على بيعهم جميعاً إن كان حربياً لأن بعضهم مسلم وبعضهم ذمي والمستأمن يجبر على بيع الفريقين وكان ممنوعاً من التفريق بينهم في البيع حتى كان يجبر على بيعهم جميعاً فأما الذمي إنما يجبر على بيع المسلم منهم خاصة لأنه متمكن من استدامة الملك في المملوك الذمي وهو غير مخاطب بالامتناع من التفريق في البيع ولو كان مخاطباً لكان له أن يبيع هاهنا المسلم منهم وحده لأن هذا تفريق لحق فقد صار إزالة المسلم عن ملكه مستحقاً خاصة والتفريق متى كان لحق لم يكن ممنوعاً عنه ألا ترى أن الولد مع الوالدة إذا اجتمعا في ملك رجل مسلم ثم لحق أحدهما دين فلا بأس بأن يباع فيه دون الآخر ولو جنى أحدهما جناية فلا بأس بأن يدفع بالجناية وحده فعرفنا أن التفريق إذا كان لحق لم يكن ممنوعاً عنه ثم ذكر في فروع إسلام الصبي فقال : إن وصف رجل من المسلمين لغلام كافر الإسلام فقال الغلام : أنا على هذا فإن علمنا يقيناً أنه قد فهم ما قيل له فهو مسلم وكذلك إن كان أكبر الرأي أنه قد فهم ذلك وإن علمنا يقيناً أنه لم يفهم ذلك أو كان أكبر الرأي أنه لم يفهم ذلك فإنه لا يكون مسلماً ولكن يقال له : صف الإسلام فإذا وصفه فهو مسلم
وما ذكر هاهنا يؤيد ما ذكرنا من قول المشايخ أن من تزوج امرأة أو اشترى جارية فاستوصفها الإسلام ولم تقدر على ذلك ووصف هو الإسلام بين يديها فقالت : أنا على هذا فإنه يجوز له أن يطأها إذا علم أنها فهمت ما قال لها لأن الحياء قد يمنعها من البيان وإن كانت تقدر على أن تصف الإسلام وتعتقد ذلك فلا فرق بين أن يصف هو بين يديها إذا قالت : أنا على هذا وبين أن تكونت هي التي وصفت بين@(5/382)
باب خروج العبد بأمان من دار الحرب وخروجه مسلماً أو ذمياً
قال - رضي الله تعالى عنه - : أيما عبد خرج إلى دار الإسلام مسلماً أو ذمياً مراغماً لمولاه فهو حر ويوالي من شاء لأنه صار محرزاً نفسه على مولاه ولو أحرز مالاً من مال مولاه بدار الإسلام ملكه فإذا أحرز نفسه كان مالكاً لنفسه أيضاً ولا يبقى للإنسان الملك على نفسه فيعتق لهذا وتبين بهذا الفصل أنه لم يعتق على ملك غيره وإنما يثبت الولاء على المعتق لمن يكون عتقه على ملك غيره فلهذا لا يثبت عليه الولاء هاهنا لأحد ثم يكون حاله في الميراث والجناية كحال حربي جاء مسلماً واستدل عليه بحديث عكرمة - رضي الله تعالى عنه - قال : كان السعيد إذا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وليس معه سيده عتق وبحديث طاوس قال : كان في كتاب معاذ ابن جبل - رضي الله تعالى عنه - أيما عبد نزع إلى المسلمين - أراه قال : مسلماً - فهو حر وأيما عبد خرج إلى مخلاف عشيرته فإن عشره وصدقته في عشيرته وفي رواية : أيما عبد خرج إلى غير مخلاف عشريته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته فالمخلاف محلة من رستاق يشتمل على عدد من القرى وغيره وروي عن عكرمة - رضي الله تعالى عنه - أن عبداً أسلم فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خشي أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخذوه وقيدوه فبعث إلى@(5/383)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وقال : " إنك قد علمت إسلامي فاشترني أو خلصني فبعث إليه سبعة نفر على بعير وقال خذوه ولعلكم تجدون في الدار من يعينكم عليه " وفي هذا دليل على أنه لا بأس لقوم لا منعة لهم من المسلمين أن يدخلوا دار الحرب بغير أمان لمثل هذا المقصود وأن هذا لا يكون منهم إلقاء النفس في التهلكة فإن ذلك إنما يكون عند التيقن بالهلاك في موضع لا ينكي فعلهم في العدو فأما إذا كان فعلهم ينكي في العدو فلا بأس بمثل هذا الصنع وذكر : عن عبد الله بن أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قال : كان عبد أسود في غنم لسيده فلما رأى أهل خيبر يتحصنون سألهم
فقالوا : نقاتل هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فوقعت تلك الكلمة في نفسه وأقبل بغنمه حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : " أدعو إلى الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله وألا تعبد إلا الله " قال : فماذا لي إن شهدت بهذا فقال : " لك الجنة إن مت على ذلك " فأسلم العبد مكانه الحديث إلى آخره وإنما أورده لبيان أنه لا فرق بين أن يسلم العبد بعد أن يأتي المعسكر وبين أن يأتي المعسكر مسلماً في أنه يحكم بحريته في الوجهين ثم استدل بحديث العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف فأسلموا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فيهم أولئك عتقاء الله وأورد حديث عكرمة : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان يقول : إذا خرج @(5/384)
الرجل قبل ماله ثم تبعه ماله فهو له وإذا خرج ماله قبله فهو حر وبهبذا نأخذ فالمراد بالمال العبد هاهنا فإذا خرج العبد أولاً مراغماً لمولاه كان حراً وإن خرج مولاه بعده وإن خرج المولى أولاً ثم جاء العبد فإنما جاء مظهراً لموافقة سيده محرزاً لنفسه لا عليه فكان مملوكاً له والله أعلم .
باب العبد يعتق بالإسلام أو لا يعتق
قال - رضي الله تعالى عنه - : قد بينا في السير الصغير الخلاف في المستأمن يشتري عبداً مسلماً أو ذمياً ثم يدخله دار الحرب والفرق لأبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - بينه وبين ما إذا أسلم عبد الحربي في دار الحرب يقول : فإن أسلم العبد وخرج غير مراغم لمولاه ومعه مال لمولاه أو لا مال معه فهو عبد لمولاه على حاله لأنه ما قصد إحراز نفسه على مولاه هاهنا فلا يملك نفسه ولكن الإمام يبيعه ويقف ثمنه وما في يده من مال لمولاه حتى يجيء مولاه فيأخذه لأنه لو كان المولى حاضراً كان مجبراً على بيعه فالمملوك المسلم لا يترك في يد الكافر فإذا كان هو في دار الحرب ومن في دار الحرب في حكم الميت كان للإمام ولاية بيعه عليه ثم كان ينبغي أن يكون ما معه من المال فيئاً لأنه ما استأمن هو ولا مولاه في ذلك المال ومال الحربي إذا حصل في دارنا بغير أمان يكون فيئاً ولكنه قال إذا أخرجه هذا العبد المسلم على قصد العمل به لمولاه فكأنه أعطاه الأمان في ذلك المال بعد ما@(5/385)
حصل في دار الإسلام وأمانه بعد ما حصل في دار الإسلام كأمان غيره من المسلمين فلهذا يجب عليه حفظ ذلك المال لمولاه وإذا أسلم المولى أولاً وخرج إلى دار الإسلام ثم تبعه عبده بعد ذلك مسلماً أو كافراً فهو عبد له لأنه حين أسلم في دار الحرب فقد صاروا محرزاً لماله من وجه .
ألا ترى أنه لو ظهر المسلمون على الدار كان هو أحق بماله فخروج العبد بعد ذلك يكون إتماماً لذلك الإحراز فلهذا كان مملوكاً له على حاله سواء خرج مسلماً أو كافراً ولو كان الملولى أسلم في دار الإسلام ثم أسلم عبد من عبيده في دار الحرب وخرج مسلماً فإن كان خرج يريد مولاه فهو عبد له لما بينا أنه قصد إحراز نفسه له لا عليه وإن خرج مسلماً أو ذمياً على أن يكون حراً ولا يريد أن يكون مملوكاً لمولاه فهو حر لأن الذي أسلم في دار الإسلام لا يكون محرزاً لشيء من ماله الذي كان في دار الحرب ألا ترى أنه لو ظهر المسلمون على الدار كان جميع ماله فيئاً وكان حاله الآن كحال المراغم الذي يخرج بمال مولاه وقد بينا أن هناك هو محرز نفسه وما معه من المال على مولاه فإن اختلفا بعد خروجه فقال العبد : خرجت مراغماً لمولاي وقال المولى : إنما خرج إليَّ بنفسه وماله كان القول قول المولى لأنه متمسك بالأصل وهو الملك الثابت له في نفسه وفيما معه من المال ولأن الظاهر شاهد له فالعبد المسلم لا يكون مراغماً لملاه المسلم حتى يتبين ذلك منه فالقول قول من يشهد له الظاهر ولو أسلم الحربي في دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام وخلف ثقله في دار الحرب ثم رجع إليه ولم يتعرض أهل الحرب بشيء من ذلك حتى صارت تلك الأشياء بيده فأخرجها معه فجميع ذلك@(5/386)
له لا خمس فيه سواء كان خروجه إلى دار الحرب بإذن الإمام أو بغير إذنه لأن المال باق على ملكه ما لم يتعرض له أهل الحرب فيكون هو مستديماً ملكه فحاله كحال من أسلم وخرج بماله فإن الخمس إنما يجب فيما يثبت فيه الملك ابتداء بالإحرار بالدار لمن كان خارجاً بإذن الإمام لأن ذلك في حكم الغنيمة فيه فأما ما استدام ملكه فيه وأكده بالإحراز لا يكون في معنى الغنيمة فلا يجب فيه الخمس فإن ظهر المسلمون عليه إلا العقار خاصة لأنه لما رجع إلى ماله صار بمنزلة من أسلم في دار الحرب ولم يخرج حتى ظهر المسلمون على الدار وقد بينا هذا
الحكم في هذا الفصل ولو أسلم الحربي بعدما دخل إلينا بأمان ثم رجع إلى ماله وولده فأخرجهم معه فإن كان دخل إليهم بأمان فولده حر مسلم لا سبيل عليه لأن لما حصل في دار الحرب مسلماً كان ولده الصغير مسلماً تبعاً له وما خرج به من مال فهو له وهذا غير مشكل فالمستأمن فيهم إذا تملك مالاً عليهم بسبب من الأسباب وخرج به كان له خاصة فهذا الذي قرر ملكه في ماله أن يكون ماله خاصة وأولاده الكبار وزوجته في أمانه لا سبيل عليهم لأنهم حين خرجوا فقد صار معطياً الأمان لهم وهو في حكم المجدد لذلك فكذلك الجواب إن كان دخوله بغير إذن الإمام لأنه لا يكون دون المتلصص فما أخذ من ماله فأخرجه لأنه قرر ملكه في ذلك المال وما يملكه ابتداء بهذا الإخراج فلم يكن في حكم الغنيمة فأما ما أخرجه من مال أخذه منهم ففيه الخمس لأنه يملك هذا المال اتبداء بالإحراز بدار الإسلام وقد كان دخوله بإذن الإمام فلهذا كان لهذا المال @(5/387)
حكم الغنيمة ثم استدل بحديث الحجاج بن علاط السلمي فإنه أسلم بخيبر وكانت له أموال بمكة فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي مكة حتى يأخذ ماله فأذن له فأتى مكة وأخذ ماله ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خمس ماله ولا عرض له بشيء وتمام هذه القصة ذكرها الواقدي في المغازي قال : إنه حين استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى خيبر وكانوا ينتظرون ما حول إليه الأمر وقد كانت الأخبار قد انقطعت عنهم فخرجوا يوماً من مكة على رجاء أن يأتيهم من يسألونه الخبر فأتاهم الحجاج فقالوا له : ما الخبر فقال : عندي ما يسركم ولكن لا أخبركم حتى تضمنوا لي ما أطلبه منكم فقالوا له : قد ضمنا لك ذلك قال : اعلموا أنه لم يحسن أحد من العرب قتال محمد وأصحابه غير أهل خيبر فقد ظهروا عليه وقتلوا أصحابه وأسروه وقد تركتهم على عزم أن يقدموا به عليكم لتقتلوه فأعينوني حتى أجمع مالي
فلعلي أشتري بعض غنائم أصحاب محمد منهم فأبربح على ذلك فقالوا : نفعل ذلك واشتغلوا به عن آخرهم فانتهى الخبر إلى العباس - رضي الله تعالى عنه - فبعث غلاماً إلى الحجاج وقال : إن العباس يقرئك السلام ويقول : الله أعلى وأجل جاء إليه فأخبره سراً بالأمر على وجهه وقال : قد ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم على خيبر وأنا أسلمت وما فارقت إلا بعد ما جرت السهام في غنائم خيبر وإنما فارقته عروساً متزوجاً بابنة حيي بن أخطب لكن استر علي ثلاثة أيام فضمن له ذلك العباس حتى جمع الحجاج ماله وخرج في اليوم الثالث فجاء العباس إلى بيت زوجته وقال : أين الحجاج فقالت : ذهب ليشتري غنائم محمد فقال : كلا إنه أسلم وفر بماله ولست له بزوجة إلا أن تتبعي أثره فقال : أشهد أن الحق ما تقول فإنه ما خلف عندي درهماً من ماله ثم دخل العباس المسجد الحرام وقد لبس مطرف خز فجعل يتبخر وقريش جلوس يتدبرون فيما بينهم كيف يقتلون محمداً صلى الله عليه وآله وسلّم إذا قدم أهل خيبر به عليهم فقام أبو سفيان إلى العباس وقال : أتجلد@(5/388)
للمصيبة الحادية قال : كلا وأخبره بالأمر على وجهه فقال أبو سفيان : أنت عندي أصدق من الحجاج ثم بعثوا إلى زوجته فظهر لهم الأمر على وجهه فقال أبو سفيان : أنت عندي أصدق من الحجاج ثم بعثوا إلى زوجته فظهر لهم الأمر على وجهه وما انكسروا بشيء مثل انكسارهم يومئذ ثم قد تبين بهذه القصة أن الحجاج ما دخل إليهم بأمان وإنما دخل إليهم على أنه منهم كما كان وهذا لا يكون استئماناً ومع ذلك قد سلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فعرفنا أنه لاخمس في مال يخرجه صاحبه بهذا الطريق وإن كان دخل إليهم بغير أمان بإذن الإمام والله تعالى الموفق@(5/389)