الأخرى وذبحهما بمرة واحدة تحلان بتسمية واحدة. قال: ومن أرسل فهدا فكمن حتى يستكمن ثم أخذ الصيد فقتله يؤكل، لأن مكثه ذلك حيلة منه للصيد لا استراحة فلا يقطع الإرسال. قال: وكذا الكلب إذا اعتاد عادته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأخرى، وذبحهما بمرة واحدة تحلان بتسمية واحدة) ش: لأنه حصل ذبحهما بفعل واحد، وكان بمنزلة ما لو رمى سهما وأصاب صيدين يحلان، لأن ذبحهما حصل بفعل واحد عليه التسمية، فكذا هذا.
م: (قال: ومن أرسل فهدا فكمن) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل بقوله كمن مر، أي استتر واستخفى، ومنه كمين الجيش م: (حتى يستكمن) ش: أي يطلب المكنة. وفي بعض النسخ يتمكن م: (ثم أخذ الصيد فقتله يؤكل؛ لأن مكثه ذلك حيلة منه للصيد لا استراحة فلا يقطع الإرسال. قال: وكذا الكلب إذا اعتاد عادته) ش: أي وكذا حكم الكلب إذا اعتاد عادة العجل.
قال الكرخي في "مختصره": وكذا الكلب إذا أرسله الرجل وصنع كما يصنع الفهد: فلا بأس بأكل ما صاد، وذلك لأن المكث منه ساعة حيلة للإصطياد لا للاستراحة فيعد ذلك من غاية حذاقة الإنسان، فلا يكون قاطعا للإرسال، بل يكون من أسباب الاصطياد، كما لو دب بالعدو.
قال السرخسي - ناقلا عن شيخه شمس الأئمة الحلواني - أنه قال: للفهد خصال ينبغي لكل عاقل أن يأخذ ذلك منه:
منها: أنه يتمكن للصيد حتى يستمكن، وهذا حيلة منه للصيد، فينبغي للعاقل أن لا يجاهر الخلاف مع عدوه، ولكن يطلب الفرصة حتى يحصل مقصوده من غير إتعاب نفسه.
ومنها: أن لا يعدو خلف صاحبه حتى يركبه وهو يقول محتاج إلى فلا أذل له وكذا ينبغي للعاقل أن لا يذل نفسه فيما يفعل بغير مؤنتها أنه لا يتعلم بالضرب، ولكن يضرب الكلب بين يديه، إذ أكل من الصيد فيتعلم بذلك، وهكذا ينبغي على العاقل أن يتعظ بغيره، كما قيل: السعيد من وعظ بغيره.
ومنها: أنه لا يتناول الخبيث، وإنما يطلب من صاحبه اللحم الطيب. وهكذا ينبغي للعاقل أن لا يتناول إلا الطيب.
ومنها: أنه يثبت ثلاثا أو خمسا فإن تمكن من الصيد أخذه وإلا تركه، ويقول: لا أمثل لنفسي فيما أعمل لغيري، وهكذا ينبغي للعاقل، كذا في " المبسوط ".
وهكذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في "شرحه"، ومن جملة ما قال منها: أنه يثق بما(12/428)
ولو أخذ الكلب صيدا فقتله ثم أخذ آخر فقتله وقد أرسله صاحبه أكلا جميعا، لأن الإرسال قائم لم ينقطع، وهو بمنزلة ما لو رمى سهما إلى صيد فأصابه وأصاب آخر. قال: ولو قتل الأول فجثم عليه طويلا من النهار ثم مر به صيد آخر فقتله لا يؤكل الثاني، لانقطاع الإرسال بمكثه، إذ لم يكن ذلك حيلة منه للأخذ، وإنما كان استراحة بخلاف ما تقدم. قال: ولو أرسل بازيه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله فإنه يؤكل، وهذا إذا لم يمكث زمانا طويلا للاستراحة، وإنما مكث ساعة للتمكين لما بيناه في الكلب. قال: ولو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله ولا يدري أرسله إنسان أم لا، لا يؤكل، لوقوع الشك في الإرسال، ولا تثبت الإباحة بدونه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضمن له صاحبه، ويحمل في الطلب، كالذي رؤي من وثوب الفهد ثلاثا على الصيد ثم يتركه، فيشبه ما روي في "المثل" حدث المرأة حديثين فإن أبت فأربع.
م: (ولو أخذ الكلب صيدا فقتله ثم أخذ آخر فقتله وقد أرسله صاحبه أكلا جميعا) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، أي والحال أن صاحبه قد أرسله كلبا، إلى صيدين جميعا م: (لأن الإرسال قائم لم ينقطع، وهو بمنزلة ما لو رمى سهما إلى صيد فأصابه وأصاب آخر) ش: أي صيدا آخر، حيث يحلان جميعا.
م: (قال: ولو قتل الأول فجثم عليه طويلا من النهار) ش: من الجثومة وهو البروك عليه م: (ثم مر به صيد آخر فقتله لا يؤكل الثاني لانقطاع الإرسال بمكثه إذ لم يكن ذلك) ش: أي جثومه عليه م: (حيلة منه للأخذ) ش: أي لأخذ الثاني م: (وإنما كان) ش: أي جثومه عليه م: (استراحة بخلاف ما تقدم) ش: وهو ما إذا مكث للكمين، لأن المكث حينئذ حيلة للأخذ لا استراحة، فيكون هذا المكث منه والذهاب سواء.
م: (قال: ولو أرسل بازيه المعلم على صيد فوقع على شيء ثم اتبع الصيد فأخذه وقتله فإنه يؤكل) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل م: (وهذا إذا لم يمكث زمانا طويلا) ش: أي حل أكله إنما يكون إذا لم يمكث زمانا طويلا م: (للاستراحة، وإنما مكث ساعة للتمكين) ش: حق اللفظ أن يقال للكمون، ولكن ذكر الكمين، وأراد به الكمون وهو التواري والإخفاء كما ذكرنا م: (لما بيناه في الكلب) ش: عن قريب.
م: (قال: ولو أن بازيا معلما أخذ صيدا فقتله ولا يدري أرسله إنسان أم لا، لا يؤكل لوقوع الشك في الإرسال، ولا تثبت الإباحة بدونه) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، أي لا يثبت الإباحة بدون الإرسال، ولا يعلم فيه خلاف، والبازي - بتخفيف الباء - جمعه بزاة، والباز لغة فيه وجمعه أبواز وبيزان.(12/429)
قال: وإن خنقه الكلب ولم يجرحه لم يؤكل؛ لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه، وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله؛ لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة. وجه الأول: أن المعتبر جرح ينتهض سببا لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا لم يؤكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: وإن خنقه ولم يجرحه لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في بعض النسخ لا يؤكل م: (لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه) ش: ظاهر الرواية هو رواية: الزيادات، وفي رواية الأصل: يؤكل.
وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وأما إذا خنق الصيد فمات، والمشهور عنهم: أنه لا يؤكل. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤكل، وقوله: على ما ذكرناه إشارة إلى قوله ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية م: (وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر) ش: أي ظاهر الرواية يدل على أن الكلب كسر عضوا من الصيد فمات لا يحل.
قال القدوري: أما إذا لم يجرحه ولم يخنقه لكنه كسر عضوا منه فمات فإن أبا الحسن الكرخي ذكر أنه لم يحل عند أبي حنيفة شيئا مصرحا. فقد حكي عن محمد المسألة في الزيادات، وأجاب فيها جوابا مطلقا: أنه إذا لم يجرح لا يؤكل، وهذا يقتضي أنه لا يحل بالكسر.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله؛ لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة) ش: قال الكرخي في "مختصره" وذكر أبو يوسف في أثره حكاية عن أبي حنيفة: وأن قتله من غير أن يجرحه بناب ولا مخلب فإنه لا يؤكل، ولذلك لو صدمه فقتله ولم يكسره ولم يجرح، فإن جرح بناب أو مخلب أو كسر عضوا فقتله فلا بأس بأكله.
قال القدوري في "شرحه": وظاهر هذا الكلام يقتضي أن الكسر كالجرح، ووجهه على ما ذكره المصنف.
م: (وجه الأول) ش: وهو أنه لا يحل بالكسر م: (أن المعتبر جرح ينتهض سببا لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق) ش: الإنهار بكسر الهمزة الإسالة من أنهرت الدم إذا أسلته قوله ذلك إلى الإنهار.
[شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا]
م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في "مختصره" وقوله يريد به عمدا من كلام(12/430)
لما روينا في حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه اجتمع المبيح والمحرم، فيغلب جهة الحرمة نصا أو احتياطا. ولو رده عليه الكلب الثاني ولم يجرحه معه ومات بجرح الأول يكره أكله، لوجود المشاركة في الأخذ وفقدها في الجرح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المصنف، قيد به لأنه لو تركه ناسيا يؤكل م: (لما روينا في حديث عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: في أول الباب، حيث قال فيه: «وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل» .
م: (ولأنه اجتمع المبيح والمحرم فيغلب جهة الحرمة نصا) ش: أي من جهة النص، قال الشراح أراد به قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما اجتمع الحلال والحرام إلا قد غلب الحرام الحلال» .
قلت: هذا موقوف على ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه عبد الرزاق في "مصنفه" في الطلاق حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال: قال عبد الله: ما اجتمع حرام وحلال إلا غلب الحرام الحلال.
قال سفيان: وذلك في الرجل يفجر بامرأة وعنده ابنتها أو أمها: فإنه فارقها. وقال البيهقي في "سننه": رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود وجابر ضعيف، والشعبي عن ابن مسعود منقطع، م: (أو احتياطا) ش: أي من جهة الاحتياط، لأنه لما دار بين كونه حراما وحلالا فالاحتياط في تركه لئلا يستعمل الحرام في وجه، والاحتياط افتعال من الحوط وهو الحفظ، ومنه الحائط لأنه يمنع الغير من الدخول فيه.
م: (ولو رده عليه الكلب الثاني ولم يجرحه ومات بجرح الأول يكره أكله) ش: هذه من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، أي ولو رد الصيد على الكلب الأول الكلب الثاني والحال: أنه لم يخرج الصيد معه ومات الصيد بجرح الكلب الأول يكره أكله م: (لوجود المشاركة في الأخذ وفقدها) ش: أي وفقد المشاركة م: (في الجرح) ش: لأن المعلم تعود الجرح فتثبت الكراهة لا غير، ثم قيل: كراهة تنزيه، وقيل: كراهة تحريم، هو اختيار السرخسي والحلواني.
وعند الثلاثة: يحل لانفراد الكلب المسلم بجرحه، ولهذا لو صاد مسلم بكلب مجوسي يحل عند أكثر أهل العلم. وعن أحمد في رواية: لا يباح، وكرهه جابر والحسن والنخعي والثوري ومجاهد لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] (سورة المائدة: الآية 4) ، وهذا لم يعلمه.
قلنا: يحل كما لو صاد بقوسه أو سهمه أو ذبح بشفرته، وهاهنا ثلاثة فصول، أحدهم:(12/431)
وهذا بخلاف ما إذا رده المجوسي عليه بنفسه حيث لا يكره؛ لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلا تتحقق المشاركة وتتحقق بين فعلي الكلبين لوجود المجانسة. ولو لم يرده الكلب الثاني على الأول لكنه أشد على الأول حتى اشتد على الصيد فأخذه وقتله لا باس بأكله، لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل دون الصيد، حيث ازداد به طلبا فكان تبعا لفعله؛ لأنه بناء عليه فلا يضاف الأخذ إلى التبع. بخلاف ما إذا كان رده عليه؛ لأنه لم يصر تبعا فيضاف إليهما. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا أرسل المسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر بزجره فلا بأس بصيده، والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه وبالانزجار إظهار زيادة الطلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما اشترك فيه الكلبان في الأخذ والجرح ففيه الكراهة. والثالث: ما لم يشتركا في شيء، لكن الثاني حمل على الأول حتى استدعى الصيد وفيه الإباحة على ما يجيء.
م: (وهذا بخلاف ما إذا رده المجوسي عليه بنفسه حيث لا يكره؛ لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلا تتحقق المشاركة) ش: هذا أيضا من مسائل " الأصل "، أي هذا الحكم المذكور بخلاف ما إذا رد الصيد المجوسي على الكلب، والباقي واضح.
م: (وتتحقق) ش: لحينئذ المشاركة م: (بين فعلي الكلبين لوجود المجانسة) ش: أراد الكلب المعلم والكلب الجاهل أو كلب المسلم وكلب المجوسي. م: (ولو لم يرده الكلب الثاني على الأول لكنه اشتد على الأول) ش: أي كلب الثاني وهو كلب المجوسي أو الكلب الجاهل اشتد، أي صال على الكلب الأول حتى ازداد طلبه.
وفي " ديوان الأدب ": اشتد عليه، أي عدا م: (حتى اشتد على الصيد) ش: أي حتى اشتد الكلب الأول على الصيد م: (فأخذه وقتله لا بأس بأكله؛ لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل دون الصيد، حيث ازداد به طلبا) ش: أي حيث ازداد الكلب المرسل باشتداد الكلب الثاني طلبا للصيد م: (فكان تبعا لفعله) ش: لفعل الأول م: (لأنه بناء عليه) ش: أي لأن فعل الثاني بناء على الأول، أي مؤكدا له م: (فلا يضاف الأخذ إلى التبع) ش: أي أخذ الصيد إلى التبع، وهو فعل الثاني.
م: (بخلاف ما إذا كان رده عليه) ش: أي بخلاف ما إذا كان الكلب الثاني رد الصيد على الأول حيث يكره كما مر م: (لأنه لم يصر تبعا) ش: لأنه غير مؤكد للأول م: (فيضاف إليهما) ش: أي ويضاف القتل إلى الكلبين.
م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا أرسل المسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر بزجره فلا بأس بصيده) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": يقال: زجر الكلب فانزجر، أي هيجه فهاج م: (والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه، وبالانزجار إظهار زيادة الطلب) ش: أي طلبا للكلب للصيد، هذا(12/432)
ووجهه أن الفعل يرفع بما هو فوقه أو مثله كما في نسخ الآي، والزجر دون الإرسال لكونه بناء عليه. قال ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر بزجره لم يؤكل، لأن الزجر دون الإرسال، ولهذا لم تثبت به شبهة الحرمة فأولى أن لا يثبت به الحل، وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي، وإن لم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر فأخذ الصيد فلا بأس بأكله، لأن الزجر مثل الانفلات؛ لأنه إن كان دونه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تفسير لأصل الفعل ومطاوعة، ولا شك أن الانزجار مطوع الزجر كالانكسار.
م: (ووجهه) ش: أي وجه جواب المسألة المذكورة وهو كونه لا بأس به م: (أن الفعل يرفع بما هو فوقه) ش: أي بالأقوى نسخ الحكم المفسر م: (أو مثله) ش: أو بالمساوي لنسخ المفسر المفسر م: (كما في نسخ الآي) ش: أي القرآن وهي جمع آية، فإن النسخ فيه إما بالأقوى أو بالمساوي كما عرف في أصول الفقه.
م: (والزجر دون الإرسال لكونه بناء عليه) ش: أي لكون الزجر مبنيا على الإرسال، فكانت العبرة لإرسال المسلم دون صياح المجوسي لبنائه عليه، ونوقض بالمحرم إذا زجر كلب حلال فإنه يجب عليه الجزاء. وأجيب: بأن الجزاء في المحرم بدلالة النص، فإنه أوجب عليه الجزاء بما دونه، وهو الدلالة فوجب بالزجر بطريق الأولى.
م: (قال: ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر بزجره: لم يؤكل؛ لأن الزجر دون الإرسال، ولهذا) ش: أي ولأن الزجر دون الإرسال م: (لم تثبت به) ش: أي بالزجر م: (شبهة الحرمة) ش: يعني في الصورة الأولى مع أن الحرمة أسرع ثبوتا لغلبة الحرمة على الحل دائما م: (فأولى أن لا يثبت به الحل) ش: أي بزجر المسلم م: (وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي) ش: في الفصول كلها.
م: (وإن لم يرسله أحد) ش: أي وإن لم يرسل الكلب أحد م: (فزجره مسلم فانزجر فأخذ الصيد فلا بأس بأكله) ش: والقياس أن لا يحل، قال خواهر زاده: وبالقياس أخذ مالك في رواية. وقال الشافعي: إن وقف بعده وزجره: ثم امتلاه واشتلى وأخذ الصيد: حل وإن لم يقف، لكن زاد في عدوه بزجره لم يحل، وبه قال مالك في رواية.
فإن قلت: لما لا يجعل المحرم غالبا على المبيح؟
قلت: هذا إذا لم يعلم زاجر المبيح، أما إذا علم أن المبيح هو زاجر ناسخ يجعل ناسخا للأول لا محالة، وهاهنا الزجر متأخر فجعل ناسخا.
م: (لأن الزجر مثل الانفلات) ش: الانفلات خروج الشيء فلتة أي بعضه، والمراد هنا خروج الكلب من يد صاحبه بغتة م: (لأنه إن كان دونه) ش: أي لأن الزجر إن كان دون(12/433)
من حيث إنه بناء عليه فهو فوقه من حيث إنه فعل المكلف فاستويا فصلح ناسخا. ولو أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى فأدركه فضربه ووقذه ثم ضربه فقتله أكل، وكذا إذا أرسل كلبين فوقذه أحدهما ثم قتله الآخر أكل لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم فجعل عفوا. ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبا فوقذه أحدهما وقتله الآخر أكل لما بينا والملك للأول، لأن الأول أخرجه عن حد الصيدية إلا أن الإرسال من الثاني حصل على الصيد، والمعتبر في الإباحة والحرمة حالة الإرسال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الانفلات م: (من حيث إنه بناء عليه) ش: أي من حيث إن الزجر بناء على الانفلات م: (فهو فوقه من حيث إنه فعل المكلف) ش: أي الزجر فوق الانفلات من وجه آخر، وهو أنه فعل المكلف، أي الزجر فعل المكلف، بخلاف الانفلات م: (فاستويا) ش: أي الزجر والانفلات م: (فصلح ناسخا) ش: فصلح الزجر ناسخا الانفلات، لأنه متأخر، لأن الزجر أحد المستويين، والنسخ يثبت بما يساويه كما في نسخ الآي، وبقولنا قال مالك وأحمد في رواية. وقال الشافعي: إن وقف بعده وزجره شدة فاشتد وأخذ الصيد: حل، وإن لم يقف لكل زاد في عدوه بزجره لم يحل، وبه قال مالك في رواية.
فإن قلت: لم يجعل المحرم غالبا على المبيح.
قلت: هذا إذا لم يعلم زاجر المبيح، أما إذا علم أن المبيح يجعل ناسخا للأول لا محالة. وهاهنا الزجر متأخر، فجعل ناسخا.
م: (ولو أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى فأدركه فضربه ووقذه) ش: أي أثخنه وأضعفه ووهنه لجراحه، ومنه الموقوذة م: (ثم ضربه فقتله: أكل، وكذا إذا أرسل كلبين فوقذه أحدهما ثم قتله الآخر: أكل؛ لأن الامتناع على الجرح بعد الجرح تحت التعليم فجعل عفوا) ش: لأنه ليس في وسعه تعليمه على وجه يمتنع عن الجرح بعد الجرح، فجعل ذلك عفوا، وقوله: "لأن الامتناع جواب شبهة" تردف المسألتين، وهي أن الضربة الثانية التي قتل الكلب بها إنما حصل بعد الإثخان الذي أخرجه من الصيد، فينبغي أن لا يحل. فأجاب عنه فقال: لأن الامتناع ... إلخ.
م: (ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبا فوقذه أحدهما وقتله الآخر: أكل؛ لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم؛ فجعل عفوا م: (والملك للأول؛ لأن الأول أخرجه عن حد الصيدية) ش: لأن جراحته أخرجت من الصيد من خير الامتناع، ثم بعد ذلك لا يزيل جراحة الثاني ملك صاحب الأول.
م: (إلا أن الإرسال من الثاني حصل على الصيد، والمعتبر في الإباحة والحرمة حالة الإرسال)(12/434)
فلم يحرم، بخلاف ما إذا كان الإرسال من الثاني بعد الخروج عن الصيدية بجرح الكلب الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا جواب إشكال، وهو: أن الثاني إنما قتله بعد الخروج من الصيد، ينبغي أن يحرم، فأجاب: بأنه صيد بدلالة الإرسال م: (فلم يحرم) .
م: (بخلاف ما إذا كان الإرسال من الثاني بعد الخروج عن الصيدية بجرح الكلب الأول) ش: حيث يحرم، وهذا الذي ذكره بخلاف ما إذا رمى صيدا بسهم فأثخنه بحيث أخرجه عن حيز الامتناع ثم رماه ثانيا فقتله لا يؤكل لأنه لما أثخنه فصار ذكاته ذكاة الأهلي، ويمكنه الاحتراز عن الرمية الثانية فلا يكون عفوا، وفي الكلب ليس كذلك، لأنه لا يمكن تعليمه على وجه لا يجرح ثانيا بعد أن جرح مرة، وما تعذر دفعه، تعذر رفعه، والله سبحانه وتعالى أعلم.(12/435)
فصل في الرمي ومن سمع حسا ظنه حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا ثم تبين أنه حس صيد حل المصاب، أي صيد كان؛ لأنه قصد الاصطياد. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه خص من ذلك الخنزير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الرمي]
[حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا]
م: (فصل في الرمي) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الرمي قد مر أنه ذكر أن هذا الكتاب مشتمل على فصلين، الأول: الجوارح وقد بينه، وهذا هو الثاني في الرمي ونوه عن حكم الآلة الحيوانية، ثم شرع في بيان حكم الآلة الجمادية والمزيد الحيوان على الجماد، قدم ذاك على هذا، والآلة ما يستعان به على تحصيل أمر.
م: (ومن سمع حسا) ش: قد وقع في بعض النسخ هاهنا لفظة "قال" وليس ينتفي ذكرها، لأن هذه المسائل من أول الفصل إلى قوله: وإذ سمى الرجل عند الرمي أكل ليست بمذكورة في " البداية "، لأنها لم تذكر في " الجامع الصغير " و" مختصر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وأما ما ذكره القدوري في " شرح مختصر الشيخ أبو الحسن الكرخي "، وذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تكثيرا للفائدة، فعرفت أن لفظة "قال" ليس له محل هاهنا، لأنه لم يذكره إلا إذا كان عن القدوري أو " الجامع الصغير "، أو كان كناية عن نفسه والحس الصوت الخفي وكذلك الحسيس م: (ظنه) ش: أي ظن ذلك الحس م: (حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا) ش: أي غير الذي سمع صوته لأن النكرة إذا أعيدت نكرة كان الثاني غير الأول.
م: (ثم تبين أنه حس صيد) ش: أي ثم ظهر أن الحسن الذي سمعه حس صيد م: (حل المصاب) ش: أي الصيد المصاب بالرمي أو بالكلب أو بالبازي م: (أي الصيد كان) ش: يعني سواء كان مأكول اللحم أو غيره، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و" المحيط "، وبه قالت الثلاثة، وكلمة "أي" منصوب على أنه خبر كان مقدما.
وقال السغناقي: لا بد هاهنا من قيد وإلا يلزم على إطلاقه ما لو كان المسموع حس سمكة فظنه طير الماء أو حس جراد فظنه صيدا ثم أصاب الرمي الصيد: لم يحل المصاب ذكره في " المغني "، وذلك المقيد هو أن يقال: تبين أنه حس صيد يحتاج في حل أكله إلى ما يشترط ذبحه أو جرحه من الصيود م: (لأنه قصد الاصطياد) ش: أي لأن الرمي أو المرسل قصد برميه أو إرساله الاصطياد.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه خص من ذلك الخنزير) ش: يعني لو كان الحس حس(12/436)
لتغليظ التحريم، ألا ترى أنه لا تثبت الإباحة في شيء منه. بخلاف السباع؛ لأنه يؤثر في جلدها، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص منها ما لا يؤكل لحمه؛ لأن الإرسال فيه ليس للإباحة، ووجه الظاهر: أن اسم الاصطياد لا يختص المأكول فوقع الفعل اصطياد، وهو فعل مباح في نفسه، وإباحة التناول ترجع إلى المحل فتثبت بقدر ما يقبله لحما وجلدا، وقد لا تثبت إذا لم يقبله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خنزير: لا يحل المصاب، بخلاف سائر السباع. وقال تاج الشريعة: يعني ظن أن المسموع حس الخنزير، فرمى فإذا هو ظبي فرمي: لا يحل الصيد المصاب، لأنه بناء عليه م: (لتغليظ التحريم) ش: يعني حرمه الخنزير تغليظه لا يجوز الانتفاع به بوجه.
م: (ألا ترى أنه لا تثبت الإباحة في شيء منه) ش: هذا توضيح لتغليظ التحريم منه، أي من الخنزير م: (بخلاف السباع) ش: يعني بخلاف ما لو كان من السباع، حيث يؤكل الصيد م: (لأنه يؤثر في جلدها) ش: أي لأن الاصطياد يؤثر في طهارة جلده، وكان ينبغي أن يقول: في جلدها على ما لا يخفى، فإذا أثر الاصطياد في طهارة جلدها جاز أن يؤثر في إباحة لحم ما أصابه، كذا في " الذخيرة" و" المحيط ".
م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص منها ما لا يؤكل لحمه) ش: أي خص من جملة المسموع حس ما لا يؤكل لحمه. يعني إذا كان الحس حس صيد لا يؤكل لحمه كالسباع وما أشبهها لا يؤكل المصاب؛ م: (لأن الإرسال فيه ليس للإباحة) ش: أي لأن الإرسال فيما لا يؤكل لحمه لا يتعلق له حكم الإباحة، فكان هو والآدمي سواء.
م: (ووجه الظاهر: أن اسم الاصطياد لا يختص بالمأكول) ش: قال الشاعر:
صيد الملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال
م: (فوقع الفعل اصطيادا) ش: فعل الرمي أو المرسل م: (وهو فعل مباح في نفسه) ش: أي الاصطياد فعل مباح في نفسه لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] والاصطياد: أخذ الصيد، والصيد اسم لممتنع متوحش في الأصل فكانت الآية دليلا بعمومها على إباحة عموم الاصطياد، إلا أن الاصطياد إذا كان فيما حل أكله كان الغرض منه الانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه أو دفع أذنيه، وهذا معنى قوله: م: (وإباحة التناول ترجع إلى المحل، فتثبت بقدر ما يقبله لحما وجلدا) ش: أي يثبت التناول بقدر ما يقبل المحل المتناول من حيث اللحم ومن حيث الجلد يعني إذا كان يقبل المحل تناول اللحم يثبت تناول من اللحم، وإذا كان يقبل تناول الجلد، لأن اللحم يثبت ذلك: ينتفع بجلده. وإن لم يقبل تناولهما جميعا كما في الخنزير، فحينئذ يكون الاصطياد لدفع أذنيه، فإذا كان الاصطياد مباحا حل المصاب إذا كان مأكول اللحم، وإن كان المسموع حسه لا يحل أكله م: (وقد لا تثبت إذا لم يقبله) ش: أي وقد لا يثبت التناول إذا لم(12/437)
وإذا وقع اصطيادا صار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره. وإن تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي لا يحل المصاب، لأن الفعل ليس باصطياد. والطير الداجن الذي يأوي البيوت أهلي والظبي الموثق بمنزلته لما بينا. ولو رمى إلى طائر فأصاب صيدا ومر الطائر ولا يدري وحشي هو أو غير وحشي حل الصيد؛ لأن الظاهر فيه التوحش. ولو رمى إلى بعير فأصاب صيدا ولا يدري ناد هو أم لا، لا يحل الصيد لأن الأصل فيه الاستئناس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقبله المحل وقد بيناه.
م: (وإذا وقع اصطيادا) ش: أي إذا وقع قبله قوله "اصطيادا" م: (صار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره) ش: أي غير الصيد الذي رمى إليه م: (وإن تبين أنه حس آدمي) ش: أي وإن ظهر أن الحس حس آدمي م: (أو حيوان أهلي لا يحل المصاب؛ لأن الفعل ليس باصطياد) ش: لأنه رمى أو شل إلى غير صيد فلم يتعلق به حكم الإباحة، فصار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره، أي غير الصيد الذي رمى إليه إلى آدمي يعلم به فأصاب صيد البر يؤكل.
فإن قلت: أليس قصد الاصطياد؟.
قلت: فعله ليس باصطياد وإن كان قصده الاصطياد بناء على ظنه، لأن الرمي إليه صيد، لأن المحل لا يقبل الاصطياد لنفي ظنه.
م: (والطير الداجن الذي يأوي البيوت أهلي) ش: الداجن من دجن قوله "يأوي البيوت: "، أي يسكنها وينزل فيها، وقوله "أهلي" أي حكمه حكم الأهلي في أنه لا يحل المصاب، لأن ما آواه البيوت وقد ثبت اليد عليه م: (والظبي الموثق) ش: أي المشدود يقال: وثقه أي شده بالوثاق م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الآدمي. وقيل بمنزلة الطير الداجن م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الفعل ليس باصطياد وحل الصيد لوجود فعل الاصطياد.
م: (ولو رمى إلى طائر فأصاب صيدا ومر الطائر ولا يدري وحشي هو أو غير وحشي: حل الصيد؛ لأن الظاهر فيه التوحش) ش: أي لأن الظاهر في الطائر التوحش حتى يعلم الاستئناس فتعلق برميه الإباحة.
م: (ولو رمى إلى بعير فأصاب صيدا ولا يدري ناد هو أم لا) ش: أي البعير ناد أم لا من ند البعير ندا، وندودا، إذا ذهب على وجهه شاردا، كذا في الجمهور م: (لا يحل الصيد، لأن الأصل فيه الاستئناس) ش: وهو لا يحل في الصحر في العقر إلا إذا علم أنه ناد فحينئذ يحل المصاب لأنه حينئذ يحل بالعقر.(12/438)
ولو رمى إلى سمكة أو جرادة فأصاب صيدا يحل في رواية عن أبي يوسف لأنه صيد، وفي أخرى عنه لا يحل؛ لأنه لا ذكاة فيهما. ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد يحل؛ لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو رمى إلى سمكة أو جرادة فأصاب صيدا يحل في رواية عن أبي يوسف؛ لأنه صيد) ش: أي لأن كل واحد من السمك والجراد صيد، وإن كان لا ذكاة لهما، وهذه رواية ابن مالك، وهي الصحيحة نص عليها قاضي خان.
م: (وفي أخرى عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها عنه ابن رستم: أنه م: (لا يحل؛ لأنه لا ذكاة فيهما) ش: فالرمي وعدمه سواء وبه قالت الثلاثة، ولو رمى إلى بعير أو بقر أو معز أهلي أو آدمي فأصاب صيدا لا رواية في الأصل لهذا. ولأبي يوسف قولان: في قول: يحل، وفي قول: لا يحل، وبه قالت الثلاثة لعدم قصده إلى الإرسال إلى الصيد.
م: (ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد: يحل) ش: أي ولو أصاب السهم المسموع حسه والحال أنه قد كان ظنه آدميا، فإذا ظهر صيدا: يحل.
وقال مالك وأحمد ومحمد في رواية: لا يحل، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الرمي: يحل في الكلب وجهان، وكذا لو ظنه خنزيرا أو كلبا لا يحل المصاب عندهم م: (لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه) ش: اصطيادا حقيقة، والحقيقة لا تعين بالظن.
فإن قلت: ما الفرق بين هذه المسألة وبين التي تقدمت، وهي أن من سمع حسا ظنه صيدا فرماه فأصاب صيدا ثم تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي لا تحل المصاب مع أنه لم يقصد إلا رمي الآدمي، وفي هذه المسألة قصد رمي الآدمي، ورمي الآدمي ليس بالاصطياد وقد حل المصاب، والقياس إما شمول الحل أو شمول عدمه وانعكاس الجواب في المسألتين، وذلك لأنه لما حصل المصاب مع اقتران ظنه بأنه آدمي، فعنها: إذا اقترن ظنه بأنه صيد أوله، أو لأنه لم يقع فعله اصطياد نظرا إلى قصده فلا يحل المصاب هاهنا، كما لا يحل هاهنا نظرا إلى قصده وحل هناك كذلك؟.
قلت: أشار المصنف إلى الفرق بقوله: "لأنه يعتبر بظنه مع تعيينه"، أي تعيين كونه صيدا، بيانه أن المسألة الأولى أصاب السهم غير المسموع حسه، وكان قصده إلى المسموع حسه، والمسموع حسه ليس بصيد، فكان فعله متوجها إلى غير الصيد نظرا إلى فعله الذي توجه إلى المسموع وهو ليس بصيد، فلم يكن بفعله اصطيادا، وحل الصيد إنما يحصل بوجود فعل الاصطياد؛ فلم يحل أكله لانعدام فعل الاصطياد.(12/439)
وإذا سمى الرجل عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرح السهم فمات؛ لأنه ذابح بالرمي لكون السهم آلة له، فتشترط التسمية عنده وجميع البدن محل لهذا النوع من الذكاة، ولا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما بيناه. قال: وإن أدركه حيا ذكاه وقد بيناها بوجوهها، والاختلاف فيها في الفصل الأول فلا نعيده. قال: وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما هاهنا فسهم أصاب غير المسموع حسه وعينه صيدا فكان الفعل واقعا على الصيد وهو الاصطياد بحقيقة كلما وجد الاصطياد بحقيقته لم يعتبر بعد ذلك ظنه المخالف لفعله الذي هو اصطياد بحقيقته، والظن إذا وقع مخالفا بحقيقة فعله كان الظن لغوا، فيحل أكل المصاب لوجود فعل الاصطياد.
[التسمية عند الرمي]
م: (وإذا سمى الرجل عند الرمي أكل ما أصاب إذا جرح السهم فمات) ش: هذا لفظ القدوري في "مختصره" م: (لأنه ذابح بالرمي لكون السهم آله له، فتشترط التسمية عنده) ش: أي عند الرمي م: (وجميع البدن محل لهذا النوع من الذكاة، ولا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما بيناه) ش: أي في فصل الجوارح عند قوله: ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية، وهو قول أكثر أهل العلم.
م: (قال: وإن أدركه حيا ذكاه) ش: أي قال القدوري: وإن أدرك الصيد وهو بالحياة ذكاه، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، فبطل حكم البدل م: (وقد بيناها بوجوهها، والاختلاف فيها في الفصل الأول) ش: وهو فصل الجوارح، قوله: والاختلاف بالنصب عطف على الضمير المنصوب في بيناه، قاله الأترازي، ثم قال: وهو السماع.
قلت: الأولى: أن تكون نصبا على أنه مفعول معه، أي وقد بينا الحكم بوجوه المسألة مع الاختلاف فيها، أي مع بيان اختلاف فيها. ويجوز الجر عطفا على قوله: "بوجوهها"، م: (فلا نعيده) ش: أي الاختلاف خوفا من التكرار.
م: (قال: وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه) ش: أي قال القدوري: فتحامل، أي تكلف الطيران من الحمل، يعني حمل الصيد نفسه على تكلف المشي والطيران وأصل التحامل في المشي: أن يكلفه على مشقة وإعياء، وفائدة ذكره. أنه لو غاب وتوارى بدونه فوجده ميتا لا يحل ما لم يعلم جرحه يقينا م: (ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل) ش: استحسانا والقياس أن لا يحل، وهو قول الشافعي وأحمد في رواية وعطاء والثوري. ومن أصحاب الشافعي من قال فيه قولان: في قول: يؤكل وفي قول لا يؤكل، ولم يعتبر الوقود والطلب في القولين جميعا، كذا ذكره في " مختصر الأسرار ".
وقال ابن الجلاب المالكي في كتاب " التفريع "، ولا بأس بأكل الصيد وإن غاب عن الصائد(12/440)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعصر ما لم يبت عنه، فإن بات عنه لم يجز أكله، وقال الحرمي - من أصحاب أحمد -: إذا رماه فغاب عن عينه وأصابه ميتا وسهمه فيه ولا أثر به غيره جاز أكله. وجه قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر، وهو ما رواه الترمذي والنسائي عن أبي بشر عن سعيد بن جبير «عن عدي بن حاتم قال، قلت: يا رسول الله إنّا أهل صيد، وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين فيتبع الأثر فيجده ميتا، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا وجدت السهم فيه ولم تجد فيه أثرا غيره وعلمت أن سهمك قتله، فكله» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
أخرجه الدارقطني في "سننه" عن عاصم الأحول عن الشعبي «عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال أرمي بسهمي فأصيب فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين، فقال: "إذا قدرت عليه وليس فيه أثر ولا خداش إلا رميتك: فكل، وإن وجدت فيه أثرا غير رميتك: فلا تأكله فإنك لا تدري أنت قتلته أم غيرك» وقال في " التنقيح ": إسناده صحيح، وبه قال أحمد: يباح أكله [إذا غاب] مطلقا.
وأخرج البخاري ومسلم «عن عدي بن حاتم، وفيه: "وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت". وقال البخاري: "وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين» ، وعند البخاري «عن عدي أيضا أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين أو الثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه؟ قال: يأكل إن شاء» ولم يصل سنده بهذا. وأخرج مسلم عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في الذي يدرك صيده بعد ثلاث قال: "كله ما لم ينتن» ، وزاد في لفظ آخر «وقال في الكلب أيضا: "كله بعد ثلاثة إلا أن ينتن فدعه» . واحتج مالك بأنه سمع أهل العلم قالوا كذلك والشافعي احتج بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: كل ما أصبت ودع ما أنميت: قال في " الفائق ": الأصل أن يقتله فكأنه والاتما، كذا أن يصيبه إصابة غير موقعة، ولأنه يحتمل إذا توارى أن يموت بعارض آخر كالتروي.
وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم كالقدوري وغيره: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بالروحاء على حمار وحش عقير، فتبادر أصحابه إليه فقال: دعوه فسيأتي صاحبه فجاء رجل(12/441)
وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لم يؤكل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقال هذه رميتي يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا في طلبها، وقد جعلتها لك، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقسمها بين الرفاق» .
قلت: هذا الحديث أخرجه البيهقي في "سننه" من حديث حماد بن زيد حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج حتى أتى الروحاء وبها حمار عقير فقيل: يا رسول الله هذا حمار عقير، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعوه، فإن الذي أصابه سيجيء"، فجاء رجل من بهز فقال: يا رسول الله: إني أصبت هذا فشأنكم به، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقسمه بين الرفاق، ثم سار حتى إذا كان بالأثاية - بين العرج والروبثة - إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا أن يقيم عنده حتى يجيز آخر الناس، لا يعرض له» .
وقال الذهبي في "مختصره" خرجه النسائي من حديث علي بن محضر عن ابن الهاد وعن محمد به. وأخرج النسائي أيضا ثم البيهقي من حديث عبد الوهاب الثقفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سمعت يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة أخبره عن البهزي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج وهو محرم، حتى إذا كان ببعض أفناء الروحاء إذا حمار وحش عقير، فذكره القوم لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .... " الحديث.
قوله: " الأثاية " - بضم الهمزة بعدها الثاء المثلثة المخففة وبعد الألف ياء آخر الحروف - وقال البكري: هي محددة في رسم الروثية، ثم ذكر الحديث المذكور والروثية - بضم الراء وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة - قال البكري: هي قرية جامعة من كورة العقيق بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا، وبينها وبين العرج ثلاثة أميال، والعرج بالعين المهملة وسكون الراء وهي قرية جامعة بينها وبين الروثية أربعة عشر ميلا.
م: (وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتا لا يؤكل) ش: وقال الشافعي في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يؤكل إذا غاب نهارا. وعن مالك: إن وجده في يومه يحل وبعده لا. عن أحمد في رواية: أنه يحل بعده أيضا، وبه قال بعض أصحاب الظاهر.(12/442)
لما روي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي، وقال: «لعل هوام الأرض قتلته»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لما روي «عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي، وقال: "لعل هوام الأرض قتلته» ش: هذا الحديث روي مرسلا ومسندا، فالمسند رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا ابن نمير ويحيى بن آدم عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن أبي رزين عن أبيه «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "في - الصيد يتوارى عن صاحبه -: قال: "لعل هوام الأرض قتلته".» وكذلك رواه الطبراني في "معجمه".
ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا جرير بن عبد الحميد عن موسى بن أبي عائشة عن أبي رزين. فذكره، ورواه كذلك أبو داود في "مراسيله "، ومن جهة أبي داود ذكره عبد الحق في "أحكامه" وأعله بالإرسال.
وروي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أيضا مسندا، أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بظبي قد اصطاده بالأمس، وهو ميت، فقال: يا رسول الله: عرفت فيه سهمي وقد رميته بالأمس، فقال: "لو أعلم أن سهمك قتله أكلته، ولكن لا أدري، وهوام الأرض كثيرة» ، وابن أبي المخارق واه.
وأما المرسل فرواه أبو داود في "مراسيله" عن عطاء بن السائب عن الشعبي: «أن أعرابيا أهدى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظبيا فقال: "من أين أصبت هذا؟ " فقال: رميته فطلبته فأعجزني حتى أدركني المساء، فرجعت فلما أصبحت اتبعت أثره فوجدته في غار، وهذا مشقصي فيه أعرفه، قال: بات عنك ليلة، فلا آمن أن تكون هامة أعانتك عليه لا حاجة لي فيه.»
وروى عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم قال: «أتى رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال يا رسول الله رميت صيدا فتغيب عني ليلة؟، فقال النبي(12/443)
ولأن احتمال الموت بسبب آخر قائم فما ينبغي أن يحل أكله؛ لأن الموهوم في هذا) كالمتحقق لما روينا، إلا أنا أسقطنا اعتباره ما دام في طلبه ضرورة أن لا يعري الاصطياد عنه. ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار يكون بسبب عمله، والذي رويناه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إن ما توارى عنه إذا لم يبت يحل، فإذا بات ليلة لم يحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إن هوام الأرض كثيرة".»
م: (ولأن احتمال الموت بسبب آخر قائم فما ينبغي أن يحل أكله؛ لأن الموهوم في هذا) ش: أي في باب الصيد م: (كالمتحقق) ش: في حق الحل والحرمة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعل هوام الأرض قتلته» .
وقال الكاكي: في قوله "لأن الموهوم في هذا": جواب عن قول الشافعي: أن الموهوم لا يعارض المتحقق.
قلت: لم يذكر المصنف خلاف الشافعي في الكتاب، وإنما ذكره الشراح فكيف يكون هذا جوابا عن قول من لم يذكره إلا أنا أسقطنا اعتباره، هذا جواب عما يقال: هذا الاحتمال باق إذا كان في طلبه أيضا؟.
فأجاب بقوله: م: (إلا أنا أسقطنا اعتباره) ش: أي اعتبار الموهوم م: (ما دام في طلبه) ش: أي ما دام الصياد في طلب الصيد م: (ضرورة أن لا يعري الاصطياد عنه) ش: أي لأجل الضرورة، لأن الاصطياد لا يخلو عن التغيب عن بصره خصوصا في الغياض، والمستأجر والطير بعدما أصابه السهم يتحامل ويطير حتى يغيب عن بصره، فيسقط اعتباره ضرورة إذا كان في طلبه؛ لأن الطلب كالواحد.
ولو اعتبرنا هذا لزم إفساد هذا الباب م: (ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه لإمكان التحرز عن توار) ش: أي تغيب واختفاء م: (يكون بسبب عمله) ش: أي بسبب عمل الصياد وإمكان التحرز هو أن يتبع أثره ولا يشتغل بعمل آخر.
م: (والذي رويناه) ش: وهو «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كره أكل الصيد إذا غاب» م: (حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: إن ما توارى عنه إذا لم يبت يحل، فإذا بات ليلة لم يحل) ش: كونه حجة عليه، لأن فيه أنه كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي.(12/444)
ولو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه لا يحل؛ لأنه موهوم يمكن الاحتراز عنه فاعتبر محرما بخلاف وهم الهوام. والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرناه.
قال: وإذا رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل؛ لأنه المتردية وهي حرام بالنص، ولأنه احتمل الموت بغير الرمي، إذ الماء مهلك وكذا السقوط من عال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: إن كان هذا حجة عليه فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعل هوام الأرض قتلته» ، حجة له؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله لمن حال بينه وبين الصيد ظلمة الليل.
قلت: الأصل أن خصوص الطلب السبب غير معتبر، واحتمال قتل الهوام عند العتمة موجود فيكون حراما.
م: (ولو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه: لا يحل؛ لأنه موهوم) ش: فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعل هوام الأرض قتلته» حجة له م: (يمكن الاحتراز عنه) ش: إذ يتصور خلو الاصطياد عنه، فاجتمع فيه بوجوده موجب الحل وموجب الحرمة، فيغلب المحرم احتياطا، مع أن الموهوم كالمتحقق في هذا الباب م: (فاعتبر محرما) ش: أي فاعتبر الموهوم محرما للصيد كالمتحقق كما ذكرنا م: (بخلاف وهم الهوام) ش: لأن الاحتراز عنه غير ممكن؛ لأن الصيد لا بد أن يقع على الأرض والأرض لا تخلو عن الهوام، فسقط اعتبار هذا الوهم، فلا يجعل محرما إذا لم يغفل الطلب.
م: (والجواب في إرسال الكلب في هذا كالجواب في الرمي في جميع ما ذكرناه) ش: يعني إذا أرسل الكلب والبازي المعلم على الصيد فجرحه فغاب ثم وجد ميتا فإن كان لم يقعد عن طلبه: حل إذا لم يكن به جراحة أخرى، فإن قعد عن طلبه أو كان به جراحة أخرى: لا يحل.
[رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض]
م: (قال: وإذا رمى صيدا فوقع في الماء أو وقع على سطح أو جبل ثم تردى منه إلى الأرض لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في "مختصره"؛ تردى أي تدحرج، وقيد بقوله: ثم تردى إلى الأرض؛ لأنه لو وقع على جبل أو السطح ابتداء واستقر عليه ولم يترد: يحل بلا خلاف، وهذا أيضا إذا تردى ولم يقع الجرح مهلكا في الحال، أما لو وقع الجرح مهلكا وبقي فيه من الحياة قدر ما في المذبوح ثم تردى: يحل أيضا كما يجيء م: (لأنه المتردية وهي حرام بالنص) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {والْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ....} [المائدة: 3] الآية (المائدة: الآية 4) .
م: (ولأنه احتمل الموت بغير الرمي، إذ الماء مهلك) ش: لأنه اجتمع فيه سبب الحرمة والإباحة، فيغلب جانب الحرمة احتياطا م: (وكذا السقوط من عال) ش: أي وكذا لا يؤكل إذا سقط من مكان عال فيه ثمان لغات ذكرها الجوهري وغيره. يقال: أتيته من على الدار، ومن(12/445)
يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وإن وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري أن الماء قتله أو سهمك» . وإن وقع على الأرض ابتداء أكل؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه. وفي اعتباره سد باب الاصطياد، بخلاف ما تقدم؛ لأنه يمكن التحرز عنه، فصار الأصل أن سبب الحرمة والحل إذا اجتمعا وأمكن التحرز عما هو سبب الحرمة ترجح جهة الحرمة احتياطا، وإن كان مما لا يمكن التحرز عنه جرى وجوده مجرى عدمه، لأن التكليف بحسب الوسع، فيما يمكن التحرز عنه إذا وقع على شجر أو حائط أو آجرة ثم وقع على الأرض أو رماه وهو على جبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علا، ومن عل، ومن عال، ومن متعال بضم الميم، ومن علو [ ... ] م: (يؤيد ذلك) ش: أي قولنا: لا يؤكل، يعني يريد الحرمة م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وإن وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري أن الماء قتله أو سهمك» ش: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عنه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله عليه، فإن وجدته قد قتل: فكل، إلا أن تجده قد وقع في الماء، فإنك لا تدري أن الماء قد قتله أو سهمك» : انتهى. والرَّمِيَّة بفتح الراء وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف: ما ترميه من الحيوان ذكرا كان أو أنثى.
م: (وإن وقع على الأرض ابتداء أكل) ش: يعني رمى صيدا على رأس الجبل، أو على شجر أو في الهواء فوقع على الأرض ومات: حل، وبه قال الشافعي وأحمد، وأبو ثور. وقال مالك: لا يحل إلا أن تكون الجراحة مهلكة، أو يموت قبل سقوطه لقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] ، ولأنه اجتمع المحرم والمبيح فيغلب المحرم كما في غرقه بالماء.
قلت: إنه صيد مات بالإصابة م: (لأنه لا يمكن الاحتراز عنه) ش: أي عن سقوطه ووقوعه على الأرض م: (وفي اعتباره سد باب الاصطياد، بخلاف ما تقدم) ش: وهو ما إذا وقع على جبل ونحوه ثم تردى إلى الأرض م: (لأنه يمكن التحرز عنه) ش: أي عن وقوعه على سطح أو جبل أو نحوهما م: (فصار الأصل) ش: في هذا الباب م: (أن سبب الحرمة والحل إذا اجتمعا وأمكن التحرز عما هو سبب الحرمة ترجح جهة الحرمة احتياطا، وإن كان ما لا يمكن التحرز عنه جرى وجوده) ش: أي وجود سبب الحرمة م: (مجرى عدمه؛ لأن التكليف بحسب الوسع) ش: والطاقة وتكليف ما لا يسعه لا يحسن من حكيم.
م: (فيما يمكن التحرز عنه) ش: هذا فرع على الأصل المذكور، فلذلك ذكر بالفاء، أي فمن القبيل الذي يجتمع فيه سبب الحرمة والحل م: (إذا وقع) ش: أي الصيد م: (على شجر أو حائط أو آجرة) ش: منصوب على الأرض وهي الطوب المحروق بالنار م: (ثم وقع على الأرض) ش: أي ثم وقع في هذه المسائل المواضع على الأرض م: (أو رماه وهو على جبل) ش: أي إذا رمى الصيد(12/446)
فتردى من موضع إلى موضع حتى تردى إلى الأرض أو رماه فوقع على رمح منصوب أو على قصبة قائمة أو على حرف آجرة لاحتمال أن حد هذه الأشياء قتله، ومما لا يمكن الاحتراز عنه إذا وقع على الأرض كما ذكرناه أو على ما هو في معناه كجبل أو ظهر بيت أو لبنة موضوعة أو صخرة فاستقر عليها؛ لأن وقوعه عليه وعلى الأرض سواء، وذكر في " المنتقى ": لو وقع على صخرة فانشق بطنه لم يؤكل لاحتمال الموت بسبب آخر، وصححه الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحمل مطلق المروي في الأصل على غير حالة الانشقاق، وحمله شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما أصابه حد الصخرة فانشق بطنه بذلك، وحمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - المروي في الأصل على أنه ما لم يصبه من الآجرة إلا ما يصيبه من الأرض لو وقع عليها وذلك عفو وهذا أصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والحال أنه على جبل م: (فتردى من موضع إلى موضع حتى تردى إلى الأرض أو رماه فوقع على رمح منصوب أو على قصبة قائمة أو على حرف آجرة) ش: ففي هذه الأشياء كلها لا يؤكل م: (لاحتمال أن حد هذه الأشياء قتله) ش: فهذا سبب الحرمة، ورميه سبب الإباحة فاجتمع السببان والتحرز ممكن، فيغلب سبب الحرمة على سبب الإباحة فحرم.
م: (ومما لا يمكن الاحتراز عنه إذا وقع على الأرض كما ذكرناه) ش: أشار به إلى قوله: وإن وقع على الأرض ابتداء: أكل، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه م: (أو على ما هو في معناه) ش: أي إن وقع على ما هو في معنى الأرض م: (كجبل أو ظهر بيت أو لبنة موضوعة أو صخرة فاستقر عليها؛ لأن وقوعه عليه وعلى الأرض سواء) ش: أي وقوع الصيد على أحد الأشياء المذكورة ووقوعه على الأرض سواء إذا استقر، وقيد به لأنه إذا لم يستقر، بل وقع من الجبل على الأرض ونحو ذلك، فإنه لا يحل كما مر.
م: (وذكر في " المنتقى ") ش: أي ذكروا، وأراد بذلك الإشارة إلى وقوع الاختلاف بين رواية الأصل، وهي قوله: أي صخرة، فاستقر عليها وبين رواية " المنتقى " م: (ولو وقع على صخرة فانشق بطنه لم يؤكل لاحتمال الموت بسبب آخر) ش: وهذا يخالف ما في الأصل؛ لأنه في الأصل لم يفصل بين إن شقت بطنه أو لم تشق م: (وصححه الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي الحاكم ما ذكره في " المنتقى " لذلك م: (وحمل مطلق المروي في الأصل) ش: من قوله له: فاستقر عليها م: (على غير حالة الانشقاق، وحمله شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ما روي في " المنتقى " م: (على ما أصابه حد الصخرة فانشق بطنه بذلك، وحمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - المروي في الأصل على أنه لم يصبه من الآجرة إلى ما يصيبه من الأرض لو وقع عليها) ش: أي على ما يصيبه من الأرض م: (وذلك عفو) ش: كما إذا وقع على الأرض وانشق بطنه والمقصود في المسألة روايتان م: (وهذا أصح) ش: أي ما فعل شمس الأئمة أصح، لأن المذكور في " الأصل " مطلق، فيجري(12/447)
وإن كان الطير مائيا فإن كانت الجراحة لا تنغمس في الماء أكل، وإن انغمست لا يؤكل، كما إذا وقع في الماء.
قال: وما أصابه المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرحه يؤكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على إطلاقه وحمله على غير حالة الانشقاق يخرج إلى الفرق بين الجبل والأرض في الانشقاق، فإنه لو انشق لوقوعه على الأرض أكل، وقد ذكر أنه في معناه.
وقال الكرخي في "مختصره": لو وقع على حرف آجرة في الأرض، أو حرف حجر، ثم وقع على الأرض: لم يؤكل، لأنه قد شرك السقوط غيره. ولو كانت الآجرة مبطوحة على الأرض، واللبنة فوقع عليها ثم مات: أكل، وذلك لأن الآجرة المطبوخة كالأرض مرفوعة عليها كوقوعه على الأرض، ولو وقع على جبل فاستقر عليه: أكل، وذلك لأن استقراره على الجبل كاستقراره على الأرض. ولو سقط من الرمية في ماء فمات: لا يؤكل، ولا أعلم في هذا خلافا، لأنه قد يجوز أن يكون خنق بالماء.
وقال بشر، وعلي بن الجعد، عن أبي يوسف: إذا رمى رجل صيدا وهو في السماء بنشابة، وسمى، فأصابه فوقع على الأرض فمات: أكل، وليس هذا بمترد، ولذلك لو كان على جدار أو حائط أو رأسه أو جبل فوقع منها على الأرض، ولكن المتردي الذي لا يؤكل أن يقع فوق الشيء من السماء أو من موضع فوقه ثم يقع من ذلك الموضع إلى موضع آخر، فهذا لا يؤكل، فهذا مترد - إلى هنا لفظ الكرخي.
وقال القدوري: وهذا صحيح؛ لأن المتردي هو المتردد، ولكن لما اجتمع الحرفان قلبوا أحدهما كما في قولهم لمقفي البازي "وإنما هو بعصعص"، والمتردي وهو أن يقع على شيء ثم منه على شيء، قال القدوري: ذكر في " المنتقى " عن أبي يوسف قال: ولو رمى صيدا على قمة جبل وأثخنه حتى لا يتحرك ولم يستطع أن يأخذه فرماه فقتله ووقع: لم يأكله، وذلك لأنه خرج من حيز الامتناع بالرمي من الأول، فصار الرمي الثاني إلى غير ممتنع: فلا يؤكل.
م: (وإن كان الطير مائيا فإن كانت الجراحة لا تنغمس في الماء أكل وإن انغمست) ش: في الماء م: (لا يؤكل) ش: يعني إذا رمى طيرا في الماء م: (كما إذا وقع في الماء) ش: وهو مجروح، فإن كانت الجراحة لم تنغمس في الماء يؤكل، وإن انغمست الجراحة في الماء لا يؤكل لاحتمال الموت بالماء، وبه قالت الثلاثة، وإن كانت الجراحة غير مهلكة: يحل عند الشافعي، ومالك - رحمهما الله -، كما إذا وقع من الماء، أي كما إذا وقع طير غير الماء في الماء: لا يحل لاحتمال الموت بسبب آخر.
[رمي بالمعراض الصيد فأصيب]
م: (قال: وما أصابه المعراض بعرضه لم يؤكل، وإن جرحه يؤكل) ش: أي قال القدوري، والمعراض سهم بلا ريش ولا نصل يمضي عرضا فيصيب بعرض السهم لا بحده. وفي " مجمل(12/448)
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «ما أصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل» ، ولأنه لا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما قدمناه. قال: ولا يؤكل ما أصابته البندقة فمات بها لأنها تدق وتكسر ولا تجرح، فصار كالمعراض إذا لم يخزق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اللغة ": المعراض سهم طويل له أربع قدد إذا رمى رمى به عرض م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيه: «ما أصاب بحده فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل» ش: هذا الحديث رواه الجماعة في كتبهم «عن عدي بن حاتم، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسك علي وأذكر اسم الله؟ قال: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟، قال: "وإن قتل ما لم يشركه كلب ليس معه". قلت: فإذا رمي بالمعراض الصيد فأصيب؟، قال: "إن أصاب بحده فكل، وإن أصاب بعرض نصل فلا تأكل منه» " وقيد.
م: (ولأنه لا بد من الجرح ليتحقق معنى الذكاة على ما قدمناه) ش: أشار به إلى ما ذكره في الفصل الأول، ولا بد من الجرح لتحقق معنى الذكاة في ظاهر الرواية؛ لأنه إذا لم يجرح يتمزق بإصابة عرض المعراض، ويكون ذلك رماه وكسر إلا جراحا وبضعا وذكاة الاضطرار هي الجرح أو البضع.
م: (قال: ولا يؤكل ما أصابته البندقة فمات بها) ش: أي قال القدوري، والبندقة بضم الباء الموحدة وسكون النون طينة مدورة يرمى بها، ويقال لها: الجلامق م: (لأنها تدق وتكسر ولا تجرح، فصار كالمعراض إذا لم يخزق) ش: بالخاء والزاي المعجمتين، يقال: خزق المعراض إذا نفذ، وبالراء المهملة تصحيف.
وفي " المبسوط ": بالزاي يستعمل في الحيوان، وبالراء المهملة في الثوب، والأصل فيه ما روي «عن عدي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيد المعراض، فقال: "ما خزق بالزاي: فكل، وما قتل بعرضه: فلا نهر" وفيه: "لا يؤكل» متفق عليه، وهو قول أكثر أهل العلم.
وقال الأوزاعي وأهل الشام: يباح ما قتله بعرضه وحده. وقال ابن عمر: كلاهما موقوذة، وبه قال الحسن، ولا خلاف في سائر آلات الجراحة أنها إن قتلته بعرضها ولم تجرح: لا تحل، وإن جرحت تحل ولأنها إذا لم تجرح فإنها تقتل بثقله فأشبه ما أصاب بعرض المعراض.
وقال الحاكم الشهيد في " مختصر الكافي ": ولا يحل صيد البندقة والحجر والمعراض والعصي، وما أشبه ذلك، وإن جرح لأنه لا يخزق إلا أن يكون شيء من ذلك قد حددوه وطوله كالسهم، انتهى.(12/449)
وكذلك إن رماه بحجر، وكذلك إن جرحه، قالوا: تأويله إذا كان ثقيلا وبه حدة، لاحتمال أنه قتله بثقله، وإن كان الحجر خفيفا وبه حدة يحل لتعيين الموت بالجرح، ولو كان الحجر خفيفا وجعله طويلا كالسهم وبه حدة، فإنه يحل لأنه يقتله بجرحه، ولو رماه بمروة حديدة ولم تبضع بضعا لا يحل؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذكر فخر الإسلام في " شرح الزيادات ": في باب الصيد: ويحل أكله إذا رمى فأصاب غيره؛ لأن الحجر والبندقة إذا جرح: حل، وكذا المعراض.
م: (وكذلك إن رماه بحجر، وكذلك إن جرحه) ش: أي إن جرحه الحجر، وهذا من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، لأن الحجر يمزق ولا يقطع إذا لم يكن له حد فيكون كالمعراض إذا أصاب بعرضه.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (تأويله) ش: أي تأويل ما ذكره محمد في الأصل م: (إذا كان ثقيلا وبه حدة، لاحتمال أنه قتله بثقله) ش: أي الحجر لا يحل له م: (وإن كان الحجر خفيفا وبه حدة يحل لتعيين الموت بالجرح، ولو كان الحجر خفيفا وجعله طويلا كالسهم وبه حدة، فإنه يحل؛ لأنه يقتله بجرحه) ش: وفي " الأصل ": وإن مات بالجرح فإن كان الجرح مدميا: فإنه يحل بلا خلاف، وإن جرح ولم يدم اختلف المشايخ فيه.
قال بعضهم: لا يحل لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج» فكل شرط الإنهار وهذا ضعيف عندي؛ لأنه كما شرط الإنهار شرط فري الأوداج، وفي ذكاة الاضطرار: لم يشترط فري الأوداج فكذلك لا يشترط الإنهار.
قال بعضهم: يحل إذا كانت الجراحة صغيرة يشترط الإدماء، وإن كانت كبيرة: تحل بلا إدماء لأنها إذا كانت صغيرة فعدم خروج الدم يدل على ضيق المنفذ لا على عدم الدم في الحيوان، وخروج الدم عند وجود الدم شرط للإباحة. وإن كانت كبيرة لا يكون عدم الخروج لضيق المنفذ بل لعدم الدم فيه أصلا كما إذا كان علقه ورق العناب فاحتبس دمه، وخروج الدم حال عدم فيه فليس بشرط للإباحة.
م: (ولو رماه بمروة حديدة) ش: أي ولو رمى الصيد بمروة وهو حجر رقيق أبيض كالسكين يذبح به م: (ولم تبضع بضعا) ش: أي ولم يقطع قطعا من البضع وهو القطع م: (لا يحل؛ لأنه(12/450)
قتله دقا، وكذا إذا رماه بها فأبان رأسه أو قطع أوداجه؛ لأن العروق تنقطع بثقل الحجر كما تنقطع بالقطع فوقع الشك، أو لعله مات قبل قطع الأوداج، ولو رماه بعصا أو بعود حتى قتله لا يحل؛ لأنه يقتله ثقلا لا جرحا اللهم إلا إذا كان له حدة يبضع بضعا، فحينئذ لا بأس به؛ لأنه بمنزلة السيف والرمح. والأصل في هذه المسائل: أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا، وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما، وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو بالثقل كان حراما احتياطا، وإن رماه بسيف أو بسكين فأصابه بحده فجرحه حل، وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف لا يحل؛ لأنه قتله دقا، والحديد وغيره فيه سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قتله دقا) ش: فصار كالوقيذ، م: (وكذا إذا رماه بها) ش: أي وكذا لا يحل إذا رمى الصيد بمروة م: (فأبان رأسه أو قطع أوداجه؛ لأن العروق تنقطع بثقل الحجر كما تنقطع بالقطع فوقع الشك، أو لعله مات قبل قطع الأوداج) ش: وقد مر أن جانب الحرمة يغلب على جانب الإباحة عند الشك احتياطا.
م: (ولو رماه بعصا) ش: أي ولو رمى صيدا بعصا م: أو بعود) ش: وهو غصن شجرة م: (حتى قتله: لا يحل؛ لأنه يقتله ثقلا لا جرحا) ش: والجرح شرط م: (اللهم) ش: أصله: يا الله، فلما حذف حرف النداء عوض عنه الميم، ولهذا لا يقال: يا اللهم، حتى لا يجتمع العوض والمعوض عنه، واستعماله في الكلام على ثلاثة أنحاء: الأول: إذا كان [....
.....] .
والثالث: أنه يؤتى به قبل المستثنى إذا كان المستثنى عزيزا نادرا استظهارا لمشيئة الله سبحانه وتعالى.
م: (إلا إذا كان له حدة يبضع بضعا) ش: أي يقطع قطعا م: (فحينئذ لا بأس به؛ لأنه بمنزلة السيف والرمح) ش: لأنه لا يكون بالجرح مباحا م: (والأصل في هذه المسائل: أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا، وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما، وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو بالثقل: كان حراما احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط، وهذا كله واضح.
م: (وإن رماه بسيف أو بسكين فأصابه بحده فجرحه: حل) ش: لوجود القتل بحدة الآلة ووجود الجرح م: (وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف) ش: أو بالحديد ونحو ذلك إن كان جرحه ومات بسبب الجرح، فإن كان الجرح مدميا أي بفتح الميم وسكون القاف وكسر الباء الموحدة حيث يقبض عليه بجميع الكف م: (لا يحل؛ لأنه قتله دقا) ش: لا جرحا م: (والحديد وغيره فيه سواء) ش: أي في القتل بالثقل، حتى لو ضربه بقطعة حديد فقطعه بثقلها: لا يحل، وفي " الشامل ": أخذ عودا وحدده إن أصاب بحده: يحل، وإلا فلا، فعلم أن العبرة للحد.(12/451)
ولو رماه فجرحه ومات بالجرح إن كان الجرح مدميا يحل بالاتفاق، وإن لم يكن مدميا فكذلك عند بعض المتأخرين، سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة؛ لأن الدم قد يحتبس بضيق المنفذ أو غلظ الدم، وعند بعضهم: يشترط الإدماء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل» شرط الإنهار، وعند بعضهم: إن كانت كبيرة حل بدون الإدماء، وإن كانت صغيرة لا بد من الإدماء. ولو ذبح شاة ولم يسل منه الدم، قيل: لا تحل، وقيل: تحل، ووجه القولين دخل فيما ذكرناه. وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه فإن أدماه حل وإلا فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[رمى الصيد بقفاء السكين أو بمقبض السيف أو بالحديد]
م: (ولو رماه فجرحه ومات بالجرح) ش: أي ولو رمى الصيد بقفاء السكين أو بمقبض السيف أو بالحديد ونحو ذلك إن كان جرحه ومات بسبب الجرح م: (إن كان الجرح مدميا: يحل بالاتفاق، وإن لم يكن مدميا فكذلك) ش: يحل م: (عند بعض المتأخرين سواء كانت الجراحة صغيرة أو كبيرة؛ لأن الدم قد يحتبس بضيق المنفذ أو غلظ الدم، وعند بعضهم: يشترط الإدماء لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل» ش: قد مر الكلام في هذا الحديث مستوفى في الذبائح، قوله: أنهر من الإنهار، وهو الإسالة، وأفرى بالفاء، أي قطع، والأوداج جمع ودج، والمراد به الودجين، والمروي بطريق التغليب م: (شرط الإنهار) ش: أي شرط - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنهار الدم، وهو إسالته، فما لم يسل لم يحل م: (وعند بعضهم إن كانت) ش: أي الجراحة م: (كبيرة حل بدون الإدماء) ش: لأنها إن كانت صغيرة فعدم الجرح لضيق المنفذ لا لعدم الدم. بخلاف ما إذا كانت كبيرة، وهذا ظاهر.
م: (وإن كانت صغيرة لا بد من الإدماء، ولو ذبح شاة ولم يسل منه الدم قيل: لا تحل) ش: وهو قول أبي القاسم الصفار م: (وقيل: تحل) ش: وهو قول أبي بكر الإسكاف م: (ووجه القولين دخل فيما ذكرناه) ش: أراد بالقولين: قول أبي القاسم الصفار وقول أبي بكر الإسكاف، وأراد بقوله " فيما ذكرناه" الإنهار والاحتياط، فإن الصفار يشترط الإنهار، لأن الذكاة لا تحل بدون نزول الدم النجس، وأبو بكر الإسكاف لا يشترط لوجود فعل الذكاة وهو قطع الأوداج، وقد يمتنع خروج الدم بمحابس حبسه، كما إذا أكل ورق العناب.
وفي " الذخيرة ": ذبح شاة فتحركت وخرج منها دم مسفوح: حلت لوجود علامة الحياة فيها، فإن خرج دم مسفوح ولم يتحرك، أو تحركت ولم يخرج منها دم فكذلك، لأن علامة الحياة أحد الأمرين، وهذا إذا لم يعلم لحياتها وقت الذبح، أما إذا علم حلت، وإن لم يتحرك ولم يخرج منها الدم أصلا.
م: (وإذا أصاب السهم ظلف الصيد أو قرنه فإن أدماه: حل وإلا فلا) ش: يعني وإن لم يدمه:(12/452)
وهذا يؤيد بعض ما ذكرناه. قال: وإذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد لما بيناه، ولا يؤكل العضو. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكلا إن مات الصيد منه؛ لأنه مبان بذكاة الاضطرار، فيحل المبان والمبان منه كما إذا أبين الرأس بذكاة الاختيار، بخلاف ما إذا لم يمت؛ لأنه ما أبين بالذكاة. ولنا: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أبين من الحي فهو ميت»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم تحل م: (وهذا يؤيد بعض ما ذكرناه) ش: أي هذا الذي ذكرناه يؤيد قول أبي القاسم الصفار، فإنه يشترط سيلان الدم للحل. م: (قال: وإذا رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد) ش: أي قال القدوري، لوجود الجرح وهو المبيح في ذكاة الاضطرار م: (لما بيناه) ش: أي لما بيناه أن الجرح مع الرمي مبيح وقد وجد م: (ولا يؤكل العضو) ش: المبان عندنا إذا كان الصيد يمكنه أن يعيش بعد الإبانة، وإن كان لا يعيش يؤكل المبان والمبان منه، وبه قال مالك وأحمد في رواية.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أكلا إن مات الصيد) ش: أي أكل المبان م: (منه) ش: أي مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فمات الصيد من القطع، وبه قال أحمد في روايته، وابن أبي ليلى م: (لأنه مبان بذكاة الاضطرار، فيحل المبان والمبان منه كما إذا أبين الرأس بذكاة الاختيار، بخلاف ما إذا لم يمت) ش: يعني من القطع م: (لأنه ما أبين بالذكاة) ش: ومما أبين من الحي لا سبب الذكاة لإجماعنا فهو حرام، فصار يعتبر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» ، أي ما أبين منه لا سبب الذكاة أن المبان بسبب الذكاة يحل.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» ش: هذا الحديث أخرجه جماعة من الصحابة: منهم: أبو واقد الليثي أخرج حديثه أبو داود والترمذي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» ، ولفظ الترمذي أتم، قال: «قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» وقال: حديث حسن غريب، لا نعرفه، إلا من حديث زيد بن أسلم.(12/453)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والدارمي وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم "، والطبراني في "معجمه"، والدارقطني في "سننه - في آخر الضحايا"، والحاكم في " المستدرك - في الذبائح" وقال: حديث حسن صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، قال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
ومنهم: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه في "سننه" حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب عن معن بن عيسى به، وكذلك رواه الدارقطني في "سننه" والحاكم في "مستدركه" وسكت عنه. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا من هذا الوجه.
قلت: رواه الطبراني في "معجمه الأوسط" حدثنا محمود بن علي المروزي حدثنا يحيى بن المغيرة حدثنا ابن نافع عن عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا نحوه.
ومنهم: أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم في " المستدرك " عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن قطع أليات الغنم وجب أسنمة الإبل، فقال: "ما قطع من حي فهو ميت» . وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
أخرجه أيضا عن المسور بن الصلت عن زيد بن أسلم به، وسكت عنه، وبهذا الإسناد رواه البزار في "مسنده" وقال: هكذا رواه المسور بن الصلت مسندا وخالفه سليمان بن بلال فأرسله عن عطاء بن يسار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم يذكر أبا سعيد، ولم نعلم أحدا قال فيه "عن أبي سعيد "، إلا المسور بن الصلت، وليس بالحافظ، انتهى.(12/454)
ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما. والعضو المبان بهذه الصفة؛ لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة فيه، وكذا حكما؛ لأنه تتوهم سلامته بعد هذه الجراحة، ولهذا اعتبره الشرع حيا حتى لو وقع في الماء وفيه حياة بهذه الصفة يحرم. وقوله: أبين بالذكاة. قلنا: حال وقوعه لم تقع ذكاة لبقاء الروح في الباقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفيه نظر من وجهين: أحدهما: أن سليمان بن بلال أسنده عن أبي سعيد كما تقدم عند الحاكم ولم أجده مرسلا إلا في " مصنف عبد الرزاق " أخرجه في "كتاب الحج" حدثنا معمر عن زيد بن أسلم قال: كان أهل الجاهلية يقطعون أليات الغنم وأسنمة الإبل....، فذكره.
الثاني: قوله: لا نعلم أحدا قال فيه عن أبي سعيد إلا المسور، وقد تابع المسور عليه سليمان بن بلال كما تقدم، وتابعه أيضا خارجة بن مصعب كما أخرجه الحافظ أبو نعيم في " الحلية " في ترجمة يوسف بن أسباط عن خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل شيء قطع من الحي فهو ميت» . وقال: تفرد به خارجة فيما أعلم.
ورواه كذلك ابن عدي في " الكامل "، وضعف خارجة عن البخاري والنسائي وأحمد، وابن معين ومشاه، فقال: يكتب حديثه فإنه يغلط ولا يعتمد.
ومنهم: تميم الداري أخرج حديثه الطبراني في "معجمه " عن سفيان عن أبي بكر الهذلي عن شهر بن حوشب «عن تميم الداري قال: يا رسول الله: إن أناسا يجبون أليات الغنم وهي أحياء، قال: "ما أخذ من البهيمة وهي حية فهو ميتة» . ورواه ابن عدي في " الكامل "، وابن الهذلي اسمه: سلمى بن عبد الله، ولم يضعفه عن أحد.
م: (ذكر الحي مطلقا فينصرف إلى الحي حقيقة وحكما) ش: هذا بيان وجه الاستدلال وهو أنه ذكر الحي مطلقا، والمطلق ينصرف إلى الكامل، والكامل هو الحي حقيقة وهو أن تكون الحياة فيه قائمة وحكما، وهو أن يتوهم سلامته إذا أصابته آفة.
م: (والعضو المبان بهذه الصفة) ش: يعني أبين حق الحي حقيقة وحكما م: (لأن المبان منه حي حقيقة لقيام الحياة فيه، وكذا حكما لأنه تتوهم سلامته بعد هذه الجراحة، ولهذا) ش: ولكونه حيا حكما م: (اعتبره الشرع حيا حتى لو وقع في الماء وفيه حياة بهذه الصفة يحرم) ش: لجواز موته أن يكون سبب وقوعه في الماء م: (وقوله أبين بالذكاة) ش: أي قول الشافعي في تعليله أبين بالذكاة حيث قال لأنه مبان بذكاة الاضطرار ذكر هذا المجيب عنه بقوله م: (قلنا: حال وقوعه لم تقع ذكاة) ش: تقريره سلمنا أن ما أبين بالذكاة يؤكل، ولكن لا ذكاة هاهنا، لأن هذا الفعل وهو إبانة العضو حال وقوعه لم يقع ذكاة م: (لبقاء الروح في الباقي) ش: على وجه يمكن الحياة بعده إذ(12/455)
وعند زواله لا تظهر في المبان لعدم الحياة فيه ولا تبعية لزوالها بالانفصال، فصار هذا الحرف هو الأصل أن المبان من الحي حقيقة وحكما لا يحل، والمبان من الحي صورة لا حكما يحل، وذلك بأن يبقى في المبان منه حياة بقدر ما يكون في المذبوح فإنه حياة صورة لا حكما، ولهذا لو وقع في الماء وبه هذا القدر من الحياة، أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم فتخرج عليه المسائل فنقول: إذا قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس يحرم المبان ويحل المبان منه؛ لأنه يتوهم بقاء الحياة في الباقي. ولو قده بنصفين أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي العجز، أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفرض ذلك بجرح يعتبر ذكاة إذا كان فيه، ولهذا لو وجده وفيه من الحياة فوق ما في المذبوح لا بد من ذبحه.
م: (وعند زواله) ش: أي زوال الروح م: (لا تظهر في المبان لعدم الحياة فيه) ش: أي في المبان منه م: (ولا تبعية لزوالها بالانفصال) ش: هذا جواب عما يقال: ليكن إذكاة للمبان بتبعيته الأكثر إذا مات من ذلك القطع، وتقريره: أن يقال: ولا تبعية يعني الأقل يتبع الأكثر إذا لم يفصل عنه، وهاهنا قد انفصل فزالت التبعية، وقال الكاكي: هذا جواب عن قول الشافعي، وما ذكره أوجه.
م: (فصار هذا الحرف) ش: أي النكتة م: (هو الأصل) ش: هاهنا م: (لأن المبان من الحي حقيقة وحكما: لا يحل، والمبان من الحي صورة لا حكما: يحل) ش: أي من حيث الصورة وهي قيام الحياة فيه لا من حيث الحكم، وهو أن لا يتوهم سلامته بعد القطع، ثم أشار إلى بيان ذلك بقوله م: (وذلك بأن يبقى في المبان منه حياة بقدر ما يكون في المذبوح فإنه حياة صورة لا حكما) ش: أما صورة: فلقيام الحياة فيه، وأما أنه لا حكما: فلأنه لم يتوهم سلامته بعد هذا القطع فحينئذ يحل المبان والمبان منه جميعا.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الحياة فيه صورة لا حكما م: (لو وقع في الماء، وبه هذا القدر من الحياة) ش: أي والحال أن به حياة قدر ما يكون في المذبوح م: (أو تردى من جبل أو سطح لا يحرم) ش: في هذه الحالة لأن الشرط في الحرمة وجود الحيلة حقيقة أو حكما ولم يوجد هاهنا إلا حقيقة فقط م: (فتخرج عليه المسائل) ش: أي على الأصل المذكور م: (فنقول: إذا قطع يدا أو رجلا أو فخذا أو ثلثه مما يلي القوائم أو أقل من نصف الرأس يحرم المبان ويحل المبان منه؛ لأنه يتوهم بقاء الحياة في الباقي) ش: بعد هذا القطع ولا سيما في قطع اليد أو الرجل، فإنه ربما لا يموت ويصح منه.
م: (ولو قده بنصفين) ش: أي ولو شق الصيد نصفين م: (أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي العجز) ش: أي والحال أن أكثر الصيد مما يلي مؤخرا م: (أو قطع نصف رأسه أو أكثر منه) ش: أي(12/456)
يحل المبان والمبان منه، لأن المبان منه حي صورة لا حكما. إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح، والحديث وإن تناول السمك وما أبين منه فهو ميت إلا أن ميتته حلال بالحديث الذي رويناه. ولو ضرب عنق شاة فأبان رأسها يحل لقطع الأوداج، ويكره هذا الصنيع لإبلاغه النخاع، وإن ضربه من قبل القفا إن مات قبل قطع الأوداج لا يحل، وإن لم يمت حتى قطع الأوداج حل. ولو ضرب صيدا فقطع يدا أو رجلا ولم يبنه، إن كان يتوهم الالتئام والاندمال. فإذا مات حل أكله؛ لأنه بمنزلة سائر أجزائه، وإن كان لا يتوهم بأن بقي متعلقا بجلده حل ما سواه لوجود الإبانة معنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الرأس م: (يحل المبان والمبان منه؛ لأن المبان منه حي صورة لا حكما، إذ لا يتوهم بقاء الحياة بعد هذا الجرح) ش: لأن من المحال أن يعيش بعد شقه قطعتين أو قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي المؤخر، وقيد به لأنه إذا قطعه أثلاثا والأكثر مما يلي الرأس يتوهم فيه الحياة.
م: (والحديث وإن تناول السمك وما أبين منه فهو ميت إلا أن ميتته حلال بالحديث الذي رويناه) ش: أراد أن الحديث وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أبين من الحي فهو ميت» يتناول بعمومه السمك أيضا إذا قطع منه عضوا أو هو ميتة، ولكن ميتة السمك حلال بالحديث الذي ذكره في كتاب الذبائح وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان السمك والجراد» . م: (ولو ضرب عنق شاة) ش: بسيف ونحوه وسمى م: (فأبان رأسها) ش: أي أفصلها من جسدها م: (يحل لقطع الأوداج، ويكره هذا الصنيع لإبلاغه النخاع) ش: لما روي: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن ينخع الشاة إذا ذبحت» ، وقد مر الكلام فيه مستوفى في كتاب الذبائح.
م: (وإن ضربه من قبل القفا إن مات قبل قطع الأوداج لا يحل) ش: لأن الذكاة إنما تحصل إذا قطع الأوداج وهي حية، وقطع الأوداج حصلت وهي ميتة، م: (وإن لم يمت حتى قطع الأوداج حل) ش: لوجود الذكاة الشرعية. م: (ولو ضرب صيدا فقطع يدا أو رجلا ولم يبنه) ش: أي لم يفصل منه م: (إن كان يتوهم الالتئام) ش: أي الانضمام م: (والاندمال) ش: من اندمل على الجرح م: (فإذا مات حل أكله) ش: أي مقطوع اليد أو الرجل م: (لأنه بمنزلة سائر أجزائه) ش: لأنه لم يوجد الإبانة لا حقيقة ولا اعتبارا فتحل كما تحل سائر الأجزاء.
م: (وإن كان لا يتوهم) ش: الالتئام والاندمال م: (بأن بقي متعلقا بجلده: حل ما سواه) ش: أي ما سوى المبان م: (لوجود الإبانة معنى) ش: حيث لا يمكن انضمامه والاندمال وإن لم يوجده(12/457)
والعبرة للمعاني،
قال: ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني؛ لأنهم ليسوا من أهل الذكاة على ما بيناه في الذبائح ولا بد منها في إباحة الصيد بخلاف النصراني واليهودي؛ لأنهما من أهل الذكاة اختيارا فكذا اضطرارا.
، قال: ومن رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه ولم يخرجه عن حيز الامتناع، فرماه آخر فقتله فهو للثاني ويؤكل؛ لأنه هو الآخذ، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذه» . وإن كان الأول أثخنه فرماه الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من حيث الصورة م: (والعبرة للمعاني) .
[صيد المجوسي والمرتد والوثني]
م: (قال: ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني) ش: قال القدوري ولم يقطع لفظه، قال في بعض النسخ: وفي بعض النسخ: والمحرم م: (لأنهم ليسوا من أهل الذكاة على ما بيناه في الذبائح ولا بد منها) ش: أي من أهلية الذكاة م: (في إباحة الصيد) ش: لأن الجرح في الصيد بمنزلة الذكاة م: (بخلاف النصراني واليهودي؛ لأنهما من أهل الذكاة اختيارا فكذا اضطرارا) ش: أي لأن النصراني واليهودي من أهل الذكاة في حالة الاختيار حتى يجوز أكل ذبيحته، فكذا في حالة الاضطرار.
[رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه فرماه آخر فقتله]
م: (قال: ومن رمى صيدا فأصابه ولم يثخنه) ش: أي قال القدوري، أثخن الصيد إذا ضعفه وأخرجه من حيز الامتناع م: (ولم يخرجه عن حيز الامتناع) ش: هذا تفسير لقوله ولم يثخنه م: (فرماه آخر فقتله فهو للثاني) ش: أي الصيد الثاني لأنه صاده م: (ويؤكل لأنه هو الآخذ) ش: الذكاة؛ لأن الثاني قتله قبل أن يخرج الصيد عن حيز الامتناع بإصابة الأول.
م: (وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصيد لمن أخذه» ش: هذا غريب لم أجده في كتب الحديث، وإنما ذكر أبو عبد الله محمد بن حمدون في كتاب " التذكرة " فقال: قال إسحاق الموصلي: كنت يوما عند الرشيد أغنيه، وهو يشرب فدخل الفضل بن الربيع فقال له: ما وراءك؟ قال: خرج إلي ثلاث جوار: إحداهن مكية، والأخرى مدنية، والثالثة عراقية، فقبضت المدنية على آلتي، فلما انعظ قبضت المكية عليه، فقالت المدنية: ما هذا التعدي؟ ألم تعلمي أن مالكا حدثنا عن الزهري عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» فقالت المكية: ألم تعلمي أنت أن سفيان حدثنا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الصيد لمن أخذه لا لمن أثاره» ، فدفعتهما الثالثة عنه ثم أخذته وقالت: هذا لي وفي يدي حتى تصطلحا.
م: (وإن كان الأول قد أثخنه) ش: أي أضعفه وأخرجه عن حيز الامتناع م: (فرماه الثاني(12/458)
فقتله فهو للأول ولم يؤكل لاحتمال الموت بالثاني، وهو ليس بذكاة للقدرة على ذكاة الاختيار بخلاف الوجه الأول، وهذا إذا كان الرمي الأول بحال ينجو منه الصيد؛ لأنه حينئذ يكون الموت مضافا إلى الرمي الثاني. وأما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد بأن لا يبقى فيه من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح، كما إذا أبان رأسه يحل؛ لأن الموت لا يضاف إلى الرمي الثاني؛ لأن وجوده وعدمه بمنزلة، وإن كان الرمي الأول بحال لا يعيش منه الصيد إلا أنه يبقى فيه من الحياة أكثر مما يكون بعد الذبح، بأن كان يعيش يوما أو دونه، فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحرم بالرمي الثاني؛ لأن هذا القدر من الحياة لا عبرة بها عنده. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم؛ لأن هذا القدر من الحياة معتبر عنده على ما عرف من مذهبه، فصار الجواب فيه والجواب فيما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد سواء فلا يحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقتله فهو للأول ولم يؤكل لاحتمال الموت بالثاني) ش: لأن الأول لما أثخنه قد صار أهليا فذكاته بالذبح لا بالرمي، بل الرمي في مثله يوجب الحرمة، أشار إلى هذا بقوله م: (وهو ليس بذكاة) ش: قتل الثاني ليس بذكاة م: (للقدرة على ذكاة الاختيار بخلاف الوجه الأول) ش: حيث كان قتل الثاني فيه ذكاة، لأن رمي الأول لم يخرج عن حكم الصيدية.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من أنه لا يؤكل م: (إذا كان الرمي الأول بحال ينجو منه الصيد؛ لأنه حينئذ يكون الموت مضافا إلى الرمي الثاني، وأما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد بأن لا يبقى فيه من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح كما إذا أبان رأسه يحل؛ لأن الموت لا يضاف إلى الرمي الثاني؛ لأن وجوده وعدمه بمنزلة) ش: أراد أن وجوده وعدمه سواء. م: (وإن كان الرمي الأول بحال لا يعيش منه الصيد إلا أنه يبقى فيه من الحياة أكثر مما يكون بعد الذبح، بأن كان يعيش يوما أو دونه، فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحرم بالرمي الثاني؛ لأن هذا القدر من الحياة لا عبرة بها عنده) ش: أي عند أبي يوسف.
وفي بعض النسخ: لا معتبر بها كما لا عبرة فيه من الحياة ما بقي في المذبوح بعد الذبح.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحرم؛ لأن هذا القدر من الحياة معتبر عنده على ما عرف من مذهبه) ش: فإذا كان معتبرا على مذهبه.
م: (فصار الجواب منه) ش: أي في الفصل الثاني م: (والجواب فيما إذا كان الأول بحال لا يسلم منه الصيد سواء) ش: أي فيما إذا كان الرمي الأولى أثخنه، وكان بحال يتوهم أن يسلم الصيد منها، فمتى رماه الثاني لا يحل، فكذا وهو معنى قوله: م: (فلا يحل) ش: أي أكل الصيد المذكور.(12/459)
قال: والثاني ضامن لقيمته للأول لقيمته للأول غير ما نقصته جراحته؛ لأنه بالرمي أتلف صيدا مملوكا له؛ لأنه ملكه بالرمي المثخن وهو منقوص بجراحته الأول وقيمة المتلف تعتبر يوم الإتلاف. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تأويله إذا علم أن القتل حصل بالثاني بأن كان الأول بحال يجوز أن يسلم الصيد منه، والثاني بحال لا يسلم الصيد منه ليكون القتل كله مضافا إلى الثاني، وقد قتل حيوانا مملوكا للأول منقوصا بالجراحة، فلا يضمنه كاملا، كما إذا قتل عبدا مريضا، وإن علم أن الموت يحصل من الجراحتين أو لا يدري، قال في الزيادات: يضمن الثاني ما نقصته جراحته، ثم يضمنه نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم يضمن نصف قيمة لحمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: والثاني ضامن لقيمته للأول غير ما نقصته جراحته) ش: أي قال القدوري، أي جراحة الأول م: (لأنه) ش: أي لأن الثاني م: (بالرمي أتلف صيدا مملوكا له) .
م: (لأنه ملكه بالرمي المثخن وهو) ش: الذي أخرجه عن حيز الامتناع م: (منقوص بجراحته الأول) ش: فلم يزل الثاني في نقصانها م: (وقيمة المتلف تعتبر يوم الإتلاف) ش: لأن ضمان الإتلاف يعتبر فيه القيمة يوم الإتلاف، وكان في ذلك الوقت منقوصا بجراحة الأول فيلزم الثاني قيمته غير ما جرحته الرمية الأولى، توضيح ذلك: أن الرامي الأول إذا رمى صيدا يساوي عشرة فنقصه درهمين ثم مات: يضمن بالثاني ثمانية ويسقط عنه من قيمته درهمان، لأن ذلك تلف بالجرح الأول.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (تأويله) ش: أي تأويل قول القدوري م: (إذا علم أن القتل حصل بالثاني بأن كان الأول بحال يجوز أن يسلم الصيد منه، والثاني بحال لا يسلم الصيد منه ليكون كله مضافا إلى الثاني، وقد قتل حيوانا مملوكا للأول منقوصا بالجراحة، فلا يضمنه كاملا، كما إذا قتل عبدا مريضا) ش: فإنه لا يضمن قيمته صحيحا.
م: (وإن علم أن الموت حصل من الجراحتين) ش: أي جراحة الأول وجراحة الثاني م: (أو لا يدري، قال في " الزيادات ": يضمن الثاني ما نقصته جراحته، ثم يضمنه نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم يضمن نصف قيمة لحمه) ش: توضيح ذلك: أن الرامي الأول إذا رمى صيدا يساوي عشرة مثلا فنقصه درهمين ثم رماه الثاني فنقصه درهمين: يضمن الثاني للأول ما نقصته جراحته وهو درهمان، وبقي من قيمته ستة دراهم فيضمن الثاني أيضا نصفها، وهو ثلاثة دراهم وهي نصف قيمته مجروحا بجراحتين، ثم إذا مات يضمن النصف للآخر وهو ثلاثة أيضا، لأنه فوت عليه اللحم، ولا يضمن النصف الآخر من اللحم بعد الموت. وإن كان تفويت اللحم فيه موجودا بقتله لأنه ضمن ذلك النصف حيا، فلو ضمنه بعد الموت تكرر الضمان بأن يضمن قيمته حيا ثم يضمن قيمته لحما بعد الموت، وهذا لا يجوز، فافهم. ولم أر أحدا من الشراح أوضح ذلك؛ فذكرته زيادة للفائدة والإيضاح.(12/460)
أما الأول؛ فلأنه جرح حيوانا مملوكا للغير وقد نقصه فيضمن ما نقصه أولا، وأما الثاني؛ فلأن الموت حصل بالجراحتين فيكون متلفا نصفه، وهو مملوك لغيره، فيضمن نصف قيمته مجروحا بالجراحتين، لأن الأولى ما كانت بصنعه، والثانية ضمنها مرة فلا يضمنها ثانيا. وأما الثالث فلأن بالرمي الأول صار بحال يحل بذكاته الاختيار لولا رمي الثاني، فهذا بالرمي الثاني أفسد عليه نصف اللحم فيضمنه ولا يضمن النصف الآخر؛ لأنه ضمنه مرة فدخل ضمان اللحم فيه. وإن كان رماه الأول ثانيا، فالجواب في حكم الإباحة كالجواب فيما إذا كان الرامي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أما الأول) ش: وهو نقصان ضمان الجراحة م: (فلأنه) ش: أي الثاني م: (جرح حيوانا ملوكا للغير وقد نقصه فيضمن ما نقصه أولا، وأما الثاني) ش: وهو ضمان نصف القيمة مجروحا بجراحتين م: (فلأن الموت حصل بالجراحتين فيكون هو) ش: أي الثاني م: (متلفا نصفه، وهو مملوك لغيره، فيضمن نصف قيمته مجروحا) ش: أي حال كونه مجروحا م: (بالجراحتين؛ لأن الأولى ما كانت بصنعه) ش: أي بصنع الثاني، وإنما كانت بصنع الأول م: (والثانية ضمنها مرة) ش: أي والجراحة الثانية ضمنها الثاني مرة م: (فلا يضمنها ثانيا) ش: أي بأي مرة لئلا يتكرر الضمان، وقد ذكرناه آنفا.
م: (وأما الثالث) ش: وهو ضمان نصف قيمة اللحم م: (فلان بالرمي الأول صار بحال يحل بذكاته الاختيار لولا رمي الثاني) ش: لأن الأول قد كان أخرجه من حيز الامتناع، فصار كالأهلي، م: (فهذا) ش: أي الثاني م: (بالرمي الثاني أفسد عليه) ش: أي على الأول م: (نصف اللحم فيضمنه ولا يضمن النصف الآخر؛ لأنه ضمنه مرة) ش: حيث ضمنه حيا م: (فدخل ضمان اللحم فيه) ش: أي في الضمان الأول، لا يقال: لا ينبغي أن يضمن نصف اللحم ونصف الصيد مجروحا بجراحة واحدة، ويدخل ضمان الجراحة في ضمان الصيد، كما إذا قتل صيدا مجروحا لغيره، لأنا نقول: إنه ضمن الجراحة الثانية. ولو حصل كما قلت يضمن نصفها؛ لأنه يضمن نصف قيمته مجروحا بجراحة واحدة، فدخل ضمان جراحة الثانية في ضمان الصيد.
فإن قلت: ينبغي أن يدخل قيمة نصف اللحم في نصف قيمة الصيد؟.
قلت: لما ضمن نصف قيمة الصيد ملك نصف الذي ضمنه، ومع ذلك أفسد جميع اللحم حتى حرم جميعه، والنصف مملوك للأول، فيضمن نصف اللحم الذي لصاحبه ولا يضمن ما هو مملوك بالضمان.
م: (وإن كان رماه الأول ثانيا) ش: يعني أن ما تقدم كان قيما إذا كان الرامي الثاني غير الرامي الأول، وهذا فيما إذا كان رماه الأول ثانيا م: (فالجواب في حكم الإباحة) ش: يعني في حكم الضمان، لأن الإنسان لا يضمن ملك نفسه لفعله لنفسه م: (كالجواب فيما إذا كان الرامي(12/461)
غيره، ويصير كما إذا رمى صيدا على قمة جبل فأثخنه، ثم رماه ثانيا فأنزله لا يحل؛ لأن الثاني محرم، كذا هذا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غيره، ويصير كما إذا رمى صيدا على قمة جبل فأثخنه، ثم رماه ثانيا فأنزله لا يحل؛ لأن الثاني محرم، كذا هذا) ش: يكون الرامي الثاني فيه محرم.
ثم اعلم: أن الرجلين إذا رميا صيدا فذاك ينقسم إلى قسمين: إما أن رميا معا أو متعاقبا، والأول على أوجه فإنه إذا رمياه معا فإما أن يصيباه معا أو يصيب أحدهما أولا، فإن أصابه فإما أن يثخنه قبل إصابة الثاني أو لا، والثاني كذلك، فإنه إما أن يرميه الثاني قبل إصابة السهم الأول أو بعدها، فإن كان الثاني فإما أن يثخنه الأول أو لا يثخنه الأول بوجوهه، فالوجه الأول من الثاني غير مذكور في الكتاب، فنذكرها بكلمة للفائدة فيقول: بأن رميا معا وأصابا معا فقتلاه: فهو لهما جميعا، ويؤكل، لأن كلا منهما رمى صيدا مباحا، فيحل تناوله اعتبارا بحالة الرمي، كما أنه كان صيدا حال رميهما يقع فعل كل منهما ذكاة.
وإن أصابت الرميتان معا فاستويا في السببية وذلك يوجب المساواة في الملك. وإن رمياه معا فأصابه سهم أحدهما أولا فأثخنه، ثم أصابه سهم الآخر فقتله؛ فهو للأول، وحل أكله عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو يعتبر حالة الاتصال بالمحل والسهم الثاني أصابه وهو غير ممتنع فصار كما لو رمى شاة. ونحن نعتبر للحل حالة الإرسال، لأن الإصابة بالمحل، وهذا معتبر التسمية حالة الإرسال، والإرسال قد حصل منهما، والمحل صيد ممتنع، فلم يتعلق بالثاني نظرا للملك حال الاتصال، لأن الملك يتصل بالمحل.
ومنهم: الأول أخرجه عن حيز الامتناع قبل أن يتصل به الثاني، وإن لم يذبحه فهو للثاني. وإن رماه الثاني بعدما رماه الأول قبل أن يصيب سهمه وهو الأول من القسم الثاني فحكمه حكم ما لو رمياه معا هو لهما وحل أكله.
وقال الشافعي وأحمد: إن تمكن من ذبحه بعد الجرح ولم يذبحه حتى مات: لم يحل، وإن لم يتمكن من ذبحه وجرحه الثاني فأماته: ضمن قيمته مجروحا واختلف أصحابه فيما يجب من ضمانه، قال الإصطخري: يجب على الثاني كمال قيمته للأول بعد جراحته.
وفي " الحلية ": والمذهب: أنه يجب عليه ما يخص جنايته من قيمته وتسقط القيمة على الجنايتين، وفرض أصحابنا المسألة في الجملتين المتصورتين لتعرف ما يجب على كل واحد منهما ويسقط من الأول، فقال: صيد مملوك يساوي عشرة، جرحه رجل فنقص درهم ومات الصيد من جراء الجنايتين؛ فاختلف أصحابنا على ستة طرائق، أصحها: أن أرش جناية كل واحد يدخل في جنايته فيضمن قيمة الصيد عن جناية الأول إلى قيمته عند جناية الثاني، فيكون تسعة(12/462)
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل لإطلاق ما تلونا، والصيد لا يختص بمأكول اللحم. قال قائلهم:
صيد الملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال
ولأن صيده سبب للانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه، أو لاستدفاع شره وكل ذلك مشروع، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم يقسم قيمة الصيد وهو عشرة على تسعة عشر فيما يقابل عشرة يجب على الأول وما يقابل تسعة على الثاني، هذا طريق ابن حران.
الثاني: وهو قول المزني أنه يثبت على كل واحد منهما أرش جنايته، ثم يجب عليهما قيمته بعد الجنايتين، فيجب على الأول خمسة ونصف.
والثالث: على كل واحد نصف أرش، ونصف قيمته يوم جنى عليه فيجب على الأول خمسة ونصف، وعلى الثاني خمسة، ثم يرجع الأول على الثاني بنصف درهم.
والرابع: أنه يجب على كل واحد منهما نصف قيمته حال جنايته، ونصف أرش جنايته، ولا يثبت الرجوع للأول على الثاني.
والخامس: أنه يجب على الأول أرش جنايته، ثم يجب بعد ذلك قيمته بينهما نصفين، ولا يجب على الثاني أرش جنايته.
والسادس: وهو قول ابن أبي هريرة: أن الأرش يدخل في قيمة الصيد فيجب على الأول نصف قيمته حال جنايته، وعلى الثاني نصف قيمته حال حياته، فيذهب نصف درهم من قيمة الصيد.
[صيد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل]
م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجوز اصطياد ما يؤكل لحمه من الحيوان وما لا يؤكل) ش: أي قال القدوري، م: (لإطلاق ما تلونا) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] (سورة المائدة: الآية 2) .
م: (والصيد لا يختص بمأكول اللحم. قال قائلهم) ش: أي قائل العرب:
م:
صيد المملوك أرانب وثعالب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال
م: (ولأن صيده) ش: أي صيد ما لا يؤكل لحمه م: (سبب للانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه) ش: في الطيور التي لا تؤكل م: (أو لاستدفاع شره، وكل ذلك مشروع) ش: أي كل ما ذكره من هذه الأنواع مشروع، أي ثابت شرعا م: (والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب) .(12/463)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: نصب أحبولة فوقع فيها صيد ومات، إن مات بالشبكة والحبل: لا يحل باتفاق أكثر أهل العلم، إلا عند الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: لو سمى على الحبل ودخل فيه وجرحه: يحل، وهذا قول شاذ مخالف لعامة أهل العلم.
أما لو كان فيها آلة جارحة مثل المنجل وسمى عليها وجرحه: يحل، وهذا قول شاذ مخالف لعامة أهل العلم. أما لو كان فيها آلة جارحة وهذا عندنا وعند أحمد، وبه قال الحسن وقتادة: وقال الشافعي: لا يحل.
ولو تعلق صيد بشرك الثاني أو بشبكته ملكه لثبوت يده على الصيد، وكل من أخذه بعد رده. ولو كان شيء من الشبكة أو طاف معها على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها، ولو قدر على الامتناع لا يملكه صاحب الشبكة، وكذا لو رمى صيدا فأثخنه فدخل في دار إنسان فأخذه صاحب الدار لم يملكه لأن الرامي ملكه بالإثخان، ولو أرسل صيده لم يزل عنه ملكه، وبه قال الشافعي وأحمد، كما لو أرسل بعيره أو فرسه.
وقال الشافعي في وجه: يزول ملكه، وبه قال أحمد في رواية.
ولو اصطاد طيورا أو جعلها في برج وطار إلى برج غيره لم يزل ملكه عنه. وقال مالك: إن لم يكن أنس ببرجه بطول مكثه صار ملكا لمن انتقل إلى برجه، وإن عاد إلى برج الأول عاد إلى ملكه.
ولو أرسل بازيه صيدا أو أمسكه بحيلة ولم يثخنه فقتل بازي الثاني: فالصيد لصاحب البازي.(12/464)
كتاب الرهن الرهن لغة: حبس الشيء بأي سبب كان. وفي الشريعة: جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون. وهو مشروع بقوله تعالى: {فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] (البقرة: الآية 283) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الرهن]
[تعريف الرهن]
م: (كتاب الرهن) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الرهن. وجه المناسبة بين كتاب الرهن وكتاب الصيد: من حيث كونهما سببا لتحصيل المال. وله معنى لغة وشرعا وسبب وركن وحكم وحكمة. وأما معناه لغة: فما ذكره المصنف بقوله: م: (الرهن لغة) ش: أي من حيث اللغة م: (حبس الشيء بأي سبب كان) ش: من الأسباب، كما في قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] (سورة المدثر: الآية 38) أي محبوسة بوبال ما كسبت من المعاصي. ويقال: فلان رهن كذا، أو رهين، فرهينة أي مأخوذ به، والرهن يجيء بمعنى المرهون تسميته بالمصدر، والجمع رهون ورهان، وترى بهما في الآية والتركيب يدل على الثبات والدوام. وقيل: هو معناه لغة، يقال: ماء راهن أي راكد، ونعمة راهنة أي ثابتة.
وأما معناه شريعة: فما ذكره بقوله: م: (وفي الشريعة: جعل الشيء) ش: أي رهن جعل الشيء م: (محبوسا بحق) ش: إنما قيده بقوله "بحق" لأن الرهن كما يصح بالدين يصح بالغصب أيضا، والحق يشملها م: (يمكن استيفاؤه) ش: أي استيفاء الحق م: (من الرهن) ش: أي من المرهون م: (كالديون) ش: احترز به عن ارتهان الخمر، وعن الرهن عن الحدود والقصاص.
وقال القدوري في "شرحه ": الرهن في الشرع: عبارة عن عقد وثيقة وبذلك يفضل من الكفالة والحوالة، لأنهما عقد وثيقة بذمة، ويفصل من المبيع في يد البائع ولأنه وثيقة وليس بعقد. وأما سببه: فهو مطالبة رب الدين الرهن.
وأما ركنه: الإيجاب فقط عندنا، وعند البعض: الإيجاب والقبول كما يجيء إن شاء الله تعالى.
وأما حكمه: فهو ملك حبس المرهون وحق المطالبة بالبيع.
وأما حكمته: فحصول النظر من الجانبين.
م: (وهو) ش: أي الرهن م: (مشروع بقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] (سورة البقرة: الآية 283)(12/465)
ولما روي: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه» . وقد انعقد على ذلك الإجماع، ولأنه عقد وثيقة لجانب الاستيفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أوله: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وهو جمع رهن كعباد جمع عبد، وقد تعلق مجاهد وداود الظاهري بظاهر الآية أن الرهن لا يجوز إلا في السفر، لأن التعلق بالشرط ينفي الوجود عند عدمه.
قلنا: ليس المراد به الشرط حقيقة، بل ذكر ما يعتاد بأنهم في الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر إمكان التوثق بالكتاب والشهود. والغالب أن ذلك يكون في السفر وتوارث من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا جوازه في الحضر والسفر، فعلم أن ذلك على سبيل العادة.
وفيه دليل على: جواز الشراء بالنسيئة إن كان يمكنه الشراء بالنقد خلافا لما يقوله المتعشقة، فإنهم قالوا: يكره عند القدرة على النقد.
قلنا: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قادرا على أن يشتري بالنقد بأن يبيع درعه ثم يشتري طعاما، مع أنه رهن درعه على ما يجيء الآن وبما روي، أي ومشروع أيضا.
م: (ولما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن الأسود عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا له من حديد ". وفي رواية للبخاري: "ثلاثين صاعا من شعير» . قوله: "ورهنه به" أي بالطعام.
قال الكاكي: وفي بعض النسخ: أي بالقيمة. وقال تاج الشريعة: أي بالدراهم أو الدنانير التي هي ثمن الطعام وفيه فوائد، أحدها: أنه لا باس بالبيع والشراء نسيئة، ولا كراهة فيه وقد مر الكلام فيه الآن.
الثانية: جواز الاستدانة، ولا يجوز الشراء نسيئة.
الثالثة: جواز المعاملة مع أهل الذمة.
الرابعة: جواز رهن السلاح منهم، هذا إذا لم يكن لهم قوة، أما إذا كان لهم قوة يكره ذلك كما يكره البيع منهم. كذا ذكر شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في شرح "الكافي ".
م (وقد انعقد على ذلك) ش: أي على كون الرهن مشروعا م: (الإجماع) ش: أي الأمة اجتمعت على جواز الرهن من غير نكير إلى يومنا هذا م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرهن، أشار به إلى جوازه بالدليل العقلي م: (عقد وثيقة) ش: أي عقد وثيقة، والوثيقة ما توثق به الشيء ويؤكد به م: (لجانب الاستيفاء) ش: أما أنه عقد وثيقة لأن حق الرهن يتأكد به ويأمن من القوي(12/466)
فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب، وهي الكفالة.
قال: الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول ويتم بالقبض. قالوا: الركن الإيجاب بمجرده؛ لأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع كالهبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالمجهرون المماطلة ومن أخذ سائر الغرماء بعد موت الراهن.
وأما لجانب الاستيفاء: فلأنه يرد على المال، وطرف الاستيفاء وهو المختص بالأموال فوهب أن يكون مشروعا، وإذا كان كذلك م: (فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب) ش: الذي يختص بالذمم. وتقريره: أن الدين طرفان، طرف الوجوب وطرف الاستيفاء، لأنه يجب أولا في الذمة ثم تستوفي المال بعد ذلك.
ثم الوثيقة لطرف الوجوب الذي يختص بالذمة م: (وهي الكفالة) ش: جائزة، فكذا الوثيقة التي تختص بالمال، بل بطريق الأولى، لأن الاستيفاء هو المقصود من الوجوب وسيلة إليه.
[انعقاد الرهن]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول) ش: وبه قال مالك، وأحمد في رواية. واختلف المشايخ في القبول، قال بعضهم: إنه شرط، وظاهر ما ذكره في " المحيط " يشير إلى أنه ركن.
وقال في الأيمان في الإجارة: بدون القبول ليست بإجارة، وكذا الرهن حتى لا يحنث من حلف لا يؤاجر ولا يرهن بدون القبول. وقال بعضهم: الإيجاب ركن، والقبول شرط، أما القبض شرط اللزوم. وقال محمد في الكتاب: لا يجوز الرهن إلا مقبوضا، فقد أشار إلى القبض شرط الجواز. وقال شيخ الإسلام: شرط اللزوم كما في الهبة، وبه قال أكثر العلماء.
م: (ويتم بالقبض) ش: أي يتم عقد الرهن بقبض المرهون. وقال مالك: يصح بالإيجاب والقبول بدون القبض. ونحن نقول: قال الله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وصف الرهن بكونها مقبوضة، والنكرة إذا وصفت عمت.
م: (قالوا) ش: أي قال المشايخ، يعني بعض المشايخ، وأشار به إلى ما قال شيخ الإسلام خواهر زاده؛ لأنه قال: إن الرهن قبل القبض جائز، إلا أنه غير لازم، وإنما يصير لازما في حق الراهن بالقبض، فكان القبض شرط اللزوم لا شرط الجواز كما في الهبة م: (الركن الإيجاب بمجرده) ش: يعني ركن الرهن مجرد الإيجاب بدون القبول، الإيجاب هو: قول الراهن: رهنتك هذا المال بدين لك علي وما أشبه. والقبول هو قول المرتهن قبلت.
وقال المصنف عن خواهر زاده ما ذكرناه، ثم علله بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (عقد تبرع) ش: لأن الراهن لم يستوجب بمقابلة ما أثبت للمرتهن من اليد على الرهن شيئا، فكان تبرعا م: (فيتم بالمتبرع) ش: أي فيتم الرهن بالمتبرع، فإذا كان كذلك يكون م: (كالهبة(12/467)
والصدقة، والقبض شرط اللزوم على ما نبينه إن شاء الله تعالى. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزم بنفس العقد؛ لأنه يختص بالمال من الجانبين، فصار كالبيع، ولأنه عقد وثيقة فأشبه الكفالة. ولنا ما تلوناه والمصدر المقرون بحرف الفاء في محل الجزاء يراد به الأمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والصدقة) ش: لأنهما عقد تبرع، فالقبض فيهما شرط اللزوم لا شرط الجواز م: (والقبض شرط اللزوم) ش: كأنه تفسير لقول القدوري: ويتم القبض، فيكون الرهن قبل القبض جائزا، ولا يلزم إلا بالقبض.
وهذا الذي ذكره المصنف مخالف لرواية عامة الكتب. قال محمد: لا يجوز الرهن إلا مقبوضا. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": لا يجوز الرهن غير مقبوض. وقال الطحاوي في "مختصره": ولا يجوز الرهن إلا مقبوضا مفرغا محرزا.
م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يلزم) ش: أي الرهن م: (بنفس العقد) ش: يعني بدون شرط القبض م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (يختص بالمال من الجانبين) ش: أي من جانب الراهن والمرتهن م: (فصار كالبيع) ش: بأنه يلزم بنفس العقد. م: (ولأنه عقد وثيقة فأشبه الكفالة) ش: في عدم اشتراط القبض.
م: (ولنا ما تلوناه) ش: أراد به قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] م: (والمصدر المقرون بحرف الفاء) ش: أراد به لفظ رهان، فإنه جعله مصدرا م: (في محل الجزاء يراد به الأمر) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، أي فتحرير. فيكون تقديره والله أعلم: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ} [البقرة: 283] أي ارهنوا، لكن ترك كونه معمولا به في حق ذلك، حيث لم يجب الرهن على المديون ولا قبوله على الدائن بالإجماع، فوجب أن يعمل في شرطه وهو القبض كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل» بالنصب، أي يقفوا، فلم يعمل الأمر في نفس البيع؛ لأن البيع مباح بطريق إلى شرطه وهو المماثلة في أموال الربا، فكذا هذا وفيه نظر من وجوه:
الأول: في تسمية الرهان مصدرا؛ لأن في كتب اللغات: الرهان جمع رهن كالنعل والنعال، ويدله على ذلك قوله مقبوضة بالتأنيث.
الثاني: أنه يجوز أن يكون الأمر للإباحة بقرينة الإجماع، فيصرف إلى الرهن لا إلى القبض.
والثالث: أن الآية متروكة الظاهر؛ لأن ظاهرها يدل على أن الرهن إنما يكون في السفر، كما قال به داود، ومجاهد، والضحاك، وقد ترك ذلك، ومتروك الظاهر لا يصلح حجة.(12/468)
ولأنه عقد تبرع لما أن الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا، ولهذا لا يجبر عليه، فلا بد من إمضائه كما في الوصية، وذلك بالقبض ثم يكتفى فيه بالتخلية في ظاهر الرواية؛ لأنه قبض بحكم عقد مشروع فأشبه قبض المبيع، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل؛ لأنه قبض موجب الضمان ابتداء بمنزلة الغصب. بخلاف الشراء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فأجاب عن الأول في " الفوائد الظهيرية ": بأن الرهان يجوز أن يكون مصدرا كالضراب والفعال، وتأنيث المقبوضة بتأويله السلعة كما يؤنث الصوب بتأويل الصحة.
وأجيب عن الثاني: بأن الأمر في الوجوب حقيقة، والإجماع قرينة للمجاز؛ لأن المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بقرينة. والإجماع لم يكن حال استعمال هذا اللفظ. وعن الثالث بأنا لا نسلم أن متروك الظاهر بدليل ليس بحجة؛ لأن النصوص المأولة متروك الظاهر وهي عامة الدلائل.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرهن وهذا دليل معقول على اشتراط القبض م: (عقد تبرع لما أن الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا، ولهذا) ش: أي ولأجل كون الرهن عقد تبرع م: (لا يجبر) ش: أي الراهن م: (عليه) ش: أي على الرهن م: (فلا بد من إمضائه) ش: أي إنفاذ الرهن، فإمضاؤه بالقبض، يعني لا بد لثبوت الاستحقاق من الإمضاء م: (كما في الوصية) ش: لأنها عقد تبرع لا يستحق إلا بالإمضاء، ولكن إمضاءه بأن لا يرجع عنها صريحا أو دلالة م: (وذلك بالقبض) ش: أي بالإمضاء في الرهن بالقبض م: (ثم يكتفي فيه) ش: أي في القبض م: (بالتخلية) ش: وعلى رفع الموانع عن القبض، يعني أن الراهن إذا خلى بين المرتهن والمرهون يعتبر قابضا، كما إذا فعل البائع مثل ذلك في البيع والمشتري، وبه قال الشافعي، ومالك م: (في ظاهر الرواية) ش: قيد به لأنه روى عن أبي يوسف اشتراط شيء آخر على ما يجيء الآن.
م: (لأنه) ش: أي لأن القبض الرهن م: (قبض بحكم عقد مشروع) ش: أي حكم عقد مشروع. وقال تاج الشريعة: قوله "مشروع" احترازا عن المقبوض في البيع الفاسد، فإنه لا يكتفي فيه بالتخلية، لأن الفاسد واجب الإعدام، فيكون السعي في نقضه هو اللائق، م: (فأشبه قبض المبيع) ش: حيث يكتفي فيه بالتخلية.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه) ش: أي أن القبض م: (لا يثبت في المنقول إلا بالنقل) ش: إلى داؤده، وبه قال أحمد م: (لأنه) ش: أي لأن هذا القبض م: (قبض موجب الضمان ابتداء) ش: أراد بابتداء الضمان أن لا يكون مضمونا قبل العقد، فكان قبض الرهن م: (بمنزلة الغصب) ش: وفي الغصب: يشترط النقل للضمان، ولا يثبت بالتخلية، فكذا هذا.
م: (بخلاف الشراء) ش: جواب عن قياس وجه الظاهر بأن القبض في الشراء ناقل(12/469)
لأنه ناقل للضمان من البائع إلى المشتري، وليس بموجب ابتداء، والأول أصح. قال: وإذا قبضه المرتهن محوزا مفرغا متميزا. ثم العقد فيه لوجود القبض بكماله، فلزم العقد وما لم يقبضه فالراهن بالخيار إن شاء سلمه وإن شاء رجع عن الرهن لما ذكرنا أن اللزوم بالقبض إذ المقصود لا يحصل قبله.
قال: وإذا سلمه إليه فقبضه دخل في ضمانه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو أمانة في يده ولا يسقط شيء من الدين بهلاكه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للضمان، وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن القبض في الشراء م: (ناقل للضمان من البائع إلى المشتري) ش: يكون المبيع بعد العقد قبل التسليم إلى المشتري مضمونا على البائع بالثمن، وبالتسليم إليه ينتقل الضمان منه إليه.
م: (وليس بموجب ابتداء) ش: أي وليس العقد بموجب للضمان في ابتداء الأمر. وقال تاج الشريعة: قوله: "ليس بموجب ابتداء"، يعني لا يقوم التمكن من القبض مقامه، فإن التمكن من القبض لم يتعمد سببا للضمان ابتداء، فلا يجعل المرهون مضمونا عليه، ما لم يوجد القبض حقيقة م: (والأول أصح) ش: أي ظاهر الرواية، وهو ثبوت القبض بمجرد التخلية بدون اشتراط النقل أصح، لأن حقيقة الاستيفاء يثبت بالتخلية فالقبض الموجب ليد الاستيفاء يثبت بالتخلية.
م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (وإذا قبضه المرتهن محوزا) ش: احترز به عن رهن الثمر على النخل وعن رهن الزرع في الأرض، لأن المرتهن لم يحرز م: (مفرغا) ش: احترز عن رهن النخل دون الثمر، ورهن الأرض دون الزرع، لأن المرهون لم ينزع عما لم يقع عليه عقد الرهن، بل هو مشغول بغيره م: (متميزا) ش: احترز به عن رهن المشاع كرهن نصف الدار أو العبد أو الثوب م: (تم العقد فيه) ش: أي تم عقد الرهن في المرهون م: (لوجود القبض بكماله، فلزم العقد، وما لم يقبضه فالراهن بالخيار إن شاء سلمه) ش: أي الراهن إلى المرتهن م: (وإن شاء رجع عن الرهن) ش: لأن الرهن لا يلزم قبل القبض م: (لما ذكرنا أن اللزوم) ش: أي لزوم الرهن م: (بالقبض إذ المقصود) ش: من الرهن ملك يد والحبس بجهة الاستيفاء، وهذا المعنى م: (لا يحصل قبله) ش: أي قبل القبض.
[سلم الراهن الرهن إلى المرتهن فقبضه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا سلمه إليه) ش: أي فإذا سلم الراهن الرهن إلى المرتهن م: (فقبضه) ش: أي المرتهن م: (دخل في ضمانه) ش: وكيفية الضمان تأتي، م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو أمانة في يده ولا يسقط شيء من الدين بهلاكه) ش: وبه قال أحمد وأصحاب الظاهر.
وقال مالك: إن كان تلفه بأمر ظاهر كالموت والحريق: فضمانه على الراهن حتى يرجع(12/470)
لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن" قالها ثلاثا "لصاحبه غنمه وعليه غرمه» . قال: ومعناه لا يصير مضمونا بالدين. ولأن الرهن وثيقة بالدين، فبهلاكه لا يسقط الدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرتهن بحقه، وإن ادعى تلفه بأمر خفي كما في الثياب ونحوها لم يقبل م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يغلق الرهن» قالها ثلاثا، "لصاحبه غنمه وعليه غرمه ") ش: هذا الحديث أخرجه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه" عن سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغلق الرهن ممن رهنه، له غنمه وعليه غرمه» ، وقوله في الكتاب: "قالها ثلاثا" لم أجده في شيء من طرق الحديث، وقوله: "له غنمه وعليه غرمه "، قال أبو داود: هذا من كلام سعيد نقله عن الزهري، قال: وهذا هو الصحيح.
م: (قال) ش: أي الشافعي م: (ومعناه) ش: أي معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يغلق الرهن» م: (لا يصير مضمونا بالدين) ش: أي لا يصير مضمونا بسبب الدين بدليل قوله: لصاحبه غنمه، والزوائد للراهن وعليه غرمه. وقال: ثبت بذلك أن الرهن لا يقع بالدين، وإن لصاحبه غنمه وهو سلامته وعليه غرمه، وهو غرم الدين بعد ضياع الرهن، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا تأويل أنكره أهل العلم جميعا، وإن زعموا أنه لا وجه له عندهم. وقال الطحاوي: ذهبوا في تفسير قول سعيد بن المسيب -يعني أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا -: «له غنمه وعليه غرمه» ، إلى أن ذلك في البيع إذا بيع الرهن بثمن فيه نقص عن الدين غرم الراهن ذلك النقص، وهو غرمه المذكور في الحديث. وإن بيع بفضل عن الدين أخذ الراهن ذلك الفضل وهو غنمه المذكور في الحديث.
وقال أصحابنا في طريقة الخلاف له تأويلان، أحدهما: أن له زوائده من الصوف واللبن، وعليه نقصه. والثاني: أن له زيادة ثمنه وعليه نقصانه عند البيع، وهذا إذا أريد بالصاحب الراهن، فإن أريد المرتهن فغنمه له، يعني أن زوائده تكون رهنا عنده غرمه عليه، يعني إذا هلك الرهن سقط دينه.
م: (ولأن الرهن وثيقة بالدين) ش: أي ولأن الرهن شرع وثيقة بالدين لصيانته م: (فبهلاكه) ش: أي فبهلاك الرهن م: (لا يسقط الدين) ش: لأنه يضاد الصيان، فلو هلك الدين بهلاكه عاد(12/471)
اعتبارا بهلاك الصك، وهذا لأن بعد الوثيقة يزداد معنى الصيانة والسقوط بالهلاك يضاد ما اقتضاه العقد إذا لحق به يصير بعرض الهلاك، وهو ضد الصيانة، ولنا «قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للمرتهن بعدما نفق فرس الرهن عنده: "ذهب حقك» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على موضوعه بالنقض على ما يجيء م: (اعتبارا بهلاك الصك) ش: يعني إذا هلك الصك، وهو كتاب الإقرار بالمال وغيره، فإذا هلك لا يسقط الدين، فكذا إذا هلك الرهن قياسا عليه.
م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (لأن بعد الوثيقة يزداد معنى الصيانة والسقوط بالهلاك) ش: أي سقط الدين بهلاك الرهن م: (يضاد ما اقتضاه العقد) ش: أي عقد الرهن م: (إذا لحق به) ش: أي لأن الحق، أي الدين بسبب الرهن م: (يصير بعرض الهلاك وهو) ش: أي كونه بعرض الهلاك م: (ضد الصيانة) ش: ألا ترى أن ما زاد على قدر الدين أمانة في يد المرتهن والقبض في الكل واحد، فلا يجوز أن يثبت حكم الضمان بهذا القبض في البعض دون البعض.
م: (ولنا قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (للمرتهن بعدما نفق فرس الرهن عنده: " ذهب حقك ") ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود في "مراسيله " عن ابن المبارك عن مصعب بن ثابت قال: سمعت عطاء يحدث «أن رجلا رهن لرجل فرسا فنفق في يده، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمرتهن: ذهب حقك» وقال عبد الحق في "أحكامه ": هو مرسل ضعيف. وقال ابن القطان في "كتابه ": ومصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ضعيف، كثير الغلط، وإن كان صدوقا.
ورواه الطحاوي أيضا بهذا الإسناد، ولفظه: «أن رجلا ارتهن فرسا فمات الفرس في يد المرتهن، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ذهب حقك» ، ثم قال الطحاوي: فدل هذا من قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بطلان الدين بضياع الرهن.
وقال: فإن قيل: هذا منقطع، قيل له: والذي تأولته أيضا منقطع والخطاب للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن كان المنقطع حجة لك علينا والمنقطع أيضا حجة لنا عليك. وقال الطحاوي: أيضا فإن قال: إنما قبلته وإن كان منقطعا، لأنه عن سعيد بن المسيب، ومنقطع سعيد يقوم مقامه.
قيل له: ومن جعل لك أن تخص سعيدا بهذا وتمنع مثله من أهل المدينة مثل أبي سلمة والقاسم وسالم وعروة وسليمان بن يسار وأمثالهم من أهل المدينة، والشعبي وإبراهيم النخعي وأمثالهما من أهل الكوفة والحسن وابن سيرين وأمثالهما من أهل البصرة، وكذلك من كان في عصر من ذكرنا من سائر فقهاء الأمصار ومن كان فوقهم من الطبقة الأولى من التابعين مثل علقمة والأسود وعمرو بن شرحبيل وعبيدة وشريح؛ ليس كان هذا لك مطلقا في سعيد بن(12/472)
وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» معناه على ما قالوا: إذا اشتبهت قيمة الرهن بعدما هلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المسيب، فإنه يطلق لغيرك فيمن ذكرنا، وإن كان غيرك ممنوعا من ذلك فإنك ممنوع من مثله، لأن هذا حكم وليس لأحد أن يحكم في دين الله بالتحكيم.
م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» ش: هذا رواه الطحاوي، ولكن لفظه ليس كذلك، فإنه قال عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن مشيخة موقوفا ومرفوعا أنهم قالوا: «الراهن بما فيه إذا هلك وسميت قيمته» .
وقال مخرج الأحاديث: هذا روي مسندا ومرسلا، أما مسندا: فقد رواه الدارقطني في "سننه " حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا أحمد بن غالب، حدثنا عبد الكريم بن روح، عن هشام بن زياد، عن حميد، عن أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرهن بما فيه» . وأما مرسلا: فرواه أبو داود في "مراسيله" حدثنا علي بن سهيل الرملي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرهن بما فيه» ثم قال المخرج: قال الدارقطني: حديث حميد عن أنس لا يثبت، وفيهم ضعفاء، وقال ابن الجوزي: أحمد بن محمد بن غالب، وهو غلام خليل، كان كذابا يضع الحديث. وعبد الكريم بن روح ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم الرازي مجهول. وقال يحيى بن معين: هشام بن زياد: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث.
قلت: مرسل أبي داود صحيح، كذا قال ابن القطان.
م: (معناه) ش: أي معنى قوله " فهو بما فيه " م: (على ما قالوا) ش: أي العلماء بشرح الأحاديث م: (إذا اشتبهت قيمة الرهن بعدما هلك) ش: يعني إذا قال الراهن: لا أدري كم كانت قيمته والمرتهن كذلك يكون الرهن بما فيه، حكي هذا التأويل عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال تاج الشريعة: قوله: «إذا عمي الرهن فهو بما فيه» عمي عليه الخبر، أي خبر مجاز عن عمى البصر، فكأنه أريد به الهلاك، لأن اشتباه القيمة يكون فيه. وقوله: " وهو بما فيه " أنه(12/473)
وإجماع الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على أن الرهن مضمون مع اختلافهم في كيفيته فالقول بالأمانة خرق له، والمراد بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن» على ما قالوا الاحتباس الكلي بأن يصير مملوكا له، كذا ذكر الكرخي عن السلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هلاك مضمون بما فيه، وهو الدين أو القيمة بالنقل من أئمة الفقه والحديث، والباء للمقابلة والمعاوضة.
م: (وإجماع الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على أن الرهن مضمون) ش: لأنه لم يرد عن أحد منهم أن الرهن في مقدار الدين غير مضمون، بل هم اتفقوا على أنه مضمون في مقدار الدين م: (مع اختلافهم في كيفيته) ش: أي في كيفية الضمان، يعني ليس اختلافهم إلا في كيفية الضمان، فقال أبو بكر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: مضمون بالقيمة.
وقال ابن عمر وابن مسعود وعمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: هو مضمون بأقل من قيمته ومن الدين. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: هو مضمون بالدين، وهو قول شريح، قلت قيمته أو كثرت.
وهكذا اختلف التابعون، واختلافهم على ذلك إجماع منهم على أنه ليس قول رابع، إلا أن الشافعي أحدث قولا رابعا أنه أمانة، فيكون خرقا للإجماع، كذا في " المبسوط ".
وأشار إليه المصنف بقوله: م: (فالقول بالأمانة خرق له) ش: أي فقول الشافعي بأن الرهن أمانة خرق للإجماع م: (والمراد بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي المراد بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يغلق الرهن» على ما قالوا) ش: أي شرح الأحاديث والآثار م: (الاحتباس الكلي بأن يصير مملوكا له) ش: أي للمرتهن، والاحتباس الكلي أن لا يمكن لافتكاكه بعد صيرورته ملكا له م: (كذا ذكر) ش: أي كذا ذكر، يعني الحديث المذكور م: (الكرخي عن السلف) ش: مثل طاوس وإبراهيم وغيرهما أنهم قالوا: إن المراد به لا يحبس الرهن عند المرتهن احتباسا لا يمكن فكاكه بأن يصير ملكا للمرتهن، فيكون ذلك نفيا لما في الجاهلية.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي: قوله: «لا يغلق الرهن» قد جاء تفسيره عن غير واحد من الفقهاء، قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم في رجل دفع إلى رجل رهنا وأخذ منه دراهم فقال: إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك بحقك، فقال إبراهيم: لا يغلق الرهن، فقال أبو عبيد: فجعله جوابا للمسألة.
وقد روي عن طاوس نحو هذا المعنى، ذلك عن ابن عيينة عن عمرو عن طاووس، وفي " الفائق " يقال: غلق الرهن غلوقا إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر على تخليصه، وكان من أفاعيل(12/474)
ولأن الثابت للمرتهن يد الاستيفاء وهو ملك اليد والحبس، لأن الرهن ينبئ عن الحبس الدائم، قال الله تعالى: {كلّ نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 38] (المدثر: الآية 38) ، وقال قائلهم:
وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
والأحكام الشرعية تنعطف على الألفاظ على وفق الأنباء، ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء، وهو أن تكون موصلة إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجاهلية أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المؤقت ملك المرتهن الرهن.
م: (ولأن الثابت للمرتهن) ش: دليل عقلي على المطلوب وتقريره الثابت للمرتهن م: (يد الاستيفاء) ش: أي استيفاء حقه من الرهن م: (وهو) ش: أي يد الاستيفاء م: (ملك اليد والحبس، لأن الرهن ينبئ عن الحبس الدائم، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] (سورة المدثر: الآية 38)) ش: أي محبوسة بوبال ما اكتسبت من المعاصي.
م: (وقال قائلهم) ش: القائل هو زهير [....
.....] .
هنا أيضا وجد البياض في أكثر النسخ، والله أعلم [....
..] .
تذكر امرأة:
م:
وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
ش: أي ارتهنت المحبوسة قليلة يوم الوداع، وأحبس قلبه عندها على وجه لا يمكن فكاكه وليس فيه ضمان ولا هلاك، وهو كما ترى يدل على الحابس الدائم.
فإن قيل: الداوم إنما لزم من قوله: "لا فكاك له" لا من لفظ الرهن؟.
وأجيب: بأنه ما دام وتأبد فبقي الإفكاك دل على أنه ينبئ عن الدوام، إذ لو لم يكن موجبا لذلك لما دام ينفي ما يعترضه، بل كان الدوام يثبت بإثبات ما يوجبه، فثبت أن اللغة تدل على إثبات الرهن عن الحبس الدائم.
م: (والأحكام الشرعية تنعطف على الألفاظ على وفق الأنباء) ش: أي الأحكام الشرعية تنسحب على الألفاظ اللغوية، أي الأصل ورود الشرع على مطابقة حقيقته اللغوية، تدل على أن الرهن يوجب الحبس بالدين دائما، وذا إنما يكون بملك الحبس واليد وذا لا يكون إلا بالضمان.
م: (ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء) ش: أي استيفاء الدين م: (وهو) ش: أي كون الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء م: (أن تكون) ش: أي الوثيقة م: (موصلة إليه) ش: أي إلى الاستيفاء م:(12/475)
وذلك ثابت له بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود مخافة جحود المرتهن الرهن، وليكون عاجزا عن الانتفاع به فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته أو لضجره. وإذا كان كذلك يثبت الاستيفاء من وجه وقد تقرر بالهلاك، فلو استوفاه ثانيا يؤدي إلى الربا، بخلاف حالة القيام؛ لأنه ينقض هذا الاستيفاء بالرد على الراهن، فلا يتكرر، ولا وجه إلى استيفاء الباقي بدونه؛ لأنه لا يتصور والاستيفاء يقع بالمالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وذلك) ش: أي كونه موصلة إليه م: (ثابت له بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود) ش: أي ليقع الأمن عن جحود الدائن م: (مخافة جحود المرتهن الرهن) ش: معناه: أن الحبس يفضي إلى أداء الحق، لأن الراهن يخشى إن جحد الدين أن يجحد المرتهن الرهن، لأن قيمة الرهن قد تكون أكثر من الدين، فيحتاج إلى إيفاء الأقل ليخلص الأكثر.
م: (وليكون) ش: أي الراهن م: (عاجزا عن الانتفاع به) ش: باعتبار الحبس الدائم م: (فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته) ش: إلى العين م: (أو لضجره) ش: عن المطالبة م: (وإذا كان كذلك) ش: أي وإذا ثبت، أي الرهن يدل على اليد والحبس م: (يثبت الاستيفاء من وجه) ش: لأن الاستيفاء إنما يكون باليد والرقبة وقد حصل بعضه م: (وقد تقرر بالهلاك) ش: أي وقد تقرر الاستيفاء بهلاك الرهن م: (فلو استوفاه ثانيا) ش: أي فلو استوفى المرتهن دينه ثانيا م: (يؤدي إلى الربا) ش: فلا يجوز، لأنه يكون أخذ حقه مرتين.
م: (بخلاف حالة القيام) ش: أي حالة قيام الرهن، حيث لا يؤدي إلى التكرار المؤدي إلى الربا م: (لأنه ينقض هذا الاستيفاء بالرد) ش: أي برد العين م: (على الراهن فلا يتكرر) ش: أي الاستيفاء م: (ولا وجه إلى استيفاء الباقي) ش: هذا جواب إشكال تقديري، وهو أن يقال: يستوفي المرتهن اليد على وجه لا يؤدي إلى الربا، وهو أن يستوفي رقبة لا يدا.
فأجاب بقوله: ولا وجه إلى استيفاء الباقي وهو ملك الرقبة م: (بدونه) ش: أي بدون ملك اليد م: (لأنه لا يتصور) ش: أي لأن استيفاء المرتهن دينه من الرهن بدون ملك اليد لا يتصور، لأنه محال.
فإذا لم يمكن الاستيفاء وطولب الراهن بأداء الدين: لا يلزم الربا، لأنه لم يتكرر الاستيفاء م: (والاستيفاء يقع بالمالية) ش: هذا جواب عما يقال: لو كان بالرهن استيفاء بالدين لكان بعين الدين أو البدل لا وجه للأول؛ لأن الرهن ليس من جنس الدين واستيفاء الدين لا يكون إلا من جنسه، ولا وجه للثاني أيضا، لأن الرهن ببدل الصرف والسلم جائز للاستدلال بها غير جائز.(12/476)
أما العين فأمانة حتى كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه بعد مماته، وكذا قبض الرهن لا ينوب عن قبض الشراء إذا اشتراه المرتهن؛ لأن العين أمانة فلا تنوب عن قبض ضمان، وموجب العقد ثبوت يد الاستيفاء، وهذا يحقق الصيانة. وإن كان فراغ الذمة من ضروراته كما في الحوالة. فالحاصل: أن عندنا حكم الرهن صيرورة الرهن محتبسا بدينه بإثبات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتقرير الجواب: أنا نختار الأول، وقوله: "ليس من جنس الدين".
قلنا: ليس من جنسه من حيث الصورة أو المالية، والأول مسلم.
وليس الاستيفاء من حيث الصورة، بل هو من حيث الصورة أمانة، وهو معنى قوله: م: (أما العين فأمانة حتى كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه بعد مماته) ش: إيضاح هذا: أن المجانسة ثابتة باعتبار صيغة المالية، فكانت العين كالكيس، فلو كان أوفى حقه من الدراهم في الكيس يكون ما في الكيس مضمونا دون الكيس، فكذا هاهنا ما في العين من صفة المالية مضمون دون العين، فإنها أمانة، لأنها ملك الراهن حتى نفقتها عليه.
م: (وكذا قبض الرهن لا ينوب عن قبض الشراء إذا اشتراه) ش: أي الرهن م: (المرتهن، لأن العين أمانة فلا تنوب عن قبض ضمان) ش: بخلاف العكس، والثاني ممنوع، فإنه من جنس الدين مالية والاستيفاء يقع بها م: (وموجب العقد ثبوت يد الاستيفاء) ش: هذا جواب عما قال الشافعي: الرهن وثيقة بالدين شرع صيانة للدين والشرط بالهلاك أيضا. والصيانة.
وتقدير الجواب: أن موجب العقد، أي عقد الرهن والسقوط ثبوت يد الاستيفاء كما مر م: (وهذا) ش: أي ثبوت يد الاستيفاء م: (يحقق الصيانة) ش: لأنه ليس فيه التواء. م: (وإن كان فراغ الذمة من ضروراته) ش: هذه واصلة بما قبله، أي وإن كان فراغ ذمة الراهن عند الهلاك من ضرورات الاستيفاء، لأنه إذا حصل الاستيفاء حصل الفراغ ضرورة وإلا لم يكن الاستيفاء استيفاء.
م: (كما في الحوالة) ش: أنها شرعت وثيقة لصيانة حق الطالب، ثم بالحوالة يفرغ ذمة المحيل عن الدين، ولا تضاد فراغها، يعني الوثيقة والصيانة فكذا هنا، وبه فارق هلاك الشهود والصك، لأن سقوط الدين عندنا باعتبار ثبوت يد الاستيفاء عند الهلاك، وذا لا يوجد في الصك والشهود.
م: (فالحاصل: أن عندنا حكم الرهن) ش: أي حاصل الخلاف الذي بيننا وبين الشافعي: أن حكم عقد الرهن عند أصحابنا م: (صيرورة الرهن محتبسا بدينه) ش: أي بدين المرتهن م: (بإثبات(12/477)
يد الاستيفاء عليه. وعنده تعلق الدين بالعين استيفاء منه عينا بالبيع، ويخرج على هذين الأصلين عدة من المسائل المختلف فيها بيننا وبينه عددناها في " كفاية المنتهى " جملة، منها: أن الراهن ممنوع عن الاسترداد للانتفاع؛ لأنه يفوت موجبه وهو الاحتباس على الدوام. وعنده لا يمنع منه؛ لأنه لا ينافي موجبه وهو تعينه للبيع، وسيأتيك البواقي في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يد الاستيفاء عليه) ش: أي على الرهن.
م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي: م: (تعلق الدين بالعين) ش: أراد بالعين عين الرهن، وبالدين المال الذي أخذه الراهن م: (استيفاء) ش: نصب على التعليل م: (منه) ش: أي من الرهن م: (عينا) ش: أي حال كونه متعينا م: (بالبيع) ش: يتعلق بالاستيفاء. حاصل المعنى: أن تعلق الدين بالرهن كتعلق العين بالدين لأجل استيفاء حقه من عين الرهن بواسطة البيع.
م: (ويخرج على هذين الأصلين) ش: أي أصلنا وأصل الشافعي م: (عدة من المسائل المختلف فيها بيننا وبينه) ش: أي بين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (عددناها في " كفاية المنتهي " جملة) ش: " كفاية المنتهي ": لم تقع في هذه الديار، م: (منها) ش: أي من المسائل المتفرعة على الأصلين المذكورين م: (أن الراهن ممنوع عن الاسترداد للانتفاع) ش: أي عن استرداد الرهن من المرتهن لأجل الانتفاع م: (لأنه) ش: أي لأن الاسترداد م: (يفوت موجبه) ش: أي موجب الرهن م: (وهو الاحتباس على الدوام) ش: أي يوجب الرهن هو احتباس الرهن عند المرتهن على الدوام إلى أن يوفي الراهن دينه.
م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي م: (لا يمنع منه) ش: أي لا يمنع الراهن من استرداد رهنه لأجل الانتفاع، م: (لأنه) ش: أي لأن الاسترداد م: (لا ينافي موجبه) ش: أي موجب الرهن م: (وهو تعينه) ش: أي موجب تعينه للبيع لقضاء الدين في ثمنه م: (للبيع وسيأتيك البواقي) ش: أي المسائل البقية المتفرعة على الأصلين المذكورين. م: (في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى) ش: يعني في هذا الباب.
ومنها: أن الرهن أمانة عنده، فإذا هلك لا يسقط الدين كما مر.
ومنها: أن حكم الرهن لا يسري إلى الولد عنده، وعندنا: يسري.
ومنها: أن للراهن أن يشرب لبن المرهونة عنده، لأنه باق على ملكه، وعندنا: لا يملك.
ومنها: أن الراهن إذا أعتق عبده المرهون يبطل إعتاقه، وعندنا: ينفذ وتضمن قيمته إن كان موسرا، ويكون رهنا مكانه، وإن كان معسرا بقي العبد في قيمته(12/478)
قال: ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون؛ لأن حكمه ثبوت يد الاستيفاء، والاستيفاء يتلو الوجوب، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ويدخل على هذا اللفظ الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها، فإنه يصح الرهن بها ولا دين. ويمكن أن يقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الرهن بالدرك]
م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون) ش: وفي " شرح الأقطع ": قوله "مضمون" للتأكيد، وإلا فجميع الديون مضمون. وقيل: أريد بالدين المضمون ما كان واجبا للحال، أي لا يصح إلا بدين واجب للحال لا بدين مستحب، واحترز به عن الرهن بالدرك فإنه لا يصح، وهو عبارة عن ضمان الثمن عند استحقاق المبيع. وقيل: احتراز عن بدل الكتابة، فإن الرهن به لا يصح.
وفي " الفتاوى ": يجوز الرهن ببدل الكتابة. وعند الثلاثة: لا يجوز أخذ الرهن ببدل الكتابة بعد لزومه. وقال الكاكي: وما نقل احترازا عن بدل الكتابة غير صحيح، لأنه ذكر في " فتاوى قاضي خان " وغيره: أن المولى لو أخذ رهنا ببدل الكتابة جاز، ولا يجوز أخذ الكفيل ببدل الكتابة.
م: (لأن حكمه) ش: أي حكم الرهن: م: (ثبوت يد الاستيفاء، والاستيفاء يتلو الوجوب) ش: أي الضمان، فلا بد من وجوب سابق، ليكون الاستيفاء مبينا عليه
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويدخل على هذا اللفظ) ش: وهو قوله "إلا بدين مضمون" م: (الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها) ش: أي بالقيمة كالمغصوب بنفسه ما يجب المثل عند إهلاكه إذا كان له مثل أو القيمة إن لم يكن مثليا، وهو كالمغصوب، فإن الغاصب إذا رهن به يصح، مع أنه ليس بدين، والمقبوض على سوم الشراء أو المقبوض في البيع الفاسد.
قال تاج الشريعة: المضمون بنفسه ما يجب المثل عند إهلاكه إن كان له مثل، أو القيمة إن لم يكن مثليا، وهو كالمغصوب، فإن الغاصب إذا رهن به يصح مع أنه ليس بدين، والمقبوض على سوم الشراء والمقبوض بحكم البيع الفاسد والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد والمضمون بغيره كالبيع في يد البائع، فإنه مضمون بالثمن لا بقيمته والمستأجر ومال المضاربة والشركة.
م: (فإنه) ش: أي فإن الشأن م: (يصح الرهن بها ولا دين) ش: أي والحال أن لا دين فيها، وصحة الرهن بها عندنا خلافا للشافعي وأحمد. وعن مالك: أن الرهن بالأعيان المضمونة يجوز، وهو وجه لأصحاب الشافعي.
م: (ويمكن أن يقال) ش: جواب عما يقال: إن قوله "ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون"(12/479)
إن الموجب الأصلي فيها هو القيمة ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ وهو دين، ولهذا تصح الكفالة بها، ولئن كان لا يجب إلا بعد الهلاك ولكنه يجب عند الهلاك بالقبض السابق، ولهذا تعتبر قيمته يوم القبض فيكون رهنا بعد وجود سبب وجوبه، فيصح كما في الكفالة، ولهذا لا تبطل الحوالة المقيدة به بهلاكه، بخلاف الوديعة. قال: وهو مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يشكل عليه الأعاين المضمونة بنفسها، فإن الرهن بها صحيح ولا دين. وتقرير الجواب: أن يقال فيه م: (إن الموجب الأصلي فيها هو القيمة) ش: أي في الأعيان المضمونة بنفسها م: (ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ وهو دين) ش: أي والحال أن الموجب الأصلي دين م: (ولهذا) ش: أي ولكون الموجب الأصلي هو القيمة م: (تصح الكفالة بها) ش: أي بالعين المضمون بنفسه م: (ولئن كان لا يجب إلا بعد الهلاك) ش: أي بعد هلاك العين م: (ولكنه يجب عند الهلاك بالقبض السابق، ولهذا) ش: أي ولكون وجوب القيمة بالقبض السابق م: (تعتبر قيمته يوم القبض) ش: أي يوم قبض الغاصب المغصوب من المالك.
م: (فيكون رهنا بعد وجود سبب) ش: جواب عما اختاره بعض آخر من المشايخ، وتقريره: أن سبب وجوبه قد انعقد فكأنه كالموجود فصح، وهو معنى قوله "بعد وجود سبب" م: (وجوبه، فيصح) ش: أي الرهن م: (كما في الكفالة) ش: أي كما صح في الكفالة.
واعترض بأن صحة الكفالة لا تستلزم صحة الرهن، فإنها صحيحة بدين سيجب كما لو قال: "ما ذاب لك على فلان فعلى دون الرهن". وأجيب: بأن قوله "ما ذاب لك" إضافة الكفالة كفالة، ويصح أن يقال: قولك "دون الرهن" يريد به دينا ما انعقد سبب وجوبه أو دينا انعقد ذلك، فإن كان الأول: فليس ينافيه، وإن كان الثاني: فهو ممنوع، فإنه عين ما نحن فيه.
م: (ولهذا) ش: ويجوز أن يكون توضيحا على كل شيء من الخبرين، أما على الأول فتقديره ولكون الموجب الأصلي فيها القيمة م: (لا تبطل الحوالة المقيدة به) ش: أي بالعين المضمون بنفسه م: (بهلاكه) ش: فلو أحال على الغاصب فهلك المغصوب لم تبطل الحوالة، لأن الموجب الأصلي لما كان القيمة كان هلاك العين كهلاكه لقيام القيمة في ذمته ورد العين كان مخلصا، ولم يحصل. وأما على الثاني: فتقديره: ولكون سبب وجوب القيمة قد انعقد جعلت كالموجودة، فهلاك العين لا يبطل الحوالة.
م: (بخلاف الوديعة) ش: فإن الحوالة عليها تبطل بهلاكها، لأنه لا وجوب هنا للقيمة ولا سبب الوجوب م: (قال: وهو مضمون بالأقل من قيمته) ش: أي ما هو الأقل من قيمة الرهن يوم القبض م: (ومن الدين) ش: ووقع في بعض نسخ القدوري: بأقل من قيمته ومن الدين وليس(12/480)
فإذا هلك في يد المرتهن وقيمته والدين سواء صار المرتهن مستوفيا لدينه حكما، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل أمانة في يده؛ لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء، وذلك بقدر الدين، فإن كانت أقل سقط من الدين بقدره، ورجع المرتهن بالفضل؛ لأن الاستيفاء بقدر المالية. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرهن مضمون بالقيمة، حتى لو هلك الرهن وقيمته يوم رهن ألف وخمسمائة، والدين ألف رجع الراهن على المرتهن بخمسمائة، له حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يترادان الفضل في الرهن، ولأن الزيادة على الدين مرهونة لكونها محبوسة به، فتكون مضمونة اعتبارا بقدر الدين. ومذهبنا مروي عن عمر وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بصحيح، لأن معنى المعروف واحد منهما، ومعنى المنكر ثالث، واعتبر هذا بقول الرجل: مررت بأعلم من زيد وعمرو، ويكون الأعلم غيرهما، ولو قال: الأعلم من زيد وعمرو، يكون الأعلم واحد منهما، فافهم.
وهذا الذي ذكره القدوري في كيفية الضمان أشار إليه بقوله: م: (فإذا هلك) ش: أي الرهن م: (في يد المرتهن وقيمته) ش: أي والحال أن قيمة الرهن م: (والدين سواء صار المرتهن مستوفيا لدينه حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (وإن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل) ش: أي الفضل من الرهن م: (أمانة في يده؛ لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء وذلك بقدر الدين) ش:.
م: (فإن كانت أقل) ش: أي وإن كانت قيمة الرهن أقل من الدين م: (سقط من الدين بقدره ورجع المرتهن بالفضل) ش: من الدين على الراهن م: (لأن الاستيفاء بقدر المالية) ش: لأن المضمون بقدر ما يقع به الاستيفاء أن الضمان بقدر الاستيفاء، والاستيفاء بقدر الدين.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرهن مضمون بالقيمة) ش: أي بجميع القيمة م: (حتى لو هلك الرهن وقيمته يوم رهن ألف وخمسمائة والدين ألف: رجع الراهن على المرتهن بخمسمائة له) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: يترادان الفضل في الرهن) ش: رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن الحكم عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: يترادان بينهما الفضل، انتهى.
والتراد ما يكون بين اثنين، فلا جرم برد المرتهن فضل الرهن كما يرد الراهن فضل الدين.
م: (ولأن الزيادة على الدين مرهونة لكونها) ش: أي لكون الزيادة م: (محبوسة به، فتكون مضمونة اعتبارا بقدر الدين، ومذهبنا مروي عن عمر وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: روى الطحاوي في " شرح الآثار " بإسناده إلى عبيد بن عمير عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال في الرجل يرتهن الرهن فيضيع، قال: إن كان أقل مما فيه رد عليه تمام حقه(12/481)
ولأن يد المرتهن يد الاستيفاء، فلا توجب الضمان إلا بالقدر المستوفى كما في حقيقة الاستيفاء والزيادة مرهونة به ضرورة امتناع حبس الأصل بدونها، ولا ضرورة في حق الضمان، والمراد بالتراد فيما يروى حالة البيع، فإنه روي عنه أنه قال: المرتهن أمين في الفضل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن كان أكثر فهو أمين بالفضل.
فإن قلت: قال البيهقي: بعد أن أخرجه هذا ليس بمشهور. وقال ابن حزم: لم يصح هذا عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لأنه من رواية عبيد بن عمير، وعبيد لم يولد إلا بعد موت عمر، أو أدركه صغيرا ولم يسمع منه؟.
قلت: قول البيهقي هذا ليس بمشهور لتسليم منه، وهذا ليس يخرج. وقول ابن حزم يرده قول مسلم: ولد عبيد بن عمير في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وذكر البخاري: أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرواية عن ابن مسعود غريب.
م: (ولأن يد المرتهن يد الاستيفاء، فلا توجب الضمان إلا بالقدر المستوفى) ش: ولما كان الضمان بقدر المستوفي تقرر مضمونه بالأقل من قيمة العين ومن الدين، لأنه بهذا القدر يستوفي م: (كما في حقيقة الاستيفاء) ش: مثل ما إذا أعطاه ألفي درهم في كيس وقال: استوف حقك في هذا وحقه ألف، فإنه يصير ضامنا قدر الدين، والزيادة على قدر الدين أمانة هكذا.
م: (والزيادة مرهونة به) ش: هذا جواب عن قول زفر، يعني لو لم يجعلها مرهونة يؤدي إلى الشيوع، أو لأنه لا يمكنه حبس قدر الدين إلا حبس الباقي، وهو معنى قوله: م: (ضرورة امتناع حبس الأصل بدونها) ش: أي بدون الزيادة، لأن رهن المشاع لا يجوز، والزيادة إذا لم تتميز لا يمكن حبس قدر الدين إلا بحبس الباقي كما إذا رهن عبدا قيمته أزيد من الدين حيث لا يتميز من الأصل فيثبت له حبس الكل حتى لو تميزت الزيادة من قدر الدين لا يثبت له حبس الزيادة بأن رهن عبدا قيمته ألفا درهم يوم الرهن بألف، ثم قتل خطأ قيمته يوم القتل ألفا درهم فأخذ المرتهن ألفين من القاتل وأراد حبس الكل ليس له ذلك، لأنه أمكن حبس قدر الدين بدون الزيادة بخلاف ما نحن فيه.
م: (ولا ضرورة في حق الضمان) ش: لصحة الرهن بدون الضمان، كما إذا استعاد الراهن من المرتهن فالرهن باق، والضمان من المرتهن منتف على ما يجيء إن شاء الله تعالى: م: (والمراد بالتراد فيما يروى حالة البيع) ش: يعني إذا باع المرتهن الرهن بإذن الراهن يرد المرتهن، ما زاد على الدين ولو كان الدين زائدا على الثمن يرد الراهن زيادة الدين، وحملناه على البيع م: (فإنه روي عنه) ش: أي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أنه قال: المرتهن أمين في الفضل) ش: رواه محمد ابن الحنفية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فيحب حمل الأولى على البيع(12/482)
قال: وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به؛ لأن حقه باق بعد الرهن، والرهن لزيادة الصيانة فلا تمتنع به المطالبة والحبس جزاء الظلم، فإذا ظهر مطله عند القاضي يحبسه كما بيناه على التفصيل فيما تقدم. وإذا طلب المرتهن دينه يؤمر بإحضار الرهن؛ لأن قبض الرهن قبض استيفاء، فلا يجوز أن يقبض ماله مع قيام يد الاستيفاء، لأنه يتكرر الاستيفاء على اعتبار الهلاك في يد المرتهن وهو محتمل. وإذا أحضره أمر الراهن بتسليم الدين إليه أولا، ليتعين حقه كما تعين حق الراهن تحقيقا للتسوية كما في تسليم المبيع والثمن يحضر المبيع ثم يسلم الثمن أولا. وإن طالبه بالدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
توفيقا بينهما.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه ويحبسه به) ش: أي بسبب الدين. وقال الكرخي في "مختصره ": وللمرتهن مطالبة الراهن بدينه إذا كان حالا، ولا يمنعه الارتهان به من ذلك، ولا يكون الرهن في يديه.
وكذلك إذا كان آجلا وحل فإن خاصمه إلى الحاكم أوجب عليه دفع الدين، فإن امتنع: حبس به م: (لأن حقه) ش: أي حق المرتهن م: (باق بعد الرهن، والرهن لزيادة الصيانة فلا تمتنع به المطالبة، والحبس) ش: يعني عند الامتناع م: (جزاء الظلم فإذا ظهر مطله عند القاضي يحبسه كما بيناه على التفصيل فيما تقدم) ش: أي في فصل الحبس من كتاب " أدب القاضي ".
وتفصيله: أنه لا يعجل بحبسه، وإذا ثبت الدين بالإقرار هل يحبسه؟: إذا ظهر برهان أعيد إلى مجلسه ثانيا، بخلاف ما إذا ثبت بالبينة حيث تعجل بحبسه، لأن البينة يحتاج إليها عند الجحود فيه يكون ظالما، وجزاء الظلم الحبس، وعلى قول الخصاف في "البينة" أيضا لا يحبسه في أول الرهان، ثم إذا امتنع إنما يحبسه في كل دين لزمه بدلا عن مال أصل في يده كثمن المبيع، أو التزمه بعقد كالمهر والكفالة، ولا يحبسه فيما سوى ذلك نحو بدل الغصب وأرش الجناية ونفقة الزوجات إذا قال: إني فقير، إلا أن يثبت غريمه أن له مالا.
م: (وإذا طلب المرتهن دينه يؤمر بإحضار الرهن) ش: هذه المسألة وما بعدها من مسائل " الزيادات " إلى قوله قال: وإن كان الرهن في يده، ذكرها تفريعا على مسألة " مختصر القدوري " م: (لأن قبض الرهن قبض استيفاء، فلا يجوز أن يقبض ماله مع قيام يد الاستيفاء؛ لأنه يتكرر الاستيفاء على اعتبار الهلاك في يد المرتهن وهو محتمل) ش: أي الهلاك محتمل. م: (وإذا أحضره) ش: أي وإذا أحضر المرتهن الرهن م: (أمر الراهن بتسليم الدين إليه أولا ليتعين حقه) ش: أي حق المرتهن م: (كما تعين حق الراهن تحقيقا للتسوية) ش: بين الراهن والمرتهن، والرهن والدين م: (كما في تسليم المبيع والثمن يحضر المبيع ثم يسلم الثمن أولا، وإن طالبه بالدين) ش: أي وإن طالب المرتهن الراهن(12/483)
في غير البلد الذي وقع العقد فيه إن كان الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فكذلك الجواب؛ لأن الأماكن كلها في حق التسليم كمكان واحد فيما ليس له حمل ومؤنة، ولهذا لا يشترط بيان مكان الإيفاء فيه في باب السلم بالإجماع. وإن كان له حمل ومؤنة يستوفي دينه ولا يكلف إحضار الرهن؛ لأن هذا نقل والواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا النقل من مكان إلى مكان؛ لأنه لا يتضرر به زيادة الضرر ولم يلتزمه. ولو سلط الراهن العدل على بيع المرهون فباعه بنقد أو نسيئة جاز، لإطلاق الأمر. فلو طالب المرتهن بالدين لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأنه لا قدرة له على الإحضار. وكذا إذا أمر المرتهن ببيعه فباعه ولم يقبض الثمن؛ لأنه صار دينا بالبيع بأمر الراهن، فصار كأن الراهن رهنه وهو دين. ولو قبضه يكلف إحضاره لقيام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالدين م: (في غير بالبلد الذي وقع العقد فيه إن كان الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فكذلك الجواب) ش: أي يؤمر المرتهن بإحضار الرهن أولا م: (لأن الأماكن كلها في حق التسليم كمكان واحد فيما ليس له حمل ومؤنة) ش: لأجل كون الأماكن هي حق التسليم كمكان واحد.
م: (ولهذا لا يشترط بيان مكان الإيفاء فيه) ش: أي فيما لا حمل له م: (في باب السلم بالإجماع، وإن كان له حمل ومؤنة يستوفي دينه ولا يكلف إحضار الرهن؛ لأن هذا نقل، والواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا النقل من مكان إلى مكان؛ لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (لا يتضرر به زيادة الضرر ولم يلتزمه) ش: لأن الرهن أمانة في يده، لكن للراهن أن يحلفه: بالله ما هلك.
م: (ولو سلط الراهن العدل على بيع المرهون فباعه بنقد أو نسيئة جاز لإطلاق الأمر) ش: أي أمر الراهن، ويشير به إلى أنه لو قيده بالنقد لا يصح بيعه نسيئة م: (فلو طالب المرتهن بالدين لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأنه لا قدرة له على الإحضار) ش: لأن الرهن بيع بأمر الراهن فلم يبق له قدرة على إحضاره.
م: (وكذا إذا أمر المرتهن ببيعه) ش: أي وكذا لا يكلف المرتهن إحضار الرهن؛ لأن الرهن بيع بأمر الراهن، فلم يبق له قدرة على إحضاره إذا أمر الراهن المرتهن ببيع الرهن م: (فباعه ولم يقبض الثمن؛ لأنه) ش: أي لأن الرهن بالبيع م: (صار دينا بالبيع بأمر الراهن، فصار كأن الراهن رهنه وهو دين) ش: لأنه لما باعه بإذنه صار كأنهما تفاسخا الرهن وصار الثمن رهنا بتراضيهما ابتداء لا بطريق انتقال حكم الرهن إلى الثمن.
ألا ترى أنه لو باع الرهن بأقل من الدين لم يسقط من دين المرتهن شيء، فصار كأنه رهنه ولم يسلمه إليه، بل وضعه على يد عدل.
م: (ولو قبضه يكلف إحضاره) ش: أي ولو قبض المرتهن الثمن يكلف إحضاره م: (لقيام(12/484)
البدل مقام المبدل، لا أن الذي يتولى قبض الثمن هو المرتهن، لأنه هو العاقد فترجع الحقوق إليه، وكما يكلف إحضار الرهن لاستيفاء كل الدين يكلف لاستيفاء نجم قد حل لاحتمال الهلاك. ثم إذا قبض الثمن يؤمر بإحضاره لاستيفاء الدين لقيامه مقام العين، وهذا بخلاف ما إذا قتل رجل العبد الرهن خطأ حتى قضى بالقيمة على عاقلته في ثلاث سنين لم يجبر الراهن على قضاء الدين حتى يحضر كل القيمة؛ لأن القيمة خلف عن الرهن فلا بد من إحضارها كلها كما لا بد من إحضار كل عين الرهن، وما صارت قيمته بفعله، وفيما تقدم صار دينا بفعل الراهن، فلهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البدل) ش: أي الذي هو الثمن م: (مقام المبدل) ش: الذي هو الرهن م: (لا أن الذي يتولى قبض الثمن هو المرتهن) ش: استثناء من قوله فصار كأن الراهن رهنه وهو دين، جوابا عما يقال: لو كان الأمر كذلك لما كان للمرتهن أن يقبض الثمن من المشتري، كما لو كان الرهن في يد عدل لكن له ذلك.
وتقرير الجواب: ما ذكره بقوله: م: (لأنه هو العاقد فترجع الحقوق إليه، وكما يكلف إحضار الرهن لاستيفاء كل الدين يكلف) ش: أي مكلف م: (لاستيفاء نجم) ش: قسط من الدين م: (قد حل) ش: بأن كان الدين مقسطا فادعى قسطا واحدا يكلف إحضار الرهن م: (لاحتمال الهلاك) ش: أي هلاك الرهن، فيؤمر بإحضاره لأن فيه فراغ قلب الراهن عن توهم الهلاك، لكن لا يسلم إلى أن يقبض جميع الدين بإجماع العلماء.
وفي " الزيادات " و" المحيط ": لا يجبر بإحضاره لعدم فائدة الإحضار في القياس وفي الاستحسان يجبر بإحضاره إذا كان في المصر الذي لفراغ قلب الراهن عن توهم الهلاك، وهذا إذا ادعى الراهن هلاك الرهن؛ أما إذا لم يدع فلا فائدة في الإحضار.
م: (ثم إذا قبض) ش: أي المرتهن م: (الثمن يؤمر بإحضاره) ش: أي بإحضار الثمن م: (لاستيفاء الدين لقيامه مقام العين) ش: أي لقيام الثمن مقام الرهن م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله: يكلف لاستيفاء نجم فدخل، بخلاف مسألة القتل، كذا قاله الكاكي ناقلا عن " النهاية ". وقال الأكمل: وهو كما ترى متعسف. ثم قال: وهذا إشارة إلى قوله: وكذا أمر المرتهن ببيعه إلى آخره، فإنه لا يجبر المرتهن على الإحضار، بل يجبر الراهن على الأداء بدون إحضار شيء.
م: (بخلاف ما إذا قتل رجل العبد الرهن خطأ حتى قضى بالقيمة على عاقلته في ثلاث سنين لم يجبر الراهن على قضاء الدين حتى يحضر) ش: أي المرتهن م: (كل القيمة؛ لأن القيمة خلف عن الرهن، فلا بد من إحضارها كلها كما لا بد من إحضار كل عين الرهن، وما صارت) ش: وما صارت قيمة العبد المقتول م: (قيمته بفعله) ش: أي بفعل الراهن، بل بفعل الأجنبي م: (وفيما تقدم) ش: أي في بيع العدل المرتهن م: (صار دينا بفعل الراهن) ش: لأنه تسليط من جهة م: (فلهذا) ش: أي(12/485)
افترقا. ولو وضع الرهن على يد العدل وأمر أن يودعه غيره ففعل ثم جاء المرتهن يطلب دينه لا يكلف إحضار الرهن؛ لأنه لم يؤمن عليه حيث وضع على يد غيره فلم يكن تسليمه في قدرته، ولو وضعه العدل في يد من في عياله وغاب وطلب المرتهن دينه والذي في يده يقول: أودعني فلان ولا أدري لمن هو يجبر الراهن على قضاء الدين، لأن إحضار الرهن ليس على المرتهن؛ لأنه لم يقبض شيئا، وكذلك إذا غاب العدل بالرهن ولا يدري أين هو، لما قلنا. ولو أن الذي أودعه العدل جحد الرهن وقال: هو مالي لم يرجع المرتهن على الراهن بشيء حتى يثبت كونه رهنا؛ لأنه لما جحد الرهن فقد توى المال، والتوى على المرتهن، فيتحقق استيفاء الدين ولا يملك المطالبة به. قال: وإن كان الرهن في يده ليس عليه أن يمكنه من البيع حتى يقضيه الدين؛ لأن حكمه الحبس الدائم إلى أن يقضي الدين على ما بيناه. ولو قضاه البعض فله أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية اعتبارا بحبس المبيع فإذا قضاه الدين قيل له: سلم الرهن إليه؛ لأنه زال المانع من التسليم لوصول الحق إلى مستحقه. فلو هلك قبل التسليم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلأجل ذلك م: (افترقا) ش: أي الحكمان في الصورتين المذكورتين.
م: (ولو وضع الرهن على يد العدل وأمره أن يودعه غيره ففعل) ش: أي أودعه. وفي " الإيضاح ": وكذا إذا لم يودعه وكان في يد العدل، م: (ثم جاء المرتهن يطلب دينه لا يكلف إحضار الرهن؛ لأنه لم يؤمن عليه حيث وضع على يد غيره فلم يكن تسليمه في قدرته. ولو وضعه العدل في يد من في عياله وغاب وطلب المرتهن دينه والذي في يده يقول: أودعني فلان ولا أدري لمن هو يجبر الراهن على قضاء الدين لأن إحضار الرهن ليس على المرتهن؛ لأنه لم يقبض شيئا، وكذلك إذا غاب العدل بالرهن ولا يدري أين هو لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لم يقبض شيئا، أي شيئا من الرهن. م: (ولو أن الذي أودعه العدل جحد الرهن وقال: هو مالي لم يرجع المرتهن على الراهن بشيء حتى يثبت كونه رهنا؛ لأنه لما جحد الرهن فقد توى المال) ش: أي هلك م: (والتوى على المرتهن، فيتحقق استيفاء الدين، ولا يملك المطالبة به) ش: أي بالدين.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن كان الرهن في يده) ش: أي في يد المرتهن م: (ليس عليه أن يمكنه) ش: أي الراهن م: (من البيع حتى يقضيه الدين؛ لأن حكمه الحبس الدائم إلى أن يقضي الدين على ما بيناه) ش: فيما تقدم أن حكم الدين الحبس الدائم.
م: (ولو قضاه البعض) ش: أي بعض الدين م: (فله) ش: أي وللمرتهن م: (أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية اعتبارا بحبس البيع) ش: يعني في المبيع، فاقتضى بعض الثمن يقبض شيئا من المبيع، فكذا هنا م: (فإذا قضاه الدين قيل له) ش: أي للمرتهن م: (سلم الرهن إليه) ش: أي إلى الراهن م: (لأنه زال المانع من التسليم لوصول الحق إلى مستحقه، فلو هلك قبل التسليم) ش:(12/486)
استرد الراهن ما قضاه؛ لأنه صار مستوفيا عند الهلاك بالقبض السابق، فكان الثاني استيفاء بعد استيفاء فيجب رده. وكذلك لو تفاسخا الرهن له حبسه ما لم يقبض الدين أو يبرئه، ولا يبطل الرهن إلا بالرد على الراهن على وجه الفسخ؛ لأنه يبقى مضمونا ما بقي القبض والدين. ولو هلك في يده سقط الدين إذا كان به وفاء بالدين لبقاء الرهن. وليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن لا باستخدام ولا بسكنى ولا لبس إلا أن يأذن له المالك؛ لأن له حق الحبس دون الانتفاع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي فلو هلك الرهن قبل تسليم المرتهن الرهن إلى الراهن م: (استرد الراهن ما قضاه) ش: أي ما أداه إلى المرتهن م: (لأنه صار مستوفيا عند الهلاك بالقبض السابق، فكان الثاني) ش: أي بالقبض الثاني م: (استيفاء بعد استيفاء فيجب رده) ش: أي ما أداه إلى المرتهن احترازا عن الربا.
م: (وكذلك) ش: الحكم م: (لو تفاسخا الرهن له) ش: أي للمرتهن م: (حبسه ما لم يقبض الدين أو يبرئه) ش: أي أو يبرئ الراهن من الدين؛ لأن الرهن لا ينفسخ مقصودا بالمناقضة بالقول حتى يكون للراهن حق الأخذ بغير رضى المرتهن بعد أن قبضه، وصار وجود هذه المناقضة وعدمها بمنزلته.
م: (ولا يبطل الرهن إلا بالرد على الراهن على وجه الفسخ) ش: احتراز عما إذا رده على وجه العارية، فإنه لا يبطل الرهن م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (يبقى مضمونا ما بقي القبض والدين) ش: أي بقي القبض والدين معا، حتى لو بقي أحدهما، وانتفى الآخر لا يبقى مضمونا، لأن كون الرهن مضمونا ثبت بعلة ذات وصفين، وهما القبض والدين، فلا يبقى مضمونا بأحدهما.
م: (ولو هلك) ش: أي الرهن بعدما تفاسخا م: (في يده) ش: أي في يد المرتهن م: (سقط الدين إذا كان به وفاء بالدين لبقاء الرهن) ش: أي قيد بقوله: إذا كان به وفاء [....
هذا البياض أيضا وجد في أكثر النسخ المعتبرة الصحيحة، والله أعلم بحقيقة الحال....
..] .
م: (وليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن لا باستخدام، ولا بسكنى، ولا لبس إلا أن يأذن له المالك؛ لأن له حق الحبس دون الانتفاع) ش: فإذا استعمله بوجه من الوجوه المذكورة كان غاصبا، وضمن قيمته بالغة ما بلغت.
وإن كان بإذن الراهن فلا ضمان عليه؛ لأن الحجر لحقه وقد رضي به، ثم كما لا يجوز استخدام الجارية المرهونة من المرتهن، فكذلك لا يجوز وطؤها، ومع هذا لو وطئها لا يجب عليه الحد على رواية كتاب الرهن، ويجب مهرها لمولاها؛ لأنها محبوسة للاستيفاء فأشبه الجارية المبيعة في يد البائع، وعلى رواية كتاب " الحدود ": يجب الحد إذا قال: علمت أنها علي حرام.(12/487)
وليس له أن يبيع إلا بتسليط من الراهن، وليس له أن يؤاجر ويعير؛ لأنه ليس له ولاية الانتفاع بنفسه، فلا يملك تسليط غيره عليه، فإن فعل كان متعديا ولا يبطل عقد الرهن بالتعدي. قال: وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه أن يكون الولد في عياله أيضا، وهذا لأن عينه أمانة في يده فصار كالوديعة. وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن، وهل يضمن الثاني؟ فهو على الخلاف، وقد بينا جميع ذلك بدلائله في الوديعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وليس له) ش: أي للمرتهن م: (أن يبيع) ش: أي الرهن م: (إلا بتسليط من الراهن) ش: لأن الرهن لا يقتضي البيع فلا يثبت له بدون الوكالة م: (وليس له أن يؤاجر ويعير؛ لأنه ليس له ولاية الانتفاع بنفسه، فلا يملك تسليط غيره عليه، فإن فعل كان متعديا ولا يبطل عقد الرهن بالتعدي) ش: من المرتهن، فإن فعل شيئا من ذلك: فسخ ورد الرهن في يد المرتهن.
وفي " شرح الأقطع ": وقال الشافعي: للراهن أن يسكن الدار، يؤجرها، ويركب الدابة، ويعيرها، ويزرع الأرض، ويحلب اللبن، ويجز الصوف، ولا يطأ الجارية، ولا يلبس الثوب.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف م: (معناه) ش: أي معنى قول القدوري م: (أن يكون الولد في عياله أيضا) ش: قال الأترازي: المراد "بمن في عياله" أن ساكن معه سواء كان في نفقته أو لا، فلو أن امرأة أودعت وديعة فدفعت إلى زوجها: لا يضمن، وإن لم يكن الزوج في عيالها لأن العبرة في هذا الباب للمساكنة دون النفقة. ألا ترى إذا كان معها ساكنا وليس في عيالها فخرج من المنزل وتركا المنزل على الابن: لا يضمنان، والمراد من الأجير أجير المشاهرة أو المسانهة دون المياومة.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى اشتراط كون الخادم والولد في عياله. م: (لأن عينه) ش: أي عين الرهن م: (أمانة في يده فصار كالوديعة) ش: فيشترط فيه كما يشترط في الوديعة.
م: (وإن حفظه بغير من في عياله أو أودعه ضمن) ش: لتعديه م: (وهل يضمن الثاني) ش: أي المودع الثاني م: (فهو على الخلاف) ش: فعند أبي حنيفة لا ضمان عليه، وعندهما: عليه الضمان كالأول. وعند ابن أبي ليلى: لا ضمان على واحد منهما، م: (وقد بينا جميع ذلك بدلائله في الوديعة) ش: فليرجع إليها.(12/488)
وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته، لأن الزيادة على مقدار الدية أمانة، والأمانات تضمن بالتعدي ولو رهنه خاتما فجعله في خنصره فهو ضامن، لأنه متعد بالاستعمال، لأنه غير مأذون فيه، وإنما الإذن بالحفظ واليمنى واليسرى في ذلك سواء؛ لأن العادة فيه مختلفة. ولو جعله في بقية الأصابع كان رهنا بما فيه، لأنه لا يلبس كذلك عادة، فكان من باب الحفظ، وكذا الطيلسان إن لبسه لبسا معتادا ضمن، وإن وضعه على عاتقه لم يضمن. ولو رهنه سيفين أو ثلاثة فتقلدها لم يضمن في الثلاثة وضمن في السيفين، لأن العادة جرت بين الشجعان بتقلد السيفين في الحرب ولم تجر بتقلد الثلاثة. وإن لبس خاتما فوق خاتم، إن كان هو ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن، وإن كان لا يتجمل بذلك فهو حافظ فلا يضمن. قال: وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وكذلك أجرة الحافظ وأجرة الراعي ونفقة الرهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تعدى المرتهن في الرهن]
م: (وإذا تعدى المرتهن في الرهن ضمنه ضمان الغصب بجميع قيمته؛ لأن الزيادة على مقدار الدين أمانة، والأمانات تضمن بالتعدي. ولو رهنه خاتما فجعله في خنصره فهو ضامن؛ لأنه متعد بالاستعمال؛ لأنه غير مأذون فيه، وإنما الإذن بالحفظ واليمنى واليسرى في ذلك سواء، لأن العادة فيه مختلفة. ولو جعله في بقية الأصابع كان رهنا بما فيه) ش: أي بما في الرهن من الدين م: (لأنه لا يلبس كذلك عادة، فكان من باب الحفظ، وكذلك الطيلسان إن لبسه لبسا معتادا ضمن، وإن وضعه على عاتقه لم يضمن) ش:. م: (ولو رهنه سيفين) ش: أي ولو رهن رجل عند رجل سيفين م: (أو ثلاثة) ش: أي أو رهن ثلاثة سيوف م: (فتقلدها: لم يضمن في الثلاثة) ش: أي في تقليد الثلاثة سيوف م: (وضمن في السيفين) ش: أي في تقليد السيفين م: (لأن العادة جرت بين الشجعان بتقليد السيفين في الحرب ولم تجر بتقلد الثلاثة) ش: فكان ذلك حفظا.
م: (وإن لبس خاتما فوق خاتم، إن كان هو ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن، وإن كان لا يتجمل بذلك فهو حافظ فلا يضمن) ش: وفي " الفتاوى الصغرى ": ولو كان المرتهن امرأة فتختمت به، أي أصبع كان ضمنت؛ لأن النساء يتختمن بجميع أصابعهن، ثم ينبغي أن يعرف أن المراد بعدم الضمان فيما يعد حفظا لا استعمالا: أن يضمن ضمان الغصب لا أنه لا يضمن أصلا؛ لأنه مضمون بالدين فيسقط الدين بهلاكه بما هو الأقل من قيمته، ومن الدين كالخاتم إذا جعله في أصبع لا يتختم به في العرف، والعادة. وكالثوب إذا ألقاه على عاتقه، وبه صرح في " شرح الطحاوي ".
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن، وكذلك أجرة الحافظ) ش: أي حافظ الرهن على المرتهن ما كان مضمونا منه، وما لم يكن م: (وأجرة الراعي) ش: كذلك على المرتهن، وكذلك المساوي للبقر والغنم لا على الراهن م: (ونفقة الرهن(12/489)
على الراهن. والأصل أن ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وتبقيته فهو على الراهن، سواء كان في الرهن فضل أو لم يكن؛ لأن العين باق على ملكه. وكذلك منافعه مملوكة له فيكون إصلاحه وتبقيته عليه لما أنه مؤنة ملكه كما في الوديعة، وذلك مثل النفقة في مأكله ومشربه وأجرة الراعي في معناه؛ لأنه علف الحيوان. ومن هذا الجنس كسوة الرقيق وأجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان وكري النهر وتلقيح نخيله وجذاذه والقيام بمصالحه وكل ما كان لحفظه أو لرده إلى يد المرتهن أو لرد جزء منه فهو على المرتهن مثل أجرة الحافظ؛ لأن الإمساك حق له والحفظ واجب عليه، فيكون بدله عليه [.....] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الراهن والأصل) ش: في هذا الباب م: (أن ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وتبقيته فهو على الراهن، سواء كان في الرهن فضل أو لم يكن؛ لأن العين) ش: أي عين الرهن م: (باق على ملكه) ش: أي على ملك الراهن. م: (وكذلك منافعه مملوكة له فيكون إصلاحه وتبقيته عليه لما أنه مؤنة ملكه كما في الوديعة) ش: أنه على المودع م: (وذلك مثل النفقة في مأكله ومشربه) ش: وليس هذا كالعبد الموصي بخدمته، فإن نفقته على الموصى له لا على الوارث، لأن الموصي به له أحق بمنافعه م: (وأجرة الراعي في معناه) ش: أي معنى الإنفاق، والمأكل والمشرب م: (لأنه علف الحيوان) ش: أي لأن الأجر على الحيوان لأنه سببه.
وقال تاج الشريعة: فإن قلت: كما أن الراعي ليسوق الدابة للعلف يحفظها أيضا، والحفظ على المرتهن، والعلف على الراهن، فيجب أن يكون الأجر عليهما؟.
قلت: الراعي للأعلاف لا للحفظ، ألا ترى أن السارق من المرعى لا يقطع، ولأن الحفظ تبع، والأجر بالأصل فالبر سائل دون الأطراف. وعند البعض: أجرة الراعي على المرتهن؛ لأنه محبوس لأجله فيكون نفقته عليه كنفقة المبيع على البائع لا على المالك وهو المشتري؛ لأنه محبوس على البائع، لكنا نقول: إن معظم المنافع في إمساك الرهن حاصل للراهن، فتكون نفقته عليه، ونفقة المستأجر على الآجر لهذا المعنى.
م: (ومن هذا الجنس) ش: أي من جنس ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن وبتبقيته م: (كسوة الرقيق وأجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان) ش: أي حفره من كريت كريا م: (وكري النهر وتلقيح نخيله) ش: وهو وضع طلع الذكر في طلع الأنثى أو ما ينشق م: (وجذاذه) ش: بالجيم المكسورة وبالذالين المعجمتين ما قطع من الشيء م: (والقيام بمصالحه وكل ما كان لحفظه) ش: أي لحفظ الرهن م: (أو لرده إلى يد المرتهن) ش: مثل جعل الآبق م: (أو لرد جزء منه) ش: كمداومة الجراح م: (فهو على المرتهن مثل أجرة الحافظ؛ لأن الإمساك حق له والحفظ واجب عليه، فيكون بدله عليه [....
....] ) ش: هذا بياض وجد من قلم الناسخين.(12/490)
وكذلك أجرة البيت الذي يحفظ الرهن فيه، وهذا في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن كراء المأوى على الراهن بمنزلة النفقة؛ لأنه سعى في تبقيته. ومن هذا القسم جعل الآبق، فإنه على المرتهن؛ لأنه محتاج إلى إعادته يد الاستيفاء التي كانت له ليرده، فكانت مؤنة الرد فيلزمه، وهذا إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فعلية بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الزيادة عليه؛ لأنه أمانة في يده، والرد لإعادة اليد، ويده في الزيادة يد المالك إذ هو كالمودع فيها، فلهذا يكون على المالك، وهذا بخلاف أجرة البيت الذي ذكرناه، فإن كلها تجب على المرتهن، وإن كان في قيمة الرهن فضل؛ لأن وجوب ذلك بسبب الحبس، وحق الحبس في الكل ثابت له. فأما الجعل إنما يلزمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجعل الآبق لازم للمرتهن إذا كان في الرهن والدين سواء، وإن كان قيمة الرهن أكثر كان على المرتهن بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الأمانة. وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجعل في رقبة العبد إن أداه الراهن حسب ما قضاه من المرتهن فإنما أصلح رهنه ودينه على حال ثابت، م: (وكذلك أجرة البيت الذي يحفظ الرهن فيه، وهذا في ظاهر الرواية) .
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن كراء المأوى) ش: أي المكان الذي تأوي إليه الدواب م: (على الراهن بمنزلة النفقة، لأنه سعى في تبقيته) ش: وقال الأترازي: وروى ابن سماعة عن أبي يوسف في الراهن والمرتهن اختلفا في مأوى البقر والغنم والدواب الذي تأوي إليه: فإن كان عند المرتهن سعة فهو في منزله، وإن أبى ذلك يكتري لها ويكون الكراء على الراهن م: (ومن هذا القسم) ش: أي من القسم الذي تجعلونه على المرتهن م: (جعل الآبق، فإنه على المرتهن لأنه محتاج إلى إعادة يد الاستيفاء التي كانت له ليرده، فكانت مؤنة الرد: فيلزمه) ش: وعند الأئمة الثلاثة: الكل على الراهن، لأن الملك له.
م: (وهذا) ش: أي جعل الآبق الذي على المرتهن م: (إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء، وإن كانت قيمة الرهن أكثر فعليه) ش: أي على المرتهن م: (بقدر المضمون، وعلى الراهن بقدر الزيادة عليه؛ لأنه أمانة في يده والرد لإعادة اليد) ش: أي يد المرتهن م: (ويده في الزيادة يد المالك إذ هو كالمودع فيها) ش: أي المرتهن كالمودع في الزيادة م: (فلهذا يكون على المالك، وهذا) ش: أي المذكور م: (بخلاف أجرة البيت الذي ذكرناه) ش: يعني فيما تقدم من قوله: وأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن م: (فإن كلها) ش: أي كل الأجرة م: (تجب على المرتهن، وإن كان في قيمة الرهن فضل) ش: كلمة "إن" واصلة بما قبلها م: (لأن وجوب ذلك بسبب الحبس) ش: عند المرتهن م: (وحق الحبس في الكل ثابت له) ش: أي للمرتهن م: (فأما الجعل إنما يلزمه) ش: أي(12/491)
لأجل الضمان، فيتقدر بقدر المضمون. قال: ومداواة الجراحة والقروح. ومعالجة الأمراض والفداء من الجناية تنقسم على المضمون والأمانة والخراج على الراهن خاصة، لأنه مؤن الملك. قال: والعشر فيما يخرج مقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين، ولا يبطل الرهن في الباقي؛ لأن وجوبه لا ينافي ملكه، بخلاف الاستحقاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرتهن م: (لأجل الضمان) ش: على المرتهن، وإذا كان كذلك م: (فيتقدر بقدر المضمون) ش: من الدين.
م: (قال: ومداواة الجراحة والقروح ومعالجة الأمراض والفداء من الجناية تنقسم على المضمون والأمانة) ش: هذا إذا حدثت هذه الأشياء عند المرتهن، أما إذا حدثت عند الراهن كان عليه، قاله تاج الشريعة ناقلا عن المشايخ.
وقال الأترازي: والفداء من الجناية والدين الذي يلحق الرهن بالأموال الذي يضمنها بالاستهلاك إذا وجب ذلك في الرهن، وأن ذلك في حقها في حق كل واحد من الراهن والمرتهن، لأن جناية المضمون في يد الضامن يجري مجرى جناية الضامن، فيكون من ماله. وأما جناية الأمانة فإنها كجناية الوديعة، فتكون على الراهن.
م: (والخراج على الراهن خاصة؛ لأنه من مؤن الملك. قال: والعشر فيما يخرج مقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين) ش: أي لتعلق العشر بالعين، فيكون مقدما على حق المرتهن، لأن حق المرتهن يتعلق بالرهن من حيث المالية لا من حيث العين، والعين مقدم على المالية.
صورة المسألة: أن في الرهن أرضا فيها نخل وشجر وزرع ارتهن ذلك معها وهي من أرض العشر فأخذ السلطان العشر من الزرع، فإن ذلك لا يسقط شيئا من الدين إذ لو سقط أدى إلى أن يصير قابضا بمال واحد حقين الدين والعشر، وهذا لا يجوز.
م: (ولا يبطل الرهن في الباقي) ش: هذا النفي ترد على قوله: لتعلق العشر بالعين، يعني لما كان متعلقا بالعين يصير كما لو استحق بعض العين، فأجاب عن هذا بقوله: ولا يبطل الرهن في الباقي بعد أخذه من العشر م: (لأن وجوبه) ش: أي وجوب العشر م: (لا ينافي ملكه) ش: في جميع ما رهنه، ألا ترى أنه لو باعه جاز، ولو أدى العشر من موضع آخر جاز، فصح الرهن في الكل ثم خرج فعين لم يتمكن الشيوع في الرهن لا مقارنا ولا طارئا م: (بخلاف الاستحقاق) ش: يعني إذا ظهر مستحق بقدر لم يصح الرهن فيه، لأنه ملك الغير فلم يصح الرهن فيه، وكذا فيما وراءه لأنه مشاع.(12/492)
قال: وما أداه أحدهما مما وجب على صاحبه فهو متطوع، وما أنفق أحدهما مما يجب على الآخر بأمر القاضي رجع عليه، كأن صاحبه أمره به؛ لأن ولاية القاضي عامة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يرجع إذا كان صاحبه حاضرا وإن كان بأمر القاضي. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرجع في الوجهين، وهي فرع مسألة الحجر، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: وما أداه أحدهما) ش: أي من الراهن، والمرتهن م: (مما وجب على صاحبه) ش: من أجرة وغيرها م: (فهو متطوع) ش: لأنه قضى دين غيره بغير أمره م: (وما أنفق أحدهما مما يجب على الآخر بأمر القاضي رجع عليه) ش:. وفي " الذخيرة ": لا يكفي مجرد الأمر بالاتفاق، ولا بد أن يجعله دينا على الراهن، وعليه أكثر مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (كأن صاحبه أمره به؛ لأن ولاية القاضي عامة. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يرجع إذا كان صاحبه حاضرا وإن كان بأمر القاضي) ش: رواه الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة - رحمهما الله -.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع في الوجهين) ش: يعني في حضرة صاحبه وغيبته م: (وهي فرع مسألة الحجر، والله أعلم) ش: فمذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القاضي لا يلي على الحاضر، وعندهما: يلي عليه، وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": فأبو حنيفة لا يرى حجر القاضي على الحر، فلا يكون نافذا حال غيبته وحضوره، وعندهما: للقاضي ولاية حجره حال غيبته وحضوره، فينفذ عليه أمر القاضي حال غيبته وحضوره.(12/493)
باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز قال: ولا يجوز رهن المشاع، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز. ولنا فيه وجهان: أحدهما: يبتنى على حكم الرهن فإنه عندنا ثبوت يد الاستيفاء، وهذا لا يتصور فيما يتناوله العقد وهو المشاع، وعنده المشاع يقبل ما هو الحكم عنده، وهو تعينه للبيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز]
[رهن المشاع]
م: (باب في بيان ما يجوز ارتهانه والارتهان به وما لا يجوز)
ش: أي هذا باب في بيان ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز الارتهان به، وفي بيان ما لا يجوز ارتهانه. ولما ذكر الرهن مطلقا شرح هنا في بيانه مفصلا، لأن التفصيل بعد الإجمال.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يجوز رهن المشاع) ش: سواء كان شائعا فيما ينقسم أو لا ينقسم فلا يجوز رهن نصف دار ولا نصف أرض ولا نصف عهد ولا سهم من سهام ذلك وسواء رهن المشاع من شريكه في ذلك أو من غيره، ذكر الكرخي كل ذلك في "مختصره ".
وذكر القدوري عدم جواز رهن المشاع ولم يتعرض أنه باطل أو فاسد، وفي " المغني " و" الذخيرة " إشارة إلى أنه فاسد لا باطل، حيث قال: فالمقبوض بحكم الرهن الفاسد مضمون في الصحيح وفي الرهن باطل، لأن الباطل لا ينعقد أصلا. فكان كالبيع الباطل والفاسد ينعقد، فكان كالبيع الفاسد.
وشرط انعقاد الرهن أن يكون مالا والمقابل به مالا مضمونا، فإذا وجد شرائط الجواز ينعقد صحيحا، وإذا فقد شرطا من شرائط جوازه ينعقد فاسدا وفي كل موضع لم يكن الرهن مالا، أو لم يكن المقابلة به مضمونة لا ينعقد الرهن أصلا.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور والأوزاعي وابن أبي ليلى والبستي. م: (ولنا فيه) ش: أي في أمر الرهن م: (وجهان) ش: أي طريقان م: (أحدهما) ش: أي أحد الوجهين م: (يبتنى على حكم الرهن، فإنه) ش: أي في بيانه حكم الرهن م: (عندنا ثبوت يد الاستيفاء، وهذا) ش: أي ثبوت يد الاستيفاء م: (لا يتصور فيما يتناوله العقد وهو المشاع) ش: لأن حكم الرهن هو الحبس الدائم، وحبس المشاع لا يتصور فلا يصح رهن المشاع.
م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أدرج المصنف دليل الشافعي بين الوجهين، وهو: أن عنده: م: (المشاع يقبل ما هو الحكم عنده وهو تعينه للبيع) ش: والمشاع عين يجوز بيعه فيجوز رهنه(12/494)
والثاني: أن موجب الرهن هو الحبس الدائم؛ لأنه لم يشرع إلا مقبوضا بالنص أو بالنظر إلى المقصود منه وهو الاستيثاق من الوجه الذي بيناه، وكل ذلك يتعلق بالدوام، ولا يفضي إليه إلا استحقاق الحبس. ولو جوزناه في المشاع يفوت الدوام، لأنه لا بد من المهايأة، فيصير كما إذا قال: رهنتك يوما ويوما لا، ولهذا لا يجوز فيما يحتمل القسمة وما لا يحتملها بخلاف الهبة حيث تجوز فيما لا يحتمل القسمة؛ لأن المانع في الهبة غرامة القسمة وهو فيما يقسم، أما حكم الهبة الملك والمشاع يقبله، وهاهنا الحكم ثبوت يد الاستيفاء والمشاع لا يقبله وإن كان لا يحتمل القسمة، ولا يجوز من شريكه؛ لأنه لا يقبل حكمه على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني يسكن يوما بحكم الملك ويوما بحكم الرهن، فيصير كأنه رهن يوما ويوما لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والثاني) ش: أي الوجه الثاني: م: (أن موجب الرهن هو الحبس الدائم) ش: يعني موجب حكمه، يعني لازمه الحبس الدائم، لأن معناه الحس لغة من أي سبب كان م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (لم يشرع إلا مقبوضا بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] (البقرة: الآية 283) م: (أو بالنظر) ش: ولم يشرع إلا بالنظر م: (إلى المقصود منه وهو الاستيثاق من الوجه الذي بيناه) ش: وهو قوله فيما تقدم ليكون عاجزا عن الانتفاع به، فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته أو لضجره م: (وكل ذلك) ش: أي من يد الاستيفاء والحبس الدائم والاستيثاق م: (يتعلق بالدوام) ش: أي دوام اليد م: (ولا يفضي إليه) ش: أي إلى دوام الحبس م: (إلا استحقاق الحبس، ولو جوزناه) ش: أي الرهن م: (في المشاع يفوت الدوام) ش: أي استحقاق دوام اليد م: (لأنه لا بد من المهايأة) ش: مع المالك في الإمساك م: (فيصير كما إذا قال: رهنتك يوما ويوما لا) ش: وأنه لا يجوز.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الدوام ثبوت في المشاع م: (لا يجوز فيما يحتمل القسمة وما لا يحتملها) ش: في الرهن م: (بخلاف الهبة حيث تجوز فيما لا يحتمل القسمة؛ لأن المانع في الهبة غرامة القسمة وهو فيما يقسم) ش: لا فيما لا يقسم، م: (أما حكم الهبة الملك والمشاع يقبله) ش: أي يقبل الملك م: (وهاهنا) ش: أي في الرهن م: (الحكم ثبوت يد الاستيفاء والمشاع لا يقبله، وإن كان لا يحتمل القسمة) ش: لأن اليد لا تثبت حقيقة إلا على جزء معين.
م: (ولا يجوز) ش: أي الرهن م: (من شريكه؛ لأنه لا يقبل حكمه) ش: وهو ثبوت يد الملك م: (على الوجه الأول) ش: وهو ثبوت يد الاستيفاء م: (وعلى الوجه الثاني) ش: أي موجب الرهن هو الحبس الدائم م: (يسكن يوما بحكم الملك ويوما بحكم الرهن، فيصير كأنه رهن يوما ويوما لا) ش: فلو صرح بذلك بأن قال: رهنتك يوما ويوما: لا يجوز فكذا هنا.(12/495)
والشيوع الطارئ يمنع بقاء الرهن في رواية الأصل، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يمنع، لأن حكم البقاء أسهل من حكم الابتداء، فأشبه الهبة. وجه الأول: أن الامتناع لعدم المحلية وما يرجع إليه فالابتداء والبقاء سواء كالمحرمية في باب النكاح، بخلاف الهبة؛ لأن المشاع يقبل حكمها وهو الملك، واعتبار القبض في الابتداء لنفي الغرامة على ما بيناه. ولا حاجة إلى اعتباره في حالة البقاء، ولهذا يصح الرجوع في بعض الهبة ولا يجوز فسخ العقد في بعض الرهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والشيوع الطارئ يمنع بقاء الرهن في رواية الأصل) ش: صورته: أن يوكل الراهن العدل بيع الرهن كيف رأى مجتمعا ومتفرقا فيبيع بعض العين أو يرهن فلبائعه عشرون درهما فضة بعشرة دراهم، فيكسر فيضمن المرتهن نصف القلب وهي حصة المضمون، وتبقى حصة الأمانة رهنا فيقطع حتى لا يكون مشاعا، والشيوع الطارئ كالمقارن، فلا يصح، وهو الصحيح.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه ابن سماعة عنه: م: (أنه) ش: أي أن الشيوع الطارئ م: (لا يمنع؛ لأن حكم البقاء أسهل من حكم الابتداء) ش: بدليل أن العدل يبيع الرهن فيصير الثمن في ذمة المشتري رهنا. ولو رهنه في الابتداء دينا لم يجز، فكذلك لا يمنع أن يصح الرهن في المشاع في حال البقاء، وإن لم يصح في حال الابتداء، أو لأنه عقد من شرط صحة القبض، والإشاعة الطارئة لا تؤثر فيه م: (فأشبه الهبة) ش: حيث لا يمنع الإشاعة الطارئة من بقاء الهبة.
م: (وجه الأول) ش: وهو رواية الأصل: م: (أن الامتناع لعدم المحلية) ش: أي محلية الاستيفاء م: (وما يرجع إليه) ش: أي المحل م: (فالابتداء والبقاء سواء) ش: فيه م: (كالمحرمية في باب النكاح) ش: فإنه لا يفرق فيه بين الابتداء والبقاء م: (بخلاف الهبة؛ لأن المشاع يقبل حكمها) ش: أي حكم الهبة م: (وهو الملك، واعتبار القبض في الابتداء لنفي الغرامة) ش: أي غرامة القسمة.
بيانه: أنا لو ثبتنا الملك قبل القبض يطلب الراهن بالتسليم فيلزم مؤنة القسمة، وهو لم يلتزم بذلك م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: غرامة القيمة وهي فيما يقسم، م: (ولا حاجة إلى اعتباره) ش: أي اعتبار القبض م: (في حالة البقاء) ش: لما مر أنه شرط تمام العقد.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الملك حكم الهبة والمشاع لا ينافيه م: (يصح الرجوع في بعض الهبة) ش: بخلاف الرهن، فإن حكمه ملك الحبس الدائم والإشاعة تنافيه فلم يصح التفاسخ في بعض الرهن، وهو معنى قوله: م: (ولا يجوز فسخ العقد في بعض الرهن) ش: لأن دوام القبض حكمه والشيوع ينافي ذلك، فإذا كان كذلك لا يجوز فسخه في البعض.(12/496)
قال: ولا رهن ثمرة على رؤوس النخيل دون النخيل، ولا زرع الأرض دون الأرض، ولا رهن النخيل في الأرض دونها، لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلقة، فكان في معنى الشائع. قال: وكذا إذا رهن الأرض دون النخيل أو دون الزرع أو النخيل دون الثمر، لأن الاتصال يقوم بالطرفين، فصار الأصل أن المرهون إذا كان متصلا بما ليس بمرهون لم يجز؛ لأنه لا يمكن قبض المرهون وحده. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن رهن الأرض بدون الشجر جائز؛ لأن الشجر اسم للنابت فيكون استثناء الأشجار بمواضعها، بخلاف ما إذا رهن الدار دون البناء، لأن البناء اسم للمبنى، فيصير راهنا جميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن. قال: ولو رهن النخيل بمواضعها جاز، لأن هذه مجاورة وهي لا تمنع الصحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[رهن ثمرة على رؤوس النخل دون النخل]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا رهن ثمرة) ش: بهذا عطف على قوله: ولا يجوز رهن المشاع، أي ولا يجوز رهن ثمرة م: على رؤوس النخل دون النخل) ش: أي دون رهن النخل م: (ولا زرع الأرض) ش: أي ولا يجوز رهن زرع في الأرض م: دون الأرض) ش: أي دون رهن الأرض م: (ولا رهن النخيل) ش: أي ولا يجوز رهن النخيل م: في الأرض دونها) ش: دون الأرض م: (لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون خلقة) ش: أي من حيث الخلقة م: (فكان في معنى الشائع) ش: وذلك غير جائز، لأنه لا يتأتى القبض فيه وحده.
م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يجوز م: (إذا رهن الأرض دون النخيل أو دون الزرع أو النخيل) ش: أي أو رهن م: (دون الثمر؛ لأن الاتصال يقوم بالطرفين) ش: أي الاتصال بين الأرض والنخيل أو الزرع يقوم بطرف كل واحد منهما، فيكون المرهون متصلا بغيره لا يمكن حبسه دونه، فكان في معنى رهن المشاع فلا يجوز م: (فصار الأصل أن المرهون إذا كان متصلا بما ليس بمرهون لم يجز؛ لأنه لا يمكن قبض المرهون وحده) ش: للاتصال بين المرهون وغيره.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن رهن الأرض بدون الشجر جائز) ش: رواه الحسن عنه م: (لأن الشجر اسم للنابت) ش: على الأرض، ولهذا يسمى بعد القطع جذعا لا شجرا م: (فيكون استثناء الأشجار بمواضعها) ش: من الأرض، فكان عقد الرهن متناولا ما سوى ذلك من الموضع من الأرض معين معلوم غير مشاع. وقال القدوري في "شرحه ": والمشهور أن الرهن باطل.
ووجهه: أن الرهن مشغول بما ليس برهن، فصار كرهن الأرض التي فيها متاع للراهن م: (بخلاف ما إذا رهن الدار دون البناء؛ لأن البناء اسم للمبنى، فيصير راهنا جميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن) ش: فلا يجوز.
م: (قال: ولو رهن النخيل بمواضعها جاز، لأن هذه) ش: أي مواضعها م: (مجاورة) ش: لمكان النخل لأن مواضع النخل بقعة معينة مجاورة لغيرها م: (وهي لا تمنع الصحة) ش: لأنها لا(12/497)
قال: ولو كان فيه ثمر يدخل في الرهن، لأنه تابع لاتصاله به فيدخل تبعا تصحيحا للعقد، بخلاف البيع، لأن بيع النخيل بدون الثمر جائز ولا ضرورة إلى إدخاله من غير ذكره. وبخلاف المتاع في الدار حيث لا يدخل في رهن الدار من غير ذكر، لأنه ليس بتابع بوجه ما. وكذا يدخل الزرع والرطبة في رهن الأرض، ولا يدخل في البيع لما ذكرنا في الثمرة. قال: ويدخل البناء والغرس في رهن الأرض والدار والقرية، لما ذكرنا.
قال: ولو رهن الدار بما فيها جاز ولو استحق بعضه إن كان الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بقي رهنا بصحته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تكون في معنى المشاع م: (قال: ولو كان فيه) ش: أي في النخل الذي رهنه بمواضعه م: (ثمر يدخل في الرهن؛ لأنه تابع لاتصاله به) ش: أي لاتصال الثمر بالنخل م: (فيدخل تبعا تصحيحا للعقد) ش: إذ لو لم يدخل التمر في الرهن كان في معنى رهن المشاع.
م: (بخلاف البيع) ش: حيث لا يدخل الثمار إلا بالذكر، لأن تصحيح البيع في النخل ممكن، لأن الشيوع لا يمنع صحة البيع، بخلاف الرهن م: (لأن بيع النخيل بدون الثمر جائز، ولا ضرورة إلى إدخاله من غير ذكره، وبخلاف المتاع في الدار حيث لا يدخل في رهن الدار من غير ذكر) ش: هذا عطف على قوله: بخلاف البيع، يعني كما أن الثمر لا يدخل من غير ذكر في بيع النخل، فكذلك لا يدخل المتاع في الدار في رهن الدار بلا ذكر م: (لأنه ليس بتابع بوجه ما) ش: أي بوجه من الوجوه.
م: (وكذا يدخل الزرع والرطبة) ش: وهي البرسيم في لغة أهل مصر م: (في رهن الأرض، ولا يدخل في البيع لما ذكرنا في الثمرة) ش: إشارة إلى قوله: لأنه تابع، م: (قال: ويدخل البناء والغرس في رهن الأرض والدار والقرية) ش: بأن قال: رهنتك هذه الدار أو هذه الأرض أو هذه القرية. وأطلق القول ولم يخص شيئا يدخل البناء والغرس م: (لما ذكرنا) ش: أنه تبع، ويدخلان في الرهن ولا يشبه الرهن البيع، لأن الرهن لم يخرج من ملك الراهن بعقد الرهن، وخرج ملك البائع بالبيع.
[رهن الدار بما فيها]
م: (قال: ولو رهن الدار بما فيها جاز، ولو استحق بعضه إن كان الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بقي رهنا بحصته) ش: يعني إذا كان الباقي معززا بقي الرهن فيه بحصته، أي مضمونا بحصته من الدين، للراهن حكمان، وصيرورة الرهن محبوسا بالدين ومضمونا بالأقل من قيمته ومن الدين. فإذا استحق بعضا بعينه بقي الباقي مضمونا بالأقل مما بصحته من الدين. ومن قيمته، ويبقى محبوسا بجميع الدين، ولكنه يكون محبوسا مضمونا بحصته من الدين بأن يقسم الدين على قيمة الباقي وقيمة المستحق، فما أصاب الباقي فهلك بحصته.
وما أصاب المستحق بقي دينا في ذمته. وإن كان في قيمة الباقي وفاء بالدين لا يذهب(12/498)
وإلا بطل كله، لأن الرهن جعل كأنه ما ورد إلا على الباقي، ويمنع التسليم كون الراهن أو متاعه في الدار المرهونة، وكذا متاعه في الوعاء المرهون، ويمنع تسليم الدابة المرهونة الحمل عليها، فلا يتم حتى يلقي الحمل؛ لأنه شاغل لها. بخلاف ما إذا رهن الحمل دونها حيث يكون رهنا تاما إذا دفعها إليه؛ لأن الدابة مشغولة به، فصار كما إذا رهن متاعا في دار أو في وعاء دون الدار والوعاء. بخلاف ما إذا رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها ودفع الدابة مع السرج واللجام، حيث لا يكون رهنا حتى ينزعه منها ثم يسلمه إليه؛ لأنه من توابع الدابة بمنزلة الثمرة للنخيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جميع الدين، بخلاف ما لو رهن الباقي ابتداء وفيه وفاء بالدين م: (وإلا بطل كله) ش: يعني وإن لم يكن الباقي يجوز ابتداء الرهن عليه وحده بأن كان شائعا بطل جميعه، م: (لأن الرهن جعل كأنه ما ورد إلا على الباقي) ش: أي من المستحق، فصار راهنا لما بقي وهو مقدر.
م: (ويمنع التسليم) ش: أي تسليم الرهن إلى المرتهن م: (كون الراهن أو متاعه) ش: أي أو كون متاعه م: (في الدار المرهونة) ش: قال القدوري في "شرحه ": قال الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا رهنه دارا والراهن والمرتهن جميعا في جوفها فقال: قد سلمتها إليك ودفعتها إليك رهنا، فقال المرتهن: قد قبلت، لم يكن رهنا حتى يخرج الراهن من الدار، فإن خرج من الدار بعد ذلك لم يتم الرهن، إلا أن يقول الراهن: قد سلمتها بعدما خرج، وذلك أنهما إذا كانا في الدار، فيد صاحب الدار ثابتة فيها فلم يصح تسليمه إلى المرتهن. وإذا لم يصح ذلك التسليم حتى يخرج يحتاج إلى تجديد تسليم آخر.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يمنع التسليم كون م: (متاعه في الوعاء المرهون) ش: وفي " شرح الطحاوي " الحيلة لصحة التسليم أن يودع أولا ما فيه عند المرتهن لم يسلم إليه ما رهن م: (ويمنع تسليم الدابة المرهونة الحمل، عليها فلا يتم) ش: أي الرهن م: (حتى يلقى الحمل؛ لأنه شاغل لها) ش: أي للدابة كشغل الدار بالمتاع. وقال الشافعي وأحمد -رحمهما الله -: يصح تسليمه في جميع ما ذكر من المسائل إلى قوله: ولا يصح الرهن بالأمانات. م: (بخلاف ما إذا رهن الحمل دونها) ش: أي دون الدابة م: (حيث يكون رهنا تاما إذا دفعها إليه، لأن الدابة مشغولة به) ش: أي بالحمل والرهن ليس بمشغول بغيره ولا تابع له م: (فصار كما إذا رهن متاعا في دار أو في وعاء دون الدار والوعاء) ش: فيه لف ونشر م: (بخلاف ما إذا رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها) ش: أي رهن لجاما كائنا في رأس الدابة م: (ودفع الدابة مع السرج واللجام، حيث لا يكون رهنا حتى ينزعه منها ثم يسلمه إليه؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من السرج واللجام م: (من توابع الدابة) ش: فلا يصح إفراده عنها بالرهن م: (بمنزلة الثمرة للنخيل) ش: حيث(12/499)
حتى قالوا: يدخل فيه من غير ذكر. قال: ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والعواري والمضاربات. قال: ومال الشركة، لأن القبض في باب الرهن قبض مضمون، فلا بد من ضمان ثابت ليقع القبض مضمونا، ويتحقق استيفاء الدين منه. قال: وكذلك لا يصح بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع، لأن الضمان ليس بواجب، فإنه إذا هلك العين لم يضمن البائع شيئا، لكنه يسقط الثمن وهو حق البائع فلا يصح الرهن، فأما الأعيان المضمونة بعينها وهو أن يكون مضمونا بالمثل أو بالقيمة عند هلاكه مثل المغصوب وبدل الخلع والمهر وبدل الصلح عن دم العمد يصح الرهن بها؛ لأن الضمان متقرر، فإنه إذا كان قائما وجب تسليمه، وإن كان هالكا تجب قيمته، فكان رهنا بما هو مضمون فيصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يدخل في البيع إلا بذكرها. م: (حتى قالوا) ش: أي المشايخ م: (يدخل فيه) ش: أي في الرهن م: (من غير ذكر) ش: يعني لو رهن دابة عليها سرج أو لجام دخل ذلك في الرهن من غير ذكر تبعا.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يصح الرهن بالأمانات كالودائع والعواري والمضاربات. قال: ومال الشركة) ش: ولا خلاف فيه، والفرق بين الوديعة والأمانة أن في الوديعة إثبات اليد قصدا. بخلاف الأمانة، لأن فيها إثبات اليد ضمنا، كما إذ هب ريح وألقى ثوبا في حجر غيره. وأيضا أن في الوديعة إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق وعن الضمان بخلاف الأمانة م: (لأن القبض في باب الرهن قبض مضمون، فلا بد من ضمان ثابت ليقع القبض مضمونا، ويتحقق استيفاء الدين منه) ش: وإذا كان كذلك فلا يصح بهذه الأشياء.
م: (قال: وكذلك لا يصح بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع؛ لأن الضمان ليس بواجب، فإنه إذا هلك العين لم يضمن البائع شيئا، لكنه يسقط الثمن وهو حق البائع فلا يصح الرهن. فأما الأعيان المضمونة بعينها وهي أن يكون مضمونا بالمثل) ش: في المثليات م: (أو بالقيمة) ش: في ذوات القيم م: (عند هلاكه مثل المغصوب وبدل الخلع والمهر وبدل الصلح عن دم العمد يصح الرهن بها؛ لأن الضمان متقرر، فإنه إذا كان قائما وجب تسليمه، وإن كان هالكا تجب قيمته، فكان رهنا بما هو مضمون فيصح) ش: أي الرهن.
وفي " شرح الطحاوي ": ولو هلك الرهن في يده قبيل استرداد العين والعين المضمون قائم في يد الراهن، يقال له: سلم العين الذي في يدك وخذ من المرتهن الأقل من قيمة الرهن ومن قيمة ما رهن، لأن الرهن مضمون عندنا كذلك. ولو هلك العين المضمون قبل هلاك الرهن فيصير الرهن رهنا بقيمة العين المضمون، فإذا هلك الرهن بعد ذلك هلك بالأقل من قيمته ومن قيمة الرهن الذي كان رهنا.(12/500)
قال: والرهن بالدرك باطل، والكفالة بالدرك جائزة. والفرق أن الرهن للاستيفاء ولا استيفاء قبل الوجوب، وإضافة التمليك إلى زمان في المستقبل لا تجوز. أما الكفالة فلالتزام المطالبة والتزام الأفعال يصح مضافا إلى المال كما في الصوم والصلاة. ولهذا تصح الكفالة بما ذاب له على فلان ولا يصح الرهن، فلو قبضه قبل الوجوب فهلك عنده يهلك أمانة؛ لأنه لا عقد حيث وقع باطلا. بخلاف الرهن بالدين الموعود، وهو أن يقول: رهنتك هذا لتقرضني ألف درهم، وهلك في يد المرتهن حيث يهلك بما سمى من المال بمقابلته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[والرهن بالدرك]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (والرهن بالدرك باطل) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وصورته: أن يأخذ المشتري من البائع رهنا بالثمن لو أدركه درك فإنه باطل، حتى إذا حبس الرهن فهلك عنده هلك أمانة حل إدراك أو لم يحل، والدرك في اللغة: عبارة عن التبعية من كل شيء ويراد به ضمان الثمن عند استحقاق المبيع م: (والكفالة بالدرك جائزة) ش: بلا خلاف إلا في قول الشافعي: لا يصح، وأحمد في رواية.
م: (والفرق) ش: بين الدركين م: (أن الرهن للاستيفاء ولا استيفاء قبل الوجوب) ش: أي قبل وجوب الحق م: (وإضافة التمليك إلى زمان في المستقبل لا تجوز) ش: بيانه أن الرهن فيه معنى التمليك، لأن الارتهان استيفاء، والرهن إيفاء، فكان فيه معنى المبادلة، والتمليك لا يصح تعليقها بالأخطار م: (أما الكفالة فلالتزام المطالبة) ش: يعني عقد التزام م: (والتزام الأفعال يصح مضافا إلى المال) ش: أي إلى زمان الاستقبال م: (كما في الصوم والصلاة) ش: يعني لو نذر بالصوم والصلاة يصح. وكذا لو نذر بالصدقة فإنها يحتمل تعليقا بالخطر، ويحتمل الإضافة إلى زمان الاستقبال.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الكفالة التزام المطالبة وصحة التزام الأفعال مضاف إلى المال م: (تصح الكفالة بما ذاب له على فلان) ش: أي بما وجب له أو ظهر له ولم يجز الرهن بما تذوب له عليه، وهو معنى قوله: م: (ولا يصح الرهن، فلو قبضه قبل الوجوب) ش: أي فلو قبض المشتري الرهن في الدرك قبل حلول الدرك م: (فهلك عنده يهلك أمانة) ش: وكذا لو هلك بعد حلول الدرك م: (لأنه لا عقد حيث وقع باطلا) ش: أي لأن الشأن لا عقد للرهن، لكونه باطلا فلا ضمان.
م: (بخلاف الرهن بالدين الموعود) ش: متصل بقوله يهلك أمانة عسى أنه لا يهلك أمانة، بل يهلك مضمونا. وبين المصنف صورة الدين الموعود بقوله م: (وهو أن يقول: رهنتك هذا لتقرضني ألف درهم، وهلك في يد المرتهن حيث يهلك بما سمى من المال بمقابلته) ش: أي بمقابلة الرهن. قال الأترازي: وفيه تسامح، لأنه يهلك بالأقل من قيمته، ومما سمى له من القيمة. ثم(12/501)
لأن الموعود جعل كالموجود باعتبار الحاجة، ولأنه مقبوض بجهة الرهن الذي يصح على اعتبار وجوده، فيعطى كله حكمه كالمقبوض على سوم الشراء فيضمنه. قال: ويصح الرهن برأس مال السلم وبثمن الصرف والمسلم فيه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن حكمه الاستيفاء، وهذا استبدال لعدم المجانسة وباب الاستبدال فيها مسدود. ولنا: أن المجانسة ثابتة في المالية، فيتحقق الاستيفاء من حيث المال وهو المضمون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نقل عن الإمام الأسبيجابي أنه قال: هكذا في " شرح الطحاوي " م: (لأن الموعود جعل كالموجود) ش: في حالة عقد الرهن م: (باعتبار الحاجة) ش: فإن الرجل يحتاج إلى استقراض شيء، وصاحب المال لا يعطيه قبل قبض الرهن، فيجعل الدين الموعود موجودا احتياطا للجواز دفعا للحاجة عن المستقرض.
م: (ولأنه مقبوض) ش: أي ولأن المأخوذ من القرض (بجهة الرهن الذي يصح على اعتبار وجوده) ش: لأنه جعل كالموجود م: (فيعطى كله حكمه) ش: أي حكم الدين المقبوض م: (كالمقبوض على سوم الشراء) ش: حيث أعطى له حكم الشراء، إلا أن المقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت لا بالمسمى من الثمن والمقبوض على سوم الرهن مضمون بما سمى لا بالقيمة م: (فيضمنه) ش: أي إذا كان المقبوض بجهة الرهن الذي أعطى له حكم الدين المقبوض فيضمنه المرتهن القابض على سوم الرهن عن الدين الموعود؟
فإن قيل: قياس هذا بالمقبوض على سوم الشراء غير صحيح، لأن الواجب فيه القيمة وفيما نحن فيه الموعود.
فالجواب: أن التساوي بين المقيس والمقيس عليه في جميع الوجوه ليس بلازم، واعتباره به من حيث إنه يهلك مضمونا لا أمانة. وأما الفرق بينهما فقد ذكرناه الآن.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويصح الرهن برأس مال السلم وبثمن الصرف والمسلم فيه) ش: ولا يعلم فيه خلاف للأئمة الثلاثة م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن حكمه) ش: أي حكم كل واحد من الثلاثة م: (الاستيفاء) ش: يعني إذا هلك الرهن كان المرتهن مستوفيا لدينه من الرهن واستيفاء غير رأس المال وبدل الصرف والمسلم فيه لا يجوز م: (وهذا) ش: أي الرهن م: (استبدال لعدم المجانسة) ش: يعني استبدال هذه الأشياء من غير جنسه لا يجوز، أشار إليه بقوله: م: (وباب الاستبدال فيها) ش: أي في هذه الأشياء م: (مسدود) ش: يعني لا يجوز أصلا.
م: (ولنا: أن المجانسة ثابتة في المالية) ش: يعني من جنس حقه معنى، وهو المالية والمضمون في الرهن معناه لا صورة، لأنه صورة أمانة م: (فيتحقق الاستيفاء من حيث المال وهو المضمون)(12/502)
على ما مر.
قال: والرهن بالمبيع باطل لما بينا أنه غير مضمون بنفسه. قال: فإن هلك ذهب بغير شيء، لأنه لا اعتبار للباطل، فبقي قبضا بإذنه. قال: وإن هلك الرهن بثمن الصرف ورأس مال السلم في مجلس العقد تم الصرف والسلم، وصار المرتهن مستوفيا لدينه حكما لتحقيق القبض حكما. قال: وإن افترقا قبل هلاك الرهن بطلا لفوات القبض حقيقة وحكما. قال: وإن هلك الرهن بالمسلم فيه بطل السلم بهلاكه، ومعناه: أنه يصير مستوفيا للمسلم فيه فلم يبق السلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي المال وهو المضمون في الرهن، فإذا هلك الرهن في المجلس ثم العقد، وصار مستوفيا لحقه م: (على ما مر) ش: إشارة إلى ما ذكر في أوائل كتاب الرهن والاستيفاء يقع بالمالية لا بالعين أمانة.
[الرهن بالمبيع]
م: (قال: والرهن بالمبيع باطل لما بينا أنه غير مضمون بنفسه) ش: لأنه ليس في مقابلته حق مضمون بنفسه، ألا ترى أن المبيع إذا هلك سقط ضمانه، ولا يجوز أن يكون رهنا بالثمن، لأن الثمن حق للبائع على المشتري، فلا يجوز أن يعطي به رهنا م: (قال: فإن هلك) ش: أي الرهن في يد المشتري م: (ذهب بغير شيء) ش: يعني سقط ضمانه م: (لأنه لا اعتبار للباطل) ش: وهو الرهن بالمبيع.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي " مبسوط شيخ الإسلام خواهر زاده " - رَحِمَهُ اللَّهُ - المشتري إذا أخذ رهنا من البائع من المبيع، فإن الرهن باطل، فلو هلك الرهن في يد المرتهن من غير فعله يهلك مضمونا بالأقل من قيمته ومن المبيع، لأن المرهون مال. فإذا كان باطلا م: (فبقي قبضا بإذنه قال: وإن هلك الرهن بثمن الصرف ورأس مال السلم في مجلس العقد تم الصرف والسلم وصار المرتهن مستوفيا لدينه حكما لتحقيق القبض حكما) ش: أي من حيث الحكم ولاتحاد الجنس من حيث المالية. وعند الثلاثة لا.
م: (قال: وإن افترقا) ش: أي وإن افترق العاقدان في الصرف والسلم م: (قبل هلاك الرهن بطلا) ش: أي بطل الصرف والسلم م: (لفوات القبض حقيقة) ش: وهو ظاهر م: (وحكما) ش: لأن المرتهن إنما يصير قابضا بالهلاك، وكان بالتفريق فلا يثبت قبله، بخلاف ما إذا افترقا بعد هلاك الرهن، لأنه وجد القبض حكما فاستحكم العقد بالاستيفاء بالقبض السابق.
م: (قال: وإن هلك الرهن بالمسلم فيه بطل السلم بهلاكه) ش: أي بهلاك الرهن. قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومعناه: أنه يصير مستوفيا للمسلم فيه فلم يبق السلم) ش: وقال الأترازي: هذا ليس على إطلاقه، لأنه إنما يصير مستوفيا للمسلم فيه إذا كان في الرهن وفاء به، أما إذا كان الرهن أقل منه فلا. ألا ترى إلى ما قال في باب السلم من" شرح الطحاوي ".(12/503)
قال: ولو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن يكون ذلك رهنا برأس المال حتى يحبسه، لأنه بدله، فصار كالمغصوب إذا هلك وبه رهن يكون رهنا بقيمته. قال: ولو هلك الرهن بعد التفاسخ يهلك بالطعام السلم فيه لأنه رهنه به، وإن كان محبوسا بغيره كمن باع عبدا وسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا ثم تقايلا المبيع له أن يحبسه لأخذ البيع؛ لأن الثمن بدله، ولو هلك المرهون يهلك بالثمن لما بينا. وكذا لو اشترى عبدا شراء فاسدا وأدى ثمنه له أن يحبسه ليستوفي الثمن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن هلك الرهن في يده صار مستوفيا، وفي الزيادة يكون استيفاء. وإن كان قيمته أقل من المسلم فيه صار مستوفيا لذلك القدر، ويرجع عليه بالباقي.
م: (قال: ولو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن) ش: أي والحال أن بالمسلم فيه رهن م: (يكون ذلك رهنا برأس المال حتى يحبسه) ش: يرجع بحبسه، لأن حتى بمعنى الغاية، هذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يكون رهنا به حتى لا يحبسه، وهو مذهب الأئمة الثلاثة م: (لأنه بدله) ش: أي لأن رأس المال بدل المسلم فيه، وبدل الشيء يقوم مقامه م: (فصار كالمغصوب) ش: أي يصير هذا كحكم المغصوب م: (إذا هلك وبه رهن) ش: أي والحال أن بالمغصوب رهنا م: (يكون رهنا بقيمته) ش: لأن الواجب بالغصب استرداد العين عند قيامه، والقيمة عند هلاكه.
م: (قال: ولو هلك الرهن) ش: أي في يد رب السلم م: (بعد التفاسخ يهلك بالطعام السلم فيه) ش: حتى لم يبق لرب السلم مطالبة المسلم إليه بالطعام م: (لأنه رهنه به) ش: أي لأن المسلم إليه رهنه بالطعام.
م: (وإن كان محبوسا بغيره) ش: أي بغير المسلم فيه وهو رأس المال، يعني أن الرهن محبوس برأس المال، وليس بمضمون به، بل هو مضمون بالطعام المسلم فيه، وعليه أن يعطي مثل الطعام الذي كان على المسلم إليه ويأخذ رأس المال م: (كمن باع عبدا) ش: استشهد به على أن كون الشيء محبوسا شيء لا ينافي كونه مضمونا لغيره ولم يرد بالاستشهاد تحقيق كونه مضمونا حالة الهلاك بعدما كان محبوسا حالة العقد، ولهذا بعدما استشهد به أفرد بالذكر قوله ولو هلك المرهون إلى آخره.
م: (وسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا) ش: ثم قيد به، لأن الرهن بالبيع لا يجوز م: (ثم تقايلا المبيع له أن يحبسه) ش: أي البيع الذي أخذ رهنا أن يحبس الرهن م: (لأخذ البيع؛ لأن الثمن بدله) ش: أي بدل العبد.
م: (ولو هلك المرهون يهلك بالثمن لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: كان الثمن بدله م: (وكذا لو اشترى عبدا شراء فاسدا وأدى ثمنه له أن يحبسه ليستوفي الثمن) ش: يعني أدى ثمنه ثم أراد فسخه للمشتري أن يحبس العبد لاستيفاء الثمن.(12/504)
ثم لو هلك المشتري في يد المشتري يهلك بقيمته، فكذا هذا.
قال: ولا يجوز رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد، لأن حكم الرهن ثبوت يد الاستيفاء، ولا يتحقق الاستيفاء من هؤلاء لعدم المالية في الحر وقيام المانع في الباقين. ولا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس، وكذا بالقصاص في النفس وما دونها لتعذر الاستيفاء، بخلاف ما إذا كانت الجناية خطأ؛ لأن استيفاء الأرش من الرهن ممكن. قال: ولا يجوز الرهن بالشفعة، لأن المبيع غير مضمون على المشتري. قال: ولا بالعبد الجاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم لو هلك المشتري) ش: - بفتح الراء - م: (في يد المشتري يهلك بقيمته) ش: لأن العبد هناك بمنزلة الرهن عند المشتري لاستيفاء ثمنه من البائع، فإن هلك المشتري بعد الحبس في يده يهلك بقيمته، أي بقيمة المشتري شراء فاسدا وفي بعض النسخ م: (فكذا هذا) ش: قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو بعيد يعرف بالتأمل.
[رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد]
م: (قال) ش: أي المصنف - وليس في كثير من النسخ لفظ قال -: م: (ولا يجوز رهن الحر والمدبر والمكاتب وأم الولد؛ لأن حكم الرهن ثبوت يد الاستيفاء، ولا يتحقق الاستيفاء من هؤلاء لعدم المالية في الحر وقيام المانع في الباقين) ش: وهم: المدبر والمكاتب وأم الولد والمانع هو حق الحرية. وقال مالك وأحمد يجوز رهن المدبر.
واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم: لا يجوز قولا واحد، وقال بعضهم: يجوز قولا واحدا. وقال بعضهم: فيه الوجهان، أحدهما: أنه يحكم بفساد الرهن، والثاني: هو الأصح أنه يباع في الدين ورهن المكاتب يجوز عند مالك وأحمد في رواية ويجوز بيعه. وعندنا والشافعي في الأصح: لا يجوز بيعه.
م: (ولا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس، وكذا بالقصاص في النفس وما دونها لتعذر الاستيفاء) ش: أي لتعذر المكفول به من الرهن، لأنه غير ممكن. وأما لو رهن عن بدل الصلح فيها، فإنه صحيح، لأن البدل مضمون بنفسه.
م: (بخلاف ما إذا كانت الجناية خطأ؛ لأن استيفاء الأرش من الرهن ممكن) ش: ولو صالح عنها على عين ثم رهن به رهنا لا يصح، لأنه غير مضمون، فإنه إذا هلك ينفسخ الصلح، فكان كالبيع.
م: (قال: ولا يجوز الرهن بالشفعة) ش: صورته أن يطلب الشفيع الشفعة ويقضي القاضي بذلك فيقول للمشتري أعطني رهنا بالدار المشفوعة م: (لأن المبيع غير مضمون على المشتري) ش: للشفيع ألا ترى أن المبيع إذا هلك لا يلزم المشتري ضمان م: (قال: ولا بالعبد الجاني) ش: لأنه إذا(12/505)
والعبد المأذون المديون، لأنه غير مضمون على المولى، فإنه لو هلك لا يجب عليه شيء. قال: ولا بأجرة النائحة والمغنية، حتى لو ضاع لم يكن مضمونا، لأنه لا يقابله شيء مضمون. قال: ولا يجوز للمسلم أن يرهن خمرا أو يرتهنه من مسلم أو ذمي لتعذر الإيفاء والاستيفاء في حق المسلم، ثم الراهن إذا كان ذميا فالخمر مضمون عليه للذمي كما إذا غصبه. وإن كان المرتهن ذميا لم يضمنها للمسلم كما لا يضمنها بالغصب منه. بخلاف ما إذا جرى ذلك فيما بينهم؛ لأنها مال في حقهم. أما الميتة فليست بمال عندهم فلا يجوز رهنها وارتهانها فيما بينهم، كما لا يجوز فيما بين المسلمين بحال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مات بطل حق المجني عليه. ولا يلزم المولى من ذلك شيء م: (والعبد المأذون المديون) ش: بأن يطلب الغريم من المولى رهنا برقبته، لأن الرقبة ليست مضمونة على أحد. ألا ترى أن العبد المديون إذا مات لم يجب بموته شيء على أحد م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (غير مضمون على المولى، فإنه لو هلك لا يجب عليه شيء) ش: أي على المولى.
م: (قال: ولا بأجرة النائحة والمغنية، حتى لو ضاع) ش: أي الرهن م: (لم يكن مضمونا؛ لأنه لا يقابله شيء مضمون) ش: ولهذا لو تخاصما إلى القاضي قبل الرهن، فإن القاضي لا يأمر للمستأجر بتسليم الأجر. وقال الكرخي في "مختصره ": رجل استأجر نائحة أو مغنية بأجر معلوم وأعطاها بالأجر رهنا فضاع في يدها لم يكن عليه في ذلك الرهن ضمان أخذ بدين غير واجب، انتهى.
وذلك، لأن الإجارة على ذلك باطلة، والأجرة غير مضمونة، والرهن إذا لم يكن في مقابلته شيء مضمون كان باطلا.
م: (قال: ولا يجوز للمسلم أن يرهن خمرا أو يرتهنه من مسلم أو ذمي لتعذر الإيفاء) ش: إذا كان هو الراهن م: (والاستيفاء) ش: إذا كان هو المرتهن م: (في حق المسلم) ش: بيان لما قبله م: (ثم الراهن إذا كان ذميا والمرتهن مسلما فالخمر مضمون عليه) ش: أي على المسلم م: (للذمي كما إذا غصبه) ش: أي كما إذا غصب المسلم الخمر من الذمي م: (وإن كان المرتهن ذميا لم يضمنها للمسلم كما لا يضمنها بالغصب منه) ش: أي من المسلم.
م: (بخلاف ما إذا جرى ذلك) ش: أي عقد الرهن م: (فيما بينهم) ش: أي بين أهل الذمة م: (لأنها) ش: أي لأن الخمر م: (مال في حقهم) ش: أي عند أهل الذمة، وكذلك الحكم في الخنزير، لأن الخمر لهم كالعصير لنا، والخنزير لهم كالشاة لنا م: (أما الميتة فليست بمال عندهم فلا يجوز رهنها وارتهانها) ش: أي بالميتة م: (فيما بينهم، كما لا يجوز فيما بين المسلمين بحال) ش: وفي " الأجناس " عن " نوادر هشام " عن محمد قال: نصراني رهن عند نصراني خمرا قيمته(12/506)
قال: ولو اشترى عبدا ورهن بثمنه عبدا أو خلا أو شاة مذبوحة ثم ظهر العبد حرا أو الخل خمرا أو الشاة ميتة فالرهن مضمون، لأنه رهنه بدين واجب ظاهرا. وكذا إذا قتل عبدا ورهن بقيمته رهنا ثم ظهر أنه حر، وهذا كله على ظاهر الرواية. وكذا إذا صالح على إنكار ورهن بما صالح عليه رهنا ثم تصادقا أن لا دين فالرهن مضمون. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه، وكذا قياسه فيما تقدم من جنسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عشرة دراهم بعشرة له عليه فأسلم الراهن فأفسد الرهن ولو هلك الخمر لانثنى على صاحب الدين ولو كان المسلم المرتهن ذهب بالعشرة.
[اشترى عبدا ورهن بثمنه عبدا ثم ظهر العبد حرا]
م: (قال) ش: أي المصنف، وليس في أكثر النسخ لفظ قال م: (ولو اشترى عبدا ورهن بثمنه) ش: أي رهن بثمن العبد فظهر أن العبد المبيع م: (عبدا أو خلا أو شاة مذبوحة ثم ظهر العبد) ش: أي العبد المشترى م: (حرا أو الخل خمرا) ش: أي ظهر الخل خمرا م: (أو الشاة) ش: أي وظهر أن الشاة م: (ميتة فالرهن مضمون) ش: أي بالأقل من قيمته ومن قيمة الرهن م: (لأنه رهنه بدين واجب ظاهرا) ش: ولهذا لو اختصما قبل ظهور الحرية وظهور الخل خمرا أو الشاة ميتة فالقاضي يقضي بالثمن.
م: (وكذا إذا قتل عبدا ورهن بقيمته رهنا ثم ظهر أنه حر) ش: أي ثم ظهر أن العبد المقتول حر وقد هلك الرهن فإنه لك بالأقل من قيمته وقيمة الرهن م: (وهذا كله) ش: أي وهذا المذكور كله من وجوب الضمان م: (على ظاهر الرواية) ش: في الأصول، وكذا قاله القدوري.
ثم قال: ولا يجب على قول أبي يوسف، أي لا يضمن، لأنه قبضه وليس هناك ضمان.
م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم م: (إذا صالح على إنكار) ش: من وجوب الضمان، صورته ادعى رجل على آخر ألف درهم قرضا فجحدها المدعى عليه، ثم إنه صالح المدعي م: (ورهن بما صالح عليه رهنا) ش: من ذلك على خمسمائة درهم فضاع عنده م: (ثم تصادقا أن لا دين) ش: أي ثم تصادقا جميعا بعد ذلك على أن ذلك باطلا ولم يكن للمدعى عليه شيء م: (فالرهن مضمون) ش: في ظاهر الرواية، لأنه قبض على جهة الضمان، والمقبوض على جهة الشيء كالمقبوض على حقيقته.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافه) ش: أي خلاف هذا الحكم، يعني ليس عليه أن يرد شيئا، رواه بشر عنه، لأنهما لما تصادقا أن لا دين فقد تصادقا على عدم الضمان م: (وكذا قياسه) ش: أي وكذا قياس أبي يوسف في عدم الضمان م: (فيما تقدم من جنسه) ش: أي فيما تقدم من المسائل من جنس هذا المذكور من حيث إن الرهن لم يكن بدين مضمون في الحقيقة،(12/507)
قال: ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه عبدا لابنه الصغير، لأنه يملك الإيداع، وهذا أنظر في حق الصبي منه؛ لأن قيام المرتهن بحفظه أبلغ خيفة الغرامة. ولو هلك يهلك مضمونا، والوديعة تهلك أمانة، والوصي بمنزلة الأب في هذا الباب لما بينا. وعن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -: أنه لا يجوز ذلك منهما، وهو القياس اعتبارا بحقيقة الإيفاء. ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان أن في حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله في الحال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأراد بما تقدم ما إذا ظهر العبد حرا والخل خمرا والمذبوح ميتة ففي كل ذلك لا يجب الضمان في قياس قول أبي يوسف وإن لم تكن الرواية محفوظة عنه.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه) ش: أي على الأب م: (عبدا لابنه الصغير) ش: قيد الصغير، لأنه لو رهن عبد ابنه الكبير لا يجوز بدون إذنه، ثم جواز الرهن المذكور استحسان، والقياس عدم الجواز، وعن أبي يوسف: أنه أخذ بالقياس، وهو قول الشافعي أيضا.
وجه القياس أنه قضى دينه من مال ابنه وليس له ذلك. ووجه الاستحسان ما قاله المصنف بقوله، م: (لأنه) ش: أي لأن الأب م: (يملك الإيداع) ش: أي إيداع مال ابنه الصغير م: (وهذا) ش: أي رهنه م: (أنظر في حق الصبي منه) ش: أي من الإيداع م: (لأن قيام المرتهن بحفظه أبلغ) ش: من حفظه المودع الوديعة م: (خيفة الغرامة) ش: أي لأجل الخوف عن الغرامة.
وبين ذلك بقول م: (ولو هلك) ش: أي الرهن م: (يهلك مضمونا، والوديعة تهلك أمانة) ش: وفيه ضياع المال الصغير، بخلاف الرهن، فإنه إذا هلك في يد المرتهن، وفيه وفاء بالدين صار المرتهن مستوفيا دينه، ويضمن الأب قيمته لولده م: (والوصي بمنزلة الأب في هذا الباب) ش: يعني إذا رهن الوصي متاع اليتيم بدينه جاز، لأن الرهن لا يزيد الملك في حال الكتابة، وهو ضامن له، كذا في " المسائل " والفقيه أبو الليث ذكر القياس والاستحسان في الوصي كالأب م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: وهذا أنظر في حق الصبي.
م: (وعن أبي يوسف وزفر - رحمهما الله -: أنه لا يجوز ذلك منهما) ش: أي من الأب والوصي، وهو قول الثلاثة أيضا م: (وهو) ش: أي عدم الجواز م: (القياس اعتبارا بحقيقة الإيفاء) ش: أي قياسا على ما إذا أوفيا دينهما من مال الصغير فإنه لا يجوز، فكذا رهنهما، لأنه صرف إلى الصغير إلى منفعته تسهما فلا يجوز.
م: (ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان) ش: أي وجه الفرق بين الرهن وبين حقيقة الإيفاء على ظاهر الرواية م: (أن في حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله في الحال،(12/508)
وفي هذا نصب حافظ لماله ناجزا مع بقاء ملكه فوضح الفرق. وإذا جاز الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك في يده، ويصير الأب أو الوصي موفيا له ويضمنه للصبي، لأنه قضى دينه بماله، وكذا لو سلطا المرتهن على بيعه؛ لأنه توكل بالبيع وهما يملكانه. قالوا: أصل هذه المسألة البيع، فإن الأب أو الوصي إذا باع مال الصبي من غريم نفسه جاز، وتقع المقاصة ويضمنه للصبي عندهما. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقع المقاصة، وكذا وكيل البائع بالبيع والرهن نظير البيع نظرا إلى عاقبته من حيث وجوب الضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي هذا) ش: أي وفي الرهن م: (نصب حافظ لماله) ش: أي لمال الصغير حال كون الحفظ م: (ناجزا) ش: يعني في الحال ظاهرا م: (مع بقاء ملكه) ش: أي ملك الصغير، لأن بالرهن لا يخرج المال عن الملك، فإذا كان كذلك م: (فوضح الفرق) ش: أي فظهر الفرق بين الإيفاء والرهن.
م: (وإذا جاز الرهن) ش: أي رهن متاع الصغير م: (يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك في يده) ش: أي لو هلك الرهن في يد المرتهن م: (ويصير الأب أو الوصي موفيا له) ش: أي موفيا دينه بالرهن م: (ويضمنه للصبي؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأب والوصي م: (قضى دينه بماله) ش: أي بمال الصغير. م: (وكذلك لو سلطا المرتهن على بيعه) ش: أي كما أن الأب والوصي يضمنان للصبي إذا هلك متاعه الذي رهناه عند المرتهن، فكذلك يضمنان إذا سلط المرتهن على بيع الرهن فباعه م: (لأنه توكل بالبيع وهما) ش: أي الأب والوصي م: (يملكانه) ش: التوكيل بالبيع.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (أصل هذه المسألة البيع) ش: أي أصل مسألة الرهن من الأب أو الوصي بدين نفسه متاع الصغير البيع م: (فإن الأب أو الوصي إذا باع مال الصبي من غريم نفسه جاز، وتقع المقاصة) ش: أي بين الدين والثمن م: (ويضمنه للصبي عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد يضمنان للغير.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تقع المقاصة) ش: بل يبقى دين الغريم على الأب والوصي كما كان، ويكون الثمن للصغير على المشتري، فإذا ثبت هذا الخلاف في البيع ثبت في الرهن أيضا، لأن الرهن معاقبة بالنظر إلى كونه مضمونا نظير البيع.
م: (وكذا وكيل البائع بالبيع) ش: يعني إذا باع الوكيل ممن له عليه دين تقع المقاصة عندهما خلافا لأبي يوسف م: (والرهن نظير البيع نظرا إلى عاقبته من حيث وجوب الضمان) ش: وفي بعض النسخ والبيع نظير الرهن، يعني أنه يصير عند الهلاك قاضيا دينه من مال الصغير ضامنا له مثله، وفي البيع كذلك، فإنه يصير قاضيا دينه من دين الصغير ضامنا له مثله.(12/509)
وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه أو من ابن له صغير أو عبد له تاجر لا دين عليه جاز، لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين في هذا العقد كما في بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفي العقد. ولو ارتهنه الوصي من نفسه أو من هذين، أو رهن عينا له من اليتيم بحق لليتيم عليه لم يجز، لأنه وكيل محض، والواحد لا يتولى طرفي العقد في الرهن، كما لا يتولاهما في البيع وهو قاصر الشفقة، فلا يعدل عن الحقيقة في حقه إلحاقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه) ش: أي رهن متاع الصبي بدين له من نفسه م: (أو من ابن له صغير) ش: أي رهن من ابن آخر صغير متاع الصغير م: (أو عبد) ش: أي أو رهن من عبد م: (له تاجر لا دين عليه جاز) ش: أي لا دين على العبد التاجر، قيد به ليكون هذا التصرف من الجانبين، لأن العبد المديون يكون الولي منه كالأجنبي، فيكون الرهن جائزا بلا شبهة م: (لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين) ش: يعني أنزل بمنزلة الصغير في جانب الصغير في تولي القبول منه، وفي حق الإيجاب هو عاقل لنفسه، بخلاف الوصي فإنه لقصور شفقته لم يعدله عن الحقيقة في عدم إنزال الشخص الواحد منزلة شخصين م: (وأقيمت عبارته) ش: أي عبارة الأب م: (مقام عبارتين في هذا العقد كما في بيعه مال الصغير من نفسه، فتولى طرفي العقد) ش: وهما الإيجاب والقبول.
الأصل في هذا: أن الواحد لا يتولى طرفي العقد إلا الأب، فإنه يتولى طرفي بيع مال اليتيم من نفسه، وبيع مال نفسه من اليتيم استحسانا. والقياس أنه باطل، وهو قول زفر، وعند الشافعي يجوز أن يبيع من ولده، ولا يجوز أن يشتري منه، وإذا باع الوصي ماله من يتيم في حجره أو اشترى مال اليتيم لنفسه لم يصح عندهما على كل حال، لأنه أجنبي.
وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا بنفع ظاهر، وهو أن يبيع ما يساوي درهمين بدرهم، أو يشتري ما يساوي درهما بدرهمين أو بدرهم ونصف، وكذا ما يعد غبنا فاحشا، فإنه يعد نفعا ظاهرا هنا، كذا ذكر فخر الإسلام في " شرح الزيادات ".
م: (ولو ارتهنه الوصي من نفسه) ش: أي لو ارتهن الوصي متاع الصغير بدين للوصي على الصغير م: (أو من هذين) ش: أي لو ارتهن متاع الصغير بدين ابنه الصغير على الصغير اليتيم وعبد تاجر له م: (أو رهن عينا له) ش: أي لليتيم م: (من اليتيم بحق لليتيم عليه) ش: أي على الوصي م: (لم يجز؛ لأنه وكيل محض) ش: أي لأن الوصي وكيل محض فلا يباشر شيئا فيه ضرر للصغير م: (والواحد لا يتولى طرفي العقد في الرهن، كما لا يتولاهما في البيع وهو) ش: أي الوصي م: (قاصر الشفقة، فلا يعدل عن الحقيقة) ش: وهي جعل الواحد واحدا م: (في حقه إلحاقا(12/510)
له بالأب، والرهن من ابنه الصغير وعبده التاجر الذي ليس عليه دين بمنزلة الرهن من نفسه، بخلاف ابنه الكبير وأبيه وعبده الذي عليه دين؛ لأنه لا ولاية له عليهم، بخلاف الوكيل بالبيع إذا باع من هؤلاء؛ لأنه متهم فيه، ولا تهمة في الرهن لأن له حكما واحدا.
وإن استدان الوصي لليتيم في كسوته وطعامه فرهن به متاعا لليتيم جاز، لأن الاستدانة جائزة للحاجة والرهن يقع إيفاء للحق فيجوز. وكذلك لو اتجر لليتيم فارتهن أو رهن، لأن الأولى له التجارة تثميرا لمال اليتيم فلا يجد بدا من الارتهان والرهن، لأنه إيفاء واستيفاء. وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
له بالأب) ش: أي لأجل إلحاق الوصي بالأب، وهذا في حيز النفي والمعنى أن الوصي لا يلحق الأب في جواز تولي طرفي العقد، لأنه قاصر الشفقة م: (والرهن من ابنه الصغير) ش: أي من ابن الوصي م: (وعبده) ش: أي ومن عبد الوصي م: (التاجر الذي ليس عليه دين بمنزلة الرهن من نفسه) ش: فلا يجوز، ما لو رهن من نفسه.
م: (بخلاف ابنه الكبير وأبيه وعبده الذي عليه دين) ش: الضمائر كلها راجعة إلى الوصي حيث يجوز م: (لأنه لا ولاية له عليهم) ش: أي لا ولاية للوصي على الابن الكبير وابنه وعبده الذي عليه دين، لأنه في كسبهم بمنزلة الأجنبي، وهم أحق بالكسب منه.
م: (بخلاف الوكيل بالبيع إذا باع من هؤلاء) ش: المذكورين حيث لا يجوز م: (لأنه) ش: أي لأن الوكيل م: (متهم فيه) ش: أي في البيع من هؤلاء م: (ولا تهمة في الرهن؛ لأن له حكما واحدا) ش: أي لأن الرهن حكما واحدا، وهو أنه مضمون بأقل من قيمته ومن الدين سواء رهنه عند هؤلاء أو عند الأجنبي كذا في " المبسوط ".
م: (وإن استدان الوصي) ش: من يعني وإن استقرض الوصي م: (لليتيم في كسوته وطعامه فرهن به متاعا لليتيم جاز؛ لأن الاستدانة جائزة للحاجة، والرهن يقع إيفاء للحق فيجوز) ش: أي لأجله الإيفاء للحق فيجوز للوصي أن يوفي الحق الذي على الصغير من مال الصغير.
م: (وكذلك) ش: يجوز م: (لو اتجر) ش: الوصي م: (لليتيم فارتهن أو رهن؛ لأن الأولى له التجارة تثميرا) ش: أي لأجل التثمير م: (لمال اليتيم فلا يجد بدا) ش: فلا يستغني م: (من الارتهان والرهن؛ لأنه إيفاء واستيفاء) ش: أي لأن الرهن إيفاء للدين عند الرهن، واستيفاء عند الارتهان.
م: (وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب) ش: قيد الموت اتفاقي، إذا لا تأثير للموت، لأنه إذا عقد الأب ثم بلغ الصبي ليس له نقض رهنه، ذكر في " مبسوط شيخ الإسلام "(12/511)
ليس للابن أن يرده حتى يقضى الدين. لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه. ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به في مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه، فأشبه معير الرهن. وكذا إذا هلك قبل أن يفتكه؛ لأن الأب يصير قاضيا دينه لماله فله أن يرجع عليه. ولو رهنه بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز لاشتماله على أمرين جائزين، فإن هلك ضمن الأب حصته من ذلك للولد، لإيفائه دينه من ماله بهذا المقدار، وكذلك الوصي، وكذلك الجد أب الأب إذا لم يكن الأب أو وصي الأب.
ولو رهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانه عليه وقبض المرتهن ثم استعاره الوصي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
و" شرح الطحاوي "، وكذا ذكر الأب اتفاقي، لأن حكم رهن الوصي كذلك م: (ليس للابن أن يرده حتى يقضي الدين) ش: وإنما أطلق رهن الأب ولم يذكر أن رهنه بدين نفسه أو بدين الصغير، لأن الحكم واحد في الوجهين م: (لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه) ش: أي لقيام الأب مقام الصغير.
م: (ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به في مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه، فأشبه معير الرهن) ش: أي فأشبه الابن معير الرهن م: (وكذلك) ش: أي وكذلك يرجع م: (إذا هلك) ش: أي الرهن م: (قبل أن يفتكه) ش: أي قبل فكاك الرهن م: (لأن الأب يصير قاضيا دينه لماله) ش: أي يصير قاضيا دين نفسه من مالية مال الابن م: (فله أن يرجع عليه) ش: أي على الأب. م: (ولو رهنه) ش: أي ولو رهن الأب متاع ولده م: (بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز لاشتماله على أمرين جائزين) ش: أراد بهما رهن الأب متاع الصغير بدين على نفسه وبدين على الصغير، كذا قاله الأترازي.
وقال الأكمل: يريد به رهن الأب والوصي متاع الصغير لهذين على نفسه ورهنهما متاعه للدين على اليتيم، كذا قاله الكاكي، م: (فإن هلك) ش: أي الرهن م: (ضمن الأب حصته) ش: أي حصة نفسه م: (من ذلك للولد لإيفائه دينه من ماله) ش: أي من مال الولد م: (بهذا المقدار) ش: أي مقدار حصته.
م: (وكذلك الوصي) ش: أي وكذلك حكم الوصي إذا رهن متاع الصغير بدين على نفسه وبدين على الصغير م: (وكذلك الجد) ش: واحترز به عن أب الأم فإنه لا ولاية له أصلا، أي حكم الجد فيما ذكرنا لوجود أمرين، أحدهما هو قوله م: (أب الأب، إذا لم يكن الأب) ش: والثاني عدم الوصي أشار إليه بقوله: م: (أو وصي الأب) ش: أي وإذا لم يكن وصي الأب.
م: (ولو رهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانه عليه وقبض المرتهن ثم استعاره الوصي(12/512)
لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فإنه خرج من الرهن وهلك من مال اليتيم؛ لأن فعل الوصي كفعله بنفسه بعد البلوغ، لأنه استعاره لحاجة الصبي والحكم فيه. هذا على ما نبينه إن شاء الله تعالى. والمال دين على الوصي، معناه هو المطالب به، ثم يرجع بذلك على الصبي، لأنه غير متعد في هذه الاستعارة، إذ هي لحاجة الصبي، ولو استعاره لحاجة نفسه ضمنه للصبي، لأنه متعد، إذ ليس له ولاية الاستعمال في حاجة نفسه، ولو غصبه الوصي بعدما رهنه فاستعمله لحاجة نفسه حتى هلك عنده فالوصي ضامن لقيمته، لأنه متعد في حق المرتهن بالغصب والاستعمال، وفي حق الصبي بالاستعمال في حاجة نفسه فيقضي به الدين إن كان قد حل. فإن كانت قيمته مثل الدين أداه إلى المرتهن ولا يرجع على اليتيم، لأنه وجب لليتيم عليه مثل ما وجب على اليتيم فالتقيا قصاصا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فإنه خرج من الرهن وهلك من مال اليتيم؛ لأن فعل الوصي كفعله بنفسه بعد البلوغ) ش: أي كفعل اليتيم بنفسه، لأن رهن الوصي كرهن اليتيم واستعارته كاستعارته. ولو فعل ذلك اليتيم بنفسه بعد البلوغ ثم هلك الرهن لم يهلك على المرتهن، فكذا هذا.
م: (لأنه) ش: أي لأن الوصي م: (استعاره) ش: أي الرهن م: (لحاجة الصبي والحكم فيه. هذا) ش: يعني ولو كان اليتيم بالغا فرهن بنفسه ثم استعاره من المرتهن فهلك في يده لم يسقط الدين م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكره بعد عدة أوراق في باب التصرف في الرهن عند قوله: وإذا ادعى المرتهن الرهن للراهن م: (والمال دين على الوصي) ش: أي مال المرتهن دين عليه م: (معناه) ش: أي معنى والمال دين على الوصي م: (هو المطالب به) ش: أي بالدين م: (ثم يرجع) ش: الوصي م: (بذلك على الصبي؛ لأنه غير متعد في هذه الاستعارة، إذ هي لحاجة الصبي) ش: أي لأن الاستعارة كانت لمصلحة الصبي، وإنه قضى دين الصبي فيرجع عليه.
م: (ولو استعاره) ش: أي ولو استعار الوصي الرهن م: (لحاجة نفسه ضمنه) ش: يعني إذا هلك في يده ضمنه م: (للصبي لأنه متعد، إذ ليس له ولاية الاستعمال في حاجة نفسه) ش: أي لأنه لم يكن له ولاية استعمال في مال الصغير في حاجة نفسه، فكان متعديا فيضمن. م: (ولو غصبه الوصي بعدما رهنه فاستعمله لحاجة نفسه حتى هلك عنده فالوصي ضامن لقيمته؛ لأنه متعد في حق المرتهن بالغصب والاستعمال، وفي حق الصبي) ش: أي ولأنه متعد في حقه م: (بالاستعمال في حاجة نفسه فيقضي به الدين إن كان قد حل) ش: أي الدين م: (فإن كانت قيمته مثل الدين أداه إلى المرتهن ولا يرجع على اليتيم؛ لأنه وجب لليتيم عليه مثل ما وجب على اليتيم فالتقيا قصاصا) ش: يعني(12/513)
وإن كانت قيمته أقل من الدين أدى قدر القيمة إلى المرتهن، وأدى الزيادة من مال اليتيم، لأن المضمون عليه قدر القيمة لا غير. وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أدى قدر الدين إلى المرتهن والفضل لليتيم، وإن كان لم يحل الدين فالقيمة رهن، لأنه ضامن للمرتهن بتفويت حقه المحترم، فتكون رهنا عنده، ثم إذا حل الأجل كان الجواب على التفصيل الذي فصلناه. ولو أنه غصبه واستعمله لحاجة الصغير حتى هلك في يده يضمنه لحق المرتهن ولا يضمنه لحق الصغير، لأن استعماله لحاجة الصغير ليس بتعد، وكذا الأخذ لأن له ولاية أخذ مال اليتيم، ولهذا قال في كتاب الإقرار: إذا أقر الأب أو الوصي بغصب مال الصغير لا يلزمه شيء؛ لأنه لا يتصور غصبه لما أن له ولاية الأخذ، فإذا هلك في يده يضمنه للمرتهن يأخذه بدينه إن كان قد حل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن الوصي وجب عليه باستعمال مال اليتيم في حاجة نفسه لليتيم كما وجب على اليتيم للوصي بقضاء الوصي دين اليتيم، فصار آخر الدينين قصاصا عن الأول.
م: (وإن كانت قيمته أقل من الدين أدى قدر القيمة إلى المرتهن) ش: قال الكاكي: قوله أدى قدر الدين إلى المرتهن. وفي بعض النسخ: أدى قدر القيمة، وهذا سهو وقع من الكاتب، وهذا ظاهر لا خفاء لأحد أن حق المرتهن بقدر الدين لا قيمة الرهن، فكان الصحيح ما أثبته في المتن، وكذلك قاله الأترازي، وفي نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن مثل ما قالا أدى قدر الدين.
وفي نسخة العرف وقع السهو، والعمدة على ما قالوا، م: (وأدى الزيادة من مال اليتيم، لأن المضمون عليه قدر القيمة لا غير. وإن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أدى قدر الدين إلى المرتهن والفضل) ش: أي أدى الفضل م: (لليتيم وإن كان لم يحل الدين فالقيمة رهن) ش: لأنها تقوم مقام الرهن م: (لأنه ضامن للمرتهن بتفويت حقه المحترم، فتكون رهنا عنده) ش: أي عند المرتهن م: (ثم إذا حل الأجل كان الجواب على التفصيل الذي فصلناه) ش: أراد به قوله فإن كانت قيمته مثل الدين، إلى آخره.
م: (ولو أنه غصبه واستعمله لحاجة الصغير حتى هلك في يده يضمنه لحق المرتهن ولا يضمنه لحق الصغير؛ لأن استعماله لحاجة الصغير ليس بتعد، وكذا الأخذ) ش: أي وكذا حكم أخذ الوصي الرهن من المرتهن مثل ما ذكر م: (لأن له) ش: أي للوصي م: (ولاية أخذ مال اليتيم، ولهذا) ش: أي ولأجل كونه ولاية الأخذ م: (قال في كتاب الإقرار: إذا أقر الأب أو الوصي بغصب مال الصغير لا يلزمه شيء؛ لأنه لا يتصور غصبه لما أن له ولاية الأخذ، فإذا هلك في يده يضمنه للمرتهن يأخذه بدينه) ش: أي يأخذه المرتهن ما تضمنه الوصي بمقابلة دينه م: (إن كان قد حل) ش: أي الدين م:(12/514)
ويرجع الوصي على الصغير؛ لأنه ليس بمتعد؛ بل هو عامل له، وإن كان لم يحل يكون رهنا عند المرتهن، ثم إذا حل الدين يأخذ دينه منه ويرجع الوصي على الصبي بذلك لما ذكرنا.
قال: ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون، لأنه يتحقق الاستيفاء منه، فكان محلا للرهن. فإن رهنت بجنسها فهلكت هلكت بمثلها من الدين وإن اختلفا في الجودة، لأنه لا معتبر بالجودة عند المقابلة بجنسها، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن عنده يصير مستوفيا باعتبار الوزن دون القيمة، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسه، ويكون رهنا مكانه. وفي " الجامع الصغير ": فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه أن تكون قيمته مثل وزنه أو أكثر، هذا الجواب في الوجهين بالاتفاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(ويرجع الوصي على الصغير؛ لأنه ليس بمتعد، بل هو عامل له) .
م: (وإن كان) ش: أي الدين م: (لم يحل يكون رهنا) ش: أي تكون القيمة رهنا م: (عند المرتهن، ثم إذا حل الدين يأخذ دينه منه) ش: أي من القيمة م: (ويرجع الوصي على الصبي بذلك) ش: أي بما أخذ المرتهن م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأنه ليس بتعد بل هو عامل له.
[رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون؛ لأنه يتحقق الاستيفاء منه) ش: أي من رهن هذه الأشياء م: (فكان) ش: أي حل كل واحد من هذه الأشياء م: (محلا للرهن، فإن رهنت) ش: أي هذه الأشياء م: (بجنسها فهلكت هلكت بمثلها من الدين وإن اختلفا في الجودة، لأنه لا معتبر بالجودة عند المقابلة بجنسها) ش: لأن الجودة لا قيمة لها إذا لاقت جنسها فيما يجري فيه الربا.
م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (يصير) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا باعتبار الوزن دون القيمة، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسه، ويكون رهنا مكانه) .
م: (وفي " الجامع الصغير ": فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه) ش: صورته في " الجامع " قال محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل عليه عشرة دراهم لرجل فرهنه بها إبريق فضة قيمته عشرة دراهم فضاع، قال: هو بما فيه.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى قوله هو بما فيه م: (أن تكون قيمته مثل وزنه أو أكثر) ش: فإن كان مثله فلا يشكل، لأنه لا ربا فيه ولا ضرر، وإن كان أكثر فكذلك عندهم جميعا، أشار إليه بقوله م: (هذا الجواب) ش: أي قوله هو بما فيه م: (في الوجهين بالاتفاق) ش: وأراد بالوجهين ما كانت قيمته مثل وزنه أو أكثر على ما(12/515)
لأن الاستيفاء عنده باعتبار الوزن، وعندهما باعتبار القيمة، وهي مثل الدين في الفصل الأول وزيادة عليه في الثاني فيصير بقدر الدين مستوفيا. فإن كانت قيمته أقل من الدين فهو على الخلاف المذكور. لهما: أنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن ولا إلى اعتبار القيمة؛ لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين بخلاف الجنس لينتقض القبض ويجعل مكانه ثم يتملكه. وله: أن الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها واستيفاء الجيد بالرديء جائز، كما إذا تجوز به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذكره في الكتاب، وفي بعض النسخ: "في الفصلين". م: (لأن الاستيفاء عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (باعتبار الوزن، وعندهما باعتبار القيمة، وهي مثل الدين في الفصل الأول وزيادة عليه في الثاني فيصير) ش: أي على الدين م: (بقدر الدين مستوفيا) ش: وتسقط الزيادة لكونه أمانة م: (فإن كانت قيمته أقل من الدين فهو على الخلاف المذكور) ش: يعني عند أبي حنيفة: يهلك بالدين، وعندهما: يضمن القيمة من خلاف جنسه.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن) ش: وهو إسقاط حقه في الجودة م: (ولا) ش: أي ولا وجه أيضا م: (إلى اعتبار القيمة؛ لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين بخلاف الجنس لينتقض القبض) ش: أي قبض المرتهن في قيمة الهالك م: (ويجعل مكانه) ش: أي ويجعل قيمة الإبريق مكان الإبريق رهنا، وقال تاج الشريعة: أي يجعل الضمان مكان الهالك م: (ثم يتملكه) ش: أي يتملك الراهن الرهن الذي جعل مكان الرهن الأول، كذا فسره الأكمل.
وقال الأترازي: ثم يتملك الراهن تلك القيمة، ويرجع المرتهن عليه بدينه، أو يتملك المرتهن الإبريق الذي ضاع فضمنه، لأنه أدى بدله، وهذا وجه عندي. وقال الكاكي: وما ذكر في بعض الحواشي: ثم يتملكه - أي المرتهن - غير صحيح، لأن تملك المرتهن لا يخلو، إما أن يجعل ذلك المضمون مكان الرهن الأول ثم يتملكه المرتهن أو يتملكه قبل أن يجعل رهنا مكان الأول، فإن جعله رهنا ثم يتملكه لا يصح، لأن ذلك حكم جاهلي، وإن تملكه قبل جعله رهنا كان مخالفا لجميع الروايات من " مبسوط شيخ الإسلام " و" شروح الجامع ".
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها واستيفاء الجيد بالرديء جائز، كما إذا تجوز به) ش: قال الكاكي: هذا وقع في النسخ، ولكن الأصح أن يقال: استيفاء الرديء بالجيد جائز، لأن الاستدلال بقوله "كما إذا تجوز به" يعني في بدل الصرف والسلم، أن الأصح ما قلنا، لأن التجوز يستعمل فيما إذا أخذ الرديء(12/516)
وقد حصل الاستيفاء بالإجماع، ولهذا يحتاج إلى نقضه، ولا يمكن نقضه بإيجاب الضمان، لأنه لا بد له من مطالب ومطالب، وكذا الإنسان لا يضمن ملك نفسه، ويتعذر التضمين بتعذر النقض، وقيل: هذه فريعة ما إذا استوفى الزيوف مكان الجيد فهلكت. ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مكان الجيد، ولأن في جواز استيفاء الجيد بالرديء لا شبهة لأحد فيه فلا يحتاج إلى الاستدلال بشيء آخر، ولأن وضع المسألة فيما إذا استوفى المرتهن بعشرة قيمة إبريق هي أقل من العشرة لروايته، فكان المرتهن مستوفيا الرديء بمقابلة جيده.
وقال الأترازي: وصوابه أن يقال: واستيفاء الرديء بالجيد جائز بدلالة السياق، أما الأول: فإن المسألة في استيفاء الإبريق الذي قيمته أقل من عشرة له ذاته بالعشرة الجيدة. وأما الثاني: فلأن قوله" تجوز به" دليل على ذلك، لأن التجوز يستعمل في المسامحة في الاستيفاء، وإنما المسامحة في استيفاء الرديء بالجيد، ولا حاجة إلى المسامحة في عكسه، انتهى.
قلت: الذي سبق بهذا صاحب " النهاية "، ونقل عن الأكمل مثل ما ذكرنا، ثم قال: وأولى أن ما في النسخ حق ولم أدر ما وجه ذلك.
م: (وقد حصل الاستيفاء بالإجماع) ش: لأن المرتهن متى يصير مستوفيا بالهلاك فقد رضي بوقوعه استيفاء، فكأنه رضي بدون حقه، وصار كما لو استوفى الرديء مكان الجيد وهو عالم، كذا في " المبسوط ".
م: (ولهذا يحتاج إلى نقضة) ش: أي ولأجل حصول الاستيفاء بالهلاك يحتاج إلى نقضه والغرض عدمه، وأشار إليه بقوله: م: (ولا يمكن نقضه بإيجاب الضمان) ش: بيانه أن الاستيفاء لا يرتفع إلا بنقض الاستيفاء يرد الرهن إلى الراهن، فلم يوجد النقض بالرد، ولا يمكن نقضه بالضمان، لأنه تعذر، وهو معنى قوله م: (لأنه لا بد له) ش: أي للضمان م: (من مطالب) ش: بكسر اللام م: (ومطالب) ش: بفتح اللام، ولا يمكنه تحقيق هذا المعنى في الشخص الواحد لتنافي توضيحه المطالب - بكسر اللام - لا يخلو إما أن يكون الراهن أو المرتهن لا سبيل إلى الأول لكونه متعينا في طلبه ما يضره، ولا المرتهن، لأنه يطالب - بفتح اللام -، فلا يكون مطالبا - بكسر اللام. م: (وكذا الإنسان) ش: دليل آخر م: (لا يضمن ملك نفسه) ش: لأن الإنسان إنما يضمن لأجل غيره وضمان المرتهن، هذا لأجل نفسه، ولا نظير له في الشرع فلم يستقم القول به م: (ويتعذر التضمين بتعذر النقض) ش: فيتقرر الاستيفاء.
م: (وقيل: هذه) ش: أي هذه المسألة م: (فريعة ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد فهلكت ثم(12/517)
علم بالزيافة يمنع الاستيفاء، وهو معروف، غير أن البناء لا يصح على ما هو المشهور، لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي هذا مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قبض الزيوف ليستوفي من عينها، والزيافة لا تمنع الاستيفاء وقد تم بالهلاك وقبض الرهن ليستوفى من محل آخر، فلا بد من نقض القبض، وقد أمكن عنده بالتضمين. ولو انكسر الإبريق ففي الوجه الأول، وهو ما إذا كانت قيمته مثل وزنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: لا يجبر على الفكاك، لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علم بالزيافة يمنع الاستيفاء) ش: وجه كونه فرعا أن المرتهن يصمد مستوفيا حكما بهلاك الرهن، فيعتبر بما لو استوفى حقيقة كما في هذه المسألة حقيقة، ولا يكون نقض استيفائه حقيقة، فكذا فيما نحن فيه م: (وهو معروف) ش: أي حكم استيفاء الديون عن الجياد معروف م: (غير أن البناء) ش: أي بناء هذه المسألة، على مسألة قبض الدين زيفا مكان الجيد م: (لا يصح على ما هو المشهور) ش: من الرواية م: (لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: على ما قيل: إن عيسى بن أبان روى: أن محمدا مع أبي يوسف في تلك فلا يصح البناء.
والحاصل: أنه لو كانت هذه المسألة بناء على تلك المكان قول محمد هنا مثل ما كان ثمة، وليس كذلك، لأن محمدا ثمة مع أبي حنيفة، وهنا مع أبي يوسف، وهو معنى قوله " لأن محمدا هنا مع أبي حنيفة "، م: (وفي هذا مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإذا كان كذلك لم يصح البناء بأن تكون هذه المسألة ابتدائية.
م: (والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني على تقدير أن تكون هذه المسألة بناء على تلك المسألة م: (أنه) ش: أي أن رب الدين م: (قبض الزيوف ليستوفي) ش: أي دينه م: (من عينها) ش: أي يكون عينها قدام ماله من الدين عليه م: (والزيافة لا تمنع الاستيفاء) ش: فكان الدين من جنس حقه م: (وقد تم) ش: أي الاستيفاء م: (بالهلاك) ش: أي الرهن.
وفي مسألة الرهن: ما قبض الرهن ليستوفي حقه من عين الرهن، بل قبضه وثيقة حتى يستوفي حقه من غير الرهن، وهو معنى قوله م: (وقبض الرهن ليستوفي من محل آخر) ش: يعني من غير الرهن، فإذا كان كذلك م: (فلا بد من نقض القبض، وقد أمكن) ش: أي نقض القبض م: (عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (بالتضمين) ش: أي بتضمين المرتهن.
م: (ولو انكسر الإبريق) ش: يعني هذا الذي ذكرنا فيما إذا هلك الرهن، أما إذا انكسر م: (ففي الوجه الأول، وهو ما إذا كانت قيمته) ش: أي قيمة الإبريق الرهن م: (مثل وزنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا يجبر على الفكاك) ش: أي لا يجبر الراهن على فك الرهن م: (لأنه(12/518)
لا وجه إلى أن يذهب شيء من الدين؛ لأنه يصير قاضيا دينه بالجودة على الانفراد، ولا إلى أن يفتكه مع النقصان لما فيه من الضرر فخيرناه إن شاء أفتكه بما فيه، وإن شاء ضمنه قيمته من جنسه أو خلاف جنسه، وتكون رهنا عند المرتهن والمكسور للمرتهن بالضمان، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن شاء أفتكه ناقصا، وإن شاء جعله بالدين اعتبارا لحالة الانكسار بحالة الهلاك وهذا لأنه لما تعذر الفكاك مجانا صار بمنزلة الهلاك، وفي الهلاك الحقيقي مضمون بالدين بالإجماع، فكذا فيما هو في معناه. قلنا: الاستيفاء عند الهلاك بالمالية، وطريقه أن يكون مضمونا بالقيمة، ثم تقع المقاصة. وفي جعله بالدين إغلاق الرهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا وجه إلى أن يذهب شيء من الدين؛ لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (يصير قاضيا دينه بالجودة على الانفراد) ش: فإنه لم ينقض عن الدين إلا في مقابلة ما فات من جودة الإبريق بالكسر، وذلك ربا.
م: (ولا إلى أن يفتكه مع النقصان) ش: أي ولا أيضا إلى أن يمسك الراهن الرهن مع النقصان م: (لما فيه من الضرر) ش: بالراهن، لأن المرتهن قبض الرهن سليما من العيب، وبالانكسار صار معيبا، فيصل إليه حقه ناقصا إذا لم يسقط شيء من دينه، وذلك ضرر به لا محالة، فإذا كان كذلك م: (فخيرناه) ش: أي الراهن م: (إن شاء أفتكه بما فيه) ش: أي بالدين الذي في الكسور، يعني: انفك الراهن الإبريق المنكسر ناقصا لما هو بالدين الذي هو مرهون فيه يعني بجميع الدين.
م: (وإن شاء ضمنه قيمته) ش: أي المرتهن م: (من جنسه أو خلاف جنسه) ش: أي خلاف جنسه مصنوعا م: (وتكون رهنا عند المرتهن والمكسور للمرتهن بالضمان) ش: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن شاء أفتكه ناقصا، وإن شاء جعله بالدين اعتبارا لحالة الانكسار بحالة الهلاك) ش: فثمة مضمون بالدين لا بالقيمة بالإجماع، فكذا هنا.
م: (وهذا لأنه لما تعذر الفكاك مجانا) ش: يعني لما تقدم أنه لا وجه إلا أن يذهب - يعني: من الدين ولا أن يفتكه من النقصان، بقي أن يفتكه مجانا، وهو متعذر، فإذا كان كذلك م: (صار بمنزلة الهلاك) ش: في تعذر الهلاك، وهو متعذر، فإذا كان كذلك م: (وفي الهلاك الحقيقي مضمون بالدين بالإجماع فكذا فيما هو في معناه) ش: أي في معنى الانفكاك الحقيقي.
م: (قلنا: الاستيفاء عند الهلاك) ش: أي عند هلاك الرهن م: (بالمالية) ش: وكل ما استوفى عند الهلاك بالمالية له طريقه م: (وطريقه أن يكون مضمونا بالقيمة) ش: لفوات عينه م: (ثم تقع المقاصة) ش: بين الدينين يعني ما له وما له عليه، وهو مشروع م: (وفي جعله بالدين) ش: أي وفي جعل الرهن مضمونا بالدين حال قيامه م: (إغلاق الرهن) ش: وهو الإجناس الكلي بأن يصير(12/519)
وهو حكم جاهلي، فكان التضمين بالقيمة أولى. وفي الوجه الثالث: وهو ما إذا كانت قيمته أقل من وزنه ثمانية يضمن قيمته جيدا من خلاف جنسه أو رديئا من جنسه، وتكون رهنا عنده، وهذا بالاتفاق، أما عندهما فظاهر، وكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك، والهلاك عنده بالقيمة. وفي الوجه الثاني: وهو ما إذا كانت قيمته أكثر من وزنه اثني عشر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن جميع قيمته، وتكون رهنا عنده؛ لأن العبرة للوزن عنده لا للجودة والرداءة، فإن كان باعتبار الوزن كله مضمونا يجعل كله مضمونا، وإن كان بعضه فبعضه، وهذا لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرهن مملوكا للمرتهن.
م: (وهو حكم جاهلي) ش: مردود في الشرع، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يغلق الرهن» ، ولو جعلناه مضمونا بالقيمة لا يؤدي إلى غلوق الرهن لانتقال حكم الرهن إلى مثله، فإذا كان كذلك م: (فكان التضمين بالقيمة أولى) ش: وفي هذه العبارة تسامح، والحق أن يقال: فكان التضمين بالقيمة واجبا أو صوابا أو الصحيح أو ما شاء كل ذلك.
م: (وفي الوجه الثالث: وهو ما إذا كانت قيمته أقل من وزنه ثمانية) ش: بأن يكون الوزن عشرة كالدين وقيمته ثانية، وإنما قدم الوجه الثالث على الوجه الثاني لأنه له مناسبة بالوجه الأول من جهة أنهما قالا: هو ما يصلح أن يكون مضمونا بالقيمة فيما إذا كان وزنه وقيمته سواء، كما إذا كانت قيمته أقل من وزنه م: (يضمن قيمته جيدا من خلاف جنسه أو رديئا من جنسه وتكون رهنا عنده) ش: أي عند المرتهن م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (بالاتفاق) ش: بين أصحابنا الثلاثة.
م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف: م: (فظاهر) ش: كما إذا كانت قيمته مثل وزنه في حال الانكسار م: (وكذلك عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك، والهلاك عنده بالقيمة) ش: يعني في هذا الفصل، وهو ما إذا كانت قيمة الإبريق أقل من وزنه لا بالدين، فكذا الانكسار.
م: (وفي الوجه الثاني: وهو ما إذا كانت قيمته أكثر من وزنه اثني عشر) ش: لجودة صناعته فيه م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن جميع قيمته وتكون رهنا عنده؛ لأن العبرة) ش: في الأموال الربوية م: (للوزن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لا للجودة والرداءة، فإن كان) ش: أي الرهن م: (باعتبار الوزن كله مضمونا يجعل كله مضمونا) ش: كما إذا وزن الرهن مثل وزن الدين جعل الرهن كله مضمونا من حيث القيمة م: (وإن كان بعضه فبعضه) ش: أي وإن كان بعضه مضمونا كما إذا كان وزن الرهن أكثر من وزن الدين فبعضه مضمون، وهو مقدار الدين لا الزائد عليه، وتنقسم الجودة على المضمون، ولأن حصة المضمون مضمونة، وغيرها أمانة. م: (وهذا لأن(12/520)
الجودة تابعة للذات، ومتى صار الأصل مضمونا استحال أن يكون التابع أمانة. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداس قيمته، ويكون خمسة أسداس الإبريق له بالضمان وسدسه يفرز حتى لا يبقى الرهن شائعا، ويكون مع قيمته خمسة أسداس المكسور رهنا، فعنده تعتبر الجودة والرداءة، وتجعل زيادة القيمة كزيادة الوزن كأن وزنه اثنا عشر، وهذا لأن الجودة متقومة في ذاتها حتى تعتبر عند المقابلة بخلاف جنسها وفي تصرف المريض وإن كانت لا تعتبر عند المقابلة بجنسها سمعا فأمكن اعتبارها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجودة تابعة للذات، ومتى صار الأصل مضمونا استحال أن يكون التابع أمانة) ش: لا يخالف الأصل م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداس قيمته، ويكون خمسة أسداس الإبريق له بالضمان وسدسه) ش: أي سدس المنكسر م: (يفرز حتى لا يبقى الرهن شائعا) ش: بطرءان الشيوع، فإن الطارئ [....
.] لأنه فيه كالمقارن.
م: (ويكون مع قيمته خمسة أسداس المكسور رهنا، فعنده) ش: أي فعند أبي يوسف م: (تعتبر الجودة والرداءة، وتجعل زيادة القيمة كزيادة الوزن كأن وزنه اثنا عشر، وهذا لأن الجودة متقومة في ذاتها حتى تعتبر عند المقابلة بخلاف جنسها وفي تصرف المريض) ش: مرض الموت، فإنه إذا باع قلبا وزنه عشرة وقيمته عشرون بعشرة لم يسلم للمشتري ويعتبر خروجه من الثلث، كما لو تبرع من العين.
م: (وإن كانت لا تعتبر عند المقابلة بجنسها) ش: كلمة إن واصلا إليه بقوله م: (سمعا) ش: أي من حيث السماع من الشارع، وهو قوله: جيدها ورديئها سواء م: (فأمكن اعتبارها) ش: يعني اعتبار الجودة، لأن زيادة القيمة بالجودة كالزيادة في الوزن، فأمكن اعتبارها، وسدسه أمانة، فالمعتبر بالانكسار فيما هو مضمونه تعتبر، وحالة الانكسار ليست بحالة الاستيفاء عنده أيضا، فيضمن قيمته خمسة أسداسه من خلاف جنسه، وطريق معرفته خمسة أسداس الوزن أن ينفصل من الوزن الذي هو عشرة سدسه وهو درهم وثلثا درهم يبقى خمسة أسداسه وهي ثمانية دراهم وثلث درهم، وذلك لأن العشرة ستة أسداس، فيكون خمسة أسداس الإبريق عشرة. وفي بيان قول محمد نوع طول يعرف في موضعه من " المبسوط " و" الزيادات " مع جميع شعبها وشعبها ستة وعشرون فصلا، ونذكر أولا أصولا في هذا الباب:
منها: أنه إذا رهن فضة من فضة، أو ذهبا بذهب، أو حنطة بحنطة، أو شعيرا بشعير، فهلك الرهن وقيمته بمثل الدين وقدره كقدره هلك بالدين في قولهم جميعا، وإذا كانت قيمته أكثر من قيمة الدين وقدره مثل وزن الدين هلك بالدين في قولهم، وإن كانت قيمته أقل من قيمة الدين فهلك ذهب بالدين عند أبي حنيفة.(12/521)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالا: يقوم المرتهن بمثله إن كان له مثل قيمته إن لم يكن له مثله من غير جنسه، ويرجع بالدين. وإذا دخل في الرهن نقص بغير فعل المرتهن فقد ذكر في " الأصل " عند أبي حنيفة أنه يضمن قيمته، فيكون رهنا، وإن كان وزنه أكثر من الدين ضمن بقدر الدين.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في " الإملاء " وفي "نوادره": أنه لا ضمان على المرتهن، ويقال للراهن: هات الدين كله وخذ الرهن. وكذلك روي عن ابن الزبير عن أبي يوسف عن أبي حنيفة والحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وقال محمد في " الزيادات ": هو قياس قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا كانت قيمته مثل الدين ضمنه المرتهن.
وإن كانت قيمته أكثر من الدين ووزنه كوزن الدين فقد اختلفت الروايات عن أبي يوسف، فروى محمد عنه: أنه يضمن منه مقدار المضمون من القيمة. وروى بشر عنه: أنه يضمن قيمته. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الرهن إذا دخله عيب وجودته مثل الدين أو أكثر: أن للراهن أن يتركه على المرتهن بدينه، ومنع أبو حنيفة وأبو يوسف ذلك.
وإذا ثبتت هذه الأصول قلنا: لا يخلو إما أن يكون وزن الرهن مثل الدين أو أقل أو أكثر، فإن كان مثل الدين فلا يخلو إما أن يكون مثله في الجودة، أو دون، أو أجود، وإن كان وزنه أكثر من الدين فلا يخلو إما أن يكون قيمته أكثر من وزنه، أو مثل وزنه، أو أقل من وزنه ومثل الدين، أو أقل من وزنه وأقل من الدين، أو أقل من وزنه من الدين، أو أكثر من الدين فهذه ثلاثة عشر فصلا، كل واحد منها لا يخلو الرهن فيه من هلاك أو نقص، فذلك ستة وعشرون فصلا.
وبيان هذه الفصول: أنه إذا كان وزن الرهن مثل الدين، وقيمته كذلك هو أن يكون الدين عشرة ووزن الرهن عشرة، وقيمته عشرة فلا يخلو إما أن يهلك أو ينكسر، فإن هلك هلك بالدين في قولهم جميعا، وإن انكسر ضمن قيمته بالانكسار في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف.
وقال محمد: للراهن أن يملكه بدينه، وإن كان وزنه مثل الدين وقيمته أقل، وهو أن يكون ثمانية، فإن هلك هلك بالدين، وعند أبي حنيفة وعندهما: يضمن قيمته من الذهب ويرجع بدينه، وإن انكسر ضمن قيمته عند أبي حنيفة في رواية، وهو قول أبي يوسف، ولا يمكن التمليك عند محمد، لأنه أدون من حق المرتهن إلا أن يرضى المرتهن بذلك، وإذا كانت قيمته أكثر من الوزن مثل أن يكون اثني عشر، فإن هلك هلك بالدين عند أبي حنيفة، لأن الجودة لا قيمة لها عنده. وعند محمد: أن الجودة لا اعتبار بها هاهنا، لأنها فاضلة عن الدين(12/522)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فهو أمانة، وأما على قول أبي يوسف فالجودة مضمونة كالوزن فقد قيل على قوله: يهلك خمسة أسداسه بالدين، وسدسه بالأمانة، وقيل على قوله يضمن المرتهن خمسة أسداس انقلب من الذهب، ويرجع بدينه حتى لا يؤدي ذلك إلى الربا، وأما إذا انكسر فله ثلاثة أحوال إما أن يذهب بالانكسار بعض الجودة فبقي قيمته أحد عشر، وكل الجودة فتبقى قيمته عشرة أو أكثر من الجودة فتبقى قيمته ثمانية، ففي جميع الأحوال عند أبي حنيفة يضمن جميعه.
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يضمن خمسة أسداسه، وفي رواية: يضمن جميعه. وعند أبي يوسف في رواية: يضمن جميعه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نقص من القيمة درهم، أو درهمان، ولا ضمان على المرتهن ويفكه الراهن بجميع دينه. وقد قيل على قوله: له أن يضمنه، وإن كان الدين عشرة والوزن ثمانية فإن كانت قيمته أقل من وزنه مثل أن يكون ستة، فإن هلك هلك بثمانية عند أبي حنيفة. وعندهما يقوم قيمته من الذهب ويرجع بدينه، وإن انكسر ضمن قيمته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يقوم قيمته من الذهب، وعند محمد لا يجزه في التمليك فلا بد من التضمين على قوله، وإن كانت قيمته مثل وزنه فهلك هلك بمثل وزنه في قولهم: وإن انكسر ضمن عندهما. وعند محمد: له أن يملكه بثمانية من الدين لأنه مثلها في الوزن والجودة.
وإن كانت قيمته أكثر من وزنه وأقل من الدين مثل أن يكون تسعة هلك بثمانية عند أبي حنيفة، وعندهما يضمن قيمته. وإن انكسر ضمن قيمته في قولهم، وإن كانت قيمته مثل الدين وهو أن يكون عشرة فالكلام في الهلاك والانكسار كالكلام فيه إذا كانت قيمته تسعة، وإن كانت قيمته أكثر من الدين وهو أن يكون اثني عشر، فإن هلك هلك بثمانية عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن خمسة أسداسه، وقد قيل: يهلك خمسة أسداسه بالدين.
وإن كان أقل من الدين وزنا. وقد قيل عنه: إنه يضمن قيمته خمسة أسداسه من الذهب ويرجع بدينه على الراهن حتى لا يؤدي إلى الربا، وإن انكسر فجميعه مضمون عند أبي حنيفة، وأبي يوسف يضمن خمسة أسداسه. وعند محمد: إن نقص بالانكسار درهم أو درهمان لم يضمن. وإن نقص أكثر من ذلك ضمن، إلا أن يختار تمليكه بدينه وإسقاط الجودة. وإذا كان وزنه أكثر من الدين، وهو أن يكون اثني عشر، فإذا كانت قيمته مثل وزنه فهلك ذهب خمسة أسداسه بالدين، وسدسه بالأمانة في قولهم، فإن انكسر ضمن خمسة أسداسه في قولهما. وعند محمد: له أن يملكه خمسة أسداسه بالدين، وإن كانت قيمته أقل من وزنه وأكثر من الدين مثل أن يكون وزنه اثني عشر، وقيمته أحد عشر، فإذا هلك هلك(12/523)
قال: ومن باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه جاز استحسانا، والقياس: أن لا يجوز، وعلى هذا القياس والاستحسان إذا باع شيئا على أن يعطيه كفيلا معينا حاضرا في المجلس فقبل، وجه القياس أنه صفقة في صفقة وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالدين خمسة أسداسه عند أبي حنيفة، ولا رواية عنهما في هذا الفضل.
وإن انكسر ضمن خمسة أسداسه عند أبي حنيفة؛ لأنه لا يعتد بالجودة، وكذا يجب أن يكون على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه لا جودة في الرهن، فيعتبر الوزن. وعلى قول محمد: لا يجوز التمليك بأن الوزن أوزن من الدين. وإن كانت قيمته مثل من الدين عشرة فهلك: هلك خمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وعندهما يقوم جميع قيمته. وإن كانت قيمته أقل من الدين مثل أن يكون قيمته ثمانية، فإن هلك: ذهب خمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإن انكسر ضمن خمسة أسداسه. وعندهما: يضمن قيمته في الحالين، وإن كانت قيمته خمسة عشر فهلك بخمسة أسداسه بالدين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقيل: على قول أبي يوسف: إنه يضمن مقدار الدين من القيمة. وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يملكه إن اختار، وإن انكسر ضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة أسداسه. وعند أبي يوسف: يضمن ثلثيه. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن نقص مقدار الجودة لم يعتد به، وإن نقصه من الوزن فإن شاء ملكه خمسة أسداسه بالدين، وإن شاء أفتكه بجميع الدين وإن شاء غرمه قيمة خمسة أسداسه حتى لا يسقط حقه من الجودة، وبقي الكلام هنا في فصل واحد، وهو أن كل موضع ضمن بالمرتهن بعض القلب بالانكسار ملك ما ضمن بالضمان، وصار شريكا في بقية الرهن.
[باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع عبدا على أن يرهنه المشتري شيئا بعينه جاز استحسانا) ش: هذه المسألة مرت في البيوع، فالبيع بشرط الرهن المعين، والكفيل المعين جائز، ولا نعلم فيه خلافا.
وإذا لم يكن الرهن معينا، وكذا الكفيل لا يجوزه وكذا إذا كان الكفيل غائبا عندنا، والشافعي، وأحمد. وحكي عن مالك وأبي ثور: يصح شرط الرهن المجهول، ويلزمه أن يدفع إليه رهنا بقدر الدين.
م: (والقياس: أن لا يجوز، وعلى هذا القياس والاستحسان إذا باع شيئا على أن يعطيه كفيلا معينا حاضرا في المجلس فقبل) ش: أي قبل الكفيل الكفالة م: (وجه القياس: أنه صفقة في صفقة، وهو(12/524)
منهي منه، ولأنه شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحدهما ومثله يفسد البيع، وجه الاستحسان: أنه شرط ملائم للعقد؛ لأن الكفالة والرهن للاستيثاق، وأنه يلائم الوجوب، فإذا كان الكفيل حاضرا في المجلس والرهن معينا، اعتبرنا فيه المعنى، وهو ملائم، فصح العقد. وإذا لم يكن الرهن ولا الكفيل معينا أو كان الكفيل غائبا حتى افترقا لم يبق معنى الكفالة والرهن للجهالة، فبقي الاعتبار لعينه فيفسد. ولو كان غائبا فحضر في المجلس وقبل صح. ولو امتنع المشتري عن تسليم الرهن لم يجبر عليه. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجبر؛ لأن الرهن إذا شرط في البيع صار حقا من حقوقه كالوكالة المشروطة في الرهن فيلزمه بلزومه. ونحن نقول: الرهن عقد تبرع من جانب الراهن على ما بيناه ولا جبر على التبرعات، ولكن البائع بالخيار إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع، لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منهي عنه ولأنه شرط لا يقتضيه العقد) ش: قيد به لأنه لو كان شرطا يقتضيه العقد، وهو الذي يجب بالعقد من غير شرطه كما لو شرط تسليم المبيع على البائع أو على المشتري تسليم الثمن لا يفسد م: (وفيه منفعة لأحدهما) ش: أي في الشرط المذكور، وهو شرط رهن شيء بعينه منفعة لأحد المتعاقدين؛ لأنه شرط مؤكد موجب العقد، لأن المقصود بالرهن، والكفالة التوثق بالثمن، فصار كاشتراط الجودة م: (ومثله) ش: أي مثل هذا الشرط م: (يفسد البيع) .
م: (وجه الاستحسان: أنه شرط) ش: أي أن هذا الشرط م: (ملائم العقد؛ لأن الكفالة والرهن للاستيثاق، وأنه يلائم الوجوب) ش: أي وإن الاستيثاق ملائم وجوب الثمن، إذ هو شرط استيفاء الثمن، فيلائم العقد.
م: (فإذا كان الكفيل حاضرا في المجلس والرهن معينا اعتبرنا فيه المعنى) ش: وهو عقد وثيقة م: (وهو ملائم، فصح العقد. وإذا لم يكن الرهن ولا الكفيل معينا، أو كان الكفيل غائبا حتى افترقا) ش: أي المتعاقدان م: (لم يبق معنى الكفالة والرهن) ش: وهو التوثق م: (للجهالة فبقي الاعتبار لعينه) ش: أي لعين الشرط م: (فيفسد، ولو كان) ش: أي الكفيل م: (غائبا فحضر في المجلس وقبل) ش: أي الكفالة م: (صح) ش: أي العقد م: (ولو امتنع المشتري عن تسليم الرهن لم يجبر عليه) ش: أي على التسليم، وبه قال الشافعي وأحمد، م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجبر) ش: وبه قال مالك، وأبو ثور، وابن أبي ليلى، والقاضي الحنبلي فيما عدا الكفيل م: (لأن الرهن إذا شرط في البيع صار حقا من حقوقه) ش: أي من حقوق البيع م: (كالوكالة المشروطة في الرهن فيلزمه بلزومه) ش: أي فيلزم المشتري بلزوم البيع.
م: (ونحن نقول: الرهن عقد تبرع من جانب الراهن على ما بيناه) ش: في أوائل كتاب الرهن م: (ولا جبر على التبرعات، ولكن البائع بالخيار إن شاء رضي بترك الرهن، وإن شاء فسخ البيع؛ لأنه(12/525)
وصف مرغوب فيه وما رضي إلا به فيتخير بفواته، إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا لحصول المقصود أو يدفع قيمة الرهن رهنا، لأن يد الاستيفاء تثبت على المعنى وهو القيمة. قال: ومن اشترى ثوبا بدراهم فقال للبائع: أمسك هذا الثوب حتى أعطيك الثمن فالثوب رهن، لأنه أتى بما ينبئ عن معنى الرهن وهو الحبس إلى وقت الإعطاء، والعبرة في العقود للمعاني، حتى كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة في ضد ذلك كفالة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون رهنا، ومثله عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن قوله: أمسك يحتمل الرهن، ويحتمل الإيداع، والثاني أقلهما فيقضى بثبوته. بخلاف ما إذا قال: أمسكه بدينك أو بمالك؛ لأنه لما قابله بالدين فقد عين جهة الرهن، قلنا: لما مده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصف مرغوب فيه، وما رضي إلا به فيتخير بفواته) ش: أي بفوات الوصف المرغوب فيه م: (إلا أن يدفع المشتري الثمن حالا لحصول المقصود) ش: وهو حضور الثمرة م: (أو يدفع قيمة الرهن رهنا؛ لأن يد الاستيفاء تثبت على المعنى وهو القيمة) ش: قال تاج الشريعة: قوله: أو يدفع قيمة الرهن رهنا لا يراد بالقيمة الدراهم والدنانير، لأن قيمة الشيء قائمة مقامه، فكأنها هو، أما إن أراد أن يرهن مكانه عينا آخر فحينئذ يحتاج إلى رهن المرتهن.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى ثوبا بدراهم فقال للبائع: أمسك هذا الثوب حتى أعطيك الثمن فالثوب رهن) ش: أي يكون الثوب رهنا عند البائع. قيل: يريد به ثوبا غير الثوب المشترى، والصواب أنه وغيره سواء.
قلت: القائل الكاكي؛ فإنه قال: أي ثوبا آخر غير المبيع، والصواب: القائل هو الأكمل، فإن التمرتاشي ذكر في "جامعه ": اشترى ثوبا وقبضه ثم أعطى البائع وقال: أمسك أعطيك الثمن فهو رهن عند أبي حنيفة ووديعة عند أبي يوسف، فحينئذ لا تفاوت بين المبيع وغيره.
م: (لأنه) ش: أي لأن المشتري م: (أتى بما ينبئ عن معنى الرهن وهو الحبس إلى وقت الإعطاء) ش: أي إعطاء الثمن م: (والعبرة في العقود للمعاني، حتى كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة؛ والحوالة في ضد ذلك كفالة، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون رهنا، ومثله) ش: أي ومثل قول زفر روي م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن قوله أمسك يحتمل الرهن، ويحتمل الإيداع، والثاني أقلهما) ش: أي الإيداع أقل، لكون الوديعة غير مضمونة م: (فيقضى بثبوته) ش: أي بثبوت الإيداع.
م: (بخلاف ما إذا قال: أمسكه بدينك أو بمالك) ش: أي أو قال أمسكه بمالك م: (لأنه لما قابله(12/526)
إلى الإعطاء علم أن مراده الرهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالدين فقد عين جهة الرهن. قلنا) ش: هذا جواب عن قول زفر، وهو أنه م: (لما مده) ش: أي مد الإمساك م: (إلى الإعطاء) ش: أي إلى وقت الإعطاء م: (علم أن مراده الرهن) ش: لأن التكلم بحكم الرهن كالتكلم بصفته كرجل قال: ملكتك عبدي هذا بألف درهم، فإنه يكون بيعا لأن العبرة في العقود للمعاني كما مر، وقول محمد في هذا الباب مضطرب. كذا في " المختلف ".(12/527)
فصل ومن رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين، وحصة كل واحد منهما إذا قسم الدين على قيمتهما، وهذا لأن الرهن محبوس بكل الدين فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين، وصار كالمبيع في يد البائع، فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من المال الذي رهنه به، فكذا الجواب في رواية الأصل، وفي " الزيادات ": له أن يقبضه إذا أدى ما سمي له، وجه الأول: أن العقد متحد لا يتفرق بتفرق التسمية كما في المبيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في رهن العبدين بقيمة معينة فيقبض حصة أحدهما]
[رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان رهن الواحد، شرع في بيان الرهن أو الراهن أو المرتهن إذا كانا اثنين، لأن الواحد قبل الاثنين.
م: (ومن رهن عبدين بألف فقبض حصة أحدهما لم يكن له أن يقبضه حتى يؤدي باقي الدين)
ش: هذا لفظ القدوري.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وحصة كل واحد منهما ما يحصه) ش: بالحاء المهملة، يقال حصتي من المال الثلث أو الربع بالحاء المهملة، أي أصابني، فصار معي أو في حصتي م: (إذا قسم الدين على قيمتهما) ش: مثلا إذا كان الدين ألفا وقيمة أحدهما ألفان، وقيمة الآخر ألف، فحصة الأول من الدين ستمائة وستة وستون وثلثا درهم، والفضل أمانة، وحصة الآخر ثلاثمائة، ثلاثة وثلاثون وثلث درهم، والباقي أمانة.
م: (وهذا) ش: إيضاح لما قبله م: (لأن الرهن محبوس بكل الدين، فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين، وصار كالمبيع في يد البائع) ش: في أن المشتري إذا أدى حصة أحدهما من الثمن في البيع لا يتمكن من أخذه حتى يؤدي باقي الثمن.
م: (فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من المال الذي رهنه به، فكذلك الجواب) ش: يعني لم يتمكن من أخذه حتى يوفى المال كله م: (في رواية الأصل) ش: يعني " المبسوط ".
م: (وفي " الزيادات ": له أن يقبضه إذا أدى ما سمي له) ش: إنما يقبضه إذا كان قد سمي له، وهو قياس قول أئمة الثلاثة م: (وجه الأول) ش: أي وجه رواية " الأصل " م: (أن العقد متحد) ش: يعني أنه عقد واحد وليس بعقدين لاتحاد الإيجاب والقبول، حيث قال: رهنتك هذين(12/528)
وجه الثاني: أنه لا حاجة إلى الاتحاد؛ لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر، ألا يرى أنه لو قبل الرهن في أحدهما جاز. قال: فإن رهن عينا واحدة عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه جاز، وجميعها رهن عند كل واحد منهما، لأن الرهن أضيف إلى جميع العين في صفقة واحدة، ولا شيوع فيه، وموجبه صيرورته محتبسا بالدين، وهذا مما لا يقبل الوصف بالتجزئ، فصار محبوسا بكل واحد منهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبدين بألف، والتفصيل لا يجعله في معنى العقدين لاتحاد العقد م: (لا يتفرق) ش: أي العقد المتحد م: (بتفرق التسمية كما في المبيع) ش: أي كما لا يتفرق في البيع، فإنه إذا قال بعت منك هذين العبدين كل واحد منهما بخمسمائة ليس للمشتري أن يقبل العقد في أحدهما دون الآخر، وكذلك ليس له أن يقبض أحدهما إذا فقد ثمنه.
م: (وجه الثاني) ش: أي وجه رواية الزيادات: م: (أنه لا حاجة إلى الاتحاد؛ لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر) ش: بخلاف البيع، فإن العادة جرت بضم الرديء إلى الجيد للترويج، فلو جاز قبول أحدهما يتضرر البائع، بخلاف الرهن، فإنه لا يزيل ملك الراهن، فقبول المرتهن العقد في أحدهما لا يضر الراهن. وقال تاج الشريعة: واختلف المشايخ في الأصح منهما، قلت: قال: شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي: والصحيح ما ذكر في " الأصل ".
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن رهن عينا واحدة عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه جاز) ش: سواء كانا شريكين في الدين أو لا، فإن لم يكونا شريكين ولأحدهما دراهم وللآخر دنانير فإنه جائز أيضا، ولا يعلم فيه خلاف م: (وجميعها) ش: أي جميع العين الواحدة م: (رهن عند كل واحد منهما؛ لأن الرهن أضيف إلى جميع العين في صفقة واحدة، ولا شيوع فيه) ش: أي في المرهون بسبب عدد المستحقين كقصاص يجب لجماعته على شخص، فإنه لا يتمكن الشيوع في المحل باعتبار عدد المستحقين.
فإن قلت: بل فيه شيوع، لأن إضافة الرهن إلى اثنين يوجب الانقسام بينهما نصفين، ألا ترى أنه ينقسم حالة الهلاك؟. الجواب: أن الكل محبوس بحق كل واحد منهما على الكمال تحريا للجواز، والمقصود من الرهن الحبس والعين الواحد يجوز أن يكون محبوسا على محل دين كل منهما على الكمال.
م: (وموجبه صيرورته) ش: أي موجب الرهن أنه يصير م: (محتبسا بالدين، وهذا) ش: أي الاحتباس م: (مما لا يقبل الوصف بالتجزئ، فصار محبوسا بكل واحد منهما) ش: ولا تنافي، كما إذا قتل واحد جماعة فحضر أحد من أولياء المقتولين واستوفى القصاص يكون ذلك لنفسه وللباقين.(12/529)
وهذا بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: فإن تهايأ فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر والمضمون على كل واحد منهما حصته من الدين؛ لأن عند الهلاك يصير كل واحد منهما مستوفيا حصته، إذ الاستيفاء مما يتجزأ. قال فإن أعطى أحدهما دينه كان كله رهنا في يد الآخر، لأن جميع العين رهن في يد كل واحد منهما من غير تفرق، وعلى هذا حبس المبيع إذا أدى أحد المشتريين حصته من الثمن.
: قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن المقصود بالهبة الملك، ويستحيل أن يكون جميع العين مالكا لهذا.
م: (قال) ش: أي المصنف: وليس في كثير من النسخ لفظ "قال" هذا م: (فإن تهايأ) ش: بأن أمسك أحدهما يوما والآخر يوما م: (فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر) ش: وفائدة كونه كالعدل في حق الآخر أن يكون الرهن في ضمان كل واحد منهما، حتى لو هلك الرهن عند أحدهما يكون المضمون على واحد منهما نصيبه.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والمضمون على كل واحد منهما حصته من الدين) ش: هذا من تتمة قول القدوري الذي مر معنا وهو قوله فإن رهن عينا واحدة عند رجلين صورته أن يكون لأحدهما عشرة على الراهن للآخر خمسة عليه، وللراهن ثلاثون درهما فهلك عشرون من الرهن فتبقى العشرة من الرهن في يدهما ثلاثا، ويسقط من صاحب العشرة ثلثاه ومن صاحب الخمسة ثلاثة فيكون على الرهن لصاحب العشرة ثلث العشرة، وهي ثلاث وثلث، ولصاحب الخمسة ثلث الخمسة وهو درهم وثلثا درهم.
م: (لأن عند الهلاك يصير كل واحد منهما مستوفيا حصته، إذ الاستيفاء مما يتجزأ) ش: أي الراهن؛ لأن الاستيفاء مما يتجزأ، فلذلك يصير كل واحد مستوفيا حصته.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن أعطى) ش: أي الرهن م: (أحدهما) ش: أي أحد المرتهنين م: (دينه كان كله) ش: أي كل الرهن م: (رهنا في يد الآخر؛ لأن جميع العين رهن في يد كل واحد منهما من غير تفرق) ش: وعند الثلاثة نصف رهن ونصفه وديعة. وفي " المبسوط " لو هلك العين عند الآخر الذي أدى دينه أن يسترد ما أدى خلافا للأئمة الثلاثة، لأن ارتهان كل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر، فيصير كل واحد منهما عند الهلاك مستوفيا دينه من مالية الرهن مستردا ما أعطاه كيلا يتكرر الاستيفاء.
م: (وعلى هذا حبس المبيع إذا أدى أحد المشتريين حصته) ش: أي وعلى حكم المذكور إذا اشترى الاثنان من الواحد فأدى أحدهما حصته م: (من الثمن) ش: كان للبائع أن يحبس المبيع بنصيب الآخر.
[رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا]
م: (قال) ش: أي المصنف إن هذه المسألة ليست مذكورة في " الجامع الصغير "(12/530)
وإن رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا فهو جائز، والرهن رهن بكل الدين، فللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدين لأن قبض الرهن يحصل في الكل من غير شيوع، فإن أقام الرجلان كل واحد منهما البينة على رجل أنه رهنه عبده الذي في يده وقبضه فهو باطل، لأن كل واحد منهما أثبت بينته أنه رهنه كل العبد، ولا وجه إلى القضاء لكل واحد منهما بالكل؛ لأن العبد الواحد يستحيل أن يكون كله رهنا لهذا، وكله رهنا لذلك في حالة واحدة، ولا إلى القضاء بكله لواحد بعينه لعدم الأولوية، ولا إلى القضاء لكل واحد منهما بالنصف؛ لأنه يؤدي إلى الشيوع فتعذر العمل بهما وتعين التهاتر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
و" مختصر القدوري "، وإنما ذكرها الكرخي في "مختصره " م: (وإن رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا فهو جائز، والرهن رهن بكل الدين، فللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدين؛ لأن قبض الرهن يحصل في الكل من غير شيوع) ش: وعند الأئمة الثلاثة بالشيوع لما أن رهن المشاع جائز عندهم.
م: (فإن أقام الرجلان) ش: قال تاج الشريعة: أي اللذان سبق ذكرهما عند قوله إن رهن عينا واحدة عند رجلين، وفي بعض النسخ فإن أقام رجلان، وحينئذ لا حاجة، إلى هذا التكلف. صورته: عبد في يد رجل وأقام الرجلان م: (كل واحد منهما البينة على رجل) ش: أي الذي هو العبد في يده م: (أنه رهنه عبده الذي في يده وقبضه فهو باطل) ش: أي قيام كل واحد من البينتين بالرهن باطل، أي قال الفقيه أبو الليث: وقال في كتاب الشهادات: الرهن في القياس باطل، وفي الاستحسان جائز، وبالقياس. فأخذ وجه الاستحسان أنه يجوز أن يكون الشيء رهنا عند رجلين فيكون لكل واحد منهما نصفه بنصف حقه. وجه القياس ما ذكره المصنف بقوله: م: (لأن كل واحد منهما) ش: أي من الرجلين م: (أثبت بينته أنه رهنه كل العبد، ولا وجه إلى القضاء) ش: أي لا وجه أيضا إلى الحكم م: (لكل واحد منهما بالكل) ش: أي بكل العبد م: (لأن العبد الواحد يستحيل أن يكون كله رهنا لهذا، وكله رهنا لذلك في حالة واحدة) ش: والاستحالة فيه ظاهرة م: (ولا إلى القضاء) ش: أي ولا وجه إلى الحكم م: (بكله) ش: أي بكل العبد م: (لواحد) ش: من الاثنين م: (بعينه لعدم الأولوية) ش: أي لعدم من يكون أولى منهما، أي من الاثنين م: (ولا إلى القضاء لكل واحد منهما بالنصف) ش: أي بنصف العبد م: (لأنه يؤدي إلى الشيوع فتعذر العمل بهما) ش: أي لأن القضاء لكل منهما أي بالبينتين م: (وتعين التهاتر) ش: أي تهاتر البينتين، أي تساقطها والترك، فالحكم لعدم الترجيح، ولا أن القضاء، أي ولا وجه أيضا إلى الحكم لكل واحد منهما.(12/531)
ولا يقال: إنه يكون رهنا لهما، كأنهما ارتهانه معا إذا جهل التاريخ بينهما وجعل في كتاب الشهادات، هذا وجه الاستحسان، لأنا نقول: هذا عمل على خلاف ما اقتضته الحجة؛ لأن كلا منهما أثبت ببينته حبسا يكون وسيلة إلى مثله في الاستيفاء، وبهذا القضاء يثبت حبس يكون وسيلة إلى شطره في الاستيفاء، وليس هذا عملا على وفق الحجة، وما ذكرناه وإن كان قياسا لكن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ به لقوته، وإذا وقع باطلا فلو هلك يهلك أمانة، لأن الباطل لا حكم له.
قال: ولو مات الراهن والعبد في أيديهما فأقام كل واحد منهما البينة على ما وصفنا كان في يد كل واحد منهما نصفه رهنا يبيعه بحقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا يقال: إنه) ش: أي أن العبد م: (يكون رهنا لهما) ش: أي للاثنين م: (كأنهما ارتهناه معا إذا جهل التاريخ بينهما) ش: أي لأن التاريخ لم يعلم بين بينتي الاثنين، فإذا كان كذلك يصح أن يكون رهنا بينهما، وهذا وجه الاستحسان، أشار إليه بقوله: م: (وجعل في كتاب الشهادات، هذا وجه الاستحسان) ش: أي جعل محمد في كتاب الشهادات من " المبسوط " هذا الذي ذكره من قوله لا يقال إلا أن وجه الاستحسان في الجواز.
م: (لأنا نقول: هذا عمل على خلاف ما اقتضته الحجة، لأن كلا منهما أثبت ببينته حبسا) ش: سماه حبسا، لأن الرهن حبس م: (يكون وسيلة إلى مثله) ش: أي إلى مثل حبس يكون وسيلة في الاستيفاء ش: أي استيفاء كل الرهن م: (وبهذا القضاء يثبت حبس يكون وسيلة إلى شطره) ش: أي إلى شطر الحبس م: (في الاستيفاء وليس هذا) ش: أي ليس القضاء ثبوت حق يكون وسيلة إلى شطر الحبس م: (عملا على وفق الحجة) ش: التي يقوم بها كل واحد منهما، لأن كلا منهما يثبت حبسا يكون وسيلة إلى استيفاء تمام حقه. ولو جعل هذا يكون وسيلة إلى نصف حقه.
م: (وما ذكرناه) ش: قال تاج الشريعة: أي ما ذكرنا في الجواب، وهو أنه باطل م: (وإن كان قياسا لكن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ به) ش: أي بالقياس وترك الاستحسان، وهذا عزيز جدا حيث قدم القياس على الاستحسان م: (لقوته) ش: أي لقوة القياس، وضعف وجه الاستحسان له أنه عمل بخلاف ما قامت به البينة فلا يصح م: (وإذا وقع) ش: أي الرهن المذكور م: (باطلا فلو هلك يهلك أمانة؛ لأن الباطل لا حكم له) ش: فلا يلزم لأحد شيء.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (ولو مات الراهن) ش: أشار بهذا إلى أن المسألة المتقدمة فيما إذا كان الراهن حيا، وهذه المسألة في بيان ما إذا مات الراهن م: والعبد في أيديهما) ش: أي الحال أن العبد في أيد المرتهنين م: فأقام كل واحد منهما البينة على ما وصفنا) ش: أي على أن كل منهما ارتهنه م: (كان في يد كل واحد منهما رهنا يبيعه بحقه) ش:(12/532)
استحسانا، وهو قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله - وفي القياس هذا باطل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الحبس للاستيفاء حكم أصلي لعقد الرهن، فيكون القضاء به قضاء بعقد الرهن، وأنه باطل للشيوع كما في حالة الحياة. وجه الاستحسان: أن العقد لا يراد لذاته، وإنما يراد لحكمه وحكمه في حالة الحياة الحبس والشيوع يضره، وبعد الممات الاستيفاء بالبيع في الدين والشيوع لا يضره، وصار كما إذا ادعى الرجلان نكاح امرأة، أو ادعت أختان النكاح على رجل وأقاموا البينة تهاترت في حالة الحياة ويقضى بالميراث بينهم بعد الممات؛ لأنه يقبل الانقسام، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي يبيعه كل واحد نصف حقه م: (استحسانا) ش: أي من حيث وجه الاستحسان م: (وهو) ش: أي الاستحسان م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وفي القياس: هذا باطل، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الحبس للاستيفاء حكم أصلي لعقد الرهن، فيكون القضاء به) ش: أي بالحبس للاستيفاء م: (قضاء بعقد الرهن، وأنه باطل) ش: أي القضاء بعقد الرهن باطل م: (للشيوع كما في حالة الحياة) ش: لأنه لا يتمكن من القضاء لكل واحد منهما إلا في النصف فيلزم الشيوع.
م: (وجه الاستحسان: أن العقد لا يراد لذاته، وإنما يراد لحكمه وحكمه في حالة الحياة الحبس والشيوع يضره) ش: لأن الحبس في الشيوع لا يجوز، م: (وبعد الممات الاستيفاء بالبيع في الدين والشيوع لا يضره، وصار) ش: أي حكم هذا كما قالوا جميعا في كتاب النكاح م: (كما إذا ادعى الرجلان نكاح امرأة) ش: أنه تزوجها م: (أو ادعت أختان النكاح على رجل) ش: أنه تزوجهما م: (وأقاموا) ش: أي الرجلان والأختان م: (البينة) ش: على دعواهم م: (تهاترت) ش: أي البينة منهم (في حالة الحياة) يعني لا يقضى لهم، لأن المقصود في حالة الحياة الحل، وهو لا تحل الشركة وبعد الممات تقبل البينة (ويقضى بالميراث بينهم بعد الممات؛ لأنه) ش: أي لأن الميراث م: (يقبل الانقسام) ش: لأنه قال: تحل الشركة والشياع، ويقضى لكل رجل منهما بالنصف، وهو ميراث الزوج، ويقضى للأختين لكل واحد منهما بالمهر وبنصف الميراث. م: (والله أعلم) .
تم الجزء الثاني عشر من: " البناية في شرح الهداية ".
ويليه: الجزء الثالث عشر مبتدئا بالباقي من كتاب الرهن أيضا.(12/533)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باب الرهن الذي يوضع على يد العدل
قال: وإذا اتفقا على وضع الرهن على يد العدل جاز. وقال مالك: لا يجوز، ذكر قوله في بعض النسخ؛ لأن يد العدل يد المالك، ولهذا يرجع العدل عليه عند الاستحقاق فانعدم القبض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الرهن الذي يوضع على يد العدل]
[اتفقا الراهن والمرتهن على وضع الرهن على يد العدل]
م: (باب الرهن الذي يوضع على يد العدل) ش: أي هذا باب في بيان حكم الرهن الذي يوضع على يد الراهن، ولما ذكر حكم الرهن إذا كان في يد المرتهن ذكر حكمه إذا كان في يد العدل، وهو الذي من الراهن والمرتهن يكون الرهن في يده؛ لأنه نائب عن المرتهن، والنائب يقوم مقام المنوب لا محالة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا اتفقا) ش: أي الراهن والمرتهن م: (على وضع الرهن على يد العدل جاز) ش: وهو قول أكثر أهل العلم خلافا لابن أبي ليلى والحكم والحارث العكلي وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال الحاكم الشهيد في " مختصر الكافي ": وقبض العدل الرهن بمنزلة قبض المرتهن في حكم صحته وضمانه بالدين إذا هلك، بلغنا ذلك عن إبراهيم والشعبي وعطاء والحسن. وقال ابن أبي ليلى: إن هلك في يد العدل لم يبطل الدين، وإن مات الراهن فالمرتهن أسوة الغرماء فيه.
م: (وقال مالك: لا يجوز ذكر قوله) ش: أي ذكر قول مالك م: (في بعض النسخ) ش:، أشار به إلى أن في بعضها ليس كذلك، فإنه ذكر في " المبسوط " و " شرح الأقطع " ابن أبي ليلى بدل مالك.
قال الأكمل: وكأنه شك في هذه الرواية عن مالك، فإن القبض ليس بشرط عنده كما مر في أول هذا الكتاب، فإنه [ ... ] روايتان. وقال الكاكي: ولمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه رواية. وقال الشيخ أبو الفضل الكرماني في " إشارات الأسرار ": والرهن يتم بقبض العدل خلافا لمالك. لأن يده يد المالك فلا يتم به الرهن م: (لأن يد العدل يد المالك) ش: أي الراهن.
وفي " الكافي ": هذا الدليل مشعر بأن على قول مالك القبض شرط، وقد شرط في كتبه شرطا؛ فيمكن أن يكون له روايتان حتى يصح ذلك. ولكنه لا خلاف لمالك في جواز وضعه على يد العدل.
قلت: ذكر مالك في " المدونة " ولا يتم رهن إلا بقبضه.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون يد العدل يد المالك م: (يرجع العدل عليه) ش: أي على الراهن م: (عند الاستحقاق) ش: يعني إذا هلك الرهن في يد العدل ثم استحق وضمن العدل قيمته يرجع على الراهن بما ضمن، ولو لم يكن يده يد الراهن لما رجع م: (فانعدم القبض) ش:، إيضاحه: أن(13/3)
ولنا: أن يده على الصورة يد المالك في الحفظ، إذ العين أمانة، وفي حق المالية يد المرتهن؛ لأن يده ضمان والمضمون هو المالية فنزل منزلة الشخصين تحقيقا لما قصداه من الرهن، وإنما يرجع العدل على المالك في الاستحقاق؛ لأنه نائب عنه في حفظ العين كالمودع. قال: وليس للمرتهن ولا للراهن أن يأخذه منه لتعلق حق الراهن في الحفظ بيده أمانته، وتعلق حق المرتهن به استيفاء فلا يملك أحدهما إبطال حق الآخر. فلو هلك في يده هلك في ضمان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رجوع العدل على الراهن عند الاستحقاق لوقوع الفعل له، يدل على أن الرهن غير مقبوض؛ لأن الأصل أن ما عمل الإنسان بأمره ولحقه الغرم يرجع على الذي وقع له العمل، وهنا يرجع على الراهن بعدم القبض، فإذا كان كذلك لا يجوز وضعه على يد العدل؛ لأن وجود الرهن بقبض المرتهن ولم يوجد لا حقيقة ولا تقديرا؛ لأن العدل نائب عن الراهن لا عن المرتهن؛ لأن المالك هو الراهن لا المرتهن، كيف يكون نائبا عن المرتهن، والعدل نصب ليحفظ عنه في حال لا يؤتمن عليه، ولهذا لحقه ضمان فإن هلك في يده ثم جاء مستحق يرجع به على الراهن دون المرتهن.
م: (ولنا: أن يده) ش: أي يد العدل م: (على الصورة) ش: يعني بالنظر إلى الظاهر م: (يد المالك في الحفظ، إذ العين أمانة، وفي حق المالية يد المرتهن؛ لأن يده ضمان والمضمون هو المالية) ش: إذ الاستيفاء يكون منها م: (فنزل) ش: أي العدل م: (منزلة الشخصين) ش: لأنه يجوز أن تجعل اليد الواحدة في الحكم بدين كمن أدى ماله إلى الساعي قبل الحول يده يد المالك من وجه، ويد الفقير من وجه، حتى لو هلك المؤدى في يده وبقي النصاب إلى آخر الحول يقع المؤدى زكاة كما لو دفعه إلى الفقير م: (تحقيقا لما قصداه من الرهن) ش: يعني لأجل تحقيق ما قصداه؛ لأن غرضهما تحقيق عرض عقد الرهن.
م: (وإنما يرجع العدل على المالك) ش: هذا بيان لقوله ولهذا يرجع العدل عليه، توضيحه أن رجوع العدل على المالك م: (في الاستحقاق؛ لأنه نائب عنه) ش: أي لأن العدل نائب عن المالك م: (في حفظ العين) ش: في حال لا يؤتمن عليه م: (كالمودع) ش: إذا كانت الوديعة في يده ثم استحقت ضمن المودع، ثم يرجع على المودع.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وليس للمرتهن ولا للراهن أن يأخذه منه) ش: أي أن يأخذ الرهن من العدل م: (لتعلق حق الراهن في الحفظ بيده أمانته) ش: أي أمانة العدل م: (وتعلق حق المرتهن به استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء م: (فلا يملك أحدهما) ش: أي الراهن أو المرتهن م: (إبطال حق الآخر، فلو هلك في يده) ش: أي فلو هلك الرهن في يد العدل م: (هلك في ضمان(13/4)
المرتهن لأن يده في حق المالية يد المرتهن وهي المضمونة، ولو دفع العدل إلى الراهن أو المرتهن ضمن؛ لأنه مودع الراهن في حق العين ومودع المرتهن في حق المالية وأحدهما أجنبي عن الآخر والمودع يضمن بالدفع إلى الأجنبي وإذا ضمن العدل قيمة الرهن بعدما دفع إلى أحدهما وقد استهلكه المدفوع إليه أو هلك في يده لا يقدر أن يجعل القيمة رهنا في يده؛ لأنه يصير قاضيا ومقتضيا، وبينهما تناف، لكن يتفقان على أن يأخذاها منه، ويجعلاها رهنا عنده أو عند غيره. وإن تعذر اجتماعهما يرفع أحدهما إلى القاضي ليفعل كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرتهن؛ لأن يده) ش: أي يد العدل م: (في حق المالية يد المرتهن وهي المضمونة) ش: أي يد المرتهن في حق المالية مضمونة بالأقل من قيمة الرهن ومن الدين.
م: (ولو دفع العدل إلى الراهن أو المرتهن ضمن؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (مودع الراهن في حق العين ومودع المرتهن في حق المالية وأحدهما) ش: أي الراهن أو المرتهن م: (أجنبي عن الآخر والمودع يضمن بالدفع إلى الأجنبي) ش: وإذا كان العدل رجلين والرهن مما لا يقسم فوضعاه عند أحدهما كان جائزا، ولا ضمان فيه؛ لأنهما أتيا بالحفظ المطلوب، وإن كان مما لا يقسم فاقتسماه فوضعاه عند أحدهما ضمن الذي وضع حصته عند صاحبه في قول أبي حنيفة. وقالا: لا ضمان عليه، وقد مر في كتاب الوديعة.
م: (وإذا ضمن العدل قيمة الرهن بعدما دفع إلى أحدهما) ش: أي إلى الراهن أو المرتهن م: (وقد استهلكه المدفوع إليه) ش: وهو الراهن أو المرتهن م: (أو هلك في يده) ش: أي في يد المدفوع إليه م: (لا يقدر) ش: أي العدل م: (أن يجعل القيمة رهنا في يده) ش: أي في يد نفسه م: (لأنه) ش: أي لأن العدل حينئذ م: (يصير قاضيا) ش: أي ما وجب عليه بالضمان م: (ومقتضيا، وبينهما تناف) ش: لكون الواحد مسلما ومسلما إليه م: (لكن يتفقان) ش: أي الراهن والمرتهن م: (على أن يأخذاها) ش: أي القيمة م: (منه) ش: أي العدل م: (ويجعلاها) ش: أي القيمة م: (رهنا عنده) ش: أي العدل.
م: (أو عند غيره وإن تعذر اجتماعهما) ش: أي اجتماع الراهن والمرتهن م: (يرفع) ش: أي العدل، هكذا قاله الكاكي وغيره م: (أحدهما) ش: إما الراهن أو المرتهن. قال الأترازي: أحدهما برفع الدال؛ لأنه فاعل وظن بعضهم أن أحدهما منصوب، يعني أن العدل برفع أحدهما وذاك ليس بشيء؛ لأن العدل هو ضامن القيمة فبعيد أن يرفع ضامن المطالبة نفسه الخصم إلى القاضي.
قلت: هذا ليس بوجه أنه ليس بعيد من العدل ما نفاه عنه م: (إلى القاضي ليفعل كذلك) ش: يعني يأخذ القيمة الواجبة على العدل بالضمان منه، ثم يصير رهنا عنده.(13/5)
ولو فعل ذلك ثم قضى الراهن الدين وقد ضمن العدل القيمة بالدفع إلى الراهن فالقيمة سالمة له لوصول المرهون إلى الراهن ووصول الدين إلى المرتهن، ولا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد وإن كان ضمنها بالدفع إلى المرتهن فالراهن يأخذ القيمة منه لأن العين لو كانت قائمة في يده يأخذها إذا أدى الدين فكذلك يأخذ ما قام مقامها ولا جمع فيه بين البدل والمبدل.
قال: وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عند حلول الدين، فالوكالة جائزة؛ لأنه توكيل ببيع ماله. وإن شرطت في عقد الرهن، فليس للراهن أن يعزل الوكيل، وإن عزله لم ينعزل؛ لأنها لما شرطت في ضمن عقد الرهن صار وصفا من أوصافه وحقا من حقوقه، ألا ترى أنه لزيادة الوثيقة فيلزم بلزوم أصله؛ ولأنه تعلق به حق المرتهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو فعل) ش: أي القاضي م: (ذلك ثم قضى الراهن الدين وقد ضمن العدل القيمة بالدفع إلى الراهن فالقيمة سالمة له) ش: أي للعدل م: (لوصول المرهون إلى الراهن، ووصول الدين إلى المرتهن، ولا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد) ش: لأنه إذا أخذ الراهن القيمة يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد.
م: (وإن كان) ش: العدل م: (ضمنها بالدفع إلى المرتهن فالراهن يأخذ القيمة منه) ش: أي من العدل م: (لأن العين لو كانت قائمة) ش: فيه بين البدل والمبدل؛ لأن العين لو كان قائما م: (في يده يأخذها إذا أدى الدين فكذلك يأخذ ما قام مقامها ولا جمع فيه بين البدل والمبدل) ش: يعني لا يجمع هذا البدل والمبدل في ملك واحد ثم هلك يرجع العدل بذلك على المرتهن. قال في " الذخيرة ": إن كان العدل رفع الرهن إلى المرتهن: على المرتهن العارية أو الوديعة وهلك في يده لا يرجع وإن استهلكه المرتهن يرجع عليه.
[وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن عند حلول الدين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وكل الراهن المرتهن أو العدل أو غيرهما) ش: أي وكل غير المرتهن والعدل م: (ببيع الرهن عند حلول الدين، فالوكالة جائزة) ش: ولا خلاف فيه للأئمة الثلاثة م: (لأنه توكيل ببيع ماله، وإن شرطت) ش: أي الوكالة م: (في عقد الرهن، فليس للراهن أن يعزل الوكيل، وإن عزله لم ينعزل) ش: وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينعزل، وبه قال أحمد.
وكذا لو مات الراهن انفسخت الوكالة عندهما م: (لأنها لما شرطت) ش: الوكالة م: (في ضمن عقد الرهن صار) ش: أي عقد الوكالة م: (وصفا من أوصافه) ش: أي من أوصاف الرهن م: (وحقا من حقوقه) ش: أي من حقوق الرهن فلزم كأصله؛ لأن حكم التبع لا يفارق حكم الأصل.
م: (ألا ترى أنه) ش: أي أن عقد الوكالة م: (لزيادة الوثيقة فيلزم بلزوم أصله) ش: أي فيلزم عقد الوكالة بلزوم أصل عقد الرهن م: (لأنه) ش: أي وأن عقد الوكالة م: (تعلق به حق المرتهن،(13/6)
وفي العزل إتواء حقه، وصار كالوكيل بالخصومة بطلب المدعي. ولو وكله بالبيع مطلقا حتى ملك البيع بالنقد والنسيئة، ثم نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل نهيه لأنه لازم بأصله. فكذا بوصفه لما ذكرنا وكذا إذا عزله المرتهن لا ينعزل؛ لأنه لم يوكله وإنما وكله غيره. وإن مات الراهن لم ينعزل لأن الرهن لا يبطل بموته؛ ولأنه لو بطل إنما يبطل لحق الورثة وحق المرتهن مقدم. قال: وللوكيل أن يبيعه بغير محضر من الورثة كما يبيعه في حال حياته بغير محضر منه، وإن مات المرتهن فالوكيل على وكالته؛ لأن العقد لا يبطل بموتهما، ولا بموت أحدهما فيبقى بحقوقه وأوصافه. وإن مات الوكيل انتقضت الوكالة ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه؛ لأن الوكالة لا يجري فيها الإرث؛ ولأن الموكل رضي برأيه لا برأي غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي العزل إتواء حقه) ش: أي إعدام حق المرتهن م: (وصار كالوكيل بالخصومة) ش: أي كوكيل المدعى عليه بالخصومة م: (بطلب المدعي) ش: حيث لم يجز للوكيل عزله م: (ولو وكله بالبيع مطلقا) ش: أي ولو وكل الراهن العدل ببيع الرهن مطلقا بغير قيد شيء م: (حتى ملك البيع بالنقد والنسيئة، ثم نهاه عن البيع نسيئة لم يعمل نهيه) ش: يعني لا ينعزل الوكيل م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الوكالة م: (لازم بأصله) ش: وهو الرهن م: (فكذا بوصفه) ش: وهو الإطلاق م: (لما ذكرنا) ش: أنه صار حقا من حقوقه.
م: (وكذا إذا عزله المرتهن لا ينعزل؛ لأنه لم يوكله وإنما وكله غيره، وإن مات الراهن لم ينعزل؛ لأن الرهن لا يبطل بموته؛ ولأنه) ش: أي ولأن الوكالة م: (لو بطل إنما يبطل لحق الورثة) ش: كما في سائر الوكالات، ويبطل بموت الموكل حيث ينتقل الملك إلى الورثة، ولا رضي لهم بالبيع، وأما هاهنا فلا اعتبار لحق الورثة م: (وحق المرتهن مقدم) ش: يقدم على حق الورثة.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وللوكيل أن يبيعه بغير محضر من الورثة) ش: أي للوكيل الذي هو عدل أن يبيع الرهن بالوكالة المشروطة في عقد الرهن بغير محضر من ورثة الراهن الذي مات م: (كما يبيعه في حال حياته بغير محضر منه) ش: أي من الراهن م: (وإن مات المرتهن فالوكيل على وكالته؛ لأن العقد لا يبطل بموتهما) ش: أي لأن عقد الرهن لا يبطل بموت الراهن والمرتهن م: (ولا بموت أحدهما) ش: أي ولا يبطل أيضا بموت الراهن والمرتهن م: (فيبقى) ش: أي عقد الرهن م: (بحقوقه) ش: وهي الحبس والاستيفاء والوكالة م: (وأوصافه) ش: وهي اللزوم وجبر الوكيل على البيع إذا أبى والبيع بالنسيئة وصرف الدراهم وحق بيع ولد الرهن.
م: (وإن مات الوكيل انتقضت الوكالة ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه؛ لأن الوكالة لا يجري فيها الإرث؛ ولأن الموكل رضي برأيه) ش: أي برأي الذي وكله م: (لا برأي غيره) ش: وفي " الذخيرة ": الوكيل بالبيع إذا أوصى رجلا ببيعه لم يجز، إلا أن يكون الراهن قال له في أصل الوكالة: وكلتك(13/7)
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وصي الوكيل يملك بيعه؛ لأن الوكالة لازمة فيملكه الوصي كالمضارب إذا مات بعدما صار رأس المال أعيانا يملك وصي المضارب بيعها لما أنه لازم بعدما صار أعيانا. قلنا: التوكيل حق لازم، لكن عليه والإرث يجري فيما له، بخلاف المضاربة لأنها حق المضارب. وليس للمرتهن أن يبيعه إلا برضا الراهن؛ لأنه ملكه وما رضي ببيعه، وليس للراهن أن يبيعه إلا برضا المرتهن؛ لأن المرتهن أحق بماليته من الراهن فلا يقدر الراهن على تسليمه بالبيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ببيع الرهن وأجزت لك ما صنعت فيه، ويجوز لوصيه بيعه ولا يجوز لوصيه أن يوصي إلى غيره.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وصي الوكيل يملك بيعه) ش: أي بيع الرهن عند حلول الدين م: (لأن الوكالة لازمة فيملكه الوصي) ش: لأن هذا حق واجب، ولو أراد الراهن أن يحجر عليه لم يكن له ذلك، فصار م: (كالمضارب إذا مات بعدما صار رأس المال أعيانا يملك وصي المضارب بيعها لما أنه) ش: أي أن البيع م: (لازم بعدما صار) ش: أي رأس المال م: (أعيانا) ش: لأجل حق رب المال.
م: (قلنا التوكيل حق لازم، لكن عليه) ش: لأنه لا يجري فيه الإرث م: (والإرث يجري فيما له) ش: ما له لا فيما عليه م: (بخلاف المضاربة لأنها) ش: أي لأن المضاربة م: (حق المضارب) ش: وله ولاية التوكيل في حياته فجاز أن يقوم وصيه بها بعد موته كالأب في مال الصغير، والوكيل ليس له حق التوكيل في حياته فلا يقوم غيره مقامه بعد مماته.
م: (وليس للمرتهن أن يبيعه) ش: أي الرهن م: (إلا برضا الراهن؛ لأنه ملكه) ش: لأن الرهن ملك الراهن م: (وما رضي ببيعه، وليس للراهن أن يبيعه إلا برضا المرتهن؛ لأن المرتهن أحق بماليته من الراهن، فلا يقدر الراهن على تسليمه بالبيع) ش: لأن حكم الرهن ملك العين في حق الحبس حتى يكون المرتهن أحق بإمساكه إلى وقت إيفاء الدين.
وفي " شرح الطحاوي " وليس للمرتهن أن يبيع الرهن بغير إذن الراهن، وإن باعه بغير إذنه توقف على إجازة صاحبه، فإن أجازه جاز، ويكون الثمن رهنا وإن لم يجز، ولا يجوز البيع، وله أن يبطله ويعيده رهنا، وإن هلك في يد المشتري قبل الإجازة فلا يجوز، والإجازة بعده، ولكن الراهن له أن يضمنه أيهما شاء، فإن ضمن المرتهن جاز البيع والثمن له، ويكون ضمانه رهنا، وإن ضمن المشتري بطل البيع، ويكون الضمان رهنا ثم يرجع المشتري على البائع بالثمن.
وفي " مختصر الكرخي " وليس للمرتهن أن يبيع الرهن في دينه إذا لم يكن للراهن سلطة على(13/8)
قال: فإن حل الأجل وأبى الوكيل الذي في يده الرهن أن يبيعه، والراهن غائب أجبر على بيعه لما ذكرنا من الوجهين في لزومه. وكذلك الرجل يوكل غيره بالخصومة وغاب الموكل فأبى أن يخاصم أجبر على الخصومة للوجه الثاني، وهو أن فيه إتواء الحق، بخلاف الوكيل بالبيع؛ لأن الموكل يبيع بنفسه فلا يتوي حقه. أما المدعي لا يقدر على الدعوى والمرتهن لا يملك بيعه بنفسه، فلو لم يكن التوكيل مشروطا في عقد الرهن وإنما شرط بعده، قيل: لا يجبر اعتبارا بالوجه الأول. وقيل: يجبر رجوعا إلى الوجه الثاني، وهذا أصح. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجواب في الفصلين واحد، ويؤيده: إطلاق الجواب في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيعه أو أذن له فيه وليس له أن يؤاجره ولا أن يعيره، فإن فعل شيئا من ذلك فسخ البيع ورد إلى يد المرتهن رهنا.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن حل الأجل وأبى الوكيل الذي في يده الرهن أن يبيعه، والراهن غائب أجبر على بيعه) ش: يعني يحبس أياما حتى يبيعه، فإن أبى بعد ما حبسه أياما ذكر في " الزيادات ": أن القاضي يبيعه عليه، وهو على قولهما ظاهر. أما على قول أبي حنيفة فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم لا يبيع قياسا على مال المديون. وقال آخرون يبيعه؛ لأن جهة البيع تعينت م: (لما ذكرنا من الوجهين) ش: أحدهما: أنه وصف من أوصافه، والآخر: أن فيه إتواء حقه م: (في لزومه) ش: أي لزوم عقد الوكالة.
م: (وكذلك الرجل يوكل غيره بالخصومة وغاب الموكل فأبى أن يخاصم أجبر على الخصومة للوجه الثاني) ش: وبينه بقوله م: (وهو أن فيه إتواء الحق) ش: أي حق المدعي م: (بخلاف الوكيل بالبيع) ش: حيث لا يجبر بالبيع إذا امتنع م: (لأن الموكل يبيع بنفسه فلا يتوي حقه. أما المدعي لا يقدر على الدعوى) ش: لأنه إنما خلى سبيل الخصم اعتمادا على أن الوكيل يخاصمه، فإذا امتنع الوكيل بالشيء المذكور يلحق الضرر بالمدعي كان فيه إبطال حقه م: (والمرتهن لا يملك بيعه بنفسه) ش: فإذا امتنع الوكيل عن البيع يلحق الضرر المرتهن م: (فلو لم يكن التوكيل مشروطا في عقد الرهن وإنما شرط بعده، قيل: لا يجبر) ش: أي الوكيل بالبيع م: (اعتبارا بالوجه الأول) ش: وهو أن المرتهن لا يتضرر بامتناعه.
م: (وقيل: يجبر رجوعا إلى الوجه الثاني) ش: وهو أن فيه إتواء حقه م: (وهذا أصح) ش: أي القول الثاني أصح. وقال شيخ الإسلام وفخر الإسلام وقاضي خان:، وهذه الرواية أصح؛ لأن المشروط بعد العقد يلحق بأصل العقد، ويصير كالمشروط فيه.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجواب في الفصلين واحد) ش: أي فيما كان مشروطا في الرهن وفيما لا يكون أي يجبر فيهما م: (ويؤيده) ش: أي يؤيد قول الثاني م: (إطلاق الجواب في(13/9)
" الجامع الصغير "، وفي الأصل.
وإذا باع العدل الرهن فقد خرج من الرهن والثمن قائم مقامه، فكان رهنا وإن لم يقبض بعد لقيامه مقام ما كان مقبوضا. وإذا توى كان مال المرتهن لبقاء عقد الرهن في الثمن؛ لقيامه مقام المبيع المرهون، وكذلك إذا قتل العبد المرهون وغرم القاتل قيمته؛ لأن المالك يستحقه من حيث المالية، وإن كان بدل الدم، فأخذ حكم ضمان المال في حق المستحق فبقي عقد الرهن. وكذلك لو قتله عبد فدفع به؛ لأنه قائم مقام الأول لحما ودما. قال: وإن باع العدل الرهن فأوفى المرتهن الثمن ثم استحق الرهن فضمنه العدل كان بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته، وإن شاء ضمن المرتهن الثمن الذي أعطاه، وليس له أن يضمنه غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الجامع الصغير ". وفي الأصل) ش: أي " المبسوط " أن يؤيد القول الثاني، حيث قال فيهما: وإذا أبى الوكيل عن البيع يجبر من غير فصل أن يكون مشروط في العقد أو لا.
وقال الشافعي وأحمد: لا يجبر الوكيل على البيع، وإن كان في ضمن الرهن لما ذكرنا أن عقدهما غير لازم.
[باع العدل الرهن]
م: (وإذا باع العدل الرهن فقد خرج من الرهن والثمن قائم مقامه، فكان رهنا وإن لم يقبض) ش: أي الثمن م: (بعد لقيامه مقام ما كان مقبوضا. وإذا توى) ش: أي إذا هلك م: (كان مال المرتهن) ش: أي كان الثمن التاوي مال المرتهن، وقوله مال المرتهن منصوب على أنه خبر كان على ما قدرناه، وبقولنا قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: من ضمان الراهن والعدل أمين بالاتفاق فلا ضمان عليه. وقال مالك لا ضمان على العدل، ولكن المشتري يرجع إلى المرتهن ويعود دينه في ذمة الراهن كما كان.
م: (لبقاء عقد الرهن في الثمن؛ لقيامه مقام المبيع المرهون وكذلك إذا قتل العبد المرهون وغرم القاتل قيمته؛ لأن المالك يستحقه من حيث المالية، وإن كان بدل الدم) ش: كلمة إن واصلة بما قبله، يعني أن قيمة العبد المقتول يكون رهنا مقامه، وإن كان ضمان القيمة مقابلا بالدم، ولهذا لا يزاد على دية الحر م: (فأخذ حكم ضمان المال في حق المستحق) ش: وهو المالك م: (فبقي عقد الرهن) ش: أي قامت القيمة رهنا مقام العبد المقتول.
م: (وكذلك لو قتله عبد) ش: أي لو قتل العبد المرهون عبد مثله م: (فدفع به؛ لأنه) ش: أي لأن العبد القاتل م: (قائم مقام الأول لحما ودما) ش: أي من حيث اللحم والدم، فتعلق به من الحكم ما تعلق به.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن باع العدل الرهن فأوفى المرتهن الثمن ثم استحق الرهن فضمنه العدل كان بالخيار، إن شاء ضمن الراهن قيمته، وإن شاء ضمن المرتهن الثمن الذي أعطاه، وليس له أن يضمنه غيره) ش: أي ليس للعدل أن يضمن المرتهن غير الثمن الذي أعطاه(13/10)
وكشف هذا أن المرهون المبيع إذا استحق، إما أن يكون هالكا أو قائما، ففي الوجه الأول: المستحق بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته؛ لأنه غاصب في حقه، وإن شاء ضمن العدل؛ لأنه متعد في حقه بالبيع والتسليم، فإن ضمن الراهن نفذ البيع وصح الاقتضاء؛ لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه، وإن ضمن البائع ينفذ البيع أيضا؛ لأنه ملكه بأداء الضمان، فتبين أنه باع ملك نفسه. وإذا ضمن العدل، فالعدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه وكيل من جهته عامل له، فيرجع عليه بما لحقه من العهدة ونفذ البيع وصح الاقتضاء فلا يرجع المرتهن عليه بشيء من دينه، وإن شاء رجع على المرتهن بالثمن؛ لأنه تبين أنه أخذ الثمن بغير حق؛ لأنه ملك العبد بأداء الضمان ونفذ بيعه عليه، فصار الثمن له، وإنما أداه إليه على حسبان أنه ملك الراهن، فإذا تبين أنه ملكه لم يكن راضيا به، فله أن يرجع به عليه. وإذا رجع بطل الاقتضاء، فيرجع المرتهن على الراهن بدينه. وفي الوجه الثاني: وهو أن يكون قائما في يد المشتري فللمستحق أن يأخذه من يده؛ لأنه وجد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكشف هذا) ش: أي إيضاح هذا الحكم م: (أن المرهون المبيع إذا استحق إما أن يكون هالكا أو قائما، ففي الوجه الأول) ش: أي فيما إذا كان المرهون المبيع هالكا م: (المستحق بالخيار إن شاء ضمن الراهن قيمته؛ لأنه غاصب في حقه) ش: أي في حق المستحق، م: (وإن شاء ضمن العدل؛ لأنه متعد في حقه بالبيع والتسليم، فإذا ضمن الراهن نفذ البيع وصح الاقتضاء) ش: أي صح قبض المرتهن الثمن مقابلة دينه.
م: (لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه، وإن ضمن البائع ينفذ البيع أيضا؛ لأنه ملكه بأداء الضمان، فتبين بأنه باع ملك نفسه، وإذا ضمن العدل، فالعدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه وكيل من جهته عامل له، فيرجع عليه بما لحقه من العهدة ونفذ البيع وصح الاقتضاء، فلا يرجع المرتهن عليه) ش: أي على الراهن م: (بشيء من دينه، وإن شاء رجع على المرتهن بالثمن؛ لأنه تبين أنه أخذ الثمن بغير حق؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (ملك العبد بأداء الضمان ونفذ بيعه عليه، فصار الثمن له) ش: أي العدل.
م: (وإنما أداه إليه) ش: أي وإنما أدى المشتري الثمن إلى العدل م: (على حسبان أنه ملك الراهن، فإذا تبين أنه ملكه) ش: أي ملك العدل م: (لم يكن راضيا به) ش: أي لم يكن العدل راضيا بأداء الثمن إلى المرتهن م: (فله أن يرجع به عليه) ش: أي فللعدل أن يرجع بالثمن الذي أداه إلى المرتهن على المرتهن م: (وإذا رجع بطل الاقتضاء) ش: أي بطل قبض المرتهن م: (فيرجع المرتهن على الراهن بدينه) .
م: (وفي الوجه الثاني: وهو أن يكون قائما في يد المشتري فللمستحق أن يأخذه من يده؛ لأنه وجد(13/11)
عين ماله، ثم للمشتري أن يرجع على العدل بالثمن؛ لأنه العاقد فتتعلق به حقوق العقد، وهذا من حقوقه حيث وجب بالبيع، وإنما أداه ليسلم له المبيع ولم يسلم، ثم العدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة؛ لأنه هو الذي أدخله في هذه العهدة فيجب عليه تخليصه. وإذا رجع عليه صح قبض المرتهن؛ لأن المقبوض سلم له، وإن شاء رجع على المرتهن؛ لأنه إذا انتقض العقد بطل الثمن وقد قبضه ثمنا، فيجب نقض قبضه ضرورة. وإذا رجع عليه وانتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان فيرجع به على الراهن. ولو أن المشتري سلم الثمن إلى المرتهن لم يرجع على العدل؛ لأنه في البيع عامل للراهن، وإنما يرجع عليه إذا قبض ولم يقبض فبقي الضمان على الموكل. وإن كان التوكيل بعد عقد الرهن غير مشروط في العقد فما لحق العدل من العهدة يرجع به على الراهن قبض الثمن المرتهن أم لا؛ لأنه لم يتعلق بهذا التوكيل حق المرتهن فلا رجوع كما في الوكالة المفردة عن الرهن إذا باع الوكيل ودفع الثمن إلى من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عين ماله، ثم للمشتري أن يرجع على العدل بالثمن؛ لأنه العاقد فتتعلق به) ش: أي بالعاقد م: (حقوق العقد، وهذا) ش: أي الرجوع بالثمن م: (من حقوقه) ش: أي من حقوق البيع؛ لأن ولاية الرجوع إليه م: (حيث وجب بالبيع، وإنما أداه ليسلم له المبيع) ش: أي إنما أدى المشتري الثمن إلى العدل.
م: (ولم يسلم) ش: أي للمشتري المبيع والحال أنه لم يسلم م: (ثم العدل بالخيار إن شاء رجع على الراهن بالقيمة) ش: وفي بعض النسخ بالثمن م: (لأنه هو الذي أدخله في هذه العهدة فيجب عليه تخليصه. وإذا رجع عليه صح قبض المرتهن؛ لأن المقبوض سلم له) ش: أي لأن الثمن المقبوض من العدل سلم للمرتهن.
م: (وإن شاء) ش: أي العدل م: (رجع على المرتهن) ش: بالثمن الذي أداه إليه م: (لأنه إذا انتقض العقد بطل الثمن وقد قبضه ثمنا فيجب نقض قبضه ضرورة، وإذا رجع عليه) ش: أي على المرتهن م: (وانتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان، فيرجع به) ش: أي فيرجح بحقه الذي هو دينه م: (على الراهن. ولو أن المشتري سلم الثمن إلى المرتهن لم يرجع على العدل؛ لأنه) ش: أي لأن العدل م: (في البيع عامل للراهن، وإنما يرجع عليه) ش: أي وإنما يرجع المرتهن على العدل م: (إذا قبض ولم يقبض، فبقي الضمان على الموكل) ش: المراد بالموكل المرتهن، وسماه موكلا كأن البيع وقع لأجله، وبالضمان للثمن، أو المراد بالموكل الراهن وبالضمان الدين قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وإن كان التوكيل بعد عقد الرهن غير مشروط في العقد، فما لحق العدل من العهدة يرجع به على الراهن قبض الثمن المرتهن أم لا؛ لأنه لم يتعلق بهذا التوكيل حق المرتهن فلا رجوع) ش: أي على المرتهن م: (كما في الوكالة المفردة عن الرهن إذا باع الوكيل ودفع الثمن إلى من(13/12)
أمره الموكل ثم لحقه عهدة لا يرجع به على المقتضي. بخلاف الوكالة المشروطة في العقد؛ لأنه تعلق به حق المرتهن، فيكون البيع لحقه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا يؤيد قول من لا يرى جبر هذا الوكيل على البيع. قال: وإن مات العبد المرهون في يد المرتهن ثم استحقه رجل فله الخيار إن شاء ضمن الراهن، وإن شاء ضمن المرتهن؛ لأن كل واحد منهما متعد في حقه بالتسليم أو بالقبض. فإن ضمن الراهن فقد مات بالدين؛ لأنه ملكه بأداء الضمان فصح الإيفاء. وإن ضمن المرتهن يرجع على الراهن بما ضمن من القيمة وبدينه أما القيمة فلأنه مغرور من جهة الراهن، وأما بالدين فلأنه انتقض اقتضاؤه، فيعود حقه كما كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أمره الموكل ثم لحقه عهده لا يرجع به على المقتضي) ش: أي على القابض.
م: (بخلاف الوكالة المشروطة في العقد؛ لأنه تعلق به حق المرتهن، فيكون البيع لحقه) ش: فإذا وقع البيع لحقه لو سلم له وجاز أن يلزمه الضمان.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هكذا ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أراد به ما ذكره في " مختصره " م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره الكرخي م: (يؤيد قول من لا يرى جبر هذا الوكيل على البيع) ش: أي قول من لا يرى من المشايخ أن الوكيل إذا كانت وكالته غير مشروطة في عقد الرهن لا يجبر على البيع إذا أبى ذلك.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن مات العبد المرهون في يد المرتهن ثم استحقه رجل فله الخيار، إن شاء ضمن الراهن، وإن شاء ضمن المرتهن؛ لأن كل واحد منهما) ش: أي من الراهن والمرتهن م: (متعد في حقه) ش: أي في حق المستحق م: (بالتسليم أو بالقبض) ش: يعني الراهن بالتسليم والمرتهن بالقبض، فكان كالغاصب وغاصب الغاصب، فالراهن كالغاصب، والمرتهن كغاصب الغاصب فله أن يضمن أيهما شاء.
م: (فإن ضمن الراهن فقد مات بالدين) ش: أي سقط بالدين يعني أي سقط الدين أيضا؛ م: (لأنه) ش: أي لأن الراهن م: (ملكه بأداء الضمان) ش: من وقت القبض، فتبين أنه رهن ملك نفسه م: (فصح الإيفاء، وإن ضمن المرتهن) ش: القيمة م: (يرجع على الراهن بما ضمن من القيمة وبدينه) ش: أي ورجع بدينه أيضا م: (أما القيمة) ش. أي أما الرجوع بالقيمة م: (فلأنه) ش: أي فلأن المرتهن م: (مغرور من جهة الراهن) ش: حيث رهن ملك غيره، وصار كأنه هو الذي أوجب عليه الضمان.
م: (وأما بالدين) ش: أي وأما الرجوع بالدين م: (فلأنه انتقض اقتضاؤه) ش: أي قبضه لأن الرهن لم يكن ملك الراهن حتى يكون بهلاكه مستوفيا، فإذا كان كذلك م: (فيعود حقه كما كان)(13/13)
فإن قيل: لما كان قرار الضمان على الراهن برجوع المرتهن عليه، والملك في المضمون يثبت لمن عليه قرار الضمان، فتبين أنه راهن ملك نفسه، فصار كما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء. قلنا: هذا طعن أبي خازم القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. والجواب عنه: أنه يرجع عليه بسبب الغرور، والغرور بالتسليم كما ذكرناه أو بالانتقال من المرتهن إليه كأنه وكيل عنه، والملك بكل ذلك متأخر عن عقد الرهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: لأن الدين إنما يسقط بهلاكه الرهن إذا رهن ملك نفسه ولم يوجد ذلك.
م: (فإن قيل لما كان قرار الضمان على الراهن برجوع المرتهن عليه، والملك في المضمون يثبت لمن كان عليه قرار الضمان، فتبين أنه رهن ملك نفسه، فصار كما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء) ش: فلا ينتقض اقتضاء المرتهن م: (قلنا هذا) ش: يعني هذا السؤال م: (طعن أبي خازم القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: على محمد بن الحسن، بيان طعنه أنه قال لما كان قرار الضمان على الراهن كان الملك في المضمون له، فتبين أنه كان راهنا ملك نفسه فكان هذا.
وأما إذا ضمن المستحق الراهن من الابتداء على السواء. فأبو خازم بالخاء المعجمة وبالزاي اسمه عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي الحنفي، أصله من البصرة وسكن بغداد، وكان ولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ من مدينة السلام، ثم استقضاه الخليفة المقتصد بالله على الشرقية سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنين وتسعين ومائتين، وكان أخذ العلم عن هلال بن يحيى وهو هلال الراوي البصري، وهلال أخذ عن أبي يوسف وزفر ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وكان أبو خازم أستاذ أبي طاهر الدباس وقرائه، وكان دينا ورعا ثقة عالما بمذهب أهل العراق، قدوة في العلم.
م: (والجواب عنه: أنه يرجع عليه) ش: أي المرتهن رجع على الراهن م: (بسبب الغرور، والغرور بالتسليم كما ذكرناه) ش: يعني بقوله: لأن كل واحد منهما متعد في حقه بالتسليم م: (أو بالانتقال) ش: عطف على قوله بسبب الغرور م: (من المرتهن إليه) ش: أي إلى الراهن م: (كأنه وكيل عنه) ش: أي كان المرتهن وكيلا عن الراهن من حيث انتقال الملك منه إليه كانتقال الملك من الوكيل إلى الموكل م: (والملك بكل ذلك) ش: أي بكل واحد من التسليم والانتقال م: (متأخر عن عقد الرهن) ش: أما بالتسليم فظاهر؛ لأن التسليم كان بعد العقد، فتبين أنه رهن غير ملكه.
وأما بالانتقال فلأن المرتهن غاصب في حق المستحق، فإذا ضمن الملك المضمون، ولكن لما كان قرار الضمان على الراهن انتقل إليه فيملكه من جهة المرتهن، والمرتهن ملكه من حين القبض؛ لأنه صار غاصبا منه، فيملك الرهن بعد ذلك من جهة، فيكون ملك الراهن متأخرا عن عقد الرهن، فكأنه رهن غير ملكه.(13/14)
بخلاف الوجه الأول؛ لأن المستحق يضمنه باعتبار القبض السابق على الرهن، فيستند الملك إليه، فتبين أنه رهن ملك نفسه، وقد طولنا الكلام في " كفاية المنتهي " والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف الوجه الأول) ش: وهو ما إذا ضمن المستحق الراهن ابتداء م: (لأن المستحق يضمنه) ش: أي الراهن م: (باعتبار القبض السابق على الرهن، فيستند الملك إليه، فتبين أنه رهن ملك نفسه) ش: لأنه لما ثبت الملك للراهن سابقا على عقد الرهن مستندا إلى زمان القبض فتبين أنه رهن ملك نفسه م: (وقد طولنا الكلام) ش: أي في هذا المقام م: (في " كفاية المنتهي "، والله أعلم بالصواب) ش: قال صاحب " النهاية ": يحتمل أن يكون في الذي طول الكلام فيه ما لو كان الرهن عبدا فأبق وضمن المستحق الرهن قيمته ورجع المرتهن على الراهن بتلك القيمة بحكم الغرور وبالدين؛ لأنه قد استحق وبطل الرهن، وقال الأكمل: قيل مراده مسألة المضاربة والفرق بينهما وبين مسألة الرهن.
قلت: المضاربة ليست بعقد لازم، فيكون لدوامها، ويصير كالمتجدد في كل ساعة والرهن عقد لازم، فلا يمكن لدوامه حكم الابتداء، فمتى وقع باطلا لا ينفذ بعد ذلك كسائر العقود اللازمة.(13/15)
باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره قال: وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف؛ لتعلق حق الغير به وهو المرتهن، فيتوقف على إجازته. وإن كان الراهن يتصرف في ملكه، كمن أوصى بجميع ماله تقف على إجازة الورثة فيما زاد على الثلث لتعلق حقهم به فإن أجاز المرتهن جاز؛ لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره]
[باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن]
م: (باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره) ش: أي هذا باب في بيان أحكام التصرف في الرهن وفي حكم الجناية على الرهن وحكم جناية الرهن على غيره. ولما كانت هذه الأشياء بعد كون الرهن كانت متأخرة طبعا، فأخرها وضعا؛ لأن كل ترتيب يجب طبعا يجب وضعا للمناسبة.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف) ش: سواء لم يعلم المرتهن بالبيع أو علم ولم يأذن. وفي " المبسوط " لم يجز البيع. وقال في موضع آخر: البيع فاسد.
وقال في موضع: جائز، والصحيح أنه موقوف، وتأويل قوله: " إنه فاسد " أي يفسده القاضي إذا خوصم فيه إليه، وتأويل قوله: " إنه جائز "، أي إذا أجازه المرتهن وسلمه إليه، وإذا فسخه المرتهن ففيه روايتان كما ذكر في الكتاب وعند الأئمة الثلاثة: البيع باطل، وكذا قال محمد في " الجامع الصغير ": البيع باطل، إلا أن يجيزه المرتهن.
وقال أبو المعين النسفي في " شرح الجامع ": أنه سيبطل إذا لم يجزه المرتهن؛ لأنه وقع باطلا لا يتصور بقاؤه بالإجازة.
قال: وروي عن أبي يوسف في " الأمالي ": أن البيع نافذ حتى إن المشتري لو أعتقه قبل العقد نفذ عتقه، وإذا لم يعتقه المشتري بقي رهنا عند المرتهن فيستوفي المرتهن دينه. وفي " فتاوى الولوالجي " بيع المرهون، يعني أنه غير نافذ في حق المرتهن، وليس للراهن حق الفسخ بمنزلة بيع المستأجر، وذكر في بعض المواضع أن بيعهما سواء أنه يصح لكن ينفذ وبه يفتى.
وذكر في " جامع عصام " وفرق بينهما وقال: بيع المستأجر باطل، وبيع المرهون موقوف م: (لتعلق حق الغير به) ش: أي بالرهن م: (وهو المرتهن، فيتوقف على إجازته. وإن كان الراهن يتصرف في ملكه) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها م: (كمن أوصى بجميع ماله تقف على إجازة الورثة فيما زاد على الثلث لتعلق حقهم به) ش: أي بما زاد على الثلث. م: (فإن أجاز المرتهن) ش: البيع م: (جاز لأن(13/16)
التوقف لحقه وقد رضي بسقوطه. وإن قضاه الراهن دينه جاز أيضا؛ لأنه زال المانع من النفوذ والمقتضى موجود وهو التصرف الصادر من الأهل في المحل. وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن ينتقل حقه إلى بدله هو الصحيح لأن حقه تعلق بالمالية، والبدل له حكم المبدل، فصار كالعبد المديون المأذون إذا بيع برضا الغرماء ينتقل حقهم إلى البدل؛ لأنهم رضوا بالانتقال دون السقوط رأسا، فكذا هذا. وإن لم يجز المرتهن البيع وفسخه انفسخ في رواية، حتى لو أفتك الراهن الرهن لا سبيل للمشتري عليه؛ لأن الحق الثابت للمرتهن بمنزلة الملك، فصار كالمالك، له أن يجيز، وله أن يفسخ، وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بفسخه؛ لأنه لو ثبت حق الفسخ له إنما يثبت ضرورة صيانة حقه، وحقه في الحبس لا يبطل بانعقاد هذا العقد فبقي موقوفا، فإن شاء المشتري صبر حتى يفتك الراهن الرهن إذ العجز على شرف الزوال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التوقف لحقه) ش: أي لحق المرتهن م: (وقد رضي بسقوطه) ش: أي بسقوط حقه م: (وإن قضاه الراهن دينه جاز أيضا؛ لأنه زال المانع) ش: بإسقاط حقه م: (من النفوذ) ش: أي نفوذ البيع م: (والمقتضى) ش: أي للجواز م: (موجود وهو) ش: أي المقتضى م: (التصرف الصادر من الأهل) ش: وهو كونه عاقلا بالغا م: (في المحل) ش: وهو كونه ملكا له.
م: (وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن ينتقل حقه) ش: أي حق المرتهن م: (إلى بدله) ش: وهو الثمن يكون رهنا، فكان المبيع المرهون م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن رواية القاضي أبي خازم عن أبي يوسف أنه قال: إنما يصير الثمن رهنا إذا شرط المرتهن عند الإجازة أن يكون الثمن رهنا عنده لا عند عدم الشرط. وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأن حقه) ش: أي حق المرتهن م: (تعلق بالمالية والبدل له حكم المبدل) ش: البدل هو الثمن، والمبدل هو العين المرهون م: (فصار) ش: حكم المذكور م: (كالعبد المديون المأذون إذا بيع برضا الغرماء ينتقل حقهم إلى البدل؛ لأنهم رضوا بالانتقال دون السقوط رأسا) ش: يعني بالكلية م: (فكذا هذا) ش: يعني رضي بنفاذ البيع لا يسقط حقه في الرهن.
م: (وإن لم يجز المرتهن البيع وفسخه، انفسخ في رواية، حتى لو أفتك الراهن الرهن لا سبيل للمشتري عليه؛ لأن الحق الثابت للمرتهن بمنزلة الملك، فصار كالمالك، له أن يجيز، وله أن يفسخ. وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بفسخه؛ لأنه لو ثبت حق الفسخ له) ش: أي للمرتهن م: (إنما يثبت ضرورة صيانة حقه، وحقه في الحبس لا يبطل بانعقاد هذا العقد فبقي موقوفا) ش: وفي " المبسوط " لا حق للمرتهن، وبهذا العقد، ولا ضرر له في إنفاذه فليس له ولاية الفسخ.
م: (فإن شاء المشتري صبر حتى يفتك الراهن الرهن إذ العجز على شرف الزوال) ش: أي لأن(13/17)
وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي، وللقاضي أن يفسخ لفوات القدرة على التسليم، وولاية الفسخ إلى القاضي لا إليه، وصار كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض، فإنه يتخير المشتري لما ذكرنا كذلك هذا. ولو باعه الراهن من رجل ثم باعه بيعا ثانيا من غيره قبل أن يجيزه المرتهن فالثاني موقوف أيضا على إجازته؛ لأن الأول لم ينفذ، والموقوف لا يمنع توقف الثاني، فلو أجاز المرتهن البيع الثاني جاز الثاني. ولو باع الراهن ثم أجر أو وهب أو رهن من غيره وأجاز المرتهن هذه العقود جاز البيع الأول. والفرق أن المرتهن ذو حظ من البيع الثاني؛ لأنه يتعلق حقه ببدله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العجز عن تسليم المبيع على شرف الزوال م: (وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي، وللقاضي أن يفسخ) ش: أي البيع م: (لفوات القدرة على التسليم، وولاية الفسخ إلى القاضي لا إليه) ش: أي لا إلى المرتهن؛ لأن هذا الفسخ لقطع المنازعة، وهو إلى القاضي م: (وصار) ش: هذا م: (كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض، فإنه يتخير المشتري) ش: إما أن يصير إلى زوال العجز، وإما أن يرفع الأمر إلى القاضي فيفسخ البيع م: (لما ذكرنا) ش: من قوله: لفوات القدرة على التسليم م: (كذلك هذا) ش: أي حكم الرهن المذكور.
م: (ولو باعه الراهن) ش: أي ولو باع الرهن الراهن م: (من رجل ثم باعه بيعا ثانيا من غيره قبل أن يجيزه المرتهن فالثاني) ش: أي البيع الثاني م: (موقوف أيضا على إجازته؛ لأن الأول) ش: أي البيع الأول م: (لم ينفذ، والموقوف لا يمنع توقف الثاني، فلو أجاز المرتهن البيع الثاني جاز الثاني) ش: وقال الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع الكبير "، وهذه الرواية إنما تستقيم على رواية " الجامع " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن البيع لا ينفذ بدون إجازة المرتهن كما هو مذهب أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - على رواية صاحب " الأمالي " عن أبي يوسف: أن البيع ينعقد بدون إجازة المرتهن فلا يتوقف البيع الثاني على المشتري الأول؛ لأنه ملكه بالعقد الأول لا على المرتهن.
م: (ولو باع الراهن ثم أجر أو رهن أو وهب من غيره وأجاز المرتهن هذه العقود) ش: وهي الإجارة والرهن والهبة م: (جاز البيع الأول) ش: قال تاج الشريعة سماه أولا إن لم يكن بيعا بالنسبة إلى هذه العقود؛ لأنها لا تتأخر عن البيع، ويجوز أن يكون باعه من واحد ثم من آخر ثم باشر هذه العقود وأجاز المرتهن هذه صح البيع الأول دون الثاني لرجحانه بالسبق.
م: (والفرق) ش: أي بين البيع الثاني وبين العقود المذكورة: فإنه بإجازتها يصح العقد الأول وهو البيع، ولم تصح هي وبإجازة البيع الثاني لا يصح البيع الأول، وإن كان سابقا ويصح هو أي الفرق م: (أن المرتهن ذو حظ من البيع الثاني) ش: في المسألة الأولى م: (لأنه يتعلق حقه ببدله(13/18)
فيصح تعيينه لتعلق فائدته به، إما لا حق له في هذه العقود؛ لأنه لا بدل في الهبة والرهن والذي في الإجارة بدل المنفعة لا بدل العين، وحقه في مالية العين لا في المنفعة، فكانت إجارته إسقاطا لحقه، فزال المانع فنفذ البيع الأول فوضح الفرق. قال: ولو أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه. وفي بعض أقوال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينفذ عتقه إذا كان المعتق معسرا؛ لأن في تنفيذه إبطال حق المرتهن، فأشبه البيع، بخلاف ما إذا كان موسرا حيث ينفذ على بعض أقواله؛ لأنه لا يبطل حقه معنى بالتضمين، وبخلاف إعتاق المستأجر؛ لأن الإجارة تبقى مدتها إذ الحر يقبلها، أما ما لا يقبل الرهن فلا يبقى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيصح تعيينه لتعلق فائدته به) ش: وهو زيادة الثمن في البيع الثاني، ولعله يحصله تلك الزيادة له ففي البيع الثاني دون الأول، فيجعل لتعيينه فائدة.
م: (إما لا حق له) ش: أي للمرتهن م: (في هذه العقود) ش: التي ذكرناها م: (لأنه لا بدل في الهبة والرهن والذي في الإجارة بدل المنفعة لا بدل العين، وحقه في مالية العين لا في المنفعة، فكانت إجارته إسقاطا لحقه، فزال المانع) ش: من الثاني م: (فنفذ البيع الأول فوضح الفرق) ش: بالوجه الذي ذكره.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو أعتق الراهن عبد الرهن نفذ عتقه) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول الشريك والحسن بن صالح، م: (وفي بعض أقوال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينفذ عتقه إذا كان المعتق معسرا) ش: والحاصل أن للشافعي أقوالا، ولم يذكر المصنف له إلا قولين، فنقول قال الشافعي: في الأصح إن كان الراهن معسرا لا ينفذ، وبه قال أحمد، وإن كان موسرا فينفذ.
وقال الشافعي في قول: لا ينفذ عتقه موسرا كان أو معسرا، وبه قال أبو ثور وعطاء والبتي م: (لأن في تنفيذه) ش: أي في مسألة العتق في الإعسار م: (إبطال حق المرتهن فأشبه البيع) ش: بل أولى؛ لأنه أسرع نفوذا من العتق، حيث جاز من المكاتب دون العتق.
م: (بخلاف ما إذا كان موسرا حيث ينفذ على بعض أقواله؛ لأنه لا يبطل حقه) ش: أي حق المرتهن م: (معنى بالتضمين) ش: يعني أي بتضمين الراهن قيمته.
م: (وبخلاف إعتاق المستأجر) ش: أي العبد المستأجر حيث يجوز م: (لأن الإجارة تبقى مدتها) ش: بالنصب، أي تبقى الإجارة في مدة الإجارة م: (إذ الحر يقبلها) ش: أي لأن الحر يقبل الإجارة، فلا مانع أن يكون العبد المستأجر بعد أن يكون حرا إن بقي في مدة الإجارة إلى أن تنتهي المدة م: (أما ما لا يقبل الرهن فلا يبقى) ش: أراد بما لا يقبل الرهن الحر فإنه لا يجوز رهنه قوله فلا(13/19)
ولنا: أنه مخاطب أعتق ملك نفسه، فلا يلغو تصرفه بعدم إذن المرتهن، كما إذا أعتق العبد المشترى قبل القبض، أو أعتق الآبق أو المغصوب ولا خفاء في ملك الرقبة لقيام المقتضى، وعارض الرهن لا ينبئ عن زواله. ثم إذا زال ملكه في الرقبة بإعتاقه يزول ملك المرتهن في اليد بناء عليه، كإعتاق العبد المشترك بل أولى؛ لأن ملك الرقبة أقوى من ملك اليد فلما لم يمنع الأعلى. لا يمنع الأدنى بالطريق الأولى، وامتناع النفاذ في البيع والهبة لانعدام القدرة على التسليم، وإعتاق الوارث العبد الموصى برقبته لا يلغو، بل يؤخر إلى أداء السعاية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يبقى إلى الراهن بالاتفاق.
م: (ولنا: أنه) ش: أي الراهن م: (مخاطب أعتق ملك نفسه، فلا يلغو تصرفه بعدم إذن المرتهن، كما إذا أعتق العبد المشترى قبل القبض، أو أعتق الآبق) ش: أي العبد الآبق م: (أو المغصوب ولا خفاء في ملك الرقبة لقيام المقتضى) ش: وهو التصرف الصادر عن أهله وهو الحر العاقل البالغ المالك في محله وهو الرقيق المملوك م: (وعارض الرهن لا ينبئ عن زواله) ش: تقريره: أن موجب عقد الرهن إما ثبوت يد الاستيفاء كما قلنا، أو حق البيع كما هو مذهب الشافعي وشيء من ذلك لا يزيل ملك العين. فتبقى العين على ملك الراهن كما كان، وإذا كان باقيا على ملكه وقد أزاله بالإعتاق صح.
م: (ثم إذا زال ملكه في الرقبة بإعتاقه يزول ملك المرتهن في اليد بناء عليه كإعتاق العبد المشترك) ش: إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه، فإن نفوذ عتقه في نصيبه أوجب نصيب الشريك حكما ولم تمنع عليه صحة التصرف م: (بل أولى؛ لأن ملك الرقبة أقوى من ملك اليد) ش: الذي للمرتهن م: (فلما لم يمنع الأعلى) ش: وهو حقه للملك للشريك عند صحة العتق م: (لا يمنع الأدنى) ش: وهو يد المرتهن م: (بالطريق الأولى) ش: ولا خفاء فيه م: (وامتناع النفاذ) ش: هذا جواب عما يقال: وليس المانع منحصرا فيما يزيل الملك، بل مجرد تعلق الحق مانع، ولهذا منع النفاذ م: (في البيع والهبة) ش: وتقرير الجواب أن امتناع النفاذ في حق المرتهن إنما صلح م: (لانعدام القدرة على التسليم) ش: المشروط لصحة العقدين، ولا قدرة للراهن عليه، بخلاف العتق؛ لأنه شرع لإسقاط الملك والإسقاطات لا تفتقر إلى التسليم.
م: (وإعتاق الوارث) ش: هذا جواب عما تمسك به الشافعي في بعض المواضع وادعى أن إعتاقه لغو صورته: مريض أوصى برقبة عبده لشخص ولا مال له غيره، ثم مات فأعتق الوارث العبد، قال الشافعي لم ينفذ لحق الموصى له، فكذا يجب أن يكون في الرهن، فأجاب بقوله: وإعتاق م: (العبد الموصى برقبته لا يلغو، بل يؤخر إلى أداء السعاية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش:(13/20)
وإذا نفذ الإعتاق بطل الرهن لفوات محله، ثم بعد ذلك إن كان الراهن موسرا والدين حالا طولب بأداء الدين؛ لأنه لو طولب بأداء القيمة تقع المقاصة بقدر الدين فلا فائدة فيه. وإن كان الدين مؤجلا أخذت منه قيمة العبد، وجعلت رهنا مكانه حتى يحل الدين؛ لأن سبب الضمان متحقق، وفي التضمين فائدة، فإذا حل الدين اقتضاه بحقه إذا كان من جنس حقه ورد الفضل. وإن كان معسرا سعى العبد في قيمته وقضى به الدين، إلا إذا كان بخلاف جنس حقه؛ لأنه لما تعذر الوصول إلى عين حقه من جهة المعتق يرجع إلى من ينتفع بعتقه وهو العبد؛ لأن الخراج بالضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما عندهما فلا إشكال؛ لأنه يعتق في الحال.
م: (وإذا نفذ الإعتاق) ش: هذا راجع إلى أول الكلام، يعني فإذا ثبت تحقق المقتضى وانتفاء المانع نفذ الإعتاق، أي إعتاق الرهن م: (بطل الوهن لفوات محله) ش: وهو كون العبد مملوكا م: (ثم بعد ذلك) ش: أي بعد نفاذ الإعتاق م: (إن كان الراهن موسرا والدين حالا طولب) ش: أي الراهن م: (بأداء الدين؛ لأنه لو طولب بأداء القيمة تقع المقاصة بقدر الدين، فلا فائدة فيه) ش: لأنه يجب عليه رد الزيادة إذا كانت القيمة أكثر من الدين.
م: (وإن كان الدين مؤجلا أخذت منه) ش: أي من الرهن م: (قيمة العبد وجعلت رهنا مكانه) ش: أي مكان العبد م: (حتى يحل الدين) ش: بكسر الحاء وضمها جميعا م: (لأن سبب الضمان) ش: وهو العتق م: (متحقق وفي التضمين فائدة) ش: وهو أن يكون الكل رهنا م: (فإذا حل الدين اقتضاه بحقه) ش: يعني يستوفي دينه بقدر حقه م: (إذا كان) ش: أي القيمة م: (من جنس حقه ورد الفضل) ش: أي على الدين على الراهن.
م: (وإن كان معسرا سعى العبد في قيمته وقضى به الدين) ش: وفي " شرح الطحاوي " وإن كان الراهن معسرا فللمرتهن أن يستسعى في الأقل من ثلاثة أشياء سواء كان دينه حالا أو إلى أجل وينظر إلى قيمته وقت العتاق وإلى الدين رهن به فيه فيسعى العبد في الأقل من هذه الأشياء الثلاثة، ثم يرجع على الراهن إذا أيسر؛ لأنه قضى دينه مضطرا كالوارث إذا قضى دينا للميت لا يكون متبرعا، ويرجع في التركة كذلك وهاهنا، ويرجع المرتهن أيضا ببقية دينه إن بقي له شيء من دينه.
م: (إلا إذا كان بخلاف جنس حقه) ش: يعني إلا إذا كان الحاصل من سعاية العبد، بخلاف جنس حق المرتهن فإنه لا يقضي به دينه، بل يدل به جنس حقه ويقضي به دينه م: (لأنه) ش: هذا دليل على وجوب السعاية على العبد م: (لما تعذر الوصول إلى عين حقه) ش: أي حق المرتهن م: (من جهة المعتق يرجع إلى من ينتفع بعتقه وهو العبد؛ لأن الخراج بالضمان) ش: الخراج ما خرج من(13/21)
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وتأويله إذا كانت القيمة أقل من الدين، أما إذا كان الدين أقل نذكره إن شاء الله تعالى ثم يرجع بما سعى على مولاه إذا أيسر لأنه قضى دينه، وهو مضطر فيه بحكم الشرع فيرجع عليه بما تحمل عنه، بخلاف المستسعى في الإعتاق؛ لأنه يؤدي ضمانا عليه؛ لأنه إنما يسعى لتحصيل العتق عنده، وعندهما لتكميله، وهنا يسعى في ضمان على غيره بعد تمام إعتاقه، فصار كمعير الرهن. ثم أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أوجب السعاية في المستسعى المشترك في حالتي اليسار والإعسار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غلة الأرض أو الغلام دينه الخراج بالضمان، يعني الغلة سبب إن ضمنه.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتأويله) ش: أي تأويل قول القدوري سعى العبد في قيمته م: (إذا كانت القيمة أقل من الدين) ش: لأنه إذا كان الدين أقل من القيمة سعى في الدين. ونبه عليه بقوله: م: (أما إذا كان الدين أقل نذكره إن شاء الله تعالى) ش: يريد به ما نذكره عن قريب في استيلاد الأمة المرهونة بقوله بخلاف العتق حيث يسعى في الأقل من الدين ومن القيمة م: (ثم يرجع) ش: أي العبد م: (بما سعى على مولاه إذا أيسر) ش: أي المولى م: (لأنه قضى دينه وهو مضطر فيه بحكم الشرع، فيرجع عليه بما تحمل عنه) ش: وقد مر الكلام فيه عن قريب.
م: (بخلاف المستسعى في الإعتاق) ش: يعني بخلاف العبد المشترك بين اثنين إذا أعتق أحدهما نصيبه فاستسعى، والساكت لا يرجع بما سعى على المعتق م: (لأنه يؤدي ضمانا عليه) ش: هذه إشارة إلى بيان الفرق بين العبد المرهون يسعى في رقبته تخلصت ويقضي دينا على الراهن فلهذا يرجع عليه، والمستسعى في الإعتاق يسعى في تخليص رقبته من الرق وهو منفعة خالصة له، فلهذا لا يرجع، أشار إليه بقوله " لأنه "، أي لأن المستسعى يؤدي ضمان ما عليه لأنه يؤدي الضمان عن نفسه لأنه أصل فيه م: (لأنه إنما يسعى لتحصيل العتق عنده) ش: أي عند أبي حنيفة، يعني سعيه لأجل عتقه.
م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لتكميله) ش: أي لتكميل العتق؛ لأنه كان في عتقه نقصان؛ لكونه مطالبا بالسعاية، فإذا أداها كمل العتق نظرا للعبد، ولكنه لما كان أصلا في الضمان جاز أن لا يرجع على غيره، وهنا، أي في حكم العبد المرهون م: (وهنا يسعى في ضمان على غيره بعد تمام إعتاقه، فصار كمعير الرهن) ش: يعني أن الرهن بالاستعارة إذا عجز عن فكاك الرهن فأفتكه المعير رجع بذلك على الراهن المستعير؛ لأنه قضى دينه مضطرا.
م: (ثم أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أوجب السعاية في المستسعى المشترك في حالتي اليسار والإعسار،(13/22)
وفي العبد المرهون شرط الإعسار؛ لأن الثابت للمرتهن حق الملك، وأنه أدنى من حقيقته الثابتة للشريك الساكت، فوجبت السعاية هنا في حالة واحدة إظهارا لنقصان رتبته، بخلاف المشترى قبل القبض إذا أعتقه المشتري حيث لا يسعى للبائع إلا رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمرهون يسعى لأن حق البائع في الحبس أضعف؛ لأن البائع لا يملكه في الآخرة، ولا يستوفى من عينه، وكذلك يبطل حقه في الحبس بالإعارة من المشتري، والمرتهن ينقلب حقه ملكا، ولا يبطل حقه بالإعارة من الراهن حتى يمكنه الاسترداد، فلو أوجبنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي العبد المرهون شرط الإعسار؛ لأن الثابت للمرتهن) ش: في الرهن م: (حق الملك) ش: لا حقيقة الملك، وذلك بثبوت يد الاستيفاء م: (وأنه) ش: أي وأن الثابت للمرتهن م: (أدنى من حقيقته) ش: أي حقيقة الملك م: (الثابتة للشريك الساكت) ش: فإذا كان كذلك م: (فوجبت السعاية هنا في حالة واحدة) ش: وهي حالة الإعسار م: (إظهارا لنقصان رتبته) ش: أي رتبة حق المرتهن عن رتبة الشريك الساكت.
م: (بخلاف العبد المشترى قبل القبض) ش: يعني بخلاف العبد المشترى قبل قبضه م: (إذا أعتقه المشتري) ش: وهو مفلس م: (حيث لا يسعى البائع) ش: يعني ليس للبائع؛ ولأنه استسعاء بقدر الثمن وإن كان هو محبوسا عنده قبل التسليم بالثمن؛ لأن للبائع مجرد الحبس، وإذا فات بخروجه عن كونه محلا للحبس بالعتق بطل أصلا وبقي حقه مطالبة المشتري بالثمن فحسب م: (إلا رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والمرهون يسعى) ش: أنه يسعى إذا كان المشتري معسرا.
وقال الناطفي في " الأجناس " وقال أبو يوسف في " نوادر هشام " يسعى العبد الراهن، وهذا الذي ذكره لبيان الفرق بينه وبين المبيع المستوفى قبل القبض م: (لأن حق البائع في الحبس أضعف؛ لأن البائع لا يملكه في الآخرة) ش: وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " لأن البائع لا يملكه في الآخرة " يعني إلا أن يملك ملكا يزيل اليد المتقومة وهي اليد الثابتة بالحبس " بخلاف يد المرتهن لأنه يملك ملكا يؤيد المتقوم، أي عند الاستهلاك، بل ينفسخ البيع بخلاف الرهن. م: (ولا يستوفي من عينه) ش: أي ولا يستوفي البائع من عين الرهن، لا يتعلق استيفاؤه بهذا المحل وإنما يثبت له حق الحبس ليستوفي من محل آخر م: (وكذلك يبطل حقه) ش: أي حق البائع م: (في الحبس بالإعارة من المشتري، والمرتهن ينقلب حقه ملكا) ش: في حالة الهلاك.
بيانه: إذا هلك الرهن عند المرتهن يملك بدينه مضمونا بالأقل من قيمته ومن قيمة الدين، فيكون المرتهن مالكا لذلك الأقل من مالية الرهن، فأما حق البائع فلا يصير ملكا له من جهة المشتري أصلا.
م: (ولا يبطل حقه) ش: أي حق المرتهن م: (بالإعارة من الراهن حق يمكنه الاسترداد، فلو أوجبنا(13/23)
السعاية فيهما لسوينا بين الحقين، وذلك لا يجوز. ولو أقر المولى برهن عبده بأن قال له: رهنتك عند فلان وكذبه العبد ثم أعتقه تجب السعاية عندنا، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو يعتبره بإقراره بعد العتق، ونحن نقول: أقر بتعلق الحق في حال يملك التعليق فيه لقيام ملكه فيصح، بخلاف ما بعد العتق؛ لأنه حال انقطاع الولاية. قال: ولو دبره الراهن صح تدبيره بالاتفاق، أما عندنا: فظاهر، وكذا عنده؛ لأن التدبير لا يمنع البيع على أصله. ولو كانت أمة فاستولدها الراهن صح الاستيلاد بالاتفاق؛ لأنه يصح بأدنى الحقين، وهو ما للأب في جارية الابن فيصح بالأعلى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السعاية فيهما) ش: أي في المبيع المعتق قبل القبض وفي المرهون المعتق م: (لسوينا بين الحقين) ش: أي من حق البائع وهو ضعيف، وبين حق المرتهن وهو قوي م: (وذلك لا يجوز) ش: أي جعل التسوية بينهما لا يجوز مع وجود الفارق، وفي " المبسوط " هذا أمر يأباه العقل.
م: (ولو أقر المولى برهن عبده بأن قال له: رهنتك عند فلان وكذبه العبد ثم أعتقه تجب السعاية) ش: ثم أعتق المولى المقر بالرهن والحال أنه معسر لزم العبد السعاية م: (عندنا؛ خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده لا تجب السعاية م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبره) ش: أي يقيسه م: (بإقراره) ش: أي بإقرار المولى بذلك م: (بعد العتق) ش: والجامع وجود الإقرار.
م: (ونحن نقول: أقر بتعلق الحق) ش: وهو أداء السعاية م: (في حال يملك التعليق فيه) ش: أي يملك تعلق الدين برقبته م: (لقيام ملكه) ش: من رقبته م: (فيصح، بخلاف ما بعد العتق؛ لأنه حال انقطاع الولاية) ش: لأنه لا ولاية لها بعد العتق فلا يصح.
م: (قال) ش: أي المصنف، ذكره تفريعا على مسألة القدوري وقد ذكرها الكرخي في " مختصره ": م: (ولو دبره) ش: العبد المرهون م: (الراهن صح تدبيره بالاتفاق، أما عندنا فظاهر) ش: لأنه يملك إعتاقه ويملك تدبيره بالطريق الأولى م: (وكذا عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن التدبير لا يمنع البيع على أصله) ش: لأن بيع المدبر يجوز عنده، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - ونص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أن التدبير موقوف، فإن حلف تركه قضى الدين وعتق المدبر بالتدبير، وقال بعض أصحابه إن التدبير مبني على عتق المرهون.
م: (ولو كانت أمة) ش: أي ولو كانت المرهونة أمة م: فاستولدها الراهن) ش: أي ولدت فادعاه المولى م: (صح الاستيلاد بالاتفاق) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - سواء كان الراهن موسرا أو معسرا، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أقوال مذكورة في الإعتاق، م: (لأنه) ش: أي لأن الاستيلاد م: (يصح بأدنى الحقين، وهو) ش: أي أدنى الحقين م: (ما للأب) ش: أي الذي يثبت للأب م: (في جارية الابن) ش: إذا استولدها؛ لأنه يملكها قبل الرهن، وهو أدنى الحقين؛ لأن أعلاهما حق الابن؛ لأنه مالك حقيقة، فإذا ثبت الاستيلاد الأدنى م: (فيصح بالأعلى) ش:(13/24)
وإذا صحا خرجا من الرهن، لبطلان المحلية، إذ لا يصح استيفاء الدين منهما، فإن كان الراهن موسرا ضمن قيمتهما على التفصيل الذي ذكرناه في الإعتاق. وإن كان معسرا استسعى المرتهن المدبر وأم الولد في جميع الدين؛ لأن كسبهما مال المولى، بخلاف المعتق حيث يسعى في الأقل من الدين ومن القيمة؛ لأن كسبه حقه، والمحتبس عنده ليس إلا قدر القيمة، فلا يزاد عليه، وحق المرتهن بقدر الدين فلا تلزمه الزيادة ولا يرجعان بما يؤديان على المولى بعد يساره؛ لأنهما أدياه من مال المولى والمعتق يرجع؛ لأنه أدى ملكه عنه، وهو مضطر على ما مر. وقيل: الدين إذا كان مؤجلا يسعى المدبر في قيمته قنا؛ لأنه عوض الرهن حتى تحبس مكانه، فيتقدر بقدر العوض، بخلاف ما إذا كان حالا لأنه يقضى به الدين. ولو أعتق الراهن المدبر وقد قضى عليه بالسعاية أو لم يقض لم يسع إلا بقدر القيمة؛ لأن كسبه بعد العتق ملكه، وما أداه قبل العتق لا يرجع به على مولاه؛ لأنه أداه من مال المولى. قال: وكذلك لو استهلك الراهن الرهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالطريق الأولى م: (وإذا صحا) ش: أي الاستيلاد والتدبير م: (خرجا من الرهن لبطلان المحلية، إذ لا يصح استيفاء الدين منهما) ش: " وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -.
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مدبرا، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وعند الشافعي م: (فإن كان الراهن موسرا ضمن قيمتهما على التفصيل الذي ذكرناه في الإعتاق) ش: يعني إن كان الدين حالا طولب بأداء الدين في الحال، وإن كان مؤجلا فقيمته يكون رهنا مكانه.
م: (وإن كان الراهن معسرا استسعى المرتهن المدبر وأم الولد في جميع الدين؛ لأن كسبهما مال المولى، بخلاف المعتق، حيث يسعى في الأقل من الدين ومن القيمة؛ لأن كسبه) ش: أي كسب المعتق م: (حقه والمحتبس عنده) ش: أي عند المعتق م: (ليس إلا قدر القيمة، فلا يزاد عليه) ش: أي على قدر القيمة م: (وحق المرتهن بقدر الدين، فلا تلزمه الزيادة ولا يرجعان بما يؤديان على المولى بعد يساره؛ لأنهما أدياه من مال المولى والمعتق يرجع؛ لأنه أدى ملكه عنه) ش: أي عن المولى م: (وهو مضطر على ما مر) ش: فيما مضى في هذا الكتاب.
م: (وقيل: الدين) ش: فقوله في " الإيضاح " م: (إذا كان مؤجلا) ش: وفي أكثر النسخ الدين إذا كان مؤجلا م: (يسعى المدبر في قيمته) ش: أي من حيث كونه م: (قنا لأنه عوض الرهن حتى تحبس مكانه، فيتقدر بقدر العوض، بخلاف ما إذا كان حالا؛ لأنه يقضى به الدين. ولو أعتق الراهن المدبر وقد قضى عليه بالسعاية أو لم يقض لم يسع إلا بقدر القيمة؛ لأن كسبه بعد العتق ملكه، ما أداه قبل العتق لا يرجع به على مولاه؛ لأنه أداه من مال المولى) .
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكذلك لو استهلك الراهن الرهن) ش: وهو عطف على قوله فإن كان الدين حالا طولب بأداء الدين، وإن كان مؤجلا إلى آخره، كذا قاله الأترازي. وقال(13/25)
لأنه حق محترم مضمون عليه بالإتلاف، والضمان رهن في يد المرتهن لقيامه مقام العين. فإن استهلكه أجنبي فالمرتهن هو الخصم في تضمينه، فيأخذ القيمة وتكون رهنا في يده؛ لأنه أحق بعين الرهن حال قيامه، فكذا في استرداد ما قام مقامه، والواجب على هذا المستهلك قيمته يوم هلك، فإن كانت قيمته يوم استهلكه خمسمائة ويوم رهن ألفا غرم خمسمائة، وكانت رهنا وسقط من الدين خمسمائة، فصار الحكم في الخمسمائة الزيادة كأنها هلكت بآفة سماوية، والمعتبر في ضمان الرهن القيمة يوم القبض لا يوم الفكاك؛ لأن القبض السابق مضمون عليه؛ لأنه قبض استيفاء، إلا أنه يتقرر عند الهلاك. ولو استهلكه المرتهن والدين مؤجل غرم القيمة؛ لأنه أتلف ملك الغير، وكانت رهنا في يده حتى يحل الدين؛ لأن الضمان بدل العين فأخذ حكمه. وإذا حل الدين وهو على صفة القيمة استوفى المرتهن منها قدر حقه؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأكمل قوله: " وكذلك لو استهلك الراهن الرهن " معطوف على قوله: " فإن كان موسرا ضمن قيمتها "، وكذلك قاله الكاكي.
وقال تاج الشريعة قوله وكذلك إذا استهلك الراهن الرهن، يعني أن حكم الاستهلاك حكم الإعتاق على التفصيل المذكور م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (حق محترم مضمون عليه) ش: أي على الراهن م: (بالإتلاف والضمان رهن في يد المرتهن لقيامه مقام العين، فإن استهلكه أجنبي فالمرتهن هو الخصم في تضمينه) ش: " وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: الراهن هو الخصم في تضمينه؛ لأنه مالكه.
قلنا: المرتهن أحق في البدل، وهو عين الرهن، فيكون أحق ببدله وبالخصومة وبالاسترداد م: (فيأخذ القيمة) ش: أي المرتهن يأخذها م: (وتكون رهنا في يده؛ لأنه أحق بعين الرهن حال قيامه، فكذا في استرداد ما قام مقامه، والواجب على هذا المستهلك) ش: يعني الأجنبي م: (قيمته يوم هلك) ش: أي يوم الاستهلاك، وإنما قيد بقوله على هذا المستهلك احترازا عن استهلاك المرتهن، فإن عليه قيمته يوم قبضه كما يجيء، وكذلك أي الهلاك يعتبر قيمته يوم القبض لا يوم الهلاك.
م: (فإن كانت قيمته يوم استهلكه خمسمائة ويوم رهن ألفا غرم خمسمائة وكانت رهنا وسقط من الدين خمسمائة، فصار الحكم في الخمسمائة الزيادة كأنها هلكت بآفة سماوية، والمعتبر في ضمان الرهن القيمة يوم القبض لا يوم الفكاك؛ لأن القبض السابق مضمون عليه؛ لأنه قبض استيفاء، إلا أنه يتقرر عند الهلاك، ولو استهلكه المرتهن والدين مؤجل) ش: أي والحال أن الدين مؤجل م: (غرم القيمة؛ لأنه أتلف ملك الغير وكانت رهنا في يده حتى يحل الدين؛ لأن الضمان بدل العين فأخذ حكمه. وإذا حل الدين وهو على صفة القيمة) ش: أي في الجنسية والجودة م: (استوفى المرتهن منها قدر حقه؛ لأنه(13/26)
جنس حقه. ثم إن كان فيه فضل يرده على الراهن؛ لأنه بدل ملكه وقد فرغ في حق المرتهن. وإن نقصت عن الدين بتراجع السعر إلى خمسمائة وقد كانت قيمته يوم الرهن ألفا وجب بالاستهلاك خمسمائة وسقط عن الدين خمسمائة: لأن ما انتقص كالهالك، وسقط الدين بقدره وتعتبر قيمته يوم القبض فهو مضمون بالقبض السابق لا بتراجع السعر، ووجب عليه الباقي بالإتلاف وهو قيمته يوم أتلف.
قال: وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن ليخدمه أو ليعمل له عملا فقبضه خرج من ضمان المرتهن لمنافاة بين يد العارية ويد الرهن. فإن هلك في يد الراهن هلك بغير شيء لفوات القبض المضمون، وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده؛ لأن عقد الرهن باق إلا في حكم الضمان في الحال، ألا ترى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جنس حقه ثم إن كان فيه فضل يرده على الراهن؛ لأنه بدل ملكه وقد فرغ في حق المرتهن) .
م: (وإن نقصت عن الدين بتراجع السعر إلى خمسمائة، وقد كانت قيمته) ش: أي والحال أنه كانت قيمته م: (يوم الرهن ألفا وجب بالاستهلاك خمسمائة وسقط من الدين خمسمائة؛ لأن ما انتقص كالهالك وسقط الدين بقدره، وتعتبر قيمته يوم القبض فهو مضمون بالقبض السابق لا بتراجع السعر) ش: وهذا جواب إشكال، وهو أن يقال لو سقط بقدر ما انتقص كان الرهن مضمونا على الرهن بتراجع السعر وليس لتراجع السعر أثر في إسقاط شيء من الدين.
والجواب: أنه مضمون بالقبض السابق لا بتراجع السعر م: (ووجب عليه) ش: أي على الراهن م: (الباقي) ش: وهو الخمسمائة الزائدة م: (بالإتلاف وهو قيمته يوم أتلف) ش: أي الراهن.
[أعار المرتهن الرهن للراهن]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن) ش: فيه تسامح؛ لأن الإعارة تمليك المنافع بغير عوض، والمرتهن لا يملكها، فكيف يملكها غيره، ولكن لما عومل بمعاملة الإعارة من عدم الضمان، ويمكن استرداد المغير أطلق الإعارة م: (ليخدمه أو ليعمل له عملا) ش: لا يوجد في عامة " مختصر القدوري "، م: (فقبضه خرج من ضمان المرتهن) ش: هذا من لفظ القدوري.
وعلله المصنف بقوله: م: (لمنافاة بين يد العارية وبين يد الرهن) ش: وهو يد المرتهن؛ لأن يد المرتهن مضمونة، ويد العارية ليست بمضمونة، فلما صحت الإعارة انتفى حكم الرهن، وهو كونه مضمونا.
م: (فإن هلك في يد الراهن هلك بغير شيء) ش: هذا لفظ القدوري وعلله المصنف بقوله م: (لفوات القبض المضمون وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده) ش: من كلام القدوري، وعلله م: (لأن عقد الرهن باق إلا في حكم الضمان في الحال) ش: أي في حال كون الرهن في يد المرتهن م: (ألا ترى(13/27)
أنه لو هلك الراهن قبل أن يرده على المرتهن كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء، وهذا لأن يد العارية ليست بلازمة، والضمان ليس من لوازم الرهن على كل حال، ألا ترى أن حكم الرهن ثابت في ولد الرهن وإن لم يكن مضمونا بالهلاك، وإذا بقي عقد الرهن فإذا أخذه عاد الضمان؛ لأنه عاد القبض في عقد الرهن فيعود بصفته. وكذلك لو أعاره أحدهما أجنبيا بإذن الآخر سقط حكم الضمان لما قلنا. ولكل واحد منهما أن يرده رهنا كما كان؛ لأن لكل واحد منهما حقا محترما فيه. وهذا بخلاف الإجارة والبيع والهبة من أجنبي إذا باشرها أحدهما بإذن الآخر حيث يخرج من الرهن فلا يعود إلا بعقد مبتدأ. ولو مات الراهن قبل الرد إلى المرتهن يكون المرتهن أسوة للغرماء؛ لأنه تعلق بالرهن حق لازم بهذه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنه لو هلك الراهن قبل أن يرده على المرتهن كان المرتهن أحق به) ش: أي بالرهن م: (من سائر الغرماء) ش: وهذا توضيح لما قبله بالإشارة م: (وهذا لأن يد العارية ليست بلازمة) ش: والرهن لازم، والشيء لا ينتقض بما دونه م: (والضمان ليس من لوازم الرهن على كل حال) ش: هذا جواب عما يقال كيف أمكن القول ببقاء الرهن، وأنه لم يبق مضمونا؟
فأجاب: بقوله: والضمان ... إلى آخره.
ثم أوضحه بقوله: م: (ألا ترى أن حكم الرهن ثابت في ولد الرهن) ش: أي في ولد المرهونة، فإن حكم الرهن ثابت فيه، فإذا هلك م: (وإن لم يكن مضمونا بالهلاك) ش: وقد وجد الرهن ولا ضمان ثمة.
م: (وإذا بقي عقد الرهن فإذا أخذه عاد الضمان؛ لأنه عاد القبض في عقد الرهن، فيعود بصفته) ش: وهي الضمان م: (وكذلك لو أعاره) ش: أي الرهن م: (أحدهما) ش: أي الراهن أو المرتهن م: (أجنبيا بإذن الآخر سقط حكم الضمان لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لمنافاة بين يد العارية ويد الرهن م: (ولكل واحد منهما أن يرده رهنا كما كان؛ لأن لكل واحد منهما حقا محترما فيه) ش: أي في الرهن حق للراهن الرقبة وحق للمرتهن في اليد م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من إجازة أحدهما بإذن الآخر أجنبيا.
م: (بخلاف الإجارة والبيع والهبة من أجنبي إذا باشر أحدهما بإذن الآخر حيث يخرج من الرهن فلا يعود إلا بعقد مبتدأ) ش: أي جديد، وذلك لأن بهذه العقود تعلق حق لازم للغير، بخلاف الإعارة، فإنه لم يتعلق بها حق لازم، فإذا استرجعوا المرتهن إلى يده عاد الضمان، فلم يقع حاجة إلى العقد المبتدأ.
م: (ولو مات الراهن قبل الرد إلى المرتهن) ش: أي قبل رد عين الرهن إلى المرتهن فيما إذا باشر أحدهما الإجارة أو البيع أو الهبة م: (يكون المرتهن أسوة للغرماء؛ لأنه تعلق بالرهن حق لازم بهذه(13/28)
التصرفات فيبطل به حكم الرهن، أما بالعارية لم يتعلق به حق لازم فافترقا. وإذا استعار المرتهن الرهن من الراهن ليعمل به فهلك قبل أن يأخذ في العمل هلك على ضمان الرهن لبقاء يد الرهن، وكذا إذا هلك بعد الفراغ من العمل لارتفاع يد العارية. ولو هلك في حالة العمل هلك بغير ضمان، لثبوت يد العارية بالاستعمال وهي مخالفة ليد الرهن فانتفى الضمان. وكذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال لما بيناه. ومن استعار من غيره ثوبا ليرهنه فما رهنه به من قليل أو كثير فهو جائز لأنه متبرع بإثبات ملك اليد فيعتبر بالتبرع بإثبات ملك العين واليد هو قضاء الدين. ويجوز أن ينفصل ملك اليد عن ملك العين ثبوتا للمرتهن كما ينفصل زوالا في حق البائع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التصرفات فيبطل به حكم الرهن) ش: فإذا بطل كان المرتهن وسائر الغرماء سواء م: (أما بالعارية لم يتعلق به حق لازم) ش: يعني فيما إذا أعاره أحدهما بإذن الآخر، فمات الراهن قبل الرد إلى المرتهن يكون المرتهن أحق به من سائر الغرماء؛ لأن الرهن لم يبطل بالعارية م: (فافترقا) ش: أي الحكمان المذكوران الإجارة والبيع والهبة وحكم العارية.
م: (وإذا استعار المرتهن الرهن من الراهن ليعمل به فهلك قبل أن يأخذ في العمل هلك على ضمان الرهن لبقاء يد الرهن، وكذا إذا هلك بعد الفراغ من العمل لارتفاع يد العارية، ولو هلك في حالة العمل هلك بغير ضمان لثبوت يد العارية بالاستعمال، وهي مخالفة ليد الرهن فانتفى الضمان) ش: وذكر قاضي خان أنهما لو اختلفا في وقت الهلاك فادعى المرتهن أنه هلك حالة العمل وادعى الراهن أنه هلك في غير حالة العمل كان القول قول المرتهن والبينة بينة الراهن.
م: (وكذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال لما بيناه) ش: يعني في صورة العارية م: (ومن استعار من غيره ثوبا ليرهنه فما رهنه به من قليل أو كثير فهو جائز) ش: هذه المسألة إلى قوله وجناية الراهن على الرهن مضمونة من مسائل الأصل، ذكرها على سبيل التفريع.
وقال الكرخي: إذا استعار الرجل من الرجل شيئا ليرهنه ثوبا أو عبدا أو غير ذلك من العروض فأعاره فله أن يرهنه بأي شيء من الدين شاء وبما شاء منه قليلا كان ذلك أو كثيرا إذا لم يكن سمى له ما يرهنه. وإن سمى له قدرا من الدين فليس له أن يرهنه بصنف غيره، فإن رهنه بغير ما سمى من القدر وبصنوف الدين فهو ضامن من القيمة الثوب إن هلك في يد المرتهن م: (لأنه متبرع بإثبات ملك اليد) ش: وهو إعادة الرهن م: (فيعتبر بالتبرع بإثبات ملك العين واليد، وهو قضاء الدين، ويجوز أن ينفصل ملك اليد عن ملك العين ثبوتا للمرتهن كما ينفصل زوالا في حق البائع) ش: أي لا يفصل ملك اليد عن ملك العين من حيث الزوال في حق البائع، يعني: أي لو باع بشرط الخيار وسلمه للمشتري تزول يده لا ملكه.(13/29)
والإطلاق واجب الاعتبار خصوصا في الإعارة؛ لأن الجهالة فيها لا تفضي إلى المنازعة. ولو عين قدرا لا يجوز للمستعير أن يرهن بأكثر منه ولا بأقل منه لأن التقييد مفيد وهو ينفي الزيادة؛ لأن غرضه الاحتباس بما تيسر أداؤه، وينفي النقصان أيضا؛ لأن غرضه أن يصير مستوفيا للأكثر بمقابلته عند الهلاك ليرجع به عليه وكذلك التقييد بالجنس وبالمرتهن وبالبلد؛ لأن كل ذلك مفيد لتيسر البعض بالإضافة إلى البعض، وتفاوت الأشخاص في الأمانة والحفظ، فإذا خالف كان ضامنا، ثم إن شاء المعير ضمن المستعير، ويتم عقد الرهن فيما بينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والإطلاق واجب الاعتبار) ش: هذا جواب عما يقال كيف يجوز في الإعارة أن يرهن المستعير بالقليل والكثير وبأي جنس شاء؟
وتقرير الجواب أن إطلاق الإذن يجب اعتباره إلا بدليل يخصه م: (خصوصا في الإعارة؛ لأن الجهالة فيها لا تفضي إلى المنازعة) ش: لأن مبناها على المسامحة.
م: (ولو عين) ش: أي المعين م: (قدرا لا يجوز للمستعير أن يرهنه بأكثر منه) ش: أي من ذلك القدر م: (ولا بأقل منه؛ لأن التقييد مفيد وهو) ش: أي تقييد المعير بقدر معين م: (ينفي الزيادة) ش: على ذلك القدر م: (لأن غرضه الاحتباس بما تيسر أداؤه) ش: للمعير عند الاحتياج إلى فكاكه م. (وينفي النقصان أيضا) ش: مثلا أذن أن يرهن بمائة فرهنه بخمسين لا يجوز رهنه. وقال أحمد يجوز؛ لأن من أذن بمائة فقد أذن بخمسين. وقال في وجه يبطل في الكل م. (لأن غرضه) ش: أي غرض المعير م: (أن يصير مستوفيا للأكثر) ش: أي لأكثر المالين م: (بمقابلته) ش: أي بمقابلة الرهن م: (عند الهلاك ليرجع به عليه) ش: أي على المستعير بالكثير بمقابلة الهلاك، لا بالقليل.
م: (وكذلك التقييد بالجنس) ش: بأن قال ارهنه بالدراهم أو بالدنانير م: (وبالمرتهن) ش: بأن قالا أرهن عند فلان وعينه م: (وبالبلد) ش: بأن قال: أرهن بالبصرة مثلا م: (لأن كل ذلك مفيد لتيسر البعض بالإضافة إلى البعض) ش: أي لتيسر البعض على المعير بالنسبة إلى البعض، وهذا لأنه ربما يكون الانفكاك بالجنس الذي عينه أيسر مما لا يعينه، فالرضا بجنس لا يكون برضا بآخر م: (وتفاوت الأشخاص في الأمانة والحفظ) ش: فالرضى بالوضع عند رجل لا يكون رضا بالوضع عند آخر، والرضا أيضا بالحفظ في موضع بعينه لا يكون رضا بالحفظ في موضع آخر؛ لأن الأماكن ربما تتفاوت في معنى الحفظ والصيانة.
م: (فإذا خالف) ش: أي المستعير م: (كان ضامنا) ش: أي قيمة الشيء الذي استعاره للرهن؛ لأنه صار غاصبا حيث تصرف فيه بغير إذن صاحبه في غير ما سمى المعير من الجنس والمرتهن والبلد وللمعير أن يأخذه من المرتهن؛ لأن الرهن لم يصح م: (ثم إن شاء المعير ضمن المستعير) ش: يعني بعد وجوب الضمان، بخلاف المستعير م: (ويتم عقد الرهن فيما بينه) ش: أي(13/30)
وبين المرتهن؛ لأنه ملكه بأداء الضمان، فتبين أنه رهن ملك نفسه، وإن شاء ضمن المرتهن ويرجع المرتهن بما ضمن وبالدين على الراهن. وقد بيناه في الاستحقاق. وإن وافق بأن رهنه بمقدار ما أمره به إن كانت قيمته مثل الدين أو أكثر فهلك عند المرتهن يبطل المال عن الراهن لتمام الاستيفاء بالهلاك ووجب مثله لرب الثوب على الراهن؛ لأنه صار قاضيا دينه بماله بهذا القدر وهو الموجب للرجوع دون القبض بذاته؛ لأنه برضاه، وكذلك إن أصابه عيب ذهب من الدين بحسابه ووجب مثله لرب الثوب على الراهن على ما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بين المستعير الذي هو الراهن م: (وبين المرتهن؛ لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه رهن ملك نفسه) ش: لأنه ملكه بالضمان سابقا على الراهن.
م: (وإن شاء ضمن المرتهن ويرجع المرتهن بما ضمن) ش: لأنه غيره في ذلك م: (وبالدين على الراهن) ش: أي يرجع به أيضا وهو ظاهر م: (وقد بيناه في الاستحقاق) ش: أي قد بينا ذلك، قبل هذا الباب في استحقاق الرهن في يد المرتهن وتضمنه، فإنه يرجع بالدين وبما ضمن.
م: (وإن وافق) ش: أي المستعير م: (بأن رهنه بمقدار ما أمره به إن كانت قيمته) ش: أي قيمة الذي رهنه م: (مثل الدين أو أكثر فهلك عند المرتهن يبطل المال عن الراهن لتمام الاستيفاء بالهلاك، ووجب مثله لرب الثوب على الراهن) ش: أي مثل ما تم به الاستيفاء، وهو مقدار الدين لا مثل قيمة الثوب إن كانت أكبر م: (لأنه صار قاضيا دينه بماله بهذا القدر) ش: أي لأن المستعير صار قاضيا لدينه بمال الغير بهذا القدر؛ لأنه لما استعاره فقد أمره بقضاء دينه من ماله والمأمور قضاء الدين يرجع على الآمر بما قضاه وهو الموجب للرجوع، أي أمره بقضاء دينه م: (وهو الموجب للرجوع) ش: على الآمر بما قضى.
وفي " الإيضاح ": المعير بمنزلة رجل أذن لآخر أن يقضي دينه من وديعته عنده فما مضى صار مضمونا، وما لم يقبض فهو أمانة م: (دون القبض بذاته لأنه برضاه) ش: لأن قبض المستعير برضا المالك فلا يتعلق به الضمان.
فإن قلت: قبض الثوب وتسليمه برضا المعير، فينبغي أن لا يوجب الضمان؟ قلت: ما توجبه بالقبض بل بإيفاء الدين من مالية العين، ومن قضى دين نفسه من مال الغير برضاه يضمن مثل ذلك.
م: (وكذلك إن أصابه) ش: أي الثوب م: (عيب ذهب من الدين بحسابه) ش: أي بقدر حصة المعيب م: (ووجب مثله) ش: أي مثل ما ذهب م: (لرب الثوب على الراهن على ما بيناه) ش: وهو أنه صار قاضيا دينه بماله بهذا القدر.(13/31)
وإذا كانت قيمته أقل من الدين ذهب بقدر القيمة وعلى الراهن بقيمة دينه للمرتهن؛ لأنه لم يقع الاستيفاء بالزيادة على قيمته، وعلى الراهن لصاحب الثوب ما صار به موفيا لما بيناه. ولو كانت قيمته مثل الدين فأراد المعير أن يفتكه جبرا عن الراهن لم يكن للمرتهن إذا قضى دينه أن يمتنع؛ لأنه غير متبرع حيث يخلص ملكه، ولهذا يرجع على الراهن بما أدى المعير فأجبر المرتهن على الدفع بخلاف الأجنبي إذا قضى الدين لأنه متبرع إذ هو لا يسعى في تخليص ملكه ولا في تفريغ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا كانت قيمته) ش: أي قيمة الثوب م: (أقل من الدين، ذهب بقدر القيمة) ش: لأن القيمة إذا كانت أكثر من الدين، يهلك الزائد على قدر الدين أمانة م: (وعلى الراهن بقيمة دينه للمرتهن؛ لأنه لم يقع الاستيفاء بالزيادة على قيمته، وعلى الراهن لصاحب الثوب ما صار به موفيا) ش: بيانه: إذا كان الثوب يساوي خمسة، وقد رهن بعشرة فأعسر الراهن، ولم يجد ما أفتكه فهلك الثوب في يد المرتهن ذهب بخمسة، وعلى الراهن خمسة للمرتهن بقية دينه؛ لأن الرهن يهلك بالأقل من قيمته ومن الدين، وخمسة لرب الثوب على الراهن؛ لأنه صار معترضا إياه بهذا القدر م: (لما بيناه) ش: وهو أنه صار قاضيا دينه بماله بهذا القدر.
م: (ولو كانت قيمته مثل الدين فأراد المعير أن يفتكه جبرا عن الراهن) ش: قال الكاكي: أي بغير رضاه. قال الأكمل: هذا ليس بظاهر. وقيل معناه نيابة ولعله من الجبران، يعني جبرانا لما فات عن الراهن من القضاء بنفسه.
وقال تاج الشريعة في هذا الموضع: ولفظ محمد في المسألة: فأراد المعير أن يفتكه حين عسر الراهن. وفي " مبسوط السر خسي " و " البزدوي ": ولو كانت قيمته مثل الدين فأراد المعير أن يفتكه حين عسر الراهن م: (لم يكن للمرتهن) ش: أن يمتنع من دفعه إليه م: (إذا قضى دينه) ش: انتهى.
قلت: يفهم من هذا الكلام أن جبرا هنا من الجبران، لا من الجبر الذي معناه القهر لم يكن للمرتهن إن قضى دينه م: (أن يمتنع لأنه غير متبرع حيث يخلص ملكه) ش: لأن المعير هنا بالإيفاء يقصد تخليص ملكه، فإن كان بمنزلة المديون حيث يقصد بالإيفاء تفريغ ذمته.
م: (ولهذا) ش: أي ويكون غير متبرع م: (يرجع على الراهن بما أدى فأجبر المرتهن على الدفع) ش: قال صاحب " النهاية ": هذا غير مجرى على إطلاقه ولا بد هاهنا من قيد معناه يرجع بما أدى إذا كان ما أداه بقدر الدين؛ لأنه أكثر منه بيانا قيمة الرهن ألف ورهنه بألفين فأفتكه المعير بألفين يرجع على الراهن بقدر الدين وهو ألف، ولا يرجع بأكثر من الألف؛ لأنه لو هلك لم يضمن الراهن للمعير أكثر من ذلك، فكذلك إذا أفتكه وكان متبرعا بالزيادة.
م: (بخلاف الأجنبي إذا قضى الدين؛ لأنه متبرع إذ هو لا يسعى في تخليص ملكه ولا في تفريغ(13/32)
ذمته، فكان للطالب أن لا يقبله. ولو هلك الثوب العارية عند الراهن قبل أن يرهنه أو بعدما أفتكه فلا ضمان عليه؛ لأنه لا يصير قاضيا بهذا، وهو الموجب على ما بينا، ولو اختلفا في ذلك فالقول للراهن؛ لأنه ينكر الإيفاء بدعواه الهلاك في هاتين الحالتين، كما لو اختلفا في مقدار ما أمره بالرهن به فالقول للمعير؛ لأن القول قوله في إنكار أصله، فكذا في إنكار وصفه، ولو رهنه المستعير بدين موعود، وهو أن يرهنه به ليقرضه كذا فهلك في يد المرتهن قبل الإقراض والمسمى والقيمة سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذمته) ش: بخلاف الأجنبي إذا قضى الدين م: (فكان للطالب أن لا يقبله ولو هلك الثوب العارية عند الراهن قبل أن يرهنه أو بعدما أفتكه) ش: أي لو هلك بعد الفكاك م: (فلا ضمان عليه؛ لأنه لا يصير قاضيا دينه بهذا) ش: أي بهذا الرهن؛ لأن الهلاك لم يوجد إلا والراهن عارية محضة فلا يوجد فيه معنى قضاء الدين، فلا يجب الضمان م: (وهو الموجب) ش: أي الموجب هو قضاء الدين أو الهلاك عند المرتهن م: (على ما بيناه) ش: وهو قوله: لأنه صار قاضيا دينه.
م: (ولو اختلفا في ذلك) ش: أي لو اختلف المعير والمستعير في ذلك، فقال المعير: هلك في يد المرتهن، وقال المستعير: هو الراهن؛ هلك قبل أن أرهنه أو بعدما أفتكه م: (فالقول للراهن) ش: وهو المستعير م: (لأنه ينكر الإيفاء بدعواه الهلاك في هاتين الحالتين) ش: أراد بهما قبل الرهن وما بعد الفكاك م: (كما لو اختلفا في مقدار ما أمره بالرهن به) ش: أي ولو اختلف المعير والمستعير في رد ما أمر المستعير المعير بالرهن بالثوب بأن قال رب الثوب أمرتك أن ترهنه بخمسة، وقال المعير بعشرة م: (فالقول للمعير) ش: وفي بعض النسخ: وقع هذا كما لو اختلفا في مقدار ما أمره بالرهن به، وهذا ليس بصحيح.
والصحيح ما ذكر، وهو كما ولو اختلفا؛ لأن الغرض مختلف؛ لأن في الأول القول قول الراهن وهو المستعير، وفي الثاني: القول قول المعير لا المستعير، فكيف يصح التشبه به م: (لأن القول قوله) ش: أي قول المعير م: (في إنكار أصله) ش: أي في العارية بتأويل عقد العارية م: (فكذا) ش: أي فكذا القول قوله م: (في إنكار وصفه) ش: أي وصف عقد العارية من الزيادة والنقصان.
م: (ولو رهنه المستعير بدين موعود وهو أن يرهنه به ليقرضه كذا) ش: صورته ما قال الحاكم الشهيد في " الكافي ": استعار عبدا يساوي ألف درهم ليرهنه بألف درهم فلم يقبضها حتى صار العبد في يد المرتهن فعلى المرتهن ألف درهم للراهن؛ لأنه صار مستوفيا لمالية الرهن عند الهلاك من قبل الراهن، وعلى الراهن ألف درهم لصاحبه وهو المعير؛ لأنه صار مقرضا إياه هذا القدر، م: (فهلك) ش: أي الراهن م: (في يد المرتهن قبل الإقراض والمسمى والقيمة سواء) ش: أي(13/33)
يضمن قدر الموعود المسمى لما بينا أنه كالموجود ويرجع المعير على الراهن بمثله؛ لأن سلامة مالية الرهن باستيفائه من المرتهن كسلامته ببراءة ذمته عنه. ولو كانت العارية عبدا فأعتقه المعير جاز؛ لقيام ملك الرقبة. ثم المرتهن بالخيار إن شاء رجع بالدين على الراهن؛ لأنه لم يستوفه، وإن شاء ضمن المعير قيمته؛ لأن الحق قد تعلق برقبته برضاه وقد أتلفه بالإعتاق، وتكون رهنا عنده إلى أن يقبض دينه فيردها إلى المعير لأن استرداد القيمة كاسترداد العين. ولو استعار عبدا أو دابة ليرهنه فاستخدم العبد أو ركب الدابة قبل أن يرهنهما ثم رهنهما بمال مثل قيمتهما ثم قضى المال فلم يقبضهما حتى هلكا عند المرتهن فلا ضمان على الراهن؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والحال أن المسمى وهو الرهن وقيمته سواء م: (يضمن) ش: أي المرتهن الراهن م: (قدر الموعود المسمى لما بينا أنه) ش: أي الموعود م: (كالموجود) ش: أشار به إلى ما ذكر في باب ما يجوز ارتهانه عند قوله: والرهن بالدرك باطل بقوله: لأن الموعود جعل كالموجود.
م: (ويرجع المعير على الراهن بمثله) ش: أي بمثل قدر الموعود المسمى الذي أخذه الراهن من المرتهن م: (لأن سلامة مالية الرهن باستيفائه) ش: أي باستيفاء الراهن م: (من المرتهن كسلامته) ش: أي كسلامة الراهن م: (ببراءة ذمته عنه) ش: أي عن الدين، يعني لو سلم الرهن للراهن بأن تبرأ ذمته من الدين بأن كانت ذمته مشغولة بالدين فهلك الرهن عند المرتهن كأن يرجع معير الرهن على الراهن المستعير، فكذا يرجع عليه بأن يسلم الرهن للراهن باستيفاء الراهن مالية الرهن من المرتهن.
م: (ولو كانت العارية عبدا فأعتقه المعير جاز؛ لقيام ملك الرقبة، ثم المرتهن بالخيار إن شاء رجع بالدين على الراهن لأنه لم يستوفه) ش: لأن الدين عليه م: (وإن شاء ضمن المعير قيمته) ش: أي قيمة العبد م: (لأن الحق قد تعلق برقبته برضاه وقد أتلفه) ش: أي وقد أتلف المعتق حق المرتهن م: (بالإعتاق وتكون) ش: أي قيمة العبد م: (رهنا عنده) ش: أي عند المرتهن م: (إلى أن يقبض دينه فيردها) ش: أي إلى أن يقبض المرتهن دينه فيرد القيمة المرهونة عنده م: (إلى المعير؛ لأن استرداد القيمة كاسترداد العين) ش: لأن المرتهن استرد قيمة الرهن من المعير، واسترداد القيمة كاسترداد العين.
م: (ولو استعار عبدا أو دابة ليرهنه فاستخدم العبد أو ركب الدابة قبل أن يرهنهما ثم رهنهما بمثل قيمتهما ثم قضى المال فلم يقبضهما) ش: أي العبد والدابة م: (حتى هلكا) ش: أي واحد من العبد والدابة م: (عند المرتهن فلا ضمان على الراهن) ش:، وفي " المبسوط " لا ضمان على الراهن، والمرتهن ضامن للألف يرده على مولى العبد، وهو رواية أبي حفص.
وقال عيسى: هذا خطأ، ولكن الصحيح أن الراهن ضامن للألف للمعير صاحب العبد(13/34)
لأنه قد برئ من الضمان حين رهنهما، فإنه كان أمينا خالف ثم عاد إلى الوفاق. وكذا إذا أفتك الرهن ثم ركب الدابة أو استخدم العبد فلم يعطب ثم عطب بعد ذلك من غير صنعه لا يضمن؛ لأنه بعد الفكاك بمنزلة المودع لا بمنزلة المستعير لانتهاء حكم الاستعارة بالفكاك، وقد عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان. وهذا بخلاف المستعير؛ لأن يده يد نفسه فلا بد من الوصول يد المالك.
أما المستعير في الرهن فيحصل مقصود الآمر وهو الرجوع عليه عند الهلاك وتحقق الاستيفاء.
قال: وجناية الراهن على الرهن مضمونة؛ لأنه تفويت حق لازم محترم وتعلق مثله بالمال يجعل المالك كالأجنبي في حق الضمان كتعلق حق الورثة بمال المريض مرض الموت يمنع نفاذ تبرعه فيما وراء الثلث والعبد الموصى بخدمته إذا أتلفه الورثة ضمنوا قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمرتهن ضامن للألف للراهن؛ لأن لما هلك في يد المرتهن تم الاستيفاء، وعلى المرتهن رد ما استوفى، وإنما استوفاه من الراهن فيرد عليه، والراهن صار قاضيا دينه بملك الغير فيغرم مثله.
م: (لأنه قد برئ من الضمان حين رهنهما، فإنه كان أمينا خالف) ش: أي بالاستخدام والركوب م: (ثم عاد إلى الوفاق) ش: بالرهن برئ من الضمان م: (وكذا إذا أفتك الرهن ثم ركب الدابة أو استخدم العبد فلم يعطب) ش: يعني بالركوب أو الاستخدام م: (ثم عطب بعد ذلك من غير صنعه لا يضمن؛ لأنه بعد الفكاك بمنزلة المودع لا بمنزلة المستعير لانتهاء حكم الاستعارة بالفكاك، وقد عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان) .
م: (وهذا بخلاف المستعير) ش: غير الراهن حيث لا يبرأ عن الضمان إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق ما لم يرد العين إلى مالكها م: (لأن يده) ش: أي يد المستعير م: (يد نفسه فلا بد من الوصول إلى يد المالك. أما المستعير في الرهن فيحصل مقصود الآمر وهو الرجوع عليه عند الهلاك وتحقق الاستيفاء) ش: أي وعند تحقق الاستيفاء، وهذا الذي اختاره المصنف هو مختار شمس الأئمة السرخسي، وأما اختيار شيخ الإسلام خواهر زاده وهو أن المستعير يبرأ عن الضمان بالعود إلى الوفاق واستدلالا بمسألة مستعير الرهن.
[جناية الراهن على الرهن]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجناية الراهن على الرهن مضمونة؛ لأنه تفويت حق لازم) ش: يعني باللازم ما لا يقدر على إسقاطه بانفراده م: (محترم) ش: يعني بالمحترم أن يكون العين ممنوعا عن إبطاله، ولا نعلم فيه خلافا م: (وتعلق مثله) ش: أي تعلق مثل الحق اللازم م: (بالمال يجعل المالك) ش: أي مالك المال م: (كالأجنبي في حق الضمان) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (كتعلق حق الورثة بمال المريض مرض الموت يمنع نفاذ تبرعه) ش: أي تبرع المريض م: (فيما وراء الثلث) ش: لأن ما وراء الثلث حق الورثة م: (والعبد الموصى بخدمته إذا أتلفه الورثة ضمنوا قيمته(13/35)
ليشتري بها عبد يقوم مقامه. قال: وجناية المرتهن عليه تسقط من دينه بقدرها، ومعناه: أن يكون الضمان على صفة الدين، وهذا لأن العين ملك المالك وقد تعدى عليه المرتهن فيضمنه لمالكه. قال وجناية الرهن على الراهن والمرتهن وعلى ما لهما هدر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: جنايته على المرتهن معتبرة، والمراد بالجناية على النفس ما يوجب المال، أما الوفاقية فلأنها جناية المملوك على المالك، ألا ترى أنه لو مات كان الكفن عليه، بخلاف جناية المغصوب على المغصوب منه؛ لأن الملك عند أداء الضمان يثبت للغاصب مستندا حتى يكون الكفن عليه، فكانت جناية على غير المالك فاعتبرت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليشتري بها عبد يقوم مقامه) ش: لتعلق الحق اللازم به.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجناية المرتهن عليه) ش: أي وعلى الراهن م: (تسقط من دينه بقدرها) ش: أي بقدر الجناية م: (ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري م: (أن يكون الضمان على صفة الدين) ش: يعني من جنسه جودة ورداءة ويسقط من الدين بقدرها. ولو كان بخلاف الجنس يكون رهنا مع الأصل، قاله تاج الشريعة.
م: (وهذا) ش: أي السقوط من دين المرتهن بقدرها م: (لأن العين ملك المالك) ش: وهو الراهن م: (وقد تعدى عليه المرتهن فيضمنه لمالكه) ش: لأن دينه إتلاف ملك الغير.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وجناية الرهن على الراهن والمرتهن وعلى ما لهما هدر) ش: أي ساقط لا يعتبر به م: (وهذا) ش: أي كونها هدرا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا) ش: أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (جنايته) ش: أي جناية الرهن م: (على المرتهن معتبرة، والمراد بالجناية على النفس ما يوجب المال) ش: وهي ما إذا كان خطأ في النفس أو فيما دونها، أما ما يوجب القصاص فيعتبر بالإجماع، ولا نعلم فيه خلافا.
م: (أما الوفاقية) ش: وهي المسألة الوفاقية وهي الجناية على الراهن م: (فلأنها جناية المملوك على المالك، ألا ترى أنه لو مات) ش: أي العبد الرهن م: (لكان الكفن عليه) ش: أي على مولاه، وكل ما كان كذلك فهو هدر؛ لأنه لو جنى على غيره وجب على مولاه من ماله، فإذا جنى عليه فلو وجب عليه شيء لكان واجبا له عليه وذلك باطل.
م: (بخلاف جناية المغصوب على المغصوب منه) ش: هذا جواب عن نقض يرد بالمغصوب إذا جنى على مالكه المغصوب منه، فإنها توجب الضمان. وتقرير الجواب به: ما قاله بقوله: م: (لأن الملك عند أداء الضمان يثبت للغاصب مستندا) ش: من وقت الغصب، وأوضح ذلك بقوله: م: (حتى يكون الكفن عليه) ش: أي على الغاصب م: (فكانت جناية على غير المالك فاعتبرت) ش:(13/36)
ولهما في الخلافية: أن الجناية حصلت على غير مالكه، وفي الاعتبار فائدة. وهو دفع العبد إليه بالجناية فتعتبر، ثم إن شاء الراهن والمرتهن أبطلا الرهن ودفعاه بالجناية إلى المرتهن. وإن قال المرتهن: لا أطلب الجناية فهو رهن على حاله. ولو أن هذه الجناية لو اعتبرناها للمرتهن كان عليه التطهير من الجناية؛ لأنها حصلت في ضمانه، فلا يفيد وجوب الضمان له مع وجوب التخليص عليه وجنايته على مال المرتهن لا تعتبر بالاتفاق إذا كانت قيمته والدين سواء؛ لأنه لا فائدة في اعتبارها؛ لأنه لا يتملك العبد وهو الفائدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي جنايته.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية م: (أن الجناية حصلت على غير مالكه) ش: لأن العبد في الحال ملك المغصوب منه وقد جنى غير المالك فيعتبر م: (وفي الاعتبار فائدة) ش: جواب عما يقال إن ماليته تحتبسه بدينه فلا فائدة في إيجاب الضمان، وتقرير الجواب أن في الاعتبار فائدة م: (وهو دفع العبد إليه بالجناية) ش: أي المرتهن م: (فتعتبر) ش: وإن كان يسقط حقه في الدين، فإن أبقاه رهنا وجعله بالدين لم يثبت له ملك العين، وربما يكون له غرض في ملك العين فيحصل له باعتبار الجناية، وإن لم يكن له غرض في ذلك تترك طلب الجناية ويستبقه رهنا كما كان.
م: (ثم إن شاء الراهن والمرتهن أبطلا الرهن) ش: بالدفع، وهذا التفريع على قولهما م: (ودفعاه) ش: فيه تسامح؛ لأن المرتهن لا يدفع العبد إلى نفسه ومخلصه المشاكلة، فإنه وإن كان قابلا ذكره بلفظ الدافع لوقوعه في ضمنه، أو لتعليله سماه دافعا وبناه م: (بالجناية إلى المرتهن. وإن قال المرتهن: لا أطلب الجناية فهو رهن على حاله) .
م: (ولو) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن هذه الجناية لو اعتبرناها للمرتهن كان عليه) ش: أي على المرتهن م: (التطهير من الجناية) ش: يعني هو مخاطب أيضا بالدفع أو الفداء م: (لأنها) ش: أي لأن الجناية م: (حصلت في ضمانه، فلا يفيد وجوب الضمان له مع وجوب التخليص عليه) ش: ولا فائدة فيه.
م: (وجنايته) ش: أي وجناية الرهن م: (على مال المرتهن لا تعتبر بالاتفاق إذا كانت قيمته والدين سواء؛ لأنه لا فائدة في اعتبارها؛ لأنه لا يتملك العبد) ش: أي لا منفعة للمرتهن في اعتبار تلك الجناية، فإنه لا يستحق بها الملك، ولكن يستحق بالدين مالية العبد يباع فيه، وذلك يستحق له بدينه م: (وهو الفائدة) ش: أي تملك العبد هو الفائدة.(13/37)
وإن كانت القيمة أكثر من الدين، فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر بقدر الأمانة؛ لأن الفضل ليس في ضمانه فأشبه جناية العبد الوديعة على المستودع. وعنه: أنها لا تعتبر؛ لأن حكم الرهن وهو الحبس فيه ثابت، فصار كالمضمون، وهذا بخلاف جناية الرهن على ابن الراهن أو ابن المرتهن؛ لأن الأملاك حقيقة متباينة، فصار كالجناية على الأجنبي.
قال: ومن رهن عبدا يساوي ألفا بألف إلى أجل فنقص في السعر فرجعت قيمته إلى مائة ثم قتله رجل وغرم قيمته مائه ثم حل الأجل فإن المرتهن يقبض المائة قضاء عن حقه، ولا يرجع على الراهن بشيء. وأصله: أن النقصان من حيث السعر لا يوجب سقوط الدين عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن كانت القيمة أكثر من الدين) ش: بأن كانت القيمة ألفين والدين ألفا م: (فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر بقدر الأمانة) ش: أي إن حكم الجناية يثبت في مقدار الأمانة م: (لأن الفضل ليس في ضمانه فأشبه جناية العبد الوديعة على المستودع) ش: فإن جنايته على المودع معتبرة.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة رواه عنه أبو يوسف: م: (أنها لا تعتبر) ش: أي أن حكم الجناية لا يعتبر م: (لأن حكم الرهن وهو الحبس فيه ثابت، فصار كالمضمون) ش: لأن مقدار الأمانة رهن في يده، فصار لمقدار المضمون م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من كون الجناية على الراهن والمرتهن هدر.
م: (بخلاف جناية الرهن على ابن الراهن أو ابن المرتهن) ش: فإنها معتبرة بالاتفاق م: (لأن الأملاك حقيقة متباينة) ش: أي بين الأب والابن م: (فصار) ش: أي حكم الجناية م: (كالجناية على الأجنبي) ش: وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يعتبر جنايته على ابن الراهن ولا على ابن المرتهن.
[رهن عبدا يساوي ألفا بألف إلى أجل فنقص العبد في السعر]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن رهن عبدا يساوي ألفا بألف إلى أجل فنقص) ش: أي العبد م: (في السعر فرجعت قيمته إلى مائة ثم قتله رجل وغرم قيمته مائة ثم حل الأجل فإن المرتهن يقبض المائة قضاء عن حقه، ولا يرجع على الراهن بشيء) ش: أي من تسع مائة.
م: (وأصله) ش: أي أصل حكم هذه المسألة: م: (أن النقصان) ش: أي أن نقصان الرهن م: (من حيث السعر لا يوجب سقوط الدين) ش: يعني لا يذهب به شيء من الدين م: (عندنا) ش: وهنا ثلاث فصول: الأول: هو المذكور وفيه خلاف زفر، أشار إليه بقوله: م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
الفصل الثاني: هو قوله: وإن أمره الراهن أن يبيعه.(13/38)
هو يقول: إن المالية قد انتقصت فأشبه انتقاص العين. ولنا: أن نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس وذلك لا يعتبر في البيع، حتى لا يثبت به الخيار، ولا في الغصب حتى لا يجب الضمان، بخلاف نقصان العين؛ لأن بفوات جزء منه يتقرر الاستيفاء فيه، إذ اليد يد الاستيفاء، وإذا لم يسقط شيء من الدين بنقصان السعر بقي مرهونا بكل الدين، فإذا قتله حر غرم قيمته مائة؛ لأنه تعتبر قيمته يوم الإتلاف في ضمان الإتلاف؛ لأن الجابر بقدر الفائت وأخذه المرتهن؛ لأنه بدل المالية في حق المستحق. وإن كان مقابلا بالدم على أصلنا، حتى لا يزداد على دية الحر؛ لأن المولى استحقه بسبب المالية وحق المرتهن متعلق بالمالية، فكذا فيما قام مقامه، ثم لا يرجع على الراهن بشيء: لأن يد الرهن يد الاستيفاء من الابتداء وبالهلاك يتقرر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والفصل الثالث: هو قوله: وهو ما إذا قتله عبد قيمته مائة، وفيه خلاف على ما يأتي إن شاء الله تعالى خلافا لزفر م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول إن المالية قد انتقصت فأشبه انتقاص العين) ش: فإذا انتقص من عينه شيء ذهب قسطه من الدين اتفاقا.
م: (ولنا: أن نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس، وذلك لا يعتبر في البيع حتى لا يثبت به الخيار، ولا في الغصب حتى لا يجب الضمان) ش: ونقصان السعر لا تعلق له بالرهن؛ لأن ذلك شيء يحدث في قلوب العباد بقلة الرغبات، وتحدث زيادة السعر بكثرة الرغبات، ولهذا لم يعتبر نقصان السعر في المبيع إذا انتقض قبل قبض المشتري، حتى لا يكون له خيار الرد وكذلك لا يعتبر في الغصب أيضا حتى إذا رده الغاصب إلى المالك لا يضمن نقصان السعر.
م: (بخلاف نقصان العين؛ لأن بفوات جزء منه يتقرر الاستيفاء فيه، إذ اليد يد الاستيفاء، وإذا لم يسقط شيء من الدين بنقصان السعر بقي) ش: أي العبد م: (مرهونا بكل الدين، فإذا قتله حر غرم قيمته مائة؛ لأنه تعتبر قيمته يوم الإتلاف في ضمان الإتلاف؛ لأن الجابر بقدر الفائت وأخذه المرتهن؛ لأنه بدل المالية) ش: أي لأن حقه متعلق بمالية الرهن م: (في حق المستحق) ش: أي المرتهن.
م: (وإن كان مقابلا بالدم على أصلنا) ش: أي وإن كان البدل مقابلا بالدم، وأوضح ذلك بقوله: م: (حتى لا يزداد) ش: أي البدل م: (على دية الحر) ش: لأنه إذا زيد ينتفي المقابلة م: (لأن المولى استحقه بسبب المالية) ش: هذا دليل قوله: لأنه بدل المالية في حق المستحق.
م: (وحق المرتهن متعلق بالمالية، فكذا فيما قام مقامه) ش: أي فكذا يتعلق حقه فيما يقوم مقام حقه بالمالية، حتى لا يرجع على الراهن بشيء من التسعمائة، وهو معنى قوله: م: (ثم لا يرجع على الراهن بشيء) ش: أي بشيء زائد على المالية م: (لأن يد الرهن يد الاستيفاء من الابتداء) ش: أي من أول الأمر م: (وبالهلاك يتقرر) ش: أي وبهلاك الرهن يتقرر أن الاستيفاء من الابتداء،(13/39)
وقيمته كانت في الابتداء ألفا فيصير مستوفيا للكل من الابتداء. أو نقول: لا يمكن أن يجعل مستوفيا الألف بمائة؛ لأنه يؤدي إلى الربا، فيصير مستوفيا المائة وبقي تسعمائة في العين، فإذا هلك يصير مستوفيا تسعمائة بالهلاك، بخلاف ما إذا مات من غير قتل أحد؛ لأنه يصير مستوفيا الكل بالعبد؛ لأنه لا يؤدي إلى الربا. قال: وإن كان أمره الراهن أن يبيعه فباعه بمائة وقبض المائة قضاء من حقه فيرجع بتسعمائة؛ لأنه لما باعه بإذن الراهن صار كأن الراهن استرده وباعه بنفسه. ولو كان كذلك يبطل الرهن ويبقى الدين إلا بقدر ما استوفى، وكذا هذا. قال: وإن قتله عبد قيمته مائة فدفع مكانه أفتكه بجميع الدين، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو بالخيار إن شاء أفتكه بجميع الدين، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي من أول الأمر م: (وقيمته كانت في الابتداء ألفا فيصير) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا للكل من الابتداء) ش: أي من الرهن فلا يأخذ شيئا غير المالية.
م: (أو نقول) ش: هذا دليل آخر م: (لا يمكن أن يجعل) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا الألف بمائة؛ لأنه يؤدي إلى الربا، فيصير مستوفيا المائة وبقي تسعمائة في العين) ش: أي في عين الرهن قبل الهلاك م: (فإذا هلك) ش: أي الباقي وهو التسعمائة م: (يصير) ش: أي المرتهن م: (مستوفيا تسعمائة بالهلاك) ش: لأن بالهلاك يصير مساويا ويسقط بقية الدين.
م: (بخلاف ما إذا مات) ش: أي العبد المرهون م: (من غير قتل أحد؛ لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (يصير مستوفيا الكل) ش: أي كل الدين م: (بالعبد) ش: أي الناقص في السعر م: (لأنه لا يؤدي إلى الربا) ش: لأنه لا يتحقق الربا من العبد والدين.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن كان أمره الراهن أن يبيعه) ش: أي إذا أمر الراهن المرتهن ببيع العبد الرهن المذكور م: فباعه بمائة وقبض المائة قضاء من حقه) ش: أي لأجل القضاء من حقه، أي الدين.
م: (فيرجع بتسعمائة؛ لأنه لما باعه) ش: أي لأن المرتهن لما باع العبد م: (بإذن الراهن صار كأن الراهن استرده) ش: أي العبد م: (وباعه بنفسه. ولو كان كذلك يبطل الرهن ويبقى الدين إلا بقدر ما استوفى، وكذا هذا) ش: وفي بعض النسخ: كذلك هذا.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قتله عبد) ش: أي فإن قتل العبد المرهون الذي كان يساوي ألفا بألف في ابتداء الرهن ثم نقص سعره فرجعت قيمته إلى مائة فقتله عبد مثله م: (قيمته مائة فدفع) ش: السيد م: (مكانه أفتكه) ش: أي الراهن م: (بجميع الدين) ش: من غير خيار م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو بالخيار) ش: أي الراهن مخير م: (إن شاء أفتكه بجميع الدين، وإن(13/40)
سلم العبد المدفوع إلى المرتهن بماله. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصير رهنا بمائة، له: أن يد الراهن يد استيفاء وقد تقرر بالهلاك، إلا أنه أخلف بدلا بقدر العشر فبقي الدين بقدره. ولأصحابنا على زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن العبد الثاني قائم مقام الأول لحما ودما. ولو كان الأول قائما وانتقص السعر لا يسقط شيء من الدين عندنا لما ذكرنا، فكذلك إذا قام المدفوع مكانه. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخيار: أن المرهون تغير في ضمان المرتهن فيخير الراهن كالمبيع إذا قتل قبل القبض، والمغصوب إذا قتل في يد الغاصب يخير المشتري والمغصوب منه، كذا هذا. ولهما: أن التغير لم يظهر في نفس العبد لقيام الثاني مقام الأول لحما ودما كما ذكرناه مع زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شاء سلم العبد المدفوع إلى المرتهن بماله. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصير رهنا بمائة) ش: ويفتكه بمائة ويسقط تسعة أعشار الدين م: (له) ش: أي لزفر م: (أن يد الراهن يد استيفاء وقد تقرر بالهلاك) ش: أي قد تقرر الاستيفاء بهلاك الرهن وهو العبد المقتول م: (إلا أنه) ش: أي أن العبد المقتول م: (أخلف بدلا بقدر العشر فبقي الدين بقدره) ش: أي بقدر عشر الدين.
م: (ولأصحابنا على زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن العبد الثاني قائم مقام الأول) ش: أي مقام العبد الأول م: (لحما ودما) ش: يعني صورة ومعنى، أما صورة: فظاهر، وأما معنى: فلأن القاتل كالمقتول في الآدمية، والشرع اعتبره حراما من حيث الآدمية دون المالية، ألا ترى إلى استوائهما في حق القصاص، فكذا في الرفع أيضا.
م: (ولو كان الأول قائما وانتقص السعر لا يسقط شيء من الدين عندنا لما ذكرنا) ش: أشار إلى قوله أن نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس إلى آخره، م: (فكذلك إذا قام المدفوع) ش: أي العبد المدفوع م: (مكانه) ش: أي مكان العبد الأول.
م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخيار: أن المرهون تغير في ضمان المرتهن) ش: لأنه غيره في الحقيقة والتغير لا بد من أن يوجب الخيار، فإذا كان كذلك م: (فيخير الراهن كالمبيع) ش: أي في العبد المبيع م: (إذا قتل قبل القبض) ش: فدفع به العبد القاتل مكانه. م: (والمغصوب) ش: أي وكان المغصوب م: (إذا قتل في يد الغاصب) ش: يعني إذا غصب عبدا قيمته ألف فقتله عبد قيمته مائة فدفع م: (يخير المشتري) ش: في مسألة البيع م: (والمغصوب منه) ش: في مسألة الغصب والمشتري يتخير بين أن يأخذ المدفوع وبين أن يفسخ البيع لتغير المبيع، وإن شاء أخذ المدفوع مكانه، م: (كذا هذا) ش: أي أن يخير الراهن في مسألة الرهن إذا تغير في ضمان المرتهن.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: م: (أن التغير لم يظهر في نفس العبد لقيام الثاني مقام الأول لحما ودما كما ذكرناه، مع زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فلو كان الأول(13/41)
وعين الرهن أمانة عندنا، فلا يجوز تمليكه منه بغير رضاه؛ ولأن جعل الرهن بالدين حكم جاهلي وأنه منسوخ، بخلاف البيع لأن الخيار فيه حكمه الفسخ، وهو مشروع، وبخلاف الغصب؛ لأن تملكه بأداء الضمان مشروع، ولو كان العبد تراجع سعره حتى صار يساوي مائة ثم قتله عبد يساوي مائة فدفع به فهو على هذا الخلاف.
وإذا قتل العبد الرهن قتيلا خطأ فضمان الجناية على المرتهن وليس له أن يدفع؛ لأنه لا يملك التمليك. قال: ولو فدى طهر المحل فبقي الدين على حاله، ولا يرجع على الراهن بشيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قائما وتراجع سعره لم يكن له خيار كذلك هنا م: (وعين الرهن أمانة عندنا) ش: كما مر في أول كتاب الرهن، م: (فلا يجوز تمليكه منه بغير رضاه) ش: أي بغير رضا المرتهن.
م: (ولأن جعل الرهن بالدين حكم جاهلي) ش: رواه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله «لا يغلق الرهن» م: (وأنه منسوخ) ش: أي الشرع نسخ ذلك، فلا يجوز المصير إليه م: (بخلاف البيع) ش: هذا جواب عن قياس محمد بالبيع، بيانه: أن القياس بالبيع في الخيار لا يصح م: (لأن الخيار فيه حكمه الفسخ، وهو مشروع، وبخلاف الغصب؛ لأن تملكه بأداء الضمان مشروع) ش: بخلاف ما نحن فيه.
م: (ولو كان العبد تراجع سعره حتى صار يساوي مائة ثم قتله عبد يساوي مائة فدفع به فهو على هذا الخلاف) ش: وقال الأترازي: هذا تكرار لا محالة؛ لأن وضع المسألة في الفصل الثالث، وهو قوله فإن قتله عبد قيمته مائة فدفع مكانه أفتكه بجميع الدين، فلا حاجة بعد ذلك بعينه فهو على الخلاف. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل في بعض الشروح: هذا تكرار لا محالة.
قلت: أراد به الأترازي، ثم ذكر قوله لما ذكرنا إلى قوله فهو على الخلاف، ثم قال: وكذلك قال صاحب " النهاية " جعل الصورة الثالثة فيما إذا تراجع السعر، لكنه لم يتعرض لوقوع التكرار، وهو لازم عليه أيضا، وفي ذلك سوء ظن بمثل صاحب " الهداية " الذي جاز قصبات السبق في التحقيق، وإنما الصورة الثالثة: في غير تراجع السعر كما ذكرنا، وهذه المسألة في صورة التراجع ولا تكرار به.
[قتل العبد الرهن قتيلا خطأ]
م: (وإذا قتل العبد الرهن قتيلا خطأ فضمان الجناية على المرتهن) ش: لأن العبد كله في ضمانه ودينه مستغرق لرقبته؛ لأن المسألة فيما إذا كانت قيمته والدين سواء لأن قيمته لو كانت أكثر من الدين بعدها م: (وليس له أن يدفع) ش: أي وليس للمرتهن دفع العبد م: (لأنه) ش: أي لأن الرهن م: (لا يملك التمليك) ش: لأن الدفع تمليك الرقبة وهو لا يملك تمليكها.
م: (قال: ولو فدى) ش: أي لو فدى المرتهن م: (طهر المحل) ش: بالطاء المهملة، أي طهر العبد عن الجناية م: (فبقي الدين) ش: في الرهن م: (على حاله، ولا يرجع على الراهن بشيء من(13/42)
من الفداء؛ لأن الجناية حصلت في ضمانه، فكان عليه إصلاحها. قال: ولو أبى المرتهن أن يفدي قيل للراهن ادفع العبد أو افده بالدية؛ لأن الملك في الرقبة قائم له، وإنما أبى المرتهن الفداء لقيام حقه. قال: فإذا امتنع عن الفداء يطالب الراهن بحكم الجناية، ومن حكمها التخيير بين الدفع والفداء. فإن اختار الدفع سقط الدين؛ لأنه استحق المعنى في ضمان المرتهن، فصار كالهلاك. قال: وكذلك إن فدى لأن العبد كالحاصل له بعوض كان على المرتهن وهو الفداء. بخلاف ولد الرهن إذا قتل إنسانا أو استهلك مالا حيث يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء في الابتداء؛ لأنه غير مضمون على المرتهن، فإن دفع خرج من الرهن ولم يسقط شيء من الدين، كما لو هلك في الابتداء، وإن فدى فهو رهن مع أمه على حالهما. قال: ولو استهلك العبد المرهون مالا يستغرق رقبته، فإذا أدى المرتهن الدين الذي لزم العبد فديته على حاله كما في الفداء، وإن أبى قيل للراهن: بعه في الدين إلا أن يختار أن يؤدى عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفداء؛ لأن الجناية حصلت في ضمانه، فكان عليه إصلاحها. قال: ولو أبى المرتهن أن يفدي، قيل للراهن ادفع العبد أو افده بالدية؛ لأن الملك في الرقبة قائم له) ش: أي للراهن م: (وإنما أبى المرتهن الفداء لقيام حقه. قال: فإذا امتنع عن الفداء يطالب الراهن بحكم الجناية ومن حكمها) ش: أي من حكم الجناية م: (التخيير بين الدفع والفداء. قال: فإن اختار الدفع سقط الدين؛ لأنه) ش: أي لأن العبد م: (استحق المعنى) ش: وهو الجناية م: (في ضمان المرتهن، فصار كالهلاك) ش: أي كهلاك العبد، والجامع زوال ملك الراهن عن الرهن في ضمان المرتهن.
م: (قال: وكذلك إن فدى) ش: أي وكذلك يقسط الدين إن فدى م: (لأن العبد كالحاصل له بعوض كان على المرتهن وهو الفداء) ش: يعني إذا كان على المرتهن دين وقد أداه الراهن وجب على المرتهن مثل ما أدى إلى ولي الجناية، وللمرتهن على الراهن دين فالتقيا قصاصا فيسلم الرهن للراهن. ولا يكون متبرعا في أداء الفداء، لا أنه يسعى في تخليص ملكه كعير الرهن.
م: (بخلاف ولد الرهن إذا قتل إنسانا أو استهلك مالا حيث يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء في الابتداء) ش: أي في أول الأمر م: (لأنه غير مضمون على المرتهن، فإن دفع) ش: أي الراهن إلى المرتهن م: (خرج من الرهن ولم يسقط شيء من الدين، كما لو هلك في الابتداء) ش: أي في أول الأمر هلك بدون الجناية يخرج من الرهن ولم يسقط شيء من الدين م: (وإن فدى) ش: أي الراهن م: (فهو) ش: أي الابن م: (رهن مع أمه على حالهما) ش: تبعا لها.
م: (قال: ولو استهلك العبد المرهون مالا يستغرق رقبته، فإذا أدى المرتهن الدين الذي لزم العبد فديته على حاله كما في الفداء) ش: أي كما ينبغي الدين على حاله إذا فداه م: (وإن أبى) ش: أي المرتهن م: (قيل للراهن بعه) ش: أي العبد م: (في الدين إلا أن يختار أن يؤدى عنه) ش: الدين م:(13/43)
فإن أدى بطل دين المرتهن كما ذكرنا في الفداء. قال: وإن لم يؤد وبيع العبد فيه يأخذ صاحب دين العبد دينه؛ لأن دين العبد مقدم على دين المرتهن وحق ولي الجناية لتقدمه على حق المولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فإن أدى بطل دين المرتهن) ش: على الراهن م: (كما ذكرنا في الفداء) ش: وهو قوله: وكذلك إن فدى.
م: (قال: وإن لم يؤد) ش: أي الراهن م: (وبيع العبد فيه) ش: أي في الدين م: (يأخذ صاحب دين العبد دينه؛ لأن دين العبد مقدم على دين المرتهن وحق ولي الجناية) ش: وعلى حق ولي الجناية أيضا، حتى لو جنى وعليه دين يدفع إلى ولي الجناية، ولفظه: وحق الجناية مجرور؛ لأنه عطف على دين المرتهن.
وحاصل المعنى: دين العبد مقدم على حق ولي الجناية أيضا، حتى لو جنى وعليه دين يدفع إلى ولي الجناية ثم يباع للغرماء على ما يأتي في جناية المملوك في الديات، قاله الكاكي. وكذا قاله الأكمل وتاج الشريعة.
وقال الأترازي: قوله: " وحق ولي الجناية " بالنصب أو بالرفع عطفا على لفظ " للدين ومحله "، معناه: أن دين العبد مقدم على دين المرتهن. وكذلك حق ولي الجناية أيضا مقدم على دين المرتهن؛ لأن كل واحد منهما مقدم على حق الولي فلأنه مقدم على حق المرتهن أولى. لأن حق المالك أقوى.
ثم قال: وقال بعضهم في شرحه: قوله: " وحق ولي الجناية "، بالجر، أي دين العبد مقدم على دين المرتهن، ويقدم أيضا على حق ولي الجناية، حتى لو جنى وعليه دين يدفع إلى ولي الجناية. ثم يباع للغرماء فالقول هذا في غاية الضعف. لأن المسألة التي استشهد بها يدفع كلامه؛ لأنه قال: دين العبد مقدم على حق ولي الجناية وفي المسألة قدم حق ولي الجناية ثم رتب عليه حق الغرماء. فإنه مناقضة لا محالة. قلت أراد بقوله: " وقال وبعضهم " في " شرح الكاكي ": كما ذكر كلامه في إعراب وحق غير موجه يعرف بالتأمل. وأما اعتراضه عليه في المسألة المستشهد بها فلا وجه لأنه يجيء.
م: (لتقدمه على حق المولى) ش: أي لتقدم كل واحد منها من دين العبد ومن حق ولي الجناية على حق المولى، كذا فسره الأترازي، وقال الكاكي: أي لتقدم حق العبد على حق المولى يكون مقدما على حق من يقوم مقامه وهو المرتهن وولي الجناية؛ لأن المرتهن يقوم مقام الولي في المالية وولي الجناية مقام الولي في ملك العين. وكذا فسره الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والفرق بين التفسيرين بحسب تفسيرهم قوله: " وحق الجناية ".(13/44)
قال: فإن فضل شيء ودين غريم العبد مثل دين المرتهن أو أكثر فالفضل للراهن وبطل دين المرتهن لأن الرقبة استحقت لمعنى هو في ضمان المرتهن فأشبه الهلاك. قال: وإن كان دين العبد أقل سقط من دين المرتهن بقدر دين العبد وما فضل من دين العبد يبقى رهنا كما كان. ثم إن كان دين المرتهن قد حل أخذه به لأنه من جنس حقه. وإن كان لم يحل أمسكه حتى يحل. وإن كان ثمن العبد لا يفي بدين الغريم أخذ الثمن ولم يرجع بما بقي على أحد حتى يعتق العبد؛ لأن الحق في دين الاستهلاك يتعلق برقبته، وقد استوفيت فيتأخر إلى ما بعد العتق. قال: ثم إذا أدى بعده لا يرجع على أحد؛ لأنه وجب عليه بفعله. قال: وإن كانت قيمة العبد ألفين وهو رهن بألف وقد جنى العبد، يقال لهما: افدياه: لأن النصف منه مضمون، والنصف أمانة، والفداء في المضمون على المرتهن. وفي الأمانة على الراهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: فإن فضل شيء) ش: أي من ثمن العبد الذي بيع م: (ودين غريم العبد) ش: الواو فيه للحال م: (مثل دين المرتهن أو أكثر فالفضل للراهن وبطل دين المرتهن؛ لأن الرقبة استحقت لمعنى هو في ضمان المرتهن فأشبه الهلاك) ش: أي هلاك العبد حيث يبطل دين المرتهن به.
م: (قال: وإن كان دين العبد أقل) ش: من دين المرتهن م: (سقط من دين المرتهن بقدر دين العبد) ش: لأن ذلك استحق بسبب كان في يد المرتهن م: (وما فضل من دين العبد يبقى رهنا كما كان) ش: رهنا أو لا.
م: (ثم إن كان دين المرتهن قد حل أخذه به) ش: أي بدينه م: (لأنه من جنس حقه) ش: فلا معنى لحسن الدرهم بالدرهم فيستوفيه م: (قال: وإن كان) ش: أي دينه م: (لم يحل أمسكه) ش: أي أمسك الباقي م: (حتى يحل) ش: دينه م: (وإن كان ثمن العبد لا يفي بدين الغريم أخذ الثمن ولم يرجع بما بقي) ش: من دينه م: (على أحد حتى يعتق العبد) ش: فإذا أعتق رجع عليه م: (لأن الحق في دين الاستهلاك يتعلق برقبته وقد استوفيت) ش: أي الرقبة قد استحقت بسبب كان في يده م: (فيتأخر) ش: أي الدين الباقي م: (إلى ما بعد العتق. قال: ثم إذا أدى بعده) ش: أي ثم إذا أدى العبد الباقي بعد العتق م: (ولا يرجع) ش: أي العبد م: (على أحد) ش: بما أدى م: (لأنه وجب عليه بفعله) ش: لأن الباقي وجب عليه بفعل نفسه.
م: (قال: وإن كان قيمة العبد ألفين وهو) ش: أي العبد م: (رهن بألف وقد جنى العبد) ش: جناية على النفس م: (يقال لهما) ش: أي للراهن والمرتهن م: (افدياه؛ لأن النصف منه مضمون، والنصف أمانة، والفداء في المضمون على المرتهن. وفي الأمانة على الراهن) ش: لأن النصف الجناية في الأمانة يلزم المالك للرقبة كما يلزم المودع وحكمها في المضمون يتعلق بالراهن، فلذلك قيل لهما: افديا فديا.(13/45)
فإن أجمعا على الدفع دفعاه وبطل دين المرتهن والدفع لا يجوز في الحقيقة من المرتهن لما بينا، وإنما منه الرضا به. قال: فإن تشاحا فالقول لمن قال: أنا أفدي راهنا كان أو مرتهنا. أما المرتهن فلأنه ليس في الفداء إبطال حق الراهن، وفي الدفع الذي يختاره الراهن إبطال حق المرتهن، وكذا في جناية ولد الرهن إذا قال المرتهن: أنا أفدي له ذلك وإن كان المالك يختار الدفع؛ لأنه إن لم يكن مضمونا فهو محبوس بدينه وله في الفداء غرض صحيح ولا ضرر على الراهن، فكان له أن يفدي. وأما الراهن فلأنه ليس للمرتهن ولاية الدفع لما بينا، فكيف يختاره. قال: ويكون المرتهن في الفداء متطوعا في حصة الأمانة، حتى لا يرجع على الراهن؛ لأنه يمكنه أن لا يختاره فيخاطب الراهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن أجمعا على الدفع دفعاه) ش: ولفظ " دفعاه " يجوز؛ لأنه لدفع تمليك لا بملك المرتهن ذلك، وإنما معنى أن المرتهن رضي بالدفع حين امتنع من الفداء فدفع إلى الراهن وأضاف الدفع إليهما؛ لأنه تم باختيارهما، وإن لم يقم بفعله كذا ذكر القدوري في " شرحه "، م: (وبطل دين المرتهن والدفع لا يجور في الحقيقة من المرتهن لما بينا) ش: إشارة إلى قوله لأنه يملك التمليك. وفي بعض النسخ: لما ذكرنا م: (وإنما منه الرضا به) ش: أي من المرتهن الرضا بالدفع وقد ذكرنا هذا من شرح القدوري آنفا.
م: (قال: فإن تشاحا) ش: أي الراهن والمرتهن فقال المرتهن أنا أفدي، وقال الراهن أنا أدفع م: (فالقول لمن قال أنا أفدي راهنا كان أو مرتهنا. أما المرتهن فلأنه ليس في الفداء إبطال حق الراهن، وفي الدفع الذي يختاره الراهن إبطال حق المرتهن، وكذا في جناية ولد الرهن) ش: أي وكذا الحكم في جناية ولد الرهن م: (إذا قال المرتهن: أنا أفدي له ذلك وإن كان المالك يختار الدفع) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها م: (لأنه) ش: أي لأن الولد م: (إن لم يكن مضمونا فهو محبوس بدينه) ش: أي بدين المرتهن، أي وللمرتهن م: (وله في الفداء غرض صحيح) ش: وهو أن يكون الولد رهنا كأصله، وكذا قاله شيخي العلاء.
وقال تاج الشريعة: عوض صحيح، أي حبس الرقبة لجانب الاستيفاء.
م: (ولا ضرر على الراهن) ش: لأن المرتهن لم يرجع عليه بشيء م: (فكان له أن يفدي. وأما الراهن فلأنه ليس للمرتهن ولاية الدفع لما بينا) ش: يعني به أن الرقبة ليست له، فكيف يملكها من غيره وهو معنى قوله م: (فكيف يختاره. قال: ويكون المرتهن في الفداء متطوعا في حصة الأمانة حتى لا يرجع على الراهن) ش: يعني إن كان الذي يختار الفداء هو المرتهن كان متطوعا في حصة الأمانة؛ لأن اختار مع تمكينه من الامتناع لحصول الراهن، فكان كالأجنبي م: (لأنه) ش: أي لأن المرتهن م: (يمكنه أن لا يختاره) ش: أي الفداء م: (فيخاطب الراهن) ش: لأنه بعدما التزم(13/46)
فلما التزمه والحالة هذه كان متبرعا، وهذا على ما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يرجع مع الحضور، وسنبين القولين إن شاء الله تعالى. قال: ولو أبى المرتهن أن يفدي وفداه الراهن، فإنه يجب على المرتهن نصف الفداء من دينه؛ لأن سقوط الدين أمر لازم فدى أو دفع فلم يجعل الراهن في الفداء متطوعا، ثم ينظر إن كان نصف الفداء مثل الدين أو أكثر بطل الدين، وإن كان أقل سقط من الدين بقدر نصف الفداء، وكان العبد رهنا بما بقي؛ لأن الفداء في النصف كان عليه، فإذا أداه الراهن وهو ليس بمتطوع كان له الرجوع عليه، فيصير قصاصا بدينه كأنه أوفى نصفه، فيبقى العبد رهنا بما بقي. قال: ولو كان المرتهن فدى والراهن حاضر فهو متطوع، وإن كان غائبا لم يكن متطوعا، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد والحسن وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: المرتهن متطوع في الوجهين؛ لأنه فدى ملك غيره بغير أمره، فأشبه الأجنبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرتهن الفداء لا يتمكن الراهن من الدفع، فتغير الفداء يخاطب به م: (فلما التزمه والحالة هذه كان متبرعا) ش: أي فلما التزم الفداء المرتهن مع تمكينه الفداء يكون متبرعا.
م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (على ما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه) ش: أي أن المرتهن م: (لا يرجع مع الحضور) ش: أي مع حضور الراهن أو كان غائبا م: (وسنبين القولين إن شاء الله تعالى) ش: والقولان وهما قول أبي حنيفة وقول مخالفيه؛ لأنه المذكور بعد هذا، فافهم، أي بعد هذا بخطوط عند قوله م: (قال: ولو أبى المرتهن أن يفدي وفداه الراهن) ش: حاضر، ولو أبى المرتهن أن يفدي وفداه الراهن م: (فإنه يجب المرتهن نصف الفداء من دينه؛ لأن سقوط الدين أمر لازم فدى أو دفع فلم يجعل الراهن في الفداء متطوعا، ثم ينظر إن كان نصف الفداء مثل الدين أو أكثر بطل الدين) ش: يعني أن موجب الجناية الدفع أو الفداء أو على التقديرين.
م: (وإن كان أقل سقط من الدين بقدر نصف الفداء، وكان العبد رهنا بما بقي؛ لأن الفداء في النصف كان عليه، فإذا أداه الراهن وهو ليس بمتطوع كان له الرجوع عليه، فيصير قصاصا بدينه كأنه أوفى نصفه، فيبقى العبد رهنا بما بقي. قال: ولو كان المرتهن فدى والراهن حاضر فهو متطوع، وإن كان غائبا) ش: أي غيبته منقطعة، ذكره في " الأسرار " م: (لم يكن متطوعا، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد والحسن وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: المرتهن متطوع في الوجهين) ش: أي الحضور والغيبة. وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وروي عن أبي حنيفة عكس هذا، وهو: الراهن إذا كان حاضرا لا يكون متطوعا، وإن كان غائبا يكون متطوعا م: (لأنه فدى ملك غيره بغير أمره فأشبه الأجنبي) .(13/47)
وله: أنه إذا كان الراهن حاضرا أمكنه مخاطبته، فإذا أفداه المرتهن فقد تبرع كالأجنبي، فأما إذا كان الراهن غائبا تعذر مخاطبته، والمرتهن يحتاج إلى إصلاح المضمون، ولا يمكنه ذلك إلا بإصلاح الأمانة فلا يكون متبرعا. قال: وإذا مات الراهن باع وصية الرهن وقضى الدين؛ لأن الوصي قائم مقامه. ولو تولى الموصي حيا بنفسه كان له ولاية البيع بإذن المرتهن، فكذا الوصية. قال: وإن لم يكن له وصي نصب القاضي له وصيا وأمره ببيعه؛ لأن القاضي نصب ناظرا لحقوق المسلمين إذا عجزوا عن النظر لأنفسهم، والنظر في نصب الوصي ليؤدي ما عليه لغيره ويستوفي ماله من غيره.
قال: وإن كان على الميت دين فرهن الوصي بعض التركة عند غريم من غرمائه لم يجز وللآخرين أن يردوه؛ لأنه آثر بعض الغرماء بالإيفاء الحكمي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أنه إذا كان الراهن حاضرا أمكنه مخاطبته، فإذا أفداه المرتهن فقد تبرع كالأجنبي، فأما إذا كان الراهن غائبا تعذر مخاطبته، والمرتهن يحتاج إلى إصلاح المضمون) ش: وهو تظهير الرهن عند الجناية م: (ولا يمكنه ذلك إلا بإصلاح الأمانة) ش: لأن الفداء للمرتهن لا يجزئ لكونه غائبا م: (فلا يكون متبرعا) .
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا مات الراهن باع وصية الرهن وقضى الدين؛ لأن الوصي قائم مقامه. ولو تولى الموصي حيا) ش: أي حال كونه حيا م: (بنفسه كان له ولاية البيع بإذن المرتهن، فكذا الوصية) ش: أي البيع بإذن المرتهن وبلا إذنه لا يجوز؛ لأنه ولاء للوصي.
م: (قال: وإن لم يكن له) ش: أي للراهن الميت م: (وصي نصب القاضي له وصيا وأمره ببيعه؛ لأن القاضي نصب ناظرا لحقوق المسلمين إذا عجزوا عن النظر لأنفسهم، والنظر في نصب الوصي ليؤدي ما عليه لغيره ويستوفي ماله من غيره. قال: وإن كان على الميت دين فرهن الوصي بعض التركة عند غريم من غرمائه لم يجز للآخرين) ش: أي ولبقية الغرماء م: (أن يردوه؛ لأنه) ش: أي لأن الولي م: (آثر) ش: أي اختار م: (بعض الغرماء بالإيفاء الحكمي) ش: يعني أن موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن.
وليس للوصي أن يخص بعض الغرماء بذلك، كذا قال تاج الشريعة.
وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": لأن في الرهن معنى إيفاء الدين من وجه على وجه طلب الحقيقة عند الهلاك، والوصي لا يكون بحل من إيفاء حق بعض الغرماء دون البعض لتعلق حقهم على السواء في التركة، إلا إذا قضى ديونهم قبل أن يردوه كما في الإيفاء الحقيقي.(13/48)
فأشبه الإيثار بالإيفاء الحقيقي. قال: فإن قضى دينهم قبل أن يردوه جاز؛ لزوال المانع بوصول حقهم إليهم. قال: ولو لم يكن للميت غريم آخر جاز الرهن اعتبارا بالإيفاء الحقيقي. قال: وبيع في دينه؛ لأنه يباع فيه قبل الرهن فكذا بعده. قال: وإذا ارتهن الوصي بدين الميت على رجل جاز؛ لأنه استيفاء وهو يملكه، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وفي رهن الوصي تفصيلات نذكرها في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهذا الشرح لكلام المصنف قوله: م: (فأشبه الإيثار بالإيفاء الحقيقي) ش: فلا يجوز.
م: (قال: فإن قضى) ش: أي الوصي م: (دينهم) ش: أي دين الغرماء م: (قبل أن يردوه جاز لزوال المانع) ش: وهو إيثارهم بالإيفاء الحكمي م: (بوصول حقهم إليهم. قال: ولو لم يكن للميت غريم آخر) ش: غير الغرماء المذكورين م: (جاز الرهن اعتبارا بالإيفاء الحقيقي. قال: وبيع في دينه؛ لأنه يباع فيه قبل الرهن فكذا بعده) ش: لأنه لا مزاحم له.
م: (قال: وإذا ارتهن الوصي بدين للميت على رجل جاز؛ لأنه استيفاء) ش: أي لأن ارتهان الوصي من باب استيفاء الحقوق م: (وهو يملكه) ش: أي الوصي بملك الاستيفاء؛ لأنه نصب لاستيفاء الحقوق وإيفائها.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف: م: (في رهن الوصي تفصيلات، نذكرها في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى) ش: قال الأترازي: هذه حوالة غير رائجة؛ لأن رهن الوصي لم يذكره في كتاب الوصايا فضلا عن تفصيلاته، ثم طول الكلام فيه، وملخصه: أن الورثة إذا كانوا كلهم كبارا حضورا لا يجوز، وإن كانوا صغارا وكبارا إن كان الكبار حضورا ملك بدين على الميت في قول أبي حنيفة، وعندهما: لا يصح وإن كان بدين استدانه عليهم أو على الصغار: لم يصح في حق الكل بالإجماع، سواء كان الكبار حضورا أو غيبا. وإن كان بدين على الميت فلا يكون النظر واقعا للميت، بل يقع للوارث فلا يستقيم إثبات الولاية على غيره بتقدير النظر في حقه، ولو كان الرهن بدين استدانه في بقية الرقيق فالجواب فيه كالجواب فيما إذا كان الرهن بدين على الميت.(13/49)
فصل قال: ومن رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر، ثم صار خلا يساوي عشرة فهو رهن بعشرة؛ لأن ما يكون محلا للبيع يكون محلا للرهن، إذ المحلية بالمالية فيهما، والخمر وإن لم يكن محلا للبيع ابتداء فهو محل له بقاء، حتى إن من اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض يبقى العقد، إلا أنه يتخير في البيع لتغير وصف المبيع بمنزلة ما إذا تعيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان المسائل المتفرقة في كتاب الرهن]
[رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر ثم صار خلا يساوي عشرة]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان المسائل المتفرقة التي نذكرها في أواخر الكتب.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن رهن عصيرا بعشرة قيمته عشرة فتخمر) ش: أي صار خمرا م: (ثم صار خلا يساوي عشرة فهو رهن بعشرة) ش: لكن هذا إذا لم ينقص من مقداره بالتخمر، والغالب النقصان، فإذا انتقص سقط من الدين بقدره، وإذا انتقص سعره لا مقدار هلا يسقط شيء من الدين، ولكن الراهن يتخير، كما إذا انكسر القلب إن شاء أفتكه ناقصا بجميع الدين، وإن شاء ضمنه قيمته ويكون قيمته رهنا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعند محمد: إن شاء أفتكه ناقصا، وإن شاء أفتكه بالدين، وإن لم ينقص قيمته لا يخير فيه، فيبقى رهنا كما كان؛ لأنه لا ضرر في الجبر على الفكاك م: (لأن ما يكون محلا للبيع يكون محلا للرهن، إذ المحلية بالمالية فيهما) ش: أي في البيع والرهن.
م: (والخمر وإن لم يكن محلا للبيع ابتداء فهو محل له بقاء، حتى إن من اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض يبقى العقد) ش: أي لا ينقض م: (إلا أنه) ش: أي أن المشتري م: (يتخير في البيع لتغير وصف المبيع بمنزلة ما إذا تعيب) ش: المبيع قبل القبض.
والحاصل هنا: أن رهن العصير جائز لبيعه بلا خلاف، فإذا تخمر وهما مسلمان يفسد الرهن بلا خلاف، فإذا فسد فسد الرهن فللمرتهن أن يخللها وليس للراهن أن يبيعه بالاسترداد، فإن خللها المرتهن أو صارت خلا فقد عادت المالية ويعود حكم الرهن عندنا، وبه قال مالك.
وعند الشافعي وأحمد: لا يجوز بالتخليل. ويعود بأن صارت خلا بنفسه. ولو كانا كافرين يبقى الرهن بتخمره لبقاء ماليته عندهما. ولو كان الراهن مسلما والمرتهن كافرا فتخمر يفسد الرهن. ولو كان الراهن كافرا والمرتهن مسلما فله أن يأخذ الرهن والدين على حاله. وليس للمسلم أن يخللها لبقاء المالية في حق الراهن.(13/50)
قال: ولو رهن شاة قيمتها عشرة بعشرة فماتت، فدبغ جلدها فصار يساوي درهما فهو رهن بدرهم؛ لأن الرهن يتقرر بالهلاك، فإذا حيي بعض المحل يعود حكمه بقدره، بخلاف ما إذا ماتت الشاة المبيعة قبل القبض فدبغ جلدها، حيث لا يعود البيع؛ لأن البيع ينتقض بالهلاك قبل القبض والمنتقض لا يعود. أما الرهن يتقرر بالهلاك على ما بيناه. ومن مشايخنا من يمنع مسألة البيع ويقول: يعود البيع. قال: ونماء الرهن للراهن وهو مثل الولد والثمر واللبن والصوف؛ لأنه متولد من ملكه، ويكون رهنا مع الأصل لأنه تبع له، والرهن حق لازم فيسري إليه. قال: فإن هلك يهلك بغير شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: ولو رهن شاة قيمتها عشرة بعشرة فماتت فدبغ جلدها فصار يساوي درهما فهو رهن بدرهم؛ لأن الرهن يتقرر بالهلاك) ش: لأن المرتهن يصير مستوفيا لهلاك وبالاستيفاء تأكد عقد الرهن. وقوله فهو رهن بدرهم معناه إن كانت قيمة الجلد يوم الرهن درهما. وأما إذا كانت قيمته يومئذ درهمين فهو رهن بدرهمين، ويعرف ذلك بأن ينظر إلى قيمة الشاة حية ومسلوخة، فإن كانت قيمتها حية عشرة، وقيمتها مسلوخة تسعه كانت قيمة الجلد يوم الارتهان درهما. وإن كانت قيمتها مسلوخة ثمانية كانت درهمين.
م: (فإذا حيي بعض المحل) ش: بأن عادت المالية بالدباغ م: (يعود حكمه بقدره) ش: يعني يسقطه م: (بخلاف ما إذا ماتت الشاة المبيعة قبل القبض فدبغ جلدها حيث لا يعود البيع؛ لأن البيع ينتقض بالهلاك) ش: أي بهلاك المبيع م: (قبل القبض والمنتقض لا يعود. أما الرهن يتقرر بالهلاك على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله " لأن الرهن يتقرر بالهلاك " فيما مضى بسطرين. م: (ومن مشايخنا من يمنع مسألة البيع ويقول: يعود البيع) ش: كالرهن.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ونماء الرهن للراهن) ش: أي الزيادة الحاصلة في الرهن للراهن وقد بين المصنف ذلك بقوله: م: (وهو مثل الولد) ش: أي بأن كان الراهن أمة فولدت ولدا م: (والثمر) ش: بأن كان الرهن شجرا فظهرت فيه ثمرة م: (واللبن) ش: بأن كان الرهن حيوانا من ذوات الألبان م: (والصوف) ش: بأن كان الرهن غنما فنمى فيه صوف، أو جملا فنمى فيه وبر ونحو ذلك كله رهن مع الأصل م: (لأنه متولد من ملكه) ش: أي من ملك الراهن م: (ويكون رهنا مع الأصل؛ لأنه) ش: أي لأن المتولد م: (تبع له، والرهن حق لازم) ش: يعني مستنفر في العين م: (فيسري إليه) ش: أي فيسري التبع إلى الأصل.
م: (قال: فإن هلك) ش: أي النماء م: (يهلك بغير شيء) ش: والرهن على حاله بجميع الدين. وفي " المحيط " و " المبسوط ": الأصل عندنا أن كل ما يتولد من عين الرهن كالوالد والتمر يسري حكم الرهن إليهم. وكذا كل ما كان بدل جزء منه وما كان بدل المنفعة أو به لا يتولد منه(13/51)
لأن الأتباع لا قسط لها مما يقابل بالأصل؛ لأنها لم تدخل تحت العقد مقصودا، إذ اللفظ لا يتناولها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كالعلة، والكسب لا يسري حكم الرهن إليه، وبقولنا قال الثوري. وقال أحمد المتولد منه وما حدث منه بسبب حادث كالغلة والكسب يدخل الكل، وهو قول النخعي والشعبي.
وقال مالك: يدخل الولد خاصة دون غيره.
وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر: لا يدخل شيء في الرهن من النماء المنفصل ولا من الكسب لحق الجناية، حتى قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو رهنه ماشية مخاضا فنتجت فالنتاج خارج من الرهن، وخالف أبو ثور وابن المنذر.
فإن قلت احتجوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه» والنماء غنم فيكون من الراهن. قلت قد ذكرنا تأويله فيما مضى، لئن سلم فنقول به إن النماء ملكه، لكن حق المرتهن متعلق به وله حبسه، حتى يستوفي جميع حقه من الدين ولا سبيل للراهن عليه قبل ذلك، ولهذا قالت الفقهاء الأوصاف القارة في الأمهات تسري إلى الأولاد والرهن من الأوصاف القارة في الأمهات، فتسري إلى الأولاد.
ولا يلزم على هذا الأصل ولد المغصوبة وولد المشاجرة وولد المنكوحة وولد الموصى بها بالخدمة وولد الجانية وولد التي تثبت حق الزكاة بعد الحول. وكذا ولد التي كفلت حيث لا تسري هذه الأحكام إلى الولد؛ لأن المراد من الأوصاف: الأوصاف الزانية في الأم لكونها بقيعة وحرة وقنة ومدبرة ومكاتبة ومرهونة لا الأوصاف التي تثبت في ذمتها كما في كفالة الحر ولا في ذمة مالك الأم كما في الزكاة وأن يكون الولد هنا لكان حكم ذلك الوصف كالمبيع والتحرير، والكتابة والتدبير والرهن، أما الولد لا يثبت فيه حكم الغصب عندنا، وكذا لا يقبل حكم الإجارة؛ لأن حكم المتاجر في المنفعة لا في العين، وكذا ولد المنكوحة لا يقبل للمحل في حق الزوج وكذا ولد الموصى بخدمتها لا يكون صالحا للخدمة حتى ينفصل، وكذا ولد الجناية والدفع به غير لازم.
م: (لأن الأتباع لا قسط لها مما يقابل بالأصل؛ لأنها لم تدخل تحت العقد مقصودا) ش: أي لفظ العقد م: (إذ اللفظ لا يتناولها) ش: أي الأتباع، وذلك كولد المبيع فإنها تصير مبيعا تبعا، فلا يكون له حصة في الثمن، إلا إذا صار مقصودا بالنص، فكذا في الرهن إذا صار مقصودا بالفكاك، فلا يكون له حصة من الضمان قبله. كذا في " الإيضاح ": وغيره.(13/52)
قال: وإن هلك الأصل وبقي النماء أفتكه الراهن بحصته يقسم الدين على قيمة الرهن يوم القبض وقيمة النماء يوم الفكاك؛ لأن الرهن يصير مضمونا بالقبض، والزيادة تصير مقصودة بالفكاك إذا بقي إلى وقته والتبع يقابله شيء إذا صار مقصودا كولد المبيع، فما أصاب الأصل يسقط من الدين؛ لأنه يقابله الأصل مقصودا، وما أصاب النماء أفتكه الراهن لما ذكرنا، وصور المسائل على هذا الأصل تخرج، وقد ذكرنا بعضها في " كفاية المنتهي "، وتمامه في " الجامع " و " الزيادات ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: وإن هلك الأصل وبقي النماء أفتكه الراهن بحصته يقسم الدين على قيمة الرهن يوم القبض وقيمة النماء يوم الفكاك؛ لأن الرهن يصير مضمونا بالقبض، والزيادة تصير مقصودة بالفكاك إذا بقي إلى وقته) ش: أي وقت الفكاك م: (التبع يقابله شيء إذا صار مقصودا كولد المبيع) ش: صورته: المبيعة إذا ولدت ولدا في يد البائع قبل التسليم إلى المشتري ثم قبضها المشتري يكون الولد مقصودا بالقبض، ويقسم الثمن على الأم، والولد وفائدته لو هلكت الأم أو الولد قبل التسليم يسقط بحصته من الثمن.
م: (فما أصاب الأصل يسقط من الدين لأنه يقابله الأصل مقصودا، وما أصاب النماء أفتكه الراهن) ش: أي بما أصاب النماء م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله تصير مقصودة بالفكاك.
وقال الكرخي: ويقسم الدين على قيمة الرهن يوم وقع عليه العقد، وعلى ما نما منه يوم يفتكه هذه حقيقة القسمة، وما وقع من القسمة قبل ذلك فإنما هو على الظاهر إلى أن ينظر ما يؤول إليه قيمة النماء يوم الفكاك فإن كانت قيمته زائدة يوم الفكاك، فصارت العين سعرا وبدين كان في الولد ثلث الدين وفي الأم ثلث، فلو كانت لما ولدت الولد قيمته مثل قيمتها، إن كانت اعورت بعد الولادة، أو كانت اعورت قبلها ذهب من الدين بعورها ربعه مائتان وخمسون.
فإن مات الولد وقد اعورت الأم قبل الولادة أو بعدها ذهب نصف الدين، فإن اعور الولد لم يذهب بعوره شيء، فإن كانت الأم اعورت قبل الولادة أو بعدها أو قبل اعورار الولد أو بعده ذهب بعورها أيضا ثلث الدين؛ لأن قيمتها يوم العقد ألف وقيمة الولد يوم الفكاك وهو أعور خمسمائة وفيه ثلث الدين وفيها ثلث الدين، فلما اعورت ذهب نصف ما فيها وهو ثلث الدين ويفتكها وولدها بثلث الدين.
م: (وصور المسائل على هذا الأصل) ش: يعني ما ذكرنا من قسمة الدين على قيمتها يوم القبض والفكاك م: (تخرج، وقد ذكرنا بعضها في " كفاية المنتهي "، وتمامه في " الجامع " و " الزيادات ") ش: وفي ذلك كثرة وتطويل، فأعرض عنها المصنف هاهنا. قال الأكمل: وتابعناه في ذلك.(13/53)
قال: ولو رهن شاة بعشرة وقيمتها عشرة، وقال الراهن للمرتهن: احلب الشاة فما حلبت فهو لك حلال فحلب وشرب فلا ضمان عليه في شيء من ذلك، أما الإباحة فيصح تعليقها بالشرط والخطر؛ لأنها إطلاق وليس بتمليك فتصح مع الخطر. قال: ولا يسقط بشيء من الدين؛ لأنه أتلفه بإذن المالك. قال: فإن لم يفتك الشاة حتى ماتت في يد المرتهن قسم الدين على قيمة اللبن الذي شرب وعلى قيمة الشاة. فما أصاب الشاة سقط، وما أصاب اللبن أخذه المرتهن من الراهن؛ لأن اللبن تلف على ملك الراهن بفعل المرتهن، والفعل حصل بتسليط من قبله، فصار كأن الراهن أخذه وأتلفه فكان مضمونا عليه، فيكون له حصته من الدين فبقي بحصته، وكذلك ولد الشاة إذا أذن له الراهن في أكله، وكذلك جميع النماء الذي يحدث على هذا القياس. قال: وتجوز الزيادة في الرهن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: نحن أيضا تابعناه؛ لأن المقصود من شرح هذا الكتاب حل ألفاظه وبيان صورة مسائله، وليس المقصود أن يذكر فيه ما ذكره المتقدمون من المجمل والمفصل.
م: (قال: ولو رهن شاة بعشرة وقيمتها عشرة، وقال الراهن للمرتهن احلب الشاة فما حلبت فهو لك حلال فحلب وشرب فلا ضمان عليه في شيء من ذلك. أما الإباحة فيصح تعليقها بالشرط والخطر) ش: أراد بالشرط قوله: فما حلبت فإن كلمة ما تضمنت معنى الشرط، ولهذا دخلت الفاء في جرها، كما في قَوْله تَعَالَى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] (النحل الآية: 53) م: (لأنها) ش: أي الإباحة م: (إطلاق، وليس بتمليك فتصح مع الخطر. قال: ولا يسقط بشيء من الدين؛ لأنه أتلفه بإذن المالك) ش: وفيه إشارة إلى أنه لو أتلفه بغير إذن ضمن، وكانت القيمة رهنا مع الشاة.
وكذلك لو فعل الراهن ذلك بدون إجازة المرتهن، وبه قالت الأئمة الثلاثة إلا أحمد في رواية عنه: أنه لو حلبها بعرض فنقصه فإنه لا يحتسب عليه.
م: (قال: فإن لم يفتك الشاة حتى ماتت في يد المرتهن قسم الدين على قيمة اللبن الذي شرب وعلى قيمة الشاة. فما أصاب الشاة سقط، وما أصاب اللبن أخذه المرتهن من الراهن؛ لأن اللبن تلف على ملك الراهن بفعل المرتهن، والفعل حصل بتسليط من قبله) ش: أي من قبل الراهن م: (فصار كأن الراهن أخذه وأتلفه فكان مضمونا عليه، فيكون له حصته من الدين، فبقي بحصته) ش: فإن كانت قيمة اللبن خمسة صار بإضافة ثلث الدين، فيسقط ثلث الدين بهلاك الشاة، ويؤدي ثلثه.
م: (وكذلك ولد الشاة إذا أذن له الراهن في أكله، وكذلك جميع النماء الذي يحدث على هذا القياس) ش: يعني إن كان بإذن الراهن لا يضمن، وإن كان بغير إذنه يضمن، ولا يعلم فيه خلاف، ويكون ضمانه رهنا عندنا.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الزيادة في الرهن) ش: صورته أن يرهن ثوبا بعشرة(13/54)
ولا تجوز في الدين عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، ولا يصير الرهن رهنا بها. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز الزيادة في الدين أيضا. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز فيهما. والخلاف معهما في الرهن والثمن والمثمن والمهر والمنكوحة سواء، وقد ذكرناه في البيوع. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية الأخرى: أن الدين في باب الرهن كالثمن في البيع، والرهن كالمثمن فتجوز الزيادة فيهما كما في البيع. والجامع بينهما الالتحاق بأصل العقد للحاجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قيمته عشرة، ثم زاد الراهن ثوبا ليكون رهنا مع الأول بعشرة، وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (ولا تجوز في الدين عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش:، وبه قال الشافعي في الجديد، م: (ولا يصير الرهن رهنا بها) ش: أي بالدين.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز الزيادة في الدين أيضا) ش: بأن رهن عبدا بألف ثم حدث للراهن دين آخر بالشراء والاستقراض، فيجعلان العبد رهنا بالدين القديم، الحادث، وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - في القديم، واختاره المزني. وعن بعض أصحابه: أن للشافعي قولين كالقديم.
م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز فيهما) ش: أي زيادة الرهن في الرهن وزيادة الدين في الدين م: (والخلاف معها) ش: أي مع زفر والشافعي - رحمهما الله - م: (في الرهن والثمن والمثمن) ش: أما الخلاف في الرهن، أي في الزيادة في الدين فيه الخلاف أيضا م: (والمهر والمنكوحة سواء) ش: قوله سواء خبر، أعني قوله: " والخلاف بينهما " أي وفي المهر والمنكوحة الخلاف أيضا، صورة زيادة المنكوحة: رجل زوج أمته من رجل بمهر مقدر، ثم زوجه أمة أخرى بذلك المهر وقبل الزوج يصح، ويقسم الألف عليهما عندنا. وقال الكاكي: ولو قال المولى: " زوجتك أمة أخرى بتلك الألف " لا يجوز، كذا وجد بخط العلامة حافظ الدين.
وفي " النهاية ": في " الأسرار " ما يدل على جوازه. وقال الأكمل عن حميد الدين الضرير: أنه قال يجوز أن يكون مرادهم من قولهم: " لا يحوز الزيادة في المنكوحة " أن يقول المولى رددت لك أمة أخرى بذلك المهر. أما لو قال: " زوجتك هذه الأمة الأخرى بذلك المهر " لزم أن يصح م: (وقد ذكرناه في البيوع) ش: أي في الفصل الذي ذكره في المرابحة والتولية.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية الأخرى) ش: أي مسألة الزيادة في الدين م: (أن الدين في باب الرهن كالثمن في البيع، والرهن كالمثمن فتجوز الزيادة فيهما) ش: أي في الدين والرهن. م: (كما في البيع) ش: أي كما تجوز الزيادة في الثمن والمبيع في البيع م: (والجامع بينهما) ش: أي بين الرهن والبيع في الزيادة فيهما م: (الالتحاق بأصل العقد للحاجة) ش: فيهما إلى مال(13/55)
والإمكان. ولهما وهو القياس: أن الزيادة في الدين توجب الشيوع في الرهن، وهو غير مشروع عندنا، والزيادة في الرهن توجب الشيوع في الدين، وهو غير مانع من صحة الرهن، ألا ترى أنه لو رهن عبدا بخمسمائة من الدين جاز وإن كان الدين ألفا، وهذا شيوع في الدين، والالتحاق بأصل العقد غير ممكن في طرف الدين؛ لأنه غير معقود عليه، ولا معقود به، بل وجوبه سابق على الرهن. وكذا يبقى بعد انفساخه، والالتحاق بأصل العقد في بدلي العقد، بخلاف البيع؛ لأن الثمن بدل يجب بالعقد، ثم إذا صحت الزيادة في الرهن وتسمى هذه زيادة قصدية يقسم الدين على قيمة الأول يوم القبض، وعلى قيمة الزيادة يوم قبضت، حتى لو كانت قيمة الزيادة يوم قبضها خمسمائة، وقيمة الأول يوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
آخر فيأخذه من المرتهن فيجعلانه رهنا م: (والإمكان) ش: أي والإمكان في الإلحاق بأصل العقد؛ لأن العقد بعد الإلحاق مغير إلى أصل مشروع بأن يصير قيمة الرهن مثل الدين أو أقل، فإنه مشروع في الابتداء، فكذا إذا تغير في الانتهاء.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (وهو القياس) ش: أي وقولهما القياس: م: (أن الزيادة في الدين توجب الشيوع في الرهن، وهو غير مشروع عندنا، والزيادة في الرهن توجب الشيوع في الدين، وهو غير مانع من صحة الرهن، ألا ترى أنه لو رهن عبدا بخمسمائة من الدين) ش: الذي هو ألف جاز، ولو رهن ثوبا بعشرين، نصفه بعشرة ونصفه بعشرة لم يصح، وهنا شيوع في الدين م: (جاز) .
م: (وإن كان الدين ألفا وهذا شيوع في الدين، والالتحاق بأصل العقد) ش: هذا إفساد للجامع الذي ذكره أبو يوسف، بيانه: أن الالتحاق بأصل العقد م: (غير ممكن في طرف الدين؛ لأنه) ش: أي لأن الدين م: (غير معقود عليه ولا معقود به، بل وجوبه) ش: أي وجوب الدين م: (سابق على الرهن. وكذا يبقى بعد انفساخه) ش: أي الرهن م: (والالتحاق بأصل العقد في بدلي العقد) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يعني أن الالتحاق بأصل العقد إنما يكون فيها هو المعقود عليه كالبيع، أو معقود به كالثمرة، ولهذا جازت الزيادات في الرهن إلحاقا بأصل العقد؛ لأنه معقود عليه، والدين غير معقود، وعليه عقد الرهن. ولهذا لا يسقط بفسخ الرهن، ولهذا لم يجز الزيادات في الدين.
م: (بخلاف البيع؛ لأن الثمن بدل يجب بالعقد، ثم إذا صحت الزيادة في الرهن، وتسمى هذه زيادة قصدية) ش: أي بخلاف نماء الرهن، فإنه ليس بزيادة قصدية، بل قيمته، فلهذا اختلفا حكما، وقوله م: (يقسم الدين) ش: جواب، أما قوله: " وتسمى هذه زيادة قصدية " معترضة بينهما " أي يقسم الدين م: (على قيمة الأول) ش: وفي بعض النسخ على قيمة الأصل م: (يوم(13/56)
القبض ألفا والدين ألفا، يقسم الدين أثلاثا في الزيادة ثلث الدين. وفي الأصل ثلثا الدين اعتبارا بقيمتهما في وقتي الاعتبار، وهذا لأن الضمان في كل واحد منهما يثبت بالقبض، فتعتبر قيمة كل واحد منهما وقت القبض. وإذا ولدت المرهونة ولدا ثم إن الراهن زاد مع الولد عبدا وقيمة كل واحد ألف، فالعبد رهن مع الولد خاصة يقسم ما في الولد عليه، وعلى العبد الزيادة؛ لأنه جعله زيادة مع الولد دون الأم. ولو كانت الزيادة مع الأم يقسم الدين على قيمة الأم يوم العقد، وعلى قيمة الزيادة يوم القبض، فما أصاب الأم قسم عليها وعلى ولدها؛ لأن الزيادة دخلت على الأم.
قال: فإن رهن عبدا يساوي ألفا بألف، ثم أعطاه عبدا آخر قيمته ألف رهنا مكان الأول، فالأول رهن حتى يرده إلى الراهن والمرتهن في الآخر، أمين حتى يجعله مكان الأول لأن الأول إنما دخل في ضمانه بالقبض والدين، وهما باقيان فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القبض، وعلى قيمة الزيادة يوم قبضت، حتى لو كانت قيمة الزيادة يوم قبضها خمسمائة، وقيمة الأول يوم القبض ألفا والدين ألفا، يقسم الدين أثلاثا في الزيادة ثلث الدين وفي الأصل ثلثا الدين اعتبارا بقيمتهما في وقتي الاعتبار) ش: وهما وقت القبض.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن الضمان في كل واحد منهما يثبت بالقبض، فتعتبر قيمة كل واحد منهما وقت القبض) ش: ثم ذكر على سبيل التفريع. قوله م: (وإذا ولدت المرهونة ولدا ثم إن الراهن زاد مع الولد عبدا وقيمة كل واحد ألف، فالعبد رهن مع الولد خاصة يقسم ما في الولد عليه، وعلى العبد الزيادة؛ لأنه جعله زيادة مع الولد دون الأم. ولو كانت الزيادة مع الأم) ش: بأن قال: رهنتك هذا العبد مع الأم م: (يقسم الدين على قيمة الأم يوم العقد، وعلى قيمة الزيادة يوم القبض، فما أصاب الأم قسم عليها وعلى ولدها؛ لأن الزيادة دخلت على الأم) ش: قال الكرخي: ولم يزد الغلام مع الأم وزاده مع ولده هذه زيادة في الولد نماء في عتق الولد من الرهن، ثم زاد الولد حتى صار يساوي ألفين كان هو والغلام رهنا بثلثي الألف. فإن مات الولد صار الغلام رهنا بغير شيء ورده على الراهن.
ولو ماتت الأم وبقي ولدها وقيمته ألف مثل قيمة الأم فإن الأم تذهب بمائتين وخمسين، وبذلك لأن الدين انقسم فيها، وفي الزيادة نصفين فأصابها خمسمائة فانقسمت فيها وفي ولدها نصفين. ولو زادت قيمة الأم ثم يعتبر ما في الزيادة ولم ينقص ذلك ولم يزد.
[رهن عبدا يساوي ألفا بألف ثم أعطاه عبدا آخر قيمته ألف رهنا مكان الأول]
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (فإن رهن عبدا يساوي ألفا بألف، ثم أعطاه عبدا آخر قيمته ألف رهنا مكان الأول فالأول رهن حتى يرده إلى الراهن والمرتهن في الآخر أمين حتى يجعله مكان الأول؛ لأن الأول إنما دخل في ضمانه بالقبض والدين، وهما باقيان فلا(13/57)
يخرج عن الضمان إلا بنقض القبض ما دام الدين باقيا، وإذا بقي الأول في ضمانه لا يدخل الثاني في ضمانه؛ لأنهما رضيا بدخول أحدهما فيه لا بدخولهما، فإذا رد الأول دخل الثاني في ضمانه، ثم قيل: يشترط تجديد القبض؛ لأن يد المرتهن على الثاني يد أمانة، ويد الرهن يد استيفاء وضمان، فلا ينوب عنه، كمن له على آخر جياد فاستوفى زيوفا ظنها جيادا ثم علم بالزيافة وطالبه بالجياد وأخذها، فإن الجياد أمانة في يده ما لم يرد الزيوف ويجدد القبض، وقيل: لا يشترط؛ لأن الرهن تبرع كالهبة على ما بيناه من قبل. وقبض الأمانة ينوب عن قبض الهبة، ولأن الرهن عينه أمانة، والقبض يرد على العين فينوب قبض الأمانة عن قبض العين ولو أبرأ المرتهن الراهن عن الدين أو وهبه منه ثم هلك الرهن في المرتهن يهلك بغير شيء استحسانا خلافا لزفر: لأن الرهن مضمون بالدين أو بجهته عند توهم الوجود كما في الدين الموعود. ولم يبق الدين بالإبراء أو الهبة ولا جهة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يخرج عن الضمان، إلا بنقض القبض) ش: وهذا احتراز عن الإبراء على ما يجيء، فإن الإبراء يرتفع الضمان، وإن لم ينقض القبض بالرد إلى الراهن م: (ما دام الدين باقيا، وإذا بقي الأول في ضمانه لا يدخل الثاني في ضمانه؛ لأنهما رضيا بدخول أحدهما فيه لا بدخولهما، فإذا رد الأول دخل الثاني في ضمانه) .
م: (ثم قيل: يشترط تجديد القبض؛ لأن يد المرتهن على الثاني يد أمانة، ويد الرهن يد استيفاء وضمان، فلا ينوب عنه، كمن له على آخر جياد فاستوفى زيوفا ظنها جيادا ثم علم بالزيافة وطالبه بالجياد وأخذها، فإن الجياد أمانة في يده ما لم يرد الزيوف ويجدد القبض، وقيل: لا يشترط) ش: أي تجديد القبض م: (لأن الرهن تبرع كالهبة على ما بيناه من قبل) ش: أي في صدر الكتاب م: (وقبض الأمانة ينوب عن قبض الهبة؛ ولأن الرهن عينه أمانة، والقبض يرد على العين) أي قصدا، وعلى المالية ضمنا م: (فينوب قبض الأمانة عن قبض العين) .
وقوله: م: (ولو أبرأ المرتهن الراهن) ش: إلى آخر كتاب الرهن، ذكرت على سبيل التفريع م: (عن الدين أو وهبه منه ثم هلك الرهن في يد المرتهن يهلك بغير شيء استحسانا خلافا لزفر) ش: هو القياس؛ لأن الضمان في باب الرهن إنما يجب باعتبار القبض وهو قائم، فكان بعد الإبراء وقبله سواء، ولهذا كان مضمونا بعد الاستيفاء. وإن لم يبق الدين بعد قوله: م: (لأن الرهن مضمون بالدين) ش: دليل أصحابنا وبه قالت الأئمة الثلاثة، بيانه أنه لما كان مضمونا بالدين فات بالإبراء.
م: (أو بجهته) ش: دليل آخر، أي أو الرهن مضمون بحصة الدين م: (عند توهم الوجود كما في الدين الموعود) ش: أي عند وجود الدين، كما إذا قبض الرهن ليفرضه فهلك قبل الإقراض هلك مضمونا م: (ولم يبق الدين بالإبراء أو الهبة) ش: أي بسببها م: (ولا جهة) ش: أي في جهة(13/58)
لسقوطه، إلا إذا أحدث منعا؛ لأنه يصير به غاصبا إذ لم يبق له ولاية المنع. وكذا إذا ارتهنت المرأة رهنا بالصداق فأبرأته أو وهبته أو ارتدت والعياذ بالله قبل الدخول، أو اختلعت منه على صداقها ثم هلك الرهن في يدها يهلك بغير شيء في هذا كله ولم تضمن شيئا لسقوط الدين كما في الإبراء. ولو استوفى المرتهن الدين بإيفاء الراهن أو بإيفاء متطوع ثم هلك الرهن في يده يهلك بالدين ويجب عليه رد ما استوفى إلى ما استوفى منه، وهو من عليه أو المتطوع، بخلاف الإبراء ووجه الفرق: أن بالإبراء يسقط الدين أصلا كما ذكرنا، وبالاستيفاء لا يسقط لقيام الموجب، إلا أنه يتعذر الاستيفاء لعدم الفائدة؛ لأنه يعقب مطالبة مثله، فأما هو في نفسه فقائم، فإذا هلك يتقرر الاستيفاء الأول فانتقض الاستيفاء الثاني.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدين م: (لسقوطه) ش: أي لسقوط الدين، قيد به لأن الدين بالاستيفاء ينتهي ولا يسقط كما يجيء.
م: (إلا إذا أحدث) ش: جواب عما يقال سقوط الدين لا يوجب سقوط الضمان، فإنه إذا طالبه الراهن ومنع المرتهن بعد الإبراء فإنه يضمن وقد سقط الدين، وبيان الجواب بقوله إلا إذا أحدث م: (منعا؛ لأنه يصير به غاصبا إذ لم يبق ولاية المنع، وكذا) ش: أي الحكم م: (إذا ارتهنت المرأة رهنا بالصداق فأبرأته أو وهبته أو ارتدت والعياذ بالله قبل الدخول، أو اختلعت منه على صداقها ثم هلك الرهن في يدها يهلك بغير شيء في هذا كله) ش: أي في هذا المذكور كله م: (ولم تضمن) ش: أي المرأة م: (شيئا لسقوط الدين كما في الإبراء) ش: أي كما لا تضمن في الإبراء.
م: (ولو استوفى المرتهن الدين بإيفاء الراهن أو بإيفاء متطوع ثم هلك الرهن في يده يهلك بالدين، ويجب عليه) ش: أي على المرتهن م: (رد ما استوفى إلى ما استوفى منه، وهو من عليه أو المتطوع) ش: وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأئمة الثلاثة: لا يجب عليه ذلك؛ لأن الرهن بعد الاستيفاء أمانة في يده م: (بخلاف الإبراء) ش: يعني في صورة الإبراء يهلك بغير شيء.
م: (ووجه الفرق) ش: أي بين هلاك الرهن بعد استيفاء الدين حيث يهلك بالدين، وبين هلاكه بعد الإبراء حيث يهلك بغير شيء: م: (أن بالإبراء يسقط الدين أصلا كما ذكرنا، وبالاستيفاء لا يسقط لقيام الموجب) ش: للضمان، وهو قبض الرهن م: (إلا أنه) ش: أي غير أنه م: (يتعذر الاستيفاء) ش: أي الاستيفاء المرتهن م: (لعدم الفائدة) ش: لأنه لما استوفى ثانيا يطالبه الراهن بمثله، وهو معنى قوله: م: (لأنه يعقب مطالبة مثله، فأما هو) ش: يعني تعدد الاستيفاء م: (في نفسه فقائم، فإذا هلك) ش: يعني الرهن م: (يتقرر الاستيفاء الأول) ش: وهو الاستيفاء الحكمي، فأما هو، أي الدين باستيفاء حكم الاستيفاء إلى وقت قبض الرهن، م: (فانتقض الاستيفاء الثاني) ش: وهو الاستيفاء الحقيقي لئلا يتكرر الاستيفاء.(13/59)
وكذا إذا اشترى بالدين عينا أو صالح عنه على عين لأنه استيفاء. وكذلك إذا أحال الراهن المرتهن بالدين على غيره، ثم هلك الرهن بطلت الحوالة ويهلك بالدين لأنه في معنى البراءة بطريق الأداء؛ لأنه يزول به عن ملك المحيل مثل ما كان له على المحتال عليه، أو ما يرجع عليه به إن لم يكن للمحيل على المحتال عليه دين؛ لأنه بمنزلة الوكيل. وكذا لو تصادقا على أن لا دين ثم هلك الرهن يهلك بالدين لتوهم وجوب الدين بالتصادق على قيامه فتكون الجهة باقية، بخلاف الإبراء، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا إذا اشترى بالدين عينا أو صالح عنه على عين) ش: هذا معطوف على قوله ولو استوفى المرتهن الدين، إلى قوله ويجب عليه رد ما استوفى، يعني إذا اشترى المرتهن بالدين عينا من الراهن سقط الدين عن المرتهن بطريق المقاصة، ويجب على المرتهن رد الرهن على الراهن، فلو هلك قبل أن يرده يجب عليه رد قيمته، وكذا إذا صالح المرتهن مع الراهن عن الدين على عين يجب عليه رد الرهن إن كان قائما وقيمته إن هلك بعد الصلح، م: (لأنه) ش: أي لأن الصلح عن الدين على العين م: (استيفاء) ش: للدين.
م: (وكذلك إذا أحال الراهن المرتهن بالدين على غيره، ثم هلك الرهن بطلت الحوالة ويهلك بالدين؛ لأنه في معنى البراءة) ش: أي لأن الحوالة على تأويل عقد الحوالة، وإنما قال في معنى الإبراء إشارة إلى الجواب عما يقال في ذمة المحيل تبرأ بالحوالة عما عليه، فكان ينبغي أن يكون معنى الإبراء فيهلك أمانة.
ووجه ذلك: ما أشار إليه أن الحوالة وإن كانت إبراء لكنها م: (بطريق الأداء) ش: دون الإسقاط م: (لأنه يزول به) ش: أي بعقد الحوالة م: (عن ملك المحيل مثل ما كان له على المحتال عليه أو ما يرجع عليه) ش: أي أو يزول ما يرجع، أي المحتال م: (به إن لم يكن للمحيل على المحتال عليه دين) ش: أي على المحيل في المال م: (لأنه) ش: أي لأن المحتال عليه م: (بمنزلة الوكيل) ش: بقضاء الدين عن المحيل.
م: (وكذا لو تصادقا على أن لا دين ثم هلك الرهن يهلك بالدين لتوهم وجوب الدين بالتصادق على قيامه) ش: يعني بعد التصادق على عدمه بجواز أن يتذاكرا، ووجوبه بعد التصادق على انتفائه م: (فتكون الجهة باقية) ش: وضمان الرهن يتحقق بتوهم الوجوب م: (بخلاف الإبراء، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب) ش: هذا راجع إلى قوله ولو استوفى في ذلك؛ لأنه من ثمة إلى هاهنا بعوض على جواب الاستحسان في صورة الإبراء، والأولى أن يرجع إلى قوله فتكون الجهة باقية.
وقال الأترازي: قوله: بخلاف الإبراء يتصل بقوله: يهلك بالدين. يعني أن المرتهن إذا(13/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبرأ الراهن عن الدين ثم هلك الرهن في يده هلك بغير شيء.
فروع: اختلفا في قيمة الرهن بعد الهلاك فالقول للمرتهن، وبه قالت الأئمة الثلاثة في صورة ضمان الرهن أن يفدي المرتهن في الرهن. ولو اختلفا في قدر الدين بأن يقول الراهن رهن بألف، ويقول المرتهن بألفين فالقول للراهن. وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور والنخعي والثوري والبستي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القول للراهن ما لم يجاوز الثمن الرهن أو قيمته، وبه قال الحسن وقتادة. ولو اختلفا في قدر الرهن بأن يقول المرتهن الرهن بهذين العبدين، وقال الراهن أحدهما بعينه فالقول للراهن. ولا نعلم فيه خلافا.
وكذلك لو اختلفا في رد الرهن فالقول للمرتهن بلا خلاف؛ لأنه ينكر. والقول له مع اليمين. ولو أعتق الراهن المرهون وادعى أنه أعتقه بإذن المرتهن، والراهن ينكر، فالقول للمرتهن ولو قال الراهن رهن بالدين المؤجل وقال المرتهن بل للحال فالقول للراهن، كما لو أنكر أصل الدين. ولو كان لأحدهما بينة حكم بها بلا خلاف في جميع هذه المسائل.(13/61)
كتاب الجنايات قال: القتل على خمسة أوجه عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب. والمراد بيان قتل تتعلق به الأحكام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الجنايات]
[الجناية عند الفقهاء]
م: (كتاب الجنايات) ش: أي هذا كتاب بيان أحكام الجنايات، وهي جمع جناية، وهي لغة: اسم لما يجنيه من شر أي يكسبه، تسميته بالمصدر إذ هي في الأصل مصدر جنى عليه شرا، وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجر، وهو عام، إلا أنه خص بما يحرم من الفعل شرعا سواء جنى بنفس، أو بمال.
ويراد بإطلاق اسم الجناية عند الفقهاء، فعل حل في النفس أو الطرف. وقال شيخ الإسلام الجناية على النفس يسمى قتلا. وفيما دون النفس قطعا وجرحا.
والقتل فعل مضاف إلى العباد بحيث يزول به الحياة، وزوال الحياة بدون قتل العباد يسمى موتا. وسببها سبب الحدود، وشرطها كون المحل حيوانا ولما كان ملاك الولاية الدينية والدنيوية والرياسة الإحسان أتى إلى العدل والسياسة.
فإن بالإحسان يستعبد الإنسان ويرفع التباغض والعدوان. وبالسياسة تزجر السفهاء عن الطغيان، وبالعدل يستقيم الملك وتعمر البلدان.
كان شرع أحكام الجنايات من معظم معاقد الأمور، فأتبعها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالعبادات والمعاملات وأخرجها لأنها ترجع إلى العارض. فأوردها عقيب الرهن إذ كل واحد للوقاية والصيانة، فإن الرهن وثيقة لصيانة المال عن الهلاك. فكذا حكم الجناية مشروعة لصيانة المكلف عن الهلاك.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (القتل على خمسة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب) ش: إلى هنا لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (والمراد) ش: أي مراد القدوري م: (بيان قتل تتعلق به الأحكام) ش: قيد به لأن أنوع القتل أكثر من خمسة: وقد ذكر في " مبسوط شيخ الإسلام ": أنوع القتل أكثر من خمسة، من رجم وقصاص، وقتل حربي، وقتل لقطع الطريق، وقتل المرتد. فعلم أن المراد به القتل الموجب للضمان وهو خمسة، وفي الأصل: القتل على ثلاثة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ.
ونقل الطحاوي والكرخي في " مختصريهما " هذه العبارة. وقال صاحب " النافع ": القتل(13/62)
قال: فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدود من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة، فكان متعمدا فيه عند ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على أربعة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ، والقتل بسبب.
قيل: وجه الانحصار: أن القتل لا يخلو إما أن يكون بسلاح أو بغيره. فإن صدر بسلاح فلا يخلو إما أن يكون به قصد القتل أو لا، فالأول عمد، والثاني خطأ. وإن صدر بغير سلاح، فأما إن كان معه قصد التأديب أو الضرب أم لا، فإن كان فهو شبيه العمد وإلا فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا فإن كان فهو، وإن لم يكن فهو القتل بالسبب، وقيل: وجه الحصر الاستقراء التام، ونسب هذا إلى أبي بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح) ش: يعني في تفريق الأجزاء م: (كالمحدود من الخشب وليطة القصب) ش: الليطة بكسر اللام قشر القصب م: (والمروة المحددة) ش: وهي القطعة من الحجر الصوان، يكون لها أطراف تقطع ما أصابته.
م: (والنار) ش: التي هي أسرع للهلاك، وفي " المغني ": الحدة ليست بشرط إذا كانت الآلة من الحديد، فقال: العمد، أن يتعمد الإنسان في قتل من لا يحل قتله بالحديد سواء كان سلاحا نحو السيف، والسكين، والرمح أو لم يكن سلاحا كالإبرة والأشفار، سواء كان له حد ينصع أو لا، كالعمود وصنجة الميزان، وسواء كان الغالب منه الهلاك أو لم يكن، هذا كله على رواية الأصل. وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو قتله بصنجة عمود أو حديد لا حد له فهو ليس بعمد محض، فلا يجب القصاص، بل هو خطأ وعمد.
وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ظاهر الرواية في الحديد وما يشبه الحديد كالنحاس والصفر، والرصاص، والذهب والفضة، والإبريز لا يشتط الجرح لوجوب القصاص.
وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قتله بعمود أو صنجة حديد لا حد له فليس بعمد عنده، بل هو خطأ وعمد عندهما، إن كان الغالب منه الهلاك، فعمد محض وإلا فخطأ عمد. م: (لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله) ش: أي بدليل العمد م: (وهو) ش: أي دليله م: (استعمال الآلة القاتلة فكان متعمدا فيه) ش: أي في عمده باستعمال الآلة القاتلة.
م: (عند ذلك) ش: أي عند وجود العمد باستعمال الآلة القاتلة؛ لأن القاتلة إرقاق للحياة،(13/63)
وموجب ذلك المأثم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية، وقد نطق به غير واحد من السنة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو غير محسوس. فيكون القصد إلى إرقاق الحياة بالضرب بالسلاح الذي هو خارج عامل في الظاهر والباطن جميعا م: (وموجب ذلك) ش: أي مقتضى العمد الموصوف بتلك الأوصاف م: (المأثم) ش: أي حصول الإثم العظيم. وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم» هذا حديث ذكره غالب الشراح. ولم يذكروا من رواه، ولا من أخرجه.
قلت: هذا أخرجه الترمذي والنسائي - رحمهما الله - من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لزوال الدنيا» ... " الحديث.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية) ش: (النساء: الآية 93) ويكفي هذه الآية موعظة في قتل النفس بغير حق م: (وقد نطق به غير واحد من السنة) ش: أي السنة فيه أكثر من أن يحصى، وأظهر من أن يخفى منها ما رواه الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي الحكم، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، يذكران عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» .
ومنها: ما رواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» .
ومنها: ما رواه النسائي عن أبي إدريس الخولاني عائذ الله، عن معاوية: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا» .
ومنها: ما رواه ابن ماجه من حديث سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله تعالى مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله عز وجل» . والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا.(13/64)
وعليه انعقد إجماع الأمة. قال: والقود لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] (البقرة: الآية 178) إلا أنه تقيد بوصف العمدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العمد قود»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعليه انعقد إجماع الأمة) ش: أي وعلى التحريم إجماع أمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الوجه المذكور.
م: (قال والقود) ش: عطف على قوله المأثم أي وموجبة أيضا وجوب القود أي القصاص.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] (البقرة: الآية 178) ش: وما كتب على عباده فهو فرض. م: (إلا أنه تقيد بوصف العمدية) ش: يعني أن الآية بظاهرها لم تفرق بين العمد والخطأ، إلا أنه، أي غير أن القتل تقيد بوصف العمدية. م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «العمد قود» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " من حديث طاوس، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول» .
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضا طويلا، وفيه: «من قتل عمدا فهو قود» . والحديث مشهور زيد به على الكتاب، فما بقي الكتاب على إطلاقه فصار كالمجمل. فيجوز عندنا أن يكون الحديث بيانا له وإن كان خبرا واحدا كما في بيان قدر مسح الرأس. وفسر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود» بقوله: م: (أي موجبة) ش: أي موجب العمد أي الذي يقتضيه قود. أي قصاص لأن غير العمد ليس بقصاص.(13/65)
أي موجبة؛ ولأن الجناية بها تتكامل وحكمة الزجر عليهما تتوفر، والعقوبة المتناهية لا شرع لها دون ذلك. قال: إلا أن يعفو الأولياء أو يصالحوا لأن الحق لهم، ثم هو واجب علينا، وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن له حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل؛ لأنه تعين مدفعا للهلاك فيجوز بدون رضاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الجناية بها) ش: أي بالعمدية م: (تتكامل) ش: ليجب القصاص لأن قتل الخطأ ليس بجناية محضة. م: (وحكمة الزجر) ش: مبتدأ م: (عليهما) ش: أي على الجناية، م: (تتوفر) ش: خبر مبتدأ من توفر على الشيء إذا ادعى حرماته ووفر عليه حقه توفيرا، واستوفره إذا استوفاه كاملا، وحاصل المعنى: أن العمدية تحصل بالجناية الكاملة، كل ما تتكامل به الجناية كانت حكمة الزجر عليها أكمل؛ لأن حكمة الزجر المنع عن الإقدام على الجنايات، لمراعاة حرمتها لا للمجاراة المحضة إذ الدنيا ليست بدار الجزاء ودار الجزاء هي الآخرة.
م: (والعقوبة المتناهية لا شرع لها) ش: هذه حجة أخرى، وأراد بالعقوبة المتناهية القصاص. قوله م: (دون ذلك) ش: أي دون قيد العمدية. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: العقوبة المتناهية إزالة حياة لا تشرع بدون تكامل الجناية.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (إلا أن يعفو الأولياء) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله م: (أو يصالحوا) ش: لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني إذا عفا الأولياء عن القصاص أو يصالحوا على مال فيسقط القصاص م: (لأن الحق لهم) ش: أي للأولياء. م: (ثم هو) ش: أي القصاص م: (واجب علينا) ش: أي من حيث التعين من الشارع. ونتيجته تظهر من قوله: م: (وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل) ش: لأن حقه القصاص بتعيين الشارع، وليس هو المخير بين أخذ الدية والقصاص.
م: (وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وهو قول إبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، وابن شبرمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (إلا أن له) ش: أي للولي م: (حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل؛ لأنه) ش: أي المال م: (تعين مدفعا للهلاك) ش: وصيانة النفس عن الهلاك فرض بقدر الإمكان.
وقال تاج الشريعة: قوله: من غير مرضاة القاتل م: (فيجوز بدون رضاه) ش: أي يجوز بغير رضاه لأنه ملكه ما يجيء، به نفسه، فيلزم هذا التمليك شاء القاتل أو أبى، كمن أصابه مخمصة، فبذل له إنسان طعاما بثمن المثل، يلزمه هذا التمليك. وهذا لأن إحياء النفس فرض على الإنسان ما أمكن.(13/66)
وفي قول: الواجب أحدهما لا بعينه، ويتعين باختياره؛ لأن حق العبد شرع جابرا وفي كل واحد نوع جبر فيتخير، ولنا ما تلونا من الكتاب وروينا من السنة؛ ولأن المال لا يصلح موجبا لعدم المماثلة، والقصاص يصلح للتماثل وفيه مصلحة الأحياء زجرا وجبرا فيتعين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[القتل العمد]
م: (وفي قول) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الواجب أحدهما) ش: أي إما القصاص أو أخذ المال م: (لا بعينه) ش: يعني من غير تعيين م: (ويتعين) ش: أي أحدهما م: (باختياره) ش: أي باختيار القاتل.
م: (لأن حق العبد شرع جابرا) ش: يعني النظر للولي تشرعه لا يبقى الضمان الأصلي ولم يمكن الجمع بينهما.
م: (وفي كل واحد) ش: من القصاص وأخذ المال م: (نوع جبر فيتخير) ش: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو ثور وإسحاق ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب والأوزاعي وأبو سليمان وجمهور أصحاب الحديث - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واحتجوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا العقل - أي الدية» وهذا تنصيص على أن كل واحد منهما يوجب القتل.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الحديث رواه شريح والكعبي.
قلت: الجواب عنه أنه خبر واحد فلا يعارض الكتاب، والسنة المشهورة. وأيضا هو محمول على الرضاء. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول آخر ذكره تاج الشريعة حيث قال: في المسألة ثلاثة أقاويل، يعني للشافعي: في قول: الواجب هو القصاص إلا أن يعفو الولي، وفي قول: الواجب أحدهما والتعيين إلى الولي، وفي قول: بالعكس.
م: (ولنا ما تلونا من الكتاب) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] .
م: (وروينا من السنة) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العمد قود» .
م: (ولأن المال) ش: دليل عقلي وبيانه: أن المال م: (لا يصلح موجبا) ش: في القتل العمد. م: (لعدم المماثلة) ش: أي لعدم المماثلة بين المال والآدمي؛ لأن المال مملوك مبتذل، والآدمي مالك يتبذل فأنى يتماثلان.
م: (والقصاص يصلح للتماثل) ش: لأنه لغة روح بإزاء روح مثله. م: (وفيه) ش: أي وفي القصاص م: (مصلحة الأحياء زجرا) ش: للغير عن وقوعه فيه، م: (وجبرا) ش: للورثة، م: (فيتعين) ش: أي القصاص.(13/67)
وفي الخطأ وجوب المال ضرورة صون الدم عن الإهدار، ولا يتيقن بعدم قصد الولي بعد أخذ المال، فلا يتعين مدفعا للهلاك، ولا كفارة فيه عندنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه في الخطأ، فكان أدعى إلى إيجابها. ولنا: أنه كبيرة محضة وفي الكفارة معنى العبادة، فلا تناط بمثلها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي الخطأ) ش: هذا جواب عما يقال كيف يصلح موجبا في الخطأ، والفائت فيه مثل الفائت في العمد؟
وتقرير الجواب أن: م: (وجوب المال ضرورة صون الدم عن الإهدار) ش: والآدمي مكرم لا يجوز إهدار دمه وأنه لما لم يكن الاقتصاص فيه هدر الدم لو لم يجب المال م: (ولا يتيقن بعدم قصد الولي بعد أخذ المال) ش: هذا جواب عن قوله: م: (فلا يتعين مدفعا للهلاك) ش: تقريره أنه متعين بعدم قصد الولي القتل بعد أخذ المال؛ لأنه يجوز أن يأخذ المال، ثم تهيجه الضغينة وتحركه العداوة على ارتكاب قتله، وإن لم يكن له ذلك شرعا، فإذا كان كذلك فلا يتعين مدفعا للهلاك.
فإن قيل: هذا الوهم موجود فيما إذا أخذ المال صلحا، وقد جاز؟
أجيب: بأن في الصلح المراضاة، والقتل بعده ظاهر العدم.
م: (ولا كفارة فيه) ش: أي في القتل العمد سواء كان عمدا يجب فيه القصاص، أو لا يجب كالأب إذا قتل ابنه عمدا، ومسلم قتل من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا عمدا.
م: (عندنا) ش:، وبه قال مالك وأحمد في المشهور عنه، وبه قال الثوري وأبو ثور وابن المنذر م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. ولا خلاف في وجوب الكفارة في الخطأ، إلا ما حكي عن مالك أنه قال: لا تجب الكفارة في القتل العمد أو الكفارة خطأ. وللشافعي وجهان في سقوط الكفارة عن القاتل إذا قتل قصاصا، والأصح أنه لا يسقط ويؤدى من تركته.
م: (لأن الحاجة إلى التكفير في العمد أمس منها إليه) ش: أي إلى التكفير م: (في الخطأ) ش: لأنها لستر الذنب، والذنب في العمد أعظم. م: (فكان أدعى إلى إيجابها) ش: أي فكان الذنب أدعى إلى إيجاب الكفارة م: (ولنا: أنه) ش: أي القتل أو العمد م: (كبيرة محضة) ش: أي ليس فيه جهة الإباحة. م: (وفي الكفارة معنى العبادة) ش: يعني دائرة بين العبادة والعقوبة فلا بد أن يكون سببها دائرا بين الخطر والإباحة كما في الغموس. م: (فلا تناط) ش: أي الكفارة م: (بمثلها) ش: أي بمثل الكبيرة المحضة.(13/68)
ولأن الكفارة من المقادير، وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى، ومن حكمه حرمان الميراث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ميراث لقاتل» .
قال: وشبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الكفارة) ش: جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني إلحاقه العمد بالخطأ. تقديره أن الكفارة م: (من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى) ش: وهو القصاص، فلا يمكن إلحاق العمد بالخطأ؛ لأنه لا مدخل للرأي في تقدير العقوبات والجناية.
فإن قلت: يشكل بكفارة قتل صيد الحرم، فإنه كبيرة محضة. ومع هذا يجب فيه الكفارة؟
قلت: هو جناية على المحل، ولهذا لو اشترك حلالان في قتل صيد الحرم يلزم جزاء واحدا. ولو كان جناية الفعل، لوجب جزاء. والجناية على المحل يستوي فيها العمد والخطأ.
م: (ومن حكمه) ش: أي حكم القتل العمد م: (حرمان الميراث لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا ميراث لقاتل» ش: هذا أخرجه ابن ماجه، من حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مطولا، وفيه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ليس لقاتل ميراث» .
ورواه مالك في " الموطأ "، وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده "، وعبد الرزاق في " مصنفه "، وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «القاتل لا يرث» .
وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا حديث لا يصح لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفيه إسحاق عن عبد الله بن أبي فروة تركه بعض أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
[القتل شبه العمد]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وشبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح) ش: سواء كان الدلالة به غالبا كالحجر والعصا الكبيرين ومدقة القصار أو لم يكن كالعصا الصغيرة.(13/69)
وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة، فهو عمد، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره كالتأديب ونحوه، فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف، فكان عمدا موجبا للقود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المبسوط " سمي به هذا الفعل الذي لا يوجب القود ويشبه العمد أي خطأ يشبه العمد لما فيه من معنى العمد بالنظر إلى قصد الفاعل إلى الضرب. ومعنى الخطأ باعتبار انعدام قصد القتل وبالنظر إلى الآلة التي استعملها هي آلة الضرب للتأديب دون القتل والعاقل إنما يقصد إلى كل فعل بآلته، فكان ذلك خطأ يشبه العمد بلا خلاف.
وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية إن قصد القتل يجب القود، والخلاف في تفسير شبه العمد وفي " الأوضح ": شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن يتعمده بكل آلة لم توضع للقتل.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره) ش: أي غير القتل م: (كالتأديب ونحوه) ش: كالتحريق م: (فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف، فكان عمدا موجبا للقود) ش: أي القصاص.
وقال صاحب (" المجتبى ": يشترط عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقصد التأديب دون الإتلاف، وعندهما: إن كان متعمدا بما كان الإتلاف غالبا فعمد محض.
وعند الشافعي ومالك وأحمد: بكل آلة لا تصلح للقتل، فلو ضربه بسوط صغير، سوطا أو سوطين فمات فهو شبه العمد عند الكل، ولو والى في الضربات إلى أن مات. فإن كان جملة ما والى بحيث يقتل مثله غالبا، فهو عمد محض عندهما. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقال بعضهم هو شبه العمد على قولهما، كقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو خيفة فمات، فهو شبه عمد لا قصاص فيه، إلا أن يكون معروفا بذلك.
وعند الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجب القود. وقال بعضهم: شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يتعمده بكل آلة لم توضع للقتل. وعندهما: بكل آلة لا تقتل غالبا. وقد ذكرنا هذا.(13/70)
وله قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد، قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل» ، ولأن الآلة غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه إذ لا يمكن استعمالها على غرة من المقصود قتله، وبه يحصل القتل غالبا، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها» .
وروي أيضا عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرجه الثلاثة المذكورون عنه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب يوم الفتح بمكة، الحديث. وفيه: " ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط أو العصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها» .
ورواه أحمد والشافعي وإسحاق في " مسانيدهم "، ورواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " والتمسك به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقصد بين الصغير والكبير، وعليهما عملا بالإطلاق.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في إعراب حديث الباب أي " قتله " بالنصب على البدل. وخبر إن " فيه مائة من الإبل ". وروي بالرفع فيكون هو خبر المبتدأ. ويكون قوله: " فيه مائة " كلاما مستأنفا.
م: (ولأن الآلة) ش: سواء كانت كبيرة أو صغيرة م: (غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه، إذ لا يمكن استعمالها) ش: أي في القتل لأنه لا يمكن استعمال هذه الآلة م: (على غرة) ش: بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء على غفلة. م: (من المقصود قتله، وبه) ش: أي وبالاستعمال على غرة م: (يحصل القتل غالبا، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة) ش: يعني القصد إلى القتل أمر باطن لا يوقف الأمر عليه، فأقام الشرع الضرب بآلة وضعت للقتل مقام القصد إلى القتل، وأقام الضرب بآلة وضعت للتأديب مقام عدم القصد، فسقط اعتبار حقيقة القصد، واعتبر السبب القائم مقامه. كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ".(13/71)
فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة. قال وموجب ذلك على القولين الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب والكفارة لشبهه بالخطأ والدية مغلظة على العاقلة والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطأ، وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتجب مغلظة، وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى. ويتعلق به حرمان الميراث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر في سقوط القصاص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة) ش: لأن تتقاصر الآلة بتقاصر معنى العمدية. فيكون شبه العمد م: (قال وموجب ذلك) ش: أي موجب شبه العمد م: (على القولين) ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقولهما: م: (الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب) ش: قتل على صيغة فعل الماضي، والواو في وهو للحال.
م: (والكفارة) ش: بالرفع عطفا على قوله: " الإثم ". أي وموجبه أيضا وجوب الكفارة م: (لشبهه بالخطأ) ش: أي بالنظر إلى الآلة. وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وفي " الإيضاح ": وجدت في كتب أصحابنا أن لا كفارة في شبه العمد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإثم كامل متناه. وتناهيه يمنع شرع الكفارة لأن ذلك من باب التخفيف.
وفي " الكافي ": والصحيح أنها تجب عنده. ذكره الطحاوي والجصاص.
م: (والدية) ش: بالرفع أيضا. أي وموجب ذلك أيضا وجوب الدية حال كونها م: (مغلظة) ش: أي دية مغلظة وسيجيء تفسيرها إن شاء الله تعالى م: (على العاقلة والأصل) ش: أي في هذا الباب م: (أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء) ش: يعني كل دية يوجبها القتل من الابتداء م: (لا بمعنى يحدث من بعد) ش: احترز به بما يصالحوا فيه على الدية، وعن قتل الوالد ولده عمدا وعن إقرار القاتل بالقتل خطأ، وقد كان قتله عمدا. فإن في هذه الصور تجب الدية على القاتل في ماله.
وقوله: " من بعد " بضم الدال لأنه لما بعد من الكسر بالإضافة بني على الضم. وقوله م: (فهي على العاقلة) ش: خبر أن. وسيجيء تفسير العاقلة في باب مستقبل م: (اعتبارا بالخطأ) ش: أي قياسا عليه. م: (وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتجب مغلظة) ش: أي الدية حال كونها مغلظة. م: (وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى) ش: في كتاب الديات.
م: (ويتعلق به) ش: أي شبه العمد م: (حرمان الميراث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر) ش: أي لأن حرمان الميراث م: (في سقوط القصاص) ش: كان ينبغي أن يؤثر أيضا في حرمان الميراث.(13/72)
دون حرمان الميراث، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه.
قال: والخطأ على نوعين: خطأ في القصد، وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي، أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم. وخطأ في الفعل، وهو أن يرمي غرضا فيصيب آدميا. وموجب ذلك الكفارة والدية على العاقلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، وهي على عاقلته في ثلاث سنين لما بيناه. قال: ولا إثم فيه يعني في الوجهين، قالوا: المراد إثم القتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتقرير الجواب: أن شبه العمد تؤثر في سقوط القصاص للشبهة م: (دون حرمان الميراث) ش: لأن الحرمان جزاء القتل بالنص وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ميراث للقاتل» .
م: (ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه) ش: وفي " المبسوط ": وكان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا أدري ما شبه العمد وأن القتل عمد وخطأ. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فالحجة عليه، أي على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما أسلفناه. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيل: أراد به قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ألا إن قتيل العمد قتيل السوط والعصا» ، ولكن المعهود من المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مثله أن يقول ما روينا والحق أن يقال إنما قال أسلفنا نظرا إلى الحديث والمعنى المنقول.
قلت: كان الأوجه أن يقول: لما ذكرنا على ما لا يخفى.
[القتل الخطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والخطأ على نوعين: خطأ في القصد، وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي، أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم) ش: قوله: " يظنه " جملة حالية. والفاء في " فإذا " في الموضعين للمفاجآت.
م: (وخطأ في الفعل، وهو أن يرمي غرضا) ش: بفتح الغين المعجمة والراء، وبالضاد المعجمة وهو الهدف. م: (فيصيب آدميا. وموجب ذلك) ش: أي ما يقتضيه الخطأ بنوعيه م: (الكفارة والدية على العاقلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) وهي على عاقلته في ثلاث سنين لما بيناه) ش: أراد به قوله: ويجب في ثلاث سنين بقضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (قال: ولا إثم فيه) ش: من كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يعني في الوجهين) ش: يعني عدم وجوب الإثم في الوجهين المذكورين لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» .
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (المراد إثم القتل) ش: أي إثم قصد القتل، بحذف المضاف لأن(13/73)
فأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم من حيث ترك العزيمة والمبالغة في التثبت في حال الرمي إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى ويحرم من الميراث لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به، بخلاف ما إذا تعمد الضرب موضعا من جسده فأخطأ فأصاب موضعا آخر فمات حيث يجب القصاص؛ لأن القتل قد وجد بالقصد إلى بعض بدنه، وجميع البدن كالمحل والواحد.
وقال: وما أجرى مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله، فحكمه حكم الخطأ في الشرع. وأما القتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وموجبه إذا تلف فيه آدمي، الدية على العاقلة لأنه سبب التلف، وهو متعد فيه فأنزل موقعا دافعا فوجبت الدية. ولا كفارة فيه ولا يتعلق به حرمان الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إثم القتل غير منفي وهو معنى قوله: م: (فأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم من حيث ترك العزيمة والمبالغة في التثبت في حال الرمي، إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى) ش: الإثم لأنه لم يباشر الرخصة بطريق السلامة والمباح مفيد بهذا كالمرور في الطريق، وإذا كان فيه نوع إثم يستقيم تعليق حرمان الميراث به، وهو معنى قوله: م: (ويحرم من الميراث لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به) ش: أي بالقتل الخطأ بنوعيه.
م: (بخلاف ما إذا تعمد الضرب) ش: هذا متصل بقوله ويوجب ذلك الكفارة والدية، وصورة ذلك أن يتعمد الرجل أن يضرب م: (موضعا) ش: بأن قصد ضرب يده م: (من جسده فأخطأ فأصاب موضعا آخر) ش: بأن أصاب عنقه م: (فمات حيث يجب القصاص؛ لأن القتل قد وجد بالقصد إلى بعض بدنه، وجميع البدن كالمحل الواحد) ش: حتى إذا أصاب عنق غيره فهو خطأ.
[ما أجري مجرى الخطأ في القتل والقتل بسبب]
م: (قال:) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله، فحكمه حكم الخطأ في الشرع) ش: لكنه دون الخطأ حقيقة، فإنه ليس من أهل القصد أصلا، وإنما وجبت الكفارة لتحرك التحرز عن نومه، في موضع يتوهم أن يصير قاتلا، والكفارة في قتل الخطأ إنما تجب لترك التحرك أيضا. وإنما جعل محروما عن الميراث لجواز أن يكون تقاوم ولم يكن قائما حقيقة. وهذا معتبر في حق الحرمان.
وفي الأوضح: لو وقع من سطح على إنسان فقتله، أو كان على دابة فأوطأت إنسانا فمات، أو كان في يده لبنة أو خشبة فسقطت على إنسان فقتله، فهذا مثل النائم ينقلب لكونه قتلا معصوما فأجري مجرى الخطأ.
م: (وأما القتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه وموجبه إذا تلف فيه آدمي، الدية على العاقلة لأنه سبب التلف؛ وهو متعد فيه فأنزل موقعا) ش: يعني في البئر م: (دافعا) ش: يعني في الحجر م: (فوجبت الدية، ولا كفارة فيه ولا يتعلق به حرمان الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:(13/74)
يلحق بالخطأ في أحكامه لأن الشرع أنزله قاتلا. ولنا: أن القتل معدوم منه حقيقة فألحق به في حق الضمان فبقي في حق غيره على الأصل، وهو إن كان يأثم بالحفر في غير ملكه، لا يأثم بالموت على ما قالوا، وهذه كفارة ذنب القتل، وكذا الحرمان بسببه وما يكون شبه عمد في النفس فهو عمد فيما سواها؛ لأن إتلاف النفس يختلف باختلاف الآلة، وما دونها لا يختص إتلافه بآلة دون آلة، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يلحق بالخطأ في أحكامه) ش: أي في أحكام الخطأ. فيجب الكفارة ويحرم عن الميراث. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ م: (لأن الشرع أنزله قاتلا) ش: يعني في الضمان فكان كالمباشرة فعندهم المسبب كالمباشر.
م: (ولنا: أن القتل معدوم منه حقيقة) ش: لأنه ليس بمباشر للقتل حقيقة لأن مباشرة القتل إيصال فعل من القاتل بالمقتول ولم يوجد م: (فألحق به) ش: أي بالمباشر م: (في حق الضمان) ش: صيانة للدم عن الهدر على خلاف الأصل م: (فبقي في حق غيره) ش: وهو حق الكفارة وحرمان الميراث.
م: (على الأصل) ش: وهو عدم القتل، وهو إن كان يأثم، هذا جواب عما يقال: الحافر في غير ملكه يأثم. وما فيه إثم من الفعل يصح تعليق الحرمان به، كما ذكرتم في الخطأ.
وتقرير الجواب: هو أنه م: (وهو إن كان يأثم بالحفر في غير ملكه، لا يأثم بالموت على ما قالوا) ش: أي المشايخ م: (وهذه كفارة) ش: أي الكفارة التي ينازعها فيها كفارة م: (ذنب القتل) ش: هنا ولا كفارة. م: (وكذا الحرمان) ش: عن الميراث م: (بسببه) ش: أي بسبب القتل ولا قتل هنا فلا حرمان.
م: (وما يكون شبه العمد في النفس فهو عمد فيما سواها) ش: يعني ليس فيما دون النفس شبه عمد إنما هو عمد أو خطأ م: (لأن إتلاف النفس يختلف باختلاف الآلة) ش: فإن إتلاف النفس لا يقصد إلا بالسلاح وما يجري مجراه م: (وما دونها) ش: أي ما دون النفس م: (لا يختص إتلافه بآلة دون آلة، والله أعلم) ش: ألا ترى أن فقء العين كما يقصد بالسكين، يقصد بالسوط والعصا الصغيرة.(13/75)
باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه قال: القصاص واجب بقتل كل محقون الدم على التأبيد إذا قتل عمدا أما العمدية فلما بيناه.
وأما حقن الدم على التأبيد فلتنتفي شبهة الإباحة وتتحقق المساواة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه]
[القصاص واجب بقتل كل محقون الدم]
م: (باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه) ش: أي هذا باب في بيان ما يوجب القصاص، وفي بيان ما لا يوجب القصاص. ولما فرغ من بيان أقسام القتل وكان من جملتها العمد: وهو قد يوجب القصاص، وقد لا يوجبه، احتاج إلى التفصيل ذلك في باب على حدة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (القصاص واجب بقتل كل محقون الدم) ش: من حقن دمه: إذا منعه أن يسفك من وجه دخل على التأبيد احترز به عن المستأمن، ولا يشكل بقتل الأب ابنه، فإنه قتل مسلم لمسلم محقون الدم، مع أنه لا يجب القصاص لأن ذلك من العوارض فلا يدخل تحت القواعد والكلام في الأصول.
م: (على التأبيد إذا قتل عمدا) ش: قيد به لأنه إذا قتل خطأ لا يجب القصاص.
م: (أما العمدية فلما بيناه) ش: في أوائل كتاب الجنايات من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «العمد قود» ، وأن الجناية شامل بها.
م: (وأما حقن الدم على التأبيد) ش: احترز به عن المستأمن؛ لأن فيه شبهة الإباحة، والعود إلى دار الحرب أشار إليه بقوله م: (فلتنتفي شبهة الإباحة وتتحقق المساواة) ش: بين القاتل والمقتول.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من أوجه:
الأول: أن العفو مندوب إليه وذلك ينافي وصف القصاص بالوجوب.
الثاني: أن حقن الدم على التأبيد غير متصور لأنه انتهى ما يتصور منه أن يكون المسلم في دار الإسلام، وهو يزول بالارتداد والعياذ بالله.
الثالث: أنها منقوضة بمسلم قتل ابنه المسلم، فإنها موجودة فيه ولا قصاص.
الرابع: أن قيد التأبيد لثبوت المساواة، وإذا قتل المستأمن مسلما وجب القصاص ولا مساواة بينهما.
والجواب عن الأول: أن المراد بالوجوب ثبوت حق الاستيفاء. ولا منافاة بينه وبين العفو.
وعن الثاني: أن المراد بالحقن على التأبيد، ما هو بحسب الأصل والارتداد عارض لا يعتبر به، ورجوع الحزبي إلى داره أصل لا عارض.(13/76)
قال: ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد للعمومات. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الحر بالعبد لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] . ومن ضرورة هذه المقابلة أن لا يقتل حر بعبد؛ ولأن مبنى القصاص على المساواة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن الثالث: بأن القصاص ثابت، ولكنه انقلب ما لا شبهة الأبوة.
وعن الرابع: بأن التفاوت إلى نقصان غير مانع من الاستيفاء بخلاف العكس.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد للعمومات) ش: يريد به قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، وقوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] ، وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العمد قود» .
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والحر بالعبد، وكذا بالأمة. ولكن لا يقتل بعبد نفسه عندنا.
وقال النخعي وداود: يقتل بعبد نفسه أيضا. لما روى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه» .
قلنا: الحسن ما سمع: " من قتل " من سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولئن صح كان محمولا على الزجر دون إرادة الإيقاع. وقيل: هذا منسوخ بدليل سقوط القصاص بين الحر والعبد بالإجماع.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الحر بالعبد) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد: بل يضمن قيمته.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] ، ومن ضرورة هذه المقابلة) ش: وهي مقابلة: الحر بالحر، والعبد بالعبد م: (أن لا يقتل الحر بعبد؛ ولأن مبنى القصاص على المساواة) ش: بين القاتل(13/77)
وهي منتفية بين المالك والمملوك، ولهذا لا يقطع طرف الحر بطرفه بخلاف العبد بالعبد؛ لأنهما يستويان، وبخلاف العبد حيث يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان. ولنا: أن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي بالدين أو بالدار ويستويان فيهما، وجريان القصاص بين العبدين يؤذن بانتفاء شبهة الإباحة. والنص تخصيص بالذكر فلا ينفي ما عداه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمقتول م: (وهي) ش: أي المساواة م: (منتفية بين المالك والمملوك، ولهذا لا يقطع طرف الحر بطرفه) ش: أي بطرف العبد م: (بخلاف العبد بالعبد؛ لأنهما يستويان) ش: في المملوكة.
م: (وبخلاف العبد حيث يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان) ش: أي لأن التفاوت بين العبد والحر تفاوت إلى نقصان، فيجوز أن يستوفي بالكل دون عكسه كما في الطرف.
م: (ولنا: أن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي) ش: أي العصمة م: (بالدين) ش: يعني عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو بالدار) ش: يعني عندنا، م: (ويستويان) ش: أي الحر والعبد م: (فيهما) ش: أي في الدين والدار، فيجري القصاص بينهما م: (وجريان القصاص بين العبدين) ش: هذا جواب عما يقال للرق أثر الكفر، وحقيقة الكفر تورث شبهة الإباحة، ولهذا لا يقتل المسلم بالكافر مطلقا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فكذا أثره تورث شبهة الإباحة، وتقدير الجواب أن يقال: لا يورث شبهة الإباحة، وهو معنى قوله: وجريان القصاص بين العبدين.
م: (يؤذن) ش: أي يعلم بإيفاء شبهة الإباحة، والدليل على ذلك: أنه لو كان كما قلتم لما جاز جريان القصاص بين العبدين، ولهذا لا يجري بين المستأمنين.
م: (بانتفاء شبهة الإباحة. والنص تخصيص بالذكر) ش: هذا جواب عما استدل من المقابلة في الآية، وجهه: أن النص الذي فيه المقابلة تخصيص بذكرها.
م: (فلا ينفي ما عداه) ش: أي ما عدا المنصوص، كما في قوله: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] فإنه لا ينفي الذكر بالأنثى ولا العكس بالإجماع.
وفائدة التخصيص: الرد على من أراد قتل غير القاتل بالمقتول، ذلك أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - روى: أن قبيلتين من العرب تدعي إحداهما مقتلا على الأخرى اقتتلتا، فقالت مدعية الفضل: لا نرضى إلا بقتل الذكر منهم بالأنثى، والحر منهم بقتل العبد منا. فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم.
ولم يذكر الجواب عن الأطراف، وقد أجيب: بأن القصاص في الأطراف معتمد المساواة في الجزاء، فإنه لا يقطع اليد الصحيحة بالشلاء، ولا مساواة بينهما في ذلك لأن الرق ثابت في أجزاء الجسم بخلاف النفوس، فإن القصاص فيها يقعدها في العصمة، وقد تساويا فيها.(13/78)
قال: والمسلم بالذمي خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. له قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يقتل مؤمن بكافر» ولأنه لا مساواة بينهما وقت الجناية. وكذا الكفر مبيح فيورث الشبهة. ولنا: ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قتل مسلما بذمي»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قتل المسلم بالذمي]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمسلم بالذمي) ش: أي بقتل المسلم بالذمي. وبه قال النخعي والشعبي - رحمهما الله - م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي ثور، والثوري، والأوزاعي، وزفر، وأصحاب الظواهر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وهو قول عطاء والحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وفي " المبسوط ": الخلاف فيما إذا كان القاتل حال القتل مسلما، أما لو قتل ذمي ذميا ثم أسلم القاتل يقتص بالإجماع.
وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قتل المسلم الذمي غيلة يقتل به. لما روي: أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أمر به في هذه الصورة، والغيلة: أن يخدع الرجل حتى يدخل بيته أو نحوه، فيقتله أو يأخذ ماله إن كان معه.
م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا يقتل مؤمن بكافر» ش: هذا الحديث رواه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - «عن أبي جحيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: سألت عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هل عندكم مما ليس في القرآن؟ فقال: " العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر» .
وأخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنسائي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مطولا وفيه: «ألا لا يقتل مؤمن بكافر» . وروى أبو داود وابن ماجه أيضا، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقتل مؤمن بكافر» .
م: (ولأنه لا مساواة بينهما) ش: أي بين المسلم والذمي م: (وقت الجناية) ش: قيد به لأن القاتل إذا كان ذميا وقت القتل ثم أسلم، فإنه يقتص منه بالإجماع. وقد ذكرناه.
م: (وكذا الكفر مبيح) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] أي فتنة الكفر. م: (فيورث الشبهة) ش: أي كون الكفر مبيحا يورث الشبهة في عدم المساواة.
م: (ولنا ما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " قتل مسلما بذمي» ش: هذا روي مسندا ومرسلا، أما المسند فأخرجه الدارقطني. وفي " سننه " عن عمار بن مطر، حدثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن بن السلماني، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل مسلما بمعاهد، وقال: (أنا أكرم من وفى ذمته» .(13/79)
ولأن المساواة في العصمة ثابتة نظرا إلى التكليف أو الدار. والمبيح كفر المحارب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما المرسل: فأخرجه من طريق عبد الرزاق، عن الثوري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن السلماني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. فذكره.
فإن قلت: قال الدارقطني: ابن السلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف عما يرسله؟. وقال: عمار بن مطر الزهاوي يقلب الأسانيد، ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته فسقط من حد الاحتجاج به؟
قلت: ابن السلماني وثقه ابن حبان وذكره في " الثقات ". وهو رجل معروف من التابعين، فإذا كان كذلك يكون حديثه صحيحا. والمرسل حجة عندنا، ومالك وأحمد وأكثر العلماء حتى قال محمد بن جرير الطبري: أجمع التابعون على قبول المرسل. ولم يزل الأمر كذلك إلى رأس المائتين فحدث رد المرسل حتى قيل رد المرسل بدعة.
وقال ابن عبد البر: من رد المرسل فقد رد أكثر السنن. ولنا: ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " أيضا: أخبرنا محمد بن الحسن الشيباني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنا قيس بن الربيع الأسدي، عن أبان بن ثعلب، عن الحسين بن ميمون، عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم، عن أبي الجنوب الأسدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: أتي علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة قال: فقامت عليه البينة فأمر بقتله، فجاء أخوه فقال: قد عفوت، فقال: لعلهم فزعوك أو هددوك؟. قال: لا، ولكن قتله لا يرد علي أخي وعوضوني، فقال: أنت أعرف من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا.
وذكر صاحب " التنقيح " أن حسين بن ميمون هو الخندقي، قال ابن المديني: ليس بمعروف قل من روى عنه. وقال ابن حبان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس بالقوي في الحديث، يكتب حديثه.
وذكره البخاري في " الضعفاء ". قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات "، قال: وربما يخطئ.
م: (ولأن المساواة) ش: أي بين المسلم والذمي م: (في العصمة ثابتة نظرا إلى التكليف أو الدار) ش: يعني عندنا، فإن كان كذلك يثبت العصمة، حاصله: أنه يستحق البقاء لإقامة التكاليف، ولا يمكن من إقامتها إلا بأن تكون محرم الفرض مرفوع أسباب الهلاك.
م: (والمبيح كفر المحارب) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكذا الكفر مبيح، وتقريره أنا لا نسلم أن مطلق الكفر بل المبيح كفر المحاربة. قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] .(13/80)
دون المسالم، والقتل بمثله يؤذن بانتفاء الشبهة. والمراد بما روى الحربي لسياقه ولا ذو عهد في عهده، والعطف للمغايرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (دون المسالم) ش: أي دون كفر المسلم لأنه يعقد الكفر الذمة صار من أهل دارنا، فلم يبق كفره مبيحا. ولهذا كفر المرأة لا يبيح القتل؛ لأن كفرها غير ثابت على الحرب لأنها بنفسها غير صالحة له، والعصمة بالدار تؤثر في النفس والمال جميعا حتى يجب القطع بسرقة مال الذمي، وحقن دمه أيضا لعقد الذمة.
م: (والقتل بمثله) ش: هذا دفع لقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " فيورث الشبهة "، بيانه: أن القتل بمثله، أي قتل الذمي بالذمي م: (يؤذن بانتفاء الشبهة) ش: يعني بأن كفر الذي لا يورث الشبهة إذا ورد لما جرى القصاص بينهما كما لا يجري بين الحربيين.
فإن قيل: يورث الشبهة إذا قتله مسلم؟.
قلنا: يكون قبل قتله المسلم معصوما كالمسلم فيجب القصاص.
م: (والمراد بما روى) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. أي المراد عما روى الشافعي من قوله: «لا يقتل المؤمن بكافر» م: (الحربي) ش: أي الكافر الحربي م: (لسياقه) ش: أي لسياق الحديث.
وقوله: م: (ولا ذو عهد في عهده) ش: بيانه: ما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار ": أن الذي حكاه أبو جحيفة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لم يكن مفردا، ولو كان مفردا لاحتمل ما قالوا، ولكن موصلا بغيره، وهو قوله: (ولا ذو عهد في عهده ". ووجه ذلك: أنه عطف هذا على الأول. م: (والعطف للمغايرة) ش: لأن المعطوف غير المعطوف عليه.
وفي " المبسوط " و " الأسرار ": الواو للعطف حقيقة خصوصا فيما لا يكون مستقلا بنفسه، ووجه الأول بقي القتل قصاصا لا بقي مطلق القتل، فيكون الثاني نفي القتل قصاصا، وإلا فلا مناسبة بين الجملتين، فيصير كقوله في حسن الديات محطوط، وكذا [ ... ] في غاية الطول فيكون وكيلا.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا ذو عهد في عهده، جملته ناقصة، فيكون خبره خبر الجملة الكاملة، وخبر الكاملة في القتل قصاصا، فيكون معناه: ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر، فلو كان الكافر في الكاملة مطلقا لا يصح هذا؛ لأنه يصير معناه: لا يقتل ذو عهد مطلق بالكافر. وليس كذلك بالإجماع، فإن الذمي يقتل بالذمي بالإجماع.
فإن قيل: قد روي في بعض الروايات: " ولا بذي عهد في عهده " أي ولا يقتل مسلم بكافر ولا(13/81)
قال: ولا يقتل بالمستأمن لأنه غير محقون الدم على التأبيد، وكذلك كفره باعث على الحراب؛ لأنه على قصد الرجوع، ولا يقتل الذمي بالمستأمن لما بينا. ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا للمساواة ولا يقتل استحسانا لقيام المبيح،
ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى والزمن وبناقص الأطراف وبالمجنون للعمومات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذمي عهد.
قلنا: هي رواية شاذة مجهولة. ولئن صح فنقول أنه معطوف على المؤمن لا على الكافر، والجر على الجواز كما في جحر ضب خرب. والمرد بذي عهد مستأمن وبه نقول، أي: المستأمن لا يقتل بالمستأمن.
م: (قال: ولا يقتل بالمستأمن) ش: أي لا يقتل المسلم بالمستأمن. م: (لأنه غير محقون الدم على التأبيد، وكذلك كفره باعث على الحراب لأنه على قصد الرجوع) ش: إلى داره، فكان كالحربي.
م: (ولا يقتل الذمي بالمستأمن لما بينا) ش: لأنه غير محقون الدم على التأبيد. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قتله هو إشارة إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولا ذو عهد في عهده» وليس بواضح لأن المعهود منه في مثله لما روينا؛ ولأننا قدرنا ذلك بكافر حربي إلا إذا أريد هناك بالحربي أعم من أن يكون مستأمنا أو محاربا، وهو الحق، ويغنينا عن السؤال عن كيفية قتل المسلم الحربي، والجواب عنه بقوله: " لما بينا " لأن التقدير المذكور ليس بمروي، وإنما هو تأويل فلم يقل: " لما روي ".
م: (ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا) ش: لأنهما حقنا دمهما بالأمان م: (للمساواة) ش: بينهما من حيث حقن دمهما، فصارا متكافئين. وبه قالت الأئمة الثلاثة.
م: (ولا يقتل استحسانا لقيام المبيح) ش: وهو الكفر الباعث على الحراب، لما قلنا: إنه على قصد الرجوع.
[الحكم إذا قتل الرجل امرأة]
م: (ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى، والزمن وبناقص الأطراف وبالمجنون للعمومات) ش: أراد بها قوله: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وغير ذلك من الآيات الدالة بعمومها على وجوب القصاص. وهذا الذي ذكرناه من قوله: " ويقتل الرجل.. " إلى آخره قول أكثر أهل العلم.
وعن عطاء عن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قتل الرجل امرأة فوليها إن شاء أخذ بديتها ستة آلاف درهم، وإن شاء دفع إلى ولي القاتل ستة آلاف وقتله. هكذا روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.(13/82)
ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة امتناع القصاص وظهور التقاتل والتفاني، قال: ولا يقتل الرجل بابنه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا يقاد الوالد بولده» وهو بإطلاقه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يقاد إذا ذبحه ذبحا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذكر في " الكشاف " في تفسير قَوْله تَعَالَى: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] قال مالك والشافعي - رحمهما الله -: لا يقتل الذكر بالأنثى، لكن هذا مخالف لعامة كتب الشافعي ومالك.
م: (ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة امتناع القصاص وظهور التقاتل والتفاني) ش: وهذا كله يصلح لجميع ما خالفنا فيه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يقتل الرجل بابنه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يقاد الوالد بولده» ش: هذا الحديث رواه الترمذي، وابن ماجه، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يقاد الوالد بولده» .
وروى الترمذي، وابن ماجه أيضا من حديث طاوس، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقتل الوالد بالولد» . وفي سنده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف.
م: (وهو) ش: أي هذا الحديث م: (بإطلاقه حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يقاد) ش: أي الوالد م: (إذا ذبحه) ش: أي الابن م: (ذبحا) ش: يعني إذا قصد قتله. أما لو رماه بالسيف أو السكين ولم يرد قتله، فلا قصاص.
وفي " الجواهر " للمالكية: قال أشهب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقتل الأب بالابن بكل حال للشبهة، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنت ومالك لأبيك» .(13/83)
ولأنه سبب لإحيائه؛ فمن المحال أن يستحق له إفناؤه، ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن. والقصاص يستحقه المقتول ثم يخلفه وارثه، والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا في هذا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط. قال: ولا يقتل الرجل بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه، ولا بعبد ولده؛ لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص، ولا ولده عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الليثي وداود وابن المنذر، وابن الحكم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقتل بابنه للعمومات والأم كالأب، وكذا الأجداد والجدات. وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الأب م: (سبب لإحيائه) ش: أي لإحياء الولد، م: (فمن المحال أن يستحق له إفناؤه، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك، م: (لا يجوز له) ش: أي للابن م: (قتله) ش: أي قتل الأب.
م: (وإن وجده في صف الأعداء) ش: حال كونه م: (مقاتلا أو زانيا) ش: أي ووجده زانيا م: (وهو محصن) ش: أي والحال أنه محصن.
وكذا لو وجده مرتدا ليس له أن يقتله شرعا. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أو راميا موضع قوله: " زانيا ". ثم قال: يعني لا يجوز للابن أن يرمي بالحجر نحو أبيه.
م: (والقصاص يستحقه المقتول) ش: هذا جواب عما يقال: لو استوفى القصاص منه لا يكون استيفاء من الولد، فإن استيفاء القصاص يمنع من وارث الوالد، وتقدير الجواب أن القصاص يستحقه المقتول أولا، ولهذا لو عفي يصح.
م: (ثم يخلفه وارثه) ش: أي ثم يخلف المقتول وارثه، والابن ليس من يستوجب ذلك على أبيه، وبدون الأهلية لا يثبت الحكم.
م: (والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا في هذا) ش: الحكم م: (بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه سبب لإحيائه، م: (ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط) ش: أي لعدم مسقط القصاص، وهو قيام الواجب وهو سبب الإحياء، وحكي عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية شاذة: أنه لا يقتل.
م: (قال: ولا يقتل الرجل بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه، ولا بعبد ولده) ش: ولا يعلم فيه خلاف م: (لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه) ش: أي لأن الرجل لا يستحق لأجل نفسه م: (القصاص ولا ولده عليه) ش: بالرفع معطوفة على الضمير المستكن في يستوجب. وجاز ذلك بلا(13/84)
وكذا لايقتل بعبد ملك بعضه، لأن القصاص لا يتجزأ. قال: ومن ورث قصدا على أبيه سقط لحرمة الأبوة
قال: ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف. وقال الشافعي - رحمه لله -: يفعل به مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا، فإن مات وإلا تحز رقبته لأن مبنى القصاص على المساواة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تأكيد المنفصل لوقوع الفصل يعني: ولا يستوجب ولده على أبيه إذا قتل الأب عبد ولده، كذا قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قلت: العطف على الضمير المستكن فيه خلاف بين الكوفيين والبصريين على ما لا يخفى على من له يد في علم النحو.
م: (وكذا لا يقتل بعبد ملك بعضه) ش: أي إذا كان عبد بين شريكين، فقتله أحدهما: لا يقتل به، م: (لأن القصاص لا يتجزأ) ش: فيضمن لشريكه قيمته وما يخصه من العبد.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن ورث قصاصا على أبيه) ش: مثل أن يقتل الرجل أم ابنه مثلا م: (سقط) ش: أي القصاص م: (لحرمة الأبوة) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: - «أنت ومالك لأبيك» فظاهره يوجب كونه مملوكا لأبيه. فحقيقة الملك يمنع القصاص كما في المولى إذا قتل عبده. وكذا شبهة الملك باعتبار الظاهر.
[لاط بصبي أو وطء صغيرة حتى قتلهما أو سقاه خمرا حتى مات]
م: (قال: ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف) ش: للحديث الذي يأتي م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفعل به مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا) ش: مثل أن يقطع يد رجل فمات منه فعل به وذلك، ويمثل مثل تلك المدة م: (فإن مات وإلا تحز رقبته) ش:
وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وأصحاب الظاهر ولو كان ذلك الفعل غير مشروع، بأن لاط بصبي أو وطء صغيرة حتى قتلهما أو سقاه خمرا حتى مات، اختلف أصحابه. قيل: يحز رقبته، وقيل في اللواطة: يشحذ آلة على مثل هذا الذكر فيقتل به مثل ما فعل. وقيل في الخمر: يسقى الماء حتى يموت، في " الحلية ": فالمذهب أنه يحز رقبته.
وكذا نهشته حية يقتل بمثله. وإذا حبسه في بيت فيه سبع فافترسه ففيما يقتص به وجهان: ولو فعل به ما فعل ولم يمت ففيه قولان: أحدهما: أنه يكرر عليه ذلك الفعل حتى يموت. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والثاني: أنه يعدل إلى السيف.
م: (لأن مبنى القصاص على المساواة) ش: وذلك فيما ذكرنا لأن فيه مساواة في الأصل والوصف، أي الفعل والمقصود به.
فإن قيل: قد احتج الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومن معه بقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وقَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وبما روي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «أن جارية وجدوا رأسها قد رض(13/85)
ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قود إلا بالسيف»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بين الحجرين، فسألوها من فعل بك هذا، فلان وفلان؟ حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها. فأخذوا اليهودي. فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرض رأسه بالحجارة» . وبحديث العرنيين فإنهم سملوا أعين الرعاة فسمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعينهم.
قلت: أما قَوْله تَعَالَى: فعاقبوا الآية، فروى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن مقسم، عن ابن عباس " وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: لما قتل حمزة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومثل به: " لئن ظفرت بهم لأمثلن بسبعين رجلا ".
وفي رواية: " والله لأمثلن بسبعين رجلا منهم ". فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} [النحل: 126] الآية، فصبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكفر عن يمينه» فعلم أن الآية نزلت في هذا المعنى لا فيما ذكروا.
وأما قَوْله تَعَالَى: فاعتدوا - الآية، فإنها نزلت على المماثلة لا على الزيادة، وفيما قالوا: الزيادة في الاستيفاء، فلا يجوز.
وأما حديث اليهودي فكان بطريق السياسة لأنه كان مشهورا بذلك، فأمر برضه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكونه ساعيا في الأرض بالفساد، لا بطريق القصاص إذ بإشارة الجارية برأسها لا يجب القصاص.
فإن قيل: اليهودي أقر بذلك؟.
قلنا: ولئن سلمنا فقد نسخ، ونسخ المثلة كما في حديث العرنيين.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا قود إلا بالسيف» ش: هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، منهم: أبو بكر، أخرج حديثه ابن ماجه عنه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا قود إلا بالسيف» .
ومنهم: نعمان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله. وفيه جابر الجعفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ضعيف. قاله ابن الجوزي، وفي موضع آخر قال: وقد وثقه الثوري وشعبة.
ومنهم: ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرج حديثه الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في(13/86)
والمراد به السلاح، ولأن فيما ذهب إليه استيفاء الزيادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معجمه عنه مرفوعا نحوه سواء، وفيه عبد الكريم ضعفوه.
ومنهم: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج حديثه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه، وفيه سلمان بن أرقم قال الدارقطني: هو متروك.
ومنهم: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه الدارقطني أيضا عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا قود في النفس وغيرها إلا بحديدة» . وفيه معلى بن هلال. قال الدارقطني: متروك م: (والمراد به السلاح) ش: أي المراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إلا بالسيف " إلا بالسلاح، ويؤيده حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - المذكور آنفا.
وقال تاج الشريعة: قوله: والمراد به السلاح هكذا فهمت الصحابة بالمعنى المفهوم دلالة وهو الحز والقطع. كما يقال: المراد من نهي الاستيفاء حرمة الإيذاء. وأصحاب عبد الله بن مسعود كانوا يقولون: لا قود إلا بالسلاح؛ لفهمهم من اللفظ المظهر النبوي.
وذلك لأن المراد من السلاح في الاستيفاء الحديد المحدد كالخنجر والسكين. وإنما كنى بالسيف عن السلاح لأن المعد للقتال على الخصوص من بين الأسلحة السيف. فإنه لا يراد به لشيء آخر سوى القتال. وقد يراد بسائر الأسلحة منافع سواه. وهو معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة» يعني السلاح الذي هو آلة القتال.
م: (ولأن فيما ذهب إليه) ش: أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (استيفاء الزيادة) ش: وهو دليل معقول يتضمن الجواب عن قوله: ولأن مبنى القصاص على المساواة. ووجهه: لا نسلم وجود المساواة فيما ذهب إليه لأن فيه الزيادة.(13/87)
لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل فيحز، فيجب التحرز عنه كما في كسر العظام.
قال: وإذا قتل المكاتب عمدا وليس له وارث إلا المولى وترك وفاء فله القصاص عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أرى في هذا قصاصا لأنه أشبه سبب الاستيفاء، فإنه الولاء إن مات حرا والملك إن مات عبدا، وصار كمن قال لغيره: بعني هذه الجارية بكذا، وقال المولى: زوجتها منك، لا يحل له وطئها لاختلاف السبب كذا هذا، ولهما: أن حق الاستيفاء للمولى بيقين على التقديرين وهو معلوم والحكم متحد، واختلاف السبب لا يفضي إلى المنازعة ولا إلى اختلاف حكم، فلا يبالى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لو لم يحصل المقصود بمثل ما فعل فيحز) ش: بعد فعل ما فعل به فيجب التحرز عنه لأنه أدى إلى انتفاء القصاص م: (فيجب التحرز عنه كما في كسر العظام) ش: فإن من كسر عظم إنسان سوى السن عمدا، فإنه لا تقبض منه فإذا جاز ترك القصاص كله عند توهم الزيادة، فلأن يجوز ترك البعض أولى.
[قتل المكاتب عمدا وليس له وارث إلا المولى وترك وفاء]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا قتل المكاتب عمدا وليس له وارث إلا المولى وترك وفاء فله) ش: أي فللمولى م: (القصاص عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة. إذا كان قاتله عبدا، أما لو كان قاتله حرا لا يجب القصاص على الحر، يقتل العبد عندهم، وسواء ترك وفاء عندهم أو لا، وعندنا: إذا لم يترك وفاء لا يجب القصاص كما يجيء.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أرى في هذا قصاصا لأنه أشبه سبب الاستيفاء، فإنه) ش: أي فإن سبب الاستيفاء م: (الولاء إن مات حرا والملك إن مات عبدا وصار) ش: هذا م: (كمن قال لغيره: بعني هذه الجارية بكذا، وقال المولى: زوجتها منك، لا يحل له وطئها لاختلاف السبب كذا هذا) .
ش: وقال الأكمل: كأنه حام حول الدرء بالشبهات م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: م: (أن حق الاستيفاء للمولى بيقين على التقديرين) ش: أي على تقدير أن يموت حرا وعلى تقدير أن يموت عبدا.
م: (وهو) ش: أي المولى م: (معلوم والحكم متحد) ش: وهو استيفاء القصاص م: (واختلاف السبب لا يفضي إلى المنازعة ولا إلى اختلاف حكم، فلا يبالي به) ش: أي باختلاف السبب، كما لو قال المقر لك علي ألف من ثمن عبد، وقال المقر له: من قرض يجب الألف على المقر، ولا يبالي اختلاف السبب.(13/88)
به بخلاف تلك المسألة لأن حكم ملك اليمين يغاير حكم النكاح ولو ترك وفاء وله وارث غير المولى فلا قصاص وإن اجتمعوا مع المولى؛ لأنه اشتبه من له حق لأنه المولى إن مات عبدا والوارث إن مات حرا، إذ ظهر الاختلاف بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في موته على نعت الحرية أو الرق بخلاف الأولى؛ لأن المولى متعين فيها وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار وجب القصاص للمولى في قولهم جميعا؛ لأنه مات عبدا بلا ريب لانفساخ الكتابة بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء لأن العتق في البعض لا ينفسخ بالعجز،
وإذا قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن لأن المرتهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أي مسألة الجارية م: (لأن حكم ملك اليمين يغاير حكم النكاح) ش: لأن ملك اليمين يثبت الحل تبعا، والنكاح مقصود فالحل ثابت مقصود غير الحل الثابت تبعا ويختلف أحكامهما. ولما لم يتفقا على أحد الحكمين لم يثبت الحل م: (ولو ترك وفاء وله وارث غير المولى) ش: أي ولو ترك المكاتب المقتول وفاء، والحال أن له وارثا غير مولاه. م: (فلا قصاص) ش: أي عند أصحابنا بلا خلاف خلافا للأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وإن اجتمعوا مع المولى؛ لأنه اشتبه من له حق لأنه) ش: أي لأن من له الحق م: (المولى إن مات عبدا والوارث) ش: أي من له الحق الوارث م: (إن مات حرا إذ ظهر الاختلاف) ش: أي لأنه ظهر الاختلاف م: (بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في موته على نعت الحرية أو الرق) ش: أي على وصف الحرية، فإن مات حرا أو على وصف الرقية، بأن مات عبدا فعند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعبد الله بن مسعود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يموت حرا إذا أديت كتابته، فيكون الاستيفاء لورثته.
وعند زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يموت عبدا. وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد، فيكون الاستيفاء للمولى، فلهذا الاختلاف لا يجب القصاص م: (بخلاف الأولى) ش:، أي المسألة الأولى م: (لأن المولى متعين فيها) ش: فيجب القصاص على الاختلاف.
م: (وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار وجب القصاص للمولى في قولهم جميعا لأنه مات عبدا بلا ريب لانفساخ الكتابة) ش: بموته. ولم يذكر ما إذا مات ولم يترك وفاء له ورثة أرقاء لعدم الفائدة في ذكره؛ لأن حكمه حكم المذكور في الكتاب.
م: (بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء) ش: أي لا يجب القصاص للمولى م: (لأن العتق في البعض لا ينفسخ بالعجز) ش: لأن ملك الولي لا يعود بموته، ولا ينفسخ بالعجز ما عتق عنه، وهذا على قول من قال: يتجزأ الإعتاق.
[قتل عبد الرهن في يد المرتهن]
م: (وإذا قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن لأن المرتهن(13/89)
لا ملك له فلا يليه، والراهن لو تولاه لبطل حق المرتهن في الدين فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه. قال: وإذا قتل ولي المعتوه فلأبيه أن يقتل لأنه من الولاية على النفس شرع لأمر راجع إليها، وهو تشفي الصدر فيليه كالإنكاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا ملك له فلا يليه) ش: أي القصاص م: (والراهن لو تولاه) ش: أي القصاص م: (لبطل حق المرتهن في الدين فيشترط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه) ش:.
وفي " المغني " و " الجامع الصغير " لفخر الإسلام وغيرهما: لا يثبت لهما القصاص وإن اجتمعا كما إذا قتل عبد المكاتب، فاجتمع المولى مع المكاتب ويجب الدية في مال القاتل في ثلاث سنين. وفي " الإيضاح ": إذا اجتمع للراهن أن تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما لا.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: استيفاء القصاص للراهن لأنه هو المالك، فإذا استوفى لم يجب للمرتهن عليه شيء عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجب عليه قيمته فيكون رهنا مكانه.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا قتل ولي المعتوه) ش: يعني قريبه وهو ابنه م: (فلأبيه) ش: أي فلأب المعتوه وهو جد المقتول م: (أن يقتل) ش:، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يكن لوليه استيفاءه لأن فيه بطلان حق الصغير والمعتوه، بل ينتظر بلوغ الصغير، وإفاقة المجنون ويحبس القاتل م: (لأنه) ش: أي لأن استيفاء القصاص م: (من الولاية على النفس شرع لأمر راجع إليها) ش: أي إلى النفس م: (وهو تشفي الصدر فيليه كالإنكاح) .
ش: ولا يتوهم أن كل من ملك الإنكاح ملك استيفاء القصاص كالأخ، فإنه يملك الإنكاح دون القصاص لأنه شرع للتشفي. وللأب شفقة كاملة بعد ضرر الولد ضرر نفسه. فجعل ما يحصل له من التشفي كالحاصل للأب بخلاف الأخ.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض الشارحين في هذا الموضع: كل من ملك الإنكاح لا يملك استيفاء القصاص، فإن الأخ يملك الإنكاح، ولا يملك استيفاء القصاص. فأقول هذا ليس بشيء لأن الأخ يملك استيفاء القصاص إذا لم يكن ثمة ولي أقرب منه. انتهى.
قلت: أراد ببعض الشارحين الكاكي والأكمل - رحمهما الله -، فإنهما اللذان ذكرا ذلك فيمن ذكرناه مثل ما ذكرا امرأة، أمعن نظره فيها أن رده غير موجه.(13/90)
وله أن يصالح لأنه أنظر في حق المعتوه، وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه، وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما ذكرنا. والوصي بمنزلة الأب في جميع ذلك، إلا أنه لا يقتل لأنه ليس له ولاية على نفسه، وهذا من قبيله ويندرج تحت الإطلاق الصلح عن النفس واستيفاء القصاص في الطرف، فإنه لم يستثن إلا القتل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي وللأب م: (أن يصالح) ش: أي القاتل م: (لأنه أنظر في حق المعتوه) ش: لكن هذا فيما إذا صالح على قدر الدين، ولو صالح بأقل منه لم يجر الخطأ وإن قل. ويجب كمال الدية.
وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه: هذا إذا صالح على مثل الدية فذكر ما ذكرناه الآن ناقلا عن الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم قال: ولنا فيه نظر؛ لأن لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " مطلق حيث جوز صلح أب المعتوه عن دم قريبه مطلقا؛ لأنه قال: وله أن يصالح من غير قيد بقدر الدية انتهى.
قلت: في نظره نظر؛ لأنه يجوز أن يكون مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وله أن يصالح، مقيدا بهذا القيد على ما لا يخفى.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المنصوص "، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: لا يجوز؛ لأنه لا يملك إسقاط قصاصه.
وقال الشافعي في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجوز إذا كان الصغير والمجنون محتاجين إلى النفقة، ولا مال لهما لحاجته إلى المال للحفظ.
م: (وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه وكذلك) ش: أي الحكم م: (إن قطعت يد المعتوه عمدا لما ذكرنا) ش: أي من قوله لأنه من باب الولاية على النفس على تأويل المذكور ويندرج تحت هذا الإطلاق وهو قوله: م: (والوصي بمنزلة الأب في جميع ذلك) ش: أي فيما ذكر من الأحكام م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الوصي م: (لا يقتل لأنه ليس) ش: لأن ليس م: (له ولاية على نفسه) ش: أي على نفس المعتوه.
م: (وهذا) ش: أي استيفاء القصاص م: (من قبيله) ش: أي من قبيل الولاية على النفس على تأويل المذكور.
م: (ويندرج تحت الإطلاق) ش: وهو قوله: والوصي بمنزلة الأب م: (الصلح عن النفس واستيفاء القصاص في الطرف، فإنه لم يستثن إلا القتل) ش: أي فإن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يستثن إلا القتل، والمسألة مذكورة في " الجامع الصغير " كما ذكرنا.(13/91)
وفي كتاب الصلح: أن الوصي لا يملك الصلح؛ لأنه تصرف في النفس بالاعتياض عنه فينزل منزلة الاستيفاء، ووجه المذكور هاهنا أن المقصود من الصلح المال، وأنه يجب بعقده كما يجب بعقد الأب بخلاف القصاص؛ لأن المقصود التشفي وهو مختص بالأب ولا يملك العفو؛ لأن الأب لا يملكه لما فيه من الإبطال، فهو أولى، وقالوا: القياس أن لا يملك الوصي الاستيفاء في الطرف كما لا يملكه في النفس؛ لأن المقصود متحد، وهو التشفي. وفي الاستحسان: يملكه لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، فإنها خلقت وقاية للأنفس كالمال على ما عرف، فكان استيفاؤه بمنزلة التصرف في المال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي كتاب الصلح) ش: أي ذكر في كتاب " الصلح " من الأصل: م: (أن الوصي لا يملك الصلح؛ لأنه تصرف في النفس بالاعتياض عنه) ش: ملحقا به وهو معنى قوله م: (فينزل منزلة الاستيفاء) ش: فلا يجوز حينئذ صلح الوصي.
م: (ووجه المذكور هاهنا) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (أن المقصود من الصلح: المال وأنه يجب بعقده) ش: أي بعقد الوصي. م: (كما يجب بعقد الأب) ش: فوجب القول بصحته م: (بخلاف القصاص) ش: حيث لا يملك الوصي استيفاءه في النفس م: (لأن المقصود) ش: من القصاص م: (التشفي وهو) ش: أي التشفي م: (مختص بالأب) ش: لقربه وكمال شفقته، وهذا أمر معهود من الأب، والوصي لا ينزل منزلته في التشفي ودرك الثأر.
م: (ولا يملك) ش: أي الوصي م: (العفو؛ لأن الأب لا يملكه لما فيه من الإبطال) ش: أي لما في العفو من إبطال حقه فإذا كان كذلك م: (فهو أولى) ش: أي فالعفو من الوصي أولى من الإبطال. حاصل الفصل: أن الروايات اتفقت في الأب أنه يستوفي القصاص في النفس وما دونها. وأنه يصالح في البابين جميعا، ولا يصح عفوه في البابين. واتفقت الروايات في الوصي أنه لا يملك استيفاء النفس، وأنه يملك استيفاء ما دونها. وأنه يملك الصلح فيما دونها، ولا يملك العفو في البابين. وإنما اختلفت الروايات في الوصي في فصل واحد وهو صلحة في النفس على مال. فقال في " الجامع الصغير ": يصح صلحه.
وقال في كتاب الصلح: لا يصح، م: (وقالوا) ش: أي المشائخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: م: (القياس أن لا يملك الوصي الاستيفاء في الطرف كما لا يملكه في النفس؛ لأن المقصود متحد وهو التشفي. وفي الاستحسان: يملكه لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، فإنها) ش: أي فإن الأطراف م: (خلقت وقاية للأنفس كالمال على ما عرف) ش: في الأصول م: (فكان استيفاؤه) ش: أي استيفاء الوصي. م: (بمنزلة التصرف في المال) ش: فيجوز.(13/92)
والصبي بمنزلة المعتوه في هذا، والقاضي بمنزلة الأب في الصحيح، ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان والقاضي بمنزلته فيه.
قال: ومن قتل وله أولياء صغار وكبار، فللكبار أن يقتلوا القاتل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المحيط ": القياس هو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في رواية، وهو الأظهر على قولهما: لأنهما يجعلان الطرف كالنفس في حكم القصاص فالنكول.
وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما لا يملكه في النفس، وفي " الاستحسان ": يملكه، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " جامع أبي الليث " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا إذا أدرك معتوها، فإن أدرك عاقلا فلا. ثم عنه: لا ولاية للوصي في ماله ولا في نفسه في قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حكمه حكم الذي أدرك معتوها سواء.
وفي " المبسوط ": لو كان يجن ويفنى فهو كالصحيح، ولو جن بعد القتل إن كان هذا الجنون الحادث مطبقا يسقط القود، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو جن بعد القتل لا بقتل. وكذا: لو عته بعد القتل ولو قضى عليه بالقتل لا يقتل قياسا.
قال في موضع آخر: وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قبل الرفع إلى الوالي لا يقتل قياسا، وبعد الرفع يقتل استحسانا.
م: (والصبي بمنزلة المعتوه في هذا) ش: أي في القتل والصلح وعدم جواز المعتوه. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي في هذا المعنى للأب أن يستوفي القصاص الواجب للصغير في النفس وما دونها. وقال الشافعي: ليس له ذلك.
م: (والقاضي بمنزلة الأب في الصحيح) ش: يملك الاستيفاء في النفس، وفيما دون النفس؛ لأن له ولاية في النفس والمال جميعا.
م: (ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان والقاضي بمنزلته فيه) ش: أي بمنزلة السلطان، وفي " المحيط " قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس للسلطان أن يقتص إذا كان المقتول من أهل دار الإسلام كما للقيط، كما ليس له أن يعفو بغير مال. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: للسلطان أن يقتل قاتل من لا ولي له أن يصالح، وكذلك إذا قتل اللقيط في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[قتل وله أولياء صغار وكبار]
م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن قتل وله أولياء صغار وكبار، فللكبار أن يقتلوا القاتل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قبل بلوغ الصغار. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، والليث بن سعد، وحماد بن سليمان،(13/93)
وقالا: ليس لهم ذلك حتى يدرك الصغار؛ لأن القصاص مشترك بينهم، ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزؤ، وفي استيفائهم الكل إبطال حق الصغار فيؤخر إلى إدراكهم، كما إذا كان بين الكبيرين وأحدهما غائب، أو كان بين الموليين. وله: أنه حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو القرابة، واحتمال العفو من الصغير منقطع. فيثبت لكل واحد كملا كما في ولاية الإنكاح، بخلاف الكبيرين؛ لأن احتمال العفو من الغائب ثابت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأوزاعي وزاد مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال: إن كان للمقتول ولد صغير وأخ كبير أو أخت كبيرة فالأخ أختان يقتصان قبل بلوغ الصغير.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ليس لهم ذلك) ش: أي ليس للكبار أن يقتصوا م: (حتى يدرك الصغار) ش: وبه قال الشافعي. - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأظهر، وإسحاق، وعمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (لأن القصاص مشترك بينهم) ش: أي بين الصغار والكبار.
م: (ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزؤ) ش: لأنه تصرف في الروح، وذا لا يقبل الوصف بالتجزؤ.
م: (وفي استيفائهم الكل إبطال حق الصغار فيؤخر) ش: أي القصاص م: (إلى إدراكهم) ش: أي إلى بلوغهم م: (كما إذا كان) ش: أي القصاص م: (بين الكبيرين وأحدهما غائب) ش: فإنه لا يقتص حتى يحضر الغائب م: (أو كان) ش: أي القصاص م: (بين الموليين) ش: صورته: معتق رجلين قتل وأحد مولييه غائب، فليس للحاضر استيفاء القصاص حتى يحضر الغائب.
وفي " المبسوط ": صورته: عبد مشترك بين الصغير والكبير، فقتل، ليس للكبير استيفاء القصاص قبل أن يدرك الصغير بالإجماع.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن القصاص م: (حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو القرابة، واحتمال العفو من الصغير منقطع) ش: أي والحال ولايته والشبهة في المال.
م: (فيثبت) ش: أي حق القصاص م: (لكل واحد كملا) ش: أي على الكمال. م: (كما في ولاية الإنكاح) ش: حيث يجوز لأحد أولياء الصغير أن يزوجه لأن لكل واحد منهم ذلك م: (بخلاف الكبيرين) ش: إذا كان أحدهما غائبا فليس للحاضر أن يقبض م: (لأن احتمال العفو من الغائب ثابت) ش: بلا شبهة.(13/94)
ومسألة الموليين ممنوعة.
قال: ومن ضرب رجلا بمر فقتله، فإن أصابه بالحديد قتل به، وإن أصابه بالعود فعليه الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا إذا أصابه بحد الحديد لوجود الجرح، فكمل السبب. وإن أصابه بظهر الحديد فعندهما: يجب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومسألة الموليين ممنوعة) ش: هذا جواب عن قوله: أو كان بين الموليين قالوا: إنه لا ولاية في هذا فيمنع. ونقول: لا نسلم أن لا ينفرد أحدهما للاستيفاء، ولئن سلمنا فنقول: إن أحد الموليين إنما لم ينفرد بالاستيفاء لأن السبب لم يكمل في حقه لأن بعض الملك، وبعض الولاء ليس بسبب أصلا، فصارا جميعا كشخص واحد، فثبت ملك قصاص واحد لشخص واحد، بخلاف السعاية، فإنها سبب كامل لاستحقاق كل القصاص.
وفي " المبسوط ": احتج أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا بما روي: أن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قتل عبد الرحمن بن ملجم حين قتل عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي أولاد علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صغار ولم ينتظر بلوغهم.
وفي " الأسرار ": روي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه لما أصابه ابن ملجم قال في وصيته: " أما أنت يا حسن فإن شئت أن تقتص فاقتص بضربة واحدة وإياك والمسألة ".
فلما مات علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قتل به، وفي ورثة علي صغار منهم العباس بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وكان له أربع سنين. وذلك بحضرة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير.
[ضرب رجلا بمرفقتله]
م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن ضرب رجلا بمر) ش: بفتح الميم وتشديد الراء.
قال " صاحب المغرب ": هو الذي يعمل به في الطين. م: (فقتله فإن أصابه بالحديد) ش: أي بالحديد الذي في أحد طرفي المر، م: (قتل به) ش: بلا خلاف لوجود القتل على وجه الكمال.
م: (وإن أصابه بالعود) ش: الذي هو أحد طرفي المر م: (فعليه الدية، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا) ش: أي وجوب القصاص م: (إذا أصابه بحد الحديد لوجود الجرح فكمل) ش: أي الجرح هو م: (السبب) ش: أي سبب القصاص.
م: (وإن أصابه بظهر الحديد فعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (يجب) ش: أي القصاص. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.(13/95)
وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا منه للآلة وهو الحديد، وعنه: إنما يجب إذا جرح وهو الأصح على ما نبينه إن شاء الله تعالى، وعلى هذا الضرب بسنجات الميزان. وأما إذا ضربه بالعود، فإنما تجب الدية لوجود قتل النفس المعصومة وامتناع القصاص حتى لا يهدر الدم. ثم قيل: هو بمنزلة العصا الكبيرة، فيكون قتلا بالمثقل، وفيه خلاف أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما نبين. وقيل: هو بمنزلة السوط، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الموالاة. له: أن الموالاة في الضربات إلى أن مات دليل العمدية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا منه للآلة وهو الحديد) ش: لأن الحديد سلاح كله حده وعرضه في ذلك سواء.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إنما يجب) ش: أي القصاص م: (إذا جرح) ش: كذا ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو الأصح على ما نبينه إن شاء الله تعالى) .
ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذه الحوالة نظر. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو قوله بعد ذلك: ولا يماثل بين الجرح والدق، لقصور الثاني عن تخريب الظاهر إلى آخره.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الاختلاف م: (الضرب بسنجات الميزان) ش: يعني إذا كانت من حديد م: (وأما إذا ضربه بالعود، فإنما تجب الدية لوجود قتل النفس المعصومة وامتناع القصاص حتى لا يهدر الدم) ش: يعني لما وجد قتل النفس المعصومة وامتناع وجوب القصاص، وجبت الدية حتى لا يهدر دم المقتول.
م: (ثم قيل: هو) ش: أي عود المر إذا كان لا يلبث م: (بمنزلة العصا الكبيرة، فيكون قتلا بالمثقل) ش: كمدقة القصابين وحجر الرحى، لا يجب القصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإليه أشار بقوله: م: (وفيه خلاف أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما نبين) ش: إن شاء الله تعالى، فتجب الدية في ماله في ثلاث سنين؛ لأنه عمد. وعندهما: يجب القصاص لأنه قتل عمد. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (وقيل: هو بمنزلة السوط) ش: يعني إذا كان العود مما يثبت م: (وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الموالاة) ش:، يعني في الضرب بالعصا الصغيرة أو الحجر الصغير، إذا والى الضربات، لا يجب القصاص به. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب إذا والى الضربات على وجه لا تحمله النفس عادة؛ لأنه دلالة القصد إلى القتل. وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو معنى قوله.
م: (له) ش: أي للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الموالاة في الضربات إلى أن مات دليل العمدية(13/96)
فيتحقق الموجب. ولنا: ما روينا " ألا إن قتيل خطأ العمد " ويروى " شبه العمد " الحديث. ولأن فيه شبهة عدم العمدية؛ لأن الموالاة قد تستعمل للتأديب أو لعله اعتراه القصد في خلال الضربات فيعرى أول الفعل عنه، وعساه أصاب المقتل والشبهة دارئة للقود فوجبت الدية.
قال: ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر، فلا قصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يقتص منه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن عندهما يستوفي حزا. وعنده يغرق كما بيناه من قبل. لهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيتحقق الموجب) ش: للقصاص. م: (ولنا: ما روينا: «لا إن قتيل خطأ العمد» ش: قتيل السوط والعصا، ولم يفصل بين الموالاة وغيرها.
م: (ويروى " شبه العمد " الحديث) ش: وقد مضى من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا» الحديث.
م: (ولأن فيه شبهة عدم العمدية؛ لأن الموالاة قد تستعمل للتأديب) ش: لأنه قد يشرع حدا وتعزيرا في مواضع لا يكون القتل مشروعا، فلو كان ذلك دلالة القصد لم يشرع في موضع لا يكون القتل مشروعا.
م: (أو لعله اعتراه القصد في خلال الضربات) ش: أي: أو لعل الضارب شبه القصد في أثناء الضربات م: (فيعرى أول الفعل عنه) ش: أي: فيخلو أول الضرب عن القصد، فيتمكن الخلل في العمدية. م: (وعساه أصاب المقتل) ش: أي: لعل أول الفعل، وهو الضربة، أصاب المقتل، فالشبهة إلى القتل فلا يدل ذلك على العمد.
م: (والشبهة دارئة للقود) ش: فلا يجب القصاص. م: (فوجبت الدية) ش: في ثلاث سنين.
[غرق صبيا أو بالغا في البحر]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يقتص منه، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن عندهما) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يستوفي حزا) ش: أي تحز الرقبة بالسيف.
م: (وعنده) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يغرق كما بيناه من قبل) ش: وهو أنه يفعل به بمثل ما فعل.
م: (لهم) ش: قال شيخنا العلاء: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولهما، لكن استدلال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالحديث المذكور واستدلالهما بالقول.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النص يقتضي التفريق " وهو مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويكون حجة لهما أيضا على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نفي وجوب الدية. والحديث(13/97)
قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " من غرق غرقناه "؛ ولأن الآلة قاتلة فاستعمالها أمارة العمدية، ولا مراء في العصمة، وله قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا " وفيه: " وفي كل خطأ أرش "؛ ولأن الآلة غير معدة للقتل ولا مستعملة فيه لتعذر استعمالها فتمكنت شبهة عدم العمدية؛ ولأن القصاص ينبئ عن المماثلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواه البيهقي في " سننه "، وفي " المعرفة " من حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من عرض عرضنا له، ومن حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه» .
قال " صاحب التنقيح " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذا الإسناد من يجهل حاله. وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الحديث غير موصول إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولئن صح فهو محمول على السياسة بإضافة التفريق إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حيث م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من غرق غرقناه» ش: ولم يقل: من غرق. قلت: الحديث مرفوع ولكنه ضعيف على ما يجيء عن قريب في " الجامع الصغير ".
ولو أحمى تنورا فألقاه في النار ولا يستطيع الخروج منها، فأحرقته ففيه القود. وفيه إشارة إلى أن الإحماء يكفي للقود وإن لم تكن فيه النار. وفي " جمع التفاريق ": هو الصحيح، ولو ألقاه في نار ثم أخرج وبه رمق فمكث مضني منه حتى مات ففيه القود، وإن كان يجيء ويذهب فلا. ولو أوجره سما كارها أو تأويله. أو أكرهه على شربه فلا قود فيه.
م: (ولأن الآلة قاتلة) ش: هذا استدلالهما، بيانه: أن الماء الذي لا ينجى منه عادة قاتل. قيل: هذا الماء أدى القتل م: (فاستعمالها أمارة العمدية) ش: أي باستعمال هذه الآلة علامة العمدية.
م: (ولا مراء) ش: أي ولا شك م: (في العصمة) ش: أي عصمة المحل لأن كلامنا فيما إذا كان المقتول محقون على التأبيد وقد وجد فيجب القصاص.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا» . وفيه: «وفي كل خطأ أرش» ش: وقد مر الحديث في أوائل الكتاب.
م: (ولأن الآلة) ش: وهي: الماء الذي جعل كالآلة م: (غير معدة للقتل ولا مستعملة فيه) ش: أي: في القتل م: (لتعذر استعماله فتمكنت شبهة عدم العمدية؛ ولأن القصاص ينبئ عن المماثلة) ش:(13/98)
ومنه يقال: اقتص أثره، ومنه المقصة للجملين، ولا تماثل بين الجرح والدق لقصور الثاني عن تخريب الظاهر، وكذا لا يتماثلان في حكمة الزجر لأن القتل بالسلاح غالب وبالمثقل نادر، وما رواه غير مرفوع أو هو محمول على السياسة، وقد أومت إليه إضافته إلى نفسه فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا لأنه ألحق بالقتل إلى القصاص في لغة العرب يبنى على المماثلة واستدل عليه بقوله م: (ومنه يقال: اقتص أثره) ش: أي تبعه م: (ومنه المقصة) ش: وهو المقراض يقال م: (للجلمين) ش: الجلم الذي يجز به وهما جلمان، يعني: سميت المقصة مقصة لأن كل واحد من الجلمين يماثل الآخر، وقال شيخي العلاء - رحمة الله عليه -: قوله: " للجملين "، هكذا بتصحيح شيخي - رحمة الله عليه -. ووقع في النسخ: للحكمين. ولا وجه له لأن الحكم الذي يجريه كما ذكرناه.
م: (ولا تماثل بين الجرح والدق) ش: لأن الدق يعمل في الباطن دون الظاهر، والجرح بالسيف يعمل في الظاهر والباطن، والتغريق لا يعمل في الظاهر والباطن جميعا، أشار إليه بقوله: م: (لقصور الثاني) ش: أي الدق م: (عن تخريب الظاهر، وكذا لا يتماثلان) ش: أي الجرح والدق.
م: (في حكمة الزجر لأن القتل بالسلاح غالب وبالمثقل نادر) ش: وشرعية الزجر في الغالب لا في النادر، ولهذا شرع الحد في شرب الخمر لا في شرب البول.
م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: «من غرق غرقناه» م: (غير مرفوع) ش: أي غير مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي غير ثابت، وإنما هو من كلام رواية: ولا يلزم التحريق، وهو منهي. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» .
قلت: قد ذكرنا أن البيهقي رواه مرفوعا ولكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، وأجاب عنه المصنف بجواب آخر وهو قوله: م: (أو هو محمول على السياسة) .
ش: هذا جواب بطريق التسليم، يعني: ولئن سلمنا أنه مرفوع، ولكنه محمول على السياسة، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
م: (وقد أومأت إليه إضافته إلى نفسه فيه) ش: أي إشارة إلى الحمل على السياسة إضافة(13/99)
وإذا امتنع القصاص وجبت الدية، وهي على العاقلة، وقد ذكرناه واختلاف الروايتين في الكفارة.
قال: ومن جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص لوجود السبب وعدم ما يبطل حكمه في الظاهر، فأضيف إليه. قال: وإذا التقى الصفان من المسلمين والمشركين فقتل مسلم مسلما ظن أنه مشرك، فلا قود عليه، وعليه الكفارة لأن هذا أحد نوعي الخطأ على ما بيناه، والخطأ بنوعيه لا يوجب القود، ويوجب الكفارة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل التغريق إلى نفسه بإسناد الفعل حيث قال: " غرقناه " وقد مر الكلام فيه، وقيل: هو منسوخ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعذب بالنار إلا رب النار» وقد ذكرنا أن تمام الحديث: «من حرق حرقناه» . ولا يقال إن بعض حديث واحد منسوخ دون البعض.
م: (وإذا امتنع القصاص) ش: أي في التغريق (وجبت الدية، وهي على العاقلة) ش: أي: عاقلة الذي غرق في ثلاث سنين؛ لأنه شبه العمد، وقد مر حكم شبه العمد أشار إليه بقوله: م: (وقد ذكرناه) ش: أي فيما مضى عند ذكر شبه العمد.
م: (واختلاف الروايتين في الكفارة) ش: " اختلاف الروايتين " بالرفع لأنه مبتدأ، وقوله في الكفارة خبره يعني اختلاف الروايتين عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا في شبه العمد في الكفارة في القتل في المثقل. في رواية: تجب، وفي رواية: لا تجب، لا في الدية فإن الدية تجب بلا تردد، ورواية وجوب الكفارة هي الصحيحة.
[جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب فراش حتى مات]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص) ش: إلى هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لوجود السبب) ش: وهو سفك دم محقون على التأبيد عمدا م: (وعدم ما يبطل حكمه) ش: أي: ولعدم ما يبطل حكمه، أي: حكم الدم المحقون على التأبيد من العفو أو الشبهة م: (في الظاهر، فأضيف إليه) ش: أي إلى الظاهر؛ لأن الظاهر أنه مات بذلك الكسب لعدم تحلل البرء، فأضيف إليه، فوجب القصاص.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا التقى الصفان من المسلمين والمشركين فقتل مسلم مسلما ظن أنه مشرك، فلا قود عليه) ش: أي فلا قصاص عليه م: (وعليه الكفارة لأن هذا أحد نوعي الخطأ) ش: وهو الخطأ في القصد، م: (على ما بيناه) ش: فيما مضى في بيان تقسيم القتل في أول كتاب الجنايات.
م: (والخطأ بنوعيه) ش: أي: الخطأ في القصد والخطأ في الفعل، وقد مر فيما مضى. وقوله: " والخطأ " مبتدأ. وقوله م: (لا يوجب القود) ش: خبره: أي القصاص م: (ويوجب الكفارة،(13/100)
وكذا الدية على ما نطق به نص الكتاب، ولما اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قضى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بالدية، قالوا: إنما تجب الدية إذا كانوا مختلطين، فإن كان في صف المشركين لا تجب لسقوط عصمته بتكثير سوادهم قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من كثر سواد قوم فهو منهم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذا الدية) ش: بالنصب عطفا على قوله الكفارة، وكذا يوجب الدية م: (على ما نطق به نص الكتاب) ش: وهو قوله - عز وجل -: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] .
م: (ولما اختلفت سيوف المسلمين على اليمان) ش: بفتح الياء أول الحروف، وتخفيف الميم، وفي آخره نون، وهو اسم لوالد م: (أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: ولهذا بينه بقوله: أبي حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وهذا بحسب الظاهر على ألسنة الناس. وفي نفس الأمر على ما قال ابن شاهين في " المعجم ": حدثنا عبد الله بن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: حدثني عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي عبيدة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: حذيفة بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - بن جابوس ابن ربيعة بن عمرو بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإنما قيل: حذيفة بن اليمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه من بلد اليمان، من خردة بن الحارث بن قطيعة بن عبس، مات حذيفة بالمدائن سنة ست وثلاثين.
فاليمان: إن كان اسما موضوعا له يجب أن يجري بوجوب الإعراب، وإن كان منسوبا إلى اليمن يجب كسر نونه لأنه حذفت منه ياء النسبة، وعوض منها الألف، وبقيت النون على حالها.
وأما قصته: فإنه قتل في غزوة الخندق، قتله المسلمون وهم يظنون أنه مشرك.
م: (قضى رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بالدية) ش: فوهبها حذيفة لهم.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (إنما تجب الدية إذا كانوا مختلطين) ش: أي المسلمون والكفار م: (فإن كان) ش: أي المسلم م: (في صف المشركين لا تجب لسقوط عصمته بتكثير سوادهم. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش:، أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «من كثر سواد قوم فهو منهم» ش: هذا الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "، حدثنا أبو همام، حدثنا ابن وهب، أخبرني بكر بن نصر، عن عمرو بن الحارث: أن رجلا دعا عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى وليمة، فلما جاء ليدخل سمع لهوا، فلم يدخل، فقال له: لم رجعت؟ قال: إني سمعت رسول الله(13/101)
قال: ومن شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله، فعلى الأجنبي ثلث الدية؛ لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدرا في الدنيا والآخرة، وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة حتى يأثم عليه، وفي " النوادر ": أن عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: يغسل ويصلى عليه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يغسل ولا يصلى عليه، وفي " شرح السير الكبير " ذكر في الصلاة عليه اختلاف المشايخ على ما كتبناه في كتاب " التجنيس " و " المزيد "، فلم يكن هدرا مطلقا وكان جنسا آخر، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة. فصارت ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال، فيكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " من كثر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمل به ".
وفي " المجتبى ": وهذا حال من كثر سوادهم ولم يتزيا بزيهم ولم يتخلق بأخلاقهم، فكيف حال المتزيا بزيهم والمتخلق بأخلاقهم في زماننا. وأخرج أبو داود في " سننه " من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسو ل الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تشبه بقوم فهو منهم» .
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله، فعلى الأجنبي ثلث الدية؛ لأن فعل الأسد والحية جنس واحد، لكونه هدرا في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة) ش: وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتبر في الآخرة م: (حتى يأثم عليه) ش: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: يجب على الأجنبي الدية لأنه عمد محض.
م: (وفي " النوادر ": أن عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: يعني هذا الرجل الذي شج نفسه م: (يغسل ويصلى عليه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يغسل ولا يصلى عليه) ش: لأنه باغ على نفسه.
م: (وفي " شرح السير الكبير ": ذكر في الصلاة عليه اختلاف المشايخ على ما كتبناه في كتاب " التجنيس "، و " المزيد ") ش: وهما كتابان من جملة مصنفات المصنف، وفي بعض النسخ: على ما كتبناه.
وفي " تجنيس " المصنف: قال الحلواني: يصلى عليه لأنه لو تاب قبلت توبته، وقال السعدي: لا يصلى عليه لأنه لا تقبل توبته لما أنه باغ على نفسه.
م: (فلم يكن) ش: أي دم الرجل المذكور م: (هدرا مطلقا) ش: يعني في أحكام الدنيا م: (وكان جنسا آخر، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة فصارت) ش: أي الجناية م: (ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال) ش: فعل نفسه، وفعل الأجنبي، وفعل الأسد والحية، م: (فيكون(13/102)
التالف بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التالف بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية والله أعلم بالصواب) ش: يعني: في ماله؛ لأن فعله وقع عمدا، والعاقلة لا تتحمله.(13/103)
فصل قال: ومن شهر على المسلمين سيفا فعليهم أن يقتلوه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من شهر على المسلمين سيفا فقد أحل دمه» ، ولأنه باغ فتسقط عصمته ببغيه، ولأنه تعين طريقا لدفع القتل عن نفسه فله قتله. وقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان ما هو بمنزلة التبع للقصاص]
[شهر على المسلمين سيفا]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان ما هو بمنزلة التبع للقصاص، وهو القصاص في الأطراف.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شهر على المسلمين سيفا فعليهم أن يقتلوه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من شهر على المسلمين سيفا فقد أحل دمه» ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ، وروى النسائي في "سننه " من حديث طاوس عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شهر سيفه ثم وضعه فهو هدر» .
ومن طريقه رواه الطبراني في "معجمه "، وزاد: يعني وصعد: ضرب به، وروى أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده "، والحاكم في " المستدرك " من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله وجب دمه» .
قوله: "أحل دمه " أي: أهدر دمه، إذا هدره صار دمه مباحا.
م: (ولأنه باغ) ش: أي ولأنه شاهر السيف، باغ لأنه شهر سيفه عليهم وقصد قتلهم. صار حربا عليهم فكان باغيا. م: (فتسقط عصمته ببغيه) ش: أي: فبطلت عصمة دمه للمحاربة. قال الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن القتل م: (تعين طريقا لدفع القتل عن نفسه) ش: أي عن نفس المشهور عليه فإذا كان كذلك م: (فله قتله) ش: أي قتل الشاهر حتى لو أمكنه بطريق آخر لا يسعه قتله، ولا يعلم فيه خلاف.
م: (وقوله) ش: قال الكاكي: أي قال صاحب " المختصر ". قلت: إن أراد بالمختصر(13/104)
فعليهم، وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في " الجامع الصغير ": فحق على المسلمين أن يقتلوه إشارة إلى الوجوب، والمعنى: وجوب دفع الضرر. وفي سرقة " الجامع الصغير ": ومن شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا، أو شهر عليه عصا ليلا في مصر، أو نهارا في طريق في غير مصر فقتله المشهور عليه عمدا: فلا شيء عليه لما بينا، وهذا لأن السلاح لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة وإن كانت تلبث ولكن في الليل لا يلحقه الغوث فيضطر إلى دفعه بالقتل، وكذا في النهار في غير المصر في الطريق لا يلحقه الغوث، فإذا قتله كان دمه هدرا. قالوا: فإن كان عصا لا تلبث يحتمل أن تكون مثل السلاح عندهما.
قال: وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في ماله. وقال الشافعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" مختصر القدوري "، فالقدوري لم يذكر هذه المسألة، وإنما ذكرها في " الجامع الصغير ". والصواب ما ذكره تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط ". م: (فعليهم. وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " فحق على المسلمين أن يقتلوه) ش: والحاصل في هذا: أن لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عبارتين: إحداهما التي ذكرها في " المبسوط " بقوله: فعليهم. والأخرى: التي ذكرها في " الجامع الصغير " بقوله: فحق على المسلمين، والعبارتان تدلان على معنى واحد وهو وجوب قتل الشاهر الباغي المذكور. وقول المصنف: " وقوله ": أي قول محمد: مبتدأ، وقول محمد عطف عليه.
وقوله: م: (إشارة) ش: خبر المبتدأ. أي: يشير القولان بأن قتله واجب م: (إلى الوجوب والمعنى) ش: من كلام المصنف " أي: معنى الوجوب م: (وجوب دفع الضرر) ش: لأن دفع الضرر واجب لا أن يكون غير القتل واجبا. وهذا قتل الحربي لا بعينه، بل لرفع كلمة الله - عز وجل -.
م: (وفي سرقة " الجامع الصغير ": ومن شهر على رجل سلاحا ليلًا أو نهارا، أو شهر عليه عصا ليلا في مصر، أو نهارا في طريق في غير مصر فقتله المشهور عليه عمدا، فلا شيء عليه لما بينا) ش: إشارة إلى الحديث المذكور وإلى المعنى المعقول.
م: (وهذا) ش: أي عدم شيء عليه م: (لأن السلاح لا يلبث) ش: يعني ليس فيه مهلة للرفع بغير قتل م: (فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة، وإن كانت تلبث ولكن في الليل لا يلحقه الغوث) ش: يعني لا يلحقه من يخلصه منه م: (فيضطر إلى دفعه بالقتل، وكذا في النهار في غير المصر في الطريق لا يلحقه الغوث، فإذا قتله كان دمه هدرا) ش: يعني لا يلزمه شيء. م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (فإن كان عصا لا تلبث يحتمل أن تكون مثل السلاح عندهما) ش: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد.
[شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا]
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في ماله، وقال الشافعي -(13/105)
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه، وعلى هذا الخلاف الصبي والدابة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب الضمان في الدابة، ولا يجب في الصبي والمجنون. للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قتله دفاعا عن نفسه فيعتبر بالبالغ الشاهر، ولأنه يصير محمولا على قتله بفعله فأشبه المكره. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن فعل الدابة غير معتبر أصلا حتى لو تحقق لا يوجب الضمان. أما فعلهما فمعتبر في الجملة حتى لو حققاه يجب عليهما الضمان، وكذا عصمتهما لحقهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شيء عليه) .
وكذا الصبي والدابة على ما يجيء الآن، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - وأكثر أهل العلم، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المضطر كذلك. أما لو كان العامل عبدا أو صيد الحرم لا يضمن بلا خلاف.
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الصبي) ش: إذا مال على إنسان م: (والدابة) ش: أي للحمل مثلًا أو لغيره صال على إنسان فقتله المصول عليه، لا يضمن عندنا، خلافا للشافعي.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب الضمان في الدابة، ولا يجب في الصبي والمجنون) ش: وقال الطحاوي في "مختصره ": وقال أبو يوسف: إني أستقبح في هذا أن أضمنه قيمته، يعني في البعير إذا صال على إنسان.
م: (للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه قتله دفاعا) ش: أي للشر م: (عن نفسه فيعتبر بالبالغ الشاهر، ولأنه) ش: أي: ولأن المشهور عليه م: (يصير محمولًا على قتله) ش: أي: قتل الشاهر م: (بفعله) ش: أي بفعل الشاهر م: (فأشبه المكره) ش: يعني مع علمه أن هذا الفعل يسقط عصمة دمه، صار كأنه أكرهه على قتله، فيكون المشهور عليه مكرها بهذا الطريق، هكذا ذكره [ ... ] .
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " فأشبه المكره " يعني: أن المكره لما صار مسلوب الاختيار من جهة المكره"، أضيف التلف إلى المكره، فكذلك المصول عليه. وقيل: معناه فأشبه المكره يعود على المكره فيقتله.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن فعل الدابة غير معتبر أصلًا حتى لو تحقق) ش: أي: فعل الدابة م: (لا يوجب الضمان) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جرح العجماء جبار» .
م: (أما فعلهما) ش: أي فعل الصبي والمجنون م: (فمعتبر في الجملة حتى لو حققاه) ش: أي: الفعل وأتلفا مالا أو نفسا م: (يجب عليهما الضمان، وكذا عصمتهما) ش: أي: عصمة الصبي، والمجنون م: (لحقهما) ش: أي لأنفسهما لا لحق الغير.(13/106)
وعصمة الدابة لحق مالكها، فكان فعلهما مسقطا للعصمة دون فعل الدابة. ولنا أنه قتل شخصا معصوما أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك وفعل الدابة لا يصلح مسقطا. وكذا فعلهما وإن كانت عصمتهما حقهما لعدم اختيار صحيح، ولهذا لا يجب القصاص بتحقق الفعل منهما بخلاف العاقل البالغ لأن له اختيارا صحيحا، وإنما لا يجب القصاص لوجود المبيح، وهو دفع الشر فتجب الدية. قال: ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه، ثم قتله الآخر، فعلى القاتل القصاص. معناه: إذا ضربه فانصرف لأنه خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعصمة الدابة لحق مالكها، فكان فعلهما مسقطا للعصمة دون فعل الدابة. ولنا: أنه) ش: أي: أن المشهور عليه م: (قتل شخصا معصوما) ش: بالعصمة الأبدية م: (أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك) ش: فيجب الضمان. م: (وفعل الدابة لا يصلح مسقطا) ش: للعصمة الثابتة حقا للمالك، والأذى وجد في الدابة لا من المالك، فلا يجب بطلان العصمة الثابتة للمالك ولا يرد عليه العبد الصائل لأن عصمة دم العمد تثبت حقا له، ولهذا ليس للمولى سفك دمه وأما صيد الحرم فلأن عصمته إنما تثبت بالشرع لحرمته أو لحرمة الحرم مؤقتا، أي: إلى غاية الأذى، فإذا وجد الأذى من جهته لم يبق معصوما.
م: (وكذا فعلهما) ش: أي: وكذا فعل الصبي والمجنون لا يصلح مسقطا م: (وإن كانت عصمتهما حقهما) ش: يعني لأنفسهما لا لحق الغير م: (لعدم اختيار صحيح، ولهذا) ش: أي: ولأجل عدم الاختيار الصحيح منهما م: (لا يجب القصاص بتحقق الفعل منهما) ش: أي من الصبي والمجنون.
م: (بخلاف العاقل البالغ؛ لأن له اختيارا صحيحا) ش: فيجب القتل بتحقق الفعل منه م: (وإنما لا يجب القصاص) ش: على المشهور عليه م: (لوجود المبيح وهو دفع الشر) ش: فإذا لم يجب القصاص م: (فتجب الدية) ش: فصار كأكل مال الغير حال المخمصة، فإنه يحل ويجب الضمان فكذا هنا.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه) ش: أي: الشاهر م: (ثم قتله الآخر، فعلى القاتل القصاص) ش:. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه) ش: أي معنى هذا م: (إذا ضربه فانصرف) ش: يعني أشهر سيفه وضربه، ثم انصرف وترك الضرب ثم قتله المشهور عليه، فعليه القصاص ولا قصاص على الشاهر؛ م: (لأنه خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته) ش: لأنه لما شهر حل دمه دفعا لشره فلما لم يقتله وكف عنه، اندفع شره وعادت عصمته فعلى القاتل القصاص.(13/107)
قال: ومن دخل عليه غيره ليلا وأخرج السرقة فاتبعه وقتله فلا شيء عليه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قاتل دون مالك» . ولأنه يباح له القتل دفعا في الابتداء، فكذا استردادا في الانتهاء. وتأويل المسألة إذا كان لا يتمكن من الاسترداد إلا بالقتل، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن دخل عليه غيره ليلًا وأخرج السرقة) ش: أي: التي سرقها م: (فاتبعه وقتله فلا شيء عليه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قاتل دون مالك» ش: هذا جواب من حديث طويل أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تاريخه الأوسط "، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أتى رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الحديث، وفيه: "قاتل دون مالك» .
روى مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي؟، قال: - فلا تعطه مالك ". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله"، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "أنت شهيد ". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".» م: (ولأنه) ش: أي: ولأن المدخل عليه ليلًا م: (يباح له القتل) ش: أي قتل الداخل م: (دفعا في الابتداء) ش: أي: دفعا لشره في ابتداء الأمر م: (فكذا استردادا) ش: أي: فكذا له القتل لأجل استرداد ما أخذه م: (في الانتهاء) ش: لأنه أسهل في الابتداء.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتأويل المسألة إذا كان لا يتمكن من الاسترداد إلا بالقتل والله أعلم) ش: يعني: فحينئذ يباح له القتل، وأما إذا علم أنه لو صاح به يترك ما أخذه ويذهب فلم يفعل هكذا، ولكن إن قتله كان عليه القصاص لأنه قتله بغير حق، كالمالك إذا قتل الغاصب؛ لأنه يتمكن من استرداد المال من يده بدون القتل، كذا ذكره فخر الدين قاضي خان.
والعجب من الأترازي: أنه قال: الأصل في هذا ما روى الترمذي في "جامعه " بإسناده إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد» الحديث. قال: وذكر مسلم أيضا بإسناده إلى عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد» . فمن أين يؤخذ من هذا الحديث جواز قتل من دخل عليه ليلا وأخرج ما أخذه؟ فالمصنف استدل بالحديث الذي ذكرناه، وكان ينبغي أن يستدل بالحديث المذكور في المتن، وبين وجهه، فالظاهر أنه لم يقف عليه واستدل بالحديث الذي ذكره بالجر الثقيل، وهذا ينافي دعواه الطويلة العريضة في هذا الباب، والله أعلم.(13/108)
باب القصاص فيما دون النفس قال: ومن قطع يد غيره عمدا من المفصل قطعت يده، وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وهو ينبئ عن المماثلة، فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص، وما لا فلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب القصاص فيما دون النفس]
[قطع يد غيره عمدا من المفصل]
م: (باب القصاص فيما دون النفس) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام القصاص فيما دون النفس وهو الأطراف لأنه لما ذكر أحكام النفس أعقبها ببيان حكم ما دون النفس، والجزء يتبع الكل.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن قطع يد غيره عمدا من المفصل قطعت يده) ش: هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال المصنف: م: (وإن كانت يده أكبر من اليد المقطوعة) ش: أي: وإن كانت يد القاطع أكبر من يد المقطوع، وقال الكرخي في "مختصره": وكل عمد بآلة جارحة من مفصل ففيه القصاص، وما كان من غير المفاصل فلا قصاص فيه. فإذا بان الكف من الزند ومن مفصل الذراع أو القدم من مفصل القدم أو إصبعا في الكف من المفصل، أو مفصلًا من مفاصل الإصبع، ففيه القصاص وسواء كانت الجناية فيما دون النفس بسلاح أو غيره وذلك سواء، وفيه القصاص إذا اعتمد ذلك م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ش: وفي " الإيضاح ": وغيره: القصاص فيما دون النفس مشروع بهذه الآية «لحديث ربيع عمة أنس بن مالك: "أنها كسرت سن جارية من الأنصار فأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر بالقصاص» وهو مشهور وبإجماع الأئمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
م: (وهو) ش: أي القصاص م: (ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن رعايتها فيه) ش: أي: في رعاية المماثلة فيه م: (يجب فيه القصاص، وما لا فلا) ش: أي: وما لم يكن فيه رعاية المماثلة فلا يجب القصاص كما إذا كسر عظما أو ساعدا أو كسر ضلعا أو ترقوة أو ما أشبه ذلك ففيه حكومة عدل، وإذا أجرى الأطراف مجرى الأموال، اعتبرت المماثلة ولأنهم أجمعوا أن الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء ولا بالنشاء قصة الأصابع لعدم المماثلة، وأجمعوا أيضا أن اليمنى لا تؤخذ باليسرى، ولا اليسرى باليمنى، ولا يؤخذ شيء من الأعضاء إلا بمثله من القاطع، الإبهام بالإبهام، والسبابة بالسبابة، والوسطى بالوسطى، والخنصر بالخنصر، والبنصر بالبنصر. وكذلك الأسنان: الثنية بالثنية، والناب بالناب، والضرس بالضرس. ولا يؤخذ الأعلى بالأسفل، ولا الأسفل بالأعلى.
وكذلك الشجاج والجراحات لا تقتضي فيما يجب القصاص منه إلا في موضع الشجة والجراحة في المشجوج والمجروح.(13/109)
وقد أمكن في القطع من المفصل فاعتبر ولا معتبر بكبر اليد وصغرها؛ لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك، وكذلك الرجل ومارن الأنف والأذن لإمكان رعاية المماثلة. قال: ومن ضرب عين رجل فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع، وإن كانت قائمة فذهب ضوؤها فعليه القصاص لإمكان المماثلة على ما قال في الكتاب: تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة فيذهب ضوؤها، وهو مأثور عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقد أمكن في القطع) ش: أي في قطع اليد م: (من المفصل فاعتبر) ش: لإمكان م: (ولا معتبر بكبر اليد وصغرها؛ لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك) ش: أي: بكونها صغيرة أو كبيرة لأن منفعة اليد وهو البطش لا يختلف بالصغر والكبر، ولا يعلم فيه خلاف.
قال القدوري م: (وكذلك الرجل) ش: أي: وكذلك يجب القصاص إذا قطع رجل إنسان عمدا من مفصل م: (ومارن الأنف) ش: وهو ما لان منه م: (والأذن لإمكان رعاية المماثلة) ش: وإنما قيد بالمارن لأنه إذا قطع قصبة الأنف لا يجب القصاص لأنها عظم، ولا قصاص في العظم سوى السن، وأما الأذن إذا قطع كلها وجب القصاص لإمكان المماثلة، وإن قطع بعضها. والقطع: حد يعرف أمكنه المماثلة فيجب القصاص " وإن لم يكن يعرف سقط القصاص كذا ذكره القدوري في "شرحه ".
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن ضرب عين رجل فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع، وإن كانت قائمة فذهب ضوؤها فعليه القصاص لإمكان المماثلة على ما قال في الكتاب) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (تحمى له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتقابل عينه بالمرآة فيذهب ضوؤها، وهو مأثور عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: هذا الحكم بهذه الصورة نقلت عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرحه ": روي أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حكم بذلك بحضرة الصحابة من غير خلاف لأن هذا حدث في زمن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " فسأل عنه الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فلم يكن عندهم فيه شيء حتى جاء علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فقضى بذلك، وعمل عليه عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وروى عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا معمر عن رجل، عن الحكم ابن علية، قال لهم رجل رجلًا فذهب بصره وعينه قائمة، فأرادوا أن يقيدوا منه ما عليه وعليهم وعلى الناس كيف يقيدونه، وجعلوا لا يدرون كيف يصنعون، فأتاهم علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأمر أن يجعل على عينه كرسف، ثم استقبل به الشمس وأدنى من عينه مرآة، فقطع بصره وعينه قائمة.(13/110)
قال: وفي السن القصاص لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وإن كانت سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر. قال: وفي كل شجة تتحقق فيها المماثلة القصاص لما تلوناه. قال: ولا قصاص في عظم إلا في السن وهذا اللفظ مروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي: " المحيط ": لا قصاص في العين إذا قورت وانخسفت، ولو كانت قائمة ذهب ضوؤها بجب القصاص.
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب القصاص، وقالت الأئمة الثلاثة: تقلع عينه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] .
[سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي السن القصاص لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وإن كانت) ش: حكم إن واصلة بما قبله م: (سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر) ش: ومنفعة السن القطع في الثنايا، والطحن في الأضراس لا يختلف.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل شجة تتحقق فيها المماثلة القصاص لما تلوناه) ش: إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] .
وفي بعض النسخ: "لما ذكرنا" إشارة إلى قوله وهي تنبئ عن المماثلة، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": والشجاج كلها لا قصاص فيها إلا الموضحة " والسمحاق إن أمكن القصاص في السمحاق، وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والسمحاق: هي التي بينها وبين العظم وجلده.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل إن القصاص يجب في الموضحة والسمحاق والرامية والباضعة وما فوق الموضحة وهي الهاشمة والمثقلة والأمة " ولا قصاص فيها عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أهل العلم.
م: (قال) ش: القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا قصاص في عظم إلا في السن وهذا اللفظ) ش: أي قولهم: ولا قصاص في عظم إلا في السن م: (مروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: هذا اللفظ غريب.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في "شرحه": المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا قصاص في عظم إلا في السن. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا قصاص في عظم.(13/111)
وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قصاص في عظم» ، والمراد غير السن. ولأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر لاحتمال الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد، ولو قلع من أصله يقلع الثاني فيتماثلان. قال: وليس فيما دون النفس شبه عمد إنما هو عمد أو خطأ؛ لأن شبه العمد يعود إلى الآلة، والقتل هو الذي يختلف باختلافها دون ما دون النفس؛ لأنه لا يختلف إتلافه باختلاف الآلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: روى ابن أبي شيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مصنفه " حدثنا حفص عن أشعث عن الشعبي والحسن قال: ليس في العظام قصاص ما خلا السن والرأس انتهى. فإن كان السن عظما فلا استثناء، ولا بد من فرق بينهما وبين غيرهما من العظام. وهو إمكان القصاص فيها بأن يبرد بالمبرد بقدر ما كسر منها، أو إلى أصلها إن قلعها، ولا يقلع لتعذر المماثلة، فربما يفسد به لسانه، كذا في " المبسوط ".
وإن كان غير عظم، كما أشار إليه بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قصاص في عظم» لم يستثن السن، فالاستثناء منقطع.
وقد اختلف الأطباء في ذلك فمنهم من قال: هو طرف عصب يابس لأنه يحدث وينمو بعد تمام الخلقة، ومنهم من قال: هو عظم وكأنه وقع، عند المصنف أنه عظم حتى قال المراد منه غير السن.
م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا قصاص في عظم» ش: هذا غريب ولم يثبت. وروى ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: ليس في العظام قصاص. وأخرج نحوه عن الشعبي والحسن - رحمهما الله -.
م: (والمراد غير السن) ش: أي المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا قصاص في العظم غير السن» ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] . م: (ولأن اعتبار المماثلة في غير السن متعذر لاحتمال الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد ولو قلع من أصله يقلع الثاني فيتماثلان) ش: فيبرد من سن الجاني بقدر ذلك ولا يقلع لما ذكرنا.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وليس فيما دون النفس شبه عمد، إنما هو عمد أو خطأ لان شبه العمد يعود إلى الآلة) ش: أي لأن شبه العمد في النفس إنما يثبت بالنظر إلى الآلة؛ لأن الآلة لم توضع للقتل، فلم يجب القصاص، بل تجب الدية المغلظة نظرا إلى المتعمد.
م: (والقتل هو الذي يختلف باختلافها) ش: أي باختلاف الآلة م: (دون ما دون النفس؛ لأنه لا يختلف إتلافه) ش: أي إتلاف ما دون النفس م: (باختلاف الآلة) ش: يعني يستوي السلاح وغير(13/112)
فلم يبق إلا العمد والخطأ.
ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جميع ذلك إلا في الحر يقطع طرف العبد، ويعتبر الأطراف بالأنفس لكونها تابعة لها. ولنا: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة، وهو معلوم قطعا بتقويم الشرع، فأمكن اعتباره بخلاف التفاوت في البطش؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السلاح في إتلافه، فإذا تعمد بأي شيء كان سلاحا أو غير سلاح، فما بان من المفصل يجب القصاص، فماذا كانت الإبانة من غير تعمد الأرش، ولكن لا يجب القصاص فيما دون النفس حتى يبرأ منه أو يموت، ولا يعجل بل يترقب خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ذكره في " الأسرار " وغيره.
فإذا كان الأمر كذلك م: (فلم يبق إلا العمد والخطأ) ش: وكان المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد ذكر هذا فيما مضى، لكنه ذكر هناك أنه عمد، وهنا أنه عمد أو خطأ، فيحمل الأول على أن المراد به إن أمكن القصاص، وذلك لأنه شبه العمد إذا حصل فيما دون النفس، وإن أمكن القصاص جعله عمدا وإن لم يمكن جعل خطأ، ووجب الأرش.
[القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس]
م: (ولا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين) ش: أي في حق الطرف، لا في حق النفس م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جميع ذلك) ش: وبه قال مالك وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (إلا في الحر يقطع طرف العبد) ش: فإنه لا يجرى القصاص على الحر عنده هو أيضا أي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويعتبر الأطراف بالأنفس لكونها) ش: أي لكون الأطراف م: (تابعة لها) ش: أي للأنفس.
م: (ولنا: أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال) ش: لكونها وقاية للأنفس كالأموال م: (فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة) ش: يعني في العبد، ومبنى القصاص على المساواة، ولا مساواة في الأطراف بين العبد.
م: (وهو) ش: أي التفاوت م: (معلوم قطعًا بتقويم الشرع) ش: فإن الشرع قوم اليد الواحدة للحر بخمسمائة دينار قطعا ويقينا، لا تبلغ قيمة العبد إلى ذلك، فإن بلغت كان بالحذر والظن فلا تكون مساوية ليد الحر يقينا، فإذا كان التفاوت معلوما قطعا م: (فأمكن اعتباره بخلاف التفاوت في البطش) ش: لأن التفاوت بين طرفي المرأة وطرف الرجل ظاهر؛ لأن يد المرأة تصلح لنوع من المنافع لا تصلح ليد الرجل، فصارت كاليمين واليسار.(13/113)
لأنه لا ضابط له، فاعتبر أصله وبخلاف الأنفس؛ لأن المتلف إزهاق الروح ولا تفاوت فيه. ويجب القصاص في الأطراف بين المسلم والكافر للتساوي بينهما في الأرش.
قال: ومن قطع يد رجل من نصف الساعد، أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه؛ لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، إذ الأول كسر العظم ولا ضابط فيه. وكذا البرء نادر، فيفضي الثاني إلى الهلاك ظاهرا. قال: وإذا كانت يد المقطوع صحيحة، ويد القاطع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه لا ضابط له فاعتبر أصله) ش: أي أصل البطش.
فإن قيل: إن استقام في الحر والعبد لم يستقم بين العبدين لإمكان التساوي في قيمتها بتقويم المقومين؟.
وأجيب: بأن التساوي إنما يكون بالحذر والظن والمماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بذلك كالمماثلة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها.
م: (وبخلاف الأنفس) ش: حيث لا يسلك بها مسلك الأموال م: (لأن المتلف) ش: وفي نسخة شيخي العلاء - رحمة الله عليه -: " لأن المتعلق " م: (" إزهاق الروح ولا تفاوت فيه) ش: أي في إزهاق الروح.
م: (ويجب القصاص في الأطراف بين المسلم والكافر للتساوي بينهما) ش: أي في المسلم والكافر م: (في الأرش) ش: أي في أرش الطرف فصار كالحرين المسلمين.
[قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفة فبرأ منها]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن قطع يد رجل من نصف الساعد، أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه) ش: بل يجب حكومة عدل م: (لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، إذ الأول) ش: أي: لأن الأول وهو القطع من نصف الساعد م: (كسر العظم) ش: لأن الفعل وقع فيه ليس له حد معلوم وينتهي إليه القطع.
م: (ولا ضابط فيه) ش: أي في كسر العظم، وفي بعض النسخ ولا ضابط في الثاني وهو الجرح الجائفة؛ لأنها تصل إلى البطن من الصدر والظهر م: (وكذا البرء نادر) ش: أي في الجائفة والهلاك فيهما غالب، فلا يمكن المماثلة بين الثانية والأولى لوجوب البرء في الأولى دون الثانية، فإذا اقتص م: (فيفضي الثاني) ش: وهو الجرح الجائفة م: (إلى الهلاك ظاهرا) ش: فلا يجب القصاص لانتفاء شروط القصاص، بل يجب ثلث الدية في ماله، ولا تكون الجائفة إلا فيما يصل إلى البطن، ولا يكون في الرقبة، ولا في الحلق، ولا في اليدين، ولا في الرجلين. فإن كانت الجراحة بين الاثنين والمدية فهي جائفة، ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "شرحه ".
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا كانت يد المقطوع صحيحة، ويد القاطع(13/114)
شلاء أو ناقصة الأصابع، فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها. وإن شاء أخذ الأرش كاملا؛ لأن استيفاء الحق متعذر، فله أن يتجوز بدون حقه. وله أن يعدل إلى العوض كالمثلي إذا انصرم على أيدي الناس بعد الإتلاف. ثم إذا استوفاها ناقصا فقد رضي به، فيسقط حقه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيد ولو سقطت المؤنة قبل اختيار المجني عليه أو قطعت ظلما فلا شيء له عندنا لأن حقه متعين في القصاص، وإنما ينتقل إلى المال باختياره، فيسقط بفواته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شلاء أو ناقصة الأصابع، فالمقطوع بالخيار إن شاء قطع اليد المعيبة، ولا شيء له غيرها، وإن شاء أخذ الأرش كاملًا) ش: ولا يعلم فيه خلاف في الشلاء، وفي ناقصة الأصابع ليس له مع القطع أرش أو كروبة.
قال أبو بكر الحنبلي: وقال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فالمقطوع يجوز له أن يقتص ويأخذ أرش المعقود، وله أن يعفو ويأخذ دية اليد كاملة، وذكر في " المبسوط ". وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له الأرش مطلقا، ولم يفرق بين الشلل ونقصان الأصابع.
م: (لأن استيفاء الحق متعذر، فله أن يتجوز بدون حقه) ش: ويرضى بقطع المعيبة. م: (وله أن يعدل إلى العوض) ش: وهو الأرش ومثله في ذلك م (كالمثلي إذا انصرم) ش: أي إذا انقطع م: (على أيدي الناس بعد الإتلاف) ش: صورته رجل أتلف على رجل ماله مثلي فانقطع عن أيدي الناس فلم يبق منه إلا هو ناقص الصفة عن المتلف، فصاحب الحق بالخيار إن شاء أخذ الموجود، وإن شاء عدل إلى القيمة؛ لأنه لم يقدر على استيفاء جنس حقه بكماله فكذا هذا.
م: (ثم إذا استوفاها ناقصا فقد رضي به) ش: أي ثم إذا استوفى المقطوع قطع اليد الناقصة فقد رضي بحقه م: (فيسقط حقه كما إذا رضي بالرديء مكان الجيد) ش: في المثلي إذا انقطع.
م: (ولو سقطت المؤنة) ش: أي اليد التي أصابتها الإصابة وهي الشلاء م: (قبل اختيار المجني عليه) ش: أخذها م: (أو قطعت ظلما) ش: أي أو قطعت المعروفة، أي الشلاء، من جهة الظلم م: (فلا شيء له عندنا) ش: احترز به عن قول الشافعي وأحمد - رحمهما الله -؛ لأن عندهما تجب الدية.
م: (لأن حقه متعين في القصاص) ش: فيه لأنه متعين باليد بدلالة ليس له العدول إلى الأرش مع القدرة م: (وإنما ينتقل) ش: أي حقه م: (إلى المال باختياره) ش: لأجل العيب م: (فيسقط بفواته) ش: يعني إذا لم يحترز حتى تلف، فتسقط بفواته؛ لأن ما تعلق به حقه قد هلك، فيسقط بفواته وصار كالصحيحة إذا تلفت.(13/115)
بخلاف ما إذا قطعت بحق عليه من قصاص أو سرقة، حيث يجب عليه الأرش؛ لأنه أوفى حقا مستحقا فصارت سالمة له معنى. قال: ومن شج رجلا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه، وهي لا تستوعب ما بين قرني الشاج، فالمشجوج بالخيار؛ إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ من أي الجانبين شاء، وإن شاء أخذ الأرش. لأن الشجة موجبة لكونها مشينة فقط فيزداد الشين بزيادتها. وفي استيفائه ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا قطعت) ش: اليد الشلاء م: (بحق عليه) ش: أي بحق م: (من قصاص أو سرقة، حيث يجب عليه الأرش لأنه أوفى به حقا مستحقا فصارت) ش: أي يد القاطع م: (سالمة له معنى) ش: من حيث المعنى، لا من حيث الصورة إيضاح هذا: إذا ذهبت الجارية معيبة قبل أن يختار المجني عليه أخذها، فالكلام فيه على وجهين:
- فإن قطعت يده بحق عليه مثل أن يقتص منها، أو يقطع في سرقة فعليه أرش اليد المقطوعة.
- ولئن تلفت يده بغير حق عليه سقط حق صاحب القصاص مثل أن يقطعها رجل ظلما أو تتلف بآفة سماوية.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب الأرش في الوجهين، لا يقال: إنه كان مخيرا بين أمرين، فإذا مات أحدهما تعين على الآخر لأن حقه لم يثبت إلا في اليد، وكان له أن يعدل عن هذا الحق أي يد له، فإذا أتلف لم يجز له المطالبة بالسر له عنه مع تلفه، كذا في "شرح مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال صاحب " المجتبى ": وعلى هذا السن والأطراف التي يجب فيها القصاص إذا كان طرف الضارب والقاطع معيبة، يتخير المجني عليه بين أخذ الدية كاملة، وبين استيفاء المعيبة.
وقال برهان الأئمة والد الصدر الشهيد - رحمهما الله -: هذا إذا كانت الشلاء لا ينتفع بها، لا يكون محلًا للقصاص، فله دية كاملة من غير خيار، وعليه الفتوى.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن شج رجلًا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه) ش: أي ما بين ناحيتيه م: (وهي لا تستوعب ما بين قرني الشاج، فالمشجوج بالخيار إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ من أي الجانبين شاء، وإن شاء أخذ الأرش) ش: أي هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف: م: (لأن الشجة موجبة) ش: للقصاص م: (لكونها مشينة فقط) ش: أي مقبحة، من الشين وهو التقبيح م: (فيزداد الشين بزيادتها) ش: أي بزيادة الشجة.
م: (وفي استيفائه) ش: أي وفي استيعاب المشجوج م: (ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل)(13/116)
ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر حقه ما يلحق المشجوج فينتقص فيخير كما في الشلاء والصحيحة، وفي عكسه يخير أيضا؛ لأنه يتعذر الاستيفاء كملا للتعدي إلى غير حقه، وكذا إذا كانت الشجة في طول الرأس، وهي تأخذ من جبهته إلى قفاه ولا تبلغ إلى قفا الشاج، فهو بالخيار لأن المعنى لا يختلف.
قال: ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا قطع من أصله يجب لأنه يمكن اعتبار المساواة. ولنا: أنه ينقبض وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة. إلا أن تقطع الحشفة لأن موضع القطع معلوم كالمفصل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: يعني: إذا كان رأس الشاج كبيرا م: (ولا يلحقه من الشين باستيفائه قدر حقه ما يلحق المشجوج فينتقص) ش: يعني ينتقص حق المشجوج إذا لم تستوعب الشجة ما بين قرني الشاج إذا كان رأسه صغيرا، فإذا كان كذلك م: (فيخير) ش: أي المشجوج رأسه بين الاقتصاص بمقدار شجته وبين أخذ الأرش م: (كما في الشلاء والصحيحة. وفي عكسه) ش: أي: وفيما إذا كان رأس المشجوج أكبر من رأس الشاج، م: (يخير أيضا؛ لأنه يتعذر الاستيفاء كملًا للتعدي إلى غير حقه) ش: لأنه يكون الشين في الثانية أزيد من الأولى.
م: (وكذا) ش: أي بالخيار م: (إذا كانت الشجة في طول الرأس، وهي تأخذ من جبهته إلى قفاه، ولا تبلغ إلى قفا الشاج فهو بالخيار) ش: أي المشجوج بالخيار م: (لأن المعنى لا يختلف) ش: أي المعنى الموجب للتخيير بين أرش الموضحة وبين الاقتصاص بالشجة لا يختلف.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: لأن المعنى لا يختلف: وهو أن بلوغه إلى قفاه زيادة على ما فعل، وباستيفائه حقه لا يلحق الشين.
[القصاص في اللسان والذكر]
م: (قال) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا قصاص في اللسان ولا في الذكر) ش: هذا الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية الأصل.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه بشر عنه: م: (أنه إذا قطع من أصله يجب) ش: أي القصاص؛ م: (لأنه يمكن اعتبار المساواة) ش: وبقول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو إسحاق من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اللسان، وقال الشافعي ومالك - رحمهما الله - في رواية، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يجب القود في الكل وفي البعض بقدره.
م: (ولنا: أنه) ش: أي أن اللسان م: (ينقبض وينبسط فلا يمكن اعتبار المساواة، إلا أن تقطع الحشفة لأن موضع القطع معلوم) ش: لأن هناك حد يقع فيه القصاص م: (كالمفصل) ش: لأن موضع(13/117)
ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص فيه لأن البعض لا يعلم مقداره بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه لأنه لا ينقبض ولا ينبسط وله حد يعرف، فيمكن اعتبار المساواة، والشفة إذا استقصاها بالقطع يجب القصاص لإمكان اعتبار المساواة، بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر اعتبارها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القطع فيه معلوم م: (ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص فيه لأن البعض لا يعلم مقداره) ش: فتبقى المساواة.
وعند الأئمة الثلاثة: يؤخذ بعضه ببعض، ويعتبر ذلك بالأجزاء دون المساحة، فيؤخذ النصف بالنصف، والربع بالربع، وما زاد ونقص في حساب من ذلك كما في الأذن والأنف.
م: (بخلاف الأذن إذا قطع كله أو بعضه لأنه لا ينقبض ولا ينبسط وله حد يعرف، فيمكن اعتبار المساواة) ش: عن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب القود في بعض الأذن.
وحكي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا تؤخذ أذن السمع بأذن الأصم، ولو قطع الختان أو بعض الحشفة في الصبي أو في العبد، فعليه حكومة عدل. وإن قطع الحشفة كلها فإن برأ فعليه في العبد كمال القيمة، والصبي كمال الدية. فإذا مات ففي الصبي نصف الدية. وفي العبد نصف القيمة.
م: (والشفة إذا استقصاها بالقطع يجب القصاص لإمكان اعتبار المساواة، بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر اعتبارها) ش: أي اعتبار المساواة. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، واختار أبو حامد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجب القود، وفي " شرح الطحاوي ": إذا قطع شفة رجل، وكان يستطاع أن يقتص منه فعليه القصاص السفلى بالسفلى والعليا بالعليا، ولا تؤخذ السفلى بالعليا ولا العليا بالسفلى.(13/118)
فصل قال: وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص، ووجب المال قليلا كان أو كثيرا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الآية، على ما قيل: نزلت الآية في الصلح. وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "من قتل له قتيل " الحديث،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان أحكام الصلح في القصاص وفي بيان العفو عنه]
[اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان أحكام الصلح في القصاص، وفي بيان العفو عنه، وأخر ذكرهما عن بيان القصاص لأنهما لا يتبعانه إلا بعد وجوب القصاص.
م: (قال: وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص، ووجب المال قليلًا كان أو كثيرا) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الآية، على ما قيل: نزلت الآية في الصلح) ش: يعني الآية نزلت على قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والحسن البصري، والضحاك - رحمهما الله -، ومجاهد في الصلح، أي فمن أعطى على سهولة ويريد به ولي القتيل، يقال: خذ ما أتاك عفوا أي سهلًا.
وقوله: {مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] : أي من جهة أخيه المقتول، وقوله شيء: أي شيء من المال بطريق الصلح وتكره لأنه بحصول القدر فإنه يتعذر بما تراضيا عليه.
وقَوْله تَعَالَى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] : أي: فله اتباع، أي: فلولي القتيل اتباع المصالح بالمعروف، أي: مطالبة بدل الصلح على مماثلة وحسن معاملة.
وقَوْله تَعَالَى: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أي: على المصالح إذا أدى إلى ولي القتيل بإحسان في الأداء، وقال جماعة وهو مروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: الآية نزلت في عفو بعض الأولياء.
ويدل عليه قوله: شيء، فإنه يراد به البعض، وتقديره: فمن عفي عنه وهو القاتل من أخيه في الدين، وهو المقتول شيء من القصاص، بأن كان للقتيل أولياء فعفا بعضهم فقد بقي نصيب الباقين مالا، وهو الدية على قدر حصصهم في الميراث، وهو قوله: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] أي فليتبع الذين لم يعفوا عن القاتل بطلب حصصهم بالمعروف أي بقدر حقوقهم من غير زيادة.
وقوله: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أي القاتل إلى غير الموفي حقه وافيا غير ناقص.
م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من قتل له قتيل» الحديث)(13/119)
والمراد - والله أعلم - الأخذ بالرضا على ما بيناه، وهو الصلح بعينه، ولأنه حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا، فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي والقليل والكثير فيه سواء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في كتبهم، عن يحيى بن كثير - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما فتح الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة، قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، الحديث بطوله، وفي آخره: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يعطى الدية، وإما أن يقاد أهل القتيل» .
هذا لفظ مسلم في كتاب الحج.
ولفظ البخاري في كتاب العلم: «إما أن يعقل، وإما أن يقاد لأهل القتيل» ، ولفظه في [موضع آخر] : " إما أن يفدي، وإما أن يقيد ". ولفظه في الديات: «إما أن يؤدي، وإما أن يقاد» .
ولفظ الترمذي: «وإما أن يعفو، وإما أن يقتل» .
ولفظ النسائي في القود: " إما أن يقاد، وإما أن يفدي ".
ولفظ ابن ماجه: «إما أن يقتل، وإما أن يفدي» .
م: (والمراد والله أعلم الأخذ بالرضا) ش: أي برضا القاتل م: (على ما بيناه) ش: أي في أول الكتاب، أي عندها ليس لولي القتيل أخذ الدية إلا برضا القاتل.
م: (وهو الصلح بعينه) ش: أي أخذ الدية هو الصلح بعينه؛ لأن الصلح عبارة عن قطع النزاع، ففي أخذ الدية قطع النزاع م: (ولأنه) ش: أي ولأن القصاص م: (حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا، فكذا تعويضًا) ش: من حيث أخذ العوض وهو الدية م: (لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل) ش: أي الاشتراك بأخذ العوض على شيئين: أولهما: الإحسان إلى أولياء المقتول، والثاني: فيه إحياء القاتل لأنه كان قد تعين للقتل وأشرف عليه في الصلح، استمرت فيه الحياة، والإضافة في كل من قوله: "على إحسان الأولياء"، "وإحياء القاتل" إضافة المصدر إلى المفعول.
م: (فيجوز بالتراضي) ش: أي فإذا كان الأمر كذلك، فيجوز الصلح وأخذ المال بالتراضي من الجانبين م: (والقليل والكثير فيه) ش: أي في أخذ العوض م: (سواء) ش: يعني يجوز أخذ العوض سواء كان قليلًا أو كثيرا، لكن الصلح على مال يجوز على أكثر من الدية في القصاص في النفس وفيما دونها، وهو حال في حال الجاني، ولا يكون ذلك على العاقلة.(13/120)
لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره. وإن لم يذكروا حالا ولا مؤجلا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد، والأصل في أمثاله الحلول نحو المهر والثمن بخلاف الدية لأنها ما وجبت بالعقد. قال: وإن كان القاتل حرا أو عبدا فأمر الحر ومولى العبد رجلا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل، فالألف على الحر ومولى العبد نصفان لأن عقد الصلح أضيف إليهما. وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض، سقط حق الباقين عن القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية وأصل هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما الصلح على أكثر من الدية في القتل الخطأ، لا يجوز إذا كان الصلح على جنس ما تعرضت فيه الدية، وإذا كان الصلح خلاف على الجس يجوز، وإن جاز زاد على قدر الدية، نص عليه الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب - الصلح ".
م: (لأنه ليس فيه) ش: أي في أخذ المعوض م: (نص مقدر) ش: بكسر الدال من التقدير، فإذا كان كذلك م: (فيفوض) ش: أي التقدير م: (إلى اصطلاحهما) ش: أي اصطلاح القاتل وولي المقتول م: (كالخلع) ش: على مال فإنه ليس فيه شيء مقدر، بل يرجع ذلك إلى رضا الزوجين عن القليل والكثير.
م: (وغيره) ش: أي وغير الخلع وهو الإعتاق على مال الكتابة م: (وإن لم يذكروا) ش: أي أولياء المقتول والقاتل، وإن لم يذكروا مالا م: (حالًا ولا مؤجلًا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد) ش: أي بعقد الصلح م: (والأصل في أمثاله) ش: أي أمثال الصلح م: (الحلول نحو المهر والثمن) ش: فإن الأصل فيهما حلول الحال، وإن كان التأجيل جائزا.
م: (بخلاف الدية) ش: في قتل الخطأ، حيث لا تجب حالة م: (لأنها) ش: أي لأن الدية والتذكير على تأويل المال م: (ما وجبت بالعقد) ش: العارض على القتل، بل وجب القتل ابتداء، فوجبت مؤجلة إلى ثلاث سنين.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن كان القاتل حرا أو عبدا) ش: يعني اشترك حر وعبد في قتل شخص م: (فأمر الحر ومولى العبد رجلًا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل، فالألف على الحر، ومولى العبد نصفان لأن عقد الصلح أضيف إليهما) ش: أي إلى الحر والعبد فيجب على الحر خمسمائة وعلى مولى العبد خمسمائة.
م: (وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض، سقط حق الباقين عن القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره".
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأصل هذا) ش: أي أصل هذا الحكم الذي ذكره(13/121)
أن القصاص حق جميع الورثة. وكذا الدية خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - في الزوجين. لهما أن الوراثة خلافة وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت. ولنا: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القدوري في هذه المسألة م: (أن القصاص حق جميع الورثة) ش: من الذكر والأنثى، والزوج والزوجة، نص عليه الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ".
م: (وكذا الدية) ش: حق الورثة م: (خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - في الزوجين) ش: هذا اللفظ يدل على أنه ليس للزوجين حق في القصاص والدية، والمشهور عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القصاص موروث للعصبات خاصة. وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال بعض أصحابه: لذوي الأنساب دون الزوجين. وقال الليث، والزهري، وابن سيرين، والأوزاعي، والحسن، وقتادة: ليس للنساء عفو.
وقال بعض أهل المدينة: القصاص لا يسقط بعفو بعض الورثة. وقيل: هو رواية عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " شرح الكافي ": القصاص والدية تصير ميراثا لكل الورثة عندنا بالسبب والنسب جميعا.
وقال الشافعي: وهو قول ابن أبي ليلى: يورث بالنسب ولا يورث بالسبب، هو الزوجية، حتى لا يورث الزوج من قصاص زوجته لو قتلت، وكذا من ديتها، وكذا الزوجة من قصاص زوجها ولا من ديته.
م: (لهما) ش: أي لمالك والشافعي - رحمهما الله - م: (أن الوراثة خلافة وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه) ش: أي لانقطاع السبب م: (بالموت) ش: لأن الزوجية تقطع بالموت.
م: (ولنا: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والسلام) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، «عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه كان يقول: الدية للعاقلة، لا ترث المرأة من دية زوجها شيء، حتى قال الضحاك بن سفيان: كذب، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» وقال الترمذي. حديث حسن صحيح.
وأخرجه الدارقطني في " سننه" عن محمد بن عبد الله الشعثي، عن زفر بن وثيمة، عن(13/122)
ولأنه حق يجري فيه الإرث حتى إن من قتل وله ابنان، فمات أحدهما عن ابن، كان القصاص بين الصلبي وابن الابن فيثبت كسائر الورثة. والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث أو يثبت بعد الموت مستندا إلى سببه وهو الجرح، وإذا ثبت للجميع فكل منهم يتمكن من الاستيفاء والإسقاط عفوا وصلحا. ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه؛ لأنه لا يتجزأ، بخلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المغيرة بن شعبة، أن سعد بن زرارة الأنصاري قال لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها» .
وقال الطبرانى: وسعد بن زرارة صحابي يكنى أبا أمامة، توفي على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السنة الأولى من الهجرة. قلت: قد ذكره الذهبي في " تجريد الصحابة " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وقال: أشيم الضبابي الذي قتل فورث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زوجته من ديته، وذكر عليه علامة أحمد بن حنبل - يعني أخرجه في" مسنده ".
والضبابي: بكسر الضاد، وبالبائين الموحدتين، نسبة إلى ضباب، بطن من العرب، ذكره ابن دريد.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن القصاص م: (حق يجري فيه الإرث أن من قتل وله ابنان، فمات أحدهما عن ابن، كان القصاص بين الصلبي) ش: وهو ابن الميت وبين م: (وابن الابن فيثبت كسائر الورثة) ش: فمن كان وارثا فله حق في القصاص.
م: (والزوجية تبقى) ش: هذا جواب عما قال مالك والشافعي من قولهما. لانقطاعه بالموت، تقريره: أن الزوجية تبقى م: (بعد الموت حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (في حق الإرث) ش: فإذا كانت الزوجية باقية في حق الإرث كموت أحدهما لكل من الزوجين حق من قصاص الميت. م: (أو يثبت بعد الموت) ش: الإرث دليل آخر، أي ويثبت الإرث حال كونه م: (مستندا إلى سببه وهو الجرح) ش: فصار له كمال آخر في ثبوته قبل الموت. ألا ترى لو أنه أوصى بثلث ماله دخلت ديته في الوصية وقضى من ديونه.
م: (وإذا ثبت للجميع) ش: أي جميع الورثة م: (فكل منهم يتمكن من الاستيفاء والإسقاط عفوا وصلحا) ش: فقوله عفوا: يرجع إلى الإسقاط. وقوله: "صلحا " يرجع إلى الاستيفاء.
م: (ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه) ش: يعني في القصاص م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (لا يتجزأ) ش: استيفاء وينقل حق الباقين إلى المال. م: (بخلاف(13/123)
ما إذا قتل رجلين وعفا أحد الوليين؛ لأن الواجب هناك قصاصان من غير شبهة لاختلاف القتل والمقتول، وهاهنا واحد لاتحادهما، وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا؛ لأنه امتنع لمعنى راجع إلى القاتل، وليس للعافي شيء من المال؛ لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه، ثم يجب ما يجب من المال في ثلاث سنين، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب في سنتين فيما إذا كان بين الشريكين وعفا أحدهما؛ لأن الواجب نصف الدية، فيعتبر بما إذا قطعت يده خطأ. ولنا: أن هذا بعض بدل الدم وكله مؤجل إلى ثلاث سنين فكذلك بعضه، والواجب في اليد كل بدل الطرف وهو في سنتين في الشرع ويجب في ماله لأنه عمد.
قال: وإذا قتل جماعة واحدا عمدا اقتص من جميعهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما إذا قتل رجلين وعفا أحد الوليين) ش: أي ولي القصاص حيث لا يسقط حق الآخر في القصاص.
م: (لأن الواجب هناك قصاصان من غير شبهة لاختلاف القتل والمقتول، وهاهنا) ش: أي في مسألة ما إذا قتل وله ابنان م: (واحد) ش: أي القصاص م: (لاتحادهما) ش: أي لاتحاد القاتل والمقتول.
م: (وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا؛ لأنه امتنع لمعنى راجع إلى القاتل) ش: وهو العجز عن استيفاء قصاص من نفسه لأن من قسمه أن إزهاق الروح لا يتجزأ.
م: (وليس للعافي) ش: حقه في القصاص م: (شيء من المال لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه، ثم يجب ما يجب من المال في ثلاث سنين، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب في سنتين فيما إذا كان بين الشريكين وعفا أحدهما؛ لأن الواجب نصف الدية، فيعتبر بما إذا قطعت يده خطأ) ش: لأن الواجب فيها نصف الدية مؤجلًا إلى ثلاث سنين.
م: (ولنا: أن هذا) ش: أي بعض ما يجب من المال م: (بعض بدل الدم وكله) ش: أي: وكل الدم م: (مؤجل إلى ثلاث سنين فكذلك بعضه) ش: يؤجل إلى ثلاث سنين م: (والواجب في اليد) ش: جواب عن اعتبار زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بما إذا قطعت يده خطأ، تقديره أن الواجب في اليد، أي في قطع اليد خطأ م: (كل بدل الطرف وهو في سنتين في الشرع ويجب في ماله) ش: أي يجب المال في المال القاتل في المسألة المذكورة أولًا م: (لأنه عمد) ش: والعاقلة لا يتحمل العمد.
[قتل جماعة واحدا عمدا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قتل جماعة واحدا عمدا اقتص من جميعهم) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال ابن الزبير - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والزهري، وابن سيرين، وابن أبي ليلى، وعبد الملك، وربيعة، وداود، وابن المنذر، وأحمد(13/124)
لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم، ولأن القتل بطريق التغالب غالب، والقصاص مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء. وإذا قتل واحد جماعة فحضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحد منهم قتل له وسقط حق الباقين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتل بالأول منهم ويجب للباقين المال، وإن اجتمعوا ولم يعرف الأول قتل لهم وقسمت الديات بينهم، وقيل: يقرع بينهم فيقتل لمن خرجت قرعته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في رواية: لا يقتلون به ويجب عليهم الدية، وهذا الذي ذكره القدوري استحسان.
والقياس: أن لا تقتل الجماعة بالواحد لأن القصاص يبنى عن المساواة، ولا مساواة بين الواحد والجماعة، وجه الاستحسان: ما أشار إليه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم) ش: هذا رواه مالك في " الموطأ "، أخبر به يحيى بن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة، وقال: لو تمالًا عليه أهل صنعاء لقتلتهم. ورواه محمد بن الحسن أيضا عن مالك.
قوله: " تمالأ " أصله المعاونة في ملء الدلو ثم عم تعاونوا تمالوا " أي تعاونوا، وصنعاء قصبة باليمن.
والغيلة: بكسر الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، فإذا صار معه قتله، وقوله: "قتل غيلة " مضاف ومضاف إليه.
م: (ولأن القتل بطريق التغالب غالب) ش: أراد أن القتل بغير حق لا يكون في العادة إلا بالتغالب والاجتماع لأن الواحد يقاوم الواحد غالبا م: (والقصاص مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء) ش: أراد أن الحكمة الموضوعة في القصاص إحياء النفس، فلو لم يجب القصاص على الجماعة بقتل الواحد أدى إلى سد باب القصاص، وفيه إبطال الحكمة المذكورة.
م: (وإذا قتل واحد جماعة فحضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحد منهم قتل له وسقط حق الباقين) ش: هذا كله لفظ القدوري. قال أصحابنا: الواحد يقتل بالجماعة اكتفاء بالقصاص.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتل بالأول منهم ويجب للباقين المال) ش: يعني إذا كان قتلهم على التعاقب م: (وإن اجتمعوا ولم يعرف الأول قتل لهم وقسمت الديات بينهم، وقيل: يقرع بينهم فيقتل لمن خرجت قرعته) ش: ويجب للباقين بالمال، وقد أوضح هذه في الطريقة العلانية حيث(13/125)
له: أن الموجود من الواحد قتلات، والذي تحقق في حقه قتل واحد فلا تماثل، وهو القياس في الفصل الأول إلا أنه عرف بالشرع. ولنا: أن كل واحد منهم قاتل بوصف الكمال، فجاء التماثل أصله الفصل الأول إذ لو لم يكن كذلك لما وجب القصاص، ولأنه وجد من كل واحد منهم خرج صالح للإزهاق فيضاف إلى كل منهم إذ هو لا يتجزأ، ولأن القصاص شرع مع المنافي لتحقيق الإحياء وقد حصل بقتله، فاكتفى به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: وقال الشافعي: لا يقتل اكتفاء، غير أن الواحد إن قتلهم على التعاقب يقتل بالأول اكتفاء، ويجب دية الباقين، وإن قتلهم على المقارنة له فيه قولان: في قول يقتل بالواحد عبر عين ويجب دية الباقين مشتركة بينهم، وفي قول: يقرع فيقتل لمن خرجت قرعته، ويجب الديات للباقين.
وقال الكاكي: وبقولنا قال مالك، وقال الشافعي، واستوفى الباقون بالديات من تركته.
وقال أحمد: إن طلبوا القصاص بجماعتهم فلا شيء للواحد الذي قتل له، وإن طلب بعضهم القصاص والبعض الدية، قتل لمن طلب القود، وللآخرين الدية. وعن مالك رواية كقول أحمد.
م: (له) ش: أي للشافعي: م: (أن الموجود من الواحد قتلات) ش: لأنه قتل جماعة م: (والذي تحقق في حقه) ش: أي في حق الواحد م: (قتل واحد فلا تماثل) ش: أي بين قتل واحد وبين قتلات م: (وهو القياس في الفصل الأول) ش: وهو أن لا تقتل الجماعة بالواحد إلا أنهم قتلوا به م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الجماعة تقتل بالواحد اتفاقا م: (عرف بالشرع) ش: على خلاف القياس.
م: (ولنا: أن كل واحد منهم) ش: أي من الأولياء (قاتل بوصف الكمال) ش: يعني قاتل للقاتل قصاصا م: (فجاء التماثل) ش: في قتل الواحد بالجماعة فصح القياس. م: (أصله الفصل الأول) ش: وهو أنه تقتل الجماعة بالواحد اتفاقا، فلو لم يكن التماثل لما قتلوا به وهو معنى قوله: م: (إذ لو لم يكن كذلك لما وجب القصاص) ش:؛ لأن التماثل شرط م: (ولأنه وجد من كل واحد منهم) ش: أي من الأولياء م: (خرج صالح للإرهاق) ش: يعني أن القتل صالح لإزهاق الروح. وقد وجد من كل واحد منهم.
وقد وجد من كل واحد منهم م: (فيضاف إلى كل منهم إذ هو) ش: أي إزهاق الروح م: (لا يتجزأ) ش: فيضاف إلى كل منهم كملًا لأن ما لا يتجزأ إذا أضيف يضاف كملًا م: (ولأن القصاص شرع مع المنافي) ش: أي شرع بالكتاب والسنة مع وجود المنافي، وهو أن الآدمي بنيان الرب، فلا يجوز تجزئته، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الآدمي بنيان الرب، ملعون من بدله» .
وإنما شرع م: (لتحقيق الإحياء) ش: أي لمعنى الإحياء م: (وقد حصل) ش: أي تحقيق الإحياء م: (بقتله) ش: أي بقتل القاتل م: (فاكتفى به) ش: ولا شيء لهم غير ذلك.(13/126)
قال: ومن وجب عليه القصاص إذا مات سقط القصاص لفوات محل الاستيفاء فأشبه موت العبد الجاني، ويتأتى فيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذ الواجب أحدهما عنده.
قال: وإذا قطع رجلان يد رجل فلا قصاص على واحد منهما، وعليهما نصف الدية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقطع يد أحدهما والمفروض إذا أخذا سكين وأمراه على يده حتى انقطعت له: الاعتبار بالأنفس، والأيدي تابعة لها فأخذت حكمها. أو يجمع بينهما بجامع الزجر. ولنا: أن كل واحد - منهما قاطع بعض اليد لأن الانقطاع حصل باعتماديهما والمحل متجزئ فيضاف إلى كل واحد منهما البعض، فلا مماثلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[من وجب عليه القصاص إذا مات]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن وجب عليه القصاص إذا مات سقط القصاص لفوات محل الاستيفاء فأشبه موت العبد الجاني) ش: إذا مات لا يلزمه شيء على أحد م: (ويتأتى فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده تجب الدية في ماله م: (إذ الواجب أحدهما عنده) ش: أي لأن الواجب القصاص أو الدية عنده، أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا مردود بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] وقد مر بيانه في أول كتاب الجنايات.
[قطع رجلان يد رجل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا قطع رجلان يد رجل فلا قصاص على واحد منهما، وعليهما نصف الدية) ش: وبه قال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والحسن والزهري - رحمهما الله -، وابن المنذر.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تقطع يد أحدهما والمفروض) ش: أي: وموضع فرض المسألة الخلافية م: (إذا أخذا) ش: أي الاثنان الإنسان المذكور م: (سكينًا وأمراه) ش: بتشديد الراء م: (على يده حتى انقطعت) ش: يعني إذا وضعا السكين من جانب من المفصل، والآخر من جانب الحر، وأمر كل واحد سكينه حتى التقيا وانقطعت اليد، لا قصاص عنده أيضا.
م: (له) ش: أي للشافعي: م: (الاعتبار بالأنفس) ش: لأن طريق جريان القصاص على الأنفس إن جعل كل واحد منهم منفردا بالقتل لزجر القاتل سد باب العدوان فيجب القصاص عليهم م: (والأيدي تابعة لها) ش: أي للأنفس م: (فأخذت حكمها) ش: أي حكم الأنفس م: (أو يجمع بينهما) ش: أي بين الطرف والنفس م: (بجامع الزجر) ش: سدا لباب العدوان. وبقوله قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (ولنا: أن كل واحد منهما قاطع بعض اليد لأن الانقطاع حصل باعتماديهما والمحل متجزئ) ش: المحل هو اليد، وهي تتجزأ، فإذا كان كذلك م: (فيضاف إلى كل واحد منهما البعض) ش: أي بعض القطع م: (فلا مماثلة) ش: بين قطع اليدين واليد الواحدة.(13/127)
بخلاف النفس؛ لأن الإزهاق لا يتجزأ، ولأن القتل بطريق الاجتماع غالب حذار الغوث والاجتماع على قطع اليد من المفصل في حيز الندرة لافتقاره إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث. قال وعليهما نصف الدية؛ لأنه دية اليد الواحدة وهما قطعاها
وإن قطع واحد يمنى رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده، ويأخذا منه نصف الدية يقتسمانها نصفين؛ سواء قطعهما معا أو على التعاقب. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعاقب: يقطع بالأول، وفي القران: يقرع لأن اليد استحقها الأول فلا يثبت الاستحقاق فيها للثاني كالرهن بعد الرهن وفي القران اليد الواحدة لا تفي بالحقين فترجح بالقرعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف النفس؛ لأن الإزهاق لا يتجزأ) ش: أي بخلاف قتل الأنفس بالنفس الواحدة؛ لأن قتل النفس يضاف إلى كل واحد منهم، كما يتحلل كل منهم قاتلا على الكمال، فحصلت المماثلة بين الأنفس والنفس الواحدة م: (ولأن القتل بطريق الاجتماع غالب) ش: هذا جواب عما جمع الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين النفس والطرف، بيانه أن القتل بوصف الاجتماع غالب. م: (حذار الغوث) ش: أي لأجل الحذر عن لحق الغوث م: (والاجتماع على قطع اليد من المفصل في حيز الندرة لافتقاره إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث) ش: من أخذ السكين والإمرار على المفصل إلى أن ينقطع، والثاني فيه من الجانبين فيلحقه الغوث لأنه لا يقدر.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعليهما) ش: أي على الرجلين القاطعين م: (نصف الدية؛ لأنه) ش: أي نصف الدية م: (دية اليد الواحدة وهما قطعاها) ش: ويجب في مالها لأنه عمد. وكذلك الحكم في بيان الأطراف كالعين والسن والرجل ونحوها.
[قطع واحد يمنى رجلين]
م: (وإن قطع واحد يمنى رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده، ويأخذا منه نصف الدية يقتسمانها نصفين سواء قطعهما معا أو على التعاقب) ش: هذا لفظ القدوري.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعاقب: يقطع بالأول، وفي القران: يقرع) ش: وفي " شرح الكافي " للحاكم الشهيد، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن قطع اليمين على التعاقب يقتص للأول ويغرم الدية للآخر، وإن قطعهما معا فالقاضي يقرع بينهما أيا خرجت قرعته يقتص له، والدية للآخر.
وقال الكاكي: قوله: يمنى رجلين، وكذا الحكم لو قطع يسار رجلين وقيد به لأنه لو قطع يمين رجل ويسار آخر قطعت يداه في الكل، والمحل موجودة. ذكره في " المبسوط " ولا يعلم فيه خلاف؟ م: (لأن اليد استحقها الأول؛ فلا يثبت الاستحقاق فيها للثاني كالرهن من بعد الرهن) ش: فإن المرتهن الثاني لا يستحقه.
م: (وفي القران اليد الواحدة لا تفي بالحقين فترجح بالقرعة) ش: تطييبا لقلبيهما لأن أحدهما(13/128)
ولنا: أنهما استويا في سبب الاستحاق فيستويان في حكمه، كالغريمين في التركة والقصاص ملك: الفعل يثبت مع المنافي، فلا يظهر إلا في حق الاستيفاء. أما المحل فخلو عنه فلا يمنع ثبوت الثاني بخلاف الرهن؛ لأن الحق ثابت في المحل وصار كما إذا قطع العبد يمينيهما على التعاقب فتستحق رقبته لهما، وإن حضر واحد منهما فقطع يده فللآخر عليه نصف الدية؛ لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب. وإذا استوفى لم يبق محل الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الدية؛ لأنه أوفى به حقا مستحقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليس بأولى من الآخر في تعيين القصاص له، ولا الدية للآخر ولا يأتي الترجيح إلا بالقرعة م: (ولنا: أنهما استويا في سبب الاستحقاق) ش: وهو قطع معصوم م: (فيستويان في حكمه كالغريمين في التركة) ش: وهو القصاص؛ لأن الاستواء في العلة يوجب الاستواء في الحكم، كالشريكين في التركة، وإن كان دين أحدهما أقدم. وفي بعض النسخ: كالشفيعين في الشفعة، فلا يتقدم أحدهما على الآخر.
م: (والقصاص ملك: الفعل) ش: هذا جواب عن قوله: لأن اليد استحقها الأول، تقريره: أن يقال: إن القصاص ملك الفعل، والإطلاق في الفعل لا يقتضي حقا في المحل، كما في الاصطياد والاحتشاش، فإن الفعل مملوك والمحل خلو عن الملك، ولهذا يجب القصاص على قاتل من وجب عليه القصاص م: (يثبت مع المنافي) ش: يعني أن من عليه القصاص جن م: (فلا يظهر إلا في حق الاستيفاء) ش: لأنه ثابت بطريق الضرورة م: (أما المحل فخلو عنه) ش: أي من ذلك الفعل م: (فلا يمنع ثبوت الثاني) ش: أي حق الثاني، وذلك لأن ملك الفعل لما ثبت ضرورة الاستيفاء لا يتعدى إلى شغل المحل الخالي بحرمته عنه، فإن لم يكن المحل مشغولا لم يمنع عن ثبوت الثاني م: (بخلاف الرهن لأن الحق ثابت في المحل) ش: لكونه مملوكا، فإذا ثبت للأول استحال ثبوته للثاني كما في الاستيفاء الحقيقي.
م: (وصار) ش: أي هذا م: (كما إذا قطع العبد يمينيهما) ش: أي يميني الرجلين م: (على التعاقب فتستحق رقبته لهما) ش: جميعا ولا يكون الأول بها م: (وإن حضر واحد منهما) ش: أي من الرجلين اللذين قطع واحد يمينهما م: (فقطع يده) ش: أي يد القاطع م: (فللآخر) ش: أي الذي لم يحضر م: (عليه) ش: أي على القاطع م: (نصف الدية؛ لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب) ش: أي في العقود في الاستيفاء م: (وإذا استوفى) ش: أي الحاضر م: (لم يبق محل الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الدية لأنه أوفى به حقًا مستحقا) ش: يعني إن قضى جميع طرفه حقا مستحقا عليه فيقضي للآخر بالأرش، بخلاف النفس فإن هناك لو استوفى أحدهما القصاص ثم حضر الآخر لا يقضى بشيء لأن حقه في الاستيفاء فات لغيبته، فإنهما إذا اجتمعا واستوفيا صار(13/129)
قال: وإذ أقر العبد بقتل العمد لزمه القود. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح إقراره؛ لأنه يلاقي حق المولى بالإبطال، فصار كما إذا أقر بالمال. ولنا: أنه غير متهم فيه لأنه مضر به فيقبل. ولأن العبد يبقى على أصل الحرية في حق الدم عملا بالآدمية حتى لا يصح إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص، وبطلان حق المولى بطريق الضمن فلا يبالي به. ومن رمى رجلا عمدا فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا، فعليه القصاص للأول والدية للثاني على عاقلته؛ لأن الأول عمد والثاني أحد نوعي الخطأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كل واحد مستوفيا على الكمال، فلا يجب مع الدية، وليس في الطرف الواحد وفاء لحقهما، فإذا استوفى الحاضر لم يبق للغائب إلا الأرش.
[أقر العبد بقتل العمد]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أقر العبد بقتل العمد لزمه القود) ش: أي القصاص، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وقيد بالعمد لأنه إذا أقر بالخطأ، لا يصح إقراره بالاتفاق سواء كان مأذونا أو محجورا لأن إقراره بالخطأ ليس من باب التجارة، فكان إقراره على مولاه لا يصح، ذكره في " المبسوط ".
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح إقراره؛ لأنه يلاقي حق المولى بالإبطال، فصار) ش: أي إقراره به م: (كما إذا أقر بالمال) ش: فإنه لا يصح اتفاقا.
م: (ولنا: أنه) ش: أي أن العبد م: (غير متهم فيه) ش: أي في إقراره بالقتل العمد م: (لأنه مضر به) ش: أي لأن إقراره ذاك يضر بنفسه، لأنه إقرار بالعقوبة على نفسه فلا يتهم، فإذا كان كذلك م: (فيقبل) ش: أي إقراره م: (ولأن العبد يبقى على أصل الحرية في حق الدم عملًا بالآدمية حتى لا يصح إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص) ش: قوله " حتى. . . " إلى آخره: توضيح لبقائه على الحرية، وكل ما لا يصح إقرار المولى على العبد فيه فهو بمنزلة الحرية، ولهذا وقع طلاق زوجته بالإقرار لوقوعه بالإيقاع، وإذا أقر بسبب يوجب الحد يحد به.
[بطلان حق المولى في إقراره بقتل العمد]
م: (وبطلان حق المولى) ش: هذا جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، تقريره: أن بطلان حق المولى في إقراره بقتل العمد م: (بطريق الضمن) ش: يعني ضمني م: (فلا يبالي به) ش: لأن الضمنيات لا تعتبر، كما إذا تزوج رجل في مرض الموت على مهر معين، ومات فهو أسوة للغرماء والتزام المهر يضر بهم، إلا إن ثبت ضمنا للنكاح فلا يبالي به بخلاف إقراره بالمال، لأنه يتضرر به المولى في ضمن شيء فيهم في إقراره ولا يضرهم، أما هاهنا أقر هو به: فلا يقبل منه.
م: (ومن رمى رجلًا عمدًا فنفذ السهم منه إلى آخر فماتا، فعليه القصاص للأول، والدية للثاني على عاقلته لأن الأول عمد) ش: لأنه قصد بالرمي فمات منه م:، والثاني أحد نوعي الخطأ) ش: لأنه لم(13/130)
كأنه رمى إلى صيد فأصاب آدميا، والفعل يتعدد بتعدد الأثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقصد بالرمي، حيث قصد الرامي غيره ولكنه أصاب بالنفاذ من الأول فصار قتله خطأ م: (كأنه رمى إلى صيد فأصاب آدميا) ش: فوجب الدية على عاقلته م: (والفعل يتعدد بتعدد الأثر) ش: أي الفعل الواحد يتعدد بتعدد أثره، فإن الرمي إذا أصاب حيوانا ومزق جلده يسمى جرحا، وإذا قتل يسمى قتلًا، وإن أصاب كوزا أو خرق أجزاءه سمي كسرا باعتبار اختلاف المحل، فجاز أن يكون الفعل الواحد عمدا بالعينة لا محلًا، وخطأ بنسبة محل آخر.(13/131)
فصل قال: ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده أو قطع يده، عمدا ثم قتله خطأ، أو قطع يده خطأ فبرأت يده ثم قتله خطأ أو قطع يده عمدا فبرأت ثم قتله عمدا؛ فإنه يؤخذ بالأمرين جميعا. والأصل فيه أن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن تتميما للأول؛ لأن القتل في الأعم يقع بضربات متعاقبة، وفي اعتبار كل ضربة بنفسها بعض الجرح، إلا أن لا يمكن الجمع فيعطى كل واحد حكم نفسه، وقد تعذر الجمع في هذه الفصول في الأولين لاختلاف حكم الفعلين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان حكم الفعلين في الجنايات]
[قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان حكم الفعلين، وذكر هذا بعد الفراغ من بيان الفعل الواحد، والاثنان يذكران بعد الواحد.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الجامع الصغير) : م: (ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده، أو قطع يده عمدا ثم قتله خطأ، أو قطع يده خطأ، فبرأت يده ثم قتله خطأ، أو قطع يده عمدا فبرأت ثم قتله عمدا فإنه يؤخذ بالأمرين جميعا) ش: القطع والقتل إذا حصل في شخص واحد كانا على وجوه أربعة مثل ما ذكر في الكتاب، ثم إن كل واحد منها إما أن يكون قبل البرء له وبعده، فذلك ثمانية أوجه، وكل ذلك إما أن يتحقق من شخص واحد أو شخصين، فذلك ستة عشر وجها، فإن كان من شخصين يفعل بكل واحد منهما موجب فعله من القصاص وأخذ الأرش مطلقا، لأن التداخل إنما يكون عند اتحاد المحل لا غير. وإن كانا من شخص واحد فإيجاب يوجب القصاص أو إهدار أحدهما أمين على أصل ذكره المصنف بقوله: م: (والأصل فيه) ش: أي في الحكم المذكور م: (أن الجمع بين الجراحات واجب) ش: فيعني الاكتفاء، بموجب أحدهما واجب م: (ما أمكن) ش: أي مهما أمكن م: (تتميما للأول) ش: لأن الأصل في العقوبات التداخل، ويحل الآخر متمما للأول، لآن القتل عادة لا يحصل بضربة واحدة ظاهرا، بل بأكثر من ذلك، وهو معنى قوله م: (لأن القتل في الأعم) ش: أي أعم الأحوال م: (يقع بضربات متعاقبة) ش: فيجعل الثاني متمما للأول ويجعل الكل قتلًا واحدا.
م: (وفي اعتبار كل ضربة بنفسها بعض الجرح، إلا أن لا يمكن الجمع فيعطى كل واحد حكم نفسه وقد تعذر الجمع في هذه الفصول) ش: المذكورة م: (في الأولين) ش: أي في الفصلين الآخرين وعدم إمكان الجمع م: (لاختلاف حكم الفعلين) ش: كما إذا كان القطع خطأ، والقتل عمدا أو على العكس.(13/132)
وفي الآخرين لتخلل البرء، وهو قاطع للسراية حتى لو لم يتخلل، وقد تجانسا بأن كانا خطأين يجمع بالإجماع لإمكان الجمع واكتفى بدية واحدة وإن كان قطع يده عمدا ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده فإن شاء الإمام قال: اقطعوه ثم اقتلوه، وإن شاء قال: اقتلوه. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يقتل ولا تقطع يده لأن الجمع ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء فيجمع بينهما. وله: أن الجمع متعذر إما للاختلاف بين هذين الفعلين؛ لأن الموجب القود وهو يعتمد المساواة في الفعل، وذلك بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع، وهو متعذر، أو لأن الحز يقطع إضافة السراية إلى القطع حتى لو صدر من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي الآخرين) ش: أي وفي الفصلين الآخرين عدم إمكان الجمع م: (لتخلل البرء، وهو) ش: أي تخلل البرء م: (قاطع للسراية حتى لو لم يتخلل) ش: لأن بتخلل البرء ينتهي الفعل الأول لانتهاء أثره فلا يمكن جعل الثاني متمما للأول م: (وقد تجانسا) ش: أي الفعلان م: بأن كانا خطأين يجمع بالإجماع لإمكان الجمع واكتفى بدية واحدة، وإن كان قطع يده عمدا ثم قتله عمدا قبل أن تبرأ يده، فإن شاء الإمام قال: اقطعوه ثم اقتلوه، وإن شاء قال: اقتلوه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وأبو ثور.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مقتله م: (يقتل ولا تقطع يده) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية. وبه قال الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعطاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الجمع ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء فيجمع بينهما) ش: لأن الثاني يصبح متمما للأول؛ لأن القطع يصلح مزهقا للروح بالسراية، والقتل متمما له قبل تخلل البرء، م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجمع متعذر) ش: معنى الجمع هنا الاكتفاء بالقتل م: (إما للاختلاف بين هذين الفصلين) ش: أي القتل والقطع يعني بالنظر إلى صورتهما، وإن كانا عمدين، وإنما قلنا بالنظر إلى صورتهما لأن القطع إبانة لتجزأته عن الجملة ويسلك مسلك الأموال. والقتل إزهاق الروح م: (لأن الموجب) ش: الفعلين م: (القود وهو) ش: أي القود م: (يعتمد المساواة في الفعل) ش: قال الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وقال: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] .
م: (وذلك) ش: أي اعتماد المساواة م: (بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع، وهو) ش: أي القود الذي يعتمد المساواة م: (متعذر) ش: لأنه يكون استيفاء الفعلين في فعل واحد، والتعذر فيه ظاهر م: (أو لأن الحز) ش: أي حز الرقبة م: (يقطع إضافة السراية إلى القطع حتى لو صدر من(13/133)
شخصين: يجب القود على الحاز. فصار كتخلل البرء، بخلاف ما إذا قطع وسرى لأن الفعل واحد، وبخلاف ما إذا كانا خطأين. لأن الموجب الدية وهي بدل النفس من غير اعتبار المساواة، ولأن أرش اليد إنما يجب عند استحكام أثر الفعل وذلك بالحز القاطع للسراية فيجتمع ضمان الكل وضمان الجزء في حالة واحدة، ولا يجتمعان. أما القطع والقتل قصاصا يجتمعان.
قال: ومن ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من عشرة ففيه دية واحدة؛ لأنه لما برأ منها لا تبقى معتبرة في حق الأرش، وإن بقيت معتبرة في حق التعزير فبقي الاعتبار للعشرة. وكذلك كل جراحة اندملت ولم يبق لها أصل على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شخصين يجب القود على الحاز فصار كتخلل البرء) ش: ولا جمع فيه بالاتفاق م: (بخلاف ما إذا قطع وسرى لأن الفعل واحد، وبخلاف ما إذا كانا) ش: أي القتل والقطع م: (خطأين لأن الموجب الدية وهو بدل النفس من غير اعتبار المساواة) ش: بدليل أن عشرة لو قتلوا رجلًا خطأ: يجب عليهم دية واحدة.
م: (ولأن أرش اليد إنما يجب عند استحكام أثر الفعل) ش: يعني القطع بانقطاع توهم السراية م: (وذلك) ش: إنما يكون م: (بالحز القاطع للسراية) ش: وبه يجب ضمان الكل م: (فيجتمع ضمان الكل وضمان الجزء في حالة واحدة) ش: وهي حالة الجزء.
م: (ولا يجتمعان) ش: أي والحال أنهما لا يجتمعان م: (أما القطع والقتل قصاصا يجتمعان) ش: لأن مبنى العمد على التغليظ والتشديد، ولهذا تقتل الجماعة بالواحد، وليس كذلك الخطأ لأن مبناه على التحقيق، وهذا لا تتعدد الدية بتعدد القاتلين.
[ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من عشرة]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في - الجامع الصغير -: م: (ومن ضرب رجلا مائة سوط فبرأ عن تسعين ومات من عشرة ففيه دية واحدة) ش: ومعنى هذا ضربه في موضع تسعين، وفي موضع آخر عشرة فبرأ موضع التسعين ولم يبرأ موضع العشرة م: (لأنه لما برأ منها) ش: أي من التسعين م: (لا تبقى معتبرة في حق الأرش) ش: لأنه لما لم يبق أثر جعل كأنها لم توجد في حق الضمان. م: (وإن بقيت معتبرة في حق التعزير فبقي الاعتبار للعشرة) ش: فلا يجب إلا دية واحدة.
م: (وكذلك) ش: أي الجواب في م: (كل جراحة اندملت ولم يبق لها أصل) ش: مثل إن كانت شجة فالتحمت ونبت الشعر، فإنها لا تبقى معتبرة لأن حق الأرش ولا في حكومة عدل وإنما تبقى في حق التعزير، م: (على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إنما قيد بقوله، ولم يبق لها أثر حتى لو بقي أثر الجراحة من نقصان أو غيره، تجب حكومة العدل بلا خلاف لأحد، أما إذا لم يبق أثر لأنه لا قيمة بمجرد الألم، وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -(13/134)
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في مثله حكومة عدل. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب أجرة الطبيب.
وإن ضرب رجلا مائة سوط وجرحه وبقي له أثر تجب حكومة العدل لبقاء الأثر، والأرش إنما يجب باعتبار الأثر في النفس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ألا ترى أنه لو ضربه، أو لطمه، أو وكزه فتألم، ولم يؤثر فيه، لا يجب شيء، ذكره المحبوبي وهو ظاهر الجواب وعليه التقرير.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في مثله: حكومة عدل) ش: وتفسير حكومة العدل يجيء في آخر فصل الشجاج.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب أجرة الطبيب) ش: وثمن الأدوية، وذكر الاختصاص في الضربة واللطمة بالسوط لأنه لا يمكن اعتبار المساواة إلا إذا رضي الضارب به فيستوي؛ لأن الامتناع لحقه كيلا يكون يستوفي منه بأكثر مما جنى عليه، فإذا رضي فقد أسقط حقه من الزيادة. وفي" النوازل ": قال لآخر: خبيث جاز له أن يقول: بل أنت، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] ، وكذا في كل كلمة لا يجب الحد.
وقيل: معنى الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه. كذا ذكره التمرتاشي.
[ضرب رجل مائة سوط وجرحه وبقي له أثر]
م: (وإن ضرب رجل مائة سوط وجرحه وبقي له أثر تجب حكومة عدل) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الرجل يضرب الرجل مائة سوط فيجرحه ويبرأ منها، قال: على الضارب أرش الضرب. انتهى.
وقال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره: وهذا إذا بقي أثر الضرب، فإن لم يبق، لا يجب شيء عند أبي حنيفة كما في المسألة المتقدمة، وهذا إذا جرح ثم برأ، فأما إذا لم يجرح في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق.
وقال أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعرف الضرب بأنه لو كان عبدا لم ينقص من قيمته، فيجب عليه الدية، ذلك المقدار م: (لبقاء الأثر، والأرش إنما يجب باعتبار الأثر في النفس) ش: إذا لم يبرأ وليس بموجود.
وهذا يشير إلى أنه إذا لم يجرح في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق، وإن جرح، واندمل ولم يبق لها أثر فكذلك كما هو أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه لم يكن إلا بمجرد الألم وهو لا يجب شيئا كما لو ضربه ضربا مؤلمًا.(13/135)
قال: ومن قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك، فعلى القاطع الدية في ماله، وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك: فهو عفو عن النفس. ثم إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا عفي عن القطع فهو عفو عن النفس أيضا، وعلى هذا الخلاف إذا عفا عن الشجة ثم سرى النفس ومات، لهما: أن العفو عن القطع عفو عن موجبه، وموجبه: القطع لو اقتصر أو القتل إذا سرى، فكان العفو عنه عفوا عن أحد موجبيه أيهما كان، ولأن اسم القطع يتناول الساري والمقتصر فيكون العفو عن القطع عفوا عن نوعيه، وصار كما إذا عفا عن الجناية، فإنه يتناول الجناية السارية والمقتصرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك، فعلى القاطع الدية في ماله، وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك، فهو عفو) ش: أي عفو م: (عن النفس) ش: سواء عفا بلفظ العفو أو الوصية.
وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد، وطاوس - رحمهما الله -، والحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقتادة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها، ففيها قولان: أحدهما: لا يصح فيجب دية النفس إلا دية الجرح. والثاني: أنه يصح فإن جرحت من الثلث سقط، وإلا سقط منها ما يخرج من الثلث، ووجه الباقي، والقول الثاني ليس بوصية لأنه إسقاط في حق الجناية، فلا يصح، ويلزمه دية النفس إلا دية الجرح.
م: (ثم إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال وهذا) ش: قوله م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: إذا عفي عن القطع فهو عفو عن النفس أيضا، وعلى هذا الخلاف إذا عفا عن الشجة ثم سرى إلى النفس ومات) ش:، وكذلك الاختلاف في الضرب والشجة والجراحة وما أشبه ذلك، وكذلك الاختلاف في الصلح والتزوج.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن العفو عن القطع عفو عن موجبه) ش: لأن نفس الفعل لا تحمل العفو، وموجبه أحد الشيئين: ضمان النفس إن سرى، وضمان الطرف إن اقتصر، وهو معنى قوله: م. (وموجبه القطع لو اقتصر أو القتل إذا سرى، فكان العفو عنه) ش: أي عن القطع م: (عفوا عن أحد موجبيه أيهما كان) ش: أي أيهما يوجد.
م: (ولأن اسم القطع يتناول) ش: المقتصر فيكون العفو عن القطع عفوا عن أحد نوعيه، أي أحد نوعي القطع وهما: م: (الساري والمقتصر فيكون العفو عن القطع عفوا عن نوعيه، وصار كما إذا عفيا عن الجناية؛ فإنه يتناول الجناية السارية والمقتصرة) ش: بلا خلاف.(13/136)
كذا هذا، وله: أن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة متقومة، والعفو لم يتناوله بصريحه؛ لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل. وبالسراية تبين أن الواقع قتل وحقه فيه، ونحن نوجب ضمانه، وكان ينبغي أن يجب القصاص وهو القياس لأنه هو الموجب للعمد إلا أن في الاستحسان تجب الدية؛ لأن صورة العفو أورثت شبهة وهي دارئة للقود. ولا نسلم أن الساري نوع من القطع، أن السراية صفة له، بل الساري قتل من الابتداء، وكذا لا موجب له من حيث كونه قطعا، فلا يتناوله العفو بخلاف العفو عن الجناية لأنه اسم جنس، وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية والقتل. ولو كان القطع خطأ فقد أجراه مجرى العمد في هذه الوجوه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كذا هذا، وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة متقومة والعفو لم يتناوله بصريحه؛ لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل. وبالسراية تبين أن الواقع قتل وحقه فيه، ونحن نوجب ضمانه) ش: أي ضمان القتل.
م: (وكان ينبغي أن يجب القصاص وهو القياس لأنه هو الموجب للعمد، إلا أن في الاستحسان تجب الدية؛ لأن صورة العفو أورثت شبهة وهي دارئة للقود) ش: أي الشبهة مسقطة للقصاص.
م: (ولا نسلم) ش: هذا جواب عن قولهما: فيكون العفو عفوا عنه، أي لا نسلم م: (أن الساري نوع من القطع، وأن السراية صفة له) ش: قيل فيه نظر، فإنه منع كون السراية صفة له، يقال: سرى القطع وقطع سار، فكيف يصح؟ ففي ذلك أجيب عنه: بأن المراد صفة منوعة وهي ليست كذلك، بل هي مخرجة عن حقيقتها، كما يقال: عصير مسكر.
م: (بل الساري قتل من الابتداء) ش: هذا إضراب عن قوله: نوع من القطع، وذلك أن القتيل فعل مزهق للروح، وبه عرفنا أنه كان قتلًا.
م: (وكذا لا موجب له) ش: أي للقطع الساري م: (من حيث كونه قطعا) ش: لأنه إذا سرى ومات تبين أن هذا القطع لم يكن له موجب أصلًا، إنما الثابت موجب القتل وهو الدية فكان العفو المضاف إلى القطع، مضاف إلى غير محله فلا يصح، وإذا لم يصح العفو عن القطع لا يكون عفوا عن القطع، وهو معنى قوله: م: (فلا يتناوله العفو بخلاف العفو عن الجناية لأنه) ش: أي لأن لفظ الجناية م: (اسم جنس) ش: يتناول الساري وغيره.
م: (وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية والقتل) ش: وهذا ظاهر م: (ولو كان القطع خطأ فقد أجراه) ش: أي فقد أجراه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (مجرى العمد في هذه الوجوه) ش: وهو العفو عن القطع مطلقا وما يحدث منه، والعفو عن(13/137)
وفاقا وخلافا آذن بذلك إطلاقه إلا أنه إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال؛ لأن موجب العمد القود، ولم يتعلق به حق الورثة لما أنه ليس بمال، فصار كما إذا أوصى بإعارة أرضه. أما الخطأ فموجبه المال، وحق الورثة يتعلق به فيعتبر من الثلث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشجة والعفو عن الجناية م: (وفاقا) ش: أي من حيث الوفاق أي الاتفاق وهو في موضعين أحدهما: أن العفو عن القطع وما يحدث منه عفو عن الدية بالاتفاق فيما إذا كان القتل خطأ، والثاني: العفو عن الجناية فإنه عفو عن الدية أيضا م: (وخلافا) ش: أي من حيث الخلاف بين، أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين صاحبيه، وهو أيضا في موضعين: أحدهما: أن العفو عن القطع مطلقا عفو عن الدية عندهما إذا كان خطأ، وعند أبي حنيفة يكون عفوا عن أرش اليد لا غيره، والثاني: أن العفو عن الشجة عفو عن الدية إذا سرت عندهما.
وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عن أرش الشجة لا غير م: (آذن) ش: بالمد أي أعلم وهو فعل ماض من الإيذان م: (بذلك إطلاقه) ش: أي إطلاق محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع " حيث قال: ومن قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده، لأنه ذكره مطلقا من غير وصف العمدية والخطأ.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قلت: الوضع في القتل العمدية بدليل قوله: فعلى القاطع الدية في ماله، فلا يكون مطلقا.
قلت: الوضع مطلق، إلا أن قوله: فعلى القاطع الدية في ماله جواب لأحد نوعيه، أي عليه الدية في ماله إن كان عمدا.
م: (إلا أنه إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمدا فهو من جميع المال؛ لأن موجب العمد القود، ولم يتعلق به حق الورثة لما أنه ليس بمال، فصار كما إذا أوصى بإعارة أرضه. أما الخطأ فموجبه المال وحق الورثة يتعلق به فيعتبر من الثلث) ش: يعني أنه إذا تبرع بمنافع أرضه في مرضه بالعارية وانتفع بها المستعير ثم مات المعير، ذلك من جميع المال لأن المنافع ليست بأموال.
قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه بحث من أوجه:
الأول: أن القصاص مورث بالاتفاق فكيف لم يتعلق به حق الورثة؟
الثاني: أن الوصية بإعارة أرضه باطلة ولئن صحت. فحكمه الثاني، يسكن الموصى له يوما والورثة يومين إن لم يقبل القسمة، وإن قبلها تقرر بالثلث للموصى له.
والثالث: أن المنافع أموال فكيف صارت نظير المالين بمال؟ .(13/138)
قال: وإذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات فلها مهر مثلها وعلى عاقلتها الدية إن كان خطأ، وإن كان عمدا ففي مالها. وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن العفو عن اليد إذا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده، فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما يحدث منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجواب عن الأول: أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفى تعلق حق الورثة به لا لكونه موروثا، ولا تنافي بينهما لأن حق الورثة إنما يثبت بطريق الخلافة، وحكم الخلف لا يثبت مع وجود الأصل، والقياس في المال أيضا: أن لا يثبت فيه تعلق حقهم ألا يتكففون الناس وتركهم أغنياء، إنما يتحقق تعلق حقهم بما يتعلق التي وهو المال، فلو لم يتعلق به لتصرف فيه فتركهم بماله يتكففون الناس. والقصاص ليس بمال، فلا يتعلق به لكنه مورث؛ لأن الإرث خلافة ذي نسب الميت الحقيقي أو الحكمي أو نكاحه أو ولاية حقيقة أو حكما في ماله أو حق قابل له بعد موته.
وعن الثاني: بأن المراد من قوله: " أوصى " تبرع كما عبرنا عنه آنفا والوصية تبرع خاص، فيجوز أن يستعار لمطلقه.
وعن الثالث: أن المنافع أموال إذا كانت في عقد فيه معاوضة.
وقوله: " فيعتبر من الثلث " فيه إشكال وهو أنه إذا اعتبره من الثلث كان وصية. والقاتل من العاقلة، والوصية للقاتل باطلة، فيجب أن لا يصح في حصته.
وأجيب: بأن المجروح لم يقل أوصيته بثلث الدية، وإنما عفا عن المال بعد سبب الوجوب فكان تبرعا مبتدأ ولا مانع عنه، ألا ترى أنه لو وهب له شيئا وسلم جاز.
[قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات فلها مهر مثلها، وعلى عاقلتها الدية إن كان خطأ، وإن كان عمدا ففي مالها) ش:.
قوله: " على يده ": أي على موجب يده وقيد بقوله ثم مات الزوج في وجوب مهر المثل لأنه إذا لم يمت فتزوجها على اليد صحت التسمية، ويصير الأرش اليد مهرا لها بالإجماع سواء كان القطع عمدا أو خطأ، فتزوجها على القطع وما يحدث منه أو على الجناية لأن لما برأ تبين أن موجبها الأرش دون القصاص، لأن القصاص لا يجري في الأطراف بين الرجل والمرأة عندنا، والأرش يصلح صداقا، كذا ذكره المحبوبي وقاضي خان - رحمهما الله.
م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا الحكم عنده م: (لأن العفو عن اليد إذًا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده، فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما يحدث منه) ش: فيكون ما(13/139)
ثم القطع إذا كان عمدا يكون هذا تزوجا على القصاص في الطرف، وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على تقدير السقوط فيجب مهر المثل، وعليها الدية في مالها؛ لأن التزوج وإن كان يتضمن العفو على ما نبين إن شاء الله تعالى، لكن عن القصاص في الطرف في هذه الصورة وإذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو، فتجب الدية وتجب في مالها لأنه عمد، والقياس: أن يجب القصاص على ما بيناه، وإذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية تقع المقاصة إن كانا على السواء، وإن كانا في الدية فضل ترده على الورثة، وإن كان في المهر فضل ترده الورثة عليها، وإذا كان القطع خطأ يكون هذا تزوجا على أرش اليد، وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم، فيجب مهر المثل كما إذا تزوجها على ما في اليد ولا شيء فيها، ولا يتقاصان لأن الدية تجب على العاقلة في الخطأ والمهر لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لها من المهر غير ما عليها مما يحدث منه م: (ثم القطع إذا كان عمدا يكون هذا تزوجا على القصاص في الطرف، وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على تقدير السقوط) ش: أي سقوط القصاص م: (فيجب مهر المثل، وعليها الدية في مالها) ش:.
فإن قيل: قبولها التزوج يتضمن العفو، والعفو لا يتضمن، فلا يجب عليها الدية.
فأجاب المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لأن التزوج وإن كان يتضمن العفو على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: إشارة إلى قوله: وقد رضي بسقوط حقه م: (لكن عن القصاص) ش: أي لكن يتضمن العفو عن القصاص م: (في الطرف في هذه الصورة) ش: أي فيما نحن فيه م: (وإذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو) ش: بمعنى العفو لم يتعرض لذلك م: (فتجب الدية وتجب في مالها لأنه عمد) ش: والعاقلة لا يتحمل العمد م: (والقياس أن يجب القصاص على ما بيناه) ش: يريد به قوله لأنه هو الموجب العمد.
م: (وإذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية) ش: أي والحال أن عليها الدية م: (تقع المقاصة إن كانا) ش: أي مهر المثل والدية م: (على السواء فإن كانا في الدية فضل ترده) ش: أي ترده المرأة (على الورثة) ش: أي على ورثة الميت م: (وإن كان) ش: أي الفضل م: (في المهر فضل ترده الورثة عليها) ش: أي على المرأة م: (وإذا كان القطع خطأ يكون هذا) ش: أي التزوج م: (تزوجا على أرش اليد وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل كما إذا تزوجها على ما في اليد ولا شيء فيها) ش: أي والحال أنه لا شيء في اليد. م: (ولا يتقاصان) ش:. أي لا يتقاص ما على الزوج من مهر المثل، وما على المرأة من الدية لاختلاف الذمم. م: (لأن الدية تجب على العاقلة في الخطأ) ش: والقتل هنا خطأ. م: (والمهر لها) ش: أي ويجب مهر المثل هنا، ولا يتقاصان، وإنما تكون المقاصة إذا اتحدت الذمة في الوجوب لها وعليها، كما إذا قطعت عمدا أو(13/140)
قال: ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية ثم مات من ذلك، والقطع عمدا فلها مهر مثلها لأن هذا تزوج على القصاص وهو لا يصلح مهرا فيجب مهر المثل على ما بيناه. وصار كما إذا تزوجها على خمر أو خنزير ولا شيء له عليها لأنه لما جعل القصاص مهرا فقد رضي بسقوطه بجهة المهر فيسقط أصلا كما إذا أسقط القصاص بشرط أن يصير مالا فإنه يسقط أصلا، وإن كان خطأ يرفع عن العاقلة مهر مثلها. ولهم ثلث ما ترك وصية؛ لأن هذا تزوج على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سرى إلى النفس؛ لأن الدية تجب عليها لا على العاقلة لأنه عمد، والمهر لها أيضا؟ فاتحدت الذمة فوقعت المقاصة.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الجامع الصغير) : م: (ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية) ش: أي أو تزوجها على الجناية أو على الجراحة، م: (ثم مات من ذلك، والقطع عمدا فلها مهر مثلها) ش:. وفي بعض النسخ: فلها مهر مثلها م: (لأن هذا تزوج على القصاص وهو) ش: أي القصاص م: (لا يصلح مهرا) ش: فإذا كان كذلك م: (فيجب مهر المثل على ما بيناه) ش: وفي بعض النسخ فلها مهر مثلها لأن هذا تزوج على القصاص، وهو أي القصاص لا يصلح مهرًا فإذا كان كذلك فيجب مهر المثل لأنه سمى ما لا يصلح مهرا.
م: (وصار) ش: أي هذا م: (كما إذا تزوجها على خمر أو خنزير) ش: حيث يجب مهر المثل في هذا م: (ولا شيء له عليها) ش: أي على المرأة، لا القصاص ولا الدية، وهذا هو فائدة التعميم بقوله: ولا شيء. 50 م: (لأنه لما جعل القصاص مهرا فقد رضي بسقوطه بجهة المهر) ش: هذا كان جوابا لما قال: ينبغي أن يجب القصاص لأنه ما رضي بسقوطه مطلقا بل بسقوطه من جهة المهر، وحاصل الجواب أنه جعل القصاص مهرا فقد سمى ما لا يصلح مهرا.
م: (فيسقط أصلًا كما إذا سقط القصاص بشرط أن يصير مالا) ش: أي بشرط أن يصير القصاص مالا بأن يقول أسقطت القصاص بشرط أن يصير مالًا م: (فإنه يسقط) ش: أن يكون م: (أصلًا) ش: إن مضى كلامه م: (بشرط أن يصير الدم مالًا فإنه يسقط أصلًا) ش: والدم ليس بمال في دين سماوي، فكان شرطا باطلًا فصار إسقاطا مطلقا م: (وإن كان) ش: أي القطع م: (خطأ يرفع عن العاقلة مهر مثلها) ش: أي قدر مثلها.
م: (ولهم) ش: أي وللعاقلة م: (ثلث ما ترك) ش: أي الميت من الدية م: (وصية) ش: أي من حيث الوصية لهم م: (لأن هذا) ش: أي التزوج على اليد، وما يحدث منها، م: (تزوج على(13/141)
الدية وهي تصلح مهرا لأنه يعتبر بقدر مهر المثل من جميع المال؛ لأنه مريض مرض الموت والتزوج من الحوائج الأصلية، ولا يصح في حق الزيادة على مهر المثل لأنه محاباة، فيكون وصية. فيرفع عن العاقلة لأنهم يتحملون عنها، فمن المحال أن ترجع عليهم بموجب جنايتها، وهذه الزيادة وصية لهم لأنهم من أهل الوصية لما أنهم ليسوا بقتلة، فإن كانت تخرج من الثلث تسقط، وإن لم تخرج يسقط ثلثه. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: كذلك الجواب فيما إذا تزوجها على اليد لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما، فاتفق جوابهما في الفصلين.
قال: ومن قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات فإنه يقتل المقتص منه لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد، وحق المقتص له القود، واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود كمن له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدية، وهي) ش: أي الدية م: (تصلح مهرا لأنه يعتبر بقدر مهر المثل من جميع المال لأنه مريض مرض الموت والتزوج من الحوائج الأصلية) ش: والمريض إذا تزوج امرأة بمال كان لها مقدار مهر مثلها م: (ولا يصح في حق الزيادة على مهر المثل لأنه محاباة فيكون وصية) ش: لها، والوصية للقاتل لا تصح م: (فيرفع عن العاقلة) ش: أي قدر مهر مثلها.
م: (لأنهم) ش: أي لأن العاقلة م: (يتحملون عنها) ش: ولا يتحملون لها م: (فمن المحال أن ترجع) ش: أي المرأة م: (عليهم بموجب جنايتها، وهذه الزيادة وصية لهم) ش: أي للعاقلة م: (لأنهم من أهل الوصية لما أنهم ليسوا بقتلة، فإن كانت) ش: أي الزيادة م: (تخرج من الثلث تسقط) ش: عنهم.
م: (وإن لم تخرج) ش: من الثلث م: (يسقط ثلثه) ش: أي ثلث ما زاد وعلى مهر المثل إلى تمام الدية ويردون ما بقي إلى الورثة واعلم أن هذا كله من قوله: وإذا قطعت المرأة يد رجل، إلى هنا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وأما قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: فهو ما أشار إليه بقوله: م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله) ش: فهو ما أشار إليه بقوله م: (كذلك الجواب) ش: أي كجواب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيما إذا تزوجها على اليد) ش: أي موجب اليد م: (لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما، فاتفق جوابهما في الفصلين) ش: أي فيما لو تزوجها على اليد إذا كان القطع خطأ، وفيما إذا تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية، وعبر "بالفصلين" باعتبار المتفق والمختلف وإلا فالفصول ثلاثة.
[قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات) ش: أي المقطوعة يده م: (فإنه يقتل المقتص منه) ش: وبه قالت الثلاثة م: (لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد، وحق المقتص له القود، واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود كمن له(13/142)
القود إذا استوفى طرف من عليه القود. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يسقط حقه في القصاص لأنه لما أقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه، ونحن نقول: إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه، وبعد السراية تبين أنه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون العلم به.
قال: ومن قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضى له بالقصاص أو لم يقض فعلى قاطع اليد دية اليد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا شيء عليه لأنه استوفى حقه فلا يضمنه، وهذا لأنه استحق إتلاف النفس بجميع أجزائها، ولهذا لو لم يعف لا يضمنه، وكذا إذا سرى وما برأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القود) ش: أي حق القصاص م: (إذا استوفى طرف من عليه القود) ش: فإنه لا يسقط حقه من القصاص.
(وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يسقط حقه في القصاص لأنه لما أقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه، ونحن نقول) ش: أي في الجواب عما قاله أبو يوسف م: (إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه) ش: يعني في حق اليد م: (وبعد السراية) ش: أي بعد سراية القطع إلى الموت م: (تبين أنه) ش: أي أن حقه م: (في القود فلم يكن مبرئا عنه) ش: أي عن القود م: (بدون العلم به) ش: أي بدون حقه في القود.
[قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا]
م (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضى له بالقصاص أو لم يقض: فعلى قاطع اليد دية اليد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد، ولو قتله لا شيء عليه عنده. وعند أحمد: عليه الدية، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه القصاص.
م (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا شيء عليه) ش: لا القصاص ولا الدية. وبه قال الشافعي م: (لأنه استوفى حقه فلا يضمنه، وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنه استحق إتلاف النفس بجميع أجزائها) ش: لأن اليد كانت جميعا للولي تبعا للنفس فبطل حقه بالنفس مما بقي لا مما استوفى.
م (ولهذا) ش: أي ولأجل استحقاقه إتلاف النفس بجميع أجزائه م: (لو لم يعف لا يضمنه) ش: أي لو لم يعف وسرى لا يجب الضمان عليه، هذا إلزام على أبي حنيفة لا على أحمد ومالك؛ لأنهما قالا بضمان اليد بعد الاستيفاء، ويدل عليه أحكام منها قوله:
م: (وكذا إذا سرى) ش: أي بعد العفو م: (وما برأ) ش: تأكيد لقوله: إذا سرى - أي لم - يعف، وسرى.(13/143)
أو ما عفا وما سرى، أو قطع ثم حز رقبته قبل البرء أو بعده؛ وصار كما إذا كان له قصاص في الطرف فقطع أصابعه ثم عفا، لا يضمن الأصابع. وله: أنه استوفى غير حقه؛ لأن حقه في القتل وهذا قطع وإبانة، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فإن له أن يتلفه تبعا، وإذا سقط وجب المال، وإنما لا يجب في الحال؛ لأنه يحتمل أن يصير قتلا بالسراية فيكون مستوفيا حقه، وملك القصاص في النفس ضروري لا يظهر إلا عند الاستيفاء أو العفو أو الاعتياض لما أنه تصرف فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها قوله: م: (أو ما عفا) ش: يعني قطع وما عفا م: (وما سرى) ش: يعني ما ظهر حاله بعد القطع.
ومنها قوله: م: (أو قطع ثم حز رقبته قبل البدء أو بعده) ش: لا يضمن م: (وصار كما إذا كان له قصاص في الطرف فقطع أصابعه ثم عفا) ش: عن الكف م: (لا يضمن الأصابع) ش: فكذا في الطرف مع النفس، وهذا لأن حقه ثابت في النفس، وكل حق ظهر في النفس يظهر في حق الأطراف طبعا لأنهما من جملة النفس.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة: م: (أنه استوفى غير حقه؛ لأن حقه في القتل وهذا قطع وإبانة) ش: القطع هو الإبانة، والقتل إزهاق بينهما مغايرة.
م: (وكان القياس أن يجب القصاص) ش: يعني في اليد م: (إلا أنه سقط للشبهة) ش: أي غير أن القصاص سقط للشبهة، وعلل الشبهة بقوله: م: (فإن له أن يتلفه تبعا) ش: أي يتلف الطرف تبعا للنفس.
م: (وإذا سقط) ش: أي القصاص م: (وجب المال، وإنما لا يجب) ش: أي المال م: (في الحال) ش: هذا جواب عما يقال لما سقط القصاص ووجب المال كان ينبغي أن يثبت المال في الحال، ولا يتوقف على البرء كما في الجنايات.
فأجاب بقوله: م: (لأنه يحتمل أن يصير قتلًا بالسراية فيكون مستوفيا حقه) ش: فلا يبقى له شيء م: (وملك القصاص في النفس ضروري) ش: هذا جواب عن قولهما إنه استوفى حقه فقال: ليس كذلك؛ لأن ثبوت القصاص لما كان ضروريا لثبوته مع المنافي، وهو الحرمة لأن الآدمي بنيان الرب، فلا يحل تخريبه.
فإذا كان كذلك م: (لا يظهر) ش: إلا في أحوال ثلاثة، أشار إليها بقوله م: (إلا عند الاستيفاء) ش: وهو استيفاء النفس بالقصاص. م: (أو العفو أو الاعتياض) ش: عنه وهو عفو من وجه م: (لما أنه تصرف فيه) ش: أي لما أن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة تصرف في القاتل، فلا يجوز التصرف بغيرها..(13/144)
فأما قبل ذلك لم يظهر لعدم الضرورة بخلاف ما إذا سرى لأنه استيفاء. وأما إذا لم يعف وما سرى. قلنا: إنما تبين كونه قطعا بغير حق بالبرء حتى لو قطع وما عفا، وبرأ، الصحيح إنه على هذا الخلاف. وإذا قطع ثم حز رقبته قبل البرء فهو استيفاء، ولو حز بعد البرء فهو على هذا الخلاف هو الصحيح، والأصابع وإن كانت تابعة قياما بالكف، فالكف تابعة لها عرضا بخلاف الطرف لأنها تابعة للنفس من كل وجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فأما قبل ذلك) ش: أي قبل التصرف بهذه الأشياء الثلاثة م: (لم يظهر) ش: أي ملك القصاص م: (لعدم الضرورة) ش: أي إظهاره. فإذا كان الملك عندما قبل الاستيفاء في حق المحل، فلا يظهر في الأطراف قبل الاستيفاء. إذ القتل به الاستيفاء بحكم، إلا أن بظهوره في حق الأطراف فلم يكن هذا الاستيفاء لحقه.
م: (بخلاف ما إذا سرى) ش: جواب عن قولهما: "وكذا إذا سرى" أي القطع.
م: (لأنه استيفاء وأما إذا لم يعف وما سرى) ش: جواب عن قولهما: أو ما عفا، وما سرى.
م: (قلنا إنما تبين كونه قطعا بغير حق بالبرء حتى لو قطع وما عفا وبرأ، الصحيح أنه على هذا الخلاف) ش: فلا يكون مستشهدا به. وقال الإمام علاء الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو قطع وما عفا وبرأ اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه على الخلاف.
م: (وإذا قطع ثم حز رقبته) ش: جواب عن قولهما: أو قطع ثم حز رقبته إلى آخره، تقرير الجواب: أن حزه الرقبة إن كان م: (قبل البرء فهو استيفاء) ش: فلا يضمن لأن الطرف صار مستحقا في حق القتل وهذا الفعل صار قتلًا. م: (ولو حز بعد البرء فهو على هذا الخلاف هو الصحيح) ش: أي كونه على الخلاف هو الصحيح فلا يكون مستشهدا به.
م: (والأصابع وإن كانت تابعة) ش: جواب عن قولهما: وصار كما إذا كان له قصاص في الطرف. . . إلى آخره. تقديره: أن الأصابع وإن كانت تابعة، يعني للكف حال كونها م: (قياما بالكف) ش: من حيث إنها تقوم بالكف م: (فالكف تابعة لها) ش: أي للأصابع م: (عرضا) ش: أي من حيث العرض لأن منفعة البطش تقوم بالأصابع، والكف كالشرط له. وهو اختيار بعض المشايخ، فإنهم تبرعوا بالفرق.
ومنعه صاحب " الأسرار " وقال: لا نسلم أنه لا يلزمه ضمان الأصابع، بل يلزمه إذا عفي عن الكف.
م: (بخلاف الطرف) ش: مع النفس م: (لأنها تابعة للنفس من كل وجه) ش: فلم يكن مستحقا أصلًا فكان قطع اليد قطعا بغير حق، فوجب الضمان.(13/145)
قال: ومن له القصاص في الطرف إذا استوفاه ثم سرى إلى النفس ومات، يضمن دية النفس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن لأنه استوفى حقه وهو القطع، ولا يمكن التقييد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص، إذ الاحتراز عن السراية ليس في وسعه، فصار كالإمام والبزاغ والحجام والمأمور بقطع اليد. وله: أنه قتل بغير حق؛ لأن حقه في القطع، وهذا وقع قتلا، ولهذا الوقع ظلما كان قتلا. ولأنه جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة، وهو مسمى القتل. إلا أن القصاص سقط للشبهة فوجب المال بخلاف ما استشهدا به من المسائل؛ لأنه مكلف فيها بالفعل إما تقليدا كالإمام أو عقدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: أي في الأصل، لأن هذه من مسائل الأصل ذكرها تفريعًا، وليست بمذكورة في البداية، فعلى هذا لم يقع لفظ.
[من له القصاص في الطرف إذا استوفاه ثم سرى إلى النفس ومات]
م: (قال) ش: في أول المسألة مناسبًا م: (ومن له القصاص في الطرف إذا استوفاه ثم سرى إلى النفس ومات يضمن دية النفس عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن) ش:.
وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله - وأحمد؛ م: (لأنه استوفى حقه وهو القطع، ولا يمكن التقييد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص، إذ الاحتراز عن السراية ليس في وسعه، فصار كالإمام) ش: أي القاضي، إذا قطع يد السارق ومات من ذلك.
م: (والبزاغ) ش: من بزغ البيطار الدابة شقها بالمبزغ، وهو مثل شرط الحجام م: (والحجام) ش: هو الذي يحجم م: (والمأمور بقطع اليد) ش: إذا مات المقطوع، لأن كل واحد من هؤلاء مأذون بما فعله فلا يوصف بالتعدي، فلا يضمن.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه) ش: أي أن القاطع م: (قتل بغير حق؛ لأن حقه في القطع، وهذا وقع قتلًا، ولهذا الوقع ظلمًا) ش: أي ولكونه قطعا بغير حق لو وقع هذا القطع ظلما من غير قصاص، وسرى إلى النفس م: (كان قتلًا) ش: موجبا للقصاص أو الدية في حق النفس.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن هذا الفعل م: (جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة) ش: يعني أن الموت من الجرح ليس على خلاف العادة وهو مسمى القتل، أي الجرح الذي يقضي فوات الحياة هو المسمى بالقتل، وكان القياس أن يكون فيه القصاص.
م: (إلا أن القصاص سقط للشبهة فوجب المال بخلاف ما استشهدا به من المسائل؛ لأنه) ش: أي لأن الذي باشر فكان فيها أي في المسائل م: (مكلف فيها بالفعل إما تقليدا) ش: أي من حيث التقلد م: (كالإمام) ش: فإنه إذا تقلد وجب عليه أن يحكم. م: (أو عقدا) ش: أي من حيث العقد م:(13/146)
كما في غيره منها، والواجبات لا تتقيد بوصف السلامة كالرمي إلى الحربي. وفيما نحن فيه لا التزام ولا وجوب. إذ هو مندوب إلى العفو فيكون من باب الإطلاق فأشبه الاصطياد والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(كما في غيره) ش: أي غير الإمام وهو البزاغ والحجام والختان م: (منها) ش: أي المسائل م: (والواجبات) ش: أي الأمور التي يجب فعلها م: (لا تتقيد بوصف السلامة كالرمي إلى الحربي) ش: فإنه إذا رمى إلى الحربي فأصاب أسيرا مسلما لم يضمن.
م: (وفيما نحن فيه) ش: بأن الاستيفاء م: (لا التزام) ش: من الذي فعل م: (ولا وجوب) ش: من حيث الشرع م: ((إذ هو مندوب إلى العفو) ش: قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] .
م: (فيكون من باب الإطلاق) ش: أي الإباحة م: (فأشبه الاصطياد) ش: فإنه إذا رمى إلى صيد فأصاب إنسانا ضمن كذا هذا.
فإن قيل: ما الفرق بين هذه وبين المستعير والمستأجر، ويعلم ضرب الصبي بإذن الأب، فمات. وقاطع يد حربي أو مرتد أسلم بعد القطع، فإنه لا يجب على المستعير والمستأجر الركوب إذا نفقت الدابة منه، وعلى المعلم والقاطع ضمان وهاهنا يجب إذا سرى؟ .
وأجيب: بأن في الثلاثة الأول حصل سبب الهلاك بإذن فنقل إلى الآذن، ولو أهلك المالك دابته لم يجب عليه شيء، فكذا إذا أذن بسبب الهلاك.
والأب إذا قتل ابنه يجب عليه الدية، فكذلك هنا، بخلاف القصاص فإنه يقع بالملك دون الإذن.
ولما قطع وسرى كان القطع قتلًا وليس له ملك القتل، فكان متصرفا في غير ملكه وهو يوجب الضمان.
وأما الرابع: فلأن القطع مع السراية يصير قتلًا من الابتداء، ولو وقع ابتداء وقع القتل قبل الإسلام في مباح الدم، وذلك لا يوجب الضمان، فكذا إذا صار قتلًا في الانتهاء لأنه مستند إلى ابتداء القطع.(13/147)
باب الشهادة في القتل قال: ومن قتل وله ابنان حاضر وغائب، فأقام الحاضر البينة على القتل، ثم قدم الغائب فإنه يعيد البينة عند أبي حنيفة. وقالا: لا يعيد وإن كان خطأ لم يعدها بالإجماع وكذلك الدين يكون لأبيهما على آخر. لهما في الخلافية: أن القصاص طريقه طريق الوارثة كالدين وهذا لأنه عوض عن نفسه فيكون الملك فيه لمن له الملك في المعوض كما في الدية. ولهذا لو انقلب مالا يكون للميت، ولهذا يسقط بعفوه بعد الجرح قبل الموت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الشهادة في القتل]
[قتل وله ابنان حاضر وغائب فأقام الحاضر البينة على القتل ثم قدم الغائب]
م: (باب الشهادة في القتل) ش: أي: هذا باب في بيان حكم الشهادة في القتل، ولما كانت الشهادة فيه متعلقا بالقتل ذكرها بعد ذكر حكم القتل، لأنه لما تعلق به صار كالتابع له.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن قتل وله ابنان حاضر وغائب، فأقام الحاضر البينة على القتل، ثم قدم الغائب فإنه يعيد البينة عند أبي حنيفة) ش: يعني إذا أقام الحاضر البينة أنه قتل أباه عمدًا، قبلت البينة وحبس القاتل، فإذا حضر الغائب كلفا جميعا إعادة البينة.
م: (وقالا لا يعيد) ش: وهو قياس الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وإن كان) ش: أي القتل م: (خطأ لم يعدها) ش: أي البينة م: (بالإجماع. وكذلك الدين يكون لأبيهما على آخر) ش: لا يكلف بإقامة البينة بالإجماع، ويكون الحاضر خصمًا عن نفسه وعن أخيه الغائب.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية: م: (أن القصاص طريقه طريق الوراثة) ش: أي على معنى أنه يثبت للميت أولًا، ثم ينتقل عنه إلى الوارث فصار م: (كالدين) ش: وثمة أحد الورثة ينتصب خصمًا عن الميت في إثباته. ولهذا يحبس القاتل بهذه البينة، لأن الوارث خصم في إثباته.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله، أي كونه بطريق الوراثة م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (عوض عن نفسه) ش: أي نفس الميت، لأن النفس نفس م: (فيكون الملك فيه) ش: أي في العوض م: (لمن له الملك في المعوض) ش: وهو النفس. م: (كما في الدية) ش: إذا ادعى الحاضر الدية لم يكلف إعادة البينة بالاتفاق وإذا حضر الغائب.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون طريق القصاص طريق الوراثة م: (لو انقلب) ش: أي القصاص م: (مالا يكون للميت) ش: يقضى به دينه وينفذ منه وصاياه. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (يسقط) ش: أي القصاص م: (بعفوه) ش: أي بعفو المجروح م: (بعد الجرح قبل الموت) ش:(13/148)
فينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين، وله: أن القصاص طريقه طريق الخلافة دون الوراثة، ألا ترى أن ملك القصاص يثبت بعد الموت، والميت ليس من أهله بخلاف الدين والدية: لأنه من أهل الملك في الأموال، كما إذا نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته فإنه يملكه. وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الباقين فيعيد البينة بعد حضوره. فإن كان أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم ويسقط القصاص، لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال ولا يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب، فينتصب الحاضر خصما عن الغائب. وكذلك عبد بين رجلين قتل عمدا وأحد الرجلين غائب فهو على هذا لما بيناه.
قال: فإن كان الأولياء ثلاثة فشهد اثنان منهم على الآخر أنه قد عفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإذا كان كذلك م: (فينتصب أحد الورثة خصمًا عن الباقين) ش: لأنهم كالوكلاء عن الميت فينفر كل منهم بإثبات حقوقه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن القصاص طريقه طريق الخلافة دون الوراثة) ش: وهو أن يثبت الملك ابتداء للوارث دون المورث لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن ملك القصاص يثبت بعد الموت، والميت ليس من أهله) ش: أي من أهل القصاص، لأنه شرع للتشفي ودرك الثأر كالعبد إذا نصب فإنه يثبت الملك للمولى ابتداء بطريق الخلافة لأن العبد ليس بأهل للملك.
م: (بخلاف الدين والدية) ش: هذا جواب عن قولهما "كالدين " م: (لأنه) ش: أي لأن الميت م: (من أهل الملك في الأموال، كما إذا نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته فإنه يملكه وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الباقين فيعيد) ش: أي الغائب م: (البينة بعد حضوره، فإن كان أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم) ش: أي الحاضر خصم في ذلك.
م: (ويسقط القصاص؛ لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال ولا يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب، فينتصب الحاضر خصمًا عن الغائب، وكذلك عبد بين رجلين قتل عمدا وأحد الرجلين غائب فهو على هذا) ش: الحكم المذكور م: (لما بيناه) ش: وهو: أن القود مشترك بينهما، فالقاتل يدعي بطلان حق الحاضر واتباعًا له، ولا يمكنه إثبات ذلك إلا بإثبات العفو عن الغائب، فصار الغائب مقضيا عليه، ويحتمل أن يكون قوله: "على ما بيناه" من أن ملك القود يثبت عندهما بطريق الوراثة؛ لأن العفو تبقى في حق الدم على أصل الحرية وعنده بطريق الخلافة.
[الأولياء ثلاثة فشهد اثنان منهم على الآخر أنه قد عفا]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجامع الصغير م: (فإن كان الأولياء ثلاثة) ش: أي وإن كان أولياء المقتول عمدًا ثلاثة النفس. م: (فشهد اثنان منهم على الآخر أنه قد عفا) ش: أي عن(13/149)
فشهادتهما باطلة وهو عفو منهما لأنهما يجران بشهادتهما إلى أنفسهما مغنما، وهو انقلاب القود مالا فإن صدقهما القاتل فالدية بينهم أثلاثا. معناه إذا صدقهما وحده، لأنه لما صدقهما فقد أقر بثلثي الدية لهما فصح إقراره، إلا أنه يدعى سقوط حق المشهود عليه، وهو ينكر فلا يصدق ويغرم نصيبه، وإن كذبهما فلا شيء لهما وللآخر ثلث الدية ومعناه إذا كذبهما القاتل أيضا، وهذا لأنهما أقرا على أنفسهما بسقوط القصاص فقبل وادعيا انقلاب نصيبهما مالا فلا يقبل إلا بحجة، وينقلب نصيب المشهود عليه مالا لأن دعواهما العفو عليه وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في حق المشهود عليه؛ لأن سقوط القود مضاف إليهما، وإن صدقهما المشهود عليه وحده غرم القاتل ثلث الدية للمشهود عليه لإقراره له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القصاص م: (فشهادتهما باطلة وهو عفو) ش: لأنهما زعما أن القود قد سقط وزعمهما معتبر فيه.
م: (منهما لأنهما يجران) ش: هذا تعليل لقوله (فشهادتهما باطلة) ولم يذكر تعليل قوله: وزعمهما معتبر في حقهما، ونحن ذكرناه الآن: أن الوليين من الأولياء الثلاثة يجران م: (بشهادتهما إلى أنفسهما مغنما وهو انقلاب القود مالا فإن صدقهما القاتل فالدية بينهم أثلاثا) ش: هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " أن جميع الدية للأولياء الثلاثة أثلاثًا وتتأتى فيه القسمة الفعلية؛ لأنه إما أن يصدقهم القاتل، والمشهود عليه جميعا أو يكذبهما أو يصدقهما القاتل دون المشهود عليه أو بالعكس، والمذكور في الكتاب أولا: أن يصدقهما القاتل وحده وفيه الدية بينهم أثلاثًا.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه: إذا صدقهما وحده) ش: يعني إذا صدق القاتل الشاهدين وحده ولم يصدق المشهود عليه بل كذبهما قيد به لأنه إذا صدق المشهود عليه مع القاتل أيضًا سقط حقه في الدية لإقراره بالعفو. م: (لأنه لما صدقهما فقد أقر بثلثي الدية لهما فصح إقراره، إلا أنه يدعي سقوط حق المشهود عليه، وهو ينكر فلا يصدق ويغرم نصيبه. وإن كذبهما) ش: أي وإن كذبهما القاتل م: (فلا شيء لهما) ش: أي للشاهدين م: (وللآخر) ش: وهو المشهود عليه م: (ثلث الدية، ومعناه إذا كذبهما القاتل) ش: والمشهود عليه م: (أيضا) .
ش: وفي بعض النسخ: معناه: إذا كذبهما القاتل أيضًا، فعلى تلك النسخة يكون تقدير قوله: "وإن كذبهما " أي المشهود عليه والأول أصح.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنهما أقرا على أنفسهما بسقوط القصاص فقبل وادعيا انقلاب نصيبهما مالًا فلا يقبل إلا بحجة، وينقلب نصيب المشهود عليه مالًا لأن دعواهما العفو عليه وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في حق المشهود عليه، لأن سقوط القود مضاف إليهما وإن صدقهما المشهود عليه وحده) ش: يعني وكذبهما القاتل م: (غرم القاتل ثلث الدية للمشهود عليه لإقراره له بذلك) ش:(13/150)
بذلك. قال: وإذا شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القود إذا كان عمدا: لأن الثابت بالشهادة كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما بيناه، والشهادة على قتل العمد تتحقق على هذا الوجه، لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرف إذا صار بالضرب صاحب فراش حتى مات، وتأويله إذا شهدوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي لإقرار القاتل للمشهود عليه بذلك: أي بثلث الدية إذا أنكر عفو المشهود عليه بعد انقلاب القصاص مالًا بشهادة صاحبه، ولكنه يصرف إلى الشاهد، وفي بعض النسخ: ولكنه يصرف ذلك إلى الشاهدين وهذا استحسان.
والقياس: أن لا يلزمه شيء، لأن ما ادعاه الشاهدان على القاتل لم يثبت لإنكاره، وما أقر به القاتل للمشهود عليه قد بطل بتكذيبه، أي بتكذيب المشهود عليه القاتل في إنكاره العفو، يعني لما صدق المشهود عليه الشاهدين، صار تصديقه تكذيبًا منه للقاتل في إنكاره العفو بعدد بالقياس.
قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه الاستحسان أن القاتل بتكذيبه الشاهدين أقر للمشهود عليه بثلث الدية، لزعمه أن القصاص سقط بدعواهما العفو على الغائب، وانقلب نصيبه مالا. والغائب لما صدق الشاهدين في العفو فقد زعم أن نصيبهما انقلب مالًا فصار مقرًا لهما، أو صار الغائب وهو المشهود عليه بالعفو مقرًا للشاهدين بما أقر به القاتل، وهو ثلث الدية له، أي للغائب، فيجوز إقراره بذلك بمنزلة ما لو أقر رجل لرجل بألف درهم، فقال المقر له هذه الألف ليست لي ولكنها لفلان، جاز وصار الألف لفلان، وكذا هذا حاصله: أن من أقر لإنسان بشيء فأقر المقر له لغيره لا يصير ردًا للإقرار، ولكن يتحول الحق إلى المقر له الثاني.
[شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل) ش: أي المضروب م: (صاحب فراش) ش: يعني لم يحصل له البرء أصلًا م: (حتى مات فعليه القود) ش: أي القصاص، إلى هنا لفظ محمد في " الجامع ".
وقال المصنف م: (إذا كان عمدا) ش: احترز به عن الخطأ وتفسير العمد أن يضربه عمدًا فيموت بسبب ذلك الضرب، حتى لو كان يوم ويذهب في حوائجه بعد الضرب لا يقبل، وإن كان صاحب فراش بذلك الضرب ومات، فقد مات بذلك السبب فوجب الحكم به.
م: لأن الثابت بالشهادة كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما بيناه) ش: في القتل العمد م: (والشهادة على قتل العمد تتحقق على هذا الوجه؛ لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرفه إذا صار بالضرب صاحب فراش حتى مات. وتأويله) ش: أي وتأويل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إذا شهدوا) ش:(13/151)
أنه ضربه بشيء جارح.
قال: وإذا اختلف شاهدا القتل في الأيام أو في البلد أو في الذي كان به القتل فهو باطل لأن القتل لا يعاد ولا يكرر، والقتل في زمان أو في مكان غير القتل في زمان أو في مكان آخر، والقتل بالعصا غير القتل بالسلاح لأن الثاني عمد والأول شبه العمد ويختلف أحكامهما، فكان على كل قتل شهادة فرد. وكذا إذا قال أحدهما: قتله بعصا، وقال الآخر: لا أدري بأي شيء قتله، فهو باطل؛ لأن المطلق يغاير المقيد. قال: وإن شهدا أنه قتله وقالا: لا ندري بأي شيء قتله ففيه الدية استحسانا. والقياس أن لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشهود أنه ضربه إلى آخره م: (أنه ضربه بشيء جارح) ش: يعني مثل السيف وما يجري مجراه في تفريق الأجزاء لأن في غير ذلك لا يجب القود عند أبي حنيفة. وإنما أول بذلك لتكون المسألة مجمعًا عليها، لا يقال: الضرب بسلاح قد يكون خطأ، فكيف يجب القود) لأنا نقول: لما شهدوا أنه ضربه بسلاح ثبت العمد لا محالة؛ لأنه كان خطأ لقالوا إنه قصد غيره فأصابه.
[اختلف شاهدا القتل في الأيام]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا اختلف شاهدا القتل في الأيام) ش: بأن قال أحد الشاهدين إنه قتل يوم الخميس، وقال الآخر: يوم الجمعة م: (أو في البلد) ش: بأن قال أحدهما: (اقتله بالبصرة، وقال الآخر: بالكوفة م: (أو في الذي كان به القتل) ش: أي واختلف في شيء الذي كان به القتل أحدهما بالعصا. وقال الآخر: بالسيف م: (فهو باطل) ش: أي لا تسمع هذه الشهادة م: (لأن القتل لا يعاد ولا يكرر) ش: (وهذا ظاهر.
م: (والقتل في زمان أو في مكان غير القتل في زمان أو في مكان آخر. والقتل بالعصا غير القتل بالسلاح لأن الثاني) ش: أي القتل بالسلاح م: (عمد، والأول) ش: أي القتل بالعصا م: (شبه عمد، ويختلف أحكامهما، فكان على كل قتل شهادة فرد) ش: ولم يوجد الاتفاق من الشاهدين على قتل واحد فلم تقبل شهادتهما.
م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا قال أحدهما) ش: أي أحد الشاهدين م: (قتله بعصا، وقال الآخر: لا أدري بأي شيء قتله، فهو باطل لأن المطلق يغاير المقيد) ش: لأن المقضي به إن كان القتل بعصا فالدية على العاقلة، وإن كان المقضي به لا يعلم فالدية في ماله. كذا ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن شهدا أنه قتله، وقالا: لا ندري بأي شيء قتله، ففيه الدية) ش: لأن أحدهما - شهد بقتل معلوم لا يوجب القصاص، والآخر بقتل محمول فلم يتفقا على قتل واحد، فإذا كان كذلك فعليه الدية، م: استحسانا، والقياس: أن لا(13/152)
تقبل هذه الشهادة، لأن القتل يختلف باختلاف الآلة، فجهل المشهود به. وجه الاستحسان: أنهم شهدوا بقتل مطلق، والمطلق ليس بمجمل، فيجب أقل موجبيه وهو الدية، ولأنه يحمل إجمالهم في الشهادة على إجمالهم بالمشهود عليه سترا عليه. وأولوا كذبهم في نفي العلم بظاهر ما ورد بإطلاقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تقبل هذه الشهادة؛ لأن القتل يختلف باختلاف الآلة فجهل المشهود به) ش: لأنه غفلة من الشاهدين م: (وجه الاستحسان: أنهم شهدوا بقتل مطلق، والمطلق ليس بمجمل) .
ش: ولهذا وجب التحرير في التكثير بقوله: "فتحرير رقبة "، ولو كان مجملًا لما وجب الكل فإذا كان كذلك م: (فيجب أقل موجبيه) ش: أي أقل موجبي القتل وهو القصاص والدية. قال شيخنا العلاء أدنى موجبيه وفيه صفة التجنيس التام كما في قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] .
الأول: بمعنى الإبهام، والثاني: بمعنى الإحسان. وصرح في المبسوط بأحد موجبيه م: (وهو: الدية، ولأنه يحمل إجمالهم) ش: أي إجمال المشهود م: (في الشهادة على إجمالهم) ش: أي إحسانهم م: (بالمشهود عليه سترًا عليه) ش:، أي لأجل الستر عليه حتى لا يجب عليه القصاص. وهذا في الحقيقة جواب عما يرد على وجه الاستحسان، وهو أن يقول المشهود في قولهم: لا ندري بأي شيء قتله. إما صادقون وإما كاذبون لعدم الواسطة بين الصدق والكذب. وعلى كل التقدير يجب أن لا تقبل شهادتهم؛ لأنهم إن صدقوا امتنع العصابة لاختلاف موجب السيف والعصا. وإن كذبوا فكذلك، لأنهم صاروا فسقة. وقال في جوابه: جعلوا عالمين بأنه قتله بالسيف لكنهم بقولهم لا ندري ستروا عليه. م: (وأولوا كذبهم) ش: أي المشائخ أولوا كذب الشهود م: (في نفي العلم) ش: أي في قولهم: لا ندري م: (بظاهر ما ورد) ش: نصب بنزع الخافض، أي بظاهر ما ورد م: (بإطلاقه) ش: أي بإطلاق الكذب أي تجويزه على ما ورد في الحديث من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس بكذاب من أصلح الوصل وأنهى البين الوصل» ، قاله الجوهري، والشراح كلهم ذكروا هذا الحديث ولم يتعرض أحد منهم من أخرجه ولا من رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلت: الحديث رواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولفظه: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري، عن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لم يكذب من قال خيرا أو أصلح بين اثنين»(13/153)
في إصلاح ذات البين، وهذا في معناه فلا يثبت الاختلاف بالشك، وتجب الدية في ماله؛ لأن الأصل في الفعل العمد فلا يلزم العاقلة.
قال: وإذا أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل فلانا، فقال الولي: قتلتماه جميعا، فله أن يقتلهما، وإن شهدوا على رجل أنه قتل فلانا وشهد آخرون على آخر بقتله، وقال الولي: قتلتماه جميعا بطل ذلك كله. والفرق أن الإقرار والشهادة يتناول كل واحد منهما وجود كل القتل ووجوب القصاص، وقد حصل التكذيب في الأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى أبو داود والترمذي - رحمهما الله - من حديث أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ " قالوا: بلى. قال: "إصلاح ذات البين» .
وروى البيهقي في " شعب الإيمان " من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة» .
م: (في إصلاح ذات البين وهذا في معناه) ش: أي ستر الشاهد على المشهود عليه ما يوجب القتل في معنى إصلاح ذات البين، لأن العفو مندوب هنا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] . كما أن الإصلاح مندوب ثمة فكان تجويز الكذب ثمة تجويزًا هنا.
م: (فلا يثبت الاختلاف بالشك) ش: يعني إذا احتمل أن يكونوا عالمين وأجملوا، واحتمل أن لا يكونوا كذلك وقع الشك، والاختلاف لا يثبت بالشك.
م: (وتجب الدية في ماله؛ لأن الأصل في الفعل العمد فلا يلزم العاقلة) ش: لأن العاقلة لا تتحمل العمد.
[أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل فلانا فقال الولي قتلتماه جميعا]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل فلانا، فقال الولي قتلتماه جميعا، فله أن يقتلهما) ش: أما لو قال صدقتهما في هذه الصورة لا يقتل واحد منهما. ذكره التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وإن شهدوا على رجل أنه قتل فلانًا وشهد آخرون على آخر بقتله، وقال الولي: قتلتماه جميعا بطل ذلك كله. والفرق أن الإقرار والشهادة يتناول كل واحد منهما) ش: أي من الإقرار والشهادة، م: (وجود كل القتل ووجوب القصاص، وقد حصل التكذيب في الأولى) ش: أي في الوجه الأول م:(13/154)
من المقر له، وفي الثاني من المشهود له غير أن تكذيب المقر له المقر في بعض ما أقر به لا يبطل إقراره في الباقي، وتكذيب المشهود له الشاهد في بعض ما شهد به يبطل شهادته أصلا؛ لأن التكذيب تفسيق، وفسق الشاهد يمنع القبول، أما فسق المقر فلا يمنع صحة الإقرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(من المقر له، وفي الثاني من المشهود له غير أن تكذيب المقر له المقر في بعض ما أقر به) ش: قيد به لأن تكذيب المقر له في كل ما أقر به المقر بطل لإقراره م: (لا يبطل إقراره في الباقي) ش: فإن من أقر بألف درهم فصدق المقر له في النصف وكذبه في النصف صح الإقرار فيما صدقه.
م: (وتكذيب المشهود له الشاهد في بعض ما شهد به يبطل شهادته أصلًا، لأن التكذيب تفسيق) ش: للشاهد م: (وفسق الشاهد يمنع القبول، أما فسق المقر فلا يمنع صحة الإقرار) ش: فافترقا أي الوجهان المذكوران.(13/155)
باب في اعتبار حالة القتل قال: ومن رمى مسلما فارتد المرمي إليه - والعياذ بالله - ثم وقع به السهم فعلى الرامي الدية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا شيء عليه؛ لأنه بالارتداد أسقط تقوم نفسه فيكون مبرئا للرامي عن موجبه، كما إذا أبرأه بعد الجرح قبل الموت، وله: أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي، إذ لا فعل منه بعده، فتعتبر حالة الرمي، والمرمي إليه فيها متقوم، ولهذا تعتبر حالة الرمي في حق الحل حتى لا يحرم برده الرامي بعد الرمي.
وكذا في حق التكفير حتى جاز بعد الجرح قبل الموت والفعل وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب في اعتبار حالة القتل]
[رمى مسلما فارتد المرمي إليه والعياذ بالله ثم وقع به السهم]
م: (باب في اعتبار حالة القتل) ش: أي هذا باب في اعتبار حالة القتل والحالة من الصفات لزومها فلذلك ذكرها بعد ذكر نفس القتل وما يتعلق.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن رمى مسلمًا فارتد المرمي إليه - والعياذ بالله - ثم وقع به السهم) ش: هو مرتد م: (فعلى الرامي الدية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لورثة المرتد. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا شيء عليه) ش: من الدية والقصاص. وبه قالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه بالارتداد أسقط تقوم نفسه فيكون مبرئا للرامي عن موجبه) ش: أي عن موجب القتل سقوط عصمة نفسه م: (كما إذا أبرأه بعد الجرح قبل الموت) ش: أي كما أبرأ الرامي بعد جرحه إياه حقه أي بعد انعقاد سببه، وهو المرمي قبل أن يصيبه السهم كما لو أعتق المالك عبد المغصوب يصير مبرئًا الغاصب عن الضمان كذا ذكره صدر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي، إذ لا فعل منه بعده) ش: وما هو كذلك م: (فتعتبر حالة الرمي، والمرمي إليه فيها) ش: أي في حالة الرمي م: (متقوم) ش: ثم استوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا) ش: أي ولأجل اعتبار حالة الرمي م: (تعتبر حالة الرمي في حق الحل) ش: أي حل الصيد م: (حتى لا يحرم برده الرامي بعد الرمي) ش: إيضاحه لو رمى مسلم إلى صيد قد ارتد - والعياذ بالله - وأصاب الصيد وهو مرتد فجرحه ومات: لا يحل أكله؛ لأن المعتبر وقت الرمي وذمة الرامي إن كان مجوسيًا وكذلك إرسال الكلب على هذا التفصيل.
م: (وكذا في حق التكفير) ش: يعني لو كانت الجناية خطأ فكفر بعد الرمي قبل الإصابة م: (حتى جاز) ش: أي التكفير م: (بعد الجرح قبل الموت) ش: لأن الاعتبار حالة الفعل م: (والفعل وإن(13/156)
كان عمدا، فالقود سقط للشبهة ووجبت الدية. ولو رمى إليه وهو مرتد فأسلم ثم وقع به السهم فلا شيء عليه في قولهم جميعا، وكذا إذا رمى حربيا فأسلم؛ لأن الرمي ما انعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل فلا ينقلب موجبا لصيرورته متقوما بعد ذلك.
قال: وإن رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به فعليه قيمته للمولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه فضل ما بين قيمته مرميا إلى غير مرمى، وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان عمدا) ش: هذا جواب عما يقال إن كان ما ذكرتم صحيحًا بجميع مقدماته، والفعل عمد فالواجب القصاص.
وأجاب بقوله: والفعل وإن كان عمدًا يقع، وإن وقع على جهة العمد والقصد م: (فالقود سقط للشبهة) ش: الناشئة عن اعتبار حالة الإصابة م: (ووجبت الدية) ش: أي في ماله. م: (ولو رمى إليه وهو مرتد) ش: أي: والحال أنه مرتد وقت الرمي م: (فأسلم ثم وقع به السهم فلا شيء عليه في قولهم جميعا) ش: أي في قول أصحابنا، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يجب عليه في المرتد، والحربي إذا أصابتهما الرمية بعد إسلامهما الدية، لأن الاعتبار لحالة الإصابة.
م: (وكذا إذا رمى حربيًا فأسلم) ش: ثم وقع به السهم لا يجب شيء م: (لأن الرمي ما انعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل فلا ينقل موجبًا لصيرورته متقومًا بعد ذلك) ش: لأن الفعل واحد.
فإن قلت: يشكل بما إذا رمى إلى صيد الحل فدخل الحرم ثم أصابه السهم فقتله يجب الجزاء على الرامي؟
قلت: جزاء صيد الحرم لا يختص بالفعل ولهذا يجب بدلالة المحرم وإشارته.
[رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به]
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: وإن رمى عبدًا فأعتقه مولاه ثم وقع السهم به فعليه قيمته للمولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
ش: فقال الشافعي وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب عليه دية حر لورثته لأن الاعتبار الضمان عندهما حالة الإصابة، وبقولهما قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه فضل ما بين قيمته مرميًا إلى غير مرمي) .
ش: قالوا في تفسير قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنه ينظر بكم يشترى لو لم يكن ذلك الرأي، وبكم يشترى في تلك الحالة فيجب فضل ما بينهما، بيانه: أن قيمته إن كانت قبل الرمي ألف درهم وبعد الرمي ثمانمائة درهم يلزمه مائتا درهم.
م: (وقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه حسن، كذا قاله(13/157)
له: أن العتق قاطع للسراية، وإذا انقطعت بقي مجرد الرمي وهو جناية ينتقض بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب ذلك. ولهما: أنه يصير قاتلا من وقت الرمي؛ لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته، بخلاف القطع والجرح لأنه إتلاف بعض المحل وأنه يوجب الضمان للمولى، وبعد السراية لو وجب شيء لوجب للعبد فتصير النهاية مخالفة للبداية. أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء منه لأنه لا أثر له في المحل. وإنما قلت الرغبات فيه فلا يجب به ضمان فلا تتخالف البداية والنهاية فتجب قيمته للمولى، وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان يخالفنا في وجوب القيمة نظر إلى حالة الإصابة، فالحجة عليه ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ".
م: (له) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن العتق قاطع للسراية) ش: لاشتباه من له الحق لأن المستحق حال ابتداء الجناية للمولى وحال الإصابة للعبد لحريته فصار العتق بمنزلة البرء م: (وإذا انقطعت) ش: أي السراية بالعتق م: (بقي مجرد الرمي وهو جناية ينتقض بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب ذلك) ش: أي فصل ما بين قيمته مرميًا إلى غير مرمي. ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (ولهما: أنه يصير قاتلًا من وقت الرمي لأن فعله الرمي وهو مملوك في تلك الحالة فتجب قيمته) ش: وقت المرمى للمولى.
ألا ترى أن رجلا لو كان مولى لرجل بالموالاة فرمى رجلًا ثم تحول ولاؤه إلى غيره، فالضمان على مولاه الأول، ولا يجب على الآخر شيء، فكذلك هاهنا.
م: (بخلاف القطع والجرح) ش: جواب عما ذكر لمحمد من صورة القطع والجرح استشهادا على قطع السراية فأجاب بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من القطع والجرح م: (إتلاف بعض المحل وأنه يوجب الضمان للمولى، وبعد السراية لو وجب شيء لوجب للعبد فتصير النهاية مخالفة البداية) ش: فيعتبر ذلك كتبدل المحل وعند تبدله لا تتحقق السراية كذا هاهنا.
م: (أما الرمي قبل الإصابة ليس بإتلاف شيء منه) ش: أي من المرمي إليه، م: (لأنه) ش: الرمي م: (لا أثر له) ش: أي الرمي م: (في المحل) ش: لعدم إصابته إلى المحل م: (وإنما قلت الرغبات فيه فلا يجب به الضمان فلا تتخالف البداية والنهاية فتجب قيمته للمولى) ش: بخلاف الجرح فإن هناك اتصل بالمحل ووجب الجرح للمولى في الحال وعند السراية لو قلنا بوجوب ضمان النفس كان ذلك للعبد الميت فخالفت النهاية البداية. فكذلك قطع العتق السراية.
م: (وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كان يخالفنا في وجوب القيمة نظر إلى حالة الإصابة) ش: وهو الجرح في تلك الحالة فتجب الدية عنده لا القيمة، م: (فالحجة عليه) ش: أي على زفر م: (ما(13/158)
حققناه. قال: ومن قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به السهم فلا شيء على الرامي لأن المعتبر حالة الرمي، وهو مباح الدم فيها. وإذا رمى المجوسي صيدا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد لم يؤكل، وإن رماه وهو مسلم ثم تم تمجس والعياذ بالله أكل لأن المعتبر حال الرمي في حق الحل والحرمة، إذ الرمي هو الزكاة فتعتبر الأهلية وانسلابها عنده، ولو رمى المحرم صيدا ثم حل فوقعت الرمية بالصيد فعليه الجزاء، وإن رمى حلال صيدا ثم أحرم فلا شيء عليه لأن الضمان إنما يجب بالتعدي، وهو رميه في حالة الإحرام وفي الأول هو محرم وقت الرمي، وفي الثاني حلال فلهذا افترقا، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حققناه) ش: أراد به قوله من الدلائل لأصحابنا الثلاثة.
[قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به الحجر]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قضى عليه بالرجم فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود ثم وقع به الحجر فلا شيء على الرامي لأن المعتبر حالة الرمي، وهو مباح الدم فيها) ش: أي في حالة الرمي هكذا هو عند أبي حنيفة، ولكن يجب الضمان على الراجع إن رجعوا جميعا يجب عليهم الدية، وإن رجع واحد ترجع الدية، وأما عندهما فلأن هذا الفعل لما وقع هدرًا لم ينقلب معتبرا؛ لأن الأصل عندهما أنه إذا وقع معتبرا ثم طلب عصمته يبطل الضمان، وإذا وقع هدرًا ثم صار متقومًا لا ينقلب معتبرا.
[رمى المجوسي صيدا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد] 1
م: (وإذا رمى المجوسي صيدًا ثم أسلم ثم وقعت الرمية بالصيد لم يؤكل، وإن رماه وهو مسلم ثم تمجس - والعياذ بالله - أكل؛ لأن المعتبر حال الرمي في حق الحل والحرمة، إذ الرمي هو الزكاة فتعتبر الأهلية وانسلابها) ش: أي سقوط الأهلية م: (عنده) ش: أي عند الرمي م: (ولو رمى المحرم صيدا ثم حل فوقعت الرمية بالصيد فعليه الجزاء، وإن رمى حلال صيدًا ثم أحرم فلا شيء عليه لأن الضمان إنما يجب بالتعدي، وهو رميه في حالة الإحرام وفي الأول) ش: وهو رمي المحرم صيدًا م: (هو محرم وقت الرمي، وفي الثاني) ش: وهو رمية حلالا هو م: (حلال فلهذا افترقا) ش: أي الوجهان بالتعليل المذكور وفي هذا الفعل اعتبر حالة الرمي بالإجماع م: (والله أعلم بالصواب) .(13/159)
كتاب الديات قال: وفي شبه العمد دية مغلظة على العاقلة وكفارة على القاتل وقد بيناه أول الجنايات.
قال: وكفارته عتق رقبة مؤمنة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الآية. فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، بهذا النص ولا يجزئ فيه الإطعام لأنه لم يرد به نص، والمقادير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الديات]
[تعريف الديات]
م: (كتاب الديات) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الديات، وهي جمع دية، وأصلها ودية، لأنها من وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته. وحذفت الواو تبعا ليدي لأن أصله يودي، فحذفت الواو منه لوقوعها بين الكسرة والياء، كما في يعدي ونحوه. ولما حذفت الواو من ودية عوضت عنها الهاء كما في عدة ونحوها. وإذا أمرت منه قلت: وديا، دوا.
وأما الدية اسم لضمان تجب بمقابلة الآدمي أو طرف منه، سمي بها لأنها يودى عادة لأنه قدر ما يجري فيه العفو العظيم حرمة الآدمي. ولم يسم قيمته لأن قيمة اسم لما يقام مقام الفائت. وفي قيامه مقام الفائت قصورًا لعدم المماثلة بينهما وضمان المال سمي قيمة، ولا يسمى دية، لأن معنى القيام فيه أكمل لوجود المماثلة المطلقة.
وأما وجه المناسبة في ذكر الديات بعد الجنايات: فطالما أن الدية إحدى موجبي الجناية لدفع الشر وعين الصيانة، لكن القصاص أشد صيانة فقدم.
[دية وكفارة شبه العمد] 1
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي شبه العمد دية مغلظة على العاقلة وكفارة على العاقل وقد بيناه أول الجنايات) ش: وهي الكلام فيه مستوفيًا.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكفارته) ش: أي كفارة شبه العمد م: (عتق رقبة مؤمنة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الآية) ش: وشرط الإيمان في كفارة القتل دون سائر الكفارات؛ لأنه منصوص عليه بالآية المذكورة، وإن كان ورد في الخطأ، ولكن لما كان شبه فيه معنى الخطأ ثبت فيه حكم الخطأ م: (فإن لم يجد) ش: أي فإن لم يقدر على إعتاق الرقبة المؤمنة م: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] ش: أي فعليه صوم شهرين على التتابع.
م: (بهذا النص) ش: أي النص المذكور م: (ولا يجزئ فيه) ش: أي في شبه العمد م: (الإطعام؛ لأنه لم يرد به نص) ش: قال الشافعي في قول وأحمد في رواية: فإن لم يقدر على الصيام يجب إطعام ستين مسكينا، عند عدمهما، م: (والمقادير) ش: أي المقدرات الشرعية م:(13/160)
تعرف بالتوقيف، ولأنه جعل المذكور كل الواجب بحرف الفاء، أو لكونه كل المذكور على ما عرف ويجزئه رضيع أحد أبويه مسلم لأنه مسلم به، والظاهر سلامة أطرافه ولا يجزئ ما في البطن لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته. قال: وهو الكفارة في الخطأ لما تلوناه وديته عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(تعرف بالتوقيف) ش: على ورود النص بخلاف كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الصوم، فإن النص ورد فيها بالإطعام، ولأن استدلاله من الآية بوجهين آخرين: أحدهما: هو قوله
: م: (ولأنه) ش: أي ولأن النص م: (جعل المذكور كل الواجب بحرف الفاء) ش: بيانه أن الواقع بعد فاء الجزاء يجب أن يكون كل الجزاء، إذ لو لم يكن كذلك للقياس، فلا يعلم أنه هو نحو الجزاء، وبقي منه شيء ومثله محل. ألا ترى أنه لو قال إن رمت الدار فأنت طالق، وفي نية أن يقول: وزينب طالق وعبده حر ولكن لم يقله يجعله قوله: فأنت طالق جزاء كاملًا من غير أن يقدر فيه وزينب طالق أيضًا، وعبدي حر أيضًا.
الوجه الثاني: هو قوله: م: (أو لكونه) ش: أي لكون الصيام م: (كل المذكور) ش: لا غير م: (على ما عرف) ش: يعني في أصول الفقه.
م: (ويجزئه) ش: أي يجزي الذي عليه عتق رقبة إعتاق م: (رضيع أحد أبويه مسلم) ش: قيد به لأنه لو كانا كافرين لم يجزه م: (لأنه) ش: أي لأن الرضيع م: (مسلم به) ش: أي بأحد أبويه؛ لأن شرط هذا الإعتاق الإسلام وسلامة الأطراف، والأول: يحصل بإسلام أحد الأبوين، والثاني بالظاهر، وأشار إليه بقوله: م: (والظاهر سلامة أطرافه) ش: أي أطراف الصغير، لأن الأصل هو السلامة.
وتأويل المسألة أنه أعتق، ثم عاش حتى ظهرت سلامة أعضائه وأطرافه حتى إنه لو مات قبل أن يظهر ذلك لم تتأد به الكفارة. كذا قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ".
م: (ولا يجزئ) ش: أي لا يجزئ إعتاق م: (ما في البطن؛ لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته) ش: ظاهر.
م: (قال) ش: المصنف: م: (وهو الكفارة) ش: أي تحرير رقبة مؤمنة هو الكفارة م: (في الخطأ لما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] .
م: (وديته) ش: أي ودية شبه العمد م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: كذا في نسخة شيخ العلاء " أبي يوسف " مذكور مع أبي حنيفة. وفي " الهداية ": فقال الأترازي:(13/161)
مائة من الإبل أرباعا: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة. وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: أثلاثا، ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون ثنية كلها خلفات في بطونها أولادها؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا، وفيه مائة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وغيره لم يذكر أبو يوسف سهو القلم عن صاحب " الهداية " أو عن الكاتب. وقال الكاكي: الاقتصار على قول أبي حنيفة مخالف لعامة روايات الكتب من " المباسيط " و" الجوامع " و" الأسرار " و" الإيضاح "، فإن المذكور فيها عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وثبت في بعض النسخ عند أبي حنيفة وأبي يوسف موافقًا لعامة الروايات.
م: (مائة من الإبل أرباعا) ش: أي من حيث الأرباع، وبين ذلك بقوله: م: (خمس وعشرون بنت مخاض) ش: بنت منصوب؛ لأنه مميز أحد عشر إلى تسعة وتسعين يجيء منصوبًا. وبنت مخاض هي التي طعنت في السنة الثانية. سميت بها؛ لأن أمها صارت ذات مخاض بأخرى.
م: (وخمس وعشرون بنت لبون) ش: وهي التي طعنت في السنة الثالثة، سميت بها لأن أمها تلد أخرى، ولبون: ذات لبن.
م: (وخمس وعشرون حقة) ش: وهي التي طعنت في السنة الرابعة، وحق لها أن تركب وتحمل.
م: (وخمس وعشرون جذعة) ش: وهي التي طعنت في السنة الخامسة، سميت به لمعنى في أسنانها يعرفه أرباب الإبل، وهي أكبر سن يؤخذ في الزكاة.
م: (وقال محمد والشافعي - رحمهما الله -: أثلاثا، ثلاثون جذعة، وثلاثون حقة، وأربعون ثنية) ش: وهي التي طعنت في السادسة، والذكر ثني. م: (كلها) ش: أي كل الثنايا م: (خلفات) ش: جمع خلفة وهي الحامل من النوق. م: (في بطونها أولادها) ش: صفة كاملة، قاله الأكمل.
وقال الكاكي: الخلفة الحامل من النوق وجمعها مخاض من غير لفظها، وقد يقال خلفات. فعلى هذا التفسير يكون قوله: " في بطونها أولادها " صفة مقدرة، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما ألقته الفرائض فلأول رجل ذكر» ، وبقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال أحمد في رواية، وبقول أبي حنيفة قال مالك وأحمد في رواية، وهو قول الزهري وربيعة وسليمان بن يسار م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا، وفيه مائة(13/162)
من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها» وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة. ولأن دية شبه العمد أغلظ، وذلك فيما قلنا، ولهما قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في نفس المؤمن مائة من الإبل» وما روياه غير ثابت لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في صفة التغليظ، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال بالتغليظ أرباعا كما ذكرنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها» ، وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثلاثون حقة وثلاثون جذعة) ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقد تقدم في الجنايات.
م: (ولأن دية شبه العمد أغلظ، وذلك فيما قلنا) ش: يعني أغلظ من حرمة الخطأ المحض، فإن الإبل يجب فيه أخماسًا، وذلك أي كونه أغلظ من دية الخطأ المحض؛ لأننا نقول: أثلاثا، وأنتم تقولون: أرباعًا.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف: م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في نفس المؤمن مائة من الإبل» ش: تقدم في الزكاة في كتاب عمرو بن حزم قال: «وإن في نفس المؤمن مائة من الإبل في الزكاة» ، ورواه ابن حبان في "صحيحه ". ووجه الاستدلال به: أن الثابت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا وليس فيه دلالة على صفة من التغليظ م: (وما روياه) ش: أي محمد والشافعي م: (غير ثابت) ش: احتج المصنف على عدم ثبوت هذا الحديث بقوله: م: (لاختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في صفة التغليظ) ش: فإن عمر وزيدا والمغيرة بن شعبة وأبا موسى الأشعري قالوا مثل ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف م: (وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي وعبد الله بن مسعود م: (قال بالتغليظ أرباعًا كما ذكرنا) ش: يعني أرباعًا. وأخرج حديثه أبو داود عن علقمة والأسود قال: قال عبد الله: في شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض. وسكت عنه أبو داود ثم المنذري بعده.
وروي مرفوعا أخرجه الأربعة عن حجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك الضبابي عن عبد الله بن مسعود قال: " قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بنو مخاض ذكر» .
قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وقد روي عن عبد الله موقوفا.(13/163)
وهو كالمرفوع فيعارض به.
قال: ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة لأن التوقيف فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الدارقطني: هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه:
الأول: أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه بالسند الصحيح أنه قال: دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بنو لبون. ولم يذكر فيه: بني مخاض.
الثاني: أن خشف بن مالك مجهول، لم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن جريد الحسبي.
وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بما ينفرد بروايته رجل غير معروف.
والثالث: أنه روي عن أحمد أن خبر خشف بن مالك لا يعلم أحد رواه زيد بن جبير إلا الحجاج بن أرطاة، وهو رجل مشهور بالتدليس.
وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فكيف جاز للدارقطني أن يسقط ذكر هذا؟
وخشف وثقه النسائي وابن حبان، وزيد بن جبير وثقه ابن معين وغيره، وأخرجا له في - الصحيحين ".
م: (وهو) ش: أي الذي قال ابن مسعود م: (كالمرفوع) ش: لأن الرأي لا مدخل له في المقادير م: (فيعارض) ش: ما روياه م: (به) ش: أي بقول ابن مسعود، فإذا تعارضا كان الأخذ بالمتيقن أولى.
ثم على قول محمد والشافعي: لو اختلف في حملها يرجع إلى أهل الخبرة كما يرجع في حمل المرأة إلى قول القوابل. ولو اختلف الولي والجاني بعد أخذ قول أهل الخبرة فقال الولي: لم يكن حوامل، وقال الجاني: ولدت عندك، فالقول للجاني، وإن أخذنا بغير قولهم فالقول للولي.
[التغليظ في الإبل في الدية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يثبت التغليظ إلا في الإبل خاصة) ش: يعني لا يزاد في الدراهم والدنانير على عشرة آلاف درهم وألف دينار.
وقال الثوري والحسن بن صالح: فيغلظ في النوعين الآخرين أي الدراهم والدنانير؛ بأن ينظر إلى قيمة أسنان الإبل في دية الخطأ فما زاد على أسنان دية الخطأ زاد على عشرة آلاف درهم إن كان الرجل من أهل الورق، وإن كان من أهل الذهب.
ونحن قلنا بما ذكر في الكتاب وهو: أن التغليظ في الإبل ثبت توقيفًا ولا يثبت في غيره قياسًا. م: (لأن التوقيف فيه) ش: أي لأن الشرع ورد فيه، وعليه الإجماع والمقدرات لا تعرف إلا سماعًا، فلم تتغلظ بغيره حتى لو قضى القاضي به لا ينفذ قضاؤه.(13/164)
فإن قضى بالدية في غير الإبل لم تتغلظ لما قلنا.
قال: وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل لما بينا من قبل. قال: والدية في الخطأ مائة من الإبل أخماسا عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض، وعشرون حقة وعشرون جذعة، وهذا قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإنما أخذنا نحن والشافعي به لروايته: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في قتيل قتل خطأ أخماسا» على نحو ما قال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن قضى بالدية في غير الإبل لم تتغلظ لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: "لأن التوقيف منه ".
[الدية في الخطأ والكفارة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وقتل الخطأ تجب به الدية على العاقلة والكفارة على القاتل) ش: وبه قال الشافعي وأحمد في الظاهر، وهو قول الثوري وإسحاق والنخعي والحكم وحماد والشعبي. وقال ابن سيرين وابن شبرمة وأبو ثور وقتادة والزهري والحارث [. . .] وأحمد في رواية: على القاتل.
وهكذا يجب أن يكون قول مالك، لأن شبه العمد عنده من باب العمد م: (لما بينا من قبل) ش: يعني في أول كتاب الجنايات.
م: (قال) ش: أي قال القدوري م: (والدية في الخطأ مائة من الإبل أخماسا) ش: قيل: هو منصوب بإضمار " كان "، وقال الأكمل: يجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في قوله: "في الخطأ ". قلت: يحمل أن يكون تمييزًا على ما لا يخفى.
م (عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة، وهذا قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) .
ش: أجمعت الصحابة على المائة ولكنهم اختلفوا في سنها: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون ابن لبون وخمس وعشرون ابنة مخاض.
وقال عثمان وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: في دية الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون بنات لبون وعشرون بنو لبون وعشرون بنات مخاض ذكر. ذكر ذلك كله أبو يوسف في كتاب " الخراج ".
م: (وإنما أخذنا نحن والشافعي به) ش: أي بقول ابن مسعود م: (لروايته) ش: أي لرواية ابن مسعود م: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في قتيل قتل خطأ أخماسا، على نحو ما قال» ش: قد ذكرنا هذا عن الأربعة أصحاب " السنن " عن قريب. ولفظ النسائي وابن ماجه بلفظ المصنف على نحو ما قال ابن مسعود.(13/165)
ولأن ما قلناه أخف فكان أليق بحالة الخطأ؛ لأن الخاطئ معذور. غير أن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي بعشرين ابن لبون مكان ابن مخاض، والحجة عليه ما رويناه.
قال: ومن العين ألف دينار ومن الورق عشرة آلاف درهم. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الورق اثنا عشر ألفا لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن ما قلناه أخف فكان أليق بحالة الخطأ؛ لأن الخاطئ معذور) ش: فيعذر في فعله. ولهذا لا تجب الدية الخطأ إلا على العاقلة.
م: (غير أن عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: استثناء من قوله أخذنا نحن والشافعي به. م: (يقضي بعشرين ابن لبون مكان ابن مخاض، والحجة عليه) ش: أي على الشافعي. م: (ما رويناه) ش: من قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقضاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن العين) ش: أي دية الخطأ من الذهب م: (ألف دينار ومن الورق) ش: أي الفضة م: (عشرة آلاف درهم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الورق اثنا عشر ألفا) ش: وبه قال مالك وأحمد وإسحاق م: (لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بذلك) ش: أي باثني عشر ألفًا. خرج هذا أصحاب " السنن " الأربعة عن محمد بن مسلم عن عروة بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ديته اثني عشر ألفا» .
وقال أبو داود: رواه ابن عيينة عن عكرمة، ولم يذكر ابن عباس.
وقال الترمذي: لا نعلم أحدًا يذكر في هذا الإسناد ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غير محمد بن مسلم، أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان عن عمر عن عكرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه.
ورواه النسائي أخبرنا محمد بن ميمون المكي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة سمعناه مرة يقول عن ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى باثني عشر ألفًا في الدية» . قال: محمد بن ميمون ليس بقوي، وكذا رواه الدارقطني في " سننه " قال أبو حاتم: كان محمد بن ميمون أبو عبد المكي الخياط أمينًا نبيلًا. وذكره ابن حبان في " الثقات "، قال: وربما وهم. وقال النسائي: صالح. ومحمد بن مسلم هذا الطائفي أخرج له البخاري في المتابعة ومسلم في الاستشهاد، وضعفه أحمد. وقال النسائي: الصواب أنه مرسل، وقال ابن حبان: المرسل(13/166)
ولنا ما روى عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم» ، وتأويل ما روى أنه قضى من دراهم كان وزنها وزن ستة، وقد كانت كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصح.
م: (ولنا ما روى عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم» ش: هذا الحديث غريب. وروى محمد بن الحسن في كتاب "الآثار " وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم عن عامر الشعبي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: على أهل الورق من الدية عشرة آلاف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار. وجه الاستدلال به: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير نكير، فحل بمحل الإجماع.
م: (وتأويل ما روى) ش: أي الشافعي م: (أنه قضى من دراهم كان وزنها وزن ستة) ش: أي وزن ستة مثاقيل. فإن في ابتداء عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان وزن الدراهم وزن ستة، ثم صار وزن سبعة.
م: (وقد كانت) ش: أي الدراهم. م: (كذلك) ش: أي وزن ستة إلى عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثم صار وزن سبعة كما ذكرنا. وقال تاج الشريعة: وتأويل ما روى: أنه أوجب اثني عشر محمول على أنه أوجب من دراهم كانت توزن ستة واثني عشر بوزن ستة تبلغ عشرة آلاف بوزن سبعة. والدليل على صحة ما ذكرنا من التأويل: ما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "أنه أوجب في دية القتيل اثني عشر ألفًا ". وكانت الدراهم يومئذ وزن خمسة أو ستة.
فإن قيل: اثنا عشر بوزن الستة يكون أكثر من عشرة آلاف فكيف يفيد هذا التأويل؟ الجواب: أن شيخ الإسلام قال في "مبسوطه ": يحتمل أن الدراهم كانت وزن ستة إلا شيئا إلا أنه أضيف الوزن إلى ستة تقريبًا.
فإن قيل: احتج الشافعي ومن معه بما روى يزيد الرقاشي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لئن أحبس مع قوم يذكرون الله بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفا»(13/167)
قال: ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: منها ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة، ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا جعل على أهل كل مال منها، وله: أن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية، وهذه الأشياء مجهولة المالية، ولهذا لا يقدر بها ضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قرأ بخمسمائة إلى الغاية أصبح وله قنطار في الآخرة، والقنطار دية أحدكم اثنا عشر ألف درهم» .
وأجيب بأن حديث الرقاشي ضعيف عند الثقات، وحديث الحسن مرسل، والعجب من الشافعي أنه لا يعمل بالمرسل ثم يحتج به.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة) ش: وهي الإبل، والذهب والفضة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد والشافعي في القديم، وقال الكاكي: اختلف العلماء في الأصل في الدية، فقال الشافعي، وأحمد في رواية محمد بن المنذر: الإبل فقط فتجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (منها) ش: أي من هذه الثلاثة. م: (ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة، ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان) ش: وبه قال أحمد في رواية وقال الكرخي في "مختصره ": والحلة ثوبان إزار ورداء والإزار المئزر، وقيل في زماننا قميص وسراويل.
وقال الإمام الأسبيجابي قيمة كل حلة خمسون درهمًا وقيمة كل بقرة خمسون درهما وقيمة كل شاة خمسة دراهم م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا جعل على أهل كل مال منها) ش: أي من المذكورة.
وروى أبو يوسف في كتاب " الخراج " وقال: حدثنا ابن أبي ليلى عن الشعبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن عبيدة السلماني قال: وضع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائة بقرة وعلى أهل الشاة ألف شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية، وهذه الأشياء مجهولة المالية) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا لا يقدر بها ضمان) ش: أي ضمان العدوان. وفائدة هذا الخلاف في اختيار القاتل، فعند أبي حنيفة فله الخيار من أنواع الثلاثة، وفي الصلح فإن عنده يجوز الصلح على أكثر من مائتي بقرة في رواية، وفي رواية لا يجوز(13/168)
والتقدير بالإبل عرف بالآثار المشهورة وعدمناها في غيرها، وذكر في المعاقل: أنه لو صالح على الزيادة على مائتي حلة أو مائتي بقرة لا يجوز، وهذا آية التقدير بذلك، ثم قيل: هو قول الكل فيرتفع الخلاف، وقيل: هو قولهما خاصة
قال: «ودية المرأة على النصف من دية الرجل» ، وقد ورد هذا اللفظ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
، كقولهما: كما لو صالح على أكثر من مائة من الإبل وألف دينار.
م: (والتقدير بالإبل) ش: جواب عما يقال: فالإبل كذلك. وتقدير الجواب أن التقدير بالإبل ليس كذلك لأنه م: (عرف بالآثار المشهورة) ش: كما ذكرت فيما مضى. م: (وعدمناها في غيرها) ش: أي عدمها بالآثار المشهورة في غير الإبل.
م: (وذكر في المعاقل) ش: أي ذكر محمد في كتاب " معاقل المبسوط "، ورد هذا شبهة على ما روى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله: ولا تثبت الدية إلا من هذه الأمور الثلاثة، ووجه وروده أن محمدًا ذكر في المعاقل م: (أنه لو صالح على الزيادة على مائتي حلة أو مائتي بقرة لا يجوز، وهذا آية التقدير بذلك) ش: أي وهذا الصلح علامة التقدير بذلك. وأجاب بوجهين أحدهما هو قوله م: (ثم قيل: هو قول الكل فيرتفع الخلاف) ش: أي قوله لا يجوز الصلح على الزيادة قول الكل لأنه ذكر في " المعاقل " أن الولي لو صالح على أكثر من مائة فالفضل باطل بالإجماع.
وقال الأكمل: وذكر الجواب على وجهين:
أحدهما: تقدير الشبهة ورفع الخلاف. ولا أرى صحته لأنه يناقض رواية كتاب الديات.
الوجه الثاني: هو قوله م: (وقيل: هو قولهما خاصة) ش: أي ما ذكر في كتاب " المعاقل " قولهما.
أما عند أبي حنيفة فينبغي أن يجوز الصلح على أكثر من ذلك وإليه ذهب شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ".
وقال تاج الشريعة: فكان الخلاف ثابتا. وقال الأكمل: والوجه الثاني برفع الشبهة يحمله رواية " المعاقل " على أنه قولهما، وحمل بعض مشايخنا على أن المسألة عنده روايتان.
[دية المرأة]
م: (قال) ش: أي محمد في الأصل، ولم يذكره في " الجامع " ولا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ودية المرأة على النصف من دية الرجل) ش: وقال ابن عبد البر وابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن ديتها نصف دية الرجل.
وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: هما سواء م: (وقد ورد هذا اللفظ) ش: أي(13/169)
موقوفا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومرفوعا - إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما دون الثلث لا يتنصف وإمامه فيه زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله «دية المرأة على النصف من دية الرجل» م: (موقوفا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ومرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أما الموقوف فأخرجه البيهقي عن إبراهيم النخعي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس وفيما دونها.
قلت: هذا منقطع لأن إبراهيم لم يحدث عن أحد من الصحابة مع أنه أدرك جماعة منهم.
وأما المرفوع فأخرجه البيهقي أيضًا عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دية المرأة على النصف من دية الرجل»
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما دون الثلث لا يتنصف) ش: يعني إذا كان جناية أرشها ما دون الثلث لا تنصف وفي غيره تنصف. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال الشافعي ما دون الثلث لا يتنصف وكذلك الثلث قاله في القدم وبه قال مالك وأحمد وهو قول الفقهاء السبعة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والزهري وقتادة والأعرج وربيعة، وهكذا روي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت.
وعندنا والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في ظاهر مذهبه واختاره ابن المنذر وأبو ثور: على التنصيف فيما قل وكثر، وبه قال الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن سيرين. وفي " النهاية ". والصواب أن يقال: الثلث وما دونه لا يتنصف عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم كما ذكرنا.
م: (وإمامه فيه) ش: أي إمام الشافعي في هذا م: (زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) .
ش: أخرجه البيهقي عن الشعبي عن زيد بن ثابت قال: جراحات الرجال والنساء سواء إلى الثلث، فما زاد فعلى النصف. وهو منقطع.
وذكر الكاكي في " حجة الشافعي " ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عقل المرأة عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها» أخرجه النسائي.(13/170)
والحجة عليه ما رويناه لعمومه، ولأن حالها أنقص من حال الرجل ومنفعتها أقل، وقد ظهر أثر النقصان بالتنصيف في النفس، فكذا في أطرافها وأجزائها اعتبارا بها وبالثلث وما فوقه.
قال: ودية المسلم والذمي سواء وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عقل الكافر نصف عقل المسلم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا رواه النسائي وفي إسناده إسماعيل بن عياش عن ابن جريج.
قال صاحب " التنقيح ": ابن جريج حجازي وإسماعيل بن عياش ضعيف في رواية الحجازيين.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما رويناه لعمومه) ش: أشار به إلى قوله: وقد روي بهذا اللفظ موقوفًا على علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومرفوعًا م: (ولأن حالها أنقص من حال الرجل) ش: قال الله تعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] م: (ومنفعتها أقل) ش: لأنها لا تتمكن من التزوج ما دامت زوجت لرجل.
م: (وقد ظهر أثر النقصان بالتنصيف في النفس، فكذا في أطرافها وأجزائها اعتبارًا بها) ش: أي بالنفس م: (وبالثلث وما فوقه) ش: أي اعتبارًا بتنصيف الثلث وما فوقه لئلا يلزم مخالفة الفرع للأصل.
[دية اليهودي والنصراني والمجوسي]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ودية المسلم والذمي سواء) ش: وقال الكرخي في " مختصره ": والمسلم والذمي الكتابي وغير الكتابي والحربي المستأمن وكل من كانت نفسه محظورة فإن قدر دياتهم سواء. وفي الإناث في جميعهن على النصف مما يجب في المذكور.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم) ش: وبه قال أحمد، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعمرو ابن دينار وإسحاق وأبي ثور، وروي عن عمر وعثمان أيضًا.
م: (وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم) ش: وبه قال عمر بن عبد العزيز وعروة وعمرو بن شعيب م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «عقل الكافر نصف عقل المسلم» ش: هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث عمرو(13/171)
والكل عنده اثنا عشر ألفا. وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية النصراني واليهودي أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم، ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» وكذلك قضى أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «دية المعاهد نصف دية المسلم» ، هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: «دية عقل الكافر نصف عقل المسلم» ، وقال حديث حسن. ولفظ النسائي: «عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين» ، وهم اليهود والنصارى.
م: (والكل عنده اثنا عشر ألفا) ش: أي كل الدية عند مالك اثنا عشر ألف درهم. فلذلك قال: دية اليهودي والنصراني ستة آلاف درهم.
م: (وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روى أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية النصراني واليهودي أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم» ش: هذا ذكره عبد الرزاق في " مصنفه ". أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن شعيب: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فرض على كل مسلم قتل رجلًا من أهل الكتاب أربعة آلاف» . لفظ [. . .] من أهل التخريج وقع هذا مفصلًا.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» ش:
هذا أخرجه أبو داود في "المراسيل " عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» ووقفه الشافعي في "مسنده " على سعيد قال: أخبرنا محمد بن الحسن الشيباني، أخبرنا محمد بن زيد، أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: دية كل معاهد في عهده ألف دينار.
م: (وكذلك قضى أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: روى محمد بن الحسن في كتاب "الآثار " قال أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم بن أبي الهيثم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قالوا: دية المعاهد دية الحر المسلم» . قال محمد: وبهذا قالوا.
م: (وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعرف راويه ولم يذكر في كتب الحديث) ش: وفيه نظر لأنا ذكرنا عن عبد الرزاق أخرجه ورواه الدارقطني في " سننه " وأراد: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل(13/172)
وما رويناه أشهر مما رواه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه ظهر به عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عقل أهل الكتاب من اليهود والنصارى على النصف من عقل المسلمين» . م: (وما رويناه) ش: وهو قوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وكل ذي عهد في عهده ألف دينار» م: (أشهر مما رواه مالك) ش: وهو قوله: عقل الكافر نصف عقل المسلم م: (فإنه) ش: أي فإن الذي رويناه م: (ظهر به عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والله أعلم) ش: وقد ذكرنا عن محمد عن أبي حنيفة عن الهيثم عن أبي الهيثم: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر وعثمان قالوا: دية المعاهد دية الحر المسلم» .
وروى عبد الرزاق في "مصنفه " عن مجاهد عن ابن مسعود قال: دية المعاهد مثل دية المسلم. وقال ذلك علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضًا.
وروى عبد الرزاق أخبرنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتبة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: دية كل ذمي مثل دية المسلم. قال أبو حنيفة هو قولي.
وروى عبد الرزاق أيضًا عن ابن جريج عن يعقوب بن عتبة وإسماعيل بن محمد وصالح قالوا: «عقل كل معاهد من أهل الكفر كعقل المسلمين، جرت بذلك السنة في أهل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .(13/173)
فصل فيما دون النفس قال: وفي النفس الدية وقد ذكرناه. قال: وفي المارن الدية، وفي اللسان الدية، وفي الذكر الدية. والأصل فيه ما روى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في النفس الدية، وفي اللسان الدية وفي المارن الدية» . وهكذا هو في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل فيما دون النفس]
[الدية في النفس]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الأحكام م: (وفيما دون النفس) ش: وأعقب ذكر النفس بذكر ما هو تبع لها وهو ما دون النفس.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي النفس الدية) ش: أي تجب الدية في النفس بسبب إتلافها كما يقال في النكاح حل وكلمة في يجيء النظر فيه فيما كان معناه الاحتواء ومعنى على في ما كان معناه الاستعلاء لقوله: في جذوع النخل. ومعنى السببية كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أربعين شاة، وهو قليل نادر م: (وقد ذكرناه) ش: أي في أول الجنايات بقوله: والدية متغلظة على القاتل.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي المارن الدية) ش: وهو قصبة الأنف م: (وفي اللسان الدية، وفي الذكر الدية) ش: أي وتجب كما ذكرنا.
والأصل أن ما في الإنسان من الأعضاء إن كان واحدًا ففيه الدية كاملة، وإن كان اثنين ففيهما الدية وفي إحداهما نصف الدية، وإن كان أربعة ففيها الدية وفي أحدها ربع الدية، وإن كان عشرة ففيها الدية وفي أحد الدية، وما فوت جنس المنفعة ففيه الدية لأن بفواته يفوت الآدمي من وجه ذكره في" المبسوط "، ولا نعلم فيه خلافا.
وذكر الكرخي في " مختصره " الأعضاء التي يجب بكل عضو فيها دية هي ثلاثة أعضاء: اللسان والأنف والذكر. فإذا استوعب الأنف جذعًا أو قطع منه المارن وحده وهو ما لان من الأنف عن العظم ففيه الدية كاملة. وكذلك إذا استوعب اللسان أو قطع منه ما يذهب بالكلام كله. وكذلك الذكر إذا استوعب أو لم يستوعب بالكلام أي أو قطع الحشفة وحدها ففيه الدية م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (ما روى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في النفس الدية، وفي اللسان الدية، وفي المارن الدية» ش: هذا غريب.
م: (وهكذا هو في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش:. هذا أخرجه النسائي في "سننه " وأبو داود في " مراسيله " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر ابن محمد بن حزم عن أبيه عن جده: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتابًا إلى أهل اليمن فيه(13/174)
والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس المنفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا في الآدمي على الكمال
يجب كل الدية لإتلافه النفس من وجه، وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي، وأصله قضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدية كلها في اللسان والأنف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم المكنى أبا الضحاك استعمله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نجران اليمن وهو يومئذ ابن سبع عشرة سنة وتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على نجران، وبقي إلى أن أدرك بيعة معاوية بن أبي سفيان لابنه يزيد. ومات بعد ذلك بالمدينة» .
م: (والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس المنفعة على الكمال أو أزال جمالًا مقصودًا في الآدمي على الكمال) ش: قيد بالكمال فيهما احترازًا مما ليس بكامل منهما حيث لا يجب كل الدية. فإن كان بفوت عضوًا مقصود كقطع لسان أخرس فإنه لا تجب فيه الدية لأنه لم يفت جنس منفعته ولا فوت جمالًا على الكمال. ذكره في " الذخيرة ".
وكذلك في آلة الخصي والعنين واليد الشلاء والرجل العرجاء والعين العوراء والسن السوداء لا يجب القصاص في العبد ولا في الدية في الخطأ وإنما فيه حكومة عدل.
فإن قيل: يشكل على قوله فوت جمالًا على الكمال كما لو سلخ جلد الوجه فإنه لا يجب كمال الدية وقد فوت جمالًا على الكمال؟ .
قلنا: ذكر شيخ الإسلام في " شرحه ": لا رواية في هذا ولكن مذهبنا وجوب الدية.
فإن قيل: يشكل بما لو قطع الأظفار حيث لا تجب الدية وقد فوت الجمال على الكمال.
قلت: لا رواية في هذا، فقد اختلف المشايخ فيه.
[الدية لإتلاف النفس]
م: (يجب كل الدية لإتلاف النفس من وجه، وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيما للآدمي) ش: والشرع ألحق الإتلاف من وجه بالإتلاف من كل وجه م: (وأصله قضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي حكمه عرفنا هذا لقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بالدية كلها في اللسان والأنف) ش: فقسنا غيره عليه.(13/175)
وعلى هذا تنسحب فروع كثيرة. فنقول: في الأنف الدية لأنه أزال الجمال على الكمال وهو مقصود، وكذا إذا قطع المارن أو الأرنبة لما ذكرنا، ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة لأنه عضو واحد، وكذا اللسان لفوات منفعة مقصودة وهو النطق، وكذا في قطع بعضه إذا منع الكلام لتفويت منفعة مقصودة وإن كانت الآلة قائمة، ولو قدر على التكلم ببعض الحروف، قيل: يقسم على عدد الحروف، وقيل: على عدد حروف تتعلق باللسان، فبقدر ما لا يقدر يجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى هذا) ش: أي على هذا الأصل م: (تنسحب فروع كثيرة) ش: بين منها بقوله م: (فنقول: في الأنف الدية لأنه أزال الجمال على الكمال وهو مقصود) ش: لأنه يعني مطلوب في الآدمي سواء قطع المارن دون القصبة أو قطع الأرنبة، ولو قطعهما لا يزاد على دية واحدة لأنهما عضو واحد م: (وكذا إذا قطع المارن أو الأرنبة) ش: أي أو قطع الأرنبة م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله: وقد فوت الجمال على الكمال.
وقال الشافعي: في المارن الدية وفي القصبة حكومة عدل.
م: (ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة لأنه عضو واحد) ش: وقد ذكرناه، لو قطع أنفه فذهب شمه فعليه ديتان لأن الشم في غير الأنف، فلا يدخل أحدهما في الآخر، كالسمع مع الأذن م: (وكذا اللسان) ش: يعني فيه الدية بلا خلاف لأحد م: (لفوات منفعة مقصودة وهو النطق) ش: والتكلم، والآدمي لا يفارق بهيميته إلا بالنطق. م: (وكذا في قطع بعضه) ش: يعني قيمة الدية. م: (إذا منع الكلام لتفويت منفعة مقصودة، وإن كانت الآلة قائمة) ش:، لأن الدية تجب بتفويت البعض فتجب الدية كاملة.
م: (ولو قدر على التكلم ببعض الحروف) ش: اختلف المشايخ فيه. م: (قيل: يقسم) ش: الدية م: (على عدد الحروف) ش: أي الحروف الثمانية والعشرين من حروف المعجم، وهو قول الأئمة الثلاثة. م: (وقيل: على عدد حروف تتعلق باللسان) ش: وهي الألف والتاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون. قيل كون الألف من ذلك فيه نظر لأنه من أقصى الحلق على ما عرف.
م: (فبقدر ما لا يقدر يجب) ش: أي فيقدر ما لا يمكنه إتيان حرف منها يلزمه ما يخصه من الدية. روي: أن رجلًا قطع طرف لسان رجل في زمن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأمره أن يقرأ ألف ب، ت، ث، فكلما قرأ حرفًا أسقط من الدية بقدر ذلك، وما لم يقرأ أوجب من الدية بحسابه.(13/176)
وقيل: إن قدر على أداء أكثرها يجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلاف، وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام، وكذا الذكر لأنه يفوت به منفعة الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به ودفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادة، وكذا في الحشفة الدية كاملة؛ لأن الحشفة أصل في منفعة الإيلاج والدفق والقصبة كالتابع له.
قال: وفي العقل إذا ذهب بالضرب الدية لفوات منفعة الإدراك إذ به ينتفع بنفسه في معاشه ومعاده. قال: وكذا إذا ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه لأن كل واحد منها منفعة مقصودة، وقد روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بأربع ديات في ضربة واحدة. ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[دية الذكر]
م: (وقيل: إن قدر على أداء أكثرها يجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الاختلاف، وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام، وكذا الذكر) ش: أي تجب فيه الدية بلا خلاف. م: (لأنه يفوت به منفعة الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به) ش: أي رمي البول بالذكر م: (ودفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادة) ش: قيد بالعادة أو قد يحصل الإعلاق بالسحق أيضًا، إلا أنه خلاف العادة، فإن البكر لو حملت بالسحق تعسر عليها الولادة فعلم أن بقطعه يفوت الإيلاد م: (وكذا في الحشفة) ش: أي وفي قطع الحشفة تجب م: (الدية كاملة لأن الحشفة أصل في منفعة الإيلاج والدفق والقصبة كالتابع له) ش: أي للحشفة والتذكير باعتبار المذكور. وفي " شرح الكافي ": وفي الأنثيين مع الذكر قالوا إذا قطع الكل بدفعة يجب ديتان، ولو قطعهما بدفعتين، أي قطع الذكر أولًا ثم الأنثيين تجب ديتان أيضًا، ولو قطع الأنثيين أولا ثم الذكر تجب في الأنثيين الدية وفي الذكر حكومة عدل فصار كذكر الخصي والضعيف.
[دية العقل إذا ذهب بالضرب]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي العقل إذا ذهب بالضرب الدية) ش: يعني إذا ضرب رأسه فذهب عقله يجب فيه الدية م: (لفوات منفعة الإدراك إذ به) ش: أي بالعقل م: (ينتفع بنفسه في معاشه) ش: أي في دنياه، م: (ومعاده) ش: أي وفي آخرته إذ العقل من أعظم ما يختص به الآدمي، يدرك الأشياء وبه يمتاز عن البهائم، فكان فيه منفعة مقصودة.
م: (قال: وكذا) ش: أي وكذا تجب الدية م: (إذا ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه لأن كل واحد منهما منفعة مقصودة، وقد روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب بها العقل والكلام والسمع والبصر) ش: روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا أبو خالد عن عوف الأعرابي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت شيخًا في زمن الجماجم فعنت فعنة فقيل ذاك أبو مهلب عم أبي قلابة قال رمى رجل رجلًا بحجر في رأسه في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله(13/177)
قال: وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال. قال: وفي شعر الرأس الدية لما قلنا، وقال مالك، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيهما حكومة عدل؛ لأن ذلك زيادة في الآدمي، ولهذا يحلق شعر الرأس كله واللحية بعضها في بعض البلاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه - فذهب سمعه وعقله ولسانه وذكره فلم يضرب النساء، فقضى بها عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بأربع ديات، وهو حر، انتهى.
واختلف في طريق التفسير في معرفة ذهاب هذه الحواس فقيل: إذا صدقه الجاني. أو استحلف على الثبات ونكل ثبت فواتها وقيل: يعتبر فيه الدلائل الموصلة إلى ذلك، فإن لم يحصل العلم بذلك يعتبر فيه الدعوى والإنكار وطريق معرفة السمع أن يتغافل وينادى فإن أجاب علم أنه يسمع.
وحكى الناطفي عن أبي حازم القاضي والقدوري عن إسماعيل بن حماد أن رجلًا ضرب على رأس امرأته، فزعمت أن سمعها ذهب، فاشتغل إسماعيل بالقضاء ثم التفت إليها وهي غافلة فقال: استري عورتك، فجعلت تلم ثيابها فعلم أنها سامعة.
وقال أبو يوسف في " المنتقى ": لا نعرف ذهاب السمع والقول فيه للجاني، وأما طريق معرفة ذهاب البصر قال محمد بن مقاتل الرازي يستقبل الشمس مفتوح العين فإن دمعت عينه علم أن البصر باق فإن لم تدمع علم أن البصر ذاهب، وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يلقى بين يديه حية، فإن هرب من الحية علم أنه لم يذهب بصره، وقال محمد في الأصل: إن لم يعلم بما ذكرنا يعتبر فيه الدعوى والقول للجاني مع يمينه على الثبات.
وفي " شرح الكافي ": يدخل أرش الأمة في الدية لأن هذا جناية واحدة في موضع واحد فإذا وجب في العقل الدية لم يجب فيها شيء، وطريق معرفة ذهاب الشم أن يوضع بين يديه ما له رائحة كريهة، فإن اتقى من ذلك علم أنه لم يذهب شمه، قاله في " شرح الطحاوي ".
[دية اللحية إذا حلقت فلم تنبت]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت) ش: أي عرضها يجب م: (الدية لأنه يفوت به منفعة الجمال. قال وفي شعر الرأس الدية) ش: سواء كان شعر رجل أو امرأة أو كبير أو صغير، ويؤجل سنة فإن نبت لم تجب الدية، وإن مات قبل مضي السنة لا شيء فيه، وبه قال الثوري وأحمد. م: (لما قلنا) ش: وهو أنه يفوت به الجمال. م: (وقال مالك، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب فيهما) ش: أي في اللحية وشعر الرأس، م: (حكومة عدل) ش: إذا حلقا ولم ينبتا م: (لأن ذلك زيادة في الآدمي، ولهذا يحلق شعر الرأس كله واللحية بعضها) ش: أي يحلق بعض اللحية م: (في بعض البلاد) ش: لو كان جمالا لم يحلقوا. وقد يكون عدم اللحية جمالًا في بعض الأحوال، وأهل الجنة كلهم أمرد. فلو كان ذلك من جملة الجمال الأصلي(13/178)
وصار كشعر الصدر والساق، ولهذا يجب في شعر العبد نقصان القيمة. ولنا: أن اللحية في وقتها جمال وفي حلقها تفويته على الكمال فتجب الدية كما في الأذنين الشاخصتين، وكذا شعر الرأس جمال، ألا ترى أن من عدمه خلقة يتكلف في ستره بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به جمال. وأما لحية العبد: فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب فيها كمال القيمة، والتخريج على الظاهر أن المقصود بالعبد المنفعة بالاستعمال دون الجمال بخلاف الحر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لكان أهل الجنة أولى به.
م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كشعر الصدر والساق) ش: إذا ليس فيه الجمال.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون شعر الرأس زيادة في الآدمي م: (يجب في شعر العبد نقصان القيمة) ش: يعني إذا حلق شعره يجب فيه ما ينقص من قيمته.
م: (ولنا: أن اللحية في وقتها جمال وفي حلقها تفويته على الكمال فتجب الدية) ش: وروي: أن لله تعالى ملائكة يسبحون سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب، والدليل على أن اللحية جمال أن الرجل إذا بلغ حد الكهولة والشيخوخة ولم يثبت له لحية يسمج في الأعين، وإنما لا يسمج في حالة الطراوة والصغر، وأما في حالة الضمور والكبر فلا شك أنه يعد شيئًا.
والرأس إذا حلق ولم ينبت يظهر فيه القرع بعد زمن عليه، فإن القرع عيب في الناس ولهذا يتكلف الأقرع في ستر رأسه كما يتكلف بستر سائر عيوبه.
م: (كما في الأذنين الشاخصتين) ش: أي المرتفعتين من شخص بالفتح: ارتفع، فإن فيه تفويت منفعة الجمال مع بقاء السمع، وتجب الدية كاملة.
م: (وكذا شعر الرأس جمال، ألا ترى أن من عدمه) ش: أي من عدم شعر الرأس م: (خلقة) ش: أي من حيث الخلقة م: (يتكلف في ستره بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به جمال) ش: أي وقد ذكرناه الآن م: (وأما لحية العبد فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجب فيها كمال القيمة) .
وهي رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارًا بالدية في الحر لفوات الجمال.
م: (والتخريج على الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن المقصود بالعبد المنفعة بالاستعمال دون الجمال) ش: فيجب نقصان القيمة م: (بخلاف الحر) ش: فإن المقصود فيه الجمال ولو حلق بعض اللحية ولم ينبت قيل يجب فيه حكومة عدل.
وفي " شرح الكافي ": والصحيح أنه يجب فيه كل الدية لأن هذا في الشين فوق ملا لحية له(13/179)
قال: وفي الشارب حكومة عدل هو الأصح لأنه تابع للحية فصار كبعض أطرافها.
وقال: لحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة فلا شيء في حلقه لأن وجوده يشينه ولا يزينه وإن كان أكثر من ذلك وكان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل، لأن فيه بعض الجمال وإن كان متصلا ففيه كمال الدية لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال، وهذا كله إذا فسد المنبت، فإن نبتت حتى استوى كما كان لا يجب شيء؛ لأنه لم يبق أثر الجناية ويؤدب على ارتكابه ما لا يحل، وإن نبتت بيضاء فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجب شيء في الحر لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصلا.
وكان أبو جعفر الهندواني يقول في اللحية: إنما يجب بها كمال الدية إذا كانت لحيته كاملة يتجمل بها، وأما إذا كانت طاقات متفرقة لا يتجمل بها فلا شيء فيها وإن كانت غير متوفرة، ولا يقع بها جمال كامل وليست مما يشين ففيها حكومة عدل، ولو حلق فنبت أبيض إن كان في أوانه لا يجب شيء، وإن كان في غير أوانه اختلف مشايخنا فيه. والصحيح أنه يجب فيه حكومة عدل.
وقال في " شرح الطحاوي ": ولو حلق رأسه فنبت أبيض والرجل شاب. قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الحر لا يجب شيء وفي العبد يجب النقصان، وقال: يجب حكومة العدل في الحر والعبد، وفي " الواقعات " رجل حلق لحية رجل، فإن كانت لحية متصلة أو خفيفة أو رقيقة أو كثيفة ففيه الدية إن لم تنبت، وإن كان كوسجًا فعليه فيها حكومة عدل بعدما ينتظر سنه فلم تنبت، فإن كان عمدًا ففي ماله لأن العاقلة لا تعقل العمد، وإن كان خطأ فعلى عاقلته كما في قتل الخطأ والعمد.
م: (قال) ش: أي المصنف م: (وفي الشارب حكومة عدل) ش: ناقله الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأجناس م: (هو الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ أنه يجب فيه كمال الدية لأنه عضو على حدة. قال المصنف: م: (لأنه) ش: أي لأن الشارب م: (تابع للحية فصار كبعض أطرافها) ش: أي كبعض أطراف اللحية فإذا حلق بعض أطراف اللحية يجب حكومة عدل فكذا هذا.
[دية حلق لحية الكوسج]
م: (قال: ولحية الكوسج إن كان على ذقنه شعرات معدودة فلا شيء في حلقه لأن وجوده يشينه ولا يزينه، وإن كان أكثر من ذلك وكان على الخد والذقن جميعا لكنه غير متصل ففيه حكومة عدل لأن فيه بعض الجمال، وإن كان متصلًا ففيه كمال الدية لأنه ليس بكوسج وفيه معنى الجمال وهذا كله إذا فسد المنبت فإن نبتت حتى استوى كما كان لا يجب شيء لأنه لم يبق أثر الجناية ويؤدب) ش: أي الحالق م: (على ارتكابه ما لا يحل وإن نبتت بيضاء فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب شيء في الحر لأنه(13/180)
يزيده جمالا، وفي العبد تجب حكومة عدل، لأنه ينقص قيمته، وعندهما تجب حكومة عدل لأنه في غير أوانه يشينه ولا يزينه، ويستوي العمد والخطأ، على هذا الجمهور. وفي الحاجبين الدية، وفي إحداهما نصف الدية وعند مالك والشافعي - رحمهما الله - تجب حكومة عدل، وقد مر الكلام فيه في اللحية.
قال: وفي العينين الدية، وفي اليدين الدية، وفي الرجلين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأذنين الدية، وفي الأنثيين الدية، كما روي في حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية» وفيما كتبه النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعمرو بن حزم: «وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يزيده جمالا، وفي العبد تجب حكومة عدل لأنه ينقص قيمته، وعندهما تجب حكومة عدل) ش: في الحر أيضا م: (لأنه في غير أوانه يشينه ولا يزينه، ويستوي العمد والخطأ) ش: يعني في شعر الرأس واللحية، وكذا في شعر الحاجب.
م: (على هذا الجمهور) ش: احترز به عن رواية " النوادر "، وقاله الأترازي، وقال الكاكي: وقال بعض الناس وهم أصحاب الظاهر: يجب في شعر الحاجب واللحية في العمد القصاص.
قيل: صورة حلق شعر الرأس واللحية خطأ هي: أن يظنه مباح الدم فحلق ثم ظهر أنه غير مباح.
م: (وفي الحاجبين الدية، وفي إحداهما: نصف الدية) ش: يعني إذا حلق الحاجبين أو تبعا فلم ينبتا تجب الدية لأنه أزال الجمال على الكمال. م: (وعند مالك والشافعي - رحمهما الله -: تجب حكومة عدل) ش: لأنهما لا يوجبانه في الشعر ولا يجب القصاص بالاتفاق م: (وقد مر الكلام فيه وفي اللحية) ش: أي عند قوله: وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية.
[دية العينين واليدين والرجلين والشفتين والأذنين]
م: (قال) ش: أي القدوري م: «وفي العينين الدية، وفي اليدين الدية، وفي الرجلين الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الأذنين الدية، وفي الأنثيين الدية» ، كما روى في حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: هذا غريب.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية وفيما كتبه النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعمرو بن حزم: «وفي العينين الدية، وفي إحداهما نصف الدية» ش: تقدير هذا في الفصل المذكور، وفيما كتب لعمرو بن حزم: «وفي العين الواحدة نصف الدية، وفي اليد الواحدة نصف الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية» .(13/181)
ولأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال فيجب كل الدية، وفي تفويت إحداهما تفويت النصف فيجب نصف الدية.
قال: وفي ثديي المرأة لما فيه من تفويت جنس المنفعة وفي إحداهما نصف دية المرأة لما بينا بخلاف ثديي الرجل حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة والجمال وفي حلمتي المرأة الدية كاملة لفوات جنس منفعة الإرضاع وإمساك اللبن وفي إحداهما نصفها لما بيناه.
قال: وفي أشفار العينين الدية، وفي إحداها ربع الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يحتمل أن مراده الأهداب مجازا كما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن في تفويت الاثنين من هذه الأشياء تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال، فيجب كل الدية، وفي تفويت إحداهما تفويت النصف فيجب نصف الدية) .
[دية ثديي المرأة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي ثديي المرأة الدية لما فيه من تفويت جنس المنفعة، وفي إحداهما نصف دية المرأة لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن تفويت الاثنين من هذه الأشياء إلى قوله: فيجب نصف الدية.
م: (بخلاف ثدي الرجل) ش: بضم الثاء المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي م: (حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة والجمال، وفي حلمتي المرأة الدية كاملة لفوات جنس منفعة الإرضاع وإمساك اللبن) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال الثوري ومالك: إن ذهب اللبن وجبت الدية وإلا تجب حكومة عدل.
م: (وفي إحداهما) ش: أي في إحدى الحلمتين م: (نصفها) ش: أي نصف الدية م: (لما بيناه) ش: أي عند قوله: لأن في تفويت الاثنين إلى آخره.
وقال الكرخي: وإن قطع الحلمة من ثدي المرأة وحدها أو قطع الثدي وفيه الحلمة فيه نصف الدية للحلمة والثدي، وسواء كان ذلك بضربة أو ضربتين إذا كان ذلك قبل البرء من الأول.
وفي " الجمهرة ": حلمتا الثدي النابتتان في طرفه، وهما أول الحياة.
[دية أشفار العينين]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي أشفار العينين) ش: الأشفار جمح الشفر بالضم وهو منبت الأهداب، وهو جمع هدب، وهو الشعر الذي على الأجفان م: (الدية) ش: أي تجب الدية، م: (وفي إحداهما) ش: أي في أحد الأشفار م: (ربع الدية) ش: هذا عند أكثر أهل العلم.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:) ش: أي المصنف م: (يحتمل أن مراده) ش: أي مراد القدوري من الأشفار م: (الأهداب مجازا) ش: أي من حيث المجاز م: (كما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: حيث جعل الأشفار اسما للشعر الذي ينبت على حروف العين، وقد خطأه أهل(13/182)
للمجاورة كالرواية للقربة وهي حقيقة في البعير، وهذا لأنه يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة، وهي منفعة دفع الأذى والقذى عن العين إذ هو يندفع بالهدب، وإذا كان الواجب في الكل كل الدية وهي أربعة كان في أحدها ربع الدية، وفي ثلاثة منها ثلاثة أرباعها، ويحتمل أن يكون مراده منبت الشعر والحكم فيه هكذا، ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة؛ لأن الكل كشيء واحد وصار كالمارن مع القصبة.
قال: وفي كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في كل أصبع عشر من الإبل»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اللغة في هذا كما لو استعار منابت الشعور والشعور تسمى أهدابا.
وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دفعا لتخطئتهم محمدا بقول: يحتمل أن يكون بطريق المجاز م: (للمجاورة) ش: من طريق إطلاق اسم المحل على الحال، والمجاز تتابع في كلام العرب لا ينكره إلا من لا معرفة له من العلوم.
وذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - نظيرا لهذا المجاز بقوله: م: (كالرواية للقربة وهي حقيقة في البعير) ش: أي الرواية حقيقة في البعير لأن البعير الذي يحمل عليه الماء الرواية وكثر ذلك حتى سموا القربة رواية مجازا للمجاورة كما سمي المطر سماء.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من وجوب الدية في أشفار العينين وفي أحدهما ربع الدية م: (لأنه يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة، وهي منفعة دفع الأذى والقذى) ش: وهو الذي يقع في العين. م: (عن العين إذ هو يندفع بالهدب، وإذا كان الواجب في الكل) ش: أي في كل الأشفار م: (كل الدية وهي أربعة كان في أحدها ربع الدية، وفي ثلاثة منها ثلاثة أرباعها) ش: أي ثلاثة أرباع الدية.
م: (ويحتمل أن يكون مراده منبت الشعر) ش: هذا عطف على قوله: يحتمل مراده الأهداب مجازا أي ويحتمل أن يكون مراد القدوري من الأشفار الحقيقة وهو منبت الشعر م: (والحكم فيه هكذا) ش: والحاصل كلام القدوري يحتمل الحقيقة والمجاز جميعا، والحكم في الكل واحد.
قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة لأن الكل كشيء واحد وصار كالمارن مع القصبة) ش: أي قصبة الأنف، وفي " التحفة ": إذا قطع الأجفان التي لا أشفار لها تجب حكومة العدل.
[دية أصابع اليدين والرجلين]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في كل أصبع عشر من الإبل» ش: هذا روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، منهم أبو موسى الأشعري -(13/183)
ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنفعة وفيه دية كاملة، وهي عشر فتنقسم الدية عليها. قال: والأصابع كلها سواء لإطلاق الحديث، ولأنها سواء في أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة فيه كاليمين مع الشمال، وكذا أصابع الرجلين لأنه يفوت بقطع كلها منفعة المشي فتجب الدية كاملة ثم فيهما عشر أصابع فتنقسم الدية عليها أعشارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرجه أبو داود والنسائي - رحمهما الله - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأصابع سواء في كل أصبع عشر من الإبل» ومنهم ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرجه عنه الترمذي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشرة من الإبل في كل أصبع» وقال: حديث حسن صحيح غريب.
ومنهم عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الأصابع كلها سواء في كل أصبع واحد عشر من الإبل» م: (ولأن في قطع الكل تفويت جنس المنفعة وفيه دية كاملة، وهي عشر فتنقسم الدية عليها) ش: أعشارا أي على الأصابع عشرا في كل أصبع عشر من الإبل
م: (قال) ش: أي القدوري م: (والأصابع كلها سواء) ش: أي أصابع اليدين وأصابع الرجلين كلها سواء م: (لإطلاق الحديث) ش: المذكور، وهو مذهب علي " وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ولا نعلم فيه خلافا إلا رواية عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قضى في الإبهام بثلاثة عشر إبلًا، وفي التي تليها اثني عشر، وفي الوسطى بعشرة وفي التي تليها تسعة وفي الخنصر ستة. وروي عنه كقول العامة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن الأصابع م: (سواء في أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة فيه) ش: أي في البعض م: (كاليمين مع الشمال) ش: يعني هما سواء في إيجاب الحكم حيث تجب الدية فيهما على السواء، وإن كانت منفعة اليمين أكثر م: (وكذا أصابع الرجلين لأنه يفوت بقطع كلها منفعة المشي فتجب الدية كاملة ثم فيهما) ش: أي في الرجلين م: (عشر أصابع فتنقسم الدية عليها أعشارا)(13/184)
قال: وفي كل أصبع فيها ثلاثة مفاصل، ففي أحدها ثلث دية الأصبع، وما فيها مفصلات ففي أحدهما نصف دية الأصبع وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع.
قال: وفي كل سن خمس من الإبل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وفي كل سن خمس من الإبل» والأسنان والأضراس كلها سواء لإطلاق ما روينا، ولما روي في بعض الروايات: والأسنان كلها سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي عشر في كل أصبع.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي كل أصبع فيها ثلاثة مفاصل، ففي أحدها ثلث دية الأصابع، وما فيها مفصلان ففي أحدهما نصف دية الأصبع، وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع) ش: هذا ليس فيه خلاف إلا ما حكي عن مالك أنه قال: للإبهام أيضا ثلاثة أحدها بباطنه، وليس بصحيح لأن الاعتبار يقتضي وجوب العشر في الظاهر لا ما بطن منها، وأصابع اليدين والرجلين سواء بلا خلاف.
[دية الأسنان والأضراس]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي كل سن خمس من الإبل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وفي كل سن خمس من الإبل» ش: وأخرج ابن ماجه من حديث عكرمة عن ابن عباس: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في السن خمسا من الإبل» .
م: (والأسنان والأضراس كلها سواء لإطلاق ما روينا) ش: أشار به إلى حديث عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال فيه: «وفي السن خمس من الإبل» . م: (ولما روي في بعض الروايات: «والأسنان كلها سواء» ش: هذا رواه البزار في مسنده من حديث عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الثنية والضرس سواء والأسنان كلها سواء، وهذه سواء» . وقال الأترازي: قال القدوري: والأسنان والأضراس كلها سواء، وكان من حق الكلام أن يقال: والأسنان كلها سواء بلا ذكر الأضراس، ويقال: والأنياب والأضراس سواء، لأن الضرس دخل تحت السن لأن السن يشمله والعطف يوهم المغايرة بين السن والضرس. انتهى.(13/185)
ولأن كلها في أصل المنفعة سواء فلا يعتبر التفاضل كالأيدي والأصابع، وهذا إذا كان خطأ فإن كان عمدا ففيه القصاص، وقد مر في الجنايات.
قال: ومن ضرب عضوا فأذهب منفعته ففيه دية كاملة كاليد إذا شلت، والعين إذا ذهب ضوؤها لأن المتعلق تفويت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأكمل: قوله: والأسنان والأضراس كلها سواء، قالوا: فيه نظر، والصواب: وكان من حق الكلام أن يقال: والأسنان كلها سواء، ويقال: والأنياب والأضراس كلها سواء لأن السن اسم جنس يدخل تحته اثنان وثلاثون أربع منها ثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنان فوق واثنان أسفل، ومثلها رباعيات، وهي ما يلي الثنايا ومثلها أنياب تلي الرباعيات، ومثلها أضراس تلي الأنياب، واثنتي عشرة سنا تسمى الطواحين من كل جانب ثلاث فوق وثلاث أسفل وبعدهن اثنان أخريان، وهي آخر الأسنان، وتسمى النواجذ، وهي في أقصى الأسنان وهي جمع ناجذ، وتسمى سن الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وقت كمال العقل، فلا يصح أن يقال: الأسنان والأضراس سواء لعوده إلى معنى الأسنان وبعضها سواء. انتهى.
قلت: يمكن منع النظر من حيث المغايرة بين الأضراس والأسنان حاصلة من جهة التسمية، لأن غير الضرس من الأسنان، فمن هذه الحيثية لا تتوهم المغايرة. وفي " الخلاصة ": لو ضرب سن رجل حتى تحولت وسقطت إن كان خطأ تجب خمسمائة على العاقلة، وإن كان عمدا يقتص وفي التساوي الصغير إذا قلع سن البالغ لا يستأني لأن النبات بعد البلوغ نادر، ولو قطع سن الصبي يستأنى حولًا لأن النبات ليس بنادر. ومع هذا لو قلع سن البالغ ثم نبت لا شيء عليه " وفي " الخلاصة ": إشارة إلى أنه يؤجل في البالغ. وفي نسخة الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يستأنى حولًا في الكبير الذي لا يرجى نباته في الكسر والقطع " وهكذا في " شرح الشافي " وهكذا في" المنتقى " قال: وبالأول يقضي أنه لا يؤجل ولو قطع جميع أسنانه يجب ستة عشر ألفا، لأن أسنانه تكون ثمانية وعشرين.
حكي عن امرأة قالت لزوجها: يا كوسج " فقال: إن كنت كوسجا فأنت طالق. سئل أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ذلك فقال: تعد أسنانه إن كانت ثمانية وعشرين فهو كوسج م: (ولأن كلها) ش: أي كل الأسنان م: (في أصل المنفعة سواء فلا يعتبر التفاضل كالأيدي والأصابع) ش: أي كما لا يعتبر التفاوت في الأيدي والأصابع لأن كلها سواء في جنس المنفعة.
م: (وهذا) ش: أي الذي ذكره كله م: (إذا كان خطأ فإن كان عمدا ففيه القصاص، وقد مر في الجنايات) .
[دية من ضرب عضوا فأذهب منفعته]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن ضرب عضوا فأذهب منفعته ففيه دية كاملة كاليد إذا شلت والعين إذا ذهب ضوؤها لأن التعلق) ش: أي الموضع الذي يتعلق به وجوب كل الدية م: (تفويت(13/186)
جنس المنفعة لا فوات الصورة
ومن ضرب صلب غيره فانقطع ماؤه تجب الدية لتفويت جنس المنفعة. وكذا لو أحدبه لأنه فوت جمالا على الكمال وهو استواء القامة فلو زالت الحدوبة لا شيء عليه لزوالها لا عن أثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جنس المنفعة لا فوات الصورة) ش: لأن الصورة قائمة.
فإن قيل: ذكر في " المبسوط " أن في اليد الشلاء وفقء العين العوراء حكومة عدل، وذكر هنا أن في إذهاب منفعة اليدين مع بقاء الصورة كمال الدية فعلم أن الصورة والمعنى كل واحد متعين يوجب شيئا يحق له. فينبغي أن يحب بقطع اليدين الصحيحتين الدية مع الحكومة، فالدية لإزالة المنفعة والحكومة لإزالة الصورة قلنا نعم، كذلك، إلا أنه أدخل الأقل في الأكثر كما لو شج فذهب العقل دخل أرش الموضحة في الدية.
م: (ومن ضرب صلب غيره فانقطع ماؤه تجب الدية لتفويت جنس المنفعة) ش: وهو النسل م: (وكذا) ش: أي تجب الدية م: (لو أحدبة) ش: أي ضرب ظهره فحدث من ذلك م: (لأنه فوت جمالا على الكمال وهو استواء القامة، ولو زالت الحدوبة لا شيء عليه لزوالها لا عن أثر) ش: ولو بقي أثر الضربة بعد زوال الحدبة، ويلزم حكومة عدل لأنه زال به النفع الذي تجب به كل الدية.(13/187)
فصل في الشجاج قال: الشجاج عشرة: الحارصة: وهي التي تحرص الجلد أي تخدشه ولا تخرج الدم. والدامعة: وهي التي تظهر الدم ولا تسيله كالدمع في العين. والدامية: وهي التي تسيل الدم. والباضعة: وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه. والمتلاحمة: وهي التي تأخذ في اللحم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الشجاج]
[أنواع الشجاج]
م: (فصل في الشجاج) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الشجاج وهو جمع شجة، ولما كان الشجاج نوعا من أنوع ما دون النفس وتكاثرت مسألة ذكرها في فصل.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (الشجاج عشرة) ش: أي عشرة أنواع وجه انحصارها في العشرة يظهر بحسب على تعاقب آثارها الأولى م: (الحارصة) ش: بالحاء والصاد المهملتين ومنه قولهم: حرص القصار الثوب، إذا خرفه في الدق م: (وهي التي تحرص الجلد أي تخدشه) ش: من الخدش بالخاء والشين المعجمتين وهو قطع الجلد م: (ولا تخرج) ش: أي الحاصرة لا يخرج م: (الدم، والدامعة) ش: أي الثانية من الشجاج هي التي تسمى بالدامعة م: (وهي التي تظهر الدم ولا تسيله) ش: بضم التاء من الإسالة فهي لا تسيل الدم ولكن يظهر م: (كالدمع في العين) ش: يظهر ولا يسيل.
م: (والدامية) ش: وهو بالتحريك.
وقال سيبويه: دمي بالتسكين، وقال المبرد: بالتحريك. وقال الجوهري:
يقال: دمى الشيء يدمي دمي ودميا فهو دم مثل فرق يفرق فرقا فهو فرق. قلت: لم يقل " فهو دام " فدل على أن الفاعل منه لا يجيء إلا على وزن الصفة المشبهة وعلى ما ذكره الفقهاء يكون دام وأصله دامي فاعل إعلال ماض.
وللتأنيث يقال: دامية م: (وهي التي تسيل الدم) ش: بضم التاء من الإسالة م: (والباضعة) ش: أي الشجة الرابعة هي التي تسمى بالباضعة م: (وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه) ش: من البضع وهو الشق والقطع، وفي " المغرب ": الباضعة هي التي جرحت الجلد وشقت اللحم. م: (والمتلاحمة) ش: أي الشجة الخامسة التي تسمى بالمتلاحمة م: (وهي التي تأخذ في اللحم) ش: وفي " المغرب ": المتلاحمة من الشجاج التي تشق اللحم دون العظم ثم يتلاحم بعد شقها أي تتلاحم وتتلاصق.
وقال الأزهري: الوجه أن يقال: اللاحمة، أي القاطعة اللحم، وإنما سميت بذلك على التأول إليه، أي على التفاؤل، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي قبل الباضعة، وهي التي يتلاحم(13/188)
والسمحاق: وهي التي تصل إلى السمحاق، وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس. والموضحة: وهي التي توضح العظم أي تبينه. والهاشمة: وهي التي تهشم العظم. والمنقلة: وهي التي تنقل العظم بعد الكسر، أي تحوله. والآمة: وهي التي تصل إلى أم الرأس، وهو الذي فيه الدماغ.
قال: ففي الموضحة القصاص، إن كانت عمدا لما روي: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى بالقصاص في الموضحة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيها الأحمر الدم ويسود. ولا يبضع اللحم. م: (والسمحاق) ش: أي الشجة السادسة هي التي تسمى بالسمحاق م: (وهي التي تصل إلى السمحاق، وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس) . ش: وفي " المغرب ": السمحاق، جلدة رقيقة فوق عظم الرأس إذا انتهت إليه الشجة يسمى سمحاق ومنه قيل للعظم الرقيق سماحيق م: (والموضحة) ش: أي الشجة السابعة تسمى بالموضحة م: (وهي التي توضح العظم أي تبينه) ش: وفي " المغرب ": يقال أوضحت الشجة في رأسه وأوضح فلان في رأس فلان إذا شج هذه الشجة، وإما قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " أنه شجه فأوضحه " فلم أجده إلا في رسالته م: (والهاشمة) ش: أي الشجة الثامنة هي التي تسمى بالهاشمة م: (وهي التي تهشم العظم) ش: من الهشم، وهو كسر الشيء الرخو من باب ضرب. م: (والمنقلة) ش: أي الشجة التاسعة، هي التي تسمى بالمنقلة م: (وهي التي تنقل العظم بعد الكسر، أي تحوله) ش: من وضع إلى موضع آخر.
م: (والآمة) ش: بالمد وتشديد الميم، وهي الشجة العاشرة م: (وهي التي تصل إلى أم الرأس، وهو الذي فيه الدماغ) ش: وفي " المغرب " وإنما قيل للشجة: آمة، ومأمومة، على معنى ذات أم كعيشة راضية، وجمعهما: أوام ومأمومات.
وقال القدوري في "شرحه ": ثم الدامغة وهي التي تجرح الجلد وتصل إلى الدماغ. فهذه إحدى عشرة شجة. ولم يذكر فيها محل الحارصة ولا الدامية، لأن الحارصة لم يبق لها أثر في الغالب.
والشجة التي لا أثر لها في الغالب لا حكم لها. ولم يذكر الدامغة، لأن الإنسان لا يعيش معها، فلا معنى لإثبات حكم الشجاج فيها. وما سوى ذلك فالحكم فيه مختلف على ما يجيء، إن شاء الله تعالى.
[القصاص في الموضحة إن كانت عمدا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ففي الموضحة القصاص إن كانت عمدا لما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «قضى بالقصاص في الموضحة» ش: هذا حديث غريب.(13/189)
ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان، فيتحقق القصاص.
قال: ولا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها لأنه لا حد ينتهي السكين إليه، ولأن فيما فوق الموضحة كسر العظم ولا قصاص فيه. وهذه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد في " الأصل " - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ظاهر الرواية -: يجب القصاص فيما قبل الموضحة؛ لأنه يمكن اعتبار المساواة فيه، إذ ليس فيه كسر العظم، ولا خوف هلاك غالب فيسبر غورها بمسبار، ثم تتخذ حديدة بقدر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأخرج البيهقي، عن عطاء قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل ملك ولا قصاص فيما دون الموضحة من الجراحات» . وهو مرسل.
وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " عن الحسن وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عنهم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقض فيما دون الموضحة بشيء» ، م: (ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان، فيتحقق القصاص) ش: لأن عند المساواة تتحقق المماثلة، فيتحقق القصاص لأن عند المساواة تتحقق المماثلة، فيتحقق الاستيفاء.
[القصاص فيما قبل الموضحة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها) ش: أي في بقية الشجاج م: (لأنه لا حد ينتهي السكين إليه) ش: فلا يوجد المساواة م: (ولأن فيما فوق الموضحة كسر العظم ولا قصاص فيه) ش: أي في العظم.
م: (وهذه) ش: أي المذكور. م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواها الحسن عنه وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (وهو ظاهر الرواية: يجب القصاص فيما قبل الموضحة) ش: أي دون الموضحة في الأثر كالسمحاق ونحوه.
وفي " الكافي ": هذا هو الصحيح، لظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . ويمكن اعتبار المساواة كما ذكره في المتن، وهو قول مالك م: (لأنه يمكن اعتبار المساواة فيه، إذ ليس فيه كسر العظم، ولا خوف هلاك غالب فيسبر غورها بمسبار) .
ش: يقال: سبرت الجرح أسبره إذا نظرت ما غوره، والمسبار، بكسر الميم ما يسبر به الجرح، والتسبار مثله. وكل أمر رزوته فقد سبرته واستبرته. كذا في " الصحاح " قوله: رزوته بالراء ثم بالزاي قاله الجوهري رزوته أروزه روازة أي خبرته وخبرته م: (ثم تتخذ حديدة بقدر(13/190)
ذلك فيقطع بها مقدار ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص.
قال: وفيما دون الموضحة حكومة عدل؛ لأنه ليس فيها أرش مقدر، ولا يمكن إهداره، فوجب اعتباره بحكم العدل، وهو مأثور عن النخعي وعمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال: وفي الموضحة، إن كانت خطأ نصف عشر الدية، وفي الهاشمة عشر الدية، وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشر الدية، وفي الآمة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، فإن نفذت فهما جائفتان ففيهما ثلثا الدية لما روي في كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي الموضحة خمس من الإبل، وفي الهاشمة عشر، وفي المنقلة خمسة عشر، وفي الآمة، ويروى المأمومة: ثلث الدية» . وقال- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «في الجائفة ثلث الدية» . وعن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك، فيقطع بها مقدار ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص) .
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وفيما دون الموضحة حكومة عدل) ش: أي فيما دون الموضحة من حيث الأثر، وقيل: الموضحة من حيث الذكر " وهي من الخارصة إلى السمحاق.
م: (لأنه ليس فيها أرش مقدر، ولا يمكن إهداره، فوجب اعتباره بحكم العدل، وهو مأثور عن النخعي وعمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) .
ش: أما [أثر] إبراهيم النخعي، فرواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري، عن حماد عن إبراهيم، قال: فيما دون الموضحة حكومة. ورواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان به " وأما أثر عمر بن عبد العزيز فغريب
[في الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة عشروفي المنقلة خمسة عشر]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وفي الموضحة، إن كانت خطأ، نصف عشر الدية. وفي الهاشمة عشر الدية. وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشر الدية. وفي الآمة ثلث الدية. وفي الجائفة ثلث الدية، فإن نفذت فهما جائفتان، ففيهما ثلثا الدية لما روي في كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «وفي الموضحة: خمس من الإبل، وفي الهاشمة عشر، وفي المنقلة خمسة عشر، وفي الآمة، ويروى المأمومة، ثلث الدية» ش: وقد تقدم هذا في كتاب عمرو بن حزم.
م: (وقال- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «في الجائفة ثلث الدية» ش: هذا أيضا تقدم في حديث عمرو بن حزم. وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه ": حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن أشعث عن الزهري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في الجائفة بثلث الدية» .
م: (وعن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية)(13/191)
ولأنها إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين: إحداهما من جانب البطن، والأخرى من جانب الظهر، وفي كل جائفة ثلث الدية، فلهذا وجب في النافذة ثلثا الدية. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جعل المتلاحمة قبل الباضعة، وقال: هي التي يتلاحم فيها الدم ويسود، وما ذكرناه بدءا مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا اختلاف عبارة لا يعود إلى معنى وحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا ابن جريج عن داود بن أبي عاصم قال: سمعت ابن المسيب قال: قضى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في الجائفة تكون نافذة بثلثي الدية. وقال: إنهما جائفتان.
قال سفيان: ولا تكون الجائفة إلا في الجوف.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن الجائفة م: (إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين إحداهما من جانب البطن والأخرى من جانب الظهر، وفي كل جائفة ثلث الدية، فلهذا وجب في النافذة ثلثا الدية) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم، وقال ابن عبد البر: لا أعلمهم يختلفون في ذلك.
وحكي عن بعض أصحاب الشافعي وعن أبي حنيفة في رواية أنه جائفة واحدة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جعل المتلاحمة قبل الباضعة) ش: أي في الذكر م: (وقال) ش: أي محمد م: (هي التي يتلاحم فيها الدم ويسود) ش: وقال تاج الشريعة: وليس معناه أنها قبل الباضعة من حيث إن تحته دونه، بل من حيث إن المتلاحمة عند محمد ما يظهر اللحم ولا تقطعه من قولهم: التحم السنان إذا اتصل أحدهما بالآخر، والباضعة بعدها. وفي ظاهر الرواية: المتلاحمة ما يعمل في قطع أكثر اللحم وهي بقدر الباضعة وهي تقطع بعض اللحم.
م: (وما ذكرناه بدءا) ش: أي أولا، قال الجوهري: البدء والبدء أيضا الأول، ومنه قولهم: أفعله بادي على وزن فاعل، وبادي بديء على وزن فعيل، أي أول شيء. م: (مروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو ظاهر الرواية.
م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور من رواية أبي يوسف ومحمد م: (اختلاف عبارة لا يعود إلى معنى وحكم) ش: أي الذي روي عن محمد أن المتلاحمة قبل الباضعة، والذي روي عن أبي يوسف الباضعة قبل المتلاحمة، اختلاف في الاسم لا في المعنى والحكم؛ لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمنع أن تكون الشجة التي ذهب فيه اللحم أرشها، وكذلك أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمنع أن تكون الشجة التي قبل الباضعة أقل منها أرشا، وإنما الخلاف في الاسم.
قال محمد: المتلاحمة مأخوذة من الاجتماع، يقال: التحم الحيان إذا اجتمعا، وقال أبو يوسف: إنها مأخوذة من الذهاب في اللحم، كذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه ".(13/192)
وبعد هذا شجة أخرى تسمى الدامغة، وهي التي تصل إلى الدماغ، وإنما لم يذكرها لأنها تقع قتلا في الغالب لا جناية مقتصرة منفردة بحكم على حدة، ثم هذه الشجاج تختص بالوجه والرأس لغة، وما كان في غير الوجه والرأس يسمى جراحة والحكم مرتب على الحقيقة في الصحيح، حتى لو تحققت في غيرهما نحو الساق واليد لا يكون لها أرش مقدر، وإنما تجب حكومة العدل لأن التقدير بالتوقيف، وهو إنما ورد فيما يختص بهما؛ ولأنه إنما ورد الحكم فيها لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة، والشين يختص بما يظهر منها في الغالب، وهو العضوان هذان لا سواهما، وأما اللحيان فقد قيل: ليسا من الوجه وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وبعد هذا) ش: أي بعد ذكر الآمة التي هي عاشرة الشجاج م: (شجة أخرى تسمى الدامغة) ش: بالغين المعجمة م: (وهي التي تصل إلى الدماغ، وإنما لم يذكرها) ش: يعني محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل م: (لأنها تقع قتلًا في الغالب لا جناية مقتصرة منفردة بحكم على حدة) ش: وقد مر بيان هذا عن قريب م: (ثم هذه الشجاج) ش: لما ذكر قبل هذا حكم الشجاج شرع بذكر مواضع الشجاج م: (تختص بالوجه والرأس لغة) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة وأكثر أهل العلم، وعلى ما ذكر في " الإيضاح " مختص بالوجنتين والرأس أيضا.
وقال أبو الليث: يثبت حكم هذه الشجاج في كل البدن. م: (وما كان في غير الوجه والرأس يسمى جراحة والحكم مرتب على الحقيقة) ش: أي حكم الشجاج يثبت في الوجه والرأس على ما هو حقيقة اللغة م: (في الصحيح) ش: احترازا عن قول أبي الليث، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (حتى لو تحققت) .
ش: وقال تاج الشريعة: حتى لو تحققت الموضحة والهاشمة والمنقلة م: (في غيرهما) ش: أي في غير الرأس والوجه م: (نحو الساق واليد لا يكون لها أرش مقدر. وإنما تجب حكومة العدل لأن التقدير بالتوقيف) ش: يعني لأن التقدير من أمرين والأمور لا تكون إلا بالتوقيف على الشرع م: (وهو) ش: أي التوقيف م: (إنما ورد فيما يختص بهما) ش: أي بالوجه والرأس م: (ولأنه إنما ورد الحكم فيها لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة، والشين يختص بما يظهر منها) ش: أي من الأعضاء م: (في الغالب، وهو العضوان هذان) ش: أي الوجه والرأس. م: (لا سواهما) ش: أي لأن ما سواهما يغطى في العادة فلا يلحقه الشين كما يلحق في الوجه والرأس م: (وأما اللحيان) ش: بفتح اللام تثنية اللحي، وهو الذي عليه اللحية. م: (فقد قيل: ليسا من الوجه وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
ش: وقال صاحب: " الذخيرة ": والذقن من الوجه بلا خلاف، والعظم الذي تحت الذقن،(13/193)
حتى لو وجد فيهما ما فيه أرش مقدر لا يجب المقدر، وهذا لأن الوجه مشتق من المواجهة، ولا مواجهة للناظر فيهما إلا أن عندنا: هما من الوجه لاتصالهما به من غير فاصلة وقد يتحقق فيه معنى المواجهة أيضا، وقالوا: الجائفة تختص بالجوف - جوف الرأس أو جوف البطن - وتفسير حكومة العدل على ما قاله الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقوم مملوكا بدون هذا الأثر ويقوم به الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين، فإن كان نصف عشر القيمة يجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو اللحيان من الوجه عنده، حتى لو وجدت الشجاج الثلاث الموضحة والهاشمة والمنقلة في اللحيين كان لها أرش مقدر عندنا خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو معنى قوله: م: (حتى لو وجد فيهما) ش: أي في اللحيين م: (ما فيه أرش مقدر) ش: وهو الشجاج الثلاثة المذكورة م: (لا يجب المقدر، وهذا) ش: أي عدم الأرش المقدر فيهما م: (لأن الوجه مشتق من المواجهة، ولا مواجهة للناظر فيهما) ش: أي في اللحيين.
م: (إلا أن عندنا: هما من الوجه لاتصالهما به) ش: أي لاتصال اللحيين بالوجه م: (من غير فاصلة وقد يتحقق فيه معنى المواجهة أيضا) ش: أي في اللحم يعني المواجهة أيضًا، فيكون من الوجه حقيقة، قيل عليه [. . .] أن يكون غسلهما فرضًا في الطهارة، وأجيب بأنه ترك هذه الحقيقة بالإجماع والإجماع هنا فبقيت العبرة للحقيقة.
م: (وقالوا) ش: أي المشايخ: م: (الجائفة تختص بالجوف، جوف الرأس أو جوف البطن) .
ش: وفي " الأجناس ": الجائفة وإن نفذت من رواية ففيها ثلث الدية إن كان عمدًا ففي ماله، وإن كان خطأ فعلى عاقلته. والجائفة تكون ما بين اللبة والعانة ولا يكون فوق الذقن، ولا يكون تحت العانة بين الفخذين والرجلين.
وقال الكرخي في " مختصره ": ولا تكون الجائفة في الرقبة ولا في الحلق، ولا تكون إلا فيما يصل إلى الجوف من الصدر والظهر والبطن والجبين، وكل ما وصل إلى الفم ففيه حكومة عدل وليس بجائفة، ولا يكون في اليدين ولا في الرجلين، ثم في الشجاج كلها إذا برأت ولم يبق لها أثر بعد البرء لا يجب شيء في العمد والخطأ، إلا رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يجب مقدار أجر الطبيب. كذا في " شرح الطحاوي ". وأما إذا بقي لها أثر بعد البرء في الخطأ في الموضحة وما فوقها أروش مقدرة وقبلها حكومة عدل. أما في العمد فلا يجب القصاص إلا في الموضحة وفيما قبلها حكومة عدل، وفيما فوقها الأروش، م: (وتفسير حكومة العدل على ما قاله الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقوم مملوكا بدون هذا الأثر ويقوم به الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين، فإن كان نصف عشر القيمة(13/194)
نصف عشر الدية، وإن كان ربع عشر فربع عشره، وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة، فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية؛ لأن ما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجب نصف عشر الدية، وإن كان ربع العشر فربع عشره) . م: (وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية لأن ما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه والله أعلم) ش: بيان قوله: كم مقدار هذه الشجة أن هذه الشجة لو كانت باضعة مثلا فإنه ينظر كم مقدار الباضعة من الموضحة، فإن كان مقدارها ثلث الموضحة يجب ثلث أرش الموضحة وإن كان ربع الموضحة يجب ربع أرش الموضحة، وإن كان ثلاثة أرباع الموضحة يجب ثلاثة أرباع أرش الموضحة. قال شيخ الإسلام: هذا هو الأصح، وفي " فتاوى قاضي خان ": وعلى قول الطحاوي الفتوى، وبه أخذ الحلواني، وبه قالت الأئمة الثلاثة وأهل العلم، وقال ابن المنذر: وهو قول كل من يحفظ عنه.(13/195)
فصل قال: وفي أصابع اليد نصف الدية لأن في كل أصبع عشر الدية على ما روينا فكان في الخمس نصف الدية، ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب على ما مر، فإن قطعها مع الكف ففيه أيضا نصف الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية» ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها، وإن قطعها مع نصف الساعد ففي الأصابع والكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعنه أن ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع للأصابع إلى المنكب وإلى الفخذ لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان مسائل الجراح التي فيما دون النفس فيما دون الرأس]
[في اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل الجراح التي فيما دون النفس فيما دون الرأس م: (قال: وفي أصابع اليد نصف الدية) ش: هذا قول القدوري في " مختصره " لما روينا، وفي بعض النسخ: على ما روينا في فصل الشجاج في حديث عمرو بن حزم: «في كل أصبع عشر من الإبل» فإذا وجب م: (لأن في كل أصبع عشر الدية) ش: من الإبل، وهو عشر الدية م: (على ما روينا) ش: يكون في أصابع اليد الواحدة إذا قطعت خطأ نصف الدية لأن فيها خمس أصابع م: (فكان في الخمس) ش: أي في خمس الأصابع م: (نصف الدية، ولأن في قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب) ش: أي الموجب للدية تفويت جنس المنفعة م: (على ما مر) ش: أي في فصل مما دون النفس م: (فإن قطعها) ش: أي الأصابع م: (مع الكف ففيه أيضا نصف الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «وفي اليدين الدية» ش: تقدم من ذلك (ما) فيه الكفاية م: (وفي إحداهما) ش: أي في إحدى اليدين م: (نصف الدية) ش: هو أيضا لفظ الحديث م: (ولأن الكف تبع للأصابع لأن البطش بها) ش: أي بالأصابع م: (وان قطعهما) ش: أي اليد م: (مع نصف الساعد ففي الأصابع والكف نصف الدية، وفي الزيادة حكومة عدل، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
وبه قال الشافعي - ظاهر مذهبه - والقاضي الحنبلي، م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف: م: (أن ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع للأصابع إلى المنكب وإلى الفخذ لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع) ش: وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأصحاب الشافعي وهو قول النخعي وقتادة وعطاء، لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية، واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب(13/196)
ولهما: أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع، فلم يجعل الذراع تبعا في حق التضمين، ولأن لا وجه إلى أن يكون تبعا للأصابع لأن بينهما عضوا كاملا ولا إلى أن يكون تبعا للكف لأنه تابع، ولا تبع للتابع. قال: وإن قطع الكف من المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه عشر الدية، وإن كان أصبعان فالخمس ولا شيء في الكف، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: ينظر إلى أرش الكف والأصبع فيكون عليه الأكثر، ويدخل القليل في الكثير لأنه لا وجه إلى الجمع بين الأرشين لأن الكل شيء واحد، ولا إلى إهدار أحدهما؛ لأن كل واحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلا يزاد على تقدير الشرع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد: م: (أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع، فلم يجعل الذراع تبعا في حق التضمين) ش: بيان هذا: أن اليد آلة باطشة بمعنى أرش اليد يجب باعتبار إزالة البطش.
والأصل في البطش الأصابع، والكف تبع لها، وأما الساعد فلا يتبعها لأنه غير متصل بها فلم يجعل تبعا لها في التضمين.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الذراع م: (لا وجه إلى أن يكون تبعا للأصابع لأن بينهما) ش: أي بين الذراع والأصابع م: (عضوا كاملا) ش: وهو الكف م: (ولا إلى أن يكون) ش: أي لا وجه إلى أن يكون م: (تبعا للكف لأنه) ش: أي لأن الكف م: (تابع، ولا تبع للتابع) ش: بيانه: أن الذراع لا يجوز أن يتبع الأصابع لأنه يفصل بينهما عضو فلا يكون تبعا، ولا يجوز أن يستتبع الكف لأنه تبع في نفسه فلا يثبت له تبع. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قطع الكف من المفصل وفيها أصبع واحدة ففيه) ش: أي في الأصبع الواحدة م: (عشر الدية) .
ش: وفي بعض النسخ: ففيها، فالأصبع يذكر ويؤنث م: (وإن كان أصبعان فالخمس) ش: أي الواجب خمس الدية م: (ولا شيء في الكف وهذا) ش: أي وهذا الحكم م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ينظر إلى أرش الكف والأصبع) ش: أي حكومة العدل في الكف والأصبع م: (فيكون عليه الأكثر، ويدخل القليل في الكثير لأنه لا وجه إلى الجمع بين الأرشين) ش: أي أرش الكف وأرش الأصبع يعني الجمع بين هذين الأرشين جمع اتفاق م: (لأن الكل شيء واحد) ش: لأن ضمان الأصابع ضمان الكف والأصابع، فهذا شيء واحد، م: (ولا إلى إهدار أحدهما) ش: أي ولا وجه أيضا إلى إهدار أحدهما م: (لأن كل واحد منهما) ش: من الكف والأصابع) م:(13/197)
أصل من وجه فرجحنا بالكثرة، وله: أن الأصابع أصل والكف تابع حقيقة وشرعا لأن البطش يقوم بها. وأوجب الشرع في أصبع واحدة عشرا من الإبل، والترجيح من حيث الذات والحكم أولى من الترجيح من حيث مقدار الواجب، ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع، ولا شيء في الكف بالإجماع لأن الأصابع أصول في التقوم وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(أصل من وجه) ش: أما الأصابع فظاهر وأما الكف فأصل من حيث إن قيام الأصابع به م: (فرجحنا بالكثرة) ش: كما قلنا فيمن شج رأس شخص وتناثر بعض شعره حيث يدخل هناك الأقل في الأكثر.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الأصابع أصل والكف تابع حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة م: (وشرعا) ش: أي من حيث الشرع وبين وجه الحقيقة بقوله: م: (لأن البطش يقوم بها) ش: أي بالأصابع.
وبين وجه الشرع بقوله: م: (وأوجب الشرع في أصبع واحدة عشرا من الإبل، والترجيح من الذات والحكم) ش: أي من حيث الحقيقة والشرع م: (أولى من الترجيح من حيث مقدار الواجب) ش: كما أن التقدير الشرعي ثابت بالنص، وما لم يثبت فيه تقدير يكون تقديره بالرأي، والرأي لا يعارض النص، وأما قولهما: " إن بالكثرة أولى نقلنا " إنما يصار إلى الترجيح عند المساواة في القوة ولا مساواة بين النص والرأي.
وأما مسألة الشعر فلا يكون تبعا للآخر وفيما نحن فيه الكف تبع، كذا ذكره قاضي خان، فلما كان الاعتبار عند أبي حنيفة للنص وتقدير الشرع، لا يتفاوت بين أن يكون الباقي أصبعا أو أكثر، ولهذا قال أبو حنيفة: إذا لم يبق من الأصبع إلا مفصل واحد ففي ظاهر الرواية عنده أرش ذلك المفصل أو يجعل الكف تبعا له لأن أرش المفصل مقدر شرعا، وما بقي شيء من الأصل، وإن قل لا حكم للتبع كما إذا بقي واحد من أصحاب الخطر في المحل لا يعتبر المكان.
وروى الحسن عن أبي حنيفة: إذا كان الباقي دون أصبع يعتبر فيه الأقل والأكثر كقولهما فيدخل الأقل في الأكثر والأول أصح.
م: (ولو كان في الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع، ولا شيء في الكف بالإجماع لأن الأصابع أصول في التقوم وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت الأصابع قائمة بأسرها) ش: ثم قطعت مع الكف.(13/198)
قال: وفي الأصبع الزائدة حكومة عدل تشريفا للآدمي لأنه جزء من يده ولكن لا منفعة فيه ولا زينة. وكذلك السن الشاغية لما قلنا وفي عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم تعلم صحته حكومة عدل. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب فيه دية كاملة لأن الغالب فيه الصحة فأشبه قطع المارن والأذن. ولنا: أن المقصود من هذه الأعضاء المنفعة، فإذا لم تعلم صحتها لا يجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويقال: هذا الشيء بأسره أي بجميعه، كما يقال يومئذ.
م: (قال: وفي الأصبع الزائدة) ش: أي وفي قطع الأصبع الزائدة م: (حكومة عدل) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد، والثوري، ولا يعلم لهم مخالف، وعن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: فيها ثلث دية الأصبع.
وفي " الذخيرة ": فيها الحكومة سواء كان في العمد أو في الخطأ، وسواء كان للقاطع أصبع زائد أم لا.
م: (تشريفا للآدمي) ش: أي لأجل تشريفه لأنه مكرم م: (لأنه) ش: أي لأن الأصبع الزائدة م: (جزء من يده ولكن لا منفعة فيه ولا زينة) ش: أي ولا جمال فيه قيل عليه أنه منقوص بما إذا كان من ذقن رجل شعراته منفردة وأزالها رجل، ولم ينبت مثلها فإنه لم يجب فيه حكومة عدل، وإن كان الشعر جزءا من الآدمي بدليل أنه لا يحل الانتفاع به، وأجيب بأن إزالة جزء الآدمي إنما يوجب حكومة عدل إذا بقي من أثره ما يشينه كما في قطع الأصبع الزائدة، وإزالة الشعرات تزينه ولا تشينه، فلا يوجبها، كما لو قص ظفر غيره بغير إذنه.
م: (وكذلك السن الشاغية) ش: بالشين والغين المعجمة، أي الزائدة، يقال: شغيت أسنانه إذا اختلف بينها وتراكبت، وقيل: الشغى أن تقع الأسنان العليا على السفلى، ورجل أشغى وامرأة شغياء ومنه سميت العقاب شغياء لأن مقدم مسيرها مطبق على الآخر جزءا منها بكسر الميم لسباع الطير بمنزلة المستعار لغيرها م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: " لأنه جزء من يده "، يعني كما الأصبع الزائدة جزء من المجني عليه، كذلك السن الشاغية جزء فلا تجب الحكومة، فكذا هنا.
م: (وفي عين الصبي وذكره ولسانه إذا لم تعلم صحته حكومة عدل) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب فيه دية كاملة) ش: وبه قال أحمد، وهو قول الثوري م: (لأن الغالب فيه الصحة فأشبه قطع المارن والأذن) ش: من الصبي م: (ولنا: أن المقصود من هذه الأعضاء المنفعة، فإذا لم تعلم صحتها لا يجب(13/199)
الأرش الكامل بالشك والظاهر لا يصلح حجة للإلزام بخلاف المارن والأذن الشاخصة؛ لأن المقصود هو الجمال وقد فوته على الكمال، وكذا لو استهل الصبي لأنه ليس بكلام وإنما هو مجرد صوت ومعرفة الصحة فيه بالكلام، وفي الذكر بالحركة، وفي العين بما يستدل به على النظر فيكون حكمه بعد ذلك حكمه حكم البالغ في العمد والخطأ.
قال: ومن شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأرش الكامل بالشك) ش: لأن السلامة بالدليل وبالظاهر تثبت السلامة. م: (والظاهر لا يصلح حجة للإلزام) ش: إنما قيد بالإلزام لأن مثل هذا الظاهر يصلح حجة لغير الإلزام، حتى إنه لو أعتق صغيرا لا يعلم صحة هذه الأعضاء منه يقينا يخرج عن عهدة الكفارة لأن الغالب هو السلامة.
وقد تقدم من قبل في قوله: " ويجزيه رضيع "، وفي ذكر الخصى والعنين حكومة عدل عنده. وبه قال أحمد في رواية، قال الشافعي: فيها دية كاملة، وبه قال مالك وأحمد في رواية في ذكر الخصى مثل قولنا، وهو قول الثوري، وقتادة، وإسحاق م: (بخلاف المارن والأذن الشاخصة لأن المقصود هو الجمال وقد فوته على الكمال) ش: ومعنى الشاخصة المرتفعة عن شخص بالفتح شخوصا، وقال في " الجمهرة ": شخص من مكان إلى مكان إذا سار في ارتفاع.
م: (وكذا لو استهل الصبي) ش: يعني يكون في لسان الصبي حكومة عدل ما لم يتكلم، وإن استهل م: (لأنه) ش: أي لأن استهلال الصبي م: (ليس بكلام وإنما هو مجرد صوت) ش: بكاء م: (ومعرفة الصحة فيه بالكلام) ش: أي في الصوت.
م: (وفي الذكر بالحركة) ش: أي ومعرفة الصحة في الذكر بالحركة عند البول.
م: (وفي العين) ش: أي ومعرفة الصحة وفي العين م: (بما يستدل به على النظر فيكون حكمه بعد ذلك) ش: أي بعد ما ذكر من الأشياء المذكورة م: (حكمه) ش: أي حكم الصبي م: (حكم البالغ في العمد والخطأ) ش: لأنه حينئذ يتبين أنه أتلف منفعة العضو كاملة فيترتب للصبي على الجاني مثل ما يترتب للبالغ في حالة العمد وحالة الخطأ.
[شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية) ش: وبه قال الشافعي في القديم وقال في الجديد: لا يدخل، وبه قال مالك، وأحمد، والحسن، وزفر في رواية.
قال القدوري: فإن قيل: من أين يعرف ذهاب السمع والشم والبصر؟ قيل له: يعرف(13/200)
لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء، فصار كما إذا أوضحه فمات، وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت يسقط،
والدية تجب بفوات كل الشعر وقد تعلقا بسبب واحد فدخل الجزء في الجملة كما إذا قطع أصبع رجل فشلت يده. وقال زفر: لا يدخل لأن كل واحد منها جناية فيما دون النفس فلا يتداخلان كسائر الجنايات، وجوابه ما ذكرناه. قال: وإن ذهب سمعه وبصره، أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية. قالوا: هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشجة تدخل في دية السمع والكلام ولا تدخل في دية البصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك باعتراف الجاني وتصديقه للمجني عليه أو بنكوله عن اليمين وغير ذلك من الوجوه، م: (لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء) ش: لأنه يكون كالميت والملحق بالبهائم م: (فصار كما إذا أوضحه فمات، وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت يسقط) ش: أي لو نبت الشعر في موضع الشجة يسقط الأرش.
[قطع أصبع رجل فشلت يده]
م: (والدية تجب بفوات كل الشعر وقد تعلقا بسبب واحد) ش: أي تعلق أرش الموضحة والدية جميعا بسبب واحد وهو فوات الشعر لكن سبب الموضحة البعض وسبب الدية الكل م: (فدخل الجزء في الجملة كما إذا قطع أصبع رجل فشلت يده) ش: فيجب أرش اليد لا أرش الأصبع، والأصل فيه وما أشبه أن الجزء يدخل في الكل.
م: (وقال زفر: لا يدخل) ش: أرش الموضحة في الدية م: (لأن كل واحد منها جناية فيما دون النفس فلا يتداخلان كسائر الجنايات، وجوابه ما ذكرناه) ش: قيل: يعني به قوله لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء، وقيل قوله: وقد تعلقا بسبب واحد، وهو أشمل من الأول.
م: (قال: وإن ذهب سمعه وبصره أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية، قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) .
ش: قال في " النهاية ": ذكر أبي يوسف مع أبي حنيفة وقع سهوا لكونه مخالفا لجميع روايات الكتب المتداولة فينبغي أن يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مكان أبي يوسف م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشجة تدخل في دية السمع والكلام ولا تدخل في دية البصر) ش: روى هذه الرواية عن أبي يوسف الحسن بن زياد.
فإن قيل: من أين يعلم ذهاب البصر والسمع والكلام؟
قيل له: يعرف ذلك باعتراف الجاني وتصديقه للمجني عليه أو بنكوله عن اليمين وغير(13/201)
وجه الأول أن كلا منها جناية فيما دون النفس والمنفعة مختصة به فأشبه الأعضاء المختلفة بخلاف العقل لأن منفعته عائدة إلى جميع الأعضاء على ما بينا، ووجه الثاني: أن السمع والكلام مبطن فيعتبر بالعقل والبصر ظاهر فلا يلحق به.
قال: وفي " الجامع الصغير ": ومن شج رجلا موضحة فذهبت عيناه فلا قصاص في ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قالوا: وينبغي أن تجب الدية فيهما. وقالا: في الموضحة القصاص. قالوا: وينبغي أن تجب الدية في العينين. قال: وإن قطع أصبع رجل من المفصل الأعلى فشل ما بقي من الأصبع أو اليد كلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك من الوجوه في معرفة ذلك.
م: (وجه الأول) ش: هو: أن أرش الموضحة لا يدخل في الدية الواجبة بذهاب السمع والبصر والكلام م: (أن كلا منها جناية فيما دون النفس والمنفعة مختصة به فأشبه الأعضاء المختلفة) ش: فلا يدخل بعضه في بعض م: (بخلاف العقل) ش: يعني أن العقل ليس كذلك. م: (لأن منفعته عائدة إلى جميع الأعضاء) ش: فصار كالروح ولزوال الروح في الشجة دخل أرشها في دية الروح فكذا إذا ذهب العقل م: (على ما بينا) ش: أراد به قوله: لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء.
م: (ووجه الثاني) ش: يعني قوله: وعن أبي يوسف م: (أن السمع والكلام مبطن) ش: يعني كل واحد منهما باطن م: (فيعتبر بالعقل) ش: فيدخل أرش الموضحة في ديته م: (والبصر ظاهر فلا يلحق به) ش: أي بالعقل فلا يدخل أرش الموضحة فيه كاليد والرجل. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: والكلام مبطن، قيل: يريد به الكلام النفسي بحيث لا يفهم منها المعاني ولا يقدر على نظم المتكلم، وإن كان المراد ذلك كان الفرق بينه وبين ذهاب العقل عسير جدا وإن كان المراد به التكلم بالحروف والأصوات نفي جعله مبطنا وظاهرا.
[شج رجلا موضحة فذهبت عيناه]
م: (قال: وفي " الجامع الصغير ": من شج رجلا موضحة فذهبت عيناه فلا قصاص في ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: قال أبو الليث: ولكن يجب عليه أرش الموضحة ودية العينين م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (وينبغي أن تجب الدية فيهما) ش: أي في الموضحة والعينين يعني أنه يجب أرش الموضحة ودية العينين. م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (في الموضحة القصاص، قالوا) ش: أي المشايخ في شروحهم م: (وينبغي أن تجب الدية في العينين) ش: أي على قولهما، وإنما كرر لفظ " قالوا " لأن الأول في قول أبي حنيفة والثاني في قولهما.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قطع أصبع رجل من المفصل الأعلى فشل ما بقي من الأصبع أو اليد كلها) ش: أي أو شلت اليد كلها، والشلل فساد في اليد(13/202)
لا قصاص عليه في شيء من ذلك وينبغي أن تجب الدية في المفصل الأعلى وفيما بقي حكومة عدل، وكذلك لو كسر بعض سن رجل فاسود ما بقي ولم يحك خلافا، وينبغي أن تجب الدية في السن كله ولو قال: اقطع المفصل واترك ما يبس أو اكسر القدر المكسور أو اترك الباقي لم يكن له ذلك لأن الفعل في نفسه ما وقع موجبا للقود فصار كما لو شجه منقلة فقال أشجه موضحة وأترك الزيادة لهما في الخلافية أن الفعل في محلين. فيكون جنايتين مبتدأتين، فالشبهة في إحداهما لا تتعدى إلى الأخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من باب علم م: (لا قصاص عليه في شيء من ذلك) ش: أي باتفاق أصحابنا.
وقال الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا يسقط القود عن الأصبع لأنه عمد يمكن في الاعتبار المساواة فيه، ولا يجب القصاص في الثاني في قول عن الشافعي، وفي رواية عن أحمد م: (وينبغي أن تجب الدية في المفصل الأعلى، وفيما بقي حكومة عدل) ش: وإنما قال: " ينبغي " لأن محمدا لم يذكر هذا في " الجامع "، والمشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في الشروح قالوا هذا.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم وهو عدم القصاص م: (لو كسر بعض سن رجل فاسود ما بقي) ش: من السن المكسورة م: (ولم يحك) ش: أي محمد م: (خلافا) ش: في المسألتين وأحمد في رواية والشافعي في قول إن لم يذهب نفعها وهو المختار عند أصحاب الشافعي م: (وينبغي أن تجب الدية في السن كله ولو قال) ش: أي المجني عليه م: (اقطع المفصل واترك ما يبس) ش: من أرش اليد أو السن أو قال م: (أو اكسر القدر المكسور) ش: من السن م: (أو اترك الباقي لم يكن له ذلك؛ لأن الفعل في نفسه ما وقع موجبا للقود فصار) ش: حكم هذا م: (كما لو شجه) ش: أي كما إذا شج رجل رجلا شجة م: (منقلة فقال: أشجه) ش: شجة م: (موضحة وأترك الزيادة) ش: ليس له ذلك لأن الجناية الأولى كانت سارية وهي ليست في وسع المجنى عليه، والمماثلة شرط وجوب القصاص فلم تنعقد تلك الجناية موجبة القصاص في الابتداء، وإنما انعقدت موجبة للمال، ولا يكون له على القصاص سبيل م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية وهي: ما إذا شج موضحة فذهبت عيناه م: (أن الفعل) ش: وقع م: (في محلين) ش: مختلفين حقيقة.
م: (فيكون جنايتين مبتدأتين، فالشبهة في إحداهما) ش: أي في إحدى الجنايتين م: (لا تتعدى إلى الأخرى) ش: أي إلى الجناية الأخرى، والأصل في هذا أن الجناية إذا وقعت في مجلسين متباينين حقيقة فوجوب المال في أحدهما لا يمنع وجوب القود في الآخر وهو قول الأئمة الثلاثة أيضا، ومتى وقعت في محل واحد وأتلف شيئين، أحدهما يوجب القود والآخر يوجب المال، يجب بلا خلاف بين أصحابنا خلافا للأئمة الثلاثة.(13/203)
كمن رمى إلى الرجل عمدا فأصابه ونفذ منه إلى غيره فقتله يجب القود في الأول. وله: أن الجراحة الأولى سارية والجزاء بالمثل، وليس في وسعه الساري فيجب المال، ولأن الفعل واحد حقيقة وهو الحركة القائمة، وكذا المحل متحد من وجه لاتصال أحدهما بالآخر، فأورثت نهايته شبهة الخطأ في البداية، بخلاف النفسين، لأن أحدهما ليس من سراية صاحبه. وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع لأنه ليس فعلا مقصودا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كمن رمى إلى الرجل عمدا فأصابه ونفذ) ش: أي رميه م: (منه إلى غيره فقتله يجب القود في الأول) ش: دون الثاني، وتجب الدية في الثاني، وكذا إذا قطع أصبعا فاضطرب السكين فأصاب أصبعا آخر خطأ منه فإنه يقتص في الأولى بالإجماع دون الثانية.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجراحة الأولى سارية والجزاء بالمثل، وليس في وسعه الساري فيجب المال) ش: لأن الجراحة التي يعمل القصاص قد لا تكون سارية، إذ ليس في وسعه، فعلى ذلك لا يكون مثلا للأولى ولا قصاص بدون المماثلة م: (ولأن الفعل واحد حقيقة وهو الحركة القائمة) ش: أي الثابتة حالة الشج م: (وكذا المحل) ش: أي محل الجنايتين م: (متحد من وجه لاتصال أحدهما بالآخر، فأورثت نهايته شبهة الخطأ في البداية) ش: والشبهة تعمل على الحقيقة فيما يندرئ بالشبهة أن لا يعمل في المال، لأنه يثبت مع الشبهة فكيف يسقط بها فيجب ديتان.
م: (بخلاف النفسين) ش: هذا جواب عن قولهما كمن رمى إلى رجل عمدا فأصابه ونفذت إلى غيره فقتله، ووجه ذلك هو قوله م: (لأن أحدهما ليس من سراية صاحبه) ش: ولا تصور سراية الفعل من شخص إلى شخص ويتصور ذلك في شخص واحد.
م: (وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع) ش: هذا جواب عما قال: إذا قطع أصبع رجل عمدا فاضطرب السكين فوقع على أصبع آخر فقطعها يقتص للأولى دون الثانية، فما بال مسألتنا لم تكن كذلك، ووجهه أن القطع الثاني إنما لم يورث الشبهة في القصاص، لأنه فعل مقصود، وأما ذهاب العين بالسراية فليس بفعل مقصود، وهو معنى قوله: م: (لأنه ليس فعلا مقصودا) ش: في مسألتنا، وفيما إذا وقع سكين على الأصبع قد صار فعلا مقصودا.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الضمير في لأنه عائد إلى ذهاب العين بالسراية، وبهذا التوجيه يندفع ما قال في " النهاية " أن في قوله لأنه ليس فعلا مقصودا نظر، وإن الصواب ما ذكره في " الذخيرة " أنه مقصود، ولكن ليس من أمره، فإنه رجع الضمير إلى الفعل الثاني(13/204)
قال: وإن قطع إصبعا فشلت إلى جنبها أخرى، فلا قصاص في شيء من ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا هما وزفر والحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يقتص من الأولى، وفي الثانية أرشها، والوجه من الجانبين قد ذكرناه. وروى ابن سماعة عن محمد في المسألة الأولى، وهو ما إذا شج موضحة فذهب بصره: أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فاختل الكلام، وقد ذكر المصنف فرقين بناء على ما ذكر من الدليل الأول بالنسبة إلى الأول، والثاني إلى الثاني.
وقال الكاكي: قوله " وبخلاف السكين إذا اتصل بالأخرى " لأن القطع في الأصبع الأخرى ليس من أثر الفعل الأول، بل الفعل وقع عليه مقصودا، فيتقرر بحكمه، يعني أن القطع في الأصبع الأخرى لا يقصد من الأولى، إذ الخطأ لا تصل من العمد ولا يمكن أن يجعل القطع الثاني تتمة الأول، فلا يورث شبهة، وكذا قال فخر الإسلام وصاحب " الإيضاح ".
وذكر في " النهاية " وبهذا يعلم أن فيما قاله في الكتاب ليس مقصودا نظر، وأن الصواب فيما ذكره فخر الإسلام وصاحب " الإيضاح "، أجيب عن كلامه بما ذكره في الكتاب من حيث المعنى، والتأويل ما قالاه فيكون صحيحا لما قلنا أن الضمير في " لأنه " يرجع إلى القطع في أصبع أخرى.
وقال الأترازي: قوله " بخلاف السكين إذا انسل إلى الأصبع الأخرى فقطعها "، لأن قطع الأخرى حصل ابتداء بالانسلال لا بالسراية، فلم يكن ذلك شبهة بالأصبع الأولى لعدم اتحاد الفعل، وهذا هو الفرق الصحيح، وما قاله صاحب " الهداية " بقوله وبخلاف ما إذا وقع السكين على الأصبع؛ لأنه ليس فعلا مقصودا: فيه نظر، انتهى.
قلت: قد أجيب عن النظر فيما ذكرنا يعلم بالإمعان في التأمل.
[قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى، فلا قصاص في شيء من ذلك) ش: وعليه دية الأصبعين م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا هما وزفر والحسن - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: يعني ابن زياد نقله عنه الأكمل وقالا وزفر فكذلك قال، ولو قال: " وقالا فيها وزفر " كان صوابا، وذلك أنه لا يجوز أن يعطف على الضمير المرفوع إلا إذا أكد إلا في صورة الشعر م: (يقتص من الأولى) ش: في الأصبع الأولى م: (وفي الثانية) ش: أي وفي الأصبع الثانية يجب م: (أرشها، والوجه من الجانبين) ش: أي من جانب أبي حنيفة وجانب هؤلاء م: (قد ذكرناه) ش: يريد به قوله ومن شج رجلا موضحة فذهبت عيناه. . . إلى آخره.
م: (وروى ابن سماعة عن محمد في المسألة الأولى، وهو ما إذا شج موضحة فذهب بصره: أنه(13/205)
يجب القصاص فيهما؛ لأن الحاصل بالسراية مباشرة كما في النفس والبصر يجري فيه القصاص، بخلاف الخلافية الأخيرة؛ لأن الشلل لا قصاص فيه، فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية: أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس وقد وقع الأول ظلما. ووجه المشهور: أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب. بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى فانقلبت الثانية مباشرة.
قال: ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلا على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين فتآكلتا فهو على الروايتين هاتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجب القصاص فيهما؛ لأن الحاصل بالسراية مباشرة كما في النفس والبصر يجري فيه القصاص، بخلاف الخلافية الأخيرة؛ لأن الشلل لا قصاص فيه، فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية: أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس وقد وقع الأول ظلما. ووجه المشهور: أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب. بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى فانقلبت الثانية مباشرة. قال: ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلا على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين فتآكلتا فهو على الروايتين هاتين.
يجب القصاص فيهما) ش: أي في الموضحة والبصر جميعا م: (لأن الحاصل بالسراية مباشرة) ش: يعني بمنزلة المباشرة ثم نظر ذلك بقوله م: (كما في النفس) ش: يعني ألا ترى أنه لو قطع يد إنسان فسرى إلى نفسه يجب القصاص م: (والبصر يجري فيه القصاص) ش: ألا ترى أنه لو شجه موضحة وباشر سبب ذهاب البصر يجب القصاص فيهما كذلك هنا.
م: (بخلاف الخلافية الأخيرة) ش: وهي قوله فإن قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى م: (لأن الشلل لا قصاص فيه) ش: ويجب الأرش م: (فصار الأصل عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على هذه الرواية) ش: أي رواية ابن سماعة: م: (أن سراية ما يجب فيه القصاص إلى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت إلى النفس) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي كما لو آلت الجراحة ووصلت إلى النفس، فإن قطع أصبع رجل عمدا فسرى ومات يجب القصاص م: (وقد وقع الأول ظلما) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيكون موجبا للقصاص. م: (ووجه المشهور) ش: أي القول المشهور عن محمد: م: (أن ذهاب البصر بطريق التسبيب، ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة في نفسها ولا قود في التسبيب) ش: عندنا وأكثر أهل العلم إلا في رواية عن مالك، وعن الشافعي في قول م: (بخلاف السراية إلى النفس لأنه لا تبقى الأولى) ش: أي لا تبقى الجناية الأولى معتبرة، فإذا كان كذلك م: (فانقلبت الثانية مباشرة) ش: أي فانقلبت الجناية الثانية بطريق المباشرة، فيجب القصاص.
[كسر بعض السن فسقطت]
م: (قال) ش: أي المصنف، ذكر هذه المسألة والتي تليها أيضا على سبيل التفريع: م: (ولو كسر بعض السن فسقطت فلا قصاص إلى على رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو أوضحه موضحتين) ش: أي ولو شجه شجتين موضحتين م: (فتآكلتا) ش: أي صارتا واحدة بالأكل م: (فهو على الروايتين هاتين) ش: أي الرواية المشهورة ورواية ابن سماعة عن محمد، يعني لا قصاص على المشهور، وفيها القصاص على رواية ابن سماعة.(13/206)
قال: ولو قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: عليه الأرش كاملا لأن الجناية قد تحققت، والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى. وله: أن الجناية انعدمت معنى، فصار كما إذا قلع سن صبي فنبتت لا يجب الأرش بالإجماع؛ لأنه لم يفت عليه منفعة ولا زينة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة عدل لمكان الألم الحاصل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ضربه بعضا فأوضحه ثم عاد فضربه إلى جانبها ثم تآكلتا حتى صارتا واحدة منهما موضحتان يقتص منه
وفي " السير " وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فمن ضرب سن رجل عمدا فكسر بعضها وحركت ما بقي فإنه يؤجل سنة، فإن سقطت أو اسودت فلا قصاص فيه، وقال أبو يوسف: إن سقطت فيه القصاص.
[قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولو قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش) ش: أي هاهنا لفظ القدوري، ولم يذكر خلاف أصحابنا عنه، وقال المصنف: سقط الأرش م: (في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وإن كان أخذها ردها، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في قول.
م: (وقالا عليه الأرش كاملا) ش: ولا يردها لو أخذها، وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله - في قول م: (لأن الجناية قد تحققت) ش: والعادة عدم العود م: (والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى) ش: بخلاف سن الصبي، فإنها معرضة للنبات، ولهذا قيل يستأنى في سن الصبي حولا دون البالغ.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن الجناية انعدمت معنى) ش: لأنه عاد مكانها مثل الذي تلفت فلم يجب شيء م: (فصار كما إذا قلع سن صبي فنبتت لا يجب الأرش بالإجماع) ش: قيد بالأرش لأنه روى في " مختصر الكرخي " عن أبي يوسف أنه يجب فيه حكومة العدل وفي " الأجناس " عن " المجرد " قال أبو حنيفة: لو نزع سن رجل فنبت نصف السن كان عليه نصف قيمتها م: (لأنه لم يفت عليه) ش: أي على المنزوع سنة م: (منفعة ولا زينة) .
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا متعلق بقوله: وقالا عليه الأرش كاملا، أي روي عن أبي يوسف: م: (أنه تجب حكومة عدل لمكان الألم الحاصل) ش: أي يقوم بالألم وبدون الألم فيجب ما انتقص.(13/207)
قال: ولو قلع سن غيره فردها صاحبها في مكانها ونبت عليه اللحم فعلى القالع الأرش بكماله لأن هذا مما لا يعتد به، إذ العروق لا تعود، وكذا إذا قطع أذنه فألصقها فالتحمت لأنها لا تعود إلى ما كانت عليه، قال: ومن نزع سن رجل فانتزع المنزوعة سنه سن النازع فنبتت سن الأول، فعلى الأول لصاحبه خمسمائة درهم لأنه تبين أنه استوفى بغير حق؛ لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية، ولهذا يستأنى حولا بالإجماع، وكان ينبغي أن ينتظر اليأس في ذلك للقصاص، إلا أن في اعتبار ذلك تضييع الحقوق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي المصنف: م: (ولو قلع سن غيره، فردها صاحبها في مكانها ونبت عليه اللحم فعلى القالع الأرش بكماله) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في رواية القاضي، وقال أحمد في رواية: تجب الدية، وعليه الحكومة لنقصانها م: (لأن هذا مما لا يعتد به، إذ العروق لا تعود) ش: لأن هذا السن يكون في حكم الميت.
قال محمد: إن كانت أكثر من قدر الدرهم لم يجز الصلاة فيها ولم يكن عوضا عن الفائت، وقال أبو يوسف: إذا أعادها إلى موضعها يجوز الصلاة فيها، وفي سن غيره لا يجوز ذلك م: (وكذا) ش: أي وكذا يجب الأرش بكماله م: (إذا قطع أذنه) ش: أي أذن غيره م: (فألصقها) ش: بأن خاطها م: (فالتحمت) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية، وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: تجب الحكومة ولا تجب الدية م: (لأنها) ش: أي لأن الأذن م: (لا تعود إلى ما كانت عليه) ش: وهذا ظاهر.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن نزع سن رجل فانتزع المنزوعة سنه سن النازع فنبتت سن الأول، فعلى الأول لصاحبه خمسمائة درهم) ش: أي المنزوع منه م: (لأنه تبين أنه استوفى بغير حق) ش: وبه قال الشافعي في قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول هو هبة مبتدأة، فلا تجب عليه شيء، فهو قياس قول مالك في " جامع " المحبوبي.
هذا إذا نبت السن المنزوعة كالأول، فإن نبت معوجا يجب حكومة العدل م: (لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية، ولهذا يستأني حولا) ش: أي يؤجل سنة لاستئناء الانتظار، يقال استيناء نبته، أي انتظرته، ومنه يستأن الجراحات، أي ينظر ما لها، وأصله من أنى يأني م: (بالإجماع) .
ش: قال الكاكي: قوله " بالإجماع " يخالفه رواية " التتمة "، فإنه ذكر فيها أن سن البالغ إذا سقط ينتظر حتى يبرأ موضع السن لا الحول، هو الصحيح؛ لأن نبات سن البالغ نادر فلا يقدر التأجيل إلا أن قبل البرء لا يقتص ولا يؤخذ الأرش لأنه لا يدري عاقبته.
م: (وكان ينبغي أن ينتظر اليأس في ذلك للقصاص، إلا أن في اعتبار ذلك تضييع الحقوق،(13/208)
فاكتفينا بالحول؛ لأنه تنبت فيه ظاهرا، فإذا مضى الحول ولم تنبت قضينا بالقصاص، وإذا نبتت تبين أنا أخطأنا فيه، والاستيفاء كان بغير حق، إلا أنه لا يجب القصاص للشبهة فيجب المال.
قال: ولو ضرب إنسان سن إنسان فتحركت يستأني حولا ليظهر أثر فعله فلو أجله القاضي سنة ثم جاء المضروب وقد سقطت سنه فاختلفا في السنة فيما سقط بضربه فالقول للمضروب ليكون التأجيل مفيدا " وهذا بخلاف ما إذا شجه موضحة فجاء وقد صارت منقلة فاختلفا حيث يكون القول قول الضارب؛ لأن الموضحة لا تورث المنقلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فاكتفينا بالحول) ش: لأنه مشتمل على الفصول الأربعة التي تشمل علي الطباع الأربعة الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، فلعل فصلا منها وافق طبع المجني عليه فتبرأ جراحته وتلتئم م: (لأنه تنبت فيه ظاهرا، فإذا مضى الحول ولم تنبت قضينا بالقصاص، وإذا نبتت تبين أنا أخطأنا فيه والاستيفاء كان لغير حق، إلا أنه لا يجب القصاص للشبهة) ش: لأن فعله في الظاهر حين استوفى القصاص كان حقا فصار ذلك شبهة في سقوط القصاص م: (فيجب المال) ش: حينئذ، وقول الناطفي في " الأجناس " من " نوادر أبي يوسف " رواية ابن سماعة.
قال أبو يوسف: رجل قلع سن رجل فانتظر بها حولا، أي انتظر بسن الصغير وقضى عليه بأرشها، وإلى هذه الرواية قال بعض أصحابنا مثل خواهر زاده وغيره.
وقال الناطفي أيضا: قال في " المجرد ": ولو قلع سن رجل ينبغي للقاضي أن يأخذ ضمينا من النازع للمنزوع سنة، ويؤجل سنة منذ يوم نزع سنه، فإذا مضت سنة ولم تنبت اقتص له، وعلى هذه الرواية لم يفرق كثير من مشايخنا بين سن البالغ وسن الصغير، بل قالوا بالاستيناء فيهما جميعا، وإليه ذهب القدوري والسرخسي وغيرهما.
[ضرب إنسان سن إنسان فتحركت]
م: (قال) ش: أي المصنف: ذكره على سبيل التفريع وهو مسائل الأصل إلى قوله ومن شج رجلا فالتحمت: م: (ولو ضرب إنسان سن إنسان فتحركت يستأني) ش: أي ينتظر م: (حولا ليظهر أثر فعله، فلو أجله القاضي سنة ثم جاء المضروب وقد سقط سنه فاختلفا) ش: أي الضارب والمضروب م: (في السنة فيما سقط بضربه) ش: فقال الضارب سقطت بضربة غيري، وقال المجني عليه بضربك م: (فالقول للمضروب) ش: وبه قال الشافعي في الأصح وأحمد م: (ليكون التأجيل مفيدا) ش: يعني لو لم يقبل قوله كان التأجيل وعدمه سواء، إذا التأجيل لظهور عاقبة الأمر.
م: (وهذا) ش: أي وهذا الذي ذكرناه م: (بخلاف ما إذا شجه موضحة فجاء وقد صارت) ش: أي الموضحة م: (منقلة فاختلفا) ش: أي وقال المشجوج صارت منقلة من ضربك، وأنكر الضارب م: (حيث يكون القول قول الضارب؛ لأن الموضحة لا تورث المنقلة) ش: لأن الشجة(13/209)
أما التحريك فيؤثر في السقوط فافترقا، وإن اختلفا في ذلك بعد السنة فالقول للضارب، لأنه ينكر أثر فعله وقد مضى الأجل الذي وقته القاضي لظهور الأثر، فكان القول للمنكر، ولو لم تسقط لا شيء على الضارب. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة الألم، وسنبين الوجهين بعد هذا إن شاء الله تعالى، ولو لم تسقط ولكنها اسودت يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله ولا يجب القصاص، لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا تسود منه. وكذا إذا كسر بعضه واسود الباقي لا قصاص لما ذكرنا. وكذا لو احمر أو اخضر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموضحة بعدما وقعت موضحة لا يكون سببا لنقلة العظم عادة، بل يكون ذلك أثر بسب حادث فلا يبقى الظاهر شاهدا للمضروب، فلا يكون القول قوله.
م: (أما التحريك فيؤثر في السقوط) ش: أي أما تحريك السن فله تأثير في سقوطه فيكون القول قول المضروب " وبهذا حصل الفرق بين المسألتين، أشار إليه بقوله: م: (فافترقا) ، ش: أي الحكم المذكور في المسألة الأولى والحكم المذكور في المسألة الثانية، وكان القياس أن يكون القول للضارب فيهما، لأنه منكر، ولكن في " الاستحسان " فرق بينهما في الوجه الذي ذكره المصنف.
م: (وإن اختلفا في ذلك) ش: أي وإن اختلف الضارب والمضروب في سقوط السن م: (بعد السنة) ش: فقال المضروب: سقطت بضربك " وقال الضارب: بل سقطت بأمر حادث، (فالقول للضارب؛ لأنه ينكر أثر فعله وقد مضى الأجل الذي وقته القاضي لظهور الأثر، فكان القول للمنكر، ولو لم تسقط) ش: يعني إذا تحركت السن، ولو لم تسقط ولم يحصل فيها عيب كالاسوداد ونحوه م: (لا شيء على الضارب، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه تجب حكومة الألم) ش: وفي بعض النسخ: وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مكان أبي يوسف، والأول أصح، لأنه ذكر في " الذخيرة " وغيرها قول أبي يوسف في هذا الموضع م: (وسنبين الوجهين. بعد هذا إن شاء الله تعالى) ش: والوجهان هما قوله: ولا شيء على الضارب، وقوله: حكومة الألم والموعود فيما بعد هذا هو قوله: سقط الأرش عند أبي حنيفة. . . إلى آخره.
م: (ولو لم تسقط) ش: أي السن م: (ولكنها اسودت يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله ولا يجب القصاص؛ لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا تسود منه، وكذا إذا كسر بعضه واسود الباقي لا قصاص عليه لما ذكرنا) ش: أراد به قوله لأنه لا يمكنه أن يضربه ضربا يسود منه.
م: (وكذا) ش: أي وكذا لا قصاص م: (لو احمر) ش: أي السن م: (أو اخضر) ش: بل يجب الأرش في الخطأ على العاقلة، وفي العمد في ماله، وقالت الأئمة الثلاثة يجب الحكومة(13/210)
ولو اصفر فيه روايتان
قال: ومن شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر سقط الأرش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لزوال الشين الموجب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب عليه أرش الألم وهو حكومة عدل؛ لأن الشين إن زال فالألم الحاصل ما زال فيجب تقويمه. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه أجرة الطبيب وثمن الدواء، لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء بفعله، فصار كأنه أخذ ذلك من ماله، إلا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بعقد أو بشبهة ولم يوجد في حق الجاني. فلا يغرم شيئا. قال: ومن ضرب رجلا مائة سوط فجرحه فبرأ منها فعليه أرش الضرب، معناه إذا بقي أثر الضرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الاصفرار وفي الاحمرار وفي الاخضرار كذلك عند الشافعي ومالك وأحمد، وفي رواية عن أحمد يكون كالاسوداد، م: (ولو اصفر فيه روايتان) ش: روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن فيه الحكومة.
وذكر هاشم عن محمد عن أبي حنيفة قال: لا يجب شيء، وفي المملوك يجب الحكومة، وقال محمد: ففيها إذا اصفرت حكومة حرا كان المضروب أو عبدا، وقال أبو يوسف أيضا: فيها حكومة، وقال أبو يوسف: إن كثرت الصفرة حتى يكون عيبا كعيب الخضرة والحمرة ففيها بمثلها تاما، وقال زفر: إذا اصفرت ففيها أرشها تاما، الكل ذكره الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر سقط الأرش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لزوال الشين الموجب، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب عليه أرش الألم وهو حكومة عدل؛ لأن الشين) ش: أي لأن الشين الموجب م: (إن زال فالألم الحاصل ما زال، فيجب تقويمه) .
[......] م: (وقال محمد عليه أجرة الطبيب لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء لأنه إنما لزمه أجرة الطبيب وثمن الدواء بفعله، فصار كأنه أخذ ذلك من ماله) ش: أي من مال المجني عليه، لأنه ألجأه إلى هذا م: (إلا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بعقد) ش: أي مطلق الشبهة العقد كالإجارة الصحيحة والمضاربة الصحيحة م: (أو بشبهة) ش: أي بشبهة العقد المطلق كالإجارة الفاسدة والمضاربة الفاسدة م: (ولم يوجد في حق الجاني) ش: عقد ولا شبهة م: (فلا يغرم شيئا) ش: كما لو لطمه وألهمه.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ضرب رجلا مائة سوط فجرحه فبرأ منها فعليه أرش الضرب، معناه إذا بقي أثر الضرب) ش: قال الأترازي: وقع بيانها مكررا في(13/211)
فأما إذا لم يبق أثره فهو على اختلاف قد مضى في الشجة الملتحمة.
قال: ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء فعليه الدية وسقط أرش اليد؛ لأن الجناية من جنس واحد، والموجب واحد وهو الدية، وأنها بدل النفس بجميع أجزائها فدخل الطرف في النفس كأنه قتل ابتداء.
قال: ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص منه حتى يبرأ. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس، وهذا لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل. ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يستأنى في الجراحات سنة» ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الهداية " لأنه استوفى بيانها في فصل قبل الشهادة في القتل، وأراد بالأرش أرش الضرب وهو حكومة العدل.
قال الصدر الشهيد: هذا إذا بقي أثر الضرب م: (فأما إذا لم يبق أثره فهو على اختلاف قد مضى في الشجة الملتحمة) ش: والذي مضى هناك أنه لا يلزمه شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويجب أرش الألم عند أبي يوسف وأجرة الطبيب عند محمد، وإنما قيد بقوله " جرحه " لأنه إذا لم يجرحه في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق.
[قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن قطع يد رجل خطأ ثم قتله قبل البرء) ش: أي قتله خطأ أيضا، لأنه إذا كان القتل عمدا يؤخذ بالأمرين جميعا، وقيد بما قبل البرء، لأنه بعد البرء يؤخذ بالأمرين جميعا م: (فعليه الدية وسقط أرش اليد؛ لأن الجناية من جنس واحد) ش: لأن الجنايات المتفقة بمنزلة الجناية الواحدة، لأن كل واحد منها خطأ م: (والموجب واحد وهو الدية، وأنها) ش: أي وأن الدية م: (بدل النفس بجميع أجزائها فدخل الطرف في النفس كأنه قتله ابتداء) ش: فلو قتله ابتداء لم يكن الواجب إلا دية لا غير، فكذا هذا، ولا شبهة هنا إذا قطع يده خطأ ثم قتله عمدا، لأنهما جنايتان مختلفتان، واختلاف الجنايتين كاختلاف الجانيين.
[جرح رجلا جراحة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن جرح رجلا جراحة لم يقتص) ش: من الجارح حتى يبرأ، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم، م: (منه حتى يبرأ) ش: وقال ابن المنذر: كل من يحفظ العلم يرى الانتظار م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقتص منه في الحال اعتبارا بالقصاص في النفس) ش: أي قياسا عليه م: (وهذا) ش: أي وجوب القصاص في الحال م (لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل) ش: أي بعد التحقق.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «يستأنى في الجراحات سنة» ش: هذا أخرجه الدارقطني في " سننه " يزيد عن ابن عياض عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تقاس الجراحات ثم يستأنى بها سنة، ثم يقضى فيها بقدر ما(13/212)
ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها؛ لأن حكمها في الحال غير معلوم، فلعلها تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل، وإنما يستقر الأمر بالبرء.
قال: وكل عمد سقط القصاص فيه بشبهة فالدية في مال القاتل، وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تعقل العواقل عمدا» الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبهت» قال الدارقطني: يزيد بن عياض ضعيف متروك، وأخرجه البيهقي عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا، وأعله بابن لهيعة، وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن جابر، ثم ذكر الحديث الذي ذكره المصنف.
قلت: الخصم لا يرضى بهذا وهو يعلم بذلك، لكنه كان لم يقف على من أخرجه.
م: (ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لا حالها) ش: أي لا يعتبر حالها م: (لأن حكمها في الحال غير معلوم، فلعلها تسري إلى النفس، فيظهر أنه قتل، وإنما يستقر الأمر بالبرء) ش: أو بالسراية، فإذا استوفينا القصاص في الحال استوفينا ما ليس يستقر فلا يجوز ذلك. وقوله: إن العلة تحققت فلا نسلم ذلك، لأن الجراحة علة لوجوب القصاص فيما دون النفس بعد البرء أو علة لوجوب القصاص في النفس بعد السراية إلى النفس فلا ينعقد علة لأحد الأمرين قبل أن يظهر الحال أنه قيل لم يقطع، فينبغي أن ينتظر ليعلم الواجب فيه.
[دية العمد الذي سقط القصاص فيه شبهة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وكل عمد سقط القصاص فيه بشبهة فالدية في مال القاتل، وكل أرش وجب بالصلح فهو في مال القاتل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا تعقل العواقل عمدا» ، الحديث) ش: هذا الحديث غريب مرفوع. وأخرجه البيهقي عن الشعبي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تفعله العاقلة» . وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في آخر كتابه " غريب الحديث " كذلك من قول الشعبي.
واختلفوا في تأويل العبد فقال محمد بن الحسن الشيباني: معناه أن يقتل العبد حرا فليس على عاقلة مولاه شيء من جنايته، وإنما هي في رقبته، وقال ابن أبي ليلى: معناه أن يكون العبد مجني عليه فيقتله حر أو جرحه فليس على عاقلة الجاني إنما عنه في ماله خاصة م: (الحديث) ش: أي الحديث بتمامه، وأقر الحديث. . . إلى آخره، وتمامه «لا تفعل العواقل عمدا ولا عبدا(13/213)
وهذا عمد غير أن الأول يجب في ثلاث سنين؛ لأنه مال وجب بالقتل ابتداء فأشبه شبه العمد، والثاني يجب حالا؛ لأنه مال وجب بالعقد فأشبه الثمن في البيع.
قال: وإذا قتل الأب ابنه عمدا فالدية في ماله في ثلاث سنين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب حالة؛ لأن الأصل: أن ما يجب بالإتلاف يجب حالا، والتأجيل للتخفيف في الخاطئ، وهذا عامد فلا يستحقه، ولأن المال وجب جبرا لحقه. وحقه في نفسه حال فلا ينجبر بالمؤجل. ولنا أنه مال واجب بالقتل، فيكون مؤجلا كدية الخطأ وشبه العمد، وهذا لأن القياس يأبى تقوم الآدمي بالمال لعدم التماثل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولا صلحا ولا اعترافا» م: (وهذا عمد) ش: أشار به إلى قوله: أو كل عمد سقط فيه القصاص. . . إلى آخره.
م: (غير أن الأول) ش: أراد به دية العمد الذي سقط القصاص فيه شبهة م: (يجب في ثلاث سنين، لأنه مال وجب بالقتل ابتداء) ش: يعني لا يفعل يحدث بعد القتل كالصلح م: (فأشبه شبه العمد، والثاني) ش: أي الأرش الواجب بالصلح م: (يجب حالا؛ لأنه مال وجب بالعقد) ش: أي بالصلح فأشبه الثمن في البيع.
فإن شرط فيه أجل كان مؤجلا، وإن لم يشترط كان حالا م: (فأشبه الثمن في البيع) ش: فإن شرط فيه أجل كان مؤجلا وإن لم يشترط كان حالا. والحاصل أن كل ذلك في مال العاقل في الوجهين، غير أن في الأول مؤجل في ثلاث سنين وفي الثاني حال في مال العاقل أيضا.
[قتل الأب ابنه عمدا فالدية هل تجب حالة أم مؤجلة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا قتل الأب ابنه عمدا فالدية في ماله في ثلاث سنين، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب حالة) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأن الأصل أن ما يجب بالإتلاف يجب حالا، والتأجيل للتخفيف في الخاطئ، وهذا عامد فلا يستحقه) ش: أي فلا يستحق التخفيف م: (ولأن المال) ش: دليل آخر للشافعي، أي ولأن المال فيما ذكر م: (وجب جبرا لحقه) ش: أي لحق المقتول الجبر إن لم يسمع، بل المسموع الجبر.
قال الجوهري: الجبر أن يبني الرجل من نقر أو يصلح عظمها من كسر وقال جبرت العظم جبرا وجبر العظم بنفسه جبورا، أي يجبر م: (وحقه) ش: أي وحق المقتول م: (في نفسه حال فلا ينجبر بالمؤجل) ش: أي فلا ينجبر الحال بالمؤجل لعدم المماثلة.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن المال الذي وجب بقتل الأب ابنه م: (مال واجب بالقتل) ش: أي بنفسه اختل ابتداء م: (فيكون مؤجلا كدية الخطأ وشبه العمد) ش: حيث يجب مؤجلا م: (وهذا) ش: يشير به إلى بيان هذا بقوله م: (لأن القياس يأبى تقوم الآدمي بالمال لعدم التماثل) ش: أي(13/214)
والتقوم ثبت بالشرع، وقد ورد به مؤجلا لا معجلا، فلا يعدل عنه لا سيما إلى زيادة، ولما لم يجز التغليظ باعتبار العمدية قدرا لا يجوز وصفا. وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله ولا يصدق على عاقلته لما روينا. ولأن الإقرار لا يتعدى المقر لقصور ولايته عن غيره فلا يظهر في حق العاقلة.
قال: وعمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة، وكذلك كل جناية موجبها خمسمائة فصاعدا، والمعتوه كالمجنون.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآدمي والمال م: (والتقوم ثبت بالشرع، وقد ورد به مؤجلا لا معجلا، فلا يعدل عنه لا سيما إلى زيادة) ش: حيث سقط القصاص بشبهة الأبوة، وليس في الإسلام دم هدر، والمال إن وجب ابتداء وجب من حيث الوصف في المالية م: (ولما لم يجز التغليظ باعتبار العمدية قدرا) ش: أي من حيث القدر م: (لا يجوز وصفا) ش: أي من حيث الوصف.
بيانه: لم يجز العدول في التغليظ بزيادة القدر بأن يزاد على مائة بعير، فكذلك لا يجوز العدول فيه بزيادة الوصف وهو صفة الحلول، لأن وجوب المال بخلاف القياس، فيقتصر على ما ورد الشرع به وهو التأجيل، ثم اعلم أنه لا يجب القصاص على الأب لا يجب أيضا على الأجداد والجدات في قتل الولد وجرحه، ولكن تجب الدية عليهم في مالهم في ثلاث سنين، وفي الخطأ الدية على العاقلة وعلى القاتل الكفارة، كذا ذكره الحاكم الشهيد في " الكافي ".
م: (وكل جناية اعترف بها الجاني فهي في ماله) ش: أراد بقوله: " كل جناية " ما يوجب الدية، لأنه إذا اعترف العمد يقتص به إذا لم يكن ثمة ما يمنع القصاص م: (ولا يصدق على عاقلته) ش: لأنه يصدق على نفسه غيره معترف على عاقلته، فإذا لم يصدق عليهم بقيت الدية في ذمته كما كانت، وتكون مؤجلة يؤدي عنه انقضاء كل سنة ثلثها، لأنه مال يؤجل بالحول كالدين يؤجل والزكاة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يعقل العاقلة عمدا. . .» الحديث. وفيه: ولا اعترافا.
م: (ولأن الإقرار لا يتعدى المقر) ش: لأنه حجة قاصرة م: (لقصور ولايته عن غيره فلا يظهر في حق العاقلة) ش: لعدم ما يجاوزه عنه.
[عمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وعمد الصبي والمجنون خطأ وفيه الدية على العاقلة، وكذلك كل جناية موجبها خمسمائة فصاعدا) ش: وهو منصوب على الحال والحال محذوف، تقديره: ولو زاد خمسمائة حال كونه الزائد فصاعدا م: (والمعتوه كالمجنون) ش: أي حكمهما واحد. وفي " المغرب ": المعتوه الناقص العاقل، وقيل: المدهوش من غير جنون، وقرئ عتاهية وعتاهية وعتها.(13/215)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عمده عمد حتى تجب الدية في ماله حالة؛ لأنه عمد حقيقة " إذ العمد هو القصد، غير أنه تخلف عنه أحد حكميه وهو القصاص، فينسحب عليه حكمه الآخر وهو الوجوب في ماله " ولهذا تجب الكفارة به ويحرم من الميراث على أصله: لأنهما يتعلقان بالقتل. ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه جعل عقل المجنون على عاقلته، وقال: عمده وخطؤه سواء، ولأن الصبي مظنة المرحمة والعاقل الخاطئ لما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على العاقلة فالصبي وهو أعذر أولى بهذا التخفيف، ولا نسلم تحقق العمدية فإنها تترتب على العلم، والعلم بالعقل، والمجنون عديم العقل، والصبي قاصر العقل، فأنى يتحقق منهما القصد، وصار كالنائم. وحرمان الميراث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عمده) ش: أي عمد كل واحد من الصبي والمجنون والمعتوه م: (عمد حتى تجب الدية في ماله حالة؛ لأنه عمد حقيقة، إذ العمد هو القصد) ش: أي لأن العمد في اللغة القصد، فمن تحقق منه الخطأ ويتحقق منه القصد وقصده معتبر شرعا في الجملة، ولهذا يؤدب ويعذر م: (غير أنه تخلف عنه أحد حكميه) ش: أي أحد حكمي القتل وهما القصاص ووجوب المال م: (وهو القصاص، فينسحب عليه حكمه الآخر وهو الوجوب في ماله، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (تجب الكفارة به) ش: أي بالمال، قيد به لأنه يجب الصوم بالإجماع، ووجوب الكفارة على الصبي والمجنون على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذلك م: (ويحرم من الميراث على أصله) ش: أي على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنهما) ش: أي لأن وجوب الكفارة بالمال والحرمان من الميراث م: (يتعلقان بالقتل) ش: ومذهب مالك وأحمد كمذهبنا، وفي قول للشافعي أيضا كقولنا.
م: (ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جعل عقل المجنون على عاقلته، وقال: عمده وخطؤه سواء) ش: هذا أخرجه البيهقي، قال: روي أن مجنونا سعى على رجل بسيف وضربه فبلغ ذلك إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فجعل عقله على عاقلته وقال عمده وخطؤه سواء م: (ولأن الصبي مظنة المرحمة والعاقل الخاطئ لما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على العاقلة فالصبي وهو أعذر) ش: أي والحال أن الصبي أقوى عذرا م: (أولى بهذا التخفيف ولا نسلم) ش:
جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه عمدا حقيقة، أي يمنع م: (تحقق العمدية فإنها) ش: أي فالعمدية م: (تترتب على العلم، والعلم بالعقل، والمجنون عديم العقل، والصبي قاصر العقل، فأنى يتحقق منهما القصد) ش: أي من أين يتحقق من المجنون والصبي القصد م: (وصار كالنائم) ش: الذي يرفع عنه القلم ما دام نائما.
م: (وحرمان الميراث) ش: جواب عن قوله: ويحرم الميراث، بيانه: أن حرمان الميراث من(13/216)
عقوبة وهما ليسا من أهل العقوبة والكفارة كاسمها ستارة ولا ذنب تستره لأنهما مرفوعا عنهما القلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مورثهما م: (عقوبة) ش: أي للصبي والمجنون م: (وهما ليسا من أهل العقوبة) ش: فلا يحرمان م: (والكفارة) ش: جواب عن قوله والكفارة به، بيانه: أن الكفارة م: (كاسمها ستارة) ش: لأنها مشتقة من الكفر وهو الستر م: (ولا ذنب تستره) ش: أي ولا ذنب لهما حتى تسترهما الكفارة م: (لأنهما مرفوعا عنهما القلم) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رفع القلم عن ثلاث. .» الحديث.(13/217)
فصل في الجنين
قال: وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ففيه غرة وهي نصف عشر الدية. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه دية الرجل، وهذا في الذكر، وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم، والقياس: أن لا يجب شيء لأنه لم يتيقن بحياته، والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الجنين]
[تعريف الجنين]
م: (فصل في الجنين) ش: أي هذا فصل في أحكام الجنين هو على وزن فعيل بمعنى مفعول مجنون، أي مستور من جنه إذا ستره من باب طلب، والجنين اسم الولد في بطن الأم ما دام فيه، والجمع أجنة، فإذا ولد يسمى ولدا ثم رضيعا، إلى غير ذلك على ما عرف في موضعه، ولما ذكر أحكام القتل المتعلقة بالآدمي من كل وجه شرع في بيانها في الآدمي من وجه دون وجه وهو الجنين.
وقال السرخسي: الجنين ما دام في بطن أمه ليست له ذمة صالحة لكونه في حكم جزء من الأم، ولكنه منفرد بالحياة بعد ليكون نفسا له ذمة، فباعتبار هذا الوجه يكون أهلا لوجوب الحق له من عتق أو إرث أو نسب أو وصية ولا اعتبار للوجه الأول يكون أصلا لوجوب الحق عليه، فأما بعدما يولد فله ذمة صالحة، ولهذا لو انقلب على مال إنسان فأتلفه كان ضامنا له ويلزمه مهر امرأته بعقد الولي عليه.
[ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا: ففيه غرة وهي نصف عشر الدية) ش: إلى هنا لفظ القدوري.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه دية الرجل، وهذا في الذكر) ش: أي في الجنين الذكر م: (وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم) ش: لأن كل واحد من نصف عشر دية الرجل ومن عشر دية المرأة خمسمائة درهم أو بغرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وهو خيار المال كالفرس والبعير النجيب والعبد والأمة الفارهة، كذا في " المغرب ". وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": سمي بدل الجنين غرة لأن الواجب عبد والعبد يسمى غرة. وقيل: لأنه أول مقدار ظهر في باب الدية، وغرة الشيء أوله كما سمي أول الشهر غرة، وسمي وجه الإنسان غرة؛ لأن أول شيء يظهر منه الوجه.
م: (والقياس أن لا يجب شيء) ش: أي في الجنين م: (لأنه لم يتيقن بحياته) ش: لأنه يحتمل أنه مات في بطن أمه بفعله، ويحتمل أنه كان ميتا قبل ذلك فلا يجب الضمان بالشك، ولهذا لا يجب شيء في أجنة البهائم، ألا ترى أنه من ضرب شاة فزلقت جنينا ميتا كان عليه نقصانها ولا شيء عليه في الجنين م: (والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق) ش: هذا جواب عما يقال:(13/218)
وجه الاستحسان: ما روي أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ويروى " أو خمسمائة " فتركنا القياس بالأثر، وهو حجة على من قدرهما بستمائة نحو مالك والشافعي وهي على العاقلة عندنا إذا كانت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الظاهر أنه حي أو معد للحياة، فأجاب بقوله: والظاهر لا يصلح أن يكون حجة لاستحقاق شيء كما في جنين البهيمة كما ذكره، يعني لا يصلح حجة للإلزام على الغير، وإنما قيد به لأن الظاهر يعتبر إذا لم يكن فيه إلزام الغير كما في رضيع أحد أبويه مسلم أعتقه عن كفارة القتل، فأجاب: لأن الظاهر به سلامة الأعضاء من ذلك في أول كتاب الديات، وبالقياس قال زفر، ذكره في " الذخيرة ".
م: (وجه الاستحسان ما روي أن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ،) ش: هذا غريب م: (ويروى أو خمسمائة) ش: هذا رواه الطبراني في معجمه، من حديث أبي المليح عن أبيه مطولا وفيه: «غرة عبد أو أمة أو خمسمائة» . والحديث في " الصحيحين " عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة وليس فيه ذكر الخمسمائة» . وروى محمد بن الحسن في " موطئه " عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة، فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا استهل ومثل ذلك، بطل؟ ! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما هذا من إخوان الكهان» ، قوله: غرة عبد أو أمة بالرفع، لأنه صفة الغرة وتغيرها، ويروى بالإضافة، والأول أحسن م: (فتركنا القياس بالأثر) ش: أي بالحديث من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالأثر من غيره.
وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) حدثنا إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قوم الغرة خمسمائة دينار. وأخرج أبو داود في " سننه - عن إبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: الغرة خمسمائة، يعني درهما.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على من قدرهما) ش: عشر الدية لا اختلاف فيه بيننا وبينهم في ذلك بحسب الاختلاف في الدية، فعندهم أن الدية اثنا عشر ألفا، فالغرة م: (بستمائة نحو مالك والشافعي) ش: عندنا عشرة آلاف بغرة خمسمائة.
م: (وهي) ش: أي الغرة م: (على العاقلة) ش: أي على عاقلة الضارب م: (عندنا إذا كانت(13/219)
خمسمائة درهم. وقال مالك تجب في ماله لأنه بدل الجزء. ولنا: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قضى بالغرة على العاقلة» ، ولأنه بدل النفس، ولهذا سماه، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دية، حيث قال: " دوه " وقالوا: «أندي من لا صاح ولا استهل» . الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خمسمائة درهم) ش: يحترز به عن جنين الأمة إذا كان لا يبلغ خمسمائة، ولكن هذا لا يصلح لأنها تجب في جنين الأمة في مال الضارب، ذكره في " الإيضاح " و " الذخيرة " وغيرهما. وقال الأترازي: وقوله إذا كان خمسمائة كأنه سهو القلم، وينبغي أن يكون إذ بسكون الذال بلا ألف بعدها، يعني أنها إنما تجب على العاقلة، لأنها مقدرة بخمسمائة، والعاقلة تعقل بخمسمائة ولا تعقل ما دونها، ثم قال: ويكلف بعضهم في توجيه ذلك، وقال: إنه احتراز عن جنين الأمة إذا لم يبلغ خمسمائة فذاك ليس بشيء، لأن ما يجب في جنين الأمة فهو في مال الضارب حالا ولا تتحمله العاقلة، وبه صرح الكرخي في " مختصره " وقال الكرخي أيضا: ولا كفارة على الضارب والغرة ورثة الجنين ولا يرث الضارب منها شيئا إن كان من ورثة الجنين، ونقل الأكمل كلام الاثنين في " شرحه " م: (وقال مالك تجب) ش: أي الغرة م: (في ماله لأنه بدل الجزء) ش: أي الجزء الآدمي، فصار كقطع أصبع من أصابعه.
م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قضى بالغرة على العاقلة» ش: أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حكم بوجوب الغرة على عاقلة الضارب» ، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث الشعبي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الجنين غرة على عاقلة القاتل» ، م: (ولأنه بدل النفس) ش: أي، ولأن الغرة بدل النفس، وذكر الضمير باعتبار المذكور م: (ولهذا) ش: أي ولكونه بدل النفس م: (سماه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، دية حيث قال: " دوه ") ش: أي أدوا ديته، وهو أمر للجماعة، وأصله أرديوه، لأنه من راده يدية إذا أدى ديته، وأصل بديه يوديه، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة كما حذف في يعد، أصله يوعد حذفت منه الواو، ولذلك حذفت من الأمر تبعا لفعله، فلما حذفت استغنت عن الهمزة، فحذفت منها فصار دون على وزن غرة.
م: «وقالوا: أندي» ش: أي قال الذي أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدية أندي م: «من لا صاح ولا استهل. . .» الحديث) ش: أي أقر الحديث بتمامه، وتمامه ما رواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن أبي عبد الله بن ليلى حدثني ابن أبي ليلى عن الحكم عن(13/220)
إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة وتجب في سنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ثلاث سنين لأنه بدل النفس، ولهذا يكون موروثا بين ورثته. ولنا ما روي عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: بلغنا أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جعل على العاقلة في سنة. ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مجاهد عن «حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: أنه كانت عنده امرأة فتزوج عليها أخرى فتغايرتا، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فطرحت ولدا ميتا، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " دوه "، فجاء وليها فقال: أندي من لا شرب ولا أكل ولا استهل، فمثل ذلك بطل، فقال: " رجز الأعراب؛ نعم دوه، فيه غرة عبد أو أمة أو وليدة» ، انتهى. وحمل بفتح الحاء المهملة وبفتح الميم واللام اسم إحدى المرأتين: مليكة، والأخرى: أم غطيف، وقال أبو موسى المدني الحافظ في كتاب " الأمالي " في باب الغين المعجمة: أم غطيف الهذلية هي التي ضربتها أم مليكة فأسقطت.
م: (إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة) ش: قال الأترازي: هذا يتعلق بقوله: " وهي على العاقلة عندنا إذا كانت خمسمائة "، وكأنه يقول إذا كانت الغرة أقل من خمسمائة درهم لا تعقل العاقلة كما في جنين الأمة، وقال الأكمل: قوله: " إلا أن العواقل " جواب عما يقال الحديث يدل على أن الدية على العاقلة قليلة كانت أو كثيرة، وأنتم قيدتم بقولكم: "إذا كان خمسمائة درهم "، وقد علمتم ما يرد عليه من النظر، انتهى.
قلت: أراد به ما نقلناه عن الكاكي وعن الأترازي: أنها م: (وتجب في سنة) ش: أي تجب الغرة على العاقلة في سنته.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ثلاث سنين) ش: أي تجب في ثلاث سنين.
فإن قلت: ذكر في " وجيزهم ": أن غرة الجنين تجب في سنته كمذهبنا. وأجيب بأنه يحتمل أن يكون عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان فليتأمل م: (لأنه) ش: أي لأن الغرة م: (بدل النفس) ش: أي نفس الجنين، وما وجب في قتل النفس مؤجل إلى ثلاث سنين م: (ولهذا) ش: أي ولكونها بدل النفس م: (يكون موروثا بين ورثته) ش: أي ورثة الجنين سوى الضارب. م: (ولنا ما روى عن محمد بن الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال بلغنا أن رسول الله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جعل على العاقلة في سنة» ش: هذا غريب م: (ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس(13/221)
على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم، فعملنا بالشبه الأول في حق التوريث، وبالثاني في حق التأجيل إلى سنة؛ لأنه بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أو أكثر من نصف العشر يجب في سنة، بخلاف أجزاء الدية؛ لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين. ويستوي فيه الذكر والأنثى لإطلاق ما روينا، ولأن في الحيين إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية، ولا تفاوت في الجنينين فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم) ش: حاصل الكلام: أن الجنين له شبهان بالنفس وبالعضو من حيث إنه حي بحياة ونفسه نفس على حدة، ومن حيث إنه متصل بالأم فهو كعضو من أعضائها م: (فعملنا بالشبه الأول في حق التوريث، وبالثاني) ش: أي وعملنا بالشبه الثاني م: (في حق التأجيل إلى سنة؛ لأنه بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أو أكثر من نصف العشر يجب في سنة) ش: أي تجب الغرة في سنة واحدة، وقوله: بدون الواو العاطفة في أوله هو الصحيح من النسخ، وفي بعضها أو أكثر وكلاهما غير صحيح، لأن المراد أن يكون الأقل من ثلث الدية أكثر من نصف العشر، وإنما يكون إذا كان أكثر صفة لأقل أو بدلا منه.
وقال الأكمل: وهل العطف بالواو يقيد ذلك أيضا؟ ولكن لم يبين وجهه. وقال الأترازي: ولنا التقييد بالأكثر فيه نظر، لأنه إذا لم يكن أكثر من نصف عشر الدية بل كانت قدر نصف عشر الدية تجب في سنة، وكان ينبغي أن يقول: إذا كان بدل العضو نصف عشر الدية، أي ثلثها تجب في سنة.
م: (بخلاف أجزاء الدية؛ لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين) ش: صورته: أن يشترك عشرون رجلا في قتل رجل خطأ، فإنه يجب على كل واحد منهم نصف عشر الدية في ثلاث سنين م: (ويستوي فيه) ش: أي في وجوب قدر الغرة م: (الذكر والأنثى) ش: ولا يفضل الذكر على الأنثى في إيجاب الغرة م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في الجنين غرة عبد أو أمة» ، وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم.
م: (ولأن في الحيين) ش: هذا دليل معقول على التساوي بين الذكر والأنثى في الغرة، وقوله: " الحيين " بالحاء المهملة تثنية حي وإرادتهما للذكرين المنفصلين الحيين أو أحدهما ذكر والأخرى أنثى م: (إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية) ش: بأن كان دية الذكر ألف دينار، ودية الأنثى خمسمائة دينار م: (ولا تفاوت في الجنينين) ش: تثنية جنين بالجيم ومالكية التصرفات والشهادة وغيرها في الذكر ولا وجود هذا في الجنين حتى يتصور فيه معنى التفضيل، فينبغي وصف الآدمية فحسب، فإذا كان كذلك م: (فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة) ش: لأنهما سواء في وصف الآدمية فقط به.(13/222)
فإن ألقت حيا ثم مات ففيه دية كاملة؛ لأنه أتلف حيا بالضرب السابق وإن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بإلقائها وقد صح: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى في هذا بالدية والغرة» . وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه دية في الأم ودية في الجنين؛ لأنه قاتل شخصين. وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم ولا شيء في الجنين. وقال الشافعي: تجب الغرة في الجنين؛ لأن الظاهر موته بالضرب فصار كما إذا ألقته ميتا وهي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات]
قال أي القدوري: م: (فإن ألقت حيا ثم مات ففيه دية كاملة لأنه) ش: أي لأن الضارب م: (أتلف حيا بالضرب السابق) ش: ولا خلاف لأهل العلم فيه، قاله ابن المنذر، ولكنهم اختلفوا في هذه المسألة في ثلاثة فصول، أحدها: أنه أثبتت جناية بكل أمارة تدل عليها من الاستهلال والإرضاع أو النفس أو العطاس أو غيره، وهو قولنا وقول الشافعي واحد.
وقال مالك وأحمد في رواية والزهري وقتادة وإسحاق: ولا يثبت له حكم الحياة إلا بالاستهلال وهو الصياح وهو قول ابن عباس والحسن بن علي وجابر وعمر في رواية عنه للشافعي.
وقال أحمد والمزني: لو كان سقوطه لستة أشهر فصاعدا تجب الدية الثالثة، قال أحمد إنما تجب دية إذا علم موته بسبب الضربة لسقوطه في الحال وبقائه سالما إلى أن يموت أو بقاء أمه متألمة إلى أن تسقطه.
م: (وإن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بإلقائها) ش: هذا أيضا من القدوري م: (وقد صح أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى في هذا بالدية والغرة) ش: لم يذكر أحد من الشراح هذا الحديث، حتى قال المخرج: نظرت في الكتب الستة فلم أجد بهذا المعنى، والذي فيها: عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ميراثها لها ولزوجها، وأن العقل على عصمتها» .
م: (وإن ماتت الأم من الضربة ثم خرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه دية في الأم ودية في الجنين) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري م: (لأنه قاتل شخصين) ش: وذلك لأنه لما انفصل عنها حيا اعتبر حكمه بنفسه بدلالة أنه يجب فيه أرش كامل فصار قاتلا للاثنين، م: (وإن ماتت ثم ألقت ميتا فعليه دية في الأم ولا شيء في الجنين) ش: هذا لفظ القدوري، وبه قال مالك.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب الغرة في الجنين) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (لأن الظاهر موته) ش: أي موت الجنين م: (بالضرب فصار كما إذا ألقته) ش: حال كونه م: (ميتا وهي(13/223)
حية. ولنا أن موت الأم أحد سببي موته؛ لأنه يختنق بموتها، إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشك.
قال: وما يجب في الجنين موروث عنه لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب، حتى لو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها لأنه قاتل بغير حق مباشرة ولا ميراث للقاتل.
قال: وفي جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وعشر قيمته لو كان أنثى. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه عشر قيمة الأم؛ لأنه جزء من وجه، وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حية) ش: أي والحال أن الأم بالحياة.
م: (ولنا أن موت الأم أحد سببي موته) ش: أي موت الجنين، والسبب الآخر الضرب م: (لأنه يختنق بموتها، إذ تنفسه بتنفسها) ش: فيتمكن الاشتباه م: (فلا يجب الضمان بالشك) ش: في سبب هلاكه حين الانفصال، وقال تاج الشريعة:
فإن قلت: عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «غرة عبد أو أمة» يتناول المتنازع فيه. قلت: لا بد من إضماره كأنه قال في إتلاف الجنين والشك وقع في ذلك.
[غرة الجنين بين ورثته]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما يجب في الجنين موروث عنه) ش: يعني غرة الجنين بين ورثته. وقال الليث: غرة الجنين لأم الجنين م: (لأنه بدل نفسه فيرثه ورثته ولا يرثه الضارب، حتى لو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها) ش: أي ولا يرث الأب من الغرة م: (لأنه قاتل بغير حق مباشرة) ش: أي من حيث المباشرة لا من حيث التسبب م: (ولا ميراث للقاتل) ش: بالنص.
[دية جنين الأمة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وفي جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وعشر قيمته لو كان أنثى) ش: بيانه: أنه يقوم الجنين بعد انفصاله ميتا على لونه وهيئته لو كان حيا ينظر كم قيمته بهذا المكان، فإذا ظهر فيعد هذا إذا كان ذكرا أوجب نصف عشر قيمته. وإن كان أنثى وجب عشر قيمته، ولو لم يعلم ذكورة الجنين ولا أنوثته يؤخذ بالمتيقن كالخنثى المشكل كمن قتل عمدا خطأ والمقتول خنثى مشكل فإنه يجب المتيقن، كذا هاهنا.
ولو ضاع الجنين ولا يمكننا تقويمه باعتبار لونه وهيئته لو كان حيا ووقع التنازع في قيمته كان القول للضارب؛ لأنه منكر للزيادة كما لو قتل عبدا خطأ ووقع في قيمته التنازع وعجز القاضي عن تقويمه باعتبار حاله وهيئته لو كان حيا كان القول للقاتل مع اليمين، كذا هنا، الكل من " الذخيرة ".
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه عشر قيمة الأم لأنه جزء من وجه، وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل) ش: لأنه جنين مات بالجناية في بطن الأم فلم يختلف ضمانه بالذكورة(13/224)
ولنا أنه بدل نفسه؛ لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان ولا معتبر به في ضمان الجنين، فكان بدل نفسه فيقدر بها. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم، وهذا لأن الضمان في قتل الرقيق ضمان مال عنده على ما نذكره - إن شاء الله تعالى - فصح الاعتبار على أصله. قال: فإن ضربت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأنوثة كجنين الحرة لإطلاق النصوص، وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر، وهو قول الحسن والنخعي والزهري وقتادة وإسحاق. وعن بعض أصحاب الشافعي: يعتبر قيمته يوم أسقطت.
م: (ولنا أنه بدل نفسه) ش: أي أن الغرة بدل نفس الجنين، ويذكر الضمير على معنى وجوب الغرة م: (لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان) ش: حتى لو قطع سنا ثم نبت مكانه أخرى لم يجب شيء م: (ولا معتبر به) ش: أي بظهور النقصان في الأم م: (في ضمان الجنين، فكان) ش: أي ضمان الجنين م: (بدل نفسه فيقدر بها) ش: أي بقيمة نفس الجنين ولا بقيمة الأم، لأن وجوبه باعتبار معنى النفسية الخبرية.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب ضمان النقصان) ش: أي ضمان نقصان الأم م: (لو انتقصت الأم اعتبارا بجنين البهائم) ش: أي قياسا على جنين البهائم، فإن النقصان يجب فيها بلا خلاف لأحد، هذا غير ظاهر الرواية عن أبي يوسف، قال في " المبسوط ": ثم وجوب البدن في وجوب الأمة قول أبي حنيفة ومحمد، وهو ظاهر من قول أبي يوسف. وعن أبي يوسف في رواية أنه لا يجب القصاص في الأم إن تمكن فيها نقص، وإن لم يتمكن لا يجب شيء كما في البهيمة.
م: (وهذا) ش: أي هذا الخلاف م: (لأن الضمان في قتل الرقيق ضمان مال عنده) ش: أي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما ضمان الجنايات م: (على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب: جنايات المملوك في أول الفصل الذي بعده في مسألة قتل العبد خطر بقوله لها إن الضمان بدل المالية.
وقال الكاكي: وهذا بناء على اختلافهم في ضمان الجناية على المماليك، فعند أبي يوسف هو بمنزلة ضمان المال حتى يجب بالغا ما بلغ، وعندهما بدل النفس. ولهذا لا يزاد على مقدار المالية، كذا في المبسوط م: (فصح الاعتبار على أصله) ش: أي صح اعتبار البهائم على أصل أبي يوسف.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن ضربت) ش: أي فإن ضرب بطن أمة.(13/225)
فأعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا، ولا تجب الدية وإن مات بعد العتق؛ لأنه قتله بالضرب السابق، وقد كان في حالة الرق، فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا، لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي، فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف. وقيل: هذا عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تحب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب، لأن الإعتاق قاطع للسراية على ما يأتيك بعد إن شاء الله تعالى.
قال: ولا كفارة في الجنين وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب لأنه نفس من وجه فتجب الكفارة احتياطا. ولنا أن الكفارة فيها معنى العقوبة وقد عرفت في النفوس المطلقة فلا تتعداها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي بعض النسخ: فإن ضربت بصيغة المجهول، أي الأمة. وكذا في نسخة شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فأعتق المولى ما في بطنها ثم ألقته حيا ثم مات ففيه قيمته حيا، ولا تجب الدية وإن مات بعد العتق لأنه قتله بالضرب السابق، وقد كان في حالة الرق، فلهذا تجب القيمة دون الدية وتجب قيمته حيا، لأنه بالضرب صار قاتلا إياه وهو حي، فنظرنا إلى حالتي السبب والتلف) ش: يعني أوجبنا القيمة دون الدية اعتبارا لحالة الضرب، وأوجبنا قيمته حيا لا مشكوكا في حياته اعتبارا بحالة التلف، ولا يقال: إن هذا اعتبار بحالة الضرب فحسب، لأن الواجب في تلك الحال قيمته حيا أيضا، لأن نقول جاز أن يكون حيا فلا يجب قيمته حيا هناك، بل تجب الغرة.
م: (وقيل: هذا عندهما) ش: يعني قول محمد في " الجامع الصغير ": ضمنه قيمته حيا عند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب) ش: أي تجب تفاوت ما بينهما، حتى لو كانت قيمته غير مضروب ألف درهم وقيمته مضروبا ثمانمائة تجب على الضارب مائتا درهم م: (لأن الإعتاق قاطع للسراية على ما يأتيك بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي في باب جناية المملوك في مسألة من قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك.
[كفارة قتل الجنين]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا كفارة في الجنين) ش: قال الكرخي في " مختصره ": ولا كفارة على الضارب وإن سقط كامل الخلق ميتا لا كفارة فيه، إلا إن شاء ذلك، فإن فعل ذلك فهو فصل وليس ذلك عليه عندنا بواجب وليتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من خير وليستغفر الله تعالى مما صنع.
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجب) ش: الكفارة، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم م: (لأنه نفس من وجه فتجب الكفارة احتياطا. ولنا أن الكفارة فيها معنى العقوبة وقد عرفت في النفوس المطلقة) ش: أي الكاملة، والشرع قدر بإيجابها فيها م: (فلا تتعداها) ش: أي فلا يتعدى وجوبها النفوس المطلقة، ولأن الجنين جزء من وجه، بدليل أنه يعتق بعتق الأم يتغذى(13/226)
ولهذا لم يجب كل البدل، قالوا: إلا أن يشاء ذلك لأنه ارتكب محظورا، فإذا تقرب إلى الله تعالى كان أفضل له ويستغفر مما صنع. والجنين الذي قد استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام لإطلاق ما روينا. ولأنه ولد حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك. فكذا في حق هذا الحكم. ولأن بهذا القدر يتميز عن العلقة والدم، فكان نفسا، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بغذائها، ويتنفس بنفسها، ولا يكمل أرشه كسائر الأعضاء، حيث لا يجب فيه دية كاملة، أشار إليه بقوله: م: (ولهذا لم يجب كل البدل قالوا) ش: أي المشايخ م: (إلا أن يشاء ذلك) ش: أي الضارب إذا شاء إعطاء الكفارة م: (لأنه ش: أي لأن الضارب م: (ارتكب محظورا، فإذا تقرب إلى الله تعالى كان أفضل له ويستغفر مما صنع) ش: وقد ذكرنا هذا عن الكرخي عن قريب.
م: (والجنين الذي قد استبان بعض خلقه) ش: قيد به لأنه لو لم يستبن شيء من خلقه لا يكون بمنزلة الولد وهو إن كان علقة فلا حكم لها في حق هذه الأحكام ولا يعلم فيه خلاف.
أما لو ألقت مضغة ولم يبن فيه شيء من خلقه فشهدت ثقاة من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي، ولو بقي التصور فلا غرة فيه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح وأحمد في رواية لأنه كالعلقة، والنطفة، وعندنا فيه حكومة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد في رواية: فيه الغرة، وبه قال مالك م: (بمنزلة الجنين التام في جميع هذه الأحكام) ش: نحو انقضاء العمد، وكون المرأة نفساء، وكون الأمة أم ولد إذا ادعاه المولى وانقطاع الرجعة وعدم جواز الوطء في نفاسها م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في الغرة في الجنين ولم يفصل» حيث قال: «وفي الجنين غرة» .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجنين م: (ولد في حق أمومية الولد وانقضاء العدة والنفاس وغير ذلك) ش: مما ذكرنا الآن م: (فكذا في حق هذا الحكم) ش: أي في وجوب العدة.
م: (ولأن بهذا القدر) ش: أي باستبانة بعض خلقه م: (يتميز عن العلقة والدم، فكان نفسا والله أعلم) ش: لأنه ليس بعد العلقة إلا أن يكون نفسا. وفي " الفتاوى الصغرى ": المرأة إذا ضربت بطن نفسها متعمدة أو شربت دواء يسقط ولدها فسقط يضمن عاقلتها الغرة، ونقله عن " الزيادات " وفي " الواقعات ": على عاقلتها الدية في ثلاث سنين، أما إن كانت لها عاقلة وإن لم تكن فذاك من مالها ولا ترث منها شيئا وعليها الكفارة. ولو ألقت جنينا ميتا تجب الغرة على العاقلة في سنة واحدة. ولو كان الشرب لإصلاح البدن فلا شيء عليها فلا ترث منه شيئا.(13/227)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الذخيرة ": شربت أو حملت حملا ثقيلا أو وضعت في قبلها شيئا حتى ألقت جنينا فعلى عاقلتها الغرة خمسمائة في سنة، أو قبلت متعمدة بغير إذن الزوج، وإن قبلت بإذنه فلا ضمان، وعند الأئمة الثلاثة، وأكثر أهل العلم تجب الغرة على عاقلتها بالإذن وبغير الإذن، ويجب الكفارة أيضا كما في غيره. وفي " الذخيرة ": اشترى جارية فحبلت منه ثم ضربت بطن نفسها أو شربت دواء أو عالجت قبلها متعمدة فسقط الجنين ميتا ثم استحقت وقضى المستحق بالجارية وعقرها على المشتري. ويقال للمستحق لقد قتلت ولدها وإنه ولد هذا المشتري لأنه ولد المغرور جريا بالقيمة فالجنين مضمون بالغرة فادفع أمتك أو ردها الغرة الجنين الحر، ولا يعلم فيه خلاف.(13/228)
باب ما يحدثه الرجل في الطريق قال: ومن أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا أو ميزابا أو جرصنا أو بنى دكانا فلرجل من عرض الناس أن ينزعه؛ لأن كل واحد صاحب حق بالمرور بنفسه وبدوابه، فكان له حق النقض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ما يحدثه الرجل في الطريق]
[أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا أوميزابا]
م: (باب ما يحدثه الرجل في الطريق) ش: أي هذا باب في بيان حكم ما يحدثه الرجل في طريق الناس من أنواع الأشياء التي ذكرها المصنف.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أخرج إلى الطريق الأعظم كنيفا) ش: وهو المستراح وهو بيت الماء م: (أو ميزابا) ش: ذكره الجوهري في مادة وزب، وقال الميزاب: الثعب فارسي معرب، وقد عرب بالهمز وربما لم يهمز، والجمع المآزيب إذا همزت، وميازيب إذا لم تهمز. وذكر أيضا في باب أزب وقال: الميزاب، وربما لم يهمز. وقال في مادة رزب بالراء ثم الزاي: المرزاب لغة في الميزاب، وليست بالفصيحة. وقال: الثعب بالفتح واحد مثاعب الحياض، والمثعب بالميم مسيل الماء في الوادي، وجمعه ثعبان.
م: (أو جرصنا) ش: بضم الجيم وسكون الراء وضم الصاد وبالنون الخفيفة. وفي " المغرب " الجرصن دخيل، أي ليس بعربي أصلي وهو الجذع يخرجه الإنسان من الحائط إلى الطريق ليبني عليه، وفسره الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالبرج الذي يكون في الحائط. وقال فخر الإسلام اختلف فيه فقال بعضهم: هو البرج. وقال بعضهم: هو مجرى ماء مركب في الحائط فكيف ما كان فهو بعد حق المسلمين، وهو فارسي معرب، إذ ليس في العربية كلام على هذا التركيب، أعني الجيم والراء والصاد، بل مهمل في كلامهم.
م: (أو بنى دكانا) ش: قال الجوهري: الدكان واحد الدكاكين وهي الحوانيت فارسي معرب م: (فلرجل من عرض الناس) ش: العرض بالضم الجانب وفلان من عرض العشيرة أي من شقها لا من صميمها. وقيل: المراد من العرض هنا أبعد الناس منزلة، أي أضعفهم وأرذلهم م: (أن ينزعه؛ لأن كل واحد صاحب حق بالمرور بنفسه وبدوابه، فكان له) ش: أي لعرض الناس م: (حق النقض) ش: سواء كان فيه ضررا أو لا، إذا وضع بغير إذن الإمام، لأن اليد فيما يكون للعامة للإمام، وله ولاية المنع قبل الوضع أيضا.
وقال أبو يوسف: لكل أحد المنع قبل الوضع. وقال محمد: ليس له أن يمنع ابتداء ولا أن يخاصم بالدفع بعد الوضع إذا لم يكن فيه ضرر، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد والنخعي والأوزاعي وإسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيما يضر لا يجوز بلا خلاف أذن الإمام أو لم يأذن.(13/229)
كما في الملك المشترك، فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا، فكذا في الحق المشترك. قال: ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين؛ لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فيلحق ما في معناه به، إذ المانع متعنت. فإذا أضر بالمسلمين كره له ذلك لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واختلف فيما لا يضر قيل: إن كان شارعا يمر فيه الجيوش والأحمال فيكون بحيث إذا سار فيه الفارس ورمحه منصوب لا يبلغه. وقال الأكثرون: لا يقدر بذلك، بل يكون لا يضر بالعمارات والمحامل. وفي " المبسوط ": لا يقضي عليه بالهدم بخصومة العبيد والصبيان والمهجورين وينقض لمخاصمته الذمي فإن له حقا في الطريق، فإن بنى مشعبا للعامة لا يضر المسلمين لا ينقض، كذا روي عن محمد. وكذا لو قعد بالبيع والشراء لا يضر بالمسلمين لا يمنع، وإن كان يضر يمنع. وأما الضمان فالذي أخرجه ضامن لما تلف به، لكن المتلف إن كان آدميا فالضمان على عاقلته.
م: (كما في الملك المشترك، فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا، فكذا في الحق المشترك) ش: لكل واحد منعه م: (قال: ويسع للذي عمله أن ينتفع به ما لم يضر بالمسلمين، لأن له حق المرور ولا ضرر فيه فيلحق) ش: أي بالمرور م: (ما في معناه به) ش: أي فيلحق ما في معنى المرور، قال الأترازي: يعني يجوز له الانتفاع بالجرصن ونحوه ما لم يضر بغيره كالمرور م: (إذ المانع متعنت) ش: أي المانع من الانتفاع بما لا ضرر فيه لأحد متعنت وهو الذي يخاصم فيما لا ضرر فيه لنفسه أو لغيره.
م: (فإذا أضر بالمسلمين كره له ذلك لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وروى حديثه الطبراني قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، ومنهم عبادة بن الصامت روى حديثه ابن ماجه عن عبادة: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن لا ضرر ولا ضرار» . ومنهم ابن عباس روى حديثه ابن ماجه أيضا. ومنهم أبو سعيد الخدري روى حديثه الحاكم في " المستدرك " ولفظه: «لا ضرر ولا ضرار، من ضر ضره الله، ومن شق شق الله عليه» . ومنهم أبو هريرة روى حديثه الدارقطني في " سننه " ولفظه: «لا ضرر ولا ضرورة» -. ومنهم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وروى حديثها الدارقطني نحو لفظ المصنف.(13/230)
قال: وليس لأحد من أهل الدرب الذي ليس بنافذ أن يشرع كنيفا ولا ميزابا إلا بإذنهم لأنها مملوكة لهم، ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال، فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم، وفي الطريق النافذ له التصرف، إلا إذا أضر لأنه يتعذر الوصول إلى إذن الكل، فجعل في حق كل واحد كأنه هو المالك وحده حكما كيلا يتعطل عليه طريق الانتفاع، ولا كذلك غير النافذ، لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فبقي على الشركة حقيقة وحكما.
قال: وإذا أشرع في الطريق روشنا أو ميزابا أو نحوه فسقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته؛ لأنه مسبب لتلفه متعد بشغله هواء الطريق، وهذا من أسباب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال ابن الأثير الضر ضد النفع ضره يضره أو أضر به يضره إضرارا. معنى قوله لا ضرر، أي لا يضر الرجل أخاه فينقص من حقه شيئا، والضرار فعال من الضرر أي يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك، وتنتفع به أنت، والضرار أن تضره من غير أن تنتفع.
وقيل هما بمعنى واحد، والتكرار للتأكيد. وقيل الضرر يكون من واحد، والضرار بمعنى المضارة وهو يكون من اثنين م: (قال: وليس لأحد من أهل الدرب) ش: وهو الباب الواسع، والمراد هنا السكة الواسعة م: (الذي ليس بنافذ) ش: قال فخر الإسلام: والمراد بغير النافذة المملوكة وليس ذلك بعلة الملك.
وقد تنفذ وهي المملوكة وقد يسيل منفذها، وهي للعامة، لكن ذلك دليل على الملك غالبا، فأقيم مقامه ووجب العمل به حتى يقوم الدليل على خلافه م: (أن يشرع كنيفا ولا ميزابا إلا بإذنهم؛ لأنها مملوكة لهم، ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال) ش: يعني سواء كانوا متلازقين أو لم يكونوا م: (فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم، وفي الطريق النافذ له التصرف، إلا إذا أضر لأنه يتعذر الوصول إلى إذن الكل، فجعل في حق كل واحد كأنه هو المالك وحده حكما كيلا يتعطل عليه طريق الانتفاع، ولا كذلك غير النافذ؛ لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فبقي على الشركة حقيقة وحكما) ش: أي من حيث الحقيقة والحكم، وهو ظاهر.
[أشرع بابا في الطريق أوميزابا أو نحوه فسقط على إنسان فعطب]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أشرع) ش: يقال أشرع بابا في الطريق، أي فتحه، وأشرع رمحه أي رفعه م: (في الطريق روشنا) ش: هو الممر على العلو، وقيل هو مثل الرف، وقيل: الروشن هو أن يضع الخشبة على جداري السطحين ليتمكن من المرور. وقال الجوهري: الروشن الكرة، ذكره في باب روشن فيدل على أن الواو زائدة م: (أو ميزابا أو نحوه) ش: مثل إن وضع جزعا أو صخرة شاخصة أو وضع جناحا م: (فسقط على إنسان فعطب فالدية على عاقلته؛ لأنه مسبب لتلفه متعد بشغله هواء الطريق، وهذا) ش: أي التسبب بطريق التعدي م: (من أسباب(13/231)
الضمان وهو الأصل. وكذلك إذا سقط شيء مما ذكرنا في أول الباب وكذا إذا تعثر بنقضه إنسان أو عطبت به دابة، وإن عثر بذلك رجل فوقع على آخر فماتا فالضمان على الذي أحدثه فيهما؛ لأنه يصير كالدافع إياه عليه.
وإن سقط الميزاب نظر، فإن أصاب ما كان منه في الحائط رجلا فقتله فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد فيه لما أنه وضعه في ملكه. وإن أصابه ما كان خارجا من الحائط فالضمان على الذي وضعه فيه لكونه متعديا فيه، ولا ضرورة؛ لأنه يمكنه أن يركبه في الحائط، ولا كفارة عليه ولا يحرم عن الميراث لأنه ليس بقاتل حقيقة. ولو أصابه الطرفان جميعا وعلم ذلك وجب نصف الدية وهدر النصف، كما إذا جرحه سبع وإنسان ولو لم يعلم أي طرف أصابه يضمن النصف اعتبارا للأحوال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الضمان) ش: ولا خلاف لأحد فيه م: (وهو الأصل) ش: أي التعدي أصل في باب الضمان. م: (وكذلك) ش: أي وكذا تجب الدية على العاقلة م: (إذا سقط شيء مما ذكرنا في أول الباب) ش: وهي الكنيف والميزاب والجرصن والدكان المبني على الطريق (وكذا) أي وكذا تجب الدية على العاقلة م: (إذا تعثر بنقضه) ش: بضم النون، وسكون القاف، وهو اسم البناء المنقوض، وكذا في " ديوان الأدب "، وروي عن بعضهم بكسر النون م: (إنسان أو عطبت به دابة) ش: ففي عطوب الدابة يجب ضمانها في ماله م: (وإن عثر بذلك رجل فوقع على آخر فماتا فالضمان على الذي أحدثه فيهما) ش: أي في الرجلين، يعني ضمان الرجلين، يعني ضمان الرجلين على المحدث في الطريق م: (لأنه يصير كالدافع إياه عليه) ش: وإذا نحى رجل شيئا من ذلك عن موضعه فعطب به آخر فالضمان على الذي نحاه وقد خرج الأول من الضمان.
فإن قيل: إذا احتسب حيث أماط الأذى عن الطريق. أجيب: بلى ولكنه أخطأ الحسنة حيث شغل موضعا آخر من الطريق.
[ميزاب رجل سقط على رجل فقتله]
م: (وإن سقط الميزاب) ش: أي ميزاب رجل سقط على رجل فقتله م: (نظر، فإن أصاب ما كان منه في الحائط رجلا فقتله فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد فيه لما أنه وضعه في ملكه، وإن أصابه ما كان خارجا من الحائط فالضمان على الذي وضعه فيه لكونه متعديا فيه، ولا ضرورة؛ لأنه يمكنه أن يركبه في الحائط، ولا كفارة عليه) ش: أي على محدث الميزاب، ويضره في الطريق إذا مات به إنسان م: (ولا يحرم عن الميراث لأنه ليس بقاتل حقيقة) ش: وتندفع الضرورة من غير شغل طريق المسلمين، والكفارة وحرمان الميراث مسببان بالقتل حقيقة ولم يوجد.
م: (ولو أصابه الطرفان جميعا) ش: أي الطرفان الداخل في الحائط والخارج عنه م: (وعلم ذلك وجب نصف الدية وهدر النصف) ش: أي سقط النصف م: (كما إذا جرحه سبع وإنسان) ش: يجب النصف ويهدر النصف م: (ولو لم يعلم أي طرف أصابه يضمن النصف اعتبارا للأحوال) ش:(13/232)
ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله، أو وضع خشبة في الطريق ثم باع الخشبة وبرئ إليه منها فتركها المشتري حتى عطب بها إنسان فالضمان على البائع؛ لأن فعله وهو الوضع لم ينفسخ بزوال ملكه وهو الموجب. ولو وضع في الطريق جمرا فأحرق شيئا يضمنه؛ لأنه متعد فيه. ولو حركته الريح إلى موضع آخر، ثم أحرق شيئا لم يضمنه لنسخ الريح فعله، وقيل: إذا كان اليوم ريحا؛ يضمنه لأنه فعله مع علمه بعاقبته وقد أفضى إليها فجعل كمباشرته. ولو استأجر رب الدار الفعلة لإخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل إنسانا قبل أن يفرغوا من العمل فالضمان عليهم؛ لأن التلف بفعلهم وما لم يفرغوا لم يكن العمل مسلما إلى رب الدار، وهذا لأنه انقلب فعلهم قتلا حتى وجبت عليهم الكفارة والقتل غير داخل في عقده، فلم يتسلم فعلهم إليه فاقتصر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعني يضمن في حال بالنظر إلى الخارج عن الحائط ولا يضمن في حال بالنظر إلى الداخل فيضمن نصف الضمان.
م: (ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله، أو وضع خشبة في الطريق ثم باع الخشبة وبرئ إليه منها) ش: أي برئ البائع بتسليمه للمشتري مما يحدث من الخشبة م: (فتركها المشتري حتى عطب بها إنسان فالضمان على البائع؛ لأن فعله) ش: أي فعل الواضع م: (وهو الوضع لم ينفسخ بزوال ملكه وهو الموجب) ش: أي الموجب الضمان هو الوضع.
م: (ولو وضع في الطريق جمرا فأحرق شيئا يضمنه؛ لأنه متعد فيه، ولو حركته الريح إلى موضع آخر ثم أحرق شيئا فلم يضمنه لنسخ الريح فعله، وقيل إذا كان اليوم ريحا يضمنه) ش: يعني إذا كانت الريح متحركة حين وضع الجمر على الطريق ثم حركت الريح الجمر يضمنه م: (لأنه فعله مع علمه بعاقبته) ش: وهي الحريق بواسطة الريح م: (وقد أفضى إليها) ش: أي إلى العاقبة م: (فجعل كمباشرته) ش: أي كمباشرة ذلك بنفسه، وهو اختيار الإمام السرخسي، وكان شمس الأئمة الحلواني لا يقول بالضمان إذا حركته الريح عن مكانه من غير تفصيل وهو قياس قول الأئمة الثلاثة.
م: (ولو استأجر رب الدار الفعلة) ش: وهو جمع فاعل كالقتلة جمع قاتل م: (لإخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل إنسانا قبل أن يفرغوا من العمل فالضمان عليهم) ش: أي على الفعلة لا على المستأجر الذي هو رب الدار م: (لأن التلف بفعلهم، وما لم يفرغوا لم يكن العمل مسلما إلى رب الدار، وهذا) ش: أي وجوب الضمان على الفعلة م: (لأنه انقلب فعلهم) ش: أي فعل الفعلة م: (قتلا) ش: حقيقة لظهور أثر فعلهم وهو التلف بالسقوط عليه م: (حتى وجبت عليهم الكفارة والقتل غير داخل في عقده) ش: أي في عقد المستأجر م: (فلم يتسلم فعلهم إليه فاقتصر) ش: أي(13/233)
عليهم. وإن سقط بعد فراغهم فالضمان على رب الدار استحسانا؛ لأنه صح الاستئجار حتى استحقوا الأجر وقع فعلهم عمارة وإصلاحا فانتقل فعلهم إليه، فكأنه فعل بنفسه، فلهذا يضمنه. وكذا إذا صب الماء في الطريق فعطب به إنسان أو دابة، وكذا إذا رش الماء أو توضأ؛ لأنه متعد فيه بإلحاق الضرر بالمارة. بخلاف ما إذا فعل ذلك في سكة غير نافذة وهو من أهلها أو قعد أو وضع متاعه؛ لأن لكل واحد أن يفعل ذلك فيها لكونه من ضرورات السكنى كما في الدار المشتركة. قالوا: هذا إذا رش ماء كثيرا بحيث يزلق به عادة، أما إذا رش ماء قليلا كما هو المعتاد، والظاهر أنه لا يزلق به عادة لا يضمن. ولو تعمد المرور في موضع صب الماء فسقط لا يضمن الراش لأنه صاحب علة، وقيل: هذا إذا رش بعض الطريق لأنه يجد موضعا للمرور لا أثر للماء فيه، فإذا تعمد المرور على موضع صب الماء مع علمه بذلك لم يكن على الراش شيء، وإن رش جميع الطريق يضمن؛ لأنه مضطر في المرور،.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الضمان م: (عليهم) ش: أي على الفعلة. م: (وإن سقط بعد فراغهم فالضمان على رب الدار استحسانا؛ لأنه صح الاستئجار حتى استحقوا) ش: أي الفعلة م: (الأجر وقع فعلهم عمارة وإصلاحا فانتقل فعلهم إليه، فكأنه فعل بنفسه، فلهذا يضمنه) ش: أي رب الدار استحسانا للأثر الذي جاء في مثله عن شريح: أنه قضى بالضمان على رب الدار.
م: (وكذا) ش: يضمن الفاعل م: (إذا صب الماء في الطريق فعطب به إنسان أو دابة، وكذا إذا رش الماء أو توضأ لأنه متعد فيه بإلحاق الضرر بالمارة، بخلاف ما إذا فعل ذلك) ش: أي صب الماء أو رشه أو وضعوه م: (في سكة غير نافذة) ش: فإنه لا يضمن م: (وهو من أهلها) ش: أي والحال أنه من أهل السكة م: (أو قعد أو وضع متاعه؛ لأن لكل واحد أن يفعل ذلك فيها لكونه من ضرورات السكنى كما في الدار المشتركة) ش: فإن لكل واحد من الشركاء أن يفعل ذلك.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا) ش: أي وجوب الضمان م: (إذا رش ماء كثيرا بحيث يزلق به عادة، أما إذا رش ماء قليلا كما هو المعتاد، والظاهر أنه لا يزلق به عادة لا يضمن) ش: لأنه إذا زلق يكون ذلك من خوفه م: (ولو تعمد المرور في موضع صب الماء فسقط لا يضمن الراش لأنه) ش: أي لأن الذي تعمد المرور م: (صاحب علة) ش: لأن السقوط من فعله وهو متعمد، كالذي رش الماء، وإضافة الحكم إلى العلة المحضة أولا فلا يجود به صاحب الشرط.
م: (وقيل: هذا) ش: أي عدم وجوب الضمان على الراش م: (إذا رش بعض الطريق لأنه يجد موضعا للمرور لا أثر للماء فيه، فإذا تعمد المرور على موضع صب الماء مع علمه بذلك لم يكن على الراش شيء، وإن رش جميع الطريق يضمن؛ لأنه) ش: أي لأن الماء م: (مضطر في المرور) ش:(13/234)
وكذلك الحكم في الخشبة الموضوعة في الطريق في أخذها جميعه أو بعضه.
ولو رش فناء حانوت بإذن صاحبه. فضمان ما عطب على الآمر استحسانا، وإذا استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به إنسان بعد فراغه من العمل فمات يجب الضمان على الآمر استحسانا، ولو كان أمره بالبناء في وسط الطريق فالضمان على الأجير لفساد الأمر
قال: ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته، وإن تلفت به بهيمة فضمانها في ماله؛ لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه، غير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الواقعات " وإذا رأى سائق الدابة أن الماء قد رش في الطريق فساق وكذلك فعطب به فلا ضمان على الذي رش، وإن لم يره بأن كان ذلك في الليل فالراش ضامن.
م: (وكذلك الحكم في الخشبة الموضوعة في الطريق) ش: أي مثل حكم رش الماء في بعض الطريق وحكم رشه في كل الطريق م: (في أخذها) ش: أي في أخذ الخشبة م: (جميعه) ش: أي جميع الطريق م: (أو بعضه) ش: أي في أخذها بعض الطريق، فإن كانت موضوعة في جميع الطريق ففيه الضمان، وإن كانت في بعض الطريق فلا ضمان فيه، لأن المار يجد موضعا للمرور.
[استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به إنسان بعد فراغه من العمل فمات]
م: (ولو رش فناء حانوت) ش: الفناء بكسر الفاء أعد لحوائج الدار كربط الدابة وكسر الحنطة، وهو سعة أمام الدار م: (بإذن صاحبه، فضمان ما عطب على الآمر استحسانا) ش: لأن أمره قد صح لما له من زيادة انتقال الفعل إليه. . وفي " الفتاوى الصغرى ": ولو أمر الأجير فرش فناء وكان الآمر ضمن الآمر دون الراش، والحارض يضمن كيفما كان إذا رش الماء، وفي " الخلاصة ": لو أمره بالوضع في الطريق فتوضأ في الطريق فالضمان على المتوضئ.
م: (وإذا استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعقل به) ش: أي تشبك وتعقل ويكن بالبناء م: (إنسان بعد فراغه من العمل فمات يجب الضمان على الآمر استحسانا، ولو كان أمره بالبناء في وسط الطريق) ش: وفي " الجامع المحبوبي ": والذي ذكره في الكتاب فيما إذا لم يعلم الأجير أن الفناء للغير، أما إذا علم فالضمان على الأجير، وبه قالت الأئمة الثلاثة، وقال شيخ الإسلام: إن كان الطريق معروفا للعامة م: (فالضمان على الأجير لفساد الأمر) ش: لأنه لا حق للآمر في وسط الطريق نفسه أمره، فلذلك لم ينقل فعل الأجير إليه، فكان الأجير هو المتعدي في البناء فوجب عليه ضمان.
[حفر بئرا في طريق المسلمين فتلف بذلك إنسان فعلى من تكون ديته]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا. فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته، وإن تلفت به بهيمة فضمانها في ماله؛ لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه، غير(13/235)
أن العاقلة تتحمل النفس دون المال، فكان ضمان البهيمة في ماله، وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة لما ذكرنا، بخلاف ما إذا كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان حيث لم يضمن؛ لأنه ليس بمتعد، فإنه ما أحدث شيئا فيه إنما قصد ورفع الأذى عن الطريق، حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعقل بها إنسان كان ضامنا لتعديه بشغله.
ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على الذي نحاه؛ لأن حكم فعله قد انفسخ لفراغ ما يشغله، وإنما اشتغل بالفعل الثاني موضع آخر. وفي " الجامع الصغير " في البالوعة يحفرها الرجل في الطريق، فإن أمره السلطان بذلك أو أجبره عليه لم يضمن؛ لأنه غير متعد حيث فعل ما فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة، وإن كان بغير أمره فهو متعد إما بالتصرف في حق غيره أو بالافتيات على رأي الإمام أو هو مباح مقيد بشرط السلامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن العاقلة تتحمل النفس دون المال، فكان ضمان البهيمة في ماله) ش: وقال الحاكم في " الكافي ": الحر والعبد سواء فالضمان على عاقلة الحافر، ولا كفارة عليه ولا يحرم من الميراث.
م: (وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة) ش: يعني في وجوب الضمان م: (لما ذكرنا) ش: أي لأنه متعد فيه م: (بخلاف ما إذا كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان حيث لم يضمن؛ لأنه ليس بمتعد، فإنه ما أحدث شيئا فيه إنما قصد رفع الأذى عن الطريق، حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعقل بها إنسان) ش: أي تعلق به م: (كان ضامنا لتعديه بشغله) ش: لأنه شغل طريق المسلمين.
[وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فمن يضمن]
م: (ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على الذي نحاه؛ لأن حكم فعله قد انفسخ لفراغ ما يشغله، وإنما اشتغل بالفعل الثاني موضع آخر) .
م: (وفي الجامع الصغير: في البالوعة) ش: وهو ما يحفر في وسط الدار ليجمع ماء الوضوء وماء المطر، وفي " الصحاح ": البالوعة نقب في وسط الدار م: (يحفرها الرجل في الطريق، فإن أمره السلطان بذلك أو أجبره عليه) ش: أي على حفر البالوعة م: (لم يضمن؛ لأنه غير متعد، حيث فعل ما فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة، وإن كان بغير أمره فهو متعد إما بالتصرف في حق غيره، أو بالافتيات على رأي الإمام) ش: وهو الاستعداء بالرأي، وهو افتعال من الفوت وهو السبق م: (أو هو) ش: أي حفر البالوعة م: (مباح مقيد بشرط السلامة) ش: قال في " شرح الأقطع ": وقالوا: لو تعدى في الطريق يستريح أو لمرض أو ضعف فعثر به إنسان يضمن، لأن المشي في الطريق مباح بشرط السلامة، كما أن الله تعالى أباح الرمي إلى الصيد، لو رمى صيدا أو أصاب إنسانا أو شاة ضمن، واعتبر فيه السلامة، فكذلك هاهنا.(13/236)
وكذلك الجواب على هذا التفصيل في جميع ما فعل في طريق العامة مما ذكرناه وغيره؛ لأن المعنى لا يختلف. وكذا إن حفره في ملكه لا يضمن لأنه غير متعد. وكذا إذا حفره، في فناء داره، لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه، وقيل: هذا إذا كان الفناء مملوكا له أو كان له حق الحفر فيه؛ لأنه غير متعد. أما إذا كان لجماعة المسلمين أو مشتركا بأن كان في سكة غير نافذة فإنه يضمنه؛ لأنه مسبب متعد، وهذا صحيح. ولو حفر في الطريق ومات الواقع فيه جوعا أو غما لا ضمان على الحافر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر، والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن مات جوعا فكذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذلك الجواب على هذا التفصيل) ش: وهو أنه لو فعله بأمر من له الولاية في الأمر لا يضمن وبغير أمره ضمن، ويحل للإمام أن يأمر بذلك إذا لم يضر بالعامة إذا كان الطريق واسعا، وإن كان الطريق ضيقا لا يحل له ذلك م: (في جميع ما فعل في طريق العامة مما ذكرناه) ش: أي من أول الباب إلى هاهنا من شراع الجناح وإحداث الكنيف أو الميزاب والجرصن أو حفر البئر في طريق المسلمين م: (وغيره) ش - كبناء الظلة وغرس الأشجار ورمي الثلج والجلوس للبيع م: (لأن المعنى لا يختلف) ش: أي فصار هالك م: (وكذا إن حفره في ملكه لا يضمن؛ لأنه غير متعد، وكذا إذا حفره في فناء داره؛ لأن له ذلك لمصلحة داره، والفناء في تصرفه، وقيل. هذا) ش. أي عدم الضمان م. (إذا كان الفناء مملوكا له أو كان له حق الحفر فيه؛ لأنه غير متعد. أما إذا كان لجماعة المسلمين أو مشتركا) ش: أي أو كان البناء مشتركا م. (بأن كان في سكة غير نافذة فإنه يضمنه؛ لأنه مسبب متعد، وهذا صحيح) ش. أي التفصيل صحيح.
وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا احتفر الرجل بئرا في طريق مكة أو غير ذلك من الفيافي فلا ضمان عليه في ذلك، وليس هذا كالأمصار، لأنه غير متعد فيما فعل، ألا ترى أنه لو ضرب هناك فسطاطا أو اتخذ تنورا يخبز فيه، أو ربط دابة لم يضمن ما أصابه ذلك، ولو قالوا هذا إذا حفر في غير ممر المسلمين، أما إذا حفر في ممرهم ينبغي أن يضمن لأنه متعد فيه.
م. ولو حفر في الطريق ومات الواقع فيه جوعا) ش: أي من أجل الجوع م. (أو غما) ش: أي اختناقا من العفونة. قال الجوهري: يوم غم إذا كان يأخذ النفس من شدة الحر م. (لا ضمان على الحافر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن مات جوعا فكذلك) ش: أي لأن(13/237)
وإن مات غما فالحافر ضامن له؛ لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع، أما الجوع فلا يختص بالبئر. وقال محمد: هو ضامن في الوجوه كلها؛ لأنه إنما حدث بسبب الوقوع، إذ لولاه لكان الطعام قريبا منه. قال: وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير فنائه فذلك على المستأجر ولا شيء على الأجراء إن لم يعلموا أنها في غير فنائه؛ لأن الإجارة صحت ظاهرة إذا لم يعلموا، فنقل فعلهم إليه لأنهم كانوا مغرورين، فصار كما إذا أمر آخر بذبح هذه الشاة فذبحها ثم ظهر أن الشاة لغيره، إلا أن هناك يضمن المأمور ويرجع على الآمر؛ لأن الذابح مباشر، والأمر مسبب، والترجيح للمباشرة فيضمن المأمور ويرجع المغرور، وهنا يجب الضمان على المستأجر ابتداء؛ لأن كل واحد منهما مسبب، والأجير غير متعد والمستأجر متعد فيرجح جانبه. وإن علموا ذلك فالضمان على الأجراء، لأنه لم يصح أمره بما ليس بمملوك له، ولا غرور، فبقي الفعل مضاف إليهم. وإن قال لهم: هذا فنائي وليس لي فيه حق الحفر فحفروه فمات فيه إنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الضمان على الحافر م: (وإن مات غما فالحافر ضامن له؛ لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع، أما الجوع فلا يختص بالبئر. وقال محمد: هو ضامن في الوجوه كلها؛ لأنه إنما حدث بسبب الوقوع، إذ لولاه) ش: أي الوقوع م: (لكان الطعام قريبا منه) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة، ولا يتوهم من تقديم قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عادة تأخر الراجح، فإن الفقه معه، ألا ترى أنه لو حبس رجلا في بئر حتى مات غما فإنه لا ضمان عليه، بخلاف ما لو مات فيه من الوقوع، لأن أثر فعله وهو العمل أثر في نفس الواقع فلا بد من أثر الوقوع لوجوب الضمان.
م: (قال) ش: أي المصنف وليس لفظة: (قال) في غالب النسخ: م: (وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير فنائه فذلك على المستأجر ولا شيء على الأجراء إن لم يعلموا أنها في غير فنائه؛ لأن الإجارة صحت ظاهرة إذا لم يعلموا، فنقل فعلهم إليه) ش: أي فنقل فعل الأجر إلى المستأجر م: (لأنهم كانوا مغرورين، فصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا أمر آخر بذبح هذه الشاة فذبحها ثم ظهر أن الشاة لغيره) ش: أي لا يغير الأمر.
م: (إلا أن هناك) ش: أي في الأمر بذبح الشاة م: (يضمن المأمور ويرجع على الآمر، لأن الذابح مباشر، والآمر مسبب، والترجيح للمباشرة فيضمن المأمور، ويرجع المغرور، وهنا يجب الضمان على المستأجر ابتداء) ش: أي من أول الأمر م: (لأن كل واحد منهما مسبب، والأجير غير متعد، والمستأجر متعد فيرجح جانبه) ش: في التعدي. (وعلى) المستأجر فيه الضمان.
م: (وإن علموا بذلك فالضمان على الأجراء؛ لأنه لم يصح أمره بما ليس بمملوك له، ولا غرور، فبقي الفعل مضافا إليهم، وإن قال لهم: هذا فنائي وليس لي فيه حق الحفر فحفروه فمات فيه إنسان(13/238)
فالضمان على الأجراء قياسا؛ لأنهم علموا بفساد الأمر فما غرهم. وفي الاستحسان: الضمان على المستأجر لأن كونه فناء له بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده في التصرف فيه من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان، فكان الأمر بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا، فكفى ذلك لنقل الفعل إليه.
قال: ومن جعل قنطرة بغير إذن الإمام، فتعمد رجل المرور عليها فعطب فلا ضمان على الذي عمل القنطرة، وكذلك إذا وضع خشبة في الطريق فتعمد رجل المرور عليها؛ لأن الأول تعد هو تسبيب، والثاني تعد هو مباشرة، فكانت الإضافة إلى المباشر أولى، ولأن تخلل فعل فاعل مختار يقطع النسبة كما في الحافر مع الملقي. قال: ومن حمل شيئا في الطريق فسقط على إنسان فعطب به إنسان فهو ضامن، وكذا إذا سقط فتعثر به إنسان. وإن كان رداء قد لبسه فسقط عنه فعطب به إنسان لم يضمن، وهذا اللفظ يشمل الوجهين،.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فالضمان على الأجراء قياسا، لأنهم علموا بفساد الأمر فما غرهم. وفي الاستحسان الضمان على المستأجر، لأن كونه فناء له بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده في التصرف فيه من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان، فكان الأمر بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا) ش: أي باعتبار ظاهر اليد من إلقاء الطين ونحوه م: (فكفى ذلك لنقل الفعل إليه) ش: أي إلى المستأجر.
[جعل قنطرة بغير إذن الإمام فتعمد رجل المرور عليها فعطب]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن جعل قنطرة) ش: القنطرة ما أحكم بناؤه ولا يرفع، والجسر ما يوضع ويرفع م: (بغير إذن الإمام، فتعمد رجل المرور عليها فعطب فلا ضمان على الذي عمل قنطرة، وكذلك إذا وضع خشبة في الطريق فتعمد رجل المرور عليها؛ لأن الأول) ش: يعني جعل القنطرة م: (تعد هو تسبيب، والثاني) ش: يعني وضع الخشبة م: (تعد هو مباشرة، فكانت الإضافة إلى المباشرة أولى) ش: لأن الحكم إنما يضاف إلى صاحب السبب إذا لم يكن صاحب العلة صالحا لإضافة الحكم إليه إن كانت مباحة، فأما إذا استويا في العدوانية فالإضافة إلى صاحب العلة، لأنها بالإضافة أولى لكونها أقوى.
م: (ولأن تخلل فعل فاعل مختار) ش: بين السبب والحكم م: (يقطع النسبة) ش: أي نسبة الحكم إلى السبب م: (كما في الحافر مع الملقي) ش: أي كما في حافر البئر على قارعة الطريق مع الذي ألقاه، أي دفعه إلى البئر حيث يضاف الضمان إلى الدافع لا إلى الحافر.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن حمل شيئا في الطريق فسقط على إنسان فعطب به إنسان فهو ضامن، وكذا إذا سقط) ش: أي من الحامل شيء م: (فتعثر به إنسان. وإن كان رداء قد لبسه فسقط عنه فعطب به إنسان لم يضمن، وهذا اللفظ يشمل الوجهين) ش: وهما تلف الإنسان بسقوط اللباس عليه أو بعثوره عليه.(13/239)
والفرق أن حامل الشيء قاصد حفظه، فلا حرج في التقييد بوصف السلامة، واللابس لا يقصد حفظ ما يلبسه، فيخرج بالتقييد بما ذكرناه فجعلناه مباحا مطلقا. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لبس ما لا يلبسه عادة فهو كالحامل لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه.
قال: وإذا كان المسجد للعشيرة فعلق رجل منهم فيه قنديلا أو جعل فيه بواري أو حصاة فعطب به رجل لم يضمن، وإن كان فعل ذلك من غير العشيرة ضمن قالوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والفرق) ش: أي بين الشيء المحمول حيث يجب الضمان به فيما إذا هلك إنسان وبين الثوب الملبوس حيث لا يجب الضمان فيه وإن هلك إنسان بوقوعه عليه: م: (أن حامل الشيء قاصد حفظه، فلا حرج في التقييد بوصف السلامة) ش: فإذا أضيف إليه التلف كان ضامنا م: (واللابس لا يقصد حفظ ما يلبسه، فيخرج بالتقييد بما ذكرناه) ش: يعني وصف السلامة م: (فجعلناه مباحا مطلقا) ش: يعني من غير شرط السلامة.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لبس ما لا يلبسه عادة) ش: للبدو والجوالق ودرع الحرب في غير موضع الحرب، والثوب الذي لا يحتاج إليه من حيث الزينة، أو من حيث دفع الحر والبرد م: (فهو كالحامل) ش: شيئا في الطريق حيث يضمن إذا سقط على إنسان فعطب به م: (لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه) ش: وذكر المحبوبي: لو لبس ثوبا زيادة على قدر الحاجة لم يذكره محمد في الكتاب. وروى ابن سماعة أنه قال: يضمن إذا سقط وعطب به إنسان لأنه لا يعلم به البلوى، وقياس قول الأئمة الثلاثة: لا يضمن بعدم التعدي.
[كان المسجد للعشيرة فعلق رجل منهم فيه قنديلا فعطب به رجل]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا كان المسجد للعشيرة) ش: العشيرة: القبيلة ذكره في " الصحاح "، والمراد هاهنا أهل المسجد م: (فعلق رجل منهم) ش: أي من العشيرة م: (فيه قنديلا) ش: أي في المسجد م: (أو جعل فيه بواري) ش: جمع بوريا قال الأصمعي: البوريا بالفارسية وهو بالعربية جاري وبوري. وقال الجوهري:
الباريا والبوريا التي من القصب وكذلك السبارية م: (أو حصاة) ش: أي أو جعل فيه حصاة م: (فعطب به) ش: أي بواحد من هذه الأشياء م: (رجل لم يضمن) ش: يعني وإن كان بغير إذن الإمام وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في وجه وقال الشافعي في وجه: بغير إذن الإمام يضمن.
وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإذا حفر أهل المسجد فيه بئرا لماء المطر ووضعوا فيه جبا نضب فيه الماء أو طرحوا فيه بواري أو حصا أو ركبوا بابا وعلقوا فيه قنديلا أو ظللوه فلا ضمان فيمن عطب بذلك عليهم م: (وإن كان الذي فعل ذلك من غير العشيرة ضمن قالوا) ش: أي(13/240)
هذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن في الوجهين جميعا؛ لأن هذه من القرب وكل أحد مأذون في إقامتها فلا يتقيد بشرط السلامة كما إذا فعله بإذن واحد من أهل المسجد. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق: أن التدبير فيما يتعلق بالمسجد لأهله دون غيرهم كنصب الإمام واختيار المتولي وفتح بابه وإغلاقه وتكرار الجماعة إذا سبقهم بها غير أهله فكان فعلهم مباحا مطلقا غير مقيد بشرط السلامة، وفعل غيرهم تعديا أو مباحا مقيدا بشرط السلامة. وقصد القربة لا ينافي الغرامة إذا أخطأ الطريق كما إذا تفرد بالشهادة على الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشايخ م: (هذا) ش: يعني هذا التفصيل م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: لا يضمن في الوجهين) ش: وهما إذن الإمام أو إذن العشيرة أو عدم إذنهما، وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في وجه.
وقال الحلواني: أكثر مشايخنا أخذوا بقولهما في هذه المسألة وعليه الفتوى كذا في " الذخيرة "، وفيها وضع الجب لشرب الماء على هذا الاختلاف م: (لأن هذه) ش: أي المذكور من الأشياء م: (من القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة.
م: (وكل أحد) ش: من أهل المسجد م: (مأذون في إقامتها) ش: أي بإقامة هذه الأشياء م: (فلا يتقيد بشرط السلامة كما إذا فعله بإذن واحد من أهل المسجد) ش: بإذن واحد من أهل المسجد حيث لا يضمن.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الفرق) ش: بين الوجهين: م: (إن التدبير فما يتعلق بالمسجد لأهله دون غيرهم) ش: أي غير أهل المسجد م: (كنصب الإمام) ش: أي غير أهل المسجد يعني لو صلى فيه غير أهل المسجد بجماعة لا يكون لغير أهله أن يصلوا فيه بجماعة.
م: (واختيار المتولي وفتح بابه وإغلاقه وتكرار الجماعة إذا سبقهم بها) ش: أي بالصلاة بالجماعة م: (غير أهله) ش: يعني: إذا لم يكن الثاني موجودا، وأما إذا كان موجودا فنصب الإمام إليه وهو مختار " الإسكاف ".
قال أبو الليث: وبه نأخذ إلا أن ينصب الإمام شخصا والقوم يريدون من هو أصلح منه فيجوز أن يكون المنصف اختار قول ابن سلام أن القوم أولى بنصب إمام، والمؤذن والباني، أولى بالعمارة م: (فكان فعلهم مباحا مطلقا غير مقيد بشرط السلامة، وفعل غيرهم تعديا أو مباحا مقيدا بشرط السلامة. وقصد القربة لا ينافي الغرامة) .
ش: هذا جواب عن قولهما " لأن هذا من القرب " بيانه: أن قصد القربة لا ينافي الضمان م: (إذا أخطأ الطريق) ش: أي في طريق القربة م: (كما إذا تفرد بالشهادة على الزنا) .(13/241)
فالطريق فيما نحن فيه الاستئذان من أهله. قال: وإن جلس فيه رجل منهم فعطب به رجل لم يضمن إن كان في الصلاة، وإن كان في غير الصلاة ضمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا يضمن على كل حال، ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو للتعليم أو للصلاة أو نام فيه في أثناء الصلاة أو نام في غير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: يعني إذا شهد وحده بالزنا يحد حد القذف، وإن كان بأداء شهادته حسبة لله تعالى متقربا ولكن لما لم يكن نصاب الشهادة في الزنا، وهي شهادة الأربعة اعتبر ذلك قذفا م: (فالطريق فيما نحن فيه الاستئذان من أهله) ش: أي من أهل المسجد لأنه لا يمنع أن يكون المسجد لجماعة المسلمين، ويختص تدبيره بأهله.
ألا ترى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ مفاتيح الكعبة من بني شيبة فأمره الله تعالى بردها عليهم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] » والكعبة حق لجميع المسلمين وإن اختص قوم بتدبيره، وقال التمرتاشي: لو ضاق المسجد بأهله لأهله أن يمنعوا من ليس من أهله الصلاة فيه.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن جلس فيه رجل منهم) ش: أي من أهل المسجد م: (فعطب به) ش: أي بالجالس م: (رجل لم يضمن إن كان في الصلاة) ش: سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا. ذكر شيخ الإسلام م: (وإن كان في غير الصلاة ضمن، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا التفصيل الذي ذكرنا، وكونه في غير الصلاة يضمن عنده، مطلقا ليس بصحيح على إطلاقه، فإن شمس الأئمة قال في " جامعه ": لو جلس لانتظار الصلاة لا يضمن لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المنتظر الصلاة في صلاة» ، وإنما الخلاف فيمن جلس لعمل ليس له اختصاص بالمسجد كدرس وقراءة القرآن، وفي " الذخيرة ": لو جلس للدرس أو لقراءة القرآن أو للذكر والتسبيح أو لاعتكاف لا رواية لهذا في الكتاب. واختلف المتأخرون قال أبو بكر الرازي: يضمن عنده، وقال أبو بكر البلخي: إن جلس لقراءة القرآن أو معتكف في المسجد لا يضمن بالإجماع، وذكر فخر الإسلام والصدر الشهيد: لو جلس للحديث يضمن بالإجماع لأنه غير مباح له، وفي " النهاية ": هذا ما ذكره في المتن، ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو التعليم أو للصلاة إلى قوله فهو على اختلاف مخالف لهذه الروايات، أجيب: يمكن أن يكون مختار أبي بكر الرازي، ولكن فيه بعد كما ترى.
م: (وقالا: لا يضمن على كل حال) ش: وبه قالت الثلاثة م: (ولو كان جالسا لقراءة القرآن أو للتعليم) ش: أي تعليم الفقه والحديث م: (أو للصلاة أو نام فيه في أثناء الصلاة أو نام في غير(13/242)
الصلاة أو مر فيه مار أو قعد فيه لحديث، فهو على هذا الاختلاف. وأما المعتكف فقد قيل على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بالاتفاق. لهما: أن المسجد إنما بني للصلاة والذكر، ولا يمكنه أداء الصلاة بالجماعة إلا بانتظارها فكان الجلوس فيه مباحا لأنه من ضرورات الصلاة، أو لأن المنتظر للصلاة في الصلاة حكما بالحديث فلا يضمن كما إذا كان في الصلاة، وله: أن المسجد إنما بني للصلاة، وهذه الأشياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصلاة أو مر فيه مار) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأول خاص، والثاني عام: يعني حال كونه مارا لأجل أمر آخر سوى أمر الصلاة بأن مر لأخذ الماء من غير بئر المسجد.
م: (أو قعد فيه لحديث فهو على هذا الاختلاف) ش: وهو اختيار بعض أصحابنا، واختاره أبو بكر الرازي.
وقال بعضهم: وهو اختيار أبي عبد الله الجرجاني ليس فيها خلاف بل لا ضمان فيه بالاتفاق، ولقائل أن يقول: في عبارة الكتاب تكرار، لأنه قال: وإن كان في غير الصلاة ضمن، وغير الصلاة يشمل هذا المذكور كله. والجواب: أن قوله: وإن كان في غير الصلاة ضمن لفظ " الجامع الصغير ". وقوله: ولو كان حال قراءة القرآن من لفظ المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيان كذلك، لكن قوله: " فهو على هذا الاختلاف " يفيد اتفاق المشايخ على ذلك وليس كذلك، بل هو على الاختلاف، كما رأيت وكان من حق الكلام أن يقول: فقد قيد على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بلا خلاف كما قال في الاعتكاف.
م: (وأما المعتكف فقد قيل على هذا الاختلاف، وقيل: لا يضمن بالاتفاق) .
ش: وقال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير ": وإن قعد معتكفا قال مشايخنا: اختلفوا فيه، فقال بعضهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن لأنه جلس لغير الصلاة، وقال بعضهم: لا يضمن لأنه متقرب به، وم: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله -: م: (أن المسجد إنما بني للصلاة والذكر) .
قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36] {رِجَالٌ} [النور: 37] . وقال {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] م: (ولا يمكنه أداء الصلاة بالجماعة إلا بانتظارها، فكان الجلوس فيه مباحا لأنه من ضرورات الصلاة، أو لأن المنتظر للصلاة في الصلاة حكما بالحديث) ش: وقد مر الحديث عن قريب م: (فلا يضمن كما إذا كان في الصلاة. وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن المسجد إنما بني للصلاة وهذه الأشياء) ش: أشار به إلى ما ذكره من(13/243)
ملحقة بها فلا بد من إظهار التفاوت فجعلنا الجلوس للأصل مباحا مطلقا، والجلوس لما يلحق به مباحا مقيدا بشرط السلامة، ولا غرو أن يكون الفعل مباحا أو مندوبا إليه، وهو مقيد بشرط السلامة كالرمي إلى الكافر أو إلى الصيد، والمشي في الطريق والمشي في المسجد إذا وطئ غيره، والنوم فيه إذا انقلب على غيره، وإن جلس رجل من غير العشيرة فيه للصلاة فتعقل به إنسان ينبغي ألا يضمن لأن المسجد بني للصلاة، وأمر الصلاة بالجماعة إن كان مفوضا إلى أهل المسجد فلكل واحد من المسلمين أن يصلي فيه وحده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله كقراءة القرآن إلى آخره م: (ملحقة بها) ش: أي بالصلاة، يعني يؤتى بها في المسجد بطريق التبعية للصلاة هي المقصودة في بناء المسجد.
م: (فلا بد من إظهار التفاوت) ش: بين الملحق والملحق به م: (فجعلنا الجلوس للأصل) ش: الذي هو الصلاة م: (مباحا مطلقا) ش: يعني من غير قيد بشرط السلامة، ألا ترى أن المسجد إذا ضاق على المصلي كان له إزعاج القاعد فيه المشتغل بالذكر والقراءة والتدريس، لأنه يطلب موضعه الأصلي.
وقال التمرتاشي: لو ضاق المسجد بأهله (فلهم) أن يمنعوا من ليس بأهله عن الصلاة فيه م: (والجلوس لما يلحق به) ش: أي جعلنا الجلوس لما يلحق به م: (مباحا، مقيدا بشرط السلامة، ولا غرو) ش: أي ولا عجب، قال القائل:
ولا غرو إن حرق نار الهوى كبدي ... فالنار حق على من يعبد الوثنا
م: (أن يكون الفعل مباحا أو مندوبا إليه، وهو مقيد بشرط السلامة) ش: أي والحال أنه مقيد بشرط السلامة ونظر لذلك بقوله: م: (كالرمي إلى الكافر أو إلى الصيد؛ والمشي في الطريق والمشي في المسجد إذا وطئ غيره والنوم فيه إذا انقلب على غيره) ش: فكل ذلك يقيد بشرط السلامة.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله: " كالرمي إلى الكافر "، نظير المندوب، وإلى الصيد نظير المباح، ومع ذلك، إذا أصاب مسلما يضمن م: (وإن جلس رجل من غير العشيرة فيه للصلاة فتعقل به إنسان) ش: أي فنشب به وتعلق م: (ينبغي أن لا يضمن؛ لأن المسجد بني للصلاة وأمر الصلاة بالجماعة إن كان مفوضا إلى أهل المسجد، فلكل واحد من المسلمين أنه يصلي فيه وحده، والله سبحانه وتعالى أعلم) .
ش: وقال فخر الإسلام: وإن كان الرجل الجالس رجلا من غير العشيرة فقوله " لهما فيه " لا يشكل، لأنه بمنزلة الرجل من العشيرة، قالا: فيه بسط البواري والحصا، فأما في قول أبي حنيفة فيحتمل أن يضمن بكل حال وقال بعضهم: بل هو عنده في الصلاة بمنزلة العشيرة، لأن(13/244)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المساجد أعدت للصلاة العامة من غير خصوص، وإنما الخصوص فيما يرجع إلى الرأي والتدبير، ولذلك لم يكن لغيرهم حق إقامة الجماعة لأنه مما يفتقر إلى الرأي والتدبير، وأما نفس الصلاة فيستغنى عن ذلك، بخلاف تعليق القناديل وبسط البواري والبساط والحصا. قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا القول أشبه.(13/245)
فصل في الحائط المائل قال: وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين، فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه فلم ينقضه في مدة يقدر على نقضه حتى سقط؛ ضمن ما تلف به من نفس أو مال. والقياس أن لا يضمن لأنه لا صنع منه مباشرة ولا مباشرة شرط هو متعد فيه؛ لأن أصل البناء كان في ملكه، والميلان وشغل الهواء ليس من فعله، فصار كما قبل الإشهاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الحائط المائل]
م: (فصل في الحائط المائل) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الحائط المائل، ولما فرغ من بيان الأحكام التي تتعلق بمباشرة الإنسان وثنيه، شرع في بيان أحكام القتل الذي يتعلق بالجماد الذي لا اعتبار له أصلا وهو الحائط المائل، وإنما ذكره بالفصل لأنه يلحق بالباب الذي قبله.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا مال الحائط إلى طريق المسلمين، فطولب صاحبه بنقضه وأشهد عليه فلم ينقضه في مدة يقدر على نقضه حتى سقط ضمن ما تلف به من نفس أو مال) ش: هذا كلام القدوري في " مختصره ". وقال الكرخي في " مختصره ": وإذا مال حائط من دار رجل على طريق نافذ أو دار رجل فلم يطالب بنقضه ولم يشهد عليه فيه حتى سقط على رجل فقتله أو على متاع فأفسده أو على حيوان فعطب به، فلا ضمان على صاحب الحائط في شيء من ذلك، وإن تقدم إليه في هدمه وأشهد عليه ثم سقط في مدة قد أمكنه نقضه فيها بعد الإشهاد فهو ضامن، وإن كان لم يفرط في نقضه وذهب يطلب من يهدمه فكان في طلبه ذلك حتى استأجر من يهدمه فسقط الحائط فقتل إنسانا أو عقر دابة أو أفسد متاعا فلا ضمان عليه.
قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والإشهاد، أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، فإذا فعل فقد لزمه نقضه على حال الإمكان، فإن أخر ذلك وفرط عما وصفت لك ضمن ما جنى عليه الحائط فإن كانت جنايته على إنسان، فهو على العاقلة إذا كانت نفسا أو دونها إذا بلغ من دية الرجل نصف عشر دية إذا كان المجني عليه رجلا.
وإن كان المجني عليه امرأة، فإذا بلغ أرش جنايتها عشر ديتها، وما كان أقل من ذلك فهو في ماله. وما كان في غير بني آدم فهو في ماله حال.
م: (والقياس أن لا يضمن) ش: وبه قال الشافعي وأحمد رحمهما الله في المنصوص عنه، لأنه بناه في ملكه ولا تعدي منه م: (لأنه لا صنع منه مباشرة، ولا مباشرة شرط هو متعد فيه؛ لأن أصل البناء كان في ملكه، والميلان وشغل الهواء ليس من فعله، فصار كما قبل الإشهاد) ش: أي في صنعته مباشرة، أما كونه لا صنع فيه فظاهر، وأما كونه لا مباشرة وهو القتل بسبب كحفر(13/246)
وجه الاستحسان: أن الحائط لما مال إلى الطريق فقد اشتغل هواء طريق المسلمين بملكه ورفعه في يده، فإذا تقدم إليه وطولب بتفريغه، يجب عليه، فإذا امتنع صار متعديا بمنزلة ما لو وقع ثوب إنسان في حجره يصير متعديا بالامتناع عن التسليم إذا طولب به كذا هذا، بخلاف ما قبل الإشهاد لأنه بمنزلة هلاك الثوب قبل الطلب؛ ولأنا لو لم نوجب عليه الضمان يمتنع عن التفريغ فينقطع المارة حذرا على أنفسهم فيتضررون به. ودفع الضرر العام من الواجب وله تعلق بالحائط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البئر، ونحوه قوله: " هو متعد فيه " جملة وقعت صفة كمباشرة شرط المسألة مصورة فيما إذا بناه مستويا. ثم صار مائلا. وأوضح ذلك تاج الشريعة. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قبله، والقياس أن لا يضمن لأن ضمان الجناية بالمباشرة أو التسبب، ولم يوجد شيء منها.
أما المباشرة: فلأنه لم يتصل بالمؤلف فعل من صاحب الحائط. ألا ترى أنه لم يجب عليه الكفارة، ولا يحرم عن الميراث وإن شهد عليه. وأما التسبب: فلأنه أبطل أثر فعل، وهو يعد من المتلف كحفر للبئر والحائط.
وإن كان أثر فعل إلا أنه مباح. لأنه إن فعل حصل في ملكه، وفعل الإنسان في ملكه مباح وأثر فعله المباح لا يصلح سببا للضمان كحفر البئر في ملكه، غاية ما في الباب أنه ترك معروفا وأنه لا يوجب الضمان، كما لو أرسل إنسان دابته في مراع فدخل في زرع إنسان فأخبر بذلك فلم يخرجه حتى أفسد زرعه لم يضمن لهذا المعنى كذا هذا.
م: (وجه الاستحسان: أن الحائط لما مال إلى الطريق فقد اشتغل هواء طريق المسلمين بملكه ورفعه في يده، فإذا تقدم) ش: على صيغة المجهول م: (إليه وطولب بتفريغه، يجب عليه، فإذا امتنع صار متعديا) ش: وتوجه الاستحسان.
قال مالك وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وغيرهم من أئمة التابعين كشريح والشعبي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: م: (بمنزلة ما لو وقع ثوب إنسان في حجره يصير متعديا بالامتناع عن التسليم إذا طولب به) ش: حتى يضمن إذا ملك في يده م: (كذا هذا، بخلاف ما قبل الإشهاد) ش: فإنه لا يضمن بالإجماع.
وعن بعض أصحاب أحمد وجه: أنه يضمن قبل الإشهاد أيضا، وبه قال ابن أبي ليلى، وأبو ثور وإسحاق م: (لأنه بمنزلة هلاك الثوب قبل الطلب، ولأنا لو لم نوجب عليه الضمان يمتنع عن التفريغ فينقطع المارة حذرا على أنفسهم فيتضررون به. ودفع الضرر العام من الواجب وله) ش: أي ولصحاب الحائط م: (تعلق بالحائط) ش: هذا جواب إشكال وهو أن يقال: الهواء حق العامة، وقد اشتغل بهذا الحائط فينبغي أن يكون تفريغه عليهم، فأجاب بقوله: وله تعلق بالحائط يعني(13/247)
فيتعين لدفع هذا الضرر، وكم من ضرر خاص يتحمل لدفع العام منه، ثم فيما تلف به من النفوس تجب الدية، وتتحملها العاقلة لأنه في كونه جناية دون الخطأ، فيستحق فيه التخفيف بالطريق الأولى كيلا يؤدي إلى استئصاله والإجحاف به وما تلف به من الأموال كالدواب والعروض يجب ضمانها في ماله؛ لأن العواقل لا تعقل المال والشرط التقدم إليه، وطلب النقض منه دون الإشهاد. وإنما ذكر الإشهاد ليتمكن من إثباته عند إنكاره، فكان من باب الاحتياط. وصورة الإشهاد أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، ولا يصح الإشهاد قبل أن يهيئ الحائط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نقضا وإبقاء فكأنه هو أولى بذلك م: (فيتعين لدفع هذا الضرر) ش: لتعلق الحائط به على الوجه الذي ذكرناه م: (وكم من ضرر خاص يتحمل لدفع العام منه) ش: أي من الضرر. هذا أيضا جواب عما يقال لو وجب عليه نقض الجدار لدفع الضرر العام يتضرر صاحب الجدار أيضا.
فأجاب بقوله: وكم من ضرر. . . إلى آخره، كالحجر على المفتي المتاجر والمتطبب الجاهل، والمكاري المفلس، فإنهم يحجرون لدفع الضرر العام، وإن كان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرى الحجر على البالغ العاقل الحر. م: (ثم فيما تلف به من النفوس تجب الدية، وتتحملها العاقلة لأنه في كونه جناية دون الخطأ، فيستحق فيه التخفيف بالطريق الأولى كيلا يؤدي إلى استئصاله) ش: أي انقطاعه بالكلية.
م: (والإجحاف به وما تلف به من الأموال كالدواب والعروض يجب ضمانها في ماله؛ لأن العواقل لا تعقل المال، والشرط التقدم إليه) ش: أي بشرط الضمان يقدم الطالب إلى صاحب الحائط وهو أن يقول له: إن حائطك هذا مخوف. أو يقول: مائل فانقضه أو اهدمه حتى لا يسقط ولا يتلف شيئا، ولو قال: ينبغي أن تهدمه فذاك مشهود، ويشترط أن يكون المتقدم من صاحب حق لواحد من العامة مسلما كان أو ذميا أو صبيا أو امرأة إن مال إلى طريقهم وواحد من أصحاب السكة الخاصة إن مال إليها وصاحب الدار أو سكانها إن مال إليها، وأن يكون إلى من له الولاية التفريغ حتى لو تقدم إلى من يسكن الدار بإجارة أو إعارة، فلم ينقض حتى سقط على إنسان، فلا ضمان على أحد م: (وطلب النقض منه) ش: أي وطلب نقض الحائط من صاحبه م: (دون الإشهاد) ش: أي ليس بشرط.
م: (وإنما ذكر الإشهاد ليتمكن من إثباته عند إنكاره) ش: أي إنكار المطلوب بالهدم م: (فكان) ش: أي الإشهاد م: (من باب الاحتياط) ش: ولهذا لو اعترف صاحبه أي طولب بنقضه، وجب عليه الضمان وإن لم يشهد عليه ذكره في " التحفة " م: (وصورة الإشهاد: أن يقول الرجل: اشهدوا أني قد تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا، ولا يصح الإشهاد قبل أن يهيئ الحائط) ش: أي(13/248)
لانعدام التعدي. قال: ولو بنى الحائط مائلا في الابتداء. . . قالوا: يضمن ما تلف بسقوطه من غير إشهاد؛ لأن البناء تعد ابتداء كما في إشراع الجناح. قال: وتقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين على التقدم لأن هذه ليست بشهادة على القتل. وشرط الترك في مدة يقدر على نقضه فيها لأنه لا بد من إمكان النقض ليصير بتركه جانيا، ويستوي أن يطالبه بنقضه مسلم أو ذمي؛ لأن الناس كلهم شركاء في المرور، فيصح التقدم إليه من كل واحد منهم، رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو مكاتبا. ويصح التقدم إليه عند السلطان وغيره؛ لأنه مطالبة بالتفريغ فينفرد كل صاحب حق به
قال: وإن مال إلى دار رجل فالمطالبة إلى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قبل أن يميل الحائط إلى السقوط وهو من وهي يهي، أصله يوهي فحذفت الواو فصار يهي، وذلك لوقوع الواو بين الياء والكسرة كما في يعد أصله يوعد م: (لانعدام التعدي) .
ش: أي قيل: وهي الحائط إلى السقوط م: (قال: ولو بنى الحائط مائلا في الابتداء قالوا) ش: أي المشايخ م: (يضمن ما تلف بسقوطه من غير إشهاد؛ لأن البناء تعد ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م: (كما في إشراع الجناح) ش: أي لا يعد فيه ابتداء م: (قال وتقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين على التقدم؛ لأن هذه ليست بشهادة على القتل) ش: يعني لو كانت شهادة على نفس القتل لم يقبل شهادة النساء بشبهة البدلية بل هي شهادة على ميلان الحائط فتقبل شهادة رجل وامرأتين.
م: (وشرط الترك) ش: أي بشرط القدوري ترك النقض م: (في مدة يقدر على نقضه فيها لأنه لا بد من إمكان النقض ليصير بتركه جانيا) ش: لأنه ربما لا يتمكن من النقض إما لجهله بذلك أو لعدم الآلة، فلا بد من زمان يقدر فيه على النقض حتى يكون بتركه بعد ذلك متعديا م: (ويستوي أن يطالبه بنقضه مسلم أو ذمي؛ لأن الناس كلهم شركاء في المرور، فيصح التقدم إليه من كل واحد منهم، رجلا كان أو امرأة، حرا كان أو مكاتبا) .
ش: وقال الأقطع في " شرحه ": وكذلك لو طالبت به امرأة أو صبي أو غريب من بلد آخر؛ لأن جميع هؤلاء لهم المرور في الطريق فصحت مطالبتهم.
وفي " شرح الطحاوي ": والخصومة إلى كل واحد من الناس، مسلما كان أو ذميا بعد أن يكون حرا بالغا عاقلا، أو كان صغيرا أذن له وليه في الخصومة أو كان عبدا أذن له مولاه. م: (ويصح التقدم إليه) ش: أي إلى صاحب الحائط م: (عند السلطان وغيره) ش: أي وغير السلطان م: (لأنه مطالبة بالتفريغ فينفرد كل صاحب حق به) ش: أي بالطلب حتى إذا لم يأخذ في نقضه عند ذلك فهو ضامن لما أصاب.
[أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن مال) ش: أي الحائط م: (إلى دار رجل فالمطالبة إلى(13/249)
مالك الدار خاصة لأن الحق له على الخصوص، وإن كان فيها سكان لهم أن يطالبوه لأن لهم المطالبة بإزالة ما شغل الدار، فكذا بإزالة ما شغل هواءها ولو أجله صاحب الدار أو أبرأه منها أو فعل ذلك ساكنوها فذلك جائز ولا ضمان عليه فيما تلف بالحائط لأن الحق لهم، بخلاف ما إذا مال إلى الطريق فأجله القاضي أو من أشهد عليه حيث لا يصح لأن الحق لجماعة المسلمين وليس إليهما إبطال حقهم، ولو باع الدار بعدما أشهد عليه وقبضها المشتري برئ من ضمانه؛ لأن الجناية بترك الهدم مع تمكنه، وقد زال تمكنه بالبيع، بخلاف إشراع الجناح لأنه كان جانيا بالوضع ولم ينفسخ بالبيع فلا يبرأ على ما ذكرنا، ولا ضمان على المشتري لأنه لم يشهد عليه، ولو أشهد عليه بعد شرائه فهو ضامن لتركه التفريغ مع تمكنه بعدما طولب به، والأصل: أنه يصح التقدم إلى كل من يتمكن من نقض الحائط وتفريغ الهواء، ومن لا يتمكن منه لا يصح التقدم إليه كالمرتهن والمستأجر والمودع وساكن الدار. ويصح التقدم إلى الراهن لقدرته على ذلك بواسطة الفكاك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالك الدار خاصة لأن الحق له على الخصوص، وإن كان فيها) ش: أي في الدار م: (سكان لهم) ش: كالمستأجر والمستعير لهم م: (أن يطالبوه لأن لهم المطالبة بإزالة ما شغل الدار فكذا بإزالة ما شغل هواءها، ولو أجله صاحب الدار) ش: يعني إذا كان الميلان إلى دار رجل فأجله صاحب الدار م: (أو أبرأه منها) ش: أي من الجناية م: (أو فعل ذلك) ش: أي التأجيل م: (ساكنوها فذلك) ش: أي التأجيل أو الإبراء م: (جائز ولا ضمان عليه فيما تلف بالحائط لأن الحق لهم، بخلاف ما إذا مال إلى الطريق فأجله القاضي أو من أشهد عليه حيث لا يصح لأن الحق لجماعة المسلمين وليس إليهما إبطال حقهم) ش: أي حق جماعة المسلمين.
م: (ولو باع الدار بعدما أشهد عليه وقبضها المشتري برئ) ش: أي البائع م: (من ضمانه لأن الجناية بترك الهدم مع تمكنه، وقد زال تمكنه بالبيع، بخلاف إشراع الجناح لأنه كان جانيا بالوضع ولم ينفسخ بالبيع فلا يبرأ على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله في باب ما يحدثه الرجل في الطريق: ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فالضمان على البائع.
م: (ولا ضمان على المشتري لأنه لم يشهد عليه. ولو أشهد عليه بعد شرائه فهو ضامن لتركه التفريغ مع تمكنه بعد ما طولب به، والأصل) ش: في هذا الباب م: (أنه يصح التقدم إلى كل من يتمكن من نقض الحائط وتفريغ الهواء ومن لا يتمكن منه لا يصح التقديم إليه كالمرتهن والمستأجر والمودع وساكن الدار) ش: وفي بعض النسخ وسكان الدار م: (ويصح التقدم إلى الراهن لقدرته على ذلك بواسطة الفكاك) ش: أي فكاك الرهن.(13/250)
وإلى الوصي وإلى أب اليتيم أو أمه في حفظ الصبي لقيام الولاية، وذكر الأم في الزيادات
والضمان في مال اليتيم لأن فعل هؤلاء كفعله، وإلى المكاتب لأن الولاية له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: لو كان الراهن مفلسا لا يقدر على قضاء الدين؟
قلت: يبيع الدار ويقضي الدين من ثمنها حتى ينقضه المشتري.
فإن قلت: من لم يجد من يشتري؟
قلت: سئل الجصاص عن هذه المسألة بعينها؛ قال: يكون التقدم إليه وإلى الأجنبي سواء، ويجوز أن يتقدم إليه برفع الأمر إلى القاضي بأمر المرتهن بتمكنه من النقض إن كان المرتهن حاضرا وإن كان غائبا يأذن له بالنقض.
وإذا ترك ذلك فأمكنه النقض بهذا الطريق يكون متعديا، الكل من تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإلى الوصي) ش: أي ويصح التقدم أيضا إلى الوصي م: (وإلى أب اليتيم) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المراد من اليتيم الصبي لأن اليتيم لا أب له والمراد من الأب الجد، لأن الجد يسمى الأب عند عدم الأب م: (أو أمه) ش: أي أو الصبي م: (في حفظ الصبي لقيام الولاية) ش: للوصي والأب والأم م: (وذكر الأم في الزيادات) ش: يعني إذا تقدم إلى أم الصبي في حائط مال لصغير لزم الضمان.
قال الأترازي: وفيه نظر لأنه لم يذكر في الزيادات الأم، بل ذكر الأب، والوصي كما ذكر في الأصل. فقال في " الزيادات ": حائط الصبي أشهد على أبيه أو على وصيه، فالضمان على أبيه أو عاقلة الصبي، فإن لم يسقط حتى كبر أو مات من أشهد عليه لم يكن فيه ضمان حتى يستأنف الإشهاد. وإن أشهد على صحيح في حائط ثم جزأ وارتد ولحق بدار الحرب بطل الإشهاد، إلى هنا لفظ زيادات محمد برواية الزعفراني - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[مكاتب له حائط مائل إلى الطريق الأعظم فأشهد عليه ثم سقط فأتلف إنسانا]
م: (والضمان في مال اليتيم لأن فعل هؤلاء) ش: أي فعل الوصي والأب والأم م: (كفعله) ش: أي كفعل الصبي والتقدم إليهم كالتقدم إلى الصبي م: (وإلى المكاتب) ش: أي يصح التقدم إلى المكاتب في حائط له مائل م: (لأن الولاية له) ش: أي للمكاتب.
قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الزيادات ": مكاتب له حائط مائل إلى الطريق الأعظم فأشهد عليه ثم سقط فأتلف إنسانا. فعلى المكاتب الأقل من قيمته ومن دية المقتول، فإن أدى المكاتب فعتق ثم سقط فأتلف إنسانا ففيه دية القتل على عاقلة مولاه. وقال: وإذا عجز المكاتب ثم سقط الحائط المائل فأتلف إنسانا فدمه هدر ولا شيء على المولى لعدم الإشهاد عليه م:(13/251)
وإلى العبد التاجر سواء أكان عليه دين أو لم يكن؛ لأن ولاية النقض له ثم التالف بالسقوط إن كان مالا فهو في عنق العبد، وإن كان نفسا فهو على عاقلة المولى؛ لأن الإشهاد من وجه على المولى وضمان المال أليق بالعبد، وضمان النفس بالمولى
ويصح التقدم إلى أحد الورثة في نصيبه وإن كان لا يتمكن من نقض الحائط وحده لتمكنه من إصلاح نصيبه بطريقه وهو المرافعة إلى القاضي، ولو سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب لا يضمنه لأن التفريغ عنه إلى الأولياء، لا إليه. قال: وإن عطب بالنقض ضمنه لأن التفريغ إليه، إذ النقض ملكه والإشهاد على الحائط إشهاد على النقض، لأن المقصود امتناع الشغل، قال: ولو عطب بجرة كانت على الحائط فسقطت بسقوطه وهي ملكه ضمنه لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإلى العبد التاجر) ش: أي يصح التقدم إلى العبد التاجر في الحائط المائل م: (سواء أكان عليه دين أو لم يكن؛ لأن ولاية النقض له ثم التالف بالسقوط إن كان مالا فهو في عنق العبد) ش: حتى يباع فيه كديون التجارة م: (وإن كان) ش: أي التالف م: (نفسا فهو على عاقلة المولى؛ لأن الإشهاد من وجه على المولى) ش: لأن الحائط مملوك المولى والعبد متصرف للمولى م: (وضمان المال أليق بالعبد) ش: لأنه ملحق بالأموال م: (وضمان النفس) ش: أليق م: (بالمولى) ش: لأن دية العبد غير قابلة لموجب جناية الدم لأنه يشبه الصلاة والعبد ليس بأهل لذلك.
[سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب]
م: (ويصح التقدم إلى أحد الورثة في نصيبه وإن كان لا يتمكن من نقض الحائط وحده لتمكنه من إصلاح نصيبه بطريقه وهو المرافعة إلى القاضي) ش: بمطالبة شركائه، وحيث لم يفعل ذلك صار مفرطا فوجب الضمان بقسطه م: (ولو سقط الحائط المائل على إنسان بعد الإشهاد فقتله فتعثر بالقتيل غيره فعطب، لا يضمنه) ش: أي لا يضمن صاحب الحائط الذي تعثر فهلك م: (لأن التفريغ عنه إلى الأولياء لا إليه) ش: أي التفريغ عن القتيل الأول مفوض إلى الأولياء لأنهم الذين يتولون دفنه لا إلى صاحب الحائط.
م: (قال: وإن عطب النقض ضمنه) ش: أي صاحب الحائط م: (لأن التفريغ إليه) ش: أي لأن تفريغ الطريق عن نقض الحائط إلى صاحب الحائط م: (إذ النقض ملكه والإشهاد على الحائط.
إشهاد على النقض؛ لأن المقصود امتناع الشغل) ش: عن الهواء.
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يضمن صاحب الحائط إلا إذا تقدم إليه بعد سقوط النقض بالتفريغ.
وروي عن محمد أنه يضمن، وإن لم يتقدم إليه التفريغ م: (قال: ولو عطب بجرة كانت على الحائط فسقطت بسقوطه) ش: أي بسقوط الحائط م: (وهي) ش: أي الجرة م: (ملكه ضمنه لأن(13/252)
التفريغ إليه، وإن كان ملك غيره لا يضمنه لأن التفريغ إلى مالكها.
قال: وإذا كان الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا ضمن خمس الدية، ويكون ذلك على عاقلته، وإن كانت دار بين ثلاثة نفر فحفر أحدهم فيها بئرا والحفر كان بغير رضا الشريكين الآخرين، أو بنى حائطا فعطب به إنسانا فعليه ثلثا الدية على عاقلته، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: عليه نصف الدية على عاقلته في الفصلين، لهما أن التلف بنصيب من أشهد عليه معتبر وبنصيب من لم يشهد عليه هدر، فكانا قسمين فانقسم نصفين كما مر في عقر الأسد ونهش الحية وجرح الرجل. وله أن الموت حصل بعلة واحدة وهو الثقل المقدر والعمق المقدر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التفريغ إليه وإن كان) ش: أي الجرة م: (ملك غيره لا يضمنه لأن التفريغ إلى مالكها) . ش: وفي بعض النسخ: إذا كانت الجرة على تأويل المسمى، قوله: لا يضمنه، أي لا يضمن صاحب الحائط لو عثر إنسان على الجرة، ولا يضمن صاحب الجرة لأنه لم يوجد الإشهاد عليه حتى لو كانت الجرة لصاحب الحائط يضمن لقدرته على رفعها كالنقض.
وفي " المبسوط ": وضع شيئا على حائطه فدفع ذلك الشيء فأصاب إنسانا، فلا ضمان عليه لأنه وضعه في ملكه فلا يكون معتديا فيما يحدثه سواء كان الحائط مائلا أو لم يكن؛ لأن في الوضعين لا يكون ممنوعا من وضع متاعه على ملكه، ولكن ذكر في " المبسوط " سقوط الجرة فقط. وفي رواية الكتاب ذكر سقوط الحائط مع سقوط الجرة.
[الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الحائط بين خمسة رجال أشهد على أحدهم فقتل إنسانا ضمن خمس الدية ويكون ذلك على عاقلته وإن كانت دار بين ثلاثة نفر فحفر أحدهما فيها بئرا والحفر كان بغير رضاء الشريكين الآخرين، أو بنى حائطا فعطب به إنسانا، فعليه ثلثا الدية على عاقلته، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: عليه نصف الدية على عاقلته في الفصلين) ش: أي في فصل الحائط المشترك بين خمسة وفصل دار بين ثلاثة نفر، وبه قال أحمد.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد: م: (أن التلف بنصيب من أشهد عليه معتبر وبنصيب من لم يشهد عليه هدر فكانا قسمين فانقسم نصفين كما مر في عقر الأسد ونهش الحية وجرح الرجل) .
ش: فإنه يكون نصفين النصف على الخارج والنصف هدر م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الموت حصل بعلة واحدة وهو الثقل المقدر) ش: أراد بالقتل المهلك م: (والعمق المقدر) ش: المهلك لا مجرد الثقل، ومجرد العمق لأن اليسير من ذلك لا يصلح علة للتلف.(13/253)
لأن أصل ذلك ليس بعلة وهو القليل حتى يعتبر كل جزء علة فتجتمع العلل، وإذا كان كذلك يضاف إلى العلة الواحدة ثم تقسم على أربابها بقدر الملك بخلاف الجراحات، فإن كل جراحة علة للتلف بنفسها صغرت أو كبرت على ما عرف، إلا أن عند المزاحمة أضيف إلى الكل لعدم الأولوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن أصل ذلك ليس بعلة وهو القليل حتى يعتبر كل جزء علة فتجتمع العلل وإذا كان كذلك يضاف إلى العلة الواحدة ثم تقسم على أربابها بقدر الملك بخلاف الجراحات، فإن كل جراحة علة للتلف بنفسها صغرت) ش: أي الجراحة م: (أو كبرت على ما عرف، إلا أن عند المزاحمة أضيف إلى الكل لعدم الأولوية) ش: في الإضافة إلى البعض.(13/254)
باب جناية البهيمة والجناية عليها قال: الراكب ضامن لما أوطأت الدابة ما أصابت بيدها أو رجلها أو رأسها أو كدمت أو خبطت وكذا إذا صدمت، ولا يضمن ما نفحت برجلها أو ذنبها. والأصل أن المرور في طريق المسلمين مباح مقيد بشرط السلامة؛ لأنه يتصرف في حقه من وجه، وفي حق غيره من وجه لكونه مشتركا بين كل الناس، فقلنا بالإباحة مقيدا بما ذكرنا ليعتدل النظر من الجانبين ثم إنما يتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه، ولا يتقيد بها فيما لا يمكن التحرز عنه لما فيه من المنع عن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب جناية البهيمة والجناية عليها]
[جناية البهيمة من يضمنها]
م: (باب جناية البهيمة والجناية عليها) ش: أي هذا باب في بيان أحكام جناية البهيمة وفي بيان جناية الآدمي على البهيمة وكان من حق هذا الباب أن يذكر بعد جناية المملوك لتفضيل النطق في المملوك الذي هو العبد، ولكن لما كانت البهيمة ملحقة بالجمادات من حيث عدم الفعل والنطق ألحق هذا الباب بباب ما يحدثه الرجل في الطريق.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (الراكب ضامن لما أوطأت الدابة ما أصابت بيدها أو رجلها أو رأسها أو كدمت أو خبطت) ش: الكدم العض بمقدم الأسنان كما يكدم الحمار، والخبط الضرب باليد.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يضمن الراكب م: (إذا صدمت) ش: الصدم: الضرب بالجسد، ومنه: إذا قتل الكلب الصيد صدما لا يؤكل. واصطدم الفارسان يعني: ضرب أحدهما الآخر بنفسه م: (ولا يضمن ما نفحت برجلها أو ذنبها) ش: نفحت الدابة الشيء إذا ضربته بحافرها. م: (والأصل) ش: أي في هذا: م: (أن المرور في طريق المسلمين مباح مقيد بشرط السلامة؛ لأنه يتصرف في حقه من وجه، وفي حق غيره من وجه لكونه مشتركا بين كل الناس، فقلنا بالإباحة مقيدا بما ذكرنا) ش: من شرط السلامة م: (ليعتدل النظر من الجانبين) ش: أي من بين صاحب الدابة وجانب الرجل الذي جني عليه من جهة الدابة، ولا يضمن ما كان من الغبار بالمشي أو بسير الدابة لأنه لا يمكن الاحتراز عنه.
وكذا ما أثارت الدابة بسنابكها من الحصى الصغار لأنه لا يمكن أن يحترز عنه في السير. فأما الحصى الكبار فإن الراكب يضمن ما تولد منه لأن ذلك لا يكون إلا بالعنف على الدابة في السير
وقالوا في شروح " الجامع الصغير ": وإن أوقفها في الطريق ضمن النفحة أيضا م: (ثم إنما يتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه، ولا يتقيد بها فيما لا يمكن التحرز عنه لما فيه من المنع عن(13/255)
التصرف وسد بابه وهو مفتوح، والاحتراز عن الإبطاء وما يضاهيه ممكن، فإن ليس من ضرورات التسيير فقيدناه بشرط السلامة عنه والنفحة بالرجل والذنب ليس يمكنه الاحتراز عنه مع السير على الدابة فلم يتقيد به. قال: فإن أوقفها في الطريق، ضمن النفحة أيضا لأنه يمكنه التحرز عن الإيقاف، وإن لم يمكنه عن النفحة فصار متعديا في الإيقاف وشغل الطريق به: فيضمنه.
قال: وإن أصابت بيدها أو برجلها حصاة أو نواة، أو أثارت غبارا أو حجرا صغيرا ففقأ عين إنسان أو فسد ثوبه لم يضمن، وإن كان حجرا كبيرا ضمن؛ لأنه في الوجه الأول لا يمكن التحرز عنه إذ سير الدواب لا يعرى عنه، وفي الثاني ممكن لأنه ينفك عن السير عادة. وإنما ذلك بتعنيف الراكب، والمرتدف فيما ذكرنا كالراكب لأن المعنى لا يختلف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التصرف وسد بابه) ش: أي باب التصرف م: (وهو مفتوح) ش: أي والحال أنه مفتوح. م: (والاحتراز عن الإبطاء وما يضاهيه) ش: أي وما يشابهه م: (ممكن فإنه ليس من ضرورات التسيير فقيدناه بشرط السلامة عنه والنفحة بالرجل والذنب ليس يمكنه الاحتراز عنه مع السير على الدابة فلم يتقيد به) ش: أي بشرط السلامة.
م: (قال: فإن أوقفها في الطريق، ضمن النفحة أيضا لأنه يمكنه التحرز عن الإيقاف، وإن لم يمكنه عن النفحة فصار متعديا في الإيقاف وشغل الطريق به فيضمنه) ش: ولو كانت سائرة وصاحبها معها قائدا أو سائقا أو راكبا تضمن جميع ما جنت إلا النفحة بالرجل أو الذنب. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله في رواية: يضمنها أيضا وهو قول ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمنها.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإن أصابت بيدها أو برجلها حصاة أو نواة، أو أثارت غبارا أو حجرا صغيرا ففقأ عين إنسان أو أفسد ثوبه لم يضمن، وإن كان حجرا كبيرا ضمن لأنه في الوجه الأول) ش: وهو ما إذا كان الحجر صغيرا م: (لا يمكن التحرز عنه إذ سير الدواب لا يعرى عنه وفي الثاني) ش: وهو ما إذا كان الحجر كبيرا م: (ممكن) ش: أي الاحتراز م: (لأنه ينفك عن السير عادة وإنما ذلك) ش: لأن الظاهر أنه نشأ م: (بتعنيف الراكب) ش: في أمر السوق فيوصف بالتعدي، فيؤخذ به.
م: (المرتدف فيما ذكرنا كالراكب) ش: أراد بالمرتدف، الرديف، وقوله فيما ذكرنا يعني في موجب الجناية م: (لأن المعنى لا يختلف) ش: لأن الدابة في أيديهما ويسيرانها ويوجهانها كيف شاءوا، هذا ويروى عن شريح: وتجب الكفارة عليهما، لأنهما كذا بخلاف القائد والسائق كذا في " المبسوط "، وبه قال مالك وقال الشافعي وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن الرديف.(13/256)
قال: فإن راثت أو بالت في الطريق وهي تسير، فعطب به إنسان لم يضمن لأنه من ضرورات السير فلا يمكنه الاحتراز عنه. قال: وكذا إذا أوقفها لذلك لأن من الدواب ما لا يفعل ذلك إلا بالإيقاف. وإن أوقفها لغير ذلك فعطب إنسان بروثها أو بولها ضمن لأنه متعد في هذا الإيقاف لأنه ليس من ضرورات السير " ثم هو أكثر ضررا بالمارة من السير لما أنه أدوم منه، فلا يلحق به. قال: والسائق ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها. والمراد النفحة. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " وإليه مال بعض المشايخ. ووجهه: أن النفحة بمرأى عين السائق فيمكنه الاحتراز عنه وغائب عن بصر القائد فلا يمكنه التحرز عنه. وقال أكثر المشايخ: إن السائق لا يضمن النفحة أيضا، وإن كان يراها، إذ ليس على رجلها ما يمنعها به فلا يمكن التحرز عنه، بخلاف الكدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أرجو أن لا شيء عليه إذا كان أمامه من يمسك العنان
[راثت الدابة في الطريق وهي تسيرفعطب به إنسان]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن راثت أو بالت في الطريق وهي تسير، فعطب به إنسان لم يضمن لأنه من ضرورات السير، فلا يمكنه الاحتراز عنه. قال: وكذا) ش: أي لا يضمن م: (إذا أوقفها) ش: أي الدابة م: (لذلك) ش: أي لأجل البول أو الروث.
م: (لأن من الدواب ما لا يفعل ذلك) ش: أي البول وإلقاء الروث م: (إلا بالإيقاف وإن أوقفها لغير ذلك) ش: أي لغير البول ورمى الروث م: (فعطب إنسان بروثها أو بولها ضمن لأنه متعد في هذا الإيقاف لأنه ليس من ضرورات السير، ثم هو) ش: أي الإيقاف م: (أكثر ضررا بالمارة من السير لما أنه أدوم منه) ش: أي من السير م: (فلا يلحق به) ش: أي بالسير والأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يفرقون ويوجبون الضمان بالروث والبول في الطريق مطلقا.
وقال ابن قدامة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك لأنه لا يمكن الاحتراز عنه م: (والسائق ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها، والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (والمراد النفحة) ش: أي المراد من قوله أو رجلها النفحة بالرجل.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هكذا ذكر، القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره "، وإليه مال بعض المشايخ) ش: أي بعض مشايخ الطرق م: (ووجهه) ش: أي وجه ما ذكره القدوري م: (أن النفحة بمرأى عين السائق فيمكنه الاحتراز عنه وغائب عن بصر القائد فلا يمكنه التحرز عنه وقال أكثر المشايخ) ش: أي مشايخ ديارنا، ذكره في " الذخيرة " وهم مشايخ ما وراء النهر م: (إن السائق لا يضمن النفحة أيضا وإن كان يراها، إذ ليس على رجلها ما يمنعها به فلا يمكن التحرز عنه، بخلاف الكدم(13/257)
لإمكانه كبحها بلجامها، وبهذا ينطق أكثر النسخ وهو الأصح. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنون النفحة كلهم؛ لأن فعلها مضاف إليهم والحجة عليه ما ذكرنا. وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الرجل جبار» ومعناه: النفحة بالرجل، وانتقال الفعل بتخويف القتل كما في المكره، وهذا تخويف بالضر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لإمكانه كبحها بلجامها) ش: يقال: كبح الدابة بلجامها هو أن يجذبها إلى نفسه لتقف.
م: (وبهذا) ش: أي بقول أكثر المشائخ م: (ينطق أكثر النسخ) ش: أي نسخ القدوري م: (وهو الأصح. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنون النفحة كلهم) ش: أي الراكب والسائق والقائد.
وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن فعلها) ش: أي فعل الدابة م: (مضاف إليهم) ش: أي إلى الراكب والسائق والقائد.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما ذكرنا) ش: أشار إلى قوله: وغائب عن بصر القائد فلا يمكنه التحرز عنه م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: عطف على قوله ما ذكرناه أي الحجة عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الرجل جبار» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي - رحمهما الله - عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرجل جبار» . وقال الخطابي: تكلم الناس في هذا الحديث. قيل إنه غير محفوظ، وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ.
قلت: استشهد به البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأخرج له مسلم - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المقدمة، ورواه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة، حدثنا حماد، عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العجماء جبار والقليب جبار والرجل جبار والمعدن جبار. وفي الركاز الخمس» وهو يفصل قوله جبار (......) : أي هذا يعني النفحة هدر وهو معنى قوله م: (ومعناه النفحة بالرجل) .
ش: لأن الوطء مضمون بالإجماع م: (وانتقال الفعل) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن فعلها يضاف إليهم بالقياس على الإكراه بيانه أن انتقال الفعل إلى غيره إنما يكون م: (بتخويف القتل كما في المكره، وهذا تخويف بالضرب) ش: لأن القتل لا يلحق به. قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه ضعف لأنه لم يقل بذلك قياسا على الإكراه، وإنما قال بناء على أصل آخر وهو أن سير الدابة مضاف إلى راكبها ولا كلام فيه، وإنما الكلام في النفحة، ومع(13/258)
قال: وفي " الجامع الصغير ": وكل شيء ضمنه الراكب ضمنه السائق والقائد لأنهما مسببان بمباشرتهما شرط التلف وهو تقريب الدابة إلى مكان الجناية فيتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه كالراكب، قال: إلا أن على الراكب الكفارة فيما أوطأته الدابة بيدها أو برجلها. قال: ولا كفارة عليهما ولا على الراكب فيما وراء الإيطاء لأن الراكب مباشر فيه؛ لأن التلف بثقله وثقل الدابة تبع له؛ لأن سير الدابة مضاف إليه وهي آلة له وهما مسببان لأنه لا يتصل منهما إلى المحل شيء، وكذا الراكب في غير الإيطاء والكفارة حكم المباشرة لا حكم التسبيب، وكذا يتعلق بالإيطاء في حق الراكب حرمان الميراث والوصية دون السائق والقائد لأنه يختص بالمباشرة قال: ولو كان راكب وسائق، قيل: لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك لا يخلو عن ضعف.
والجواب القوي: ما ذكره بقوله: والحجة عليه ما ذكرنا. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرجل جبار» .
[سار في ملكه على دابته فوطئت بيدها أو رجلها وقتلت]
م: (قال: وفي " الجامع الصغير ") ش: إنما أتى برواية " الجامع الصغير " لاشتمالها على الضابط الكلي وبيان الكفارة م: (وكل شيء ضمنه الراكب ضمنه السائق والقائد لأنهما مسببان بمباشرتهما شرط التلف وهو تقريب الدابة إلى مكان الجناية فيتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه كالراكب قال: إلا أن على الراكب الكفارة فيما أوطأته الدابة بيدها أو برجلها. قال: ولا كفارة عليهما) ش: أي على القائد والسائق.
م: (ولا على الراكب فيما وراء الإيطاء) ش: كالنفحة بالرجل والذنب في ذلك، وإنما الكفارة عليه في الإيطاء، لأنه مباشر فيه، وهو معنى قوله: م: (لأن الراكب مباشر فيه؛ لأن التلف بثقله وثقل الدابة تبع له؛ لأن سير الدابة مضاف إليه) ش: أي إلى الراكب. ألا ترى أنه يقال: سار فرسخا، وإن كان هو جالسا في سرجه لا يتحرك؟!
ولهذا، لو سار في ملكه على دابته فوطئت - بيدها أو رجلها وقتلت، فعليه الكفارة والدية، إذ المباشرة في الملك وغيره سواء ذكره في " المبسوط " م: (وهي آلة له) ش: أي الدابة آلة للركب م: (وهما) ش: أي السائق والقائد م: (مسببان لأنه لا يتصل منهما إلى المحل شيء) ش: أي إلى محل الهلاك م: (وكذا الراكب في غير الإيطاء) ش: أي لا كفارة عليه في غير الإيطاء " لأنه سبب في ذلك.
م: (والكفارة حكم المباشرة لا حكم التسبيب) ش: فيجب عليه الكفارة في الإيطاء، لأنه مباشر فيه م: (وكذا يتعلق بالإيطاء في حق الراكب حرمان الميراث والوصية دون السائق والقائد لأنه) ش: لأن كل واحد من حرمان الميراث والوصية م: (يختص بالمباشرة قال: ولو كان راكب وسائق. قيل: لا(13/259)
يضمن السائق ما أوطأت الدابة لأن الراكب مباشر فيه لما ذكرناه، والسائق مسبب، والإضافة إلى المباشر أولى، وقيل: الضمان عليهما لأن كل ذلك سبب الضمان.
قال: وإذا اصطدم فارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله يجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر؟ لما روي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولأن كل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه لأنه بصدمته آلم نفسه وصاحبه، فيهدر نصفه ويعتبر نصفه كما إذا كان الاصطدام عمدا، أو جرح كل واحد منهما نفسه وصاحبه جراحة، أو حفرا على قارعة الطريق بئرا فانهار عليهما، يجب على كل واحد منهما النصف، فكذا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يضمن السائق ما أوطأت الدابة لأن الراكب مباشر فيه لما ذكرناه) ش: من قوله، لأن التلف بثقله م: (والسائق مسبب والإضافة إلى المباشر أولى) ش: لأنه لا عبرة للتسبب مع المباشرة.
ألا ترى إلى الدفع مع الحفر م: (وقيل: الضمان عليهما) ش: أي على الراكب والسائق م: (لأن كل ذلك سبب الضمان) ش: أي كل واحد منهما بانفراده عامل في الإتلاف، لأن كل واحد لو انفرد أوجب الضمان.
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": ولو أمر بنخسها وهو يسير فوطئت إنسانا فقتلته، فالدية عليهما نصفان، لأنهما الآن راكب وسائق يعني أن الناخس كالسائق ولو كان ثمة سائق وراكب مشتركان في الضمان.
وكذا الناخس، يعني أن الناخس كالسائق، وقال الإمام الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن كان سائق وراكب، أو سائق وقائد أو راكب وقائد فالضمان عليهما جميعا، غير أن الكفارة على الراكب وحده.
[اصطدم فارسان فماتا]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وإذا اصطدم فارسان) ش: تقييد بالفارسين اتفاقي، إلا أن الحكم في الماشيين كذلك أو قيده بحسب الغالب م: (فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: يجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر) ش: به قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لما روي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا غريب على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
م: (ولأن كل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه لأنه بصدمته آلم نفسه وصاحبه، فيهدر نصفه ويعتبر نصفه، كما إذا كان الاصطدام عمدا أو جرح كل واحد منهما نفسه وصاحبه جراحة أو حفرا على قارعة الطريق بئرا فانهارا) ش: أي سقط م: (عليهما، يجب على كل واحد منهما النصف، فكذا هذا) ش: وهذا الذي ذكره زفر والشافعي - رحمهما الله - هو القياس، والاستحسان ما ذكره(13/260)
ولنا: أن الموت مضاف إلى فعل صاحبه؛ لأن فعله في نفسه مباح وهو المشي في الطريق فلا يصلح مستندا. للإضافة في حق الضمان كالماشي إذا لم يعلم بالبئر ووقع فيها لا يهدر شيء من دمه وفعل صاحبه وإن كان مباحا، لكن الفعل المباح في غيره سبب للضمان كالنائم إذا انقلب على غيره. وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه أوجب على كل واحد منهما كل الدية، فتعارضت روايتاه فرجحنا بما ذكرنا، وفيما ذكر من المسائل الفعلان محظوران فوضح الفرق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصحابنا وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قوله. م: (ولنا: أن الموت مضاف إلى فعل صاحبه؛ لأن فعله في نفسه مباح، وهو المشي في الطريق فلا يصلح مستندا للإضافة في حق الضمان كالماشي إذا لم يعلم بالبئر ووقع فيها لا يهدر شيء من دمه) ش: بأن يقال: لولا مشيه لم يقع في البئر، فكذا هنا لا يهدر شيء من دمه أيضا بأن يقال: لولا تقرب به نفسه من الصدوم لم يهلك.
م: (وفعل صاحبه وإن كان مباحا لكن الفعل المباح في غيره) ش: أي في غير نفسه م: (سبب للضمان كالنائم إذا انقلب على غيره) ش: فأهلكه: يجب عليه الضمان.
م: (وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أوجب على كل واحد منهما كل الدية) ش: هذا رواه، ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث، عن حماد عن إبراهيم، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في فارسين اصطدما فمات أحدهما: أنه ضمن الحي للميت م: (فتعارضت روايتاه) ش: أي رواية علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (فرجحنا) ش: أي هذه الرواية م: (بما ذكرنا) ش: من الدليل.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذ يقول ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أوجب النصف " محمول على ما إذا كانا عامدين؟ حيث يجب نصف دية كل منهما في العمد كما ذكر في الكتاب.
قلت: هذا كله تكلف، وقد ذكرنا أن الذي احتج به زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - المذكور غريب، يعني لم يثبت، فمن أين يأتي التعارض أو لم يؤول، وهذا من قلة الاطلاع في كتب الأحاديث.
م: (وفيما ذكر) ش: أي الخصم م: (من المسائل) ش: المذكورة م: (الفعلان) ش: وهما: الاصطدام عمدا والجرح م: (محظوران) ش: أي غير مشروعين إذا كان كذلك م: (فوضح الفرق) ش: بين المقيس والمقيس عليه.
وفي " الأجناس ": قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في - نوادر هشام ": في رجلين علوا حبلا، فوقعا على وجههما جميعا فماتا، إنه يضمن كل أحد منهما دية صاحبه، ولو وقع(13/261)
هذا الذي ذكرنا إذا كانا حرين في العمد والخطأ " ولو كانا عبدين يهدر الدم في الخطأ؛ لأن الجناية تعلقت برقبته دفعا وفداء، وقد فاتت لا إلى خلف من غير فعل المولى فهدر ضرورة وكذا في العمد؛ لأن كل واحد منهما هلك بعد ما جنى ولم يخلف بدلا. ولو كان أحدهما حرا والآخر عبدا، ففي الخطأ تجب على عاقلة الحر المقتول قيمة العبد فيأخذها ورثة المقتول الحر، ويبطل حق الحر المقتول في الدية فيما زاد على القيمة؛ لأن على أصل أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - تجب القيمة على العاقلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدهما على قفاه والآخر على وجهه فماتا، ضمن صاحب القفا دية صاحب الوجه، ولو انقطع الحبل فوقعا جميعا على أقفيتهما فماتا ضمن القاطع ديتهما، وضمن الحبل.
فقيل لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن وقعا على وجههما إذا قطع الحبل؟ قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا من قطع الحبل، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " نوادر رستم ": أو وقعا على أقفيتهما وماتا، لا ضمان على قاطع الحبل م: (هذا الذي ذكرنا) ش: هو أنه يجب دية كل على عاقلة الآخر م: (إذا كانا حرين في العمد والخطأ، ولو كانا عبدين يهدر الدم) ش: أي يسقط م: (في الخطأ) ش: يعني إذا اصطدم " العبدان خطأ يعني فماتا هدر الدم.
م: (لأن الجناية تعلقت برقبته) ش: أي برقبة العبد الجاني م: (دفعا وفداء) ش: أي من حيث دفع المولى إياه ومن حيث أن يفديه، ولما مات قبل ذلك فات محل الجناية إن خلف لا يضمن المولى شيئا، وهو معنى قوله: م: (وقد فاتت) ش: أي العبد م: (لا إلى خلف) ش: لفوات محل الجناية م: (من غير فعل المولى) ش: في العبدين م: (فهدر) ش: أي فسقط الدم م: (ضرورة) ش: وفي بعض النسخ: فهدر ضرورة.
م: (وكذا في العمد) ش: يعني فيما إذا وقع الاصطدام عمدا منها م: (لأن كل واحد منهما هلك بعدما جنى ولم يخلف بدلا) ش: لأن العبد لا مال له م: (ولو كان أحدهما) ش: أي أحد المصطدمين م: (حرا والآخر عبدا، ففي الخطأ تجب على عاقلة الحر المقتول قيمة العبد) ش: لأن كل شيء من الحر فيه الدية، ففيه القيمة من العبد، وكل شيء من الحر فيه نصف الدية، ففيه من العبد نصف القيمة.
م: (فيأخذها) ش: أي فيأخذ القيمة م: (ورثة المقتول الحر، ويبطل حق الحر المقتول في الدية فيما زاد على القيمة) ش: أي على قيمة العبد لأنه لم يخلف شيئا فيما زاد م: (لأن على أصل أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: تجب القيمة على العاقلة) ش: أراد أن الأصل أن العبد المقتول خطأ، تجب قيمته على العاقلة عندهما.(13/262)
لأنه ضمان الآدمي فقد أخلف بدلا بهذا القدر فيأخذه ورثة الحر المقتول ويبطل ما زاد عليه لعدم الخلف، وفي العمد تجب على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لأن المضمون هو النصف في العمد، وهذا القدر يأخذه ولي المقتول وما على العبد في رقبته وهو نصف دية الحر يسقط بموته إلا قدر ما أخلف من البدل وهو نصف القيمة.
قال: ومن ساق دابة فوقع السرج على رجل فقتله ضمن، وكذا على هذا سائر أدواته كاللجام ونحوه، وكذا ما يحمل عليها لأنه متعد في هذا التسبيب؛ لأن الوقوع بتقصير منه وهو ترك الشد أو الإحكام فيه بخلاف الرداء لأنه لا يشد في العادة ولأنه قاصد لحفظ هذه الأشياء كما في المحمول على عاتقه دون اللباس على ما مر من قبل فيقيد بشرط السلامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروي عن أبي يوسف أنه قال في مال القاتل: وإنما تجب قيمة العبد على القاتل عندهما م: (لأنه ضمان الآدمي فقد أخلف بدلا بهذا القدر فيأخذه) ش: أي بدل العبد م: (ورثة الحر المقتول ويبطل ما زاد عليه لعدم الخلف) ش: أي لعدم الخلف بموت العبد من غير خلف م: (وفي العمد تجب على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لأن المضمون هو النصف في العمد، وهذا القدر يأخذه ولي المقتول، وما على العبد في رقبته وهو نصف دية الحر يسقط بموته إلا قدر ما أخلف من البدل وهو نصف القيمة) ش: فيأخذه الورثة من مولى العبد.
[ساق دابة فوقع السرج على رجل فقتله]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في (الجامع الصغير) : م: (ومن ساق دابة فوقع السرج على رجل فقتله ضمن) ش: هنا لفظ " الجامع ": وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكذا على هذا) ش: يعني وصول الضمان على السائق إذا وقعت م: (سائر أدواته كاللجام ونحوه) ش: مثل الركب والمهرة وغير ذلك؛ لأن ذلك كتقصير منه لأنه لو أحكمها لم تقع. م: (وكذا) ش: الحكم في وقوع م: (ما يحمل عليها) ش: أي على الدابة م: (لأنه متعد) ش: أي لأن السائق قد تعدى م: (في هذا التسبيب؛ لأن الوقوع) ش: أي وقوع هذه الأشياء م: (بتقصير منه) ش: أي من السائق م: (وهو) ش: أي التقصير م: (ترك الشد أو الإحكام فيه) ش: أي في " الشرح "، كما لو وقع الشيء المحمول على العاتق على إنسان فقتله م: (بخلاف الرداء) ش: الملبوس إذا سقط فأتلف شيئا حيث لا يجب الضمان م: (لأنه) ش: أي لأن الرداء م: (لا يشد في العادة) ش: ولو تعثر اللابس فسقط الرداء، ثم تعثر به إنسان، لم يضمن فكذا إذا سقط رداؤه.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن السائق م: (قاصد لحفظ هذه الأشياء) ش: يعني السرج وسائر الأدوات م: (كما في المحمول على عاتقه) ش: إذا وقع على شيء فأتلفه فإنه يجب الضمان م: (دون اللباس) ش: يعني لا يجب الضمان فيه، لأنه لا يقصد حفظه م: (على ما مر من قبل) ش: أي في باب: ما يحدثه الرجل في الطريق. م: (فيقيد بشرط السلامة) ش: يعني في حكم السائق.(13/263)
قال: ومن قاد قطارا. فهو ضامن لما أوطأ فإن وطئ بعير إنسانا ضمن به القائد والدية على العاقلة لأن القائد عليه حفظ القطار كالسائق وقد أمكنه ذلك وقد صار متعديا بالتقصير فيه والتسبيب بوصف التعدي سبب للضمان إلا أن ضمان النفس على العاقلة فيه وضمان المال في ماله وإن كان معه سائق فالضمان عليهما؛ لأن قائد الواحد قائد الكل وكذا سائقه لاتصال الأزمة وهذا إذا كان السائق في جانب من الإبل. أما إذا كان توسطها وأخذ بزمام واحد يضمن ما عطب بما هو خلفه ويضمنان ما تلف بما بين يديه لأن القائد لا يقود ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قاد قطارا فوطئ شيئا]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن قاد قطارا) ش: القطار: الإبل يقطر على نسق واحد والجمع قطر. م: (فهو) ش: أي القائد م: (ضامن لما أوطأ) ش: أي القطار م: (فإن وطئ بعير) ش: أي من القطار م: (إنسانا ضمن به القائد والدية على العاقلة؛ لأن القائد عليه حفظ القطار كالسائق وقد أمكنه ذلك وقد صار متعديا بالتقصير فيه والتسبيب بوصف التعدي سبب للضمان، إلا أن ضمان النفس على العاقلة فيه وضمان المال في ماله، وإن كان معه) ش: أي مع القائد م: (سائق فالضمان عليهما لأن قائد الواحد قائد الكل وكذا سائقه) ش: أي سائق الواحد م: (لاتصال الأزمة) ش: أي أزمة القطار وهو جمع زمام.
وفي " المبسوط ": السائق تعرف للإبل مما أصاب بالصدمة وغيرها. وكذا القائد مقرب في ذلك فيشتركان في الضمان لا سواهما في التسبب، وإن كان بينهما سائق الإبل في وسط القطار فالضمان في جميع ذلك عليهم أثلاثا. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " إملاء الكتابي ": لو أن رجلا كان يقود قطارا وآخر من خلف القطار ليسوقه ويزجر الإبل مزجر يسوقه، وعلى الإبل قوم في الحامل نيام أو غير نيام، فوطأ بعير إنسانا فقتله، فالدية على عاقلة القائد والسائق والراكبين على البعير الذي وطئ جميعا اللذين قدام البعير الذي وطئ على عواقلهم جميعا عدد الرءوس، والكفارة على الراكبين خاصة.
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وممن كان من الركبان خلف البعير الذي وطئ لا يزجر الإبل ولا يسوقها راكبا على بعير فيها أو غير راكب فلا ضمان على أحد منهم، لأنهم ليسوا بقادة ولا ساقة.
م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان على السائق والقائد جميعا فيها م: (إذا كان السائق في جانب من الإبل أما إذا كان توسطها وأخذ بزمام واحد يضمن ما عطب بما هو خلفه ويضمنان) ش: أي القائد الأول والثاني م: (ما تلف بما بين يديه) ش: أي بين يدي السائق م: (لأن القائد لا يقود ما(13/264)
خلف السائق لانفصام الزمام والسائق يسوق ما يكون قدامه قال: وإن ربط رجل بعيرا إلى القطار والقائد لا يعلم، فوطئ المربوط إنسانا فقتله، فعلى عاقلة القائد الدية لأنه يمكنه صيانة القطار عن ربط غيره. فإذا ترك الصيانة، صار متعديا، وفي التسبيب: الدية على العاقلة كما في القتل الخطأ، ثم يرجعون بها على عاقلة الرابط؛ لأنه هو الذي أوقعهم في هذه العهدة، وإنما لا يجب الضمان عليهما في الابتداء، وكل منهما مسبب لأن الربط من القود بمنزلة التسبيب من المباشرة لاتصال التلف بالقود دون الربط قالوا: هذا إذا ربط والقطار تسير! لأنه أمر بالقود دلالة فإذا لم يعلم به، لا يمكنه التحفظ من ذلك فيكون قرار الضمان علي الرابط. أما إذا ربط والإبل قيام ثم قادها ضمنها القائد لأنه قاد بعير غيره بغير إذنه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خلف السائق لانفصام الزمام) ش: أي لانقطاعه.
م: (والسائق يسوق ما يكون قدامه) ش: حتى لو لم يسق ما كان قدامه يكون الضمان على القائد الأول لا غير، كذا ذكر في " المغني ". م: (قال: وإن ربط رجل بعيرا إلى القطار والقائد لا يعلم) ش: فوطئ المربوط إنسانا فقتله، فعلى عاقلة القائد الدية قيد به إذ لو علم القائد بالربط حال السير فالدية على عاقلته ولا يرجعون بها على عاقلة الرابط؛ لأن القائد لما علم بالربط فقد رضي بما يلحقه من الضمان، فلا يرجع الحاصل أن زيل القائد بالربط لا بقي ابتداء وجوب الضمان عنه لوجود الإتلاف منه والجهل يزيل الإثم دون الضمان، كالنائم إذا انقلب على إنسان. م: (فوطئ المربوط إنسانا فقتله فعلى عاقلة القائد الدية لأنه يمكنه صيانة القطار عن ربط غيره، فإذا ترك الصيانة صار متعديا، وفي التسبيب: الدية على العاقلة كما في القتل الخطأ ثم يرجعون بها على عاقلة الرابط لأنه هو الذي أوقعهم في هذه العهدة، وإنما لا يجب الضمان عليهما) ش: أي على القائد والرابط م: (في الابتداء وكل منهما) ش: أي والحال أن كل منهما م: (مسبب لأن الربط من القود بمنزلة التسبيب من المباشرة) ش: ولا شك أن المباشرة أقوى كالحافر مع الرافع.
م: (لاتصال التلف بالقود دون الربط، قالوا) ش: أي المشائخ م: (هذا) ش: أي رجوع عاقلة القائد على عاقلة الرابط م: (إذا ربط والقطار تسير) ش: الواو فيه للحال م: (لأنه) ش: أي لأن الرابط م: (أمر بالقود دلالة) ش: يعني أمر القائد بقود بعيره حين سار دلالة، يعني من حيث الدلالة وان لم يكن صريحا.
وإذا لم يعلم به م: (فإذا لم يعلم به، لا يمكنه التحفظ من ذلك فيكون قرار الضمان على الرابط. أما إذا ربط والإبل قيام ثم قادها ضمنها القائد) ش: أي بلا رجوع م: (لأنه قاد بعير غيره بغير إذنه لا(13/265)
صريحا ولا دلالة، فلا يرجع بما لحقه عليه. قال: ومن أرسل بهيمة وكان لها سائقا فأصابت في فورها يضمنه؛ لأن الفعل انتقل إليه بواسطة السوق.
قال: ولو أرسل طيرا وساقه، فأصاب في فوره لم يضمن. والفرق: أن بدن البهيمة يحتمل السوق، فصار وجود السوق وعدمه بمنزلة. وكذا لو أرسل كلبا ولم يكن له سائق لم يضمن، ولو أرسله إلى صيد ولم يكن له سائق فأخذ الصيد وقتله حل، ووجه الفرق أن البهيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صريحا ولا دلالة. فلا يرجع بما لحقه عليه) . م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أرسل بهيمة وكان لها سائقا) ش: قال الصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره: أراد بالبهيمة الكلب. وأراد بكونه سائقا أن يكون خلفه م: (فأصابت في فورها) ش: أي في فور الإرسال. فإن قتل صيدا مملوكا م: (يضمنه، لأن الفعل انتقل إليه بواسطة السوق) .
[أرسل طيرا وساقه فأصاب في فوره]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ولو أرسل طيرا وساقه، فأصاب في فوره، لم يضمن. والفرق) ش: بين المسألتين: م: (أن بدن البهيمة يحتمل السوق) ش: فاعتبر سوقه والطير لا يحتمل السوق م: (فصار وجود السوق وعدمه سواء بمنزلة) ش: واحدة. ولهذا: لو أدخل بازيا في الحرم أو صقرا وأرسله فجعل يقتل حمام الحرم لا يلزمه شيء. لأن الباز لا يحتمل السوق.
ولو أشلى كلبا على رجل حتى عقره أو مزق ثيابه لا يضمن لأن بسوقه أراد به إذا كان خلفه لما مر، وقيل: إذا لم يكن خلفه، فعقر وتعلق بإنسان إن كان غير معلم لا يضمن، لأن غير المعلم إنما يذهب بطبع نفسه لا بالإرسال وإن كان معلما، فإن ذهب يمينا وشمالا وعن الوجه الذي أرسله ثم أتلف إنسانا لا يضمن. لأنه لا يضاف إلى السائق، وإن أصابه من الوجه الذي ساقه وأرسله كان ضامنا. لأنه ذهب بإرسال صاحبه، فكان مضافا إلى المرسل. كذا ذكر فخر الدين قاضي خان.
م: (وكذا لو أرسل كلبا ولم يكن له سائق لم يضمن) ش: يعني إذا كان خلفه م: (ولو أرسله إلى صيد ولم يكن له سائق فأخذ الصيد وقتله حل، ووجه الفرق) ش: بين المسألتين: م: (أن البهيمة)(13/266)
مختارة في فعلها ولا تصلح نائبة عن المرسل فلا يضاف فعلها إلى غيرها " هذا هو الحقيقة إلا أن الحاجة مست في الاصطياد فأضيف إلى المرسل لأن الاصطياد مشروع ولا طريق له سواه، ولا حاجة في حق ضمان العدوان. وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أوجب الضمان في هذا كله احتياطا صيانة لأموال الناس قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وذكر في " المبسوط ": إذا أرسل دابة في طريق المسلمين فأصابت في فورها فالمرسل ضامن؛ لأن سيرها مضاف إليه ما دامت تسير على سننها، ولو انعطفت يمنة أو يسرة انقطع حكم الإرسال إلا إذا لم يكن له طريق آخر سواه، وكذا إذا وقفت ثم سارت " بخلاف ما إذا وقفت بعد الإرسال في الاصطياد ثم سارت فأخذت الصيد؛ لأن تلك الوقفة تحقق مقصود المرسل لأنه لتمكنه من الصيد وهذه تنافي مقصود المرسل وهو السير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي الكلب م: (مختارة في فعلها) ش: وفي بعض النسخ: مختارة في فعله.
م: (ولا تصلح نائبة عن المرسل فلا يضاف فعلها) ش: أي فلا يضاف فعله م: (إلى غيرها، هذا هو الحقيقة) ش: أي فعل أحد لا يضاف إلى غيره م: (إلا أن الحاجة مست في الاصطياد فأضيف إلى المرسل لأن الاصطياد مشروع ولا طريق له سواه، ولا حاجة في حق ضمان العدوان) ش: أي لا ضرورة في وجوب العدوان فلا تسقط عبرتها.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه أوجب الضمان في هذا كله احتياطا صيانة لأموال الناس) ش: وجعل شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا نسخة يعني يوجد هذا في بعض النسخ م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف م: (وذكر في " المبسوط ": إذا أرسل دابة في طريق المسلمين فأصابت في فورها فالمرسل ضامن؛ لأن سيرها مضاف إليه ما دامت تسير على سننها) ش: فيضمن. قال الصدر الشهيد: وعليه الفتوى، وبه قال الشافعي وأحمد. وعند مالك: فعل العجماء جبار بأي وجه كان.
م: (ولو انعطفت) ش: أي الدابة م: (يمنة أو يسرة انقطع حكم الإرسال إلا إذا لم يكن له طريق آخر سواه) ش: أي سوى طريق اليمنة واليسرة بأن كان على الجادة ما أوصل الطريق لا ينقطع حكم الإرسال.
م: (وكذا) ش: أي كذا لا ينقطع حكم الإرسال م: (إذا وقفت ثم سارت بخلاف ما إذا وقفت بعد الإرسال في الاصطياد ثم سارت فأخذ الصيد؛ لأن تلك الوقفة تحقق مقصود المرسل لأنه لتمكنه من الصيد وهذه) ش: أي وقفة الدابة م: (تنافي مقصود المرسل وهو السير) ش: فإن المقصود من الإرسال هو السير لا الوقوف.(13/267)
فينقطع حكم الإرسال، وبخلاف ما إذا أرسله إلى صيد فأصاب نفسا أو مالا في فوره لا يضمنه من أرسله، وفي الإرسال في الطريق يضمنه لأن شغل الطريق تعد فيضمن ما تولد منه. أما الإرسال للاصطياد فمباح ولا تسبيب إلا بوصف التعدي.
قال: ولو أرسل بهيمة فأفسدت زرعا على فوره ضمن المرسل، وإن مالت يمينا أو شمالا وله طريق آخر لا يضمن لما مر ولو انفلتت دابة فأصابت مالا أو آدميا ليلا أو نهارا لا ضمان على صاحبها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإذا كان كذلك م: (فينقطع حكم الإرسال وبخلاف) ش: معطوف على قوله بخلاف ما إذا وقفت م: (ما إذا أرسله إلى صيد فأصاب نفسا أو مالا في فوره لا يضمنه من أرسله وفي الإرسال في الطريق يضمنه) ش: يريد بهذا: الفرق بين الإرسالين: الإرسال إلى الطريق، والإرسال إلى الصيد. ففي الأول لا ضمان عليه. وفي الثاني: يجب الضمان إذا كان على الفور. م: (لأن شغل الطريق تعد فيضمن ما تولد منه. أما الإرسال للاصطياد فمباح ولا تسبيب إلا بوصف التعدي) ش: وقالوا في رجل له كلب عقور كلما مر عليه شيء عضه، فلأهل القرية أن يقتلوه. فإن عض، هل يجب الضمان على صاحبه.
إن لم يتقدموا عليه قبل القبض لا ضمان عليه، وإن كان تقدموا إلى صاحب الكلب فعليه الضمان بمنزلة الحائط المائل، وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: يضمن وإن لم يتقدم إليه.
وكذا في سنور معروف بأكل الطيور، وفي " المنتقى ": لو طَرح رجلا قدام أسد أو سبع فقتله ليس على الطارح قود ولا دية ولكن يعزر ويضرب وبعدها يحبس حتى يتوب ويموت، وقال أبو يوسف: أنا أرى أن يحبس حتى يموت، وعند الأئمة الثلاثة: إن كان الغالب القتل يجب القود، وإن كان لا يقتل غالبا فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قولان في قول يجب القود، وفي قول لا يجب، ولكن تجب الدية وبه قال أحمد، وقياس قول مالك أنه يجب القود.
[أرسل بهيمة فأفسدت زرعا على فوره]
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وليس في كثير من النسخ لفظ قال م: (ولو أرسل بهيمة فأفسدت زرعا على فوره) ش: أي فور الإرسال والمراد بفور الإرسال أن لا يميل يمينا ولا شمالا م: (ضمن المرسل، وإن مالت يمينا أو شمالا وله طريق آخر لا يضمن لما مر) ش: وفي (الفتاوى الصغرى -: أرسل حماره فدخل زرع إنسان فأفسده، فإن ساقه إلى الزرع ضمن، وإن لم يسقها بأن لم يكن خلفها وإن لم تنعطف الدابة يمينا ولا شمالا وذهب إلى الوجه الذي أرسله صاحبه فأصاب الزرع ضمن أيضا، وإن انعطف يمينا وشمالا فأصاب الزرع إن كان له طريق آخر لم يضمن وإلا يضمن في ديار شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو انفلتت دابة فأصابت مالا أو آدميا ليلا أو نهارا لا ضمان على صاحبها لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول(13/268)
«جرح العجماء جبار» . وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي المنفلتة ولأن الفعل غير مضاف إليه لعدم ما يوجب النسبة إليه من الإرسال وأخواته. قال: شاة لقصاب فقئت عينها ففيها ما نقصها لأن المقصود منها هو اللحم، فلا يعتبر إلا النقصان " وفي عين بقرة الجزار وجزوره ربع القيمة، وكذا في عين الحمار والبغل والفرس.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «جرح العجماء جبار» ش: الحديث رواه أبو داود وابن ماجه عن الليث بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «العجماء جرحها جبار» " الحديث، قال أبو داود: المنفلتة أي العجماء التي لا تكون معها أحد ويكون بالنهار لا بالليل " وقال ابن ماجه: الجبار الهدر الذي لا يغرم، وفي " الموطأ " عن مالك: الجبار الدية.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي المنفلتة) ش: التي أهدر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلها هي المنفلتة لا التي أرسلت فإن فساد المرسلة إذا كان في فور الإرسال ليس بجبار وإنما ذكر التفسير لئلا يجري الحديث على عمومه كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال القدوري في " شرحه " وسواء كان انفلاتها في ملك صاحبها أو في الطريق أو في ملك غيره لأنه لا صنع له في انفلاتها ولا يمكنه الاحتراز عن فعلها فلا يضمن ما تولد منه. انتهى.
وقال الشافعي: إن كانت ذهبت نهارا لا يضمن، به قال مالك وأحمد وأكثر فقهاء الحجاز.
م: (ولأن الفعل) ش: أي فعل الدابة المثقلة م: (غير مضاف إليه) ش: أي إلى صاحب الدابة م: (لعدم ما يوجب النسبة إليه من الإرسال وأخواته) ش: من السوق والقود والركوب، وفي بعض النسخ: قال: م: (شاة لقصاب) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير " م: (فقئت عينها ففيها ما نقصها) ش: أي ما نقص الشاة من قيمتها م: (لأن المقصود منها) ش: أي من شاة القصاب م: (هو اللحم فلا يعتبر إلا النقصان، وفي عين بقرة الجزار وجزوره) ش: بفتح الجيم وهو ما اتخذ للنحر يقع على الذكر والأنثى كذا في " الطحاوي " والجزر القطع وجزر الجزور نحرها، والجزار هو الذي يجزر البقرة أي ينحرها م: (ربع القيمة) ش: الواجب ربع قيمة بقرة الجزار وجزوره.
م: (وكذا) ش: أي يجب ربع القيمة م: (في عين الحمار والبغل والفرس) ش: وفي " جامع البزدوي - إنما وضع المسألة على هذا الوجه عين لم يقل في عين البقرة والجزور مطلقا لبيان أن البقرة والجزور وإن أعدا للحم كما في شاة لا يختلف الجواب فيهما أعني يجب ربع قيمتها سواء(13/269)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه النقصان أيضا اعتبارا بالشاة. ولنا ما روي: «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قضى في عين الدابة بربع القيمة» وهكذا قضى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأن فيها مقاصد سوى اللحم كالحمل والركوب والزينة والجمال والعمل، فمن هذا الوجه تشبه الآدمي وقد تمسك للأكل فمن هذا الوجه تشبه المأكولات فعملنا بالشبهين، بشبه الآدمي في إيجاب الربع وبالشبه الآخر في نفي النصف " ولأنه إنما يمكن إقامة العمل بها بأربعة أعين عيناها وعينا المستعمل فكأنها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كانا معدين للحم أو للحرث والحمل والركوب كما في الذي لا يؤكل لحمه كالحمار والبغل، والفرق: أن الشاة لا ينتفع بها للحمل بل ينتفع بها كالأمتعة فيضمن النقصان من غير تقدير وأما البهائم فإنها عاملة كالآدمي فينتفع بها بغير العمل أيضا فأشبه الآدمي من وجه والمسألة من وجه فوجب لنصف التقدير الواجب في الإنسان عملا بهما.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه النقصان أيضا اعتبارا بالشاة) ش: وهو القياس قول مالك وأحمد م: (ولنا ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «قضى في عين الدابة بربع القيمة» ش: هذا رواه الطبراني في " معجمه " من حديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في عين الدابة بربع قيمتها» ورواه العقيلي في " الضعفاء ". م: (وهكذا قضى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه عبد الرزاق " مصنفه ": أخبرنا سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبي عن شريح: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إليه في عين الدابة ربع ثمنها. ورواه كذلك ابن أبي شيبة م: (ولأن فيها) ش: دليل معقول على ذلك أي في الدابة م: (مقاصد سوى اللحم كالحمل والركوب والزينة والجمال والعمل فمن هذا الوجه) ش: أي من وجه الزينة والجمال م: (تشبه الآدمي، وقد تمسك للأكل فمن هذا الوجه) ش: أي من وجه إمساكها للأكل م: (تشبه المأكولات فعملنا بالشبهين بشبه الآدمي في إيجاب الربع وبالشبه الآخر في نفي النصف) ش: أي في نفي نصف الإيجاب وفيه إشارة إلى الجواب عن القياس على الشاة، فإن المقصود منها اللحم وفقء العين لا يفوته بل هو عيب يسير فيلزم نقصان المالية.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشاة، هذا دليل آخر أي ولأن الشاة أيما يكن إلى آخره على ما تبين ولكن الاعتماد على الدليل الأول الأقوى أن العينين لا يضمنان نصف القيمة، كذا قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإنما قال ذلك لأن المعمول به في هذا الباب النص وهو ورد في عين واحدة فيقتصر عليه، قوله: م: (إنما يمكن إقامة العمل بها) ش: أي بالقيمة م: (بأربعة أعين عيناها) ش: أي باعتبار الدابة م: (وعينا المستعمل) ش: أي مستعمل الدابة فإذا كان كذلك م: (فكأنها)(13/270)
ذات أعين أربعة فيجب الربع بفوات إحداها.
قال: ومن سار على دابة في الطريق فضربها رجل أو نخسها فنفحت رجلا أو ضربته بيدها أو نفرت فصدمته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب هو المروي عن عمر، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " ولأن الراكب والمركب مدفوعان بدفع الناخس فأضيف فعل الدابة إليه كأنه فعله بيده، ولأن الناخس متعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي فكأن الدابة تكون م: (ذات) ش: فإذا كانت ذات م: (أعين أربعة فيجب الربع) ش: أي ربع القيمة م: (بفوات إحداها) ش: أي أحد الأعين الأربعة.
[سار على دابة في الطريق فضربها رجل أو نخسها فقتلت رجلا]
م: (قال) ش: وإنما قلنا (قال المصنف " لأن هذه المسألة وما بعدها ليست مذكورة في " الهداية "، وإنما هي من مسائل الأصل. ذكرها المصنف تفريعا.
م: (ومن سار على دابة في الطريق فضربها رجل أو نخسها) ش: من النخس وهو الطعن بالعود ونحوه وهو من باب منع يمنع ومنه النخاس دلال الدواب م: (فنفحت رجلا) ش: يقال: نفح برجله إذا ضربه بالحاء المهملة من باب منع م: (أو ضربته بيدها أو نفرت فصدمته فقتلته كان ذلك على الناخس) ش: يعني إذا نخسها بغير إذن الراكب والسائق وبه صرح في " المبسوط " ولا يعلم فيه خلاف م: (دون الراكب) ش: أي لا يلزم الراكب شيء، فإن قيل: القياس يقتضي هو أن يكون الزمان على الراكب لكونه مباشرا فإن لم يكن متعديا لأن التعدي ليس من شرط فإن لم يختص به فلا أقل من الشركة، والجواب: أن القياس يترك بالأثر أشار إليه بقوله م: (هو) ش: أي المذكور هو الذي م: (المروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: في رجل نخس دابة عليها راكب فصدمت آخر قتلته أنه على الناخس لا على الراكب هذا غريب.
وقال الأترازي: لما ذكر المسألة المذكورة الأصل قال: بلغنا ذلك عن عمر وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " وروى عبد الرزاق في " مصنفه " عن معمر عن ابن مسعود وفيه: إنما يضمن الناخس، وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه " نحوه عن شريح والشعبي، ولأن الراكب دليل معقول.
م: (ولأن الراكب والمركب) ش: الذي هو الدابة م: (مدفوعان بدفع الناخس فأضيف فعل الدابة إليه كأنه فعله بيده) ش: أما فعل الراكب فلأنه انتقل إلى الدابة لأن الوثبة المهلكة إنما كانت منها فكان مضطرا في حركته، وأما فعل الدابة فقد انتقل إلى النخاس لكونه الحامل على ذلك ملحا فكان الحامل الناخس مميزا له. الرابع: للدابة والراكب معا على ما فعلت الدابة والمدفوع إلى الشيء، وإن كان مباشرا لا يعتبر مباشرا كما في الإيضاع الإكراه الكامل فلا يجب عليه جزاء المباشر أن فرض مباشرا ولا التسبب أيضا لأنه متعمد التعدي وهو منفرد م: (ولأن الناخس متعد)(13/271)
في تسبيبه والراكب في فعله غير متعد فيترجح جانبه في التغريم للتعدي. حتى لو كان واقفا دابته على الطريق يكون الضمان على الراكب والناخس نصفين لأنه متعد في الإيقاف أيضا. قال: وإن نفحت الناخس كان دمه هدرا. لأنه بمنزلة الجاني على نفسه " وإن ألقت الراكب فقتلته كانت ديته على عاقلة الناخس لأنه متعد في تسبيبه وفيه الدية على العاقلة. قال: ولو وثبت بنخسة على رجل أو وطئته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب لما بيناه. والواقف في ملكه والذي يسير في ذلك سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: دليل آخر أي الناخس متعد م: (في تسبيبه) ش: لأن الدابة عادتها عند النخس النفحة والوثبة م: (والراكب في فعله غير متعد) ش: لعدم ضرر شيء منه. م: (فيترجح جانبه) ش: أي جانب الناخس م: (في التغريم للتعدي) ش: قيل: فيه نظر لأن الراكب إن كان فعله معتبرا فهو مباشر والتعدي ليس من شرطه في وجوب الضمان كالنائم إذا انقلب على إنسان فأهلكه يجب الضمان عليه، والنائم ليس يوصف بالتعدي وإن لم يكن قتله معتبرا لكونه مرفوعا فقد استغنى عن ذكره بذلك الدليل الأول. وأجيب: أن الراكب مباشر فيما إذا أتلف بالوطء لأنه يحصل التلف بالفعل وليس الكلام هاهنا في ذلك وإنما هو في النفح بالرجل والضرب باليد والصدمة فكان شيئين ورجح الناخس في التغريم وفي استعمال الترجيح هاهنا تسامح لأن الشرط إذا كان منفردا لا يصلح معارضا حتى تحتاج إلى الترجيح، قال الأكمل: ولعل معناه فاعتبر موجبا في التغريم لأن الترجيح بسبب الاعتبار فكان ذكر التسبب وإرادة المسبب.
م: (حتى لو كان واقفا) ش: أي حتى لو كان الراكب واقفا م: (دابته) ش: ودابة منصوبة بقوله واقفا لأنه من الوقوف لا من الوقف م: (على الطريق يكون الضمان على الراكب والناخس نصفين لأنه) ش: أي لأن صاحب الدابة م: (متعد في الإيقاف أيضا. قال: وإن نفحت الناخس كان دمه هدرا لأنه بمنزلة الجاني على نفسه وإن ألقت الراكب) ش: يعني بالنخس م: (فقتلته كانت ديته على عاقلة الناخس لأنه متعد في تسبيبه وفيه الدية على العاقلة. قال: ولو وثبت بنخسه على رجل أو وطئته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: لأنه متعد في تسبيبه، كذا قاله الكاكي، وقال الأكمل: لما بينا إشارة إلى قوله: لأنه متعد في. تسبيبه.
ولأن الراكب والمركب مرفوعان، وقال في " النهاية ": هو قوله لأنه متعد في تسبيبه، قلت: وهو مثل ما قاله الكاكي فكأنه نقله عن صاحب " النهاية ". وقال الأكمل: ليس بشيء وسكت عليه فليتأمل.
م: (والواقف في ملكه والذي يسير في ذلك سواء) ش: أي في ملكه يعني يجب الضمان على(13/272)
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجب الضمان على الناخس والراكب نصفين؛ لأن التلف حصل بثقل الراكب ووطء الدابة، والثاني مضاف إلى الناخس فيجب الضمان عليهما. وإن نخسها بإذن الراكب كان ذلك بمنزلة فعل الراكب لو نخسها، ولا ضمان عليه في نفحتها لأنه أمره بما يملكه إذ النخس في معنى السوق فصح أمره به وانتقل إليه لمعنى الأمر. قال: ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها الناخس بإذن الراكب فالدية عليهما نصفين جميعا، إذا كانت في فورها الذي نخسها لأن سيرها في تلك الحالة مضاف إليهما. والإذن يتناول فعله السوق ولا يتناوله من حيث إنه إتلاف، فمن هذا الوجه يقتصر عليه، والركوب وإن كان علة للوطء، فالنخس ليس بشرط لهذه العلة بل هو شرط أو علة السير، والسير علة الوطء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الناخس في كل حال وقيد بقوله في ملكه احترازا عما تقدم من الإيقاف من غير الملك فإنه ينتصف الضمان هناك على ما قبلها م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه ابن سماعة عنه.
م: (أنه يجب الضمان على الناخس) ش: في كل حال وقيد بقوله في ملكه احترازا عما تقدم من الإيقاف في غير الملك، فرواية ابن سماعة عنه أنه يجب الضمان على الناخس م: (والراكب نصفين لأن التلف حصل بثقل الراكب ووطء الدابة والثاني) ش: أي وطء الدابة م: (مضاف إلى الناخس فيجب الضمان عليهما، وإن نخسها بإذن الراكب كان ذلك) ش: أي النخاس من الناخس م: (بمنزلة فعل الراكب لو نخسها ولا ضمان عليه) ش: أي على الناخس م: (في نفحتها لأنه) ش: أي لأن الراكب م: (أمره) ش: أي الناخس م: (بما يملكه) ش: وهو النخس م: (إذ الناخس في معنى السوق فصح أمره به) ش: أي أمر الراكب بالنخس م: (وانتقل) ش: أي النخس م: (إليه لمعنى الأمر) ش: أي إلى الراكب. م: (قال: ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها الناخس بإذن الراكب فالدية عليهما نصفين جميعا) ش: أي على الراكب والناخس م: (إذا كانت) ش: أي النخسة م: (في فورها الذي نخسها لأن سيرها في تلك الحالة مضاف إليهما) ش: أي إلى الراكب والناخس " وفي بعض النسخ: " إليها " أي إلى النفحة م: (والإذن يتناول فعله) ش: أي فعل الناخس هذا جواب عن قوله " ينبغي أن لا يضمن الناخس " لأنه متى أذن بالنخس وفعله أي الراكب فلم يبق متعديا، بيان الجواب: الإذن يتناول فعل الناخس الذي هو م: (السوق ولا يتناوله) ش: أي ولا يتناوله فعله م: (من حيث إنه إتلاف، فمن هذا الوجه يقتصر عليه) ش: أي على الناخس فكان متعديا م: (والركوب وإن كان علة للوطء) ش: هذا جواب سؤال آخر، وهو أن الراكب صاحب علة إذ الركوب علة للوطء وإضافة الحكم إلى العلة أولى من إضافته إلى الشرط وتقرير الجواب أن يقال: إن الركوب وإن كان علة لوطء الراكب م: (فالنخس ليس بشرط لهذه العلة بل هو شرط أو علة السير والسير علة للوطء) ش: أي ويكون علة العلة.(13/273)
وبهذا لا يترجح صاحب العلة كمن جرح إنسانا فوقع في بئر حفرها غيره على قارعة الطريق ومات فالدية عليهما لما أن الحفر شرط علة أخرى فوق علة الجرح كذا هذا. ثم قيل: يرجع الناخس على الراكب بما ضمن في الإيطاء لأنه فعل بأمره " وقيل: لا يرجع وهو الأصح فيما أراه لأنه لم يأمره بالإيطاء والنخس ينفصل عنه وصار كما إذا أمر صبيا يستمسك على الدابة بتسييرها فوطئت إنسانا ومات حتى ضمن عاقلة الصبي فإنهم لا يرجعون على الأمر لأنه أمره بالتسيير والإيطاء ينفصل عنه، وكذا إذا ناوله سلاحا فقتل به آخر حتى ضمن لا يرجع على الآمر ثم الناخس إنما يضمن إذا كان الإيطاء في فور النخس حتى يكون السوق مضافا إليه، وإذا لم يكن في فور ذلك فالضمان على الراكب لانقطاع أثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وبهذا لا يترجح صاحب العلة) ش: على الشرط ونظر المصنف لذلك بقوله م: (كمن جرح إنسانا فوقع) ش: أي المجروح م: (في بئر حفرها غيره على قارعة الطريق ومات فالدية عليهما) ش: أي على الجارح وحافر البئر م: (لما أن الحفر شرط علة أخرى) ش: وهي القتل م: (فوق علة الجرح كذا هذا) ش: لأن الركوب وإن كان علة للوطء فالنخس ليس بشرط لهذه العلة بل هو شرط للسير والسير علة للوطء فكان الوطء ثابتا بعلتين فيجب الضمان.
م: (ثم قيل: يرجع الناخس على الراكب بما ضمن في الإيطاء لأنه) ش: أي لأن الناخس م: (فعل بأمره) ش: أي بأمر الراكب فيرجع عليه بما لحقه من العهدة م: (وقيل: لا يرجع وهو الأصح) ش: أي عدم الرجوع هو الأصح قاله صاحب " الهداية " وقال م: (فيما أراه) ش: بضم الهمزة أي فيما أظنه م: (لأنه) ش: أي لأن الراكب م: (لم يأمره بالإيطاء) ش: بل أمره بالنخس م: (والنخس ينفصل عنه) ش: أي عن الإيطاء م: (وصار) ش: حكم هذا م: (كما إذا أمر صبيا يستمسك) ش: أي يقدر على استمساك نفسه على فعل شيء وهو معنى قوله: يستمسك م: (على الدابة بتسييرها فوطئت الدابة إنسانا ومات حتى ضمن عاقلة الصبي فإنهم) ش: أي فإن العاقلة م: (لا يرجعون على الآمر لأنه) ش: أي لأن الآمر م: (أمره بالتسيير، والإيطاء ينفصل عنه) ش: أي عن التسيير.
وقيد الصبي بصفة الاستمساك لأنه إذا لم يكن مستمسكا على الدابة وحمله رجل على الدابة والدابة واقفة ثم سارت فأوطأت لا ضمان على عاقلة الصبي ولا على الحامل لأنه لم يسير الدابة فكانت الدابة كالمتعلقة فيكون فعله هدرا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فعل العجماء جبار» والمراد المنفلتة، كذا في " الذخيرة " ولا نعلم فيه خلافا.
م: (وكذا إذا ناوله) ش: أي الصبي م: (سلاحا فقتل به آخر) ش: أي فقتل الصبي بالسلاح شخصا آخر م: (حتى ضمن لا يرجع على الآمر، ثم الناخس إنما يضمن إذا كان الإيطاء في فور النخس حتى يكون السوق مضافا إليه، وإذا لم يكن في فور ذلك فالضمان على الراكب لانقطاع أثر(13/274)
النخس فبقي السوق مضافا إلى الراكب على الكمال.
ومن قاد دابة فنخسها رجل فانفلتت من يد القائد فأصابت في فورها فهو على الناخس " وكذا إذا كان لها سائق فنخسها غيره لأنه مضاف إليه " والناخس إذا كان عبدا فالضمان في رقبته، وإن كان صبيا ففي ماله لأنهما مؤاخذان بأفعالهما " ولو نخسها شيء منصوب في الطريق فنفحت إنسانا فقتلته فالضمان على من نصب ذلك الشيء؛ لأنه متعد بشغل الطريق فأضيف إليه كأنه نخسها بفعله، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النخس فبقي السوق مضافا إلى الراكب على الكمال) .
م: (ومن قاد دابة فنخسها رجل فانفلتت من يد القائد فأصابت في فورها فهو على الناخس) ش: لا على القائد م: (وكذا إذا كان لها سائق فنخسها غيره) ش: أي غير السائق فالضمان على الناخس لا على السائق م: (لأنه) ش: أي لأن التلف م: (مضاف إليه) ش: أي إلى الناخس إذ الانفلات أثر فعل الناخس وهو بشرط التلف م: (والناخس إذا كان عبدا فالضمان في رقبته) ش: أي في رقبة العبد يدفع بها أو يفدي هذا إذا نخسه بغير إذن الراكب، أما إذا نخسه بإذنه، فإن كان التلف بالنفحة فلا ضمان على الراكب، والقيد إذا كان يسير في الطريق ولو كان بالوطأة في فور النخسة فعلى عاقلة الراكب يضمن نصف الدية، وعتق العبد نصف الدية يدفعه مولاه أو يفديه بمنزلة السائق مع الراكب؛ لأن الولي يرجع على الآمر بالأقل من قيمة العبد ومن نصف الدية. م: (وإن كان) ش: أي الناخس م: (صبيا ففي ماله) ش: يحتمل أن يراد به إذا كانت الجناية على المال أو فيما دون إرث الموضحة لأن الجناية إذا كانت موجبة الدية فعلى عاقلته م: (لأنهما) ش: أي لأن العبد والصبي م: (مؤاخذان بأفعالهما، ولو نخسها) ش: أي الدابة م: (شيء منصوب في الطريق فنفحت إنسانا فقتلته فالضمان على من نصب ذلك الشيء لأنه متعد بشغل الطريق فأضيف إليه) ش: أي فأضيف التلف إلى الناصب م: (كأنه نخسها بفعله، والله أعلم) ش: أي فكأن الناصب نخس الدابة بفعله.(13/275)
باب جناية المملوك والجناية عليه قال: وإذا جنى العبد جناية خطأ، قيل لمولاه: إما أن تدفعه بها أو تفديه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جنايته في رقبته يباع فيها إلا أن يقضي المولى الأرش، وفائدة الاختلاف في اتباع الجاني بعد العتق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب جناية المملوك والجناية عليه]
[جنى العبد على غيره خطأ]
م: (باب جناية المملوك والجناية عليه) ش: أي هذا باب في بيان جناية المملوك على غيره وفي بيان جناية شخص على المملوك ولما فرغ من جناية الحر وهو المالك شرع في بيان العبد الذي هو المملوك.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإذا جنى العبد) ش: على حر أو على عبد م: (جناية خطأ قيل لمولاه إما أن تدفعه) ش: أي العبد إلى ولي الجاني م: (بها) ش: أي بالجناية م: (أو تفديه) ش: إنما قيد بالخطأ لأن في العمد في النفس يجب القصاص عليه، وفيما دون النفس تجب الدية خطأ أو عمدا، لأن القصاص لا يجري فيه بين العبد والعبيد ولا بين العبيد والأحرار فيما دون النفس م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جنايته في رقبته يباع فيها إلا أن يقضي المولى الأرش) ش: وذكر شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الكافي مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك، وقال مالك: يجب ذلك في عتق العبد يباع فيه إلا أن يقضي السيد " وقال الخرقي في " مختصره " وإذا جنى العبد على سيده أن يدفعه، أو يفديه فإن كانت الجناية أكثر من قيمة العبد لم يكن على سيده أن يطالب بأكثر من قيمته م: (وفائدة الاختلاف) ش: أي الخلاف بيننا وبين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تظهر م: (في اتباع الجاني بعد العتق) ش: يعني أن المجني عليه عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتبع العبد بعد العتق، يعني إذا كانت قيمته غير معادلة للأرش تبعه بعد العتق، أما لو كان الأرش بقدر القيمة يكون على الولي والمولى يختار الفداء بعد العتق " وعندنا الوجوب على المولى دون العبد فلا يتبعه بعد العتق لأنه بعد العتق صار مختارا للفداء في " مبسوط " بكر و" الأسرار "، حاصل الخلاف أن موجب جناية العبد على الآدمي على العبد عند الشافعي. وعندنا يجب على المولى الدفع والفداء إلا أن الموجب الأصلي الدفع، وله أن يختار الفداء حتى لو هلك العبد قالوا: برئ المولى، ولو كان الواجب أحد الشيئين والخيار إليه ينبغي أن يتعين الأرش بعد هلاكه، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - موجب جناية عليه كموجب جناية على المال ومن حكم الدين إذا وجب على العبد يخير المولى بين البيع والدفع في الدين وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، فعلى هذا لو كان قيمة قدر الأرش أو دونه فالسيد يخير بين الفداء والدفع، وهو قول الحسن والثوري والشعبي وعطاء ومجاهد والزهري وحماد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: يلزم السيد دفعه، وهو قول مالك والشافعي في قول إلا أن(13/276)
والمسألة مختلفة بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، له أن الأصل في موجب الجناية أنه على المتلف لأنه هو الجاني إلا أن العاقلة تتحمل عنه، ولا عاقلة للعبد لأن العقل عنده بالقرابة ولا قرابة بين العبد ومولاه، فتجب في ذمته كما في الدين، ويتعلق برقبته، يباع فيه كما في الجناية على المال. ولنا: أن الأصل في الجناية على الآدمي حالة الخطأ أن تتباعد عن الجاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يفديه بالأرش بالغا ما بلغ.
م: (والمسألة مختلفة بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم) ش: وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مثل مذهبنا قال: إذا جنى العبد إن شاء دفعه وإن شاء فداه، وهكذا روي عن علي ومعاذ بن جبل وغيرهما وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مثل مذهبه، قال: عبيد الناس أموالهم جنايتهم في قيمتهم أي في أثمانهم لأن الثمن قيمة العبد، وقال الكاكي: والمسألة مختلفة بين الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: عبيد الناس أموالهم جزاء جنايتهم في رقاب الناس كمذهبنا، هكذا روي عن ابن عباس ومعاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مثل مذهبه نذكره مثل ما ذكرنا، وقال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم كالقدوري وغيره عن ابن عباس أنه قال: عبيد الناس أموالهم وجنايتهم في قيمتهم، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله قلت مخرج الأحاديث - لم يذكر إلا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقط فقال: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا حفص عن حجاج عن حصين الحارثي عن الشعبي عن الحارثي عن علي قال: إذا جنى العبد ففي رقبته، ويخير مولاه إن شاء فداه وإن شاء دفعه م: (وله) ش: أي الشافعي م: (أن الأصل في موجب الجناية أنه على المتلف لأنه هو الجاني إلا أن العاقلة تتحمل عنه) ش: أي عن الجاني م: (ولا عاقلة للعبد لأن العقل عنده بالقرابة ولا قرابة بين العبد ومولاه، فتجب في ذمته كما في الدين) ش: وهو ظاهر كما قلنا، وفي بعض النسخ: كما في الذمي، يعني إذا قتل الذمي خطأ يجب دية المقتول في ذمته لا على عاقلته كما في إتلاف المال.
وقوله بعد هذا: بخلاف الذمي الذي يدل على صحة هذه النسخة م: (ويتعلق برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (يباع فيه كما في الجناية على المال) ش: أي كما في الضمان لاستهلاك الأموال م: (ولنا: أن الأصل في الجناية على الآدمي حالة الخطأ أن تتباعد عن الجاني) ش: لكونه معذورا، والخطأ موضوع شرعا، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قوله: ولنا أن الأصل ثبت وهو أن الحكم في مسألة مختلف، فإن حكمها عندنا الوجوب على المولى وعندهم الوجوب على العبد لما ذكر، وهو بناء على الأصل، ونحن على أصل فمن أين يقوم لأحدنا حجة على الآخر؟(13/277)
تحرزا عن استئصاله والإجحاف به إذ هو معذور فيه حيث لم يتعمد الجناية وتجب على عاقلة الجاني إذا كان له عاقلة والمولى عاقلته لأن العبد يستنصر به. والأصل في العاقلة عندنا النصرة حتى تجب على أهل الديوان بخلاف الذمي؛ لأنهم لا يتعاقلون فيما بينهم فلا عاقلة فتجب في ذمته صيانة للدم عن الهدر. وبخلاف الجناية على المال؛ لأن العواقل لا تعقل المال إلا أنه يخير بين الدفع والفداء لأنه واحد، وفي إثبات الخيرة نوع تخفيف في حقه كي لا يستأصل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويمكن أن يقال: الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جعل وجوب موجب جنايته في ذمته وكوجوب الجناية على المال " فنحن إذا بينا الفرق بينهم فبقي أصله، بلا أصل فيبطل. وقد بين المصنف ذلك بقوله: بخلاف الذمي إلى آخره م: (تحرزا عن استئصاله) ش: أي لأجل التحرز عن انقطاعه بالكلية م: (والإجحاف به إذ هو) ش: أي الإضرار به إذ هو أي الجاني في حالة الخطأ م: (معذور فيه حيث لم يتعمد الجناية) ش: ولكن لما وجب دفعا لوحشة القتل عند الأولياء وصونا للدم عن الهدر فلا يهدر م: (وتجب على عاقلة الجاني إذا كان له عاقلة والمولى عاقلته) ش: أي عاقلة العبد م: (لأن العبد يستنصر به) ش: أي بالمولى م: (والأصل في العاقلة عندنا النصرة حتى تجب على أهل الديوان) ش: وأهل الديوان أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم في الديوان على ما يجيء بيانه في كتاب " المعاقل " إن شاء الله تعالى م: (بخلاف الذمي) ش: جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجوب موجب جناية العبد عليه قياسا على الذمي حيث يجب عليه، بيانه أن الذمي لا يصح أن يقاس عليه م: (لأنهم) ش: أي لأن أهل الذمة م: (لا يتعاقلون فيما بينهم) ش: أي لا يتناصرون م: (فلا عاقلة فتجب في ذمته) ش: أي في ذمة الذمي م: (صيانة للدم عن الهدر) ش: لأنه إذا لم يجب عليه ولا عاقلة له فيجب عليها لكون الدم هدرا فلا يجوز إهداره. م: (وبخلاف الجناية على المال) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - موجب جناية العبد عليه قياسا على الجناية في المال، بيانه: أن هذا القياس أيضا غير صحيح م: (لأن العواقل لا تعقل المال) ش: كما مر بيانه م: (إلا أنه) ش: أي أن المولى، هذا استثناء من قوله " والمولى عاقلة " لأن العبد يستنصر به فإذا كان عاقلة م: (يخير بين الدفع والفداء) ش: يعني إن شاء دفع العبد وان شاء فداه. فإن قيل: إذا كان المولى عاقلته ينبغي أن لا يخير بين الدفع والفداء، كما لا يثبت الخيار في سائر العواقل، فالجواب عنه ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (لأنه واحد) ش: أي لأن المولى واحد هاهنا في كونه عاقلته. م: (وفي إثبات الخيرة) ش: للمولى م: (نوع تخفيف في حقه) ش: بخلاف سائر العواقل؛ لأن فيهم كثرة ويثبت التخفيف بالتوزيع عليهم فلا يثبت الخيار لهم م: (كي لا يستأصل) ش:(13/278)
غير أن الواجب الأصلي هو الدفع في الصحيح، ولهذا يسقط الموجب بموت العبد لفوات محل الواجب، وإن كان له حق النقل إلى الفداء كما في مال الزكاة بخلاف موت الجاني الحر لأن الواجب لا يتعلق بالحر استيفاء فصار كالعبد في صدقة الفطر.
قال: فإن دفعه ملكه ولي الجناية، وإن فداه فداه بأرشها وكل ذلك يلزمه حالا، أما الدفع فلأن التأجيل في الأعيان باطل وعند اختياره الواجب عين، وأما الفداء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موجب الجناية م: (غير أن الواجب الأصلي) ش: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال: لو كان موجب جناية على ذمة المولى ينبغي أن لا يسقط بموت العبد كما في الحر الجاني إذا مات لا يسقط العقل عن عاقلته.
تقرير الجواب: أن الواجب الأصلي في جناية العبد م: (هو الدفع) ش: أي دفعه إلى ولي الجناية وأشار بقوله م: (في الصحيح) ش: أي لخلاف فيه، فإن البعض قالوا: الواجب الأصلي هو الفداء، واختاره شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي " لأن الأصل هو ضمان المتلف، ولكن الدافع خلص عنه، وأشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن الأصل هو الدفع واختاره أيضا.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون الواجب الأصلي هو الدفع م: (يسقط الموجب بموت العبد لفوات محل الواجب وإن كان له) ش: أي للمولى م: (حق النقل إلى الفداء كما في مال الزكاة) ش: فإن الموجب الأصلي فيه جزء من النصاب وللمالك أن ينتقل إلى القيمة م: (بخلاف موت الجاني الحر) ش: هذا جواب عما يذكر هاهنا مستشهدا به كما ذكرناه آنفا كما في الحر الجاني، بيانه أن الواجب لا يسقط بموت الجاني الحر م: (لأن الواجب لا يتعلق بالحر استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء بخلاف العبد الجاني حيث يسقط الموجب بموته؛ لأن الواجب يتعلق به استيفاء حيث يدفع في الجناية م: (فصار) ش: أي الحر م: (كالعبد في صدقة الفطر) ش: أنها تجب عن العبد على المولى ولا يسقط بموت العبد.
[دفع المولى العبد في جناية خطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن دفعه ملكه ولي الجناية) ش: أي فإن دفع المولى العبد في جناية خطأ ملكه أي ملك العبد ولي الجناية وسقطت المطالبة عن المولى م: (وإن فداه فداه بأرشها) ش: أي بأرش الجناية م: (وكل ذلك) ش: أي الدفع والفداء م: (يلزمه حالا) ش: أي يلزم المولى على وجه الحلول م: (أما الدفع فلأن التأجيل في الأعيان باطل) ش: لأن التأجيل إنما شرع للتحصيل [....] وتحصيل الحاصل محال م: (وعند اختياره) ش: أي اختيار المولى الدفع م: (الواجب عين) ش: أي عين العبد م: (وأما الفداء) ش: عطف على(13/279)
فلأنه جعل بدلا عن العبد في الشرع، وإن كان مقدر. بالمتلف، ولهذا سمي فداء يقوم مقامه، ويأخذ حكمه فلهذا وجب حالا كالمبدل وأيهما اختاره وفعله لا شيء لولي الجناية غيره، أما الدفع فلأن حقه متعلق به، فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حقه، وأما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش، فإذا أوفاه حقه سلم العبد له " فإن لم يختر شيئا حتى مات العبد بطل حق المجني عليه لفوات محل حقه على ما بيناه، وإن مات بعدما اختار الفداء لم يبرأ لتحول الحق من رقبة العبد إلى ذمة المولى.
قال: فإن عاد فجنى كان حكم الجناية الثانية كحكم الجناية الأولى، معناه: بعد الفداء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله أما الدفع م: (فلأنه) ش: أي فلأن الفداء م: (جعل بدلا عن العبد في الشرع) ش: فكان قائما مقامه فإذا كان كذلك يأخذ حكمه فلم: يصح التأجيل كما لا يصح في الدفع. م: (وإن كان مقدرا بالمتلف) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها يعني وإن كان الفداء مقدرا بالأرش قليلا كان أو كثيرا وهذا لا يمنع أن يكون بدلا عن العبد قائما مقامه م: (ولهذا) ش: أي لكونه بدلا عن العبد م: (سمي فداء يقوم مقامه) ش: أي مقام العبد م: (ويأخذ حكمه) ش: أي حكم العبد إذا وقع فيكون حالا مثله م: (فلهذا) ش: أي فلكونه قائما مقامه ويأخذ حكمه م: (وجب حالا كالمبدل) ش: في كونه واجبا حالا م: (وأيهما) ش: أي الواحد من الدفع والفداء م: (اختاره) ش: أي المولى م: (وفعله) ش: إما الدفع وإما الفداء م: (لا شيء لولي الجناية غيره) ش: أي غير الذي اختاره المولى م: (أما الدفع فلأن حقه متعلق به) ش: أي بالدفع م: (فإذا خلى) ش: أي فإذا خلى المولى بين ولي الجناية م: (بينه وبين الرقبة) ش: أي رقبة العبد م: (سقط حقه) ش: أي حقه لوصوله إليه م: (وأما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش فإذا أوفاه، حقه سلم العبد له) ش: أي للمولى م: (فإن لم يختر شيئا حتى مات العبد بطل حق المجني عليه لفوات محل حقه) ش: لأن حقه كان في الرقبة فإذا تلفت سقط ما لزمه بالهلاك كهلاك المال بعد وجوب الزكاة فيه ولا الجناية من العبد تسقط بموته كما في العبد م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: الواجب الأصلي الدفع م: (وإن مات) ش: أي العبد م: (بعدما اختار الفداء لم يبرأ لتحول الحق من رقبة العبد إلى ذمة المولى) ش: فإذا مات العبد لم يسقط ما في ذمة المولى من الدين كسائر ديونه.
[فدى المولى عبده من جناية فعاد العبد بعد ذلك فجنى جناية أخرى خطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن عاد فجنى كان حكم الجناية الثانية كحكم الجناية الأولى) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف م: (معناه: بعد الفداء) ش: يعني إذا فدى المولى عبده من جناية فعاد العبد بعد ذلك فجنى جناية أخرى خطأ كان حكمها حكم الأول، يعني يخاطب المولى بالدفع أو الفداء، وإنما فسره المصنف بهذا لأنه إذا جنى ثانيا قبل الفداء كانت هي مثل(13/280)
لأنه لما طهر من الجناية بالفداء جعل كأن لم تكن، وهذا ابتداء جناية.
قال: وإن جنى جنايتين قيل للمولى: إما أن تدفعه إلى ولي الجنايتين يقتسمانه على قدر حقيهما، وإما أن تفديه بأرش كل واحد منهما لأن تعلق الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثانية بها كالديون المتلاحقة، ألا ترى أن ملك المولى لم يمنع تعلق الجناية فحق المجني عليه الأول أولى أن لا يمنع. ومعنى قوله: على قدر حقيهما: على قدر أرش جنايتيهما، وإن كانوا جماعة يقتسمون العبد المدفوع على قدر حصصهم وإن فداه فداه بجميع أروشهم لما ذكرنا، ولو قتل واحدا وفقأ عين آخر يقتسمانه أثلاثا، لأن أرش العين على النصف من أرش النفس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المسألة التي قبلها م: (لأنه لما طهر) ش: بالطاء المهملة م: (عن الجناية بالفداء جعل كأن لم تكن، وهذا) ش: أي الذي وقع ثانيا م: (ابتداء جناية) ش: فحكمه حكم الجناية التي وقعت أولا
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن جنى) ش: أي العبد م: (جنايتين قيل للمولى: إما أن تدفعه إلى ولي الجنايتين يقتسمانه على قدر حقيهما، أما أن تفديه بأرش كل واحد منهما) ش: أي من حقه كاملا أي بالرقبة م: (لأن تعلق الأولى) ش: أي الجناية الأولى م: (برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (لا يمنع تعلق الثانية) ش: أي الجناية الثانية م: (بها) ش: أي بالرقبة والتذكير باعتبار العتق أو باعتبار المذكور م: (كالديوان المتلاحقة) ش: فإن الدين الذي يلحق الدين لا يمانع أحدهما الآخر، وبه قالت الثلاثة الحسن وحماد وربيعة، وعن شريح: يدفع إلى ولي الجناية الأولى إلا أن يفديه مولاه ثم يدفع إلى الثاني والثالث وبه قال الشعبي وقتادة م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أن ملك المولى لم يمنع تعلق الجناية فحق المجني عليه الأول أولى أن لا يمنع) ش: لأن الملك أقوى من الحق م: (ومعنى) ش: أي معنى م: (قوله) ش: (أي:) القدوري: م: (على قدر حقيهما: على قدر أرش جنايتيهما) ش: لأن المستحق يستحقه عوضا عما فات فلا بد أن يقسم على قدر العوض كذا في " الإيضاح " م: (وإن كانوا جماعة) ش: يعني إن كان أولياء القتيل جماعة م: (يقتسمون العبد المدفوع على قدر حصصهم، وإن فداه) ش: أي وإن فدى المولى عبده لهم م: (فداه بجميع أروشهم) ش: أي مقابلا لجميع أروشهم م: (لما ذكرنا) ش: يعني قوله لأن تعلق الأول برقبته لا يمنع تعلق الثاني م: (ولو قتل) ش: أي العبد م: (واحدا وفقأ عين آخر) ش: أي شخص آخر م: (يقتسمانه) ش: أي ولي القتيل، والذي فقئ عينه يقتسمان العبد م: (أثلاثا) ش: بيانه: قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر ثم اجتمعا، واختار الولي الدفع فإنه يدفع العبد إليهما أثلاثا م: (لأن أرش العين) ش: أي العين الواحدة م: (على النصف من أرش النفس) ش: لأن ولي المقتول ثبت في الدية وهي عشرة آلاف، وثبت حق المفقوء عينه في نصف الدية وكل واحد منهما يدلي بسبب صحيح، فيصرف بجميع حقه، فيقتسمان أثلاثا.(13/281)
وعلى هذا حكم الشجات. وللمولى أن يفدي من بعضهم ويدفع إلى بعضهم مقدار ما تعلق به حقه من العبد؛ لأن الحقوق مختلفة باختلاف أسبابها، وهي الجنايات المختلفة، بخلاف مقتول العبد إذا كان له وليان لم يكن له أن يفدي من أحدهما ويدفع إلى الآخر؛ لأن الحق متحد لاتحاد سببه وهي الجناية المتحدة، والحق يجب للمقتول، ثم للوارث خلافة عنه فلا يملك التفريق في موجبها.
قال: فإن أعتقه المولى وهو لا يعلم بالجناية ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى هذا حكم الشجات) ش: جمع شجة، وفي بعض النسخ: حكم الشجات فالأول جمع كثرة، والثاني جمع قلة، بيانه: شج رجلا موضحة وآخر هاشمة، وآخر منقلة، ثم اختار الولي الدفع يدفع إلى صاحب الموضحة سدس العبد، لأن له خمسمائة، وإلى صاحب الهاشمة ثلثه، لأن له ألفا وإلى صاحب المنقلة نصفه، لأن له ألفا وخمسمائة فيقتسمون الرقبة هكذا م: (وللولي أن يفدي من بعضهم ويدفع إلى بعضهم مقدار ما تعلق به حقه من العبد) ش: أشار لهذا إلى أن للمولى أن يخالف في الاختيار، فيفدي من بعضهم إلى آخر ما ذكره م: (لأن الحقوق مختلفة باختلاف أسبابها، وهي الجنايات المختلفة) ش: لأن كل واحد منهم لا يتعلق حقه بحق صاحبه " فجاز أن يختار في أحدهم خلاف ما يختار في حق الآخر، كما لو انفرد كل واحد منهم.
م: (بخلاف مقتول العبد إذا كان له وليان لم يكن له) ش: أي للمولى م: (أن يفدي من أحدهما ويدفع إلى الآخر؛ لأن الحق متحد لاتحاد سببه وهي الجناية المتحدة) ش: أي جناية واحدة خير فيها بين الدفع فلم يملكه ببعض موجبها م: (والحق يجب للمقتول) ش: أو قيل: هذا جواب إشكال، وهو أن يقال: الحق إن كان متحدا بالنظر إلى سببه فهو متعدد بالنظر إلى المستحقين " فينبغي أن يكون حكم هذه المسألة مثل المسألة الأولى، فأجاب بقوله: أن الحق يجب للمقتول أولا م: (ثم للوارث خلافة عنه) ش: أي عن الميت، لأن الأصل في الاستحقاق الميت، وهو واحد والوارثان خلف عنه، فكان الاعتبار (في) الاتحاد الأصل، فإذا كان كذلك م: (فلا يملك التفريق في موجبها) ش: أي في موجب الجناية المتحدة.
[أعتق العبد الجاني مولاه وهو لا يعلم]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن أعتقه المولى) ش: أي فإن أعتق العبد الجاني مولاه م: (وهو لا يعلم بالجناية) ش: أي والحال أنه ما علم بالجناية م: (ضمن الأقل من قيمة ومن أرشها) ش: أي ضمن المولى الأقل من قيمة العبد الجاني ومن أرش جناية أيهما كان أقل من الآخر يلزمه ذلك، وبه قال الشافعي، وفي قول مالك: يلزمه تمام الأرش، وبه قال أحمد في رواية، وهو قول مالك.(13/282)
وإن أعتقه بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش؛ لأن في الأول فوت حقه، فيضمنه وحقه في أقلهما ولا يصير مختارا للفداء؛ لأنه لا اختيار بدون العلم " وفي الثاني: صار مختارا؛ لأن الإعتاق يمنعه من الدفع فالإقدام عليه اختيار منه للآخر " وعلى هذين الوجهين البيع والهبة والتدبير والاستيلاد؛ لأن كل ذلك مما يمنع الدفع لزوال الملك به. بخلاف الإقرار على رواية الأصل، لأنه لا يسقط به حق ولي الجناية فإن المقر له يخاطب بالدفع إليه وليس فيه نقل الملك لجواز أن يكون الأمر كما قاله المقر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن أعتقه بعد العلم بالجناية وجب عليه الأرش) ش: قليلا كان أو كثيرا، وقال الكرخي: وإذا قتل عبد قتيلا خطأ فأخرجه المولى من ملكه ببيع إلى غيره أو عتقه، أو دبره، أو كانت أمة فاستولدها أو أقر به لرجل وهو يعلم فعليه أرش الجناية م: (لأن في الأول) ش: أي فيما أعتقه الولي وهو لا يعلم بالجناية م: (فوت حقه) ش: أي حق المجني عليه م: (فيضمنه وحقه في أقلهما) ش: أي من الأقل من القيمة ومن الأرش م: (ولا يصير مختارا للفداء؛ لأنه لا اختيار بدون العلم، وفي الثاني) ش: أي فيما إذا أعتقه بعد العلم بالجناية م: (صار مختارا، لأن الإعتاق يمنعه من الدفع فالإقدام عليه) ش: أي على العتق م: (اختيار منه للآخر) ش: أي الفداء.
م: (وعلى هذين الوجهين) ش: وهو العلم بالجناية وعدم العلم بها م: (البيع) ش: بأن باع العبد الجاني م: (والهبة) ش: بأن وهبه لأحد م: (والتدبير) ش: بأن دبره م: (والاستيلاد) ش: بأن كانت أمة فاستولدها م: (لأن كل ذلك مما يمنع الدفع لزوال الملك به) ش: أي بالمذكور من هذه الأشياء م: (بخلاف الإقرار على رواية الأصل) ش: يعني إذا أقر في يده العبد الجاني بأن العبد لفلان لا يصير مختارا للفداء.
توضيحه: إذا جنى العبد جناية يقال لوليه: هو عبدك فادفعه أو افده فقال: هو لفلان الغائب وديعة عندي أو جارية أو أجير أو رهن لا يصير مختارا للفداء م: (لأنه لا يسقط به حق ولي الجناية، فإن المقر له يخاطب بالدفع إليه وليس فيه نقل الملك؛ لجواز أن يكون الأمر كما قاله المقر) ش: ولم يندفع عنه الخصومة حتى يقيم على ذلك بينة، فإن أقامها آخر الأمر إلى قدوم الغائب، وان لم يقمها خوطب بالدفع أو الفداء ولا يصير مختارا للدية مع تمكينه من الدفع. وقال القدوري في " شرحه ": فإن اختار الفداء ثم حضر الغائب وصدقه فهو مقطوع في الفداء، لأنه أقر ملك غيره بغير أمره، وقد كان يمكنه أن يتخلص من الفداء بالدفع.
فإذا اختاره كان متبرعا، وإن اختار الدفع ثم حضر الغائب فصدقه قيل له: إن شئت فأفسخ الدفع، لأن التصديق استند إلى الإقرار الأول، فصار ملكا للعبد من ذلك الوقت وقد دفعه من ليس بمالك " فإن شاء اختار دفعه، وإن شاء فسخ وفدى.(13/283)
وألحقه الكرخي بالبيع وأخواته؛ لأنه ملكه في الظاهر فيستحقه المقر له بإقراره فأشبه البيع، وإطلاق الجواب في الكتاب ينتظم النفس وما دونها، وكذا المعنى لا يختلف، وإطلاق البيع ينتظم البيع بشرط الخيار للمشتري؛ لأنه يزيل الملك. بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ونقضه، وبخلاف العرض على البيع؛ لأن الملك ما زال.
ولو باعه بيعا فاسدا لم يصر مختارا حتى يسلمه؛ لأن الزوال به بخلاف الكتابة الفاسدة؛ لأن موجبه يثبت قبل قبض البدل " فيصير بنفسه مختارا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وألحقه الكرخي) ش: أي ألحق الإقرار أبو الحسن الكرخي م: (بالبيع وأخواته) ش: الهبة والتدبير والاستيلاد، يعني في صيرورته مختارا م: (لأنه ملكه في الظاهر فيستحقه المقر له بإقرار، فأشبه البيع) ش: وفي " الإيضاح ": رواية الكرخي خارجة عن الأصول وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإطلاق الجواب في الكتاب) ش: وهو قوله: ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها، وأراد بالكتاب القدوري م: (ينتظم النفس وما دونها) .
ش: لأن الجناية أعم من أن يكون على النفس أو على ما دونها فيكون مختارا للفداء من هذه الأشياء بعد العلم بالجناية على النفس أو على ما دونها، فإن فعل قبل العلم يلزم الأقل من قيمة الجاني والأرش.
م: (وكذا المعنى لا يختلف) ش: أي المعنى الذي يكون به مختارا للفداء أو لا يكون مختارا في النفس وما دونه لأنه لا يصح الاختيار بدون العلم، فإذا علم فعل ذلك بعد الإعتاق ونحوه كان مختارا. وإن فعل ويعلم لم يكن مختارا ويلزمه الأقل، لأنه لا حق لولي الجناية فيما زاد على الأرش إذا كان الأرش أقل، وإذا كان تقيمة الجاني أقل يلزم المولى ذلك، لأنه لم يفوت بفعله غير ذلك.
م: (وإطلاق البيع ينتظم البيع بشرط الخيار للمشتري؛ لأنه يزيل الملك) ش: البيع بشرط الاختيار للمشتري ملك البائع بالإجماع، وإن كانوا اختلفوا في ثبوت الملك للمشتري م: (بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ونقضه، وبخلاف العرض على البيع) ش: يعني لا يكون مختارا به م: (لأن الملك ما زال) ش: فبقي الدفع ممكنا كما كان. وقال القدوري في (شرحه) : وقال زفر: العوض اختيار لأنه يدل على سعة الملك.
[كاتبه بعد العلم بالجناية كتابة فاسدة بأن كاتبه على خمر أو خنزير]
م: (ولو باعه بيعا فاسدا لم يصر مختارا حتى يسلمه؛ لأن الزوال به، بخلاف الكتابة الفاسدة) ش: يعني إذا كاتبه بعد العلم بالجناية كتابة فاسدة بأن كاتبه على خمر أو خنزير حيث يكون مختارا م: (لأن موجبه) ش: وهو استحقاق العتق عند أداء العوض المشروط م: (يثبت قبل قبض البدل) ش: أي بدل الكتابة م: (فيصير بنفسه) ش: أي بنفس العقد م: (مختارا) ش: وفي " الإيضاح "(13/284)
ولو باعه مولاه من المجني عليه فهو مختار، بخلاف ما إذا وهبه منه؛ لأن المستحق له أخذه بغير عوض وهو متحقق في الهبة دون البيع، وإعتاق المجني عليه بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى فيما ذكرنا؛ لأن فعل المأمور مضاف إليه، ولو ضربه، فنقصه فهو مختار إذا كان عالما بالجناية؛ لأنه حبس جزءا منه، وكذا إذا كانت بكرا فوطئها، وإن لم يكن معلقا لما قلنا، بخلاف التزويج لأنه عيب من حيث الحكم " وبخلاف وطء الثيب على ظاهر الرواية؛ لأنه لا ينقص من غير إعلاق، وبخلاف الاستخدام لأنه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كاتبه وهو يعلم بالجناية ثم عجز. فإن كان خوصم قبل أن يعجز وقضى بالدية ثم عجز لم يرتفع القضاء، لأن وجوب البدل استحكم بالقضاء، وإن لم يحكم فيه حتى عجز كان له أن يدفعه، لأن الدفع بالعجز. وعن أبي يوسف: يصير مختارا بالعقد لتعذر الدفع باعتبار فوات اليد.
م: (ولو باعه مولاه من المجني عليه فهو مختار، بخلاف ما إذا وهبه منه) ش: أي من المجني عليه م: (لأن المستحق له أخذه بغير عوض، وهو متحقق في الهبة دون البيع) ش: حيث لا يكون إلا بعوض، لأنه تمليك بعوض. م: (وإعتاق المجني عليه) ش: يعني إذا أعتق المجني عليه العبد الجاني م: (بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى فيما ذكرنا) ش: أي في العلم بالجناية وعدمه م: (لأن فعل المأمور مضاف إليه) ش: أي إلى الآمر، فكأنه أعتقه بنفسه.
م: (ولو ضربه) ش: أي ولو ضرب عبده الجاني م: (فنقصه) ش: بأن أثر الضرب فيه حتى صار مهزولا، وقلت قيمته بتغير أثر الضرب م: (فهو مختار إذا كان عالما بالجناية؛ لأنه) ش: أي لأن المولى م: (حبس جزءا منه) ش: أي من العبد، فصار كما لو حبس الكل م: (وكذا) ش: أي يكون مختارا م: (إذا كانت بكرا فوطئها، وإن لم يكن معلقا لما قلنا) ش: من الإعلاق، وقيد به لإثبات الفرق بين وطء البكر والثيب، حيث توطأ بدون الإعلاق لا يصير مختارا للفداء في ظاهر الرواية، قاله الكاكي.
م: (بخلاف التزويج) ش: أي لا يكون مختارا للفداء بالتزويج م: (لأنه عيب من حيث الحكم) ش: ولكنه ليس ينقص حقيقة وحكما، وهو ظاهر م: (وبخلاف وطء الثيب) ش: أي لا يكون مختارا للفداء بوطء الثيب م: (على ظاهر الرواية) ش: وروي عن أبي يوسف: أن الوطء اختيار كالثيب، وبه قال زفر م: (لأنه) ش: أي لأن وطء الثيب م: (لا ينقص من غير إعلاق، وبخلاف الاستخدام) ش: أي لا يكون مختارا للفداء أيضا م: (لأنه) ش: أي لأن الاستخدام م: (لا(13/285)
يختص بالملك، ولهذا لا يسقط به خيار الشرط، ولا يصير مختارا بالإجارة والرهن في الأظهر من الروايات. وكذا بالإذن في التجارة وإن ركبه دين " لأن الإذن لا يفوت الدفع ولا ينقص الرقبة إلا أن لولي الجناية أن يمتنع من قبوله؛ لأن الدين لحقه من جهة المولى فلزم المولى قيمته.
قال: ومن قال لعبده: إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر فهو مختار للفداء إن فعل ذلك. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مختارا للفداء، لأنه وقت تكلمه لا جناية ولا علم له بوجوده، وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا ألا ترى أنه لو علق الطلاق أو العتاق بالشرط ثم حلف أن لا يطلق أو لا يعتق ثم وجد الشرط وثبت العتق والطلاق لا يحنث في يمينه تلك، كذا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يختص بالملك) ش: فلا يدل على اختيار الملك.
م: (ولهذا) ش: أي: ولكون الاستخدام لا يختص بالملك م: (لا يسقط به خيار الشرط) ش: فيما إذا كان العبد المشروط فيه الخيار استخدمه المشتري فخياره باق، حتى لو هلك في الخدمة لا ضمان عليه، وكذا لو كان عليه دين في استخدامه فهلك لا يضمن للغرماء.
م: (ولا يصير مختارا بالإجارة والرهن في الأظهر من الروايات) ش: لأن الإجارة تنقص بالأعذار " فيكون قيام حق ولي الجناية فيه عذرا في نقص الإجارة والرهن يمكن من قضاء الدين واسترداد الرهن متى شاء، فلم يتحقق عجزه دون الدفع، وقوله " في الأظهر " احتراز عما ذكر، ذكر في بعض نسخ الأصل: أنه يكون مختارا في الإجارة والرهن، لأنه أثبت عليه يدا مستحقة، وصار كالبيع.
م: (وكذا بالإذن في التجارة) ش: يعني لا يكون مختارا لأنه لا يعجزه عن الدفع م: (وإن ركبه دين) ش: كلمة " إن " واصلة بما قبلها م: (لأن الإذن لا يفوت الدفع) ش: لقيام ملكه م: (ولا ينقص الرقبة إلا أن لولي الجناية أن يمتنع من قبوله؛ لأن الدين لحقه من جهة المولى فلزم المولى قيمته) ش: لأنه لما أبطل الدفع من حين اختياره توجبت القيمة.
[قال لعبده إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر]
م: (قال) ش: أي محمد في، الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبده: إن قتلت فلانا أو رميته أو شججته فأنت حر فهو مختار للفداء إن فعل ذلك) ش: تلك الأفعال م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير مختارا لفداء، لأنه وقت تكلمه لا جناية ولا علم له بوجوده، وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا، ألا ترى أنه لو علق الطلاق أو العتاق بالشرط ثم حلف أن لا يطلق أو لا يعتق ثم وجد الشرط وثبت العتق والطلاق لا يحنث في يمينه تلك) ش: أي اليمين الموجودة بعد تعليق العتاق والطلاق بالشرط م: (كذا هذا) .(13/286)
ولنا: أنه علق الإعتاق بالجناية والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز، فصار كما إذا أعتقه بعد الجناية، ألا ترى أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار فوالله لا أقربك، يصير ابتداء الإيلاء من وقت الدخول. وكذا إذا قال لها: إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض حتى طلقت ومات من ذلك المرض يصير فارا لأنه يصير مطلقا بعد وجود المرض، بخلاف ما إذا أورد لأن غرضه طلاق أو عتق يمكنه الامتناع عنه، إذ اليمين للمنع فلا يدخل تحته ما لا يمكنه الامتناع عنه، ولأنه حرضه على مباشرة الشرط بتعليق أقوى الدواعي إليه، والظاهر أنه يفعله، فهذا دلالة الاختيار.
قال: وإذا قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه ثم مات من قطع اليد فالعبد صلح بالجناية " وإن كان لم يعتقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا: أنه علق الإعتاق بالجناية والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز) ش: عند وجوده م: (فصار كما إذا أعتقه بعد الجناية) ش: أي فصار كأن العبد قتل رجلا خطأ،....) المعلق المولى. فأعتقه بعد ذلك يكون مختارا للفداء " فكذا هذا.
ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت الدار فوالله لا أقربك يصير ابتداء الإيلاء من وقت الدخول) ش: لأن من وقت القول، فكذا هنا يصير كأنه أعتقه بعد الجناية وهو يعلم بذلك.
م: (وكذا إذا قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض حتى طلقت ومات من ذلك المرض يصير فارا) ش: فترث المرأة م: (لأنه يصير مطلقا بعد وجود المرض) ش: لأنه لما أضاف الطلاق إلى المرض صار كأنه طلقها بعد مرضه م: (بخلاف ما إذا أورد لأن غرضه طلاق أو عتق يمكنه الامتناع عنه، إذ اليمين للمنع) ش: لأنه غرض أراد من يمينه المنع م: (فلا يدخل تحته ما لا يمكنه الامتناع عنه) ش: لأنه لا يقدر على الامتناع مما علقه قبل الحلف، فلم يكن ذلك داخلا تحت يمينه، ولم يكن ذلك مرادا بيمينهم، بل كان المراد منها ما يمكن الامتناع عنه مما يحدث في المستقبل فلم يرد ذلك علينا.
م: (ولأنه) ش: دليل آخر، أي ولأن المولى م: (حرضه) ش: أي حرض العبد م: (على مباشرة الشرط) ش: وهو القتل أو الرمي أو الشج م: (بتعليق أقوى الدواعي إليه) ش. أي الشرط وهو الحرية م: (والظاهر أنه يفعله) ش: رغبة منه في الحرية م: (فهذا دلالة الاختيار) .
[قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه ثم مات من اليد]
م: (قال) ش: أي محمد في (الجامع) : م: (وإذا قطع العبد يد رجل عمدا فدفع إليه بقضاء أو بغير قضاء فأعتقه) ش: أي المجني عليه م: (ثم مات من اليد فالعبد صلح بالجناية، وإن كان لم يعتقه(13/287)
رده على المولى، وقيل للأولياء: اقتلوه أو اعفوا عنه. ووجه ذلك، وهو أنه إذا لم يعتقه وسرى تبين أن الصلح وقع باطلا؛ لأن الصلح كان عن المال؛ لأن أطراف العبد لا يجري القصاص بينها. وبين أطراف الحر " فإذا سرى تبين أن المال غير واجب، وإنما الواجب هو القود، فكان الصلح واقعا بغير بدل فبطل والباطل لا يورث الشبهة، كما إذا وطئ المطلقة الثلاث في عدتها مع العلم بحرمتها عليه فوجب القصاص بخلاف ما إذا أعتقه؛ لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح؛ لأن الظاهر أن من أقدم على تصرف يقصد تصحيحه، ولا صحة له إلا أن يجعل صلحا عن الجناية وما يحدث منها. ولهذا لو نص عليه ورضي المولى به يصح وقد رضي المولى به؛ لأنه لما رضي يكون العبد عوضا عن القليل يكون أرضى بكونه عوضا عن الكثير، فإذا أعتق يصح الصلح في ضمن الإعتاق ابتداء، وإذا لم يعتق لم يوجد الصلح ابتداء، والصلح الأول وقع باطلا فيرد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رده على المولى " وقيل للأولياء: اقتلوه أو اعفوا عنه. ووجه ذلك) ش: يريد به بيان الفرق بينهما إذا أعتق وبينهما إذا لم يعتق م: (وهو أنه إذا لم يعتقه وسرى تبين أن الصلح) ش: أي الدفع م: (وقع باطلا) ش: وسماه صلحا بناء على ما اختاره بعض المشايخ، أن الموجب الأصلي هو الفداء " فكان الدفع بمنزلة الصلح لسقوط موجب الجناية به، وإنما وقع باطلا م: (لأن الصلح كان عن المال؛ لأن أطراف العبد لا يجري القصاص بينها وبين أطراف الحر، فإذا سرى تبين أن المال غير واجب، وإنما الواجب هو القود) ش: أي القصاص م: (فكان الصلح واقعا بغير بدل فبطل) ش: لأن الذي كان وقع الصلح عنه وهو المال قد زال، والذي وجد من القتل لم يكن وقت الصلح فبطل م: (والباطل لا يورث الشبهة، كما إذا وطئ المطلقة الثلاث في عدتها مع العلم بحرمتها عليه) ش: فإنه لا يصير شبهة لدرء الحد م: (فوجب القصاص) .
م: (بخلاف ما إذا أعتقه؛ لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح؛ لأن الظاهر) ش: من حال المعقد له م: (أن من أقدم منهم على تصرف يقصد تصحيحه) ش: لإظهار الصحيح قرارا من الباطل م: (ولا صحة له) ش: لهذا الصلح م: (إلا أن يجعل صلحا عن الجناية وما يحدث منها) ش: فيجعل مصالحا عن ذلك فبقي الإقدام على الإعتاق.
م: (ولهذا لو نص عليه) ش: أي على أن يكون العبد صلحا عن الجناية وما يحدث منها م: (ورضي المولى به يصح وقد رضي المولى به؛ لأنه لما رضي يكون العبد عوضا عن القليل) ش: وهو اليد م: (يكون أرضى بكونه عوضا عن الكثير) ش: وهو السراية إلى النفس م: (فإذا أعتق يصح الصلح في ضمن الإعتاق ابتداء، وإذا لم يعتق لم يوجد الصلح ابتداء، والصلح الأول وقع باطلا فيرد(13/288)
العبد إلى المولى والأولياء على خيرتهم في العفو والقتل. وذكر في بعض النسخ رجل قطع يد رجل عمدا فصالح القاطع المقطوعة يده على عبد ودفعه إليه فأعتقه المقطوعة يده ثم مات من ذلك، قال: العبد صلح بالجناية إلى آخر ما ذكرنا من الرواية، وهذا الوضع يرد إشكالا فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث لا يجب القصاص هنالك، وهاهنا قال يجب " قيل: ما ذكر هاهنا جواب القياس فيكون الوضعان جميعا - على القياس والاستحسان، وقيل: بينهما فرق، ووجهه أن العفو عن اليد صح ظاهرا؛ لأن الحق كان له في اليد من حيث الظاهر فيصح العفو ظاهرا، فبعد ذلك وإن بطل حكما يبقى موجودا حقيقة فكفى ذلك لمنع وجوب القصاص. أما هاهنا الصلح لا يبطل الجناية، بل يقررها حيث صالح عنها على مال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبد إلى المولى والأولياء على خيرتهم في العفو والقتل وذكر في بعض النسخ) ش: أي: نسخ " الجامع الصغير "، وبه صرح فخر الإسلام في " جامعه " وصاحب " الكافي " فيه: م: (رجل قطع يد رجل عمدا فصالح القاطع المقطوعة يده على عبد ودفعه إليه فأعتقه المقطوعة يده ثم مات من ذلك، قال) ش: أي المصنف: م: (العبد صلح بالجناية إلى آخر ما ذكرنا من الرواية) ش: يعني وإن لم يعتقه رد إلى مولاه، ويجعل الأولياء على خيرتهم بين القتل والعفو م: (وهذا الوضع) ش: قيل: إن الموضع الثاني وهو النسخة الغير المعروفة. وقال الأترازي: أي وضع " الجامع الصغير " في النسخة المعروفة، وفي النسخة الأخرى جميعا م: (يرد إشكالا) ش: في هذه المسألة وهي قوله: م: (فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث لا يجب القصاص هنالك) ش: يعني ثمة هل تجب الدية لكون العفو عن اليد شبهة؟
م: (وهاهنا) ش: أي في هذه المسألة م: (قال يجب) ش: أي القصاص، وهذا وجه الإشكال، ثم أشار المصنف إلى وجه دفع هذا الإشكال بقوله: م: (قيل: ما ذكر هاهنا) ش: من وجوب القصاص م: (جواب القياس) ش: وما ذكر هناك جواب الاستحسان م: (فيكون الوضعان جميعا على القياس) ش: في الأول م: (والاستحسان) ش: في الثاني فاندفع التدافع، وحصل التوافق.
م: (وقيل: بينهما فرق) ش: أي بين الوضعين فرق ظاهر، يعني: بين هذه المسألة ومسألة العفو عن اليد حيث وجب القصاص هنا ولم يجب ثمة، بل وجبت الدية.
م: (ووجهه) ش: أي وجه الفرق م: (أن العفو عن اليد صح ظاهرا؛ لأن الحق كان له في اليد من حيث الظاهر فيصح العفو ظاهرا) ش: ويبطل به الجناية، لأن العفو عنها يبطله م: (فبعد ذلك وإن بطل حكما) ش: أي حكم العفو بالسراية م: (يبقى موجودا حقيقة، فكفى ذلك لمنع وجوب القصاص. أما هاهنا الصلح لا يبطل الجناية، بل يقررها حيث صالح عنها على مال) ش: وجب القصاص،(13/289)
فإذا لم يبطل الجناية لم تمتنع العقوبة، هذا إذا لم يعتقه، أما إذا أعتقه فالتخريج ما ذكرناه من قبل.
قال: وإذا جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية فعليه قيمتان، قيمة لصاحب الدين، وقيمة لأولياء الجناية لأنه أتلف حقين كل واحد منهما مضمون بكل القيمة على الانفراد: الدفع للأولياء، والبيع للغرماء، فكذا عند الاجتماع ويمكن الجمع بين الحقين إيفاء من الرقبة الواحدة بأن يدفع إلى ولي الجناية ثم يباع للغرماء فيضمنهما بالإتلاف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومعنى قوله م: (فإذا لم تبطل الجناية لم تمتنع العقوبة) ش: يعني القصاص.
م: (هذا) ش: الذي ذكرناه م: (إذا لم يعتقه، أما إذا أعتقه فالتخريج ما ذكرناه من قبل) ش: وهو قوله لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح.
[جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا جنى العبد المأذون له جناية وعليه ألف درهم فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية) ش: قيد بعدم العلم ليبني عليه م: (فعليه) ش: أي فعلى المولى م: (قيمتان، قيمة لصاحب الدين، وقيمة لأولياء الجناية) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية ومالك م: (لأنه) ش: أي لأن المأذون م: (أتلف حقين كل واحد منهما مضمون بكل القيمة على الانفراد: الدفع للأولياء، والبيع للغرماء، فكذلك عند الاجتماع) ش: أي اجتماع الحقين م: (ويمكن الجمع بين الحقين) ش: هذا جواب عما يقال: لا يلزم من كون كل واحد منهما مضمونا بكل القيمة على الانفراد كونه كذلك عند الاجتماع يجوز أن يكونا متنافيين فلا يجتمعان ليكون الإتلاف وارد عليهما.
وتقرير الجواب: الجمع بينهما ممكن م: (إيفاء) ش: أي من حيث الإيفاء م: (من الرقبة الواحدة بأن يدفع إلى ولي الجناية تم يباع للغرماء فيضمنهما) ش: أي يضمن المولى القيمتين م: (بالإتلاف) ش: والأصل أن العبد إذا جنى وعليه دين يخير المولى بين الدفع والفداء، فإن دفع في دين الغرماء، فإن فضل شيء كان لأصحاب الجناية، وإنما بدأنا بالدفع لأنه به يوفى الحقين، فإن حق ولي الجناية يصير وفي بالدفع، ثم يباع بعده لأرباب الديون، ومتى بدأنا يبيعه في الدين تعذر الدفع بالجناية، لأنه تجدد للمشتري الملك ولم يوجد في مدة جنايته.
فقيل: ما فائدة الدفع إذا كان البيع بالدين بعده واجبا) وأجيب: بأنها إثبات حق الاستخلاص لولي الجناية بالفداء بالدين، فإن للناس في الأعيان أغراضا، وإنما لم يبطل الدين لحدوث الجناية، لأن موجبها صيرورته حرا، فإذا كان مشغولا وجب دفعه مشغولا، ثم إذا بيع وفضل من ثمنه شيء صرف إلى أولياء الجناية، لأنه بيع على ملكهم، فإن لم يثبت بالدين تأخر إلى حال الحرية كما لو بيع على ملك المولى الأول، وإنما قيد المسألة بعدم العلم(13/290)
بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي حيث تجب قيمة واحدة للمولى ويدفعها المولى إلى الغرماء؛ لأن الأجنبي إنما يضمن للمولى بحكم الملك فلا يظهر في مقابلته الحق؛ لأنه دونه. وهاهنا يجب لكل واحد منهما بإتلاف الحق فلا ترجيح فيظهران فيضمنهما.
قال: وإذا استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت، فإنه يباع الولد معها في الدين، وإن جنت جناية لم يدفع الولد معها، والفرق أن الدين وصف حكمي فيها واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء، فيسري إلى الولد كولد المرهون، بخلاف الجناية؛ لأن وجوب الدفع في ذمة المولى لا في ذمتها، وإنما يلاقيها أثر الفعل الحقيقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليبني عليه كما قلنا، وهو قول المصنف فعليه قيمتان، لأنه لو أعتقه وهو عالم بالجناية كان عليه الدية إذا كانت الجناية في النفس لأوليائها وقيمة العبد لصاحب الدين، لأن الإعتاق بعد العلم بالجناية يوجب الأرش دون القيمة.
م: (بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي) ش: أي إذا أتلف العبد المأذون أجنبي لا يضمن للغرماء م: (حيث تجب قيمة واحدة للمولى ويدفعها المولى إلى الغرماء؛ لأن الأجنبي إنما يضمن للمولى بحكم الملك فلا يظهر في مقابلته الحق؛ لأنه دونه) ش: أي لأن الحق دون الملك، يعني لا يضمن الأجنبي سوى قيمة العبد.
م: (وهاهنا يجب لكل واحد منهما بإتلاف الحق فلا ترجيح فيظهران) ش: أي فلا ترجيح لأحدهما على الآخر، لأن حقهما مرجوع بالنسبة إلى ملك المولى، فلا يظهر حكمهما م: (فيضمنهما) ش: أي فيضمن الولي الإعتاق لصاحب الدين وولي الجناية، لأنه أتلف حقهما.
[استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا استدانت الأمة المأذون لها أكثر من قيمتها ثم ولدت) ش: أي من زوجها م: (فإنه يباع الولد معها في الدين، وإن جنت جناية لم يدفع الولد معها) ش: أي مع الأم الأمة م: (والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن الدين وصف حكمي فيها) ش: أي في الأمة م: (واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء) ش: أي من حيث الاستيفاء، يعني صار المولى ممنوعا من التصرف في رقبتها ببيع أو غيرهما، فكانت من الأوصاف الشرعية إلقاء في الأم م: (فيسري إلى الولد كولد المرهون) ش: أي كولد الجارية المرهونة، فإنه يباع مع أمه.
م: (بخلاف الجناية) ش: حيث لم يدفع الولد معها م: (لأن وجوب الدفع في ذمة المولى لا في ذمتها) ش: أي في ذمة الأمة ورقبتها خالية عن الحق فلا يتعلق بالولد م: (وإنما يلاقيها أثر الفعل الحقيقي) ش: الحسي.(13/291)
وهو الدفع والسراية في الأوصاف الشرعية دون الأوصاف الحقيقية
قال: وإذا كان العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ فلا شيء له؛ لأنه لما زعم أن مولاه أعتقه فقد ادعى الدية على العاقلة وأبرأ العبد والمولى، إلا أنه لا يصدق على العاقلة من غير حجة.
قال: وإذا أعتق العبد فقال لرجل قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر، فالقول قول العبد لأنه منكر للضمان لما أنه أسنده إلى حالة معهودة منافية للضمان، إذ الكلام فيما إذا عرف رقه، والوجوب في جناية العبد على المولى دفعا أو فداء، وصار كما إذا قال البالغ العاقل: طلقت امرأتي وأنا صبي " أو بعت داري وأنا صبي، أو قال: طلقت امرأتي وأنا مجنون، أو بعت داري وأنا مجنون وقد كان جنونه معروفا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهو الدفع والسراية في الأوصاف الشرعية دون الأوصاف الحقيقية) ش: أي سراية الحكم من الأم إلى الولد في الوصف الشرعي لا الحقيقي من وجوب الدفع أثر الفعل الحقيقي، فلذلك لم يسر إلى الولد " ولهذا لو كانت الأمة سوداء لا يلزم أن يكون ولدها أسود.
[العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان العبد لرجل زعم رجل آخر أن مولاه أعتقه فقتل العبد وليا لذلك الرجل خطأ فلا شيء له) ش: أي الذي زعم أنه أعتقه لا قليل ولا كثير م: (لأنه لما زعم أن مولاه، أعتقه فقد ادعى الدية على العاقلة وأبرأ العبد والمولى) ش: أي وادعى أيضا إبراء العبد وإبراء المولى، لأن الإنسان مؤاخذ بزعمه م: (إلا أنه) ش: أي غير أن هذا الزاعم م: (لا يصدق على العاقلة من غير حجة) ش: فلا يكون له شيء أصلا.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا أعتق العبد فقال لرجل قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر، فالقول قول العبد) ش:، أي مع يمينه بالإجماع. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: فيه وجهان، أحدهما وهو نص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القول للمولى مع يمينه، والثاني: أن القول للجاني م: (لأنه منكر للضمان لما أنه أسنده إلى حالة معهودة) ش: أي معلومة م: (منافية للضمان، إذ الكلام فيما إذا عرف رقه، والوجوب في جناية العبد على المولى دفعا أو فداء) ش: أي من حيث الدفع إلى ولي الجناية، ومن حيث الفداء " واعترض بأن العبد قد ادعى تاريخا سابقا في إقراره والمقر له منكر لذلك التاريخ فينبغي أن يكون القول قوله.
وأجيب: بأن اعتبار التاريخ للترجيح بعد وجود أصل الإقرار، وهاهنا هو منكر لأصله، فصار كمن يقول لعبده أعتقتك قبل أن تخلق أو أخلق. م: (وصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا قال البالغ العاقل طلقت امرأتي وأنا صبي " أو بعت داري وأنا صبي، أو قال: طلقت امرأتي وأنا مجنون أو بعت داري وأنا مجنون، وقد كان جنونه معروفا(13/292)
كان القول قوله لما ذكرنا.
قال: ومن أعتق جارية ثم قال لها: قطعت يدك وأنت أمتي، وقالت: قطعتها وأنا حرة فالقول قولها " وكذلك كل ما أخذ منها إلا الجماع والغلة استحسانا وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: لا يضمن إلا شيئا قائما بعينه يؤمر برده عليها لأنه منكر وجوب الضمان لإسناده الفعل إلى حالة معهودة منافية له كما في المسألة الأولى وكما في الوطء والغلة، وفي الشيء القائم أقر بيدها حيث اعترف بالأخذ منها ثم ادعى التملك عليها وهي منكرة، والقول قول المنكر، فلهذا يؤمر بالرد إليها. ولهما: أنه أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه فلا يكون القول قوله، كما إذا قال لغيره: فقأت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة، ثم فقئت وقال المقر له: لا؛ بل فقأتها وعينك اليمنى مفقوءة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان القول قوله لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله " لما أنه أسنده " إلى حالة معهودة منافية للضمان، لأن الصبي والمجنون ينافي ذلك. وكذا إذا قال: أقررت بهذا المال لفلان وأنا صبي، وقال المقر له: بل أقررت وأنت بالغ فالقول قول المقر، لأن الصبي ينافي وجوب الإقرار.
[أعتق جارية ثم قال لها قطعت يدك وأنت أمتي وقالت قطعتها وأنا حرة]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أعتق جارية ثم قال لها: قطعت يدك وأنت أمتي، وقالت: قطعتها وأنا حرة فالقول قولها، وكذلك كل ما أخذ منها إلا الجماع والغلة) ش: بأن قال جامعتك وأنت أمتي، أو قال: أخذت منك غلة عملك وأنت أمتي، فقالت: بل كان ذلك بعد العتق فإن القول للمولى م: (استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان م: (وهذا) ش: أي كون القول للمولى م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) .
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن إلا شيئا قائما بعينه) ش: أي لا يضمن المولى إلا إذا أقر بأخذ شيء بعينه والمأخوذ قائم في يده، واختلف فيه على هذا الوجه أجمعوا فيه م: (يؤمر برده عليها) ش: وبقول محمد قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن المولى م: (منكر وجوب الضمان لإسناده الفعل إلى حالة معهودة منافية له كما في المسألة الأولى) ش: أشار بها إلى قوله: وإذا أعتق العبد فقال للرجل: قتلت أخاك خطأ وأنا عبد، وقال الآخر: قتلته وأنت حر فالقول قول العبد.
م: (وكما في الوطء والغلة، وفي الشيء القائم أقر بيدها حيث اعترف بالأخذ منها ثم ادعى التملك عليها وهي منكرة، والقول قول المنكر، فلهذا يؤمر بالرد إليها. ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن المولى م: (أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه فلا يكون القول قوله، كما إذا قال لغيره: فقأت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة، ثم فقئت) ش: يريد به براءته عن ضمان العين قصاصا وأرشا م: (وقال المقر له: لا؛ بل فقأتها وعينك اليمنى مفقوءة) ش: يدعي وجوب نصف الدية عليه لما أن العضو التالف إن كان صحيحا ثم سقط يسقط القصاص(13/293)
فإن القول قول المقر له، وهذا لأنه ما أسنده إلى حالة منافية للضمان؛ لأنه يضمن يدها لو قطعها وهي مديونة، وكذا يضمن مال الحربي إذا أخذه وهو مستأمن، بخلاف الوطء والغلة؛ لأن وطء المولى أمته المديونة لا يوجب العقر. وكذا إذا أخذه من غلتها، وإن كانت مديونة لا يوجب الضمان عليه فحمل الإسناد إلى حالة معهودة منافية للضمان.
قال: وإذا أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله فعلى عاقلة الصبي الدية؛ لأنه هو القاتل حقيقة، وعمده وخطؤه سواء على ما بينا من قبل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولم يدخل حق التلف إلى الأرش لأنه حقه ابتداء في القصاص من غير تخير عندنا خلافا للأئمة الثلاثة، لكن ذكر في " الإيضاح " و" الذخيرة ": لا قصاص في العين إذا فقئت عمدا أو خطأ، وإنما يجب القصاص إذا كانت قائمة وذهب ضوؤها.
وفي " المستصفى ": لا قصاص في الحدقة، إنما القصاص إذا ضربها وذهب ضوؤها، ولكن ذكر في " الذخيرة " بعد ذكر هذه الروايات إلى " الأجناس ": أنه لو ضرب غير إنسان بإصبع ضربة حقيقة فذهب ضوؤها وجد بعد ذلك ففيه القصاص، يحمل ما ذكر في الكتاب على تلك الرواية م: (فإن القول قول المقر له، وهذا) ش: يشير به إلى قوله أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه، فلا يكون القول له م: (لأنه) ش: أي لأن المقر م: (ما أسنده) ش: أي ما أسند سبب الضمان وهو الأخذ أو القطع م: (إلى حالة منافية للضمان؛ لأنه يضمن يدها) ش: أي يد الأمة م: (لو قطعها وهي مديونة) ش: أي والحال أنها مديونة.
م: (وكذا يضمن مال الحربي إذا أخذه وهو مستأمن) ش: أي والحال أنه مستأمن. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا ليس له تعلق مما نحن فيه من مسألة القطع، لكنه ذكره بيانا لمسألة أخرى، صورتها: مسلم دخل دار الحرب بأمان وأخذ مال حربي ثم أخرجا إلينا، فقال له المسلم أخذت منك مالا وأنت حربي فقال: لا بل أخذت مني وأنا مسلم فإنها على الخلاف.
م: (بخلاف الوطء والغلة) ش: هذا يتصل بقوله: " كما في الوطء والغلة " وهو جواب عما قاسه محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن وطء المولى أمته المديونة لا يوجب العقر) ش: وكذا وطء الأمة المرهونة لا يوجب العقر م: (وكذا إذا أخذه من غلتها، وإن كانت مديونة لا يوجب الضمان عليه فحمل الإسناد إلى حالة معهودة منافية للضمان) ش: أي للضمان.
[أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في: (الجامع الصغير) .: و: (وإذا أمر العبد المحجور عليه صبيا حرا بقتل رجل فقتله فعلى عاقلة الصبي الدية؛ لأنه هو القاتل حقيقة، وعمده وخطؤه سواء على ما بينا من قبل) ش: وسواء كان أيضا مأذونا أو مكاتبا، وقيد بأن يكون الصبي حرا؛ لأنه لو كان عبدا فمولاه مخير بين الدفع والفداء(13/294)
ولا شيء على الآمر. وكذا إذا كان الآمر صبيا لأنهما لا يؤخذان بأقوالهما؛ لأن المؤاخذة فيها باعتبار الشرع، وما اعتبر قولهما، ولا رجوع لعاقلة الصبي على الصبي الآمر أبدا ويرجعون على العبد الآمر بعد الإعتاق لأن عدم الاعتبار لحق المولى وقد زال، لا لنقصان أهلية العبد، بخلاف الصبي؛ لأنه قاصر الأهلية.
قال: وكذلك إن أمر عبدا، معناه: أن يكون الآمر عبدا والمأمور عبدا محجورا عليهما يخاطب مولى القاتل بالدفع أو الفداء ولا رجوع له على الأول في الحال، ويجب أن يرجع بعد العتق بأقل من الفداء وقيمة العبد؛ لأنه غير مضطر في دفع الزيادة، وهذا إذا كان القتل خطأ، وكذا إذا كان عمدا والعبد القاتل صغيرا؛ لأن عمده خطأ، أما إذا كان كبيرا يجب القصاص لجريانه بين الحر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم بعد الدفع والفداء يرجع مولاه على المحجور الآمر بعد الإعتاق بقيمة عبده، إشارة إلى ما ذكره قبيل فصل الجنين م: (ولا شيء على الآمر، وكذا إذا كان الآمر؛ لأنهما لا يؤخذان بأقوالهما؛ لأن المؤاخدة فيها باعتبار الشرع، وما اعتبر) ش: أي الشرع م: (قولهما، ولا رجوع لعاقلة الصبي على الصبي الآمر أبدا، ويرجعون على العبد الآمر بعد الإعتاق) .
وفي" النهاية ": وفي هذه الرواية ضعف، لأنه ذكر في " الجامع المحبوبي " و" التمرتاشي ": ولا رجوع لهم على العبد لا في الحال، ولا بعد العتق. وإذا كان العبد المأذون في التجارة، لأن هذا الضمان ليس بضمان الغصب؛ لأن الحر لا يغصب، وإنما هو ضمان جناية، وجناية العبد لا تلزمه بعد العتق، وكذا ذكر في" المغني " محالا إلى [....] لذا نعلم أن ما ذكر في الكتاب نوع ضعف لمحالة هذه الروايات.
م: (لأن عدم الاعتبار لحق المولى وقد زال، لا لنقصان أهلية) ش: أي لأن عدم الاعتبار لحق الولي، وقد زال لنقصان أهلية: م: (العبد بخلاف الصبي لأنه قاصر الأهلية) ش: وقد زال حق المولى بعد العتق فيؤخذ لزوال المانع، وفي الصبي لم يعتبر قوله لقصور أهليته.
م: (قال) ش: أي محمد في" الجامع الصغير ": م: (وكذلك إن أمر عبدا) ش: أي وكذلك الحكم إن أمر العبد المحجور عليه، أشار إليه المصنف بقوله: م: (معناه أن يكون الآمر عبدا والمأمور عبدا محجورا عليهما يخاطب مولى القاتل بالدفع أو الفداء، ولا رجوع له على الأول في الحال، ويجب أن يرجع بعد العتق بأقل من الفداء وقيمة العبد؛ لأنه غير مضطر في دفع الزيادة) ش: أي لا ضرورة في إعطاء الزيادة لأنه يتخلص عن عهدة الضمان باعتبار الأقل من الفداء وقيمة العبد لأنه إنما أتلف بأمره ما هو الأقل منها م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرنا م: (إذا كان القتل خطأ، وكذا إذا كان عمدا والعبد القاتل) ش: أي وكذا الحكم إذا كان القتل عمدا والحال أن العبد هو القاتل، وكان م: (صغيرا؛ لأن عمده خطأ، أما إذ كان كبيرا يجب القصاص لجريانه بين الحر والعبد) .(13/295)
والعبد. قال: وإذا قتل العبد رجلين عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد وليي كل واحد منهما، فإن المولى يدفع نصفه إلى الآخرين أو يفديه بعشرة آلاف درهم؛ لأنه لما عفا أحد وليي كل واحد منهما سقط القصاص وانقلب مالا فصار كما لو وجب المال من الابتداء، وهذا لأن حقهم في الرقبة أو في عشرين ألفا وقد سقط نصيب العافيين وهو النصف وبقي النصف. فإن كان قتل أحدهما عمدا والآخر خطأ فعفا أحد وليي العمد، فإن فداه المولى فداه بخمسة عشر ألفا، خمسة آلاف للذي لم يعف من وليي العمد وعشرة آلاف لوليي الخطأ؛ لأنه لما انقلب العمد مالا كان حق ولي الخطأ في كل الدية عشرة آلاف، وحق أحد وليي العمد في نصفها خمسة آلاف ولا تضايق في الفداء فيجب خمسة عشر ألفا، وإن دفعه، دفعه إليهم أثلاثا، ثلثاه لوليي الخطأ وثلثه لغير العافي من وليي العمد عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تعالى -. وقالا: يدفعه أرباعا ثلاثة أرباعه لوليي الخطأ وربعه لوليي العمد فالقسمة عندهما بطريق المنازعة، فيسلم النصف لوليي الخطأ بلا منازعة، واستوت منازعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامح الصغير ": م: (وإذا قتل العبد رجلين عمدا، ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد وليي كل واحد منهما، فإن المولى يدفع نصفه إلى الآخرين أو يفديه بعشرة آلاف درهم؛ لأنه لما عفا أحد وليي كل واحد منهما سقط القصاص وانقلب مالا، فصار كما لو وجب المال من الابتداء) ش: ولو وجب المال في بداية الأمر بسبب القتيلين لكان بالنصف فكذا هنا.
م: (وهذا لأن حقهم) ش: أي حق الأولياء م: (في الرقبة أو في عشرين ألفا وقد سقط نصيب العافيين) ش: من الأولياء الأربعة م: (وهو النصف وبقي النصف، فإن كان قتل أحدهما عمدا) ش: أي فإن قتل أحد الرجلين عمدا م: (والآخر) ش: أي وقتل الرجل الآخر.
م: (خطأ فعفا أحد وليي العمد، فإن فداه المولى فداه بخمسة عشر ألفا، خمسة آلاف للذي لم يعف من وليي العمد، وعشرة آلاف لوليي الخطأ؛ لأنه لما انقلب العمد مالا كان حق ولي الخطأ في كل الدية عشرة آلاف، وحق أحد وليي العمد في نصفها خمسة آلاف ولا تضايق في الفداء) ش: لأنه يجب في الذمة، والذمة صالحة أن يثبت فيها أموال كثيرة م: (فيجب خمسة عشر ألفا، وإن دفعه، دفعه إليهم أثلاثا، ثلثاه لولي الخطأ، وثلثه لغير العافي من وليي العمد عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) .
م: (وقالا: يدفعه أرباعا، ثلاثة أرباعه لوليي الخطأ، وربعه لوليي العمد فالقسمة عندهما بطريق المنازعة، فيسلم النصف لوليي الخطأ بلا منازعة) ش: وبقي النصف الآخر م: (واستوت منازعة(13/296)
الفريقين في النصف الآخر، فيتنصف، فلهذا يقسم أرباعا، وعنده: يقسم بطريق العول والمضاربة أثلاثا؛ لأن الحق تعلق بالرقبة أصله التركة المستغرقة بالديون، فيضرب هذان بالكل، وذلك بالنصف، ولهذه المسألة نظائر وأضداد ذكرناها في " الزيادات ".
قال: وإذا كان عبد بين رجلين فقتل مولى لهما أي قريبا لهما فعفا أحدهما بطل الجميع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يدفع الذي عفا نصف نصيبه إلى الآخر، أو يفديه بربع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفريقين في النصف الآخر) ش: وكل واحد من ولي الخطأ وشريك العافي يدعيه م: (فيتنصف) ش: أي فيجعل هذا النصف بينهما نصفين.
م: (فلهذا يقسم أرباعا) ش: أي فلأجل هذا كانت القسمة بينهما بطريق المنازعة أرباعا، ومعنى المنازعة أن كل جزء وقع من دعوى قد سلم للآخر بلا منازعة. وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": وفي قول زفر: لصاحب الخطأ النصف، ولصاحب العمد الذي لم يبق الربع، وبقي الربع للمولى.
م: (وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة: م: (يقسم بطريق العول والمضاربة أثلاثا) ش: ومعنى العول أن يضرب كل واحد منهم بسهمه فيجمع السهام كلها ويقسم السهام على مبلغ السهام ألفين.
م: (لأن الحق تعلق بالرقبة) ش: لأن أصل حقها ليس في غير العبد، بل في أرش الذي هو بدل المتلف، والقسمة في غير العين تكون بطريق العول والمضاربة، ولهذا لأن حق ولي الخطأ في عشرة آلاف وحق الشريك العافي في خمسة فيضرب كل واحد منهما بحصته.
م: (أصله) ش: أي أصل أبي حنيفة: م: (التركة المستغرقة بالديون) ش: كما لو كانت ألفا ولرجلين على الميت ثلاثة آلاف، لأحدهما ألف والآخر ألفان، فإن التركة تقسم بينهما بطريق العول المضاربة أثلاثا فثلثا التركة لصاحب الألفين، وثلثها لصاحب الألف م: (فيضرب هذان) ش: أي ولي الخطأ.
م: (بالكل وذلك) ش: أي ولي العمد م: (بالنصف) ش: أي يضرب بالنصف م: (ولهذه المسألة نظائر) ش: أي أمثال م: (وأضداد) ش: يعني خلافها م: (ذكرناها في " الزيادات ") ش: أي في كتاب " الزيادات " [من] تصنيفه، وقد مضى في كتاب " الدعوى " بشيء مما ذكر في " الزيادات " في باب ما يدعيه رجلان.
[عبد بين رجلين فقتل مولى لهما]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان عبد بين رجلين فقتل مولى لهما، أي قريبا لهما) ش: كأخيهما أو عمهما م: (فعفا أحدهما بطل الجميع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي بطل الدم كله عنده م: (وقالا: يدفع الذي عفا نصف نصيبه إلى الآخر، أو يفديه بربع(13/297)
الدية، وذكر في بعض النسخ قتل وليا لهما، والمراد القريب أيضا. وذكر في بعض النسخ قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وذكر في " الزيادات " عبد قتل مولاه وله ابنان فعفا أحد الابنين بطل ذلك كله عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجواب فيه كالجواب في مسألة الكتاب ولم يذكر اختلاف الرواية. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن حق القصاص ثبت في العبد على سبيل الشيوع لأن ملك المولى لا يمنع استحقاق القصاص له، فإذا عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر وهو النصف مالا غير أنه شائع في الكل فيكون نصفه في نصيبه، والنصف في نصيب صاحبه فما يكون في نصيبه سقط ضرورة أن المولى لا يستوجب على عبده مالا، وما كان في نصيب صاحبه بقي ونصف النصف هو الربع، فلهذا يقال: ادفع نصف نصيبك أو افتده بربع الدية. ولهما: أن ما يجب من المال يكون حق المقتول، لأنه بدل دمه، ولهذا تقضى منه ديونه وتنفذ به وصاياه، ثم الورثة يخلفونه فيه عند الفراغ من حاجته والمولى لا يستوجب على عبده دينا فلا تخلفه الورثة فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدية وذكر في بعض النسخ) ش: " الجامع الصغير ".
م: (قتل وليا لهما) ش: والولي القريب والمولى م: (والمراد القريب أيضا) ش: وقال الله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] (سورة مريم: الآية 5) ، والمولى ابن العم والعصبة، والجمع موالي، كذا في التفسير. وقال الأترازي: ويحتمل أنه أراد به المعتق الذي أعتقاه، فصارا عصبة له بالولاء، وقد ذكره فخر الإسلام.
م: (وذكر في بعض النسخ) ش: " الجامع الصغير " م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأشهر) ش: ذكر في بعض النسخ أي نسخ " الجامع " قول محمد مع قول أبي حنيفة - رحمهما الله - وقال القدوري في كتاب " التقريب ": ويراد الصحيح أنه مع أبي حنيفة، لا قول محمد مع أبي حنيفة.
[.....](13/298)
فصل ومن قتل عبدا خطأ فعليه قيمته لا تزاد على عشرة آلاف درهم، فإن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر قضي له بعشرة آلاف إلا عشرة وفي الأمة إذا زادت قيمتها على الدية خمسة آلاف إلا عشرة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله - تجب قيمته بالغة ما بلغت. ولو غصب عبدا قيمته عشرون ألفا فهلك في يده تجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع. لهما: أن الضمان بدل المالية، ولهذا يجب للمولى وهو لا يملك العبد إلا من حيث المالية. ولو قتل العبد المبيع قبل القبض يبقى العقد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل ومن قتل عبدا خطأ]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في أحكام الجناية على العبد. ولما فرغ من جنايته على غيره شرع في حكم الجناية عليه، وقدم الأول لأن الفاعل متقدم على المفعول.
م: (ومن قتل عبدا خطأ فعليه قيمته لا تزاد على عشرة آلاف درهم، فإن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر قضي له بعشرة آلاف إلا عشرة، وفي الأمة إذا زادت قيمتها علي الدية خمسة آلاف إلا عشرة) ش: أي هنا لفظ القدوري. وقال المصنف: م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال النخعي والشعبي والثوري وأحمد في رواية.
م: (وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: تجب قيمته بالغة ما بلغت) ش: وبه قال مالك وأحمد، وهو قول سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز والزهري وإسحاق ومكحول وإياس بن معاوية والحسن. وقال الكرخي: وروي عن علي وابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: فيه القيمة بالغا ما بلغ م: (ولو غصب عبدا قيمته عشرون ألفا فهلك في يده تجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع) .
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف والشافعي: م: (أن الضمان بدل المالية، ولهذا يجب للمولى وهو لا يملك العبد إلا من حيث المالية) ش: لا من حيث الآدمية، فلو كان الضمان بدل الدم لوجب الضمان للعبد، لأنه في حق الدم مبني على أصل الحرية.
م: (ولو قتل العبد المبيع قبل القبض يبقى العقد) ش: ذكرت هذا أيضا على سبيل الإيضاح عطفا على قوله: " يجب للمولى "، يعني أن بقاء العقد باعتبار المالية لا باعتبار الآدمية، دل على أن الضمان بدل المالية. بيان هذه المسألة كما قاله القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو يوسف: إذا قتل المبيع في يد البائع فاختار المشتري إجازة للبيع كان له القصاص، وكذلك إذا(13/299)
وبقاؤه ببقاء المالية أصلا أو بدلا، وصار كقليل القيمة وكالغصب. ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، أوجبها مطلقا وهي اسم للواجب بمقابلة الآدمية ولأن فيه معنى الآدمية متى كان مكلفا وفيه معنى المالية، والآدمية أعلاهما، فيجب اعتبارها بإهدار الأدنى عند تعذر الجمع بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اختار فسخ البيع كان للبائع القصاص، وهذا حفظ عن أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: ليس للبائع القصاص.
وروى ابن زياد عنه: لا قصاص للمشتري أيضًا م: (وبقاؤه) ش: أي بقاء العقد م: (ببقاء المالية أصلا) ش: يعني إن بقي العين م: (أو بدلا) ش: يعني إن هلكت م: (وصار) ش: أي العبد م: (كقليل القيمة) ش: يعني لو كان العبد قليل القيمة يجب ذلك القدر ولا يبلغ إلى الدية، م: (وكالغصب) ش: أي وكان كالغصب يعني في الغصب كذلك لا يجب إلا قدر القيمة لا يبلغ إلى الدية.
م: (ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92)) ش: وجه الاستدلال به أن الله تعالى م: (أوجبها) ش: أي الدية م: (مطلقا) ش: من غير فصل بين الحر والعبد من قتل خطأ م: (وهي) ش: أي الدية م: (اسم للواجب بمقابلة الآدمية) ش: تقريره: أن الله تعالى رتب في قتل الخطأ حكمين الكفارة والدية والعبد داخل في حقوق وجوب الكفارة بالإجماع، فيجب أن يكون في حق الدية كذلك، لأنه قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} [النساء: 93] والعبد مؤمن فيكون ما وجب بقتله الدية، ولا يجوز الزيادة على النص بالرأي أن المراد حر مؤمن.
م: (ولأن فيه) ش: أي في العبد م: (معنى الآدمية متى كان مكلفا) ش: بالإيمان والشرائع التي تجب عليه من الصلاة والصوم والعقوبات م: (وفيه) ش: أي في العبد م: (معنى المالية) ش: حتى ورد عليه الملك بلا خلاف م: (والآدمية أعلاهما) ش: لا محالة.
م: (فيجب اعتبارها) ش: أي اعتبار الآدمية م: (بإهدار الأدنى عند تعذر الجمع بينهما) ش: أي بين معنى المالية ومعنى الآدمية، لأنهم أجمعوا على: أن الضمان إما بدل المالية أو بدل الآدمية، والعكس يعني إلى إهدارهما جميعا، لأن الآدمية أصل لقيام المالية بها، في إهداره الأصل إهدار للبائع وإهدار أحدهما أولى من إهدارهما.
فإن قيل: لا نسلم أن الجمع بينهما متعدد، بإيجاب القيمة بالغة ما بلغت لوجود الجمع بينهما.(13/300)
وضمان الغصب بمقابلة المالية، إذ الغصب لا يرد إلا على المال، وبقاء العقد يتبع الفائدة حتى يبقى بعد قتله عمدا، وإن لم يكن القصاص بدلا عن المالية، فكذلك أمر الدية وفي قليل القيمة الواجب بمقابلة الآدمية، إلا أنه لا سمع فيه فقدرناه بقيمته رأيا بخلاف كثير القيمة؛ لأن قيمة الحر مقدرة بعشرة آلاف درهم، ونقصنا منها في العبد إظهارا لانحطاط رتبته وتعيين العشرة بأثر عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجيب: بأن الجمع إنما يوجد بإيجاب الدية مع كمال القيمة وذلك لا يجوز [....] لخروجه عن الإجماع. م: (وضمان الغصب) ش: هذا جواب عن قولهما وكان كالغصب، بيانه: أن ضمان الغصب لا يجب إلا م: (بمقابلة المالية، إذ الغصب لا يرد إلا على المال) ش: وهو ظافر م: (وبقاء العقد) ش: هذا جواب عن قولهما: لو قتل العبد المبيع، بيانه: أن بقاء العقد في قتل العبد المبيع م: (يتبع الفائدة) ش: وهي انقلاب القصاص مالا بالعقد والصلح، فبقاؤه يدل على أنه يبقى لأجل الفائدة أو هي تمكن المشتري من الصلح والعقر، وجوب العفو عليه.
م: (حتى يبقى) ش: العقد إيضاح لبيان بقاء العقد لأجل الفائدة، أي حتى يبقى العقد م: (بعد قتله عمدا وإن لم يكن القصاص بدلا عن المالية) ش: أي في حق المشتري م: (فكذلك أمر الدية) ش: أي الدية يبقى لفائدة المشتري م: (وفي قليل القيمة الواجب بمقابلة الآدمية) ش: يعني أن الواجب في قليل القيمة بدل الآدمية م: (إلا أن لا سمع فيه) ش: أي في قليل القيمة، لأنه لم يرد فيه شيء.
فإن قيل: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن قتيل خطأ العمد» مطلق يتناول الحر والعبد، فيكون السماع فيه موجودا؟. قلنا: خص من ذلك الحديث المرأة، لأنه لا يجب بقتلها مائة من الإبل فيخص العبد منه، لأن المعنى المخصوص موجود فيه وهو التفاوت في المالية كالتفاوت بين الرجل والمرأة.
م: (فقدرناه بقيمته رأيا) ش: مقدر بالقليل بقيمة العبد من حيث الرأي، لأنه يمكن معرفة نقصان بدل نفسه من بدل نفس الحر بالرجوع إلى تقويم المالية، ولا كذلك في كثير القيمة لأنه تعذر ذلك فيه.
ومعنى قوله م: (بخلاف كثير القيمة؛ لأن قيمة الحر مقدرة بعشرة آلاف درهم، ونقصنا منها في العبد إظهارا) ش: أي لأجل الإظهار م: (لانحطاط رتبته) ش: أي رتبة العبد عن رتبة الحر م: (وتعيين العشرة) ش: كأنه جواب عما يقال لما قدرتم القليل بالقيمة رأيا فيم قدرتم العشرة في قيمة الحر؟ فأجاب بأن تعيين العشرة في ذلك م: (بأثر عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: قال(13/301)
قال: وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المخرج: هذا ضعيف.
وقال الأترازي روى القدوري في " شرح مختصر الكرخي " عن عبد الله بن مسعود أنه قال: في قيمة العبد لا يزاد على عشرة آلاف إلا عشرة.
وقال الأكمل وغيره: وقع في بعض النسخ " ابن عباس " وهو ما روي عنه لا يبلغ قيمة العبد دية الحر، وينقص منه عشرة دراهم وهو الأصح لموافقته لأكثر النسخ.
وقال الأترازي: ذكر ابن عباس موضع ابن مسعود غير صحيح، لأن مذهب ابن عباس مثل قول أبي يوسف رواه الكرخي كذلك.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: واعترض بما روي: أن عمرو وعليا وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أوجبوا في العبد قيمته بالغة ما بلغت.
وأجيب: بأن المروي عن ابن مسعود راجح، لأن فيه ذكر المقدار وهو ما لا يهتدي إليه العقل، وليس فيما روي عنه غير ذلك، بل في قياس سائر الأموال من تبلغ قيمته بالغة ما بلغت، فكان محمولا على أنهم قالوا بالرأي ومثله لا يعارض ما هو بمنزلة السمع من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انتهى.
قلت: روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " عن النخعي والشعبي قالا: لا يبلغ قيمة العبد دية الحر.
[في يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة) ش: أي لا يزاد نصف الحر قيمة العبد في تضمين الجاني على خمسة آلاف درهم منقوصا منه خمسة دراهم.
وفي " النهاية " هذا خلاف ظاهر الرواية، لأنه ذكر في " المبسوط " ففي طرف المملوك يعتبر قيمة المالية فقط. وبهذا لا يضمن بالقصاص ولا بالكفارة إلا أن محمدا قال في بعض الروايات القول بهذا يروى إلى أنه يجب بقطع طرفه ما يجب بقتله الجاني. قال: فلهذا لا يزاد على نصف بدل نفسه فيكون الواجب فيه خمسة آلاف إلا خمسة. وذكر في " الأسرار ": أن جانب المالية أغلب.
وفي " فتاوى الظهيرية " و" جامع المحبوبي " ما يوافق رواية المتن حيث قالا: موضحة العبد مثل موضحة الحر يقضي بخمسمائة درهم إلا نصف درهم. ولو قطع إصبع عبد عمدا أو خطأ(13/302)
لأن اليد من الآدمي نصفه فتعتبر بكله، وينقص هذا المقدار إظهارا لانحطاط رتبته، وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقدر من قيمة العبد؛ لأن القيمة في العبد كالدية في الحر، إذ هو بدل الدم على ما قررنا.
وإن غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده فعليه تمام قيمتها لما بينا أن ضمان الغصب ضمان المالية.
قال: ومن قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك، فإن كان له ورثة غير المولى فلا قصاص فيه وإلا اقتص منه، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قصاص في ذلك، وعلى القاطع أرش اليد وما نقصه ذلك إلى أن يعتقه ويبطل الفضل، وإنما لم يجب القصاص في الوجه الأول لاشتباه من له الحق؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقيمته عشرة آلاف أو أكثر فعليه عشر الدية إلا درهما، فكأن الشيخ اختار رواية محمد، وبه قال الكاكي.
م: (لأن اليد من الآدمي نصفه فتعتبر بكله، وينقص هذا المقدار إظهارا لانحطاط رتبته، وكل ما يقدر من دية الحر فهو مقدر من قيمة العبد) ش: يعني إذا وجب في الحر كل الدية يجب في العبد كل القيمة، وكل شيء من الحر يجب فيه نصف الدية ففيه من العبد القيمة.
م: (لأن القيمة في العبد كالدية في الحر، إذ هو بدل الدم على ما قررنا) ش: أشار به إلى قوله: ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (سورة النساء: الآية 92) ، أوجبها مطلقا، وهو اسم للواجب بمقابلة الآدمية إلى آخر ما قال.
[غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده]
م: (وإن غصب أمة قيمتها عشرون ألفا فماتت في يده فعليه تمام قيمتها لما بينا) ش: فيما مضى م: (أن ضمان الغصب ضمان المالية) ش: لأن الغصب يرد عليه من حيث أنه مال لا من حيث إنه آدمي فتعتبر المالية بالغا قيمتها ما بلغت.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك فإن كان له ورثة غير المولى فلا قصاص فيه) ش: على القاطع، أي وإن لم يكن له ورثة غير المولى م: (وإلا اقتص منه) ش: أي من القاتل م: (وهذا) ش: أي المذكور من الحكم م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) .
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قصاص في ذلك، وعلى القاطع أرش اليد وما نقصه ذلك إلى أن يعتقه ويبطل الفضل) ش: أي ما في القيمة، وبه قالت الأئمة الثلاثة، إلا أن عندهم تجب قيمته بالغة ما بلغت للسيد، وعن أحمد في رواية يجب دية الحر اعتبارا بحالة الموت م: (وإنما لم يجب القصاص في الوجه الأول) ش: أي فيما إذا كان له ورثة غير المولى م: (لاشتباه من له الحق) ش: يعنى المستوفى، وجهالته تمنع القصاص.(13/303)
لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى وقت الجرح، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار الحالة الثانية يكون للورثة، فتحقق الاشتباه وتعذر الاستيفاء، فلا يجب على وجه يستوفى، وفيه الكلام واجتماعهما لا يزيل الاشتباه؛ لأن الملكين في الحالين بخلاف العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر إذا قتل؛ لأن ما لكل منهما من الحق ثابت من وقت الجرح إلى وقت الموت، فإذا اجتمعا زال الاشتباه، ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية وهو ما إذا لم يكن للعبد ورثة سوى المولى: أن سبب الولاية قد اختلف لأنه الملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى وقت الجرح، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار الحالة الثانية) ش: وهي حالة الموت م: (يكون للورثة، فتحقق الاشتباه وتعذر الاستيفاء، فلا يجب على وجه يستوفى) ش: الاشتباه من له الحق م: (وفيه الكلام) ش: أي فيما إذا كان له ورثة غير المولى.
وقيل: أي في رجوعه يستوفى، ولا كلام في أصل الوجوب لإفادة الاستيفاء، وإذا فات مقصوده سقط اعتباره. وقيل: أي في تعذر الاستيفاء. وقيل: أي في تحقق الاشتباه من له القصاص. وقال شيخي العلاء: ووصل شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخطه الضمير في " فيه "، أي تعذر الاستيفاء، وشيخه بهاء الدين الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (واجتماعهما لا يزيل الاشتباه) ش: هذا جواب عما يقال سلمناه، أي من له الحق مشتبه، لكن يزول الاشتباه باجتماعهما. فأجاب: اجتماعهما أي اجتماع المولى والورثة لا يزيل الاشتباه المذكور.
م: (لأن الملكين) ش: أي ملك المولى للقصاص، فالنظر إلى حالة الجرح وملك الورثة فالنظر إلى حالة الموت م: (في الحالين) ش: أي في حال الجرح وحال الموت مختلف، فإن الملك للمولى وقت الجرح دون الموت وللورثة بالعكس، وعند الاجتماع لا يثبت الملك لكل واحد منهما على الدوام في الحالين فلا يفيد الاجتماع.
م: (بخلاف العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر إذا قتل؛ لأن ما لكل منهما من الحق ثابت من وقت الجرح إلى وقت الموت، فإذا اجتمعا زال الاشتباه) ش: حاصله: أن الموصى له بالخدمة لا ملك له في الرقبة، والموصى له بالرقبة إذا استوفى القصاص سقط حق الموصى له بالخدمة، لأن الرقبة ثابتة لا إلى بدل، فلا يملك إبطال حق عليه، ولكن إذا اجتمعا فقد رضي الموصى له بالخدمة بفوات حقه، فيستوفي الآخر لزوال الاشتباه.
م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخلافية) ش: أي في المسألة المختلف فيها م: (وهو ما إذا لم يكن للعبد ورثة سوى المولى: أن سبب الولاية قد اختلف لأنه الملك) ش: أي لأن سبب الولاية الملك م:(13/304)
على اعتبار إحدى الحالتين والوراثة بالولاء على اعتبار الأخرى، فنزل منزلة اختلاف المستحق فيما يحتاط فيه، كما إذا قال لآخر: بعتني هذه الجارية بكذا، فقال المولى: زوجتها منك لا يحل له وطؤها، ولأن الإعتاق قاطع للسراية، وبانقطاعها يبقى الجرح بلا سراية، والسراية بلا قطع فيمتنع القصاص. ولهما: أنا تيقنا بثبوت الولاية للمولى فيستوفيه، وهذا لأن المقضي له معلوم، والحكم متحد فوجب القول بالاستيفاء، بخلاف الفصل الأول؛ لأن المقضي له مجهول ولا معتبر باختلاف السبب هاهنا، لأن الحكم لا يختلف بخلاف تلك المسألة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(على اعتبار إحدى الحالتين والوراثة بالولاء على اعتبار الأخرى) ش: أراد بها حالة الموت م: (فنزل منزلة اختلاف المستحق فيما يحتاط فيه) ش: أي في الأمر الذي لا يثبت الشبهات، يعني القصاص ونظر لذلك بقوله: م: (كما إذا قال لآخر بعتني هذه الجارية بكذا؛ فقال المولى زوجتها منك لا يحل له وطؤها) ش: لأن في التزوج يبالي بها باختلاف السبب ولا يبالى به في الأموال، كما لو أقر بألف من قرض، وقال المقرض له: من ثمن مبيع فإنه يقضى بالألف وإن اختلف السبب، لأن في الأموال يجري البدل والإباحة فلا يبالى باختلاف السبب.
م: (ولأن الإعتاق قاطع للسراية، وبانقطاعها يبقى الجرح بلا سراية، والسراية بلا قطع فيمتنع القصاص) ش: بين هذا بها دليل آخر، حاصله أنه كما تلف بآفة سماوية.
فإن قيل: ينبغي أن يجب أرش اليد للمولى لكونه جرحا بلا سراية؟
أجيب: بأنه لا يجب نظرا إلى حقيقة الجناية وهو القتل، لأنه إذا سرى تبين أن الجناية قتل لا قطع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنا تيقنا بثبوت الولاية للولي فيستوفيه، وهذا لأن المقضي له معلوم) ش: وهو الولي لأنه لا وارث للعبد غيره م: (والحكم) ش: وهو القصاص م: (متحد فوجب القول بالاستيفاء، بخلاف الفصل الأول) ش: يعني إذا كان له ورثة غير المولى حيث لم يجب القصاص بالاتفاق م: (لأن المقضي له مجهول) ش: لأنا لو اعتبرنا حالة الجرح كان المقضي له هو الولي، ولو اعتبرنا حالة الموت كان للورثة.
م: (ولا معتبر باختلاف السبب هاهنا) ش: أي في الفصل الثاني، وهو ما إذا لم يكن له ورثة غير المولى م: (لأن الحكم) ش: وهو استيفاء القصاص م: (لا يختلف) ش: لأنه في الحالين لواحد وهو المولى.
م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها المسألة التي قاس عليها محمد، وهي ما إذا قال: بعني(13/305)
لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكما، والإعتاق لا يقطع السراية لذاته بل لاشتباه من له الحق، وذلك في الخطأ دون العمد؛ لأن العبد لا يصلح مالكا للمال، فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار حالة الموت يكون للميت لحريته فيقضي منه ديونه وينفذ وصاياه، فجاء الاشتباه. أما العمد فموجبه القصاص والعبد مبقي على أصل الحرية فيه، وعلى اعتبار أن يكون الحق له فالمولى هو الذي يتولاه، إذ لا وارث له سواه، فلا اشتباه فيمن له الحق. وإذا امتنع القصاص في الفصلين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب أرش اليد وما نقصه من وقت الجرح إلى وقت الإعتاق كما ذكرنا؛ لأنه حصل على ملكه ويبطل الفضل. وعندهما الجواب في الفصل الأول كالجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني.
قال: ومن قال لعبديه أحدكما حر ثم شجا فأوقع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذه الجارية بكذا، وقال المولى: زوجتها منك لا يحل له وطؤها م: (لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكما) ش: لأن ملك النكاح يثبت الحل مقصودا، وملك اليمين لا يثبته، ولو أثبته لم يكن مقصودا فاختلف الحكم كما اختلف السبب. م: (والإعتاق لا يقطع السراية لذاته) ش: هذا جواب عن قول محمد: الإعتاق قاطع للسراية معناه: الإعتاق قاطع للسراية في صورة الخطأ دون العمد، وذلك لأنه لا يقطع السراية لذاته. م: (بل لاشتباه من له الحق، وذلك في الخطأ دون العمد؛ لأن العبد لا يصلح مالكا للمال) ش: فيكون الحق حالة الجرح للمولى لكونه قبل العتق م: (فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار حالة الموت يكون للميت لحريته فيقضى منه ديونه وينفذ وصاياه، فجاء الاشتباه. أما العمد فموجبه القصاص والعبد مبقي على أصل الحرية فيه) ش: ولهذا لم يكن لمولاه أن يسفك دمه بلا حق.
م: (وعلى اعتبار أن يكون الحق له فالمولى هو الذي يتولاه، إذ لا وارث - له سواه، فلا اشتباه فيمن له الحق. وإذا امتنع القصاص في الفصلين عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في الفصلين، أي فيما إذا كان له ورثة عند المولى أو لم يكن له ورثة غيره م: (يجب أرش اليد وما نقصه من وقت الجرح إلى وقت الإعتاق كما ذكرنا؛ لأنه حصل على ملكه ويبطل الفضل) ش: من بقية القيمة.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: م: (الجواب في الفصل الأول) ش: وهو ما إذا كان العبد وارث غير المولى م: (كالجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني) ش: أي في الفصل الثاني، وهو ما إذا لم يكن له وارث.
[قال لعبديه أحدكما حر ثم شجا فأوقع العتق على أحدهما]
م: (قال) ش: أي محمد في" الجامع الصغير ": م: (ومن قال لعبديه: أحدكما حر ثم شجا فأوقع(13/306)
العتق على أحدهما فأرشهما للمولى، لأن العتق غير نازل في المعين، والشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة، ولو قتلهما رجل تجب دية حر وقيمة عبد، والفرق أن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه على ما عرف، وبعد الشجة بقي محلا للبيان، فاعتبر إنشاء في حقهما، وبعد الموت لم يبق محلا للبيان، فاعتبرناه إظهارا محضا، وأحدهما حر بيقين فتجب قيمة عبد ودية حر، بخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجل حيث تجب قيمة المملوكين؛ لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حرا، وكل منهما ينكر ذلك، ولأن القياس يأبى ثبوت العتق في المجهول؛ لأنه لا يفيد فائدة، وإنما صححناه ضرورة صحة التصرف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العتق على أحدهما فأرشهما للمولى) ش: أي بين العتق إليهم بالتعيين في أحدهما، وإنما قال: " فأوقع " - ليدل به على أن العتق لم ينزل على أحدهما في حق الأرش، وإن كان ظهر وقوع العتق على أحدهما في بعض الصور كما في الموت والقتل وغيرهما، فإنه يتعين العتق في الحي بالموت والعبد لخروج الميت عن محل إيقاع العتق عليه، والعتق لهم في حق العتق كالنازل عنه البيان، فلا بد من بقاء المحل.
م: (لأن العتق غير نازل في المعين) ش: لأنه أوقع في المنكر والعتق في المنكر فلا يكون بالعتق نازلا في المعين م: (والشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة) ش: فيكون أرشها للمملوكين.
م: (ولو قتلهما رجل تجب دية حر وقيمة عبد) ش: لا قيمة عبدين ولا دية حرين م: (والفرق) ش: أي بين قتلهما وشجهما م: (أن البيان إنشاء من وجه) ش: أي في حق المحل م: (وإظهار من وجه على ما عرف) ش: في أصول الفقه أن البيان إنشاء من وجه حتى يشترط صلاحية المحل للإنشاء، فلو فات أحدهما وبين المعتق ففيه لا يصلح، وإظهار من وجه حتى يجبر عليه.
ولو كان إنشاء من كل وجه لما أجبر عليه، لأن الولي لا يجبر على إنشاء العتق م: (وبعد الشجة بقي محلا للبيان، فاعتبر إنشاء في حقهما، وبعد الموت لم يبق محلا للبيان، فاعتبرناه إظهارا محضا، وأحدهما حر بيقين فتجب قيمة عبد ودية حر، بخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجل حيث تجب قيمة المملوكين؛ لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حرا، وكل منهما ينكر ذلك) ش: أي من القاتلين ينكر ذلك، أي ينكر أنه قتل الحر.
م: (ولأن القياس) ش: عطف على قوله: (إن البيان) إنشاء من وجه يريد به الفرق ثانيا بين الشجة والقتل، يعني أن القياس م: (يأبى ثبوت العتق في المجهول؛ لأنه لا يفيد فائدة) ش: أي فائدة العتق وهي أهلية الولاية من القضاء والشهادات.
م: (وإنما صححناه) ش: أي العتق نازلا في أحدهما م: (ضرورة صحة التصرف) ش: أي(13/307)
وأثبتنا له ولاية النقل من المجهول إلى المعلوم، فيتقدر بقدر الضرورة وهي في النفس دون الأطراف فبقي مملوكا في حقها.
قال: ومن فقأ عيني عبد فإن شاء المولى دفع عبده وأخذ قيمته، وإن شاء أمسكه ولا شيء له من النقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن شاء أمسك العبد وأخذ ما نقصه، وإن شاء دفع العبد وأخذ قيمته. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنه كل القيمة ويمسك الجثة؛ لأنه يجعل الضمان مقابلا بالفائت فبقي الباقي على ملكه، كما إذا قطع إحدى يديه أو فقأ إحدى عينيه. ونحن نقول: إن المالية قائمة في الذات، وهي معتبرة في حق الأطراف لسقوط اعتبارها في حق الذات قصرا عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تصرف العتق لئلا يلغو كلامه الذي امتاز عن سائر الحيوانات م: (وأثبتنا له ولاية النقل من المجهول إلى المعلوم) ش: بطريق البيان تعينا للواقع بأن يظهر ذلك العتق المبهم في أحدهما في واحد منها بعينه، فإذا كان ثبوت العتق في المنكر ثابتا بالضرورة.
م: (فيتقدر بقدر الضرورة وهي) ش: أي الضرورة م: (في النفس) ش: أي في حق النفس م: (دون الأطراف) ش: أي دون حق الأطراف.
لأن محل العتق هو النفس لا الأطراف، إنما يثبث العتق في الأطراف تبعا للنفس لا مقصودا م: (فبقي) ش: أي العبد م: (مملوكا في حقها) ش: أي في حق الأطراف التي وقعت عليها الشجة على أصل القياس فكان أرشها للمولى.
[فقأ عيني عبد]
م: (قال) ش: أي محمد في (الجامع الصغير) : م: (ومن فقأ عيني عبد فإن شاء المولى دفع عبده وأخذ قيمته، وإن شاء أمسكه ولا شيء له من النقصان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن شاء أمسك العبد وأخذ ما نقصه، وإن شاء دفع العبد وأخذ قيمته) .
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمنه كل القيمة) ش: أي يضمن المالك الفاقئ كل القيمة م: (ويمسك الجثة) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأنه) ش: أي لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يجعل الضمان مقابلا بالفائت) ش: وهو العينان، وقدر الشافعي الضمان مثل القيمة م: (فبقي الباقي على ملكه، كما إذا قطع إحدى يديه أو فقأ إحدى عينيه) ش: فإنه يأخذ كل الدية له.
م: (ونحن نقول: إن المالية قائمة في الذات، وهي معتبرة في حق الأطراف لسقوط اعتبارها) ش: أي اعتبار الأطراف م: (في حق الذات قصرا عليه) ش: أي اعتبارها في جميع البدن وحده مقتصرا عليه ساقطا بالإجماع، فإن الشرع قد أوجب كمال الدية بتفويت الأطراف. حاصل الكلام: لا يقال: إن اعتبار المالية مقصودا على الذات فحسب، بل المالية في الذات والأطراف جميعا.(13/308)
وإذا كانت معتبرة وقد وجد إتلاف من وجه بتفويت جنس المنفعة، والضمان يتقدر بقيمة الكل فوجب أن يتملك الجثة دفعا للضرر ورعاية للمماثلة، بخلاف ما إذا فقأ عيني حر لأنه ليس فيه معنى المالية. وبخلاف عيني المدبر لأنه لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، وفي قطع إحدى اليدين وفقء إحدى العينين لم يوجل فيه تفويت جنس المنفعة. ولهما: أن معنى المالية لما كان معتبرا وجب أن يتخير المولى على الوجه الذي قلناه كما في سائر الأموال، فإن من خرق ثوب غيره خرقا فاحشا، إن شاء المالك دفع الثوب إليه وضمنه قيمته، وإن شاء أمسك الثوب وضمنه النقصان. وله: أن المالية وإن كانت معتبرة في الذات فالآدمية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا كانت معتبرة وقد وجد إتلاف النفس من وجه) ش: استحقاق ضمان الجناية بالمالية وجب في تفويت اليدين، أي المعنيين م: (بتفويت جنس المنفعة) ش: وذلك يستدعي الجاني م: (والضمان يتقدر بقيمة الكل) ش: أي الذات والأطراف، فإذا كان كذلك م: (فوجب أن يتملك) ش: أي الجاني م: (الجثة دفعا للضرر) ش: لئلا يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد، لأنه لا نظير له في الشرع م: (ورعاية للمماثلة) ش: أي ولأجل رعاية المماثلة في دفع الجثة للجاني.
: (بخلاف ما إذا فقأ عيني حر) ش: هذا جواب عما يقال من جهة الخصم لا يراعون ما قلتم في المالك فقأ عيني حر، فأجاب بقوله: م: (لأنه ليس فيه معنى المالية) ش: إذ لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد، وليس فيه إلا ضمان الجناية.
م: (وبخلاف عيني المدبر) ش: إذا فقأهما ليس فيه تسلم الجثة م: (لأنه) ش: أي لأن المدبر م: (لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك) ش: لأنه ملك نفسه من وجه م: (وفي قطع إحدى اليدين) ش: هذا جواب قياس الشافعي المسألة المتنازع فيها على قطع إحدى يدي العبد.
م: (وفقء إحدى العينين) ش: أي أحد عينيه، فقال: القياس غير صحيح، لأن في قطع إحدى اليدين. أي إحدى يدي العبد وفقأ، إحدى العينين، أي إحدى عينيه م: (لم يوجد فيه تفويت جنس المنفعة) ش: لأن الفائت وهو النصف، والباقي هو النصف. ولما فرغ من الاستدلال على الشافعي شرع في بيان استدلال أصحابنا، اختلفوا فيها فقال: م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن معنى المالية لما كان معتبرا وجب أن يتخير المولى على الوجه الذي قلناه) ش: وهو قوله وقالا: إن شاء أمسك العبد إلى آخره، وبين الملازمة فيه بقوله: م: (كما في سائر الأموال، فإن من خرق ثوب غيره خرقا فاحشا إن شاء المالك دفع الثوب إليه وضمنه قيمته وإن شاء أمسك الثوب وضمنه النقصان) ش: أي نقصان الثوب بحسب التخريق.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المالية وإن كانت معتبرة في الذات فالآدمية(13/309)
غير مهدرة فيه وفي الأطراف أيضًا. ألا ترى أن عبدا لو قطع يد عبد آخر يؤمر المولى بالدفع أو الفداء، وهذا من أحكام الآدمية؛ لأن موجب الجناية على المال أن تباع رقبته فيها، ثم من أحكام الأولى أن لا ينقسم على الأجزاء، ولا يتملك الجثة. ومن أحكام الثانية أن ينقسم ويتملك الجثة فوفرنا على الشبهين حظهما من الحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غير مهدرة فيه وفي الأطراف أيضًا) ش: أي غير مهدرة، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن عبدا لو قطع يد عبد آخر يؤمر المولى بالدفع أو الفداء، وهذا) ش: أي الدفع أو الفداء م: (من أحكام الآدمية؛ لأن موجب الجناية على المال أن تباع رقبته فيها) ش: أي في الجناية م: (ثم من أحكام الأولى) ش: أي من أحكام الآدمية م: (أن لا ينقسم على الأجزاء) ش: أي لا يوزع الضمان على الفائت وعلى الباقي، بل يكون المولى بمقابلته م: (ولا يتملك الجثة) ش: حكما في عين الحر.
م: (ومن أحكام الثانية) ش: أي ومن أحكام المالية: م: (أن ينقسم) ش: أي الضمان على الفائت والباقي م: (ويتملك) ش: أي المولى م: (الجثة) ش: كما في تخريق الثوب. وقال الأترازي: فإن قلت: كيف أراد صاحب " الدراية " بالأولى والآدمية مذكورة بعد المالية، وكيف أراد بالثانية المالية والمالية مذكورة قبل الآدمية،. ثم قلت: إنما فعل ذلك لأنه دليل الشافعي أولا، وهو اعتبر معنى الآدمية، ثم ذكره دليل أبي يوسف ومحمد وهما اعتبرا المالية، فكان دفع الأولى والثانية في غير موضعهما.
وقال الكاكي: وإنما قال "الأولى" اعتبارا بالابتداء لا بوضع الكتاب م: (فوفرنا على الشبهين حظهما من الحكم) ش: يعني بالنظر إلى المالية ليس له أن يأخذ كل بدل العين مع إمساك الجثة، كما أنه ليس له ذلك في المال.
وفيما قالا الفاء بجانب الآدمية، حيث جعلاه كالثوب المحروق، وفيما قاله الشافعي الفاء بجانب المالية أصلا حيث جعله كحر فقأ عينيه موقوفا في الشبهين حظهما. وقلنا: إن شاء المولى دفع عبده وأخذ ثمنه نظرا إلى المالية، وإن شاء أمسكه ولا شيء نظرا إلى آدميته، والوسط العدل ما قاله أبو حنيفة، لأن فيه رعاية الجانبين وتوفير الشبهين.
[فصل في جناية المدبر وأم الولد]
3 -(13/310)
فصل في جناية المدبر وأم الولد قال: وإذا جنى المدبر أو أم الولد جناية ضمن المولى الأقل من قيمته ومن أرشها، لما روي عن أبي عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قضى بجناية المدبر على مولاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فصل في جناية المدبر وأم الولد) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام جناية المدبر وأم الولد، ولما ذكر جناية الكامل في المملوكية، شرع يذكر في جناية من هو نقص فيها وقدم الأول لكماله.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا جنى المدبر أو أم الولد جناية ضمن المولى الأقل من قيمته ومن أرشها) ش: وعند الشافعي المدبر كالمعتق في الجناية، فكان في رقبته، والمولى يتخير بين أن يدفعه فيباع بالجناية وبين أن يفديه، فلو أراد الفداء ففيه قولان، أحدهما: يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، وهو قول مالك في القن ورواية عن أحمد، والثاني: يفديه بأقل من قيمته من أرش الجناية.
وقال مالك في المدبر لم يبع في جناية فيستحقه المجني عليه من يقدر جنايته إن شاء السيد وإن شاء أفدى خدمته بقدر أرش الجناية، ولو استوفى المجني عليه من خدمته بقدر أرش جنايته رجع إلى سيده مدبرا.
وقال الكرخي في "مختصره ": وجناية المدبر على سيده في ماله دون عاقلته حالة، ولا يلزم المولى بجناية المدبر أكثر من قيمة واحدة مرة واحدة، وإن كثرت الأرش وجاوزت إلى مائة ألف فيشترك من جنى عليه المدبر أولا وآخرا ففاوت ما بين الجنايات أو تفاوت سواء كانت على المولى لم يقبض منه، أو كانت قبضت منه فيضاربون بالقيمة بقدر كل واحد منهم من أرش جنايته.
م: (لما روي عن أبي عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قضى بجناية المدبر على مولاه) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه ": حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن ابن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن السلولي عن معاذ بن جبل عن أبي عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جناية المدبر على مولاه. وأخرج نحوه عن النخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وذكر محمد في الجنايات: أن أبا عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قضى بجناية المدبر على مولاه، وذلك بحضرة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير خلاف، وقد كان أبو عبيدة أمير الشام، وقضاياه تظهر بين الصحابة فكان إجماعا. وعند الشافعي ومالك وأحمد في جناية الولد: ضمن المولى الأقل من قيمتها ومن الأرش كمذهبنا لتعذر دفعها وبيعها بالإجماع.(13/311)
ولأنه صار مانعا عن تسليمه في الجناية بالتدبير أو الاستيلاد من غير اختياره الفداء، فصار كما إذا فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم، وإنما يجب الأقل من قيمته ومن الأرش؛ لأنه لا حق لولي الجناية في أكثر من الأرش ولا منع من المولى في أكثر من القيمة ولا تخيير بين الأقل والأكثر؛ لأنه لا يفيد في جنس واحد لاختياره الأقل لا محالة، بخلاف القن؛ لأن الرغبات صادقة في الأعيان فيفيد التخيير بين الدفع والفداء. وجنايات المدبر وإن توالت لا توجب إلا قيمة واحدة؛ لأنه لا منع منه إلا في رقبة واحدة، ولأن دفع القيمة كدفع العبد، وذلك لا يتكرر، فهذا كذلك ويتضاربون بالحصص فيها، وتعتبر قيمته لكل واحد في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المولى م: (صار مانعا عن تسليمه) ش: أي تسليم كل واحد من المدبر وأم الولد م: (في الجناية بالتدبير أو الاستيلاد من غير اختياره الفداء) ش: لأن عند التدبير والاستيلاد ما كان علم أنه يجني.
م: (فصار كما إذا فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم، وإنما يجب الأقل من قيمته ومن الأرش؛ لأنه لا حق لولي الجناية في أكثر من الأرش ولا منع من المولى في أكثر من القيمة) ش: وقال القدوري في " التقريب ": قال أبو يوسف: يضمن الولي قيمة المدبر بالجناية مدبرا. وقال زفر: يضمن قيمته عبدا، وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثله.
م: (ولا تخيير بين الأقل والأكثر) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يخير المولى بين الأقل والأكثر كما أنه يخير في الضمن بين الدفع والفداء، والقيمة في المدبر بمنزلة الدفع، فقال: لا يخير بين الأقل والأكثر م: (لأنه) ش: أي لأن التخيير م: (لا يفيد في جنس واحد لاختياره الأقل لا محالة، بخلاف القن) ش: أي العبد القن، يعني أن المولى يتخير في جناية القن بين الدفع والفداء وإن كان الأرش أكثر م: (لأن الرغبات صادقة في الأعيان فيفيد التخيير بين الدفع والفداء) ش: لأجل الرغبة في الأعيان م: (وجنايات المدبر وإن توالت) ش: يعني وإن كثرت م: (لا توجب إلا قيمة واحدة) ش: وعند الأئمة الثلاثة: هو كالقن.
وكذا في أم الولد عندنا، وبه قال الشافعي في قول، وفي قول بعيد: كالأخت، وهو اختيار المزني م: (لأنه لا منع منه إلا في رقبة واحدة) ش: أي ولأن المولى لا منع منه إلا في رقبة واحدة فلا يمنع فيها.
م: (ولأن دفع القيمة كدفع العبد، وذلك) ش: أي دفع القيمة م: (لا يتكرر، فهذا كذلك) ش: أيضًا، أي والمدبر كذلك في عدم التكرر، فكأن الجنايات منه اجتمعت ثم دبره م: (ويتضاربون) ش: أي أصحاب الجنايات يتنازعون م: (بالحصص فيها) ش: أي في القيمة.
م: (وتعتبر قيمته) ش: أي وقيمة المدبر م: (لكل واحد) ش: من أصحاب الجنايات م: (في(13/312)
حال الجناية عليه، لأن المنع في هذا الوقت يتحقق.
قال: فإن جنى جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء فلا شيء عليه؛ لأنه مجبور على الدفع.
قال: فإن كان المولى دفع القيمة بغير قضاء فالولي بالخيار إن شاء اتبع المولى، وإن شاء اتبع ولي الجناية، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: لا شيء على المولى؛ لأنه حين دفع لم تكن الجناية الثانية موجودة، فقد دفع كل الحق إلى مستحقه، وصار كما إذا دفع بالقضاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حال الجناية عليه، لأن المنع في هذا الوقت يتحقق) ش: ومن صورتها: ما ذكر في " المبسوط ".
وقال: وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم ازدادت قيمته إلى ألفين ثم قتل آخر ثم أصابه عيب فرجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر، فعلى مولاه ألفا درهم، لأنه جنى على الثاني وقيمته ألفان. ولو لم يكن منه إلا تلك الجناية لكان المولى ضامنا قيمته ألفان فسلم الألف من هذين، ولي القتل الأوسط خاصة، لأن لولي الجناية الأولى حقه في الألفين، لأن قيمته يوم جنايته ألف، خمسمائة من هذا الألف، أي الألف الأولى، والباقي لولي الجناية الأول والأوسط خاصا.
لأن لولي القتل الثالث حقه في خمسمائة، لأن قيمته يوم جنايته خمسمائة، ثم الأول والأوسط يضربان في الخمسمائة التي بينهما، فيضرب الأول بعشرة آلاف، والأوسط بتسعة آلاف، لأنه وصل إليه من حقه ألف فيجعل خمسمائة سعرا منهما فيضرب الأول بعشرة، والأوسط بتسعة، والخمس الباقية بينهم جميعا، يضرب الأول بعشر الآلاف إلا بما أخذ، لأنه وصل إليه شيء من حقه فلا يضرب به. وكذا الأوسط لا يضرب بما أخذ في المرتين.
وإنما يضرب بما بقي من حقه، والثالث يضرب بعشرة آلاف.
[جنى العبد جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء]
م: (قال) ش: أي قال القدوري: م: (فإن جنى جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء فلا شيء عليه) ش: أي على المولى م: (لأنه مجبور على الدفع) ش: فلم يبق عليه شيء.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن كان المولى دفع القيمة) ش: إلى ولي الجناية الأولى م: (بغير قضاء فالولي بالخيار إن شاء اتبع المولى، وإن شاء اتبع ولي الجناية) ش: أي ولي الجناية الثانية فتخير، إن شاء رجع على المولى بنصف قيمته، ثم المولى يرجع على ولي القتيل الأول بما دفع لولي الثاني م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور من الحكم م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: لا شيء على المولى لأنه حين دفع لم تكن الجناية الثانية موجودة، فقد دفع كل الحق إلى مستحقه، وصار كما إذا دفع بالقضاء) ش: لأنه فعل عين ما يفعله القاضي فيكون القضاء وعدمه(13/313)
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المولى جان بدفع حق وولي الجناية الثانية طوعا وولي الأولى ضامن بقبض حقه ظلما فيتخير، وهذا لأن الثانية مقارنة حكما من وجه، ولهذا يشارك ولي الجناية الأولى ومتأخرة حكما من حيث إنه تعتبر قيمته يوم الجناية الثانية في حقها، فجعلت كالمقارنة في حق التضمين لإبطاله ما تعلق به من حق ولي الثانية عملا بالشبهين، وإذا أعتق المولى المدبر وقد جنى جنايات لم تلزمه إلا قيمة واحدة. لأن الضمان إنما وجب عليه بالمنع، فصار وجود الإعتاق من بعد وعدمه بمنزلة وأم الولد بمنزلة المدبر في جميع ما وصفنا؛ لأن الاستيلاد مانع من الدفع كالتدبير. وإذا أقر المدبر بجناية الخطأ لم يجز إقراره ولا يلزمه به شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سواء كما في الرجوع في الهبة وأخذ الدار بالشفعة بعد وجوبها.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المولى جان بدفع حق ولي الجناية الثانية طوعا وولي الأولى ضامن بقبض حقه ظلما) ش: لأنه انقلب بسبب المزاحم والرجوع على الجاني جائز م: (فيتخير، وهذا) ش: في الرجوع، وبين ذلك قوله م: (لأن الثانية مقارنة) ش: أي للجناية الأولى م: (حكما من وجه) ش: بسبب المراجعة م: (ولهذا يشارك) ش: أي ولأجل مقارنة الثاني للأول يشارك.
م: (ولي الجناية الأولى ومتأخرة حكما من حيث إنه تعتبر قيمته يوم الجناية الثانية في حقها) ش: أي في حق الجناية الثانية م: (فجعلت) ش: أي الثانية م: (كالمقارنة في حق التضمين لإبطاله) ش: أي إبطال الولي م: (ما تعلق به من حق ولي الثانية) ش: وذلك لأنه تجب عليه الضمان باعتبار منع الرقبة بالتدبير السابق، وذلك في حق أولياء الجنايتين سواء، فجعل كأن الدفع كان بعد وجود الجنايتين جميعا، وهناك لو دفع إلى أحدهما جميع القيمة بغير قضاء كان للآخر الخيار فلذلك هنا.
م: (عملا بالشبهين) ش: يعني كما عملنا بشبهة التأخر في ضمان الجناية حتى اعتبرنا قيمته يوم الجناية الثانية في حقها، وجب أن يعمل بشبهة المقارنة في حق تضمين الجناية نصف المدفوع، وقيل: جعلت الثانية كالمقارنة في التضمين إذا دفع بغير قضاء، لأنه يبطل ما تعلق به حق الثاني ولم يجعل كالمقارنة إذا دفع بقضاء، لأنه يجوز بالدفع عملا بشبهي المقارنة والتأخر.
م: (وإذا أعتق المولى المدبر وقد جنى جنايات لم تلزمه إلا قيمة واحدة؛ لأن الضمان إنما وجب عليه بالمنع، فصار وجود الإعتاق من بعد وعدمه بمنزلة) ش: وعند الأئمة الثلاثة الإعتاق في القن وإعتاق أم الولد كإعتاق المدبر عندنا والشافعي في قول. أشار إليه بقوله م: (وأم الولد بمنزلة المدبر في جميع ما وصفنا؛ لأن الاستيلاد مانع من الدفع كالتدبير) ش: لأن المولى منع من تسليمهما بالاستيلاد السابق من غير اختيار م: (وإذا أقر المدبر بجناية الخطأ لم يجز إقراره ولا يلزمه به شيء(13/314)
عتق أو لم يعتق. لأن موجب جناية الخطأ على سيده، وإقراره به لا ينفذ على السيد، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عتق أو لم يعتق. لأن موجب جناية الخطأ على سيده، وإقراره به لا ينفذ على السيد، والله أعلم) ش: ولا يعلم فيه خلاف.(13/315)
باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك قال: ومن قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع فعليه قيمته أقطع، وإن كان المولى قطع يده في يد الغاصب فمات من ذلك في يد الغاصب لا شيء عليه. والفرق أن الغصب قاطع للسراية لأنه سبب الملك كالبيع، فيصير كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع ولم يوجد القاطع في الفصل الثاني، فكانت السراية مضافة إلى البداية فصار المولى متلفا فيصير مستردا، كيف وأنه استولى عليه وهو استرداد فيبرأ الغاصب عن الضمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك]
[قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع]
م: (باب غصب العبد والمدبر والصبي والجناية في ذلك) ش: أي هذا باب في بيان أحكام غصب المدبر إلى آخره، قوله: م: (في ذلك) ش: أي في العبد والمدبر، ولما ذكر جناية العبد والمدبر ذكر في هذا الباب جنايتهما مع غصبهما، لأن الفرد قبل المركب، ثم جر كلامه إلى بيان غصب الصبي.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن قطع يد عبده ثم غصبه رجل ومات في يده من القطع فعليه قيمته أقطع، وإن كان المولى قطع يده في يد الغاصب فمات من ذلك في يد الغاصب لا شيء عليه، والفرق) ش: بين المسألتين م: (أن الغصب قاطع للسراية، لأنه) ش: أي لأن الغصب م: (سبب الملك) ش: لأن المضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى أول الغصب.
ولما كان الغصب من أسباب الملك كان محلل الغصب بين الجناية والسراية قاطعا للسراية م: (كالبيع) ش: إذا تحلل م: (فيصير) ش: أي العبد المغصوب م: (كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته أقطع) ش: أي حال كونه مقطوع اليد م: (ولم يوجد القاطع في الفصل الثاني) ش: أي ولم يوجد قاطع السراية في المسألة الثانية م: (فكانت السراية مضافة إلى البداية) ش: أي إلى أول الأمر م: (فصار المولى متلفا، فيصير مستردا، وكيف) ش: أي وكيف لا يكون مستردا.
م: (وأنه استولى عليه) ش: أي والحال أن المولى استولى على العبد بالقطع م: (وهو استرداد) ش: أي الاستيلاء عليه استردادا، فإذا كان كذلك م: (فيبرأ الغاصب عن الضمان) ش: واعترض الإمام قاضي خان بأن هذا مخالف مذهبنا، فإن الغصب لا يقطع السراية، ولم يملك البدل على الغاصب بقضاء أو رضاء.
لأن السراية إنما يقطع به باعتبار تبدل الملك إذا ملك البدل على الغاصب، أما قبله فلا نص عليه في آخر وهذا الجامع، إلا أنه يضمن الغاصب هنا قيمة عبد أقطع، لأن السراية وإن لم تقطع بالغصب ورد على مال متقوم فانعقد سبب الضمان فلا يبرأ الغاصب عنه، إلا إذا ارتفع الغصب ولم يرفع، لأن الشيء إنما يرتفع بما فوقه أو بمثله، ويد الغاصب ثابتة عليه حقيقة(13/316)
قال: وإذا غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده فهو ضامن؛ لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله.
قال: ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان؛ لأن المولى بالتدبير السابق أعجز نفسه عن الدفع من غير أن يصير مختارا للفداء، فيصير مبطلا حق أولياء الجناية، إذ حقهم فيه ولم يمنع إلا رقبة واحدة فلا يزاد على قيمتها، ويكون بين وليي الجنايتين نصفين لاستوائهما في الموجب.
قال: ويرجع المولى بنصف قيمته على الغاصب: لأنه استحق نصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحكما، ويد المالك الغاصب باعتبار السراية ثبتت عليه حكما، والثابت حكما دون الثابت حقيقة وحكما، فلم يرتفع الغصب باتصال السراية إلى فعل المولى فيقرر عليه الضمان، بخلاف ما لو جنى عليه بعد الغصب، لأن الغصب يرتفع بها. وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفيه نظر، لأنا لا نسلم أن يد الغاصب عليه ثابتة حكما، فإن يد المولى ثابتة عليه حكما، ولا تثبت على الشيء الواحد يدان حكما بكمالهما، واليد الحقيقية واجبة الدفع لكونها عدوانا محضا لا يصلح معارضا ولا مرجحا.
[غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا غصب العبد المحجور عليه عبدا محجورا عليه فمات في يده فهو ضامن) ش: هذا إذا كان الغصب ظاهرا فيضمن في الحال يباع فيه، لأن أفعال العبد معتبرة.
ولو كان الغصب ظهر بإقراره لا يجب إلا بالعتق، كذا قال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وذلك لأن الرق يوجب الحجر في الأقوال دون الأفعال، وإن أقر العبد المحجور بحد أو قصاص لزمه في الحال، لأنه يبقى في ذلك على أصل الحرية م: (لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله) ش: أي في حال رقه، أما الأقوال فمؤاخذ بها بعد العتق، فكان ذكر المحجور احترازا عن المأذون، فإنه يؤاخذ بالأقوال أيضًا عندنا.
[غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما) ش: أي بين ولي الجنايتين م: (نصفان؛ لأن المولى بالتدبير السابق أعجز نفسه عن الدفع من غير أن يصير مختارا للفداء) ش: لعدم علمه وقت التدبير بجنايته يحدث عنده في المستقبل م: (فيصير مبطلا حق أولياء الجناية إذ حقهم فيه ولم يمنع إلا رقبة واحدة فلا يزاد على قيمتها) ش: أي على قيمة الرقبة م: (ويكون بين وليي الجنايتين نصفين لاستوائهما في الموجب) ش: أي في المستحق من الجناية.
م: (قال) ش: أي محمد: م: (ويرجع المولى بنصف قيمته على الغاصب: لأنه استحق نصف(13/317)
البدل بسبب كان في يد الغاصب، فصار كما إذا استحق نصف العبد بهذا السبب. قال: ويدفعه إلى ولي الجناية الأولى ثم يرجع بذلك على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف قيمته فيسلم له؛ لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى فلا يدفعه إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد كي لا يتكرر الاستحقاق. ولهما: أن حق الأول في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد، وإنما انتقص باعتبار مزاحمة الثاني، فإذا وجد شيئا من بدل العبد في يد المالك فارغا يأخذه ليتم حقه، فإذا أخذه منه يرجع إلى المولى بما أخذه على الغاصب؛ لأنه استحق من يده بسبب كان في يد الغاصب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البدل بسبب كان في يد الغاصب، فصار كما إذا استحق نصف العبد بهذا السبب) ش: أي بسبب كان في يد الغاصب إذا غصب عبدا فجنى في يده فرده إلى المولى فجنى جناية فدفع إلى ولي الجناية، لأن للمولى أن يأخذ من الغاصب نصف قيمته، كذا هذا.
[جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى]
م: (قال) ش: أي محمد: م: (ويدفعه) ش: أي النصف المأخوذ من الغاصب م: (إلى ولي الجناية الأولى ثم يرجع بذلك) ش: أي بالمدفوع إلى ولي الجناية م: (على الغاصب، وهذا) ش: أي وهذا الدفع الثاني والرجوع الثاني. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف قيمته فيسلم له) ش: أي للمولى، أي لا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى وهو قياس قول الأئمة الثلاثة.
م: (لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى فلا يدفعه إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل في ملك رجل واحد كي لا يتكرر الاستحقاق) ش: يدفعه إلى ولي الجناية عند المولى بأن كانت الجناية الأولى عند المولى ثم غصبه غاصب فجنى عنده جناية أخرى، فإن المولى يدفع قيمته إلى وليي الجنايتين نصفين ثم يرجع به على الغاصب بنصف القيمة ويدفع إلى ولي الجناية الأولى، ولا يرجع به على الغاصب مرة أخرى، وهذا بالإجماع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف: م: (أن حق الأول في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد، وإنما انتقص) ش: أي حقه م: (باعتبار مزاحمة الثاني، فإذا وجد) ش: أي إذا وجد ولي الجناية الأولى م: (شيئا من بدل العبد في يد المالك فارغا) ش: أي من غير مزاحمة ولي الجناية الثانية م: (يأخذه) ش: لأنه يتقدم على المولى م: (ليتم حقه) ش: أي لأجل إتمام حقه م: (فإذا أخذه منه يرجع إلى المولى بما أخذه على الغاصب؛ لأنه استحق من يده بسبب كان في يد الغاصب) ش: فلهذا رجع عليه ثانيا.(13/318)
قال: وإن كان جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، ويرجع بنصف القيمة على الغاصب لما بينا في الفصل الأول، غير أن استحقاق النصف حصل بالجناية الثانية إذ كانت هي في يد الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا يرجع به على الغاصب، وهذا بالإجماع. ثم وضع المسألة في العبد فقال: ومن غصب عبدا فجنى في يده ثم رده فجنى جناية أخرى، فإن المولى يدفعه إلى وليي الجنايتين، ثم يرجع على الغاصب بنصف القيمة فيدفعه إلى الأول ويرجع به على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبى يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف القيمة فيسلم له. وإن جنى عند المولى ثم غصبه فجنى في يده دفعه المولى نصفين ويرجع بنصف قيمته فيدفعه إلى الأول ولا يرجع به. والجواب في العبد كالجواب في المدبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد: م: (وإن كان جنى عند المولى فغصبه رجل فجنى عنده جناية أخرى، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، ويرجع بنصف القيمة على الغاصب لما بينا في الفصل الأول) ش: أي فيما إذا جنى المدبر في يد الغاصب ثم في يد المولى م: (غير أن استحقاق النصف) ش: ذكر هذا الاستثناء لبيان الفرق بين المسألة الأولى والثانية عندهما حيث لا يرجع عندهما أيضًا.
بيانه: أن استحقاق النصف إذا استحق النصف الذي أخذ المولى من الغاصب م: (حصل بالجناية الثانية إذ كانت هي في يد الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا يرجع به على الغاصب، وهذا بالإجماع) ش: أي رجوع المولى على الغاصب في المسألة الثانية بالإجماع. بخلاف المسألة الأولى. فإن ثم كان يرجع المولى عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - مرة ثانية. وذكر القدوري في كتاب " التقريب " قول أبي حنيفة وحده، وقول زفر وأبي يوسف مع محمد.
(ثم وضع المسألة في العبد) ش: أي وضع محمد هذه المسألة في " الجامع الصغير " في العبد فقال " القن " بعدما وضعها في المدبر م: (فقال) ش: أي محمد م: (ومن غصب عبدا فجنى في يده ثم رده فجنى جناية أخرى فإن المولى يدفعه إلى وليي الجنايتين، ثم يرجع على الغاصب بنصف القيمة فيدفعه إلى الأول ويرجع به على الغاصب، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.)
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يرجع بنصف القيمة فيسلم له. وإن جنى عند المولى ثم غصبه فجنى في يده دفعه المولى نصفين ويرجع بنصف قيمته فيدفعه إلى الأول ولا يرجع به، والجواب في العبد) ش: أي في العبد القن م: (كالجواب في المدبر) ش: أي في العبد المدبر في الاختلاف(13/319)
في جميع ما ذكرنا، إلا أن في هذا الفصل يدفع المولى العبد وفي الأول يدفع القيمة.
قال: ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان لأنه منع رقبة واحدة بالتدبير فيجب عليه قيمة واحدة ثم يرجع بقيمته على الغاصب. لأن الجنايتين كانتا في يد الغاصب فيدفع نصفها إلى الأول لأنه استحق كل القيمة؛ لأن عند وجود الجناية عليه لا حق لغيره، وإنما انتقص بحكم المزاحمة من بعد. قال: ويرجع به على الغاصب؛ لأن الاستحقاق بسبب كان في يده ويسلم له ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا إلى ولي الجناية الثانية؛ لأنه لا حق له إلا في النصف لسبق حق الأول وقد وصل ذلك إليه. ثم قيل: هذه المسألة على الاختلاف كالأولى. وقيل: على الاتفاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والاتفاق سواء م: (في جميع ما ذكرنا، إلا أن في هذا الفصل يدفع المولى العبد وفي الأول) ش: أي في المدبر م: (يدفع القيمة) ش: لأنه لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك، وفي العبد يدفع نفس العبد لعدم المانع.
[غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية]
م: (قال) ش: أي محمد: م: (ومن غصب مدبرا فجنى عنده جناية ثم رده على المولى ثم غصبه ثم جنى عنده جناية، فعلى المولى قيمته بينهما نصفان، لأنه منع رقبة واحدة بالتدبير فيجب عليه قيمة واحدة ثم يرجع بقيمته على الغاصب؛ لأن الجنايتين كانتا في يد الغاصب فيدفع نصفها إلى الأول) ش: أي نصف القيمة إلى ولي الجناية الأولى م: (لأنه استحق كل القيمة لأن عند وجود الجناية عليه لا حق لغيره، وإنما انتقص بحكم المزاحمة من بعد) ش: أي مزاحمة الثاني.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويرجع به) ش: أي بالنصف م: (على الغاصب؛ لأن الاستحقاق بسبب كان في يده) ش: أي عند الغاصب م: (ويسلم له) ش: أي يسلم النصف للمولى م: (ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى ولا إلى ولي الجناية الثانية؛ لأنه لا حق له) ش: أي لولي الجناية الثانية م: (إلا في النصف لسبق حق الأول وقد وصل ذلك إليه) ش: أي وصل النصف إلى ولي الجناية الثانية.
م: (ثم قيل: هذه المسألة على الاختلاف كالأولى) ش: يعني قال بعض المشايخ: يتحقق في هذه المسألة خلاف محمد أيضًا كما في المسألة الأولى، حيث يسلم للمولى ما رجع به من القيمة على الغاصب ولا يؤخذ ولي الجناية الأولى ( ... ،)
م: (وقيل: على الاتفاق) ش: يعني لا خلاف لمحمد في هذه المسألة بل يأخذ ولي الجناية الأولى تمام حقه وهو نصف القيمة من الولي إذا رجع على الغاصب، وهذا هو الصحيح، لأن محمدا ذكر هذه المسألة في " الجامع الصغير " بلا خلاف، وهكذا أفرد هذه المسألة فخر الإسلام وغيره في شرح " الجامع الصغير ".(13/320)
والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في الأولى الذي يرجع به عوض عما سلم لولي الجناية الأولى؛ لأن الجناية الثانية كانت في يد المالك. فلو دفع إليه ثانيا يتكرر الاستحقاق. فأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرناه.
قال: ومن غصب صبيا حرا فمات في يده فجأة أو بحمى فليس عليه شيء، وإن مات من صاعقة أو نهشته حية فعلى عاقلة الغاصب الدية. وهذا استحسان، والقياس: أن لا يضمن في الوجهين، وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله - لأن الغصب في الحر لا يتحقق، ألا يرى أنه لو كان مكاتبا صغيرا لا يضمن مع أنه حر، فإذا كان الصغير حرا رقبة ويدا أولى. وجه الاستحسان: أنه لا يضمن بالغصب، ولكن يضمن بالإتلاف، وهذا إتلاف تسبيبا؛ لأنه نقله إلى أرض مسبعة أو إلى مكان الصواعق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فعلى هذا يحتاج محمد إلى الفرق بين المسألتين، أشار إليه المصنف بقوله: م: (والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن في الأولى) ش: وهي ما إذا كانت الجناية الأولى عند الغاصب، والثانية عند المالك م: (الذي يرجع به) ش: أي الولي م: (عوض عما سلم لولي الجناية الأولى؛ لأن الجناية الثانية كانت في يد المالك. فلو دفع إليه ثانيا يتكرر الاستحقاق) ش: لأن هذا بدل ما وقع إليه وبدل الشيء يقوم مقامه، فلو استحق البدل بعدما استحق المبدل يتكرر الاستحقاق.
م: (فأما في هذه المسألة فيمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكرناه) ش: أي إلى تكرار الاستحقاق.
قال الأكمل: قوله: " أما في هذه المسألة " فيه نظر، فإن الجناية الثانية وإن حصلت في يد الغاصب، لكن أخذ الولي منه حقها أول مرة ولم يبق لوليها استحقاق، حتى يجعل المأخوذ من الغاصب ثانيا في مقابلة ما أخذه.
[غصب صبيا حرا فمات فجأة]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن غصب صبيا حرا) ش: أي ذهب به بغير إذن وليه فيكون ذكر الغصب في هذا الموضع بطريق المشاكلة، وهو أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في زمنه م: (فمات في يده فجاة أو بحمى فليس عليه شيء، وإن مات من صاعقة أو نهشته حية فعلى عاقلة الغاصب الدية، وهذا استحسان، والقياس: أن لا يضمن في الوجهين، وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك وأحمد م: (لأن الغصب في الحر لا يتحقق، ألا يرى أنه لو كان مكاتبا صغيرا لا يضمن مع أنه حر يدا، فإذا كان الصغير حرا رقبة ويدا أولى) .
م: (وجه الاستحسان: أنه لا يضمن بالغصب، ولكن يضمن بالإتلاف، وهذا إتلاف تسبيبا) ش: أي من حيث السببية م: (لأنه نقله إلى أرض مسبعة) ش: أي إلى أرض تأوي إليها السباع م: (أو إلى مكان الصواعق) ش: أي إلى مكان تنزل فيه الصواعق عادة وهو جمع صاعقة معروف.(13/321)
وهذا لأن الصواعق والحيات والسباع لا تكون في كل مكان، فإذا نقله إليه فهو متعد فيه، وقد أزال حفظ الولي فيضاف إليه؛ لأن شرط العلة ينزل منزلة العلة إذا كان تعديا كالحفر في الطريق، بخلاف الموت فجأة أو بحمى؛ لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن، حتى لو نقله إلى موضع يغلب فيه الحمى والأمراض نقول بأنه يضمن فتجب الدية على العاقلة لكونه قتلا تسبيبا.
قال: وإذا أودع صبي عبدا فقتله فعلى عاقلته الدية، وإن أودع طعاما فأكله لم يضمن، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الوجهين جميعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي كونه إتلافا م: (لأن الصواعق والحيات والسباع لا تكون في كل مكان، فإذا نقله إليه) ش: أي إلى موضع تكون فيه الأشياء المذكورة م: (فهو متعد فيه) ش: الواو فيه للحال أو في نقله م: (وقد أزال حفظ الولي) ش: الواو فيه أيضًا للحال.
وقوله: م: (فيضاف إليه) ش: جواب الشرط، أي يضاف الإتلاف إلى القاتل م: (لأن شرط العلة ينزل منزلة العلة إذا كان تعديا كالحفر في الطريق، بخلاف الموت فجأة أو بحمى، لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن، حتى لو نقله إلى موضع يغلب فيه الحمى والأمراض نقول بأنه يضمن فتجب الدية على العاقلة لكونه قتلا تسبيبا) ش: أي من حيث السببية.
[أودع صبي عبدا فقتله]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أودع صبي عبدا فقتله فعلى عاقلته الدية) ش: أي على عاقلة الصبي الدية. قيل المراد القيمة وبها صرح فخر الإسلام والصدر الشهيد - رحمهما الله - وأثر لفظ الدية لأنها بإزالة الآدمية والقيمة بإزالة المالية، وفي العبد بإزالة الآدمية عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -.
م: (وإن أودع) ش: أي الصبي م: (طعاما فأكله لم يضمن، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله -، وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الوجهين جميعا) ش: وبه قال مالك وأحمد. وفي " شرح الطحاوي ": أودع عند صبي مالا فهلك في يده فلا ضمان عليه بالإجماع، وإذا استهلك الصبي إن كان الصبي مأذونا له في التجارة يضمن الصبي بالإجماع، وإن كان محجورا قبل الوديعة بإذن وليه ضمن بالإجماع. وإن قيل: بغير إذن وليه فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد -، لا في الحال ولا بعد الإدراك. وقال أبو يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يضمن في الحال، وأجمعوا على أنه لو استهلك مال الغير بلا وديعة يضمن في الحال بالإجماع.(13/322)
وعلى هذا إذا أودع العبد المحجور عليه مالا فاستهلكه لا يؤاخذ بالضمان في الحال عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، ويؤاخذ به بعد العتق. وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله -: يؤاخذ به في الحال، وعلى هذا الخلاف الإقراض والإعارة في العبد والصبي.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير ": صبي قد عقل. وفي " الجامع الكبير " وضع المسألة في صبي ابن اثنتي عشرة سنة، وهذا يدل على أن غير العاقل يضمن بالاتفاق؛ لأن التسليط غير معتبر وفعله معتبر. ولهما: أنه أتلف مالا متقوما معصوما حقا لمالكه، فيجب عليه الضمان كما إذا كانت الوديعة عبدا، وكما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي المودع. ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنه أتلف مالا غير معصوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعلى هذا إذا أودع العبد المحجور عليه مالا فاستهلكه لا يؤاخذ الضمان في الحال عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ويؤاخذ به بعد العتق. وعند أبي يوسف والشافعي - رحمهما الله يؤاخذ به في الحال، وعلى هذا الخلاف الإقراض) ش: يعني إذا أقرض الصبي شيئا وسلم إليه واستهلكه لا يضمن عندهما. خلافا لأبي يوسف م: (والإعارة) ش: يعني إذا أعار الصبي شيئا فاستهلكه لا يضمن م: (في العبد والصبي) ش: يعني حكمهما واحد والمراد من المحجور.
وقال فخر الإسلام: الاختلاف في الإيداع والإعارة والقرض والبيع وكل وجه من وجوه التسليم واحد.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أصل " الجامع الصغير ": صبي قد عقل. وفي " الجامع الكبير ". وضع المسألة في صبي ابن اثنتي عشرة سنة، وهذا يدل على أن غير العاقل يضمن بالاتفاق) ش: فساعده فيه فخر الإسلام حيث ذكر في "جامعه " هكذا.
وأما غيره من شروح " الجامع الصغير " " كجامع أبي اليسر " و" قاضي خان " و" التمرتاشي " فالحكم على خلاف هذا، حيث قال: هذا الخلاف فيما إذا كان الصبي عاقلا، وإن لم يكن عاقلا فلا يضمن في قولهم جميعا م: (لأن التسليط غير معتبر وفعله معتبر) ش: لأن تسليط الصبي غير العاقل هدر وفعله معتبر فيؤاخذ به.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف والشافعي - رحمهما الله -: م: (أنه أتلف مالا متقوما معصوما حقا) ش: قوله: حقا " متعلق بقوله: "معصوما "، أي معصوما لأجل المالك م: (لمالكه) ش: بغير إذنه م: (فيجب عليه الضمان كما إذا كانت الوديعة عبدا) ش: فأتلفه يجب عليه الضمان بالاتفاق م: (وكما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي المودع) ش: فيجب الضمان على المتلف، فعلم أن المال معصوم في يد الصبي.
م: (ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أنه أتلف مالا غير معصوم) ش: لأنه سلطه على(13/323)
فلا يجب الضمان، كما إذا أتلفه بإذنه ورضاه، وهذا لأن العصمة تثبت حقا له وقد فوتها على نفسه حيث وضع المال في يد مانعة فلا يبقى مستحقا للنظر إلا إذا أقام غيره مقام نفسه في الحفظ ولا إقامة هاهنا؛ لأنه لا ولاية له على الاستقلال على الصبي، ولا للصبي على نفسه، بخلاف البائع والمأذون له؛ لأن لهما ولاية على أنفسهما. وبخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا لأن عصمته لحقه، إذ هو مبقي على أصل الحرية في حق الدم. وبخلاف ما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي، لأنه سقطت العصمة بالإضافة إلى الصبي الذي وضع في يده المال دون غيره.
قال: وإن استهلك مالا ضمن، يريد به من غير إيداع لأن الصبي يؤاخذ بأفعاله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإتلاف م: (فلا يجب الضمان، كما إذا أتلفه بإذنه ورضاه، وهذا) ش: أي عدم وجوب الضمان م: (لأن العصمة تثبت حقا له) ش: أي للمالك م: (وقد فوتها على نفسه حيث وضع المال في يد مانعة) ش: أي من الإيداع والإعارة ومن فعل ذلك م: (فلا يبقى مستحق للنظر) ش: لأنه أوقع ماله في يد يمنع يد غيره عليه باختياره م: (إلا إذا أقام غيره مقام نفسه في الحفظ ولا إقامة هاهنا، لأنه لا ولاية له على الاستقلال على الصبي، ولا للصبي على نفسه) ش: فكان تعينا من جهة.
م: (بخلاف البالغ والمأذون له، لأن لهما ولاية على أنفسهما) ش: فصح الإيداع عندهما، فيضمنان بالإجماع م: (وبخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا لأن عصمته لحقه) ش: أي لأن عصمة العبد لحق العبد لا باعتبار أن المالك لعصمته م: (إذ هو مبقي على أصل الحرية في حق الدم) ش: فلا يوجد التسليط في حقه، فإذا لم يوجد يضمن سواء كان صغيرا أو كبيرا. بخلاف سائر الأموال، فإن للمالك أن يستهلكها فيجوز تمكين غيره من استهلاكها بالتسليط.
م: (وبخلاف ما إذا أتلفه غير الصبي في يد الصبي) ش: يعني إذا أتلف الوديعة والتذكير باعتبار المودع غير الصبي المودع حال كونه في يد الصبي حيث يضمنها العصمة م: (لأنه سقطت العصمة) ش: أي عصمة الوديعة م: (بالإضافة إلى الصبي الذي وضع في يده المال) ش: المودع فحسب ولا يسقط في حق غيره، وهو معنى قوله م: (دون غيره) ش: حاصله: أن المالك بالإيداع عند الصبي إنما سقط عصمة ماله عن الصبي لا عن غيره وماله معصوم في حق غيره كما كان، فصار مال الوديعة عند الصبي بمنزلة من له القصاص فإنه غير معصوم الدم في حق من له القصاص، ومعصوم في حق غيره، فكذا هنا.
[استهلك الصبي مالا لرجل]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن استهلك مالا ضمن) ش: أي فإن استهلك الصبي مالا لرجل ضمن، وهذا في غير الوديعة وهو معنى قوله: م: (يريد به من غير إيداع) ش: أي يريد محمد بقوله: لا ضمن، في غير الوديعة، وفيه اتفاق. وفي الوديعة إذا استهلكها خلاف سبق آنفا م: (لأن الصبي يؤاخذ بأفعاله) ش: فإن قلت:(13/324)
وصحة القصد لا معتبر بها في حقوق العباد، والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رفع القلم عن الصبي بالحديث، فكيف وجب عليه الضمان؟
قلت: رفع القلم يدل على رفع الإثم، ولا يلزم من رفع الإثم نفي الضمان كما في النائم إذا انفلت على شيء فأتلفه. م: (وصحة القصد لا معتبر بها في حقوق العباد، والله أعلم بالصواب) ش: هذا كله جواب عما يقال: إن الصبي ليس له قصد صحيح، فكان ينبغي أن لا يضمن فقال: لا اعتبار لصحة العقد في حق العباد. ألا ترى أن البالغ أيضًا إذا استهلك مالا لإنسان فيضمن، سواء كان له قصد صحيح في ذلك أو لم يكن، فعلى أي وجه كان يلزمه الضمان.(13/325)
باب القسامة
قال: وإذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله: استحلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب القسامة]
[تعريف القسامة]
م: (باب القسامة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام القسامة. وقال الكاكي: القسامة لغة: مصدر أقسم قسامة أو اسم وضع موضع الأقسام.
قلت: اسم وضع موضع الأقسام. وفي الشرع: أيمان يقسم بها على أهل محلة أو دار وجد فيها قتيل به أثر كل منهم ويقول ما فعلت ولا علمت له قاتلا. وقيل: القسامة الأيمان المتكررة في دعوى القتل على أهل محلة أو دار أو موضع قريب. كما يقال: رجل عدل، وأي الأمرين كان، هو من القسم الذي هو الحلف، وقسمها وجود القتيل في المحلة أو في معناها، وركنها قولهم بالله ما قتلناه وما علمنا له قاتلا.
وشرطها أن يكون المقسم رجلا بالغا عاقلا، والنساء لا يدخلن في القسامة عند أكثر أهل العلم إلا عند مالك، فإنه قال لمن يدخل في القسامة الخطأ دون العمد.
وحكمها القضاء بوجوب الدية بعد الحلف، وسواء كانت الدعوى في القتل الخطأ أو العمد عند أكثر أهل العلم. وقال مالك والشافعي في القديم وأحمد: إن كانت الدعوى في القتل العمد إذا حلفوا الأولياء بعد يمين أهل المحلة يستحقون القود، ومحاسنها والحكمة فيها: تعظيم الدماء وصيانتها عن الإهدار وخلاص المتهم بالقتل عن القصاص. ودليل شرعيتها الأحاديث المذكورة على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
[وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وجد القتيل في محلة ولا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلا منهم يتخيرهم الولي بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا) ش: بشرط أن يكون في القتيل أثر القتل من جراحة أو ضرب أو خنق أو نحوه. وأما إذا وجد ميتا لا أثر فيه فلا قسامة ولا دية، وهذا ميت.
- وقوله: "في محلة " ليس بقيد. وكذا لو وجد في دار رجل. وقوله لا يعلم من قتله لأنه إذا علم القاتل فلا قسامة، والحكم يتعلق به.
وقوله: "استحلف خمسون رجلا " قال الكرخي: ليس فيهم عبد ولا صبي لم يبلغ ولا امرأة. قوله: منهم أي من أهل المحلة.(13/326)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكرخي: وإن كان في أهل المحل الفاسق والصالح، فالخيار فيهم إلى الورثة يختارون أهل الصالح حتى يستحلفوهم، فإن كان أهل الصالح لا يتمون خمسين وأرادوا أن يردوا عليهم الأيمان فليس لهم ذلك، ولهم أن يتخيروا من الباقين تمام خمسين رجلا.
وذكر ابن الجلاب المالكي في كتابه " التفريع والأيمان ": القسامة مغلظة بخلافها في سائر الحقوق، ويحلف الحالف فيها في المسجد الأعظم بعد الصلاة عند اجتماع الناس فيه، ويجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس من وجبت عليه قسامة من أهلها، ولا يجلب إلى غيرها إلا المكان القريب.
وقوله: " بالله ما قتلناه " على طريق الحكاية عن الجمع. وأما عند الحلف فيحلف كل واحد منهم: بالله ما قتلت، ولا يحلف بالله ما قتلنا؛ لجواز أنه باشر القتل بنفسه فيجترئ على اليمين " بالله ما قتلنا ".
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا) ش: قبل يمين أهل المحلة م: (ويقضى لهم بالدية على المدعى عليه عمدا كانت الدعوى أو خطأ) ش: وقال الكاكي: استحلف الأولياء خمسين يمينا قبل يمين أهل المحلة يقضى بالدية على المدعى عليه عمدا كان أو خطأ، وهو قوله الجديد.
وقال مالك وأحمد والشافعي في القديم: إذا استحلف الأولياء وحلفوا واستحلفوا القود في دعوى العمد على المدعى عليه جماعة كان أو واحد أو شرطه اللوث عندهم، وعند عدم اللوث كسائر الدعاوى. وقال الغزالي في " وجيزه ": وكيفية القسامة: أن يحلفوا المدعي خمسين يمينا متوالية في مجلس واحد بقصد التحذير والتغليظ، ولو كان في مجلسين فوجهان. وقال ابن الجلاب المالكي: ويبدأ في القسامة بالمدعين دون المدعى عليهم، فيحلفون خمسين يمينا ويستحقون القود نفسا منهم.
وإذا كان ولاة الدم أكثر من خمسين رجلا ففيها روايتان، إحداهما يقتصر على خمسين منهم فيحلفون خمسين يمينا، والأخرى أنهم يحلفون كلهم وإن زادت عدة الأيمان على خمسين. وإذا نكل المدعون للدم عن القسامة وردت الأيمان على المدعى عليهم فنكلوا حبسوا حتى يحلفوا، فإن طال حبسهم تركوا على كل واحد منهم جلد مائة وحبس سنة، انتهى.(13/327)
وقال مالك: يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. واللوث عندهما: أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه. وإن لم يكن الظاهر شاهدا له فمذهبه مثل مذهبنا، غير أنه لا يكرر اليمين بل يردها على الولي. فإن حلفوا لا دية عليهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الخرقي، من أصحاب أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": وإذا وجد قتيل فادعى أولياؤه على قوم لا عداوة بينهم ولم يكن لهم بينة لم يحكم لهم بيمين ولا غيرها، وإن كان بينهم عداوة ولوث وادعى أولياؤه على واحد منهم وأنكر المدعى عليه ولم يكن للأولياء بينة حلف الأولياء خمسين يمينا على قاتله واستحقوا دمه إن كانت الدعوى عمدا.
فإن لم يحلف الأولياء حلف المدعى عليه خمسين يمينا، وبرئ، فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال، فإن شهدت البينة العادلة أن المجروح قال: " دمي عند فلان " فليس يوجب القسامة ما لم يكن لوث.
م: (وقال مالك: يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في القتل العمد، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقد ذكرنا أن هذا هو القول القديم للشافعي م: (واللوث عندهما) ش: أي عند الشافعي ومالك - رحمهما الله -: م: (أن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه. وإن لم يكن الظاهر شاهدا له فمذهبه) ش: أي فمذهب الشافعي م: (مثل مذهبنا، غير أنه لا يكرر اليمين بل يردها على الولي، فإن حلفوا لا دية عليهم) ش: فنتكلم أولا في اللوث ثم نحرر مذهب الثلاثة.
فاللوث: من لوث الماء كدره، ولوث ثيابه الطين فتلوث، ومنه قولهم " لوث وعداوة " أي شر أو طلب بحقد، والمراد به عندهم قرينة ظاهرة توقع في القلب صدق المدعي بأن يكون هناك علامة القتل في واحد بعينه من أثر الدم على ثيابه وغيره كما ذكر في المتن.
وقال الغزالي في " وجيزه ": واللوث قرينة حال تغلب الظن كقتيل في محلة بينهم عداوة، أو قتيل دخل عليهم ضيفا، أو قتيل تفرق عنه جماعة معفرون، أو قتل في صف الخصم القاتل، أو قتيل في الصحراء وعلى رأسه رجل معه سكين.
وقول المجروح: " قتلني فلان " ليس بلوث، وقول واحد من أهل القتيل، روايتهم لوث. والقياس: أن قول واحد منهم لوث، وأما عدة من الصبية والفسقة ففيهم خلاف، انتهى.
وقال ابن الجلاب المالكي: واللوث شيئان الشاهد العدل، وقول المجروح: دمي عند فلان، وفي الثالث مذهبان يعني الذي يرى معه سيفه، وشهادة الواحد لوث توجب القسامة،(13/328)
للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، في البداءة بيمين الولي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للأولياء: «فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه» ؛ ولأن اليمين تجب على من يشهد له الظاهر. ولهذا تجب على صاحب اليد، فإذا كان الظاهر شاهدا للولي يبدأ بيمينه، ورد اليمين على المدعي أصل له كما في النكول، غير أن هذه دلالة فيها نوع شبهة، والقصاص لا يجامعها، والمال يجب معها، فلهذا وجبت الدية دون القصاص. ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وفي رواية: على المدعى عليه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي شهادة النساء روايتان إحداهما: أنه لوث توجب القسامة، والأخرى أنها لا توجبها. وكذلك شهادة الواحد والجماعة إذا لم يكونوا عدولا، وفي شهادة العبد روايتان إحداهما: أنه لوث، وقيل: لا يكون لوثا. وإذا وجد رجل مقتول ووجد بقربه رجل معه سيف أو في يده شيء من آلة القتل وعليه آثار القتل، فهو لوث موجب القسامة والدية لولاته.
م: (للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في البداءة بيمين الولي قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للأولياء: «فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه» ، ولأن اليمين تجب على من يشهد له الظاهر) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سهل بن أبي حثمة قال: «خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا ... الحديث مطولا.
وفيه فقال لهم - أي لأولياء القتيل -: " أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ". وجه الاستدلال به أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ على من شهد له الظاهر، يعني كما في سائر الدعاوى، فإن الظاهر يشهد للمدعى عليه، لأن الأصل براءة ذمته. فأما في القسامة فالظاهر يشهد للمدعي عند قيام اللوث، فيكون اليمين حجة له.
م: (ولهذا تجب على صاحب اليد، فإذا كان الظاهر شاهدا للولي يبدأ بيمينه، ورد اليمين على المدعي أصل له) ش: أي للشافعي م: (كما في النكول) ش: يعني إذا نكل المدعى عليه عن اليمين رد على المدعي م: (غير أن هذه) ش: أشار به إلى الدعوى التي هنا م: (دلالة) ش: أي على الصدق م: (فيها نوع شبهة، والقصاص لا يجامعها) ش: أي لا يثبت القصاص مع الشبهة م: (والمال يجب معها) ش: أي مع الشبهة م: (فلهذا وجبت الدية دون القصاص) . م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر. وفي رواية: " على المدعى عليه» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خطبته «البينة علي(13/329)
وروى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بدأ باليهود بالقسامة، وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المدعي واليمين على المدعى عليه» . انتهى.
فإن قلت: قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا حديث في إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه، ضعفه ابن المبارك وغيره. وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب به. وقال صاحب " التنقيح ": وحجاج بن أرطاة ضعيف، ولم يسمعه من عمرو بن شعيب، وإنما أخذه من العرزمي عنه، والعرزمي متروك؟
قلت: شطر الحديث في الكتب الستة من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولكنه مفرق، ففي لفظ مسلم: «ولكن اليمين على المدعى عليه» . وفي لفظ الباقين: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن اليمين على المدعى عليه» ، وبهذا يعلم أن وظيفة المدعى عليه اليمين، وليست هي وظيفة المدعي، وبهذا يقوى حديث الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وروى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ باليهود بالقسامة، وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم» ش: هذا رواه عبد الرزاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري «عن سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنهم قال: كانت القسامة في الجاهلية فأقرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قتيل من الأنصار وجد في جب لليهود، قال: فبدأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باليهود، فكلفهم قسامة خمسين، فقالت اليهود: لن نحلف، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأنصار: أفتحلفون، فأبت الأنصار أن تحلف، فأغرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهود ديته» لأنه قتل بين أظهرهم. ورواه ابن أبي شيبة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مصنفه ": حدثنا عبد الأعلى عن معمر به. وكذلك رواه الواقدي في " المغازي " في غزوة خيبر حدثني معمر به. وقال الأترازي: سعيد بن المسيب من أعلى طبقات التابعين، ولكن في ذكره نظر؛ لأنه لم يذكر روايته في كتب الحديث في هذا الباب مثل " الموطأ " و" الصحيح " والسنن " و" شرح الآثار " وغير ذلك نعم، فروي عن الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك في " شرح الآثار ".
وأشار به إلى ما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حدثنا أبو بشر الدرقي حدثنا أبو معاوية الضرير عن ابن أبي ذئب عن الزهري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قضى بالقسامة على المدعى عليهم» ، فدل ذلك أن القسامة على المدعى [عليهم] لا على المدعين على ما بين الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، انتهى.
قلت: عدم الاطلاع في كتب الحديث يؤدي إلى هذه المقالة، فكيف ينكر الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا، وقد روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والواقدي عن(13/330)
ولأن اليمين حجة للدفع دون الاستحقاق وحاجة الولي إلى الاستحقاق، ولهذا لا يستحق بيمينه المال المبتذل، فأولى أن لا يستحق به النفس المحترمة. وقوله " يتخيرهم الولي " إشارة إلى أن خيار تعيين الخمسين إلى الولي؛ لأن اليمين حقه، والظاهر أن يختار من يتهمه بالقتل أو يختار صالحي أهل المحلة، لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز، فيظهر القاتل، وفائدة اليمين النكول، فإن كانوا لا يباشرون ويعلمون يفيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يفيد يمين الطالح. ولو اختاروا أعمى أو محدودا في قذف جاز؛ لأنه يمين وليس بشهادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سعيد بن المسيب به ولم يذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - سعيدا، بل اقتصر على الزهري وفي كل منهما كفاية للحجة، ومعمر بفتح الميمين ابن راشد. وأبو معاوية الضرير محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين.
وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب هشام بن شعبة بن عبد الله بن قيس القرشي العامري المدني. والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
م: (ولأن اليمين حجة للدفع) ش: قد مضى الدعوى أن اليمين ليست بحجة صالحة لاستحقاق بنفسه، فكيف يصلح حجة صالحة لاستحقاق بنفس محترمة خصوصا في موضع يتيقن بأن الحالف مجازف يحلف ما لم يعاينه بأمر مجهول وهو اللوث، وإنما شرعت اليمين لاتقاء ما كان، فلا يستحق بها ما لم يكن مستحقا، يشير إلى هذا بقوله: حجة الدفع م: (دون الاستحقاق وحاجة الولي إلى الاستحقاق، ولهذا) ش: أي ولكون حاجة الولي إلى الاستحقاق م: (لا يستحق بيمينه المال المبتذل، فأولى أن لا يستحق به النفس المحترمة) ش: قال شيخنا العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا معنى قول مالك وأحمد وقول الشافعي - رحمهما الله - في إيجاب القصاص، وبقي قوله الآخر " يستحق بيمينه النفس "، أي القصاص، إلا أنه سقط باعتبار الشبهة، فصار إلى الدية بدلا عن القصاص.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (يتخيرهم الولي، إشارة إلى أن خيار تعيين الخمسين إلى الولي، لأن اليمين حقه، والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل) ش: مثل الفسقة والشبان، لأن تهمة القتل فيهم أكثر م: (أو يختار صالحي أهل المحلة) ش: أي يختار الصالحين من أهل المحلة م: (لما أن تحرزهم) ش: أي أن تحرز الصالحين م: (عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز فيظهر القاتل، وفائدة اليمين النكول، فإن كانوا لا يباشرون ويعلمون) ش: أي القاتل م: (يفيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يفيد يمين الطالح) ش: بالطاء المهملة، وهو نقيض الصالح.
م: (ولو اختاروا أعمى أو محدودا في قذف جاز؛ لأنه يمين وليس بشهادة) ش: احترز به عن(13/331)
قال وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية ولا يستحلف الولي وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب الدية لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تبرئكم اليهود بأيمانها» ، ولأن اليمين عهدت في الشرع مبرائا للمدعى عليه لا ملزما كما في سائر الدعاوى. ولنا: أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جمع بين الدية والقسامة في حديث ابن سهل وفي حديث زياد بن أبي مريم، وهكذا جمع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بينهما على وادعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اللعان حيث لا يجوز اللعان منهما لما أن اللعان شهادة والأعمى أو المحدود في القذف ليسا من أهل أدائها.
[القسامة والدية على العاقلة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية) ش: أي على عاقلتهم في ثلاث سنين، لأن حالهم هنا دون حال من باشر بالقتل خطأ، والدية هناك على العاقلة في ثلاث سنين، فهنا أولى. وذكر اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله - قال زفر: القسامة والدية على العاقلة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة بل الدية عليهم، لأن التحمل يجري في الدية ولا يجري في اليمين م: (ولا يستحلف الولي) .
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب الدية) ش: إذا حلف المدعى عليه، وبه قال مالك وأحمد وأبو الليث وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تبرئكم اليهود بأيمانها» ش: هذا قطعة من حديث عبد الله بن سهل، وقد مرت قطعة منه عن قريب. وقال أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رواه بشر بن الفضل ومالك عن يحيى بن سعيد فقال فيه: «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، رواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: «تبرئكم يهود بخمسين يمينا» ".
م: (ولأن اليمين عهدت في الشرع مبرئا للمدعى عليه لا ملزما كما في سائر الدعاوي) ش: فكذا هنا ليكون موافقا للأصول.
م: (ولنا أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جمع بين الدية والقسامة في حديث ابن سهل) ش: ابن زيد، قد مر أنه أخرجه الأئمة الستة، وفيه: «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، وفي آخره: «فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمائة من إبل الصدقة» ". قال سهل فلقد ركضتني منها ناقة حمراء. والمقتول كان عبد الله بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وفي حديث زياد بن أبي مريم) ش: فقال المخرج: غريب، يعني لم يثبت م: (وهكذا جمع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بينهما) ش: أي بين الدية والقسامة م: (على وادعة) ش: وهي بطن من همدان، وذكره في " الجمهرة "، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا الثوري عن مجالد(13/332)
وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تبرئكم اليهود» محمول على الإبراء عن القصاص والحبس. وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين، والقسامة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا، بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة فيقروا بالقتل، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم، أو وجبت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بن سعيد وسليمان الشيباني عن الشعبي: أن قتيلا وجد بين وادعة وشاكر فأمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يقيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى وادعة أقرب، فحلفهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خمسين يمينا، كل رجل ما قتلت ولا علمت له قاتلا ثم غرمهم الدية. وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال وجد قتيل بين وادعة وأرحب، فذكره بنحوه.
م: (وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تبرئكم اليهود» ش: هذا جواب عن استدلال الشافعي بحديث عبد الله بن سهل المذكور أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تبرئكم اليهود» م: (محمول على الإبراء عن القصاص والحبس) ش: تقريره أن قول الخصم الحلف مبرئ. قلنا نحن نقول بموجبه ولكن يبرئ عما وجب لأجله الحلف وهو القصاص لا عن غيره، كما إذا كانت الدعوى على شيء فحلف المدعى عليه على ذلك الشيء انقطعت الخصومة عنه، وهنا فيما نحن فيه استحلف كل واحد منهم على دعوى القتل، فباليمين انقطعت الخصومة عن دعوى القتل، فلم يجب القصاص، ولكن وجب عليه شيء آخر لا لكونه قاتلا بل لتقصيرهم في صيانة المحلة عن فساد القتل، لأنه لولا تقصيرهم لما وقع هذا الأمر، والتسبيب في القتل بهذا الطريق موجب الدية في الشرع.
ألا ترى أن العاقلة يؤخذون بالدية وهم ما قتلوا ولكن قصروا في صيانة الدم عن الإهدار، هذا الذي قاله الأترازي وغيره، وأحسن منه في الجواب عنه ما قاله أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حديث سهل المذكور، رواه بشر بن المفضل ومالك عن يحيى بن سعيد قالا فيه «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم؟» ، رواه ابن عيينة عن يحيى قيدا بقوله: «تبرئكم يهود بخمسين يمينا» وهو وهم من ابن عيينة.
م: (وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين، والقسامة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا، بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم عن اليمين الكاذبة، فيقروا بالقتل، فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم، أو وجبت(13/333)
بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ. ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف؛ لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم، ولهذا يجمع بينه وبين الدية، بخلاف النكول في الأموال؛ لأن اليمين بدل عن أصل حقه، ولهذا يسقط ببذل المدعي، وفيما نحن فيه لا يسقط ببذل الدية، هذا الذي ذكرنا إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم والدعوى في العمد أو الخطأ، لأنهم لا يتميزون عن الباقي. ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه عمدا أو خطأ، فكذالك الجواب يدل عليه إطلاق الجواب في الكتاب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ) ش: هذا جواب آخر عن حديث الخصم، وقد قررناه عن قريب.
م: (ومن أبي منهم اليمين) ش: أي ومن امتنع عن اليمين من الخمسين الذين اختارهم الولي م: (حبس حتى يحلف، لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم) ش: فمن نكل عن حق مستحق لذاته فقد ظلم، وجزاء الظالم الحبس، وإنما قال: مستحق لذاته ليسلم، لأنه بدل عن الدية م: (ولهذا يجمع بينه وبين الدية) ش: ولو كان بدلا عن الدية لما جاز [الجمع] بينهما.
م: (بخلاف النكول في الأموال؛ لأن اليمين) ش: في الأموال م: (بدل عن أصل حقه) ش: أي حق المدعي، وأصل حقه في المال م: (ولهذا) ش: أي ولكون أصل حقه في المال م: (يسقط) ش: أي اليمين م: (ببذل المدعي، وفيما نحن فيه لا يسقط) ش: أي اليمين م: (ببذل الدية) ش: بل تجب اليمين المكررة م: (هذا الذي ذكرنا) ش: أي من وجوب القسامة والدية م: (إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم، والدعوى في العمد أو في الخطأ لأنهم) ش: أي لأن البعض لا بأعيانهم م: (لا يتميزون عن الباقي) ش: فصار كما إذا ادعى على البعض.
م: (ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه) ش: سنذكره من بعد إن شاء الله، أي سنذكر حكم من ادعى على واحد من غير أهل المحلة بعد ورقتين عند قوله: وإن ادعى على واحد منهم سقط عنهم، هذا وقع في بعض النسخ، وفي بعضها وقع مثل ما ذكر هاهنا.
ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنهم قتلوا.... إلى آخره م: (عمدا أو خطأ فكذلك الجواب) ش: يعني تجب القسامة والدية م: (يدل عليه إطلاق الجواب في الكتاب) ش: أي في كتاب القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه قال: وإذا وجد قتيل في محلة لا يعلم من قتله استحلف خمسون رجلا منهم.. إلى آخره.(13/334)
وهكذا الجواب في " المبسوط " وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصل: أن في القياس تسقط القسامة والدية عن الباقين من أهل المحلة، ويقال للولي: ألك بينة، فإن قال لا، يستحلف المدعى عليه يمينا واحدة. ووجهه: أن القياس يأباه لاحتمال وجود القتل في غيرهم، وإنما عرف بالنص فيما إذا كان في مكان ينسب إلى المدعى عليهم والمدعي يدعي القتل عليهم، وفيما وراءه بقي على أصل القياس، وصار كما إذا ادعى القتل على واحد من غيرهم. وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة؛ لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى ودعوى فنوجبه بالنص لا بالقياس. بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم؛ لأنه ليس فيه نص، فلو أوجبناهما لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع، ثم حكم ذلك أن يثبت ما ادعاه إذا كان له بينة، وإن لم تكن استحلفه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأطلق وجوب القسامة والدية على أهل المحلة ولم يقيد الدعوى بالوقوع على الجميع أو على البعض بأعيانهم أو لا بأعيانهم م: (وهكذا الجواب في " المبسوط ") ش: يعني أوجب القسامة والدية مطلقا.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصل: أن في القياس تسقط القسامة والدية عن الباقين من أهل المحلة، ويقال للولي ألك بينة، فإن قال لا، يستحلف المدعى عليه على قتله يمينا واحدة. ووجهه) ش: أي وجه ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القياس يأباه) ش: أي يأبى الحلف.
م: (لاحتمال وجود القتل من غيرهم، وإنما عرف) ش: أي الحلف م: (بالنص فيما إذا كان في مكان ينسب إلى المدعى عليهم والمدعي يدعي القتل عليهم، وفيما وراءه) ش: وهو ما إذا كان الدعوى على البعض بعينه م: (بقي على أصل القياس) ش: فلم تجب القسامة م: (وصار كما إذا ادعى القتل على واحد من غيرهم) ش: فإن فيه البينة من المدعي أو اليمين من المدعى عليه.
م: (وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة؛ لأنه لا فصل في إطلاق النصوص بين دعوى، ودعوى فنوجبه) ش: أي نوجب كل واحد من القسامة والدية.
وفي بعض النسخ: فنوجبها، أي القسامة والدية م: (بالنص) ش: الذي ذكر م: (لا بالقياس. بخلاف ما إذا ادعى على واحد من غيرهم؛ لأنه ليس فيه نص، فلو أوجبناهما) ش: أي القسامة م: (لأوجبناهما بالقياس وهو ممتنع، ثم حكم ذلك) ش: أي حكم ما إذا ادعى على واحد منهم من غيرهم م: (أن يثبت ما ادعاه إذا كان له بينة، وإن لم تكن استحلفه) ش: أي المدعى عليه(13/335)
يمينا واحدة؛ لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتناع القياس، ثم إن حلف برئ، وإن نكل والدعوى في المال ثبت به، وإن كان في القصاص فهو على اختلاف مضى في كتاب الدعوى.
قال: وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين، لما روي: أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية. وعن شريح والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل ذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (يمينا واحدة؛ لأنه ليس بقسامة لانعدام النص وامتنع القياس، ثم إن حلف) ش: أي المدعى عليه م: (برئ، وإن نكل والدعوى في المال ثبت به) ش: أي بالنكول سواء كانت الدعوى في القتل خطأ أو في القتل عمدا فالمال يثبت.
م: (وإن كان) ش: أي الدعوى والتذكير على تأويل الادعاء م: (في القصاص فهو) ش: أي الحكم فيه م: (على اختلاف مضى في كتاب الدعوى) ش: في باب اليمين، بيانه أنه إذا ادعى قصاصا على غيره فجحد استحلف لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «واليمين على من أنكر» فإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - فعندهما يجب الأرش، وقد مر هناك مفصلا.
[إن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين في القسامة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين، لما روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية) ش: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " بلفظ روى معنى ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الله بن زيد الهذلي عن أبي مليح: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رد عليهم الأيمان حتى وفوا.
وروى الكرخي في " مختصره " بإسناده إلى ابن الأعرج، قال حدثنا الحارث بن الأزمع: أنه كان فيمن حلف فأقسموا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، وكانوا تسعة وأربعين رجلا، فأخذ عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - منهم رجلا حتى أتموا خمسين، فقالوا: أيماننا وأموالنا.
قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فبم يبطل دم هذا؟ قول المصنف: حتى تتم الخمسين، أي حتى تتم القسامة خمسين رجلا، قوله وافى إليه، هكذا ذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأهل اللغة، يقولون وافاه بدون الصلة، أي أتاه. م: (وعن شريح والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل ذلك) ش: أما حديث شريح القاضي فرواه ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن ابن سيرين بلغ عن شريح،(13/336)
ولأن الخمسين واجب بالسنة فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيه الوقوف على الفائدة لثبوتها بالسنة، ثم فيه استعظام أمر الدم، فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك؛ لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال.
قال: ولا قسامة على صبي ولا مجنون لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح، واليمين قول صحيح. قال: ولا امرأة ولا عبد لأنهما ليسا من أهل النصرة، واليمين على أهلها. قال وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية، لأنه ليس بقتيل، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب يباشره حي، وهذا ميت حتف أنفه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: جاءت قسامة فلم يوفوا خمسين فردت عليهم القسامة حتى أوفوا، وأما حديث إبراهيم النخعي فرواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن مغيرة عن إبراهيم النخعي، قال: إذا لم تبلغ القسامة كرروا حتى يحلفوا خمسين يمينا.
م: (ولأن الخمسين واجب بالسنة فتجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيها الوقوف على الفائدة) ش: يعني لا يقال ما الفائدة في تعيين الخمسين ولا يطلب في الخمسين؟ والوقوف على الفائدة م: (لثبوتها بالسنة) ش: أي لثبوت الخمسين بالأحاديث الآثار.
م: (ثم فيه) ش: أي في الخمسين م: (استعظام أمر الدم) ش: ولهذا يكرر اليمين في اللعان وأمر الدم أقوى.
م: (فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم) ش: أي على أحد الخمسين لظنه فيه بالأمر الذي حصل م: (فليس له ذلك، لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال) ش: فإذا كان كاملا فلا ضرورة إلى الزيادة.
[لا قسامة على صبي ولا مجنون]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا قسامة على صبي ولا مجنون؛ لأنهما ليسا من أهل القول الصحيح، واليمين قول صحيح، قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا امرأة ولا عبد) ش: أي ولا قسامة على امرأة ولا على عبد.
م: (لأنهما ليسا من أهل النصرة واليمين على أهلها) ش: أي على أهل النصرة، ولأن هؤلاء أتباع وليسوا بأصول، وقد قال أحمد وربيعة والثوري والأوزاعي، وقال مالك: النساء يدخلن في قسامة الخطأ دون العمد. وقال ابن القاسم لا يقسم إلا اثنان فصاعدا، لما أنه لا يقبل إلا شاهدين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقسم كل وارث بالغ، لأنها يمين في دعوى فيشرع في حق النساء.
م: (قال وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية؛ لأنه ليس بقتيل، إذ القتيل في العرف من فاتت حياته بسبب يباشره حي، وهذا ميت حتف أنفه) ش: وبه قال أحمد في رواية وحماد والثوري.(13/337)
والغرامة تتبع فعل العبد والقسامة تتبع احتمال القتل ثم يجب عليهم القسم فلا بد من أن يكون به أثر يستدل به على كونه قتيلا، وذلك بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق، وكذا إذا كان خرج الدم من عينه أو أذنه؛ لأنه لا يخرج منهما إلا بفعل من جهة الحي عادة. بخلاف ما إذا خرج من فيه أو دبره أو ذكره، لأن الدم يخرج من هذه المخارج عادة بغير فعل أحد، وقد ذكرناه في الشهيد. ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف ومعه الرأس في محلة، فعلى أهلها القسامة والدية وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالت الأئمة الثلاثة: الأثر ليس بشرطه بعد ثبوت اللوث م: (والغرامة تتبع فعل العبد) ش: يعني وجوب الغرامة، أي الدية إنما تكون بفعل العبد، ولا شيء هنا يدل على فعله م: (والقسامة تتبع احتمال القتل) ش: وهذا تحمل الموت حتف أنفه، بل الظاهر هذا عند عدم الأثر.
م: (ثم يجب عليهم القسم) ش: أي يجب على العبد واليمين م: (فلا بد من أن يكون به أثر يستدل به على كونه قتيلا، وذلك) ش: أي الأثر الذي يدل على كونه قتيلا م: (بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق، وكذا إذا كان خرج الدم من عينه أو أذنه) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صاحب " الهداية " لم يذكر فيها الأنف، والغالب أنه سهو القلم، لأنه ذكره في " البداية " كما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ".
قلت: لا سهو هناك، لأن الدم يخرج من الأنف غالبا، من الرعاف، فلا تصلح دليلا مع أن الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " شرحه ": وخروج الدم من موضع يخرج منه الدم عادة من غير ضرب لا يكون أثر القتل، كما إذا خرج من فمه أو أنفه، لأنه قد يكون ذلك من رعاف فلا يصلح أن يكون دليلا على وجود ضرب في المحلة م: (لأنه) ش: أي لأن الدم م: (لا يخرج منهما) ش: أي من العين والأذن م: (إلا بفعل من جهة الحي عادة) .
م: (بخلاف ما إذا خرج من فيه) ش: أي فمه م: (أو دبره أو ذكره؛ لأن الدم يخرج من هذه المخارج عادة بغير فعل أحد، وقد ذكرناه في الشهيد) ش:، يعني في حال الصلاة في باب الشهيد، والدم الذي يخرج من الدبر لا يكون دليلا على القتل، فإنه قد يكون لعلة في الباطن وقد يكون أكل شيء غير موافق، وكذلك إذا خرج الدم من الإحليل لا يكون دليلا على القتل لأنه قد يكون ذلك لعرق انفجر في الباطن أو لضعف في الكلى، أو لضعف الكبد وقد يقع من شدة الحرق أيضًا.
م: (ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف) ش: أي أو وجد نصف البدن م: (ومعه الرأس في محلة، فعلى أهلها القسامة والدية، وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من(13/338)
النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه، فلا شيء عليهم، لأن هذا حكم عرفناه بالنص، وقد ورد به في البدن، إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي. بخلاف الأقل؛ لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة، ولأنا لو اعتبرناه تتكرر القسامتان والديتان بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان. والأصل فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه، فلا شيء عليهم) ش: هذا كله من مسائل الأصل، ذكرها تفريعا على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن هذا حكم) ش: أي لأن وجوب القسامة على أهل المحلة ووجوب الدية على عواقلهم م: (عرفناه بالنص) ش: بخلاف القياس.
م: (وقد ورد به) ش: أي ورد الحكم م: (في البدن، إلا أن للأكثر حكم الكل) ش: هذا كأنه جواب عما يقال: إذا كان النص ورد في البدن كان ينبغي أن يقتصر الحكم على البدن فقط، فأجاب بأن لأكثر البدن حكم كله، لأن الأكثر في كثير من المواضع يقوم مقام الكل، ولا سيما هاهنا م: (تعظيما للآدمي) ش: في أمر دمه وما سواء على أصل القياس في عدم وجوب القسامة والدية.
م: (بخلاف الأقل؛ لأنه ليس ببدن ولا ملحق به، فلا تجري فيه القسامة، ولأنا لو اعتبرناه) ش: أي الأقل م: (تتكرر القسامتان والديتان) ش: أي على تقدير أن يوجد الباقي في محلة أخرى م: (بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان) ش: أي القسامة والدية، لأنه إذا وجب بالأقل وجب بالأكثر إذا وجد، وكذلك لو وجب بالنصف الآخر فيتكرر القسامتان والديتان مقابل نفس واحدة، وذلك لا يجوز.
فإن قيل: ينبغي أن تجب القسامة إذا وجد الرأس، لأنه يعبر به عن جميع البدن.
أجيب: بأن ذلك بطريق المجاز، والمعتبر هو الحقيقة، ولأنه لو وجبت بالبدن بطريق الأولى، فلزم التكرار.
وقال الأكمل: وقيل كان ينبغي أن يقول بتكرر القسامة والدية بلفظ المفرد دون التثنية لأن غرضه ثبوت القسامة تكرر أو ثبوت الدين تكرر أو عبارة التثنية يستلزم أن يكون أكثر من القسامتين والديتين، انتهى. قلت القائل بهذا الأترازي في " شرحه "، وقيل الأكمل، ثم قال: ويجوز أن يكون مراده القسامتان والديتان على القطعتين يتكرران في خمسين نفسا.
م: (والأصل فيه) أي في وجوب القسامة والدية.(13/339)
أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه، وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجري فيه القسامة تجب، والمعنى ما أشرنا إليه، وصلاة الجنازة في هذا تنسحب على هذا الأصل؛ لأنها لا تتكرر. ولو وجد فيهم جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة؛ لأنه لا يفوق الكبير حالا وإن كان به أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم؛ لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا. وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم؛ لأنه ينفصل ميتا لا حيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال تاج الشريعة: أي الأصل في جريان القسامة م: (أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه، وإن كان بحال لو وجد الباقي) ش: من البدن م: (لا تجري فيه القسامة) ش: والدية لا يجريان في الموجود أولا وإن كان الموجود بحال لو وجد الباقي لا يجريان في الباقي، ويجريان في الموجود أولا م: (تجب، والمعنى ما أشرنا إليه) ش: أي المعنى في وجوبهما وعدم وجوبهما تكرر القسامة، والدية وعدم تكررهما.
م: (وصلاة الجنازة في هذا) ش: أي في وجود بعض الميت م: (تنسحب على هذا الأصل) ش: يعني إذا وجد الأكثر لا يصلى عليه، وهذا أشار إلى أنه إذا كان معه الرأس يصلى عليه وإلا فلا، وإنما تنسحب على الأصل المذكور م: (لأنها) ش: أي لأن صلاة الجنازة م: (لا تتكرر) ش: كما أن القسامة لا تتكرر.
وفي " الفتاوى ": إذا وجد من الميت أقل من النصف وليس فيه الرأس وحده لا يصلى عليه، ولو وجد يصلى عليه، ولو وجد النصف مشقوقا بنصفين مع كل نصف، نصف من الرأس لا يغسل ولا يصلى عليه، ولو وجد الكل إلا الرأس يصلى عليه، فكذا في القسامة إذا وجد الرأس وحده في المحلة لا تجب القسامة، وإذا وجد البدن كله إلا الرأس يجب. إلى هنا لفظ " الفتاوى الصغرى ".
م: (ولو وجد فيهم) ش: أي في أهل المحلة م: (جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة؛ لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الجنين والسقط م: (لا يفوق الكبير حالا) ش: بتخفيف اللام، أي من حيث المال، يعني إذا وجد الكبير ولا أثر به لا يجب فيه شيء فكذا هذا.
م: (وإن كان به) ش: أي الجنين م: (أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم) أي: على أهل المحلة م: (لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا) .
ش: فإن قيل: الظاهر يصلح للدفع دون الاستحقاق، ولهذا قلنا في عين الصبي وذكره(13/340)
قال: وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة؛ لأنه في يده، فصار كما إذا كان في داره. وكذا إذا كان قائدها أو راكبها، فإن اجتمعوا فعليهم، لأن القتيل في أيديهم، فصار كما إذا وجد في دارهم. قال: وإن مرت به دابة بين القريتين وعليها قتيل فهو على أقربهما؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتى بقتيل وجد بين قريتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولسانه إذا لم يعلم صحته حكومة عدل عندنا.
وأجيب: بأن الجنين نفس من وجه عضو من وجه فاعتبر جهة النفس، إذا انفصل حيا،. فيستدل عليه بتمام الخلق، فكان الظاهر هنا بمنزلة القتيل الموجود في المحلة وله أثر الجراحة، وإن كان يحتمل أنه مات حتف أنفه لا بسبب الجراحة، أما الأعضاء يسلك مسلك الأموال ولا تعظيم للأموال كتعظيم النفس، فكان فيها شبه المالية فلم يوجب الدية التي لها خطر إلا عند اليقين م: (وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم؛ لأنه ينفصل ميتا لا حيا) ش: وفي الميت لا يجب شيء.
[وجد القتيل على دابة يسوقها رجل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة؛ لأنه في يده، فصار كما إذا كان في داره) ش: ولا فرق بين أن تكون الدابة ملكا للسائق والقائد أو الراكب، لأن القتيل في يده، فكان أخص به من أهل المحلة.
ومن المشايخ من قال: هذا إذا لم يكن للدابة مالك معروف، والأصح إطلاق الجواب.
م: (وكذا إذا كان قائدها أو راكبها) ش: تكون الدية عليه مطلقا م: (فإن اجتمعوا فعليهم) ش: أي فإن اجتمع السائق والراكب والقائد فالدية عليهم م: (لأن القتيل في أيديهم، فصار كما إذا وجد في دارهم) .
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع ": م: (وإن مرت به دابة بين القريتين) ش: فأمر أن يذرع، هذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه والبزار في " مسانيدهم " والبيهقي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في " سننه " عن أبي إسرائيل الملائي واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق عن عطية عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقاس إلى أيهما أقرب» م: (وعليها قتيل فهو على أقربهما؛ لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أتى بقتيل وجد بين قريتين» ش: «فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر، قال أبو سعيد الخدري: كأني أنظر إلى شبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فألقى ديته عليهم» .(13/341)
فأمر أن يذرع» . وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة وأرحب، كتب بأن يقيس بين قريتين فوجد القتيل إلى وادعة أقرب فقضى عليهم بالقسامة ".
قيل: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت، لأنه إذا كان بهذه الصفة يلحقه الغوث فتمكنهم النصرة وقد قصروا.
قال وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه، لأن الدار في يده والدية على عاقلته؛ لأن نصرته منهم وقوته بهم.
قال: ولا تدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة، وهو قول محمد. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: هذا رواه ابن عدي والعقيلي في " كفايتهما " بلفظ: «فألقى ديته على أقربهما وأعلاه» أبي إسرائيل "، وضعفه ابن عدي عن قوم، وقال البزار: ليس بقوي في الحديث، وقال النسائي ليس ثقة، وكان يسب عثمان.
قلت: وثقه ابن معين، ووثقه أيضًا ابن عدي وقوم آخرين م: «فأمر أن يذرع» .
م: (وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة وأرحب كتب بأن يقيس بين قريتين فوجد القتيل إلى وادعة أقرب، فقضى عليهم بالقسامة) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال: وجد قتيل باليمن بين وادعة وأرحب، فكتب عامل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إليه فكتب إليه عمر أن قس ما بين الحيين، فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به.
قال: فقاسوا فوجدوه أقرب إلى وادعة فأخذنا، الحديث، قوله: وادعة وأرحب بالحاء المهملة حيان من همدان م: (قيل: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت؛ لأنه إذا كان بهذه الصفة يلحقه الغوث فتمكنهم النصرة وقد قصروا) ش: في النصرة مع إمكانها، فصار كأنهم قتلوه تقديرا، فيلزمهم القسامة والدية.
[وجد القتيل في دارإنسان]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه) ش: أي على صاحب الدار، وقال مالك: لا قسامة ولا غرامة في قتيل وجد في دار قوم، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون تعمدا للوث م: (لأن الدار في يده والدية على عاقلته؛ لأن نصرته منهم وقوته بهم) ش: أي بالعاقلة.
[السكان في القسامة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا تدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول محمد) ش: عند أبي حنيفة ليظهر [ ... ] خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد: مضطرب.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو) ش: أي القسامة، ذكر الضمير بالتذكير على تأويل(13/342)
سهو عليهم جميعا لأن ولاية التدبير كما تكون بالملك تكون بالسكنى، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جعل القسامة والدية على اليهود، وإن كانوا سكانا بخيبر. ولهما: أن المالك هو المختص بنصرة البقعة دون السكان؛ لأن سكنى الملاك ألزم، وإقرارهم أدوم، فكانت ولاية التدبير إليهم، فيتحقق التقصير منهم. وأما أهل خيبر فالنبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقرهم على أملاكهم، فكان يأخذ منهم على وجه الخراج.
قال: وهي على أهل الخطة دون المشترين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القسم أو الحلف قاله الأترازي، رأيت في بعض النسخ هي على الأصل فلا يحتاج إلى التكلف م: (عليهم جميعا) ش: أي على المذكورين في القسامة على السكان والملاك، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد وابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان أبو يوسف يقول أولا كقولهما، ثم رجع م: (لأن ولاية التدبير كما تكون بالملك تكون بالسكنى، ألا ترى أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (جعل القسامة والدية على اليهود، وإن كانوا سكانا بخيبر) ش: في قصة عبد الله بن سهل لما وجد قتيلا في خيبر وقد كانوا سكانها، لأنها كانت للمسلمين، وكان اليهود عمالهم.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن المالك هو المختص بنصرة البقعة دون السكان؛ لأن سكنى الملاك ألزم، وإقرارهم أدوم، فكانت ولاية التدبير إليهم، فيتحقق التقصير منهم. وأما أهل خيبر) ش: هذا جواب عما تمسك أبو يوسف بما ذكره تقريره أن يقال: م: (فالنبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقرهم على أملاكهم، فكان يأخذ منهم) ش: الذي يأخذه م: (على وجه الخراج) .
ش: وقد روى الطحاوي بإسناده إلى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد: أن خيبر يومئذ كانت صلحا، فإذا ثبت ذلك كانت خيبر ملكا لليهود، فعلم أن القتيل كان قبل الفتح، ولئن سلمنا أنه كان بعده فتقول: إن اليهود كانت لهم أملاك، ولهذا عوضهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما أجلاهم، كذا قاله القدوري في " التجريد ".
[القسامة والدية على أهل الخطة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهي) ش: أي القسامة والدية، وفي بعض النسخ وهو قاله الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي المذكور من وجوب القسامة والدية م: (على أهل الخطة) ش: يريد ما خطه الإمام حين فتح البلد، والخطة المكان المحيط بناء دار أو غيرها من العمارات.
ومعناه على أصحاب الأملاك القديمة الذين كانوا يملكونها حين فتح الإمام البلد وقسمها بين الغانمين، فإنه يخط خطة لتمييز أنصبائهم م: (دون المشترين) ش: يعني ليس عليهم.(13/343)
وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكل مشتركون لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ، وبهذا الطريق يجعل جانيا مقصرا، والولاية باعتبار الملك وقد استووا فيه. ولهما: أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة هو المتعارف. ولأنه أصيل، والمشتري دخيل وولاية التدبير إلى الأصيل. وقيل: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى ذلك على ما شاهد بالكوفة. قال: وإن بقي واحد منهم فكذلك، يعني من أهل الخطة لما بينا، وإن لم يبق واحد منهم بأن باعوا كلهم فهو على المشترين؛ لأن الولاية انتقلت إليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي المذكور م: (قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الكل مشتركون لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ، وبهذا الطريق يجعل جانيا مقصرا، والولاية) ش: أي ولاية الحفظ م: (باعتبار الملك) ش: وفيما يجب باعتبار الملك لا يختلف باختلاف أسباب الملك كاستحقاق الشفعة، فإنه مبني على الملك ولا تفاوت فيه بين أهل الخطة والمشترين، فكذا هنا، فإذا كان كذلك م: (وقد استووا) ش: أي أهل الخطة والمشترين م: (فيه) ش: أي في الملك، لأنهم مالكون جميعا، ولهذا إذا تحول الملك من أهل الخطة جميعا ولم يبق واحد منهم كانت القسامة على المشترين.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة هو المتعارف) ش: فإن العرف أن أصحاب الخطة يقومون بحفظ المحلة وتدبيرها دون المشترين م: (ولأنه) ش: أي ولأن صاحب الخطة م: (أصيل، والمشتري دخيل) ش: لأنه بمنزلة التبع.
م: (وولاية التدبير إلى الأصيل، وقيل: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى ذلك) ش: أي ما ذهب إليه م: (على ما شاهد بالكوفة) ش: أي من عادة أهل الكوفة في زمانه، وهو أن أصحاب الخطة في كل محلة كانوا هم الذين يقومون بتدبير المحلة، وأبو يوسف بنى على عادة بلده أن التدبير إلى الأشراف من أهل الخطة كانوا أولا، كذا في " التحفة ".
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن بقي واحد منهم) ش: أي من أهل الخطة م: (فكذلك) ش: الحكم، وفسر المصنف يرجع الضمير في قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى واحد منهم بقوله م: (يعني من أهل الخطة) ش: وقوله: م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله ولهما أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة، وإلى قوله ولأنه أصيل والمشتري دخيل.
م: (وإن لم يبق واحد منهم بأن باعوا كلهم) ش: أي من أهل الخطة م: (فهو) ش: أي المذكور من القسامة والدية م: (على المشترين، لأن الولاية انتقلت إليهم) ش: أي إلى المشترين،(13/344)
أو خلصت لهم لزوال من يتقدمهم أو يزاحمهم.
وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار وعلى قومه وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضورا، وإن كانوا غيبا فالقسامة على رب الدار يكرر عليه الأيمان وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة، لأن رب الدار أخص به من غيره فلا يشاركه غيره فيها كأهل المحلة لا يشاركهم فيها عواقلهم. ولهما: أن الحضور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد من أن المشترين لم يكن لهم ولاية مع وجود واحد من أهل الخطة عندهما، فإذا لم يبق أحد منهم بأن باع كلهم انتقلت الولاية إلى المشترين.
م: (أو خلصت لهم) ش: هذا على مذهب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن الولاية كانت لأهل الخطة والمشترين جميعا، فإذا لم يبق من أهل الخطة أحد حصلت الولاية للمشترين م: (لزوال من يتقدمهم) ش: يتعلق بقوله: انتقلت إليهم م: (أو يزاحمهم) ش: يتعلق بقوله حصلت لهم بطريق اللف والنشر.
م: (وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار وعلى قومه وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضورا) ش: وهو جمع حاضر، لأن عاقلا إذا كان صفة يجوز جمعه على فعول كمفعول في جمع فاعل م: (وإن كانوا غيبا) ش: بضم الغين وتشديد الياء جمع غائب م: (فالقسامة على رب الدار يكرر عليه الأيمان) .
قال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وجد القتيل في دار فالدية على صاحبها باتفاق الروايات، وفي القسامة روايتان ففي إحداهما يجب على صاحب الدار، وفي الأخرى: على عاقلته، ولهذا يندفع من التدافع بين قوله.
قيل: هذا وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه، وبين قوله هنا فالقسامة على رب الدار، وعلى قومه يحمل ذلك على رواية، وهذا على رواية أخرى، وحكي عن الكرخي أنه كان يوافق بينهما، ويقول الرواية التي يوجبها على صاحبها: محمولة على ما إذا كان قومه غيبا والرواية التي يوجبها على قومه محمولة على ما إذا كانوا حضورا، كذا في " الذخيرة " م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) .
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة على العاقلة، لأن رب الدار أخص به من غيره) ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وتذكير الضمير في به على تأويل الموضع م: (فلا يشاركه غيره فيها) ش: أي في القسامة م: (كأهل المحلة لا يشاركهم فيها عواقلهم) .
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الحضور) ش: أي(13/345)
لزمتهم نصرة البقعة كما تلزم صاحب الدار، فيشاركونه في القسامة.
قال: وإن وجد القتيل في دار مشتركة نصفها لرجل وعشرها لرجل ولآخر ما بقي فهو على رءوس الرجال؛ لأن صاحب القليل يزاحم صاحب الكثير في التدبير فكانوا سواء في الحفظ والتقصير، فيكون على عدد الرءوس بمنزلة الشفعة.
قال: ومن اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو على عاقلة البائع، وإن كان في البيع خيار لأحدهما فهو على عاقلة الذي في يده وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن لم يكن فيه خيار فهو على عاقلة المشتري، وإن كان فيه خيار فهو على عاقلة الذي تصير له؛ لأنه إنما أنزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ، ولا يجب إلا على من له ولاية الحفظ والولاية تستفاد بالملك، ولهذا كانت الدية على عاقلة صاحب الدار دون المودع، والملك للمشتري قبل القبض في البيع البات، وفي المشروط فيه الخيار يعتبر قرار الملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحاضرين م: (لزمتهم نصرة البقعة، كما تلزم صاحب الدار، فيشاركونه) ش: أي صاحب الدار م: (في القسامة) .
[وجد القتيل في دار مشتركة]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن وجد القتيل في دار مشتركة نصفها لرجل وعشرها لرجل ولآخر ما بقي فهو) ش: أي العقل م: (على رءوس الرجال، لأن صاحب القليل يزاحم صاحب الكثير في التدبير، فكانوا سواء في الحفظ والتقصير، فيكون على عدد الرؤوس) ش: أي رءوس الرجال لا على عدد الأنصباء م: (بمنزلة الشفعة) ش: يكون على عدد الرؤوس.
[اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو) ش: أي المذكور وهو الدية م: (على عاقلة البائع، وإن كان في البيع خيار لأحدهما) ش: أي للبائع والمشتري م: (فهو على عاقلة الذي) ش: أي الدار م: (في يده، وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: إن لم يكن فيه خيار فهو على عاقلة المشتري، وإن كان فيه خيار فهو على عاقلة الذي تصير له؛ لأنه) ش: أي لأنه الذي يصير له الدار.
م: (إنما أنزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ، ولا يجب إلا على من له ولاية الحفظ والولاية) ش: أي ولاية الحفظ م: (تستفاد بالملك ولهذا) ش: أي ولكون ولاية الحفظ تستفاد بالملك م: (كانت الدية) ش: في هذا الموضع م: (على عاقلة صاحب الدار دون المودع) ش: لعدم ملكه، وكذلك المستعير والمستأجر والغاصب والمرتهن حيث امتنع وجوب الدية على هؤلاء لهذا المعنى.
م: (والملك للمشتري قبل القبض في البيع البات، وفي المشروط فيه الخيار يعتبر قرار الملك) ش:(13/346)
كما في صدقة الفطر. وله: أن القدرة على الحفظ باليد لا بالملك. ألا يرى أنه يقتدر على الحفظ باليد دون الملك ولا يقتدر بالملك دون اليد، وفي البات اليد للبائع فبل القبض، وكذا فيما فيه الخيار لأحدهما قبل القبض، لأنه دون البات. ولو كان المبيع في يد المشتري والخيار له فهو أخص الناس به تصرفا. ولو كان الخيار للبائع فهو في يده مضمون عليه بالقيمة كالمغصوب، فتعتبر يده، إذ بها يقدر على الحفظ. قال: ومن كان في يده دار فوجد فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى تشهد الشهود أنها للذي في يده؛ لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه، واليد وإن كانت دليلا على الملك لكنها محتملة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إن كان الصادر من ذلك الملك عليه، بخلاف ما لو جنى العبد في الباب قبل القبض حيث يخير المشتري بين رد البيع وإمضائه، وهنا لا يخير، لأن الدار لم تصر مستحقة بوجود القتيل فيها، بخلاف العبد، لأنه يصير مستحقا بالجناية والاستحقاق من أفحش العيوب م: (كما في صدقة الفطر) ش: حيث يجب على من يحصل الملك فيه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن القدرة على الحفظ) ش: تكون م: (باليد لا بالملك) ش: غير أن الملك سبب اليد، فإذا وجد الملك لأحدهما واليد للآخر كان اعتبار اليد أولى، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا يرى أن يقتدر على الحفظ باليد دون الملك) ش: كالمودع.
م: (ولا يقتدر بالملك دون اليد) ش: في المضمون، لأن الملك باق فيه لا قدرة عليه م: (وفي البات) ش: بتشديد التاء، أي البيع البات م: (اليد للبائع قبل القبض، وكذا) ش: أي وكذا الخيار للبائع م: (فيما فيه الخيار لأحدهما قبل القبض؛ لأنه دون البات) ش: أي لأن فيما فيه الخيار دون البيع البات.
م: (ولو كان المبيع في يد المشتري والخيار له فهو أخص الناس به تصرفا) ش: أي من حيث التصرف م: (ولو كان الخيار للبائع فهو في يده مضمون عليه بالقيمة) ش: احترز به عن يد المودع فالقسامة على المشتري أيضًا، لأنه باليد يقوى الحفظ والتدبير م: (كالمغصوب) ش: فإنه مضمون بالقيمة.
م: (فتعتبر يده) ش: أي يد المشتري، فتكون الدية على عاقلة المشتري الذي في يده الدار، لأن القدرة على الحفظ باليد م: (إذ بها يقدر على الحفظ) ش: أي باليد والتذكير على اعتبار العضو، وفي بعض النسخ: إذ بها فلا حاجة إلى التأويل.
[كان في يده دار فوجد فيها قتيل] 1
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان في يده دار فوجد فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى تشهد الشهود أنها) ش: أي أن الدار ملك م: (للذي في يده؛ لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه، واليد وإن كانت دليلا على الملك لكنها محتملة) ش: بأن تكون(13/347)
فلا تكفي لإيجاب الدية على العاقلة كما لا تكفي لاستحقاق الشفعة به في الدار المشفوعة فلا بد من إقامة البينة.
قال: وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين. لأنها في أيديهم، واللفظ يشمل أربابها حتى تجب على الأرباب الذين فيها وعلى السكان. وكذا على من يمدها، والمالك في ذلك وغير المالك سواء، وكذا العجلة. وهذا على ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر، والفرق لهما: أن السفينة تنقل وتحول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يده على طريق العارية أو الإجارة ونحوها.
وإن كان كذلك م: (فلا تكفي لإيجاب الدية على العاقلة كما لا تكفي لاستحقاق الشفعة به) ش: أي بالملك م: (في الدار المشفوعة) ش: لما عرف م: (فلا بد من إقامة البينة) ش: على الملك.
وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرحه ": يريد به إذا أنكرت العواقل أن تكون الدار له.
وقالوا: هي وديعة في يدك فأقول قولهم إلا أن يقيم بينة على الملك لما عرف أن الظاهر حجة للدفع لا للاستحقاق وقد احتجنا إلى الاستحقاق هاهنا، فوجب إثباته بالبينة كمن طلب شفعة بالجوار في دار بيعت فأنكر المشتري الدار التي في يد المدعي ملكا له فإنه لا يستحق الشفعة بيده عليها حتى يقيم البينة على الملك، فكذلك هاهنا.
[وجد قتيل في سفينة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين؛ لأنها) ش: أي لأن السفينة م: (في أيديهم واللفظ) ش: أي لفظ القدوري، وهو قوله: على من فيها م: (يشمل أربابها حتى تجب على الأرباب الذين كانوا فيها وعلى السكان) .
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال بعض المشايخ: إنما يجب على الركاب إذا لم يكن للسفينة مالك معروف، فإذا كان لها مالك معروف فإن القسامة تجب على مالك السفينة ومنهم من يقول: يجب في الحالين على الذين كانت السفينة في أيديهم، ومثل هذا التفصيل مر في الدابة.
م: (وكذا على من يمدها) ش: أي السفينة م: (والمالك في ذلك وغير المالك سواء) ش: يعني مالك السفينة في وجوب القسامة على من فيها وغير مالكها سواء م: (وكذا العجلة) ش: أي وكذلك الحكم في العجلة إذا وجد فيها قتيل يجب القسامة والدية على من فيها من مالك العجلة وغيرها.
م: (وهذا) ش: أي كون المالك وغيرهم سواء في القسامة م: (على ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظاهر) ش: لأنه يجعل السكان والملاك في القتيل الموجود في المحلة سواء.
م: (والفرق لهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن السفينة تنقل وتحول(13/348)
فيعتبر فيها اليد دون الملك كما في الدابة. بخلاف المحلة والدار؛ لأنها لا تنقل.
قال: وإن وجد في مسجد محلة فالقسامة على أهلها؛ لأن التدبير فيه إليهم. وإن وجد في المسجد الجامع أو الشارع الأعظم فلا قسامة فيه والدية على بيت المال. لأنه للعامة لا يختص به واحد منهم. وكذلك الجسور للعامة ومال بيت المال مال عامة المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيعتبر اليد دون الملك، كما في الدابة) ش: يعني كما في القتيل الموجود على الدابة تعتبر اليد دون الملك، لأنها تنقل وتحول.
م: (بخلاف المحلة والدار، لأنها لا تنقل) ش: وفي " الذخيرة ": المعتبر في هذا الباب التصرف والرأي والتدبير، وكل ذلك يعرض إلى صاحب الخطة في الدار، لأن يده غير منقطع عنها ولهذا لا يتحقق الغصب فيها، بخلاف الدابة والسفينة فإن الرأي والتدبير إلى الكل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في مسجد محلة فالقسامة على أهلها، لأن التدبير فيه) ش: أي في المسجد م: (إليهم) ش: أي إلى أهل المسجد م: (وإن وجد في المسجد الجامع أو الشارع الأعظم) ش: وفي " المغرب ": الشارع هو الطريق الذي يشرع فيه الناس عامة على الإسناد المجازي، أي من قولهم شرع الطريق إذا تبين.
م: (فلا قسامة فيه) ش: لأن القسامة عرف وجوبها بالنص، والنص أوجبها في موضع خاص لا لأقوام معروفين.
م: (والدية على بيت المال؛ لأنه) ش: أي لأن بيت المال م: (للعامة لا يختص به واحد منهم) ش: فإنه روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فيمن قتل بزحام الناس بعرفة فجاء أهله إلى عمر فقال: بينتكم على من قتل، وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يا أمير المؤمنين لا يبطل دم امرئ مسلم إن علمت قاتله وإلا فأعط ديته من بيت المال، وكذا إذا وجد في زحام مسجد الجامع يوم الجمعة، وهو قول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال مالك: دمه هدر ومثله عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعند الشافعي الزحام لوث. وفي " الذخيرة ": لو وجد في مسجد جماعة في السوق وهو لعامة المسلمين لا لأهل هذه السوق فهو كمسجد الجامع.
م: (وكذلك الجسور للعامة) ش: يعني إذا وجد القتيل فيها تكون الدية على بيت المال ولا قسامة فيه، كما إذا وجد في الشارع الأعظم م: (ومال بيت المال مال عامة المسلمين) ش: فالكل مشتركون فيها فلعنة الله تعالى على الظلمة الذين استولوا عليه وحرموا مستحقيه.(13/349)
ولو وجد في السوق إن كان مملوك فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب على السكان، وعندهما على المالك وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة التي بنيت فيها فعلى بيت المال؛ لأنه لجماعة المسلمين. ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية والقسامة على أهل السجن؛ لأنهم سكان وولاية التدبير إليهم، والظاهر أن القتل حصل منهم، وهما يقولان: إن أهل السجن مقهورون فلا يتناصرون، فلا يتعلق بهم ما يجب لأجل النصرة، ولأنه بني لاستيفاء حقوق المسلمين، فإذا كان غنمه يعود إليهم فغرمه يرجع عليهم. قالوا: وهذه فريعة المالك والساكن، وهي مختلف فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -.
قال: وإن وجد في برية ليس بقربها عمارة فهو هدر وتفسير القرب ما ذكرنا من استماع الصوت؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو وجد) ش: أي القتيل م: (في السوق إن كان) ش: أي السوق م: (مملوكا فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب على السكان) ش: سواء كانوا ملاكا أو لا م: (وعندهما) ش: تجب م: (على المالك، وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة التي بنيت) ش: أي السوق م: (فيها فعلى بيت المال؛ لأنه لجماعة المسلمين. ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية والقسامة على أهل السجن، لأنهم سكان وولاية التدبير إليهم، والظاهر أن القتل حصل منهم) ش: قالت الأئمة الثلاثة: إذا كان هناك لوث.
م: (وهما) ش: أي أبو حنيفة ومحمد م: (يقولان إن أهل السجن مقهورون فلا يتناصرون، فلا يتعلق بهم ما يجب لأجل النصرة) ش: أي لأجل ترك النصرة م: (ولأنه) ش: أي ولأن السجن م: (بني لاستيفاء حقوق المسلمين، فإذا كان غنمه يعود إليهم فغرمه يرجع عليهم، قالوا) ش: أي المشايخ: م: (وهذه) ش: أي وهذه المسألة م: (فريعة المالك والساكن) ش: يعني وأصلها في اعتبار الساكن دون المالك فكأنهما جعلا عامة المسلمين كالملاك وأهل السجن بمنزلة السكان، كذا في " شرح الإرشاد ".
م: (وهي) ش: أي هذه القرينة م: (مختلف فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) ش: وذكر الكرخي قول محمد مع أبي حنيفة - رحمهما الله - وكذا ذكر القدوري في كتاب " التجريد " فقال: قال أبو حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا وجد القتيل في السجن فالدية على بيت المال. وقال أبو يوسف: على السجن.
[في برية ليس بقربها عمارة وجد قتيل]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في برية ليس بقربها عمارة فهو هدر) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة إذا لم يكن لوث م: (وتفسير القرب ما ذكرنا من استماع الصوت) ش: يعني الاعتبار في القرب أن يكون بحيث يسمع منه الصوت، لأن الصوت إذا(13/350)
لأنه إذا كان بهذه الحالة لا يلحقه الغوث من غيره فلا يوصف أحد بالتقصير، وهذا إذا لم تكن مملوكة لأحد، أما إذا كانت فالدية والقسامة على عاقلته. وإن وجد بين قريتين كان على أقربهما، وقد بيناه وإن وجد في وسط الفرات يمر به الماء فهو هدر؛ لأنه ليس في يد أحد ولا في ملكه. وإن كان محتبسا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان على التفسير الذي تقدم؛ لأنه اختص بنصرة هذا الموضع فهو كالموضوع على الشط والشط في يد من هو أقرب منه. ألا ترى أنهم يستقون منه الماء ويوردون بهائمهم فيها. بخلاف النهر الذي يستحق به الشفعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سمع منه، والغوث يلحق تلك البقعة من العمارة في الغالب، فيتعلق بها الحكم، لأنه ينسب حينئذ أهل العمارة إلى التقصير، وإن لم يبلغ الصوت لا يلحق بالغوث فلا يجب شيء، وهو معنى قوله: م: (لأنه إذا كان بهذه الحالة لا يلحقه الغوث من غيره، فلا يوصف أحد بالتقصير) ش: فلا يجب شيء م: (وهذا إذا لم تكن) ش: أي الحكم المذكور، وإذا لم تكن البرية م: (مملوكة لأحد، أما إذا كانت مملوكة لأحد فالدية والقسامة) ش: يجبان م: (على عاقلته) ش: أي على عاقلة المالك.
م: (وإن وجد بين قريتين كان على أقربهما) ش: أي أقرب القريتين م: (وقد بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكر عند قوله: وإن مرت دابة بين قريتين وعليها قتيل، ولكن هذا محمول على ما إذا كان يبلغ الصوت إليه.
م: (وإن وجد) ش: أي القتيل م: (في وسط الفرات يمر به الماء فهو هدر) ش: ذكر الفرات ليس للتحصيل، بل المراد به النهر العظيم يجري فيه الماء.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام " و" الذخيرة " هذا إذا كان منبع الماء في يد الكفار سواء كان يجري في وسطه أو شطه.
وأما إذا كان في يد المسلمين فاعتبرنا موضع انبعاث الماء وموضع ظهور القتيل م: (لأنه) ش: أي لأن الفرات م: (ليس في يد أحد ولا في ملكه، وإن كان محتبسا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان على التفسير الذي تقدم) ش: أراد به قوله: هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت.
م: (لأنه اختص بنصرة هذا الموضع فهو كالموضوع على الشط والشط في يد من هو أقرب منه) ش: أي من الشط، ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنهم يستقون منه الماء ويوردون بهائمهم فيها. بخلاف النهر الذي يستحق به الشفعة) ش: يعني إذا وجد القتيل في النهر الصغير يجب فيه القسامة والدية على عاقلة أرباب النهر ولا يكون هدرا لنسبة التقصير إليهم، لأنه في أيديهم م:(13/351)
لاختصاص أهلها به لقيام يدهم عليه فتكون القسامة والدية عليهم.
قال: وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وقد ذكرناه. وذكرنا فيه القياس والاستحسان. قال: وإن ادعى على واحد من غيرهم سقط عنهم، ووجه الفرق قد بيناه من قبل وهو: أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم فتعيينه واحدا منهم لا ينافي ابتداء الأمر لأنه منهم، بخلاف ما إذا عين من غيرهم؛ لأن ذلك بيان أن القاتل ليس منهم، وهو أنهم يغرمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قتلة تقديرا حيث لم يأخذوا على يد الظالم، ولأن أهل المحلة لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي، فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنع دعواه عليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(لاختصاص أهلها به لقيام يدهم عليه فتكون القسامة والدية عليهم) .
[ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم، وقد ذكرناه) ش: أي في مسألة ولو ادعى على البعض م: (وذكرنا فيه) ش: أي في المذكور م: (القياس والاستحسان) ش: سقوط القسامة وهو القياس وهو رواية ابن المبارك عن أبي حنيفة - رحمهما الله -.
وروي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وفي الاستحسان لا تسقط وهو رواية الأصل وقد مر تمام الكلام عند قوله هذا الذي ذكرنا: إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة، وكذا إذا ادعى على البعض لا بأعيانهم.
م: (وقال: وإذا ادعى على واحد من غيرهم) ش: أي من غير أهل المحلة بعينه م: (سقط) ش: أي سقط كل واحد من القسامة والدية م: (عنهم) ش: أي عن أهل المحلة ويحلف المدعى عليه يمينا واحدة.
وقالت الأئمة الثلاثة: إن كان هناك لوث تكرر اليمين عليه، وقد بيناه من قبل، يريد به قوله هذا الذي ذكرناه إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة م: (ووجه الفرق قد بيناه من قبل) ش: أي بين المسألتين م: (وهو أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم فتعيينه واحدا منهم لا ينافي ابتداء الأمر) ش: أي ابتداء القسامة، لأن الشرع أوجب القسامة على أهل المحلة م: (لأنه) ش: أي لأن الواحد الذي عينه م: (منهم) ش.
م: (بخلاف ما إذا عين من غيرهم) ش: أي من غير أهل هذه المحلة م: (لأن ذلك بيان أن القاتل ليس منهم، وهو أنهم يغرمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قتلة تقديرا حيث لم يأخذوا على يد الظالم، ولأن أهل المحلة لا يغرمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم إلا بدعوى الولي، فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنع دعواه عليهم) ش: فلا تسمع بعد ذلك دعواه للتناقض.(13/352)
وسقط لفقد شرطه.
قال: وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل فهو على أهل المحلة؛ لأن القتيل بين أظهرهم والحفظ عليهم، إلا أن يدعي الأولياء على أولئك، أو على رجل منهم بعينه فلم يكن على أهل المحلة شيء؛ لأن هذه الدعوى تضمنت براءة أهل المحلة عن القسامة. قال: ولا على أولئك حتى يقيموا البينة؛ لأن بمجرد الدعوى لا يثبت الحق للحديث الذي رويناه أما يسقط به الحق عن أهل المحلة، لأن قوله حجة على نفسه. ولو وجد قتيل في معسكر أقاموا بفلاة من الأرض لا ملك لأحد فيها، فإن وجد في خباء أو فسطاط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وسقط) ش: أي الدعوى م: (لفقد شرطه) ش: أي شرط الدعوى، لأنه ادعى على غير أهل المحلة فقد أبرأهم عن ذلك فلا تسمع بعد ذلك دعواه واعلم أن قوله: وللفرق إلى قوله قال: وإذا التقى قوم بالسيوف لا يوجد في كثير من النسخ، ولهذا لم يشرحه أكثر الشراح.
[التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا) ش: بالجيم أي انكشفوا م: (عن قتيل فهو على أهل المحلة؛ لأن القتيل بين أظهرهم) ش: أي بينهم، لفظ الأظهر مقحم للتأكيد م: (والحفظ عليهم، إلا أن يدعي الأولياء على أولئك، أو على رجل منهم بعينه، فلم يكن على أهل المحلة شيء لأن هذه الدعوى تضمنت براءة أهل المحلة عن القسامة) .
م: (قال) ش: أي محمد: م: (ولا على أولئك) ش: أي أولئك القوم المتقاتلين أي لم تكن القسامة على أهل المحلة، ولا على المتقاتلين م: (حتى يقيموا البينة؛ لأن بمجرد الدعوى لا يثبت الحق للحديث الذي رويناه) ش: أي في أول باب القسامة، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ولا يقال: الظاهر أنهم قتلوه، لأن الظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق.
م: (أما يسقط به الحق عن أهل المحلة؛ لأن قوله حجة على نفسه، ولو وجد قتيل في معسكر) ش: بفتح الكاف موضع العسكر، يقال: عسكر الرجل أي جعل عسكرا، وهو معسكر بكسر الكاف، والموضع معسكر.
وفي " ديوان الأدب " يقال: عسكر يعسكر عسكرة إذا هيأ العسكر، والعسكر هو الجند، قاله الأترازي، وكان من حق الكلام أن يقال: في عسكر م: (أقاموا بفلاة من الأرض) ش: أي نزلوا وسكنوا بها، لأن المعسكر بفتح الكاف منزل العسكر، وإلا أن يقال أراد العسكر المهيأ م: (لا ملك لأحد فيها) .
م: (فإن وجد في خباء) ش: وهي الخيمة من الصوف م: (أو فسطاط) ش: وهي الخيمة العظيمة، وعن ابن الكلبي: بيوت العرب ستة: قبة من أدم، ومظلة من شعر، وخباء من(13/353)
فعلى من يسكنها الدية والقسامة، وإن كان خارجا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية اعتبارا لليد عند انعدام الملك. وإن كان القوم لقوا قتالا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صوف، ولحاد من وبر، وخيمة من شجر، وفية وافية من هجر م: (فعلى من يسكنها الدية والقسامة) ش: أي على عاقلتهم.
م: (وإن كان) ش: أي القتيل م: (خارجا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية) ش: القسامة والدية م: (اعتبارا لليد عند انعدام الملك) ش: وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا وجد القتيل في العسكر، والعسكر في أرض فلاة فهو على القبيلة الذين وجد في رحالهم، لأنهم إذا نزلوا في فلاة صار كل قبيلة، كمحلة، على حدة، فيكون صيانة ذلك الموضع عليهم هذا إذا نزلوا قبيلة قبيلة، أما إذا نزلوا مختلطين تجب على أقرب أهل الأخبية على من في الخباء جميعا، لأنه يصير كدور متفرقة ليس في موضع قوم مجتمعين.
وإن كان العسكر في ملك رجل فعلى عاقلة رب الأرض القسامة والدية، لأن صاحب الملك أقدر على الصيانة بمنزلة دار مملوك لرجل وفيها ساكن، وإن كان العسكر في فلاة من الأرض فوجد قتيل في فسطاط رجل فعليه القسامة تكرر عليه الأيمان، وعلى عاقلته الدية، لأنه بمنزلة دار وجد فيها قتيل في المحلة، فإن القسامة تجب على صاحب الدار والدية على عاقلته، لأن أمر الصيانة إليه، فكذا هنا.
م: (وإن كان القوم لقوا قتالا) ش: قال الكاكي: انتصاب قتالا، على المفعولية أي لقي المسلمون مع المشركين قتالا، ويحتمل أن يكون على الحال، أي مقاتلين.
وقال الأكمل: قتالا يجوز أن يكون حالا، أي مقاتلين، ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا، لأن لقوا في معنى المقاتلة، لأنهم لقوا له، أي القتال. وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما ملخصه أنه فيه وجوه أن يكون مفعولا به، وأن يكون حالا والمفعول به محذوف وأن يقع قتالا يعني مقاتلين مفعولا به أيضًا صفة لمحذوف، فإنه مقامه، أي لقوا عدوا مقاتلين مفعولا به أيضًا تقاتلوا مقاتلة، وأن يكون تمييزا، أي لقوا العدو من حيث المقاتلة، لأن في لقائهم أنه ما يجوز أن يكون ذلك بسبيل الصلح أو بسبيل العداوة والمقاتلة، وأن يقع مفعولا له، انتهى.
قلت: الأقرب من هذه الوجوه أن يكون مفعولا به أو حالا، والتمييز بعيد فليتأمل.(13/354)
ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية، لأن الظاهر أن العدو قتله فكان هدرا، وإن لم يلقوا عدوا فعلى ما بيناه. وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان فيجب على المالك عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف - رحمهما الله - وقد ذكرناه. قال: وإذا قال المستحلف: قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان؛ لأنه يريد إسقاط الخصومة عن نفسه بقوله فلا يقبل، فيحلف على ما ذكرنا؛ لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنى عن اليمين، فبقي حكم من سواه فيحلف عليه. قال: وإذا شهد اثنان من أهل المحلة على رجل من غيرهم أنه قتل لم تقبل شهادتهما وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: تقبل لأنهم كانوا بعرضية أن يصيروا خصماء، وقد بطلت العرضية بدعوى الولي القتل على غيرهم فتقبل شهادتهم كالوكيل بالخصومة إذا عزل قبل الخصومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية، لأن الظاهر أن العدو قتله فكان هدرا) ش: لا شيء فيه م: (وإن لم يلقوا عدوا فعلى ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: إن القتيل إذا وجد في العسكر بفلاة، فإن وجد في الخباء فهو على ساكنه، وإن وجد خارج الخباء فعلى أقرب الأخبية.
م: (وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان، فيجب على المالك عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف - رحمهما الله -، وقد ذكرناه) ش: أشار به إلى ما ذكر عند قوله ولا يدخل السكان مع الملاك في القسامة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجمعوا عليهم جميعا.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا قال المستحلف) ش: بفتح اللام م: (قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان؛ لأنه يريد إسقاط الخصومة عن نفسه بقوله فلا يقبل فيحلف على ما ذكرنا) ش: على أنه ما قتله ولا أعرف له قاتلا غير فلان م: (لأنه لما أقر بالقتل على واحد صار مستثنى عن اليمين فبقي حكم من سواه فيحلف عليه) ش: حاصله: أن لا يسقط عنه اليمين بقوله قتله فلان، لأن هذا لا يبقى أن يكون للمقر شريك معه في القتل، أو يكون غير شريك معه، فإن كان كذلك يحلف على أنه ما قتله ولا عرف قاتلا غيره.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا شهد اثنان من أهل المحلة) ش: يعني إذا ادعى الولي م: على رجل من غيرهم) ش: أي من غير أهل المحلة وشهد اثنان من أهل المحلة م: (أنه قتل لم تقبل شهادتهما، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: تقبل لأنهم كانوا بعرضية أن يصيروا خصماء، وقد بطلت العرضية بدعوى الولي القتل على غيرهم فتقبل شهادتهم كالوكيل بالخصومة) ش: أي كشهادة الوكيل م: (إذا عزل قبل الخصومة) ش: عن الوكالة فشهد موكله، فإن شهادته تقبل(13/355)
وله: أنهم خصماء بإنزالهم قاتلين للتقصير الصادر منهم فلا تقبل شهادتهم، وإن خرجوا من جملة الخصوم كالوصي إذا خرج من الوصاية بعد ما قبلها ثم شهد. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى هذين الأصلين يتخرج كثير من المسائل من هذا الجنس.
قال: ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة؛ لأن الخصومة قائمة مع الكل على ما بيناه، والشاهد يقطعها عن نفسه فكان متهما. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشهود يحلفون بالله ما قتلناه ولا يزدادون على ذلك؛ لأنهم أخبروا أنهم عرفوا القاتل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو قياس الأئمة الثلاثة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنهم خصماء بإنزالهم قاتلين للتقصير الصادر منهم) ش: فإذا كان كذلك م: (فلا تقبل شهادتهم، وإن خرجوا من جملة الخصوم كالوصي إذا خرج من الوصاية) ش: بأن بلغ الغلام أو عزله القاضي م: (بعد ما قبلها) ش: أي كالوصية م: (ثم شهد) ش: فلا تقبل. شهادته.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى الأصلين هذين) ش: المجمع عليهما.
أحدهما: أن من انتصب خصما في حادثة لا تقبل شهادته في تلك الحادثة أبدا بالإجماع.
والثاني: أن من له العرضية أن يصير خصما ثم بطلت العرضية فشهد فتقبل بالإجماع م: (يتخرج كثير من المسائل من هذا الجنس) ش: منها الشفيعان إذا شهدا بالشراء على المشتري وهما لا يطلبان الشفعة تقبل شهادتهما، هذا على الأصل الثاني.
ومنها أن الوارثين شهدا بالدين على الميت وله وارث آخر لم يطلب الميراث قبلت الشهادة، لأن الوارث مع الدين لا يصير خصما والدين مقدم، ولكن بعرضية أن يصير خصما، ومن المسائل التي على الأصل الأول مسألة الوكيل، وقد مرت.
[ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه]
م: (قال: ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة؛ لأن الخصومة قائمة مع الكل على ما بيناه) ش: أشار إلى ما ذكر في مسألة، وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة في بيان الفرق م: (والشاهد يقطعها) ش: أي يقطع الخصومة م: (عن نفسه فكان متهما) ش: فلا تقبل شهادته.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الشهود يحلفون بالله ما قتلناه ولا يزدادون) ش: ولفظ زاد يجيء لازما ومتعديا، يقال: زاد الشيء يزيد، أي ازدادوا، فعلى هذا قوله: ولا يزدادون غير مستقيم وينبغي أن يقول: ولا يزيدون م: (على ذلك) ش: أي على قولهم: ما قتلناه م: (لأنهم أخبروا أنهم عرفوا القاتل) ش: وعن محمد: يحلفون ولا عينا له قاتلا غير الذي شهدنا عليه.(13/356)
قال: ومن جرح في قبيلة فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة، فإن كان صاحب فراش حتى مات فالقسامة والدية على القبيلة، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قسامة ولا دية؛ لأن الذي حصل في القبيلة أو المحلة ما دون النفس ولا قسامة فيه، فصار كما إذا لم يكن صاحب فراش. وله: أن الجرح إذا اتصل به الموت صار قتلا، ولهذا وجب القصاص، فإن كان صاحب فراش أضيف إليه، وإن لم يكن احتمل أن يكون الموت من غير الجراح فلا يلزم بالشك.
قال: ولو أن رجلا معه جريح به رمق حمله إنسان إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لم يضمن الذي حمله إلى أهله في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن؛ لأن يده بمنزلة المحلة فوجوده جريحا في يده كوجوده فيها، وقد ذكرنا وجهي القولين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[جرح في قبيلة]
م: (قال: ومن جرح في قبيلة) ش: ولم يعلم الجارح، لأنه لو علم سقطت القسامة، بل فيه القصاص على الجارح إن كان عمدا، والدية على العاقلة إذا كان خطأ م: (فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة، فإن كان صاحب فراش حتى مات) ش: يعني إذا صار صاحب فراش حين جر ح في تلك القبيلة ثم نقل إلى أهله فمات قيد به، لأنه لو كان صحيحا يجيء ويذهب حين جرح ثم مات في أهله فلا شيء فيه كذا في " المبسوط " م: (فالقسامة والدية على القبيلة، وهذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا قسامة ولا دية، لأن الذي حصل في القبيلة أو المحلة ما دون النفس ولا قسامة فيه، فصار كما إذا لم يكن صاحب فراش) ش: وبه قال ابن أبي ليلى.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الجرح إذا اتصل به الموت صار قتلا، ولهذا وجب القصاص، فإن كان صاحب فراش) ش: ومات بعده م: (أضيف إليه، وإن لم يكن) ش: صاحب فراش م: (احتمل أن يكون الموت من غير الجراح فلا يلزم بالشك) ش: وعلى هذا الخلاف مسألة الجريح إذا وجد على ظهر إنسان يحمله إلى بيته فمات بعد يوم أو يومين، فإن كان صاحب فراش حتى مات فالدية والقسامة على الذي حمله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لم يضمن.
[حمل رجلا جريح به رمق إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات]
م: (ولو أن رجلا معه جريح به رمق) ش: أي الرمق بقية الروح م: (حمله إنسان إلى أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لم يضمن الذي حمله إلى أهله في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قياس ابن أبي ليلى م: (وفي قياس قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن؛ لأن يده بمنزلة المحلة فوجوده جريحا في يده كوجوده فيها) ش: أي في المحلة م: (وقد ذكرنا وجهي القولين) ش:(13/357)
فيما قبله من مسألة القبيلة.
ولو وجد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته لورثته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا شيء فيه، لأن الدار في يده حين وجد الجرح فيجعل كأنه قتل نفسه فيكون هدرا. وله: أن القسامة إنما تجب بناء على ظهور القتل، ولهذا لا يدخل في الدية من مات قبل ذلك، وحال ظهور القتل الدار للورثة فتجب على عاقلتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف - رحمهما الله - م: (فيما قبله من مسألة القبيلة) ش: وهو الذي ذكر هذا بقوله.
[وجد رجل قتيلا في دار نفسه]
ومن جرح في قبيلة م: (ولو وجد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته لورثته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهذا قياس قول أحمد والأوزاعي، فإن عندهما: لو قتل نفسا خطأ يجب ديته على عاقلته خلافا لباقي العلماء.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: لا شيء فيه) ش: يعني يهدر دمه، وبه قال الشافعي ومالك م: (لأن الدار في يده حين وجد الجرح فيجعل كأنه قتل نفسه فيكون هدرا) ش: يعني لا شيء فيه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن القسامة إنما تجب بناء على ظهور القتل، ولهذا لا يدخل في الدية من مات قبل ذلك) ش: أي قبل ظهور القتل م: (وحال ظهور القتل الدار للورثة فتجب على عاقلتهم) ش: أي عاقلة الورثة. قال الأكمل: قال المصنف: فديته على عاقلته. قال المصنف: قال في دليله: وحال ظهور القتل الدية للورثة فيجب على عاقلتهم، وفيه تناقض ظاهر مخالفة بين الدليل والمدلول، ودفع ذلك بأن يقال عاقلة الميت: إما أن يكون عاقلة الورثة أو غيرهم، فإن كان الأول: كانت الدية على عاقلة الميت وهم عاقلة الورثة ولا تنافي بينهما.
وإن كان الثاني: كانت الدية على عاقلة الورثة، ولما كان كل منهما ممكنا، أشار إلى الأول في حكم المسألة وإلى الثاني في دليلها، وعلى التقدير الثاني تعذر في قوله فالدية على عاقلته يضاف أي على عاقلة ورثته.
وقال الأترازي: فإن قلت: كيف يستقيم أن ينعقل عاقلة الورثة للورثة، وليس بمعقول أن يعقلوا عن أنفسهم لأنفسهم؟
قلت: العاقلة أعم من غير أن يكون ورثة أو غير ورثة فما وجب على غير الورثة من العاقلة يجب للورثة منهم، وهذا لأن عاقلة الرجل أهل ديوانه عندنا، وعند الشافعي(13/358)
بخلاف المكاتب إذا وجد قتيلا في دار نفسه لأن حال ظهور قتله بقيت الدار على حكم ملكه فيصير كأنه قتل نفسه فيهدر دمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أقرباؤه.
م: (بخلاف المكاتب) ش: لما استشعر المصنف ورود مسألة المكاتب م: (إذا وجد قتيلا في دار نفسه) ش: كالنقض على ما ذكر، أشار إلى الجواب بقوله بخلاف المكاتب حيث يهدر دمه إذا وجد قتيلا في دار نفسه م: (لأن حال ظهور قتله بقيت الدار على حكم ملكه فيصير كأنه قتل نفسه فيهدر دمه) ش: لأن الكتابة لا تنفسخ إذا مات وله مال، بل يقضى ما عليه منه، فإذا كانت الدار له حين ظهور قتله جعل قاتلا نفسه تقديرا لقيام ملكه والحر حال ظهور قتله انتقل منه ملكه إلى ورثته، فلم يجعل قاتلا نفسه تقديرا لزوال ملكه. وقال الكرخي: في " مختصره ": إذا وجد في دار المكاتب قتيل فهو عليه يسعى في الأقل من قيمته ومن الدية. وكذلك لو وجد مولاه في دار المكاتب قتيلا كان عليه الأقل من ديته والقيمة. ولو وجد المكاتب قتيلا في دار مولاه فعلى مولاه قيمته في ثلاث سنين ولا تحمله العاقلة.
وقال القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو يوسف: إذا وجد المكاتب قتيلا في دار سيده فعلى السيد القيمة في ماله، وإن لم يترك وفاء ولا دين عليه فهو هدر، وإن كان عليه دين ولم يدع وفاء فعلى السيد الأقل من القيمة والدين لغرمائه.
وقال زفر: دمه هدر ترك وفاء أو لم يترك. وقال الكرخي في " مختصره ": وإذا وجد في دار عبد مأذون له في التجارة وعليه دين أو لا دين عليه أو غير مأذون له وجد في داره قتيل فعلى عاقلة مولاه قتيل، فإن كان عليه دين فإن على الولي قيمته لغرمائه في ماله حالا، وكذلك لو قتله عمدا فعليه قيمته حالا. وكذلك لو كان العبد جنى جناية ثم وجد قتيلا في دار مولاه فعلى المولى قيمته حالا، وكذلك لو قتله المولى خطأ وهو لا يعلم بالجناية، فإن كان يعلم فعليه الدية وقال محمد: إذا وجد أبو الرجل أو أخوه قتيلا في داره فإن عاقلته تعقل دية أبيه ودية أخيه، وإن كان هو وارثه، لأن الدية لم تجب له، وإنما وجب كغيره. وقال بشر عن أبي يوسف: في العبد الرهن يوجد في دار الراهن أو المرتهن قتيلا فالدية على رب الدار دون العاقلة.
قال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وإذا وجد العبد أو المكاتب أو المدبر أو أم الولد(13/359)
ولو أن رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن الآخر الدية. وقال محمد: لا يضمنه؛ لأنه يحتمل أنه قتل نفسه فكان التوهم، ويحتمل أنه قتله الآخر فلا يضمنه بالشك. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الظاهر أن الإنسان لا يقتل نفسه، فكان التوهم ساقطا كما إذا وجد قتيل في محلة.
ولو وجد قتيل في قرية لامرأة، فعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - عليها القسامة تكرر عليها الأيمان، والدية على عاقلتها أقرب القبائل إليها في النسب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القسامة على العاقلة أيضا؛ لأن القسامة إنما تجب على من كان من أهل النصرة، والمرأة ليست من أهلها، فأشبهت الصبي. ولهما: أن القسامة لنفي التهمة، وتهمة القتل من المرأة متحققة. قال المتأخرون: إن المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل في هذه المسألة؛ لأنا أنزلناها قاتلة، والقاتل يشارك العاقلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قتيلا في محلة: وجبت القسامة والقيمة في ثلاث سنين.
[رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا]
م: (ولو أن رجلين كانا في بيت وليس معهما ثالث فوجد أحدهما مذبوحا. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن الآخر الدية. وقال محمد: لا يضمنه، لأنه يحتمل أنه قتل نفسه فكان التوهم، ويحتمل أنه قتله الآخر فلا يضمنه بالشك. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الظاهر أن الإنسان لا يقتل نفسه، فكان التوهم ساقطا) ش: يعني وقوع القتل من نفسه وهم لا يلتفت إليه م: (كما إذا وجد قتيل في محلة) ش: حيث يكون توهم قتل نفسه ساقطا، فكذا هذا.
م: (ولو وجد قتيل في قرية لامرأة، فعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: عليها القسامة تكرر عليها الأيمان والدية على عاقلتها، أقرب القبائل إليها في النسب. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: القسامة على العاقلة أيضًا؛ لأن القسامة إنما تجب على من كان من أهل النصرة، والمرأة ليست من أهلها، فأشبهت الصبي) ش: حيث لا يكون من أهل الصيانة، وإنما القسامة مخاطب بها على أهل الصيانة فالمرأة والصبي سواء.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: م: (أن القسامة لنفي التهمة وتهمة القتل في المرأة متحققة) ش: لأن في حق العاقلة، لأنهم لم يكونوا في القرية فيلزمها القسامة.
م: (قال المتأخرون) ش: أي من المشايخ لأصحابنا م: (إن المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل في هذه المسألة) ش: قيد بقوله " في هذه المسألة " لأنها لا تدخل في غير هذه المسألة على ما يجيء في العاقلة م: (لأنا أنزلناها قاتلة، والقاتل يشارك العاقلة) ش: إنما أنزلوها قاتلة تقريرا حيث دخلت
في القسامة، فكما دخلت في العقد أيضًا، بخلاف غيرها من الصور، فإنها لا تدخل فيه في القسامة، بل يجب على الرجال، فلا تدخل في العقل أيضًا.(13/360)
ولو وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها، قال: هو على صاحب الأرض؛ لأنه أحق بنصرة أرضه من أهل القرية، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها]
م: (ولو وجد رجل قتيلا في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهلها) ش: أي من أهل القرية م: (قال: هو على صاحب الأرض) ش: أي وجوب القسامة والدية على صاحب الأرض م: (لأنه أحق بنصرة أرضه من أهل القرية) ش: لأن الحفظ والتدبير في الأرض إلى صاحب الأرض لا إلى أهل القرية. وقال شيخ الإسلام علاء الدين الأسبيجابي في " شرح الكافي " القرية إذا كانت لرجل من أهل الذمة فإنه يكرر عليه الأيمان، لأنه من أهل القسامة، والقرية في صيانته، فيكون موجب التقصير عليهم، وعليه الدية، لأنه لا عاقلة له، حتى لو كانت له عاقلة يجب عليه. ولو كان الذمي نازلا في قبيلة من القبائل فوجد فيها قتيل لم يدخل الذمي في القسامة ولا في الغرم، لأنه تابع لأهل القرية، وكذلك السكان والنوازل فيها من غيرهم، لأنهم أتباع.
وقال شيخ الإسلام أيضًا: ولو وجد القتيل في قرية اليتامى وهم صغار ليس في تلك القرية من عشيرتهم أحد، فالقسامة والدية على عاقلة اليتامى، لأنهم ليسوا من أهل الصيانة فيلزم ذلك على عاقلتهم، وعاقلتهم أقرب القبائل إليهم إذا لم يكن في ذلك البلد عشيرتهم، وإن كان فيهم مدرك فعلى القسامة وتكرار اليمين، لأنه من أهل ذلك، على أقرب القبائل منهم الدية في الوجهين إذا لم يكن في تلك البلد عشيرتهم، م: (والله أعلم) .(13/361)
كتاب المعاقل المعاقل جمع معقلة وهي الدية، وتسمى الدية عقلا؛ لأنها تعقل الدماء من أن تسفك، أي: تمسك
قال: والدية في شبه العمد والخطأ، وكل دية تجب بنفس القتل على العاقلة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب المعاقل]
[تعريف المعاقل]
م: (كتاب المعاقل) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام المعاقل.
م: (المعاقل جمع معقلة) ش: بفتح الميم وضم القاف كالمكارم جمع مكرمة بضم الراء م: (وهي الدية) ش: أي المعقلة هي الدية في الاصطلاح. وأما في اللغة فمعنى العقل: المنع م: (وتسمى الدية عقلا؛ لأنها تعقل الدماء من أن تسفك، أي: تمسك) ش: وقيل: إنما سميت الدية عقلا ومعقلة باعتبار أن إبل الديات كانت تعقل بفناء دار المقتول، ثم عم هذا الاسم فسميت الدية معقلة وإن كانت دراهم أو دنانير أو البقر أو الغنم أو الجبل وغيرها على الخلاف الذي يأتي. ومعاقل الجبال المواضع المنيعة فيها العقل من الجبل، حيث يمتنع منه. ويقال: عقل الدواء بطنه يعقله عقلا إذا أمسكه، وعقل الوعل في الجبل إذا علا فيه وامتنع يعقل عقولا، وسميت آلة الإدراك عقلا لهذا المعنى أيضًا، لأنه يمنع من السفه والهوى والمعنى الجامع اللغوي: المنع.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": طعن بعض الملحدين من مبطلي الرسل على هذا. وقال لا جناية من العاقلة وجوب الدية باعتبارها، فيكون في مال القاتل. وحكي ذلك عن أبي بكر الأصم والخوارج أنهم قالوا: تجب الدية في مال القاتل، يؤيد ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] ألا ترى أن من أتلف دابة قيمتها تجحف مال المتلف كثرة لا يجب الضمان.
قلنا: إيجاب الدية على العاقلة مشهورة ثبتت بالأحاديث المشهورة وعليه عمل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - والتابعين من بعدهم فيزاد على كتاب الله تعالى، فدل على أنه لا يحمل وازرة وزر أخرى، وإنما ذكر هذا الكتاب في آخر كتاب الجنايات والأبواب والفصول، لأنه لم يبق شيء من أحكام هذه الكتب إلا بيان أحكام المعاقل فيها على الترتيب.
[وجوب الدية في شبه العمد والقتل الخطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والدية في شبه العمد والخطأ) ش: أي وجوب الدية في شبه العمد والقتل الخطأ م: (وكل دية تجب بنفس القتل على العاقلة) ش: كل دية مرفوع، لأنه مبتدأ، وخبره قوله على العاقلة، وإنما قال: بنفس القتل، أي ابتداء واحترز على ما وجبت الدية في(13/362)
والعاقلة الذين يعقلون، يعني: يؤدون العقل وهو الدية، وقد ذكرناه في الديات. والأصل في وجوبها على العاقلة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث حمل بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: للأولياء «قوموا فدوه» . ولأن النفس محترمة لا وجه إلى الإهدار، والخاطئ معذور، وكذا الذي تولى شبه العمد نظرا إلى الآلة فلا وجه إلى إيجاب العقوبة عليه، وفي إيجاب مال عظيم إجحافه واستئصاله فيصير عقوبة، فضم إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثاني الحال لا ابتداء، كما إذا قتل الأب ابنه حيث يكون موجب القتل القصاص ابتداء، ولكنه يسقط ذلك إلى الدية بشبهة الأبوة فتجب الدية في مال الأب لا على العاقلة. وكذا إذا وجبت الدية صلحا من العمد يجب ذلك في مال القاتل حالة إلا إذا اشترط التأجيل، بخلاف ما يجب على الأب فإنه يجب في ثلاث سنين. م: (والعاقلة الذين يعقلون، يعني: يؤدون العقل وهو الدية، وقد ذكرناه في الديات) ش: أي ذكرنا الدية على تأويل العقل في حديث حمل بن مالك وقد مر قصته في فصل الجنين.
م: (والأصل في وجوبها) ش: أي في وجوب الدية م: (على العاقلة قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في حديث حمل بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: للأولياء «قوموا فدوه» ش:، وحمل بالحاء المهملة والميم المفتوحتين ابن مالك بن النابغة الهذلي. قوله: فدوه بضم الدال وسكون الواو، أي أدوا ديته من يدي، وقد مر الكلام فيه مستقصى فيما مضى.
م: (ولأن النفس محترمة لا وجه إلى الإهدار) ش: أي إلى الإسقاط لأنه ليس في الإسلام دم مهدر م: (والخاطئ معذور) ش: لأنه لم يقصد القتل م: (وكذا الذي تولى شبه العمد) ش: وهو الذي ضربه بالسوط الصغير حتى قتله م: (نظرا إلى الآلة) ش: لأن آلته ليست بموضوعة للقتل، فكان في معنى الخطأ م: (فلا وجه إلى إيجاب العقوبة عليه، وفي إيجاب مال عظيم إجحافه) ش: أي إجحاف الخاطئ، يقال أجحف بالشيء إذا ذهب به م: (واستئصاله) .
قال الأكمل: فيه الإجحاف بقوله: " واستئصاله ".
قلت: ليس كذلك، لأن الإجحاف الذهاب بالشيء كما ذكرنا، ومنه سيل جحاف إذا ذهب بكل شيء، والاستئصال قلع الشيء من أصله، ومادته همزة وصاد، ولام، وأصل واستئصال بكسر التاء وسكون الهمزة فقلبت الهمزة ياء للتخفيف م: (فيصير عقوبة) ش: إذا وجب هذا المال العظيم كله على القاتل يكون عقوبة فلا يستحق هذه العقوبة م: (فضم إليه(13/363)