كَمَا يُؤْخَذ من الرجل الْمُسلم ربع الْعشْر وَهِي فِي الزَّكَاة بِمَنْزِلَة الرجل
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يمر على الْعَاشِر بالرمان والبطيخ والقثاء وَالْخيَار والسفرجل وَالْعِنَب والتين قد اشْتَرَاهُ للتِّجَارَة وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم أيعشره قَالَ لَا قلت وَلم وَهُوَ للتِّجَارَة قَالَ لِأَنَّهُ لَا يبْقى قلت وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ إِذا مر بِشَيْء من ذَلِك على الْعَاشِر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيّ إِذا مر بِشَيْء مِمَّا ذكرت لَك لم يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء قَالَ نعم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى أَن يُؤْخَذ من ذَلِك كُله وَهُوَ قَول مُحَمَّد
قلت أَرَأَيْت النَّصْرَانِي أَو الرجل من أهل الذِّمَّة يمر على الْعَاشِر بخنازير أَو بِخَمْر قد اشْتَرَاهُ للتِّجَارَة وَهِي تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم أَو أَكثر أيعشرها الْعَاشِر قَالَ أما الْخَنَازِير فَلَا يعشرها وَأما الْخمر فَيَأْخُذ نصف عشر قيمتهَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة(2/114)
عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ فِي الْخمر يمر بهَا الذِّمِّيّ على الْعَاشِر يَأْخُذ نصف عشر قيمتهَا
قلت فَإِذا مر الرجل من أهل الْحَرْب بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير للتِّجَارَة لم يعشر الْخَنَازِير وَأخذ عشر قيمَة الْخمر مِنْهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُسلم يمر بهَا وَهِي لَهُ أيعشرها لَهُ قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت رجلا كَانَت عِنْده مِائَتَا دِرْهَم فَمَكثَ أشهرا ووهبها لرجل وَدفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ رَجَعَ فِيهَا الْوَاهِب بعد ذَلِك بِيَوْم فحال عَلَيْهَا الْحول من يَوْم ملكهَا هَل عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة قَالَ لَا حَتَّى يحول عَلَيْهَا الْحول من يَوْم رَجَعَ فِيهَا قلت وَلم لَا يزكيها إِذا حَال عَلَيْهَا الْحول(2/115)
من يَوْم ملكهَا قَالَ لِأَنَّهَا قد خرجت من ملكه
قلت أَرَأَيْت إِن ردهَا عَلَيْهِ الْمَوْهُوب لَهُ قبل أَن يحول الْحول عَلَيْهَا ثمَّ حَال الْحول عَلَيْهَا عِنْده أهوَ بِهَذِهِ الْمنزلَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن مكثت عِنْد الْمَوْهُوب لَهُ سنة فَلم يزكها حَتَّى رَجَعَ فِيهَا الْوَاهِب وَقَبضهَا على من زَكَاتهَا قَالَ لَيْسَ على وَاحِد مِنْهُمَا زَكَاة قلت وَلم قَالَ لِأَن الزَّكَاة كَانَت وَجَبت على الْمَوْهُوب لَهُ فِي الدَّرَاهِم فَلَمَّا أَخذهَا مِنْهُ الْوَاهِب لم يكن عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة لِأَن الْوَاهِب أَخذهَا وَلَا يكون على الْوَاهِب فِيهَا شَيْء لِأَنَّهَا لم تكن لَهُ بِمَال حِين رَجَعَ فِيهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يخرج أرضه حِنْطَة كَثِيرَة وَهِي من أَرض الْعشْر فيبيعها قبل أَن يُؤَدِّي عشرهَا فَيَجِيء صَاحب الْعشْر وَالطَّعَام(2/116)
عِنْد المُشْتَرِي وَلَيْسَ عِنْد البَائِع مِنْهُ شَيْء هَل للمصدق أَن يَأْخُذ من المُشْتَرِي عشر الطَّعَام قَالَ نعم إِن شَاءَ أَخذ مِنْهُ قلت وَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِعشر الثّمن قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَبِيع أَرضًا وفيهَا زرع قد أدْرك وَهِي من أَرض الْعشْر على من عشرهَا على المُشْتَرِي أَو على البَائِع قَالَ عشر الزَّرْع على البَائِع
قلت أَرَأَيْت إِن بَاعهَا وَالزَّرْع بقل على من عشر الزَّرْع إِذا حصد قَالَ على المُشْتَرِي
قلت أَرَأَيْت إِن بَاعَ الزَّرْع وَهُوَ قصيل فقصله المُشْتَرِي أَيكُون على البَائِع الْعشْر فِي الثّمن قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن بَاعَ الزَّرْع وَهُوَ بقل بعد ثمَّ أذن البَائِع للْمُشْتَرِي أَن يتْركهُ فِي أرضه فَتَركه حَتَّى استحصد على من الْعشْر قَالَ على المُشْتَرِي قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حصده
قلت وَكَذَلِكَ كل شَيْء من الثِّمَار أَو غَيره مِمَّا فِيهِ الْعشْر يَبِيعهُ(2/117)
صَاحبه قبل أَن يبلغ فِي أول مَا اطلع ثمَّ تَركه المُشْتَرِي حَتَّى يبلغ بِإِذن البَائِع أَيكُون زَكَاته على المُشْتَرِي قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي الأَرْض من أَرض الْعشْر للتِّجَارَة ليزرعها عَلَيْهَا زَكَاتهَا للتِّجَارَة أَو عشر الأَرْض قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاتهَا للتِّجَارَة وَإِنَّمَا عَلَيْهِ عشر الأَرْض قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ حِين اشْترى أَرضًا يجب فِيهَا الْعشْر سَقَطت عَنهُ الزَّكَاة قلت وَكَذَلِكَ إِن اشْترى أَرضًا من أَرض الْخراج قَالَ نعم وَلَا يكون عَلَيْهِ الزَّكَاة وَلَا يجْتَمع عَلَيْهِ خراج وَزَكَاة وَلَا خراج وَعشر وَلَا زَكَاة وَعشر
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي الدّور للتِّجَارَة فَحلت فِيهَا الزَّكَاة كَيفَ يصنع قَالَ يقومها فيزكي قيمتهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَمُوت وَله أَرض من أَرض الْعشْر وَقد أدْرك زَرعهَا فَوَجَبَ فِيهَا الْعشْر أيؤخذ مِنْهَا الْعشْر قَالَ نعم(2/118)
قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهَا قد صَارَت لغيره كَمَا كَانَت لَهُ قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ أَرض من أَرض الْعشْر فِيهَا رطبَة وَهِي تقطع فِي كل أَرْبَعِينَ لَيْلَة مرّة أيؤخذ الْعشْر مِنْهَا كلما قطعت قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي الأَرْض من أَرض الْعشْر فيزرعها بطيخا ويقلعه أيؤخذ مِنْهُ الْعشْر قَالَ نعم قلت فَإِن زرع فِيهَا بطيخا أَو خيارا أَو قثاء أَو شبه ذَلِك قَالَ يُؤْخَذ مِنْهَا الْعشْر أَيْضا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا عشر فِي بطيخ وَلَا خِيَار وَلَا قثاء وَلَا بقل وَلَا رطبَة وَلَا نَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ لَهُ ثَمَرَة بَاقِيَة(2/119)
قلت أَرَأَيْت الْعِنَب يَبِيعهُ صَاحب الأَرْض عنبا وَرُبمَا بَاعه عصيرا وَرُبمَا بَاعه بِأَكْثَرَ من قِيمَته وَرُبمَا بَاعه بِأَقَلّ من ذَلِك قَالَ يُؤْخَذ من الثّمن عشره إِن بَاعه عصيرا أَو بَاعه عنبا بِأَقَلّ من قِيمَته كَانَ أَو أَكثر إِذا لم يكن شَيْئا حابي فِيهِ فَاحِشا حَتَّى يعرف ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ المَال فَإِذا حَال عَلَيْهِ الْحول هلك نصفه بعد مَا وَجب فِيهِ الزَّكَاة أعليه أَن يزكّى كُله أَو يزكّى مَا بَقِي قَالَ بل يزكّى مَا بَقِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُزكي مَا هلك قلت وَكَذَلِكَ إِن سرق مِنْهُ بعضه أَو غصبه مِنْهُ إِنْسَان فَذهب بِهِ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ على الرجل دين فيكافره فيمكث سنة يكافره بِهِ وَلَيْسَت لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة ثمَّ يَقْضِيه إِيَّاه بعد ذَلِك هَل عَلَيْهِ(2/120)
زَكَاة مَا مضى قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ قد كَانَ يجحده وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة الدّين الَّذِي يقر لَهُ بِهِ
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تزوج الرجل على ألفي دِرْهَم بِعَينهَا فيحول الْحول عَلَيْهَا وَهِي فِي يَد الزَّوْج ثمَّ يطلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا على من زَكَاة هَذِه الْأَلفَيْنِ قَالَ يدْفع النّصْف إِلَى الْمَرْأَة وَعَلَيْهَا فِيهِ الزَّكَاة وَلَيْسَ على الزَّوْج زَكَاة فِي النّصْف الآخر قلت وَلم قَالَ لِأَن الْمَرْأَة قد حَال عَلَيْهَا الْحول وَهِي تملك الَّذِي أخذت وَوَجَبَت عَلَيْهَا(2/121)
فِيهِ الزَّكَاة وَالزَّوْج إِنَّمَا وَجب لَهُ نصف ذَلِك حِين يطلقهَا فَلَا يجب عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاة لِأَنَّهُ لم يحل عَلَيْهِ الْحول مُنْذُ يَوْم ملكه وَهَذَا قَول أبي حنيفَة الأول وَقَالَ أَبُو حنيفَة بعد ذَلِك لَيْسَ على وَاحِد مِنْهُمَا زَكَاة
قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَت بِغَيْر أعيانها قَالَ نعم قلت فَإِن دَفعهَا إِلَى امْرَأَته وَحَال عَلَيْهَا الْحول ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ تزكي الْمَرْأَة المَال كُله قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ملكهَا وحلت عَلَيْهَا فِيهِ الزَّكَاة
قلت وَكَذَلِكَ لَو تزَوجهَا على إبل أَو غنم أَو بقر سَائِمَة ثمَّ دَفعهَا إِلَيْهَا وَحَال عَلَيْهَا الْحول ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ لَا أما هَذَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إِلَّا زَكَاة مَا بَقِي
قلت وَلَو تزَوجهَا على عبد وَدفعه إِلَيْهَا فجَاء يَوْم الْفطر وَهُوَ عِنْدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فعلَيْهَا زَكَاة الْفطر قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ العَبْد عِنْد الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا(2/122)
فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر وَلَا عَلَيْهَا قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْإِبِل وَالْغنم وَالْبَقر عِنْد الزَّوْج وَالْإِبِل سَائِمَة فَتَزَوجهَا عَلَيْهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا ثمَّ دفع إِلَيْهَا نصفهَا أتزكيها وَقد حَال عَلَيْهَا الْحول قَالَ فَإِن كَانَ فِي مثل مَا أخذت تجب فِيهِ الزَّكَاة زكتها وَإِلَّا فَلَا زَكَاة عَلَيْهَا وَأما الزَّوْج فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة بعد ذَلِك لَا زَكَاة على وَاحِد مِنْهُمَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ مِائَتَا دِرْهَم وَعَلِيهِ مثلهَا وَله أَرْبَعُونَ شَاة سَائِمَة أَو خمس من الْإِبِل أَو ثَلَاثُونَ من الْبَقر هَل عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاة قَالَ نعم لِأَن عِنْده دَرَاهِم وَفَاء بِدِينِهِ قلت فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين مِائَتَا دِرْهَم وَعشرَة دَرَاهِم قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة فِي شَيْء من ذَلِك لِأَن عَلَيْهِ فضل دين لَيْسَ بِهِ عِنْده وَفَاء من الدَّرَاهِم
قلت أَرَأَيْت الرجل تكون لَهُ أَرْبَعُونَ شَاة سَائِمَة وَمِائَتَا دِرْهَم وَعَلِيهِ مِائَتَا دِرْهَم دين هَل عَلَيْهِ زَكَاة قَالَ نعم يُزكي الْغنم(2/123)
وَتبطل زَكَاة الدِّرْهَم
قلت فَإِن لم يَأْته الْمُصدق وَكَانَ ذَلِك إِلَيْهِ وَالْغنم تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم يُزكي أَيهمَا شَاءَ وَيتْرك الآخر ويجزيه ذَلِك قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَت خمس من الْإِبِل مَكَان الدَّرَاهِم وَهِي تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم زكى أَيهمَا شَاءَ قَالَ نعم
قلت فَإِذا جَاءَ الْمُصدق فَأخْبرهُ بِمَا عَلَيْهِ من الدّين وَبِمَا لَهُ قَالَ يُزكي الْمُصدق الْإِبِل
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون فِي عَسْكَر الْخَوَارِج فَلَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله سنة أَو سنتَيْن ثمَّ يَتُوب أهل الْبَغي وَهُوَ مَعَهم هَل يُؤْخَذ بِزَكَاة لما مضى أَو أحد من أَصْحَابه قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ لم تكن أحكامنا تجرى عَلَيْهِم فِيهِ قلت فَهَل عَلَيْهِم فِيمَا بَينهم وَبَين الله تَعَالَى أَن يؤدوا الزَّكَاة لما مضى قَالَ نعم(2/124)
قلت أَرَأَيْت الرجل من أهل الْبَغي يبعثونه رَسُولا إِلَى أهل الْعدْل فيمر على الْعَاشِر بِالْمَالِ أيأخذ مِنْهُ الزَّكَاة قَالَ نعم قلت كَمَا يَأْخُذ من الْمُسلم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْقَوْم يسلمُونَ فِي أَرض الْحَرْب فيمكثون بهَا سِنِين وَقد عمِلُوا أَن الزَّكَاة عَلَيْهِم وَصَدقُوا بذلك وَعرفُوا كَيفَ هِيَ فَلم يؤدوها سِنِين ثمَّ خَرجُوا إِلَى دَار الْإِسْلَام بِأَمْوَالِهِمْ وإبلهم وغنمهم وبقرهم هَل يُؤْخَذ مِنْهُم لما مضى شَيْء قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن الحكم لم يكن يجرى عَلَيْهِم وَلَكِن عَلَيْهِم فِيمَا بَينهم وَبَين الله تَعَالَى أَن يؤدوه
قلت أَرَأَيْت رجلا من الْمُسلمين مر على عَاشر بِمَال فكتمه إِيَّاه حَتَّى اخْتلف عَلَيْهِ كَذَلِك سِنِين يتجر بِهِ لَا يُؤَدِّي زَكَاته وَلَا يعلم بِهِ الْعَاشِر ثمَّ إِن الْعَاشِر اطلع عَلَيْهِ وَأخْبرهُ الرجل أَنه اخْتلف بِهِ عَلَيْهِ مُنْذُ سِنِين يتجر بِهِ أيؤخذ مِنْهُ لما مضى تِلْكَ السنين قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ صَاحب الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم إِذا أَتَاهُ الْمُصدق وَكَانَت قصَّته على مَا وصفت لَك قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ صَاحب الأَرْض لَهَا عشر قَالَ نعم قلت وَلم قَالَ لِأَن الحكم يجْرِي على هَؤُلَاءِ
قلت أَرَأَيْت شَرِيكَيْنِ متفاوضين لَهما مَال فَلَمَّا حَال عَلَيْهِ الْحول أدّى كل وَاحِد مِنْهُمَا زَكَاة المَال بِغَيْر أَمر صَاحبه قَالَ يضمن كل(2/125)
وَاحِد مِنْهُمَا مَا أدّى عَن صَاحبه لصَاحبه قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يَأْمُرهُ بذلك قلت فَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا قد أَمر صَاحبه إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول أَن يُؤَدِّي ذَلِك فأديا جَمِيعًا مَعًا قَالَ يضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا حِصَّة صَاحبه مِمَّا أدّى قلت فَإِن أدّى أَحدهمَا قبل صَاحبه قَالَ يضمن الآخر مَا أدّى عَن صَاحبه وَلَا يضمن الأول مَا أدّى قلت ويجزى عَنْهُمَا صَدَقَة الأول قَالَ نعم قلت فَهَل يجزى عَنْهُمَا فِي الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ يجزى كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا أدّى عَن نَفسه وَيضمن مَا أدّى عَن صَاحبه لصَاحبه قلت وَلم ضمنت الآخر مَا أدّى وَقد أدّى بِأَمْر صَاحبه وَلم يعلم أَنه قد أدّى الصَّدَقَة قَالَ لِأَنَّهُ أمره أَن يُؤَدِّي الزَّكَاة وَإِنَّمَا أدّى غير الزَّكَاة هَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَأما أَنا فَلَا أرى عَلَيْهِ ضمانا وَهُوَ قَول مُحَمَّد
قلت أَرَأَيْت رجلا أودع رجلا مَالا فجحده سِنِين ثمَّ رده(2/126)
عَلَيْهِ هَل عَلَيْهِ زَكَاة مَا مضى قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة فِيمَا مضى
قلت أَرَأَيْت رجلا دفن مَالا فِي أَرض لَهُ أَو فِي بعض بيوته فخفى عَلَيْهِ مَوْضِعه حَتَّى مضى لذَلِك سِنِين ثمَّ وجده بعد هَل عَلَيْهِ زَكَاة مَا مضى قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا دفن فِي الأَرْض فخفى عَلَيْهِ زَكَاة وَلَكِن عَلَيْهِ زَكَاة فِيمَا دفن فِي بيوته قلت فَمَا الْفرق بَين مَا فِي أرضه وَمَا فِي بيوته قَالَ لِأَن مَا فِي الأَرْض لَا يشبه مَا فِي بيوته لِأَن مَا فِي بَيته كَأَنَّهُ صندوقه فَإِذا علم أَنه قد دَفنه فَهُوَ فِي يَده(2/127)
قلت أَرَأَيْت رجلا سقط مِنْهُ مَال فِي مفازة ثمَّ وجده بعد سِنِين أَو وَقع فِي طَرِيق من طرق الْمُسلمين ثمَّ أَصَابَهُ بعد سِنِين هَل عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك زَكَاة لما مضى من السنين قَالَ لَا لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة لما مضى
- بَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة والركاز والمعدن والرصاص والنحاس وَالْحَدِيد والجوهر وَغير ذَلِك
-
قلت أَرَأَيْت مَعْدن الذَّهَب وَالْفِضَّة والنحاس والرصاص وَالْحَدِيد إِذا عمل فِيهِ الْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَالْعَبْد وَالْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمَرْأَة فَأَصَابُوا ركازا قَالَ يُؤْخَذ مِنْهُم خمس مَا أَصَابُوا وَلَهُم أَرْبَعَة أَخْمَاس
قَالَ مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ العجماء جَبَّار والقليب جَبَّار والمعدن جَبَّار وَفِي الرِّكَاز الْخمس(2/128)
مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ فِي الْمَعْدن الْخمس
قلت فَإِن كَانَ الْمَعْدن فِي أَرض الْعشْر وَأَرْض الْجَبَل أهوَ سَوَاء قَالَ نعم هُوَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت الرجل يعْمل فِي الْمَكَان من الْمَعْدن يَوْمًا فَيَجِيء آخر من الْغَد فَيعْمل فِي ذَلِك الْمَكَان فَيُصِيب مِنْهُ المَال فَيَقُول الأول أَنا أَحَق بِهِ لمن يكون ذَلِك المَال قَالَ يُخَمّس وَمَا بَقِي بعد الْخمس فَهُوَ للَّذي عمل فِيهِ بعد ذَلِك أخيرا
قلت أَرَأَيْت اللُّؤْلُؤ يسْتَخْرج من الْبَحْر أَو العنبر مَا فِيهِ قَالَ لَيْسَ فِيهِ شَيْء قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة السّمك قلت وَمَا بَال السّمك لَا يكون فِيهِ شَيْء قَالَ لِأَنَّهُ صيد وَهُوَ بِمَنْزِلَة المَاء لِأَن(2/129)
الْأَثر لم يَأْتِ فِي السّمك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف بعد ذَلِك أرى فِي العنبر الْخمس
قلت أَرَأَيْت الْيَاقُوت والزمرد والفيروزج يُوجد فِي الْمَعْدن أَو فِي الْجبَال هَل فِي شَيْء مِنْهُ خمس أَو عشر قَالَ لَا لَيْسَ فِيهِ خمس وَلَا عشر قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ حِجَارَة قلت وَلَو كَانَ فِي شَيْء(2/130)
من هَذَا لَكَانَ فِي الْكحل والزرنيخ والمغرة والنورة والحصى وَهَذَا كُله حِجَارَة وَلَيْسَ فِي الْحِجَارَة شَيْء
قلت أَرَأَيْت الزيبق إِذا أُصِيب فِي معدنه هَل فِيهِ شَيْء قَالَ نعم عَلَيْهِ الْخمس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف مَا أرى فِيهِ شَيْئا
قلت أَرَأَيْت الرجل يُصِيب الرِّكَاز من الذَّهَب أَو الْفضة أَو الْجَوْهَر(2/131)
مِمَّا يعرف أَنه قديم فيحفره فيخرجه من أَرض الفلاة قَالَ فِيهِ الْخمس وَمَا بَقِي فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ جَاءَ الْأَثر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الرِّكَاز الْخمس والركاز هُوَ الْكَنْز
قلت فَإِن كَانَ الَّذِي استخرجه مكَاتبا أَو ذِمِّيا أَو عبدا أَو امْرَأَة أَو صَبيا قَالَ هُوَ كَذَلِك أَيْضا يُؤْخَذ مِنْهُ الْخمس وَمَا بَقِي فَهُوَ لَهُ
قلت أَرَأَيْت الرجل يجد الرِّكَاز فِي دَار الرجل فيتصادقان جَمِيعًا أَنه ركاز قَالَ هُوَ للَّذي يملك رَقَبَة الدَّار وَفِيه الْخمس قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الَّذِي وجده قد اسْتَأْجر الدَّار من صَاحبهَا أَو استعارها قَالَ وَإِن كَانَ فَهُوَ لصَاحب الدَّار
قلت فَإِن كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ رجل فَوجدَ فِيهَا ركازا فأقرا جَمِيعًا أَنه ركاز قَالَ هُوَ لرب الدَّار الأول مِنْهُمَا قلت فَإِن كَانَ الَّذِي بَاعهَا إِنَّمَا اشْتَرَاهَا من رجل آخر قَالَ فالركاز للَّذي كَانَ لَهُ الأَصْل(2/132)
يُخَمّس وَمَا بَقِي فَهُوَ لَهُ قلت وَكَذَلِكَ الرِّكَاز يُوجد فِي أَرض رجل قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَهُوَ قِيَاس الْأَثر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرَاهُ للَّذي أَخذه أستحسن ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يدْخل أَرض الْحَرْب بِأَمَان فيجد ركازا فِي دَار رجل مِنْهُم قَالَ يردهُ عَلَيْهِ قلت فَإِن وجده فِي الصَّحرَاء قَالَ فَهُوَ لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ خمس قلت وَلم لَا تجْعَل فِيمَا وجد فِي أَرض الْحَرْب من الرِّكَاز خمْسا كَمَا جعلته فِي دَار الْإِسْلَام قَالَ لِأَن أَرض الْحَرْب لم يوجف عَلَيْهَا الْمُسلمُونَ وَلم يفتحوها وَأَرْض الْإِسْلَام قد أوجف عَلَيْهَا الْمُسلمُونَ وفتحوها فَمن هَهُنَا اخْتلفَا
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُسلم أَو الذِّمِّيّ يكون فِي دَاره الْمَعْدن أَو فِي(2/133)
أرضه قَالَ هُوَ لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ خمس وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِيهِ الْخمس
قلت أَرَأَيْت الرجل من أهل الْحَرْب يدْخل دَار الْإِسْلَام بِأَمَان فَيُصِيب كنزا أَو شَيْئا من الْمَعْدن قَالَ يُؤْخَذ مِنْهُ كُله قلت وَلم قَالَ لأَنهم لَيْسَ لَهُم مِمَّا فِي أَرْضنَا شَيْء قلت فَإِن عمل فِي الْمَعْدن بِإِذن الإِمَام قَالَ يُخَمّس مَا أصَاب وَمَا بَقِي فَهُوَ لَهُ
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ النَّحْل فِي أرضه عسالة فَيُصِيب من عسلها غلَّة عَظِيمَة مَا فِيهِ قَالَ إِن كَانَ فِي أَرض الْخراج فَلَيْسَ فِيهِ شَيْء وَإِن كَانَ فِي أَرض الْعشْر فَفِيهِ الْعشْر بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو ذَلِك(2/134)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون فِي أرضه الْعين يخرج مِنْهَا القير والنفط وَالْملح وأرضه أَرض خراج مَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ خراج أرضه وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْء قلت فَإِن كَانَ هَذَا فِي أَرض عشر قَالَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضا فِيهَا شَيْء قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهَا لَيست من الثِّمَار
قلت أَرَأَيْت الرجل يجد الرِّكَاز فِي الصَّحرَاء أَو يعْمل فِي الْمَعْدن فَيُصِيب فِيهِ المَال وَعَلِيهِ دين نَحْو مِمَّا أصَاب هَل يُخَمّس مَا أصَاب من الرِّكَاز والمعدن قَالَ نعم قلت وَلَا تعد هَذَا مَانِعا مثل الزَّكَاة قَالَ لَا إِنَّمَا هُوَ مغنم(2/138)
قلت أَرَأَيْت الرجل يتَقَبَّل الْمَكَان من الْمَعْدن من السُّلْطَان فيستأجر فِيهِ أجراء فَيخْرجُونَ مِنْهُ أَمْوَالًا لمن تكون تِلْكَ الْأَمْوَال قَالَ للْمُسْتَأْجر الَّذِي استأجرهم ويخمس كُله وَمَا بَقِي فَهُوَ لَهُ قلت فَإِن جَاءَ قوم بِغَيْر أمره لم يستأجرهم فعملوا فِي ذَلِك الْمَكَان فَأَصَابُوا مَالا قَالَ يُخَمّس مَا أَصَابُوا وَأما مَا بَقِي فَهُوَ لَهُم وَلَيْسَ للَّذي تقبل من ذَلِك شَيْء
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الأَرْض من أَرض الْعشْر فينبت فِيهَا الطرفاء والقصب الْفَارِسِي أَو غَيره هَل فِيهِ عشر قَالَ لَا لَيْسَ(2/139)
فِيهِ عشر إِنَّمَا هُوَ حطب قلت وَكَذَلِكَ الْحَشِيش وَالشَّجر الَّذِي لَيْسَ لَهُ ثَمَر مثل السمر وَشبهه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرياحين والبقول كلهَا والرطاب الْقَلِيل من ذَلِك وَالْكثير هَل فِيهِ الْعشْر قَالَ نعم كل شَيْء من ذَلِك تسقيه السَّمَاء أَو سقِِي سيحا فَفِيهِ الْعشْر وكل شَيْء يسقى بغرب أَو دالية أَو سانية فَفِيهِ نصف الْعشْر بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو من ذَلِك(2/140)
قلت أَرَأَيْت الوسمة فِيهَا عشر إِذا كَانَت فِي أَرض الْعشْر(2/141)
قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الزَّعْفَرَان والورد والورس قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ قصب السكر قَالَ نعم قلت لم وَإِنَّمَا هُوَ قصب قَالَ لِأَنَّهُ ثَمَر وَلَيْسَ بحطب
قلت وَالْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب والذرة والسمسم والأرز وَجَمِيع الْحُبُوب فَفِيهِ الْعشْر قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يكون فِي شَيْء من هَذَا عشر حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوسق والوسق سِتُّونَ صَاعا مِمَّا يكون لَهُ ثَمَرَة بَاقِيَة وَأما الْخضر فَلَا عشر فِيهَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون عَلَيْهِ الدّين يُحِيط بِقِيمَة أرضه هَل عَلَيْهِ عشر قَالَ نعم قلت فَإِذا قَالَ عَليّ دين وَحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ قَوْله ويكف عَنهُ قَالَ لَا يقبل قَوْله وَعَلِيهِ الْعشْر وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين
قلت أَرَأَيْت الْمكَاتب هَل فِي أرضه الْعشْر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الصَّبِي وَالْمَجْنُون المغلوب قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن الْعشْر بِمَنْزِلَة الْخراج فِي هَذِه الْمنزلَة(2/142)
قلت أَرَأَيْت رجلا لَهُ أَرض يُؤَدِّي خراجها هَل عَلَيْهِ فِيهَا عشر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يسْتَأْجر الأَرْض من أَرض الْعشْر فيزرعها على من عشرهَا قَالَ على رب الأَرْض وَلَيْسَ على الْمُسْتَأْجر شَيْء
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم نَحوا من هَذَا
قلت فَلَو آجرها بِمِائَة دِرْهَم وأخرجت الأَرْض أَرْبَعِينَ كرا كَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعَة أكرار قَالَ نعم قلت فَإِن منحها إِيَّاه منحة على من عشرهَا قَالَ على الَّذِي زَرعهَا قلت وَلم قَالَ لِأَن صَاحبهَا لم يَأْخُذ لَهَا أجرا
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمُسلم يَشْتَرِي من الْكَافِر أَرضًا من أَرض الْخراج أَيكُون عَلَيْهِ الْعشْر قَالَ لَا وَلَكِن عَلَيْهِ الْخراج
قلت أَرَأَيْت الْكَافِر اشْترى من الْمُسلم أَرضًا من أَرض الْعشْر أَيكُون عَلَيْهِ فِيهِ الْعشْر أَو الْخراج قَالَ يكون عَلَيْهِ الْخراج قلت فَإِن أَخذهَا مُسلم بِالشُّفْعَة قَالَ هُوَ جَائِز وعَلى الْمُسلم الْعشْر(2/143)
قلت فَإِذا بَاعَ الْمُسلم أَرضًا من أَرض الْعشْر من كَافِر وَهُوَ بِالْخِيَارِ أَو الْكَافِر بِالْخِيَارِ فِيهَا أَو يَبِيعهَا بيعا فَاسِدا فيردها الْكَافِر عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ فِي هَذَا كُله قَالَ عَلَيْهِ الْعشْر قلت فَلم جعلت على الْكَافِر الْخراج إِذا اشْتَرَاهَا قَالَ لِأَنَّهُ لَا يكون على الْكَافِر عشر إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة دَار كَانَت لكَافِر فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء فَإِذا جعلهَا بستانا كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا الْخراج قلت وَالْعشر لَا يجب على أَرض يُؤَدِّي صَاحبهَا الْخراج وَلَا على رجل يُؤَدِّي فِي أرضه أجرا قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة
قلت أَرَأَيْت رجلا نَصْرَانِيّا من بني تغلب لَهُ أَرض من أَرض الْعشْر اشْتَرَاهَا من رجل مُسلم مَا عَلَيْهِ فِيهَا قَالَ يُضَاعف عَلَيْهِ فِيهَا الْعشْر فَإِن كَانَت سيحا أَو تسقى من السَّمَاء فَعَلَيهِ فِيهَا الْخمس وَإِن كَانَت تشرب بغرب أَو دالية أَو سانية فَعَلَيهِ فِيهَا الْعشْر قلت وضاعفت عَلَيْهِ كَمَا ضاعفت فِي أَمْوَالهم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن بَاعهَا من مُسلم أَو أسلم عَلَيْهَا قَالَ عَلَيْهَا الْعشْر مضاعفا(2/144)
قلت أَرَأَيْت العَبْد النَّصْرَانِي يعتقهُ النَّصْرَانِي من بني تغلب فيشتري أَرضًا من أَرض الْعشْر قَالَ عَلَيْهِ فِيهَا الْخراج وَلَا ينزل منزلَة مَوْلَاهُ قلت لم قَالَ لِأَن مَوْلَاهُ لَا يكون فِي هَذَا أعظم حُرْمَة من مولى الْمُسلم إِذا أعْتقهُ وَهُوَ نَصْرَانِيّ وَلَو أَن رجلا أعتق عبدا لَهُ نَصْرَانِيّا كَانَ على عَبده الْخراج وَإِن اشْترى أَرضًا من أَرض الْعشْر كَانَ عَلَيْهِ الْخراج وَإِن كَانَ لَهُ إبل أَو غنم أَو بقر فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء وَكَذَلِكَ العَبْد النَّصْرَانِي إِذا أعْتقهُ النَّصْرَانِي من بني تغلب
قلت أَرَأَيْت مَا كَانَ فِي أَرض الْعشْر من قصب الذريرة هَل عَلَيْهِ فِيهَا عشر قَالَ نعم قلت لم وَإِنَّمَا هُوَ قصب قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الريحان
قلت أَرَأَيْت أَرض الْعشْر مَا هِيَ وَأَيْنَ تكون قَالَ أما فِي أَيدي الْعَرَب بالبادية وَأَرْض الْحجاز من أَرض الْعَرَب بالبرية فَهِيَ من أَرض الْعشْر وَمَا كَانَ من أَرض السوَاد مِمَّا لَا يبلغهُ المَاء فاستحياه رجل واستخرجه بِأَمْر السُّلْطَان فَهِيَ من أَرض الْعشْر وَمَا كَانَ من ذَلِك يبلغهُ المَاء فَهُوَ أَرض الْخراج(2/145)
قلت أَرَأَيْت قوما من أهل الْحَرْب أَسْلمُوا فِي دَارهم أَيكُون أَرضهم من أَرض الْعشْر قَالَ نعم قلت لم قَالَ لأَنهم أَسْلمُوا عَلَيْهَا وَلم يفتح الْمُسلمُونَ بِلَادهمْ فَيكون فَيْئا فأرضهم من أَرض الْعشْر
قلت فَكل أَرض تكون فِي الْيمن والحجاز وتهامة والبرية أتجعلها أَرض عشر قَالَ نعم
قلت وَأَيّمَا أَرض تجعلها من أَرض الْعشْر إِذا جَاءَ الْعَاشِر يَأْخُذ عشر الأَرْض فَقَالَ صَاحبهَا قد أديته وَحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ لَا وَلَكِن يَأْخُذ مِنْهُ الْعشْر قلت لم قَالَ لِأَن هَذَا مِمَّا يَأْخُذ السُّلْطَان وَهُوَ بِمَنْزِلَة الصَّدَقَة صَدَقَة الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم
قلت أَرَأَيْت رجلا أعْطى عشر أرضه وزكاته وَزَكَاة إبِله وبقره وغنمه صنفا وَاحِدًا من الْمَسَاكِين والفقراء أيسعه ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ نعم
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة عَن الْمنْهَال عَن شَقِيق عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه أَتَى بِصَدقَة فَبعث بهَا إِلَى أهل بَيت وَاحِد(2/146)
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن زر بن حُبَيْش عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
قلت أَرَأَيْت إِن وضع ذَلِك فِي الْفُقَرَاء وَلم يَأْتِ بِهِ السُّلْطَان أيسعه ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن عجل زَكَاة مَاله لِسنتَيْنِ أيسعه ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ نعم وَلَا يجْزِيه إِن أعْطى عشر أرضه لِسنتَيْنِ مُسْتَقْبلَة وَإِن كَانَ نخل وَشَجر كَمَا لَا يجْزِيه زَكَاة مَاله قبل أَن يكْتَسب
قلت أَرَأَيْت إِن لم يخرج من أرضه شَيْء وَقد أعْطى زَكَاتهَا أَو إِن أعْطى زَكَاتهَا عَن صنف وَزرع غير الَّذِي أعْطى زَكَاته(2/147)
قَالَ لَا يجْزِيه وَإِن كَانَ زرع الأَرْض فَلَا بَأْس أَن يعجل عشرَة قبل أَن يدْرك وَبعد أَن يخرج لسنته تِلْكَ وَلَا يجزى أَن يعجل لسنين لِأَنَّهُ لَا يدْرِي هَل يزرع ذَلِك من قَابل أم لَا فَأَما إِذا أَعْطَاهَا وَقد زرع فَإِنَّهُ يجْزِيه لزرعه ذَلِك وَلَا يجْزِيه للنخل وَالشَّجر إِلَّا أَن يكون قد خرج الثَّمر وَإِن لم يبلغ
قلت أفيعطي مِنْهَا ذَوي قرَابَة لَهُ وهم فُقَرَاء قَالَ نعم قلت فَإِن أعْطى مِنْهَا أَخَاهُ أَو أُخْته أَو ذَوي رحم محرم من رضَاع أَو نسب أجزاه ذَلِك قَالَ نعم مَا خلا الْوَلَد وَالْوَالِد وَالأُم فَإِنَّهُ لَا يعطيهم من زَكَاة مَاله وَلَا من عشر أرضه
قلت أَرَأَيْت إِن أعْطى زَكَاة مَاله أمه أَو أَبَاهُ أَو وَلَده أَو ولد وَلَده أَو امْرَأَته هَل يجْزِيه ذَلِك من زَكَاة مَاله وَمن عشر أرضه قَالَ لَا
قلت فَإِن أعْطى مِنْهَا جدته من قبل أمه أَو من قبل أَبِيه أَو ابْنَته أَو ابْنة ابْنَته أَو ابْن ابْنَته أَو عَبده أَو مدبره أَو أم وَلَده قَالَ لَا يعْطى أحدا من هَؤُلَاءِ من زَكَاة مَاله قلت فَإِن أَعْطَاهُم(2/148)
قَالَ لَا يجْزِيه من زَكَاته وَلَا من عشر أرضه قلت فَهَل يجزى من أعْطى سوى هَؤُلَاءِ من ذَوي الرَّحِم الْمحرم إِذا كَانُوا مُحْتَاجين قَالَ نعم بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ لَا يعْطى من الزَّكَاة يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا وَلَا مجوسيا وَلَا يعْطى الرجل امْرَأَته وَلَا تُعْطى الْمَرْأَة زَوجهَا من زَكَاتهَا لِأَنَّهُ يجْبر على أَن ينْفق عَلَيْهَا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بَأْس بِأَن تُعْطى الْمَرْأَة زَوجهَا من زَكَاتهَا لِأَنَّهَا لَا تجبر على أَن تنْفق عَلَيْهِ قَالَ وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/149)
قلت فَإِن أعْطى مِنْهَا غَنِيا وَهُوَ لَا يعلم قَالَ يجْزِيه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد إِذا سَأَلَهُ فَأعْطَاهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجْزِيه إِذا علم بعد ذَلِك
قلت فَإِن أعْطى أحدا من جَمِيع هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرت لَك وَهُوَ لَا يعرفهُ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ فَأعْطَاهُ قَالَ يجْزِيه فِي ذَلِك كُله إِلَّا فِي عَبده أَو أمته أَو مدبره أَو مكَاتبه أَو أم وَلَده فَإِن هَؤُلَاءِ مَاله فَلَا يجْزِيه قلت وَلم لَا يجْزِيه إِن أعْطى أحدا من هَؤُلَاءِ وَهُوَ لَا يعلم قَالَ لِأَن هَؤُلَاءِ كلهم مَاله فَلذَلِك لَا يجزى
قلت أَرَأَيْت الرجل يُعْطي الرجل من الزَّكَاة وَله دَار أَو مسكن وخادم هَل يجْزِيه فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد ذَلِك قَالَ نعم بلغنَا(2/150)
عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ يعْطى من الزَّكَاة من لَهُ دَار وخادم قلت وَهل يعْطى الرجل من زَكَاته رجلا وَاحِدًا مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ عِيَال قَالَ أكره لَهُ ذَلِك قلت فَإِن أعطَاهُ مِائَتي دِرْهَم وَهُوَ مُحْتَاج أيجزيه ذَلِك من زَكَاته قَالَ نعم يجْزِيه أكره لَهُ أَن يبلغ بِهِ مِائَتَيْنِ إِذا لم يكن لَهُ عِيَال أَو لم يكن عَلَيْهِ دين
قلت أَرَأَيْت الرجل يسْأَله الرجل الْغَنِيّ وَهُوَ لَا يعلم مَا هُوَ فيعطيه من الزَّكَاة أَو يسْأَله الرجل من أهل الْحَرْب فيعطيه وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم بِهِ بعد ذَلِك هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة وَهُوَ قَول مُحَمَّد
قلت أَرَأَيْت الرجل من أهل الْكُوفَة لَهُ مَال يتجر فِيهِ فَتحل فِيهِ الزَّكَاة أيعطيها بِالْكُوفَةِ أَو بِبَلَد غَيرهَا قَالَ بل يُعْطِيهَا بِالْكُوفَةِ وأكره لَهُ أَن يُعْطِيهَا بِغَيْر الْكُوفَة قلت وَكَذَلِكَ كل رجل من أهل بِلَاد حلت عَلَيْهِ الزَّكَاة فِي بلد يُعْطِيهَا أهل بِلَاده قَالَ نعم قلت فَإِن أَعْطَاهَا غَيرهَا مُتَعَمدا لذَلِك خرج بهَا حَتَّى أَعْطَاهَا أَو بعث بهَا قَالَ يجْزِيه وأكره لَهُ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ المَال غَائِبا عَنهُ فَيحْتَاج أَيحلُّ لَهُ(2/151)
أَن يقبل الصَّدَقَة قَالَ نعم قلت وَلَا يجب عَلَيْهِ فِي مَاله ذَلِك الْغَائِب الصَّدَقَة قَالَ لَا حَتَّى يرجع إِلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ على الرجل الدّين فَيتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهِ ويحسب ذَلِك من زَكَاته أيجزيه ذَلِك من زَكَاته قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ لم يقبضهُ مِنْهُ بعد قلت فَإِن تصدق بِهِ على آخر وَأمره أَن يقبضهُ مِنْهُ فَقَبضهُ أيجزيه ذَلِك من زَكَاته ويحسب لَهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يتَصَدَّق على الرجل بِدَرَاهِم من زَكَاة مَاله وَلم يَأْمُرهُ ثمَّ ثمَّ علم بعد ذَلِك فَرضِي بِهِ قَالَ لَا يجْزِيه من زَكَاته قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ لم يَأْمُرهُ بذلك قلت فَإِن أمره بذلك فَتصدق بِهِ بعد مَا أمره أيجزيه من زَكَاته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ عِنْد الرجل طَعَام فيحول عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ للتِّجَارَة وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم فَمَكثَ بعد ذَلِك أشهرا فَأَخذه صَاحبه وَهُوَ يُسَاوِي مائَة دِرْهَم وَهُوَ مِائَتَا قفيز حِنْطَة قَالَ يعْطى مِنْهُ خَمْسَة أَقْفِزَة زَكَاته قلت فَإِن كَانَ(2/152)
إِنَّمَا يُسَاوِي خَمْسَة أَقْفِزَة الْيَوْم دِرْهَمَيْنِ وَنصفا قَالَ وَإِن كَانَ لِأَنَّهُ ربع عشرَة
قلت أَرَأَيْت الرجل إِن أكل الطَّعَام وَلم يزكه ثمَّ جَاءَك يستفتيك وَإِنَّمَا قِيمَته يَوْم أَخذه وَأكله مائَة دِرْهَم مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ خَمْسَة دَرَاهِم قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ حَال عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى عَلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ وَنصفا وَهَذَا قَول مُحَمَّد
قلت أَرَأَيْت الرجل التَّاجِر يمر على الْعَاشِر بِالطَّعَامِ فَيَقُول وَهَذَا الطَّعَام من زرعي وَيحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ نعم
- بَاب الْعشْر فِي الخلايا
-
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن عبد الله بن مُحرز عَن الزُّهْرِيّ قَالَ جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّحْل الْعشْر قَالَ وبلغنا عَن عمر بن الْخطاب أَن أَقْوَامًا كَانَت لَهُم خلايا فِي الْجَاهِلِيَّة فطلبوها إِلَى أَمِيرهمْ فِي زمن عمر فَقَالَ احمه لنا فَكتب إِلَى عمر فَكتب إِلَيْهِ عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن احمه لَهُم وَخذ مِنْهُم الْعشْر(2/153)
قلت وَمَا الخلايا قَالَ النَّحْل
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ لرجل نحل فِي أَرض من أَرض الْعَرَب مِمَّا يكون فِيهِ الْعشْر هَل يكون فِيمَا استخرج من عسلها الْعشْر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ الْعَسَل قَلِيلا أَو كثيرا أيجب فِيهِ الْعشْر فِيمَا كَانَ من ذَلِك قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من الْعَسَل عشر
قلت أَرَأَيْت النَّحْل إِذا كَانَ فِي أَرض رجل مُسلم وَالْأَرْض أَرض خراج هَل يكون فِيهِ عشر قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فِي أَرض ذمِّي قَالَ نعم(2/154)
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي أَرض رجل من بني تغلب كم يُؤْخَذ من ذَلِك قَالَ عشران
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ ذَلِك فِي أَرض لمكاتب قد اشْتَرَاهَا وَهِي من أَرض الْعشْر هَل يكون فِي ذَلِك عشر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَت أَرض صبي أَو معتوه مغلوب قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ هَذَا فِي أَرض رجل من الْمُسلمين وَهِي من أَرض الْعشْر وَعَلِيهِ دين كثير هَل يُؤْخَذ مِنْهُ الْعشْر من ذَلِك قَالَ نعم قلت وَلم قَالَ لِأَن هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلَة الزَّكَاة أَلا ترى أَن الرجل إِذا كَانَت لَهُ أَرض من أَرض الْعشْر وَعَلِيهِ دين كثير كَانَ عَلَيْهِ الْعشْر فِيمَا أخرجت الأَرْض فَكَذَلِك هَذَا
قلت أَفَرَأَيْت إِن كَانَ ذَلِك الْعَسَل فِي أَرض من أَرض الْعشْر فَكَانَ يكون ذَلِك فِي السّنة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا هَل يُؤْخَذ عشر ذَلِك كُله قَالَ نعم
قلت أَفَرَأَيْت النَّحْل إِذْ كَانَت فِي الْجبَال أَو فِي أَرض لَيست(2/155)
لأحد أَرض فلاة فَأصَاب رجل من الْمُسلمين شَيْئا من عسلها هَل يكون فِيهِ عشر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا فِي أرضه نحل وَالْأَرْض من أَرض الْعشْر وَصَاحب الأَرْض يعلم فجَاء رجل فَأصَاب ذَلِك مَا القَوْل فِي ذَلِك كُله قَالَ ذَلِك كُله لصَاحب الأَرْض وَفِيه الْعشْر وَلَا يكون للَّذي أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْء قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ فِي أرضه فَمَا كَانَ فِيهَا من شَيْء فَهُوَ لصَاحِبهَا قلت وَإِن كَانَ صَاحبهَا لم يتَّخذ ذَلِك قَالَ وَإِن لم يتَّخذ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا دخل أَرض الْحَرْب بِأَمَان فَأصَاب شَيْئا من ذَلِك فِي جبالها فَأخْرجهُ إِلَى دَار الْإِسْلَام هَل يجب عَلَيْهِ فِي ذَلِك عشر قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ فِي أَرض الْحَرْب
قلت أَرَأَيْت جَيْشًا من الْمُسلمين دخلُوا أَرض الْحَرْب فَأصَاب رجل مِنْهُم شَيْئا من ذَلِك هَل يحل لَهُ أكله قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن أخرج شَيْئا مِنْهُ من الْمغنم هَل يقسم كَمَا يقسم سَائِر الْمغنم قَالَ نعم(2/156)
- بَاب عشر الأَرْض
-
قَالَ بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْعشْر فِيمَا سقت السَّمَاء أَو سقى سيحا وَنصف الْعشْر فِيمَا سقِِي بسواني
قلت أَرَأَيْت مَا سقِِي بدالية أَو نَحْوهَا أهوَ بِمَنْزِلَة السانية قَالَ نعم وَفِيه نصف الْعشْر وكل أَرض من أَرض الْعشْر سقته السَّمَاء أَو سقِِي سيحا فَفِيهِ الْعشْر وكل شَيْء سقِِي من ذَلِك بدالية أَو سانية أَو نَحْوهَا فَفِيهِ نصف الْعشْر
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم إِن فِي كل شَيْء أخرجت الأَرْض الْعشْر وَنصف الْعشْر(2/157)
قلت أَرَأَيْت الأَرْض الَّتِي يجب فِيهَا الْعشْر مَا هِيَ قَالَ كل أَرض من أَرض الْعَرَب مَا لم يوجف الْمُسلمُونَ عَلَيْهَا وكل أَرض من أَرض الْجبَال مِمَّا استخرجه الرجل مِمَّا لَا يبلغهُ المَاء من الْأَنْهَار الْعِظَام من نَحْو الْفُرَات وَنَحْوهَا من الْأَنْهَار فَأَما مَا استخرج من ذَلِك مِمَّا لَا يبلغهُ المَاء فَفِيهَا الْعشْر وَأما مَا سوى ذَلِك من أَرض الْجَبَل والسواد مِمَّا أوجف الْمُسلمُونَ عَلَيْهَا فَفِيهَا الْخراج
قلت أَرَأَيْت أَرضًا من أَرض الْعشْر خرج مِنْهَا طَعَام كثير فَبَاعَهُ قبل أَن يُؤَدِّي عشرَة فجَاء صَاحب الْعشْر وَالطَّعَام عِنْد المُشْتَرِي هَل للمصدق أَن يَأْخُذ من المُشْتَرِي عشر الطَّعَام وَهُوَ قَائِم بِعَيْنِه وَهُوَ فِي يَده قَالَ نعم إِن شَاءَ قلت فَهَل يرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِعشر الثّمن قَالَ نعم قلت وَإِن شَاءَ الْمُصدق أَخذ من البَائِع وَترك المُشْتَرِي قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا بَاعَ أَرضًا من أَرض الْعشْر وفيهَا زرع قد أدْرك على من عشرهَا وَقد بَاعَ الزَّرْع مَعَ الأَرْض أَعلَى المُشْتَرِي أَو على البَائِع قَالَ عشر الزَّرْع على البَائِع قلت لم قَالَ لِأَن البَائِع بَاعه بعد مَا وَجب فِيهَا الْعشْر(2/158)
قلت أَرَأَيْت إِن بَاعهَا وَالزَّرْع بقل على من الْعشْر عشر الزَّرْع إِذا مَا حصد قَالَ على المُشْتَرِي قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ بَاعه قبل أَن يبلغ
قلت أَرَأَيْت إِن بَاعَ الزَّرْع وَهُوَ قصيل فقصله المُشْتَرِي أَيكُون على البَائِع الْعشْر فِي الثّمن قَالَ نعم قلت وَلم قَالَ لِأَن البَائِع قد أَخذ لَهُ ثمنا وقصله قبل أَن يبلغ
قلت أَرَأَيْت إِن بَاعَ الزَّرْع وَهُوَ بقل ثمَّ أذن البَائِع للْمُشْتَرِي أَن يتْرك ذَلِك فِي أرضه فَتَركه حَتَّى استحصد فحصده على من الْعشْر قَالَ على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حصد قلت وَكَذَلِكَ كل شَيْء من الثِّمَار وَغَيرهَا فِيمَا فِيهِ الْعشْر بَاعه صَاحبه قبل أَن يبلغ فِي أول مَا يطلع ثمَّ تَركه المُشْتَرِي حَتَّى يبلغ بِإِذن البَائِع ثمَّ يكون عشر ذَلِك على المُشْتَرِي قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا اشْترى أَرضًا من أَرض الْعشْر للتِّجَارَة فزرعها أعليه الزَّكَاة للتِّجَارَة أَو عشر الأَرْض قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة للتِّجَارَة وَإِنَّمَا عَلَيْهِ عشر مَا أخرجت الأَرْض قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا اشْترى أَرضًا من أَرض الْعشْر سَقَطت عَنهُ الزَّكَاة وَلَا تَجْتَمِع الزَّكَاة وَالْعشر فِي أَرض وَاحِدَة قلت وَكَذَلِكَ لَو اشْترى أَرضًا من أَرض الْخراج للتِّجَارَة قَالَ نعم يكون عَلَيْهِ الْخراج وَلَا يكون عَلَيْهِ الزَّكَاة فِيهَا وَلَا يجْتَمع خراج وَزَكَاة وَلَا زَكَاة وَعشر فِي أَرض وَاحِدَة(2/159)
قلت أَرَأَيْت الرجل يَمُوت وَله أَرض من أَرض الْعشْر وَقد أدْركْت غَلَّتهَا وَوَجَب فِيهَا الْعشْر أيؤخذ مِنْهَا الْعشْر قَالَ نعم قلت وَلم وصاحبها قد مَاتَ وَصَارَت لغيره قَالَ وَإِن
قلت أَرَأَيْت الرجل تكون لَهُ الأَرْض من أَرض الْعشْر وفيهَا رطبَة وَهِي تقطع كل أَرْبَعِينَ لَيْلَة أيؤخذ مِنْهَا الْعشْر كلما قطعت قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة قلت وَلم قَالَ لِأَن الْعشْر فِي كل مَا خرج مِنْهَا هَذَا قَول أبي حنيفَة
قلت أَرَأَيْت الرجل لَهُ أَرض من أَرض الْعشْر فيزرعها ويحصد زَرعهَا قبل أَن تمْضِي سِتَّة أشهر أيؤخذ مِنْهُ الْعشْر قَالَ نعم قلت فَإِن زرع فِيهَا بقلا أَو بطيخا أَو خيارا أَو قثاء أَو حبوبا أَو نَحْو ذَلِك أَو قرعا هَل يجب فِي شَيْء من هَذَا الْعشْر قَالَ نعم يُؤْخَذ(2/160)
الْعشْر من هَذَا كُله وَهَذَا كُله قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيْسَ فِي الْخضر الَّتِي لَيست لَهَا ثَمَرَة بَاقِيَة عشر نَحْو الرّطبَة والبقول كلهَا والبطيخ والقثاء وَمَا أشبه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الْعِنَب يَبِيعهُ عنبا وَرُبمَا بَاعه بِأَكْثَرَ من قِيمَته وَرُبمَا بَاعه بِأَقَلّ من قِيمَته وَالْأَرْض من أَرض الْعشْر هَل يُؤْخَذ مِنْهُ عشر الثّمن إِن بَاعه عصيرا أَو عنبا بِأَقَلّ من قِيمَته أَو أَكثر إِذا لم يكن شَيْئا حابي فِيهِ وَعرف ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ النَّحْل فَيُصِيب من غَلَّته غلَّة عَظِيمَة مَا يجب فِيهِ قَالَ إِن كَانَت أَرض خراج فَلَيْسَ فِيهِ شَيْء وَإِن كَانَ ذَلِك فِي أَرض الْعشْر فَفِيهِ الْعشْر قلت وَلم لَا يكون فِيهِ إِذا كَانَ فِي أَرض الْخراج قَالَ لِأَنَّهُ بلغنَا عَن عمر أَنه لم يضع فِي النَّحْل شَيْئا نحل السوَاد قَالَ لَا تَأْخُذُوا من النَّحْل شَيْئا وَلَا من الشّجر قلت فَكيف تَقول فِي الأَرْض قَالَ يمسح أَرضًا بَيْضَاء فَيُوضَع عَلَيْهَا(2/161)
الْخراج كَمَا يوضع على الْمزَارِع قفيز وَدِرْهَم على كل جريب
قلت أَرَأَيْت الرجل الَّذِي يكون لَهُ الأَرْض وفيهَا عين يخرج مِنْهَا القير والنفط وَالْملح وأرضه من أَرض الْخراج مَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ خراج أرضه وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْء
قلت أَرَأَيْت لَو كَانَ هَذَا فِي أَرض عشر هَل فِيهِ شَيْء قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن هَذَا لَيْسَ بثمر
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ أَرض من أَرض الْعشْر فينبت فِيهَا الطرفاء أَو الْقصب الْفَارِسِي أَو غَيره هَل فِيهِ شَيْء قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن هَذَا حطب قلت وَكَذَلِكَ الْحَشِيش وَالشَّجر الَّذِي لَيْسَ لَهُ ثَمَرَة مثل السمر وَشبهه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرياحين كلهَا والبقول والرطاب الْقَلِيل من ذَلِك وَالْكثير فِيهِ الْعشْر وَنصف الْعشْر قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة
قلت أَرَأَيْت الوسمة هَل فِيهَا عشر إِذا كَانَت فِي أَرض الْعشْر قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة قلت وَكَذَلِكَ الزَّعْفَرَان والورد قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ قصب السكر قَالَ نعم قلت وَلم وَهُوَ قصب قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الثَّمَرَة وَهَذَا كُله قَول أبي حنيفَة وَقَالَ(2/162)
أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا زَكَاة إِلَّا فِيمَا كَانَ لَهُ ثَمَرَة بَاقِيَة وَحَتَّى يكون الثَّمر الْبَاقِي خَمْسَة أوسق فَصَاعِدا والوسق سِتُّونَ صَاعا فَأَما الزَّعْفَرَان وَنَحْوه مِمَّا يُوزن فَإِنَّهُ إِذا خرج مِنْهُ مَا يُسَاوِي خَمْسَة أوسق أدنى مَا يكون من قِيمَته الأوسق فَفِيهِ الْعشْر وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد الْقصب الَّذِي يكون مِنْهُ السكر إِذا كَانَ فِي أَرض الْعشْر فَهُوَ بِمَنْزِلَة الزَّعْفَرَان وَقَالَ مُحَمَّد لَيْسَ فِي الزَّعْفَرَان حَتَّى يكون خَمْسَة أُمَنَاء
قلت أَرَأَيْت الْحِنْطَة والحلبة وَالشعِير والتين وَالزَّيْتُون وَالزَّبِيب والذرة والسمسم والأرز وَجَمِيع الْحُبُوب عَلَيْهِ الْعشْر إِذا كَانَ فِي أَرض الْعشْر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون عَلَيْهِ الدّين يُحِيط بِقِيمَة أرضه هَل عَلَيْهِ عشر فِيمَا خرج من أرضه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمكَاتب إِذا كَانَت لَهُ أَرض الْعشْر هَل يجب عَلَيْهِ فِيهَا الْعشْر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الصَّبِي وَالْمَرْأَة وَالْمَجْنُون وَالْمَعْتُوه الَّذِي لَا يفِيق قَالَ نعم كل هَذَا سَوَاء وَفِي أَرضهم الْعشْر
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَت أَرض فِي يَدي عبد مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَقد اشْتَرَاهَا هَل يُؤْخَذ مِنْهُ عشر مَا خرج مِنْهَا قَالَ نعم(2/163)
قلت أَرَأَيْت الرجل لَهُ أَرض يُؤَدِّي فِيهَا الْخراج هَل عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء قَالَ لَا وَلَا يجْتَمع الْعشْر وَالْخَرَاج جَمِيعًا فِي أَرض
قلت أَرَأَيْت الرجل يسْتَأْجر أَرضًا من أَرض الْعشْر فيزرعها على من عشر مَا يخرج مِنْهَا قَالَ على رب الأَرْض وَلَيْسَ على الْمُسْتَأْجر شَيْء قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ آجرها بِخَمْسِينَ درهما وأخرجت الأَرْض مِائَتي كرّ كَانَ عَلَيْهِ عشر ذَلِك كُله قَالَ نعم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْعشْر على مَا أخرجت الأَرْض وَلَيْسَ على المؤاجر شَيْء قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ منحها إِيَّاه منحة أَو أطعمها إِيَّاه طعمة على من عشرهَا قَالَ على الَّذِي زَرعهَا وَلَيْسَ على رب الأَرْض شَيْء قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ لم يَأْخُذ لَهَا أجرا
قلت أَرَأَيْت الْمُسلم يَشْتَرِي من الذِّمِّيّ أَرضًا من أَرض الْخراج أيجب عَلَيْهِ فِيهَا الْعشْر قَالَ لَا وَعَلِيهِ الْخراج وبلغنا ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
قلت أَرَأَيْت ذِمِّيا اشْترى أَرضًا من أَرض الْعشْر أيجب عَلَيْهِ فِيهَا الْعشْر قَالَ لَا وَلَكِن عَلَيْهِ الْخراج فِي قَول أبي حنيفَة قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يكون على الْكَافِر عشر(2/164)
قلت أَرَأَيْت إِن جَاءَ رجل مُسلم بعد ذَلِك فَأَخذهَا بِالشُّفْعَة مَا عَلَيْهِ فِيهَا قَالَ عَلَيْهِ الْعشْر قلت وَلم وَقد جعلت عَلَيْهِ الْخراج قَالَ لِأَن الْمُسلم قد أَخذهَا بِحَق قد كَانَ وَجب لَهُ فِيهَا قبل ذَلِك وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا اشْترى الذِّمِّيّ أَرضًا من أَرض الْعشْر جعلت عَلَيْهِ الْعشْر مضاعفا كَمَا أجعَل عَلَيْهِ فِي مَاله وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يكون على الْكَافِر عشر وَاحِد على حَاله لَا يُزَاد عَلَيْهِ(2/165)
قلت أَرَأَيْت الْمُسلم إِذا بَاعَ أَرضًا من أَرض الْعشْر من ذمِّي وَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ أَو الذِّمِّيّ بِالْخِيَارِ أَو بَاعهَا بيعا فَاسِدا فيردها الذِّمِّيّ عَلَيْهِ مَا على البَائِع فِيهَا قَالَ الْعشْر
قلت أَرَأَيْت ذِمِّيا جعل دَارا لَهُ بستانا أيجب عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء قَالَ نعم عَلَيْهِ فِيهَا الْخراج وَلَيْسَ فِي هَذَا الْعشْر
قلت أَرَأَيْت نَصْرَانِيّا من بني تغلب لَهُ أَرض من أَرض الْعشْر اشْتَرَاهَا من الْمُسلم مَا عَلَيْهِ فِيهَا قَالَ عَلَيْهِ فِيهَا عشران فَإِذا كَانَت تشرب سيحا أَو يسقيها السَّمَاء فَعَلَيهِ فِيهَا الْخمس وَإِن كَانَت تشرب بغرب أَو دالية أَو سانية فَعَلَيهِ فِيهَا الْعشْر قلت وتضاعفها عَلَيْهِم كَمَا تضَاعف فِي أَمْوَالهم قَالَ نعم قلت لم قَالَ لِأَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ضاعف عَلَيْهِم فِي أَمْوَالهم قلت أَرَأَيْت إِن بَاعهَا بعد ذَلِك من مُسلم(2/166)
أَو أسلم هُوَ مَا عَلَيْهِ قَالَ عشران وَهَذَا كُله قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أما أَنا فَأرى عَلَيْهِ عشرا وَاحِدًا لِأَنِّي أضاعف عَلَيْهِم مَا داموا ذمَّة فَإِذا أَسْلمُوا أسقطت ذَلِك عَنْهُم وَكَانَ عَلَيْهِ مَا على الْمُسلمين وَهُوَ قَول مُحَمَّد
قلت أَرَأَيْت العَبْد النَّصْرَانِي أعْتقهُ رجل من نَصَارَى بني تغلب فيشتري أَرضًا من أَرض الْعشْر مَا عَلَيْهِ فِيهَا قَالَ عَلَيْهِ فِيهَا الْخراج(2/167)
وَلَا ينزل فِيهَا بِمَنْزِلَة مَوْلَاهُ قلت وَلم قَالَ لَا يكون أعظم حُرْمَة من مولى الْمُسلم لَو أعتق عبدا نَصْرَانِيّا وَلَو أَن مُسلما فعل ذَلِك بِعَبْد لَهُ نَصْرَانِيّ كَانَ عَلَيْهِ الْخراج وَكَانَ فِي أرضه الْخراج وَإِن كَانَ لَهُ إبل أَو غنم أَو بقر لم يكن عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء فَكَذَلِك عبد التغلبي إِذا أعْتقهُ
قلت أَرَأَيْت مَا كَانَ فِي أَرض الْعشْر من قصب الذريرة هَل فِيهِ عشر قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرياحين
قلت أَرَأَيْت أَرض الْعشْر مَا هِيَ وَأَيْنَ تكون قَالَ مَا كَانَ فِي يَدي الْعَرَب بالحجاز أَو الْبَريَّة من أَرض الْعَرَب فَهُوَ من أَرض(2/168)
الْعشْر وَمَا كَانَ من أَرض السوَاد والجبل مَا لَا يبلغهُ المَاء فجَاء رجل فأحياه فاستخرجه فَهُوَ من أَرض الْعشْر وَمَا كَانَ من ذَلِك مِمَّا يبلغهُ المَاء فَهُوَ من أَرض الْخراج وَقد بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من أَحْيَا أَرضًا مواتا فَهِيَ لَهُ قلت وَيكون لَهُ رقبَتهَا قَالَ نعم(2/169)
إِن أقطعها إِيَّاه الإِمَام فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا أَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ أقطعه إِيَّاهَا الإِمَام أَو لم يقطعهُ
قلت أَرَأَيْت قوما من أهل الْحَرْب أَسْلمُوا على دَارهم أتكون أَرضهم من أَرض الْعشْر قَالَ نعم قلت وَلم قَالَ لأَنهم أَسْلمُوا عَلَيْهَا فَصَارَت فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة أَرض الْعَرَب وَإِنَّمَا يجب الْخراج مِمَّا أوجف عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وافتتحوه
قلت وكل أَرض من أَرض الْحجاز واليمن وتهامة وَمَا كَانَ(2/170)
فِي الْبَريَّة فِي أَرض الْعَرَب تجعلها أَرض الْعشْر لِأَن أَهلهَا أَسْلمُوا عَلَيْهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمُصدق إِذا جَاءَ يَأْخُذ عشر الأَرْض فَقَالَ صَاحبهَا قد أديته وَحلف على ذَلِك أيقبل مِنْهُ ويكف عَنهُ قَالَ لَا وَلكنه يَأْخُذ مِنْهُ الْعشْر قلت وَلم قَالَ لِأَن هَذَا إِنَّمَا يَأْخُذهُ السُّلْطَان قلت فَإِن أعطَاهُ دون السُّلْطَان أيسعه ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن عجل عشر مَا يخرج من أرضه لِسنتَيْنِ أيجزيه ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ لَا(2/171)
قلت أَرَأَيْت الرجل يُعْطي عشر أرضه وَزَكَاة إبِله أَو بقره أَو غنمه لصنف وَاحِد من الْفُقَرَاء أَو الْمَسَاكِين أيجزيه ذَلِك قَالَ نعم وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن عَبَّاس وَحُذَيْفَة ابْن الْيَمَان رَضِي الله عَنْهُم أَنهم قَالُوا يجْزِيه
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا كَانَت لَهُ أَرض من أَرض الْعشْر فَأعْطى عشر مَا خرج من أرضه أَبَاهُ أَو أمه أَو ابْنه أيجزيه ذَلِك فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قَالَ لَا قلت فَإِن أعطَاهُ أَخَاهُ أَو أُخْته أَو ذَا رحم محرم غير ولد أَو وَالِد أَو جد أَو جدة أَو ولد وَولد ولد هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم وَهُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الزَّكَاة(2/172)
// كتاب مَا يوضع فِيهِ الْخمس وَالْعشر وَلمن يجب
//
قلت أَرَأَيْت رجلا أصَاب ركازا هَل يَسعهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن يتَصَدَّق بِخَمْسَة على الْمَسَاكِين قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن اطلع عَلَيْهِ الإِمَام وَعلم ذَلِك مِنْهُ أينبغي للْإِمَام أَن يمْضِي لَهُ مَا صنع قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ صَاحب الرِّكَاز مُحْتَاجا إِلَى جَمِيع ذَلِك هَل يَسعهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَلا يرفعهُ إِلَى الإِمَام وَلَا يُؤَدِّي خمسه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن أصَاب الرجل ركازا فَأعْطى الْخمس مِنْهُ أَبَاهُ أَو أمه أَو جده أَو جدته وهم محتاجون أيجزيه قَالَ نعم قلت وَلم وَهَذَا لَا يجزى فِي الزَّكَاة وَلَا فِي عشر الأَرْض قَالَ لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة الزَّكَاة وَلَا عشر الأَرْض
قلت أَرَأَيْت مَا جبي من الْخراج إِلَى بَيت المَال لمن يجب من الْمُسلمين قَالَ يجب ذَلِك لجَمِيع الْمُسلمين فَيعْطى الإِمَام مِنْهُ أعطيات الْمُقَاتلَة والذرية والنائبة إِن نابت الْمُسلمين قلت وَلم قَالَ لِأَن هَذَا(2/175)
مِمَّا أوجف عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَهُوَ لجميعهم
قلت وَلَا يضع الْخراج فِيمَا يوضع فِيهِ الزَّكَاة من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَن الْخراج لَيْسَ بِمَنْزِلَة الزَّكَاة وَإِنَّمَا يوضع الْخراج فِيمَن ذكرت لَك
قلت أَرَأَيْت إِن احْتَاجَ بعض الْمُسلمين وَلَيْسَ فِي بَيت مَال الْمُسلمين من الزَّكَاة شَيْء وَلَا من الْخمس وَلَا من الْعشْر أيعطى الإِمَام ذَلِك الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت مَا كَانَ فِي بَيت المَال من الزَّكَاة وَمن الْخمس مَا أوجف الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ من الْعَدو أَو من أَرض الْعشْر فسبيل ذَلِك كُله وَاحِد للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت مَا ذكرت مِمَّا يُؤْخَذ من أهل الذِّمَّة وَأهل الْحَرْب إِذا مروا بِأَمْوَالِهِمْ على الْعَاشِر مَا سَبِيل ذَلِك المَال وَفِيمَا يوضع قَالَ يوضع مَوضِع الْخراج(2/176)
قلت أَرَأَيْت مَا أَخذ من أهل الْبَادِيَة من إبلهم وبقرهم وغنمهم فِي أَي شَيْء يوضع قَالَ يرد على فقرائهم على كل قوم مَا أَخذ من أغنيائهم من ذَلِك وَقد بلغنَا عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يُؤْخَذ من حراشي أَمْوَالهم فَيُوضَع فِي فقرائهم قلت وَكَذَلِكَ جَمِيع(2/177)
الزَّكَاة يضع الإِمَام زَكَاة كل قوم على فقرائهم قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ الْفطْرَة سَبِيلهَا سَبِيل الزَّكَاة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن احْتَاجَ غَيرهم من الْمُسلمين فَوضع الإِمَام زَكَاة غَيرهم فيهم أيسعهم ذَلِك قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ كلا الْفَرِيقَيْنِ فيهم فُقَرَاء أَيهمْ أَحَق أَن يوضع فِيهِ ذَلِك قَالَ فُقَرَاء الَّذين أَخذ ذَلِك مِنْهُم
قلت أَرَأَيْت مَا يُؤْخَذ من بني تغلب مِمَّا ذكرت أَنه يُضَاعف عَلَيْهِم مَا سَبِيل ذَلِك الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُم قَالَ سَبيله سَبِيل الْخراج لِأَن عمر بن الْخطاب بلغنَا عَنهُ أَنه ضاعف عَلَيْهِم فِي أَمْوَالهم مَكَان الْخراج
قلت أَرَأَيْت قَول الله تَعَالَى فِي كِتَابه {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه} مَا بلغك فِي هَذَا قَالَ هَذَا مَا غنم الْمُسلمُونَ من الْعَدو وَفِيمَا غنم الْعَسْكَر من كل شَيْء كَانَ خمسه لبيت المَال وَمَا بَقِي قسم بَين الَّذين أَصَابُوهُ خَاصَّة دون الْمُسلمين فَيكون للراجل مِنْهُم سهم وللفارس سَهْمَان وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد للفارس ثَلَاثَة أسْهم وللراجل سهم
قلت أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى {فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} مَا تَفْسِير ذَلِك قَالَ بلغنَا عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه كَانَ يَقُول خمس الله(2/178)
وَالرَّسُول وَاحِد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَضَعهُ حَيْثُ يَشَاء فِي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَصَارَ ذَلِك على خَمْسَة أسْهم فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ فَهَذَا وَاحِد وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل
قلت أَرَأَيْت من يجب لَهُ فِي بَيت مَال الْمُسلمين حق من هُوَ قَالَ كل من غزا أَخذ عطاءه من بَيت المَال فَأعْطَاهُ ذُريَّته من بَيت المَال والموالي وَالْعرب فِي هَذَا سَوَاء والأغنياء والفقراء فِي هَذَا سَوَاء
قلت أَرَأَيْت من كَانَ غَنِيا من الْمُسلمين ثمَّ لَا يَغْزُو وَلَيْسَ فِي الدِّيوَان وَلَا يَلِي الْمُسلمين شَيْئا هَل يُعْطِيهِ الإِمَام من بَيت المَال شَيْئا قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الْمَسَاكِين والفقراء من الْمُسلمين جَمِيعهم عربهم ومواليهم وَغير ذَلِك مِنْهُم أيجب لَهُ حق فِي بَيت المَال قَالَ نعم يجب لَهُم مِمَّا فِي بَيت المَال من الزَّكَاة وَمن الْخمس وَالْعشر وَيَنْبَغِي للْإِمَام أَن يَتَّقِي الله فِي الْمُسلمين فَلَا يدع فَقِيرا إِلَّا أعطَاهُ حَقه من ذَلِك قلت(2/179)
وَيُعْطى الإِمَام الْفُقَرَاء من ذَلِك مَا يغنيهم قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا كَانَ مُحْتَاجا وَله عِيَال أيعطيه الإِمَام مَا يُغْنِيه وَعِيَاله قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت قَول الله فِي كِتَابه {والعاملين عَلَيْهَا} مَا يجب لَهُم فِي بَيت المَال قَالَ يفْرض لَهُم الإِمَام رزقا مِمَّا يَلِي ويلون ويعطيهم من ذَلِك قدر مَا يرى
قلت أَرَأَيْت قَوْله {والمؤلفة قُلُوبهم} هَل يجب لَهُم فِي الزَّكَاة شَيْء قَالَ لَا وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين كَانَ يتألف النَّاس على الْإِسْلَام ويعطيهم من ذَلِك وَأما الْيَوْم فَلَا(2/180)
قلت أَرَأَيْت الإِمَام مَا الَّذِي يجب لَهُ فِي بَيت المَال قَالَ يجب لَهُ من ذَلِك قدر مَا يُغْنِيه من الْعَطاء ويفرض لَهُ عَطاء من بَيت المَال فَأَما مَا سوى ذَلِك فَلَا حق لَهُ فِيهِ بلغنَا عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه حِين ولي انْطلق بِشَيْء يَبِيعهُ فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/182)
أَيْن يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ معي شَيْء أبيعه أستعين بِهِ فِي نفقتي فمنعوه وفرضوا لَهُ رزقا من بَيت المَال
قلت أَرَأَيْت الْأَمِير إِذا اسْتعْمل على الْجَيْش فَأَصَابُوا غَنَائِم مَا يجب لأميرهم من ذَلِك قَالَ هُوَ كَرجل من الْجند
قلت أَرَأَيْت أهل الذِّمَّة هَل يجب لَهُم فِي بَيت المَال شَيْء(2/183)
قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت مَا أَخذ مِنْهُم مِمَّا يَمرونَ بِهِ على الْعَاشِر وَمن بني تغلب هَل يرد على فقرائهم قَالَ لَا وَلَا يكون لأهل الذِّمَّة فِي بَيت المَال شَيْء قلت وَإِن كَانُوا فُقَرَاء قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ أهل الذِّمَّة من بني تغلب أَو من غَيرهم لَيْسَ لَهُم حِرْفَة وَلَا مَال وَلَا يقدرُونَ على شَيْء فَلَا يجب لَهُم شَيْء وَلَا عَلَيْهِم شَيْء قَالَ نعم وَإِنَّمَا يوضع الْخراج على رُؤْس من أهل الذِّمَّة بقدرهم على المحترف اثْنَا عشر درهما وعَلى الرجل الْحسن الْحَال مِنْهُم الْوسط أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ درهما وعَلى الْغَنِيّ مِنْهُم المكثر ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ لَا يُزَاد عَلَيْهِم على ذَلِك شَيْء بلغنَا فِيهِ غير حَدِيث(2/184)
كمل كتاب الزَّكَاة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلَاته وَسَلَامه على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه
ويتلوه كتاب الصّيام(2/185)
// كتاب الصَّوْم
//
أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ قَرَأت نُسْخَة هَذَا الْكتاب على أبي بكر مُحَمَّد بن عُثْمَان فَقلت لَهُ حَدثَك أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن سَعْدَان قَالَ أخبرنَا أَبُو سُلَيْمَان مُوسَى بن سُلَيْمَان الْجوزجَاني قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن إِلَى آخر هَذَا الْكتاب ثمَّ قلت لَهُ أروي هَذَا عَنْك قَالَ نعم
وعارضت بِهِ أَبَا سُلَيْمَان مُوسَى بن سُلَيْمَان قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن عَن طَلْحَة بن عَمْرو الْموصِلِي عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يكره أَن يَقُول(2/186)
الرجل جَاءَ رَمَضَان وَذهب رَمَضَان وَلَكِن ليقل جَاءَ شهر رَمَضَان وَذهب شهر رَمَضَان قَالَ لَا أَدْرِي لَعَلَّ رَمَضَان اسْم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى قلت أَرَأَيْت رجلا تسحر وَهُوَ لَا يعلم بِطُلُوع الْفجْر وَقد طلع(2/187)
الْفجْر ثمَّ علم بعد ذَلِك أَنه كَانَ أكل وَالْفَجْر طالع وَذَلِكَ فِي رَمَضَان قَالَ يتم صَوْم يَوْمه ذَلِك وَعَلِيهِ قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت فَلم ألقيت عَنهُ الْكَفَّارَة قَالَ لِأَنَّهُ أكل وَهُوَ لَا يعلم بِطُلُوع الْفجْر
قلت فَإِن أفطر وَهُوَ يرى أَن الشَّمْس قد غَابَتْ ثمَّ تبين لَهُ بعد ذَلِك أَنَّهَا لم تغب قَالَ عَلَيْهِ أَن يمْكث حَتَّى تغيب الشَّمْس ثمَّ يفْطر(2/188)
وَعَلِيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظن أَن الشَّمْس قد غَابَتْ
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عمر بن الْخطاب بِنَحْوِ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا أجنب فِي شهر رَمَضَان لَيْلًا فَترك الْغسْل حَتَّى طلع الْفجْر قَالَ يتم صَوْمه ذَلِك وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء قَالَ وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يصبح جنبا من غير احْتِلَام ثمَّ يَصُوم يَوْمه ذَلِك وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان قلت فَإِن(2/189)
احْتَلَمَ نَهَارا فِي شهر رَمَضَان قَالَ فَكَذَلِك أَيْضا
قلت أَرَأَيْت رجلا ذرعه الْقَيْء وَهُوَ صَائِم قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك شَيْئا قلت فَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي استقاء عمدا قَالَ فَعَلَيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت وَلم وَقد تقيأ عمدا قَالَ إِنَّمَا(2/192)
الْكَفَّارَة فِي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن يحيى بن الجزار عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ بذلك قلت أَرَأَيْت رجلا احْتجم وَهُوَ صَائِم قَالَ إِن فعل ذَلِك لم يضرّهُ شَيْء قلت أفتكره لَهُ أَن يحتجم قَالَ إِن خَافَ أَن يُضعفهُ(2/193)
فَأحب إِلَيّ أَن لَا يفعل
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبان بن أبي عَيَّاش عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفطر الحاجم والمحجوم قَالَ فَشَكا إِلَيْهِ النَّاس الدَّم فَرخص للصَّائِم أَن يحتجم
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن أبي السوار عَن أبي حَاضر عَن عبد الله ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَهُوَ صَائِم محرم بالقاحة
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة عَن أبي العطوف عَن الزُّهْرِيّ(2/194)
أَن سعد بن مَالك وَزيد بن ثَابت كَانَا يحتجمان وهما صائمان
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تطهر من حَيْضهَا فِي بعض النَّهَار قَالَ فلتدع الْأكل وَالشرب بَقِيَّة يَوْمهَا وَعَلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت فِيهَا حَائِضًا لِأَنَّهُ لَا يحسن بهَا أَن تَأْكُل وتشرب وَهِي طَاهِرَة وَالنَّاس صِيَام قلت فَإِن أكلت قَالَ لَا شَيْء عَلَيْهَا فِي ذَلِك قلت وَلم يكون عَلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا يكون عَلَيْهَا كَفَّارَة قَالَ لِأَنَّهَا قد كَانَت فِي أول النَّهَار مفطرة الْأكل وَالشرب لَهَا حَلَال
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم هَل يقبل أَو يُبَاشر قَالَ نعم إِذا كَانَ يَأْمَن على نَفسه على مَا سوى ذَلِك(2/195)
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن زِيَاد بن علاقَة عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن الْهَيْثَم عَن عَامر عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصِيب من وَجههَا وَهُوَ صَائِم
قلت أَرَأَيْت رجلا أسره الْعَدو فالتبست عَلَيْهِ الشُّهُور فَلم يدر(2/196)
أَي شهر رَمَضَان فتحرى شهرا فصامه فَإِذا هُوَ شهر رَمَضَان قَالَ فصيامه تَامّ جَائِز عَنهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَة من قد علم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ قد مضى شهر رَمَضَان وَهُوَ لَا يعلم بمضيه وَلم يصمه فصَام شهرا بعد شهر رَمَضَان يَنْوِي بِهِ شهر رَمَضَان ثمَّ علم بعد أَن شهر رَمَضَان قد كَانَ مضى قَالَ يجزى عَنهُ صَوْمه من شهر رَمَضَان
قلت فَإِن تحرى شهرا فصَام قبل شهر رَمَضَان وَقبل أَن يدْخل وَقبل أَن يجب عَلَيْهِ صِيَامه قَالَ لَا يجْزِيه
قلت فَإِن مضى شهر رَمَضَان فَكل شهر صَامَهُ يَنْوِي بِهِ صِيَام شهر رَمَضَان أجزاه عَنهُ قَالَ نعم
قلت فَإِن صَامَ شهر رَمَضَان يَنْوِي بِهِ تَطَوّعا بصيامه وَهُوَ لَا يعلم أَنه شهر رَمَضَان هَل يجزى عَنهُ من شهر رَمَضَان قَالَ نعم لِأَنَّهُ صَامَ شهر رَمَضَان وَلَا يكون شهر رَمَضَان تَطَوّعا
قلت فلولا أَن رجلا أصبح صَائِما فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان وَلَا يَنْوِي أَنه من شهر رَمَضَان وَلَا يعلم أَن ذَلِك الْيَوْم من شهر رَمَضَان وَنوى بصيامه تَطَوّعا ثمَّ علم بعد ذَلِك أَن يَوْمه ذَلِك كَانَ من رَمَضَان هَل يجزى عَنهُ قَالَ نعم وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم(2/197)
قلت فَإِن أصبح يَنْوِي الْإِفْطَار فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان وَهُوَ لَا يعلم أَنه من شهر رَمَضَان وَهُوَ يظنّ أَنه من شعْبَان فاستبان لَهُ قبل انتصاف النَّهَار أَنه من شهر رَمَضَان فصامه هَل يجزى عَنهُ قَالَ نعم إِن لم يكن أكل أَو شرب قبل أَن يستبين لَهُ فَإِن كَانَ أكل أَو شرب فَعَلَيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سَقَطت عَنهُ الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ لم ينْو أَن يكون مُفطرا فِي شهر رَمَضَان إِنَّمَا نوى أَن يكون مُفطرا فِي شعْبَان قلت فَإِن علم أَن ذَلِك الْيَوْم من شهر رَمَضَان بعد انتصاف النَّهَار قَالَ فليصم بَقِيَّة يَوْمه ذَلِك وَعَلِيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت فان أصبح فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان مُفطرا وَهُوَ يرى أَنه من شعْبَان فَأكل وَشرب ثمَّ استبان لَهُ بعد ذَلِك أَن يَوْمه ذَلِك من شهر رَمَضَان أيدع الطَّعَام بَقِيَّة يَوْمه قَالَ نعم وَعَلِيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ مُسَافِرًا فِي شهر رَمَضَان فطلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ يَنْوِي أَنه مفطر ثمَّ دخل مصره من يَوْمه ذَلِك بعد الزَّوَال وَلم يَأْكُل وَلم يشرب هَل يجْزِيه صِيَام يَوْمه ذَلِك قَالَ لَا لِأَنَّهُ أصبح مُفطرا يَنْوِي الْإِفْطَار قلت فَإِن أكل أَو شرب هَل عَلَيْهِ كَفَّارَة(2/198)
قَالَ لَا لِأَنَّهُ مفطر غير أَنِّي أستقبح لَهُ أَن يَأْكُل وَيشْرب فِي شهر رَمَضَان وَالنَّاس صِيَام وَهُوَ مُقيم فِي مصره
قلت أَرَأَيْت رجلا أصبح صَائِما فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان وَالنَّاس مفطرون لَا يعلمُونَ أَن ذَلِك الْيَوْم من شهر رَمَضَان هَل يجزى عَنهُ صَوْم ذَلِك الْيَوْم من شهر رَمَضَان قَالَ نعم وَقد أَسَاءَ حِين تقدم جمَاعَة النَّاس بالصيام
قلت أَرَأَيْت رجلا أبْصر هِلَال شهر رَمَضَان وَحده وَلم يبصره أحد غَيره فَرد عَلَيْهِ الإِمَام شَهَادَته قَالَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم وَلَا يفْطر وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يفْطر وَقد أبْصر الْهلَال قلت فَإِن أفطر هَل عَلَيْهِ الْكَفَّارَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا أفطر(2/199)
على شُبْهَة لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة قلت أفيصوم وَالنَّاس مفطرون قَالَ نعم لِأَنَّهُ لَا يَسعهُ أَن يصبح مُفطرا وَقد استيقن أَن يَوْمه ذَلِك من شهر رَمَضَان
قلت أَرَأَيْت رجلا قبل امْرَأَته وَهُوَ صَائِم فَأنْزل قَالَ عَلَيْهِ أَن يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَعَلِيهِ قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَلَا يكون على الْمَرْأَة قَضَاء وَلَا كَفَّارَة إِلَّا أَن يكون مِنْهَا مثل مَا كَانَ من الرجل
قلت وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا رَأَتْ فِي منامها مثل مَا يرى الرجل من الْحلم كَانَ عَلَيْهَا مثل مَا على الرجل من الْغسْل قَالَ نعم
مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَن أم سليم سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَأمرهَا بِالْغسْلِ
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن سعيد بن الْمَرْزُبَان عَن أنس بن مَالك قَالَ سَأَلت أم سليم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَرْأَة ترى فِي منامها مثل مَا يرى الرجل فَقَالَ لَهَا إِذْ كَانَ مِنْهَا مثل مَا يكون مِنْهُ فلتغتسل(2/200)
قلت أَرَأَيْت الرجل يَأْكُل أَو يشرب أَو يُجَامع نَاسِيا لصومه فِي شهر رَمَضَان قَالَ عَلَيْهِ أَن يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو من ذَلِك فِي الْأكل وَالشرب خَاصَّة
قلت فَإِن تمضمض رجل فِي شهر رَمَضَان فسبقه المَاء فَدخل حلقه قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم إِذا كَانَ ذَاكِرًا لصومه فَإِن كَانَ نَاسِيا لصومه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك(2/201)
قلت أَرَأَيْت رجلا استعط فِي شهر رَمَضَان وَهُوَ صَائِم قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت فَإِن اكتحل وَهُوَ صَائِم فَوجدَ طعم الْكحل فِي حلقه قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء وَلَا كَفَّارَة قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ لِأَن السعوط يدْخل رَأسه والكحل لَا يدْخل رَأسه وَإِنَّمَا الَّذِي يُوجد مِنْهُ رِيحه مثل الْغُبَار وَالدُّخَان يدْخل حلقه
قلت أَرَأَيْت رجلا احتقن فِي شهر رَمَضَان أَصَابَهُ حصر قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا طلع لَهُ الْفجْر فِي شهر رَمَضَان وَهُوَ فِي أَهله ثمَّ بدا لَهُ أَن يُسَافر هَل لَهُ أَن يفْطر قَالَ لَا يفْطر ذَلِك الْيَوْم لِأَنَّهُ خرج من مصره مُسَافِرًا وَقد طلع لَهُ الْفجْر(2/202)
قلت أَرَأَيْت رجلا أصبح صَائِما تَطَوّعا ثمَّ بدا لَهُ فَأفْطر قَالَ عَلَيْهِ يَوْم مَكَان يَوْمه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا أغمى عَلَيْهِ فِي شهر رَمَضَان يَوْمًا فَلم يفق حَتَّى الْغَد بعد الظّهْر قَالَ أما الْيَوْم الَّذِي أغمى عَلَيْهِ فِيهِ فصيامه تَامّ وَأما الْيَوْم الَّذِي أَفَاق فِيهِ فَعَلَيهِ قَضَاؤُهُ قلت فَإِن أغمى عَلَيْهِ لَيْلًا فِي شهر رَمَضَان فَلم يفق حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس من بعد الْغَد قَالَ أما الْيَوْم الأول فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَأما الْيَوْم الآخر فَعَلَيهِ قَضَاؤُهُ
قلت وَكَذَلِكَ الصَّلَاة قَالَ أما الصَّلَاة فَعَلَيهِ أَن يَقْضِيهَا إِذا أغمى عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَة فَإِن كَانَ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا نظر إِلَى امْرَأَة فِي شهر رَمَضَان فَأنْزل قَالَ صَوْمه تَامّ جَائِز وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون مس الْمَرْأَة فَأنْزل
قلت أَرَأَيْت رجلا جَامع امْرَأَته فِي شهر رَمَضَان نَهَارا مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَعَلِيهِ أَن يعْتق رَقَبَة فَإِن لم يجد رَقَبَة فَعَلَيهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فان لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا وَكَذَلِكَ جَاءَ الْأَثر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/203)
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن سعيد بن الْمسيب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك(2/204)
قلت فَكل صِيَام لم يذكرهُ الله تَعَالَى فِي كِتَابه مُتَتَابِعًا فَلهُ أَن يفرقه إِذا أَرَادَ أَن يَقْضِيه قَالَ نعم قلت وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآن مُتَتَابِعًا فَلَيْسَ لَهُ أَن يفرق إِذا كَانَ يَقْضِيه قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ إِن أكل وَشرب فِي شهر رَمَضَان مُتَعَمدا فَعَلَيهِ مَا على من جَامع من الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة قَالَ نعم قلت وعَلى الْمَرْأَة مثل ذَلِك إِذا هِيَ طاوعته قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ غلبها على نَفسهَا(2/205)
فعلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا قَالَ نعم قلت فَإِن جَامعهَا أَيَّامًا فِي شهر رَمَضَان فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم يكفر تِلْكَ الْكَفَّارَة قَالَ نعم قلت فَإِن هُوَ كفر تِلْكَ الْكَفَّارَة ثمَّ عَاد قَالَ فَعَلَيهِ كَفَّارَة أُخْرَى أَيْضا قلت وَكَذَلِكَ الْأكل وَالشرب هُوَ بِمَنْزِلَة الْجِمَاع فِي كل وَجه من ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا جَامع امْرَأَته فِي شهر رَمَضَان نَهَارا ثمَّ حَاضَت فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ فعلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا وعَلى زَوجهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَالْكَفَّارَة قلت فَلم وضعت عَن الْمَرْأَة الْكَفَّارَة قَالَ لِأَنَّهَا حَاضَت فِي ذَلِك الْيَوْم
قلت أَرَأَيْت رجلا أصبح صَائِما فِي غير شهر رَمَضَان يُرِيد قَضَاء رَمَضَان ثمَّ أكل وَشرب مُتَعَمدا قَالَ قد أَسَاءَ وَعَلِيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا مُسَافِرًا أصبح صَائِما فِي شهر رَمَضَان ثمَّ أفطر قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن مُسلم الْأَعْوَر عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خرج من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فِي شهر(2/206)
رَمَضَان فَشَكا إِلَيْهِ النَّاس فِي بعض الطَّرِيق الْجهد فَأفْطر حَتَّى أَتَى مَكَّة
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن الْهَيْثَم عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فِي شهر رَمَضَان لليلتين خلتا من شهر رَمَضَان فصَام حَتَّى إِذا أَتَى قديدا شكا إِلَيْهِ النَّاس الْجهد(2/207)
فَأفْطر بِقديد ثمَّ لم يزل مُفطرا حَتَّى أَتَى مَكَّة فَأَي ذَلِك فعلت فَحسن إِن صمت فقد صَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن أفطرت فقد أفطر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن سَافَرت فِي شهر رَمَضَان(2/208)
قلت أَرَأَيْت رجلا كَانَ عَلَيْهِ صِيَام أَيَّام من شهر رَمَضَان فَلم يقضها حَتَّى دخل شهر رَمَضَان آخر فصَام تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ من شهر رَمَضَان الْمَاضِي فِي هَذَا الشَّهْر الآخر قَالَ فصيامه ذَلِك جَائِز من رمضانه هَذَا الدَّاخِل وَلَا يكون قَضَاء لذَلِك الْمَاضِي
قلت أَرَأَيْت رجلا تسحر فِي شهر رَمَضَان فَشك فِي الْفجْر طلع أم لم يطلع قَالَ أحب إِلَيّ إِذا شكّ أَن يدع الْأكل وَالشرب قلت فَإِذا أكل وَهُوَ شَاك فِي الْفجْر قَالَ صَوْمه تَامّ
قلت فَإِذا مضى شهر رَمَضَان وَعَلِيهِ مِنْهُ صِيَام أَيَّام فصامه فِي الرمضان الآخر قَالَ يجْزِيه من هَذَا الثَّانِي وَلَا يجْزِيه من الأول(2/209)
قلت أَرَأَيْت أهل مصر صَامُوا شهر رَمَضَان لغير رُؤْيَته وَفِيهِمْ رجل لم يصم مَعَهم حَتَّى رأى الْهلَال من الْغَد فصَام أهل ذَلِك الْمصر ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَصَامَ الرجل تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ أفطروا جَمِيعًا لرُؤْيَته قَالَ لَيْسَ على الرجل قَضَاء ذَلِك الْيَوْم الَّذِي صَامَهُ أهل مصره لأَنهم لم يَصُومُوا لرؤية الْهلَال وَلِأَنَّهُم لَا يعلمُونَ أَصَابُوا الصّيام أم لَا وَقد أخطؤا حِين صَامُوا لغير رُؤْيَة الْهلَال إِلَّا أَن يَكُونُوا رَأَوْا هِلَال شعْبَان ثمَّ عدوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ صَامُوا شهر رَمَضَان لغير رُؤْيَة فقد أَصَابُوا وأحسنوا وعَلى من لم يصم مَعَهم الْقَضَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا أَتَى امْرَأَته نَهَارا فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يخالطها وَإِنَّمَا الْكَفَّارَة بالمخالطة لَيست بِالْمَاءِ أَلا ترى أَنه لَو خالطها ثمَّ لم ينزل كَانَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَالْقَضَاء وَأما الْمَرْأَة فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا وَلَا قَضَاء وَلَا غسل إِلَّا أَن يكون خالطها فَإِن خالطها فعلَيْهَا الْكَفَّارَة إِذا التقى الختانان وَغَابَتْ الْحَشَفَة فقد وَجب الْغسْل عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَالْقَضَاء وَالْكَفَّارَة أنزل أَو لم ينزل(2/210)
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغسْل على الْمَرْأَة ترى فِي منامها مثل مَا يرى الرجل
قلت أَرَأَيْت رجلا أكل فِي شهر رَمَضَان أَو شرب أَو جَامع نَاسِيا فَظن أَن ذَلِك يفْسد عَلَيْهِ صَوْمه فَأكل وَشرب وجامع مُتَعَمدا لذَلِك مَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت وَكَذَلِكَ لَو تسحر بعد طُلُوع الْفجْر وَهُوَ لَا يعلم بطلوعه أَو أفطر قبل غرُوب الشَّمْس وَهُوَ يرى أَن الشَّمْس قد غَابَتْ فَأكل بعد ذَلِك أَو شرب مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ نعم لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَن صِيَامه كَانَ فَاسِدا وَلِأَنَّهُ قد وَجب عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم حِين أكل قبل غرُوب الشَّمْس أَو تسحر بعد طُلُوع الْفجْر وَهُوَ لَا يعلم بطلوعه
قلت وَكَذَلِكَ لَو أَنه أكره على طَعَام أَو شراب فِي رَمَضَان فَأكل وَشرب ثمَّ تعمد الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع بعد ذَلِك قَالَ نعم لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت لم وضعت عَنهُ الْكَفَّارَة قَالَ لِأَن صَوْمه قد كَانَ فسد قبل أَن يتَعَمَّد لشَيْء من ذَلِك قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن امْرَأَة استكرهها رجل فِي شهر رَمَضَان وَهِي صَائِمَة ثمَّ طاوعته بعد ذَلِك أَيْضا لم يكن عَلَيْهَا كَفَّارَة لِأَن صَومهَا قد كَانَ فسد حِين استكرهها وعَلى الرجل الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة قَالَ نعم(2/211)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة السعوط والحقنة فِي شهر رَمَضَان يوجبان الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا أقطر فِي أُذُنه وَكَذَلِكَ كل جَائِفَة أَو آمة داواها صَاحبهَا بِزَيْت أَو سمن فخلص إِلَى الْجوف والدماغ فِي قَوْله وَإِن داواها بدواء يَابِس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا نرى عَلَيْهِ الْقَضَاء فِي الآمة والجائفة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِن أقطر فِي إحليله فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْقَضَاء ثمَّ إِن مُحَمَّدًا شكّ فِي ذَلِك ووقف فِيهِ(2/212)
قلت أَرَأَيْت الرجل يسلم فِي النّصْف من شهر رَمَضَان مَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم بَقِيَّة ذَلِك الشَّهْر وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء مَا مضى من الشَّهْر وَهُوَ كَافِر
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن إِسْمَعِيل بن مُسلم عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ فِي الذِّمِّيّ يسلم فِي النّصْف من رَمَضَان إِنَّه يَصُوم بَقِيَّته وَلَا قَضَاء(2/213)
عَلَيْهِ فِيمَا مضى قَالَ وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ مثله فَإِن أسلم غدْوَة فِي يَوْم من شهر رَمَضَان قبل أَن يطعم فَإِنَّهُ يتم صَوْم يَوْمه ذَلِك وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تكون أَيَّام حَيْضهَا ثَلَاثَة أَيَّام فتحيض ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ تطهر فتمكث طَاهِرا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ترى الدَّم فِي الْيَوْم الرَّابِع يَوْمهَا ذَلِك كُله والغد وَقد صَامت الْأَيَّام الثَّلَاثَة الَّتِي طهرت فِيهَا من شهر رَمَضَان هَل يَجْزِي عَنْهَا قَالَ لَا لِأَنَّهُ قد كَانَت فِيهَا حَائِضًا وَقد استبان لَهَا ذَلِك حِين رَأَتْ الدَّم فِي الْيَوْم الرَّابِع قلت فَإِن تَمَادى بهَا الدَّم مَا بَينهَا وَبَين عشرَة أَيَّام فَهِيَ حَائِض قَالَ نعم قلت فَتلك الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ الدَّم وَالطُّهْر فِيهَا لَا تَصُوم فِيهَا وَلَا تصلي قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت لَو كَانَ حَيْضهَا ثَلَاثَة أَيَّام فحاضتها فطهرت يَوْمًا فرأت الدَّم من الْغَد فرأته يَوْمهَا وَمن الْغَد قَالَ هِيَ حَائِض قلت فَإِن كَانَت صَامت ذَلِك الْيَوْم الَّذِي طهرت فِيهِ من رَمَضَان أتعيد صَومهَا قَالَ نعم لِأَنَّهَا حَائِض بعد وَلَا يكون الطُّهْر يَوْمًا وَاحِدًا
قلت فَإِذا طهرت ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم فِي الْيَوْم الرَّابِع قَالَ هِيَ حَائِض قلت فَإِن كَانَت صَامت فِي هَذِه الْأَيَّام الثَّلَاثَة(2/214)
قَضَاء من رَمَضَان أيجزيها ذَلِك قَالَ لَا لِأَنَّهَا حَائِض بعد قلت فَهَذِهِ بِمَنْزِلَة الأولى الَّتِي لم تستكمل أَيَّام حَيْضهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة يكون أَيَّام حَيْضهَا سِتَّة أَيَّام فتحيض سَبْعَة أَيَّام زِيَادَة يَوْم على وَقت أَيَّام حَيْضهَا أَتَرَى ذَلِك حيضا قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو رَأَتْ يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت أَن تَمَادى بهَا الدَّم حَتَّى ترَاهُ خَمْسَة أَيَّام بعد السِّتَّة قَالَ مَا زَاد على أَيَّام حَيْضهَا السِّتَّة فَهِيَ مُسْتَحَاضَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا زَادَت على الْعشْرَة الْأَيَّام يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك فَهِيَ فِيهِ مُسْتَحَاضَة عندنَا قلت فَكل شَيْء زَاد على أَيَّام حَيْضهَا مَا لم يزدْ على الْعشْرَة فَهِيَ فِيهِ حَائِض قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَت صَامت بعد مَا مضى أَيَّام حَيْضهَا وَهَذِه الْأَيَّام من شهر رَمَضَان ثمَّ جَاوز الدَّم الْعشْرَة أجزاها لِأَنَّهَا فِيهِ مُسْتَحَاضَة قَالَ نعم قلت فَإِن لم يُجَاوز الدَّم الْعشْرَة الْأَيَّام لم يجزها قَالَ نعم لِأَنَّهَا حَائِض فعلَيْهَا أَن تعيد الصّيام
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة النُّفَسَاء أول مَا تَلد يَنْقَطِع عَنْهَا الدَّم فِي تَمام ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يعاودها الدَّم سَبْعَة أَيَّام أخر أتراها نفسَاء(2/215)
بعد قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَت صَامت تِلْكَ الثَّلَاثَة الْأَيَّام من شهر رَمَضَان أجزاها قَالَ نعم قلت من أَيْن أخذت فِي الْحيض الْعشْرَة وَفِي النّفاس الْأَرْبَعين قَالَ للأثر الَّذِي بلغنَا عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ تقعد النُّفَسَاء مَا بَينهَا وَبَين أَرْبَعِينَ يَوْمًا وبلغنا نَحْو من ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ تقعد النُّفَسَاء مَا بَينهَا وَبَين أَرْبَعِينَ يَوْمًا وبلغنا عَن أنس بن مَالك أَنه قَالَ فِي الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَيَّام(2/216)
أَو خَمْسَة أَو سِتَّة تقعد مَا بَينهَا وَبَين الْعشْرَة
قلت أَرَأَيْت رجلا كَانَ عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار أَو قتل فَمَرض فَأفْطر يَوْمًا قَالَ يسْتَقْبل الصّيام
قلت أَرَأَيْت إِن وَافق صِيَامه ذَلِك يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَيَوْم الْفطر فَأفْطر وَهَذِه الْأَيَّام لَا بُد من أَن يفْطر فِيهَا كَيفَ يصنع قَالَ يسْتَقْبل الصّيام لِأَنَّهُ مفطر فِي هَذِه الْأَيَّام وَهَذِه الْأَيَّام لَيست بأيام صَوْم قلت فَكل صَوْم كَانَ عَلَيْهِ من رَمَضَان أَو كَفَّارَة يَمِين أَو جَزَاء صيد أَو نذر جعل لله عَلَيْهِ فصامه فِي هَذِه الْأَيَّام لم يجز عَنهُ قَالَ نعم لَا يجزى ذَلِك عَنهُ
قلت أَرَأَيْت إِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين كَانَا عَلَيْهِ من ظِهَار أَو قتل فَوَافَقَ أَحدهمَا شهر رَمَضَان فصَام شهر رَمَضَان يَنْوِي بِهِ الشَّهْرَيْنِ المتتابعين وَقَالَ أَقْْضِي شهر رَمَضَان بعد الْفطر قَالَ لَا يجزى ذَلِك عَنهُ وَشهر رَمَضَان الَّذِي صَامَهُ هُوَ شهر رَمَضَان نَفسه وَلَا يَجْزِي(2/217)
عَنهُ من الشَّهْرَيْنِ المتتابعين وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الشَّهْرَيْنِ المتتابعين
قلت أَرَأَيْت من كَانَ عَلَيْهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كَفَّارَة يَمِين أيتابع بَينهُنَّ قَالَ نعم بلغنَا أَنه فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات
قلت أَرَأَيْت الصَّوْم فِي جَزَاء الصَّيْد وَفِي الْمُتْعَة أمتتابع أَو متفرق قَالَ إِن تَابع أجزاه وَإِن فرق أجزاه قلت وَكَذَلِكَ قَضَاء شهر رَمَضَان قَالَ نعم قلت فَكل شَيْء متتابع أفطر فِيهِ يَوْمًا فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل الصّيام قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار عَلَيْهِ فيجامع(2/218)
امْرَأَته الَّتِي ظَاهر مِنْهَا بِاللَّيْلِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول {فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من قبل أَن يتماسا} قلت أَرَأَيْت إِن جَامعهَا نَهَارا نَاسِيا لصومه قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم من أَوله قلت لم وَلم يفْطر قَالَ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {من قبل أَن يتماسا} وَهَذَا لَا يكون أَهْون من جمَاعه بِاللَّيْلِ مُفطرا وَلَكِن عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصّيام فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ قد جَامع وَقد قَالَ الله تَعَالَى {من قبل أَن يتماسا} وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجْزِيه صَوْمه ذَلِك وَلَا يسْتَقْبل وَلَو جَامع غَيرهَا من نِسَائِهِ بِالنَّهَارِ نَاسِيا أَو بِاللَّيْلِ ذَاكِرًا أَو نَاسِيا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
قلت فَلَو كَانَ عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن من قتل أَو صِيَام من كَفَّارَة يَمِين أَو قَضَاء رَمَضَان فجامع لَيْلًا أَو نَهَارا نَاسِيا لصومه لم يضرّهُ وَأتم مَا بَقِي من صَوْمه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة يجب عَلَيْهَا شَهْرَان متتابعان فتحيض فيهمَا أتستقبل الصّيام أم كَيفَ تصنع قَالَ إِن كَانَ الْحيض يُصِيبهَا فِي كل شهر لَا بُد لَهَا مِنْهُ فعلَيْهَا أَن تقضي أَيَّام حَيْضهَا وَلَا تسْتَقْبل الصّيام(2/219)
وَتصل ذَلِك بالشهرين
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ فِي الْمَرْأَة يكون عَلَيْهَا صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فتحيض فيهمَا إِنَّهَا تصله بالشهرين وَلَا تسْتَقْبل
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ تسْتَقْبل فَقلت لأبي حنيفَة بِمَ تَأْخُذ قَالَ آخذ بِحَدِيث الشّعبِيّ
قلت أَرَأَيْت لَو كَانَت فرغت من الشَّهْرَيْنِ وَقد كَانَت حَاضَت فِي كل شهر خَمْسَة أَيَّام أتصوم هَذِه الْعشْرَة الْأَيَّام وتصلها بالشهرين قَالَ نعم قلت فَإِن أفطرت فِيهَا مَا بَينهَا وَبَين الشَّهْرَيْنِ يَوْمًا من غير حيض أتستقبل الصّيام قَالَ نعم لِأَنَّهَا إِذا أفطرت من غير حيض فعلَيْهَا أَن تسْتَقْبل(2/220)
الصّيام قلت وَهِي بِمَنْزِلَة الرجل فِي كل مَا ذكرت لَك إِلَّا فِي الْحيض قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يجب عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار فيمرض مِنْهُمَا فيفطر لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يَصُوم لمرضه أيجزيه أَن يطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ إِنَّمَا مرض ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَيَّام لم يكمل الشَّهْرَيْنِ فِي مَرضه قَالَ نعم يجْزِيه أَن يطعم قلت لم قَالَ إِذا كَانَ فِي حَال لَا يَسْتَطِيع فِيهِ الصّيام أجزاه الطَّعَام
قلت أَرَأَيْت إِذا صَامَ من ظِهَار أَو من قتل أَو من صِيَام وَاجِب عَلَيْهِ غير ذَلِك فَأكل نَاسِيا هَل يكون مُفطرا قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَو فعل هَذَا فِي شهر رَمَضَان نَاسِيا لم يضرّهُ
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار فصَام عَن كَفَّارَة ظِهَاره فجامع امْرَأَة لَهُ أُخْرَى غير الَّتِي ظَاهر مِنْهَا لَيْلًا أَو نَهَارا نَاسِيا لصومه هَل عَلَيْهِ شَيْء قَالَ لَا وصومه تَامّ
قلت أَرَأَيْت الرجل يظاهر من أَربع نسْوَة لَهُ فَيعتق أَربع رِقَاب عَن ظِهَاره مِنْهُنَّ هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم قلت فَإِن لم يجد مَا يعْتق فصَام ثَمَانِيَة أشهر مُتَتَابِعَات قَالَ يجْزِيه من كل ظِهَاره قلت فَإِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع الصَّوْم فأطعم مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين مِسْكينا هَل يجْزِيه إِذا مَا أطْعم كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة قَالَ نعم يجْزِيه قلت لم يجْزِيه وَهَذَا لم يَجْعَل لكل امْرَأَة مِنْهُنَّ شَيْئا مَعْلُوما قَالَ أستحسن(2/221)
ذَلِك وأدع الْقيَاس فِيهِ
قلت أَرَأَيْت إِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين ثمَّ أفطر يَوْمًا ثمَّ صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين ثمَّ أفطر يَوْمًا حَتَّى صَامَ ثَمَانِيَة أشهر كلما أتم شَهْرَيْن أفطر يَوْمًا يُرِيد بِصَوْم كل شَهْرَيْن كَفَّارَة عَن امْرَأَة مِنْهُنَّ قَالَ ذَلِك يجْزِيه قلت فَإِن أعتق رَقَبَة عَن إِحْدَاهُنَّ وَلم ينوها بِعَينهَا هَل لَهُ أَن يُجَامع أيتهن شَاءَ وَيجْعَل الْعتْق عَنْهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين يَنْوِي عَن وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِعَينهَا ثمَّ جَامع أُخْرَى غير الَّتِي صَامَ عَنْهَا لَيْلًا هَل يفْسد عَلَيْهِ الصّيام الَّذِي صَامَ عَنْهَا قَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يُجَامع الَّتِي صَامَ عَنْهَا إِنَّمَا جَامع غَيرهَا
قلت فَإِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين عَن وَاحِدَة مِنْهُنَّ لم يسمهَا بِعَينهَا ثمَّ جَامع ثَلَاثًا مِنْهُنَّ بِاللَّيْلِ أَله أَن يَجْعَل تِلْكَ الشَّهْرَيْنِ عَن الَّتِي لم يُجَامع قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ ذَلِك الْجِمَاع قبل مضى الشَّهْرَيْنِ قَالَ وَإِن كَانَ(2/222)
قلت فَإِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين عَن وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثمَّ مرض بعد شَهْرَيْن فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا عَن أُخْرَى فَلَمَّا فرغ من الطَّعَام أيسر وَاشْترى رقيقين فأعتقهما عَن الْبَاقِيَتَيْنِ أيجزيه ذَلِك قَالَ نعم
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن إِسْمَعِيل بن مُسلم عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن طَاوس قَالَ ظَاهر رجل من امْرَأَته فأبصرها فِي الْقَمَر وَعَلَيْهَا خلخال فضَّة فَأَعْجَبتهُ فَوَقع عَلَيْهَا قبل أَن يكفر فَسَأَلَ عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره أَن يسْتَغْفر الله وَلَا يعود حَتَّى يكفر(2/223)
قلت أَرَأَيْت الرجل يظاهر من امْرَأَته أَله أَن يُجَامِعهَا قبل أَن يكفر قَالَ لَا لَيْسَ لَهُ أَن يُجَامِعهَا حَتَّى يكفر وأكره للْمَرْأَة أَن تَدعه يقربهَا حَتَّى يكفر قلت فَإِن قربهَا قبل أَن يكفر هَل ترى عَلَيْهِ شَيْئا فِيمَا صنع قَالَ لَا إِلَّا أَنه يسْتَغْفر الله تَعَالَى وَلَا يعود وَكَذَلِكَ جَاءَ الْأَثر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر الَّذِي وَاقع امْرَأَته قبل أَن يكفر أَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا تسحر فِي صَوْم وَاجِب عَلَيْهِ من رَمَضَان أَو غَيره فَشك وَكَانَ أكبر رَأْيه أَنه تسحر وَالْفَجْر طالع قَالَ أحب إِلَى أَن يقْضِي ذَلِك الْيَوْم آخِذا لَهُ فِي ذَلِك بالثقة قلت فَعَلَيهِ أَن يدع(2/224)
السحر وَهُوَ يعلم أَن عَلَيْهِ لَيْلًا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا أصبح صَائِما يَنْوِي بهَا قَضَاء رَمَضَان ثمَّ علم أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء من شهر رَمَضَان أَله أَن يفْطر قَالَ نعم إِن شَاءَ وَلَا يكون عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت فَإِن صَامَهُ أتراه أحسن من أَن يفْطر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَهُوَ متمتع ثمَّ يجد من الْهَدْي فِي الْيَوْم الثَّالِث أَيكُون صَوْمه منتقضا قَالَ نعم
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم
قلت فَإِذا أفطر ذَلِك الْيَوْم هَل عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ لَا قلت لم(2/225)
قَالَ لِأَن صَوْمه ذَلِك قد انْتقض قلت وَكَذَلِكَ لَو صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام من كَفَّارَة يَمِين ثمَّ وجد فِي الْيَوْم الثَّالِث مَا يطعم وأيسر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ كل صَوْم من ظِهَار أَو قتل إِذا وجد مَا يعْتق بَطل صَوْمه وَإِن أفطر لم يكن عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تصبح صَائِمَة تَطَوّعا ثمَّ تفطر متعمدة لذَلِك ثمَّ تحيض فِي آخر يَوْمهَا ذَلِك قَالَ عَلَيْهَا قَضَاء يَوْمهَا ذَلِك قلت وَلم وَقد حَاضَت قَالَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة امْرَأَة قَالَت لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الْيَوْم ثمَّ تحيض فِيهِ فعلَيْهَا قَضَاؤُهُ
قلت أَرَأَيْت الرجل يصبح مُفطرا ثمَّ يَبْدُو لَهُ أَن يَصُوم قبل أَن ينتصف النَّهَار وَلم يطعم شَيْئا أَو يَبْدُو لَهُ أَن يَصُوم بعد زَوَال الشَّمْس قَالَ إِذا كَانَ قبل زَوَال الشَّمْس وعزم على الصَّوْم أجزاه وَإِذا صَامَ بعد مَا تَزُول الشَّمْس لم يجزه وَلم يكن صَائِما قلت فَإِن كَانَ هَذَا الصّيام قَضَاء من رَمَضَان أَو قَضَاء من صِيَام كَانَ عَلَيْهِ قَالَ(2/226)
لَا يجْزِيه لِأَنَّهُ أصبح مُفطرا قلت فيجزيه أَن يتَطَوَّع بِهِ وَلَا يجْزِيه من شَيْء كَانَ عَلَيْهِ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن أصبح فِي شهر رَمَضَان يَنْوِي الْإِفْطَار غير أَنه لم يَأْكُل وَلم يشرب قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت فَإِن نوى الصَّوْم قبل أَن ينتصف النَّهَار قَالَ يجْزِيه قلت لم جعلت عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قَالَ أَرَأَيْت مَرِيضا لَا يَسْتَطِيع الصّيام أصبح يَنْوِي الْإِفْطَار وَكَانَ على ذَلِك إِلَى اللَّيْل غير أَنه لم يَأْكُل وَلم يشرب لِأَنَّهُ لم يشته الطَّعَام وَلَا الشَّرَاب أَيكُون هَذَا صَائِما قلت لَا قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا فِي أَرض الْحَرْب مر بِهِ شهر رَمَضَان وَهُوَ لَا يعلم بِهِ وَلَا يَنْوِي صَوْمه وَنوى الْفطر فِيهِ غير أَنه لَا يجد طَعَاما وَلَا شرابًا أيجزيه هَذَا من صِيَام شهر رَمَضَان قَالَ لَا وَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء قلت أَرَأَيْت هَذَا الَّذِي أصبح مُفطرا إِن ظن أَن نِيَّته قد أفسدت عَلَيْهِ صَوْمه وَأفْتى بذلك فَأكل قبل أَن ينتصف النَّهَار أَو شرب أَو جَامع(2/227)
قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت لم ألقيت عَنهُ الْكَفَّارَة قَالَ للشُّبْهَة الَّتِي دخلت
قلت أَرَأَيْت رجلا جن قبل شهر رَمَضَان فَلم يزل مجنونأ حَتَّى(2/228)
ذهب شهر رَمَضَان كُله ثمَّ أَفَاق هَل عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ لَا لِأَنَّهُ كَانَ مَجْنُونا وَلم يفق فِيهِ قلت فَإِن أُغمي عَلَيْهِ فَكَانَ كَذَلِك حَتَّى ذهب شهر رَمَضَان قَالَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ الْمغمى عَلَيْهِ لَيْسَ عندنَا بِمَنْزِلَة الْمَجْنُون المغلوب إِنَّمَا الْمغمى عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض فَعَلَيهِ قَضَاء شهر رَمَضَان قَالَ أَرَأَيْت إِن كَانَ مَرِيضا لَيْسَ بمغمى عَلَيْهِ ألم يكن عَلَيْهِ قَضَاء رَمَضَان إِذا لم يصمه قلت بلَى قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت الْمَرِيض يمرض قبل دُخُول شهر رَمَضَان فَلَا يزَال مَرِيضا حَتَّى يَنْسَلِخ شهر رَمَضَان ثمَّ يَمُوت قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ من قَضَاء(2/229)
شهر رَمَضَان شَيْء لِأَنَّهُ لم يَصح وَلم يبرأ حَتَّى مَاتَ قلت فَإِن صَحَّ شهرا فَلم يقْض شهر رَمَضَان حَتَّى مَاتَ قَالَ هَذَا عَلَيْهِ الْقَضَاء لِأَنَّهُ مَاتَ وَعَلِيهِ قَضَاء شهر رَمَضَان قلت فَإِن صَامَ عَنهُ ابْنه أيجزيه ذَلِك قَالَ لَا قلت لم قَالَ للأثر الَّذِي جَاءَ عَن عبد الله بن عمر وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد(2/230)
قلت فَإِن أوصى أَبوهُ حِين مَاتَ أَن يقْضِي عَنهُ كَيفَ تَأمر أَن يصنع قَالَ يطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم نصف صَاع من حِنْطَة قلت فكم الصَّاع قَالَ قفيز بالحجاجي وَهُوَ ربع الْهَاشِمِي وَهُوَ ثَمَانِيَة أَرْطَال
قلت أَرَأَيْت إِن صَحَّ بعد شهر رَمَضَان عشرَة أَيَّام ثمَّ مَاتَ(2/231)
مَا عَلَيْهِ أَتَرَى عَلَيْهِ قَضَاء شهر رَمَضَان قَالَ لَا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاء الْعشْرَة الْأَيَّام الَّتِي صَحَّ فِيهَا قلت فالمريض وَالْمُسَافر فِي ذَلِك سَوَاء قَالَ نعم قلت فَإِن لم يبرأ حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاء قَالَ نعم لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك قَضَاء
قلت فالمسافر إِذا أَقَامَ أَيَّامًا بعد شهر رَمَضَان ثمَّ مَاتَ فَعَلَيهِ(2/232)
بِقدر مَا أَقَامَ قَالَ نعم وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض فِي ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يدْخل شهر رَمَضَان وَهُوَ صَحِيح ثمَّ يجن ثمَّ يفِيق قبل رَمَضَان عَام مقبل قَالَ يَصُوم هَذَا الرمضان الَّذِي دخل فِيهِ ثمَّ يقْضِي مَا بَقِي عَلَيْهِ من الأول قلت أَرَأَيْت الَّذِي يجن فِي شهر رَمَضَان فَلَا يفِيق حَتَّى يمْضِي هَذَا الرمضان الَّذِي جن فِيهِ ورمضان آخر قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء الأول قلت فَمن أَيْن اخْتلفَا قَالَ أستحسن إِذا أوجبت عَلَيْهِ شَيْئا مِنْهُ أَن يقْضِي كُله وَهَذَا وَالثَّانِي لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء قلت فَإِن مكث عشْرين سنة ثمَّ أَفَاق فِي رَمَضَان قَالَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم مَا بَقِي من هَذَا الشَّهْر الَّذِي أَفَاق فِيهِ وَعَلِيهِ قَضَاء مَا مضى مِنْهُ وَقَضَاء الأول الَّذِي كَانَ مفيقا فِيهِ فجن
قلت أَرَأَيْت الرجل يسلم فِي النّصْف من شهر رَمَضَان أَو بعد مَا يمْضِي مِنْهُ أَيَّام قَالَ يَصُوم مَا بَقِي مِنْهُ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ فِيمَا مضى
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن إِسْمَعِيل بن مُسلم عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ فِي الرجل يسلم فِي النّصْف من شهر رَمَضَان إِنَّه يَصُوم بَقِيَّته وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ لما مضى مِنْهُ وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
قلت فَإِن أسلم غدْوَة فِي يَوْم من شهر رَمَضَان قبل أَن يطعم(2/233)
قَالَ يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت إِن أسلم فِي بعض النَّهَار أَتَرَى لَهُ أَن يَأْكُل بَقِيَّة يَوْمه وَيشْرب قَالَ لَا قلت فَإِن فعل فَعَلَيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يفْطر فِي شهر رَمَضَان مُتَعَمدا ثمَّ يمرض فِي ذَلِك الْيَوْم مَرضا لَا يَسْتَطِيع مَعَه الصَّوْم قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت لم قَالَ للمرض الَّذِي أَصَابَهُ
قلت أَرَأَيْت إِن سَافر وَلم يمرض وَلم يكن من نِيَّته السّفر قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة لِأَن السّفر من فعله فَلَا تبطل بِهِ الْكَفَّارَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يصبح فِي شهر رَمَضَان صَائِما ثمَّ يُسَافر وَقد عزم على الصَّوْم ثمَّ يفْطر فِي سَفَره ذَلِك هَل عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاء كَفَّارَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ للشُّبْهَة الَّتِي دخلت لِأَنَّهُ إِنَّمَا أفطر وَهُوَ مُسَافر
قلت فَإِن كَانَ مُسَافِرًا وَقد عزم على الْإِفْطَار فَقدم قبل نصف النَّهَار أَو بعده فَأكل أَو شرب مُتَعَمدا لذَلِك هَل عَلَيْهِ كَفَّارَة قَالَ لَا وَلَكِن عَلَيْهِ الْقَضَاء
قلت فَإِن عزم على الصَّوْم فَلَمَّا قدم استفتى فَأفْتى أَن صَوْمه لَا يجْزِيه وَأَنه عَاص فَلَمَّا رأى ذَلِك أفطر قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت لم قَالَ للشُّبْهَة الَّتِي دخلت
قلت فَإِن كَانَ صَامَ فِي السّفر أيجزيه قَالَ نعم وَهُوَ أفضل من أَن يفْطر وَإِنَّمَا الْإِفْطَار رخصَة(2/234)
قلت أَرَأَيْت رجلا أكل نَاسِيا فِي رَمَضَان ثمَّ أكل بعد ذَلِك مُتَعَمدا وَظن أَن ذَلِك قد أفسد عَلَيْهِ صَوْمه قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَيْسَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
قلت أفتكره للرجل أَن يقْضِي شهر رَمَضَان فِي أَيَّام الْعشْر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الْغُلَام يَحْتَلِم فِي النّصْف من شهر رَمَضَان ثمَّ يفْطر بعد ذَلِك مُتَعَمدا قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة فِيمَا أفطر بعد احتلامه فِي غير الْيَوْم الَّذِي احْتَلَمَ فِيهِ قلت وَكَذَلِكَ الْجَارِيَة إِذا أفطرت بعد مَا حَاضَت قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم أتكره لَهُ أَن يقبل وَهُوَ صَائِم قَالَ إِن كَانَ يملك نَفسه فَلَا بَأْس بذلك قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم قَالَ مُحَمَّد أخبرنَا بذلك أَبُو حنيفَة(2/235)
قلت أَرَأَيْت الرجل يتمضمض فِي شهر رَمَضَان فيسبقه المَاء فَيدْخل حلقه وَهُوَ نَاس لصومه قَالَ يمْضِي فِي صَوْمه ذَلِك وَلَا يفْطر وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ قلت فَإِن كَانَ ذَاكِرًا لصومه قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك قلت فَلم ألقيت عَنهُ الْكَفَّارَة قَالَ لِأَنَّهُ لم يدْخلهُ(2/237)
جَوْفه على وَجه الْإِفْطَار فَلذَلِك ألقيت عَنهُ الْكَفَّارَة
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يَذُوق الشَّيْء بِلِسَانِهِ وَلَا يدْخلهُ حلقه قَالَ لَا يفطره ذَلِك وصومه تَامّ قلت أفتكره لَهُ أَن يعرض نَفسه لشَيْء من هَذَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم ينظر إِلَى امْرَأَة حَتَّى يمنى أَتَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاء قَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يصنع شَيْئا قلت فَإِن لمس أَو قبل حَتَّى يمنى قَالَ يتم صَوْمه ذَلِك الْيَوْم وَعَلِيهِ الْقَضَاء وَلَيْسَت عَلَيْهِ كَفَّارَة وَلَا يكون على الْمَرْأَة قَضَاء إِلَّا أَن يكون مِنْهَا مثل مَا كَانَ من الرجل قلت فَإِن لمس حَتَّى يمذي قَالَ لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة لِأَن الْمَذْي لَيْسَ بِشَيْء
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يحتجم قَالَ نعم لَا يضرّهُ ذَلِك قلت أفتكره لَهُ أَن يحتجم قَالَ إِن خَافَ أَن يُضعفهُ فَأحب إِلَيّ أَن لَا يفعل قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يحتجم الصَّائِم ثمَّ أَنه رخص فِيهِ بعد ذَلِك وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم محرم(2/238)
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يدْخل الذُّبَاب جَوْفه أَو الشَّيْء من الطَّعَام يكون بَين أَسْنَانه فَيدْخل جَوْفه هَل يفطره ذَلِك وَقد دخل جَوْفه وَهُوَ ذَاكر لصومه وَهُوَ كَارِه قَالَ لَا يفطره ذَلِك وَهُوَ على صَوْمه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَام وَلِأَنَّهُ مغلوب(2/239)
قلت أَرَأَيْت الرجل يَجْعَل على نَفسه أَن يَصُوم شهرا أيصومه مُتَتَابِعًا أَو مُتَفَرقًا قَالَ إِن كَانَ نوى شهرا بِغَيْر عينه فرق ذَلِك إِن شَاءَ
قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شعْبَان فَلم يفعل أَتَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَهُ قَالَ نعم قلت فَهَل ترى عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين قَالَ إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين مَعَ الْقَضَاء ويقضيه مُتَفَرقًا إِن شَاءَ وَإِن كَانَ لم يرد يَمِينا فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة
قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شعْبَان فَأفْطر يَوْمًا أيقضي شعْبَان كُله لِأَنَّهُ لم يُتَابع بَين صَوْمه قَالَ لَا وَلكنه يقْضِي يَوْمًا مَكَان يَوْمه لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يَصُوم شعْبَان بعد مَا قد مضى قلت فَعَلَيهِ الْقَضَاء لذَلِك الْيَوْم وَكَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شهرا مُتَتَابِعًا بِغَيْر عينه فَأفْطر يَوْمًا مِنْهُ قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل صَوْم الشَّهْر من أَوله إِذا لم يكن(2/240)
نوى شهرا بِعَيْنِه لِأَنَّهُ جعل لله عَلَيْهِ صَوْم شهر مُتَتَابِعًا وَلم ينْو شهرا بِعَيْنِه فَإِذا أفطر يَوْمًا وَلم يُتَابع اسْتقْبل الصَّوْم وَإِن نوى شهرا بِعَيْنِه فَجعل لله عَلَيْهِ أَن يَصُومهُ مُتَتَابِعًا فَأفْطر فِيهِ يَوْمًا صَامَ يَوْمًا مَكَان يَوْمه وَعَلِيهِ أَن يكفر يَمِينه إِن كَانَ أَرَادَ الْيَمين أَو نَوَاهَا وَإِن لم يكن أَرَادَ الْيَمين فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ أَن يقْضِي مَا أفطر
قلت أَرَأَيْت الرجل يَجْعَل لله عَلَيْهِ أَن يَصُوم سنة بِعَينهَا وَهُوَ يفْطر يَوْم النَّحْر وَيَوْم الْفطر وَأَيَّام التَّشْرِيق فصَام السّنة إِلَّا هَذِه الْأَيَّام لِأَنَّهَا لَيست بأيام صَوْم قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء هَذِه الْأَيَّام وَكَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ الْيَمين
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة إِذا جعلت لله عَلَيْهَا صَوْم تِلْكَ السّنة وَهِي مِمَّن تحيض أتقضي مَكَان أَيَّام حَيْضهَا الَّتِي حَاضَت فِيهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَجْعَل لله عَلَيْهِ أَن يَصُوم كل خَمِيس يَأْتِي عَلَيْهِ فيفطر خميسا وَاحِدًا قَالَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَكَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا قلت فَإِن أفطر خميسا آخر هَل عَلَيْهِ فِي هَذِه الْيَمين الْأُخْرَى حنث قَالَ لَا لِأَنَّهُ قد حنث فِيهَا مرّة وَكفر فِيهَا يَمِينه فَلَا يَحْنَث فِيهَا ثَانِيَة(2/241)
قلت أَرَأَيْت الرجل يَجْعَل لله عَلَيْهِ أَن قدم فلَان أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ أبدا فَقدم فلَان لَيْلًا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء لِأَن فلَانا لم يقدم نَهَارا كَمَا قَالَ قلت فَإِن قدم فلَان فِي يَوْم قد أكل فِيهِ الرجل قَالَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم فِيمَا يسْتَقْبل كَمَا جعل لله على نَفسه وَأما الْيَوْم الَّذِي أكل فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء لِأَنَّهُ أفطر قبل قدوم فلَان قلت وَكَذَلِكَ لَو قدم فلَان بعد الظّهْر وَلم يطعم الرجل شَيْئا فِي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ يَنْوِي الْإِفْطَار قَالَ نعم قلت فَلَو قدم فلَان قبل أَن ينتصف النَّهَار وَلم يَأْكُل الرجل شَيْئا وَهُوَ يَنْوِي الْإِفْطَار قَالَ أما هَذَا فيصوم هَذَا الْيَوْم يَصُومهُ فِيمَا يسْتَقْبل أبدا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَقُول لله عَليّ أَن أَصوم غَدا فَيكون غَدا الْأَضْحَى فَلم يصمه أَيكُون عَلَيْهِ قضاؤ ذَلِك الْيَوْم قَالَ نعم وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا قلت لم أوجبت عَلَيْهِ قَضَاءَهُ قَالَ لِأَن هَذَا يَوْم جعله لله عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الرجل يصبح صَائِما يَوْم النَّحْر مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إِن أفطره وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْقَضَاء وَهُوَ مثل قَوْله لله عَليّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ مُخْتَلف وَهَذَا فِي(2/242)
الْجَامِع الصَّغِير وَالْكتاب الَّذِي يُسمى الهاروني
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تَقول لله عَليّ أَن أَصوم يَوْم حيضي أَتجْعَلُ عَلَيْهَا مَكَانَهُ يَوْمًا قَالَ لَا وَلَا يكون عَلَيْهَا شَيْء وَهَذَا مثل الرجل يصبح فِي يَوْم قد أكل فِيهِ ثمَّ قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الْيَوْم فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَهَذَا مثل امْرَأَة حَائِض قَالَت لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الْيَوْم وَهِي حَائِض وَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ وَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء فِي الْقيَاس
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يكتحل بالإثمد والذرور وَالصَّبْر وَغَيره(2/243)
قَالَ نعم لَا يضرّهُ ذَلِك شَيْئا قلت فَإِن وجد طعمه فِي حلقه قَالَ وَإِن وجد طعمه فِي حلقه فَإِنَّمَا طعمه مثل الدَّوَاء يذوقه فَيدْخل جَوْفه طعمه وَمثل الدّهن يدهن بِهِ شَاربه وَمثل الدُّخان وَمثل الْغُبَار يدْخل طعمه فِي حلقه
وَلَو طعن الصَّائِم بِرُمْح حَتَّى يصل الرمْح إِلَى جَوْفه لم يكن عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا الْكَفَّارَة
وَإِذا أكره الصَّائِم حَتَّى صب المَاء فِي حلقه وَالشرَاب فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَإِذا كَانَت بِالرجلِ جِرَاحَة جَائِفَة فداواها بِزَيْت أَو بِسمن فخلص ذَلِك إِلَى جَوْفه فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَلَو داواها بدواء يَابِس لم يكن عَلَيْهِ الْقَضَاء فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة فِي الدَّوَاء الرطب واليابس جَمِيعًا
فَإِذا صب فِي جَوف النَّائِم مَاء أَو شراب وَهُوَ صَائِم فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة بِمَنْزِلَة الرجل فِي ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يستاك بِالسِّوَاكِ الرطب أَو يبله بِالْمَاءِ وَهُوَ صَائِم قَالَ لَا بَأْس بذلك أَن يستاك أول النَّهَار أَو آخِره قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يستاك وَهُوَ صَائِم(2/244)
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة الْحَامِل والمرضع الَّتِي تخَاف على الصَّبِي أَو الْحَامِل تخَاف على نَفسهَا قَالَ يفطران ويقضيان يَوْمًا مَكَان كل يَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِمَا قلت فالشيخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطيق الصَّوْم قَالَ يفْطر وَيطْعم لكل يَوْم نصف صَاع من حِنْطَة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ غير ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يَأْكُل الطين أَو الجص أَو دخل جَوْفه حَصَاة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وصومه تَامّ وَلَا يفطره ذَلِك إِذا كَانَ نَاسِيا وَإِن كَانَ ذَاكِرًا فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَام
قلت فالصائم يمضغ العلك قَالَ أكره لَهُ ذَلِك وَلَا يفطره قلت فالمرأة تمضغ لصبيها خبْزًا أَو طَعَاما قَالَ إِن لم تَجِد من ذَلِك بدا فَلَا بَأْس بِهِ(2/245)
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم بذلك
- بَاب صَدَقَة الْفطر
-
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير الْعَدوي قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَدّوا عَن كل حر وَعبد صَغِير أَو كَبِير نصف صَاع من بر أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير
مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي معشر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله(2/246)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَأْمُرهُم أَن يؤدوا صَدَقَة الْفطر قبل أَن يخرجُوا إِلَى الْمصلى وَقَالَ أغنوهم عَن الْمَسْأَلَة فِي مثل هَذَا الْيَوْم(2/247)
قلت أَرَأَيْت الْمَمْلُوك من يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ مَوْلَاهُ قلت فَهَل يَسعهُ أَن لَا يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ المملوكون أيؤدي عَن كل إِنْسَان مِنْهُم نصف صَاع من حِنْطَة قَالَ نعم قلت وَإِن كَانُوا صغَارًا أَو كبارًا قَالَ نعم
قلت فَهَل يُؤَدِّي الرجل عَن أم وَلَده صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم وَكَذَلِكَ الْمُدبر قلت فَهَل عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَن مكَاتبه صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت فَهَل يُؤَدِّي الْمكَاتب عَن نَفسه قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت عبدا قد أعتق نصفه وَهُوَ يسْعَى فِي نصف قِيمَته هَل يجب على مَوْلَاهُ أَن يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت فَهَل يجب على العَبْد أَن يُؤَدِّي عَن نَفسه قَالَ لَا فِي قَول أبي حنيفَة وَهُوَ عِنْده بِمَنْزِلَة الْمكَاتب وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على العَبْد أَن يُؤَدِّي عَن نَفسه وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْحر إِذا أعتق بعضه فقد عتق كُله(2/248)
قلت أَفَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ المملوكون يهود أَو نَصَارَى أَو مجوس أَو إِمَاء هَل يجب عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم قلت لم وهم كفار قَالَ لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يجب على الْمولى أَن يُؤَدِّي عَنْهُم وَلَيْسَ عَلَيْهِم شَيْء
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن عُبَيْدَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ إِذا كَانَ للرجل عبد نَصْرَانِيّ إِنَّه يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ العَبْد وَهُوَ مَجْنُون مغلوب لَا يفِيق وَلَا يعقل أيجب على مَوْلَاهُ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم وَكَذَلِكَ الْأمة
قلت أَرَأَيْت الرجل يدْخل أَرض الْحَرْب فيشتري رَقِيقا من رقيقهم فيخرجهم إِلَى دَار الْإِسْلَام هَل يجب عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة الْفطر وهم كفار قَالَ نعم قلت فأولادهم بمنزلتهم قَالَ نعم
قلت فالرجل تكون لَهُ أم ولد نَصْرَانِيَّة أَو يَهُودِيَّة أَو مُدبرَة(2/249)
يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة هَل يجب عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا لَهُ أَوْلَاد كبار رجال هَل يجب عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة قَالَ لَا وَلَكِن يجب عَلَيْهِم أَن يؤدوا عَن أنفسهم قلت فَإِن كَانَ وَلَده مُحْتَاجا وَهُوَ فِي عِيَاله هَل يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَنهُ قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ وَلَده صَغِيرا هَل يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَنهُ قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ لوَلَده الصَّغِير مَال فَأدى أَبوهُ عَنهُ من ذَلِك المَال أيضمن لَهُ شَيْئا قَالَ لَا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يُؤَدِّي عَنهُ من مَاله شَيْئا فَإِن أدّى فَهُوَ ضَامِن وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَنهُ من مَال الْأَب
قلت أفتكره أَن يُؤَدِّي الرجل صَدَقَة الْفطر عَن وَلَده من مَال وَلَده وَهُوَ صَغِير فِي عِيَاله وَلَا يُؤَدِّي من مَاله قَالَ لَا أكره لَهُ ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف قلت فَإِن لم يكن للِابْن مَال(2/250)
أيؤدي الْأَب عَنهُ من مَاله قَالَ نعم
قلت فَهَل يجب على الرجل أَن يُؤَدِّي عَن امْرَأَته وأخيه وَأُخْته أَو عَن ابْنة ابْنه أَو ابْن عَمه أَو ابْن عمته أَو عَن خَاله أَو عَن خَالَته أَو عَن ذِي رحم محرم مِنْهُ وهم صغَار أَو كبار فِي عِيَاله قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ لَا يُؤَدِّي عَن أَبَوَيْهِ وجده وجدته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون مُحْتَاجا تحل لَهُ الصَّدَقَة هَل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر وعَلى عِيَاله قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْوَلَد الصَّغِير ولولده مَمْلُوك أيجب على أَبِيه أَن يُؤَدِّي عَن مماليك ابْنه قَالَ لَا قلت فَيعْطى عَن وَلَده وَلَا يعْطى عَن رَقِيق وَلَده قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ لِابْنِهِ مَال أَله أَن يُؤَدِّي عَنهُ وَعَن(2/251)
وَلَده وَعَن رَقِيق وَلَده من مَال ابْنه قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف قلت فَإِن كَانَ لَهُ أَخ صَغِير فِي عِيَاله وَله مَال أيجب أَن يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الْوَصِيّ هَل يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَن الْيَتِيم صَدَقَة الْفطر من مَال الْيَتِيم قَالَ نعم
قلت فَهَل يُعْطي عَن مَمْلُوكه صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يُؤَدِّي عَنْهُم شَيْئا
قلت أَرَأَيْت رجلَيْنِ بَينهمَا عبيد وإماء هَل يجب عَلَيْهِمَا فيهم صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا عبد تَامّ فَلَا يجب على الرجل فِي نصف عبد صَدَقَة الْفطر
قلت أَرَأَيْت صَدَقَة الْفطر دَفعهَا قبل الصَّلَاة أحب إِلَيْك أم بعْدهَا قَالَ أَن يَدْفَعهَا قبل الصَّلَاة أحب إِلَيّ
قلت أَرَأَيْت الرجل أيستحب لَهُ أَن يَأْكُل شَيْئا قبل الْخُرُوج إِلَى وَلَيْسَت مَوْجُود بِالْأَصْلِ وَلَكِن السِّيَاق يلْزمهَا الْمصلى يَوْم الْفطر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر وَهُوَ من أهل(2/252)
خُرَاسَان وَهُوَ بِالْكُوفَةِ يبْعَث بهَا إِلَى خُرَاسَان هَل يجزى عَنهُ قَالَ نعم وَقد أَسَاءَ حَيْثُ بعث بهَا إِلَى خُرَاسَان وَهُوَ مُقيم بِالْكُوفَةِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَدْفَعهَا حَيْثُ تجب عَلَيْهِ قلت فَإِن ضَاعَت حَيْثُ بعث بهَا وَلم تصل إِلَى من بعث بهَا إِلَيْهِ هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ لَا وَعَلِيهِ صَدَقَة الْفطر ثَانِيَة يُؤَدِّيهَا حَيْثُ وَجَبت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الدّين وكل رَقِيق للتِّجَارَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر وَإِنَّمَا صَدَقَة الْفطر على مَا كَانَ لغير التِّجَارَة مِنْهُم وَفِيمَا كَانَ للغلة والخدمة
قلت أَرَأَيْت الرجل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة فِي نَفسه وَعِيَاله فيعطيها مِسْكينا وَاحِدًا أيجزيه ذَلِك قَالَ نعم لِأَن هَذَا بِمَنْزِلَة الزَّكَاة أعْطى مثل قِيمَته من الزَّكَاة مِسْكينا وَاحِدًا أجزاه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون عِنْده ولد ابْنه وَهُوَ صَغِير فِي عِيَاله وأبوهم حَيّ أَو ميت هَل على جده أَن يُؤَدِّي عَنْهُم صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا(2/253)
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة لَهَا زوج وَولد وَزوجهَا مُحْتَاج وَهِي تعول زَوجهَا وَوَلدهَا هَل عَلَيْهَا أَن تُعْطِي عَنْهُم صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَمُوت مماليكه يَوْم الْفطر أيؤدي عَنْهُم صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم إِذا انْشَقَّ الْفجْر يَوْم الْفطر فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُم مَاتُوا أَو عاشوا سَوَاء فِي الْقيَاس وَبِه نَأْخُذ(2/254)
قلت أَرَأَيْت الرجل يمر يَوْم الْفطر وَأَوْلَاده صغَار ثمَّ يَمُوت بَعضهم قبل أَن يُؤَدِّي عَنْهُم قَالَ يُؤَدِّي عَنهُ أَبوهُ(2/255)
قلت أَرَأَيْت الرجل يَمُوت عَبده لَيْلَة الْفطر هَل عَلَيْهِ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يصبح يَوْم الْفطر حَيا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي العَبْد وَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام أَو البَائِع فِيهِ بِالْخِيَارِ فيمر يَوْم الْفطر وَهُوَ عِنْده ثمَّ يردهُ أَو يَأْخُذهُ على من صَدَقَة الْفطر وَكَيف إِن كَانَ اشْتَرَاهُ للتِّجَارَة قَالَ إِن أمضى البيع للْمُشْتَرِي فعلى المُشْتَرِي صَدَقَة الْفطر وَزَكَاة التِّجَارَة إِن كَانَ اشْتَرَاهُ للتِّجَارَة وَإِن كَانَ رده كَانَ صدقته على البَائِع قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ البَائِع بِالْخِيَارِ فَأمْضى البيع فَهُوَ على المُشْتَرِي وَإِن اخْتَار نقض البيع فَهُوَ على البَائِع قَالَ نعم
قلت من تحل لَهُ الصَّدَقَة أيجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ إِذا حلت الصَّدَقَة للرجل لم يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر
قلت أَرَأَيْت الإِمَام كَيفَ يصنع بِمَا يَأْخُذ من صَدَقَة الْمُسلمين وَصدقَة الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالْمَال وَغَيره مِمَّا أشبه ذَلِك قَالَ يقسم صَدَقَة كل بِلَاد فِي فقرائهم وَلَا يُخرجهَا من تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى غَيرهَا
قلت أَرَأَيْت الإِمَام مَا أَخذ من أَمْوَال بني تغلب وصدقاتهم(2/256)
أيقسمها فِي فقرائهم قَالَ لَا لِأَنَّهَا لَيست بِصَدقَة إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة الْخراج فَهِيَ للْمُسلمين تدفع إِلَى بَيت مَالهم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ مكَاتب فيمكث سِنِين مكَاتب ثمَّ يعجز هَل على مَوْلَاهُ صَدَقَة الْفطر فِيهِ لما مضى قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي عبدا للتِّجَارَة فكاتبه فَمَكثَ سِنِين ثمَّ عجز بعد ذَلِك ثمَّ حَال عَلَيْهِ الْحول بعد مَا عجز أيزكيه زَكَاة الْفطر أم زَكَاة التِّجَارَة قَالَ عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر لِأَنَّهُ قد خرج من حَال التِّجَارَة حِين كَاتبه
قلت أَرَأَيْت رجلا لَهُ عَبْدَانِ أَحدهمَا للتِّجَارَة وَالْآخر للْخدمَة أبقا جَمِيعًا فمكثا سنة ثمَّ وجدهما هَل عَلَيْهِ زكاتهما فِيمَا مضى قَالَ لَا لِأَنَّهُمَا كَانَا آبقين وَلَا يدْرِي مَا حَالهمَا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَا مُدبرين(2/257)
أَو أم ولد قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة على العَبْد فيدفعه إِلَيْهَا فجَاء يَوْم الْفطر وَهُوَ عِنْدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا أعليها زَكَاة الْفطر قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ العَبْد عِنْد الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فعلَيْهَا زَكَاة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يعول ذَوي قرَابَته من ذَوي رحم محرم مِنْهُ وَلَيْسَ فيهم ولد أعليه أَن يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا أَلا ترى أَنه لَا يُؤَدِّي عَن امْرَأَته فَكيف يُؤَدِّي عَن هَؤُلَاءِ
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي العَبْد للتِّجَارَة فيحول عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ لَا يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره هَل عَلَيْهِ زَكَاة قَالَ لَا قلت فَهَل عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا لِأَنَّهُ للتِّجَارَة فَلَا تجب فِيهِ صَدَقَة الْفطر
قلت أَرَأَيْت الرجل أَن أخر صَدَقَة الْفطر حَتَّى مضى يَوْم الْفطر هَل يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّيهَا بعد ذَلِك قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ(2/258)
شهرا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ وَإِن كَانَ سنتَيْن
قلت أَرَأَيْت صَدَقَة الْفطر هَل يُعْطي مِنْهَا الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي أَو الْمَجُوسِيّ قَالَ لَا يُعْطِيهَا إِلَّا الْمُسلمين قلت فَإِن أعْطى أهل الذِّمَّة هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا أسلم بعد طُلُوع الْفجْر يَوْم الْفطر أيجب عَلَيْهِ(2/259)
صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت فَإِن أسلم لَيْلَة الْفطر هَل عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ لَهُ خَمْسَة دَرَاهِم لَيْسَ لَهُ غَيرهَا هَل تجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَم وَهِي لَا تغنيه وَلَا تغنى عِيَاله وَعَلِيهِ مِائَتَا دِرْهَم دين أيجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْخَادِم وَالدَّار لَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا هَل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل لَيْسَ لَهُ طَعَام حِنْطَة وَلَا شعير وَلَكِن لَهُ ذرة أَو سمسم أَو نَحْو ذَلِك من الْحُبُوب كم يُؤَدِّي من ذَلِك صَدَقَة الْفطر قَالَ يُؤَدِّي من ذَلِك قيمَة نصف صَاع من حِنْطَة أَو قيمَة صَاع من شعير أَو صَاع من تمر
قلت أَرَأَيْت الْمضَارب يَشْتَرِي عبدا للتِّجَارَة على من تكون(2/260)
صَدَقَة الْفطر قَالَ لَيْسَ على رب المَال وَلَا على الْمضَارب شَيْء لِأَن هَذَا تجب فِيهِ الزَّكَاة زَكَاة التِّجَارَة
قلت أَرَأَيْت رجلا وَجَبت عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر فَلم يؤدها حَتَّى مضى الْفطر وَاحْتَاجَ هَل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر فِي حَال حَاجته أَو بعد مَا يُصِيب مَالا قَالَ نعم يجب عَلَيْهِ إِذا أصَاب مَالا أَن يُؤَدِّي
قلت أَرَأَيْت رجلا ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام قبل الْفطر ثمَّ أسلم يَوْم الْفطر هَل تجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت العَبْد الْآبِق هَل يجب على مَوْلَاهُ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ العَبْد الْغَصْب يغصبه الرجل قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ العَبْد الْمَبِيع بيعا فَاسِدا قبل الْفطر إِذا قَبضه المُشْتَرِي فَأعْتقهُ بعد الْفطر فَلَيْسَ على البَائِع فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم قلت فعلى من تكون قَالَ على المُشْتَرِي
قلت أَرَأَيْت العَبْد يأسره الْعَدو هَل على مَوْلَاهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت العَبْد إِذا اشْتَرَاهُ مَوْلَاهُ للْخدمَة ثمَّ أذن لَهُ فِي(2/261)
التِّجَارَة واستدان فأغلق رقبته فِي الدّين ولمولاه مَال كثير هَل عَلَيْهِ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم قلت فَهَل على الْمولى فِي رَقِيق العَبْد صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت من أَيْن افترق العَبْد وعبيده قَالَ عبيده للتِّجَارَة وَعَلِيهِ دين وَلَو لم يكن عَلَيْهِ دين لم يكن عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة الْفطر وَكَانَ عَلَيْهِ صَدَقَة التِّجَارَة
قلت أَرَأَيْت عبدا للتِّجَارَة لَا يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لمَوْلَاهُ مَال غَيره هَل يجب على مَوْلَاهُ زَكَاة التِّجَارَة قَالَ لَا قلت فَهَل عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر قَالَ لَا قلت لم قَالَ من وَجْهَيْن من قبل التِّجَارَة وَمن قبل أَنه لَا يجب على مَوْلَاهُ صَدَقَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يَبِيع العَبْد بيعا فَاسِدا فَلَا يقبضهُ المُشْتَرِي حَتَّى يمْضِي الْفطر ثمَّ يقبضهُ فيعتقه على من زَكَاة الْفطر وَقد كَانَ لغير التِّجَارَة قَالَ زَكَاة الْفطر على البَائِع قلت فَلَو كَانَ المُشْتَرِي قد قَبضه قبل الْفطر ثمَّ رده بعد الْفطر وَهُوَ لغير التِّجَارَة قَالَ يكون على البَائِع لِأَنَّهُ قد رد عَلَيْهِ قلت فَلَو أعْتقهُ المُشْتَرِي أَو بَاعه قَالَ زَكَاة الْفطر على المُشْتَرِي(2/262)
قلت أَرَأَيْت الرجل الْمَعْتُوه لَهُ رَقِيق وَهُوَ غَنِي هَل عَلَيْهِ فِي نَفسه ورقيقه زَكَاة الْفطر قَالَ نعم هُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْيَتِيم فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي نَفسه وَلَا فِي رَقِيقه
قلت أَرَأَيْت الرجل الْكَافِر لَهُ عبد مُسلم هَل يجب على عَبده زَكَاة الْفطر أَو على مَوْلَاهُ قَالَ لَا لِأَن مَوْلَاهُ كَافِر لَا صَلَاة عَلَيْهِ وَلَا زَكَاة وَإِنَّمَا النّظر إِلَى الْمولى فِي هَذَا
قلت الْمكَاتب لَهُ رَقِيق هَل عَلَيْهِ فيهم زَكَاة الْفطر قَالَ لَا(2/263)
قلت فَالْعَبْد الْوَدِيعَة أَو الْعَارِية أَو الْإِجَارَة قَالَ على رب العَبْد
قلت أَرَأَيْت العَبْد الْمُوصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر على من زَكَاة الْفطر فِيهِ قَالَ على صَاحب الرَّقَبَة
قلت العَبْد الَّذِي يجني الْجِنَايَة عمدا أَو خطأ فِيهَا قصاص أَو لَيْسَ(2/264)
فِيهَا قصاص على من زَكَاة الْفطر قَالَ على رب العَبْد
قلت أَرَأَيْت رجلا رهن رجلا عبدا أَو أمة من يُؤَدِّي عَنهُ زَكَاة الْفطر قَالَ على الرَّاهِن إِذا كَانَ عِنْده وَفَاء بذلك الدّين وَفضل مِائَتي دِرْهَم فَإِن لم يكن عِنْده ذَلِك فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر
قلت وَكم زَكَاة الْفطر قَالَ نصف صَاع من حِنْطَة عَن كل حر أَو عبد صَغِير أَو كَبِير(2/265)
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون بَينه وَبَين رجل رَقِيق لغير التِّجَارَة أيؤدي عَنْهُم صَدَقَة الْفطر هُوَ وَصَاحبه قَالَ لَا فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد على كل وَاحِد مِنْهُمَا صَدَقَة الْفطر وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْغنم السَّائِمَة تكون بَين الرجلَيْن لأَنا نرى قسْمَة الرَّقِيق جَائِزَة وَيقسم الرَّقِيق إِذا كَانُوا بَين رجلَيْنِ
كتاب أبي بكر إِلَى هَذَا الْموضع وَالله أعلم
- بَاب الِاعْتِكَاف
-
أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَعْدَان عَن الْجوزجَاني قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن لَيْث بن أبي سليم عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم أَنَّهُمَا قَالَا لَا اعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْم(2/268)
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ مر عبد الله بن مَسْعُود وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان على قوم معتكفين فِي مَسْجِد فَقَالَ عبد الله هَل يكون اعْتِكَاف إِلَّا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ حُذَيْفَة نعم كل مَسْجِد لَهُ إِمَام ومؤذن فَإِنَّهُ يعْتَكف فِيهِ(2/269)
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن لَيْث بن أبي سليم عَن الحكم عَن مقسم عَن عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ لَيْسَ على الْمُعْتَكف صَوْم إِلَّا أَن يُوجِبهُ على نَفسه
وبلغنا عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ لَا اعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسْجِد جمَاعَة(2/271)
وَلَيْسَ يَنْبَغِي للمعتكف أَن يخرج من الْمَسْجِد لحَاجَة مَا خلا الْجُمُعَة وَالْغَائِط وَالْبَوْل فَأَما عِيَادَة الْمَرِيض وَشَهَادَة الْجِنَازَة فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يخرج لذَلِك وَكَذَلِكَ مَا سوى ذَلِك من الْحَوَائِج فَإِن خرج لجمعة أَو غَائِط أَو بَوْل فَدخل بَيْتا أَو مر فِيهِ فَلَا بَأْس بذلك وَلَا يفْسد ذَلِك اعْتِكَافه وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يمْكث فِي منزله بعد فَرَاغه من الْوضُوء وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يمْكث بعد الْجُمُعَة وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْتِي الْجُمُعَة حِين تَزُول الشَّمْس فَيصَلي قبلهَا أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا أَو سِتا وَمَا كَانَ من أكل أَو شراب فَإِنَّهُ يكون فِي مُعْتَكفه وَإِذا مرض الْمُعْتَكف فَخرج من الْمَسْجِد يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل الِاعْتِكَاف إِن كَانَ اعتكافا وَاجِبا وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَقَالَ(2/273)
أَبُو حنيفَة إِذا خرج سَاعَة من الْمَسْجِد من غير عذر اسْتقْبل الِاعْتِكَاف وَكَذَلِكَ إِذا خرج من الْمَسْجِد لغير حَاجَة يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه فِي قَول أبي يُوسُف وَكَذَلِكَ لَو أفطر يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه وَكَذَلِكَ لَو وَاقع امْرَأَته كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه
وَلَا تعتكف الْمَرْأَة إِلَّا فِي مَسْجِد بَيتهَا وَلَا تعتكف فِي مَسْجِد جمَاعَة(2/274)
وَإِذا جعل الرجل على نَفسه لله أَن يعْتَكف شهرا أَو ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلم ينْو شهرا بِعَيْنِه فَإِن ذَلِك سَوَاء وَهُوَ متتابع عَلَيْهِ فِي ذَلِك اللَّيْل وَالنَّهَار ويفتتح ذَلِك مَتى شَاءَ
وَإِذا قَالَ الرجل لله عَليّ أَن أعتكف شهرا بِالنَّهَارِ فَلهُ أَن يعْتَكف بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله لله عَليّ أَن لَا أكلم فلَانا شهرا بِالنَّهَارِ فَهُوَ كَمَا قَالَ
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه اعْتِكَاف ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلم يقل مُتَتَابِعًا فَهُوَ متتابع وَإِذا افْتتح الرجل ذَلِك وَاعْتَكف فَعَلَيهِ اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِن ترك شَيْئا من ذَلِك أفسد عَلَيْهِ اعْتِكَافه وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل وَلَيْسَ هَذَا كَالصَّوْمِ أَلا ترى أَنه لَو جعل لله على نَفسه أَن يَصُوم ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلم ينْو مُتَتَابِعًا كَانَ لَهُ أَن يفرق إِن شَاءَ أَو لَا ترى أَنه يفْطر بِاللَّيْلِ(2/275)
وَإِذا جعل الرجل لله عَلَيْهِ أَن يعْتَكف شهرا بِعَيْنِه قد سَمَّاهُ فَذهب ذَلِك الشَّهْر قبل أَن يفعل فَعَلَيهِ أَن يعْتَكف شهرا سواهُ وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا فَإِن لم يكن أَرَادَ يَمِينا فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه أَن يعْتَكف شعْبَان فاعتكفه إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا فَعَلَيهِ أَن يقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ
وَإِذا جعلت الْمَرْأَة لله عَلَيْهَا أَن تعتكف شهرا فَحَاضَت فِيهِ فعلَيْهَا أَن تقضي أَيَّام حَيْضهَا وَتصل بالشهر لِأَن أَيَّام حَيْضهَا كَأَنَّهَا ليل فَإِن لم تصل الْأَيَّام الَّتِي تقضي بالشهر أفسدت على نَفسهَا اعتكافها وَكَانَ عَلَيْهَا أَن تسْتَقْبل الِاعْتِكَاف وَلَيْسَ الْحيض كَغَيْرِهِ لِأَن الْحيض عذر يُصِيبهَا فِي كل شهر فَإِذا لم تصل الِاعْتِكَاف بِالْأَيَّامِ الَّتِي تقضي أَمَرتهَا فأعادت هُوَ بِمَنْزِلَة الشَّهْرَيْنِ المتتابعين
وَإِذا اعْتكف الرجل من غير أَن يُوجب على نَفسه شَيْئا فَهُوَ معتكف فَإِن خرج من الْمَسْجِد فَقطع الِاعْتِكَاف فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء من قبل أَنه لم يُوجب على نَفسه شَيْئا وَهُوَ معتكف مَا أَقَامَ فِي الْمَسْجِد تَارِك لذَلِك حَتَّى يخرج مِنْهُ
وَإِذا اعْتكف الرجل وَهُوَ فِي الْمَسْجِد ثمَّ انْهَدم فَهَذَا عذر(2/276)
وَلَا بَأْس بِأَن يخرج إِلَى مَسْجِد آخر
وَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي الْمُعْتَكف وَيبِيع فِي الْمَسْجِد وَأَن يتحدث بِمَا بدا لَهُ من الحَدِيث بعد أَن لَا يكون بمأثم
وَلَيْسَ فِي الِاعْتِكَاف صمت لِأَنَّهُ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الصمت
وَإِذا اعْتكف الرجل اعتكافا وَاجِبا فَأخْرجهُ السُّلْطَان مكْرها أَو غير سُلْطَان فَإِن دخل مَسْجِدا غير ذَلِك الْمَسْجِد مَكَانَهُ استحسنت أَن(2/277)
يكون على اعْتِكَافه وأدع الْقيَاس فِي ذَلِك وَإِن أَخذ فِي عمل غير ذَلِك أَو حَبسه حَابِس عَن الْمَسْجِد يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم انْتقض اعْتِكَافه وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه
وَإِن خرج الْمُعْتَكف لغائط أَو بَوْل من الْمَسْجِد فلقي غريما لَهُ فَلَزِمَهُ يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم انْتقض اعْتِكَافه إِذا كَانَ وَاجِبا وَلَو حَبسه سَاعَة أَو نَحْو ذَلِك لم ينْتَقض اعْتِكَافه أستحسن ذَلِك وأدع الْقيَاس فِيهِ وَأما فِي قَول أبي حنيفَة فَإِن اعْتِكَافه فَاسد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا خرج من الْمَسْجِد سَاعَة أَو أَكثر لغير غَائِط وَلَا بَوْل وَلَا جُمُعَة فقد أفسد اعْتِكَافه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الِاعْتِكَاف وَكَذَلِكَ إِذا جَامع امْرَأَته فقد أفسد اعْتِكَافه(2/278)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا خرج أَكثر من نصف يَوْم أفسد اعْتِكَافه وَإِذا خرج أقل من ذَلِك لم يفْسد اعْتِكَافه
وَالِاعْتِكَاف الْوَاجِب أَن يَقُول الرجل لله عَليّ اعْتِكَاف كَذَا وَكَذَا أَو يَجْعَل عَلَيْهِ ذَلِك إِن كلم فلَانا فَكَلمهُ أَو إِن قدم فلَان فَقدم أَو إِن برِئ فلَان من مرض كَذَا وَكَذَا فبرئ فلَان من ذَلِك الْمَرَض
وَالِاعْتِكَاف الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِب الَّذِي يعتكفه وَهُوَ يَنْوِي شَيْئا وَلَا يتَكَلَّم بِهِ
وَإِذا جعل الرجل لله عَلَيْهِ أَن يعْتَكف يَوْمًا اعْتكف ذَلِك الْيَوْم مَتى شَاءَ وَإِذا أَرَادَ أَن يفعل دخل الْمَسْجِد قبل طُلُوع الْفجْر فَإِذا غربت الشَّمْس فقد قضى اعْتِكَافه وَإِذا دخل بعد مَا طلع الْفجْر فَلَا يجْزِيه من اعْتِكَافه لِأَن هَذَا أقل من يَوْم وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعْتَكف من اللَّيْل شَيْئا
وَلَو جعل لله عَلَيْهِ أَن يعْتَكف يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يدْخل قبل غرُوب الشَّمْس فيعتكف لَيْلَة يَوْمه وَاللَّيْلَة الْمُسْتَقْبلَة والغد إِلَى أَن تغيب الشَّمْس وَكَذَلِكَ لَو جعل لله على نَفسه أَن يعْتَكف أَيَّامًا كَثِيرَة أَو قَليلَة دخل الْمَسْجِد قبل غرُوب الشَّمْس ثمَّ اعْتكف ليلته ويومه ذَلِك وَمَا اسْتقْبل من الْأَيَّام والليالي حَتَّى يستكمل الْعدَد يدْخل اللَّيْل فِي الِاعْتِكَاف وَلَا يدْخل فِي الصَّوْم لِأَنَّهُ معتكف بِاللَّيْلِ وَلَا يَصُومهُ(2/279)
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه اعْتِكَاف شهر بِعَيْنِه فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يدْخل الْمَسْجِد قبل أَن تغيب الشَّمْس فتغيب الشَّمْس وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فيستقبل الشَّهْر بأيامه ولياليه لِأَن اللَّيْلَة من الشَّهْر وَلَيْسَت من الْيَوْم
وَإِذا جَامع الرجل امْرَأَته وَهُوَ فِي اعْتِكَاف وَاجِب فقد أَسَاءَ وَقد أفسد اعْتِكَافه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا جَامعهَا زَوجهَا وَلَو كَانَت مُبَاشرَة دون الْجِمَاع أنزل فِيهَا فَأوجب عَلَيْهِ فِيهِ الْغسْل كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْجِمَاع وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة يكون مِنْهَا مَا يكون من الرجل من الدفق وَإِن لم يكن أنزل وَلَا أنزلت فقد أساءا جَمِيعًا فِي ذَلِك وَلَا يفْسد ذَلِك عَلَيْهِمَا اعتكافهما فِي قَول أبي يُوسُف وَأما فِي قَول أبي حنيفَة فَإِن كَانَا خرجا من الْمَسْجِد فقد فسد اعتكافهما
وَإِذا أوجب الرجل على نَفسه اعتكافا ثمَّ مَاتَ قبل أَن يَقْضِيه فَلَا يَقْضِيه أحد عَن أحد لِأَنَّهُ لَا يكون اعتكافا إِلَّا بِصَوْم وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن عبد الله بن عَمْرو عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِك وَلكنه يطعم عَنهُ لكل يَوْم نصف صَاع من(2/280)
حِنْطَة لكل مِسْكين
وَإِذا مرض الرجل حِين قَالَ هَذِه الْمقَالة فَلم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا يكون عَلَيْهِم أَن يقضوا عَنهُ شَيْئا من قبل أَنه لم يَصح
وَلَو جعل رجل عَلَيْهِ أَن يعْتَكف لَيْلَة أَو يَوْمًا قد أكل فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَإِذا قَالَت الْمَرْأَة لله عَليّ أَن أعتكف أَيَّام حيضي فَلَا اعْتِكَاف عَلَيْهَا
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الرجل لله عَليّ أَن أعتكف الْيَوْم الَّذِي يقدم(2/281)
فِيهِ فلَان أبدا فَقدم فلَان لَيْلًا فَلَا اعْتِكَاف عَلَيْهِ وَإِن قدم نَهَارا فِي يَوْم قد أكل فِيهِ الْحَالِف فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعْتَكف فِي ذَلِك الْيَوْم وَعَلِيهِ أَن يعْتَكف فِي كل يَوْم يَأْتِي عَلَيْهِ مثل ذَلِك الْيَوْم وَلَو قدم فلَان فِي يَوْم بعد الظّهْر كَانَ مثل ذَلِك أَيْضا
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه أَن يعْتَكف شهرا قد سَمَّاهُ فَإِذا ذَلِك الشَّهْر الَّذِي قد سَمَّاهُ وعناه قد مضى وَلَا يعلم حِين حلف بمضيه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا اعْتِكَاف عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله لله عَليّ أَن أعتكف أمس
وَلَو أَن معتكفا فِي اعْتِكَاف وَاجِب أحرم بِالْحَجِّ أَو بِالْعُمْرَةِ أَو بهما جَمِيعًا لزمَه الْإِحْرَام مَعَ الِاعْتِكَاف وَيُقِيم فِي اعْتِكَافه حَتَّى يفرغ فَإِن خَافَ أَن يفوتهُ الْحَج خرج فَقضى حجَّته أَو عمرته الَّتِي جعل لله على نَفسه وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الِاعْتِكَاف
وَلَو اعْتكف الرجل فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فِي اعْتِكَاف وَاجِب فَذَلِك أفضل من اعْتِكَافه فِي غَيره وَكَذَلِكَ مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ أفضل من الِاعْتِكَاف فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وكل مَا عظم من الْمَسَاجِد وَكثر أَهله فَهُوَ أفضل وَمَسْجِد الْجَامِع أفضل مِمَّا سواهُ(2/282)
من الْمَسَاجِد بعد الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا كَانَ مثله من مَسَاجِد الْجَمَاعَة مَا خلا هذَيْن المسجدين
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه الِاعْتِكَاف ثمَّ رَجَعَ عَن الْإِسْلَام ثمَّ أسلم فَلَيْسَ عَلَيْهِ اعْتِكَاف هدم الشّرك الِاعْتِكَاف
وَإِذا جعل العَبْد على نَفسه الِاعْتِكَاف أَو الْأمة فمولاه أَن يمنعهُ ذَلِك فَإِذا أعتقا كَانَ عَلَيْهِمَا أَن يقضيا الِاعْتِكَاف الَّذِي كَانَا أوجبا على أَنفسهمَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا جعلت على نَفسهَا الِاعْتِكَاف فلزوجها أَن يمْنَعهَا وَأما أم الْوَلَد والمدبرة فهما بِمَنْزِلَة العَبْد فِي ذَلِك فَأَما الْمكَاتب فَإِذا جعل على نَفسه اعتكافا مَعْلُوما كَانَ عَلَيْهِ أَن يعتكفه لِأَن الْمولى لَا يَسْتَطِيع أَن يحول بَينه وَبَين ذَلِك وَكَذَلِكَ العَبْد الَّذِي قد أعتق بعضه وَهُوَ يسْعَى فِي نصف قِيمَته
وَإِذا أكل الْمُعْتَكف نَاسِيا بِالنَّهَارِ فصومه تَامّ ويمضي على اعْتِكَافه(2/283)
وَإِذا جَامع بِالنَّهَارِ نَاسِيا فقد أفسد اعْتِكَافه وَلَا يشبه الْجِمَاع فِي هَذَا الْموضع الْأكل وَالشرب لِأَن الْجِمَاع يحرم عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ كَمَا يحرم عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ وَلم يحرم من قبل الصَّوْم وَصَارَ الْجِمَاع بِمَنْزِلَة الْخُرُوج من الْمَسْجِد أَلا ترى أَنه لَو خرج نَاسِيا كَانَ خُرُوجه كخروجه مُتَعَمدا فَكَذَلِك الْجِمَاع وَأما الصَّوْم فِي غير الِاعْتِكَاف إِذا جَامع فِيهِ نَاسِيا فَإِن الْجِمَاع لَا يفْسد الصَّوْم كَمَا يفْسد الِاعْتِكَاف
وَإِذ جعل الرجل على نَفسه اعْتِكَاف أَيَّام مَعْلُومَة إِن كلم فلَانا أَو إِذا دخل دَار فلَان أَو فعل كَذَا وَكَذَا فَفعل ذَلِك فَعَلَيهِ أَن يعْتَكف وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة دون الِاعْتِكَاف
وَإِذا قَالَ فِي يَمِينه إِن شَاءَ الله وَوَصلهَا بِكَلَامِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَإِذا قَالَ إِن كنت دخلت دَار فلَان فعلى اعْتِكَاف شهر وَقد كَانَ دَخلهَا وَهُوَ لَا يعلم يَوْمئِذٍ فَعَلَيهِ الِاعْتِكَاف الَّذِي أوجبه على نَفسه
وَإِذا أغمى على الْمُعْتَكف أَيَّامًا أَو أَصَابَهُ لمَم فِي اعْتِكَاف وَاجِب عَلَيْهِ فَعَلَيهِ إِذا برِئ وَصَحَّ أَن يسْتَقْبل الِاعْتِكَاف وَلَو تطاول بِهِ اللمم وَصَارَ معتوها لَا يفِيق فَمَكثَ ذَلِك سِنِين كَانَ هَذَا والفرائض الَّتِي(2/284)
افْترض الله تَعَالَى عَلَيْهِ سَوَاء فِي الْقيَاس لَا يقْضِي وَلَا يكون عَلَيْهِ شَيْء وَلَكنَّا نَدع الْقيَاس ونوجب عَلَيْهِ الْقَضَاء لِأَنَّهُ إِذا أحرم بِالْحَجِّ ثمَّ أَصَابَهُ ذَلِك ثمَّ أفق أوجبت عَلَيْهِ الْقَضَاء
وَإِذا جعل الْأَعْمَى أَو المقعد على نَفسه الِاعْتِكَاف لزمَه كَمَا يلْزم الصَّحِيح
وَإِذا جعل الْمَرِيض على نَفسه الِاعْتِكَاف وَهُوَ مَرِيض لَا يُطيق ذَلِك ثمَّ مَاتَ قبل أَن يبرأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَإِذا جعل الصَّحِيح على نَفسه اعْتِكَاف شهر فمرت عَلَيْهِ عشرَة أَيَّام ثمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لوَرثَته أَن يقضوا عَنهُ شهرا يطعم لذَلِك ثَلَاثِينَ مِسْكينا لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة فَإِن أَبَوا أَن يَفْعَلُوا ذَلِك لم يجبروا على شَيْء مِنْهُ
وَلَا بَأْس بِأَن يلبس الْمُعْتَكف والمعتكفة مَا بدا لَهما من الثِّيَاب ويأكلان مَا بدا لَهما من الطَّعَام ويتطيبان مَا بدا لَهما من الطّيب ويدهنان بِمَا شَاءَ من الدّهن وليسا فِي ذَلِك كالمحرم(2/285)
ولابأس بِأَن يعْتَكف العَبْد إِذا أذن لَهُ مَوْلَاهُ أَو الْأمة أَو أم الْوَلَد والمدبرة وَالْمُدبر وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا أذن لَهَا زَوجهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يمْنَعهَا وللمولى أَن يمْنَع رَقِيقه الِاعْتِكَاف وَلَا مأثم عَلَيْهِ فِي ذَلِك إِلَّا أَن يكون قد أذن لَهُم فَإِن كَانَ قد أذن لَهُم فإنى أكره لَهُ أَن يمنعهُم بعد مَا قد كَانَ أذن لَهُم فَإِن مَنعهم بعد الْإِذْن فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء غير أَنه قد أَسَاءَ وأثم حِين مَنعهم بعد الْإِذْن
وَلَا بَأْس بِأَن ينَام الْمُعْتَكف فِي الْمَسْجِد وَلَا يفْسد الِاعْتِكَاف كَلَام وَلَا سباب وَلَا جِدَال غير أَنه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَعَمَّد لشَيْء من ذَلِك فِيهِ مأثم
وَلَو نظر الْمُعْتَكف إِلَى امْرَأَته وَأنزل لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ اعْتِكَافه وَوَجَب عَلَيْهِ الْغسْل
وَإِذا أخرج الْمُعْتَكف سُلْطَان فِي حد عَلَيْهِ أَو لَهُ يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم أفسد عَلَيْهِ اعْتِكَافه(2/286)
وَلَو سكر الْمُعْتَكف لَيْلًا لم يفْسد عَلَيْهِ اعْتِكَافه وَلَو كَانَ رجل معتكف فِي مَسْجِد وَهُوَ مُؤذن فَصَعدَ إِلَى المنارة لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ اعْتِكَافه وَلَو كَانَ بَاب المئذنة خَارِجا من الْمَسْجِد لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ اعْتِكَافه
وَلَو نسي الْمُعْتَكف فَخرج من الْمَسْجِد ثمَّ ذكر بعد ذَلِك فَدخل الْمَسْجِد لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ اعْتِكَافه فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بَأْس للمعتكف أَن يخرج رَأسه من الْمَسْجِد إِلَى بعض أَزوَاجه وَأَهله فيغسله وَإِن غسله فِي الْمَسْجِد فِي إِنَاء فَلَا بَأْس بِهِ(2/287)
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم ان عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت تغسل رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي حَائِض وَهُوَ معتكف يخرج رَأسه من الْمَسْجِد فتغلسه
أخبرنَا مُحَمَّد عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله(2/288)
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يعْتَكف أصبح فِي الْمَكَان الَّذِي يُرِيد أَن يعْتَكف فِيهِ
قَالَ وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر بقبة أَو خيمة فَضربت لَهُ حَيْثُ أَرَادَ أَن يعْتَكف فَإِذا قباب وخيام مَضْرُوبَة فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا لعَائِشَة ولحفصة ولزينب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلبر يردن بِهن ثمَّ أَمر بخيمته فنقضت فَلم يعْتَكف تِلْكَ الْعشْر فَلَمَّا دخل شَوَّال اعْتكف مَكَانهَا عشرا(2/289)
قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه اعْتكف فِي الْعشْر الْوُسْطَى من رَمَضَان فَلَمَّا فرغ من اعْتِكَافه أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ إِن مَا تطلب وَرَاءَك قَالَ فَخَطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبِيحَة الْعشْرين ثمَّ قَالَ إِنِّي أَرَانِي أَسجد فِي مَاء وطين فَمن كَانَ اعْتكف مَعنا فليعد إِلَى مُعْتَكفه فَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ فهاجت السَّمَاء عشيته وَكَانَ عَرِيش الْمَسْجِد من جريد فوكف فَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ(2/291)
فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ لقد صلى بِنَا الْمغرب لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين فوكف فَقَالَ أَبُو سعيد وَإِنِّي لأنظر إِلَى جَبهته وأرنبة أَنفه فِي المَاء والطين قَالَ مُحَمَّد حَدثنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو يُوسُف عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ(2/292)
وَإِذا قَالَ الرجل لله عَليّ أَن أعتكف شهرا بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل فَلهُ أَن يعْتَكف بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل إِن شَاءَ وَإِذا قَالَ شهرا وَنوى النَّهَار دون اللَّيْل فَعَلَيهِ النَّهَار وَاللَّيْل فِي ذَلِك وَلَيْسَت نِيَّته هَهُنَا بِشَيْء وَهُوَ بِمَنْزِلَة رجل قَالَ لله عَليّ أَن لَا أكلم فلَانا شهرا يَنْوِي النَّهَار دون اللَّيْل فَعَلَيهِ اللَّيْل وَالنَّهَار
وَإِذا جعل الرجل لله عَلَيْهِ أَن يعْتَكف يَوْم النَّحْر وَيَوْم الْفطر وَأَيَّام التَّشْرِيق فَعَلَيهِ أَن يفْطر ويعتكف أَيَّامًا مَكَانهَا وَيكفر يَمِينه إِذا(2/295)
مَضَت تِلْكَ الْأَيَّام إِن كَانَ أَرَادَ بذلك يَمِينا وَلَو اعْتكف يَوْم النَّحْر وَيَوْم الْفطر وَأَيَّام التَّشْرِيق كَمَا جعل لله على نَفسه وَصَامَ أجزاه ذَلِك وَقد أَسَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يكون صَائِما فِي تِلْكَ الْأَيَّام وَتلك الْأَيَّام لَيست بأيام صَوْم أَلا ترى أَنه نهى عَن صَوْم هَذِه الْخَمْسَة الْأَيَّام لِأَن صَومهَا صَوْم
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
- بَاب فِي الصّيام وَالِاعْتِكَاف من الْجَامِع الْكَبِير
-
وَإِذا قَالَ الرجل لله عَليّ أَن أعتكف شهرا وَلم ينْو شهرا(2/296)
بِعَيْنِه فَلهُ أَن يعْتَكف أَي شهر شَاءَ وَلَكِن لَا بُد لَهُ من أَن يُتَابع بَين اعْتِكَافه وَلَا يفرق
فَإِن قَالَ نَوَيْت أَن أعتكف بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل لم تكن نِيَّته تِلْكَ شَيْئا لِأَن الشَّهْر يدْخل فِيهِ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالِاعْتِكَاف يجب بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَلذَلِك كَانَ عَلَيْهِ الشَّهْر مُتَتَابِعًا
وَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شهرا وَلم ينْو شهرا بِعَيْنِه وَلَا مُتَتَابِعًا وَلَا نِيَّة لَهُ فَإِن شَاءَ فرق بَين صَوْمه وَإِن شَاءَ وصل لِأَن الصَّوْم يكون بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل فَلذَلِك كَانَ لَهُ أَن يفرق إِن شَاءَ
وَإِذا قَالَ لله عَليّ اعْتِكَاف شهر فَعَلَيهِ اعْتِكَاف بصومه لَا بُد مِنْهُ لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يكون إِلَّا بِصَوْم وَاللَّيْل لَا يكون فِيهِ صَوْم
وَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أعكف يَوْمًا وَجب عَلَيْهِ أَن يعْتَكف يَوْمًا يَصُوم فِيهِ يدْخل الْمَسْجِد قبل طُلُوع الْفجْر فيقيم فِيهِ صَائِما إِلَى أَن تغيب الشَّمْس وَلَا يخرج مِنْهُ إِلَّا لغائط أَو بَوْل أَو جُمُعَة
وَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف لَيْلَتَيْنِ فَعَلَيهِ أَن يعْتَكف لَيْلَتَيْنِ(2/297)
بيوميهما يدْخل الْمَسْجِد قبل أَن تغيب الشَّمْس فيقيم فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَة وَيُصْبِح صَائِما وَيُقِيم فِيهِ اللَّيْلَة الْأُخْرَى وَيُصْبِح صَائِما معتكفا إِلَى اللَّيْل
وَلَا يشبه قَوْله لله عَليّ اعْتِكَاف لَيْلَة قَوْله لله عَليّ اعْتِكَاف لَيْلَتَيْنِ لِأَن الليلتين يكونَانِ بيوميهما وَاللَّيْلَة لَا تكون بيوميهما أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف ثَلَاثِينَ لَيْلَة دخل فِي ذَلِك اللَّيْل وَالنَّهَار وَكَانَ بِمَنْزِلَة لله عَليّ أَن اعْتكف شهرا
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف يَوْمَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ بليلتيهما فَيَنْبَغِي لَهُ إِذا أَرَادَ ذَلِك أَن يدْخل الْمَسْجِد قبل غرُوب الشَّمْس فيمكث فِيهِ ليلته ويومه وَاللَّيْلَة الْأُخْرَى ويومها
وَإِذا قَالَ لله على أَن أعتكف ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَقَالَ نَوَيْت اللَّيْل دون النَّهَار فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء لِأَن الصّيام لَا يكون إِلَّا بِاللَّيْلِ وَلَا يكون اعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْم(2/298)
وَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ نَوَيْت النَّهَار دون اللَّيْل فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِن شَاءَ فرق اعْتِكَافه وَإِن شَاءَ جمع لِأَن هَذَا بِمَنْزِلَة الصَّوْم
وَإِذا قَالَ لله على أَن أعتكف شهر رَمَضَان فَعَلَيهِ أَن يعْتَكف بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَإِن صَامَهُ وَلم يعتكفه كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء اعْتِكَافه فيعتكف شهرا مَكَانَهُ مُتَتَابِعًا ويصوم فِيهِ لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يكون إِلَّا بِصَوْم فَلَمَّا لم يعْتَكف فِي شهر رَمَضَان وَجب عَلَيْهِ قَضَاء الِاعْتِكَاف فَلَمَّا وَجب عَلَيْهِ ذَلِك وَجب عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك الصَّوْم فَإِن كَانَ لم يعْتَكف حَتَّى دخل شهر رَمَضَان من قَابل فصامه واعتكفه قَضَاء من اعْتِكَاف الشَّهْر الأول لم يجزه ذَلِك الشَّهْر وَعَلِيهِ أَن يعْتَكف شهرا يَصُوم فِيهِ مَكَان الشَّهْر الأول لِأَن الشَّهْر الأول حِين مضى وَجب عَلَيْهِ قَضَاء اعْتِكَافه بِصَوْم فَلَا يجْزِيه من ذَلِك صَوْم وَجب عَلَيْهِ من غير ذَلِك وَلَو أَنه أفطر شهر رَمَضَان الأول من عذر وَجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ باعتكاف متتابع فَإِن قَضَاهُ باعتكاف متتابع أجزاه ذَلِك لِأَن الشَّهْر وَجب عَلَيْهِ صَوْمه واعتكافه فَقضى(2/299)
ذَلِك أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لله عَليّ أَن اعْتكف رَجَب وَجب عَلَيْهِ صَوْمه واعتكافه فَإِن أفطره كُله ثمَّ قَضَاهُ باعتكاف أجزاه فَإِن اعْتكف مَكَانَهُ شهر رَمَضَان لم يجزه من الِاعْتِكَاف الَّذِي وَجب عَلَيْهِ
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف رَجَب فاعتكف مَكَانَهُ شهر ربيع وَذَلِكَ قبل أَن يدْخل شهر رَجَب أجزاه إِن كَانَ صَامَهُ مَعَ اعْتِكَافه لِأَنَّهُ شَيْء أوجبه على نَفسه لله فَإِذا عجل قبل وقته أجزاه أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لله عَليّ صَوْم يَوْم الْخَمِيس فصَام يَوْم الْأَرْبَعَاء قَضَاء من يَوْم الْخَمِيس أجزاه ذَلِك وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد أما فِي قولي فلست أرى ذَلِك يجْزِيه حَتَّى يَصُومهُ بعد دُخُوله أَلا ترى رجلا لَو صَامَ شهر رَمَضَان قبل أَن يدْخل لم يجزه فَكَذَلِك هَذَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَو أَن رجلا قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بدرهم غَدا فَتصدق بِهِ الْيَوْم أجزاه ذَلِك فَكَذَلِك الصَّوْم الَّذِي أوجبه على نَفسه يجْزِيه إِذا عجله قَالَ مُحَمَّد وَأما أَنا فَأرى الصَّدَقَة يجْزِيه تَعْجِيلهَا وَلَا أرى تَعْجِيل الصَّوْم يجْزِيه وَإِنَّمَا أَقيس مَا أوجب على نَفسه من(2/300)
ذَلِك بِمَا أوجب الله تَعَالَى عَلَيْهِ فَكَمَا أَن الزَّكَاة يجْزِيه تَعْجِيلهَا قبل وَقتهَا فَكَذَلِك إِذا أوجب على نَفسه صَدَقَة فعجلها قبل وَقتهَا أجزاه وَأما الصَّوْم فَلَا يجْزِيه تَعْجِيله كَمَا لَا يجْزِيه تَعْجِيل مَا أوجب الله عَلَيْهِ من الصَّوْم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ غَدا فصلاهما الْيَوْم أجزاه وَقَالَ مُحَمَّد وَأما أَنا فَلَا أرى ذَلِك يجْزِيه أقيسه بِمَا افْترض الله عَلَيْهِ من الصَّلَاة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَلَو أَن رجلا قَالَ إِذا جَاءَ فلَان فَللَّه عَليّ أَن أَصوم يَوْمًا فَعجل صِيَام ذَلِك الْيَوْم قبل أَن يقدم فلَان ثمَّ قدم فلَان بعد فَعَلَيهِ أَن يَصُوم يَوْمًا وَلَا يجْزِيه صِيَام ذَلِك الْيَوْم وَلَا يشبه هَذَا الْوَجْه الأول لِأَن الأول أوجبه على نَفسه بِغَيْر يَمِين وَهَذَا إِنَّمَا أوجبه على نَفسه إِذا قدم فلَان وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ بعد قدومه فَلَا يجْزِيه تَعْجِيله وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِذا قدم فلَان فَللَّه عَليّ أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَعجل صلاتهما قبل قدوم فلَان ثمَّ قدم فلَان فَعَلَيهِ قضاؤهما وَلَا يجْزِيه الأوليان وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِذا قدم فلَان فَللَّه عَليّ أَن أَتصدق بدرهم فَعجل صَدَقَة الدِّرْهَم ثمَّ قدم فلَان إِن ذَلِك لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يتَصَدَّق بدرهم آخر(2/301)
وَإِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم شهر متتابع وَلَا يَنْوِي شهرا بِعَيْنِه فَعَلَيهِ أَن يَصُوم شهرا مُتَتَابِعًا فَإِن أفطر مِنْهُ يَوْمًا اسْتقْبل الشَّهْر من أَوله فَإِن كَانَ قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شهرا مُتَتَابِعًا يَعْنِي رَجَب بِعَيْنِه أَو شهرا من الشُّهُور بِعَيْنِه فَعَلَيهِ صَوْم ذَلِك الشَّهْر وَإِن أفطر يَوْمًا قضى ذَلِك الْيَوْم وَحده وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل صَوْم شهر وَلَكِن إِذا أَرَادَ بقوله لله عَليّ يَمِينا كفر يَمِينه مَعَ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم(2/302)
وَإِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم يَوْم فَأصْبح من الْغَد لَا يَنْوِي صوما فَلم تزل الشَّمْس حَتَّى نوى أَن يَصُومهُ من قَضَاء ذَلِك الْيَوْم الَّذِي أوجبه على نَفسه فَإِن ذَلِك لَا يجْزِيه من قَضَاء ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يعزم عَلَيْهِ من اللَّيْل وَلَكِن أحب إِلَيّ أَن يتم صَوْمه فَيَجْعَلهُ تَطَوّعا وَلَا يفْطر وَإِن أفطر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
وَإِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم غَد فَأصْبح من الْغَد لَا يَنْوِي مَا ثمَّ نوى صَوْمه من قَضَاء مَا عَلَيْهِ قبل الزَّوَال أجزاه ذَلِك لِأَنَّهُ أوجب هَذَا الْيَوْم بِعَيْنِه عَلَيْهِ أَلا ترى أَن رجلا لَو أصبح فِي يَوْم من شهر رَمَضَان لَا يَنْوِي صَوْمه ثمَّ نوى صَوْمه قبل الزَّوَال أجزاه ذَلِك وَلَو أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان فَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فَأصْبح فِي يَوْم لَا يَنْوِي صَوْمه ثمَّ نوى صَوْمه قَضَاء من الَّذِي وَجب عَلَيْهِ لم يجزه ذَلِك فَكَذَلِك هَذَا(2/303)
وَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم غَدا ثمَّ أصبح يَنْوِي أَن يَصُومهُ تَطَوّعا وَلَا يَصُومهُ مِمَّا أوجبه على نَفسه فصومه ذَلِك مِمَّا أوجبه على نَفسه وَلَا يكون تَطَوّعا
وَلَو أَن رجلا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم رَجَب بِعَيْنِه ثمَّ أَنه ظَاهر من امْرَأَته فصَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَحدهمَا رَجَب أجزاه من الظِّهَار وَعَلِيهِ أَن يقْضِي رَجَب كَمَا أوجب على نَفسه وَإِن أَرَادَ يَمِينا لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين لِأَنَّهُ صَامَ رَجَب كَمَا حلف
وَلَو أَن رجلا وَجب عَلَيْهِ صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار فصَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَحدهمَا رَمَضَان لم يجزه ذَلِك وَكَانَ صَوْمه من رَمَضَان خَاصَّة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين وَلَا يشبه شهر رَمَضَان فِي هَذَا الْوَجْه مَا أوجب على نَفسه لِأَن الرجل إِذا أوجب على نَفسه أَن يَصُوم فَكَانَ الْإِيجَاب من قبله كَانَ ذَلِك وَالصَّوْم الَّذِي وَجب بالظهار سَوَاء وَلم يكن أَحدهمَا أوجب من صَاحبه فَمن أَيهمَا صَامَ ذَلِك الشَّهْر أجزاه فَأَما شهر رَمَضَان فَإِنَّهُ لَا يكون أبدا إِلَّا من شهر رَمَضَان
أَلا ترى لَو أَن رجلا صَامَهُ تَطَوّعا كَانَ من شهر رَمَضَان(2/304)
وَمَا أوجبه على نَفسه مِمَّا لم يجب عَلَيْهِ إِلَّا بإيجابه على نَفسه فَكَذَلِك بِمَنْزِلَة الشَّهْرَيْنِ المتتابعين اللَّذين وجبا بالظهار
أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لله عَليّ صَوْم الْأَبَد كَانَ ذَلِك وَاجِبا عَلَيْهِ فَإِن ظَاهر من امْرَأَته وَلم يجد مَا يعْتق أجزاه أَن يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين
أَلا ترى لَو أَن رجلا وَجب عَلَيْهِ قَضَاء أَيَّام من شهر رَمَضَان فقضاها فِي شهر أوجبه على نَفسه أجزاه ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي مَكَان تِلْكَ الْأَيَّام من ذَلِك الشَّهْر فَكَذَلِك هَذَا أَو لَا ترى أَن شهر رَمَضَان لَا يشبه مَا أوجبه على نَفسه من هَذَا لِأَنَّهُ لَو صَامَ ذَلِك فِي شهر رَمَضَان لم يجزه
مَسْأَلَة من كتاب التَّحَرِّي
مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ حَدثنَا حَازِم بن إِبْرَاهِيم البَجلِيّ عَن سماك بن(2/305)
حَرْب عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل شَهَادَة أَعْرَابِي وَحده على رُؤْيَة هِلَال شهر رَمَضَان قدم الْمَدِينَة فَأخْبرهُم أَنه رَآهُ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ(2/306)
قَالَ مُحَمَّد فَهَذَا مِمَّا يدل على أَن شَهَادَة الْوَاحِد فِي أَمر الدّين جَائِزَة وَلَا يقبل على هِلَال الْفطر أقل من شَاهِدين رجلَيْنِ حُرَّيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن هِلَال الْفطر وَإِن كَانَ من أَمر الدّين فَفِيهِ بعض الْمَنْفَعَة لفطر النَّاس وتركهم الصَّوْم فَذَلِك يجْرِي مجْرى الحكم فَلَا تقبل فِيهِ من الشَّهَادَة إِلَّا مَا يقبل فِي الْأَحْكَام وَلَا يقبل فِي هِلَال شهر رَمَضَان قَول مُسلم وَلَا مُسلمين إِذا كَانُوا مِمَّن تجوز شَهَادَتهم وهما مِمَّن يتهم فَأَما عبد ثِقَة أَو امْرَأَة مسلمة ثِقَة حرَّة أَو أمة أَو رجل مُسلم ثِقَة إِلَّا أَنه مَحْدُود فِي قذف فشهادته فِي ذَلِك جَائِزَة وَإِن كَانَ الَّذِي شهد بذلك فِي الْمصر وَلَا عِلّة فِي السَّمَاء لم تقبل شَهَادَته لِأَن الَّذِي يَقع فِي الْقلب(2/309)
من ذَلِك أَنه بَاطِل فان كَانَ فِي السَّمَاء عِلّة من السَّمَاء عِلّة من سَحَاب فَأخْبر أَنه رَآهُ من خلال السَّحَاب أَو جَاءَ من مَكَان آخر فَأخْبر بذلك وَهُوَ ثِقَة فَيَنْبَغِي للْمُسلمين أَن يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ
مَسْأَلَة فِي الْقَيْء من كتاب الْمُجَرّد
الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة فِي صَائِم ذرعه الْقَيْء فَخرج مِنْهُ قَلِيل أَو كثير أَو استقاء فقاء أقل من ملْء الْفَم وَهُوَ فِي ذَلِك ذَاكر أَو نَاس لصيامه لم يفْسد صَوْمه وَكَانَ على صِيَامه وَإِن تقيأ ملْء فِيهِ أَو أَكثر وَهُوَ ذَاكر لصومه فَعَلَيهِ الْقَضَاء قَالَ أَبُو عبد الله يَعْنِي إِذا تكلّف للقيء وَإِن كَانَ نَاسِيا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن خرج من جَوْفه إِلَى حلقه ثمَّ رده(2/310)
وَهُوَ يقدر على رميه وَهُوَ ذَاكر لصومه فَعَلَيهِ الْقَضَاء
وَقَالَ الْحسن بن أبي مَالك عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ إِذا ذرعه الْقَيْء أَو استقاء فَخرج ملْء الْفَم أَو أَكثر ثمَّ رَجَعَ إِلَى حلقه وَهُوَ ذَاكر لصيامه مثل الحمصة وَهُوَ الْقدر الَّذِي يفْطر من الْأكل فطره ذَلِك وَسَوَاء ارتجع ذَلِك أَو غَلبه وَإِن كَانَ الَّذِي خرج من جَوْفه إِلَى فَمه أقل من ملْء الْفَم لم يفطره مَا ارتجع مِنْهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَن أبي يُوسُف قَالَ وسمعته يَقُول غير هَذَا القَوْل يَقُول إِذا كَانَ الْقَيْء أقل من ملْء الْفَم فارتجعه مُتَعَمدا فطره وَإِن غَلبه لم يفطره
الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَإِذا كَانَ بَين أَسْنَانه لحم فتلمظه فَدخل حلقه أَو اجْتمع من رِيقه على لِسَانه فَدخل حلقه فَهُوَ على صِيَامه
من الْمُجَرّد
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أفطر الرجل فِي شهر رَمَضَان نَهَارا وَهُوَ حَاضر مُتَعَمدا فَأكل طَعَاما أَو شرب شرابًا أَو جَامع امْرَأَة فِي الْفرج أَو بعث لَهُ وجور فاتجر بِهِ أَو دَوَاء فَأَخذه وَهُوَ ذَاكر لصومه فَعَلَيهِ الْقَضَاء(2/311)
وَالْكَفَّارَة وَإِن جَامع امْرَأَته فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل ثمَّ جَامع فِي الْفرج بعد ذَلِك أَو أصبح يَنْوِي الْإِفْطَار ثمَّ نوى الصَّوْم بعد ارْتِفَاع النَّهَار فَظن أَن ذَلِك قد أفسد عَلَيْهِ صَوْمه أَو لم يظنّ ذَلِك فَأكل أَو شرب أَو جَامع فَعَلَيهِ الْقَضَاء بِلَا كَفَّارَة وَإِن أكل نَاسِيا أَو شرب نَاسِيا أَو جَامع نَاسِيا أَو ذرعه الْقَيْء أَو قاء نَاسِيا فَظن أَن ذَلِك يفطره فَأكل بعد ذَلِك فَعَلَيهِ الْقَضَاء بِلَا كَفَّارَة وَإِن اكتحل بذور أَو احْتجم أَو قبل امْرَأَته بِشَهْوَة أَو لامسها بِشَهْوَة أَو جَامعهَا فِيمَا دون الْفرج فَلم ينزل فَظن أَن ذَلِك يفطره فَأفْطر مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة فَإِن استفتى فَقِيها أَو تَأَول فِيهِ حَدِيثا أَنه قد فطره فَعَلَيهِ الْقَضَاء بِلَا الْكَفَّارَة وَإِن هُوَ اغتاب إنْسَانا أَو قذف مُحصنَة فَظن أَن ذَلِك قد فطره أَو استفتى فِيهِ فَقِيها أَو تَأَول فِيهِ حَدِيثا ثمَّ أفطر بعد ذَلِك فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة لِأَن الحَدِيث فِيهِ مُحْتَمل للتأويل إِذْ قيل قد أفطر على مَا حرم الله وَإِذ قيل(2/312)
إِن الْغَيْبَة قد تفطر فَجعل بِتَأْوِيل ذَلِك على إفطار الْبر لَا إفطار من الصّيام يُرَاد أَنه قد حرف بره لِأَنَّهُ قد خرج من الْبر إِلَى الاثم وَالدَّلِيل اجْتِمَاع النَّاس أَنه لَا يكَاد يسلم أحد من صِيَامه من أَن يغتاب أَو يكذب وَلَا سِيمَا من الْعَامَّة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
// كتاب نَوَادِر الصّيام
//
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يسْتَحبّ للرجل أَن يخرج يَوْم النَّحْر قبل أَن يطعم شَيْئا وَأَن يطعم يَوْم الْفطر قبل أَن يخرج قَالَ وَكتب شيخ من أهل الْبَصْرَة يذكر عَن عبد الله بن(2/313)
بُرَيْدَة يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل ذَلِك وَمِمَّا يسْتَحبّ يَوْم الْفطر(2/314)
قبل الْخُرُوج أَن يستاك وَيطْعم ويمس طيبا إِن وجده وَيخرج الصَّدَقَة ثمَّ يخرج وصدقته نصف صَاع من حِنْطَة أَو سويق أَو دَقِيق أَو صَاع من تمر أَو صَاع من شعير فَإِن أعْطى قيمَة ذَلِك دَرَاهِم أَو فُلُوسًا أجزاه وَإِن جمع لمسكين وَاحِد عَن نفر أجزاه وَإِن فرق طَعَاما عَن وَاحِد فِي مَسَاكِين أجزاه وَيطْعم الرجل عَن وَلَده الصَّغِير وَعَن نَفسه وَعَن عبيده وإمائه الَّذين لغير التِّجَارَة الَّذين تلْزمهُ نَفَقَتهم وَإِن أطْعم عَن امْرَأَته وَعَن وَلَده الْكِبَار بأمرهم أجزى عَنْهُم وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يفعل إِنَّمَا عَلَيْهِم أَن يطعموا وَلَا يجب الطَّعَام على مُحْتَاج لَهُ مسكن وخادم وَثيَاب كفاف ومتاع بَيت كفاف هَذَا مُحْتَاج إِن أعْطى من ذَلِك قبل وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق عَن نَفسه فَإِن كَانَ لَهُ سوى مَا وصفت لَك مِائَتَا دِرْهَم أَو عشرُون مِثْقَالا(2/315)
من ذهب أَو قيمَة ذَلِك من عرض فضل عَن الكفاف الَّذِي وصفت لَك فعلى هَذَا زَكَاة الْفطر وَلَا يَسعهُ أَن يقبلهَا من غَيره
وَلَو كَانَ مَمْلُوك بَين اثْنَيْنِ لم يكن على وَاحِد مِنْهُمَا فِيهِ زَكَاة الْفطر لِأَنَّهُ لَا يملك مَمْلُوكا تَاما
وَلَيْسَ على الرجل أَن يُؤَدِّي عَن مكَاتبه وَعَلِيهِ أَن يُؤَدِّي عَن أم وَلَده ومدبره وَلَيْسَ على رَقِيق التِّجَارَة زَكَاة الْفطر
وَلَيْسَ على الْحَبل زَكَاة الْفطر وَإِن وَلدته يَوْم الْفطر فَإِن وَلدته قبل طُلُوع الْفجْر من يَوْم الْفطر فَعَلَيهِ
وَإِن مَاتَ مَمْلُوك من رَقِيقه يَوْم الْفطر فَعَلَيهِ أَن يطعم وَإِن انْشَقَّ الْفجْر من يَوْم الْفطر وَهُوَ يملكهُ وَجب عَلَيْهِ أَن يطعم عَنهُ وَلَيْسَ يبطل ذَلِك مَوته
وعَلى الْمُسلم زَكَاة الْفطر فِي رَقِيقه وَإِن كَانُوا على غير دين الْإِسْلَام وعَلى مَمْلُوك الْغلَّة زَكَاة الْفطر على مَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ عبد تَاجر لَا يُرِيد مَوْلَاهُ التِّجَارَة فِيهِ
وعَلى الْمولى زَكَاة رَقِيق رَقِيقه إِذا كَانُوا لغير التِّجَارَة فَإِن كَانُوا(2/316)
للتِّجَارَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ فيهم زَكَاة الْفطر لِأَن فيهم زَكَاة المَال إِذا لم يكن على العَبْد دين مُحِيط بقيمتهم
وَلَو أَن رجلا مَضَت عَلَيْهِ سنُون لَا يتَصَدَّق بِصَدقَة الْفطر عَلَيْهِ أَو جَهله نِسْيَانا فَعَلَيهِ أَن يقْضِي ذَلِك وَيتَصَدَّق بِهِ وَمن كَانَ عَلَيْهِ دين حل لَهُ الصَّدَقَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر
وَلَيْسَ على الْمكَاتب أَن يُؤَدِّي عَن نَفسه زَكَاة الْفطر وَلَا على مَوْلَاهُ فِيهِ شَيْء وَلَيْسَ على رَقِيق الْمكَاتب زَكَاة الْفطر وَلَا على مَوْلَاهُ فيهم
وَلَيْسَ على الرجل زَكَاة الْفطر فِيمَن يعول من قرَابَته اخوة كَانُوا أَو عمومة أَو محرما من نسب أَو محرما من رضَاع
وعَلى الْيَتِيم زَكَاة الْفطر فِي نَفسه إِن كَانَ غَنِيا يُؤَدِّيهَا عَنهُ وَصِيّه وَكَذَلِكَ يلْزمه الزَّكَاة فِي رَقِيقه وَفِي هَذَا حجَّة على من قَالَ لَا زَكَاة على الصَّغِير فِي مَاله وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَيْسَ على(2/317)
الصَّغِير زَكَاة
وَلَيْسَ على أهل الذِّمَّة زَكَاة الْفطر فِي رقيقهم وَإِن كَانَ أحد من رقيقهم على الْإِسْلَام أجبروا على بَيْعه
وَلَيْسَ على نَصَارَى بني تغلب زَكَاة الْفطر فِي رقيقهم وَلَيْسَ يبْعَث(2/318)
على زَكَاة الْفطر ساعيا يجبيها من أَدَّاهَا فَمن نَفسه وَمن تَركهَا فلازم أَنه عَلَيْهِ
وَلَو كَانَ رَقِيق بَين رجلَيْنِ لم يكن على وَاحِد مِنْهُمَا زَكَاة الْفطر فِي رَقِيقه لِأَنَّهُ لَا يملك مَمْلُوكا تَاما أَلا ترى أَنه لَو أعتق كل مَمْلُوك لَهُ لم يعْتق مِنْهُم أحد وَلَو كَانَا متفاوضين بَينهمَا رَقِيق فَهُوَ كَذَلِك
وَلَو مر يَوْم الْفطر على رجل وَعِنْده عبد قد اشْتَرَاهُ قبل الْفطر بِالْخِيَارِ فاستوجب بعد الْفطر كَانَ عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر فِيهِ وَلَو فسخ البيع فِيهِ كَانَت زَكَاته على البَائِع إِذا كَانَ الشري وَالْأَصْل لغير التِّجَارَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع فتم البيع فعلى المُشْتَرِي وَإِن انْتقض البيع فعلى البَائِع وَإِن كَانَ عقد البيع وَقع يَوْم الْفطر فعلى البَائِع فِي(2/319)
الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إِن تمّ البيع أَو انْتقض وَالْخيَار للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي
وَلَيْسَ على الرجل فِي مَمْلُوك آبق زَكَاة الْفطر وَلَا فِي عبد غصب وَالْغَاصِب يجحده وَإِن رَجَعَ إِلَيْهِ لم يزك لما مضى وَإِن كَانَ العَبْد غَائِبا عَنهُ فِي حَاجَة لَهُ أَو فِي عمل بِأَجْر أَو فِي صَنْعَة فَعَلَيهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ
فَإِن كَانَ رجل فِي مصر وَله رَقِيق فِي مصر آخر أَو فِي ضَيْعَة فَإِنَّهُ يُؤَدِّي زَكَاة الْفطر عَن رَقِيقه فِي الْمصر الَّذِي هُوَ فِيهِ وَلَا يشبه المَال إِذا وَجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فِي مصر حَيْثُ لَا تحمل إِلَى غَيره وَمن حملهَا وأداها فِي غَيره أجزت عَنهُ
وَلَيْسَ فِي شَيْء من الْحَيَوَان زَكَاة الْفطر مَا خلا رَقِيق الْخدمَة وَمَا كَانَ من الرَّقِيق للتِّجَارَة فَلَيْسَ فيهم زَكَاة الْفطر لِأَن فيهم زَكَاة الْأَمْوَال وَلَا تَجْتَمِع الزَّكَاة من وَجْهَيْن مُتَفَرّقين فِي مَال وَاحِد
وَلَيْسَ فِي العقارات وَلَا فِي الضّيَاع وَلَا فِي شَيْء من الْأَمْوَال وَالْعرُوض زَكَاة الْفطر مَا خلا رَقِيق الْخدمَة ورقيق التجمل ورقيق الْقنية(2/320)
وَإِن كَانَ الرَّهْن مَمْلُوكا لغير التِّجَارَة وَكَانَ أَصله للْخدمَة فعلى الرَّاهِن زَكَاة الْفطر فِيهِ إِذا كَانَ لَهُ فضل عَن دينه وَعَن قوته الَّذِي وصفت لَك مِائَتي دِرْهَم أَو أَكثر أَو عرُوض بِمِثْلِهَا وَلَيْسَ على الْمُرْتَهن زَكَاة العَبْد الرَّهْن وَلَيْسَ على الرجل زَكَاة الْفطر فِي رَقِيق ابْنه الصَّغِير
وَلَو أَن رجلا اشْترى عبدا قبل الْفطر فَلم يقبض وَلم ينْقد حَتَّى مضى يَوْم الْفطر والشرى للْخدمَة فَإِن زَكَاة هَذَا العَبْد على المُشْتَرِي وَإِن مَاتَ قبل أَن يقبضهُ انْتقض البيع فِيهِ وَلَا زَكَاة على وَاحِد مِنْهُمَا وَلَو أَن مَمْلُوكا وجد بِهِ المُشْتَرِي عَيْبا فَرده يَوْم الْفطر بعد الْقَبْض وَكَانَ الشري قبل الْفطر فزكاة الْفطر على المُشْتَرِي إِن رده بِقَضَاء قَاض أَو بِغَيْر قَضَاء قَاض وَكَذَلِكَ لَو رده بِخِيَار الرُّؤْيَة وَلَو لم يقبضهُ حَتَّى رده بِعَيْب أَو بِخِيَار رُؤْيَة فزكاة الْفطر فِي هَذَا على البَائِع الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ العَبْد
وَلَو أَن رجلا فِي يَده عبد للتِّجَارَة قِيمَته خَمْسمِائَة دِرْهَم فَبَاعَهُ بِأمة قبل الْفطر بِيَوْم للتِّجَارَة فَلم يقبض وَلم يدْفع حَتَّى وَجَبت الزَّكَاة فِي مَاله يَوْم الْفطر وَكَانَ ذَلِك وَقت زَكَاته فَلم يفْسخ البيع وَلم يقبض حَتَّى مضى(2/321)
يَوْم الْفطر ثمَّ فسخ البيع بِخِيَار الرُّؤْيَة أَو بِعَيْب فَإِن زَكَاة العَبْد بِالْقيمَةِ على البَائِع وَأما بَائِع الْجَارِيَة فَإِن كَانَت لغير تِجَارَة فَعَلَيهِ زَكَاة الْفطر فِيهَا إِذا انْفَسَخ البيع قبل الْقَبْض بِخِيَار الرُّؤْيَة أَو بِعَيْب وَالزَّكَاة على الَّذِي يرجع إِلَيْهِ ذَلِك الْمَمْلُوك فَإِن كَانَ للتِّجَارَة زَكَاة للتِّجَارَة وَإِن كَانَ للْخدمَة زَكَاة للْخدمَة وَكَذَلِكَ إِذا انْفَسَخ البيع بِخِيَار الشَّرْط وَالْقَبْض وَغير الْقَبْض فِيهِ سَوَاء وَأما خِيَار الرُّؤْيَة وَالْعَيْب فيختلف قبل الْقَبْض وَبعده إِذا كَانَ قبل الْقَبْض فعلى مَا وصفت لَك وَإِن كَانَ بعده فعلى الَّذِي فِي ملكه قبل الْفَسْخ أَلا ترى أَنه فِي ضَمَانه مَا خلا خصْلَة وَاحِدَة إِذا كَانَ رده عَلَيْهِ بِعَيْب وَهُوَ كَارِه فَإِن هَذَا يكون عَلَيْهِ زَكَاة الأوكس كوضيعة لحقته وَلَو كَانَ هُوَ الَّذِي فسخ البيع ورده بِعَيْب وَهُوَ يعرف الْفضل فِيمَا رد فحابى كَانَ عَلَيْهِ ذَلِك فَإِن لم يعرف ذَلِك(2/322)
وَلم يحاب فَعَلَيهِ زَكَاة الأوكس كوضيعة لحقت التَّاجِر فِي هَذَا الْوَجْه وَصَاحب الْخدمَة عَلَيْهِ زَكَاة الَّذِي رد إِذا كَانَ بعد الْقَبْض وَإِذا كَانَ قبله فَعَلَيهِ زَكَاة الَّذِي يرجع إِلَيْهِ
وَلَو أَن عبدا وَقعت عقدَة البيع فِيهِ قبل الْفطر ثمَّ مَاتَ يَوْم الْفطر قبل الْقَبْض والنقد انْفَسَخ البيع وَكِلَاهُمَا صَاحب خدمَة البَائِع وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ الْوَاحِد مِنْهُمَا تَاجِرًا فَلَيْسَ على وَاحِد مِنْهُمَا زَكَاة أَلا ترى أَن المُشْتَرِي يُزكي الثّمن مَعَ مَاله وَالْبَائِع لَا يُزكي الثّمن ويزكي العَبْد
قَالَ أَبُو حنيفَة الصَّاع الأول ثَمَانِيَة أَرْطَال فيجزى نصف صَاع من الْحِنْطَة والدقيق والسويق أَو صَاع من تمر أَو شعير وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّد فَإِن كَانَ الْمَخْتُوم خمسين رطلا فَهُوَ عَن اثنى عشر إنْسَانا(2/323)
وَنصف وَإِذا كَانَ أَرْبَعِينَ رطلا فَهُوَ على عشر أناسى إِذا كَانَ حِنْطَة فَإِن كَانَ شَعِيرًا فَهُوَ عَن خَمْسَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ تَمرا وَالزَّبِيب صَاع فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَفِي قَول أبي حنيفَة نصف صَاع
قلت أَرَأَيْت الرجل يَبِيع العَبْد بيعا فَاسِدا فَلَا يقبضهُ المُشْتَرِي يمْضِي يَوْم الْفطر ثمَّ يقبضهُ فيعتقه على من زَكَاة الْفطر وَقد كَانَ لغير التِّجَارَة قَالَ زَكَاة الْفطر على البَائِع قلت فَلَو كَانَ المُشْتَرِي قد قَبضه قبل الْفطر ثمَّ رده بعد الْفطر وَهُوَ لغير التِّجَارَة قَالَ تكون على البَائِع لِأَنَّهُ قد رد عَلَيْهِ قلت فَلَو أعْتقهُ المُشْتَرِي أَو بَاعه قَالَ زَكَاة الْفطر على المُشْتَرِي وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
فِي كتاب الْمُجَرّد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَإِن عجل زَكَاة الْفطر عَنهُ وَعَمن تجب عَلَيْهِ من وَلَده ورقيقه لسنة أَو سنتَيْن أجزاه ذَلِك وَإِن لم يؤد ذَلِك عَنْهُم حِين وَجَبت عَلَيْهِم حَتَّى مَضَت سنتَانِ أَو ثَلَاث وَجب عَلَيْهِ أَن يعْطى عَنْهُم من حِين مضى زَكَاة الْفطر
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد الطَّحَاوِيّ فِي كِتَابه من أصبح(2/324)
فِي يَوْم من شهر رَمَضَان وَلم ينْو فِي اللَّيْلَة الَّتِي قبله صوما ثمَّ أكل أَو شرب أَو جَامع مُتَعَمدا فَإِن أَبَا حنيفَة كَانَ يَقُول عَلَيْهِ الْقَضَاء بِلَا كَفَّارَة وَكَانَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَقُولَانِ إِذا كَانَ ذَلِك مِنْهُ قبل الزَّوَال فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وَإِذا كَانَ بعد الزَّوَال فَعَلَيهِ الْقَضَاء بِلَا كَفَّارَة وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالبغدادي وَفِي قَول أبي حنيفَة ثَمَانِيَة أَرْطَال تَتِمَّة نَوَادِر الصَّوْم
- بَاب مَا يجب مِنْهُ إفطار الصَّوْم وَمَا يجب فِيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وَمَا يجب الْقَضَاء وَلَا تجب الْكَفَّارَة وَمَا يجوز من الشَّهَادَة على هِلَال رَمَضَان وَمَا لَا يجوز
-
قَالَ وَسُئِلَ مُحَمَّد بن الْحسن عَمَّن ابتلع جوزة رطبَة وَهُوَ صَائِم(2/325)
قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قيل فَإِن ابتلع لوزة رطبَة أَو حِنْطَة صَغِيرَة قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة فَقيل لَهُ ابتلع هليلجة(2/326)
قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة أَرَادَ بِهِ الدَّوَاء أَو لم يرد بِهِ وَكَذَلِكَ إِن أكل مسكا أَو غَالِيَة أَو زعفرانا فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة(2/327)
مُحَمَّد فِي رجل أفطر فِي شهر رَمَضَان من عذر والشهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَقضى شهر رَمَضَان آخر وَهُوَ تِسْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا قَالَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي بِعَدَد مَا كَانَ شهر رَمَضَان إِن كَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فثلاثين وَإِن كَانَ تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا فتسعة وَعشْرين يَوْمًا لقَوْله تَعَالَى {فَعدَّة من أَيَّام أخر}
مُحَمَّد قَالَ إِذا شهد رجل وَاحِد وبالسماء عِلّة قبلت شَهَادَته وَحده إِذا كَانَ عدلا وَأما على الْفطر فَلَا تقبل إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ إِذا كَانَ بالسماء عِلّة وَإِن لم يكن بالسماء عِلّة لم أقبل شَهَادَة رجل حَتَّى يكون أمرا ظَاهرا وَكَذَلِكَ لَو شهِدت امْرَأَة وَهِي عدلة فشهادتها(2/328)
جَائِزَة وَكَذَلِكَ لَو شهد رجل على شَهَادَة رجل فَهُوَ جَائِز وَيجوز فِي ذَلِك شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا كَانَ عدلا وَلَا تجوز شَهَادَة الْفَاسِق وَتجوز شَهَادَة العَبْد إِذا كَانَ عدلا(2/329)
مُحَمَّد فِي رجل جَامع امْرَأَته نَهَارا نَاسِيا فِي شهر رَمَضَان ثمَّ ذكر وَهُوَ مخالطها فَقَامَ عَنْهَا أَو جَامعهَا لَيْلًا فانفجر الصُّبْح وَهُوَ مخالطها فَقَامَ عَنْهَا من سَاعَته قَالَ هما سَوَاء وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَذكر عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ يقْضِي الَّذِي كَانَ وَطْؤُهُ بِاللَّيْلِ وَلَا يقْضِي الَّذِي كَانَ وَطْؤُهُ بِالنَّهَارِ
قلت أَرَأَيْت لَو أَن صَائِما ابتلع شَيْئا كَانَ بَين أَسْنَانه قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاء قلت وَإِن كَانَ سمسما بَين أَسْنَانه فابتلعها قَالَ(2/331)
لَا قَضَاء عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك مغلوب لَا حكم لَهُ كالذباب وَإِن تنَاول سمسما ابْتِدَاء أفطر(2/332)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الصَّوْم فِي رَمَضَان لرمضان وَلَا يكون لغيره إِذا كَانَ مُقيما وَإِن كَانَ مُسَافِرًا فَإِن صَامَهُ من صَوْم وَاجِب عَلَيْهِ أجزاه من الْوَاجِب وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاء رَمَضَان وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هما سَوَاء وَهُوَ من رَمَضَان وَلَا يجْزِيه من غَيره مَرِيضا كَانَ أَو مُسَافِرًا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي رجل قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الْيَوْم شهرا فَعَلَيهِ أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم كلما دَار حَتَّى يتم شهرا أَرْبَعَة أَيَّام أَو خَمْسَة حَتَّى يستكمل ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُنْذُ قَالَ هَذَا القَوْل(2/333)
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الشَّهْر يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم ذَلِك الشَّهْر بِعَيْنِه مَتى شَاءَ فَهُوَ فِي سَعَة مَا بَينه وَبَين أَن يَمُوت
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الْيَوْم غَدا فَإِن كَانَ قبل الزَّوَال وَلم يَأْكُل وَلم يشرب فَعَلَيهِ صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَإِن قَالَ هَذَا القَوْل بعد الزَّوَال أَو أكل أَو شرب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم أمس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ(2/334)
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم غَدا الْيَوْم كَانَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم غَدا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الأول من اللَّفْظ لَيْسَ الآخر
وَلَو قَالَ لله عَليّ صَوْم الْأَيَّام وَلَا نِيَّة لَهُ كَانَ عَلَيْهِ سَبْعَة أَيَّام لِأَنَّهُ كلما مَضَت الْجُمُعَة عَادَتْ وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهِ عشرَة أَيَّام لِأَن أَكثر مَا يسْتَحق اسْم الْأَيَّام فِي اللُّغَة إِنَّمَا هُوَ عشرَة أَيَّام أَلا ترى أَنَّك تَقول ثَلَاثَة أَيَّام وَعشرَة أَيَّام وَلَا تَقول أحد عشر أَيَّام وَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم أَيَّامًا وَلَا نِيَّة لَهُ فَعَلَيهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام(2/335)
وَلَو قَالَ لله عَليّ صِيَام الشُّهُور كَانَ عَلَيْهِ اثْنَا عشر شهرا وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع ذَلِك على صِيَام عشرَة أشهر
وَلَو قَالَ لله عَليّ صِيَام الْجمع على مدى الشُّهُور وَلَا نِيَّة لَهُ فَعَلَيهِ أَن يَصُوم كل جُمُعَة تَأتي عَلَيْهِ فِي ذَلِك الشَّهْر
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم أَيَّام الْجُمُعَة فَإِن عَلَيْهِ سَبْعَة أَيَّام(2/336)
وَلَو قَالَ لله عَليّ صَوْم الْجُمُعَة فَهَذَا يَقع على وَجْهَيْن على أَيَّام الْجُمُعَة السَّبْعَة وَقد يَقع على الْجُمُعَة بِعَينهَا فَأَي ذَلِك نوى لزمَه فَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَهَذَا على أَيَّام الْجُمُعَة السَّبْعَة(2/337)
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم كَذَا كَذَا يَوْمًا فَهُوَ على أحد عشر يَوْمًا وَإِن كَانَ لَهُ نِيَّة صرف الْأَمر إِلَى نِيَّته
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم كَذَا وَكَذَا فَهُوَ على أحد وَعشْرين يَوْمًا إِلَّا أَن يَنْوِي غير ذَلِك فَيكون كَمَا نوى
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم بضعَة عشر يَوْمًا لزمَه صِيَام ثَلَاثَة عشر يَوْمًا لِأَن الْبضْع من ثَلَاثَة إِلَى سَبْعَة فوضعناه على الْأَقَل من اسْم الْبضْع(2/338)
وَلَو قَالَ لله عَليّ صَوْم السنين كَانَ هَذَا صَوْم الدَّهْر والسنون مُخَالف للشهور لِأَنَّهُ لَا غَايَة للسنين تنتهيها وَأما الشُّهُور فلهَا غَايَة فِي كتاب الله تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله} على هَذَا يصرف يَمِينه إِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِن كَانَت لَهُ نِيَّة يصرف إِلَى نِيَّته وَهُوَ على قِيَاس قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأما فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة يرى على مَا وَصفنَا قبل هَذَا
وَلَو قَالَ لله عَليّ صَوْم الزَّمَان فَهُوَ سِتَّة أشهر إِن لم يكن لَهُ نِيَّة(2/339)
وَكَذَلِكَ الْحِين
تمت النَّوَادِر وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ ويتلوها كتاب الْمَنَاسِك(2/340)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
// كتاب الْمَنَاسِك
//
قَالَ أَبُو حنيفَة وَإِذا أردْت أَن تحرم بِالْحَجِّ إِن شَاءَ الله فاغتسل(2/341)
أَو تَوَضَّأ وَالْغسْل أفضل ثمَّ البس ثَوْبَيْنِ إزارا ورداء جديدين أَو غسلين وادهن بِأَيّ دهن شِئْت وصل رَكْعَتَيْنِ وَقل اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيد(2/343)
الْحَج فيسره لي وتقبله مني ثمَّ لب فِي دبر صَلَاتك تِلْكَ وَإِن شِئْت بعد مَا يَسْتَوِي بك بعيرك قَالَ والتلبية أَن تَقول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك(2/344)
لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك فَإِذا لبيت(2/345)
فقد أَحرمت فَاتق مَا نهى الله عَنهُ من قتل الصَّيْد والرفث والفسوق والجدال(2/346)
وَلَا تشر إِلَى صيد وَلَا تدل عَلَيْهِ وَلَا تغط رَأسك وَلَا وَجهك وَلَا تلبس قبَاء وَلَا قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيل وَلَا قلنسوة وَلَا ثوبا مصبوغا بالعصفر وَلَا بالزعفران وَلَا بالورس فَإِن كَانَ قد غسل حَتَّى لَا ينفض فَلَا بَأْس بِأَن تلبسه وَلَا تمس طيبا بعد إحرامك(2/347)
وَلَا تدهن وارفق بحك رَأسك وَلَا تغسل رَأسك وَلَا لحيتك بالخطمى وَلَا تقص أظفارك وَأكْثر من التَّلْبِيَة فِي دبر كل صَلَاة وَكلما لقِيت ركبا وَكلما عَلَوْت شرفا وَكلما هَبَطت وَاديا وبالأسحار وَمَتى تستيقظ من مَنَامك(2/349)
فَإِذا قدمت مَكَّة فَلَا يَضرك لَيْلًا دَخَلتهَا أَو نَهَارا فَادْخُلْ الْمَسْجِد(2/350)
ثمَّ ابدأ بِالْحجرِ الْأسود فاستلمه إِن اسْتَطَعْت من غير أَن تؤذي مُسلما فَإِن لم تستطع ذَلِك فَاسْتَقْبلهُ وَكبر وَهَلل وَاحْمَدْ الله وصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ خُذ على يَمِينك على بَاب الْكَعْبَة فَطُفْ سَبْعَة(2/351)
أَشْوَاط ترمل فِي الثَّلَاثَة الأول فِي كل شوط مِنْهَا من الْحجر الْأسود إِلَى الْحجر الْأسود فَإِن زحمك النَّاس فِي رملك ذَلِك فَقُمْ فَإِذا وجدت مسلكا فارمل وَطف الْأَرْبَعَة الأشواط الْأُخَر مشيا على هينتك وَكلما مَرَرْت بِالْحجرِ الْأسود فِي طوافك هَذَا فاستلمه إِن اسْتَطَعْت(2/352)
من غير أَن تؤذي مُسلما فَإِن لم تستطع فَاسْتَقْبلهُ وَكبر وَهَلل وَإِن افتتحت بِهِ الطّواف وختمت بِهِ أجزاك وَليكن طوافك فِي كل شوط من وَرَاء الْحطيم ثمَّ ائْتِ الْمقَام فصل عِنْده رَكْعَتَيْنِ أَو حَيْثُ تيَسّر(2/353)
عَلَيْك من الْمَسْجِد فَإِذا فرغت مِنْهَا فعد إِلَى الْحجر الْأسود فاستلمه(2/355)
فَإِن لم تستطع فَاسْتَقْبلهُ وَكبر وَهَلل ثمَّ اخْرُج إِلَى الصَّفَا فابدأ بهَا وقم عَلَيْهَا مُسْتَقْبل الْكَعْبَة فتحمد الله وَتثني عَلَيْهِ وتهلل وتكبر وَتُلَبِّي(2/356)
وَتصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَدْعُو الله بحاجتك ثمَّ اهبط مِنْهَا نَحْو الْمَرْوَة فامش على هينتك مشيا حَتَّى تَأتي بطن الْوَادي فاسع فِي بطن الْوَادي سعيا فَإِذا خرجت مِنْهُ فامش على هينتك حَتَّى تَأتي الْمَرْوَة فتصعد عَلَيْهَا وَتقوم مُسْتَقْبل الْكَعْبَة فتحمد الله وَتثني عَلَيْهِ وتهلل وتكبر وَتُلَبِّي وَتصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تَدْعُو الله بحاجتك وَطف بَينهمَا هَكَذَا سَبْعَة أَشْوَاط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة وتسعى فِي بطن الْوَادي فِي كل شوط ثمَّ تقيم بِمَكَّة حَرَامًا(2/357)
لَا يحل لَك شَيْء حَتَّى تَطوف بِالْبَيْتِ كلما بدا لَك وَتصلي لكل أُسْبُوع رَكْعَتَيْنِ حَتَّى تروح مَعَ النَّاس إِلَى منى يَوْم التَّرويَة فتبيت بهَا(2/359)
لَيْلَة عَرَفَة وَتصلي بهَا الْغَدَاة يَوْم عَرَفَة ثمَّ تَغْدُو إِلَى عَرَفَات فتنزل بهَا مَعَ النَّاس فَإِن صليت الظّهْر وَالْعصر مَعَ الإِمَام فَحسن وَإِن صليتهما فِي مَنْزِلك فصل كل وَاحِدَة مِنْهُمَا لوَقْتهَا فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بَأْس بإن يُصَلِّيهمَا الْحَاج فِي منزله كَمَا يُصَلِّيهمَا مَعَ الإِمَام فِي وَقت وَاحِد لِأَن الْعَصْر إِنَّمَا قدمت من أجل الْوَقْت(2/360)
بلغنَا ذَلِك عَن عَائِشَة وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم فَإِذا صلى الْعَصْر رَاح(2/363)
إِلَى الْموقف فَوقف بِهِ فَحَمدَ الله تَعَالَى وَهَلل وَكبر ولبى وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا الله تَعَالَى بحاجته فَإِذا غربت(2/364)
الشَّمْس دفع على هينته حَتَّى يَأْتِي الْمزْدَلِفَة فَيصَلي بهَا الْمغرب وَالْعشَاء الْآخِرَة بِأَذَان وَاحِد وأقامة وَاحِدَة ثمَّ يبيت بهَا فَإِذا انْشَقَّ الْفجْر صلى الْفجْر ووقف مَعَ النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَهَلل وَكبر ولبى وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا الله بحاجته فَإِذا أَسْفر دفع قبل أَن تطلع الشَّمْس حَتَّى يَأْتِي منى فَيَأْتِي جَمْرَة الْعقبَة فيرميها من بطن الْوَادي بِسبع حَصَيَات مثل حَصى الْخذف وَيكبر مَعَ كل حَصَاة وَيقطع التَّلْبِيَة عِنْد أول حَصَاة يرْمى بهَا جَمْرَة الْعقبَة وَلَا يرْمى يَوْمئِذٍ(2/367)
من الْجمار شَيْئا غَيرهَا وَلَا يقوم عِنْدهَا حَتَّى يَأْتِي منزله فيحلق أَو يقصر والمحلق أفضل ثمَّ قد حل لَهُ كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء(2/368)
ثمَّ يزور الْبَيْت من يَوْمه ذَلِك إِن اسْتَطَاعَ أَو من الْغَد أَو من بعد الْغَد وَلَا يُؤَخِّرهُ إِلَى بعد ذَلِك فيطوف بِهِ أسبوعا وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قد حل لَهُ النِّسَاء ثمَّ يرجع إِلَى منى فَإِذا كَانَ الْغَد من يَوْم النَّحْر رمى(2/371)
الْجمار الثَّلَاث حِين تَزُول الشَّمْس يبْدَأ بِالَّتِي تلِي الْمَسْجِد فيرميها بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة ثمَّ يَأْتِي الْمقَام الَّذِي يقوم فِيهِ النَّاس فَيقوم فِيهِ فيحمد الله ويثني عَلَيْهِ ويهلل وَيكبر وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو بحاجته ثمَّ يَأْتِي الْجَمْرَة الْوُسْطَى فيرميها بِسبع حَصَيَات(2/372)
كَذَلِك ثمَّ يقوم حَيْثُ يقوم النَّاس فيصنع فِي قِيَامه كَمَا صنع فِي الأول ثمَّ يَأْتِي جَمْرَة الْعقبَة فيرميها فِي بطن الْوَادي بِسبع حَصَيَات وَيكبر مَعَ كل حَصَاة وَلَا يُقيم عِنْدهَا فَإِذا كَانَ من الْغَد رمى(2/373)
الْجمار الثَّلَاث حِين تَزُول الشَّمْس كَذَلِك ثمَّ ينفر إِن أحب من يَوْمه وَإِن أَقَامَ إِلَى الْغَد فعل كَمَا فعل بالْأَمْس ثمَّ ينفر وَقد كَانَ يكره لَهُ إِذا نفر أَن يقدم ثقله ثمَّ يَأْتِي الأبطح فَينزل بِهِ سَاعَة وَيَطوف(2/374)
طواف الصَّدْر وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يرجع إِلَى أَهله فَإِن كَانَ الَّذِي أَتَى مَكَّة لطواف الزِّيَارَة بَات بهَا أَو أَقَامَ بهَا فَنَامَ مُتَعَمدا أَو فِي الطَّرِيق فقد أَسَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء(2/375)
- بَاب الْقرَان
-
من أَرَادَ الْقرَان فعل مثل ذَلِك غير أَنه يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي(2/376)
أُرِيد الْعمرَة وَالْحج ويلبي بهما يَقُول لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة مَعًا وَإِن شَاءَ اكْتفى بِالنِّيَّةِ وَيبدأ إِذا دخل مَكَّة بِطواف الْعمرَة بِالْبَيْتِ وسعيها بَين الصَّفَا والمروة نَحْو مَا وصفناه فِي الْحَج ثمَّ يطوف لِلْحَجِّ بِالْبَيْتِ وَيسْعَى لَهُ بَين الصَّفَا والمروة وَإِذا رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر ذبح هدي الْقرَان وتجزيه الشَّاة وَالْبَقر أفضل من الشَّاة وَالْجَزُور أفضل من الْبَقَرَة وَلَو كَانَ سَاق هَدْيه مَعَه كَانَ أفضل من ذَلِك كُله(2/377)
ثمَّ يحلق أَو يقصر
وَإِذا طَاف الرجل بعد طواف الزِّيَارَة طَوافا يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّع أَو طواف الصَّدْر وَذَلِكَ بعد مَا حل النَّفر فَهُوَ طواف الصَّدْر(2/378)
وَلَا بَأْس بِأَن يُقيم بعد ذَلِك مَا شَاءَ ثمَّ يخرج وَلَكِن أفضل ذَلِك أَن يكون طَوَافه حِين يخرج
وَأما الْعمرَة المفردة فَإِنَّهُ يتأهب لَهَا مثل مَا وصفناه فِي الْحَج(2/379)
وَيَتَّقِي فِيهَا مَا يتقيه فِيهِ حِين يقدم مَكَّة وَيدخل الْمَسْجِد فَيبْدَأ بِالْحجرِ الْأسود فيستلمه وَيَطوف بِالْبَيْتِ وَيسْعَى بَين الصَّفَا والمروة كَذَلِك ثمَّ يحلق أَو يقصر ثمَّ قد فرغ من عمرته وَحل لَهُ كل شَيْء وَيقطع التَّلْبِيَة فِي الْعمرَة حِين يسْتَلم الْحجر الْأسود عِنْد أول شوط من الطّواف بِالْبَيْتِ
وَكَذَلِكَ إِن أَرَادَ التَّمَتُّع وَلم يسق هَديا وَيُقِيم بِمَكَّة بعد الْفَرَاغ من الْعمرَة حَلَالا فَإِذا كَانَ يَوْم التَّرويَة وَأَرَادَ الرواح إِلَى منى لبس الْإِزَار والرداء ولبى بِالْحَجِّ إِن شَاءَ من الْمَسْجِد أَو من الأبطح أَو من أَي الْحرم شَاءَ وَإِن شَاءَ من أحرم بِالْحَجِّ قبل يَوْم التَّرويَة وَمَا تقدم بإحرامه بِالْحَجِّ فَهُوَ أفضل وَيروح مَعَ النَّاس إِلَى منى فيبيت بهَا لَيْلَة(2/380)
عَرَفَة ثمَّ يَغْدُو إِلَى عَرَفَات وَيعْمل مَا وصفناه فِي الْحَج الْمُفْرد غير أَنه إِذا طَاف للْعُمْرَة فِي أشهر الْحَج فَعَلَيهِ هدي الْمُتْعَة يذبحه يَوْم النَّحْر بعد رمي الْجَمْرَة ويحلق أَو يقصر ثمَّ يزور الْبَيْت فيطوف بِهِ أسبوعا يرمل فِي الثَّلَاثَة الأول وَيَمْشي فِي الْأَرْبَعَة الْأَوَاخِر على هينته وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ وَيسْعَى بَين الصَّفَا والمروة على مَا سبق الْوَصْف بِهِ ثمَّ ينْصَرف إِلَى منى فَإِن سَاق هَديا لمتعته فعل فِي الْعمرَة مثل مَا وصفناه وقلد هَدْيه إِذا أحرم فَإِن من السّنة أَن يُقَلّد الرجل هَدْيه بعد مَا يحرم وَإِذا طَاف للْعُمْرَة وسعى أَقَامَ حَرَامًا(2/381)
وَلم يقصر فَإِذا كَانَت عَشِيَّة التَّرويَة أحرم بِالْحَجِّ وَإِن أحب أَن يقدم الْإِحْرَام وَيَطوف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة لحجته فعل وَإِن أحب أَن يُؤَخر ذَلِك إِلَى يَوْم النَّحْر فعل وَكَذَلِكَ الْمُتَمَتّع الَّذِي لم يسق الْهدى مَعَه فَإِن طَاف وسعى قبل أَن يروح إِلَى منى لم يرمل فِي طواف الزِّيَارَة يَوْم النَّحْر وَلم يطف بَين الصَّفَا والمروة(2/382)
وَإِن لم يكن فعله قبل أَن يروح إِلَى منى رمل يَوْم النَّحْر فِي طَوَافه وَطَاف بَين الصَّفَا والمروة وَلَا يدع الْحلق فِي جَمِيع ذَلِك ملبدا كَانَ أَو مضفرا أَو عاقصا
وَالْمَرْأَة بِمَنْزِلَة الرجل فِي جَمِيع مَا وصفناه غير أَنَّهَا تلبس مَا بدا لَهَا من الدرْع والقميص والخمار والخف والقفازين وتغطي رَأسهَا(2/383)
وَلَا تغطي وَجههَا وَلَا تلبس الْمَصْبُوغ بورس أَو زعفران أَو عصفر إِلَّا أَن يكون قد غسل وَلَا حلق عَلَيْهَا إِنَّمَا عَلَيْهَا التَّقْصِير وَلَا رمل عَلَيْهَا فِي الطّواف بِالْبَيْتِ وَلَا سعى عَلَيْهَا بَين الصَّفَا والمروة وَلكنهَا تمشى مشيا وتستر كل شَيْء مِنْهَا إِن أحبت إِلَّا الْوَجْه(2/384)
وتسدل على وَجههَا إِن أَرَادَت ذَلِك وتجافي عَن وَجههَا
- بَاب الطّواف
-
ذكر حَدِيث صبي بن معبد أَنه قرن فَطَافَ طوافين وسعى سعيين فَذكر ذَلِك لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ هديت لسنة نبيك(2/385)
وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه طَاف لَهما طوافين وسعى لَهما سعيين وَعَن عَليّ أَنه كَانَ يطوف طوافين(2/390)
وَيسْعَى سعيين(2/391)
وَالطّواف الَّذِي يطوفه الْقَارِن لحجته بعد طواف الْعمرَة لَيْسَ بِوَاجِب وَإِنَّمَا الطّواف الْوَاجِب فِي الْحَج طواف الزِّيَارَة يَوْم النَّحْر وَطواف الصَّدْر أَيْضا أحب إِلَّا على الْحيض
إِذا قدم الْقَارِن مَكَّة فَلم يطف حَتَّى وقف بِعَرَفَة أَو طَاف للْعُمْرَة ثَلَاثَة أَشْوَاط فَقَط كَانَ رافضا لعمرته وَعَلِيهِ دم لرفضها وقضاؤها وَقد سقط عَنهُ دم الْقرَان قَالَ مُحَمَّد لَا يكون رافضا لعمرته حَتَّى يقف بِعَرَفَة بعد الزَّوَال وَإِن كَانَ طَاف أَرْبَعَة أَشْوَاط لعمرته لم يصر(2/392)
رافضا لَهَا بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَة وأتمها يَوْم النَّحْر وَهُوَ قَارن فَإِن لم يطف لعمرته حِين قدم مَكَّة وَلكنه طَاف وسعى لحجته ثمَّ وقف بِعَرَفَة لم يكن رافضا لعمرته وَكَانَ طَوَافه وسعيه للْعُمْرَة دون الْحجَّة وَهَذَا رجل لم يطف لحجته فَعَلَيهِ أَن يرمل فِي طواف يَوْم النَّحْر وَيسْعَى بَين الصَّفَا والمروة وَإِن طَاف وسعى لِلْحَجِّ ثمَّ طَاف وسعى للْعُمْرَة لم يكن يلْزمه شَيْء وَلم تكن نِيَّته فِي ذَلِك شَيْئا وَكَانَ الأول عَن الْعمرَة وَالثَّانِي عَن الْحَج فَإِن طَاف طوافين لَهما ثمَّ سعى سعيين فقد أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِن كَانَ طافهما على غير وضوء ثمَّ سعى يَوْم النَّحْر فَعَلَيهِ دم من أجل طَوَافه للْعُمْرَة على غير وضوء
ويرمل فِي طواف الْحَج يَوْم النَّحْر وَيسْعَى بَين الصَّفَا والمروة اسْتِحْسَانًا وَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّد لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يُعِيد الطّواف وَإِن أعَاد فَهُوَ أفضل وَالدَّم عَلَيْهِ على كل حَال وَإِن طافهما جنبا فَعَلَيهِ دم لطواف الْعمرَة وَيُعِيد السَّعْي لِلْحَجِّ فَإِن لم يعد(2/393)
فَعَلَيهِ دم وَالْقِيَاس فِي الْجنب وَالَّذِي على غير وضوء سَوَاء إِلَّا أَن الْجنب أشدهما حَالا وَالْحَائِض كالجنب فِي هَذَا
مُفْرد أَو قَارن طَاف طواف الزِّيَارَة على غير وضوء وَلم يطف طواف الصَّدْر حَتَّى رَجَعَ إِلَى أَهله كَانَ عَلَيْهِ دمان أَحدهمَا لطوافا على غير وضوء وَالْآخر لترك طواف الصَّدْر فَإِن كَانَ قد طَاف للصدر سقط عَنهُ الدَّم من أَجله وَإِن كَانَ طَاف للزيارة جنبا وَلم يطف للصدر حَتَّى رَجَعَ إِلَى أَهله فَإِنَّهُ يعود إِلَى مَكَّة باحرام جَدِيد فيطوف طواف الزِّيَارَة ويريق لتأخيره دَمًا وَيَطوف طواف الصَّدْر وَإِن(2/394)
لم يرجع فَعَلَيهِ بَدَنَة لطواف الزِّيَارَة وشَاة لترك طواف الصَّدْر وعَلى الْحَائِض مثل ذَلِك للزيارة وَلَيْسَ عَلَيْهَا لطواف الصَّدْر شَيْء وَإِن كَانَ طَاف للزيارة جنبا وَطَاف للصدر طَاهِرا فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق كَانَ طواف الصَّدْر مَكَان طواف الزِّيَارَة وَقد أَخّرهُ فَعَلَيهِ دم لتأخيره وَصَارَ كَأَنَّهُ لم يطف للصدر فَعَلَيهِ لتَركه دم وَإِن كَانَت امْرَأَة حَائِض(2/395)
فطافت يَوْم النَّحْر حَائِضًا ثمَّ طهرت من الْغَد وطافت للصدر فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق كَانَ طواف الصَّدْر للزيارة وَعَلَيْهَا لتأخيره دم وَعَلَيْهَا دم لترك طواف الصَّدْر وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيْسَ عَلَيْهَا لتأخير طواف الزِّيَارَة شَيْء
وَإِن طَاف الْأَقَل من طواف الزِّيَارَة طَاهِرا وَلم يطف للصدر وَرجع إِلَى أَهله فَعَلَيهِ أَن يعود الْإِحْرَام الأول وَيَقْضِي بَقِيَّة الزِّيَارَة ويريق لتأخيره دَمًا وَيَطوف للصدر وَإِن كَانَ طَاف الْأَكْثَر مِنْهُ أجزاه أَن لَا يعود وَيبْعَث بشاتين إحدهما لما بَقِي مِنْهُ وَالْأُخْرَى للصدر(2/396)
وَإِن كَانَ طَاف الْأَقَل مِنْهُ وَطَاف للصدر فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق فَإِنَّهُ يكمل طواف الزِّيَارَة من طواف الصَّدْر وَعَلِيهِ فِي قَول أبي حنيفَة لتأخير ذَلِك دم لِأَنَّهُ أَكْثَره وَعَلِيهِ لتَركه من طواف الصَّدْر أَيْضا دم
وَإِن كَانَ الْمَتْرُوك من طواف الزِّيَارَة أَقَله أكمل ذَلِك من طواف الصَّدْر وَلم يكن عَلَيْهِ لوَاحِد مِنْهُمَا دم وَلَكِن عَلَيْهِ الصَّدَقَة
قَالَ أَبُو الْفضل وَجُمْلَته أَن عَلَيْهِ فِي ترك الْأَقَل من طواف(2/397)
الزِّيَارَة دَمًا وَفِي تَأْخِير أَقَله صَدَقَة وَفِي ترك الْأَكْثَر من طواف الصَّدْر دم وَفِي ترك أَقَله صَدَقَة وَفِي طواف الصَّدْر جنبا دم وَفِي طَوَافه على غير وضوء صَدَقَة وَسوى فِي رِوَايَة أبي حَفْص بَينه وَبَين الْجنب فِي ذَلِك وَفِي طواف الزِّيَارَة جنبا إِعَادَة أَو بَدَنَة وَفِي طَوَافه على غير وضوء شَاة وَفِي طَوَافه منكوسا أَو مَحْمُولا أَو طواف أَكْثَره(2/398)
كَذَلِك بِغَيْر عذر الْإِعَادَة إِن كَانَ هُنَاكَ وشَاة إِن كَانَ قد رَجَعَ وَكَذَلِكَ طَوَافه بَين الصَّفَا والمروة مَحْمُولا أَو رَاكِبًا
وَإِذا طَاف الْمُعْتَمِر أَرْبَعَة أَشْوَاط من طواف الْعمرَة فِي أشهر الْحَج ثمَّ حج من عَامه فَهُوَ متمتع وَإِن كَانَ طَاف الْأَكْثَر مِنْهُ فِي شهر رَمَضَان لم يكن مُتَمَتِّعا
وَلَو جَامع الْمُعْتَمِر بعد مَا طَاف الْأَكْثَر من طَوَافه لم تفْسد عمرته وَمضى فِيهَا وَعَلِيهِ دم وَإِن جَامع بعد مَا طَاف ثَلَاثَة أَشْوَاط مِنْهُ فَسدتْ عمرته وَمضى فِيهَا وَعَلِيهِ دم للجماع وَعمرَة مَكَانهَا وَإِن كَانَ طَاف للْعُمْرَة فِي شهر رَمَضَان جنبا أَو على غير وضوء لم يكن مُتَمَتِّعا إِن أَعَادَهُ فِي شَوَّال أَو لم يعده
كوفى اعْتَمر فِي أشهر الْحَج فَطَافَ لعمرته ثَلَاثَة أَشْوَاط وَفرغ مِمَّا بَقِي عَلَيْهِ مِنْهَا وَحل وَرجع إِلَى أَهله ثمَّ ذكر ذَلِك فَرجع إِلَى مَكَّة فَقضى مَا بَقِي عَلَيْهِ من عمرته من طواف الْبَيْت والصفا والمروة وَحل وَحج من عَامه فَهُوَ متمتع وَإِن كَانَ طَاف أَرْبَعَة أَشْوَاط لم يكن مُتَمَتِّعا(2/399)
وَترك الرمل فِي طواف الْحَج وَالْعمْرَة وَالسَّعْي فِي بطن الْوَادي بَين الصَّفَا والمروة لَا يُوجب شَيْئا غير أَنه فِيهِ مسيء إِذا كَانَ لغير عذر وَكَذَلِكَ ترك استلام الْحجر
وَإِذا طَاف الطّواف الْوَاجِب فِي الْحَج أَو الْعمرَة فِي جَوف الْحطيم قضى مَا ترك مِنْهُ إِن كَانَ بِمَكَّة وَإِن كَانَ قد رَجَعَ إِلَى أَهله فَعَلَيهِ دم(2/400)
قَارن طَاف لعمرته ثَلَاثَة أَشْوَاط وسعى بَين الصَّفَا والمروة ثمَّ طَاف لحجته كَذَلِك ثمَّ وقف بِعَرَفَة فَإِن الأشواط الَّتِي قَضَاهَا لِلْحَجِّ محسوبة من طواف الْعمرَة وَيَقْضِي شوطا وَاحِدًا من طواف الْعمرَة وَيُعِيد طواف الصَّفَا والمروة لعمرته ولحجته وَهُوَ قَارن وَإِن رَجَعَ إِلَى الْكُوفَة قبل أَن يفعل ذَلِك فَعَلَيهِ دم لترك ذَلِك الشوط وَدم لترك السَّعْي فِي الْحَج قَالَ وَقَوله فِي هَذَا الْجَواب لعمرته غير سديد إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ الِاسْتِحْبَاب وَيكرهُ لَهُ أَن يجمع بَين أسبوعين من الطّواف قبل أَن يُصَلِّي فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس(2/401)
بذلك إِذا انْصَرف على وتر ثَلَاثَة أسابيع أَو خَمْسَة أَو نَحْو ذَلِك وَإِذا طَاف قبل طُلُوع الشَّمْس لم يصل حَتَّى تطلع الشَّمْس وترتفع وَكَذَلِكَ إِن طَاف بعد الْعَصْر لم يصل حَتَّى يُصَلِّي الْمغرب وَلَا يجْزِيه الْمَكْتُوبَة من رَكْعَتي الطّواف
وَيكرهُ لَهُ أَن ينشد الشّعْر فِي طَوَافه أَو يتحدث أَو يَبِيع أَو يَشْتَرِي وَإِن فعله لم يفْسد عَلَيْهِ طَوَافه وَيكرهُ لَهُ أَن يرفع صَوته بِقِرَاءَة الْقُرْآن فِيهِ وَلَا بَأْس بقرَاءَته فِي نَفسه وَإِن طافت الْمَرْأَة مَعَ الرجل(2/402)
لم تفْسد عَلَيْهِ طَوَافه
وَإِذا خرج الطَّائِف من طَوَافه لصَلَاة مَكْتُوبَة أَو جَنَازَة أَو تَجْدِيد وضوء ثمَّ عَاد بنى على طَوَافه وَإِن أخر الطَّائِف ركعتيه حَتَّى خرج من مَكَّة لم يضرّهُ بلغنَا عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه طَاف قبل طُلُوع الشَّمْس ثمَّ خرج حَتَّى إِذا كَانَ بِذِي طوى وَارْتَفَعت الشَّمْس صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ رَكْعَتَانِ مَكَان رَكْعَتَيْنِ قَالَ وَالصَّلَاة لأهل(2/403)
مَكَّة أحب إِلَى وللغرباء الطّواف(2/404)
رجل طَاف أسبوعا وشوطا أَو شوطين من أُسْبُوع آخر ثمَّ ذكر أَنه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يجمع بَين أسبوعين قَالَ يتم الْأُسْبُوع الَّذِي دخل فِيهِ وَعَلِيهِ لكل أُسْبُوع رَكْعَتَانِ
وَلَا بَأْس بِأَن يطوف وَعَلِيهِ خفاه أَو نعلاه إِذا كَانَا طاهرين وَإِن كَانَ عَلَيْهِ ثوب فِيهِ دم أَو بَوْل أَكثر من قدر الدِّرْهَم كرهت لَهُ ذَلِك وَلم يكن عَلَيْهِ شَيْء
واستلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ حسن وَتَركه لَا يضرّهُ وَإِذا رمل فِي(2/405)
طَوَافه كُله لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَإِن مَشى فِي الشوط الأول ثمَّ ذكر ذَلِك لم يرمل إِلَّا فِي شوطين وَكَذَلِكَ إِن مَشى فِي الثَّلَاثَة الأول ثمَّ ذكر لم يرمل فِيمَا بَقِي
وَإِن جعل لله عَلَيْهِ أَن يطوف زحفا فَطَافَ كَذَلِك أَعَادَهُ إِن كَانَ بِمَكَّة وأراق لذَلِك دَمًا إِن كَانَ قد رَجَعَ إِلَى أَهله وَإِن(2/406)
طَاف بِالْبَيْتِ من وَرَاء زَمْزَم أَو قَرِيبا من ظلة الْمَسْجِد أجزاه وَإِن طَاف من وَرَاء الْمَسْجِد فَكَانَت حيطانه بَينه وَبَين الْكَعْبَة لم يجزه وَعَلِيهِ أَن يُعِيدهُ فَالله أعلم
- بَاب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة
-
وَإِذا سعى بَين الصَّفَا والمروة فَرمَلَ فِي سَعْيه كُله من الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَة وَمن الْمَرْوَة إِلَى الصَّفَا فقد أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِن مشي فِي جَمِيع ذَلِك أجزاه وَإِن بَدَأَ بالمروة وَختم بالصفا حَتَّى فرغ أعَاد شوطا وَاحِدًا لِأَن الَّذِي بَدَأَ فِيهِ بالمروة ثمَّ أقبل مِنْهَا إِلَى الصَّفَا لَا يعْتد بِهِ وَإِن ترك السَّعْي فِيمَا بَين الصَّفَا والمروة رَأْسا فِي حج أَو عمْرَة فَعَلَيهِ دم وَكَذَلِكَ إِن ترك مِنْهُ أَرْبَعَة أَشْوَاط وَإِن ترك ثَلَاثَة أَشْوَاط أطْعم لكل شوط مِسْكينا نصف صَاع من حِنْطَة إِلَّا أَن يبلغ ذَلِك دَمًا فيطعم حِينَئِذٍ مِنْهُ(2/407)
مَا شَاءَ وَكَذَلِكَ إِن فعله رَاكِبًا
وَيجوز سعي الْجنب وَالْحَائِض إِذا كَانَا قد طافا على الطَّهَارَة
وَلَا يجوز السَّعْي قبل الطّواف وَيجوز بعد أَن يطوف الْأَكْثَر من الطّواف وَيكرهُ لَهُ ترك الصعُود على الصَّفَا والمروة فِي السَّعْي بَينهمَا وَلَا يلْزمه بِتَرْكِهِ شَيْء وَإِن سعى بعد مَا حل من حجَّته وواقع النِّسَاء أجزاه وَإِن أَخّرهُ حَتَّى مَضَت أَيَّام النَّحْر فَعَلَيهِ دم إِن كَانَ رَجَعَ إِلَى أَهله وَالدَّم أحب إِلَى من الرُّجُوع وَإِن رَجَعَ رَجَعَ بِإِحْرَام جَدِيد فَإِن كَانَ بِمَكَّة سعى وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَلَا يَنْبَغِي لَهُ فِي الْعمرَة أَن يحل حَتَّى يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة لِأَن الْأَثر جَاءَ فِيهَا أَنه إِذا طَاف وسعى وَحلق أَو قصر حل وَجَاء فِي الْحَج(2/408)
أَنه إِذا رمى جَمْرَة الْعقبَة وَحلق أَو قصر حل لَهُ كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء فَإِذا طَاف بِالْبَيْتِ حل لَهُ النِّسَاء وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَاجِب فِي الْحَج وَالْعمْرَة
- بَاب الْخُرُوج إِلَى منى
-
وَيسْتَحب للْحَاج أَن يُصَلِّي الظّهْر يَوْم التَّرويَة بمنى وَيُقِيم بهَا إِلَى صَبِيحَة يَوْم عَرَفَة وَإِن صلى الظّهْر بِمَكَّة لم يضرّهُ وَإِن بَات بِمَكَّة لَيْلَة عَرَفَة وَصلى بهَا الْفجْر ثمَّ غَدا مِنْهَا إِلَى عَرَفَات وَمر بمنى أجزاه وَقد أَسَاءَ
وَينزل حَيْثُ أحب من عَرَفَات ويصعد الإِمَام الْمِنْبَر وَيُؤذن(2/409)
الْمُؤَذّن وَهُوَ عَلَيْهِ فَإِذا فرغ قَامَ الإِمَام خطب فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ولبى وَهَلل وَكبر وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوعظ النَّاس وَأمرهمْ ونهاهم ثمَّ دَعَا الله تَعَالَى بحاجته ثمَّ ينزل وَيُقِيم الْمُؤَذّن فَيصَلي الإِمَام الظّهْر فَإِذا سلم مِنْهَا قَامَ الْمُؤَذّن فَأَقَامَ للعصر ثمَّ يُصَلِّي الإِمَام الْعَصْر بِالنَّاسِ وَيكرهُ للْإِمَام أَن يتَطَوَّع بَينهمَا فَإِن أدْركهُ رجل فِي الْعَصْر وَقد صلى الظّهْر فِي منزله لم يجزه الْعَصْر فِي قَول أبي حنيفَة(2/410)
وَكَذَلِكَ إِن صلى مَعَ الإِمَام الظّهْر ثمَّ صلى الْعَصْر وَحده فَإِن أدْرك مَعَ الإِمَام شَيْئا من الْعَصْر أجزاه وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجْزِيه إِن صلاهما مَعَ الإِمَام أَو وَحده وَإِن كَانَ الإِمَام سبقه الْحَدث فِي الظّهْر فاستخلف رجلا مِنْهُم فَإِنَّهُ يُصَلِّي بهم الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا فَإِن فرغ من الْعَصْر قبل أَن يرجع الإِمَام فَإِن الإِمَام لَا يُصَلِّي الْعَصْر مَا لم يدْخل وَقتهَا فِي قَول أبي حنيفَة وَلَيْسَ فِي هَاتين الصَّلَاتَيْنِ جهر فَإِن خطب قبل الزَّوَال أَو ترك الْخطْبَة وَصلى الصَّلَاتَيْنِ بعد الزَّوَال جَازَ وَقد أَسَاءَ فَإِن كَانَ يَوْم غيم فاستبان أَنه صلى الظّهْر قبل الزَّوَال وَصلى الْعَصْر بعده فَالْقِيَاس أَن يُعِيد الظّهْر وَحدهَا وَلَكِنِّي أستحسن أَن يُعِيد الْخطْبَة والصلاتين جَمِيعًا(2/411)
وَإِن أحدث الإِمَام بعد الْخطْبَة قبل أَن يدْخل فِي الصَّلَاة فَأمر رجلا قد شهد الْخطْبَة أَو لم يشهدها أَن يُصَلِّي بهم أجزاه وَإِن تقدم رجل من النَّاس بِغَيْر أَمر الإِمَام فصلى بهم الصَّلَاتَيْنِ لم يجزهم فِي قَول أبي حنيفَة
وَلَا جُمُعَة بِعَرَفَة وَإِن نفر النَّاس عَن الإِمَام فصلى وَحده(2/412)
الصَّلَاتَيْنِ أجزاه وَإِن مَاتَ الإِمَام فَإِن صلى بهم خَلِيفَته أَو ذُو سُلْطَان أجزاهم وَإِن لم يكن فيهم ذُو سُلْطَان صلوا كل وَاحِدَة لوَقْتهَا فِي قَول أبي حنيفَة
وَمن وقف بِعَرَفَة قبل زَوَال الشَّمْس لم يجزه وَمن وقف بعد زَوَال الشَّمْس أَو لَيْلَة النَّحْر قبل انْشِقَاق الْفجْر أَو مر بهَا مارا وَهُوَ يعرفهَا أَو لَا يعرفهَا أجزاه بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من أدْرك عَرَفَة بلَيْل فقد أدْرك الْحَج وَمن فَاتَهُ عَرَفَة فقد فَاتَهُ الْحَج وَمن وقف بهَا بعد الزَّوَال ثمَّ أَفَاضَ من سَاعَته أَو أَفَاضَ قبل(2/413)
غرُوب الشَّمْس أَو صلى بهَا الصَّلَاتَيْنِ وَلم يقف وأفاض أجزاه وَعَلِيهِ دم فَإِن رَجَعَ ووقف بهَا بعد مَا غَابَتْ الشَّمْس لم يسْقط عَنهُ الدَّم(2/414)
وَإِذا وقف هُنَاكَ الْمغمى عَلَيْهِ أجزاه ووقوف الْحَائِض وَالْجنب وَمن قد صلى الصَّلَاتَيْنِ وَمن لم يصل جَائِز(2/415)
وَإِذا توجه الْقَارِن إِلَى عَرَفَات ليقف بهَا قبل أَن يطوف لعمرته خوفًا من فَوت الْحَج ثمَّ طمع أَن لَا يفوتهُ فَرجع وَطَاف وسعى لعمرته ثمَّ ذهب فَوقف أجزته عمرته اسْتِحْسَانًا
وَفِي نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة قَالَ فِي قَول أبي حنيفَة هُوَ رافض للْعُمْرَة حِين توجه إِلَى عَرَفَة وَفِي الْجَامِع الصَّغِير ان أَبَا حنيفَة قَالَ لَا يكون رافضا حَتَّى يقف
وَإِذا وقف الْقَارِن بِعَرَفَة قبل أَن يطوف للْعُمْرَة فَهُوَ رافض لَهَا إِن نوى الرَّفْض أَو لم ينْو(2/416)
وَإِذا جَامع الْقَارِن بِعَرَفَة قبل زَوَال الشَّمْس وَقد طَاف لعمرته قَالَ عَلَيْهِ دمان ويفرغ من عمرته وحجته وَعَلِيهِ قَضَاء الْحَج وَإِن كَانَ وَاقع بعد الزَّوَال أَو وَاقع يَوْم النَّحْر قبل أَن يَرْمِي الْجَمْرَة أَو بعْدهَا فَهُوَ سَوَاء وَعَلِيهِ جزور لِلْحَجِّ وشَاة للْعُمْرَة وَعَلِيهِ دم الْقرَان وَلم تفْسد حجَّته وعمرته وروى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ إِذا جَامع بعد مَا يقف بِعَرَفَة فَعَلَيهِ جزور وحجته تَامَّة وَكَذَلِكَ لَو جَامع بعد مَا حل قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَمن جَامع لَيْلَة عَرَفَة قبل أَن يَأْتِي عَرَفَات(2/417)
فسد حجه وَعَلِيهِ شَاة وَيَأْتِي عَرَفَات فيقف بهَا ويفرغ من حجه وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل وَإِذا وقف الْقَارِن بِعَرَفَة وَلم يطف للْعُمْرَة ثمَّ جَامع فَعَلَيهِ جزور للجماع ويفرغ من حجه وَعَلِيهِ دم لرفض الْعمرَة وقضاؤها بعد أَيَّام التَّشْرِيق(2/418)
وَمن دخل مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام فخاف الْفَوْت إِن رَجَعَ إِلَى الْمِيقَات فَأحْرم ووقف بِعَرَفَة أجزاه وَعَلِيهِ دم لترك الْوَقْت
وَإِذا وقف الْحَاج بِعَرَفَة ثمَّ أهل وَهُوَ وَاقِف بِحجَّة أُخْرَى فَإِنَّهُ يرفضها وَعَلِيهِ دم لرفضها وَحجَّة وَعمرَة مَكَانهَا ويمضي فِي الَّتِي هُوَ فِيهَا وَإِن أهل بِعُمْرَة رفضها أَيْضا وَعَلِيهِ دم لرفضها وَعمرَة مَكَانهَا ويمضي فِي الْحجَّة الَّتِي هُوَ فِيهَا وَكَذَلِكَ لَو كَانَ أهل بِالْحَجِّ لَيْلَة الْمزْدَلِفَة بِالْمُزْدَلِفَةِ فَهُوَ أَيْضا رافض سَاعَة أهل وَكَذَلِكَ لَو كَانَ أهل بِعُمْرَة لَيْلَة الْمزْدَلِفَة فَهُوَ أَيْضا رافض فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد(2/419)
وَيجمع الإِمَام بَين صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ بِأَذَان وَإِقَامَة(2/420)
فان تطوع بَينهمَا أَقَامَ للعشاء إِقَامَة أُخْرَى فَإِن صلى رجل الْمغرب بِعَرَفَات حِين غربت الشَّمْس أَو صلاهَا قبل أَن يبلغ الْمزْدَلِفَة قبل أَن يغيب الشَّفق أَو بعد مَا غَابَ قَالَ عَلَيْهِ أَن يُعِيدهَا فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يُعِيدهَا(2/421)
ويغلس بِصَلَاة الْفجْر بِالْمُزْدَلِفَةِ حِين ينشق لَهُ الْفجْر ثمَّ يقف حَتَّى إِذا اسفر دفع قبل طُلُوع الشَّمْس
والمزدلفة كلهَا موقف إِلَّا محسر وعرفة كلهَا موقف إِلَّا بطن عُرَنَة وَأحب إِلَى أَن يكون وُقُوفه بِالْمُزْدَلِفَةِ عِنْد الْجَبَل الَّذِي يُقَال لَهُ(2/422)
قزَح من وَرَاء الإِمَام وَأحب لَهُ أَن يكون موقفه بِعَرَفَة أَيْضا من وَرَاء الإِمَام فَإِذا أَفَاضَ من جمع دفع على هينته كَمَا يفِيض من عَرَفَات وَمن تعجل من الْمزْدَلِفَة بلَيْل لغير عذر فَعَلَيهِ دم وَإِن كَانَ لعذر مرض أَو غَيره أَو كَانَت امْرَأَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن أَفَاضَ مِنْهَا بعد طُلُوع الْفجْر قبل أَن يُصَلِّي النَّاس الْفجْر فقد أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو مر بهَا مارا بعد الْفجْر من غير أَن يبيت بِاللَّيْلِ بهَا لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بهَا نَائِما أَو مغمى عَلَيْهِ وَلم يقف مَعَ النَّاس حَتَّى أفاضوا(2/423)
- بَاب رمي الْجمار
-
وَيبدأ إِذا وافى منى برمي جَمْرَة الْعقبَة ثمَّ بِالذبْحِ إِن كَانَ قَارنا أَو مُتَمَتِّعا ثمَّ بِالْحلقِ وَإِذا لم يرم جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر حَتَّى جَاءَ اللَّيْل رَمَاهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن للرعاء فِي الرَّمْي لَيْلًا وَإِن لم يرمها حَتَّى يصبح من الْغَد رَمَاهَا وَعَلِيهِ دم فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يرميها وَلَا دم عَلَيْهِ
وَإِن ترك مِنْهَا حَصَاة أَو حصاتين إِلَى الْغَد رمى مَا ترك وَتصدق لكل حَصَاة بِنصْف صَاع حِنْطَة على مِسْكين إِلَّا أَن يبلغ دَمًا فَيتَصَدَّق بِمَا شَاءَ وَإِن كَانَ ترك الْأَكْثَر مِنْهَا فَعَلَيهِ دم فِي قَول أبي حنيفَة وَإِن ترك رمى إِحْدَى الْجمار فِي الْيَوْم الثَّانِي فَعَلَيهِ صَدَقَة لِأَنَّهُ أقلهَا حَتَّى يتْرك الْأَكْثَر من النّصْف وَإِن ترك الرَّمْي كُله فِي سَائِر الْأَيَّام إِلَى آخر(2/424)
أَيَّام الرَّمْي رَمَاهَا على التَّأْلِيف وَعَلِيهِ دم فِي قَول أبي حنيفَة وَلَا دم عَلَيْهِ فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَإِن تَركهَا حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس من آخر أَيَّام الرَّمْي سقط عَنهُ الرَّمْي وَعَلِيهِ دم وَاحِد فِي قَوْلهم جَمِيعًا
فان بَدَأَ فِي الْيَوْم الثَّانِي بجمرة الْعقبَة فَرَمَاهَا ثمَّ بالوسطى ثمَّ بِالَّتِي تلِي الْمَسْجِد ثمَّ ذكر ذَلِك من يَوْمه قَالَ يُعِيد على الْجَمْرَة الْوُسْطَى وجمرة الْعقبَة وَإِن رمى كل جَمْرَة بِثَلَاث حَصَيَات ثمَّ ذكر ذَلِك قَالَ يبْدَأ فَيرمى الأولى بِأَرْبَع حَصَيَات ثمَّ يُعِيد على الْوُسْطَى بِسبع حَصَيَات وَكَذَلِكَ على الثَّالِثَة وَإِن رمى كل وَاحِدَة بِأَرْبَع أَربع قَالَ يَرْمِي كل وَاحِدَة بِثَلَاث ثَلَاث وَإِن اسْتقْبل رميها فَهُوَ أفضل وَإِن رمى(2/425)
جَمْرَة الْعقبَة من فَوق الْعقبَة أَو لم يكبر مَعَ كل حَصَاة أَو جعل مَكَان التَّكْبِير تسبيحا أجزاه وَكَذَلِكَ إِن رَمَاهَا بحجارة أَو بطين يَابِس وكل شَيْء رَمَاهَا بِهِ من الأَرْض فَإِن رمى إِحْدَى الْجمار بِسبع حَصَيَات جَمِيعًا قَالَ هَذِه وَاحِدَة يرميها الْآن بِسِتَّة وَإِن رَمَاهَا بِأَكْثَرَ من سبع حَصَيَات(2/426)
لم تضره تِلْكَ الزِّيَادَة وَإِن نقص حَصَاة لَا يدْرِي من أيتهن نَقصهَا أعَاد على كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ حَصَاة حَصَاة وَإِن قَامَ عِنْد الْجَمْرَة وَوضع الْحَصَاة عِنْدهَا وضعا لم يجزه وَإِن طرحها طرحا أجزاه وَقد أَسَاءَ وَإِن رَمَاهَا من بعيد فَلم تقع الْحَصَاة عِنْد الْجَمْرَة وَلَا قَرِيبا مِنْهَا لم تجزه وَإِن وَقعت قَرِيبا مِنْهَا أجزاه وَقد أَسَاءَ فَإِن رَمَاهَا بحصى أَخذهَا من عِنْد الْجَمْرَة أجزاه وَقد أَسَاءَ وَإِن لم يقم عِنْد الْجَمْرَتَيْن(2/427)
اللَّتَيْنِ يقوم النَّاس عِنْدهمَا لم يلْزمه شَيْء وَإِن كَانَ أَيَّام منى بِمَكَّة غير أَنه كَانَ يَأْتِي منى فَيَرْمِي الْجمار قَالَ قد أَسَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَإِذا رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر بعد طُلُوع الْفجْر قبل طُلُوع الشَّمْس أجزاه بلغنَا ذَلِك عَن عَطاء وَإِن رَمَاهَا يَوْم الثَّانِي قبل الزَّوَال(2/428)
لم يجزه وَكَذَلِكَ الْيَوْم الثَّالِث وَأما الْيَوْم الرَّابِع فَإِنَّهُ يَجْزِي رميها فِيهِ قبل الزَّوَال اسْتِحْسَانًا فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجْزِيه وَهُوَ وَمَا قبله سَوَاء وَأحب إِلَى أَن يَرْمِي الْجمار بِمثل حَصى الْخذف وَإِن رمى بأكبر من ذَلِك أجزاه
وَلَيْسَ فِي الْقيام عِنْد الْجَمْرَتَيْن دُعَاء موقت وَيرْفَع يَدَيْهِ عِنْدهمَا حذاء مَنْكِبَيْه وَالرجل وَالْمَرْأَة فِي رمي الْجمار سَوَاء وَإِن رَمَاهَا رَاكِبًا أجزاه وَالْمَرِيض الَّذِي لَا يَسْتَطِيع رمى الْجمار يوضع الْحَصَى فِي كَفه حَتَّى يَرْمِي بِهِ وَإِن رمى عَنهُ أجزاه وَكَذَلِكَ الْمغمى عَلَيْهِ وَالصَّبِيّ الَّذِي يحجّ بِهِ أَبوهُ يقْضِي الْمَنَاسِك وَيَرْمِي الْجمار وَإِن تَركه لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون يحرم عَنهُ أَبوهُ(2/429)
- بَاب الْحلق
-
وَالْحلق أفضل من التَّقْصِير وَالتَّقْصِير يَجْزِي وَإِن قصر أقل من النّصْف أجزاه وَهُوَ مسيء وروى عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ كم تقصر الْمَرْأَة فَقَالَ مثل هَذِه يَعْنِي مثل الْأُنْمُلَة فَإِن قصرت ذَلِك الْمِقْدَار من أحد جَانِبي رَأسهَا وَذَلِكَ يبلغ النّصْف أَو دونه أجزاها
وَإِذا جَاءَ يَوْم النَّحْر وَلَيْسَ على رَأسه شعر أمره الموسى على رَأسه وَإِن حلق رَأسه بالنورة أجزاه والموسى أحب إِلَيّ(2/430)
وأكره لَهُ أَن يُؤَخر الْحلق حَتَّى تذْهب أَيَّام النَّحْر فَإِن أَخّرهُ فَعَلَيهِ دم فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ وأكره لَهُ أَن يُؤَخِّرهُ فِي حج أَو عمْرَة حَتَّى يخرج من الْحرم فَإِن فعله وَخلق فِي غير الْحرم فَعَلَيهِ دم ويجزيه فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن أخر الْحلق فِي الْعمرَة شهرا غير أَنه مُقيم بِمَكَّة لم يحل حَتَّى يحلق فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَلَيْسَ على الْمحصر حلق إِذا حل وَإِن حلق أَو قصر فَحسن وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف أرى عَلَيْهِ أَن يحلق فَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَلَيْسَ على الْحَاج إِذا قصر أَن يَأْخُذ شَيْئا من لحيته أَو أَظْفَاره أَو شَاربه أَو يتنور وَإِن فعل لم يضرّهُ(2/431)
وَإِن حلق الْمحرم رَأس حَلَال تصدق بِشَيْء وَإِن حلق رَأس محرم بأَمْره أَو بِغَيْر أمره فعلى المحلوق دم وعَلى الحالق صَدَقَة وَكَذَلِكَ إِن أكرهه على ذَلِك وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي قصّ الْأَظْفَار
وَإِذا أَخذ الْمحرم من شَاربه أَو من رَأسه شَيْئا أَو لمس لحيته فانتثر مِنْهَا شعر قَالَ عَلَيْهِ فِي كل ذَلِك صَدَقَة فَإِن أَخذ ثلث رَأسه أَو ثلث لحيته فَعَلَيهِ دم وَإِن نتف إبطَيْهِ أَو أَحدهمَا أَو أطلى بنورة(2/432)
فَعَلَيهِ دم وَإِن حلق مَوضِع الْحجامَة فَعَلَيهِ دم فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد عَلَيْهِ صَدَقَة وَإِن حلق الرَّقَبَة كلهَا فَعَلَيهِ دم فِي قَوْلهم جَمِيعًا وعَلى الْقَارِن فِي كل ذَلِك كفارتان
وَإِذا أصَاب الْمحرم أَذَى فِي رَأسه فحلق قبل يَوْم النَّحْر فَعَلَيهِ مَا قَالَ الله جلّ ذكره {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} وَالصِّيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَالصَّدَََقَة ثَلَاثَة أصوع من حِنْطَة يتَصَدَّق بهَا على سِتَّة مَسَاكِين والنسك شَاة وَكَذَلِكَ كل مَا اضْطر إِلَيْهِ مِمَّا لَو فعله غير مُضْطَر كَانَ عَلَيْهِ دم فَإِذا فعله مُضْطَرّا فَعَلَيهِ أَي هَذِه الْكَفَّارَات شَاءَ يكفر فِي أَي بلد شَاءَ إِلَّا النّسك فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي إِلَّا بِمَكَّة وَإِذا فعله غير مُضْطَر فَعَلَيهِ دم لَا يجْزِيه غَيره(2/433)
وكل دم وَجب عَلَيْهِ فِي شَيْء من أَمر الْحَج وَالْعمْرَة فَإِنَّهُ لَا يجْزِيه ذبحه إِلَّا بِمَكَّة أَو حَيْثُ شَاءَ من الْحرم وَإِذا ذبحه بهَا ثمَّ سرق لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَإِن سرق قبل الذّبْح فَعَلَيهِ بدله
ويجزيه ذبح مَا وَجب عَلَيْهِ من الدِّمَاء قبل يَوْم النَّحْر وَبعده بِمَكَّة مَا خلا دم الْقرَان وَدم الْمُتْعَة فَإِنَّهُ لَا يجْزِيه ذبح هذَيْن الدمين قبل يَوْم النَّحْر وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجْزِيه وَكَذَلِكَ هدي الْمحصر بِالْحَجِّ لَا يَجْزِي ذبحه قبل يَوْم النَّحْر فَأَما مَا سوى ذَلِك من التَّطَوُّع وَغَيره فيجزيه أَن يذبحه قبل يَوْم النَّحْر وذبحه يَوْم النَّحْر أفضل وَلَا يَأْكُل من شَيْء من الْهَدْي إِلَّا من هدي الْمُتْعَة وَالْقرَان والتطوع وَالْأُضْحِيَّة فَإِنَّهُ يَأْكُل الثُّلثَيْنِ مِنْهَا وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ وَإِن أكلهَا كلهَا لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَينْتَفع بجلود هَذِه الْأَرْبَع وَلَا ينْتَفع(2/434)
بجلود غَيرهَا
وَلَا يعْطى الجزار مِنْهَا وَلَا من غَيرهَا شَيْئا وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَبِيع شَيْئا من لُحُوم الْهَدَايَا فَإِن فعل فَعَلَيهِ قِيمَته يتَصَدَّق بهَا وَإِذا لم يبْق على الْمحرم غير التَّقْصِير فَبَدَأَ بقص أَظْفَاره أَو أَخذ من لحيته أَو شَاربه شَيْئا فَعَلَيهِ كَفَّارَة ذَلِك لِأَنَّهُ محرم مَا لم يقصر أَو يحلق
- بَاب كَفَّارَة قصّ الْأَظْفَار
-
وَإِذا أَخذ الْمحرم أظفار يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَعَلَيهِ دم وَإِن قصّ من أَظْفَاره وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ فَعَلَيهِ لكل ظفر صَدَقَة نصف صَاع حِنْطَة إِلَّا أَن يبلغ ذَلِك دَمًا فيطعم مِنْهُ مَا شَاءَ وَإِن كَانَ قَارنا ضوعف عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِن قصّ ثَلَاثَة أظافير فَعَلَيهِ دم اسْتِحْسَانًا فِي قَول أبي حنيفَة الأول ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَقَالَ لَا أرى عَلَيْهِ دَمًا حَتَّى يقص أظافير يَد كَامِلَة أَو رجل كَامِلَة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِلَّا أَن مُحَمَّدًا قَالَ إِذا قصّ(2/435)
خَمْسَة أظافير مُتَفَرِّقَة من يدين أَو رجلَيْنِ أَو يَد وَرجل فَعَلَيهِ دم وَإِذا انْكَسَرَ ظفر الْمحرم فَانْقَطع مِنْهُ شظية فقلعه لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَإِذا قصّ أظافير إِحْدَى يَدَيْهِ وَلم يكفر حَتَّى قصّ أظافير الْيَد الْأُخْرَى أَو الرجل الْأُخْرَى فَإِن كَانَ ذَلِك فِي مجْلِس وَاحِد فَعَلَيهِ دم وَاحِد وَإِن كَانَ فِي مجلسين فَعَلَيهِ دمان فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ دم وَاحِد مَا لم يكفر وَكَذَلِكَ الحكم فِي الْجِمَاع مرّة بعد أُخْرَى مَعَ امْرَأَة وَاحِدَة أَو مَعَ نسْوَة وَإِذا أَصَابَهُ الْأَذَى فِي أَظْفَاره حَتَّى قصها فَعَلَيهِ أَي الْكَفَّارَات الثَّلَاث شَاءَ(2/436)
- بَاب جَزَاء الصَّيْد
-
محرم دلّ محرما أَو حَلَالا على صيد فَقتله قَالَ على الدَّال جَزَاؤُهُ بلغنَا ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِن كَانَ الدَّال حَلَالا فِي الْحرم لم يكن عَلَيْهِ شَيْء(2/437)
وَإِذا اشْترك رَهْط محرمون فِي قتل صيد فعلى كل وَاحِد مِنْهُم جَزَاء كَامِل وَإِن كَانَ فيهم قَارن فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ مرَّتَيْنِ
وَإِن كَانَ قتل حلالان صيدا فِي الْحرم بضربة وَاحِدَة فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الْجَزَاء
وَإِذا قتل الْمحرم صيدا حكم عَلَيْهِ عَدْلَانِ بِقِيمَتِه فِي الْموضع الَّذِي(2/438)
أَصَابَهُ فِيهِ ثمَّ يكون الْقَاتِل بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ كفر بِالْهَدْي وَإِن شَاءَ بِالطَّعَامِ وَإِن شَاءَ بالصيام فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف بلغنَا ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّد الْخِيَار إِلَى الْحكمَيْنِ(2/439)
فِيمَا يوجبانه فَإِن حكما بِهِ هَديا نظر إِلَى نَظِيره من النعم الَّذِي يُشبههُ فِي المنظر وَلَا ينظر إِلَى قِيمَته فَيكون فِي الظبي شَاة وَفِي الأرنب عنَاق أَو جدي وَمَا لم يكن لَهُ نَظِير من النعم مثل الْحَمَامَة وَنَحْوهَا فَعَلَيهِ الْقيمَة وَإِن حكم الحكمان بِالطَّعَامِ أَو الصّيام فعل كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ ابْن أبي ليلى عَلَيْهِ فِي الْحَمَامَة قيمَة شَاة وَفِي الْبَيْضَة دِرْهَم
وَإِذا رمى الْحَلَال صيدا من الْحل فِي الْحرم أَو من الْحرم فِي الْحل فَقتله فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ وَكَذَلِكَ إرْسَال الْكَلْب
وَلَا يحل أكل مَا ذبحه الْمحرم من الصَّيْد فَإِن أدّى الْمحرم جزاءه(2/441)
ثمَّ أكل مِنْهُ فَعَلَيهِ قيمَة مَا أكل مِنْهُ فِي قَول أبي حنيفَة وَإِن كَانَ قَتله غَيره لم يكن عَلَيْهِ شَيْء فِيمَا أكل وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي أكله أَيْضا ويستغفر الله تَعَالَى
وَإِذا أصَاب الْحَلَال صيدا فِي الْحل فذبحه فَلَا بَأْس بِأَن يَأْكُلهُ الْمحرم
محرم كسر بَيْضَة صيد قَالَ عَلَيْهِ قيمتهَا فَإِن كَانَ فِيهَا فرخ ميت فَعَلَيهِ قيمَة الفرخ حَيا آخذ لَهُ بالثقة وَكَذَلِكَ إِن ضرب بطن ظَبْي فطرحت جَنِينا مَيتا ثمَّ مَاتَت فَعَلَيهِ جزاؤهما جَمِيعًا آخذ فِيهِ بالثقة(2/442)
وَإِذا عطب الصَّيْد بفسطاط الْمحرم أَو بحفيرة حفرهَا للْمَاء أَو فزع مِنْهُ الصَّيْد فَاشْتَدَّ فتكسر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ هُوَ أفزعه أَو حركه فَهُوَ ضَامِن لَهُ
محرم اصطاد صيدا فَأرْسلهُ محرم آخر من يَده قَالَ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قَتله فِي يَده فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا جَزَاؤُهُ وعَلى الْقَاتِل قِيمَته للَّذي كَانَ فِي يَده
رجل احرم وَفِي يَده صيد قَالَ عَلَيْهِ أَن يُرْسِلهُ فَإِن أرْسلهُ من يَده إِنْسَان قَالَ عَلَيْهِ قِيمَته للَّذي كَانَ فِي يَده فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَإِن أرْسلهُ الَّذِي كَانَ فِي يَده ثمَّ حل فَوَجَدَهُ فِي يَد رجل آخر أَخذه مِنْهُ وَكَانَ أَحَق بِهِ وَإِن كَانَ صَاده فِي إِحْرَامه ثمَّ أرْسلهُ فَالَّذِي فِي يَده(2/443)
أَحَق بِهِ
محرم قتل سبعا قَالَ إِن كَانَ السَّبع ابتدأه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ(2/444)
وَإِن كَانَ هُوَ ابْتَدَأَ السَّبع فَعَلَيهِ قِيمَته لَا يُجَاوز بِهِ دَمًا وَالسِّبَاع كلهَا فِي ذَلِك سَوَاء مَا خلا الْكَلْب وَالذِّئْب فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فيهمَا شَيْء وَإِن ابتدأهما لِأَنَّهُ بَلغنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يقتل الْمحرم الفارة والغراب والحدأة وَالْعَقْرَب والحية وَالْكَلب الْعَقُور(2/445)
وَإِن قتل الْقَارِن السَّبع ابْتِدَاء فَعَلَيهِ قيمتان لَا يُجَاوز بهما دمين وكل ذِي نَاب من السبَاع وَذي مخلب من الطير مِمَّا لم يَأْتِ فِيهِ أثر إِن ابتدأه محرم فَقتله فَعَلَيهِ قِيمَته لَا يُجَاوز بِهِ دَمًا وَإِن ابتدأه السَّبع أَو ذُو مخلب من الطير فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَفِي اليربوع والأرنب قيمتهمَا(2/446)
وَإِذا بلغت قيمَة الْمَقْتُول حملا أَو عنَاقًا لم يجزه الْحمل والعناق فِي الْهَدْي مَا لم تبلغ قيمَة الْمَقْتُول ثمن جذع عَظِيم من الضَّأْن أَو ثنى من غَيرهَا فَعَلَيهِ الصَّدَقَة أَو الصّيام وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى يجزى ذَلِك فِي جَزَاء الصَّيْد للآثار الَّتِي جَاءَت وَلِأَن الرجل قد يُسمى الثَّوْب وَالدَّرَاهِم هَديا أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لله على أَن أهْدى هَذِه الدَّرَاهِم كَانَ عَلَيْهِ أَن يفعل ولان الْهَدْي قد يكون عنَاقًا وجديا وفصيلا أَلا ترى أَنه لَو أهْدى نَاقَة فنتجت كَانَ وَلَدهَا هَديا مَعهَا ينْحَر وَلَو كَانَ غير هدي لتصدق بِهِ وَلم ينْحَر(2/447)
محرم رمى صيدا فجرحه ثمَّ كفر عَنهُ ثمَّ رَآهُ بعد ذَلِك فَقتله قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَة أُخْرَى وَلَو لم يكفر عَنهُ فِي الأولى لم يضرّهُ وَلم يكن عَلَيْهِ فِيهَا شَيْء إِذا كفر فِي هَذِه الْأَخِيرَة إِلَّا مَا نقصته الْجراحَة الأولى
محرم جرح صيدا ثمَّ كفر عَنهُ قبل أَن يَمُوت ثمَّ مَاتَ أجزته(2/448)
الْكَفَّارَة الَّتِي أَدَّاهَا
وَإِذا أحرم الرجل وَله فِي منزله صيد لم يكن عَلَيْهِ إرْسَاله إِنَّمَا يُرْسل مَا يكون فِي يَدَيْهِ
وللمحرم أَن يذبح الشَّاة والدجاجة والبط الَّذِي يكون عِنْد النَّاس وكل مَا لَيْسَ بصيد وَالْحمام أَصله صيد فَلَا يَنْبَغِي للْمحرمِ أَن يذبح شَيْئا مِنْهُ
وَالَّذِي يرخص فِيهِ للْمحرمِ من صيد الْبَحْر هُوَ السّمك خَاصَّة وَلَا يرخص لَهُ فِي طير الْبَحْر لِأَنَّهُ لَيْسَ من صيد الْبَحْر لِأَنَّهُ مِمَّا يعِيش فِي الْبر
محرم صَاد ظَبْيَة فَولدت عِنْده قبل أَن يحل أَو بعد مَا حل ثمَّ ذَبحهَا وَوَلدهَا فِي الْحل أَو فِي الْحَرَام فَعَلَيهِ جزاؤها جَمِيعًا(2/449)
وأكره للْمحرمِ أَن يَشْتَرِي الصَّيْد وأنهاه عَنهُ فَإِن اشْترى محرم من محرم أَو حَلَال صيدا أَمرته أَن يخلي سَبيله فَإِن عطب فِي يَده فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ وعَلى البَائِع أَيْضا جَزَاؤُهُ إِن كَانَ محرما
وَإِذا صَاد الْمحرم صيدا فحبسه عِنْده حَتَّى مَاتَ فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ وَإِن كَانَ لم يقْتله
محرم أَو حَلَال أخرج صيدا من الْحرم قَالَ يُؤمر برده إِلَى الْحرم وإرساله فِيهِ فَإِن أرْسلهُ فِي الْحل فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ
وكل شَيْء صنعه الْمحرم بالصيد مِمَّا يتلفه أَو يعرضه للتلف فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ إِلَّا أَن يُحِيط علمه بِأَنَّهُ قد سلم مِنْهُ(2/450)
وَلَا يَنْبَغِي للْحَلَال أَن يعين الْمحرم على ذبح الصَّيْد لِأَنَّهُ مَعْصِيّة وَلَا يَشْتَرِيهِ مِنْهُ وَإِن أَعَانَهُ على شَيْء من ذَلِك لم يكن على الْحَلَال فِيهِ إِلَّا الاسْتِغْفَار وَسَوَاء أصَاب الْمحرم الصَّيْد بعمد أَو خطأ وَكَانَ ذَلِك أول مَا أَصَابَهُ أَو قد أصَاب قبله وَعَلِيهِ الْجَزَاء فِي جَمِيع ذَلِك(2/451)
وَإِذا قتل الْحَلَال الصَّيْد فِي الْحَرَام فَعَلَيهِ قِيمَته وَله أَن يهدي بهَا وَأَن يطعم وَلَا يجْزِيه الصَّوْم
وَمن دخل الْحرم بصيد فَعَلَيهِ أَن يُرْسِلهُ فَإِن بَاعه رد البيع فِيهِ إِن كَانَ قَائِما وَإِن كَانَ فائتا فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ وَكَذَلِكَ بيع الْمحرم للصَّيْد من محرم أَو حَلَال فَاسد
رجل أَدخل الْحرم بازيا أَو صقرا فَعَلَيهِ إرْسَاله فَإِن أرْسلهُ فَجعل يقتل حمام الْحرم لم يكن عَلَيْهِ من ذَلِك شَيْء وَلَا خير فِيمَا يترخص فِيهِ أهل مَكَّة من الحجل واليعاقيب وَلَا يدْخل شَيْء مِنْهُ الْحرم حَيا وَإِذا رمى صيدا بعض قوائمه فِي الْحل وَبَعضهَا فِي الْحرم فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ وأكره أكله فَإِن كَانَ الرَّامِي فِي الْحل وَالصَّيْد فِي الْحل إِلَّا أَن بَينهمَا قِطْعَة من الْحرم فَمر فِيهَا السهْم قَالَ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ(2/452)
وَإِذا رمى الصَّيْد فِي الْحل فَيُصِيبهُ السهْم فَيدْخل الْحرم فَيَمُوت فِيهِ قَالَ أستحسن ترك أكله وَلَا جَزَاء فِيهِ
وَإِذا ذبح الْهَدْي فِي جَزَاء الصَّيْد بِالْكُوفَةِ وَتصدق بِهِ أجزاه من الطَّعَام إِذا أصَاب كل مِسْكين قيمَة نصف صَاع وَلم يجزه من الْهَدْي
وَإِن أكل من جَزَاء الصَّيْد فَعَلَيهِ قيمَة مَا أكل فَإِن أكله كُله بعد مَا ذبحه بِمَكَّة فَعَلَيهِ قِيمَته مذبوحا يتَصَدَّق بِهِ إِن شَاءَ على مِسْكين وَاحِد وَإِن شَاءَ على مَسَاكِين وَأما إِذا حكم عَلَيْهِ بجزاء الصَّيْد(2/453)
طَعَاما فَلَا يعْطى كل مِسْكين أَكثر من نصف صَاع فَإِن أعْطى كل مِسْكين نصف صَاع ففضل مِنْهُ مد تصدق بِهِ على مِسْكين فَإِن حكم عَلَيْهِ بالصيام صَامَ مَكَان نصف صَاع يَوْمًا فَإِن فضل مد تصدق بِهِ إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ صَامَ لَهُ يَوْمًا وَله أَن يفرق الصَّوْم فِي جَزَاء الصَّيْد
محرم قتل جَرَادَة قَالَ بلغنَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ تَمْرَة خير من جَرَادَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي قتل البعوض والذباب والنملة(2/454)
والحلمة والقرد شَيْء وأكره لَهُ قتل القملة وَمَا تصدق بِهِ فَهُوَ خير مِنْهَا
بيض صيد شواه محرم وَأدّى جزاءه فَلَا بَأْس على الْحَلَال أَو الْمحرم أَن يَأْكُلهُ وَجَزَاء الْبيض الْقيمَة بلغنَا عَن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود أَنَّهُمَا قَالَا فِيهِ الْقيمَة(2/455)
محرم أصَاب صيدا كثيرا على وَجه الْإِحْلَال والرفض لإحرامه قَالَ عَلَيْهِ لذَلِك كُله دم وَاحِد وَلَو أصَاب صيدا وَهُوَ حرَام ثمَّ أصَاب آخر وَهُوَ على نِيَّته فِي الْإِحْرَام فَعَلَيهِ جَزَاء لكل وَاحِد مِنْهُمَا علا حِدة
وَلَا يتَصَدَّق من جَزَاء الصَّيْد على وَلَده ونوافله وَلَا على أَبَوَيْهِ وأجداده وَإِن أعْطى مِنْهُ ذِمِّيا أجزاه وفقراء الْمُسلمين أحب إِلَى وَإِذا بلغ جَزَاء الصَّيْد جزورا فَهُوَ أحب إِلَى من أَن يَشْتَرِي بِقِيمَتِه أغناما وَإِن اشْترى أغناما فذبحها وَتصدق بهَا أجزاه وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن(2/456)
يعرف بالجزور فِي جَزَاء الصَّيْد وَلَا أَن يقلده وَإِن فعل لم يضرّهُ وَكَذَلِكَ هدي الْإِحْصَار وَالْكَفَّارَات
وَإِذا رمى الصَّيْد وَهُوَ حَلَال ثمَّ أحرم فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَإِن رمى طائرا على غُصْن شَجَرَة أَصْلهَا فِي الْحل أَو فِي الْحرم لم ينظر إِلَى أَصْلهَا وَنظر إِلَى مَوضِع الطَّائِر فَإِن كَانَ ذَلِك الْغُصْن فِي الْحل فَلَا جَزَاء عَلَيْهِ فِيهِ وَإِن كَانَ فِي الْحَرَام فَفِيهِ الْجَزَاء وَأما فِي قطع الْغُصْن فَينْظر إِلَى أصل الشَّجَرَة فَإِن كَانَ فِي الْحل فَلهُ أَن يقطعهُ وَإِن كَانَ فِي الْحرم(2/457)
فَلَيْسَ لَهُ أَن يقطع الْغُصْن
وَلَا يقطع من شجر الْحرم مَا نبت بِنَفسِهِ مِمَّا لَا ينبته النَّاس فَإِن قطعه رجل حَلَال أَو محرم أَو قَارن فَعَلَيهِ قِيمَته وَأما مَا أَنْبَتَهُ إِنْسَان مِمَّا ينْبت بِنَفسِهِ أَو مِمَّا ينبته النَّاس أَو ينْبت بِنَفسِهِ مِمَّا ينبته النَّاس فَلَا بَأْس بِقطعِهِ(2/458)
وَإِن قطع رجلَانِ شَجَرَة من الْحرم مِمَّا لَا يقطع فعلَيْهِمَا قيمَة وَاحِدَة وَلَا يجوز فِيهَا الصّيام إِنَّمَا يهدي أَو يطعم لكل مِسْكين نصف صَاع حِنْطَة بِقِيمَتِهَا بَالِغَة مَا بلغت وَلَا أحب لَهُ أَن ينْتَفع بِتِلْكَ الشَّجَرَة الَّتِي غرم قيمتهَا وَإِن انْتفع بهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن غرسها فَنَبَتَتْ فَلهُ أَن يقطعهَا ويصنع بهَا مَا شَاءَ وَمَا تكسر من شجر الْحرم ويبس حَتَّى سقط فَلَا بَأْس بِالِانْتِفَاعِ بِهِ
وَلَا يرْعَى حشيش الْحرم وَلَا يقطع إِلَّا الْإِذْخر فَإِنَّهُ بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِيهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة(2/459)
وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس بِأَن يرْعَى الْحَشِيش وَلَا يحتش وَقَالَ ابْن أبي ليلى يحتش ويرعى(2/460)
وَإِذا قتل الْمحرم البازى الْمعلم فَعَلَيهِ فِي الْكَفَّارَة قِيمَته غير معلم(2/461)
- بَاب الْمحصر
-
وَيبْعَث الْمحصر بِالْحَجِّ بِثمن هدي يَشْتَرِي لَهُ بِمَكَّة فَيذْبَح عَنهُ يَوْم النَّحْر وَيحل وَعَلِيهِ عمْرَة وَحجَّة فَإِذا بعث بِهِ فَإِن شَاءَ أَقَامَ مَكَانَهُ وَإِن شَاءَ رَجَعَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يقصر وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن قصر فَحسن
والمحصر بِالْعُمْرَةِ يواعدهم يَوْمًا يذبح فِيهِ الْهَدْي عَنهُ فَإِذا ذبح(2/462)
حل وَعَلِيهِ عمْرَة مَكَانهَا والقارن يبْعَث بهديين فَإِذا ذبحا وَحل فَعَلَيهِ عمرتان وَحجَّة يَقْضِيهَا بقران أَو إِفْرَاد كَمَا يَشَاء
وَإِذا بعث الْمحصر بِالْهَدْي ثمَّ قدر على الذّهاب وَإِدْرَاك الْهَدْي قبل أَن يذبح لم يَسعهُ أَن يُقيم وَلم يحل بِالْهَدْي إِن أَقَامَ وَإِن لم يقدر على إِدْرَاكه أجزاه استسحانا
والإحصار بِالْمرضِ والعدو سَوَاء وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة تحرم بِالْحَجِّ وَلَيْسَ لَهَا محرم وَيخرج مَعهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْمحصر وَكَذَلِكَ إِن أهلت بِحجَّة سوى حجَّة الْإِسْلَام فَمنعهَا زَوجهَا وحللها فعلَيْهَا هدي وَعمرَة وَحجَّة وتحليلة لَهَا أَن يَنْهَاهَا ويصنع بهَا أدنى مَا يحرم عَلَيْهَا فِي الْإِحْرَام من قصر ظفر أَو غَيره وَلَا يكون التَّحْلِيل بِالنَّهْي وَلَا بقوله قد حللتك وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوك يهل بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ(2/463)
وَإِذا بعث الْمحصر بِالْحَجِّ بهديين حل بأولهما وَإِن حل الْمحصر قبل أَن ينْحَر عَنهُ هَدْيه فَعَلَيهِ دم لإحلاله وَيعود حَرَامًا كَمَا كَانَ حَتَّى ينْحَر عَنهُ هَدْيه فَإِن كَانَ الْمحصر مُعسرا لم يحل أبدا إِلَّا بِدَم
وكل شَيْء صنعه الْحصْر قبل أَن يحل فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمحرم الَّذِي لَيْسَ بمحصر
وَإِذا قدر الْمحصر على الذّهاب إِلَى مَكَّة فَمضى وَأدْركَ هَديا صنع بِهِ مَا شَاءَ(2/464)
وَإِذا ذبح عَن الْمحصر هَدْيه فِي غير الْحرم لم يجزه فَإِن حل فِي مَوْضِعه ثمَّ علم بذلك قَالَ يعود حَرَامًا وَعَلِيهِ لإحلاله وَيبْعَث بِدَم لإحصاره إِن كَانَ الْإِحْصَار بَاقِيا
ويجزيه لهدي الْإِحْصَار الْجذع الْعَظِيم من الضَّأْن والثنى من غَيرهَا فَإِن أكل مِنْهُ الَّذِي هُوَ مَعَه بعد مَا ذبحه فَهُوَ ضَامِن لقيمة مَا أكل وَيتَصَدَّق بِهِ(2/467)
عَن الْمحصر فَإِن قدم مَكَّة فَطَافَ وسعى لعمرته وحجته ثمَّ خرج إِلَى بعض الْآفَاق قبل أَن يقف بِعَرَفَة فأحصر قَالَ يبْعَث بِهَدي يحل بِهِ وَعَلِيهِ حجَّة وَعمرَة مَكَان حجَّته وَلَيْسَ عمْرَة مَكَان عمرته لِأَنَّهُ قد فرغ مِنْهَا وَيقصر وَعَلِيهِ دم لِأَنَّهُ قصر فِي غير مَكَّة وَإِذا وقف بِعَرَفَة ثمَّ أحْصر لم يكن محصرا لِأَنَّهُ قد فرغ من حجَّته وَلَكِن يكون حَرَامًا حَتَّى يصل إِلَى الْبَيْت فيطوف طواف الزِّيَارَة وَطواف الصَّدْر ويحلق أَو يقصر وَعَلِيهِ لترك الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ دم ولرمي الْجمار دم ولتأخير الْحلق دم ولتأخير الطّواف دم فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيْسَ عَلَيْهِ لتأخير الْحلق وَالطّواف شَيْء
وَإِذا قدم الْحَاج مَكَّة فأحصر بهَا لم يكن محصرا بهَا وَإِذا بعث الْقَارِن(2/468)
بهديين وَلم يبين أَيهمَا لِلْحَجِّ وَأيهمَا للْعُمْرَة لم يضرّهُ
رجل أهل بعمرتين مَعًا فَسَار إِلَى مَكَّة ليقضيهما ثمَّ أحْصر قَالَ يبْعَث بِهَدي وَاحِد يحل بِهِ من عمْرَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ حَيْثُ سَار صَار رافضا لإحداهما وَعَلِيهِ هدي لرفضها وَعَلِيهِ عمرتان وَإِن لم يكن سَار وَلَا أَخذ فِي شَيْء من عملهما حَتَّى أحْصر قَالَ يبْعَث بهديين لَهما فَإِذا نحرا عَنهُ حل وَكَانَت عَلَيْهِ عمرتان(2/469)
رجل أهل بِشَيْء وَاحِد لَا يَنْوِي بِهِ حجَّة وَلَا عمْرَة ثمَّ أحْصر قَالَ يبْعَث بِهَدي فَيحل بِهِ وَعَلِيهِ عمْرَة اسْتِحْسَانًا وَلَو لم يحصر كَانَ لَهُ أَن يخْتَار إِن شَاءَ عمْرَة وَإِن شَاءَ حجَّة مَا لم يطف بِالْبَيْتِ فَإِذا طَاف قبل أَن يَنْوِي شَيْئا جعلته عمْرَة وَكَذَلِكَ لَو جَامع قبل أَن يَنْوِي شَيْئا جعلته عمْرَة وَعَلِيهِ دم الْجِمَاع وَعمرَة وقضاؤها وَلَو أهل بِشَيْء وَاحِد وَسَماهُ ثمَّ نَسيَه وأحصر بعث بِهَدي وَاحِد فَحل بِهِ وَعَلِيهِ عمْرَة وَحجَّة وَكَذَلِكَ إِن لم يحصر وَوصل إِلَى الْبَيْت رَأَيْت لَهُ أَن يَجعله عمْرَة وَحجَّة آخذ لَهُ فِي ذَلِك بالثقة وَيكون عَلَيْهِ مَا يكون على الْقَارِن وَلَو جَامع قبل أَن يصل إِلَى الْبَيْت وَقبل أَن يَنْوِي أَن تكون عمْرَة وَحجَّة فَعَلَيهِ هدي وَاحِد للجماع وَيجْعَل إِحْرَامه لعمرة وَحجَّة وَلَو أهل بشيئين ثمَّ نسيهما ثمَّ أحْصر بعث بهديين فَإِذا ذبحا عَنهُ وَحل كَانَت عَلَيْهِ عمرتان وَحجَّة أجعله بِمَنْزِلَة(2/470)
الْقَارِن وأضع أمره على مَا يهل بِهِ النَّاس أستحسن ذَلِك وَكَانَ الْقيَاس أَن يكون عَلَيْهِ حجتان وعمرتان
وَإِن لم يحصر وَوصل إِلَى الْبَيْت جعل إِحْرَامه عمْرَة وَحجَّة وَعمل مَا يعمله الْقَارِن وَكَانَ الْقيَاس أَن يقْضِي عمْرَة وَحجَّة مَعَ النَّاس وَعَلِيهِ دم الْقرَان وَعَلِيهِ دم آخر وَعمرَة وَحجَّة فَإِن كَانَ الَّذِي أهل بِهِ حجَّتَيْنِ فقد قضى إِحْدَاهمَا وَعَلِيهِ لرفض الْأُخْرَى هَذَا الدَّم وَعَلِيهِ عمْرَة وَحجَّة مَكَانهَا وَإِن كَانَ إهلاله بعمرتين فقد قضى إِحْدَاهمَا وَعَلِيهِ لرفض الْأُخْرَى ذَلِك الدَّم وَعمرَة
- بَاب الْجِمَاع
-
وَإِذا جَامع الرجل امْرَأَته وهما مهلان بِالْحَجِّ قبل أَن يقفا بِعَرَفَة فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاة ويمضيان فِي حجتهما وَعَلَيْهِمَا الْحَج من قَابل(2/471)
وَلَا يفترقان وَلَيْسَت الْفرْقَة بِشَيْء فَإِن كَانَ قَارنا فَعَلَيهِ شَاتَان وَقَضَاء عمْرَة وَحجَّة إِن لم يكن طَاف بِالْبَيْتِ وَقد سقط عَنهُ دم الْقرَان وَإِن كَانَ طَاف بِالْبَيْتِ قبل الْجِمَاع فَكَذَلِك الْجَواب إِلَّا أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء الْعمرَة وَإِن جَامع بعد مَا وقف بِعَرَفَة فَعَلَيهِ جزور وشَاة
وَإِذا جَامع الْحَاج بعد مَا وقف بِعَرَفَة فأهدى جزورا ثمَّ جَامع بعد ذَلِك فَعَلَيهِ شَاة وَإِذا طَاف أَرْبَعَة أَشْوَاط من طواف الزِّيَارَة(2/472)
وَقد قصر ثمَّ جَامع فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَإِن لم يكن قصر فَعَلَيهِ دم
اللَّمْس والتقبيل من شَهْوَة وَالْجِمَاع فِيمَا دون الْفرج أنزل أَو لم ينزل لَا يفْسد الْإِحْرَام وَلكنه يُوجب الدَّم وَالنَّظَر لَا يُوجب شَيْئا وَإِن أنزل
وَحكم الْجِمَاع فِي الْحَج وَالْعمْرَة وَاحِد إِن كَانَ عَن نِسْيَان أَو تعمد أَو فِي حَال نوم أَو بإكراه أَو بطوع إِلَّا فِي الْإِثْم(2/473)
وَكَذَلِكَ الْحَلَال وَالْحرَام والبالغ وَغير الْبَالِغ والعاقل وَالْمَعْتُوه كل ذَلِك يُفْسِدهُ
رجل أهل بِعُمْرَة وجامع فِيهَا ثمَّ أهل بِأُخْرَى يَنْوِي قضاءها قَالَ هِيَ هِيَ وَعَلِيهِ دم للجماع ويفرغ مِنْهَا وَعَلِيهِ عمْرَة وَكَذَلِكَ لَو كَانَت حجَّة فَإِن جَامع فِي الْعمرَة ثمَّ أضَاف إِلَيْهَا حجَّة لم يكن قَارنا وَالْحجّة لَهُ لَازِمَة يقضيهما جَمِيعًا وَلَا يلْزمه دم الْقرَان إِذا كَانَت إحدهما فَاسِدَة وَكَذَلِكَ يسْقط عَنهُ دم ترك الْوَقْت إِذا أفسد مَا أحرم بِهِ(2/474)
محرم بِعُمْرَة جَامع النِّسَاء ورفض إِحْرَامه فَأَقَامَ حَلَالا يصنع مَا يصنع الْحَلَال فِي الْجِمَاع وَالصَّيْد وَالطّيب وَغَيره قَالَ عَلَيْهِ أَن يعود حَرَامًا كَمَا كَانَ ويمضي فِي عمرته وَعَلِيهِ دم وَاحِد لإحلاله وَلِجَمِيعِ مَا صنع فِيهِ من جماع وَقتل صيد وَغير ذَلِك وَعَلِيهِ عمْرَة مَكَان عمرته
- بَاب الدّهن وَالطّيب
-
وَيكرهُ للْمحرمِ الادهان والتطيب فَإِن ادهن ببنفسج(2/475)
أَو زنبق أَو غَيره من الدّهن فَأكْثر فَعَلَيهِ دم وَإِن ادهن بِزَيْت غير مطبوخ فَعَلَيهِ دم فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد عَلَيْهِ صَدَقَة وَإِن كَانَ زَيْت قد طبخ وَجعل فِيهِ طيب فَعَلَيهِ دم وَإِن ادهن شقَاق رجله بِزَيْت أَو بشحم أَو بِسمن لم يكن عَلَيْهِ شَيْء
وَيكرهُ للْمحرمِ أَن يشم الريحان وَالطّيب وَإِن شمه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ(2/476)
فَإِن كَانَ دهن ادهن بِهِ قبل أَن يحرم ثمَّ وجد رِيحه بعد مَا أحرم لم يضرّهُ وَكَذَلِكَ إِن أجمر ثِيَابه قبل أَن يحرم ثمَّ لبسهَا بعد مَا أحرم
وَلَا بَأْس بِأَن يَأْكُل الطَّعَام الَّذِي قد صنع فِيهِ الزَّعْفَرَان أَو الطّيب وَإِن أكل الزَّعْفَرَان من غير أَن يكون فِي الطَّعَام فَعَلَيهِ الدَّم إِذا كَانَ كثيرا وَإِن كَانَ فِي طَعَام لم تمسه النَّار مثل الْملح(2/477)
فَلَا بَأْس بِهِ أَيْضا أَلا ترى أَنه يَأْكُل الزَّيْت وَلَا يدهن بِهِ وَإِن مس طيبا فَإِن لزق بِهِ مِنْهُ شَيْء تصدق بِصَدقَة وَإِن كَانَ لم يلزق بِهِ مِنْهُ شَيْء فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون مَا لزق بِهِ كثيرا فَعَلَيهِ دم
وَإِذا اسْتَلم الرُّكْن فَأصَاب فَمه أَو يَده خلوف كثير فَعَلَيهِ دم وَإِن كَانَ قَلِيلا فَعَلَيهِ طَعَام
وَلَا بَأْس بِأَن يكتحل الْمحرم بكحل لَيْسَ فِيهِ طيب فَإِن كَانَ فِيهِ طيب فَعَلَيهِ صَدَقَة إِلَّا أَن يكون ذَلِك مرَارًا كَثِيرَة فَعَلَيهِ دم وَإِن كَانَ من أَذَى فَعَلَيهِ أَي الْكَفَّارَات الثَّلَاث شَاءَ وَكَذَلِكَ لَو تداوى بدواء فِيهِ طيب فالزقه على جرحه أَو شربه شربا وَإِن داوى(2/478)
قرحَة بدواء فِيهِ طيب ثمَّ خرجت بِهِ قرحَة أُخْرَى وَالْأولَى على حَالهَا فداوى الثَّانِيَة مَعَ الأولى فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم تَبرأ الأولى
وللمحرم أَن يبط القرحة وَيجْبر الْكسر ويعصب عَلَيْهِ الْخرق وَينْزع ضرسه إِذا اشْتَكَى ويحتجم ويغتسل وَيدخل الْحمام
فَإِن غسل رَأسه ولحيته بالخطمى قَالَ عَلَيْهِ دم فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد عَلَيْهِ صَدَقَة لِأَن الخطمى لَيْسَ بِطيب وَإِنَّمَا جعلنَا فِيهِ صَدَقَة لِأَنَّهُ يقتل الدَّوَابّ وَإِن خضب رَأسه ولحيته بِالْحِنَّاءِ فَعَلَيهِ دم وَإِن خضبهما بالوسمة فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء إِذا لم يكن يُغطي رَأسه(2/479)
وَإِن خَافَ أَن يقتل الدَّوَابّ أطْعم شَيْئا وَإِن خضبت الْمُحرمَة يَدهَا بِالْحِنَّاءِ فعلَيْهَا دم
وَقد قَالَ فِي بَاب قبل هَذَا فِي الطّيب إِذا كَانَ كثيرا فَاحِشا فَعَلَيهِ دم وَإِن كَانَ قَلِيلا فَعَلَيهِ صَدَقَة وَقَالَ مُحَمَّد يقوم مَا يجب فِيهِ الدَّم فَينْظر إِلَى هَذَا الْقدر مِنْهُ فَيجْعَل من الصَّدَقَة بِحِسَاب ذَلِك
- بَاب اللّبْس
-
وَلَا بَأْس بِأَن يلبس الْمحرم القباء وَيدخل فِيهِ مَنْكِبَيْه وَلَا يدْخل(2/480)
فِيهِ يَدَيْهِ وَلَا يزره عَلَيْهِ فَإِن زره عَلَيْهِ يَوْمًا أَو أَكثر فَعَلَيهِ دم وَإِن كَانَ أقل من يَوْم فَعَلَيهِ صَدَقَة
وَلَا بَأْس بِأَن يلبس الْخَزّ والبرود وَمَا قد صبغ بلون الهروى إِذا لم ينفض وَإِن لبس مصبوغا بالعصفر أَو بالورس أَو الزَّعْفَرَان مشبعا يَوْمًا إِلَى اللَّيْل أَو أَكثر فَعَلَيهِ دم وَإِن كَانَ أقل من يَوْم فَعَلَيهِ صَدَقَة وَكَذَلِكَ إِن لبس قَمِيصًا أَو سَرَاوِيل أَو قلنسوة يَوْمًا فَعَلَيهِ دم وَإِن جمع ذَلِك كُله فِي يَوْم فَعَلَيهِ دم وَاحِد وَكَذَلِكَ إِن غطى وَجهه يَوْمًا فَعَلَيهِ دم(2/481)
وَلَا بَأْس بِأَن يلبس الْهِمْيَان أَو المنطقة يشد بهَا حقوته فِيهَا نَفَقَته ويتوشح بِالثَّوْبِ وَلَا يعْقد على عُنُقه وَلَا يخله بخلال وَإِن فعله لم يكن عَلَيْهِ شَيْء
وَيكرهُ لَهُ أَن يعصب رَأسه وَإِن فعله يَوْمًا فَعَلَيهِ صَدَقَة وَإِن عصب شَيْئا من جسده لعِلَّة أَو غير عِلّة لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وأكرهه لغير عِلّة
وَإِن غطى الْمحرم ربع رَأسه أَو وَجهه يَوْمًا فَعَلَيهِ دم وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَعَلَيهِ صَدَقَة وَأما الْمُحرمَة فَإِنَّهَا تغطي كل شَيْء مِنْهَا إِلَّا وَجههَا فَإِن غطته يَوْمًا فعلَيْهَا دم وَيكرهُ للمحرمة(2/482)
لبس البرقع
فَإِن لبس الْمحرم مَا لَا يحل لَهُ من الثِّيَاب أَو الْخفاف يَوْمًا أَو أَكثر لضَرُورَة فَعَلَيهِ أَي الْكَفَّارَات الثَّلَاث شَاءَ وَإِن غدى الْمَسَاكِين وعشاهم فِي هَذِه الْكَفَّارَات أجزاه فِي قَول أبي ويوسف وَلم يجزه فِي قَول مُحَمَّد(2/483)
وَلَا بَأْس بإن يلبس الْمحرم الطيلسان وَلَا يزره عَلَيْهِ فَإِن زره يَوْمًا فَعَلَيهِ دم وَإِن دخل تَحت ستر الْكَعْبَة حَتَّى غطاه فان كَانَ السّتْر يُصِيب وَجهه وَرَأسه كرهته لَهُ وَإِن كَانَ متجافيا عَنهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فَإِن كَانَ الْمحرم نَائِما فَغطّى رجل رَأسه وَوَجهه بِثَوْب يَوْمًا كَامِلا فَعَلَيهِ دم أَلا ترى أَنه لَو انْقَلب فِي نَومه على صيد فَقتله كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ
صبي أحرم عَنهُ أَبوهُ وجنبه مَا يجنب الْمحرم فَلبس ثوبا أَو أصَاب طيبا أَو صيدا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
- بَاب النّذر
-
وَإِذا حلف بِالْمَشْيِ إِلَى بَيت الله فَحنث فَعَلَيهِ حجَّة أَو عمْرَة فَإِن جعلهَا حجَّة وَمَشى لم يركب حَتَّى يطوف طواف الزِّيَارَة وَإِن جعلهَا عمْرَة وقرنها بِحجَّة الْإِسْلَام أَو اعْتَمر بهَا قبلهَا أجزاه فَإِن قرن رَاكِبًا فَعَلَيهِ دم لركوبه سوى دم الْقرَان(2/484)
وكل من وَجب عَلَيْهِ دم فِي الْمَنَاسِك جَازَ لَهُ أَن يُشَارك سِتَّة نفر قد وَجب عَلَيْهِم الدِّمَاء أَيْضا فِيهَا وَإِن اخْتلفت أجناسها من دم مُتْعَة وإحصار وَجَزَاء الصَّيْد وَغير ذَلِك وَلَو كَانَ ذَلِك كُله جنس وَاحِد كَانَ أحب إِلَى
وَإِذا نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله وَنوى مَسْجِد الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَإِن لم يكن فِيهِ نِيَّة فَهُوَ على الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِن نذر إتْيَان مَكَّة لم يلْزمه شَيْء
وَإِن قَالَ إِن كلمت فلَانا فعلى حجَّة يَوْم ُأكَلِّمهُ ينوى(2/485)
أَن تجب عَلَيْهِ يَوْم يكلمهُ فَكَلمهُ وَجَبت عَلَيْهِ حجَّة يَقْضِيهَا مَتى شَاءَ وَلم يكن محرما بهَا يَوْمئِذٍ مَا لم يحرم أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لله على حجَّة الْيَوْم كَانَت وَاجِبَة عَلَيْهِ يحرم بهَا مَتى شَاءَ
رجل قَالَ لآخر عَليّ حجَّة إِن شِئْت فَقَالَ قد شِئْت قَالَ هِيَ عَلَيْهِ وَقَوله على حجَّة وَقَوله لله عَليّ حجَّة سَوَاء وَهِي وَاجِبَة وَإِن قَالَ إِن فعلت كَذَا فَأَنا أحج بفلان فَحنث فَإِن كَانَ(2/486)
نوى فَأَنا أحج وَهُوَ معي فَعَلَيهِ أَن يحجّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يحجّ بِهِ وَإِن كَانَ نوى أَن يحجه فَعَلَيهِ أَن يحجه كَمَا نوى وَإِن أرْسلهُ فأحجه جَازَ وَإِن أحج مَعَه جَازَ وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ أَن يحجّ هُوَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يحجج فلَانا وَإِن كَانَ قَالَ فعلي أَن أحجج فلَانا فَعَلَيهِ أَن يحججه كَمَا قَالَ
وَإِن قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلى أَن أهْدى كَذَا لشَيْء من مَاله فَعَلَيهِ أَن يهديه فَإِن كَانَ ذَلِك دَارا أَو شَيْئا لَا يَسْتَطِيع أَن يهديه فَعَلَيهِ أَن يهدي قِيمَته وَمَا أوجب هَدْيه من ذَلِك تصدق بِهِ على مَسَاكِين مَكَّة وَإِن أعطَاهُ حجبة الْبَيْت أجزاه وَكَذَلِكَ إِن قَالَ فثوبي هَذَا ستر الْبَيْت أَو قَالَ فَأَنا أضْرب بِهِ حطيم الْكَعْبَة فَعَلَيهِ أَن يهديه أستحسن هَذَا لِأَن إِيمَان النَّاس عَلَيْهِ(2/487)
وَإِن قَالَ فَكل مَالِي هدي فَعَلَيهِ أَن يهدي مَاله كُله بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ فِي مثل هَذَا يتَصَدَّق بِمَالِه كُله ويمسك مِنْهُ قدر مَا يقوته فَإِذا أَفَادَ مَالا تصدق بِمثل مَا أمسك(2/488)
وَإِن قَالَ إِن فعلت كَذَا فغلامي هَذَا هدى ثمَّ بَاعه ثمَّ فعل ذَلِك لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَإِن كَانَ الْغُلَام فِي غير ملكه يَوْم حلف ثمَّ اشْتَرَاهُ ثمَّ فعل ذَلِك لم يلْزمه أَيْضا شَيْء وَإِن قَالَ إِن كلمت فلَانا فَهَذَا الْمَمْلُوك هدي يَوْم أشتريه فَكَلمهُ ثمَّ اشْتَرَاهُ فَعَلَيهِ أَن يهديه وَإِن اشْتَرَاهُ أَولا ثمَّ كَلمه لم يكن عَلَيْهِ شَيْء
وَإِن قَالَ فَهَذِهِ الشَّاة هدى إِلَى الْبَيْت أَو إِلَى مَكَّة أَو إِلَى الْكَعْبَة وَهُوَ يملكهَا فَعَلَيهِ أَن يهديها وَإِن قَالَ إِلَى الْحرم أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام لم يلْزمه أَن يهديها فِي قَول أبي حنيفَة وَيلْزمهُ فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد(2/489)
قَالَ وكل شَيْء يَجعله على نَفسه من الْمَتَاع والدقيق فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يَبِيعهُ وَيتَصَدَّق بِهِ على مَسَاكِين أهل مَكَّة وَإِن تصدق بِالْكُوفَةِ أجزاه
وكل هدي جعله على نَفسه من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم فَعَلَيهِ أَن يذبحه بِمَكَّة وَيتَصَدَّق بِلَحْمِهِ على مَسَاكِين أهل مَكَّة وَغَيرهم فَإِن كَانَ ذَلِك فِي أَيَّام النَّحْر فعله بمنى وَإِن كَانَ فِي غير أَيَّام النَّحْر فعله بِمَكَّة
وَإِن قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي هدي فَفعله فَعَلَيهِ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة فَإِن نوى من الْإِبِل أَو الْبَقر كَانَ عَلَيْهِ مَا نوى وَلَا يذبحها إِلَّا بِمَكَّة وَإِن قَالَ عَليّ بَدَنَة فَإِن كَانَ نوى شَيْئا من الْبدن بِعَيْنِه فَعَلَيهِ مَا نوى وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ بقرة أَو جزور يَنْحَرهَا(2/490)
حَيْثُ شَاءَ إِلَّا أَن يكون نَوَاهَا بِمَكَّة فَلَا يَنْحَرهَا إِلَّا بِمَكَّة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف أرى أَن تنحر الْبدن بِمَكَّة
وَلَا يُقَلّد إِلَّا هدي مُتْعَة أَو قرَان أَو تطوع من الْإِبِل وَالْبَقر وَلَا يُقَلّد الْغنم والتجليل حسن وَإِن تَركه لم يضرّهُ والتقليد(2/491)
أوجب مِنْهُ وَإِن جلله مَعَ التَّقْلِيد فَهُوَ حسن
وأكره الْإِشْعَار وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد نرى أَن يشْعر الْبَدنَة وَإِن لم يشْعر لم يضرّهُ وَقَالَ ابْن أبي ليلى الْإِشْعَار فِي الْجَانِب الْأَيْسَر من السنام وَإِن أشعر أَو جلل لم يكن محرما إِنَّمَا يكون محرما بالتقليد وَمن سَاق مَعَه هَديا وَهُوَ يؤم الْبَيْت ثمَّ قَلّدهُ فقد وَجب عَلَيْهِ الْإِحْرَام فَإِن كَانَ نوى حجا أَو عمْرَة فَهُوَ على مَا نوى وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَالْخِيَار إِلَيْهِ يُوجب على نَفسه أَيهمَا شَاءَ وَإِن قلد شَاة مَعَه لم يصر محرما وَإِن بعث بهديه مُقَلدًا ثمَّ خرج لم يصر(2/492)
محرما حَتَّى يدْرك هَدْيه فَإِذا أدْركهُ وَأَخذه وَسَار مَعَه صَار محرما إِلَّا فِي بَدَنَة الْمُتْعَة فَإِنَّهُ يصير محرما حِين يخرج
فَإِن اشْترك قوم فِي هدي الْمُتْعَة وهم يؤمُّونَ الْبَيْت فقلده بَعضهم بِأَمْر أَصْحَابه فقد أَحْرمُوا وَإِن قَلّدهُ بِغَيْر أَمرهم صَار هُوَ محرما دونهم
ويقلد الرجل هَدْيه بِمَاء شَاءَ من نعل وَعُرْوَة أَدَم وَمَا أشبه ذَلِك وَيتَصَدَّق بجلاله إِذا نَحره
رجل سَاق بَدَنَة لَا يَنْوِي بهَا الْهَدْي قَالَ إِذا سَاقهَا إِلَى مَكَّة فَهِيَ هدي
وَلَا يجزى فِي الْهَدَايَا والضحايا إِلَّا الْجذع من الضَّأْن إِذا كَانَ عَظِيما فَمَا فَوق ذَلِك أَو الثني من الْمعز وَالْإِبِل وَالْبَقر وَلَا يجزى فِيهَا العوراء والمقطوعة الْأذن أَو الذَّنب إِن اشْتَرَاهَا كَذَلِك أَو حدث(2/493)
بعد الشِّرَاء فَإِن كَانَ الذَّاهِب من الْعين أَو الْأذن أَو الذَّنب الثُّلُث أجزته وَإِن كَانَ أَكثر من ذَلِك لم تجزه فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا كَانَ الْبَاقِي أَكثر من الذَّاهِب أجزاه وَقَالَ أَبُو يُوسُف أخْبرت أَبَا حنيفَة بِقَوْلِي هَذَا فَقَالَ قولي كَذَلِك ويجزى(2/494)
الخصى والمكسورة الْقرن
فَإِن اشْترى هَديا ثمَّ ضل مِنْهُ فَاشْترى مَكَانَهُ آخر وقلده وأوجبه ثمَّ وجد الأول قَالَ إِن نحرهما فَهُوَ أفضل وَإِن نحر الأول وَبَاعَ الآخر جَازَ لِأَن الآخر لم يكن وَاجِبا عَلَيْهِ وَإِن بَاعَ الأول وَنحر الآخر أجزاه إِلَّا أَن تكون قيمَة الأول أَكثر فَيتَصَدَّق بِالْفَضْلِ(2/495)
قَالَ وهدي الْمُتْعَة والتطوع فِي هَذَا سَوَاء وَإِن عرف بِهَدي الْمُتْعَة فَهُوَ حسن وَإِن تَركه لم يضرّهُ
رجل اشْترى بَدَنَة لمتعته ثمَّ اشْترك فِيهَا سِتَّة نفر بعد مَا أوجبهَا لنَفسِهِ خَاصَّة قَالَ لَا يَسعهُ ذَلِك وَإِن كَانَ نوى ذَلِك حِين اشْتَرَاهَا وَسعه أَن يَفْعَله
وَإِذا ولدت الْبَدنَة بعد مَا اشْتَرَاهَا لهديه ذبح وَلَدهَا مَعهَا فَإِن بَاعَ الْوَلَد فَعَلَيهِ قِيمَته فَإِن اشْترى بهَا هَديا فذبحه فَحسن وَإِن تصدق بهَا فَحسن
وَإِذا مَاتَ أحد الشُّرَكَاء فِي الْبَدنَة أَو الْأُضْحِية فَرضِي وَارثه فنحرها(2/496)
عَن الْمَيِّت مَعَهم أجزاهم وَإِن كَانَ أحد الشُّرَكَاء فِي الْبَدنَة كَافِرًا أَو مُسلما يُرِيد اللَّحْم دون الْهَدْي لم يجزهم
وَلَا يركب الْبَدنَة وَلَا يحلب وَلَكِن ينضح ضرْعهَا بِالْمَاءِ الْبَارِد حَتَّى يَتَقَلَّص وَيذْهب لَبنهَا وَمَا حلب قبل ذَلِك تصدق بِهِ أَو بِقِيمَتِه إِن كَانَ قد اسْتَهْلكهُ وَإِن ركبهَا أَو حمل مَتَاعه عَلَيْهَا للضَّرُورَة ضمن مَا نَقصهَا ذَلِك وَأي الشُّرَكَاء فِيهَا نحرها يَوْم النَّحْر أجزاهم
وَإِذا عطب الْهَدْي فِي الطَّرِيق نحر فَإِن كَانَ عَن وَاجِب فَهُوَ لصَاحبه يصنع بِهِ مَا شَاءَ وَعَلِيهِ هدى مَكَانَهُ وَإِن كَانَ تَطَوّعا نَحره وصبغ نَعله فِي دَمه ثمَّ ضرب بِهِ صفحته وَلم يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا وَيتَصَدَّق بِهِ فَإِن أكل أَو أطْعم مِنْهُ غَنِيا تصدق بِقِيمَة ذَلِك وَيتَصَدَّق بجله وخطامه
وَإِذا أَخطَأ الرّجلَانِ فَنحر كل وَاحِد مِنْهُمَا هدي صَاحبه أَو أضحيته(2/497)
عَن نَفسه أجزاها اسْتِحْسَانًا وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا هَدْيه من صَاحبه
وَإِن نحر هَدْيه قَائِما أَو أضجعه فَأَي ذَلِك فعل فَهُوَ حسن وَقد بلغنَا أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا ينحرونها قيَاما معقولة الْأَيْدِي الْيُسْرَى وَلَا أحب أَن يذكر مَعَ اسْم الله(2/498)
غَيره وَلَا يذبح الْبَقَرَة وَالْغنم قيَاما وَيسْتَحب لَهُ أَن يذبح هَدْيه أَو أضحيته بِيَدِهِ وَلَا أحب أَن يذبحه لَهُ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ وَإِن ذبحه جَازَ وَإِذا ذبحه يَوْم النَّحْر بعد طُلُوع الْفجْر أجزاه وَلَا يجْزِيه ذبحه قبل طُلُوع الْفجْر إِن كَانَ لمتعة
وَإِن جعل ثَوْبه هَديا أجزاه أَن يهدي قِيمَته(2/499)
قَالَ وَكَذَلِكَ لَو جعل شَاة من غنمه هَديا أجزاه أَن يهدي قيمتهَا وَفِي رِوَايَة أبي حَفْص أجزاه أَن يهدي مثلهَا أَلا ترى أَنه يعْطى فِي الزَّكَاة قيمَة الشَّاة فَيجوز وَكَذَلِكَ إِن أهْدى مَكَان الشَّاة جزورا أجزاه وَقد أحسن
وَقد قَالُوا فِي الْجَامِع إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أهدي شَاتين فأهدى شَاة تَسَاوِي شَاتين لم تجزه وَقَالَ فِي نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة لَا يجوز أَن يتَصَدَّق بِقِيمَتِهَا لِأَن فِيهِ ذبحا مَعَ الصَّدَقَة وَإِن بعث قيمَة شَاة إِلَى مَكَّة فَاشْترى لَهُ بهَا مثلهَا فذبحت جَازَ(2/500)
- بَاب الْحَج عَن الْمَيِّت وَغَيره
-
رجل دفع إِلَى رجل مَالا ليحج بِهِ عَن ميت فَلم يبلغ مَال الْمَيِّت النَّفَقَة فأنفق الْمَدْفُوع إِلَيْهِ من مَاله وَمَال الْمَيِّت قَالَ إِن كَانَ الْأَكْثَر من مَال الْمَيِّت وَكَانَ يبلغ الْكِرَاء وَعَامة النَّفَقَة فَهُوَ جَائِز وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن وَيَردهُ ويحج من حَيْثُ يبلغ(2/501)
وَإِن أنْفق الْمَدْفُوع إِلَيْهِ من مَال نَفسه وَفِي مَال الْمَيِّت وَفَاء بحجه رَجَعَ بِهِ فِي مَال الْمَيِّت إِذا كَانَ قد دفع إِلَيْهِ وَإِذا نوى المجهز أَن يُقيم بِمَكَّة بعد النَّفر خَمْسَة عشر يَوْمًا بطلت نَفَقَته من مَال الْمَيِّت فان بدا لَهُ بعد مَا نوى الْمقَام بِمَكَّة أَن يرجع فنفقته من مَال الْمَيِّت وَإِن أوصى(2/502)
أَن يحجّ عَنهُ بِأَلف دِرْهَم فبلغت الْألف حجَجًا فَإِن شَاءَ الْوَصِيّ أحج عَنهُ رجَالًا فِي سنة وَاحِدَة وَهُوَ أفضل وَإِن شَاءَ دفع كل سنة حجَّة
وَإِذا حج العَبْد بِإِذن مَوْلَاهُ فَأصَاب صيدا فَعَلَيهِ صِيَام وَإِن جَامع مضى فِيهِ حَتَّى يفرغ مِنْهُ وَعَلِيهِ هدي إِذا عتق وَحجَّة مَكَان هَذِه يَنْوِي حجَّة الْإِسْلَام وَإِن لم يُجَامع وَلكنه فإته الْحَج فانه يحل بِالطّوافِ وَالسَّعْي وَالْحلق وَعَلِيهِ إِذا عتق حجَّة سوى حجَّة الْإِسْلَام وكل شَيْء يجب فِيهِ الدَّم فَعَلَيهِ ذَلِك الدَّم إِذا عتق وكل شَيْء يجب فِيهِ الصّيام فَعَلَيهِ أَن(2/503)
يَصُومهُ فان أطْعم عَنهُ مَوْلَاهُ أَو ذبح عَنهُ لم يجزه إِلَّا فِي هدي الْإِحْصَار فَإِن على مَوْلَاهُ أَن يبْعَث عَنهُ بِهَدي يحل بِهِ لِأَنَّهُ دخل فِيهِ بِإِذْنِهِ فَعَلَيهِ أَن يحلله وعَلى الْغُلَام إِذا عتق حجَّة وَعمرَة
وَإِذا أَرَادَ الرجل أَن يحجّ رجلا عَن نَفسه فَأحب إِلَيّ أَن يحجّ رجلا قد حج عَن نَفسه وَإِن كَانَت الْحجَّة عَن الَّذِي يحجّ فالصرورة أحب إِلَيّ(2/504)
وَالْحج التَّطَوُّع عَن الصَّحِيح جَائِز
وَيجوز حجَّة الْإِسْلَام عَن الْمَرِيض الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الْحَج إِذا لم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ وَإِن صَحَّ فَعَلَيهِ حجَّة الْإِسْلَام
وَإِذا جهز وصّى الْمَيِّت رجلا يحجّ عَن الْمَيِّت فجامع فِي إِحْرَامه فَعَلَيهِ أَن يرد النَّفَقَة كلهَا وَعَلِيهِ مَا على الْجَامِع وَلَو قرن مَعَ حجه عمْرَة عَن الْمَيِّت كَانَ مُخَالفا فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا قرن عَن الْمَيِّت أجزاه اسْتِحْسَانًا وَدم الْقرَان على الْمحرم وَكَذَلِكَ لَو أَمر بِالْعُمْرَةِ عَن الْمَيِّت فقرن مَعهَا حجَّة إِلَّا أَن نَفَقَة مَا بَقِي(2/505)
من الْحَج فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد على الْمحرم وَإِن كَانَ أَمر بِالْحَجِّ فَبَدَأَ فَاعْتَمَرَ ثمَّ حج من مَكَّة كَانَ مُخَالفا فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وكل دم يلْزم المجهز فَهُوَ عَلَيْهِ فِي مَاله إِلَّا دم الْإِحْصَار فَإِن على وصّى الْمَيِّت أَن يبْعَث بِهَدي من الدَّرَاهِم الَّتِي دَفعهَا إِلَيْهِ لِلْحَجِّ فَيحل بِهِ وَيرد مَا بَقِي من الدَّرَاهِم على وصّى الْمَيِّت ليحج بهَا إنْسَانا من حَيْثُ يبلغ وعَلى المجهز مَا يكون على الْمحصر
وَإِن أمره رجلَانِ بِالْحَجِّ فَأهل بِحجَّة عَنْهُمَا كَانَ ضَامِنا(2/506)
لما لَهما جَمِيع وَلَا يَسْتَطِيع أَن يَجْعَل الْحجَّة لوَاحِد مِنْهُمَا لِأَنَّهَا قد لَزِمته فَإِن أمره أَحدهمَا بِالْحَجِّ وَالْآخر بِالْعُمْرَةِ وَلم يأمراه بِالْجمعِ فَجمع بَينهمَا كَانَ مُخَالفا أَيْضا وَإِن أمراه بِالْجمعِ جَازَ وَهدى الْمُتْعَة عَلَيْهِ فِي مَاله فَإِن كَانَ مُعسرا فَعَلَيهِ الصَّوْم وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْآمِر بهما وَاحِدًا(2/507)
رجل اسْتَأْجر رجلا ليحج عَنهُ فَفعل قَالَ لَا تجوز الْإِجَازَة وَله نَفَقَة مثله(2/508)
وَيجوز حجَّة الْإِسْلَام عَن المسجون إِذا مَاتَ فِيهِ قبل أَن يخرج
والحاج عَن غَيره إِن شَاءَ قَالَ لبيْك عَن فلَان وَإِن شَاءَ اكْتفى بِالنِّيَّةِ فَإِن كَانَ الْمَيِّت أوصى بالقران فَخرج هَذَا المجهز يؤم الْبَيْت وَقد سَاق هَديا فقلده قَالَ يكون محرما بهما جَمِيعًا وَكَذَلِكَ إِن(2/509)
لم يكن الْهَدْي لقرانه وَإِنَّمَا هُوَ من نذر كَانَ عَلَيْهِ أَو من جَزَاء صيد أَو من جماع فِي إِحْرَام قبل هَذَا أَو إحصار كَانَ قبل هَذَا فساق مَعَه لذَلِك بَدَنَة وقلدها فقد أحرم
رجل أمره رجلَانِ أَن يحجّ عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فَأهل بِحجَّة عَن أَحدهمَا لَا يَنْوِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَالَ لَهُ أَن يصرفهَا إِلَى أَيهمَا شَاءَ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد اسْتِحْسَانًا وَقَالَ أَبُو يُوسُف أرى ذَلِك عَن نَفسه وَهُوَ ضَامِن لنفقتهما قَالَ وَكَذَلِكَ الرجل يهل بِحجَّة عَن أحد أَبَوَيْهِ فَلهُ أَن يَجْعَلهَا عَن أَيهمَا شَاءَ
وَإِذا أهل الرجل عَن نَفسه وَعَن ابْنه وَهُوَ صَغِير مَعَه ثمَّ(2/510)
أصَاب صيدا كَانَ عَلَيْهِ دم وَاحِد وَلم يلْزمه من جِهَة إهلاله عَن ابْنه شَيْء
وَإِذا أم الرجل الْبَيْت فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأهل عَنهُ أَصْحَابه بِالْحَجِّ ووقفوا بِهِ فِي المواقف وقضوا بِهِ النّسك كُله قَالَ يجْزِيه ذَلِك عَن حجَّة الْإِسْلَام فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجْزِيه فَإِن أصَاب الَّذِي أهل عَنهُ صيدا فَعَلَيهِ الْجَزَاء من أجل إِحْرَامه عَن نَفسه إِن كَانَ محرما وَلَيْسَ عَلَيْهِ لإهلاله من جِهَة إهلاله عَن الْمغمى عَلَيْهِ شَيْء
وَإِذا حج الرجل عَن أَبِيه أَو أمه حجَّة الْإِسْلَام من غير وَصِيَّة أوصى بهَا الْمَيِّت قَالَ يجْزِيه إِن شَاءَ الله تَعَالَى بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي ذَلِك أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين فقضيته أما قبل مِنْك فَالله أَحَق أَن يقبل(2/511)
رجل أوصى بِحجَّة فأحج الْوَصِيّ عَنهُ رجلا فَهَلَك النَّفَقَة من ذَلِك الرجل قَالَ يحجّ عَنهُ حجَّة أُخْرَى من ثلث مَا بَقِي من المَال وَإِن أوصى بِحجَّة وبعتق نسمَة وَالثلث لَا يبلغهما بُدِئَ بِالَّذِي بَدَأَ بِهِ إِلَّا أَن يكون حجَّة الْإِسْلَام فَيبْدَأ بهَا على كل حَال(2/512)
وَإِذا أوصى أَن يحجّ عَنهُ من ثلثه وَلم يقل حجَّة حج عَنهُ بِجَمِيعِ الثُّلُث وَإِذا أوصى أَن يحجّ عَنهُ رجل حجَّة فأحجوه فَلَمَّا قدم فضل مَعَه كسْوَة وَنَفَقَة قَالَ ذَلِك لوَرَثَة الْمَيِّت وَإِن أوصى فَقَالَ أحجوا فلَانا حجَّة وَلم يقل عني وَلم يسم كم يُعْطي قَالَ يعْطى قدر مَا يحجه وَله أَن لَا يحجّ بِهِ إِذا أَخذه وَإِذا أوصى أَن يحجّ عَنهُ رجل بِعَيْنِه أَو بِغَيْر عينه وَأوصى بوصايا لِأُنَاس بِأَكْثَرَ من الثُّلُث قسم الثُّلُث بَينهم بِالْحِصَصِ وَيضْرب فِيهِ لِلْحَجِّ بِأَدْنَى مَا يكون من نَفَقَة الْحَج ويحج بِحِصَّة الْحَج من ذَلِك حَيْثُ يبلغ(2/513)
وَإِذا أهلت الْمَرْأَة بِحجَّة الْإِسْلَام لم يكن لزَوجهَا أَن يمْنَعهَا إِذا كَانَ لَهَا ذُو رحم محرم يخرج مَعهَا وَإِن لم يكن لَهَا محرم فَلهُ أَن يمْنَعهَا وَهِي بِمَنْزِلَة الْمحصر وَإِن أهلت بِغَيْر حجَّة الْإِسْلَام فَلهُ منعهَا من الْخُرُوج(2/514)
إِن كَانَ لَهَا محرم أَو لم يكن وَهِي بِمَنْزِلَة الْمحصر إِلَّا أَنَّهَا تحلل بتحليل زَوجهَا إِيَّاهَا وَكَذَلِكَ الْمَمْلُوك إِذا أهل بِغَيْر إِذن الْمَالِك وَإِن أذن لعَبْدِهِ أَو أمته فِي الْإِحْرَام فَأحْرم كرهت لَهُ أَن يمنعهُ وَإِيَّاهَا فَإِن بَاعَ الْأمة كَانَ للْمُشْتَرِي أَن يحللها
وَإِن أهلت الْمَرْأَة بِحجَّة تطوع بِغَيْر إِذن الزَّوْج فحللها تمّ جَامعهَا ثمَّ بدا لَهُ أَن يَأْذَن لَهَا من عَامه ذَلِك قَالَ عَلَيْهَا أَن تحج بِإِحْرَام مُسْتَقْبل وَعَلَيْهَا دم وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء غير ذَلِك وَإِن كَانَت تِلْكَ السّنة قد مَضَت فعلَيْهَا مَعَ ذَلِك عمْرَة وَالله أعلم(2/515)
- بَاب الْمَوَاقِيت
-
بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه وَقت لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة وَلأَهل نجد قرن وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم وَلأَهل الْعرَاق ذَات عرق وبلغنا عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/516)
أَنه قَالَ من وقتنا لَهُ وقتا فَهُوَ لَهُ وَقت وَلمن مر بِهِ من غير أَهله من أَرَادَ الْحَج فَكل من أَرَادَ مَكَّة لحَاجَة أَو إِحْرَام وَالْوَقْت بَينه وَبَينهَا فَلَا يُجَاوز الْوَقْت إِلَّا محرما وَمن كَانَ من وَرَاء الْوَقْت إِلَى مَكَّة فَلهُ أَن يدخلهَا لِحَاجَتِهِ بِغَيْر إِحْرَام بلغنَا عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه خرج من مَكَّة إِلَى قديد ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا بِغَيْر إِحْرَام(2/518)
وَإِذا أَرَادَ الْإِحْرَام وَأَهله فِي الْوَقْت أَو دون الْوَقْت إِلَى مَكَّة فوقته من أَهله فَإِن تعداه حَتَّى يدنو من الْحرم ثمَّ أحرم أجزاه وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فَإِن دخل مَكَّة فَأحْرم مِنْهَا فَعَلَيهِ أَن يخرج من الْحرم فيلبي فَإِن لم يفعل حَتَّى يطوف بِالْبَيْتِ فَعَلَيهِ دم
كُوفِي أَرَادَ بُسْتَان بني عَامر لحَاجَة ثمَّ بدا لَهُ بعد مَا قدم الْبُسْتَان(2/519)
أَن يحجّ فَأحْرم من الْبُسْتَان فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن أَرَادَ أَن يدْخل مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام لحَاجَة فَلهُ ذَلِك
وَلَيْسَ للرجل من أهل الْمَوَاقِيت وَمن دونهَا إِلَى مَكَّة أَن يقرن وَلَا أَن يتمتع وهم بِمَنْزِلَة أهل مَكَّة أَلا ترى أَن لَهُ أَن يدْخل مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام وَكَذَلِكَ الْمَكِّيّ إِذا خرج من مَكَّة لحَاجَة لَهُ فَبلغ الْوَقْت وَلم يُجَاوِزهُ فَلهُ أَن يدْخل مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام فَإِن جَاوز الْوَقْت لم يكن لَهُ أَن يدْخل مَكَّة إِلَّا بِإِحْرَام(2/520)
وَوقت أهل مَكَّة للْإِحْرَام بِالْحَجِّ الْحرم وللإحرام بِالْعُمْرَةِ التَّنْعِيم فَإِن أهل بِالْعُمْرَةِ خَارِجا من الْحرم غير التَّنْعِيم أجزاه وَكَانَ ذَلِك وقتا لَهُ
كُوفِي جَاوز الْوَقْت نَحْو مَكَّة ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ ووقف بِعَرَفَة وَقد خَافَ الْفَوْت إِن رَجَعَ أَو لم يخف قَالَ عَلَيْهِ دم لترك الْوَقْت وَإِن رَجَعَ إِلَى الْمِيقَات قبل أَن يَأْتِي عَرَفَة فَلم يلب مِنْهُ فَهَذَا بِمَنْزِلَة من لم يرجع إِلَيْهِ فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا رَجَعَ إِلَى الْوَقْت سقط عَنهُ الدَّم لبّى أَو لم يلب وَإِن لبّى حِين رَجَعَ إِلَى الْوَقْت سقط عَنهُ الدَّم فِي قَوْلهم جَمِيعًا فَإِن كَانَ هَذَا الْكُوفِي قرن وَلم يرجع إِلَى الْمِيقَات فَعَلَيهِ دم وَاحِد لترك الْوَقْت وَكَذَلِكَ إِن أهل بِعُمْرَة ثمَّ أهل بِمَكَّة بِحجَّة وَإِن بَدَأَ فَأهل بِالْحجَّةِ ثمَّ دخل مَكَّة(2/521)
فَأهل بِعُمْرَة أَيْضا كَانَ عَلَيْهِ دمان لِأَنَّهُ قد ترك الْوَقْت فِي الْعمرَة أَيْضا
كُوفِي دخل مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام لحَاجَة لَهُ قَالَ عَلَيْهِ عمْرَة أَو حجَّة أَي ذَلِك شَاءَ فَإِن رَجَعَ إِلَى وقته فَأهل بِحجَّة الْإِسْلَام أجزاه من حجَّة الْإِسْلَام وَمن دُخُوله الأول بِغَيْر إِحْرَام اسْتِحْسَانًا وَإِن أَقَامَ بِمَكَّة حَتَّى ذهب عَامه ذَلِك ثمَّ أحرم بِحجَّة الْإِسْلَام من الْوَقْت لم يجزه من دُخُوله الأول وَعَلِيهِ لدُخُوله حجَّة أَو عمْرَة وَإِذا جَاوز الْوَقْت ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ ففاته سقط عَنهُ دم ترك الْوَقْت
وَمن جَاوز وقته غير محرم ثمَّ أَتَى وقتا آخر فَأحْرم مِنْهُ أجزاه وَلَو كَانَ أحرم من وقته كَانَ أحب إِلَيّ
عبد دخل مَعَ مَوْلَاهُ مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام ثمَّ أذن لَهُ مَوْلَاهُ فَأحْرم بِالْحَجِّ قَالَ عَلَيْهِ إِذا عتق دم لترك الْوَقْت وَلَيْسَ هُوَ كالنصراني يدْخل مَكَّة ثمَّ يسلم ثمَّ يحرم من مَكَّة(2/522)
غُلَام دخل مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام ثمَّ احْتَلَمَ بِمَكَّة وَأحرم بِالْحَجِّ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ لترك الْوَقْت شَيْء وَإِن كَانَ أهل بِهِ قبل أَن يَحْتَلِم ثمَّ احْتَلَمَ قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَقبل أَن يقف بِعَرَفَة لم يجزه من حجَّة الْإِسْلَام إِلَّا أَن يجدد إِحْرَامه قبل أَن يقف بِعَرَفَة فيجزيه حِينَئِذٍ من حجَّة الْإِسْلَام وَأما العَبْد فَلَا يجْزِيه من حجَّة الْإِسْلَام وَإِن جدد إهلاله بعد الْعتْق إِلَّا أَن يكون أخر الإهلال حَتَّى عتق ثمَّ أهل فيجزيه
وَإِذا دخل الرجل مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام فَجعلت عَلَيْهِ حجَّة أَو عمْرَة(2/523)
فَأهل بهَا بعد سنة من وَقت غير وقته الأول هُوَ أقرب مِنْهُ قَالَ يجْزِيه وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
- بَاب الَّذِي يفوتهُ الْحَج
-
رجل أهل بِحجَّة ففاته قَالَ يحل بِعُمْرَة وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل بلغنَا ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن عمر بن الْخطاب وَزيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُمَا(2/524)
فَإِن كَانَ أهل بِعُمْرَة وَحجَّة فَقدم مَكَّة وَقد فَاتَهُ الْحَج قَالَ يطوف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة لعمرته وَيَطوف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة لحجته وَيحل وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل قَالَ وَلَا أعد طَوَافه بِالْبَيْتِ لحجته الْفَائِتَة كعمرة مُسْتَقْبلَة وَلَا يكون بِهِ مُتَمَتِّعا إِن فعله فِي أشهر الْحَج من قَابل وَلكنه إحلال من حجَّة قد فَاتَتْهُ
رجل أهل بِحجَّة فجامع فِيهَا ثمَّ قدم وَقد فَاتَهُ الْحَج قَالَ عَلَيْهِ دم لجماعه وَيحل بِالطّوافِ وَالسَّعْي وَعَلِيهِ الْحَج من قَابل وَإِن كَانَ أصَاب فِي حجه صيدا فَعَلَيهِ كَفَّارَته(2/525)
رجل أهل بِحجَّة فَقدم مَكَّة وَقد فَاتَهُ الْحَج فَأَقَامَ حَرَامًا حَتَّى يحجّ مَعَ النَّاس من قَابل بذلك الْإِحْرَام قَالَ لَا يجْزِيه من حجَّته لِأَن حجَّته قد فَاتَتْهُ وَصَارَت عمْرَة وَلَا يَسْتَطِيع أَن يحول هَذِه الْعمرَة حجَّة فَإِن قدم وَقد فَاتَهُ الْحَج فَأهل بِحجَّة أُخْرَى قَالَ يطوف للَّذي قد فَاتَتْهُ وَيسْعَى وَيحل بِعُمْرَة ويرفض الَّتِي أهل بهَا وَعَلِيهِ فِيهَا مَا على الرافض وَعَلِيهِ قَضَاء الْفَائِتَة وَإِن نوى بِهَذِهِ الَّتِي أهل بهَا قَضَاء تِلْكَ الْفَائِتَة فَهِيَ هِيَ وَإِن أهل بِعُمْرَة رفضها أَيْضا وَمضى فِي عمل الْفَائِتَة
رجل أهل بحجتين ثمَّ قدم مَكَّة وَقد فَاتَهُ الْحَج قَالَ يحل بِعُمْرَة وَعَلِيهِ عمْرَة وحجتان وَدم وَإِذا سَاق الْهَدْي للقران فَقدم وَقد فَاتَهُ الْحَج قَالَ يصنع بهديه مَا شَاءَ وَكَذَلِكَ إِن لم يفته وَلكنه جَامع(2/526)
وَإِذا سَاق الرجل هَديا لقرانه فنتج فِي الطَّرِيق ثمَّ نحر أمه وَقد وهب الْوَلَد أَرْبَاعه قَالَ عَلَيْهِ قيمَة الْوَلَد وَقِيمَة مَا ولد أَيْضا فَإِن كَانَ قد كفر عَن الْوَلَد يَوْم وهبه أَو بَاعه ثمَّ حدث لَهُ ولد لم يكن عَلَيْهِ من قبل وَلَده شَيْء أَلا ترى أَن رجلا لَو أخرج عشراء من الظباء من الْحرم فَكفر عَنْهَا ثمَّ ولدت ثمَّ مَاتَت هِيَ وَوَلدهَا لم يكن عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا فِي وَلَدهَا شَيْء وَإِن لم يكن كفر عَنْهَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وَفِي وَلَدهَا الْكَفَّارَة
محرم بِالْحَجِّ قدم مَكَّة وَطَاف بِالْبَيْتِ ثمَّ خرج إِلَى الربذَة لحَاجَة(2/527)
فأحصر بهَا ثمَّ قدم مَكَّة بعد فَوت الْحَج قَالَ عَلَيْهِ أَن يحل بِعُمْرَة وَلَا يَكْفِيهِ طَوَافه الأول لِأَن عَلَيْهِ أَن يحل بِعَمَل عمْرَة بعد يَوْم النَّحْر
رجل أهل بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج ثمَّ قدم مَكَّة بعد يَوْم النَّحْر قَالَ يقْضِي عمرته وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَإِذا أهل الْحَاج صَبِيحَة يَوْم النَّحْر بِحجَّة أُخْرَى لَزِمته وَيَقْضِي مَا بَقِي عَلَيْهِ من الأولى وَعَلِيهِ لجمعه بَينهمَا دم وَيُقِيم حَرَامًا إِلَى الْحول وَإِذا قدم الْحَاج مَكَّة فَأدْرك الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ لم يكن مدْركا لِلْحَجِّ
رجل أهل بحجتين أَو بعمرتين مَتى يكون رافضا لإحداهما قَالَ حِين يسير مُتَوَجها إِلَى مَكَّة نوى الرَّفْض أَو لم ينْو فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف أرَاهُ رافضا حِين أهل قبل أَن يسير وَقَالَ مُحَمَّد لَا يلْزمه إِلَّا إِحْدَاهمَا وَكَذَلِكَ لَو أهل بِإِحْدَاهُمَا ثمَّ أهل بِالْأُخْرَى(2/528)
وَإِذا قدمت الْمَرْأَة مَكَّة مُحرمَة بِالْحَجِّ حَائِضًا مَضَت فِي حجتها غير أَنَّهَا لَا تَطوف بِالْبَيْتِ حَتَّى تطهر وَعَلَيْهَا طواف الصَّدْر وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا لتأخير طواف الزِّيَارَة بِعُذْر الْحيض وَإِن قدمت طَاهِرَة وطافت للزيارة يَوْم النَّحْر ثمَّ حَاضَت فَلَيْسَ عَلَيْهَا طواف الصَّدْر
وَلَيْسَ على أهل مَكَّة وَمن دون الْمَوَاقِيت إِلَيْهَا طواف الصَّدْر(2/529)
وَمن نوى الْمقَام بِمَكَّة من أهل الْآفَاق واتخذها دَارا سقط عَنهُ طواف الصَّدْر فان بدا لَهُ الْخُرُوج بعد ذَلِك لم يلْزمه طواف الصَّدْر وَإِن نوى مقَام أَيَّام ثمَّ يصدر لم يسْقط عَنهُ طواف الصَّدْر وَإِن نوى مقَام سنة(2/530)
رجل قصد مَكَّة لِلْحَجِّ فَدَخلَهَا بِغَيْر إِحْرَام ووافاها يَوْم النَّحْر وَقد فَاتَهُ الْحَج فَأحْرم بِعُمْرَة وقضاها أجزاه وَعَلِيهِ دم لترك الْوَقْت وَإِن لم يحرم بِعُمْرَة وَلكنه أحرم بِحجَّة فَهُوَ محرم حَتَّى يحجّ مَعَ النَّاس من قَابل وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يرجع إِلَى الْوَقْت ويلبي مِنْهُ
وَمن فَاتَهُ الْحَج لم يَسعهُ أَن يُقيم فِي منزله حَرَامًا من غير عذر وَلَا يحل بِالْهَدْي إِن بعث بِهِ لِأَن هَذَا لَيْسَ بمحصر
- بَاب الْجمع بَين إحرامين
-
وَالْعمْرَة لَا تُضَاف إِلَى الْحجَّة وَالْحجّة تُضَاف إِلَى الْعمرَة قبل أَن يعْمل فِيهَا شَيْئا وَبعد مَا يعْمل فِيهَا فَمن أهل بِالْحَجِّ أَولا ثمَّ أضَاف(2/531)
إِلَيْهَا عمْرَة فقد أَسَاءَ وَلَزِمتهُ وَهُوَ قَارن وَمن أهل بِالْعُمْرَةِ أَولا ثمَّ أهل بِالْحجَّةِ فَهَذَا قَارن وَقد أحسن وَأصَاب السّنة فان أهل بِالْحَجِّ فَطَافَ لَهُ شوطا ثمَّ أهل بِالْعُمْرَةِ رفضها وَعَلِيهِ قَضَاؤُهَا وَدم للرفض وَأما الْمَكِّيّ فَإِنَّهُ لَا يقرن بَين الْحَج وَالْعمْرَة وَلَا يضيف الْعمرَة إِلَى الْحَج وَلَا الْحَج إِلَى الْعمرَة فَإِن قرن بَينهمَا رفض الْعمرَة وَمضى فِي الْحَج وَكَذَلِكَ أهل الْمَوَاقِيت وَمن دونهم إِلَى مَكَّة لَا مُتْعَة لَهُم وَلَا قرَان لقَوْله تَعَالَى {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} وَكَذَلِكَ إِن أحرم الْمَكِّيّ أَولا بِالْعُمْرَةِ من وَقتهَا ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ رفض عمرته وَإِن مضى عَلَيْهِمَا حَتَّى يقضيهما أجزاه وَعَلِيهِ دم لجمعه بَينهمَا وَإِن طَاف للْعُمْرَة شوطا أَو ثَلَاثَة أَشْوَاط ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ رفض الْحَج فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يرفض الْعمرَة وَهُوَ اسْتِحْسَان ذكره فِي كتاب ابْن سَمَّاعَة وَإِن كَانَ طَاف لَهَا أَرْبَعَة أَشْوَاط ثمَّ أهل بِالْحَجِّ قَالَ هَذَا يفرغ مِمَّا بَقِي من عمرته ويفرغ من(2/533)
حجَّته وَعَلِيهِ دم لِأَنَّهُ أهل بِالْحَجِّ قبل أَن يحل من الْعمرَة وَهُوَ مكي وَلَا يَنْبَغِي لأهل مَكَّة أَن يجمعوا بَينهمَا وَلَو كَانَ كوفيا لم يكن عَلَيْهِ هَذَا الدَّم وَذكر فِي كتاب نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة فِي إِحْرَام الْمَكِّيّ بِالْحَجِّ بعد مَا طَاف أَرْبَعَة أَشْوَاط بِالْعُمْرَةِ أَنه لَيْسَ بقارن وَلكنه محرم بشيئين إِن أصَاب صيدا كَانَ عَلَيْهِ جزاءان وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء إِن رفض الْحَج فَهُوَ أفضل
كُوفِي أهل بِحجَّة وَطَاف لَهَا ثمَّ أحرم بِعُمْرَة قَالَ يرفض عمرته وَكَذَلِكَ إِن أهل بهَا بِعَرَفَة فَإِن أهل بهَا يَوْم النَّحْر قبل أَن يحل من حجَّته أَو بعد مَا حل قبل أَن يطوف أَمرته برفضها فَإِن لم يرفضها وَمضى فِيهَا أجزاه وَعَلِيهِ دم إِن كَانَ أهل بهَا قبل أَن يقْضِي حجَّته وَإِن(2/534)
أهل بهَا بعد مَا حل من الأول مضى عَلَيْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء إِن لم يكن ترك الْوَقْت فِيهَا
مكي أهل بِالْحجَّةِ وَطَاف لَهَا شوطا ثمَّ أهل بِالْعُمْرَةِ قَالَ يرفض الْعمرَة فان لم يرفضها وَطَاف لَهَا وسعى وَفرغ مِنْهَا أجزاه وَعَلِيهِ دم لِأَنَّهُ أهل بهَا قبل أَن يفرغ من حجَّته
محرم بِعُمْرَة جَامع ثمَّ أضَاف إِلَيْهَا عمْرَة أُخْرَى قَالَ يرفض هَذِه(2/535)
ويمضي فِي الأولى فَإِن نوى رفض الأولى وَالْعَمَل فِي الثَّانِيَة لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا الأولى وَكَذَلِكَ لَو لم يكن جَامع فِي الأولى وَلكنه طَاف لَهَا شوطا ثمَّ أحرم بِالثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الحجتين وَإِذا أهل بحجتين جَمِيعًا ثمَّ جَامع قبل أَن يسير قَالَ عَلَيْهِ للجماع دمان ويمضي فِي إِحْدَاهمَا ويرفض الْأُخْرَى وَعَلِيهِ قَضَاء الَّتِي مضى فِيهَا وَعمرَة وَحجَّة وَدم مَكَان الْحجَّة الَّتِي رفضها وَإِن كَانَ ذَلِك بعد مَا سَار فَعَلَيهِ دم وَاحِد وَهَذَا قَول أبي حنيفَة(2/536)
وَإِذا كَانَ للكوفي أهل بِالْكُوفَةِ وَأهل بِمَكَّة يُقيم عِنْد هَؤُلَاءِ سنة وَعند هَؤُلَاءِ سنة فَاعْتَمَرَ فِي أشهر الْحَج وَحج من عَامه لم يكن مُتَمَتِّعا فَإِن لم يكن لَهُ بِمَكَّة أهل وَاعْتمر من الْكُوفَة فِي أشهر الْحَج وَقضى عمرته ثمَّ خرج إِلَى مصر من الْأَمْصَار لَيْسَ فِيهِ أَهله ثمَّ حج من عَامه كَانَ مُتَمَتِّعا مَا لم يرجع إِلَى الْمصر الَّذِي فِيهِ أَهله فَإِذا رَجَعَ إِلَى الْمصر الَّذِي فِيهِ أَهله ثمَّ حج من عَامه لم يكن مُتَمَتِّعا بلغنَا ذَلِك عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَسَعِيد بن الْمسيب وَإِبْرَاهِيم فَإِن كَانَ لَهُ بِالْكُوفَةِ(2/537)
أهل وبالبصرة أهل فَرجع إِلَى أَهله بِالْبَصْرَةِ ثمَّ حج من عَامه لم يكن مُتَمَتِّعا
وَإِذا خرج الْمَكِّيّ إِلَى الْكُوفَة لحَاجَة فَاعْتَمَرَ مِنْهَا وَحج من عَامه لم يكن مُتَمَتِّعا وَإِن قرن من الْكُوفَة كَانَ قَارنا أَلا ترى أَن(2/538)
كوفيا لَهُ قرن بَين حجَّة وَعمرَة وَطَاف لعمرته فِي أشهر الْحَج ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله ثمَّ وافى الْحَج فحج كَانَ قَارنا وَلم يبطل دم الْقرَان عَنهُ بِرُجُوعِهِ إِلَى أَهله كَمَا يبطل دم الْمُتْعَة
وَإِن اعْتَمر الْكُوفِي فِي أشهر الْحَج وسَاق هَديا لمتعته وَهُوَ يُرِيد الْحَج فَطَافَ لعمرته وَلم يحلق ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله ثمَّ حج كَانَ مُتَمَتِّعا لِأَنَّهُ لم يرجع إِلَى أَهله حَلَالا وَلَيْسَ الْمَكِّيّ كَذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد إِذا رَجَعَ الْكُوفِي إِلَى أَهله بعد مَا طَاف الْأَكْثَر من طَوَافه فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَكِّيّ لِأَنَّهُ رَجَعَ وَقد قضى عمرته أَلا ترى أَنه لَو لم يكن مَعَه هدي ثمَّ حج من عَامه لم يكن مُتَمَتِّعا(2/539)
رجل أهل بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج وسَاق هَديا لمتعته ثمَّ بدا لَهُ أَن يحل وينحر هَدْيه وَيرجع إِلَى أَهله وَلَا يحجّ قَالَ لَهُ ذَلِك فَإِن فعل ذَلِك ثمَّ حج من عَامه قَالَ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِذا أَرَادَ أَن ينْحَر هَدْيه وَيحل وَلَا يرجع إِلَى أَهله ويحج من عَامه لم يكن لَهُ ذَلِك فَإِن فعله ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله ثمَّ حج قَالَ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن فرغ من عمرته وَحل وَنحر هَدْيه ثمَّ أَقَامَ بِمَكَّة حَتَّى حج من عَامه فَعَلَيهِ دم لمتعته وَعَلِيهِ دم آخر لِأَنَّهُ حل قبل يَوْم النَّحْر وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ(2/540)
ذَلِك
رجل أهل بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج ثمَّ أفسدها بِالْجِمَاعِ فَلَمَّا فرغ مِنْهَا أهل بِأُخْرَى يَنْوِي قضاءها ثمَّ حج من عَامه قَالَ لَا يكون مُتَمَتِّعا وَكَذَلِكَ إِن كَانَ دخل مَكَّة فِي الْعمرَة الأولى قبل أشهر الْحَج وَلَو خرج من مَكَّة حَتَّى جَاوز وقتا من الْمَوَاقِيت ثمَّ أهل بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج ثمَّ حج من عَامه فَإِن كَانَ جَاوز الْوَقْت قبل أشهر الْحَج كَانَ مُتَمَتِّعا وَإِن كَانَ لم يُجَاوز الْوَقْت إِلَّا فِي أشهر الْحَج فَلَيْسَ بمتمتع لِأَن أشهر الْحَج أَدْرَكته وَهُوَ فِيهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَة أَهلهَا فَإِن كَانَ دُخُوله الأول فِي أشهر الْحَج بِعُمْرَة فأفسدها ثمَّ كَانَت حَاله كَمَا ذكرت لَك لم يكن مُتَمَتِّعا إِلَّا أَن يرجع إِلَى أَهله فَإِن رَجَعَ إِلَى أَهله ثمَّ اعْتَمر(2/541)
وَحج من عَامه كَانَ مُتَمَتِّعا فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا دخلت عَلَيْهِ أشهر الْحَج وَهُوَ بِمَكَّة أَو دخل بِعُمْرَة فَاسِدَة ثمَّ خرج فجاوز وقتا من الْمَوَاقِيت ثمَّ اعْتَمر وَحج من عَامه فَهُوَ متمتع وَإِن دخل بِعُمْرَة فَاسِدَة فِي أشهر الْحَج فقضاها ثمَّ خرج حَتَّى جَاوز الْوَقْت ثمَّ قرن عمْرَة وَحجَّة كَانَ قَارنا لِأَنَّهُ لَو كَانَ من أهل مَكَّة كَانَ قَارنا(2/542)
وَلَو قضى عمرته الْفَاسِدَة ثمَّ أهل من مَكَّة بِعُمْرَة وَحجَّة قَالَ يرفض الْعمرَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة أهل مَكَّة وَلَو كَانَ أهل بِعُمْرَة فِي أشهر الْحَج فَطَافَ لَهَا شوطا ثمَّ أهل بِحجَّة رفض حجَّته فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يرفض الْعمرَة مَا لم يكن طَاف لَهَا أَرْبَعَة أَشْوَاط
وَإِذا ترك الْمَكِّيّ أَو الْكُوفِي الْوَقْت فِي الْعمرَة وَطَاف لَهَا شوطا ثمَّ أَرَادَ أَن يُلَبِّي من الْوَقْت لم يَنْفَعهُ وَلم يسْقط عَنهُ الدَّم
- بَاب التَّلْبِيَة
-
بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك(2/543)
لَا شريك لَك وَإِن زَاد فَحسن وَإِن اقْتصر فَحسن
وبلغنا عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه خرج من مَسْجِد الْخيف يُلَبِّي فَقَالَ قَائِل لَا يُلَبِّي هَاهُنَا فَقَالَ أَجْهَل النَّاس أم طَال عَلَيْهِم الْعَهْد لبيْك عدد التُّرَاب لبيْك وبلغنا عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا(2/544)
أَنه كَانَ يزِيد فِي التَّلْبِيَة لبيْك وَالْخَيْر فِي يَديك وَالرغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل لبيْك إِلَه الْحق لبيْك(2/545)
والحاج والقارن سَوَاء فِي قطع التَّلْبِيَة لَا يقْطَعَانِ حَتَّى يرميان جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر بِأول حَصَاة بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة
وَيقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة حِين يسْتَلم الْحجر فِي أول الطّواف وبلغنا ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا(2/546)
وَيسْتَحب للْمحرمِ أَن يُلَبِّي فِي دبر كل صَلَاة أَو لقى رفْقَة أَو علا شرفا أَو هَبَط وَاديا وبالأسحار وَحين يَسْتَيْقِظ من مَنَامه وَمَا أَكثر من التَّلْبِيَة فَهُوَ أفضل وبلغنا عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ(2/547)
أفضل الْحَج العج والثج وَقَالَ ارْفَعُوا أَصْوَاتكُم بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا شعار الْحَج
وَلَو لم يلب الْقَارِن أَو الْمُفْرد بِالْحَجِّ أَو الْعمرَة إِلَّا مرّة وَاحِدَة(2/548)
فقد أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَمن فَاتَهُ الْحَج لبّى كَمَا يُلَبِّي الْمُعْتَمِر وَمن أفسد حجه بِالْجِمَاعِ لبّى كَمَا يُلَبِّي من لم يفْسد حجه والمحصر يُلَبِّي حَتَّى يذبح عَنهُ وَمن لبّى وَهُوَ لَا يُرِيد الْإِحْرَام لم يكن عَلَيْهِ شَيْء
وَإِن أَرَادَ الْإِحْرَام صَار محرما بِمَا نوى وَكَذَلِكَ إِن كبر أَو هلل أَو سبح يَنْوِي بِهِ الْإِحْرَام والإيجاب على نَفسه من سَاعَته كَانَ محرما(2/549)
وَإِذا تَوَضَّأ الْأَخْرَس وَلبس ثَوْبَيْنِ وَصلى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ يُرِيد الْإِحْرَام فَلَمَّا انْصَرف نوى الْإِحْرَام بِقَلْبِه وحرك لِسَانه كَانَ محرما
وَالْمَرْأَة بِمَنْزِلَة الرجل فِي التَّلْبِيَة غير أَنَّهَا لَا ترفع صَوتهَا بهَا قَالَ وَلَا يكون محرما إِلَّا بِالتَّلْبِيَةِ والتلبية الأولى بِمَنْزِلَة تَكْبِير الصَّلَاة فِي افتتاحها والتلبية بعد ذَلِك بِمَنْزِلَة التَّكْبِير فِي الصَّلَاة بعد تَكْبِير الِافْتِتَاح
- بَاب الصَّيْد
-
رجل رمى صيدا فِي الْحل وَهُوَ فِي الْحل فَأَصَابَهُ فِي الْحرم قَالَ عَلَيْهِ الْجَزَاء لِأَنَّهُ من جِنَايَته وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِيمَا أعلم(2/550)
وَلَو أرسل كَلْبه فِي الْحل على صيد فِي الْحل فطرد الْكَلْب الصَّيْد حَتَّى قَتله فِي الْحرم لم يكن عَلَيْهِ جَزَاء لِأَن هَذَا لَيْسَ من جِنَايَته وَلَا يشبه الرَّمية فَإِن زجر الْكَلْب بعد مَا حل فِي الْحرم فانزجر وَأخذ الصَّيْد فَقتله فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ اسْتِحْسَانًا وَلَو أرسل كَلْبا(2/551)
فِي الْحرم على ذِئْب فَأصَاب صيدا فِي الْحرم لم يكن عَلَيْهِ جَزَاء وَلَو أرسل الْمَجُوسِيّ كَلْبا على صيد فِي الْحرم فزجره محرم فانزجر فَقتل الصَّيْد كَانَ على الْمحرم جزاءه وَلم يُؤْكَل الصَّيْد(2/552)
وَلَو نصب الْمحرم شبكا للصَّيْد فَأصَاب صيدا فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ وَإِن كَانَ نَصبه لذئب أَو سبع قد آذاه أَو ابتدأه فَوَقع فِيهِ صيد لم يكن عَلَيْهِ شَيْء
محرم دلّ محرما على صيد وَأمره بقتْله فَأمر الْمَأْمُور ثَانِيًا بقتْله فَقتله كَانَ على كل وَاحِد مِنْهُم جَزَاء كَامِل
وَلَو أخبر محرم محرما بصيد فَلم يره حَتَّى أخبرهُ محرم آخر بِهِ فَلم يصدق الأول وَلم يكذبهُ ثمَّ طلب الصَّيْد فَقتله كَانَ على كل وَاحِد(2/553)
مِنْهُم الْجَزَاء وَإِن كذب الأول بِهِ لم يكن على الأول جَزَاء
محرم أرسل محرما إِلَى محرم فَقَالَ إِن فلَانا يَقُول لَك إِن فِي هَذَا الْموضع صيدا فَذهب فَقتله كَانَ على الْمُرْسل وَالرَّسُول وَالْقَاتِل جَمِيعًا جَزَاء
وَإِن دلّ محرم محرما على صيد هُوَ يرَاهُ وَيعلم بِهِ فَقتله لم يكن على الدَّال إِذا قَتله شَيْء
محرم اسْتعَار من محرم سكينا ليذبح بهَا صيدا فأعارها إِيَّاه فذبح بهَا الصَّيْد فَلَا جَزَاء على صَاحب السكين وَيكرهُ لَهُ ذَلِك(2/554)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْوَاحِد الْأَحَد
// كتاب التَّحَرِّي
// حَدثنَا أَبُو عصمَة قَالَ أخبرنَا أَبُو سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول(3/1)
إِذا خرج الرجل بِزَكَاة مَاله يُرِيد أَن يتَصَدَّق بهَا فَأعْطَاهُ قوما وَلم يحضرهُ عِنْد إعطائها أَن الَّذين أَعْطَاهُم فُقَرَاء وَلَا أَغْنِيَاء ذهل عَن(3/3)
ذَلِك وَلم يسألوه فَلَمَّا أَعْطَاهُم تفكر فِي ذَلِك فَلم يدر أَغْنِيَاء هم أم لَا فان ذَلِك يجْزِيه فَإِن علم على أَي هَيْئَة كَانُوا حِين أَعْطَاهُم فَوَقع فِي قلبه أَن بَعضهم كَانَ مُحْتَاجا عَلَيْهِ هَيْئَة الْمُحْتَاج وَأَن بَعضهم كَانَ غَنِيا عَلَيْهِ هَيْئَة الْأَغْنِيَاء وَكَانَ على ذَلِك أكبر رَأْيه وَذَلِكَ بعد الْإِعْطَاء أجزته عطيته لمن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه فَقير وَلم تجزه عطيته لمن أَكثر رَأْيه أَنه غَنِي لِأَن من خرج بِزَكَاة مَاله يُرِيد أَن يتَصَدَّق بهَا فَهُوَ عِنْدَمَا يُرِيد أَن يُعْطِيهَا الْفُقَرَاء فَمن أعْطى من النَّاس فَهُوَ فَقير يجْزِيه عطيته إِيَّاه إِلَّا أَن يكون أعْطى من أَكثر رَأْيه أَنه غَنِي فَإِذا كَانَ على ذَلِك لم تجزه عطيته إِلَّا أَن يعلم أَنه فَقير فتجزيه عطيته
فَأَما إِذا أعْطى رجلا يرى أَنه فَقير وَلم يسْأَله وَلم يَأْتِ من أمره أَمر يدل على أَنه فَقير فَظن أَنه فَقير فَأعْطَاهُ أَو أعطَاهُ على غير ظن حَضَره ثمَّ ظن بعد الْعَطِيَّة أَنه فَقير ثمَّ علم بعد ذَلِك أَنه غَنِي لم يجزه مَا أعطَاهُ لِأَنَّهُ أعطَاهُ على غير مَسْأَلَة وَلَا دلَالَة(3/4)
وَإِن كَانَ الرجل سَأَلَهُ وَأخْبرهُ أَنه مُحْتَاج فَأعْطَاهُ ثمَّ علم بعد ذَلِك أَنه غَنِي فان أَبَا حنيفَة قَالَ فِي ذَلِك يجْزِيه زَكَاته وَكَذَلِكَ قَول مُحَمَّد وَأما فِي قَول أبي يُوسُف فَلَا يجْزِيه إِذا علم أَنه غَنِي وَقَالَ هُوَ بِمَنْزِلَة رجل تَوَضَّأ بِمَاء غير طَاهِر ثمَّ صلى وَهُوَ لَا يعلم فَهُوَ يجْزِيه مَا لم يعلم فَإِذا علم أعَاد الْوضُوء وَأعَاد الصَّلَاة
وَقَالَ مُحَمَّد لَا تشبه الصَّلَاة الصَّدَقَة لِأَن هَذَا لَا تعد صلَاته صَلَاة لِأَنَّهُ صلى على غير وضوء والمتصدق صدقته جَائِزَة عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه لَو أَرَادَ أَن يَأْخُذهَا من الَّذِي أَعْطَاهَا إِيَّاه لم يكن لَهُ ذَلِك فِي الحكم لِأَنَّهَا صَدَقَة نَافِذَة جَائِزَة لَا رُجُوع فِيهَا وَلَو كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذهَا من الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَيست بِصَدقَة كَانَ هَذَا قِيَاس الصَّلَاة بِغَيْر وضوء لِأَن الصَّلَاة بِغَيْر وضوء لَيست بِصَلَاة فَيَنْبَغِي أَن تكون هَذِه لَيست بِصَدقَة وَيَنْبَغِي لصَاحِبهَا أَن يَأْخُذهَا من الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ لَا يقدر على أَخذهَا مِنْهُ كَانَت صَدَقَة تَامَّة فَكيف يغرمها صَاحبهَا مرَّتَيْنِ وَلم يكن على صَاحبهَا أَكثر من الَّذِي صنع وَقد وَافَقنَا أَبُو يُوسُف أَن الصَّدَقَة لَا ترد على صَاحبهَا وَلكنهَا نَافِذَة للمتصدق عَلَيْهِ وَلذَلِك افْتَرَقت الصَّدَقَة وَالصَّلَاة على غير وضوء(3/5)
إِنَّمَا مثل الصَّدَقَة على الْغَنِيّ إِذا تصدق عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم بعد ذَلِك رجل صلى وتحرى الْقبْلَة أَو أخبرهُ مخبر أَن الْقبْلَة كَذَا فصلى بقوله أَو بتحريه حَتَّى إِذا فرغ علم أَنه صلى لغير الْقبْلَة فَصلَاته تَامَّة وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ صلى وَلم يكن عَلَيْهِ أَكثر من الَّذِي صنع
فَكَذَلِك الصَّدَقَة على الْغَنِيّ إِذا لم يعلم وَسَأَلَهُ وَأخْبرهُ أَنه فَقير فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكثر مِمَّا صنع وَلَو لم يُخبرهُ أَنه فَقير وَلم يسْأَله عَن ذَلِك وَلكنه صادفه فِي مجْلِس الْفُقَرَاء قد صنع صَنِيع أَصْحَاب الْمَسْأَلَة فَأعْطَاهُ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة من سَأَلَهُ وَأخْبرهُ أَنه فَقير لِأَن هَذَا دلَالَة على الْفقر بِمَنْزِلَة الْمَسْأَلَة وَقد يَجِيء من هَذَا مَا هُوَ أدل من الْمَسْأَلَة أَو قريب مِنْهَا أَو مثلهَا
وَكَذَلِكَ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد إِن أعْطى ذِمِّيا من زَكَاته وَقد أخبرهُ(3/6)
أَنه مُسلم أَو عَلَيْهِ سِيمَا فَأعْطَاهُ من زَكَاته ثمَّ علم أَنه ذمِّي أجزاه ذَلِك(3/8)
وَكَذَلِكَ إِن أعطَاهُ ولدا أَو والدا وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم أجزاه ذَلِك
وَإِن أعطَاهُ عبدا لَهُ أَو مكَاتبا لَهُ وَهُوَ لَا يعلم بِهِ أَو أخبرهُ أَنه حر فَأعْطَاهُ ثمَّ علم بعد ذَلِك أَنه عبد لَهُ عَلَيْهِ دين أَو مكَاتب لم يجزه(3/9)
ذَلِك لِأَن هَذَا مَاله أعطَاهُ مَاله فَصَارَ مَاله بعضه فِي بعض فَلَا يجزى ذَلِك من شَيْء فَأَما مَا أعْطى ولدا أَو والدا وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم بعد ذَلِك أجزاه فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد(3/10)
أَبُو سُلَيْمَان قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا إِسْرَائِيل عَن أبي الجويرية الْجرْمِي عَن معن بن يزِيد السّلمِيّ قَالَ خَاصَمت أبي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى لي عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَن أبي أعْطى صدقته رجلا فِي الْمَسْجِد وَأمره أَن يتَصَدَّق بهَا فَأَتَيْته فَأَعْطَانِيهَا ثمَّ أتيت أبي فَعلم بهَا فَقَالَ وَالله يَا بني مَا إياك أردْت بهَا فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ(3/11)
وَسلم فَقَالَ يَا يزِيد لَك مَا نَوَيْت وَيَا معن لَك مَا أخذت
قَالَ مُحَمَّد قد جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك مجزيا عَن يزِيد وَجعله لِمَعْنٍ فَكَذَلِك نقُول(3/12)
وَلَو أَن رجلا تَوَضَّأ فِي لَيْلَة مظْلمَة فِي سفر ثمَّ قَامَ عَامِدًا إِلَى الصَّلَاة فصلى وَلم يحضرهُ نِيَّة حَتَّى صلى فِي تحري الْقبْلَة فَلَمَّا قضى صلَاته علم أَنه صلى لغير الْقبْلَة فانه يُعِيد صلَاته وَإِن كَانَ حِين فرغ لم يدر أصلى إِلَى الْقبْلَة أَو إِلَى غَيرهَا فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنه صلى إِلَى الْقبْلَة فَصلَاته تَامَّة وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه صلى إِلَى غير الْقبْلَة أعَاد صلَاته وَإِن لم يكن لَهُ فِي ذَلِك رأى أَو كَانَ قد ركب فَمضى عَن ذَلِك الْموضع فَلم يجز لَهُ رأى فِي تحري الْقبْلَة وَلَا غَيرهَا فَصلَاته تَامَّة لِأَنَّهُ حِين قَامَ عَامِدًا إِلَى الصَّلَاة حَتَّى دخل فِيهَا فصلى فَهُوَ عندنَا على تحري الْقبْلَة حَتَّى يعلم غير ذَلِك وَلَو كَانَ حِين انْتهى إِلَى مَوضِع الصَّلَاة شكّ فَلم يدر(3/13)
أَيْن الْقبْلَة فَلم يتحر أكبر رَأْيه حَتَّى مضى فصلى إِلَى بعض تِلْكَ الْوُجُوه بِغَيْر تحر وَلَا أكبر رَأْيه حَتَّى فرغ من صلَاته فَعَلَيهِ أَن يُعِيد صلَاته إِلَّا أَن يعلم أَنه صلى للْقبْلَة فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنه صلى للْقبْلَة إِلَّا أَن(3/14)
ذَلِك إِنَّمَا كَانَ مِنْهُ بعد دُخُوله فِي صلَاته لم تجزه تِلْكَ الصَّلَاة حَتَّى يستقبلها بتكبير مُسْتَقْبل لِأَنَّهُ افتتحها على غير التَّحَرِّي وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ حِين شكّ فَلم يدر أَيْن الْقبْلَة أَن يتحَرَّى فيمضي على أكبر ظَنّه ورأيه فَلَمَّا افْتتح على غير تحر لم يجزه التَّحَرِّي بعد الِافْتِتَاح إِلَّا بتكبير مُسْتَقْبل
وَلَو تحرى فَكَانَ أكبر رَأْيه وَجها من تِلْكَ الْوُجُوه أَنه الْقبْلَة فَتَركه وَصلى إِلَى غَيره فقد أَسَاءَ وأثم وَصلَاته فَاسِدَة
وَإِن علم بعد مَا فرغ مِنْهَا أَنه صلى إِلَى الْقبْلَة لِأَن قبلته الَّتِي ظن أَنَّهَا الْقبْلَة فقد صلى إِلَى غير الْقبْلَة الَّتِي وَجَبت عَلَيْهِ فَعَلَيهِ أَن يُعِيد الصَّلَاة
وَلَو علم أَنَّهَا الْقبْلَة بعد مَا افْتتح الصَّلَاة لم يجزه ذَلِك الِافْتِتَاح حَتَّى يفْتَتح افتتاحا مُسْتَقْبلا وَيُعِيد صلَاته(3/15)
وَلَو أَن رجلا دخل مَسْجِدا لَا محراب فِيهِ وقبلته مشكلة وَفِيه قوم من أَهله فتحرى الدَّاخِل الْقبْلَة فصلى فَلَمَّا فرغ علم أَنه قد أَخطَأ الْقبْلَة فَعَلَيهِ أَن يُعِيد صلَاته لِأَنَّهُ قد كَانَ يقدر على أَن يسْأَل عَن ذَلِك فيعلمه بِغَيْر تحر وَإِنَّمَا يجوز التَّحَرِّي إِذا أعجزه من يُعلمهُ بذلك وَأما إِذا كَانَ لَهُ من يُعلمهُ بذلك لم يجزه التَّحَرِّي أَلا ترى لَو أَن رجلا أَتَى مَاء من الْمِيَاه فَطلب المَاء فَلم يجده حَتَّى صلى بِتَيَمُّم ثمَّ سَأَلَهُمْ فأخبروه لم تجزه صلَاته حَتَّى يتَوَضَّأ وَيُعِيد الصَّلَاة وَلَو سَأَلَهُمْ فَلم يخبروه أَو لم يكن بِحَضْرَتِهِ من يسْأَله فَطلب فَلم يجد فَتَيَمم وَصلى ثمَّ وجد المَاء أجزته صلَاته وَلم يكن عَلَيْهِ غير مَا صنع وَكَذَلِكَ الْقبْلَة فِيمَا وصفت لَك(3/16)
وَلَو أَن رجلا كَانَت لَهُ غنم مساليخ ذكية فاختلطت بهَا شَاة(3/17)
مسلوخة ذَبِيحَة مَجُوسِيّ أَو ذَبِيحَة مُسلم ترك التَّسْمِيَة عمدا أَو ميتَة فَلم يدر صَاحب الْغنم أيتهن هِيَ فانه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يتحَرَّى فَيلقى من ذَلِك الَّذِي يظنّ أَنه ميتَة وَيَأْكُل الْبَقِيَّة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الذكي شَاتين وَالْميتَة وَاحِدَة فَأَما إِذا كَاتب الْميتَة اثْنَتَيْنِ والذكية وَاحِدَة فَلَا تجزى هَا هُنَا لِأَن الْغَالِب هُوَ الْحَرَام وَلَا يَنْبَغِي أَن ينْتَفع بِشَيْء من ذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد(3/18)
وَكَذَلِكَ لَو كَانَت وَاحِدَة ميتَة وَوَاحِدَة ذكية لم يَأْكُل من ذَلِك شَيْئا بتحر وَلَا غَيره إِلَّا فِي خصْلَة وَاحِدَة إِن كَانَ لَهُ فِي الذكي علم وَدلَالَة تدل عَلَيْهِ حَتَّى يعرف بذلك من الْميتَة فَلَا بَأْس بِأَكْل ذَلِك بِالدّلَالَةِ وَالْعلم الَّذِي يعلم بِهِ وَإِنَّمَا افترق الْغَالِب من ذَلِك وَغَيره لِأَن الْغَالِب يَقع عَلَيْهِ التَّحَرِّي إِذا كَانَ غَالِبا وَهُوَ حَلَال وَفِي ذَلِك وُجُوه كَثِيرَة من الْفِقْه مِنْهَا أَن رجلا لَو كَانَ لَهُ زَيْت فاختلط بِهِ بعض ودك ميتَة أَو شَحم خِنْزِير إِلَّا أَن الزَّيْت هُوَ الْغَالِب على ذَلِك لم نر بَأْسا بِأَن يستصبح بِهِ وَأَن يدبغ بِهِ الْجُلُود ثمَّ يغسلهُ وَأَن يَبِيعهُ وَيبين عَيبه وَلَو كَانَ ودك الْميتَة أَو شَحم الْخِنْزِير هُوَ الْغَالِب على الزَّيْت أَو كَانَا سَوَاء لَا يغلب وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه لم يَنْبغ أَن ينْتَفع بِشَيْء مِنْهُ وَلَا يُبَاع وَلَا يستصبح بِهِ وَلَا يدهن بِهِ جلد وَلَا غير ذَلِك لِأَن ودك الْميتَة وشحم الْخِنْزِير إِذا كَانَا الغالبين على الزَّيْت فَكَأَنَّهُ لَا زَيْت مَعَهُمَا وَكَانَ ذَلِك كُله ميتَة وشحم الْخِنْزِير وَلَا يَنْبَغِي الِانْتِفَاع بذلك على حَال(3/19)
أَبُو سُلَيْمَان قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا زَمعَة بن صَالح عَن(3/20)
أبي الزبير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ جَاءَ نفر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا إِن لنا سفينة فِي الْبَحْر وَقد احْتَاجَت إِلَى الدّهن وَوجدنَا نَاقَة كَثِيرَة الشَّحْم ميتَة أفندهنها بشحمها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تنتفعوا من الْميتَة بِشَيْء وَكَذَلِكَ نقُول إِذا كَانَت الْميتَة هِيَ الْغَالِبَة فَكَأَنَّهَا ميتَة كلهَا(3/21)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو أَن قوما من الْمُسلمين وجدوا موتى فيهم كَافِر أَو كَافِرَانِ لَا يعرف الْكَافِر من الْمُسلم غسلوا وكفنوا وَصلى عَلَيْهِم وَنوى المصلون بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاء الْمُسلمين مِنْهُم دون الْكَافرين وَصلى عَلَيْهِم جمَاعَة وَإِن كَانُوا كفَّارًا فيهم الْمُسلم والمسلمان لم يصل على أحد مِنْهُم ويغسلون ويكفنون ويدفنون وَلَا يصلى على أحد مِنْهُم
وَكَذَلِكَ قَول أبي يُوسُف وَقَول مُحَمَّد ويدفنون فِي قَول مُحَمَّد فِي مَقَابِر الْمُشْركين فَأَما الْأَولونَ الَّذين أَكْثَرهم الْمُسلمُونَ فانهم يدفنون فِي مَقَابِر الْمُسلمين(3/22)
وَإِن كَانُوا نِصْفَيْنِ من الْكَافرين وَالْمُسْلِمين لم يصل على أحد مِنْهُم حَتَّى يكون الْأَكْثَر من الْمُسلمين وَهَذَا أَيْضا يدلك على الْوَجْه الأول فان كَانَ بِأَحَدِهِمَا عَلامَة من عَلَامَات الْمُسلمين أَو كَانَ بِأَحَدِهِمَا عَلامَة من عَلَامَات الْمُشْركين فَهَذِهِ دلَالَة فيصلى على الَّذِي بِهِ عَلامَة الْمُسلمين وَيتْرك الَّذِي بِهِ عَلامَة الْمُشْركين وَمن عَلَامَات الْمُسلمين الْخِتَان والخضاب وَلبس السوَاد مِمَّا يعرف بِهِ الْمُسلم من الْكَافِر(3/23)
وَإِذ أَكَانَ الرجل فِي سفر وَمَعَهُ ثَوْبَان لَا ثوب مَعَه غَيرهمَا فِي أَحدهمَا نَجَاسَة خُفْيَة وَالْآخر طَاهِر وَلَيْسَ مَعَه مَا يغسلهما بِهِ فانه يتحَرَّى الَّذِي يظنّ أَنه لَا نَجَاسَة فِيهِ ثمَّ يصلى فِيهِ ويدع الآخر
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مَعَه ثَلَاثَة أَثوَاب نجسان وثوب طَاهِر وَكَذَلِكَ مَا كثر من(3/24)
5 - ذَلِك أَو قل فانه يتحَرَّى فَيصَلي فِي الثَّوْب الَّذِي يظنّ أَنه طَاهِر مِنْهَا وَلَا يشبه هَذَا مَا وصفت لَك قبله من الْغنم بَعْضهَا ميتَة إِذا كَانَ الْغَالِب عَلَيْهَا الْمَيِّت لِأَن هَذِه الثِّيَاب لَو كَانَت كلهَا نَجِسَة لَكَانَ عَلَيْهِ أَن يصلى فِي بَعْضهَا ثمَّ لَا يُعِيد صلَاته لِأَنَّهُ مُضْطَر إِلَى الصَّلَاة فِيهَا وَالَّذِي وصفت لَك من الْغنم لَيْسَ بمضطر إِلَيْهَا
فَإِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يجد من الطَّعَام غير تِلْكَ الْغنم اسْتَوَت حَالهَا وَحَال الثِّيَاب فتحرى وَأكل(3/25)
فان تحرى ثوبا من الثَّوْبَيْنِ فَكَانَ أكبر ظَنّه أَنه هُوَ الطَّاهِر فصلى فِيهِ الظّهْر ثمَّ تحول رَأْيه فَكَانَ أكبر رَأْيه أَن الآخر هُوَ الطَّاهِر فصلى فِيهِ الْعَصْر فان الْعَصْر لَا يجْزِيه لِأَن الظّهْر قد أجزته وَلَا يجْزِيه غَيرهَا لِأَنَّهُ قد فرغ مِنْهَا على تَمام فَلَا تفْسد بعد التَّمام إِلَّا بِالْيَقِينِ فَإِذا استيقن أَن الثَّوْب الَّذِي صلى فِيهِ الظّهْر هُوَ النَّجس أعَاد صَلَاة الظّهْر فأجزته(3/26)
صَلَاة الْعَصْر فان لم يحضرهُ تحر حَتَّى صلى أَو لم يعلم أَن فِي وَاحِد مِنْهُمَا نَجَاسَة حَتَّى صلى وَهُوَ ساه فصلى فِي أَحدهمَا الظّهْر وَصلى فِي الآخر الْعَصْر وَصلى فِي الأول الْمغرب وَصلى فِي الآخر الْعشَاء ثمَّ نظر فَإِذا فِي أَحدهمَا قذر وَلَا يدْرِي أهوَ الأول أَو الآخر فان صَلَاة الظّهْر وَالْمغْرب جائزتان وَصَلَاة الْعَصْر وَالْعشَاء فاسدتان لِأَنَّهُ صلى الظّهْر فِي أَحدهمَا فتمت صلَاته فَلَا يفْسد بعد تَمامهَا إِلَّا بِيَقِين وَكَذَلِكَ كل صَلَاة صلاهَا فِي ذَلِك الثَّوْب فَهِيَ بمنزلتها
وَأما مَا صلى فِي الثَّوْب الثَّانِي فان ذَلِك لَا يجْزِيه لِأَنَّهُ إِن أجزاه لم يجزه الأول لأَنا قد علمنَا أَن أَحدهمَا نجس فَلَا يَسْتَقِيم أَن يجزيا جَمِيعًا(3/27)
وَلَو أَن رجلا كَانَ فِي سفر وَمَعَهُ آنِية ثَلَاثَة فِي كل إِنَاء مَاء أَحدهَا نجس والآخران طاهران وَلم يعرف الطَّاهِر من غَيره فانه يتحَرَّى وَيتَوَضَّأ وَيُصلي لِأَن الْأَكْثَر مِنْهَا الطَّاهِر فالتحري يجْزِيه وَإِن كَانَ اثْنَان مِنْهَا نجسين وَوَاحِد طَاهِر أهراقها كلهَا وَتيَمّم وَصلى فان تيَمّم وَصلى وَلم يهرقها أجزاه ذَلِك لِأَنَّهُ لَا تحرى عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَلَكِن الْأَفْضَل لَهُ أَن يهريقها حَتَّى يعلم أَنه لَا مَاء مَعَه ثمَّ بِتَيَمُّم وَكَذَلِكَ إِن كَانَ إناءين أَحدهمَا طَاهِر وَالْآخر نجس أهراقهما وَتيَمّم وَصلى وَهَذَا بِمَنْزِلَة مَا وصفت لَك من الْغنم قبله إِذا كَانَ أَكثر الْآنِية نجسا تيَمّم وَلم يتحر وَإِن كَانَ أَكْثَرهَا طَاهِرا فتحرى وَتَوَضَّأ وَصلى أجزاه ذَلِك مَا لم يعلم أَنه تَوَضَّأ بِمَاء نجس(3/29)
وَلَو أَن رجلا لَهُ جوَار أعتق وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِعَينهَا ثمَّ نَسِيَهَا فَلم يدر أيتهن أعتق لم يَسعهُ أَن يتحَرَّى فِي هَذَا فيطأهن على التَّحَرِّي حَتَّى يعلم أيتهن الْحرَّة من غَيرهَا وَكَذَلِكَ لَا يَسعهُ أَن يَبِيع مِنْهُنَّ شَيْئا وَكَذَلِكَ لَا يسع الْحَاكِم أَن يخلي بَينه وبينهن حَتَّى يبين الْمُعتقَة من غَيرهَا(3/31)
وَكَذَلِكَ رجل لَهُ أَربع نسْوَة طلق مِنْهُنَّ وَاحِدَة ثَلَاثًا بِعَينهَا ثمَّ نَسِيَهَا فَلم يعرفهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يقرب مِنْهُنَّ شَيْئا بتحر حَتَّى يعلم الْمُطلقَة بِعَينهَا من غَيرهَا وَكَذَلِكَ إِن متن كُلهنَّ إِلَّا وَاحِدَة لم يَسعهُ أَن يقربهَا حَتَّى يعلم أَنَّهَا غير الْمُطلقَة وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي للْقَاضِي إِذا رفعت إِلَيْهِ أَن يمْنَعهَا مِنْهُ حَتَّى يبين فيخبر أَنَّهَا غير الْمُطلقَة فَإِذا أخبر بذلك استحلفه الْبَتَّةَ مَا طلق هَذِه بِعَينهَا ثَلَاثًا ثمَّ خلى بَينه وَبَينهَا فان كَانَ حلف وَهُوَ جَاهِل بِمَا حلف عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يقربهَا
وَلَو كَانَ لَهُ جوَار فَأعتق وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِعَينهَا ثمَّ نَسِيَهَا فَبَاعَ مِنْهُنَّ(3/32)
ثَلَاثًا فَحكم عَلَيْهِ القَاضِي بِأَن أجَاز بيعهنَّ وَجعل الْبَاقِيَة هِيَ الْمُعتقَة فَأعْتقهَا وَحكم بذلك وَكَانَ ذَلِك من رَأْيه ثمَّ رَجَعَ بعض اللَّاتِي بَاعَ إِلَيْهِ بشرَاء(3/33)
أَو هبة أَو مِيرَاث أَو غير ذَلِك فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَطَأهَا لِأَن القَاضِي قضى فِي ذَلِك بِغَيْر علم فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يطَأ شَيْئا مِنْهُنَّ بِالْملكِ إِلَّا أَن يَتَزَوَّجهَا فَإِن فعل فَلَا بَأْس بِأَن يَطَأهَا لِأَنَّهَا على إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ إِمَّا حرَّة فَتحل بِالنِّكَاحِ وَإِمَّا أمة فَتحل بِالْملكِ
وَلَا يجوز التَّحَرِّي فِي الْفروج كَمَا يجوز التَّحَرِّي فِيمَا وصفت لَك قبله من جَمِيع هَذِه الْوُجُوه من الْميتَة وَغَيرهَا لِأَن التَّحَرِّي يجوز فِي كل مَا جَازَت فِي الضَّرُورَة أَلا ترى أَن الْميتَة يجوز أكلهَا فِي الضَّرُورَة وكل مَا جَازَ الْعَمَل بِهِ فِي الضَّرُورَة وَصَاحبه يعلم أَنه حرَام فَإِذا كَانَ مُشكلا وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْحَلَال أجزاه فِي ذَلِك التَّحَرِّي وَأما الْفروج فانه لَا يجوز التَّحَرِّي فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تحل بضرورة أبدا وَلَا بغَيْرهَا فَكَذَلِك لَا يجوز التَّحَرِّي فِيهَا
وَلَو أَن قوما عشرَة أَو أقل كَانَت لكل رجل مِنْهُم جَارِيَة فَأعتق أحدهم جَارِيَته وَلم يعرفوا الْجَارِيَة الْمُعتقَة فَلِكُل رجل مِنْهُم أَن يطَأ(3/34)
جَارِيَته حَتَّى يعلم أَنَّهَا الْمُعتقَة بِعَينهَا فان كَانَ أكبر رأى أحدهم أَنه هُوَ الَّذِي أعتق فَأحب إِلَى أَن لَا يقربهَا حَتَّى يستيقن ذَلِك وَإِن قرب لم يكن ذَلِك عَلَيْهِ حَرَامًا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم على حِدته لم يعلم أَنه أعتق فجاريته لَهُ حَلَال حَتَّى يعلم أَنه قد أعْتقهَا وَلَكِن لَو اشتراهن جَمِيعًا رجل وَاحِد قد علم مَا قَالَ أحدهم من الْعتْق لم يحل لَهُ أَن يقرب وَاحِدَة مِنْهُنَّ جَمِيعًا حَتَّى يعرف الْمُعتقَة وَلَو اشتراهن كُلهنَّ إِلَّا وَاحِدَة حل لَهُ 2 أَن يطأهن جَمِيعًا فان فعل ثمَّ اشْترى الْبَاقِيَة اجْتَمعْنَ جَمِيعًا فِي ملكه لم يحل لَهُ أَن يطَأ مِنْهُنَّ شَيْئا وَلَا يَبِيع شَيْئا مِنْهُنَّ حَتَّى يستبين لَهُ الْمُعتقَة مِنْهُنَّ
وَكَذَلِكَ لَو اشْترى كُلهنَّ بعض أَصْحَاب الْجَوَارِي إِلَّا جَارِيَة مِنْهُنَّ حل لَهُ أَن يطأهن كُلهنَّ الَّتِي كَانَت عِنْده وَغَيرهَا فَإِن اشْترى الْبَاقِيَة فاجتمعن فِي ملكه لم يَنْبغ لَهُ أَن يقرب مِنْهُنَّ شَيْئا لِأَنَّهُ قد استيقن(3/35)
حِين اجْتَمعْنَ فِي ملكه أَن إِحْدَاهُنَّ حرَّة فَهُوَ إِن وطئ إِحْدَاهُنَّ وَطئهَا بِغَيْر علم وَلَا يدْرِي أحرة هِيَ أم لَا وإحداهن حرَام عَلَيْهِ لَا شكّ فِيهِ فَإِذا بقيت وَاحِدَة لم يشترها لم يعلم أَن فِيمَا اشْترى حَرَامًا عَلَيْهِ وَلَا شكّ فِيهِ فَإِذا لم يعلم ذَلِك لم يحرم شَيْء من ذَلِك إِلَّا بِالْيَقِينِ وَلَا يكون الْيَقِين إِلَّا باجتماعهن جَمِيعًا فِي ملكه
وَمِمَّا يدلك أَيْضا أَن التَّحَرِّي لَا يجوز فِي الْفروج أَن الْمُعْتق لجارية من رَقِيقه إِذا نَسِيَهَا ثمَّ مَاتَ أَن القَاضِي لَا يُوجب فِي ذَلِك تحريا فَيَقُول للْوَرَثَة أعتقوا أيتهن شِئْتُم أَو أعتقوا الَّتِي أكبر ظنكم أَنَّهَا حرَّة وَلكنه يسألهم عَن ذَلِك فان استيقنوا مِنْهُ شَيْئا أَمْضَاهُ على مَا استيقنوا فأعتقوا الَّذِي زَعَمُوا أَن الْمَيِّت أعْتقهَا بِعَينهَا واستحلفوا على مَا بَقِي مِنْهُنَّ على علمهن فان لم يعرفوا من ذَلِك شَيْئا أعتقن جَمِيعًا فَأبْطل من قيمتهن قيمَة وَاحِدَة وسعين فِيمَا بَقِي فَإِن كن عشرا أبطل من قيمَة كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ عشرا وسعت كل وَاحِدَة فِي تِسْعَة أعشار قيمتهَا(3/36)
أَبُو سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول فِي رجل لَهُ عبد فآجره من(3/37)
رجل سنة بِمِائَة دِرْهَم للْخدمَة فخدمه العَبْد سِتَّة أشهر ثمَّ إِن الْمولى أعْتقهُ فَالْعَبْد بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ مضى على إِجَارَته وَإِن شَاءَ فَسخهَا فِيمَا بَقِي فَإِن فَسخهَا فِي مَا بَقِي بَطل نصف الْأجر وَأخذ الْمولى من الْمُسْتَأْجر نصف الْأجر وَكَانَ لَهُ دون العَبْد وَإِن مضى العَبْد على إِجَارَته أجزاه ذَلِك فَلَيْسَ لَهُ بعد ذَلِك أَن ينقضها فَإِن مضى عَلَيْهَا حَتَّى تتمّ السّنة فالأجر كُله وَاجِب على الْمُسْتَأْجر نصفه للسَّيِّد حِصَّة الشُّهُور الَّتِي مَضَت وَهُوَ عبد قبل أَن يعْتق العَبْد وَالنّصف الْبَاقِي للْعَبد حِصَّة الشُّهُور الَّتِي بقيت بعد الْعتْق وَلَيْسَ للْعَبد أَن يقبض شَيْئا من الْأجر إِلَّا بوكالة الْمولى إِنَّمَا الَّذِي يقبض(3/38)
الْأجر الْمولى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ولى الْإِجَارَة فَيقبض الْأجر كُله فَيكون لَهُ نصفه وَلِلْعَبْدِ نصفه فَإِن كَانَ الْمولى حِين آجر العَبْد سِتَّة مائَة دِرْهَم عجل لَهُ الْمُسْتَأْجر الْمِائَة قبل أَن يعْمل العَبْد شَيْئا ثمَّ إِن العَبْد خدم الْمُسْتَأْجر سِتَّة أشهر ثمَّ أعْتقهُ الْمولى فَالْعَبْد أَيْضا بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ مضى على الْإِجَارَة وَإِن شَاءَ فَسخهَا فان فَسخهَا فَالْقَوْل فِي ذَلِك كالقول فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَإِن مضى على الْإِجَارَة حَتَّى يخْدم السّنة كلهَا فالأجر كُله للْمولى وَلَا شَيْء للْعَبد مِنْهُ لِأَن الْمولى قد كَانَ ملك الْأجر كُله قبل أَن يعْتق العَبْد فَلَا يتَحَوَّل شَيْء من ملك الْآجر إِلَى العَبْد بعد عتقه فَإِذا لم يقبض الْأجر فَإِنَّمَا يجب الْأجر بِالْعَمَلِ يَوْمًا بِيَوْم وشهرا بِشَهْر فَإِذا أعتق العَبْد فِي بعض السّنة فَعمل مَا بَقِي مِنْهَا كَانَ لَهُ أجر مَا بَقِي لِأَن ذَلِك لم يملكهُ الْمولى حِين عتق العَبْد
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْأجر دَنَانِير أَو شَيْئا بِمَا يُكَال أَو يُوزن أَو عرضا من الْعرُوض أَو جَارِيَة أَو ثوبا بِعَيْنِه أَو غير ذَلِك إِذا قَبضه الْمولى بِإِذن الْمُسْتَأْجر قبل أَن يعْتق العَبْد فقد ملكه الْمولى فَإِذا مضى العَبْد على الْإِجَارَة كَانَ الَّذِي قبض الْمولى لَهُ دون العَبْد وَإِن كَانَ الْمولى لم يقبض ذَلِك وَالْأَجْر جَارِيَة بِعَينهَا فَعمل العَبْد وَهُوَ مَمْلُوك نصف السّنة ثمَّ عتق(3/39)
فَعمل نصف السّنة الْأُخْرَى وَلم يكن الْمولى قبض الْجَارِيَة فنصفها للْمولى وَنِصْفهَا للْعَبد وَالَّذِي يَلِي قبضهَا من الْمُسْتَأْجر الْمولى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ولى الْإِجَارَة فَيدْفَع نصفهَا إِلَى العَبْد وَيكون لَهُ نصفهَا وَلَو كَانَ الْمولى قبض الْجَارِيَة قبل الْعتْق وَالْمَسْأَلَة على حَالهَا سلمت الْجَارِيَة كلهَا للْمولى وَلم يكن للْعَبد مِنْهَا قَلِيل وَلَا كثير أَلا ترى أَن رجلا لَو زوج جَارِيَة لَهُ من رجل بِصَدَاق وَقَبضه الْمولى أَو لم يقبضهُ حَتَّى أعْتقهَا الْمولى فَهِيَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَت أَقَامَت مَعَ زَوجهَا وَإِن شَاءَت فارقته فَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا وَلم يكن الزَّوْج دخل بهَا بَطل صَدَاقهَا وَكَانَت فرقة بِغَيْر طَلَاق وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا كَانَ الصَدَاق لمولاها إِن كَانَ قبض الصَدَاق أَو لم يقبض وَهَذَا الْوَجْه إِذا لم يقبض الصَدَاق يُخَالف الْإِجَارَة إِذا لم يقبض الْأجر لِأَن الصَدَاق يجب بِالنِّكَاحِ حِين يَقع لَا يجب مِنْهُ شَيْء دون شَيْء وَأَن الْإِجَارَة إِنَّمَا تجب بِالْعَمَلِ كلما عمل يَوْمًا وَجب لَهُ أجره فَلهَذَا اخْتلفَا إِذا لم يقبض الصَدَاق وَالْأَجْر أما إِذا قبضهَا الْمولى جَمِيعًا فَهُوَ سَوَاء فِي جَمِيع مَا وصفت
وَلَو أَن رجلا قَالَ لعَبْدِهِ آجر نَفسك بِمِائَة دِرْهَم مِمَّن شِئْت فآجر نَفسه من رجل سنة بِمِائَة دِرْهَم كَمَا أمره مَوْلَاهُ فخدم الْمُسْتَأْجر سِتَّة أشهر ثمَّ أعْتقهُ الْمولى فَالْعَبْد أَيْضا بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ فسخ الْإِجَارَة(3/40)
فَأخذ العَبْد نصف الْأجر حِصَّة مَا مضى من الشُّهُور فَدفع ذَلِك إِلَى مَوْلَاهُ وَإِن شَاءَ مضى على الْإِجَارَة حَتَّى يتم وَأخذ العَبْد الْأجر كُله وَأعْطى مَوْلَاهُ نصفه وَأخذ نصفه وَلَيْسَ للْمولى على الْمُسْتَأْجر سَبِيل فِي قبض شَيْء من الْأجر إِلَّا بوكالة من العَبْد لِأَن العَبْد هُوَ الَّذِي ولى الْإِجَارَة وَإِن كَانَ العَبْد قبض الْأجر قبل الْعَمَل ثمَّ أعْتقهُ الْمولى بعد مَا عمل نصف السّنة فَالْعَبْد أَيْضا بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ نقض الْإِجَارَة ورد على الْمُسْتَأْجر نصف مَا أَخذ مِنْهُ من الْأجر وَإِن كَانَ الْمولى أَخذ ذَلِك من عَبده فاستهلكه كَانَ للْمُسْتَأْجر أَن يَأْخُذ العَبْد بذلك حَتَّى يُؤَدِّيه هُوَ إِلَيْهِ وَلَا سَبِيل لَهُ على الْمولى وَلِلْعَبْدِ أَن يرجع على الْمولى فَيَأْخُذ مِنْهُ نصف مَا أَخذ إِن كَانَ قَائِما بِعَيْنِه عرضا أَو غَيره وَإِن كَانَ الْمولى اسْتَهْلكهُ كَانَ لَهُ أَيْضا أَن يرجع على الْمولى بِنصْف مَا قبض لِأَن هَذَا المَال لم يجب على الْمولى للْعَبد فِي حَال رقّه إِنَّمَا وَجب لَهُ بعد الْعتْق وَبعد فسخ الْإِجَارَة أَلا ترى أَن الْمُسْتَأْجر لَا سَبِيل لَهُ على الْمولى وَإِن كَانَ العَبْد معدما لِأَن الْمولى قبض ذَلِك من العَبْد يَوْم قبض وَلَا دين على العَبْد وَلَو كَانَ على العَبْد يَوْمئِذٍ دين لَكَانَ للْغَرِيم أَن يَأْخُذ(3/41)
الْمولى بِمَا أَخذ من مَال عَبده حَتَّى يَدْفَعهُ إِلَيْهِ قَضَاء من دينه فَلذَلِك كَانَ للْعَبد أَن يرجع على الْمولى بِمَا أَخذ مِنْهُ حَتَّى يُوفيه الْمُسْتَأْجر وَإِن اخْتَار العَبْد الْمُضِيّ على الْإِجَارَة فَمضى حَتَّى أتم الْخدمَة فان كَانَ لم يقبض الْأجر فِي حَال رقّه فالأجر بَين الْمولى وَعَبده نِصْفَانِ نصف للْمولى حِصَّة مَا مضى من الشُّهُور وَنصفه للْعَبد فان كَانَ العَبْد قبض الْأجر فِي حَال رقّه ثمَّ مضى على الْإِجَارَة حَتَّى انْتهى فالأجر كُله للْمولى دَرَاهِم كَانَت أَو دَنَانِير أَو كَيْلا أَو وزنا أَو عرضا من الْعرُوض كَائِنا مَا كَانَ
فَإِن قَالَ قَائِل وَكَيف يكون للْعَبد أَن يفْسخ الْإِجَارَة وَهُوَ الَّذِي وَليهَا قيل لَهُ لِأَنَّهَا تمت فِي حَال رقّه بِإِذن الْمولى لَهُ فِي ذَلِك أَلا ترى لَو أَن أمة زوجت نَفسهَا بِإِذن مَوْلَاهَا ثمَّ أعتقت كَانَ لَهَا الْخِيَار إِن شَاءَت أَقَامَت مَعَ زَوجهَا وَإِن شَاءَت فارقته وَهِي الَّتِي وليت النِّكَاح وَكَذَلِكَ العَبْد إِذا ولى الْإِجَارَة فَإِن قَالَ قَائِل وَكَيف يكون للْعَبد أَن يفْسخ الْإِجَارَة فِي وَجه من هَذِه الْوُجُوه وَقد كَانَت جَائِزَة قيل لَهُ لِأَن الْإِجَارَة تفسخ بِعُذْر فالعتق من أفضل الْعذر لِأَن الْأَمر رَجَعَ إِلَى العَبْد وَصَارَ أَحَق بِنَفسِهِ من الْمولى أَلا ترى أَن رجلا لَو توفى فأوصى إِلَى(3/42)
رجل وَترك ابْنا صَغِيرا فآجره الْوَصِيّ فِي عمل من الْأَعْمَال فَلم يتم الْعَمَل حَتَّى بلغ الْغُلَام مبلغ الرِّجَال فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ مضى على الْعَمَل حَتَّى يتمه وَأخذ الْأجر كُله وَإِن شَاءَ فسخ الْإِجَارَة فِيمَا بَقِي وَكَانَ لَهُ أجر مَا مضى وَهَذَا قَول أبي حنيفَة فَإِذا كَانَ للغلام أَن ينْقض الْإِجَارَة وَالْأَجْر لَهُ فَالْعَبْد أَحْرَى أَن ينْقض الْإِجَارَة إِذا أعتق وَالْأَجْر يكون لمَوْلَاهُ إِن كَانَ قد قَبضه فِي حَال الرّقّ
وَكَذَلِكَ لَو أَن الْأَب نَفسه آجر ابْنه وَهُوَ صَغِير فِي عمل من الْأَعْمَال سِنِين مَعْلُومَة بِأَجْر مَعْلُوم فَبلغ الْغُلَام قبل أَن يتمم السنون فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ فسخ الْإِجَارَة وَإِن شَاءَ مضى عَلَيْهَا وَكَانَت حَاله كَحال الَّذِي آجره الْوَصِيّ
وَلَو كَانَ الْوَصِيّ أَو الْوَالِد آجر دَارا للصَّغِير سِنِين مَعْلُومَة فَبلغ الْغُلَام فَأَرَادَ أَن يبطل الْإِجَارَة لم يكن لَهُ ذَلِك وَلَا يشبه هَذَا فِي(3/43)
هَذَا الْوَجْه إِجَارَة نَفسه لِأَن الْوَالِد وَالْوَصِيّ فِي مَال الصَّغِير بِمَنْزِلَة الوكيلين اللَّذين يوكلهما الْكَبِير أَلا ترى أَن الْكَبِير لَو وكل رجلا يُؤَاجر دَاره فآجرها كَمَا وَكله لم يكن لَهُ أَن ينْقض إِجَارَة وَكيله فَكَذَلِك هَذَا
وَلَو آجر العَبْد نَفسه وَهُوَ مَحْجُور عَلَيْهِ رجلا سنة بِمِائَة دِرْهَم فخدمه سِتَّة أشهر ثمَّ أعتق العَبْد فَالْقِيَاس فِي هَذَا أَنه لَا أجر(3/44)
للْعَبد فِيمَا مضى لِأَن الْمُسْتَأْجر كَانَ ضَامِنا لَهُ وَلَا يجْتَمع الْأجر وَالضَّمان وَلَكنَّا نستحسن إِذا سلم العَبْد أَن يَجْعَل لَهُ الْأجر فِيمَا مضى فَيَأْخذهُ العَبْد فيدفعه إِلَى مَوْلَاهُ فَيكون ذَلِك لمَوْلَاهُ دونه وَتجوز الْإِجَارَة فِيمَا بَقِي من السّنة وَلَيْسَ للْعَبد أَن يقبض ذَلِك لِأَن الْإِجَارَة فِيمَا بَقِي إِنَّمَا جَازَت بعد مَا أعتق العَبْد فَلَيْسَ للْعَبد أَن ينْقض مَا جَازَ بعد عتقه لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ بِغَيْر إِجَارَة الْمولى أَلا ترى أَن أمة لَو تزوجت رجلا بِغَيْر أَمر مَوْلَاهَا فَأعْتقهَا الْمولى جَازَ نِكَاحهَا عَلَيْهَا وَلم يكن لَهَا خِيَار فِي إِبْطَاله لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ بعد الْعتْق وَكَذَلِكَ الْإِجَارَة بِمَا جَازَ مَا بَقِي مِنْهَا بعد الْعتْق لم يكن للْعَبد إبِْطَال ذَلِك وَلَكِن الْإِجَارَة تلْزم(3/45)
العَبْد وَيكون للْمولى أجر مَا مضى من الشُّهُور قبل الْعتْق وَيكون أجر مَا بَقِي من الشُّهُور بعد الْعتْق للْعَبد فان كَانَ العَبْد قبض الْأجر فِي حَال الرّقّ وَهُوَ دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو شَيْء مِمَّا يُكَال أَو يُوزن أَو عرض من الْعرُوض أَو لم يقبض ذَلِك فَهُوَ سَوَاء يكون للْمولى من ذَلِك حِصَّة مَا مضى من الشُّهُور وَلِلْعَبْدِ حِصَّة مَا بَقِي من الشُّهُور بعد مَا عتق وَلَا يشبه هَذَا الْوَجْه فِيمَا قبض العَبْد من الْأجر مَا مضى قبله من الْإِجَارَات بِإِذن الْمولى وَإِجَارَة الْمولى لِأَن العَبْد لما قبض الْأجر فِي هَذَا الْوَجْه فقد قبض شَيْئا لَيْسَ بجائز وَلَا يجب بِهِ الْأجر حَتَّى يجوز بعد الْعَمَل فَلَمَّا أعتق العَبْد وَقد قبض الْأجر فان كَانَ لم يعْمل شَيْئا وَلم يمض من السّنة شَيْء فَإِنَّمَا جَازَت الْإِجَارَة بعد الْعتْق وَوَجَب الْأجر بعد الْعتْق وَصَارَ الْأجر كُله للْعَبد فَإِن كَانَ قد مضى من الشُّهُور شَيْء قبل الْعتْق وَجب أجر ذَلِك للْمولى بِالْعَمَلِ دون الْقَبْض فَصَارَ ذَلِك بِمَنْزِلَة من لم يقبض فَأَما أجر مَا لم يمض من الْعَمَل فَإِنَّهُ لَا يجب بِالْقَبْضِ حَتَّى تجوز الْإِجَارَة وَإِنَّمَا جَازَت الْإِجَارَة بعد الْعتْق فَصَارَ ذَلِك للْعَبد دون الْمولى فَلذَلِك افترق جَوَاز الْإِجَارَة قبل الْعتْق وجوازها بعد الْعتْق فِيمَا قبض(3/46)
العَبْد من الْأجر
آخر كتاب التَّحَرِّي وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل(3/47)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهُوَ حسبي الْحَمد لله الْوَاحِد الْعدْل
// كتاب الِاسْتِحْسَان
//
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَا بَأْس بِأَن ينظر الرجل من أمه أَو من ابْنَته(3/48)
الْبَالِغَة أَو من أُخْته أَو من كل ذَات محرم مِنْهُ من رحم أَو رضَاع إِلَى شعرهَا أَو إِلَى صدرها أَو إِلَى ثديها أَو عضدها أَو سَاقهَا أَو قدمهَا وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر إِلَى بَطنهَا أَو إِلَى ظهرهَا أَو إِلَى مَا بَين سرتها حَتَّى يتَجَاوَز الرّكْبَة وَكَذَلِكَ كل ذَات محرم من نِكَاح نَحْو امْرَأَة الْأَب وَامْرَأَة الابْن وَأم الزَّوْجَة وَابْنَة الزَّوْجَة إِذا كَانَ قد دخل بأمها فَإِن كَانَ ينظر إِلَى شَيْء من ذَلِك مِنْهَا أَو من ذَات محرم مِمَّن وصفت لَك لشَهْوَة فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر إِلَى ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أكبر ظَنّه أَنه إِن نظر اشتهاها فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يغض بَصَره
وَإِن أَمن على نَفسه فَلَا بَأْس بِأَن يُسَافر بهَا وَيكون محرما لَهَا وتسافر مَعَه لَا محرم مَعهَا غَيره فان كَانَ يخَاف على نَفسه فَلَا يسافرن مَعهَا وَلَا يخلون مَعهَا وَلَا يَنْبَغِي لَهَا إِن خَافت ذَلِك مِنْهُ أَن تَخْلُو مَعَه فِي بَيت وَلَا تُسَافِر مَعَه فَأَما إِذا أمنا ذَلِك أَو كَانَ عَلَيْهِ أكبر رأيهما(3/49)
فَلَا بَأْس بالخلوة مَعهَا وَالسّفر بهَا
وكل شَيْء من هَذَا الَّذِي وصفت لَك لَا بَأْس بِأَن مَا ينظر إِلَيْهِ من أمه أَو ذَات رحم محرم مِنْهُ فَلَا بَأْس بِأَن يمسهُ مِنْهَا وَلَا بَأْس بِأَن يمس شعر أمه ويغسله ويدهنه أَو يمس سَاقهَا ورجلها ويغمز ذَلِك لَهَا ويمس صدرها وثديها وعضدها ووجهها وذراعيها وكفيها وَيكرهُ لَهُ أَن يمس مِنْهَا مَا كرهنا لَهُ النّظر إِلَيْهِ إِذا كَانَت مُجَرّدَة لَهُ فَإِن كَانَت غير مُجَرّدَة لَهُ وَاحْتَاجَ إِلَى حملهَا أَو النُّزُول بهَا فَلَا بَأْس بِأَن يحملهَا وينزلها متواخذا بظهرها أَو بِبَطْنِهَا وَكَذَلِكَ كل ذَوَات الْمحرم مِنْهُ من جَمِيع مَا وصفت فَإِن كَانَ يخَاف على نَفسه أَن يَشْتَهِي إِن يمس شَيْئا من ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أكبر ظَنّه فليتجنب ذَلِك بِجهْدِهِ(3/50)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا بلغت الْأمة لم يَنْبغ أَن تعرض فِي إزَارهَا وَقَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ قَوْلنَا وَإِن بلغت أَيْضا أَن تشْتَهي وتجامع مثلهَا(3/53)
لم يَنْبغ أَن تعرض فِي إزَارهَا
وَلَا يَنْبَغِي للرجل أَن ينظر من أمة غَيره إِذا كَانَت بَالِغَة أَو تشْتَهي مثلهَا أَو تُوطأ إِلَّا مَا ينظر إِلَيْهِ من ذَوَات الْمحرم وَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى شعرهَا وَإِلَى صدرها وَإِلَى ثديها وعضدها وقدمها وساقها وَلَا ينظر إِلَى بَطنهَا وَلَا إِلَى ظهرهَا وَلَا إِلَى مَا بَين السُّرَّة مِنْهَا حَتَّى يُجَاوز الرّكْبَة وكل مَا لم ينظر إِلَيْهِ مِنْهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يمسهُ مكشوفا وَإِن لم يره وَلَا غير مَكْشُوف إِلَّا أَن يضْطَر إِلَى حملهَا أَو إِلَى النُّزُول بهَا وَلَا بَأْس بِأَن يمس مِنْهَا مَا يحل لَهُ النّظر إِلَيْهِ لَا بَأْس بِأَن يمس سَاقهَا وصدرها وشعرها وعضديها بلغنَا أَن ابْن عمر مر بِجَارِيَة تبَاع فَضرب فِي صدرها وَمَسّ ذراعيها وَقَالَ اشْتَروا ثمَّ مضى وَتركهَا(3/54)
فَهَذَا وَنَحْوه لَا بَأْس بِهِ مِمَّن أَرَادَ الشِّرَاء أَو مِمَّن لم يرد فان كَانَ يخَاف على نَفسه أَن يَشْتَهِي إِن مس ذَلِك مِنْهَا أَو كَانَ عَلَيْهِ أكبر رَأْيه فليجتنب أَن يَمَسهَا وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْجَارِيَة هِيَ الَّتِي تمسه فَلَا بَأْس بِأَن تمس مِنْهُ كل شَيْء إِلَّا مَا بَين السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة وَلَا بَأْس بِأَن تدهن رَأسه وتسرحه وتدهن شعره وصدره وظهره وَسَاقه وَقدمه وتغمز ذَلِك إِلَّا أَن يَشْتَهِي أَو يكون أكبر رَأْيه على أَنَّهَا إِن فعلت ذَلِك اشتهاها أَو اشتهت فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يَنْهَاهَا أَن تعرض لذَلِك(3/55)
مِنْهُ أَلا ترى أَن أمة امْرَأَة الرجل تخدمه وتدهنه وتغمز رجله وتخضبه فَلَا يكون بذلك بَأْس مَا لم يشته أَو يكون أكبر رَأْيه على أَنه يَشْتَهِي إِن فعلت أَو على أَنَّهَا تشْتَهي إِن فعل فَإِن كَانَ أكبر رَأْيه على ذَلِك فليجتنبه وَكَذَلِكَ لَا بَأْس بِأَن تنظر مِنْهُ إِلَى كل شَيْء مَا خلا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَا بَأْس بِأَن تنظر إِلَى السُّرَّة إِنَّمَا يكره أَن تنظر إِلَى مَا تَحت السُّرَّة وَلَا يَنْبَغِي أَن تنظر إِلَى الرّكْبَة لِأَن الرّكْبَة من الْعَوْرَة
وَأما الْمَرْأَة الْحرَّة الَّتِي لَا نِكَاح بَينه وَبَينهَا وَلَا حُرْمَة مِمَّن يحل لَهُ نِكَاحهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر إِلَى شَيْء مِنْهَا مكشوفا إِلَّا الْوَجْه والكف(3/56)
والكف وَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى وَجههَا وَإِلَى كفها وَلَا ينظر إِلَى شَيْء غير ذَلِك مِنْهَا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ الله تبَارك وتعإلى {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} ففسر الْمُفَسِّرُونَ أَن مَا ظهر مِنْهَا الْكحل والخاتم والكحل زِينَة الْوَجْه والخاتم زِينَة الْكَفّ فَرخص فِي هَاتين الزينتين وَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى وَجههَا وكفها إِلَّا أَن يكون إِنَّمَا ينظر إِلَى ذَلِك اشتهاء مِنْهُ لَهَا فان(3/57)
كَانَ ذَلِك فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر إِلَيْهِ وَإِن دعِي إِلَى شَهَادَة عَلَيْهَا أَو أَرَادَ تَزْوِيجهَا أَو كَانَ حَاكما فَأَرَادَ أَن ينظر إِلَى وَجههَا وكفها ليجيز إِقْرَارهَا عَلَيْهَا وليشهد الشُّهُود على مَعْرفَتهَا وَإِن كَانَ إِن نظر(3/58)
إِلَيْهَا أَو كَانَ عَلَيْهِ أكبر رَأْيه فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَى وَجههَا وَإِن كَانَ على ذَلِك لِأَنَّهُ لم ينظر إِلَيْهَا هَهُنَا ليشتهيها إِنَّمَا النّظر إِلَيْهَا لغير ذَلِك فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَيْهَا وَإِن كَانَ فِي ذَلِك شَهْوَة إِذا كَانَ على مَا وصفت لَك وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يمس يَدهَا وَلَا وَجههَا إِذا كَانَت شَابة مِمَّن تشْتَهي فَأَما إِذا كَانَت عجوزا مِمَّن لَا تشْتَهي فَلَا بَأْس بمصافحتها وَمَسّ يَدهَا وَإِن كَانَت عَلَيْهَا ثِيَاب فَلَا بَأْس بِأَن يَتَأَمَّلهَا أَو يتَأَمَّل جَسدهَا مَا لم تكن ثِيَاب تصفها فان كَانَت ثِيَابهَا تلزق بجسدها حَتَّى يستبين لَهُ جَسدهَا فَيَنْبَغِي أَن يغض بَصَره عَن ذَلِك وَإِن كَانَت ثِيَابهَا لَا تصف شَيْئا من جَسدهَا فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ(3/59)
إِنَّمَا ينظر إِلَى الثِّيَاب وَإِلَى الْقَامَة فَلَا بَأْس بذلك
وَلَا بَأْس بِأَن تنظر الْمَرْأَة الَّتِي لَا نِكَاح بَينهَا وَبَين الرجل مِنْهُ إِلَى جَمِيع جسده وَوَجهه وَرَأسه إِلَّا مَا بَين سرته إِلَى ركبته فَإِن ذَلِك عَورَة وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تنظر إِلَيْهِ وَلَا بَأْس بِأَن تنظر إِلَى السُّرَّة أَيْضا إِنَّمَا يكره أَن تنظر إِلَى مَا تحتهَا فَأَما السُّرَّة خَاصَّة فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَيْهَا وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تنظر إِلَى الرّكْبَة لِأَن الرّكْبَة من الْعَوْرَة وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تمس مِنْهُ قَلِيلا وَلَا كثيرا إِذا كَانَت شَابة يَشْتَهِي مثلهَا أَو كَانَ شَابًّا يُجَامع مثله فان كَانَا كبيرين لَا يُجَامع مثله وَلَا يُجَامع مثلهَا فَلَا بَأْس بالمصافحة(3/60)
وَيكرهُ غير ذَلِك وَإِذا كَانَت الْمَرْأَة إِذا نظرت إِلَى بعض مَا وصفت(3/61)
لَك من الرجل وَقعت فِي قَلبهَا لَهُ شَهْوَة أَو كَانَ على ذَلِك أكبر رأيها فَأحب إِلَى أَن تغض بصرها عَنهُ
وَالرجل من الرجل لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر مِنْهُ إِلَّا مَا تنظر مِنْهُ الْمَرْأَة وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر من الرجل إِلَى مَا بَين سرته إِلَى ركبته وَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَى سرته وَيكرهُ النّظر مِنْهُ إِلَى ركبته وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة من الْمَرْأَة(3/62)
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا قدامَة بن مُوسَى بن عمر بن قدامَة بن مَظْعُون عَن أَبِيه قَالَ صليت إِلَى جَانب ابْن عمر وَكنت فَتى من الفتيان أتزر على صَدْرِي كَمَا يتزر الفتيان فَأدْخل ابْن عمر إصبعه فحط إزَارِي حَتَّى أبدأ السُّرَّة ثمَّ قَالَ هَكَذَا فاتزر يَا ابْن أخي(3/63)
وبلغنا عَن عبد الله بن عمر أَنه كَانَ إِذا اتزر أبدا عَن سرته والسرة لَيست من الْعَوْرَة وَلَكِن مَا تحتهَا من الْعَوْرَة فَلَا يَنْبَغِي أَن ينظر إِلَيْهِ الرجل من الرجل وَالْمَرْأَة من الْمَرْأَة حَتَّى يَأْتِي الْعذر فَإِذا جَاءَ الْعذر فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَى ذَلِك
لَا بَأْس إِذا أَرَادَت الْمَرْأَة الْولادَة أَن تنظر الْمَرْأَة مِنْهَا إِلَى مَوضِع الْفرج وَغَيره وَكَذَلِكَ الرجل يُرِيد أَن يحتقن أَو يختتن وَهُوَ كَبِير وَلَا بَأْس بِأَن يحقنه أَو يختنه رجل لِأَن هَذَا مَوضِع عذر
فَإِن أصَاب امْرَأَة جرح أَو قرحَة فِي مَوضِع لَا يحل للرِّجَال أَن ينْظرُوا إِلَيْهِ فَلَا بَأْس بِأَن تعلم امْرَأَة دَوَاء ذَلِك الْجرْح أَو تِلْكَ القرحة فَتكون هِيَ الَّتِي تداوي بِهِ أَلا ترى أَن الْجَارِيَة الْبكر الْحرَّة إِذا(3/64)
تزَوجهَا الرجل فَمَكثت عِنْده لَا يُصِيبهَا فرافعته إِلَى القَاضِي أَجله سنة فان وصل إِلَيْهَا وَإِلَّا فرق بَينهمَا فَإِن مَضَت السّنة فَقَالَ قد وصلت(3/65)
إِلَيْهَا وَقَالَت لم يصل إِلَيّ نظر إِلَيْهَا النِّسَاء فَإِن قُلْنَ هِيَ بكر على حَالهَا خيرت وَإِن قُلْنَ هِيَ ثيب كَانَ القَوْل قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه أَفلا ترى أَنه لَا بَأْس بِنَظَر النِّسَاء فِي هَذِه الْحَال لِأَنَّهَا حَال عذر وَكَذَلِكَ رجل اشْترى جَارِيَة على أَنَّهَا بكر فقبضها فَقَالَ وَجدتهَا ثَيِّبًا وَأَرَادَ ردهَا على البَائِع أَو يَمِينه بِاللَّه لقد بَاعهَا وَقَبضهَا وَإِنَّهَا لبكر فَإِن النِّسَاء ينظرن إِلَيْهَا فَإِن قُلْنَ هِيَ بكر فَلَا يَمِين على البَائِع وَإِن قُلْنَ إِنَّهَا ثيب اسْتحْلف البَائِع بِاللَّه الْبَتَّةَ لقد بَاعهَا وَقَبضهَا المُشْتَرِي وَإِنَّهَا لبكر فَإِن حلف على ذَلِك لن لم ترد عَلَيْهِ وَإِن نكل عَن الْيَمين ردَّتْ عَلَيْهِ أَفلا ترى أَنه لَا بَأْس بِأَن ينظر النِّسَاء فِي هَذِه الْحَال فِي أَشْيَاء كَثِيرَة نَحْو ذَلِك فَإِن لم يَجدوا امْرَأَة تداوى الْجرْح الَّذِي بهَا أَو القرحة وَلم يقدروا على امْرَأَة تعلم ذَلِك وخافوا على الْمَرْأَة الَّتِي بهَا الْجرْح أَو القرحة أَن تهْلك أَو يُصِيبهَا بلَاء أَو دَخلهَا من ذَلِك وجع لَا يحْتَمل أَو لم يكن يداوي الْموضع الْجرْح إِلَّا رجل فَلَا بَأْس بِأَن يسْتَتر مِنْهَا كل شَيْء إِلَّا مَوضِع الْجرْح(3/66)
أَو القرحة ثمَّ يداويه الرجل ويغض بَصَره بِمَا اسْتَطَاعَ عَن عوره وَذَات محرم وَغَيرهَا فِي ذَلِك سَوَاء
وَالْعَبْد فِيمَا ينظر إِلَيْهِ من مولاته وَالْحر الَّذِي لَا قرَابَة بَينه وَلَا بَينهَا وَلَا حُرْمَة سَوَاء خَصيا كَانَ أَو فحلا إِذا كَانَ قد بلغ مبلغ الرِّجَال فَلَا يَنْبَغِي أَن ينظر مِنْهَا إِلَى شَيْء إِلَّا إِلَى وَجههَا وكفها وَلَا يحل للخصي شَيْء يحرم على الْفَحْل وَلَا تحل الْمثلَة الَّتِي مثلت(3/67)
بِهِ شَيْئا يحرم على غَيره من العبيد والأحرار(3/68)
فَأَما الزَّوْجَة وَالْأمة تكون للرجل فَلَا بَأْس بِأَن ينظر مِنْهَا إِلَى كل شَيْء فرج أَو غَيره أَو يمسهُ
وَلَا بَأْس بِأَن يُصِيبهَا وَهِي حَائِض فِيمَا دون الْفرج وَلَا بَأْس بمباشرتها وَإِن لم يكن عَلَيْهَا إِزَار
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا الصَّلْت بن دِينَار عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة الْمُزنِيّ قَالَ سَأَلت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ مَا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَت يجْتَنب شعار الدَّم وَله مَا سوى ذَلِك قَالَ مُحَمَّد وَبِهَذَا نَأْخُذ(3/69)
وشعار الدَّم مَوضِع الْفرج فَأَما أَبُو حنيفَة قَالَ للرجل من امْرَأَته وجاريته إِذا كَانَت حَائِضًا مَا فَوق الْإِزَار وَكره مَا تَحت الْإِزَار
- بَاب النّظر واللمس من الْأمة إِذا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهَا
-
وَإِذا أَرَادَ الرجل أَن يَشْتَرِي جَارِيَة فَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى شعرهَا وصدرها وساقها وقدمها وثديها وَإِن اشْتهى ذَلِك وَإِنَّمَا يكره لَهُ(3/70)
أَن ينظر إِلَى ذَلِك مِنْهَا إِذا كَانَ إِنَّمَا ينظر إِلَيْهِ ليشتهي بِغَيْر شِرَاء وَمَسّ هَذِه الْمَوَاضِع مِنْهَا إِذا كَانَ يَشْتَهِي إِذا مَسهَا أَو كَانَ أكبر رَأْيه على ذَلِك فَإِنِّي أكره لَهُ مس شَيْء من هَذِه الْمَوَاضِع وَإِن كَانَ يُرِيد الشِّرَاء وَلَا يشبه النّظر فِي هَذَا الْوَجْه اللَّمْس أَلا ترى أَن النّظر لَا يحرم عَلَيْهِ أمهَا وَلَا ابْنَتهَا حَتَّى ينظر إِلَى الْفرج مكشوفا بِشَهْوَة وَإنَّهُ لَو مس شَيْئا من هَذِه الْمَوَاضِع بِشَهْوَة حرمت عَلَيْهِ أمهَا وابنتها وَحرمت هِيَ على ابْنه وَأَبِيهِ فَصَارَ اللَّمْس فِي هَذِه الْمَوَاضِع أَشد من النّظر فَلذَلِك رخصنا فِي النّظر وَإِن اشْتهى وكرهنا فِي اللَّمْس إِن خَافَ الشَّهْوَة أَو كَانَ عَلَيْهِ أكبر رَأْيه
- بَاب الْمَرْأَة إِذا مَاتَت مَعَ الرِّجَال
-
وَلَو أَن امْرَأَة مَاتَت مَعَ الرِّجَال لَا امْرَأَة مَعَهم غَيرهَا لم يَنْبغ(3/72)
لَهُم أَن يغسلوها وَإِن كَانُوا ذَوي رحم محرم مِنْهَا أَبوهَا أَو غَيره وَلَكنهُمْ ييممونها الصَّعِيد فان كَانَ أَبوهَا أَو ابْنهَا أَو أَخُوهَا أَو ذُو رحم محرم مِنْهَا يتيممها بالصعيد يضْرب بيدَيْهِ الأَرْض ثمَّ ينفض بهما وَيمْسَح بهما وَجههَا ثمَّ يضْرب بيدَيْهِ الأَرْض الثَّانِيَة ثمَّ ينفضهما كَذَلِك وَيمْسَح يَديهَا إِلَى الْمرْفقين ظَاهر كفيه وباطنهما فِي ظَاهر الذراعين وباطنهما لَيْسَ بَين يَدَيْهِ وَبَين وَجههَا وذراعيها ويديها شَيْء
فان كَانَ الرِّجَال الَّذين مَعهَا لَا محرم بَينهم وَبَينهَا فان أحدهم يضع الثَّوْب على يَدَيْهِ فَيضْرب بِهِ الأَرْض ثمَّ ينفضه وَيمْسَح بذلك وَجههَا ثمَّ يعود فَيضْرب بِالثَّوْبِ وَهُوَ على يَدَيْهِ الأَرْض ثمَّ ينفضه وَيمْسَح يَديهَا إِلَى الْمرْفقين ويعرض بِوَجْهِهِ عَن ذراعيها وَكَذَلِكَ يفعل بهَا زَوجهَا إِن كَانَ مَعَهم لِأَنَّهَا حِين مَاتَت صَارَت غير زَوجته وَحل لَهُ(3/73)
نِكَاح أُخْتهَا وَنِكَاح ابْنَتهَا إِن كَانَ لم يدْخل بهَا وَنِكَاح أَربع سواهَا
قَالَ بلغنَا أَن عمر بن الْخطاب قَالَ فِي امْرَأَة لَهُ هَلَكت نَحن كُنَّا أَحَق بهَا إِذا كَانَت حَيَّة فَأَما إِذا مَاتَت فأولياؤها أَحَق بهَا أَفلا ترى أَنه لم ير لنَفسِهِ فِيهَا حَقًا بعد مَوتهَا فَكَذَلِك نقُول فِي غسلهَا وَالصَّلَاة عَلَيْهَا
- بَاب الرجل يَمُوت مَعَ النِّسَاء لَيْسَ مَعَهُنَّ رجل
-
وَإِذا مَاتَ الرجل مَعَ النِّسَاء ذَوَات الْمحرم مِنْهُ صنعن بِهِ كَمَا وصفت(3/74)
لَك من التَّيَمُّم فِي ذَوَات الْمحرم من الرجل فِي الْمَرْأَة وَلَو كن لسن بذوات محرم مِنْهُ فيتيممنه الصَّعِيد كَمَا وصفت لَك من وَرَاء الثَّوْب إِلَّا امْرَأَته خَاصَّة فَإِنَّهَا تغسله ثمَّ يصلين عَلَيْهِ وَتقوم الْمَرْأَة الإِمَام مِنْهُنَّ وسط الصَّفّ لَا تتقدم الصَّفّ كَمَا يتَقَدَّم الرِّجَال وَلَا تشبه امْرَأَة الرجل فِي هَذَا الزَّوْج فِي غسل امْرَأَته لِأَن الْمَرْأَة عَلَيْهَا عدَّة من زَوجهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَة امْرَأَته حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وَالرجل لَا عدَّة عَلَيْهِ وَقد بلغنَا أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَمر أَسمَاء ابْنة عُمَيْس رَضِي الله عَنْهَا أَن تغسله فغسلته وَأمر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ(3/75)
امْرَأَته أَن تغسله فغسلته فَهَذَا لَا بَأْس بِهِ فَأَما أمته أَو مدبرته أَو مُكَاتبَته أَو أم وَلَده فَإِنَّهُنَّ لَا يغسلنه ولكنهن ييممنه كَمَا ييممنه النِّسَاء اللَّاتِي لسن بذوات محرم مِنْهُ إِلَّا الْأمة خَاصَّة فانه لَا بَأْس بِأَن تيَمّمه وَإِن لم تجْعَل على يَديهَا ثوبا فَأَما أم الْوَلَد فَإِنَّهَا تيَمّمه من وَرَاء الثَّوْب وَإِن كَانَت عَلَيْهَا عدَّة لِأَن عدتهَا لَيست من مَوته وَإِنَّمَا وَجَبت عدتهَا لِأَنَّهَا عتقت بِمَوْتِهِ فَوَجَبت عَلَيْهَا الْعدة لِلْعِتْقِ أَلا ترى أَنه لَو أعْتقهَا فِي مَرضه حرمت عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَإِن مَاتَ وَهِي فِي الْعدة لم تغسله فَكَذَلِك هَذَا إِذا مَاتَ فعتقت حرمت عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ كَمَا تحرم فِي الْحَيَاة فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهَا بعد مَا صَارَت حرَّة أَن تغسله(3/77)
فَكَذَلِك امْرَأَته لَو فجر بهَا ابْنه من بعد مَوته أَو ارْتَدَّت عَن الْإِسْلَام لم تغسله وَإِن رجعت إِلَى الْإِسْلَام بعد ردتها لم تغسله لِأَنَّهَا لَو ارْتَدَّت فِي حَيَاته ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي الْعدة لم تغسله فَكَذَلِك إِذا ارْتَدَّت بعد مَوته فَصَارَت فِي حَال لَا تغسله لم يحل لَهَا أَن تغسله بعد إسْلَامهَا(3/78)
وَإِن مَاتَت امْرَأَة مَعَ رجال وَمَعَهُمْ غلْمَان لَا يشتهون النِّسَاء لصغرهم وَلَا يُجَامع مثلهم فَلَا بَأْس بِأَن يعلموهم الْغسْل إِن ضبطوا ثمَّ يأمروهم أَن يغسلوا الْمَرْأَة وَكَذَلِكَ الْجَارِيَة الصَّغِيرَة الَّتِي تَمُوت مَعَ الرِّجَال وَهِي لَا يَشْتَهِي مثلهَا وَلم تبلغ أَن تجامع لصغرها فَلَا بَأْس أَن يغسلهَا الرِّجَال وَإِن كَانُوا غير ذَوي محرم مِنْهَا
وَإِذا مَاتَت الْمَرْأَة مَعَ الرِّجَال وَمَعَهُمْ امْرَأَة من أهل الذِّمَّة فَلَا بَأْس بِأَن يعلموها الْغسْل ثمَّ يخلوا بَينهَا وَبَينهَا حَتَّى تغسلها وَكَذَلِكَ الرجل يَمُوت مَعَ النِّسَاء ومعهن رجل من أهل الذِّمَّة فَلَا بَأْس بِأَن يعلمنه الْغسْل ثمَّ يخلين بَينه وَبَينه حَتَّى يغسلهُ
وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ رجل مَعَ النِّسَاء ومعهن صبيان صغائر من(3/79)
الْجَوَارِي لم يبلغن أَن يشتهين وَلَا يُجَامع مِثْلهنَّ فَلَا بَأْس بِأَن تصف النِّسَاء لَهُنَّ الْغسْل إِن ضبطنه ثمَّ يخلين بَينهُنَّ وَبَينه حَتَّى يغسلنه
والخصي وَالْمَعْتُوه فِي ذَلِك سَوَاء كُله بِمَنْزِلَة الرجل الْكَبِير الصَّحِيح الْفَحْل فِي جَمِيع مَا وصفت لَك وَكَذَلِكَ الرتقاء والمعتوهة هِيَ بِمَنْزِلَة غَيرهَا من النِّسَاء فِي جَمِيع مَا وصفت لَك
- بَاب الشَّهَادَة فِي أَمر الدّين
-
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِذا حضر رجل مُسَافر يُرِيد الصَّلَاة فَلم يجد مَاء إِلَّا مَاء فِي إِنَاء أخبرهُ رجل أَنه قذر أَو قَالَ بَال فِيهِ صبي أَو وَقع فِيهِ دم أَو عذرة أَو غير ذَلِك مِمَّا يُنجسهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي للرجل أَن ينظر فِي حَال الرجل الَّذِي أخبرهُ فان كَانَ يعرفهُ وَكَانَ عِنْده عدلا مُسلما رَضِيا لم يتَوَضَّأ بذلك المَاء وَتيَمّم وَصلى وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الرجل عبدا أَو كَانَت امْرَأَة حرَّة مسلمة أَو أمة بعد أَن تكون عدلا ثِقَة فِيمَا قَالَت فان كَانَت غير ثِقَة أَو كَانَ الَّذِي لَا يدْرِي أخبرهُ ثِقَة أَو غير ثِقَة(3/80)
فَإِنَّهُ ينظر فِي ذَلِك فان كَانَ أكبر رَأْيه وظنه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ تيَمّم أَيْضا وَلم يتَوَضَّأ بِهِ فَإِن اهراق المَاء ثمَّ تيَمّم بعد ذَلِك وَأخذ فِي ذَلِك بالثقة فَهُوَ أفضل وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَن الَّذِي أخبرهُ بذلك كَاذِب تَوَضَّأ وَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله وَصلى وأجزاه ذَلِك وَلَا تيَمّم عَلَيْهِ أَلا ترى أَن عمر رَضِي الله عَنهُ حِين ورد حِيَاض مَاء حَيا فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لرجل من أهل المَاء أخبرنَا عَن السبَاع أترد ماءكم هَذَا فَقَالَ عمر لَا تخبرنا عَن شَيْء أَلا ترى أَن عمر قد كره أَن يُخبرهُ وَلَو أَنه لم يعد خَبره(3/81)
خَبرا مَا نَهَاهُ عَن ذَلِك(3/82)
فان كَانَ ذَلِك الَّذِي أخبرهُ بِنَجَاسَة المَاء فِي الْإِنَاء رجلا من أهل الذِّمَّة لم يصدق بقوله وَإِن وَقع فِي قلب الَّذِي قيل لَهُ إِنَّه صَادِق فَإِنَّهُ(3/83)
أحب إِلَيّ أَن يهريق المَاء ثمَّ يتَيَمَّم وَيُصلي وَإِن تَوَضَّأ وَلم يهرق أجزاه وَأحب إِلَيّ إِذا وَقع فِي قلبه أَنه صَادِق أَن يتَيَمَّم مَعَ ذَلِك وَيُصلي وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب تَوَضَّأ بِهِ وَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله وَإِن تَوَضَّأ وَصلى فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَلم يتَيَمَّم أجزاه ذَلِك لِأَن هَذَا شَيْء من أَمر الدّين وَلَا تقوم الْحجَّة فِيهِ إِلَّا بِمُسلم وَلَكِن ليفعل الَّذِي ذكرت لَك فانه أفضل وَكَذَلِكَ الصَّبِي الَّذِي لم يبلغ إِذا عقل مَا يَقُول وَالْمَعْتُوه إِذا عقل مَا يَقُول(3/84)
وَلَو أَن رجلا دخل على قوم من الْمُسلمين يَأْكُلُون طَعَاما وَيَشْرَبُونَ شرابًا لَهُم فَدَعوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رجل مُسلم ثِقَة قد عرفه بذلك إِن هَذَا(3/85)
اللَّحْم الَّذِي يَأْكُلُونَهُ ذَبِيحَة مَجُوسِيّ أَو خالطه لحم الْخِنْزِير وَهَذَا الشَّرَاب الَّذِي يشربونه قد خالطه الْخمر فَقَالَ الَّذين دَعوه إِلَى ذَلِك لَيْسَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَأَخْبرُوهُ أَنه حَلَال وبينوا لَهُ الْأَمر على وَجهه وَأَن الْأَمر كَمَا ذكرُوا لَهُ فَإِنَّهُ ينظر فِي حَالهم فَإِن كَانُوا عُدُولًا ثِقَات يعرفهُمْ بذلك لم يلْتَفت إِلَى قَول الرجل الْوَاحِد وَأخذ بقَوْلهمْ وَإِن كَانُوا عِنْده غير عدُول متهمين على ذَلِك أَخذ بقوله وَلَهُم يَسعهُ أَن يقرب شَيْئا من ذَلِك وَالرجل الْمُسلم إِذا كَانَ عدلا ثِقَة فِي هَذَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة الْحرَّة وَالْأمة وَالْعَبْد(3/86)
فَإِن كَانَ الْقَوْم غير ثِقَات إِلَّا رجلَيْنِ مِنْهُم فَإِنَّهُمَا ثقتان وهما فِيمَن أخبراه بِخِلَاف مَا قَالَ الرجل الْوَاحِد أَخذ بقولهمَا وَترك قَوْله وَإِن كَانَ رجل وَاحِد مِنْهُم ثِقَة نظر فِيمَا أخبرهُ بِهِ الرّجلَانِ مِمَّا اخْتلفَا فِيهِ فَإِن كَانَ أكبر ظَنّه أَن الَّذِي زعم أَنه حرَام صَادِق أَخذ بقوله وَإِن كَانَ لَا رَأْي لَهُ فِي ذَلِك وَقد اسْتَوَت الحالان عِنْده فَلَا بَأْس بِأَن يَأْكُل ذَلِك ويشربه وَالْوُضُوء بِمَنْزِلَتِهِ فِي جَمِيع مَا وصفت لَك إِذا اخْتلفَا فِيهِ
فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ بِهِ أَنه حَلَال رجلَيْنِ ثقتين إِلَّا أَنَّهُمَا مملوكان وَكَانَ الَّذِي زعم أَنه حرَام رجلا وَاحِدًا حرا فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ وَإِن(3/87)
كَانَ الَّذِي زعم أَنه حرَام رجلَيْنِ مملوكين ثقتين وَالَّذِي زعم أَنه حَلَال رجلا وَاحِدًا حرا ثِقَة لم يَنْبغ لَهُ أَن يَأْكُلهُ وَكَذَلِكَ لَو أخبرهُ بِأحد الْأَمريْنِ عبد ثِقَة وَالَّذِي أخبرهُ بِالْأَمر الآخر رجل حر ثِقَة نظر إِلَى أكبر ظَنّه فِي ذَلِك فَلَزِمَهُ وَلم يلْتَفت إِلَى غير ذَلِك فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ بِأحد الْأَمريْنِ رجلَيْنِ حُرَّيْنِ ثقتين وَكَانَ الَّذِي أخبرهُ بِالْأَمر الآخر رجلَيْنِ مملوكين ثقتين أَخذ بقول الرجلَيْن الحرين وَترك قَول المملوكين لِأَنَّهُمَا فِي الْحجَّة بِمَنْزِلَة المملوكين وشهادتهما تقطع فِي الحكم فهما أولى أَن تقبل شَهَادَتهمَا إِذا كَانَا حُرَّيْنِ من غَيرهمَا أَلا ترى أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ شهد عِنْده الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى الْجدّة أم الْأُم السُّدس فَقَالَ ائْتِ بِشَاهِد آخر فجَاء بِمُحَمد بن مسلمة فَشهد على مثل شَهَادَته فَأعْطى أَبُو بكر(3/88)
الْجدّة السُّدس وَهَذَا شَيْء من أَمر الدّين وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ شهد عِنْده أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَليرْجع فَقَالَ ائْتِ مَعَك بِشَاهِد على ذَلِك فَهَذَا أفضل فِي الِاحْتِيَاط وَالْوَاحد مجزى(3/89)
أَلا ترى أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مَا قَالَ لَهُ ذَاك إِلَّا ليحتاط لغيره وَلَو لم يَأْتِ بِشَاهِد غَيره تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ قد قبل شَهَادَة(3/90)
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ فِي مثل ذَلِك شَهدا عِنْده وَحده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر عِنْده الْمَجُوس فَقَالَ سنوا بهم سنة أهل الْكتاب فِي أَخذ الْخراج فَأجَاز عمر قَوْله وَحده وَأَجَازَ قَول(3/91)
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي الطَّاعُون حِين أَرَادَ أَن يدْخل إِلَى الشَّام وَكَانَ بهَا الطَّاعُون فَاسْتَشَارَ عمر فِي الدُّخُول فَأَشَارَ إِلَيْهِ بعض الْمُهَاجِرين بِالدُّخُولِ وَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أتفر من قدر الله فَقَالَ لَهُ قوم من أهل مَكَّة لَا تدخل فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا وَقع هَذَا الرجس بِأَرْض فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِ وَإِذا وَقع وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا فِرَارًا مِنْهَا وَأخذ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بقوله وَحَدِيث آخر(3/92)
أَرَادَ عمر بن الْخطاب أَن لَا يُورث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا شَيْئا حَتَّى شهد لَهُ الضَّحَّاك بن سُفْيَان أَنه أَتَاهُ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُورث امْرَأَة أَشْيَم الضبابِي من دِيَة زَوجهَا أَشْيَم فَأخذ بقوله(3/94)
وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دحْيَة الْكَلْبِيّ إِلَى قَيْصر ملك الرّوم بكتابه يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَكَانَ حجَّة عَلَيْهِ وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ كنت إِذا لم أسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدثني بِهِ غَيره اسْتَحْلَفته على ذَلِك وحَدثني بِهِ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَصدق أَبُو بكر فَكل هَذَا قد قبل مِنْهُ شَهَادَة رجل مُسلم(3/97)
وبلغنا أَن نَفرا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم أَبُو طَلْحَة كَانُوا يشربون شرابًا لَهُم من الفضيخ فَأَتَاهُم آتٍ فَأخْبرهُم أَن الْخمر قد حرمت فَقَالَ أَبُو طَلْحَة يَا أنس قُم إِلَى هَذِه الجرار فاكسرها فَقُمْت إِلَيْهَا فكسرتها حَتَّى اهراق مَا فِيهَا والحجج فِي هَذَا كَثِيرَة(3/98)
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا حَازِم بن إِبْرَاهِيم البَجلِيّ عَن سماك بن(3/99)
حَرْب عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل شَهَادَة أَعْرَابِي وَحده على رُؤْيَة هِلَال شهر رَمَضَان قدم الْمَدِينَة فَأخْبرهُم أَنه قد رَآهُ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا وَكِيع عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة أَن أَعْرَابِيًا شهد عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رُؤْيَة الْهلَال فَقَالَ تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَقَالَ نعم فَأمر النَّاس فصاموا فَهَذَا مِمَّا يدلك على أَن شَهَادَة الْوَاحِد فِي(3/100)
الدّين جَائِزَة وَلَا يقبل على هِلَال الْفطر أقل من شَهَادَة رجلَيْنِ حُرَّيْنِ(3/101)
أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن هِلَال الْفطر وَإِن كَانَ من أَمر الدّين فَفِيهِ بعض الْمَنْفَعَة بفطر النَّاس وتركهم الصَّوْم فَذَلِك يجْرِي مجْرى الحكم وَلَا يقبل فِيهِ من الشَّهَادَة إِلَّا مَا يقبل فِي الْأَحْكَام وَلَا يقبل فِي هِلَال شهر رَمَضَان قَول مُسلم وَلَا مُسلمين إِذا كَانُوا مِمَّن لَا تجوز شَهَادَته وَمِمَّنْ يتهم فَأَما عبد ثِقَة مُسلم أَو امْرَأَة مسلمة ثِقَة حرَّة أَو أمة أَو رجل مُسلم ثِقَة إِلَّا أَنه مَحْدُود فِي قذف فشهادته فِي ذَلِك جَائِزَة(3/102)
وَإِن كَانَ الَّذِي شهد بذلك فِي الْمصر وَلَا عِلّة فِي السَّمَاء فَشهد على ذَلِك لم تقبل شَهَادَته لِأَن الَّذِي يَقع فِي الْقلب من ذَلِك أَنه بَاطِل فَإِن كَانَ فِي السَّمَاء عِلّة من سَحَاب فَأخْبرهُ أَنه رَآهُ من خلل السَّحَاب(3/103)
أَو جَاءَ من مَكَان فَأخْبرهُ بذلك وَهُوَ ثِقَة فَيَنْبَغِي أَن يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ
- بَاب الشَّهَادَة فِي الرَّضَاع
-
وَإِذا تزوج الرجل امْرَأَة فَجَاءَت امْرَأَة مسلمة ثِقَة أَو جَاءَ رجل مُسلم حر ثِقَة فَأخْبرهُ أَنَّهُمَا أرضعا من لبن امْرَأَة وَاحِدَة فَأحب إِلَى أَن يتنزه عَنْهَا ويطلقها ويعطيها نصف الصَدَاق إِن لم يكن دخل بهَا وَالصَّدَاق كُله إِن كَانَ دخل بهَا وَأحب إِلَى لَهَا أَن لَا تَأْخُذ مِنْهُ صَدَاقا وَأَن(3/104)
تتنزه مِنْهُ إِن كَانَ لم يدْخل بهَا وَإِن قاما على نِكَاحهمَا لم يحرم ذَلِك عَلَيْهَا وَلَكِن الْأَفْضَل أَن يتنزها عَن ذَلِك
وَكَذَلِكَ الرجل يَشْتَرِي الْجَارِيَة فيخبره رجل عدل ثِقَة أَنَّهَا حرَّة الْأَبَوَيْنِ أَو أَنَّهَا أُخْته من الرضَاعَة فَإِن تنزه عَن وَطئهَا فَهُوَ أفضل وَإِن لم يفعل فَذَلِك لَهُ وَاسع
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن عَن ابْن أبي مليكَة(3/105)
أَن عقبَة بن الْحَارِث تزوج ابْنة أبي إهَاب التَّمِيمِي فَجَاءَت امْرَأَة(3/106)
سَوْدَاء فَأَخْبَرته أَنَّهَا أرضعتهما جَمِيعًا فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بذلك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ وَقد قيل قَالَ مُحَمَّد فَلَو كَانَ هَذَا حَرَامًا لفرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(3/107)
بَينهمَا وَلكنه أحب أَن يتنزه بقوله كَيفَ وَقد قيل(3/109)
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي كُدَيْنَة البَجلِيّ عَن الْحجَّاج بن(3/110)
أَرْطَأَة عَن عِكْرِمَة بن خَالِد المَخْزُومِي قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب لَا يقبل(3/111)
على الرَّضَاع أقل من شَاهِدين قَالَ مُحَمَّد فَبِهَذَا نَأْخُذ فَإِن قَالَ قَائِل فَمن أَيْن افترق هَذَا وَمَا وصفت قبله من الْوضُوء وَالطَّعَام وَالشرَاب قيل لَهُ لَا يشبه هَذَا الْوضُوء وَالطَّعَام وَالشرَاب لِأَن الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء يحل بِغَيْر ملك بِملكه صَاحبه أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لرجل كل طَعَامي هَذَا أَو تَوَضَّأ بمائي هَذَا أَو اشرب شرابي هَذَا وَسعه أَن يفعل ذَلِك بِغَيْر بيع وَلَا هبة وَلَا صَدَقَة
وَلَو أَن رجلا قَالَ لرجل طأ جاريتي هَذِه فقد أَذِنت لَك فِي ذَلِك أَو قَالَت لَهُ امْرَأَة حرَّة مسلمة قد أَذِنت لَك فِي وطئي لم يحل لَهُ الْوَطْء بِإِذْنِهَا حَتَّى يتَزَوَّج الْحرَّة أَو يَشْتَرِي الْأمة أَو توهب لَهُ أَو يصدق بهَا عَلَيْهِ أَفلا ترى أَن الْفرج لَا يحل لَهُ إِلَّا بتزوج أَو بِملك الْمَمْلُوكَة فَلَا ينْقض النِّكَاح وَلَا الشِّرَاء وَلَا الْهِبَة وَلَا الصَّدَقَة بقول رجل وَاحِد وَلَا بقول(3/112)
امْرَأَة وَاحِدَة فَإِذا كَانَ النِّكَاح وَالْملك لَا ينقضان بذلك وَإِنَّمَا حل الْفرج بهما وَلَو لاهما مَا حل الْفرج والفرج على حَاله حَتَّى ينْتَقض الَّذِي بِهِ حل الْفرج وَلَا ينْتَقض إِلَّا بِشَهَادَة رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَو بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فَكَذَلِك لَا يحرم الْفرج إِلَّا بِمَا ينْتَقض بِهِ النِّكَاح وَالْملك
وَكَذَلِكَ كل أَمر لَا يحل إِلَّا بِملك أَو نِكَاح فَإِنَّهُ لَا يحرم بِشَيْء حَتَّى ينْتَقض النِّكَاح وَالْملك وَلَا يكون الرجل الْوَاحِد الْمُسلم وَلَا الْمَرْأَة فِي ذَلِك حجَّة لِأَنَّهُ إِنَّمَا حل من وَجه الحكم وَلَا يحرم إِلَّا من الْوَجْه الَّذِي حل بِهِ مِنْهُ
أَلا ترى أَن عقدَة النِّكَاح وعقدة الْملك لَا ينقضهما فِي الحكم إِلَّا رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ فَإِن كَانَ الَّذِي يحل بذلك لَا يحل إِلَّا بِهِ لم يحرم حَتَّى ينْتَقض الَّذِي بِهِ حل كل أَمر يحل بِغَيْر نِكَاح وَلَا ملك إِنَّمَا يحل بِالْإِذْنِ فِيهِ فَأخْبر رجل مُسلم ثِقَة أَنه حرَام فَهُوَ عندنَا حجَّة فِي ذَلِك وَلَا يَنْبَغِي أَن يُؤْكَل وَلَا يشرب وَلَا يتَوَضَّأ مِنْهُ
وَلَو أَن رجلا مُسلما اشْترى لَحْمًا فَلَمَّا قَبضه أخبرهُ رجل مُسلم ثِقَة أَنه ذَبِيحَة مَجُوسِيّ لم يَنْبغ لَهُ أَن يَأْكُلهُ وَلَا يطعمهُ غَيره وَلَا يَنْبَغِي لَهُ(3/113)
أَن يردهُ على صَاحبه وَلَا يسْتَحل منع البَائِع ثمنه لِأَن نقض الْملك فِيهِ لَا يجوز بقول وَاحِد وَمنع الثّمن لَا يجوز بقول وَاحِد وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينْتَقض ملكا وَلَا يمْنَع ثمنا بقول رجل وَاحِد فان قَالَ قَائِل كَيفَ كرهت لَهُ أكله أَو بَيْعه وَإِنَّمَا حل بِالْملكِ كَمَا حلت فِي الْجَارِيَة بِالشِّرَاءِ قيل لَهُ إِن حل ملك هَذَا بِالْإِذْنِ فِي أكله وشربه وَالْوُضُوء بِهِ فَلَيْسَ بِالْملكِ حل ذَلِك مِنْهُ أَلا ترى أَن صَاحبه لَو أذن فِي ذَلِك بِغَيْر بيع حل لَهُ مَا لم أَنه حرَام فَلَمَّا ملكه كَانَ كَأَنَّهُ أذن لَهُ فِيهِ وَلَا يشبه هَذَا مَالا يحل إِلَّا بِالنِّكَاحِ وَالْملك أَلا ترى أَن الَّذِي اشْتَرَاهُ لَو قَالَ لَهُ رجل مُسلم ثِقَة قبل أَن يَشْتَرِيهِ إِنَّه ذَبِيحَة مَجُوسِيّ وَقد أذن لَهُ صَاحبه فِي أكله لم يحل لَهُ أَن يَأْكُلهُ فَإِن اشْتَرَاهُ كَانَ على الْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قبل الشِّرَاء فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْكُلهُ وَلَا يطعمهُ لِأَنَّهُ قد كَانَ مَكْرُوها لَهُ أَن يَأْكُلهُ قبل الشِّرَاء وَقد أذن لَهُ فِيهِ فَكَذَلِك يكره لَهُ ذَلِك بعد ملكه إِيَّاه
وَكَذَلِكَ الْمِيرَاث وَالْوَصِيَّة فِي جَمِيع مَا وصفت لَك بِمَنْزِلَة الشِّرَاء وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْوَطْء وَالْأكل وَالشرب وَغير ذَلِك(3/114)
وَلَو أَن رجلا اشْترى من رجل طَعَاما أَو اشْترى جَارِيَة وَقبض ذَلِك أَو ورث ذَلِك مِيرَاثا أَو أوصى لَهُ بِهِ أَو وهب لَهُ أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ فَأَتَاهُ رجل مُسلم ثِقَة فَشهد عِنْده أَن هَذَا لفُلَان بن فلَان غصبه مِنْهُ البَائِع أَو الْمَيِّت أَو الْمُتَصَدّق أَو الْوَاهِب فَأحب إِلَيْنَا أَن يتنزه عَن أكله وشربه وَالْوُضُوء مِنْهُ ولباسه ووطئ الْجَارِيَة وَإِن لم يتنزه عَن شَيْء من ذَلِك كَانَ فِي سَعَة وَكَانَ التَّنَزُّه أفضل
وَكَذَلِكَ لَو أَن طَعَاما أَو شرابًا أَو وضُوءًا فِي يَد رجل أذن لَهُ فِيهِ صَاحبه وَأخْبرهُ أَنه لَهُ فَقَالَ لَهُ رجل آخر مُسلم ثِقَة إِن هَذَا الَّذِي فِي يَده هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء غصبه من رجل وَأَخذه مِنْهُ ظلما وَإِن الَّذِي فِي يَده ذَلِك يكذبهُ وَيَزْعُم أَنه لَهُ وَهُوَ مُتَّهم غير ثِقَة فَأحب إِلَيْنَا أَن يتنزه عَن ذَلِك الَّذِي أذن لَهُ فِيهِ وَإِن أكل أَو شرب أَو تَوَضَّأ كَانَ فِي سَعَة من ذَلِك وَإِن لم يجد وضُوءًا غَيره فَهُوَ فِي سَعَة وَإِن(3/115)
تَوَضَّأ وَلم يتَيَمَّم وَلَا يشبه هَذَا فِي الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء الَّذِي وصفت لَك قبله من ذَبِيحَة الْمَجُوسِيّ وَمن الشَّرَاب الَّذِي خالطه الْخمر وَمن الْوضُوء الَّذِي خالطه القذر لِأَن هَذَا إِنَّمَا ذكر الشَّاهِد أَنه مَغْصُوب وَلم يذكر أَنه حرَام من قبل نَفسه إِنَّمَا ذكر أَنه حرَام لِأَن الَّذِي كَانَ فِي يَدَيْهِ لَا يملكهُ وَهُوَ عندنَا فِي الحكم للَّذي هُوَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يقوم شَاهدا عدل أَنه لغيره فَإِذا حكمنَا بِأَنَّهُ للَّذي فِي يَده حل أكله وشربه وَالْوُضُوء مِنْهُ وَإِن الَّذِي ذكرت لَك من ذَبِيحَة الْمَجُوسِيّ وَالشرَاب إِنَّمَا أخبر عَنهُ الرجل الْمُسلم الثِّقَة أَنه حرم من قبل نَفسه لما خالطه من الْحَرَام وَهَذَا يبين لَك أَن مَا كَانَ من أَمر الدّين الْوَاحِد فِيهِ حجَّة وَأَخذه الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء من يَدي الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يصير كَغَيْرِهِ حكم وَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم بِشَهَادَة وَاحِد وَإِن كَانَ عدلا(3/116)
وَلَو أَن رجلا مُسلما شهد عِنْد رجل بِأَن هَذِه الْجَارِيَة الَّتِي فِي يَد فلَان المقرة بِالرّقِّ أمة لفُلَان غصبهَا مِنْهُ وَالَّذِي فِي يَده يجْحَد ذَلِك(3/117)
وَهُوَ غير مَأْمُون على مَا ذكر مِنْهُ فَأحب إِلَى أَن لَا يَشْتَرِيهَا وَإِن اشْتَرَاهَا وَوَطئهَا فَهُوَ فِي سَعَة من ذَلِك
وَلَو أخبرهُ بِأَنَّهَا حرَّة الأَصْل حرَّة الْأَبَوَيْنِ أَو أَنَّهَا كَانَت أمة لفُلَان الَّذِي فِي يَده فَأعْتقهَا وَالَّذِي أخبرهُ بذلك رجل مُسلم ثِقَة فَأحب إِلَيّ لَهُ أَن يتنزه عَن ذَلِك وَلَا يَشْتَرِيهَا وَلَا يَطَأهَا فان اشْتَرَاهَا وَوَطئهَا فَهُوَ فِي سَعَة من ذَلِك إِلَّا أَنه أحب إِلَيّ أَن لَا يفعل فان قَالَ قَائِل كَيفَ جَازَ هَذَا وَقد وصف الشَّاهِد أَنَّهَا حرمت من قبل نَفسهَا قيل فَكيف لم يشبه هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء الَّذِي حرم من قبل نَفسه قيل لَهُ إِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة النِّكَاح الَّذِي يشْهد فِيهِ بِالرّضَاعِ لِأَنَّهُ لَا يحل الْوَطْء إِلَّا بِملك وَلَا يشبه هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء الَّذِي يحل بِالْإِذْنِ فِيهِ دون الْملك الَّذِي حرم من قبل نَفسه(3/118)
- بَاب الرجل يَبِيع جَارِيَته وَيعلم المُشْتَرِي أَنَّهَا أمة لفُلَان
-
قَالَ مُحَمَّد إِذا كَانَت الْجَارِيَة لرجل فَأَخذهَا رجل آخر فَأَرَادَ بيعهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لمن علم أَنَّهَا كَانَت لذَلِك الرجل أَن يَشْتَرِيهَا حَتَّى يعلم أَنَّهَا قد خرجت من ملكه إِلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ بشرَاء أَو هبة أَو صَدَقَة أَو يعلم أَنه قد وَكله بِبَيْعِهَا وَإِذا علم ذَلِك فَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ
فان قَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَده إِنِّي قد اشْتَرَيْتهَا أَو وهبتها أَو تصدق بهَا عَليّ أَو وكلني بِبَيْعِهَا فَإِن كَانَ الرجل الْقَائِل ذَلِك عدلا مُسلما ثِقَة(3/119)
فَلَا بَأْس بِأَن يصدقهُ بذلك ويشتريها مِنْهُ
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ أَرَادَ أَن يَهَبهَا لَهُ أَو يتَصَدَّق بهَا عَلَيْهِ فَلَا بَأْس بِأَن يقبلهَا مِنْهُ فَإِذا اشْتَرَاهَا حل لَهُ وَطْؤُهَا إِن أحب
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهِ طَعَاما أَو شرابًا أَو ثيابًا قد علم أَنَّهَا كَانَت لغيره فَأخْبرهُ بِبَعْض مَا وصفت فَلَا بَأْس بِأخذ ذَلِك مِنْهُ وَأكله وشربه فان كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهِ غير ثِقَة فانه ينظر فِي ذَلِك فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ فَلَا بَأْس أَيْضا بشرَاء ذَلِك ووطئ الْجَارِيَة وَأكل ذَلِك وشربه ولباسه وقبوله مِنْهُ بِالْهبةِ وَالصَّدَََقَة وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه وظنه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يعرض لشَيْء من ذَلِك
وَكَذَلِكَ لَو لم يعلم أَن ذَلِك الشَّيْء الَّذِي هُوَ فِي يَده حَتَّى أخبرهُ الَّذِي فِي يَده بِأَنَّهُ لغيره وَأَنه وَكله بِبيعِهِ أَو وهب لَهُ أَو تصدق بِهِ(3/120)
عَلَيْهِ أَو اشْتَرَاهُ مِنْهُ فان كَانَ عدلا مُسلما ثِقَة صدقه بِمَا قَالَ وَإِن كَانَ عِنْده غير ثِقَة فان كَانَ أكبر رَأْيه وظنه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ فَلَا بَأْس بِالْقبُولِ فِي ذَلِك مِنْهُ وشراه وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ لم يقبل ذَلِك مِنْهُ وَلم يشتر من ذَلِك مِنْهُ
وَإِن كَانَ لم يُخبرهُ أَن ذَلِك الشَّيْء لغيره فَلَا بَأْس بشرَاء ذَلِك مِنْهُ وَإِن كَانَ غير ثِقَة وقبوله مِنْهُ مَا لم يعلم الَّذِي اشْتَرَاهُ أَو قيل لَهُ إِنَّه لغيره إِلَّا أَن يكون مثله لَا يملك مثل ذَلِك وَلَا يكون لَهُ فَأحب(3/121)
إِلَى أَن يتنزه عَن ذَلِك وَلَا يعرض لَهُ بِالشِّرَاءِ وَلَا قبُول صَدَقَة وَلَا هبة فان اشْترى وَقبل وَهُوَ لَا يعلم أَنه لغيره وَأخْبرهُ أَنه لَهُ رَجَوْت أَنه فِي سَعَة من شراه وقبوله والتنزه أفضل
وَإِن كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بذلك رجلا حرا أَو امْرَأَة حرَّة فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا ذكرت لَك فِي جَمِيع مَا ذكرت لَك وَإِن كَانَ الَّذِي أَتَاهُ عبدا أَو أمة فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهُ هبة وَلَا صَدَقَة حَتَّى يسْأَله عَن ذَلِك وَإِن ذكر لَهُ أَن مَوْلَاهُ قد أذن لَهُ فِي بَيْعه وَفِي صدقته وَفِي هِبته فان كَانَ ثِقَة مَأْمُونا فَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي ذَلِك مِنْهُ وقبوله فان كَانَ غير ذَلِك فَهُوَ على مَا وَقع فِي قلبه من تَصْدِيقه وتكذيبه إِن كَانَ أكبر ظَنّه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ صدقه بقوله وَإِن كَانَ أكبر ظَنّه أَنه كَاذِب بِمَا قَالَ لم يَنْبغ لَهُ أَن يعرض فِي شَيْء من ذَلِك(3/122)
وَكَذَلِكَ الْغُلَام الَّذِي لم يبلغ وَالْجَارِيَة الَّتِي لم تبلغ حرا كَانَ أَو مَمْلُوكا فَإِنَّهُ ينظر فِيمَا أَتَاهُ من ذَلِك وَفِيمَا أخبرهُ هَل أذن لَهُ فِي بَيْعه وصدقته وهبته وشراه فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ صدقه وَبَاعه وَاشْترى مِنْهُ وَقبل هِبته وصدقته وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ لم يَنْبغ لَهُ أَن يقبل من ذَلِك شَيْئا وَإِنَّمَا يصدق الصَّغِير وَالصَّغِيرَة من الْأَحْرَار إِذا قَالَا بعث بهَا إِلَيْك فلَان وأمرنا أَن نتصدق بِهِ عَلَيْك أَو نهبه لَك فان قَالَا المَال مالنا(3/123)
قد أذن لنا أَبونَا أَن نتصدق بِهِ عَلَيْك أَو نهبه لَك لم يَنْبغ لَهُ أَن يَأْخُذهُ لِأَن أَمر الْوَالِد عَلَيْهِمَا فِي هَذَا لَا يجوز أَلا ترى أَن جَارِيَة لرجل أَو غُلَاما صَغِيرا أَو كَبِيرا لَو أَتَيَا رجلا بهدية فَقَالَا لَهُ بعث بِهَذِهِ إِلَيْك مَوْلَانَا نظر فِيمَا أَتَيَا بِهِ فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنَّهُمَا قد صدقا صدقهما بِمَا قَالَا وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنَّهُمَا كذبا فِيمَا قَالَا لم يقبل من ذَلِك شَيْئا وَإِنَّمَا هَذَا على مَا يَقع فِي الْقلب من التَّصْدِيق والتكذيب أَو لَا ترى أَن رجلا مُحْتَاجا لَو أَتَاهُ عبد أَو أمة لرجل صغيرين أَو كبيرين بِدَرَاهِم فَقَالَا لَهُ إِن مَوْلَانَا بعث بِهِ إِلَيْك صَدَقَة نظر فِيمَا أَتَيَا بِهِ فَإِن وَقع فِي قلبه أَنَّهُمَا صادقان وَكَانَ على ذَلِك أكبر ظَنّه فَلَا بَأْس بِقبُول ذَلِك وَإِن كَانَ أكبر ظَنّه أَنَّهُمَا كاذبان لم يقبل من ذَلِك شَيْئا فَإِنَّمَا هَذَا وَنَحْوه على مَا يَقع فِي الْقُلُوب من التَّصْدِيق والتكذيب
وَلَو أَن رجلا علم أَن جَارِيَة لرجل يدعيها فرآها فِي يَد رجل يَبِيعهَا فَقَالَ إِنِّي قد علمت أَنَّهَا كَانَت لفُلَان يدعيها وَهِي فِي يَدَيْهِ فَقَالَ الَّذِي(3/124)
فِي يَده قد كَانَت كَمَا ذكرت فِي يَدَيْهِ يدعيها أَنَّهَا 6 لَهُ وَكَانَت مقرة لَهُ بِالرّقِّ وَلكنهَا كَانَت لي وَإِنَّمَا أَمَرتهَا بذلك لأمر خفته وصدقته الْجَارِيَة بِمَا قَالَ وَالرجل ثِقَة مُسلم فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ وَإِن كَانَ عِنْده كَاذِبًا فِيمَا قَالَ لم يَنْبغ لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ وَلَا يقبضهَا صَدَقَة وَلَا هبة وَلَو لم يقل لَهُ هَذَا القَوْل الَّذِي وصفت لَك وَلكنه قَالَ ظَلَمَنِي وغصبني فأخذتها مِنْهُ لم يَنْبغ لَهُ أَن يعرض لَهَا بشرى وَلَا هبة وَلَا صَدَقَة وَإِن كَانَ الَّذِي أخبرهُ بذلك ثِقَة أَو غير ثِقَة وَإِن(3/125)
قَالَ لَهُ إِنَّه كَانَ ظَلَمَنِي وغصبني ثمَّ إِنَّه رَجَعَ عَن ظلمه فَأقر بهَا لي وَدفعهَا إِلَيّ فَإِن كَانَ ثِقَة مَأْمُونا فَلَا بَأْس بِأَن يقبل قَوْله ويشتريها إِن أحب ويقبلها هبة أَو صَدَقَة وَإِن قَالَ لم يقر بهَا لي وَلَكِن خاصمته إِلَى القَاضِي فأقمت عَلَيْهِ بَينه فَقضى القَاضِي عَلَيْهِ بذلك لي أَو اسْتَحْلَفته فَأبى الْيَمين فَقضى عَلَيْهِ بهَا فَهَذَا وَالْأول سَوَاء إِن كَانَ عِنْده ثِقَة(3/126)
مَأْمُونا صدقه بِمَا قَالَ وَإِن كَانَ عِنْده غير ثِقَة وَكَانَ أكبر رَأْيه أَنه صَادِق فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب لم يَنْبغ لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قضى لي القَاضِي عَلَيْهِ وَأَمرَنِي فأخذتها من منزله أَو قَالَ قضى بهَا القَاضِي عَلَيْهِ فأجبره فَأَخذهَا مِنْهُ وَدفعهَا إِلَى لم أر بَأْسا أَن يصدقهُ إِن كَانَ مَأْمُونا بهَا وَإِن كَانَ غير ثِقَة وَوَقع فِي قلبه أَنه صَادِق فَلَا بَأْس أَيْضا بشرائها مِنْهُ فَإِن قَالَ قضى لي القَاضِي فأخذتها من منزله بِغَيْر إِذْنه فَهَذَا وَالْأول سَوَاء(3/127)
وَإِن قَالَ قضى لي بهَا القَاضِي فجحدني قَضَاءَهُ فأخذتها مِنْهُ لم يَنْبغ لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ ونقدته ثمنهَا ثمَّ أَخَذتهَا بِغَيْر أمره من منزله فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ إِذا كَانَ عِنْده صَادِقا فِي قَوْله
فَإِن قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ ونقدته الثّمن فجحدني الشِّرَاء فأخذتها من منزله بِغَيْر أمره فَهَذَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ فَصَارَ الشِّرَاء الَّذِي ادّعى فِي هَذَا الْوَجْه بِمَنْزِلَة ادعائه قَضَاء القَاضِي فِي جحوده الْقَضَاء وَغير جحوده
وَلَو قَالَ اشْتَرَيْتهَا من فلَان وقبضتها بأَمْره ونقدته الثّمن وَكَانَ عِنْده الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِك ثِقَة مَأْمُونا فَقَالَ لَهُ رجل آخر إِن فلَانا قد جحد هَذَا الشِّرَاء وَزعم أَنه لم يبع هَذَا شَيْئا وَالَّذِي قَالَ لَهُ أَيْضا ثِقَة مَأْمُون لم يَنْبغ لَهُ أَن يعرض لشَيْء مِنْهَا بشرَاء وَلَا صَدَقَة(3/128)
وَلَا هبة وَلَا هَدِيَّة فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ الْخَبَر الثَّانِي غير ثِقَة إِلَّا أَنه قد وَقع فِي قلبه أَنه صَادِق على ذَلِك أكبر ظَنّه لم يَنْبغ لَهُ أَيْضا أَن يقبلهَا مِنْهُ بِهِبَة وَلَا صَدَقَة وَلَا شِرَاء وَلَا غير ذَلِك فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ الْخَبَر الثَّانِي لَيْسَ بِثِقَة وَكَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ وقبوله مِنْهُ الصَّدَقَة وَالْهِبَة والهدية فَإِن كَانَا جَمِيعًا غير ثِقَة إِلَّا أَنه يصدق الْقَائِل الثَّانِي بقوله وعَلى ذَلِك أكبر رَأْيه لم يقبل ذَلِك مِنْهُ شَيْئا لِأَن هَذَا شَيْء من أَمر الدّين وَعَلِيهِ أُمُور النَّاس فَإِن قَالَ قَائِل لَا يقبل هَذَا إِلَّا بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ سوى المُشْتَرِي الَّذِي فِي يَده الْجَارِيَة ضَاقَ ذَلِك على الْمُسلمين أَلا ترى لَو أَن رجلا كَانَت فِي يَده(3/129)
جواري وَطَعَام وَثيَاب وَقَالَ أَنا مضَارب فلَان دفع إِلَيّ مَالا وَأذن لي أَن أَشْتَرِي مَا أردْت فاشتريت بِهِ هَؤُلَاءِ الْجَوَارِي وَهَذَا الطَّعَام وَهَذَا الْمَتَاع أَنه لَا بَأْس بشري ذَلِك مِنْهُ ووطئ الْجَارِيَة أَرَأَيْت رجلا أقرّ أَنه مفاوض لفُلَان الْغَائِب وَأَن جَمِيع مَا فِي يَده من الرَّقِيق بَينه وَبَين فلَان أفما يَنْبَغِي للرجل من الْمُسلمين أَن يَشْتَرِي مِنْهُ جَارِيَة يَطَأهَا أَو غُلَاما يستخدمه هَذَا لَا بَأْس بِهِ وعَلى هَذَا أَمر النَّاس
أَرَأَيْت عبدا أَتَى أفقا من هَذِه الْآفَاق فَذكر أَن مَوْلَاهُ أذن لَهُ فِي التِّجَارَة أما يحل لأحد أَن يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئا وَلَا يَبِيع مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يعلم أَن مَوْلَاهُ قد أذن لَهُ فِي التِّجَارَة فَهَذَا ضيق لَا يَنْبَغِي أَن يعْمل فِي هَذَا بِمَا يعْمل فِي الْأَحْكَام(3/130)
قَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول فِي العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَلَو أَن النَّاس أخذُوا فِي هَذَا وَشبهه بِمَا يُؤْخَذ بِهِ فِي الْأَحْكَام فَقَالُوا لَا نجيز من هَذَا شَيْئا إِلَّا مَا يجوز فِي الْأَحْكَام بشاهدي عدل سوى ذَلِك الَّذِي فِي يَده ضَاقَ هَذَا على النَّاس وَلم يشتر رجل شَيْئا من مضَارب وَلَا من شريك وَلَا من وَكيل حَتَّى يشْهد شَاهدا عدل بِالشّركَةِ وَالْمُضَاربَة وَالْوكَالَة وَلم يَنْبغ لَهُ أَن يقبل جَائِزَة من ذِي سُلْطَان وَلَا هَدِيَّة من أَخ وَلَا من ولد وَلَا من ذِي رحم محرم حَتَّى يشْهد عِنْده بذلك شَاهدا عدل على مقَالَة الْوَاهِب والمجيز والمتصدق وَهَذَا قَبِيح ضيق لَيْسَ عَلَيْهِ أَمر النَّاس
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن الْهَيْثَم أَن عَاملا لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أهْدى إِلَيْهِ جَارِيَة فَسَأَلَهَا أفارغة أَنْت أم مَشْغُولَة فَأَخْبَرته(3/131)
أَن لَهَا زوجا فَكتب إِلَى عَامله إِنَّك بعثت إِلَيّ بهَا مَشْغُولَة أفترى أَن عَليّ بن أبي طَالب حِين أَتَتْهُ الْجَارِيَة كَانَ مَعَ الرَّسُول شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَن فلَانا عاملك أهداها إِلَيْك وَقد سَأَلَهَا أَيْضا أفارغة أَنْت أم مَشْغُولَة فَلَمَّا أخْبرته أَن لَهَا زوجا صدقهَا بذلك وكف عَنْهَا فَلم يسْأَلهَا غير ذَلِك إِلَّا أَنَّهَا لَو أخْبرته أَنَّهَا فارغة لم ير بِهِ بَأْسا بِوَطْئِهَا فَهَذَا الْأَمر عندنَا فِي قَوْله لَهَا وَلَو لم تكن عِنْده مصدقة فِي ذَلِك أَي الْقَوْلَيْنِ قالته لم يسْأَلهَا عَن شَيْء مِنْهُ وَإِن كَانَ أكبر الرَّأْي وَالظَّن ليجوز فِيمَا هُوَ أكبر من ذَلِك من الْفروج وَسَفك الدِّمَاء(3/132)
- بَاب الرجل يدْخل بَيته إِنْسَان بسلاح
-
وَلَو أَن رجلا دخل على رجل منزله وَمَعَهُ السَّيْف فَلَا يدْرِي صَاحب الْمنزل مَا حَاله أهارب هُوَ من اللُّصُوص فألجأوه إِلَى منزله أَو لص دخل عَلَيْهِ ليَأْخُذ مَاله ويقتله إِن مَنعه أَو معتوه دخل عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ يظنّ فِي ذَلِك فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنه لص دخل عَلَيْهِ يُرِيد مَاله وَنَفسه وَخَافَ إِن زَجره أَو صَاح أَن يبادره الضَّرْبَة فيقتله فَلَا بَأْس أَن يشد عَلَيْهِ صَاحب الْبَيْت بِالسَّيْفِ فيقتله وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه هرب من قوم أَرَادوا قَتله وَعرف الرجل فَإِذا هُوَ رجل من أهل الْخَيْر لَا يتهم بِسَرِقَة وَلَا قتل لم يَنْبغ لَهُ أَن يقْتله وَلَا يعجل على هَذَا بسفك دَمه بل يَدعه على مَا يَقع عَلَيْهِ رَأْيه وظنه عرفه أَو لم يعرفهُ(3/133)
وَإِذا كَانَت الْجَارِيَة فِي يَد رجل يَدعِي أَنه اشْتَرَاهَا وَهُوَ ثِقَة مُسلم وسع الرجل أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ ويقبلها مِنْهُ هَدِيَّة وَغير ذَلِك وَإِن كَانَ غير ثِقَة فَوَقع فِي قلبه أَنه صَادِق فَلَا بَأْس بِأَن يصدقهُ
وَكَذَلِكَ لَو لم تكن الْجَارِيَة فِي يَده وَلكنهَا كَانَت فِي منزل مَوْلَاهَا فَقَالَ لَهُ إِن مَوْلَاهَا أَمرنِي بِبَيْعِهَا وَدفعهَا إِلَى من اشْتَرَاهَا فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ وَقَبضهَا من منزل مَوْلَاهَا بِأَمْر الَّذِي بَاعهَا أَو بِغَيْر أمره إِذا أوفى الثّمن كُله إِذا كَانَ الَّذِي بَاعه ثِقَة مُسلما أَو كَانَ عِنْده على غير ذَلِك وَهُوَ عِنْده صَادِق فِي رَأْيه وظنه فان وَقع فِي قلبه أَنه كَاذِب قبل أَن(3/134)
يَشْتَرِيهَا أَو بعد مَا اشْتَرَاهَا قبل أَن يقبضهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يعرض لَهَا حَتَّى يستأمر مَوْلَاهَا فِي أمرهَا وَكَذَلِكَ لَو قبضهَا وَوَطئهَا ثمَّ وَقع فِي قلبه أَن الَّذِي بَاعهَا قد كذب فِيمَا قَالَ وَكَانَ عَلَيْهِ أكبر ظَنّه ورأيه فانه يَنْبَغِي لَهُ أَن يعتزل وَطأهَا حَتَّى يسْأَل مَوْلَاهَا عَن ذَلِك أَو يَأْتِيهِ من يُخبرهُ مثل خَبره الأول مِمَّن يصدقهُ فَإِن أَتَاهُ ذَلِك فَلَا بَأْس بِوَطْئِهَا وَهَكَذَا أَمر النَّاس مَا لم يَجِيء التجاحد والتشاجر من الَّذِي كَانَ يملك الْجَارِيَة فَإِذا جَاءَ ذَلِك لم يقربهَا وردهَا عَلَيْهِ وَاتبع(3/135)
البَائِع بِالثّمن فخاصمه فِيهِ وَيَنْبَغِي للْمُشْتَرِي أَن يدْفع إِلَى مولى الْجَارِيَة عقرهَا
فان كَانَ البَائِع حِين بَاعه شهد عِنْد المُشْتَرِي شَاهدا عدل أَن مَوْلَاهَا قد أَمر بِبَيْعِهَا فاشتراها بقولهمَا ونقده الثّمن وَقَبضهَا وَحضر مَوْلَاهَا فَجحد أَن يكون أمره فان المُشْتَرِي فِي سَعَة من مَنعه الْجَارِيَة حَتَّى يخاصمه إِلَى القَاضِي فَإِذا قضى لَهُ بهَا فَلَا يَسعهُ إِِمْسَاكهَا بِشَهَادَة الشَّاهِدين لِأَن الْقَضَاء القَاضِي أنفذ من الشَّهَادَة الَّتِي لم يقْض بهَا(3/136)
- بَاب
-
وَلَو أَن رجلا تزوج امْرَأَة فَلم يدْخل بهَا حَتَّى غَابَ عَنْهَا فَأخْبر مخبر أَنَّهَا قد ارْتَدَّت عَن الْإِسْلَام وَبَانَتْ مِنْهُ وَأَرَادَ أَن يتَزَوَّج أَربع نسْوَة فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ ذَلِك ثِقَة مُسلما عبدا حرا أَو محدودا فِي قذف أَو غير ذَلِك وَسعه أَن يصدقهُ ويتزوج أَرْبعا سواهَا فَإِن كَانَ الَّذِي أخبرهُ ذَلِك غير ثِقَة إِلَّا أَنه وَقع فِي قلبه أَنه صَادِق وَكَانَ على ذَلِك أكبر رَأْيه فَهَذَا وَالْأول سَوَاء وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ لم يَنْبغ لَهُ أَن يتَزَوَّج مَعهَا إِلَّا ثَلَاثًا(3/137)
وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا تزوج جَارِيَة صَغِيرَة رضيعة ثمَّ غَابَ عَنْهَا فَأَتَاهُ رجل فَأخْبرهُ أَن أمه أَو ابْنَته أَو أُخْته أَو ظئره الَّتِي أَرْضَعَتْه أرضعت امْرَأَته الصَّغِيرَة وَهُوَ يُرِيد أَن يتَزَوَّج أَرْبعا سواهَا كَانَ هَذَا وَالْأول الَّذِي وصفت لَك من الرِّدَّة فِي جَمِيع مَا وصفت لَك سَوَاء وَإِن لم يقل هَذَا وَلكنه قَالَ كنت تَزَوَّجتهَا يَوْم تَزَوَّجتهَا وَهِي أختك من الرضَاعَة أَو تَزَوَّجتهَا يَوْم تَزَوَّجتهَا وَهِي مرتدة عَن الْإِسْلَام لم يَنْبغ لَهُ أَن يتَزَوَّج أَرْبعا وَإِن كَانَ الَّذِي أخبرهُ بذلك ثِقَة مُسلما حَتَّى يشْهد عِنْده شَاهدا عدل فَإِذا شهد بذلك شَاهدا عدل وَسعه أَن يتَزَوَّج أَرْبعا سواهَا(3/138)
وَلَا يشبه هَذَانِ الْوَجْهَانِ إِذا أخبرهُ عَنْهُمَا الرجل الْوَاحِد الثِّقَة الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين لِأَن الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين النِّكَاح الَّذِي كَانَ فيهمَا جَائِز فِيمَا يزْعم الرجل ثمَّ إِنَّه حدث أَمر يُفْسِدهُ من ردة أَو رضَاع فَإِن كَانَ عِنْده ثِقَة فَلَا بَأْس بِأَن يصدقهُ وَالْوَجْه الآخر زعم الرجل أَن النِّكَاح الَّذِي كَانَ بَينهمَا كَانَ فَاسِدا فَهَذَا لَا يُفْسِدهُ شَهَادَة وَاحِد حَتَّى يشْهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ
أَلا ترى أَن امْرَأَة لَو غَابَ عَنْهَا زَوجهَا فَأَتَاهَا رجل عدل مُسلم ثِقَة فَأَخْبرهَا أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا أَو مَاتَ عَنْهَا أَو كَانَ غير ثِقَة فَأَتَاهَا بِكِتَاب من زَوجهَا أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا وَلَا يدْرِي أَكَانَ زَوجهَا هُوَ أم لَا إِلَّا أَن أكبر رأيها وظنها أَنه حق فَلَا بَأْس بِأَن تَعْتَد ثمَّ تتَزَوَّج بعد انْقِضَاء عدتهَا(3/139)
وَكَذَلِكَ لَو أَن امْرَأَة قَالَت لرجل إِن زَوجي طَلقنِي ثَلَاثًا واعتددت بعد ذَلِك وَانْقَضَت عدتي فَوَقع فِي قلبه أَنَّهَا صَادِقَة فَلَا بَأْس بِأَن يَتَزَوَّجهَا بقولِهَا
وَكَذَلِكَ رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فغابت عَنهُ حينا ثمَّ أَتَتْهُ فَأَخْبَرته أَن عدتهَا قد انْقَضتْ مِنْهُ وَأَنَّهَا تزوجت زوجا غَيره فَدخل بهَا ثمَّ طَلقهَا فانقضت عدتهَا مِنْهُ فَلَا بَأْس بِأَن يَتَزَوَّجهَا ويصدقها إِذا كَانَت عِنْده ثِقَة أَو وَقع فِي قلبه أَنَّهَا صَادِقَة وَهَكَذَا أَمر النَّاس
وَلَو أَن رجلا أَتَاهَا فَأَخْبرهَا أَن أصل نِكَاحهَا كَانَ فَاسِدا أَو أَن(3/140)
زَوجهَا كَانَ أخاها من الرضَاعَة أَو كَانَ مُرْتَدا كَافِرًا حِين تزَوجهَا لم يَنْبغ لَهَا أَن تتَزَوَّج بقوله وَلَا بعد انْقِضَاء الْعدة وَلَا قبل ذَلِك إِن كَانَ لم يدْخل بهَا لِأَنَّهُ صَمد لأصل النِّكَاح فَزعم أَنه فَاسد فَهَذَا مِمَّا لَا يصدق عَلَيْهِ الرجل الْوَاحِد وَإِن كَانَ ثِقَة فَإِذا قَالَ كَانَ أصل النِّكَاح صَحِيحا وَلكنه بَطل بِطَلَاق أَو موت أَو غير ذَلِك لم أر بَأْسا بِأَن يصدقهُ على ذَلِك وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة رجل فِي يَده جَارِيَة يَدعِي رقبَتهَا وتقر لَهُ بِالْملكِ وجدهَا رجل قد علم ذَلِك فِي يَد رجل آخر فَأَرَادَ شراءها فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ الْجَارِيَة جاريتي وَقد كَانَ الَّذِي كَانَت فِي يَده كَاذِبًا فِيمَا ادّعى من ملكهَا لم يَنْبغ لهَذَا الرجل الَّذِي علم ذَلِك أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا قد كَانَت فِي ملك الأول فَإِنَّمَا أَرَادَ هَذَا الثَّانِي نقض ملك الأول فَادّعى أَن ذَلِك الْملك لم يكن ملكا فَلَا يَنْبَغِي للَّذي علم ذَلِك أَن يصدقهُ فِيمَا قَالَ فَإِن قَالَ قد كَانَ يملكهَا كَمَا قَالَ وَلكنه وَهبهَا لي أَو تصدق بهَا عَليّ أَو اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَسعه أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ ويطأها لِأَنَّهُ لم يبطل الْملك الأول(3/141)
وَكَذَلِكَ الْجَارِيَة نَفسهَا لَو كَانَت فِي يَد رجل يَدعِي أَنَّهَا جَارِيَته وَهِي صَغِيرَة فِي يَده لَا تعبر عَن نَفسهَا بجحود وَلَا إِقْرَار ثمَّ كَبرت على ذَلِك فلقيها رجل قد علم ذَلِك فِي بلد آخر فَأَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا ويطأها فَقَالَت لَهُ أَنا حرَّة الأَصْل وَلم أكن أمة للَّذي كنت فِي يَده ثمَّ يَسعهُ أَن يَتَزَوَّجهَا ويطأها وَلَو قَالَت كنت أمته فأعتقني وَكَانَت عِنْده ثِقَة أَو وَقع فِي قلبه أَنَّهَا صَادِقَة لم أر بَأْسا أَن يَتَزَوَّجهَا
وَكَذَلِكَ الْحرَّة نَفسهَا لَو تزوجت رجلا ثمَّ أَتَت غَيره فَأَخْبَرته أَن نِكَاحهَا الأول كَانَ فَاسِدا أَو أَن زَوجهَا الَّذِي كَانَ تزَوجهَا كَانَ على غير دين الْإِسْلَام لم يَنْبغ لَهُ أَن يصدقها وَلَا يَتَزَوَّجهَا وَلَو قَالَت إِنَّه طَلقنِي بعد ذَلِك أَو ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فبنت مِنْهُ أَو أقرّ بعد النِّكَاح أَنه كَانَ مُرْتَدا يَوْم تزَوجنِي أَو أقرّ بعد النِّكَاح أَنِّي كنت أُخْته من الرضَاعَة وَبنت على ذَلِك فان كَانَت عِنْده ثِقَة مَأْمُونَة أَو كَانَت على(3/142)
غير ذَلِك وَكَانَ أكبر رَأْيه وظنه أَنَّهَا صَادِقَة فَلَا بَأْس بِأَن يَتَزَوَّجهَا فَكَذَلِك هَذَا وَمَا أشبهه إِذا صمدت لأصل النِّكَاح أَو صمدت لذَلِك فَزَعَمت أَنه بَاطِل لم يصدقها على ذَلِك إِلَّا بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ كَمَا يصدق فِي الحكم وَإِن أقرَّت بِأَصْل النِّكَاح وَالْملك ثمَّ ادَّعَت أَمر أبْطلهُ صدقت على مَا وصفت لَك وَلَا تستقيم الْأَشْيَاء إِلَّا على هَذَا وَنَحْوه
وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَائِشَة أعتقت بَرِيرَة(3/143)
فأتتها بِشَيْء تهديه إِلَيْهَا فَأَخْبَرتهَا أَنه صَدَقَة تصدق بِهِ عَلَيْهَا فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كرهت عَائِشَة أَن تطعمه حَتَّى تعلمه خَبره فَأَخْبَرته خَبره فَقَالَ هاتيه فانه لَهَا صَدَقَة وَهُوَ لنا هَدِيَّة وَقد صدقت(3/144)
بَرِيرَة بقولِهَا وصدقت عَائِشَة بقولِهَا وَقد ادَّعَت الْهَدِيَّة فَلَو كَانَ هَذَا غير طَعَام لَكَانَ بِمَنْزِلَة الطَّعَام وَمَا كَانَ بَينهمَا افْتِرَاق
- بَاب الرجل يقر أَنه قتل أَخا فلَان أَو أَبَاهُ
-
قَالَ مُحَمَّد وَإِذا رأى الرجل رجلا يقتل أَبَاهُ مُتَعَمدا فَأنْكر الْقَاتِل أَن يكون قَتله أَو قَالَ لِابْنِهِ فِيمَا بَينه وَبَينه إِنِّي قتلت أَبَاك أَنه قتل وليي فلَانا عمدا أَو قَالَ إِن أَبَاك ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فاستحللت قَتله بذلك وَلَا يعلم الابْن شَيْئا مِمَّا قَالَ الْقَاتِل وَلَا وَارِث للمقتول غير(3/146)
ابْنه هَذَا فالابن فِي سَعَة من قتل الْقَاتِل إِن أَرَادَ قَتله
وَمن رَآهُ قتل أَبَاهُ مَعَ الابْن فَهُوَ فِي سَعَة من إِعَانَة عَلَيْهِ حَتَّى يقْتله وَكَذَلِكَ لَو لم يره قَتله وَلكنه أقرّ بذلك بَين يَدَيْهِ ثمَّ ادّعى بعد مَا وصفت لَك فَلَمَّا طلبه بقتْله جحد أَن يكون أقرّ بِهِ فالابن فِي سَعَة من قَتله وَمن سَمعه يقر بذلك أَيْضا فِي سَعَة من إِعَانَة الابْن وَلَو لم يره الابْن قَتله وَلم يقر بَين يَدَيْهِ بذلك وَلَكِن شهد عِنْده على مُعَاينَة الْقَتْل بالعمد أَو على إِقْرَاره شَاهدا عدل وَهُوَ يجْحَد ذَلِك لم يسع(3/147)
الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل ابْن الْمَقْتُول أَن يقتل الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي عَلَيْهِ بذلك الإِمَام وَلَا يسع من حضر شَهَادَة الشَّاهِدين مِمَّن يعدلهما ويعرفهما بِشَهَادَتِهِمَا أَن يُعينهُ على قَتله بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَإِذا قضى لَهُ الإِمَام بذلك وَسعه قَتله بِشَهَادَتِهِمَا وَإِن لم يعلم ذَلِك يَقِينا ووسع من حضر قَضَاء الإِمَام بذلك أَن يُعينهُ على ذَلِك وَلَا يشبه شَهَادَتهمَا قبل قَضَاء الإِمَام بهَا مُعَاينَة الْقَتْل وَإِقْرَار الْقَاتِل بذلك لِأَن الشَّهَادَة قد تكون حَقًا وباطلا وَهُوَ يقْتله على وُجُوه بَعْضهَا يحل وَبَعضهَا لَا يحل فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يقْتله حَتَّى يقْضِي لَهُ الإِمَام بِشَهَادَتِهِمَا
فَإِن عاين الرجل قتل أَبِيه عمدا أَو كَانَ الرجل أقرّ لَهُ بذلك سرا ثمَّ أَقَامَ عِنْده شَاهِدين عَدْلَيْنِ يعرفهما الابْن بذلك أَن أَبَاهُ كَانَ ارْتَدَّ حِين قَتله هَذَا الْقَاتِل أَو شَهدا عِنْده بِأَن أَبَاهُ كَانَ قتل أَبَا هَذَا الْقَاتِل عمدا فَقتله بِهِ فانه يَنْبَغِي للِابْن أَن لَا يعجل بقتْله حَتَّى ينظر فِيمَا شهد بِهِ(3/148)
وَكَذَلِكَ من حضر قتل أَبِيه أَو أقرّ الْقَاتِل بذلك لم يَنْبغ لَهُ أَن يُعينهُ على شَيْء من ذَلِك إِذا كَانَ قد شهد عِنْده بِمَا وصفت لَك شَاهدا عدل
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الإِمَام قضى لَهُ بالقود على قَاتل أَبِيه ثمَّ شهد عِنْده شَاهدا عدل أَن أَبَاهُ كَانَ مُرْتَدا حِين قَتله هَذَا الْقَاتِل أَو كَانَ قتل وليا لهَذَا الْقَاتِل فَقتله بِهِ فَلَيْسَ يَنْبَغِي للِابْن فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن يعجل بقتل هَذَا الْقَاتِل حَتَّى ينظر فِي ذَلِك ويتثبت وَلَا يَنْبَغِي لمن حضر قَضَاء القَاضِي وَحضر شَهَادَة الشَّاهِدين بِمَا شَهدا بِهِ وهما عِنْده عَدْلَانِ أَن يُعينهُ على قَتله فَإِن كَانَ الَّذِي شَهدا عِنْده محدودين فِي قذف وهما عَدْلَانِ أَو هما عَبْدَانِ وهما عَدْلَانِ فِي مقالتهما أَو نسْوَة عدُول لَا رجل مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ فِي سَعَة من قَتله لِأَن شَهَادَة هَؤُلَاءِ مِمَّا لَا تبطل بِهِ الْحُقُوق وَلكنه إِن تثبت(3/149)
حَتَّى ينظر وَيسْأل كَانَ خيرا لَهُ وَإِن شهد بذلك شَاهد وَاحِد عدل مِمَّن تجوز شَهَادَته وَقَالَ الْقَاتِل عِنْدِي شَاهد مثله فَإِنِّي استحسنت لَهُ أَن لَا يعجل بقتْله حَتَّى ينظر أيأتيه بِشَاهِد آخر أم لَا وَإِن قَتله قبل أَن يتأنى كَانَ عِنْدِي فِي سَعَة وَلَكِن التثبت أفضل لِأَن الْقَتْل إِذا كَانَ لم يسْتَطع الرُّجُوع فِيهِ للْقَاضِي أَن يَأْمُرهُ بِهِ
أَلا ترى أَن القَاضِي لَا يبطل(3/150)
حَقه الَّذِي حكم لَهُ بِهِ بقول هَؤُلَاءِ فَكَذَلِك الْوَلِيّ لَا يبطل حَقه وَلَا يَأْثَم عندنَا بِأَخْذِهِ إِيَّاه إِذا كَانَ القَاضِي لَا يُبطلهُ بِشَهَادَة من شهد عِنْده أَرَأَيْت إِن شهد عِنْد القَاضِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين وصفت لَك من المحدودين فِي الْقَذْف وَالْعَبِيد وَالنِّسَاء وهم عِنْد القَاضِي عدُول مُسلمُونَ غير متهمين فِي شَهَادَتهم أينبغي للْقَاضِي أَن يمْضِي حكمه الأول ويعين الْوَلِيّ على قَتله وَيَنْبَغِي لمن حضر القَاضِي أَن يعين الْوَلِيّ على قتل الْقَاتِل بِعِلْمِهِ وَيَنْبَغِي ذَلِك لَهُم وَلَا يسعهم إِلَّا ذَلِك فَكَمَا لَا يسع القَاضِي وَلمن حَضَره إِلَّا أَن يعين الْوَلِيّ على قَتله فَكَذَلِك يسع الْوَلِيّ أَن يقْتله
- بَاب الرجل يكون عِنْده مَتَاع فَيشْهد أَنه غصبه
-
وَلَو أَن عبدا أَو ثوبا أَو مَالا كَانَ فِي يَدي رجل فَشهد شَاهِدَانِ لرجل أَن هَذَا الشَّيْء كَانَ لِأَبِيهِ غصبه مِنْهُ هَذَا الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ وَالَّذِي ذَلِك الشَّيْء فِي يَده يجْحَد مَا قَالَا وَيَزْعُم أَنه لَهُ فَلَيْسَ يَنْبَغِي للْوَارِث أَن يَأْخُذ الشَّيْء من يَدي الَّذِي ذَلِك الشَّيْء فِي يَدَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِن كَانَا(3/151)
عَدْلَيْنِ حَتَّى يقْضِي لَهُ بِهِ القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَإِذا قضى لَهُ القَاضِي بذلك وَسعه أَخذه وَإِن لم يعلم يَقِينا أَن الْأَمر كَمَا شهد بِهِ فَأَما مَا لم يقْض بِهِ القَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَخذه لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَهدا أَن ذَلِك الشَّيْء لأبي الْوَارِث لِأَنَّهُمَا رَأيا ذَلِك فِي يَدَيْهِ وشهدا أَن هَذَا مَا أَخذه مِنْهُ وَقد يَأْخُذ الرجل من الرجل الشَّيْء يكون فِي يَده وَذَلِكَ الشَّيْء للآخذ فَيكون الْآخِذ قد أَخذ مِنْهُ حَقه والشاهدان لَا يعلمَانِ فيشهدان بِالظَّاهِرِ مِمَّا رَأيا فيسعهما ذَلِك يكون الْآخِذ الْمَشْهُود عَلَيْهِ آخذ مِنْهُ بِشَهَادَتِهِمَا شَيْئا هُوَ لَهُ فَلذَلِك قُلْنَا لَا يَنْبَغِي للشُّهُود لَهُ أَن يَأْخُذ ذَلِك الشَّيْء بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي لَهُ بذلك القَاضِي وَلِأَنَّهُمَا أَيْضا قد يَشْهَدَانِ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِل(3/152)
فَأَما إِذا قضى القَاضِي بذلك وَسعه أَخذه
وَلَو كَانَ الْوَارِث عاين الَّذِي ذَلِك الشَّيْء فِي يَده وَهُوَ يَأْخُذ من يَدي أَبِيه وَسعه أَخذه مِنْهُ وقتاله عَلَيْهِ ووسع من عاين ذَلِك مَعَه إعانته عَلَيْهِ وَإِن أَتَى ذَلِك على نَفسه إِذا امْتنع وَهُوَ فِي مَوضِع لَا يقدر فِيهِ على سُلْطَان يَأْخُذ لأحد بِحقِّهِ وَكَذَلِكَ لَو أقرّ بِمَا شهد بِهِ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ فَأقر بذلك عِنْد الْوَارِث وَادّعى أَنه كَانَ لَهُ وسع الْوَارِث أَخذ ذَلِك مِنْهُ ووسع من حضر إِقْرَاره إعانته عَلَيْهِ وَالدَّوَاب وَغير ذَلِك
وَلَو شهد شَاهِدَانِ عَلَيْهِ أَنه أقرّ أَن هَذَا الشَّيْء بِعَيْنِه كَانَ لأبي هاذ الْوَارِث وَأَنه غصبه مِنْهُ وَهُوَ يجْحَد ذَلِك لم يسع الْوَارِث أَن يَأْخُذ مِنْهُ(3/153)
بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي لَهُ بذلك القَاضِي عَلَيْهِ فَإِذا قضى بذلك عَلَيْهِ وَسعه أَخذ ذَلِك مِنْهُ وَإِن لم يعلم يَقِينا لِأَن الشَّاهِدين إِذا لم يقْض القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَلَيْسَ يدْرِي الْمَشْهُود لَهُ أصادقان أم كاذبان وَقد يَقُول الرجل أَيْضا الْحق وَالْبَاطِل وَقد يقر أَيْضا ثمَّ يَشْتَرِي بعد ذَلِك أَو يملكهُ بِوَجْه من الْوُجُوه غير الشِّرَاء من الْوَصِيَّة يُوصي بهَا الْمَيِّت وَغير ذَلِك فَلَيْسَ يَنْبَغِي للْوَارِث أَن يَأْخُذ ذَلِك مِنْهُ وَإِن قوي عَلَيْهِ إِلَّا بقضية قَاض وَلَا يَنْبَغِي لمن سمع شَهَادَة الشَّاهِدين أَن يُعينهُ على ذَلِك حَتَّى يقْضِي بِهِ القَاضِي عَلَيْهِ فَإِذا قضى بذلك القَاضِي وسع لمن حضر قَضَاءَهُ أَن يُعينهُ على أَخذه حَتَّى يَدْفَعهُ إِلَى الْوَارِث فَإِذا امْتنع بِدَفْعِهِ فِي مَوضِع لَا يقدر فِيهِ على سُلْطَان يَأْخُذهُ فيدفعه إِلَيْهِ وسع الْوَارِث وَمن حضر قَضَاء القَاضِي إِن امْتنع عَلَيْهِم بِدَفْعِهِ قِتَاله وَقَتله حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهُ فَيدْفَع إِلَى الْوَارِث
وَكَذَلِكَ لَو حضر الْوَارِث إِقْرَار الَّذِي كَانَ الشَّيْء فِي يَده بِمثل مَا شهد بِهِ الشَّاهِدَانِ وَسعه أَخذه مِنْهُ وقتاله عَلَيْهِ ووسع من حضر مَعَه إعانته عَلَيْهِ حَتَّى يستنقذوا ذَلِك من يَده
وَلَو أَن رجلا كَانَت لَهُ امْرَأَة فَيشْهد عِنْدهَا شَاهِدَانِ عَدْلَانِ(3/154)
أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا وَهُوَ يجْحَد ذَلِك ثمَّ غابا أَو مَاتَا قبل أَن يشهدَا عِنْد القَاضِي بذلك لم يسع امْرَأَته أَن تقيم عِنْده وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة سماعهَا لَو سمعته يطلقهَا وَلَا يشبه شَهَادَة الشَّاهِدين فِي هَذَا الْوَجْه مَا وصفت لَك قبله من الْقَتْل وَالْأَمْوَال لِأَن الطَّلَاق لَا ينْتَقض بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا يكون أبدا إِلَّا طَلَاقا وَلَا تكون الْمَرْأَة بِهِ أبدا إِلَّا بَائِنا
فَإِن قَالَ قَائِل قد يُطلق الرجل غير امْرَأَته فَلَا يكون ذَلِك طَلَاقا قيل لَهُ فَهِيَ حرَام عَلَيْهِ بِأحد الْوَجْهَيْنِ إِمَّا أَن تكون غير(3/155)
زوجه فَلَا يَسعهُ أَن يقربهَا وَلَا يَسعهَا أَن تَدعه أَو تكون زَوْجَة لَهُ قد أَبَانهَا بِالطَّلَاق فَصَارَت بذلك غير زَوْجَة فَحرم بذلك فرجهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تَدعه أَن يقربهَا أَي الْوَجْهَيْنِ كَانَت عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُرِيد أَن يبطل شَهَادَة الشَّاهِدين لَا يُبْطِلهَا إِلَّا بخصلة وَاحِدَة الطعْن فِي شَهَادَتهمَا وَلَا ترد بالتهمة وَلَو وسع هَذَا لوسع غَيره
أَرَأَيْت رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَو أَكثر من ذَلِك شَهدا عِنْد رجل وَامْرَأَته أَنَّهُمَا أرضعا وهما صغيران فِي الْحَوْلَيْنِ من امْرَأَة وَاحِدَة وأثبتوا ذَلِك ووصفوه أيسع الرجل وَامْرَأَته أَن يُقِيمَا على نِكَاحهمَا ويكذبا الشُّهُود حَتَّى يقْضِي القَاضِي بالفرقة بَينهمَا أَرَأَيْت لَو مَاتَ الشُّهُود قبل أَن يتقدموا إِلَى القَاضِي أَو غَابُوا أَكَانَ يسع هذَيْن أَن يُقِيمَا على نِكَاحهمَا وهما يعرفان أَن الشُّهُود عدُول مرضيون فَهَذَا لَا يَنْبَغِي الْمقَام عَلَيْهِ من وَاحِد مِنْهُمَا من الزَّوْج وَلَا من الْمَرْأَة
أَرَأَيْت لَو شهِدت الشُّهُود بذلك عِنْد القَاضِي أَو بِالطَّلَاق الَّذِي وصفت لَك فَلم يعرف القَاضِي عدل الشُّهُود وَسَأَلَ عَنْهُمَا القَاضِي فَلم يعرفوا بِتِلْكَ الْبِلَاد وَالرجل وَالْمَرْأَة(3/156)
أَو أَحدهمَا يعرف الشُّهُود بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا أينبغي لَهما بعد الْمعرفَة بذلك أَن يُقِيمَا على النِّكَاح لَيْسَ يَنْبَغِي الْمقَام على هَذَا النِّكَاح بعد الَّذِي وصفت لَك إِن قضى القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا أَو لم يقْض وَلَكِن الْمَرْأَة الَّتِي شهد عِنْدهَا الشُّهُود بِالطَّلَاق أَو شهدُوا عِنْدهَا بِالرّضَاعِ إِن جحد الزَّوْج ذَلِك وَأَرَادَ الْمقَام عَلَيْهَا لم يَسعهَا الْمقَام مَعَه فان هربت مِنْهُ وامتنعت عَلَيْهِ وقهرته وَكَانَت على ذَلِك قادرة بسُلْطَان أَو غير ذَلِك لم يَسعهَا أَن تَعْتَد ثمَّ تتَزَوَّج وَلَا يَسعهَا أَن تَدعه أَن يقربهَا
وَكَذَلِكَ إِن سمعته طَلقهَا ثَلَاثًا ثمَّ جحد وَحلف أَنه لم يفعل فَردهَا القَاضِي عَلَيْهِ لم يَسعهَا الْمقَام مَعَه وَلَا يَسعهَا أَن تَعْتَد وتتزوج لِأَن(3/157)
الْحَاكِم حكم بِأَنَّهَا زَوجته فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تتَزَوَّج غَيره فتركب بذلك أمرا حَرَامًا عِنْد الْمُسلمين تكون بِهِ عِنْدهم فاجرة وَلَا يشبه هَذَا فِيمَا وصفت لَك قَضَاء القَاضِي بِهِ فِيمَا يخْتَلف فِيهِ مِمَّا يرى الزَّوْج فِيهِ خلاف مَا يرى القَاضِي
وَلَو أَن رجلا قَالَ لامْرَأَته اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفسهَا وَهُوَ يرى أَن ذَلِك تَطْلِيقَة بَائِنَة وَالْمَرْأَة لَا ترى ذَلِك طَلَاقا فقدمته إِلَى القَاضِي وَطلبت نَفَقَتهَا وكسوتها فَقَالَ الرجل للْقَاضِي وَإِنِّي خيرتها فَاخْتَارَتْ نَفسهَا فَبَانَت بذلك وَالْقَاضِي يرى أَنَّهَا تَطْلِيقَة تملك الرّجْعَة وَهِي على حَالهَا فَقضى بِأَنَّهَا امْرَأَته وَأَنه يملك الرجل جَازَ قَضَاء القَاضِي عَلَيْهِمَا بذلك ووسع الرجل أَن يُرَاجِعهَا ويمسكها
وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الْمَرْأَة هِيَ الَّتِي ترى ذَلِك طَلَاقا بَائِنا وَالرجل لَا يرى ذَلِك فخاصمها إِلَى القَاضِي أَنه يملك الرّجْعَة فَإِن(3/158)
ذَلِك جَائِز من القَاضِي وَلَا يسع الْمَرْأَة أَن تفارق زَوجهَا إِذا رَاجعهَا(3/159)
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي جَمِيع مَا يخْتَلف فِيهِ من الْأَقْضِيَة إِذا رأى الرجل ذَلِك حَرَامًا أَو رَأَتْهُ الْمَرْأَة وَقضى القَاضِي بِأَنَّهُ حَلَال وسع الَّذِي رأى ذَلِك حَرَامًا أَن يرجع إِلَى قَضَاء القَاضِي وَيَأْخُذ بِهِ ويدع مَا رأى من ذَلِك لَا يَسعهُ غَيره فِي كل حق يلْزمه فَأَما أَمر لَو علم بِهِ القَاضِي لأنفذه وَحرم الْفرج بِهِ وَلكنه لم يمنعهُ من أَن يحرم الْفرج إِلَّا أَنه لم يُعلمهُ فَرد القَاضِي الْمَرْأَة على زَوجهَا بذلك وَالْمَرْأَة تعلم خلاف مَا يعلم القَاضِي فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهَا أَن تلْتَفت إِلَى شَيْء من إحلال القَاضِي وَلَا غير ذَلِك(3/160)
وَلكنهَا أَيْضا لَا تقدم على إحلال فرج قد حرمه القَاضِي فَأخذ فِي ذَلِك بالثقة فَلَا يَسعهَا الْمقَام مَعَ زَوجهَا الأول وَلَا يَسعهَا أَن تتَزَوَّج غَيره
وَكَذَلِكَ إِذا شهد شَاهدا عدل على رجل أَنه أعتق جَارِيَته هَذِه أَو شَهدا عَلَيْهِ أَنه أقرّ بِعتْقِهَا فَلَيْسَ يَسعهَا أَن تَدعه يُجَامِعهَا قضى بِشَهَادَتِهِمَا أَو لم يقْض وَلَا يَسعهَا أَن تتَزَوَّج إِذا كَانَ يجْحَد الْعتْق
وَكَذَلِكَ العَبْد إِذا شهد بِعِتْقِهِ وَالْمولى يجْحَد ذَلِك وهما معدلان عِنْد العَبْد لم يسع العَبْد أَن يتَزَوَّج بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي لَهُ القَاضِي بِالْعِتْقِ وَلَا يشبه الْعتْق وَالطَّلَاق وَالرّضَاع مَا وصفت لَك من قبله من الْأَمْوَال وَغَيرهَا لِأَن الْعتْق وَالطَّلَاق وَالرّضَاع لَا يُبطلهُ شَيْء من الْأَشْيَاء على وَجه من الْوُجُوه فَلذَلِك كَانَت الشَّهَادَة فِيهِ بِقَضَاء القَاضِي أَو بِغَيْر قَضَاء القَاضِي سَوَاء فَأَما مَا سوى ذَلِك من الْعمد وَغَيره(3/161)
فقد يبطل بِالْعَفو من ولى الدَّم وَإِلَى الْقود وَفِيمَا دون الدَّم بالحقوق وبأشياء كَثِيرَة على وُجُوه مُخْتَلفَة فَلذَلِك افْتَرَقت هَذِه الْأَشْيَاء فِي غير قَضَاء القَاضِي إِذا شهد بهَا الشُّهُود الْعُدُول
وَلَو أَن رجلا كَانَ متوضأ فَوَقع فِي قلبه أَنه أحدث وَكَانَ على ذَلِك أكبر رَأْيه فأفضل ذَلِك أَن يُعِيد الْوضُوء وَإِن لم يفعل وَصلى على وضوئِهِ الأول كَانَ عندنَا فِي سَعَة لِأَنَّهُ عندنَا على وضوء حَتَّى يستيقن بِالْحَدَثِ
وَإِن أخبرهُ مُسلم ثِقَة أَو امْرَأَة ثِقَة مسلمة حرَّة أَو مَمْلُوكَة أَنَّك أحدثت أَو نمت مُضْطَجعا أَو رعفت لم يَنْبغ لَهُ أَن يُصَلِّي حَتَّى يتَوَضَّأ
وَلَا يشبه هَذَا مَا وصفت لَك قبله من الْحُقُوق لِأَن هَذَا أَمر الدّين فالواحد فِيهِ حجَّة إِذا كَانَ عدلا والحقوق لَا يجوز فِيهَا إِلَّا مَا يجوز فِي الحكم
وَإِن أحدث رجل فاستيقن بِالْحَدَثِ ثمَّ كَانَ أكبر رَأْيه أَنه تَوَضَّأ فانه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُصَلِّي حَتَّى يستيقن بِالْوضُوءِ
فَإِن أخبرهُ رجل مُسلم ثِقَة أَو امْرَأَة حرَّة أَو أمة أَنه قد تَوَضَّأ أَو أخبرهُ من لَا يعرف بِالْعَدَالَةِ(3/162)
فَوَقع فِي قلبه أَنَّهُمَا صدقا فِيمَا قَالَا وَسعه أَن يُصَلِّي وَإِن لم يحدث وضوء فان كَانَ الرجل يبتلى بذلك كثيرا وَيدخل عَلَيْهِ فِي الشَّيْطَان فاستيقن بِالْحَدَثِ واستيقن أَنه قعد للْوُضُوء فَكَانَ أكبر رَأْيه أَنه تَوَضَّأ وَسعه عندنَا أَن يمْضِي على أكبر رَأْيه
أَلا ترى أَن رجلا لَو كَانَ شكّ فِي الصَّلَاة كثيرا فَدخل فِي الصَّلَاة ثمَّ لم يدركهم صلى مضى على أكبر رَأْيه وظنه وَكَذَلِكَ لَو شكّ فِي التَّكْبِير الأول فَلم يدر أكبر أم لَا إِلَّا أَنه فِي الصَّلَاة وَمضى على أكبر رَأْيه وظنه أجزاه ذَلِك وَإِن كَانَ قد فرغ من صلَاته ثمَّ عرض لَهُ شكّ فِي شَيْء مِمَّا وصفت لَك لم يلْتَفت إِلَيْهِ وأجزته صلَاته
وَكَذَلِكَ الْوضُوء إِذا قَامَ عَنهُ عَن تَمام فِي نَفسه ثمَّ عرض لَهُ شكّ فِي مسح الرَّأْس وَغَيره لم يلْتَفت إِلَى شَيْء من ذَلِك
وَإِذا أودع رجل مَالا عِنْد رجل ثمَّ أَتَاهُ يَطْلُبهُ فَأخْبرهُ أَنه كَانَ دَفعه إِلَيْهِ فَوَقع فِي قلبه أَنه صَادِق وَلَا يدْرِي أكاذب هُوَ أم لَا إِلَّا أَنه(3/163)
عِنْده ثِقَة مُسلم فَإِن صدقه وَأخذ بقوله فَذَلِك فضل أَخذه بِهِ وَهُوَ أحسن من غَيره وَإِن أَبى إِلَّا طلب حَقه وَأَرَادَ استحلافه عِنْد القَاضِي على ذَلِك فَهُوَ من ذَلِك فِي سَعَة لِأَن الرجل وَإِن كَانَ عدلا فَهُوَ غير مَأْمُون فِيمَا يطْلب لنَفسِهِ وَفِيمَا يطْلب بِهِ فان أَبى الْيَمين وسع رب المَال أَن يَأْخُذ مِنْهُ المَال وَإِن أَرَادَهُ على الْيَمين فاقتدى يَمِينه بغرم المَال أَو بعضه أَو صَالحه على شَيْء مِنْهُ أَو من غَيره وسع رب المَال أَخذ ذَلِك مِنْهُ
وَكَذَلِكَ إِن قَالَ ضَاعَ المَال مني وَهُوَ عِنْده عدل ثِقَة فَالْأَفْضَل أَن يكف عَنهُ وَإِن طَالبه الْيَمين فَحلف لَهُ على ذَلِك عِنْد غير قَاض فَأبى إِلَّا أَن يستحلفه عِنْد القَاضِي وَسعه أَن يُطَالِبهُ بِالْيَمِينِ عِنْد القَاضِي لِأَنَّهُ حق لَهُ فِي عُنُقه أَن يحلف لَهُ عِنْد الْحَاكِم إِذا لم يعلم أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ فَإِن استحلفه عِنْد الْحَاكِم فنكل عَن الْيَمين وَسعه أَن يَأْخُذ المَال مِنْهُ
وَكَذَلِكَ إِن أَرَادَ استحلافه فَافْتدى يَمِينه بِجَمِيعِ المَال أَو بعضه فَهُوَ فِي سَعَة من أَخذ ذَلِك مِنْهُ حَتَّى يعلم أَنه قد أضاع أَو دَفعه إِلَيْهِ(3/164)
وَلَو لم يكن المَال عِنْده وَدِيعَة وَلَكِن كَانَ دينا عَلَيْهِ فَأَتَاهُ يتقاضاه وَقَالَ إِنِّي قد دَفعته إِلَيْك وَكَانَ عِنْده عدلا ثِقَة وَوَقع فِي قلبه أَنه صَادِق وَأَن مثله لَا يَقُول إِلَّا حَقًا إِلَّا أَنه لَا يعلم ذَلِك يَقِينا فأفضل الْأَشْيَاء لَهُ أَن يصدقهُ وَإِن أَبى إِلَّا أَن يُطَالِبهُ بِحقِّهِ وَسعه أَن يَأْخُذ من مَاله إِن قدر مثل دينه فان أَرَادَ الْغَرِيم أَن يستحلفه مَا قبض المَال مِنْهُ وَسعه أَن يحلف على ذَلِك لِأَن يَمِينه إِنَّمَا هِيَ على علمه وَهُوَ لَا يعلم ذَلِك يَقِينا
وَكَذَلِكَ كل حق وَجب لرجل على رجل من دين أَو غَيره فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق قد أوفيتك حَقك أَو أبرأتني مِنْهُ أَو ادّعى أَََجَلًا بَعيدا فَوَقع فِي قلب صَاحب الْحق أَنه صَادِق وَكَانَ على ذَلِك أكبر ظَنّه وَكَانَ عِنْده عدلا ثِقَة فأفضل ذَلِك أَن يصدقهُ وَيَأْخُذ بقوله وَإِن لم يصدقهُ وطالب بِحقِّهِ فَأَرَادَ الْمَطْلُوب أَن يحلفهُ فَالْأَفْضَل للمطلوب أَن لَا يحلف وَإِن حلف كَانَ فِي سَعَة من يَمِينه لِأَن يَمِينه على علمه وَالرجل مِنْهُم على مَا يَدعِي لنَفسِهِ وَإِن كَانَ عدلا(3/165)
وَكَذَلِكَ إِن أخبرهُ مَعَ الْمَطْلُوب رجل عدل أَو امْرَأَة وَرجل فان أخبرهُ سوى الْمَطْلُوب رجلَانِ عَدْلَانِ لم يَسعهُ أَن يُطَالب بِحقِّهِ أَو يحلف لَهُ على ذَلِك لِأَن هَذَا يقْضِي فِيهِ الْحَاكِم وكل من كَانَ لَهُ حق فَهُوَ لَهُ على حَاله حَتَّى يَأْتِي الْيَقِين على خلاف ذَلِك وَالْيَقِين أَن يُعلمهُ أَو يشْهد عِنْده الشُّهُود الْعُدُول
آخر كتاب الِاسْتِحْسَان بِحَمْد الله الْملك المنان وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّبِي مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم إِلَى انْتِهَاء الزَّمَان(3/166)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْوَاحِد الْعدْل
// كتاب الْأَيْمَان
//
أَبُو سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول الْأَيْمَان(3/167)
ثَلَاثَة يَمِين تكفر وَيَمِين لَا تكفر وَيَمِين نرجو أَن لَا يُؤَاخذ بهَا صَاحبهَا فَأَما الْيَمين الَّتِي لَا تكفر فالرجل يحلف على الْكَذِب وَهُوَ يعلم أَنه كَاذِب فَيَقُول وَالله لقد كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلم يكن من ذَلِك شَيْء أَو يَقُول وَالله لقد فعلت كَذَا وَكَذَا وَهُوَ يعلم أَنه لم يَفْعَله فَهَذِهِ الْيَمين الَّتِي لَا تكفر وعَلى صَاحبهَا فِيهَا الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة(3/168)
وَأما الْيَمين الَّتِي تكفر فالرجل يحلف ليفعلن كَذَا وَكَذَا الْيَوْم فيمضي ذَلِك الْيَوْم من قبل أَن يَفْعَله فقد وَقعت الْيَمين على هَذَا وَوَجَبَت(3/170)
عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَالْكَفَّارَة مَا قَالَ الله عز وَجل فِي كِتَابه {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} إِلَى آخر الْآيَة
وَأما الْيَمين الَّتِي نرجو أَن لَا يُؤَاخذ الله بهَا صَاحبهَا فالرجل يحلف فِي حَدِيثه فَيَقُول لَا وَالله وبلى وَالله وعَلى مَا يرى أَنه حق(3/171)
وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ(3/172)
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت فِي قَول الله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم} إِنَّه نَحْو هَذَا(3/173)
وَإِذا حلف الرجل ليفعلن كَذَا وَكَذَا فِيمَا يسْتَقْبل وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا فَهُوَ على يَمِينه لَا تقع عَلَيْهِ الْكَفَّارَة حَتَّى يهْلك ذَلِك الشَّيْء الَّذِي حلف عَلَيْهِ فَإِذا هلك ذَلِك حنث وَوَجَبَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَكَذَلِكَ(3/174)
بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم
وَإِذا حلف الرجل فَقَالَ وَرَحْمَة الله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا أَو قَالَ وَغَضب الله أَو قَالَ وَسخط الله أَو قَالَ وَعَذَاب الله أَو قَالَ وثواب الله أَو قَالَ ورضاء الله أَو قَالَ وَعلم الله لَا أفعل كَذَا وَكَذَا ثمَّ حنث فِي شَيْء من ذَلِك فَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا يَمِين وَلَا كَفَّارَة
وَإِذا حلف الرجل بِاللَّه أَو باسم من أَسمَاء الله أَو قَالَ وَالله أَو بِاللَّه أَو تالله أَو قَالَ على عهد الله أَو ذمَّة الله أَو قَالَ هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ أَو هُوَ بَرِيء من الْإِسْلَام أَو قَالَ أشهد أَو أشهد بِاللَّه أَو قَالَ أَحْلف أَو أَحْلف بِاللَّه أَو على نذر أَو على نذر لله أَو أعزم أَو أعزم بِاللَّه أَو قَالَ على يَمِين أَو يَمِين لله فَهَذِهِ كلهَا أَيْمَان وَإِذا حلف بِشَيْء مِنْهَا ليفعلن كَذَا وَكَذَا فَحنث وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة(3/175)
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك غير قَوْله أعزم أَو أعزم بِاللَّه أَو على نذر أَو نذر لله أَو على يَمِين(3/178)
أَو يَمِين لله فَإِن هَذَا لَيْسَ مِمَّا رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ وعظمة الله وَعزة الله وجلال الله وكبرياء الله وَأَمَانَة الله فَحنث وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَإِذا حلف الرجل بِحَدّ من حُدُود الله أَو بِشَيْء من شرائع الْإِسْلَام من الصَّلَاة وَالزَّكَاة أَو الصّيام فَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا يَمِين وَلَا كَفَّارَة وَلَا يكون الْيَمين إِلَّا بِاللَّه وَلَا يكون بِغَيْرِهِ
وَكَذَلِكَ لَو حلف الرجل فَقَالَ هُوَ يَأْكُل الْميتَة أَو يسْتَحل الْخمر أَو الدَّم أَو لحم الْخِنْزِير أَو يتْرك الصَّلَاة أَو الزَّكَاة أَو الصّيام إِن فعل كَذَا وَكَذَا فَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا يَمِين وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَة إِذا حنث(3/179)
وَكَذَلِكَ لَو حلف رجل فَقَالَ عَلَيْهِ لعنة الله أَو قَالَ غضب الله أَو قَالَ أَمَانَة الله أَو دَعَا على نَفسه بِغَيْر ذَلِك فَلَيْسَ فِي شي من هَذَا يَمِين وَلَا كَفَّارَة إِذا حنث وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ وَإِذا قَالَ الرجل عذبه الله أَو أدخلهُ النَّار أَو حرمه الله الْجنَّة فَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا كَفَّارَة وَلَا يَمِين إِنَّمَا هَذَا دُعَاء على نَفسه
وَلَو أَن رجلا حلف بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة أَو جعل لله على نَفسه صوما أَو صَلَاة أَو صَدَقَة أَو اعتكافا أَو عتقا أَو هَديا أَو شَيْئا مِمَّا هُوَ لله طَاعَة فَحلف بذلك فَحنث لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَلَكِن عَلَيْهِ فِي ذَلِك أَن يصنع الَّذِي قَالَ(3/180)
وَإِذا حلف الرجل بِالْمَشْيِ إِلَى بَيت الله أَو إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام أَو إِلَى مَكَّة أَو إِلَى الْحرم فَحنث فَعَلَيهِ عمْرَة وَإِن شَاءَ حجَّة وَإِن شَاءَ حج رَاكِبًا وَإِن شَاءَ مَاشِيا ويذبح لركوبه شَاة
بلغنَا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من جعل عَلَيْهِ الْحَج مَاشِيا حج رَاكِبًا وَذبح لركوبه شَاة(3/181)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هَذَا كُله وَاجِب عَلَيْهِ غير قَوْله الْمَشْي إِلَى الْحرم أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هَذَا وَالْأول سَوَاء
وَإِذا حلف الرجل بِالْمَشْيِ إِلَى بَيت الله وَهُوَ يَنْوِي مَسْجِدا من مَسَاجِد الله سوى الْمَسْجِد الْحَرَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء لِأَن الْمَسَاجِد كلهَا تدخل بِغَيْر إِحْرَام وَلَا يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَّا بِإِحْرَام
وَإِذا حلف الرجل فَقَالَ على السّفر إِلَى مَكَّة أَو الذّهاب إِلَيْهَا أَو الرّكُوب إِلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَهَذَا وحلفه بِالْمَشْيِ سَوَاء فِي الْقيَاس غير أَنِّي أخذت فِي حلفه بِالْمَشْيِ بالاستحسان وَلِأَنَّهَا أَيْمَان النَّاس(3/183)
وَإِذا حلف الرجل فَقَالَ أَنا محرم إِن فعلت كَذَا وَكَذَا أَو قَالَ أَنا أهدي إِن فعلت كَذَا وَكَذَا أَو قَالَ أَنا أَمْشِي إِلَى بَيت الله إِن فعلت كَذَا وَكَذَا وَهُوَ يُرِيد بذلك أَن لَا يُوجب على نَفسه شَيْئا إِنَّمَا يعد من نَفسه عدَّة فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَإِن كَانَ يُرِيد الْإِيجَاب على نَفسه أَو لم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ إِذا حنث مَا قَالَ لِأَن أَيْمَان النَّاس هَكَذَا هِيَ
وَإِذا حلف الرجل أَن ينْحَر مَا لَا يحل لَهُ من ولد أَو شَيْء غَيره فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء وَإِن كَانَ يُرِيد الْإِيجَاب على نَفسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة(3/184)
وَمُحَمّد عَلَيْهِ فِي وَلَده شَاة يذبحها وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي غير وَلَده شَيْء وَقَالَ أَبُو يُوسُف لاشيء عَلَيْهِ فِي ذَلِك(3/185)
وَإِذا حلف الرجل يهدي ثمَّ حنث وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ أَن يهدي مَا تيَسّر من الْهَدْي شَاة وَإِن شَاءَ زَاد على ذَلِك فَجَعلهَا بقرة أَو جزورا فَهُوَ أفضل
وَإِذا حلف الرجل بِبدنِهِ فَحنث فَعَلَيهِ إِن شَاءَ بقرة وَإِن شَاءَ جزورا
وَإِذا حلف الرجل بِالنذرِ وَهُوَ يَنْوِي بذلك حجا أَو عمْرَة أَو عتقا أَو صَلَاة أَو شَيْئا من طَاعَة الله تَعَالَى فَعَلَيهِ ذَلِك الَّذِي حلف عَلَيْهِ ونواه وَلَا يكون عَلَيْهِ غَيره وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ(3/189)
كَفَّارَة يَمِين وَإِن حلف على مَعْصِيّة بِالنذرِ فَعَلَيهِ فِيهِ كَفَّارَة يَمِين أَلا ترى أَن الله عز وَجل قد فرض الْكَفَّارَة فِي الظِّهَار وَقد جعله الله مُنْكرا من القَوْل وزورا وَقد بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه(3/190)
وَإِذا حلف الرجل بِالنذرِ وَهُوَ يَنْوِي صياما وَلَا يَنْوِي عددا مِنْهُ فَعَلَيهِ إطْعَام عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين ربعين بالحجاجي من حِنْطَة
وَلَا يَنْبَغِي للرجل أَن يحلف فَيَقُول وَأَبِيك وَأبي فَإِنَّهُ بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن ذَلِك وَنهى عَن الْحلف بِحَدّ من حُدُود الله وَعَن الْحلف بِالطَّوَاغِيتِ(3/191)
وَلَو أَن رجلا قَالَ إِن كلمت فلَانا فعلي يَمِين أَو عَليّ نذر أَو حلف بِشَيْء مِمَّا ذكرت لَك من الْأَيْمَان وَقَالَ فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله فوصلها بِالْيَمِينِ ثمَّ كَلمه لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة وَلَا حنث
قَالَ مُحَمَّد أخبرنَا بذلك أَبُو حنيفَة عَن الْقَاسِم عَن أبي عَن عبد الله بن مَسْعُود وَذكر عبد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر
وَأَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم أَنهم قَالُوا من حلف على يَمِين وَقَالَ إِن شَاءَ الله فقد اسْتثْنى وَلَا حنث عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة(3/193)
وبلغنا عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ من حلف على يَمِين فاستثنى فَفعل الَّذِي حلف عَلَيْهِ فَلَا حنث عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ العَبْد الصَّالح {ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا} فَلم يصبر وَلم يُؤمر بِالْكَفَّارَةِ(3/194)
وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن عَطاء وَطَاوُس وَإِبْرَاهِيم أَنهم قَالُوا من حلف بِعِتْق أَو طَلَاق فَقَالَ إِن شَاءَ الله لم يَقع الطَّلَاق وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِلَّا أَن أرى غير ذَلِك أَو قَالَ إِلَّا أَن يَبْدُو لي أَو إِلَّا أَن أرى خيرا من ذَلِك(3/195)
وَإِذا حلف الرجل على يَمِين فَحنث فِيهَا فَعَلَيهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ إِن شَاءَ أعتق وَإِن شَاءَ أطْعم عشرَة مَسَاكِين وَإِن شَاءَ كسى عشرَة مَسَاكِين وَإِن لم يجد شَيْئا من ذَلِك فَعَلَيهِ الصّيام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات(3/196)
بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ كل شَيْء فِي الْقُرْآن آو آو فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أعتق رَقَبَة وَإِن شَاءَ كسى وَإِن شَاءَ أطْعم(3/197)
وَالْعِتْق فِي كَفَّارَة الْيَمين تَحْرِير رَقَبَة يَجْزِي فِيهَا الصَّغِير وَالْكَبِير وَالْكَافِر وَالْمُسلم لِأَن الله تَعَالَى لم يسم فِي ذَلِك رَقَبَة مُؤمنَة وَيجوز فِيهِ الْأَعْوَر والأقطع إِذا كَانَ أقطع إِحْدَى الْيَدَيْنِ إِحْدَى الرجلَيْن وَلَا يَجْزِي فِي ذَلِك الْأَعْمَى وَلَا الْمَقْطُوع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن وَلَا الْمَعْتُوه المغلوب الَّذِي لَا يعقل وَلَا الْأَخْرَس وَلَا أشل الْيَدَيْنِ يابستين لَا ينْتَفع بهما وَلَا أشل الرجلَيْن إِذا كَانَ كَذَلِك وَلَا المقعد وَلَا تجزي فِيهِ أم الْوَلَد وَلَا الْمُدبر وَلَا يَجْزِي الْمكَاتب الَّذِي قد أدّى بعض مُكَاتبَته فَإِن كَانَ لم يؤد شَيْئا من مُكَاتبَته ثمَّ أعتق فِي ذَلِك أجْرى عَنهُ(3/198)
وَلَو أَن عبدا بَين اثْنَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا فِي كَفَّارَة الْيَمين ضمن لشَرِيكه حِصَّته لم يجز ذَلِك عَنهُ لِأَنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين الآخر أَلا ترى أَن شَرِيكه إِن شَاءَ أعتق حِصَّته وَإِن شَاءَ استسعى فِي نصف قِيمَته
وَلَو أَن العَبْد كَانَ لَهُ كُله أجزى عَنهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا أعتق عَن يَمِينه عبدا وَهُوَ بَينه وَبَين آخر وَهُوَ مُعسر فسعى العَبْد للْآخر لم يجزه فِي الْكَفَّارَة وَإِن كَانَ الْمُعْتق غَنِيا ضمن حِصَّة شَرِيكه وأجزاه فِي الْكَفَّارَة وَلَا يجْزِيه فِي قَول أبي حنيفَة فِي الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَفَّارَة
وَلَو أَن رجلا اشْترى أَبَاهُ أَو أمه أَو ذَا رحم محرم مِنْهُ يَنْوِي بذلك أَن يعتقهُ فِي كَفَّارَة يَمِين أَو ظِهَار عتق وأجزى عَنهُ
وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن اشْتريت فلَانا فَهُوَ حر عَن يَمِيني ثمَّ اشْتَرَاهُ عتق وأجزى عَنهُ(3/199)
وَلَو أَن رجلا طلب إِلَى رجل أَن يعْتق عَنهُ عَبده فِي كَفَّارَة يَمِينه على شَيْء قد سَمَّاهُ لَهُ وَجعله لَهُ فَفعل ذَلِك أجزى عَنهُ وَلَو قَالَ أعْتقهُ عني فِي كَفَّارَة يَمِين بِغَيْر شَيْء فَأعْتقهُ عَنهُ كَانَ فِي هَذَا قَولَانِ أَحدهمَا قَول أبي يُوسُف إِن الْعتْق يَجْزِي عَن الْمُعْتق عَنهُ وَيكون الْوَلَاء لَهُ وَالْقَوْل الآخر قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد إِن الْعتْق عَن الَّذِي أعتق وَالْوَلَاء لَهُ وَلَا يَجْزِي الْعتْق عَن الْمُعْتق عَنهُ وَالْقَوْل الأول أحبهما إِلَى أبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد قَول أبي حنيفَة أحب إِلَيّ وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة طَعَام طلب إِلَيْهِ أَن يطعم عَنهُ فَكَذَلِك الْعتْق
وَلَو أَن رجلا أعتق نصف عَبده فِي كَفَّارَة يَمِينه وَأطْعم خَمْسَة مَسَاكِين لم يجز ذَلِك عَنهُ لِأَن هَذَا لَيْسَ بِطَعَام تَامّ وَلَا عتق تَامّ(3/200)
وَلَو أَن رجلا حنث وَهُوَ مُعسر فَأخر الصَّوْم حَتَّى أصَاب عبدا لم يجز عَنهُ الصَّوْم لِأَنَّهُ يجد مَا يعْتق(3/201)
وَلَو أَن رجلا اشْترى عبدا بيعا فَاسِدا فَقَبضهُ وَأعْتقهُ عَن يَمِينه كَانَ عتقه جَائِزا وَيجْزِي عَنهُ فِي يَمِينه ذَلِك
وَلَو أَن رجلا أعتق مَا فِي بطن خادمه عَن يَمِينه ثمَّ ولدت الْخَادِم ولدا من الْغَد فَإِن الْعتْق جَائِز فِي الْوَلَد وَلَا يَجْزِي عَنهُ من الْيَمين
وَلَو أَن رجلا أعتق مَا فِي بطن خادمه عَن يَمِينه ثمَّ ولدت بعد ذَلِك لأكْثر من سِتَّة أشهر أَو ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر ولدا مَيتا لم يجز عَنهُ ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَلَو أَن رجلا وَجَبت عَلَيْهِ كفارتان أَو ثَلَاثَة فِي أَيَّام مُتَفَرِّقَة فَأعتق عَنْهُن رقابا بعددهن وَلم ينْو لكل يَمِين رَقَبَة بِعَينهَا أجزى ذَلِك عَنهُ
وَكَذَلِكَ لَو أعتق رَقَبَة عَن إِحْدَاهُنَّ وَأطْعم عَن الْأُخْرَى عشرَة مَسَاكِين وكسى عَن الْأُخْرَى عشرَة مَسَاكِين كَانَ ذَلِك جَائِزا عَنهُ وَلَيْسَ على الْمَمْلُوك إِذا حلف فِي يَمِين وَحنث عتق وَلَا يَجْزِي عَنهُ(3/202)
وَلَو أعتق عَنهُ مَوْلَاهُ لِأَن الْوَلَاء لَا يكون لَهُ وَلَيْسَ يملك الرَّقَبَة وَكَذَلِكَ لَو أطْعم عَنهُ مَوْلَاهُ أَو كسى
وَكَذَلِكَ الْمكَاتب والمدير وَأم الْوَلَد وَكَذَلِكَ العَبْد يعْتق بعضه فَيقوم فيسعى فِيمَا بَقِي من رقبته فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي العَبْد الَّذِي أعتق بعضه خَاصَّة وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْحر يَجْزِي ذَلِك عَنهُ إِذا كَانَ بأَمْره
وَالرجل وَالْمَرْأَة فِي الْيَمين إِذا حنث وَفِي الْعتْق سَوَاء
وَلَو أَن رجلا حلف على يَمِين فَحنث فصَام يَوْمَيْنِ ثمَّ وجد الْيَوْم الثَّالِث مَا يعْتق لم يجد عَنهُ الصَّوْم وَكَذَلِكَ إِن وجد مَا يطعم أَو يكسو لِأَن الله عز وَجل يَقُول {فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} فَهَذَا قد وجد فَلَا يَجْزِي عَنهُ الصَّوْم وَكَذَلِكَ إِن وجد مَا يطعم يفْطر يَوْمه ذَلِك وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَعَلِيهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ كفر بهَا يَمِينه وَإِن شَاءَ تمّ على صَوْمه ذَلِك وَلم يعْتد بِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ غير الصَّوْم وَأحب إِلَيْهِ أَن يتم
بلغنَا عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرجل(3/203)
يكون عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فيصوم يَوْمَيْنِ ثمَّ يجد فِي الْيَوْم الثَّالِث مَا يطعم أَو يكسو أَن يعْتق إِنَّه يفْطر وَلَا يعْتد بصومه ذَلِك وَيكفر بِيَمِينِهِ إِن شَاءَ أعتق وَإِن شَاءَ أطْعم وَإِن شَاءَ كسا
وَلَو أَن رجلا قَالَ إِن اشْتريت فلَانا فَهُوَ حر عَن يَمِينه ثمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بذلك تِلْكَ الْيَمين عتق وأجزى عَنهُ من كَفَّارَته
وَلَو اشْترى أمة قد ولدت مِنْهُ فَأعْتقهَا عَن كَفَّارَته أَو قَالَ إِن اشْتَرَيْتهَا فَهِيَ حرَّة عَن يَمِينه كَانَت حرَّة كَمَا قَالَ وَلم تجز عَنهُ فِي يَمِينه لِأَنَّهَا أم وَلَده وَهِي تعْتق بِالْوَلَدِ لَو لم يقل فِيهَا هَذِه الْمقَالة
وَلَو أَن رجلا من أهل الذِّمَّة حلف على يَمِين ثمَّ أسلم حنث فِي يَمِينه تِلْكَ لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة فِي عتق وَلَا غَيره لِأَن الْحلف كَانَ مِنْهُ فِي حَال كفر وَالَّذِي كَانَ فِيهِ من الْكفْر أعظم من الْحِنْث(3/204)
وَلَو أَن رجلا أعتق عبدا عَن كَفَّارَة يَمِين يَنْوِي ذَلِك بِقَلْبِه وَلم يتَكَلَّم بِلِسَانِهِ وَقد تكلم بِالْعِتْقِ أجزى عَنهُ فِي كَفَّارَة يَمِينه(3/205)
وَلَو أَن رجلا حلف على يَمِين فَأعتق عَنْهَا قبل أَن يَحْنَث كَانَ الْعتْق جَائِزا وَلَا يَجْزِي ذَلِك عَن يَمِينه لِأَنَّهُ لم يَحْنَث بعد وَلم تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة(3/206)
وَلَو أَن رجلا حلف فِي يَمِين فَأعتق عبدا عِنْد مَوته فِي يَمِينه وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره كَانَ الْعتْق جَائِزا من ثلثه وَيسْعَى العَبْد فِي ثُلثي قِيمَته وَلَا يَجْزِي عَنهُ فِي يَمِينه لما وَجب عَلَيْهِ من السّعَايَة
وَلَو أَن رجلا أعتق عبدا على مَال عَن يَمِينه أَو بَاعه نَفسه عتق وَلم يجز عَنهُ فِي يَمِينه لما أَخذ مِنْهُ من الْجعل
وَلَو أَن رجلا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر عَن يَمِيني على ألف دِرْهَم وَقبل ذَلِك العَبْد لم يجز ذَلِك عَنهُ
وَلَو أَن الْمولى أَبْرَأ العَبْد من الْألف بعد ذَلِك لم يجز عَنهُ من يَمِينه الَّذِي كَانَ فِيهِ من الْجعل وَلَا يَنْفَعهُ إبراؤه إِيَّاه من المَال بعد ذَلِك(3/208)
وَلَو أَن رجلا أعتق عبدا على مَال عَن يَمِينه عتق العَبْد وَلَا يَجْزِي عَنهُ فِي يَمِينه لما أَخذ فِيهِ من الْجعل
- بَاب الطَّعَام فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
بلغنَا عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ ليرفأ مولى لَهُ أَنِّي أَحْلف على قوم لَا أعطيهم ثمَّ يَبْدُو لي فأعطيهم فَإِذا أَنا فعلت ذَلِك فأطعم عني عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاع من تمر(3/209)
وبلغنا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي كَفَّارَة(3/210)
الْيَمين إطْعَام عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من حنطه
وَإِذا حنث الرجل فِي يَمِين فأطعم عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو دَقِيق أَو سويق أجزاه ذَلِك وَإِن أطْعم تَمرا أَو شَعِيرًا أطْعم كل مِسْكين مَخْتُومًا بالحجاجي
وَلَو دَعَا عشرَة مَسَاكِين فغداهم وعشاهم أجزاه ذَلِك وَلَو غداهم خبْزًا وعشاهم مثله وَلَيْسَ مَعَه أَدَم أجزاه ذَلِك وَلَو غداهم سويقا وَتَمْرًا وعشاهم بِمثل ذَلِك أجزاه ذَلِك وَلَو أَعْطَاهُم قيمَة الطَّعَام فَأعْطى كل مِسْكين قيمَة نصف صَاع أجزاه ذَلِك وَلَو غداهم وَأَعْطَاهُمْ قيمَة الْعشَاء أجزاه ذَلِك أَلا ترى أَنه لَو أعْطى كل مِسْكين مِنْهُم درهما وَالدِّرْهَم(3/211)
يبلغ أَكثر من نصف صَاع أجزاه ذَلِك فَكَانَ ذَلِك أفضل
وَإِذا دَعَا عشرَة مَسَاكِين أحدهم صبي فطيم أَو فَوق ذَلِك شَيْئا فغداهم وعشاهم فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ وَلَا يَجْزِي عَنهُ الصَّبِي وَعَلِيهِ الْآن إطْعَام مِسْكين وَاحِد إِن شَاءَ أعطَاهُ نصف صَاع وَإِن شَاءَ غداه وعشاه
وَلَو أطْعم عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين مدا من حِنْطَة لم يجزه ذَلِك وَعَلِيهِ أَن يُعِيد عَلَيْهِم مدا مدا على كل إِنْسَان مِنْهُم فَإِن لم يقدر عَلَيْهِم اسْتقْبل الطَّعَام
وَلَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا خَمْسَة آصَع لم يجزه ذَلِك وَإِن أعطَاهُ نصف صَاع وَأَعْطَاهُ من الْغَد نصف صَاع حَتَّى يكمل عشرَة أَيَّام أجزاه ذَلِك
وَلَو أَنه أطْعم عشرَة مَسَاكِين من أهل الذِّمَّة كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أجزاه ذَلِك ومساكين أهل الْإِسْلَام أحب إِلَيّ(3/212)
وَلَو أعْطى عشرَة مَسَاكِين ذَوي رحم محرم مِنْهُ أجزاه ذَلِك وَلَكِن لَا يجْزِيه أَن يطعم مِنْهَا وَلَده وَلَا وَالِده وَلَا أمه حرَّة كَانَت أَو أم أمة وَلَا مَمْلُوكَة لَهُ وَلَا مُدبرَة وَلَا مكَاتبه وَلَا أم ولد(3/213)
لَهُ وَلَا زَوْجَة لَهُ حرَّة كَانَت أَو أمة
وَلَو أَن رجلا سَأَلَهُ مِنْهَا وَهُوَ غَنِي وَهُوَ لَا يعلم بذلك فَأعْطَاهُ أجزاه ذَلِك عَنهُ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَلَا يجْزِيه فِي قَول أبي يُوسُف إِذا علم
وَلَو أَنه أطْعم خَمْسَة مَسَاكِين وكسى خَمْسَة مَسَاكِين أجزاه ذَلِك من الطَّعَام إِن كَانَ الطَّعَام أرخص من الْكسْوَة وَإِن كَانَ الْكسْوَة أرخص من الطَّعَام أجزى عَن الْكسْوَة(3/214)
وَلَو أَنه أطْعم عشرَة مَسَاكِين قبل أَن يَحْنَث فِي يَمِينه لم يجزه ذَلِك لِأَن الْيَمين لم تَجِد بعد وَلَو حنث فِي يَمِينه وَهُوَ مُعسر فَأَرَادَ أَن يكفر كَانَ عَلَيْهِ الصَّوْم فَإِن أيسر وَوجد مَا يتَصَدَّق بِهِ قبل أَن يفرغ من الصَّوْم لم يجزه الصَّوْم وَكَانَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة إِمَّا عتق وَإِمَّا كسْوَة وَإِمَّا طَعَام
وَلَو كَانَت لَهُ دَار يسكنهَا وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا أجزى عَنهُ الصَّوْم لِأَن هَذَا تحل لَهُ الصَّدَقَة(3/215)
وَلَو أطْعم عَنهُ رجل عشرَة مَسَاكِين بأَمْره أجزى عَنهُ ذَلِك وَلَو أَنه أطْعم عَنهُ بِغَيْر أمره فرضى بذلك لم يجز عَنهُ
وَلَو أَن رجلا أطْعم خَمْسَة مَسَاكِين فِي كَفَّارَة يَمِينه ثمَّ احْتَاجَ كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصّيام وَلَا يَجْزِي ذَلِك الطَّعَام عَنهُ
وَلَو أَن رجلا أطْعم من كَفَّارَة الْيَمين أحدا من وَلَده وَهُوَ لَا يعلم وَهُوَ مَوضِع ذَلِك أجزاه ذَلِك عَنهُ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد إِذا علم بعد وَفِي قَول أبي يُوسُف إِذا أطْعم أحدا من وَلَده وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ(3/216)
علم بعد ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجْزِيه وَكَذَلِكَ الْغَنِيّ فِي قَول أبي يُوسُف لَا يَجْزِي
وَلَو أَن رجلا عَلَيْهِ يمينان فأطعم عَنْهَا عشْرين مِسْكينا أجزى مِنْهُ فَإِن أطْعم لَهما عشرَة مَسَاكِين لكل مِسْكين صَاع من حِنْطَة لم يجزه ذَلِك إِلَّا عَن يَمِين وَاحِدَة ويجزيه فِي قَول مُحَمَّد
وَلَو أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا من ظِهَار أَو أطْعمهُم من كَفَّارَة غير الظِّهَار أَو أطْعمهُم من ايمان عَلَيْهِ شَتَّى مُخْتَلفَة فأطعم الطَّعَام كُله ضَرْبَة وَاحِدَة لكل مِسْكين من ذَلِك نصف صَاع لكل يَمِين على حِدة وَلكُل ظِهَار على حِدة نصف صَاع وَلكُل كَفَّارَة من رَمَضَان نصف صَاع أجزى عَنهُ لِأَنَّهَا أَيْمَان شَتَّى مُخْتَلفَة وَجَبت عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كاليمين الْوَاحِدَة وَفِي قَول مُحَمَّد ذَلِك كُله يَجْزِي وَإِذا أعْطى رجل ثوبا لعشرة مَسَاكِين من كَفَّارَة يَمِينه فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي عَنهُ من الْكسْوَة وَإِن كَانَ يُسَاوِي الثَّوْب ثمن الطَّعَام فَهُوَ يَجْزِي عَنهُ من الطَّعَام(3/217)
وَإِذا وَجَبت على العَبْد أَو الْمكَاتب أَو الْمُدبر أَو أم الْوَلَد كَفَّارَة يَمِين لم يجز عَنهُ الطَّعَام وَإِن أذن لَهُ مَوْلَاهُ فِيهِ وَلَكِن عَلَيْهِ الصّيام لِأَن العَبْد لَا يملك الطَّعَام وَلَو أَن العَبْد أعتق فأطعم عشرَة مَسَاكِين بعد عتقه أجزاه
وَلَو أَن رجلا حلف على يَمِين وَهُوَ كَافِر ثمَّ حنث بعد مَا أسلم لم تكن عَلَيْهِ كَفَّارَة وَكَذَلِكَ إِذا حلف وَهُوَ مُسلم ثمَّ رَجَعَ عَن الْإِسْلَام ثمَّ أسلم بعد ثمَّ حنث فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَإِذا اسْتثْنى الرجل فِي يَمِينه فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَلَا حنث
وَإِذا جعل الرجل لله عَلَيْهِ طَعَام مِسْكين وَنوى عددا من الْمَسَاكِين فَهُوَ ذَلِك الْعدَد فَإِن نوى كَيْلا من الطَّعَام مَعْلُوما فَهُوَ ذَلِك الْكَيْل وَإِن لم يَنْوِي شَيْئا مُسَمّى من الطَّعَام وَلَا عدد مَسَاكِين فَعَلَيهِ طَعَام عشرَة(3/218)
مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من حنطه وَكَذَلِكَ إِن قَالَ أَن كلمة فلَانا فعلى إطْعَام مَسَاكِين أَو قَالَ إطْعَام عشرَة مَسَاكِين وَقد يعْطى من الْمَسَاكِين من لَهُ الْخَادِم وَالدَّار وَيُعْطى من الصَّدَقَة وَمن الزَّكَاة من لَهُ الدَّار وَالْخَادِم وبلغنا عَن أبي حزم وَعَن إِبْرَاهِيم وَالْحسن أَنهم قَالُوا ذَلِك(3/219)
وَلَو أَن رجلا أوصى الْمطعم عَنهُ فِي كَفَّارَة أَيْمَان عَلَيْهِ عِنْد مَوته كَانَ ذَلِك الطَّعَام من ثلثه وَكَذَلِكَ لَو أوصى بكسوه وَكَذَلِكَ لَو أوصى بِعِتْق عبد فَإِن لم يكن لَهُ مَال غير العَبْد الَّذِي أوصى بِعِتْقِهِ عتق العَبْد وسعى فِي ثُلثي قِيمَته وَلَا يَجْزِي عَنهُ فِي كَفَّارَة يَمِينه وَإِن خرج من الثُّلُث أجزى عَنهُ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
الصَّاع الأول ثَمَانِيَة أَرْطَال وَهُوَ مختوم فِي الْحَجَّاجِي وَهُوَ(3/220)
ربع الْهَاشِمِي قَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ ذكر الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ وجدنَا صَاع عمر حجاجيا
- بَاب الْكسْوَة فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ فِي قَول الله عز وَجل فِي الْكَفَّارَة {أَو كسوتهم} إِن ذَلِك لكل مِسْكين ثوب(3/221)
فَإِذا أعْطى كل مِسْكين ثوبا أَو إزارا أَو رِدَاء أَو قَمِيصًا أَو قبَاء أَو كسَاء فَإِن ذَلِك يجْزِيه من الْكَفَّارَة إِذا كسى عشرَة مَسَاكِين
وَلَو أعْطى كل مِسْكين نصف ثوب لم يجز عَنهُ ذَلِك من الْكسْوَة وَلَكِن كَانَ يَجْزِي عَنهُ من الطَّعَام إِذا كَانَ كل نصف(3/222)
ثوب يُسَاوِي نصف صَاع من الْحِنْطَة
وَلَو كسا كل مِسْكين قلنسوة أَو خُفَّيْنِ أَو حمله على نَعْلَيْنِ لم يجز ذَلِك عَنهُ من الْكسْوَة وَلكنه يَجْزِي عَنهُ من الطَّعَام إِذا كَانَ ذَلِك يُسَاوِي نصف صَاع من حِنْطَة
وَلَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَثوَاب لم يجز ذَلِك عَنهُ من عشرَة مَسَاكِين وَلكنه يَجْزِي عَنهُ من مِسْكين وَاحِد
وَلَو أعْطى فِي كل يَوْم ثوبا حَتَّى يستكمل عشرَة أَثوَاب فِي عشرَة أَيَّام أجزى عَنهُ وَلَو كسى عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين ثوبا وَكلهمْ ذُو رحم محرم أجزى عَنهُ مَا لم يكن فيهم ولد وَلَا وَالِد وَلَا زَوْجَة وَلَا تجزى أَن يكسو مكَاتبا لَهُ وَلَا مُدبرا وَلَا أم ولد
وَلَو كسى مكَاتبا لغيره مُحْتَاجا أَو عبدا من غَيره مُحْتَاجا أَو ام ولد لغيره ومولاها مُحْتَاجا أَو مُدبرا لغيره مُحْتَاجا أجزى عَنهُ ذَلِك
وَلَو كسى عشرَة مَسَاكِين من مَسَاكِين أهل الذِّمَّة أجزاه ذَلِك وفقراء الْمُسلمين أحب إِلَيْهِ وَلَو أعْطى عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين من الطَّعَام قدر(3/223)
قيمَة الثَّوْب أجزاه ذَلِك من الْكسْوَة وَلَو أعْطى عشرَة مَسَاكِين ثوبا بَينهم وَهُوَ ثوب كثير الْقيمَة نصيب كل مِسْكين مِنْهُم أَكثر من قيمَة الثَّوْب كَانَ ذَلِك فِي الْقيَاس يَجْزِي عَنهُ من الطَّعَام وَلَا يَجْزِي من الْكسْوَة أَلا ترى أَنه لَو أعْطى كل مِسْكين ربع صَاع من حِنْطَة وَذَلِكَ يُسَاوِي صَاعا من التَّمْر لم يجز عَنهُ من الطَّعَام فَكَذَلِك هَذَا الثَّوْب
وَلَو أَن هَذَا الْمَدّ من الْحِنْطَة كَانَ يُسَاوِي ثوبا كَانَ يَجْزِي من الْكسْوَة وَلَا يَجْزِي من الطَّعَام
وَلَو أعْطى عشرَة مَسَاكِين دَابَّة أَو شَاة أَو عبدا أَو أمة فَإِن كَانَ قيمَة ذَلِك تبلغ قيمَة عشرَة أَثوَاب أجزاه من الْكسْوَة وَإِن كَانَ لَا يبلغ قيمَة عشرَة أَثوَاب وَبلغ قيمَة الطَّعَام أجزى عَنهُ من الطَّعَام
وَلَو أَن رجلا كسى عشرَة مَسَاكِين أَو أطعهم ثمَّ إِن رجلا أَقَامَ على تِلْكَ الْكسْوَة وَالطَّعَام سنة فَقضى لَهُ بِهِ لم يجز ذَلِك عَن الَّذِي أطْعم وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الطَّعَام
وَلَو أَن رجلا كسى عَن رجل بأَمْره عشرَة مَسَاكِين أجزاه ذَلِك وَإِن لم يُعْطه لَهُ ثمنا وَلَو أعْطى لَهَا ثمنا أجزاه ذَلِك أَيْضا وَلَو كسى عشرَة مَسَاكِين لغير أمره فَرضِي بذلك لم يجز عَنهُ(3/224)
وَلَو كسى عشرَة مَسَاكِين قبل أَن يَحْنَث فِي يَمِينه ثمَّ حنث فِيهَا لم تجزه تِلْكَ الْكسْوَة من كَفَّارَته وَكَانَ عَلَيْهِ الْكسْوَة بعد الْحِنْث لِأَنَّهُ لَا يبْدَأ بِالْكَفَّارَةِ قبل الْحِنْث وَلَو كسا عشرَة مَسَاكِين ثمَّ وجد بَعضهم غَنِيا لَيْسَ بِموضع للصدقة وَلم يكن يعلم ذَلِك حَتَّى كَسَاه أجزى ذَلِك عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعلم أَنهم فُقَرَاء إِلَّا فِي الظَّاهِر وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجْزِيه فِي الْغنى
وَلَو أَنه أعْطى من كَفَّارَة يَمِين فِي أكفان الْمَوْتَى أَو فِي بِنَاء مَسْجِد أَو فِي قَضَاء دين ميت أَو فِي عتق رَقَبَة لم يجز ذَلِك عَن يَمِينه بلغنَا(3/225)
عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ ذَلِك
وَلَو كسا ابْن السَّبِيل مُنْقَطع بِهِ أَو غازيا أَو حَاجا مُنْقَطع بِهِ فَكَسَاهُ ثوبا أَو أطْعمهُ طَعَام مِسْكين أجزى ذَلِك عَنهُ من مِسْكين وَاحِد
وَلَو أَن رجلا كَانَت عَلَيْهِ يمينان فكسا عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين ثَوْبَيْنِ أجزاه ذَلِك عَن يَمِين وَاحِدَة وَكَانَت عَلَيْهِ كسْوَة عشرَة مَسَاكِين للْيَمِين الْأُخْرَى فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَأما فِي قَول مُحَمَّد فَهُوَ يجزى
وَلَو أَن رجلا كسا خَمْسَة مَسَاكِين وَالطَّعَام أرخص من الْكسْوَة أجزاه ذَلِك عَنهُ من الطَّعَام وَلم يجز ذَلِك عَنهُ من الْكسْوَة(3/226)
وَإِذا كسى الرجل الْمَسَاكِين أَو أطْعمهُ ثمَّ مَاتَ بَعضهم وَهُوَ وَارثه فورث تِلْكَ الْكسْوَة بِعَينهَا وَذَلِكَ الطَّعَام بِعَيْنِه لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ كسوته وَلَا طَعَامه وَكَانَ ذَلِك يَجْزِي عَنهُ وَكَذَلِكَ لَو اشْترى مِنْهُم تِلْكَ الْكسْوَة بِعَينهَا وَذَلِكَ الطَّعَام أجزى عَنهُ فِي كَفَّارَة الْيَمين وَلم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ شَيْئا
وَلَو وهبه لَهُ أُولَئِكَ الْمَسَاكِين كَانَ قد أجزى عَنهُ صدقته عَلَيْهِم فِي كَفَّارَة يَمِينه وَلَا تفْسد هبتهم لَهُ صدقته عَلَيْهِم بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن بَرِيرَة كَانَ يتَصَدَّق عَلَيْهَا بالشَّيْء فتهديه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيقبله وَيَقُول هُوَ لَهَا صَدَقَة وَلنَا هَدِيَّة
- بَاب الصّيام فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
وَإِذا حنث الرجل فِي يَمِينه وَهُوَ مُعسر لَا يجد مَا يعْتق وَلَا مَا يكسو(3/227)
وَلَا مَا يطعم فَعَلَيهِ الصّيام ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة فَإِن صامها مُتَفَرِّقَة لم يجز عَنهُ بلغنَا أَنه فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة
وَلَو صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أيسر فِي الْيَوْم الثَّالِث انْتقض صَوْمه ذَلِك وَكَانَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} فَهَذَا قد وجد فَلَا يجْزِيه الصَّوْم وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِك
وَإِذا أحنث الرجل فِي يَمِينه وَهُوَ مُعسر ثمَّ أيسر قبل أَن يكفر فَعَلَيهِ الْعتْق أَو الْكسْوَة أَو الطَّعَام
وَلَو حنث وَهُوَ مُوسر ثمَّ احْتَاجَ كَانَ عَلَيْهِ الصّيام
وعَلى العَبْد إِذا حنث فِي يَمِينه الصّيام وَلَا يجْزِيه شَيْء غير ذَلِك وَكَذَلِكَ الْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد وَلَو أعتق أحد مِنْهُم قبل(3/228)
أَن يَصُوم وأيسر لم يجزه الصَّوْم وَكَانَ عَلَيْهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ
وَلَو أَن رجلا أصبح مُفطرا ثمَّ عزم على صَوْم الضُّحَى يُرِيد بذلك كَفَّارَة يَمِين لم يجزه ذَلِك لِأَنَّهُ قد أصبح مُفطرا وَلَو صَامَ فِي كَفَّارَة الْيَمين ثمَّ أكل فِي صَوْمه نَاسِيا أَو شرب نَاسِيا كَانَ صَوْمه ذَلِك تَاما وأجزى عَنهُ بلغنَا ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَوْم رَمَضَان فَهُوَ أَشد من ذَلِك(3/229)
وَلَو أَن رجلا صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ مرض فِي يَوْم مِنْهَا فَأفْطر كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل لِأَنَّهَا لَيست بمتتابعة وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة لَو صَامت وحاضت فِي الثَّلَاثَة أَيَّام كَانَ عَلَيْهَا أَن تسْتَقْبل الصَّوْم لِأَنَّهَا قد تقدر أَن تَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام لَا تكون فِيهَا حَائِضًا
وَلَو أَن رجلا صَامَ هَذِه الثَّلَاثَة أَيَّام فِي أَيَّام التَّشْرِيق لم يجزه ذَلِك لِأَنَّهُ بلغنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر مناديه أَلا لَا تَصُومُوا هَذِه الثَّلَاثَة الْأَيَّام إِنَّمَا هِيَ أَيَّام أكل وَشرب(3/230)
فعلى هَذَا الَّذِي صامها أَن يسْتَقْبل الصّيام
وَلَو أَن رجلا صامها فِي رَمَضَان كَانَ صَوْمه ذَلِك من رَمَضَان جَائِزا وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل صِيَام الْيَمين بعد أَن يفرغ من رَمَضَان
وَلَو أَن رجلا صَامَ فِيهَا يَوْم النَّحْر أَو يَوْم الْفطر وَهُوَ يعلم بذلك أَو لَا يعلم ثمَّ علم بعد ذَلِك لم يجزه ذَلِك من الصّيام وَكَانَ عَلَيْهِ من يسْتَقْبل الصَّوْم
وَلَو أَن رجلا صامها فِي رَمَضَان كَانَ صَوْمه ذَلِك من رَمَضَان جَائِزا وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل صِيَام الْيَمين بعد أَن يفرغ من رَمَضَان وَلَو أَن رجلا صَامَ فِيهَا يَوْم النَّحْر أَو يَوْم الْفطر وَهُوَ يعلم بذلك أَو لَا يعلم ثمَّ علم بعد ذَلِك لم يجزه ذَلِك من الصّيام وَكَانَ 5 عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم
وَلَو أَن رجلا صامهن قبل أَن يَحْنَث فِي يَمِينه لم يجزه ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم إِذا حنث وَلَو صامهن وَهُوَ يجد مَا يطعم أَو يكسو لم يجزه ذَلِك لِأَن الله عز وَجل يَقُول {فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} فَهُوَ قد وجد فَلَا يجْزِيه الصّيام
وَلَو أَن رجلا كَانَ مَاله غَائِبا عَنهُ أَو دين لَهُ على النَّاس فَكَانَ لَا يجد مَا يطعم وَلَا مَا يكسو وَلَا يجد مَا يعْتق أجزاه أَن يَصُوم(3/233)
ثَلَاثَة أَيَّام فِي كفار يَمِينه
وَلَو أَن رجلا لَهُ مَال وَعَلِيهِ دين مثله أَو أَكثر أجزاه الصَّوْم بعد مَا يقْضى دينه من ذَلِك المَال أَلا ترى أَن الصَّدَقَة تحل لهَذَا(3/234)
وَلَو أَن عبدا صَامَ فِي كَفَّارَة يَمِين ثمَّ أعتق قبل أَن يفرغ فَأصَاب مَالا لم يجزه الصَّوْم وَكَانَ عَلَيْهِ الطَّعَام أَو الْكسْوَة أَو الْعتْق
وَلَو أَن رجلا صَامَ سِتَّة أَيَّام عَن يمينين عَلَيْهِ أجزاه ذَلِك مِنْهُمَا إِذا كَانَ لَا يجد مَا يطعم وَإِن لم ينْو ثَلَاثَة أَيَّام لكل وَاحِد مِنْهُمَا أجزى عَنهُ(3/235)
وَلَو أَن رجلا صَامَ يَوْمَيْنِ ثمَّ أفطر وَأطْعم ثَلَاثَة مَسَاكِين أَو بَدَأَ بِالطَّعَامِ ثمَّ الصّيام لم يجزه ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم إِن كَانَ لَا يجد مَا يطعم 237(3/236)
وَلَو أَن رجلا كَانَت عَلَيْهِ يمينان وَعِنْده طَعَام لإحداهما فأطعم لَهَا ثمَّ صَامَ لِلْأُخْرَى أجزاه ذَلِك وَلَو صَامَ لإحداهما ثمَّ أطْعم بعد ذَلِك لِلْأُخْرَى لم يجزه الصَّوْم لِأَنَّهُ صَامَ وَهُوَ يجد مَا يطعم وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم الَّتِي صَامَ لَهَا
وَلَو صَامَ رجل عَن رجل بأَمْره فِي كَفَّارَة يَمِينه أَو فِي غير ذَلِك لم يجزه ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو أَن مَيتا أوصى عِنْد مَوته أَن يصام عَنهُ فِي كَفَّارَة يَمِين لم يجزه ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يَصُوم أحد عَن أحد بلغنَا ذَلِك عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
- بَاب الْيَمين فِي مجَالِس مُخْتَلفَة
-
وَلَو أَن رجلا حلف على أَمر لَا يَفْعَله أبدا ثمَّ حلف أَيْضا فِي 238(3/237)
ذَلِك الْمجْلس أَو فِي مجْلِس آخر لَا يَفْعَله أَيْضا أبدا ثمَّ فعل ذَلِك الَّذِي حلف عَلَيْهِ كَانَت عَلَيْهِ كَفَّارَة يمينين إِلَّا أَن يكون نوى بِالْيَمِينِ الْأُخْرَى الْيَمين الأولى فَيكون عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة وَإِن لم يكن عَنى بِالْيَمِينِ الْآخِرَة الأولى فَعَلَيهِ يمينان وَعَلِيهِ لَهما كفارتان بلغنَا ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَكَذَلِكَ لَو أَرَادَ بِالْيَمِينِ الْآخِرَة التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد على نَفسه 239(3/238)
وَلَو أَن رجلا حلف على حق امْرِئ مُسلم على مَال لَهُ عِنْده فَحلف مَا لَهُ عِنْده شَيْء وَهُوَ كَاذِب لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة وَكَذَلِكَ كل يَمِين تكون على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِنَّمَا يحلف على شَيْء قد مضى
وَقد بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْيَمين الْغمُوس تدع الديار بَلَاقِع وَهَذَا عندنَا الْيَمين الْغمُوس(3/239)
وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من اقتطع بخصومته وجدله مَال مُسلم فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار فحال(3/240)
هَذِه الْيَمين شَدِيدَة والمأثم فِيهَا عَظِيم لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَة
وَلَو أَن رجلا حلف بِاللَّه لَا يفعل كَذَا وَكَذَا ثمَّ حلف على ذَلِك أَيْضا بِحَجّ ثمَّ حلف على ذَلِك أَيْضا بِالْعُمْرَةِ ثمَّ فعل ذَلِك الشَّيْء كَانَت عَلَيْهِ(3/241)
كَفَّارَة يَمِين وَحج وَعمرَة بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَلَو أَن رجلا حلف بِاللَّه ليفعلن كَذَا وَكَذَا فوقت لذَلِك وقتا وَذَلِكَ الشَّيْء مَعْصِيّة لله تَعَالَى كَانَ الَّذِي يحِق عَلَيْهِ من ذَلِك أَن لَا يتم على ذَلِك وَأَن يتْرك الَّذِي حلف عَلَيْهِ فَإِذا ذهب الْوَقْت وَوَجَب عَلَيْهِ الْحِنْث كفر بِيَمِينِهِ بلغنَا ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه
وَلَو أَن رجلا حلف ليفعلن كَذَا وَكَذَا وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا كَانَ فِي سَعَة مِمَّا حلف عَلَيْهِ فَمَتَى مَا فعل ذَلِك بر فِي يَمِينه وَخرج مِنْهَا(3/242)
إِلَّا أَن يَمُوت قبل أَن يفعل ذَلِك فَإِذا مَاتَ قبل أَن يفعل ذَلِك وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُوصي بهَا عِنْد مَوته
وَلَو أَن رجلا حلف على يَمِين وَاسْتثنى فِيهَا وَقَالَ إِن شَاءَ الله وَصلهَا بِيَمِينِهِ خرج من يَمِينه
وَلَو أَن رجلا حلف على ذَلِك بأيمان كَثِيرَة بعد أَن تكون مُتَّصِلَة فَقَالَ على كَذَا وَكَذَا حجَّة وَكَذَا كَذَا عمْرَة وَمَشى إِلَى بَيت الله وَمَاله فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة وَعَلِيهِ عهد الله وميثاقه إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله ثمَّ كَلمه لم يكن عَلَيْهِ حنث وَلم يجب عَلَيْهِ شَيْء فِي(3/243)
أيمانه وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فِيهَا عتق وَطَلَاق وبلغنا ذَلِك عَن عَطاء وَطَاوُس وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَغَيرهم أَنهم قَالُوا من حلف بِالطَّلَاق أَو بالعتاق فَقَالَ إِن شَاءَ الله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لَا يَقع عتاق وَلَا طَلَاق إِذا اسْتثْنى وبلغنا عَن عبد الله ابْن عَبَّاس وَعَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر(3/244)
وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَغَيرهم أَنهم قَالُوا من حلف على يَمِين فَقَالَ إِن شَاءَ الله فَلَا حنث عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِلَّا أَن يَبْدُو لي أَو قَالَ إِلَّا أَن أرى خيرا من ذَلِك فَأَما إِذا قَالَ إِلَّا أَن لَا أَسْتَطِيع ذَلِك فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن كَانَ يَعْنِي مَا سبق من الْقَضَاء(3/245)
فَهُوَ موسع عَلَيْهِ وَلَو أَن يكلمهُ وَلَا يَقع عَلَيْهِ شَيْء وَإِن كَانَ يَعْنِي إِلَّا أَن لَا أَسْتَطِيع لشَيْء يعرض عَلَيْهِ من البلايا أَو الْحَاجة الَّتِي حلف عَلَيْهَا فَإِن فعل ذَلِك قبل أَن يعرض ذَلِك لَهُ حنث وَإِن فعل بعد مَا يَقع بِهِ مَا قَالَ لم يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فِي الِاسْتِطَاعَة فَهُوَ على أَمر يحدث وَلَا يكون عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا على الْقدر إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك
وَلَو أَن رجلا قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا وَلَا فلَانا إِن شَاءَ الله يَعْنِي بِالِاسْتِثْنَاءِ اليمينين جَمِيعًا وَلم يكن بَينهمَا سكُوت كَانَ الِاسْتِثْنَاء عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ عَليّ حجَّة إِن كلمت فلَانا وَعلي عمْرَة(3/246)
إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله فَكَلمهُ لم يَحْنَث فَأَما إِذا قَالَ عَبدِي حر إِن كلمت فلَانا عَبدِي الآخر حر إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله ثمَّ كَلمه كَانَ عَبده الأول حرا فِي الْقَضَاء وَلَا يدين فِي ذَلِك إِلَّا فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
وَكَذَا لَو قَالَ لامْرَأَته إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق أَنْت طَالِق إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله ثمَّ كلمت فلَانا كَانَ فِي الْقَضَاء يَقع عَلَيْهَا التطليقة الأولى إِذا كلمت فلَانا وَأما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا كَانَ يَعْنِي فِي الِاسْتِثْنَاء ذَلِك كُله فَإِنَّهُ لَا يَقع عَلَيْهَا شَيْء فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
وَلَو قَالَ إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله كَانَ هَذَا فِي الْقَضَاء يَحْنَث وَفِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لَا يَقع عَلَيْهَا شَيْء حَتَّى تكَلمه وَكَذَلِكَ الْعتْق فِي هَذَا أَيْضا(3/247)
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لامْرَأَته إِن حَلَفت بطلاقك فَعَبْدي حر وَقَالَ لعَبْدِهِ إِن حَلَفت بعتقك فامرأته طَالِق فَإِن عَبده يعْتق لِأَنَّهُ قد حلف بِطَلَاق امْرَأَته أَلا ترى أَنه لَو قَالَ إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ قد حلف بِطَلَاقِهَا وَكَانَ عَبده حرا وَلَو قَالَ لَهَا إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق وَقعت عَلَيْهِ تَطْلِيقَة الأولى وَالثَّانيَِة إِن كَانَ دخل بهَا وَكَانَت فِي عدَّة مِنْهُ لِأَنَّهُ قد حلف بِطَلَاقِهَا فِي الْمرة الثَّانِيَة فَصَارَت طَالقا بالتطليقة الأولى وحلفه بِطَلَاقِهَا الثَّانِيَة فَصَارَت طَالقا بِالثَّانِيَةِ أُخْرَى وَصَارَت الثَّالِثَة يَمِينا أُخْرَى لم يَحْنَث بعد أَن عَاد فِي الْكَلَام وَقعت عَلَيْهَا أَيْضا تَطْلِيقَة أُخْرَى وَإِن كَانَ لم يدْخل بهَا وَالْمَسْأَلَة على حَالهَا وَقعت عَلَيْهَا تَطْلِيقَة واحة وَسقط مَا سوى ذَلِك
وَلَو أَن رجلا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر إِن حَلَفت بِطَلَاق امْرَأَتي(3/248)
ثمَّ قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِن شِئْت وَلم يقل غير ذَلِك فَإِن عَبده رَقِيق وَلَا يَقع عَلَيْهِ الْعتْق وَلَيْسَ هَذَا بِيَمِين وَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا أَمرك بِيَدِك أَو اخْتَارِي أَو أَنْت طَالِق إِذا حِضْت حَيْضَة فَلَيْسَ هَذَا بِيَمِين أَلا ترى أَنَّهَا لَو قَامَت من مجلسها ذَلِك بَطل مَا جعل إِلَيْهَا من ذَلِك من أَمرك بِيَدِك أَو اخْتَارِي
ولوقال لَهَا أَنْت طَالِق إِن دخلت هَذِه الدَّار لم يبطل ذَلِك أبدا وَكَانَت طَالقا مَتى مَا دخلت الدَّار فَهَذِهِ يَمِين يعْتق بهَا العَبْد
وَكَذَلِكَ قَوْله أَنْت طَالِق إِن تَكَلَّمت أَو أَنْت طَالِق إِن قُمْت(3/249)
أَو أَنْت طَالِق إِن حضتي فَهَذِهِ يَمِين أَيْضا يَقع بهَا عتق العَبْد وَطَلَاق الْمَرْأَة
- بَاب المساكنة فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
وَلَو أَن رجلا حلف بِاللَّه أَن لَا يساكن فلَانا وَلَا نِيَّة لَهُ فساكنه فِي دَار وكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَقْصُورَة وَحدهَا لم يَحْنَث فَإِن كَانَ نوى ذَلِك فقد ساكنه وَوَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَالْكَفَّارَة فَإِن كَانَ نوى حِين حلف أَن لَا يساكنه فِي بَيت أَو فِي حجرَة أَو فِي منزل وَاحِد(3/250)
يكونَانِ جَمِيعًا فِيهِ لم يَحْنَث حَتَّى يساكنه فِيمَا نوى وَكَذَلِكَ لَو سمى بَيْتا أَو لم يُسَمِّي بَيْتا وَلَو لم يُنَوّه ثمَّ ساكنه فِي قَرْيَة أَو فِي مَدِينَة وكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي دَار وَحدهَا لم يَحْنَث وَلم يَقع عَلَيْهِ الْيَمين إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك فَإِن نوى أَن لَا يساكنه فِي مَدِينَة وَلَا فِي قَرْيَة وَفِي مصر وَلم يسم ذَلِك أَو سمى ذَلِك فساكنه فِي شَيْء من ذَلِك حنثا وَلَا تكون المساكنة فِي ذَلِك إِلَّا لم يَنْوِي فِي دَار وَاحِدَة أَو بَيت وَاحِد
وَلَو حلف أَن لَا يساكنه فِي بَيت فَدخل عَلَيْهِ فِي بَيته زَائِرًا أَو أَضَافَهُ فَأَقَامَ فِي بَيته يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بمساكنة إِلَّا أَن يَنْوِي هَذَا وَإِنَّمَا المساكنة النقلَة إِلَيْهِ بمتاعه وَأَهله أَلا ترى أَن الرجل قد يمر بالقرية فيدخلها ويبيت فِيهَا ويقيل فِيهَا ثمَّ يَقُول مَا سكنتها(3/251)
قطّ فَيكون صَادِقا
وَلَو أَن رجلا كَانَ سَاكِنا فِي دَار فَحلف أَن لَا يسكنهَا وَلَا نِيَّة لَهُ ثمَّ أَقَامَ فِيهَا بعد يَمِينه يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك وَقع عَلَيْهِ حنث وَكَانَ قد سكنها فَيَنْبَغِي لَهُ حِين حلف أَن يخرج مِنْهَا من سَاعَته(3/252)
وَلَو أَن رجلا حلف أَن لَا يساكن فلَانا فِي دَار قد سَمَّاهَا بِعَينهَا فاقتسما الدَّار وَضَربا بَينهمَا حَائِطا ثمَّ فتح كل وَاحِد بَابا لنَفسِهِ ثمَّ سكن الْحَالِف فِي طَائِفَة وَالْآخر فِي طَائِفَة كَانَ قد ساكنه وَوَقع عَلَيْهِ الْحِنْث لِأَنَّهُ قد ساكنه فِيهَا بِعَينهَا
وَلَو حلف لَا يساكنه فِي منزل وَلم يكن لَهُ نِيَّة وَلم يسم دَارا بِعَينهَا وَكَانَت الدَّار قد قسمت قبل ذَلِك فضربا حَائِطا بَينهمَا وَفتح كل وَاحِد مِنْهُمَا بَابا لنَفسِهِ على حدا ثمَّ سكن الْحَالِف فِي أحد الْقسمَيْنِ وَالْآخر فِي الْقسم الآخر لم يَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَكَانَ على يَمِينه كَمَا هُوَ وَلم يكن عَلَيْهِ حنث وَلَا كَفَّارَة(3/253)
وَلَو حلف رجل لَا يساكن رجلا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فساكنه فِي دَار عَظِيمَة فِيهَا مقاصير فَكَانَ الْحَالِف فِي مَقْصُورَة يغلق عَلَيْهَا بَاب ويسكن الآخر فِي مَقْصُورَة أُخْرَى لم يَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَإِنَّمَا يَقع الْيَمين فِي هَذَا على منزل وَاحِد أَلا ترى لَو كَانَ سَاكِنا فِي نَاحيَة من الدَّار مثل دَار الْوَلِيد وَكَانَ الآخر فِي منزل فِي أقصاها أَنه لَا يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يساكن رجلا وَهُوَ يَعْنِي فِي بَيت وَاحِد فساكنه فِي منزل وكل وَاحِد فِي بَيت لم يَحْنَث
وَلَو حلف أَن لَا يساكنه فِي دَار فَهُوَ كَمَا عَنى إِن ساكنه فِي دَار حنث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يسكن دَارا بِعَينهَا فهدمت وبنيت بِنَاء آخر فسكنها وَلم يكن لَهُ نِيَّة فقد حلف لِأَنَّهَا تِلْكَ الدَّار بِعَينهَا(3/254)
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَار فلَان هَذِه فَبَاعَ فلَان دَاره تِلْكَ الَّتِي حلف عَلَيْهَا فسكنها الْحَالِف فَإِن كَانَ حِين حلف نوى مَا دَامَت لفُلَان فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث فَإِن لم يكن نوى ذَلِك فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهَا تِلْكَ الدَّار بِعَينهَا فِي قَول مُحَمَّد وَلَا يَحْنَث فِي قَول وَأبي يُوسُف(3/255)
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن بَيْتا فهدم ذَلِك الْبَيْت حَتَّى ترك صحراء ثمَّ بِنَا بَيْتا آخر فِي ذَلِك الْموضع فسكنه لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بذلك الْبَيْت وَهَذَا وَالدَّار مُخْتَلف قد تسمى الدَّار دَارا وَلَا بِنَاء فِيهَا وَلَا يُسمى الْبَيْت بَيْتا وَهُوَ صحراء وكل يَمِين حلف فِي هَذِه السُّكْنَى كلهَا بِعِتْق أَو طَلَاق أَو غير ذَلِك فَهُوَ سَوَاء
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَارا لفُلَان وَلم يسم دَارا بِعَينهَا وَلم ينوها فسكن دَارا لَهُ قد بَاعهَا لم يَحْنَث وَإِن سكن دَارا لَهُ(3/256)
قد اشْتَرَاهَا حنث وَإِنَّمَا يَقع الْيَمين على مَا يملك يَوْم يسكنهَا أَلا ترى أَنه لَو حلف لَا يَأْكُل من طَعَام لفُلَان فَأكل من طَعَام قد ابتاعه فلَان بعد تِلْكَ الْيَمين وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا حلف فالحلف على الدَّار الَّتِي يملك فلَان يَوْمئِذٍ وَإِن اشْترى دَارا أُخْرَى فسكنها أَو دَخلهَا لم يَحْنَث وَلَا يشبه الدَّار الطَّعَام وَالشرَاب
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَارا لفُلَان فسكن دَارا لفُلَان وَالْآخر لم يَحْنَث لِأَنَّهَا لَيست لفُلَان كلهَا وَلَو كَانَت لفُلَان كلهَا إِلَّا سَهْما مِنْهَا من مائَة سهم لم يَحْنَث الْحَالِف(3/257)
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَارا اشْتَرَاهَا فلَان فَاشْترى فلَان دَارا لغيره فسكنها الْحَالِف حنث إِلَّا أَن يكون نوى لَا يسكن دَارا اشْتَرَاهَا فلَان لنَفسِهِ وَإِن نوى ذَلِك لم يَحْنَث وَإِن كَانَ حلف بِعِتْق أَو طَلَاق لم يدين فِي قَضَاء وَوَقع عَلَيْهِ ذَلِك وَحنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن بَيْتا وَلَا نِيَّة لَهُ فسكن بَيْتا من شعر من بيُوت أهل الْبَادِيَة أَو فسطاطا أَو خيمة لم يَحْنَث الْحَالِف إِذا كَانَ من أهل الأحصار وَإِنَّمَا يَقع هَذَا على مَعَاني كَلَام النَّاس وَلَو كَانَ من أهل بادية فسكن بَيت شعر حنث(3/258)
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن بَيْتا لفُلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فسكن صفة لفُلَان حنث لِأَن الصّفة بَيت إِلَّا أَن يكون نوى الْبيُوت دون الصِّفَات فَإِن نوى ذَلِك لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف فِي هَذَا بِعِتْق أَو طَلَاق دين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يدين فِي الْقَضَاء وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَار فلَان هَذِه فسكن منزلا مِنْهَا فقد سكنها إِلَّا أَن يكون عَنى لَا يسكنهَا كلهَا فَإِن كَانَ عَنى ذَلِك لم يَحْنَث حَتَّى يسكنهَا كلهَا وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فسكنها حنث لِأَن كَلَام النَّاس على هَذَا يَقع وَكَذَلِكَ لَو حلف على هَذَا بِعِتْق أَو طَلَاق(3/259)
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَارا لفُلَان وَهُوَ يَعْنِي بِأَجْر وَلم يَقع قبل هَذَا كَلَام فسكنها بِغَيْر أجر فقد حنث وَلَا تغني عَنهُ النِّيَّة هَهُنَا شَيْئا لِأَنَّهُ لم يكن قبل هَذَا كَلَام يذكر فِيهِ الْأجر
وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يسكنهَا وَهُوَ يَعْنِي عَارِيا فسكنها بِأَجْر أَو سكنها على وَجه غير عَارِية فَإِنَّهُ يَحْنَث
- بَاب الدُّخُول فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل بَيْتا لفُلَان وَلم يسم بَيْتا بِعَيْنِه وَلم يُنَوّه وَلم يكن لَهُ نِيَّة فِي يَمِينه ثمَّ دخل بَيْتا لفُلَان هُوَ فِيهِ سَاكن(3/260)
فَأَنَّهُ يَحْنَث لِأَن هَذَا بَيت لفُلَان أَلا ترى أَنَّك تَقول بَيت فلَان ومنزل فلَان وَهُوَ سَاكن فِيهِ بِإِجَارَة أَو سُكْنى
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يدْخل على فلَان وَلم يسم شَيْئا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَدخل عَلَيْهِ فِي بَيته فَإِنَّهُ يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِن دخل عَلَيْهِ فِي بَيت لرجل آخر وَكَذَلِكَ لَو دخل عَلَيْهِ فِي صفة الْبَيْت وَالْبَيْت وَالصّفة سَوَاء لِأَن الصّفة بَيت وَلَو كَانَ الْحَالِف من أهل الْبَادِيَة فَحلف أَن لَا يدْخل عَلَيْهِ بَيْتا فَدخل عَلَيْهِ فِي بَيت شعر أَو بَيْتا مَبْنِيا كَانَ سَوَاء وَكَانَ يَحْنَث فِي ذَلِك(3/261)
وَلَو حلف رجل لَا يدْخل بَيْتا ابدا وَلم يكن لَهُ نِيَّة وَلم يسم شَيْئا فَدخل الْمَسْجِد لم يَحْنَث وَلَو دخل الْكَعْبَة لم يَحْنَث لِأَن الْكَعْبَة مصلى بِمَنْزِلَة الْمَسْجِد وكل شَيْء من المساكن يَقع عَلَيْهِ اسْم بَيت فَهُوَ بَيت يَحْنَث فِيهِ إِن دخله وكل شَيْء لَا يَقع عَلَيْهِ اسْم بَيت فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث أَلا ترى أَنه لَو دخل عَلَيْهِ فِي قبَّة أَو ظلة لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل بَيت فلَان هَذَا فهدم ذَلِك الْبَيْت حَتَّى صَار صحراء ثمَّ دخل ذَلِك الْمَكَان لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُسمى بَيْتا(3/262)
وَقد صَار صحراء وَلَو بنى فِي مَوْضِعه بَيْتا آخر فدخله لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بذلك الْبَيْت وَلَيْسَ الدَّار فِي هَذَا كالبيت
وَلَو حلف لَا يدْخل دَارا بِعَينهَا فهدمت تِلْكَ الدَّار حَتَّى صَارَت صحراء ثمَّ دَخلهَا حنث لِأَنَّهَا لَيست دَارا أُخْرَى وَكَذَلِكَ لَو بنيت دَارا أُخْرَى كَانَت تِلْكَ الدَّار بِعَينهَا وَالْبَيْت لَا يكون بَيْتا إِلَّا بِالْبِنَاءِ وَالدَّار قد تكون دَارا بِغَيْر بِنَاء
وَإِذا حلف الرجل ان لَا يدْخل على فلَان وَلم ينْو شَيْئا فَدخل الدَّار وَفُلَان فِيهَا لم يَحْنَث أَلا ترى أَن فلَانا لَو كَانَ فِي بَيت مِنْهَا لَا يرَاهُ الدَّاخِل لم يكن دَاخِلا عَلَيْهِ أَرَأَيْت لَو كَانَت دَارا عَظِيمَة فِيهَا منَازِل فَكَانَ فلَان فِي منزل مِنْهَا فَدخل الْحَالِف منزلا آخر مِنْهَا وَهُوَ يحْسب أَن فلَانا لم يَحْنَث وَلم يكن دَاخِلا على فلَان وَإِنَّمَا وَقع الْيَمين فِي هَذَا إِذا دخل عَلَيْهِ بَيْتا أَو صفة
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل على فلَان بَيْتا فَدخل بَيْتا وَفُلَان فِيهِ لَا يَنْوِي بذلك الدُّخُول عَلَيْهِ لم يَحْنَث أَرَأَيْت لَو نوى الدُّخُول على(3/263)
غَيره وَهُوَ الْبَيْت مَعَه أَكَانَ يَحْنَث إِنَّمَا دخل على غير الَّذِي حلف عَلَيْهِ
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يدْخل على فلَان دَارا فَدخل عَلَيْهِ فِي دَاره فَإِنَّهُ يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو نوى دَارا وَلم يسم
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل بَيْتا وَهُوَ فِيهِ دَاخل فَأَقَامَ فِيهِ بعد الْحلف أَيَّامًا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يدْخل وَلَيْسَ الدُّخُول فِي هَذَا كالسكنى أَلا ترى أَنه لم يسْتَقْبل دُخُولا مذ حلف وَالسُّكْنَى مَا أَقَامَ فِي الْبَيْت فَهُوَ لَهُ سَاكن أَلا ترى أَنه لَو قَالَ وَالله لأسكنن هَذَا الْبَيْت غَدا وَهُوَ فِيهِ يَوْم حلف سَاكن فَأَقَامَ فِيهِ حَتَّى مضى غَدا كَانَ سَاكِنا فِيهِ وَكَانَ قد بر فِي يَمِينه وَكَانَ سَاكِنا كَمَا قَالَ(3/264)
وَلَو قَالَ وَالله لأدخلنه غَدا ثمَّ أَقَامَ حَتَّى مضى غَدا حنث لِأَنَّهُ لم يدْخل كَمَا قَالَ قلت فَإِن نوى لأدخلنه غَدا أَن يُقيم فِيهِ كَمَا هُوَ فَفعل ذَلِك قَالَ هَذَا يبر وَلَا يَحْنَث إِذا نوى ذَلِك
وَإِذا قَالَ الرجل وَالله لَا أَدخل هَذِه الدَّار إِلَّا عَابِر سَبِيل فَدَخلَهَا ليقعد فِيهَا أَو دَخلهَا ليعود مَرِيضا فِيهَا أَو دَخلهَا ليطعم فِيهَا وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فَإِنَّهُ يَحْنَث وَلَكِن إِذا دَخلهَا مجتازا ثمَّ بدا لَهُ فَقعدَ فِيهَا لم يَحْنَث وَإِنَّمَا أَضَع الْيَمين إِذا حلف لَا يدخلهَا إِلَّا عَابِر سَبِيل مثل قَوْله وَالله لَا أدخلها إِلَّا مار الطَّرِيق وَالله لَا أدخلها إِلَّا مجتازا إِلَّا أَن يَنْوِي أَن لَا أدخلها يُرِيد النُّزُول فِيهَا فان نوى ذَلِك فانه يَسعهُ وَإِن دَخلهَا يُرِيد أَن يطعم فِيهَا أَو يقْعد لحَاجَة لَا يُرِيد الْمقَام فِيهَا فانه لَا يَحْنَث لأنهه كَذَلِك نوى(3/265)
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَار فلَان هَذِه فَبَاعَ فلَان دَاره تِلْكَ من آخر فَدَخلَهَا الْحَالِف وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه لَا يَحْنَث مَتى مَا دَخلهَا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يَحْنَث إِذا قَالَ هَذِه الدَّار فان كَانَ نوى حِين حلف أَن لَا يدخلهَا مَا دَامَت لفُلَان فَبَاعَهَا فلَان أَو خرجت من ملكه بِغَيْر بيع فَدَخلَهَا فانه لَا يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فانه يَحْنَث مَتى مَا دَخلهَا فِي قَول مُحَمَّد بن الْحسن أَلا ترى أَنه لَو قَالَ وَالله لَا أكلم صَاحب هَذِه الدَّار فَكَلمهُ بعد مَا بَاعهَا حنث أَلا ترى أَنه لَو قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا زوج فُلَانَة(3/266)
فَكَلمهُ بعد مَا طَلقهَا حنث أَو قَالَ وَالله لَا أكلم فُلَانَة امْرَأَة فلَان فكلمها بعد مَا طَلقهَا حنث وَكَذَلِكَ لَو قَالَ وَالله لَا أكلم عبد فلَان هَذَا فَكَلمهُ بعد مَا بَاعه فلَان أَو بعد مَا أعْتقهُ فانه يَحْنَث فِي قَول مُحَمَّد
وَإِذا قَالَ وَالله لَا أَدخل دَار فلَان هَذِه فَجَعلهَا فلَان بستانا أَو مَسْجِدا أَو جعلهَا غير ذَلِك فَدَخلَهَا لم يَحْنَث لِأَنَّهَا قد تَغَيَّرت عَن حَالهَا وَصَارَت غير دَار وَكَذَلِكَ لَو صنعت بيعَة أَو حَماما وَكَذَلِكَ لَو كَانَت دَارا صَغِيرَة فَجَعلهَا بَيْتا وَاحِدًا وأشرع بَابه إِلَى الطَّرِيق أَو إِلَى دَار فَدَخلَهَا لم يَحْنَث لِأَنَّهَا قد تَغَيَّرت وَصَارَت بَيْتا
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل لفُلَان دَارا وَلم يسم شَيْئا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَدخل دَارا قد بَاعهَا فلَان لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يدْخل لَهُ دَارا وَإِن دخل دَارا وَفُلَان فِيهَا بِإِجَارَة أَو بِغَيْر إِجَارَة فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد دخل دَار فلَان أَلا ترى أَنَّك تَقول دخلت منزل فلَان(3/267)
وَإِنَّمَا هُوَ فِيهِ بِأُجْرَة وَيَقُول الرجل هَذَا منزلي وَهَذِه دَاري وَهُوَ مَعَه بِالْأُجْرَةِ وَهَذَا فِي كَلَام النَّاس جَائِز
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل بَيْتا بِعَيْنِه فهدم سقف ذَلِك الْبَيْت وَبقيت حيطانه ثمَّ دخله حنث لِأَنَّهُ ذَلِك الْبَيْت أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا بَيت فلَان وَقد هدم سقفه
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَارا اشْتَرَاهَا فلَان وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَدخل دَارا اشْتَرَاهَا فلَان لغيره فانه يَحْنَث أَلا ترى أَن فلَانا هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهَا وَإِن كَانَ حِين حلف نوى لَا يدْخل دَارا اشْتَرَاهَا فلَان لنَفسِهِ فان النِّيَّة تسعه وَلَا يَحْنَث فِي دُخُوله هَذِه الدَّار(3/268)
وَإِذا اشْترى فلَان دَارا وَآخر مَعَه اشترياها جَمِيعًا لأنفسهما فَدَخلَهَا لم يَحْنَث لِأَن فلَانا لم يشترها كلهَا
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَار فلَان فاحتمله إِنْسَان فَأدْخلهُ وَهُوَ كَارِه لم يَحْنَث أَلا ترى أَنه إِنَّمَا أدخلها وَلم يدْخل هُوَ وَإِن أَمر رجلا فاحتمله فَأدْخلهُ فقد دخل وَحنث وَإِن دَخلهَا على دَابَّة فقد دخل وَحنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يضع قدمه فِي دَار فلَان فَدَخلَهَا رَاكِبًا أَو مَاشِيا عَلَيْهِ حذاء أَو لَيْسَ عَلَيْهِ حذاء فانه يَحْنَث لِأَن مَعَاني كَلَام(3/269)
النَّاس هَهُنَا إِنَّمَا تقع على الدُّخُول وَإِن كَانَ نوى حِين حلف أَن لَا أَضَع قدمي فِيهَا مَاشِيا فَدَخلَهَا رَاكِبًا لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَار فلَان فَقَامَ على حَائِط من حيطانها حنث وَلَو قَامَ فِي طابق بَاب الدَّار غير أَن الْبَاب إِذا أغلق كَانَ الرجل دونه وَكَذَلِكَ إِن حلف لَا يدْخل بَيْتا فَقَامَ فِي بَابه وَالْبَاب بَينه وَبَين الْبَيْت إِذا أغلق فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَلَو كَانَ دَاخِلا فِي الْبَيْت أَو فِي الدَّار فَحلف لَا يخرج فَقَامَ فِي مَوضِع وَالْبَاب إِذا أغلق كَانَ الرجل خَارِجا من الْبَيْت وَالدَّار فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهُ قد خرج(3/270)
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَارا فَأدْخل إِحْدَى رجلَيْهِ الدَّار وَلم يدْخل الْأُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يدْخل
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَارا لفُلَان بِعَينهَا فَدخل من حَائِط لَهَا ذليل حَتَّى قَامَ على سطح من سطوحها فقد دخل الدَّار وَلَو أَنه دخل بَيْتا من تِلْكَ الدَّار قد أشرع إِلَى السِّكَّة كَانَ قد دخل الدَّار وَحنث(3/271)
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَار فلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَدخل بَيْتا فِي علوها على الطَّرِيق الْأَعْظَم أَو دخل كنيفا مِنْهَا شَارِعا إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم حنث وَكَانَ هَذَا دُخُولا فِي الدَّار وَالله تَعَالَى أعلم
- بَاب الْخُرُوج فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
وَإِذا حلف الرجل على امْرَأَته بِالطَّلَاق أَو بالعتاق أَو بِيَمِين غير ذَلِك لاتخرج من الدَّار حَتَّى يَأْذَن لَهَا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَأذن لَهَا مرّة وَاحِدَة ثمَّ خرجت بعد ذَلِك يُغير إِذن لم يَقع عَلَيْهِ شَيْء من(3/272)
تِلْكَ الْأَيْمَان وَكَذَلِكَ لَو حلف بذلك لَا تخرج أبدا إِلَّا أَن يَأْذَن لَهَا فَإِن كَانَ نوى حِين حلف أَن لَا تخرج أبدا حَتَّى يَأْذَن لَهَا فِي كل مرّة فَخرجت مرّة بِإِذْنِهِ وَمرَّة بِغَيْر إِذْنه فَإِن الْيَمين يَقع عَلَيْهَا
وَإِذا حلف الرجل لَا تخرج امْرَأَته من منزله إِلَّا بِإِذْنِهِ أبدا فَحلف على ذَلِك بِعِتْق أَو طَلَاق فَخرجت مرّة بِإِذْنِهِ وَمرَّة أُخْرَى بِغَيْر إِذْنه فَإِنَّهُ يَحْنَث وَيَقَع عَلَيْهِ الْيَمين وَلَو لم يسم فِي ذَلِك أبدا كَانَ كَذَلِك أَيْضا فَإِن نوى بذلك مرّة وَاحِدَة فَإِنَّهُ إِن أذن لَهَا مرّة وَاحِدَة(3/273)
سَقَطت عَنهُ الْأَيْمَان
وَقَوله إِلَّا أَن آذن لَك مثل قَوْله حَتَّى آذن لَك وَمثل قَوْله حَتَّى يقدم فلَان وَقَوله إِلَّا بإذني مثل قَوْله لَا تخرجي أبدا إِلَّا رَاكِبًا أَو على دَابَّة أَو إِلَّا بِدَابَّة فَلَا بُد من أَن يكون ذَلِك مَعهَا فِي كل مرّة وَإِلَّا حنث
وَإِذا حلف الرجل على امْرَأَته لَا تخرج من بَيته فَخرجت إِلَى الدَّار فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهُ قد سمى الْبَيْت وَكَذَلِكَ لَو حلف رجل على(3/274)
رجل لَا يدْخل بَيته فَدخل دَاره لم يَحْنَث لِأَن الْحلف إِنَّمَا كَانَ على الْبَيْت
وَإِذا حلف الرجل على بعض أَهله أَن لَا تخرج من بَاب هَذِه الدَّار فَخرجت من هَذِه الدَّار من غير الْبَاب لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يدْخل من بَاب هَذِه الدَّار بَابا بِعَيْنِه فَدخل من غير الْبَاب لم يَحْنَث وَلَو أحدث للدَّار بَابا آخر فَخرج مِنْهُ أَو دخل مِنْهُ حنث(3/275)
إِلَّا أَن يكون قَالَ من هَذَا الْبَاب فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَن الْيَمين وَقعت على الْبَاب الأول وَهَذَا بَاب آخر وَالْبَيْت فِي هَذَا وَالدَّار سَوَاء
وَلَو حلف لَا تخرج من الدَّار فاحتملها هُوَ فأخرجها لم يَحْنَث لِأَنَّهَا لم تخرج إِنَّمَا أخرجت وَكَذَلِكَ لَو احتملها غَيره فأخرجها إِلَّا أَن تكون هِيَ امْرَأَته فَتكون هِيَ الَّتِي خرجت وَيَقَع عَلَيْهَا الْيَمين وَإِذا حلف على أحد من أَهله لَا يخرج من الْمنزل إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ فَأذن لَهُ حَيْثُ لَا يسمع وَلم يكن حَاضرا لذَلِك فَإِن هَذَا لَا يكون بِإِذن وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف إِن هَذَا إِذا حضر أَو لم يحضر(3/276)
وَإِذا حلف الرجل على بعض أَهله لَا يخرج من الْمنزل إِلَّا فِي كَذَا وَكَذَا فَخرجت فِي ذَلِك الشَّيْء مرّة ثمَّ خرجت فِي غَيره فَإِنَّهُ يَحْنَث فَإِن كَانَ عَنى أَن لَا تخرج هَذِه الْمرة إِلَّا فِي كَذَا وَكَذَا فَخرجت فِي تِلْكَ الْمرة ثمَّ خرجت فِي غير ذَلِك لم يَحْنَث وَإِذا خرجت لذَلِك الشَّيْء الَّذِي حلف عَلَيْهِ ثمَّ بدا لَهَا فَانْطَلَقت فِي غَيره وَلم تَنْطَلِق فِي ذَلِك لم يَحْنَث لِأَن الْخُرُوج كَانَ فِي الَّذِي حلف عَلَيْهِ بِعَيْنِه وَلَا يفْسد ذَلِك انطلاقها فِي غَيره
وَإِذا حلف الرجل على بعض أَهله لَا يخرج مَعَ فلَان من الْمنزل(3/277)
وَلَا نِيَّة لَهُ فَخرج مَعَه غَيره ثمَّ خرج فلَان فَلحقه لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يدْخل فلَان عَلَيْهَا بَيْتا فَدخل فلَان الْبَيْت وَلَيْسَت الْمَرْأَة فِيهِ ثمَّ دخلت الْمَرْأَة بعد ذَلِك الْبَيْت وَفُلَان فِيهِ فاجتمعا جَمِيعًا لم يَحْنَث لِأَن فلَانا لم يدْخل عَلَيْهَا إِنَّمَا هِيَ الَّتِي دخلت عَلَيْهِ
وَلَو حلف رجل على بعض أَهله أَن لَا يخرج من الدَّار فَدخل بَيْتا فِي علوها أَو كنيفا شَارِعا إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم لم يكن هَذَا خُرُوجًا من الدَّار وَلم يَحْنَث لِأَنَّهَا فِيهَا بعد لِأَن الكنيف من الدَّار والعلو من الدَّار
- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْيَمين فِي أكل الطَّعَام
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل طَعَاما وَلَا يشرب شرابًا فذاق من ذَلِك شَيْئا وَلم يدْخلهُ جَوْفه وَلَا حلقه فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث فَأَما إِذا قَالَ(3/278)
لَا أَذُوق طَعَاما وَلَا أَذُوق شرابًا فذاق شَيْئا من ذَلِك لم يدْخل جَوْفه فَإِنَّهُ يَحْنَث وَإِن عَنى شربه وَأكله فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث حَتَّى يشربه ويأكله فَأَما إِذا قَالَ لَا أَذُوق طَعَاما وَلَا أَذُوق شرابًا وَلَا نِيَّة لَهُ فذاق شَيْئا من ذَلِك وَلم يدْخل جَوْفه فَإِنَّهُ يَحْنَث أَلا ترى أَن الصَّائِم يَقُول قد ذقت كَذَا وَكَذَا وَلَا يفطره ذَلِك وَلَو تمضمض فِي وضوء الصَّلَاة لم يَحْنَث وَلم يكن هَذَا من الذَّوْق وَإِنَّمَا الذَّوْق عندنَا مَا دخل فَاه يُرِيد أَن يعلم مَا طعمه
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل شَيْئَيْنِ من الطَّعَام فسماهما فَقَالَ وَالله لَا آكل كَذَا وَكَذَا فَأَيّهمَا أكل حنث أَلا ترى أَنه لَو قَالَ وَالله(3/279)
لَا آكل قَلِيلا وَلَا كثيرا حنث وَلَو قَالَ وَالله لَا أَذُوق طَعَاما وَلَا شرابًا فذاق أَحدهمَا حنث وَكَذَلِكَ لَو قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا أَو فلَانا فَأَيّهمَا كلم حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل لَحْمًا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَأكل سمكًا لم يَحْنَث لِأَن اللَّحْم هُنَا وَالْيَمِين إِنَّمَا يَقع على مَعَاني كَلَام النَّاس أَلا ترى أَنه لَو أكل ربيثا أَو صحناء أَو صيرا أَو كنعدا لم يَحْنَث(3/280)
وَلم يكن هَذَا من اللَّحْم وَإِن كَانَ يَوْم حلف عَنى السّمك مَعَ اللَّحْم فَأَكله حنث والطري والمالح فِي ذَلِك سَوَاء أَلا ترى إِلَى قَول الله تبَارك وَتَعَالَى فِي كِتَابه {لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طريا}(3/281)
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل لَحْمًا وَلَا نِيَّة فَأَي لحم أكل فانه يَحْنَث إِن أكل لحم غنم أَو إبل أَو بقر أَو طير مشوي أَو مطبوخا أَو صفيفا فانه يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو أكل شَيْئا من الْبُطُون والرؤوس وَكَذَلِكَ(3/282)
لَو أكل شحما مِمَّا يكون مَعَ اللَّحْم حنث فَأَما إِذا كَانَ من شَحم الْبَطن فانه لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك لِأَن الشَّحْم غير اللَّحْم وَكَذَلِكَ لَو أكل من الألية شَيْئا فانه لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك لِأَن الشَّحْم والألية غير اللَّحْم(3/283)
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل إدَامًا وَلَا نِيَّة لَهُ فالإدام عندنَا اللَّبن وَالزَّيْت والخل والزبد وَأَشْبَاه ذَلِك فان أكل شَيْئا من ذَلِك حنث وَإِذا أكل جبنا أَو بيضًا أَو مَا أشبه ذَلِك مِمَّا لَا يؤتدم بِهِ لم يَحْنَث(3/284)
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يَحْنَث فِي كل شَيْء يُؤْكَل مَعَ الْخبز مِمَّا الْغَالِب عَلَيْهِ ذَلِك مثل اللَّحْم المشوي والجبن وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ أَدَم كُله يَحْنَث(3/285)
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل من طَعَام فلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَاشْترى فلَان طَعَاما بعد الْيَمين فَأكل مِنْهُ فانه يَحْنَث مَا كَانَ فِي ملكه يَوْم حلف الْحَالِف وَمَا أصَاب بعد ذَلِك فَهُوَ سَوَاء أَلا ترى أَنه طَعَامه وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يدْخل منزلا فَاشْترى منزلا فدخله
وَإِذا اشْترى الْحَالِف من طَعَام الْمَحْلُوف عَلَيْهِ أَو وهبه لغيره فَاشْتَرَاهُ أَو اشْتَرَاهُ غَيره فَأكل مِنْهُ الْحَالِف لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَام لفُلَان الْمَحْلُوف عَلَيْهِ
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل طَعَاما يَنْوِي طَعَاما بِعَيْنِه أَو حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا يَنْوِي لَحْمًا بِعَيْنِه فَأكل غَيره من اللَّحْم أَو غَيره من الطَّعَام فانه لَا يَحْنَث
وَلَو حلف على ذَلِك بِعَيْنِه أَو طَلَاق لم يَحْنَث فِيمَا بَينه وَبَين الله(3/286)
تَعَالَى فَأَما فِي الْقَضَاء فانه لَا يدين فِي ذَلِك وَيَقَع عَلَيْهِ الْعتْق وَالطَّلَاق
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل شواء وَهُوَ يَنْوِي كل شَيْء يشوي فَأَي ذَلِك أكل فانه يَحْنَث فان لم يكن لَهُ نِيَّة فَلَا يَقع هَذَا إِلَّا على(3/287)
اللَّحْم فَإِن أكل لَحْمًا مشويا حنث وَإِن أكل غَيره مِمَّا يشوي لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل رَأْسا وَهُوَ يَنْوِي الرؤوس كلهَا من السّمك وَالْغنم وَغَيرهَا فَأَي ذَلِك مَا أكل فانه يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَلَا يَقع هَذَا إِلَّا على الْغنم وَالْبَقر لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تبَاع فعلَيْهَا يَقع مَعَاني كَلَام النَّاس وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما الْيَوْم فَإِنَّمَا الْيَمين فِيهَا على رُؤْس الْغنم خَاصَّة(3/288)
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل بيضًا وَهُوَ يَنْوِي بيض كل شَيْء من الطير والسمك وَغَيره فَأَي ذَلِك مَا أكل حنث فان لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنَّمَا يَقع هَذَا على بيض الطير من الدَّجَاج والإوز وَغَيره من الطير فان أكل غَيره لم يَحْنَث وَإِن أكل شَيْئا مِنْهُ حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل طبيخا وَهُوَ يَنْوِي كل شَيْء يطْبخ من اللَّحْم وَغَيره فَأكل شَيْئا من ذَلِك فانه يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنَّمَا يَقع هَذَا على اللَّحْم فان كَانَ أكل شَيْئا من ذَلِك مطبوخا حنث وَاللَّحم كُله فِي ذَلِك وَغَيره سَوَاء وَإِن أكل غير لحم(3/289)
لم يَحْنَث فِي قَول أبي يُوسُف وَالْقِيَاس فِي هَذَا أَنه يَحْنَث فِي اللَّحْم وَغَيره
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل فَاكِهَة وَلَا نِيَّة لَهُ فَأكل عنبا أَو رمانا أَو رطبا فانه لَا يَحْنَث أَلا ترى إِلَى قَول الله تَعَالَى فِي كِتَابه {فَاكِهَة ونخل ورمان} وَقَالَ فِي مَوضِع آخر {وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِق غلبا وَفَاكِهَة وَأَبا} فَأخْرج الْعِنَب من الْفَاكِهَة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد نرَاهُ حانثا وَإِذا أكل(3/290)
من صنوف الْفَاكِهَة شَيْئا فانه يَحْنَث فان كَانَ حِين حلف نوى الْعِنَب وَالرُّمَّان وَالرّطب فَأكل من ذَلِك شَيْئا فانه يَحْنَث وَلَا يدْخل فِي الْفَاكِهَة القثاء وَلَا الْخِيَار وَلَا الجزر وَلَا أشباه ذَلِك فَأَما المشمش والتين والخوخ والبطيخ وَأَشْبَاه ذَلِك فان هَذَا كُله يدْخل فِي الْفَاكِهَة(3/291)
وَكَذَلِكَ الْفَاكِهَة الْيَابِسَة يدْخل فِيهَا اللوز والجوز وَأَشْبَاه ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لايأكل هَذَا الطَّعَام الْيَوْم فَأَكله غَيره فِي ذَلِك الْيَوْم فانه لَا يَقع عَلَيْهِ الْحِنْث لِأَنَّهُ وَقت وقتا فَذهب الطَّعَام قبل ذهَاب ذَلِك الْوَقْت وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا حلف ليأكلن هَذَا الطَّعَام الْيَوْم فَأَكله غَيره حنث إِذا(3/292)
غربت الشَّمْس أَلا ترى أَن لَهُ مُدَّة موقتة وَلَو أكل فِيهِ الطَّعَام بر فِي يَمِينه وَلَا يَقع عَلَيْهِ الْيَمين والحنث قبل أَن تمْضِي الْمدَّة وَكَذَلِكَ كل شَيْء حلف عَلَيْهِ ليفعلنه وَوقت لذَلِك وقتا وَحلف على ذَلِك بِطَلَاق أَو عتاق أَو غير ذَلِك فَذهب ذَلِك الَّذِي حلف عَلَيْهِ قبل أَن يمْضِي الْوَقْت لم يَحْنَث وَلم يَقع عَلَيْهِ الْيَمين فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَيحنث فِي قَول أبي يُوسُف إِذا كَانَ ذَلِك الشَّيْء الَّذِي قد حلف عَلَيْهِ قد ذهب حَتَّى لَا يقدر عَلَيْهِ أَرَأَيْت رجلا حلف ليأكلن هَذَا الطَّعَام غَدا فَأَكله الْيَوْم أَو حلف ليقضين هَذَا الرجل غَدا فقضاه الْيَوْم أما كَانَ هَذَا قدير وَلَا يَقع عَلَيْهِ الْيَمين وَلَا حنث فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَفِي قَول أبي يُوسُف يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل ليأكلن هَذَا الطَّعَام وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا فَأَكله غَيره فان الْحَالِف يَقع عَلَيْهِ الْيَمين والحنث أَلا ترى أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْكُل ذَلِك الطَّعَام وَأَنه لَيْسَ لَهُ فِيهِ مُدَّة وَقتهَا لنَفسِهِ فِي أكله وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ الْحَالِف قبل أَن يَأْكُلهُ وَالطَّعَام قَائِم بِعَيْنِه فقد وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين وَكَذَلِكَ كل شَيْء حلف عَلَيْهِ من طَعَام أَو شراب بِطَلَاق أَو عتاق فَمَاتَ قبل أَن يَفْعَله فانه يَحْنَث وَوَقع عَلَيْهِ الْيَمين مَا كَانَ من طَلَاق أَو عتاق أَو غَيره وَلَو كَانَت لَهُ مُدَّة قد وَقتهَا فِي يَمِينه ثمَّ مَاتَ قبل(3/293)
أَن يفعل ذَلِك وَقبل تِلْكَ الْمدَّة لم يَحْنَث وَلَو مَضَت الْمدَّة وَهُوَ حَيّ وَالَّذِي حلف عَلَيْهِ قَائِم بِعَيْنِه فقد وَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَقَالَ زفر إِذا خلت(3/294)
الْمدَّة وَقد هلك ذَلِك الشَّيْء حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل من طَعَام يَشْتَرِيهِ فلَان فَأكل من طَعَام اشْتَرَاهُ فلَان وَآخر مَعَه فانه يَحْنَث إِلَّا أَن يَنْوِي أَن يَشْتَرِيهِ هُوَ وَحده أَلا ترى أَن فلَانا قد اشْترى بعضه وَأَن الَّذِي اشْترى فلَان طَعَام وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَأْكُل من طَعَام يملكهُ فلَان وَلَو قَالَ لَا ألبس ثوبا يَشْتَرِيهِ فلَان أَو يملكهُ فلَان فَلبس ثوبا اشْتَرَاهُ فلَان وَآخر مَعَه لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لم يشتره فلَان كُله وَإِذا اشْترى بعضه أَو ملك بعضه فَلَيْسَ ذَلِك الْبَعْض بِثَوْب أَلا ترى أَنه لَو قَالَ هَذَا الثَّوْب لفُلَان كذب وَلَو قَالَ هَذَا الطَّعَام لفُلَان يَعْنِي بعضه صدق وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا حلف ليأكلن هَذَا الطَّعَام الْيَوْم فَأَكله إِنْسَان آخر ثمَّ مضى الْيَوْم فانه يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل من هَذَا الدَّقِيق شَيْئا فَأكل من خبزه وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه يَحْنَث لِأَن الدَّقِيق هَكَذَا يُؤْكَل وَإِن كَانَ عَنى حِين حلف لَا يَأْكُل الدَّقِيق بِعَيْنِه لم يَحْنَث فَأَما إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنَّمَا يَقع هَذَا على مَا يضع النَّاس وَلَو حلف لَا يَأْكُل من هَذِه الْحِنْطَة شَيْئا وَهُوَ يَعْنِي أَن يأكلها حبا كَمَا هِيَ فَأكل مِمَّا يخبز مِنْهَا أَو من سويقها لم يَحْنَث وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَأكل من خبزها فان أَبَا حنيفَة قَالَ إِنَّه لَا يَحْنَث وَإِنَّمَا يضع من يَقُول هَذَا القَوْل الْيَمين على الْقيَاس يَقُول لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يأكلها حبا وَالْقَوْل الآخر قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن الْيَمين إِنَّمَا هِيَ على مَا يضع النَّاس فَإِذا أكل من خبزها حنت إِلَّا أَن يَعْنِي الْحبّ بِعَيْنِه(3/295)
وَإِذا أكل الرجل من سويقها لم يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا الْخبز حِنْطَة وَيَقُول الرجل أكلنَا أَجود حِنْطَة فِي الأَرْض يَعْنِي الْخبز
وَإِن حلف الرجل لَا يَأْكُل من هَذَا الطّلع شَيْئا فَأكل مِنْهُ(3/297)
بعد مَا صَار يسرا لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَأْكُل من هَذَا الْبُسْر شَيْئا فَأكل مِنْهُ بعد مَا صَار رطبا أَو تَمرا لم يَحْنَث أَلا ترى انه(3/298)
لَو أكل من خل جعل من ذَلِك التَّمْر لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد تغير وَخرج من ذَلِك الْجِنْس
وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَأْكُل من هَذَا اللَّبن شَيْئا فَأكل مِنْهُ حِين صنع مِنْهُ جبن أَو أقط أَو شيراز لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد تغير حَاله أَلا ترى أَنه لَو حلف أَنه لَا يَأْكُل طَعَاما وَقَالَ عنيت لونا من الطَّعَام فَأكل غَيره فانه لَا يَحْنَث وَلَو كَانَت يَمِينه بِعِتْق أَو طَلَاق لم يَقع عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فِي ذَلِك وَأما فِي الْقَضَاء فانه يَقع عَلَيْهِ فِي ذَلِك الطَّلَاق وَالْعتاق وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل هَذَا السويق فشربه شربا لم يَحْنَث لِأَن الشّرْب غير الْأكل(3/299)
وَلَو حلف ليأكلن هَذَا السويق فَأَكله كُله إِلَّا حَبَّة أَو شبهها كَانَ قد بر وَلم يكن عَلَيْهِ الْحِنْث وَلَو حلف ليأكلن هَذِه الرمانة فَأكلهَا إِلَّا حَبَّة أَو نَحْوهَا كَانَ قد بر وَلم يَحْنَث لِأَن هَذَا مَعَاني كَلَام النَّاس إِلَّا أَن يَعْنِي أَن يأكلها فَلَا يتْرك مِنْهُ شَيْئا
وَلَو حلف فَقَالَ لامرأتين لَهُ أيتكما أكلت هَذِه الرمانة فَهِيَ طَالِق فآكلتها الْمَرْأَتَانِ كلتاهما لم يَقع على وَاحِدَة مِنْهُمَا شَيْء لِأَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا لم تأكلها كلهَا وَكَذَلِكَ لَو أكلت إِحْدَاهمَا الثُّلثَيْنِ وَالْأُخْرَى الثُّلُث(3/300)
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل سمنا فَأكل سويقا قد لت وأوسع بالسمن حَتَّى يستبين فِيهِ طعمه وَيُوجد فِيهِ مكانة فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد أكل سمنا وَكَذَلِكَ كل شَيْء أكله وَفِيه سمن يُوجد فِيهِ طعمه ويستبين فِيهِ فانه يَحْنَث وَإِن كَانَ لَا يُوجد طعمه وَلَا يرى(3/301)
مَكَانَهُ لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل هَذِه التمرة فاختلطت بِتَمْر فَأكل(3/302)
ذَلِك التَّمْر فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد أكل التمرة الَّتِي حلف فِيهَا وَلَو حلف على مثل ذَلِك على بَيْضَة أَو جوزة كَانَ ذَلِك كُله سَوَاء
وَإِذا حلف أَن لَا يَأْكُل شَيْئا من سمن نظر إِلَيْهِ فِي إِنَاء فخلط ذَلِك السّمن بِعَسَل حَتَّى غلب عَلَيْهِ الْعَسَل وَلم ير فيع من السّمن شَيْئا وَلم يجد لَهُ طعما فَأكل ذَلِك الْعَسَل لم يَحْنَث لِأَن السّمن قد ذهب وَتغَير وَكَذَلِكَ كل شَيْء خلط بِهِ ذَلِك السّمن حَتَّى يغلب عَلَيْهِ ذَلِك الشَّيْء فَلَا يُوجد للسمن طعم وَلَا يرى مَكَانَهُ لم يَحْنَث إِذا أكله وَلَيْسَ هَذَا كالجوزة والبيضة وَأَشْبَاه ذَلِك لِأَن هَذَا لم يخْتَلط وَإِن كَانَ لَا يعرف لِأَنَّهُ على حَاله لم يخالطه شَيْء
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل شَعِيرًا فَأكل حِنْطَة فِيهَا شعير حَبَّة حَبَّة وَلم يكن لَهُ نِيَّة فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد أكل شَعِيرًا(3/303)
وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل شحما فَأكل لَحْمًا يخالطه شَحم لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لحم عِنْد النَّاس وَلَيْسَ هُوَ بالشحم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَحْنَث أَلا ترى أَنه لَو حلف لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْترى حِنْطَة فِيهَا شعير لم يَحْنَث لِأَن الشرى على الْحِنْطَة وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَشْتَرِي حِنْطَة فَاشْترى شَعِيرًا فِيهِ حِنْطَة وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل شَعِيرًا حبا فَأكل حِنْطَة فِيهَا حب شعير حَبَّة حَبَّة فانه يَحْنَث(3/304)
لِأَن الْأكل مُخَالف للشراء لِأَن الْأكل قد وَقع هَهُنَا على الشّعير والشرى قد وَقع على الْحِنْطَة
وَإِن حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل بسرا فَأكل بسرا مذنبا وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه يَحْنَث وَإِذا حلف أَن لَا يَأْكُل رطبا فَأكل ذَلِك الْبُسْر المذنب فَفِي هَذَا قَولَانِ قَول إِنَّه يَحْنَث وَإِن هَذَا المذنب يَقع عَلَيْهِ اسْم الْبُسْر وَاسم الرطب وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَالْقَوْل الآخر إِنَّه بسر وَلَيْسَ برطب حَتَّى يرطب مِنْهُ مَا يُسمى رطبا وَهَذَا لَا يَحْنَث وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ زفر إِذا وَقع عَلَيْهِ اسْم الرطب حنث وَإِذا لم يَقع لم يَحْنَث وَبِه نَأْخُذ
وَلَو حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل بسرا فَأكل رطبا وَفِي الرطب شَيْء من الْبُسْر لم يَحْنَث فِي قَول أبي يُوسُف لِأَن هَذَا الَّذِي فِي الرطب(3/305)
لَا يُسمى بسرا وَأما فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد فانه يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل من هَذَا الْعِنَب شَيْئا فَأكل مِنْهُ بعد مَا صَار زبيبا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بعنب قد خرج من ذَلِك الْجِنْس وَنسب إِلَى غَيره
وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل جوزا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأكل مِنْهُ رطبا أَو يَابسا فانه يَحْنَث وَكَذَلِكَ كل شَيْء من هَذَا الضَّرْب مثل اللوز والجوز والفستق والتين وَأَشْبَاه ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل من الحلو شَيْئا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي شَيْء مَا أكل من الحلو فانه يَحْنَث من خبيص أَو عسل أَو سكر أَو ناطف(3/306)
أَو أثباه ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل خبيصا فَأكل مِنْهُ رطبا أَو يَابسا حنث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل شَيْئا فأكره على ذَلِك الشَّيْء حَتَّى أكل مِنْهُ فانه يَحْنَث وَالْمكْره على هَذَا وَغَيره سَوَاء
وَلَو استحلفه رجل وأكره حَتَّى حلف لَا يَأْكُل شَيْئا ثمَّ أكل بعد ذَلِك فانه يَحْنَث وَالْمكْره على الْأكل وَغير الْمُكْره سَوَاء
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل شَيْئا ثمَّ أَصَابَهُ مرض فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ أَو ذهب عقله فَأكل مِنْهُ فانه يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو أَصَابَهُ فَأكل حنث(3/307)
وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ حلف وَهُوَ صَحِيح
وَإِذا حلف الرجل وَهُوَ ذَاهِب الْعقل ثمَّ أكل وَهُوَ صَحِيح لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف وَهُوَ صَغِير ثمَّ أكل بعد مَا أدْرك وَكبر لم يَحْنَث وَلم يكن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَن الْحِنْث لم يجب عَلَيْهِ يَوْم الْحلف
وَلَو حلف وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم ثمَّ حنث فِي يَمِينه لم يجب عَلَيْهِ شَيْء(3/308)
وَإِذا حلف لَا يَأْكُل تَمرا وَلَيْسَ لَهُ نِيَّة فَأكل قسبا لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو أكل بسرا مطبوخا فان كَانَ نوى ذَلِك حِين حلف فَأكل مِنْهُ فانه يَحْنَث قَالَ أَبُو يَعْقُوب وَقَالَ مُحَمَّد بن العنبر قَالَ عُثْمَان إِن حلف بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل قسبا فانه يَحْنَث لِأَن القسب بِالْفَارِسِيَّةِ خشكيز
وَإِذا حلف لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل رطبا لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون عَنى ذَلِك فَأَكله حنث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنَّمَا أَضَع الْيَمين فِي هَذَا على مَعَاني كَلَام النَّاس
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل طَعَاما قد سَمَّاهُ بِعَيْنِه فَأدْخلهُ فِي يفيه فمضغه ثمَّ أَلْقَاهُ من فِيهِ وَلم يدْخل فِي جَوْفه لم يَحْنَث وَلَو مضغه حَتَّى(3/309)
يدْخل فِي جَوْفه من مَائه لم يَحْنَث أَلا ترى أَنه لم يَأْكُل وَأَن الْأكل لَيْسَ بالمضغ وَلَو مصه فَدخل جَوْفه طعمه وَلم يدْخل مِنْهُ غير ذَلِك لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِأَكْل أَرَأَيْت لَو غسله فَشرب مَاءَهُ أَكَانَ أكل شَيْئا قَالَ لَا
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل حبا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي الْحبّ مَا أكل من سمسم أَو غَيره فانه يَحْنَث لِأَن كل شَيْء يَقع عَلَيْهِ اسْم الْحبّ مِمَّا يَأْكُل النَّاس فانه يدْخل فِي يَمِينه وَيَقَع عَلَيْهِ الْحِنْث إِذا أكله فان عَنى شَيْئا من ذَلِك بِعَيْنِه أَو سَمَّاهُ فانه يَحْنَث إِن أكل ذَلِك وَلَا يَحْنَث إِن أكل غَيره
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل عسلا أَو لَبَنًا أَو سويقا فَشرب شَيْئا من ذَلِك شربا فانه لَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ كل شَيْء يُؤْكَل وَيشْرب إِذا حلف لَا يَأْكُلهُ فشربه لم يَحْنَث لِأَن الشّرْب غير الْأكل وَإِذا حلف لَا يشرب فَأَكله لم يَحْنَث لِأَن الشّرْب غير الْأكل
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل خبْزًا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأكل خبز الشّعير فانه يَحْنَث لِأَن خبز الشّعير وَالْحِنْطَة فِي هَذَا سَوَاء وَهُوَ خبز كُله(3/310)
وَإِن أكل من سوى خبز الْحِنْطَة وَالشعِير فانه لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك فان نَوَاه حنث وَإِن أكل جوزينج أَو أشباه ذَلِك لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك فان نَوَاه حنث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة لم يَحْنَث فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسمى خبْزًا(3/311)
وَإِن حلف لَا يَأْكُل خبْزًا فَأكل خبز الْأرز وَنَحْوه من الذّرة وَغَيرهَا فان كَانَ من أهل بلد ذَلِك طعامهم حنث وَإِن كَانَ من أهل الْكُوفَة وَنَحْوهم مِمَّا لَا يَأْكُل ذَلِك عامتهم لم يَحْنَث إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل حَيْسًا فانه يَحْنَث لِأَن هَذَا هُوَ التَّمْر بِعَيْنِه لم يغلب عَلَيْهِ شَيْء
وَإِن دخل رجل على رجل فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاء فَحلف أَن لَا يتغدى بِطَلَاق أَو عتاق أَو غَيره وَلَا نِيَّة لَهُ ثمَّ قَامَ إِلَى أَهله فتغدى هُنَاكَ(3/312)
لم يَحْنَث لِأَنَّهُ يَمِينه إِذا وَقعت جَوَابا لكَلَام الرجل وَكَذَلِكَ لَو قَالَ كل معي فَحلف لَا يَأْكُل مَعَه إِنَّمَا يَقع هَذَا جَوَاب الْكَلَام إِلَّا أَن يَنْوِي غَيره فَيكون مَا نوى
- بَاب كَفَّارَة الْيَمين فِي الشّرْب فِي قَول مُحَمَّد
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب شرابًا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي شراب شرب من المَاء وَغَيره فانه يَحْنَث وَإِن كَانَ سمى شرابًا بِعَيْنِه فَشرب غَيره لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو نوى شرابًا بِعَيْنِه فَحلف على ذَلِك بِعِتْق أَو طَلَاق وَلم يسم الشَّرَاب فَشرب غير الَّذِي نوى فانه يدين ويسعه فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يدين فِي الْقَضَاء(3/313)
وَإِذا حلف لَا يشرب نبيذا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي نَبِيذ شرب فانه يَحْنَث والأنبذة فِي ذَلِك كلهَا سَوَاء(3/314)
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب لَبَنًا أبدا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي لبن شرب من ألبان الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم حنث وَإِن صب لبن فِي مَاء فَشرب مِنْهُ فان كَانَ اللَّبن غَالِبا على المَاء يُوجد طعمه وَيرى فِيهِ فَهَذَا لبن وَهُوَ يَحْنَث إِن شرب وَإِن كَانَ المَاء هُوَ الْغَالِب حَتَّى لَا يرى اللَّبن فِيهِ وَلَا يُوجد طعمه فانه لَا يَحْنَث أَلا ترى أَن هَذَا مَاء
وَلَو أَن رجلا حلف لَا يشرب مَاء فَشرب نبيذا لم يَحْنَث وَفِي النَّبِيذ مَاء لِأَن المَاء هَهُنَا قد تغير
وَلَو حلف رجل لَا يشرب لَبَنًا أَو عسلا فأوجر ذَلِك وجورا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يشرب وَكَذَلِكَ لَو صب فِي حلقه وَهُوَ كَارِه
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب نبيذا فَشرب سكرا لم يَحْنَث لِأَن(3/315)
هَذَا لَيْسَ بنبيذ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يشرب السكر وإثمه أعظم من الْحِنْث وَالْكَفَّارَة وَلَو شرب بختجا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بنبيذ وَلَو شرب عصيرا لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بنبيذ وَإِنَّمَا يَقع هَذَا على مَا يُسمى نبيذا
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب مَعَ فلَان شرابًا فشربا فِي مجْلِس وَاحِد من شراب وَاحِد فانه يَحْنَث وَإِن كَانَ الْإِنَاء الَّذِي يشربان فِيهِ مُخْتَلفا لِأَن الشَّرَاب هَكَذَا يكون وَإِن اخْتلفت آنيتهم أَلا ترى أَنه يُقَال فلَان يشرب مَعَ فلَان فان شرب الْحَالِف من شراب وَشرب الآخر من شراب غَيره وَقد ضمهما مجْلِس وَاحِد فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد شرب مَعَ فلَان إِلَّا أَن يكون نوى حِين حلف من شراب وَاحِد(3/316)
أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَا آكل مَعَ فلَان طَعَاما أبدا فأكلا على مائدة وَاحِدَة من طَعَام مُخْتَلف حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَذُوق شرابًا وَلَا نِيَّة لَهُ فذاقه بِلِسَانِهِ وَلم يدْخل جَوْفه مِنْهُ شَيْئا فانه يَحْنَث والذوق مَا أَدخل فَمه يُرِيد أَن يعلم مَا طعمه إِلَّا أَن يكون عَنى أَن يدْخلهُ جَوْفه
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب شرابًا فمضغ رمانة أَو شبهها فمص مَاءَهُ ثمَّ ألْقى مَا بَقِي لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بشراب وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يَأْكُلهُ لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِأَكْل
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب المَاء وَلَا نِيَّة لَهُ فَشرب من المَاء شَيْئا قَلِيلا أَو كثيرا حنث وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يَأْكُل الطَّعَام فَأكل مِنْهُ شَيْئا يَسِيرا حنث وَإِنَّمَا معنى الْيَمين هَا هُنَا أَن يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا وَإِن كَانَ حِين حلف إِنَّمَا عَنى المَاء كُله أَو الطَّعَام كُله لم يَحْنَث أبدا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يشرب المَاء كُله وَلَا يَأْكُل الطَّعَام كُله
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَا أشْرب شراب فلَان وَلَا آكل طَعَام فلَان أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَا أَذُوق المَاء حنث إِذا ذاق بعضه إِلَّا أَن(3/317)
يكون عَنى أَن لَا يشربه كُله فانه لَا يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب شرابًا فَأكل عسلا أَو لَبَنًا لم يَحْنَث وَإِن شرب وَاحِدًا مِنْهُمَا حنث لِأَنَّهُ يُسمى الشَّرَاب فَلَا يَقع ذَلِك إِلَّا على مَا يشرب
وَلَو حلف أَن لَا يَذُوق شرابًا وَهُوَ يَعْنِي أَن لَا يشرب النَّبِيذ خَاصَّة فَأَكله أكلا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قَالَ لَا أَذُوق شرابًا إِلَّا أَن يكون عَنى ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ شراب
وَلَو حلف لَا يَذُوق لَبَنًا وَلم يقل أشْرب وَلم يكن لَهُ نِيَّة فان أكل مِنْهُ حنث وَإِن شرب مِنْهُ حنث لِأَنَّهُ قد ذاقه فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب الطلاء وَلَا نِيَّة لَهُ فَشرب شَيْئا يَقع(3/318)
عَلَيْهِ اسْم الطلاء فانه يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يشرب من دجلة وَلَا نِيَّة لَهُ فغرف مِنْهَا بقدح ثمَّ شرب من الْقدح فان أَبَا حنيفَة قَالَ لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يضع فَاه فِي دجلة نَفسهَا فيشرب مِنْهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو استقى من مَاء دجلة فَجعل فِي إِنَاء ثمَّ صب فِي قدح فَشرب مِنْهُ فانه يَحْنَث فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَا يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفه وَقِيَاس هَذَا فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد كل إِنَاء لَا يَضَعهُ(3/319)
الرجل على فِيهِ فيشرب مِنْهُ فَإِنَّمَا الْمَعْنى فِيهِ أَن يَأْخُذ مِنْهُ فيشرب مِنْهُ كَمَا يشرب النَّاس أَلا ترى أَنه لَو حلف لَا يشرب من هَذَا الْحبّ فاغترف مِنْهُ بقدح فَشرب أَنه يَحْنَث لِأَن معنى الْكَلَام هَذَا
- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْيَمين فِي الْكسْوَة
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يَشْتَرِي ثوبا وَلَا نِيَّة لَهُ فَاشْترى كسَاء خَز أَو طيلسانا أَو ثوبا من الْبيَاض أَو الوشي أَو غَيره فانه يَحْنَث وَكَذَا لَو اشْترى فروا أَو قبَاء أَو قَمِيصًا وَلَو اشْترى مسحا أَو بساطا(3/320)
لم يَحْنَث إِنَّمَا أَضَع هَذَا على مَا يلبس النَّاس وَلَا أَضَعهُ على الْبسط وَلَو اشْترى قلنسوة لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِثَوْب وَلَو اشْترى خرقَة لَا تكون نصف ثوب لم يَحْنَث فان اشْترى أَكثر من نصف ثوب حنث لِأَنَّهُ لَا يُسمى ثوبا وَلَو اشْترى ثوبا صَغِيرا حنث
وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا وَلَا نِيَّة لَهُ كَانَ مثل هَذَا سَوَاء وَلَو سمى ثوبا بِعَيْنِه فَلَيْسَ مِنْهُ طَائِفَة تكون أَكثر من نصفه حنث
وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا بِعَيْنِه فَقَطعه قبَاء أَو قَمِيصًا أَو جُبَّة فحشاها فلبسها فانه يَحْنَث(3/321)
وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا وَهُوَ يَعْنِي من الْمَرْوِيّ فَلبس من غَيره ثوبا لم يَحْنَث فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَأَما فِي الْقَضَاء فَلَا يدين وَهُوَ لَهُ لَازم عتقا كَانَ أَو طَلَاقا وَلَو حلف على قَمِيص لَا يلْبسهُ أبدا فَجعله قبَاء فلبسه أَو حلف على قبَاء لَا يلْبسهُ فَجعله قَمِيصًا أَو جُبَّة محشوة فلبسها وَلَا نِيَّة لَهُ حِين حلف لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد تغير وَخرج من ذَلِك الْجِنْس وَلَو نوى لَا يلْبسهُ على حَال حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوبا مُسَمّى وَهُوَ لَا بسه وَلَا نِيَّة لَهُ فَتَركه بعد الْحلف عَلَيْهِ سَاعَة أَو يَوْمًا فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد لبسه وَإِن كَانَ نوى حِين لبسا مُسْتَقْبلا بعد أَن يَنْزعهُ لم يَحْنَث إِلَّا أَن يفعل ذَلِك وَلَو حلف على ذَلِك بِعِتْق أَو طَلَاق وَنوى ذَلِك لم يدين فِي الْقَضَاء وَلَكِن يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى(3/322)
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس من غزل فُلَانَة شَيْئا وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فَلبس ثوبا قد غزلته حنث لِأَنَّهُ لبس الْغَزل هَكَذَا يكون وَإِن عَنى لبس الْغَزل بِعَيْنِه قبل أَن ينسج ثوبا فانه لَا يَحْنَث إِذا لبسه ثوبا
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوبا من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا من غزلها وغزل أُخْرَى فانه لَا يَحْنَث لِأَن الثَّوْب كُله لَيْسَ من غزلها إِذا شركتها الْأُخْرَى فِيهِ وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يلبس ثوبا من نسج فلَان وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يلبس ثوبا من شِرَاء فلَان فَاشْترى(3/323)
مَعَه آخر لم يَحْنَث وكل شَيْء من هَذَا يُشْرك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ آخر فان الْحَالِف لَا يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل على ثوب أَن لَا يلْبسهُ فَقَطعه قَمِيصًا أَو قبَاء فلبسه فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد لبس ذَلِك الثَّوْب وَلم يُغَيِّرهُ هَذَا ويخرجه من أَن يكون ثوبا فَهُوَ ثوب بعد وَإِن كَانَ مقطعا
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس خَزًّا وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس ثوبا من هَذِه الثِّيَاب الَّتِي تسميها النَّاس الْخَزّ فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ هُوَ خَز عِنْد النَّاس وَإِن لم يكن خَالِصا
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوبا حَرِيرًا وَلَا ثوب إبريسم وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس ثوب خَز سداه إبريسم أَو حَرِير لم يَحْنَث وَإِنَّمَا يَقع الْيَمين هَهُنَا إِن لبس ثوب حَرِير كُله أَو إبريسم كُله أَلا ترى(3/324)
أَنه لَو لبس ثوبا علمه إبريسم أَو حَرِيرًا لم يَحْنَث وَلَو لبس ثوبا ملحما لحْمَته إبريسم أَو حَرِير حنث وَإِن كَانَ حِين حلف لَا يلبس حَرِيرًا وَلَا إبْريسَمًا يَنْوِي سدى الثَّوْب وَلحمَته وَعلمه فَلَيْسَ ثوبا سداه أَو علمه أَو لحْمَته إبريسم حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس قطنا وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس ثوب قطن فانه يَحْنَث وَلَو لبس قبَاء لَيْسَ بِقطن وَهُوَ محشو بِقطن لم يَحْنَث إِنَّمَا أَضَع الْيَمين هَهُنَا على ثوب من قطن إِلَّا أَن يَعْنِي الحشو وَكَذَلِكَ(3/325)
لَو حلف لَا يلبس ثوبا من كتَّان فَلبس ثوبا من قطن وكتان لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يلبس مَا حلف عَلَيْهِ أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا الثَّوْب قطن وكتان وَلَا تنسبه إِلَى أَحدهمَا دون صَاحبه والخز قد تنسبه إِلَى الْخَزّ دون الإبريسم
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوب كتَّان فَلبس ثوبا من قطن وكتان لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بكتان كَمَا قَالَ أَلا ترى أَنه لَا ينْسب إِلَى كتَّان وَلَيْسَ هَذَا كالخز الْخَزّ ينْسب إِلَى الْخَزّ وَلَا ينْسب إِلَى مَا فِيهِ من الإبريسم وَالْحَرِير(3/326)
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يلبس ذَلِك الْقطن لقطن بِعَيْنِه فَجعل ذَلِك الْقطن ثوبا وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه يَحْنَث إِن لبس الثَّوْب لِأَن الْقطن لَا يلبس إِلَّا هَكَذَا
وَإِذا حلف لَا يلبس ثوبا قد سَمَّاهُ بِعَيْنِه فاتزر بِهِ أَو تردى بِهِ أَو اشْتَمَل بِهِ فانه يَحْنَث فِي أَي ذَلِك مَا صنع لِأَن هَذَا لبس
وَإِذا حلف أَن لَا يلبس هَذَا الْقَمِيص وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فاتزر بِهِ أَو تردى بِهِ حنث وَإِذا قَالَ لَا ألبس قَمِيصًا وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فارتدى بِهِ أَو اتزر بِهِ لم يَحْنَث وَإِنَّمَا أَضَع هَذَا على أَن يلْبسهُ كَمَا يلبس الْقَمِيص وعَلى هَذَا مَعَاني كَلَام النَّاس عندنَا وأدع الْقيَاس فِيهِ أَلا ترى أَنه لَو قَالَ مَا لبست الْيَوْم قَمِيصًا كَانَ صَادِقا وَكَذَلِكَ القباء أَرَأَيْت لَو حلف لَا يلبس درعا حَرِيرًا فَوَضعه على عُنُقه كَانَ هَذَا لابسا لَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا سمى لَا يلبس هَذَا الْقَمِيص بِعَيْنِه أَو هَذَا القباء فاتزر بِهِ(3/327)