ولا يعتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ وهو الصحيح؛ لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب. قال: وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثا كانت ثلاثا، وإن نوى ثنتين كانت واحدة بائنة، وهذا مثل قوله: أنت بائن، وبتة، وبتلة، وحرام، وحبلك على غاربك، والحقي بأهلك، وخلية، وبرية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن التنصيص على الواحدة ينافي نية الثلاث للمنافاة بين الواحد والعدة فلا يحتمل لفظًا لا حقيقة؛ لأنه ليس بموضوع له ولا مجازًا للمنافاة. م: (ولا يعتبر إعراب الواحدة عند عامة المشايخ) ش: يعني سواء قال أنت واحدة بالرفع أو بالنصب أو بالسكون م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ المذكور في شرح " الجامع الصغير " أنه إذا أعرب الواحدة بالرفع لم يقع شيء، وإن نوى لأنها صفة شخصها، إذا أعرب بالنصب يقع من غير نية، لأنه نعت مصدر محذوف، وإن سكن ولم يحرك يحتاج إلى النية، وإن نوى كان على الاختلاف، يعني عندنا يقع واحدة رجعية، وعند الشافعي لا يقع شيء.
وقيل: عدم الوقوع في الرفع قول محمد. والصحيح أن الكل سواء، فلا اعتبار للإعراب م: (لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب) ش: فلا يحتاج إلى التفصيل.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وبقية الكنايات) ش: أراد بها ما سوى الألفاظ الثلاثة المذكورة م: (إذا نوى بها) ش: بلفظ فيها م: (الطلاق كانت واحدة بائنة) ش: أي طلقة واحدة بائنة م: (وإن نوى ثلاثًا) ش: أي ثلاث تطليقات م: (وإن نوى ثنتين) ش: أي طلقتين م: (كانت واحدة) ش: أي كانت الطلقة واحدة.
وقال زفر ومالك والشافعي يقع ما نوى. وقال أحمد: هو عندي ثلاث لكني أكره. م: (وهذه) ش: أي المذكور من بقية الكنايات م: (مثل قوله) ش: أي قول الزوج م: (أنت بائن) ش: أي من البينونة وهو القطع، وهو نعت للمرأة، ويحتمل أن يكون استبرئي عن النكاح وعن المعاصي وعن الخيرات ونحو ذلك م: (وبتة) ش: من البت وهو القطع أيضًا، وفيه الاحتمالات المذكورة م: (وبتلة) ش: أي بتلت الشيء إذا ابتله عن غيره، ويه الاحتمالات المذكورة م: (وحرام) ش: أصله المصدر كالحرمة، ويراد به النعت ومعناه الممنوع، وفيه الاحتمالات المذكورة م: (وحبلك على غاربك) ش: وهو استعارة عن التخلية، والغارب بالغين المعجمة ما تقدم من الظهر وارتفع عن العنق فيحتمل الخلو من الخيرات لكونك غير مطيعة ويحتمل الخلو عن قيد النكاح لكونك بائنة.
م: (والحقي بأهلك) ش: الحقي: أمر من لَحِقَ، من حَدِّ علم، وفتح الألف وكسر الحاء خطأ فإنه يصير من الإلحاق وهو فعل متعد، والصحيح أن يجعل من اللحوق فيحتمل لأني طلقتك الحقي بأهلك، ويحتمل سيري بسير أهلك م: (وخلية) ش: من الخلو، بضم الخاء من حد دخل، فيحتمل الخلو عن الخيرات أو عن قيد النكاح م: (وبرية) ش: من البراءة من حد علم، فيحتمل(5/363)
ووهبتك لأهلك، وسرحتك، وفارقتك، وأمرك بيدك، واختاري، وأنت حرة، وتقنعي، وتخمري، واستتري، واغربي، واخرجي واذهبي وقومي وابتغي الأزواج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البراءة عن حسن الثناء أو عن قيد أهلك، م: (ووهبتك لأهلك) ش: لأني طلقتك م: (وسرحتك) ش: يحتمل التسريح بالطلاق أو بغيره م: (وفارقتك) ش: تحتمل المفارقة بالطلاق أو بغيره.
قال الشافعي: هما صريحان لا يحتاجان إلى الطلاق، فيكون تفويضًا له إليها، ويحتمل غيره في تصرف آخر.
م: (وأمرك بيدك، واختاري) ش: يحتمل اختيار نفسها بالفراق من النكاح أو في أمر آخر، وفي هذين اللفظين لا تطلق حتى تطلق نفسها م: (وأنت حرة) ش: يحتمل عن حقيقة الرق أو رق النكاح م: (وتقنعي) ش: هذا أمر بأخذ القناع على وجهها، فيحتمل لأنك بتت مني بالطلاق وحرم علي نظرك أو عن الأجنبي لأنظر إليك م: (وتخمري) ش: هو أمر بأخذ الخمار، فيحتمل ما يحتمله تقنعي م: (واستتري) ش: هو أمر بالسترة، فيحتمل ما احتمل تخمري م: (واغربي) ش: هو بالغين المعجمة والراء المهملة، أي تباعدي عني لأني طلقتك.
واغربي لزيارة أهلك، ويروى اعربي بالعين المهملة، والثاني من العروبة وهو النقد م: (واخرجي) ش: يحتمل اخرجي من عندي لأني طلقتك، واخرجي أمر لشيء آخر م: (واذهبي، وقومي، وابتغي الأزواج) ش: أي اطلبيهم، فيحتمل لأني طلقتك، أو ابتغي الأزواج من النساء؛ لأن لفظ الأزواج مشترك بين الرجال والنساء، وهذه اثنتان وعشرون لفظًا.
وفي شرح " الأسبيجابي " " وجوامع الفقه " هي كنايات ومدلولات. وفي " الينابيع " ثلاث كنايات ومدلولات وتفويضات، أما الكنايات فقوله أنت بائن وبتة وخلية وبرية وحرام. وما الحق بها القاضي أبو يوسف في رواية الطحاوي وهي أربعة ذكرها السروجي في " المبسوط " وقاضي خان ي " الجامع الصغير "، وهي لا سبيل لي عليك، لا ملك لي عليك، خليت سبيلك وفارقتك، خرجت عن ملكي.
قالوا: هو بمنزلة خليت سبيلك. وفي " الينابيع " وألحق أبو يوسف بالخمسة ستة أخرى، وهي الأربعة المتقدمة، وزاد خالعتك، والحقي بأهلك.
وقال السروجي: ينبغي أن يزاد فيها: أنت بتلة، ولا سلطان لي عليك، فتصير ثلاثة عشر. أما المدلولات، قيل: قومي واذهبي واخرجي وتقنعي وتخمري واستبرئي والحقي وانتقلي واغربي وابتغي الأزواج، لا نكاح بيني وبينك، وحبلك على غاربك ووهبتك لأهلك، وما أنا بزوج لك، وبنت مني.
ولو قال فسخت نكاحك أو النكاح الذي بيني وبينك، وأنا بريء من نكاحك ونجوت مني أو(5/364)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تخلصت أو نزلت لك طلاقًا يقع بالنية.
وفي " التكملة " تحرمي ونوى به الطلاق كانت طلقة بائنة إذا لم ينو ثلاثًا.
وفي " المرغيناني " قال أنا براء من نكاحك يقع، وأطلق في الكتاب وهو محمول على النية. ولو قال ابتداء وهبت لك طلاقك أو وقعت به يقع بالنية عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وقال أبو يوسف هو تمليك إن نوى بها تمليكًا كان تمليكًا بلا خلاف.
وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف إذا قال لها وهبتك لأهلك أو لأبيك أو لأمك أو لابنك أو للأزواج فهو طلاق بالنية. وإن قال: وهبتك لأختك أو لعمتك أو لخالتك وما أشبه ذلك فليس بطلاق، وإن نواه، ولا يشرط القبول لوقوع الطلاق عندنا، ولو قال: اذهبي ألف مرة ونوى به الطلاق فثلاث.
ولو قال: خذي طلاقك فقالت أخذت يقع، كذا اخرجي إن شئت، ونوى فقالت شئت يقع. ولو قال: تزوجي زوجًا ليحلك فهو إقرار بالثلاث.
وأما التفويضات فقوله أمرك بيدك، والطلاق إليك - بخلاف الطلاق منك فإنه كناية يقع بالنية. وفي " البدائع ": أو أنت طالق إن شئت أو طلقي نفسك. ولو قال: لم أتزوجك أو لم تكوني بامرأة، وما أنت بامرأة إلي، أو نوى، لا يقع، وكذا لو قال له لك امرأة فقال لا لم يقع.
وأجمعوا على أنه لو قال لم أتزوجك أو لم يكن بيننا لا يقع وإن نوى، وإن قال لا نكاح بيننا يقع إذا نوى، قال المرغيناني: ولو قال لم يبق بيني وبينك شيء ونوى لا يقع.
وفي " الفتاوى " لم يبق بيني وبينك ونوى يقع. ولو قال لها أعرتك طلاقك، وأنا بريء من طلاقك. أو بريت لك من طلاقك، أو أعرضت أو صفحت عن طلاقك لا يقع، وإن نوى.
وفي " الحاوي " قال: بريت إليك من طلاقك الأصح أنه يقع بالنية. وفي المرغيناني قال أعرتك طلاقك صار بيدها. وعن أبي حنيفة يقع. وعن محمد ولو قال: أقرضتك طلاقك يقع ولو قال: رهنتك، قال المتأخرون لا يقع، وقيل يقع، ولو قال: بعتك طلاقك فقالت: اشتريت يقع رجعيًا، وبه قال مالك. وقال أحمد وإسحاق: لا يقع، ونحن نعتبر بالهبة، ولو قال: أبحتك طلاقك لا يقع، وبمهرك بائن، وكذا بعتك نفسك، ولو زوج امرأته من غيره لا يكون طلاقًا، قاله أبو حامد وغيره.
وقال أبو جعفر ( ... ) وأنى يقع إن نواه. ولو أراد أن يطلقها فقالت: هب لي طلاقي فقال: وهبت لا يقع، ولو قال: أربع طرق مفتوحة لك لا يقع وإن نوى ما لم يقل: خذي أو اذهبي أيها شئت. وفي " المبسوط " اذهبي وبيعي ثوبك ونوى الطلاق لا يقع عند أبي يوسف،(5/365)
لأنها تحتمل الطلاق وغيره فلا بد من النية. قال إلا أن يكون في حال مذاكرة الطلاق فيقع بها الطلاق في القضاء، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن ينويه. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سوى بين هذه الألفاظ، وقال: ولا يصدق في القضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعند زفر يقع، وبه قال الشافعي، ولو قال لآخر: أحل إليها طلاقها أو أخبرها به طلقت فيه الحال.
وقال في " المبسوط ": لو قال لها: أنت علي كالميتة أو كالخمر أو كلحم الخنزير ونوى الطلاق وقع، وبه قال الشافعي. وفي الكافي قال لامرأته هذه أختي أو بنتي أو أمي من الرضاع وثبت عليه فرق بينهما. ولو قال أخطأت أو وهمت أو نسيت لم يصدق قياسًا لأنه أقر بالتحريم ويصدق استحسانًا، لأن هذا إيجاب بالتحريم فلا يقع إلا بقرينة، وهي الدوام بأن يقول ما قلت حق.
ولو قال طلقك الله، أو لعبده أعتقك الله وقعا بلا نية، وبه قال الشافعي. ولو قال طلاقك علي واجب، وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وفي قوله: لازم واجب تطلق عند الجميع، وقيل: لا يقع شيء، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقيل يقع عند أبي حنيفة خلافًا لهما إلا في قوله: لازم، فإنه يقع به.
وقال أكثر أصحاب الشافعي يقع بلا نية بمنزلة الصريح، ومع النية يقع عند جميعهم، وبه قال مالك وأحمد، وقيل على عكسه. وقيل في قوله: واجب يقع بلا نية، والصحيح أنه يقع في الكل، بخلاف ما لو قال لعبده: عتقك علي لازم أو واجب لا يعتق، ولو قال لها: قولي أنا طالق تطلق إذا قالت، وإذا لم تقل لا. ولو قال: نساء أهل الري، أو قال نساء أهل الدنيا أو عبيد أهل الدنيا أحرار يقعان بالنية، وبه أخذ عصام بن يوسف، وعليه الفتوى، وعن محمد يقعان بلا نية، وبه أخذ الشافعي، ولو قال: أنت طالق ونوى يقع، وإلا فلا. ولو قال: يا طال بكسر اللام تقع بقرينة، وهذا كله في حالة الرضاء، وفي حالة الغضب. وفي مذاكرة الطلاق يقع، وإن لم يذكر اللام مكسورًا.
م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الألفاظ م: (تحتمل الطلاق وغيره، فلا بد من النية) ش: لأجل التعيين م: (إلا أن يكون) ش: وفي بعض النسخ م: (قال: إلا أن يكون) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلا أن يكون أي المتكلم بهذه الألفاظ م: (في حالة مذاكرة الطلاق) ش: وفي بعض النسخ م: (إلا أن يكونا) ش: بضمير الاثنين، أي إلا أن يكون الزوجان، وهو استثناء من قوله وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة إلا في حال مذاكرة الطلاق م: (فيقع بها الطلاق في القضاء، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى، إلا أن ينويه) ش: أي الطلاق.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (سوى) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (بين هذه الألفاظ وقال: لا يصدق في القضاء) ش: يعني سوى القدوري بين هذه الألفاظ(5/366)
إذا كان في حال مذاكرة الطلاق وهذا فيما لا يصلح ردّا، والجملة في ذلك أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة، وهي حالة الرضا وحالة مذاكرة الطلاق وحالة الغضب.
والكنايات ثلاثة أقسام ما يصلح جوابا وردّا، وما يصلح جوابا لا ردّا لا غير، وما يصلح جوابا ويصلح سبّا وشتيمة، ففي حالة الرضا لا يكون شيء منها طلاقا إلا بالنية، والقول قوله في إنكار النية لما قلنا، وفي حالة مذاكرة الطلاق لم يصدق فيما يصلح جوابا ولا يصلح ردّا في القضاء مثل قوله خلية وبرية بائن بتة حرام اعتدي أمرك بيدك اختاري، لأن الظاهر أن مراده الطلاق عند سؤال الطلاق ويصدق فيما يصلح جوابا وردّا مثل قوله: اذهبي، اخرجي، قومي، تقنعي، تخمري، وما يجري هذا المجرى؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في وقوع الطلاق بلا نية في م: (حال مذاكرة الطلاق وهذا) ش: أي الذي قاله من التسوية م: (فيما لا يصلح ردًّا) ش: إذا سوى للمرأة ثم شرع يبين تفصيل ذلك بقوله م: (والجملة في ذلك) ش: أي في بيان ذلك م: (أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة وهي حالة الرضا) ش: وهي حالة ابتداء الزوج بالطلاق، وليست بحالة مذاكرة الطلاق ولا حالة الغضب م: (وحالة مذاكرة الطلاق) ش: وهي أن تسأل المرأة أو غيرها طلاقها زوجها م: (وحالة الغضب) ش: وهو الغضب من الجانبين.
[أقسام الكنايات في الطلاق]
م: (والكنايات ثلاثة أقسام) .
الأول: م: (ما يصلح جوابًا وردًّا لا غير) ش: أي جوابًا لسؤال المرأة الطلاق وردًّا لكلامها عند سؤالها.
الثاني: م: (وما يصلح جوابًا لا ردًّا) ش: أي لا يصلح ردًّا.
الثالث: م: (وما يصلح جوابًا ويصلح سبًّا وشتيمة) ش: فإذا عرف هذا يعرف حكم هذه الأقسام م: (ففي حال الرضا لا يكون شيء منها) ش: أي من هذه الألفاظ م: (طلاقًا إلا بالنية) ش: للاحتمال وعدم دلالة الحال: (والقول قوله) ش: أي قول الزوج: م: (في إنكار النية لما قلنا) ش: إشارة غلى قوله لأنها غير متنوعة للطلاق بل يحتمله وغيره.
م: (وفي حال مذاكرة الطلاق لم يصدق) ش: أي الزوج م: (فيما يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا في القضاء) ش: يتعلق بقوله يصدق، أي لا يصدق قضاء في أنه لم ينو الطلاق م: (مثل قوله خلية برية بائن بتة حرام اعتدي أمرك بيدك اختاري) ش: هذه ثمانية ألفاظ ومثله يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا في حال مذاكرة الطلاق، وقد ذكرنا معانيها عن قريب م: (لأن الظاهر أن مراده الطلاق عند سؤال الطلاق) ش: لأن كلامه جواب لسؤالها الطلاق والسؤال يصلح مفادًا في الجواب، والقاضي مأمور باتباع الظاهر م: (ويصدق فيما يصلح جوابًا وردًّا مثل قوله: اذهبي، اخرجي، قومي، تقنعي، تخمري، وما يجري هذا المجرى) ش: أراد ما يصلح جوابًا وردًّا كالألفاظ المذكورة، وفي قوله: اغربي واستبرئي.(5/367)
لأنه يحتمل الرد وهو الأدنى فحمل عليه، وفي حالة الغضب يصدق في جميع ذلك لاحتمال الرد والسب إلا فيما يصلح للطلاق، ولا يصلح للرد والشتم كقوله: اعتدي واختاري، وأمرك بيدك، فإنه لا يصدق فيها؛ لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وخليت سبيلك، وفارقتك، أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السب ثم وقوع البائن بما سوى الثلاث الأول مذهبنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقع بها رجعي؛ لأن الواقع بها طلاق، لأنها كنايات عن الطلاق؛ ولهذا تشترط النية وينتقض بها العدد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال شمس الأئمة في " المبسوط ": لو قال: اذهبي ونوى به الطلاق كان طلاقًا موجبًا للبينونة، لأنه لا يلزمها الذهاب إلا بعد زوال الملك م: (لأنه يحتمل الرد، وهو الأدنى فحمل عليه) ش: أي على الأدنى، لأن الأدنى متيقن، وذلك لأن الرد رافع، والجواب رافع، لأن الطلاق رافع لقيد النكاح والدفع أسهل من الرفع فيكون الرد أدنى في الجواب.
م: (وفي حالة الغضب يصدق في جميع ذلك) ش: أي فيما يصلح جوابًا ولا يصلح ردًّا، وفيما يصلح جوابًا وردًّا م: (لاحتمال الرد) ش: في السبعة المذكورة مثل اخرجي ... إلى آخره.
م: (والسب) ش: أي لاحتمال السب في الخمسة المذكورة في أوائل الثمانية، وهي خلية ... إلى آخره م: (إلا فيما يصلح للطلاق ولا يصلح للرد والشتم) ش: الاستثناء في قوله: يصدق في جميع ذلك م: (كقوله: اعتدي، اختاري، وأمرك بيدك، فإنه لا يصدق فيها) ش: أي في هذه الثلاثة م: (لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق) ش: ألا ترى أنه من قال لغيره في حالة الرضا لا يكون قاذفًا، ولو قال حالة الغضب يكون قاذفًا.
م: (وعن أبي يوسف في قوله: لا ملك لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وخليت سبيلك، وفارقتك؛ أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السب) ش: لأن معنى لا ملك لي عليك لأنك أدون من أن تملك ومعنى لا سبيل لي عليك لسوء خلقك واجتماع أنواع الشر فيك.
ومعنى فارقتك أي في المسكن اتقاء لشرك م: (ثم وقوع البائن بما سوى الثلاث الأول) ش: وهي المذكورة في أول الكنايات بقوله اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة م: (مذهبنا) ش: وهو مذهب عامة الصحابة. كذا في الحصر؛ منهم علي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
م: (وقال الشافعي: يقع بها) ش: أي بالكنايات م: (رجعي) ش: أي طلاق رجعي، وهو مذهب عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وبه قال أحمد في رواية وفي أخرى كقولنا، وبه قال مالك م: (لأن الواقع بها) ش: أي بألفاظ الكنايات م: (طلاق؛ لأنها كنايات عن الطلاق، ولهذا تشترط النية) ش: أي ولكونها كناية عن الطلاق يشترط النية في وقوع الطلاق م: (وينتقض بها العدد)(5/368)
والطلاق معقب للرجعة كالصريح. ولنا أن تصرف الإبانة صدر من أهله مضافا إلى محله عن ولاية شرعية، ولا خفاء في الأهلية والمحلية، والدلالة على الولاية أن الحاجة ماسة إلى إثباتها كيلا ينسد عليه باب التدارك ولا يقع في عدتها بالمراجعة من غير قصد وليست بكنايات على التحقيق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي ينتقض عدد الطلاق بوقوع واحدة منها م: (والطلاق معقب للرجعة كالصريح) ش: أي كما هو معقب للرجعة في الطلاق الصريح.
م: (ولنا أن تصرف الإبانة صدر من أهله) ش: وهو الزوج، لأنه يملك تصرف البينونة، ولهذا إذا أخذ العوض يقع البائن بالإجماع فعلم أن الإبانة مملوكة للزوج وإلا لم يجز الاعتياض عنه م: (مضافًا إلى محله) ش: أي محل التصرف وهو المرأة م: (عن ولاية شرعية) ش: لأن الشارع جعل ولاية الطلاق إليه م: (ولا خفاء في الأهلية) ش: أي في أهلية الزوج م: (والمحلية) ش: أي محلية المرأة للبينونة اللفظية بالاتفاق م: (والدلالة على الولاية) ش: وهذا جواب عما يقال لم قلتم إن له ولاية شرعية في تصرف الإبانة؟ فأجاب بقوله والدلالة على الولاية م: (أن الحاجة ماسة إلى إثباتها كيلا ينسد عليه باب التدارك) ش: قال بعض الشراح أي التدارك بإيقاع الثلاث، والأوجه ما قاله صاحب " النهاية " تدارك دفع المرأة عن نفسه، وذلك لأنه لو لم تقع البينونة عند نيته فتثبت الرجعة والزوج يريد فراقها.
م: (ولا يقع) ش: بالنصب عطفًا على قوله - كيلا ينسد - م: (في عدتها) ش: وفي بعض النسخ في عهدتها م: (بالمراجعة من غير قصد) ش: فيقع في فرطها بالمراجعة إذا كانت فاجرة أو بها سلاطة، وما رأيت شارحًا حرر هذا الموضع كما ينبغي، غير أن الأكمل تعرض لكلام الصنف بغير جدوى، حيث قال ما ملخصه أن هاهنا وجهين، وأراد بهما قوله: والدلالة على الولاية - إلى قوله: التدارك-.
وقوله: ولا يقع ... إلى آخره - وقد جعلهما واحدًا، لأن الأول بعينه تفسير الوجه الثاني، وإن جعل الثاني تفسير الأول فلا يستقم، لأن وقوع المراجعة من غير قصد لا يستقيم على مذهبه، وإذا فسد التفسير فسد المفسر، والحال الكلام فيه ويراد دعواه للوجهين، لأن قوله - لا يقع.. إلى آخره - تتمة الكلام الذي قبله وإيضاح له، وقوله: لا يستقيم، غير مستقيم، لأن الطلاق الرجعي يعقب الرجعة، والرجعة أعم من أن تكون بالقول أو بالفعل ووقوع نظره إلى داخل فرجها فعل منه فتقع به الرجعة.
م: (وليست بكنايات على التحقيق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي أنها كنايات، فأجاب بالمنع بأنا لا نسلم أن ألفاظ الكنايات على التحقيق، أي على الحقيقة لأنها معلومة المعاني، ولا استتار في حقائقها وإنما سميت كنايات مجازًا للاستتار فيما يتصل بهذه الألفاظ لا للاستتارة في(5/369)
لأنها عوامل في حقائقها والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق وانتقاص العدد لثبوت الطلاق بناء على زوال الوصلة، وإنما تصح نية الثلاث فيها لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة، وعند انعدام النية يثبت الأدنى، ولا تصح نية الثنتين عندنا، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه عدد، وقد بيناه من قبل،
وإن قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي، وقال: نويت بالأولى طلاقا، وبالباقي حيضا دين في القضاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نفسها، فلما زال ذلك الاستتار بينة الطلاق عملت في حقائقها وهو معنى قوله م: (لأنها) ش: أي لأن الكنايات م: (عوامل في حقائقها) ش: لانعدام مضي التردد بنية الطلاق، فاللفظ هو عامل في حقيقة موجبته حتى تحصل به الحرمة والبينونة.
م: (والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق) ش: هذا جواب عن قوله ولهذا تشترط النية، أي نية الطلاق، تقرير اشتراط النية لو كان لأجل الطلاق كان دليلًا على ما ذكرتم، وليس كذلك، بل هو لتعيين أحد نوعي البينونة الغليظة والخفيفة لا للطلاق، يعني النية شرط للطلاق البائن لا للطلاق المجرد م: (وانتقاص العدد) ش: جواب عن قول الشافعي وينتقص به العدد، تقرير أن انتقاص العدد من الطلاق م: (لثبوت الطلاق) ش: في ضمن البينونة م: (بناء على زوال الوصلة) ش: أي على وصلة النكاح. ومنه يلزم وقوع الطلاق ولا منافاة بين نقص العدد والطلاق البائن، فكان النقص من حيث كونه طلاقًا بائنًا م: (وإنما تصح نية الثلاث) ش: هذا جواب عما يقال إن البائن لو كان عاملًا بنفسه ينبغي أن لا تصح نية الثلاث.
م: (وإنما تصح نية الثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (فيها) ش: أي في الكنايات م: (لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة) ش: فالخفيفة هي الطلقة الواحدة البائنة والغليظة هي الطلقات الثلاث م: (وعند انعدام النية) ش: أي نية الثلاث م: (يثبت الأدنى) ش: وهي الواحدة البائنة لأنها متيقنة م: (ولا تصح نية الثنتين) ش: أي الطلقتين م: (عندنا خلافًا لزفر) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في الكنايات الخفيفة م: (لأنه عدد) ش: أي لأن الثنتين عدد، وإنما ذكر الضمير باعتبار المذكور، أو باعتبار لفظ الخبر وهذا دليلنا، لأن الثنتين عدد في حق الحرة.
وقوله: أنت بائن لا يحتمل العدد، لأنه فرد إلا إذا كانت المرأة أمة لأنه جنس طلاقها م: (وقد بيناه من قبل) ش: يعني في أوائل باب إيقاع الطلاق، وهو وقوله ونحن نقول نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسًا إلى آخره.
[قال الرجل لامرأته اعتدي ثلاث مرات]
م: (وإن قال لها اعتدي اعتدي اعتدي) ش: أي قال الرجل لامرأته اعتدي ثلاث مرات م: (وقال نويت بالأولى) ش: أي باللفظة الأولى من قوله اعتدي ثلاث مرات م: (طلاقًا وبالباقي) ش: وهو الثنتان الباقيان م: (حيضًا دين في القضاء) ش: يعني يصدق في قوله في الحكم، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: مثل اللفظة الثانية والثالثة، ونوى محتمل(5/370)
لأنه نوى حقيقة كلامه، ولأنه يأمر امرأته في العادة بالاعتداد بعد الطلاق، وكان الظاهر شاهدا له، وإن قال: لم أنو بالباقيتين شيئا فهي ثلاث؛ لأنه لما نوى بالأولى الطلاق صار الحال حال مذاكرة الطلاق، فتعين الباقيتان للطلاق بهذه الدلالة فلا يصدق في نفي النية، بخلاف ما إذا قال: لم أنو بالكل الطلاق حيث لا يقع شيء، لأنه لا ظاهر يكذبه، وبخلاف ما إذا قال: نويت بالثالثة الطلاق دون الأوليين حيث لا يقع إلا واحدة ولأن الحال عند الأوليين لم تكن حال مذاكرة الطلاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كلامه بالأولى، لأن لفظة اعتدي تحتمل معنيين، أحدهما اعتدي لا في طلقتك، والأخرى اعتدي نعمي عليك أو نعم الله تعالى عليك، أو اعتدي خباياتك تهديدًا لها.
وفي اللفظ المحتمل لا يتعين الطلاق إلا بالنية أو بما يدل عليه من غضب أو مذاكرة الطلاق، وهاهنا قد صرح بأنه نوى الطلاق باللفظة الأولى وبالباقيتين الحيض فيصدق لما ذكرنا م: (ولأنه) ش: دليل آخر لتصديقه، أي ولأن الرجل م: (يأمر امرأته في العادة بالاعتداد بعد الطلاق وكان الظاهر) ش: أي ظاهر الحال م: (شاهدًا له) ش: فيما يقول.
م: (وإن قال لم أنو بالباقيتين شيئًا فهي ثلاث) ش: أي ثلاث طلقات م: (لأنه لما نوى بالأولى) ش: أي باللفظة الأولى م: (الطلاق صار الحال حال مذاكرة الطلاق، فتعين الباقيتان للطلاق بهذه الدلالة ش: أي بدلالة الحال لأنها حال مذاكرة الطلاق م: (فلا يصدق في نفي النية) ش: أي في قوله لم أنو بالباقي شيئًا م: (بخلاف ما إذا قال لم أنو بالكل الطلاق حيث لا يقع شيء لأنه لا ظاهر بكذبه، وبخلاف ما إذا قال نويت بالثالثة الطلاق دون الأولين حيث لا يقع إلا واحدة؛ لأن الحال عند الأوليين لم تكن حالة مذاكرة الطلاق) .
ش: قال الإمام السرخسي وقاضي خان المسألة على اثني عشر وجهًا، أحدها: أن يقول: لم أنو الطلاق بشيء، فالقول قوله مع اليمين، وبه قال الشافعي وأحمد.
والثاني: قال نويت بالأولى ولم أنو بالباقي شيئًا فهي ثلاث.
الثالث: قال لم أنو بالثالثة شيئًا فهي ثلاث، وفيه خلاف زفر والشافعي ومالك، فعندهم واحدة.
الرابع: قال: نويت بكلها الطلاق فهي ثلاث بالإجماع.
الخامس: قال: نويت بالأولى والثانية الطلاق، وبالثالثة الحيض فهو يدين قضاء أيضًا بالإجماع. (....
....
) .
والسابع: قال: نويت بالأولى الطلاق، وبالثالثة الحيض، ولم أنو بالثانية شيئًا فإنها تطلق ثنتين، وبه قال أحمد، وعن الشافعي ومالك وزفر واحدة.(5/371)
وفي كل موضع يصدق الزوج على نفي النية إنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الإخبار عما في ضميره والقول قول الأمين مع اليمين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثامن: من قال: نويت بالأولى الطلاق وبالثانية ولم أنو بالثالثة شيئًا فإنها تطلق طلقتين أيضًا.
والتاسع: أن يقول: لم أنو بالأولى والثانية شيئًا، ونويت بالثالثة الطلاق يقع واحدة بالإجماع.
والعاشر: قال: لم أنو بالأولى شيئًا، ونويت بالثانية طلاقًا وبالثالثة حيضًا فهي طلقة واحدة.
الحادي عشر: قال: لم أنو الأولى شيئًا ونويت بالثانية الطلاق ولم أنو بالثالثة شيئًا فهو ثنتان عندنا وعند أحمد وزفر والشافعي ومالك يقع واحدة.
والثاني عشر: لو قال: اعتدي ثلاثًا، وقال: نويت بقولي اعتدي طلاقًا وبالثلاث ثلاث حيض فهو كما قال بالإجماع.
وزاد السرخسي الثالثة عشر: قال: اعتدي اعتدي اعتدي فنوى واحدة فهي كذلك ديانة ولا يصدق قضاء. وفي " المبسوط " قال لها: اعتدي فاعتدي أو اعتدي واعتدي، أو قال اعتدي اعتدي ونوى به الطلاق يقع ثنتان في القضاء.
وقال زفر: تعمل نية الواحدة في القضاء. وعن أبي يوسف في قوله: اعتدي فاعتدي كذلك، بخلاف الواو، لأن الفاء للوصل، فيكون معناه فاعتدي بذلك الإيقاع، والواو للعطف، فكان الثاني غير الأول، وفي " مصنف " ابن أبي شيبة أن اعتدي طلقة عند ابن مسعود وعطاء ومكحول والنخعي والأوزاعي، وقال أبو حنيفة: واحدة رجعية إذا نوى الطلاق، وبه قال الشعبي والثوري وأحمد. وقال الحسن والشعبي هو على ما نوى إلا أن يقول لم أنو شيئًا فهي واحدة. وإن قال اعتدي اعتدي اعتدي قال قتادة: ثلاث، وبه قال الحسن والشعبي. وقال أحمد والحكم هي واحدة. ولو قالت أنت طالق يقع واحدة رجعية، فإن قال: واعتدي، ثنتان عندنا.
م: (ثم في كل موضع يصدق الزوج على نفي النية) ش: أي يصدق م: (وإنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الإخبار عما في ضميره، والقول قول الأمين مع اليمين) ش: لنفي التهمة عنه، وبه قال الشافعي، وقال مالك وأحمد في الكنايات الخفية كذلك لا في الظاهر، واشتراط اليمين لأن في قوله إلزامًا على الغير وفيه ضعف، فاحتيج إلى المؤكد وهو اليمين.(5/372)
باب تفويض الطلاق فصل في الاختيار
وإذا قال لامرأته: اختاري، ينوي بذلك الطلاق، أو قال لها: طلقي نفسك؛ فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب تفويض الطلاق] [فصل في الاختيار] [قال لامرأته اختاري ينوي بذلك الطلاق]
م: (باب تفويض الطلاق)
ش: أي هذا باب في بيان تفويض الطلاق إلى غيره، ولما ذكر بيان الطلاق بنفسه إذ هو الأصل شرع في بيان الطلاق بالنيابة
م: (فصل في الاختيار)
ش: أي هذا فصل في بيان الاختيار، والاختيار من الخيرة على وزن الغيبة، وهو اسم من قولك: اختاره الله عز وجل، وقال الجوهري الخيار اسم من الاختيار، وقال أيضًا: الاختيار الاصطفاء، وقال تاج الشريعة اختيار الميل إلى الخير وإلى ما هو الأفضل، والأولى. والباب المذكور يشتمل على ثلاثة فصول، فصل في الاختيار، وفصل في الأمر باليد، وفصل في المشيئة، وقدم فصل الاختيار على الفصلين المذكورين لأنه يؤيد بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين-.
م: (وإذا قال لامرأته اختاري) ش: حال كونه م: (ينوي بذلك) ش: أي بقوله اختاري م: (الطلاق أو قال لها: طلقي نفسك فلها أن تطلق نفسها) ش: في الصورتين جميعًا م: (ما دامت في مجلسها ذلك) ش: أي الذي وقع فيه هذا القول من الرجل، وهذا الشرط بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - على ما يأتي. قال الكاكي: ما دامت في مجلسها ذلك يدل على أن المجلس وإن تطاول يومًا أو أكثر لا يبطل خيارها، لأن المجلس قد يطول، وقد يقصر، كذا في " المبسوط ".
فإن قيل: إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - في أن الخيار يقتصر على المجلس خلاف النص، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حين نزلت آية التخيير: " فلا تجيبي حتى تستأمري أبويك» ، وأبواها ليسا بحاضرين في المجلس، فهذا دليل على أن الخيار لا يبطل بالقيام عن المجلس كما قال الشافعي في القديم.
قلنا: إحسان الظن بالصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فرض، لأنا تلقينا الشرع منهم بالقبول فلا يجوز مخالفتهم بلا دليل. وهاهنا لا دليل لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أثبت لها الخيار مطلقًا ومنعها إلى غاية استثمارها لأبويها.(5/373)
فإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحاية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - ولأنه تمليك الفعل منها، ولأن التمليك يقتضي جوابا في المجلس كما في البيع؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن قامت منه) ش: أي من مجلسها م: (أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها، لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: فيه عن عبد الله بن مسعود، رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: إذا ملكها أمرها فتفرقا قبل أن ينقضي شيء، فلا أمر لها.
وعن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رواه عبد الرزاق أيضًا أخبرنا ابن جريج عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال: إذا خير الرجل امرأته فلم يخير مجلسها ذلك فلا خيار لها.
وعن عمر وعثمان وعبد الله بن عمرو بن العاص رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " حديثنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قالا: أيما رجل ملك امرأته أمرها وخيرها ثم افترقا من ذلك المجلس فليس لها خيار، وأمرها إلى زوجها انتهى، وخالف الجماعة وشد الحكم وأبو ثور حيث لم يشترطا فيه المجلس، واختاره ابن المنذر في " الأشراف ".
وفي " المغني ": لا يقتصر على مجلسها ذلك وإن تطاول ما لم يفسخ أو يطأها وهذا قول أحمد أيضًا.
ويروى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وهو قول الحسن وقتادة، وقال السروجي: وهذا الخلاف في الأمر باليد. وفي " المغني " وأكثر أهل العلم على أن الخيار على الفور، روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر، وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والأوزاعي والنخعي ومالك والشافعي، وهو قول أصحابنا. وقال الزهري وقتادة وأبو عبيد وابن المنذر: على التراخي، وهو رواية عن مالك.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن قوله اختاري وطلقي نفسك م: (تمليك الفعل منها) ش: يعني لا توكيل لها، لأن الوكيل عامل لغيره م: (ولأن التمليك يقتضي جوابًا في المجلس) ش: لأن خطاب، فإذا أخذت في عمل آخر يبطل التفويض، وكذا لو خاضت في كلام آخر يبطل التفويض، قال الله تعالى: {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140] (النساء: الآية 140) ، علم أن الخوض في عمل آخر بمنزلة الإعراض، وليس بتوكيل، لأن الوكيل من يعمل لغيره، وهي عاملة لنفسها بأن تخلص نفسها عن ذل رق النكاح، بخلاف ما لو قال لأجنبي: طلق امرأتي فإنه توكيل، لأنه أمر لغيره.
م: (كما في البيع) ش: أي كما يقتضي الخطاب جوابًا في البيع، لأن الأصل فيه خيار القبول(5/374)
لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة، إلا أن المجلس تارة يتبدل بالذهاب عنه، وتارة بالاشتغال بعمل آخر، إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما، ويبطل خيارها بمجرد القيام؛ لأنه دليل الإعراض بخلاف الصرف والسلم لأنه المفسد هناك الافتراق من غير قبض ثم لا بد من النية في قوله: اختاري؛ لأنه يحتمل تخييرها في نفسها، ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره، فإن اختارت نفسها في قوله اختاري: كانت واحدة بائنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في المجلس م: (لأن ساعات المجلس اعتبرت ساعة واحدة) ش: لرفع الضرورة، قال الحاكم الشهيد في الكافي: إذا خير الرجل امرأته فلها الخيار في ذلك المجلس، وإن تطاول يومًا أو أكثر م: (إلا أن المجلس) ش: أي غير أن المجلس م: (تارة يتبدل بالذهاب عنه) ش: أي عن المجلس م: (ومرة بالاشتغال بعمل آخر، إذ مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما) ش: أي غير مجلس الأكل، وغير مجلس المناظرة.
والحاصل من هذا الكلام بيان أن انقطاع المجلس تارة يكون سببًا حسيًا وهو نحوها من ذلك المكان، وتارة بسبب حكمي وهو اشتغالها بعمل آخر، ألا ترى أن الرجلين إذا كانا يتناظران في مجلس يكون مجلسهما مجلس النظر، ثم إذا اشتغلا بالأكل يكون مجلسهما مجلس الأكل، ثم إذا اشتغلا بشيء آخر يكون مجلس ذلك الشيء.
م: (ويبطل خيارها بمجرد القيام، لأنه دليل الإعراض) ش: لأنها لو اختارت لما قامت، وكذا إذا اشتغلت بعمل آخر م: (بخلاف الصرف والسلم، لأن المفسد هناك) ش: أي في باب الصرف والسلم م: (بالافتراق من غير قبض، ثم لا بد من النية) ش: أي من نية الطلاق م: (في قوله: اختاري لأنه يحتمل تخييرها في نفسها، ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره) ش: لا شك أن الاختيار يحتمل وجوهًا أخر سوى اختيار النفس بأن يراد اختاري الكسوة أو النفقة أو الدار للسكنى، فلا بد من نية الطلاق ليزول الاحتمال.
م: (فإن اختارت نفسها في قوله: اختاري كانت واحدة بائنة) ش: قال الكاكي: وهو قول علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وقال الشافعي وأحمد: رجعية وهو قول عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في سائر الكنايات، وعند زيد ثلاث، وكأنه حمل على إثم يكون من الاختيار، وبه قال مالك وعمر وابن مسعود حملًا على أدنى ما يكون منه، وهو طلاق رجعي. وجه قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أن اختيارها لنفسها إنما يتحقق بزوال ملك الزوج حتى تصير مالكة أمر نفسها لا يختلف بالثلاث والواحدة البائنة، ولهذا قلنا: لو نوى الثلاث بهذا اللفظ لا يقع إلا واحدة بائنة. وقال الترمذي: اختلف أهل العلم في الخيار، فروي عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود أن اختيارها لنفسها طلقة بائنة، وكذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واحدة بائنة، لكن إن اختارت زوجها فواحدة رجعية، ومثله عن زيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلا أنه(5/375)
والقياس أن لا يقع بهذا شيء، وإن نوى الزوج الطلاق لأنه لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ فلا يملك التفويض إلى غيره، إلا أنا استحسناه لإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولأنه بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: إن اختارت نفسها فثلاث، وعنه واحدة بائنة. وقال الترمذي: وذهب أكثر أهل العلم إلى قول عمر وابن مسعود من بعدهم من أهل العلم والوقفة وهو قول الثوري والكوفيين، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، فإن طلقت نفسها ثلاثًا، فليس للزوج أن ينكر لك عند مالك وأكثر أصحابه. وقال ابن جهم وسحنون: له ذلك. وقال طاوس: اختيارها نفسها ليس بطلاق، لأن الطلاق لا يكون إلى النساء. وقال ابن عمر: ومثله قال أبو حنيفة في التخيير لا يقع به الطلاق، وأخطأ في النقل عنه.
فإن قلت: لو قال: لها أمرك بيدك أو طلقي نفسك أو أنت بائن يصح نية الثلاث، وهاهنا لا يصح مع أن فيها لفظ الأمر، مع أن الاختيار متنوع أيضًا، وهو الأدنى والأعلى لما قال زيد بن ثابت.
قلت: أجاب بعضهم بأن الوقوع بلفظ الاختيار على خلاف القياس، وإنما يثبت ذلك بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، والإجماع انعقد بالطلقة الواحدة، بخلاف تلك المسائل. قلت: فيه نظر وقوع تأمل. وأشار شيخ الإسلام بأن الأمر اسم عام يتناول كل شيء، قال الله تعالى: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] أراد به الأشياء كلها، فصلح اسمًا لكل فعل، فإذا نوى الطلاق صار كأنه قال طلاقك بيدك، والطلاق يحتمل العموم والخصوص. فأما اختيار اسم لفعل خاص وهو الخلوص والصفوة وثبوت البينونة، وفيه مقتضى الصفوة، فلم يصح فيه العموم. ثم لو اختارت المرأة زوجها لا يقع به شيء عندنا، وبه قال الشافعي، وهو قول عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي الدرداء وغيرهم غير علي، «فقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - خيرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاخترناه» ولم يكن ذلك طلاقًا. وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في رواية تقع رجعية، وبه قال الحسن البصري وربيعة.
م: (والقياس أن لا يقع بهذا) ش: أي يقتضي القياس أن لا يقع بقوله اختاري م: (شيء) ش: كما ذهب إليه طاوس م: (وإن نوى الزوج الطلاق) ش: واصل بما قبله م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (لا يملك الإيقاع بهذا اللفظ) ش: أي بقوله - اختاري - م: (فلا يملك التفويض إلى غيره) ش: لأن من لا يملك الشيء كيف يتصرف فيه.
م: (إلا أنا استحسناه) ش: أي قلنا بالاستحسان م: (لإجماع الصحابة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج م: (بسبيل من أن يستديم نكاحها أو يفارقها) ش: أي للزوج التصرف في امرأته إن شاء يبقيها بحسب ما يريد، وإن شاء فارقها ولا حجر عليه(5/376)
فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم، ثم الواقع بها بائن؛ لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها، وذلك في البائن. ولا يكون ثلاثا وإن نوى الزوج ذلك؛ لأن الاختيار لا يتنوع، بخلاف الإبانة لأن البينونة قد تنوع. قال ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو في كلامها حتى لو قال لها: اختاري فقالت: قد اخترت فهو باطل؛ لأنه عرف بالإجماع، وهو في المفسرة من أحد الجانبين، ولأن المبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم ولا تعيين مع الإبهام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في ذلك، فإن كان كذلك م: (فيملك إقامتها مقام نفسه في حق هذا الحكم) ش: أراد به حكم استدامة النكاح، وحكم مفارقتها م: (ثم الواقع بها) ش: أي بلفظة اختاري م: (بائن) ش: أي طلقة بائنة م: (لأن اختيارها نفسها بثبوت اختصاصها بها) ش: أي بثبوت اختصاص المرأة نفسها م: (وذلك) ش: أي ثبوت الاختصاص م: (في البائن) ش: أي في وقوع الطلقة الواحدة البائن.
م: (ولا يكون) ش: أي الواقع بلفظ اختاري م: (ثلاثًا) ش: أي ثلاث طلقات م: (وإن نوى الزوج ذلك) ش: أي الثلاث م: (لأن الاختيار لا يتنوع) ش: وفيه نظر، لأنه الأدنى والأعلى كما قال زيد بن ثابت، وقد مر عن قريب م: (بخلاف الإبانة، لأن البينونة قد تتنوع) ش: إلى غليظة وخفيفة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو كلامها، حتى لو قال لها اختاري فقالت اخترت فهو باطل) ش: يعني لا يقع شيء م: (لأنه) ش: أي لأن وقوع الطلاق بلفظ الاختيار م: (عرف بإجماع الصحابة) ش: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - م: (وهو في المفسرة من أحد الجانبين) ش: من الزوج والمرأة لا في اللفظة المبهمة من الجانبين جميعًا م: (ولأن المبهم) ش: وهو قولها اخترت م: (لا يصلح تفسيرًا للمبهم) ش: وهو قوله اختاري لأن كل واحد منها مبهم ليس فيه ذكر النفس م: (ولا تعيين مع الإبهام) ش: أي لا يتعين الطلاق مع وجود الإبهام في الجانبين، والكلام الذي يقوم مقام النفس كالتطليقة، والاختيار كذكر النفس.
وفي المحيط ولا بد من ذكر النفس والتطليقة، والاختيار في أحد الكلامين، لأن الاختيار يحتمل المعاني فلا بد له من تفسير وهو ذكر لنفسه أو ما يدل عليها، وعند مالك والشافعي وأحمد وذكر النفس ليس بشرط، وأما عند مالك فأي الكلام صدر منه مع النية يقع به الطلاق وإن لم يشعر به. وأما عند الشافعي وأحمد فلا بد أن يكون في كلامه أو جوابها يصرف الكلام إليه عند عدم ذكر النفس في كلامها أو جوابها ما يصرف الجواب إليه، ولو قال اختاري فقالت فعلت لا يقع شيء، ولو قال اختاري نفسك فقالت فعلت يقع، ومثله في البدائع، وزاد تكرار الاختيار في كلام الزوج، وكذا لو قال اختاري فقالت أبي وأمي وأهلي، والأزواج يقع استحسانًا.
وفي " جوامع الفقه " بخلاف اخترت أختي أو عمتي أو قالت اخترت نفسي وزوجي فالعبرة(5/377)
ولو قال لها اختاري نفسك فقالت اخترت تقع واحدة بائنة، لأن كلامه مفسر، وكلامها خرج جوابا له فيتضمن إعادته. وكذا لو قال اختاري اختيارة فقالت قد اخترت، لأن الهاء في الاختيارة تنبئ عن الاتحاد، والانفراد واختيارها نفسها هو الذي يتحد مرة ويتعدد أخرى فصار مفسرا من جانبه. ولو قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي يقع الطلاق إذا نوى الزوج، لأن كلامها مفسر، وما نواه الزوج من محتملات كلامه. ولو قال اختاري فقالت أنا أختار نفسي فهي طالق، والقياس أن لا تطلق، لأن هذا مجرد وعد ويحتمله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للسابق. وإن قالت أو زوجي أو عمي بطل. ولو قال لها اختاري فقالت طلقت نفسي تقع بائنة. وفي البدائع قال لها اختاري فقالت اخترت الطلاق يقع واحدة رجعية.
[قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت]
م: (ولو قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت يقع واحدة بائنة، لأن كلامه مفسر، وكلامها خرج جوابًا له) ش: أي لكلام الزوج م: (فيتضمن إعادته) ش: أي يتضمن كلام المرأة إعادة كلام الزوج، لأن الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال م: (وكذا) ش: أي وكذا تقع واحدة بائنة.
م: (ولو قال) ش: لامرأته م: (اختاري اختيارة فقالت قد اخترت، لأن الهاء) ش: أي الهاء سماها لتصورها بصورة الهاء، ولكونها عند الوقف م: (في الاختيارة تنبئ عن الاتحاد والانفراد) ش: أما الاتحاد فإنما يكون في اختيارها م: (واختيارها نفسها هو الذي يتحد مرة) ش: بأن قال لها اختاري نفسك بتطليقة م: (ويتعدد أخرى) ش: بأن قال لها اختاري نفسك ما شئت أو بثلاث، وأما الانفراد فلكونها للمرأة م: (فصار مفسرًا من جانبه) ش: بخلاف خيارها الزوج، فإنه لا يتعدد لكونه عبارة عن إيقاع النكاح وهو غير متعدد.
وادعى الأترازي أن في كلام المصنف تناقضًا، لأنه ذكر قبل هذا بقوله - لأن الاختيار لا يتنوع - وهاهنا يشعر كلامه بأنه يتنوع، وأجاب بعضهم بأن لا تناقض، لأن الاختيار هنا غير الاختيار ثمة، لأن الاختيار هنا اختيارها نفسها، وثمة يجوز أن يكون اختيارها زوجها، وحط الأترازي على هذا المجيب بأن الاختيار في الموضعين هو اختيارها نفسها، فالتناقض باق والسياق لهذا المجيب أن يكون مراده في اختياره الذي لا يتنوع مطلق الاختيار، وأما المقيد من أحد الجانبين فيتعدد.
م: (ولو قال لها اختاري، فقالت اخترت نفسي يقع الطلاق إذا نوى الزوج، لأن كلامها مفسر، وما نواه الزوج) ش: أي الذي نواه الزوج وهو الطلاق م: (من محتملات كلامه) ش: أي كلام الزوج، لأن كلامه وهو قوله - اختاري - يحتمل الطلاق بأن يكون مراده النفس.
م: (ولو قال لها اختاري فقالت أنا أختار نفسي فهي طالق، والقياس أن لا تطلق، لأن هذا) ش: أي قول المرأة أختار نفسي م: (مجرد وعد) ش: إن كان مرادها بهذا الاستقبال م: (أو يحتمله) ش: أي أو يحتمل الوعد، لأن الصيغة مشتركة بين الحال والاستقبال، ولا يقع الطلاق بالوعد(5/378)
فصار كما إذا قال لها طلقي نفسك فقالت أنا أطلق نفسي، وجه الاستحسان حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فإنها قلت لا بل أختار الله ورسوله، واعتبره النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جوابا منها ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال، وتجوز في الاستقبال كما في كلمة الشهادة وفي أداء الشهادة، بخلاف قولها أطلق نفسي لأنه تعذر حمله على الحال؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والاحتمال م: (فصار هذا كما إذا قال لها طلقي نفسك، فقالت أنا أطلق نفسي) ش: أي فلا يقع الطلاق قياسًا واستحسانًا، وبه قال الشافعي إلا إذا قال أردت إنشاء الطلاق، فحينئذ يقع.
م: (وجه الاستحسان حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، فإنها قالت لا بل أختار الله ورسوله، واعتبره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوابًا منها) ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن ابن شهاب عن أبي سلمة «عن عائشة قالت لما أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك، وقد علم أن أبواي يأمراني بفراقه، قال إن الله تعالى قال {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ} [الأحزاب: 28] إلى قوله {أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29] (الأحزاب: الآية 28) ، فقلت ففي هذا أستأمر أبواي، فإني أريد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والدار الآخرة، ثم فعل أزواج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل الذي فعلت» . وفي لفظ لمسلم «بل أختار الله ورسوله» . وروى الأئمة الستة في كتبهم عن مسروق «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت خيرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاخترناه فلم يعدده علينا شيئًا» . وفي لفظ لهما فلم يعد ذلك طلاقًا.
م: (ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال، ويجوز في الاستقبال) ش: قال الأترازي فيه نظر، لأن أهل اللغة قالوا إن صيغة المضارع مشتركة بين الحال والاستقبال، وكلامهم فيما يتعلق بالوضع والمشترك يدل على المعنيين جميعًا بسبيل الحقيقة، لكن يترجح أحد المعنيين بالدليل، وقد دل على إرادة الحال فيما نحن فيه انتهى.
قلت: إطلاق النظر فيه غير مسلم، لأن فيه خلافًا، منهم من قال مثل قول المصنف، ومنهم من قال بالعكس، ومنهم من قال بالاشتراك، وهو قول مرجوح، لأن اللفظ إذا دار بين الاشتراك والمجاز، فالمجاز أولى، لأن الاشتراك مخل بالفهم. ومعنى قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حقيقة في الحال يعني بحسب استعمال الشرع والعرف، ويقال فلان يختار كذا، وأنا أختار كذا، ويقال أنا أملك كذا من العبيد وغيرها، والمراد الحال، وأشار إلى ذلك بقوله. م: (كما في كلمة الشهادة، وفي أداء الشهادة) ش: أي يدل على الحال لفظ أشهد في كلمة الشهادة، وفي أداء الشهادة فإن لفظ أشهد فيها يدلان على الحال شرعًا، فإن الرجل إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يعتبر ذلك منه إيمانًا، لا وعدًا بالإيمان. وكذا الشهادة إذا قال شهد بكذا فلا يعاد إلى المجاز م: (بخلاف قولها) ش: أي قول المرأة م: (أنا أطلق نفسي) ش: في الجواب عن قول الزوج اختاري م: (لأنه تعذر حمله على الحال) ش: لأنه الطلاق ليس من عمل(5/379)
لأنه ليس بحكاية عن حالة قائمة، ولا كذلك قولها أنا أختار نفسي، لأنه حكاية عن حالة قائمة، وهو اختيار نفسها،
ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فقالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة طلقت ثلاثا في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا يحتاج إلى نية الزوج. وقالا تطلق واحدة، وإنما لا يحتاج إلى نية الزوج لدلالة التكرار عليه، إذ الاختيار في حق الطلاق هو الذي يتكرر لهما أن ذكر الأولى وما يجري مجراه وإن كان لا يفيد من حيث الترتيب، ولكن يفيد من حيث الإفراد فيعتبر فيما يفيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القلب، بل إيجاب وإيقاع بنفس هذه الصيغة لأنه إخبار عن معنى ثابت، وهو قوله م: (لأنه ليس حكاية عن حالة قائمة) ش: أي ثابتة، لأن الطلاق يتعلق بالصيغة لا بالقلب، كما ذكرنا، ولهذا لو أراد الطلاق في قلبه لا تطلق. م: (ولا كذلك) ش: أطلق نفسي مثل م: (قولها أنا أختار نفسي) ش: أي ليس مثل قولها أطلق نفسي مثل قولها أنا أختار نفسي، م: (لأنه حكاية عن حالة قائمة وهو اختيار نفسها) ش: لأن الاختيار من عمل القلب، فيكون الذكر باللسان حكاية عن أمر قائم.
[قال لها اختاري اختاري اختاري فقالت قد اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة]
م: (ولو قال لها اختاري اختاري اختاري، فقالت قد اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة طلقت ثلاثًا في قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ولا يحتاج إلى نية الزوج) ش: ولا إلى ذكر النفس م: (وقالا) ش: أي أبي يوسف ومحمد وبه قال الشافعي م: (تطلق واحدة) ش: أي طلقة واحدة م: (وإنما لا يحتاج إلى نية الزوج لدلالة التكرار عليه) ش: أي على الطلاق م: (إذ الاختيار في حق الطلاق، هو الذي يتكرر) ش: دون اختيار الزواج.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن ذكر الأولى وما يجري مجراه) ش: أراد به الوسطى والأخيرة والضمير في مجراه رجع إلى ذكر الأولى م: (وإن كان لا يفيد من حيث الترتيب ولكن يفيد من حيث الإفراد فيعتبر فيما يفيد) ش: أي في الإفراد فيبقى الإفراد، فكأنها قالت اخترت التطليقة الأولى، لأن معنى قولها اخترت اخترت ما صار إلي بالكلمة الأولى، والذي صار إليها بالكلمة الأولى تطليقة، فكأنها صرحت بذلك، وفي ذلك يقع واحدة، فكذا هنا، وهذا لأن الأولى تأنيث الأول، وهو اسم لفرد سابق، والوسطى تأنيث الأوسط، وهو اسم لفرد تقدم عليه مثلما تأخر، والأخيرة اسم لفرد لاحق، فكان لقولها معنيان الفردية والسبق، فلو بطل معنى السبق الذي يقتضي الترتيب بالاتفاق، فبقي الفرد، فصار كقوله اخترت تطليقة الأولى، فوقعت واحدة.
فإن قلت: ينبغي أن يقع هنا شيء، لأنه لا يقع شيء بلفظ اخترت بدون ذكر النفس أو ما يقوم مقامها.
قلت هذا إذا لم يكن في لفظ الزوج ما يدل على تخصيص الطلاق، وهنا ما يدل عليه، وهو تكرار لفظ الاختيار.(5/380)
وله أن هذا الوصف لغو؛ لأن المجتمع في الملك لا ترتيب فيه، كالمجتمع في المكان، والكلام في الترتيب، والإفراد من ضروراته، فإذا لغا في حق الأصل، لغا في حق البناء. ولو قالت: اخترت اختيارة فهي ثلاث في قولهم جميعا؛ لأنها للمرة، فصار كما إذا صرحت بها. ولأن الاختيارة للتأكيد، وبدون التأكيد تقع الثلاث فمع التأكيد أولى. ولو قالت: قد طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة تملك الرجعة، لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق بعد انقضاء العدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أن هذا) ش: إشارة إلى ذكر الأولى والوسطى والأخيرة م: (الوصف لغو) ش: أي وصف لغو م: (لأن المجتمع في الملك لا ترتيب فيه كالمجتمع في المكان) ش: فإن القوم إذا اجتمعوا في مكان لا يقال هذا أول وهذا آخر، وإنما الترتيب في فعل الأعيان، يقال هذا جاء أولًا وهذا جاء آخرًا م: (والكلام في الترتيب) ش: وهو الأول ( ... ) م: (والإفراد من ضروراته) ش: أي من ضرورات الكلام.
م: (فإذا لغا) ش: أي الكلام م: (في حق الأصل) ش: وهو الترتيب م: (لغا في حق البناء) ش: وهو الإفراد، لأن الترتيب فيه أصل، بدلالة الاشتقاق. وإذا لغا في حقها بقي قولها: اخترت، وهو يصلح جوابًا للكل، فيقع الثلاث، قيل: فيه نظر من وجهين، أحدهما: أنه أطلق الكلام على الأولى والوسطى والأخيرة، وكل مفرد فلا يكون كلامًا، والثاني أن الأولى اسم لفرد سابق، فكان الإفراد أصلًا والترتيب بناء لكونه يفهم من وصفه. والجواب عن الأول أن أهل اللغة ربما يطلقون الكلام على المركب من الحروف المسموعة المتميزة، وإن لم يكن مفيدًا، وهذا على ذلك الاصطلاح، ويجوز أن يكون مجازًا من باب ذكر الكل وإرادة الجزء.
وعن الثاني بأن كلًا من ذلك صفة، وما ذكر عن ذات باعتبار معنى، فيكون الأولى دالة على الفرد السابق، ومعنى السبق هو المقصود.
م: (ولو قالت اخترت اختيارة، فهي ثلاث في قولهم جميعًا) ش: يعني لو قالت المرأة: اخترت اختيارة في جواب قول الرجل اختاري اختاري اختاري فهي ثلاث طلقات في قول أبي حنيفة وصاحبيه م: (لأنها) ش: أي لأن لفظ اختيارة م: (للمرأة، فصار كما إذا صرحت بها) ش: أي بالمرة بأن قالت اخترت نفسي مرة في جواب قوله اختاري ثلاث مرات، فكذا إذا ذكرت اللفظ الذي يدل على المرة.
م: (ولأن الاختيارة للتأكيد) ش: لكونه مصدرًا م: (وبدون التأكيد تقع ثلاثًا، فمع التأكيد أولى) ش: بأن يقع الثلاث م: (وكما لو قالت قد طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة) ش: أي فهي طلقة واحدة م: (تملك الرجعة، لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق) ش: أي البينونة م: (بعد انقضاء العدة) ش: لكونه من ألفاظ الصريح، وما يوجب البينونة بعد انقضاء العدة كان عند الوقوع رجعيًا.(5/381)
فكأنها اختارت نفسها بعد العدة. وإن قال لها أمرك بيدك في تطليقة، أو اختاري تطليقة، فاختارت نفسها فهي واحدة تملك الرجعة؛ لأنه جعل لها الاختيار لكن بتطليقة وهي معقبة للرجعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: إذا لا يكون الجواب مطابقًا للتفويض، لأن المفوض إليها الاختيار، وهو يفيد البينونة.
أشار إلى الجواب بقوله م: (فكأنها اختارت نفسها بعد العدة) ش: فكان مطابقًا من حيث إن الاختيار وجد منها، قيل قوله يملك الرجعة غلط وقع من الكاتب، لأن المرأة إنما تتصرف حكمًا للتفويض، والتفويض بتطليقة بائنة لكونه من الكنايات، فتملك الإبانة لا غير، والأصح أن الرواية فهي واحدة لا يملك الرجعة، لأن روايات " المبسوط " و" الجامع الكبير "، و" الزيادات " وعامة نسخ " الجامع الصغير "، هكذا سوى " الجامع الصغير " لصدر الإسلام، فإنه ذكر فيه مثل ما ذكر في الكتاب. قلت فعلى هذا ينبغي أن يكون المذكور في " الجامع الصغير " لصدر الإسلام سهوًا أيضًا من الكاتب، ويمكن أن يحمل على تعدد الرواية، فيتفق الكل.
م: (وإن قال لها أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة، فاختارت نفسها فهي واحدة تملك الرجعة؛ لأنه جعل لها الاختيار لكن بتطليقة وهي معقبة للرجعة) ش: قيل: لو كان كذلك كان قوله هذا بمنزلة قوله طلقي نفسك، وقد مر أن قولها: اخترت لا يصلح جوابًا، لقوله طلقي نفسك وأجيب: بأن آخر كلامه لما صار تفسيرًا للأول كان العامل هو المفسر والمفسر هو الأمر باليد والتخيير، وقولها اخترت يصلح جوابًا له كذا في " جامع " قاضي خان.(5/382)
فصل في الأمر باليد وإن قال لها: أمرك بيدك ينوي ثلاثا فقالت: قد اخترت نفسي بواحدة فهي ثلاث؛ لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد لكونه تمليكا كالتخيير والواحدة صفة الاختيار، فصارت كأنها قالت اخترت نفسي بمرة واحدة، وبذلك يقع الثلاث.
ولو قالت قد طلقت نفسي واحدة، أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة بائنة؛ لأن الواحدة نعت لمصدر محذوف، وهو في الأولى الاختيارة، وفي الثانية التطليقة إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الأمر باليد] [قال لها أمرك بيدك]
م: (فصل في الأمر باليد)
ش: فصل الأمر باليد عن فصل الاختيار، لأن ذلك مؤيد بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين.
م: (وإذا قال لها: أمرك بيدك) ش: وهذه من مسائل " الجامع الصغير " م: (ينوي ثلاثًا) ش: أي حال كونه ينوي ثلاث تطليقات قيد بثلاث، لأنه لم ينو ثلاثًا يقع واحدة بائنة عندنا، ورجعية عند الشافعي وأحمد وعند أبي ليلى ومالك يقع ثلاث ولا يصدق قضاء إذا نوى واحدة، وكذا الخلاف لو نوى الطلاق فقط، ولو نوى ثنتين يقع واحدة عندنا خلافًا لمالك والشافعي وأحمد م: (فقالت قد اخترت) .
ش: وفي بعض النسخ اخترت بدون لفظ قد م: (نفسي بواحدة) ش: أي بطلقة واحدة م: (فهي ثلاث) ش: أي بلا خلاف بين الأئمة الأربعة م: (لأن الاختيار) ش: أي قولها اخترت نفسي م: (يصلح جوابا للأمر باليد) ش: أي لقوله: أمرك بيدك م: (لكونه) ش: أي لكون قوله أمرك بيدك م: (تمليكًا) ش: لأنه مالك لأمرها فيملكها ما هو مملوك له، فيصح قياسًا واستحسانًا م: (كالتخيير) ش: أي كما في قوله لها اختاري تمليك لها م: (والواحدة) ش: أي الواحدة التي في قولها اخترت نفسي بواحدة. وهو مبتدأ، وهو قوله م: (صفة الاختيار) ش: خبره، أي صفة الاختيار المقدرة، لأن الواحدة صفة فلا بد لها من موصوف، وهو لفظ الاختيار، والتقدير اخترت نفسي باختيارة واحدة م: (فصارت كأنها قالت اخترت نفسي بمرة واحدة، وبذلك) ش: أي بقوله مرة واحدة م: (يقع الثلاث) ش: لأنها إنما تصير مختارة بمرة واحدة، وإذا وقع الثلاث ويجيء مزيد الكلام فيه.
[قالت قد طلقت نفسي واحدة أو اخترت]
م: (ولو قالت قد طلقت نفسي واحدة أو اخترت) ش: أي أو قالت اخترت م: (نفسي بتطليقة فهي واحدة بائنة) ش: وهاتان المسألتان جوابهما واحد، ثم علل ما ذكره من المسائل بقوله م: (لأن الواحدة نعت لمصدر محذوف، وهو) ش: أي المصدر المحذوف م: (في الأولى) ش: أي في الصورة الأولى أو في المسألة الأولى، وهو قولها اخترت نفسي بواحدة، أي باختيارة واحدة م: (الاختيارة، وفي الثانية التطليقة) ش: هو قولها قد طلقت نفسي بواحدة، أي بتطليقة واحدة م: (إلا(5/383)
أنها تكون بائنة، لأن التفويض في البائن ضرورة ملكها أمرها، وكلامها خرج جوابا له فتصير الصفة المذكورة في التفويض مذكورة في الإيقاع، وإنما تصح نية الثلاث في قوله: أمرك بيدك؛ لأنه يحتمل العموم والخصوص، ونية الثلاث نية التعميم، بخلاف قوله: اختاري، لأنه يحتمل العموم، وقد حققناه من قبل.
ولو قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد لم يدخل فيه الليل، ولو ردت الأمر في يومها بطل أمر ذلك اليوم وكان الأمر بيدها بعد غد، لأنه صرح بذكر الوقتين بينهما وقت من جنسهما لم يتناوله الأمر؛ إذ ذكر اليوم بعبارة الفرد لا يتناول الليل، فكانا أمرين، فبرد أحدهما لا يرتد الآخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنها) ش: أي إلا أن التطليقة الواحدة م: (تكون بائنة، لأن التفويض في البائن) ش: أي لأن التفويض كائن في البائن، فقوله في البائن خبر أن م: (ضرورة ملكها أمرها) ش: أي لضرورة أنه ملكها أمرها، فإن تمليكها إياها أمرها يقتضي البينونة لكون الأمر باليد من ألفاظ الكناية.
م: (ولكلامها) ش: أي وكلام المرأة م: (خرج جوابًا له) ش: أي للتفويض أو الكلام الزوج م: (فتصير الصفة المذكورة في التفويض) ش: يعني البينونة في التفويض م: (مذكورة في الإيقاع) ش: أي في إيقاع المرأة، لكون كلامها مطابقًا لكلامه، م: (وإنما تصح نية الثلاث) ش: أشار به إلى الفرق بين الأمر باليد والاختيار، حيث يصح في الأول نية الثلاث، ولا يصح في الثاني، فقال: إنما تصح نية الثلاث م: (في قوله: أمرك بيدك، لأنه) ش: أي لأن أمرك بيدك م: (يحتمل العموم والخصوص) ش: فالعموم في الثلاث، والخصوص في واحدة، لأن الأمر اسم عام يصلح اسما لكل فعل، فإذا سوى الطلاق صار كناية عن قوله: طلاقك بيدك، والطلاق مصدر يحتمل العموم والخصوص.
م: (ونية الثلاث نية التعميم، بخلاف قوله: اختاري، لأنه يحتمل العموم) ش: لأن الاختيار هو الخصوص، وإنه لا يتنوع، وقد مر فيما مضى، أشار إليه بقوله م: (وقد حققناه من قبل) ش: أشار به إلى ما ذكره في فصل الاختيار، بقوله إذ الاختيار لا يتنوع.
[قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد]
م: (ولو قال لها: أمرك بيدك اليوم وبعد غد لم يدخل فيه الليل) ش: حتى لو اختارت في الليل لا يقع شيء م: (ولو ردت الأمر في يومها بطل أمر ذلك اليوم، وكان الأمر بيدها بعد غد، لأنه صرح بذكر الوقتين) ش: يعني اليوم وبعد غد، م: (بينهما وقت من جنسهما) ش: يعني الغد م: (لم يتناوله الأمر) ش: فإنها لو اختارت نفسها في الغد لا تطلق م: (إذ ذكر اليوم بعبارة الفرد لا يتناوله الليل) ش: هذا دليل قوله لم يدخل في الليل، وفيه تلبيس، وإن كان ظاهرًا م: (فكانا أمرين) ش: أي فكان الوقتان اللذان بينهما وقت فاصل أمرين م: (فبرد أحدهما لا يرتد الآخر) ش: يعني إذا ارتد الأمر في اليوم لا يكون ذلك ردًّا فيما بعد.(5/384)
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هما أمر واحد بمنزلة قوله أنت طالق اليوم وبعد غد. قلنا الطلاق لا يحتمل التأقيت، والأمر باليد يحتمله، فيتوقت الأمر بالأول، ويجعل الثاني أمرا مبتدأ.
ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل الليل في ذلك، فإن ردت الأمر في يومها لا يبقى الأمر في يدها في الغد، لأن هذا أمر واحد؛ لأنه لم يتخلل بين الوقتين المذكورين وقت من جنسهما لم يتناوله الكلام، وقد يهجم الليل ومجلس المشورة لا ينقطع، فصار كما إذا قال أمرك بيدك في يومين. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال زفر هما) ش: يعني الأمر الذي بيدها اليوم، والأمر الذي بيدها غدا م: (أمر واحد) ش: لأنها إذا ردت الأمر في اليوم لا يبقى الأمر بعدها في الغد أيضا، وذلك م: (بمنزلة قوله أنت طالق اليوم وبعد غد) ش: تكون طلقة واحدة لاثنتين، لكون أحدهما معطوفا على الآخر من غير تكرار لفظ الأمر.
م: (قلنا: الطلاق لا يحتمل التأقيت) ش: فكان الطلاق اليوم طلاقا غدا وبعد غد وغيره م: (والأمر باليد يحتمله) ش: أي يحتمل التأقيت م: (فيتوقت الأمر بالأول) ش: أي لكون الأمر موقتا بالوقت الأول، وهو اليوم، حتى يخرج ذلك بمجيء الليل م: (ويجعل الثاني) ش: أي الوقت الثاني، وهو قوله وبعد غد م: (أمرا مبتدأ) ش: أي أمر آخر ابتداء، وقال الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع الصغير والكبير": ذكر إبراهيم بن رستم، أنه لو قال أنت طالق اليوم وغدا طلقت واحدة. ولو قال أنت طالق اليوم وبعد غد طلقت طلاقين، فعلى هذه الرواية لا يصح قياس زفر مسألة الأمر باليد على مسألة الطلاق.
[قال أمرك بيدك اليوم وغدا]
م: (ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل الليل في ذلك) ش: لأن الليل المتوسط يدخل تحت الأمر م: (فإن ردت الأمر في يومها لا يبقى الأمر في يدها في الغد، لأن هذا أمر واحد، لأنه لم يتخلل بين الوقتين المذكورين) ش: وهذا اليوم والغد م: (وقت من جنسهما لم يتناوله الكلام وقد يهجم الليل) ش: أي يدخل من قولك زحمت على القوم للمجلس، وكون الغد قريبا إذا دخلت عليهم هذا لبيان الليل المتخلل بين اليوم والغد لا يكون قاطعا للمجلس، وكون
الغد قريبا من اليوم حيث لم يدخل بينهما زمان قاطع، فلم يجعلهما كما لو قتل، فكان الغد ملحقا باليوم، لأن الأصل في العطف وقوع الشركة فيهما فيما تم به المعطوف عليه من غير أن يتفرد العطف بخبر آخر.
م: (ومجلس المشورة لا ينقطع) ش: الواو للحال والمشورة، بفتح الميم وضم الشين المعجمة المشورى وجاء فيها فتح الميم وسكون الشين م: (فصار كما إذا قال أمرك بيدك في يومين) ش: حيث يدخل الليل فيهما.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: رواية أبي يوسف عنه في " الأمالي " وكذا قال(5/385)
أنها إذا ردت الأمر في اليوم لها أن تختار نفسها غدا، لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع. وجه الظاهر أنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في الغد، فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر؛ لأن المخير بين الشيئين لا يملك إلا اختيار أحدهما. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا قال أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك غدا أنهما أمران لما ذكر لكل وقت خبرا على حدة، بخلاف ما تقدم.
وإن قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان، فقدم فلان ولم تعلم بقدومه حتى جن الليل، فلا خيار لها؛ لأن الأمر اليد مما يمتد فيحمل اليوم المقرون به على بياض النهار، وقد حققناه من قبل، فيتوقف به ثم ينقضي بانقضاء وقته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شمس الأئمة السرخسي في " المبسوط ": م: (أنها إذا ردت الأمر في اليوم لها أن تختار نفسها غدا، لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع) ش: بيانه أن الزوج لو قال لها طلقتك يقع الطلاق، ولا تملك المرأة رد الإيقاع، فكذلك لا تملك رد الأمر باليد م: (ووجه الظاهر أنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في الغد، فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر) ش: لأنها خيرت بين شيئين اختيارها نفسها واختيار زوجها، فإذا اختارت نفسها اليوم خرج الاختيار من يدها في الغد م: (وذلك لأن المخير بين شيئين لا يملك إلا اختيار أحدهما) ش: لأنه لا يملكها جميعا بل يملك أحدهما.
م: (وعن أبي يوسف أنه إذا قال: أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك غدا أنهما أمران لما ذكر لكل وقت خبرا على حدة) ش: حتى إذا ردت الأمر اليوم كان لها أن تختار نفسها غدا، لأنه لما ذكر لكل وقت خبر عرف أنه لم يرد اشتراك الوقتين في خبر الواحد.
وقال شمس الأئمة: هذه هي الرواية الصحيحة، وجعل قاضي خان هذه الرواية، أصل الرواية ولم يذكر خلاف أحد م: (بخلاف ما تقدم) ش: أراد به قوله أمرك بيدك اليوم وغدا يفيد أن التكرار في الاختيار لم يوجد فلم يتجدد الأمر.
[قال أنت طالق يوم يقدم فلان فقدم ليلا]
م: (إن قال أمرك بيدك يوم يقدم فلان فقدم فلان ولم تعلم بقدومه حتى جن الليل) ش: أي أظلم، يقال له جن عليه الليل جنونا، ويقال واجنه الليل وأجنه بمعنى، وإجنان الليل ادلهامه، وقال ابن السكيت: ويروى جنون الليل، أي سده ما يستره من ظلمته م: (فلا خيار لها، لأن الأمر باليد مما يمتد فيحمل اليوم المقرون به) ش: أي بالأمر باليد م: (على بياض النهار) ش: فحينئذ لا يبقى لها الخيار بعد الغروب لانقضاء مدة الأمر.
وقال الرافعي: إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان، فقدم ليلا لا تطلق، ومنهم من حكم بوقوعه وحمل اليوم على مطلق الزمان كقولنا، وإذا لم يعلم بقدومه حتى جن الليل خرج وقت خيارها فلا يبقى بعده م: (وقد حققناه من قبل) ش: أي في آخر فصل إضافة الطلاق إلى الزمان م: (فيتوقت به) ش: أي فيتوقت الأمر باليد ببياض النهار م: (ثم ينقضي بانقضاء وقته) ش: أي ثم(5/386)
وإذا جعل أمرها بيدها أو خيرها فمكثت يوما لم تقم فالأمر في يدها ما لم تأخذ في عمل آخر، لأن هذا تمليك التطليق منها؛ لأن المالك من يتصرف برأي نفسه، وهي بهذه الصفة والتمليك يقتصر على المجلس، وقد بيناه من قبل. ثم إذا كانت تسمع فيعتبر مجلسها ذلك، وإن كانت لا تسمع فمجلس علمها وبلوغ الخبر إليها؛ لأن هذا تمليك فيه معنى التعليق فيتوقف على ما رواه المجلس ولا يعتبر مجلسه؛ لأنه لازم في حقه، بخلاف البيع، لأنه تمليك محض لا يشوبه التعليق.
وإذا اعتبر مجلسهما فالمجلس تارة يتبدل بالتحول، ومرة بالأخذ في عمل آخر على ما بيناه في الخيار، ويخرج الأمر من يدها بمجرد القيام؛ لأنه دليل الإعراض، إذ القيام يفرق الرأي بخلاف ما إذا مكثت يوما لم تقم ولم تأخذ في عمل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ينقضي وقت الأمر باليد بانقضاء بياض النهار.
م: (وإذا جعل أمرها بيدها) ش: يعني إذا قال أمرك بيدك م: (أو خيرها) ش: أي أو قال لها اختاري نفسك م: (فمكثت يوما لم تقم فالأمر في يدها) ش: يعني فلها الخيار في المجلس م: (ما لم تأخذ في عمل آخر) ش: لأن الأخذ في عمل آخر دليل الإعراض م: (لأن هذا) ش: أي جعل الأمر باليد م: (تمليك التطليق منها) ش: أي من المرأة، وليست بإبانة م: (لأن المالك من يتصرف برأي نفسه، وهي) ش: أي المرأة م: (بهذه الصفة) ش: أي بتصرف معرفته برأي نفسها م: (والتمليك يقتصر على المجلس وقد بيناه من قبل) ش: يعني في فصل الاختيار في قوله التمليكات تقتضي جوابا في المجلس كما في البيع.
م: (ثم إن كانت تسمع) ش: يعني هذا الذي ذكرنا فيها إذا كانت المرأة حاضرة تسمع م: (فيعتبر مجلسها ذلك، وإن كانت غائبة لا تسمع فمجلس علمها) ش: أي فيعتبر حينئذ مجلس علمها م: (وبلوغ الخبر إليها لأن هذا) ش: أي الأمر باليد م: (تمليك فيه معنى التعليق) ش: لأنه تعليق بالطلاق باختيارها نفسها م: (فيتوقف على ما وراء المجلس ولا يعتبر مجلسه) ش: أي مجلس الزوج حتى إذا قام بعد أن جعل إليها الأمر لا يبطل خيارها.
م: (لأنه) ش: أي لأن التعليق م: (لازم في حقه) ش: ولهذا ليس له أن يرجع ويفسخ الخيار م: (بخلاف البيع) ش: حيث يعتبر مجلس البائع والمشتري، حتى إنه أيهما قام عن المجلس قبل قبول الآخر بطل البيع م: (لأنه) ش: أي: لأن البيع م: (تمليك محض لا يشوبه التعليق) ش: وبهذا إذا رجع أحدهما عن كلامه قبل قبول الآخر فله ذلك.
م: (وإذا اعتبر مجلسهما فالمجلس تارة يتبدل بالتحول) ش: إلى مجلس آخر م: (ومرة بالأخذ في عمل آخر، على ما بيناه في الخيار) ش: وهو قوله أن مجلس الأكل غير مجلس المناظرة، ومجلس القتال غيرهما م: (ويخرج الأمر من يدها بمجرد القيام لأنه دليل الإعراض، إذ القيام يفرق الرأي بخلاف ما إذا مكثت يوما ولم تقم) ش: أي حال كونها لم تقم عن مجلسها م: (ولم تأخذ في عمل(5/387)
آخر؛ لأن المجلس قد يطول وقد يقصر فيبقى إلى أن يوجد ما يقطعه أو يدل على الإعراض، وقوله: مكثت يوماً ليس للتقدير به، وقوله ما لم تأخذ في عمل آخر يراد به عمل يعرف أنه قطع لما كان فيه، لا مطلق العمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
آخر، لأن المجلس قد يطول وقد يقصر فيبقى) ش: أي المجلس م: (إلى أن يوجد ما يقطعه أو يدل على الإعراض) ش: وقطع المجلس بقيامها عنه، والإعراض يأخذها في عمل آخر، سواء كان دينيا أو دنياويا، وكان القياس أن يكون لها الخيار أبدا لإطلاق الأمر، ولكنه ترك وأخذ بالاستحسان لإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بقولهم للمخيرة المجلس.
م: (وقوله) ش: أي قول " الجامع الصغير " م: (مكثت يوما ليس للتقدير به) ش: أي ليس لتقدير الخيار باليوم بل المراد منه المكث الدائم، سواء كان قليلا أو كثيرا، ما لم يوجد ما يدل على الإعراض، وفي " المغني " للحنابلة: الأمر باليد لا يقتصر على المجلس بقول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حتى الكل، وقال ابن قدامة: لا نعرف له مخالفا في ذلك، فيكون إجماعا، ولأنه توكيل في الطلاق فيكون على التراخي كما لو جعله في يد أجنبي.
قلت: دعواه الإجماع غير صحيح، لأن قول جماعة من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أن لها الخيار ما دامت، فمن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وجابر وغيرهم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ومن التابعين: إبراهيم، ومجاهد، وعطاء، وعمرو بن دينار، وطاوس، والشعبي، وأحرز ذلك كله ابن أبي شيبة في "مصنفه".
وقال أصحابنا: هم إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وعدم علمه مخالفا لعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا يستلزم عدم علم غيره، لأن إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إلى خلاف ذلك مع عدم شهرة ما نسب إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقوله أنه توكيل غير صحيح، لأنه تمليك عند الأئمة، وقوله كما لو جعله في يد أجنبي باطل، لأنه يقتصر على المجلس في الأجنبي أيضاً، إلا إذا كان وكيلا عنه.
م: (وقوله) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (ما لم تأخذ في عمل آخر يراد به عمل يعرف به أنه قطع لما كان فيه) ش: أي قطع المجلس الذي كان المجلس واقعا فيه ذكر الشيء، واللام في لما زائدة، كما في قَوْله تَعَالَى {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72] (النمل: الآية 72) أي ردفكم م: (لا مطلق العمل) ش: أي ليس مراد محمد مطلق العمل، حتى لو لبست ثيابها من غير قيام أو أكلت أو شربت أو قرأت قليلا من القرآن أو ما أشبه ذلك، ما هو من عمل الفرقة، فكانت هي على خيارها، وهذا كما يكون في قوله أمرك بيدك، يكون في قوله اختاري، وفي قوله طلقي نفسك.(5/388)
ولو كانت قائمة فجلست فهي على خيارها؛ لأنه دليل الإقبال فإن القعود أجمع للرأي، وكذا إذا كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت؛ لأن هذا انتقال من جلسة إلى جلسة، فلا يكون إعراضا كما إذا كانت محتبية، فتربعت. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا رواية " الجامع الصغير "، وذكر في غيره أنها إذا كانت قاعدة فاتكأت، لا خيار لها؛ لأن الاتكاء إظهار التهاون بالأمر، فكان إعراضا، والأول هو الأصح، ولو كانت قاعدة فاضطجعت، ففيه روايتان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولو قالت: ادع أبي أستشيره أو شهودا أشهدهم فهي على خيارها؛ لأن الاستشارة لتحري الصواب والإشهاد للتحرز عن الجحود والإنكار، فلا يكون دليل الإعراض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كانت قائمة فجلست بعد قوله لها أمرك بيدك]
م: (ولو كانت قائمة فجلست فهي على خيارها، لأنه دليل الإقبال، فإن القعود أجمع للرأي) ش: للتمكن منه م: (وكذا إذا كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة) ش: أي أو كانت متكئة م: (فقعدت، لأن هذا انتقال من جلسة إلى جلسة فلا يكون إعراضا كما إذا كانت محتبية فتربعت) ش: يقال احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامة أو يديه.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (هذا) ش: أي هذا الذي قلنا من كونها على خيارها فيما إذا كانت قاعدة فاتكأت م: (رواية " الجامع الصغير ") ش: لأن الاتكاءة نوع جلسة، فكأنها كانت متربعة، فاجتبأت أو كانت مجتبئة فتربعت م: (وذكر في غيره) ش: أي في غير " الجامع الصغير "، وهي رواية الأصل م: (أنها إذا كانت قاعدة فاتكأت لا خيار لها، لأن الاتكاء إظهار التهاون بالأمر، فكان إعراضا) .
ش: وذكر المرغيناني: لو كانت قاعدة فاتكأت، قال الحلواني: لا يبطل خيارها في ظاهر الرواية.
وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف يبطل م: (والأول هو الأصح) ش: أي رواية " الجامع الصغير " أصح من رواية غيره.
م: (ولو كانت قاعدة فاضطجعت ففيه روايتان عن أبي يوسف) ش: في رواية الحسن بن زياد عنه، قال لا يبطل خيارها. وفي رواية الحسن بن أبي مالك: ويبطل، وبه قال زفر، وفي " المحيط، وهو ظاهر الرواية.
م: (ولو قالت: ادع أبي) ش: أي لو قالت المرأة لخادمها أو لأحد ادع أبي، أي اطلبه م: (استشره) ش: أي: اطلب منه الرأي في أمري م: (أو شهودا) ش: أي أو قالت ادع لي شهودا م: (أشهدهم فهي على خيارها، لأن الاستشارة لتحري الصواب والإشهاد للتحرز عن الجحود والإنكار، فلا يكون دليل الإعراض) ش: الأشياء دلالة على الإعراض، لأنها من إثبات الاختيار.
وفي " الذخيرة " والمرغيناني إن لم تجد أحدا يدعو لها الشهود فقامت بنفسها ولم تنتقل(5/389)
وإن كانت تسير على دابة أو في محمل فوقفت فهي على خيارها، وإن سارت بطل خيارها؛ لأن سير الدابة ووقوفها مضاف إليها. والسفينة بمنزلة البيت؛ لأن سيرها غير مضاف إلى راكبها، ألا ترى أنه لا يقدر على إيقافها وراكب الدابة يقدر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لتدعو بالشهود، قيل لا يبطل خيارها لعدم ما يدل على الإعراض، وقيل يبطل لتبدل المجلس.
م: (وإن كانت تسير على دابة أو في محمل فوقفت فهي على خيارها، وإن سارت بطل خيارها، لأن سير الدابة ووقوفها مضاف إليها) ش: لأنها تجري حسب سوق الراكب ومسيرها دليل الإعراض، وإذا قادها الجمال وهما فيه لا يبطل، ولا يبطل بالنزول عن الدابة، بخلاف القعود عن القيام، وكذا لو كانت قائمة فركبت أو راكبة فانتقلت إلى دابة أخرى بطل، ولو أخبرت بالسفينة ينبغي أن تقول اخترتها م: (والسفينة بمنزلة البيت) ش: يعني أنها إذا سارت لا يبطل خيارها م: (لأن سيرها غير مضاف إلى راكبها، ألا ترى أنه لا يقدر على إيقافها، وراكب الدابة يقدر) ش: لأن السفينة لا يجريها راكبها، بل تجري براكبها، قال الله تعالى {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هود: 42] (هود: الآية 42) فلم يدل على إعراض المرأة، ولكن كلما يبطل في البيت يبطل الخيار في السفينة، سواء كان عمل الدنيا أو عمل الدين.(5/390)
فصل في المشيئة ومن قال لامرأته: طلقي نفسك ولا نية له، أو نوى واحدة فقالت: طلقت نفسي فهي واحدة رجعية، وإن طلقت نفسها ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك وقعن عليها، وهذا لأن قوله: طلقي، معناه افعلي فعل التطليق، وهو اسم جنس فيقع الآخر مع احتمال الكل، كسائر أسماء الأجناس، فلهذا تعمل فيه نية الثلاث، وينصرف إلى الواحدة عند عدمها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في المشيئة] [طلقت نفسها ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك]
م: (فصل في المشيئة) ش: أي هذا فصل في بيان المشيئة، قال الجوهري: المشيئة الإرادة، قال ابن الأثير: المشيئة مهموزة الإرادة، وقد شئت المشيئة إشاءة، ويقال المشيئة مصدر كالمسير والمجيء.
قلت: مصدر في الأصل، ولكنه استعمل استعمال الاسم، وهو اسم للوجود، وعند أهل السنة والفرق بين المشيئة والإرادة أن المشيئة عامة، والإرادة ليست كذلك، حتى لو قال الزوج شئت طلاقك ونوى يقع، بخلاف قوله أردت طلاقك فلا يقع، ولو نواه لأنه لا يبني عن الوجود.
م: (ومن قال لامرأته: طلقي نفسك ولا نية له) ش: أي والحال أنه لا ينوي الطلاق، م: (أو نوى واحدة فقالت: طلقت نفسي، فهي واحدة رجعية، وإن طلقت نفسها ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك) ش: أي والحال أن الزوج أراد الثلاث م: (وقعن عليها) ش: أي وقعت الثلاث على المرأة، سواء طلقت نفسها ثلاثا جملة أو متفرقة، ولو نوى ثنتين لا يصح، وفيه خلاف الشافعي ومالك وأحمد، وعن الظاهرية لا يجوز إيقاعها، وتوكيل غيره بالطلاق ولا إضافة الطلاق إلى الزمان المستقبل، وقال الأكمل: ترجم الفعل بالمشيئة وكان الابتداء فيه بمسألة فيما ذكر المشيئة أولى.
وقال الأترازي: النظر إلى المشيئة ليس من المسألة التي ابتدأها ذكر المشيئة، ثم أجاب بقوله المشيئة، وإن كانت غير مذكورة لفظا مذكورة معنى، لأن قوله: طلقي نفسك تفويض الطلاق إليها بمشيئتها واختيارها، ولهذا يقتصر على المجلس، انتهى.
قلت: فيه بعد جدا، والفقهاء لا يراعون هذه الأشياء، لأن مقصودهم بيان المسائل بالدلائل مع قطع النظر عن التركيب الوضعي.
م: (وهذا) ش: أي وقوع الواحدة في المسألة الأولى والثلاث في المسألة الثانية م: (لأن قوله: طلقي معناه افعلي فعل التطليق، وهو) ش: أي التطليق م: (اسم جنس) ش: لأنه مصدر يحتمل أدنى الجنس وكله م: (فيقع الآخر) ش: وهو الواحدة م: (مع احتمال الكل كسائر أسماء الأجناس، ولهذا) ش: أي ولأجل أن التطليق اسم جنس م: (تعمل فيه) ش: أي في قوله طلقي م: (نية الثلاث) ش: لأنه يحتمل ويقع بالنية م: (وينصرف إلى الواحدة) ش: أي الطلقة الواحدة م: (عند عدمها) ش: أي(5/391)
وتكون الواحدة رجعية؛ لأن المفوض إليها صريح الطلاق، وهو رجعي، ولو نوى الثنتين لا يصح؛ لأنه نية العدد إلا إذا كانت الزوجة أمة؛ لأنه جنس في حقها.
وإن قال لها: طلقي نفسك فقالت: أبنت نفسي طلقت، ولو قالت: قد اخترت نفسي لم تطلق؛ لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق، ألا ترى أنه لو قال أبنتك ينوي به الطلاق، أو قالت أبنت نفسي فقال الزوج: قد أجزت ذلك بانت، فكانت موافقة للتفويض في الأصل، إلا أنها زادت فيه وصفا، وهو تعجيل الإبانة فيلغو الوصف الزائد ويثبت الأصل، كما إذا قالت طلقت نفسي تطليقة بائنة، وينبغي أن تقع تطليقة رجعية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عند عدم النية م: (وتكون الواحدة رجعية، لأن المفوض إليها صريح الطلاق، وهو رجعى) ش: وصريح الطلاق يعقب الرجعة.
م: (ولو نوى الثنتين لا يصح) ش: وقال زفر والشافعي ومالك وأحمد يصح م: (لأنه نية العدد) ش: أي لأن ما نواه نية العدد والثنتان غير عدد، لأن العدد ما له كل شيئان م: (إلا إذا كانت الزوجة أمة) ش: أي إلا إذا كانت امرأته أمة م: (لأنه) ش: أي لأن الثنتين، وإنما ذكر الضمير باعتبار المذكور والتقدير، لأن لفظ الثنتين م: (جنس في حقها) ش: أي في حق الأمة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طلاق الأمة ثنتان» .
[قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي]
م: (وإن قال لها طلقي نفسك، فقالت: أبنت نفسي، طلقت) ش: أي رجعية، لأن المفوض رجعي، وقد أتت بزيادة وصف وهو البينونة، فيلغو ذلك م: (ولو قالت قد اخترت نفسي لم تطلق؛ لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق) ش: فصلحت جوابا لقول الرجل طلقي نفسك، بخلاف ما إذا قالت اخترت نفسي، لأن الاختيار ليس من ألفاظ الطلاق.
م: (ألا ترى) ش: أشار به إلى إيضاح الفرق بين المسألتين م: (أنه) ش: أي أن الزوج م: (لو قال) ش: أي لامرأته م: (أبنتك ينوي به الطلاق، أو قالت: أبنت نفسي فقال الزوج قد أجزت ذلك، بانت) ش: أي بانت المرأة بتطليقة بائنة م: (فكانت موافقة للتفويض في الأصل) ش: أي كانت المرأة موافقة لتفويض الرجل بقولها أبنت نفسي في أصل الطلاق دون وصفه، وهو البينونة فيثبت الأصل بموافقتها، ويلغو الأصل لمخالفتها، وهو معنى قوله: م: (إلا أنها زادت فيه) ش: أي في التفويض، ويجوز أنه يقال في الجواب م: (وصفا، وهو تعجيل الإبانة فيلغو الوصف الزائد) ش: وهو البينونة م: (ويثبت الأصل) ش: وهو وقوع الطلاق الرجعي.
م: (كما إذا قالت) ش: في جواب طلقي نفسك م: (طلقت نفسي تطليقة بائنة) ش: فإنها زادت وصفا فيلغو الوصف ويثبت الأصل م: (وينبغي أن تقع تطليقة رجعية) ش: يعني في قولها أبنت نفسي في جواب قول الرجل طلقي نفسك، وإنما قال بلفظ ينبغي؛ لأن هذه المسألة من خواص " الجامع الصغير "، ومحمد لم ينص فيه على الرجعي، بل قال هي طالق.(5/392)
بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق، ألا ترى أنه لو قال لامرأته: اخترتك، أو اختاري ينوي الطلاق لم يقع، ولو قالت ابتداء اخترت نفسي فقال الزوج أجزت لا يقع شيء إلا أنه عرف طلاقا بالإجماع إذا حصل جوابا للتخيير، وقوله طلقي نفسك ليس بتخيير فيلغو، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه لا يقع شيء بقولها: أبنت نفسي؛ لأنها أتت بغير ما فوض الزوج إليها، إذ الإبانة تغاير الطلاق.
وإن قال لها: طلقي نفسك فليس له أن يرجع عنه؛ لأن فيه معنى اليمين؛ لأنه تعليق الطلاق بتطليقها، واليمين تصرف لازم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولفظ محمد في " الجامع الصغير " عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل يقول لامرأته: طلقي نفسك، فتقول أبنت نفسي، قال: هي طالق.
م: (بخلاف الاختيار) ش: متعلق بقوله لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن لفظ معنى الاختيار م: (ليس من ألفاظ الطلاق) ش: ثم أوضح ذلك بقوله م: (ألا ترى أنه لو قال لامرأته: اخترتك أو اختاري نوى الطلاق لم يقع، ولو قالت ابتداء) ش: أي من أول الأمر م: (اخترت نفسي فقال الزوج: قد أجزت لا يقع شيء) ش: لأنه ليس من ألفاظ الطلاق، م: (إلا أنه عرف طلاقا) ش: استثناه من قوله بخلاف الاختيار، لأنه ليس من ألفاظ الطلاق، والاستثناء منقطع بمعنى لكن م: (بالإجماع) ش: أي بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كما مر بيانه م: (إذا حصل جوابا للتخيير) ش: بأن يقول اختاري، فتقول هي اخترت نفسي.
م: (وقوله: طلقي نفسك ليس بتخيير) ش: بأن يقول اختاري م: (فيلغو) ش: ولا يصلح قولها اخترت جوابا له م: (وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه لا يقع شيء بقولها أبنت نفسي، لأنها أتت بغير ما فوض الزوج إليها إذ الإبانة تغاير الطلاق) ش: لأنها تحصل بدون الطلاق، فيكون مغايرا له، فما أتت بما فوض إليها، وكذا في سائر ألفاظ الكنايات، وبه قال ابن خيران من أصحاب الشافعي.
[قال لها طلقي نفسك]
م: (وإن قال لها: طلقي نفسك فليس له أن يرجع عنه) ش: إذا طلقت نفسها بعد إذنها يقع الطلاق، وبه قال مالك وابن خيران من أصحاب الشافعي، وعند الشافعي وأحمد يملك الرجوع، لأن فيه معنى التوكيل والتمليك، وباعتبار التوكيل صح الرجوع كما في سائر التوكيلات، وباعتبار التمليك يصح الرجوع قبل القبول، كما في سائر التمليكات م: (لأن فيه) ش: أي في قوله طلقي نفسك م: (معنى اليمين، لأنه تعليق الطلاق بتطليقها) ش: فيكون يمينا، لأن الطلاق مما يحلف، وفي كل تعليق يعني اليمين لما فيه من المنع والحمل م: (واليمين تصرف لازم) ش: لا يقع الرجوع بإجماع الصحابة، لأن اليمين يعقد للزجر والحل على وجه التأكيد، فلو طلبت الرجوع ما أفادت فائدتها.(5/393)
ولو قامت عن مجلسها بطل؛ لأنه تمليك، بخلاف ما إذا قال لها: طلقي ضرتك؛ لأنه توكيل وإنابة فلا يقتصر على المجلس ويقبل الرجوع. وإن قال لها طلقي نفسك متى شئت، فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده؛ لأن كلمة "متى" عامة في الأوقات كلها، فصار كما إذا قال: في أي وقت شئت،
وإذا قال لرجل: طلق امرأتي، فله أن يطلقها في المجلس وبعده، وله أن يرجع؛ لأنه توكيل واستعانة فلا يلزم ولا يقتصر على المجلس، بخلاف قوله لامرأته: طلقي نفسك؛ لأنها عاملة لنفسها، فكان تمليكا لا توكيلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو قامت عن مجلسها بطل) ش: أي قوله طلقي نفسك م: (لأنه تمليك) ش: لأنها تتصرف لنفسها لا لغيرها، فيقتصر على المجلس م: (بخلاف ما إذا قال لها طلقي ضرتك، لأنه توكيل وإنابة، فلا يقتصر على المجلس ويقبل الرجوع) ش: لأن فيه نوع سند على الموكل، وفي ذلك ضرر عليه، فيجوز دفع ذلك الضرر عن نفسه بالرجوع.
م: (وإن قال لها طلقي نفسك متى شئت فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده) ش: أي بعد المجلس، ولا خلاف للأئمة الأربعة فيه م: (لأن كلمة "متى" عامة في الأوقات كلها) ش: فلا يملك الرجوع، خلافا للشافعي وأحمد م: (فصار كما إذا قال في أي وقت شئت) ش: أي فصار هذا كما إذا قال لها طلقي نفسك في أي وقت شئت، فيعم.
وقال الأترازي: هذه من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لفظه بعينه، إلا أنها وقعت مكررة في " الهداية "، لأن صاحب " الهداية، ذكرها بعد هذا قريبا من ورقة عند قوله: إذا قال لها أنت طالق إذا شئت، وذكر ثمة وضع " الجامع الصغير "، وذكر هنا وضع القدوري كان ينبغي أن يذكرهما في موضع إما هنا، وإما ثمة.
فإن قال القائل التمليك في هذه الصورة موجود أولا، فإن كان الثاني لا يقدر على الطلاق، وليس كذلك، وإن كان الأول يقتصر على المجلس لكونه لازم التملك، وأجيب: بأن الاقتصار على المجلس من أحكامها التمليك، وقد يتأخر المانع كما في شرط الاختيار، وهي تطليقة تخصص العلة وموضعه الأصول.
[قال لرجل طلق امرأتي]
م: (وإذا قال لرجل طلق امرأتي فله أن يطلقها في المجلس وبعده، وله أن يرجع، لأنه توكيل واستعانة، فلا يلزم ولا يقتصر على المجلس) ش: أما جواز التطليق للوكيل فلأنه أقامه مقام نفسه، وأما جواز ذلك بدون قيد المجلس، فلأن الوكيل أجنبي وقد يقدر على أن يعين الوكيل في المجلس، وقد لا يقدر، فلم يقتصر على المجلس، وأما جواز رجوعه عن ذلك، فظاهر من كلام المصنف م: (بخلاف قوله لامرأته طلقي نفسك، لأنها عاملة لنفسها، فكان تمليكا لا توكيلا) ش: فليس له الرجوع عن قوله.(5/394)
ولو قال لرجل طلقها إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة، وليس للزوج أن يرجع. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا والأول سواء؛ لأن التصريح بالمشيئة كعدمه؛ لأنه يتصرف عن مشيئته، فصار كالوكيل بالبيع إذا قيل له بعه إن شئت. ولنا أنه تمليك؛ لأنه علقه بالمشيئة، والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته، والطلاق يحتمل التعليق، بخلاف البيع؛ لأنه لا يحتمل.
ولو قال لها: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة فهي واحدة؛ لأنها ملكت إيقاع الثلاث، فتملك إيقاع الواحدة ضرورة. ولو قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شيء، عند أبي حنيفة. وقالا: تقع واحدة؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو قال لرجل طلقها إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة، وليس للزوج الرجوع، وقال زفر: هذا) ش: أي هذا الحكم م: (والأول) ش: أي القول الأول، وهو قوله لأجنبي: طلق امرأتي بدون ذكر مشيئة م: (سواء) ش: في الحكم، وبه قال أصحاب الشافعي م: لأن التصريح بالمشيئة كعدمه) ش: لأنها لغو م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل الذي قال له طلق امرأتي إن شئت م: (يتصرف عن مشيئته) ش: لا محالة م: (فصارت) ش: أي حكم هذا م: (كالوكيل بالبيع) ش: يعني إذا وكل رجلا يبيع شيئا م: (إذا قيل له) ش: يعني إذا قال له م: (بعه إن شئت) ش: يكون توكيلا لا تمليكا، ولا يخرج كلامه ذكر المسألة عن التوكيل، فكذا هذا.
م: (ولنا أنه) ش: أي قول الزوج للرجل م: (تمليك، لأنه علقه بالمشيئة، والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته، والطلاق يحتمل التعليق) ش: على وجه الشرط يصح ذكر المشيئة، ويعتبر لازما: (بخلاف البيع) ش: أي بخلاف التوكيل بالبيع، لأنه ذكر المشيئة على وجه الشرط فلا يمشي م: (لأنه) ش: أي لأن البيع م: (لا يحتمله) ش: أي لا يحتمل الشرط، يعني ليس من مقتضيات البيع فلا يصح ذكر المشيئة، وبدون ذكر المشيئة لا يصير لازما، وبقولنا قال الثوري والليث وقيل الوكيل يتصرف عن مشيئته واختياره.
قلنا: نشأ ذلك الاختيار عن عدم نفاذ الأمر عليه، لعدم الأولوية لا من الصيغة، لأن الصيغة مذمة إذا صدرت من ذي ولاية، فمتى قال الأجنبي إن شئت، فالمشيئة جاءت من الصيغة صريحا، وأثبت خاصية الملكية، فكان هذا الكلام تمليكا لا إلزاما.
[قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة]
م: (ولو قال لها: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة، فهي واحدة) ش: بالاتفاق، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك: لا يقع شيء، لأنها أتت بغير ما فوض إليها، م: (لأنها ملكت إيقاع الثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات بمقتضى كلامه م: (فتملك إيقاع الواحدة ضرورة) ش: لأن من يملك الكل يملك أجزاءه.
م: (ولو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) وبه قال زفر ومالك م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (تقع واحدة) ش: وبه(5/395)
لأنها أتت بما ملكته وزيادة، فصار كما إذا طلقها الزوج ألفا. ولأبي حنيفة أنها أتت بغير ما فوض إليها، فكانت مبتدأة، وهذا لأن الزوج ملكها الواحدة، والثلاث غير الواحدة، لأن الثلاث اسم لعدد مركب مجتمع، والواحد فرد لا تركيب فيه، فكانت بينهما مغايرة على سبيل المضادة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الشافعي وأحمد م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (أتت بما ملكته وزيادة) ش: عطفا على قوله: بما وهذا لأن الواحدة موجودة في الثلاث، فصارت كما إذا قالت طلقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة، وكما إذا قال لها طلقي نفسك، فطلقت نفسها وضرتها، أو قال لعبده أعتق نفسك فأعتق نفسه وصاحبه، وكذا لو قال لأجنبي بع عبدي هذا فباعه مع عبد آخر، فالذي فوض إليها يقع، وما زاد على ذلك لغو.
م: (فصار كما إذا طلقها الزوج ألفاً) ش: فإن الثلاث الذي يفوض إليها شرعاً يقع، والثاني لغو لأنه لا يملكه شرعاً م: (ولأبي حنيفة أنها أتت بغير ما فوض إليها، فكانت مبتدأة) ش: في كلامها لا مجيبة لكلام الزوج م: (وهذا) ش: أشار به إلى توضيح ذلك بقوله م: (لأن الزوج ملكها الواحدة، والثلاث غير الواحدة، لأن الثلاث اسم لعدد مركب مجتمع، والواحد فرد لا تركيب فيه، فكانت بينهما) ش: أي بين الواحدة والثلاث م: (مغايرة على سبيل المضادة) ش: لأن الواحدة ليست بمركبة، والثلاث مركب من الآحاد، والثلاث عدد، والواحدة ليس بعدد، بخلاف قولها واحدة وواحدة وواحدة، لأنها بالكلام الأول تكون ممتثلة لما فوض إليها، وفي الكلام الثاني والثالث مبتدأة، وكذا لو ردت على نفسها وضرتها.
فإن قيل: فكذلك هنا بقولها طلقت نفسي متمثلة لو اقتصرت عليه، وتكون مبتدأة بقولها ثلاثاً فتلغو الزيادة.
قلنا: الطلاق متى قرن بالعدد كان الوقوع بالعدد وإلا لم يقع الثلاث على غير الموطوءة بقوله أنت طالق ثلاثاً، والحال أنه يقع ثلاثاً بالإجماع، وكذا لو ماتت قبل قولها ثلاثاً لا يقع الثلاث.
فإن قيل: قد ذكر من " المبسوط " أول فصل الأمر باليد أن الزوج إذا قال لها أمرك بيدك ونوى الواحدة وهي طلقت نفسها ثلاثاً يقع واحدة عندنا، خلافاً لابن أبي ليلى، فعلى ما ذكره أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ينبغي أن لا يقع شيء، لأنها أتت بغير ما فوض إليها، لأن الثلاث غير الواحدة.
قلنا: التفويض لم يتعرض لشيء فقد يكون خاصاً، وقد يكون عاماً، فإذا نوى فقد نوى تفويضاً خاصاً، وهو غير مخالف للظاهر، فلما وقعت ثلاثاً فقد وقعت فيما هو أصل للتفويض، وهو لا يكون أقل من الواحدة، فتقع الواحدة.(5/396)
بخلاف الزوج؛ لأنه يتصرف بحكم الملك، وكذا هي في المسألة الأولى؛ لأنها ملكت الثلاث، أما هاهنا لم تملك الثلاث وما أتت بما فوض إليها فتلغى، وإن أمرها بطلاق تملك الرجعة فيه فطلقت بائنة، أو أمرها بالبائن فطلقت رجعية وقع ما أمر به الزوج، فمعنى الأول، أن يقول لها الزوج طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة، فتقول: طلقت نفسي واحدة بائنة فتقع رجعية؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: مذهبنا أن الواحدة لا عين العشرة ولا غيرها، فينبغي أن يقع من حيث إنها لا غير الثلاث.
قلنا: المغايرة بين أسماء الأعداد أصلها ونفسها فوق المغايرة بين ألفاظ العموم والخصوص جرى مجرى المجاز بين العام والخاص، ولا يجري بين أسماء الأعداد، لأنها بمنزلة الإعلام، فيقال ستة ضعف ثلاثة بغير تنوين للعلمية والتأنيث، ولا يجوز إطلاق لفظ الثلاث على غيرها لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، فعلم أن المغايرة بينهما ثابتة من كل وجه.
وأما قولنا لا غيرها فباعتبار عدم تصور الأكثر منها بدل الأول منه، وهذا الاعتبار لا يقدح ثبوت المغايرة بينهما بحسب العرف والاستعمال، مع أن الواحد في العشرة الموجودة، وأما الثلاث هاهنا فمعدوم، والواحد الموجود غير الثلاث المعدوم لا محالة.
م: (بخلاف الزوج لأنه يتصرف بالملك) ش: أي بحكم الملك م: (وكذا هي) ش: أي المرأة م: (في المسألة الأولى) ش: أي وكذا تصرفت المرأة بحكم الملك في المسألة الأولى، وهي فيما إذا طلقت نفسها واحدة.
وقد قال لها طلقي نفسك ثلاثاً م: (لأنها ملكت الثلاث) ش: فكانت مالكة للواحدة لأن الثلاث تدل على الواحدة تضمناً، بخلاف ما إذا أمرها بالواحدة وقد بانت بالثلاث، لأن الواحدة لا دلالة لها على الثلاث لا حقيقة ولا مجازاً، لعدم التضمن والالتزام، فكانت المرأة مخالفة، فلم يقع شيء.
م: (أما هاهنا) ش: أي في قوله طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثاً م: (لم تملك الثلاث، وما أتت بما فوض إليها، فتلغى) ش: لعدم الموافقة بين قوله وجوابها م: (وأن أمرها بطلاق تملك الرجعة فيه) ش: أي وإن أمر الزوج امرأته بأن تطلق نفسها بطلاق حال كونها تملك الرجعة فيه م: (فطلقت بائنة) ش: أي فطلقت نفسها طلقة بائنة م: (أو أمرها بالبائن) ش: أي أو أمرها بأن تطلق نفسها طلقة بائنة م: (فطلقت رجعية) ش: أي طلقت رجعية م: (وقع ما أمر به الزوج، فمعنى الأول) ش: وهو قوله بطلاق تملك م: (أن يقول لها الزوج طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة، فتقول طلقت نفسي واحدة بائنة فتقع رجعية) ش: بالنصب عطفاً على الحال من الضمير الذي وقع، أو من المجرور، أعني قوله بالصفة، أي تقع الطلقة بالصفة التي عينها الزوج بائنة.(5/397)
لأنها أتت بالأصل وزيادة وصف، كما ذكرنا فيلغو الوصف ويبقى الأصل. ومعنى الثاني أن يقول لها طلقي نفسك واحدة بائنة فتقول: طلقت نفسي واحدة رجعية فتقع بائنة؛ لأن قولها "واحدة رجعية"، لغو منها؛ لأن الزوج لما عين صفة المفوض إليها فحاجتها بعد ذلك إلى إيقاع الأصل دون تعيين الوصف، فصار كأنها اقتصرت على الأصل فيقع بالصفة التي عينها الزوج بائنا أو رجعيا.
وإن قال لها طلقي نفسك ثلاثا إن شئت، فطلقت واحدة لم يقع شيء؛ لأن معناه إن شئت الثلاث، وهي بإيقاع الواحدة ما شاءت الثلاث فلم يوجد الشرط. ولو قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت، فطلقت ثلاثا، فكذلك عند أبي حنيفة؛ لأن مشيئة الثلاث ليست بمشيئة للواحدة كإيقاعها. وقالا: تقع واحدة؛ لأن مشيئة الثلاث مشيئة للواحدة، كما أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا كله تعسف، ولو قال بائنة منصوب على أنه صفة الواحدة لسلم من هذا التعسف تقع رجعية.
م: (لأنها أتت بالأصل) ش: أي بأصل الطلاق م: (وزيادة وصف) ش: أي وأتت أيضاً بزيادة وصف، وهو قولها: بائنة م: (كما ذكرنا) ش: عند قوله لأنها أتت بما ملكت وزيادة م: (فيلغو الوصف) ش: وهو البينونة م: (ويبقى الأصل) ش: أي أصل الطلاق.
م: (ومعنى الثاني) ش: وفي بعض النسخ م: (ومعنى الثانية) ش:، أي المسألة الثانية م: (أن يقول لها طلقي نفسك واحدة بائنة، فتقول) ش: بالنصب أيضاً عطف على أن تقول م: (طلقت نفسي واحدة رجعية فتقع بائنة؛ لأن قولها واحدة رجعية لغو منها؛ لأن الزوج لما عين لها صفة المفوض إليها فحاجتها بعد ذلك إلى إيقاع الأصل دون تعيين الوصف، فصار كأنها اقتصرت على الأصل، فيقع بالصفة التي عينها الزوج بائناً أو رجعياً) ش: لأن الزوج فوض إليها ذات الطلاق مع الوصف، وأنها أتت بما فوض إليها وخالفت في الوصف، فثبت الأصل دون الوصف.
[قال لها طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت فطلقت واحدة]
م: (وإن قال لها طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت فطلقت واحدة لم يقع شيء) ش: وبه قال الشافعي ومالك م: (لأن معناه إن شئت الثلاث، وهي بإيقاع الواحدة ما شاءت الثلاث، فلم يوجد الشرط) ش: لأن قوله إن شئت شرط، فلا بد له من الجزاء، أو لم يذكر بعد فكان جزاؤه ما ذكر قبل الشرط، والمذكور قبل الشرط ثلاث، فصار كما إذا قال إن شئت الثلاث، وبإيقاع الواحدة ما شاءت الثلاث، بل شاءت الواحدة ولم يوجد الشرط، فلم يقع شيء.
م: (ولو قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت، فطلقت ثلاثاً فكذلك عند أبي حنيفة) ش: أي لم يقع شيء وبه قال أصحاب الشافعي م: (لأن مشيئة الثلاث ليست بمشيئة للواحدة كإيقاعها) ش: أي كإيقاع الواحدة فيما لو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثاً لم يقع شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لما بيناه م: (وقالا: تقع واحدة، لأن مشيئة الثلاث مشيئة للواحدة، كما أن(5/398)
إيقاعها إيقاع للواحدة فوجد الشرط.
ولو قال لها أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت، فقال الزوج: شئته ينوي الطلاق بطل الأمر، لأنه علق طلاقها بالمشيئة المرسلة، وهي أتت بالمعلقة فلم يوجد الشرط، وهي اشتغلت بما لا يعنيها، فخرج الأمر من يدها، ولا يقع الطلاق بقوله شئت، وإن نوى الطلاق، لأنه ليس في كلام المرأة ذكر الطلاق، ليصير الزوج شائيا طلاقها، والنية لا تعمل في غير المذكور، حتى لو قال: شئت طلاقك يقع إذا نوى، لأنه إيقاع مبتدأ؛ إذ المشيئة تنبئ عن الوجود، بخلاف قوله: أردت طلاقك؛ لأنه لا ينبئ عن الوجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إيقاعها) ش: أي إيقاع الثلاث م: (إيقاع للواحدة فوجد الشرط) ش: وترتب عليه الجزاء، وهو وقوع الواحدة.
[قال لها أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال الزوج شئته ينوي الطلاق]
م: (ولو قال لها أنت طالق إن شئت، فقالت شئت إن شئت، فقال الزوج: شئته ينوي الطلاق بطل الأمر) ش: يعني لا يقع الطلاق م: (لأنه علق طلاقها بالمشيئة المرسلة) ش: يعني غير المعلقة بشيء م: (وهي) ش: أتت بالمعلقة يعني المرأة أتت بالمشيئة المعلقة بمشيئة الزوج م: (فلم يوجد الشرط وهي) ش: أي المرأة م: (اشتغلت بما لا يعنيها) ش: بمخالفتها زوجها م: (فخرج الأمر من يدها) ش: لوجود دليل الإعراض.
م: (ولا يقع الطلاق بقوله شئت وإن نوى الطلاق، لأنه ليس في كلام المرأة ذكر الطلاق ليصير الزوج شائياً طلاقها، والنية لا تعمل في غير المذكور) ش: لأن النية تعمل في الملفوظ لا في غيره، والطلاق ليس بمذكور إلا في قوله: شئت إن شئت، فلا يقع شيئاً. م: (حتى لو قال: شئت طلاقك يقع إذا نوى، لأنه إيقاع مبتدأ، إذ المشيئة تنبئ عن الوجود) ش: لأنها مأخوذة من الشيء، والشيء اسم للوجود، فكان قوله - شئت - بمعنى أوجدت، بخلاف الطلاق بإيقاعه م: (بخلاف قوله أردت طلاقك لأنه) ش: أي لأن لفظ أردت م: (لا ينبئ عن الوجود) ش: لأن معنى الإرادة عبارة عن الطلب، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحمى رائدة الموت» ، أي طالبة.
وقال الأكمل: فإن قيل ذهب علماؤنا في أصول الدين أن الإرادة والمشيئة واحدة، فما هذه التفرقة؟ فالجواب: يجوز أن يكون بينهما تفرقة بالنسبة إلى العباد، والتسوية بالنسبة إلى الله تعالى، لأن ما يطلبه تعالى يوجد كما يوجد ما شاء، بخلاف العباد، انتهى.
قلت: هذا الذي ذكره من " الفوائد الظهيرية ".(5/399)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكاكي: فإن قيل لأن الله تعالى طلب الإيمان من فرعون وأبي جهل، وأمثالهما بالأمر، ولم يوجد منهم، وطلب التقوى من جميع المؤمنين ولم يوجد من أكثرهم، قلنا: الطلب من الله تعالى على نوعين: طلب التكليف، وطلب لا تعلق له باختيار العبد، وهو المسمى بالمشيئة والإرادة والوجود من لوازمها، إذ لو لم يكن ملزم العجز، وهو منزه عنه، بخلاف العباد.
قال شيخي العلامة: هذا ما أشير إليه في عامة الكتب في بيان هذه المسألة، ولكنه مشكل، لأن ما ذكروه يشير إلى أن الإيجاد هو المغني الأصلي للمشيئة، وليس كذلك، فإن المشيئة مفسرة في أكثر كتب اللغة بالإرادة لا بالإيجاد، ومستعملة في القرآن والحديث، وفي تراكيب كلام الناس بمعنى الإرادة دون الإيحاء، قال الله تعالى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] (النساء: الآية 48) {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} [الشورى: 8] (الشورى: الآية8) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» وأطال الكلام. وملخصه أن القائل يقول شئت طلاقك لا يرى الإيقاع جعل الذي هو بمعنى الوجود مصدراً، وأخذ منه الفعل، لأن المشيئة مصدر شاء بمعنى أراد فهذا الطريق يحتمل أن يكون المشيء بمعنى الإيجاد، وشئت بمعنى أوجدت، فلأن الإيجاد محتمل هذا اللفظ لا يوجد، فيحتاج إلى النية، بخلاف الإرادة فإنها لا تحتمل معنى الإيجاد فلا يقع به الطلاق وإن نوى، لأن النية لم تصادف محلاً، كما في قولك هويت طلاقك وأجبت الطلاق.
وفي " المبسوط " ولو قال لها شيئي الطلاق ينوي به الطلاق، فقالت شئت فهي طالق، وإن لم يكن له نية لا تطلق.
ولو قال لها أريدي الطلاق أو أهوى الطلاق، فقالت قد فعلت، كان باطلاً وإن نوى، لأن الإرادة من العبد نوع ثمن، فلو قالت ثمنية لا يقع، وهذا لأن المشيئة في صفات المخلوقين ألزم من الإرادة والهوى لغة، ألا ترى أن المشيئة لا تذكر مضافة إلى غير العقلاء وقد تذكر الإرادة، قال الله تعالى {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] (الكهف: الآية 77) ، وليس إلى الجدار إرادة، وفيه تأمل.
قال الأترازي: هذا الذي قالوه من الفرق بين الإرادة والمشيئة ضعيف، لأن من أهل اللغة كالجوهري وصاحب " الديوان "، وغيرهما، لم يفرقوا بينهما.
قال الجوهري في " الصحاح " في كتاب الألف المهموزة: المشيئة هي الإرادة.
وقال في باب الدال: الإرادة هي المشيئة، وكذا قال في " الديوان "، وقد صرح أصحابنا في كتب الكلام أن لا فرق عند أهل السنة بين الإرادة والمشيئة وقول شمس الأئمة أن المشيئة لا تذكر(5/400)
وكذا إذا قالت شئت إن شاء أبي، أو شئت إن كان كذا - الأمر لم يجئ بعد - لما ذكرنا أن المأتي به مشيئة معلقة، فلا يقع الطلاق ويبطل الأمر.
وإن قالت قد شئت إن كان كذا الأمر قد مضى طلقت؛ لأن التعليق بشرط كائن منجز. ولو قال لها أنت طالق إذا شئت، أو إذا ما شئت، أو متى شئت؛ أو متى ما شئت فردت الأمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مضافة إلى غير العقلاء فيه نظر؛ لأن ابن السكيت أنشد في الإصلاح:
يا مرحباً هجمار عفراء إذا أتى قربة ... لما شاء من الشعير والحشيش والماء.
وشرحه أبو محمد بن الحسن بن عبد الله السيراني الزيرج، وهو مشهور عند أهل اللغة، وإسناد الإرادة إلى الحمى مجاز، وكلامنا في الحقيقة، ولا نسلم أن المشيئة لا تستعمل في مثل ذلك مجازاً، وقد فسروا الإرادة بتخصيص أحد المقدورين بالوجود، فتكون هي أيضاً مبنية على الوجود، ثم يقع الطلاق بقوله شئت طلاقك بالاتفاق، فينبغي أن يقع بقوله أردت طلاقك أيضاً، لأنهما مترادفان، سواء في المعنى، يؤيده ما ذكره في " خلاصة الفتاوى " بقوله وقال في " المنتقى " وفي " القياس " كل ذلك سواء. انتهى.
والحاصل أن لا نتبع كلام شمس الأئمة الذي في الأصل وقد ذكرناه، م: (وكذا إذا قالت شئت إذا شاء أبي، أو شئت إن كان كذا، المر لم يجيء بعد) ش: أي وكذا لا يقع الطلاق أيضاً في هاتين الصورتين، قوله: (الأمر لم يجيء بعد) نحو قولها شئت إذا دخل إلى الدار ونحوه م: (لما ذكرنا أن البائن به مشيئة معلقة) ش: والزوج فوض إليها بمشيئة مرسلة، فبطل الأمر من يدها م: (فلا يقع الطلاق، ويبطل الأمر) ش: لأنها خالفت زوجها فيما فوض إليها.
[قال لها أنت طالق إذا شئت]
م: (وإن قالت قد شئت إن كان كذا الأمر قد مضى طلقت) ش: يعني إذا علقت مشيئتها بأمر ماض، بأن قالت إن كان أبي في الدار، وهو في الدار يقع الطلاق م: (لأن التعليق بشرط كائن منجز) ش: يعني في الحال لا تعليق، كقوله أنت طالق إن كانت السماء فوقنا.
فإن قيل: يرد على هذا حلف الرجل وقال هو يهودي إن فعل كذا، وهو يعلم أنه فعل حيث لا يحكم بكفره، فلو كان التعليق بشرط كان تحقيقاً لكان كافراً، وأجيب: بأنه لا يرد لأنه لا يكفر على ما روي عن محمد بن مقاتل الرازي أنه يكفر فاطرد الأصل، ولئن سلمنا أنه لا يكفر على ما روي عن ابن شجاع.
وعن أبي يوسف أيضاً فنقول إنما لا يكفر، لأن الكفر إنما يكون بتبديل الاعتقاد، وهو بهذا الكلام لم يقصد تبديل الاعتقاد بل قصد أن يصدق في مقالته، أو نقول هذا وأمثاله كناية عن اليمين عرفاً، فيحمل عليهما تحامياً عن تكفير المسلم.
م: (ولو قال لها أنت طالق إذا شئت، أو إذا ما شئت، أو متى شئت، أو متى ما شئت؛ فردت الأمر(5/401)
لم يكن ردا، ولا يقتصر على المجلس، أما كلمة متى ومتى ما؛ فلأنهما للوقت، وهي عامة في الأوقات كلها، كأنه قال في أي وقت شئت، فلا يقتصر على المجلس بالإجماع، ولو ردت الأمر لم يكن ردا؛ لأنه ملكها الطلاق في الوقت الذي شاءت، فلم يكن تمليكا قبل المشيئة حتى يرتد بالرد، ولا تطلق نفسها إلا واحدة، لأنها تعم الأزمان دون الأفعال، فتملك التطليق في كل زمان، ولا تملك تطليقا بعد تطليق.
وأما كلمة: إذا وإذا ما، فهما "ومتى" سواء عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن كانت تستعمل للشرط كما تستعمل للوقت، لكن الأمر صار بيدها، فلا يخرج بالشك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يكن رداً) ش: فلها أن تطلق نفسها واحدة بعد ذلك م: (ولا يقتصر على المجلس) ش: بالإجماع، حتى إذا قامت من المجلس أو أخذت في عمل آخر أو كلام آخر، فلها أن تطلق نفسها واحدة لا غير، ثم شرع في بيان كيفية الأمر في هذه الصور المذكورة بقوله م: (أما كلمة: متى ومتى ما؛ فلأنهما للوقت، وهي عامة في الأوقات كلها) ش: أي كلمتا متى ومتى ما عامة، فتعم الأوقات كلها، وليست لتعميم الفعل، فلم يكن ردها رداً، لأن الزوج فوض إليها الطلاق في أي وقت شاءت م: (كأنه قال في أي وقت شئت فلا يقتصر على المجلس بالإجماع) ش: لعموم الوقت.
م: (ولو ردت الأمر لم يكن رداً؛ لأنه ملكها الطلاق في الوقت الذي شاءت) ش: فأي وقت شاءت تطلق نفسها فيه م: (فلم يكن تمليكاً قبل المشيئة حتى يرتد بالرد، ولا تطلق نفسها إلا واحدة لأنها) ش: لأن كلمة متى م: (تعم الأزمان دون الأفعال، فتملك التطليق في كل زمان) ش: لعموم متى في الأزمان م: (ولا تملك تطليقاً بعد تطليق) ش: حاصلة لا تملك إلا تطليقة واحدة متى شاءت لأنا قلنا متى لتعميم الوقت، لا لتعميم الفعل.
[قال لها أنت طالق كلما شئت]
م: (وأما كلمة: إذا وإذا ما،؛ فهما ومتى سواء عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كانت تستعمل للشرط كما تستعمل للوقت، لكن الأمر صار بيدها فلا يخرج بالشك) ش: فإن قلت: يحمل على الشرط هنا تصحيحاً للرد.
قلت: إنما يحمل على الشرط إذا صدر الرد ممن وجب أن صدر عنه التعليق، لأن إرادة الشرط تختص بمن كان التعليق منه لا بمن صدر الرد منه، فلهذا لا يحمل على الشرط تصحيحاً للرد.
فإذا قلت: في قوله: إذا شئت ومتى شئت ينبغي أن لا يبقى لها المشيئة بعد القيام عن المجلس أو إذا انقطع المجلس بقوله لا أشاء، لأن المفوض إليها مشيئة واحدة حتى لا يبقى لها المشيئة مرة أخرى بعد قوله شئت واحدة، كما في قوله إن شئت فأنت طالق، فقالت لا أشاء، قيل في جوابه: الثابت بها مشيئة واحدة في حق الحنث، لأن الحنث تعليق بإيجاد مشيئة واحدة، لأن البر تعلق بنفي مشيئة نكرة، فإن قوله: إن شئت - يقتضي مشيئة، فالبر بمعنى هذه المشيئة،(5/402)
وقد مر من قبل. ولو قال لها أنت طالق كلما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة بعد واحدة حتى تطلق نفسها ثلاثا؛ لأن كلمة "كلما" توجب تكرار الأفعال، إلا أن التعليق يصرف إلى الملك القائم، حتى لو عادت إليه بعد زوج آخر فطلقت نفسها لم يقع شيء؛ لأنه ملك مستحدث. وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا بكلمة واحدة؛ لأنها توجب عموم الانفراد لا عموم الاجتماع. فإن كان كذلك فلا تملك الإيقاع جملة وجمعا.
ولو قال لها: أنت طالق حيث شئت، أو أين شئت؛ لم تطلق حتى تشاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والنكرة في النفي تعم. وفي الإثبات تخص، وإذا كانت النكرة تعم في النفي فإنما يتم البر بنفي المشيئة، ولم يوجد فتبقى اليمين.
م: (وقد مر من قبل) ش: يعني في فصل إضافة الطلاق إلى الزمان في قوله: أنت طالق إذا لم أطلقك.
م: (ولو قال لها أنت طالق كلما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة بعد واحدة، حتى تطلق نفسها ثلاثاً) ش: هذه من مسائل الجامع الصغير، وصورتها فيه: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل قال لامرأته أنت طالق كلما شئت، قال لها أن تطلق نفسها وإن قامت من مجلسها وأخذت في عمل آخر أو كلام آخر واحدة بعد واحدة، حتى تطلق نفسها ثلاثاً م: (لأن كلمة "كلما" توجب تكرار الأفعال) ش: والدليل عليه قَوْله تَعَالَى م: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] (النساء: الآية 56) فلما كان كذلك لها مشيئة بعد مشيئة إلى أن تستوفي الثلاث.
م: (إلا أن التعليق) ش: أي غير أن التعليق، وهو قوله أنت طالق كلما شئت م: (يصرف إلى الملك القائم) ش: يعني في عصمته م: (حتى لو عادت إليه بعد زوج آخر فطلقت نفسها لم يقع شيء؛ لأنه ملك مستحدث) ش: يعني متجدد بعد الملك القائم بالزواج الأول م: (وليس لها) ش: أي لهذه المرأة التي قال لها زوجها أنت طالق كلما شئت م: (أن تطلق نفسها ثلاثاً بكلمة واحدة لأنها) ش: أي لأن كلمة "كلما" م: (توجب عموم الانفراد) ش: أي فرداً لا جملة م: (لا عموم الاجتماع) ش: أي لا توجب عموم الاجتماع بأن تطلق نفسها ثلاثاً بكلمة واحدة بأن تقول طلقت نفسي ثلاثاً.
م: (فإن كان) ش: يعني كلمة "كلما" م: (كذلك فلا تملك) ش: أي المرأة م: (الإيقاع) ش: أي إيقاع الطلاق م: (جملة وجمعاً) ش: قيل: معناهما واحد، وقيل: أراد بالجملة أن تقول: طلقت نفسي ثلاثاً، وأراد بالجمع أن تقول: طلقت وطلقت، والأول أصح.
[قال لها أنت طالق حيث شئت]
م: (ولو قال لها أنت طالق حيث شئت، أو أين شئت لم تطلق حتى تشاء) ش: لأنه علق وقوع الطلاق في الحقيقة بالشرط، لأن حيث وأين من الظروف المكانية، ولا تعلق للطلاق بالمكان، لأن الواقع في مكان واقع في جميع الأمكنة، فيصير ذكر المكان لغواً، فبقي الطلاق معلقاً للشرط(5/403)
وإن قامت من مجلسها فلا مشيئة لها، لأن كلمة "حيث" و"أين" من أسماء المكان، والطلاق لا تعلق له بالمكان فيلغو ويبقى ذكر مطلق المشيئة، فيقتصر على المجلس بخلاف الزمان؛ لأن له تعلقا به، حتى يقع في زمان دون زمان، فوجب اعتباره خصوصا وعموما. وإن قال لها أنت طالق كيف شئت طلقت تطليقة تملك الرجعة، ومعناه قبل مشيئة المرأة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تشبيهاً فلا يقع حتى تشاء، فكأنه قال: أنت طالق، إن شئت. م: (وإن قامت من مجلسها فلا مشيئة لها) ش: كما في قوله: أنت طالق إن شئت م: (لأن كلمة "حيث" و"أين" من أسماء المكان) ش: كلمة حيث للمكان اتفاقاً. وقال الأخفش: وقد ترد للزمان، ويلزم الإضافة إلى الجملة الاسمية كانت أو فعلية، وندرت إضافتها إلى المفرد، وإن اتصلت بما الكافة ضمنته معنى الشرط وكلمة أين سؤال عن المكان.
وإن قلت: أين زيد؟ فإنما تسأل عن مكانه (والطلاق لا تعلق له بالمكان فيلغو) ش: أي يلغو ذكر حيث وأين م: (ويبقى ذكر مطلق المشيئة) ش: فكأنه قال: أنت طالق إن شئت م: (فيقتصر على المجلس) ش: كما في قوله: أنت طالق إن شئت.
فإن قلت: إذا ألغى ذكر المكان فيبقى قوله: أنت طالق إن شئت، فينبغي أن يقع الطلاق، كما لو قال: أنت طالق دخلت الدار، فإنه يقع الطلاق الساعة فمن أين فيهما معنى الشرط؟
قلت: قالوا: إن حيث وأين يفيدان ضرباً من التأخير، وحروف الشرط أيضاً تفيدان ضرباً من التأخير، فيشتركان في معنى التأخير، فيجعلان مجازاً عن حرف الشرط.
فإن قلت: إذا جعلا مجازاً عن إذا، فلا يبطل بالقيام عن المجلس، فلم يجعلا مجازاً عن إذا؟
أجيب: بأن جعلهما مجازاً عن أن أولى، لتمحضها في معنى الشرط، فكانت أصلاً في الباب، والاعتبار بالأصل أولى من غيره.
م: (بخلاف الزمان؛ لأن له تعلقاً به) ش: أي لأن للطلاق تعلقاً بالزمان، لأن الزمان جزء داخل في ماهية الفعل، ليدل فعل الطلاق على الزمان م: (حتى يقع في زمان دون زمان) ش: يعني يقع في زمان مستقبل دون زمان ماض م: (فوجب اعتباره) ش: أي اعتبار الزمان م: (خصوصاً) ش: كما لو قال: أنت طالق وغداً م: (وعموماً) ش: لو قال: أنت طالق في أي وقت شئت، وانتصابهما على التمييز من اعتباره، وعامله الفعل، أعني وجب. م: (وإن قال لها: أنت طالق كيف شئت طلقت تطليقة تملك الرجعة) ش: قوله: تملك الرجعة، جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لقوله: تطليقة. وقوله م: (ومعناه) ش: أي معنى قول محمد، لأنه ذكر المسألة في " الجامع الصغير ". وقال: طلقت تطليقة تملك الرجعة فيها م: (قبل مشيئة المرأة) ش: أما(5/404)
فإن قالت: قد شئت واحدة بائنة أو قالت ثلاثا. وقال الزوج: ذلك نويت فهو كما قال؛ لأن عند ذلك تثبت المطابقة بين مشيئتها وإرادته. أما إذا أرادت ثلاثا والزوج أراد واحدة بائنة أو على القلب تقع واحدة رجعية، لأنه لغا تصرفها لعدم الموافقة، فبقي إيقاع الزوج،
وإن لم تحضره النية تعتبر مشيئتها - فيما قالوا - جريا على موجب التخيير. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في الأصل هذا قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا يقع ما لم توقع المرأة فتشاء رجعية أو بائنة أو ثلاثا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا شاءت المرأة الواحدة البائنة أو الثلاث يقع ذلك إذا نواه الزوج وهو معنى قوله: م: (فإن قالت: قد شئت واحدة بائنة) ش: يعني عقيب قوله: أنت طالق كيف شئت م: (أو قالت) ش: أي أو قالت شئت م: (ثلاثاً) ش: طلقات م: (وقال الزوج ذلك نويت) ش: أي والحال قال الزوج: نويت ما قالته المرأة من البينونة بالواحدة وبالثلاث م: (فهو كما قال) ش: أي فالأمر كما قال الزوج م: (لأن عند ذلك) ش: أي لأن عند قول الزوج ذلك نويت م: (تثبت المطابقة بين مشيئتها وإرادته) ش: أي بين مشيئة المرأة وإرادة الزوج، فيكون الواقع على ما ذكر م: (أما إذا أرادت ثلاثاً) ش: أي ثلاث طلقات م: (والزوج أراد واحدة بائنة) ش: أي وأراد الزوج طلقة واحدة بائنة م: (أو على القلب) ش: بأن أرادت المرأة واحدة بائنة، وأراد الزوج ثلاثاً م: (يقع واحدة رجعية لأنه ألغى تصرفها لعدم الموافقة) ش: أي المطابقة بين قولها وقول الزوج م: (فبقي إيقاع الزوج) ش: يعني في قوله: أنت طالق كيف شئت، لأنه أصل الطلاق، فلا يعتد بوصفه.
[الزوج خيرها في وصف الطلاق بقوله كيف شئت]
م: (وإن لم تحضره النية) ش: يعني إذا لم ينو الزوج شيئاً م: (تعتبر مشيئتها) ش: فيقع ما شاءت سواء شاءت الواحدة البائنة أو الثلاث م: (فيما قالوا) ش: أي فيما قال المتأخرون م: (جريا على موجب التخيير) ش: لأن الزوج خيرها في وصف الطلاق بقوله: كيف شئت، فيجري على موجب تخييره، وإنما قال المصنف فيما قالوا: لأنه لم يرد فيه نص من المتقدمين.
قال الأترازي: والظاهر أنه يقع الرجعي إذا لم ينو الزوج شيئاً على إشارة الجامع الصغير، لأنه وقع الواحدة البائنة أو الثلاث بمشيئتها إذا نوى الزوج، فعلم أنه إذا لم ينو شيئاً لا يقع البائن والثلاث، فبقي إيقاع أصل الطلاق، وهو الرجعي.
م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي المصنف: م: (قال في الأصل) ش: أي قال محمد في المبسوط م: (هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: أي المذكور من الأحكام المذكورة قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إنما قال المصنف ذلك لأن محمداً - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يذكر الخلاف في الجامع الصغير، وإنما ذكره في الأصل م: (وعندهما لا يقع ما لم توقع المرأة) ش: يعني: لا يقع شيء ما لم تشأ المرأة م: (فتشاء) ش: أي المرأة م: (رجعية) ش: أي تطليقة رجعية م: (أو بائنة) ش: أو تشاء بائنة م: (أو ثلاثاً) ش: أي أو تشاء ثلاث تطليقات، والحاصل أنها مخيرة بين هذه الأشياء.(5/405)
وعلى هذا الخلاف العتاق. لهما أنه فوض التطليق إليها على أي صفة شاءت، فلا بد من تعليق أصل الطلاق بمشيئتها لتكون لها المشيئة في جميع الأحوال، أعني قبل الدخول أو بعده. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كلمة "كيف" للاستيصاف، يقال كيف أصبحت، والتفويض في وصفه يستدعي وجود أصله، ووجود الطلاق بوقوعه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: كيف يباح لها أن تطلق نفسها ثلاثا، والزوج لا يسعه أن يطلقها ثلاثا.
أجيب: بأنه يجوز أن يكون المراد بقوله: إن شاءت نفسها ثلاثا بمشيئة القدرة لا بمشيئة الإباحة، كما في قوله تبارك وتعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] على أنه روي عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن ذلك يباح لها في التخيير، وفي " الفوائد الظهيرية ": لو طلقت نفسها ثلاثا على قولهما أو ثنتين على قول أبي حنيفة لا يكره، لأنها مضطرة إلى ذلك، لأنها لو فرقت خرج الأمر من يدها، بخلاف ما لو أوقع الزوج ذلك.
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (العتاق) ش: يعني إذا قال لعبده أنت حر كيف شئت يعتق عبده في الحال ولا مشيئة له، وعندهما: لا يعتق قبل المشيئة، وبه قال الشافعي.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أنه فوض التطليق إليها على أي صفة شاءت، فلا بد من تعليق أصل الطلاق بمشيئتها) ش: لأنه إذا لم يتعلق أصله لا يقع كيف شاءت، لأن الوصف لا يتحقق بدون الأصل م: (لتكون لها المشيئة في جميع الأحوال) ش: يعني سواء كان م: (أعني قبل الدخول أو بعده) ش: وقد فسره بقوله: أعني قبل الدخول وبعده، فلا يقع الطلاق بدون مشيئتها عندهما، كما في قوله: أنت طالق إن شئت أو كم شئت أو حيث شئت أو أين شئت.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن كلمة كيف للاستيصاف) ش: أي للسؤال عن وصف الشيء م: (يقال: كيف أصبحت؟) ش: أي: صحيح أم بك تشويش، وهو اسم ويستعمل على وجهين: أحدهما: أن يكون شرعا نحو كيف تضع، والثاني: هو الغالب فيه أن يكون استفهاما حقيقة، نحو كيف زيدا، وغير حقيقي نحو قَوْله تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] (البقرة: الآية 28) ، فإنه خرج مخرج التعجب، فإنه كان وضع كيف لسؤال الحال، لأن الذات كان لوصف الطلاق في البينونة والعدد متعلقا بالمشيئة دون أصله، ولكن في غير المدخول بها، لا مشيئة لها بعد وقوع أصل الطلاق، لحصول البينونة. وفي المدخول بها يقع ما شاءت إذا وافقت نية الزوج، وإذا خالفت يقع الطلاق الرجعي.
م: (والتفويض في وصفه) ش: أي وصف الطلاق م: (يستدعي وجود أصله) ش: أي أصل الطلاق، لأن الوصف قائم به م: (ووجود الطلاق بوقوعه) ش: أي بوقوع الطلاق.(5/406)
وإن قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت، طلقت نفسها ما شاءت، لأنهما يستعملان للعدد، فقد فوض إليها أي عدد شاءت، فإن قامت من المجلس بطل، وإن ردت الأمر كان ردا، لأن هذا أمر واحد، وهو خطاب في الحال، فيقتضي الجواب في الحال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: لما كان تفويضاً في وصفه إلى مشيئتها، فيجب أن يكون في مستقبله في إثبات ما شاءت بلا نية الزوج، كما في سائر التفويضات.
أجيب: بأن أبا بكر الرازي ذكر أن لها المشيئة في إثبات وصف البينونة أو الثلاث بلا نية الزوج، وما ذكر في الكتاب قول الجصاص.
[قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت]
م: (وإن قال لها أنت طالق كم شئت، أو ما شئت؛ طلقت نفسها ما شاءت؛ لأنهما) ش: أي لأن كم وما م: (يستعملان للعدد، وقد فوض إليها أي عدد شاءت) ش: أما كم فإنه كناية عن العدد لا على سبيل التعيين، ألا ترى إلى قولهم: كم درهماً عندك، وكم غلام ملكت في الاستفهامية والخبرية، فوقعت عامة لإبهامها، كان لها أن تطلق إن شاءت واحدة، وإن شاءت ثنتين، وإن شاءت ثلاثاً.
م: (فإن قامت من المجلس بطل) ش: أي لا يقع شيء، لأن هذا تمليك والتمليكات تقتصر على المجلس، فإذا وجد دليل إعراض من القيام عن المجلس، ومن الاشتغال بعمل آخر به، حيث يقع المجلس بطلت مشيئتها، ولم يقع بعد ذلك شيء بمشيئتها م: (وإن ردت الأمر كان رداً، لأن هذا أمر واحد) ش: هذا احتراز عن كلما وقوله م: (وهو خطاب في الحال) ش: احتراز عن إذا ومتى، يعني "إذا" تمليك في الحال؛ لأنه ليس في كلامه ذكر الوقت م: (فيقتضي الجواب في الحال) ش: لا يقال: إن كم تستعمل في العدد والواحد ليس بعدد، فينبغي أن يملك الواحد، لأنا نقول أن الواحد أصل العدد، وفي الفرق يستعمل في العدد، ألا ترى لو قيل: كم معك استفهام الجواب عن الواحد.
فإن قيل: كلمة ما تستعمل للعدد، وتستعمل للوقت، كقوله تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] (مريم: الآية 31) فوقع الشك في تفويض العدد، فلا يثبت العدد بالشك.
أجيب: بأن هذا معارض بمثله، فأما لو عملنا بمعنى الوقت لا يبطل بالقيام عن المجلس. ولو علمنا بمعنى العدد يبطل، فوقع الشك بكونه مما وراء المجلس فلا يثبت بالشك، ثم رجحنا جانب العدد بأصل آخر، وهو أن التفويض بمعنى التمليك، والتمليكات تقتصر على المجلس، وإنما يكون لو كانت معمولاً، وبمعنى العدد لا بمعنى الوقت. قال الأكمل: فيه نظر، لأن فيه معنى التعليق، فيتوقف على ما وراء المجلس، فيتعارض جهتا الترجيح. والجواب أنه تمليك فيه معنى التعليق، والأول كالأصل، فالترجيح به أولى.(5/407)
وإن قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو ثنتين، ولا تطلق ثلاثا عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقالا: تطلق ثلاثا إن شاءت؛ لأن كلمة "ما" محكمة في التعميم، وكلمة من قد تستعمل للتمييز فيحمل على تمييز الجنس، كما إذا قال كل من طعامي ما شئت، أو طلق من نسائي من شئت. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كلمة (من) حقيقة للتبعيض، (ما) للتعميم، فيعمل بهما، وفيما استشهدا به ترك التبعيض لدلالة إظهار السماحة أو لعموم الصفة، وهي المشيئة، حتى لو قال من شئت كان على هذا الخلاف. والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت]
م: (وإن قال لها: طلقي نفسك من ثلاث ما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو ثنتين، ولا تطلق ثلاثاً عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقالا: تطلق ثلاثاً إن شاءت؛ لأن كلمة "ما" محكمة للتعميم، وكلمة "من" قد تستعمل للتمييز) ش: أي للبيان، كما في قَوْله تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] (الحج: الآية 30) ، وقد تكون لغيرهما، فإذا عرفت ذلك قد اجتمع في كلامه المحتمل والمحكم، فيحمل المحتمل على المحكم، كما هو الأصل، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (فيحمل على تمييز الجنس) ش: أي يجعل بيان العموم لعموم الجنس، أي لتمييز الطلاق من سائر الأشياء في التفويض، أو هو صلة، كذا في المبسوط.
م: (كما إذا قال كل من طعامي ما شئت) ش: يعم الإذن م: (أو طلق من نسائي من شئت) ش: فله أن يطلق من شاء من نسائه م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن كلمة من حقيقة للتبعيض) ش: فيه نظر، لأن من تأتي بخمسة عشر معنى الغالب عليها ابتداء الغاية، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه م: (و"ما" للتعميم) ش: أي كلمة ما للتعميم م: (فيعمل بهما) ش: لأن الأصل أن يعمل بحقيقة الكلام ما لم يدل دليل المجاز. وقال الأترازي: لا يقال ينبغي على هذا أن لا تطلق نفسها واحدة، لأن الواحدة ليس فيها معنى العموم أصلاً، وهي بعض حرف، لأنا نقول لما ملكت الثنتين بحكم الأمر ملكت الواحدة أيضاً، وهذا ما سنح به خاطري في هذا المقام. قلت: سبق لهذا غيره، لأن الأكمل سأل هذا، وأجاب بقوله بأنه يتناول الواحدة دلالة.
م: (وفيما استشهدا به) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف، ومحمد مستشهدين بقوله، كما إذا قال: كل من طعامي تقريره أن فيه قام الدليل على إرادة المجاز، وهو أنه م: (ترك التبعيض) ش: بدليل خارجي، وهو قوله م: (بدلالة إظهار السماحة) ش: لأن في العرف يراد بمثل هذا الكلام إظهار السماحة والكرم، وذلك بالعموم م: (أو لعموم الصفة، وهي المشيئة) ش: لأن النكرة إذا وصفت بصفة عامة تعم م: (حتى لو قال من شئت) ش: يعني لو قال: طلق من نسائي من شئت م: (كان على هذا الخلاف) ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه، ثم عنده إن طلقت نفسها ثلاثاً لا يقع.(5/408)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: لو قال لها: أنت طالق ثلاثاً، إلا أن تشائي واحدة، فشاءت واحدة يقع واحدة عند أبي يوسف. وقال محمد: لا يقع شيء ولو قال: طلقها إن شاء الله وشئت، أو قال: أنت طالق إن شاء الله وفلان أو شئت ما شاء الله وفلان لا يقع بالمشيئة شيء. ولو قال: إن شئت وشاء فلان يقع بمشيئتها. ولو قال: إن شئت فأنت طالق، إن شئت أو متى شئت أو حين شئت، فلها مشيئتان مشيئة في الحال ومشيئة في عموم الأحوال.
ولو قال لامرأتيه: إن شئتما فأنتما طالقتان فشاءت إحداهما أو شاء بإطلاق إحداهما لا يقع لعدم وجود الشرط. ولو قال: طلقها ثلاثاً، فطلقها أحدهما واحدة، والآخر ثنتين وقع الثلاث. ولو قال لها إن شئت فأنت طالق ثم قال لأخرى طلاقك مع طلاق هذا يقع عليهما بمشيئة الأولى إن نوى الزوج وإلا لم يقع. ولو قالت أنت طالق واحدة إن شئت فقالت: شئت نصف واحدة لم تطلق عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ولو قالت طلقني وطلقني وطلقني، فقال الزج: طلقت فهي ثلاث، ولو قالت: طلقني طلقني طلقني بغير واو فطلق الزوج، فإن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى ثلاثاً فثلاثاً.
وفي " الأشراف " لابن المنذر: اختلفوا في الرجل يملك أمر امرأتي رجلين يشترط اجتماعهما على الطلاق، قاله الحسن والأوزاعي والثوري ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال زفر: ينفرد أحدهما به، فإن طلق إحداهما ثلاثاً والأخرى واحدة يقع واحدة عندنا، وبه قال أحمد وابن راهويه، واختاره عند مالك وأصبغ من المالكية. وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يقع شيء. وقال الزهري: هي طالق والله أعلم بالصواب.(5/409)
باب الأيمان في الطلاق وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح، مثل أن يقول لامرأة إن تزوجتك فأنت طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق. فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل النكاح» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الأيمان في الطلاق] [أضاف الطلاق إلى النكاح]
م: (باب الأيمان في الطلاق) ش: أي هذا باب في بيان حكم الأيمان في الطلاق. ولما فرغ من ذكر الطلاق بالتخيير بالصريح والكناية، شرع في ذكره بسبيل التعليق قدم التخيير، لأنه هو الأصل والتعليق مركب من ذكر الطلاق، وحرف الشرط والمركب فرع المفرد، ثم اليمين يقع على الحلف بالله حقيقة، ويقع على التعليق مجازاً، لأن اليمين لغة القوة، قال الشاعر:
إن المقادير بالأوقات نازلة ... ولا يمين على دفع المقادير
أي لا قوة، واليمين في الطلاق عبارة عن تعليقه بأمر يدل على معنى الشرط، فهو في الحقيقة شرط وجزاء، سميا يميناً مجازاً، لما فيه من معنى التشبيه، وإضافة ما يحتمل التعليق في الشرط كالطلاق والعتاق والظهار إلى المالك جائزة، سواء كانت على الخصوص كما إذا قال لامرأته: إذا تزوجتك فأنت طالق أو على العموم، كقوله: كل امرأة تزوجتها فهي طالق.
فإن قلت سميت اليمين بالله يميناً لزيادة القوة، لأن الإنسان منقلب البال، فربما لا يثبت على ما يقصده، فيذكر اسم الله تعالى على وجه الحمد أو المنع فيتقوى بذلك على ما يريده، فما معنى اليمين في ذكر الشرط والجزاء.
قلت وفيه معنى الحمد أو المنع، فسمي لذلك فافهم.
م: (وإذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح، مثل أن يقول لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق) ش: وبه قال عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو بكر بن عمرو بن حزم وأبو بكر بن عبد الرحمن وشريح والزهري وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي ومكحول وسالم بن عبد الله وعطاء وحماد بن أبي سليمان في آخرين، وهو قول مالك وربيعة والأوزاعي والقاسم وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى، لكن قالوا: هذا إذا لم يعين بل عين امرأة أو قال: كل امرأة أتزوجها من بني تميم أو بني أسد.
فإن عين قبيلة أو بلدة م: (فعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع) ش: وبه قال أحمد، ويروى ذلك عن علي وابن عباس وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وهو قول الظاهرية، وفيه قول آخر، وهو أنه إذا نكح لم يؤمر به، قاله أبو عبيد، وفيه قول آخر، وهو أنه يصح تعليق العتق بالملك دون الطلاق، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل النكاح»(5/410)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه " عن هشام بن سعيد عن الزهري عن عروة عن المسور ابن مخرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طلاق قبل نكاح ولا عتاق قبل ملك» وضعفه ابن عدي، وقال: رواه الزهري عن عروة مرة مرفوعاً، ومرة عن عروة مرسلاً.
وفي هذا الباب روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، ومعاذ، وجابر، وابن عباس، وأبو ثعلبة، الخشني - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين -، فحديث علي عند ابن ماجه من رواية جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا طلاق قبل نكاح» . وجويبر هو ابن سعيد أبو القاسم الأزدي الخراساني البلخي ضعفه علي بن المديني ويحيى بن سعيد. وقال أحمد: لا يشتغل بحديثه. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروك.
وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عند الدارقطني في "سننه " عن أبي خالد الواسطي عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق، قال: طلق ما لا يملك» . قال صاحب التنقيح: هذا حديث باطل، وأبو سعيد الواسطي هو عمرو بن خالد، وهو وضاع. وقال أحمد ويحيى: كذاب.
وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك» .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.(5/411)
ولنا أن هذا تصرف يمين لوجود الشرط والجزاء، فلا يشترط لصحته قيام الملك في الحال؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: قال ابن العربي: أخبارهم ليس لها أصل في الصحة، فلا يشتغل بها، ولئن صح فهو محمول على التخيير، ولا يلزم من بطلان التخيير بطلان التعليق، ولم يقل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تعليق طلاقاً. فإن قالوا: هو مضمر، فنقول: الأصل عدم الإضمار. وقال صاحب " الاستذكار ": روي من وجوه إلا أنها عند أهل الحديث معلولة.
فإن قلت: قال البخاري: هذا الحديث أصح ما في الباب.
قلنا: تركه إياه وعدم تخريجه في " الصحيح " يرد ما ذكر عنه من هذا.
وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عند الدارقطني من رواية الوليد بن سلمة الأزدي عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا سفيان بن حرب، فكان فيما عهد إليه أن لا يطلق الرجل ما لم يتزوج ولا يعتق ما لم يملك» . قال الأزدي وابن حبان: الوليد بن سلمة: كان يضع الحديث على الثقات، لا يجوز الاحتجاج به. وقال: هو كذاب.
وحديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عند الدارقطني من رواية عبد المجيد، وهي ابن داود عن ابن جرير عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن معاذ بن جبل أو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طلاق قبل نكاح، ولا نذر فيما لا يملك» ، ورواه أيضاً من رواية يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب وطاوس عن معاذ بن جبل مرسلاً، وكذا سعيد بن المسيب، ورواه أيضاً ابن عدي في "الكامل " من رواية عمرو بن عمرو عن أبي فاطمة النخعي وعمرو بن عمرو يروي الموضوعات، وأبو فاطمة مجهول لا يعرف.
وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند الحاكم عن أيوب بن سليمان الجريري عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعاً. وقال عبد الحق في "أحكامه ": إسناده ضعيف، وسليمان بن أبي سليمان شيخ ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء.
وحديث أبي ثعلبة الخشني عند الدارقطني من رواية بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال لي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث، وفيه: «لا طلاق إلا بعد نكاح» .
م: (ولنا أن هذا) ش: أي التعليق بالشرط م: (تصرف يمين) ش: من الحالف في ذمة نفسه م: (لوجود الشرط والجزاء فلا يشترط) ش: وهو التعليق م: (لصحته قيام الملك في الحال) ش: كاليمين(5/412)
لأن الوقوع عند الشرط، والملك متيقن به عنده، وقيل ذلك أثره المنع وهو قائم بالتصرف. والحديث محمول على نفي التنجيز، والحمل مأثور عن السلف كالشعبي والزهري وغيرهما.
وإذا أضافه إلى شرط وقع عقيب الشرط، مثل أن يقول لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق، وهذا بالاتفاق؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالله تعالى، والنذر المعلق بالعتق م: (لأن الوقوع عند الشرط) ش: أي لأن وقوع الطلاق عند وجود الشرط لا يقع قبل وجوده، فحين وجود الشرط يحصل ملك الطلاق، لأن التزوج سبب لملك الطلاق وذمة الحال كافية لصحة اليمين لأهليته م: (والملك متيقن به عنده) ش: أي عند الشرط، ويصح مع احتمال الملك عند الشرط، فمع المتيقن بالملك أولى، وبيانه أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار، وإن احتمل عند وجود الشرط بأن تصير مطلقة فلأن يصح هنا هو التيقن أولى.
م: (وقيل ذلك أثره المنع) ش: أي قبل وجود الشرط أثر الشرط لم يمنع السبب من أن يتصل بالمحل م: (وهو قائم بالتصرف) ش: أي تصرف اليمين الحلف قائم بالمتصرف، ولا حاجة إلى اشتراط المحل، بل ذمة الحالف كافية م: (والحديث) ش: أي الحديث الذي احتج به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن معه المذكور م: (محمول على نفي التنجيز) ش: أي لا طلاق قبل النكاح منجزاً، والمنجز هو الطلاق حقيقة لا المعلق. وتحقيقه أنهم سألوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كون ذلك الطلاق، فقال: لا طلاق قبل النكاح وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في تعليق الطلاق بالنكاح جائز أو ليس بجائز، وليس في الحديث ما يدل على نفيه أم إثباته.
م: (والحمل) ش: أي حمل الحديث على التخيير م: (مأثور عن السلف) ش: أي مروي عنهم م: (كالشعبي) ش: هو عامر بن شراحيل من كبار التابعين نسبته إلى شعيب الأصغر بطن بالكوفة م: (والزهري) ش: هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب، ونسبته إلى م: (غيرهما) ش: أي غير الشعبي والزهري مثل سالم والقاسم وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز والأسود وأبي بكر بن عبد الرحمن ومكحول. فإن أبا بكر بن أبي شيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج عن هؤلاء في "مصنفه" في رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق أو يوم أتزوجها فهي طالق، قالوا: هو كما قال. وفي لفظ: يجوز ذلك عليه.
[أضاف الرجل الطلاق إلى شرط]
م: (وإذا أضافه) ش: أي أضاف الرجل الطلاق م: (إلى شرط وقع عقيب الشرط، مثل أن يقول لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق) ش: لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط م: (وهذا بالاتفاق) ش: احترز به عن المسألة المتقدمة أعني قوله: إن تزوجتك فأنت طالق، لأن فيها خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما مر.
قال الأترازي: يجوز أن يكون احترازاً عن المسألة التي بعد هذه، أعني قوله لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق، لأن فيها خلاف ابن أبي ليلى، فعنده(5/413)
لأن الملك قائم في الحال، والظاهر بقاؤه إلى وقت وجود الشرط فيصح يمينا أو إيقاعا.
ولا تصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكا، أو يضيفه إلى ملكه، لأن الجزاء لا بد أن يكون ظاهرا ليكون مخيفا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تطلق.
م: (لأن الملك قائم في الحال) ش: هذا جواب عما يقال: سلمنا أن الطلاق يقع عقيب الشرط إذا كان الملك حينئذ قائماً، أما إذا زال فلا ينبغي أن يصح يمينه أصلاً لاحتمال زوال الملك، فأجاب بقوله: لأن الملك قائم في الحال لكونه تحققاً في الحال م: (والظاهر بقاؤه إلى وقت وجود الشرط) ش: لأن الأصل في كل ثابت استمراره، خصوصاً النكاح الذي هو عقد العمر، ومجرد احتمال الزوال لا يلتفت إليه، لأنه ليس بناشئ عن الدليل، فلما صح تعليقه بالنظر إلى بقاء الملك ظاهراً وقع كلامه المعلق يميناً على أصلنا، لأن التعليقات ليست بإثبات في الحال عندنا، وإنما تنقلب أسباباً عند الشرط، وعلى أصل الشافعي إيقاعاً لأن للتعليقات أسباباً عنده في الحال والملك في الحال موجود.
م: (فيصح) ش: أن تعليقه على الأصلين م: (يميناً) ش: أي من حيث أنه يمين عندنا م: (أو إيقاعاً) ش: أي أو صح من حيث الإيقاع عنده. وقال الكاكي: مستدلاً لأصحابنا في هذه المسألة، ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون» وقد صح سنده، فلا يخرج ذلك من العموم بما لا يثبت، فإن أحاديثهم ضعيفة، وقد ضعفها ابن حنبل والقاضي أبو بكر بن العربي الأشبيلي، فقال أبو بكر: أحاديثهم ليس لها أصل في الصحة فلا يشتغل بها، ولهذا ما عمل بها مالك وربيعة والأوزاعي من أهل الحديث انتهى.
قلت: هذا الحديث ذكره المصنف في فصل بعد طلاق السنة، وهذا حديث غريب، وكيف يقول الكاكي وقد صح سنده، وأعاده المصنف أيضاً في باب الحجر بلفظ المعتوه عوض المجنون.
وأخرج الترمذي عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزومي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله» . وقال هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن عجلان، وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث.
[قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق]
م: (ولا تصح إضافة الطلاق إلا أن يكون الحالف مالكاً) ش: يعني إلا إذا حلف في الملك م: (أو يضيفه) ش: أي أو يضيف الطلاق م: (إلى ملكه؛ لأن الجزاء لا بد أن يكون ظاهراً) ش: أي ظاهر الوجود أو غالب الوجود م: (ليكون) ش: أي الجزاء م: (مخيفاً) ش: أي بوقوع الجزاء فيما إذا كان(5/414)
فيتحقق معنى اليمين وهو القوة والظهور بأحد هذين، والإضافة إلى سبب الملك بمنزلة الإضافة إليه؛ لأنه ظاهر عند سببه. فإن قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق؛ لأن الحالف ليس بمالك، وما أضافه إلى الملك أو سببه ولا بد من واحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المقصود منه المنع بأن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فعلى تقدير الإقدام على دخول الدار يقع الطلاق، لأنه دار نفقتها وكفايتها، فكان وقوعه مطلقاً لها، فأما إذا كان للحمل بحرف الشرطية يدخل على المنهي، كما في قوله: إن لم تدخلي الدار فأنت طالق.
فإن قيل: لو قال لها إن حضت فأنت طالق يصح مع أنه لا يكون فيها فائدة اليمين، وهو المنع لما أنها غير قادرة على منع حيضها. قيل: الاعتبار للغالب لا للنادر، لأن الكلام في الكليات لا في الأفراد والتخلف في الأفراد لا يضرنا، قيل فيه نظر، لأن الكلي ينبغي أن يكون شاملاً للأفراد، فإذا لم يشملها لا يكون كلياً، انتهى.
قلت: السؤال والجواب للكاكي، والنظر للأترازي، ولكن فيه نظر لا يخفى على المتأمل.
م: (فيتحقق معنى اليمين) ش: بالنصب عطفاً على قوله ليكون م: (وهو القوة) ش: أي قوة خوف نزول الجزاء والخوف إنما يحصل بكون الجزاء غالب الوجود عند الشرط م: (الظهور) ش: أي ظهور الجزاء م: (بأحد هذين) ش: وهو كون الحالف مالكاً أو مضيفاً إلى الملك م: (والإضافة إلى سبب الملك) ش: أي إضافة الطالق إلى سبب الملك وهو التزوج م: (بمنزلة الإضافة إليه) ش: أي إلى الملك، وذلك فيما إذا قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق.
وهو بمنزلة إضافة الطلاق إلى الملك، لأن الجزاء جزء من الوجود عند وجود الشرط فيصير قوله: إن تزوجتك بمنزلة قوله: إن ملكتك بالتزويج م: (لأنه) ش: أي لأن الجزاء م: (ظاهر عند سببه) ش: أي عند سبب الملك.
م: (فإن قال لأجنبية) ش: هذا تفريع على ما مهد من الأصل، يعني إذا قال الرجل لامرأة أجنبية: م: (إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت الدار لم تطلق؛ لأن الحالف ليس بمالك، وما أضافه إلى الملك أو سببه ولا بد من واحد منهما) ش: يعني الحالف في هذه المسألة لم يكن مالكاً ولا مضيفاً إلى الملك وسببه، ولا بد منهما.
وقال ابن أبي ليلى: يقع التزوج إذا دخلت بعد التزوج، قيل كان ينبغي أن يقع الطلاق في هذه الصورة، لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده.
أجيب: بأن المعلق إنما يكون كالمنجز إذا صح التعليق، ولم يصح في هذه الصورة، ولا يقدر في تصحيح كلامه إن تزوجتك ودخلت الدار فأنت طالق؛ لأن كلامه صحيح بدون تقدير التزوج، ولا يخفى ذلك.(5/415)
وألفاظ الشرط إن وإذا، وإذا ما، وكل، وكلما، ومتى، ومتى ما؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[ألفاظ الشرط في تعليق الطلاق]
م: (وألفاظ الشرط) ش: إنما لم يقل حروف الشرط، لأن كلمة "إن" هو الحرف وحده، والباقي أسماه وكلمة م: (إن) ش: وهو الأصل في باب الشرط لدخوله على الفعل، وفيه حظر، بخلاف سائر الألفاظ، فإنها تدخل على الاسم وليس فيه حظر، فيرد لثلاثة معان أخرى:
الأول: معنى المعنى نحو {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك: 20] (الملك: الآية 20) .
الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة نحو {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102] (الأعراف: الآية 102) .
الثالث: أن تكون زائدة نحو إن طبا حين.
م: (وإذا) ش: اعلم أن إذا ترد على وجهين.
أحدهما: أن تكون للمفاجأة، فتختص بالجملة الاسمية، نحو خرجت فإذا زيد.
والأخرى: أن يكون ظرفاً للمستقبل متضمنة معنى الشرط، فيختص بالجملة الفعلية، ويكون الفعل بعدها ماضياً كثيراً أو مضارعاً دون ذلك.
م: (وإذا ما، ومتى) ش: متى ترد على أربعة أوجه استفهام نحو {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] (البقرة: الآية 214) ، واسم شرط كقوله متى أضع العمامة تعرفوني، واسم مرادف للوسط، يقال وضعت متى كمي أوسط كمي.
وحرف بمعنى من أدنى، وذلك في لغة هذيل، ويقولون أخرجها متى كمه، أي منه م: (ومتى ما) ش: دخلت ما في متى وكلاهما يلزمان م: (وكل) ش: لفظية "كل" اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو قَوْله تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] (آل عمران: الآية 185) .
والمعرف المجموع نحو قَوْله تَعَالَى {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} [مريم: 95] (مريم: الآية 95) ، وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن م: (وكلما) ش: وقد ذكر المصنف ألفاظ الشرط هنا سبع كلمات.
وفي " جوامع الفقه " حروف الشرط: إن، وإذا، ومتى، ومتى ما، ولولا. وقال ابن نفيس في " شرح المفصل ": الأسماء التي يجازى بها إحدى عشر: من، وما ومهما، وأي، والظروف: أين، وإن، ومتى، ومتى ما، وحيثما، وإذا، وإذا ما. زاد عليها في " المحلل في شرح الجمل " أيا وكيفما عند الكوفيين، ولم يذكروا كلاً وكلما. وجميعاً يجزم مثل أن.
وفي الروضة للنووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الألفاظ التي تعلق بها الطلاق بالشرط من وإذ وإذا ومتى ومتى ما وكيفما وأي، وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما، وإنما لم يذكر المصنف كلمة(5/416)
لأن الشرط مشتق من العلامة
وهذه الألفاظ مما تليها أفعال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لو مع أنه للشرط وضعاً، ذكر في شرح المفصل باعتبار أنه يعمل عمل الشرط معنى لا لفظاً، وغيرها يعمل لفظاً، وغيرها يعمل لفظاً ومعنى حتى يجزم في مواضع الجزم، وفي غير مواضع الجزم لزم دخول الفاء في جزائهن.
م: (لأن الشرط مشتق من العلامة) ش: هذا الكلام لا يستقيم، لأن معنى الاشتقاق هو أن ينتظم الصيغتان معنى واحداً من لفظ الشرط ومن لفظ العلامة، غير أن الشراح تكلفوا وقالوا الشرط بالتحريك العلامة، فتقدير كلامه الشرط مشتق من العلامة، أي من الشرط الذي هو بمعنى العلامة.
ثم اعلم أن الشرط مشتق من أشرط بفتح الراء الذي بمعنى العلامة، لا من شرط الحاكم وشرط اليمين فإنه بسكون الراء على شروط في الكثرة، وأشرط في القلة كفلوس وأفلس في جمع فلس.
وأما الشرط بالتحريك فيجمع على أشراط، ومنه ذكر أشراط الساعة، أي علامتها، والشرط هنا عبارة عن أمر منتظر على حظر الوجود يقصد نفيه وإثباته، كقولك إن زرتني أكرمتك، وإن لم تشمتني أجبتك، فمن هذا يعرف أن كلمة إن هي الأصل في باب الشرط لدخولها على الفعل، وفيه حظر بخلاف سائر الألفاظ، فإنها تدخل على الاسم، وليس فيها حظر وإنما لمجازاة باعتبار تضمنها معنى إن، فكان ينبغي على هذا أن لا تستعمل كل في مجازاة الدخول على الاسم خاصة، إلا أن الاسم الذي يتعقبه يوصف بفعل لا محالة، فيكون ذلك الفعل في معنى الشرط، كقولك: كل عبد اشتريته فهو حر، وكل امرأة تزوجتها فهي طالق، فألحق كل بحرف الشرط.
ثم اعلم أن الشروط شرعية وعقلية وعرفية ولغوية.
فالشريعة كالضوء للصلاة، والعقلية كالحياة مع العلم، يلزم من وجود العلم وجود الحياة دون العكس. والعرفية، ويقال لها الشروط العادية أيضاً، كالسلم مع صعود السطح يلزم من وجود صعود السطح وجود نصب السلم.
واللغوية مثل التعليقات كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق، فإنه يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، فيلزم من دخول الدار وقوع الطلاق.
م: (وهذه الألفاظ) ش: أي إن وإذا...... إلى آخرها م: (مما تليها أفعال) ش: يستثنى منها كلمة كل، لأنها ليست شرطاً حقيقة، لأن ما يليها اسم الشرط يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها مثل: كل عبد اشتريته، وكل امرأة(5/417)
فتكون علامات على الحنث، ثم كلمة إن حرف للشرط؛ لأنه ليس فيها معنى الوقت، وما وراءها ملحق بها، وكلمة "كل" ليست شرطا حقيقة؛ لأن ما يليها اسم، والشرط ما يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها، مثل قولك: كل عبد اشتريته فهو حر. قال: ففي هذه الألفاظ إذا وجد الشرط انحلت اليمين وانتهت؛ لأنها غير مقتضية للعموم، والتكرار لغة فبوجود الفعل مرة يتم الشرط، ولا بقاء لليمين بدونه، إلا في كلمة "كلما"، فإنها تقتضي عموم الأفعال، قال الله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] الآية (النساء: الآية 56) ، ومن ضرورة التعميم التكرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أتزوجها، ولهذا لم يذكره النحاة في أدوات الشرط م: (فيكون علامات على الحنث) ش: أي فتكون الأفعال علامات على الحنث، أي على الجزاء.
م: (ثم كلمة "إن" حرف للشرط) ش: أي خالص الشرط م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ليس فيها معنى الوقت) ش: لكونها أصلاً في باب الشرط بدخولها على الفعل وفيه حظر.
فإن قلت: قد جاء دخولها على الاسم أيضاً كقوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] (التوبة: الآية 6) ، وقَوْله تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176] (النساء: الآية 176) ، فينبغي أن يكون أصلاً.
قلت: الفعل فيه مضمر يفسره الظاهر تقديره إن استجارك أحد، إن هلك امرؤ، وإنما حذف لئلا يلزم الجمع بين المفسر والمفسر.
م: (وما وراءها) ش: أي ما وراء كلمة إن م: (ملحق بها) ش: أي بأن باعتبار تضمنها معنى إن م: (وكلمة "كل" ليست شرطاً حقيقة؛ لأن ما يليها) ش: أي لأن الذي يليها م: (اسم) ش: ولا يليها فعل م: (والشرط ما يتعلق به الجزاء، والأجزية تتعلق بالأفعال، إلا أنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل) ش: أي لملازمة الفعل م: (بالاسم الذي يليها، مثل قولك كل عبد اشتريته فهو حر) ش: وكذا إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ففي هذه الألفاظ إذا وجد الشرط انحلت اليمين وانتهت؛ لأنها) ش: أي لأن هذه الألفاظ، أي إن وما ذكر معها م: (غير مقتضية للعموم والتكرار لغة، فبوجود الفعل مرة يتم الشرط ولا بقاء لليمين بدنه) ش: أي بدون الشرط، وذلك لأن اليمين تعليق جزاء معدوم، والشرط إذا انتهى بوجوده مرة، لعدم دلالة اللفظ على التكرار، لا يبقى اليمين لا محالة م: (إلا في كلمة "كلما"، فإنها تقتضي عموم الأفعال) ش: وفي بعض النسخ: تعميم الأفعال م: (قال الله تعالى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56] ... الآية (النساء: الآية 56) ، م: (ومن ضرورة التعميم التكرار) ش: بخلاف سائر ألفاظ الشرط، فإنها تدل على جنس الفعل لا التكرار، وجنس الفعل يتحقق في المرة الواحدة، فإذا وجد الفعل مرة انحلت اليمين، ولا يقع الجزاء إذا وجد الفعل ثانياً لارتفاع اليمين.(5/418)
قال فإن تزوجها بعد ذلك- أي بعد زوج آخر- وتكرر الشرط لم يقع شيء، لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء، وبقاء اليمين به وبالشرط، وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى. ولو دخلت على نفس التزوج، بأن قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق، يحنث بكل مرة، وإن كان بعد زوج آخر؛ لأن انعقادها باعتبار ما يملك عليها من الطلاق بالتزوج، وذلك غير محصور. قال: وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تزوجها بعد زوج آخروتكررالشرط]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (فإن تزوجها بعد ذلك- أي بعد زوج آخر- وتكرر الشرط) ش: أي الدخول م: (لم يقع شيء؛ لأن باستيفاء الطلقات الثلاث المملوكات في هذا النكاح لم يبق الجزاء، وبقاء اليمين به وبالشرط) ش: أي بالجزاء وبالشرط؛ لأن اليمين ذكر شرط وجزاء.
وفي " المنتقى " عن أبي يوسف لو قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق فتزوجها مرة طلقت، ولو تزوجها ثانياً لا تطلق ولا يحنث، وفي هذا مرتين، كما في قوله: المرأة التي أتزوجها طالق.
فالحاصل أن عند أبي يوسف أن كلما إذا دخلت على المعينة فوجب التكرار، وفي غير المعينة لا تقتضي، واستدل على ذلك بما لو قال كلما اشتريت هذا الثوب فهو صدقة في كذا، وسكنت هذه الدار فعلي صدقة، كذا يلزمه لكل مرة.
ولو قال كلما اشتريت ثوباً أو ركبت دابة فعلي صدقة، كذا لا يلزمه إلا مرة، ذكره في " الذخيرة ".
م: (وفيه خلاف زفر) ش: أي فيما إذا تزوجها بعد زوج آخر وتكرار الشرط خلاف زفر فعنده يقع الطلاق، وهو بناء على التخيير في مطلق التعليق عندنا، خلافاً له، وبه قال مالك والشافعي في "الجديد" وأحمد م: (وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي سنقرر خلاف زفر بعد، في قوله وإن قال لها إن دخلت الدار لم يقع شيء.
م: (ولو دخلت) ش: أي لفظة كلما م: (على نفس التزوج، بأن قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق يحنث بكل مرة) ش: لوجود الشرط أبدا م (وإن كان بعد زوج آخر) ش: وهذا واصل بما قبله م: (لأن انعقادها) ش: أي انعقاد اليمين م: (باعتبار ما يملك عليها من الطلاق بالتزوج) ش: أي بسبب التزوج م: (وذلك غير محصور) ش: ٍأي التزوج غير محصور، فلا يكون الطلاق محصوراً أيضاً، لأن وجود السبب متكرر يقتضي وجود المسبب متكرراً، بخلاف كلمة كل لأنه يوجب تعميم الأسماء بالأفعال.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وزوال الملك بعد اليمين) ش: أي زوال ملك الرجل عن عصمة امرأته بأن طلقها بائنة بعد اليمين م: (لا يبطلها) ش: أي لا يبطل اليمين(5/419)
لأنه لم يوجد الشرط، فبقي والجزاء باق لبقاء محله، فبقي اليمين. ثم إن وجد الشرط في ملكه انحلت اليمين ووقع الطلاق؛ لأنه وجد الشرط، والمحل قابل للجزاء، فينزل الجزاء ولا تبقى اليمين لما قلنا. وإن وجد في غير الملك انحلت اليمين لوجود الشرط، ولم يقع شيء لانعدام المحلية.
وإن اختلفا في الشرط فالقول قول الزوج، إلا أن تقيم المرأة البينة؛ لأنه متمسك بالأصل، وهو عدم وجود الشرط، ولأنه ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك والمرأة تدعيه. وإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها، مثل أن يقول إن حضت فأنت طالق وفلانة، فقالت: قد حضت طلقت هي ولم تطلق فلانة، ووقوع الطلاق استحسان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صورته: قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثم أبانها تبقى اليمين م: (لأنه لم يوجد الشرط، فبقي) ش: أي اليمين م: (والجزاء باق لبقاء محله) ش: لأن الثلاث لم توجد م: (فبقي اليمين) ش: كما كان في ذمة الحالف.
م: (ثم إن وجد الشرط) ش: وهو دخول الدار م: (في ملكه) ش: يعني بعد أن تزوجها ثانياً. م: (انحلت اليمين) ش: لأن اللفظ لا يدل على التكرار، فبوجود الشرط مرة انتهت اليمين، بخلاف كلمة كلما م: (ووقع الطلاق؛ لأنه وجد الشرط، والمحل قابل للجزاء) ش: المحل هي المرأة والملك فيها موجود والجزاء ووقوع الطلاق م: (فينزل الجزاء ولا يبقى اليمين) ش: لأنها انتهت لعدم دلالة اللفظ على التكرار م: (لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله فبوجود الفعل مرة يتم الشرط م: (وإن وجد) ش: أي الشرط، وهو دخول الدار م: (في غير الملك) ش: يعني بعد زوال الملك قبل التزوج ثانياً م: (انحلت اليمين لوجود الشرط ولم يقع شيء) ش: من الطلاق م: (لانعدام المحلية) ش: أي محل الطلاق لعدم الملك.
[اختلف الزوج والزوجة في وجود الشرط في الطلاق]
م: (وإن اختلفا في وجود الشرط) ش: بأن قال الزوج لم يوجد الشرط ولم يقع الطلاق، وقالت الزوجة: قد وجد الشرط ووقع الطلاق، م: (فالقول قول الزوج) ش: لأن الأصل عدم الشرط والقول لمن يتمسك بالأصل م: (إلا أن تقيم المرأة البينة) ش: على وجود الشرط حينئذ يكون القول قولها م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (متمسك بالأصل وهو عدم وجود الشرط) ش: لدلالة الظاهر على ملك كالمدعى عليه إذا أنكر المال.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج م: (ينكر وقوع الطلاق وزوال الملك والمرأة تدعيه) ش: أي تدعي وقوع الطلاق، فالقول قول الزوج إلا إذا أقامت المرأة البينة م: (وإن كان الشرط لا يعلم إلا من جهتها، فالقول قولها في حق نفسها) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في ظاهر مذهبه، ثم أوضح الذي لا يعلم إلا من جهتها بقوله م: (مثل أن يقول) ش: أي الزوج م: (إن حضت فأنت طالق وفلانة) ش: يعني ضرتها م: (فقالت: قد حضت طلقت هي ولم تطلق فلانة، ووقوع الطلاق استحسان،(5/420)
والقياس أن لا يقع؛ لأنه شرط فلا تصدق، كما في الدخول وجه الاستحسان أنها أمينة في حق نفسها، إذ لم يعلم ذلك إلا من جهتها، فيقبل قولها كما يقبل في حق العدة والغشيان، لكنها شاهدة في حق ضرتها، بل هي متهمة فلا يقبل قولها في حقها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والقياس أن لا يقع ش: أي الطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن الحيض م: (شرط فلا تصدق) ش: أي المرأة م: (كما في الدخول) ش: أي في دخول الدار، فكان ينبغي أن يكون القول قول الزوج، ولا يقع الطلاق لأنه ينكر وقوعه متمسكاً بالأصل.
م: (وجه الاستحسان أنها أمينة في حق نفسها) ش: لأن النساء أمينات بإظهار ما في أرحامهن مأمورات بذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، م: (إذا لم يعلم ذلك إلا من جهتها) ش: لأنه لم يعلم الحيض إلا منها م: (فيقبل قولها) ش: في حقها م: (كما يقبل في حق العدة) ش: أي في انقضائها م: (والغشيان) ش: أي وكما قيل قولها في الغشيان، وإذا قالت أنا حائض حيث يجب الزوج عن غشيانها، وهو كناية عن الوطء.
م: (لكنها) ش: أي لكن المرأة م: (شاهدة في حق ضرتها) ش: بوقوع الطلاق عليها م: (بل هي متهم) ش: لأنها ليست بأمينة في حق ضرتها م: (فلا يقبل قولها في حقها) ش: لأن شهادة المتهم مرودة، وهذا إذا كذبها الزوج.
أما إذا صدقها يقع الطلاق على ضرتها أيضاً، قيل فيه بحث، وهو أن المرأة لا تخلو من الحيض وعدمه، والحال شمول طلاقها، وشمول عدمه لأنها إن كانت حائضة فقد وجد الشرط، ويقع طلاقها وإن لم تحض لم يوجد الشرط فلا يقع طلاق واحدة منهما. فأما أن يوجد الحيض في حقها دون ضرتها فإنه يستلزم كون الشيء موجوداً معدوماً في حالة واحدة وهو محال.
وأجيب: بأن الشرع أثبت بقولها حضت في هذه الصورة وصفين متعاقدين الأمانة والشهادة، ورتب على ذلك حكمين بحسب اقتضائهما.
وليس ذلك ببدع في الشرع، فإنه رتب على النكاح، وهو أمر واحد الحل للزوج والحرمة لغيره، وفيه نظر لأن الحل والحرمة لا يقتضي أحدهما الوجود والآخر العدم بخلاف ما نحن فيه.
والجواب أن اقتضاء الوجود والعدم إنما هو بالنسبة إلى الحيض بعينه، وليس الكلام فيه لأنه أمر خفي لا يطلع عليه، وإنما الكلام في الأمر الدال عليه، وهو قولها: حضت وليس فيه اختلاف في مقتضى وجوده وعدمه، انتهى.
قلت: هذا ذكره الأكمل ناقلاً عن كلام السغناقي، وهذا تطويل كان يكتفى عنه بشيء مختصر، بأن يقال الحيض أمر خفي لا يطلع عليه إلا الله تعالى، والمرأة هنا متهمة، والشرع رتب عليه الحكم بحسب ما يقتضيه ظاهر الحال.(5/421)
وكذا لو قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في نار جهنم فأنت طالق وعبدي حر، فقالت أحبه، أو قال إن كنت تحبيني فأنت طالق وهذه معك، فقالت أحبك. طلقت هي ولم يعتق العبد ولا تطلق صاحبتها، لما بينا ولا يتيقن بكذبها، لأنها لشدة بغضها إياه قد تحب التخليص منه بالعذاب، وفي حقها أن تعلق الحكم بإخبارها وإن كانت كاذبة ففي حق غيرها بقي الحكم على الأصل وهو المحبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال لها إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم]
م: (وكذا) ش: أي وكذا الحكم في أن القول قول المرأة في حقها دون حق غيرها م: (لو قال) ش: الزوج لامرأته: م: (إن كنت تحبين أن يعذبك الله في نار جهنم فأنت طالق وعبدي حر فقالت: أحبه) ش: فالقول قولها في حق نفسها فتطلق ولا يقبل في حق غيرها، فلا يعتق العبد.
م: (أو قال) ش: أي أو قال زوج لامرأته: م: (إن كنت تحبيني) ش: يجوز بنون العماد وبتركه أيضاً لأنه ليس بلازم في المضارع الذي في آخره نون الإعراب م: (فأنت طالق وهذه معك) ش: وأشار بهذه إلى ضرتها وعبدي حر م: (فقالت: أحبك، طلقت هي) ش: أي المرأة المخاطبة ولم يعتق العبد ولم تطلق صاحبتها) وهي ضرتها، أطلق عليها صاحبتها باعتبار الظاهر.
وفي الحقيقة هي عدوتها م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله أمينة في حق نفسها، شاهدة في حق ضرتها.
م: (ولا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه) ش: أي زوجها، والبغض ضد الحب واستعمل بمعنى الإبغاض، حيث ذكر له مفعولاً، وهو قوله: إياه، أي لشدة إبغاض المرأة زوجها.
م: (قد تحب التخليص منه) ش: أي من الزوج م: (بالعذاب) ش: أي بعذاب نار جهنم، لأن الجاهل قد يختار عذاب الآخرة على صحبته من بغضه فلم يتيقن بكذبها م: (وفي حقها) ش: أي وفي حق المرأة المخاطبة م: (أن تعلق الحكم بٍإخبارها) ش: أن بفتح الهمزة يجوز أن تكون زائدة كما في قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ} [يوسف: 96] (يوسف: الآية96) .
ويقال: لما أن جاء أكرمته، ويجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون مخففة من الثقيلة على أن ضمير الشأن فيها مستتر.
م: (وإن كانت كاذبة) ش: كلمة إن هذه بالكسر واصلة بما قبله م: (ففي حق غيرها بقي الحكم على الأصل، وهو) ش: أي الأصل م: (المحبة) .
ش: وبقولنا قال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه، وعنه إن كذبها لا يقع. ولو قال لها: إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق، فقالت أحبك بقلبي، أو قالت أحبك، وكذبها الزوج طلقت عندهما.
وقال محمد: إن كانت كاذبة فيما بينها وبين الله تعالى لا تطلق.(5/422)
وإذا قال لها: إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام، لأن ما ينقطع دونها لا يكون حيضا. فإذا تمت ثلاثة أيام حكمنا بالطلاق من حين حاضت؛ لأنه بالامتداد عرف أنه من الرحم فكان حيضا من الابتداء.
ولو قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها؛ لأن الحيضة - بالهاء - هي الكاملة منها، ولهذا حمل عليه في حديث الاستبراء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا قال لها إذا حضت فأنت طالق، فرأت الدم لم يقع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام، لأن ما ينقطع دونها لا يكون حيضاً) ش: لأن ما دون ثلاثة أيام لا يكون حيضاً م: (فإذا تمت ثلاثة أيام حكمنا بالطلاق من حين حاضت لأنه) ش: أي لأن الذي رأته عن الدم م: (بالامتداد عرف أنه من الرحم فيكون حيضاً من الابتداء) ش: أي من أول الأمر، وفائدته تظهر في غير الموطوءة، فإنها لما رأت دماً وتزوجت بزوج آخر فاستمر بها الدم ثلاثة أيام، كان النكاح صحيحاً، ويظهر فيما إذا قال إن حضت فعبدي حر. والمسألة بحالها كان العبد حراً من حين رأت الدم، ويظهر في حق الجناية من العبد، وقيل يجب على المفتي أن يجيب بقوله كانت مطلقة من أول ثلاثة أيام إذا سئل بعد الاستمرار، ولا يقول يقع الطلاق لوهم فهم الحال والاستقبال.
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو انقضى يوم وليلة يقع الطلاق وفيه وجه مشهور أنه يقع من أول الرواية، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال ابن المنذر: لا يعلم أحد قال غير ذلك إلا مالكاً وابن القاسم حيث قال فتنجيزه قبل الحيض، ولو كانت حائضاً لم يقع حتى تطهر ثم تحيض، وكذا لو قال للطاهرة: أنت طالق إذا طهرت لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر، وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله- ذكره في " المغني ".
[قال لها إن حضت حيضة فأنت طالق]
م: (ولو قال لها إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من حيضها، لأن الحيضة بالهاء هي الكاملة منها) ش: أي من الحيضة، لأن الفعلة بالفتح للمرة، والمرة من الحيض لا يكون إلا بكماله وكماله بانتهائه وانتهاؤه بالطهر م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن الحيضة بالهاء هي الشيء الكامل أو الدم الكامل من الحيضة م: (حمل عليه) ش: أي على الكامل م: (في حديث الاستبراء) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن، ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة» .
رواه أبو داود في "سننه " عن شريك عن قيس بن وهب عن أبي الدرداء عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا(5/423)
وكمالها بانتهائها، وذلك بالطهر،
وإذا قال لها: أنت طالق إذا صمت يوما طلقت حين تغيب الشمس في اليوم الذي تصوم فيه؛ لأن اليوم إذا قرن بفعل ممتد يراد به بياض النهار، بخلاف ما إذا قال لها إذا صمت لأنه لم يقدره بمعيار، وقد وجد الصوم بركنه. ومن قال لامرأته إذا ولدت غلاما فأنت طالق واحدة، وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» . ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال صحيح على شرط مسلم، وأعله ابن القطان في كناية شريك، وقال: إنه مدلس وهو ممن ساء حفظه بالقضاء. وروى أبو داود أيضاً من حديث رويفع بن ثابت الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة» .
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه " من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن توطأ الحامل حتى تضع، أو الحامل حتى تستبرأ بحيض» انتهى.
والأوطاس واد في بلاد هوازن وهو موضع حرب حنين.
م: (وكمالها) ش: أي وكمال الحيضة م: (بانتهائها وذلك) ش: أي الانتهاء م: (بالطهر) ش: لأن الشيء ينتهي بضده، ثم الطهارة عن الحيض تثبت بالانقطاع عن العشرة بمضي العشرة، وفيما دونها تثبت بالاغتسال أو بمضي وقت صلاة، فما لم يثبت، أحدهما، لم يثبت الانقطاع، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام "، ولهذا قالوا لو كان الطلاق في الأولى بدعياً. وكان في الثانية: سبباً لوقوعه في الطهر بعد الحيض، ذكره التمرتاشي.
[قال لها أنت طالق إذا صمت يوما]
م: (وإذا قال لها: أنت طالق إذا صمت يوماً، طلقت حين تغيب الشمس في اليوم الذي تصوم فيه، لأن اليوم إذا قرن بفعل ممتد يراد به بياض النهار) ش: والصوم فعل ممتد م: (بخلاف ما إذا قال: لها صمت) ش: يعني من غير زيادة عليه فإنها إذا شرعت في الصوم يقع الطلاق بمجرد الشروع م: (لأنه لم يقدره بمعيار) ش: أي لأن الزوج لم يقدر الصوم باليوم، والمراد من المعيار الوقت المثبت لقدر الفعل، حيث يطول بطوله ويقصر بقصره.
ووقت الصوم للصوم معيار لا ظرف بخلاف الصلاة، فإن وقتها ظرف لا معيار كما ذكر في الأصول م: (وقد وجد الصوم بركنه) ش: وهو الإمساك عن المفطرات الثلاث نهاراً وركنه، وهو النية والطهارة من الحيض والنفاس.
م: (ومن قال لامرأته إذا ولدت غلاماً فأنت طالق واحدة وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين،(5/424)
فولدت غلاما وجارية ولا يدري أيهما أول لزمه في القضاء تطليقة، وفي التنزه تطليقتان وانقضت العدة؛ لأنها لو ولدت الغلام أولا وقعت واحدة وتنقضي عدتها بوضع الجارية ثم لا تقع أخرى به؛ لأنه حال انقضاء العدة ولو ولدت الجارية أولا وقعت تطليقتان، وانقضت عدتها بوضع الغلام، ثم لا يقع شيء آخر به؛ لما ذكرنا أنه حال الانقضاء، فإذا في حال تقع واحدة، وفي حال تقع ثنتان، فلا تقع الثانية بالشك والاحتمال. والأولى أن يأخذ بالثنتين تنزها واحتياطا، والعدة منقضية بيقين لما بينا.
وإن قال لها: إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فأنت طالق ثلاثا، ثم طلقها واحدة فبانت وانقضت عدتها، فكلمت أبا عمرو ثم تزوجها، فكلمت أبا يوسف؛ فهي طالق ثلاثا مع الواحدة أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فولدت غلاماً وجارية، ولا يدري أيهما أول) ش: أي ولم يعلم أي الولدين ولد أولا.
الغلام: اسم لذكر لم يبلغ، فإذا بلغ صار شاباً، والجارية اسم لأنثى لم تبلغ، وقد سمى الجارية غلاماً م: (لزمه في القضاء تطليقة، وفي التنزه) ش: التباعد عن السوء والتورع عن مظان الحرمة؛ لأن ترك وطء امرأة بحل وطأها خير من أن يطأ امرأة محرمة عليه حتى لو كانت عنده بتطليقتين لا تتزوج إلا بعد زوج آخر احتياطاً، كذا في " المبسوط ".
م: (تطليقتان) ش: أي لزمه تطليقتان م: (وانقضت العدة) ش: بالولد الأخير م: (لأنها لو ولدت الغلام أولاً وقعت واحدة وتنقضي عدتها بوضع الجارية، ثم لا تقع أخرى به؛ لأنه حال انقضاء العدة) ش: والطلاق لا يقع مع انقضاء العدة، لأنه حال الزوال والمزيل لا يعمل حال الزوالٍ.
م: (ولو ولدت الجارية أولاً وقعت تطليقتان وانقضت عدتها بوضع الغلام، ثم لا يقع شيء آخر به)
ش: أي بوضع الغلام م: (لما ذكرنا أنه حال الانقضاء) ش: أي انقضاء العدة م: (فإذا في حال تقع واحدة، وفي حال تقع ثنتان فلا تقع الثانية بالشك والاحتمال، والأولى أن يأخذ) ش: على صيغة المعلوم، أي أن يأخذ الزوج، أو أن يأخذ القاضي أو يأخذ المفتي.
م: (بالثنتين تنزهاً) ش: أي تورعاً م: (واحتياطاً) ش: واقتضاء فيها على التعليل.
فقال الأترازي: ويجوز أن يقال بناء الغائب على صيغة المجهول بإسناد الفعل إلى الجار والمجرور م: (والعدة منقضية بيقين لما بينا) ش: أي لأنها لو ولدت الغلام؛ أولا تنقضي عدتها بوضع الجارية، ولو وضعت الجارية أولا تنقضي عدتها بوضع الغلام؛ لأنها الحامل عدتها بوضع الحمل بالنص.
[الملك شرط لوقوع الطلاق]
م: (وإذا قال إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فأنت طالق ثلاثاً، ثم طلقها واحدة فبانت وانقضت عدتها، فكلمت أبا عمرو ثم تزوجها، فكلمت أبا يوسف؛ فهي طالق ثلاثاً مع الواحدة الأولى) ش: أي الطلقة الأولى التي تنجزها بعد التطليق.(5/425)
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع. وهذه على وجوه، أما إن وجد الشرطان في الملك فيقع الطلاق وهذا ظاهر، أو وجدا في غير الملك فلا يقع في الملك والثاني في غير الملك، فلا يقع أيضا؛ لأن الجزاء لا ينزل على غير الملك فلا يقع، أو وجد الأول في غير الملك، والثاني في الملك، وهي مسألة الكتاب الخلافية، له اعتبار الأول بالثاني إذ هما في حكم الطلاق كشيء واحد.
ولنا أن صحة الكلام بأهلية المتكلم إلا أن الملك يشترط حالة التعليق ليصير الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال زفر: لا يقع، وهذه) ش: أي هذه المسألة م: (على وجوه)
ش: الأولى: هي قوله م: (أما إن وجد الشرطان في الملك فيقع الطلاق، وهذا ظاهر) ش: أي وقوع الطلاق ظاهر لوجود الشرط في الملك، وهذا لا خلاف فيه.
والثانية: هي قوله م: (أو وجدا) ش: أي الشرطان م: (في غير الملك فلا يقع) ش: أي الشرط الأول م: (في الملك والثاني) ش: أي وجد الشرط الثاني م: (في غير الملك فلا يقع) ش: أي الطلاق م: (أيضاً؛ لأن الجزاء) ش: وهو الطلاق م: (لا ينزل على غير الملك فلا يقع) ش: لأنه غير محل، وفيها خلاف ابن أبي ليلى، ذكره في " المبسوط ".
والرابعة: وهي قوله م: (أو وجد الأول) ش: أي الشرط الأول م: (في غير الملك والثاني) ش: أي وجد الشرط الثاني م: (في الملك، وهي مسألة الكتاب الخلافية) ش: بيننا وبين زفر م: (له) ش: أي لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (اعتبار الأول بالثاني) ش: أي اعتبار الوصف الأول بالوصف الثاني، كذا فسره الأترازي، ثم قال: بيانه أن الوصف الثاني لو وجد في غير الملك لا ينزل الجزاء، فكذا إذا وجد الأول في غير الملك ينبغي أن لا ينزل الجزاء، لأن كلام أحدهما بعد الشرط كلام الآخر، وفي أحدهما يشترط الملك، فكذا في الآخر.
وقال تاج الشريعة: قوله اعتبار الأول بالثاني، يعني أن الملك شرط لوقوع الطلاق عند وجود الشرط الثاني، فكذلك عند وجود الشرط الأول م: (إذ هما) ش: أي الشرطان م: (في حكم الطلاق كشيء واحد) ش: من حيث إنه لا يقع إلا بهما.
م: (ولنا أن صحة الكلام بأهلية المتكلم) ش: أي صحة هذا الكلام الذي هو اليمين بأهلية المتكلم، وهو كونه عاقلاً بالغاً، وهي قائمة به فيكون صحة الكلام قائمة به، ومحله الذمة، فإذا كان كذلك كان ينبغي أن لا يشترط الملك وقت التعليق، فأجاب عن ذلك بقوله م: (إلا أن الملك يشترط حالة التعليق ليصير الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال) ش: لأن استصحاب الحال عبارة عن إبقاء ما كان على ما كان لعدم الدليل المزيل، فإذا كان الملك باقياً عند وجود الشرط بالنظر إلى الاستصحاب ينزل الجزاء عنده غالباً، لأن الأصل في كل ثابت دوامه.(5/426)
فيصح اليمين، وعند تمام الشرط لينزل الجزاء؛ لأنه لا ينزل إلا في الملك، وفيما بين ذلك الحال حال بقاء اليمين فيستغني عن قيام الملك إذ بقاؤه بمحله وهو الذمة،
وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فطلقها ثنتين وتزوجها رجل آخر فدخل بها، ثم عادت إلى الأول، فدخلت الدار. طلقت ثلاثا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي طالق ما بقي من الطلاق وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصله أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث عندهما، فتعود إليه بالثلاث. وعند محمد وزفر - رحمهما الله- لا يهدم ما دون الثلاث فتعود إليه بما بقي من الطلاق، وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى. وإن قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا، ثم قال لها: أنت طالق ثلاثا فتزوجت غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول فدخلت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن كان يحتمل الملك الزوال حينئذ، فإذا كان كذلك م: (فيصح اليمين) ش: لأن الجزاء الذي هو غالب الوجود يتحقق حينئذ فيحصل اليمين وهو القوة.
م: (وعند تمام الشرط) ش: أي شرط بقاء الملك أيضاً عند تمام الشرط م: (لينزل الجزاء لأنه لا ينزل إلا في الملك) ش: ولا ينزل في غير الملك م: (وفيما بين ذلك الحال) ش: أي بين حالة التعليق، وتمام الشرط م: (حال بقاء اليمين فيستغني عن قيام الملك إذ بقاؤه) ش: أي بقاء اليمين م: (بمحله وهو الذمة) ش: أي ذمة الحالف، وإنما ذكر الضمير الراجع إلى اليمين، وإن كانت مؤنثة على تأويله التعليق، لأن تعليق الطلاق والعتاق بين عند الفقهاء.
[قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا]
م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال رجل لامرأته م: (إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً فطلقها ثنتين وتزوجها رجل آخر ودخل بها ثم عادت إلى الأول) ش: أي الزوج الأول م: (فدخلت الدار طلقت ثلاثاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-) ش: قال ابن المنذر هذا قول ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال عطاء وشريح والنخعي. وفي " المبسوط ": وهو وقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (وقال محمد هي طالق ما بقي من الطلاق، وهو قول زفر) ش: وهو قول جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - والتابعين، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (فتعود إليه بالثلاث) ش: أي فتعود المرأة إلى الزوج الأول بثلاث تطليقات م: (وعند محمد وزفر لا يهدم ما دون الثلاث، فتعود إلى ما بقي من الطلاق وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي في آخر فصل مما تحل به المطلقة.
م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال رجل لامرأته م: (إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً، ثم قال له أنت طالق ثلاثاً فتزوجت غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول) ش: أي إلى الزوج الأول م: (فدخلت(5/427)
الدار لم يقع شيء. وقال زفر والشافعي يقع الثلاث؛ لأن الجزاء ثلاث مطلق لإطلاق اللفظ، وقد بقي احتمال وقوعها، فيبقى اليمين. ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك؛ لأنها هي المانعة؛ إذ الظاهر عدم ما يحدث واليمين تنعقد للمنع أو للحمل، وإذا كان الجزاء ما ذكرناه وقد فات بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية، فلا تبقى اليمين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدار لم يقع شيء) ش: عند علمائنا الثلاثة.
وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "الجديد" على لمنصوص، ومالك وأحمد.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ذلك.
م: (وقال زفر والشافعي) ش: في قوله م: (يقع الثلاث؛ لأن الجزاء ثلاث مطلق) ش: لأنه الثلاث المملوكات، فيتناول ثلاث طلقات مطلقاً، سواء كانت مملوكة في الحال أو مستحدثة في المآل م: (وذلك لإطلاق اللفظ) ش: واللفظ المطلق لا يتناول المقيد، لأنه ضده حكماً م: (وقد بقي احتمال وقوعها) ش: أي احتمال طلقات ثلاث مطلق م: (فتبقى اليمين)
ش: فإذا وجد المحل يقع الجزاء، والدليل على أنه لم يصرف إلى الطلقات الثلاث المملوكات مسألة الهدم، فلو انصرف إلى الملك قائم يوقع بما بقي، وكما لو قال كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً فتزوجها بعد زوج آخر يبقى اليمين.
وبدليل: ولو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه ودخل الدار يعتق، فلو تقيد الجزاء بهذا الملك لما عتق، ولهذا لو قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثاً ثم عادت إليه بعد زوج آخر يكون مظاهراً عنها، وكيف يبطل التطليق التخيير، لأن ما صادفه التخيير طلاق، وما صافه التعليق ما يصير طلاقاً.
م: (ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك) ش: بدلالة الحال م: (لأنها) ش: أي لأن طلقات هذا الملك. م: (هي المانعة إذا الظاهر عدم ما يحدث) ش: وكل ما كان مانعاً من وجود الشرط وحاملاً عليه فهو الجزاء م: (واليمين تنعقد للمنع أو للحمل) ش: وهنا عقدت للمنع، فيكون الجزاء هذا الملك.
م: (وإذا كان الجزاء ما ذكرناه) ش: وهو قوله إن طلقات هذا الملك إلى آخره م: (وقد فات) ش: أي والحال أن الجزاء قد فات م: (بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية) ش: يعني لا يبقى محلاً للطلاق.
م: (فلا تبقى اليمين) ش: لأن بفوات محل الجزاء يبطل اليمين لفوات محل الشرط بأن قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق، ثم جعلت الدار بستاناً لا يبقى اليمين، فهذا مثله.
فإن قلت: انعقاد اليمين لو انحصر في المنع والحمل لم يصح أن يقال إن حضت فأنت طالق، لأنه لا يتصور فيه منع ولا حمل لكون الحيض عارضاً سماوياً.(5/428)
بخلاف ما إذا أبانها لأن الجزاء باق لبقاء محله.
ولو قال لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا فجامعها، فلما التقى الختانان طلقت ثلاثا، وإن لبث ساعة لم يجب عليه المهر، وإن أخرجه ثم أولجه وجب عليه المهر. وكذا إذا قال لأمته: إذا جامعتك فأنت حرة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أوجب المهر في الفصل الأول أيضا لوجود الجماع بالدوام عليه، إلا أنه لا يجب عليه الحد للاتحاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: أجيب: بأن الاعتبار للغالب الشائع دون النادر، وفيه نظر، لأن السؤال لم ينحصر في صورة الحيض حتى يكون نادراً، وإنما هو في الوجه كالمحبة والكراهة والجزع وغيره.
والصواب: أن يقال إن الشرط في مثل ذلك هو إخبارها عن ذلك المحل، والمنع فيه متصور.
م: (بخلاف ما إذا أبانها) ش: يتعلق بقوله - وقد فات بتخيير الثلاث - أي فات الجزاء بتخيير الثلاث المبطل للمحلية، بخلاف ما إذا أبانها بطلقة أو بطلقتين م: (لأن الجزاء باق لبقاء محله) ش: أي محل الجزاء، ولهذا إذا عادت إليه بعد زوج آخر عادت بطلقات ثلاث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الهدم، لأن في صورة الإبانة طلقة أو طلقتين يزول الحل لا الملك. والدليل على بقاء الملك أن الزوج الأول تزوجها بلا تحليل زوج آخر.
والجواب عن مسألة الهدم أن اليمين بقيت ببقاء الجزاء، لأن اليمين لا ينقسم على الجزاء كما لا ينقسم على الشرط، ولما بقيت اليمين بالملكية صار كأنه قائل عند الدخول أنت طالق ثلاثاً، وهو يملك الثلاث فيقع. وعن مسألة العبد أن تعليق عتقه إنما لا يبطل اليمين بعد البيع، لأن محلية العتق لم تبطل بالبيع، وقد كان محلاً للعتق بصفة الرق، والرق باق بعد البيع، حتى إذا أعتقه لا يبقى اليمين لفوات المحل، وعن مسألة الظهار أن محل الظهار لم يفت بتنجيز الطلقات الثلاث، لأن حرمة الظهار غير الطلاق، لأن الأولى متناهية بالتكفير، والثانية بالزوج الآخر، وإنما لا يصير مظاهراً بعد التطليقات الثلاث، لأن الظهار تشبيه المحللة بالمحرمة ولا يتحقق ذلك إلا بالتزوج.
[قال لامرأته إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثا فجامعها]
م (ولو قال لامرأته: إذا جامعتك فأنت طالق ثلاثاً فجامعها، فلما التقى الختانان طلقت ثلاثاً، وإن لبث ساعة لم يجب عليه المهر) ش: أي العقر، وهو مهر المثل م: (وإن أخرجه ثم أولجه) ش: من الإيلاج وهو الإدخال م: (وجب عليه المهر، وكذا) ش: أي وكذا لا يجب المهر باللبث والمكث م: (إذا قال لأمته: إذا جامعتك فأنت حرة. وعن أبي يوسف أنه أوجب المهر في الفصل الأول أيضاً) ش: وهو ما إذا لبث ساعة بعد الإدخال م: (لوجود الجماع بالدوام عليه) ش: أي على اللبث، ومعناه أنه جعل الدوام على اللبث بعد الدخول بمنزلة الدخول الابتدائي م: (إلا أنه لا يجب عليه الحد للاتحاد) ش: أي لاتحاد الإيلاج الحال مع اللبث الحرام من حيث المقصود، وهو قضاء الشهوة، فكان الجماع واحداً من وجه، وأوله غير موجب للحد، فسقط الحد ووجب العقر، لأنه الوطء المحرم(5/429)
وجه الظاهر أن الجماع إدخال الفرج في الفرج ولا دوام للإدخال، بخلاف ما إذا أخرج ثم أولج؛ لأنه وجد الإدخال بعد الطلاق، إلا أن الحد لا يجب بشبهة الاتحاد بالنظر إلى المجلس والمقصود، وإذا لم يجب الحد وجب العقر، إذ الوطء المحرم لا يخلو عن أحدهما. ولو كان الطلاق رجعيا يصير مراجعا باللباث عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود المساس، ولو نزع ثم أولج صار مراجعا بالإجماع لوجود الجماع، والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يخلو عن عقر أو حد، وعلى هذا الخلاف إذا قال لأمته إن جامعتك فأنت حرة.
م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أن الجماع إدخال الفرج في الفرج) ش: ولم يوجد ذلك بعد الطلقات والعتق م: (ولا دوام للإدخال) ش: حتى يكون لدوامه حكماً لابتداء، كمن حلف أن لا يدخل هذه الدار هو فيها لا يحنث باللبث ساعة، وكذا لو حلف لا يدخل فرسه الاصطبل وهو فيها فأمسكها فيه لا يحنث م: (بخلاف ما إذا أخرج ثم أولج، لأنه وجد الإدخال بعد الطلاق، إلا أن الحد لا يجب بشبهة الاتحاد) ش: أي بين الإخراج والإبلاج م: (بالنظر إلى المجلس) ش: أي بالنظر م: (والمقصود) ش: هو قضاء الشهوة.
م: (وإذا لم يجب الحد وجب العقر) ش: أي مهر المثل. وفي ديوان الأدب: العقر مهر المرأة إذا وطئت على شبهة، والمراد منه المثل، وبه فسر العتابي العقر في " شرح الجامع الصغير " م: (إذ الوطء المحرم) ش: أي لأن الوطء المحرم م: (لا يخلو عن أحدهما) ش: أي عن أحد العقر والحد.
م: (ولو كان الطلاق رجعياً يصير مراجعاً باللباث) ش: أي باللبث والمكث م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافاً لمحمد) ش: فإنه لا يصير مراجعاً عنده، لأنه نظير الدخول والدوام على المدخول ليس بدخول م: (لوجود المساس) ش: وهو دليل أبي يوسف، وأي المقصود المساس بشهوة م: (ولو نزع ثم أولج صار مراجعا بالإجماع لوجود الجماع) ش: النزع: الإخراج والإيلاج: الإدخال، قال الله تعالى {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [لقمان: 29] (لقمان: الآية29) .
فروع: لو قال أنت طالق إن دخلت الدار، كان شرطاً مثل "إن" عند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي ذلك عن أبي يوسف، وقيل لا يتعلق لأنها للمضي، كأنه قال أمس. وفي " جوامع الفقه " لا يقع. وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يقع في الحال، ولا يتعلق. وكذا لو قال أنت طالق لولا دخولك الدار لا يقع. وفي " المغني " قال: أنت طالق أو دخلت الدار يقع وأو للمضي، ويحتمل أن لا يقع كقوله أمس، وعندنا يقع فيهما. وفي " جوامع الفقه " قال: ادخلي الدار وأنت طالق تطلق، لأن جواب الأمر كالشرط بالفاء.
وفي " المبسوط " والذخيرة " قال: أدي إلى الفاء وأنت طالق لا يقع حتى تؤدي، لأنه جواب الأمر. وفي " المبسوط " لأن الواو للحال. ولو قال: أدي الفاء فأنت طالق يقع في الحال،(5/430)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن الفاء للتعليل. ولو قال إن وطئتك فيمينه على الجماع.
وقال ابن قدامة: وعن محمد بن الحسن: يمينه على الوطء بالقدم. ولو قال أردت به الجماع لم يقبل، وقد غلط ابن قدامة في النقل عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فإن محمداً ذكر في " الجامع ": ولو قال لها إن وطئتك فهو على الجماع في فرجها بذكره، ولو نوى الدوس بالقدم لا يصدق في الصرف عن الجماع ويحنث بالدوس بالقدم أيضاً لاعترافه به على نفسه.
ولو قال: إن وطئت من غير ذكر امرأة فهو على الدوس بالقدم وهو اللغة والعرف، وذلك باتفاق أصحابنا، ولو قال رجل لامرأة غيره إذا دخلت الدار فأنت طالق فبلغ الزوج فأجازه صح، حتى لو دخلت بعد الإجازة تطلق وبعدها لا.(5/431)
فصل في الاستثناء وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلا لم يقع الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الاستثناء] [قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلا]
م: (فصل في الاستثناء) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الاستثناء وهو التكلم بالباقي بعد الاستثناء وهو الاستفعال من المثنى وهو العرف، يقال ثنيته أي عطفته، وألحق الاستثناء بالتعليق، لأنها في بيان التفسير، ولأن الشرط يمنع كل الكلام، والاستثناء بعضه، والجزء مقدم على الكل.
م (وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلاً لم يقع الطلاق) ش: قيل: كان ينبغي أن يذكر هذه المسألة في الفصل المتقدم، لأنها ليست باستثناء، بل هي تعليق.
وأجيب: بأن التعليق - بمشيئة الله تعالى - شبهاً قوياً بالاستثناء بمنع حكم صدر الكلام عما كان قبل الاستثناء بحيث لا يتوقف وجوده على وجود الشرط، فكذا حكم صدر الكلام يمتنع أصلا في التعليق بمشيئة الله تعالى، ولا يتوقف على وجود الشرط، فلهذه المناسبة ذكر التعليق بالمشيئة في فصل الاستثناء.
قوله: متصلا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي قولاً متصلاً، والمراد من الاتصال أن لا يقطع قوله إن شاء الله تعالى قبل قوله أنت طالق بكلام آخر أو سكوت.
وأما الفصل لانقطاع النفس فلا عبرة به لعدم إمكان التحرز عنه. ولو أتى بحروف الاستثناء بحيث لا يسمع يقع الاستثناء صحيحاً، وهو اختيار الكرخي، لأن السماع ليس بشرط صحة الكلام، ولهذا يصح استثناء الأصم، وإن لم يسمع هو أيضاً، وعلى شرط الاتصال جمهور العلماء، وهو قول الأئمة الأربعة، ومنهم من جوز الاستثناء ما لم يقم من المجلس، وبه قال الحسن البصري، وطاوس وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جوازه إلى مدة سنة، وعنه جوازه أبداً.
وقال سعيد بن جبير: بعد أربعة أشهر. وقال قتادة: بعد سنتين. وقال أحمد: له الاستثناء ما دام في ذلك الأمر. ولو جرى على لسانه إن شاء الله من غير قصد لا يقع طلاقه، لأن الاستثناء وجد حقيقة، وهو صريح في بابه، والصريح لا يفتقر إلى النية كقوله أنت طالق ومطلقة وطلقتك، وفيه خلاف الشافعية.
قوله: لم يقع الطلاق به قال طاوس وإبراهيم النخعي والحكم والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وهو قول عطاء ومجاهد والزهري والشعبي وحماد وعبد الرزاق وسعيد بن المسيب والأوزاعي وعثمان البتي، وبه قالت الظاهرية وأبو سليمان.
وقال مالك ومكحول وقتادة وغيره قال أصحابنا: لا شيء عليه، وبه قال الشعبي وابن أبي(5/432)
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من حلف بطلاق أو عتاق وقال إن شاء الله تعالى متصلا به فلا حنث عليه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليلى وإسحاق وأبو عبيد.
وقال مالك: لا استثناء في الطلاق والعتاق والصدقة ويعتبر اليمين والنذر. وعند أحمد لا يرفع الطلاق خاصة ويرفع العتاق والأيمان، ثم اختلفوا في عمله أي في عمل الاستثناء فقال أبو يوسف إبطال، وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال محمد: تعليق. وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وتظهر ثمرة الخلاف فيما إذا قدم المشيئة فقال: إن شاء الله تعالى أنت طالق، فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لإبطال الكلام، سواء قدم أو أخر بحرف الفاء أو بغيره. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع، لأنه للتعليق، فإذا قدم الشرط ولم يذكر حرف الجزاء لم يتعلق نفي الطلاق بلا شرط، كذا في " الجامع الكبير " لقاضي خان. وذكر في " الفتاوى الصغرى " الفتوى على قول أبي يوسف، وذكر في " الإيضاح " الاختلاف على العكس.
ثم اختلف أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - في الطلاق المقرون بالاستثناء في موضع يقع الاستثناء هل يكون يمينا؟ قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يكون يمينا، حتى لو قال لها: إن حلفت بطلاقك فعبدي حر، ثم قال لها: أنت طالق - إن شاء الله - يحنث في يمينه عند أبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون يميناً ولا يحنث ولا يقع الطلاق، وكذا العتاق لو قال لعبده: إن حلفت بعتقك فأنت حر، ثم قال: أنت حر إن شاء الله تعالى.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (من حلف بطلاق أو عتاق وقال: إن شاء الله تعالى متصلا فلا حنث عليه) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وروى أصحاب السنن الأربعة من حديث أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه» بلفظ الترمذي وقال: هذا حديث حسن.(5/433)
ولأنه أتى بصورة الشرط، فيكون تعليقا من هذا الوجه، ولأنه إعدام قبل الشرط، والشرط لا يعلم هاهنا، فيكون إعداما من الأصل، ولهذا يشترط أن يكون متصلا به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقد روي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفاً. وروي عن سالم عن ابن عمر موقوفاً، ولا نعلم أحداً رفعه غير أيوب السختياني، وقال إسماعيل بن إبراهيم: كان أيوب أحياناً يرفعه، وأحياناً لا يرفعه، ولفظ أبي داود فيه: فقد استثنى.
وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن سليمان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لأطوفن الليلة به". وفيه لو قال: إن شاء الله تعالى لكان كما قال» . وروى ابن عدي في " الكامل" عن إسحاق بن أبي يحيى الكعبي عن عبد العزيز بن أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: من قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله، أو لغلامه أنت حر أو علي المشي إلى بيت الله إن شاء الله فلا شيء عليه، وهو معلول بإسحاق الكعبي.
فإن قلت: ليس في الحديث الذي رواه أصحاب "السنن" متصلاً به، وقد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لأغزون قريشاً " ثم قال بعد سنة: "إن شاء الله تعالى» .
قلت أجيب: بمنع صحة هذا وبعد التسليم بصحته نقول: إن الاستثناء كان من قوله لأغزون قريشاً الذي سبق قبل سنة، لأنه يحتمل أن الاستثناء كان منه، لكن لا نسلم أن قصد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من قوله: "لأغزون" الاستثناء فلم يجز أن يكون قصده الاستدراك المأمور به الثابت من قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إلا أن يشاء الله} [الكهف: 24] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] (الكهف: الآيتان 23، 24) .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المستثني بكسر النون م: (أتى بصورة الشرط) ش: أي بحرف صريح دون حقيقة الشرط، لأن حقيقة الشرط عبارة عما يكون على خطر وتردد ومشيئة الله تعالى ليست كذلك لثبوتها قطعا أو انتفائها كذلك، وما هو كذلك م: (فيكون تعليقاً من هذا الوجه) ش: يعني من حيث الصورة م: (ولأنه) ش: أي قوله: إن شاء الله تعالى م: (إعدام) ش: للعلية م: (قبل) ش: وجود م: (الشرط، والشرط) ش: وهو مشيئة الله تعالى م: (لا يعلم هاهنا) ش: أي في صورة التعليق بمشيئة الله تعالى لأنا لا نطلع عليها م: (فيكون إعداماً) ش: أي للجزاء م: (من الأصل) ش: أي من ابتداء العدم العلم بالمشيئة، فصار كأنه لم يقل أنت طالق أصلاً، فكان إبطالاً للكلام.
م: (ولهذا) ش: أي ولأن في الاستثناء معنى الشرط م: (يشترط أن يكون متصلاً به) ش: وعليه(5/434)
بمنزلة سائر الشروط.
ولو سكت يثبت حكم الكلام الأول، فيكون الاستثناء أو ذكر الشرط بعده رجوعا عن الأول. قال: وكذا إذا ماتت قبل قوله إن شاء الله تعالى، لأن بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون إيجابا، والموت ينافي الموجب دون المبطل، بخلاف ما إذا مات الزوج، لأنه لا يتصل به الاستثناء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جمهور العلماء، وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب م: (بمنزلة سائر الشروط) ش: لكونه بيان تغيير، وشرطه هو الاتصال.
[قدر النفس بين قوله أنت طالق وبين قوله إن شاء الله]
م: (ولو سكت) ش: أي المتكلم زيادة على قدر النفس بين قوله: أنت طالق وبين قوله: إن شاء الله م: (يثبت حكم الكلام الأول) ش: وهو وقوع الطلاق، لأنه لا يصح الاستثناء المنفصل على مذهب الجمهور م: (فيكون الاستثناء) ش: على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والاستثناء بالنصب، لأنه يكون بالتعليق بمشيئة الله تعالى استثناء عن الكلام الأول، ويجوز بالرفع على أن تكون تامة أو ناقصة يكون خبرها الجار والمجرور، أعني قوله عن الأول م: (أو ذكر الشرط) ش: على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي ويكون ذكر الشرط وهو قوله: إن شاء الله م: (بعده) ش: أي بعد قوله: أنت طالق م: (رجوعاً عن الأول) ش: أي عن الكلام الأول. وإنما قلنا لكون الاستثناء على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشرط على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن محمداً يقول: إن قوله إن شاء الله إعدام، لأنه بمنزلة الاستثناء. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنه شرط، ولهذا قال في " الفتاوى الصغرى " أنت طالق إن شاء الله فهو يمين عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى لو قال لامرأته إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله يحنث عند أبي يوسف، وعند محمد لا يكون يميناً حتى لا يحنث به عنده.
م: (قال: وكذا إذا ماتت) ش: وفي بعض النسخ وكذا إن ماتت، وليس فيه لفظ قال: وهو معطوف على قوله: لم يقع في أول الفعل، يعني إذا ماتت المرأة بعد قوله: أنت طالق م: (قبل قوله: إن شاء الله تعالى) ش: أي لا يقع الطلاق م: (لأن بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون إيجاباً) ش: فإذا بطل الإيجاب بطل الحكم م: (والموت ينافي الموجب) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: الموت ينافي قوله: أنت طالق حتى لا يقع الطلاق به بعد موتها، فينبغي أن يكون منافياً للاستثناء وهو المبطل، فيقع الطلاق. فأجاب بقوله: الموت ينافي الموجب، وهو قوله: أنت طالق م: (دون المبطل) ش: وهو الاستثناء، أعني قوله: إن شاء الله، لأن الموجب يستدعي المحل، ولهذا لو قال لامرأته: أنت طالق واحدة كانت قبل قوله واحدة لا يقع، لأن الموت ينافي المحلية، والاستثناء يبطل، وأنه يستدعي صحة الإيجاب الذي يقوم بالزوج، والموت يلائمه في الإبطال.
م: (بخلاف ما إذا مات الزوج لأنه لا يتصل به الاستثناء) ش: أي بخلاف ما إذا مات الزوج قبل(5/435)
وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة طلقت ثنتين، وإن قال إلا ثنتين طلقت واحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله إن شاء الله، حيث يقع الطلاق، لأنه لم يتصل المغير وهو الاستثناء بأول كلامه فإنما يعلم إرادة الاستثناء بقوله قبل ذلك: إني أطلق امرأتي وأستثني.
[قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة]
م: (ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة طلقت ثنتين، وإن قال: إلا ثنتين) ش: أي وإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين م: (طلقت واحدة) ش: وفي ذكر المثالين إشارة إلى القليل والكثير سواء، خلافاً للفراء، فإنه لا يجوز الأكثر ويدعي أنه لم تتكلم به العرب. وفي " الغاية ": ذهب النحاة من أهل الكوفة والبصرة إلى أن استثناء الأكثر غير جائز، واختلفوا في جواز استثناء النصف، وتبعه أحمد فيها، وذهب بعض المالكية إلى هذا أيضاً، وفي " البدائع " " والميزان " روي عن أبي يوسف وهو قول الفراء أنه لا يجوز استثناء الأكثر من الأقل، وصوابه من الكل. وفي " الإسبيجابي " روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز استثناء الأكثر وهو الصواب، وزعموا أن العرب لم يوجد في كلامهم له (علي عشرة إلا تسعة) ، ولم تتكلم به، ولا يصح استثناء الكل من الكل، وذكر ابن طلحة في مختصره المعروف " بالمدخل " قولين في جواز استثناء الكل من الكل.
وقال الأموي: منع بعض أهل اللغة استثناء العقد، ولا يقال: له علي مائة إلا عشرة إلا خمسة. وذكر أبو بكر من الحنابلة أن الاستثناء لا يكون في الطلاق، فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وقع الثلاث وهذا باطل. ولو قال: أنت طالق أربعاً إلا ثلاثاً صح الاستثناء ويقع واحدة.
وفي " المحيط ": لو قال: أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثنتين إن نوى استثناء الأولى والأخيرة لا يصح، لأنه استثنى الكل فيقع الثلاث، وإن نوى واحدة من الأولى وواحدة من الثانية صح ويقع ثنتان، وكذا عند عدم النية، خلافاً لزفر وأحمد - رحمهما الله -، وفي " الذخيرة ": وهذا قول أبي يوسف.
وروى هشام عن محمد: لو قال: أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثاً يقع الثلاث، لأنه نوى استثناء الكل. ولو قال: ثلاثاً إلا نصفا يقع ثنتان عند أبي يوسف، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقع الثلاث، وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولو قال: أنت طالق واحدة ونصفا إلا واحدة ونصفا يقع ثنتان عند أبي يوسف، وهو رواية عن محمد، وعنه يقع واحدة. وفي " الذخيرة " قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وواحدة بطل الاستثناء ووقع الثلاث عند أبي حنيفة، وعندهما يقع ثنتان. وعن أبي يوسف يقع واحدة. ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا ثلاثاً بطل الاستثناء. ولو قال: أنت طالق ثنتين وواحدة وواحدة وثنتين إلا ثنتين فهي ثلاث.
ولو قال: أنت طالق واحدة وثنتين إلا واحدة يقع ثنتان، ويصير مستثنياً الواحدة من الثنتين. ولو قال: ثنتين وأربعاً إلا خمسا يقع الثلاث، ذكره القدوري.
وفي " المنتقى " قال: أنت طالق ثلاثاً وثلاثا إلا أربعا فهي ثلاث عند أبي حنيفة، ويرى عن(5/436)
والأصل أن الاستثناء تكلم حاصل بعد الثنيا هو الصحيح، ومعناه أنه تكلم بالمستثنى منه، إذ لا فرق بين قول القائل لفلان علي درهم وبين قوله عشرة إلا تسعة، فيصح استثناء البعض من الجملة لأنه يبقى التكلم بالبعض بعده، ولا يصلح استثناء الكل من الكل لأنه لا يبقى بعده شيء ليصير متكلما به وصارفا اللفظ إليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
محمد ويصير قوله: وثلاثاً ثانياً لغوا فاصلا. وقال أبو يوسف: تطلق ثنتين، وهو الظاهر من قول محمد. ولو قال: أنت طالق عشراًِ إلا أربعا إلا تسعا يقع واحدة. ولو قال: إلا ثمانيا يقع ثنتان، ولو قال إلا سبعا يقع الثلاث، ولو قال هذه طالق وهذه طالق إلا هذه كان الاستثناء باطلاً. ولو قال: أنت طالق خمساً إلا واحدة يقع الثلاث. وفي وجه للحنابلة يقع ثنتان.
[قال كل نسائي طوالق إلا زينب وعمرة وبكرة وسلمى]
م: (والأصل أن الاستثناء تكلم بالحاصل بعد الثنيا) ش: بضم الثاء المثلثة وسكون النون وهو اسم بمعنى الاستثناء، ومعناه إن صدر الكلام بعد الاستثناء يصير عبارة عما وراء الاستثناء يدل عليه قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] (العنكبوت: الآية14) ، معناه: لبث فيهم تسع مائة وخمسين عاماً م: (هو الصحيح) ش: احترز عما قال البعض: إنه إخراج، وفيه معنى المعارضة، وهو صفة الأصول.
م: (ومعناه) ش: أي معنى الثنيا م: (أنه تكلم بالمستثنى منه، إذ لا فرق بين قول القائل لفلان علي درهم، وبين قوله عشرة إلا تسعة فيصح استثناء البعض من الجملة، لأنه يبقى التكلم بالبعض بعده ولا يصح استثناء الكل من الكل، لأنه لا يبقى بعده شيء ليصير متكلما به وصارفا اللفظ إليه) ش: الضمير في: بعده، يرجع إلى استثناء الكل، وفي: به يرجع إلى شيء، وكذا في: إليه وهذا كما إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً تطلق ثلاثاً لبطلان الاستثناء.
وقال شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه ": وعن بعض مشايخنا أن استثناء الكل رجوع، وأن الرجوع عن الطلاق باطل، وليس كذلك لأنه يبطل استثناء الكل من الوصية، مع أن الوصية تحتمل الرجوع.
وذكر المصنف في "زياداته" إذا استثنى الكل من الكل إنما لا يصح إذا كان بمعنى ذلك اللفظ، وأما إذا استثنى بغير ذلك اللفظ فيصح، وإن كان استثناء الكل من الكل من حيث المعنى، فإنه لو قال: كل نسائي طوالق إلا كل نسائي لا يصح الاستثناء، بل يطلق كلهن. ولو قال: كل نسائي طوالق إلا زينب وعمرة وبكرة وسلمى لا تطلق واحدة منهن، وإن كان هو استثناء الكل من الكل، وهذا لأن الاستثناء تصرف لفظي، فيصح فيما صح فيه اللفظ كلما استثنى الجزء عن الكل، وصح لفظاً، فكذا فيما بقي، فلو كان الاستثناء يتبع الحكم الشرعي لما صح في قوله: أنت طالق عشراً إلا تسعاً، لأنه لا يزيد على الثلاث شرعاً وهو الصحيح بلا خلاف.(5/437)
وإنما صح الاستثناء إذا كان موصولا به كما ذكرنا من قبل، وإذا ثبت هذا ففي الفصل الأول بقي منه "ثنتان" فيقعان، وفي الثاني "واحدة" فتقع واحدة، ولو قال إلا ثلاثا يقع الثلاث لأنه استثناء الكل من الكل، فلم يصح الاستثناء، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإنما صح) ش: أي الاستثناء م: (إذا كان موصولاً به) ش: أي بالاستثناء م: (لما ذكرنا من قبل) ش: أي في قوله: أنت طالق إن شاء الله يعني كما لا يصح قوله: إن شاء الله إلا متصلاً، لا يصح قوله: أنت طالق إلا واحدة، وقوله: إلا ثنتين إلا متصلاً.
م: (وإذا ثبت هذا ففي الفصل الأول) ش: أراد به استثناء الواحدة من الثلاث م: (بقي منه) ش: أي بقي من المستثنى منه م: (ثنتان فيقعان، وفي الثاني) ش: أي في الفصل الثاني، أراد به استثناء الثنتين من الثلاث م: (واحدة فتقع واحدة. ولو قال: إلا ثلاثاً يقع الثلاث) ش: يعني إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً يقع الثلاث م: (لأنه استثناء الكل من الكل، فلم يصح الاستثناء) ش: لعدم بقاء شيء بعد الاستثناء، ويصير الكلام عبارة عنه، والله أعلم.(5/438)
باب طلاق المريض إذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب طلاق المريض] [طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة]
م: (باب طلاق المريض)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام طلاق المريض، ولما فرغ من بيان طلاق الصحيح شرع في بيان طلاق المريض، لأن المرض عارض، والأصل عدمه، والمرض معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع.
م: (وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقاً بائناً فمات وهي في العدة ورثته) ش: أي ورثت المرأة زوجها المطلق ميراثها الشرعي م: (وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها) ش: في هذه أربعة عشر قولاً:
الأول: أنه يقع طلاقه، وعزاه ابن حزم إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
الثاني: يقع طلاقه وترثه بشرط قيام العدة، وهو قول عمر، وابنه، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال المغيرة، والنخعي، وابن سيرين، وعروة، والشعبي، وشريح، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وطاوس، والأوزاعي، وابن شبرمة، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وحماد بن أبي سليمان والحارث العكلي.
الثالث: ترثه ما لم تتزوج زوجاً آخر، وإن انقضت عدتها، وهو قول ابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد.
الرابع: ترثه، وإن تزوجت عشرة أزواج، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والليث في رواية عنه، وذكره ابن رشيد في " الفوائد ".
الخامس: ترثه ويرثها، وبه قال الحسن البصري.
السادس: إن صح منه، ومات من مرض آخر لا ترثه عندنا. وقال الزهري والثوري والأوزاعي وزفر وأحمد وإسحاق: ترثه إن مات قبل انقضاء عدتها منه، ذكره عنهم ابن حزم في " المحلى ".
السابع: ترثه ويرثها إذا كان لها حمل أو قصد المضارة، وهو قول عروة بن الزبير.
الثامن: ترثه وتنتقل عدتها إلى عدة الوفاة ما لم تنكح، وبه قال الشعبي.
التاسع: تعتد بأبعد الأجلين من ثلاث حيض أو أربعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله.(5/439)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ترث في الوجهين، لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض وهي السبب، ولهذا لا يرثها إذا ماتت، ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد إبطاله، فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى زمان انقضاء العدة دفعا للضرر عنها، وقد أمكن؛ لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العاشر: ترثه قبل الدخول، وعليها العدة، وهو قول الحسن وإسحاق وأبي عبيد (....) .
الثاني عشر: لو خيرها فطلقت نفسها ثلاثاً أو اختلعت منه أو حلف بطلاقها على دخولها الدار، وهو صحيح عند الحلف مريض عند الدخول أو قال وهو صحيح: إن قدم فلان، فأنت طالق ثلاثاً فقدم وهو مريض طلقت ثلاثاً، لا ترثه عندنا وعند مالك: ترثه في الكل.
الثالث عشر: يجب الصداق لها كاملاً، ولا ميراث لها ولا عدة عليها، وبه قال جابر بن زيد.
الرابع عشر: لا ترثه أصلاً قبل الدخول وبعده، وهو قول الظاهرية وأبي ثور، واختاره ابن المنذر في الأشراف، وهو الجديد للشافعي. وفي القديم: الزوج فار والميراث فيه ثلاثة أقوال:
الأول: مثل قولنا. الثاني: مثل قول أحمد. والثالث: مثل قول مالك أبداً.
م: (وقال الشافعي: لا ترث في الوجهين) ش: أي قبل العدة وبعدها. وفي شرح الأقطع والشافعي أقوال: أحدها: أنها لا ترث في الوجهين، سواء مات في العدة أو بعد العدة، والآخر: أنها ترث ما لم تتزوج بزوج آخر، وإن انقضت العدة، وهو قول مالك. والآخر: أنها ترث وإن تزوجت بزوج آخر، وهو قول ابن أبي ليلى م: (لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض) ش: أي بعارض الطلاق البائن م: (وهي السبب) ش: أي الزوجية هي سبب الميراث.
م: (ولهذا) ش: إيضاح لقوله: لأن الزوجية بطلت بهذا العارض م: (لا يرثها إذا ماتت) ش: لأن سبب الإرث قد زال، فلا يثبت الحكم بلا سبب.
م: (ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد إبطاله) ش: أي إبطال إرثها (فيرد عليه قصده) ش: أي يرد على الزوج قصده، وهو قصد إبطال الإرث م: (بتأخير عمله) ش: أي عمل الطلاق م: (إلى زمان انقضاء العدة دفعاً للضرر عنها) ش: أي لأجل دفع الضرر عن المرأة، وكأن الطلاق لم يوجد في حق الإرث م: (وقد أمكن) ش: جواب عما يقال: إن كان سبب تأخير العمل دفع الضرر عنها، وجب أن يستوي في ذلك الموطوءة وغيرها وما قبل انقضاء العدة وما بعدها، فأجاب بقوله: وقد أمكن دفع الضرر، وتقديره إنما يصح توريثها منه إذا أمكن تأخير عمل الطلاق، ليكون السبب وهو النكاح قائماً، وقد أمكن ذلك إلى زمان انقضاء العدة.
م: (لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار) ش: من حرمة التزويج وحرمة الخروج(5/440)
فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه، بخلاف ما بعد انقضاء العدة، لأنه لا إمكان، والزوجية في هذه الحالة ليست بسبب لإرثه عنها، فتبطل في حقه خصوصا إذا رضي به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والبروز، وحرمة نكاح الأخت ونكاح أربعة سواها م: (فجاز أن يبقى في حق إرثها منه) ش: دفعاً للضرر عنها م: (بخلاف ما بعد انقضاء العدة؛ لأنه لا إمكان) ش: أي لا إمكان لتأخير عمل الطلاق، لعدم بقاء النكاح أصلاً م: (والزوجية في هذه الحالة) ش: هذا جواب عن قوله: ولهذه لا يرثها إذا ماتت أي الزوجة فيما إذا كان الزوج مريضاً مرض الموت م: (ليست بسبب لإرثه عنها) ش: لأنه لم يتعلق حقه بمالها لكونها صحيحة (فتبطل في حقه) ش: قال السغناقي: فيبطل بالنصب لأنه جواب النفي. وقال الأكمل: وقال بعض الشارحين بالرفع لا غير، ولكل منهما وجه خلا قوله: لا غير، فإنه لا وجه له، انتهى.
قلت: أراد بقوله: بعض الشارحين الأترازي، فإنه قال في شرحه: فقوله يبطل في حقه بالرفع لا غير، أي فتبطل الزوجية بالطلاق البائن في حق الرجل حقيقة وحكما، فلا يرثها إذا ماتت لبطلان الزوجية أصلاً، بخلاف ما إذا مات الزوج حيث ترثه المرأة، لأن الزوجية وإن بطلت بالطلاق البائن حقيقة جعلت باقية في حقها دفعاً للضرر عنها، لأنه قصد إبطال حقها. ولا يجوز أن يقال بالنصب جواباً للنفي، لأنه حينئذ ينعكس الغرض، لأنه يكون معناه: لو كانت الزوجية سبب إرث الزوج عنها لبطلت، ولكنها ليست بسبب، فإذا لم تبطل الزوجية يجب أن يرثها ولا يقول به أحد لا نحن ولا الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والذي وقع في بعض الشروح بنصب اللام سهواً، انتهى.
قلت: الكاكي تبع السغناقي فقال: فيبطل بالنصب، لأنه جواب النفي، والذي قاله الأكمل هو الوجه، فافهم.
م: (خصوصاً إذا رضي به) ش: أي لا سيما أن الزوج إذا رضي بحرمانه من الإرث، حيث أقدم على الطلاق.
واعلم أن أصحابنا استدلوا في هذا الباب بالنقل والعقل، وصاحب الهداية لم يذكر شيئاً من النقل، فنقول بإجماع الصحابة توريث امرأة الفار، بيانه أن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طلق امرأته تماضر في مرض موته فورثها عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فحل محل الإجماع.
فإن قلت: لا نسلم الإجماع، لأنه روي عن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في حديث تماضر أنه قال: لو كان الأمر إلي لما ورثتها.
قلت: أجيب: بأنه قد صح عن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال هذا الكلام في وقت إمارته بعد سبق الإجماع، والخلاف المتأخر لا يرفع الإجماع السابق، ولئن سلمنا أنه قاله(5/441)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقت توريث تماضر، فنقول: ما ورثها لخفاء وجه الاستحسان عليه، أو نقول: كانت تماضر سألت الطلاق فاعتقد ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سؤالها يسقط الإرث، وبه نقول، ولكن عثمان إنما ورثها عند وجود سؤال الطلاق فعند عدمه أولى. انتهى.
وفي السروجي: وأجابوا عن قول ابن الزبير في خلافته: لو كنت أنا لم أقل بتوريثها إن لم يكن في ذلك الوقت من الفقهاء. وفي " البدائع ": وكان الإجماع قد انعقد على ذلك، وخلافه بعد وقوع الإجماع من الصحابة لا يقدح فيه، لأن انقراض العصر ليس بشرط لصحة الإجماع، أو خالفه لتوريثه بعد سؤالها، وقد روي ذلك، ولعل عثمان كان يرى أن ذلك لا يسقط إرثها، وفي " الجوهر " و" المحلى " في رواية كان توريث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد انقضاء العدة، وروى هشام عن أبي مسلم عن أبيه أنه كان بعد العدة، وروى عنه أبو عمر أنه كان في العدة، وقال ابن حزم وعمر: هذا ضعيف، لكن ثبت من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي مليكة أنه سأل عبد الله بن الزبير قال: طلق عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بنت الأصبع الكلبية فبتها، ثم مات في العدة فورثها عثمان، رواه عنه الحجاج بن المنهال وسعيد بن منصور، وقد اتفقا على أن توريثها كان في العدة، وهو قول الجمهور.
ويحتمل قول من قال: إنه ورثها بعد انقضاء العدة مع ضعفه أنه كان تأخير المخاصمة والقسمة وقع بعد العدة، وكان موته قبل انقضاء العدة يدل عليه قوله: فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات، وتماضر بضم التاء المثناة من فوق، وتخفيف الميم، وكسر الضاد المعجمة في آخره، بنت عمر بن الشريد السلمية. قال أبو عمر: وهي الخنساء الشاعرة بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن ثعلبة بن جفاف بن امرئ القيس بن نهبة بن سليم قدمت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع قومها فأسلمت فذكروا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستشهد بها ويعجبه شعرها، فكانت تنشده، وهو يقول فيه بأجناس ويومئ بيده - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها. وقالوا: اسم الخنساء تماضر، وكانت حضرت حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، واستشهد الأربعة فيها، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائتي درهم حتى قبض - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وفي السروجي: وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما قضى بتوريثها قال: فر من كتاب الله، وروي عنه أنه قال: ما فررت من كتاب الله أي ما قصدت الفرار، وحصل لها بالصلح عن ربع سهمها ثمانون ألفاً. وذكر بعض أهل الحديث أنها كانت دنانير. وذكر عبد المغني في الأربعين أن ورثته كانوا يقطعون مسائل الذهب بالقوس ويقتسمونها.
ومن الدليل في هذا الباب ما روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: جاء عروة البارقي إلى(5/442)
وإن طلقها ثلاثا بأمرها أو قال لها اختاري، فاختارت نفسها، أو اختلعت منه، ثم مات وهي في العدة لم ترثه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شريح من عند عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بخمس خصال منهن: إذا طلق المريض امرأته ثلاثاً ورثته إذا مات وهي في العدة. وعن الشعبي: أن أم البنين بنت عيينة بن حصن كانت تحت عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فارقها بعدما حوصر فجاءت إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخبرته بذلك، فقال: تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها، فورثها منه، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أن امرأة الفار ترث. ثم اعلم أن الذي ذكره صاحب " الهداية " مع الخلاف فيه أنه إذا كان طلاق المريض بائناً، كما إذا صرح به، وأما إذا كان رجعياً فبالأولى أن ترث، لأن حكم النكاح قائم.
فإن قلت: على ما ذكرت كان ينبغي أن الإرث أيضاً في البائن.
قلت: زمن مرض الموت زمن تعلق حق الوارث بمال الموروث. ولهذا يمنع من التبرع بما زاد على الثلث، فبقي النكاح في حق الإرث.
فإن قلت: يمنع النكاح أصلاً، ولهذا ثمه يجب عليه الحد إذا وطئها ولا ترث إذا كان الزواج برضاها، وكذلك إذا كان الطلاق قبل الدخول، وكذا الإرث إذا مات بعد انقضاء العدة، وكذا لا ترث إذا برأ ثم مات وهي في العدة.
قلت: أجيب: أن وجوب الحد باعتبار ارتفاع الحل، ولم يدل على ارتفاع النكاح أصلاً، بل هو قائم من وجه، ولهذا لا يجوز للمعتدة أن تتزوج بزوج آخر، وأن الطلاق برضاها يبطل حقها، والإقرار منه، وأن الطلاق قبل الدخول باعتبار عدم وجوب العدة، فلم يمكن إبقاء النكاح حكماً، وأن انقضاء العدة يمكنها من التزوج بزوج آخر، فوجد المنافي للنكاح الأول، فلم يجعل قائماً حكماً، وإن في البراءة لم يكن حقها متعلقاً بمال الزوج زمان الطلاق، ولم يوجد قصد إبطال الحق، وإن موت المرأة لا يبقي الزوجية في حقه لا حقيقة ولا حكماً.
وفي " مختصر الكافي ": وإن كانت المرأة أمة أو يهودية أو نصرانية فأبانها في مرضه بغير أمرها، ثم أعتقت الأمة وأسلمت الكافرة ثم مات، وهي في العدة، فلا ميراث لها منه، لأنه لم يكن فاراً من ميراثها يوم طلق، لأنه لم يتعلق حقها بماله.
[قالت له طلقني ثلاثا فطلقها ثلاث تطليقات في مرض موته]
م: (وإن طلقها ثلاثاً بأمرها) ش: أي قالت له: طلقني ثلاثاً فطلقها ثلاث تطليقات في مرض موته م: (أو قال لها: اختاري) ش: أي أو خيرها في مرض موته م: (فاختارت نفسها) ش: أي قالت: اخترت نفسي م: (أو اختلعت منه) ش: أي أو اختلعت المرأة من الزوج م: (ثم مات) ش: أي الزوج والحال أنها في العدة، وهو معنى قوله م: (وهي في العدة لم ترثه) ش: جواب المسائل الثلاث، أي(5/443)
لأنها رضيت بإبطال حقها، والتأخير لحقها. وإن قالت طلقني للرجعة فطلقها ثلاثا ورثته؛ لأن الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح، فلم تكن بسؤالها راضية بإبطال حقها.
وإن قال لها في مرض موته: قد كنت طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك فصدقته، ثم أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك ومن الميراث عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله-: يجوز وصيته وإقراره لها، وإن طلقها ثلاثا في مرضه بأمرها، ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم ترث الزوج م: (لأنها رضيت بإبطال حقها، والتأخير) ش: أي تأخير عمل الطلاق في بطلان إرثها، أي انقضاء عدتها م: (لحقها) ش: وقد رضيت سقوطه.
وفي " المحيط ": لو جاءت الفرقة من قبلها في مرضه لم ترث منه، لأنها باشرت سبب بطلان حقها. ولو جاءت الفرقة منها في مرضها ورثها الزوج. قيل: ينبغي أن يرثها لأنا جعلنا قيام العدة كقيام النكاح في حقها، ولا عدة هاهنا عند موتها فلم يبق النكاح كما بعد العدة. قيل في جوابه: لما صارت محجورة عن إبطال حقه أيقنا النكاح في حق الإرث دفعاً للضرر عنه أو رداً لقصدها إبطال حقه كما حكمنا في مستعجل الإرث بحرمانه رداً لقصده. وكذا لو حصلت الفرقة بسبب الجب والعنة، وخيار البلوغ والعتق في مرضه لا يرث لرضاها بالمبطل، فإن كانت مضطرة، لأن سبب الإضرار لم يكن من جهة الزوج فلم يكن جانياً في الفرقة. وفي " الجامع ": لو فارقته في مرضها في خيار العتق والبلوغ ورثها الزوج لأنها جاءت من قبلها، ولهذا لم يكن طلاقها. وفي " الينابيع " جعل هذا قول أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وإن قالت: طلقني للرجعة فطلقها ثلاثاً ورثته، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل النكاح، فلم تكن بسؤالها راضية بإبطال حقها) ش: والسؤال مصدر سأله الشيء، وهو إضافة المصدر إلى الفاعل والمفعول متروك، أي بسؤال المرأة الطلاق الرجعي، وفي بعض النسخ: بسؤاله بتذكير الضمير المضاف إليه، وهو من إضافة المصدر المضاف إلى المفعول والفاعل متروك، أي بسؤال الطلاق الرجعي كذا قرره الأترازي والتقدير على هذا الوجه بسؤال المرأة إياه الطلاق الرجعي.
[قال لامرأته في مرض موته قد كنت طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك فصدقته]
م: (وإن قال لها) ش: أي وإن قال الرجل لامرأته م: (في مرض موته قد كنت طلقتك ثلاثاً في صحتي وانقضت عدتك فصدقته) ش: أي المرأة صدقت زوجها بذلك، ولا ميراث لها أن الثابت بالتصادق كالثابت بالبينة م: (ثم أقر لها بدين) ش: بأن قال لها في ذمتي كذا وكذا، وربما مثلاً م: (أو أوصى لها بوصية) ش: من تركته م: (فلها الأقل من ذلك) ش: أي من المقربة والوصية م: (ومن الميراث عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يجوز وصيته وإقراره لها) ش: يعني لها جميع ما أقر لها وأوصى لها، سواء كان أقل من الميراث أو أكثر.
م: (وإن طلقها ثلاثاً في مرضه بأمرها) ش: بأن قالت له طلقني وهو مريض فطلقها ثلاثاً م: (ثم(5/444)
أقر لها بدين، أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك، ومن الميراث في قولهم جميعا إلا على قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن لها جميع ما أوصى وما أقر به؛ لأن الميراث لما بطل بسؤالها زال المانع من صحة الإقرار والوصية. وجه قولهما في المسألة الأولى أنهما لما تصادقا على الطلاق وانقضاء العدة صارت أجنبية عنه، حتى جاز له أن يتزوج أختها، وانعدمت التهمة؛ ألا ترى أنه تقبل شهادته لها، ويجوز وضع الزكاة فيها، بخلاف المسألة الثانية لأن العدة باقية، وهي سبب التهمة، والحكم يدار على دليل التهمة، ولهذا يدار على النكاح والقرابة، ولا عدة في المسألة الأولى. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المسألتين أن التهمة قائمة؛ لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب الإقرار والوصية عليها، فيزيد حقها، والزوجان قد يتواضعان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فلها الأقل من ذلك، ومن الميراث في قولهم جميعاً) ش: أي في قول أبي حنيفة وصاحبيه. وفي " الجامع ": جعل هذا قول أبي حنيفة وحده م: (إلا على قول زفر، فإن لها جميع ما أوصى به وما أقر؛ لأن الميراث لما بطل بسؤالها زال المانع من صحة الإقرار والوصية) ش: ولا ميراث لها، لأنها أسقطته بسؤالها.
م: (وجه قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد م: (في المسألة الأولى) ش: أي فيما إذا قال لها في مرضه كنت طلقتك ثلاثاً في صحتي وانقضت عدتك فصدقته م: (أنهما) ش: أي الزوجين م: (لما تصادقا على الطلاق) ش: أي على وقوعه م: (وانقضاء العدة) ش: أي وعلى انقضاء العدة م: (صارت أجنبية عنه) ش: أي عن الزوج.
م: (حتى جاز له أن يتزوج أختها وانعدمت التهمة) ش: لوجود التصادق م: (ألا ترى) ش: إيضاح لانعدام التهمة م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (تقبل شهادته لها ويجوز وضع الزكاة إليها) ش: لأن إقراره صار كإقراره لسائر الأجانب، وكذا وصيته لعدم التهمة، فهذه الأحكام م: (بخلاف المسألة الثانية) ش: وهي ما إذا طلقها ثلاثاً في مرضه بأمرها.
م: (لأن العدة باقية، وهي سبب التهمة، والحكم يدار على دليل التهمة) ش: أي الحكم يترتب على دليل التهمة ويثبت به م: (ولهذا) ش: أي ولكون الحكم دائراً على دليل التهمة م: (يدار على النكاح) ش: حيث لا يجوز شهادة أحد الزوجين للآخر للتهمة م: (والقرابة) ش: حيث لا يجوز شهادة القريب للقريب، يعني قرابة الولاد، لأنه يجوز شهادة الأخ للأخ لانعدام التهمة، هكذا أطلقوا، والمراد إذا لم يكن الأخ في عيال أخيه م: (ولا عدة في المسألة الأولى) ش: لتصادقهما على انقضاء العدة، وليس فيها دليل التهمة.
م: (ولأبي حنيفة في المسألتين أن التهمة قائمة) ش: بسبب التواضع م: (لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب الإقرار والوصية عليها) ش: أي على المرأة، وهو يتعلق بقوله لينفتح م: (فيزيد حقها) ش: بالرفع لأنه فاعل م: (والزوجان قد يتواضعان) ش: من التواضع، وهو عبارة عن وضع الشخصين(5/445)
على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة ليبرئها الزوج بماله زيادة على ميراثها، وهذه التهمة في الزيادة، فرددناها ولا تهمة في قدر الميراث، فصححناه، ولا مواضعة عادة في حق الزكاة والتزوج والشهادة، فلا تهمة في حق هذه الأحكام.
قال: ومن كان محصورا أو في صف القتال، فطلق امرأته ثلاثا لم ترثه، وإن كان قد بارز رجلا أو قدم ليقتل في قصاص، أو رجم؛ ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رأيهما على شيء واحد، وكذا المواضعة م: (على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة ليبرئها الزوج بماله زيادة) ش: أي لأجل الزيادة م: (على ميراثها، وهذه التهمة في الزيادة فرددناها) ش: أي الزيادة م: (ولا تهمة في قدر الميراث فصححناه) ش: أي قدر الميراث.
م: (ولا مواضعة عادة) ش: جواب عن مسألة أيهما، بيانه أن المواضعة عادة لا تكون م: (في حق الزكاة والتزوج والشهادة، فلا تهمة في حق هذه الأحكام) ش: لأن الإقرار وتهمة الإثمار يتحقق في حق الإرث لا في حق هذه الأحكام، فاعتبرت في حق الإرث دون غيره. وفي " الذخيرة ": لا بد من تحكيم الحال إذا كان حال خصومة وغضب يقع الطلاق عليها بهذا الإقرار، وإن لم يكن كذلك لم يقع.
م: (قال: ومن كان محصوراً) ش: وفي أكثر النسخ أي قال محمد في " الجامع الصغير ": ومن كان محصراً هذا لبيان أن حكم الفرار غير منحصر في المرض، بل قال: كل شيء يقربه إلى الهلاك غالباً، فهو في معنى مرض الموت م: (أو في صف القتال) ش: أي لو كان في صف القتال في الحرب م: (فطلق امرأته ثلاثاً لم ترثه) ش: أي لم ترث المرأة زوجها م: (وإن كان) ش: أي الذي في صف القتال م: (قد بارز رجلاً) ش: من المبارزة في الحرب، وهي الخروج من الصف لطلب القتال م: (أو قدم) ش: على صيغة المجهول، أي أو قدم الرجل م: (ليقتل في قصاص) ش: كلمة في هاهنا للتعليل، أي لأجل قصاص نحو قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] (يوسف: الآية32) ، وفي الحديث: أن «امرأة دخلت النار في هرة» أي لأجل هرة م: (أو رجم) ش: أي أو قدم لأجل رجم بسبب الزنا.
م: (ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل) ش: أي أو قتل بسبب آخر، وفيه دليل على أنه لا فرق بينهما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل، هذا ظاهر الرواية عن أصحابنا، وهو المذكور في " مختصر الكافي " " والمبسوط " و" الشامل ". وقال شمس الأئمة السرخسي في "مبسوطه ": كان عيسى بن أبان يقول: لا ميراث لها لأن مرض الموت ما يكون سبباً للموت، ولما مات بسبب آخر علمنا أن مرضه لم يكن مرض الموت. ولنا أن الموت اتصل بالمرض والسبب الآخر يكون متمماً له، ولا منافاة فيثبت الفرار فترث.(5/446)
وأصله ما بينا أن امرأة الفار ترث استحسانا، وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله، وإنما يتعلق بمرض يخاف منه الهلاك غالبا، كما إذا كان صاحب الفراش، وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه كما يعتاده الأصحاء، وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب، وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار، فالمحصور والذي في صف القتال الغالب منه السلامة، لأن الحصن لدفع بأس العدو،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[امرأة الفار طلقها في مرض الموت]
م: (وأصله) ش: أي أصل ثبوت حكم الفرار م: (ما بينا) ش: أي في أول الباب م: (أن امرأة الفار ترث استحساناً) ش: لا قياساً كما هو أحد أقوال الشافعي، لأن سبب الإرث انتهاء النكاح بالموت ولم يوجد لارتفاعه بالطلقات، والحكم لا يثبت بدون السبب. وجه الاستحسان ما مر وهو اتفاق الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - على ذلك كما ذكرناه مفصلاً.
م: (وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله) ش: أي بمال الزوج م: (وإنما يتعلق) ش: أي الفرار م: (بمرض يخاف منه الهلاك غالباً كما إذا كان صاحب الفراش، وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه) ش:
كالذهاب إلى المسجد وإلى قضاء حاجته. وعن شمس الأئمة السرخسي: أن المعتبر في حق الفقيه أن لا يقدر على الخروج إلى المسجد، وفي السوق أن لا يقدر على الخروج إلى الدكان. 50 وفي المرأة: أن لا يخرج إلى السطح، ولو كان المريض يقوم بحوائجه في البيت كالمشي إلى الخلاء ولا يقوم بحوائجه خارج البيت على التفصيل الذي ذكرنا فهو في حكم مرض الموت عند عامة مشايخ البخاري. وعند عامة مشايخ بلخ هو في حكم الصحيح.
وقال بعض المشايخ من المتأخرين: إذا كان بحال يمكنه أن يخطو ثلاث خطوات من غير أن يستعين بغيره، فهو بمنزلة الصحيح، وهذا ضعيف، فإن المريض جداً لا يعجز عن هذا، وقيل:
الذي يتعذر عليه أداء الصلاة جالساً. وقيل: الذي لا يقدر أن يقوم إلا أن يقيمه إنسان. وقيل: أن لا يقدر على الشيء إلا أن يهادى بين اثنين. وفي المرأة أن تعجز عن القيام بمصالح بيتها. والمرأة في حال الطلاق في حكم المرض.
م: (كما يعتاده الأصحاء) ش: أي من القيام بحوائجه، والأصحاء جمع صحيح م: (وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب) ش: فيكون ذلك سبباً في حكم مرض الموت، فالآن يوضحه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
م: (وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار) ش: وإن كان يخاف منه الهلاك، فلا يعطي له حكم المرض م: (فالمحصور) ش: إلى قوله: ولهذا أخوات إيضاح لما قبله، وبيان له، فلذلك ذكره بالفاء والمحصور هو المحبوس يقال حصره إذا حبسه م: (والذي في صف القتال) ش: أي في الصف للقتال م: (الغالب منه السلامة) ش: أي في كل واحد من المحصور والذي في صف القتال السلامة غالباً، وإن كان يمتنع الهلاك نادراً م: (لأن الحصن لدفع بأس العدو) ش: وهذا تعليل(5/447)
وكذا المنعة فلا يثبت به حكم والفرار الذي بارز أو قدم ليقتل الغالب منه الهلاك، فيتحقق به الفرار، ولهذا أخوات تخرج على هذا الحرف. وقوله إذا مات في ذلك الوجه أو قتل، دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل،
وإذا قال الرجل لامرأته وهو صحيح. إذا جاء رأس الشهر، أو إذا دخلت الدار، أو إذا صلى فلان الظهر، أو إذا دخل فلان الدار، فأنت طالق، فكانت هذه الأشياء والزوج مريض لم ترث،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للمحصور، لأن الغالب الذي في الحصن يأمن من شدة العدو.
م: (وكذا المنعة) ش: تعليل للذي في صف القتال، لأن حوله من يمنع كل من العدو، والمنعة بالفتحات، ويقال: فلان في منعة من قومه، أي في عز وأمن م: (فلا يثبت به حكم الفرار) ش: نتيجة لما قبله م: (والذي بارز) ش: أي الذي خرج للمبارزة م: (أو قدم) ش: على صيغة المجهول م: (ليقتل) ش: في قصاص أو رجم م: (الغالب منه الهلاك) ش: والخلاص نادر م: (فيتحقق به الفرار) ش: نتيجة لما قبله م: (ولهذا) ش: أي ولهذه الصورة المذكورة م: (أخوات) ش: يعني من الصورة الأخرى م: (تخرج على هذا الحرف) ش: أي على هذا الأصل المذكور وحرف كل شيء حده وناحيته، والأصل المذكور هو ثبوت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب وعدم ثبوته فيما كان الغالب منه السلامة، فمن الأول النازل في السبعة والراكب في السفينة وبقي على لوح، وكذا في " المحيط ". وفي " جوامع الفقه " كان في سفينة فاضطربت الأمواج، وكان الغالب منه الغرق فهو كمرض الموت، وكذا الواقع في فم السبع والمسلول والمفلوج والمقعد ما دام يزاد ما به فهو من الثاني وإلا فهو من الأول، وصاحب جرح وقرحة أو وجع لم يصبه على الفراش بمنزلة الصحيح في الطلاق وغيره.
م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير " م: (إذا مات في ذلك الوجه أو قتل دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل) ش: وقد مر الكلام فيه عن قريب.
[قال لامرأته إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق]
م: (وإذا قال الرجل لامرأته وهو صحيح) ش: أي والحال أنه صحيح م: (إذا جاء رأس الشهر أو إذا) ش: أي أو قال لها إذا م: (دخلت الدار، أو إذا صلى فلان الظهر، أو إذا دخل فلان الدار) ش: وهذه أربع صور تعليقه وقوله م: (فأنت طالق) ش: جوابها، أي طالق بائن لأن حكم الفرار يثبت بالبائن م: (فكانت) ش: أي وجدت وحدثت فكانت تامة م: (هذه الأشياء) ش: أي مجيء رأس الشهر، ودخول المرأة الدار، وصلاة فلان الظهر، ودخول فلان الدار م: (والزوج مريض) ش: أي والحال أن الزوج كان مريضاً وقت وجود هذه الأشياء م: (لم ترث) ش: جواب إذا في الصور المذكورة إلا في صورة المستثناة، على ما يجيء الآن. وقال زفر: ترث، لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط. قلنا: لا ترث، لأنه لم يوجد منه الفرار، فلا ترث بيانه أنه كان حين(5/448)
وإن كان القول في المرض ورثت إلا في قوله: إذا دخلت الدار، وهذا على وجوه أربعة: إما أن يعلق الطلاق بمجيء الوقت، أو بفعل الأجنبي، أو بفعل نفسه، أو بفعل المرأة، أو كل وجه، على وجهين، أما إن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كلاهما في المرض، أما الوجهان الأولان، وهو ما إن كان التعليق بمجيء الوقت بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو بفعل الأجنبي بأن قال إذا دخل فلان الدار أو صلى فلان الظهر فإن كان التعليق والشرط في المرض فلها الميراث، لأن القصد إلى الفرار قد تحقق منه بمباشرة التعليق في حال تعلق حقها بماله، وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث، لأن المعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز فكان إيقاعا في المرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علق صحيحا ولم يكن حق المرأة متعلقا بماله، فلم يوجد الفرار، وحين وجد الشرط لم يوجد فعل من الزوج، لأن الشرط أمر سماوي أو فعل الأجنبي، والزوج ليس بقادر على إبطال التعليق، ولا على منع الفعل السماوي، ولا منع الأجنبي من إيجاد الشرط، فلم يكن قادرا فلم ترث لعدم قصد العدوان من الزوج.
م: (وإن كان القول في المرض ورثت إلا في قوله: إذا دخلت الدار) ش: هذه الصورة المستثناة من الصور الأربعة المذكورة م: (وهذا) ش: إشارة إلى المذكور من الصور المذكورة، منها: أي من قوله: إذا دخلت الدار، الخطاب إلى المرأة أو إلى نفسه م: (على وجوه أربعة) ش: الأول: هو قوله م: (إما أن يعلق الطلاق بمجيء الوقت) ش: بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، والثاني: هو قوله م: (أو بفعل الأجنبي) ش: بأن قال: إذا صلى فلان الظهر أو إذا دخل فلان هذه الدار. والثالث: هو قوله م: (أو بفعل نفسه) ش: بأن قال: إذا دخلت هذه الدار بالإخبار عن نفسه، والرابع: هو قوله م: (أو بفعل المرأة) ش: بأن قال مخاطبا لها: إن دخلت هذه الدار م: (أو كل وجه) ش: أي من الوجوه المذكورة.
م: (على وجهين) ش: أحدهما قوله: م: (أما إن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض) ش: والآخر هو قوله م: (أو كلاهما) ش: أي التعليق والشرط وجدا كلاهما م: (في المرض. أما الوجهان الأولان وهو ما إن كان التعليق بمجيء الوقت بأن قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو بفعل الأجنبي بأن قال: إذا دخل فلان الدار، أو صلى فلان الظهر، فإن كان التعليق والشرط في المرض فلها الميراث، لأن القصد إلى الفرار قد تحقق منه) ش: أي من الزوج م: (بمباشرة التعليق في حال تعلق حقها بماله) ش: وهو حال المرض الذي يخاف منه الهلاك، ولهذا لا يجوز له أن يوصي بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة.
م: (وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث، لأن المعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط كالمنجز، فكان إيقاعا في المرض) ش: أي فكان المعلق بالشرط(5/449)
ولنا أن التعليق السابق يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا، ولا ظلم إلا عن قصد، فلا يرد تصرفه.
وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا علقه بفعل نفسه، فسواء كان التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كانا في المرض والفعل، ومما له منه بد، أو لا بد له منه، فيصير فارا لوجود قصد الإبطال، إما بالتعليق أو بمباشرة الشرط في المرض، وإن لم يكن له من فعل الشرط بد، فله من التعليق ألف بد، فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها. وأما الوجه الرابع وهو ما إذا علقه بفعلها، فإن كان التعليق والشرط في المرض والفعل مما لها منه بد ككلام زيد ونحوه لم ترث، لأنها راضية بذلك، وإن كان الفعل لا بد لها منه كأكل الطعام وصلاة الظهر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إيقاعا في المرض.
م: (ولنا أن التعليق السابق يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا) ش: يعني من حيث الحكم لا من حيث القصد، يعني يسلم قول زفر يصير كالمنجز لكن حكما لا قصدا، ولهذا لو كان عاقلا عند التعليق ومجنونا عند الشرط يقع الطلاق. فلو كان التعليق تطليقا عند وجود الشرط لما ارتفع لعدم القصد منه، وكذا لو حلف بعد التعليق بأن لا يطلق ثم وجد الشرط لم يحنث، فلو كان التعليق تطليقا عند وجود الشرط ينبغي أن يحنث م: (ولا ظلم إلا عن قصد، فلا يرد تصرفه) ش: لأنه علق ولم يتعلق حقها بماله، فلم يوجد من جهته منع بعد وجود الشرط، ولا يقدر على إبطال التعليق ولا على منع الأجنبي عن إيجاد الشرط.
م: (وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا علقه بفعل نفسه، فسواء كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، أو كانا) ش: أي أو كان التعليق والشرط م: (في المرض والفعل، مما له منه بد) ش: أي الفعل شيء للزوج من ذلك الشيء بد، ككلام زيد مثلا م: (أو لا بد له منه) ش: أي أو الفعل شيء لا بد للزوج منه، كالأكل والصلاة ونحو ذلك م: (فيصير فارا لوجود قصد الإبطال، إما بالتعليق أو بمباشرة الشرط في المرض، وإن لم يكن له من فعل الشرط بد، فله من التعليق ألف بد، فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها) ش: أي عن المرأة.
م: (وأما الوجه الرابع: وهو ما إذا علقه بفعلها، فإن كان التعليق والشرط في المرض والفعل) ش: أي أو كان الفعل م: (مما لها منه بد ككلام زيد ونحوه) ش: مثل دخول الدار م: (لم ترث، لأنها راضية بذلك) ش: أي بإسقاط حقها، حيث باشرت الشرط م: (وإن كان الفعل) ش: مما ليس لها منه بد. وفي أكثر النسخ، فإن كان الفعل م: (لا بد لها منه كأكل الطعام وصلاة الظهر) ش: قال الأترازي: تقييد صلاة الظهر اتفاقي لا احترازي، لأن الحكم في سائر المكتوبات كذلك، وتخصيصها باعتبار أنها أسبق في الظهر، بحيث الأولية، لأنها أول صلاة فرضت، قلت: هذه الوجه ذكره السغناقي.(5/450)
وكأم الأبوين ترث، لأنها مضطرة في المباشرة لما لها في الامتناع من خوف الهلاك في الدنيا أو في العقبى، ولا رضاء مع الاضطرار. وأما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، إن كان الفعل مما لها منه بد، فلا إشكال أنه لا ميراث لها، وإن كان مما لا بد لها منه، فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر، لأنه لم يوجد من الزوج صنع بعد ما تعلق حقها بماله، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ترث، لأن الزوج ألجأها إلى المباشرة فينتقل الفعل إليه، كأنها آلة له كما في الإكراه.
قال: وإذا طلقها ثلاثا وهو مريض، ثم صح، ثم مات لم ترث، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث لأنه قصد الفرار حين أوقع الطلاق في المرض، وقد مات وهي في العدة، ولكنا نقول المرض إذا تعقبه برء فهو بمنزلة الصحة، لأنه ينعدم به مرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكأم الأبوين ترث، لأنها مضطرة في المباشرة لما لها في الامتناع من خوف الهلاك في الدنيا) ش: كالأكل، فإن لم تأكل تخاف على نفسها الهلاك في الدنيا م: (أو في العقبى) ش: أي العقوبة في الآخرة م: (ولا رضاء مع الاضطرار، وأما إذا كان التعليق في الصحة والشرط في المرض، إن كان الفعل مما لها منه بد فلا إشكال أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا ميراث لها وإن كان مما لا بد لها منه فكذلك الجواب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي لا ميراث لها م: (وهو قول زفر) ش: أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول زفر أيضاً.
م: (لأنه لم يوجد من الزوج صنع بعد ما تعلق حقها بماله، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ترث، لأن الزوج ألجأها إلى المباشرة) ش: أي إلى جعل فعلها الذي لا بد لها منه علة لإسقاط حقها م: (فينتقل الفعل إليه) ش: أي كأن المرأة م: (آلة له كما في الإكراه) ش: يعني إذا أكره زيد عمرا على إتلاف مال الغير فأتلفه عمرو يضمن زيد، لأن المكره بفتح الراء صار كأنه آلة للمكره بكسر الراء، فانتقل فعل المكره إلى المكره، فكذا فيما نحن فيه، فلما كانت المرأة مضطرة انتقل فعلها إلى الزوج، فصار كأنه فعل الشرط في مرض موته فورثت لكونه فارا.
[طلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات والحال أنه مريض]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": وليس في كثير من النسخ لفظ قال: م: (وإذا طلقها ثلاثا وهو مريض) ش: أي وإذا طلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات، والحال أنه مريض م: (ثم صح، ثم مات لم ترث، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترث) ش: ولم يذكر في " الجامع الصغير " خلافا زفر، وكذا لم يذكر في الأصل، ولا ذكره الحاكم في مختصره، وإنما ذكره شمس الأئمة السرخسي في " شرح المختصر "، وبقول زفر قال الثوري والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق بن راهويه. ودليل زفر هو قوله م: (لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (قصد الفرار حين أوقع الطلاق في المرض وقد مات) ش: والحال أنه قد مات م: (وهي في العدة) ش: ولا يعتبر البرء المتخلل، فكأنه لم يبرأ بين الطلاق والموت م: (ولكنا نقول: المرض إذا تعقبه برء فهو بمنزلة الصحة، لأنه ينعدم به مرض(5/451)
الموت، فتبين أنه لا حق لها، يتعلق بماله، فلا يصير الزوج فارا.
ولو طلقها فارتدت - والعياذ بالله تعالى - ثم أسلمت، ثم مات الزوج من مرضه، وهي في العدة لم ترث، وإن لم ترتد بل طاوعت ابن زوجها في الجماع ورثت. ووجه الفرق بين المسألتين أنها بالردة أبطلت أهلية الإرث، إذ المرتد لا يرث أحدا، ولا بقاء له بدون الأهلية، وبالمطاوعة ما أبطلت الأهلية، لأن المحرمية لا تنافي الإرث وهو الباقي، بخلاف ما إذا طاوعت في حال قيام النكاح، لأنها تثبت الفرقة، فتكون راضية ببطلان السبب، وبعد الطلقات الثلاث لا تثبت الحرمة بالمطاوعة لتقدمها عليها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموت، فتبين أنه لا حق لها، يتعلق بماله، فلا يصير الزوج فارا) ش: قيل: هذا إذا كان به حمى ربع، وصاحب فراش، فانقطعت وصح منها، ثم مات بحمى غب أو غيرهما من الأمراض، أما لو صح من حمى الربع ثم عادت حمى ربع، ومات يجعل الثاني عين الأول، ولا يحكم بزوالها، فينبغي أن ترثه على هذا، وفيه نظر، لأنه لو حكم بزوالها لم يحكم لما بقي تعلق حقها بماله فلا يتحقق قصد الفرار.
م: (ولو طلقها) ش: أي ثلاثا أو بائنا م: (فارتدت - والعياذ بالله تعالى - ثم أسلمت، ثم مات الزوج من مرضه وهي في العدة) ش: أي والحال أنها في العدة م: (لم ترث) ش: لأن الردة منافية للإرث م: (وإن لم ترتد بل طاوعت ابن زوجها في الجماع ورثت، ووجه الفرق بين المسألتين أنها بالردة أبطلت أهلية الإرث، إذ المرتد لا يرث أحدا ولا بقاء له) ش: أي للإرث م: (بدون الأهلية، وبالمطاوعة) ش: أي بمطاوعة ابن زوجها م: (ما أبطلت الأهلية، لأن المحرمية لا تنافي الإرث وهو الباقي) ش: أي الإرث هو الباقي.
م: (بخلاف ما إذا طاوعت في حال قيام النكاح، لأنها تثبت الفرقة، فتكون راضية ببطلان السبب) ش: أي سبب الإرث وهو النكاح م: (وبعد الطلقات الثلاث لا تثبت الحرمة بالمطاوعة لتقدمها عليها) ش: أي لتقدم الطلقات على المطاوعة يعني أهلية الإرث لم تثبت بالمطاوعة فأمكن إبقاء النكاح في استحقاق الإرث في هذه الحالة كما كانت.
فإن قيل: ينبغي أن لا ترث لأنا تيقنا النكاح حكما في حق الإرث والنكاح الباقي حقيقة يبطل بالمحرمية، فهذا أحق وصار كما إذا طاوعت ابن زوجها قبل الطلاق كالمسألة الأولى. أجيب: بأن الردة تنافي نفس الحق وهو الإرث كما أن المرتد لا يرث أحدا، فلم يتصور بقاء النكاح بدون الأهل، فأما المحرمية فإنها يبطل بها الإرث بسبب بطلان النكاح مضافا إليها، ولم يوجد، لأن النكاح قد يبطل بالثلاث، وإنما بقي في حق الإرث خاصة، وبالمطاوعة في حال قيام النكاح تقع الفرقة مضافا إليها فلا يجب إبقاء النكاح في حق الاستحقاق نظرا لها مع رضاها ببطلان السبب، كذا في " الكافي ".(5/452)
فافترقا، ومن قذف امرأته وهو صحيح، لاعن في المرض ورثت. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ترث، وإن كان القذف في المرض ورثته - وفي قولهم جميعا - وهذا ملحق بالتعليق بالفعل لا بد لها منه، إذ هي ملجئة إلى الخصومة لدفع عار الزنا عن نفسها، وقد بينا الوجه فيه.
وإن آلى من امرأته وهو صحيح ثم بانت بالإيلاء وهو مريض لم ترث، وإن كان الإيلاء أيضا في المرض ورثت، لأن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر خالية عن الوقاع، فيكون ملحقا بالتعليق بمجيء الوقت، وقد ذكرنا وجهه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فافترقا) ش: وارتداد المرأة بعد للإبانة، حيث لم ترث في الأولى، وورثت في الثانية.
م: (ومن قذف امرأته وهو صحيح) ش: أي والحال أنه في الصحة م: (ولاعن في المرض ورثت) ش: منه م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا ترث) ش: وبه قال زفر لعدم الفرار لأن سبب الفرقة قذف الرجل ولم يكن قذفه في زمان تعلق حقها بماله م: (وإن كان القذف في المرض ورثته - في قولهم جميعا - وهذا) ش: أي هذا الحكم م: (ملحق بالتعليق بالفعل الذي لا بد لها منه، إذ هي ملجئة إلى الخصومة) ش: يعني مضطرة إليها م: (لدفع عار الزنا عن نفسها) ش: فلم تكن راضية ببطلان حقها، فجعل الزوج مطلقا في المرض حكما باعتبار الشرط، فكان لها الميراث لوجود الفرار منه بالطلاق في المرض م: (وقد بينا الوجه فيه) ش: أي بينا وجه هذه المسألة في التعليق بفعل لا بد لها منه عند قوله: وإن كان مما لا بد لها منه فكذلك الجواب عند محمد ... إلى آخره.
[آلى من امرأته وهو صحيح وبانت بالإيلاء وهو مريض]
م: (وإن آلى من امرأته وهو صحيح) ش: أي وإن آلى رجل من امرأته والحال أنه صحيح م: (ثم بانت بالإيلاء) يعني تمت الأربعة الأشهر م: (وهو مريض) ش: أي والحال أنه مريض م: (لم ترث) ش: لأن البينونة مضافة إلى إيلاء الزوج وقد وقع ذلك في حال الصحة، ولم يوجد من الزوج في المرض شيء آخر من مباشرة علة أو شرط، فلا يكون فارا، وهو فرع التعليق بمجيء الوقت.
م: (وإن كان الإيلاء أيضاً في المرض ورثت، لأن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر خالية عن الوقاع، فيكون ملحقا بالتعليق بمجيء الوقت) ش: فإن قيل: لا نسلم أن الإيلاء نظير تعليق الطلاق بمجيء الوقت إن كان الإيلاء في الصحة لما أنه ممكن من إبطال الإيلاء بالنفي، وإذا لم يبطل في حالة المرض صار كأنه إنشاء الإيلاء في المرض وهناك ترث، فكذلك هنا. فكان نظير من وكل وكيلا بالطلاق في صحته، فطلقها الموكل في المرض، فكان فارا لتمكنه من العزل، فإذا لم يعزل يجعل كأنه ألجأه، فكذلك هاهنا. أجيب: بأن الفرق بينهما ثابت وهو أنه لا يمكنه إبطال الإيلاء إلا بضرر يلزمه، فلم يكن ممكنا مطلقا، بخلاف مسألة الوكالة م: (وقد ذكرنا وجهه) ش: أي وجه التعليق بمجيء الوقت.(5/453)
قال - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - والطلاق الذي يملك فيه الرجعة ترث به في جميع الوجوه لما بينا أنه لا يزيل النكاح حتى يحل الوطء، فكان السبب قائما. قال: وكل ما ذكرنا أنها ترث إنما ترث إذا مات وهي في العدة، وقد بيناه، والله تعالى أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والطلاق الذي يملك فيه الرجعة ترث به في جميع الوجوه) ش: أي في جميع الصور، سواء نجز أو علق بالوجوه الأربعة المذكورة في التعليق م: (لما بينا) ش: فيما مضى م: (أنه) ش: أي أن الطلاق الرجعي م: (لا يزيل النكاح حتى يحل الوطء، فكان السبب) ش: أي سبب الإرث م: (قائما) ش: وهو النكاح حكما م: (وكل ما ذكرنا أنها ترث إنما ترث إذا مات) ش: أي الزوج م: (وهي في العدة) ش: أي والحال أنها في العدة م: (وقد بيناه) ش: في أول الباب بقوله: وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة ورثته، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها.(5/454)
باب الرجعة وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين، فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترض، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] (البقرة: الآية 231) من غير فصل. ولا بد من قيام العدة، لأن الرجعة استدامة الملك ألا ترى أنه سمي إمساكا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الرجعة] [مراجعة من طلق امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين]
م: (باب الرجعة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجعة. ولما كانت الرجعة متأخرة عن الطلاق طبعا أخره وضعا، ليناسب الوضع الطبع من قولهم: رجع يرجع رجعا ورجوعا ورجعته إلى أهله، أي ردته إليهم. ويقال: إلى الله مرجعك ورجوعك ورجعاك، وربما قالوا: رجعناك، وطلق فلان امرأته بملك الرجعة والرجعة قاله ابن دريد.
قلت: يعني بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح، وفي المنافع: رجع يستعمل لازما ومتعديا، فالرجوع مصدر اللازم، كالقعود والجلوس والدخول، فمن اللازم قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} [المنافقون: 8] (المنافقون: الآية 8) ، {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ} [يوسف: 63] (يوسف: الآية 63) ، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] (البقرة: الآية 156) ، ومن المتعدي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] (التوبة: الآية 83) {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ} [الملك: 4] (الملك: الآية 4) .
والرجع مصدر المتعدي، وهي في الشريعة استدامة ملك النكاح، ولها شرائط، أحدها: تقديم صريح لفظ الطلاق وبعض ألفاظ الكناية كما تقدم. والثانية: أن لا يكون بمقابلة مال. والثالثة: أن لا يستوفي الثلاثة من الطلاق. والرابعة: أن لا تكون المرأة مدخولا بها. والخامسة: أن تكون العدة قائمة، ولا خلاف لمشروعيتها لأحد لثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع.
م: (وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة رجعية أو تطليقتين فله أن يراجعها في عدتها، رضيت بذلك أو لم ترض) ش: وهذا بإجماع أهل العلم م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] ش: م: (البقرة: الآية 231) ش: الإمساك هو الإبقاء، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] يعني إذا بلغن منتهى عدتهن، فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة والإمساك من غير ضرار، وإن شئتم فالمفارقة من غير ضرار، وروى أبو داود عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثم راجعها. وفي حديث ابن عمر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "مر ابنك فليراجعها» ... " الحديث متفق عليه م: (من غير فصل) ش: يعني أن إطلاق النص لم يفصل بين رضا المرأة وعدمه، بل أثبت الرجعة مطلقا.
م: (ولا بد من قيام العدة، لأن الرجعة استدامة الملك) ش: ولا ملك بعد انقضاء العدة م: (ألا ترى أنه سمي إمساكا) ش: توضيح لما قبله، بيانه إن شاء الله تعالى سمى الرجعة إمساكا، وذلك بإجماع(5/455)
وهو الإبقاء، وإنما تتحقق الاستدامة في العدة، لأنه لا ملك بعد انقضائها. والرجعة أن يقول راجعتك أو راجعت امرأتي، وهذا صريح في الرجعة، ولا خلاف فيه بين الأئمة.
قال: أو يطأها، أو يقبلها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها بشهوة، وهذا عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أهل التفسير م: (وهو الإبقاء) ش: أي الإمساك م: (وإنما تتحقق الاستدامة في العدة، لأنه لا ملك بعد انقضائها) ش: فإذا انتقضت العدة لم يبق محل الإمساك والطلاق والرجعي في الحال سبب لزوال الملك عند انقضاء العدة، والزوال محل حل المحلية عند استيفاء عدد الطلاق.
م: (والرجعة أن يقول) ش: أي كيفية الرجعة أن يقول للذي طلقها طلقة أو تطليقتين م: (لامرأته: راجعتك) ش: بالخطاب لها م: (أو راجعت امرأتي) ش: أي أو يقول: راجعت امرأتي بالغيبة م: (وهذا صريح في الرجعة، ولا خلاف فيه) ش: أي في هذا يعني بالقول م: (بين الأئمة) ش: أراد أن الرجعة بالقول تصح بالإجماع. وفي " المحيط ": وكذا إذا قال: ارتجعتك أو رجعتك أو رددتك أو مسكتك، وهذه الألفاظ صريحة في الرجعة غير مفتقرة إلى النية. ومن الكنايات في الرجعة: أنت عندي كما كنت، أو قال: أنت امرأتي ونوى به الرجعة صار مراجعا، ذكره في " الذخيرة ".
وفي " الحاوي ": عزاه إلى محمد بن مقاتل الرازي قاضي قضاة بغداد، وفي " الروضة ": في حصول الرجعة ب راجعتك بلا نية قولان لمالك، كنكاح الهازل، واختلفوا في الإمساك والنكاح والتزوج. وفي " الذخيرة ": لو قال راجعتك بمهر ألف درهم وقبلت صحت، وإلا فلا، لأنها زيادة في المهر، ويشترط قبولها. وفي " المرغيناني " و " الحاوي ": راجعتك على ألف، قال أبو بكر: لا يجب الألف ولا يصير زيادة في المهر، كما في "الإقالة".
[يطأ التي طلقها أو يقبلها]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أو يطأها) ش: أي أو يطأ التي طلقها م: (أو يقبلها، أو يلمسها بشهوة، أو ينظر إلى فرجها بشهوة) ش: وفي " المبسوط " و " الذخيرة " والتقبيل بشهوة والنظر إلى داخل فرجها بشهوة رجعة، ولم يقيد الشهوة في التقبيل في الكتاب. وفي البدائع: وهو قول محمد المرجوع إليه. وأما النظر إلى موضع الجماع من دبرها فليس برجعة، واختلفوا في الدبر، قيل ليس برجعة، إليه أشار القدوري، والفتوى على أنه رجعة. م: (وهذا عندنا) ش: أي كون الرجعة بالوطء أو بالمس بالشهوة أو بالنظر إلى فرجها بالشهوة عند أصحابنا الحنفية، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن سيرين وطاوس وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وجابر والشعبي وسليمان التيمي. وقال مالك وإسحاق: إن أراد به الرجعة فهو رجعة.
م: (وقال الشافعي: لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه) ش: أي على القول بأن لم يكن(5/456)
لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح عنده حتى يحرم وطؤها، وعندنا هي استدامة النكاح على ما بيناه، وسنقرره إن شاء الله تعالى. والفعل قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار والدلالة فعل يختص بالنكاح، وهذه الأفاعيل تختص به، خصوصا في حق الحرة، بخلاف النظر والمس بغير شهوة، فإنه قد يحل بدون النكاح كما في القابلة والطبيب وغيرهما، والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكنين والزوج يساكنها في العدة، فلو كان رجعة لطلقها فتطول العدة عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أخرس أو معتقل اللسان، أما إذا كان كذلك فيصح بالإشارة، وبه قال أبو ثور والظاهرية، وقول أحمد مضطرب. وفي " الحلية ": هو رجعة كقولنا م: (لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح عنده) ش: أي عند الشافعي م: (حتى يحرم وطؤها) ش: أي عنده م: (وعندنا هي) ش: أي الرجعة. وفي بعض النسخ: هو على تأويل الرجوع، وتذكير المؤنث على التأويل سائغ، كما في قوله: ولا أرض أثقل أثقالها، أي ولا مكان م: (استدامة النكاح على ما بيناه) ش: أي قوله ألا ترى أنه سمي إمساكا م: (وسنقرره إن شاء الله تعالى) ش: أي في آخر هذا الباب عند قوله: والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء م: (والفعل) ش: نحو اللمس.
م: (قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار) ش: فإن باعه على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم وطئها في مدة الخيار يكون وطؤها دليلا على استدامة الملك، فيسقط الخيار، فكذلك في الطلاق الرجعي يدل الوطء على استدامة النكاح، بل أولى، لأن هناك يحتاج إلى فسخ السبب المزيل وهو البيع، وهنا لا يحتاج إلى فسخ السبب المزيل، وهو الطلاق، لأنه لا يقبل الفسخ. م: (والدلالة فعل يختص بالنكاح) ش: أي الدلالة تتحقق بفعل مخصوص بالنكاح لا بكل فعل م: (وهذه الأفاعيل) ش: أي النظر إلى الفرج الداخل بشهوة والمس بشهوة والتقبيل بشهوة م: (تختص به) ش: أي بالنكاح فيقع دلالة م: (خصوصا في حق الحرة) ش: قيد بالحرة احترازا عن الأمة، لأن الحرة لا تحل هذه الأفاعيل بلا ثبوت نكاح، فكانت مختصة بالنكاح، فدلت على استدامة ملك النكاح، بخلاف الأمة، فإن هذه الأفاعيل تحل فيها بملك المتعة، وملك اليمين أيضا.
م: (بخلاف النظر والمس بغير شهوة، فإنه قد يحل بدون النكاح كما في القابلة والطبيب وغيرهما) ش: مثل الختانة والشاهد في الزنا إذا احتاج إلى تحمل الشهادة م: (والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكنين والزوج يساكنها في العدة، فلو كان) ش: أي لو كانت هذه الأفاعيل من غير شهوة م: (رجعة لطلقها) ش: لأنه لا يريدها لتخلف الواقع م: (فتطول العدة عليها) ش: وفيه ضرر بالمرأة، فلا يجوز لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] (البقرة: الآية 231) .
فإن قلت: قد ذكر هنا تقبيل الرجل ومسه إياها بشهوة ونظره إلى فرجها بشهوة، فإن قبلته(5/457)
قال ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، فإن لم يشهد صحت الرجعة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه: لا تصح، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) ، والأمر للإيجاب. ولنا أن الطلاق المنصوص عربي عن قيد الأشهاد؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرأة بشهوة أو لمسته أو نظرت إلى فرجه بشهوة كيف يكون حكمه؟
قلت: قال شمس الأئمة في " المبسوط ": تثبت الرجعة عندهما، ولا تثبت عند أبي يوسف؛ لأن هذا الفعل من الزوج دليل استبقاء الملك، وليس لها ولاية استبقاء الملك، ولا يكون فعلها به رجعة، وهما يقولان فعلها به كفعله بها، فإن الحل مشترك بينهما، ولهذا تثبت المصاهرة بفعلها بهذه الأشياء، فكذلك الرجعة.
[الإشهاد على الرجعة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين) ش: صورة الإشهاد أن يقول لاثنين من المسلمين اشهدوا أني قد راجعت امرأتي. وفي " المبسوط " استحباب الإشهاد على الرجعة قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمار م: (فإن لم يشهد صحت الرجعة) ش: وبه قال مالك.
م: (وقال الشافعي في أحد قوليه: لا تصح) ش: أي لا تصح الرجعة بلا إشهاد، وهو قوله القديم، وقوله الجديد: أن الإشهاد مستحب فيها كقولنا، ذكره في " المبسوط " وفي " الروضة " الإشهاد ليس بشرط على الأظهر.
وفي " المحيط ": الإشهاد لازم عند الشافعي، ولا يصح بمهر عنده.
وفي " المبسوط ": وفي أحد قولي الشافعي الإشهاد واجب، وعن أحمد روايتان في الإشهاد، وذكرهما في " المغني " ولا يفتقر إلى ولي لا مهر ولا رضاها، وهو إجماع.
وقال ابن حزم: الإشهاد عند الرجعة شرط، وإذا رجع ولم يشهد أو أشهد ولم يعلمها حتى انقضت عدتها بانت منه.
وفي " الأشراف ": لم يختلف أهل العلم أن الإشهاد فيه سنة، وأن الرجعة إلى الرجل ما دامت في عدتها وإن كرهت، وذلك بغير مهر ولا عوض.
م: (وهو قول مالك) ش: أي قول الشافعي، وهو قول مالك، وقد ذكرنا أن قول مالك كقولنا م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) والأمر للإيجاب) ش: في الحقيقة الاستدلال بهذه الآية للظاهرية ومن تابعهم، لأن مذهب الشافعي في الأظهر وأحمد ومالك كقولنا إلا في رواية عن أحمد كقولهم.
م: (ولنا أن الطلاق المنصوص عري عن قيد الإشهاد) ش: المنصوص في قَوْله تَعَالَى(5/458)
ولأنه استدامة للنكاح والشهادة ليست بشرط فيه في حالة البقاء، كما في الفيء في الإيلاء، إلا أنها تستحب لزيادة الاحتياط كيلا يجري التناكر فيها، وما تلاه محمول عليه، ألا ترى أنه قرنها بالمفارقة، وهو فيها مستحب،
ويستحب أن يعلمها كيلا تقع في المعصية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) . وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مر ابنك فليراجعها» قاله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حين طلق ابنه عبد الله امرأته وكل هذا عارية عن قيد الإشهاد.
وفي " الكافي " وفي اشتراط الإشهاد زيادة على النص المطلق، وهي فسخ فلا يجوز.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الرجعة ذكر الضمير باعتبار الرجوع م: (استدامة للنكاح) ش: أي طلب الدوام للنكاح م: (والشهادة ليست بشرط فيه) ش: أي في النكاح م: (في حالة البقاء) ش: أي بقاء النكاح م: (كما في الفيء في الإيلاء) ش: حيث يصح بلا إشهاد م: (إلا أنها) ش: أي إلا أن الشهادة م: (تستحب لزيادة الاحتياط كيلا يجري التناكر فيها) ش: أي في الرجعة م: (وما تلاه) ش: الشافعي وهو قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (الطلاق: الآية 2) م: (محمول عليه) ش: أي على الاستحباب.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه) ش: أي أن الله تعالى م: (قرنها) ش: أي قرن الرجعة م: (بالمفارقة) ش: حيث قال الله تعالى: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا} [الطلاق: 2] (البقرة: الآية 231) ، اعترض بأن القران في التكلم لا يوجب القران في الحكم، كما في قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) .
وأجيب: بأن ذلك فيما إذا حكم على إحدى الجملتين المتقاربتين بحكم الجملة الأخرى، وما نحن فيه ليس كذلك بل فيه كل من الجملتين مستقل بحكمها، وإنما يعقبا جملة أخرى تعلقت بهما أو إحداهما، فتقتضي تعلقها بها من حيث الاستحباب، فكذلك الأخرى لئلا يلزم استعمال اللفظ في معنيين مختلفين م: (وهو فيها مستحب) ش: أي الإشهاد يستحب في الرجعة، وهو من وجه تكرار، لأنه علم مما قبله.
[إعلام المرأة بالرجعة]
م: (ويستحب أن يعلمها) ش: أي يعلم المرأة بالرجعة م: (كيلا تقع في المعصية) ش: وذلك أن المرأة إذا لم تعلم بالرجعة ربما تتزوج على زعمها أن زوجها لم يراجعها، وقد انقضت عدتها ويطأها الزوج، فكانت عاصية وزوجها يكون مسيئا بترك الإعلام، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحت الرجعة، لأنها استدامة القائم، وليست بإنشاء، فكان الزوج متصرفا في خالص حقه، وتصرف الإنسان في خالص حقه لا يتوقف على علم الغير للغير، قال: فإن قيل: كيف تكون(5/459)
وإذا انقضت العدة فقال كنت راجعتك في العدة فصدقته فهي رجعة، وإن كذبته فالقول قولها، لأنه أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال، فكان متهما إلا أن بالتصديق ترتفع التهمة ولا يمين عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة، وقد مر في كتاب النكاح.
وإذا قال الزوج قد راجعتك في العدة فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي، لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: تصح لأنها صادفت العدة، إذ هي باقية ظاهرا إلى أن تخبر وقد سبقته الرجعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عاصية بغير علم؟
أجيب: بأنها إذا تزوجت بغير سؤال وقعت في المعصية، لأن التقصير جاء من جهتها.
م: (وإذا انقضت العدة) ش: أي عدة المرأة المطلقة بالطلاق الرجعي م: (فقال) ش: أي الزوج: م: (كنت راجعتك في العدة فصدقته) ش: أي فصدقت المرأة زوجها في ذلك م: (فهي رجعة) ش: أي مقالة الزوج بذلك، وتصديق المرأة إياه تكون رجعة لظهورها بتصادقها م: (وإن كذبته فالقول قولها، لأنه) ش: أي لأن الزوج م: (أخبر عما لا يملك إنشاءه في الحال) ش: لأن العدة منقضية م: (فكان متهما) ش: في دعوى الرجعة م: (إلا أن بالتصديق) ش: أي بتصديق المرأة إياه م: (ترتفع التهمة) ش: وهذا كالوكيل إذا قال بعد العزل: قد كنت بعت حيث لا يقبل قوله، بل يكون القول قول الموكل إلا إذا صدقه الموكل، بخلاف ما إذا قال في العدة قد كنت راجعتك أمس فأنكرت المرأة حيث يكون القول قوله، لأنه أخبر بما يملك إنشاءه في الحال، فإذا لم تثبت الرجعة في الأمس يصير كأنه راجعها في الحال.
م: (ولا يمين عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة وقد مر في كتاب النكاح) ش: لم يبين هذه المسألة في كتاب النكاح، بل قال في مسألة دعوى السكوت على البكر، فلا يمين عليها عن أبي حنيفة، وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة، ثم قال: وسيأتيك في الدعوى، ومثل هذا لا يقال مر لأنه لم يكن ثمة للرجعة أثر.
[قال الزوج قد راجعتك في العدة فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي]
م: (وإذا قال الزوج: قد راجعتك في العدة، فقالت مجيبة له) ش: أي للزوج م: (قد انقضت عدتي لم تصح الرجعة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا إذا قالت متصلا بكلام الزوج حتى لو سكتت ساعة ثم قالت: انقضت عدتي، وقال الزوج مجيبا لها موصولا: راجعتك لا تصح الرجعة بالاتفاق، ذكره في " شرح الطحاوي "، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وأحمد.
م: (وقالا: تصح الرجعة لأنها صادفت العدة) ش: أي زمان العدة م: (إذ هي باقية ظاهرا إلى أن تخبر) ش: أي المرأة عملا باستصحاب الحال، والرجعة في العدة صحيحة م: (وقد سبقته الرجعة) .(5/460)
ولهذا لو قال لها: طلقتك، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي يقع الطلاق، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها صادفت حالة الانقضاء، لأنها أمينة في الإخبار عن الانقضاء، فإذا أخبرت دل ذلك على سبق الانقضاء، وأقرب أحواله حال قول الزوج. ومسألة الطلاق على الخلاف، ولو كانت على الاتفاق فالطلاق يقع بإقراره بعد الانقضاء والمراجعة لا تثبت به. وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها: قد كنت راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الأمة، فالقول قولها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي وقد سبقت أخبارها الرجعة بانقضاء العدة، فصحت الرجعة وسقطت العدة.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل سبق إخبارها م: (لو قال لها طلقتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي يقع الطلاق) ش: لسبق إخبارها، وقيل مثله الطلاق على الخلاف، والأصح أنه يقع لإقرار الزوج بالوقوع، كما لو قال بعد انقضاء العدة كنت طلقتها في العدة، كان مصدقا بخلاف الرجعة. وفي " الروضة ": لو اتفقا على انقضاء العدة، واختلفا في الرجعة، والصحيح أن القول لها، وعليه الجمهور، ولو اتفقا على الرجعة يوم الجمعة، وقالت: انقضت عدتي يوم الخميس، وقال الزوج: يوم السبت قيل يصدق بيمينه أم هي أم السابق بالدعوى فيه ثلاثة أوجه: الصحيح الأول. ولو كانت العدة باقية فالصحيح أن القول قوله، لأنه يملك الإنشاء فلا تهمة في الإخبار، وقيل: القول قولها.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي الرجعة م: (صادفت حالة الانقضاء) ش: أي صادفت زمان انقضاء العدة، فلا تصح الرجعة زمان الانقضاء م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (أمينة في الإخبار عن الانقضاء) ش: أي أمينة في الإخبار عما في أرحامهن، قال الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) م: (فإذا أخبرت دل ذلك على سبق الانقضاء، وأقرب أحواله) ش: أي أقرب أحوال الانقضاء م: (حال قول الزوج) ش: لأن الإخبار يقتضي سبق المخبر عنه، ولا دليل على مقدار معين، فيعتبر حال قول الزوج، بخلاف ما إذا سكتت ساعة، فإن أقرب أحوال الانقضاء حال السكوت.
م: (ومسألة الطلاق على الخلاف) ش: هذا منع لاستشهادهما بما لو قال لها: طلقتك، فقالت مجيبة له: قد انقضت عدتي، يقع الطلاق، يعني: لا نسلم أن مسألة الطلاق على الخلاف ثم أشار إلى الجواب بطريق التسليم بقوله م: (ولو كانت على الاتفاق فالطلاق يقع بإقراره بعد الانقضاء) ش: أي بعد انقضاء العدة إن طلقها في العدة م: (والمراجعة لا تثبت به) ش: أي أو بالإقرار بعد الانقضاء، فإن فيه تهمة، لأنه تصرف على حق الغير.
[قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة]
م: (وإذا قال زوج الأمة بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الأمة، فالقول قولها) ش: أي قول الأمة م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال زفر والشافعي ومالك(5/461)
وقالا: القول قول المولى، لأن بضعها مملوك له، فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج، فشابه الإقرار عليها بالنكاح، وهو يقول حكم الرجعة يبتني على العدة، والقول في العدة قولها، فكذا فيما يبتني عليها، ولو كان على القلب فعندهما القول قول المولى، وكذا عنده في الصحيح، لأنها منقضية العدة في الحال، وقد ظهر ملك المتعة للمولى، فلا يقبل قولها في إبطاله، بخلاف الوجه الأول، لأن المولى بالتصديق في الرجعة مقر بقيام العدة عندها، ولا يظهر ملكه مع العدة.
وإن قالت قد انقضت عدتي وقال الزوج والمولى لم تنقض عدتك فالقول قولها، لأنها أمينة في ذلك، إذ هي العالمة به.
وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأحمد وأبو ثور.
م: (وقالا: القول قول المولى، لأن بضعها مملوك له) ش: أي للمولى م: (فقد أقر بما هو خالص حقه للزوج) ش: فلا مرد له م: (فشابه الإقرار عليها بالنكاح) ش: أي شابه إقرار المولي على الأمة بالنكاح بأن قال: زوجت أمتي من فلان حيث يكون القول قوله م: (وهو يقول) ش: أي أبو حنيفة م: (حكم الرجعة يبتني على العدة) ش: إبقاء وانقضاء م: (والقول في العدة قولها) ش: دون قول المولى م: (فكذا فيما يبتني عليها) ش: أي على العدة ولم يذكر الجواب عن الإقرار بالتزويج لظهوره.
م: (ولو كان على القلب) ش: أي لو كان الأمر أو الخلاف على القلب بأن صدقته الأمة وكذبه المولى م: (فعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (القول قول المولى، وكذا عنده) ش: أي وكذلك القول قول المولى عند أبي حنيفة م: (في الصحيح) ش: من الرواية عنه م: (لأنها منقضية العدة في الحال، وقد ظهر ملك المتعة للمولى) ش: لأن منافع بضعها في الحال خالص حق المولى م: (فلا يقبل قولها في إبطاله) ش: أي في إبطال حق المولى م: (بخلاف الوجه الأول) ش: وهو الوجه الذي فيه صدق المولى الزوج وكذبته الأمة حيث يكون القول فيه قولها.
م: (لأن المولى بالتصديق في الرجعة) ش: أي بتصديقه الزوج في الرجعة م: (مقر بقيام العدة عندها) ش: أي عند الرجعة م: (ولا يظهر ملكه) ش: أي ملك المولى م: (مع العدة) ش: فلا يعتبر قوله م: (وإن قالت) ش: أي الأمة م: (قد انقضت عدتي، وقال الزوج والمولى: لم تنقض عدتك، فالقول قولها، لأنها أمينة في ذلك) ش: أي في قولها قد انقضت عدتي م: (إذ هي العالمة به) ش: أي لأن الأمة هي العالمة بالانقضاء، وهو تعليل لكونها أمينة، فيقبل قولها: انقضت عدتي.
م: (وإذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل) ش: لأن انقطاع الرجعة تعلق بانقضاء العدة، وهو تعلق بالخروج عن الحيضة الثالثة، وهو تعلق بشرط حصول الطهارة، فإن كان أيام حيضها عشرا تحصل الطهارة بمجرد الانقطاع، لأن الحيض لا يحتمل الزيادة على العشرة، فلما حصلت الزيادة انقطعت الرجعة، وإن لم تغتسل. وقال أبو بكر(5/462)
وإن انقطع لأقل من عشرة أيام لم تنقطع الرجعة حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل، لأن الحيض لا مزيد له على العشرة، فبمجرد الانقطاع خرجت من الحيض فانقضت العدة وانقطعت الرجعة، وفيما دون العشرة يحتمل عود الدم، فلا بد أن يعتضد الانقطاع بحقيقة الاغتسال أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات بمضي وقت الصلاة، بخلاف ما إذا كانت كتابية، لأنه لا يتوقع في حقها أمارة زائدة فاكتفي بالانقطاع، وتنقطع الرجعة إذا تيممت وصلت، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وهذا استحسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي في باب العدة: وقد روي عن عمر وعلي وعبد الله وآخرين من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثم اعتبار الغسل من الحيضة الثالثة.
م: (وإن انقطع) ش: أي الحيض م: (لأقل من عشرة أيام لم تنقطع) ش: أي الرجعة م: (حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة كامل) ش: بالرفع، لأنه صفة الوقت. وفي " الينابيع ": أو يمضي عليها وقت أقرب الصلاة مع القدرة على الاغتسال م: (لأن الحيض لا مزيد له على العشرة) ش: هذا تعليل لانقطاع الدم من الحيضة لعشرة أيام، أي لأن الحيض لا يزيد على عشرة أيام، لأن ما زاد على العشرة استحاضة، إلا إذا كان لها عادة تزيد على أيام عادتها، فيجوز أن تنقضي عدتها على العشرة إذا لم ينقطع على العشرة.
م: (فبمجرد الانقطاع) ش: أي بمجرد انقطاع الحيض لعشرة أيام م: (خرجت من الحيض فانقضت العدة وانقطعت الرجعة) ش: لأنها تنقضي بخروجها من الحيضة الثالثة وانقطعت الرجعة لعدم بقاء المحلية م: (وفيما دون العشرة) ش: أي انقطاع الحيض فيما دون العشرة أيام م: (يحتمل عود الدم) ش: لأنه في مدة الحيض م: (فلا بد أن يعتضد الانقطاع) ش: أي يبرأ م: (بحقيقة الاغتسال أو بلزوم حكم من أحكام الطاهرات) ش: وهو وجوب الصلاة م: (بمضي وقت الصلاة) ش: يعني أن الوقت إذا مضى صارت الصلاة فرضا في زمنها، وهو من أحكام الطاهرات مع القدرة على الاغتسال، وفيه خلاف زفر.
م: (بخلاف ما إذا كانت) ش: أي المرأة م: (كتابية) ش: نصرانية أو يهودية م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا يتوقع في حقها) ش: من التوقع عبارة عن انتظار وقوع أمر عن م: (أمارة زائدة) ش: بفتح الهمزة، أي أمارة زائدة على انقطاع حقها عند تمام مدة حيضها م: (فاكتفي بالانقطاع) ش: أي بمجرد الانقطاع، لأنها لا تتكلف بالاغتسال ولا تجب عليها الصلاة م: (وتنقطع الرجعة إذا تيممت وصلت) ش: يعني إذا انقطع دم المعتدة لأقل من عشرة أيام، فتيممت وصلت مكتوبة أو تطوعا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا استحسان) ش: أي قولهما: استحسان يعني الانقطاع لا يكون إلا بالتيمم والصلاة أيضاً.(5/463)
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا تيممت انقطعت، وهذا قياس، لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة حتى يثبت به من الأحكام ما يثبت بالاغتسال فكان بمنزلته. ولهما أنه ملوث غير مطهر، وإنما اعتبر طهارة ضرورة لا تتضاعف الواجبات، وهذه الضرورة تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات والأحكام الثابتة أيضا ضرورية اقتضائية، ثم قيل تنقطع بنفس الشروع عندهما، وقيل: بعد الفراغ، ليتقرر حكم جواز الصلاة: وإذا اغتسلت ونسيت شيئا من بدنها لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[انقطاع الرجعة للمطلقة]
م: (وقال محمد: إذا تيممت انقطعت) ش: أي بمجرد التيمم تنقطع الرجعة عنده، وبه قال زفر وأحمد م: (وهذا قياس) ش: أي قول محمد هو القياس م: (لأن التيمم حال عدم الماء طهارة مطلقة) ش: لأنه يقوم مقام الماء عند عدمه م: (حتى يثبت) ش: بالرفع لأن حتى هذه ليست للغاية م: (به) ش: أي بالتيمم م: (من الأحكام) ش: نحو دخول المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف وجواز أداء الصلاة م: (ما يثبت بالاغتسال) ش: أي الذي يثبت به وهو فاعل يثبت الذي بعد حتى م: (فكان) ش: أي التيمم م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الاغتسال.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي التيمم م: (ملوث غير مطهر) ش: يعني حقيقة لا شرعا، وإنما قال: ملوث بحسب الغالب، وإن كان يجوز بالحجر الأملس عند أبي حنيفة، والرمل بالاتفاق ولا غبار ثم ولا تلويث م: (وإنما اعتبر طهارة) ش: أي وإنما يعتبر التيمم طهارة شرعا م: (ضرورة أن لا تتضاعف الواجبات) ش: أي لأجل ضرورة تضاعف الواجبات، لأنه لو لم يعتبر حتى يجد الماء لكان يمضي أوقات صلاة متعددة فيحصل الضرر م: (وهذه الضرورة) ش: أي الضرورة المذكورة م: (تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات) ش: أي لا يتحقق فيما قبل حال أداء الصلاة قد يكون قبلها طهارة يتعلق بها انقطاع الرجعة.
م: (والأحكام الثابتة أيضاً ضرورية اقتضائية) ش: هذا جواب عن حرف محمد، يعني الأحكام التي ذكرها محمد أيضاً ضرورية تثبت اقتضاء، لأن الضرورية إذا تثبت تثبت بجميع لوازمها، ومن لوازم ثبوت الصلاة عند أدائها انقطاع الحيض، ومن لوازم انقطاعه مضي العدة، ومن لوازم مضيها انقطاع الرجعة ولازم اللازم لازم، فيثبت عند ثبوته. وأما الجواب عن جعل أبي حنيفة وأبي يوسف التيمم، هذا طهارة ضرورية. وفي باب الأمة طهارة مطلقة، وجعل محمد بالعكس فقد مضى هناك مستوفى م: (ثم قيل: تنقطع) ش: أي الرجعة م: (بنفس الشروع) ش: في الصلاة م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
م: (وقيل بعد الفراغ) ش: أي من الصلاة م: (ليتقرر حكم جواز الصلاة) ش: وهو الصحيح، لأن الحال بعد الشروع فيها كالحال قبله، ألا ترى أنه لو رأى الماء في الصلاة لا يبقى لتيممه أثر بخلاف ما بعد الصلاة، كذا في المبسوط.
م: (وإذا اغتسلت) ش: أي إذا اغتسلت المعتدة من الحيضة الثالثة م: (ونسيت شيئا من بدنها لم(5/464)
يصبه الماء فإن كان عضوا فما فوقه لم تنقطع الرجعة، وإن كان أقل من عضو انقطعت. قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا استحسان
والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة، لأنها غسلت الأكثر، والقياس فيما دون العضو أن تبقى، لأن حكم الجنابة والحيض لا يتجزأ. ووجه الاستحسان وهو الفرق أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته، فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه، فقلنا بأنه تنقطع الرجعة ولا يحل لها التزوج أخذا بالاحتياط فيهما، بخلاف العضو الكامل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصبه الماء، فإن كان عضوا) ش: أي فإن كان الذي لم يصبه الماء عضوا م: (فما فوقه) ش: أي فما فوق العضو م: (لم تنقطع الرجعة) ش: استحسانا م: (وإن كان أقل من عضو) ش: قال في المحيط: نحو الأصبع، وكذا بعض الساعد وبعض العضو دون العضو الكامل نحو اليد والرجل م: (انقطعت) ش: أي الرجعة.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا استحسان) ش: أي قال المصنف: هذا المذكور استحسان.
اعلم أن محمداً لم يذكر في كتبه موضع القياس هل هو العضو فما فوقه أو ما هو دونه. وروي عن أبي يوسف في العضو فما فوقه بأن القياس أن تنقطع الرجعة، وفي الاستحسان أن لا تنقطع، وعند محمد فيما دونه، فإن القياس يبقى الرجعة. وفي الاستحسان أن تنقطع، فعلم أن على كل منهما قياسا واستحسانا، فانظر الآن في عبارة المصنف كيف يفهم منها كل ذلك، وهذا يدل على قوة حذقة، وغاية إدراكه - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
م: (والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة، لأنها غسلت الأكثر) ش: أي أكثر البدن وللأكثر حكم الكل، فكأنها غسلت جميع البدن م: (والقياس فيما دون العضو أن تبقى) ش: أي الرجعة م: (لأن حكم الجنابة والحيض مما لا يتجزأ) ش: بأن يكون البعض بحكم الجواز والبعض بعدمه.
م: (ووجه الاستحسان وهو الفرق) ش: بين العضو الكامل وما دونه م: (أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته، فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه) ش: وفي المحيط: حتى لو تيقنت بعدم وصول الماء إليه م: (فقلنا بأنه تنقطع الرجعة ولا يحل لها التزوج) ش: بزوج آخر م: (أخذا بالاحتياط فيهما) ش: أي في انقطاع الرجعة والتزوج م: (بخلاف العضو الكامل لأنه لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة، فافترقا) ش: أي العضو الكامل وما دونه.
م: (وعن أبي يوسف: أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل) ش: والواو في قوله: والاستنشاق بمعنى أو، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] (النساء: الآية 3) ، بيان ذلك: إذا اغتسلت عن الحيضة الثالثة فيما دون العشر لكنها تركت المضمضة أو الاستنشاق، فعن أبي يوسف روايتان في رواية هشام عنه لا تنقطع الرجعة، أشار بقوله: كترك عضو كامل، حيث(5/465)
لأنه لا يتسارع إليه الجفاف، ولا يغفل عنه عادة فافترقا. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل وعنه وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو بمنزلة ما دون العضو لأن في فرضيتهما اختلافا، بخلاف غيره من الأعضاء.
ومن طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه وقال لم أجامعها فله الرجعة، لأن الحمل متى ظهر في مدة يتصور أن يكون منه جعل منه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولد للفراش» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا تنقطع الرجعة فيه.
وفي رواية أخرى رواها الكرخي تنقطع، أشار إليها بقوله: م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف م: (وهو) ش: أي ترك المضمضة والاستنشاق، ولفظه هو في محل الرفع على الابتداء م: (وهو قول محمد) ش: جملة معترضة بينه وبين خبره، وهو قوله م: (بمنزلة ما دون العضو) ش: أي بمنزلة ترك ما دون العضو، حيث إذا تركه تنقطع الرجعة م: (لأن في فرضيتهما) ش: أي فرضية المضمضة والاستنشاق في الغسل م: (اختلافا) ش: فإن عند مالك والشافعي هما سنتان في الغسل، وفي الوضوء أيضاً، وعندنا واجبان في الغسل وسنتان في الوضوء، وعند ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق فرضان فيهما جميعا، لكن قال أحمد: الاستنشاق آكد من المضمضة فإذا كان فيهما اختلاف في فرضيتهما فالاحتياط في انقطاع الرجعة م: (بخلاف غيره من الأعضاء) ش: فإنه لا خلاف لأحد في فرضيته.
[طلق امرأته وهي حامل أو ولدت منه وقال لم أجامعها]
م: (ومن طلق امرأته وهي حامل) ش: أي والحال أنها حامل م: (أو ولدت منه) ش: أي والحال أنها ولدت منه في نكاحها قبل الطلاق م: (وقال: لم أجامعها فله الرجعة) ش: ولا يعتبر قوله: لم أجامعها م: (لأن الحمل متى ظهر في مدة يتصور أن يكون منه جعل منه) ش: لأنها إذا كانت حاملا يوم الطلاق وظهر ذلك بأن ولدت لأقل من ستة أشهر فصار النسب ثابتاً منه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «الولد للفراش» ش: روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه الأئمة الستة من حديث سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وفي لفظ البخاري: «الولد لصاحب الفراش» وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرجه الستة إلا الترمذي من حديث عروة عنها قالت: «اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن زمعة في غلام ... الحديث الولد للفراش» . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «قام رجل فقال: يا رسول الله
الحديث، وفيه: الولد للفراش وللعاهر الحجر» . وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه أبو داود أيضاً فيه طول وفيه «الولد للفراش» وعن أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرجه الترمذي عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا(5/466)
وذلك دليل الوطء منه، وكذا إذا ثبت نسب الولد من جعل واطئا، وإذا ثبت الوطء تأكد الملك والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة، ويبطل زعمه بتكذيب الشرع، ألا ترى أنه يثبت بهذا الوطء الإحصان، فلأن تثبت به الرجعة أولى،
وتأويل مسألة الولادة أن تلد قبل الطلاق، لأنها لو ولدت بعده تنقضي العدة بالولادة فلا تتصور الرجعة. قال: فإن خلا بها وأغلق بابا، أو أرخى سترا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصية لوارث، الولد للفراش وللعاهر الحجر» .
م: (وذلك) ش: أي جعل العمل منه م: (دليل الوطء منه، وكذا إذا ثبت نسب الولد منه جعل واطئا، وإذا ثبت الوطء تأكد الملك، والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة ويبطل زعمه) ش: بفتح الزاي وضمها لغتان فصيحتان، قاله ابن دريد، وأكثر ما يقع الزعم على الباطل م: (بتكذيب الشرع) ش: إياه وفيه بحث من وجهين، أحدهما: أن النسب يثبت دلالته وقوله: لم أجامعها صريح، والصريح يفوق الدلالة، والثاني: أنه أقر بقوله: لم أجامعها سقوط حق مستحق له وتكذيب الشرع لم يرده كما لو أقر يعني لإنسان ثم اشتراها ثم استحقت في يده ثم وصلت إليه، أمر بالتسليم إلى المقر له وإن صار مكذباً شرعاً. وأجيب عن الأول بأن الدلالة من الشارع، والصريح من العبد ودلالة الشرع أقوى لاحتمال الكذب من العبد دون الشارع. وعن الثاني: بأن لم يتعلق بإقراره هاهنا حق الغير والموجب للرجعة هو الطلاق بعد الدخول ثابت فيترتب عليه الحكم لثبوت المقتضى وانتفاء المانع، بخلاف المسر المستشهد به، فإن المانع ثمة موجود وهو تعلق حق الغير.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لقوله: والطلاق في ملك متأكد يعقب الرجعة م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (يثبت بهذا الوطء الإحصان، فلأن تثبت به الرجعة أولى) ش: بيان الأولوية أن الإحصان له مدخل في وجوب العقوبة، ومع هذا يثبت بهذا الوطء فلا تثبت به الرجعة التي ليست فيها جهة العقوبة أولى، ولأنه لا يلزم من ثبوت الرجعة ثبوت الإحصان كالأمة النصرانية.
م: (وتأويل مسألة الولادة أن تلد قبل الطلاق) ش: قال الأترازي: هذه المسألة من خواص " الجامع الصغير "، ولو تبع المصنف لفظ محمد في " الجامع الصغير "، وجعله كما هو لا يحتاج إلى التأويل، وصورته في " الجامع الصغير ": روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل تزوج امرأة ثم طلقها، وهي حامل، فقال: لم أجامعها، قال له: عليها الرجعة، وكذلك إن كانت ولدت قبل ذلك.
م: (لأنها لو ولدت بعد الطلاق تنقضي العدة بالولادة فلا تتصور الرجعة) ش: لفوات المحل م: (قال فإن خلا بها) ش: أي بالمرأة م: (إذا أغلق باباً أو أرخى ستراً) ش: ذكر وأرخى ستراً، وذكر في كتاب الطلاق أو أرخى بكلمة أو، وهو الصحيح، لأن أحد الأمرين من إغلاق الباب(5/467)
أو قال لم أجامعها ثم طلقها لم يملك الرجعة، لأن تأكد الملك بالوطء وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه، والرجعة حقه ولم يصر مكذبا شرعا، بخلاف المهر لأن تأكد المهر المسمى يبتني على تسليم المبدل لا على القبض، بخلاف الفصل الأول،
فإن راجعها معناه بعد ما خلا بها وقال لم أجامعها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين بيوم صحت تلك الرجعة، لأنه يثبت النسب منه، إذ هي لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة، فأنزل واطئا قبل الطلاق دون ما بعده، لأن على اعتبار الثاني يزول الملك بنفس الطلاق لعدم الوطء قبله، فيحرم الوطء، والمسلم لا يفعل الحرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإرخاء الستر كاف في ثبوت الخلوة الصحيحة م: (وقال لم أجامعها ثم طلقها لم يملك الرجعة، لأن تأكد الملك بالوطء وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه والرجعة حقه) ش: فيصدق في حقه إذا قال لم أجامعها.
م: (ولم يصر مكذبا شرعا) ش: جواب عما يقال قد صار مكذباً شرعاً، ولا يجب المهر كاملاً إلا إذا كان الطلاق بعد الدخول، وأجاب بقوله: ولم يصر مكذباً شرعاً م: (بخلاف المهر لأن تأكد المهر المسمى يبتني على تسليم المبدل) ش: أي البضع م: (لا على القبض) ش: أي قبض المبدل وهو الوطء يعني إن تأكد المهر بالخلوة الصحيحة لم يدل على كون الرجل واطئاً حكماً، لأن المهر يتأكد بتسليم البضع ولا يتوقف على الوطء فلم يلزم ثبوت الوطء بثبوت كمال المهر، وذلك أن المرأة قادرة على تسليم نفسها، وليست بقادرة على جعل الرجل واطئاً، فتأكد المهر بالتسليم دفعاً للضرر عنها.
م: (بخلاف الفصل الأول) ش: مرتبط بقوله: ولم يصر مكذباً، والفصل الأول هو ثبوت النسب فبظهور الحمل حالة الطلاق أو بالدلالة قبل الطلاق صار مكذباً شرعاً في قوله: لم أجامعها حيث جعله الشرع واطئاً حكماً، لأن الرجعة تنبئ عن الدخول، وقد ثبت النسب فتثبت الرجعة، لأنه لا نسب بلا ماء، ولا ماء بلا دخول، فتثبت الرجعة لوجود الدخول
[قال رجل لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فولدت ولدا ثم أتت بولد آخر]
م: (فإن راجعها) ش: معناه بعد ما خلا بها م: (وقال: لم أجامعها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين بيوم) ش: أي من يوم الطلاق لا من يوم الرجعة م: (صحت تلك الرجعة) ش: أي الرجعة السابقة م: (لأنه يثبت النسب منه) ش: فيثبت الدخول لا محالة، والطلاق بعد الدخول معقب للرجعة.
م: (إذ هي) ش: أي لأن المرأة م: (لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة) ش: ولا يكون ذلك إلا بالدخول م: (فأنزل واطئاً قبل الطلاق دون ما بعده، لأن على اعتبار الثاني) ش: وهو كونه واطئاً بعد الطلاق، لأن المذكور الأول هو كونه واطئاً قبل الطلاق م: (يزول الملك بنفس الطلاق) ش: إلى عدة م: (لعدم الوطء قبله) ش: أي قبل الطلاق م: (فيحرم الوطء) ش: لأنه أنكره بعد الخلوة م: (والمسلم لا يفعل الحرام) ش: ولا يرضاه لغيره فيحمل على الدخول قبل الطلاق حملاً لأمر المسلم على الصلاح.(5/468)
فإن قال لها إذا ولدت فأنت طالق، فولدت ولدا ثم أتت بولد آخر فهي رجعة، معناه من بطن آخر، وهو أن يكون بعد ستة أشهر، وإن كان أكثر من سنتين إذا لم تقر بانقضاء العدة؛ لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول، ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه في العدة لأنها لم تقر بانقضاء العدة، فيصير مراجعا.
وإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق، فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة، فالولد الأول طلاق، والولد الثاني رجعة، وكذا الثالث؛ لأنها إذا جاءت بالولد الأول وقع الطلاق وصارت معتدة، وبالثاني صار مراجعا؛ لما بينا قبل أنه يجعل العلوق بوطء حادث في العدة ويقع الطلاق الثاني بولادة الولد الثاني؛ لأن اليمين معقودة بكلمة "كلما" ووجبت العدة وبالولد الثالث صار مراجعا لما ذكرنا وتقع الطلقة الثالثة بولادة الثالث ووجبت العدة بالإقراء؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن قال لها) ش: أي إن قال رجل لامرأته م: (إذا ولدت فأنت طالق فولدت ولداً، ثم أتت بولد آخر) ش: لأقل من سنتين بيوم أو أكثر م: (فهي رجعة) ش: أي الولادة الثانية رجعة م: (معناه من بطن آخر وهو أن يكون بعد ستة أشهر وإن كان أكثر من سنتين إذا لم تقر بانقضاء العدة) ش: كلمة أن للوصل، يعني لما كان بين الولدين ستة أشهر لا يتفاوت بعد ذلك بين أن تكون الولادة الثانية في أقل من سنتين، وبين أن يكون في أكثر من ثبوت الرجعة م: (لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول، ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه) ش: أي من الزوج حال كونه م: (في العدة لأنها لم تقر بانقضاء العدة فيصير مراجعاً) ش: لأن العلوق الحادث بعد الطلاق في العدة معقب للرجعة.
فإن قيل: ذكر في كتاب الدعوى أن المطلقة طلاقاً رجعياً لو ولدت لأقل من سنتين بيوم لا تكون رجعة، وفي الأكثر من سنتين تكون رجعة لاحتمال العلوق قبل الطلاق في الأول دون الثاني.
قلنا: قد سقط هذا الاحتمال هنا لأنهما إذا كانا من بطنين كان الثاني من علوق حادث ضرورة، ولا يصار مع الولد الأول من بطن واحد والاتحاد لا يثبت بالشك.
[قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة]
م: (وإن قال: كلما ولدت ولداً فأنت طالق، فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فالولد الأول طلاق) ش: المراد من البطون المختلفة أن يكون بين الولدين ستة أشهر فصاعداً م: (والولد الثاني رجعة، وكذلك الثالث، لأنها إذا جاءت بالولد الأول وقع الطلاق وصارت معتدة) ش: لأن العدة تعقب الطلاق م: (وبالثاني) ش: أي وبالولد الثاني م: (صار مراجعاً لما بينا قبل أن يجعل العلوق بوطء حادث في العدة، ويقع الطلاق الثاني بولادة الولد الثاني؛ لأن اليمين معقودة بكلمة كلما) ش: وهي تقتضي تكرار الجزاء عند تكرار الشرط، م: (ووجبت العدة، وبالولد الثالث صار مراجعاً لما ذكرنا) ش: إشارة إلى قوله: لأنه وقع الطلاق عليها بالولد الأول ... إلى آخره م: (وتقع الطلقة الثالثة بولادة الولد الثالث، ووجبت العدة بالأقراء) ش: أي بالحيض.(5/469)
لأنها حائل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق. والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين؛ لأنها حلال له، إذ النكاح قائم بينهما،
ثم الرجعة مستحبة، والتزين حامل له عليها، فيكون مشروعا.
ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنها حائل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق) ش: وذوات الحيض عدتها بالحيض، ولو ولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد يقع عليها طلقتان لا غير، وتنقضي العدة بوضع الولد الثالث، لأن شرط الطلاقين وجد في الملك موقوفاً، بخلاف الطلاق الثالث، فإن شرطه وجد في غير الملك لعدم الرجعة، قيل ذلك، لأنهم ولدوا في بطن واحد فلم يقع لوقوعه في غير الملك وانقضت العدة بالولد الثالث، لأنها وضعت جميع ما في بطنها الآن، ولو ولدت ولدين في بطن واحد تطلق بالولد الأول واحدة، وتنقضي العدة بالولد الثاني، ولا يقع به الطلاق، لأنها حينئذ ليست بمنكوحة ولا معتدة.
م: (والمطلقة الرجعية تتشوف) ش: لفظ محمد في الأصل والمعتدة من الطلاق الرجعية تتشوف لزوجها م: (وتتزين) ش: وقال ابن دريد: شفت الشيء أشوفه شوفاً إذا جلوته، ومنه قوله تتشوف المرأة إذا تزينت، وفي ديوان الأدب: رأيت النساء يتشوفن، أي ينظرن، أي يتطاولن، وقيل التشوف: التزين، لكنه خاص بالوجه والتزين عام يستعمل في الوجه وغيره.
قلت: إذا كان التشوف والتزين بمعنى واحد يكون قوله وتتزين عطف تفسيري، وإذا كان التزين عاماً يكون عطف العام على الخاص م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (حلال له) ش: أي للزوج م: (إذ النكاح قائم بينهما) ش: أي لأن النكاح قائم بين الزوجين حتى يجري التوارث بينهما، وكذا جميع أحكام النكاح، ويدخل في قوله كل امرأة لي طالق.
[حكم الرجعة]
م: (ثم الرجعة مستحبة) ش: لما جاء في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، قال لعمر: «مر ابنك فليراجعها» . متفق عليه. وروى أبو داود عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طلق حفصة ثم راجعها» .
وجاء فيه أحاديث أخرى تدل كلها على مشروعية الرجعة واستحبابها م: (والتزين حامل له عليها) ش: أي على الرجعة، لأن نظره إليها ليس بمحرم، فربما إذا نظر إلى زينتها رغب فيها وراجعها م: (فيكون مشروعاً) ش: أي إذا كان الأمر كذلك، فيكون التزين مشروعاً بخلاف المعتدة من طلاق بائن، حيث لا تتشوف له، لحرمة النظر إليها وعدم مشروعية الرجعة.
م: (ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها) ش: أي على التي طلقها زوجها م: (حتى يؤذنها) ش:(5/470)
أو يسمعها خفق نعليه، معناه إذا لم يكن من قصده المراجعة، لأنها ربما تكون مجردة، فيقع بصره على موضع يصير به مراجعا ثم يطلقها فتطول عليها العدة. وليس له أن يسافر بها حتى يشهد على رجعتها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - له ذلك لقيام النكاح، ولهذا له أن يغشاها عندنا ولنا قَوْله تَعَالَى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) . ولأن تراخي عمل المبطل لحاجته إلى المراجعة،
فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له، فتبين أن المبطل عمل عمله من وقت وجوده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي يعلمها بالتخلخ ونحوه م: (أو يسمعها خفق نعليه) ش: أي صوتهما حين يدخل من الباب، وهو من خفق التراب خفقاً إذا اضطرب وهو لفظ مشترك، يقال خفق النجم يخفق خفوقاً إذا ضاء وطلع، ومن خفق النجم والقمر إذا انحطا وغربا، وخفق القلب خفقاناً وخفق الرجل خفقة إذا نعس ثم انتبه م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري م: (إذا لم يكن من قصده المراجعة، لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعاً) ش: وهو الفرج، لأنه إذا وقع نظره على فرجها يكون مراجعاً م: (ثم يطلقها) ش: بأن لم يكن من قصده أن يراجعها م: (فتطول عليها العدة) ش: فيحصل عليها الأذى بذلك، لأن فيه استئناف العدة. وقال محمد في المبسوط: أكره أن يراها متجردة إذا كان لا يريد رجعتها، وإن رآها لم يكن عليه شيء، لأن ما فوق الرؤية وهو الوطء حلال، فالرؤية أولى.
م: (وليس له أن يسافر بها) ش: أي بالمطلقة الرجعية م: (حتى يشهد على رجعتها، وقال زفر: له ذلك) ش: أي للزوج أن يسافر بها م: (لقيام النكاح) ش: ما لم تنقض العدة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيام النكاح م: (له أن يغشاها عندنا) ش: أي له أن يجامعها. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الآية، (الطلاق: الآية 1) ش: وجه الاستدلال أن الآية نزلت في الطلاق الرجعي بالنقل عن أئمة التفسير، أي لا تخرجوهن حتى تنقضي عدتهن من بيوتهن من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة، وهي بيوت الأزواج، وأضيفت إليهن لاختصاصها بها من حيث السكنى، فدلت أن إخراجهن للأزواج لا يحل، وكذا خروجهن بأنفسهن قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسها.
م: (ولأن تراخي عمل المبطل) ش: هذا دليل عقلي على جواز عدم المسافرة بها قيل الرجعة، بيانه أن تراخي عمل المبطل الذي هو الطلاق م: (لحاجته) ش: أي لحاجة الزوج م: (إلي المراجعة) ش: إذ الطلاق يعني أن الطلاق معطل لملك النكاح، فكان ينبغي أن يبطل النكاح زمان وجود الطلاق، لأن حكمه تأخر إلى وجود الشرط، وهو انقضاء العدة لحاجة الزوج إلى الرجعة.
م: (فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له) ش: أي إلى الرجعة م: (فتبين أن المبطل للنكاح عمل عمله من وقت وجوده) ش: أي وجود المبطل، فمنع لذلك كالبيع الذي فيه الخيار(5/471)
ولهذا تحتسب الأقراء من العدة، فلم يملك الزوج الإخراج إلا أن يشهد على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج، وقوله "حتى يشهد على رجعتها" معناه الاستحباب على ما قدمناه.
والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحرمه، لأن الزوجية زائلة لوجود القاطع، وهو الطلاق. ولنا أنها قائمة حتى يملك مراجعتها من غير رضاها؛ لأن حق الرجعة ثبت نظرا للزوج، ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتأخر عمل البيع في اللزوم، ثم بالإجازة يعمل من وقت البيع، ولهذا يملك الزوائد الحاصلة في مدة الخيار م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن عمل المبطل من وقت وجود المبطل م: (تحتسب الأقراء من العدة) ش: أي الأقراء الماضية قبل انقضاء العدة تحتسب من العدة، فلو كان عمل المبطل مقتصراً على انقضاء العدة لا تحتسب الأقراء الماضية من العدة، كما لا تحتسب في قوله إذا حضت فأنت طالق، فإن تلك الحيضة غير محتسبة من العدة، لأنه شرط وقوع الطلاق، فإذا كان كذلك م: (فلم يملك الزوج الإخراج) ش: أي إخراجها إلى السفر، لأنه عمل المبطل لما لم يكن مقتصراً على الانقضاء كانت المرأة كالمبتوتة، فلا يملك إخراجها كالمبتوتة تحقيقاً.
م: (إلا أن يشهد) ش: الزوج م: (على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج) ش: فلم يكره السفر.
فإن قيل: السفر بها دلالة الرجعة فتثبت الرجعة أشهد أو لم يشهد. أجيب: بأن كلامنا في رجل ينادي صريحا بأنه لا يراجعها، ولا عبرة للدلالة مع وجود الصريح، ثم كما لا يباح إخراجهن وخروجهن إلى السفر لا يباح أيضاً إلى ما دون السفر لإطلاق النص المحرم.
م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير ": م: (حتى يشهد على رجعتها معناه الاستحباب) ش: يعني لا يريد به أن الإشهاد على الرجعة واجب، بل الإشهاد مستحب عندنا م: (على ما قدمناه) ش: يعني في أوائل الباب عند قوله ويستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، وإن لم يشهد صحت الرجعة.
[الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء]
م: (والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء. وقال الشافعي: يحرمه) ش: وبه قال أحمد: في رواية، وقال الثوري: والأظهر أنه ليس بشرط على الأظهر م: (لأن الزوجية زائلة لوجود القاطع وهو الطلاق) ش: قال أبو نصر: قال الشافعي: فإن وطئها قبل الرجعة فعليه المهر م: (ولنا أنها) ش: أي الزوجية م: (قائمة حتى يملك مراجعتها من غير رضاها، لأن حق الرجعة ثبت نظراً للزوج، ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم) ش: وإليه أشار الله تعالى بقوله {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) .
قال الزمخشري: الأمر الذي يحدثه الله تعالى أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها، والمعنى: فطلقوهن(5/472)
وهذا المعنى يوجب استبداده وتفرده به، وذلك يؤذن بكونه استدامة لا إنشاء، إذ الدليل ينافيه، والقاطع أخر عمله إلى مدة إجماعا أو نظرا له على ما تقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعدتهن وأحصوا العدة لعلكم ترغبون وتندمون فتراجعون.
م: (وهذا المعنى) ش: أي ثبوته نظراً للزوج م: (يوجب استبداده) ش: أي استقلاله م: (وتفرده به) ش: أي بحق الرجعة م: (وذلك) ش: أي تفرد الزوج بحق الرجعة م: (يؤذن) ش: أي يعلم م: (بكونه) ش: أي بكون حق الرجعة م: (استدامة) ش: أي طلب دوامه كما كان م: (لا إنشاء) ش: أي ليس بإنشاء نكاح جديد م: (إذ الدليل ينافيه) ش: أي لأن الدليل الدال على استبداده ينافي الإنشاء، إذ لو كانت الرجعة إنشاء لم ينفرد الزوج بالرجعة بلا رضا المرأة أو رضا وليها.
م: (والقاطع أخر عمله إلى مدة) ش: جواب عن قول الشافعي أن الزوجية زائلة لوجود القاطع، تقريره أن وجود القاطع لا ينافي قيام الزوجية بأن أخر عمله إلى انقضاء العدة م: (إجماعا) ش: بدليل أن الرجعة بالقول تصح بلا رضا المرأة عند الشافعي أيضاً م: (أو نظراً له) ش: أي أو أن القاطع أخر عمله إلى انقضاء العدة م: (على ما تقدم) ش: بيانه وهو قوله تثبت نظراً للزوج ليمكنه التدارك عند اعتراض الندم.(5/473)
فصل فيما تحل به المطلقة وإذا كان الطلاق بائنا دون الثلاث، فله أن يتزوجها في العدة وبعد انقضائها؛ لأن حل المحلية باق؛ لأن زواله متعلق بالطلقة الثالثة، فينعدم قبلها، ومنع الغير في العدة لاشتباه النسب ولا اشتباه في إطلاقه.
وإن كان الطلاق ثلاثا في الحرة وثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها، ثم يطلقها، أو يموت عنها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل فيما تحل به المطلقة]
م: (فصل فيما تحل به المطلقة)
ش: أي هذا فصل في بيان ما تحل به المرأة المطلقة. ولما فرغ من بيان ما يتدارك به الطلاق الرجعي، شرع في بيان ما يتدارك به غيره من الطلقات، ففي الحرة فيما دون الثلاث التدارك نكاح جديد. وفي الثلاث بإصابة الزوج الآخر بعد نكاحه، وكذا التدارك في الأمة في الشين بإصابة الزوج الآخر.
م: (وإذا كان الطلاق بائناً دون الثلاث) ش: بأن كانت واحدة بائنة أو ثنتين م: (فله) ش: أي للزوج م: (أن يتزوجها في العدة وبعد انقضائها، لأن حل المحلية باق) ش: أي لأن حل المحل باق، لأن محل النكاح أنثى من بنات آدم مع انعدام المحرمية والشرك والعدة عن الغير م: (لأن زواله) ش: أي زوال المحل م: (متعلق بالطلقة الثالثة) ش: وإذا وجدت الطلقة الثالثة م: (فينعدم قبلها) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، أي فإن طلق الثالثة م: (ومنع الغيرة في العدة) ش: أي غير الزوج عن النكاح في العدة م: (لاشتباه النسب) ش: لأجل اشتباه النسب صيانة م: (ولا اشتباه في إطلاقه) ش: أي لا اشتباه في إطلاق الشارع الزوج في نكاح معتدته.
هكذا فسره الأترازي والأحسن أن يقال: ولا اشتباه في إطلاقه، أي في تجويز نكاح معتدته إذ الاشتباه إنما يكون عند اختلاف المياه، وذلك إنما يكون في معتدة الغير.
قال الأكمل: واعترض عليه بالصغيرة والآيسة وعدة المياه قبل الدخول ومعتدة الصبي والحيضة الثانية والثالثة فإنه لا اشتباه في هذه المواضع، ولا يجوز التزوج في هذه المواضع في العدة.
وأجيب: بأن ذلك بيان الحكمة، والحكم يرى في الجنس لا في كل فرد، لبيان العدة لوجود التخلف فيما ذكر من المواضع، انتهى.
قلت: أخذ هذا من كلام السغناقي ملخصاً.
[كان الطلاق ثلاثا في الحرة وثنتين في الأمة]
م: (وإن كان الطلاق ثلاثاً في الحرة وثنتين في الأمة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها) ش: أي الطلقة الثالثة لا بنكاح ولا بملك يمين حتى(5/474)
والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) والمراد الطلقة الثالثة، أو الثنتان في حق الأمة كالثلاث في حق الحرة؛ لأن الرق منصف لحل المحلية على ما عرف، ثم الغاية نكاح الزوج مطلقا، والزوجية المطلقة إنما تثبت بنكاح صحيح، وشرط الدخول ثبت بإشارة النص، وهو أن يحمل النكاح على الوطء حملا للكلام على الإفادة دون الإعادة، إذ العقد استفيد بإطلاق اسم الزوج،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تنكح زوجاً غيره، وأطلق الزوج ليشمل البالغ وغيره والمجنون وغيره، إذا كان يجامع مثله. وبذلك صرح في شرح الطحاوي ويذكر عن قريب ما فيه من المذهب والأقوال، وإنما قيد بالنكاح الصحيح، لأن الزوج الثاني إذا تزوجها نكاحاً فاسداً لا تحل للأول، سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل، لأنه عز وجل قال: {زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] والزوج المطلق هو الذي صح نكاحه.
م: (والأصل فيه) ش: أي الأصل في هذه المسألة م: (قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ش: أي وإن طلقها الطلقة الثالثة بعد التطليقتين المذكورتين في قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أي مرة بعد أخرى م: (والمراد الطلقة الثالثة) ش: كما ذكرنا هذا في حق الحرة. م: (والثنتان) ش: أي الطلقتان م: (في حق الأمة كالثلاث) ش: أي كالطلقات الثلاث م: (في حق الحرة، لأن الرق منصف لحل المحلية) ش: إضافة التنصيف إلى الرق مجاز لمعنى أن الرقية سبب لتنصيف حل المحلية، لكونه نعمة، والطلقة الواحدة لا تتجزأ فكملت، وقد مر بيانه قبيل باب الطلاق في فصل المحرمات أيضاً م: (على ما عرف) ش: أي في الأصول م: (ثم الغاية) ش: أي الغاية بكلمة حتى في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (نكاح الزوج مطلقاً) ش: يعني ذكر من غير قيد نصفه م: (والزوجية المطلقة) ش: أي الكاملة م: (إنما تثبت بنكاح صحيح) ش: لأن الوطء يحرم في الفاسد، ويجب التفريق.
م: (وشرط الدخول) ش: هذا جواب عما يقال المشروط في قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، مطلق النكاح، فمن أين شرط الدخول؟ فأجاب بقوله: وشرط الدخول م: (ثبت بإشارة النص، وهو أن يحمل النكاح) ش: في قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (على الوطء حملاً للكلام على الإفادة دون الإعادة) ش: يعني لو حملنا النكاح على العقد في الآية يلزم ذكر العقد مرتين م: (إذ العقد استفيد بإطلاق اسم الزوج) ش: في قَوْله تَعَالَى: {زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وأيضاً في حمل النكاح على العقد يكون ذلك تأكيداً، والتأسيس أولى من التأكيد.
فإن قيل: يلزم أن تكون المرأة واطئة على هذا التقدير، والمرأة موطوءة وليست بواطئة. أجيب: بجواز إضافة الوطء إليها، ولهذا تسمى زانية، والزنا هو الوطء الحرام، إلا أنه لا يشتهر استعماله. والحاصل أن المصنف استدل هاهنا في شرط الدخول بوجهين:
أحدهما: بإشارة نص الكتاب على ما قررناه.(5/475)
أو يزاد على النص بالحديث المشهور، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر» ، روي بروايات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والآخر: بقوله م: (أو يزاد على النص) ش: أي على قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] م: (بالحديث المشهور) ش: وقد عرف جواز الزيادة على النص بالحديث المشهور كما عرف في الأصل م: (وهو) ش: أي الحديث المشهور هو م: (قوله) ش: أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر) .
ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، قالت: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل طلق زوجته فتزوجت زوجاً غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قال: "لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول» .
م: (روي بروايات) ش: أي روي هذا بروايات مختلفة، فروى الجماعة إلا أبا داود عن الزهري عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ فقالت: نعم، قال: لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» .
وفي لفظ الصحيحين: أنها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات...... الحديث، وفي لفظ البخاري: «كذبت يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزة تريد أن ترجع إلى رفاعة، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فإن كان كذلك فلن تحلين له حتى يذوق من عسيلتك
» الحديث.
وروى مالك في موطئه عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير: «فلم يستطع أن يمسها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها فنهاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: لا يحل له حتى يذوق العسيلة» .
وروى الطبراني في "معجمه الأوسط " من حديث هشام بن عروة عن أبيه قالت: «كانت امرأة من قريظة يقال لها تميمة تحت عبد الرحمن بن الزبير فطلقها وتزوجها رفاعة رجل من قريظة ثم فارقها فأرادت أن ترجع إلى عبد الرحمن بن الزبير فقالت: والله يا رسول الله ما هو منه إلا هدبة ثوبي، قال: والله يا تميمة لا ترجعين إلى عبد الرحمن حتى يذوق عسيلتك رجل غيره» ، وهذا المتن عكس متن الصحيح.(5/476)
ولا خلاف لأحد فيه سوى سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقوله غير معتبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى أبو موسى محمد الحافظ بن أبي بكر المديني في كتاب الأماني بإسناده إلى مقاتل بن حيان قال: «قوله - عز وجل - {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، نزلت في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري كانت تحت رفاعة بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقاً بائناً، فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير القرظي ثم طلقها، فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إن زوجي عبد الرحمن طلقني قبل أن يمسني فأرجع إلى ابن عمي زوجي الأول، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لا، حتى يكون مس"، فلبثت ما شاء الله أن لبثت ثم رجعت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت يا رسول الله إن زوجي الذي كان تزوجني بعد زوجي الأول كان قد مسني، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كذبت بقولك الأول، فلن فلن أصدقك في الآخر، فلبثت ثم قبض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتت أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقالت: يا خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرجع إلى زوجي الأول قد مسني، فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: قد عهدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قال لك وسمعته حين أتيته وعلمت ما قال لك، فلا ترجعي إليه، فلما قبض أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أتت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال لها: لئن أتيتني بعد مرتك هذه لأرجمنك» .
واختلف في رفاعة، قيل إنه رفاعة بن شموال، وقيل: رفاعة بن وهب، وفرق بينهما أبو جعفر بن أحمد بن عثمان بن أحمد المروزي المعروف بابن شاهين، والظاهر أنها واحدة. وكذا اختلف في اسم المرأة، فقيل اسمها سهيمة وتميمة والرميصاء والغميصاء.
م: (ولا خلاف لأحد فيه) ش: أي في شرط الدخول م: (سوى سعيد بن المسيب) ش: بن حزن ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أبي محمد المديني سيد التابعين ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مات سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك وهو ابن خمس وسبعين سنة.
روى عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وكان زوج ابنته وأعلم الناس بحديثه وعائشة وأم سلمة وخولة بنت حكيم وفاطمة بنت قيس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أجمعين - وروى عن أبيه المسيب بن حزن وله صحبة. وقال أبو حاتم: ليس في التابعين أمثل من سعيد بن المسيب وهو أثبتهم في أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقول صاحب الهداية، ولا خلاف فيه سوى سعيد بن المسيب ليس على إطلاقه، لأنه تبعه في هذا بشر المريسي وداود الظاهري والشيعة والخوارج، ولكن لا يلتفت إلى هذا. قال المصنف: م: (وقوله غير معتبر) ش: لأنه خلاف الإجماع، وقال ابن المنذر: لا نعلم أحداً قال من أهل العلم بقوله إلا الخوارج ولا أسوغ لأحد المصير إليه. وقال أبو بكر الرازي: لا أعلم أحداً قال بقوله، وقوله غير(5/477)
حتى لو قضى القاضي به لا ينفذ،
والشرط الإيلاج دون الإنزال لأنه كمال ومبالغة فيه وإكمال قيد زائد والصبي المراهق في التحليل كالبالغ لوجود الدخول في نكاح صحيح، وهو الشرط بالنص، ومالك " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يخالفنا فيه، والحجة عليه ما بيناه. وفسره في الجامع الصغير وقال: غلام لم يبلغ ومثله يجامع جامع امرأة وجب عليها الغسل وأحلها للزوج الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معتبر حتى لا يجوز لأحد أن يأخذ بقوله لمخالفة الحديث المشهور. ولو أفتى مفت بقوله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ذكره في الخلاصة م: (حتى لو قضى القاضي به) ش: أي يقول سعيد بن المسيب في هذا م: (ولا ينفذ) ش: ويرد عليه ويبطل. وذكر قاضي خان لا ينفذ قضاؤه.
وفي " القنية " فقيهه بمذهبه يعزر، قال المتكلم: والقاضي بديع يحتال في التطليقات ويأخذ الرشى ويزوجها للأول بدون دخول الثاني هل يصح النكاح؟ قال: وما جزاء من يفعل ذلك؟ قالوا: يسود وجهه ويعزر. وفي فتاوى النضر بن سعيد: رجع عن مذهبه هذا، وقال: لعله لم يبلغه الحديث المشهور.
[شرط حل المطلقة الثلاث للزوج الأول]
م: (والشرط) ش: أي شرط حل المطلقة الثلاث للزوج الأول م: (الإيلاج) ش: أي الإدخال م: (دون الإنزال) ش: يعني إنزال المني م: (لأنه كمال) ش: لأن الإنزال كمال في الإيلاج م: (ومبالغة فيه) ش: أي في الإيلاج م: (وإكمال قيد زائد) ش: يعني قيد للنص المطلق، فلا يجوز ولا يثبت إلا بدليل، ولا دليل عليه، والدليل يدل على عدمه، لأنه ذكر العسيلة وهو تصغير العسلة وهي كناية عن إصابة حلاوة الجماع وهي تحصل بالإيلاج، فكان التصغير وإلا على عدم التبع بالإنزال فاللذة بالجماع قبل الإنزال، وبالإنزال تزول اللذة وتفتر الرغبة فلا يشترط الإنزال وشذ الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - واشترط الإنزال بظاهر الحديث. م: (والصبي المراهق في التحليل كالبالغ) ش: وبه قال عطاء والشافعي وابن المنذر م: (لوجود الدخول في نكاح صحيح وهو) ش: أي النكاح الصحيح م: (وهو الشرط بالنص) ش: لأن الشرع علق حلها للزوج الأول بنكاح زوج آخر، ووطئه وحصل ذلك م: (ومالك يخالفنا فيه) ش: أي في المراهق، فإن عنده إنزاله شرط ولم يوجد، وبه قال حماد والحسن البصري كما ذكرنا م: (والحجة عليه) ش: أي على مالك م: (ما بيناه) ش: وهو قوله إن الإنزال كمال ومبالغة فيه وهو قيد لا دليل عليه، وقال الأترازي: والحجة عليه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة الآية: 230) والمراهق يسمى زوجاً إذا وجد شرط النكاح وقال الكاكي: والحجة عليه ما بيناه وهو الحديث المذكور، وما ذكرناه هو الأنسب.
م: (وفسره) ش: أي فسر محمد المراهق م: (في الجامع الصغير، وقال: غلام لم يبلغ، ومثله بجامع جامع امرأة وجب عليها الغسل وأحلها للزوج الأول) ش:، وهذا كله تفسير محمد في المراهق، وفي الجامع قال محمد: أودع صبياً يعقل ابن اثنتي عشرة سنة.
قلت: هذا ليدل على أن المراهق ينبغي أن يكون ابن اثنتي عشرة، وكذا قال القاضي من(5/478)
ومعنى هذا الكلام أن تتحرك آلته ويشتهي، وإنما وجب الغسل عليها لالتقاء الختانين، وهو سبب لنزول مائها، والحاجة إلى الإيجاب في حقها، أما لا غسل على الصبي وإن كان يؤمر به تخلقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحنابلة،: يشترط أن يكون ابن اثنتي عشرة سنة.
م: (ومعنى هذا الكلام) ش: أي الكلام الذي نقله عن محمد في المراهق م: (أن تتحرك آلته ويشتهي) ش: أي الشرط أن تتحرك آلة المراهق ويشتهي الجماع، وإنما شرط ذلك لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شرط الذوق من الطرفين م: (وإنما وجب الغسل عليها) ش: هذا جواب عما يقال إذا لم يكن الإنزال شرطاً، فلم يجب الغسل على المرأة، فأجاب بقوله، إنما وجب الغسل عليها - أي على المرأة م: (لالتقاء الختانين وهو سبب لنزول مائها) ش: فأقيم السبب الظاهر مقام السبب الباطن وهو الإنزال، فيجب الغسل.
فإن قيل: لا نسلم أنه سبب ظاهر، وإنما يكون كذلك إذا كان الشخص بالغاً، وكلامنا في غير البالغ. وأجيب: بأن كلامنا فيما إذا كان الصبي تتحرك آلته ويشتهي الجماع لا فيما دون ذلك.
م: (الحاجة إلى الإيجاب في حقها) ش: أي الحاجة إلى إيجاب الغسل في حق المرأة، لأن أمر الغسل مبني على الاحتياط وجماع مثله سبب ظاهر لإنزال مائها فيجب الغسل عليها.
م: (أما لا غسل على الصبي) ش: لعدم الخطاب م: (وإن كان) ش: واصل بما قبله، أي وإن كان الصبي م: (يؤمر به) ش: أي بالغسل م: (تخلقاً) ش: أي من حيث التخلق ليتعود به ويصير له نتيجة قبل بلوغه حتى لا يشق عليه عند بلوغه فروعه.
وفي " الجواهر " للمالكية: لا يحل وطء صبي وإن كان يقوى على الجماع، وهو قول أبي عبيد، ويروى عن الحسن. وفي البسيط: وأجمعوا على أنه يحصل بوطء الصبي ويحصل باستدخال المرأة ذكر زوجها وهو نائم ولا يشترط الانتشار. وفي المحيط وطء الصبي والمجنون يحلها إلا إذا حبلت.
وفي المبسوط في رواية أبي حفص: إن كان المجبوب لا ينزل لا يحلها ولا يثبت نسب الولد منه، لأنه إذا جف ماؤه صار كالصبي أو دونه. وقيل: هذا إذا جب ذكره في الأصل، ولو بقي بقدر الحشفة يولج في فرجها تحل. وذكر الإسبيجابي: أنه لو كان خصياً يجامع مثله حلت.
وفي المفيد: وكذا المسلول، وفي المدونة: إن علمت بأنه خصي فوطئها حلت للأول وثبت إحصانها وإن لم تعلم لا يحلها ولا يثبت إحصانها، وإن تزوجت شيخا فلم تنتشر آلته فأدخلته في فرجها بإصبعها إن انتعش وعمل حلت وإلا فلا. ولو لف آلته بخرقة وهي لا تمنع من وجود حرارة فرجها إلى ذكره يحل، ذكره المرغيناني. ولو كانت المرأة مفضاة وحبلت من الثاني حلت(5/479)
قال: ووطء المولى أمته لا يحلها؛ لأن الغاية نكاح الزوج، وإذا تزوجها بشرط التحليل فالنكاح مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعن الله المحلل والمحلل له»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للأول: لوقوع الوقائع في قبلها. ووطء النائمة والمغمى عليها يحل عندنا، وفي أحد قولي الشافعي ذكره الثوري، والوطء في الدبر لا يحل، ولو ادعت وصول المحلل صدقت، ووطء الذمي الذمية يحلها للأول عندنا والشافعي وأحمد، وبه قال الحسن والزهري والثوري وأبو عبيد. وقال مالك وربيعة: لا يحلها، ولو خلا بها الزوج الثاني أو مات عنها لا يحل.
[تزوجها بشرط التحليل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (ووطء المولى أمته لا يحلها) ش: بأن طلق رجل امرأته ثنتين وهي أمة للغير فوطئها المولى بعد انقضاء العدة لم تحل للأول م: (لأن الغاية نكاح الزوج) ش: أي لأن غاية الحرمة نكاح الزوج، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، لم يوجد، لأن المولى لا يسمى زوجاً وقال في " شرح الأقطع " روي أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سئل عن ذلك، وعنده علي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فرخص ذلك عثمان وزيد، وقالا: هو زوج، فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مغضباً كارهاً لما قالا، وقال: ليس بزوج.
م: (وإذا تزوجها بشرط التحليل) ش: بأن قال تزوجتك على أن أحللك أو قالت هي ذلك م: (فالنكاح مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لعن الله المحلل والمحلل له» .
ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي والنسائي من غير وجه عن سفيان الثوري عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي عن هزيل بن شرحبيل الأودي عن عبد الله بن مسعود قال: «لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلل والمحلل له» ، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلل والمحلل له» وفي لفظ أبي داود(5/480)
وهذا هو محموله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيه شك، فقال: أراه رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو معلول بالحارث.
قلت: الحارث هو ابن عبد الله الأعور الخارفي الكوفي قال أبو زرعة: لا يحتج بحديثه، وقال ابن المديني: الحارث كذاب. وعن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الترمذي عن مجالد عن الشعبي عن جابر نحوه سواء. وعن عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه عن الليث بن سعد قال لي أبو مصعب: مشرح بن هاعان قال عقبة بن عامر: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال: "هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له» .
قال عبد الحق في "أحكامه ": إسناده حسن. وقال الترمذي: في "علله الكبرى " الليث بن سعد ما أراه سمع من مشرح بن هاعان شيئاً، ولا روى عنه وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أحمد والبزار وأبو يعلى الموصلي وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم من حديث المقبري عن أبي هريرة نحوه.
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه ابن ماجه عن عكرمة نحوه سواء، م: (وهذا هو محموله) ش: يعني الحديث هو الكراهية، وقد استدل المصنف بهذا الحديث على كراهية النكاح المشروط به التحليل وظاهره يقتضي التحريم، وهو مذهب أحمد، ولكن يقال لما سماه محللاً دل على صحة النكاح، لأن المحلل هو المثبت للحل، فلو كان فاسداً لما سماه محللاً.
فإن قلت: لم لعن مع حصول التحليل.
قلت: لأن التماس ذلك هتك للمروءة وإعارة التيس في الوطء لعرض الغير رذيلة، فإنه إنما يطأها ليعرضها لوطء الغير، وهو قلة حمية، ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "هو التيس المستعار"، وإنما يكون مستعاراً إذا سبق التماس من المطلق.
وقال السروجي: واختلف العلماء في معناه، فقيل: أراد به طالب الحل من نكاح المتعة والمؤقت، وسماه محللاً، وإن كان لم يحلل، لأنه يعتقده ويطلب الحل منه، وأما طالب الحل من طريقة لا يستوجب اللعن. وقيل: هو التزوج بلفظ الإحلال والتحليل. وفي الإسبيجابي: لو تزوجها بنية التحليل من غير شرط حلت للأول، ولا يكره، والنية ليست بشيء.
وقال بعض مشايخنا: لو تزوجها ليحللها للأول، فهو مثاب مأجور في ذلك، حكاه المرغيناني وغيره، لكن يرد عليهم أن المعروف كالمشروط، ولا خلاف في كراهية المشروط. وفي الجواهر: المعتبر نية المحلل دون المرأة والزوج الأول، فيصير كاشتراطه في العقد، فيفسد العقد، ولو نكح بشرط الطلاق فسد العقد، ولم تحل، ويفسد بشرط عدم الوطء، فإذا فسد فرق قبل:(5/481)
فإن طلقها بعد ما وطئها حلت للأول لوجود الدخول في نكاح صحيح؛ إذ النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يفسد النكاح؛ لأنه في معنى الموقت فيه، ولا يحلها للأول لفساده. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصح النكاح لما بينا، ولا يحلها على الأول، لأنه استعجل ما أخره الشرع فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البناء وبعده بطلقة بائنة، ولها المسمى في الأظهر في " البسيط "، وإن شرط فيه طلاق قيل يبطل العقد كالمؤقت. ومنهم من قال: يلغو الشرط، ولا خلاف في أنه لو قال زوجتك بشرط أن لا تتزوج عليها أو لا تتسرى أو لا تسافر بها، فالنكاح لا يفسد بذلك كله.
ولو قال: بشرط أن لا تطأها اختلفوا فيه وذكر التمرتاشي لو خافت أن لا يطلقها الثاني فتقول زوجت نفسي منك على أن أمري بيدي، أطلق نفسي كلما أريد، ويقول تزوجت أو قبلت جاز النكاح، وصار الأمر في يدها.
م: (فإن طلقها) ش: أي فإن طلقها محلل المرأة م: (بعد ما وطئها حلت للأول) ش: أي حلت المرأة للزوج الأول م: (لوجود الدخول في نكاح صحيح، إذ النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: وبه قال الحكم وعطاء وزفر.
م: (وعن أبي يوسف أنه يفسد النكاح، لأنه في معنى الموقت فيه، ولا يحلها للأول لفساده) ش: وهو قول إبراهيم النخعي والحسن البصري وبكر بن عبد الله المزني وقتادة. وقال ابن المنذر: روينا عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا أوتى بمحلل ولا محللة إلا رجمتهم، وقال ابن عمر: لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة. وعن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: ذلك السفاح، وممن قال: ولا يصح في ذلك إلا نكاح رغبة لا رهبة، عن مالك والليث وابن حنبل وإسحاق وأبو عبيد.
م: (وعن محمد أنه يصح النكاح لما بينا) ش: أراد به قوله إذ النكاح لا يبطل بالشرط م: (ولا يحلها على الأول) ش: أي لا يحل المحلل المرأة على الزوج الأول م: (لأنه استعجل ما أخره الشرع) ش: وذلك لأن النكاح عقد عمر وشرط الطلاق خلافه م: (فيجازى بمنع مقصوده كما في قتل المورث) ش: كما إذا قتل شخص مورثه، فإنه يحرم الميراث، لأنه استعجل ما أخره الشرع. وذكر الترندويشي في الروضة: أنها لو قالت أنا أزوجك نفسي لتجامعني ثم طلقني لأكون حلاً لزوجي الأول. قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النكاح جائز والشرط جائز، فإن امتنع من تطليقها أجبره الحاكم على ذلك، وتحلل للأول. وفي المرغيناني: فالشرط يكره للأول والثاني مع جوازهما عند أبي حنيفة وزفر، وعند أبي يوسف النكاح باطل ولا تحل للأول، وعند محمد تحل للثاني، ولا تحل للأول. وفي المفيد والمزيد: قول محمد النكاح صحيح، ولا تحل للأول ولا يظهر له وجه.(5/482)
وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين، وانقضت عدتها، وتزوجت بزوج آخر، ثم عادت إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يهدم ما دون الثلاث، لأنه غاية للحرمة بالنص فيكون منهيا ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت، ولهما قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لعن الله المحلل والمحلل له» سماه محللا، وهو المثبت للحل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[طلق الحرة تطليقة أوتطليقتين وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى الزوج الأول]
م: (وإذا طلق الحرة تطليقة أو تطليقتين، وانقضت عدتها، وتزوجت بزوج آخر، ثم عادت إلى الزوج الأول عادت بثلاث تطليقات، ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث) ش: والمراد بقوله يهدم الزوج إلى آخره أن المرأة بعده تصير بحالة لا تحرم حرمة غليظة م: (كما يهدم الثلاث) ش: أي كما يهدم الزوج الثاني ثلاث طلقات جميعاً أو فرادى م: (وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وهو قول ابن عباس وابن عمر وإبراهيم النخعي وعطاء وشريح وميمون بن مهران.
م: (وقال محمد: لا يهدم ما دون الثلاث) ش: يعني أنها تصير بحالة تحرم حرمة غليظة لما بقي من الطلقات الثلاث، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر وهو قول عمر وعلي وأبي بن كعب وعمران بن حصين وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، والمسألة مختلفة بين الصحابة كما ترى.
وقال شمس الأئمة السرخسي: في شرح الكافي أخذ الكبار من الفقهاء بقول الكبار من الصحابة م: (لأنه) ش: أي لأن نكاح الزوج الثاني م: (غاية للحرمة بالنص) ش: يعني قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، لأن حتى حرف موضوع للغاية والمغيا ينتهي بالغاية م: (فيكون) ش: أي الزوج الثاني م: (منهياً) ش: وهو بضم الميم اسم فاعل من الإنهاء.
م: (ولا إنهاء للحرمة قبل الثبوت) ش: أي لا يكون بوطء الزوج الثاني عبرة قبل التطليقات الثلاث، لأن الحرمة غير ثابتة، ولا شيء معها، لأنه لا يتجزأ ثبوتها فلا حرمة قبل الثلاث، فلا يكون الوطء غاية لها، وهذا كقوله والله لا أكلم فلاناً في رجب حتى أستشير فلاناً فاستشاره قبل رجب لم يعتبر في حق اليمين، إذ اليمين أوجب تحريم الكلام بعد رجب إلى غاية الاستشارة فقبل رجب لا حرمة فلا تكون الاستشارة غاية لها.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لعن الله المحلل والمحلل له» سماه محللاً) ش: أي سماه الشارع محللاً، أي جاعل المحلل حلالاً لا يكون إلا بإثبات الحل فيه م: (وهو المثبت للحل) ش: أي للزوج الثاني هو مثبت للحل، يعني الحل الجديد، لأنه لا يجوز أن يكون المراد الحل السابق، لأنه تحصيل الحاصل وهو فاسد، لأن الحل السابق موجود فيما دون الثلاث فصارت المرأة بالزوج الثاني ملحقة بالأجنبية فلم تحرم على الزوج الأول إلا بثلاث تطليقات، لأن حكم الحل الجديد هذا وقد ذكر الأترازي أسئلة وأطال الكلام فيه(5/483)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ملخص كلامه في:
السؤال الأول: منع كون المراد بالمحلل هو الزوج الثاني لعدم ما يدل عليه، ويجوز أن يكون المراد نكاح المتعة بقرينة اللعن، لأنه كان مشروعاً ثم انتسخ.
والجواب: أن الذين نقلوا هذا الحديث ثقات حكما فكما يقبل نقلهم في نقل الحديث، فكذا يقبل نقلهم فيمن جاء فيه الحديث، وقد أورده في باب ما جاء في الزوج الثاني.
السؤال الثاني: منع كون المراد بالمحلل الزوج الثاني مطلقاً، لأنه أريد به قبل الطلاق الثلاث، فهو ممنوع، لأنه غير محلل قبله لوجود الحل، وإن أريد بعد الثلاث فمسلم لكنه لا يفيد، لأن النزاع فيما دون الثلاث.
والجواب: أن المراد به الزوج الثاني مطلقا عملا بإطلاق الحديث، ولا نسلم نفي كونه محللا، قبل الطلاق الثلاث، لأنه يثبت حلا جديدا، بحيث لا يحرم عليه إلا بثلاث تطليقات مستقلات، فلا يلزم تحصيل الحاصل.
السؤال الثالث: أن الحديث متروك العمل بالظاهر، لأن الزوج الثاني بعد الطلقات الثلاث لا يثبت الحل، ما لم توجد الإصابة. والحديث يثبته مطلقا، فكانت الإصابة هي المثبتة للحل دون الزوج الثاني.
والجواب: منع كونه من باب ترك العمل بظاهره، لأنه من باب التخصيص، لأن ما قبل الإصابة خرج عن عمومه بحديث العسيلة، فبقي الثاني على عمومه فيما دون الثلاث.
والسؤال الرابع: أن الحديث إذا كان مقتضيا للحل الجديد يلزم المعاوضة بقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، لأنه يقتضي الحل مطلقا في عموم الأوقات بالحرمة التي تثبت بثلاث تطليقات مغياة إلى غاية الزوج الثاني، فإذا انتهت به ثبت الحل الأصلي بالسبب السابق، فلا حاجة إلى سبب مبتدأ.
والجواب: منع ثبوت الحل بالسبب السابق، فلا حاجة إلى سبب مبتدأ.
والجواب: منع ثبوت الحل بالسبب السابق عند انتهاء الحرمة من كل بد لجواز ثبوته بسبب آخر إذا دل الدليل عليه، وقد دل إذ لو كان ثبوت الحل بالسبب السابق لم يكن الزوج الثاني محللاً، وقد سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محللاً.
وهاهنا سؤال آخر ذكره تاج الشريعة مع جوابه، وهو أن المحلل هو الذي يثبت الحل، وإثبات الحل يقتضي عدمه، إذ إثبات الثابت محال.(5/484)
وإذا طلقها ثلاثا: فقالت: قد انقضت عدتي، وتزوجت، ودخل بي الزوج الثاني، وطلقني، وانقضت عدتي، والمدة تحتمل ذلك جاز للزوج الأول أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة لأنه معاملة أو أمر ديني لتعلق الحل به، وقول الواحد فيهما مقبول، وهو غير مستنكر إذا كانت المدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والجواب: أن إثبات الثابت إنما لا يعتبر إذا لم يفد، أما إذا أفاد فيعتبر، ألا ترى أن بيع الإنسان ماله بماله لا يفيد، وكذا شراؤه بماله، أما إذا أفاد فيعتبر كما إذا اشترى ماله من المضارب قبل أن يظهر فيه ربح، وإن كان ماله لما أنه يفيد ملك التصرف.
م: (وإذا طلقها ثلاثاً فقالت قد انقضت عدتي وتزوجت بزوج آخر ودخل بي الزوج الثاني، وطلقني، وانقضت عدتي، والمدة تحتمل ذلك) ش: هذا من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، والمراد من قوله: ودخل بي الزوج الثاني والمدة التي تحتمل ذلك تأتي عن قريب م: (جاز للزوج الأول) ش: جواب إذا م: (أن يصدقها إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة) .
ش: قال الأترازي: كلامه يوهم بأن إخبارها مقبول وإن لم تكن عدلاً، لأنه أطلق في التعليل، وليس الأمر كذلك، فإن الرواية منصوصة في آخر كتاب " الإحسان "، بأن الزوج الأول لا بأس عليه أن يتزوجها إذا كانت عنده ثقة أو وقع في قلبه أنها صادقة، انتهى.
قلت: استدلاله برواية كتاب " الاستحسان " يرد عليه قوله: وليس الأمر كذلك، لأنه ذكر فيه كونها ثقة أو وقوع صدقها في قلبه، وقد صرح بذلك القدوري بقوله: إذا كان في غالب ظنه أنها صادقة، وتعليله مقيد بهذا الوجه، وليس بمطلق حتى يترتب عليه الوهم الذي ذكره.
م: (لأنه) ش: أي لأن النكاح م: (معاملة) ش: لكون البضع متقوما عند الدخول، وإذا كان معاملة فخبر الواحد مقبول فيها بشرط التمييز كالولايات والمضاربات والإذن في التجارة م: (أو أمر ديني لتعلق الحل به) ش: أي بالنكاح، ويقبل قولها فيه أيضاً كما أخبرت بنجاسة الماء وطهارته وروت حديثاً م: (وقول الواحد فيهما مقبول) ش: أي في المعاملة والأمر الديني، أما في الديانات فلأن الصحابة كانوا يقبلون خبر العدل من غير اشتراط العدد، وأما في المعاملات فعلى نوعين:
الأول: هي التي ليس فيها معنى الإلزام كالوكالات ونحوها كما ذكرنا، فيعتبر فيها خبر مميز عدلاً كان أو فاسقاً، صبياً كان أو بالغا، مسلماً كان أو كافراً، حراً كان أو عبداً، ذكراً كان أم أنثى من غير اشتراط العدد والعدالة دفعاً للضرورة.
النوع الثاني: الذي فيه إلزام من حقوق العباد، فيشترط فيه العدد والعدالة وتعيين لفظ الشهادة، لأنها تبنى على المنازعة فاحتيج إلى زيادة التوكيد دفعاً للتزوير والحيل.
م: (وهو غير مستنكر) ش: أي إخبار المرأة المذكورة غير أمر مستنكر فيه م: (إذا كانت المدة(5/485)
تحتمله.
واختلفوا في أدنى هذه المدة، وسنبينها في باب العدة إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تحتمله) ش: أي إذا كانت المدة التي ذكرتها تحتمل ذلك؛ لأن القول قول الأمين فيما لا يستنكر
[أدنى المدة التي تصدق المعتدة في انقضاء العدة]
م: (واختلفوا في أدنى هذه المدة) ش: أي اختلف أبو حنيفة وصاحباه في أدنى المدة التي تصدق المعتدة في انقضاء العدة.
واعلم أن الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم اختلفوا في المدة التي تصدق المرأة في انقضاء عدتها على أقوال:
الأول: قال أبو حنيفة: أقلها شهران وثلاث حيض بشهر وطهران بشهر وثلاثة أطهار بخمسة وأربعين يوماً وثلاث حيض بخمسة عشر يوماً كل حيضة خمسة أيام.
الثاني: قال أبو يوسف ومحمد: تسعة وثلاثون يوماً طهران بثلاثين وثلاث حيض بتسعة اعتبارا لأقل الحيض.
الثالث: قال شريح: لو ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر أو في خمسة وثلاثين يوماً فجاءت ببينة من النساء العدل من بطانة أهلها أنها رأت الحيض وتغتسل عند كل صلاة وتصلي فقد انقضت عدتها.
الرابع: قال الشافعي: إنها تصدق في أقل من اثنين وثلاثين يوماً، هذا مذهبه أو قول منه ذكره ابن المنذر.
الخامس: قال أبو ثور: لا تصدق في أقل من سبعة وأربعين يوماً على أن أقل الحيض يوم، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً.
السادس: قال مالك: أربعون يوماً، ذكره في " الجواهر ".
السابع: قال إسحاق بن راهويه وأبو عبيد: إن لها أقراء معلومة يعرفها بطانة أهلها تصدق على ما تشهد به وإلا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر.
الثامن: قال الحنابلة: أقله تسعة وعشرون يوماً قالوا هذا إن قلنا أقل الطهر عشرة أيام.
فإن قلنا: خمسة عشر يوماً يزاد أربعة أيام فيكون ثلاثة وثلاثين. وإن قلنا: أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً يزاد على ذلك أربعة أيام فيصير اثنين وثلاثين وصارت الأقوال فيه إحدى عشر يوماً.
م: (وسنبينها في باب العدة إن شاء الله تعالى) ش: أي سنبين تلك العدة في باب العدة. وقال الأترازي: هذا وعد لم يتحقق بالإنجاز. وقال السغناقي: في الحوالة وقعت غير رابحة، لأنه ما قال في عدة هذا الكتاب حتى تقع الحوالة غير رابحة. قال الأكمل في رد كلام السغناقي في الحوالة ورد من حيث اللفظ والمعنى. أما الرد فلأن مثل هذا يسمى وعداً لا حوالة، فكان ينبغي(5/486)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن يقول: وعد غير منجز، وأما المعنى فإنه لم يقل في باب العدة من هذا الكتاب، فيجوز أن يكون وعده منجزا في باب العدة من كتاب آخر، انتهى.
قلت: الذي من جهة المعنى أخذه من شيخه الكاكي، ومع هذا لم يجب أحد منهم عن هذا، ويمكن أن يقال: إنه وعد، ولكنه ذهل عن وفائه بسبب اشتغاله بغيره من الكتب.(5/487)
باب الإيلاء إذا قال الرجل لامرأته: والله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك أربعة أشهر فهو مول؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الإيلاء] [قال الرجل لامرأته والله لا أقربك]
م: (باب الإيلاء) ش: أي هذا الباب باب في حكم الإيلاء، وهو مصدر من آلى يولي إيلاء، أي حلف، والاسم الألية. قال الكاكي: الإيلاء والألية اليمين لغة، ( ... ) وجمع الألية أليات كركبة ركبات. وقال الجوهري: الإيلاء لا يرد، بمعنى حلف، والألية اليمين لغة على فعيلة، والجمع الإلياء، وكذلك الألؤة بتثليث الهمزة: قلت: أصل الإيلاء الأولاء قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. وفي المرغيناني: الحلف على الامتناع والحلف اليمين على الفعل والقسم اليمين فيهما.
ثم للإيلاء تفسير شرعاً وهو الحلف على ترك قربان المنكوحة، أربعة أشهر فصاعدا، وشرط: وهو كون اليمين معقودا على المنكوحة وأهل: وهو أن يكون من أهل الطلاق، وحكم: وهو تعلقه بالحنث المتعلق بالكفارة، ومدة: وهي أربعة أشهر عند الجمهور، على ما يأتي الخلاف فيه، وسبب: هو قيام المشاجرة وعدم الموافقة كما في سبب الطلاق الرجعي.
وقال الأترازي: كان القياس أن يذكر الخلع قبل الإيلاء، لأن الخلع نوع من الطلاق، إلا أنه لما كان لغرض تباعد عن الطلاق فأخر عن الإيلاء، وقدم الخلع عن الظهار، لأن الظهار منكر من القول وزور، وليس الخلع كذلك، ثم قدم الظهار على اللعان، لأن الظهار أقرب إلى الإباحة من اللعان، بدليل أن سبب اللعان وهو القذف بالزنا لو أضيف إلى غير الزوجة يجب الحد، والموجب للحد معصية محضة بلا شائبة لأحد.
م: (إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك أربعة أشهر فهو مول) ش: أصله مولي فأعل إعلال قاض، وهنا صورتان، وهما: قوله: والله لا أقربك أبداً ففيها هو مول إجماعاً، والثاني قوله: لا أقربك أربعة أشهر ففيها هو مول عندنا، خلافاً للشافعي ومالك وأحمد وإسحاق، فإن عندهم لا يكون مولياً حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر بناء على أن الفيء عندهم بعد أربعة أشهر فلا بد من مدة زائدة على أربعة أشهر حتى يزيد يوما عند مالك ولحظة عند الشافعي، ويرد قولهم ظاهر القرآن حيث لم يجعل التربص أكثر من أربعة أشهر وعشرا في عدة الوفاة وثلاثة قروء في عدة الطلاق، فلا يجوز الزيادة في هذين التربصين، فكذا في مدة الإيلاء.
ثم اعلم أن عند الأئمة الأربعة وأصحابهم والجمهور الإيلاء لا يكون بغير يمين ولا تعليق، وعند ابن المسيب ويزيد بن الأصم من ترك جماع امرأته بغير يمين يصير موليا، نقله الرازي في " أحكام القرآن " وعن بعض العلماء لو حلف لا يكلمها يكون مولياً، وهذا كله شاذ مخالف(5/488)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا ... الآية (البقرة: الآية 226) ،
فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة، لأن الكفارة موجب الحنث. وسقط الإيلاء؛ لأن اليمين ترتفع بالحنث، وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة بائنة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تبين منه بتفريق القاضي؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للنص.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] الآية (البقرة: الآية 226) ش: أي اقرءوا، تمام الآية وهو {فإن الله غفور رحيم} [البقرة: 226] وبعدها: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] وبعدها: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] قال الواحدي في كتاب " أسباب نزول القرآن " بإسناده إلى عطاء عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين أو أكثر من ذلك فوقته الله تعالى أربعة أشهر، فمن كان إيلاءه أقل من أربعة أشهر فليس فليس بإيلاء، ثم حكى عن ابن المسيب أنه قال: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، وكان تركها كذلك لا أيماً ولا ذات بعل، فجعل الله تعالى الأجل به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر، وأنزل: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] ... الآية.
[آلى من زوجته ووطئها في الأربعة أشهر]
م: (فإن وطئها في الأربعة الأشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة) ش: أي كفارة اليمين م: (لأن الكفارة موجب الحنث) ش: والإيلاء حلف، وقد حنث فيه فتلزمه الكفارة في " المبسوطين ". قال الشافعي: لا كفارة عليه، ويحنث في يمينه، لأن الله تعالى وعد المغفرة وفعل ما صار مغفوراً لا تجب (فيه) الكفارة. قلنا: المغفرة في الآخرة، فلا ينافي وجوب الكفارة في الدنيا، ولكن هذا في قوله القديم، وفي الجديد تجب الكفارة وهو الأصح كمذهبنا، وبه قال مالك وأحمد والجمهور. وقال الحسن البصري: لا كفارة عليه في ذلك، وقال قتادة: خالف الحسن الناس.
م: (وسقط الإيلاء؛ لأن اليمين ترتفع بالحنث) ش: وهذا بالإجماع م: (وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة بائنة) ش: وهو قول جابر بن زيد ومسروق وشريح وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وعبد الرحمن الأوزاعي وسفيان الثوري وقبيصة بن ذؤيب وعكرمة وعلقمة وابن جريج وابن أبي ليلى. وفيهم من قال: يقع طلقة رجعية، وهو قول سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ومكحول والزهري، هكذا في " الأشراف " وفي " المحلى ": هذا عن ثلاثة لا غير، وهم الزهري ومكحول وأبي بكر المذكور.
م: (وقال الشافعي: تبين منه بتفريق القاضي) ش: يعني يتوقف بعد مضي المدة، وإذا أبى من الفيء والفرقة فرق القاضي بينهما إذا طلبت المرأة كان تفريقها تطليقة رجعية، وفي " المبسوط ": تطليقة بائنة. قال الكاكي: وما وجدت ذلك في كتبهم إلا عند مالك لا رجعة له عليها إلا أن(5/489)
لأنه مانع حقها في الجماع، فينوب القاضي منابه في التسريح كما في الجب والعنة. ولنا أنه ظلمها بمنع حقها فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة، وهو المأثور عن عثمان، وعلي، والعبادلة الثلاثة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يطأها، ولا يطلقها الحاكم ثنتين أو ثلاثاً أو يفسخ النكاح. وقال أحمد: للحاكم أن يطلقها رجعية أو بائنة أو ثنتين أو ثلاثاً أو يفسخ النكاح، والمختار عنده أن يطلقها رجعية كما قال الشافعي ومالك، وقالت الظاهرية: لا يطلق الحاكم تطليقة بائنة، ولكن يجبره بسوط ويحبسه إلى أن يفيء ويطلقها، وبه قال الشافعي في القديم، وقال أبو ثور: يطلقها الحاكم طلقة بائنة إذ لا فائدة في الرجعة، فإنه لا يراجعها ويعود الأمر فصار كفرقة العنة.
م: (لأنه) ش: أي لأن المولي م: (مانع حقها في الجماع) ش: أي ثبوت الإيلاء بقصده الإضرار والتعنت منع حقها في الجماع م: (فينوب القاضي منابه في التسريح) ش: بالإحسان م: (كما في الجب والعنة) ش: أي ينوب القاضي منابه في التفريق فيما إذا وجدت زوجها مجبوبا أو عنينا. وجه القياس: دفع الضرر عنها عند فوت الإمساك بالمعروف.
م: (ولنا أنه ظلمها بمنع حقها) ش: والمستحق عليه وهو الوطء في المدة م: (فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة) ش: تخليصا لها عن ضرر التعليق ولا يجعل التخلص بالرجعي فوقع بائنا، ولأن الإيلاء كان طلاقا بائنا على الفور في الجاهلية، بحيث لا يقربها الزوج بعد الإيلاء أبدا فجعله الشرع مؤجلا بقوله تعالى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] إلى انقضاء المدة، فحصلت الإشارة إلى أن الواقع بالإيلاء بائن لكنه مؤجل.
م: (وهو المأثور) ش: أي مذهبنا، وهو وقوع البينونة بعد مضي مدة الإيلاء مروي م: (عن عثمان وعلي) ش: أما المأثور عن عثمان فقد رواه عبد الرزاق في مصنفه حدثنا معمر عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كانا يقولان في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة واحدة، وهي أحق بنفسها، وتعتد عدة المطلقة م: (والعبادلة الثلاثة) ش: وهم عند الفقهاء عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وعن المحدثين هم أربعة: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو، ولم يذكروا فيهم عبد الله بن مسعود، لأنه من كبار الصحابة، فلا يدخل فيهم، كذا في " المغرب ".
وقال الأترازي: وفيه نظر، لأن مالكاً حدث في " الموطأ " عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه كان يقول: إذا آلى رجل من امرأته لم يقع عليه الطلاق. فإن مضت الأربعة الأشهر حتى توقف، فإما أن يطلق، وإما أن يفيء، وكذلك روى البخاري في " الصحيح " أنه لا يقع الطلاق، حتى يطلق، ونقل ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر(5/490)
وزيد بن ثابت - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وكفى بهم قدوة، ولأنه كان طلاقا في الجاهلية، فحكم الشرع بتأجيله إلى انقضاء المدة.
فإن كان حلف على أربعة أشهر. فقد سقطت؛ لأنها كانت مؤقتة به. وإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية؛ لأنها مطلقة ولم يوجد الحنث لترتفع به، إلا أنه لا يتكرر الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأبي الدرداء وعائشة، واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعلم أن عثمان وعلي وابن عمر ليس كما قال صاحب " الهداية "، على ما قال البخاري. انتهى. قلت: روى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وقالا: إذا آلى فلم يف حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وأخرج نحوه عن ابن الحنفية، والشعبي، والنخعي، ومسروق، والحسن، وابن سيرين، وقبيصة، وسالم، وأبي سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، انتهى.
قلت: قد علم أن الذي قاله صاحب " الهداية " عن ابن عمر مثل ما قاله، وكذلك الذي قاله عن عثمان وعلي مثل ما قاله، كما مر الآن عن عبد الرزاق.
م: (وزيد بن ثابت) ش: وقد مر الآن عن عبد الرزاق الذي رواه زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري كاتب وحي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وكفى بهم قدوة) ش: أي وكفى بهم قدوة، أي كفى بالمذكورين من عثمان وعلي والعبادلة وزيد بن ثابت اقتداء، وكذلك غيرهم من الصحابة والتابعين على أصحابنا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإيلاء م: (كان طلاقاً في الجاهلية، فحكم الشرع بتأجيله إلى انقضاء المدة) ش: المذكورة في النص، فإن فاء في المدة حنث في يمينه وتلزمه الكفارة وإلا تقع طلقة بائنة بمضي المدة كما مر بيانه.
[الرجل حلف وقال لزوجته والله لا أقربك أربعة أشهر]
م: (فإن كان حلف على أربعة أشهر) ش: أي فإن كان الرجل حلف وقال: والله لا أقربك أربعة أشهر، وهذا الفصل حكم الإيلاء على تقدير عدم الوطء في المدة، وهو أن يقال: لا يخلو من أحد الأمرين: أحدهما: أن يحلف على أربعة أشهر فمضت المدة م: (فقد سقطت اليمين، لأنها كانت مؤقتة به) ش: أي يحلف على أربعة أشهر، والآخر هو قوله: م: (وإن كان حلف على الأبد) ش: بأن قال: والله لا أقربك أبداً، أو قال: والله لا أقربك فقط بدون ذكر الأبد ومضت المدة ووقعت البينونة م: (فاليمين باقية لأنها مطلقة) ش: أي لأن اليمين مطلقة عن الوقت، فكان مؤبداً م: (ولم يوجد الحنث) ش: يعني الموجب للحنث، وهو الوطء م: (لترتفع به) ش: أي لترتفع اليمين بالحنث، لأنها كانت مؤبدة فبقيت على حالها.
م: (إلا أنه لا يتكرر الطلاق) ش: استثناء من قوله: واليمين باقية لعدم الحنث، حتى وجد(5/491)
قبل وجود التزوج، لأنه لم يوجد منع الحق بعد البينونة. فإن عاد فتزوجها عاد الإيلاء، فإن وطئها وإلا وقعت بمضي أربعة أشهر أخرى، لأن اليمين باقية لإطلاقها، وبالتزوج ثبت حقها فيتحقق الظلم، ويعتبر ابتداء هذه المدة من وقت التزوج. فإن تزوجها ثالثا عاد الإيلاء ووقعت بمضي أربعة أشهر أخرى إن لم يقربها لما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوطء بعد الوطء يلزمه الكفارة، لكنه لا يتكرر الطلاق بمضي المدة الأخرى.
م: (قبل وجود التزوج) ش: وإن كانت في العدة بأن كانت ممتدة الطهر مثلاً. قال الكاكي: هذا احتراز عن قول أبي سهل البرعي، فإنه قال: ينعقد اليمين بعد مضي أربعة أشهر أخرى قبل انقضاء عدتها وتقع تطليقة بمضيها، وكذا الثالثة لأن معنى الإيلاء كلما مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق. ولو صرح بها كان الحكم فيه ما بيناه، فكذا هذا.
وقال الأترازي: وقال الشيخ النسفي في " شرح الجامع الكبير ": ولا نص في هذه المسألة يعني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. واختلف مشايخنا فيها: كان الشيخ أبو بكر الأعمش، والفقيه محمد بن إبراهيم الميداني، والفقيه الجليل ابن أحمد العياضي والشيخ أبو الحسن الكرخي، والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل، والفقيه أبو إسحاق الحافظ يقولان: لا يتكرر الطلاق على المولى منها، وإن تكررت المدة وهو في العدة. وقال الفقيه ابن سهل: يتكرر الطلاق بتكرر المدة، وقدمنا كلامه.
فأما وجه هؤلاء فقد أشار إليه المصنف بقوله م: (لأنه لم يوجد منع الحق بعد البينونة) ش: إذ لا حق لها في الجماع بعد البينونة، فلا يكون الرجل ظالماً م: (فإن عاد فتزوجها) ش: أي وإن عاد هذا الرجل المولي وتزوج هذه المرأة بعد البينونة بمضي أربعة أشهر، وبعد انقضاء عدتها م: (عاد الإيلاء، فإن وطئها) ش: في المدة م: (وإلا وقعت بمضي أربعة أشهر) ش: طلقة م: (أخرى، لأن اليمين باقية لإطلاقها وبالتزوج ثبت حقها) ش: وهو الوطء، وقد منع الزوج ذلك لبقاء يمينه م: (فيتحقق الظلم) ش: فيؤول بالطلاق البائن م: (ويعتبر ابتداء هذه المدة) ش: أي مدة الإيلاء الثاني م: (من وقت التزوج) ش: قيل هذا احتراز عما إذا تزوجها قبل انقضاء العدة فإن ذلك الإيلاء يعتبر من وقت الطلاق لا من وقت التزوج، كذا ذكره التمرتاشي.
م: (فإن تزوجها ثالثاً) ش: قال الأترازي: وفي بعض النسخ ثانياً، ولكل وجه.
أما الأول: فبالنظر إلى التزوج قبل الإيلاء. وأما الثاني: فبالنظر إلى التزوج بعد الإيلاء م: (عاد الإيلاء ووقعت بمضي أربعة أشهر أخرى) ش: أي طلقة أخرى م: (إن لم يقربها لما بيناه) ش: أشار به إلى قوله، لأن اليمين باقية لإطلاقها، وبالتزوج ثبت حقها فيتحقق الظلم.(5/492)
فإن تزوجها بعد زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق لتقيده بطلاق هذا الملك، وهي فرع مسألة التخيير الخلافية، وقد مر من قبل. واليمين باقية لإطلاقها وعدم الحنث فإن وطئها كفر عن يمينه لوجود الحنث، فإن حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا؛ لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[آلى الرجل من امرأته لا يقربها ثم طلقها]
م: (فإن تزوجها بعد زوج آخر لم يقع بذلك الإيلاء طلاق لتقيده بطلاق هذا الملك) ش: لأنه بمنزلة التعليق بعد القربان، وتعليق الطلاق ينحصر في طلاق ذلك الملك الذي حصل فيه التعليق م: (وهي) ش: أي هذه المسألة م: (فرع مسألة التخيير الخلافية) ش: فإنه يبطل التعليق عندنا، خلافاً لزفر م: (وقد مر من قبل) ش: أي في باب الأيمان في الطلاق م: (واليمين باقية لإطلاقها) ش: أي لإطلاق اليمين، فتكون باقية بعد الطلاق الثالث م: (وعدم الحنث) ش: بالجر عطف على إطلاقها، أي لإطلاق اليمين فتكون باقية بعد الطلاق الثالث وعدم الحنث بالجر عطف على إطلاقها أي ولعدم الحنث، إذ الكلام فيما إذا لم يطأها، قال في " المبسوط ": وإذا آلى الرجل من امرأته لا يقربها ثم طلقها يبطل الإيلاء عندنا، خلافاً لزفر، ولأن الإيلاء طلاق مؤجل، فإنما ينعقد على التطليقات المملوكة، ولم يبق شيء منها بعد وقوع الثلاث عليها، وكذا لو بانت بالإيلاء ثلاث مرات ثم تزوجها بعد زوج آخر يكون مولياً إلا عند زفر. وأما الكفارة عند الوطء فلبقاء اليمين، وإطلاقها وجود الحنث.
م: (فإن وطئها كفر عن يمينه لوجود الحنث) ش: فاليمين انحلت ووجبت الكفارة م: (فإن حلف على أقل من أربعة أشهر) ش: بأن يقول لا أقربك شهراً وهو وضع " المبسوط " أو قال: لا أقربك شهرين أو ثلاثة أشهر م: (لم يكن مولياً) ش: وبه قال الأئمة الأربعة، وأكثر العلماء منهم سعيد بن جبير، وطاوس، والأوزاعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، واختاره ابن المنذر وهو نص القرآن.
وقال إبراهيم النخعي وقتادة وحماد وابن أبي ليلى وإسحاق: من حلف على قليل المدة أو كثيرها فتركها أربعة أشهر فهو مول، وتضرب تلك المدة بثلاثة، وبه قالت الظاهرية، وفي التحرير فكان أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول به، ثم رجع إلى قول ابن عباس لما صح عنده.
م: (لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر) ش: قال في الأصل: بلغنا ذلك عن ابن عباس، كذا نقله الأترازي واكتفى به، وغيره من الشراح سكتوا عن تخريجه، والأخصام لا يرضون بذلك.
قلت: روى هذا ابن أبي شيبة في "مصنفه " (من) حديث علي بن مسهر عن سعيد عن عامر الأحول عن عطاء عن ابن عباس قال: إذا آلى من امرأته شهرا أو شهرين أو ثلاثة ما لم يبلغ الحد فليس بإيلاء. وأخرج نحوه عن عطاء وطاوس وسعيد بن جبير والشعبي.(5/493)
ولأن الامتناع عن قربانها في أكثر المدة بلا مانع وبمثله لا يثبت حكم الطلاق فيه.
ولو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين فهو مول؛ لأنه جمع بينهما بحرف الجمع، فصار كالجمع بلفظ الجمع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قيل: فتوى ابن عباس مخالفة للنص ظاهراً، لأنه تعالى أطلق الإيلاء وقيد التربص بمدة، وذلك يقتضي أن من آلى من امرأته ولو مدة يسيرة كيوم أو ساعة يلزمه تربص أربعة أشهر، فالتقييد بمدة زيادة على النص، وهو لا يجوز بفتوى ابن عباس.
وأجيب: بأن فتواه تفسيراً للنص لا لتقييده، لأن الرأي لا دخل له في المقدرات الشرعية.
م: (ولأن الامتناع عن قربانها في أكثر المدة بلا مانع) ش: خبر لأن، أي لأن الامتناع عن القربان حاصل بلا مانع، وأراد بالمانع اليمين بيانه أن المولي من ترك قربانها في المدة، ويلزم شيء، وهنا يتمكن من قربانها بمضي الشهر من غير شيء، فلم يكن مولياً، كما لو ترك مجامعتها في المدة من غير يمين، كذا في " المبسوط ". وقال الأترازي: وقيل: أكثر المدة ليس بتقدير لازم، لأن الامتناع عن القربان بلا مانع ربما يكون في أقل المدة بأن حلف لا يقربها ثلاثة أشهر مثلاً، فبعد مضي ثلاثة أشهر يبقى شهراً آخر إلى تمام المدة، والامتناع فيه بلا مانع لا محالة، فلو قال صاحب " الهداية " - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في بعض المدة بدل قوله: في أكثر المدة لكان أولى، لأن البعض أعم وأشمل. وقال الكاكي في قوله: أكثر المدة، أي مدة الإيلاء هو مثلا بثلاثة أشهر قوله بلا مانع وهو لزوم شيء. قيل: هو مشكل لجواز أن يحلف على ثلاثة أشهر، فلا يكون الامتناع عن القربان في أكثر المدة بلا مانع، وأجيب عنه: أن وضع المسألة في الأصل فيمن حلف لا يقربها شهرا فعند الجمهور لا يكون موليا. وعند ابن أبي ليلى يكون موليا حتى لو لم يقربها أربعة أشهر تطلق، وقال في جوابه: الامتناع عن القربان في أكثر المدة بلا مانع، لأن المانع وهو اليمين معدوم في ثلاثة أشهر من هذه المدة. وقيل: المراد بالأكثر أربعة أشهر وهو جمع المدة، سماها أكثر باعتبار هذا الحلف، لأنها أكثر منها، وإذا كان كذلك فلا شك أن المانع غير موجود في جميع الصور التي دون تلك المدة. وإن وجد المانع في البعض لانتفاء المجموع بانتفاء البعض، وهذا ضعيف، وإنما يصح أن لو قال أكثر المدتين، كذا في " الكافي ". وقيل: لفظ الأكثر وقع مقحماً.
م: (وبمثله) ش: أي ومثل هذا الامتناع وهو بلا مانع يمين م: (لا يثبت حكم الطلاق فيه) ش: لأنه يمكنه القربان في بعض المدة بلا شيء فلا يتحقق الإيلاء.
[قال والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين]
م: (ولو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين فهو مول؛ لأنه جمع بينهما بحرف الجمع) ش: وهو الواو م: (فصار كالجمع بلفظ الجمع) ش: وفي بعض النسخ م: (فصار كجمعه) ش: أي كجمع المولي بلفظ الجمع، أي فصار كأنه قال: لا أقربك أربعة أشهر، فيكون مولياً، وما حكي فيه خلاف. ولهذا لو قال: لا أكلمك يوماً ويومين يصير مدة اليمين ثلاثة أيام، وكذا لو(5/494)
ولو مكث يوما ثم قال: والله لا أقربك شهرين بعد الشهرين الأولين لم يكن موليا؛ لأن الثاني إيجاب مبتدأ، وقد صار ممنوعا بعد اليمين الأولى بشهرين، وبعد الثانية أربعة أشهر إلا يوما مكث فيه، فلم تتكامل مدة المنع.
ولو قال: والله لا أقربك سنة إلا يوما لم يكن موليا، خلافا لزفر، وهو يصرف الاستثناء إلى آخرها اعتبارا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: بعت هذا إلى شهرين وشهرين كان الأجل شهرين كذا في " قاضي خان ". وفي " جوامع الفقه " قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين وشهرين قبل شهرين، أو قال: وشهرين بعد شهرين، فهو كقوله أربعة أشهر.
م: (ولو مكث يوماً) ش: صرح قاضي خان يوماً أو ساعة، وكذا صرح المحبوبي ساعة، وقيل: تكرير اليمين في مجلسين أو مجالس، وهما أقل من يوم متحد يخير عند أبي حنيفة وأبي يوسف، فقيد مكثه بيوم لتكون المسألة اتفاقية م: (ثم قال: والله لا أقربك شهرين بعد الشهرين الأولين لم يكن مولياً) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور م: (لأن الثاني) ش: أي الكلام الثاني م: (إيجاب مبتدأ) ش: أي إيجاب يمين مبتدأ م: (وقد صار ممنوعاً بعد اليمين الأولى بشهرين، وبعد الثانية) ش: أي اليمين الثانية م: (أربعة أشهر إلا يوما مكث فيه فلم تتكامل مدة المنع) ش: فلا يكون موليا. والأصل في ذلك أنه إذا لم يعد اسم الله تعالى في المعطوف ولا حرف النفي، ولم يمكث بينهما ساعة دخل المعطوف في حكم المعطوف عليه، كما في المسألة الأولى. وأما إذا فات أحد الأمور المذكورة فقد كان إيجابا مبتدأ وعلى هذا لا يكون في المسألة الثانية مولياً لفوات الأمور الثلاثة لوجود المكث يوماً، إعادة اسم الله وحرف النفي، فقد صار ممنوعاً إلى آخر ما ذكره المصنف، وإذا لم يكن مولياً هنا يكون كلامه يمينين مستثنيين، ويلزمه بالقربان كفارتان.
[قال والله لا أقربك سنة إلا يوما]
م: (ولو قال: والله لا أقربك سنة إلا يوماً لم يكن مولياً) ش: في حق وقوع الطلاق، ولكن لو قربها في هذه المدة تلزمه الكفارة، قاله تاج الشريعة. وقال الأترازي: المراد من قوله: لم يكن مولياً أي في الحال، لأنه يكون مولياً إذا قربها يوماً ومضى ذلك اليوم بغروب الشمس، وبقي بعده، أي تمام السنة أربعة أشهر فصاعداً. فإن لم يبق أربعة أشهر لا يكون موليا إلا إذا قربها مرة فبقي بعد القربان في السنة أربعة أشهر فصاعدا، وعلى ذلك نص في " المبسوط " و " شرح الطحاوي ".
م: (خلافاً لزفر) ش: فإنه يكون مولياً عنده، وبه قال الشافعي. وذكر شمس الأئمة البيهقي في كتاب " الشامل " فيه قياس واستحسان. وقال: يصير مولياً قياساً، ولا يصير مولياً استحساناً، ولم يذكرهما الحاكم في " الكافي " وشمس الأئمة السرخسي في مبسوطه، وهو " شرح الكافي "، وكذا لم يذكرهما في " شرح الطحاوي " وغير ذلك م: (وهو) ش: أي زفر م: (يصرف الاستثناء) ش: وهو قوله: إلا يوماً م: (إلى آخرها) ش: أي إلى آخر السنة م: (اعتباراً(5/495)
بالإجارة تمت مدة المنع. ولنا أن المولي من لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه، وهاهنا يمكنه، لأن المستثنى يوم منكر بخلاف الإجارة؛ لأن الصرف إلى الآخر لتصحيحها فإنها لا تصح مع التنكير ولا كذلك اليمين. فإن قربها في يوم والباقي أربعة أشهر أو أكثر صار موليا لسقوط الاستثناء. ولو قال وهو بالبصرة والله لا أدخل الكوفة وامرأته بها لم يكن موليا؛ لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه بالإخراج من الكوفة. قال: ولو حلف بحج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالإجارة) ش: أي كما إذا آجر داره سنة إلا يوماً، ولهذا لو قال: والله لا أقربك السنة إلا نقصان يوم، يصرف اليوم إلى آخر السنة بالاتفاق، م: (تمت مدة المنع) ش: أي فيصرف الاستثناء إلى آخر السنة تتم مدة المنع.
م: (ولنا أن المولي من لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه وهاهنا يمكنه) ش: أي يمكن المولي هنا قربان المرأة بلا شيء يلزمه في يوم واحد، أي يوم كان من أيام السنة فلا يكون مولياً، وبين هذا بقوله م: (لأن المستثنى يوم منكر) ش: مجهول شائع في فصول السنة، فلا يعتبر صرفه إلى آخر السنة إجراء لكلامه على حقيقته، لأن اليمين مع الجهالة لا يصح بلا ضرورة أن يراد به آخر السنة م: (بخلاف الإجارة؛ لأن الصرف) ش: أي صرف اليوم م: (إلى الآخر) ش: أي إلى آخر السنة م: (لتصحيحها) ش: أي لتصحيح الإجارة م: (فإنها) ش: أي فإن الإجارة م: (لا تصح مع التنكير) ش: لعدم حصول المقصود، وهو التمكن من استيفاء المنفعة.
م: (ولا كذلك اليمين) ش: لأنها تصح مع الجهالة كما ذكرنا، فافترقت المسألتان م: (فإن قربها في يوم) ش: وفي بعض النسخ ولو قربها في بعض يوم، أي في المسألة المذكورة م: (والباقي أربعة أشهر أو أكثر صار مولياً لسقوط الاستثناء) ش: وقد مر الكلام فيه عن قريب.
[قال وهو بالبصرة والله لا أدخل الكوفة وامرأته بها هل يكون موليا]
م: (ولو قال وهو بالبصرة) ش: أي والحال أنه كان بالبصرة م: (والله لا أدخل الكوفة وامرأته بها) ش: أي والحال أن امرأته بالكوفة م: (لم يكن مولياً، لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه بالإخراج من الكوفة) ش: لوكيله أو نائبه قبل مضي أربعة أشهر فيقربها فلا يتحقق معنى الإيلاء. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": وإن حلف لا يقربها في مكان كذا، أو في مصر كذا أو في أرض العراق لم يكن مولياً، لأنه يقدر أن يخرجها من أرض العراق قبل مضي أربعة أشهر فيطأها بغير حنث.
وقال ابن أبي ليلى: هو مول. وفي " جوامع الفقه ": لو كان في بلد وامرأته في بلد آخر، وقال: والله لا أدخل وبينهما أقل من ثمانية أشهر لا يصير مولياً لجواز أنها تخرج فيلقيان في أقل من أربعة أشهر. وفي المرغيناني، وقاضي خان: لو كان بينه وبينها مسيرة أربعة أشهر ففيؤه باللسان، ولم يعتبر خروج كل واحد منهما إلى صاحبه.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو حلف بحج) ش: إن قربتك فعلي حج البيت أو العمرة أو(5/496)
أو بصوم أو بصدقة أو عتق أو طلاق فهو مول لتحقق المنع باليمين وهو ذكر الشرط والجزاء، وهذه الأجزية مانعة لما فيها من المشقة،
وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبده، وفيه خلاف أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول يمكنه البيع، ثم القربان فلا يلزمه شيء، وهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشي إلى بيت الله م: (أو بصوم) ش: بأن قال: إن قربتك فعلي صوم سنة م: (أو صدقة أو عتق) ش: بأن قال: إن قربتك فعلي عتق رقبة م: (أو طلاق) ش: بأن قال: إن قربتك فضرتك طالق م: (فهو مول) ش: في كل الصورة المذكورة على ظاهر الرواية عن أصحابنا، ففي بعضها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى م: (لتحقق المنع) ش: عن القربان م: (باليمين، وهو ذكر الشرط والجزاء وهذه الأجزية) ش: أشار بها إلى الحج والصوم والصدقة والعتق والطلاق م: (مانعة) ش: أي مانعة من الشرط، يعني أن الجزاء الذي في وقوعه مشقة على الحالف مانع من مباشرة الشرط م: (لما فيها) ش: أي في الأجزية م: (من المشقة) ش: لأنه إذا باشر الشرط يقع الجزاء لا محالة، فتحصل المشقة، فيكون الجزاء مانعاً، وبقولنا قال مالك في الأظهر.
وعنه أن الإيلاء لا يكون إلا باليمين بالله تعالى، أو بصفاته الذاتية، كقول الظاهرية، وقال ابن عباس: كل يمين منعت الجماع فهي إيلاء، وبه قال الشعبي والنخعي وأهل الحجاز وأهل العراق وأبو ثور وأبو عبيد، واختاره ابن المنذر.
وقال ابن المنذر: الصحيح في قول الشافعي بمصر أن كل يمين منعت الجماع فهي إيلاء، وهذا هو الجديد. ولو قال: إن قربتك فعلي صلاة أو صلاة ركعتين أو (..) فليس بمول. وقال محمد: مول، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر والحسن، وهو قول أبي يوسف أولاً. ولو قال: فعلي اتباع الجنازة أو سجدة التلاوة أو قراءة القرآن أو الصلاة في بيت المقدس، أو تسبيحة فليس بمول اتفاقا. ولو قال: فعلي أن أتصدق بكذا على هذا المسكين لم يصح، لأنه لما عين كان حق العبد، وكذا في مالي هبة في المساكين لم يصح، إلا أن ينوي التصدق به.
وفي الخزانة: عن أبي حنيفة قال: إن قربتك فعلي أن أتصدق بهذه الدراهم على هؤلاء المساكين لم يصر مولياً. ولو قال: والله لا أقربك حتى ينزل عيسى بن مريم أو يخرج الدجال أو يأجوج ومأجوج أو الدابة أو تطلع الشمس من مغربها فهو مول استحساناً، وهو الصحيح من مذهب الشافعي. ولو قال: والله لا أقربك حتى تصعدي السماء أو حتى يشيب الغراب فهو يصير مولياً.
[يعلق بقربان زوجته عتق عبده]
م: (وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبده) ش: إنما عين بيان صورة الحلف بقربان امرأته بعتق عبده، لأن فيه خلافا لأبي يوسف، ذكره شمس الأئمة السرخسي في مبسوطه أشار إليه بقوله م: (وفيه خلاف أبي يوسف، فإنه) ش: أي فإن أبا يوسف م: (يقول: يمكنه البيع) ش: بأن يبيع عبده م: (ثم القربان) ش: أي ثم يمكنه قربان امرأته بعد بيع العبد م: (فلا يلزمه شيء وهما) ش:(5/497)
يقولان البيع موهوم، فلا يمنع المانعية فيه، والحلف بالطلاق أن يعلق بقربانها طلاقها أو طلاق صاحبتها، وكل ذلك مانع.
وإن آلى من المطلقة الرجعية كان موليا، وإن آلى من البائنة لم يكن موليا؛ لأن الزوجية قائمة في الأولى دون البائنة، ومحل الإيلاء من تكون من نسائنا بالنص، فلو انقضت العدة قبل انقضاء مدة الإيلاء سقط الإيلاء لفوات المحلية. ولو قال لأجنبية: والله لا أقربك أو أنت علي كظهر أمي ثم تزوجها لم يكن موليا ولا مظاهرا؛ لأن الكلام في مخرجه وقع باطلا لانعدام المحلية، فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك. وإن قربها كفر لتحقق الحنث؛ إذ اليمين منعقدة في حقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي أبو حنيفة ومحمد م: (يقولان: البيع موهوم) ش: يعني يحتمل أن يبيع، ويحتمل أن لا يبيع م: (فلا يمنع المانعية فيه) ش: أي في الإيلاء، ولكن إن باع العبد سقط الإيلاء، إلا أنه صار بحال يملك قربانها من غير أن يلزمه شيء، فإن اشتراه لزمه الإيلاء من وقت الشراء، وكذا إن ملكه بإرث خلافاً لمالك. ولو جامعها بعدما باعه ثم اشتراه لم يكن موليا لسقوط اليمين، لوجود شرط الحنث بعد بيع العبد. فإن مات العبد قبل أن يبيعه سقط الإيلاء، لأنه يمكنه من قربانها بعد موته من غير أن يلزمه شيء.
م: (والحلف بالطلاق أن يعلق بقربانها طلاق أو صلاة صاحبتها) ش: ذكر في " شرح الطحاوي " و" المختلف " أن أبا يوسف قال: لا يكون مولياً م: (وكل ذلك مانع) ش: أي كل الأجزية المذكورة مانع من الوطء على ما ذكرنا.
[آلى من المطلقة الرجعية]
م: (وإن آلى من المطلقة الرجعية كان مولياً) ش: بإجماع الأئمة الأربعة وجمهور العلماء إلا رواية عن أحمد م: (وإن آلى من) ش: المطلقة م: (البائنة لم يكن مولياً؛ لأن الزوجية قائمة في الأولى) ش: أي في المطلقة الرجعية م: (دون البائنة) ش: أي دون المطلقة البائنة م: (ومحل الإيلاء من أن تكون من نسائنا بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] (البقرة: الآية 226) ، وبعد الإبانة تنتفي الزوجية، لكنها إذا وطئها تلزمه الكفارة، إلا أنه ليس بمول في حق الطلاق دون الكفارة، بخلاف المعتدة الرجعية، حيث يصح إيلاؤها لقيام الزوجية، لأن وطأها مباح عندنا م: (فلو انقضت العدة قبل انقضاء مدة الإيلاء سقط الإيلاء لفوات المحلية) ش: أي لأن محل الإيلاء فات. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": ولو آلى من أمته أو أم ولده لم يكن مولياً، وإن قربها كفر.
م: (ولو قال لأجنبية: والله لا أقربك، أو أنت علي كظهر أمي، ثم تزوجها لم يكن مولياً ولا مظاهراً؛ لأن الكلام في مخرجه وقع باطلاً لانعدام المحلية فلا ينقلب صحيحاً بعد ذلك) ش: أي بعد وقوع الكلام باطلاً م: (وإن قربها كفر لتحقق الحنث إذ اليمين منعقدة في حقه) ش: أي في حق الحنث، هذا في قوله: والله لا أقربك لا في قوله: أنت علي كظهر أمي، لأن الأولى يمين دون(5/498)
ومدة إيلاء الأمة شهران لأن هذه المدة ضربت أجلا للبينونة فتتنصف بالرق كمدة العدة.
وإن كان المولي مريضا لا يقدر على الجماع، أو كانت المرأة مريضة، أو رتقاء، أو صغيرة لا تجامع، أو كانت بينهما مسافة لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء ففيؤه أن يقول بلسانه فئت إليها في مدة الإيلاء، فإن قال ذلك سقط الإيلاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثانية.
[مدة إيلاء الأمة]
م: (ومدة إيلاء الأمة شهران) ش: حرا كان زوجها أو عبدا، وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وبه قال الحسن والشعبي وقتادة والنخعي والثوري، وهو رواية عن مالك وأحمد، والمشهور من مذهب مالك إيلاء العبد شهران على الحرة والأمة، وهو قول عطاء والزهري وإسحاق، ورواية أحمد. وقال الشافعي وأحمد في ظاهر الرواية عنه وابن المنذر والظاهرية إن الحر والعبد والحرة والأمة سواء، ومدة الكل أربعة أشهر، وبه قال أبو ثور وأبو سليمان، ومدة إيلاء الأمة شهران.
م: (لأن هذه المدة) ش: أي مدة الإيلاء م: (مدة ضربت أجلاً للبينونة، فتتنصف بالرق) ش: أي بسبب الرق، كما في طلاقها ثنتان وعدتها حيضتان م: (كمدة العدة) ش: حيث ينصف الرق وقال الأترازي: لي فيه نظر، أي في تعليل المصنف بقوله مدة ضربت أجلاً، لأن لقائل أن يقول: لا نسلم أن مدة الإيلاء شرعت أجلاً للبينونة، لأن عند مالك والشافعي يكون الزوج مخيرا بعد انقضاء المدة بين أن يفيء إليهما أو يطلق، فإن طلقها يكون له عليها الرجعة ما دامت في العدة، فلا يكون حينئذ مدة الإيلاء أجلاً للبينونة، فلا يصح قياسها على مدة العدة لعدم الجامع بين المقيس والمقيس عليه، وهو كون المدة أجلاً للبينونة، انتهى. قلت: الجامع موجود فيكون الرق منصفا لحل المحلية.
[المولي مريضا لا يقدرعلى الجماع أو كانت المرأة مريضة أو رتقاء]
م: (وإن كان المولي مريضاً لا يقدر على الجماع، أو كانت المرأة مريضة أو رتقاء) ش: أي بينة الرتق، يعني لم يكن لها طرق إلى الميال م: (أو صغيرة لا تجامع) ش: مثلها م: (أو كانت بينهما مسافة) ش: بأن يكون بينهما مسافة بأن يكون مسيرة أربعة أشهر فصاعداً م: (لا يقدر أن يصل إليها في مدة الإيلاء ففيؤه أن يقول بلسانه: فئت إليها، فإن قال ذلك سقط الإيلاء) ش: وإن قربها كفر.
وفي " جوامع الفقه ": لو عجز عن جماعها لرتقها أو قرنها أو صغرها أو الجب أو العنة، أو كان أسيرا في دار الحرب، أو لكونها ممتنعة، أو كانت في مكان لا يعرف وهي ناشزة، أو بينهما أربعة أشهر أو حال القاضي بينهما بشهادة الطلاق الثلاث، ففيؤه باللسان بأن يقول: فئت إليها أو رجعت أو راجعتها أو ارتجعتها أو أبطلت إيلاءها بشرط تمام العجز إلى تمام المدة.
وفي البدائع أو كان محبوساً. وفي شرح الطحاوي: أو آلى منها وهي مجنونة أو هو محبوس، أو كانت بينهما أقل من أربعة أشهر، إلا أن السلطان والعدو يمنعه من ذلك لا يكون(5/499)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا فيء إلا بالجماع، وإليه ذهب الطحاوي لأنه لو كان فيئا لكان حنثا. ولنا أنه آذاها بذكره المنع، فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان، وإذا ارتفع الظلم لا يجازى بالطلاق. ولو قدر على الجماع في المدة بطل ذلك الفيء، وصار فيؤه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيؤه باللسان. قال: ويمكن أن يفرق بين القولين في الحبس بأن يحمل ما ذكر في " شرح المختصر " على إمكان الوصول إلى السجن وأن تدخل عليه ليجامعها، ومنع العدو والسلطان نادر على شرف الزوال والحبس بحق لا يعتبر في الفيء باللسان، وبظلم يعتبر كالغالب.
وفي " خزانة الأكمل ": المريض فيؤه بقلبه ولسانه، وفيه أيضا لو كانت مريضة أو صغيرة لا يجامع مثلها ففيؤه بالرضا بالقلب، وفي المرغيناني: لا يكون الفيء بالقلب. بالقلب. وذكر الجرجاني لو فاء بقلبه، ولم يتكلم بلسانه ومضت المدة إن صدقته كان فيئاً. وفي المغني قال في الفيء متى قدرت جامعتك.
م: (وقال الشافعي: لا فيء إلا بالجماع) ش: وهو قول سعيد بن جبير، وبه قال أبو ثور، واختاره الناطقي م: (وإليه ذهب الطحاوي) ش: أي إلى قول الشافعي ذهب الإمام أبو جعفر الطحاوي على ما نقل عنه فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ". قال الأترازي: فيه نظر، لأن الطحاوي جعل في المولي باللسان إن كان بينه وبين امرأته مسيرة أربعة أشهر وأكثر منها، أو آلى وهو مريض، أو هي مريضة لا سعة إلى قربها في "مختصره".
قلت: نظره غير وارد، لأن الذي نقله عنه يرد نظره، لأنه جعل ذلك عند العجز، وأما عند القدرة فالفيء بالجماع هو الأصل، وكذلك نقل عن الشافعي حيث قالوا: ولا خلاف للشافعي، إذ الفيء باللسان إنما يعتبره عند العجز عن الوطء.
م: (لأنه لو كان فيئا لكان حنثاً) ش: لأن المعلق بالفيء حكمان: الكفارة وامتناع حكم الفرقة، ثم الفيء باللسان لا يعتبر في حق الكفارة، فكذا في الآخر. وتحقيقه عن الفيء رجوع عن الظلم المعلق بالبر، فيكون الفيء بترك البر وترك البر بما يضاده، وهو الحنث إذا لم يكن الفيء باللسان حنثا لا يصير به الإنسان تاركاً للبر، فلا يكون فيئاً.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن الزوج م: (آذاها) ش: أي آذى المرأة م: (بذكره المنع) ش: أي بمنع حقها من الجماع م: (فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان) ش: لأن الزوج إذا كان عاجزا عن الجماع حالة الإيلاء لم يكن قصده الإضرار بمنعها حقها في الجماع، إذ لا حق لها فيه حينئذ، وإنما قصده الإيحاش باللسان، ومثل هذا الظلم يرتفع باللسان م: (وإذا ارتفع الظلم لا يجازى بالطلاق) ش: لأن التوبة تجب الجناية م: (ولو قدر على الجماع في المدة) ش: وفي بعض النسخ فإن قدر، أي المولي المريض على أن يجامعها في مدة الإيلاء م: (بطل ذلك الفيء) ش: الذي كان باللسان م: (وصار فيؤه(5/500)
بالجماع، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالحلف. وإذا قال لامرأته أنت علي حرام سئل عن نيته، فإن قال: أردت الكذب فهو كما قال؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، قيل لا يصدق في القضاء، لأنه يمين ظاهرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالجماع، لأنه قدر على الأصل) ش: الذي هو بالجماع م: (قبل حصول المقصود بالحلف) ش: وهو الفيء باللسان، فصار كالمتيمم إذا وجد الماء في خلاله صلاته، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة.
[قال لامرأته أنت علي حرام]
م: (وإذا قال لامرأته أنت علي حرام) ش: هذا كلام مبهم محتمل وجوه، ولا يمتاز البعض عن البعض إلا بالإرادة، ولأجل ذلك قال م: (سئل عن نيته، فإن قال: أردت الكذب فهو كما قال) ش: يعني يكون كذبا م: (لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: لأنها حلال له، فلا يقع به طلاق الإيلاء، ولا غير ذلك م: (وقيل: لا يصدق في القضاء؛ لأنه يمين ظاهر) ش: لأنه تحريم الحلال. وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيصدق، وهذا القول منقول عن الطحاوي والكرخي فإنهما قالا في "مختصريهما" إنه لا يصدق في إبطال الإيلاء في القضاء.
وقد اختلف أهل العلم في لفظة الحرام اختلافا شديداً يرتقي إلى خمسة عشر مذهباً:
الأول: أنه سئل عن نيته، وهو قول أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه قال الحسن البصري، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ورواية عن أحمد، وسليمان بن يسار، وقتادة، والأوزاعي، وأبو ثور. وكان ابن عباس يقول: هو يمين.
الثاني: أن الحرام ثلاث، روي ذلك عن علي وزيد بن ثابت، وابن عمر، وبه قال الحكم، وابن أبي ليلى، ومالك إلا أنه قال: ينوي في غير المدخول بها.
الثالث: أن فيه كفارة الظهار مروي عن ابن عباس، وبه قال أبو قلابة وأحمد.
الرابع: هو على ما نوى ثنتان فثنتان، هذا قول الزهري، وزفر.
الخامس: أنه تطليقة بائنة لا غير، وهو قول حماد بن أبي سليمان.
السادس: التوقف فيه، روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: ما أنا بمحلها ولا بمحرمها عليك، ولا آمرك أن تتقدم وإن شئت فاختر.
السابع: إذا لم تكن نيته فليس بشيء، روي ذلك رواية أخرى عن النخعي وعند الشافعية فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مثل الرواية عن النخعي. الثاني: أن فيه الكفارة. والثالث: صريح في حرمة الأمة كناية في حق الحرة. وإن نوى به الطلاق فهي طلقة رجعية، وإن نوى ثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى. وإن نوى ظهارا فهو ظهار، وإن نوى التحريم فليس فيه إلا الكفارة.(5/501)
وإن قال أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة إلا أن ينوي الثلاث، وقد ذكرناه في الكنايات، وإن قال أردت الظهار فهو ظهار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثامن: قاله مسروق والشعبي وهو مثل تحريم بضعة منها ليس بشيء، وبه قال أبو سلمة بن عبد الرحمن.
التاسع: هو على ما نوى في الواحدة بائنة، وإن نوى ثلاثا فثلاث، وإن لم يكن له نية فليس بشيء، وهو مذهب الثوري.
العاشر: أنها تصير حراماً بذلك، ولم يذكروا خلافا، يروى ذلك عن أبي هريرة، وخلاس ابن عمرو، وجابر بن زيد أنهم أجروه باجتنابها فقط.
الحادي عشر: إن نوى واحدة أو لم ينو شيئا فهي واحدة، وإن نوى ثلاثا فثلاث، وإن نوى ثنتين فثنتين، يروى ذلك عن إبراهيم وعليه المتأخرون من مشايخنا إلا في نية الثنتين، فإنه لا يصح عند أئمتنا الثلاثة.
الثاني عشر: هو يمين، لكن كفارته عتق رقبة، روي ذلك عن ابن عباس، وقال المتأخرون: وهو يمين فقط.
والثالث عشر: هو يمين في غير الزوجة، وليس يمين في الزوجة، يروى عن الحسن ووجه للشافعية.
والرابع عشر: ليس بشيء في الأمة، ولا في الزوجة والطعام كالأمة، وبه قال مالك.
والخامس عشر: إن ذلك باطل وكذب، وهي زوجة، وإن زاد كالميتة والدم ولحم الخنزير، ونوى بذلك حكم الطلاق أو لم ينو، ذكره ابن حزم في " المحلى "، وزعم أنه مذهب ابن عباس، والشعبي، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي سليمان الخطابي، وجميع الظاهرية.
م: (وإن قال: أردت الطلاق فهي تطليقة بائنة، إلا أن ينوي الثلاث) ش: لأنه من ألفاظ الكنايات يقع على الأدنى مع احتمال الكل، وإذا نوى ثنتين كانت واحدة بائنة عندنا، إلا أن اللفظ لا يحتمل العدد، خلافا لزفر، إلا إذا كانت المرأة أمة فحينئذ يقع الثنتان، لأن ذلك جنس طلاقها.
م: (وقد ذكرناه في الكنايات) ش: أشار به إلى أنه تقدم البحث في الكنايات.
م: (وإن قال: أردت الظهار فهو ظهار) ش: هكذا ذكره القدوري، ولكنه ليس بظاهر الرواية عن أصحابنا، ولهذا لم يذكر الطحاوي والحاكم الشهيد في مختصريهما حكم ما إذا نوى الظهار، وذكر شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ناقلاً عن " النوادر " أنه ينوي ظهارا عند أبي(5/502)
وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة، وهو الركن فيه. ولهما أنه أطلق الحرمة، وفي الظهار نوع حرمة، والمطلق يحتمل المقيد.
وإن قال أردت التحريم أو لم أرد به شيئا فهو يمين يصير به موليا؛ لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا وسنذكره في الأيمان إن شاء الله. ومن المشايخ من يصرف لفظة التحريم إلى الطلاق من غير نية بحكم العرف، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حنيفة وأبي يوسف، أشار إليه المصنف بقوله م: (وهذا) ش: أي كونه ظهاراً م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة) ش: ولم يوجد التشبيه لعدم حرف التشبيه وهو الكاف، فلم تصح نيته م: (وهو الركن فيه) ش: أي التشبيه المذكور هو الركن في الظهار.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي القائل بقوله: أنت علي حرام م: (أطلق الحرمة) ش: حيث لم يقيدها بشيء، والمرأة تارة تكون محرمة بالطلاق، وتارة بالظهار، ومطلق الحرمة يحتمل المقيد م: (وفي الظهار نوع حرمة) ش: لأنه إذا قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فقد حرمت عليه حتى يكفر عن ظهاره م: (والمطلق يحتمل المقيد) ش: ومن نوى محتمل كلامه صدق.
م: (وإن قال: أردت التحريم أو لم أرد به) ش: أي قال: لم أرد به م: (شيئا فهو يمين يصير به موليا) ش: حتى إذا قربها كفر عن يمينه. وإن لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت بالإيلاء، أما إذا أراد التحريم فإنما يكون يمينا، لأن تحريم المباح يمين، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلى قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أول التحريم، وأما إذا لم يرد شيئا فلأن الحرمة الثابتة باليمين أدنى الحرمات، لأن في الإيلاء الوطء حلال قبل الكفارة، وفي الظهار ليس كذلك، وإذا أريد به الطلاق وقع بائنا، ويحرم الوطء، والإيلاء لا يحرم الوطء، فلما كانت حرمة اليمين أدنى الحرمات تعينت لتيقنها م: (لأن الأصل في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا) ش: لأن تحريم الحلال ليس من العبد بل من الله تعالى، لأنه قلب المشروع، لكن العبد يمنع نفسه عن ذلك الشيء، فإذا باشره فعليه الكفارة م: (وسنذكره في الأيمان إن شاء الله تعالى) ش: أي سنذكر هذا الفصل في كتاب الأيمان إن شاء الله عز وجل.
م: (ومن المشايخ من يصرف لفظة التحريم إلى الطلاق) ش: في قوله لها: أنت علي حرام م: (من غير نية بحكم العرف) ش: لأن العادة جرت بين الناس في زماننا هذا أنهم يريدون الطلاق بهذا، وأراد من المشايخ أبا بكر الإسكاف وأبا بكر بن سعيد، والفقيه أبا جعفر الهندواني وهو من كبار علمائنا الماضين ببلخ، فإنهم قالوا: يقع الطلاق. وقال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ، وكذا الجواب في قوله: كل حل علي حرام، وحلال الله علي حرام، أو قال: حلال المسلمين علي حرام.(5/503)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي الذخيرة هذا كله طلاق بائن باتفاق، وإن كان له أربع نسوة وقع على كل واحدة طلقة بائنة. وفي "فتاوى" الأذرجندي والإمام مسعود بن الحسين الكشافي أنه يقع واحدة، والبيان إليه.
قال صاحب الذخيرة: وهو الأظهر والأشبه، وفيه: لو قال: علي حرام ولم تكن له امرأة لم يلزمه شيء، لأنه يمين بالطلاق ولا زوجة له. فإن تزوج امرأة وباشر الشرط اختلفوا فيه، قال أبو جعفر: تبين الزوجة. وقال غيره: لا تبين، وبه أخذ الفقيه أبو الليث، وعليه الفتوى. ولو قال: أنت حرام ألف مرة فهي واحدة. ولو طلق الحرة ثم قال: أنت علي حرام ينوي ثنتين لا تصح نيته، وإن نوى الثلاث صحت ويقع طلقتان أخريان، وإن لم ينو اليمين فهي يمين، لأن تحريم الحلال يمين، واليمين في الزوجات إيلاء، ولو قال: أنتما علي حرام فنوى الثلاث في إحداهما وواحدة في الأخرى كان كما نوى عند أبي حنيفة، ذكره المرغيناني.
ولو قال: أنت معنى في الحرام، ولو قال: أنا عليك حرام، أو قال: حلال، فقالت: أنت معنى أو علي مثل ما أنت على جميع أهل المصر فهي طالق إن نواه. ولو قال: الطلاق يلزمني يقع واحدة، وهذا الكلام ناشئ عن أهل مصر.
فروع: آلى من امرأته ثم قال لأخرى: أشركتك في إيلاء هذه كان باطلاً. ولو قال: أنت علي حرام ثم قال لأخرى: أشركتك معها كان مولياً منهما، وكذا لو قال: إن وطئتك فعبدي هذا حر فمات العبد أو أعتقه بطل الإيلاء، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. ولو قال: والله لا وطئتك في الدبر، أي فيما دون الفرج لم يصر مولياً، خلافاً لمالك.
ولو قال: والله لا أجامعك إلا جماع سوء، سئل عن نيته، فإن قال: أردت الوطء في الدبر صار مولياً، ولو قال: أردت به جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن موليا، ولو قال: أردت التقاء الختانين فهو مول، كما لو قال: والله لا أطؤك إلا فيما دون، فإن لم يكن له نية فليس بشيء. ولو قال: إن قربتك فعلي أن أمش في السوق لا يكون موليا عند الجمهور، إلا رواية عن أحمد.
ولو قال الذمي: والله لا أقربك فهو مول عند أبي حنيفة، لأنه من أهل الطلاق، وبه قال الشافعي، وكذا ظهاره، وبه قال أحمد وأبو ثور. وقال مالك: يسقط بإسلامه، وقال أبو يوسف ومحمد: إن حلف بالله لا يصير موليا، ولو حلف بالعتق والطلاق يصير مولياً، ولو حلف بالصوم والحج والعمرة والصدقة لا يصير موليا بالطلاق بالاتفاق. ولو آلى مسلم من امرأته ثم أسلم ثم تزوجها يكون موليا عند أبي حنيفة.(5/504)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى أبو يوسف عنه يبطل إيلاؤه، ولو قال: ظاهرت ثم ارتد ثم أسلم فهو على ظهاره في قول أبي حنيفة أن ظهاره يبطل عنده. ولو أبانها في مدة الإيلاء ثم قربها بطل إيلاؤه، ولو ظاهر ثم ارتد أسلم فهو على ظهاره في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وقالا: يسقط، وروى زفر عن أبي حنيفة أن ظهاره يبطل عنده، ولو أبانها في مدة الإيلاء ثم قربها بطل إيلاؤه للحنث، ولو فاء إليها بلسانه وهي مبانة لا يبطل ويقع الطلاق بمضي مدة الإيلاء لعدم صحة الفيء باللسان بعد البينونة، وكذا لا يصح بعد مضي مدة الإيلاء.
وإن اختلفا في الفيء بعد بقاء المدة فالقول للزوج، لأنه يملك الفيء وبعد مضي المدة فالقول لها، لأنه ادعى الفيء في حالة لا يملك فيها الفيء.(5/505)
باب الخلع وإذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الخلع] [تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله]
م: (باب الخلع) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الخلع. وقال الأترازي: الخلع اسم من الانخلاع، وكذا قال الكاكي. وقال الأكمل: الخلع بالضم اسم من قولهم خلعت المرأة زوجها، واختلعت عنه بمالها.
قلت: قال الجوهري خلع ثوبه ونعليه، وقاء مدة خلعا وخلع عليه خلعا، وخلع امرأته خلعا بالضم انتهى، فدل كلامه أن الخلع بالضم والخلع بالفتح كلاهما مصدران غير أن الفرق بينهما أنه إذا كان بمعنى النزع الحقيقي يستعمل بالفتح، فإذا كان بمعنى المجاز يستعمل بالضم، لأن كلا من الزوجين لباس لصاحبه، كما قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) ، فإذا فعلا ذلك فإنهما نزعا لباسهما، فيكون من باب ترشيح الاستعارة، والفرق بينه وبين التجريد أن ترشيح الاستعارة ينظر فيه إلى جانب المستعار منه كقولك: رأيت بحرا جاريا، والتجريد ينظر فيه إلى جانب المستعار له، كقولك: رأيت بحر ماء أحسن من مائه، فالخلع من باب الترشيح على ما لا يخفى.
وقال الجوهري أيضاً: خالعت المرأة بعلها إذا رضي على طلاقها ببدل منها له فهي خالع والاسم الخلع، وقد تخالعا فاختلعت فهي مختلعة. وخلع الوالي عزل، وأما معناه الشرعي فهو عبارة عن أخذ مال من المرأة بأن النكاح بلفظ الخلع وشرطه شرط الطلاق، وحكمه حكم الطلاق البائن، وصفته أنه من جانب المرأة معاوضة على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، أو يمين من الجانبين عندهما على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
م: (وإذا تشاق الزوجان) ش: أي إذا اختصما واختلفا، مشتق من الشق، وهو الجانب، فكأن الزوجين إذا تخاصما وتجادلا يأخذ كل واحد شقا خلاف شق صاحبه م: (وخافا) ش: أي علما، لأن الخوف من لوازم العلم، والمراد من الخوف العلم، قاله أبو عبيد (أن لا يقيما حدود الله) ش: أي ما يلزمهما من حقوق الزوجية م: (فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به) ش: الضمير في نفسها يرجع للمرأة لأن لفظ الزوجين يدل عليه، وفي: منه، يرجع إلى الزوج بالوجه المذكور والضمير المستتر في: يخلعها، يرجع إلى الزوج والبارز: التاء إلى المرأة، وفي به يرجع إلى المال.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) ش: أي فلا إثم على الزوجين لا على الرجل فيما أخذ، ولا على المرأة فيما أعطت فداء من فداه من أسر إذا استنقذ،(5/506)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولما أن النساء عوان عند الأزواج، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى النساء أسارى في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان» رواه الترمذي. والعواني يعني عانية، والذكر عانن وهو الأسير. وروى البخاري في حديث علي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله ثابت ابن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإيمان، انتهى. أي لشدة بغضها إياه لقضامة وجهه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقبل الحديقة وطلقها» .
والآية نزلت في ثابت وامرأته، وهو أول خلع في الإسلام، قاله الزمخشري، واختلفوا في امرأة ثابت بن قيس، فقيل: حبيبة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سلول، وسلول اسم أمه، وزينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، والأول أكثر، وإنما قال: لا بأس بأن تفتدي نفسها، لأن الطلاق أبغض المباحات عند الله تعالى.
وروى الترمذي من حديث ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المختلعات هن المنافقات» وقال: غريب، وروى الترمذي أيضا عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» .
ثم اعلم أنه لم يخالف في جواز الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني، وزعم أن الآية التي دلت على جوازه منسوخة بآية النساء، وهي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ} [النساء: 20] (النساء: الآية 30) ، وليس كذلك، لأن شرط النسخ تأخير تاريخ الناسخ والاختلاف وتعذر الجمع، ولم يوجد واحد منهما. قال ابن شبرمة وأبو قلابة: لا تحل حتى ( ... ) على بطنها رجلاً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء: 19] إلى قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] (النساء: الآية 19) .
وقالت الظاهرية: لا يجوز الخلع إلا بشرطين، إلا إذا كرهته المرأة، وخافت أن لا توفيه حقه فلها أن تفتدي نفسها بتراضيهما.
وقالت طائفة. لا يجوز الخلع إلا بإذن السلطان، يروى عن ابن سيرين، وسعيد بن جبير، والحسن البصري.(5/507)
فإذا فعل ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة، ولزمها المال لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الخلع تطليقة بائنة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالت طائفة: لا يجوز الخلع إلا أن تقول المرأة لزوجها لا أطيع لك أمراً ولا اغتسل لك من جنابة.
وقالت طائفة: لا يجوز إلا مع نشوزه وإعراضه.
م: (فإذا فعل ذلك) ش: وفي بعض النسخ م: (فإذا فعلا) ش: ذلك بألف التثنية، أي الزوجان إذا فعلا ذلك، أي الخلع الموصوف م: (وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال) ش: وهو قول عثمان، وعلي، وابن مسعود، والحسن، وابن المسيب، وعطاء، وشريح، والشعبي، وقبيصة بن ذؤيب ومجاهد، وأبي سلمة، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري، ومكحول، وابن أبي نجيح، وعروة، ومالك، والشافعي في الجديد، وعليه الفتوى، ذكره في " المبسوط ".
وقالت الظاهرية: تطليقة رجعية، حتى لو راجعها رد عليها ما أخذه وقال أحمد وإسحاق بن راهويه: فرقة بغير طلاق، وهو قول ابن عباس والشافعي في القديم، قيل: ذكرت الشافعية أن الشافعي غسل كتبه القديمة وأشهد على نفسه بالرجوع عنها، فمن جعلها مذهباً فقد كذب عليه، قاله إمام الحرمين وغيره ما قال إن الفتوى عليه في القديم في خمسة عشر مسألة، فذلك بالاجتهاد منهم، ولم ينسبه إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (الخلع تطليقة بائنة) ش: هذا الحديث رواه الدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما" من حديث عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الخلع تطليقة بائنة» وأعله بعباد بن كثير الثقفي، وأسند عن البخاري قال: تركوه، وعن النسائي قال: متروك الحديث. وعن شعبة قال: أخذوا حديثه وسكتوا عنه إلا إذا خرج عن ابن عباس خلافه من رواية طاوس عنه قال: الخلع فرقة، وليس بطلاق انتهى. ولم يذكر أحد من الشراح دليلا لنا صحيحا في هذا.
قال الأكمل: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الخلع تطليقة بائنة» روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - موقوفا عليهم، ومرفوعاً إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انتهى.
فهذا كما رأيت ليس بدليل صحيح، لأنه متى ثبت رواية هذا الحديث عن هؤلاء الصحابة موقوفا عليهم، متى يكون مرفوعاً. وقال الأترازي: وروى أصحابنا في " المبسوط " فذكر مثله، غير أنه قال: أولاً ولنا ما روى البخاري، فذكر حديث ثابت بن قيس الذي ذكرناه عن قريب،(5/508)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفيه اقبل الحديقة وطلقها، فهذا يدل على أن الخلع طلاق، ولكن لا يتم بهذا الدليل، لأن المدعي أنه طلاق بائن، وليس ما يدل على أنه بائن.
وقال الكاكي: روى البخاري أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة. وفي رواية قال: اقبل الحديقة وخل سبيلها، فدل على أنه تطليقة بائنة، ولأنه لو كان رجعيا يردها كرها فالأمر على موضوعه بالنقض.
قلت: "لفظ وخل سبيلها" وقع في رواية أبي داود من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بلفظ "فارقها". وقال الأترازي: وأما كون الخلع بائنا فلما روى الدارقطني في كتاب " غريب الحديث " الذي صنفه عن عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قال: الخلع تطليقة بائنة، وإبراهيم قد أدرك الصحابة وزاحمهم في الفتوى، فيجوز تقليده، أو يحمل على أنه شيء رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه من قرن العدول فيحمل أمره على الصلاح صيانة عن الجزاف والكذب، انتهى.
قلت: هذا الكلام بطوله لا يرد الخصم ولا يرضى به.
فإن قلت: الخصم يقول: قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) ، ثم قال الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] بيانه أن الطلاق محصور بالثلاث بالإجماع، فلو كان الخلع طلاقا لكانت الطلقات أربعا، واللازم منتف فيقتضي الملزوم، ولأن النكاح عقد يحتمل الفسخ بخيار عدم الكفاءة، وخيار العتق وخيار البلوغ، فيجوز فسخه أيضا بالتراضي بالخلع كالبيع.
قلت: أجيب: عن الآية بأن الله تعالى ذكر الطلقة الثالثة بعوض وغير عوض، فلا يكون الطلاق أربعا، بيانه أن قَوْله تَعَالَى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] طلاق بغير عوض، وقَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] طلاق بعوض.
وقال أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي: قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] بين حكم الطلقتين على غير وجه الخلع، ثم قال: {حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] على الطلقتين، يعني على وجه الخلع، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] أي الثالثة يلزم من جعل الخلع طلاقا كون الطلاق أربعا.
قلت: فيه تأمل، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد التمام، ألا ترى أنه لا فسخ بالهلاك قبل التسليم، والملك الثابت به ضروري لا يظهر في حق الاستيفاء، والفسخ بعد الكفاءة وخيار البلوغ قبل التمام، فكان في معنى الامتناع عن الإتمام، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد، والنكاح(5/509)
ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكنايات بائن إلا أن ذكر المال أغنى عن النية هنا، ولأنها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها، وذلك بالبينونة.
وإن كان النشوز من قبله يكره له أن يأخذ منها عوضا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} [النساء: 20] إلى أن قال {فلا تأخذوا منه شيئا} [النساء: 20] (النساء: الآية:20) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ولكن يحتمل القطع في الحال، فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع القيد.
فإن قلت: قال ابن حزم: حديث ثابت منسوخ لما أن رواية ابن عباس وعمله بخلاف رواية دليل نسخه.
قلت: أجاب الكاكي عن هذا بقوله: صح رجوع ابن عباس إلى قول العامة، مع أنه روي عن ابن عباس أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل الخلع تطليقة بائنة. انتهى.
قلت: هذا مجرد دعوى فلا يرضى بها الخصم، فمن هو الذي صح رجوعه، وروايته فإن كان الاعتماد على تصحيح روايته عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما في الباب، فقد وقفت على حاله مع أنه روي عنه خلافه كما ذكرنا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الخلع م: (يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكنايات بائن) ش: سوى قوله: أنت واحدة، واعتدي، واستبرئي رحمك م: (إلا أن ذكر المال) ش: جواب عما يقال: لو كان الخلع من الكنايات لكانت النية شرطا فيه، وليست بشرط، فأجاب بقوله: إلا أن ذكر المال م: (أغنى عن النية هنا) ش: أي في الخلع، تقريره أن جانب الطلاق يتعلق بذكر المال وقبوله بمقابلة فداء نفسها، فلم يحتج إلى النية كما في حال مذاكرة الطلاق.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن المرأة م: (لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها) ش: بيانه أن الخلع يحتمل الانخلاع عن اللباس أو عن الخيرات أو عن النكاح، فلما ذكر العوض كان المراد الانخلاع عن النكاح كما مر، وذلك إشارة إلى ما ذكر من سلامة النفس عند تسليم المال م: (وذلك بالبينونة) ش: فقلنا: يكون الخلع بائناً.
م: (وإن كان النشوز) ش: من نشزت المرأة إذا استصعبت عليه وأبغضته. وقال الزجاج: هو الكراهة والإعراض من كل واحد من الزوجين عن الآخر، وكذلك النشوز يقال: نشزت المرأة عن زوجها ( ... ) ، ثم إن كان النشوز م: من قبله) ش: أي من قبل الزوج م: (يكره له أن يأخذ منها) ش: أي من المرأة م: (عوضا) ش: قليلاً كان أو كثيراً م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلى أن قال: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] (النساء: الآية 20) ش: تمام الآية {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] فالزوج يشترك فيه الذكر والأنثى، كما في(5/510)
ولأنه أوحشها بالاستبدال فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال. وإن كان النشوز منها كرهنا له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. وفي رواية " الجامع الصغير ": طاب الفضل أيضا لإطلاق ما تلوناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قَوْله تَعَالَى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] والقنطار ملء مسك ثور ذهباً أو فضة، ويقال: هو سبعون ألف دينار، ويقال: ألف ومائتا أوقية كذا قال صاحب " ديوان الأدب " والأوقية أربعون درهماً.
وقال الزمخشري: القنطار المال العظيم. والبهتان أن يستقبل الرجل بأمر قبيح، وهو بريء منه، والآية نص على كراهية أخذ العوض، ومع هذا لو أخذ العوض جاز، لأن النهي لمعنى في غيره، وهي زيادة الإيحاش، فلا يعدم مشرعيته كالبيع وقت النداء يوم الجمعة يجوز وكره ويجوز الخلع على مال، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية ابن القاسم. وقال الزهري، ومالك: لا يحل له أخذ شيء إذا كان النشوز منه، ومع ذلك لو تخالع لزمه الطلاق، ويرد ما أخذ منها.
وفي " الذخيرة " خالعها ثم قال: لم أنو به الطلاق، فإن لم يذكر بدلاً صدق قضاء وديانة، وإن ذكر لا يصدق قضاء، وفيه لو قضى يكون الخلع فسخاً، قال بعض أصحابنا: ينفذ، لأنه مروي عن ابن عباس، وقال بعضهم: لا ينفذ.
وفي كتب الشافعية الخلع طلقة إذا كان بلفظ الطلاق، وبلفظ الخلع والفسخ، والمفاداة إن نوى الطلاق فطلاق، وإن لم ينو الطلاق فثلاثة أقوال طلاق أو فسخ، أو ليس بشيء، ولفظ الخلع صريح، وفي قول كناية والمفاداة كالخلع في الأصح لا خلاف في مذهبه أن الكناية تقع بلا نية، وخالف فيه الأئمة الثلاثة.
م: (ولأنه) ش: أي لأن الزوج م: (أوحشها بالاستبدال، فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال) ش: حتى لا يحصل لها ضرر من وجهين استبدال الزوج وأخذ المال م: (إن كان النشوز منها) ش: أي من المرأة م: (كرهنا له) ش: أي للزوج م: (أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها) ش: وهو أخذ الفضل على ما ساق إليها، أما مقدار المهر فلا يكره أخذه، وهذه رواية كتاب طلاق الأصل.
م: (وفي رواية " الجامع الصغير ": طاب الفضل أيضاً) ش: أي الفضل على مقدار مهرها م: (لإطلاق ما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وهو بإطلاقه يشمل القليل، والكثير والمهر وغيره، وفي " التمهيد " وجوز مالك والشافعي الخلع بجميع مالها إذا كان النشوز منهما لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وعن مولاة لصفية بنت أبي عبيد اختلعت بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك ابن عمر.
وقال ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: لا بأس أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وهو أخذ الفضل على ما ساق إليها، وهو قول عكرمة ومجاهد وإبراهيم وآخرين قال عكرمة:(5/511)
بدءا. ووجه الأخرى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في امرأة ثابت بن قيس بن شماس: أما الزيادة فلا، وقد كان النشوز منها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يأخذ منها حتى مرطها، وقال إبراهيم ومجاهد: يأخذ منها عقاص رأسها، وفي " المحلى " وكره علي بن أبي طالب والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وميمون بن مهران أن يأخذ زيادة على ما أعطاها.
وفي " التمهيد " وهو قول الحسن وعطاء وطاوس وعن ابن المسيب والشعبي لا يأخذ منها كل ما أعطاها إذا كان النشوز منها وهو مضار م: (بدءاً) ش: أولاً يعني الآية التي بدأنا بها أولاً، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] .
م: (ووجه الأخرى) ش: أي الرواية الأخرى، أراد به رواية القدوري وهو قوله كرهنا له أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وهي رواية الأصل م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في امرأة ثابت بن قيس بن شماس أما الزيادة فلا) ش: هذا روي مرسلاً عن عطاء، وعن ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فحديث عطاء رواه أبو داود في "مراسيله " عنه، قال «جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشكو زوجها، فقال " أتردين إليه حديقته التي أصدقك؟ "، قالت نعم وزيادة، قال "أما الزيادة فلا» .
وحديث ابن الزبير أخرجه الدارقطني في "سننه " عن حجاج «عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير بن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وكان أصدقها حديقة فكرهته، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته التي أعطاك" قالت نعم وزيادة، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أما الزيادة فلا، ولكن حديقة فخذها وخل سبيلها» "، انتهى.
وقال الأترازي: وجه ما روى أصحابنا «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت يا رسول الله لا أنا ولا ثابت فقال "أتردين عليه حديقته"، قالت نعم وزيادة، فقال "أما الزيادة فلا» ، فدل الحديث على الكراهة في أخذ الفضل، م: (وقد كان النشوز منها) ش: الواو فيه للحال، واعلم أن هذه الزيادة المذكورة في حديث ثابت بن قيس ليست ثابتة في رواية البخاري وغيره من الصحاح، وقال الأترازي: أصحابنا أثبتوها في روايتهم في كتب الفقه، انتهى.
قلت: هذا عمد في حق الأصحاب، لأنهم ما أثبتوها من عندهم بل اعتمدوا فيها على مرسل أبي داود ومرسل ابن الزبير اللذين ذكرناهما.(5/512)
ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء، وكذلك إذا أخذ والنشوز منه لأن مقتضى ما تلوناه شيئان الجواز حكما، والإباحة. وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض، فبقي معمولا في الباقي.
وإن طلقها على مال فقبلت وقع الطلاق ولزمها المال، لأن الزوج يستبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أخذ الزوج الزيادة فيما إذا كان النشوز من قبلها]
م: (ولو أخذ الزيادة) ش: أي ولو أخذ الزوج الزيادة فيما إذا كان النشوز من قبلها م: (جاز في القضاء، وكذلك إذا أخذ والنشوز منه) ش: أي وكذا إذا أخذ الزوج والحال أن النشوز منه م: (لأن مقتضى ما تلوناه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) .
م: (شيئان) ش: تثنية شيء، أشار إلى أحدهما بقوله م: (الجواز حكما) ش: أي شرعا، وأشار إلى الآخرة بقوله م: (والإباحة) ش: وهي الحل م: (وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض) ش: أي لأجل معارض، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أما الزيادة فلا م: (فبقي) ش: أي النص م: (معمولا به في الباقي) ش: وهو الجواز، لأنه يلزم من نفي الإباحة نفي الجواز، كما في البيع وقت النداء.
فإن قيل الجواز والإباحة عبارتان عن معنى واحد، لأنه لا جواز بدون الإباحة، ولا إباحة بدون جواز، فكيف يجوز أحدهما مع انتفاء الآخر، أجيب: بل هما شيئان مختلفان، لأن ضد الإباحة الكراهة، وضد الجواز الحرمة، وبضدها تتبين الأشياء، وكذا شيئان لا ينفكان، ألا ترى أن البيع وقت النداء جائز مع الكراهة وليس بمباح لما أن الإباحة عبارة عن عدم الكراهة، واحتمل أن يكون الشيء جائزا مع الكراهة، وهذا كثير النظير، فإن جميع صور النهي في الأفعال الشرعية كذلك.
فإن قلت: الحديث الذي فيه - أما الزيادة فلا - خبر واحد، فكيف يعارض قَوْله تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (البقرة: الآية 229) .
قلت: أجيب: بأن النص إذا خص منه شيء أو عورض بنص آخر مثله خرج عن كونه قطعيا، فيجوز تخصيصه بخبر الواحد، مع أن هذا الحديث إن كان معارضا لنص فهو موافق لنص آخر، وهو قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تَأْخُذُوا} [النساء: 20] فكان في الحقيقة معارضة الكتاب بالكتاب لا معارضة خبر الواحد فجاز التمسك به، لأنه موافق لأحد النصين.
[طلقها على مال فقبلت]
م: (وإن طلقها على مال) ش: بأن قال طلقتك على ألف درهم مثلا م: (فقبلت) ش: في المجلس م: (وقع الطلاق ولزمها المال) ش: المذكور، وكذا الحكم إذا قال خلعتك على ألف درهم وبارأتك على ألف درهم، وكذا إذا بدأت المرأة فقالت طلقني على ألف درهم، أو خالعني أو بارئني م: (لأن الزوج يستبد) ش: أي يستقل.(5/513)
بالطلاق تنجيزا وتعليقا، وقد علقه بقبولها والمرأة تملك التزام المال لولايتها على نفسها، وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه، وإن لم يكن مالا كالقصاص. وكان الطلاق بائنا لما بينا. ولأنه معاوضة المال بالنفس، وقد ملك الزوج أحد البدلين فتملك هي الآخر، وهو النفس تحقيقا للمساواة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بالطلاق تنجيزا وتعليقا) ش: أي من حيث التخيير بأن قال أنت طالق، ومن حيث التعليق بأن قال إذا دخلت الدار فأنت طالق م: (وقد علقه بقبولها) ش: وقد علق الزوج طلاقها بقبول المال، لأن الحكم معاوضة من جانب المرأة بدليل اقتصاره على المجلس وولاية الرجوع، فلا بد من القبول، لأنه شرط في المعاوضات.
م: (والمرأة تملك التزام المال لولايتها على نفسها) ش: حاصله أن هذا الصرف معاوضة يعتمد أهلية المتعاوضين وصلاحية المحل إلا أهلية الزوج فلا مستبد بذلك كما قدمناه، وأما أهلية المرأة فلأنها تتولى أموسر نفسها، وأما صلاحية المحل فقد أشار إليها بقوله م: (وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه) ش: هذا كأنه جواب عما يقال كيف جاز الاعتياض في الخلع، وليس البضع بمتقوم حالة الخروج، فأجاب بقوله وملك النكاح مما يجوز الاعتياض عنه. م: (وإن لم يكن مالا) ش: وهو واصل بما قبله م: (كالقصاص) ش: فإنه ليس بمال، فجاز أخذ العوض عنه والجامع وجود الالتزام من أهله، فقال الأكمل: كذا في بعض وأراد به " شرح الأترازي "، فإنه قال في شرحه هذا، فكان الأكمل ما أعجبه هذا حتى نسبه إلى غيره، ولكنه لو كان عنده أوجه منه لبينه.
قال الأترازي: فإن قلت لا نسلم أن الخلع تعليق الطلاق بالقبول، ويجوز أن يكون تعليقا بالأداء.
قلت: لأن الخلع من المقدمات ولا يجب الأداء في المعاوضات إلا بالقبول، فكان تعليقا بالقبول دون الأداء.
م: (وكان الطلاق) ش: أي الطلاق الواقع على المال م: (بائنا لما بينا) ش: وأشار به إلى قوله - والواقع بالكنايات بائن - م: (ولأنه) ش: أي ولأن الطلاق المذكور م: (معاوضة المال بالنفس) ش: لأنها تخلص نفسها بالمال الذي تدفعه إليه م: (وقد ملك الزوج أحد البدلين) ش: وهو المال م: (فتملك هي) ش: أي المرأة م: (الآخر وهو النفس تحقيقا للمساواة) ش: بينهما، لأن نفسها لا تسلم لها إلا بالبائن، لأن حق الزوج في الرجعي ليس بمنقطع، فلو جعل الخلع رجعيا لذهب مالها بلا عوض، ولم يحصل غرضها، وذلك لا يجوز، وكذلك يلزمها المال، لأنها من أهل الالتزام وقد تصرفت في خالص حقها، فلو لم يلزمها بعد قبولها لزم الغرور على الزوج وذا لا يجوز، ولأنه لم يرض بفوات حقه بلا عوض.(5/514)
قال وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلم على خمر أو خنزير أو ميتة، فلا شيء للزوج، والفرقة بائنة، وإن بطل العوض في الطلاق كان رجعيا فوقوع الطلاق في الوجهين للتعليق بالقبول، وافتراقهما في الحكم لأنه لما بطل العوض كان العمل في الأول لفظ الخلع، وهو كناية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[يخالع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلمة على خمر أو خنزير أو ميتة، فلا شيء للزوج والفرقة بائنة) ش: أي يقع الطلاق البائن، والحكم فيما إذا خالعها على خمر أو دم كذلك، وبه صرح في التحفة والمغني، ولو خالعها على خمر أو خنزير أو ميتة أو دم أو خمر فهو كالخلع بغير عوض لا يلزمها عند الأئمة الثلاثة وأصحابهم، ويقع عند مالك وأحمد رجعيا، وعند زفر ترد مهرها، وعند الشافعي يجب مهر المثل ويقع طلاقا بائنا كقولنا، انتهى.
واعلم أن الخلع والطلاق على ما لا يحل كالخمر وأخواتها جائز، ويقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب له عليها شيء، لأنها لم تغرره، والخمر إن كانت مالا لكنها ليست بمتقومة، لأن الشرع أهانه، والأمر في الميتة أظهر، لأنها ليست بمال أصلا، بخلاف ما إذا أغرته وقالت أختلع منك بهذا الخل فإذا هو خمر عليها أن ترد المهر المأخوذ في قول أبي حنيفة.
وفي قولهما عليها مثل كل ذلك من خل وسط، كذا ذكر الخلاف في مبسوط شمس الأئمة السرخسي، وإنما لم يبطل الخلع ببطلان العوض، لأن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة.
م: (وإن بطل العوض في الطلاق كان) ش: أي الطلاق م: (رجعيا) ش: أي في الموطوءة دون الثلاث، وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (فوقوع الطلاق في الوجهين) ش: يعني بطلان العوض في الخلع، وبطلان العوض في الطلاق، وأشار به إلى وجه الافتراق بينهما فقال: ووقوع الطلاق في الوجهين م: (للتعليق بالقبول) ش: أي لأجل تعليق الطلاق بقبول المرأة م: (وافتراقهما) ش: أي الوجهين م: (في الحكم لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لما بطل العوض كان العامل في الأول لفظ الخلع) ش: قال تاج الشريعة لفظ الخلع ينصب العامل ويرفع لفظ الخلع بخط المصنف، انتهى.
وأراد بالأول بطلان العوض في الخلع م: (وهو) ش: أي لفظ الخلع م: (كناية) ش: من ألفاظ الكنايات، والواقع بالكناية يأتي سوى الألفاظ الثلاثة التي مر بيانها فيما تقدم، وقال الكاكي هو كناية لا ينتفي به، بل يجب أو يقال وهو كناية، ولها دلالة على قطع الوصلة، لأنه مشتق من خلع الخف أو القميص، وإنما احتيج إلى هذا التأويل لأن من الكنايات ما هو رجعي، انتهى.
قلت: هذا زيادة تعسف في التصرف على ما لا يخفى.(5/515)
وفي الثاني الصريح وهو يعقب الرجعة، وإنما لم يجب للزوج شيء عليها؛ لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له، ولأنه لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام، ولا إلى إيجاب غيره لعدم الالتزام، بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر لأنها سمت مالا فصار مغرورا وبخلاف ما إذا كاتب عبده أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد؛ لأن ملك المولى فيه متقوم، وما رضي بزواله مجانا. أما ملك البضع في حالة الخروج فغير متقوم على ما نذكره، وبخلاف النكاح، لأن البضع في حالة الدخول متقوم، والفقه فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي الثاني) ش: وهو بطلان العوض في الطلاق م: (الصريح) ش: أي صريح الطلاق م: (وهو) ش: أي الصريح م: (يعقب الرجعة) ش: لبقاء المحل م: (وإنما لم يجب للزوج شيء عليها) ش: أي على المرأة م: (لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له) ش: أي للزوج، فإذا لم تصر غارة فلا يجب عليها شيء م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن، هذا دليل آخر م: (لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام) ش: أي لأجل الإسلام، لأن المسلم ممنوع من تسليمه وتسلمه م: (ولا إلى إيجاب غيره) ش: أي لا وجه أيضا لإلزام غيره، م: (لعدم الإلزام) ش: من جهة الغير بذلك م: (بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر؛ لأنها سمت مالا فصار) ش: أي الزوج م: (مغرورا) ش: لأنها غرته حيث قالت هذا الخل بعينه، فإذا هو خمر، فلزم عليها رد المهر الذي أخذته عند أبي حنيفة، وعندهما يجب كيل مثل ذلك من خل وسط كما في الصداق، ولو علم الزوج بكونه خمرا فلا شيء عليه، وعند الشافعي يجب مهر المثل، وعند أحمد وأبي ثور يجب قيمته.
م: (وبخلاف ما إذا كاتب عبده أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد، لأن ملك المولى فيه) ش: أي في العبد م: (متقوم) ش: حتى لو غصب وجبت القيمة على الغاصب م: (وما رضي) ش: أي المولى م: (بزواله) ش: أي بزوال ملكه م: (مجانا) ش: أي بلا شيء، قال الجوهري قولهم أخذه مجانا، أي بلا بدل، وهو فعال، لأنه ينصرف، انتهى.
قلت: ذكره في باب مجن، وقال المجون أن لا يبالي الإنسان بما صنع، وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره، ما رضي زوالا مجانا.
م: (أما ملك البضع) ش: يعني في الخلع م: (في حالة الخروج غير متقوم) ش: فلا يلزم من بطلان البدل فساد الخلع م: (على ما نذكره) ش: أراد به ما نذكره بعيد هذا بقوله - والفقه ... إلى آخره - م: (وبخلاف النكاح) ش: أشار به إلى الفرق بينه وبين الخلع، حيث يصح النكاح ويجب مهر المثل ويصح الخلع ولا يجب شيء م: (لأن البضع في حالة الدخول متقوم) ش: ولهذا إذا تزوج المريض امرأة بمهر مثلها جاز من جميع المال م: (والفقه فيه) ش: أي في كون البضع غير متقوم في حالة الخروج دون الدخول، والفقه في اللغة الفهم، ولكن العرف خصه بعلم الشريعة(5/516)
أنه شريف، فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه، فأما الإسقاط فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال.
قال: وما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع لأن ما يصلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وخصصه بعلم الفروع م: (أنه) ش: أي أن البضع م: (شريف) ش: يعني له مقدار في نفسه م: (فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه) ش: أي لأجل الإظهار أنه شريف فلم يشرع تملكه بلا بدل إظهارا لخطر المحل.
م: (فأما الإسقاط) ش: أي إسقاط ملك الزوج عن البضع م: (فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال) ش: لعدم لزوم إهانة المحل المحترم، وقال السغناقي: فنفسه شرف أي يتشرف المرأة حيث تعود مالكة على نفسها من كل وجه كما كانت، فلذلك لم يجب على الزوج شيء، بخلاف النكاح، فإنه يجب عليه المهر، لأن في النكاح استيلاء على كل محترم، فيجب المال على مقابلة الاستيلاء.
وقال الكاكي: فلا حاجة إلى إيجاب المال إلا إذا تراضيا على مال. وفي الجواهر للمالكية خالعها على حرام وحلال صح مثل خمر ومال، ولا يجب للزوج إلا المال، وهو قياس قول أصحابنا وأحمد وقياس قول الشافعي يجب مهر المثل.
في " جوامع الفقه " خالعها على عبد نفسه لا يلزمها شيء، لأنه مال لا يستحقه بحال، ولا بد من القبول لوقوع الطلاق، كخلع المبانة والصغيرة، ولو خالعها على براءتها من دين لها عليه غير المهر، أو على براءتها من كفالة نفس، أو على تأخير دين لها عليه صحت البراءة والتأخير إلى أجل معلوم، ويكون الطلاق رجعيا، ويصح التأجيل في بدل الخلع إلى أجل مجهول وجهالة مستدركة نحو الحصاد والدياس وإلي القطاف وهبوب الرياح لا يجوز، وكذا إلى الميسرة لا يصح التأجيل.
وفي " المحيط " ويجب المال حالا، وفي جهالة البدل تفسد التسمية وهو قول أحمد.
وقال أبو ثور: تفسد بالجهالة، وهو قول أبي بكر من الحنابلة، وقال الشافعي يجب مهر المثل كالنكاح.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (وما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون بدلا في الخلع) ش: وهذا بإجماع العلماء، وإنما لم يذكر عكسه حيث لم يقل وما لا يجوز أن يكون مهرا لا يجوز أن يكون بدلا في الخلع، لأن من الأشياء ما لا يصح للمهر ويصح لبدل الخلع كدرهم إلى تسع دراهم م: (لأن ما يصلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا لغير المتقوم) ش: هو البضع أيضا، لأنه غير متقوم حالة الخروج، ولهذا إذا اختلعت على ثوب موصوف جاز كما في المهر، وإن اختلعت على ثوب فالتسمية فاسدة للجهالة كما في المهر، وله المهر، لأنها غرته ولا(5/517)
فإن قالت له: خالعني على ما في يدي فخالعها ولم يكن في يدها شيء فلا شيء عليها، لأنها لم تغره بتسمية المال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجوز هنا ما لا يجوز ثمة، كما إذا اختلعت على ما لا يحل كالخمر والميتة، لكن هنا لا شيء للزوج على المرأة إذا وقع الخلع بقبول الزوج، بخلاف النكاح على الخمر ونحوها حيث يجب مهر المثل.
م: (فإن قالت له) ش: أي المرأة لزوجها م: (خالعني على ما في يدي فخالعها فلم يكن في يدها شيء فلا شيء له عليها) ش: أي فلا شيء للزوج على المرأة، لأن كلمة ما عامة تتناول المال وغيره م: (لأنها لم تغره بتسمية المال) ش: أي لأن المرأة لم تغرر زوجها بذكر ما له قيمة، والمراد من اليد الجسة، وكذا إذا اختلعت على ما في هذا البيت، أو على ما في شجري أو نخلي، أو بطون غنمي، فلم يكن شيء في تلك الساعة لا يرجع عليها كما ذكرنا أما إذا كان في تلك الساعة شيء فله ذلك، لأن المسارعة الناشئة من الجهالة ترتفع بالإشارة إلى المحل، وفي النكاح يجب مهر المثل في هذه الصور، لأن البضع متقوم عند الدخول، وفي الصورة المذكورة يقع الطلاق، وبه قال مالك وأحمد.
وفي " البسيط " لو وقع الخلع بدون ذكر المال قيل يجب المال، بخلاف النكاح، فإذا قلت لا يجب هل يفتقر إلى القبول، قيل يفتقر، لأن المخالعة مفاعلة كالمقاتلة والمضاربة، فلا بد منه، والخلع قد يقف على القبول كخلع السفيه والصغيرة على مال.
وفي " الوسيط " لو قال خلعتك على ما في كفك صح الخلع إن صححنا بيع الغائب وترك على ما في كفها، وإن لم يصح فسد العوض ويجب الرجوع إلى مهر المثل.
قال الغزالي: وقال أبو حنيفة: إن لم يكن في كفها شيء نزل على ثلاث دراهم وعلل وقال السروجي: مذهب أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يلزم شيء البتة من غير خلاف، ونقله عنه غلط قبيح، وتقليد وهم، وخيال باطل مبني على الخطأ أو المجازفة فيه.
وقال: وكان قد اتفق ثلاثمائة مفت على إباحة دمه في أيام السلطان محمود - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وأفتوا بقتله من أجل اعتقاده مذهب الحكماء، فقال السلطان محمود أنا رجل عامي لا أعرف هذا الأمر إن وجب قتله فاقتلوه، فخلصه منهم الأرصابندي من الحنفية، ثم صنف إحياء علوم الدين، وذكر فيه مناقب أبي حنيفة وأطنب في مدحه بالعلم والزهد والورع.
وذكر ابن عطية في تفسيره في سورة التكوير: ذهب قوم من الملحدين كالغزالي إلى أن الشمس نفس ابن آدم، والنجوم عيناه وحواسه، والعشاء ساقاه، وذلك عند موته، وكفروه بأمور منها ليس في الممكن أبدع من هذا العالم.(5/518)
وإن قالت له خالعني على ما في يدي من مال، فخالعها فلم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها؛ لأنها لما سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بعوض، ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة ولا وجه، ولا إلى قيمة البضع، أعني مهر المثل لأنه غير متقوم حالة الخروج، فتعين إيجاب ما قام به على الزوج دفعا للضرر عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن قالت له خالعني على ما في يدي من مال فخالعها فلم يكن في يدها شيء ردت عليه مهرها؛ لأنها سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بعوض، ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة، ولا وجه) ش: أي ولا وجه أيضا بالرجوع م: (إلي قيمة البضع، أعني مهر المثل؛ لأنه غير متقوم حالة الخروج) ش: لأن الزوج لم يملك شيئا، بل أسقط حقه عنها م: (فتعين إيجاب ما قام به على الزوج) ش: أي إيجاب ما قام البضع بالمال على الزوج، وهو المهر، وبه قال القاضي من الحنابلة. وفي المغني عليها ما يقع عليه اسم المشاع، وعند أحمد وعند الشافعي عليها مهر المثل قولا واحدا م: (دفعا للضرر عنه) ش: أي عن الزوج، لأن فيه دفعا للغرور بقدر الإمكان، ولا يقال البضع صار مستهلكا ولا إمكان بفسخ الخلع، فيجب قيمة البضع عليها، لأنا نقول يبطل ذلك بارتداد المرأة، فإن استهلاك البضع حاصل مع هذا لا رجوع بقيمة البضع عليها.
وفي " قاضي خان " لو قال لها اخلعي نفسك بالمال أو بما شئت، وقالت اختلعت لا يقع الطلاق، لأنه يصير مستزيدا ومستنقصا وهو محال، وكذا لو قال بألف فقالت اختلعت ذكر في الوكالة أنه يقع، وفي الطلاق أنه لا يتم، ولو قال اخلعي نفسك ولم يذكر مالا ذكر خواهر زاده أنه تقع طلقة واحدة بائنة، وفي المنتقى لا يصح ولا يكون دخولها إلا بالمال، إلا أن ينوي الزوج الطلاق بغير مال، وكذا لو قال لغيره: اخلع امرأتي فليس له أن يخلعها إلا بمال.
وذكر ابن سماعة عن محمد أنه يكون طلاقا بائنا بغير مال، وبه أخذ المشايخ، وفي " جوامع الفقه ": لو قال بعتك نفسك بكذا كان خلعا، ولم يذكر البدل في رواية هشام وابن سماعة عن محمد، وعن الكرخي وأبي القاسم أنه ليس بخلع، وفي موضع آخر أنه يقع به طلاق بائن ولا يبرأ الزوج عن المهر، وعن ابن سلام يبرأ، وهو اختيار الشهيد حسام الدين في " الفتاوى ".
وفي " الفتاوى " إن نوى الطلاق يقع ولا يبرأ من المهر وقال اخلعي نفسك كذا، فقالت فعلت لم يذكر البدل كان سؤالا وطلبا للخلع، حتى لو قال خلعتك بكذا يتوقف على قبولها، هكذا في الأصل، وعن محمد يقع بغير شيء، وكذا لو قالت اخلعني بمال.
وفي " الفتاوى " لو قال اشتري نفسك مني ولم يذكر مالا فقالت اشتريت لا يصح، بخلاف قوله: اخلعي نفسك مني فقالت اختلعت، ولو قالت اخلعني بكذا فقال طلقتك فهو جواب، وقيل ابتداء ولو قال طلقتك للسنة هو ابتداء بلا خلاف، ولو قال خلعتك بكذا فقالت نعم فليس بشيء كأنها قالت نعم خلعتني، ولو قالت رضيت أو أجزت صح.(5/519)
ولو قالت خالعني على ما في يدي من دراهم، أو من الدراهم ففعل، ولم يكن في يدها شيء فعليها ثلاثة دراهم؛ لأنها سمت الجمع وأقله ثلاثة، وكلمة "من" هنا للصلة دون التبعيض لأن الكلام يختل بدونه،
وإذا اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه لم تبرأ، وعليها تسليم عينه إن قدرت، وتسليم قيمته إن عجزت؛ لأنه عقد المعاوضة، فيقتضي سلامة العوض، واشتراط البراءة عنه شرط فاسد فيبطل، إلا أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قالت خالعني على ما في يدي من دراهم أو من الدراهم ففعل]
م: (ولو قالت: خالعني على ما في يدي من دراهم أو من الدراهم ففعل، ولم يكن في يدها شيء فعليها ثلاثة دراهم؛ لأنها سمت الجمع وأقله ثلاثة، وكلمة "من" هنا للصلة) ش: أي للبيان م: (دون التبعيض؛ لأن الكلام يختل بدونه) ش: أي بدون من، لأنها لو قالت اخلعني على ما في يدي من دراهم كان الكلام مختلا، فكان صلة، ويبقى لفظ الجمع فيلزمها ثلاثة دراهم.
فإن قلت: ينبغي أن يلزمها دراهم واحد، لأن الجمع المعروف باللام للجنس، قلت نعم، إذا كان الجمع مجردا عن الإضافة والإشارة لاختصاصه بما تحويه يده والدراهم حقيقة، فيجب اعتبار معنى الجمعية على أنا نقول إن اللام الداخل على الجمع فيه اختلاف، قيد البعض بمطلق الجمع لعل المصنف ذهب إلى هذا القول ولا يرد عليها ما إذا قال لامرأته اختاري من الثلاث ما شئت، فإنها إذا اختارت الواحدة أو الثنتين يصح، لأن - من -فيه للتبعيض لعدم اختلال الكلام بدونه، بخلاف صورة الخلع، فإن - من - فيها للتبيين والصلة لاختلال الكلام بدونه، ولا يقال المفهوم من اختاري ما شئت غير المفهوم من اختاري من الثلاث ما شئت، لأنا نقول المغايرة بين المعنيين لا تقتضي الاختلال في الكلام، لأن المدعى صحة الكلام بدون ذكر من، وصحته ليست بموقوفة على عدم المغايرة.
[اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه]
م: (وإذا اختلعت على عبد لها آبق على أنها بريئة من ضمانه) ش: أي إيابه، يعني لا تطيق على تحصيله إن وجدته سلمته، وإلا فلا شيء عليها م: (لم تبرأ) ش: وعند مالك لا ضمان عليها، وعند الشافعي يجب مهر المثل إن صح الخلع وفي الأصح عنده لا يصح الخلع م: (وعليها تسليم عينه) ش: أي وعلى المرأة تسليم عين العبد م: (إن قدرت، وتسليم قيمته إن عجزت لأنه) ش: أي لأن الخلع م: (عقد المعاوضة، فيقتضي سلامة العوض، واشتراط البراءة عنه) ش: أي عن الزوج م: (شرط فاسد فيبطل) ش: أي الشرط م: (إلا أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: وكذا التبرعات لا تبطل بها.
فإن قيل سلمنا أن الخلع لا يبطل بالشرط الفاسد، ولكن ينبغي أن تفسد التسمية ويرجع الزوج عليها بالمهر، والجواب أن مبني الخلع على التوسع، فلا يمنع صحته باعتبار الإباق، لأن العقد إذا كان صحيحا كان ما يناقضه من الشرط فاسدا ساقطا، والساقط لا يؤثر فساد الشيء.
فإن قيل الخلع كما يوجب تسليم المسمى فكذا يوجب تسليمه بوصف كونه سليما، واشتراط(5/520)
وعلى هذا النكاح
وإذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف، وهذا لأن حرف الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض، والطلاق بائن لوجوب المال. وإن قالت طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة فلا شيء عليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويملك الرجعة، وقالا هي واحدة بثلث الألف؛ لأن كلمة "على" بمنزلة الباء في المعاوضات حتى إن قولهم: احمل هذا الطعام بدرهم أو على درهم سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البراءة عن وصف السلامة صحيح، فيصح اشتراطها عن تسليم المسمى أيضا، أجيب: بأن استحقاق التسليم بوصف السلامة، ألا ترى أن بيع ما لا يقدر على تسليمه لا يجوز، والبيع شرط البراءة عن العيوب يجوز، فلا يلزم من جواز الأدنى جواز الأعلى.
م: (وعلى هذا النكاح) ش: يعني على هذا الحكم إذا تزوجها على عبد آبق له باشتراط البراءة عن ضمانه جاز النكاح، ولم يبرأ عن ضمانه، ويجب تسليم عينه إذا قدر، وإلا تسلم قيمته.
[قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة]
م: (وإذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة فعليها ثلث الألف) ش: وبه قال الشافعي وعند مالك يقع بألف، وعند أحمد يقع بغير شيء م: (لأنها لما طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كل واحدة بثلث الألف، وهذا لأن حرف الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوض) ش: أي على أجزاء المعوض، فيقابل كل طلقة بثلث الألف.
فإن قلت: هذا يشكل بالبيع، فلو قال بعت منك هذه العبيد الثلاثة كل واحد بثلث الألف، فقبل البيع في واحد بعينه لم يجز، ولم يجب ثلث الألف.
قلت: الطلاق لا يبطل بالشرط الفاسد لقبوله التعليق والأخطار، ولا كذلك البيع.
م: (والطلاق بائن لوجوب المال) ش: أي بالإجماع.
م: (وإن قالت طلقتي ثلاثا على ألف فطلقها واحدة، فلا شيء عليها عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد كقوله في الباء، وقال مالك كالكلام في الباء م: (ويملك الرجعة) ش: لأنه لما لم يجب المال، لأن الشروط لا تتوزع على أجزاء الشرط كان الطلاق رجعيا، لأن الزوج كان مبتدئا في إيقاع الطلاق، وصريح الطلاق يعقب الرجعة في المدخولة إذا لم يقرن بالثلاث م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد م: (هي واحدة بائنة بثلث الألف) ش: أي الطلقة واحدة بائنة، وبه قال الشافعي م: (لأن كلمة "على" بمنزلة الباء في المعاوضات) ش: يعني تستعمل في المعاوضات بمعنى الباء والخلع معاوضة، فيكون بمنزلة الباء كدخوله على المال دون الطلاق، والمال لا يقبل التعليق م: (حتى إن قولهم: احمل هذا الطعام بدرهم أو على درهم سواء) ش: سواء بالرفع خبر إن، والباء(5/521)
وله أن كلمة على للشرط، قال الله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] . (الممتحنة: الآية 12)
ومن قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا، وهذا لأنه للزوم حقيقة، واستعير للشرط لأنه يلازم الجزاء، وإذا كان للشرط فالمشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط، بخلاف الباء، لأنه للعوض على ما مر، وإذا لم يجب المال كان مبتدأ، فوقع ويملك الرجعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لمعان كثيرة منها تستعمل بمعنى الاستعلاء، فتكون بمعنى على، كما في قَوْله تَعَالَى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] (آل عمران: الآية 75) ، أي على قنطار، {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ} [المطففين: 30] أي عليهم {يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 30] .
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (أن كلمة على للشرط، قال الله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] (الممتحنة: الآية 12) ش: أي شرط أن لا يشركن، وهذا في بيعة النساء والشرط يقابل المشروط جملة، ولا يقابل أجزاءه وعلى هذا لو قال لها: أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا، وكذا إذا قال بعت هذا العبد على أنه خباز أو كاتب كان شرطا.
فإن قلت: يشكل هذا بما إذا قالت له طلقني وفلانة على ألف، فطلقها وحدها كان عليها حصتها من المال بمنزلة ما لو التمست بحرف الباء.
وأجيب: بأنه حملت هناك على الباء، لأنه لا غرض لها في طلاق فلانة، فيجعل ذلك كالشرط، ولها في اشتراط إيقاع الثلاث غرض صحيح، كذا في "المبسوط ".
[قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلي الدار]
م: (ومن قال لامرأته: أنت طالق على أن تدخلي الدار كان شرطا) ش: هذه المسألة للاستشهاد على أن على للشرط، وليست هي بمسألة ابتدائية م: (وهذا لأنه) ش: أي لأن حرف على م: (للزوم حقيقة، واستعير للشرط لأنه) ش: أي لأن الشرط م: (يلازم الجزاء) ش: بيانه، أن كلمة على للاستعلاء، ثم إذا استعملت للشرط تكون مجازا، ويجوز المجاز للاتصال من حيث الملازمة، لأن وجود الشرط مستلزم لوجود الجزاء م: (وإذا كان للشرط فالمشروط لا يتوزع) ش: على صيغة المجهول، يقال توازعوه إذا اقتسموه، وهو معتد كما ترى م: (على أجزاء الشرط) ش: لأن المشروط لا يوجد إلا عند وجود الشرط، والشرط عبارة عن جميع الأجزاء فلا يقع جزء من المشروط بوجود جزء من الشرط، لعدم وجود الشرط م: (بخلاف حرف الباء، لأنه للعوض على ما مر) ش: أي عند قوله لأن حرف الباء يصحب الأعواض.
م: (وإذا لم يجب المال) ش: في المسألة المذكورة، وهي قوله وإن قالت طلقني ثلاثا ... إلى آخره م: (كان مبتدأ) ش: أي كان الرجل مبتدأ غير مبني على سؤالها م: (فوقع) ش: أي الطلاق وقع رجعيا، وهو معنى قوله: م: (ويملك الرجعة) ش: لأن الطلاق الصريح يعقب الرجعة.(5/522)
ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء، لأن الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم له الألف كلها، بخلاف قولها طلقني ثلاثا بألف لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها أرضى.
ولو قال لها أنت طالق على ألف فقبلت طلقت وعليها الألف وهو كقوله أنت طالق بألف ولا بد من القبول في الوجهين، لأن معنى قوله بألف بعوض ألف يجب لي عليك، ومعنى قوله على ألف على شرط ألف يكون لي عليك، والعوض لا يجب بدون قبوله والمعلق بالشرط لا ينزل قبل وجوده، والطلاق بائن لما قلنا.
ولو قال لامرأته: أنت طالق وعليك ألف فقبلت، أو قال لعبده: أنت حر وعليك ألف فقبل عتق العبد، وطلقت المرأة، ولا شيء عليهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة]
م: (ولو قال الزوج طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شيء؛ لأن الزوج ما رضي بالبينونة إلا لتسلم له الألف كلها) ش: لأن رضاه بزوال ملكه بالألف لا يدل على رضاه بزوال ملكه بأقل من الألف م: (بخلاف قولها: طلقني ثلاثا بألف) ش: فطلقها واحدة يقع واحدة بائنة م: (لأنها لما رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها) ش: أي ببعض الألف م: (أرضى) ش: يعني لما رضيت بتملك نفسها بوقوع البينونة بأقل من الألف كان رضاها بالألف بالطريق الأولى.
[قال لها أنت طالق على ألف فقبلت]
م: (ولو قال لها: أنت طالق على ألف فقبلت طلقت وعليها الألف) ش: وإنما توقف على قبولها، لأنه إيجاب معاوضة فلا بد من القبول، فإذا قبلت وقعت واحدة بائنة لوجوب المال، لكن بشرط القبول في المجلس، حتى إذا قامت قبل القبول بطل ذلك، لأنه بمنزلة تعليق الطلاق بمشيئتها وتمليك الأمر منها، والتمليكات تقتصر على المجلس، م: (وهو كقوله أنت طالق بألف) ش: أي حكم هذا الحكم ذلك فيما ذكر. وذكر التمرتاشي لو قال أنت طالق بألف أو على ألف أو خالعتك على ألف باريتك أو طلقتك بألف أو على ألف يقع على القبول في المجلس، وهذا يمين من جهة فيصح تعليقه وإضافته، ولا يصح رجوعه ولا يبطل بقيامه عن المجلس، ويتوقف على البلوغ عليها إذا كانت غايته، لأنه تعليق الطلاق بقبولها المال، وهو من جهتها المبادلة، فلا يصح تعلقها وإضافتها، ويصح رجوعها قبل قبول الزوج، ويبطل بقيامها عن المجلس.
م: (ولا بد من القبول في الوجهين) ش: أي في قوله أنت طالق على ألف، وفي قوله أنت طالق بألف م: (لأن معنى قوله "بألف" بعوض ألف يجب لي عليك، ومعنى قوله "على ألف" على شرط ألف يكون لي عليك، والعوض لا يجب بدون قبوله، والمعلق بالشرط لا ينزل قبل وجوده، والطلاق بائن لما قلنا) ش: أي لوجود المال.
م: (ولو قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف، فقبلت، أو قال لعبده أنت حر وعليك ألف فقبل عتق العبد وطلقت المرأة ولا شيء عليهما) ش: أي على المرأة والعبد، أي لا يجب عليهما شيء(5/523)
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا إذا لم يقبلا. وقالا: على كل واحد منهما الألف إذا قبلا وإذا لم يقبل لا يقع الطلاق والعتاق. لهما أن هذا الكلام يستعمل للمعاوضة، فإن قولهم: احمل هذا المتاع ولك درهم بمنزلة قولهم: بدرهم، وله أنه جملة تامة فلا ترتبط بما قبلها إلا بدلالة الحال إذ الأصل فيها الاستقلال ولا دلالة هنا، لأن الطلاق والعتاق ينفكان عن المال، بخلاف البيع والإجارة لأنهما لا يوجدان دونه.
ولو قال: أنت طالق على ألف على أني بالخيار، أو على أنك بالخيار ثلاثة أيام، فقبلت فالخيار باطل إذا كان للزوج وهو جائز إذا كان للمرأة، فإن ردت الخيار في الثلاث بطل، وإن لم ترد طلقت ولزمها الألف، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (عند أبي حنيفة، وكذا إذا لم يقبلا) ش: أي المرأة والعبد م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد وبه قال الشافعي وأحمد م: (على كل واحد منهما) ش: أي من المرأة والعبد م: (الألف إذا قبلا) ش: أي كل واحد منهما م: (وإذا لم يقبل لا يقع الطلاق والعتاق) ش: وكذا أي على الخلاف إذا قالت طلقني ولك ألف درهم ففعل الزوج وقع الطلاق ولم يكن له في الألف شيء عند أبي حنيفة.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن هذا الكلام يستعمل للمعاوضة) ش: أراد بهذا الكلام قوله وعليك ألف، وقولها ولك ألف وهو يستعمل للمعاوضة، والخلع معاوضة أيضا م: (فإن قولهم: احمل هذا المتاع ولك درهم بمنزلة قولهم: بدرهم) ش: وكذا خيط هذا الثوب ولك درهم توضيحه أن الواو قد تكون للحال، ولا وجه لتصحيح كلامه أن يحمل على ذلك، فيصير كأنه قال أنت طالق في حال ما يجب عليك ألف، ولا يكون ذلك إلا بعد قبولها، كما لو قال أد لي ألفا وأنت طالق، أو لعبده أد لي ألفا وأنت حر، فإن الطلاق والعتاق لا يقعان إلا بالمال.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن قوله عليك ألف م: (جملة تامة) ش: مستقلة بنفسها، لأنها مبتدأ وخبر، والأصل فيها الاستقلال م: (فلا ترتبط بما قبلها إلا بدلالة الحال إذ الأصل فيها) ش: أي في الجملة م: (الاستقلال) ش: أي الاستبداد بنفسها م: (ولا دلالة هنا) ش: على الارتباط بما قبلها م: (لأن الطلاق والعتاق ينفكان عن المال) ش: لأن عادة الكرام فيهما الامتناع عن قبول عوض م: (بخلاف البيع والإجارة، لأنهما لا يوجدان دونه) ش: أي دون المال لكونهما معاوضة محضة، فيصلح أن يكون حال المعاوضة دليلا.
م: (ولو قال أنت طالق على ألف على أني بالخيار، أو على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت) ش: أي قالت فقبلت م: (فالخيار باطل إذا كان للزوج) ش: فالطلاق واقع م: (وهو) ش: أي الخيار م: (جائز إذا كان للمرأة، فإن ردت الخيار في الثلاث) ش: أي في ثلاثة أيام م: (بطل) ش: أي الطلاق م: (وإن لم ترد) ش: أي الخيار م: (طلقت ولزمها الألف، وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه م: (عند أبي حنيفة(5/524)
وقالا: الخيار باطل في الوجهين والطلاق واقع، وعليها ألف درهم؛ لأن الخيار للفسخ بعد الانعقاد لا للمنع من الانعقاد والتصرفان لا يحتملان الفسخ من الجانبين، لأنه في جانبه يمين ومن جانبها شرط. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخلع في جانبها بمنزلة البيع حتى يصح رجوعها، ولا يتوقف على ما وراء المجلس، فيصح اشتراط الخيار فيه. أما في جانبه يمين حتى لا يصح رجوعه ويتوقف على ما وراء المجلس، ولا خيار في الأيمان، وجانب العبد في العتاق مثل جانبها في الطلاق. ومن قال لامرأته: طلقتك أمس على ألف درهم فلم تقبلي، فقالت قبلت فالقول قول الزوج، ومن قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم أمس فلم تقبل، فقال قبلت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (والخيار باطل في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الخيار من جانبها أو من جانبه م: (والطلاق واقع وعليهما ألف درهم) ش: وبه قال الشافعي وأحمد م: (لأن الخيار) ش: أي شرعية الخيار م: (للفسخ بعد الانعقاد لا للمنع من الانعقاد) ش: يعني أثر الخيار في الفسخ بعد صحة الإيجاب لا في المنع من الإيجاب م: (والتصرفان) ش: أي إيجاب الزوج وقبول المرأة م: (لا يحتملان الفسخ من الجانبين) ش: أي من جانب الزوج وجانب اليمين.
م: (لأنه) ش: لأن الخلع م: (في جانبه يمين) ش: لأنه ذكر شرط وجزاء، يعني اليمين لا يقبل الفسخ م: (ومن جانبها شرط) ش: أي اليمين، فإن يمين الزوج تتم بقبول المرأة، فأخذ قبولها حكم اليمين في عدم احتمال الفسخ م: (ولأبي حنيفة أن الخلع في جانبها بمنزلة البيع) ش: لأنه تمليك مال بعوض م: (حتى يصح رجوعها) ش: ولو قامت من المجلس بطل كما في البيع، وإذا كان كذلك صح اشتراط الخيار فيه م: (ولا يتوقف على ما وراء المجلس، فيصبح اشتراط الخيار فيه، أما في جانبه) ش: أي أما الخلع في جانب الزوج م: (فيمين حتى لا يصح رجوعه، ويتوقف على ما وراء المجلس، ولا خيار في الأيمان وجانب العبد في العتاق مثل جانبها في الطلاق) ش: يعني يصح الخيار من العبد، إذا خيره في الإعتاق على مال كما يصح الخلع من جانب المرأة توضيحه إذا طلقها على مال جعل لها الخيار ثلاثة جاز عند أبي حنيفة لأنه في معنى البيع، فكذلك إذا أعتق عبده على مال، وجعل له الخيار ثلاثة أيام جاز، لأنه في معنى البيع، وعندهما لا يصح الخيار، لأن بذل المال شرط اليمين، ولا يصح الخيار في اليمين، وكذا في شرطها.
فإن قيل ثبوت الخيار ثبت بخلاف القياس، فلا يقاس عليه غيره، قلنا أثبتنا الخيار هنا بدلالة النص لا بالقياس، فإن ثبوت الخيار في البيع لرفع الغبن في الأموال والغبن في النفوس أضر، والحاجة إلى الرأي فيه أكثر، فإنه ربما يفوته هذا الازدواج على وجه لا يحصل له مثله أبدا، فيصح فيه الخيار للتأمل، وهذا المعنى يعرفه كل من يعرف اللغة، فيكون ثابتا بدلالة النص.
[قال لامرأته طلقتك أمس على ألف درهم فلم تقبلي فقالت قبلت]
م: (ومن قال: لامرأته طلقتك أمس على ألف درهم، فلم تقبلي، فقالت قبلت فالقول قول الزوج) ش: مع يمينه م: (ومن قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم أمس فلم تقبل، فقال: قبلت(5/525)
فالقول قول المشتري، ووجه الفرق أن الطلاق بالمال يمين من جانبه، فالإقرار به لا يكون إقرارا بالشرط لصحته بدونه. أما البيع فلا يتم إلا بالقبول، والإقرار به إقرار بما لا يتم إلا به فإنكاره القبول رجوع منه. قال: والمبارأة كالخلع كلاهما يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يسقط فيهما إلا ما سمياه. وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه في الخلع، ومع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المبارأة. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هذه معاوضة، وفي المعاوضات يعتبر المشروط لا غير، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المبارأة مفاعلة من البراءة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فالقول قول المشتري، ووجه الفرق) ش: أي بين المسألتين، مسألة الطلاق ومسألة البيع، م: (أن الطلاق بالمال يمين من جانبه) ش: لأنه تعليق الطلاق بشرط قبول المرأة المال واليمين يتم بالحالف م: (فالإقرار به) ش: أي باليمين، وإنما ذكر الضمير على تأويل الحلف م: (لا يكون إقرارا بالشرط) ش: أي لوجود الشرط، لأنه إذا وجد الشرط انحلت اليمين وارتفعت، فكان القول قول الزوج مع اليمين م: (لصحته) ش: أي لصحة اليمين، وجه تذكير الضمير مر الآن م: (بدونه) ش: أي بدون الشرط.
م: (أما البيع فلا يتم إلا بالقبول، والإقرار به) ش: أي بالبيع م: (إقرار بما لا يتم إلا به) ش: الضمير المستتر في - لا يتم - يرجع إلى البيع أيضا م: (فإنكاره القبول رجوع منه) ش: فلا يصدق. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
م: (والمبارأة كالخلع) ش: المبارأة من بارأ شريكه، أي إبراء كل واحد منهما صاحبه، وهي بالهمزة، قال في " المغرب ": ترك الهمزة خطأ م: (كلاهما) ش: أي كل من المبارأة والخلع م: (يسقطان كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح) ش: أي بسبب النكاح مثل المهر والنفقة الماضية دون المستقبلة، لأن المختلعة والمبارئة تستحق النفقة والسكنى ما دامت في العدة، وبه صرح الحاكم الشهيد في " الكافي "، وقوله - بما يتعلق على الآخر بالنكاح - احتراز عن دين وجب بسبب آخر فإنه لا يسقط على ظاهر الرواية، ونفقة العدة لا تسقط أيضا إلا بالتسمية، وكذا السكنى بالإجماع، ولو خالعها ولم يذكر المال وقبلت لا يسقط شيء من المهر في ظاهر الرواية، وقال شيخ الإمام السعدي وشيخ الإسلام سقط إن كان عليه، ولا يجب عليها رد ما قبضت، لأن المال مذكور عرفا بذكر الخلع. م: (هذا عند أبي حنيفة، وقال محمد لا يسقط فيهما) ش: أي في المبارأة والخلع م: (إلا ما سمياه) ش: أي الزوجان، يعني لا يسقطان شيئا سوى المسمى في عقد الخلع، وبه قال الشافعي م: (وأبو يوسف معه) ش: أي مع محمد م: (في الخلع، ومع أبي حنيفة في المبارأة. لمحمد أن هذه) ش: أي المبارأة والخلع م: (معاوضة، وفي المعاوضات يعتبر المشروط لا غير) ش: أي الذي وقع عليه الشرط م: (ولأبي يوسف أن المبارأة مفاعلة من البراءة) ش: وباب المفاعلة يقتضي نسبة الفعل إلى فاعلين إلى أحدهما صريحا، وإلي الآخر ضمنا فثبت براءة كل واحد منهما بالآخر،(5/526)
فتقتضيها من الجانبين، وأنه مطلق قيدناه بحقوق النكاح لدلالة الغرض. أما الخلع فمقتضاه الانخلاع وقد حصل في نقض النكاح، ولا ضرورة إلى انقطاع الأحكام، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخلع ينبئ عن الفصل، ومنه خلع النعل وخلع العمل، وهو مطلق كالمبارأة فيعمل بإطلاقهما في النكاح وأحكامه وحقوقه.
ومن خلع ابنته وهي صغيرة بمالها لم يجز عليها؛ لأنه لا نظر لها فيه إذ البضع في حالة الخروج غير متقوم، والبدل متقوم بخلاف النكاح؛ لأن البضع متقوم عند الدخول، ولهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو معنى قوله م: (فتقتضيها) ش: أي فتقتضي البراءة م: (من الجانبين) .
م: (وأنه) ش: أي أن لفظ البراءة والتذكير باعتبار المذكور م: (مطلق) ش: يعني غير مقيد بشيء م: (قيدناه بحقوق النكاح لدلالة الغرض) ش: وهو وقوع البراءة عما وقعت البراءة لأجله وهو النشوز الحاصل بسبب وصلة النكاح وانقطاع المنازعة، إنما يكون بإسقاط ما وجب بسبب تلك الوصلة، كذا قاله بعض الشراح، وقيل الغرض هو قطع المنازعة الناشئة بالنكاح، فتقيد البراءة بالحقوق الواجبة بالنكاح. م: (أما الخلع فمقتضاه الانخلاع، وقد حصل في نقض النكاح، ولا ضرورة إلى انقطاع الأحكام) ش: أي سائر الأحكام، لأنها لم تكن بسبب وصلة النكاح م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن الخلع ينبئ عن الفصل، ومنه خلع النعل وخلع العمل) ش: وهو انفصال العامل عنه م: (وهو) ش: أي الخلع م: (مطلق كالمبارأة) ش: فيضاف إلى الكامل م: (فيعمل بإطلاقهما) ش: أي بإطلاق المبارأة والخلع م: (في النكاح وأحكامه وحقوقه) ش: الواجبة به دون سائر الديون.
وقال الأترازي: ثم بالخلع هل يقع البراءة من دين آخر سوى دين النكاح في ظاهر الرواية، أو في رواية الحسن عن أبي حنيفة يقع، وكذلك المبارأة هل توجب البراءة عن سائر الديون فيه اختلاف المشايخ، والصحيح أنها لا توجب، وكذا في الفتاوى الصغرى، أما إذا كان العقد بلفظ الطلاق على مال، فهل تقع البراءة عن الحقوق المتعلقة بالنكاح؟ ففي ظاهر الرواية لا يقع؛ لأن لفظ الطلاق لا يدل على إسقاط الحق الواجب بالنكاح، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة تقع البراءة عنها لإتمام المقصود، ولو كان الخلع بلفظ البيع والشراء اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة قال في الفتاوى الصغرى: والصحيح أنه كالخلع والمبارأة.
[خلع ابنته وهي صغيرة بمالها]
م: (ومن خلع ابنته وهي صغيرة بمالها لم يجز عليها) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك يجوز، لأن ولايته نظرية م: (لأنه لا نظر لها فيه) ش: أي في هذا الخلع م: (إذ البضع) ش: أي لأن البضع م: (في حالة الخروج غير متقوم) ش: ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثلث م: (والبدل متقوم) ش: ولا نظر في إلزام ما هو متقوم بمقابلة ما ليس بمتقوم م: (بخلاف النكاح) ش: فإن الرجل إذا زوج ابنه الصغير امرأة بمهر المثل صح م: (لأن البضع متقوم عند الدخول) ش: أي حالة الدخول م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون البضع في حالة الخروج غير متقوم، ومتقوم عند(5/527)
يعتبر خلع المريضة من الثلث، ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال، وإذا لم يجز لا يسقط المهر، ولا يستحق مالها، ثم يقع الطلاق في رواية، وفي رواية لا يقع، والأول أصح، لأنه تعليق بشرط قبوله، فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط،
وإن خالعها على ألف على أنه ضامن، فالخلع واقع، والألف على الأب؛ لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى ولا يسقط مهرها؛ لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب. وإن شرط الألف عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب المال؛ لأنها ليست من أهل الغرامة، فإن قبله الأب عنها ففيه روايتان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدخول م: (يعتبر خلع المريضة من الثلث) ش: أي من ثلث التركة م: (ونكاح المريض) ش: أي يعتبر نكاح المريض م: (بمهر المثل من جميع المال) ش: فكأنه بمقابلة المتقوم بالمتقوم، وهذا من وجوه النظر.
م: (وإذا لم يجز) ش: أي الخلع م: (لا يسقط المهر ولا يستحق مالها) ش: أي لا يستحق الزوج مالها بدل الخلع م: (ثم يقع الطلاق في رواية، وفي رواية لا يقع والأول) ش: أي وقوع الطلاق م: (أصح) ش: قال الصدر الشهيد والإمام العتابي في شرحيهما للجامع الصغير: م: (لأنه تعليق بشرط قبوله) ش: أي لأن الخلع تعليق الطلاق بشرط قبول الأب وقد وجد م: (فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط) ش: مثل أن يقول إن دخلت الدار وغيره، وذلك إذا وجد الشرط، فكذلك إذا وجد القبول.
[اشتراط بدل الخلع على الأجنبي]
م: (فإن خالعها) ش: أي فإن خالع الأب الصغيرة م: (على ألف على أنه) ش: أي أن الأب م: (ضامن فالخلع واقع، والألف على الأب، لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى) ش: ومعنى الضمان هنا التزام المال على نفسه لا لكفالة الصغيرة، لأن الزوج لا يستحق عليه مالا حتى يكفل عنها أحد، م: (ولا يسقط مهرها لأنه لا يدخل تحت ولاية الأب) ش: بل يبقى الكل إن دخل بها، والنصف إن لم يدخل بها م: (وإن شرط عليها الألف) أي وإن شرط الأب الألف على الصغيرة م: (توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول) ش: أي إن كانت عاقلة.
وقال التمرتاشي: إن كانت تعقل العقد وتعبر عن نفسها م: (فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط) ش: وهو القبول م: (ولا يجب المال لأنها) ش: أي لأن الصغيرة م: (ليست من أهل الغرامة) ش: بل يجب الكل إن دخل بها، والنصف إن لم يدخل بها.
م: (وإن قبله الأب عنها) ش: أي فإن قبل بدل الخلع الأب عن الصغيرة م: (ففيه) ش: أي ففي هذا القبول، قاله الأكمل وقال الأترازي: أي في وقوع الطلاق م: (روايتان) ش: عن أصحابنا قلت الذي قاله الأكمل هو الصحيح روايتان في رواية يصح، لأن هذا نفع محض، لأن(5/528)
وكذا إن خالعها على مهرها ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر. وإن قبل الأب عنها فعلى الروايتين. وإن ضمن الأب المهر وهو ألف درهم طلقت لوجود قبوله، وهو الشرط ويلزمه خمسمائة استحسانا. وفي القياس يلزمه الألف، وأصله في الكبيرة إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففي القياس عليها خمسمائة زائدة، وفي الاستحسان لا شيء عليها لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصغيرة تخلص عن عهدته بغير مال فصح من الأب كقبول الهبة، وفي رواية لا يصح، لأن هذا القبول بمعنى شرط اليمين، وذلك لا يحتمل النيابة كذا في مبسوط شيخ الإسلام في " الكافي "، وهذا لا يصح.
م: (وكذا إن خالعها على مهرها) ش: وكذا الحكم إن خالع الصغيرة زوجها على مهرها م: (ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر، فإن قبل الأب عنها، فعلى الروايتين) ش: قال تاج الشريعة: يعني في قبول الأب المهر روايتان، في رواية يصح، لأن هذا القبول شرط اليمين، وذلك لا يحتمل النيابة.
م: (وإن ضمن الأب المهر) ش: أي في صورة خلع الأب مع الزوج م: (وهو) ش: أي المهر م: (ألف درهم طلقت لوجود قبوله، وهو الشرط، ويلزمه) ش: أي يلزم الأب م: (خمسمائة استحسانا) ش: لأن المسألة مصورة في غير الموطوءة بدليل إيراد أهل هذه المسألة في الكبيرة التي يدخل بها، ثم لما كانت الصغيرة غير موطوءة، وأضيف الخلع إلى مهر، والمهر ما يجب بالنكاح، والواجب بالنكاح في الطلاق قبل الدخول نصف المهر وهو خمسمائة، فكأنه خالعها على خمسمائة م: (وفي القياس يلزمه بالألف) ش: بحكم الضمان.
م: (وأصله) ش: أي وأصل ما ذكر هذه المسألة م: (في الكبيرة) ش: أي في المرأة الكبيرة م: (إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففي القياس عليها خمسمائة زائدة) ش: أي على المهر زائدة، لأن الصفة تتبع المضاف إليه، كما في قَوْله تَعَالَى: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43] (يوسف: الآية 43) ، لأن الصداق إذا لم يكن مقبوضا استحق الزوج عليها ألفا باعتبار القبول في الخلع، ولها على الزوج خمسمائة بالطلاق قبل الدخول فيصير خمسمائة قصاصا بخمسمائة، فبقي للزوج عليها خمسمائة زائدة.
م: (وفي الاستحسان لا شيء عليها؛ لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها) ش: أي يراد بالخلع عادة حاصل ما يلزم المرأة على الزوج، وقال تاج الشريعة: وجه الاستحسان أنهم يريدون بالخلع على المهر ما يلزمه لها، وهو خمسمائة بالطلاق قبل الدخول، فيكون الخلع على مهرها في الحقيقة خلعا على خمسمائة، وقد سقط عن الزوج فلا يبقى عليها شيء، فافهم.(5/529)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: لو قال خلعتك ولم يذكر عوضا فقالت قبلت لا يسقط شيء من مهرها في ظاهر الرواية، وقال شيخ الإسلام والسعدي: يبرأ من مهرها ويرد المهر لو قبضت، وعن أبي حنيفة روايتان لم يذكر العوض في الخلع، والأصح براءته، وفي شرح الشافعي يبرأ عن المهر عنده. وفي " المحيط " والصحيح أن ما قبضته فهو لها، وما كان أيضا في ذمته يسقط، ولو شرط بالبراءة عن نفقة العدة ومؤنة السكنى سقطا بلا خلاف، ولو شرطا البراءة عن السكنى لا يصح، لأن السكنى في بيت العدة حق الله تعالى، وفي المرغيناني لا يصح البراءة عن نفقة العدة اتفاقا إلا بالشرط بالطلاق ولا يقع الإبراء عن نفقة الولد وهو مؤنة الرضاع وإرضاع بالشرط ولو وقت له وقتا جاز، ولو مات الولد قبل تمام الوقت يرجع الأب إلى تمام المدة والحيلة أن لا يرجع إليها أن يقول الزوج خالعتك على أني بريء من نفقة ولدك فإن مات فلا رجوع لي عليك ولا يدخل نفقة العدة في قوله خلعتك بكل حق لك علي، لأنه لم يكن حق عليه عند الخلع، وفي " الينابيع " لو أبرأته من نفقة العدة بعد الخلع صح بخلاف الإبراء من العدة حال قيام النكاح، قال صاحب " الينابيع ": هكذا ذكره الطحاوي، وفي " القنية " خالعها على نفقة ولده عشر سنين وهي معسرة، وطالبته بنفقتها يجبر عليها.
وفي " الذخيرة " خالعها على رضاع ابنه سنتين بعد الفطام يجوز، وكذا لو خالعها على أن تكسوه من مالها في المدة ولا يضره الجهالة، ولو لم يشترط ذلك فلها طلب كسوته، ولو كان في بطنها والمسألة بحالها، ثم ولدته ميتا رجع عليها بأجرة الرضاع سنتين ونفقة عشر سنين.
اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز، والشرط باطل قالت بعتك مهري ونفقة عدتي، فقال اشتريت في الظاهر أنها لا تطلق ولكن الأحوط تجديد نكاح المختلعة يلحقها صريح الطلاق في العدة عندنا، وبه قال الظاهرية، وهو قول ابن المسيب وشريح وطاووس والزهري والحكم وحماد ومكحول وعطاء والثوري، وهو قول ابن مسعود وأبي الدرداء وعمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وعند الشافعي ومالك وأحمد لا يلحقها ولا يتناولها الطلاق في قوله: نسائي طوالق عندهم.(5/530)
باب الظهار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الظهار]
[قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي]
م: (باب الظهار) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الظهار، وهو مصدر ظاهر يظاهر ظهارا، وفي " الصحاح " يقال ظاهر من امرأته وتظاهر وأظهر واظاهر وتظهر وظهر كل ذلك قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، والظهر في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» مقحم كما في ظهر القلب، وظهر الغيب، وظاهره إذا أعانه وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر وعدي بمن، وإن كان ظاهرا متعديا، لأنهم إذا ظاهروها تباعدوا منها كما في الإيلاء، وفي " المحيط " و" الينابيع ": الظهار لغة: مقابلة الظهر بالظهر والرجل والمرأة إذا كان بينهما شحناء يدير كل واحد منهما ظهره إلى الآخر.
وفي " مبسوط الطوسي ": سمي ظهارا اشتقاقا من الظهر خص به دون البطن والفرج والفخذ، لأن كل دابة يركب ظهرها، فلما كانت الزوجة تركب وتغشى شبهت بذلك، والمعنى ركوبك علي محرم كركوب ظهر أمي. وفي " جامع الأصول " أنهم أرادوا أنت علي كبطن أمي، يعني على جماعها، فكنوا عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن وللمجاوزة، وقيل: إن إتيان المرأة من ظهرها كان محرما عندهم، فيقصد مطلق التغلظ في تحريم امرأته تشبيها بالظهر، ثم لا يقتنع بذلك حتى يجعلها كظهر أمه.
وأما الظهار شرعا: فهو تشبيه المحللة بالمحرمة على وجه التأبيد كالأم والأخت والخالة والعمة سواء كانت من نسب أو رضاع أو مصاهرة، وبه قال الشافعي [ ... ] ومالك وأحمد، وفي قوله القديم يقتصر على التشبيه بالأم، وفي قول، يلحق بها الجدة، ثم الظهار له ركن، وهو قوله: أنت علي كظهر أمي، فيقع الظهار به، سواء وجدت النية أو لم توجد، لأنه صريح في الظهار، وكذا إذا شبهه بعضو شائع أو معبر عن جميع البدن كما في الطلاق. وشرط أن يكون المظاهر مسلما، فلا يصح ظهار الذمي عندنا خلافا للشافعي وأحمد، وبقولنا قال مالك، ومن شرطه أن تكون منكوحته، وفي المرأة كونها زوجته حتى لا يصح الظهار من أمته أو مدبرته أو أم ولده، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك والثوري: يصح ظهار من كل أمة، ومن شرطه أن يكون أهلا لسائر التصرفات وهو العاقل البالغ، فلا يصح ظهار الصبي بالإجماع. وحكم: وهو حرمة الوطء ودواعيه مؤقتا إلى وجود الكفارة مع بقاء أصل النكاح، كما في حالة الحيض.
وسبب: وهو النشوز، فإن آية الظهار نزلت في خولة، وكانت ناشزة.(5/531)
وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها، ولا مسها، ولا تقبيلها، حتى يكفر عن ظهاره، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى أن قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية: 3) والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فقرر الشرع أصله، ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح؛ وهذا لأنه جناية لكونه منكرا من القول وزورا فيناسب المجازاة عليها بالحرمة، وارتفاعها بالكفارة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي فقد حرمت عليه، لا يحل له وطؤها، ولا مسها، ولا تقبيلها حتى يكفر عن ظهاره؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى أن قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية 3) ش: وسبب نزول الآية ما روى الواحدي في كتاب أسباب نزول القرآن بإسناده إلى عروة، قال: «قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابي، ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بهذه الآية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1] » (المجادلة: الآية 1) .
قال الزمخشري: هي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت، انتهى.
قلت: الذي قاله مروي عن عكرمة وعروة ومحمد بن كعب، وقال أبو عمر: خولة ثعلبة بن صيرم [بن] فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، وقيل إن التي نزلت فيها هذه الآية جميلة امرأة أوس بن الصامت، وقيل بل هي خولة بنت دملح، ولا يثبت شيء من ذلك.
م: (والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فقرر الشارع أصله) ش: أي أصل الظهار م: (ونقل حكمه إلى تحريم موقت بالكفارة غير مزيل للنكاح) ش: ولا خلاف فيه لأحد من العلماء م: (هذا) ش: أشار إلى حكم نقل حكم الظهار من الطلاق إلى التحريم الموقت بالكفارة م: (لأنه) ش: أي لأن الظهار م: (جناية، لكونه منكرا من القول وزورا) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] (المجادلة: الآية 2) وأراد بالمنكر ما تنكره الحقيقة والشرع، وبالزور الكذب الباطل حيث شبه من هي في أقصى غايات الحل بمن هي في أقصى غاية الحرمة، م: (فناسب المجازاة عليها بالحرمة) ش: جزاء على جنايته.
م: (وارتفاعها) ش: أي ارتفاع الجناية م: (بالكفارة) ش: قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] (هود: الآية 114) وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» ، وفي " المنافع ": الكفارة تجب بالظهار والعود، لأن الظهار منكر من القول وزور. فهو كبيرة محضة، فلا يصح(5/532)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سببا للكفارة، لأنها عبادة، إذ الغالب فيهما معنى العبادة، فلا يكون سببا محظورا محضا، فتعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك بالمعروف بعد الظهار وهكذا في " الينابيع ".
وفي " الحواشي " وفي " المحيط " سبب وجوبها العزم على الوطء، والظهار شرط قبل الحكم يتقرر بتقرر سببه لا شرطه، والأمر على العكس، فإن الكفارة تتكرر بتكرار الظهار دون تكرار العزم على الوطء.
وفي " المبسوط " بمجرد العزم على الوطء لا تتكرر الكفارة عندنا، حتى لو أبانها بعد هذا أو مات لا تجب الكفارة، وهذا دليل على أن الكفارة غير واجبة لا بالظهار، ولا بالعود إذ لو وجب لما سقطت، بل موجب الظهار ثبوت التحريم، فإذا أراد رفعه لا بد من الكفارة حتى لو لم يرد ذلك ولم تطلب لا تجب عليه الكفارة أصلا، وفي " الينابيع " رضي أن يكون محرمة ولا يعزم على وطئها لا تجب الكفارة، ولو عزم ثم ترك لا تجب أيضا فعلم أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار، وهو قول أحمد ومالك في الصحيح، وعنده في قول تجب بنفس الظهار.
واختلف أهل العلم في العود المذكور في قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] فعندنا هو العزم على إباحة الوطء.
والقول الثاني: قال مالك: إرادة الوطء في رواية أشهب.
والثالث: إرادة الوطء مع استدامة العصمة، وإن لم يجمع على الوطء لم تجب الكفارة، ولو كفر لا يجزئه، وهو قول مالك، وعندنا يجزئه، وفي شرح مختصر الكرخي لو بانت منه بالطلاق أو تزوجت بغيره وكفر صح التكفير.
والرابع: العود إلى الوطء نفسه رواه عبد الوهاب عن مالك، فعلى هذا لا يجزئه التكفير قبل الوطء.
الخامس: سكت عن طلاقها عقيب الظهار، وفي زمان يمكنه طلاقها، وبه قال الشافعي وأصحابه وبعض الظاهرية.
والسادس: العود أن يعود فيتكلم بالظهار مرة ثانية، ولا يجب عليه بالأول شيء، وهو قول داود الظاهري.
السابع: هو العود في الإسلام لا نفس القول بالظهار الذين كانوا يظاهرون به في الجاهلية في تعاطي الظهار، وهو قول الثوري.(5/533)
ثم الوطء إذا حرم حرم بدواعيه كيلا يقع فيه كما في الإحرام، بخلاف الحائض والصائم لأنه يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي يفضي إلى الحرج، ولا كذلك الظهار والإحرام؛ فإن وطئها قبل أن يكفر استغفر الله تعالى ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[اللمس والقبلة للمظاهر]
م: (ثم الوطء إذا حرم حرم بدواعيه) ش: وهي اللمس والقبلة لأنهما داعيان إلى الوطء، وبه قال الزهري والأوزاعي والنخعي ومالك والشافعي في أحد قوليه، وأحمد في رواية، وقال الشافعي في قول: لا تحرم الدواعي وبه قال أحمد في رواية م: (كيلا يقع فيه) ش: أي في الوطء م: (كما في الإحرام) ش: أي في حالة الإحرام بالحج يحرم الوطء ودواعيه أيضا، وكذا في الإعتاق والاستبراء، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه م: (بخلاف الحائض والصائم لأنه يكثر وجودهما، فلو حرم الدواعي يفضي إلى الحرج) ش: وهو منتف بالنص م: (ولا كذلك الظهار والإحرام) ش: فإنما يقعان قليلا ولا يقضي حرمة الدواعي فيها إلى الخروج.
م: (فإن وطئها قبل أن يكفر) ش: عن يمينه م: (استغفر الله تعالى ولا شيء عليه غير الكفارة الأولى) ش: هي الواجبة بالظهار على الترتيب المنصوص، وهو قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد.
وقال عمرو بن العاص وقبيصة بن ذؤيب وسعيد بن جبير والزهري وقتادة وعبد الرحمن بن مهدي: يجب كفارتان، وقال الحسن البصري والنخعي: يجب ثلاث كفارات.
ولنا حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أتى [رجل] رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتظاهر عن امرأته و [قال] قد وقعت عليها قبل أن أكفر قال: ما حملك على هذا؟ قال رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال لا تقربها حتى تفعل ما أنزل الله» ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وفي الكشاف هو سلمة بن صخر البياضي.
قلت: هو في رواية الترمذي عن سلمة بن صخر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المظاهر واقع قبل أن يكفر، قال كفارة واحدة» ثم هذا حديث حسن غريب، وسلمة بن صخر هذا معروف بالبياضي وليس منهم، وإنما كانت دعوته فيهم فنسب إليهم، وهو من الخزرج وهو سلمة بن صخر بن سليمان بن الصمت بن حارثة بن الحارث بن زيد بن مناف بن حبيب بن عبد حارثة بن(5/534)
ولا يعاود حتى يكفر «لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة "استغفر الله ولا تعد حتى تكفر» ولو كان شيئا آخر عليه واجبا لبينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قال: وهذا اللفظ لا يكون إلا ظهارا لأنه صريح فيه، حتى لو نوى به الطلاق لا يصح لأنه منسوخ فلا يتمكن من الإتيان به. وإذا قال: أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها فهو مظاهر؛ لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة بالمحرمة، وهذا المعنى يتحقق في عضو لا يجوز النظر إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالك بن عصيب بن جسم بن الخزرج الأكبر، وذكر الترمذي الخلاف في اسمه سلمة أو سلمان.
م: (ولا يعاود) ش: أي ولا يعاود الوطء م: (حتى يكفر لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (للذي واقع في ظهاره قبل الكفارة: «استغفر الله ولا تعد حتى تكفر") » .
ش: وقد ذكرنا هذا الحديث آنفا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عن سلمة بن صخر م: (ولو كان شيئا آخر واجبا عليه) ش: هذا وجه الاستدلال بالحديث المذكور، أي ولو كان يجب على المظاهر المذكور شيء آخر واجب عليه غير الكفارة الأولى م: (لبينه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لبينه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (قال) ش: أي قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وهذا اللفظ) ش: يعني قوله أنت علي كظهر أمي م: (لا يكون إلا ظهارا لأنه صريح فيه، حتى لو نوى به الطلاق) ش: أو الإيلاء، ولم ينو شيئا يكون ظهارا، م: (ولو نوى به الطلاق لا يصح لأنه منسوخ، فلا يتمكن من الإتيان به) ش: لأنه تغيير موضوع الشرع وليس في العبد ذلك، ولأن التعيين بعض محتملات اللفظ، واللفظ صريح فلا يحتمل غيره، فلا تصح نية الطلاق، وكذا إذا نوى تحريم اليمين، لأنه صريح في الظهار، وكذا إذا قال أردت به الخبر عن الماضي كاذبا لا يصدق قضاء
[قال أنت علي كبطن أمي أو كفخذها أو كفرجها]
م: (ولو قال: أنت علي كبطن أمي، أو كفخذها، أو كفرجها، فهو مظاهر؛ لأن الظهار ليس إلا تشبيه المحللة بالمحرمة، وهذا المعنى يتحقق في عضو لا يجوز النظر إليه) ش: احترز به عن التشبيه باليد والرجل والشعر والظفر، لأنه يحل النظر إليه. وقالت الظاهرية: يختص الظهار بظهر الأم. وقال الشافعي ومالك وأحمد: لو قال أنت علي كيد أمي أو كرجلها أو كرأسها أو كعنقها أو كعضدها يكون مظاهرا أيضا كما في الظهر للتلذذ بها، ولو قال كشعرها أو سنها أو ظفرها لا يكون مظاهرا لعدم التلذذ بها. وقال الماوردي قال أبو حنيفة ما يجيء بعد فقدها لا يصير مظاهرا به، وما لا يجيء بفقده يكون مظاهرا بالتشبيه به، وقال الكاكي: وفي نقله ذلك الضابط عن أبي حنيفة غلط، فإن بعد زوال الرأس لا(5/535)
وكذا إن شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه، مثل أخته، أو عمته أو أخته من الرضاعة، لأنهن في التحريم المؤبد كالأم. وكذلك إذا قال: رأسك علي كظهر أمي، أو فرجك، أو وجهك، أو رقبتك، أو نصفك، أو ثلثك؛ لأنه يعبر بها عن جميع البدن، ويثبت الحكم في الشائع، ثم يتعدى كما بيناه في الطلاق.
ولو قال: أنت علي مثل أمي أو كأمي يرجع إلى نيته لينكشف حكمه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجيء قطعا، وقد ذكرنا أنه لا يصير مظاهرا، وبقطع فخذه يجوز أن يجيء، ويصير به مظاهرا، بل الأصل ما ذكره في المتن.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يكون ظهارا م: (إذا شبهها بمن لا يحل له النظر إليها على التأبيد من محارمه مثل أخته، أو عمته، أو أخته من الرضاع؛ لأنهن في التحريم المؤبد كالأم) ش: وأم المرأة وامرأة الأب قال أبو نصر قال الشافعي: إذا شبهها بالأم والخالة فهو ظهار، وإن شبهها بالبنت والأخت ففيه قولان. وإن شبهها بمن كانت حلالا ثم حرمت كأم المرأة لم يكن مظاهرا قولا واحدا.
وفي فتاوى الولوالجي: لو شبهها بامرأة زنى بها أبوه أو ابنه فهو مظاهر عند أبي يوسف لأنها محرمة على التأبيد. وقال محمد: لا يكون مظاهرا للاختلاف فيه، وإن شبهها بامرأة قد فرق الحاكم بينهما باللعان.
قال أبو يوسف: لا يكون مظاهرا، لأن موجب اللعان، وإن كانت الحرمة المؤبدة عنده تسع فيه الاجتهاد، ولهذا لو حكم الحاكم بجواز نكاحها جاز، فلم تكن في معنى الأم، كذا ذكر شمس الأئمة السرخسي وغيره، وقال فيها أيضا ولو شبهها بما يحل في حال نحو أخت المرأة، وامرأة لها زوج، أو مجوسية أو مرتدة لم يكن مظاهرا، لأن الحرمة هنا تقبل الزوال.
وقال الحاكم الشهيد في "الكافي ": وإن قال لامرأته أنا منك مظاهر وقد ظاهرت منك أو أنت مني كظهر أمي، أو أنت عندي كظهر أمي أو أنت معي كظهر أمي، فهذا كله ظهار.
م: (وكذلك) ش: أي يكون ظهارا م: (إذا قال: رأسك علي كظهر أمي، أو فرجك، أو وجهك، أو رقبتك، أو نصفك، أو ثلثك، أو بدنك؛ لأنه يعبر بها عن جميع البدن) ش: فيكون تشبيه هذه الأعضاء من المرأة كتشبيه ذات المرأة، فيكون مظاهرا وكذا إذا قال جسدك.
وقال شمس الأئمة السرخسي في شرح " الكافي ": ولو قال جنبك أو ظهرك علي كظهر أمي لم يكن مظاهرا بمنزلة قوله يدك أو رجلك م: (ويثبت الحكم في الشائع) ش: أي يثبت حكم الظهار في الجزء الشائع أولا م: (ثم يتعدى) ش: أي ثم يسري إلى سائر البدن م: (كما بيناه في الطلاق) ش: فليعاود إليه هناك.
[قال أنت علي مثل أمي كأمي]
م: (ولو قال أنت علي مثل أمي، كأمي؛ يرجع إلى نيته لينكشف حكمه) ش: وبه قال(5/536)
فإن قال أردت الكرامة فهو كما قال؛ لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام. وإن قال أردت الظهر فهو ظهار؛ لأنه تشبيه بجميعها، وفيه تشبيه بالعضو، لكنه ليس بصريح، فيفتقر إلى النية. وإن قال أردت الطلاق فهو بائن لأنه تشبيه بالأم في الحرمة، فكأنه قال أنت علي حرام، ونوى به الطلاق. وإن لم يكن له نية فليس بشيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لاحتمال الحمل على الكرامة. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون ظهارا لأن التشبيه بعضو منها لما كان ظهارا فالتشبيه بجميعها أولى. وإن عني به التحريم لا غير فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هو إيلاء ليكون الثابت به أدنى الحرمتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشافعي، وذلك لأنه يحتمل وجوها من التشبيه م: (فإن قال: أردت الكرامة) ش: يعني أنت عندي في استحقاق الكرامة والمنزلة مثل أمي م: (فهو كما قال) ش: يعني يحمل على ما قال فلا يلزمه شيء م: (لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام) ش: فاش من الفشو، وهو الانتشار. قال الجوهري: الخبر يفشو فشوا، أي ذاع وأفشاه غيره وفاش أصله فاشي فاعل إعلال القاضي.
م: (وإن قال أردت الظهار فهو ظهار؛ لأنه تشبيه بجميعها) ش: أي بجميع أمه، فإذا شبهها بظهرها وهو عضو منها كان ظهارا وقد شبهها بجميعها وجميعها مشتمل على الظهر أولى وأحرى م: (وفيه) ش: أي وفي قوله أنت علي مثل أمي م: (تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح، فيفتقر إلى النية) ش: لأنه لما كان كالصريح صار كالكناية، فلا يزول الإبهام منه إلا بالنية.
م: (وإن قال أردت الطلاق فهو طلاق بائن؛ لأنه تشبيه بالأم في الحرمة فكأنه قال أنت علي حرام، ونوى به الطلاق، وإن لم يكن له نية فليس بشيء، عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاحتمال الحمل على الكرامة) ش: وبه قال أصحاب الشافعي في وجهه، لأنه مجمل ولم يبين. م: (وقال محمد يكون ظهارا، لأن التشبيه بعضو منها لما كان ظهارا، فالتشبيه بجميعها أولى) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد والشافعية وجهه. وفي المبسوط لم يذكر قول أبي يوسف وعنه روايتان إحداهما كقول محمد، لأنه قال في " الأمالي ": إذا كان هذا في حالة الغضب، وقال نويت به البئر لا يصدق في القضاء، وهو ظهار.
م: (وإن عني به التحريم لا غير فعند أبي يوسف هو إيلاء ليكون الثابت به أدنى الحرمتين) ش: وهما حرمة الإيلاء، وحرمة الظهار وأدناهما حرمة الإيلاء من وجوه، أحدها أن الحرمة في الإيلاء لا تثبت في الحال ما لم يمض أربعة أشهر. وفي الظهار يثبت في الحال.
وفي الثاني: حرمة الإيلاء يمكن دفعها في المدة بالوطء، بخلاف الظهار، فإنه لا يجوز الوطء فيه ما لم يكفر. والثالث: أن الظهار منكر من القول وزور، والإيلاء بين مباح.(5/537)
وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظهار لأن كاف التشبيه تختص به. ولو قال أنت علي حرام كأمي، ونوى ظهارا أو طلاقا فهو على ما نوى لأنه يحتمل الوجهين: الظهار لمكان التشبيه والطلاق لمكان التحريم، والتشبيه تأكيد له؛ وإن لم يكن له نية فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيلاء، وعلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظهار، والوجهان بيناهما. وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي ونوى به طلاقا أو إيلاء لم يكن إلا ظهارا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هو على ما نوى؛ لأن التحريم يحتمل كل ذلك على ما بينا، غير أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكونان جميعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرابع: أن كفارة الإيلاء إطعام عشرة مساكين، وفي الظهار إطعام ستين مسكينا، والصوم فيه شهران متتابعان. وفي الإيلاء ثلاثة أيام متتابعة.
م: (وعند محمد ظهار؛ لأن كاف التشبيه يختص به) ش: أي بالظهار، وهذا الخلاف المذكور بين أبي يوسف ومحمد على قول بعض المشايخ، وقرره الصدر الشهيد، وقال: بل هو ظهار بالإجماع.
م: (ولو قال: أنت علي حرام كأمي ونوى ظهارا أو طلاقا فهو على ما نوى، لأنه يحتمل الوجهين: الظهار لمكان التشبيه والطلاق لمكان التحريم والتشبيه تأكيد له) ش: أي التحريم، وإنما قال يحتمل الوجهين دل على أنه لما صرح بالحرمة لم يبق كلامه للكرامة م: (وإن لم يكن له نية فعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إيلاء، وعلى قول محمد ظهار والوجهان ما بيناهما) ش: أي وجها قول أبي يوسف ومحمد، وأشار بهما إلى قوله لكون الثابت أدنى الحرمتين، وإلي قوله - لأن كاف التشبيه مختص به - أي بالظهار.
م: (وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي، ونوى به طلاقا، أو إيلاء؛ لم يكن إلا ظهاراُ عند أبي حنيفة) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول، وفي قول إن نوى طلاقا كان طلاقا، وهو قول أبي يوسف ومحمد غير أن عند أبي يوسف يكون طلاقا وظهارا إن نوى الطلاق، وعند محمد لا يكون ظهارا ويكون طلاقا فقط م: (وقال هو على ما نوى) ش: إن نوى ظهارا فظهار، وإن نوى طلاقا فطلاق، وإن نوى إيلاء فإيلاء، كذا ذكره الصدر الشهيد والإمام العتابي في شرحيهما للجامع الصغير م: (لأن التحريم يحتمل كل ذلك) ش: ونية المحتمل صحيحة م: (على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأنه يحتمل الوجهين إلى قوله: تأكيد له.
م: (غير أن عند محمد: إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا) ش: لأن ظهار المبانة لا يصح م: (وعند أبي يوسف يكونان جميعا) ش: أي يكون الظهار والطلاق جمعا لكن هذا ليس بظاهر الرواية عن أبي يوسف، وروى أصحاب الإيلاء عن أبي يوسف أنه يكون ظهارا وطلاقا، لأنه باعتبار التلفظ بلفظ التحريم يكون طلاقا عند النية، وباعتبار التصريح بالظهار يكون ظهارا، ولا(5/538)
وقد عرف في موضعه، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه صريح في الظهار فلا يحتمل غيره، ثم هو محكم فيرد التحريم إليه.
قال ولا يكون الظهار إلا من الزوجة حتى لو ظاهر من أمته لم يكن مظاهرا لقوله تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ولأن الحل في الأمة تابع، فلا تلحق بالمنكوحة، ولأن الظهار منقول عن الطلاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منافاة، لأنه إذا طلق ثم ظاهر أو ظاهر ثم طلق صح، ولكن هذا ضعيف، لأن الطلاق لما وقع بقوله أنت علي حرام نيته كان متكلما بلفظ الظهار بعد ما بانت علي حرام. قلنا: اللفظ الواحد لا يحتمل معنيين مختلفين، كذا في " المبسوط " وذكر في " الفوائد الظهيرية " جواب أبي يوسف في هذا، فقال: جاز أن يكون ظهار المبانة على قوله، وكان هذا رواية منه م: (وقد عرف في موضعه) ش: أي في شرح الكافي، قاله الأترازي. قال الكاكي أي في مبسوطه.
م: (ولأبي حنيفة أنه) ش: أي أن قوله أنت علي حرام كظهر أمي م: (صريح في الظهار، فلا يحتمل غيره) ش: ولهذا لا يحتاج في الدلالة عليه إلى النية، فلا يحتمل غيره من الطلاق والإيلاء م: (ثم هو محكم) ش: لعدم احتمال الغير، وقوله أنت علي حرام يحتمل تحريم الطلاق وغيره م: (فيرد التحريم إليه) ش: أي إلى الظهار كما هو الأصل في رد المحتمل إلى المحكم.
[ظاهرمن أمته]
م: (قال) ش: أي محمد في الجامع الصغير م: (ولا يكون الظهار إلا من الزوجة، حتى لو ظاهر من أمته لم يكن مظاهرا) ش: وكذا لا يكون من أم ولده ومدبرته. وقال مالك: يصح منهن، وقد ذكرنا الخلاف فيه عن قريب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] والنساء اسم للزوجات والمملوكة لا تسمى زوجة فلا يصح الظهار منها، كذا قاله الأترازي.
قلت: النساء جمع امرأة من غير لفظها، فيتناول الزوجات وغيرها، ولكن تفسير النساء من الزوجات ممكن من حيث قصد الآية يدل على أن المراد الزوجات، وإلا فلفظ النساء من حيث اللغة أعم من الزوجات وغيرها.
م: (ولأن الحل في الأمة تابع) ش: ليس بمقصود، لأن المقصود ملك اليمين م: (فلا تلحق بالمنكوحة) ش: بدليل أنه لو اشترى أمته فوجدها محرمة عليه برضاع أو مصاهرة لم يثبت للمشتري ولاية الرد بسبب الحرمة، فلا تكون الأمة في معنى المنكوحة حتى يلحق بها.
فإن قلت: قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] (النساء: الآية 23) ، دخل فيه الإماء والحرائر بالإجماع. قلت: الإجماع ممنوع، وأما الأمة الموطوءة حرام باعتبار أنها من أمهات نسائنا، بل باعتبار وطء البنت، ولا يمكن إلحاق الأمة بالنساء بدلالة النص، لأنه ليس في معنى ما ورد به النص.
م: (ولأن الظهار منقول عن الطلاق) ش: هذا دليل آخر، أي كان الظهار طلاقا في الجاهلية،(5/539)
ولا طلاق في المملوكة.
وإن تزوج امرأة بغير أمرها، ثم ظاهر منها، ثم أجازت النكاح فالظهار باطل؛ لأنه صادق في التشبيه وقت المتصرف، فلم يكن منكرا من القول والظهار ليس بحق من حقوقه حتى يتوقف عليه، بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب؛ لأنه من حقوق الملك. ومن قال لنسائه: أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فنقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة م: (ولا طلاق في المملوكة) ش: حتى يكون منها الظهار: فإن قلت: الأمة محل الظهار بقاء، فيجب أن يكون ابتداء كما ظاهر من امرأته وهي أمة، ثم اشتراها يبقى حكم الظهار، وهي أمة، أجيب بأنه كم من شيء يثبت بقاء، ولا يثبت ابتداء كإبقاء النكاح في المعتدة، وإن لم يثبت ابتداء.
[تزوج امرأة بغير أمرها ثم ظاهر منها ثم أجازت النكاح]
م: (وإن تزوج امرأة بغير أمرها، ثم ظاهر منها، ثم أجازت النكاح فالظهار باطل) ش: أورد هذه المسألة بسبيل التفريع لما قبله، لأنه لما قال ولا يكون الظهار إلا من الزوجة فرع هذه المسألة عليه، يعني لو ظاهر من امرأة نكاحها موقوف لا يصح ظهاره، لأنها حين ظاهر منها الرجل لم تكن زوجته فلم يصح ظهارها م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل الذي ظاهر.
م: (صادق في التشبيه وقت المتصرف) ش: أي وقت تشبيه الحرمة بالحرمة، لأنه صادق فيه غير كاذب م: (فلم يكن) ش: كلامه م: (منكرا) ش: والظهار منكر م: (من القول) ش: وزور م: (والظهار ليس بحق من حقوقه) ش: هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن يقال الظهار مبني على الملك، والملك موقوف ها هنا، فينبغي أن يكون الظهار موقوفا، فأجاب بقوله: والظهار ليس بحق من حقوقه، أي من حقوق النكاح.
م: (حتى يتوقف عليه) ش: أي على النكاح، لأن النكاح أمر مشروع، والظهار منكر من القول، وبينهما تناف، فلا يتوقف المحظور بتوقف المشروع.
م: (بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب) ش: هذا كأنه جواب عن قياس هذا السائل ما سأله على توقف إعتاق المشتري من الغاصب، على إجازة المالك، لأنه إذا أجازه ينفذ، وتقرير الجواب أن إعتاق المشتري من الغاصب، إنما يتوقف على إجازة المالك م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق م: (من حقوق الملك) ش: فيلزم من توقف الكل توقف الإعتاق.
م: (ومن قال لنسائه: أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا) ش: هذا ما لا خلاف فيه، كما لو قال أنتن طوالق، وعليه لكل واحدة كفارة، يعني عليه أربع كفارات إذا قصد وطأهن، وبه قال الشافعي في الجديد، وهو قول الحسن والنخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والحكم والثوري.
وقال مالك وأحمد وأبو ثور وإسحاق: عليه كفارة واحدة، روي ذلك عن عمرو وعلي(5/540)
لأنه أضاف الظهار إليهن، فصار كما إذا أضاف الطلاق إليهن، وعليه لكل واحدة كفارة؛ لأن الحرمة تثبت في حق كل واحدة منهن والكفارة لإنهاء الحرمة فتتعدد بتعددها، بخلاف الإيلاء منهن؛ لأن الكفارة فيه لصيانة حرمة الاسم ولم يتعدد ذكر الاسم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعروة وطاووس وعطاء وربيعة م: (لأنه أضاف الظهار إليهن، فصار كما إذا أضاف الطلاق إليهن) ش: وقال: أنتن طوالق م: (وعليه لكل واحدة كفارة، لأن الحرمة تثبت في حق كل واحدة منهن) ش: كما إذا ظاهر من كل واحدة منهن على حدة م: (والكفارة لإنهاء الحرمة) ش: أي وجوب الكفارة لأجل أن تنتهي الحرمة المؤقتة م: (فتعدد بتعددها) ش: أي تعدد الكفارة بتعدد الحرمة.
م: (بخلاف الإيلاء منهن) ش: حيث لا تتعدد الكفارة م: (لأن الكفارة فيه) ش: أي في الإيلاء م: (لصيانة حرمة الاسم) ش: أي اسم الله عز وجل م: (ولم يتعدد ذكر الاسم) ش: أراد به قوله والله، وإنما لم يتعدد، لأنه قاله مرة واحدة.
فروع: لو قالت هي أنت علي كظهر أمي، أو قالت أنا عليك كظهر أمك لا يصح الظهار عندنا. وفي المبسوط عن أبي يوسف عليها كفارة يمين. وقال الحسن بن زياد هو ظهار، [و] قال محمد: ليس بشيء، وهو الصحيح، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد والثوري والليث وإسحاق وأبو ثور. وفي الينابيع والروضة هو يمين عند أبي يوسف ظهار عند الحسن. وفي " شرح المختار " حكى الخلاف بين أبي يوسف والحسن على العكس، ومثله في " المفيد " " والمزيد " " والمحيط ". وأوجب الأوزاعي عليها كفارة الظهار. ولو قال أنت أمي لا يصير مظاهراُ. وفي " الخزانة " أنا منك مظاهر أو قد ظاهرت منك فهو ظهار، ويكره أن يقول لامرأته يا أختي لورود النهي عن ذلك. ولو أخر المظاهر التكفير فلها مطالبته به، والقاضي يجبره عليه وتمنع نفسها من القربان والمس والتقبيل. ولو قال قد كفرت صدق ما لم يعرف بالكذب، ولو أبى من التكفير بعد ظلمها يحبس، فإن أبى يضرب ولا يضرب في الدين.(5/541)
فصل في الكفارة قال: وكفارة الظهار عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا؛ للنص الوارد فيه، فإنه يفيد الكفارة على هذا الترتيب. قال: وكل ذلك قبل المسيس، وهذا في الإعتاق والصوم ظاهر للتنصيص عليه، وكذا في الإطعام، لأن الكفارة فيه منهية للحرمة فلا بد من تقديمها على الوطء ليكون الوطء حلالا.
قال: وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة، والمسلمة، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير؛ لأن اسم الرقبة يطلق على هؤلاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان أحكام الكفارة] [كفارة الظهار]
م: (فصل في الكفارة) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الكفارة، ولما ذكر حكم الظهار وهو حرمة الوطء ودواعيه إلى نهايته ذكر في هذا الفصل ما تنتهي تلك الحرمة، وهو الكفارة، والكفارة عبارة عن الفعلة إذ الخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي تسترها وتمحوها على وزن فعالة للمبالغة كقتالة وقرابة، وهي من الصفات الغالبة في باب الاسمية. وأصل اشتقاقه من الكفر وهو الستر، ومنه الكافر لأنه يستر الإيمان ويظهر الكفر والزارع أيضا، لأنه يستر الحب في الأرض.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في "مختصره" م: (وكفارة الظهار عتق رقبة) ش: أي إعتاق رقبة، إذ العتق لا ينوب عن الكفارة حتى لو [ ... ] إياه ونوى الكفارة لا يخرج عن العهدة م: (فمن لم يجد) ش: أي رقبة م: (فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع) ش: أي الصيام م: (فإطعام ستين مسكينا للنص الوارد فيه) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] إلى قَوْله تَعَالَى {سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 3) م: (فإنه) ش: أي فإن النص م: (يفيد الكفارة) ش: أي كفارة الظهار م: (على هذا الترتيب) ش: دون التخيير، لأن الله تعالى ذكرها بحرف الفاء، وهي للترتيب.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وكل ذلك قبل المسيس) ش: أي كل ما ذكر من الإعتاق والصيام والإطعام قبل الوطء م: (وهذا) ش: أي الترتيب م: (في الإعتاق والصوم ظاهر للتنصيص عليه) ش: لأن الله تعالى قال {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (المجادلة: الآية 3) ش: م: (وكذا في الإطعام؛ لأن الكفارة فيه) ش: أي في الإطعام م: (منهية للحرمة) ش: الثابتة بالظهار والقرب جميعا م: (فلا بد من تقديمها) ش: أي تقديم الكفارة م: (على الوطء ليكون الوطء حلالا) ش: لأنه لو حل الوطء قبل الكفارة بالإطعام لم يكن المنهي منهيا، وهو فاسد. وفي "شرح مختصر الكرخي " وقال مالك: يجوز الإطعام قبل المسيس، وبه قال داود.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (وتجزئ في العتق الرقبة الكافرة والمسلمة، والذكر والأنثى، والصغير والكبير؛ لأن اسم الرقبة يطلق على هؤلاء) ش: لأنه ليس فيه تقييد بصفة(5/542)
إذ هي عبارة عن الذات المملوك المرقوق من كل وجه والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في الكافرة، وهو يقول: الكفارة حق الله تعالى، فلا يجوز صرفها إلى عدو الله كالزكاة، ونحن نقول المنصوص عليه إعتاق الرقبة وقد تحقق، وقصده من الإعتاق التمكن من الطاعة ثم مقارفته المعصية يحال به إلى سوء اختياره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دون صفة، فيجوز الكل م: (إذ هي) ش: أي الرقبة م: (عبارة عن الذات المملوك المرقوق من كل وجه) ش: اعترض على المصنف هنا من وجهين، أحدهما: في قوله المملوك بالتذكير، لأن الذات مؤنثة، ولا يجوز تذكيرها، والصواب عن الذات المرقوقة. والجواب أن الذات تستعمل استعمال النفس والشيء. وعن أبي سعيد كل شيء ذات، وكل ذات شيء، تذكيره باعتبار المعنى الثاني.
الوجه الآخر: أن المحفوظ عن أئمة اللغة استرق العبد اتخذه رقيقا ولم يسمع رقه حتى يشتق منه المرقوق، وإنما يقال رق فلان أي صار رقيقا، أي عبدا. والجواب عنه أن الأزهري حكى عن ابن السكيت أنه جاء عبد مرقوق، وكلاهما ثقة. وقال تاج الشريعة: ووجهه أن يكون من رق له إذا رحمه فهو مرقوق له، ثم حذفت الصلة كما في المندوب.
واعلم أن قوله من كل وجه يتعلق بالمرقوق دون المملوك، لأن الكمال في الرق شرط دون الملك، ولهذا لو أعتق المكاتب الذي يرد شيئا صح عن الكفارة، ولو أعتق المدبر لم يصح، لأن الرق فيه ناقص.
م: (والشافعي يخالفنا في الكافرة) ش: فإنها لا تجزئ في كفارة الظهار عنده، وبه قال مالك وأحمد، إلا أن مالكا يقول بجواز إعتاق المجوسي عنها لما أنه يجبر على الإسلام عنده فيحصل الإسلام بعده بالإكراه عليه م: (وهو) ش: أي الشافعي م: (يقول الكفارة حق الله فلا يجوز صرفها إلى عدو الله كالزكاة) ش: أي كما لا يجوز صرف الزكاة إلى الكافر لأنه عدو الله، وفي بعض النسخ م: (فلا يجوز صرفه) ش:، أي صرف حق الله تعالى.
م: (ونحن نقول المنصوص عليه إعتاق الرقبة، وقد تحقق) ش: لأن المطلق عبارة عن المنصوص للذات دون الصفات وقد تحقق، لأنه ليس فيه بأس على الإيمان والكفر م: (وقصده من الإعتاق التمكن من الطاعة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي الكفارة حق الله تعالى، تقديره أن قصد المكفر بالإسلام هو أن يتمكن المعتق من الطاعة بخلوصه عن خدمة المولى م: (ثم مقارفته) ش: بالقاف بعد الميم، أي ثم ارتكابه م: (المعصية يحال به إلى سوء اختياره) ش: الضمير في به يرجع إلى المقارفة على تأويل الاقتراف والكسب، لأن المقارفة تمنع الاقتراف، وهو كسب السيئة.
ثم توضيح معنى هذا الكلام أن يقال تحرير الكافر ليس بسيئة من وجه، بل هو حسنة من كل(5/543)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجه، لأنه تخليصه من الرق وتمكينه من الطاعة والنظر في محاسن الإسلام، لأنه أحسن إليه، فإن لم يفعل ذلك فهو من سوء اختياره، فلا يضاف ذلك إلى المولى.
ولقائل أن يقول مقارفة المعصية يحال به سوء اختياره، لكن لم لا يكون قصور ذلك منه مانعا عن الصرف إليه كما في الزكاة. والجواب أن القياس جواز صرف الزكاة إليه أيضا، لأن فيه مواساة عباد الله، لكن قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم» أخرجهم عن المصرف، وقد أطال الشراح هنا بذكر دلائل من جهة الخصم وردها من جهتنا فنذكرها ملخصة:
فقالوا الكفارة مطهرة، والكافر غير أهل لذلك، قال الله تعالى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (البقرة: الآية 267) ، ولا خبث أشد من الكفر، ولهذا لا يجوز كفارة المرتد، لأن الإيمان شرط في كفارة القتل بالنص والإجماع، فكذا في سائر الكفارات، لأنها جنس واحد، ولأن المطلق يحمل على المقيد في جنس واحد ولأنا أمرنا بعتق رقبة حي قائم من كل وجه، ولهذا الذمي والكافر ميت، قال الله تعالى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] (الأنعام: الآية 122) ولأن الكفارة حسنة، وإعتاق الكافر سيئة لما فيه من تفريغ باله لعبادة الأوثان، ولأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال لمعاوية بن الحكم حين أتي بجارية مجوسية وقال يا رسول الله علي رقبة فأعتقها عنه، فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أين الله" فأشارت إلى السماء، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة» ، رواه مسلم والنسائي، وما سأل عن سبب وجوب الكفارة، فدل أن الإيمان شرط في الجميع، ولأنه لا يجوز التقرب إلى الله بعتق أعدائه، ولأن العمل بالقيد عمل بالدليلين، لأن المطلق جزء المقيد.
قلنا: جواز المؤمنة باعتبار أنها رقبة لا لأنها مؤمنة، وكذا الكافرة كما في الكبيرة والصغيرة وبينهما تضاد، والمرتد ممنوع يجوز عند بعض مشايخنا، وعند البعض لا يجوز، لأنه مستحق القتل، حتى يجوز بالمرتد بلا خلاف، وتقييده بالإيمان زيادة على النص، وهي نسخ ولا يجوز تقييده بالقياس على كفارة القتل أيضا، لأنه قياس المنصوص على المنصوص، فلا يجوز ذلك للزوم اعتقاد النقض فيما تولى الله بيانه، ولا يحمل المطلق على المقيد إذا أمكن العمل بها، وإطلاق الميت على الكافر مجاز، فإنه لو قال كل مملوك لي حي حر عتق جميع عبيده الكفار بالإجماع.
والقول بأن إعتاق الكافر سيئة غير مستقيم لصحة النذر به. ولأنه تعاون على البر والتقوى كما ذكر عن قريب. وحديث معاوية بن الحكم مؤول عند الثقات، فإن فيه السؤال عن مكان الله وهو محال على الله عز وجل، أو نقول الحديث محمول على كفارة القتل بدليل قوله إن على رقبة مؤمنة في رواية أخرى، وقولهم لا يجوز التقرب إلى الله تعالى بعتق أعدائه مخالف(5/544)
ولا تجزئ العمياء، ولا المقطوعة اليدين أو الرجلين من خلاف؛ لأن الفائت جنس المنفعة وهي البصر أو البطش أو المشي، وهو المانع، أما إذا اختلت المنفعة فهو غير مانع، حتى يجوز العوراء أو مقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف؛ لأنه ما فات جنس المنفعة بل اختلت، بخلاف ما إذا كانتا مقطوعتين من جانب واحد حيث لا يجوز لفوات جنس منفعة المشي، إذ هو عليه متعذر، ويجوز الأصم، والقياس أن لا يجوز، وهو رواية " النوادر "، لأن الفائت جنس المنفعة إلا أنا استحسنا الجواز، لأن أصل المنفعة باق، فإنه إذا صيح عليه سمع، حتى لو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للنص، قال الله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} [الممتحنة: 8] إلى قوله {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] (الممتحنة: الآية 8) فإنه تعالى ما نهانا عن الإحسان إليهم، ولهذا يصح النذر بإعتاق العبد الكافر، وقد جوزت المالكية إعتاق المجوسي والصابئين، ولم يجوز أهل الكتاب.
وقولهم العمل بالمقيد عمل بالدليلين وهو باطل، لأن الإطلاق ضد التقييد فلا يكون العمل بالمقيد عملا بالمطلق، إذ في الإطلاق توسعه بعتق أي رقبة شاء وفي التقييد تضييق.
فإن قلت: المقيد بمنزلة البيان للمطلق قلت: هذا فاسد لأن المطلق لا يحتاج إلى البيان، إذ العمل بإطلاقه ممكن.
م: (ولا تجزئ العمياء، ولا مقطوعة اليدين أو الرجلين من خلاف) ش: المراد من العمياء الرقبة العمياء، وهي تشمل الذكر والأنثى جميعا، لا الأمة العمياء، لأن عدم الجواز لا باعتبار الأنوثة، بل باعتبار فوات جنس المنفعة م: (لأن الفائت جنس المنفعة) ش: وهو ما ثبت في هذه الصور م: (وهو البصر) ش: من العمياء م: (أو البطش أو المشي) ش: في مقطوعة الرجلين م: (أو البطش) ش: في مقطوعة اليدين م: (وهو المانع) ش: أي فائت جنس المنفعة هو المانع.
م: (أما إذا اختلت المنفعة) ش: أي جنس المنفعة م: (فهو غير مانع حتى يجوز العوراء أو مقطوعة إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف؛ لأنه ما فات جنس المنفعة بل اختلت) ش: أي المنفعة وجنسها باق، ولا خلاف للأئمة الأربعة وأصحابهم أنه لا يجزئ عن الكفارة في عيب يفوت به جنس المنفعة. وعن إبراهيم النخعي والشعبي أن عتق الأعمى جائز. وعن ابن جريج يجزئ الأشل. وعند داود وأصحابه لا يمنع شيء من العيوب.
م: (بخلاف ما إذا كانتا) ش: أي اليدان والرجلان م: (مقطوعتين من جانب واحد، حيث لا يجوز لفوات جنس منفعة المشي) ش: وكذا منفعة البطش م: (إذ هو) ش: أي المشي م: (عليه متعذر) ش:، وكذا البطش. وكذا لا يجوز إذا كان من كل يد ثلاثة أصابع مقطوعة م: (ويجوز الأصم) ش: في الاستحسان م: (والقياس أن لا يجوز، وهو رواية النوادر؛ لأن الفائت جنس المنفعة. إلا أنا استحسنا الجواز) ش: أي جواز الأصم م: (لأن أصل المنفعة باق، فإنه إذا صيح عليه سمع، حتى لو(5/545)
كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم - وهو الأخرس - لا يجزيه. ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين لأن قوة البطش بهما، فبفواتهما يفوت جنس المنفعة. ولا يجوز المجنون الذي لا يعقل؛ لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل، فكان فائت المنافع والذي يجن ويفيق يجزئه، لأن الاختلال غير مانع. ولا يجزئ عتق المدبر وأم الولد لاستحقاقهما الحرية بجهة، فكان الرق فيهما ناقصا، وكذا المكاتب الذي أدى بعض المال، لأن إعتاقه يكون ببدل؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم - وهو الأخرس - لا يجزيه) ش: وفي " الشامل " يجزئ الأصم، ثم قال: وقالوا لأن الصمم لا يؤثر في الكسب تأثيرا فاحشا. ثم قال وقيل الصمم بأصل التخليق تمنع التكفير. وقال في " فتاوى الولوالجي " ويجوز الأصم عن كفارة الظهار إذا كان يسمع شيئا ولا يسمع شيئا لا يجوز وهو المختار.
وفي " الحلية " يجوز مقطوع الأنف والأصم إذا فهم بالإشارة والأخرس إذا فهمت إشارته، وهو قول الشافعي وأبي ثور. ولا يجزئ عند أحمد على المنصوص، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك في رواية. م: (ولا يجوز مقطوع إبهامي اليدين، لأن قوة البطش بهما فبفواتهما تفوت جنس المنفعة) ش: وكذا لا يجوز إذا قطعت من كل يد ثلاثة أصابع لفوات منفعة البطش. وقطع أكثر الأصابع كقطع جنسها، ولو كان المقطوع من كل يد أصبعا أو أصبعين سوى الإبهام يجزئ لأن منفعة البطش باقية، كذا في " المبسوط ". وقال الشافعي: لو كان مقطوع السبابة أو الوسطى لا يجوز، كقطع الإبهام، لأن معظم العمل يتعلق بهذه الثلاثة.
م: (ولا يجوز المجنون الذي لا يعقل، لأن الانتفاع بالجوارح لا يكون إلا بالعقل، فكان فائت المنافع) ش: المجنون الذي لا يعقل أصلا هو المجنون المطبق لا يجوز بلا خلاف للأئمة الأربعة م: (والذي يجن ويفيق يجزئه، لأن الاختلال غير مانع) ش: وإنما يجزئه إذا أعتقه في حال الإفاقة لا يقال الرقبة الصغيرة فائت المنافع من المشي والنطق والعقل والكلام، لأنها عديمة المنافع إلى زمان الإصابة، فلا يعد ذلك عيبا. وفي " المبسوط " وفيه روى إبراهيم عن محمد خلاف حال الدم الذي قد قضي بدمه ثم عفي عنه لم يجز، كذا في " المحيط ".
[عتق المدبر في كفارة الظهار]
م: (ولا يجزئ عتق المدبر) ش: خلافا للشافعي لأنه يرى جواز بيعه، وبه قال أحمد وعثمان البتي وداود الظاهري م: (وأم الولد) ش: أي وعتق أم الولد لا يجزئ عتقه. وقال عثمان وداود: يجوز عتق أم الولد بناء على جواز بيعها عندهما، ولا يجوز عند الحسن ومن ذكرنا معه الآن م: (لاستحقاقهما الحرية بجهة) ش: وهي جهة التدبير، وجهة الاستيلاد م: (فكان الرق فيهما ناقصا) ش: لتوجه العتق إليهما قبل م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يجزئ م: (المكاتب الذي أدى بعض المال، لأن إعتاقه يكون ببدل) ش: أي بعوض، والعوض يبطل معنى القربة، هذا ظاهر الرواية، وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد في رواية.(5/546)
وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجزئه لقيام الرق من كل وجه، ولهذا تقبل الكتابة الانفساخ بخلاف أمومية الولد والتدبير لأنهما لا يحتملان الانفساخ فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا جاز، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، له أنه استحق الحرية بجهة الكتابة، فأشبه المدبر. ولنا أن الرق قائم من كل وجه على ما بينا، ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» والكتابة لا تنافيه، فإنه فك الحجر بمنزلة الإذن في التجارة، إلا أنه بعوض، فيلزم من جانبه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعن أبي حنيفة أنه يجزئه) ش: أي أن عتق المكاتب الذي أدى بعض المال يجزئه، رواه الحسن عن أبي حنيفة م: (لقيام الرق من كل وجه) ش: لأن رقه لا ينقض بما أدى من البدل م: (ولهذا) ش: أي ولأجل قيام الرق من كل وجه م: (تقبل الكتابة الانفساخ) ش: سواء كان بعد استيفاء بعض أو قبله م: (بخلاف أمومية الولد والتدبير، لأنهما لا يحتملان الانفساخ) ، ش. فلا يجوز عتقهما عن الكفارة، لأن الكفارة عتق الرقبة وهي اسم اللذات المرقوقة لغة وشرعا، فيقتضي قيام الرق مطلقا، والمطلق يقع على الكامل لا الناقص والاستيلاد والتدبير يمكن النقصان فيهما، فلا يجوز.
م. (فإن أعتق مكاتبا لم يؤد شيئا) ش: يعني من مال الكتابة م: (جاز) ش: عندنا، وبه قال أحمد في رواية م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: وزفر ومالك وأحمد في رواية م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنه) ش: أي أن المكاتب م: (استحق الحرية بجهة الكتابة، فأشبه المدبر) ش: أي على مذهبه، لأن عنده بيع المدبرة، وإعتاقه عن الكتابة جائز، وهذا إلزام من الشافعي على أصحابنا على ما أجابوا، يعني أن المدبر لا يجوز إعتاقه عن الكفارة عندكم، لأنكم قلتم أنه مستحق العتق بجهته، فينبغي أن لا يجوز إعتاق المكاتب أيضا، لأنه مستحق العتق بجهته، وهو باطل، لأنه ينفسخ وذلك لا م: (ولنا أن الرق) ش: أي في المكاتب م: (قائم من كل وجه على ما بينا) ش: أشار به إلى قوله ولهذا تقبل الكتابة الانفساخ م: (ولقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من الكتابة شيء» انتهى.
فعلم أن الرق فيه كامل قبل أداء بدل الكتابة، فيدخل تحت مطلق اسم الرقبة م: (والكتابة لا تنافيه) ش: أي تنافي الرق، يعني لا يلزم من وجود الكتابة ارتفاع الرق لعدم المنافاة م: (فإنه) ش: أي فإن عقد الكتابة , وفي بعض النسخ - من - فإنها أي فإن الكتابة م: (فك الحجر) ش: عن العبد في حق المكاسب م: (بمنزلة الإذن في التجارة) ش: وذا لا يمكن نقصانا في الرق.
فإن قلت لو كانت الكتابة فك الحجر بمنزلة الإذن في التجارة لا يستبد المولى بالفتح كما في عزل المأذون، فأجاب بقوله م: (إلا أنه) ش: أي إن عقد الكتابة م: (بعوض، فيلزم من جانبه) ش: أي من جانب الوالي، بخلاف الإذن، فإنه فك بغير عوض.(5/547)
ولو كانت مانعة ينفسخ بمقتضى الإعتاق، إذ هي يحتمله إلا أنه تسلم له الأكساب والأولاد، لأن العتق في حق المحل لجهة الكتابة، أو لأن الفسخ ضروري لا يظهر في حق " الولد والكسب
وإن اشترى أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز وعلى هذا الخلاف كفارة اليمين، والمسألة تأتيك في كتاب الأيمان إن شاء الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كانت) ش: جواب بطريق التنزيل، يعني لو سلمنا أن الكتابة لو كانت م: (مانعة) ش: أي وقوع الإعتاق عن الكفارة م: (تنفسخ) ش: أي الكتابة م: (بمقتضى الإعتاق) ش: يعني ضرورة صحة الإعتاق بطريق الاقتضاء م (إذ هي) ش: أي الكتابة م: (تحتمله) ش: أي تحتمل الفسخ، ولو كان مانعا للفسخ بمقتضى، إذ هو يحتمله، أي ولو كان عقد الكتابة مانعا وقوع الإعتاق إلى آخره.
م: (إلا أنه تسلم له الأكساب والأولاد) ش: هذا جواب عما يقال إن عقد الكتابة لما انفسخ التحق بالعدم، فينبغي أن يكون الأكساب والأولاد للمولى، فأجاب بجوابين، أحدهما: هو قوله - يسلم له الأولاد والأكساب - م: (لأن العتق في حق المحل لجهة الكتابة) ش: وفي حق المولى لجهة الكفارة رعاية للجانبين. والجواب الآخر هو قوله م: (أو لأن الفسخ ضروري) ش: أي فسخ عقد الكتابة ضرورة الجواز من جهة التكفير م: (لا يظهر في حق الولد والكسب) ش: لأن الثابت بالضرورة لا يعدو موضعها.
[اشترى أباه ينوي بالشراء الكفارة]
م: (وإن اشترى) ش: أي المظاهر م: (أباه أو ابنه ينوي بالشراء الكفارة جاز عنها) ش: أي عن الكفارة، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي، وكذا لو اشترى كل ذي رحم محرم يعتق عليه م: (وقال الشافعي: لا يجوز) ش: وبه قال أبو حنيفة أولا ومالك وأحمد وزفر، وعلى الخلاف لو وهب له أو أوصى به، أما لو ملكه بلا صنعة، كما لو دخل بالميراث لا يجزئه بالإجماع م: (على هذا الخلاف كفارة اليمين) ش: وكذا كفارة الظهار والقتل م: (والمسألة تأتيك في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى) ش: فرجوا من كرم الله تعالى وفضله إن فضل إليه، وإلى ما بعده إلى آخره إن شاء الله تعالى.
[أعتق نصف عبده عن كفارة ثم أعتق باقيه]
م (فإن أعتق نصف عبد مشترك وهو موسر) ش: أي والحال أنه غني، قيد به، لأنه إذا كان معسر تجب عليه السعاية، فلا يجزئ عن الكفارة عندهما أيضا، لأنه إعتاق بعوض م: (فضمن قيمة باقيه لم يجز عند أبي حنيفة، ويجوز عندهما) ش: وقال الشافعي: لو أعتق بقيمته ونوى عتق جميعه عن الكفارة أجزأه ولو كان معسرا فأعتق نصيبه عن كفارة اشترى نصيب شريكه فأعتقه عن كفارته أجزأه فيه وإلا لا م: (لأنه يملك نصيب صاحبه بالضمان، فصار معتقا كل العبد عن الكفارة(5/548)
وهو ملكه، بخلاف ما إذا كان المعتق معسرا، لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك فيكون إعتاقا بعضو. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه ثم يتحول إليه بالضمان، ومثله يمنع الكفارة. وإن أعتق نصف عبده عن كفارة، ثم أعتق باقية عنها جاز، لأنه أعتقه بكلامين، والنقصان متمكن على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة، ومثله غير مانع كمن أضجع شاة للأضحية فأصاب السكين عينها، بخلاف ما تقدم، لأن النقصان فيه متمكن على ملك الشريك، وهذا على أصل أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو ملكه) ش: أي والحال أنه ملكه في ذلك الوقت م: (بخلاف ما إذا كان المعتق معسرا، لأنه وجب عليه السعاية في نصيب الشريك، فيكون إعتاقا بعوض) ش: فلا يجوز بالإعتاق.
م: (ولأبي حنيفة أن نصيب صاحبه ينتقص على ملكه) ش: لاستحقاق الحرية ولتعذر استدامة الملك فيه م: (ثم يتحول إليه بالضمان) ش: ما بقي منه م: (ومثله يمنع الكفارة) ش: لتمكن النقصان منه، فإذا أعتق يكون معتقا رقبة ناقصة.
فإن قيل المضمونات بأداء الضمان بصفة الاستناد إلى زمان وجود السبب فصار نصيب الساكت ملك المعتق زمان الإعتاق، فكان النقصان في ملك شريكه، ومثله لا يمنع الكفارة.
أجيب: بأن الملك في المضمون يثبت بصفة الاستناد في حق الضامن والمضمون، لا في حق غيرها، والكفارة غيرها، فيتمكن النقصان في حقها فلا يجوز.
م: (وأن أعتق نصف عبده عن كفارة ثم أعتق باقيه) ش: أي باقي عبده م: (عنها جاز) ش: استحسانا والقياس أن لا يجوز عند أبي حنيفة كما في العبد المشترك لوجود النقصان في النصف الآخر. وجه الاستحسان ما أشار إليه بقوله م: (لأنه أعتقه بكلامين) ش: ولا محظور فيه م: (والنقصان) ش: هذا جواب عما يقال قد يمكن النقصان كما مر. فأجاب بقوله والنقصان أي الواقع في النصف الآخر: (متمكن على ملكه بسبب الإعتاق بجهة الكفارة، ومثله غير مانع) ش: أي ومثل النقص الذي حصل بسبب الإعتاق غير مانع من الجواز، وبه قال الشافعي وأحمد. والمشهور عن مالك عدم الجواز، وبه قال أبو ثور. وعن القاسم من أصحاب مالك يجوز.
م: (كمن أضجع شاة) ش: ذكر هذا نظير الاستحسان في الجواب، وهو أنه أضجع شاة م: (للأضحية) ش: ليذبحها م: (فأصاب السكين عينها) ش: لا يمنع جواز التضحية، لأن النقصان حصل من فعل التضحية كما حصل هنا من فعل الكفارة م: (بخلاف ما تقدم لأن النقصان فيه متمكن على ملك الشريك) ش: أي النقصان فيه وقع في ملك الشريك م: (وهذا) ش: أي جعله إعتاقا بكلامين م: (على أصل أبي حنيفة) ش: في تجزئ الإعتاق.(5/549)
أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ، فإعتاق النصف إعتاق الكل، فلا يكون إعتاقا بكلامين. وإن أعتق نصف عبده عن كفارته، ثم جامع التي ظاهر منها، ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الإعتاق يتجزأ عنده، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص، وإعتاق البعض حصل بعده، وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل، فحصل الكل قبل المسيس.
وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان، ولا يوم الفطر، ولا يوم النحر، ولا أيام التشريق. أما التتابع فلأنه منصوص عليه، وشهر رمضان لا يقع عن الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله تعالى، والصوم في هذه الأيام منهي عنه، فلا ينوب عن الواجب الكامل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أما عندهما فالإعتاق لا يتجزأ، فإعتاق النصف إعتاق الكل، فلا يكون إعتاقا بكلامين) ش: وعلى هذا مبني المسألة التي تليها، وهي قوله (م: وإن أعتق نصف عبده عن كفارته، ثم جامع التي ظاهر منها ثم أعتق باقيه لم يجز عند أبي حنيفة، لأن الإعتاق يتجزأ عنده، وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] (المجادلة: الآية 3) م: (وإعتاق البعض حصل بعده) ش: أي بعد المسيس فلا يجوز عن الكفارة.
م: (وعندهما إعتاق النصف إعتاق الكل) ش: على أصلهما، لأن الإعتاق لا يتجزأ م: (فحصل الكل قبل المسيس) ش: فيجوز.
[لم يجد المظاهر ما يعتق]
م: (وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق) ش: وفي " المحيط " إذا لم يملك الرقبة ولا ثمن رقبة م: (فكفارته صوم شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان) ش: أي ليس في الشهرين شهر رمضان، إلا إذا كان مسافرا وصام شعبان ورمضان بنية الكفارة أجزأه عند أبي حنيفة وأبي ثور، ولا يجزئه عند أبي يوسف ومحمد والشافعي.
م: (ولا يوم الفطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق أما التتابع فلأنه منصوص عليه) ش: بقوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية3) م: (وشهر رمضان لا يقع عن الظهار لما فيه من إبطال ما أوجبه الله تعالى) ش: لأن الله تعالى أمر بالصوم فيه، فالصوم الواقع فيه يقع عن صوم رمضان، فلا يقع عن فرض آخر. فإن قلت: كيف صار صوم رمضان عنه، وعن صوم الاعتكاف إذا نذر أن يعتكف فيه فصامه معتكفا. قلت: الصوم فيه شرط، فيشترط وجوده كيفما كان لا قصدا، بخلاف الصوم في الكفارة، لأنه فرض مقصود يعتبر وجوده قصدا.
م: (والصوم في هذه الأيام) ش: أي في أيام الفطر والنحر والتشريق م: (منهي عنه، فلا ينوب عن الواجب الكامل) ش: لما روى الطبراني من حديث ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل صائحا يصيح أن لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وبعال» والبعال وقاع النساء وروى(5/550)
فإن جامع التي ظاهر منها في خلال الشهرين ليلا عامدا أو نهارا ناسيا استأنف الصوم، عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يستأنف، لأنه لا يمنع التتابع إذ لا يفسد به الصوم وهو الشرط، وإن كان تقديمه على المسيس شرطا ففيما ذهبنا إليه تقديم البعض، وفيما قلتم تأخير الكل عنه ولهما أن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس، وأن يكون خاليا عنه ضرورة بالنص، وهذا الشرط ينعدم به فيستأنف الصوم، فإذا أفطر منهما يوما بعذر أو بغير عذر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البخاري ومسلم من «حديث عبيد قال: شهدت العيد مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن صيام هذين اليومين، أما يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم، وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم» .
وأخرجا أيضا عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامين، صيام يوم الأضحى ويوم الفطر.»
م: (فإن جامع التي ظاهر منها خلال الشهرين ليلا عامدا، أو نهارا ناسياِ استأنف الصوم عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال الثوري ومالك وأحمد وأبو عبيد، وإنما قيد الجماع بالتي ظاهر منها، لأنه إذا جامع غيرها، فإن كان وطأ يفسد الصوم بقطع التتابع يلزمه الاستئناف بالاتفاق وإن كان لا يفسد الصوم بأن واقع بالنهار ناسيا أو بالليل كيف كان لا يلزمه الاستئناف بالاتفاق. وقيل يجامع التي ظاهر منها بالنهار ناسيا، لأنه إذا جامع بالنهار عامدا استأنف بالاتفاق، وذكر العمد في الليل وقع اتفاقا، لأن العمد والنسيان في الوطء بالليل سواء، فعرفت أن الخلاف في وطء لا يفسد الصوم.
م: (وقال أبو يوسف لا يستأنف) ش: وبه قال الشافعي وابن المنذر والظاهرية م: (لأنه لا يمنع التتابع، إذ لا يفسد به الصوم) ش: أي بالجماع ليلا عامدا أو نهارا ناسيا، فصار كوطء غيرها م: (وهو الشرط) ش: أي التتابع هو الشرط للصوم كفارة وقد وجد م: (وإن كان تقديمه على المسيس شرطا) ش: هذا جواب عما يقال التقديم على المسيس شرط ولم يوجد، فأجاب بقوله وإن كان إلى قوله م: (ففيما ذهبنا إليه تقديم البعض، وفيما قلتم) ش: يعني الاستئناف م: (تأخير الكل عنه) ش: تأخير البعض هو تأخير الكل.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (إن الشرط في الصوم أن يكون قبل المسيس) ش: لأنه قال الله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (وأن يكون خاليا عنه) ش: أي والشرط أيضا أن يكون الصوم خاليا عن الجماع م: (ضرورة بالنص) ش: أي لأجل ضرورة كون الصوم قبل المسيس كونه خاليا عنه بمقتضى النص، وهو قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] م: (وهذا الشرط) ش: أشار به إلى خلو الشرط م: (ينعدم به) ش: أي بالمسيس في خلال الشهرين، فإذا كان كذلك م: (فيستأنف الصوم، فإذا أفطر منهما) ش: أي من الشهرين م: (يوما بعذر أو بغير عذر(5/551)
استأنف لفوات التتابع، وهو قادر عليه عادة. وإن ظاهر العبد لم يجزئه في الكفارة إلا الصوم لأنه لا ملك له فلم يكن من أهل التكفير بالمال. وإن أعتق المولى أو أطعم عنه لم يجزه، لأنه ليس من أهل الملك، فلا يصير ملكا بتمليكه،
فإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 4) ، ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر أو شعير، أو قيمة ذلك، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث أوس بن الصامت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استأنف) ش: الصوم م: (لفوات التتابع) ش: المشروط بالنص م: (وهو قادر عليه) ش: أي على التتابع م: (عادة) ش: أي من حيث العادة، واحترز به عن المرأة إذا أفطرت في كفارة الظهار والقتل بعذر الحيض، فإنها لا تستأنف، لأنها معذورة عادة لا تجد شهرين متتابعين لا تحيض فيها.
م: (وإن ظاهر العبد لم يجزئه في الكفارة إلا الصوم؛ لأنه لا ملك له فلم يكن من أهل التكفير بالمال) ش: وإن ملك لوجود التنافي بين الرق والملك، فتعين كفارته بالصيام كالفقير م: (وإن أعتق المولى أو أطعم عنه لم يجزه، لأنه ليس من أهل الملك فلا يصير مالكا بتمليكه) ش: أي بتمليك المولى إياه، وبه قال الشافعي وأحمد، وهو مروي عن الحسن.
وقال ابن القاسم المالكي: لو أطعم بإذن مولاه أجزأه فلو أعتق لا يجزئه. وقال الأوزاعي: يجزئه، فإنه بإذنه إذا لم يقدر على الصيام.
[لم يستطع المظاهر الصيام]
م: (فإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] المجادلة: الآية 4) (ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو شعير) ش: من دقيق الحنطة أو سويقها أو نصف صاع من زبيب عند أبي حنيفة، وعندهما صاع من زبيب وهي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة كذا في الطحاوي م: (أو قيمة ذلك) ش: أي أو يطعم قيمة ذلك، لكن من غير الأعداد المنصوصة مطلقا، وأما في الأعداد المنصوصة فلا يجوز أداؤها قيمة إذا كانت أقل قدرا مما قدر الشرع إن كان من الآخر قيمة، حتى لو أدى نصف صاع من تمر جيد يبلغ قيمة نصف صاع من حنطة لا يجوز، وكذا لو أدى أقل من نصف صاع من حنطة يبلغ قيمته صاعا من تمر أو شعير لا يجوز، والأصل فيه أن كل جنس هو منصوص عليه من الطعام لا يكون بدلا عن جنس آخر هو منصوص عليه، وإن كان في القيمة، لأنه اعتبار لمعنى في المنصوص عليه، وإنما الاعتبار له في غيره.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: تعليل لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -أو يطعم كل مسكين نصف صاع - إلى قوله - أو شعير- وليس بتعليل لقوله - أو قيمة ذلك - أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث أوس بن الصامت) ش: الحديث لخولة بنت ثعلبة زوج أوس بن الصامت أخي عبادة بن(5/552)
وسهل بن صخر: «لكل مسكين نصف صاع من بر» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصامت، هكذا رواه أبو داود من طريق ابن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام «عن خولة بنت ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشكو إليه وهو يجادلني فيه، ويقول: اتق الله، فإنما هو ابن عمك، فما برحت حتى أنزل الله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] ... (المجادلة: الآية1) ، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "يعتق رقبة، قالت: لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين، قالت: إنه شيخ كبير لا يستطيع أن يصوم، قال: يطعم ستين مسكينا، قالت ليس عنده شيء يتصدق به، قال فإني أعينه بعرق من تمر، قالت: يا رسول الله وأنا أعينه بعرق من تمر، قال: أحسنت، فأطعمي بهما ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك".» قال والعرق ستون صاعا.
م: (وسهل بن صخر «لكل مسكين نصف صاع من بر") » ش: والصواب سلمة بن صخر، وكذا ذكر في " المبسوط ". قال أبو عمر بن عبد البر: هو سلمة بن صخر بن سليمان بن حارثة الأنصاري ثم البياضي مدني، ويقال سلمان بن صخر وسلمة أصح، وهو الذي ظاهر من امرأته ثم وقع عليها، فأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكفر، وكان من البكائين. وقال أبو عمر أيضا: سهل بن صخر له صحبة ورواية حديثة عن يوسف بن خالد عن أبيه عن جده أنه أوصاه وقال: يا نبي الله أملكت ثمن عبد فأشتري عبدا، فإن الحدود في نواصي الرجال، ولم يذكر له شيئا متعلقا بالظهار.
وقال الذهبي: سهل بن صخر الليثي، وقيل سهل نزل البصرة وحديثه عند خالد السمتي عن أبيه، ولم يذكر شيئا غير ذلك، وقد عرفت من ذلك تقصير صاحب" الهداية " فيما ذكره وأعجب من هذا الأترازي الذي طول الكلام في هذا الموضع وقوة الناظر فيه. وقال في معرض الاستدلال: ولنا ما روى الشيخ أبو الحسن الكرخي في "جامعه" «في قصة خولة إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فليطعم وسقا من تمر ستين مسكينا.» ثم قال: والحديث مسند في "سنن أبي داود " بطوله، انتهى. وكان ينبغي أن يذكر الحديث بلفظ ما رواه أبو داود بسنده.
وأشد عجبا منه الأكمل حيث قال في شرحه: وما ذكره المصنف موافق لما ذكره المستغفري في "معرفة الصحابة" قال: سهل بن صخر ونظر فيه في موضعين، أحدهما أن الأصح فيه سهل مكبرا كما ذكرناه، ولم ينبه عليه، بل بلغه كما وجد بخطوط من لا يعتبر نقلهم، والآخر ادعى أنما ذكره المصنف موافق إلى آخره وليت شعري من أين هذه الموافقة، لأن المصنف ذكر هذا دليلا(5/553)
ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين فيعتبر بصدقة الفطر. وقوله - أو قيمة ذلك - مذهبنا، وقد ذكرناه في الزكاة. فإن أعطى منا من بر ومنوين من تمر أو شعير جاز لحصول المقصود، إذ الجنس متحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لما ذكر ولم يرد شيئا أصلا عن سهل بن صخر مما يتعلق بالظهار. وكان المستغفري ذكره في الصحابة لا يستلزم رواية شيء منه في الظهار، وليس المقصد من ذكر المصنف إياه معرفة كونه صحابيا ليس إلا. وكذا الكاكي قال: سهل بن صخر، كذا أورد ( ... ) المستغفري والحال بالحال.
وقال أيضا: لنا حديث أوس بن الصامت كما ذكر في المتن، رواه أبو داود وأحمد، وقد قلنا إن الحديث لخولة بنت ثعلبة، ولم يجرد الحديث. واكتفى بقوله كما ذكر في المتن، فإن هذه الأشياء من التقليد، والشافعي هنا يطعم مدا من الطعام ويجب ذلك من غالب قوت البلد من الحبوب والثمار التي يجب فيها الزكاة وقال مالك: يجب مد بمد هشام، وهو مدان بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل إنه دونهما، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نص على مدين في فدية الأذى والظهار مثله. وقال أحمد: يجب من البر مد، ومن التمر ومن الشعير مدان، لأنه روي عن عطاء عن أوس أخي عباده بن الصامت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أعطى خمسة عشر صاعا من شعير» .
قال أبو داود: هذا منقطع، لأن عطاء لم يلق أوسا.
م: (ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين، فيعتبر بصدقة الفطر) ش: يعني في المقدار، لكن بينهما فرق، فإنه يجوز التفريق في صدقة الفطر، فإن أدى منا من الحنطة إلى مسكين ومنا آخر وهذا لا يجوز بل يجب عليه أن يتم على ذلك المسكين، فإنه لم يجد يستأنف على غيره، لأن المعتبر في صدقة الفطر المقدار دون العدد، وفي الكفارة العدد بالنص، قال تعالى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (المجادلة: الآية 4) ، كذا في " مبسوط فخر الإسلام " و" شرح الطحاوي. " م: (فإن أعطى منا من بر ومنوين من تمر أو شعير جاز) ش: هذه من مسائل الأصل، ولم يذكر في القدوري ولا في الجامع الصغير ذكرها المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - على سبيل التفريع، ولفظ الأصل: ولو أعطى لكل مسكين مدا من بر أو مدين من شعير أو تمر أجزأه م: (الحصول المقصود) ش: وهو دفع حاجة الفقير م: (الجنس متحد) ش: وهو الكفارة، وهو متحد من حيث الإطعام، لأن كل واحد من الأصلين أصل، فيجوز النصف من كل واحد منهما، وهو سد خلة المحتاج في يومه يحصل ذلك بخلاف ما إذا أعطى من صنف أقل مما قدر فيه، لكنه(5/554)
وإن أمر غيره أن يطعم المساكين عن ظهاره ففعل أجزأه، لأنه استقراض معنى، والفقير قابض له أولا ثم لنفسه، فتحقق تملكه ثم تمليكه. فإن غداهم وعشاهم جاز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يساوي كمال الواجب من صنف، فإنه لا يجوز، كما إذا أعطى مدا وهو يساوي صاعا من شعير إذا أعطى نصف صاع من تمر، وهو يساوي نصف صاع حنطة لا يجوز، لأن الرديء غير المنصوص، فلا يعتبر فيه القيمة.
فإن قيل: لو أعتق نصف رقبتين بأن كان بينه بين شريكه رقبتين فأعتق نصيبه منهما من الكفارة لا يجوز مع أن الجنس متحد من حيث الإعتاق. قلنا نصف الرقبتين ليس برقبة كاملة، إذ الشركة في كل رقبة تمنع التكفير، بخلاف الأضحية بأن ذبحا شاتين عن أضحيتهما حيث يجوز لأن الشركة تمنع الأضحية كما في البدنة، كذا في " المبسوط ".
م: (وإن أمر غيره أن يطعم المساكين عن ظهاره ففعل أجزأه) ش: هذه أيضا من مسائل الأصل، ذكر بسبيل التفريع م: (لأنه استقراض معنى) ش: أي لأن أمره بالإطعام عنه طلب الفرض منه من حيث المعنى م: (والفقير قابض له أولا، ثم لنفسه) ش: أي قابضا له نيابة عنه، ثم يكون قابضا لنفسه م: (فتحقق تملكه) ش: أي تملك الأمر.
م: (ثم تمليكه) ش: أي ثم يتحقق تمليكه إلى الفقير، كما لو وهب الدين من غير من عليه الدين وأمره بقبضه، فإنه يجوز لأنه يصير قابضا للواهب، ثم يجعله لنفسه، كذا هنا. ولا يقال كيف يجعل الفقير نائبا، وهو مجهول، والرضا بكونه نائبا شرط، لأنا نقول إنما يراعى شرائط النيابة إذا كانت قصدية لا ضمنية لما عرف أن ما ثبت ضمنا لا يراعى شرائطه.
قال الكاكي: ويرد على ظاهر الرواية التزوج على عبد الغير أو ثوب الغير، فإنهما يجعل فيهما قرضا لا هبة، وإن كان في القرض شك والفرق أن في معنى الإطعام معنى القربة والصدقة، فيقصد بذلك الثواب والأجر دون المال، بخلاف غيره. ومنهم من يقول الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد المحتاج، ولهذا لا تضر الجهالة في الصدقة، لأن القابض معلوم، ولهذا لو تصدق بدار تحتمل القسمة على فقيرين جاز، وعلى غنيين لا يجوز، والفرق أن القابض في الصدقة معلوم دون الهبة.
م: (فإن غداهم وعشاهم جاز) ش: هذه من مسائل القدوري، أي فإن غدى ستين مسكينا يعني أطعم الغداء، وهو طعام الغداة قوله - وعشاهم - أي أطعمهم العشاء، وهو طعام العشاء الراوية بالواو لا بأو، فإن التغذية الواحدة دون التعشية، والتعشية من غير التغذية لا يجوز ذكره في " المبسوط ". وعن أبي حنيفة لو غدى ستين مسكينا وعشى آخرين لا يجوز.
وقال الكاكي: وما في بعض نسخ الهداية إن عشاهم أراد به غداهم غدائين أو عشاهم(5/555)
قليلا كان ما أكلوا أو كثيرا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه إلا التمليك اعتبارا بالزكاة وصدقة الفطر، وهذا لأن التمليك أدفع للحاجة، فلا تنوب منابه الإباحة. ولنا أن المنصوص عليه هو الإطعام، وهو حقيقة في التمكين من الطعم وفي الإباحة ذلك، كما في التمليك. أما الواجب في الزكاة الإيتاء، وفي صدقة الفطر الأداء، وهما للتمليك حقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عشاءين، ذكره في " المحيط "، فعلم أن المراد غداآن أو عشاآن أو غداء وعشاء م: (قليلا كان ما أكلوا أو كثيرا) ش: أي بعدما شبعوا، إذ القصد الشبع لا المقدار، لأن المقصود دفع حاجة اليوم. وفي المحيط المعتبر أكلتان مشبعتان، ولا يعتبر فيه مقدار الطعام، حتى لو قدم أربعة أرغفة أو ثلاثة في كفارة اليمين بين يدي عشرة وشبعوا أجزأ وإن لم يبلغ ذلك صاعا أو نصف صاع.
ولو كان أحدهما شبعان هل يجوز اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يجوز لأنه وجد إطعام العشرة وقال بعضهم لا يجوز لأن المأخوذ عليه إشباع العشرة، ولم يوجد، وبقولنا قال إبراهيم النخعي ومالك.
م: (وقال الشافعي لا يجزئه إلا التمليك) ش: وبه قال أحمد، وإنما يعتبر فيه التمليك دون الإباحة م: (اعتبارا بالزكاة، وصدقة الفطر) ش: أي قياسا عليهما م: (وهذا) ش: أي وجه اعتبارها بالزكاة وصدقة الفطر م: (لأن التمليك أدفع للحاجة، فلا تنوب منابه الإباحة) ش: لأن الإباحة ليست مثل التمليك في دفع الحاجة.
م: (ولنا أن المنصوص عليه هو الإطعام) ش: وهو جعل الغير طاعما م: (وهو حقيقة في التمكين من الطعم) ش: بضم الطاء وهو الطعام، والطعام بالفتح مذاق الشيء م: (وفي الإباحة ذلك) ش: أي الإطعام م: (كما في التمليك) ش: أي كما في معنى التمليك الإطعام، فإذا كان كذلك فيتأدى الواجب بكل واحد منهما، فكانت الإباحة ثابتة بالنص، والتمليك في معناه بل هو فوقه فيما هو المقصود، وهو سد خلة الفقير وإغناؤه.
م: (أما الواجب في الزكاة) ش: جواب عن قول الشافعي اعتبارا بالزكاة، وصدقة الفطر وتقريره أن الواجب في الزكاة م: (الإيتاء) ش: وهو الإعطاء م: (وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك) ش: أي المعنى التمليك م: (حقيقة) ش: فلا يجوز الإباحة وفي الكافي الأصل أن الإباحة تصح في كفارة الظهار، والإفطار واليمين، وجزاء الصيد والفدية دون الصدقات كالزكاة وصدقة الفطر والحلق عن الأذى والعشر، فإنه يشترط فيها التمليك، وفي صدقة الحلق عن الأذى خلاف بين أبي يوسف ومحمد، فأبو يوسف يجوز الإباحة ومحمد يشترط فيه التمليك.(5/556)
ولو كان فيمن عشاهم صبي فطيم لا يجزئه، لأنه لا يستوفيه كاملا، ولا بد من الإدام في خبز الشعير ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع، وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام. وأن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه، وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزئه إلا عن يومه، لأن المقصود سد خلة المحتاج، والحاجة تتجدد في كل يوم، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره، وهذا في الإباحة من غير خلاف، وأما التمليك من مسكين واحد في يوم واحد بدفعات فقد قيل لا يجزئه، وقد قيل يجزئه، لأن الحاجة إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كان فيمن عشاهم صبي فطيم لا يجزئه) ش: هذه من مسائل كتاب الأيمان ذكره بسبيل التفريع، أي ولو كان في المساكين الستين الذين عشاهم صبي فطيم عن اليمين لا يجزئه م: (لأنه) ش: أي لأن الصبي الفطيم م: (لا يستوفيه كاملا) ش: لأنه تعشيته وتغذيته ناقصة، فلا تجزئ عن الكامل فإن قيل تجزئ في البالغين قليلا ما أكلوا أو كثيرا، فينبغي أن يجزئه في الفطيم، قيل له صلاحية الأكل التام أقيمت مقام الأكل التام فيهم، ما نحن فيه بخلافه.
م: (ولا بد من الإدام في خبز الشعير ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع) ش: أورد هذا أيضا على سبيل التفريع، والإدام مما لو قدم به، وهو الذي يؤكل شبعا لغيره، وإنما شرط الإدام في خبز الشعير دون خبز البر، لأن الفقير لا يستوفي من خبز الشعير حاجته إلا إذا كان مأدوما كذلك في الذرة والدخن بخلاف خبز البر فإنه يستوفي منه حاجته ولم يكن مأدوما قال العضدي: وكذلك لو غداهم أو عشاهم بسويق تمر قالوا هذا في ديارهم، أما في ديارنا فلا بد من الخبز.
م: (وفي خبز الحنطة لا يشترط الإدام) ش: لأنه إدامته فيها لا سيما إذا كان سنخا، وإنما يتوقف أكله على الإدام عند أهل الرفاهية دون المساكين. م: (وإن أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه) ش: يعني إذا كانت أكلتين مشبعتين في كل يوم. وروي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه لا يجوز، كذا في شرح الطحاوي، وبه قال الشافعي وأحمد في الأظهر م: (وإن أعطاه في يوم واحد لم يجزئه إلا عن يومه؛ لأن المقصود سد خلة المحتاج، والحاجة تتجدد في كل يوم، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره) ش: بخلاف ما إذا أعطاه في يوم واحد، لأن الواجب التفريق على ستين مسكينا ولم يوجد ذلك لا حقيقة لأنه مسكين واحد ولا حكما لعدم تجدد الحاجة بخلاف المسألة الأولى لأن إطعامه في ستين يوما كإطعام ستين مسكينا لما قلنا.
م: (وهذا في الإباحة من غير خلاف) ش: أي عدم الإجزاء فيما إذا أعطى كله مسكينا واحدا في يوم واحد بطريق الإباحة بلا خلاف، يعني لا تجزئه إلا بتجدد الأيام، لأن الواحد لا يستوفي ما يستوفي ستون مسكينا في يوم واحد. م: (وأما التمليك) ش: يعني إذا أعطى الطعام كله مسكينا واحدا في يوم واحد بطريق التمليك م: (من مسكين واحد في يوم واحد بدفعات، فقد قيل لا يجزئه) ش: وهو الأصح، كذا في المحيط لأن المعتبر سد الخلة م: (وقد قيل: يجزئه؛ لأن الحاجة إلى(5/557)
التمليك، تتجدد في يوم واحد، بخلاف ما إذا دفع بدفعة واحدة، لأن التفريق واجب بالنص. وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف، لأنه تعالى ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس، إلا أنه يمنع من المسيس قبله، لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم، فيقعان بعد المسيس. والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه.
وإذا أطعم عن ظهارين ستين مسكينا لكل مسكين صاعا من بر، لم يجزئه إلا عن واحد منهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجزئه عنهما، وإن أطعم ذلك عن إفطار وظهار أجزأه عنهما. له أن بالمؤدى وفاء بهما، والمصروف إليه محل لهما، فيقع عنهما كما لو اختلف السبب أو فرق في الدفع. ولهما أن النية في الجنس الواحد لغو. وفي الجنسين معتبرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التمليك تتجدد في يوم واحد، بخلاف ما إذا دفع بدفعة واحدة؛ لان التفريق واجب بالنص) ش: فإذا جمع لا يجزئه إلا عن واحد كالحاج إذا رمى الحصيات السبع دفعة واحدة، كذا في " المبسوط ".
م: (وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام لم يستأنف؛ لأنه عز وجل ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، لأن مالكا يستأنف، واعتبر بالصوم م: (إلا أن يمنع من المسيس قبله) ش: أي قبل الإطعام م: (لأنه ربما يقدر على الإعتاق أو الصوم، فيقعان بعد المسيس) ش: فالمنع لا لمعنى المسيس لتوهم القدرة على الإعتاق فيكون لمعنى في غيره م: (والمنع لمعنى في غيره لا يعدم المشروعية في نفسه) ش: فلا يقتضي الفساد كالبيع وقت النداء والصلاة في الأوقات المكروهة.
[أطعم عن ظهارين ستين مسكين صاعا من بر]
م: (وإذا أطعم عن ظهارين ستين مسكين صاعا من بر لم يجزئه إلا عن واحد منهما عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: هذا من مسائل الجامع الصغير، وصورتها فيه روى محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في الرجل يكون عليه طعام مائة وعشرين مسكينا عن ظهارين، فأطعم ستين مسكينا لكل مسكين صاعا من حنطة من ظهارين من امرأة واحدة أو امرأتين لم يجزئه إلا من إحداهما في قول ٍأبي حنيفة وأبي يوسف.
م: (وقال محمد يجزئه عنهما) ش: أي عن ظهارين م: (وإن أطعم ذلك عن إفطار وظهار أجزأه عنهما) ش: أي عن الإفطار والظهار بالإعتاق، م: (له) ش: أي محمد م: (أن بالمؤدى) ش: وهو قدر الصياع م: (وفاء بهما) ش: أي بكفارتيهما لكل واحد من ستين مسكينا م: (والمصروف إليه محل لهما فيقع عنهما) ش: أي عن الكفارتين م: (كما لو اختلف السبب) ش: يعني أطعم ذلك من ٍإفطار وظهار م: (أو فرق في الدفع) ش: بأن أعطى مسكينا نصف الصاع عن إحدى الكفارتين، ثم أعطى النصف الآخر إياه عن الكفارة الأخرى جاز بالاتفاق. م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن النية في الجنس الواحد لغو) ش: لأن النية للتميز بين الأجناس المختلفة أو لتمييز المشترك ولا يوجد ذلك في الجنس الواحد م: (وفي الجنسين معتبرة) ش: ألا ترى(5/558)
وإذا لغت النية والمؤدى يصلح كفارة واحدة، لأن نصف الصاع أدنى المقادير فيمنع النقصان دون الزيادة فيقع عنها، كما إذا نوى أصل الكفارة، بخلاف ما إذا فرق في الدفع، لأنه في الدفعة الثانية في حكم مسكين آخر. ومن وجبت عليه كفارتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينها جاز عنهما، وكذا إذا صام أربعة أشهر أو أطعم مائة وعشرين مسكينا جاز لأن الجنس متحد، فلا حاجة إلى نية معينة وإن أعتق عنهما رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء، وإن أعتق عن ظهار وقتل لم يجز عن واحد منهما. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجزئه عن أحدهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من كان عليه قضاء أيام من رمضان فنوى صوم القضاء جاز، ولا يجب فيه نية التعيين وفي قضاء رمضان وصوم النذر يفتقر إلى تعيين النية لاختلاف جنسهما.
فإن قيل: لو أعتق عبدا عن أحد الظهارين بعينه صح نية التعين ولم يجعل لغوا في جنس واحد، ولهذا حل وطء التي (هي) عينها. قلنا أفاد الحل التي رفع حرمتها بعينها.
فإن قيل: تعلق بنية الظهارين هنا غرض صحيح، وهو رفع الحرمة عنهما، فوجب أن يصح. قلنا: إعتاق الرقبة يصلح كفارة عن إحدى الظهارين قدرا ومحلا فصحت بنيته. فأما إطعام ستين مسكينا صاعا إن كان يصلح عن الظهارين قدرا لا يصلح محلا لهما لأن محل الظهارين مائة وعشرون مسكينا عند عدم التفريق، فإذا زاد في الوظيفة ونقص عن المحل وجب أن يعتبر قدر المحل احتياطا، كما لو أعطي ثلاثين مسكينا كل واحد صاعا.
م: (وإذا لغت النية، والمؤدى يصلح كفارة واحدة لأن نصف الصاع أدنى المقادير) ش: يعني أدنى المقادير م: (فيمنع النقصان دون الزيادة) ش: لأن الشيء إذا وجب مطلقا، ثم ورد الشرع بالتقدير، وذلك التقدير لا يمنع الزيادة، فإذا كان كذلك م: (فيقع عنها) ش: أي عن الكفارة الواحدة م: (كما إذا نوى أصل الكفارة) ش: فإنه يقع عن إحداهما بالاتفاق م: (بخلاف ما إذا فرق في الدفع، لأنه في الدفعة الثانية في حكم مسكين آخر) ش: هذا جواب عن قول محمد: أو فرق في الدفع، حاصلة أن قياسه على هذا غير صحيح، ووجه يظهر عن المتن.
م: (ومن وجبت عليه كفارتا ظهار فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينهما جاز عنهما، وكذا إذا صام أربعة أشهر، أو أطعم مائة وعشرين مسكينا جاز، لأن الجنس متحد، فلا حاجة إلى نية معينة) ش: بكسر الياء المشددة م: (وإن أعتق عنهما رقبة واحدة أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء) ش: هذا جواب الاستحسان، والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر، لخروج الأمر من يده.
م: (وإن أعتق عن ظهار وقتل لم يجز عن واحد منهما. وقال زفر: لا يجزئه عن أحدهما(5/559)
في الفصلين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يجعل ذلك عن أحدهما في الفصلين، لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد. وجه قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه أعتق عن كل ظهار نصف العبد، وليس له أن يجعل عن أحدهما بعد ما أعتق عنهما، لخروج الأمر من يده. ولنا أن نية التعيين في الجنس المتحد لا يفيد فتلغو، وفي الجنس المختلف يفيد، واختلاف الجنس في الحكم - وهو الكفارة ها هنا - باختلاف السبب، نظير الأول إذا صام يوما في قضاء رمضان عن يومين يجزئه عن قضاء يوم واحد، ونظير الثاني إذا كان عليه صوم القضاء والنذر، فإنه لا بد فيه من التمييز، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الفصلين. وقال الشافعي: له أن يجعل ذلك عن أحدهما في الفصلين؛ لأن الكفارات كلها باعتبار اتحاد المقصود جنس واحد) ش: فالنية في الجنس الواحد لا تفيد، ويبقى نية أصل الكفارة، وذلك يكفي، فله أن يجعل بعد ذلك عن أيهما شاء. وقال أبو ثور: يقرع في الظهارين أيهما أصابتها القرعة حل وطؤها م: (وجه قول زفر أنه أعتق عن كل ظهار نصف العبد، وليس له أن يجعل عن إحداهما بعد ما أعتق عنها؛ لخروج الأمر من يده) ش: بعد ما أعتق، فصار كما إذا أعتق عن ظهار وقتل.
م: (ولنا أن نية التعين في الجنس المتحد لا يفيد، فتغلوا) ش: أي نيته، هذا جواب عما يقال: لا نسلم اختلاف الجنس، فإن الحكم وهو الكفارة ها هنا بالإعتاق في القتل والظهار واحد، فأجاب بقوله: واختلاف الجنس م: (وفي الجنس المختلف يفيد) ش: للتمييز م: (واختلاف الجنس في الحكم وهو الكفارة ها هنا السبب) ش: فإن القتل يخالف الظهار لا محالة، واختلاف السبب يدل على اختلاف الحكم؛ لأن الحكم ملزوم السبب، واختلاف الملزوم يدل على اختلاف الملزومات، ولما اختلفت الجنس صحت النية، فكان إعتاق رقبة واحدة عن كفارتين مختلفتين، فيكون لكل منهما نصف الرقبة، فلا يجوز. ثم نظر المصنف لكل واحد من الجنس المتحد والمختلف بما ذكره في " الفوائد الظهيرية ".
فقال م: (نظير الأول) ش: يعني الجنس المتحد م: (إذا صام يوما في قضاء رمضان عن يومين يجزئه عن قضاء يوم واحد) ش: بناء على لغوية التوزيع وبقاء أصل النية، إذ الجنس متحد م: (ونظير الثاني) ش: يعني الجنس المختلف م: (إذا كان عليه صوم القضاء والنذر، فإنه لا بد فيه من التمييز) ش: فإن نوى من الليل أن يصوم غدا عنهما كانت النية غير معتبرة، فلا يصير صائما أصلا إذ الجنس مختلف.
فإن قيل: إذا نوى ظهارين في يومين فإنه لا يجوز عن واحد وإن اتحد الجنس. قلنا: لا نسلم اتحاد الجنس، لأنه يختلف باختلاف الخطاب والسبب، فإن لكل منهما سببا وخطابا على حدة، فإما الخطاب فظاهر، وأما السبب فإن دلوك الشمس في اليوم الثاني غير الأول، بخلاف(5/560)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قضاء رمضان، لأن الخطاب بزمان يجمعها، وهو الشهر، ولا يحتاج إلى تعيين يوم السبت والأحد، حتى إذا كان في قضاء من رمضانين شرط التعيين، ذكره قاضي خان.
فروع: في " المنتقى " عن أبي يوسف: لو تصدق بدرهم عن يمين وظهار فله أن يجعله عن أحدهما استحسانا. وفي " جوامع الفقه " ظاهر عن أربع فأعتق عبدا عنهن، ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عنهن جاز استحسانا لاتحاد الجنس ونقصان الهلال لا يمنع، وفي " الخزانة " صام تسعة وعشرين يوما بالهلال وصام قبله خمسة عشر يوما جاز.
وقيل: لا يجوز ويجب إتمامه بالعدد. وفي " الإشراف " يجزئه بالأهلة ثمانية وخمسون يوما، وبه قال الثوري ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد، وإن لم يستقل الهلال.
وقال الزهري: يصوم ستين يوما. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن صومه ستين يوما إن صام بغير الأهلة.
وفي " المنهاج ": يجوز إعتاق عبديه عن كفارته في كل واحد نصف وعندنا لا يجوز، وإعتاق العبد الحربي في دار الحرب عن الكفارة والعبد المستأمن يجوز خلافا للأئمة الثلاثة، ولا يجوز صرف الكفارة إلى فقير أهل الحرب، وإن كان مستأمنا ويجوز إلى فقير أهل الذمة، خلافا لأبي يوسف والأئمة والثلاثة، وفقير المسلمين أحب عندنا. ولو قال الآخر: أعتق عبدك عن كفارتي فأعتقه عن كفارته أجزأه، وعندنا إذا لم يشترط عن عوض لا يقع عن الأمر. وعن أحمد روايتان.(5/561)
باب أحكام اللعان قال: إذا قذف الرجل امرأته بالزنا وهما من أهل الشهادة، والمرأة ممن يحد قاذفها، أو نفى نسب ولدها وطالبته بموجب القذف فعليه اللعان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب أحكام اللعان] [قذف الرجل امرأته بالزنا]
م: (باب أحكام اللعان) ش: أي هذا باب في بيان أحكام اللعان وهو مصدر من لاعن يلاعن ملاعنة ولعانا، وأصله من اللعن، وهو الإبعاد والطرد في اللغة، يقال: التعن، أي لعن نفسه ولاعن إذا لعن غيره، ورجل لعنة بفتح العين إذا كان كثير اللعن لغيره ولعنة بسكونها إذا لعنه الناس كثيرا، ومعناه شرعا عبارة عما يجري بين الزوجين من الشهادات الأربع، واللعن والغضب، وسمي الكل لعانا لما فيه من ذكر اللعن كالصلاة تسمى ركوعا لما فيها من الركوع، وكالتحيات تسمى تشهدا لما فيها من التشهد وركنه الشهادة المؤكدة باليمين، وسببه قذف الرجل زوجته قذفا يوجب الحد في الأجانب، وشرطه قيام النكاح. وحكمه حرمة الوطء بعد التلاعن. وأهله من كان أهلا للشهادة عندنا حتى لا يجزئ بين مملوكين أو أحدهما صبي أو مملوك.
م: (قال) ش: أي القدوري - رحمة الله تعالى - م: (إذا قذف الرجل امرأته بالزنا) ش: سواء في ذلك قوله رأيتك تزنين، وقوله أنت زانية ويا زانية عند الجمهور، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية. وفي المشهور عنه لا يجب بقوله: يا زانية أو أنت زانية بل يجب فيه الحد، وبه قال الليث وعثمان البتي ويحيى بن سعيد م: (وهما من أهل الشهادة) ش: يعني من أهل الأداء، ولهذا لا يجزئ بين مملوكين.
فإن قلت: يجزئ بين الأعميين والفاسقين، مع أن الشهادة لهؤلاء.
قلت: الأعميان من أهل الشهادة، وعدم قبول شهادتهما لعدم التمييز بين المشهود له، وعليه لو قضى القاضي بشهادة الفاسقين جاز. وقال في " النهاية ": ولو قضى القاضي بشهادة هؤلاء جاز.
م: (والمرأة ممن يحد قاذفها) ش: حتى لو كانت ممن لا يحد قاذفها بأن تزوجت بنكاح فاسد ودخل بها أو كان لها ولد وليس له أب معروف لا يجزئ اللعان، أو زنت في عمرها ولو مرة، أو وطئت وطئا حراما ولو مرة، ذكره الأسبيجابي م: (أو نفى نسب ولدها) ش: بأن قال: هذا الولد من الزنا، أو قال: ليس مني قبل الإقرار بالولد. وقيل: مضي التهنئة التي هي قائمة مقام الإقرار، بخلاف ما إذا نفى الحبل، حيث لا لعان ولا حد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما يجيء م: (وطالبته بموجب القذف) ش: أي طالبت المرأة زوجها بموجب القذف م: (فعليه اللعان) ش: أي فعلى الزوج اللعان، أي يلاعنها، وإنما شرطت مطالبتها، لأنه حقها، لأنه لبراءة عرضها حيث قذفها بالفجور، فاشترطت مطالبتها كسائر حقوقها، حتى لو كانت كفت عن(5/562)
والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن والغضب، قائمة مقام حد القذف في حقه، ومقام حد الزنا في حقها، لقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ، والاستثناء إنما يكون من الجنس، وقال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) نص على الشهادة واليمين، فقلنا: الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مدافعته، فهي امرأته.
م: (والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان) ش: إنما قال: عندنا، لأن عند الشافعي أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة، حتى إن عند أهل اللعان من كان أهلا للشهادة، وعنده من كان أهلا لليمين، فلا يجري اللعان إلا بين زوجين مسلمين حرين عاقلين بالغين غير محدودين في القذف عندنا وعنده يجري بين المسلم وامرأته الكتابية، وبين الكافر وامرأته وبين العبد وامرأته، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد في رواية كقولنا م: (مقرونة باللعن والغضب) ش: صفة لما قبله، وهذا المجموع هو اللعان، وهو ركن اللعان م: (قائمة) ش: أي اللعان قائمة إنما أنثه باعتبار الملاعنة أو باعتبار أنه شهادات إلى آخره م: (مقام حد القذف من حقه) ش: أي في حق الزوج، ولهذا يشترط كونها ممن يحد قاذفها ولا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا.
م: (ومقام حد الزنا في حقها) ش: أي في حق الزوجة، ولهذا لو قذفها مرارا يكفي لعانا واحدا كالحد م: (لقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ش: وجه الاستدلال أن الله تعالى قال {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (النور: الآية 6) ، واستثناء الأزواج من الشهداء م: (والاستثناء إنما يكون من الجنس) ش: هذا هو الأصل، ولا شهداء إلا بالشهادة، ولا شهادة فيما نحن فيه إلا كلمات اللعان، فدل أنها شهادات أكدت بالأيمان نفيا للتهمة.
م: (وقال الله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) نص على الشهادة واليمين، فقلنا: الركن هو الشهادة المؤكدة باليمين) ش: لأن الحاجة ها هنا إلى إيجاب الحكم في الطرفين، والذي يصلح لإيجاب الحكم الشهادة دون اليمين، إلا أنها مؤكدة باليمين، لأن يشهد لنفسه، التأكيد باليمين لا يخرجه من أن يكون شهادة. فقلنا الركن الشهادة المؤكدة باليمين عملا بحقيقة لفظ القرآن والسنة على ما يأتي.
وقال الماوردي في " الحاوي ": وتأويل أبي خطأ، لأن شهادة المرء على نفسه غير مقبولة (بل) فاسدة، لأن من قال بحقيقة لفظ الشهادة المذكورة في القرآن والحديث لم يكن قوله تأويلا، بل التأويل قول من ترك حقيقة اللفظ بالإشهاد الفاسد وتعطيل القرآن بالحديث.(5/563)
ثم قرن الركن في جانبه باللعن لو كان كاذبا، وهو قائم مقام حد القذف، وفي جانبها بالغضب، وهو قائم مقام حد الزنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما شهادته لنفسه فغير مقبولة لمكان التهمة، لا لأنه لا يصلح للشهادة، ألا ترى إلى قوله عز وجل {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] ... الآية، وكان من أصدق الشهادات لانتفاء التهمة والتهمة فيما نحن فيه منتفية باليمين، مع أنها بإذن الله تعالى أو شرع رسوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وأما تكرار الشهادة لقيامها مقام أربع شهادات، فإن الواجب عليه إقامة أربع شهادات من شهود أربعة، وقد عجز عن إقامة شهود أربعة، ولم يعجز عن إقامة أربع شهادات فما عجز عنه.
م: (ثم قرن الركن) ش: هو الشهادة م: (في جانبه) ش: أي في جانب الزوج م: (باللعن لو كان كذابا) ش: تأكيدا م: (وهو قائم مقام حد القذف) ش: ولهذا لا يثبت بالشهادة على الشهادة، ولا بشهادة النساء، وكتاب القاضي إلى القاضي م: (وفي جانبها) ش: أي وفي جانب الزوجة م: (بالغضب) ش: أي قرن الشهادة بالغضب، وإنما خص الغضب في جانبها في المرة الخامسة لأنهن يستعملن اللعن كثيرا في البيوت على ما جاء في الحديث: أنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، وسقطت حرمة اللعن عند أعينهن فيجرين على الإقدام عليه لكثرة حربه، فأقيم الغضب مقامه في حقهن ليكون أدعى لهن عن الإقدام، وإنما أفردت الخامسة بالغضب لأنها ليست من جنس الشهادة لعدم ذكر الشهادة فيها م: (وهو قائم مقام حد الزنا) ش: ولهن لو قذفها مرارا يكفي لعان واحد كالحد.
فإن قيل ما معنى إقامة الشهادة مقام الحد في الطرفين، وهنا المناسبة بين الحد والشهادة أجيب بأن الحد زاجر، والاستشهاد بالله تعالى كاذبا مقرونا باللعن على نفسه سبب الهلاك، وفي ذلك زجر عن الإقدام على سببه.
فإن قيل: لو كان اللعان قائما في حقه مقام حد القذف لجرى كجريانه في الاتحاد والتعدد، وليس كذلك، فإن من قذف أربع نسوة له في كلمة واحد، وفي كلام متفرق فعليه أن يلاعن عن كل واحدة منهن على حدة، وإن قذف أجنبيان فإنه يقام عليه حد القذف لهذا مرة واحدة. أجيب: بأن اللعان قائم في حقه مقام امرأته لا مطلقا، لأنه صار بدلا عما كان يلزمه في الابتداء بقذفها، فلا يرد عليه الأجنبيات، على أن ذلك لاختلاف المقصود، فإن المقصود هنا رفع عار الزنا عنهن، وذلك يحصل بإقامة حد واحد، وهنا لا يحصل المقصود بلعان واحد تعذر الجمع بينهن بكلمات اللعان، فقد يكون صادقا في حق بعض دون بعض، والمقصود التفريق بينه وبينهن، ولا يحصل ذلك بلعان بعضهن، فيلاعن كلا منهن، حتى لو كان محدودا في قذف كان عليه لهن حد واحد، لأن موجب قذفهن الحد حينئذ، والمقصود يحصل بحد واحد كما في الأجنبيات.(5/564)
إذا ثبت هذا نقول لا بد أن يكونا من أهل الشهادة، لأن الركن فيه الشهادة، ولا بد أن تكون هي ممن يحد قاذفها لأنه قائم في حقه مقام حد القذف، فلا بد من إحصانها، ويجب بنفي الولد، لأنه لما نفى ولدها صار قاذفا لها ظاهرا، ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء عن شبهة، كما إذا نفى أجنبي نسبه عن أبيه المعروف وهذا لأن الأصل في النسب هو الصحيح، والفاسد ملحق به، فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به، ويشترط طلبها لأنه حقها فلا بد من طلبها كسائر الحقوق. فإن امتنع عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إذا ثبت هذا) ش: يعني إذا ثبت أن الأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان م: (نقول لا بد أن يكون من أهل الشهادة، لأن الركن فيه) ش: أي في اللعان م: (الشهادة، ولا بد أن تكون هي) ش: أي المرأة م: (ممن يحد قاذفها) ش: حتى لو كان من أهل الشهادة والمرأة ممن لا يحد قاذفها، بأن كان معها ولد لا أب له معروف لا يجب اللعان م: (لأنه) ش: أي لأن اللعان م: (قائم في حقه مقام حد القذف، فلا بد من إحصانها) ش: أي إحصان المرأة م: (ويجب بنفي الولد) ش: أي يجب اللعان إذا نفى ولده بأن قال هذا الولد من الزنا، وقد مضى الكلام فيه عن قريب م: (لأنه لما نفى ولدها صار قاذفا ظاهرا) ش: كما إذا نفى أجنبي نسب ولد عن أبيه المعروف، فإنه يكون قاذفا للمرأة، وكذلك هذا.
م: (ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره بالوطء عن شبهة، كما إذا نفى أجنبي نسبه) ش: أي بنسب الولد م: (عن أبيه المعروف) ش: فإنه التباس قذف صريح م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله ولا يعتبر احتمال أن يكون الولد من غيره م: (لأن الأصل في النسب الصحيح) ش: أي الفراش الصحيح م: (والفاسد ملحق به، فنفيه عن الفراش الصحيح قذف حتى يظهر الملحق به) ش: وفي " المبسوط ": الولد من الوطء بشبهة ثابتة بالنسب عن النسيان، والذي لا يكون ثابت النسب عن أحد يكون من الزنا ولا نسب لها الولد إلا منه. فإذا نفاه فقد زعم أن لا نسب له، فيكون قاذفا بالزنا. وقال الشافعي: لا يصير قاذفا بالنفي ما لم يقل إنه من الزنا، لجواز أن يكون من الوطء بشبهة، كما قال لأجنبية ليس هذا الولد من زوجك، والقياس ما قاله، إلا أنا تركناه بالضرورة، لأن الزوج قد يعلم أن الولد ليس منه بأن لم يطأها وعزلها عزلا بينا، فاكتفى بنفي الولد، حتى ينتفي منه نسب الولد، وهذه الصورة معدومة في حق الأجنبي. قيل ذكر في " جوامع الفقه " وغيره: لو قال وجدت معها رجلا يجامعها ليس بقذف لها، لأنه يحتمل الحل والجماع بشبهة، والنكاح الفاسد، فكان ينبغي أن يكون كذلك هنا، لأنه] ... [بالزنا. أجيب عنه جعلناه كالصريح بالزنا بالضرورة كما بينا.
م: (ويتشرط طلبها) ش: أي طلب المرأة بموجب القذف م: (لأنه حقها، فلا بد من طلبها كسائر الحقوق) ش: لأنه باللعان يندفع عنه عار الزنا، وبه قالت الثلاثة م: (فإن امتنع عنه) ش: أي(5/565)
حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد لأنه حق مستحق عليه، وهو قادر على إيفائه، فيحبس به حتى يأتي بما هو عليه أو يكذبه نفسه ليرتفع السبب. ولو لاعن وجب عليها اللعان لما تلونا من النص إلا أنه يبتدأ بالزوج، لأنه هو المدعي. فإن امتنعت حبسها الحاكم حتى تلاعن أو تصدقه، لأنه حق مستحق عليها، وهي قادرة على إيفائه فتحبس فيه.
وإذا كان الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته فعليه الحد، لأنه تعذر اللعان لمعنى من جهته، فيصار إلى الموجب الأصلي، وهو الثابت بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الآية (الآية 4: النور) ، واللعان خلف عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن اللعان م: (حبسه الحاكم حتى يلاعن) ش: وهذا عندنا. وقال الشافعي ومالك وأحمد يقام عليه حد القذف بناء على أن موجب القذف عندهم الحد، وعندنا اللعان م: (ويكذب نفسه فيحد، لأنه حق مستحق عليه) ش: أي على الزوج م: (وهو قادر على إيفائه) ش: قال الأكمل: قيل هذا احتراز عن المديون المفلس، فإن الدين مستحق، ولكنه غير قادر على إيفائه فلا يحبس. قلت: القائل بهذا " الكافي "، فإنه هكذا شرح هذا الموضع م: (فيحبس فيه، حتى يأتي بما هو عليه أو يكذب نفسه) ش: فإذا كذب نفسه فحينئذ يجب عليه حد القذف م: (ليرتفع السبب) ش: أي سبب اللعان، أي علته وهو التكاذب، لأن اللعان إنما يجب إذا كذب كل واحد منهما الآخر فيما يدعيه، حتى لو كذب نفسه لا يجب اللعان، وفي بعض النسخ ليرتفع الشين، أي العار بالتكاذب، وهو بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون.
م: (ولو لاعن) ش: أي الزوج م: (وجب عليها اللعان لما تلونا من النص) ش: وهو قوله عز وجل {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] (النور: الآية 6) م: (إلا أنه يبتدئ بالزوج، لأنه هو المدعي) ش: بناء على أن اللعان شهادات، والمطالب بها هو المدعي والاستثناء بمعنى لكن، كأنه استشعر أن يقال المتلو من النص لا يدل على المبدوء به، فقال إلا أنه يبدأ به. (فإن امتنعت حبسها الحاكم، حتى تلاعن أو تصدقه) ش: أي تصدق الزوج م: (لأنه حق مستحق عليها، وهي قادرة على إيفائه فتحبس فيه) ش: وقال الشافعي ومالك: لا تحبس بل ترجم للزنا بعد الدخول بها، ولأحمد في حبسها روايتان.
[الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته]
م: (وإذا كان الزوج عبدا أو كافرا أو محدودا في قذف فقذف امرأته فعليه الحد) ش: صورة ما إذا كان الزوج كافرا والمرأة مسلمة بأن كان الزوجان كافرين فأسلمت المرأة فقذفها الزوج قبل عرض الإسلام عليه م: (لأنه تعذر اللعان لمعنى من جهته) ش: وهو كونه ليس من أهل الشهادة م: (فيصار إلى الموجب الأصلي) ش: وهو حد القذف م: (وهو الثابت بقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] (النور: الآية 4) م: (واللعان خلف عنه) ش: فإنه كان هو المشروع أولا، ثم صار اللعان خلافا عنه في الزوج عند وجود الشرط، فإذا عدمت صير إلى الأصل.(5/566)
وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذف، أو كانت ممن لا يحد قاذفها، بأن كانت صبية، أو مجنونة، أو زانية، فلا حد عليه ولا لعان، لانعدام أهلية الشهادة وعدم الإحصان في جانبها، وامتناع اللعان لمعنى من جهتها فيسقط الحد كما إذا صدقته والأصل في ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم: اليهودية، والنصرانية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر والحرة تحت المملوك»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن كان من أهل الشهادة وهي أمة) ش: أي والحال أن المرأة أمته م: أو كافرة أو محدودة في قذف أو كانت ممن لا يحد قاذفها بأن كانت صبية أو مجنونة أو زانية) ش: أي وكان ظهور زناها بين الناس كذلك، أو تزوجها بنكاح فاسد أو ولدها من غير أب معروف م: (فلا حد عليه ولا لعان) ش: هذا من مسائل القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلا أن قوله - بأن كانت صبية أو مجنونة أو زانية - فإنه تفسير من المصنف م: (لانعدام أهلية الشهادة وعدم الإحصان في جانبها) ش: أي في جانب المرأة م: (وامتناع اللعان لمعنى في جهتها) ش: أي لأجل امتناع وجوب اللعان لعلة في جهة المرأة فإذا كان كذلك م: (فيسقط الحد كما إذا صدقته) أي المرأة أي كما يسقط الحد إذا صدقت المرأة زوجها لأن سقوط اللعان يكون من جهتها وبقولنا قال الشعبي والزهري وحماد ومكحول وعطاء وأحمد في رواية وفي ظاهر مذهبه من كان أهلا لليمين فهو أهل اللعان، كما قال الشافعي ومالك.
م: (والأصل في ذلك) ش: أي في الذي ذكر من البيان م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم: اليهودية والنصرانية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك والمحدود في قذف امرأته» ش: أقول: ونذكر أولا ما ذكره الشراح هنا، حتى يعرف القصد والتقليد في أمثاله. فقال الأترازي: هذا الحديث لم نجد له أصلا في كتب الحديث " كالموطأ " و" صحيح" البخاري و " سنن" أبي داود و " جامع" الترمذي وغير ذلك، إلا أن أبا بكر الرازي ذكره في شرحه " لمختصر الطحاوي " بإسناده عن عبد الباقي عن نافع عن أبي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع ليس بينهن ملاعنة اليهودية والنصرانية تحت المسلم والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك» انتهى.(5/567)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الأكمل: قيل هذا الحديث لم يوجد له أصل في كتب الحديث، لكن أبا بكر الرازي ذكره في شرحه " مختصر الكرخي " بإسناده عن عبد الباقي أبي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قيل: كفى بأبي بكر الرازي العدالة والفقه والضبط مقتدى، انتهى.
وقال الكاكي بعد أن ذكر الحديث: رواه الشيخ أبو بكر الرازي والدارقطني وفيه: «وليس بين المملوكين ولا الكافرين لعان» ذكره أبو عمر بن عبد البر أيضا وضعفه، ورواه الدارقطني من طرق ثلاث وضعفه، والضعيف إذا روي من طريق يحتج به على ما عرف، انتهى.
فنقول قال الأترازي: هذا الحديث لم نجد له أصلا ... إلى آخره غير صحيح، لأن ابن ماجه والدارقطني وعبد الباقي بن قانع، ذكره فعرفت أنه من المقلدين المقصرين. وقول الأكمل قيل في الموضعين يدل على أنه من المقلدين المقصرين. وأما قول الكاكي فقريب من التوجيه، ولكنه لم يحرره كما ينبغي.
قال الشيخ جمال الدين الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية بعد أن ذكر الحديث المذكور: أخرجه ابن ماجه في "سننه" عن ابن عطاء عن أبيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربعة من النساء لا ملاعنة بينهن النصرانية تحت المسلم، واليهودية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحر، والحرة تحت المملوك» هذا لفظ ابن ماجه وأخرجه الدارقطني في "سننه " عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن عمرو بن شعيب وقال عن جده عبد الله بن عمرو موقوفا: «أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والأمة لعان، وليس بين الحرة والعبد لعان، وليس بين المسلم واليهودية لعان، وليس بين المسلم والنصرانية لعان» .
وقال الدارقطني: الوقاصي متروك الحديث، ثم أخرج عن عثمان بن عطاء الخرساني عن أبيه عن عمرو به. قال: وعثمان بن عطاء الخرساني ضعيف الحديث جدا، وتابعه يزيد بن زريع عن عطاء وهو ضعيف أيضا. وروي عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن جده انتهى.
قلت: عطاء هذا وثقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما، واحتج به مسلم في صحيحه وابنه عثمان، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال: سألت عنه أبي فقال: يكتب حديثه ثم ذكر عن أبيه سألت دحيما عنه فقال: لا بأس به. فقلت إن أصحابه يضعفونه، فقال: وأي شيء حديث عثمان في الحديث، واستحسن حديثه وعثمان بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن أبي وقاص أبو عمرو الوقاصي المالكي قال ابن الجوزي: إنما قيل له المالكي لأن سعدا هو ابن مالك. قلنا هو أبو وقاص، فلذلك نسب إليه وكان هو ضعيفا، فقد أخرج الحديث أيضا عن عمرو بن شعيب غيره.(5/568)
ولو كانا محدودين في قذف فعليه الحد، لأن اللعان من جهته إذ هو ليس من أهله.
وصفة اللعان أن يبتدئ القاضي بالزوج فيشهد أربع شهادات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى الذهبي في المتن الأحاديث منها ما رواه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: «الكذب يقصر الرزق، والدعاء يرد القضاء نافذ ولله في خلقه قضاء يحدث» .
وقال البيهقي: قال الشافعي: قالوا روي عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أربع لا لعان بينهن ... » الحديث. قلنا: رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط، وعمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو منقطع. قلت: لم يسم الشافعي المجهول ولا الذي غلط ولا بينهما.
وقال: روي هذا الحديث عن الباقي بن قانع وعيسى بن أبان من حديث حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح عن صدقة بن أبي ثوبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحماد ومعاوية من رجال مسلم، وصدقة ذكره ابن حبان في كتاب التابعين، قال: وروى عنه معاوية بن صالح، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقال: روى عنه الوليد وعبيد الله بن موسى، وهذا يخرجه عن جهالة العين والحال.
وقول الشافعي رجل غلط قال الشيخ علاء الدين في الجوهر النقي: أظنه أراد به عمرو بن شعيب وهو ثقة، وقد عمل العلماء بحديثه وعمل به الشافعي في مواضع والبيهقي. وقد خالف الشافعي في قوله إن الحديث منقطع وأثبت اتصاله، وقد تبين بما قلنا إن إسناد الحديث جيد، فلا نسلم قول البيهقي، ولم ينسلخ بيانه إلى عمرو.
م: (ولو كانا) ش: أي الزوجان م: (محدودين في قذف فعليه الحد لأن امتناع اللعان لمعنى من جهته، إذ هو ليس من أهله) ش: هذه من مسائل الأصل ذكرها المصنف على سبيل التفريع، قوله لمعنى من جهته هو كونه ليس من أهل الشهادة.
فإن قلت: هلا اعتبر جانبها وهي أيضا محدودة في القذف ذي الحد.
قلت: المانع من الشيء إنما يعتبر مانعا إذا وجد المقتضي، لأنه عبارة عما ينتفي به الحكم مع قيام مقتضاه، وهنا المانع هو الرجل لكونه الأصل فيه، وإنما يعتبر أهلية المرأة فيه إذا وجدت أهلية الرجل، فإذا لم توجد أهلية الرجل لا يعتبر بحالها في اللعان كالعبد يقذف امرأته المحدودة العفيفة الحرة البالغة، حيث يجب عليه الحد.
[صفة اللعان]
م: (قال: وصفة اللعان) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وصفة اللعان م: (أن يبتدئ القاضي بالزوج) ش: أي يقيم القاضي الزوج بين يديه ويأمره م: (فيشهد أربع شهادات) ش: من(5/569)
يقول في كل مرة: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، يشير إليها في جميع ذلك، ثم تشهد المرأة أربع مرات، تقول في كل مرة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا. والأصل فيه ما تلونا من النص، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يأتي بلفظ المواجهة يقول فيما رميتك به من الزنا لأنه أقطع للاحتمال وجه ما ذكر في الكتاب أن لفظة المغايبة إذا انضمت إليها الإشارة انقطع الاحتمال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإشهاد بنصب الدال عطفا على قوله أن يبتدئ. واعلم أنها إذا خاصمت إلى القاضي فينبغي أن يقول لها اتركي وانصرفي، ولو تركت وانصرفت ثم خاصمت بعد ذلك ثانيا جاز، لأن العفو عن القذف باطل، فإذا اختصمت وأنكر الزوج فعليها أن تقيم شاهدين عدلين، ولو أقامت رجلا وامرأتين لم يقبل. ولو لم يكن لها بينة فأرادت أن تحلف الزوج على القذف ليس لها ذلك، فإن أقر الزوج بأنه قذفها بالزنا سئل البينة، فإن شهد أربعة أنهم رأوا كالميل في المكحلة، والقلم في المحبرة ينظر إن كانت امرأة محصنة رجمت، وإن كانت غير محصنة جلدت. ولو لم يكن له بينة وجب اللعان إذا اجتمعت الشرائط. وقال في الأصل: يقول له القاضي قم فالتعن فيقوم.
ثم م: (يقول في كل مرة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، يشير إليها في جميع ذلك. ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) ش: وإذا كان القذف بنفي الولد تقول المرأة في كل مرة فيما رماني به من الزنا في نفي الولد.
م: (والأصل فيه) ش: أي في اللعان على هذه الصورة م: (ما تلونا من النص) ش: وهو فيما مضى بقوله تعالى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6] إلى قوله {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] (النور: الآية 6) م: (وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يأتي بلفظ المواجهة) ش: أي المخاطبة م: (يقول فيما رميتك به من الزنا، لأنه أقطع للاحتمال) ش: لأن هاء الغيبة محتملة فكانت المخاطبة أرفع للاحتمال، وبه قال زفر، كذا ذكره في " شرح الأقطع ". م: (وجه ما ذكره في الكتاب) ش: أي القدوري م: (أن لفظ المغايبة إذا انضمت إليها الإشارة انقطع الاحتمال) ش: لأنه يجتمع فيه أداتا تعريف فهو أولى. وفي " تنبيه الشافعية " يسميها إن كانت غائبة ويشير إليها إن كانت حاضرة. وقيل يجمع بينهما، وأنكره السرخسي فقال لا معنى لذكر الاسم والنسب مع الحضرة. وفي " المنهاج ": لو بدل الشهادة بحلف ونحوه أو الغضب يلغيها أو على العكس، قبل تمام الشهادات لم يصح على الأصح.(5/570)
قال: فإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما، وقال زفر: تقع بتلاعنهما، لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث. ولنا أن ثبوت الحرمة يفوت الإمساك بالمعروف فيلزمه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع ناب القاضي منابه دفعا للظلم دل عليه «قول ذلك الملاعن عند النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كذبت عليها يا رسول الله، فقال له: "أمسكها"، فقال: إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا» . قاله بعد اللعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[التفرقة بين المتلاعنين]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما) ش: تكون الزوجية قائمة ويقع ظهاره وطلاقه ويجري التوارث بينهما إذا مات أحدهما عندنا كذا في شرح الطحاوي م: (وقال زفر: تقع) ش: أي الفرقة م: (بتلاعنهما) ش: وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه، وبه قال أبو ثور وأبو عبيد في رواية داود، وهو مروي عن ابن عباس. قال الشافعي: يقع بلعانه كما إذا ارتد أحد الزوجين. وقال أبو بكر الرازي: قول الشافعي خارج لا سلف له فيه، قيل ليس كذلك، لأنه ذكر في المقدمات أنه ظاهر قول مالك وعبد الله بن عمرو بن العاص. وقال ابن حزم في " المحلى ": قول الشافعي قول لا برهان عليه. وقال عثمان البتي وجماعة من أهل البصرة: لا يتعلق باللعان فرقة بحال، وهو خلاف السنة والحديث.
م: (لأنه تثبت الحرمة المؤبدة بالحديث) ش: قال الأكمل والكاكي: أراد بالحديث قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا» ، نفي الاجتماع بعد التلاعن، وهو تنصيص على نفي الفرقة بالتلاعن، وقال الأترازي: ولزفر قول الصحابة: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا. قلت: الصواب مع الأترازي أنه لم يرو مرفوعا، إنما روي موقوفا على جماعة من الصحابة من ذلك ما رواه أبو داود من حديث ابن شهاب «عن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في هذا الخبر، قال فطلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمضت السنة بعد في المتلاعنين إذا افترقا لا يجتمعان أبدا.» وروى عبد الرزاق في مصنفه: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا موقوفا على عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (ولنا أن ثبوت الحرمة يفوت الإمساك بالمعروف، فيلزمه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع ناب القاضي منابه دفعا للظلم) .
م: (قال) ش: المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (دل عليه) ش: أي دل على عدم وقوع الفرقة م: «قول ذلك الملاعن عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذبت عليها يا رسول الله، إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا، قاله بعد اللعان» ش: وأراد بالملاعن عويمر العجلاني. وجه الاستدلال أنه قال: كذبت عليها عند(5/571)
وتكون الفرقة تطليقة بائنة، عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن فعل القاضي انتسب إليه كما في العنين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... إلى آخره، ولم ينكر عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو وقعت بينهما بمجرد التلاعن لأنكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن قيل: قد أنكر عليه بقوله: «اذهب فلا سبيل لك عليها» .
أجيب: بأن ذلك ينصرف إلى طلبه رد المهر، فإنه روي أنه قال: «إذا كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذبا فلا سبيل لك عليها» والتركيب المذكور قلق جدا، حتى في بعض النسخ دل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك الملاعن: «إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا» قاله بعد اللعان، أي بعد وقوع اللعان وبين النسختين فرق لا يخفى. ولو ذكر الحديث ثم بين وجه الاستدلال لكان أحسن وأوضح.
والحديث رواه مالك في " الموطأ " عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا يقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي عن ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له عاصم: ما كنت لتأتيني بخبر قد كره رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسألة التي سألته عنها، قال: والله لا أنتهي، حتى آتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأسأله عنها فأتى عويمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسط الناس فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد أنزل الله تعالى فيك وفي صاحبتك، اذهب فأت بها"، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة الملاعنين، ورواه البخاري في "صحيحه" عن إسماعيل عن مالك عن ابن شهاب، ورواه مسلم أيضا وأبو داود. وفي رواية عويمر بن أشقر. وقلنا حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أيضا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لاعن بين رجل وامرأته ألحق الولد بأمه» ذكره في " الصحيحين". «وعن سهل بن سعد شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا ابن خمس عشر سنين فرق بينهما حين تلاعنا» فهذه الأحاديث الصحاح كلها تدل على عدم وقوع الفرقة بتمام تلاعنهما حتى يفرق بينهما، وكذا إيقاع الطلاق الثلاث، ولم يرد في حديث أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرق بينهما قبل لعان المرأة بعد لعان الرجل، قال الطحاوي: قول الشافعي خلاف القرآن والحديث، وينبغي على قوله أنه لا تلاعن المرأة أصلا، لأنها ليست زوجة عند لعانها.
م: (وتكون الفرقة) ش: أي الفرقة الحاصلة بالتلاعن م: (تطليقة بائنة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، لأن فعل القاضي انتسب إليه) ش: للنيابة عنه م: (كما في العنين) ش: حيث(5/572)
وهو خاطب إذا أكذب نفسه، عندهما، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو تحريم مؤبد لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المتلاعنان لا يجتمعان أبدا» نص على التأبيد. ولهما أن الإكذاب رجوع، والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها، ولا ويجتمعان ما داما متلاعنين، ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب فيجتمعان، ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يؤجله القاضي سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق القاضي بينهما إذا طلبت المرأة الفرقة، والفرقة بالطلاق لا تتأبد، غير أنها بائنة، لأن المقصود دفع الظلم عنها فلا يحصل ذلك إلا بالبائن، وهما يحتجان أيضا بما روى مسلم عن إبراهيم النخعي أنه قال: اللعان تطليقة بائنة، ولأن الثابت بالنص اللعان، فلو أثبت الحرمة (المؤبدة) لزم الزيادة على النص، وذلك لا يجوز، لأنه نسخ.
م: (وهو خاطب إذا أكذب نفسه) ش: هذه مسألة مبتدأة، أي هذا الرجل بعد الإكذاب صار خاطبا من الخطاب، أي يجوز له أن يتزوجها كما لغيره يجوز أن يتزوجها فعليه الحد بإكذاب نفسه م: (عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (وقال أبو يوسف هو تحريم مؤبد) ش: يعني بعد التلاعن تبقى المرأة حرام عليه أبدا، فلا يجوز له أن يتزوجها، وبه قال زفر والحسن والشافعي م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المتلاعنان لا يجتمعان أبدا") » ش: وقد مر الكلام عن قريب مستقصى، وهو قول الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولم يرد مرفوعا م: (نص على التأبيد) ش: أي نص ظاهر هذا الخبر على تأبيد الحرمة.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الإكذاب) ش: أي إكذاب الرجل الملاعن نفسه م: (رجوع، والشهادة بعد الرجوع لا حكم لها) ش: يعني يبطل حكمها م: (ولا يجتمعان ما داما متلاعنين) ش: ولا منافاة بين نص التأبيد والعود خاطبا، لأن معناه ما داما في حال التلاعن م: (ولم يبق التلاعن ولا حكمه بعد الإكذاب) ش: أي لم يبق حقيقة التلاعن ولا حكما يعني لا حقيقة ولا حكما، أما حقيقة فظاهر، وأما حكما فلأنه لما أكذب نفسه وجب عليه الحد، فبطلت أهلية اللعان، فإذا بطلت الأهلية بطل حكمها م: (فيجتمعان) ش: أي المتلاعنان، يعني يجوز اجتماعها بعد ذلك التزويج. وقال الكاكي: إذا كذب نفسه قبل تفريق القاضي حلت له من غير تجديد النكاح.
م: (ولو كان القذف بنفي الولد نفى القاضي نسبه وألحقه بأمه) ش: أي ألحق الولد بأمه، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال إبراهيم وابن معقل وموسى: لا يفتقر نسب الولد على الفراش بالنفي، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، ذكره في " الصحيحين ". وللجمهور حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن رجلا لاعن امرأته فانتفى ولده وفرق بينهما، وألحق الولد بأمه» رواه الجماعة.
قال في " شرح الطحاوي ": ثم ولد الملاعنة بعدما قطع نسبه فجميع أحكام نسبه باق من(5/573)
وصورة اللعان أن يأمر الحاكم الرجل فيقول أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي الولد، وكذا في جانب المرأة. ولو قذفها بالزنا ونفي الولد ذكر في اللعان الأمرين، ثم ينفي القاضي نسب الولد ويلحقه بأمه، لما روينا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى ولد امرأة هلال بن أمية عن هلال وألحقه بها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأب سوى الميراث والنفقة، حتى إن شهادة الأب له لا تقبل وشهادته لابنه لا تقبل ودفع الزكاة إليه لا يجوز. ولو كان أنثى فزوجه أباها أو تزوج بنته منه إن كان ابنا لا يجوز، وغير ذلك من أحكام النسب.
[صورة اللعان]
م: (وصورة اللعان) ش: أي في نفي الولد م: (أن يأمر الحاكم الرجل، فيقول أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي الولد، وكذا في جانب المرأة ولو قذفها بالزنا ونفي الولد ذكر في اللعان الأمرين) ش: أراد بهما الزنا ونفي الولد م: (ثم ينفي القاضي نسب الولد ويلحقه بأمه لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «نفى ولد امرأة هلال بن أمية عن هلال، وألحقه بها» ش: الحديث رواه أبو داود في "سننه" قال: حدثنا الحسن بن على قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال «جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول إنى جئت أهلى عشاء فوجدت عندهم رجلا فرأيت بعينى وسمعت بأذنى فكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما جاء به واشتد عليه فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] الآيتين كلتاهما (النور: الآية: 6) فسرى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال بشير: يا هلال قد جعل الله عز وجل لك فرجا ومخرجا ". قال هلال قد كنت أرجو ذلك من ربى. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أرسلوا إليها ". فجاءت فتلا عليهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال والله لقد صدقت عليها فقالت قد كذب. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لاعنوا بينهما ". فقيل لهلال: اشهد. فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فلما كان الخامسة قال: يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب. فقال والله لا يعذبنى الله عليها كما لم يجلدنى عليها. فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم قيل لها اشهدى. فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فلما كانت الخامسة قيل لها اتقى الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب. فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومى فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا مبيت عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان(5/574)
ولأن المقصود من هذا اللعان نفي الولد فيوفر عليه مقصوده فيتضمنه القضاء بالتفريق، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القاضي يفرق ويقول: قد ألزمته وأخرجته عن نسب الأب، لأنه ينفك عنه فلا بد من ذكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من غير طلاق ولا متوفى عنها وقال " إن جاءت به أصيهب أريصح أثيبج حمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذى رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لولا الأيمان لكان لى ولها شأن.» قال عكرمة وكان ولدها بعد ذلك أميرا على مصر، وما يدعى لأب، ورواه أحمد في مسنده، وهو معلول بعباد بن منصور. وقال ابن معين: عباد بن منصور ضعيف قدري. وقال ابن حبان: كان قدريا داعيا إلى القدر. وقال في التنقيح: وثقه يحيى القطان. قوله - أصيهب - تصغير أصهب، وهو الذي يعلو لونه صهبة وهي كالشقرة.
وقوله - أريصح - تصغير الأرصح بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الصاد المهملة وبالحاء المهملة هو الناتئ الإليتين، ويجوز بالسين، قاله الهروي. قوله أثيبج تصغير أثبج بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتح الباء الموحدة وبالجيم، وهو الناتئ الثبج أي ما بين الكتفين والكاهل.
قوله - حمش الساقين - بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالشين المعجمة أي دقيقهما.
قوله: - أورق - أي أسمر قوله - جعد - بفتح الجيم وسكون العين المهملة وبالدال المهملة، وهو القصير بمتردد الخلق. قوله جماليا - بضم الجيم وتخفيف الميم واللام وتشديد الياء آخر الحروف، وهو الضخم الأعضاء التام الأوصال. قوله - سابغ الإليتين - بالسين المهملة وكسر الباء الموحدة وبالغين المعجمة، أي قائمها وعظيمها. م: (ولأن المقصود من هذا اللعان) ش: أي لأن مقصود الزوج من لعانه م: (نفي الولد فيوفر عليه) ش: أي على الزوج م: (مقصوده) ش: في نفيه م: (فيتضمنه القضاء بالتفريق) ش: أي يتضمن نفي الولد قضاء القاضي بالتفريق، يعني إذا قال فرقت بينهما يكفي.
م: (وعن أبي يوسف أن القاضي يفرق ويقول: قد ألزمته أمه) ش: أي ألزمت الولد أمه م: (وأخرجته) ش: أي الولد م: (من نسب الأب) ش: حتى لو لم يقل ذلك لم ينتف النسب عنه م: (لأنه ينفك عنه) ش: أي لأن نفي الولد ينفك عن التفريق إذ ليس من ضرورة التفريق باللعان نفي الولد كما لو مات الولد فإنه يفرق بينهما باللعان ولا ينتفي النسب عنه م: (فلا بد من ذكره) .(5/575)
فإن عاد الزوج وأكذب نفسه حده القاضي لإقراره بوجود الحد عليه. وحل له أن يتزوجها وهذا عندهما، لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع حكمه المنوط به وهو التحريم. وكذلك إن قذف غيرها فحد به لما بينا، وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء أهلية اللعان من جانبها. وإذا قذف امرأته وهي صغيرة أو مجنونة فلا لعان بينهما، لأنه لا يحد قاذفها لو كان أجنبيا، فكذا لا يلاعن الزوج لقيامه مقامه. وكذا إذا كان الزوج صغيرا أو مجنونا لعدم أهلية الشهادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي من ذكر نفي الولد، ألا ترى أنه إذا نفى ولد أم الولد ينتفي به ولا يجري اللعان.
وإذا قال لامرأته زنيت يجري اللعان ولا ينتفي الولد.
م: (فإن عاد الزوج وأكذب نفسه) ش: يعني بعد اللعان م: (حده القاضي لإقراره بوجود الحد عليه) ش: حيث قذف محصنته.
وفي " المبسوط ": هذا إذا لم يطلقها بائنا بعد القذف، أما لو كذب نفسه بعد البينونة لا يجب الحد ولا اللعان، لأن المقصود باللعان التفريق، ولا يتأتى ذلك بعد البينونة ولا حد عليه، لأن قذفه كان موجبا للعان التفريق، ولا يتأتى ذلك بعد البينونة ولا حد عليه، لأن قذفه كان موجبا للعان والقذف الواحد لا يوجب الحدين م: (وحل له أن يتزوجها) .
ش: قال الأكمل: هذا تكرار لقوله - وهو خطاب إذا أكذب نفسه عندهما - ويجوز أن يقال ذكر هناك تفريعا، ونقل هنا لفظ القدوري م: (وهذا عندهما) ش: أي جواز حل الزوج بعد اللعان والتكذيب والحد عند أبي حنيفة ومحمد م: (لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع حكمه المنوط به) ش: أي ارتفع اللعان بحكمه المتعلق به م: (وهو التحريم) ش: كما ارتفع اللعان.
م: (وكذلك) ش: أي يحل كذلك م: (إن قذف غيرها) ش: أي غير امرأته بعد تفريق القاضي م: (فحد به) ش: أي بسبب قذفه م: (لما بينا) ش: يريد به قوله لأنه لما حد لم يبق أهلا للعان، فارتفع بحكمه المنوط به م: (وكذا إذا زنت فحدت لانتفاء أهلية اللعان من جانبها) ش: فإن قيل لما جرى اللعان بينهما علم أنهما زوجان على صفة الإحصان والمرأة والرجل إذا زنيا بعد إحصانهما يرجمان، فحينئذ كان قوله فحدث معناه رجمت، فبعد ذلك أن تبقى محلا للزوج. أجيب بأن معنى قوله - حدت - جلدت، وتصور المسألة أن يتلاعنا بعد التزوج قبل الدخول، ثم إنها زنت بعد اللعان، فكان حدها الجلد دون الرجم، لأنها ليست بمحضة، لأن من شرط إحصان الرجم الدخول بعد النكاح الصحيح ولم يوجد. م: (وإذا قذف امرأته وهي صغيرة) ش: أي والحال أنها صغيرة م: (أو مجنونة فلا لعان بينهما، لأنه لا يحد قاذفها) ش: أي قاذف الصغيرة والمجنونة م: (لو كان) ش: أي القاذف م: (أجنبيا، فكذا لا يلاعن الزوج صغيرا أو مجنونا لعدم أهلية الشهادة) ش: واللعان شهادة عندنا، وبه قال الشافعي. وفي " المدونة " يلاعن بقذف الصغيرة.(5/576)
وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان، لأنه يتعلق بالصريح كحد القذف، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا لأنه لا يعرى عن الشبهة، والحدود تندرئ بها. وإذا قال الزوج: ليس حملك مني فلا لعان بينهما، وهذا قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - لأنه لا يتيقن بقيام الحمل، فلم يصر قاذفا. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: اللعان يجب بنفي الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، وهو معنى ما ذكر في الأصل، لأنا تيقنا الحمل عنده فيتحقق القذف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المغني ": لو قذفها وهي بنت تسع فعليه الحد وتطالبه إذا بلغت، وبدون التسع يعزر.
ولو قال لها: زنيت وأنت صبية أو مجنونة، وجنونها معهود فلا حد ولا لعان، ولا يجعل قاذفا في الحال، لأن فعلها لا يوصف بالزنا، بخلاف قوله زنيت وأنت ذمية أو منذ أربعين سنة وعمرها عشرون سنة، حيث يعزر، ذكره في الجوامع.
[قذف الأخرس زوجته]
م: (وقذف الأخرس لا يتعلق به اللعان، لأنه) ش: أي لأن اللعان م: (يتعلق بالصريح كحد القذف) ش: فيندرئ بالشبهة، ولأنه شهادة حتى يشترط لفظ الشهادة م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: فإنه يقول يصح قذفه ولعانه، لأن إشارة الأخرس كعبارة الناطق م: (وهذا لأنه لا يعرى عن الشبهة) ش: أي إشارة الأخرس م: (والحدود تندرئ بها) ش: أي تندفع بالشبهة، وكذا إذا كانت المرأة خرساء لا يجري اللعان بينهما.
م: (وإذا قال الزوج: ليس حملك مني فلا لعان بينهما) ش: أي ولا يجب اللعان ولا الحد م: (وهذا) ش: أي عدم وجوب اللعان م: (قول أبي حنيفة وزفر) ش: وبه قال أحمد وأبو ثور، وهو قول الحسن البصري والشعبي والثوري وابن أبي ليلى م: (لأنه لا يتيقن بقيام الحمل) ش: لعله يكون ريحا م: (فلم يصر قاذفا) ش: فلا يكون موجبا للعان.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد: اللعان يجب بنفي الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة أولا.
وعن أبي يوسف يلاعن في الحال. وإنما قيد بقوله إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، لأنه إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يجب اللعان، لأنه لا يتيقن بوجود الحمل عند القذف م: (وهو معنى ما ذكر في الأصل) ش: أي قيده بمجيء الولد لأقل من ستة أشهر، لأنه إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يجب اللعان، لأنه لا يتيقن بوجود الحمل عند القذف.
م: (وهو معنى ما ذكر في الأصل) ش: أي قيده بمجيء الولد لأقل من ستة أشهر، ما ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في الأصل م: (لأنا تيقنا الحمل عنده) ش: أي عند القذف م: (فيتحقق القذف) ش: فهذا ونفيه بعد الولادة سواء، ولهذا ثبت حكم الإرث والوصية إذا ولدت لأقل من ستة أشهر بتيقن وجوده.(5/577)
قلنا: إذا لم يكن قذفا في الحال يصير كالمعلق بالشرط، فيصير كأنه قال: إن كان بك حمل فليس مني، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط. فإن قال لها: زنيت وهذا الحبل من الزنا تلاعنا لوجود القذف حيث ذكر الزنا صريحا، ولم ينف القاضي الحمل، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينفيه لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى الولد عن هلال وقد قذفها حاملا، ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه إلا بعد الولادة لتمكن الاحتمال قبله، والحديث محمول على أنه عرف قيام الحبل بطريق الوحي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قلنا: إذا لم يكن قذفا في الحال) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة، يعني إذا لم يكن قوله ليس حملك مني قذفا في الحال بالاحتمال م: (يصير كالمعلق بالشرط، فيصير كأنه قال: إن كان بك حمل فليس مني، والقذف لا يصح تعليقه بالشرط) ش: قبل وجود الشرط، ولا حاجة إلى إبقاء حكمه إلى وجود الشرط لعدم الحاجة إلى إيجاب الحد، لأن الحدود يحتال إلى درئها لا إلى إثباتها، بخلاف الإرث والوصية، فإنهما يتوقفان إلى انفصال الولد، ولا يتوقف القذف. وقيل إن هلال بن أمية قذف امرأته بنفي الحمل وقد لاعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهما. أجيب: بأنا لا نسلم أنه قذف امرأته بنفي الحمل، نعم أنه قذفها وهي حامل، وذلك لا يدل على قذفها بنفي الحمل، لأن الحديث قال إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته فذلك يدل على أنه كان قاذفا بصريح الزنا لا بنفي الحمل.
م: (فإن قال لها: زنيت وهذا الحمل من الزنا، تلاعنا لوجود القذف، حيث ذكر الزنا صريحا، ولم ينف القاضي الحمل. وقال الشافعي: ينفيه لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نفى الولد عن هلال، وقد قذفها حاملا) ش: وقد ذكرنا عن قريب حديث هلال بن أمية بتمامه.
م: (ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه) ش: أي على الحمل، يعني أن نفي الولد حكم من أحكامه والأحكام لا تترتب عليه م: (إلا بعد الولادة لتمكن الاحتمال قبله) ش: أي قبل انفصال الولد أو قبل حصول الولد. فإن قيل بل يترتب عليه قبل الولادة كالرد بالعيب والميراث والوصية به. وأجيب بأن اللعان في حق الزوج بمنزلة الحد، فلا يقام مع الشبهة، بخلاف الرد بالعيب، لأنه يثبت مع الشبهة والإرث والوصية يتوقفان على انفصاله، ولا ينفرد في الحال.
وحاصل الجواب أن قوله الأحكام لا تثبت يراد به بعضها ونفي الولد منها لئلا يلزم إقامة الحد مع قيام الشبهة م: (والحديث) ش: أي حديث هلال م: (محمول على أنه) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (عرف قيام الحبل بطريق الوحي) ش: بدليل أن في الحديث: إن جاءت به أصيهب الحديث إلى آخره، كما ذكرناه. ومثل ذلك لا يعرف إلا بطريق الوحي. ومن أصحابنا من قال: إن هلالا قذفها نصا، فإنه قال وجدت شريك بن سمحاء على بطنها يزني بها، ثم نفى الحمل بعد ذلك، وعندنا لو قذفها نصا لاعن، كذا في " المبسوط ". قال ابن الجوزي: إن أحمد أنكر لعان هلال بالحمل، فقال إنما لاعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جاء وشهد بالزنا ولو كان اللعان بالحمل لكان الحمل(5/578)
وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة أو في الحالة التي تقبل التهنئة وتبتاع آلة الولادة صح نفيه، ولاعن به، وإن نفاه بعد ذلك لاعن ويثبت النسب، هذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يصح نفيه في مدة النفاس، لأن النفي يصح في مدة قصيرة ولا يصح في مدة طويلة، ففصلنا بينهما بمدة النفاس، لأنه أثر الولادة، وله أنه لا معنى للتقدير، لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه مختلفة، فاعتبرنا ما يدل عليه، وهو قبوله، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منه منتفيا عن الزوج غير لاحق به اشتبه به أم لم يشتبه. وهكذا نقل عن محمد بن جرير بن أبي صفرة. وفي " شرح الكردي ": أجمع أصحابنا على أن النسب لا ينتفي، وهو حمل للشك في وجوده. وفي " البدائع" لا يقطع نسب الحمل قبل وضعه بلا خلاف بين أصحابنا.
[نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة]
م: (وإذا نفى الرجل ولد امرأته عقيب الولادة) ش: أي حين ولدته م: (أو في الحالة) ش: أي أو نفاه في الحالة م: (التي تقبل التهنئة) ش: على بناء المجهول برفع التهنئة، قال الجوهري: التهنئة خلاف التعزية، وتقول هنأته بالولادة تهنئة تهنيئا، وكل أمر آت من غير تعب فهو هنيء، ومنه كلوا هنيئا مريئا، وأصله مهموز اللام م: (وتبتاع) ش: على صيغة المجهول أي يشتري م: (آلة الولادة) ش: مثل الشد والقماط والشيء الذي يفرش تحت الولد حين يوضع، والأشياء التي يلف فيها الولد حين تضعه أمه م: (صح نفيه، ولاعن به، وإن نفاه بعد ذلك لاعن ويثبت النسب، هذا عند أبي حنيفة) ش: وهو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
اعلم أن اللعان يجري بينهما بنفي نسب الولد وإن طالت المدة، لأنه قذف زوجته بنفي الولد عن نفسه، لكن الولد هل ينتفي؟ فإن كان النفي بحضرة الولادة حين يولد أو بعد ذلك بيوم أو يومين أو نحو ذلك ينتفي. ولم يوقت أبو حنيفة فيه بشيء غير هذا.
وروى الحسن عنه أنه يصح نفيه إلى سبعة أيام.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد: يصح نفيه في مدة النفاس) ش: وعند الشافعي متى أمكن نفيه بالمرافعة على الحاكم، فلم ينفه لزمه نسبه، وهو قول أبي عبيدة وأبي ثور وابن المنذر. وقال مجاهد وشريح يجوز للزوج نفيه متى شاء. وقال الشعبي ومحمد وابن أبي ذئب وبعض أهل المدينة: لا ينتفي بنفيه، ولكن يجب به اللعان، واحتجوا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش» م: (لأن النفي يصح في مدة قصيرة ولا يصح في مدة طويلة، ففصلنا بينهما بمدة النفاس، لأنه أثر الولادة) ش: أي لأن النفاس أثر الولادة. وفي " المبسوط " مدة النفاس كحالة الولادة، بدليل أنها لا تصوم ولا تصلي فيها.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه لا معنى للتقدير، لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه) ش: أي في التأمل م: (مختلفة، فاعتبرنا ما يدل عليه) ش: أي على عدم النفي م: (وهو قبوله أو(5/579)
سكوته عند التهنئة، أو ابتياعه متاع الولادة، ومضي ذلك الوقت فهو ممتنع عن النفي، ولو كان غائبا ولم يعلم بالولادة، ثم قدم تعتبر المدة التي ذكرناها على الأصلين. قال: وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فنفى الأول واعترف بالثاني يثبت نسبهما، لأنهما توأمان خلقا من ماء واحد، وحد الزوج لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني، وإن اعترف بالأول ونفى الثاني يثبت نسبهما لما ذكرنا، ولاعن لأنه قاذف بنفي الثاني، ولم يرجع عنه، والإقرار بالعفة سابق على القذف فصار كما إذا قال: هي عفيفة، ثم قال: هي زانية وفي ذلك التلاعن، فكذا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سكوته عند التهنئة) ش: لأنه دليل الرضا م: (أو ابتياعه متاع الولادة، أو مضى ذلك الوقت فهو ممتنع، ش: أي والحال أن الزوج ممتنع م: (عن النفي) ش: بأن كان ساكتا. وفي " الشامل " أبو حنيفة لم يوقت، بل فوض إلى الإمام، قال وحكي عنه أنه اعتبر ثلاثة أيام، وروي عن سبعة أيام، لأن في هذه المدة يستعد للحقيقة، وإنما تكون الحقيقة بعد سبعة أيام. وفي " المبسوط " هذا ضعيف، لأن نصب المقدار بالرأي لا يكون. وروي عن محمد إذا هنئ بولد الأمة فسكت لم يكن قبولا، بخلاف ولد المنكوحة.
م: (ولو كان) ش: أي الزوج م: (غائبا ولم يعلم بالولادة، ثم قدم، تعتبر المدة التي ذكرناها على الأصلين) ش: أي أصل أبي حنيفة. وأصل أبي يوسف ومحمد فعلى أصل أبي حنيفة يجعل كأنها ولدته الآن، فله النفي في مقدار ما يقبل النسبية، وعلى أصلهما في مقدار مدة النفاس بعد القدوم، لأن النسب لا يلزم إلا بعد العلم به، فصارت حالة القدوم كحالة الولادة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فنفى الأول واعترف بالثاني يثبت نسبهما) ش: هذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر م: (لأنهما) ش: أي لأن الولدين م: (توأمان خلقا من ماء واحد) ش: التوأم يقال لكل واحد، وهو اسم لا يستحقه كل واحد وحده، وجمعه توائم، وهو اسم جمع وليس يجمع حقيقة م: (وحد الزوج لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني. وإن اعترف بالأول ونفى الثاني يثبت نسبهما لما ذكرنا) ش: أي كذب نفسه م: (ولاعن لأنه قاذف بنفي الثاني ولم يرجع عن) ش: أي عن النفي م: (والإقرار بالعفة سابق) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يحد لأنه أكذب نفسه بعد القذف، لأن الإقرار الأول بثبوت النسب باق بعد نفي الثاني، فيعتبر قيام الإقرار بعد القذف بابتداء الإقرار، ولو وجد الإقرار بعد النفي يثبت الإكذاب، فيجب الحد فكذا هذا.
فأجاب بقوله: والإقرار بالعفة سابق م: (على القذف) ش: حقيقة، والاعتبار بالحقيقة م: (فصار كما إذا قال هي عفيفة، ثم قال: هي زانية وفي ذلك التلاعن) ش: أي واجب م: (فكذا هذا) ش: أي فكذا حكم هذا حكم ذلك. وفي " المحيط " و " المبسوط ": فلو نفاهما ثم مات أحدهما أو قتل لزماه. وفي " مختصر الكرخي ": لا يجب اللعان عند أبي يوسف ويجب عند(5/580)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
محمد. ولو ولدت أحدهما ميتا فنفاهما لاعن بالاتفاق، ولزمه الولدان. ولو ولدت ولدا فنفاه ولاعن ثم ولدت آخر بيوم لزماه. وفي " النوادر " عن أبي حنيفة رواه الحسن عنه أن امرأة جاءت بثلاثة أولاد في بطن فنفى الثاني وأقر بالأول والثالث يلاعن وهم بنوه. ولو نفى الأول والثالث وأقر بالثاني يحد وهم بنوه.
"وفي " المغني " التوأمان يكون بينهما أقل من شهر، ومثله عن مالك. وإذا ولدت فسكت لم يكن له نفيه بعد ذلك، وهو قول الشافعي، وقال ابن قدامة: وما ذكره أبو حنيفة يبطل بخيار الرؤيا لعيب، يعني أنه يبطل بالسكوت، ونقله عنه غلط، وذلك مذهب الناقل ويبطل مذهبه بالحمل، فإنه لا يبطل بالسكوت.
ولو هنئ به فأمن على دعائه لزمه، وكذا إن قال: أحسن جزاءك أو بارك الله فيك، أو رزقك الله مثله لزمه الولد، وكذا عندنا وعند الشافعي لا يلزمه. وكل موضع لزمه الولد لا يكون له نفيه بعد ذلك عند الأئمة الأربعة وأصحابهم.
ولو قال: ليس هذا الولد مني أو ليس ولدي، ولم يذكر زناها فلا حد ولا لعان. وكذا لو قال: أكرهت على الزنا لا حد ولا لعان.
وفي " المحيط " أو نفى ولد زوجته وهما في اللعان لا ينتفي، وإن كانت كتابية أو أم ولد ثم أعتقت أو أسلمت ثم وضعت لا يصح نفيه. ولو ولدت بعد اللعان إلى سنتين لزمه الولد، وإن لم يكن عليها عدة يلزمه ما بينه وبين ستة أشهر، لأنه مطلق حكما ولو لاعنها بولد ثم ولدت إلى سنتين لزمه، لأنها معتدة ويقبل شهادته عليها بالزنا مع ثلاثة، وفيه خلاف الأئمة الثلاثة. ولو قذفها ثم شهد مع الثلاثة بالزنا لا تقبل، لأنه سقط عنه اللعان الواجب عليه. ولو شهد ثلاثة غير عدول فلا حد ولا لعان على المشهور. ولو قذف امرأة رجل بالزنا فقال الزوج: صدقت لم يكن على الزوج المصدق حد ولا لعان إلا أن يقول: صدقت هي كما قلت: فيكون قاذفا، ولو عين الذي رماها به وطلب الرجل حد القذف يحد له عندنا به. وقال الشافعي ومالك: لا يحد. وفي " الروضة ": زنت قبل تفريق القاضي بعد التلاعن يسقط اللعان عند أبي حنيفة، وحل له وطؤها.
ولو أقام الرجل البينة على صدقه سقط عنه اللعان وحدت، وهو قول الظاهرية وقال مالك: يلاعن. وقال الشافعي: يلاعن إن كان معها ولد وإلا لا، ولا لعان في البائن لا في العدة ولا في غيرها عندنا ويحد، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك والثوري وأهل الحجاز وأهل العراق، وبعد اللعان يجب لها نصف الصداق عندنا، وبه قال مالك وسعيد بن جبير وقتادة والحسن، وقال حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة يجب لها المهر الكامل.(5/581)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الزهري: لا صداق لها. وقلنا: التفريق بينهما طلاق قبل الدخول، فيجب نصف المهر.
فروع أخرى: "في المبسوط " لو مات ولد الملاعنة عن مال فادعى الملاعن لا يثبت نسبه ويضرب الحد. وإن ترك ابنا وبنتا يثبت نسبه من الأب وورثه الأب. ولو كان الولد الميت فشاركها ولد فأكذب نفسه يثبت عند أبي حنيفة، خلافا لهما. وقيل: الخلاف على العكس.
وفي " جوامع الفقه " مات الشاهدان أو غابا بعدما شهدا لا يقضى باللعان. وفي المال يقضى بخلاف ما لو عميا أو فسقا أو ارتدا حيث يلاعن بينهما، والوطء الحرام بشبهة أو نكاح فاسد يسقط إحصانها، خلافا لأبي يوسف، ثم رجع وقال: هو ملحق بالوطء الحلال في ثبوت النسب ووجوب العدة، ولا لعان في النكاح الفاسد ولا في الوطء الحلال في ثبوت النسب ووجوب العدة، ولا لعان في النكاح الفاسد ولا في الوطء بشبهة عندنا. وقال الشافعي وأحمد: يجب اللعان فيهما إذا كان ينفي الولد. وعند أبي يوسف فيه الحد واللعان لإلحاقهما بالنكاح الصحيح. ولو قذفها ثم طلقها ثلاثا سقط اللعان ولا يجب الحد، وكذا لو تزوجها بعد ذلك لأن الساقط لا يعود، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد لو أقر به بعد الاستبراء يلزمه. وأجمعوا أنه لا لعان في النكاح الفاسد بغير ولد. ولو تلاعنا لا يثبت التحريم المؤبد في وجه عند الحنابلة وقذف المبانة وأضافها إلى حال قيام النكاح، وبينهما ولد يريد نفيه يلاعن ولا حد ولا لعان عند الشافعي ومالك. وعندنا يحد ولا لعان، وهو قول عطاء، ويروى عن الحسن وعثمان البتي، وهو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولو قذف مطلقته الرجعية يلاعن، وبه قال النخعي والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والظاهرية، وهو قول ابن عمر وجابر بن زيد. وقال ابن عباس: ولا لعان. وفي " جوامع الفقه " قال: قذفتك بعد أن أتزوجك أو زنيت قبل أن أتزوجك فهو قاذف في الحال يلاعن.
وقال الشافعي ومالك: يحد. ولو قذفها ثم زنت أو وطئت حراما لا حد ولا لعان عندنا، وبه قال الشافعي. ولو فرق القاضي بعد التعانهما ثلاثا خطأ نفذ تفريقه عندنا، وعند زفر، وبقية الأئمة لا ينفذ، ولو بدأ بلعان المرأة فقط أخطأ ولا يجب إعادته، وبه قال مالك.
وقال الشافعي وأحمد: يجب إعادته ويسقط اللعان بردتها، ولو أسلمت بعدها لا يعود.
وفي " الذخيرة " قذفها بنفي ولدها فلم يتلاعنا حتى قذفها أجنبي بالولد، فحد الأجنبي يثبت نسب الولد ولا ينتفي بعد ذلك، لأن حد قاذفها حكم بكذبه.(5/582)
باب العنين وغيره وإذا كان الزوج عنينا أجله الحاكم سنة، فإن وصل إليها فيها، وإلا فرق بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العنين وغيره]
[الحكم إذا كان الزوج عنينا]
م: (باب العنين وغيره) ش: أي هذا باب في بيان أحكام العنين. ولما ذكر أحكام الأصحاء المتعلقة بالنكاح والطلاق شرع في بيان أحكام من به مرض له تعلق بالنكاح والطلاق، لأن حكم من به العوارض بعد ذكر حكم الأصحاء، والعنين من لا يقدر على إتيان النساء من عن إذا حبس في العنة، وهي حظيرة الإبل، أو من عن إذا عرض لأنه يعن يمينا وشمالا ولا يقصد. وقيل سمي العنين عنينا لأن ذكره يسترخي، فيعن يمينا وشمالا ولا يقصد للمأتى من المرأة، وجمع العنين عنيين.
وفي " البصائر " يقال: فلان عنين بين العنيين، ولا يقال بين العنة. وكذا في " المغرب " وغيره.
وفي قاضي خان والمرغيناني العنين من لا يصل إلى النساء مع قيام الآلة، ولو كان يصل إلى الثيب دون البكر أو إلى بعض النساء دون البعض، وذلك لمرض به، أو لضعف في خلقته أو لكبر سنه أو سحر فهو عنين في حق من لا يصل إليها لفوات المقصود في حقها، هكذا ذكره الأسبيجابي وقال: السحر له حقيقة وتأثير عند أهل السنة.
وعند الهندواني يؤتى بطست فيه ماء بارد فيجلس العنين فيه إن كان عضوه يئول إلى النقصان ويتردى علم أنه لا عن فيه، وإن كان لا يئول ولا ينزوي علم أنه عنين. وفي " المغني " العنين العاجز عن الإيلاج مأخوذ من عن، أي إذا اعترض.
وفي " المحيط" آلة قصيرة لا يمكنه إدخالها داخل الفرج لا حق لها في المطالبة بالتفريق.
وفي " الجواهر ": العنين من لا ينتشر ذكره، وهو كالأصبع في البدن لا ينقبض ولا ينبسط. قوله: كالمجبوب المقطوع أكثر ذكره والخصي.
م: (وإذا كان الزوج عنينا أجله الحاكم سنة) ش: أي بعد طلبها، وابتدأ التأجيل من وقت الخصومة يؤجل سنة، وعليه فتوى فقهاء الأمصار كأبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وأصحابه، ومالك وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وهو قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة وسعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة وإبراهيم النخعي وسفيان وعبد الرحمن الأوزاعي وإسحاق لا يؤجل ستة أشهر في العبد. وعنه وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعن مالك يؤجل ستة أشهر في العبد. وعنه وعن ابن المسيب لو كانت حديثة العهد يؤجل خمسة أشهر. وعند عبد الله بن نوفل يؤجل عشرة أشهر.
م: (فإن وصل إليها فيها) ش: فلا كلام م: (وإلا) ش: أي وإن لم يصل إليها م: (فرق بينهما(5/583)
إذا طلبت المرأة ذلك، هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ولأن الحق ثابت له في الوطء، ويحتمل أن يكون الامتناع لعلة معترضة ويحتمل لآفة أصلية، فلا بد من مدة معرفة ذلك، وقدرناها بالسنة لاشتمالها على الفصول الأربعة، فإذا مضت المدة ولم يصل إليها تبين أن العجز بآفة أصلية ففات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا طلبت المرأة ذلك) ش: أي التفريق، لأن الحق لها م: (هكذا روي عن عمر وعلي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -) ش: أما الرواية عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قضى عمر بن الخطاب في العنين أن يؤجل سنة.
قال معمر: وبلغني أن التأجيل من يوم تخاصمه. وروى محمد بن الحسن الشيباني في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة حدثنا إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عمر بن الخطاب أن امرأة أتته فقالت: إن زوجها لا يصل إليها، فأجله حولا، فلما انقضى حول ولم يصل إليها خيرها فاختارت نفسها، ففرق عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بينهما، وجعلها تطليقة بائنة. وأما الرواية عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجها ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن خالد بن كثير عن الضحاك عن علي يؤجل العنين سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما.
وأما الرواية عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأخرجها ابن أبي شيبة أيضا حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن الربيع بن عميلة عن أبيه عن حصين بن قبيصة عن عبد الله بن مسعود قال: يؤجل العنين سنة، فإن جامع وإلا فرق بينهما.
م: (ولأن الحق ثابت لها في الوطء، ويحتمل أن يكون الامتناع لعلة معترضة) ش: من رطوبة أو برودة فيداوى بما يضاده، أو من يبوسته فكذلك م: (ويحتمل لآفة أصلية) ش: يعني في أصل الخلقة م: (فلا بد من مدة معرفة ذلك) ش: يعني أن الآفة أصلية أو معترضة م: (وقدرناها) ش: أي قدرنا مدة التأجيل م: (بالسنة لاشتمالها على الفصول الأربعة) ش: أي لاشتمال السنة على أربعة فصول، الربيع وهو ما إذا كانت الشمس في الحمل والثور والجوزاء، وهو حار رطب على طبيعة الهواء. والثاني الصيف، وهو ما إذا كانت الشمس في السرطان والأسد والسنبلة، وهو حار يابس على طبيعة النار. والثالث الخريف، وهو ما إذا كانت الشمس في الميزان والعقرب والقوس، وهو بارد يابس مثل طبيعة الأرض. والرابع الشتاء، وهو ما إذا كانت الشمس في الجدي والدلو والحوت، وهو بارد رطب على طبيعة الماء.
م: (فإذا مضت المدة) ش: أي السنة م: (ولم يصل إليها تبين أن العجز بآفة أصلية، ففات(5/584)
الإمساك بالمعروف، ووجب عليه التسريح بالإحسان. فإذا امتنع ناب القاضي منابه ففرق بينهما، ولا بد من طلبها لأن التفريق حقها وتلك الفرقة تطليقة بائنة، لأن فعل القاضي أضيف إليه فكأنه طلقها بنفسه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو فسخ. لكن النكاح لا يقبل الفسخ عندنا، وإنما تقع بائنة لأن المقصود - وهو رفع الظلم عنها - لا يحصل إلا بها لأنها لو لم تكن بائنة تعود معلقة بالمراجعة. ولها كمال مهرها إن كان خلا بها، فإن خلوة العنين صحيحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإمساك بالمعروف، ووجب عليه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع) ش: من المفارقة م: (ناب القاضي منابه، ففرق بينهما) ش: دفعا للظلم، لأن القاضي هو انتصب لدفع الظلم م: (ولا بد من طلبها، لأن التفريق حقها) ش: فإذا اختارت نفسها بعد مضي المدة فهل تقع الفرقة من غير تفريق الحاكم، أم يحتاج إلى التفريق، فيه اختلاف الرواية عن أصحابنا فقال صاحب المختلف: فإن اختارت نفسها بانت منه في ظاهر الرواية، ثم قال: روى الحسن عن أبي حنيفة أنها إذا اختارت نفسها فرق القاضي بينهما ولا تقع الفرقة من غير تفريق.
كذا ذكر الإمام الأسبيجابي أيضا في " شرح الطحاوي ".
وقال التمرتاشي: لو سأل الزوج القاضي بعد السنة أن يؤجل سنة أخرى أو شهرا أو أكثر لا يفعل ذلك إلا برضاها، فإذا رضيت ثم رجعت فلها ذلك، ويبطل الأجل. ولو وجدته عنينا ولم يخاصم زمانا لم يبطل حقها، لأن ذلك قد يكون للتجربة والامتحان لا للرضى.
م: (وتلك الفرقة تطليقة بائنة) ش: وبه قال مالك والثوري وقال الشافعي وأحمد: فسخ لأنه فرقة من جهتها، والقياس على الجب، قاله الماوردي من أصحابه. ولنا الفرقة من جهته م: (لأن فعل القاضي أضيف إليه) ش: أي إلى الزوج لامتناعه عن الإمساك بالمعروف، والفرقة بالطلاق مشروعة بكتاب الله تعالى أو الإجماع، والفسخ مختلف فيه، فالحمل بالجمع أولى ولا يستقيم قياسه على الجب، لأن الجب كالعنة، فيكون قياس المختلف على المختلف م: (فكأنه طلقها بنفسه) ش: أي فكأن الزوج طلقها بنفسه لإضافة فعل القاضي إليه.
م: (وقال الشافعي: هو فسخ) ش: أي تفريق القاضي بينهما فسخ للنكاح م: (لكن النكاح لا يقبل الفسخ عندنا) ش: يعني بعد تمام العقد، أما قبل تمام العقد فيقبل ذلك كما في خيار البلوغ وخيار العتاقة، لأن ذلك امتناع من تمام العقد، م: (وإنما تقع) ش: أي الفرقة م: (بائنة، لأن المقصود - وهو رفع الظلم عنها - لا يحصل إلا بها) ش: أي بالبائنة م: (لأنها) ش: أي لأن الفرقة م: (لو لم تكن بائنة تعود معلقة بالمراجعة) ش: وهي التي لا تكون ذات زوج ولا مطلقة. أما الأول فلفوات المقصود، وهو الوطء. وأما الثاني فلأنها تحت زوج فلا يحصل حينئذ رفع الظلم، وهو المقصود من فرقة العنين.
م: (ولها كمال مهرها إن كان خلا بها، فإن خلوة العنين صحيحة) ش: قيد به لأنه لو لم يكن(5/585)
وتجب العدة لما بينا من قبل، هذا إذا أقر الزوج أنه لم يصل إليها.
ولو اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها، فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة. ثم إن حلف بطل حقها، وإن نكل يؤجل سنة، وإن كانت بكرا نظر إليها النساء فإن قلن: هي بكر أجل سنة لظهور كذبه، وإن قلن: هي ثيب يحلف الزوج، فإن حلف لا حق لها، وإن نكل يؤجل سنة، وإن كان مجبوبا فرق بينهما في الحال إن طلبت، لأنه لا فائدة في التأجيل، والخصي يؤجل كما يؤجل العنين لأن وطأه مرجو. وإذا أجل العنين سنة وقال: قد جامعتها وأنكرت نظر إليها النساء، فإن قلن: هي بكر خيرت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خلا بها يلزم نصف المهر. وقال الشافعي: لا يجب شيء من المهر ولا النفقة لأنه فسخ عنده م: (وتجب العدة) ش: بالإجماع م: (لما بينا من قبل) ش: يعني في باب المهر م: (هذا) ش: أي تأجيل العنين سنة، والتفريق بعد السنة م: (إذا أقر الزوج أنه لم يصل إليها) ش: يعني كان مقرا بها في الأول.
[اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها]
م: (ولو اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها) ش: فقال الزوج: وصلت وقالت المرأة: لم يصل إلي م: (وإن كانت) ش: أي المرأة م: (ثيبا فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة) ش: أي سلامة الآلة في أصل الخلقة. وقال زفر وابن أبي ليلى القول قولها م: (ثم إن حلف بطل حقها) ش: فلا يبقى لها خيار م: (وإن نكل) ش: عن اليمين م: (يؤجل سنة. وإن كانت بكرا نظر إليها النساء، فإن قلن هي بكر أجل سنة لظهور كذبه، وإن قلن: هي ثيب يحلف الزوج، فإن حلف لا حق لها، وإن نكل يؤجل سنة) : بعد ذلك والواحدة في النظر تكفي، والاثنتان أحوط. وفي البدائع أوثق. وفي الأسبيجابي أفضل.
ثم كيف يعرف أنها بكر أو لا. قالوا: تدفع في فرجها أصغر بيضة من بيض الدجاج، فإن دخلت بلا عنف فهي ثيب وإلا فبكر. وقيل: إن أمكن بها أن تبول على الجدار فبكر وإلا فثيب.
وفي " شرح الطحاوي " إذا وقع الشك للنساء في أمرها يفعل ذلك. وعن أحمد في الثيب يقال له أخرج المني، فإن أخرجه وقالت: ليس بمني يمتحن بالنار، فإن تصادقا على أنه مني يخرج به عن العنة، لأن الغالب عدم خروج مني العنين.
م: (وإن كان مجبوبا) ش: أي وإن كان الزوج مجبوبا وهو الذي استؤصل ذكره وخصيتاه، من الجب وهو القطع م: (فرق بينهما في الحال إن طالبت المرأة، لأنه لا فائدة في التأجيل) ش: لأنه لا يرجى منه الوصول م: (والخصي) ش: من خصيت الفحل خصاء ممدوا إذا سللت خصيتيه، والجمع خصيان وخصية م: (يؤجل كما يؤجل العنين، لأن وطأه مرجو) ش: فإن حكمه حكم العنين.
م: (وإذا أجل العنين سنة وقال: قد جامعتها وأنكرت نظر إليها النساء، فإن قلن: هي بكر خيرت) ش: أي يخيرها القاضي بدون يمينها، فلو اختارت الفرقة فرق القاضي بينهما، هكذا ذكر محمد(5/586)
لأن شهادتهن تأيدت بمؤيد، وهي البكارة، وإن قلن: هي ثيب حلف الزوج فإن نكل خيرت لتأيدها بالنكول وإن حلف لا تخير، وإن كانت ثيبا في الأصل فالقول قوله مع يمينه، وقد ذكرناه فيما مضى، فإن اختارت زوجها لم يكن لها بعد ذلك الخيار، لأنها رضيت ببطلان حقها، وفي التأجيل تعتبر السنة القمرية وهو الصحيح، ويحتسب بأيام الحيض وبشهر رمضان لوجود ذلك في السنة، ولا يحتسب بمرضه ومرضها، لأن السنة قد تخلو عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الأصل. وفي " المنتقى ": لو اختارت نفسها بانت منه، فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى قضاء القاضي لوقوع الفرقة م: (لأن شهادتهن) ش: أي شهادة النساء م: (تأيدت) ش: أي تقوت م: (بمؤيد) ش: على وزن اسم الفاعل م: (وهي البكارة) ش: أي المؤيدة لشهادتهن هي البكارة، إذ البكارة هي الأصل م: (وإن قلن هي ثيب حلف الزوج، فإن نكل) ش: أي عن اليمين م: (خيرت لتأيدها بالنكول) ش: أي لتأييد دعوى المرأة بنكول الزوج. فإن اختارت الزوج أو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي، أو أقام القاضي قبل أن تختار شيئا بطل خيارها، لأن هذا بمنزلة تخيير الزوج امرأته، وذلك موقت بالمجلس، فهذا مثله. فإن اختارت نفسها في المجلس يؤمر الزوج بالتفريق، فإن أبى فرق القاضي م: (وإن حلف لا تخير) ش: لبطلان حقها.
م: (وإن كانت ثيبا في الأصل فالقول قوله مع يمينه، وقد ذكرناه فيما مضى) ش: وهو قوله فالقول قوله مع يمينه، لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة، والأصل هو السلامة في الجبلة م: (فإن اختارت زوجها لم يكن لها بعد الخيار، لأنها رضيت ببطلان حقها. وفي التأجيل تعتبر السنة القمرية وهو الصحيح) ش: أطلق محمد في الأصل، ولم يقيد بالقمرية ولا بالشمسية.
قال في " شرح الطحاوي ": ويعتبر سنة قمرية بالأهلة في ظاهر الرواية. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يعتبر سنة شمسية وهو الصحيح، لأن المنطوق هو السنة، والسنة تنصرف إلى القمرية مطلقا، وهي أقل من الشمسية، وهي تزيد على القمرية بأيام. وذهب السرخسي في " شرح الكافي " إلى رواية الحسن أخذا بالاحتياط. وقال الولوالجى في "فتاواه": العنين يؤجل سنة قمرية لا شمسية بأحد عشر يوما. وذكر الحلواني الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وجزء من مائة وعشرين جزاء من اليوم. والقمرية ثلاثمائة يوم وأربعا وخمسون يوما. م: (ويحتسب) ش: أي المدة م: (بأيام الحيض وشهر رمضان) ش: يعني لا يعوض عن أيام الحيض وشهر رمضان الواقعة في مدة التأجيل، وذلك لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قدروا مدة التأجيل سنة ولم يستثنوا منها أيام الحيض وشهر رمضان مع علمهم أن السنة لا تخلو عنها م: (لوجود ذلك في السنة) : ش: أي لوجود ما ذكر من أيام الحيض.
وشهر رمضان في السنة م: (ولا يحتسب بمرضه ومرضها) ش: أي لا تحتسب المدة بسبب مرضه ومرضها م: (لأن السنة قد تخلو عنه) ش: أي المرض، يعني لا يكون زمان المرض محسوبا(5/587)
وإذا كان بالزوجة عيب فلا خيار للزوج وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ترد بالعيوب الخمسة: وهي الجذام، والبرص، والجنون، والرتق، والقرن، لأنها تمنع الاستيفاء حسا أو طبعا، والطبع مؤيد بالشرع، قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في مدة التأجيل قليلا كان المرض أو كثيرا، بل يعوض ذلك من أيام أخر، وعن أبي يوسف إذا مرض أحدهما مرضا لا يستطيع الجماع معه، فإن كان أقل من نصف شهرا احتسب عليه، وإن كانت أكثر لم يحتسب عليه.
وفي " البدائع ": روى ابن سماعة عن أبي يوسف إن صح في السنة يوما أو يومين احتسب عليه. وفي رواية عنه أن ما فوق الشهر كثير لا يحتسب. وفي رواية عنه أن مدة الكثرة السنة. وفي رواية عنه أكثر السنة. وعن محمد لو مرض في السنة يؤجل مقدار مرضه، وعليه الفتوى. وعن أبي يوسف لو حجت أو هربت أو غابت لا يحتسب على الزوج، لأنه من جهتها. ولو حج هو أو غاب احتسب عليه. ولو حبس وامتنعت من المجيء إلى السجن لم يحتسب عليه مدة الحبس، كذا لو حبسه القاضي بمهرها، ولم يحضرها. وإن لم يمتنع، وكان في السجن موضع خلوة احتسب عليه، وإن لم يكن وطأها فيه لم تحتسب، قال محمد: إن كان محرما يؤجل بعد إحرامه. ولو رافعته وهو مظاهر فتعتبر المدة من حين المرافعة إن كان قادرا على الإعتاق. وإن كان عاجزا عنه أمهله شهرين لعدم القدرة على الجماع فيها. ولو ظاهر بعد التأجيل لا يلتفت إليه ولم يزد على المدة.
[كان بالزوجة عيب]
م: (وإذا كان بالزوجة عيب) ش: أي عيب كان م: (فلا خيار للزوج) ش: وبه قال عطاء والنخعي وعمر بن عبد العزيز وأبو قلابة وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري وأبو سليمان الخطابي وداود الظاهري. وفي " المبسوط ": وهو مذهب علي وابن مسعود م: (وقال الشافعي: ترد بالعيوب الخمسة، وهي الجذام) ش: وهو علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء م: (والبرص) ش: وهو بياض يظهر في البدن، ويكون في بعض الأعضاء دون بعض وربما يكون في سائر الأعضاء، حتى يكون ظاهر البدن كله أبيض، وسببه سوء مزاج العضو إلى البرودة وغلبة البلغم م: (والجنون) ش: وهو زوال العقل م: (والرتق) ش: وهو مصدر من قولك: امرأة رتقاء بينة الرتق لا يستطاع جماعها بأن لا يكون لها نقب سوى المبال م: (والقرن) ش: بسكون الراء، هو مانع يمنع من سلوك الذكر في الفرج من عظم أو غيره.
م: (لأنها) ش: أي لأن هذه العيوب م: (تمنع الاستيفاء حسا) ش: أي من حيث الحس في القرن والرتق م: (أو طبعا) ش: أي أو من حيث الطبع في الجذام والبرص والجنون، لأن الطباع السليمة تنفر من جماع هؤلاء، وربما يسري إلى الأولاد م: (والطبع مؤيد بالشرع) ش: أي يمنع الاستيفاء من حيث الطبع، وقد تأيد بالشرع حيث ورد فيه الامتناع منه، أشار إليه بقوله م: (قال(5/588)
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» . ولنا أن فوت الاستيفاء أصلا بالموت لا يوجب الفسخ، فاختلاله بهذه العيوب أولى. وهذا لأن الاستيفاء من الثمرات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فر من المجذوم فرارك من الأسد") » ش: هذا الحديث أخرجه البخاري تعليقا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد".»
وقال الكاكي ناقلا عن ابن حزم: هذا الحديث غير صحيح لأنه لا يجب على أحد أن يفر من المجذوم، ويجوز الجلوس عنده، ويثاب على تمريضه وخدمته والقيام بمصالحه، ولهذا لو حدث ذلك بعد سنين لا ينفسخ النكاح.
فإن قلت: استدل الشافعي أيضا «بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج امرأة من بني بياضة فوجد بكشحها بياضا فردها، وقال: "دلستم علي» .
قلت: أجاب الأترازي عن هذا بأن المراد من رد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الرد بالطلاق، وقال الكاكي: هو رواية جميل بن زيد عن زيد بن كعب بن عجرة وهو متروك، وزيد مجهول، لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد.
فإن قيل: روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الرد بالجنون والجذام والبرص. قال الكاكي: هذه رواية مكذوبة من طريق عبد الله بن حبيب، وهو مالكي، وقال الأترازي: معناه الرد بالطلاق.
م: (ولنا أن فوت الاستيفاء أصلا بالموت لا يوجب الفسخ، واختلاله بهذه العيوب أولى) ش: أي فوت الاستيفاء بالكلية بموت أحد الزوجين لا يوجب الفسخ، حتى لا يسقط شيء من المهر، قوله: فاختلاله. أي فاختلال الاستيفاء بهذه العيوب المذكورة أولى أنه لا يوجب الفسخ، لأن الاستيفاء ها هنا يتأتى، ومقصود النسل يحصل غير أنه يوجب نفرة طبيعية، وإذا لا يوجب الرد كالبخر والقروح الفاحشة، قيل: فيما قاله المصنف ضعف، لأن النكاح يتوقف بحياتهما.
م: (وهذا) ش: أي كون هذه العيوب لا توجب الفسخ م: (لأن الاستيفاء) ش: أي الوطء م: (من الثمرات) ش: أي ثمرات النكاح وفوات الثمرة لا يؤثر في عقد النكاح، ألا ترى أنه لو لم(5/589)
والمستحق هو التمكن، وهو حاصل.
وإذا كان بالزوج جنون، أو برص أو جذام، فلا خيار لها، عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لها الخيار دفعا للضرر عنها، كما في الجب والعنة، بخلاف جانبه، لأنه متمكن من دفع الضرر بالطلاق، ولهما أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج، وإنما يثبت الخيار في الجب والعنة، لأنهما يخلان بالمقصود المشروع له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يستوف لبخر أو دفر أو قروح فاحشة لم يكن له حق الفسخ فيها م: (والمستحق هو التمكن) ش: أي المستحق بالعقد هو التمكن من الوطء م: (وهو) ش: أي التمكن من الوطء م: (حاصل) ش: في جميع الصور.
وأما في الجذام والبرص والجنون فظاهر، وأما في الرتق والقرن فبالفتق والشق، ولا يرد الفسخ لعدم الكفاءة وخيار البلوغ، لأن ذلك فسخ قبل تمام العقد، وذلك امتناع من تمام العقد وكذلك الفسخ بخيار العتاقة، لأن ذلك امتناع من ازدياد الملك عليها قبل التمام والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ألا ترى أنه لا يحتمل الفسخ بالإقالة، فلا يفسخ بهذه العيوب، كما لا يفسخ بالعيوب الأخر من الزمانة والجرب والبخر والدفر والعمى والشلل.
قال ابن حزم في " المحلى ": أما المالكيون والشافعيون فقد خصوا الرد بالعيوب المذكورة، فبطل قياسهم بالبيع، فكيف يشبه بالنكاح البيع والبيع خلافه، فإنه نقل ملك الرقبة ولا نقل في النكاح، والنكاح يصح من غير ذكر بدل، والبيع لا يصح، وقالوا: لا تطيب النفس بجماع برصاء ولا مجذومة، ولا يقدر على جماع الرتقاء والقرنا، وإنما يزوجهما للوطء.
قلنا: طيب النفس على الجماع ليس بشرط، فإن نكاح العجوزة الشوهاء الصماء البكماء العمياء عمرها مائة سنة أو مريضة بالدق والسل لا براء منه عند الأطباء يجوز، وهذا مما لا شك فيه من العقلاء لما أمر الله تعالى به وهو الإمساك بالمعروف أو تسريح بإحسان، ولم يأت ظن صحيح فيما لا يتوقف عنده.
[كان بالزوج جنون أو برص أو جذام]
م: (وإذا كان بالزوج جنون، أو برص، أو جذام، فلا خيار لها، عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: لها الخيار) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد م: (دفعا للضرر عنها، كما في الجب والعنة) ش: أي كما كان لها الخيار في الجب والعنة، فتخير دفعا للضرر عنها، حيث لا طريق لها سواه، م: (بخلاف جانبه) ش: أي جانب الزوج م: (لأنه متمكن من دفع الضرر بالطلاق) ش: لأن بالطلاق يندفع الضرر عنه.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج) ش: برفع النكاح م: (وإنما يثبت الخيار في الجب والعنة لأنهما بخلاف المقصود المشروع له(5/590)
النكاح، وهذه العيوب غير مخلة به فافترقا، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح) ش: أي المقصود الذي شرع النكاح لأجله، وذلك المقصود هو الوطء لا شرعية النكاح لأجل الوطء م: (وهذه العيوب غير مخلة به) ش: أي بالوطء م: (فافترقا) ش: أي افترق المقيس وهو الجنون والجذام والبرص والمقيس عليه وهو الجب والعنة.
فإن قيل: جعل المصنف الوطء فيما إذا كان بالمرأة من العيوب الخمسة من الثمرات، ولم يثبت له خيار الفسخ، وفي مسألة الجب والعنة جعل المقصود المشروع له النكاح، ويلزم من ذلك أن يكون المقصود المشروع له النكاح، وأن لا يكون ذلك باعتبار الموضعين، وهو تحكم.
أجيب: بأن هذا السؤال نشأ من تفسير المشروع له النكاح بالوطء، وليس ذلك بمراده، وإنما المراد به التمكن، وهما يخلان به، بخلاف العيوب الثلاثة، والله أعلم.(5/591)
باب العدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العدة]
[عدة الحرة]
م: (باب العدة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام العدة، ولما كان أثر الفرقة بالطلاق وغيره أعقبها بذكر وجوه التفريق في باب على حدة، لأن الأثر يعقب المؤثر.
والعدة في اللغة أيام أقراء المرأة، وفي الشريعة تربص يلزم المرأة عند زوال ملك المتعة متأكدا بالدخول أو الخلوة أو الموت، وقيل: هي عبارة عن تربص المرأة بعد زوال النكاح أو شبهة، ويقال عددت الشيء أعده، أي أحصيته، قال الله تعالى {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] (الطلاق: الآية 1) والعدة بالضم الاستعداد والتهيؤ للأمر، والعدة أيضا ما أعددته لحوادث الدهر من المال والصلاح، والعدة بالفتح اسم للمرة من العدد، وفي "المنافع" العدة بمعنى المعدود، وسمى زمان التربص بها لأنها تعد الأيام المضروبة عليها في الشرع.
وسبب العدة نكاح متأكد بالدخول أو بالموت، وركنها حرمات ثابتة إلى أجل وهي تكون بشهور وحيض ووضع حمل، وشرطه الفرقة بطلاق غيره، وحكمها عدم جواز الغير وأختها وأربع سواها، وما يجري مجراها، ومحظوراتها كالزينة والتطيب في المبانة والخروج عن البيت عموما.
والعدة على أربع عشر وجها، عدة بثلاث قروء، وهي عدة الحر المطلقة ذات الحيض، وعدة بثلاث أشهر وهي عدة الحرة المطلقة التي لا تحيض صغيرة كانت أو كبيرة، وعدة بأربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة المتوفى عنها زوجها، وعدة بشهرين وخمسة أيام، وعدة الأمة المتوفى عنها زوجها، وعدة بثلاث حيض وأربعة أشهر وعشرة أيام، هي تتصور في أربع مواضع، فيمن طلق زوجته الحرة طلاقا بائنا، وهو مريض ثم مات في عدتها ترث عنه، أو كانت له امرأتان أو ثلاث أو أربع، فقال: إحداكن طالق، فمات قبل البيان يجب على كل واحدة منهن أربعة أشهر وعشر، فيستكمل فيها ثلاث حيض، وأم ولد لرجل هي منكوحة لآخر فمات المولى والزوج، وبين موتها شهران وخمسة أيام ولا يعلم أيهما مات أولا فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام فتستكمل فيها ثلاث حيض.
وإن لم يعلم أن بين موتها كم كان ولا من مات أولا فعدتها أربعة أشهر وعشر تستكمل فيها ثلاث حيض عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة: عدتها أربعة أشهر وعشر لا حيض فيها، وكذلك إن علم أن بين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام فعدتها أربعة أشهر وعشر لا حيض فيها بلا خلاف، وإن مات المولى أولا وهي تحت زوج أو في عدة منه من طلاق رجعي ثم مات الزوج فتعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت العدة من طلاق بائن لا تلزمها عدة الوفاة. وعدة بوضع الحمل، وهي عدة الطلاق والوفاة والعتاق بوضع الحمل إذا كانت حاملا.(5/592)
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق، وهي حرة ممن تحيض، فعدتها ثلاثة أقراء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن بقي الحمل إلى سنتين من يوم طلقها ثبت نسبه، وتنقضي العدة بوضع الحمل، وإن جاءت به لأكثر من سنتين بيوم لا يثبت نسبه، ويحكم بانقضاء العدة بعد ستة أشهر، وتسترد نفقتها إن كانت قبضتها في قول أبي حنفية ومحمد.
وقال أبو يوسف: تنقضي عدتها بوضع الحمل، وإن لم يثبت نسبه، وعدة إلى ستين سنة، وصورته أن ينقطع حيضها بعد الطلاق تصير إلى أن يصير سنها ستين ثم تعتد بثلاثة أشهر، ثم تزوج، وكذلك لو اعتدت بقدرين ثم انقطع الحيض تصير إلى أن يصير سنها ستين سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر، وإن كانت عادة أمها وأخواتها انقطاع الحيض قبل سنة يؤخذ بعادتهن، وإن كانت عادتهن انقطاع الدم بعد ستين لا يؤخذ بذلك، ويؤخذ بستين.
وعدة إلى شهرين وتسعة وعشرين يوما وثلاث حيض بعدها، وهي عدة صغيرة طلقها زوجها فمضت ثلاثة أشهر إلا يوما ثم حاضت ما لم تحض ثلاث حيض لا تنقضي عدتها، أو كانت يائسة فاعتدت بثلاثة أشهر إلا يوما ثم حاضت، فما لم تحض ثلاث حيض لا تنقضي عدتها، وعدة بجميع العمر، وهي عدة امرأة المفقود ما لم يمت أقران زوجها لا يرفع النكاح، قال بعضهم: إلى مائة سنة، وقال بعضهم: إلى مائة وعشرين سنة، وعدة بثلاث حيض إلا يوما فمات الزوج يلزمها أربعة أشهر وعشر، وعدة بقرأين إلا يوما وشهرين وخمسة أيام، وصورته طلق الرجل امرأته الأمة رجعية فاعتدت بقرأين إلا يومين فمات زوجها يلزمها شهران وخمسة أيام.
وعدة بثلاث حيض في الحياة والوفاة، وصورته رجل أعتق أم ولده أو مات عنها أو وطئ امرأة في نكاح فاسد أو شبهة عقد ففرق بينهما أو مات عنها تعتد عنه بثلاثة أقراء، فإن آيست أم ولده والموطوءة في نكاح فاسد أو شبهة عقد من صغير أو كبير فعدتهن بثلاثة أشهر في الوفاة والحياة جميعا، كذا ذكره أبو الليث في " خزانة الفقه ".
م: (وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا) ش: قال الكاكي: لم يذكر في بعض النسخ أو رجعيا ولا بد من ذكره، وقال الأترازي: لم يذكر قوله: أو رجعيا في هذا الموضع في أكثر النسخ، لأن الطلاق الرجعي مر حكمه، ومقدار عدته في باب الرجعة م: (أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق) ش: وهي الفرقة بخيار البلوغ والعتاقة وعدم الكفارة وملك أحد الزوجين صاحبه والفرقة في النكاح الفائت والردة م: (وهي حرة) : أي والحال أن المرأة حرة كائنة م: (ممن تحيض فعدتها) ش: مبتدأ، وقوله م: (ثلاثة أقراء) ش: خبره والجملة جواب قوله إذا، ويذكر الدخول في الطلاق بناء على الأصل إذ الأصل في النكاح الدخول، لأن العدة لا تجب على غير المدخول(5/593)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) . والفرقة إذا كانت بغير طلاق فهي في معنى الطلاق، لأن العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم في الفرقة الطارئة على النكاح وهذا المعنى يتحقق فيها، والأقراء: الحيض عندنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بها بالنص، م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ش: والمراد بهن المدخولات بهن من ذوات الحيض، وهي خبر في معنى الأمر، وأصل الكلام فليتربصن المطلقات، قال المكنون لام الأمر محذوف، فاستغني عن ذكره، وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد الأمر، وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله، ونحوه قولهم في الدعاء يرحمك الله أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة، كأنما وجدت الرحمة، فهو مخبر عنها، وبناؤه على المبتدأ يدل على زيادة التأكيد، ولو قيل يتربص المطلقات لم يكن ذلك التأكيد، لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبات، بخلاف الفعلية، وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص، وزيادة النعت إذ أنفسهن طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهن، ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص، وانتصب ثلاثة على الظرف، أي يتربصن مدة ثلاثة قروء، وجاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء لجواز استعمال أحد الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية، ولعل القرء أكثر من جمع قرء من الأقراء، فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل.
م: (والفرقة إذا كانت بغير طلاق) ش: قد مر عن قريب أن الفرقة غير الطلاق م: (فهي في معنى الطلاق، لأن العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم) ش: حتى لا يشتبه النسب م: (في الفرقة الطارئة على النكاح، وهذا المعنى يتحقق فيها) ش: أي في الفرقة بغير طلاق، لكن هذا فيما إذا كانت المرأة مدخولة، لأن غير المدخولة لا عدة عليها، سواء كانت الفرقة بطلاق أو بغير طلاق، والخلوة جعلت كالدخول فاسدة كانت أو صحيحة في حق العدة احتياطا استحسانا لتوهم الشغل.
م: (والأقراء: الحيض عندنا) ش: وهو قول الخلفاء الأربعة والعبادلة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري، وزاد أبو داود والنسائي معبدا الجهني وعبد الله بن قيس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وهو قول طاووس وعطاء وابن المسيب وسعيد بن جبير والحسن بن حي وشريك بن عبد الله القاضي والحسن البصري والثوري والأوزاعي وابن شبرمة وأبي عبيدة وربيعة ومجاهد ومقاتل وقتادة والضحاك وعكرمة السدي وإسحاق وأحمد وأصحاب الظاهر.
وقال أحمد: كنت أقول الأطهار ثم وقفت بقول الأكابر، وقال أبو بكر الرازي وإليه انتهت رياسة الحنفية ببغداد بعد أبي الحسن الكرخي: أن الشعبي روى عن ثلاثة عشر من(5/594)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأطهار. واللفظ حقيقة فيهما إذ هو من الأضداد، كذا قاله ابن السكيت، ولا ينتظمهما جملة للاشتراك، والحمل على الحيض أولى، إما عملا بلفظ الجمع، لأنه لو حمل على الأطهار والطلاق يوقع في طهر لم يبق جمعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصحابة أن الرجل أحق بامرأته ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأطهار) ش: أي عند الشافعي الأقراء هي الأطهار، وبه قال مالك، ويروى ذلك عن عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وفائدة الخلاف فيما إذا طلقها في الطهر لا تنقضي عدتها ما لم تطهر من الحيضة الثالثة عندنا، وعنده تطهر كما ترى قطرة من الدم من الحيضة الثالثة، يعني كما شرعت في الحيضة الثالثة.
م: (واللفظ) ش: أي لفظ القروء م: (حقيقة فيهما) ش: أي في الطهر والحيض م: (إذ هو) ش: أي لفظ القرء م: (من الأضداد) ش: جاء بمعنى الحيض والطهر جميعا م: (كذا قاله ابن السكيت) ش: وغيره من أهل اللغة.
وقال الجوهري: هو من الأضداد كالجوف للظلمة والنور والصريم لليل والنهار م: (ولا ينتظمهما) ش: أي ولا يشمل المعنيين م: (جملة للاشتراك) ش: لأنه لا عموم للمشترك بين الأضداد بالإجماع، ولأنه وقع الاختلاف في المراد من الآية في الصحابة، وما حمله أحد عليها فحل محل الإجماع في أنه لا ينتظمها.
وقال الأكمل: ولا يبعد أن يكون غرض المصنف بكونه من الأضداد إشارة إلى نفى قول من قال إنه مجاز في أحدهما، لأنه لا بد للمجاز من مناسبة، وكونه من الأضداد ينفيها، فلما كان الأمر كذلك أشار بقوله:
م: (والحمل على الحيض أولى) ش: لمعان كثيرة أحدها وهو قوله م: (أما عملا بلفظ الجمع) ش: يعني بالقروء المذكور في الآية جمع قرء، بفتح القاف، كذا قال الجوهري، وجمعه أقراء وقروء، وكذا قال القبي بفتح القاف. وروي بضم القاف أيضا، قاله الزمخشري، ووجه العمل بلفظ الجمع أنه أقل الجمع ثلاثة، م: (لأنه لو حمل على الأطهار، والطلاق يوقع في طهر لم يبق جمعا) ش: بيانه أن أقل الجمع ثلاثة، وذلك إنما يتحقق عند الحمل على الحيض لا على الطهر، لأن السنة في الطلاق أن يوقع في الطهر، ثم هو محتسب من الأقراء عند من يقول بالأطهار، فيكون حينئذ مدة عدتها قرأين وبعض الثالث لا لفظ الثلاثة، وقَوْله تَعَالَى {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] خاص لكونه وضع لمعنى معلوم على الانفراد، وهو لا يحتمل النقصان.
فإن قلت: الجمع يطلق على اثنتين وبعض الثالث، كما في قوله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) ،(5/595)
أو لأنه معرف لبراءة الرحم، وهو المقصود أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«وعدة الأمة حيضتان» فيلحق بيانا به. وإن كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمراد شهران وبعض الثالث.
قلت: هذا بطريق المجاز ثبت على خلاف الأصل بالإجماع، فلا يقاس عليه غيره، مع أن ذلك إنما يستقيم في جميع غير مقرون بالعدد، وهنا مقرون بالعدد، وهو الثلاثة، وهو لفظ خاص لعدد معلوم فلا يحتمل غيره.
وأشار إلى المعنى الثاني بقوله: م: (أو لأنه) ش: أي أو لأن الحيض م: (معرف لبراءة الرحم) ش: إذ تعريف بقاء الرحم يحصل بالحيض لا بالطهر، لأن الحمل طهر ممتد، فيجتمعان فلا يحصل التعريف بأنها حامل أو حائل م: (وهو المقصود) .
ش: وأشار إلى المعنى الثالث بقوله: م: (أو لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي أو لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[عدة الأمة]
م: (وعدة الأمة حيضتان) ش: هذا الحديث قد مضى في كتاب الطلاق قبل باب إيقاع الطلاق بأربعة أسطر، ومعنى الكلام فيه هناك، والحاصل أن المصنف استدل به على أن القروء اسم للحيض، لأن الرق إنما يؤثر في التنصيف لا في النقل من الطهر إلى الحيض م: (فيلحق) ش: أي هذا الحديث م: (بيانا به) ش: أي من حيث البيان، بيانه أنه خبر الواحد، وإن كان لا يصلح به الزيادة على كتاب الله تعالى يصلح بيانا لما فيه من الإجمال والاشتراك، فكان قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عدتها حيضتان» بيانا للمشترك في قَوْله تَعَالَى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فكانت الحيضة هي المرادة.
م: (وإن كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر) ش: تقوم مقام ثلاث حيض في التي لا تحيض، وهذا بالإجماع لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] لكن حذف للدلالة المذكورة قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] إن شككتم في دم البالغات مبلغ اليأس هو دم الحيض أو دم الاستحاضة، فإذا كان عدة المرتاب لها هذه فغيرها أولى.
وروى البخاري عن مجاهد قال: إن لم يعلموا يحضن أم لا يحضن، واختلفوا في حد الإياس، ففي " الفتاوى الصغرى ": حد الإياس غير مقدر بشيء، وفي رواية: مقدر بأن رأت بعد ذلك دما، هل يكون حيضا، فعلى رواية عدم التقدير يكون حيضا، وعلى رواية التقدير لا يكون حيضا، فعلى رواية التقدير اختلفت الروايات، فقال محمد: في الروميات خمس وخمسون سنة، وفي المولدات ستون سنة، لأن الروميات أسرع تكسرا. وعن أبي حنيفة: من خمس وخمسين إلى ستين. وقال محمد بن مقاتل والزعفراني: خمسون، وهكذا روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وهكذا قال عبد الله بن المبارك وسفيان الثوري.(5/596)
وكذا التي بلغت بالسن ولم تحض، بآخر الآية. وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (الطلاق: الآية 4) وإن كانت أمة فعدتها حيضتان لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «طلاق الأمة تطليقتان» ، ولأن الرق منصف والحيضة لا تتجزأ فكملت، فصارت حيضتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكاكي: روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها قالت: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لا ترى قرة عين، أي لا تلد، وهي رواية الحسن، وعليه الفتوى، وقيل يعتبر بتركيب بدنها فإنها تختلف بالسمن والهزال، وقيل لا تلد لستين إلا فارسية، وقال الصفاء: وسبعون سنة، فإذا رأت بعد ذلك دما لا يكون حيضا كالدم الذي تراه الصغيرة، وعلى رواية عدم التقدير لو اعتدت بالأشهر ثم رأت الدم لا تبطل الأشهر، وهو المختار عندنا، ذكره الأسبيجابي.
م: (وكذا التي بلغت بالسن) ش: أي وكذا بثلاثة أشهر عدة المرأة التي بلغت بالسن بخمس عشرة سنة على قول أبي يوسف ومحمد، وسبع عشرة سنة على قول أبي حنيفة م: (ولم تحض) ش: أي والحال أنها لم تحض م: (بآخر الآية) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) لأنها داخلة فيه، لأنها لم تحض بعد، قال في " تتمة الفتاوى ": اختلف مشايخنا في وجوب العدة على الصغيرة، لأنها غير مخاطبة، لكن ينبغي أن يقال تعتد.
وقال في " مبسوط السرخسي: قال علماؤنا: هي لا تخاطب بالاعتداد، ولكن المولى يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة عدتها، مع أن العدة مجرد مضي المدة، فبثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجه الخطاب عليها.
م: (وإن كانت حاملا) ش: أي وإن كانت المطلقة حاملا م: (فعدتها أن تضع حملها لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ش: م: (الطلاق: الآية 4) ش: ولا يعلم فيه خلاف، وكذا لو كان الحمل بالنكاح الفاسد أو بالوطء بالشبهة، والحمل الذي تنقضي به العدة هو الذي استبان خلقه لم تنقض به العدة.
م: (وإن كانت أمة) ش: أي وإن كانت المطلقة أمة م: (فعدتها حيضتان لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان» ش: هذا الحديث قد مر في كتاب الطلاق في أواخر الفصل الذي فيه، وقد مر الكلام فيه مستوفى م: (ولأن الرق منصف) ش: بدليل قَوْله تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] (النساء: الآية 25) م: (والحيضة لا تتجزأ فكملت) ش: أي الحيضة م: (فصارت حيضتين) ش: لأن النصف متقدر، لأن الدم تارة يدر، وتارة ينقطع، وبه قال أحمد. وقال الشافعي ومالك: وقرءان وهما طهران، وكذا لو كانت مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد لإطلاق الحديث.
فإن قيل النص الوارد في المطلقات عام، وتخصيص العام ابتداء لا يجوز بخبر الواحد(5/597)
وإليه أشار عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله: لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا. وإن كانت لا تحيض فعدتها شهر ونصف، لأنه يتجزأ فأمكن تنصيفه عملا بالرق. وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشر. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والقياس، ولهذا قال أبو بكر الأصم وابن سيرين والظاهرية: عليها ثلاثة أشهر كعدة الحرائر. أجيب بأن هذا مشهور عمل به كبار الصحابة والتابعين، وتلقته الأمة بالقبول، فدخل في حد المشاهير.
م: (وإليه أشار عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: أي إلى عدم تجزؤ الحيضة، أشار عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (بقوله: لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا) ش: ولقوله: عدة الأمة حيضتان. ولو استطعت لجعلتها، أي لجعلت عدة الأمة حيضة ونصف حيضة، ولكن جعلتها حيضتين كاملتين، لعدم الاستطاعة على تجزؤ الحيضة، لأنها تختلف قلة وكثرة ووقتا، وأثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هذا رواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع عمرو بن أوس الثقفي يقول: أخبرني رجل من ثقيف، قال: سمعت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: لو استطعت أن أجعل عدة الأمة حيضة ونصفا فعلت. فقال له رجل: لو جعلتها شهرا ونصفا. فسكت عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ورواه الشافعي في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار , ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في كتاب " المعرفة ".
م: (وإن كانت) ش: أي الأمة المطلقة م: لا تحيض) ش: من صغر أو كبر م: (فعدتها شهر ونصف، لأنه) ش: أي لأن الشهر م: (يتجزأ، فأمكن تنصيفه) ش: فنعتبر عدتها شهرا ونصفا م: (عملا بالرق) ش: أي من حيث العمل بمقتضى الرق لأنه منصف لذوات الأعداد كالجلدات في الحدود، وكذا عدة المدبرة والمكاتبة والمستسعاة على قول أبي حنيفة، وإن كانت ممن لا تحيض بشهر ونصف وفي " شرح الأقطع " هذا أيضا قول الشافعي. وفي قول آخر شهران. وفي قول آخر ثلاثة أشهر.
م: (وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشر) ش: أي عدة المرأة الحرة التي مات عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت ممن تحيض أو ممن لا تحيض، مسلمة كانت أو كتابية صغيرة كانت أو كبيرة، مدخولا بها أو غير مدخول بها، آيسة كانت أو غير آيسة، وزوجها حرا أو عبد م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) ش: أول الآية {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ} [البقرة: 234] أي يتركون، أي يموتون عن أزواج. وذكر الأزواج مطلقا فدل على أن هذه العدة لا تجب إلا بنكاح صحيح، لأن الزوجية المطلقة لا تحصل إلا بعد صحة النكاح.(5/598)
وعدة الأمة شهران وخمسة أيام، لأن الرق منصف، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال مالك: يشترط معها حيض في الموطوءة مع أن الحامل تحيض عنده، وخالفه أشهب واختلف قول مالك في الكتابية على قول تستبرئ بحيضة إن كانت موطوءة. وإلا لا عدة عليها، لأنها غير مخاطبة بشرائع الإسلام. وعلى قول تستبرئ بحيضة إن كانت موطوءة، وإلا لا عدة عليها لا في الطلاق ولا في الوفاة. واختلف السلف في عدة المتوفى عنها زوجها في أربعة فصول. الأول: أن منهم من قال: عليها عدتان، الطولى وهي الحول، والقصرى وهي أربعة أشهر وعشر، فالطول عزيمة، والأقصر رخصة استدلالا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فإن خرجن أي بعد أربعة أشهر وعشر فلا جناح عليكم، وفيه بيان أن العدة الكاملة هي الحول، والاكتفاء بأربعة أشهر وعشر رخصة لها، وجواب عامة أهل العلم أن هذه الآية منسوخة، وكان ذلك في الابتداء. ثم نسخ بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . وقال أبو بكر الرازي: وقد كانت عدة المتوفى عنها زوجها سنة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] ... الآية، فحكم فيها بثلاثة أشياء أحدها إيجاب العدة سنة، والآخر نفقتها في الحول في مال الزوج. والثالث: منع الخروج فنسخ منها بإحدى الأربعة أشهر والعشر ونسخ منها وجوب نفقتها في مال الزوج بما جعل لها من الربع والثمن في ماله، وهي منع الخروج في الأربعة الأشهر والعشر.
الفصل الثاني: أن يعتبر عشر ليال وعشرة أيام عند الجمهور. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: عشر ليال وتسعة أيام، وبه قال الأوزاعي، حتى يجوز لها أن تزوج في اليوم العاشر. الفصل الثالث: إذا كانت حاملا فعدتها وضع الحمل عند الأكثر، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تعتد بأبعد الأجلين كما يجيء. والفصل الرابع: أن عدتها معتبرة من وقت الوفاة عند الأكثر وكان علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: من وقت العلم بالموت.
م: (وعدة الأمة شهران وخمسة أيام، لأن الرق منصف) ش: لأن الشهور قابلة للتنصيف، فتنصف عدتها، وعليه الأئمة الأربعة والجمهور من السلف إلا ما نقل عن ابن سيرين والظاهرية. وقد ذكرناه، وكذلك الحكم في المدبرة والمكاتبة وأم الولد والمستسعاة على قول أبي حنيفة، أما إذا مات مولى أم الولد فعدتها ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، على ما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (وإن كانت حاملا) ش: يعني وإن كانت المتوفى عنها زوجها حاملا م: (فعدتها أن تضع حملها) ش: سواء كانت حرة أو أمة أو أم الولد أو مطلقة أو بعد الفسخ من النكاح الفاسد أو الوطء بالشبهة م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: وعليه فقهاء الأمصار وأكثر السلف. وعن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - في رواية تعتد المتوفى عنها زوجها بأبعد الأجلين، تفسيره أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض،(5/599)
وقال عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حتى لو حاضت ثلاث حيض ولم يمض أربعة أشهر وعشر لا تنقضي العدة حتى يتم الأربعة ولو تمت الأربعة ولم تخص، لا تنقضي حتى تحيض ثلاث حيض ذكره في " فتاوى قاضي خان ".
م: (وقال عبد الله بن مسعود: من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة) ش: أورد هذا عن ابن مسعود، إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} [الطلاق: 4] متأخر عن قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] فيكون ناسخا في ذوات الأحمال، قوله: باهلته من المباهلة، أي الملاعنة من البهل، وهو اللعن، يقال عليه بهلة الله بفتح الباء وضمها، أي لعنة الله، وتباهل القوم وابتهلوا إذا لاعنوا وكانوا يقولون إذا اختلفوا في شيء: بهلت الله على الكاذب منا. قالوا: هي مشروعة في زماننا أيضا. وأراد بسورة النساء القصرى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وهي بعد سورة التغابن.
وأما سورة النساء الطولى فهي آل عمران، وهي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] ... إلى آخر السورة. وأراد بالتي في سورة البقرة الآية التي فيها، وهي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] يعني أن قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] في سورة النساء القصرى، وهي آخر الآيتين نزولا ناسخة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] في حق عدة الحامل وقاضية عليه.
وقال الأترازي: وروى أصحابنا في " المبسوط " وغيره عن ابن مسعود أنه قال: من شاء باهلته إلى آخره.
قلت: هذا أخرجه البخاري في تفسير سورة الطلاق، وفي أوائل البقرة عنه، قال: أيجعلون عليها التغليظ ولا يجعلون عليه الرخصة أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .
وروي في " السنن" إلى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد أربعة أشهر وعشر، انتهى.
قلت: هذا أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه البزار في مسنده عن علقمة عنه بلفظ: من شاء. وخالفه أن {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ، نزلت بعد آية المتوفى، فإذا وضعت المتوفى عنها حملها فقد حلت، وقرأ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] (البقرة: الآية 234) ، وروى الترمذي مسندا إلى إبراهيم عن الأسود عن أبي السنابل بن بعكك قال: «وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بثلاث وعشرين، أو خمسة وعشرين يوما،(5/600)
وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها وحل لها أن تتزوج.
وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلاث حيض. ومعناه إذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا، أما إذا كان رجعيا فعليها عدة الوفاة بالإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلما فعلت تشوفت للنكاح، فأنكر ذلك عليها، فذكر ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن تفعل فقد حل أجلها".»
قال أبو عيسى: حديث أبي السنابل حديث مشهور، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم، وهو قول سفيان ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تعتد بأبعد الأجلين والأول أصح، انتهى.
قلت: اسم أبي السنابل عمرو، وقيل: حبة، من المؤلفة قلوبهم، وسبيعة مصغر سبعة ... الأسلمية، واسم زوجها سعد بن خولة، مات بمكة، فولدت بعده بنصف شهر.
م: (وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لو وضعت وزوجها على سريره لانقضت عدتها وحل لها أن تتزوج) ش: هذا رواه مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة المتوفى عنها زوجها وهي حامل، فقال: إذا وضعت حملها فقد حلت، فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن بعد لحلت، وعن مالك رواه الشافعي في مسنده وعبد الرزاق في مصنفه. والسرير التخت، المراد منه الذي يغسل عليه الميت.
[طلق امرأته ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات وهي في العدة]
م: (وإذا ورثت المطلقة في المرض فعدتها أبعد الأجلين) ش: أراد به امرأة الفار، يعني المريض مرض الموت إذا طلق امرأته ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات وهي في العدة ترث باتفاق أصحابنا. وفي العدة اختلاف بينهم، أشار إليه بقوله: م: (وهذا) ش: أي كون عدتها أبعد الأجلين م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وأراد بأبعد الأجلين، أي الأجلين اللذين هما ثلاث حيض وأربعة أشهر وعشر، أيهما كان أبعد فتأخذ هي بذلك احتياطا حتى لو أبانها ثم مات تتم أربعة أشهر وعشرة أيام بعد الموت، وما حاضت في هذه المدة إلا حيضة فعليها حيضتان أخريان.
م: (وقال أبو يوسف: ثلاث حيض) ش: يعني إذا رأت ثلاث حيض ولم يتم بعد أربعة أشهر وعشرة أيام تنقضي عدتها م: (ومعناه) ش: أي معنى الخلاف في أبعد الأجلين م: (إذا كان الطلاق بائنا أو ثلاثا، أما إذا كان) ش: أي الطلاق م: (رجعيا فعليها عدة الوفاة بالإجماع) ش: لعدم انقطاع النكاح.(5/601)
لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق، ولزمها ثلاث حيض، وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح بالوفاة إلا أنه بقي في حق الإرث لا في حق تغير العدة، بخلاف الرجعي، لأن النكاح باق من كل وجه. ولهما أنه لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا، فيجمع بينهما.
ولو قتل على ردته حتى ورثته امرأته فعدتها على هذا الاختلاف، وقيل: عدتها بالحيض بالإجماع، لأن النكاح حينئذ ما اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث، لأن المسلمة لا ترث من الكافر.
فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر، لقيام النكاح من كل وجه. وإن أعتقت وهي مبتوتة أو متوفى عنها زوجها لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأبي يوسف أن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق) ش: لا بالوفاة م: (ولزمها ثلاث حيض) ش: وهي عدة الطلاق م: (وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح بالوفاة) ش: فلا يلزمها عدة الوفاة، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وأبو عبيد م: (إلا أنه بقي في حق الإرث) ش: هذا جواب عما يقال لو كان كذلك لما بقي في حق الإرث. وأجاب بقوله إلا أنه أي أن النكاح بقي في حق الإرث بالدليل الدال على توريثها بسبب الفرار.
م: (لا في حق تغير المدة، بخلاف الرجعي) ش: أي بخلاف الطلاق الرجعي م: (لأن النكاح باق من كل وجه) ش: لأنه لا ينقطع بالرجعي، ولهذا إذا مات المرتد أو قتل ترثه امرأته المسلمة، ومع هذا لا يلزمها عدة الوفاة، لأن النكاح انقطع بالردة لا بالموت.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن النكاح م: (لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا، فيجمع بينهما) ش: أي بين العدتين لأنها مبانة حقيقة وتوفي عنها زوجها حكما.
م: (ولو قتل على ردته حتى ورثته امرأته) ش: يعني حصر استحقاقها إلى وقت الردة، لأن المسلم لا يرث الكافر، وهو جواب عما استدل به أبو يوسف، فقال: ألا ترى أن المرتد إذا قتل أو مات على ردته ترثه زوجته المسلمة، وليس عليها عدة الوفاة بالإجماع، لأن زوال النكاح كان بردته لا بموته، فكذلك زوال النكاح هنا بالطلاق البائن لا بالموت، وتقريره أن ذلك أيضا على هذا الاختلاف، يعني تعتد بأبعد الأجلين، وهو معنى قوله م: (فعدتها على هذا الاختلاف، وقيل: عدتها بالحيض بالإجماع، لأن النكاح حينئذ ما اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث، لأن المسلمة لا ترث من الكافر) .
م: (فإن أعتقت الأمة في عدتها من طلاق رجعي، انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر، لقيام النكاح من كل وجه) ش: صورته الأمة المنكوحة طلقها زوجها رجعيا ثم أعتقها مولاها في عدتها تحولت عدتها إلى عدة الحرائر من وقت الطلاق فعليها أن تعتد بثلاث حيض إن كانت ممن تحيض وبثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض.
م: (وإن أعتقت وهي مبتوتة) ش: أي وإن أعتقت الأمة المطلقة وهي مبتوتة، أي والحال أنها مطلقة طلاقا بائنا أو ثلاثا م: (أو متوفى عنها زوجها) ش: أي أو كانت متوفى عنها زوجها م: (لم(5/602)
تنتقل عدتها إلى عدة الحرائر لزوال النكاح بالبينونة أو الموت.
وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور، ثم رأت الدم، انتقض ما مضى من عدتها، وعليها أن تستأنف العدة بالحيض، ومعناه إذا رأت الدم على العادة، لأن عودها يبطل الإياس، هو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تنتقل عدتها إلى عدة الحرائر لزوال النكاح بالبينونة أو الموت) ش: فإذا كانت كذلك لا تعتد بحيضتين أو بشهر ونصف، أو بشهرين وخمسة أيام على حسب اختلاف حالها، وبه قال الشافعي في الأظهر وأحمد وإسحاق، وهو قول الحسن والشعبي والضحاك. وقال مالك: لا يكمل، وهو قول أبي ثور. وعن عطاء والزهري وقتادة يكمل فيهما اعتبارا بحال اعتدادها.
فإن قيل: العدة حكم زوال الزوجية، وحكم الزوال يثبت عند الزوال، فينبغي أن لا تحول العدة في الرجعي أيضا، لأنها عند الزوال أمة، ولهذا تعتد من وقت الطلاق.
وأجيب: بأنه إنما تحولت العدة لأن سببها وهو الزوال متردد ليس بمستقر، فكانت مترددة أيضا لتردد سببها، فتغيرت. ولهذا يتحول بالموت من الأقراء إلى الشهود بخلاف البائن، فإن سببه مستقر ليس بمتردد، فلم تتحول العدة بالعتق.
وفي " شرح الأقطع " عن الشافعي قولان في كل واحد من الرجعي والبائن في أحدهما ينتقل فيهما، وفي الآخر ينتقل فيهما. وفي "وجيزهم" ولو أعتقت في أثناء العدة فهي كالحرة في قول، وكالأمة في قول. وفي القول الثالث: إن كانت رجعية التحقت بالحرة، وإن كانت بائنة فتعتد بقرأين.
[كانت آيسة فاعتدت بالشهور ثم رأت الدم]
م: (وإن كانت آيسة فاعتدت بالشهور، ثم رأت الدم، انتقض ما مضى من عدتها، وعليها أن تستأنف العدة بالحيض) ش: لأن الشهور في الآيسة بدل عن الحيض، ولا معتبر بالبدل مع القدرة على الأصل، فلما رأت الدم علم أن الإياس عن الأصل لم يكن متحققا، والشرط هو اليأس إلى الموت كالفدية في الشيخ الفاني.
م: (ومعناه) ش: أي معنى ما ذكره القدوري لأن المسألة من مسائل القدوري م: (إذا رأت الدم على العادة) ش: التي كانت قبل الإياس، يعني كثيرا سائلا.
أما إذا كانت بلة يسيرة لا يكون حيضا، بل كان ذلك من نتن الرحم فكان فاسدا لا يتعلق به حكم الحيض م: (لأن عودها) ش: أي عود العادة م: (يبطل الإياس هو الصحيح) ش: احترز عن قول محمد بن مقاتل الرازي، فإنه كان يقول هذا إذا لم يحكم بإبانتها، فأما إذا انقطع الدم عنها زمانا حتى يحكم بإياسها وكانت ابنة تسعين سنة ونحوها فرأت الدم بعد ذلك لم يكن حيضا. وقيل هذا على قول من وقت الإياس وقتا ثم يظن أنها أيست، ثم يظهر بخلافه فتستأنف العدة بالحيض، كذا ذكره الجصاص.(5/603)
فظهر أنه لم يكن خلفا، وهذا لأن شرط الخلفية تحقق اليأس، وذلك باستدامة العجز إلى الممات، كالفدية في حق الشيخ الفاني. ولو حاضت حيضتين، ثم أيست تعتد بالشهور تحرزا عن الجمع بين البدل والمبدل. والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة عدتهما الحيض في الفرقة والموت، لأنها للتعرف عن براءة الرحم، لانقضاء حق النكاح والحيض هو المعرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فظهر أنه لم يكن خلفا، وهذا) ش: أي عدم ظهور الخلفية م: (لأن شرط الخلفية تحقق اليأس، وذلك) ش: أي تحقق اليأس م: (باستدامة العجز إلى الممات كالفدية في حق الشيخ الفاني) ش: يعني أن شرط الخلفية في الشيخ الفاني استمرار العجز مدة العمر، فكذا هنا.
م: (ولو حاضت حيضتين ثم أيست تعتد بالشهور تحرزا) ش: أي احترازا م: (عن الجمع بين البدل والمبدل) ش: فإنه لا يجوز. فإن قلت: يشكل بمن يصلي بالإيماء حيث يجوز، ولا يشترط العجز إلى الممات. قلت: لأن الصلاة بإيماء ليست بخلف، بل الإيماء بعض الشيء لا يكون خلفا عنه كالركوع والسجود، أما العدة بالأشهر بدل عن العدة بالحيض، وإكمال الأصل بالبدل غير ممكن.
فإن قلت: المصلي إذا سبقه الحدث ولم يجد الماء حتى يتيمم وبنى يجوز. قلت: البدلية في الطهارة وإن كانت لكن لا يجمع بينهما، لأنه لا يكمل أحدهما بصاحبتها.
م: (والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة عدتها الحيض في الفرقة والموت) ش: أراد بالنكاح الفاسد النكاح بغير شهود ونكاح الأخت في عدة الأخت، ونكاح الخامسة في عدة الرابعة، أراد بالموطوءة بشبهة ما زفت إليه غير امرأته. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": إذا دخل الرجل بالمرأة على وجه شبهة أو نكاح فاسد فعليه المهر وعليها العدة ثلاث حيض إن كانت حرة، وحيضتان إن كانت أمة، وسواء إن مات عنها أو فرق بينهما وهو حي، فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدة الحرة ثلاثة أشهر، وعدة الأمة شهر ونصف.
م: (لأنها) ش: أي لأن العدة م: (للتعرف عن براءة الرحم، لانقضاء حق النكاح) ش: إذ لا حق للنكاح الفاسد والوطء بشبهة م: (والحيض هو المعرف) ش: ولا فرق في ذلك بين الفرقة والموت.
فإن قيل: فعلى هذا واجب أن يكتفى بحيضة واحدة أو شهر كما في الاستبراء، وليس كذلك.
أجيب: بأنها كانت ثلاث حيض إلحاقا للشبهة بالحقيقة، فإن أحكام العقد الفاسد أبدا يؤخذ من حكم الصحيح كما في البيع الفاسد والإجارة الفاسدة، فإنهما يفيدان إفادة الصحيح، غير أن ثبوت الملك يتوقف على القبض كونها فيه، ولذلك ثبت أجر المثل دون المسمى كذلك، وها هنا أيضا لم يثبت عدة الوفاة كونها فيه، فإن عدة الوفاة لزيادة إظهار التأسف لفوات نعمة(5/604)
وإذا مات مولى أم الولد عنها، أعتقها فعدتها ثلاث حيض، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيضة واحدة، لأنها تجب بزوال ملك اليمين فشابهت الاستبراء، ولنا أنها وجبت بزوال الفراش فأشبهت عدة النكاح، وأما منافية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: عدة أم الولد ثلاث حيض. ولو كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر كما في النكاح.
وإذا مات الصغير عن امرأة وبها حبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح، والنعمة في النكاح الصحيح دون الفاسد، فلذلك اختصت بالصحيح، ولكن لما كانت فيه جهة النكاح ألحق بالصحيح في اعتبار مدة العدة احتياطا.
[مات مولى أم الولد عنها أو اعتقها]
م: (وإذا مات مولى أم الولد عنها أو اعتقها فعدتها ثلاث حيض. وقال الشافعي: حيضة واحدة لأنها تجب بزوال ملك اليمين، فشابهت الاستبراء) ش: ولهذا لا تختلف بالحياة والوفاة، وبه قال مالك وأحمد وهو قول عمر وعائشة وابن المسيب وابن سيرين وابن جبير وخلاس وعمر بن عبد العزيز والزهري والأوزاعي وإسحاق. وعند الظاهرية لا استبراء على أم الولد لا في العتق ولا في الموت، وتزوج من شاءت إذا لم تكن حاملا.
وقال الأترازي: وقال الشافعي: عدتها حيضة واحدة، إن كانت ممن تحيض. وإن كانت ممن لا تحيض فشهر. وقال مالك في " الموطأ ": وعدتها حيضة واحدة، وإذا لم تحض فثلاثة أشهر، وبه قال أحمد بن حنبل. وقال في " شرح الأقطع ": ومن أصحاب الشافعي من قال: إنه ليس بعدة، وإنما هو استبراء.
م: (ولنا أنها) ش: أي العدة م: (وجبت بزوال الفراش، فأشبهت عدة النكاح) ش: يعني إذا طلق أم الولد زوجها، وهي ممن لا تحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، وفيه لا يكتفى بحيضة واحدة م: (وإما منافية) ش: أي في الحكم المذكور م: (عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فإنه قال: عدة أم الولد ثلاث حيض) ش: هذا غريب، ولكن روى ابن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عمرو بن العاص أمر أم الولد إذا أعتقت أن تعتد بثلاث حيض. وكتب إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فكتب بحسن رأيه. وروى محمد بن الحسن في الأصل عن علي وابن مسعود وإبراهيم أنهم قالوا: عدة أم الولد ثلاث حيض، فسموه عدة وقدروها بثلاث.
وقال الكرخي في "مختصره": حدثنا الهروي قال: حدثنا محمد بن شجاع قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي خالد عن حجاج عن الشعبي عن الحارث عن علي وعبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: عدة أم الولد ثلاث حيض إذا مات عنها سيدها، وروى الحكم عن علي قال: ثلاث حيض. وعن عطاء ثلاثة قروء. وعن إبراهيم عدة أم الولد ثلاث حيض.
م: (ولو كانت) ش: أي أم الولد م: (ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر كما في النكاح) ش: يعني كما يجب أن تعتد بثلاثة أشهر إذا طلقها زوجها.
[مات الصغير عن امرأته وبها حبل فما عدتها]
م: (وإذا مات الصغير عن امرأته وبها حبل(5/605)
فعدتها أن تضع حملها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدتها أربعة أشهر وعشر وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الحمل ليس بثابت النسب منه فصار كالحادث بعد الموت. ولهما إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (الطلاق: الآية 4) ، ولأنها مقدرة بوضع الحمل في أولات الأحمال، قصرت المدة أو طالت للتعرف عن فراغ الرحم لشرعها بالأشهر مع وجود الأقراء لكن قدرت لقضاء حق النكاح، وهذا المعنى يتحقق في الصبي، وإن لم يكن الحمل منه، بخلاف الحمل الحادث، لأنه وجبت العدة بالشهور، فلا تتغير بحدوث الحمل، وفيما نحن فيه كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فعدتها أن تضع حملها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عدتها أربعة أشهر وعشر، وهو قول الشافعي) ش: ومالك وأحمد، وهو قول أبي حنيفة أولا م: (لأن الحمل ليس بثابت النسب منه) ش: أي من الصغير م: (فصار كالحادث بعد الموت) ش: يعني بأن تضع بعد الموت لستة أشهر فصاعدا من يوم الموت عند عامة المشايخ. وقال بعضهم بأن تأتي به لأكثر من سنتين. وقال في "نهايته": والأول أصح، وتفسير قيام الحمل عند الموت أن تلد لأقل من ستة أشهر من وقت موته، كذا في " الفوائد الظهيرية ".
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ش: يعني من غير فصل بين أن يكون الحمل من الزوج ومن غيره في عدة الطلاق أو الوفاة، بخلاف ما إذا حدث الحمل بعد موت الصبي، حيث تعتد بالشهور، لأنها لم تكن حاملا عند الموت، فلم تدخل تحت الآية المذكورة، ولا يرد علينا امرأة الكبير إذا حبلت بعد موته لأقل من سنتين، حيث تعتد بوضع الحمل، وإن لم يكن الحمل وقت الموت، لأن النسب لما ثبت منه وهو أمر شرعي حكم بوجود الولد أيضا عند الموت حكما تبعا لحكم شرعي، وهنا فيما نحن فيه لا يثبت النسب، فلم يمكن إثبات الحمل عند الموت حكما.
م: (ولأنها مقدرة) ش: دليل معقول لهما، أي ولأن عدة الوفاة مقدرة م: (بوضع الحمل في أولات الأحمال، قصرت المدة أو طالت للتعرف) ش: أي غير مقدرة للتعرف م: (عن فراغ الرحم لشرعها) ش: أي لشرع عدة الوفاة، أي لمشروعيتها م: (بالأشهر مع وجود الأقراء، لكن قدرت لقضاء حق النكاح، وهذا المعنى) ش: يعني قضاء حق النكاح م: (يتحقق في الصبي وإن لم يكن الحمل منه) ش: فإذا كان كذلك تعتد امرأته بوضع الحمل لنص قَوْله تَعَالَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) م: (بخلاف الحمل الحادث) ش: جواب عن قول الشافعي فصار كالحمل الحادث بعد الموت.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن أنه م: (وجبت العدة بالشهور) ش: حقا للنكاح بآية التربص م: (فلا تتغير بحدوث الحمل، وفيما نحن فيه) ش: أي فيما إذا مات الصبي عن امرأة وبها حبل م: (كما(5/606)
وجبت وجبت مقدرة بمدة الحمل فافترقا، ولا يلزم امرأة الكبير إذا حدث لها الحبل بعد الموت، لأن النسب يثبت منه، فكان كالقائم عند الموت حكما. ولا يثبت نسب الولد في الوجهين، لأن الصبي لا ماء له، فلا يتصور منه العلوق، والنكاح يقام مقامه في موضع التصور.
وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق، لأن العدة مقدرة بثلاث حيض كوامل، فلا ينقص عنها.
وإذا وطئت المعتدة بشبهة فعليها عدة أخرى، وتداخلت العدتان، ويكون ما تراه من الحيض محتسبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجبت) ش: العدة م: (وجبت مقدرة) ش: أي حال كونها مقدرة م: (بمدة الحمل) ش: وهو وضع الحمل، لأنها عدة أولات الأحمال م: (فافترقا) ش: أي افتراق الحمل القائم عند الموت، والحادث بعده م: (ولا يلزم امرأة الكبير) ش: جواب عما يقال إذا مات الرجل ولم تكن المرأة حاملا، فقد ألزمناها العدة بالشهور، ثم إذا ظهر الحمل تكون عدتها بوضع الحمل، فقد تغيرت العدة بوضع الحمل، فأجاب بقوله: ولا يلزم امرأة الكبير.
م: (إذا حدث لها الحبل بعد الموت) ش: أي بعد موت الزوج م: (لأن النسب يثبت منه فكان) ش: أي الحمل م: (كالقائم عند الموت حكما) ش: تبعا لحكم شرعي آخر، وهو ثبوت النسب، لأن النسب بلا حمل لا يثبت في امرأة الصغير لما لم يثبت النسب لم يحتج إلى جعل الحمل قائما عند الموت، فكان الحمل مضافا إلى أقرب الأوقات، فكان ابتداء عدتها بالأشهر لا محالة.
م: (ولا يثبت نسب الولد في الوجهين) ش: أي فيما إذا كان الحمل قائما عند موت الصغير، وفيما إذا كان حادثا بعد موته م: (لأن أتصبى لا ماء له، فلا يتصور منه العلوق) ش: بلا ماء، فلا يثبت النسب م: (والنكاح يقوم مقامه) ش: أي مقام الماء.
وقال الأترازي: أي مقام العلوق، هذا جواب عما يقال: النكاح موجود فيقام مقام الماء لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد للفراش".» فأجاب بقوله: والنكاح يقوم مقامه م: (في موضع التصور) ش: أي في موضع يتصور الوطء.
[عدة من طلقها زوجها في حالة الحيض]
م: (وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم تعتد بالحيضة التي وقع فيها الطلاق) ش: لم تعتد، أي لم تحتسب، ويجوز فيه أن يكون على صيغة المجهول مستندا إلى ما تحيضه، وأن يكون على بناء المعلوم، مستندا إلى المرأة م: (لأن العدة مقدرة بثلاث حيض كوامل، فلا ينقص عنها) ش: وهذا بالإجماع، بخلاف الطهر الذي وقع فيه الطلاق، فإنه محسوب عند مالك والشافعي.
م: (وإذا وطئت المعتدة بشبهة) ش: أي المعتدة عن طلاق بائن، رجل وطئها بشبهة، بأن قال: ظننتها تحل لي م: (فعليها عدة أخرى وتداخلت العدتان) ش: وبه قال الشافعي في قول.
وأشار إلى صورة التداخل بقوله: م: (فيكون ما تراه) ش: أي المرأة م: (من الحيض محتسبا(5/607)
منهما جميعا. وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية فعليها إتمام العدة الثانية، وهذا عندنا وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تتداخلان، لأن المقصود هو العبادة فإنها عبادة كف عن التزوج والخروج، فلا تتداخلان كالصومين في يوم واحد. ولنا أن المقصود التعرف على فراغ الرحم، وقد حصل بالواحدة فتتداخلان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منهما) ش: أي من العدتين م: (جميعا، وإذا انقضت العدة الأولى ولم تكمل الثانية فعليها إتمام العدة الثانية) ش: هذا الذي ذكره المصنف أعم من أن تكون العدتان من جنس واحد أو من جنسين، وأعم من أن يكون الواطئ هو الزوج أو غيره، فهذه أربعة صور:
الأولى: أن تكون العدتان من جنس واحد بأن كان الكل حيضا.
والثانية: أن يكونا من جنسين، بأن يكون أحدهما عدة الوفاة.
والثالثة: ما ذكرناه، وهو أن الواطئ هو الزوج.
والرابعة: أن يكون الواطئ غير الزوج، بأن المطلقة تزوجت في عدتها برجل فوطئها الرجل ثم فرق بينهما دفعا للفساد، فوجب عليها عدة أخرى، ففي هذه الصور كلها تجب العدتان، ويتداخلان عندنا.
وصورة التداخل ذكرها المصنف بقوله م: (وهذا عندنا) ش: أي تداخل العدتين مذهب أصحابنا م: (وقال الشافعي: لا يتداخلان) ش: في مذهبه تفصيل، وهو أن العدتين إذا كانتا من شخص واحد تداخلت إذا اتفقا بأن لم يكن إحبال، وكانت من ذوات الأشهر أو الأقراء، وإن اختلف بأن أحدهما بالحمل ففي تداخلهما وجهان، أحدهما: التداخل كالمتفقين.
والثاني: لا، وإن كانت العدتان من شخصين لم تتداخل، ذكره في الوسيط، وبه قال أحمد. وقالت المالكية: المتفقان في الأقراء والأشهر متداخلان، إما من واحد أو من شخصين. ولو اختلفا كانت إحداهما بالحمل ينتقضان. وعند الشافعي وأحمد إن كانت إحداهما بالحمل قدمت ثم تعود إلى الأقراء.
م: (لأن المقصود من العدة هو العبادة فإنها) ش: أي فإن العدة م: (عبادة كف عن التزوج والخروج) ش: من البيت والمنع عن الزينة وغيرها في مدة معلومة م: (فلا تتداخلان كالصومين في يوم واحد) ش: أي كما لا تداخل في الصوم، وإنه كف عن إمضاء المفطرات في وقت مقدر، وهو اليوم، فلا يتأدى صومان في يوم واحد، فلا يتداخل فيه، وكذا في العدة.
م: (ولنا أن المقصود) ش: من العدة وهو م: (التعرف عن فراغ الرحم) ش: في حق ذوات الأقراء م: (وقد حصل) ش: المقصود م: (بالواحدة) ش: بالعدة الواحدة، فلا حاجة إلى عدة أخرى م: (فتتداخلان) ش: ولا يقال ينبغي أن يكتفى بالحيضة وعدة الموطوءة بالشبهة ونكاح(5/608)
ومعنى العبادة تابع، ألا ترى أنها تنقضي بدون علمها ومع تركها الكف.
والمعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور، وتحتسب بما تراه من الحيض فيها، تحقيقا للتداخل بقدر الإمكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفاسد بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، لأنا بينا أن الفاسد ملحق بالصحيح في اعتبار مدة العدة م: (ومعنى العبادة تابع) ش: جواب عن قول الشافعي، لأن المقصود هو العبادة. وتقدير الجواب أن معنى العبادة في العدة تابع غير مقصود، لأن ركنها حرمة الازدواج والخروج، قال الله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] (البقرة: الآية 235) ، فهي أجل، والآجال إذا اجتمعت بمدة واحدة كرجل عليه ديون مؤجلة لا بأس بأنها تنقضي بمدة واحدة، ثم استوضح كون معنى العبادة فيها طريق التبعية لا بالقصد بقوله: م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن العدة م: (تنقضي بدون علمها) ش: أي علم المرأة م: (ومع تركها الكف) ش: عن الخروج والأذى، حتى إذا خرجت أو تزوجت بزوج آخر لا تبطل العدة، ولو قال: معنى العبادة فيها ركنا مقصودا لم ينتقض بدون الكف، لأن العبادة لا تتحقق بلا ركن.
فإن قلت: لا نسلم أن المقصود تعرف براءة الرحم، فلو كان كذلك لم تجب العدة على الصبية والآيسة والمتوفى عنها زوجها، لأنه لا شغل في الصبية، وفي المتوفى عنها زوجها لا يحتاج الزوج إلى ذلك.
قلت: الصبية التي تحتمل الوطء تحتمل العلوق، وكذا الآيسة، فدار الحكم على دليل الشغل وهو الوطء، لأن العدة لا تكفي في إيجابها لوهم الشغل، وإن كان بخلاف العادة المتوفى عنها زوجها الحاجة فيها إلى التعرف قائمة لصيانة ماء الزوجين عن الاختلاط، لأن ماء الأول محترم في نصيبه، وكذا ماء الثاني.
فإن قلت: لو كان التداخل معتبرا لتداخل أقراء عدة واحدة.
قلت: لا نسلم الملازمة، لأن التعريف بحيضة واحدة ليس كالتعريف بثلاث حيض في حصول المقصود، لأن المقصود من الأولى تعريف الفراغ، ومن الثانية إظهار حظر النكاح فرقا بينه وبين الاستبراء، ومن الثالثة إظهار شرف الحرمة، وهذا المقصود لا يحصل بالحيضة الواحدة وقال الأكمل: فيه نظر، لأن المصنف لم يعلل إلا بالتعرف عن فراغ الرحم، فكان السؤال واردا عليه، انتهى.
قلت: تعليله بالتعريف عن فراغ الرحم يقتصر عليه لا ينافي التعليل بغيره، لا يرد عليه شيء.
[عدة المعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة]
م: (والمعتدة عن وفاة إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور وتحتسب بما تراه من الحيض فيها) ش: أي في الشهور م: (تحقيقا للتداخل بقدر الإمكان) ش: قال في " المبسوط ": لو تزوجت في عدة الوفاة فدخل بها الثاني ففرق بينهما فعليها بقية عدتها تجب من الأولى تمام الأربعة أشهر وعشر، وعليها(5/609)
وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة، فإن لم تعلم بالطلاق أو بالوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها، لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب، ومشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يفتون في الطلاق إن ابتداءها من وقت الإقرار نفيا لتهمة المواضعة.
والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق، أو عزم الواطئ على ترك وطئها. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - من آخر الوطآت لأن الوطء هو السبب الموجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثلاث حيض للآخر عقيب ما حاضت بعد التفريق من عدة الوفاة أيضا.
م: (وابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق، وفي الوفاة عقيب الوفاة) ش: لأن العلة الموجبة للعدة الطلاق أو الوفاة، فلا بد من اقتران المعلول، وهو وجوب العدة بعلتها، وعليه الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين م: (فإن لم تعلم) ش: أي فإن لم تعلم المرأة م: (بالطلاق أو بالوفاة) ش: أي أو لم تعلم بوفاة زوجها بأن كان غائبا م: (حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها، لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة) ش: أي وفاة الزوج م: (فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب) ش: وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها تعتد من يوم يأتيها الخبر. وقال مكي: إن قامت به البينة تعتد من يوم الموت والطلاق، وإلا فمن يوم الخبر. وقال داود: طلاق الغائب لا يقع أصلا حتى يأتيها الخبر وتعتد المتوفى عنها زوجها من خبر موته.
م: (ومشايخنا) ش: أراد بهم علماء بخارى وسمرقند، لا جماعة التصوف الذين هم أهل البدع م: (يفتون في الطلاق أن ابتداءها) ش: أي ابتداء العدة م: (من وقت الإقرار نفيا لتهمة المواضعة) ش: بأن يتواضعا على الطلاق وانقضاء العدة ليصح إقرار المريض بها بالدين والوصية، أو يتواضعا على انقضائها بأن يتزوج أختها أو أربعا سواها.
وفي " الذخيرة " قال محمد في الأصل: يجب العدة من وقت الطلاق، واختارها مشايخ بلخ على أنها تجب من وقت الإقرار عقوبة عليه وزجرا على كتمانه الطلاق، ولكن لا تجب لها نفقة العدة والسكنى، لأن ذلك حقها وقد أقرت هي بسقوطه، وينبغي على قول هؤلاء أن لا يحل له التزوج بأختها وأربع سواها ما لم تنقض العدة من وقت الإقرار.
[العدة في النكاح الفاسد]
م: (والعدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق، أو عزم الواطئ على ترك وطئها) ش: بأن أخبرها أنه ترك وطأها، والإخبار أمر ظاهر فيدار الحكم عليه، أما آخر الوطآت فلا يعلم لاحتمال وجود غيره، أي غير الوطء الذي وجد. وفي " الخلاصة " وكذا في النكاح الفاسد بعد الدخول لا يكون إلا بالقول بقوله تركتك أو ما يقوم مقامه بأن يقول: تركتها وخليت سبيلها.
م: (وقال زفر: من آخر الوطآت) ش: وبه أخذ أبو القاسم الصفار. وقال أبو بكر البلخي: تجب العدة من وقت الفرقة. وقال داود: ولا عدة في النكاح الفاسد م: (لأن الوطء هو السبب الموجب) ش: أي للعدة إذ لو لم يطأها لم تجب العدة.(5/610)
ولنا أن كل وطء وجد في العقد الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة لاستناد الكل إلى حكم عقد واحد، ولهذا يكتفى في كل بمهر واحد فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع جواز وجود غيره، ولأن التمكن على وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه ومساس الحاجة إلى معرفة الحكم في حق غيره. وإذا قالت المعتدة: انقضت عدتي وكذبها الزوج كان القول قولها مع اليمين، لأنها أمينة في ذلك، وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، ثم تزوجها في عدتها، وطلقها قبل الدخول بها فعليه مهر كامل، وعليها عدة مستقبلة، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا أن كل وطء وجد في العقد الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة) ش: تقديره القول بالموجب هو أن يقال: سلمنا أن الوطء هو السبب الموجب هو تمكن جميع الوطآت التي وجد العقد الفاسد بمنزلة وطأة واحدة م: (لاستناد الكل) ش: أي كل الوطآت م: (إلى حكم عقد واحد) ش: وهو بشبهة العقد، وتلك الشبهة إنما ترتفع بالمشاركة، كما في النكاح ترتفع بالطلاق.
م: (ولهذا) ش: إيضاح لقوله: استناد الكل إلى حكم عقد واحد م: (يكتفى في الكل بمهر واحد، فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع جواز وجود غيره، ش: فلا يكون الذي قبله أخيرا، وتقديره أن العدة لا تثبت إلا بآخر وطأة، لا يؤخذ إلا بالتفريق والعزم، والوطء الأخير لا يتوقف عليه لما قلنا: أنه يجوز أن يوجد غيره م: (ولأن التمكن) ش: دليل آخر، أي لأن التمكن من الوطء م: (على وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه) ش: أي لخفاء الوطء م: (ومساس الحاجة) ش: جواب عما يقال: لا نسلم أن حقيقة الوطء أمر خفي بالنسبة إلى الزوجين والحاجة إلى معرفة الزوجين، والحاجة إلى معرفة أيهما، فأجاب بقوله ومساس الحاجة م: (إلى معرفة الحكم في حق غيره) ش: أي غير الواطئ وغيره هو الزوج الذي يريد أن يتزوجها وأخت الموطوءة وأربع سواها.
م: (وإذا قالت المعتدة: انقضت عدتي وكذبها الزوج كان القول قولها مع اليمين، لأنها أمينة في ذلك) ش: أي في إخبارها بانقضاء عدتها لأن هذا لا يعلم إلا من جهتها م: (وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع) ش: بفتح الدال إذا ادعى الرد أو الهلاك وكذبه المودع بكسر الدال. وقال فخر الإسلام: إذا حلفت صدقت، معناه إن حلفت بطلت الرجعة، وإن نكلت لم تبطل، بل بقيت كما كانت. وقال الأترازي: وهذا ليس باستحلاف على الرجعة، بل على بقاء العدة، فلا يرد نقضا على أبي حنيفة يعني لا استحقاق عنده في الرجعة.
[طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا ثم تزوجها في عدتها فطلقها قبل الدخول]
م: (وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، ثم تزوجها في عدتها فطلقها قبل الدخول بها فعليه مهر كامل، وعليها عدة مستقبلة، وهذا) ش: أي هذا الحكم المذكور م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وإنما زاد هذا اللفظ أعني قوله: هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن هذه المسألة من مسائل(5/611)
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها نصف المهر، وعليها إتمام العدة الأولى؛ لأن هذا طلاق قبل المسيس فلا يوجب كمال المهر، ولا استئناف العدة وإكمال العدة الأولى إنما يجب بالطلاق الأول، إلا أنه لم يظهر حال التزوج الثاني، فإذا ارتفع بالطلاق الثاني ظهر حكمه، كما لو اشترى أم ولد ثم أعتقها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القدوري، ولم يذكر فيها أبا حنيفة وأبا يوسف. وإنما قال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا إلى قوله: وعليها عدة مستقبلة ثم قال مثل ما قال المصنف.
م: (وقال محمد: لها نصف المهر وعليها إتمام العدة الأولى) ش: وعند زفر يجب نصف المهر الثاني ولا عدة عليها، وعلى هذا الخلاف إذا تزوجت المرأة غير كفء ودخل بها وفرق القاضي بينهما بخصومة الولي وألزمه المهر وألزمها العدة، ثم تزوجها في عدتها بغير ولي ففرق القاضي بينهما قبل أن يدخل بها كان لها عليه المهر الثاني كاملا وعليها عدة مستقبلة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. ولو كان تزوجها بعد انقضاء العدة كان لها نصف المهر في قولهم جميعا.
كذا ذكر الحاكم الشهيد في " الكافي " في باب الأكفاء. وفي " شرح الكافي " قوله: طلاقا بائنا، وكذا لو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق ثم تزوجها في العدة، ثم قال: وصورتها أنها تزوجت بغير كفء، وقد ذكرناها الآن.
وفي " الذخيرة " هذه المسائل مبنية على أصل واحد وهو أن الدخول في النكاح الأول هل يكون دخولا في النكاح الثاني أم لا، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يكون، وهو رواية عن أحمد. م (لأن هذا طلاق قبل المسيس) ش: أي قبل الدخول والخلوة الصحيحة م: (فلا يوجب كمال المهر) ش: وكل طلاق هكذا لا يوجب كمال المهر بل هو منصف المهر بالنص م: (ولا استئناف) ش: أي ولا يوجب إليها استئناف م: (العدة) ش: لأن العدة لا تجب في الطلاق في الطلاق قبل المسيس بالنص أيضا.
م: (وإكمال العدة الأولى إنما يجب بالطلاق الأول، إلا أنه لم يظهر) ش: يعني إكمال العدة الأولى م: (حال التزوج الثاني) ش: لعدم اختلاط المياه م: (فإذا ارتفع) ش: أي التزوج الثاني م: (بالطلاق الثاني ظهر حكمه) ش: أي حكم الطلاق الأول، لأنه لما طلقها ثانيا بلا دخول فصار النكاح الثاني كالمعدوم، فيجب عليه إكمال العدة الأولى م: (كما لو اشترى أم ولده ثم أعتقها) ش: صورته رجل اشترى امرأته وهي أمة فولدت منه فسد النكاح وكانت حلالا له بالملك، فلا بأس بأن تتزين ولا تبقي الطيب لأنها غير معتدة في حقه، لأن العدة أثر النكاح، فلما كان الملك ينافي أثر النكاح، لكنها معتدة في حق غيره، حتى إذا أراد أن يزوجها من غيره ليس له ذلك، حتى تحيض حيضتين، فإن التفرقة بعد الدخول، فكانت معتدة في حق غيره. ثم إذا اعتقها بعد الشراء فعليها ثلاث حيض، لأنها صارت أم ولد حين اشتراها بعدما ولدت بالنكاح، وعلى أم(5/612)
ولهما أنها مقبوضة في يده حقيقة بالوطأة الأولى، وقد بقي أثره، وهو العدة، فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة ناب ذلك القبض عن القبض المستحق في هذا النكاح، كالغاصب يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد العقد، فوضح بهذا أنه طلاق بعد الدخول. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا عدة عليها أصلا؛ لأن الأولى قد سقطت بالتزوج، فلا تعود، والثانية لم تجب، وجوابه ما قلنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الولد ثلاث حيض، لكنها تتقي الطيب والزينة في الحيضتين الأوليين استحسانا. وفي القياس ليس لها ذلك، لأن الحداد لم يلزمها عند وقوع الفرقة، فلا يلزمها بعد ذلك. وجه الاستحسان أن العدة وجبت عليها بالفرقة لكنها لم تظهر ذلك في حق المولى لكونها حلالا له بالملك، فظهرت بتلك العدة وحق المولى والعدة بعد الفرقة من نكاح صحيح يجب فيها الحداد، فأما في الحيضة الثالثة فلا حداد عليها، لأنها لم تجب بسبب النكاح بل بالعتق، ولا حداد على أم الولد.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنها مقبوضة في يده) ش: أي أن أم الولد مقبوضة في يد مولاها م: (حقيقة بالوطأة الأولى) ش: إذ الوطء في هذا الباب بمنزلة القبض م: (وقد بقي أثره) ش: أي والحال أنه بقي أثر الوطء، والأول م: (وهو العدة، فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة) ش: بالدخول في النكاح الأول م: (ناب ذلك القبض) ش: أي في الدخول الأول م: (عن القبض المستحق في هذا النكاح) ش: فإذا طلقها صار كأنه طلقها بعد الدخول في النكاح الثاني، فيجب عليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة.
فإن قيل: لو كان الطلاق بعد النكاح الثاني كالنكاح بعد الدخول لكان صريحا معقبا للرجعة، كالطلاق الصريح بعد الدخول، وليس كذلك. فإن الواقع بائن.
أجيب: بأنه ليس بطلاق بعد الدخول، وإنما هو كالطلاق بعد الدخول، والمساواة للشيء لا يلزم أن يساويه في جميع الوجوه، ألا ترى أن الخلوة كالدخول في حق تكميل المهر ووجوب العدة لا فيما سواهما، حتى لو طلقها بعد الخلوة كان الواقع بائنا. م: (كالغاصب يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد العقد) ش: شبه الحكم المذكور بحكم الغاصب الذي اشترى المغصوب الذي في يده من المالك يصير قابضا بقبض الذي يتم به العقد م: (فوضح بهذا) ش: أي فظهر بما قررناه من الدليل م: (أنه) ش: أي هذا الطلاق م: (طلاق بعد الدخول) ش: تشبيها لا تحقيقا، بدليل قوله قبله ناب ذلك القبض عن القبض المستحق.
م: (وقال زفر: لا عدة عليها أصلا، لأن الأولى) ش: أي العدة الأولى م: (قد سقطت بالتزوج فلا تعود) ش: لأن الساقط لا يعود م: (الثانية) ش: أي العدة الثانية م: (لم تجب) ش: لأنه طلاق قبل الدخول م: (وجوابه ما قلنا) ش: أي جواب زفر ما قلنا من الدليل، وهو أنها مقبوضة في يده ببقاء أثر القبض، وهو العدة.(5/613)
وإذا طلق الذمي الذمية فلا عدة عليها، وكذا إذا خرجت الحربية إلينا مسلمة، فإن تزوجت جاز، إلا أن تكون حاملا، وهذا كله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: عليها وعلى الذمية العدة، أما الذمية فالاختلاف فيها نظير الاختلاف في نكاحهم محارمهم، وقد بيناه في كتاب النكاح. وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا كان معتقدهم أنه لا عدة عليها. وأما المهاجرة فوجه قولهما أن الفرقة لو وقعت بسبب آخر وجبت العدة، فكذا بسبب التباين، بخلاف ما إذا هاجر الرجل وتركها لعدم التبليغ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[تزوج الذمية المطلقة من الذمي بلا عدة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا طلق الذمي فلا عدة عليها، وكذا) ش: أي وكذا لا عدة م: (إذا خرجت الحربية) ش: من دار الحرب م: (إلينا) ش: أي إلى دار الإسلام حال كونها م: (مسلمة) ش: والإسلام ليس بشرط في عدم وجوب العدة، بل الشرط هو الخروج على سبيل المراغمة، أي المغاصبة، وعلى نية أن لا تعود إلى دار الحرب أبدا، يقال فلان راغم قوله، إذا نابذهم وخرج عنهم، ذكره التمرتاشي، وقال: خرج أحد الزوجين إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا والآخر على حربه ثم فقد زالت الزوجية.
م: (فإن تزوجت) ش: أي هذه كمهاجرة إلى دار الإسلام م: (جاز) ش: ولا عدة عليها م: (إلا أن تكون حاملا) ش: فلا تزوج حتى تضع حملها وعليه نص الحاكم الشهيد في " الكافي ".
وقال الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ": وروى محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن مع الحبل يجوز نكاح المهاجرة ولكن لا يقربها زوجها، والصحيح جواب الكتاب يعني لا يجوز تزوجها مع الحبل م: (وهذا) ش: أي وهذا المذكور م: (كله عند أبي حنيفة. وقالا) ش: أي وقال أبو يوسف ومحمد م: (عليها) ش: أي على التي خرجت من دار الحرب م: (وعلى الذمية) ش: التي طلقها زوجها م: (العدة، أما الذمية فالاختلاف فيها نظير الاختلاف في نكاحهم محارمهم) ش: يعني أن نكاح المحارم فيما بينهم صحيح عنده إذا كان معتقدهم ذلك.
م: (وقد بيناه في كتاب النكاح) ش: في باب النكاح أهل الشرك م: (وقول أبي حنيفة فيما إذا كان معتقدهم أنه لا عدة عليها) ش: يعني قول أبي حنيفة في جواز تزوج الذمية المطلقة من الذمي بلا عدة إنما يجوز إذا كان في اعتقاد أهل الذمة جواز ذلك.
م: (وأما المهاجرة) ش: التي هاجرت من دار الحرب إلى دار الإسلام م: (فوجه قولهما) ش: في ذلك م: (أن الفرقة) ش: بين الزوجين الذميين م: (لو وقعت بسبب آخر) ش: كالطلاق م: (وجبت العدة فكذا) ش: يجب م: (بسبب التباين) ش: من دار الحرب م: (بخلاف ما إذا هاجر الرجل) ش: أي الزوج إلى دار الإسلام م: (وتركها) ش: في دار الحرب لا تجب العدة عليها بالاتفاق م: (لعدم التبليغ) ش: أي لعدم تبليغ حكم الشرع إليها.(5/614)
وله قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية 10) ، ولأن العدة حيث وجبت كان فيها حق بني آدم، والحربي ملحق بالجماد، حتى كان محلا للتملك، إلا أن تكون حاملا؛ لأن في بطنها ولدا ثابت النسب، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز نكاحها ولا يطأها كالحبلى من الزنا، والأول أصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (قَوْله تَعَالَى {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة: الآية10) ش: نفى الجناح في نكاح المهاجرات مطلقا، فتقييده بما بعد انقضاء العدة زيادة على النص م: (ولأن العدة) ش: دليل معقول، تقديره أن العدة م: (حيث وجبت كان فيها حق بني آدم) ش: لأنها تجب صيانة لماء محترم، ولهذا لا يجب قبل الدخول م: (والحربي ملحق بالجماد، حتى كان محلا للتملك) ش: يباع في الأسواق كالبهائم م: (إلا أن تكون حاملا) ش: يجوز أن يكون استثناء من قوله: والحربي ملحق بالجماد، لأن معناه والحربي لا حق له، إلا أن تكون امرأة حاملا م: (لأن في بطنها ولدا ثابت النسب) ش: والفراش قائم بنكاحها، فيستلزم الجمع بين الفراشين، ولا كذلك إذا لم تكن حاملا.
فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] (الممتحنة الآية 10) ، مطلق لا يفصل بين الحامل والحائل، فتقييده بالحمل زيادة على النص فلا يجوز.
قلت: إن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره» حديث مشهور تلقته الأئمة بالقبول فيجوز به الزيادة، بخلاف العدة، فإنه ليس فيها مثله.
م: (وعن أبي حنيفة) ش: رواه الحسن م: (أنه يجوز نكاحها ولا يطأها كالحبلى من الزنا) ش: أي لا حرمة لماء الحربي كماء الزنا م: (والأول) ش: وهو عدم صحة نكاحها م: (أصح) ش: لأن الحمل من الزنا لا نسب له، وهنا النسب ثابت من الحربي.
ثم اعلم أن المصنف لم يذكر في هذا الباب وجوب العدة على الصغيرة والمكاتبة.
وفي " الذخيرة " طلق الصغيرة بعد الدخول تعتد بثلاثة أشهر، وعن الفضلي إذا كانت مراهقة فعدتها لا تنقضي بالأشهر، بل يوقف حالها إلى أن يظهر إنها حبلت بذلك الوطء أم لا، فإن ظهر كانت عدتها بوضع الحمل، وإلا فبالأشهر، ولو حاضت في الأشهر تستأنف العدة.
واختلف مشايخنا في إطلاق إيجاب العدة على الصغيرة، وأكثر المشايخ لا يطلقون لفظ وجوب العدة لأنها غير مخاطبة، لكن ينبغي أن يقال تعتد وتجب العدة على الكتابية إذا كانت تحت مسلم كالمسلمة لو كانت تحت ذمي، فلا عدة عليها في موت، ولا فرق عند أبي حنيفة، وعندهما تجب.(5/615)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واختلف العلماء في عدة المستحاضة، فعندنا هي وغيرها سواء، لأنها إذا كانت صاحبة العادة ردت إلى أيام عادتها، والمبتدأة والناسية عادتها تعتد بثلاثة أشهر، وعند الشافعي، وأحمد ثلاثة أشهر إذا لم يوجد تمييز. وقال مالك: سنة في الطلاق كالوفاة فتسعة أشهر استبراء، وثلاثة أشهر عدة حرة كانت أو أمة أو كتابية.(5/616)
فصل قال: وعلى المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الحداد، أما المتوفى عنها زوجها فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[ما يجب على المعتدات من الفعل والترك]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان ما يجب على المعتدات من الفعل والترك.
م: (قال) ش: أي القدوري في مختصره م: (وعلى المبتوتة) ش: هذه اللفظة تقع على المطلقة بائنا أو ثلاثا، وعلى المختلعة م: (والمتوفى عنها زوجها إذا كانت بالغة مسلمة الحداد) ش: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الدالين المهملتين مصدر من حدت المرأة إذا تركت الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها، وهو من نصر ينصر، وضرب يضرب، وفتح يفتح، وأحدت المرأة أيضا إحدادا. وأبي الأصمعي إلا أحدت، فهي محد، كذا قاله ابن دريد. وقال ابن شداد في "أحكامه": أحد وحد لغتان، وهو من الحد، وهو المنع، وأنها منعت نفسها، والحداد أيضا ثبات الماء ثم السود.
م: (أما المتوفى عنها زوجها فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (لا «يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية قالت: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار وفي لفظ البخاري ومسلم: وقد رخص للمرأة في طهرها إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من قسط أو أظفار» .
وقال الأكمل: وفي وجه الاستدلال بهذا الحديث إشكال، لأن مقتضاه إحلال الإحداد للمتوفى عنها زوجها، لكون الاستثناء من التحريم إحلال، وليس الكلام فيه، وإنما هو في الإيجاب، ثم قال: وقال في " النهاية " يمكن أن يقال قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحل نفي إحلال الإحداد نفسه، فحينئذ كان في المستثنى إثبات الإحداد لا محالة وكان تقدير الحديث لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا المتوفى عنها زوجها فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا، فكان هذا إخبارا بإحداد المتوفى عنها زوجها فكان واجبا، لأن إخبار الشرع آكد من الأمر، وهذا نسب ما وجدت من الشرع، انتهى.
قلت: هذا التعسف لغة من التقصير من النظر في تمام الحديث، فإن المصنف أيضا ما أخرج الحديث بتمامه، وقد ذكرناه، وفيه تصريح بوجوب الإحداد على ما لا يخفى على المتأمل والعصب من برود اليمين يصنع غزله ثم يحاك، قوله نبذة من قسط بضم القاف، وسكون السين(5/617)
وأما المبتوتة فمذهبنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا حداد عليها لأنه وجب إظهارا للتأسف على فوت زوج، وفى بعهدها إلى مماته وقد أوحشها بالإبانة، فلا تأسف بفوته.
ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نهى المعتدة أن تختضب بالحناء، وقال: الحناء طيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المهملة، وهو ضرب من العود، وقيل ضرب من الطيب لا واحد له من لفظه. وقيل واحدة ظفر، ويروى من قسط ظفار بدون الألف بوزن قطام، وهو اسم مدينة لحمير باليمن، قوله - نبذة - أي قطعة، وهو بضم النون وسكون الباء الموحدة، والمتوفى عنها زوجها تحد وعليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو مذهب أصحابنا وسفيان والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق سواء كانت حاملا أو غيرها. وقال الشعبي والحسن البصري والحكم بن عتيبة: لا يجب وقالت الظاهرية: فرض عليها الإحداد.
فإن قيل الإحداد التأسف على فوت النعم، وذلك مذموم، قال الله تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23] الحديد الآية 23، فكيف صار واجبا بالخبر معارضا بالكتاب أجيب بأن المراد بقوله تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23] ... الآية، الأسى مع الصباح، والفرح مع الصياح نقل عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (وأما المبتوتة فمذهبنا) ش: وبه قال الشافعي في القديم وأحمد في رواية م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في الجديد م: (لا حداد عليها) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية.
وفي " المنهاج " يستحب، وفي قول يجب م: (لأنه) ش: أي لأن الإحداد م: (وجب إظهارا للتأسف على فوت زوج، وفي بعهدها إلى مماته) ش: أي وفي تعهد المرأة ما فاتها من حسن العشرة، إلا أن فرق الموت بينهما م: (وقد أوحشها بالإبانة) ش: حيث أساء إليها بالفراق وإيثاره غيرها عليها م: (فلا تأسف بفوته) ش: أي بفوت هذا الزوج.
م: (ولنا ما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نهى المعتدة أن تختضب بالحناء، وقال: «الحناء طيب» ش ظاهر ما ذكره المصنف يدل على أنه حديث، ذكره السروجي حديثا واحدا لا كما زعم السروجي. وقال مخرج الأحاديث: هذا وهم منه، لأن المصنف استدل بهذا الحديث على أن المبتوتة عليها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها، وفيه خلاف الشافعي، فتعين أن يكون الحديث واحدا.
فإن قلت: استدل بعضهم بقول المصنف، ولنا ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى قوله، وقال: «الحناء طيب» بحديث أخرجه أبو داود في سننه عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولاة لها «عن أم سلمة، قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا في عدتي من وفاة أبي سلمة "لا تمتشطي(5/618)
ولأنه يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها وكفاية مؤنها، والإبانة أقطع لها من الموت، حتى كان لها أن تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب" قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال "بالسدر تغلفين به رأسك".»
قلت: حديث أبي داود هذا أجنبي عن المقصود على ما لا يخفي، فالاستدلال به غير مطابق. وقوله - نهى المعتدة - أعم من أن تكون معتدة الوفاة ومعتدة الطلاق، وتمام الحديث الحناء طيب.
فالحديث حديث واحد أخرجه البيهقي في كتاب المعرفة في الحج عن ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله بن الأشج «عن خولة بنت حكيم عن أمها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تطيبي وأنت محرمة، ولا تمسي الحناء فإنه طيب، وعزاه السروجي في الغاية إلى النسائي، لفظه: " نهى المعتدة عن التكحيل والدهن والخضاب بالحناء "، وقال: " الحناء طيب".» وقال البيهقي: إسناده ضعيف، قال ابن لهيعة: لا يحتج به.
قلت: تكلموا فيه كثيرا، ولكن روي عن أحمد قال: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثة وضبطه وإتقانه، وحدث عنه أحمد كثيرا، وروى له مسلم مقرونا بعمرو بن الحارث.
روى له الأربعة، والطحاوي.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الإحداد م: (يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذي هو سبب لصونها) ش: أي لصون المرأة عن ارتكاب ما لا يجوز م: (وكفاية مؤنها) ش: ولأجل كفاية مؤنها وهو جمع مؤنة من نفقتها وكسوتها م: (والإبانة أقطع لها) ش: أي لنعمة النكاح م: (من الموت) ش: لأن حكم النكاح باق بعد الوفاة إلى أن تنقضي العدة م: (حتى كان لها أن تغسله) ش: أي حتى كان للمرأة أن تغسل زوجها، حال كونه م: (ميتا قبل الإبانة لا بعدها) ش: لأنه لا يبقى النكاح بعدها أصلا.
فإن قيل: المبتوتة تتأسف، فكيف تتأسف المختلعة وقد افتدت نفسها بالمال لطلب الخلاص منه؟ وكذا المبانة كيف تتأسف، وقد كفاها بالإبانة وآثر غيرها عليها؟ بل تظهر السرور بالتخلص من مثل هذا الزوج كما قال الخصم. أجيب بأن وجوب الإحداد دائر بفوت النكاح الصحيح بالمشيئة لا باعتبار وفاء الزوج وجفائه، وفي هذا لا فرق بين المختلعة والمبتوتة.
فإن قيل: لو كان كذلك ينبغي أن تجب على الأزواج كما تجب على الزوجات، لما أن نعمة النكاح مشترك بينهما. أجيب بأن النص لم يرد إلا في الزوجات، والأزواج ليسوا في معناهن لكونهم أدنى منهم في نعمة النكاح، لما فيه من صيانتهن، وورود النفقة عليهن لكونهن(5/619)
والحداد، ويقال الإحداد، وهما لغتان، أن تترك الطيب، والزينة، والكحل، والدهن والمطيب، وغير المطيب، إلا من عذر، وفي " الجامع الصغير ": إلا من وجع. والمعنى فيه وجهان: أحدهما: ما ذكرناه من إظهار التأسف، والثاني: أن هذه الأشياء دواعي الرغبة فيها، وهي ممنوعة عن النكاح فتجتنبها كيلا تصير ذريعة إلى الوقوع في المحرم، وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأذن للمعتدة في الاكتحال، والدهن لا يعرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضعائف عن الكسب عواجز عن التغلب، ولا كذلك الأزواج.
[تعريف الإحداد وأحكامه]
م: (والحداد ويقال الإحداد) ش: أراد بهذا تعريف الإحداد، وكان موضعه في أول الكلام. قوله - الحداد - مبتدأ وخبره قوله أن يترك الطيب.. إلى آخره. وقوله: ويقال الإحداد جملة معترضة، أي يقال في الإحداد الحداد أيضا م: (وهما لغتان) ش: جملة معترضة، أي الحداد بلا همزة في أوله، والإحداد بهمزة لغتان مستعملتان، وقد مضى الكلام فيه عن قريب م: (أن تترك الطيب) ش: أي تترك المعتدة استعمال الطيب م: (والزينة) ش: أي واستعمال الزينة م: (والكحل) ش: يضم الكاف، أي بترك الكحل، وهو مصدر، وبالضم اسم م: (والدهن) ش: أي واستعمال الدهن م: (والمطيب، وغير المطيب إلا من عذر) ش: هكذا لفظ القدوري ولفظ محمد.
م: (وفي " الجامع الصغير ": إلا من وجع) ش: وهو إشارة إلى أن العذر هو التداوي م: (والمعنى فيه وجهان) ش: أي في إيجاب ترك الطيب والزينة وجهان م: (أحدهما ما ذكرناه من إظهار التأسف) ش: على زوال النكاح م: (والثاني) ش: أي وجه الثاني م: (أن هذه الأشياء) ش: أي الطيب والزينة والكحل والدهن م: (دواعي الرغبة فيها) ش: أي في المرأة، لأنها إذا كانت مطيبة متزينة تزيد رغبة الرجل فيها فوق ما يكون إذا كانت خالية عن الأشياء المذكورة م: (وهي ممنوعة عن النكاح) ش: أي المرأة المحدة ممنوعة عن النكاح، ما دامت في عدة النكاح والوفاة م: (فتجتنبها) ش: أي إذا كان الأمر كذلك تجتنب هذه المحدة الأشياء المذكورة م: (كيلا تصير ذريعة) ش: أي كيلا تصير هذه الأشياء وسيلة م: (إلى الوقوع في المحرم) ش: أي الحرام.
م: (وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأذن للمعتدة في الاكتحال) ش: أراد بالمعتدة التعميم، ولم يرد غير المتوفى عنها زوجها خاصة، كذا قال مخرج الأحاديث في تخريجه. وقوله: وقد صح النهي عن الاكتحال، فإن الأئمة الستة قد أخرجوه في "كتبهم" مختصرا ومطولا «عن زينب بنت أم سلمة عن أمها امرأة توفي عنها زوجها فخافوا على عينها، فأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذنوه في الكحل، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا مرتين أو ثلاثة - حتى تمضي أربعة أشهر وعشر» وأما على الدهن فلم يصح شيء، غير أنه إذا كان طيبا فظاهر أنها ممنوعة عن الطيب وإن لم يلق فيه على ما يجيء الآن.
م: (والدهن) ش: مبتدأ وقوله: م: (لا يعرى) ش: خبره، وأشار بهذا إلى أن الدهن ممنوع(5/620)
عن نوع طيب وفيه زينة الشعر، ولهذا يمنع المحرم عنه، قال: "إلا من عذر" لأنه فيه ضرورة، والمراد الدواء لا الزينة، ولو اعتادت الدهن فخافت وجعا فإن كان ذلك أمرا ظاهرا يباح لها؛ لأن الغالب كالواقع، وكذا لبس الحرير إذا احتاجت إليه لعذر لا بأس به. ولا تختضب بالحناء، لما روينا. ولا تلبس ثوبا مصبوغا بعصفر، ولا بزعفران؛ لأنه يفوح منه رائحة الطيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مطلقا لأنه في ذاته لا يعرى م: (عن نوع طيب) وأن لم يلق فيه الطيب، ولهذا قال: عن نوع طيب م: (وفيه زينة الشعر) ش: لأنه يحسنه ويزيد فيه بهجة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه زينة للشعر م: (يمنع المحرم عنه) ش: فلا يجوز استعماله م: (قال: إلا من عذر) ش: أي قال القدوري: تترك المحدة الأشياء المذكورة من الطيب والزينة والكحل والدهن إلا من عذر وضرورة وقعت، فحينئذ يجوز (لا) الادهان والاكتحال على وجه الزينة، كما إذا كان بها صداع فدهنت رأسها واشتكت عينيها فاكتحلت، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: م: (لأن فيه ضرورة، والمراد الدواء لا الزينة) ش: أي لا قصد الزينة، لأن الزينة ممنوعة.
م: (ولو اعتادت الدهن) ش: بفتح الدال م: (فخافت وجعا) ش: في رأسها أو في عضو من أعضائها م: (فإن كان ذلك أمرا ظاهرا) ش: أي كان خوفها الوجع ظاهرا غالبا م: (يباح لها، لأن الغالب كالواقع) فتحقق الضرورة م: (وكذا لبس الحرير) ش: أي وكذا يجوز لها لبس الحرير م: (إذا احتاجت إليه لعذر لا بأس به) ش: والعذر نحو الحكة والقمل ونحوهما، وروى البخاري ومسلم مسندا إلى أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «رخص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة كانت بهما» وقال مالك: يباح للمعتدة لبس الحرير الأسود.
وفي " المحيط ": لو اكتحلت وادهنت لرفع أذى يجوز، وللزينة لا يجوز وتمتشط بالأسنان الواسعة لا بالأسنان الضيقة. وقال الشافعي ومالك وأحمد: يجوز الامتشاط مطلقا، وعندهم لها أن تدخل الحمام وتغسل رأسها بالخطمي والسدر. وأجمعوا على منع الأدهان المطيبة، واختلفوا في غير المطيبة، فعندنا والشافعي حرام لغير الضرورة. وعند مالك وأحمد والظاهرية تدهن بالزيت والسيرج الغير المطيب.
م: (ولا تختضب بالحناء لما روينا) ش: أراد به قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الحناء طيب» ومر الكلام فيه م: (ولا تلبس ثوبا مصبوغا بعصفر ولا زعفران، لأنه يفوح منه رائحة الطيب) ش: وفي " الكافي " إلا إذا لم يكن لها ثوب إلا المصبوغ، فحينئذ لا بأس به لضرورة ستر العورة، ولكن لا تقصد الزينة. قال الإمام الحلواني: والمراد بالثياب المذكورة الجدد منها، أما الخلق منها لا يقع به الزينة فلا بأس، به ويباح لها لبس الأسود عند الأئمة الأربعة أن لا يقصد به الزينة بل أبلغ في الحدادة. قالت الظاهرية: يجتنب عن لبس السواد كما في المصبوغ بالحمرة والخضرة، ولا تخفر المعتدة على الطيب ولا تجزئه ولا تبيعه و (لو) لم يكن كسب إلا منه، ولم يوافق عليه.(5/621)
قال: ولا إحداد على كافرة؛ لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع، ولا على صغيرة؛ لأن الخطاب موضوع عنها، وعلى الأمة الإحداد لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى، بخلاف المنع من الخروج من البيت في العدة؛ لأن فيه إبطال حقه وحق العبد مقدم لحاجته. قال: وليس في عدة أم الولد ولا في عدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال محمد في " النوادر ": لا يحل الإحداد لمن مات أبوها أو ابنها أو أمها أو أخوها، فإنما هو في حق الزوج خاصة. قيل: أراد بذلك فيما زاد على الثلاثة إذ في الحديث إباحة الإحداد للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام. ولم يحك خلافا في " المنهاج " لها الإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام وتحرم الزيادة.
[الحداد على الكافرة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا إحداد على كافرة، لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع) ش: وقال الشافعي ومالك والظاهرية: عليها الإحداد م: (ولا على صغيرة، لأن الخطاب موضوع عنها) ش: يعني غير داخلة في الخطاب، وعند هؤلاء عليها الحداد، وفي عدة الوفاة.
فإن قلت: ما الفرق بين الحداد والعدة؟ حيث تجب العدة على الصغيرة.
قلت: لا نسلم أن العدة تجب عليها، لأنها ليست بمخاطبة، بل الولي يؤمر بأن لا يزوجها حتى تنقضي العدة لحق الشرع، ولهذا شرط الإيمان لوجوبه، وإنما يشترط الإيمان لحق الله تعالى، فعلى هذا لا حاجة إلى الفرق لعدم وجوب العدة أيضا.
م: (وعلى الأمة الإحداد، لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى) ش: لأن فروع الشرع التي ليس فيها إبطال حق المولى يلزم المملوكة كالصوم والصلاة فيلزمها الحداد م: (بخلاف المنع من الخروج من البيت في العدة، لأن فيه) ش: أي في منعها من الخروج م: (إبطال حقه) ش: أي حق المولى من الاستخدام ونحوه، ولا يفوت الإحداد بذلك.
م: (وحق العبد مقدم) ش: على حق الشرع م: (لحاجته) ش: أي لحاجة العبد، واستغناء الشرع، ألا ترى أن للمولى منعها من النوافل، ومنع المعتدة من شهود الجمعة والجماعة. وكذا الحكم في المدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة والمنكوحات في الوفاة والطلاق لفوات نعمة النكاح، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد.
فإن قلت: لو وجب الحداد لفوات نعمة النكاح لوجب بعد شراء منكوحته لزوال النكاح بالشراء.
قلت: لم يفت الحال ببقائه بملك اليمين.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس في عدة أم الولد) ش: يعني إذا أعتقت م: (ولا في عدة(5/622)
النكاح الفاسد حداد؛ لأنه ما فاتها نعمة النكاح لتظهر التأسف، والإباحة الأصل.
ولا ينبغي أن تخطب المعتدة، ولا بأس بالتعريض في الخطبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النكاح الفاسد إحداد؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ما فاتها نعمة، النكاح لتظهر التأسف) ش: أما أم الولد إنما يجب عليها العدة بالعتق الذي يزول به ذلك العتق، فالمناسب لذلك السرور لا الحزن، لأن ما فاتها نعمة، بل حصل نعمة الحرية التي صارت بها أهلا للولاية، وأما النكاح الفاسد، وكذا الوطء عن شبهة، فلا يلزم الحداد م: (الإباحة الأصل) ش: كان ينبغي أن يقول الأصل الإباحة. قال الأترازي: أرد بها إباحة الزينة لها، وذلك لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] (الأعراف الآية 32) ، وقال الكاكي: أي إباحة الزينة أصل خصوصا في حق النساء. وقال الأكمل: الأصل هو الإباحة في الزينة. وقال السغناقي: إباحة الزينة أصل، والكل في الحقيقة معنى واحد.
وقال تاج الشريعة: فإن قلت: ما وجه إيراد قوله: والإباحة أصل؟
قلت: وجهة أنه لما ذكر قوله: فإنها نعمة النكاح يمكن أن يقال عليه إن هذا تعليل بالعدم، وإنه لا يصح، فأجاب بقوله: والإباحة أصل، يعني أنه لا يثبت بعدم فوات نعمة النكاح، بل بالأصل المقتضي للإباحة السالم من وجود العلة المحرمة للزينة، انتهى.
قلت: تخصيص إباحة الزينة بكونها أصلا على الانفراد لا وجه له؛ لأن الأصل الإباحة في كل الأشياء التي منعت قولا أو فعلا على أن مذهب فخر الإسلام أن الإباحة ليست بأصل.
[نكاح المعتدة]
م: (ولا ينبغي أن تخطب المعتدة) ش: خطبة التزوج، ونكاح المعتدة لا يجوز، وقد مر في المحرمات م: (ولا بأس بالتعريض في الخطبة) ش: التعريض التلويح، وحقيقته إمالة الكلام إلى غرض يدل على التعرض، منه قوله- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» ، وذلك مثل أن يقول: إنك لجميلة، وإنك لشابة، وإن النساء لمن حاجتي، فلعل الله يسوق إليك خيرا وما أشبه ذلك من الإشارة دون التصريح بالنكاح أن لا يجوز أن يقول صريحا: أريد أن أنكحك أو أتزوجك أو أخطبك؛ لأن الخطبة التزوج كما ذكرنا، والفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن يذكر الشيء بغير اللفظ الموضوع له كقولك: طويل النجاد لطويل القامة، كثير الرماد للمضياف.(5/623)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] البقرة الآية: (235) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتعريض أن يذكر شيئا يدل على شيء لم يذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك، ولأنظر إلى وجهك، قاله الزمخشري. وقال تاج الشريعة: التعريض الكلام دلالة ليس له فيها ذكر، كقولك: ما أقبح البخل تعريض بأنه بخيل، والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف كقولك: فلان طويل النجاد، يعني طويل القامة. كثير الرماد، يعني أنه مضياف. وفي شرح التأويلات أراد بالتعريض للمتوفى عنها زوجها، إذا التعريض لا يجوز في المطلقة بالإجماع، لأنه لا يجوز لها الخروج من مهر لها أصلاَ فلا يتمكن من التعريض على وجه لا يخفى عن الناس.
وأما المتوفى عنها زوجها لها الخروج نهارا فيمكنه التعريض على وجه لا يقف عليه سواها، وأجمعوا على منع الخطبة جواز التعريض في المتوفى عنها زوجها. وفي " المنهاج ": لا تعريض لرجعية، ويحل في عدة الوفاة. وكذا في البائن في الأظهر.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] (البقرة الآية: 235) ش: قَوْله تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 235] أي: لا إثم عليكم أن تعرضوا بخطبة النساء في عدتهن من وفاة أزواجهن من غير تصريح. قَوْله تَعَالَى: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ} [البقرة: 235] أي أسررتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين، والمستدرك بقوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة: 235] محذوف تقديره علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أي وطأ، لأنه مما يسر.
وقال الحسن والنخعي وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان والسري: يعني الزنا، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] لا تقولوا لها: إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجني غيري، ونحو هذا، قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا والاستثناء يتعلق بقوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ} [البقرة: 235] أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة، فسر القول المعروف سعيد بن جبير بما ذكره المصنف على ما يجيء الآن، وكذا فسره مجاهد والثوري والسدي. وقال ابن سيرين: قلت لعبيدة ما معنى قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] ؟ قال: يقول لوليها: لا تسبقني بها، يعني لا تزوجها حتى تعلمني، رواه ابن أبي حاتم.(5/624)
وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: السر النكاح، وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - التعريض أن يقول: إني أريد أن أتزوج، وعن سعيد بن جبير في القول المعروف: إني فيك لراغب وإني لأرجو أن نجتمع.
ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل، ولا تبيت في غير منزلها، أما المطلقة فلقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية: 1) قيل الفاحشة نفس الخروج. وقيل: الزنا ويخرجن لإقامة الحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «السر النكاح» ش: هذا غريب، قاله مخرج الأحاديث، أراد أنه لم يثبت ولم يتعرض إليه أحد من الشراح، غير أن الأترازي قال: ولنا في صحة هذا الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نظر.
م: (وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: التعريض أن يقول إني أريد أن أتزوج) ش: أخرجه البخاري عن مجاهد عن ابن عباس: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235] يقول: إني أريد التزوج ولوددت أن يتيسر لي امرأة صالحة.
م: (وعن سعيد بن جبير في القول المعروف: إني فيك لراغب، وإني لأرجو أن نجتمع) ش: أخرجه البيهقي عنه {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قال: يقول إني فيك لراغب، وإني لأرجو أن نجتمع.
[خروج المتوفى عنها زوجها نهارا أو بعض الليل]
م: (ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة) ش: أي المطلقة طلاقا بائنا، إما واحدة بائنة، (أو) ثلاثا م: (الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل، ولا تبيت في غير منزلها) ش: وأوجب المبيت على المتوفى عنها زوجها عمر وعثمان وابن مسعود وابن عمر وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وبه يقول ابن المسيب والقاسم بن محمد والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو عبيدة وجماعة من فقهاء الأمصار، وعن علي وابن مسعود وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أنها تعتد حيث شاءت، وهو قول الحسن وعطاء والظاهرية.
م: (أما المطلقة) ش: أي أما الدليل على عدم جواز خروج المطلقة من بيتها ليلا ونهارا م:
(فلقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية:1) م: (قيل: الفاحشة نفس الخروج) ش: قاله إبراهيم النخعي، وبه قال أبو حنيفة، فيكون معناه إلا أن يكون خروجها فاحشة كما يقال لا يسب النبي إلا كافر، ولا يزني أحد إلا أن يكون فاسقا.
م: (وقيل: الزنا) ش: أي الفاحشة هي الزنا م: (ويخرجن لإقامة الحد) ش: عليهن، قاله ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وبه أخذ أبو يوسف. وقال ابن عباس: هو نشوزها، أو تكون(5/625)
وأما المتوفى عنها زوجها؛ فلأنه لا نفقة لها، فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش، وقد يمتد إلى أن يهجم الليل، ولا كذلك المطلقة؛ لأن النفقة دارة عليها من مال زوجها، حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل: إنها تخرج نهارا، وقيل: لا تخرج؛ لأنها أسقطت حقها، فلا يبطل به حق عليها. وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة والموت؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية: 1) ، والبيت المضاف إليها هو البيت الذي تسكنه، ولهذا لو زارت أهلها وطلقها زوجها كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للتي قتل زوجها: «اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بذية اللسان تبذأ على (أهل) زوجها م: (وأما المتوفى عنها زوجها) ش: أي وأما جواز خروج المتوفى عنها زوجها نهارا أو بعض الليل م: (فلأنه لا نفقة لها، فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش) ش: وقيل: لا تخرج لأنها أسقطت م: (وقد يمتد إلى أن يهجم الليل، ولا كذلك المطلقة؛ لأن النفقة دارة عليها من مال زوجها، حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل: إنها تخرج نهارا وقيل: لا تخرج؛ لأنها أسقطت حقها فلا يبطل به) ش: أي بإسقاط حقها م: (حق عليها) ش: وفي شرح " الكافي " وإن كانت غنية فلها أن تخرج لأنها لا تخاطب بما هو أعظم من هذا في حق الشرع كالصلاة والحدود، وليس للزوج أن يمنعها في الطلاق البائن، لأنه لم يبق لها عليه ملك ولا يتوهم، قالوا: إلا أن تكون مراهقة يتوهم أن تحبل، فحينئذ هي كالكتابية.
م: (وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة والموت؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] (الطلاق الآية:1) ، والبيت المضاف إليها هو البيت الذي تسكنه) ش: نسب البيوت إليهن بحق السكنى، ولما قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] (الأحزاب الآية: 33) ، وإنما البيوت للأزواج، والسكنى عام يشمل البيت المملوك والمستأجر والمستعار جميعا.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل وجوب اعتدادها في المنزل الذي يضاف إليهن بالسكنى م: (لو زارت أهلها وطلقها زوجها، كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه، وقال- عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (للتي قتل زوجها: «اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله") » ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة كلهم من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته «زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألته أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب عبيد أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم، لحقهم فقتلوه.(5/626)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قالت: فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك مسكنا يملكه ولا نفقة.
قالت: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "نعم". قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة (أو في المسجد) ناداني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أو أمر بي فنوديت له) ، فقال: "كيف قلت؟ ": فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: "اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان - رضي الله تعالى- عنه أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به» أخرجه الترمذي. حدثنا الأنصاري، أنبأنا مالك معين أنبأنا مالك عن سعد بن إسحاق إلى آخره، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
أخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك، وأخرجه ابن ماجه من رواية أبي خالد الأحمر.
ورواه أحمد وإسحاق وأبو داود الطيالسي الشافعي وأبو يعلى الموصلي في "مسانيدهم". ورواه ابن حبان في "صحيحه"، وأخرجه الطحاوي من ثمان طرق. وقد طعن ابن حزم فيه، بأنه من طريق زينب بنت كعب بن عجرة، وهي مجهولة، ولا روى عنها غير سعد بن إسحاق بن كعب وهو غير مشهور. وأجيب بأنه لا يلتفت إلى كلامه بعد أن حكم الترمذي بصحته.
وقال ابن المنذر: ثبت دليل حديث زينب وفي تصحيح الترمذي إياه توثيقها وتوثيق سعد بن إسحاق، ولا يضر الثقة أن لا يروي عنه إلا واحد. قال ابن عبد البر: حديث مشهور معروف عند علماء العراق والحجاز، واعلم أنه وقع في رواية يحيى عن مالك عن سعيد بن إسحاق بزيادة الياء بعد العين. وكذا وقع في رواية عبد الرزاق والبخاري في تاريخه، ووقع في رواية الجمهور عن سعد بدون الياء، وهو تصحيف بطرف القدوم بفتح القاف وضم الدال المخففة، وهو اسم موضع على ستة أميال من المدينة.
وجاء في حديث آخر أن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اختتن بالقدوم، قوله: «حتى يبلغ الكتاب(5/627)
وإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها فأخرجها الورثة من نصيبهم، انتقلت لأن هذا انتقال بعذر، والعبادات تؤثر فيها الأعذار، فصار كما إذا خافت على متاعها أو خافت سقوط المنزل أو كانت فيها بأجر ولا تجد ما تؤديه.
ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث، لا بد من سترة بينهما ثم لا بأس لأنه معترف بالحرمة إلا أن يكون فاسقا يخاف عليها منه، فحينئذ تخرج، لأنه عذر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجله» ، يعني لا تخرجي حتى تنقضي عدتك.
فإن قلت: حديث يشكل على المذهب، وهو ما رواه الدارقطني عن محبوب بن محرز عن أبي مالك النخعي عن عطاء بن السائب، «عن علي- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت» .
قلت: قال الدارقطني: لم يسنده غير أبي مالك النخعي، وهو ضعيف. وقال ابن القطان: ومحبوب بن محرز أيضا ضعيف وعطاء مختلط.
م: (وإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها) ش: بأن كان نصيبها وحدها لا يكفيها م: (فأخرجها الورثة من نصيبهم) ش: بأن لم يرضوا بسكناها م: (انتقلت لأن هذا انتقال بعذر، والعبادات تؤثر فيها الأعذار) ش: والدليل عليه ما روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نقل ابنته أم كلثوم حين قتل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من بيت العدة، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان يسكن في دار الإمارة، وقد انتقلت الدار إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (فصار كما إذا خافت على متاعها) ش: في ذلك المنزل من سرقة أو نهب.
م: (أو خافت سقوط المنزل) ش: عليها م: (أو كانت فيها بأجر) ش: يعني بأجرة م: (ولا تجد ما تؤديه) ش: أي لا تقدر على أدائها، وكذا إذا كانت في بعض الرساتيق، فدخل عليها من السلطان أو غيره، فلها أن تنتقل إلى المصر.
م: (ثم إن وقعت الفرقة بطلاق بائن أو ثلاث) ش: أي ثلاث تطليقات م: (لا بد من سترة بينهما) ش: أي بين الرجل والمرأة. قال في " النهاية ": يعني إذا لم يكن للزوج إلا بيت واحد، وكذا هذا في الوفاة، إذا كان في ورثة من ليس بمحرم م: (ثم لا بأس) ش: أي بعد وجود السترة، لا بأس أن يسكنها في بيت واحد م: (لأنه) ش: أي لأن الرجل مسلم م: (معترف بالحرمة) ش: وحال من هو كذا يجتنب الحرام م: (إلا أن يكون فاسقا) ش: استثناء من قوله لا بأس مع السترة م: (يخاف عليها منه، فحينئذ تخرج لأنه عذر) ش: ولو كانت بينهما سترة، فيكون ذلك المنزل كالمنزل الأول، فلا تنتقل منه إلا ببعض الأعذار وهو معنى قوله:(5/628)
ولا تخرج عما انتقلت إليه. والأولى أن يخرج الزوج ويتركها وإن جعلا بينهما امرأة ثقة، تقدر على الحيلولة فحسن. وإن ضاق عليهما المنزل فلتخرج، والأولى خروجه. وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة فطلقها ثلاثا أو مات عنها، فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام، رجعت إلى مصرها لأنه ليس بابتداء الخروج معنى بل هو بناء. وإن كانت مسيرة ثلاثة أيام إن شاءت رجعت، وإن شاءت مضت سواء كان معها ولي أو لم يكن. معناه إذا كان إلى المقصد ثلاثة أيام أيضا، لأن المكث في ذلك المكان أخوف عليها من الخروج، إلا أن الرجوع أولى، ليكون الاعتداد في منزل الزوج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا تخرج عما انتقلت إليه) ش: أي ولا تخرج عن المنزل الذي انتقلت إليه. قالوا في شرح " الجامع الصغير ": وإن أخرج الزوج فهو أولى وهو معنى قوله م: (والأولى أن يخرج الزوج) ش: منال بيت م: (ويتركها) ش: فيه احتراز عن الخروج. م: (وإن جعلا) ش: أي الزوجان م: (بينهما امرأة ثقة تقدر على الحيلولة) ش: أي على كونها حائلة بينهما م: (فحسن) ش: لحصول المقصود. وإن لم يجد امرأة ثقة، فلها الانتقال إلى منزل آخر. ولو كان الزوج غائبا، تعطي أجرة المنزل إذا طلبها صاحبها بإذن القاضي لترجع على الزوج.
م: (وإن ضاق عليهما المنزل فلتخرج) ش: أي المرأة م: (والأولى خروجه) ش: أي خروج الرجل، فيكتري منزلا آخر لنفسه، ويتركها في المنزل الذي وقعت فيه الفرقة م: (وإذا خرجت المرأة مع زوجها إلى مكة فطلقها ثلاثا أو مات عنها) ش: في بعض الطريق م: (فإن كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام رجعت إلى مصرها؛ لأنه ليس بابتداء الخروج معنى) ش: أي من حيث المعنى، لأن خروج المعتدة ما دون السفر مباح م: (بل هو بناء) ش: على الخروج الأول م: (وإن كانت) ش: أي المعتدة بينها وبين مصرها م: (مسيرة ثلاثة أيام إن شاءت رجعت) ش: إلى مصرها م: (وإن شاءت مضت) ش: إلى مقصدها.
م: (سواء كان معها ولي أو لم يكن) ش: أي معنى قول محمد، لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير ". وذكر محمد إن كانت ثلاثة أيام رجعت إلى مصرها، وإن شاءت مضت م: (معناه إذا كان إلى المقصد ثلاثة أيام أيضا؛ لأن المكث في ذلك المكان أخوف عليها من الخروج) ش: أي الخوف عليها أكثر من خوف الخروج بغير محرم. كالتي أسلمت في دار الحرب لها أن تهاجر بغير محرم لخوفها على نفسها ودينها. فهذا في المفازة كذلك ولو كان المصر يقرب منها على غير طريق القافلة، فليس لها أن تختلف عن القافلة. كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (إلا أن الرجوع أولى) ش: استثناء من قوله إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت، أي إلا أن الرجوع إلى مصرها أولى م: (ليكون الاعتداد في منزل الزوج) ش: لأنه حينئذ تقع عدتها في(5/629)
قال: إلا أن يكون طلقها أو مات عنها زوجها في مصر، فإنها لا تخرج حتى تعتد، ثم تخرج إن كان لها محرم وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتد. لهما أن نفس الخروج مباح دفعا لأذى الغربة ووحشة الوحدة. وهذا عذر، وإنما الحرمة للسفر، وقد انقطعت بالمحرم، وله أن العدة أمنع من الخروج من عدة المحرم، فإن للمرأة أن تخرج إلى ما دون السفر بغير محرم. وليس للمعتدة ذلك فلما حرم عليها الخروج إلى السفر بغير محرم ففي العدة أولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المنزل الذي أمرت به في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اسكني في بيتك» .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (إلا أن يكون طلقها أو مات عنها زوجها في مصر) ش: استثناء من قوله إن شاءت رجعت وإن شاءت مضت، يعني أن لها الخيار في ذلك، إلا إذا كانت المفارقة في مصر م: (فإنها لا تخرج حتى تعتد ثم تخرج) ش: يعني بعد انقضاء عدتها م: (إن كان لها محرم وهذا) ش: أي المذكور م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كان معها محرم فلا بأس بأن تخرج من المصر قبل أن تعتد) ش: وهو قول أبي حنيفة أولا م: (لهما) ش: أي أبي يوسف ومحمد م: (أن نفس الخروج مباح) ش: بالاتفاق م: (دفعا لأذى الغربة ووحشة الوحدة، وهذا عذر، وإنما الحرمة للسفر وقد انقطعت) ش: أي الحرمة م: (بالمحرم) ش: أي بوجود المحرم، فصار السفر مع المحرم كما دون السفر بدون المحرم.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن العدة أمنع من الخروج من عدم المحرم، فإن للمرأة أن تخرج إلى ما دون السفر بغير محرم ففي العدة أولى) ش: بأن يحرم، وفي " المحيط " البدوي طلق امرأته، فأراد نقلها، إلى مكان آخر، فإن لم تتضرر، يتركها في ذلك الموضع نفسه وما ليس له ذلك، وإن تضررت فله ذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات.(5/630)
باب ثبوت النسب ومن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها فهو ابنه وعليه المهر، وأما بالنسب فلأنها فراشه؛ لأنها لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح، فقد جاءت به لأقل منها من وقت الطلاق، فكان العلوق قبله في حالة النكاح، والتصور ثابت بأن تزوجها وهو مخالطها، فوافق الإنزال النكاح، والنسب يحتاط في إثباته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ثبوت النسب] [قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها]
م: (باب ثبوت النسب) ش: أي هذا باب في بيان ثبوت النسب لما ذكر أنواع المعتدات ذوات الأقراء والأشهر وأولات الأحمال ذكر ما يلزم من اعتداد أولات الأحمال وثبوت النسب.
م: (ومن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فولدت ولدا لستة أشهر من يوم تزوجها) ش: أي من وقت تزوجها، لأن اليوم قرن بفعل غير ممتد، فيكون بمعنى الوقت، يعني من غير زيادة ولا نقصان، وإنما قيد بهذا لأنها إذا جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر وقت النكاح، لا يثبت النسب لأنها جاءت بالولد بعد الطلاق ظاهرا، فلا يثبت النسب ولا تجب العدة، وكذا إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح، لا يثبت النسب أيضا لأن العلوق يكون حينئذ قبل النكاح. م: (فهو ابنه وعليه المهر وأما النسب) ش: أي أما ثبوت النسب م: (فلأنها) ش: أي لأن المرأة م: (فراشه) ش: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولد للفراش وللعاهرة الحجر» أي لصاحب الفراش والفراش العقد كذا فسره الكرخي م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة م: (لما جاءت بالولد لستة أشهر من وقت النكاح فقد جاءت به) ش: أي بالولد م: (لأقل منها) ش: أي من ستة أشهر، م: (من وقت الطلاق فكان العلوق قبله) ش: أي قبل الطلاق م: (في حالة النكاح، والتصور ثابت) ش: أي تصور الوطء والإعلاق ثابت، وبين ذلك بقوله م: (بأن تزوجها) ش: أي بأن يتزوج هذه المرأة م: (وهو مخالطها) ش: أي والحال أنه يجامعها، يعني كأنه تزوجها وهو على بطنها والناس يسمعون كلامهما م: (فوافق الإنزال النكاح) ش: مقارنا للطلاق، وقال الأترازي: إذ من الجائز أن يكون على بطنها، وحالة الإنزال تزوجها والشهود عنده، أو قد علقت من ساعته فيكون وقت النكاح ووقت الوطء واحد.
م: (والنسب يحتاط في إثباته) ش: أي فيثبت هذا أيضا جواب عما يقال، هذا تصور بعيد وأمر نادر ينبغي أن لا يثبت النسب، كما هو قول زفر وقول محمد أولا فأجاب بقوله: والنسب يحتاط في إثباته، فيثبت استحسانا، لأنه يحتال في أمره كما ذكرنا.
ومن المشايخ من قال: لا يحتاج إلى هذا التكليف، وقيام الفراش كاف، ولا يعتبر إمكان(5/631)
وأما المهر؛ فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما فتأكد المهر به، قال: ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعة إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها لاحتمال العلوق في حالة العدة، لجواز أن تكون ممتدة الطهر، وإن جاءت به لأقل من سنتين بانت من زوجها بانقضاء العدة، وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة، ولا يصير مراجعا؛ لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل بعده، فلا يصير مراجعا بالشك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدخول إذ النكاح قائم مقام الماء، كما في تزوج المشرقي بالمغربية، وبينهما مسيرة سنة، فجاءت بالولد لستة أشهر يثبت النسب وإن لم يتوهم الدخول لبعده عنها، قيل التصور شرط فيه. ولهذا لو جاءت امرأة الصغير بولد، لا يثبت نسبه، وفي حق المشرقي الإسكان موجود.
م: (وأما المهر، فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما، فتأكد المهر به) ش: أي بالوطء حكما وهو أقوى من الخلوة، فيجب المهر كاملا، وقال الفقيه أبو الليث: قال أبو يوسف في " الأمالي " ينبغي في القياس أن يجعل على الزوج مهر ونصف، لأنه وقع الطلاق عليها، فوجب نصف المهر ومهر آخر بالدخول.
قال: إلا أن أبا حنيفة استحسن، وقال: لا يجب إلا مهر واحد، لأنا جعلناه بمنزلة الدخول في طريق الحكم، فتأكد ذلك الصداق، فاشبه وجوب الزيادة م: (قال: ويثبت نسب ولد المطلقة الرجعية إذا جاءت به لسنتين أو أكثر، ما لم تقر بانقضاء عدتها لاحتمال العلوق في حالة العدة لجواز أن تكون ممتدة الطهر) ش: فكان وطؤه اللازم من ثبوت النسب الواقع في العدة رجعة عليها م: (وإن جاءت به لأقل من سنتين، بانت من زوجها بانقضاء العدة) ش: بوضع الحمل م: (وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة، ولا يصير مراجعا، لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق، ويحتمل بعده، فلا يصير مراجعا بالشك) ش: فإن قيل ينبغي أن يصير مراجعا لأن الوطء هنا حلال، فأحيل العلوق إلى أقرب الأوقات، وهي حالة العدة إذ الأصل في الحوادث أن يحال أقرب الأوقات، فتثبت الرجعة.
قلنا في ذلك العمل، أمره على خلاف السنة لأنه يصير مراجعا دون الإشهاد بالفعل. فأجل العلوق إلى ما قبل الطلاق صيانة لحالته كذا في " المبسوط " لشيخ الإسلام، وهذا كله إذا لم تقر بانقضاء العدة (الطلاق) البائن أو الرجعي. أما لو قرت بالانقضاء، والمدة تصلح لثلاثة أقراء عند أبي حنيفة ستون يوما وعندها تسعة وثلاثون يوما، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار، يثبت النسب لتيقنها ببطلان الإقرار إن ولدت لستة أشهر أو أكثر لا يثبت.
وكذا المتوفى عنها زوجها، لو أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر فهي على هذا التفصيل، وإن لم تقر يثبت النسب إلى سنتين، لأن عدة الوفاة يحتملها الانقضاء، بانقضاء أربعة أشهر وعشر بوضع الحمل.(5/632)
وإن جاءت به لأكثر من سنتين، كانت رجعة، لأن العلوق بعد الطلاق. والظاهر أنه منه، لانتفاء الزنا منها، فيصير بالوطء مراجعا والمبتوتة يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين، لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق، فيثبت النسب احتياطا، وإذا جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة، لم يثبت لأن الحمل حادث بعد الطلاق، فلا يكون منه، لأن وطأها حرام، إلا أن يدعيه لأنه التزمه، وله وجه، بأن وطأها بشبهة في العدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن جاءت به) ش: أي بالولد م: (لأكثر من سنتين كانت رجعة، لأن العلوق بعد الطلاق. والظاهر أنه منه) ش: أي أن الولد من الرجل م: (لانتفاء الزنا منها) ش: أي لأجل انتفاء الزنا منها حملا لحالها على الصلاح م: (فيصير بالوطء مراجعا) ش: فإن قيل ها هنا وجه آخر من غير أن يلزم الزنا منها بأن يحمل أمرها على التزوج بآخر بعد انقضاء العدة. فإن قالت: والحال أنها لم تزوج قلنا: والحال أنه لو وطئها في العدة إذ لو وطئها تثبت الجرعة من غير تقرير هذا التكليف.
فلما كان كذلك، كان حمل أمرها على التزوج بآخر أولى لما فيه من رعاية الأصل، وهو أنه لا يثبت الرجعة بالشرك، قلنا نعم كذلك إلا أن الحكم في النكاح الأول أسهل من الحكم بإنشاء نكاح آخر.
قال الأكمل: وفيه نظر، لأنه غير واقع، بل هو التزام سؤال والصواب في الجواب، أن المراد بقوله لانتفاء الزنا عنها لازمه وهو تضييع الولد فيكون ذلك الملزوم وإرادة اللازم وهو مجاز، وحينئذ يندفع السؤال لأنا جعلنا الولد من نكاح شخص آخر مجهول بقي الولد ضائعا فكأنه قال لانتفاء التضييع منها بالزنا أو بما في معناه فيه.
م: (والمبتوتة) ش: أي المطلقة بائنا أو ثلاثا م: (يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين، لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما) ش: أي ثابتا م: (وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش قبل العلوق، فيثبت النسب احتياطا، وإذا جاءت به لتمام سنتين من وقت الفرقة، لم يثبت، لأن الحمل حادث بعد الطلاق) ش: وإلا لزاد أكثر مدة الحمل سنتين وهو باطل م: (فلا يكون منه، لأن وطأها حرام، إلا أن يدعيه) ش: استثناء من قوله لم يثبت أي لم يثبت النسب إذا جاءت المبتوتة بولد تمام سنتين إلا أن يدعيه أي: إلا أن يدعي الزوج الولد م: (لأنه التزمه) ش: أي لأنه التزم النسب عند دعواه.
م: (وله وجه) ش: شرعي م: (بأن وطأها بشبهة في العدة) ش: والنسب يحتاط في إثباته، فيثبت قبل هذا مناقض لرواية " كتاب الحدود " حيث قال: إن النسب لا يثبت بالوطء في عدة المبتوتة، أجيب بأنه يمكن أن تحمل المبتوتة في كتاب الحدود على المبتوتة بثلاث، أو على مال، لا على المبتوتة بالكنايات، فحينئذ يندفع التناقض لمكان الاختلاف في وقوع البائن في الكنايات، ولهذا قيده صاحب الكتاب في الحدود بطلاق البائن على مال وهل يحتاج لتصديق المرأة أم لا؟ قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": فيه روايتان، في رواية يحتاج إلى تصديقها وفي(5/633)
فإن كانت المبتوتة صغيرة، يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر لم يلزمه حتى تأتي به لأقل من تسعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت النسب منه إلى سنتين، لأنها معتدة، يحتمل أن تكون حاملا، ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة ولهما أن لانقضاء عدتها جهة معينة وهو الأشهر فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو في الدلالة فوق إقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف والإقرار يحتمله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواية لا يحتاج. ولم يذكره السرخسي في شرح " الكافي " والبيهقي في " الشامل ".
[المبتوتة صغيرة يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر]
م: (فإن كانت المبتوتة صغيرة، يجامع مثلها فجاءت بولد لتسعة أشهر) ش: أي من وقت الطلاق، وهي لم تقر بانقضاء العدة، أما لو أقرت بالانقضاء بثلاثة أشهر، ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار ثبت لأنا عرفنا بطلان الإقرار إذا في بطنها ولد.
م: (لم يلزمه) ش: أي يلزم النسب م: (حتى تأتي به) ش: أي بالمولود م: (لأقل من تسعة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يثبت النسب منه إلى سنتين لأنها معتدة، يحتمل أن تكون حاملا، ولم تقر بانقضاء العدة فأشبهت الكبيرة) ش: وبيان الاحتمال ما قيل إن الكلام في المراهقة المدخول بها وهي تحتمل الحبل ساعة فساعة، فتحتمل أن تكون حاملا وقت الطلاق، فيكون انقضاء عدتها بوضع الحمل. ويحتمل أنها حبلت بعد انقضاء العدة بثلاثة أشهر. وإذا كانت كذلك، كان كالبالغة إذا لم تقر بانقضاء العدة يثبت نسب ولدها في سنتين.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن لانقضاء عدتها جهة معينة، وهو الأشهر) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] (الطلاق الآية: 4) ، م: (فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو) ش: أي حكم الشرع بالانقضاء.
م: (في الدلالة) ش: بالانقضاء م: (فوق إقرارها) ش: أي في الدلالة على انقضاء العدة فوق إقرار المرأة م: (لأنه) ش: أي لأن حكم الشرع م: (لا يحتمل الخلاف، والإقرار) ش: أي إقرار المرأة م: (يحتمله) ش: أي الخلاف والكذب.
فإن قيل: يشكل عليه المتوفى عنها زوجها، فإن لعدتها جهة معينة، وهي أربعة أشهر وعشر، ما لم يكن فيه الحبل ظاهر. ثم هناك ما يثبت إلى سنتين عند علمائنا الثلاثة وإلا يحكم بالانقضاء بالأشهر، هناك لاحتمال الانقضاء الوضع، فكذا هنا.
قلنا: لا يشكل لانقضاء عدتها جهة أخرى وهي الحبل، إذ الأصل في الكبيرة، الإحبال، وهنا لأن الأصل في الصغيرة عدم الإحبال (....
) ، لا نقول ذلك في حق غير المنكوحة، فلا تعتد إلا للإحبال فكان الأصل فيه الإحبال كذا في " المبسوط ".(5/634)
وإن كانت مطلقة طلاقا رجعيا، فكذلك الجواب عندهما وعنده يثبت إلى سبعة وعشرين شهرا، لأنه يجعل واطئا في آخر العدة، وهي الثلاثة الأشهر ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل وهو سنتان، وإن كانت الصغيرة ادعت الحبل في العدة، فالجواب فيها وفي الكبيرة سواء، لأن بإقرارها يحكم ببلوغها.
ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين السنتين، وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب، لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة، فصار كما إذا أقرت بالانقضاء كما بينا في الصغيرة إلا أنا نقول لانقضاء عدتها جهة أخرى، وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة، لأن الأصل فيها عدم الحمل، لأنها ليست بمحل قبل البلوغ، وفيه شك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن كانت) ش: أي الصغيرة م: (مطلقة طلاقا رجعيا، فكذلك الجواب عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد يعني إن ولدت لأقل من تسعة أشهر يثبت النسب وإلا فلا م: (وعنده) ش: أي عند أبي يوسف م: (يثبت إلى سبعة وعشرين شهرا، لأنه يجعل واطئا في آخر العدة، وهي الثلاثة الأشهر، ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل، وهو سنتان، وإن كانت الصغيرة ادعت الحبل في العدة، فالواجب فيها، وفي الكبيرة سواء، لأن بإقرارها يحكم ببلوغها) ، ش: معناه، أعرف بأمر عدتها، فيحكم بإقرارها ببلوغها فيثبت نسب ولدها لأقل مدة تبين في الطلاق البائن ولأقل من سبعة وعشرين شهرا في الرجعي، وبه صرح في " شرح الطحاوي ".
م: (ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ما بين الوفاة وبين السنتين) ش: هذا إذا لم يكن المتوفى عنها زوجها صغيرة، لأن نسب ولدها يثبت إذا ولدت لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام، وإذا ولدت لأكثر من ذلك، لا يثبت عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف.
م: (وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت النسب، لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعيين الجهة) ش: لأنه لما لم يكن الحبل ظاهرا فقد حكم الشرع بالانقضاء بمضي أربعة أشهر وعشر وذلك أقوى من إقرارها.
م: (فصار كما إذا أقرت بالانقضاء) ش: ثم بعد انقضاء العدة، وإذا ولدت لأقل من ستة أشهر يثبت النسب لا بالقضاء بوجود الحبل قبل انقضاء العدة، وإذا ولدت لأكثر من ذلك فلاحتمال حدوث الحبل فلا يثبت النسب بالشك م: (كما بينا في الصغيرة) ش: أشار به إلى قوله لأن لانقضاء عدتها جهة معينة.
م: (إلا أنا نقول) ش: أي غير أنا نقول م: (لانقضاء عدتها جهة أخرى، وهو وضع الحمل بخلاف الصغيرة، لأن الأصل فيها) ش: أي في الصغيرة م: (عدم الحمل لأنها ليست بمحل) ش: أي لأن الصغيرة ليست بمحل للحمل م: (قبل البلوغ، وفيه) ش: أي في الصغيرة م: (شك) وكان الصغر ثابتا فلا يزول بالشك.(5/635)
وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه، لأنه ظهر كذبها بيقين فبطل الإقرار، وإن جاءت به لستة أشهر، لم يثبت لأنا لم نعلم ببطلان الإقرار لاحتمال الحدوث بعده، وهذا اللفظ بإطلاقه يتناول كل معتدة، وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان، وإلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج، فيثبت النسب من غير شهادة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر]
م: (وإذا اعترفت المعتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه) ش: يعني من وقت الإقرار م: (لأنه ظهر كذبها بيقين، فبطل الإقرار، وإن جاءت به لستة أشهر لم يثبت) ش: وقال الشافعي: يثبت منه إلا أن تكون قد تزوجت، فيثبت من الثاني أو تأتي به لأكثر من أربعة سنين، وقوله إذا اعترفت المعتدة يتناول كل معتدة عن وفاة أو عن طلاق بائن أو رجعي، لأنه أطلق المعتدة، ولم يقيدها م: (لأنا لم نعلم ببطلان الإقرار لاحتمال الحدوث بعده، وهذا اللفظ) ش: أراد به قوله وإذا اعترفت المعتدة م: (بإطلاقه يتناول كل معتدة) ش: وقد ذكرناه الآن قبل ذكر المرغيناني وقاضي خان، أن الآيسة لو أقرت بانقضاء عدتها، ثم جاءت لأقل من سنتين، ثبت نسب ولدها، فلم يتناول كل معتدة. وقال الكاكي: إلا أن قوله كل معتدة غير الآيسة.
م: (وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة، إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان، إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج) ش: بكسر القاف وفتح الباء الموحدة م: (فيثبت النسب من غير شهادة) ش: ولهذا قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير ": وإن ادعت أنها ولدت وذلك بعد الوفاة أو طلاق بائن لم يثبت ذلك إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند أبي حنيفة وكذلك بعد الطلاق الرجعي. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة) ش: مسلمة عدلة حرة. وبه قال أحمد، وعند الشافعي يشترط أربع نسوة، وعند مالك وابن أبي ليلي: يثبت بشهادة امرأتين. وعند زفر لا يثبت بشهادة النساء، وعندهما يشترط الحرية ولفظ الشهادة ولا يشترط الذكورة والعدة وذكره في المبسوط. وقال فخر الإسلام يثبت بشهادة القابلة عند أبي يوسف ومحمد، وفي " المختلف ": لا تقبل شهادة القابلة على الولادة، إلا بمؤيد وهو ظهور الحبل وإقرار الزوج بالحبل أو قيل الفراش. يعني أن المعتدة عن وفاة إذا كذبها الورثة في الولادة وفي الطلاق البائن إذا كذبها الزوج وفي تعليق الطلاق بالولادة، لا تقبل إلا ببينة، ولا تقبل شهادة القابلة إلا عند ما ذكرنا من القرائن، وعندها يقضي بشهادة القابلة وحدها. إلى هنا لفظ المختلف. وفي المحيط لا يشترط العدد لئلا يكثر النظر إلى العورة. وقال مشائخ خراسان يشترط لفظ الشهادة، لأنها موجبة على غيره. وعند مشائخ العراق لا يشترط، وفي " قاضي خان " وعلى هذا الخلاف كل ما(5/636)
لأن الفراش قائم بقيام العدة، وهو ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد أنه منها فيتعين بشهادتها كما في حال قيام النكاح، ولأبي حنيفة أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء، فيشترط كمال الحجة بخلاف ما إذا ظهر الحبل أو صدر الاعتراف من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة والتعيين يثبت بشهادتها، فإن كان معتدة عن وفاة وصدقها الورثة، في الولادة، ولم يشهد على الولادة أحد، فهو ابنه في قولهم جميعا وهذا في حق الإرث ظاهر، لأنه خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يطلع عليه الرجال، وأجمع أصحابنا على أنه يقضى بالنسب بشهادة القابلة، عند قيام النكاح، واختلفوا بعد الموت والطلاق، فعند أبي حنيفة لا يثبت وعندهما يثبت.
م: (لأن الفراش قائم بقيام العدة، وهو) ش: أي قيام الفراش م: (ملزم للنسب) ش: وبغير الفراش كونها متعينة إلى الزوج حتى إن كل ولد يحدث منها يثبت نسبه م: (والحاجة إلى تعيين الولد) ش: أي حاجة هنا في إثبات النسب إلى تعيين الولد م: (أنه منها فيتعين بشهادتها) ش: أي بشهادة القابلة م: (كما في حال قيام النكاح) ش: وإقرار الزوج بالحبل وظهور الحبل م: (ولأبي حنيفة أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل، والمنقضي ليس بحجة) ش: يعني الذي انقضى ليس بحجة، والحجة هي القائم م: (فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء) ش: بانقضاء م: (فيشترط كمال الحجة) ش: لأن المرأة لما ولدت صارت أجنبية لانقضاء عدتها ونسب ولد الأجنبية من الأجنبي، لا يثبت إلا بحجة تامة، فلا يقضى بشهادة القابلة وحدها م: (بخلاف ما إذا ظهر الحبل أو صدر الاعتراف من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة، والتعين يثبت بشهادتها) ش: أي بشهادة القابلة، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أجاز شهادة القابلة على الولادة. م: (فإن كانت معتدة عن وفاة وصدقها الورثة في الولادة، ولم يشهد على الولادة أحد فهو ابنه في قولهم جميعا) ش: ويرثه بمعنى تصديق الورثة أن يقروا به جميعا أو أقر جماعة يقطع الحكم بشهادتهم بأن كان رجلان منهم أو رجل وامرأتان منهم وجب الحكم بإثبات النسب حتى يشارك المصدقون والمنكرون. ذكره البزدوي والتمرتاشي، وقال الأسبيجابي: هذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يثبت لأنهم يقرون على الميت بالنسب فلا يقبل.
وقال شمس الأئمة في تعليل المسألة: الوارثون قائمون مقام الزوج وإن قال الزوج: إنها ولدته يثبت النسب، فكذا تصديق الورثة بعد موته. وهذا لأن ثبوت النسب باعتبار الفراش، وذلك باق ببقاء العدة بعد موته والحاجة إلى الشهادة ليظهر له ولادتها، فيصان الولد، وقد حصل ذلك بتصديق الورثة بل باعتبار الضرر م: (وهذا) ش: أي تصديق الورثة م: (في حق الإرث ظاهر، لأنه خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم) ش: واختلف مشائخنا في أن لفظ الشهادة هل يشترط من الورثة أم لا؟ قال بعضهم يشترط بعد أن يكون في مجلس الحكم كذلك قال فخر الإسلام وذلك، لأن النسب لا يثبت في حق الناس كافة إلا بلفظ الشهادة. وقال بعضهم: لا يشترط وإليه(5/637)
أما في حق النسب هل يثبت في حق غيرهم؟ قالوا: إذا كانوا من أهل الشهادة يثبت لقيام الحجة ولهذا قيل تشترط لفظة الشهادة، وقيل لا تشترط، لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم بإقرارهم وما ثبت تبعا لا يراعى فيه الشرائط، وإذا تزوج رجل امرأة فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم تزوجها، لم يثبت نسبه، لأن العلوق سابق على النكاح، فلا يكون منه، وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا، يثبت نسبه منه، اعترف به الزوج أو سكت، لأن الفراش قائم والمدة تامة، فإن جحد الولادة يثبت بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة، حتى لو نفاه الزوج يلاعن، لأن النسب يثبت بالفراش القائم. واللعان إنما يجب بالقذف وليس من ضرورته وجود الولد، فإنه يصح بدونه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذهب الفقيه أبو الليث.
م: (أما في حق النسب هل يثبت في حق غيرهم؟) ش: أي في حق غير المصدقين وغيرهم وهم المنكرون من الورثة وغريم الميت م: (قالوا إذا كانوا من أهل الشهادة يثبت لقيام الحجة) ش: بأن كانوا ذكورا أو إناثا لم يثبت النسب في حق غيرهم، حتى يشارك الولد المنكرين أيضا في الإرث ويطلب غريم الميت بدينه م: (ولهذا) ش: أي ولاشتراط كونهم من أهل الشهادة م: (قيل تشترط لفظة الشهادة، وقيل لا تشترط، لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم بإقرارهم وما ثبت تبعا لا يراعى فيه الشرائط) ش: كالعبد مع المولى، والجندي مع السلطان في حق الإقامة.
م: (وإذا تزوج رجل امرأة فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها لم يثبت نسبه، لأن العلوق سابق على النكاح، فلا يكون منه. وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا يثبت نسبه منه، اعترف به الزوج أو سكت لأن الفراش قائم والمدة) ش: أي مدة هذا الحمل من وقت النكاح م: (تامة) ش: فيثبت النسب م: (فإن جحد الولادة) ش: أي فإن أنكر الزوج الولادة م: (يثبت) ش: أي النسب م: (بشهادة امرأة واحدة تشهد بالولادة) ش: وأراد بامرأة واحدة حرة مسلمة. وبه صرح في " المبسوط " وها هنا خلاف بين العلماء ذكرناه عن قريب م: (حتى لو نفاه الزوج يلاعن) ش: لأن اللعان بالقذف م: (لأن النسب يثبت بالفراش القائم) ش: ولا ينتفي باللعان على تقييده في مدة يصح نفيه فيها، وقد مر بيان المدة في باب اللعان، م: (واللعان إنما يجب) ش: هذا جواب عما يقال اللعان هنا إنما يجب بنفي الولد، والولد يثبت بشهادة القابلة. وهو لا يجوز لأن اللعان في معنى الحد، والحد لا يثبت بشهادة النساء وأجاب بقوله: م (بالقذف) ش: والقذف موجود لأن قوله: ليس مني قذف لها بالزنا معنى، والقذف لا يستلزم وجود الولد، فإنه يصح بدونه فلم يضر الولد الثابت بشهادة القابلة م: (وليس من ضرورته) ش: أي من ضرورة اللعان م: (وجود الولد فإنه يصح بدونه) ش: أي بدون الولد.(5/638)
فإن ولدت ثم اختلفا فقال الزوج: تزوجتك منذ أربعة أشهر، وقالت هي: منذ ستة أشهر، فالقول قولها، وهو ابنه، لأن الظاهر شاهد لها فإنها تلد ظاهرا من نكاح لا من سفاح، ولم يذكر محمد الاستحلاف وهو على الاختلاف، وإن قال لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فشهدت امرأة على الولادة لم تطلق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: تطلق لأن شهادتها حجة في ذلك، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شهادة النساء جائرة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه» ، ولأنها لما قبلت في الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[ولدت ثم اختلفا فقال الزوج تزوجتك منذ أربعة أشهر وقالت هي منذ ستة أشهر]
م: (فإن ولدت ثم اختلفا، فقال الزوج: تزوجتك منذ أربعة أشهر، وقالت هي: منذ ستة أشهر، فالقول قولها، وهو ابنه، لأن الظاهر شاهد لها، فإنها تلد ظاهر من نكاح لا من سفاح) ش: وهو الزنا لا يقال: الظاهر شاهد له أيضا، لأن الأصل في الحوادث أن تضاف إلى أقرب الأزمان، فتعارضا، فلا بد من دليل الترجيح لأنا نقول: الحوادث هي لزوم حمل أمرها على الفساد] ... [اعتبار قول الزوج ولا يجوز ذلك.
م: (ولم يذكر محمد الاستحلاف) ش: أي إن المرأة تستحلف أم لا م: (وهو على الاختلاف) ش: المذكور في الأشياء الستة، فتستحلف عندهما خلافا لأبي حنيفة، لأن الاختلاف وقع في النسب والنكاح.
م: (وإن قال لامرأته: إذا ولدت فأنت طالق، فشهدت امرأة على الولادة لم تطلق عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: تطلق لأن شهادتها) ش: أي لأن شهادة المرأة م: (حجة في ذلك) ش: أي في باب الولادة وهنا قيدان تركهما المصنف فلا بد من ذكرهما.
أحدهما عدم إقرار الزوج بالحمل، والآخر عدم كون الحبل ظاهرا. وهنا مسألتان إما أن يقر الزوج بالحبل أو لا يقر به، فلو لم يقر به لا يقع الطلاق بقولها ولدت، ولا يثبت النسب بالاتفاق إذا لم تشهد القابلة. أما إذا شهدت وقع الطلاق.
م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شهادة النساء جائرة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه") » ش: هذا حديث غريب، فلذلك لم يذكره أكثر الشراح. وقال مخرج الأحاديث: روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" في البيوع: حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري قال: «مضت السنة أن يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء منهن. ويجوز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، وامرأتان فيما سوى ذلك.» ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا ابن جريج عن الزهري فذكره.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن المرأة أعني القابلة م: (لما قبلت في الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو(5/639)
الطلاق. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها ادعت الحنث فلا يثبت إلا بحجة تامة، وهذا لأن شهادتهن ضرورية في حق الولادة، فلا تظهر في حق الطلاق، لأنه ينفك عنها.
وإن كان الزوج قد أقر بالحبل طلقت من غير شهادة، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما تشترط شهادة القابلة، لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث، وشهادتها، حجة فيه على ما بينا، وله أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه وهو الولادة، ولأنه أقر بكونها مؤتمنة، فيقبل قولها في رد الأمانة. قال: وأكثر مدة الحمل سنتان، لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الطلاق) ش: لأن وقوع الطلاق متعلق بها م: (ولأبي حنيفة أنها) ش: أي أن المرأة التي هي الزوجة م: (ادعت الحنث) ش: على الزوج وهو وقوع الطلاق والزوج ينكر ذلك م: (فلا يثبت إلا بحجة تامة) ش: أي كاملة. (وهذا) إشارة إلى عدم ثبوت دعوى المرأة إلا بحجة كاملة م: (لأن شهادتهن ضرورية في حق الولادة) ش: لأن مجلس الولادة لا يطلع عليه الرجال. والثابت بالضرورة لا يتعدى موضع الضرورة م: (فلا تظهر في حق الطلاق، لأنه) ش: أي لأن الطلاق م: (ينفك عنها) ش: أي عن الولادة في الجملة يعني يوجد بدونها. وكذا الولادة توجد بدون الطلاق وإن صار الطلاق هنا من لوازمها، كمن اشترى لحما، فشهد مسلم أنه ذبيحة مجوسي قبلت ذبيحته في حرمة الأكل، ولا يثبت تمجس الذابح في حق الرجوع على البائع بشهادة الواحد، كذا في " جامع قاضي خان ".
[أقر الزوج بالحبل ثم علق طلاقها بالولادة فقالت المرأة ولدت وكذبها الزوج]
م: (وإن كان الزوج قد أقر بالحبل) ش: يعني إذا أقر الزوج بالحبل، ثم علق طلاقها بالولادة، فقالت المرأة ولدت وكذبها الزوج م: (طلقت من غير شهادة، عند أبي حنيفة. وعندهما تشترط شهادة القابلة، لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث، وشهادتها حجة فيه) ش: أي شهادة القابلة حجت في الحنث م: (على ما بينا) ش: يعني في المسألة الأولى.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه) ش: أي بالشيء الذي يفضي الحبل إليه م: (وهو الولادة) ش: الضمير في - وهو - يرجع إلى ما م: (ولأنه أقر بكونها مؤتمنة) ش: لأنه علق طلاقها بأمر كائن وهو الولادة، والقول قول المؤتمن في دعوى رد الأمانة م: (فيقبل قولها في رد الأمانة. قال) ش: أي القدوري م: (وأكثر مدة الحمل سنتان لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل) ش: أخرج الدارقطني، ثم البيهقي في "سننهما" من طريق ابن المبارك حدثنا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل"، وفي لفظ: "لا يكون الحمل أكثر من سنتين".(5/640)
وأقله ستة أشهر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] (الأحقاف: الآية 15) ، ثم قال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] (لقمان: الآية 14) فبقي للحمل ستة أشهر. والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقدر الأكثر بأربع سنين، والحجة عليه ما رويناه، والظاهر أنها قالته سماعا، إذ العقل لا يهتدي إليه. ومن تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها، فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه، وإلا لم يلزمه، لأنه في الوجه الأول ولد المعتدة، فإن العلوق سابق على الشراء، في الوجه الثاني.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأخرج الدارقطني أيضًا، ومن جهته البيهقي عن الوليد بن مسلم، قال: قلت لمالك بن أنس: إني حدثت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: "لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل"، فقال: سبحان الله! من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، كل بطن في أربع سنين. قوله: ولو بظل مغزل أي بقدر مكث ظله حال الدوران، لأن ظله حال الدوران أسرع زوالا من سائر الظلال، والغرض المبالغة في تقليل المدة.
وفي بعض النسخ: ولو بفلك مغزل، وهو رواية " المبسوط "، والإيضاح أي بدور فلكة مغزل. وفي " شرح الإرشاد ": ولو بدور ظلة مغزل.
[مدة الحمل]
م: (وأقله ستة أشهر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ش: (الأحقاف: الآية 15) (ثم قال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] (لقمان: الآية 14) فبقي للحمل ستة أشهر. والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقدر الأكثر) ش: أي أكثر مدة الحمل. م: (بأربع سنين) ش: وبه قال مالك في المشهور وأحمد كذلك. وقال عبادة: خمس سنين، وقال الزهري: ست سنين، وقال ربيعة بن عبد الرحمن: سبع سنين، وقال الليث: ثلاث سنين، وبقولنا قال الثوري والضحاك بن مزاحم وأحمد في رواية.
م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي. م: (ما رويناه) ش: وهو حديث عائشة. م: (والظاهر أنها قالته سماعا) ش: أي الظاهر أن عائشة قالت الحديث المذكور من حديث السماع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (إذ العقل لا يهتدي إليه) ش: يعني العقل لا يدرك هذا، لأن ما في الرحم لا يعلمه إلا الله تعالى.
م: (ومن تزوج أمة فطلقها ثم اشتراها) ش: يريد به طلاقها بعد الدخول، إذ لو كان قبل الدخول لا يلزمه الولد إلا أن يحيا لأقل من ستة أشهر منذ فارقها. م: (فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ يوم اشتراها لزمه) ش: أي الولد. م: (وإلا لم يلزمه) ش: أي وإذا جاءت به لأكثر من ذلك لم يلزمه. م: (لأنه في الوجه الأول) ش: أراد به ما إذا ولدته لأقل من ستة أشهر، (ولد المعتدة، فإن العلوق سابق على الشراء، وفي الوجه الثاني) ش: أراد به ما إذا ولدته لستة أشهر أو أكثر من وقت(5/641)
ولد المملوكة، لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته، فلا بد من دعوة، وهذا إذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا، أما إذا كان اثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق، لأنها حرمت عليه حرمة غليظة، فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله، لأنها لا تحل بالشراء. ومن قال لأمته: إن كان في بطنك ولد فهو مني، فشهدت على الولادة امرأة فهي أم ولده، لأن الحاجة إلى تعيين الولد، ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشراء. م: (ولد المملوكة، لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته) ش: وهو وجوب وقت كونها مملوكة فلا يثبت إلا بالدعوى وهو معنى قوله. م: (فلا بد من دعوة) ش: يعني لا يثبت النسب إلا بأن يدعيه.. م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم الذي ذكرناه. م: (إذا كان الطلاق واحدا بائنا أو خلعا أو رجعيا، أما إذا كان) ش: أي الطلاق. م: (اثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق، لأنها حرمت عليه حرمة غليظة) ش: بطلقتين، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. م: (فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله) ش: أي ما قبل الطلاق وهو أبعد الأوقات. م: (لأنها لا تحل بالشراء) ش: إذ الوطء لا يحل له قبل الشراء لأنها حرمت عليه حرمة غليظة بالسنتين، وإذا لم يحل وطؤها بملك اليمين لا يُقضى بالعلوق من أقرب الأوقات، إذ في القضاء بالعلوق إلى أقرب الأوقات يلزم حمل أمر المسلم على الحرام، وهو الممكن للوطء الحرام من المولى. فإن قيل: وجب أن يحل بقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] (المؤمنون: الآية 6) ، قلنا: لا تحل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] (البقرة: الآية 230) ، والثانية في الأمة كالثلاث في الحرة. وإذا لم يحل وطؤها، فلا يضاف إلى أقرب الأوقات، بل يضاف إلى الأبعد، وهو ما قبل الطلاق، فيلزمه الولد إذا جاءت به لأقل من سنتين منذ الطلاق.
م: (ومن قال لأمته: إذا كان في بطنك ولد فهو مني، فشهدت على الولادة امرأة فهي أم ولده) ش: أي بالإجماع. م: (لأن الحاجة إلى تعيين الولد، ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالإجماع) ش: أي باتفاق أصحابنا، وبه قال أحمد وقد مر الخلاف فيه، وهذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار. ولو ولدت لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لاحتمال أنها حبلت بعد مقالة الولي، فلم يكن المولى مدعيا لهذا الولد بخلاف الأول، لتيقنا ببقائه في البطن وقت القول فتيقنا بالدعوى، هذا في " جامع قاضي خان ".
وقال الأترازي: ومثله مسألة كتاب العتاق، وإن قال: ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق، وإن ولدته لأقل من ستة أشهر عتق. وكان ينبغي لك أن تعرف أنه فيما إذا قال إن كان في بطنك ولد. أو قال: إن كان بها حبل فهو مني بلفظ التعليق. أما إذا قال: هذه حامل مني يلزمه الولد، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر إلى سنتين حتى ينفيه، وبه صرح في " الأجناس " في كتاب الإعتاق.(5/642)
ومن قال لغلام: هو ابني ثم مات، فجاءت أم الغلام وقالت: أنا امرأته، فهي امرأته، وهو ابنه ويرثانه. وفي "النوادر" جعل هذا جواب الاستحسان. والقياس أن لا يكون لها الميراث، لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد، وبالوطء عن شبهة، وبملك اليمين، فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح. وجه الاستحسان: أن المسألة فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام، والنكاح الصحيح وهو المتعين لذلك وضعا وعادة. ولو لم يعلم بأنها حرة، فقالت الورثة أنت أم ولد، فلا ميراث لها، لأن ظهور الحرية باعتبار الدار حجة في دفع الرق لا في استحقاق الميراث، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[قال لغلام هو ابني ثم مات فجاءت أم الغلام وقالت أنا امرأته]
م: (ومن قال لغلام: هو ابني ثم مات، فجاءت أم الغلام وقالت: أنا امرأته، فهي امرأته وهو ابنه ويرثانه) ش: أي الأم والابن يرثان الميت. م: (وفي " النوادر " جعل) ش: أي محمد. م: (هذا جواب الاستحسان، والقياس أن لا يكون لها الميراث، لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد، وبالوطء عن شبهة، وبملك اليمين، فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح) ش: واعترض أنه ينبغي أن لا يكون لها الميراث في الاستحسان، لأن هذا النكاح يثبت اقتضاء، فيثبت بقدر الضرورة، وهو تصحيح النسب دون استحقاق الإرث. وأجيب: بأن النكاح على ما هو الأصل ليس بمتنوع إلى نكاح (ما) هو سبب لاستحقاق الإرث والنكاح ليس بسبب له، فلا يثبت النكاح بطريق الاقتضاء، وثبت ما هو من لوازمه التي لا تنفك عنه شرعا، وإنما قال على ما هو الأصل لئلا يرد نكاح الكتابية والأمة لأنه من العوارض.
م: (وجه الاستحسان: أن المسألة فيما إذا كانت) ش: أي أم الغلام. م: (معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام) ش: قيد بكونها معروفة بالحرية، لأنها لو لم تكن معروفة بأنها حرة من الأصل لا ترث، لأن للورثة أن يقولوا: إن كنت أم الولد لمورثنا إنما عتقت بموته. غاية ما في الباب أنها حرة في الحال، والتمسك باستصحاب الحال لمعرفة الحكم في الماضي يصلح للدفع لا للإثبات، فيندفع عنها الرق ولا يثبت الإرث، وقيد أيضا بكونها أم الغلام، لأنه إذا لم يثبت أنها أم الغلام فلا ترث.
م: (والنكاح الصحيح وهو المتعين لذلك) ش: أي لثبوت النسب. م: (وضعا وعادة) ش: أي من حيث الوضع، ومن جهة الشرع، ومن حيث العادة بالشهرة بين الناس. م: (ولو لم يعلم بأنها حرة، فقالت الورثة أنت أم ولد فلا ميراث لها) ش: قد قررنا هذا، لأن قولنا فيه بكونها معروفة بالحرية. م: (لأن ظهور الحرية باعتبار الدار) ش: أي دار الإسلام. م: (حجة في دفع الرق لا في استحقاق الميراث) ش: لأن الإرث لا يثبت إلا بنسب صحيح، وقال التمرتاشي: لا ميراث لها، ولكن لها مهر المثل، لأنهم أقروا بالدخول بها، ولم يثبت كونها أم ولد بقولهم، وقال الأترازي: وفيه نظر، لأن الدخول إنما يوجب بمهر المثل في غير صورة النكاح، إذا كان الوطء عن شبهة، ولم يثبت النكاح هنا. والأصل عدم الشبهة فبأي دليل يحمل على ذلك؟ فلا يجب مهر المثل.(5/643)
باب حضانة الولد ومن أحق به وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد، لما روي «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنت أحق به ما لم تتزوجي» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب حضانة الولد ومن أحق به]
م: (باب حضانة الولد ومن أحق به) ش: أي هذا باب في بيان حكم الولد في الحضانة والتربية لمن هو. م: (ومن أحق به) ش: لأن الولد عاجز عن النظر لنفسه والقيام بحوائجه، فجعل الشرع الولاية إلى من هو متفق عليه، فجعل ولاية التصرف إلى الأب لقوة رأيه مع النفقة، وحق الحضانة إلى الأم لرفقها، في ذلك مع الشفقة عليه، وهي أقدر على ذلك للزومها البيت وكونها أشفق، ثم المناسبة بين الناس ظاهرة لا تحتاج إلى بيان.
م: (وإذا وقعت الفرقة بين الزوجين، فالأم أحق بالولد) ش: سواء كانت كتابية أو مجوسية، لأن الشفقة لا تختلف باختلاف الدين. م: (لما روي أن «امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنت أحق به ما لم تتزوج» ش: هذا الحديث رواه أبو داود في "سننه ": حدثنا محمد بن خالد السلمي، حدثنا الوليد عن أبي عمرو - يعني الأوزاعي - حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو «أن امرأة قالت يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنت أحق» .
ورواه الحاكم وصحح إسناده، قالوا: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإذا أراد بجده محمدا، كان الحديث مرسلا، وإذا أراد به عبد الله كان الحديث متصلا، وهنا قد صرح عن جده عبد الله فالحديث متصل صحيح، وعمرو، وشعيب، ومحمد كلهم ثقات. قولها: وحجري، بفتح الحاء وكسرها، حجر الإنسان، والحوى، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الواو بيت من الوبر، والجمع الأحوية، كذا في " الصحاح ".
وقال ابن الأثير: الحوى اسم المكان الذي يحوي الشيء، أي يضمه ويجمعه، هكذا فسره في هذا الحديث، ثم قال: الحوى بيوت مجتمعة من الناس، والجمع أحوية، فسره في حديث آخر، والسقاء بالكسر الدلو.(5/644)
ولأن الأم أشفق عليه وأقدر على الحضانة، فكان الدفع إليها أنظر، وإليه أشار الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر. قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته، والصحابة حاضرون متوافرون. والنفقة على الأب، على ما نذكر، ولا تجبر الأم عليها، لأنها عست تعجز عن الحضانة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الأم أشفق عليه وأقدر على الحضانة) ش: مأخوذ من الحضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح، وحضن الشيء جانباه، وحضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحيه، وكان المربي للولد يتخذه في حضنه ويضمه إلى جانبه. م: (فكان الدفع إليها أنظر) ش: أي فكان دفع الولد إلى أمه أنظر في حقه يعني أقوى نظرا في حاله من غيره.
م: (وإليه) ش: أي إلى هذا المعنى. م: (أشار الصديق) ش: أي أبو بكر الصديق. م: (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر) ش: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (قاله حين وقعت الفرقة بينه وبين امرأته، والصحابة حاضرون متوافرون) ش: هذا غريب بهذا اللفظ، وقصته ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف " حدثنا محمد بن بشر، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طلق أم عاصم، ثم أتى عليها، وفي حجرها عاصم، فأراد أن يأخذه منها فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال له أبو بكر: مسحها وحجرها وريحها خير له منك يا عمر، حتى يشب الصبي فيختار لنفسه.
ورواه عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري عن عاصم عن عكرمة، قال: خاصمت امرأة عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلى أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وكان طلقها، فقال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: هي أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج. وتفسير الذي ذكره المصنف قوله: وريقها، أي ريق أم عاصم امرأة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واسمها جميلة، وقوله: من شهد بضم الشين وفتحها، عسل في شمعه.
وفي " المبسوط ": ريحها، وفي رواية ريح رقاعها، وهو ثوب تشتمل به المرأة، خير له من سمن وعسل عندك يا عمر، فدعه عندها، وقضى به، بحضرة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ولم ينكر عليه أحد، فحل محل الإجماع.
م: (والنفقة على الأب على ما نذكر) ش: أي نفقة الولد على أبيه على ما يأتي في باب النفقات. م: (ولا تجبر الأم عليها) ش: أي على الحضانة، وفي بعض النسخ. م: (عليه) ش: أي على الولد، يعني إذا طلبت فهي أحق، وإذا أبت لا تجبر على الأخذ. م: (لأنها عست تعجز عن الحضانة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد والثوري ومالك في رواية. وفي رواية: تجبر. وبه قال ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح وأبو ثور، واختاره أبو الليث والهندواني من أصحابنا، والمشهور عن مالك(5/645)
فإن لم تكن له أم فأم الأم أولى من أم الأب. وإن بعدت، لأن هذه الولاية تستفاد من قبل الأمهات، فإن لم تكن، فأم الأب أولى من الأخوات، لأنها من الأمهات، ولهذا تحرز ميراثهن السدس، ولأنها أوفر شفقة للأولاد. فإن لم تكن له جدة فالأخوات أولى من العمات والخالات، لأنهن بنات الأبوين، ولهذا قدمن في الميراث، وفي رواية: الخالة أولى من الأخت لأب لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخالة والدة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا تجبر في الشريعة التي لا عادة لها بإرضاع الولد، وإن كانت ممن ترضع تجبر. فإن لم يوجد غيرها أو لم يأخذ الولد ثدي غيرها أجبرت بلا خلاف، ويجبر الأب على أخذ الولد بعد استغنائه عن الأم لأن نفقته وصيانته عليه بالإجماع.
م: (فإن لم يكن له أم) ش: أي فإن لم يكن للولد أم، بأن كانت غير أهل للحضانة أو متزوجة بغير محرم أو ميتة. م: (فأم الأم أولى من أم الأب وإن بعدت) ش: أي وإن علت عند الجمهور، وعن أحمد: أم الولد أولى، وهو ضعيف، لأن أم الولد تدلى بالأم، وهي مقدمة على الكل، فما دامت واحدة منهن من جانب الأم قائمة فهي أحق. م: (لأن هذه الولاية) ش: أي ولاية الحضانة. م: (تستفاد من قبل الأمهات) ش: لما مر من وفور شفقتهن، فمن كانت تدلى إليه بأم، فهي أولى ممن تدلي بأب ويستوي في ذلك المسلمة والكافرة، لأن الحضانة باعتبار الشفقة. وذلك لا يختلف باختلاف الدين، على ما قيل: كل شيء يحب ولده حتى الحبارى.
م: (فإن لم تكن) ش: أي الأم. م: (فأم الأب أولى من الأخوات) ش: من أم أو أب، لأن استحقاق الحضانة باعتبار قرابة الأم، قلنا: هذه في نفسها كأم الأم والأم مقدمة على غيرها في الحضانة. ولهذا يجوز ميراثها من السدس وأصل الشفقة باعتبار الولادة، وذلك للجدات دون الأخوات. وعن مالك الخالة مقدمة على الجدة لأب. م: (لأنها من الأمهات، ولهذا تحرز ميراثهن السدس) ش: أي تحرز ميراث الأمهات. هذا إيضاح لكون أم الأب من الأمهات، أنها تحرز السدس في الميراث وهو ميراث الأم.
قال الأترازي: فيه نظر، لأن ميراث الأم إنما يكون هو السدس إذا كان معها ولد أو ولد الابن والإخوة ثنتان من الإخوة والأخوات. وهنا عند عدمهم أيضا، يكون للجدة السدس، وميراث الأم عند عدمهم ثلث الجميع أو ثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين. م: (ولأنها) ش: أي ولأن أم الأب. م: (أوفر شفقة للأولاد) ش: أي لأجل الولادة. م: (فإن لم تكن له جدة، فالأخوات أولى من العمات والخالات، لأنهن) ش: أي الأخوات. م: (بنات الأبوين ولهذا قدمن في الميراث، وفي رواية) ش: أي في رواية كتاب الطلاق. م: (الخالة أولى من الأخت لأب لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «الخالة والدة» ش: هذا الحديث رواه البخاري عن البراء بن عازب في حديث طويل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخالة بمنزلة الأم» . رواه أبو داود من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -(5/646)
وقيل في قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] (يوسف: الآية 100) ، أنها كانت خالته. وتقدم الأخت لأب وأم، لأنها أشفق، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب، لأن الحق لهن من قبل الأم، ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم، وينزلن كما نزلن الأخوات، معناه ترجيح ذات قرابتين، ثم قرابة الأم، ثم العمات ينزلن كذلك، وكل من تزوجت من هؤلاء يسقط حقها لما روينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بلفظ: «الخالة أم» . ورواه الطبراني من حديث أبي مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الخالة والدة» ، وكذا رواه العقيلي من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
م: (وقيل في قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] (يوسف: الآية 100) أنها كانت خالته. وتقدم الأخت لأب وأم، لأنها أشفق، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب) ش: وبه قال المزني وابن شريح من الشافعية. وقال الشافعي: في الأصح تقدم الأخت لأب على الأخت من أم. وبه قال أحمد واعتبراه بقوة الميراث، ولنا ما أشار به المصنف بقوله. م: (لأن الحق لهن) ش: أي حق الحضانة. م: (من قبل الأم) ش: معناه أن ذات قرابتين ترجح على ذات قرابة واحدة لما فيها من زيادة الشفقة. وعند زفر: الأخت لأب وأم، والأخت لأم يستويان في الحضانة. م: (ثم الخالات أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم) ش: أي لأجل الترجيح لقرابة الأم، لأن الحضانة من قبل الأمهات. م: (وينزلن كما نزلت الأخوات) ش: يعني أن الخالة لأب وأم] أولى [من الخالة لأم أشار إليه بقوله. م: (معناه ترجيح ذات قرابتين، ثم قرابة الأم) ش: والخالة لأب وأم ذات قرابتين، والخالة لأم ذات قرابة واحدة. وعند الشافعي وأحمد: تقدم الخالة من الأب على الخالة من الأم. م: (ثم العمات ينزلن كذلك) ش: يعني أن العمة لأب وأم أولى من العمة لأم، ثم العمة لأم أولى من العمة لأب، وبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات بمعزل عن حق الحضانة؛ لأن قرابتهن لم تتأكد بالمحرمية.
كذا في " المحيط ": وفي " البدائع ": لا حق للرجال من قبل الأم في الحضانة، ولا يسلم إليهن إلا بطلبهن، بخلاف الأب عند استغناء الصغير يجبر على القبول. وفي " المنصوري ": ابن العم أولى بالذكر والخال أولى بالأنثى، وكل ذكر من قبل الأم لا حق له في الولد مع العصبة إلا الخال، مع ابن العم فينظر في النساء من كان من قبل الأم، وفي الرجل من كان من قبل الأم ويدفع الصغير إلى مولى العتاقة.
م: (وكل من تزوجت من هؤلاء) ش: يعني كل من تزوجت من النساء ممن كان لها حق الحضانة. م: (يسقط حقها لما روينا) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما لم تتزوجي» وفيه خالف الحسن البصري، قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم إلا الحسن البصري، وهو رواية عن(5/647)
ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيا يعطيه نزرا، وينظر إليه شزرا، فلا نظر. قال: إلا الجدة إذا كان زوجها الجد؛ لأنه قائم مقام أبيه، فينظر له. وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه لقيام الشفقة نظرا إلى القرابة القريبة. ومن سقط حقها بالتزوج يعود إذا ارتفعت الزوجية؛ لأن المانع قد زال فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجل فأولاهم به أقربهم تعصيبا؛ لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعين، غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم، كمولى العتاقة وابن العم تحرزا عن الفتنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحمد، فإن عندهما لا يسقط حقها بالتزوج. م: (ولأن زوج الأم إذا كان أجنبيًا يعطيه نزرًا) ش: أي يعطي الصغير شيئًا قليلًا، يقال شيء نزر، أي قليل ومادته نون وزاي وراء مهملة. م: (وينظر إليه شزرًا) ش: أي ينظر زوج الأم الأجنبي إلى الصغير بمؤخر عينيه، يقال شزره بعينه يشزره وشزره مشزرًا إذا نظر إليه بمؤخر عينيه، ومادته شين معجمة وزاي ثم راء، المقصود أن هذا عبارة عن قلة الشفقة على الصغير وقلة الالتفات إليه، ولهذا قال المصنف. م: (فلا نظر) ش: أي إذا كان حال زوج الأم الأجنبي هكذا فلا نظر منه على الصغير.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (إلا الجدة إذا كان زوجها الجد) ش: هذا استثناء من قوله سقط حقها، يعني إذا كانت الجدة متزوجة بالجد لا يسقط حقها، وإن كانت ذات زوج. م: (لأنه) ش: أي لأن الجد. م: (قائم مقام أبيه) ش: لقيامه مقام أبيه. م: (فينظر له، وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم منه) ش: أي من الولد، كعم الولد إذا تزوج بأمه لا يسقط حقها. م: (لقيام الشفقة نظرًا إلى القرابة القريبة) ش: أي بالنظر إلى القرابة. وهو العم. وإنما ينزع الولد من يد الأم إذا تزوجت بغير محرم. وإذا ارتدت أو خيف على الصبي. م: (ومن سقط حقها بالتزوج يعود) ش: أي حقها. م: (إذا ارتفعت الزوجية؛ لأن المانع قد زال) ش: والسبب قائم يعود الحق. وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في رواية. وفي رواية عن مالك لا يعود والرجعي مانع حتى تنقضي عدتها عندنا، وبه قال المزني، وقال غيره من الشافعية: يعود بالطلاق الرجعي.
م: (فإن لم تكن للصبي امرأة من أهله، فاختصم فيه الرجال فأولاهم به) ش: أي أولى الرجال بإمساك الصبي. م: (أقربهم تعصيبًا) ش: أي من حيث التعصيب أي أقرب العصبات. م: (لأن الولاية للأقرب، وقد عرف الترتيب في موضعين) ش: في باب الميراث وولاية الإنكاح.
م: (غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم) ش: هذا استثناء من قوله: فأولاهم أقربهم تعصيبًا، قيد بقوله الصغيرة، لأن الصغيرة تدفع إلى أقرب العصبات، سواء كان محرمًا أو غير محرم. م: (كمولى العتاقة وابن العم تحرزًا عن الفتنة) ش: لأنه لا يؤمن عليها منه، وكذلك ذو الرحم المحرم عن العصبة إذا لم يؤمن عليها منه لفسقه ومجونه لا تدفع إليه لأن في الدفع ضررًا بالصغيرة.(5/648)
والأم والجدة أحق بالغلام، حتى يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده، ويستنجي وحده. وفي " الجامع الصغير ": حتى يستغني فيأكل وحده، ويشرب وحده ويلبس وحده، والمعنى واحد؛ لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء. ووجهه أنه إذا استغنى يحتاج إلى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم، والأب أقدر على التأديب والتثقيف. والخصاف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قدر الاستغناء بسبع سنين اعتبارا للغالب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الصدر الشهيد: وعند أبي حنيفة، إذا لم يكن عصبة للصغير يدفع إلى الأخ لأم، لأن عنده تقدم الأم ولاية. وقال في " تحفة الفقهاء ": وإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم - والاختيار للقاضي - وإن رآه أصلح، يضم إليه، وإلا يوضع عند أمينة، وقال محمد: لا حق للذكر من قبل النساء، والتدبير إلى القاضي يدفع إلى ثقة يحضنها.
[الأحق بالولد]
م: (والأم والجدة أحق بالغلام حتى يأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده، ويستنجي وحده) ش: وذكر في " نوادر ابن رشيد " ويتوضأ وحده، وتكلموا في المراد من الاستنجاء، من مشايخنا من قال: المراد به كمال الطهارة بأن يطهر وجهه وحده بالماء، بحيث لا يحتاج إلى من يعنيه ويعلمه. ومنهم من قال: المراد منه أن يطهر نفسه عن النجاسة، وإن كان لا يقدر على تمام الطهارة.
م: (وفي " الجامع الصغير ": حتى يستغني فيأكل وحده، ويشرب وحده، ويلبس وحده) ش: ولم يذكر فيه الاستنجاء، وشرطه في" السير الكبير " وغيره. م: (والمعني واحد) ش: يعني ذكر الاستنجاء فيما مضي. وذكر الاستغناء في رواية " الجامع الصغير " في المعني واحد، وبين المصنف ذلك بقوله. م: (لأن تمام الاستغناء بالقدرة على الاستنجاء) ش: أي القدرة على الاستنجاء أن يمكنه أن يفتح سراويله عند الاستنجاء، ويشده عند الفراغ.
م: (ووجهه) ش: أي وجه ذكر الاستغناء. م: (أنه) ش: أي أن الصغير. م: (إذا استغنى يحتاج إلى التأدب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم. والأب أقدر على التأديب والتثقيف) ش: أي التسوية. م: (والخصاف) ش: وهو الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن عمر، من كبار علمائنا. وكان يروي عن بشر بن الوليد عن أبي يوسف القاضي، وقال صاحب " الطبقات ": أحمد بن عمر، بضم العين، وقيل: عمرو، بالفتح ابن مهير، وقيل: مهران الشيباني. روى عن مشايخ بخارى مثل أبي عاصم النبيل، ومسدد " والقعنبي " وغيرهم، وله مصنفات كثيرة، وكان زاهدًا يأكل من كسب يده، فلذلك سمي خصافًا.. مات ببغداد سنة إحدى وستين ومائتين.
م: (قدر الاستغناء بسبع سنين اعتبارًا للغالب) ش: لأنه إذا بلغ سبع سنين استغنى عن الحضانة غالبا، ويستنجي وحده وعليه الفتوى. كذا في " الكافي " وغيره، وقدره أبو بكر الرازي بتسع، وعند مالك: الأم أحق بالغلام حتى يحتلم. وقيل: حتى يثغر، أي حتى تبدو أسنانه،(5/649)
والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض؛ لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء، والمرأة على ذلك أقدر، وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ، والأب فيه أقوى وأهدى. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها تدفع إلى الأب، إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة. ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدا تشتهى. وفي " الجامع الصغير ": حتى تستغني؛ لأنها لا تقدر على استخدامها، ولهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعند الشافعي يخير الغلام في سبع، فإن اختار أحدهما وسلم إليه، ثم اختار الآخر. فله ذلك ورد إليه، فإن عاد واختار الأول أعيد إليه، هكذا أبدًا، قال في " المغني ": وهذا لم ينقل عن أحد من السلف، والمعتوه لا يخير ويكون عند الأم.
م: (والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض؛ لأن بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء) ش: من الغزل والطبخ وغسل الثياب. م: (والمرأة على ذلك أقدر) ش: لأنها لو دفعت إلى الأب اختلطت بالرجال، فقل حياؤها، والحياء في النساء زينة. م: (وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى) ش: لأنها بعد البلوغ تحتاج إلى التزويج، والأب فيه هو الأصل، وفي التحصين والحفظ الأب أقوى، لقدرته على ما لا تقدر عليه الأم، وأهدى إلى طريق معرفة ذلك لأنها تصير عرضة للفتنة، ومطمعًا للرجال والنساء يخدعنها.
م: (وعن محمد) ش: رواها هشام عنه. م: (أنها تدفع إلى الأب إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة، والأب أقدر على هذا) ش: وفي " غياث المفتي " الاعتماد على رواية هشام لفساد الزمان. وإذا بلغت إحدى عشرة سنة، فقد بلغت حد الشهوة في قولهم، وعند الشافعي: إذا اختار الغلام أمه يكون عندها بالليل، وعند الأب بالنهار، والبنت أيهما اختارت تكون عنده ليلًا ونهارًا عند المالك. م: (ومن سوى الأم والجدة أحق بالجارية حتى تبلغ حدًا تُشتهى) ش: تكلموا في حد المشتهاة ليبني عليه ثبوت حرمة المصاهرة، وكون الأب أولى.
وقالوا: إذا كانت بنت خمس سنين وما دونه لم تكن مشتهاة، وإذا كانت بنت ست سنين أو ثمان سنين، ينظر إن كانت غيلة ضخمة، كانت مشتهاة، وإلا فلا. وقال الفقية أبو الليث: في " أيمان الفتاوى ": الغالب أنها لا تشتهى ما لم تبلغ تسع سنين. قال شمس الأئمة السرخسي: وبه نأخذ.
م: (وفي " الجامع الصغير ": حتى تستغني) ش: ذكر أولًا رواية القدوري أن الصغيرة تترك من سوى الأب والجدة إلى أن تشتهى، ثم ذكر رواية " الجامع الصغير " إلى أن تستغني، واستغناؤها أن تأكل وحدها وتلبس وحدها، فإذا بلغت إلى أن تشتهى واستغنت تدفع إلى الأب. م: (لأنها) ش: أي لأن من سوى الأم والجدة مثل الأخوات ونحوها. م: (لا تقدر على استخدامها) ش: أي على استخدام الصغيرة التي استغنت، وإن كانت تحتاج إلى تعلم آداب النساء. م: (ولهذا) ش: أي(5/650)
لا تؤاجرها للخدمة، فلا يحصل المقصود، بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه شرعا.
وقال: والأمة إذا أعتقها مولاها، وأم الولد إذا أعتقت كالحرة في حق الولد؛ لأنهما حرتان أو أن ثبوت الحق، وليس لهما قبل العتق حق في الولد؛ لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى. والذمية أحق بولدها المسلم، ما لم يعقل الأديان أو يخاف أن يألف الكفر للنظر قبل ذلك، واحتمال الضرر بعده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولأجل عدم قدرة من سوى الأم والجدة على استخدامها. م: (لا تؤاجرها) ش: أي الصغيرة. م: (للخدمة) ش: أي لأجل خدمة من كان يريد استخدامها. م: (فلا يحصل المقصود) ش: وهو التعليم. م: (بخلاف الأم والجدة لقدرتهما عليه) ش: أي على الاستخدام. م: (شرعًا) ش: أي من حيث الشرع بدليل الإجارة.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (والأمة إذا أعتقها مولاها، وأم الولد إذا أعتقت كالحرة في حق الولد) ش: وذلك بأن زوجهما مولاهما، ثم ولدتا، ثم عتقتا فكانتا أحق الولد من مولاهما لأن الخصومة هنا إنما تكون مع المولى، لأن الزوج لا حق له في الولد إذ الولد يتبع الأم في الملك ومالك المملوك أحق به من غيره، كذا في " الكافي "، واختلف المالكية في أم الولد إذا أعتقت مع اتفاقهم على ثبوت الأم، ذكره في " الجواهر ".
م: (لأنهما) ش: أي الأمة وأم الولد اللتين أعتقا. م: (حرتان) ش: فكانتا أحق بالولد من مولاهما. م: (أو أن ثبوت الحق) ش: أي وقت ثبوت الحق.
م: (وليس لهما قبل العتق حق في الولد؛ لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى) ش: وبه قال عطاء والثوري والشافعي وأحمد. وعند مالك: تثبت الحضانة للرقيق.
م: (والذمية أحق بولدها المسلم، ما لم يعقل الأديان) ش: فإن عقل الأديان يؤخذ منها، ويدفع إلى الأب، وبه قال مالك في المشهور وأبو القاسم وأبو ثور، وتمنع أن تغذيه بالخمر ولحم الخنزير، وإن خيف ضم إليه ناس من المسلمين. وقال الشافعي وأحمد: لا حضانة لها وهي رواية عن مالك. م: (أو يخاف أن يألف الكفر) ش: أي بأن يألف الكفر، فأن مصدرية، أي يخاف ألفة الكفر. وأما قوله: أو يخاف، فيجوز فيه ثلاثة أوجه: الأول: النصب على تقدير: إلى أن يخاف. كما في قوله: لألزمنك أو تعطيني حقي، أي إلى أن تعطيني.
الثاني: الرفع على أنه استئناف؛ أي هو يخاف.
الثالث: الجزم عطفا على قوله ما لم يعقل فيقر أو يخاف.
م: (للنظر قبل ذلك) ش: أي الذمية أحق بولدها المسلم لأجل النظر في حق الصغير، قبل أن يعقل الأديان، وقبل أن يخاف عليه من فتنة الكفر (واحتمال الضرر بعده) أي ولأجل احتمال(5/651)
ولا خيار للغلام والجارية. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لهما الخيار لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حصول الضرر بعده، بانتقاش أحوال الكفر في ذهنه بعد أن يعقل الأديان. م: (ولا خيار للغلام والجارية) ش: يعني بين الأبوين بأن يكون الولد عند الأم ما لم تزوج بزوج آخر إلى المدة التي ذكرناها، وبه قال مالك.
م: (وقال الشافعي لهما الخيار) ش: إذا بلغا من التمييز يسلم إلى من اختاره، وبه قال أحمد. م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير) ش: أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن هلال بن أسامة «عن أبي ميمونة، سليم، ويقال: سلمان مولى من أهل المدينة، رجل صدوق. قال: بينما أنا جالس مع أبي هريرة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، إذ جاءته امرأة فارسية معها ابن لها، فادعياه، وقد طلقها زوجها. فقالت: يا أبا هريرة - ورطنت بالفارسية - زوجي يريد أن يذهب بابني. فقال أبو هريرة: استهما عليه - ورطن لها بذلك -. فجاء زوجها وقال: من يحاقني في ولدي! فقال أبو هريرة: اللهم إني لا أقول هذا إلا أني سمعت "امرأة جاءت إلى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا قاعد عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: استهما عليه. فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به» . وجه الاستدلال: هو أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيره بقوله «هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» . قوله: رطنت، من الرطانة - بفتح الراء وكسرها - وهي كلام لا يفهمه الجمهور، وإنما هو مواضعة بين اثنين أو ثلاثة، والعرب تخص بها غالبًا كلام أعجم. قوله: من بئر أبي عنبة، بكسر العين المهملة، وفتح النون وبالباء الموحدة، وهي بئر معروف بالمدينة. عندما عرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه لما سار إلى بدر. قوله: يحاقني بالحاء المهملة وبالقاف. أي من ينازعني؟ واستدل الشافعي أيضًا بحديث رافع بن سنان وهو الذي ذكره المصنف. وأجاب عنه على ما يأتي. أخرجه أبو داود والنسائي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده «رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فجاءت بابن لهما صغير لم يبلغ، فأجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأب هاهنا والأم هاهنا ثم خيره، وقال: "اللهم اهده"، فذهب إلى أمه. ولفظ أبي داود: أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ابنتي وهي فطيم، وقال(5/652)
ولنا أنه لقصور عقله يختار من عنده الدعة بتخليته بينه وبين اللعب، فلا يتحقق النظر. وقد صح أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يخيروا. وأما الحديث فقلنا قد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اللهم اهده " فوفق لاختياره الأنظر بدعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رافع: ابنتي، فأقعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأم ناحية، والأب ناحية وأقعد الصبي بينهما، وقال لهما: "ادعواها" فمالت الصبية إلى أمها، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "اللهم اهدها" فمالت إلى أبيها، فأخذها» وأخرجه أحمد في "مسنده " ولفظه في: ولد صغير. م: (ولنا أنه) ش: أي أن الصغير. م: (لقصور عقله يختار من عنده الدعة) ش: بفتح الدال والعين المهملة أي الراحة والخفض والهاء فيه عوض عن الواو لأنه من ودع الرجل بالواو وضم الدال، فهو وديع أي ساكن، وهو من باب فعل يفعل بضم العين فيهما كحسن يحسن. م: (بتخليته بينه وبين اللعب) ش: أي بسبب تخلية من عنده الدعة بين الصبي وبين اللعب. م: (فلا يتحقق النظر) ش: وعدم تحقق النظر على الصبي إذا اشتغل باللعب ظاهر. م: (وقد صح أن الصحابة لم يخيروا) ش: لم يتعرض إليه أحد من الشراح. وقد روى مالك والبيهقي «عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه دفع الغلام لأمه لما اختصم فيه عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وأمه، قال فيه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا توله والدة عن ولدها» ، أي لا يفرق بينهما، وكل أنثى فارقت ولدها فهي والهة وقد ولهت تله ولها فهي والهة وواله، والوله ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد، والمصنف احتج بهذا، ومع هذا ورد ما يخالف هذا، روى عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا ابن جريج أن عبد الله بن عمر يقول: اختصم أب وأم في ابن لهما إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فخيره فاختار أمه فانطلقت به، روى ابن حبان عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خير غلاما بين أبيه وأمه.
م: (وأما الحديث) ش: أشار به إلى الحديث الذي استدل به الشافعي، وهو قوله: لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيره، وأشار به إلى الجواب عنه، فقال. م: (فقلنا قد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم اهده» فوفق لاختياره الأنظر بدعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: هذا جواب عما استدل به الشافعي في حديث التخيير؛ بيانه(5/653)
أو يحمل على ما إذا كان بالغا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنه لو كان للتخيير اعتبار، لم يقل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم اهده» فوفق لاختياره الأنظر في حقه ببركة دعائه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولم يوجد ذلك فيما نحن فيه. م: (أو يحمل على ما إذا كان بالغًا) ش: هذا جواب ثان عن حديث الشافعي، ولكن ليس بموجه ولا يرضي الخصم لأنه صرح فيه فجاء بابن لهما صغير لم يبلغ وهو في حديث رافع بن سنان الذي مضى عن قريب.
وفي رواية أخرجها أبو داود «عن رافع بن سنان، ولفظه: أنه أسلم وأبت امرأته فأتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ابنتي وهي فطيم، وقال رافع: ابنتي. وأقعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأم ناحية والأب ناحية، فأقعد الصبية بينهما، وقال لهما: "ادعواها"، فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم اهدها"، فمالت إلى أبيها وأخذها» انتهى، وهذا إيضاح صرح فيه بالصبية وأنها فطيم فكيف يكون الولد غالبًا؟ والمعني أن أصحابنا قصروا في هذا الباب حيث يستدل الخصم بالأحاديث الصحيحة، وهم يستدلون بالدليل العقلي.
وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأربعة أجوبة: الأول: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر إما بالاستهام وهو متروك بالإجماع، والثاني: لم يذكر فيه الطلاق، وقولها: إن زوجي، دليل على قيام النكاح، والثالث: ليس فيه سبع سنين، والخصم يشترط التخيير في سبع سنين، والرابع: أن بئر أبي عنبة كانت بالمدينة، ولا يمكن للصغير أن يسقي منها، ولا يخلو الكل عن تأمل، واعلم أن الابن إذا بلغ يخير بين أبويه. فإن أراد أن ينفرد فله ذلك، إلا إذا كان فاسقا يمضي عليه شيء، فحينئذ يضمه الأب إلى نفسه، لأنه أقدر على صيانته، أما الجارية فإن كانت بكرا يضمها إلى نفسه سواء كانت مأمونة أو غير مأمونة.
فإن كانت ثيبًا مأمونة ليس له أن يجبرها حتى تكون معه لزوال ولايته عنها كذا في نسخ " الفتاوى " وغيرها قاله الأترازى. وفي " الكافي " اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج، فالخلع جائز والشرط باطل.(5/654)
فصل وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك؛ لما فيه من الإضرار بالأب، إلا أن تخرج به إلى وطنها، وقد كان الزوج تزوجها فيه؛ لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تأهل ببلدة فهو منهم» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان حكم من يريد إخراج الصغيرة إلى القرى]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان حكم من يريد إخراج الصغيرة إلى القرى، وبين ذلك بقوله في فصل على حدة.
م: (وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك) ش: هذا بعد انقضاء عدتها، فإنه صرح به في " جامع قاضي خان " وغيره. م: (لما فيه من الإضرار بالأب) ش: أي في الخروج بالولد لانقطاع ولده عنه. م: (إلا أن تخرج به) ش: بولدها من المصر. م: (إلى وطنها) ش: هذا استثناء من قوله: فليس لها ذلك. م: (وقد كان الزوج) ش: أي والحال أن الزوج. م: (تزوجها فيه) ش: أي في وطنها. م: (لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا) ش: أما العرف فلأن الزوج يقيم في البلد الذي يتزوج فيه عادة، إلا أنه يلزمها متابعة الزوج إذا أعطاها جميع المهر رضيت بذلك أو لم ترض. فبعد زوال الزوجية يعود الأمر الأول.
وأما شرعًا: فلأن العقد متى وجد في مكان العقد، والأولاد من ثمرات عقد النكاح، فيجب إمساكها في موضع العقد، بخلاف ما إذا أراد النقل إلى مصر ليس هو مصرها، ولم يكن ثمة أصل النكاح، ليس لها أن تنقل الأولاد، وكذا إذا أرادت الانتقال بالأولاد إلى مصرها، لكن ثمة أصل النكاح لعدم دليل العرف والشرع.
م: (قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «من تأهل ببلدة فهو منهم» ش: لم يتعرض أحد من الشراح لهذا الحديث، ولا بمجرد ذكره. روى هذا الحديث ابن أبي شيبة في "مصنفه "، حدثنا المعلى بن منصور عن عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئاب عن أبيه «أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صلى بمنى أربعًا، ثم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تأهل في بلدة فهو من أهلها يصلي بصلاة المقيم، وإني تأهلت منذ قدمت مكة» .
ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " كذلك، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا تزوج الرجل ببلد فهو من أهله، وإنما أتممت لأني تزوجت بها منذ قدمتها» . ورواه أحمد في "مسنده "، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من تأهل في بلد فليصل صلاة مقيم» .
واستدل به المصنف لقوله لأنه اليوم المقيم فيه شرعًا، حاصله أن الرجل إذا تزوج امرأة في(5/655)
ولهذا يصير الحربي به ذميا. وإن أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها، وقد كان التزوج فيه، أشار في الكتاب إلى أنه ليس لها ذلك. وهذه رواية كتاب الطلاق. وذكر في " الجامع الصغير " أن لها ذلك؛ لأن العقد متى وجد في مكان فيه يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بلد هو وطن المرأة يكون من أهل ذلك البلد.
م: (ولهذا يصير الحربي به) ش: أي بالتزوج. قاله الأترازي والأكمل. م: (ذميًا) ش: وقال تاج الشريعة: الضمير يرجع إلى التزام المقام. وبيانه أنه لما استدل بقوله التزم المقام عرفًا وشرعًا، فلقائل أن يقول هب أنه التزم المقام. فلماذا يصير مقيمًا؟ فيجاب عنه بأنه لالتزام المقام أثر، ولهذا يصير الحربي ذميًا. قيل: هذا خلاف المفهوم من كلامه. وقال " صاحب النهاية ": هذا وقع غلطًا، أي قوله: ولهذا يصير الحربي به ذميًا. فإنه ذكر في غير هذا الكتاب أن المستأمن إذا تزوج ذمية لا يصير ذميًا، لأنه يمكنه أن يطلقها ويرجع. وقد وجدت بخط شيخي: ليس في النسخة التي قوبلت بنسخة المصنف هذه الجملة.
وقال الأترازي: ونقل عن الإمام حافظ الدين الكبير، أن هذه الجملة ليست في النسخة التي قوبلت مع نسخة المصنف، فعلى هذا يكون السهو من الكاتب، لأنه قال في " السير الكبير " بعد كتاب الحدود في أرض الحرب بباب: وإذا دخلت المرأة من أهل الحرب دار الإسلام بأمان وهي كتابية، فتزوجها ذمي أو مسلم فقد صارت ذمية لأن لزوجها أن يمنعها عن العود إلى دار الحرب، فكان الإقدام على النكاح مع علمها أن لزوجها أن يمنعها عن العود إلى دار الحرب رضا منها بالمقام في دار الإسلام.
وأما الحربي إذا تزوج ذمية لا يصير ذميًا؛ لأن المرأة ليس لها أن تمنع زوجها من دار الحرب، انتهى.
وغير بعضهم لفظ الحربي بلفظ الحربية حتى ترد السؤال. وقال بعضهم: لا حاجة إلى تغيير اللفظ لجواز أن يكون الحربي صفة لشخص؛ أي الشخص الحربي ذكرًا كان أو أنثي. قلت: هذا بعيد جدًا.
م: (وإن أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها) ش: صفة المصر. م: (وقد كان التزوج فيه) ش: أي والحال إن تزوج الزوج فيه أي في مصر غير وطنها. م: (أشار في الكتاب) ش: أي القدوري، وقيل: المراد به " المبسوط ". م: (إلى أنه ليس لها ذلك، وهذه رواية كتاب الطلاق) ش: من الأصل.
م: (وذكر) ش: أي محمد. م: (في " الجامع الصغير " أن لها ذلك؛ لأن العقد متى وجد في مكان فيه) ش: أي في ذلك المكان. م: (يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه) ش: أي(5/656)
ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد. وجه الأول: أن التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفا، وهذا أصح. والحاصل: أنه لا بد من الأمرين جميعا، الوطن ووجود النكاح، وهذا كله إذا كان بين المصرين تفاوت. أما إذا تقاربا بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس به. وكذا الجواب في القريتين، ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به؛ لأن فيه نظرا إلى الصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر، وليس فيه ضرر بالأب، وفي عكسه ضرر بالصغير، لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تسليم المعقود عليه في موضع العقد.
م: (ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد) ش: لأن الأولاد من ثمرات النكاح فيوجب إمساكها في موضع العقد. م: (وجه الأول) ش: أراد به قوله ليس لها ذلك وهو رواية كتاب الطلاق. م: (أن التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفًا) ش: أي من حيث العرف أراد بأن العرف لم يجر بأن يكون للتزوج في دار الغربة التزامًا للإقامة. م: (وهذا أصح) ش: أي الوجه الأول هو الأصح.
م: (والحاصل أنه لا بد من الأمرين جميعا الوطن ووجود النكاح) ش: أي لانتقال الأم بالأولاد الصغار، ولا بد من وجود أمر آخر وهو أن تريد الانتقال إلى دار الحرب، فإنه ذكر في " شرح كتاب الطحاوي ": ولو أرادت الانتقال إلى دار الحرب، وإن كان أصل النكاح وقع هناك في حربية بعد أن يكون زوجها مسلما أو ذميا، ليس لها ذلك، ولو كان كلاهما حربيين فلهما ذلك. م: (وهذا كله) ش: أي هذا الذي ذكرناه كله. م: (إذا كان بين المصرين تفاوت) ش: أراد به البعد بحيث لا يمكن للأب رجوعه إلى بيته في يوم مطالعة أولاده. م: (أما إذا تقاربا) ش: أي المصران. م: (بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس به، وكذا الجواب في القريتين) ش: يعني إذا كانت قريبتين بحيث يمكن للأب مطالعة الأولاد في يومه، فلها ذلك وإلا فلا.
م: (ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به؛ لأن فيه نظرًا إلى الصغير، حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر، وليس فيه ضرر بالأب، وفي عكسه) ش: وهو الانتقال من المصر إلى القرية. م: (ضرر بالصغير لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك) ش: أي ليس لها أن تنقل الصغار من المصر إلى القرية، إلا إذا وقع العقد فيها فحينئذ لها ذلك. ذكره في " شرح الطحاوي " وفي " فتاوى البقالي ": ليس لها ذلك بحال، وقع العقد هناك أو لا.
فروع: لو جاءت بصبي، وقالت: هذا ابن بنتي وقد ماتت، فأعطني نفقته، فقال: إنها لم تمت وهي في منزلي، وأراد أخذه منها لم يكن له ذلك حتى يعلم القاضي أمه، فيجيء بها، فيأخذه منها. وإن جاء بامرأة، وقال: هذه بنتك وهي أمه، وقالت: ابنتي ماتت، فالقول للزوج؛ لأن الفراش لهما، قال الأب: هو ابن ست سنين، وقالت: ابن سبع، إن كان يأكل وحده ويلبس وحده دفع إليه وإلا فلا.(5/657)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو ادعى التزوج عليها بأخرى وأنكرت، فالقول لها. ولو قالت: طلقني وعاد حقي، إن لم تعين الزوج فالقول لها، وإن عينت لا يقبل قولها في الطلاق. وإن كان معسرًا فقالت العمة: أنا أولى بغير أجر، والأم طلبت أجره، فالعمة أولى، وهو الصحيح.(5/658)
باب النفقة قال: النفقة واجبة للزوجة على زوجها، مسلمة كانت أو كافرة، إذا أسلمت نفسها في منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها. والأصل في ذلك قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب النفقة] [حكم النفقة للزوجة]
م: (باب النفقة) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام النفقة، وهي اسم بمعنى الإنفاق، وهي عبارة عن الإدرار على الشيء بما به بقاؤه. والنفقة تجب بأسباب الزوجية، ومنها النسب ومنها الملك، والكل يجيء بيانه على الترتيب مشتملا على ذكر فصول على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (النفقة واجبة للزوجة على زوجها، مسلمة كانت أو كافرة. إذا أسلمت نفسها في منزله فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها) ش: أي في منزل الزوج. قال الأقطع في "شرحه ": تسليمها نفسها شرط في وجوب النفقة ولا خلاف في ذلك. وقال الأترازي: فعلم بهذا إذا ادعى بعض الشراح للهداية، بقوله: هذا الشرط ليس بلازم في ظاهر الرواية.
فإنه ذكر في " المبسوط " وهو ظاهر الرواية بعد صحة العقد، النفقة واجبة لها وإن لم تنتقل إلى بيت الزوج. ألا ترى أن الزوج لو لم يطلب انتقالها إلى بيت الزوج جاز لها أن تطالبه بالنفقة. وقال في " الإيضاح ": وهذا لأن النفقة حق المرأة والانتقال حق الزوج فإذا يطالبها بالنفقة، فقد ترك حقه وهذا لا يوجب بطلان حقها.
وقال في " النهاية ": وقال بعض المتأخرين من أئمة بلخ: لا تستحق النفقة إذا لم تزف إلى بيت زوجها. والفتوى على جواب الكتاب، وهو وجوب النفقة وإن لم تزف فإن كان الزوج قد طالبها بالنفقة، وإن لم تمتنع من الانتقال إلى بيت زوجها فلها النفقة أيضًا، وأما إذا كان الامتناع بحق بأن امتنعت لتستوفي مهرها، فلها النفقة أيضًا، وإن كان الامتناع بغير حق، بأن كان أوفاها المهر، أو كان المهر مؤجلا أو وهبته منه، فلا نفقة لها، فكل من كان محبوسا لغيره بحق مقصود، كانت نفقته عليه.
م: (والأصل في ذلك) ش: أي في وجوب النفقة. م: (قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7)) ش: أمر بالإنفاق، والأمر للوجوب، والسعة: القدرة. م: (وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233)) ش: المولود له هو الأب، ورزقهن: الأمهات، قَوْله تَعَالَى: {بالمعروف} [البقرة: 233] أي بالوسط. وقال الزجاج في تفسيره: مما تعرفون أنه العدل على قدر الإمكان، وكلمة "على" للإيجاب.(5/659)
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ؛ ولأن النفقة جزاء الاحتباس، فكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره، كانت نفقته عليه، وأصله القاضي والعامل في الصدقات، وهذه الدلائل لا فصل فيها، فتستوي فيها المسلمة، والكافرة. ويعتبر في ذلك حالهما جميعا، قال: وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في حديث حجة الوداع: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» ش: هذا الحديث رواه مسلم عن جابر بن عبد الله، وهو حديث طويل جدًا، وفيه: «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ... » الحديث أخرجه مسلم في باب حجة الوداع.
م: (ولأن النفقة جزاء الاحتباس) ش: أي احتباس المرأة عند الرجل. م: (فكل من كان محبوسًا بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه) ش: لا يقال يرد على هذا نفقة الرهن، فإنها على الراهن مع أنه محبوس بحق المرتهن، لأنا نقول سلمنا أنه محبوس عند المرتهن ولكن لا نسلم أنه محبوس بحق هو مقصود للمرتهن فحسب. فإنه كما يحصل مقصود المرتهن يحصل مقصود الراهن أيضًا. ألا ترى أنه إذا هلك، هلك الدين الذي على الراهن مضمونًا بأقل من قيمته ومن الدين، لكن على هذا كان ينبغي أن تجب النفقة عليهما جميعًا، إلا أن النفقة لما كانت لبقية الرهن وهو على ملك الراهن، وجبت عليه خاصة كالوديعة يجب نفقتها على صاحب المال.
و: (وأصله) ش: أي أصل من كان محبوسا لمنفعة ترجع إلى غير. م: (القاضي والعامل في الصدقات) ش: لأنهما حبسا أنفسهما لمصالح المسلمين فيجب كفايتهما، وكذلك المفتي والمتولي والوصي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة والمقاتلة إذا قاموا بكفاية المسلمين في دفع عدوهم يجب كفايتهم. م: (وهذه الدلائل) ش: أشار به إلى ما ذكره من الكتاب والسنة، وقال الأترازي: أي الآيات الدالة على وجود النفقة والدليل العقلي.. م: (لا فصل فيها) ش: أي لا فرق فيها بل على إطلاقها. م: (فتستوي فيها المسلمة والكافرة) ش: والغنية والفقيرة، والموطوءة وغير الموطوءة، والمنتقلة إلى بيت زوجها وغير المنتقلة. م: (ويعتبر في ذلك حالهما جميعًا) ش: أي حال الزوجين. وهذا لفظ القدوري.
م: (قال) ش: أي المصنف. م: (وهذا اختيار الخصاف وعليه الفتوى) ش: أي على اختيار الخصاف الفتوى. وظاهر الرواية عن أصحابنا اعتبار حال الرجل في اليسار والإعسار دون حال المرأة. وبه صرح محمد في الأصل والحاكم في " الكافي " وصاحب " الشامل " في قسم المبسوط، والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي "، وإليه ذهب الكرخي وكثير من مشايخنا المتأخرين، كصاحب " التحفة " وصاحب " النافع " وغيرهم، وهو قول الشافعي.(5/660)
وتفسيره أنهما إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار. وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار. وإن كانت المرأة معسرة والزوج موسرا، فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) . ووجه الأول قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند امرأة أبي سفيان: «خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وتفسيره) ش: أي تفسير قول الخصاف. م: (أنهما) ش: أي أن الزوجين. م: (إذا كانا موسرين تجب نفقة اليسار، وإن كانا معسرين فنفقة الإعسار) ش: أي تجب نفقة الإعسار. م: (وإن كانت المرأة معسرة والزوج موسرًا) ش: أي وكان الزوج موسرا. م: (فنفقتها دون نفقة الموسرات وفوق نفقة المعسرات) ش: وفي " الذخيرة ": بيانه: إذا كان الزوج موسرًا بفرط اليسار نحو أن يأكل الحلوى واللحم المشوي والباحات، والمرأة فقيرة كانت تأكل في بيتها خبز الشعير، لا يؤخذ الزوج بأن يطعمها ما يأكل بنفقته، ولا ما كانت المرأة تأكل في بيتها، ولكن يطعمها فيما بين ذلك، ويطعمها خبز البر، وباحة وباحتين، فهذا معنى اعتبار حالهما.
وأما إذا كان الزوج معسرًا والمرأة موسرة، لم يذكر المصنف هذا القسم، قال الأترازي: لا أدري كيف ذهب عنه، ولا بد من ذكره، فقال الخصاف في كتابه: يفرض له نفقة صالحة، يعني وسطا، فيقال له: تكلف إلى أن تطعمها خبز البر وباحة وباحتين، كي لا يلحقها الضرر.
وقال الأترازي: هذا التكليف تكليف ما ليس في الوسع، فلا يجوز. قال الإمام السرخسي: لم يذكر صاحب الكتاب أنه يؤاكلها؛ يعني الخصاف لم يذكره في كتاب النفقات، ثم قال: ولكن مشايخنا قالوا المستحب له أن يؤاكلها لأنه مأمور بحسن العشرة معها، وزاد في أن يؤاكلها ليكون نفقتها ونفقته سواء.
م: (وقال الكرخي: يعتبر حال الزوج، وهو قول الشافعي؛ لقوله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7)) ش: وهو ظاهر الرواية، وقال الله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) بين أن التكليف بحسب الوسع وأن النفقة على حسب حاله.
ولما زوجت نفسها من معسر، فقد رضيت بنفقة المعسرين، فلا يستوجب على الزوج إلا بحسب الزوج وحاله.
م: (ووجه الأول) ش: أي وجه اعتبار حالهما وهو اختيار الخصاف. م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (لهند امرأة أبي سفيان: خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف) » ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة غير الترمذي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أن هندًا أم معاوية قالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» .(5/661)
اعتبر حالها، وهو الفقه. فإن النفقة تجب بطريق الكفاية. والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات، فلا معنى للزيادة. وأما النص فنحن نقول بموجبه أنه يخاطب بقدر وسعه، والباقي دين في ذمته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (اعتبر حالها) ش: أي اعتبر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حال المرأة، ولقائل أن يقول هذا الدليل غير مطابق للمدعى، وهو الاعتبار بحالها.
والحديث يدل على اعتبار حالها، وأما اعتبار حاله فالآية تدل عليه، والخصم يدل عليه، فإذا الآية تدل على اعتبار حاله والحديث على اعتبار حالها، فوجب الجمع بينهما بأن يكون حاله معتبرة من جهة وحالها كذلك.
فإن قيل: هذا على تقدير التعارض والحديث لا يعارض الآية لكونه من الأحاديث، فالجواب أن الحديث تفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 333) ، فتكون المعارضة حينئذ بين الآيتين فيجمع بينهما. م: (وهو الفقه) ش: أي اعتبار حال المرأة هو الفقه؛ أي هو الذي يفهم من الدلائل.
وأشار بهذا إلى أنه اختار قول الخصاف حيث اعتبر حالهما، لكن ذكر الدليل من جهة نفسه لما اختاره، وإنما قلنا من جهة نفسه لئلا يرد عليه اعتراض الأترازي حيث قال: قوله. م: (فإن النفقة) ش: قوله فلا معنى للزيادة وفيه نظر، لأنه ما بقي بين الدليل والمدلول مطابقة، لأن صاحب " الهداية " أورده دليلًا لقول الخصاف وقول الخصاف اعتبار حال المرأة وحدها، انتهى.
ونحن نقول: اختيار المصنف ما اختاره الخصاف، ولكن دليله من جهة ويرد ما ذكره، ثم بين ذلك بقوله لأن النفقة. م: (تجب بطريق الكفاية، والفقيرة لا تفتقر إلى كفاية الموسرات فلا معنى للزيادة) ش: يعني عن كفايتها نظرا إلى حال الزوج، ثم أجاب عن قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) ، بقوله. م: (وأما النص فنحن نقول بموجبه) ش: أي بموجب النص وهو. م: (أنه يخاطب بقدر وسعه) ش: لئلا يلزم التكليف بما ليس بالوسع، لكن زاد كفايتها على ما في وسعه يكون دينًا عليه، وهو معنى. م: (والباقي دين في ذمته) ش: عملا بالدليلين، ولا يؤديه مع العجز.
واعترض الأترازي على المصنف بقوله: وهذا لا يكون جوابا لما ذهب إليه الكرخي من ظاهر الرواية، لأن نص القرآن لا يثبت الزيادة على نفقة الإعسار، فمن أين يثبت الزيادة بموجب النص حتى يكون دينًا عليه؟ انتهى.
قلت: المصنف لم يثبت الزيادة بقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (الطلاق: الآية 7) حتى ... ما قال، وإنما أثبت الزيادة بقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) الآية، وفيما قاله عملًا بالدليلين، وهذه الآية تدل على وجوب كفايتهن بكلمة(5/662)
ومعنى قوله: "بالمعروف": الوسط، وهو الواجب، وبه يتبين أنه لا معنى للتقدير كما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه على الموسر مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف مد؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على غير أنه إذا عجز عن الكفاية لا يكلف في الحال بل الزيادة على الكفاية في ذلك الوقت يكون دينا عليه، والعمل بالنص أولى من ترك أحدهما.
م: (ومعنى قوله «بالمعروف» الوسط) ش: أي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بالمعروف في قوله لهند امرأة أبي سفيان: "خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، وكذا في قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) الآية الوسطى. م: (وهو الواجب) ش: أي الوسط هو الواجب، وفي " المبسوط ": يجب على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف فيما فرض في كل وقت وزمان.
فكما يفرض لهما قدر الكفاية من الطعام، فكذلك من الإدام لأن الخبز لا يتناول عادة إلا مأدومًا، وجاء في تأويل قوله عز وجل: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] (المائدة: الآية 89) ، أنه أعلى ما يطعم الرجل امرأته الخبز واللحم وأوسطه الخبز والزيت وأدناه الخبز واللبن، وأما الدهن يُستغنى عنه خصوصًا في زيادة الحر فهو من أهول الحوائج كالخبز.
م: (وبه) ش: أي وبالمعروف المذكور في القرآن والحديث. م: (يتبين أنه لا معنى للتقدير) ش: أي في تقدير النفقة. م: (كما ذهب إليه) ش: أي إلى التقدير. م: (الشافعي أنه) ش: أي التقدير. م: (على الموسر مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف مد) ش: المد بالضم وتشديد الدال رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، وقيل: إن أصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعامًا.
وقال الماوردي في " الحاوي " ما ملخصه: إن الأصل في اعتبار الحب في النفقة الكفارات؛ لأنه طعام يقصد به في الحرمة ويستقر في الذمة وفي النكاح عليه تمليكها حبًا، وعليه طحنه وخبزه في الأصح، ويجوز الاعتياض في الأصح إلا دقيقا وخبزا على المذهب، ولو أكلت معه سقطت نفقتها في الأصح وفي " المغني ": إيجاب الحب تحكم، فإن الشرع ورد بالإنفاق مطلقا من غير قيد ولا تقدير، فيجب أن يرد إلى العرف والعادة وذلك في الطعام دون الحب.
وما بلغنا عن أحد السلف أنه أطعم زوجته حبًا ولا حكم بذلك الحاكم، وقد تركوا قوله في جميع البلاد الإسلامية على تقدير مد ... على الأكابر.
وعن مالك: يفرض بمد تمر وإن كان كل يوم.
وهو مد وثلث بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال ابن حبيب: أخذه هشام بن إسماعيل بغرض نفقة الزوجات ما استحسنه مالك، وهو ظاهر خلاف مذهبه، ومذهبنا ما ذكره علماؤنا، فقال في مختصر شرح(5/663)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
"الكافي " للحاكم الشهيد: إذا كان الرجل صاحب مائدة وطعام كثير، تتمكن من تناول مقدار كفايتها، فليس لها أن تطالب الزوج بفرض النفقة، وإن يكن بهذه الصفة، فخاصمت في النفقة يفرض لها بالمعروف، وهو فوق التقتير، دون الإسراف، رعاية للجانبين.
ولا تقدر النفقة بالدراهم؛ لأن المقصود الكفاية، وقد يرخص السعر ولا يغلو، فلا يحصل المقصود، فكما يفرض لها الطعام بقدر الكفاية كل يوم يفرض الإدام أيضا؛ لأن الخبز لا يتناول إلا مأدوما عادة، وكذلك يفرض الدهن لأنه لا يُستغنى عنه.
وقال في الأقضية: لا إدام إلا على اللحم والأوسط الزيت والأدنى اللبن والحطب والصابون والأشنان، وثمن ماء الاغتسال عليه، كذا في " خلاصة الفتاوى " ويفرض لها من الكسوة ما يصلح للشتاء والصيف.
ففي الشتاء قميص وملحفة وخمار وكساء كأرخص ما يكون كفايتها بما دونها، إن كان الرجل معسرا ولا كساء في الصيف، وإن كان موسرا فأجود من ذلك على قدر اليسار والخادم قميص وإزار وكساء كأرخص ما يكون ولا كساء في الصيف، وإن كان الرجل موسرا فأجود ما يكون من ذلك.
وقال محمد: في الأصل من التقدير بالدراهم بقوله: إن كان معسرًا فرض لها من النفقة كل شهر أربعة دراهم أو خمسة أو ما بين ذلك، ولخادمها ثلاثة دراهم وأقل من ذلك أو أكثر، وإن كان موسرًا، عليه للمرأة ثمانية دراهم أو سبعة أو نحو ذلك، ولخادمها ثلاثة دراهم أو أربعة أو نحو ذلك، فذاك ليس بتقدير لازم، بل هو بناء على ما شاهده محمد في ذلك الوقت من عرف زمانه، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح "الكافي " وشمس الأئمة البيهقي في " الشامل ".
وقال السرخسي: لم يذكر محمد في الأصل كسوة المرأة الإزار والخف في شيء من المواضع، وذكر الإزار في كسوة الخادم ولم يذكر الخف أيضًا، وإن كانت الخادمة ممن يحتاج أن تخرج إلى الحوائج، فلها الخف والمكعب بحسب ما يكفيها.
وأما المرأة فإنها مأمورة بالقرار في البيت ممنوعة من الخروج، فلا تستوجب الخف والمكعب على الزوج، وكذلك لا تستوجب الإزار لأنها تكون مهيئة نفسها بنشاط الزوج، فليس على الزوج أن يتخذ ما يحول بينه وبين حقه فلهذا لم يذكر الإزار، هذا لفظه في شرح "الكافي ".
وقال في " خلاصة الفتاوى ": هذا في ديارهم بحكم العرف، أما في ديارنا فيفرض الإزار والمكعب، ويفرض ما تنام عليه.(5/664)
لأن ما وجب كفاية لا يتقدر شرعا في نفسه.
وإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها، فلها النفقة؛ لأنه منع بحق، فكان فوت الاحتباس لمعنى من قبله، فيجعل كالأموات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الخصاف: ويجعل لها ما تنام عليه مثل الفراش والمضربة والمرفقة في الشتاء ولحافا يتغطى به.
قال شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب "النفقات ": ذكر لها كتابا على حدة ولم يكتف بفراش واحد، لأنها ربما تنعزل عنه في أيام الحيض أو في زمان مرضها.
وقال الحاكم الشهيد: وقال محمد: لا ينبغي أن يوقت النفقة على الدراهم، لأن السعر يغلو ويرخص، ولكن يجعل النفقة على الكفاية في كل زمان، فينظر قيمته، فيفرض لها عليه دراهم شهرًا بشهر.
قال السرخسي: وهذا بناء على عادتهم، وبعض المتأخرين من مشايخنا، قالوا: يعتبر في ذلك حال الرجل فإنه إن كان محترفا يفرض عليه النفقة يومًا يوما؛ لأنه يتعذر عليه أداء نفقة شهر دفعة واحدة. وإن كان من التجار يفرض عليه الأداء شهرًا، وإن كان من الدهاقين يفرض عليه النفقة دراهم على الكفاية في كل زمان، فينظر قيمة ذلك، فيفرض لها عليه دراهم شهرٍ بشهرٍ لتيسير الأداء عليه.
كذلك عند إدراك الغلة واتخاذ غلة الحوانيت، أما الكسوة فيفرض في السنة مرتين.
م: (لأن ما وجب كفاية لا يتقدر شرعا في نفسه) ش: لأنها مما يختلف فيها أحوال الناس بحسب الشباب والمهرم، وبحسب الأوقات والأماكن، ففي التقدير قد يكون إضرارا بأحدهما وفي " المبسوط ": وكل جواب عرفته من اعتبار حاله أو حالها في فرض النفقة فهو الجواب في كسوة.
[نفقة من امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها ممهرها]
م: (وإن امتنعت من تسليم نفسها حتى يعطيها مهرها فلها النفقة؛ لأنه منع بحق، فكان فوت الاحتباس لمعنى من قبله فيجعل كالأموات) ش: المراد من المهر هو العاجل، وبه صرح في " شرح الطحاوي " فقال: ولو أنها منعت نفسها لأجل مهرها العاجل، فلها النفقة لأن هذا منع بحق. وقال في " التحفة ": وإن كان الامتناع بغير حق، بأن أوفاها الزوج المهر مؤجلا، فإنه يسقط النفقة لأنه وجد النشوز منها، لكن ينبغي لك أن تعرف أن الامتناع لطلب المهر إذا كان قبل الدخول لا يزيل النفقة اتفاقا لأنه منع بحق وكذلك بعد الدخول إذا كان برضاها عند أبي حنيفة. وقالا: لا نفقة لها، كذا في " المختلف "، وفي " فتاوى قاضي خان ": ولو كان الزوج ساكنا معها في منزلها فمنعت زوجها من الدخول عليها كانت ناشزة إلا إذا منعت لتحولها إلى منزله أو ليكتري لها منزلًا، فحينئذ تكون ناشزة ولو كانت مقيمة في منزله، ولم تمكنه من الوطء لا تكون ناشزة.(5/665)
وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله؛ لأن فوت الاحتباس منها، وإذا عادت جاء الاحتباس، فتجب النفقة، بخلاف ما إذا امتنعت من التمكين في بيت الزوج؛ لأن الاحتباس قائم، والزوج يقدر على الوطء كرها. وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها، فلا نفقة لها؛ لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها، والاحتباس الموجب ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح، ولم يوجد، بخلاف المريضة على ما نبين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لها النفقة؛ لأنها عوض عن الملك عنده؛ كما في المملوكة بملك اليمين. ولنا أن المهر عوض عن الملك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله؛ لأن فوت الاحتباس منها) ش: تفسير الناشزة والناشصة هي المانعة نفسها عن زوجها بغير حق، وقيل لشريح: هل للناشزة من نفقة؟ فقال: نعم، فقيل: كم؟ فقال: جراب من تراب، معناه: لا نفقة لها، وإذا كان الرجل يسكن في الأرض المغصوبة، فخرجت المرأة لأجل أن لا تسكن في الغصوبة، لا تكون ناشزة لأنها محقة.
ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " فتاوى النسفي ": لو كان الزوج بسمرقند وامرأته بنسف فيبعث إليها أجنبيا ليحملها إلى سمرقند فلم تذهب لعدم المحرم يفرض لها النفقة.
م: (وإذا عادت) ش: أي المرأة إلى منزل الزوج. م: (جاء الاحتباس) ش: فلها. م: (فتجب النفقة) ش: لوجود العلة. م: (بخلاف ما إذا امتنعت) ش: متصل بقوله لأن فوت الاحتباس منها. م: (من التمكين في بيت الزوج؛ لأن الاحتباس قائم والزوج يقدر على الوطء كرهًا) ش: أي من حيث الكره. م: (وإن كانت) ش: أي وإن كانت الزوجة. م: (صغيرة لا يستمتع بها فلا نفقة لها) ش: المراد من الاستمتاع الجماع لأن الحاكم الشهيد قد صرح به في مختصره " الكافي " وكذلك السرخسي في " شرح الكافي " الذي هو "مبسوطه" وعليه جمهور العلماء.
وعند الثوري والظاهرية والشافعي في قول: لها النفقة؛ لأنها مال تجب بالعقد كالمهر، فتستوي الكبيرة والصغيرة، والأصح عند الشافعية وجوبها لو كانت في المهر لإطلاق النص.
م: (لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها) ش: وهي غير مسلمة نفسها إلى الزوج، فصارت كالناشزة.
م: (والاحتباس الموجب) ش: أي للنفقة. م: (ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح) ش: وهو الجماع أو دواعيه. م: (ولم يوجد) ش: فلا يجب شيء. م: (بخلاف المريضة على ما نبين) ش: أي قريبا من خمسة عشر خطا يعني يجب النفقة في المريضة وإن تعذر الجماع.
م: (وقال الشافعي: لها) ش: أي للصغيرة. م: (النفقة لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (عوض عن الملك عنده) ش: أي عند الشافعي. م: (كما في المملوكة بملك اليمين) ش: حيث تجب نفقتها على المالك. م: (ولنا أن المهر عوض عن الملك) ش: لأن الفرض هو ما يدخل تحت العقد بالتسمية،(5/666)
ولا يجتمع العوضان عن معوض واحد فلها المهر دون النفقة. وإن كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهي كبيرة، فلها النفقة من ماله؛ لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله، فصار كالمجبوب والعنين.
وإذا حبست المرأة في دين، فلا نفقة لها؛ لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة، وإن لم يكن منها بأن كانت عاجزة فليس منه وكذا إذا غصبها رجل كرها فذهب بها. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن لها النفقة، والفتوى على الأول؛ لأن فوت الاحتباس ليس منه، ليجعل باقيا تقديرا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والداخل تحته هو المهر دون النفقة، فإن كان المهر عوضا لا تكون النفقة عوضا. م: (ولا يجتمع العوضان عن معوض واحد) ش: فلا تجب النفقة لأجله بخلاف المهر، وهو معنى قوله. م: (فلها المهر دون النفقة) ش: كما مر.
م: (وإن كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهي كبيرة) ش: أي والحال أن المرأة كبيرة. م: (فلها النفقة من ماله؛ لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله، فصار كالمجبوب والعنين) ش: حيث يجب عليهما النفقة؛ لأن العجز منهما وعليه الجمهور.
وقال مالك: لا نفقة لها، وإن كانا صغيرين لا يطيقان الجماع لا نفقة لها بالإجماع، لأن المنع جاء من جهتها، كذا قال الكاكي، وقال الأترازي: ولو كانا صغيرين جميعا لم يذكر حكم النفقة لا في الأصل، ولا في الجامع، ولكن يفهم من التعليل المذكور فيما إذا كانت صغيرة والرجل كبيرًا، إذ لا نفقة لها في هذه الصورة لأن تلك العلة وهي عدم تسليم النفس موجود هنا، وقد صرح بما قلنا أي بعدم وجوب النفقة في " الذخيرة " أيضًا.
م: (وإذا حبست المرأة في دين فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة) ش: لأنها لما ماطلت صارت كأنها هي التي حبست نفسها فصارت كالناشزة. م: (وإن لم يكن منها) ش: أي وإن لم يكن الاحتباس من المرأة. م: (بأن كانت عاجزة) ش: عن أداء الدين. م: (فليس منه) ش: أي من الزوج أيضًا فلا يطالب بالنفقة. م: (وكذا) ش: أي وكذا لا نفقة لها. م: (إذا غصبها رجل كرهًا فذهب بها) ش: لفوات الاحتباس.
م: (وعن أبي يوسف أن لها النفقة) ش: لأنه لا مانع من جهتها، واختاره السعدي. م: (والفتوى على الأول) ش: أي على ظاهر الرواية، وهو أنه لا نفقة في المغصوبة فيما مضى. م: (لأن فوت الاحتباس ليس منه) ش: يعني من الزوج. م: (ليجعل باقيا تقديرًا) ش: بيانه أن النفقة عوض عن الاحتباس في بيته، فإذا كان الفوات لمعنى من جهة يجعل ذلك الاحتباس باقيًا، فإذا كان الفوات لمعنى من جهة باقيا تقديرًا، فكأنه لم يفت، فتجب النفقة كما إذا منعت نفسها قبل الدخول، لأجل الصداق أو حبس الزوج لأجل دين عليه، أو ارتد وأسلمت هي وأبى الزوج الإسلام، أو طلقها بعد الدخول.(5/667)
وكذا إذا حجت مع محرم؛ لأن فوت الاحتباس منها. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر، ولكن تجب عليه نفقة الحضر دون السفر؛ لأنها هي المستحقة عليه. ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق؛ لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها، وتجب نفقة الحضر دون السفر، ولا يجب الكراء لما قلنا. وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة. والقياس أن لا نفقة لها إذا مرضت مرضا يمنع من الجماع لفوات الاحتباس للاستمتاع. وجه الاستحسان: أن الاحتباس قائم، فإنه يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع بعارض فأشبه الحيض. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم، ولو مرضت ثم سلمت، لا تجب لأن التسليم لم يصح بسبب المرض. قالوا: هذا حسن، وفي لفظ الكتاب ما يشير إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا إذا حجت مع محرم) ش: أي لا نفقة لها. م: (لأن فوت الاحتباس منها) ش: إلا إذا كان الزوج معها على ما يجيء الآن. م: (وعن أبي يوسف: أن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر) ش: فحينئذ تجب النفقة. وقال محمد: لا نفقة لها، لعدم الاحتباس بحقه والتمكين من الاستمتاع بالجماع ودواعيه. م: (ولكن تجب عليه نفقة الحضر) ش: يعني قيمة الطعام في الحضر ولا يجب عليه على السفر. م: (دون السفر) ش: أي دون نفقة السفر؛ لأنها تزيد على نفقة الحضر. كذا في شرح كتاب النفقات. م: (لأنها هي المستحقة عليه) ش: أي لأن نفقة الحضر هي الواجبة على الزوج، لأن المأمور هو النفقة بالمعروف وهو عبادة عما لا إسراف فيه ولا، تعتبر. وفي النفقة السفر إسراف لغلاء السفر، فلا يكون معروفًا، فلا يجب ذلك.
م: (ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق) ش: وبه قال الشافعي. م: (لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها) ش: أي لقيام الزوج على المرأة. م: (وتجب نفقة الحضر دون السفر) ش: لما مر. م: (ولا يجب الكراء لما قلنا) ش: أي في قوله لأنها هي المستحقة. م: (وإن مرضت في منزل الزوج فلها النفقة) ش: هذا الموعود من المصنف بقوله قبل هذا، بخلاف المريضة على ما نبين، اعلم أن المريضة مطلقا لها النفقة في ظاهر الرواية، سواء كان مرضا يمنع من الجماع كما في الحيض. م: (والقياس أن لا نفقة لها إذا مرضت مرضا يمنع من الجماع لفوات الاحتباس للاستمتاع. وجه الاستحسان: أن الاحتباس قائم، فإنه) ش: أي فإن الزوج. م: (يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع) ش: أي من الجماع. م: (بعارض) ش: أي بسبب عارض وهو المرض. م: (فأشبه الحيض) ش: في كونه مانعا وتجب النفقة.
م: (وعن أبي يوسف: أنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم، ولو مرضت ثم سلمت لا تجب؛ لأن التسليم لم يصح بسبب المرض. قالوا) ش: أي قال مشايخنا. م: (هذا حسن) ش: أي هذا التفصيل حسن. م: (وفي لفظ الكتاب) ش: أي كتاب القدوري. م: (ما يشير إليه) ش: أي إلى ما روي عن أبي يوسف في ظاهر الرواية، لأنه قال: وإن مرضت في منزل الزوج، لأنه يفهم منه(5/668)
قال: وتفرض على الزوج النفقة إذا كان موسرا، ونفقة خادمها، والمراد بهذا بيان نفقة الخادم. ولهذا ذكر في بعض النسخ وتفرض على الزوج إذا كان موسرا نفقة خادمها، ووجهه: أن كفايتها واجبة عليه، وهذا من تمامها، إذ لا بد لها منه، ولا تفرض لأكثر من نفقة خادم واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنها سلمت نفسها إلى الزوج في منزله ثم مرضت فيه.
[نفقة الخادم]
م: (وقال: وتفرض على الزوج النفقة إذا كان موسرًا ونفقة خادمها) ش: هذه من مسائل القدوري، ولما كان ظاهر هذا تكرارا؛ لأنه قال في أول الباب: النفقة واجبة للزوجة على زوجها، عذره المصنف بقوله. م: (والمراد بهذا) ش: أي بقوله: ويفرض للزوجة على الزوج النفقة إن كان موسرًا ونفقة خادمها. م: (بيان نفقة الخادم) ش: وهناك لم يذكر نفقة الخادم، وتجب نفقته بإجماع الأئمة الأربعة.
وقالت الظاهرية: لا تجب نفقة الخادم، لأنه ما جاء فيه خبر يعتمد عليه، وإنما قيد بقوله: إن كان موسرًا، وزاد فيه هذا القيد، لأنه إذا كان معسرًا لا تجب عليه نفقة الخادم. وإن كان لها خادم على ما روى الحسن عن أبي حنيفة، كذا في " مختصر الكرخي " وفي " الأسبيجابي " و " اليانبيع ": وإن كان لها خادم متفرغ لخدمتها ليس له شغل غير خدمتها، يفرض له النفقة بالمعروف. وفي " الذخيرة ": إن لم يكن لها خادم لا يفرض له في ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة، وبه قال أحمد وأكثر أصحاب الشافعي. وفي " المبسوط " عن زفر: يفرض نفقة خادم واحد، لأن على الزوج أن يقوم بمصالح طعامها وحوائجها، وإذا لم يفعل ذلك أعطاها نفقة خادم، ثم هي تقوم بنفسها، أو تتخذ خادمًا. ثم اختلف المشايخ في الخادم، قيل: المملوك لها حتى لو كانت حرة، أو غير مملوكة لها لا تستحق، وقيل: كل من يخدمها حرة كانت أو مملوكة لها أو لغيرها. وينبغي أن ينقص نفقة لخادمها عن نفقة نفسها في حق الإدام لا الخبز.
م: (ولهذا) ش: أي ولصحة ما قلت والمراد بهذا بيان الخادم. م: (ذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري. م: (ولا تفرض على الزوج إذا كان موسرًا نفقة خادمها) ش: وقال الأترازي: وتلك النسخة هي الأصح، لأن الشيخ أبا نصر اعتبرها في نسخته، أعني الشرح المعروف بالأقطع. م: (ووجهه) ش: أي وجه وجوب نفقة الخادم. م: (أن كفايتها) ش: أي كفاية المرأة. م: (واجبة عليه) ش: أي على الزوج. م: (وهذا من تمامها) ش: أي فرض نفقة الخادم من تمام كفاية المرأة. م: (إذا لا بد لها منه) ش: أي لأنه لا بد للمرأة من الخادم.
وهو واحد الخادم، غلامًا كان أو جارية، ثم المرأة إذا لم يكن لها خادم، فهل يجب عليها أن تجبر وتعالج بنفسها؟ فإن قالت: لا أفعل، لا تجبر على ذلك، لأن الواجب عليها تمكين النفس من الزوج لا هذه الأعمال، بخلاف الخادم إذا امتنع من الخدمة لا يستحق النفقة.
م: (ولا تفرض) ش: أي النفقة. م: (لأكثر من نفقة خادم واحد) ش: هذا لفظ القدوري في(5/669)
وهذا عند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تفرض لخادمين، لأنها تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل، وإلى الآخر لمصالح الخارج. ولهما أن الواحد يقوم بالأمرين، فلا ضرورة إلى اثنين، ولأنه لو تولى كفايتها بنفسه، كان كافيا. فكذا إذا أقام الواحد مقام نفسه، وقالوا: إن الزوج الموسر يلزمه من نفقة الخادم ما يلزم المعسر من نفقة امرأته وهو أدنى الكفاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" مختصره " ولم يذكر الخلاف. وكذا لم يذكر الحاكم الشهيد في "مختصره " ولا الكرخي في "مختصره " وذكر الخلاف شمس الأئمة البيهقي والأسبيجابي، وصاحب " المختلف "، ولذلك ذكر المصنف أيضًا مثلهم، قال. م: (وهذا عند أبي حنيفة ومحمد) ش: أي عدم فرض النفقة لأكثر من خادم عند أبي حنيفة ومحمد، وهو قول الجمهور وقول الأئمة الأربعة.
م: (وقال أبو يوسف: تفرض لخادمين لأنها) ش: أي لأن المرأة. م: (تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل) ش: أي داخل البيت. م: (وإلى الآخر) ش: أي وتحتاج إلى خادم آخر. م: (لمصالح الخارج) ش: أي خارج البيت. وفي " التحفة ": وهذا الذي ذكره عن أبي يوسف غير المشهور عنه، لأن المشهور من قوله كقولهما. وبه صرح الطحاوي في "مختصره " وفي " فتاوى أهل سمرقند " إذا كانت المرأة من بنات الأشراف وذوي الأقدار لها خدم كثير، يجبر على نفقة خادمين أحدهما للخدمة والآخر للرسالة. وعن أبي يوسف في رواية أخرى، إذا كانت فائقة الغنى لها خدم كثير زفت إليه كذلك استحقت نفقة الخدم كلهم، وهو رواية هشام عن محمد واختاره الطحاوي. م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد.
م: (أن الواحد) ش: أي الخادم الواحد. م: (يقوم بالأمرين) ش: بمصالح الخارج ومصالح الداخل. م: (فلا ضرورة إلى اثنين) ش: لأن ما زاد على ذلك فللزينة والتجمل. م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزوج. م: (لو تولى كفايتها بنفسه كان كافيًا، فكذا إذا أقام الواحد) ش: أي الخادم الواحد. م: (مقام نفسه) ش: ولو كانت الزوجة أمة، فلا نفقة لخادمها ولو كان له أولاد لا يكفيها خادم واحد، فرض عليه خادمين أو أكثر. م: (وقالوا) ش: أي المشايخ. م: (إن الزوج الموسر يلزمه من نفقة الخادم ما يلزم المعسر من نفقة امرأته) ش: اليسار هنا مقدر بنصاب حرمان الصدقة لا بنصاب وجوب الزكاة، وهو النصاب من المال النامي الفاضل عن حاجته، والغنى الذي تحرم به الصدقة، وتجب به الفطرة والأضحية هو أن يملك ما يساوي مائتي درهم فاضلًا عن ثيابه ومآربه وخادمه ومسكنه وفرسه وسلاحه، وكتب العلم إن كان من أهله، إذا لم يكن له فضل عن ذلك. م: (وهو أدنى الكفاية) ش: والضمير يرجع إلى قوله ما يلزم. والحاصل أن نفقة الخادم أدنى الكفاية، وهو ما يلزم المعسر من نفقة امرأته.
وفي " النوادر " روى قتادة عن خلاس عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه(5/670)
وقوله في الكتاب: "إذا كان موسرا" إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره. وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو الأصح، خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية، وهي قد تكتفي بخدمة نفسها. ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما، ويقال لها: استديني عليه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يفرق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فرض لامرأة وخادمها في الشهر اثني عشر درهمًا، أربعة للخادم، وثمانية للمرأة، منها درهمان للقطن والكتاب. وروي عن شريك أنه قال: شهدت ابن أبي ليلى أنه فرض للمرأة ستة دراهم وللخادم ثلاثًا.
م: (وقوله في الكتاب) ش: أي القدوري. م: (إذا كان موسرًا، إشارة إلى أنه لا تجب نفقة الخادم عند إعساره، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة) ش: ابن أبي زياد اللؤلؤي، قال الأترازي: قال شيخنا برهان الدين الخوارزمي: معنى الحسن إذا ذكر في نسخ الفقه لأصحابنا، المراد به الحسن بن زياد، وإذا ذكر مطلقًا في كتب التفسير أن المراد الحسن البصري. م: (وهو الأصح) ش: أي الذي رواه الحسن عن أبي حنيفة، هو الأصح. م: (خلافًا لمحمد) ش: فإنه قال: إلا إذا كان الزوج معسرًا، فإن كان له خادم فرض نفقة الخادم، وإن لم يكن فلا يفرض. م: (لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية، وهي قد تكتفي بخدمة نفسها) ش: هذا تعليل لما رواه الحسن.
م: (ومن أعسر بنفقة امرأته لم يفرق بينهما) ش: أي بينه وبين امرأته، وهو قال الزهري وعطاء بن يسار، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وحماد بن أبي سليمان، والظاهرية. م: (ويقال لها) ش: أي للمرأة. م: (استديني عليه) ش: أي على الزوج. ومعنى الاستدانة أن تشتري الطعام على أن يؤدي الزوج ثمنه. وقال الخصاف: معنى الاستدانة الشراء بالنسيئة ليقضي الثمن من مال الزوج.
م: (وقال الشافعي: يفرق) ش: وبه قال مالك وأحمد. وعلى هذا الخلاف العجز عن الكسوة والعجز عن المسكن. وفي " المهذب " في العجز عن الكسوة والمسكن وجهان. وقال أبو نصر من أصحابه: في العجز عن الكسوة والمسكن يفسخ قولًا واحدًا، وهذا التفريق فسخ عند الشافعي وأحمد.
وقال مالك: طلاق، وفي مدة حكم القاضي بالتفريق قولان في القديم يوم إعساره وفي الجديد يمهل ثلاثة أيام، ولو غاب عنها ولم يعرف موضعه لم يثبت لها الفسخ.
كذا في " الحلية " وللشافعي في الفسخ من الإعسار عن الصداق الواجب ثلاثة أقوال:
أحدها: له الفسخ قبل الدخول وبعده، والثاني: لا خيار لا قبل الوطء ولا بعده، وهو اختيار المزني، والثالث: لها الفسخ قبل الدخول لا بعده، واختاره المروزي وأكثرهم. لو امتنع من الإنفاق عليها مع اليسر، لم يفرق، ويبيع الحاكم عليه ماله ويصرفه في نفقتها. فإذا لم يجد ماله(5/671)
لأنه عجز عن الإمساك بالمعروف، فينوب القاضي منابه في التفريق كما في الجب والعنة، بل أولى لأن الحاجة إلى النفقة أقوى ولنا أن حقه يبطل وحقها يتأخر. والأول أقوى في الضرر، وهذا لأن النفقة تصير دينا بفرض القاضي، فتستوفى في الزمان الثاني، وفوت المال وهو تابع في النكاح لا يلحق بما هو المقصود وهو التناسل والتوالد. وفائدة الأمر بالاستدانة مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج. فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي، كانت المطالبة عليها دون الزوج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحبسه حتى ينفق عليها، ولا يفرق.
م: (لأنه عجز عن الإمساك بالمعروف، فينوب القاضي منابه في التفريق كما في الجب والعنة) ش: أي كما يفرق إذا وجد الرجل مجبوبًا أو عنينًا. م: (بل أولى) ش: أي وبل التفريق أولى. م: (لأن الحاجة إلى النفقة أقوى) ش: من الجماع لأن انقطاع الأولى مدة مهلكة دون الثاني. م: (ولنا أن حقه) ش: أي أن حق الزوج. م: (يبطل) ش: أي التفريق. م: (وحقها يتأخر) ش: لأن النفقة تصير دينًا بفرض القاضي، فيستوي في الزمان الثاني. م: (والأول) ش: أي بطلان حق الزوج. م: (أقوى في الضرر) ش: فتحتمل أدنى الضررين فدفع الإعلام. م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن تأخير حقها أقل ضررًا من بطلان حقه. م: (لأن النفقة تصير دينًا، بفرض القاضي، فتستوفي في الزمان الثاني) ش: أي في الزمن الثاني.
م: (وفوت المال) ش: مبتدأ وخبره قوله: يلحق على صيغة المجهول، وهو جواب عن قياس الشافعي على الجب والعنة، وتقريره أن فوت المال. م: (وهو تابع) ش: أي والحال أنه تابع. م: (في النكاح لا يلحق بما هو المقصود وهو التناسل والتوالد) ش: توضيحه أن هذا القياس باطل؛ لأنه قياس بالفارق، وذلك لأن العجز عن النفقة إنما يكون عن المال، وهو تابع في باب النكاح، والعجز عن الوصول إلى المرأة بسبب الجب والعنة إنما يكون عن المقصود بالنكاح وهو التوالد والتناسل، ولا يلزم من جواز الفرق بالعجز عن المقصود جواز حله عن التابع.
م: (وفائدة الأمر بالاستدانة) ش: جواب عما يقال لا فائدة في الإذن لها بالاستدانة بعد فرض القاضي بالاستدانة لها، لأنها صارت دينًا بفرضه، فأجاب بأن فائدة الأمر بالاستدانة. م: (مع الفرض أن يمكنها إحالة الغريم على الزوج) ش: يعني من غير رضاه. م: (فأما إذا كانت الاستدانة بغير أمر القاضي، كانت المطالبة عليها دون الزوج) ش: وفي " التحفة ": فائدة الأمر بالاستدانة أن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من الزوج أو المرأة، وبدون الأمر بالاستدانة ليس لرب الدين أن يرجع على الزوج، بل يرجع عليها، ثم هي ترجع على الزوج بما فرض لها القاضي، وهذا لأن الاستدانة على الزوج إيجاب الدين عليه، فإذا جعل بأمر القاضي جعل إيجاب الدين عليه منها، وليس لها على الزوج هذه الولاية.(5/672)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: استدل الشافعي ومن تابعه بما روي عن ابن المسيب أنه سئل عن ذلك، فقال: يفرق بينهما سنة. قال الشافعي: قوله سنة، أي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في الرجل، لا يجد ما ينفق على امرأته: " يفرق بينهما» رواه الدارقطني، وبما روي في حديث أبي هريرة «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " تقول أطعمني وإلا فارقني» رواه البخاري وغيره.
قلت: الجواب عن قول سعيد بن المسيب من وجوه:
الأول: أنه لما روي ذلك عن عبد الرحمن بن أبي زياد، قال ابن حزم: هو لا شيء، فسقط الاحتجاج به.
والثاني: أن قول ابن المسيب أنه سنة لا نسلم أنه سنة الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأن السنة كما تطلق على سنة الرسول تطلق على سنة غيره أيضًا. ألا ترى إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سن بكم معاذ سنة حسنة» وسنة العمرين فاشتبه بين العلماء.
والثالث: أنه مرسل، والشافعي لا يجعل المرسل حجة. فإن قيل: الشافعي استثنى مراسيل سعيد بن المسيب كلها، ولا غيره، والشرط عنه في العمل بالمرسل أن يُروى من طريق آخر مرفوعًا أو عمل به بعض الصحابة.
وقال ابن حزم: وروي عن ابن المسيب قولان مختلفان، فأيهما كان السنة والآخر خلاف السنة، فبطل قوله السنة لاضطرابه ومخالفة بعضه بعضًا. وقال أيضًا: خالف ابن المسيب عمر وعليا وغيرهما. والجواب عن حديثه الآخر أنه قيل لأبي هريرة: سمعت هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: لا، هذا من كيس أبي هريرة. رواه عنه كذلك البخاري. ولأن ذلك من قول المرأة، وليس فيه أن الرجل يلزم به.
فإن قلت: الشافعي استدل أيضًا بقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] (البقرة الآية 229) ، فإن الرجل لما عجز عن الإمساك بالمعروف، تعين التسريح بالإحسان، فلما أبى ذلك ناب القاضي منابه دفعًا للظلم كما ذكرنا.
قلنا: نحن أيضًا استدللنا بقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] (البقرة: الآية 280) نص الله تعالى وعز وجل على أن المعسر يستحق الإنظار والإمهال، فلو أجلته المرأة في النفقة ما كان لها أن تطالب بالفرقة، فكذا إذا ثبت الأجل شرعًا، وقد ذكرنا بقية دليلنا عن(5/673)
وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار، ثم أيسر فخاصمته، تمم لها نفقة الموسر، لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار، وما قضي به تقدير لنفقة لم تجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قريب، ثم اعلم أن العجز عن الإنفاق لا يوجب التفريق عندنا، ولكن مع هذا إذا فرق القاضي بينهما، هل ينفذ قضاؤه أم لا؟
قال الإمام أبو حفص محمد بن محمود الإستروشني في الفصل الثاني في القضاء في المجتهدات من كتاب الفصول: إذا ثبت العجز بشهادة الشهود فإن كان القاضي شافعي المذهب، وفرق بينهما، نفَّذ قضاءَه بالتفريق، وإذا كان حنفيًا لا ينبغي له أن يقضي بخلاف مذهبه إلا أن يكون مجتهدًا، أو وقع اجتهاده على ذلك قضى مخالفًا لرأيه من غير اجتهاد.
فعن أبي حنيفة روايتان في جواز قضائه، ولم يقض، ولكن أمر شافعي المذهب ليقضي بينهما في هذه الحادثة بمقتضى التفريق إذا لم يرتش، الآمر والمأمور بأن كان الزوج غائبًا، فرفعت المرأة الأمر إلى القاضي، وأقامت البينة أن زوجها الغائب عاجز عن النفقة، وطلبت من القاضي أن يفرق بينهما. قال مشايخ سمرقند: جاز تفريقه لأنه قضاء في فصلين مختلف فيهما التفريق بسبب العجز عن النفقة والقضاء على الغائب. وكل واحد منهما مجتهد فيه.
وقال القاضي ظهير الدين المرغيناني: لا يصح هذا التفريق؛ لأن القضاء إنما يجوز عند الشافعي، وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة إذا ثبت المشهور به عند القاضي، وهو العجز؛ لأن المال غاد ورائح، ومن الجائز أن الغالب هنا صار غنيًا، ولم يعلم به الشاهد لما بينهما من المسافة.
وقال صاحب " الذخيرة ": الصحيح أنه لا ينفذ قضاؤه، لأن العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرًا، إن كان هذا ترك الإنفاق لا بالعجز عن الإنفاق، فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر، فإن جاز قضاؤه فالصحيح أنه لا ينفذ، لأن هذا القضاء ليس في مجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت.
م: (وإذا قضى القاضي لها بنفقة الإعسار، ثم أيسر فخاصمته تمم لها نفقة الموسر) ش: أي تمم القاضي لها نفقة الرجل الموسر. م: (لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار) ش: لأنها تجب شيئًا فشيئًا فيعتبر حالها في كل وقت. م: (وما قضي به) ش: كلمة ما مبتدأ وقضي مجهول ويجوز أن يكون معلومًا، أي ما قضى به القاضي، والضمير في به يرجع إلى المبتدأ وهو قوله. م: (تقدير) ش: بالرفع خبر المبتدأ، وهو قوله ما وهي موصولة بمعنى الذي فافهم. وهذا جواب عما يقال ينبغي أن لا يتمم لها نفقة اليسار لأن فيه نقض القضاء الأول، فأجاب بأن ما قضى به تقدير. م: (لنفقة لم تجب) ش: لأن النفقة تجب شيئًا فشيئًا، وتقدير ما ليس بواجب لا يكون لازمًا لجواز متبدل السبب الموجب قبل وجوبه، فإذا لم يكن لازمًا فنحكم فيه حكم الحاكم.(5/674)
فإذا تبدل حاله، لها المطالبة بتمام حقها.
وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج عليها وطالبته بذلك، فلا شيء لها إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة، أو صالحت الزوج على مقدار منها، فيقضي لها بنفقة ما مضى، لأن النفقة صلة وليست بعوض عندنا على ما مر من قبل، فلا يستحكم الوجوب فيها إلا بالقضاء، كالهبة لا توجب الملك إلا بمؤكد، وهو القبض والصلح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإذا تبدل حاله) ش: أي حال الزوج بأن صار موسرًا. م: (لها المطالبة بتمام حقها) ش: والفرض السابق لا يمنع الإتمام، لأنه فرض قبل الوجوب، فلا يتقرر حكمه، وذلك مثل المعسر إذا حنث في يمينه، فشرع في صوم الكفارة، ثم أيسر يجب عليه التكفير بالمال لزوال الإعسار.
م: (وإذا مضت مدة لم ينفق الزوج عليها) ش: أي على المرأة في هذه المدة م: (وطالبته بذلك) ش: أي وطالبت الزوج بما كان لها من النفقة. م: (فلا شيء لها) ش: يعني عندنا، لأن النفقة لا تصير دينا بمضي المدة، كنفقة الأقارب.
م: (إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة) ش: هذا استثناء من قوله فلا شيء لها، حاصله أن النفقة لا تصير دينا في الذمة إلا بأحد شيئين، أحدهما: بفرض القاضي النفقة لها، والآخر هو قوله. م: (أو صالحت الزوج على مقدار منها) ش: أي من النفقة، وبه قال أحمد في رواية.
وقال الشافعي ومالك وأحمد - في رواية -: تصير دينا بلا قضاء ولا تراض إلا عند مالك لو أقامت عنده سنين، وهو مليء، وادعت عليه أنه لم ينفق عليها، والزوج يدعي الإنفاق، فالقول له مع يمينه، وكذا في غيبته. أما لو أكلت معه، سقطت نفقتها عند مالك والشافعي، في الأصح ذكره في " المنهاج ".
م: (فيقضي لها بنفقة ما مضى) ش: هذه نتيجة قوله إلا أن يكون القاضي فرض لها إلى آخره. م: (لأن النفقة صلة) ش: هذا تعليل لقوله: فلا شيء لها، بيان ذلك أن النفقة صلة. م: (وليست بعوض عندنا) ش: خلافًا للشافعي ومن معه. م: (على ما مر من قبل) ش: أشار به إلى ما ذكره من الدليل في قوله، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها، فلا نفقة لها، كذا قاله الأترازي.
وقال الأكمل: يريد به قوله: أن المهر عوض عن الملك، ولا يجتمع العوضان عن عوض واحد، فإن قيل ما تقدم يدل على أنها ليس بعوض عن البضع، لكن لا ينافي أن يكون عوضًا عن الاستمتاع بها والقيام عليها تصرفًا في ملكه، وذلك لا يوجب على المالك الملك عوضًا. فإن قيل: لو كانت صلة، لما وجبت على المكاتب، أجيب بأنها صلة من وجهين، وما هذا شأنه يجب على المكاتب كالخراج، وإذا ثبت أنها صلة. م: (فلا يستحكم الوجوب فيها) ش: أي في النفقة. م: (إلا بالقضاء) ش: أي بقضاء القاضي.
م: (كالهبة لا توجب الملك إلا بمؤكد وهو القبض، والصلح) ش: أي صلح المرأة معه على شيء(5/675)
بمنزلة القضاء، لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي، بخلاف المهر، لأنه عوض. وإن مات الزوج بعدما قضي عليه بالنفقة، ومضى شهر، سقطت النفقة. وكذا إذا ماتت زوجته، لأن النفقة صلة، والصلات تسقط بالموت، كالهبة تبطل بالموت قبل القبض. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصير دينا قبل القضاء، ولا تسقط بالموت؛ لأنه عوض عنده، فصار كسائر الديون، وجوابه قد بيناه. وإن أسلفها نفقة السنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بمنزلة القضاء، لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي) ش: لأن له أن يلتزم بالنفقة فوق ما يلتزمه القاضي بالمعروف، فكان مصلحة بمنزلة القضاء بل أولى. م: (بخلاف المهر) ش: بقوله وليست بعوض حيث يجب بلا قضاء ولا تراض. م: (لأنه) ش: أي لأن وجوبه ... م: (عوض) ش: ألا ترى أنه إذا تزوجها ولم يسم لها مهرًا فدخل بها أو مات عنها يلزمه مهر المثل.
م: (وإن مات الزوج بعدما قضي عليه بالنفقة ومضى شهر سقطت النفقة) ش: خلافًا للأئمة الثلاثة. قال الكاكي: هذا إذا فرض لها النفقة، ولم يؤمر بالاستدانة أنه على الزوج، فاستدانت، ثم مات أحدهما، لا يبطل. ذكره الحاكم الشهيد في " المختصر ". وذكر الخصاف أنه يبطل. والصحيح ما ذكره في " المختصر " لأن استدانتها بأمر القاضي، وللقاضي ولاية عليها، فكانت بمنزلة استدانة الزوج بنفسه. وفيه: لا يسقط بموت أحدهما. كذا هاهنا وكذلك في الطلاق، يعني أن الديون المستدانة هل تسقط بالطلاق. فعلى روايتين. في رواية: لا تسقط وهو الصحيح، كذا في " الذخيرة ".
م: (وكذا إذا ماتت زوجته، لأن النفقة صلة، والصلات تسقط بالموت كالهبة تبطل بالموت) ش: أي بموت الواهب أو بموت الموهوب له. م: (قبل القبض) ش: فإن قيل الهبة متأكدة بالقبض والنفقة متأكدة بعد القضاء، فينبغي أن لا تسقط كالهبة المتأكدة بالقبض. قلنا: قال في " الإيضاح ": وإن صارت النفقة دينا عليه بالقضاء، ولكن معنى الصلة لا تبطل، والصلات تبطل بالموت، انتهى.
قلت: قال الكاكي: الدليل على أن معنى الصلة لا يبطل فيها أنه لم ينقل أحد من السلف والخلف الوصية بنفقة فيما إذا مضت مدة، ولا بإخراجها عن تركته كسائر الديون، وقد حكمت الشافعية بنفقة ستين سنة أو أكثر إذا أنكرت إنفاقه عليها، وجعلوها كسائر الديون، وبعد هذا لا يخفى ما فيه، وجماعة من أصحاب الشافعي لا يرضون بهذا الحكم.
م: (وقال الشافعي: تصير دينا قبل القضاء، ولا تسقط بالموت، لأنه عوض عنده، فصار كسائر الديون) ش: قال في " شرح الأقطع ": قال الشافعي: إنها تؤخذ من تركة الزوج، وقال " الشامل ": وعن محمد أن يؤدي من ماله. م: (وجوابه قد بيناه) ش: أي جواب الشافعي على قوله إن النفقة عوض قد بيناه في مسألة، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها لا نفقة لها. وهو ما ذكره بقوله: ولنا في المهر عوض عن الملك، لا يجتمع العوضان عن عوض واحد. م: (وإن أسلفها نفقة السنة)(5/676)
أي عجلها ثم مات، لم يسترجع منها بشيء. وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج. وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى هذا الخلاف الكسوة، لأنها استعجلت عوضا عما تستحقه عليه بالاحتباس، وقد بطل الاستحقاق بالموت، فيبطل العوض بقدره، كرزق القاضي، وعطاء المقاتلة. ولهما أنه صلة، وقد اتصل به القبض، ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها كما في الهبة. ولهذا لو هلكت من غير استهلاك لا يسترد شيء منها بالإجماع. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها إذا قبضت نفقة الشهر أو ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا لفظ القدوري، وفسره المصنف بقوله. م: (أي عجلها ثم مات) ش: أي الزوج. م: (لم يسترجع منها بشيء) ش: أي لم يرجع على المرأة بشيء.
م: (وهذا) ش: أي عدم الاسترجاع. م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله-) ش: ولم يذكر هذا القدوري، فلذلك قال المصنف وهذا باسم الإشارة، وذكر الخصاف في كتاب النفقات الخلاف بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، ولم يذكر خلاف أبي حنيفة، وكذلك ذكر الولوالجي في " فتاواه "، وكذا الخلاف لو ماتت المرأة، فالكسوة كالنفقة، وسواء كانت قائمة أو هالكة.. م: (وقال محمد: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج وهو قول الشافعي) ش: وبه قال أحمد. وفي " البدائع " وترد الباقي والمستهلك، وفي الهالك لا يرد بالاتفاق، وكذا في " الينابيع "، و " أدب القاضي "، و " الذخيرة "، وفيه الموت والطلاق قبل الدخول سواء. وفي نفقة المطلقة إذا مات الزوج، فالجواب كذلك، وفي شرح الأقضية اختلفوا، فقيل: لا يسترد بالاتفاق، لأن العدة قائمة في موته.
م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (الكسوة) ش: إذا أعجلها سنة ثم مات. م: (لأنها استعجلت عوضًا عما تستحقه عليه بالاحتباس) ش: أي لسبب الاحتباس. م: (وقد بطل الاستحقاق بالموت، فيبطل العوض) ش: وهو الذي كانت تستحقه عليه بالاحتباس. م: (بقدره) ش: أي بقدر كما إذا أعطي النفقة ليتزوجها، فمات قبل التزوج. م: (كرزق القاضي) ش: أي أخذ القاضي رزق مدة، ثم مات قبل تمام المدة ويرد فيما بقي بحساب ذلك. م: (وعطاء المقاتلة) ش: إذا أخروا أرزاقهم مدة ثم ماتوا، قبل تمام المدة يسترد منهم فيما بقي من المدة.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد. م: (أنه صلة، وقد اتصل به القبض، ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها، كما في الهبة، ولهذا لو هلكت) ش: أي النفقة. م: (من غير استهلاك لا يسترد شيء منها) ش: أي من النفقة. م: (بالإجماع) ش: بين أئمتنا وغيرهم.
م: (وعن محمد) ش: أي وعن محمد رواها ابن رستم عنه. م: (أنها إذا قبضت نفقة الشهر أو ما(5/677)
دونه، لا يسترجع منها بشيء، لأنه يسير، فصار في حكم الحال.
وإذا تزوج العبد حرة، فنفقتها دين عليه يباع فيها، ومعناه إذا تزوج بإذن مولاه، لأنه دين وجب في ذمته لوجود سببه، وقد ظهر وجوبه في حق المولى فيتعلق برقبته، كدين التجارة في العبد التاجر. وله أن يفدي، لأن حقها في النفقة لا في عين الرقبة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دونه، لا يسترجع منها بشيء؛ لأنه) ش: أي لأن الشهر أو ما دونه. م: (يسير، فصار في حكم الحال) ش: أي صار الشهر وما دونه في حكم القاضي، يعني أن نفقة الحال لا تسترد، فكذلك نفقة الشهر، وفي بعض النسخ: في حكم الحال. وإن كان أكثر من شهر ترك منها مقدار نفقة شهر استحسانًا ويسترد من تركتها ما زاد على ذلك.
م: (وإذا تزوج العبد حرة، فنفقتها دين عليه يباع فيها) ش: أي يباع العبد في نفقة الحرة، وهذه من مسائل القدوري، وقال المصنف. م: (ومعناه) ش: أي معنى هذا الكلام. م: (إذا تزوج) ش: أي العبد. م: (بإذن مولاه) ش: وإنما فسره بهذا التفسير، لأنه إذا تزوج بغير إذن مولاه، لا يصح العقد، وإنما قيد بالحرة، لأن المرأة إذا كانت أمة لا تستحق النفقة قبل البينونة على ما يجيء إن شاء الله تعالى. م: (لأنه) ش: أي لأن النفقة، ذكره باعتبار الاتفاق. م: (دين وجب في ذمته) ش: لأن النفقة من أحكام العقد، فيستوي فيها الحر والمملوك كالدين. م: (لوجود سببه) ش: وهو العقد. م: (وقد ظهر وجوبه في حق المولى) ش: لأن السبب كان بإذنه، وكان راضيًا بوجوب النفقة عليه. م: (فيتعلق برقبته) ش: أي برقبة العبد. م: (كدين التجارة في العبد التاجر) ش: المأذون، تتعلق الديون برقبته.
م: (وله) ش: أي للمولى. م: (أن يفدي) ش: أي أن يفديه المولى. م: (لأن حقها) ش: أي حق المرأة. م: (في النفقة لا في عين الرقبة) ش: أي رقبة العبد. فإذا أوفاها المولى نفقتها لا يبقى حقها في النفقة بعد ذلك، فلا يباع العبد، وكذا الحاكم في المدبر والمكاتب، إذا تزوجها بإذن المولى بحرة أو أمة بعد البينونة، حيث تجب النفقة عليهما، ولكنهما لا يباعان في النفقة والمهر، لأنهما لا يجتمعان النقل من ملك إلى ملك، بل يؤمران بالسعاية. ثم إذا بيع العبد في النفقة، واجتمع عليه النفقة مرة أخرى يباع أيضًا.
قال شمس الأئمة السرخسي: وليس في شيء من ديون العبد ما يباع فيه مرة بعد مرة، إلا النفقة يتجدد وجوبها بمضي الزمان، فذلك في حكم دين حادث، وقال الولوالجي في فتاواه: إذا بيع في المهر مرة أو بقي شيء من المهر، فإن لم يف الثمن بكل المهر، لا يباع مرة أخرى، بل يتأخر إلى ما بعد العتق.
وفي " الكافي" للحاكم الشهيد وشرحه للسرخسي: إذا كان للعبد أو المدبر ولد من أمة، إنه لم يكن عليه نفقة الولد؛ لأنها إن كانت أمة، فالولد ملك لمولاها، وإن كانت حرة، فولدها يكون حرًا، ولا تجب نفقة مملوكة على حر ولا على مولاه، لأن ولده أجنبي منه، وكذلك المكاتب لا(5/678)
ولو مات العبد سقطت، وكذا إذا قتل في الصحيح لأنها صلة.
وإن تزوج الحر أمة فبوأها مولاها معه منزلا، فعليه النفقة، لأنه تحقق الاحتباس، وإن لم يبوئها فلا نفقة لها لعدم الاحتباس، والتبوئة أن يخلي بينها وبينه في منزله، ولا يستخدمها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تجب عليه نفقة ولده، سواء كانت المرأة حرة أو أمة، لهذا المعنى.
واتفقت الأئمة الأربعة في وجوب النفقة على العبد، لكن لا يباع العبد في النفقة عند الشافعي وأحمد، وثبت لها الخيار في الفرقة عند الشافعي وعند أحمد على سيده، وفي رواية: في كسبه.
وفي " التنبيه ": وفي تميز المكتسب على سيده في قول، وفي قول على العبد، يتبع بعد العتق، وفي المكتسب في كسبه، وفي المأذون له في التجارة فيما في يده، ولها أن تفسخ إن شاءت.
م: (ولو مات العبد سقطت) ش: أي لو مات العبد سقطت، أي لو مات الذي تزوج بإذن المولى سقطت النفقة، ولا يؤاخذ المولى بشيء من ذلك لفوات محل الاستيفاء. م: (وكذا) ش: أي وكذا تسقط النفقة. م: (إذا قتل) ش: أي العبد لأن المقتول ميت بأجله ولا أجل أو سوى هذا وقد عرف في موضعه.
م: (في الصحيح) ش: قيد به احترازًا عن قول الكرخي، لأنه قال: ينتقل إلى قيمته. قال القدوري: هذا ليس بصحيح، والصحيح السقوط بالموت. م: (لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (صلة) ش: فتبطل بالموت.
م: (وإن تزوج الحر أمة فبوأها مولاها معه منزلًا، فعليه النفقة) ش: وفي بعض النسخ: وإن تزوج الرجل أمة. وهذا أولى لعمومه، لأن الحكم لا يختلف بين أن تكون الأمة تحت حر، أو عبد، نص عليه الحاكم الشهيد في مختصر "الكافي ". م: (لأنه تحقق الاحتباس) ش: فتجب النفقة. م: (وإن لم يبوئها فلا نفقة لها لعدم الاحتباس) ش: أي من قبل الزوج.
فإن قيل: احتباس المولى يحق له شرعًا، فكان كاحتباس الحرة نفسها لصداقها، فينبغي أن لا يسقط.
قلنا: ليس كذلك، لأن في احتباس الحرة لصداقها فوت الاحتباس عن الزوج حين امتنع عن أداء صداقها، وهنا التفويت ليس من قبل الزوج.
م: (والتبوئة أن يخلي بينها وبينه في منزله ولا يستخدمها) ش: هذا تفسير لقوله: فبوأها، وهي أن يخلي المولى بين أمته وبين العبد في منزله، ولا يستخدمها، أي الأمة، وهو بالنصب عطفًا على(5/679)
ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة، لأنه فات الاحتباس، والتبوئة غير لازمة على ما مر في النكاح، ولو خدمته الجارية أحيانا من غير أن يستخدمها، لا تسقط النفقة، لأنه لم يستخدمها ليكون استردادا، والمدبرة وأم الولد في هذا كالأمة، والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله أن يخلي. م: (ولو استخدمها) ش: أي ولو استخدم المولى أمة. م: (بعد التبوئة سقطت النفقة، لأنه فات الاحتباس) ش: فلا يجب بشيء. م: (والتبوئة غير لازمة على ما مر في النكاح) ش: أي في باب نكاح الرقيق، حيث قال: أبوئها، ثم بدا له أن يستخدمها، كان له ذلك؛ لأن حق المولى لم يزل بالتبوئة كما لم يزل بالنكاح.
م: (ولو خدمته الجارية أحيانًا من غير أن يستخدمها، لا تسقط النفقة، لأنه لم يستخدمها ليكون استردادا) ش: أي للتبوئة، وكانت الخدمة من الجارية من غير استخدام المولى. م: (والمدبرة وأم الولد في هذا) ش: أي في عدم وجوب النفقة. م: (كالأمة) ش: يعني كما أن الأمة لا نفقة لها، قبل التبوئة، فكذلك المدبرة وأم الولد لا نفقة لهما قبل التبوئة، بخلاف المكاتبة، حيث تجب لها النفقة، إذا لم تحبس نفسها منه ظالمة، ولا تشترط التبوئة، لأن السيد ليس له أن يستخدمها، ولا يملك منعها من الزوج، لأنها صارت أخص بنفسها ومنافعها بالكتابة، فلو ضاعت الكسوة أو النفقة أو سرقت، لم يجدد حتى يمضي الوقت بخلاف المحارم.
والفرق: أن نفقة المحارم مقدرة بالحاجة، بخلاف الزوجة، فإنها غير مقدرة بالحاجة في حقها، حتى تأخذها مع الغنى بخلاف المحارم، لأنه لا يفرض لهم مع غنائهم إذا كان الزوج صاحب مائدة، وطلبت المرأة الفرض، لا يفعل.
وفي " خزانة الأكمل ": قول القاضي: استديني عليه كذا فرض عليه. ولو قال الزوج: استديني، لا يصير فرضًا ما لم تقل علي، وينبغي أن يكون لها فراش على حدة، ولم يكتف بفراش واحد لهما، لأنه قد تغير لهما في الحيض والمرض، وقد جاء فراش لك وفراش لأهلك وفراش لطفلك، والرابع: للشيطان. ولو اختلفا في اليسرة والعسرة، فالقول له مع يمينه والبينة لها، وبه قال الشافعي وأبو ثور، وذكر محمد في الزيادات أن القول لها مع يمينها.(5/680)
فصل وعلى الزوج أن يسكنها في دار مفردة، ليس فيها أحد من أهله، إلا أن تختار ذلك، لأن السكنى من كفايتها، فتجب لها كالنفقة. وقد أوجبه الله تعالى مقرونا بالنفقة، وإذا وجب الإسكان حقا لها فليس له أن يشرك غيرها فيه، لأنها تتضرر به، لأنها لا تأمن على متاعها، ويمنعها عن المعاشرة مع زوجها، ومن الاستمتاع إلا أن تختار ذلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل ما يحق للزوجة على زوجها]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل، ولما فرغ من بيان النفقة شرع في بيان السكنى. م: (وعلى الزوج أن يسكنها) ش: أي يسكن امرأته. م: (في دار مفردة ليس فيها أحد من أهله) ش: كأمه وأخته أو أحد من قراباته، لأن السكنى حقها، فليس للزوج أن يترك غيرها معها، كالنفقة.
م: (إلا أن تختار ذلك) ش: أي إسكان غيرها معها. م: (لأن السكنى من كفايتها، فتجب لها كالنفقة، وقد أوجبه الله تعالى، مقرونًا بالنفقة) ش: أراد به ما ثبت في قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ، أي من طاقتكم، يعني ما تطيقونه. وقال الأترازي: ما كان يحتاج صاحب " الهداية " أن يقول: أوجبه الله مقرونًا بالنفقة، لأن القران في النظم لا يدل على القران في الحكم، فلو اقتصر على قوله: أسكنوهن، انتهى. قلت: لو اقتصر هو عن هذا الكلام لكان أولى وأجدر، لأنه لم يكن في صدر البحث في النظم، هل يوجب القران في الحكم أو لا؟ وإنما ذكره بحسب ظاهر قراءة ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على أن في هذا خلافًا بين الأصوليين.
م: (وإذا وجب الإسكان) ش: حال كونه. م: (حقا لها، فليس له أن يشرك غيرها فيه، لأنها تتضرر به) ش: أي بإسكان الغير معها. م: (لأنها لا تأمن على متاعها) ش: وأثاث بيتها. م: (ويمنعها) ش: أي إسكان الغير معها. م: (عن المعاشرة مع زوجها) ش: لأن الغير يبقى مثل الراقوب عليها. م: (ومن الاستمتاع) ش: بالجماع ودواعيه. وقيل: إذا كان هناك صغير جدًا لا يفهم الجماع، لا ينبغي أن يمنع. وفي " الفتاوى ": ليس له أن يمسكها مع أمة في بيت واحد، وإن أسكنها في بيت من داره، والأمة في بيت، جاز له ذلك. والصحيح أنه يحتاج إلى استخدامها في كل ساعة، فله أن يسكنها معها للضرورة، لكن يكره أن يجامعها بحضرة أمته.
وفي " الخزانة ": معه عشرة من الخدم، يحل له وطؤهن، وتصح الخلوة معهن. وكذا مع ضرتها. ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " أدب القاضي " للخصاف: شكت المرأة عند القاضي، أن الزوج يضربها، فطلبت أن يسكنها عند قوم صالحين، إن علم به زجره، وإن لم يعلم إن كان جيران صالحين أقرها فيه، لكن يسألهم إن أخبروه كما شكت زجره وإن لم يكونوا صالحين أو يميلون إليه أمره بالإسكان عند قوم صالحين. م: (إلا أن تختار ذلك) ش: أي تختار المرأة إسكان الغير(5/681)
لأنها رضيت بانتقاص حقها. وإن كان له ولد من غيرها، فليس له أن يسكنه معها، لما بينا ولو أسكنها في بيت من الدار مفرد، وله غلق، كفاها، لأن المقصود قد حصل، وله أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها من الدخول عليها، لأن المنزل ملكه، فله حق المنع من دخول ملكه، ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها في أي وقت اختاروا، لما فيه من قطيعة الرحم، وليس له في ذلك ضرر. وقيل: لا يمنعهم من الدخول والكلام، وإنما يمنعهم من القرار والدوام، لأن الفتنة في اللباث وتطويل الكلام. وقيل: لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين، ولا يمنعها من الدخول عليها في كل جمعة. وفي غيرهما من المحارم التقدير بسنة مرة، وهو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معها. م: (لأنها رضيت بانتقاص حقها) ش: لأن المنع كان لحقها، فإذا أسقطت حقها لا يبقى لها كلام.
م: (وإن كان له ولد من غيرها) ش: أي من غير امرأته التي معه. م: (فليس له أن يسكنه) ش: أي ولده. م: (معها لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأنها تتضرر. م: (ولو أسكنها) ش: أي امرأته. م: (في بيت من الدار مفرد، وله غلق، كفاها لأن المقصود قد حصل) ش: وقال الفقيه أبو الليث في " الفتاوى " عن أبي بكر الإسكاف، أنه قال: إذا كان في الدار بيوت، وقد فرغ لها بيتًا منها لم يكن لها أن تطلب من الزوج بيتا آخر، لأنه حينئذ يمكن أن يجامعها من غير كراهته. م: (وله) ش: أي للزوج. م: أن يمنع والديها وولدها من غيره) ش: أي من غير هذا الزوج. م: وأهلها) ش: قرابتها. م: من الدخول عليها) ش: أي على المرأة، والدخول منصوب بقوله أن يمنع. م: (لأن المنزل ملكه) ش: أي ملك الزوج. م: (فله حق المنع من دخول ملكه) ش: كما في سائر منازله.
م: (ولا يمنعهم من النظر إليها) ش: أي إلى المرأة م: (وكلامها) ش: أي لا يمنعهم أيضًا من كلامها معهم. م: (في أي وقت اختاروا، لما فيه) ش: أي في المنع من النظر والكلام. م: (من قطيعة الرحم) ش: وهي حرام لما روي في الصحيح عن جبير بن مطعم، أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» . م: (وليس له في ذلك ضرر) ش: أي ليس للزوج في نظرهم إليها، وكلامهم معها ضرر.
م: (وقيل: لا يمنعهم من الدخول والكلام، وإنما يمنعهم من القرار والدوام، لأن الفتنة في اللباث) ش: أي في اللبث وهو المكث. م: (وتطويل الكلام) ش: لأن تطويل الكلام يؤدي إلى القال والقيل فينتج الشر والفساد. م: (وقيل: لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين) ش: لاحتمال أنهما لا يأتيان إليها. فإذا منعها زوجها عن الخروج إليها، توهم فيها العقوق الذي هو من الكبائر. م: (ولا يمنعها من الدخول عليها) ش: أي ولا يمنع الزوج والديها من الدخول عليها. م: (في كل جمعة) ش: وعليه الفتوى. م: (وفي غيرهما) ش: أي في غير الوالدين. م: (من المحارم التقدير بسنة مرة) ش: واحدة. م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن محمد بن مقاتل، فإنه قال: لا يمنع المرأة من زيارة المحرم في(5/682)
وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل يعترف به وبالزوجية فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه. وكذا إذا علم القاضي بذلك، ولم يعترف به، لأنه لما أقر بالزوجية وبالوديعة، فقد أقر أن حق الأخذ لها، لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه، وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه لا سيما هاهنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشهر مرة أو مرتين وعلى هذا الخلاف، خروجها لعمها وخالها، وعن الحسن: لا يمنعها من زيارة الأقارب في كل شهرين أو ثلاث، ولا يمنع محارمها من الدخول عليها في كل جمعة، ويمنعهم من الكينونة.
[نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه]
م: (وإذا غاب الرجل وله مال في يد رجل يعترف به) ش: أي بالمال أنه للغائب. م: (وبالزوجية) ش: أي ويعترف أيضًا بأن هذه المرأة للرجل الغائب. م: (فرض القاضي في ذلك المال نفقة زوجة الغائب وولده الصغار ووالديه) ش: وكذا يفرض نفقة أولاده الكبار والزمنى والإناث، وقال زفر: لا يفرض عنه شيء، كذا في " شرح الأقطع " وإنما اعتبر إقراره بالمال وبالزوجية، لأن المديون أو المودع، إذا جحد الزوجية أو المال لم تقبل بنيتها على شيء من ذلك. أما على الزوجية فلأن المودع أو المديون ليس بخصم عن الغائب في إثبات النكاح عليه، والاشتغال من القاضي بالنظر إنما يكون بعد العلم بالزوجية، ولم يوجد العلم فلا يؤمر بالنظر، وكان أبو حنيفة أولًا يقبل بنيتها على الزوجية، ثم رجع وقال: لا تقبل.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يفرض القاضي النفقة لهؤلاء المذكورين. م: (إذا علم القاضي بذلك) ش: أي ما ذكر من الزوجية والمال للغائب. م: (ولم يعترف) ش: أي والحال أن صاحب اليد لم يعترف. م: (به) ش: أي بما ذكر من الزوجية والمال. م: (لأنه) ش: أي لأن صاحب اليد. م: (لما أقر بالزوجية وبالوديعة فقد أقر أن حق الأخذ لها) ش: أي للمرأة. م: (لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه) ش: أي من غير رضا الزوج لحديث «هند امرأة أبي سفيان: خذي من مال زوجك ما يكفيك وولدك بالمعروف» . وقد مر عن قريب.
فإن قيل: يشكل على هذا ما لو حضر صاحب الدين غريما أو مودعًا للغائب، وهما مقران بالدين على الغائب، لا يأمره القاضي بقضاء دينه من الوديعة والدين.
قلنا: إن القاضي يأمر في حق الغائب بما هو أنظر له، وفي الأمر بالإنفاق لهؤلاء نظر له بإبقاء ملكه لنا في قضاء دينه ليس فيه بقاء ملكه، بل هو قضاء عليه بقول الغير.
م: (وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: ينبغي أن لا يصح إقراره، لأنه إقرار على الغائب، فأجاب بقوله: وإقرار صاحب اليد، وهو الذي عنده الوديعة، مقبول في حق نفسه لأنه أقر بإزالة يده، وهي حق على الغائب. م: (لا سيما هاهنا) ش: أي في هذه المسألة، وسيما معناه خصوصًا هاهنا، وهو مركب من السي وكلمة ما،(5/683)
فإنه لو أنكر أحد الأمرين لا تقبل بينه المرأة فيه، لأن المودع ليس بخصم في إثبات الزوجية عليه، ولا المرأة خصم في إثبات حقوق الغائب. فإذا ثبت في حقه تعدى إلى الغائب. وكذا إذا كان المال في يده مضاربة، وكذا الجواب في الدين، وهذا كله إذا كان المال من جنس حقها، دراهم أو دنانير، أو طعاما، أو كسوة من جنس حقها. أما إذا كان من خلاف جنسه، لا تفرض النفقة فيه، لأنه يحتاج إلى البيع، ولا يباع مال الغائب بالاتفاق. أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه لا يباع على الحاضر. وكذا على الغائب. وأما عندهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والسي الميل، أصله سوي، قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، والاسم بعده يجري مجراه إذا كانت ما زائدة، ويجيء مرفوعًا خبرًا لمبتدأ محذوف إذا كانت ما موصولة، ويجيء منصوبًا بالاستثناء بمعنى الآن إلا للإخراج، ولا سيما أيضًا للإخراج، ولكن بإثبات ما هو أفضل له، تقول: أكرمني القوم لا سيما زيدا، يعني أن إكرام زيد أكثر وأبلغ من إكرامهم، فهذا كذلك، بيانه أن إقرار صاحب اليد في سائر المواضع مقبول في حق نفسه، وقيل: عليه البينة إذا أنكر الحق. م: (فإنه) ش: أي فإن صاحب اليد.
م: (لو أنكر أحد الأمرين) ش: أي الوديعة أو الزوجية. م: (لا تقبل بينة المرأة فيه) ش: أي في أحد الأمرين، لأن إقامتها إذا كانت للزوجية فلا تسمع. م: (لأن المودع ليس بخصم في إثبات الزوجية عليه) ش: أي على الغائب، وإن كانت إقامتها لإثبات الوديعة فلا تسمع أيضا؛ لأن المرأة ليست بخصم، وهو معنى قوله. م: (ولا المرأة خصم في إثبات حقوق الغائب، فإذا ثبت في حقه) ش: أي فإذا ثبت بإقراره على نفسه في حقه. م: (تعدى إلى الغائب) ش: لكونه ما أقر بملكه. قال تاج الشريعة: كالمنفرد بهلال رمضان، تثبت الرمضانية في حقه، ثم تتعدى إلى غيره.
م: (وكذا) ش: أي وكذا يفرض القاضي النفقة للمذكورين. م: (إذا كان المال في يده) ش: أي في يد صاحب اليد. م: (مضاربة) ش: بأن كان صاحب المال ضاربه ليعمل فيه. م: (وكذا الجواب في الدين) ش: يعني إذا حضرت المرأة غريم زوجها الغائب عند القاضي، فاعترف بالدين والزوجية، فرض القاضي النفقة وإن جحد أحدهما فلا. (وهذا كله) ش: أي هذا الذي قلنا من فرض القاضي النفقة عند اعتراف صاحب اليد بالزوجية والمال كله. م: (إذا كان المال من جنس حقها) ش: أي حق المرأة. م: (دراهم أو دنانير أو طعاما أو كسوة) ش: أي أو كان كسوة. م: (من جنس حقها) ش: أي جنس ما يكسي مثلها المرأة، يعني فيها الكسوة، لأنها جنس حقها المستحق.
م: (أما إذا كان من خلاف جنسه) ش: أي من خلاف جنس حقها كالدار والعبد والعروض. م: (لا تفرض النفقة فيه، لأنه يحتاج إلى البيع، ولا يباع مال الغائب بالاتفاق) ش: عند أصحابنا. م: (أما عند أبي حنيفة، فإنه لا يباع على الحاضر) ش: يعني لو كان حاضرًا ما كان للقاضي أن يبيع ماله، لأن بيع القاضي على وجه الحجر، والحجر على العاقل البالغ باطل عنده. فإذا كان غائبًا بطريق الأولى، وهو معنى قوله. م: (وكذا على الغائب وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م:(5/684)
فلأنه إن كان يقضي على الحاضر، لأنه يعرف امتناعه، لا يقضي على الغائب، لأنه لا يعرف امتناعه.
قال: ويأخذ منها كفيلا بها نظرا للغائب، لأنها ربما استوفت النفقة أو طلقها الزوج، وانقضت عدتها، فرق بين هذا وبين الميراث إذا قسم بين ورثة حضور بالبينة، ولم يقولوا لا نعلم له وارثا آخر، حيث لا يؤخذ منهم الكفيل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن هناك المكفول به مجهول فلا يصح. وهاهنا معلوم، وهو الزوج، فيحلفها بالله عز وجل ما أعطاها النفقة نظرا للغائب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فلأنه إن كان يقضي على الحاضر) ش: إذا ثبت امتناعه من الحق الذي عليه، وهو معنى قوله. م: (لأنه يعرف امتناعه) ش: فيقضي لأجل امتناعه.
وقوله. م: (لا يقضي على الغائب) ش: خبر كان، وإنما لا يقضي عليه. م: (لأنه لا يعرف امتناعه) ش: ولكن لا يجوز للأبوين بيع عروض الولد الغائب عند أبي حنيفة استحسانًا، ولا يتعرض له القاضي، ويصرفان في أنفسهما بالمعروف، كذا في " التحفة ".
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويأخذ منها) ش: أي من المرأة. م: (كفيلًا بها) ش: أي بالنفقة. م: (نظرا للغائب) ش: وقال السرخسي: وهذا أحسن، وإن لم يأخذه، جاز له ذكره في أدب القاضي للخصاف. وقال الصدر الشهيد: والصحيح الكفيل نظرًا للغائب. ولكن القاضي يحلفها أولًا على أن زوجها لم يعطها النفقة أن يجوز أن يعطيها نفقتها، قبل أن يغيب. ومع تلبس الأمر على القاضي، فيأخذ النفقة ثانيًا، ثم إذا حلفت أعطاها النفقة وأخذ منها كفيلًا. م: (لأنها) ش: أي لأن المرأة. م: (ربما استوفت النفقة أو طلقها الزوج وانقضت عدتها) ش: فلا تستحق شيئًا، ثم الكفالة بالنفقة تصح، ولا يجبر عند محمد. وعند أبي يوسف يجبر استحسانًا، ذكره في جوامع الفقه. وفي " الخزانة " تصح الكفالة. ولم يذكر خلافًا، فإن أطلق الضمان فهو على شهر عند محمد على الأبد ما دام النكاح باقيًا، فإن ضمن كل شهر، فهو على شهر واحد، وكذا عند كل شهر، فإن رجع بعد مضي الشهر، لم يلزمه في الشهر الثاني. وقال أبو يوسف: يلزمه أبدًا، والأصح رجوعه، ولو طلقها يلزم الكفيل نفقة العدة، لأنها نفقة النكاح إن كان لها نفقة كل شهر فأبرأته صحت عن نفقة شهر واحد، فإن كفل بنفقة سنته لزمه ذلك، وكذا لو قال أبدًا وما أشبه به. م: (فرق) ش: أي أبو حنيفة فرق. م: (بين هذا) ش: أي بين أخذ الكفيل هنا. م: (وبين الميراث) ش: في ترك أخذه من الميراث وهو. م: (إذا قسم) ش: أي الميراث. م: (بين ورثة حضور) ش: أي حاضرين. م: (بالبينة، ولم يقولوا لا نعلم له وارثًا آخر، حيث لا يؤخذ منهم الكفيل، عند أبي حنيفة، لأن هناك) ش: أي في مسألة الميراث. م: (المكفول به مجهول، فلا يصح، وهاهنا) ش: أي في مسألة الكتاب. م: (معلوم) ش: أي المكفول له معلوم. م: (وهو الزوج) ش: فيصح. م: (فيحلفها) ش: أي فيحلف القاضي المرأة. م: (بالله عز وجل ما أعطاها) ش: أي الزوج. م: (النفقة نظرًا للغائب) ش: وقد ذكرناه الآن.(5/685)
قال: ولا يقضي بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء. ووجه الفرق: هو أن نفقة هؤلاء المذكورين واجبة قبل قضاء القاضي، ولهذا كان لهم أن يأخذوا قبل القضاء فكأن قضاء القاضي إعانة لهم، أما غيرهم من المحارم فنفقتهم إنما تجب بالقضاء، لأنه مجتهد فيه، والقضاء على الغائب لا يجوز، ولو لم يعلم القاضي بذلك، ولم يكن مقرا به، فأقامت البينة على الزوجية، أو لم يخلف مالا، فأقامت البينة على الزوجية ليفرض القاضي نفقتها على الغائب، ويأمرها بالاستدانة، لا يقضي القاضي بذلك؛ لأن في ذلك قضاء على الغائب. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقضي فيه، لأن فيه نظرا لها، ولا ضرر فيه على الغائب، فإنه لو حضر وصدقها، فقد أخذت حقها، وإن جحد يحلف، فإن نكل فقد صدق. وإن أقامت بينة فقد ثبت حقها، وإن عجزت، يضمن الكفيل أو المرأة، وعمل القضاة اليوم على هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ولا يقضي بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء) ش: أي لهؤلاء المذكورين من الزوجة والأولاد الصغار والوالدين والأولاد الكبار الزمنى والإناث. م: (ووجه الفرق) ش: يعني بين قضاء القاضي لهؤلاء المذكورين بالنفقة في مال الغائب وبين عدم جواز قضائه لغيره من الآباء، كالأخ والعم وسائر ذوي الأقارب. م: (هو) ش: أي وجه الفرق. م: (أن نفقة هؤلاء المذكورين واجبة قبل قضاء القاضي، ولهذا) ش: أي لوجوب نفقة هؤلاء قبل قضاء القاضي. م: (كان لهم أن يأخذوا قبل القضاء، فكأن قضاء القاضي إعانة لهم) ش: أي لهؤلاء. م: (أما غيرهم) ش: أي غير هؤلاء. م: (من المحارم فنفقتهم إنما تجب بالقضاء) ش: أي بقضاء القاضي. م: (لأنه مجتهد فيه) ش: لأن الشافعي لا يقول بوجوب النفقة في غير الأولاد، فلما كان وجوبها بالقضاء. م: (والقضاء على الغائب لا يجوز) ش: فلا يُقضى لهم بالنفقة في مال الغائب. م: (ولو لم يعلم القاضي بذلك) ش: متصل بقوله: وكذا إذا علم القاضي بذلك، قوله بذلك أي بالزوجة. م: (ولم يكن) ش: أي الرجل المودع. م: (مقرًا به) ش: هو متصل بقوله: ولو لم يعترف به. م: (فأقامت) ش: أي المرأة. م: (البينة على الزوجية) ش: أي على أنها زوجة له. م: (أو لم يخلف) ش: أي الزوج. م: (مالًا فأقامت البينة على الزوجية) ش: أي على أنها زوجة له. م: (ليفرض القاضي نفقتها على الغائب ويأمرها بالاستدانة لا يقضي القاضي بذلك، لأن في ذلك قضاء على الغائب) ش: فلا يجوز.
م: (وقال زفر: يقضي فيه) ش: يعني يسمع البينة ويعطيها النفقة من مال الزوج، وإن لم يكن له مال، يأمرها بالاستدانة. م: (لأن فيه نظرًا لها، ولا ضرر فيه على الغائب، فإنه) ش: أي فإن الزوج. م: (لو حضر وصدقها فقد أخذت حقها وإن جحد) ش: أي وإن أنكر الزوج ذلك. م: (يحلف) ش: فإن نكل أي عن اليمين. م: (فإن نكل فقد صدق) ش: المرأة.
م: (وإن أقامت بينة فقد ثبت حقها، وإن عجزت) ش: أي عن البينة. م: (يضمن الكفيل أو المرأة) ش: فإن ضمن الكفيل يرجع على المرأة. م: (وعمل القضاة اليوم على هذا) ش: أي على قول زفر. م:(5/686)
أنه يقضي بالنفقة على الغائب، لحاجة الناس إليه، وهو مجتهد فيه، وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها، لم يذكرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(أنه يقضي بالنفقة على الغائب، لحاجة الناس إليه، وهو مجتهد فيه) ش: أي بين علمائنا، إما لأن فيه خلاف زفر، أو لأن فيه خلاف أبي يوسف على ما ذكر الخصاف مطلقًا، أو على قوله الأول، أو على ما ذكره في مختصر "الكافي " ثم على قول من يفرض، لا تحتاج المرأة إلى إقامة البينة، أن الزوج لم يخلف مالًا للنفقة.
م: (وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها لم يذكرها) ش: منها أن القاضي إذا لم يكن عالمًا بالنكاح، فأقامت البينة على النكاح، يقبل في قول أبي حنيفة وحده الأول، ومنها لو أقامت البينة على المودع أو المديون الجاحد للنكاح والنفقة على قول أبي حنيفة أولًا، ثم رجع، قال: لا يقبل، ومنها أن البينة على قول أبي يوسف أولًا تقبل، ولكن لا تقضي بالنكاح. كذا في " التتمة " و " الفتاوى الصغرى ".(5/687)
فصل وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها، رجعيا كان أو بائنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا نفقة للمبتوتة، إلا إذا كانت حاملا، أما الرجعي فلأن النكاح بعده قائم، لا سيما عندنا، فإنه يحل له الوطء. وأما البائن فوجه قوله ما روي «عن فاطمة بنت قيس قالت: "طلقني زوجي ثلاثا، فلم يفرض لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سكنى ولا نفقة» ولأنه لا ملك، وهي مرتبة على الملك، ولهذا لا تجب للمتوفى عنها زوجها لانعدامه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل إذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها]
م: (فصل) ش: لما فرغ من بيان النفقة والسكنى وما به قيام النكاح بينهما، شرع في بيان ذلك بعد المفارقة. م: (وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعيًا كان) ش: أي الطلاق. م: (أو بائنا) ش: وهو قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وأسامة بن زيد بن ثابت في رواية، وجابر في رواية، وبه قال سعيد بن المسيب، وشريح، والأسود بن يزيد والشعبي والثوري والحسن بن حي، وأحمد في رواية.
م: (وقال الشافعي: لا نفقة للمبتوتة) ش: وهي التي طلقها ثلاثًا، أو بعوض حتى وقع الطلاق بائنا عنده، وهو قول ابن عباس وجابر في رواية، وبه قال مالك وأحمد في المشهور وعطاء وطاوس وعمرو بن ميمون وعكرمة والليث بن سعد وداود.
م: (إلا إذا كانت حاملًا) ش: فإنها تجب لها بالإجماع، خلافًا للظاهرية، وعند الشافعي ومالك: لا سكنى لها أيضًا. م: (أما الرجعي) ش: أي أما الطلاق الرجعي. م: (فلأن النكاح بعده قائم لا سيما) ش: أي خصوصًا. م: (عندنا فإنه يحل له الوطء) ش: في الطلاق الرجعي حتى يكون رجعيًا.
م: (وأما البائن فوجه قوله) ش: أي قول الشافعي. م: (ما روي «عن فاطمة بنت قيس، قالت: طلقني زوجي ثلاثًا، فلم يفرض لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سكنى ولا نفقة» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري عن الشعبي «عن فاطمة بنت قيس، قالت: طلقني زوجي ثلاثًا، فخاصمته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السكنى والنفقة، فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، فأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم،» وفاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية الصحابية أخت الضحاك بن قيس، واسم زوجها أبو عمرو بن حفص، وذكر النسائي أن اسمه أحمد، وقال القاضي: الأشهر في اسمه عبد الحميد، وقيل: كنيته.
م: (ولأنه لا ملك) ش: أي لا ملك هاهنا. م: (وهي) ش: أي النفقة. م: (مرتبة على الملك) ش: فلا تجب. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم الملك. م: (لا تجب للمتوفى عنها زوجها لانعدامه) ش: أي(5/688)
بخلاف ما إذا كانت حاملا لأنا عرفناه بالنص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] الآية (الطلاق: الآية 6) ولنا أن النفقة جزاء احتباس، على ما ذكرنا، والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح، وهو الولد، إذ العدة واجبة لصيانة الولد، فتجب النفقة، ولهذا كان لها السكنى بالإجماع، وصار كما إذا كانت حاملا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لانعدام الملك. م: (بخلاف ما إذا كانت حاملًا) ش: يعني تجب لها النفقة. م: (لأنا عرفناه) ش: أي عرفنا وجوب النفقة للحامل. م: (بالنص وهو قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) .
م: (ولنا أن النفقة جزاء احتباس على ما ذكرنا) ش: وفي بعض النسخ على ما بينا، أي في أول باب النفقة. م: (والاحتباس قائم في حق حكم مقصود بالنكاح وهو الولد) ش: الحكم المقصود بالنكاح هو التوالد والاستمتاع. قال تاج الشريعة: بخلاف المضارب إذا كان يعمل في المصر، حيث لا تجب نفقته في مال المضاربة، لأنه ليس بمحبوس بحق رب المال قصدًا وبخلاف الصغيرة التي لا يستمتع بها، أما الكبيرة الرتقاء فلها النفقة. م: (إذ العدة واجبة لصيانة الولد، فتجب النفقة، ولهذا كان لها) ش: أي المبتوتة. م: (السكنى بالإجماع) ش: دعوى الإجماع فيه نظر، لأن السكنى لا تجب على مذهب الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح والشعبي وإسحاق وإبراهيم في رواية وأهل الظاهر. م: (وصار) ش: أي حكم المبتوتة. م: (كما إذا كانت حاملًا) ش: وجوب النفقة إذا كانت حاملًا لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون لأجل العدة، ولهذا إذا كان الحمل غنيًا، بأن ورث من أخيه من أمه، أو أوصى له بها، كما يجب على الزوج نفقة المطلقة الحامل، فلو كان لأجل الولد لا يجب، لأن نفقة الولد على الأب لا تجب إذا كان الولد غنيًا، ألا ترى أنه إذا أنفق على الولد، ولم يعلم بأنه غني، ثم تبين بأنه غني يرجع عليه، وهنا لا يرجع عليه، وإن كان بحكم الحاكم، فعلم أن النفقة كانت لأجل العدة، وفي هذا المعنى الحابل والحامل سواء.
فإن قلت: إذا كان كذلك، فما فائدة القيد بالحمل في الآية؟
قلت: إن الحامل تستحق النفقة بقدر عدتها ثلاثة أقراء، فوقع الإشكال أن الحامل تستحق النفقة في مقدار هذا الزمان أو أكثر، فأزال هذا الإشكال أن الحامل تستحق النفقة وإن طالت مدة الحمل بقوله تعالى: {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) .
فإن قلت: انقطعت الزوجية في المبتوتة، فلا يجب لها النفقة كالمتوفى عنها زوجها.
قلت: يمنع صحة القياس، لأن النفقة جزاء الاحتباس، والمبتوتة محبوسة عن سائر الأزواج في بيت زوجها في عدتها، فتجب لها النفقة كما في الرجعي، بخلاف المتوفى عنها زوجها، لأنها ليست بمحبوسة لحق الزوج بل لحق الشرع.(5/689)
وحديث فاطمة بنت قيس رده عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة، لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت. سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة» . ورده أيضا زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأسامة بن زيد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وحديث فاطمة بنت قيس) ش: هذا جواب عن حديث فاطمة بنت قيس الذي احتج به الشافعي، تقديره أن حديث فاطمة. م: (رده عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني ابن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (فإنه قال: «لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت حفظت أم نسيت سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة» ش: هذا الحديث أخرجه مسلم عن أبي إسحاق قال: حدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لا سكنى لها ولا نفقة فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به فقال ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لا نترك كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة» . ورواه أيضًا أبو داود والترمذي والنسائي والطحاوي والدارقطني، لكن لا ينقل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن روى جابر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «للمطلقة ثلاثًا النفقة والسكنى» ذكره عبد الحق، وقد بوب الطحاوي في هذا بابا مطولًا، وأمعن الكلام فيه، وشرحناه كما ينبغي. فمن أراد ذلك فليرجع إليه، قوله: «لا ندع كتاب ربنا» يريد به: قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] (الطلاق: الآية 6) ووجد ذلك أن الوجد هو السعة والغنى، وذلك يرجع إلى ما يملك به.
وأما الإسكان فإنه قد يملك إسكانها من غير ملكه، يسكن هو ولا يملك الإنفاق من غير ملكه، فكان تقديره - والله أعلم - ما تلاه ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: "وأنفقوا عليهم من وجدكم"، وقوله: سنة نبينا، يريد به قوله: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «للمطلقة ثلاثًا، النفقة والسكنى ما دامت في العدة» .
م: (ورده أيضًا زيد بن ثابت) ش: أي: روى حديث فاطمة بنت قيس بن زيد بن ثابت الأنصاري، وقال مخرج الأحاديث: حديث زيد بن ثابت، غريب. م: (وأسامة بن زيد) ش: أي رده أيضًا أسامة بن زيد بن حارثة، وقال مخرج الأحاديث: هذا أيضًا غريب.
قلت: ليس كذلك، لأن الطحاوي رواه: حدثنا ربيع المؤذن، وقال: حدثنا شعيب عن الليث، قال: أخبر الليث عن جعفر بن ربيعة بن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي سلمة عن عبد الرحمن قال: «كانت فاطمة بنت قيس تحدث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لها: "اعتدي في بيت ابن أم مكتوم» ، وكان محمد بن أسامة إذا ذكرت فاطمة من ذلك شيئًا رماها بما كان في يده لهذا،(5/690)
وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، لأن احتباسها ليس لحق الزوج، بل لحق الشرع، فإن التربص عبادة منها. ألا ترى أن معنى التعرف عن براءة الرحم ليس بمراعى فيه حتى لا يشترط فيها الحيض، فلا تجب نفقتها عليه، ولأن النفقة تجب شيئا فشيئا، ولا ملك له بعد الموت، فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة.
وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية مثل الردة وتقبيل ابن الزوج، فلا نفقة لها، لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق، فصارت كما إذا كانت ناشزة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أسامة بن زيد، وقد أنكر ذلك مثل ما أنكره عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وجابر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي رواه أيضًا جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ورواه الدارقطني في "سننه " عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة» (وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) ش: أي روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وأخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن قاسم، عن أبيه، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، أنها قالت: ما لفاطمة أن نذكرها، يعني في قوله: "لا سكنى ولا نفقة» ، وفي لفظ البخاري: قالت: «ما لفاطمة لا تتقي الله في قولها لا سكنى ولا نفقة» .
م: (ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها، لأن احتباسها ليس لحق الزوج بل لحق الشرع) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قول، وهو قول ابن عباس والحكم بن عتيبة وعطاء وابن سيرين وعبد الملك بن يعلى، قاضي البصرة، والحسن البصري وعامر بن شعيب، وفي قول آخر للشافعي: إذا كان للميت مال كثير ينفق عليها من نصيبها، وإن كان قليلًا ينفق عليها من جميع المال، وفي وجوب السكنى له قولان. أحدهما: لا يجب، كقولنا - وهو اختيار المزني - والثاني: يجب، وبه قال مالك. م: (فإن التربص) ش: المذكور في القرآن. م: (عبادة منها) ش: أي من المرأة التي توفي عنها زوجها.
م: (ألا ترى أن معنى التعرف عن براءة الحرم ليس بمراعى فيه، حتى لا يشترط فيها) ش: أي في عدتها. م: (الحيض، فلا تجب نفقتها عليه، ولأن النفقة تجب شيئًا فشيئًا ولا ملك له بعد الموت، فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة) ش: قال الطحاوي في " مختصره ": ولا سكنى للمتوفى عنها زوجها، ولا نفقة في مال الزوج حاملًا كانت أو غير حامل. وقال أبو بكر الرازي: قد كانت نفقتها واجبة في مال الميت بقوله: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] فنسخت هذه النفقة بالميراث، وبقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، فأوجب نفقتها على نفسها من مال الزوج.
م: (وكل فرقة جاءت من قبل المرأة بمعصية مثل الردة وتقبيل ابن الزوج، فلا نفقة لها، لأنها صارت حابسة نفسها بغير حق، فصارت كما إذا كانت ناشزة) ش: إنما قيد بالنفقة احترازًا عن السكنى، لأن السكنى واجب لها، لأن القرار في البيت مستحق عليها، فلا يسقط ذلك بمعصيتها، فأما النفقة فواجبة لها، فيسقط ذلك بمجيء الفرقة من قبلها بمعصية. وقال في " المبسوط ": نفقة المرتدة لا(5/691)
بخلاف المهر بعد الدخول، لأنه وجد التسليم في حق المهر بالوطء. وبخلاف ما إذا جاءت الفرقة من قبلها بغير معصية، كخيار العتق وخيار البلوغ والتفريق لعدم الكفاءة، لأنها حبست نفسها بحق، وذلك لا يسقط النفقة، كما إذا حبست نفسها لاستيفاد المهر. وإن طلقها ثلاثا، ثم ارتدت والعياذ بالله، سقطت نفقتها، وإن مكنت ابن زوجها من نفسها فلها النفقة، ومعناه: مكنت بعد الطلاق، لأن الفرقة تثبت بالطلقات الثلاث، فلا عمل فيها للردة والتمكين. إلا أن المرتدة تحبس حتى تتوب. ولا نفقة للمحبوسة، والممكنة لا تحبس، ولهذا تقع الفرقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لعين الردة، بل لأنها تحبس، والمحبوسة بحق لا تستوجب النفقة حال قيام النكاح، فكذا في العدة، حتى لو ارتدت ولم تحبس، بل هي في بيت الزوج أو ثابت ورجعت إلى بيت الزوج، فلها النفقة لعدم الحبس.
م: (بخلاف المهر بعد الدخول) ش: حيث لا تسقط. م: (لأنه وجد التسليم في حق المهر بالوطء، وبخلاف ما إذا جاءت الفرقة من قبلها) ش: أي من قبل المرأة لكن. م: (بغير معصية كخيار العتق) ش: نحو أم الولد أعتقت، ونحو المدبرة أعتقت، وهما عند الزوج قد بوأ المولى لهما بيتًا، فاختارتا الفرقة فلهما النفقة. م: (وخيار البلوغ) ش: نحو الصغيرة أدركت واختارت نفسها، فلها النفقة. م: (والتفريق لعدم الكفاءة) ش: بعد الدخول، فلها النفقة، وكذا للملاعنة النفقة والسكنى، وكذا البائنة بالخلع والإيلاء. م: (لأنها حبست نفسها بحق، وذلك لا يسقط النفقة، كما إذا حبست نفسها لاستيفاء المهر) ش: حيث لا تسقط النفقة.
م: (وإن طلقها ثلاثًا ثم ارتدت - والعياذ بالله - سقطت نفقتها) ش: لأن الإسقاط بسببها. م: (وإن مكنت ابن زوجها من نفسها فلها النفقة، ومعناه) ش: من كلام المصنف معنى قول القدوري. م: (مكنت بعد الطلاق) ش: فلا نفقة لها لحصول الفرقة من قبلها بمعصية، وقال زفر: لا نفقة لها إذا مكنت ابن زوجها في عدتها كما إذا مكنته في حال قيام النكاح لا تجب، فكذا هنا. م: (لأن الفرقة) ش: هذا التعليل إشارة إلى الفرق بين المسألتين المذكورتين إحداهما هو قوله: وإن طلقها ثلاثًا ثم ارتدت، والأخرى هو قوله: وإن مكنت ابن زوجها حيث تسقط النفقة في الأولى دون الثانية، بيانه هو قوله لأن الفرقة. م: (تثبت بالطلقات الثلاث، فلا عمل فيها للردة) ش: أي لا عمل في الفرقة لأجل الردة بل للحبس. م: (والتمكين) ش: أي ولا عمل في الفرقة لأجل التمكين، بل لعدم الحبس.
م: (إلا أن المرتدة) ش: أي غير أن المرتدة. م: (تحبس حتى تتوب) ش: من الردة. م: (ولا نفقة للمحبوسة، والممكنة) ش: أي المرأة التي مكنت ابن زوجها. م: (لا تحبس) ش: فلها النفقة. م: (ولهذا) ش: أي: ولهذا التعليل الذي علل للمسألتين. م: (تقع الفرقة) ش: بينهما حيث تكون المنفعة للممكنة، ولا تكون للمعتدة إذا ارتدت.(5/692)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: أبرأته من النفقة في المستقبل وهي زوجته لا يصح.
ولو أبرأته عنها في الخلع صح؛ لأن الإبراء في الخلع إبراء بعوض. وفي الأول إبراء قبل الوجود فلا يصح، ولو صالحت المعتدة على دراهم إن كانت عدتها بالحيض لا يصح للجهالة، وإن كانت بالأشهر تصح؛ لأن المدة معلومة، وللملاعنة النفقة والسكنى. وعند الشافعي: لا نفقة لها، وفي السكنى قولان: تجب في قول، ولا تجب في قول.(5/693)
فصل ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجية، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، والمولود له هو الأب. وإن كان الصغير رضيعا، فليس على أمه أن ترضعه، لما بينا أن الكفاية على الأب. وأجرة الرضاع كالنفقة، ولأنها عساها لا تقدر عليه لعذر بها، فلا معنى للجبر عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل نفقة الأولاد]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل لما فرغ من بيان نفقة الزوجية شرع في بيان نفقة الأولاد. م: (ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجية) ش: هذا الذي ذكره ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة: أن نفقة الولد على الأب والأم أثلاثًا، بحسب ميراثهما وبإجماع الأئمة الأربعة تجب نفقة الولد الصغير على الأب. وقال الطحاوي في "مختصره ": ويجبر الرجل على نفقة أولاده الصغار، إذا كانوا فقراء ذكورًا كانوا أو إناثًا. وإن كانوا كبارًا محتاجين أجبر على نفقة الإناث منهم، ولم يجبر على نفقة الذكور منهم وإن كان من ذكورهم من به زمانة كالعمى والشلل في اليدين وما أشبه ذلك، فإنه يجبر على نفقته.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) . م: (والمولود له هو الأب) ش: وقيل: وجه الاستدلال أن رزق الوالدات وجب على الأب لسبب الولد وجب عليه رزق الولد بطريق الأولى. م: (وإن كان الصغير رضيعًا، فليس على أمه أن ترضعه لما بينا) ش: معنى قوله: لا يشاركه فيها أحد. م: (أن الكفاية) ش: هي كفاية الصغير. م: (على الأب وأجرة الرضاع كالنفقة) ش: يعني كما تجب عليه النفقة إذا فطم، يجب عليه أن يستأجر من يرضعه، فيكون بأجرة الرضاع كالنفقة تجب عليه. م: (ولأنها عساها لا تقدر عليه) ش: أي على الإرضاع. م: (لعذر بها) ش: يمنعها من الإرضاع. م: (فلا معنى للجبر عليه) ش: أي على الإرضاع. هذا إذا وجد من يرضعه، فإن لم يوجد، ولم يكن بها علة تجبر صيانة عن الضياع. وفي " الذخيرة ": لو كان لا يوجد من يرضعه أو لا يأخذ ثدي غيرها تجبر. وذكر الحلواني في ظاهر الرواية: لا تجبر؛ لأن الولد يتغذى بالدهن والشراب وبقية الألبان، فلا ترك إجبارها إلى التلف، وإلى الأول مال القدوري والسرخسي.
وقال شمس الأئمة السرخسي: إذا لم تجبر كان على الأب أن يكتري امرأة ترضعه عند الأم، ولا ينزع الولد من الأم، لأن الأمة أجمعت على أن الحجر لها، لكن لا يجب عليها أن تمكث في بيت، إلا إذا لم يشترط عليها ذلك عند العقد وكان الولد يستغني عنها في تلك الساعة، بل لها أن ترضع ثم ترجع إلى منزلها. وإن لم يشترط أن ترضع عند الأم كان لها أن تحمل الصبي إلى منزلها، أو تقول: أخرجوه فترضعه عند فناء الدار، ثم يدخل الولد إلى الأم إلا أن(5/694)
وقيل في تأويل قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، بإلزامها الإرضاع مع كراهتها، وهذا الذي ذكرنا بيان الحكم، وذلك إذا كان يوجد من يرضعه. أما إذا كان لا يوجد من ترضعه، تجبر على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع. قال: ويستأجر الأب من ترضعه عندها، أما استئجار الأب فلأن الأجر عليه. وقوله "عندها" معناه إذا أرادت ذلك، لأن الحجر لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون اشتراط عند العقد أن يكون الطفل عند الأم فحينئذ يلزمها الوفاء بالشرط. وقال في " العمدة ": ولا يؤاخذ الأب بأجرة الرضاع لأكثر من سنتين بالإجماع.
م: (وقيل في تأويل قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 33) بإلزامها الإرضاع مع كراهتها) ش: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] بأن تطرح الأم الولد إلى الأب. إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه، والحاصل: يُنهى أن يلحق بها الضرر من قبل الزوج، وعن أن يلحق الضرر بالزوج من قبل المرأة بسبب الولد. م: (وهذا الذي ذكرنا) ش: أي عدم الجبر، وفي نسخة الأترازي: وهذا الذي ذكر، ثم فسره بقوله: أي الذي ذكره القدوري بقوله، وإن كان الصغير رضيعًا فليس على أمه أن ترضعه. م: (بيان الحكم) ش: أي القضاء. أما من جهة الدين فيجب عليها أن ترضع. قال الأترازي: ولهذا قالوا لا يجوز لها أن تأخذ الأجر بالإرضاع، لأن أخذ الأجرة بإزاء ما يجب عليها من حيث الدين لا يجوز. وبه صرح في شرح كتاب النفقات، قال: وظن بعد الشارحين أن المراد من قوله بيان الحكم هو جواب ظاهر الرواية. ثم قال: وروى الحسن عن أبي حنيفة أن النفقة على الأب والأم، أثلاثًا بحسب ميراثهما في الولد، وتلك الرواية صحيحة، ولكن الشرح من المشروح كالصب من النون.
م: (وذلك) ش: يعني عدم وجوب الإرضاع على الأم. م: (إذا كان يوجد من يرضعه) ش: أي من يرضع الصغير، يعني يوجد مرضعة أخرى تجبر. م: (أما إذا كان لا يوجد من ترضعه تجبر) ش: أي الأم. م: (على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع) ش: بفتح الضاد مصدر من ضاع يضيع، وأما الضياع بالكسر فهو جمع ضيعة.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويستأجر الأب من ترضعه عندها) ش: أي عند أم الصغير. م: (أما استئجار الأب، فلأن الأجر عليه، وقوله) ش: أي قول القدوري. م: ("عندها" معناه إذا أرادت ذلك لأن الحجر لها) ش: أي لأن التربية لها بحق الحضانة. ولا عليها أن تمكث في بيت الأم، إلا أن يشترط ذلك، وقد ذكرناه عن قريب.
فإن أجرت نفسها للإرضاع، ثم تزوجت، فليس للزوج منعها من ذلك، حتى تنقضي مدة الإجارة، ولا فسخها، فإذا نام الصبي أو اشتغل بغيرها، فله الاستمتاع بها، وليس لولي الصبي منعه من ذلك، وبه قال الشافعي. وقال مالك: ليس له وطؤها إلا برضا الولي. ولو أجرت نفسها للإرضاع، يجوز بإذن الزوج، وبغير إذنه لا يجوز، لأن الحق له، وهو أحد الوجهين(5/695)
وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها. فإذا أقدمت عليه بالأجر، ظهرت قدرتها، فكان الفعل واجبا عليها، فلا يجوز أخذ الأجر عليه، وهذا في المعتدة عن طلاق رجعي رواية واحدة، لأن النكاح قائم، وكذا في المبتوتة في رواية، وفي رواية أخرى: جاز استئجارها لأن النكاح قد زال. وجه الأولى: أنه باق في حق بعض الأحكام. ولو استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز؛ لأنه غير مستحق عليها. وإن انقضت عدتها فاستأجرها، يعني لإرضاع ولدها جاز، لأن النكاح قد زال بالكلية، وصارت كالأجنبية. فإن قال الأب: لا أستأجرها، وجاء بغيرها فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية إن رضيت بغير أجر، كانت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للشافعية، والثاني: يجوز، وله فسخها إن شاء، وعندنا له فسخها إذا لم يعلم بها، وليس له منعه من وطئها. فإذا حبلت فله فسخها للضرر كما لو مرضت.
م: (وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233)) ش: واختلفوا في معناه، فقيل: إنه مجرد خبر من غير إلزام الإرضاع، وقيل: إنه في معنى الأمر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، والأصح أنه خبر بمعنى الأمر على وجه الندب، أو على وجه الوجوب، إذا لم يقبل إلا ثدي أمه. م: (إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها، فإذا أقدمت عليه بالأجر) ش: أي على الإرضاع بالأجر.
م: (ظهرت قدرتها، فكان الفعل واجبًا عليها، فلا يجوز أخذ الأجر عليه، وهذا) ش: أي هذا المذكور من عدم جواز الإجارة. م: (في المعتدة عن طلاق رجعي، رواية واحدة، لأن النكاح قائم، وكذا) ش: أي وكذا لا يجوز. م: (في المبتوتة) ش: أي في العدة فيه روايتان لا يجوز. م: (في رواية) ش: وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة. م: (وفي رواية أخرى جاز استئجارها) ش: وهي ظاهر الرواية. م: (لأن النكاح قد زال) ش: فصارت كالأجنبية. م: (وجه الأولى) ش: وهي عدم الجواز. م: (أنه) ش: أي أن النكاح. م: (باق في حق بعض الأحكام) ش: وهي العدة، ووجوب النفقة والسكنى وعدم دفع زكاته إليها وشهادته لها، فلا يجوز استئجارها كما في حال قيام النكاح.
م: (ولو استأجرها وهي منكوحته أو معتدته لإرضاع ابن له من غيرها جاز، لأنه غير مستحق عليها. وإن انقضت عدتها فاستأجرها يعني لإرضاع ولدها جاز، لأن النكاح قد زال بالكلية، وصارت كالأجنبية، فإن قال الأب: لا أستأجرها) ش: أي امرأته.
م: (وجاء بغيرها، فرضيت الأم بمثل أجر الأجنبية، أو رضيت بغير أجر، كانت) ش: أي الأم(5/696)
هي أحق به، لأنها أشفق، فكان نظرا للصبي في الدفع إليها. وإن التمست زيادة، لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنه، وإليه الإشارة في قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية، ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه، كما تجب نفقة الزوجة على الزوج، وإن خالفته في دينه، أما الولد فلإطلاق ما تلونا. ولأنه جزؤه، فيكون في معنى نفسه. وأما الزوجة فلأن السبب هو العقد الصحيح، فإنه بإزاء الاحتباس الثابت به، وقد صح العقد بين المسلم والكافرة، وترتب عليه الاحتباس، فوجبت النفقة، وفي جميع ما ذكرنا إنما تجب النفقة على الأب، إذا لم يكن للصغير مال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (هي أحق به لأنها أشفق) ش: على الصغير. م: (فكان نظرا للصبي في الدفع إليها) ش: أي إلى الأم والدفع إلى الأجنبية أضر به.
م: (وإن التمست) ش: أي وإن طلبت الأم. م: (زيادة) ش: على أجرة الأجنبية. م: (لم يجبر الزوج عليها) ش: أي على الزيادة. م: (دفعا للضرر عنه، وإليه الإشارة) ش: أي إلى دفع الضرر عن الزوج. م: (في قوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية) ش: بل يدفع الصغير إلى الظئر ترضعه عند الأم لأن الحضانة لها. م: (ونفقة الصغير واجبة على أبيه وإن خالفه في دينه) ش: هذا إذا أسلم الصغير العاقل وأبوه كافر أو ارتد - والعياذ بالله تعالى - وأبوه مسلم؛ لأن ارتداده وإسلامه صحيح عندنا.
م: (كما تجب نفقة الزوجة على الزوج، وإن خالفته في دينه، أما الولد) ش: أي أما نفقة الولد.
م: (فلإطلاق ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) . م: (ولأنه) ش: أي ولأن الولد. م: (جزؤه فيكون في معنى نفسه) ش: وكفره لا يؤثر في نفقته، فكذا كفر ولده.
م: (وأما الزوجة) ش: أي وأما نفقة الزوجة. م: (فلأن السبب) ش: أي سبب وجوب النفقة. م: (هو العقد الصحيح، فإنه) ش: أي فإن سبب وجوب النفقة. م: (بإزاء الاحتباس الثابت به) ش: أي بالعقد. م: (وقد صح العقد بين المسلم والكافرة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] (المائدة:5) أي العفائف عن فعل الزنا، وقد مر في النكاح، فإذا صح العقد بينهما. م: (وترتب عليه الاحتباس) ش: فإذا ترتب عليه الاحتباس. م: (فوجبت النفقة) ش: عليه. م: (وفي جميع ما ذكرنا) ش: أي في هذا الفصل. م: (إنما تجب النفقة على الأب إذا لم يكن للصغير مال) ش: فنقول نكرة في موضع النفي تعم جميع أجناس الأموال، حتى لو كان للصغير عقار وحيوان وثياب للأب أنه يبيع ذلك كله وينفقه، لأن الصغير غبي بهذه الأشياء. كذا في " الذخيرة "، وإن لم يكن للصغير مال، فعلى الأب أن يكتب وينفق على ولده، يجبر على ذلك ويحبس. وبه قال(5/697)
وأما إذا كان له، فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشافعي بخلاف سائر الديون، حيث لا يحبس، فلأن الأب وإن علاها يحبس في ديون الأولاد. وفي الدين يحبس لما أن في الامتناع من الكسب إتلاف للنفس، والأب يستوجب العقوبة عند قصده إتلاف ولده، كما لو عدا على أبيه بالسيف، كان للأب أن يقتل، ولو كان الأب عاجزًا عن الكسب بالزمانة أو بأنه مقعد يتكفف الناس وينفق عليهم، هكذا ذكره الخصاف في نفقته. ومن المتأخرين من قال: نفقة الأولاد في هذه الصورة في بيت المال، لأن نفقة هذا الأب في بيت المال، فكذا نفقة الأولاد، وطالب العلم إذا كان يهتدي إلى الكسب، فنفقته على الأب لا تسقط عنه كالزمن والأنثي.
م: (وأما إذا كان له) ش: أي للصغير مال. م: (فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا) ش: وذلك لأن أحد الأمرين ليس في إيجاب النفقة على صاحبه، أولى من إيجاب نفقه صاحبه عليه، والفرق بين نفقة الصغير والزوجة بحيث لا تجب نفقة الصغير على الأب، إذا كان الصغير غنيًا بأي مال كان، وتجب نفقة الزوجة على الزوج وإن كانت الزوجة غنية، إذ نفقة الصغير واجبة للحاجة، فإذا انعدمت الحاجة، فلا تجب، كنفقة الخادم، ونفقة للزوجة بإزاء التمكين من الاستمتاع، فكان طريقه البدل والمعادلة، والبدل يوجد وإن وجد الغنى.(5/698)
فصل وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته، إذا كانوا فقراء وإن خالفوه في دينه. أما الأبوان فلقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: 15) ، فأنزلت في الأبوين الكافرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل نفقة الآباء والأجداد والخادم]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل، ولما فرغ من بيان نفقة الأولاد شرع في بيان نفقة الآباء والأجداد والخادم. م: (وعلى الرجل أن ينفق على أبويه وأجداده وجداته إذا كانوا فقراء) ش: وفي " المبسوط ": على الرجل الموسر نفقة أبيه وأمه، وأب الأب وإن علا، وأم الأب وإن علت، وأم الأم وإن علت. وشرط الشافعي في ذلك أن يكون الأب زمنًا ولم يوافقه أحد. وفي " التنبيه ": ويجب على الأولاد ذكورهم وإناثهم نفقة الوالدين، وإن علوا بشرط الفقر والزمانة، والجنون مع الصحة قولان، أظهرهما: لا يجب.
م: (وإن خالفوه في دينه) ش: واصل بما قبله؛ أي وإن خالف هؤلاء الرجل في دينه، وهو إذا كانوا من أهل الذمة، أما إذا كانوا من أهل الحرب، فلا يجب، لأنا نهينا عن المبرة في ذمتهم. م: (أما الأبوان؛ فلقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: الآية 15) فأنزلت في الأبوين الكافرين) .
ش: قال المفسرون: أنزلت في سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وذلك أنه لما أسلم، قالت له أمه جميلة: يا سعد، بلغني أنك مبهوت، فوالله لا أظلني سقف بيت عن الثلج والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد، وترجع إلى ما كنت عليه، وكان أحب ولدها إليها، فأبى سعد وصبرت هي ثلاثة أيام، فلم تأكل ولم تشرب، ولم تستظل بظل حتى غشي عليها، فأتي سعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشكا ذلك إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (لقمان: الآية 15) .(5/699)
وليس من المعروف أن يعيش الرجل في نعم الله تعالى، ويتركهما يموتان جوعا. وأما الأجداد والجدات، فلأنهم من الآباء والأمهات، ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه، ولأنهم سبب لإحيائه فاستوجبوا عليه الإحياء، لأنهما بمنزلة الأبوين، وشرط الفقر لأنه لو كان ذا مال، فإيجاب نفقته في ماله أولى من إيجابها في مال غيره، ولا يمنع ذلك باختلاف الدين لما تلونا.
ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين، والأجداد والجدات، والولد، وولد الولد. أما الزوجة فلما ذكرنا أنها واجبة لها بالعقد لاحتباسها لحق له مقصود،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وليس من المعروف أن يعيش الرجل في نعم الله تعالى، ويتركهما) ش: أي الأبوين. م: (يموتان جوعًا) ش: والمعروف هو المحاسنة بالخلق الجميل والحلم والاحتمال والبر والصلة، وبما يقتضيه الكرم والمروءة، واستدل شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي " بقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] (الإسراء: الآية 23) ، وقال: نهى عن التأفيف يعني الأذى، ومنع الأذى في منع النفقة عند حاجتهما أكثر، ولهذا يلزمه نفقتهما وإن كانا قادرين على الكسب، لأن معنى الأذى في الكد والتعب أكثر منه في التأفيف، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه، فكلوا من كسب أولادكم» .
م: (وأما الأجداد والجدات؛ فلأنهم من الآباء والأمهات، ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه ولأنهم سبب لإحيائه) ش: أي عدم الأب. م: (فاستوجبوا) ش: أي فاستحقوا. م: (عليه الإحياء) ش: أي على الولد. م: (لأنهما بمنزلة الأبوين) ش: في حياة الولد، فاستحقوا على النافلة كالأبوين. م: (وشرط الفقر) ش: أي وشرط القدوري الفقر في قوله إذا كانوا فقراء. م: (لأنه) ش: أي لأن الأب. م: (لو كان ذا مال، فإيجاب نفقته في ماله أولى من إيجابها في مال غيره) ش: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل من كد يمينك وعرق جبينك» . م: (ولا يمنع ذلك) ش: أي وجوب النفقة على الأبوين. م: (باختلاف الدين لما تلونا) ش: من النص، وهو قَوْله تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] (الإسراء: الآية 23) ، وبه قال مالك والشافعي.
م: (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة) ش: وفي عموم النسب روايتان، ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة. وفي بعض النسخ. م: (قال: لا تجب النفقة) ش: أي قال القدوري. م: (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين، والأجداد والجدات، والولد، وولد الولد، أما الزوجة فلما ذكرنا أنها) ش: أي النفقة. م: (واجبة لها بالعقد لاحتباسها لحق له) ش: أي للرجل، وقوله. م: (مقصود) ش: بالحر صفة لقوله: بحق، وهو الاستمتاع بها بالوطء وغيره.(5/700)
وهذا لا يتعلق باتحاد الملة. وأما غيرها فلأن الجزئية ثابتة، وجزء المرء في معنى نفسه، فكما لا يمنع نفقة نفسه بكفره لا يمنع نفقة جزئه، إلا أنهم كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم. وإن كانوا مستأمنين لأنا نهينا عن البر في حق من يقاتلنا في الدين. ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم، وكذا لا تجب على المسلم نفقة أخيه النصراني، لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص، بخلاف العتق عند الملك، لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي المعنى المذكور. م: (لا يتعلق باتحاد الملة) ش: بين الزوجين. م: (وأما غيرها) ش: أي غير الزوجة من المذكورين. م: (فلأن الجزئية ثابتة) ش: أما في حق الولد فظاهر، وفي حق غيره لشمول الولاد إياهم. م: (وجزء المرء في معنى نفسه، فكما لا يمنع نفقة نفسه بكفره، لا يمنع نفقة جزئه) ش: الذي هو الولد بكفره. وكذا حكم أولاد البنين والبنات، والأجداد والجدات، من قبل الأب والأم، بمنزلة الأبوين لأن الولاد يشملهم جميعًا.
م: (إلا أنهم) ش: أي غير أن هؤلاء. م: (إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم، وإن كانوا مستأمنين) ش: أي وإن كانوا خرجوا إلى دار الإسلام بأمان. م: (لأنا نهينا) ش: على صيغة المجهول. م: (عن البر) ش: أي عن الإحسان والصلة. م: (في حق من يقاتلنا في الدين) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9] (الممتحنة: الآية 8، 9) .
م: (ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم، وكذا لا تجب على المسلم نفقة أخيه النصراني) ش: هذا تفريع لقوله: ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين؛ بيانه: أن النفقة في غير الزوجة، وغير صورة الولادة ورثة على الإرث، وهو معني قوله. م: (لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، ولا إرث بين المسلم والذمي، فلا تجب نفقة أحدهما على الآخر. م: (بخلاف العتق عند الملك) ش: أي بخلاف ما إذا ملك أحدهما الآخر حيث يعتق عليه؛ لأن العتق مرتب على ملك القريب المحرم، وقد وجد فيعتق. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه» . م: (لأنه) ش: أي لأن وجوب النفقة(5/701)
متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث، ولأن القرابة موجبة للصلة، ومع الاتفاق في الدين آكد، ودوام ملك اليمين أعلى في القطيعة من حرمان النفقة، فاعتبرنا في الأعلى أصل العلة، وفي الأدنى العلة المؤكدة، فلهذا افترقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث) ش: وهو الذي ذكرناه.
وقد رواه النسائي من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه» ، وفيه كلام كثير نذكره في كتاب العتق إن شاء الله تعالى. وروى أصحاب السنن الأربعة من حديث الحسن عن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» .
م: (ولأن القرابة موجبة للصلة) ش: لذوي رحم. م: (ومع الاتفاق في الدين) ش: يعني إذا كانا مسلمين. م: (آكد) ش: من إيجاب الصلة مع الاختلاف في الدين. م: (ودوام ملك اليمين أعلى في القطيعة من حرمان النفقة) ش: حاصل معناه أن قطع ذات الرحم في بقاء ملك اليمين أعلى وأكثر من قطع الرحم الحاصل من حرمان النفقة. م: (فاعتبرنا في الأعلى) ش: وهو ملك اليمين. م: (أصل العلة) ش: وهو نفس ملك القريب لقوة معنى قطع الرحم، حتى عتق القريب المملوك، سواء وجد الاتحاد في الملة أو لم يوجد.
م: (وفي الأدنى) ش: أي اعتبرنا في الأدنى، وهو النفقة. م: (العلة المؤكدة) ش: وهي القرابة مع الاتحاد في الملة. م: (فلهذا) ش: أي فلأجل كون حرمان النفقة أضعف من قطع الرحم. م: (افترقا) ش: أي العتق ووجوب النفقة. فإن قلت: حرمان النفقة قد يفضي إلى الهلاك، ودوام ملك اليمين ليس كذلك، فكيف يكون أعلى؟ ولأن الإنفاق صلة إحياء حقيقة، وصلة العتق صلة إحياء حكمًا، ولا شك أن الإحياء الحقيقي أولى. قلت: الحاجة إلى النفقة معذورة الدفع عن غيره، بأن يسأل الناس أو يبره أحد من غير سؤال، فإن الهلاك جوعًا في العمران مع(5/702)
ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد، لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص، ولا تأويل لهما في مال غيره. ولأنه أقرب الناس إليهما. فكان أولى باستحقاق نفقتهما عليه، وهي على الذكور والإناث بالسوية، في ظاهر الرواية، وهو الصحيح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
توافر أصحاب الزكاة والصدقات، والمعروف نادر. وأما الحاجة إلى الآفاق، فإنها لا تندفع إلا من حاجة.
م: (ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد) ش: بالرفع؛ لأنه فاعل لا يشارك، والولد بالنصب مفعوله، يعني: إن كان الأبوان معسرين والولد موسر تجب نفقتهما عليه خاصة. م: (لأن لهما) ش: أي الأبوين. م: (تأويلًا في مال الولد بالنص) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنت ومالك لأبيك» . رواه جماعة من الصحابة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الباب الذي يوجب الحد. م: (ولا تأويل لهما) ش: أي للأبوين. م: (في مال غيره) ش: أي في غير مال الولد. فإن قلت: التأويل يثبت بخبر الواحد، فلا يعارض قوله عز وجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، قلت: الحديث مشهور، فيجوز به الزيادة. ولئن سلمنا أنه من الآحاد لكن ترك إطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، بالدلائل الدالة على تفسيرها بغير قرابة الولادة المستندة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، كما تقدم. فإن قلت: لا منافاة بين الآيتين؛ لأن قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) يقتضي أن يشارك الجد الابن، كما أن قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) يقتضه، قلت: لما ثبت للوالد بتأويل في مال الولد بالإجماع صار غنيًا، والغني لا تجب نفقته على والده، فلا يشارك الجد الابن.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الولد. م: (أقرب الناس إليهما) ش: أي إلى الأبوين. م: (فكان أولى باستحقاق نفقتهما عليه) ش: أي على الولد. م: (وهي) ش: أي نفقة الأبوين. م: (على الذكور والإناث بالسوية) ش: حتى إذا كان الأب فقيرًا أو له ابن وبنت موسران، تجب نفقة الأب عليهما اتصافًا، وقيد بقوله. م: (في ظاهر الرواية وهو الصحيح) ش: احترازًا عما ذكر شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي " عن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن النفقة بين الذكور(5/703)
لأن المعنى يشملهما. والنفقة لكل ذي رحم محرم إذا كان صغيرا فقيرا، أو كانت امرأة بالغة فقيرة، أو كان ذكرا بالغا فقيرا زمنا، أو أعمى، لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة، والفاصل أن يكون ذا رحم محرم. وقد قال الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: 233) ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والإناث {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] (النساء: الآية11) ، على قياس الميراث وعلى قياس نفقة ذوي الأرحام. م: (لأن المعنى يشملهما) ش: المعنى هو الولادة، وهو سبب الوجوب، وقد استوى الذكر والأنثى، بخلاف ما إذا كان للمعسر أخ وأخت، حيث يجب نفقته عليهما أثلاثًا؛ لأن سبب الوجوب الإرث، فيجب أثلاثًا كالإرث.
م: (والنفقة) ش: أي النفقة واجبة. م: (لكل ذي رحم محرم) ش: وقال أحمد: تجب لكل وارث. وبه قال ابن أبي ليلى، وقال الشافعي: لا تجب نفقة غير الوالدين والمولودين من الأقارب، كالإخوة والأعمام وذوي الرحم المحرم، وهو الذي لا يجوز نكاحه على التأبيد، وإنما قيد بذي الرحم المحرم، لأنه إذا وجد الرحم ولم يوجد المحرم، أوجد المحرم ولم يوجد الرحم، أو وجد لكن لا من قرابة، لا تجب النفقة. ألا ترى إلى ما ذكر الإمام الأسبيجاني في " شرح الطحاوي " بقوله: ولو كان رحمًا غير محرم نحو ابن العم أو محرمًا غير رحم نحو الأخ من الرضاع أو الأخت من الرضاع، أو رحما محرما لا من قرابة نحو ابن عم، هو الأخ من الرضاع لا تجب النفقة.
م: (إذا كان) ش: أي ذو رحم محرم. م: (صغير فقيرًا) ش: قيد بالصغر والفقر لأن الصغير الفقير عاجز عن الكسب، والغني تجب نفقته في ماله. م: (أو كانت امرأة بالغة فقيرة أو كان) ش: أي ذو رحم محرم. م: (ذكرًا بالغًا فقيرًا أو زمنًا أو أعمى) ش: فقيرًا تجب النفقة لهم لعجزهم عن الكسب، وكذلك مفقود العينين، وأشل اليدين، ومقطوع الرجلين، والمعتوه، والمفلوج. م: (لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة) ش: أي لا يجب في القرابة البعيدة.
م: (والفاصل) ش: أي بين القريبة والبعيدة. م: (أن يكون ذا رحم محرم) ش: والدليل عليه هو ما أشار إليه بقوله. م: (وقد قال الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية233)) ش: فإن ذلك إشارة إلى البعيدة، فيكون إشارة إلى أول الآية، وهو قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، قيد على أن على الوارث النفقة، وبعيدة ذي الرحم المحرم بقراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أشار إليه بقوله. م: (وفي قراءة عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك) ش: ولا شك أن قراءته كانت مسموعة من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقراءته مشهورة، فصارت بمنزلة خبر مشهور على ما عرف، فجاز(5/704)
ثم لا بد من وجود الحاجة، والصغر، والأنوثة والزمانة، والعمى أمارة الحاجة لتحقق العجز. فإن القادر على الكسب غني بكسبه، بخلاف الأبوين، لأنه يلحقهما تعب الكسب. والولد مأمور بدفع الضرر عنهما، فتجب نفقتهما مع قدرتهما على الكسب: قال: ويجب ذلك على مقدار الميراث، ويجبر عليه، لأن التنصيص على الوارث، تنبيه على اعتبار المقدار، ولأن الغرم بالغنم، والجبر لإيفاء حق مستحق. قال: وتجب نفقة الابنة البالغة، والابن الزمن البالغ، على أبويهما أثلاثا، على الأب الثلثان، وعلى الأم الثلث، لأن الميراث لهما على هذا المقدار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تقييد إطلاق الكتاب بها.
م: (ثم لا بد من وجود الحاجة) ش: أي ثم لا بد من وجوب النفقة، وبين ذلك بقوله. م: (والصغر والأنوثة، والزمانة والعمى أمارة الحاجة لتحقق العجز) ش: أي علامة العجز من أصحاب هذه الأشياء المذكورة. م: (فإن القادر على الكسب غني بكسبه) ش: فلا يعد عاجزًا. م: (بخلاف الأبوين) ش: هذا جواب عما يقال ما بال الأبوين لم يعدا غنيين بقدرتهما على الكسب، وأجاب بقوله بخلاف الأبوين، (لأنه يلحقهما تعب الكسب والولد مأمور بدفع الضرر عنهما، فتجب نفقتهما مع قدرتهما على الكسب) ش: وذكر السرخسي في " شرح أدب القاضي " للخصاف، أن الأب إذا كان كسوبًا، والابن أيضًا كسوبًا، يجبر الابن على الكسب والنفقة عليه. وقال الحلواني في شرحه له أيضًا: لا يجبر الابن على الكسب، واعتبره بذي الرحم المحرم، فإنه لا يستحق النفقة في كسب قريبه، وفي ظاهر الرواية في نفقة الوالدين، فإنهما لا يكافآن بالكسب عندنا خلافًا للشافعي.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويجب ذلك) ش: أي النفقة. م: (على مقدار الميراث ويجبر عليه) ش: أي على الإنفاق. م: (لأن التنصيص على الوارث تنبيه على اعتبار المقدار) ش: أي لأن التنصيص عليه بقوله تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، تنبيه على أن الشارع نبه على مقدار ذلك، لأنه رتب الحكم على المشتق، فيكون المشتق منه هو العلة، فيثبت الحكم بقدر (المنصوص) عليه. وعلى هذا لو أوصى لورثة فلان، وله بنون وبنات، فكانت الوصية لهم على قدر الميراث.
م: (ولأن الغرم بالغنم) ش: بضم الغين المعجمة فيهما، أي الغرم الذي هو الإنفاق في مقابلة الغنم الذي هو الميراث. م: (والجبر) ش: أي الجبر على الإنفاق. م: (لإيفاء حق مستحق) ش: أي لأجل إيفاء حق مستحق عليه، فيستحقه من ينفق عليه.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (وتجب نفقة الابنة البالغة، والابن الزمن البالغ، على أبويهما أثلاثًا، على الأب الثلثان، على الأم الثلث؛ لأن الميراث لهما على هذا المقدار) ش: إذا ورثا ولدهما.(5/705)
قال: هذا الذي ذكره رواية الخصاف والحسن - رحمهما الله -، وفي ظاهر الرواية كل النفقة على الأب، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) ، وصار كالولد الصغير. ووجه الفرق على الرواية الأولى، أنه اجتمعت للأب في الصغير ولاية ومؤنة عليه حتى وجبت عليه صدقة فطره، فاختص بنفقته، ولا كذلك الكبير لانعدام الولاية فيه، فتشاركه الأم. وفي غير الوالد يعتبر قدر الميراث حتى تكون نفقة الصغير على الأم، والجد، أثلاثا.
ونفقة الأخ المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي المصنف. م: (هذا الذي ذكره) ش: أي القدوري. م: (رواية الخصاف والحسن) ش: أي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وبه قال الشافعي. م: (وفي ظاهر الرواية، كل النفقة على الأب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] (البقرة: الآية 233) وصار كالولد الصغير) ش: أضاف إليه بحرف اللام، فدل على اختصاصه بهذه النسبة والنفقة تبنى على هذه النسبة.
م: (ووجه الفرق) ش: أي وجه الفرق بين الولد الصغير والكبير. م: (على الراوية الأولى، أنه اجتمعت للأب في الصغير ولاية ومؤنة عليه حتى وجبت عليه صدقة فطره، فاختص بنفقته ولا كذلك الكبير) ش: أي الولد الكبير. م: (لانعدام الولاية فيه) ش: أي لا ولاية له عليه، ولهذا لم يشارك الأب في نفقة ولده الصغير. م: (فتشاركه الأم) ش: في نفقة الكبير، فوجب الثلثان على الأب، والثلث على الأم.
م: (وفي غير الوالد يعتبر قدر الميراث) ش: يعني رواية واحدة. م: (حتى تكون نفقة الصغير على الأم والجد أثلاثًا) ش: على الأم الثلث وعلى الجد الثلثان. قال في " شرح الطحاوي ": وكذلك إذا كان له أم، وأخ لأب، وأم أو ابن أخ لأب، وأم أو عم لأب، وأم أو أحد من الفصيلة، فإن النفقة عليهم أثلاثًا. وكذا إذا كان له أخ وأخت لأب وأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا على قدر ميراثهما. ولو كان له أخ لأب وأم وأخ لأب فالنفقة بينهما أسداسًا، ولو كان له عمة لأب وأم، فالنفقة على الأم دون العمة، وكذلك، ولو كان له عمة لأب، وأم وخال لأب وأم، فالنفقة على العم. ولو كان له عمة لأب وأم وخال لأب وأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا، ثلثاها على العمة وثلثها على الخال. وكذلك لو كان له خال وخالة من قبل الأب والأم، فالنفقة عليهما أثلاثًا، ولو كان له خال من قبل الأب والأم وابن عم لأب وأم، فالنفقة على الخال، والميراث لابن العم، لأن شرط وجوب النفقة أن يكون ذو الرحم المحرم من أهل الميراث، وابن العم ليس بمحرم.
م: (ونفقة الأخ المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث) ش: يعني يجب ثلاثة الأخماس على الأخت لأب وأم، والخمس على الأخت لأب، والخمس على الأخت لأم، وذلك لأن النفقة معتبرة بالإرث، فإنهن يرثنه كذلك أخماسًا بالفرض والرد، فوجب النفقة أيضًا أخماسًا.(5/706)
غير أن المعتبر أهلية الإرث في الجملة لا إحرازه، فإن المعسر إذا كان له خال وابن عم، تكون نفقته على خاله، وميراثه يحرزه ابن عمه. ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين بالنص لبطلان أهلية الإرث، فلا بد من اعتباره ولا تجب على الفقير، لأنها تجب صلة، وهو يستحقها على غيره، فكيف تستحق عليه؟ بخلاف نفقة الزوجة وولده الصغير، لأن التزامها بالإقدام على العقد، إذ المصالح لا تنتظم دونها، ولا يعمل في مثلها الإعسار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (غير أن المعتبر) ش: استثناء من قوله، وفي غير الولد يعتبر على قدر الميراث في ذلك. م: (أهلية الإرث في الجملة) .
ش: قال الأكمل: والمراد بأهلية الإرث أن لا يكون محرومًا، وقال الكاكي: وقيد الإرث بقوله: إن المعتبر أهلية الإرث، لأنه لو لم يكن أهلًا للإرث بأن كان مخالفًا لدينه، لا تجب النفقة. م: (لا إحرازه) ش: أي لا يعتبر إحراز الإرث كما في الخال مع ابن العم، فإن الخال لا يحرز الميراث مع ابن العم، ومع ذلك كانت النفقة على الخال، والميراث لابن العم. وقال أحمد والظاهرية: والمعتبر إحراز الميراث.
وأوضح ذلك المصنف بالفاء التفسيرية، حيث قال. م: (فإن المعسر إذا كان له خال وابن عم، تكون نفقته على خاله، وميراثه يحرزه ابن عمه) ش: لأن الخال ذو رحم محرم، دون ابن العم. م: (ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين) ش: هذا لفظ القدوري، أي لا تجب نفقة ذو الرحم المحرم مع اختلاف الدين، لأن الاختلاف لا يجري الإرث، فلا تجب النفقة أيضًا؛ لأنها متعلقة بالإرث. م: (بالنص لبطلان أهلية الإرث) ش: يعني عند اختلاف الدين. م: (فلا بد من اعتباره) ش: أي من اعتبار الإرث لوجوب النفقة.
م: (ولا تجب) ش: أي النفقة. م: (على الفقير لأنها) ش: أي لأن النفقة. م: (تجب صلة وهو) ش: أي الفقير. م: (يستحقها) ش: أي يستحق الصلة. م: (على غيره فكيف تستحق) ش: على صيغة المجهول، أي فكيف تستحق النفقة. م: (عليه) ش: لأن إيجابها عليه ليس بأولى من إيجابها له، فلهذا لم يجب عليه. م: (بخلاف نفقة الزوجة) ش: حيث تجب على زوجها الفقير. م: (وولده الصغير) ش: أي وبخلاف ولده الصغير، حيث تجب نفقته على أبيه الفقير. م: (لأن) ش: أي لأن الفقير. م: (التزامها) ش: أي التزام النفقة. م: (بالإقدام على العقد) ش: أي على عقد النكاح. م: (إذ المصالح) ش: يعني من النكاح وهي التوالد والتناسل والعشرة وغير ذلك. م: (لا تنتظم دونها) ش: أي دون النفقة. م: (ولا يعمل في مثلها الإعسار) ش: أي من قبل نفقة الزوجة وولده الصغير، يعني لا يلتفت إلى الإعسار في نفقتها. وأصل الكلام أن نفقة الزوجة وولده الصغير، يعني لا يلتفت إلى الإعسار في نفقتها، وأصل الكلام أن نفقة الزوجة تجري مجرى الديون بدلالة وجوبها مع يسار المرأة، كسائر الديون. وأما نفقة ولده الصغير، فلأنها جارية مجرى نفقة الزوجة، بدلالة(5/707)
ثم اليسار مقدر بالنصاب، فيما روي عن أبي يوسف وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قدره بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرا، أو بما يفضل على ذلك من كسبه الدائم كل يوم، لأن المعتبر في حقوق العباد، إنما هو القدرة دون النصاب، فإنه للتيسير، والفتوى على الأول، لكن النصاب نصاب حرمان الصدقة. وإذا كان للابن الغائب مال قضي فيه بنفقة أبويه، وقد بينا الوجه فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف» . وقال في " شرح الكافي ": فإن كان الولد معسرًا، فليس عليه نفقتهما، لأنهما لما استويا في الحال، لم يكن أحدهما بإيجاب نفقته على صاحبه بأولى من الآخر إلا أنه روي عن أبي يوسف أنه قال: إذا كان الأب زمنًا، وكسب الأب لا يفضل عن نفقته، فعليه أن يضم الأب إلى نفسه، لأنه لو لم يفعل، ضاع الأب، ولو فعل لا يخشى الهلاك على الولد فالإنسان لا يهلك على نصف بطنه.
م: (ثم اليسار) ش: أي المراد باليسار في هذا الباب. م: (مقدر بالنصاب فيما روي عن أبي يوسف) ش: رواها ابن سماعة عن أبي يوسف أنه اعتبر اليسار بنصاب الزكاة. م: (وعن محمد) ش: رواها عنه هشام. م: (أنه قدره) ش: أي قدر اليسار. م: (بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرًا) ش: يعني إذا كان له فضل على نفقة شهر له أو لعياله، فإنه يجب عليه نفقة ذوي الرحم المحرم، وإلا فلا، أو يفضل عن ذلك، هذه رواية أخرى عن محمد أو قدره محمد. م: (بما يفضل على ذلك) ش: عن نفقته ونفقة عياله. م: (من كسبه الدائم كل يوم) ش: يعني إذا كان معتملًا.
وقال صاحب " التحفة ": وروي عن محمد أن من لا شيء في يده من المال وهو يكسب كل يوم درهمًا، فإنه يكفيه أربعة دوانق، ثمانية ترفع لنفسه ولعياله ما يتسع فيه وينفق فضل على ما يجبر على نفقته.
م: (لأن المعتبر في حقوق العباد إنما هو القدرة) ش: على شيء. م: (دون النصاب) ش: أي دون القدرة على النصاب. م: (فإنه) ش: أي فإن اعتبار القدرة. م: (للتيسير) ش: أي بحسب ما تيسر له بخلاف النصاب فإنه في حق الله تعالى، لا يعتبر فيه إلا القدرة على النصاب الكامل. م: (والفتوى على الأول) ش: وهو اليسار مقدار النصاب.
م: (لكن النصاب) ش: أي المراد من النصاب هنا. م: (نصاب حرمان الصدقة) ش: من أي مال كان، وهو أن يملك ما فضل عن حاجته الأصلية ما يبلغ مائتي درهم من أي مال كان، وهو الصحيح، ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن " الأجناس " قال في " نوادر" أبي يوسف: يشترط نصاب الزكاة، ثم قال في " الخلاصة ": هكذا قال الصدر الشهيد في " الفتاوى الصغرى ": أن لو انقضى منه درهم، لا يجب، ثم قال في " الخلاصة ": قال: وبه يُفتى. وقدر صاحب " الهداية " أيضًا اليسار بالنصاب، لكن فسره بنصاب الزكاة وحرمان الصدقة كما ذكرنا.
م: (وإذا كان للابن الغائب مال، قضي فيه بنفقة أبويه، وقد بينا الوجه فيه) ش: أي بينا وجه المسألة(5/708)
وإذا باع أبوه متاعه في نفقته جاز، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا استحسان. وإن باع العقار، لم يجز. وفي قولهما لا يجوز في ذلك كله، وهو القياس، لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ. ولهذا لا يملك حال حضرته، ولا يملك البيع في دين له سوى النفقة، وكذا لا تملك الأم في النفقة، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن للأب ولاية الحفظ في مال ابنه الغائب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في القضاء في نفقة الغائب عند قوله، ولا يقضي بنفقته في مال الغائب إلا لهؤلاء، وللزوجة أن نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء، لكونها متفقًا عليها، فكان قضاء القاضي إعانة لهم، وقد مر الكلام فيه.
م: (وإذا باع أبوه متاعه) ش: أي متاع ابنه الغائب. م: (في نفقته جاز، عند أبي حنيفة، وهذا استحسان) ش: وعندهما لا يجوز، وفي " الكافي ": هذا الخلاف في بيع الأب. أما بيع غير الأب، لا يجوز إجماعًا، وفي حال حضرة من يستحق عليه النفقة، ليس لأحد ممن يستحق النفقة بيع العروض والعقار إجماعًا.
م: (وإن باع) ش: أي الأب. م: (العقار، لم يجز) ش: إلا إذا كان الولد صغيرًا، فيبيع ذلك.
وأجمعوا أن الأم لا تبيع مال ولدها الصغير والكبير. كذا في " شرح الطحاوي ". م: (وفي قولهما) ش: أي وفي قول أبي يوسف ومحمد. م: (لا يجوز في ذلك كله وهو القياس؛ لأنه) ش: أي لأن الأب. م: (لا ولاية له لانقطاعها) ش: أي لانقطاع الولاية.
م: (بالبلوغ) ش: أي إذا بلغ الصغير. م: (ولهذا) ش: أي ولأجل انقطاع ولايته بعد البلوغ. م: (لا يملك) ش: الأب بيع مال ابنه البالغ. م: (حال حضرته، ولا يملك البيع في دين له) ش: أي الأب. م: (سوى النفقة) ش: ولو قضى القاضي بذلك، لا يجوز لأنه قضاء على الغائب.
م: (وكذا لا تملك الأم) ش: بيع متاعه. م: (في النفقة) ش: وهذا مخالف لما ذكر في الأقضية، ولما ذكره القدوري من جواز بيع الأبوين. فإما أن يكون في المسألة روايتان، في رواية الأقضية والقدوري تملك الأم البيع كالأب، لأن معنى الولادة يجمعهما وهما في استحقاق النفقة على السواء، وأما ما في الأقضية والقدوري هؤلاء، بأن الأب هو الذي يبيع، لكن لنفقتها، فأضاف البيع إليهما من حيث إن منفعة البيع تعود إليهما. قال الأكمل: وهو الظاهر، قلت: الظاهر هو الأول على ما لا يخفى.
م: (ولأبي حنيفة أن للأب ولاية الحفظ في مال ابنه الغائب) ش: اعترض عليه بأنه كذلك، لكن الغرض أن يتبعه لنفقته، وإنما يصح بيعه أن لو كان قصده في البيع الحفظ، أجيب بأنه لما جاز بيعه للحفظ حقيقة، فبقصده الإنفاق لا يتغير ملك الحقيقة، إذ لا تأثير للعزيمة في تغيير الحقيقة، لا يقال عارض جهة الحفظ جهة الإتلاف بالاتفاق، لأنا نقول الإتلاف بعد وجوب النفقة في(5/709)
ألا ترى أن للوصي ذلك، فالأب أولى لوفور شفقته، وبيع المنقول من باب الحفظ، ولا كذلك العقار لأنها محصنة بنفسها. وبخلاف غير الأب من الأقارب، لأنه لا ولاية لهم أصلا في التصرف حالة الصغر، ولا في الحفظ بعد الكبر. وإذا جاز بيع الأب والثمن من جنس حقه، وهو النفقة، فله الاستيفاء منه. كما لو باع العقار والمنقول على الصغير، جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه بنفقته؛ لأنه من جنس حقه. وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه، وأنفقا منه لم يضمنا، لأنهما استوفيا حقهما؛ لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر، وقد أخذا جنس الحق، وإن كان له مال في يد أجنبي فأنفق عليهما بغير إذن القاضي ضمن، لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية، لأنه نائب في الحفظ لا غير،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحال لا يجب فلا تعارض. م: (ألا ترى أن للوصي ذلك) ش: أي بيع العروض على الوارث الكبير الغائب للحفظ. م: (فالأب أولى لوفور شفقته، وبيع المنقول من باب الحفظ) ش: لأن العين يخشى عليه الهلاك. م: (ولا كذلك العقار لأنها محصنة بنفسها) ش: فلا يحتاج إلى بيعها للحفظ.
م: (وبخلاف غير الأب من الأقارب، لأنه لا ولاية لهم أصلًا في التصرف حالة الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر، وإذا جاز بيع الأب، والثمن من جنس حقه، وهو النفقة، فله الاستيفاء منه) ش: مقدار النفقة. م: (كما لو باع العقار، والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه بنفقته لأنه من جنس حقه) ش: لا يقال إذا قدرت الدين على جنس حقه من مال الغائب ينبغي أن يأخذه؛ لأنا نقول: إنما يأخذ رب الدين إذا امتنع المديون عن الإيفاء وهاهنا لم يعلم امتناعه لغيبته فلا يأخذ. م: (وإن كان للابن الغائب مال في يد أبويه، وأنفقا منه، لم يضمنا؛ لأنهما استوفيا حقهما؛ لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر) ش: أشار به إلى ما قال عند قوله، ولا يُقضى بالنفقة في مال الغائب إلا لهؤلاء. م: (وقد أخذا) ش: أي الأبوان. م: (جنس الحق) ش: فلا يضمنا شيئًا.
م: (وإن كان له) ش: أي الابن. م: (مال في يد أجنبي، فأنفق) ش: أي الأجنبي. م: (عليهما) ش: أي على أبويه. م: (بغير إذن القاضي ضمن) ش: أي الأجنبي. م: (لأنه تصرف في مال الغير بغير ولاية؛ لأنه نائب في الحفظ لا غير) ش: لأنه لا ولاية له عليه، ولا نيابة، حيث لم يكن وكيلًا عنه في الدفع. وقال الكاكي: بغير إذن القاضي ضمن أي في القضاء، أما ديانة فلا ضمان عليه حتى كان له أن يحلف بعد موت المودع أنه لا حق لورثته قبله، لأنه لم يدر بذلك غير الإصلاح.
وفي " النوادر ": إذا لم يكن في مكان يمكن استطلاع رأي القاضي لا يضمن استحسانًا. وقد قالوا في رجلين كانا في سفر فعمي أحدهما، فأنفق رفيقه عليه من ماله، أو مات فجهزه صاحبه من ماله لا يضمن استحسانًا، وكذا العبد المأذون في التجارة إذا كان في بلاد بعيدة، فمات مولاه، فأنفق على نفسه وما معه من الأمتعة والدواب لا يضمن استحسانًا.
وكذا روي عن مشايخ أنهم قالوا: إذا كان للمسجد أوقاف، ولم يكن له متول، وقام(5/710)
بخلاف ما إذا أمره القاضي، لأن أمره ملزم لعموم ولايته، وإذا ضمن لا يرجع على القابض، لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه كان متبرعا به. وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة فمضت مدة سقطت، لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة، حتى لا تجب مع اليسار، وقد حصلت بمضي المدة، بخلاف نفقة الزوجة، إذا قضى بها القاضي لأنها تجب مع يسارها، فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى. قال: إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه، لأن القاضي له ولاية عامة، فصار إذنه كأمر الغائب، فيصير دينا في ذمته، فلا تسقط بمضي المدة، والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رجل من أهل المحلة في جمع ريع الأوقاف لينفق على مصالح المسجد بما يحتاج إليه من شراء الزيت والحصير لا يضمن.
م: (بخلاف ما إذا أمره القاضي؛ لأن أمره ملزم لعموم ولايته. وإذا ضمن) ش: أي الأجنبي. م: (لا يرجع على القابض) ش: وهو الأب والأم. م: (لأنه ملكه بالضمان) ش: أي لأن الأجنبي ملك المدفوع بالضمان. م: (فظهر أنه كان متبرعًا به) ش: أي بملك نفسه. م: (وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة، فمضت مدة، سقطت) ش: أي النفقة، وبه قال الشافعي وأحمد.
م: (لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة حتى لا تجب مع اليسار، وقد حصلت بمضي المدة) ش: أي كفاية الحاجة. م: (بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي) ش: حيث لا تسقط، لأن نفقة المرأة جارية مجرى الديون. م: (لأنها تجب مع يسارها) ش: أي مع يسار المرأة. م: (فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى) ش: لما قلنا أنها كالدين، فلا تسقط بمضي المدة.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه) ش: هذا استثناء من قوله سقط، أراد أن القاضي إذا أذن لهم في الاستدانة عليه، فحينئذ لا تسقط نفقتهم بمضي المدة لأن ما أخذوه بإذن القاضي صار دينًا على الغائب، فلم يسقط بعد ذلك كسائر الديون. م: (لأن القاضي له ولاية عامة، فصار إذنه كأمر الغائب، فيصير دينًا في ذمته، فلا تسقط بمضي المدة) ش: وقال الكاكي: قوله: لأن إذن القاضي بالاستدانة، وإن كانت الاستدانة من نفقة ذوي الأرحام.
وذكر في زكاة الجامع: أن نفقة المحارم تصير دينًا بالقضاء، ويسقط، واختلف المشايخ فيه، قيل ما ذكر في " الجامع " إذا استدان المقضي له بالنفقة، وأنفق كانت الحاجة قائمة مقام الدين. وما ذكر على غيره إذا أنفق من غيره إذا أنفق من استدانة، بل أكل من الصدقة أو المسألة، فلم تبق الحاجة بعد مضي المدة، وإليه مال السرخسي في كتاب "النكاح"، وقيل: ما ذكر في سائر الكتب ما إذا طالت المدة، وما ذكره في الجامع الصغير ما قصرت المدة، فإنه يصير دينًا بالقضاء، وكيف لا يصير دينًا والقاضي مأمور بالقضاء، ولو لم يصر دينًا لم يكن الأمر بالقضاء بالنفقة، والفصل بين القليل والكثير بالشهر.(5/711)
فصل وعلى المولى أن ينفق على أمته وعبده، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في المماليك: «إنهم إخوانكم، جعلهم الله تعالى تحت أيديكم، أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تعذبوا عباد الله» فإن امتنع، وكان لهما كسب، اكتسبا وأنفقا على أنفسهما، لأن فيه نظرا للجانبين حتى يبقى المملوك حيا، ويبقى فيه ملك المالك. وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدا زمنا أو جارية لا يؤاجر مثلها، أجبر المولى على بيعهما، لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع إيفاء حقهما وإبقاء حق المولى بالخلف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل نفقة الرقيق وغيره من الحيوانات]
م: (فصل) ش: جميع هذا الفصل بين نفقة الرقيق وغيره من الحيوانات، وأخَّره عن الجميع وهو نفسه ظاهر. م: (وعلى المولى أن ينفق على أمته وعبده) ش: هذا بإجماع العلماء إلا عامرا الشعبي. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في المماليك: «إنهم إخوانكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم، أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تعذبوا عباد الله» .
ش: هذا الحديث أخرجه البخاري عن أبي ذر الغفاري، في حديث، هذا الذي ذكره المصنف بعضه، ولفظه: «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم شيئًا، فأعينوهم» . ولفظ: «لا تعذبوا عباد الله» في رواية أبي داود، ولكن لفظه: «ومن لا يلائمكم منه فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله» ، ثم المستحب أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس، وحديث أبي ذر محمول على الاستحباب. وقال ابن شهاب: قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فليطعمه مما يأكل» خرج مخرج الغالب طعمتهم متساوية وكذا كسوتهم.
م: (فإن امتنع) ش: أي المولى عن الإنفاق على أمته وعبده. م: (وكان لهما) ش: أي للأمة والعبد. م: (كسب، اكتسبا وأنفقا على أنفسهما؛ لأن فيه نظرًا للجانبين) ش: جانب المولى وجانب الأمة والعبد. م: (حتى يبقى المملوك حيًا، ويبقى فيه ملك المالك، وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدًا زمنًا أو جارية لا يؤاجر مثلها. أجبر المولى على بيعهما لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع إيفاء حقهما) ش: الإيفاء مصدر من أوفى يوفي من الوفاء. م: (وإبقاء حق المولى) ش: من أبقى يبقي إبقاء من البقاء. م: (بالخلف) ش: وهو الثمن.
وفي " الذخيرة ": في ظاهر مذهب أصحابنا، لا يجبر الإنسان على نفقة غير الرقيق، كالحيوانات وغيرها، كالدور والعقار والزروع والثمار، إلا أن يكره، لأن فيه يضيع المال، وفيه رجل له عبد ومدبر أو أمة أو مدبرة أو أم ولد يجبر على نفقتهم، فإن أبى فكل من يصح للإجارة يؤجر، وينفق عليه من أجرته، ومن لا منفعة به لعذر، صغر أو كبر أو زمانة، وما أشبه ذلك، ففي العبد والأمة يجبر على بيعهما، وفي المدبرة وأم الولد يجبر على الإنفاق عليهما وفي المكاتب(5/712)
بخلاف نفقة الزوجة، لأنها تصير دينا، فكان تأخيرا على ما ذكرنا، ونفقة المملوك لا تصير دينا، فكان إبطالا. وبخلاف سائر الحيوانات، لأنها ليست من أهل الاستحقاق، فلا يجبر على نفقتها، إلا أنه يؤمر به فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن تعذيب الحيوان، وفيه ذلك. ونهى عن إضاعة المال، وفيه إضاعته. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجبر، والأصح ما قلنا. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمكاتبة لا يجبر لالتحاقهم بالأحرار. عبد بين رجلين تنازعا فيه يجبران على نفقته وفي الدابة يجبران ولو طالب أحدهما من القاضي أن يأمره بالنفقة حتى لا يكون متطوعًا فالقاضي بقول الآخر الآتي، إما أن تبيع نصيبك من الدابة أو تنفق عليها رعاية لجانب الشريك، هكذا ذكره الخصاف، وذكر السرخسي أنه لا يجبر.
م: (بخلاف نفقة الزوجة؛ لأنها تصير دينًا، فكان تأخيرًا على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: بخلاف نفقة الأزواج إذا قضى لها القاضي، لأنها تجب مع يسارها، فلا تسقط. م: (ونفقة المملوك لا تصير دينًا فكان إبطالًا) ش: فيجبر على البيع. م: (وبخلاف سائر الحيوانات) ش: حيث لا يجبر على الإنفاق عليها. م: (لأنها ليست من أهل الاستحقاق) ش: إذ لا بد من القضاء والإحياء ومن المقضي عليه، والعبد يصلح والحيوانات لا تصلح. م: (فلا يجبر على نفقتها إلا أنه يؤمر به) ش: أي بالإنفاق. م: (فيما بينه وبين الله تعالى لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «نهى عن تعذيب الحيوان» ش: وقد تقدم عن قريب ما رواه أبو داود: «لا تعذبوا خلق الله» ، وسنده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن عمر عن معروف بن سويد به. م: (وفيه ذلك) ش: أي وفي الامتناع عن إنفاق الحيوانات تعذيب الحيوان.
م: «ونهى عن إضاعة المال» ش: وهو ما رواه البخاري بإسناده إلى المغيرة، قال: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ووأد البنات وهن أحياء» . م: (وفيه إضاعته) ش: وفي ترك الإنفاق على الحيوانات إضاعة.
م: (وعن أبي يوسف: أنه يجبر) ش: مالك الحيوانات على النفقة عليها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، لأن فيه إضاعة المال وتعذيب الحيوان وهما منهيان. م: (والأصح ما قلنا) ش: أي لا يجبر على إنفاق سائر الحيوانات، لأنها ليست من أهل الاستحقاق.
فروع: عبد صغير في يد رجل، فقال لغيره: هذا عبدك أو وديعة عندي، فأنكر، يستحلف بالله ما أودعه، ويقضي بنفقته على ذي اليد، لأنه أقر برقه، ولم يثبت لغيره، فيبقى على حكم ملكه، ولو كان كبيرًا لا يستحلف، لأنه في يد نفسه، والقول قوله في الرق والحرية، والنفقة تجب(5/713)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على من له المتعة مالكًا كان أو غير مالك.
مسألة: أُوصي بجارية لإنسان وبما في بطنها لآخر، فالنفقة على الموصى له بالجارية. ولو أَوصى الإنسان بدار وبسكناها لآخر وهي تخرج من الثلث، فالنفقة على صاحب السكنى؛ لأن المنفعة له. فإن قال صاحب السكنى: قد انهدمت الدار، أنا أبنيها وأسكنها، كان له ذلك، ولا يصير متبرعًا، لأنه يصير مضطرًا فيه، لأنه لا يصل إلى حقه إلا به، كصاحب العلو مع صاحب السفل، وامتنع صاحبه مع بنائه.
وكذا لو أُوصي بنخل ولآخر بثمره، فالنفقة على صاحب الثمرة. وفي التبن والحنطة وإن بقي شيء من ثلث ماله، فالتخليص في ذلك على صاحب المال، وإن لم يبق، فالتخليص عليهما، لأن المنفعة لهما. وفي السمسم أُوصي بدهنه لواحد وبشجره لآخر، فالنفقة على صاحب الدهن.
عن محمد: ذَبح شاة وأوصى بلحمها لواحد وبجلدها لآخر، فالتخليص عليهما كالحنطة والتبن. وقيل: أجرة الذبح على صاحب اللحم دون الجلد. وفي " التنبيه ": ينبغي أن تجب نفقة المبيع قبل القبض على المشتري. والصحيح أن نفقته على البائع ما دام في يده. وفي " المغني ": لا يجبر العبد على الضريبة. وكان كثير من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يضربون الضراب على رقيقهم. روي أنه كان ألف مملوك للزبير، على كل واحد منهم كل يوم درهم، والله أعلم بالصواب.(5/714)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتاب العتاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب العتاق] [تعريف العتاق]
م: (كتاب العتاق) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام العتاق، والمناسبة في ذكر العتاق بعد الطلاق لأنهما يتساويان في إسقاط السراية واللزوم، ولا يقبل العتق الفسخ كالطلاق، إلا أنه قدم الطلاق على العتاق، مع أنه غير مندوب إليه بمقابلة ذكر النكاح، وقد قلنا: إن العتاق إسقاط الحق، والإسقاطات أنواع يختلف أسماؤها باختلاف أنواعها، فإسقاط الحق من الرق عتق، وإسقاط الحق عن البضع طلاق، وإسقاط ما في الذمة براءة، وإسقاط الحق عن القصاص والجراحات عفو.
ثم العتاق والعتق عبارتان عن القوة، يقال: عتق الطائر: إذا قوي فطار عن وكره، ومنه عتاق الطير لاختصاصها بمزيد القوة، والخمرة إذا تقادم عهدها تسمى عتيقاً لاختصاصها بزيادة القوة. والكعبة تسمى عتيقاً لاختصاصها بالقوة الدافعة للتملك عن نفسها وخلاصها من أيدي الجبابرة، والعتيق: الجميل، ومنه تسمى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عتيقاً، لجماله، وقيل: لقدمه في الخير، وقيل: لعتقه من النار، وقيل: لشرفه. وقيل: قالت أمه لما وضعته: هذا عتيقك من الموت، فوهبته له، وكانت لا يعيش لها ولد. أو قيل: اسمه العلم. يقال: أعتق يعتق عتقاً وعتاقاً، وأعتقه سيده إعتاقاً. وفي " الصحاح ": العتق: الحرية، وكذا العتاق بفتح العين، والعبد عتيق أي معتق وفي " المغرب ": العتق: الخروج عن الملكية، وقد يقام العتق مقام الإعتاق، ومنه قول محمد: أنت طالق مع عتق مولاك إياك.
وفي " المبسوط ": الإعتاق لغة إثبات القوة، وفي الشرع إثبات القوة الشرعية بإزالة الرق الشرعي. والقوة الشرعية، كونه أهلاً للقضاء والولاية والشهادة، قادر على التصرف في الأغيار، وعلى دفع تصرف الأغيار عن نفسه.
وقال الأترازي: الإعتاق إزالة ملكه [ ... ] زوال إلى العتق، وهذا عند أبي حنيفة.
والعتق الحرية الحاصلة بعد الملك، وقالا: الإعتاق إثبات العتق، والملك عبارة عن المطلق الحاجر. والرق عبارة عن معنى إذا ثبت في الآدمي يصح تملكه، انتهى.
والحرية عبارة عن الخلوص، يقال: طين حر؛ أي خالص مما يشوبه، وأرض حرة أي خالصة لا خراج [في] غلتها ولا عشر.
وفي الشرع: الحرية خلوص حكمي يظهر في الآدمي بانقطاع حق الاعتبار عن نفسه، وإثبات هذا الوصف الحكمي يسمى إعتاقاً وتحريراً. ومن محاسنه أنه إحياء حكمي يخرج العبد عن كونه ملحقاً بالجمادات إلى كونه أهلاً للكرامات البشرية من قبول الشهادة والولاية والقضاء. ثم العتق(6/3)
الإعتاق تصرف مندوب إليه، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحتاج إلى معرفة أشياء: [وهي] معرفة تفسيره، لغة وشرعاً، وقد ذكرناهما، وسببه وشرطه وركنه وحكمه وحقيقته وأنواعه.
فسببه: نوعان في الواجبات، ما شغل ذمته بوجوب الإعتاق من النذور والكفارات. وفي غير الواجبات هو ملك القريب، والنشاط الداعي إليه في نفسه من طلب الثواب، أو طلب رضاء غيره.
وشرطه: أن يكون المعتق حراً بالغاً مالكاً لملك اليمين.
وركنه: ما ثبت به العتق، وهو نوعان: صريح وكناية.
وحكمه: زوال الرق والملك عن المحل.
وصفته: أنه مندوب إليه لكنه ليس بعبادة حتى يصح من الكافر.
وأنواعه: المرسل والمعلق والمضاف إلى ما بعد الموت، وكل منها إما ببدل أو بغيره.
[حكم الإعتاق]
م: (الإعتاق تصرف مندوب إليه) . ش: يقال: ندبه للأمر فانتدب، أي دعاه له فأجاب. م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سعد بن مرجانة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرئ مسلم أعتق امرءاً مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار» .
وفي لفظ: «من أعتق رقبةً أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى الفرج بالفرج» ، وذكر البخاري في كتاب النذر: وينبغي أن لا يكون أشل ولا أعور ولا أصم وغير ذلك؛ لينال بذلك ما وعد الله في الحديث، يقول: حتى الفرج بالفرج. وثبت في الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أفضلها أعلاها» روي بعين مهملة، وبغين معجمة. لو كان العبد اليهودي أو النصراني أكثر ثمناً من المسلم، فإعتاق اليهودي والنصراني أفضل من المسلم عند مالك؛ لظاهر الحديث. وقال أصبغ: المسلم أفضل، وهو الحق لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيما رجل أعتق مسلماً» . وقال عبد الملك: أعلاها ثمناً في ذوي الدين، ولو غلب على ظنه أنه لو أعتقه يذهب إلى دار الحرب أو يرتد أو يخاف منه السرقة أو قطع الطريق، كان إعتاقه محرماً وينفذ عتقه. وفي " المحيط " وغيره: الإعتاق على ثلاثة أقسام: قربة ومباح ومعصية. فالقربة لوجه الله تعالى، والمباح هو العتق لزيد، والمعصية الإعتاق لوجه الشيطان، أو للصنم، وعند الظاهرية لا يعتق في هذا الوجه. وفي " التحفة ": الإعتاق أنواع، قد يكون قربة وطاعة لله تعالى بأن أعتق لوجه الله تعالى، أو نوى كفارة عليه، وقد يكون مباحاً غير قربة، بأن أعتق من غير نية أو أعتق لوجه فلان، وقد يكون معصية، بأن قال: أنت حر لوجه الشيطان، ويقع العتق أيضاً، ومال العبد لمولاه عند الجمهور، وعند الظاهرية للعبد، وهو(6/4)
ولهذا استحبوا أن يعتق الرجل العبد، والمرأة الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء. قال: العتق يصح من الحر البالغ العاقل في ملكه شرط الحرية، لأن العتق لا يصح إلا في الملك، ولا ملك للمملوك، والبلوغ، لأن الصبي ليس من أهله؛ لكونه ضررا ظاهرا، ولهذا لا يملك المولى عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قول الحسن وعطاء والنخعي والشعبي ومالك وأهل المدينة؛ لما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من أعتق عبداً وله مال فالمال للعبد» رواه أحمد. وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا أعتق عبداً لم يتعرض لماله.
وللجمهور ما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال لغلامه: يا عمير إني أريد أن أعتقك عتقاً وهباً، فأخبرني بمالك، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «أيما رجل أعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده» رواه الأثرم، ويدل عليه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من باع عبدا ًوله مال فماله لبائعه» ، وقال الوليد: هذا الحديث خطأ، وفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - من باب التنفيل.
م: (ولهذا) . ش: أي ولكون العضو في مقابلة العوض في الإعتاق. م: (استحبوا) . ش: أي العلماء. م: (أن يعتق الرجل العبد، والمرأة الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء) . ش: ومقابلة الفرج بالفرج إنما تتحقق بين الذكرين، وبين الأنثيين، بخلاف ما إذا كان بين الذكر والأنثى.
م: (قال) . ش: أي القدوري في " مختصره " م: (والعتق يصح من الحر العاقل البالغ في ملكه) . ش: الذي يدل عليه كلام القدوري أن لصحة الإعتاق أربع شرائط: الأول: الحرية، والثاني: العقل، والثالث: البلوغ، والرابع: أن يكون العبد في الملك، وشرحها المصنف كما ترى فقال. م: (شرط) . ش: أي القدوري. م: (الحرية لأن العتق لا يصح إلا في الملك، ولا ملك للمملوك، والبلوغ) . ش: بالنصب، أي وشرط البلوغ. م: (لأن الصبي ليس من أهله) . ش: أي من أهل العتق، أي الإعتاق. م: (لكونه) . ش: أي لكون الإعتاق ضرراً في حقه. م: (ضرراً ظاهراً) . ش: أي في حقه. م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون الإعتاق. م: (لا يملك المولى عليه) . ش: أي على الإعتاق عنه، وكذا الوصي، وإنما قلنا أي الإعتاق؛ لأن الصبي من أهل العتق، ألا ترى أنه لو ورث أخاه يعتق عليه، يدل على أنه من أهل العتق، ولكنه ليس من أهل الإعتاق.(6/5)
والعقل؛ لأن المجنون ليس بأهل للتصرف، ولهذا لو قال البالغ أعتقتك وأنا صبي فالقول قوله،
وكذا لو قال المعتق: أعتقت وأنا مجنون، وجنونه كان ظاهرا؛ لوجود الاستناد إلى حالة منافية، وكذا لو قال الصبي: كل مملوك أملكه فهو حر إذا احتلمت لأنه ليس بأهل لقول ملزم، ولا بد أن يكون العبد في ملكه حتى لو أعتق عبد غيره لا ينفذ عتقه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم» ، وإذا قال لعبده أو أمته: أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد حررتك أو قد عتقتك، فقد أعتق، نوى به العتق أو لم ينو؛ لأن هذه الألفاظ صريحة فيه لأنها مستعملة فيه شرعا وعرفا، فأغنى ذلك عن النية والوضع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والعقل) . ش: بالنصب أيضاً أي وشرط العقل. م: (لأن المجنون ليس من بأهل للتصرف، ولهذا) . ش: أي ولكون الصبي غير أهل للتصرف. م: (لو قال البالغ: أعتقتك وأنا صبي فالقول قوله) . ش: لأنه لما أسند إلى حالة منافية للإعتاق كان إنكاراً منه للإعتاق، والقول للمنكر.
[قال المعتق أعتقت وأنا مجنون]
م: (وكذا لو قال المعتق أعتقت وأنا مجنون) . ش: يعني يكون القول قوله، ولكن فيه شرط، أشار إليه بقول. م: (وجنونه كان ظاهراً) . ش: قيد به لأن جنونه لو لم يكن ظاهراً لا يسمع كلامه، وقوله. م: (لوجود الاستناد إلى حالة منافية) . ش: أي للإعتاق، وهذا التعليل يشمل الفصلين، أعني فصل دعوى البالغ الإعتاق في حالة الجنون [....] . م: (وكذا) . ش: أي ولا يصح العتق. م: (لو قال الصبي: كل مملوك أملكه فهو حر إذا احتلمت، لأنه ليس بأهل لقول ملزم) . ش: يعني لأن الصبي يوجب الحجز عن الأقوال.
فإن قيل: لا نسلم بذلك بل هو أصل له، ألا ترى أن صبياً لو أقر بالرق لزمه، حتى لو ادعى بعد البلوغ حرية الأصل لا يسمع دعواه. أجيب بأن اللزوم ثمة هو يد صاحب اليد، وإقراره مؤكد مؤبد له. م: (ولا بد أن يكون العبد في ملكه) . ش: يعني وقت الإعتاق، وهو قول الجمهور، وقال مالك: إنه يعتق عبد ابنه الصغير، وليس له أن يعتق عبد ابنه الكبير. م: (حتى لو أعتق عبد غيره لا ينفذ) . ش: إنما قال لا ينفذ، ولم يقل: لا يصح، ولا يجوز، لأن إعتاق ملك الغير صحيح، وينفذ بإجازة المالك عندنا، ولا ينفذ بغير إجازته. م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:. م: «لا عتق فيما لا يملك ابن آدم» . ش: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا نذر لابن آدم فيما لا يملك» .
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.. م: (وإذا قال لعبده أو أمته: أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد حررتك أو قد أعتقتك، فقد أعتق، نوى به العتق أو لم ينو؛ لأن هذه الألفاظ صريحة فيه) . ش: أي في الإعتاق، ولا خلاف فيه لأحد. م: (لأنها مستعملة فيه شرعاً وعرفاً، فأغنى ذلك عن النية) . ش: لأن هذه الألفاظ صريحة فلا تحتاج إلى النية. م: (والوضع) . ش: أي وضع هذه الألفاظ.(6/6)
وإن كان في الإخبار فقد جعل إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة كما في الطلاق، والبيع وغيرهما، ولو قال عنيت به الإخبار بالباطل أو أنه حر من العمل صدق ديانة؛ لأنه يحتمله ولا يدين قضاء لأنه خلاف الظاهر.
ولو قال له: يا حر يا عتيق، يعتق؛ لأنه نداء بما هو صريح في العتق، وهو لاستحضار المنادى بالوصف المذكور، هذا هو حقيقته فيقتضي تحقق الوصف فيه، وأنه يثبت من جهته فيقتضي ثبوته تصديقا له، وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى، إلا إذا سماه حرّا ثم ناداه يا حر؛ لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به. ولو ناداه بالفارسية يا آزاد وقد لقبه بالحر، قالوا يعتق، وكذا عكسه إذ ليس فيه نداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن كان في الإخبار) . ش: في الأصل لأنه صورة الإخبار. م: (فقد جعل) . ش: أي هذا الوضع. م: (إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة) . ش: أي لحاجة الناس. م: (كما في الطلاق) . ش: فإن قوله: أنت طالق، إخبار في الأصل، ولكنه جعل إنشاء لحاجة الناس إليه. م: (والبيع) . ش: أي وكما في البيع، فإن قول البائع: بعت، وقول المشتري: اشتريت، إخبار في الأصل، ولكنه جعل إنشاء. م: (وغيرهما) . ش: مثل الإجازة ونحوها. م: (ولو قال عنيت به الإخبار) . ش: أي لو قال قصدت به، أي بلفظ من الألفاظ المذكورة الإخبار. م: (بالباطل) . ش: أي بالكذب. م: (أو أنه حر من العمل) . ش: أي أو قال قصدت به أنه حر من العمل أي لا أستعمله في عمل. م: (صدق ديانة) . ش: أي فيما بينه وبين الله تعالى. م: (لأنه يحتمله) . ش: أي يحتمل ما قصده باعتبار وضعه الأصلي. م: (ولا يدين قضاء) . ش: أي ولا يصدق من حيث القضاء. م: (لأنه خلاف الظاهر) . ش: لأن الظاهر أنه إنشاء، والإنشاء إثبات أمر لم يكن.
[قال لعبده يا حر يا عتيق]
م: (ولو قال له: يا حر، يا عتيق؛ يعتق، لأنه نداء بما هو صريح في العتق وهو) . ش: أي النداء. م: (لاستحضار المنادى بالوصف المذكور) . ش: وهو الحرية. م: (هذا هو حقيقته) . ش: أي حقيقة المنادى بما هو موضوع للحرية. م: (فيقتضي تحقق الوصف فيه) . ش: أي تحقق هذا الوصف فيه، وهو الحرية. م: (وأنه يثبت من جهته) . ش: أي وإن الوصف، وهو الحرية يثبت من جهة المنادي. م: (فيقتضي ثبوته) . ش: أي ثبوت الوصف. م: (تصديقاً له) . ش: أي لكلامه. م: (وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: أي في مسألة يا ابني يا أخي. م: (إلا إذا سماه حراً) . ش: هذا استثناء من قوله يعتق إلا إذا سمى عبده بلفظ حر.
م: (ثم ناداه يا حر) . ش: فإنه لا يعتق. م: (لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به) . ش: فلا يكون إنشاء للحرية.. م: (ولو ناداه بالفارسية يا آزاد) . ش: بفتح الهمزة وبالزاء المخففة وبالدال المهملة. م: (وقد لقبه بالحر) . ش: أي والحال أنه قد لقب عبده بهذا اللفظ. م: (قالوا) . ش: أي قال المشائخ. م: (يعتق، وكذا عكسه) . ش: يعني إذا ناداه بقوله يا حر وقد سماه آزاد يعتق. م: (إذ ليس فيه نداء باسم علمه) . ش: أي لأنه لم يناده باسم علمه. م: (فيعتبر إخباراً عن الوصف) . ش: أي الحرية لأنه(6/7)
وكذلك لو قال رأسك حر، ووجهك، فيعتبر إخبارا عن الوصف، وكذا لو قال: رأسك حر، ووجهك، أو رقبتك أو بدنك، أو قال لأمته: فرجك حر، لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن وقد مر في الطلاق، وإن أضافه إلى جزء شائع يقع في ذلك الجزء، وسيأتيك الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى، وإن أضافه إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل لا يقع عندنا، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والكلام فيه كالكلام في الطلاق وقد بيناه. ولو قال: لا ملك لي عليك ونوى به الحرية عتق، وإن لم ينو لم يعتق لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك لأني بعتك، ويحتمل لأني أعتقتك، فلا يتعين أحدهما مرادا إلا بالنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
روى المعنى الذي وضع اللفظ له. وإذا قال لعبده: يا آزاد مرد، اختلف المشائخ فيه، قال بعضهم: يعتق، وقال بعضهم لا يعتق، وبه قال الفقيه أبو الليث في النوازل، لأنه إذا قيل آزاد يراد به العتق، وإذا قيل آزاد مرد يراد به الإنسانية ولا يراد به العتق.
[قال رأسك حر أو وجهك أو رقبتك أو بدنك]
م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك يعتق. م: (لو قال رأسك حر أو وجهك أو رقبتك أو بدنك أو قال لأمته فرجك حر، لأن هذه الألفاظ يعبر بها عن جميع البدن وقد مر في الطلاق) . ش: بأنه إذا قال رأسك طالق أو وجهك طالق، وقد مر فيه كتاب الطلاق. م: (وإن أضافه) . ش: أي الإعتاق. م: (إلى جزء شائع) . ش: كالنصف والثلث وما أشبه ذلك. م: (يقع في ذلك الجزء) أي يقع العتق في ذلك الجزء الشائع ثم يؤدي إلى الجميع كمن أعتق بعض جاريته. م: (وسيأتيك الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى) . ش: يريد به الاختلاف في مجرى الإعتاق عند أبي حنيفة وصاحبيه على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
م: (وإن أضافه) . ش: أي وإن أضاف الإعتاق. م: (إلى جزء معين لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل) . ش: فإنهما لا يعبر بهما عن البدن. م: (لا يقع عندنا خلافاً للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأحمد أيضاً. م: (والكلام فيه) . ش: أي في الإعتاق. م: (كالكلام في الطلاق وقد بيناه) . ش: أي في باب إيقاع الطلاق، وفي " المنتقى " قال لعبده: ذكرك حر، يعتق، ولو قال: فرجك حر، قيل: يعتق كالأمة. وقال محمد: لا يعتق، لأن فرجه لا يعبر به عن جميع البدن، بخلاف الأمة. ولو قال لأمته: فرجك حر عن الجماع، عتقت. وفي " المحيط ": لو قال: ذكرك حر، أو رأسك حر، أو قال لأمته، ذكر ابن سماعة: أنه يعتق كالفرج. وقيل: لا يعتق، وهو الأصح، ومثله جزؤك، ولو قال: عنقك حر، قيل: لا يعتق كالمدبر، وقيل: يعتق كالرقبة. ولو قال: لسانك حر، يعتق وفي الدم روايتان.
م: (ولو قال لا ملك لي عليك، ونوى به الحرية يعتق، وإن لم ينو لا يعتق) . ش: لأنه من الكنايات، ونص أحمد صريح. م: (لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك، لأني بعتك، ويحتمل لأني عتقتك، فلا يتعين أحدهما مراداً إلا بالنية) . ش: وكذا لا رق لي عليك، وقيل: فيه روايتان. ولو(6/8)
وقال وكذا كنايات العتق، وذلك مثل قوله: خرجت من ملكي، ولا رق لي عليك ولا سبيل لي عليك، وقد خليت سبيلك؛ لأنه يحتمل نفي السبيل والخروج عن الملك، وتخلية السبيل بالبيع والكناية كما يحتمل بالعتق فلا بد من النية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال لعبده هذا عبد الله، أو يا عبد الله لا يعتق، لأنه صادق. وفي المرغيناني: قال لعبده أعتقتك لله، يعتق. وقيل: يعتق بالنية، والمختار الأول.
ولو قال: العتاق عليك يعتق. ولو قال: عتقك علي واجب، لا يعتق، بخلاف الطلاق؛ لأنه واجب بالوقوع، ولو قال: تصبح حراً فهذا عتق مضاف إلى الغدو. ولو قال: تقوم حراً وتقعد حراً يعتق في الحال. ونقل صاحب " الأجناس " عن " نوادر ابن رستم " عن محمد: لو قال لمملوكه أنت غير مملوك لا يكون عتقاً، لكن ليس له أن يدعيه، وقال في " خلاصة الفتاوى " ليس له أن يستخدمه، فإن مات لا يرث بالولاء. وإن قال المملوك بعد ذلك أنا مملوك له فصدقه كان مملوكاً. وقال فيه أيضاً وكذا لو قال: هذا ليس بعبدي لا يعتق.
[قوله خرجت من ملكي ولا رق لي عليك]
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وكذا كنايات العتق) . ش: أي وكذا يقع بها العتق إذا وجدت النية وإلا فلا. م: (وذلك) . ش: إشارة إلى تفسير ما ذكره القدوري. م: (مثل قوله خرجت من ملكي، ولا رق لي عليك، ولا سبيل لي عليك، وقد خليت سبيلك؛ لأنه يحتمل نفي السبيل والخروج عن الملك وتخلية السبيل بالبيع والكناية كما يحتمل بالعتق، فلا بد من النية) . ش: لتعين المراد. وقال في " التحفة ": في قول لا سبيل لي عليك إن نوى العتق ومات لم ينو يصدق في القضاء، لأنه لفظ مشترك إلا إذا قال: لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فهو حر في القضاء، ولا يصدق أنه أراد به غير العتق، ولو قال: إلا سبيل الموالاة يصدق في القضاء؛ لأنه قد يراد به الموالاة في الدين بخلاف لفظ الولاية، فإنه يستعمل في ولاء العتق.
وقال القدوري في شرحه: فإن لم ينو في قوله لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء فهو حر في القضاء، ولا يصدق أنه أراد به غير العتق، ولو قال: إلا سبيل الموالاة يصدق في القضاء، لأنه قد يراد به الموالاة في الدين، بخلاف لفظ الولاية فإنه يستعمل في ولاء العتق. وقال القدوري في شرحه: فإن لم ينو في قوله لا سبيل لي عليك فهو رقيق لأن المولى قد يقول لعبده: لا سبيل لي عليك بالدم، لأنك وفيت بالخدمة وفعلت ما أمرتك. وقد يقول لا سبيل لي عليك لأني كاتبتك فزالت يدي عنك، ولا سبيل لي عليك لأني أعتقتك، فإذا احتمل اللفظ العتق وغيره لم يقع إلا بالنية، انتهى، وقيل في لا سبيل لي عليك، لأن السبيل المضاف إلى العبد كناية عن الملك، لأنه طريق إلى نفاذ التصرف فيه، ولو نفى الملك بأن قال: لا ملك لي عليك ونوى العتق.
فإن قيل: زوال اليد إما أن يكون ملزوماً لزوال الملك أو لازماً له، فإن كان الأول فليكن مجازاً، لأن المجاز ذكر الملزوم وإرادة اللازم، وإن كان الثاني فليكن كناية عن الكناية ذكر اللازم(6/9)
وكذا قوله لأمته: قد أطلقتك؛ لأنه بمنزلة قوله خليت سبيلك، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلاف قوله طلقتك على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى. ولو قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق، لأن السلطان عبارة عن اليد، وسمي السلطان به لقيام يده، وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب بخلاف قوله لا سبيل لي عليك، لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك، لأن للمولى على المكاتب سبيلا، فلهذا يحتمل العتق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإرادة الملزوم. فالجواب أنه ليس بملزوم لزوال الملك لانفكاكه عنه، كما في المكاتب، ولا يلازم لانفكاكه زوال الملك عنه، فإن الملك يزول بالبيع قبل التسليم واليد باق إلى أن يسلم.
م: (وكذا قوله لأمته قد أطلقتك) . ش: أي كذا هذا اللفظ أيضاً من كنايات العتق. فإذا نوى العتق عتقت وإلا فلا. م: (لأنه بمنزلة قوله خليت سبيلك، وهو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بخلاف قوله طلقتك) . ش: حيث لا يثبت به العتق وإن نوى، لأنه صريح في الطلاق، فلا يثبت به العتق. م: (على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: أراد به عند قوله لأمته أنت طالق.
م: (ولو قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق، لأن السلطان عبارة عن اليد) . ش: فيه تسامح، بل هو عبارة عن صاحب اليد والسلطنة، كذا قال الكاكي، وقال الأكمل: يقال لفلان سلطنة، ويراد بها القدرة الثانية من حيث اليد والاستيلاء ففيه نفي اليد، فكأنه قال لا يد لي عليك، ولو قال ذلك ونوى به العتق لم يعتق لجواز أن تزول اليد ويبقى الملك. قلت: ما قاله حاصل ما قاله المصنف بقوله. م: (وسمي السلطان به) . ش: أي بلفظ السلطان. م: (لقيام يده) . ش: بتصرفه كيف شاء. م: (وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب) . ش: فإن المولى لا يد له على المكاتب وملكه فيه باق.
م: (بخلاف قوله لا سبيل لي عليك، لأن نفيه) . ش: أي نفي السبيل. م: (مطلقاً) . ش: يعني من غير قيد بشيء يكون. م: (بانتفاء الملك؛ لأن للمولى على المكاتب سبيلاً) . ش: يعني من حيث المطالبة ببدل الكتابة، حتى إذا انتفى عند ذلك بالبراءة يعتق. م: (فلهذا يحتمل العتق) . ش: أي فلأجل أن نفي السبيل مطلقاً بانتفاء الملك يحتمل قوله: لا سبيل لي عليك، العتق. وقال الأترازي: وقد روي عن الكرخي أنه قال: ما صح لي وجه الفرق بين المسألتين، وقد فني عمري، وقال أبو بكر الرازي: خرج الشيخ أبو الحسن الكرخي من الدنيا، والفرق بين السبيل والطلاق مشكل عليه. وقال الكاكي: والفرق ما ذكره في الكتاب.
ووجه آخر أن السلطان مشترك بين الحجة واليد، ونفي أحدهما لا يستدعي نفي الآخر، ونفي كل واحد منهما لا يستدعي نفي الملك كما في الكتابة، وفي " الينابيع " قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لا يعتق، وقيل يعتق. وقال الأترازي: لفظ القدوري في مختصره لا يعتق، وهو رواية الأصل، وقال في " الحاوي ": يعتق إذا نوى.(6/10)
ولو قال: هذا ابني وثبت على ذلك عتق، ومعنى المسألة إذا كان يولد مثله لمثله، فإن كان لا يولد مثله لمثله، ذكره بعد هذا، ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه، فإذا ثبت عتق؛ لأنه يستند النسب إلى وقت العلوق، وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر، ويعتق إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر إعمال الحقيقة. ووجه المجاز نذكره من بعد إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه]
م: (ولو قال هذا ابني وثبت على ذلك عتق) . ش: هذا القيد اتفاقي، لأنه ذكر في " الينابيع " الثبوت على الإقرار ليس بلازم، ولهذا لم يذكر هذا اللفظ في " المبسوط ". وفي " أصول فخر الإسلام " الثبات على ذلك شرط لثبوت النسب لا للعتق.
وفي " المحيط " و " جامع شمس الأئمة " و " المجتبى ": هذا ليس بقيد، حتى لو قال بعد قوله هذا ابني: أوهمت أو أخطأت يعتق ولا يصدق. ولو قال لأجنبية يولد مثلها لمثله هذه بنتي وتزوجها بعد ذلك جاز أصر على ذلك أم لا، قالوا: هذا الجواب في معروفة النسب، أما في مجهولة النسب، أي دام على ذلك ثم تزوجها لم تجز وإلا جاز. وقال صاحب " المجتبى ": عرف بهذا أن الثبوت على ذلك شرط في الفرقة وامتناع جواز النكاح دون العتق.
م: (ومعنى المسألة) . ش: إنما قال - ومعنى المسألة - لأن المسألة ذكرها القدوري، وفسرها المصنف بقوله، معنى المسألة. م: (إذا كان يولد مثله لمثله، فإن كان لا يولد مثله لمثله ذكره بعد هذا) . ش: أي ذكره القدوري بعد هذا بقوله وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني. م: (ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف ثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد يحتاج إلى النسب) . ش: حتى يحصل له معين وظهير. م: (فيثبت نسبه منه) . ش: أي فيثبت نسبه من مولاه، لأنه ليس له نسب معروف.
م: (فإذا ثبت، عتق؛ لأنه يستند النسب إلى وقت العلوق، وإن كان له) . ش: أي للعبد. م: (نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر) . ش: لأنه ثابت من الغير. م: (ويعتق إعمالاً للفظ في مجازه) . ش: يعني عملاً بمجاز اللفظ، لأن البنوة سبب التحرير، وإطلاق السبب وإرادة المسبب طريق من طريق المجاز. م: (عند تعذر إعمال الحقيقة) . ش: لأن الذهاب إلى المجاز له طرق، منها عند تعذر الحقيقة وتعذر العمل بالحقيقة هنا ظاهر.
م: (ووجه المجاز نذكره من بعد إن شاء الله تعالى) . ش: يعني عند بيان الدليل لأبي حنيفة في قوله - وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عند أبي حنيفة - والأصل في هذا الباب أن من وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه، أعني القرابات المحرمة للنكاح، كقوله هذا ابني، أو هذه بنتي، أو هذا أبي، أو هذه أمي، أو هذا عمي أو خالي، أو قال: هذا جدي، قال في " التحفة ": ذكر في ظاهر الرواية وسوى بين الكل إلا في الأخ والأخت، فإنه لا يعتق إلا(6/11)
ولو قال: هذا مولاي، أو يا مولاتي عتق، أما الأول فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر وابن العم والموالات في الدين، والأعلى، والأسفل في العتاقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالنية. وروى عن أبي حنيفة أنه سوى بين الكل وقال يعتق.
ثم اعلم أن في قوله هذا أبي وهذه أمي وهو يصلح أن يكون ولداً لهما وهو مجهول النسب يثبت العتق، ولكن لا يثبت النسب ما لم يصدقاه، بخلاف قوله لمجهول النسب هذا ابني حيث يثبت العتق والنسب بلا تصديق، وعليه نص الحاكم، لأن في الصورة الأولى يحمل النسب على غيره فيعتبر تصديقه بخلاف النبوة، لأنه تحملها على نفسه، كذا في " الشامل "، ثم إذا قال له هذا ابني، هل تصير أمه أم ولد له إذا كانت في ملكه، بعضهم قالوا: لا يثبت الاستيلاء سواء كان الولد مجهول النسب أو معروف النسب. وقال بعضهم: يثبت في الحالين. وبعضهم فرق إن كان معروف النسب لا يثبت، وفي مجهول النسب يثبت. كذا في " التحفة ".
[قال لعبده هذا مولاي أو يا مولاتي]
م: (ولو قال: هذا مولاي، أو يا مولاتي عتق) . ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، وعليه نص الحاكم في الكافي، ولا يحتاج إلى النية لكونه صريحاً، كذا في " التحفة "، ونقل في " خلاصة الفتاوى " عن العيون قال: لا يعتق بالنداء إلا في موضعين، يا مولاي يا حر، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق بدون النية، وبه قال الشافعي، ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (أما الأول) . ش: وهو قوله هذا مولاي. م: (فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر) . ش: أشار بهذا إلى أن لفظ المولى مشترك يجيء بمعنى الناصر، قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] (محمد الآية: 11) ، أي لا ناصر لهم. م: (وابن العم) . ش: قال الله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] (مريم الآية: 5) ، أي ابن عمي بعد موتي، كذا قال أهل التفسير.
وقال طرفة:
فمالي أراني وابن عمي مالكاً ... متى أدن منه ينئى عني ويبعدا
فلو كان مولاي امرء غيره ... لفرج كربي أو لأنظر في غدا
والمولى في البيت بمعنى ابن العم.
م: (والموالات في الدين) . ش: يقال مولى الموالات وصورة الموالات حر عاقل بالغ مسلم غير معتق لأحد، ولم يعقل عنه بقوله لآخر أنت مولاي ترث عني إذا مت وتعقل إذا جنيت ويقول الآخر قبلت، فيكون القابل مولى له ويرث منه إذا مات ويعتق عنه إذا جنى. م: (والأعلى) . ش: أي المولى الأعلى، وهو الذي يعتق. م: (والأسفل في العتاقة) . ش: وهو الذي أنعم عليه بالعتق، والأعلى مقابله والمصنف ذكر للمولى خمسة معان. وذكر ابن الأثير: أنه يستعمل في ثلاث وعشرين معنى، وزاد عليه غيره، وما ذكره المصنف هو المشهور منها الخمسة المذكورة، ويطلق(6/12)
إلا أنه تعين الأسفل فصار كاسم خاص له، وهذا لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة وللعبد نسب معروف فينتفي الأول والثاني والثالث نوع مجاز، والكلام لحقيقته، والإضافة إلى العبد تنافي كونه معتقا، فتعين المولى الأسفل فالتحق بالصريح،
وكذا إذا قال لأمته هذا مولى لما بينا، ولو قال: عنيت به المولى في الدين أو الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يصدق في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الرب والمالك والسيد والمنعم والمنعم عليه بغير إعتاق والعبد والمحب والبائع والجار، والحليف والظهير، والمعقل والولي والوارث وابن الأخت والشريك والموضع الذي يكون فيه الحرب والسلم، لكن المعاني البعيدة لا يعرفها كل أحد، ولا يخطر ببال سيد العبد، فلا اعتبار بها فتعين ما ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (إلا أنه تعين الأسفل) . ش: أي غير أنه تعين المولى الأسفل. م: (فصار كاسم خاص له، وهذا) . ش: أشار به إلى وجه كون الأسفل كاسم خاص له بقوله. م: (لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة) . ش: أراد أنه لا يجوز أن يحمل المولى في قوله هذا مولاي على النصرة، لأن المولى لا يستنصر بعبده عادة. م: (وللعبد نسب معروف) . ش: أراد به أنه لا يحمل أنه أراد به ابن العم، لأنه على خلاف ذلك،. م: (فينتفي الأول) . ش: وهو حمله على الناصر. م: (فانتفى الثاني) . ش: أي انتفى الثاني، وهو حمله على ابن العم. م: (والثالث نوع مجاز) . ش: أراد به المولى في الدين، لأن المولى مشتق من المولي، وهو القريب، ولا قرب بين المشرقي والمغربي من حيث الحقيقة، ولا من حيث النسب، ولا من حيث المكان. فتعين القرب من حيث الدين، ولهذا جاز نفيه.
م: (والكلام لحقيقته) . ش: فتعين الأسفل. وقال الأترازي: سلمنا أن الكلام لحقيقته إذا لم يكن المجاز مراداً، أما إذا كان مراداً فلا نسلم على أنا نقول لفظ المولى مشترك وله حقائق لا حقيقة واحدة، فلا يتعين الأسفل مع تصريحه بأنه لم يرده، بل أراد به معنى آخر، انتهى.
قلت: في كلامه نظر، لأن المصنف ما منع الإشراك، بل صرح، لأنه ذكر له خمسة معان، ثم بين أنه ما كان يصلح ذلك على معنى منها غير المولى الأسفل، فتعين لذلك.
م: (والإضافة إلى العبد) . ش: يعني في قوله هذا مولاي. م: (ينافي كونه) . ش: أي في كون العبد. م: (معتقاً) . ش: بكسر التاء، حاصله أنه لا يحمل على أنه أراد به المولى الأعلى، لأن العبد لا يعتق مولاه. م: (فتعين المولى الأسفل) . ش: وهو العبد الذي أنعم عليه بالعتق، كما ذكرنا، فإذا كان كذلك م: (فالتحق بالتصريح) ش: في إيقاع العتق بدلالة الحال في المحل، وهو كونه عبداً.
[قال لأمته هذه مولاتي]
م: (وكذا لو قال لأمته هذه مولاتي لما بينا) . ش: أي لما بينا من الدليل في قوله هذا مولاي. م: (ولو قال عنيت به) . ش: أي لو قال القائل المذكور قصدت بقولي هذا مولاي. م: (المولى في الدين أو الكذب) . ش: بالنصب، أي أو قال عنيت به الكذب. م: (يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق(6/13)
القضاء لمخالفة الظاهر. وأما الثاني فلأنه لما تعين الأسفل مراده التحق بالصريح، وبالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر يا عتيق فكذا النداء بهذا اللفظ. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يعتق في الثاني لأنه يقصد به الإكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي، قلنا الكلام لحقيقته، وقد أمكن العمل به، بخلاف ما ذكره، لأنه ليس فيه ما يختص بالعتق، فكان إكراما محضا.
ولو قال: يا ابني، أو يا أخي لم يعتق، لأن النداء لإعلام المنادى، إلا أنه إذا كان يوصف يمكن إثباته من جهته كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى استحضارا له بالوصف المخصوص، كما في قوله يا حر، على ما بيناه، وإذا كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في القضاء لمخالفة الظاهر) . ش: أي ظاهر الكلام.
م: (وأما الثاني) . ش: عطف على قوله أما الأول، وأراد بالثاني قوله هذا مولاي. م: (فلأنه لما تعين الأسفل مراده) . ش: أي لما تعين المولى الأسفل حال كونه مراده. م: (التحق بالصريح) . ش: الدال على الإعتاق. م: (بالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر يا عتيق، فكان النداء، بهذا اللفظ) . ش: أي بقوله يا مولاي.
م: (وقال زفر: لا يعتق في الثاني) . ش: أي في قوله يا مولاي. م: (لأنه يقصد به الإكرام بمنزلة قوله يا سيدي يا مالكي) . ش: وقال في " الفتاوي الصغرى ": إذا قال يا سيدي أو يا مالكي إذا لم ينو العتق لا يعتق، وإذا نوى فعن محمد روايتان.
م: (قلنا الكلام لحقيقته) . ش: أراد أن الأصل استعمال اللفظ بحقيقته. م: (وقد أمكن العمل به) . ش: أي بقول هذا أمكن العمل بحقيقته، لأن معنى قوله يا مولاي من لي عليه ولاء العتاقة، فتعين الأسفل. م: (بخلاف ما ذكره) . ش: أراد به قوله يا سيدي يا مالكي يعني ليس فيه ما يدل على العتق، وهو معنى قوله. م: (لأنه ليس فيه ما يختص بالعتق، فكان إكراماً محضاً) . ش: وبه لا يحصل العتق وفي الواقعات قال يا سيدي أو سيدان نوى العتق عتق، وإن لم ينو قيل يعتق، وقيل لا يعتق، وقيل يعتق في يا سيدي. والمختار أنه لا يعتق. وفي " الحاوي " قال الحسن بن أبي مطيع: يعتق بقوله يا سيدي، ولا يعتق بقوله يا سيد. وقال بشر: لا يعتق فيهما إلا بالنية. وفي " النهاية " قال القاضي: لا يعتق، قال: والذي أراه كناية.
م: (ولو قال يا ابني أو يا أخي لا يعتق، لأن النداء لإعلام المنادى) . ش: بفتح الدال، ولا يراد به ما وضع اللفظ له. م: (إلا أنه إذا كان) . ش: أي الذي قاله. م: (بوصف يمكن إثباته من جهته) . ش: أي إثبات ذلك الوصف من جهة المنادي. م: (كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى) . ش: بفتح الدال. م: (استحضاراً) . ش: أي لأجل استحضار. م: (بالوصف المخصوص نحو قوله يا حر على ما بيناه) . ش: يعني عند قوله بالنداء باللفظ الصريح يعتق بأن قال يا حر م: (وإذا كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق الوصف فيه لتعذره) . ش: أي لتعذر تحقيق الوصف، وأراد(6/14)
الوصف فيه لتعذره،
والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابنا له بهذا النداء، فكان لمجرد الإعلام. ويروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - شاذا أنه يعتق فيهما، والاعتماد على الظاهر. ولو قال: يا ابن لا يعتق، لأن الأمر كما أخبر، فإنه ابن أبيه، وكذا إذا قال: يا بني أو يا بنية، لأنه تصغير للابن والبنت من غير إضافة. والزمر كما أخبر،
ولئن قال لغلام لا يولد مثله لمثله، هذا ابني عتق عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: لا يعتق، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لهم أنه كلام محال بحقيقته فيرد ويلغو، كقوله أعتقتك قبل أن أخلق أو قبل أن تخلق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالوصف البنوة والأخوة ونحوهما من الأبوة.
م: (والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته، لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابناً له بهذا النداء) . ش: فإذا كان كذلك. م: (فكان) . ش: قوله يا ابني. م: (بمجرد الإعلام) . ش: في ظاهر الرواية. م: (ويروى عن أبي حنيفة شاذاً أنه يعتق فيهما) . ش: أي في قوله يا ابني ويا أخي قال في يتيمة الفتاوى إذا قال لعبده يا ابني، روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعتق (والاعتماد على الظاهر) . ش: أي على ظاهر الرواية، وهو الذي ذكره القدوري، وهو المذكور في " نوادر النسفي ".
م: (ولو قال يا ابن) . ش: بالضم وقطع الإضافة على صورة المنادي المفرد. م: (لا يعتق، لأن الأمر كما أخبر) . ش: لأنه صادق فيما أخبره. م: (فإنه ابن أبيه) . ش: أي ابن والده. م: (وكذا) . ش: أي وكذا لا يعتق. م: (إذا قال يا بني أو يا بنية، لأنه تصغير للابن والبنت من غير إضافة) . ش: إلى ياء المتكلم. م: (والأمر كما ذكر) . ش: لأنه التصغير قد يكون للإكرام واللطف قاله الكاكي، والأحسن أن يقال قد يكون للشفقة والترحم.
م: (وإن قال لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عند أبي حنيفة) . ش: هذه من مسائل القدوري والمعنى أنه إذا قال لعبده الأكبر سناًَ منه هذا ابني، أو قال: هذا ولدي عتق عليه عند أبي حنيفة. م: (وقال لا يعتق، وهو قول الشافعي لهم) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد والشافعي. م: (أنه كلام) . ش: أي أن كلامه هذا. م: (محال بحقيقته) . ش: لأن الأكبر سناً محال أن يولد من الأصغر سناً، وإذا كان محالاً. م: (فيرد ويلغو) . ش: فلا يعتق.
فإن قلت: لم لا يصار إلى المجاز؟ قلت: إذا كان محالاً بحقيقته لا يثبت مجازه، وهو الحرية. لأن المجاز خلف على الحقيقة، فإذا لم يتصور الأصل الخلف، فصار. م: (كقولك أعتقتك قبل أن أخلق، أو قبل أن تخلق) . ش: بالخطاب على صيغة المجهول، وتصور الأصل شرط لصحة المجاز، ألا ترى أنه إذا قال لمعروف النسب وهو أصغر سناً منه هذا ابني يثبت الحرية مجازاً لتصور الأصل، فإن مثله يجوز أن يولد له، لكن لم يثبت حكم الأصل لمانع، وهو أنه ثابت النسب من الغير، قال في " شرح الأقطع ": فرق أبو يوسف ومحمد بين معروف النسب(6/15)
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كلام محال بحقيقته، لكنه صحيح بمجازه، لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه، وهذا لأن البنوة في المملوك سبب لحريته إما إجماعا أو صلة للقرابة، وإطلاق السبب مستجاز في اللغة تجوزا، ولأن الحرية لازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف لازم من طريق المجاز على ما عرف، فيحمل عليه تحرزا عن الإلغاء، بخلاف ما استشهد به، لأنه لا وجه له في المجاز، فتعين الإلغاء، وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره قطعت يدك فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازا عن الإقرار بالمال والتزامه. وإن كان القطع سببا لوجوب المال، لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص، وهو الأرش وأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبين من لا يولد مثله لمثله، بأن معروف النسب يجوز أن يكون ابنه من الزنا. ومن ملك ابنه من الزنا عتق عليه.
م: (ولأبي حنيفة أنه) . ش: أي أن هذا الكلام. م: (محال بحقيقته لكنه صحيح بمجازه) . ش: لوجود طريق المجاز. م: (لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه، وهذا) . ش: أشار به إلى قوله إخبار عن حرية. م: (لأن البنوة في المملوك سبب لحريته) . ش: لأنه لا توجد البنوة في المملوك إلا وقد وجد الحرية معها، فذكر الملزوم وإرادة اللازم، وذكر السبب، وإرادة المسبب طريق من طريق المجاز م: (إما إجماعاً أو صلة للقرابة) . ش: يعني أن البنوة موجبة للصلة، والعتق صلة، فتكون البنوة موجبة للعتق. م: (وإطلاق السبب وإرادة المسبب مستجاز في اللغة تجوزاً) . ش: أي مجازاً. م: (ولأن الحرية لازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف لازم من طريق المجاز على ما عرف) . ش: في الأصول وغيره. م: (فيحمل عليه تحرزاً عن الإلغاء) . ش: أي فيحمل قوله هذا ابني على المجاز وهو الحرية تصحيحاً لكلامه.
م: (بخلاف ما استشهد به) . ش: على صيغة المجهول، وهو قوله أعتقتك قبل أن أخلق. م: (لأنه لا وجه له في المجاز) . ش: لأنه لا يتصور أن يكون الإعتاق قبل الانخلاق أصلاً، فلم يوجد السبب. م: (فتعين الإلغاء) . ش: أي إلغاء نداء الكلام. م: (وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره) . ش: هذا جواب عما يقال لو كان ذكر صحة الملزوم وإرادة اللازم مجوزة للمجاز، وإن لم يكن الحكم متصوراً لوجب عليه الأرش في الصورة المذكورة، لأن القطع خطأ سبب وجوب المال، فيكون قوله قطعت يدك مجازاً عن قولك على خمسة آلاف درهم، فاللازم باطل، والملزوم مثله، فأجاب بقوله بخلاف ما إذا قال لغيره. م: (قطعت يدك فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازاً عن الإقرار بالمال والتزامه) . ش: يعني بالمال المطلق عن القطع، لأن القطع إنما يكون سبباً لوجوب مال هو أرش، وهو مخالف لوجوب مطلق المال.
م: (فإن كان القطع سبباً لوجوب المال) . ش: وهو واصل بما قبله يعني وإن كان القطع خطأ، فيكون سبباً لوجوب مال. م: (لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص وهو أرش وأنه) . ش: أي(6/16)
يخالف مطلق المال في الوصف حتى وجب على العاقلة في سنتين ولا يمكن إثباته بدون القطع، وما أمكن إثباته فالقطع ليس بسبب له أما الحرية فلا تختلف ذاتا وحكما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأن المال المخصوص. م: (يخالف مطلق المال في الوصف) . ش: وهو الأرش، ثم أوضح ذلك بقوله. م: حتى وجب) . ش: أي المال الذي هو الأرش. م: (على العاقلة في سنتين) . ش: تثنية سنة، كذا قال " صاحب النهاية "، قال: هكذا كان مقيداً بخط شيخي، وقال الكاكي، والأترازي: هو الصحيح.
وقال الأترازي: لأن الكلام وقع فيما إذا أقر بقطع الواحدة وأرش قطع اليد الواحدة، بنصف الدية، ثم الأرش إذا زاد على ثلث اليد يكون في ثنتين على العاقلة الثلث في السنة الأولى وللباقي في السنة الثانية، وما زاد على الثلث فالثلثان في سنتين، وما زاد في السنة الثالثة قال: في بعض النسخ في سنتين بلفظ الجمع وليس بشيء.
م: (ولا يمكن إثباته) . ش: أي إثبات الأرش. م: (بدون القطع) . ش: لوجود صحة اليد. م: (وما أمكن إثباته) . ش: أي والذي أمكن إثباته، وهو عبارة عن مطلق المال. م (فالقطع ليس بسبب له) ش: فيتقدر جعل الإقرار بقطع اليد مجازا عن الإقرار بمطلق المال على أن قطع اليد خطأ سبب لوجوب المال على العاقلة، فلو جعل مجازاً عن الإقرار بموجب المال لكان هذا إقراراً بوجوب المال على العاقلة والإقرار على الغير باطل ولا يمكن أن يجعل إقرار بما يخصه من الدية، لأن لازمة قطع اليد وجوب المال موزعاً على العاقلة، فإيجاب المال قصراً على واحد من العواقل لا تكون لازمة قطع اليد فلا يصح المجاز، ولأنه لما أخرجهما صحيحتين كان بمنزلة جرح لحقه برء على وجه لم يبق له أثر، فلا يتعلق به حكم بعد ذلك، لأنه لو ثبت حقيقة الجرح فبرأ لا يتعلق به الحكم، ففي المجاز أولى. ثم لأبي حنيفة في قوله هذا ابني طريقان أحدهما أنه بمنزلة التحرير ابتداء مجازاً بطريق إطلاق السبب على المسبب، فعلى هذا لا تكون الأم أم ولد إذا كانت في ملكه، لأنه ليس لتحرم الكلام ابتداء تأثير في أمومية الولد.
والطريق الآخر: أنه إقرار بالحرية مجازاً كأنه قال عتق علي من حين ملكته، فإن القوة في المملوك سبب العتق وهو الأصح، ولهذا قال في كتاب الإكراه: إذا أكره على أن يقول هذا ابني لا يعتق بالإكراه عليه، والإكراه يمنع صحة الإقرار بالعتق لا صحة التحرير ابتداء، فعلى هذا تصير الجارية أم ولد.
م: (أم الحرية فلا تختلف ذاتاً وحكماً) . ش: هذا جواب عما يقال إذا أقر بقطع اليد لا يثبت المال مجازاً، لأن مطلق المال مخالف مالاً مخصوصاً وهو الأرش، فكذا الحرية. والثانية البنوة تخالف الحرية الثانية بالبنوة في كونها صلة للقريب، فلم يكن إثبات الحرية مجازاً للبنوة، كما لم يثبت في وجوب المال مجازاً لقطع اليد، فأجاب بقوله أما الحرية فلا تختلف ذاتاً وحكماً، أي(6/17)
فأمكن جعله مجازا عنه
ولو قال: هذا أبي أو أمي ومثله لا يولد لمثلهما فهو على هذا الخلاف لما بينا. ولو قال لصبي صغير: هذا جدي قيل هو على الخلاف، وقيل لا يعتق بالإجماع، لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة وهو الأب، وهي غير ثابتة في كلامه فتعذر أن يجعل مجازا عن الموجب، بخلاف الأبوة والبنوة، لأن لهما موجبا في الملك بلا واسطة،
ولو قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتق، ووجه الروايتين ما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من حيث الذات وهو زوال الرق، ولا يوجب الحكم وهو صلاحيته للقضاء والشهادة والولايات فكانت الحريتان سواء فيهما.
قال الأترازي: لأن الحرية عبارة عن زوال الرق، وهو شيء واحد لا يختلف بالإضافة إلى البنوة وغيرها وحكمها خاص في المحل للمالكية، ودفع ملك الغير إلا أنها قد توصف بكونها صلة الرحم وواجبة على التقريب، وذلك لا يوجب تنوعها كالحرية الواقعة في العاقل البالغ حيث يقع بحالة يترتب عليها. إذ الشهادة والولاية والإمارة بخلاف الحرية الواقعة في الطفل والمجنون، فإنهما لا توجب هذه الأهلية، ومع هذا لا يقال إنها تنوعت، فكذا هنا، فلما لم تكن الحرية مختلفة. م: (فأمكن جعله) . ش: أي جعل قوله هذا ابني. م: (مجازاً عنه) . ش: أي عن الحرية على تأويل العتق أو المذكور، ولو قال عنها لكان أحسن.
م: (ولو قال هذا أبي أو أمي ومثله لا يولد لمثلهما فهو على الخلاف) . ش: المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (لما بينا) . ش: يعني الوجه من الجانبين في قوله هذا ابني. م: (ولو قال صبي صغير هذا جدي قيل هو على الخلاف وقيل لا يعتق بالإجماع، لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك) . ش: من بنوة أو حرية. م: (إلا بواسطة وهو الأب وهي) . ش: أي الواسطة. م: (غير ثابتة في كلامه فتعذر أن يجعل مجازاً عن الموجب) . ش: وهذا يشير إلى أن الواسطة لو كانت مذكورة مثل أن يقول هذا جدي أبو أبي عتيق.
م: (بخلاف الأبوة والبنوة، لأن لهما موجباً في الملك بلا واسطة) . ش: فيجعلان مجازاً للحرية. ولو كان يولد مثله لمثلهما وصدقاه ثبت ذلك وعتقا عليه.
م: (ولو قال هذا أخي لا يعتق في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة أنه يعتق) . ش: في رواية الحسن عنه. م: (ووجه الروايتين ما بيناه) . ش: أما وجه رواية العتق فما ذكره بقوله، وهذا لأن البنوة في المملوك سبب الحركة إلى آخره، فكذلك هاهنا الأخوة في الملك توجب العتق. وأما وجه رواية عدم العتق فقوله في مسألة الجد لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة، وكذلك هاهنا الأخوة لا تكون إلا بواسطة الأب والأم، لأنها عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم، وهذه الواسطة غير مذكورة، ولا موجب لهذه الكلمة بدون هذه الواسطة.
وقال في " المبسوط ": إن اختلاف الروايتين في الأخ إنما كان إذا ذكره مطلقاً، بأن قال: هذا(6/18)
ولو قال لعبده: هذا ابني فقد قيل على الخلاف، وقد قيل هو بالإجماع لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى فتعلق الحكم بالمسمى وهو معدوم، فلا يعتبر وقد حققناه في النكاح. وإن قال لأمته: أنت طالق أو بائن أو تخمري ونوى به العتق لم يعتق. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تعتق إذا نوى، وكذا الخلاف سائر الألفاظ الصريح والكناية على ما قال مشايخهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - له أنه نوى ما يحتمله لفظه؛ لأن بين الملكين موافقة إذا كل واحد منهما ملك العين، أما ملك اليمين فظاهر، وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين حتى كان التأبيد من شرطه، والتأقيت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أخي، وأما إذا ذكره مقيداً، وقال هذا أخي لأبي وأمي فيعتق من غير تردد لما أن مطلق الأخوة مشتركاً قد يراد بها الأخوة في الدين، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] (الحجرات الآية: 10) . وقد يراد بها الاتحاد في القبيلة، قال الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] (الأعراف الآية: 65) . وقد يراد بها الأخوة في النسب والمشترك لا يكون حجة.
فإن قيل. البنوة أيضاً مختلف بين نسب ورضاع، فكيف يثبت العتق بإطلاق قوله هذا ابني. أجيب: بأن البنوة من الرضاع مجاز، والمجاز لا يعارض الحقيقة.
[قال لأمته أنت طالق أو بائن أو تخمري]
م: (ولو قال لعبده: هذا ابني فقد قيل على الخلاف، وقيل هو) . ش: أي عدم العتق. م: (بالإجماع لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى) . ش: الذكور والإناث من بني آدم جنسان مختلفان، وإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمى) . ش: الذكور والإناث من بني آدم جنسان مختلفان، وإذا لم يكن المشار إليه من جنس المسمى. م: (فتعلق الحكم بالمسمى وهو معدوم) . ش: أي المسمى معدوم. م: (فلا) . ش: يعني لا يمكن تصحيح الكلام إيجاباً، ولا إقرار في المعدوم، فلا يمكن أن تجعل البنت مجازاً عن الابن بوجه، ألا ترى أنه لا يعتق وإن كان احتمل أن يكون ابنه بأن كان يولد مثله لمثله.
كذا ذكره في " الأسرار " م: (وقد حققناه في النكاح) . ش: أي حققنا هذا الأصل في كتاب النكاح، في باب المهر عند قوله فإن تزوج امرأة على هذا الدن من الخمر فإذا هو خمر، فلها مهر مثلها عند أبي حنيفة، فيرجع له.
م: (وإن قال لأمته أنت طالق أو بائن أو تخمري) . ش: أي أو قال لها تخمري. م: (ونوى به العتق لم يعتق، وقال الشافعي: تعتق إذا نوى، وكذا الخلاف في سائر الألفاظ الصريح والكناية) . ش: مثل قوله لأمته أنت مطلقة وطلقتك وتخمري وتقنعي واغربي وخلية وبرية وحرام وما أشبه ذلك. م: (على ما قال مشايخهم) . ش: أي مشايخ الشافعية، وإنما قال مشايخهم، لأن المنصوص عن الشافعي لفظ الطلاق فحسب وأصحابه قاسوا عليها سائر ألفاظ الصريح والكناية.
م: (له) . ش: أي للشافعي. م: (أنه نوى ما يحتمله لفظه لأن بين الملكين موافقة) . ش: وهما ملك اليمين وملك النكاح. م: (إذا كل واحد منهما ملك العين أما ملك اليمين فظاهر، وكذا ملك النكاح في حكم ملك العين حتى كان التأبيد من شرطه، والتأقيت مبطل له) . ش: أي النكاح وملك اليمين،(6/19)
مبطل له وعمل اللفظين في إسقاط ما هو حقه وهو الملك، ولهذا يصح التعليق فيه بالشرط، أما الأحكام تثبت بسبب سابق وهو كونه مكلفا، ولهذا يصلح لفظه العتق والتحرير كناية عن الطلاق، فكذا عكسه، ولنا أنه نوى ما لا يحتمله لفظه؛ لأن الإعتاق لغة إثبات القوة، والطلاق رفع القيد، وهذا لأن العبد ألحق بالجمادات وبالإعتاق يجيء فيقدر ولا كذلك المنكوحة، فإنها قادرة إلا أن قيد النكاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتأقيت أن يجعل له وقت معين. م: (وعمل اللفظين) . ش: جواب عما يقال الإعتاق إثبات القوة، ولهذا تثبت به الأحكام مثل الأهلية والولاية والشهادة فأنى يشبه الطلاق الذي هو إسقاط مح، فأجاب بقوله وعمل اللفظين الطلاق والعتاق، وهو مبتدأ وخبره هو قوله. م: (إسقاط ما هو حقه وهو الملك) . ش: الضمير في قوله - هو - راجع في الوصفين إلى ماء الحاصل أنه أي أن الإعتاق أيضاً إسقاط.
م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون الإعتاق إسقاطاً. م: (يصح التعليق فيه بالشرط) . ش: كما يصح في الطلاق. م: (أم الأحكام) . ش: هذا جواب عما يقال للشافعي بأن قال: يثبت الإعتاق الأحكام، يعني الأهلية والولاية والشهادة، والطلاق إسقاط، فلا مناسبة بين الإسقاط والإثبات فلا يستعار الطلاق للعتاق، لعدم المناسبة، فأجاب أن الأحكام وهي التي ذكرناها. م: (تثبت بسبب سابق وهو كونه مكلفاً) . ش: لضمير في هو راجع إلى السبب، وفي كونه راجعاً إلى العبد، لأن الشهرة قائمة مقام الذكر.
والحاصل أن ثبوت الأحكام بالآدمية، ولكن الرق كان مانعاً فبالإعتاق زال المانع، وجوابه لو كان ثبوت الأحكام بالآدمية، وكونه مكلفاً لكانت القدرة موجودة للعبد، واللازم منتف، لأن الرق مناف للقدرة، وصحة التعليق لا يرد، لأن الإعتاق إسقاط على وجه يترتب عليه ثبوت هذه الأحكام، فباعتبار الإسقاط صح التعليق.
م: (ولهذا) . ش: أي ولكون العتق يحتمل لفظ. م: (يصلح لفظ العتق، والتحرير كناية عن الطلاق) . ش: يعني إذا قال لامرأته أنت حرة ونوى به الطلاق صح مجازاً. م: (فكذا عكسه) . ش: أي صلح لفظ الطلاق كناية عن لفظ العتق.
م: (ولنا أنه نوى ما لا يحتمله لفظه) . ش: لأنه لا مناسبة بينهما تجوز الاستعارة. م: (لأن الإعتاق لغة إثبات القوة) . ش: مأخوذ من قولهم عتق الطائر إذا قوى وطار عن وكره، وفي الشرع أيضاً كذلك. م: (والطلاق رفع القيد) . ش: من قولهم أطلقت البعير عن القيد إذا حللته.
م: (وهذا) . ش: أشار به إلى إثبات القوة. م: (لأن العبد ألحق بالجمادات) . ش: جمع جماد، والجماد عبارة عما لا روح له. م: (وبالإعتاق يجيء فيقدر) . ش: أي على التصرفات الشرعية في الأقوال والأفعال. م: (ولا كذلك المنكوحة فإنها قادرة) . ش: ومالكها أمر نفسها. م: (إلا أن قيد النكاح(6/20)
مانع، وبالطلاق يرتفع المانع فيظهر القوة ولا خفاء أن الأول أقوى، ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح فكان إسقاطه أقوى، واللفظ يصلح مجازا عما هو دون حقيقته لا عما هو فوقه، فلهذا امتنع في المتنازع فيه وإن ساغ في عكسه، وإذا قال لعبده أنت مثل الحر لم يعتق لأن المثل يستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفا فوقع الشك في الحرية.
ولو قال ما أنت إلا حر عتق، لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد، كما في كلمة الشهادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مانع) . ش: لأن ملك البضع عليها للزوج مانع. م: (وبالطلاق يرتفع المانع فيظهر أثره) . ش: ويحدث له القدرة. م: (ولا خفاء أن الأول) . ش: أي الإعتاق. م: (أقوى، ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح) . ش: لأن ملك اليمين قد يلتزم ملك المتعة إذا صادف الجواري الخالية عما يمنع من الاستمتاع بهن، وأما ملك النكاح فلا يستلزم ملك اليمين أصلاً. م: (فكان إسقاطه أقوى) . ش: أي إسقاط ملك اليمين أقوى، لأن كل ما هو أقوى فإسقاطه أقوى.
م: (واللفظ يصلح مجازاً عما هو دون حقيقته لا عما هو فوقه) . ش: وهذا لأن مثل هذا المجاز إنما يكون فيما إذا وجدت وصفاً مشتركاً بين ملزومين مختلفين في الحقيقة فهو في عهدهما أقوى منه في الآخر، وأنت تريد إلحاق الأضعف بالأقوى على وجه التسوية بينهما فيدعى أن ملزوم الأضعف من جنس ملزوم الأقوى، ويطلق عليه اسم الأقوى، كما إذا قال: عبدك شجاع، وأنت تريد أن تلحق جرأته وقوته بجرأة الأسد وقوته فيدعي الأسدية له بإطلاق اسم الأسد عليه، وهذا كما ترى إنما يكون بإطلاق اسم القوي على الضعيف دون العكس، وإذا ظهر هذا بعد العلم بأن إزالة ملك اليمين أقوى ظهر لك جواز استعارة لفظ الإعتاق للطلاق دون عكسه.
م: (فلهذا امتنع في المتنازع فيه) . ش: أي امتنع المجاز في قوله: أنت طالق لأمته ونوى به العتق. م: (وإن ساغ في عكسه) أي جاز في قوله: أنت حرة لمنكوحته، ونوى به الطلاق، وقال الأكمل: الفرق بين المسألتين المذكورتين في الكتاب أنه في الأولى منع المناسبة، وإظهار السد بأن الإعتاق إثبات، والطلاق رفع فأنى يتناسبان. وفي الثانية تسليم أن كلاً منهما إسقاط لكن الإعتاق أقوى وهو ينافي الاستعارة.. م: (وإن قال لعبده أنت مثل الحر لم يعتق، لأن المثل يستعمل للمشاركة في بعض المعاني عرفاً فوقع الشك في الحرية) . ش: فلا يعتق، حاصله أن المثل للتشبيه والشبهة بين الشيئين لا يقتضي اشتراكهما في جميع الوجوه، فلذلك لا في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى، ومعنى المثل في اللغة النظير، كذا في " الجمهرة " وفي " التحفة ": ذكر في كتاب العتاق ثم قال: وقد قالوا: إنه إذا نوى العتق يعتق، فإنه ذكر في كتاب الطلاق، إذا قال لامرأته أنت مثل امرأة فلان وفلان قد آلى من امرأته ونوى الإيلاء ليصدق ويصير مولياً.
[قال لعبده ما أنت إلا حر]
م: (ولو قال ما أنت إلا حر عتق، لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد كما في كلمة الشهادة) . ش: فإن قوله: لا إله نفي الألوهية عن غير الله، وقوله: إلا الله إثبات الألوهية لله، وفيه إثبات الألوهية لله تعالى بآكد الوجوه، لأن الإثبات بعد النفي آكد وأبلغ من الإثبات(6/21)
ولو قال رأسك رأس حر لا يعتق لأنه تشبيه بحذف حرفه، ولو قال رأسك رأس حر عتق، لأنه إثبات الحرية فيه، إذ الرأس يعبر به عن جميع البدن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المجرد.
[وصف عبده بالحرية ووصف ما يعبر به عن جميع البدن بالحرية]
م: (ولو قال: رأسك رأس حر لا يعتق، لأنه تشبيه بحذف حرفه) . ش: أي حرف التشبيه، وهو الكاف، لأن أصله رأسك كرأس حر، فصار كقوله مثل الحر. م: (ولو قال رأسك رأس حر) . ش: بالتنوين في رأس. م: (عتق لأنه إثبات الحرية فيه، إذ الرأس يعبر به عن جميع البدن) . ش: وقد وصفها بالحرية، ومن وصف عبده بالحرية ووصف ما يعبر به عن جميع البدن بالحرية عتق عليه، وقال في كتاب عتاق الأصل إذا قال: رأسك حر، أو قد حر أو جسدك حر، أو نفسك أو وجهك أو روحك أو كانت أمة، فقال: فرجك حر أو بطنك حر عتق في جميع ذلك.
وذكر في كتاب " الأجناس " عن الهارونيات إذا قال: رقبتك حر أو بطنك حر عتق، وإلا يدين في هذا كله. وإن قال: لم أرد به العتق وفي " نوادر المعلى " لو قال: جزء منك حر أو شيء منك عتق منه ما شاء المولى في قول أبي حنيفة، وفي عتاق الأصل لو قال: يدك حر أو رجلك حر أو أصبع من أصابعك حر، أو سن من أسنانك أو دمك أو قرنك أو بلغمك، هذا كله باطل. وفي الهارونيات أنفك أو صدرك حر أو بطنك حر أو ظهرك أو جنبك أو فخذك أو لسانك أو شعرك أو نفسك حر لا يعتق في شيء من هذه الوجود نوى أو لم ينو. قال الناطفي: هذا كله على قياس قول أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف، وفي كتاب " الأم " لو قال: كبدك حر أو معدتك حر لا يعتق.
وفي " نوادر هشام " قال أبو يوسف: لو خاط مملوكه ثوباً فقال: هذه خياطة حر لا يعتق، وفي الهارونيات: لو رآها تمشي فقال مولاها: هذه مشية حر أو رآها تتكلم فقال: هذا كلام حر لم تعتق إلا أن يقول أردت العتق، وهذا قول أبي يوسف.
وقال الحسن بن زياد في قوله نفسه: يعتق في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى. وفي " نوادر " ابن سماعة عند محمد لو قال: جسدك حر، أو صلبك حر، أو علم أنه من سبي لا يعتق لأن أصله حر فهو صادق فيه فلا يعتق، وكذلك لو قال: أبواك حران. وفي " نوادر المعلى " قال أبو يوسف: لو قال لأمته: فرجك حر من الجماع فهي حرة في القضاء، وسعه فيما بينه وبين الله تعالى.
وفي " نوادر " ابن سماعة: لو قال: استك حر كان حراً، وكذلك لو قال: ذكرك كان حراً. وفي كتاب " أصل الفقه " لمحمد بن الحسن لو قال لعبده: فرجك حر لا يعتق، وفي الجارية تعتق. ولو قال: هذا ابني من الزنا يعتق ولا يثبت نسبه.
وفي " المرغيناني " لو قال له: افعل في نفسك ما شئت فأعتق نفسه، وفي المجلس عتق. ولو قال صم عني يوماً وأنت حر، أو قال صلي عني ركعتين وأنت حر عتق في الحال، فعل ذلك أو(6/22)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يفعل. ولو قال حج عني حجة وأنت حر لا يعتق حتى يحج عنه لأن النيابة جائزة في الحج دون الصوم والصلاة ولو قال: إن سقيت جاري فأنت حر فذهب به إلى الماء ولم يشرب عتق، لأن المراد به عرض الماء عليه.
وفي " المحيط " قال رجل: أنا مولى أبيك أعتق أبوك أبي فهو حر، وكذا لو قال: أنا مولى أبيك ولم يقل اعتقني فهو حر، لأنه قد يكون مولاه من قبل جده فلم يكن إقرار بالرق، وإن زاد اعتقني فهو مملوك إذا جحد الوارث. وفي " الذخيرة " قال: كل مملوك في هذا المسجد أو في بغداد حر وله عبيد في المسجد أو في بغداد لم يعتق، إلا إن نوى عبده. وعن محمد عن أبي حنيفة لو قال: عبيد أهل بغداد أحرار وهو من أهل بغداد عتق عبيده، وعلى هذا لو قال كل عبد يدخل هذه الدار فهو حر فدخل عبيده عتق وبه أخذ شداد، وقال هشام: لا يعتقون، قال الشهيد: وهو المختار للفتوى. ولو قال: ولد آدم كلهم أحرار لا يعتق عبيده. وفي " النسفي ": قال عبدي الذي هو قديم الصحبة حر قال محمد: من صحبة ثلاث سنين عتق، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل ستة أشهر، وقيل سنة. وفي " المحيط " وهو المختار.(6/23)
فصل
ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه وهذا اللفظ مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم منه فهو حر»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الإعتاق الغير اختياري]
م: (فصل في الإعتاق الغير اختياري) ش: أي هذا فصل، لما فرغ من بيان الإعتاق الاختياري شرع في بيان الإعتاق الذي يحصل من غير اختيار كما في شراء القريب وخروج عبد الحر إلينا مسلماً، وولد أم الولد من مولاها.
[ملك ذا رحم محرم منه]
م: (ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه) . ش: وبه قال أحمد، وسواء كان المالك صغيراً أو كبيراً صحيح العقل أو مجنوناً. ويروى ذلك عن عمر وابن مسعود وجابر بن عبد الله وعطاء والشعبي والزهري وحماد والحكم والثوري وابن شبرمة وأبي سلمة والحسن بن حيي والليث وعبد الله بن وهب وإسحاق، وهو قول الظاهرية. قال مالك: يعتق في قرابة الولاد والأخوات لا غير، كذا قال الكاكي.
وقال الأترازي: وقال مالك وأصحاب الظاهر لم يعتقوا إلا بإعتاق المالك. قلت: فيه نظر من وجهين، أحدهما: ذكر أصحاب الظاهر مع مالك، وقد ذكرنا أنهم مع الجماعة المذكورين.
والثاني: أن هذا النقل عن مالك خلاف ما وقع في " المدونة " لمالك حيث قال فيها قال مالك ولا يعتق على الرجل من أقاربه إذا ملكه إلا الولد، ذكرهم وأنثاهم، وولد الولد وإن سفلوا وأبواه وأجداده وجداته من قبل الأب والأم وإن بعدوا، وإخوته لأبوين أو لأب أو لأم وهم أهل الفرائض في كتاب الله تعالى ولا يعتق غير هؤلاء من ذوي أرحام انتهى. وقال الأوزاعي: يعتق كل ذي رحم محرم منه كان أو غير محرم، وأعتق ابن العم وابن الخال ويستسعيهما.
م: (وهذا اللفظ) . ش: يعني قوله من ملك ذا رحم محرم عتق عليه. م: (مروي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» ش: هذا الحديث باللفظ الأول أخرجه النسائي في " سننه " عن حمزة بن ربيعة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» باللفظ الثاني. أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» . وأخرجه الحاكم في " المستدرك " من طريق أحمد بن حنبل عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعاً وسكت عنه. ثم أخرجه عن سمرة بن ربيعة عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعًا: «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، والمحفوظ عن سمرة بن جندب، انتهى.(6/24)
واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا كان أو غيره، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في غيره. له أن ثبوت العتق من غير مرضاة المالك ينفيه القياس أو لا يقتضيه، والأخوة وما يضاهيها نازلة عن قرابة الولاد فامتنع الإلحاق والاستدلال، ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد ولم يمتنع فيه ولنا ما روينا، ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والكلام في هذين الحديثين كثير طوينا ذكره خوفاً من السآمة.
م: (واللفظ) . ش: أي لفظ الحديث. م: (بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية) . ش: أي مؤكدة وهو بالباء آخر الحروف من التأبيد. م: (ولاداً كان أو غيره) . ش: أي غير الولاد بكسر الواو. وقد قال الأترازي وغيره: منصوب على البدل من قوله كل قرابة.
قلت: بل هو منصوب بكان المقدرة، تقديره أو كانت غير الولاد وولاد منصوب بكان الظاهرة، غير أنه تقدم عليه، وتفسيره كل من لا يجوز نكاحه على التأبيد والإجلاء النسب، سواء كانت القرابة قريبة كقرابة الولاد، أو متوسطة كالأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة بخلاف ما إذا كانت لعبيده كبني الأعمام، فإن الحديث لا يتناولهما لعدم المحرمية.
م: (والشافعي يخالفنا في غيره) . ش: أي في غير الولاد، وقرابة الولاد هي القرابة بين الولد والوالدين. ومذهب الشافعي أنه لا يعتق في غير قرابة الولاد. وقال أبو محمد: لا نعلم قول الشافعي عن أحد قبله، وليس له فيها أنيس. م: (له) . ش: أي للشافعي. م: (أن ثبوت الملك من غير مرضاة المالك) . ش: أي بغير رضاه، وهو مصدر ميمي. م: (ينفيه القياس أو لا يقتضيه) . ش: قال تاج الشريعة: وفي قوله بنفيه القياس تعرض لنفي القياس إياه. وفي الثاني لا يعترض لا بالنفي ولا بالإثبات. م: (والأخوة وما يضاهيها) . ش: أي وما يشابهها من قرابة العمومة والخؤولة. م: (نازلة عن قرابة الولاد) . ش: أي أدنى درجة من قرابة الولاد. م: (فامتنع الإلحاق) . ش: أي إلحاق قرابة الأخوة بقرابة الولاد لعدم المساواة أو الاستدلال. م: (أو امتنع) . ش: الاستدلال، أي بدلالة النص، إلا إذا كان الملحق به من وجه، وهاهنا ليس كذلك.
م: (ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد، ولم يمتنع فيه) . ش: أي في الولاد، يعني إذا ملك المكاتب أباه أو ابنه فهو مكاتب، بخلاف الأخ، فإنه لا يتكاتب.
م: (ولنا ما روينا) . ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» م: (ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه) . ش: لأن الشارع اعتبر محرمية هي صفة للرحم، والرحم عبارة عن القرابة، والمحرم عبارة عن حرمة التناكح، فالمحرم والرحم نحو إن ملك زوجة ابنه أو بنت عمه وهي أخته رضاعاً لا يعتق، لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة بل بالمصاهرة أو بالرضاع، ولا بد أن تكون المحرمية مؤثرة، لأن الشارع اعتبر محرمية هي صفة للرحم كما ذكرناه، وكذا الرحم بلا محرم لا يعتق كبني الأعمام والأخوال، لأن القرابة بعدت، فلا تؤثر في حرمة التناكح، فلم(6/25)
وهذا هو المؤثر في الأصل، والولاد ملغى لأنها هي التي يفترض وصلها ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة وحرم النكاح، ولا فرق بينهما إذا كان المالك مسلما أو كافرا في دار الإسلام لعموم العلة، والمكاتب إذا اشترى أخاه ومن يجري مجراه لا يتكاتب عليه، لأنه ليس له ملك تام يقدره على الإعتاق والاقتراض عند القدرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعتق بالملك.. م: (وهذا هو المؤثر في الأصل) . ش: أي ملك القريب هو المؤثر في إيجاب العتق في الأصل، يعني في قرابة الولاد. م: (والولاد ملغي لأنها) . ش: تعليل بوصف غير مقعر فكان اشتغالاً بما لا يفيد، لأنه تعليل بعلة قاصرة، لأنها أي لأن القرابة المؤبدة في المحرمية. م: (هي التي يفترض وصلها ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة) . ش: لا يقال هذا مذهبكم لأنه لا نفقة في غير الولد على مذهب الشافعي، فكيف استدل بوجوب النفقة، لأنا نقول وجوب النفقة ثبت بقوله عز وجل: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فصار كأنه ثبت إجماعاً، فلا يلتفت إلى إنكار الخصم. م: (وحرم النكاح) . ش: وحرمة النكاح بالإجماع.
وقال الأكمل: ولنا بحث هاهنا، لكنه وهو قولهم هذه قرابة صبت على أدنى الذلين، وهو ذل النكاح فلأن يصان عن كلاهما أولى، فإن ادعي أن ذل النكاح أعلى فلك مكابرة تستدعي تفضيل الإماء على الحرائر وهو باطل قطعاً وإجماعاً على أن الرضاع يرفع ذل النكاح دون الرق بما يحسم مادة هذه المكابرة، فإن رافع الأعلى دفع الأدنى لا محالة.. م: (ولا فرق بينهما إذا كان المالك مسلماً أو كافراً في دار الإسلام لعموم العلة) . ش: وهي صلة الرحم، وكذا الفرق إذا كان المملوك مسلماً أو كافراً، وقيد بقوله في دار الإسلام لأن الحربي إذا ملك قريبه لا يعتق عليه، وبه صرح في فتاوى الولوالجي نص الحاكم في " الكافي " أن عتق الحربي في دار الحرب باطل، وكذا تدبيره لم يذكر الخلاف، فإن في المختلف الحربي إذا أعتق عبده الحربي في دار الحرب وخلاه، عتق عند أبي يوسف وولاؤه له. وقالا: لا ولاء له، لأنه عتق بالتخلية لا بالإعتاق كالراغم، ثم قال: المسلم إذا دخل دار الحرب فاشترى عبداً حربياً فأعتقه ثمة القياس أن لا يعتق بدون التخلية، لأنه في دار الحرب ولا يجري عليه أحكام الإسلام. وفي الاستحسان يعتق تخلية، لأنه لم ينقطع عنه أحكام المسلمين ولا ولاء له عندهما، وهو القياس. وقال أبو يوسف: له الولاء، وهو الاستحسان. وذكر قول محمد مع أبي يوسف في " كتاب السير ".. م: (والمكاتب إذا اشترى أخاه) . ش: هذا هو جواب عن قوله، ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد، وتقديره لا نسلم أنه لا يكاتب عليه، بل قد روي عن أبي حنيفة أنه مكاتب على الأخ أيضاً، فالجواب بطريق التسليم ما قاله المصنف بقوله، لأنه ليس له ملك قام بقدره على ما يجيء الآن. م: (أو من يجري مجراه) ش: أي أو اشتري من يجري مجرى الأخ كالعم والخال م: (لا يتكاتب عليه لأنه ليس له ملك تام يقدره) . ش: من الإقرار. م: (على الإعتاق) . ش: لأنه عبد ما بقي عليه درهم. م: (والاقتراض عند القدرة) . ش: وهي عبارة عن صفة يتمكن بها الحر من فعل وقول بخلاف الولاد، هذا جواب عما(6/26)
بخلاف الولاد، لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة فامتنع بيع المعتق تحقيقا لمقصود العقد. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكاتب على الأخ أيضا وهو قولهما، قلنا أن نمنع وهذا بخلاف ما إذا ملك ابنة عمه وهي أخته من الرضاع، لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة والصبي جعل أهلا لهذا العتق، وكذا المجنون حتى عتق القريب عليهما عند الملك، لأنه تعلق به حق العبد، فشابه النفقة. ومن أعتق عبدا لوجه الله تعالى أو للشيطان أو للصنم عتق لوجود ركن الإعتاق من أهله في محله، ووصف القربة في اللفظ الأول زيادة، فلا يختل العتق بعدمه في اللفظين الأخيرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقال لو كان كذلك لما عتق عليه قرابة الولاد.
أجاب بقوله. م: (بخلاف الولاد، لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة) . ش: لأن عتق نفسه لما كان مقصوداً بالكتابة لكونه يتغير بالرق، فكذلك رق الوالد الولد، فإذا كان العتق من عقد مقاصد الكتابة. م: (فامتنع بيع المعتق تحقيقاً لمقصود العقد) . ش: لأن المقصود العقد، أما حرمة الأخ فليست من الكتابة لعدم لحوق العار برقة لحوقه برق أبيه أو ابنه.
م: (وعن أبي حنيفة أنه يكاتب على الأخ أيضاً، وهو قولهما) . ش: أي قول أبي يوسف ومحمد، وسيجيء بيان هذا مستوفى في كتاب المكاتب إن شاء الله تعالى. م: (قلنا: إنه يمنع، وهذا الخلاف ما إذا ملك ابنة عمه وهي أخته من الرضاع) . ش: هذا جواب نقض إجمالي، أي لا يعتق عليه تقديره هو قوله. م: (لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة) . ش: يعني أراد بالمحرمية محرمية أثرت فيها القرابة، وهذه ليست كذلك، لأن الرضاع هو المؤثر والمحرمية من الرضاع ليست بمرادة من الحديث بالإجماع، لأنه لا قابل بعتقها أصلاً.. م: (والصبي جعل أهلاً لهذا العتق) . ش: أي عتق ذوي الرحم المحرم. م: (وكذا المجنون) . ش: أي كذا المجنون أهل لهذا العتق. م: (حتى عتق القريب عليهما عند الملك) . ش: أي عند ملكهما إياه، بأن دخل قريبتها في ملكهما بغير صنع منهما كالإرث والهبة عتق عليهما. م: (لأنه تعلق به) . ش: أي بهذا العتق. م: (حق العبد) . ش: وهو العلة، وقد وجدت. م: (فشابه النفقة) . ش: وهي تجب عليهما بالقرب، فكذا يعتق قريبهما المحرم بالملك. وقال في " المبسوط " العلة تمت في حقه، وهو الملك مع القرابة، فإن الصغير يملك حقيقة، ولهذا يحرم عليه أخذ الصدقة.. م: (ومن أعتق عبداً لوجه الله تعالى أو للشيطان أو للصنم عتق) . ش: وعند الظاهرية لا يعتق في الأخرين. م: (لوجود ركن الإعتاق) . ش: وهو لفظ الإعتاق. م: (ومن الأهل) . ش: وهو العاقل البالغ المالك. م: (في محله) . ش: وهو العبد المملوك المعتق، وأراد بوجه الله رضا الله تعالى مجازاً وهو يجيء في اللغة على معان وجه الإنسان وغيره معروف، ووجه النهار أوله، ووجه الكلام السبيل الذي يقصده به. ووجوه الناس سادتهم، وصرفت الشيء من وجه، أي عن سببه ووصفه. م: (ووصف القربة في اللفظ الأول) . ش: وهو قوله لوجه الله. م: (زيادة) . ش: للتأكيد وذكر الله ليس بشرط. م: (فلا يختل العتق بعدمه) . ش: أي بعدم ذكر الله تعالى. م: (في اللفظين(6/27)
وعتق المكره والسكران واقع لوجود الركن من الأهل في المحل كما في الطلاق، وقد بيناه من قبل. وإذا أضاف العتاق إلى ملك أو إلى شرط صح، كما في الطلاق، أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد بيناه في كتاب الطلاق، وأما التعليق بالشرط فلأنه إسقاط فيجري فيه التعليق بالشرط بخلاف التمليكات على ما عرف في موضعه، وإذا خرج عبد الحربي إلينا مسلما عتق؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في عبيد الطائف حين خرجوا إليه مسلمين: «هم عتقاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأخيرين) . ش: وهو قوله أعتقت للشيطان، وقوله أعتقت للصنم. لكنه يكون عاصياً.
غاية ما في الباب أنه نفى القربة، وفي نفيها لا ينافي الحرية، كما إذا أعتقه على مال، وقال الكلبي في " كتاب الأصنام ": إذا كان معمولاً من خشب أو ذهب أو فضة صورة إنسان فهو صنم، وإن كان معمولاً من حجارة فهو وثن.
[عتق المكره والسكران]
م: (وعتق المكره والسكران واقع لوجود الركن من الأهل في المحل كما في الطلاق) . ش: وقد فسرنا هذا الآن. م: (وقد بيناه من قبل) . ش: أراد أنه بينه في الفصل الثاني من كتاب " الطلاق "، وفي السكران اتفاق الأئمة الأربعة على المختار عندهم، وفي المكره بخلاف الشافعي ومالك وأحمد، ومن الكلام فيه هناك.
م: (وإذا أضاف العتاق إلى ملك) . ش: بأن قال إن ملكتك فأنت حر. م: (أو إلى شرط) . ش: أي أو أضافه إلى شرط بأن قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر. م: (صح) . ش: أي وقع. م: (كما في الطلاق) . ش: بأن قال إن تزوجتك فأنت طالق، أو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق.
م: (أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي وقد بيناه في كتاب الطلاق وأما التعليق بالشرط فلأنه إسقاط) . ش: أي إسقاط قصد إذ الإثبات ضمناً يلزم المناقضة بين هذا وبين ما قاله أولاً، وهو أن الإعتاق لغة إثبات القوة. م: (فيجري فيه التعليق بالشرط) . ش: أي في الإسقاط، ولا خلاف فيه بيننا وبين الشافعي، إنما الخلاف بوجه آخر، وهو أن بقاء الملك يشترط عند التعليق وعند وجود الشرط، وزواله فيما بين ذلك لا يبطله، وعنده يبطله لانعقاد التعليق سبباً عنده، وعندنا ينعقد سبباً عند وجود الشرط.
م: (بخلاف التمليكات) . ش: حيث لا يجري فيها التعليق لإفضائه إلى معنى القمار، لأن في جعله متعلقاً بشرط لا يدري أن يكون أم لا يكون خطراً وخيار الشرط في البيع ثبت أيضاً، بخلاف القياس فلا يرد نقضاً. م: (على ما عرف في موضعه) . ش: أي في أصول الفقه.
م: (وإذا خرج عبد الحربي إلينا مسلماً عتق لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في عبيد الطائف حين خرجوا إليه مسلمين: هم عتقاء الله) . ش: هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في(6/28)
تعالى» ولأنه أحرز نفسه وهو مسلم ولا استرقاق على المسلم ابتداء،
، وإن أعتق حاملا عتق حملها تبعا لها؛ إذ هو متصل بها؛ ولو أعتق الحمل خاصة عتق دونها، لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصودا لعدم الإضافة إليها، ولا إليه تبعا لما فيه من قلب الموضوع ثم إعتاق الحمل صحيح، ولا يصح بيعه وهبته، لأن التسليم نفسه شرط في الهبة والقدرة عليه في البيع ولم يوجد ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مصنفه عن معمر عن عاصم بن سليمان حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي بكرة أنه «خرج إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يحاصر أهل الطائف بثلاثة وعشرين عبداً فأعتقهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهم الذين يقال لهم العتقاء» .
وأخرج أبو داود في " الجهاد " والترمذي في " المناقب " عن ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن منصور بن المعمر عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال «خرج إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية ... » الحديث، وفي آخره: «هم عتقاء الله سبحانه» . قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب. قوله: عبدان بكسر العين، وأن يكون بالباء الموحدة جمع عبد.
م: (ولأنه) . ش: أي ولأن هذا العبد الذي خرج. م: (أحرز نفسه وهو مسلم) . ش: يعني أحرز نفسه بالإسلام. م: (ولا استرقاق على المسلم ابتداء) . ش: قيد به احترازاً عن الاسترقاق بقاء، وذلك بأن يسلم بعد الأسر والسير، لأن الرق حينئذ جعل من الأمور الحكمية لا الجزئية فبقي الرق كما تبقى سائر الأملاك بعد وجود أسبابها. وبقولنا قال الشافعي ومالك وأحمد وأكثر أهل العلم. وقال الأوزاعي: لو جاء سيده مثلاً يرد عليه، وعند الظاهرية يعتق بالإسلام من غير خروج.
[عتق الحامل وولدها]
م: (وإن أعتق حاملاً أعتق حملها تبعاً لها، إذ هو متصل بها) . ش: لأنه كسائر أجزائها، بدليل أنه لا يصح إفراده بالبيع كما لا يصح إفراد سائر أعضائها. م: (ولو أعتق الحمل خاصة عتق) . ش: أي الحمل. م: (دونها) . ش: أي دون الحامل. م: (لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصوداً، لعدم الإضافة) . ش: أي لعدم إضافة الإعتاق. م: (إليها ولا إليه تبعاً) . ش: أي ولا وجه إلى إعتاق الجارية تبعاً. م: (لما فيه من قلب الموضوع) . ش: لأنه يكون التبع متبوعاً، والمتبوع تابعاً وهو فاسد.
م: (ثم إعتاق الحمل صحيح) . ش: أي بدون الأم عند الجمهور، إلا عند الظاهرية. م: (ولا يصح بيعه وهبته، لأن التسليم نفسه) . ش: بنصب نفسه، لأنه تأكيد للمنصوب. م: (شرط في الهبة والقدرة عليه) . ش: أي على التسليم شرط. م: (في البيع ولم يوجد ذلك) . ش: أي القدرة عليه. م:(6/29)
بالإضافة إلى الجنين وشيء من ذلك ليس بشرط في الإعتاق فافترقا؛
ولو أعتق الحمل على مال صح ولا يجب المال إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين؛ لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم لأنه في حق العتق نفس على حدة، واشتراط بدل العتق على غير المعتق لا يجوز على ما مر في الخلع، وإنما يعرف قيام الحبل وقت العتق إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منه لأنه أدنى مدة الحمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بالإضافة إلى الجنين) . ش: أي بالنسبة إليه. م: (وشيء من ذلك) . ش: أي من القدرة والتسليم. م: (ليس بشرط في الإعتاق فافترقا) . ش: أي افترقا جواز إعتاق الحمل وعدم جواز بيعه وهبته. ولو قال: أعتقها إلا حملها، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي والشعبي وعطاء وابن سيرين يصح استثناؤه من العتق، وهو مروي عن ابن عمر وأبي هريرة، فإنهم يجوزون عتق الجنين دون أمه بعد نفخ الروح، وتكون أمه حرة تبعاً له.
[أعتق الحمل على مال]
م: (ولو أعتق الحمل على مال صح، ولا يجب المال، إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم) . ش: أي ولا وجه إلى الالتزام للأم م: (لأنه) . ش: أي لأن الجنين. م: (في حق العتق نفس على حدة، واشتراط بدل العتق على غير المعتق) . ش: بفتح التاء. م: (لا يجوز) . ش: قيل عليه سلمنا ذلك، لكن ينبغي أن يتوقف العتق إلى أن يبلغ الحمل إلى حد يكون من أهل القبول، وهو أن يكون عاقلاً يعقل العقد. كما مر في خلع الصغيرة، حيث قال فيه: وإن شرط الألف عليها متوقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، وإن كانت عاقلة تعقله العقد.
وأجيب: بأن ذلك في صريح الشرط، وأما هاهنا فالمسألة مذكورة بكلمة على، فكان المال هاهنا وصفاً للإعتاق، ولا يلزم بطلان الأصل بطلان الوصف، فيثبت العتق ولا يجب المال كما في طلاق الصغيرة، وفيه نظر، لأنه يقتضي أنه ذكر بكلمة الشرط توقف، ولا بد فيه من رواية، واعتباره بخلع الصغيرة غير صحيح، لأنه قال فيه: وإن شرط عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فالتوقف فيه مشروط بكونها من أهل القبول، والحمل ليس منه، والأولى أن يقال لما كان علم المعتق عدم كون الحمل أهلاً للخطاب، وقبول الشرط وأقدم على العتق كان قاصداً للإعتاق بلا مال أو يحمل على ذلك صوناً لكلامه عن الإلغاء.
م: (على ما مر في الخلع) . ش: قال السفناقي: هذا حوالة غير رابحة، ثم يحتمل أن يكون مراده أي في مسألة خلع الجامع الصغير.
قلت: نفس الأمر يستبعد هذا، وقال الأترازي: ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما ذكره في خلع كفاية المنتهى، لأنه قبل هذا الكتاب.. م: (وإنما يعرف قيام الحمل) . ش: بالميم. وفي بعض النسخ الحبل بالباء. م: (وقت العتق إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر منه) . ش: أي من وقت العتق. م: (لأنه أدنى مدة الحمل) . ش: هذا متصل بقولاه وإن أعتق جارية عتق حملها، ولو أعتق الحمل(6/30)
قال: وولد الأمة من مولاها حر، لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه، هذا هو الأصل، ولا معارض له فيه، لأن ولد الأمة لمولاها وولدها من زوجها مملوك لسيدها لترجح جانب الأم باعتبار الحضانة أو لاستهلاك مائه بمائها. والمنافاة متحققة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خاصة عتق دونها، يعني إنما يعتق الحمل إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإعتاق، وإن جاءت به لستة أشهر فلا.
نص عليه الحاكم في " الكافي " قال: وإن قال ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق، وإن ولدت لأقل من ستة أشهر عتق. وفي " التحفة ": فإن كانت الأمة في عدة من زوج عتق الولد إذا ولدته ما بينهما وبين سنتين منذ وجبت العدة، وإن كان لأكثر من ستة أشهر منذ قال المولى، قال الحاكم في " الكافي ": وإن ولدت واحداً لأقل من ستة أشهر بيوم واحد لأكثر منها بيوم.
[ولد الأمة من مولاها]
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وولد الأمة من مولاها حر، لأنه مخلوق من مائه فيعتق عليه) . ش: بإجماع الأئمة. م: (هذا هو الأصل) . ش: أي الولد من ماء صاحب الماء. م: (ولا معارض له فيه) . ش: أي في الولد. م: (لأن ولد الأمة لمولاها) . ش: لأن ماء الأمة لا يعارض ماءه، لأن ماءها مملوك له فيكون الماءان له. م: (وولدها من زوجها مملوك لسيدها لترجح جانب الأم باعتبار الحضانة) . ش: لأن حق الحضانة للأم لا للأب غير مرجح جانبها بها. م: (أو لاستهلاك مائه بمائها) . ش: أي أو لترجح باستهلاك ماء زوجها بمائها، لكون مائها في موضعه.
والحاصل أن جانب الأم يترجح بأمور منها الحضانة. قيل فيه نظر، لأن حق الحضانة إنما يثبت بعد الولادة، فلا يجوز أن يكون مرجحاً لما هو قبلها ومعنا استهلاك مائه بمائها ومنها الولد ما دام جنيناً فهو بمنزلة عضو من أعضائها كيدها ورجلها إلى أن ينفصل حسناً وشرعاً، أما حسناً فإنه يتنفس بنفسها، وينتقل بانتقالها حتى يقرض بالمقراض عند انفصاله منها شرعاً، فلأنه يعتق بعتقها قيل فيه نظر، لأن الكلام في إثباته فلا يستدل به عليه، ومنها أنه يتيقن كونه مخلوقاً من مائها، بخلاف الزوج، فكان الفراش من جانبها حقيقة وحكماً، ومن جانبه حكماً فقط.
م: (والمنافاة متحققة) . ش: أي بين ماء الرجل وماء المرأة، والمنافاة أي لا يجتمع الأمران في محل واحد في زمان واحد من جهة واحدة كالمتضادين، وهذا كأنه جواب سؤال مقدر تقدير السؤال أن يقال: كيف يكون الرجل مستهلكاً لماء المرأة، وهي من جنس واحد، ولا منافاة بينهما، والجنس لا يغلب الجنس، وتقدير ما قاله من قوله - والمنافاة متحققة بينهما - لأنه طبع ماء الرجل حار، وطبع ماء المرأة بارد، وبينهما منافاة لا محالة، وماء المرأة في مستقره يزاد قوة وماء الرجل في غير مستقره، فيكون مغلوباً بمائها.
وقال الأكمل: والمنافاة متحققة، جواب عما يقال الترجيح يحتاج إليه بعد التعارض،(6/31)
والزوج قد رضي به بخلاف ولد المغرور، لأن الوالد ما رضي به، وولد الحرة حر على كل حال، لأن جانبها راجح فيتبعها في وصف الحرية ما يتبعها في المملوكية والمرقوقية والتدبير وأمومية الولد والكتابة، والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتقريره التعارض موجود، لأن المنافاة متحققة، فإنه لو اعتبر جانب الأم كان مملوكاً لسيدها، وإن اعتبر جانب الأب لا يكون مملوكاً لسيدها فتثبت المنافاة، بخلاف الولد من الموالي فإنه للمولى، أي جانب اعتبر. م: (والزوج قد رضي به) . ش: أي برق الولد، هذا جواب عما يقال إذا اعتبر جانب المرأة حتى يكون الولد مملوكاً لمولاها لضرر الأب، والضرر مدفوع شرعاً وتقرير الجواب أن الزوج قد رضي برق الولد حيث أقدم على تزوج الأمة، فإن الولد يرق به، وفيه نظر لأن العلم بكون الولد رقيقاً بتزوج الأمة إنما يكون بعد ثبوت هذا الحكم في الشرع، وكلامنا في شرعيته.. م: (بخلاف ولد المغرور، لأن الوالد ما رضي به) . ش: أي لأن المغرور لما تزوج الأمة بلا علم لم يرض بإسقاط نفقته، فصار ولده حراً بالقيمة نظراً للجانبين. م: (وولد الحرة حر على كل حال) . ش: أي سواء كان زوجها حراً أو عبداً. م: (لأن جانبها راجح فيتبعها) . ش: أي فيتبعها الولد. م: (في وصف الحرية) . ش: يعني يكون حراً. م: (كما يتبعها في المملوكية) . ش: فيكون مملوكاً، وهذا لرجحان جانبها بسبب الحرية فيتبعها الولد في الحرية كما في الرق. م: (والمرقوقية) . ش: عطف على ما قبله أي يتبعها في المرقوقية أيضاً. م: (أمية الولد) ش: يعني إذا زوج المولى أم ولده من رجل يكون الولد في حكم أمه م: (والتدبير) . ش: يعني إذا زوج مدبرته من رجل يكون الولد في حكم أمه. م: (والكتابة) . ش: يعني إذا كاتب المولى أمته ثم ولدت دخل الولد في كتابة الأم تبعاً.
وقال الكاكي: أورد هذين الفصلين، يعني المملوكية والمرقوقية لتغايرهما من حيث الكمال والنقصان، فإن في المدبرة وأم الولد الملك كامل والرق ناقص، وفي المكاتبة على عكسه، أو لأن المملوكية عام فيكون في بني آدم وغيرهم، والمرقوقية خاصة في بني آدم فتعين أن الولد يتبع الأم في العام والخاص، ولهذا أن البقر الوحشي والحمر الإنسية والظباء لا يجوز في الأضحية، ولو كان الولد بين الوحشي والإنسي وكانت الأم وحشية لا يجوز، وإن كانت أهلية يجوز لما أن الولد تابع للأم فيها، كذا في " فتاوى الولوالجي "، انتهى. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه إنما ذكر هذين اللفظين لتغايرهما إلى آخر ما ذكره وفيه نظر، لأن الرق لا يحتمل التجزؤ، وبه صرح أصحابنا في أصول الفقه، وما لا يحتمل التجزؤ كيف يقبل النقصان، انتهى. وقال الكاكي: ثم الولد يتبع الأم في الرق والحرية وأمومية الولد والكتابة وفي التدبير، وفي " المنهاج ": إن ولدت المدبرة من نكاح أو زنا لا يصير ولدها مدبراً على المذهب، وإن دبر الحامل صار مدبراً على المذهب، وعن أحمد وجابر بن زيد وعطاء لا يتبعها ولدها في التدبير حتى لا يعتق بموت سيدها، والله أعلم.(6/32)
باب العبد الذي يعتق بعضه
وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر، ويسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يعتق كله وأصله أن الإعتاق يتجزأ عنده فيقتصر على ما أعتق، وعندهما لا يتجزأ، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإضافته إلى البعض كإضافته إلى الكل، فلهذا يعتق كله، لهم أن الإعتاق إثبات العتق وهو قوة حكمية، وإثباتها بإزالة ضدها وهو الرق الذي هو ضعف حكمي وهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العبد الذي يعتق بعضه]
م: (باب العبد الذي يعتق بعضه) ش: أي هذا باب العبد، بإضافة الباب إلى العبد، أي هذا باب في بيان حكم العبد حال كونه يعتق بعضه ويعتق على صيغة المجهول محله النصب على الحال، ويجوز قطع الباب عن الإضافة، ويكون قوله العبد مبتدأ ويعتق بعضه خبر له في محل الرفع. ولما فرغ من بيان إعتاق الكل شرع في بيان إعتاق البعض، وأخر هذا عن ذاك لأن ذاك متفق عليه، وهذا مختلف فيه، والأصل عدم الاختلاف، أو لأن الأول كثير الوقوع، فاستحق التقديم.
[أعتق المولى بعض عبده]
م: (وإذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك القدر) . ش: وفي " المنافع " أي زال ملكه عن ذلك البعض، ولم يرد به حقيقة العتق عند أبي حنيفة، وإنما أراد به ثبوت أثره، وهو زوال الملك. م: (ويسعى في بقية قيمته لمولاه عند أبي حنيفة) . ش: وهو قول الحسن البصري، ويروى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (وقالا يعتق كله، وأصله) . ش: أي أصل الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (أن الإعتاق يتجزأ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (فيقتصر على ما أعتق) . ش: أي يقتصر إعتاقه على ما قدر إعتاقه.
م: (وعندهما لا يتجزأ، وهو قول الشافعي) . ش: فيما إذا كان المالك واحداً أو كان المعتق موسراً، فعند ذلك قوله كقولهما، أما لو كان المعتق معسراً يبقى ملك الساكت كما كان حق يجوز له بيعه وهبته، وبقول الشافعي قال مالك وأحمد. وقولهما قول قتادة والثوري والشعبي. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. م: (فإضافته) . ش: أي إضافة الإعتاق. م: (إلى البعض) . ش: أي إلى بعض العبد. م: (كإضافته إلى الكل، فلهذا يعتق كله) . ش: أي كل العبد، والمراد من تجزؤ الإعتاق والملك أن يتجزأ المحل في قبول حكم الإعتاق، وهو زوال الملك بأن يزول في البعض دون البعض، وأن يتجزأ المحل في قبول حكم الملك، وهو أن البعض مملوك لواحد، والبعض لآخر، وليس معناه أن ذات الإعتاق أو ذات الملك يتجزأ، لأنه معنى واحد لا يقبل التجزؤ.
م: (لهم) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد والشافعي. م: (أن الإعتاق إثبات العتق وهو) . ش: أي العتق. م: (قوة حكمية، وإثباتها بإزالة ضدها، وهو الرق الذي هو ضعف حكمي وهما) . ش: أي العتق(6/33)
لا يتجزآن، فصار كالطلاق والعفو عن القصاص، والاستيلاد،
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الإعتاق إثبات العتق بإزالة الملك أو هو إزالة الملك؛ لأن الملك حقه، والرق حق الشرع أو هو حق العامة، وحكم التصرف ما يدخل تحت ولاية المتصرف وهو إزالة حقه لا حق غيره، والأصل أن التصرف يقتصر على موضع الإضافة والتعدي إلى ما وراءه ضرورة عدم التجزؤ، والملك متجزئ كما في البيع والهبة، فيبقى على الأصل.
وتجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد والمستسعى بمنزلة المكاتب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والرق. م: (لا يتجزآن) . ش: فلا يتجزأ الإعتاق أيضاً. م: (فصار) . ش: أي الإعتاق. م: (كالطلاق) . ش: فإنه لا يتجزأ. م: (والعفو عن القصاص) . ش: كذلك لا يتجزأ. م: (والاستيلاد) . ش: أي وكالاستيلاد فإنه لا يتجزأ حتى لو استولد الأمة المشتركة تصير كلها أم ولد له.
م: (ولأبي حنيفة أن الإعتاق إثبات العتق بإزالة الملك) . ش: كما قالوا. م: (أو هو) . ش: أي الإعتاق إزالة الملك كما قال أبو حنيفة، يعني إزالة ملك متجزئ مفض لزوال كله إلى العتق، والحصر ظاهر، لأنهم لما اختلفوا في هذين العينين كان إجماعاً منهم أن غير ذلك ليس بمراد، وإنما قال أبو حنيفة: إنه إزالة ملك، لأن الملك حقه والرق حق الشرع، لأن الله عز وجل أجرى عليه الرق جزاء الكفر، حيث استنكف أن يكون عبداً لله تعالى فجعله الله عبد عبده. م: (أو هو حق العامة) . ش: أي أو الرق حق العامة ليكون نعوته للمتكلفين على إقامة التكليف، يعني القائمين يستغنمونه كما يستغنمون سائر الأموال، فصار في حقهم بمنزلة الجماد ليصلوا إلى الانتفاع به.
م: (وحكم التصرف ما يدخل) . ش: أي الذي يدخل. م: (تحت ولاية المتصرف وهو) . ش: أي الذي يدخل تحت ولاية. م: (إزالة حقه لا حق غيره) . ش: لأنه ليس له ولاية في التصرف في حق غيره. م: (والأصل) . ش: في حكم التصرف. م: (أن التصرف يقتصر على موضع الإضافة) . ش: أي موضع يضاف إليه التصرف فيه. م: (والتعدي إلى ما وراءه) . ش: أي وراء موضع الإضافة. م: (ضرورة عدم التجزؤ) . ش: أي لأجل عدم التجزؤ. م: (والملك متجزئ) . ش: فزال ملكه عن البعض الذي أعتقه. م: (كما في البيع) . ش: إذا باع نصيبه من العبد المشترك لشريكه يزول ملكه عن البعض الذي باعه. م: (والهبة) . ش: كما إذا وهب نصيبه من العبد المشترك لشريكه يزول ملكه عن البعض. م: (فبقي على الأصل) . ش: وهو أن يقتصر التصرف على موضع الإضافة.
[السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد المعتق بعضه]
م: (وتجب السعاية لاحتباس مالية البعض عند العبد) . ش: معنى ما يتجزأ بالإعتاق بإزالة بعض الملك متجزئ جنس مالية البعض عن العبد، فتجب عليه السعاية. والاستسعاء أن يؤجر ويأخذ قيمة نصفه من الأجرة، ويعتبر قيمته في الحال. م: (والمستسعى) . ش: بفتح العين. م: (بمنزلة المكاتب عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة، وقيل قوله بمنزلة المكاتب غير جيد، لأن ذلك للمولى ثابت في(6/34)
عنده لأن الإضافة إلى البعض توجب ثبوت المالكية في كله وبقاء الملك في بعضه يمنعه، فعملنا بالدليلين بإنزاله مكاتبا، إذ هو مالك يدا لا رقبة والسعاية كبدل الكتابة، فله أن يستسعيه، وله خيار أن يعتقه؛ لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه إذا عجز لا يرد إلى الرق، لأنه إسقاط لا إلى أحد فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة، لأنه عقد يقال ويفسخ. وليس في الطلاق والعفو عن القصاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المكاتب وهو عبد ما بقي عليه درهم ومعتق البعض زال ملكه عن البعض، فليس هو نظير المكاتب بل الجيد أن يقال سقط ملكه واستحق الحرية بغير عوض. وأجيب بأن مرادهم بقوله بمنزلة المكاتب أنه لا يجوز بيعه ولا هبته، ويخرج إلى العتق بالسعاية، والمكاتب يخرج إليه بأداء البدل.
م: (لأن الإضافة) . ش: أي إضافة الإعتاق. م: (إلى البعض توجب ثبوت المالكية للعبد في كله) . ش: باعتبار العتق. م: (وبقاء الملك في بعضه يمنعه) . ش: عن ثبوت المالكية باعتبار الرق في الكل باعتبار العتق. م: (فعملنا بالدليلين) . ش: لنا أن زوال الملك في النصف يوجب ثبوت المالكية في الكل باعتبار العتق، لأنه لا يتجزأ وبقاء الملك في النصف يوجب ثبوت المالكية باعتبار الرق.
فقد اجتمع في العبد ما يوجب ثبوت المالكية في الكل، وما يوجب بقاء الملك في الكل والعمل بالدليلين ممكن بأن يجعل مكاتباً وهو قوله. م: (بإنزاله مكاتباً، إذ هو) . ش: أي المكاتب. م: (مالك يداً لا رقبة) . ش: يعني مملوك رقبة كالمستسعى، ويجوز أن يكون المعنى هو معتق البعض مالك يداً لأجل السعاية، مملوك رقبة كالمكاتب. ويجوز أن يكون معناه إضافة العتق إلى البعض يوجب ثبوت المالكية في الكل كما هو قولهما، وبقاء الملك في بعض يمنعه، كما هو قول أبي حنيفة، فقلنا إنه حر يداً مملوك رقبة كالمكاتب عملاً بالدليلين.
وإذا كان المستسعى كالمكاتب. م: (والسعاية) . ش: يكون. م: (كبدل الكتابة فله) . ش: أي للمولى. م: (أن يستسعيه وله خيار أن يعتقه، لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه) . ش: هذا جواب عما يقال لو كان بمنزلة المكاتب لكان رقيقاً إذا عجز. أجاب بقوله غير أنه أي المستسعى.
م: (إذا عجز لا يرد إلى الرق، لأنه إسقاط لا إلى أحد) . ش: والإسقاط لا إلى أحد ليس فيه معنى المعاوضة، لأنها إنما تتحقق بين اثنين، وإذا لم تتحقق بين فيه المعاوضة. م: (فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة) . ش: فإنه إسقاط من المولى إلى المكاتب إفراداً على تحصيل بدل الكتابة، فكان فيها معنى المعاوضة.
م: (لأنه عقد يقال ويفسخ) . ش: كلاهما على صيغة المجهول من الإقالة والفسخ. وفي بعض النسخ لأنه إسقاط إلى الأجل، يعني بخلاف المقصود، فإن الإسقاط فيها إلى أجل، وهو وقت أداء بدل الكتابة. م: (وليس في الطلاق والعفو) . ش: جواب عن قولهم، وصار كالطلاق والعفو. م: (عن القصاص) . ش: وتقرير الجواب أنه إنما يثبت العتق في الكل لإمكان العمل بالدليلين لوجود(6/35)
حالة متوسطة فأثبتناه في الكل ترجيحا للمحرم، والاستيلاد متجزئ عنده حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه، وفي القنة لما ضمن نصيب صاحبه بالاستيلاد ملكه بالضمان فكمل الاستيلاد،
وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق، فإن كان موسرا فشريكه بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (حالة متوسطة) . ش: بين الحرية والرق، وهي الكتابة يصار إليها، وليس في الطلاق والعتق حالة متوسطة. م: (فأثبتناه في الكل ترجيحاً للمحرم) . ش: على المبيح.
م: (والاستيلاد متجزئ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. وهذا جواب عن قولهم والاستيلاد وتقريره أن الاستيلاد يتجزأ عند أبي حنيفة. م: (حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه) . ش: أي على نصيب المستولدة، يعني إنما ولدت الأمة المدبرة بين رجلين ولداً فادعاه أحدهما تصير ونصف الجارية أم ولد، ونصفها مدبرة لشريكه، على أنها لو ماتا يعتق نصف الشريك من الثلث، ونصف الآخر من الجملة ولاء الولد بينهما وفي رواية كتاب الولاء نصف الولد للثاني، وليس للولد عليه ولاء، وعليه نصف قيمة المدبر مدبراً يوم ولد، لأن الولد في الظاهر منها وقد أتلف، كذا ذكره شمس الأئمة البيهقي في " الشامل " في قسم السقوط.
م: (وفي القنة) . ش: جواب عما يقال لو كان الاستيلاد متجزئاً لا طرد في القنة، تقدير الجواب إنما لم يتجزأ في القنة لأن المستولد. م: (لما ضمن نصيب صاحبه بالاستيلاد ملكه بالضمان، فكمل الاستيلاد) . ش: أي كمل استيلاد القنة بالضمان فصار كأنه استولد جارية نفسه، لأن الاستيلاد عنده غير متجزئ.
[العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه]
م: (وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق) . ش: أي عتق نصيبه عتق، وإنما قال عتق وإن كان العتق لا يتجزأ بالاتفاق لما أنه أراد زوال ملكه في نصيبه قاله الأترازي.
وقال الكاكي: عتق أي استحق العتق لزوال ملك المعتق وملك الشريك أيضاً مع بقاء الرق في كل العبد عند أبي حنيفة لا يثبت شيء من المعتق به. م: (فإن كان) . ش: أي المعتق. م: (موسراً فشريكه بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن شريكه قيمة نصيبه، وإن شاء استسعى العبد) . ش: ذكر المصنف ثلاثة خيارات كما ذكر في " المبسوط ".
وفي " التحفة " له خمسة خيارات إن كان موسراً إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن، وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى، وإن شاء دبر يصير نصيبه مدبراً ويجب عليه السعاية للحال فيعتق، ولا يجوز أن يؤخر عتقه إلى ما بعد الموت، وفي هذه المسألة أقوال:
أحدها: ما ذكره أبو حنيفة.
والثاني: قولهما.(6/36)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثالث: قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه لا يعتق شيء منه كان بإذن شريكه أو بغير إذنه.
والرابع: قول عثمان البتي أنه يعتق نصيب من أعتق، ويبقى نصيب من لم يعتق على حاله، ولا ضمان على المعتق، وهو مروي عن عمر، رواه ابن أبي شيبة.
والخامس: قول الثوري والليث شريكه بالخيار، وإن شاء أعتق، وإن شاء ضمن، ولم يذكر السعاية.
والسادس: قول زفر وبشر أن له التعيين، سواء كان المعتق موسراً أو معسراً.
والسابع: يعتق الباقي من مال المسلمين، وهو قول ابن سيرين.
والثامن: قول مالك يقوم عليه نصيب شريكه وضمنها له، ويعتق كله بعد التقويم لأجله، وإن شريكه أعتق نصيبه ليس له أن يمسكه رقيقاً، ولا أن يكاتبه، ولا أن يدبره، ولا أن يبيعه، وإن عقل عن التقويم حتى مات المعتق أو العبد بطل، وماله كله لمن يمسكه بالرق، وإن كان المعتق معسراً فالباقي رقيق يتبعه الساكت أو يكاتبه أو يدبره أو يمسكه رقيقاً سواء السير بعد إعتاقه أم لا، قيل لا يعلم لأحد قبله من السلف.
والتاسع: أحد أقوال الشافعي وهو أن المعتق إن كان موسراً قوم عليه نصيب شريكه وهو حر كله حين أعتقه مولاه، وإن كان معسراً عتق ما عتق، وبقي الباقي مملوكاً يتصرف مالكه كيف شاء.
والعاشر: قول أبي حنيفة في الولاء أنه مشترك بين المعتق والمستسعى، وهو قول الحسن البصري وحماد بن أبي سليمان والثوري، وعندهما للمعتق دون المستسعى، وهو قول إبراهيم النخعي وعامر الشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى.
والحادي عشر: لو كان المعتق موسراً له عتق نصيبه متجزئاً أو مضافاً عند أبي حنيفة وعند مالك يعتقه حالاً لا إلى أجل.
والثاني عشر: قول مالك إن كان المعتق موسراً لا يعتق نصيبه حتى يؤدي قيمة نصيب شريكه، وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي يعتق في الحال.
والثالث عشر: أحد أقوال الشافعي أن الحال موقوفة، فإذا أدى تبين أنه أعتق كله.
والرابع عشر: أن العتق يسري بالإرث عندنا بلا ضمان، وعند الشافعي وبعض المالكية لا يسري ولا يضمن.
والخامس عشر: لو كان المشترك رهناً يسري عندنا، وبين الشافعية خلاف فيها.(6/37)
فإن ضمن رجع المعتق على العبد، والولاء للمعتق، وإن أعتق أو استسعى فالولاء بينهما، وإن كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار، إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، والولاء بينهما في الوجهين، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ليس له إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار، ولا يرجع المعتق على العبد والولاء للمعتق، وهذه المسألة تبتنى على حرفين. أحدهما: تجزؤ الإعتاق وعدمه على ما بيناه. والثاني: أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده، وعندهما يمنع لهما في الثاني «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الرجل الذي يعتق نصيبه إن كان غنيا ضمن، وإن كان فقيرا سعى في حصة الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والسادس عشر: لو وصى بعتق نصيبه؛ يسري عندنا، وعند الشافعي خلاف فيها.
م: (فإن ضمن) . ش: أي الشريك إن ضمن المعتق بكسر التاء. م: (رجع المعتق) . ش: بكسر التاء. م: (على العبد والولاء للمعتق وإن أعتق) . ش: أي الشريك. م: (أو استسعى) . ش: العبد. م: (فالولاء بينهما) . ش: أي بين الشريكين.
م: (وإن كان المعتق معسراً فالشريك بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، والولاء بينهما في الوجهين) . ش: أي في صورة الإعتاق وصورة السعاية.
م: (وهذا) . ش: أي المذكور م: (قول أبي حنيفة، وقالا) . ش: أي أبو يوسف ومحمد: (ليس له) . ش: أي للشريك الساكت. م: (إلا الضامن مع اليسار) . ش: أي مع يسار العتق. م: (والسعاية) . ش: أي ليس له إلا السعاية. م: (مع الإعسار) . ش: أي مع إعسار الشريك. م: (ولا يرجع المعتق على العبد) . ش: أي لا يرجع بما ضمن، لأن العبد لا يجب عليه السعاية عندهما في اليسار، وعند أبي حنيفة: يرجع عليه، لأنه بأداء الضمان قام مقام الساكت، فكأن الساكت أخذ العوض منه بالاستسعاء. فكذلك كان للمعتق الرجوع عليه بما أدى. م: (والولاء للمعتق) . ش: بكسر التاء.
م: (وهذه المسألة) . ش: المذكورة، أي رجوع المعتق على العبد، وعدم الرجوع عند أداء الضمان. م: (تبتنى على حرفين) . ش: أي أصلين دقيقين. م: (أحدهما) . ش: أي أحد الحرفين. م: (تجزؤ الإعتاق وعدمه) . ش: أي وعدم التجزؤ. م: (على ما بيناه) . ش: أي عند قوله في أول الباب، وأصله أن الإعتاق يتجزأ عنده إلى آخره.. م: (والثاني) . ش: أي الحرف الثاني. م: (أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (وعندهما يمنع) . ش: السعاية، وبين وجه الحرف الأول، وشرع هنا في بيان الحرف الثاني بقوله:
م: (لهما في الثاني) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد في وجه الحرف الثاني. م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) . ش: أي قول «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (في الرجل الذي يعتق نصيبه إن كان غنياً ضمن، وإن كان فقيراً سعى العبد في حصة الآخر) » . ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة عن سعيد بن عروة عن قتادة عن(6/38)
قسم»
والقسمة تنافي الشركة، وله أنه احتبست مالية نصيبه عند العبد، فله أن يضمنه
كما إذا هبت الريح بثبوت إنسان وألقته في صبغ غيره، حتى انصبغ به فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسرا كان أو معسرا لما قلنا. فكذا هاهنا، إلا أن العبد فقير فيستسعيه. ثم المعتبر يسار التيسير وهو أن يملك من المال قدر قيمة نصيب الآخر لا يسار الغناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بشير بن نهيك عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أعتق شقصاً له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال يستسعي العبد غير مشقوق عليه» .
وجه الاستدلال أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (قسم الأمرين) . ش: أعني خلاص العبد وسعايته بين الحالين أعني يسار المعتق وإعساره. م:
[القسمة تنافي الشركة]
(والقسمة تنافي الشركة) . ش: فلا يكون للشريك الساكت سعاية العبد مع يسار المعتق. م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أنه احتسبت مالية نصيبه) . ش: بفتح التاء والباء على بناء الفاعل. قال السفناقي: هكذا كان مقيداً بخط شيخي، وقوله مالية نصيبه بالرفع فاعل احتسب. م: (عند العبد فله أن يضمنه) . ش: أي يضمن العبد حاصل المعنى أن مالية نصيب الشريك الساكت احتسب عند العبد، فكان للساكت أن يضمن العبد لاحتباس نصيبه عنده، إلا أن العبد فقير لم يمكن القول بتضمنه، فوجب الاستسعاء.
م: (كما إذا هبت الريح بثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به، فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسراً كان أو معسراً لما قلنا) . ش: يريد به قوله وله أنه احتسب مالية نصيبه. م: (فكذا هاهنا) . ش: أي فكما انتفع رب الثوب بالصبغ، فكذا هنا ينتفع العبد بالعتق. م: (إلا أن العبد فقير فيستسعيه فيه) . ش: أي فيستسعيه الشريك فيما يخصه، قيل عليه إذا سعى فالقياس أن يرجع على المعتق، لأنه هو الذي ورطه فصار كالعبد المرهون، فإنه يرجع على الراهن بما سعى.
وأجيب: بأن عسرة المعتق تمنع وجوب الضمان عليه للساكت فلذلك يمنعه العبد والعبد إنما سعى في بدل رقبته وماليته، وقد سلم له ذلك فلا يراجع به على أحد بخلاف المرهون فإن سعايته ليست في بدل رقبته بل في الدين الثابت في ذمة الراهن، ومن كان مجبراً على قضاء دين في ذمة الغير من غير التزام من جهته ثبت له الرجوع عليه كما في مقر الرهن.
فإن قيل: ما ذكر من وجه أبي حنيفة في مقابلة النص وهو باطل. أجيب: بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم على وجه الشرط لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق الاستسعاء بفقر المعتق، وهو لا ينافي الاستسعاء عند عدمه، لأن المعلق بالشرط يقتضي الوجود عند الوجود، ولا يقتضي العدم عند العدم جاز أن يثبت السعاية عند وجود الدليل، وإن كان موسراً وقد وجد ذلك على ما ذكر من وجه أبي حنيفة.
م: (ثم المعتبر يسار التيسير) . ش: الاعتبار في يسار المعتق الذي يجب به عليه الضمان هو يسار التيسير. م: (وهو أن يملك من المال قدر قيمة نصيب الآخر) . ش: فاصلاً عن ملبوسه، ونفقة نفسه ونفقة عياله. م: (لا يسار الغناء) . ش: أي لا يعتبر يسار الغني، هذا ظاهر الرواية، وبه قال الشافعي(6/39)
لأن به يعتدل النظر من الجانبين بتحقيق ما قصده المعتق من القربة وإيصال بدل حق الساكت إليه، ثم التخريج على قولهما ظاهر فعدم رجوع المعتق بما ضمن على العبد لعدم السعاية عليه في حالة اليسار والولاء للمعتق، لأن العتق كله من جهته لعدم التجزؤ، وأما التخريج على قوله، فخيار الإعتاق لقيام ملكه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومالك وأحمد. ومن المشايخ من اعتبر نصاب حرمة الصدقة. وفي " العيون " و " المختار " ظاهر الرواية. م: (لأن به) . ش: أي بيسار التيسير. م: (يعتدل النظر من الجانبين) . ش: أي من جانب العتق وجانب الشريك الساكت، لأن مقصود المعتق تحقيق القربة، ومقصود الشريك حصول بدل حقه إليه، فبيسار التيسير يحصل الأمران، فلا حاجة إلى يسار الغني، وهو معنى قوله. م: (بتحقق ما قصده المعتق من القربة) . ش: أي التقرب إلى الله تعالى بالعتق. م: (وإيصال) . ش: أي وبإيصال. م: (بدل حق الساكت إليه) . ش: أي عوض نصيبه من العبد.
وفي " التحفة ": إنما تعتبر القيمة في الضمان والسعاية يوم الإعتاق، لأنه سبب الضمان، وكذا يعتبر حال المعتق في يساره وإعساره يوم الإعتاق حتى لا يسقط الضمان إذا أعسر بعد اليسار ولا يثبت الضمان إذا أيسر بعد الإعسار.
وفي " التمرتاشي " لو قال المعتق: أعتقت وأنا معسر، وقال الساكت بخلافه نظر إليه يوم ظهور العتق كما في الإجازة إذا اختلفا في انقطاع الماء وجريانه، وإن مات العبد قبل أن يختار الساكت شيئاً لم يكن له تضمن الموسر في رواية عن أبي حنيفة، لأن التضمين بشرط نقل الملك إلى العتق وقد فات النقل بالموت في ظاهر الرواية عنه له ذلك أو يأخذ من شريكه، لأن الضمان واجب. ولو باع الساكت نصيبه من المعتق أو وهب على عوض في القياس أن يجوز.
وفي " الاستحسان ": لا يجوز، لأن هذا تمليك للحال وهو غير محل له. وفي " جامع قاضي خان " لو أعتق أحد الشريكين في مرض موته وهو موسر ثم مات لا يؤخذ ضمان العتق من تركته، وهو قول أبي حنيفة، بل يسقط، وعندهما يؤخذ من تركته لأنه ضمان إتلاف.
م: (ثم التخريج على قولهما ظاهر) . ش: أي التخريج على قولهما ظاهر، أي تخريج المسألة على قول أبي يوسف ومحمد ظاهر، يعني إذا علم أن هذه المسألة مبنية على حرفين، أي أصلين فالكلام في التخريج، وهو على قولهما ظاهر، لأن الإعتاق إذا لم يكن منجزاً كان العتق واقعاً في النصيبين جميعاً، وبيساره مانع من السعاية، فوجب عليه الضمان، وانتفى السعاية.. م: (فعدم رجوع المعتق بما ضمن على العبد) . ش: أي لشريكه. م: (لعدم السعاية) . ش: أي لأجل عدم السعاية. م: (عليه) . ش: أي على العبد.
م: (في حالة اليسار والولاء للمعتق، لأن العتق كله من جهته لعدم التجزؤ. وأما التخريج على قوله) . ش: أي على قول أبي حنيفة. م: (فخيار الإعتاق) . ش: أي لشريكه. م: (لقيام ملكه) . ش: أي(6/40)
في الباقي إذ الإعتاق يتجزأ عنده، والتضمين لأن المعتق جان عليه بإفساد نصيبه، حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك مما سوى الإعتاق وتوابعه والاستسعاء لما بينا.
ويرجع المعتق بما ضمن على العبد، لأنه قام مقام الساكت بأداء الضمان، وقد كان له ذلك باستسعاء العبد، وكذا كان للمعتق أيضا، ولأنه ملك العبد الضمان لشريكه ضمنا، فيصير كأن الكل له وقد عتق بعضه فله أن يعتق الباقي أو يستسعي إن شاء، والولاء للمعتق في هذا الوجه، لأن العتق كله من جهته حيث تملك بالضمان، وفي حال إعسار المعتق إن شاء أعتق لبقاء ملكه، وإن شاء استسعى لما بيناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ملك الشريك. م: (في الباقي. إذ الإعتاق يتجزأ عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة، فإذا كان الإعتاق يتجزأ كان ملك الشريك في الباقي تاماً. م: (والتضمين) . ش: بالرفع عطف على قوله فخيار العتق أي فخيار التضمين. م: (لأن المعتق جان عليه بإفساد نصيبه، حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك) . ش: التصدق والوصية. م: (مما سوى الإعتاق وتوابعه) . ش: أي توابع الإعتاق كالتدبير والكتابة والاستيلاد. م: (والاستسعاء) . ش: بالجر عطف على المضاف إليه في قوله فخيار الإعتاق، لكن قاله الأترازي. وقال الأكمل: معطوف على قوله والتضمين، وكذا قاله الكاكي: وهذا أوجه والتقدير وخيار الاستسعاء لأن التقدير في التضمين وخيار التضمين كما ذكرنا. م: (لما بينا) . ش: أشار به إلى قوله - احتسبها - النية عنده.
م: (ويرجع المعتق بما ضمن على العبد، لأنه قام مقام الساكت بأداء الضمان، وقد كان له ذلك) . ش: أي وقد كان للشريك الساكت الرجوع. م: (باستسعاء العبد، وكذا كان للمعتق أيضاً) . ش: لأنه قام مقام الساكت كالمدبر إذا قتل في يد الغاصب وضمن القيمة كان له الرجوع على القاتل بما ضمن.. م: (ولأنه) . ش: أي ولأن المعتق. م: (ملك العبد بالضمان لشريكه ضمناً) . ش: جواب عما يقال معتق البعض كالمكاتب عنده فينبغي أن لا يتملكه بالضمان كالمكاتب لا يقبل النقل من ملك إلى ملك، فأجاب عنه بقوله ملكه ضمناً لأداء الضمان، وكم من شيء يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً، والضمنيات لا تعتبر. م: (فيصير المعتق كأن الكل له) . ش: أي كل العبد له. م: (وقد عتق بعضه) . ش: أي بعض العبد. م: (فله أن يعتق الباقي أو يستسعي العبد إن شاء، والولاء للمعتق في هذا الوجه) . ش: أي في وجه التضمين. م: (لأن العتق كله حصل من جهته حيث تملك بالضمان) . ش: أي من حيث إنه تملك العبد بالضمان لحصة شريكه الساكت.
م: (وفي حال إعسار المعتق إن شاء أعتق) . ش: أي إن شاء الشريك الساكت أعتق. م: (لبقاء ملكه، وإن شاء استسعى العبد لما بيناه) . ش: أي لبقاء ملكه. م: (والولاء له) . ش: أي للشريك الساكت. م: (في الوجهين) . ش: أي في الإعتاق والاستسعاء في نصيبه. م: (لأن العتق من جهته) . ش: أي من جهة الساكت. م: (ولا يرجع المستسعى) . ش: بفتح العين، اسم مفعول، وهو العبد. م: (على المعتق بما أدى بإجماع بيننا) . ش: قيد به عن قول ابن أبي ليلى وزفر، فإن عندهما يرجع العبد بما سعى على المعتق كالعبد المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر.(6/41)
والولاء له في الوجهين، لأن العتق من جهته، ولا يرجع المستسعى على المعتق بما أدى بإجماع بيننا، لأنه يسعى لفكاك رقبته ولا يقضي دينا على المعتق، إذ لا شيء عليه لعسرته، بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر لأنه يسعى في رقبة قد فكت أو يقضي دينا على الراهن، فلهذا يرجع عليه. وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الموسر كقولهما. قال في المعسر يبقى نصيب الساكت على ملكه يباع ويوهب، لأنه لا وجه إلى تضمين الشريك لإعساره ولا إلى السعاية لأن العبد ليس بجان ولا راض به، ولا إلى إعتاق الكل للإضرار بالساكت فتعين ما عيناه. قلنا: إلى الاستسعاء سبيل، لأنه لا يفتقر إلى الجناية بل تبتنى على احتباس المالية فلا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية والضعف السالب لها في شخص واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبين الفرق لنا بقوله. م: (لأنه) . ش: أي لأن العبد. م: (يسعى لفكاك رقبته) . ش: أي لأن العبد هنا يسعى في تخليص رقبته عن الرق، وهو منفعة حالة له، فهذا لا يرجع، أي. م: (ولا يقضي العبد ديناً على المعتق إذ لا شيء عليه لقيد به) . ش: أي لإعساره. م: (بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر، لأنه يسعى في رقبة قد فكت) . ش: أي لأنه يسعى في رقبة تخلصت. م: (أو يقضي ديناً على الراهن، فلهذا يرجع عليه) . ش: أي فلكونه مضطراً، يرجع على الراهن، فقوله - لفكاك رقبته - على مذهبه. وقوله - أو يقضي ديناً على الراهن - المعتق على مذهبهما.
م: (وقول الشافعي في الموسر كقولهما) . ش: أي كقول أبي يوسف ومحمد. م: (قال) . ش: أي الشافعي:. م: (في المعسر يبقى نصيب الساكت على ملكه يباع ويوهب، لأنه لا وجه لتضمين الشريك لإعساره) . ش: أي لإعسار الشريك. م: (ولا إلى السعاية) . ش: أي ولا وجه أيضاً إلى الاستسعاء. م: (لأن العبد ليس بجان ولا راض به) . ش: أي بإعتاق المعسر، لأن الرضى لا يتحقق إلا بالعلم، والمولى منفرد بإعتاقه بدون علمه. م: (ولا إلى إعتاق الكل) . ش: أي ولا وجه أيضاً إلى إعتاق الكل. م: (للإضرار بالساكت) . ش: أي للزوم الضرر بالشريك. م: (فتعين ما عيناه) . ش: وهو عتق ما عتق، ورق ما رق.
م: (قلنا: إلى الاستسعاء سبيل، لأنه لا يفتقر في وجوده إلى الجناية) . ش: كما في إعتاق العبد المرهون إذا كان الراهن معسراً. م: (بل يبتنى على احتباس المالية) . ش: أي مالية نفسه احتبست عنده فيستسعيه، وإذا كان إلى الاستسعاء سبيل. م: (فلا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية) . ش: الحاصلة من إعتاق البعض. م: (والضعف السالب لها) . ش: أي للمالكية، أي للقوة بصحبة البيع وأمثاله. م: (في شخص واحد) . ش: قال الكاكي: قوله - فلا يصار إلى الجمع.. إلى آخره - يعني كونه حراً في نصفه رقيقاً في نصفه، إذ لا يشهد له أصول الشرع، كما لا يشهد بأن يكون نصف المرأة مطلقة ونصفها غير مطلقة أو قتل نصف رجل ويبقى نصفه غير مستحق للقتل، ولأن الغرض من المالكية ملك الأشياء بأسبابها وملك الأشياء بأسبابها إنما يتصور في الأشخاص لا من(6/42)
قال: ولو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه سواء موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذا إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتبا في زعمه عنده، وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه فيمتنع من استرقاقه ويستسعيه، لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذبا كان أو صادقا، لأنه مكاتبه أو مملوكه فلهذا يستسعيانه، ولا يختلف ذلك باليسار والإعسار، لأن حقه في الحالتين في أحد شيئين لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك، فتعين الآخر وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الانتقاض فيستسعى لئلا تؤدي إلى الملكية وعدمه واحد، والاستسعاء لا يفتقر إلى الجناية، بل هو مبني على احتباس المالكية كما إذا وقع ثوب بهبوب الريح في صبغ إنسان، وقد ذكرناه.
وقال تاج الشريعة: قوله - ولا يصار إلى الجمع ... إلى آخره - بيانه أنه أثر الحرية المالكية والولاية وجواز الشهادة وأثر الرق سبب هذه الأحكام، ويستحيل كون نصف الشخص مالكاً وولياً مملوكاً عاجزاً، وإذا تعذر الجمع ترجح جانب الحرية، لأنها وصف أصلي، فاعتباره أولى فقلنا بخروجه إلى الحرية بالسعاية، ولا يشكل قول أبي حنيفة لأنه لا يقول بزوال الرق.
[شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق]
م: (قال) . ش: أي القدوري في " مختصره " م: (ولو شهد كل واحد) . ش: أي أقر، قاله تاج الشريعة. م: (من الشريكين على صاحبه بالعتق) . ش: أي بالإعتاق بنصيبه. م: (سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه سواء موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة، وكذا إذا كان أحدهما موسراً والآخر معسراً، لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتباً في زعمه) . ش: أي في زعم كل واحد منهما، الزعم بفتح الزاي وضمهما لغتان فصيحتان كالضعف والضعيف حكاهما ابن السكيت، وقرأ الكسائي قَوْله تَعَالَى: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: 136] بضم الزاي، والباقون بفتحها، قال ابن دريد: وأكثر ما يقع الزعم على الباطل في القرآن وفي فصيح الشعر. م: (عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة.
م: (وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه، فيمتنع من استرقاقه ويستسعيه، لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذباً كان أو صادقاً، لأنه مكاتبه) . ش: أي لأن العبد مكاتبه على تقدير الصدق. م: (أو مملوكه) . ش: على تقدير الكذب وكسب المملوك لمولاه، وهنا لف ونشر مشوش. م: (فلهذا) . ش: أي فلأجل أن العبد مكاتب أو مملوك. م: (يستسعيانه) . ش: أي يستسعيان الشريكان العبد لأجل التيقن بحق الاستسعاء.. م: (ولا يختلف ذلك) . ش: أي الاستسعاء. م: (باليسار والإعسار لأن حقه) . ش: أي حق الذي شهد. م: (في الحالتين) . ش: أي في حال يسار شريكه الذي أعتق نصيبه وحال إعساره. م: (في أحد شيئين) . ش: من تضمين الشريك واستسعاء العبد. م: (لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك، فتعين الآخر وهو(6/43)
السعاية والولاء لهما، لأن كلا منهما يقول عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له، وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه له، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - إن كانا موسرين فلا سعاية عليه، لأن كل واحد منهما يبرأ عن سعايته بدعوى الضمان على صاحبه، لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما، إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر، والبراءة عن السعاية قد ثبتت لإقراره على نفسه، وإن كانا معسرين يسعى لهما لأن كل واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقا كان أو كاذبا على ما بيناه، إذ المعتق معسر، وإن كان أحدهما موسرا. والآخر معسرا سعى للموسر منهما، لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه لإعساره، وإنما يدعي عليه السعاية ولا يتبرأ عنه ولا يسعى للمعسر منهما، لأنه يدعي الضمان على صاحبه ليساره، فيكون مبرئا للعبد عن السعاية، والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما، لأن كل واحد منهما يحيله على صاحبه، وهو يتبرأ عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السعاية) . ش: فإن قتل لم يتعذر على تقدير التخلف، فإنه لما أنكر يحلف، وإن نكل يجب الضمان قلنا: لما كان من اعتقاد كل واحد أنه أعتقه صاحبه يحلف لما يجب الضمان على تقدير الحلف فتعين السعاية، فلا فائدة في التحليف، بل تتعين السعاية، فلا تحليف لأن ماله إليه.
م: (والولاء لهما) . ش: أي للشريكين. م: (لأن كلاً منهما يقول: أعتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه، وولاؤه له، وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه له) . ش: ولكن ينبغي لك أن تعلم أن هذا كله بعد أن يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه، لأن كل واحد منهما يدعي على الآخر الضمان، والضمان مما يصلح بدله فيستحلف عليه.. م: (وقال أبو يوسف ومحمد: إن كانا موسرين فلا سعاية عليه؛ لأن كل واحد منهما يبرأ عن سعايته بدعوى الضمان على صاحبه لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما) . ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م: (إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر، والبراءة قد ثبتت لإقراره على نفسه وإن كانا معسرين يسعى لهما، لأن كلا واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقاً كان أو كاذباً على ما بيناه) . ش: إشارة إلى قوله - لأنا تيقنا تحقق الاستسعاء كاذباً كان أو صادقاً، كذا قاله الأترازي والكاكي وصاحب " الهداية "، وقيل هو إشارة إلى قوله لأنه مكاتبه أو مملوكه، قال الأكمل: قلت قائل هذا تاج الشريعة. م: (إذ المعتق معسر) . ش: أي لأن المعتق معسر.
م: (وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى) . ش: أي العبد.
م: (للموسر منهما، لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه لإعساره، وإنما يدعي عليه السعاية ولا يتبرأ عنه) . ش: أي عن السعاية، ذكره على تأويل الاستسعاء. م: (ولا يسعى للمعسر منهما، لأنه يدعي الضمان على صاحبه ليساره، فيكون مبرئاً للعبد عن السعاية، والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما) . ش: أي عند أبي يوسف ومحمد. م: (لأن كل واحد منهما يحيله) . ش: أي يحيل الولاء. م: (على صاحبه وهو يتبرأ عنه) . ش: أي عن صاحبه يتبرأ عن الولاء.(6/44)
فبقي موقوفا إلى أن يتفقا على إعتاق أحدهما.
ولو قال أحد الشريكين: إن لم يدخل فلان هذه الدار غدا فهو حر، وقال الآخر: إن دخله فهو حر، فمضى العبد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف، وسعى لهما في النصف الآخر، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يسعى في جميع قيمته؛ لأن المقضي عليه بسقوط السعاية مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم، فإنه لا يقضي بشيء للجهالة، كذا هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فبقي موقوفاً إلى أن يتفقا) . ش: أي الشريكان. م: (على إعتاق أحدهما) . ش: وذلك لأن كل واحد منهما يزعم أن الولاء لصاحبه وشريكه يجحد ذلك.
م: (ولو قال أحد الشريكين: إن لم يدخل فلان هذه الدار غداً فهو حر، وقال الآخر) . ش: أي الشريك الآخر. م: (إن دخله فهو حر، فمضى العبد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف) . ش: أي نصف العبد. م: (وسعى) . ش: أي العبد. م: (لهما) . ش: أي للشريكين. م: (في النصف، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال محمد: يسعى في جميع قيمته) . ش: هذه المسألة من مسائل " الجامع الصغير "، ولكن يذكر عن أبي يوسف ومحمد وفيه، وإنما ذكر قولهما في " الجامع الكبير ".
وفي عتاق الأصل ففيما ذكره المصنف إبهام، لأن عند أبي يوسف إنما يسعى في النصف إذا كانا معسرين، وأما إذا كان أحدهما موسراً يسعى له في نصف القيمة، وقال الأترازي العذر لصاحب الهداية أنه أشار إلى ذلك بعد هذا بقوله، وسيأتي التفريع فيه على أن اليسار يمنع السعاية ولا يمنعها على الاختلاف الذي سبق، ثم جواب المسألة مشروحاً على قول أبي حنيفة أنه يعتق نصف العبد ويسعى في نصف قيمته بينهما نصفين سواء كانا موسرين أو معسرين. وفي قول أبي يوسف إن كانا موسرين فلا يسعى في شيء، وإن كانا معسرين سعى لهما في نصف القيمة، فكل منهما في الربع، وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً سعى للموسر في ربع قيمته، ولا يسعى للمعسر في شيء، وفي قول محمد إن كانا موسرين فلا سعاية، وإن كانا معسرين يسعى لهما في جميع القيمة، وإن كان أحدهما موسراً والأخر معسراً سعى للموسر في نصف القيمة ولا يسعى للمعسر في شيء.
م: (لأن المقضي عليه في سقوط السعاية مجهول) . ش: لأنه أما هذا المولى. م: (فلا يمكن القضاء على المجهول) . ش: ولا يمكن القول بالتوزيع أيضاً لما فيه من إسقاط السعاية لغير المعتق وإيجاب السعاية للمعتق، ولأن كل واحد منهما شهد على صاحبه بالحنث فكان كعبدين شهد كل واحد منهما على الآخر بالإعتاق، ثم يسعى في جميع القيمة إذا كانا معسرين، فكذا هنا، ونظر المصنف لما قاله محمد بقوله. م: (فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم، فإنه لا يقضي بشيء للجهالة، كذا هذا) .(6/45)
ولهما أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية، لأن أحدهما حانث بيقين، ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع، كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه أو عينه ونسيه ومات قبل التذكر أو البيان وسيأتي التفريع فيه على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق،
ولو حلفا على عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه لم يعتق واحد منهما، لأن المقضي عليه بالعتق مجهول، وكذلك المقضى له فتفاحشت الجهالة، فامتنع القضاء، وفي العبد الواحد المقضي عليه وكذا المقضي به معلوم، فغلب المعلوم المجهول. وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب، لأنه ملك شقص قريبه وشراؤه إعتاق على ما مر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهما) . ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف. م: (أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية) . ش: وهو مثبت للعتق. م: (لأن أحدهما حانث بيقين، ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل) . ش: لأنه يكون ظلماً. م: (والجهالة ترتفع بالشيوع) . ش: هذا جواب عن قول، لأن المقضي عليه مجهول، وتقريره أن الجهالة ترتفع بالشيوع، أي بشيوع النصف الذي عتق. م: (والتوزيع) . ش: أي وبتوزيعه، لأن بالتوزيع يصير المقضي عليه الموليان، ولا جهالة فيها. م: (كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه) . ش: بأن قال لعبديه أحدهما حر، ولم يعينه. م: (أو عينه) . ش: أي لو قال أحدهما حر وعينه. م: (ونسيه) . ش: أي نسي الذي عينه. م: (ومات قبل التذكر أو البيان) . ش: فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه، ويسعى كل واحد منهما في نصفه، وعند الشافعي في قول يفرع بينهما، وفي قول الوارث يقام مقامه في البيان، وهو الأصح. م: (وسيأتي التفريع فيه) . ش: أي في هذا الوجه.
م: (على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق) . ش: وهو أن اليسار لا يمنع السعاية عند أبي حنيفة وعندهما يمنع، وصورته ذكرناها عن قريب بقولنا ثم جواب المسألة مشروحاً فليراجع.
[حلفا على عتق عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه]
م: (ولو حلفا على عتق عبدين كل واحد منهما لأحدهما بعينه) . ش: يعني إذا كان لكل واحد منهما عبد على حدة، فقال إن دخل فلان الدار غداً فعبدي حر، وقال الآخر إن لم يدخل فمضى الغد ولم يدر الدخول وعدمه. م: (لم يعتق واحد منهما) . ش: أي من العبدين في قولهم جميعاً. م: (لأن المقضي عليه) . ش: وهو المولى. م: (بالعتق مجهول، فكذا المقضي له وهو العبد مجهول فتفاحشت الجهالة فامتنع القضاء) . ش: لتفاحش الجهالة.
م: (وفي العبد الواحد) . ش: بين اثنين المقضي عليه. م: (المقضي عليه معلوم، وكذا المقضي به) . ش: وهو عتق نصف العبد. م: (معلوم) . ش: لأن أحدهما حانث لا محالة. م: (فغلب المعلوم المجهول) . ش: لأن المعلوم أكثر من المجهول. م: (وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب، لأنه ملك شقص قريبه) . ش: أي الأب ملك نصف ابنه. م: (وشراؤه إعتاق على ما مر) . ش: في فصل من ملك ذا رحم محرم.(6/46)
ولا ضمان عليه علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم وكذا إذا أورثاه والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى العبد، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا في الشراء يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه، وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية، وعلى هذا الخلاف إذا اشتراه رجلان وأحدهما قد حلف بعتقه إن اشترى نصفه، لهما أنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، لأن شراء القريب إعتاق، وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين فأعتق نصيبه، وله أنه رضي بإفساد نصيبه فلا يضمنه، كما إذا كان أذن له بإعتاق نصيبه صريحا، ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا ضمان عليه) . ش: للآخر، أي لا ضمان على الأب لشريكه الذي اشتراه معه سواء. م: (علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم لأنه باشر) . ش: علته العتق وهي الشراء، فكان منه رضي بالدلالة، كما إذا رضي فصار صريحاً.
م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك أعتق نصيب الأب. م: (إذا أورثاه) . ش: أي الابن، وكذلك حكم الصدقة والوصية والهبة. م: (والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء استسعى العبد) . ش: سواء كان الذي عتق عليه موسراً أو معسراً. م: (وهذا) . ش: أي وهذا الحكم المذكور. م: (عند أبي حنيفة) .
م: (وقالا) . ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: (في الشراء يضمن الأب نصف قيمته) . ش: أي قيمة الابن. م: (إن كان) . ش: أي الأب. م: (موسراً وإن كان معسراً سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه، وعلى هذا الخلاف) . ش: أي الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وصاحبيه. م: (إذا ملكاه) . ش: أي إذا ملك الأب والآخر ابنه. م: (بهبة) . ش: أي بأن وهبه لهما رجل. م: (أو صدقة) . ش: بأن تصدق به شخص عليهما. م: (أو وصية) . ش: بأن أوصى به شخص لهما. م: (وعلى هذا الخلاف إذا اشتراه رجلان وأحدهما) . ش: أي والحال أن أحدهما. م: (وقد حلف بعتقه إن اشترى نصفه) . ش: قيد بالنصف، لأنه إذا حلف بعتقه إن اشتراه لا يعتق بشراء النصف لعدم الشرط.
م: (لهما) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد. م: (أنه) . ش: أي الأب. م: (أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، لأن شراء القريب إعتاق وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين) . ش: يعني مشتركاً بينهما. م: (فأعتق أحدهما نصيبه) . ش: يعني نصيب الآخر، لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما فيضمن لصاحبه قيمة نصيبه إن كان موسراً، وإلا فالعبد يسعى.
م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أنه رضي بإفساد نصيبه) . ش: ولا عدوان مع الرضى. م: (فلا يضمنه) . ش: أي فلا يضمن صاحبه. م: (كما إذا كان أذن له) . ش: أي لشريكه. م: (بإعتاق نصيبه صريحاً) . ش: بأن قال له أعتق نصيبك فأعتقه لا يضمن، ثم بين المصنف وجه المساواة في الوجهين بقوله. م: (ودلالة ذلك) . ش: أي دلالة الرضى بإفساد نصيبه. م: (أنه) . ش: أي أن الشريك. م: (شاركه فيما هو(6/47)
علة العتق وهو الشراء، لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به عن عهدة الكفارة عندنا، وهذا ضمان إفساد في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار فيسقط بالرضا، ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه، وهو ظاهر الرواية عنه؛ لأن الحكم يدار على السبب، كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر، ولا يعلم الآمر بملكه، وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
علة العتق، وهو الشراء، لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به) . ش: أي بشراء القريب. م: (عن عهدة الكفارة التي عندنا) . ش: خلافاً للشافعي، وقال الأترازي: قوله - لأنه شاركه.. إلى آخره - فيه تسامح، لأن شراء القريب علة الملك والملك علة العتق، فيكون الشراء علته، والحكم يضاف إلى علة العلة كما في سوق الدابة وقودها.
م: (وهذا ضمان إفساد) . ش: لا ضمان تملك، وضمان التملك لا يختلف باليسار، أشار إليه بقوله - حتى يختلف - أي الضمان باليسار والإعسار فيسقط بالرضى وقد وجد حيث باشر السبب بخلاف ضمان الملك، فإنه لا يسقط بالرضى لأنه بناءً على التملك وهذا قائم أما ضمان الإفساد، فبناء على الجناية، ولما رضي لم يبق فعله جناية فيسقط، وإنما قيد بالظاهر احترازاً عما روي عن أبي يوسف إذا قال لصاحبه: أعتق نصيبك فأعتق يضمن، جعله ضمان التملك حيث لم يسقط الضمان بالرضى ذكر رواية أبي يوسف علاء الدين العالم في طريقة الخلاف.
وقال الأكمل: قوله وهو ضمان إفساد يجوز أن يكون جواباً عما يقال إنما كان الرضى مسقط للضمان إذا لو كان ضمان إفساد، وأما إذا كان ضمان تملك فلا يسقط به كما لو استولد أحد الشريكين الجارية بإذنه، فإنه لا يسقط به الضمان، لأنه ضمان تملك.
ووجه الجواب أنه ضمان إفساد. م: (في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه) . ش: أي بين أن يعلم أنه أبوه وبين أن لا يعلم. م: (وهو ظاهر الرواية عنه) . ش: أي عن أبي حنيفة، واحترز بالظاهر عن رواية الحسن بن زياد عنه بأنه إذا لم يكن عالماً بأنه أبوه لا يكون راضياً. وقال أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": ذكر أبو يوسف في الأمالي إذا كان الشريك لم يعلم فاشتراه فهو بالخيار إن شاء أجاز البيع، وإن شاء نقض، لأن المبيع قد تغير قبل القبض، كما إذا اشتريا عبداً فأعتقه أحدهما قبل القبض كان الآخر بالخيار أجاز أو نقض. م: (لأن الحكم يدار على السبب) . ش: يعني لأن سقوط حقه في الضمان يدور مع كونه مشاركاً في السبب، وذلك لا يختلف بالعلم وعدمه.
م: (كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه) . ش: فأكله المأمور لم يكن للآمر أن يضمن شيئاً، وإن كان غير راض به لأنه باشر بسبب الوصي وهو الآمر. م: (وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه) . ش: أي نصف الابن أراد أن رجلاً اشترى نصف ابن الرجل. م: (ثم اشترى(6/48)
الأب نصفه الآخر وهو موسر، فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب، لأنه ما رضي بإفساد نصيبه، وإن شاء استسعى الابن في نصف قيمته؛ لاحتباس ماليته عنده، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقالا: لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما.
ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يضمن إذا كان موسرا ومعناه: إذا اشترى نصفه ممن يملك كله، فلا يضمن لبائعه شيئا عنده، والوجه قد ذكرناه. وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر، فدبر أحدهم وهو موسر ثم أعتقه الآخر وهو موسر فإن أرادوا الضمان، فللساكت أن يضمن المدبر ولا يضمن المعتق، وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا ولا يضمنه الثلث الذي ضمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأب نصفه الآخر وهو موسر) . ش: أي والحال أن الأب موسر. م: (فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب لأنه ما رضي بإفساد نصيبه) . ش: أي الأجنبي ما رضي بإفساد نصيبه. م: (وإن شاء استسعى) . ش: أي الأجنبي. م: (الابن في نصف قيمته لاحتباس ماليته عنده) . ش: أي عند الابن. م: (وهذا) . ش: أي هذا الحكم. م: (عند أبي حنيفة، لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة وقد علم ذلك فيما تقدم.
م: (وقالا) . ش: أي قال أبو يوسف ومحمد. م: (لا خيار له) . ش: أي للأجنبي. م: (ويضمن الأب نصف قيمته، لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما) . ش: وقد علم هذا أيضاً فيما تقدم. وحاصل هذه المسألة أن الأب يضمن في هذه الصورة في قولهم جميعاً لأن الرضى لم يوجد من الشريك لعدم مشاركته مع الأب فيما هو عليه للعتق، وقد اتفقوا في الضمان، واختلفوا في الخيار كما ذكرنا.
[اشترى نصف ابنه وهو موسر هل يضمن]
م: (ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة وقالا: يضمن إذا كان موسراً) . ش: وهذه المسالة من مسائل " الجامع الصغير "، وأوضحها المصنف بقوله. م: (ومعناه إذا اشترى نصفه ممن يملك كله) . ش: أي كل الابن. م: (فلا يضمن لبائعه شيئاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة لأنه رضي بإسناد نصيبه لمشاركته فيما هو علة العتق، وعندهما يضمن لأنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق، وقيد بقوله ممن يملك كله، لأنه إذا اشترى نصيب أحد الشريكين يضمن للساكت بالاتفاق كما في المسألة المتقدمة. م: (والوجه قد ذكرناه) . ش: إشارة إلى قولهما أنه أبطل، وله إن رضي. م: (وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر، فدبر أحدهم وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر. م: (ثم أعتقه الآخر وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر.. م: (فإن أرادوا الضمان) . ش: إنما قال أرادوا بضمير الجمع على سبيل التغليب، وهذا لأن المعتق لا يريد الضمان، ولا يريد الضمان إلا الساكت والمدبر بكسر الباء. (فللساكت أن يضمن المدبر) ش: بكسر الباء م: (ولا يضمن المعتق، وللمدبر) ش: بكسر الباء م: (أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبراً) . ش: أي ثلث قيمة العبد حال كونه مدبراً. م: (ولا يضمنه) . ش: أي ولا يضمن المعتق. م: (الثلث الذي ضمن) . ش: بيان ذلك أن قيمة العبد إذا كانت سبعة وعشرين وهما مثلاً، فللساكت أن يضمن المعتق ستة، وذلك أن قيمة المدبر ثلث(6/49)
وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: العبد كله للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا. وأصل هذا أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما كالإعتاق؛ لأنه شعبة من شعبه، فيكون معتبرا به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قيمة القن، فالتدبير تلفت تسعة، فكان الإتلاف واقعاً على قيمة المدبر فللمعتق تلك الستة فقط، ويضمن التسعة التي هي نصيب الساكت مع تلك الستة التي يضمنه إياها.
م: (وهذا عند أبي حنيفة) . ش: أوضح الأترازي مذهب أبي حنيفة بقوله: اعلم أن العبد بين ثلاثة إذا دبره أحدهم وأعتقه الآخر، وهما مدبران كان للساكت أن يضمن المدبر ثلث قيمته قناً ويرجع به المدبر على العبد. نص عليه الحاكم في " الكافي "، وليس له أن يضمن المعتق لأنه لو ضمنه كان الملك له بالضمان والمدبر بفتح الباء ليس بقابل للملك سوى المدبر، وإنما يضمن الساكت المدبر إذا كان موسراً، وإن شاء استسعى العبد فيه لأنه أفسد تدبيره فيضمنه، ومالية العبد احتسب عند العبد فيستسعيه، أما إذا كان المعتق معسراً فللمدبر استسعاء العبد دون التدبير.
كذا قاله الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير "، وليس للمدبر أن يرجع على المعتق بالثلث الذي ضمن للساكت، لأن ملك المدبر في ذلك الثلث ثابت من وجه دون وجه وذلك لأنه ثبت مستنداً بأداء الضمان، فبالنظر إلى أداء الضمان يثبت به الملك، فلما كان ذلك لم يظهر في حق التضمين، ثم الساكت إذا اختار تضمين المدبر كان ثلث الولاء للمدبر، والثلث للمعتق فإن اختار سعاية العبد كان الولاء بينهم أثلاثاً، وبه صرح الفقيه، وهذا كله قول أبي حنيفة.
م: (وقالا: العبد كله للذي دبره أول مرة) . ش: يعني لما دبره أحدهم صار كل مدبراً له، والعتق باطل لأن التدبير عندهما لا يتجزأ كالإعتاق عندهما. م: (ويضمن) . ش: أي المدبر. م: (ثلثي قيمته لشريكيه) . ش: المعتق والساكت سواء. م: (موسراً كان) . ش: أي المدبر. م: (أو معسراً) . ش: أي أو كان معسراً، والولاء كله للمدبر، وإنما يقع الفرق بين العتق والتدبير في حرف، وهو أن المعتق لا يضمن إذا كان معسراً.
وفي التدبير يضمن، وإن كان معسراً لأنه لما دبره فقد ملك كله، لأنه يملك خدمته فصار وجوب الضمان بالبدل والضمان إذا كان بالبدل استوى فيه العسر واليسر كجارية بين رجلين جاءت بولد، فادعاه أحدهما صارت أم ولده فيضمن نصف قيمتها، ونصف عقرها موسراً كان أو معسراً واستمتاعها بخلاف ضمان الإعتاق، فإنه ضمان إتلاف لا ضمان تملك، لأنه لا يحصل البدل بالضمان فاختلف بالعسر واليسر، وإن كان غنياً ضمن وإن كان فقيراً سعى العبد.
م: (وأصل هذا) . ش: الخلاف. م: (أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة خلافاً لهما كالإعتاق) . ش: فإنه يتجزأ عنده خلافاً لهما. م: (لأنه. ش: أي لأن التدبير. م: (شعبة من شعبه) . ش: أي من شعب الإعتاق. م: (فيكون معبراً به) . ش: أي بالإعتاق يعني يتجزأ كما يتجزأ الإعتاق.(6/50)
ولما كان متجزئا عنده اقتصر على نصيبه، وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين، فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه، أو يعتق أو يكاتب، أو يضمن المدبر أو يستسعى العبد أو يتركه على حاله؛ لأن نصيبه باق على ملكه فاسدا بإفساد شريكه حيث سد عليه طريق الانتفاع به بيعا وهبة على ما مر، فإذا اختار أحدهما العتق تعين حقه فيه وسقط اختيار غيره فتوجه للساكت سببا لضمان تدبير المدبر وإعتاق هذا المعتق، غير أن له أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا، وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير ولا يمكن ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولما كان) . ش: أي التدبير. م: (متجزئاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (اقتصر على نصيبه) . ش: أي على نصيب المدبر. م: (وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين) . ش: وهما المعتق والساكت. م: (فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر) . ش: بكسر الباء. م: (أو يستسعى العبد أو يتركه على حاله لأن نصيبه) . ش: أي نصيب كل واحد من الآخرين. م: (باق على ملكه فاسداً) . ش: أي حال كونه فاسداً. م: (بإفساد شريكه) . ش: أي شريك كل واحد منهما، وأراد بالشريك المدبر. م: (حيث سد عليه) . ش: أي حيث سد المدبر على كل واحد منهما. م: (طريق الانتفاع به) . ش: أي بالعبد. م: (بيعاً) . ش: أي من حيث البيع. م: (وهبة) . ش: أي من حيث الهبة، وكذلك من حيث الوصية، والصدقة والإمهار. م: (على ما مر) . ش: إشارة إلى قوله، لأن العتق جائز عليه بإفساد نصيبه حيث امتنع عليه البيع والهبة ونحو ذلك، وذكره في المسألة الثانية من هذا الباب.
م: (فإذا اختار أحدهما) . ش: أي أحد الآخرين وهما المعتق والساكت. م: (العتق تعين حقه فيه. ش: أي في العتق يعني فقد منه لمصادفة ملكه لكونه متجزئاً عنده. م: (وسقط اختيار غيره) . ش: أي غير العتق من السعاية والكتابة والتضمين وغيرها. م: (فتوجه للساكت سبباً لضمان) . ش: وفسرهما بقوله. م: (تدبير المدبر، وإعتاق هذا المعتق) . ش: يعني أن كل واحد منهما سبب الضمان. م: (غير أن له) . ش: أي للساكت. م: (أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل) . ش: أي ضمان المعاوضة هو الأصل في الضمان، لأن الضمان يقتضي أن يصير المضمون ملكاً للضامن ولا يكون ذلك إلا في ضمان المعاوضة لا في ضمان الجناية، وإتلاف وضمان المدبر ضمان معاوضة.
م: (حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا) . ش: وقال الكاشاني في الدليل على أن الغصب ضمان معاوضة: مسألة المأذون، وهي أن إقراره بالغصب يصح أيضاً مع إقراره بالضمان لإتلاف مؤخر إلى ما بعد العتق، وإذا كان الأصل في الضمانات ضمان معاوضة في الغصب مع أنه عدوان ففي الإعتاق وهو مشروع أولى فلا يترك هذا الأصل، أي ضمان الجناية إلا لضرورة العجز. م: (وأمكن ذلك) . ش: أي ضمان المعاوضة. م: (في التدبير) . ش: أي في ضمان التدبير. م: لكونه قابلاً للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير، ولا يمكن ذلك) . ش: أي النقل من ملك إلى ملك. م: (في(6/51)
في الإعتاق، لأنه عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال، فلهذا يضمن المدبر، ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا؛ لأنه أفسد عليه نصيبه مدبرا، والضمان يتقدر بقيمة المتلف وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإعتاق، لأنه عند ذلك) . ش: أي عند الإعتاق. م: (مكاتب أو حر) . ش: وفي بعض النسخ، لأنه عند ذلك مدبر. م: (على اختلاف الأصلين) . ش: يعني أن يعتق بعض العبد مكاتب عند أبي حنيفة، وعندهما حر عليه دين.
وقال الإمام جلال الدين - ابن المصنف - قوله - مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين - غير مستقيم وكذا قوله. م: (ولا بد من رضا المكاتب) . ش: نتيجة، لأنه عند الإعتاق ليس بمكاتب ولا حر، وإنما يصير كذلك بعد الإعتاق والمستسعي عند أبي حنيفة، وإن كان بمنزلة المكاتب إلا أنه لا ينفسخ بالعجز ولا بالتفاسخ، إنما الصحيح أن يقال: لأنه عند ذلك مدبر. وقال الأكمل: للساكت حق الاستسعاء بمنزلة المكاتب، كما أن فيه حق البيان كذلك على ما سيجيء في هذا الكتاب في مسألة الثابت والخارج والداخل، لأن للمولى حق بيان الإيجاب في كل واحد من الثابت والخارج، فما دام له حق البيان كان كلاً منهما حراً من وجه، عبداً من وجه، فكان الثابت كالمكاتب، فكذا هنا ما دام له حق السعاية في المدبر كان بمنزلة المكاتب.
وأما أن الكتابة تقبل الفسخ فقد تقدم في فصل كفارة الظهار، وإنما تنفسخ بمقتضى الإعتاق، فكذا تنفسخ بالتراضي، ولا بد من رضا المكاتب. م: (بفسخه حتى يقبل الانتقال فلهذا) . ش: أي فلأجل كون المدبر عند الإعتاق غير قابل للانتقال. م: (يضمن المدبر) . ش: أي يضمن للساكت المدبر بكسر الباء.
م: (ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته) . ش: حال كونه. م: (مدبراً لأنه) . ش: أي لأن المعتق. م: (أفسد عليه) . ش: أي على المدبر. م: (نصيبه) . ش: حال كونه. م: (مدبراً) . ش: أراد نصيبه: (والضمان يتقدر بقيمة المتلف) . ش: يعني منهما كان قيمته ما أتلف يلزم ذلك. م: (وقيمة المدبر ثلثا قيمته قناً) . ش: أي من حيث كونه قناً. وقد مر بيان ذلك عند قوله - ولا يضمن المعتق الثلث الذي ضمن - وفي قيمة المدبر اختلافاً للمشايخ، قال البلخي: قيمته نصف قيمة القن، لأنه ينتفع بالمملوك على وجهين بعينه وببدله، فالانتفاع ببدله فائت، والانتفاع بعينه باق، كذا في " النوازل ".
وقال بعضهم: تمام قيمة القن، وقال الصدر الشهيد: هذا غير سديد، وذكر الإمام السعدي في " فوائده " قيمته ثلاثة قيمته، وقد مر.
وقال بعضهم: قيمته قيمة الخدمة ينظر كم يستخدم هو مدة عمره من حيث التحري والظن، كذا في " التتمة " " والفتاوى الصغرى "، وقيل: يسأل عن أهل الخبرة أي العلماء لو جوزوا بيعه بكم اشتري هذا المدبر يجب ما قالوا. وقيل: يقوم ما كانت المنافع التي تفوت بالتدبير، وإليه(6/52)
على ما قالوا، ولا يضمنه قيمة ملكه بالضمان من جهة الساكت؛ لأن ملكه ثبت مستندا، وهذا ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين
والولاء بين المعتق والمدبر أثلاثا، ثلثاه للمدبر والثلث للمعتق؛ لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار، وإذا لم يكن التدبير متجزئا عندهما صار كله مدبرا للمدبر، وقد أفسد نصيب شريكه لما بينا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أشار محمد في بعض الكتب ولم ينقل من المتقدمين في معرفة قيمة المكاتب شيء. وأشار محمد في جنايات الجامع إلى أن قيمته أقل من قيمة القن، ولم يبين بمقداره، وقيل ينبغي أن يكون النصف قيمة أم الولد ثلث قيمة القن.
وفي " الذخيرة " لو قال بعض المشايخ ينظر بكم تستخدم مدة عمرها. وقيل سئل أهل العلم أن العلماء لو جوزوا بيعها بكم تشترى فيجب ذلك المقدار.
م: (على ما قالوا) . ش: إشارة إلى اختلاف المشايخ الذي بيناه. وقال الكاكي: إشارة إلى أن فيه خلافاً. م: (ولا يضمنه) . ش: أي ولا يضمن المدبر المعتق. م: (قيمة ملكه بالضمان) . ش: هو الثلث. م: (من جهة الساكت لأن ملكه) . ش: أي ملك المدبر. م: (ثبت مستنداً) . ش: إلى وقت التدبير. م: (وهو ثابت من وجه) . ش: أي ينظر إلى حال أداء الضمان. م: (دون وجه) . ش: أي ليس بثابت من وجه ينظر إلى حال التدبير. م: (فلا يظهر في حق التضمين) . ش: أي في حق تضمين المعتق.
فإن قيل: قوله ثابت من وجه دون وجه يشكل بما قالوا إذا أعتق أحد الشريكين، وهو موسر يؤدي المعتق الضمان ثم يرجع على العبد بما ضمن الساكت مع أن العبد ثالثهما، قلنا: المعتق بأداء الضمان قام مقام الشريك وللشريك ولاية الاستسعاء، فكذا من قام مقامه. وقيل: يرد عليه ما لو هلك المدبر في يد غاصب الغاصب، وضمنه الغاصب حيث يرجع على الثاني، وإن كان ملكه ثبت مستنداً.
أجيب: بأن الغاصب قام مقام المالك في ضمان الحيلولة وللمالك أن يضمن غاصب الغاصب، فكذا من قام مقامه.
[جارية بين اثنين فجاءت بولد فادعاه أحدهما]
م: (والولاء بين المعتق والمدبر) . ش: بكسر الباء، أي بين المعتق وعصبة المدبر، لأن العتق لا يحصل للمدبر إلا بعد موت مولاه. م: (أثلاثاً، ثلثاه) . ش: أي ثلثا الولاء. م: (للمدبر والثلث للمعتق، لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار) . ش: لأن المدبر عتق عليه الثلث من جهة ملكه من الساكت والثلث الآخر نصيبه في الأصل، وهذا إذا اختار الساكت تضمين المدبر، أما إذا اختار سعاية العبد فالولاء بينهم جميعاً أثلاثاً لكل واحد منهم الثلث.
م: (وإذا لم يكن التدبير متجزئاً عندهما صار كله) . ش: أي كل العبد: (مدبراً) . ش: بفتح الباء. م: (للمدبر) . ش: بكسر الباء، أي بعصبة المدبر. م: (فقد أفسد نصيب شريكه لما بينا) . ش: أراد به عند قوله فيما مضى عن قريب العبد الذي دبره أول مرة، ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسراً كان أو معسراً(6/53)
فيضمنه. ولا يختلف باليسار والإعسار، لأنه ضمان تملك فأشبه الاستيلاد، بخلاف الإعتاق لأنه ضمان جناية، والولاء كله للمدبر وهذا ظاهر. قال:
وإذا كانت جارية بين رجلين زعم أحدهما أيضا أم ولد لصاحبه، وأنكر ذلك الآخر فهي مرقوقة يوما ويوما تخدم للمنكر عند أبي حنيفة، وقالا: إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها ثم تكون حرة ولا سبيل عليها. لهما أنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه كأنه استولدها فصار كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا حكم هذا، فتمتنع الخدمة ونصيب المنكر على زعمه في الحكم فيخرج إلى الإعتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيضمنه) . ش: أي فيضمن نصيب شريكيه. م: (ولا يختلف) . ش: أي الضمان. م: (باليسار والإعسار) . ش: يعني يضمن مطلقاً سواء كان موسراً أو معسراً. م: (لأنه) . ش: أي لأن هذا الضمان. م: (ضمان تملك فأشبه الاستيلاد) . ش: أي فأشبه هذا الضمان ضمان الاستيلاد، فإن كانت جارية بين اثنين، فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه، ويضمن قيمتها لشريكه.
م: (بخلاف الإعتاق) . ش: أي بخلاف ضمان الإعتاق. م: (لأنه ضمان جناية والولاء كله للمدبر وهذا ظاهر) . ش: فتختلف باليسار والإعسار، واعترض بأن قولهم ضمان الجناية باليسار والإعسار أردتم مطلق ضمان الجناية أو الجناية بالإعتاق، والأول مردود بأن كسر جرة إنسان مثلاً أو أتلف ملكاً من أملاكه، فإنه يجب عليه الضمان موسراً كان أو معسراً. والثاني تحكم.
وأجيب: بأن المراد الثاني والحكم مدفوع لثبوته بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الرجل يعتق نصيبه إن كان غنياً ضمن. وإن كان فقيراً سعى العبد في حصة الآخر، فلا يقاس عليه غيره، فيكون على خلاف القياس. م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " وليس لفظ. م: (قال) . ش: في كثير من النسخ.
م: (وإذا كانت جارية بين رجلين زعم أحدهما أنها أم ولد لصاحبه، وأنكر ذلك الآخر فهي مرقوقة يوماً) . ش: المراد من كونها مرقوقة يوماً أن يرفع عنها الخدمة يوماً، وأن يكون للمقر عليها سبيل بالاستسعاء. م: (ويوما تخدم للمنكر عند أبي حنيفة) . ش: قال الكاكي: واختلف المشايخ في الخدمة للمنكر هل تخدم عندهما، والصحيح أنها لا تخدم.
م: (وقالا: إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها، ثم تكون حرة، ولا سبيل عليها) . ش: يعني للمقر بالاستسعاء. م: (لهما) . ش: أي لأبي يوسف ومحمد. م: (أنه) . ش: أي المقر. م: (لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه) . ش: أي على نفسه فصار. م: (كأنه استولدها فصار) . ش: حكم هذا. م: (كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا حكم هذا) . ش: مثل ذلك. م: (فتمتنع الخدمة) . ش: للمقر لأنها أم ولد لغيره في زعمه. م: (ونصيب المنكر على زعمه في الحكم، فيخرج إلى الإعتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت) . ش: وهو تلميذ ظفر الدين المرغيناني في نصف كسبها للمنكر، ونصفه مرقوق ونفقتها في كسبها، وإن لم يكن لها كسبه(6/54)
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المقر لو صدق كانت الخدمة كلها للمنكر ولو كذبه كان له نصف الخدمة فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف ولا خدمة للشريك الشاهد ولا استسعاء؛ لأنه يتبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاء والضمان.
والإقرار بأمومية الولد يتضمن الإقرار بالنسب، وهو أمر لازم ولا يرتد بالرد فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد، وإن كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما، وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يضمن نصف قيمتها؛ لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده ومتقومة عندهما، وعلى هذا الأصل تبتني عدة من المسائل أوردناها في كفاية المنتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فنصف نفقتها على المنكر، لأن نصف الجارية للمنكر بيقين.
م: (ولأبي حنيفة أن المقر لو صدق) . ش: بتخفيف الدال. م: (كانت الخدمة كلها للمنكر) . ش: لأنها أم ولد له. م: (ولو كذبه) . ش: بتخفيف الذال، أي المقر، ولو كذبه. م: (كان له نصف الخدمة) . ش: لأنها قنة بينهما. م: (فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف) . ش: ويكون النصف الآخر مرقوقاً. م: (ولا خدمة للشريك الشاهد، ولا استسعاء لأنه يتبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاد والضمان) . ش: أما تبرؤه عن الخدمة فبدعوى الاستيلاد، وأما عن الاستسعاء فبدعوى الضمان، وفي كلامه لف ونشر على ما ترى.
[كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما]
م: (والإقرار بأمومية الولد) . ش: هذا جواب عن قولهما انقلب إقرار المقر عليه، كأنه استولدها، تقديره أن الإقرار أحد الشريكين بأمومية الولد. م: (يتضمن الإقرار بالنسب وهو) . ش: أي الإقرار بالنسب. م: (أمر لازم لا يرتد بالرد) . ش: أن الرجل إذا أقر بنسب صغير لرجل وكذبه المقر به، ثم إن ذلك المقر نسب ذلك الصغير لنفسه لا يصح، لأن النسب لا يرتد بالرد. م: (فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد، وإن كانت أم ولد بينهما) . ش: أي بين اثنين. م: (فأعتقها أحدهما وهو موسر) . ش: أي والحال أنه موسر. م: (فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة) .
م: (وقالا يضمن نصف قيمتها، لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (ومتقومة عندهما) . ش: وهذا هو الأصل في المسألة وقول سائر الفقهاء كقولهما. م: (وعلى هذا الأصل تبتنى عدة من المسائل التي أوردناها في " كفاية المنتهى ") . ش: و " كفاية المنتهى " اليوم مفقود، ولكن المسائل التي تبتنى على الأصل مشهورة مذكورة في الكتب، منها إذا مات أحدهما لا تسعى للآخر عنده، وعندهما تسعى، ومنها إذا ولدت بعد ذلك فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وعتق، ولا يضمن من قيمته شيئاً لشريكه عنده، وعندهما يضمن لشريكه نصف قيمته إن كان موسراً أو يسعى الولد في النصف إذا كان معسراً، ومنها لو غصبه غاصب فماتت في يده لا يضمنها عنده ويضمنها عندهما. وفي كوفي الرقبات يضمن عنده في الغصب كما يضمن بالصبي الحر، حتى لو قربها إلى سبع فافترسها يضمن، لأنه ضمان جناية لا ضمان غصب، ويضمن بالقتل(6/55)
وجه قولهما: أنها منتفع بها وطئا وإجارة واستخداما، وهذا دلالة التقوم وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها كما في المدبر، ألا ترى أن أم الولد النصراني إذا أسلمت عليها السعاية، وهذا آية التقوم غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات منفعة البيع والسعاية بعد الموت، بخلاف المدبر لأن الفائت منفعة البيع، أما السعاية والاستخدام فباقيان، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التقوم بالإحراز، وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع له، ولهذا لا تسعى للغريم ولا لوارث، بخلاف المدبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالاتفاق، لأنه ضمان جناية.
ومنها أنه لو باعها وسلمها فماتت في يد المشتري لم يضمن عنده، وعندهما يضمن، ومنها أن الأمة الحبلى إذا بيعت فولدت لأقل من ستة أشهر ثم ماتت الأم عند المشتري فادعى البائع الولد يصلح، وعليه أن يرد جميع الثمن عنده، وعندهما يحبس ما يخصه من الثمن.
م: (وجه قولهما أنها) . ش: أي أن أم الولد. م: (منتفع بها وطئاً) . ش: يعني من حيث الوطء. م: (وإجارة) . ش: يعني من حيث الإجارة. م: (واستخداماً، وهذا دلالة التقوم) . ش: يعني من حيث الاستخدام، لأن هذه الأفعال لا تكون إلا بملك اليمين فيها لعدم العقد وملك اليمين لا يكون إلا في مال متقوم. م: (وبامتناع بيعها) . ش: وهذا جواب عما يقال إن بيعها ممتنع، وذلك دليل على عدم التقوم. وأجاب - وبامتناع بيعها - أي بيع أم الولد. م: (لا يسقط تقومها، كذا في المدبر) . ش: فإنه يمنع بيعه، وهو متقوم، وكذا بيع الآبق.
ثم أوضح ذلك بقوله. م: (ألا ترى أن أم ولد النصراني إذا أسلمت عليها السعاية) . ش: بالاتفاق، والسعاية إنما تكون إذا بقي التقويم. م: (وهذا) . ش: أي وجوب السعاية. م: (آية التقويم) . ش: أي علامة التقويم. م: (غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة) . ش: يعني من حيث كونها قنة. م: (على ما قالوا) . ش: أي على ما قال مشايخنا. م: (لفوات منفعة البيع والسعاية بعد الموت) . ش: أي موت المولى، فإنها لا تسعى للغرماء ولا للورثة. م: (بخلاف المدبر، لأن الفائت فيه منفعة البيع، أما السعاية والاستخدام فباقيان) . ش: فإنه يسعى للغرماء ويخدم مولاه إلى أن يموت.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التقوم بالإحراز) . ش: بالاقتناء للمتمول، ألا ترى أن العبد قبل الإحراز لا يكون مالاً متقوماً، والآدمي في الأصل ليس بمال ويصير مالاً بإحرازه على قصد التمول ويثبت ملك المتعة تبعاً، فإذا حصنها واستولدها ظهر أن إحرازه لها لملك المتعة لا لقصد التمول، فصار في صفة المالية، لأن الإحراز لم يولد أصلاً فلا يكون متقوماً. م: (وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع له) . ش: أي للنسب، يعني أنها كانت تجوز للمالية والتقوم قبل الاستيلاد، فلما جوز هذا الاستيلاد للنسب كان الإحراز بالتقوم تابعاً لأنه ظهر أن إحرازه كان للنسب. م: (ولهذا) . ش: أي ولكونها تحرزاً للنسب. م: (لا تسعى للغريم، ولا لوارث بخلاف المدبر)(6/56)
وهذا لأن السبب فيها متحقق في الحال، وهو الجزئية القائمة بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة الانتفاع، فعمل السبب في إسقاط التقوم، وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت، وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصوده فافترقا، وفي أم ولد النصراني قضينا بمكاتبتها عليه دفعا للضرر من الجانبين بدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: ثم أوضح عدم وجوب السعي عليها والفرق بين أم الولد والمدبر بقوله. م: (وهذا) . ش: إشارة إلى الفرق بينهما. م: (لأن السبب فيها) . ش: أي لأن سبب الحرية في أم الولد. م: (متحقق في الحال وهو الجزئية القائمة) . ش: بين المولى وأم الولد. م: (بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة) . ش: لأنه لما حصل الولد من بابين بحيث لا يتمازج أحدهما من الآخر صار أصوله وفروعه كأصولها وفروعها وبالعكس وثبوت الحرية يقتضي عدم التقوم، لان الإرقاق حرام. م: (إلا أنه لم يظهر عمله) . ش: أي غير أن سبب الحرية لم يظهر عمله. م: (في حق الملك) . ش: ولم تعتق حقيقة لأجل. م: (ضرورة الانتفاع بها) . ش: بالإجماع إذا قصده أن يكون فراشه إلى وقت موته. م: (فعمل السبب في إسقاط التقوم، وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت) . ش: أي سبب الحرية بعد الموت.
قال الأترازي: وهذا تناقض من المصنف في كلامه، لأنه جعل التدبير هنا سببها بعد الموت وجعله في باب التدبير سبباً في الحال، ومذهب علمائنا أن التدبير في الحال بخلاف سائر التعليقات، فإنها ليست بأسباب في الحال عندنا. قلت هذا ذكره صاحب " الكافي " وليس منه.
م: (وامتناع البيع فيه) . ش: أي في المدبر، وهذا جواب عن قولهما، وبامتناع بيعها لا يسقط تقويمها، وبالقياس على هذا ينبغي أن لا يمتنع بيع المدبر، لأنه إذا كان السبب ينعقد بعد الموت، فلم قلتم بامتناع بيعه، فأجاب بقوله - وامتناع البيع فيه -. م: (لتحقيق مقصوده) . ش: أي مقصود المولى من التدبير وهو الحرية وإن كان السبب لم ينعقد في الحال لم يدل على سقوط التقوم، وإنما ظهر أثر انعقاده في حرمة البيع خاصة. م: (فافترقا) . ش: أي حكم أم الولد والمدبر من الوجه المذكور.
م: (وفي أم ولد النصراني) . ش: جواب عما قاسا عليه. م: (قضينا) . ش: أي حكمنا. م: (بمكاتبتها عليه) . ش: أي على النصراني. م: (دفعاً للضرر من الجانبين) . ش: في حق أم الولد، فلئلا تبقى تحت نصراني وهي مسلمة، وأما في حق النصراني فلئلا يبطل ملكه مجاناً، ولما كانت هي في معنى المكاتبة كان إذنه في معنى بدل الكتابة. م: (بدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم) . ش: أي تقوم ما يقابله، لأنه في الأصل مقابل بفك الحجر، وفك الحجر متقوم، فلذا قلنا: إن مكاتبها لم يقتض مقوم أم ولد النصراني. والله أعلم.(6/57)
باب عتق أحد العبدين ومن كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال: أحدكما حر، ثم خرج واحد منهما ودخل آخر فقال: أحدكما حر ثم مات ولم يبين عتق من الذي أعيد عليه القول ثلاثة أرباعه ونصف كل واحد من الآخرين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذلك إلا في العبد الآخر فإنه يعتق ربعه، أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت، وهو الذي أعيد عليه القول وأوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما، فيصيب كلا منهما النصف غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني ربعا آخر؛ لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل فينتصف بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب عتق أحد العبدين] [عتق أحد العبدين في مرض الموت]
م: (باب عتق أحد العبدين)
ش: أي هذا باب في حكم عتق أحد العبدين، ولما فرغ من بيان إعتاق بعض عبد واحد شرع في إعتاق أحد العبدين، لأن أحدهما بعض أيضاً، لكن قدم الأول لكون الواحد مقدماً على الاثنين.
م: (ومن كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال: أحدكما حر، ثم خرج واحد منهما ودخل آخر فقال: أحدكما حر ثم مات ولم يبين) . ش: أي ثم مات المولى والحال أنه لم يبين ولم يسم كل واحد من العبدين باسم الفعل الذي اتصف به، قلتم: الذي خرج خارج والذي دخل داخل، والذي لم يخرج ثابت، ثم إن كان المولى ما دام حياً يؤمر بالبيان، لأنه هو الجمل ويرجع في البيان إليه ويعتق الذي عينه، فإذا مات قبل البيان. م: (عتق من الذي أعيد عليه القول ثلاثة أرباعه) . ش: أراد بالقول قوله أحدكما حر، وأراد بالذي أعيد عليه القول الثابت. م: (ونصف كل واحد) . ش: أي عتق نصف كل واحد. م: (من الآخرين) . ش: وهما الداخلان والخارج. م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) .
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هو كذلك) . ش: يعني يعتق من الثابت ثلاثة أرباعه، ومن الخارج نصف. م: (إلا في العبد الآخر) . ش: وهو الداخل. م: (فإنه يعتق ربعه، أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت) . ش: بحيث إنه يحتمل أن يراد به هذا أو ذاك، وليس أحدهما بأولى من الآخر فينصف بينهما. م: (وهو الذي) . ش: أي الثابت. م: (أعيد عليه القول) . ش: وهو قوله أحدكما حر. م: (وأوجب عتق رقبة بينهما) . ش: أي بين الداخل والثابت. م: (لاستوائهما) . ش: لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر. م: (فيصيب كلاً منهما النصف، غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني) . ش: وهو قوله أحدكما حر في المرة الثانية. م: (ربعاً آخر، لأن الثاني) . ش: أي الإيجاب الثاني. م: (دائر بينه) . ش: أي بين الثابت. م: (وبين الداخل فينتصف بينهما) . ش: أي بين الثابت والداخل لعدم الأولوية.(6/58)
غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول، فشاع النصف المستحق بالثاني في نصفيه، فما أصاب المستحق بالعتق الأول لغى، وما أصاب الفارغ بقي فيكون له الربع فتمت له ثلاثة الأرباع، ولأنه لو أريد هو بالثاني يعتق نصفه، ولو أريد به الداخل لا يعتق هذا النصف فينتصف النصف فيعتق منه الربع بالثاني والنصف بالأول، وأما الداخل فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لما دار الإيجاب الثاني بينه وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع فكذلك يصيب الداخل وهما يقولان إنه دائر بينهما، وقضية التنصيف، وإنما نزل أي الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا، ولا استحقاق الداخل من قبل فيثبت فيه النصف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول فشاع النصف المستحق بالثاني) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (في نصفيه، فما أصاب المستحق) . ش: بفتح الحاء، أي المستحق. م: (بالعتق الأول) . ش: أي بالإيجاب الأول. م: (لغى) . ش: أي الذي أصاب من النصف الشائع النصف المستحق الأول لغى، لأن تحرير الحر محال. م: (وما أصاب الفارغ بقي) . ش: أي وما أصاب غير المستحق بقي وصح. م: (فيكون له الربع) . ش: فينتصف النصف الشائع، فيعتق بالإيجاب الثاني ربع الثابت، وبالإيجاب الأول نصفه. م: (فتمت له) . ش: أي للثابت. م: (ثلاثة الأرباع، ولأنه) . ش: أي ولأنه. م: (لو أريد هو) . ش: أي الثاني. م: (بالثاني) . ش: أي الإيجاب الثاني. م: (يعتق نصفه الباقي، ولو أريد به) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (الداخل لا يعتق هذا النصف) . ش: أي النصف الباقي من الثابت، فإذا يعتق من الثابت نصفه الباقي في حال دون حال.
م: (فينتصف النصف، فيعتق منه الربع بالثاني) . ش: أي بالإيجاب الثاني. م: (والنصف بالأول) . ش: أي يعتق النصف بالإيجاب الأول.
م: (وأما الداخل فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول لما دار الإيجاب الثاني بينه) . ش: أي بين الداخل. م: (وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع) . ش: بالاتفاق. م: (فكذلك يصيب الداخل) . ش: يعني الربع. م: (وهما) . ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (يقولان إنه دائر بينهما) . ش: أي الإيجاب الثاني دائر بين الداخل والثابت. م: (وقضية التنصيف) . ش: أي قضية هذا الدوران يكون بينهما التنصيف لاستوائهما. م: (وإنما نزل أي الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا) . ش: أي عند قوله - لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل فينتصف - أي يجعل بينهما النصف. م: (ولا استحقاق الداخل من قبل) . ش: أي من قبل ذلك. م: (فيثبت فيه النصف) . ش: أي يثبت في حق الداخل النصف.
حاصل هذا أن الإيجاب الثاني لو أريد به الداخل عتق، ولو أريد به الثابت يعتق الباقي منه، ولا يعتق الداخل، فإذا عتق الداخل في حال دون حال فيتنصف عتق العتق بينهما، فيعتق نصف الداخل.(6/59)
قال: فإن كان القول منه في المرض قسم الثلث على هذا وشرح ذلك أن يجمع بين سهام العتق، وهي سبعة على قولهما لأنا نجعل كل رقبة على أربعة لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فنقول: يعتق من الثابت ثلاثة أسهم، ومن الآخرين من كل واحد منهما سهمان، فيبلغ سهام العتق سبعة،
والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفاذها الثلث، فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك، فيجعل كل رقبة على سبعة، وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة، ويسعى في أربعة، ويعتق من الباقين من كل واحد منهما سهمان ويسعى في خمسة، فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجعل كل رقبة على ستة لأنه يعتق من الداخل عنده سهم فنقصت سهام العتق بسهم وصار جميع المال ثمانية عشر، وباقي التخريج ما مر، ولو كان هذا في الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (فإن كان القول منه) . ش: أي فإن كان القول المذكور من المولى. م: (في المرض قسم الثلث على هذا) . ش: على ما ذكر. م: (وشرح ذلك أن يجمع بين سهام العتق، وهي سبعة أسهم) . ش: وصايا العبيد الثلاثة سبعة، لأن العتق وصية، والوصية تنفذ من الثلث، فيضرب كل بقدر وصيته. م: (على قولهما) . ش: أي على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -،. م: (لأنا نجعل كل رقبة على أربعة) . ش: أسهم. م: (لحاجتنا إلى ثلاثة أرباع، فنقول يعتق من الثابت ثلاثة أسهم، ومن الآخرين) . ش: بفتح الخاء، وأراد بهما الداخل والخارج. م: (من كل واحد منهما سهمان فيبلغ سهام العتق سبعة) .
م: (والعتق في مرض الموت وصية) . ش: وكل وصية. م: (ومحل نفاذها الثلث فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك، فيجعل كل رقبة على سبعة أسهم) . ش: فإذا كان الثلث سبعة وثلثاه أربعة عشر. م: (وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة) . ش: أسهم. م: (ويسعى في أربعة) . ش: أشهر. م: (ويعتق من الباقين) . ش: وهما الخارج والداخل. م: (من كل واحد منهما سهمان) . ش: أي يعتق سهمان. م: (ويسعى) . ش: أي كل واحد منهما. م: (في خمسة أسهم، فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان) . ش: لأن سهام الوصايا سبعة، وسهام السعايا أربعة عشر.
م: وعند محمد يجعل كل رقبة على ستة، لأنه يعتق من الداخل عنده) . ش: أي عند محمد. م: (سهم فنقصت سهام العتق بسهم، وصار جميع المال ثمانية عشر) . ش: لأن الخارج يضرب بسهمين، والثابت ثلاثة أسهم، والداخل سهم فكان سهام الوصايا ستة، فإذا كانت الثلث ستة كان جميع المال ثمانية عشر لا محالة. م: (وباقي التخريج ما مر) . ش: يعني يعلم مما مر، فالخارج يعتق منه سهمان ويسعى في أربعة، والثالث يعتق منه الثلاثة ويسعى في ثلاثة، والداخل يعتق منه سهم ويسعى في خمسة، فكان نصيب السعاية وهو نصيب الورثة اثني عشر سهماً، وسهام الوصايا ستة.. م: (ولو كان هذا) . ش: أي هذا الكلام. م: (في الطلاق) . ش: وهي مسألة الزيادات يحتج بها(6/60)
وهن غير مدخولات ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه، ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه، ومن مهر الداخلة ثمنه، قيل هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة وعندهما يسقط ربعه، وقيل هو من قولهما أيضا، وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريقاتها في الزيادات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
محمد عليهما وصورته رجل له ثلاث نسوة. م: وهن غير مدخولات) . ش: يعني لم يدخل بهن، فقال لامرأتين منهن إحداكما طالق ثم خرجت واحدة منهن دخلت للثالثة، فقال إحداكما طالق ثم خرجت واحدة منهن ودخلت الثالثة، فقال إحداكما طالق. م: (ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه، ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه، ومن مهر الداخلة ثمنه) . ش: والثمن من الصداق بمنزلة الربع من العتاق، لأن المستحق بالطلاق سقوط على النصف من المستحق بالعتق سوياً في الإيجاب الثاني. م: (قيل: هذا قول محمد خاصة) . ش: فلا يكون حجة عليهما، وكيف يكون حجة. م: (وعندهما يسقط ربعه، وقيل: هو من قولهما أيضا) . ش: أي قول أبي حنيفة، وأبي يوسف فلا بد من الفرق بين العتق والطلاق، فقال م: (وقد ذكرنا الفرق) . ش: أي بين العتاق والطلاق. م: (وتمام) . ش: بالنصب عطفاً على الفرق، أي وذكرنا تمام. م: (تفريقاتها) . ش: أي تفريقات هذه المسألة. م: (في الزيادات) . ش: أي في شرح الزيادات.
أما الفرق فهو أن الثابت في العتق بمنزلة المكاتب، لأنه حين تكلم كان له حق البيان، وصرف العتق إلى أيهما شاء من الثابت والخارج، فما دام له حق البيان كان كل واحد من العبدين حراً من وجه وعبداً من وجه، فإذا كان الثابت كالمكاتب كان الكلام الثاني صحيحاً من كل وجه، لأنه دار بين المكاتب والعبد، إلا أنه أصاب الثابت منه الربع، والداخل النصف.
وأما الثابتة في الطلاق فمترددة بين أن تكون منكوحة وبين أن تكون أجنبية، لأن الخارجة إن كانت المرادة بالإيجاب الأول كانت الثانية منكوحة فيصبح الإيجاب الثاني، وإن كانت الثانية هي المرادة بالإيجاب الأول كانت المعينة، فيلغو الإيجاب الثاني، فجعلت أجنبية من وجه، فيصح الإيجاب الثاني من وجه دون وجه فيسقط نصف المهر، وهو الربع موزعاً بين مهر الداخلة والثابتة فيصيب كل واحدة منهن الثمن.
وأما التفريعات فمنها أن المولى إذا لم يمت ومات الثابت عتق الخارج والداخل، أما الخارج فلأن الكلام الأول أوجب عتق رقبة بينه وبين الثابت، فبطلت مزاحمة الثابت، وكذلك الكلام الثاني أوجب عتق رقبة بين الثابت والداخل فبطلت مزاحمة الثابت، هذا عندهما، وأما عند محمد فإنما يعتق الخارج لما قلنا، وأما الداخل فلأن الثابت لما تعين للرق بالمؤنة ظهر أن الكلام صحيح بكل حال، فصار قوله كقولهما، ومنها أن الداخل إذا مات قبل المولى أو وقع العتق على أيهما شئت من الخارج والثابت. فإن أوقعه على الخارج عتق الثابت أيضاً، لأنه ظهر أنه كان عبداً عند الإيجاب الثاني، فبطل مزاحمة الداخل بموته، فإن أوقع العتق الأول على الثابت لم يعتق الخارج بلا شبهة، أو كذا الداخل لأن المضموم إليه الحر.(6/61)
ومن قال لعبديه: أحدكما حر فباع أحدهما أو مات، أو قال له: أنت حر بعد موتي عتق الآخر؛ لأنه لم يبق محلا للعتق أصلا بالموت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذكر في شرح الزيادات هذا عند محمد، فأما عندهما يجب أن الخارج الثابت، لأن الكلام الثاني صحيح معين له الثابت بالكلام الأول، وبطل الكلام الثاني، لأن المضمون إليه حر، وهاهنا أن المولى إذا لم يمت ولا العبد أيضاً، وبين المولى فإن عين الخارج بالكلام الأول خير في الآخرين، لأن الكلام الثاني صحيح بكل حال على هذا الوجه، وإن عين الثابت بقي الخارج وكذا الداخل لأن المضموم إليه حر، أو إن عين الثابت بالكلام الثاني عتق الخارج بكلام الأول ولم يعتق الداخل وإن بين الداخل بالكلام الثاني في تعيين الخارج والثابت بالكلام الأول منها ميراث النساء وهو الربع والثمن يقسم بين الداخلة، والأولين نصفين نصف الداخلة لأنه لا يزاحمها إلا أحد الأوليين والنصف الآخرين الأوليين، لأن إحداهما ليست بأولى.
ومنها أن الثابت إذا ماتت والزوج حي طلقت الخارجة والداخلة لانعدام المزاحمة، ولكل واحدة ثلاثة أربع المهر، فإن ماتت الداخلة كانت تخييراً في الأخريين بالكلام الأول فإن أوقعه على الخارجة طلقت الثابت أيضاً لانعدام مزاحمة الداخلة بالموت، وإن أوقعه على الثابتة لم تطلق الخارجة، وإن ماتت الخارجة طلقت الثانية ولم تطلق الداخلة.
ومنها أنه إذا لم تمت واحدة منهن لكن الزوج أوقع الطلاق الأول على الخارجة صح الكلام الثاني وله الخيار في تعيين الثابتة أو الداخلة بالثاني إن أوقع الطلاق البائن على الداخلة كان له الخيار في تعيين الخارجة والثابتة بالكلام الأول.
[قال لعبديه أحدكما حر فباع أحدهما أو مات]
م: (ومن قال لعبديه: أحدكما حر فباع أحدهما أو مات) . ش: أي أحدهما. م: (أو قال له:) . ش: أي لأحدهما. م: (أنت حر بعد موتي عتق الآخر) . ش: وهذه من مسائل " الجامع الصغير "، صورتها فيه محمد بن يعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل قال لعبديه أحدكما حر، ثم باع أحدهما قال يعتق الآخر، وإن مات أحدهما عتق الآخر، وكذا لو قال لامرأتيه: إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما طلقت الأخرى. وقال الحاكم الشهيد في " الكافي ": لو قال لعبديه: أحدكما حر ثم مات أحدهما أو قتل أو باعه أو رهنه أو دبره عتق الباقي. م: (لأنه لم يبق محلاً للعتق أصلاً بالموت) .
فإن قيل يشكل بما إذا قال لأمتيه إحداكما ابنتي أو أم ولدي وماتت إحداهما لم تتعين الحرية والاستيلاد في الحية، ذكره التمرتاشي، قلنا: ليس هو إيقاعاً بصيغة بل إخبار، ويجوز أن يخبره بهذا عن الحي والميت، فيرجع إلى بيان الموتى، فأما الإنشاء فلا يصح إلا في الحي، وفي مسألتنا إنما تيقن الآخر بعد الموت، لأن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه فصح البيان في فعل يحتمل الإنشاء والميت لا يحتمل الإنشاء، فتعين الآخر للعتق، كذا في " الإيضاح "، ثم البيان(6/62)
وللعتق من جهته بالبيع، وللعتق من كل وجه بالتدبير فتعين الآخر، ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته، والمقصود أن ينافيا العتق الملتزم فتعين له الآخر دلالة وكذا إذا استولد أحدهما للمعنيين، ولا فرق بين البيع الصحيح والفاسد مع القبض أو بدونه والمطلق وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب، والمعنى ما قلنا، والعرض على البيع ملحق به في المحفوظ عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يثبت صريحاً ودلالة، فالأول كقوله اخترت أن يكون هذا حرا باللفظ الذي قلت، أو يقول: أنت حر بذلك العتق أو يقول: عتقك بالعتق الشائع.
والثاني كما إذا باع أحدهما مطلقاً أو بشرط الخيار لأحد المتبايعين، ولو باع بيعاً فاسداً وقبضه المشتري على ما ذكره في شرح الطحاوي " تحفة الفقهاء " أو لم يقبضه على ما ذكره في " فتاوى الولوالجي " أو كاتب أو دبر أو رهن أو آجر، فإنه يكون بياناً في هذا كله أو استخدم أحدهما أو قطع يد أحدهما أو جنى على أحدهما لا يكون بياناً في قولهم كذا في " شرح الطحاوي ". وإن أعتق أحدهما عتقاً مستأنفاً يعتقان جميعاً، هذا بإعتاقه، وذاك باللفظ السابق، وإن قال عنيت به المعتق باللفظ السابق صدق في القضاء، كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (وللعتق من جهته بالبيع) . ش: أي لم يبق العبد محلاً للعتق من جهة الذي قال أحدكما حر فتعين الآخر. م: (وللعتق من كل وجه بالتدبير) . ش: أي لم يبق العبد محلاً للعتق الملتزم من كل وجه بالتدبير لأن المدبر استحق الحرية. م: (فتعين الآخر) . ش: دلالة. م: (ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته، والمقصود أن ينافيان العتق الملتزم) . ش: أي المقصود بالبيع، وهو الوصول إلى الثمن والمقصود بالتدبير وهو بقاء الانتفاع إلى الموت كلاماً ينافيان العتق الملتزَم بفتح الزاي، لأنه يلزم من إثبات أحدهما عدم الآخر، فلما ثبت التنافي للعتق في أحدهما.
م: (فتعين له الآخر دلالة، وكذا إذا استولد أحدهما للمعنيين) . ش: أي وكذا لتعيين الأخرى للعتق إذا علقت منه، وإنما قيدنا بالعلوق، لأن مجرد الوطء ليس ببيان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في العتق كما سيجيء إن شاء الله تعالى بعد هذا للمعنيين أراد بهما ما قاله في التدبير، وهو عدم بقائها للعتق من كل وجه بعد الاستيلاد لأنها استحقت الحرية وإبقاء الانتفاع إلى الموت.
م: (ولا فرق بين البيع الصحيح والفاسد مع القبض أو بدونه) . ش: أي أو بدون القبض في البيع الفاسد، لأن تصرف الذي يختص في الملك يوجد في الكل. م: (والمطلق) . ش: أي والبيع المطلق عن الخيار أو بشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب أراد بالكتاب " الجامع الصغير ". والمعنى ما قلنا وهو أنه قصد الوصول إلى المثمن والوصول إلى الثمن ينافي العتق فتعين الآخر للعتق.. م: (وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب، والمعنى ما قلنا والعرض على البيع ملحق به) . ش: أي بالبيع. م: (في المحفوظ) . ش: أي في القول المحفوظ. م: (عن أبي يوسف(6/63)
والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع، لأنه تمليك، وكذلك لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما لما قلنا، وكذا لو وطئ إحداهما لما نبين، ولو قال لأمتيه: إحداكما حرة ثم جامع إحداهما لم يعتق الأخرى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: تعتق؛ لأن الوطء لا يحل إلا في الملك، وإحداهما حرة، فكان بالوطء مستبقيا للملك في الموطوءة فتعينت الأخرى لزواله بالعتق كما في الطلاق وله أن الملك قائم في الموطوءة، لأن الإيقاع في المنكرة وهي معينة فكان وطؤها حلالا، فلا يجعل بيانا، ولهذا حل وطؤهما على مذهبه، إلا أنه لا يفتي به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: قال في " شرح الطحاوي ": وروى ابن سماعة عن أبي يوسف إذا ساوم أحدهما يكون بياناً يعني أن الآخر يتعين للعتق. م: (والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع، لأنه تمليك) . ش: قال الأترازي: ولنا فيه نظر، لأنه لم يشترط التسليم في البيع الفاسد أن الملك لا يثبت فيه إلا بعد القبض، وهنا اشترط التسليم، والحق عندي أن لا يشترط التسليم في الفصلين جميعاً لوجود تصرف يختص بالملك فيهما، ولهذا ألحق الحكم فيهما جميعاً انتهى.
قلت: أخذ هذا من صاحب " النهاية "، فإنه قال: ذكر التسليم في قوله والهبة والتسليم والصدقة بمنزلة البيع على وجه التأكيد لا على وجه الشرط.
م: (وكذلك) . ش: أي وكذلك تتعين الأخرى للطلاق. م: (لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما لما قلنا) . ش: أشار به إلى قوله لأنه لم يبق محلاً للطلاق بالموت. م: (وكذا لو وطئ إحداهما) . ش: أي أحد المرأتين لا أحد الأمتين. م: (لما نبين) . ش: أي في المسألة التي بعد هذه. م: (ولو قال لأمتيه إحداكما حرة ثم جامع إحداهما لم يعتق الأخرى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد. م: (وقالا تعتق) . ش: وبه قال الشافعي ومالك في رواية كما في الطلاق، وفيه الاتفاق. م: (لأن الوطء لا يحل إلا في الملك، وإحداهما حرة فكان بالوطء مستبقياً للملك في الموطوءة، فتعينت الأخرى لزواله بالعتق، كما في الطلاق) . ش: بأن قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم وطئ إحداهما كان بياناً، وهذا الخلاف فيما إذا تعلق الأمة الموطوءة، فإذا علقت يكون بياناً عند أبي حنيفة أيضاً، نص عليه الحاكم الشهيد في " الكافي ": ولو قال إحداكما مدبرة ثم وطئ إحداهما لا يكون بياناً بالإجماع، لأن التدبير لا يزيل ملك البائع، كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (وله) . ش: أي ولأبي حنيفة. م: (أن الملك قائم في الموطوءة) . ش: أي في التي توطأ من كل منهما. م: (لأن الإيقاع في المنكرة) . ش: أي لأن إيقاع العتق إنما هو في المنكرة. م: (وهي معينة) . ش: أي الموطوءة معينة غير منكرة. م: (فكان وطؤها حلالاً، فلا يجعل بياناً، ولهذا) . ش: أي ولأجل قيام الملك في الموطوءة. م: (حل وطؤهما) . ش: أي وطء الأمتين جميعاً بعد قوله - لهما - إحداكما حرة. م: (على مذهبه) . ش: أي على مذهب أبي حنيفة. م: (إلا أنه لا يفتي به) . ش: أي بحل وطئهما، وهو استثناء من قوله حل وطؤهما، أي يعمل هذا أو لا يفتي به معتمداً لأبي حنيفة بترك الاحتياط.(6/64)
ثم يقال العتق غير نازل قبل البيان لتعلقه به، أو يقال نازل في المنكرة، فيظهر في حق حكم تقبله والوطء يصادق المعينة بخلاف الطلاق، لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطء يدل على الاستبقاء في الموطوءة صيانة للولد، أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد، فلا يدل على الاستبقاء.
ومن قال لأمته: إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية، ولا يدري أيهما ولد أولا عتق نصف الأم ونصف الجارية والغلام عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم يقال العتق غير نازل) . ش: هذا جواب عما يقال: العتق إما أن يكون نازلاً أو لا، فإن كان غير نازل عن مدلوله، وإن كان نازلاً لا يجوز وطؤها، فأجاب عن كل واحد من الشقين، فقال على الشق الثاني بقوله ثم يقال: للعتق غير نازل. م: (قبل البيان لتعلقه به) . ش: أي لتعليق العتق بالبيان، فإن كان كالعتق المعلق به بدخول الدار هو غير نازل قبل الدخول، فكذا هنا وقال على الشق الأول بقوله. م: (أو يقال نازل في المنكرة فيظهر) . ش: أي العتق النازل في المنكرة. م: (في حق حكم تقبله) . ش: أي المنكر كالبيع، فإن المنكر بفضله بأن يشتري أحد العبدين على أن المشتري بالخيار فيهما، فإنه يصح. م: (والوطء يصادق المعينة) . ش: أي وطء غير المعينة لا يمكن، لأنه هو حسي لا يقع إلا في المعين.
م: (بخلاف الطلاق) . ش: جواب عما يقال كيف يقع بياناً في الطلاق أجاب بقوله بخلاف الطلاق طلاق. م: (لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطء يدل على الاستبقاء في الموطوءة صيانة للولد) . ش: أي لأجل صيانة الولد م: (أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد فلا يدل على الاستبقاء) ش: فلا يصير وطؤها بياناً للعتق في الأخرى.
م: (ومن قال لأمته إن كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة فولدت غلاماً وجارية لا يدري أيهما ولد أولاً عتق نصف الأم ونصف الجارية والغلام عبد) . ش: في " شرح الطحاوي " روي عن محمد أنه قال: لا يعتق واحد منهم.
وفي " المبسوط " ذكر محمد في " الكسانيات " هذا الجواب الذي ذكر ليس بجواب هذا الفصل بل في هذا الفصل لا يحكم بعتق واحد منهم ولكن يخالف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الغلام أولاً، فإن نكل فتكون كإقراره، وإن حلف كلهم أرقاء.
وأما جواب الكتاب ففي فصل آخر، وهو ما إذا قال لأمته: إذا كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما جميعاً ولا يدري الأول فالغلام رقيق، والأمة حرة ويعتق نصف الأم لأنها إذا ولدت الغلام أولاً فهي حرة، والغلام رقيق، وإن ولدت الجارية أولاً فهي حرة والغلام والأم رقيقان فالأم تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها، والغلام عبد بيقين والجارية حرة بيقين، إما بعتق نفسها وبعتق الأم. قال صحاب " النهاية ": هو الصحيح. وقال الأترازي ناقلاً عن " الكافي " وغيره: هذه المسألة على وجوه ستة فلنذكرها ملخصة:(6/65)
لأن كل واحدة منهما تعتق في حال، وهو ما إن ولدت الغلام أول مرة بالشرط والجارية لكونها تبعا لها إذ الأم حرة حين ولدتها وترق في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولا لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة منهما ويسعى في النصف، أما الغلام يرق في الحالين، فلهذا يكون عبدا وإن ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولا وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قوله مع اليمين لإنكاره شرط العتق، فإن حلف لم يعتق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدها: أن يتصادقوا على أنهم لا يدرون أيهما ولد أولاً، يعتق من الغلام والجارية النصف ويسعى كل واحد منهما في النصف.
الثاني: أن تدعي الأم أن الغلام ولد أولاً وأنكر المولى ذلك وقال: إن الجارية هي الأولى وهي صغيرة فالقول قول المولى مع يمينه على العلم، فإن حلف لا يثبت عتق واحدة فإن نكل عتقت الأم والجارية وهي إذا كانت صغيرة تصير الأم خصماً عنها، لكون حريتها نفعاً محضاً، فيعتقا جميعاً قال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير "، وإنما تصح الأم عن البنت ما دامت صغيرة، وإن كانت كبيرة لا يصح.
الثالث: أن يتصادقوا أن الجارية هي التي ولدت أولاً لا يعتق أحد لانعدام شرط المعتق.
الرابع: أن يتصادقوا أن الغلام ولد أولاً تعتق الأم لوجود شرط المعتق، وكذا الجارية تبعا للأم والغلام عبد، لأنه زال عنها في حال الرق، ولا يعتق تبعاً لها.
الخامس: أن تدعي الأم إلى الغلام أول ولم تدع الجارية شيئاً وهي كبيرة حلف المولى على العلم، فإن حلف لا يثبت عتق أحد، وإن نكل عتقت الأم دون الجارية.
السادس: أن تدعي الجارية ولم تدع الأم شيئاً، فإن المولى لا يثبت عن الواحد وإن نكل مع الجارية دون الأم. وقال الحاكم في " مختصر الكافي " ولو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاماً فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما، فإن علم أيهما أول عمل على ذلك، وإن لم تعلم، واتفق الأم والمولى على شيء فكذلك. وإن قال لا تدري فالغلام رقيق والابنة حرة ويعتق نصف الأم.
م: (لأن كل واحدة منهما) . ش: أي من الغلام والجارية. م: (تعتق في حال وهو ما إن ولدت الغلام أول مرة) . ش: عتقت الأم. م: (بالشرط) . ش: أي يعتق الأم بالشرط. م: (والجارية) . ش: أي يعتق الجارية.
م: (لكونها تبعا لها إذ الأم حرة حين ولدتها وترق) . ش: أي الأم. م: (في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولاً لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة منهما ويسعى في النصف، أما الغلام يرق في الحالين، فلهذا يكون عبداً، وإن ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولاً وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قوله مع اليمين) . ش: أي القول قول المولى مع اليمين على العلم. م: (لإنكاره شرط العتق، فإن حلف لم يعتق(6/66)
واحد منهم وإن نكل عتقت الأم والجارية، لأن دعوى الأم حرية الصغيرة معتبرة لكونها نفعا محضا، فاعتبر النكول في حق حريتهما فعتقا، ولو كانت الجارية كبيرة ولم تدع شيئا والمسألة بحالها عتقت الأم بنكول المولى خاصة دون الجارية، لأن دعوى الأم غير معتبرة في حق الجارية الكبيرة وصحة النكول تبتنى على الدعوى، فلم يظهر في حق الجارية، ولو كانت الجارية الكبيرة هي المدعية لسبق ولادة الغلام والأم ساكتة يثبت عتق الجارية بنكول المولى دون الأم لما قلنا، والتحليف على العلم فيما ذكرنا، لأنه استحلاف على فعل الغير وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا من الوجوه في كفاية المنتهى. قال: وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه، فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يكون في وصيته استحسانا ذكره في العتاق، وإن شهدوا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج أن يطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحد منهم، وإن نكل عتقت الأم والجارية لأن دعوى الأم حرية الصغيرة معتبرة لكونها نفعاً محضاً فاعتبر النكول في حق حريتهما فعتقا) . ش: أي الغلام والجارية.
م: (ولو كانت الجارية كبيرة فلم تدع شيئاً، والمسألة بحالها) . ش: أي ادعت الأم أن الغلام هو المولود أولاً وأنكر المولى. م: (عتقت الأم بنكول المولى خاصة دون الجارية، لأن دعوى الأم غير معتبرة في حق الجارية الكبيرة وصحة النكول تبتنى على الدعوى، فلم يظهر في حق الجارية) . ش: أي حرية الجارية الكبيرة.
م: (ولو كانت الجارية الكبيرة هي المدعية لسبق ولادة الغلام والأم ساكتة يثبت عتق الجارية بنكول المولى دون الأم لما قلنا) . ش: أشار به إلى قوله - وصحة النكول تبتنى على الدعوى -. م: (والتحليف على العلم فيما ذكرنا، لأنه استحلاف على فعل الغير، وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا من الوجوه في " كفاية المنتهى ") . ش: أي وبهذا القدر من البيان لا يعرف ما ذكرنا من الوجوه تفصيلاً في كتاب " كفاية المنتهى "، وأراد بها الوجوه الستة التي ذكرناها آنفاً والأربعة من الوجوه مذكورة في الكتاب يقف عليه المتأمل الفطن.
[شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه]
م: (قال) . ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا شهد رجلان على رجل أنه أعتق أحد عبديه فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . ش: بخلاف الشهادة على طلاق أحد نسائه، فإنها جائزة بالإجماع على البيان، وعلى إعتاق أحد عبديه كذلك عندهما، وعند أبي حنيفة وهي باطلة. م: (إلا أن تكون) . ش: أي الشهادة. م: (في وصيته استحسانا) . ش: أي استحسنه بأن قال رجل في مرض موته أحد عبدي حر ثم يموت الرجل ويترك ورثته فينكرون، فالشهادة جائزة. م: (ذكره في العتاق) . ش: أي ذكر الاستحسان في عتاق الأصل، وقال: لو قال الشاهد إن كان هذا عند الموت استحسن، أي يعتق من كل واحد منهما نصفه.
م: (وإن شهدوا أنه طلق إحدى نسائه جازت الشهادة ويجبر الزوج أن يطلق) . ش: أي على أن(6/67)
إحداهن، وهذا بالإجماع، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - الشهادة في العتق مثل ذلك وأصل هذا أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى العبد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما تقبل، والشهادة على عتق الأمة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق والمسألة معروفة، وإذا كان دعوى العبد شرطا عنده لم يتحقق في مسألة الكتاب، لأن الدعوى في المجهول لا يتحقق فلا تقبل الشهادة، وعندهما ليس بشرط فتقبل الشهادة وإن انعدم الدعوى، أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللا في الشهادة، لأنها ليست شرطا فيها،
ولو شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن لم يكن الدعوى شرطا فيه لأنه إنما يشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق
والعتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده على ما ذكرناه فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين، وهذا كله إذا شهدا في صحته على أنه أعتق أحد عبديه، أما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيان. م: (إحداهن، وهذا بالإجماع. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - الشهادة في العتق مثل ذلك) . ش: ويؤمر بأن يوقع العتق على إحداهما. م: (وأصل هذا أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى العبد عند أبي حنيفة، وعندهما تقبل) . ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والشهادة على عتق الأمة وطلاق المنكوحة مقبولة من غير دعوى بالاتفاق، والمسألة معروفة، وإذا كان دعوى العبد شرطاً عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (لم يتحقق) . ش: أي الدعوى. م: (في مسألة الكتاب) . ش: أي في مسألة كتاب " الجامع الصغير " م: (لأن الدعوى في المجهول لا يتحقق فلا تقبل الشهادة، وعندهما ليس بشرط فتقبل الشهادة وإن انعدم الدعوى أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللاً في الشهادة؛ لأنها) . ش: أي لأن الدعوى. م: (ليست شرطاً فيها) . ش: أي في الطلاق.
[شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه]
م: (ولو شهدا أنه أعتق إحدى أمتيه لا تقبل عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن لم يكن الدعوى شرطاً فيه) . ش: أي في حق الأمة الواحدة، هذا كأنه صورة فنص على أبي حنيفة ودفعه المصنف بقوله. م: (لأنه إنما يشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق) ش: ومعنى قوله أنه يتضمن تحريم الفرج أن العتق إذا حصل استلزم أن يكون الوطء بعده زنا، واعترض بأن عتق العبد المعين يستلزم تحريم استرقاقه، وذلك أيضاً حق الله، فوجب أن يشفعه الشهادة فيه عن الدعوى. والجواب أن لازم عتقها من أعظم الكبائر، ولازم عتقه حرمة لم ينص عليها الشرع فضلاً عن أن يكون من الكبائر فالتسوية عليهما خطأ.
[شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره]
م: (والعتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده) . ش: أي عند أبي حنيفة. م: (على ما ذكرناه) ش: يعني بقوله: إن الملك قائم في الموطوءة، ولهذا حل وطؤها. م: (فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين) . ش: فإن الشهادة فيه باطلة عنده كما مر. م: (وهذا كله) . ش: أي هذا المذكور كله. م: (إذا شهدا) . ش: أي الشاهدان. م: (في صحته) . ش: أي في صحة الرجل. م: (على أنه أعتق أحد عبديه، أما(6/68)
إذا شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره في صحته أو في مرضه وأداء الشهادة في مرض موته أو بعد الوفاة تقبل استحسانا، لأن التدبير حيثما وقع وقع وصية، وكذا العتق في مرض الموت وصية والخصم في الوصية إنما هو الموصي وهو معلوم وعنه خلف وهو الوصي أو الوارث، ولأن العتق في مرض الموت يشيع بالموت فيهما، فصار كل واحد منهما خصما متعينا
ولو شهدا بعد موته أنه قال في صحته أحدكما حر فقد قيل لا تقبل، لأنه ليس بوصية، وقد قيل تقبل للشيوع، وهو الصحيح، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إذا شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو شهدا على تدبيره) . ش: أي على أنه دبر أحد عبديه. م: (في صحته أو في مرضه) . ش: فإن هذه الشهادة لا تقبل في القياس، وتقبل في الاستحسان، وهو معنى قوله. م: (وأداء الشهادة في مرض موته أو بعد الوفاة تقبل استحساناً، لأن التدبير حيثما وقع وقع وصية) . ش: يعني سواء وقع في حال الصحة أو في حال المرض.
م: (وكذا العتق في مرض الموت وصية، والخصم في الوصية إنما هو الموصي وهو معلوم) . ش: لأن تنفيذ الوصايا حق الميت، فكان الميت مدعياً تقديراً. م: (وعنه خلف) . ش: أي وعن الموصي خلف. م: (وهو الوصي أو الوارث) . ش: فتقبل الشهادة. م: (ولأن العتق في مرض الموت) . ش: هذا دليل ثان بوجه الاستحسان. م: (يشيع بالموت فيهما) . ش: أي في العبدين. م: (فصار كل واحد منهما خصماً متعيناً) . ش: لأنه أوجب العتق في أحدهما في حال عجزه عن البيان، فكان إيجاباً لهما، ولهذا يعتق نصف كل واحد منهما.
[شهدا بعد موته أنه قال في صحته أحدكما حر]
م: (ولو شهدا بعد موته أنه قال في صحته: أحدكما حر فقد قيل لا تقبل) . ش: أي هذه الشهادة. م: (لأنه ليس بوصية، وقد قيل تقبل للشيوع) . ش: أي لشيوع العتق فيهما، فكان كل منهما خصماً متعيناً، فكانت دعواهما صحيحة وهي تقتضي قبول الشهادة، أو إنما قال بلفظ قيل لا نص فيه عن أصحابنا، ولكن المشايخ اختلفوا فيه. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " وإن شهدا بعد موته أنه قال في حياته وصحته: أحدكما حر فلا نصف فيه. واختلف مشايخنا في قول أبي حنيفة أن الطريق هو الوصية لم تقبل هاهنا، وأن الطريق هو المشاع قبلت النية هاهنا، والصحيح أن تقبل لجواز أن تكون معلولاً بعلتين، فتعدى بأحدهما والله أعلم.(6/69)
م: (باب الحلف بالعتق)
ومن قال: إذا دخلت الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر، وليس له مملوك فاشترى مملوكا ثم دخل عتق؛ لأن قوله يومئذ تقديره يوم إذ دخلت إلا أنه أسقط الفعل وعوضه بالتنوين، فكان المعتبر قيام الملك وقت الدخول، وكذا لو كان في ملكه يوم حلف عبد فبقي على ملكه حتى دخل عتق لما قلنا. قال: ولو لم يكن قال في يمينه يومئذ لم يعتق، لأن قوله كل مملوك لي للحال والجزاء حرية المملوك في الحال، إلا أنه لما دخل الشرط على الجزاء تأخر إلى وجود الشرط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الحلف بالعتق]
م: (باب الحلف بالعتق)
ش: أي هذا باب في بيان حكم الحلف بالعتق، والحلف بكسر اللام مصدر من حلف بالله يحلف حلفاً. والحلف أن يجعل العتق جزاء على الحلف بأن يعلق العتق بشيء، ولما كان المعلق قاصراً في السببية أخر التعليق عن التنجيز.
م: (ومن قال إذا دخلت هذه الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر، وليس له مملوك) . ش: يعني فإن الحلف. م: (فاشترى مملوكاً ثم دخل عتق) . ش: اعترض عليه بأنه يجب أن لا يعتق عليه ما يشتري به بعد اليمين وإن قال يومئذ؛ لأنه ما أضاف العتق إلى الملك، ولا إلى سببه، فكان كما لو قال لعبد الغير: إن دخلت الدار فأنت حر، فاشتراه ثم دخل الدار فإنه لا يعتق لذلك.
وأجيب: بأنه وجد الإضافة فيما ملك دلالة، لأن قوله كل مملوك لي يومئذ معناه إن ملكت مملوكاً وقت دخول الدار فهو حر، بخلاف تلك المسألة لأنه لم يوجد فيها الإضافة لا صريحاً ولا دلالة.
م: (لأن قوله يومئذ تقديره يوم إذ دخلت الدار إلا أنه أسقط الفعل) . ش: وهو قوله دخلت. م: (وعوضه بالتنوين، فكان المعتبر قيام الملك وقت الدخول) . ش: لأن قوله يومئذ ظرف بقوله كل مملوك فيعتق كل مملوك له سواء كان مستحدثاً بعد اليمين أو لم يكن إذا وجد في ملكه حينئذ، أعني وقت الدخول، لأنه علق حرية المملوك المضاف إلى ذلك الوقت بالدخول بخلاف ما إذا لم يذكر قوله يومئذ، بل قال إذا دخلت الدار فكل مملوك حر لا يعتق ما اشتراه بعد الحلف، لأنه أرسل الملك إرسالاً، والملك المرسل يراد به الحال، لأن المستقل هو هو فلا يعتبر، فصار كأنه مملوك لي في الحال، فلو علق هذا الذكر الحال لا يعتق ما اشتراه بعد الحلف فكذا هذا.
م: (وكذا لو كان في ملكه يوم حلف عبد فبقي على ملكه حتى دخل عتق لما قلنا) . ش: أشار به إلى قوله - المعتبر قيام الملك وقت الدخول - قال. م: (ولو لم يكن قال في يمينه يومئذ لم يعتق) ش: أي لم يعتق ما اشتراه بعد الحلف وقد ذكرنا وجهه. م: (لأن قوله كل مملوك لي للحال) . ش: يعني يراد به الحال. م: (والجزاء حرية المملوك في الحال، إلا أنه لما دخل الشرط على الجزاء تأخر إلى وجود الشرط(6/70)
فيعتق إذا بقي على ملكه إلى وقت الدخول لا يتناول من اشتراه بعد اليمين.
ومن قال: كل مملوك لي ذكر فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكرا لم يعتق وهذا إذا ولدت لستة أشهر فصاعدا ظاهر؛ لأن اللفظ للحال، وفي قيام الحمل وقت اليمين احتمال لوجود أقل مدة الحمل بعده، وكذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر، لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق والجنين مملوك تبعا للأم لا مقصودا، ولأنه عضو من وجه واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء ولهذا لا يملك بيعه منفردا.
قال العبد الضعيف: وفائدة التقييد بوصف الذكورة أنه لو قال كل مملوك لي تدخل الحامل فيدخل الحمل تبعا لها، وإن قال كل مملوك أملكه فهو حر بعد غد أو قال: كل مملوك لي فهو حر بعد غد، وله مملوك فاشترى آخر ثم جاء بعد غد عتق الذي في ملكه يوم حلف لأن قوله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيعتق إذا بقي على ملكه إلى وقت الدخول لا يتناول من اشتراه بعد اليمين) . ش: فصار كأنه قال كل مملوك لي في الحال فهو إذا دخلت الدار يعتق ما كان في ملكه دون ما يستملكه، فكذا هذا.
[قال كل مملوك لي ذكر فهو حروله جارية حامل فولدت ذكرا]
م: (ومن قال كل مملوك لي ذكر) . ش: يجر - ذكر - لأنه صفة المملوك. م: (فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكراً لم يعتق) . ش: لأن المملوك مطلق، والمطلق ينصرف إلى الكامل والجنين ليس بكامل. م: (وهذا) . ش: أي وهذا الحكم. م: (إذا ولدت) . ش: الجارية المذكورة. م: (لستة أشهر فصاعداً ظاهر، لأن اللفظ للحال، وفي قيام الحمل وقت اليمين احتمال) . ش: يعني يحتمل أن يكون الحمل وقت اليمين، ويحتمل أن يكون. م: (لوجود أقل مدة الحمل بعده) . ش: أي بعد وقت اليمين.
م: (وكذا إذا ولدت لأقل من ستة أشهر لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق والجنين مملوكاً تبعاً للأم لا مقصوداً) . ش: ألا ترى أنه لو أعتقه عن كفارة يمينه لا يجوز. م: (ولأنه) . ش: أي لأن الجنين. م: (عضو من وجه) . ش: بدليل أنه ينتقل بانتقال أمه ويتغذى بغذائها. م: (واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء، ولهذا لا يملك بيعه) . ش: أي بيع الجنين حال كونه. م: (منفرداً) . ش: لكونه عضواً من أعضائها.
[قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله عبد وأمهات أولاد ومدبرون ومكاتبون]
م: (قال) . ش: أي المصنف. م: (وفائدة التقييد بوصف الذكورة) . ش: يعني في كل مملوك لي ذكر فهو. م: (أنه لو قال كل مملوك لي فهو حر) . ش: بدون لفظ ذكر. م: (تدخل الحامل فيدخل الحمل تبعاً لها) . ش: أي للحامل، والدليل على هذا ما أورده الولوالجي في فتاواه بقوله. م: (لو قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد) . ش: وله عبد وأمهات أولاد ومدبرون ومكاتبون عتقوا جميعاً إلا المكاتبين لأنه أوجب العتق لكل مملوك مضاف إليه بالمملوكية مطلقاً، وهذا متحقق فيما ذكرنا، لأنه بملكهم رقبة لا يداً مملوك أملكه حر بعد غد قوله - بعد غد - ظرف لقوله - حر - لا قوله - أملكه للحال.. م: (ولو قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله مملوك فاشترى آخر ثم جاء بعد غد) . ش: بعد هنا مرفوع لأنه فاعل جاء لأن بعد معرف وليس بمبني، وإنما ينتصب في مواضع على الظرفية. م: (عتق الذي) . ش: أي المملوك الذي. م: (في ملكه يوم حلف، لأن قوله أملكه للحال حقيقة) . ش: بالرفع ليكون خبر(6/71)
أملكه للحال حقيقة يقال أنا أملك كذا وكذا ويراد به الحال، وكذا يستعمل له من غير قرينة، وللاستقبال بقرينة السين أو سوف فيكون مطلقه للحال، فكان الجزاء حرية المملوك في الحال مضافا إلى ما بعد الغد، فلا يتناول ما يشتريه بعد اليمين، ولو قال كل مملوك أملكه أو قال: كل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إن، ويجوز النصب على التمييز. م: (يقال أنا أملك كذا وكذا ويراد به الحال، وكذا يستعمل له) . ش: أي للحال. م: (من غير قرينة، وفي الاستقبال بقرينة السين أو سوف) . ش: وقال صاحب " النهاية " وهذا التقدير يخالف رواية أهل النحو أنه مشترك بين الحال والاستقبال. وقال الأكمل: وظاهر تقرير المصنف يدل على ما قاله صاحب " النهاية ". وقال الكاكي: قيل ما ذكروه بحسب الاستعمال لا بحسب الوضع، والشيخ ذكره بحسب الوضع، لأنهم وضعوا صيغاً للماضي وصيغاً للاستقبال وهي الأمر والنهي، فوجب أن يكون أفعل للحال، لأن الأصل أن يكون لكل معنى لفظاً، على حدة. فوجب أن يكون للحال يقيناً للاشتراك والترادف.
وفي " المحيط " - أملك - وإن كان حقيقة للاستقبال إلا أنه صار للحال شرعاً كما في الشهادة، وعرفاً كما يقال أملك كذا درهماً، فكان كالحقيقة في الحال. وفي " الذخيرة " صيغة أفعل للحال حقيقة، وهو مذهب محققي النحويين، وبعد هذا اختلف عبارات المشايخ قيل للحال أحق، إذ ليس للحال صيغة سوى هذا، بخلاف الاستقبال، كما في أشهد وأصلي، وكما يتعين للاستقبال في قولك أتزوج وأسافر. وقال الأترازي: قال بعضهم في شرحه: تقرير صاحب " الهداية " يخالف رواية النحو، لأنه قال - أملكه - للحال حقيقة إلى قوله - أو سوف - وأهل النحو قالوا إن المضارع مشترك بين الاستقبال والحال.
قلت: لا نسلم المخالفة، لأن كونه للحال حقيقة، لا يدل على أن كونه للاستقبال ليس بحقيقة، لأن المشترك يدل على كل واحد من المعنيين سبيل الحقيقة، لكنه سبيل البدل ويرجع أحدهما بالدليل إذا وجد، وقد وجد هنا عند الإطلاق دليل على إرادة الحال، لان الحال موجود. فلا يعارضه المستقبل المعدوم الموهوم، انتهى كلامه.
قلت: أراد بقوله قال بعضهم في شرحه صاحب " النهاية، وقال الأكمل: وقال بعض الشارحين وأراد به الأترازي ثم ساق كلام الأترازي إلى قوله المعدوم الموهوم، ثم قال أقول قول المصنف وكذا يستعمل له من غير قرينة يأبى قول هذا قول الشارح، لأن المشترك لا يستعمل في أحد المعنيين بعينه إلا بقرينة، وليس النحويون مجتمعين على أن المضارع مشترك، بل منهم من قال: إنه حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال، ومنهم من ذهب إلى عكس ذلك، ولعله مختار المصنف ليتبادر الفهم إليه.
م: (فيكون مطلقه) . ش: أي فيكون مطلق الملك. م: (للحال، فكان الجزاء حرية المملوك في الحال مضافاً إلى ما بعد الغد، فلا يتناول ما يشتريه به بعد اليمين. ولو قال كل مملوك أملكه أو قال:) . م: (كل(6/72)
مملوك لي فهو حر بعد موتي وله مملوك فاشترى آخر. فالذي كان عنده وقت اليمين مدبر والآخر ليس بمدبر، وإن مات عتقا من الثلث. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": يعتق ما كان ملكه يوم حلف ولا يعتق ما استفاد بعد يمينه، وعلى هذا إذا قال كل مملوك لي إذا مت فهو حر، له أن اللفظ حقيقة للحال على ما بيناه فلا يعتق به ما سيملكه، ولهذا صار هو مدبرا دون الآخر، ولهما أن هذا إيجاب عتق وإيصاء حتى اعتبر من الثلث، وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة والحالة الراهنة، ألا يرى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد الوصية وفي الوصية لأولاد فلان من يولد له بعدها، والإيجاب إنما يصح مضافا إلى الملك أو إلى سببه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مملوك لي فهو حر بعد موتي وله مملوك فاشترى آخر) . ش: أي مملوكاً آخر. م: (فالذي كان عنده وقت اليمين مدبر، والآخر ليس بمدبر) . ش: أي ليس بمدبر مطلق بل هو مدبر مقيد جاز له أن يبيعه. م: (وإن مات) . ش: أي المولى. م: (عتقا من الثلث) . ش: مشتركين فيه.
م: (وقال أبو يوسف في " النوادر " يعتق ما كان ملكه يوم حلف) . ش: يعني بطريق التدبير. م: (ولا يعتق ما استفاد بعد يمينه) . ش: لأن اللفظ حقيقة للحال، وهو المراد، فلا يجوز أن يكون غيره مراداً على أصلنا. م: (وعلى هذا) . ش: أي على هذا الحكم. م: (إذا قال: كل مملوك لي إذا مت فهو حر) . ش: يعني يكون الذي عنده يوم الحلف مدبراً، والذي اشتراه بعده ليس بمدبر. م: (له) . ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن اللفظ حقيقة للحال على ما بيناه) . ش: عند قوله فيكون مطلقاً للحال، أي قوله بعد اليمين. م: (فلا يعتق به) . ش: أي باللفظ المذكور. م: (ما سيملكه بعد حلفه، ولهذا) . ش: أي ولأجل ذلك. م: (صار هو) . ش: أي الذي في ملكه يوم الحلف. م: (مدبراً دون الآخر) . ش: وهو الذي يملكه بعد اليمين.
م: (ولهما) . ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن هذا) . ش: أي قوله كل مملوك أملكه، وقوله كل مملوك لي فهو حر بعد موتي. م: (إيجاب عتق وإيصاء) . ش: أي وصية. أما إيجاب عتق فيقول: كل مملوك أملكه أو لي فهو حر، وأما إنه إيصاء، فيقول بعد موتي. م: (حتى اعتبر من الثلث) . ش: في الموجود عند الحلف بالاتفاق. م: (وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة) . ش: أي المتربصة. م: (والحالة الراهنة) . ش: أي الحاضرة التي تقال الآن، وسميت بالراهنة، لأن الرهن هو الجنس، والمرء محبوس فيها، إلا فيما قبلها، ولا فيما بعدها.
ثم أوضح ذلك بقوله:. م: (ألا يرى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد الوصية) . ش: بأن قال: ثلث مالي لفلان بعد موتي فاكتسب بعد ذلك مالاً ثم مات، للموصى به ثلث ما كان موجوداً عند الموت. م: (وفي الوصية) . ش: أي يدخل في وصية. م: (لأولاد فلان من يولد له بعدها) . ش: أي بعد الوصية إذا عاشوا إلى وقت الموت. م: (والإيجاب إنما يصح مضافاً على الملك أو إلى سببه)(6/73)
ومن حيث إنه إيجاب العتق يتناول العبد المملوك اعتبارا للحالة الراهنة، فيصير مدبرا حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث إنه إيصاء يتناول الذي يشتريه اعتبارا للحالة المتربصة، وهي حالة الموت، وقبل الموت حالة التملك استقبال محض فلا يدخل تحت اللفظ، وعند الموت يصير كأنه قال: كل مملوك لي أو كل مملوك أملكه فهو حر، بخلاف قوله بعد غد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وهو الشراء.
قال الأترازي: لما ذكر قبل هذا بقوله لهما أن هذا إيجاب عتق، وأيضاً أن فيه الإيجاب وجهه الإيصاء فيراعى كل واحد منهما، ثم الإيجاب إنما يصح إذا أضيف إلى الملك أو إلى سبب الملك. م: (ومن حيث إنه) . ش: أي قوله: كل مملوك أملكه. م: (إيجاب العتق يتناول العبد المملوك اعتباراً للحالة الراهنة فيصير مدبراً) . ش: أي المملوك مدبراً. م: (حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث إنه) . ش: أي أن قوله: كل مملوك لي فهو حر بعد موتي. م: (إيصاء يتناول الذي يشتريه اعتباراً للحالة المتربصة وهي حالة الموت) . ش: ويصير مدبراً بعده، ولا يصير مدبراً قبله كالذي كان في ملكه.
وقال الكاكي: قوله - فالإيجاب - إنما يصح جواب سؤال مقدر، وهو على وجهين أحدهما أن يقال ينبغي أن لا يتناول الإيجاب المشتري أصلاً لا في الحال، ولا في المآل لأن التناول إنما يكون مضافاً إلى الملك أو إلى سببه، وليس أحدهما في حقه.
فأجاب عنه وقال: إنما يتناول باعتبار الإيصاء لا باعتبار الإيجاب الحالي.
والثاني: وهو أن يقال ينبغي أن يكون المشتري مدبراً مطلقاً حال شرائه، لأن التدبير في كل مدبر إنما يكون على وجه الإيصاء حتى يعتبر من الثلث، وفي الإيصاء لا يتفاوت الحالي والمستحدث.
كما لو أوصى بثلث ماله يدخل فيه الحالي والمستحدث. فأجاب عنه: فإن إيجاب التدبير مطلقاً إنما يكون عند إضافة التدبير إلى الملك أو إلى سببه ولم يوجد في حق المستحدث، انتهى.
م: (وقبل الموت حالة التملك استقبال محض) . ش: قيل هذا إشارة إلى الجواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقريره أن أبا يوسف قال فيما يروي عنه أبو طاهر الدباس في " النوادر ": إن اللفظ حقيقة للحال فلا يعتق به ما يستملكه.
وتقريره الجواب أن قبل الموت حالة التملك استقبال محض. م: (فلا يدخل تحت اللفظ، وعند الموت يصير كأنه قال: كل مملوك لي أو كل مملوك أملكه فهو حر) . ش: لدخوله تحت الحالة المتربصة، فيصير مدبراً لكون العتق في المرض وصية. م: (بخلاف قوله بعد غد) . ش: أي بخلاف قوله كل مملوك أملكه أو لي حر بعد غد. م: (على ما تقدم) . ش: عند قوله - وإن قال كل مملوك أملكه بعد غد حر.. - إلى آخره.(6/74)
على ما تقدم لأنه تصرف واحد، وهو إيجاب العتق، وليس فيه إيصاء، والحالة محض استقبال فافترقا، ولا يقال: إنكم جمعتم بين الحال، والاستقبال، لأنا نقول نعم لكن بسببين مختلفين إيجاب عتق ووصية وإنما لا يجوز ذلك بسبب واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه تصرف واحد وهو إيجاب العتق وليس فيه إيصاء والحالة محض استقبال) . ش: لا يتناولها الإيجاب لعدم الإضافة إلى الملك أو إلى سببه. م: (فافترقا) . ش: أي الحكمان المذكوران.
م: (ولا يقال: إنكم جمعتم بين الحال والاستقبال) . ش: قال الأكمل: هذا إشارة إلى جواب أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأنا نقول نعم) . ش: وفيه جمعنا بين الحال والاستقبال م: (لكن بسببين مختلفين إيجاب عتق وإيجاب وصية) ش: حالة أنه دخل ما ملكه تحت هذا الإيجاب بحكم الوصية لا بحكم الإيجاب، وفعل ما يملكه باعتبار الإيجاب لا بحكم الوصية، فلم يكن جميعا بين الحال والاستقبال بسبب واحد. م: (وإنما لا يجوز ذلك) . ش: أي الجمع بين الحال والاستقبال إذا كان. م: (بسبب واحد) . ش: قال الأترازي: صاحب " الهداية " سلم السؤال كما ترى، والأولى أن يمنع بأن يقال لا نسلم جمعنا بينهما، لأن الحالة المتربصة، ما أريدت باعتبار أنها استقبال، بل باعتبار أنها حال محكية مقصودة، فلا يرد هذا السؤال.
وقال: الأكمل ولعل أبا يوسف أراد بقوله - بسببين مختلفين - إيجاب عتق وصية للألفاظ الدالة على ذلك في طرفي الكلام لأن الحقيقة والمجاز في صفات اللفظ وفيه نظر لأنه يستلزم التنافي بين طرفي كلام واحد إن كان المراد إيجاب عتق في الحال وكونه إيصاء فقط إن كان المراد إيجاب عتق بعد الموت، ولو قال هذا الكلام تدبير، والتدبير حيثما وقع وقع وصية، والوصية تعتبر فيما الحالة الراهنة والمنتظرة، فيدخل تحته ما كان في ملكه وما يوجد عند الموت وما بينهما، فليس بداخل تحته فلا يصير المستحدث مدبراً حتى يموت لعله يكون أشد تأنيباً وأسلم من الإعراض، والله تعالى أعلم.(6/75)
باب العتق على جعل
ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق؛ وذلك مثل أن تقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم وإنما يعتق بقبوله لأنه معاوضة المال بغير المال، إذ العبد لا يملك نفسه، ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال، كما في البيع، فإذا قبل صار حرا وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به، بخلاف بدل الكتابة لأنه ثبت مع المنافي، وهو قيام الرق على ما عرف، وإطلاق لفظ المال ينتظم أنواعه من النقد والعرض والحيوان، وإن كان بغير عينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العتق على جعل]
م: (باب العتق على جعل)
ش: أي هذا باب في بيان حكم العتق على جعل، والجعل بضم الجيم ما جعل للإنسان من شيء على شيء يفعله، وكذا الجعيلة والجعالة بفتح الجيم، وبه صرح العبسي في شرح غريب الحديث، وأثبت في الصحاح بكسر الجيم، ولم يذكر في " تهذيب ديوان الأدب " في باب فعال بكسر الفاء، بل ذكره في مفتوح الفاء والجعل بفتح الجيم مصدر، وبالضم اسم يقال جعلت لك كذا جعلاء وجعلاء وهو الأجرة على الشيء قولاً أو فعلاً، وإنما أخر هذا الباب لكون المال غير أصل في باب العتق.
[أعتق عبده على مال فقبل العبد]
م: (ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق، وذلك مثل أن نقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم) . ش: وكذلك لو قال على ألف تؤديها أو على أن تعطيني ألفاً أو على أن تجيئني بألف قوله عتق مثل قتل. م: (وإنما يعتق بقبوله لأنه معاوضة المال بغير المال، إذ العبد لا يملك نفسه، ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم) . ش: أراد به العتق هنا. م: (بقبول العوض للحال كما في البيع) . ش: فإنه إذا قال اشتريت بعد أن يقول البائع: بعت يقع العقد. م: (فإذا قبل صار حراً) .
ش: فإن قلت: كلمة على الشرط فيكون العتق معلقاً بشرط أداء الألف كما لو قال إن أديت إلي ألفاً قالت إنما يكون على الشرط إذا دخلت علي يكون على خطر الوجود، لأن ذلك في الأفعال دون الأعيان، لأن بعض الصور المذكورة دخلت فيه على الأفعال.
م: (وما شرط دين عليه) . ش: أي الذي شرط على العبد دين عليه. م: (حتى تصح الكفالة به) . ش: لأنه يسعى، وهو حر. م: (بخلاف بدل الكتابة) . ش: من حيث لا تصح به الكفالة. م: (لأنه) . ش: أي لأن بدل الكتابة. م: (ثبت مع المنافي وهو قيام الرق) . ش: وكان ثبوته على خلاف القياس، فالقياس يبقى أن يستوجب المولى الدين على عبده، فلما ثبت بخلاف القياس ضرورة حصول الحرية للمكاتب، وحصول المال للمولى اقتصر على موضع الضرورة، ولم يعد إلى الكفالة. م: (على ما عرف) . ش: في كتاب المكاتب، وهو أن المولى لا يستوجب على عبده ديناً.
م: (وإطلاق لفظ المال) . ش: يعني في قوله - ومن أعتق عبده على مال -. م: (ينتظم أنواعه) . ش: أي أنواع المال. م: (من النقد والعرض والحيوان، وإن كان بغير عينه) . ش: يعني وإن كان الحيوان(6/76)
لأنه معاوضة المال بغير المال، فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس ولا تضره جهالة الوصف، لأنها يسيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غير معينة بأن يكون ديناً في الذمة. ولكن أراد به النوع بأن قال فرس أو حمار. م: (لأنه) . ش: أي لأن الإعتاق على مال. م: (معاوضة المال بغير المال) . ش: وهو الحرية. م: (فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد) . ش: وجه المشابهة من حيث إن الحيوان يثبت ديناً في الذمة في هذه العقود، فكذا هنا، وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفيه خلاف الشافعي، فإنه اعتبره بالبيع والإجارة. وقد مر الكلام في النكاح. م: (وكذا الطعام) . ش: أي وكذا يجوز أن يكون الطعام عوضاً عن الإعتاق، بأن قال أعتقتك على مائة قفيز من الحنطة. م: (والمكيل) . ش: بأن قال: أعتقتك على مائة كيل من الشعير ونحوهن مما يكال. م: (والموزون) . ش: بأن قال: أعتقتك على مائة منٍّ من العسل ونحوه مما يوزن.
م: (إن كان معلوم الجنس) . ش: هذا قبل الكل. م: (ولا تضره جهالة الوصف) . ش: بأن لم يذكر والرداءة والربيعية والخريفية. م: (لأنها يسيرة) . ش: فكانت عفواً فيما كان عوضاً عما ليس بمال كالمهر، فلم يمنع صحة التسمية، وفي " التحفة ": ولو أعتق على عرض في الذمة بعينه، وهو ملك غيره فإنه يعتق بأن أجاز المالك المستحق عينه جاز، وإن لم يجز يجب على العبد قيمة رقبته.
وكذلك لو أعتق على عرض بغير عينه معلوم الجنس جاز، وإن كان موصوفاً فعليه للتسليمة، وإن لم يكن موصوفاً فعليه الوسط من ذلك، فإن جاء بالقيمة أجبر المولى على القبول كما في المهر، ولو أعتقه على مجهول الجنس بأن قال: أنت حر على ثوب يعتق ويلزمه قيمة مثله، لأن جهالة الجنس تمنع صحة البدل كما في المهر وأدى فاستحق من يد المولى إن كان بغير عينه في العقد فعلى العبد مثله، لأنه لم يعجز عن الذي هو موجب العقد، وإن كان غنياً في العقد، وهو عرض أو حيوان فإنه يرجع على العبد بقيمة نفسه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرجع بقيمة المستحق فعلى هذا الخلاف إذا باع نفس العبد منه بجارية ثم استحقت الجارية أو هلكت قبل التسليم فعندهما يرجع بقيمة العبد، وعنده يرجع بقيمة الجارية.
وفي " الكافي " للحاكم: فإن اختلفا في المال فالقول قول العبد، بيانه ما قال في " الشامل " قال المولى: أعتقتك على وصيف، وقال العبد: على كر حنطة فالقول قول العبد مع يمينه، لأن العبد لو أنكر أصل المال كان القول قوله فكذلك وصفه والبينة للمولى، وقال في " الشامل " أيضاً: اختلفا في قدر المال فالقول للمولى والبينة للعبد، لأن القول في أصل العقد، وكذلك في صفته.(6/77)
قال: ولو علق عتقه بأداء المال صح وصار مأذونا، وذلك مثل أن يقول إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر، ومعنى قوله صح أنه يعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا، لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء على ما نبين إن شاء الله تعالى. وإنما صار مأذونا لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه؛ ومراده التجارة دون التكدي فكان إذنا له دلالة. وإن أحضر المال أجبره الحاكم على قبضه وعتق العبد ومعنى الإجبار فيه وفي سائر الحقوق أنه ينزل قابضا بالتخلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[علق الرجل عتق عبده بأداء المال]
م: (قال: ولو علق عتقه بأداء المال صح) . ش: أي قال القدروي: ولو علق الرجل عتق عبده بأداء المال صح العتق، فلا يعتق قبل الأداء، ولا يحتاج فيه إلى قبول العبد، ولا يرتد برده وللمولى أن يبيعه قبل الأداء، كما في التعليق بسائر الشروط. م: (وصار) . ش: أي العبد. م: (مأذوناً) . ش: يسعى في التكسب لأداء المال. م: (وذلك) . ش: أي تعليقه بأداء المال. م: (مثل أن يقول: إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر ومعنى قوله صح) . ش: أي معنى قول القدروي. م: (أنه) . ش: أي أن العبد م: (يعتق عند الأداء) . ش: أي أداء المال المشروط. م: (من غير أن يصير مكاتبا) . ش: يعني لا يثبت له أحكام المكاتبين، حتى لو مات وترك ديناً، فما لمولاه لمولاه، ولا يؤدي عنه، ولو مات المولى فالعبد رقيق يورث عنه ما في يده من أكسابه، ولو كانت أمة فولدت ثم أدت لم يعتق عبدها ولو حط المال وأبرأه المولى لم يعتق ولو كان مكاتباً لكان الحكم على عكس ما ذكره في الجميع.
م: (لأنه) . ش: أي لأن قول المولى إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر. م: (صريح في تعليق العتق بالأداء، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء) . ش: أي عند أداء المال. م: (على ما نبين إن شاء الله تعالى) . ش: أي بعد خطوط عند قوله ولما أنه تعليق نظراً إلى اللفظ ومعاوضة نظراً إلى المقصود. م: (وإنما صار مأذوناً لأنه رغبه في الاكتساب بطلبه الأداء منه ومراده التجارة) ش: يعني من الترغيب في الاكتساب لأنها هي المشروعة عند الاختيار. م: (دون التكدي) . ش: لأنه بدل مرء وينجسه. والتكدي في الأصل لفظ فارسي ومعناه السؤال من الناس والدوران فيه. م: (فكان) . ش: أي حقه على أداء المال. م: (إذناً له دلالة) . ش: أي من حيث الدلالة، لأن مراده التجارة، ولا يتمكن من ذلك إلا بالإذن إما صريحاً وإما دلالة.
م: (وإن أحضر المال) . ش: أي وإن أحضر العبد المال المشروط. م: (أجبره الحاكم) . ش: أي أن المولى. م: (على قبضه وعتق العبد) . ش: لأنه قام بما شرط عليه. م: (ومعنى الإجبار فيه) . ش: أي في هذا الموضع. م: (وفي سائر الحقوق) . ش: كالثمن، وبدل الخلع وبدل الكتابة وما أشبهها. م: (أنه) . ش: أي أن المولى. م: (ينزل قابضا بالتخلية) . ش: وهي رفع اليد والموانع. وقال الكاكي: شرطها أن لو يمد يده أمكنه قبضه، وهو قول الشافعي أن يكون معنى الإجبار في القبض ما هو المفهوم عند الناس، وهو أن يكره على القبض بالتراجم بالضرب والحبس.(6/78)
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجبر على القبول وهو القياس، لأنه تصرف يمين إذ هو تعليق العتق بالشرط لفظا، ولهذا لا يتوقف على قبول العبد، ولا يحتمل الفسخ، ولا جبر على مباشرة شروط الإيمان، لأنه لا استحقاق قبل وجود الشرط، بخلاف الكتابة؛ لأنها معاوضة والبدل فيها واجب ولنا أنه تعليق نظرا إلى اللفظ، ومعاوضة نظرا إلى المقصود؛ لأنه ما علق عتقه بالأداء إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد شرف الحرية والمولى المال بمقابلته بمنزلة الكتابة، ولهذا كان عوضا في الطلاق في مثل هذا اللفظ، حتى كان بائنا، فجعلناه تعليقا في الابتداء عملا باللفظ ودفعا للضرر عن المولى حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاتبته، ولا يسري إلى الولد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال زفر: لا يجبر على القبول، وهو القياس، لأنه تصرف يمين) . ش: وليس المراد اليمين بالله واليمين بغير الله هو الشرط والجزاء. م: (إذ هو) . ش: أي لأنه. م: (تعليق العتق بالشرط لفظا) . ش: احترازا عن الكتابة، فإنها ليست بتعليق لفظي، فإنه لو قال لعبده: كاتبتك على كذا من المال صحت الكتابة، وليس فيه تعليق لفظي لعدم ألفاظ الشرط فيه. م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل ذلك. م: (لا يتوقف على قبول العبد ولا يحتمل الفسخ) . ش: ويمكنه أن يبيعه قبل الأداء. م: (ولا جبر على مباشرة شروط الأيمان) . ش: هذا متصل بقوله - لأنه تصرف يمين -. م: (لأنه لا استحقاق قبل وجود الشرط) . ش: فصار كالتعليق بدخول الدار. م: (بخلاف الكتابة) . ش: حيث يجبر فيها. م: (لأنها) . ش: أي لأن الكتابة. م: (معاوضة والبدل فيها واجب) . ش: فلذلك يجبر.
م: (ولنا أنه) . ش: أي أن قول الرجل إن أديت إلى البقاء فأنت حر. م: (تعليق نظراً إلى اللفظ) . ش: لأن فيه حرف الشرط. م: (ومعاوضة نظرا إلى المقصود) . ش: أي مقصود المولى، وهو حصول المال، ومقصود العبد وهو حصول الحرية. وأوضح ذلك بقوله. م: (لأنه) . ش: أي لأن المولى. م: (علق عتقه بالأداء) . ش: أي بأداء المال. م: (إلا ليحثه) . ش: أي ليحرضه. م: (على دفع المال فينال العبد شرف الحرية والمولى) . ش: أي ولينال المولى. م: (المال بمقابلته) . ش: أي بمقابلة العتق. م: (بمنزلة الكتابة) . ش: فإنها معاوضة في الأصل، ومعنى الشرط تابع، ولهذا إذا مات المولى لا تنفسخ الكتابة.
م: (ولهذا) . ش: أي ولأجل كون المال بمقابلة العتق معاوضة نظراً إلى المقصود. م: (كان) . ش: أي المال. م: (عوضاً في الطلاق في مثل هذا اللفظ) . ش: نحو ما إذا قال: إن أديت إلي ألفاً فأنت طالق. م: (حتى كان) . ش: أي الطلاق. م: (بائناً) . ش: إذا طلقها بهذه الصفة لوقوعه على عوض. م: (فجعلناه) . ش: أي فجعلنا قول المولى إن أديت إلي ألفاً فأنت حر. م: (تعليقاً في الابتداء) . ش: أي في أول الأمر. م: (عملاً باللفظ) . ش: وهو كونه بحرف الشرط. م: (دفعا للضرر عن المولى) . ش: أي لأجل دفع الضرر عن المولى.
م: (حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاتبته ولا يسري إلى الولد المولود قبل الأداء)(6/79)
المولود قبل الأداء، وجعلناه معاوضة في الانتهاء عند الأداء دفعا للضرر عن العبد، حتى يجبر المولى على القبول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي قبل أداء المال بأن قال لأمته: إن أديت إلي ألفا فأنت حرة. ثم ولدت ثم أدت المال لم يعتق الولد معها. م: (وجعلناه) . ش: أي القول المذكور. م: (معاوضة في الانتهاء) . ش: أي في انتهاء الأمر. م: (عند الأداء) . ش: أي أداء المال. م: (دفعاً للضرر عن العبد) . ش: فإنه ما تحمل المشقة في اكتساب المال إلا لينال شرف الحرية. م: (حتى يجبر المولى على القبول) . ش: أي قبول المال. ولو أجبر المولى لا يتضرر به لأخذ العوض وقد رضي بالعتق بأدائه حيث علقه.
فإن قيل: لا يمكن جعله معاوضة أصلاً، لأن البدل والمبدل كلاهما عند الأداء ملك المولى، لأنه قبل الأداء عبد وهو وما في يده لمولاه. أجيب بأنه لما ثبت عند الأداء معنى الكتابة ثبت شرط صحته اقتضاء، وهو أن يصير العبد أحق بالمولى، فيثبت بهذا سابقاً على الأداء متى وجد الأداء وصار كما إذا كانت عبده على نفسه وماله كان الكسب مالا قبل الكتابة، فإنه يصير أحق لذلك المال، حتى لو أدى ذلك عتق، ذكره صاحب النهاية ثم قال كذا في " مبسوط " شيخ الإسلام.
وقال الأكمل: وفيه نظر من وجهين؛ أحدهما أن معنى ثبوت الكتابة هو المعارض، فلا بد من إثباته. والثاني أن حصول شرط صحة الشيء عبارة لا يقتضي صحته فضلاً عن حصول اقتضاء، ولعل الصواب في الجواب أن يقال لما صحت الكتابة والمعنى الذي ذكر ثم قائم فيها معاوضة ليس فيها معنى التعليق فلا يصح العتق على مال، وفيه معنى التعليق أولى، فيكون ملحقاً بالكتابة دلالة.
وقال الأترازي: فإن قلت كيف يصح جعله معاوضة والعوض والمعوض عن المولى جميعاً؟.
قلت: هذه مغالطة، لأن العوض هنا هو العتق، وهو يحصل للعبد لا للمولى.
فإن قلت: ترد عليكم الأحكام منها إذا قال إن أديت إلي خمراً، فأنت حر، حيث لا يجبر على القبول، وكذا إذا قال إن أديت إلى ثوباً فأنت حر، ومنها إذا قال إن أديت إلي ألفاً فحججت بها فأنت حر لا يجبر على القبول. ومنها إذا باع العبد ثم اشتراه ثم جاءه بألف لا يجبر على القبول.
قلت: لا يجري في الخمر لأن المسلم ممنوع منه، لكن إذا أداها عتق. وأما الثوب فإنه مجهول الجنس. وأما الحج فتعليق فيه شيئان، إما الحج أو الحال ولهذا لا يعتق بمجرد الأداء ما لم يوجد الحج، وليس فيه معنى المعاوضة، فلا يصح الجبر.
ولو قال: إن أديت إلي ألفاً أحج بها يجبر على القبول ويعتق العبد وجد الحج أو لا. لأن الحج وقع صورة لا شرطا، ويصح البيع في المسألة الأخيرة بطل معنى الكتابة، فلا يجبر(6/80)
فعلى هذا يدور الفقه وتخرج المسائل، نظيره الهبة بشرط العوض، ولو أدى البعض يجبر على القبول، إلا أنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لعدم الشرط، كما إذا حط البعض وأدى الباقي، ثم لو أدى ألفا اكتسبها قبل التعليق رجع المولى عليه وعتق لاستحقاقها، ولو كان اكتسبها بعده لم يرجع المولى عليه، لأنه مأذون من جهته بالأداء منه، ثم الأداء في قوله إن أديت يقتصر على المجلس، لأنه تخيير، وفي قوله إذا أديت لا يقتصر، لأن إذا تستعمل للوقت بمنزلة متى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على القبول.
م: (فعلى هذا يدور الفقه) . ش: أي على اعتبار الشبهين يدور الفقه إلى المسائل الفقهية. وقال الكاكي: أي المعنى الفقهي. م: (وتخريج المسائل) . ش: عطف على قوله يدور، وهو صيغة المجهول منها. م: (نظيره الهبة بشرط العوض) . ش: جعلناها هبة ابتداء حتى لا يفيد الملك قبل القبض، ولا يجري تسليمه، ويفيد بالشيوع فيما يحتمل القسمة ولا يستحق فيها الشفقة ويردها بالعيب، ويترتب عليها أحكام البيع بعد القبض حتى لا يتمكن البائع من الرجوع.
م: (ولو أدى البعض يجبر على القبول) . ش: لأنه حر منه جهة، ففي عوض عند الأداء فصار للبعض حكم الإعراض نصاً لبعض بدل الكتابة وبعض اليمين. وفي " شرح الطحاوي " ولو أتى العبد بخمسمائة فالقياس أن يجبر، لأنه لا يعتق بقبوله هذا، وهو قول أبي يوسف.
وفي " الاستحسان " يجبر على قبول كما في المكاتب. م: (إلا أنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لعدم الشرط) . ش: وهو أداء الكل. م: (كما إذا حط البعض) . ش: يعني إذا حط المولى بعض الألف فيما إذا قال له إن أديت إلي ألفاً فأنت حر. م: (وأدى الباقي) . ش: أي باقي الألف لا يعتق لعدم الشرط، لأن الشرط أداء الألف ولم يوجد كما إذا أدى الدنانير مكان الدراهم، وقد فسر الحاكم في " الكافي " على هذا الحكم.
م: (ثم لو أدى ألفاً اكتسبها) . ش: العبد. م: (قبل التعليق رجع المولى عليه) . ش: بألف أخرى مثلها. م: (وعتق لاستحقاقها) . ش: أي لاستحقاق المولى الألف كأنه كان يستحقها، لأن العبد وما في يده لمولاه. م: (ولو كان اكتسبها بعده) . ش: أي ولو كان العبد اكتسب تلك الألف بعد التعليق. م: (لم يرجع عليه لأنه مأذون من جهته بالأداء منه) . ش: أي لأن العبد مأذون من جهة المولى بالاكتساب والأداء منه، لكنه يأخذ الباقي، لأن مال المأذون في التجارة للمولى، بخلاف المكاتب، كذا في " الشامل " وغيره.
م: (ثم الأداء في قوله إن أديت يقتصر على المجلس، لأنه تخيير) . ش: يعني للعبد بين الأداء والامتناع، وهذا هو ظاهر الرواية، وروى بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يقتصر (وفي قوله إذا أديت) . ش: يعني إذا أديت إلي ألفاً فأنت حر. م: (لا يقتصر، لأن إذا تستعمل للوقت بمنزلة متى) . ش: والوقت يعم فلا يقتصر على المجلس، كما في قوله متى أديت إلي ألفاً فأنت حر لا يقتصر(6/81)
ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم فالقبول بعد الموت لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت، فصار كما إذا قال: أنت حر غدا بألف درهم، بخلاف ما إذا قال أنت مدبر على ألف درهم حيث يكون القبول إليه في الحال، لأن إيجاب التدبير في الحال إلا أنه لا يجب المال لقيام الرق، قالوا: لا يعتق عليه في مسألة الكتاب، وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الورثة، لأن الميت ليس بأهل للإعتاق، وهذا صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على المجلس.
[قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم]
م: (ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي على ألف درهم فالقبول بعد الموت) . ش: أي قبل العبد بعد موت المولى. م: (لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت) . ش: فيكون نزول إيجاب المعتق بعد الموت والقبول يكون عند زوال الإيجاب. م: (فصار كما إذا قال أنت حر غداً بألف درهم) . ش: يكون القبول غداً، لأنه وقت نزول الإيجاب، فإذا قبل بعد الموت هل يعتق أم لا؟
قال في " شرح الطحاوي " لم يعتق بالقبول حتى يعتقه الورثة والوصي، لأن الأصل أن كل عتق فأخر وقوعه بعد الموت ولو ساعة لا يعتق إلا بالإعتاق، ألا ترى أنه لو قال لعبده أنت حر بعد موتي بشهر لا يعتق حتى يعتقه الورثة بعد شهر.
م: (بخلاف ما إذا قال أنت مدبر على ألف درهم حيث يكون القبول إليه في الحال، لأن إيجاب التدبير في الحال إلا أنه لا يجب المال لقيام الرق) . ش: لأن المولى لا يستوجب على عبده ديناً صحيحاً، هذا قول أبي يوسف على ما ذكره صاحب الأجناس عن نوادر بشر بن الوليد إذا قال أنت مدبر على ألف درهم، قال أبو حنيفة ليس القبول الساعة، وله أن يبيعه فإذا مات المولى وهو في ملكه وقال قبلت إذاً ألف عتق. وقال أبو يوسف: إن لم يقبل حين قال له ذلك فليس له أن يقبل بعد ذلك، وإن قبل كان مدبراً، وعليه الألف إذا مات السيد.
م: (قالوا) . ش: أي قال المتأخرون من مشايخنا. م: (لا يعتق في مسألة الكتاب) . ش: أي في مسألة " الجامع الصغير "، وهي قوله: أنت حر بعد موتي على ألف درهم. م: (وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الورثة) . ش: قال التمرتاشي: أو الوصي، فإن امتنعوا فالقاضي. م: (لأن الميت ليس من أهل الإعتاق، وهذا صحيح) . ش: أي قول المشايخ صحيح أنه لا يعتق ما لم يعتقه الورثة، بناء على أنه إيجاب ضمان إلى ما بعد الموت، وأهلية الوجوب شرط الإيجاب، وقد عدمت بالموت، بخلاف التدبير، فإنه إيجاب في الحال، والأهلية ثابتة، والموت شرط والأهلية ليست بثابتة بشرط عنه كما لو قال: إن خلت الدار فأنت حر فوجد الشروط وهو مجنون.
وقال الأترازي: ولنا فيه نظر قدمناه، وهو قوله فيما تقدم. فإن قبل بعد الموت ينبغي أن يعتق لكلام صدر من الأهل مضافاً إلى المحل وإن كان الميت ليس بأهل الإعتاق. ألا ترى أن الإيجاب نزل معتبراً بعد الموت حكماً لكلام صدر من الأهل وإن كان في ذلك الوقت ليس بأهل(6/82)
قال: ومن أعتق عبده على خدمته أربع سنين فقبل العبد عتق ثم مات من ساعته فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه قيمة خدمته أربع سنين، أما العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضا فيتعلق العتق بالقبول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للإيجاب، ولهذا يترتب القبول عليه، وأيضاً إن القول لا يعتبر حال الحياة. وإذا لم يعتق بالقبول بعد الوفاة إلا بإعتاق واحد منهم، أي من الورثة أو الوصي لا يكون معتبراً بعد الوفاة أيضاً، فلا يبقى فائدة، أو لقوله بالقبول بعد الموت.
[قال لعبده أنت حر على أن تخدمني أربع سنين فمات المولى أو العبد]
م: (قال: ومن أعتق عبده) . ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": ومن أعتق عبده. م: (على خدمته أربع سنين فقبل العبد عتق ثم مات) . ش: أي المولى أو العبد كما بين في آخر المسألة. م: (من ساعته) . ش: أي ساعة البدل. م: (فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه قيمة خدمته أربع سنين) . ش: هذا الذي ذكره قول أبي حنيفة الآخر، وقوله الأول كقول محمد، كذا ذكره الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ". وقول زفر والشافعي كقول محمد، وخدمة البيت المعروف بين الناس، كذا ذكره الحاكم الشهيد في " الكافي ".
وشرح المسألة ما قال في " شرح الطحاوي ": لو قال لعبده أنت حر على أن تخدمني أربع سنين، فإن مات المولى قبل الخدمة بطلت الخدمة، لأن شرط الخدمة للمولى، وقد مات المولى، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف عليه قيمة نفسه، وعند محمد وعليه قيمة خدمة أربع سنين. ولو كان خدم سنة ثم مات فعلى قولهما عليه ثلاثة أرباع قيمة نفسه، وعلى قول محمد عليه خدمة ثلاث سنين، وكذا لو مات العبد وترك مالاً يقضي من مال بقيمة نفسه عندهما. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي بقيمة الخدمة.
وقال في " الشامل ": فإن مات المولى فلورثته قيمة نفسه إلا قدر قيمة ما خدم عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قيمة ما بقي، وكذلك إن مات العبد أخذ من تركته، أما العتق للتفصيل. لأنه ذكر أولاً سنين العتق ووجوب القيمة، لكن هي قيمة النفس عندهما. وعند محمد قيمة الخدمة. فقال بعد ذلك. م: (أما العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضاً من العتق، فيتعلق العتق بالقبول) . ش: أي بقبوله في المجلس قبل التسليم كما في البيع الخدمة، لأن المولى جعل الإعتاق على الخدمة، فكان معاوضة وقضية المعاوضة ثبوت الحكم بمجرد القبول قبل التسليم كما في البيع. وقال الأترازي بعد قوله - أما العتق - للتفضيل كما ذكرنا، لكن بقي المصنف أن يقول وأما وجوب قيمة النفس عندهما فلأجل هذا، وأما وجوب قيمة الخدمة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأجل كذا، فلم يعرفه ما هو حق الكلام، انتهى.
قلت: الذي نفى عليه من الكلام علم مما ذكره في أثناء الكلام، فاقتصر على ذكره.(6/83)
وقد وجد ولزمه خدمة أربع سنين لأنه يصلح عوضا، فصار كما إذا أعتقه على ألف درهم ثم مات العبد فالخلافية فيه بناء على خلافية أخرى، وهي أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها، ثم استحقت الجارية أو هلكت يرجع المولى على العبد بقيمة نفسه عندهما، وبقيمة الجارية عنده، وهي معروفة ووجه البناء أنه كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك والاستحقاق يتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد، وكذا بموت المولى فصار نظيرها،
ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تتزوجه فالعتق جائز، ولا شيء على الآمر؛ لأن من قال لغيره: أعتق عبدك على ألف درهم علي ففعل لا يلزمه شيء، ويقع العتق عن المأمور، بخلاف ما إذا قال لغيره طلق امرأتك على ألف درهم علي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقد وجد) . ش: أي القبول. م: (ولزمه خدمة) . ش: أي ولزم العبد خدمة المولى. م: (أربع سنين لأنه يصلح عوضاً) . ش: أي لأن الخدمة على تأويل المذكور إنما يصح عوضاً، لأن المنفعة أحلت حكم المالية بالعقد، ولهذا صلح مهراً. م: (فصار) . ش: أي الإعتاق على الخدمة إذا مات العبد بعد القبول. م: (كما إذا أعتقه على ألف درهم ثم مات العبد) . ش: بعد القبول، لأن الخدمة تصلح عوضاً عن الإعتاق كالألف فعتق في الصورتين بالقبول، ثم إذا مات العبد. م: (فالخلافية فيه) . ش: أي في المسألة الخلافية في الإعتاق على الخدمة في المدة المعلومة. م: (بناء على خلافية أخرى وهي) . ش: أي صورة المسألة الأخرى. م: (أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها) . ش: فقبل العبد. م: (وعتق ثم استحقت الجارية أو هلكت) . ش: قبل التسليم. م: (يرجع المولى على العبد بقيمة نفسه عندهما) . ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف. م: (وبقيمة الجارية) . ش: أي ويرجع بقيمة الجارية. م: (عنده) . ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهي) . ش: أي مسألة بيع العبد منه بجارية إذا استحقت. م: (معروفة) . ش: في طريقتها الخلافية وهناك موضع وبيانها واحد عياناً.
م: (ووجه البناء) . ش: أي بناء تلك الخلافية على هذه الخلافية. م: (أنه) . ش: أي أن البيان. م: (كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك، والاستحقاق يتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد، وكذا بموت المولى فصار نظيرها) . ش: أي صار الإعتاق على الخدمة إذا مات العبد أو المولى نظير الخلافية الأخرى في أن الواجب عند محمد قيمة الخدمة، وعندهما الواجب قيمة العبد.
[قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تتزوجه]
م: (ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم علي على أن تزوجنيها) . ش: وفي بعض نسخ " الجامع الصغير ": ذكر لفظ علي قبل قوله على أن تزوجنيها، وفي البعض لم يذكر لفظ علي إذ الوجوب مستفاد على الحالين، لكن ذكر على أول علي المراد. م: (ففعل) . ش: أي للأمور فعل ما قال الرجل. م: (فأبت) . ش: أي الأمة. م: (أن تتزوجه) . ش: أي أن تتزوج الآمر. م: (فالعتق جائزة ولا شيء على الآمر، لأن من قال لغيره: أعتق عبدك على ألف درهم علي ففعل لا يلزمه شيء، ويقع العتق عن المأمور، بخلاف ما إذا قال لغيره طلق امرأتك على ألف درهم علي ففعل، حيث يجب الألف على(6/84)
ففعل حيث يجب الألف على الآمر، لأن اشتراط البدل على الأجنبي في الطلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز، وقد قررناه من قبل. ولو قال: أعتق أمتك عني على ألف درهم والمسألة بحالها قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها، فما أصاب القيمة أداه الآمر وما أصاب مهر المثل بطل عنه لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء على ما عرف، وإذا كان كذلك فقد قابل الألف بالرقبة شراء، وبالبضع نكاحا فانقسم عليها، ووجبت حصة ما سلم له وهو الرقبة، وبطل عنه ما لم يسلم وهو البضع، فلو زوجت نفسها منه لم يذكره. وجوابه أن ما أصاب قيمتها سقط في الوجه الأول، وهي للمولى في الوجه الثاني، وما أصاب مهر مثلها كان مهرا لها في الوجهين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآمر، لأن اشتراط البدل) . ش: في الخلع على المرأة مشروع من غير أن يسلم لها شيء، لأن الخلع إسقاط محض، فلما جاز على المرأة من سلامة شيء لها جاز م: (على الأجنبي في الطلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز) . ش: كذلك، بخلاف الإعتاق، فإن فيه معنى الإثبات، وإن كان هو إزالة الملك لأن يحصل العبد قوة حكمية لم تكن ثابتة قبل الإعتاق، فكان في معنى المعاوضة.
واشتراط العوض لا يجوز على غير من سلم له المعوض، فلا يجب على الأجنبي بناء لأنه لم يسلم له شيء بهذا الضمان. وذكر شمس الأئمة: بأن المرأة لا تجبر على تزويج نفسها منه بعد العتاق لأنها صارت مالكة أمر نفسها بمنزلة من أعتق أمته على أن تزوج نفسها منه فقبلت ثم أبت بعد الإعتاق لا تجبر على ذلك.
م: (وقد قررناه من قبل) . ش: أي في باب الخلع في مثاله خلع الأب ابنته الصغيرة على وجه الاستشارة في بدل العتق على الأجنبي صحيح، فعلى الأب أولى.
[قال أعتق أمتك عني على ألف درهم على أن يتزوجها ففعل فأبت أن تزوجه]
م: (ولو قال: أعتق أمتك عني على ألف درهم. فالمسألة بحالها) . ش: أي قال على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تزوجه. م: (قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها، فما أصاب القيمة أداه الآمر، وما أصاب مهر المثل بطل عنه) . ش: أي عن الآمر. م: (لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء) . ش: كأنه قال: بع أمتك مني ثم أعتقها. م: (على ما عرف) . ش: أي في أصول الفقه. م: (وإذا كان كذلك فقد قابل الألف بالرقبة شراء) . ش: أي من حيث الشراء. م: (وبالبضع) . ش: أي وقابله بالبضع. م: (نكاحاً) . ش: أي من حيث النكاح. م: (فانقسم عليها) . ش: أي على الرقبة والبضع.
م: (ووجبت حصة ما سلم له وهو الرقبة) . ش: لأنها سلمت له حيث وقع العتق منه. م: (وبطل عنه ما لم يسلم، وهو البضع) . ش: حيث لم تتزوجه. م: (فلو زوجت نفسها منه لم يذكره) . ش: يعني في " الجامع الصغير " م: (وجوابه أن ما أصاب قيمتها سقط في الوجه الأول) . ش: وهو ما إذا لم يقل عني، وكذا سقط في الوجه الأول القيمة، لعدم وجوب الضمان. م: (وهي للمولى في الوجه الثاني) . ش: أي حصة القيمة للمولى في الوجه الثاني، وهو ما إذا قال عني. م: (وما أصاب مهر مثلها كان مهراً لها في الوجهين) . ش: أي فيما إذا قال عني أو لم يقل.(6/85)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال التمرتاشي: فإن تزوجت فلها مهر مثلها، ولا يكون قيمتها مهراً لأنه ليس بمال. وعن أبي يوسف أنه جعل العتق مهراً، إلا «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أعتق صفية ونكحها، وجعل عتقها مهرها» قلنا: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخصوص بالنكاح بغير مهر، فإن أبت فعليه قيمتها، لأن الشرط فات، وكذا لو أعتقت عبداً أو تزوجها، فإن فعلت فلها مهرها، وإن أبى فعليه قيمته.(6/86)
باب التدبير
وإذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبرا، لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير، فإنه إثبات العتق عن دبر، ثم لا يجوز بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية كما في الكتابة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب في حكم التدبير] [تعريف التدبير]
م: (باب في حكم التدبير)
ش: أي هذا باب في بيان حكم التدبير، ولما فرغ من الإعتاق المطلق عن قيد شرع في الإعتاق المقيد، وهو التدبير أو المركب بمنزلة المقيد، والمفرد بمنزلة المطلق، والمركب بعد المفرد لا محالة.
وقال الأترازي: لما فرغ من العتق الواقع في حالة الحياة شرع في العتق الواقع بعد الموت، لأن الموت يتلو الحياة، والتدبير في اللغة: هو النظر في عاقبة الأمر، وكأن المولى لما نظر في عاقبة أمره وأمر عاقبته أخرج عبده إلى الحرية بعده. وفي الشرع هو العتق الواقع عن دبر من الإنسان.
[قال المولى لمملوكه أنت مدبر]
م: (وإذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبراً، لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير فإنه إثبات العتق عن دبر) . ش: في " الإيضاح " " والتحفة " " والينابيع " ألفاظه ثلاثة أنواع:
أحدها: الصريح كقولك: دبرتك وأنت مدبر، وأنت حر عن دبر مني وكذلك حررتك لو أعتقتك أو أنت محرر أو عتيق أو معتق بعد موتي، يصير مدبراً.
والثاني: بلفظ اليمين مثل قوله: إن مت أو إن حدث لي حادث، والمراد بالحادث الموت عادة فأنت حر، وكذا إذا قال مع موتي أو في موتي، وروى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله أنت مدبر بعد موتي يصير مدبراً للحال، وكذا لو قال: أعتقتك بعد موتي أو حررتك.
والثالث: بلفظ الوصية بأن قال: وصيت لك برقبتك أو بنفسك فالكل سواء، وكذا لو قال: أوصيت بثلث مالي فتدخل رقبته فيه، لأن رقبته من جملة ماله فكان يوصي له بثلث رقبته.
م: (ثم لا يجوز بيعه) . ش: أي بيع المدبر ولا هبته، ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية كما في الكتابة، حيث لا يجوز بيع المكاتب. م: (ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا بالحرية كما في الكتابة) . ش: وبقولنا قال عامة العلماء والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين، وهو مروي عن عمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وبه قال شريح وقتادة والثوري والأوزاعي، وهو مذهب مالك في " الموطأ ".
م: (وقال الشافعي: يجوز) . ش: لأن يبيعه، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وداود، وكذا هبته وصدقته وغيرها ولا يباع في الدين عند الجمهور، وعند مالك يباع في الدين حال حياة سيده(6/87)