|
المؤلف: علي حيدر خواجه أمين أفندي (المتوفى: 1353هـ)
تعريب: فهمي الحسيني
الناشر: دار الجيل
الطبعة: الأولى، 1411هـ - 1991م
عدد الأجزاء:4
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عَلَى الْإِطْلَاقِ (الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْبَزَّازِيَّةُ) .
قَدْ ذَكَرِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَرْبَعُ صُوَرٍ مِنْ التَّقْيِيدِ فَالتَّقْيِيدُ بِالصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أَنَّهُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ يُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ مِنْهُ مَوْجُودًا وَالْبَعْضُ الْآخَرُ غَيْرَ مَوْجُودٍ كَمَا تَبَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ وَيُوجَدُ صُورَةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ تَقْيِيدُ الْعَارِيَّةِ بِالتَّوْقِيتِ.
وَحَيْثُ إنَّهُ يَجُوزُ تَوْقِيتُ الْعَارِيَّةِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْمَادَّةِ (826) فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ خِتَامِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي الْعَارِيَّةِ الَّتِي جَرَى تَوْقِيتُهَا لِأَجْلِ الرَّهْنِ. وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَطْلُبَهَا عِنْدَ خِتَامِ الْمُدَّةِ وَيُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى تَخْلِيصِ الْمَرْهُونِ وَرَدِّهِ إلَى الْمُعِيرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الرَّهْنِ) " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 732 ". لَكِنْ بَيْنَمَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُقَيَّدًا لِلْمُعِيرِ فِي الْمَجَلَّةِ أَصْبَحَتْ فَائِدَتُهُ عَائِدَةً إلَى الْمُسْتَعِيرِ. إنَّمَا يَجِبُ الِانْتِبَاهُ إلَى أَنَّ مَوْضُوعَ الْبَحْثِ هُنَا هُوَ تَوْقِيتُ الْعَارِيَّةِ بِقَصْدِ الرَّهْنِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ رَهْنِ الْمُسْتَعِيرِ مُقَابِلَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَلَا يُمْنَعُ الْمُعِيرُ مِنْ طَلَبِ الْمُسْتَعَارِ فِي الْحَالِ.
مَثَلًا إذَا رَهَنَ رَجُلٌ وَسَلَّمَ مَالًا اسْتَعَارَهُ لِأَجْلِ الرَّهْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ الَّذِي أَجَّلَهُ لِمُدَّةِ سَنَةٍ فَلِلْمُعِيرِ حَقٌّ بِأَنْ يُؤَاخِذَ الْمُسْتَعِيرَ فِي الْحَالِ يَعْنِي أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ اسْتِخْلَاصَ الْمُسْتَعَارِ وَرَدَّهُ إلَيْهِ الْأَنْقِرْوِيُّ
[لَاحِقَةٌ فِي رَهْنِ الْمَغْصُوبِ]
إذَا اغْتَصَبَ رَجُلٌ مَالَ رَجُلٍ آخَرَ وَبَعْدَ أَنْ رَهَنَهُ لِشَخْصٍ غَيْرِهِ اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَكُونُ الرَّهْنُ السَّابِقُ نَافِذًا وَلَا يَسْقُطُ دَيْنُ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ بِهَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِلْكِيَّةَ الرَّاهِنِ ثَبَتَتْ بَعْدَ الرَّهْنِ مَعَ أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ صَاحِبُهُ مُخَيَّرًا: إنْ شَاءَ ضَمِنَهُ لِلرَّاهِنِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (910) وَيَنْقَلِبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الرَّهْنُ إلَى الصِّحَّةِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَا سَيَبِينُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَكُونُ مِلْكَ الْمَرْهُونِ بِالضَّمَانِ اعْتِبَارًا مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَيَكُونُ تَقَدُّمُ مِلْكِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ. (الدُّرَرُ) وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ. وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ هُوَ الْقَبْضُ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا يَنْفُذُ الرَّهْنُ بِمِلْكٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْعَقْدِ (الْخَانِيَّةُ فِي فَصْلِ فِيمَنْ يَرْهَنُ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ الرَّهْنِ وَفِيهِ تَفْصِيلُ رَهْنِ الْمَغْصُوبِ فَلْيُرَاجَعْ) .
فَإِذَا ادَّعَى فِي هَذِهِ " الصُّورَةِ صَاحِبُ الْمَالِ أَنَّ الْمَرْهُونَ غُصِبَ مِنْهُ وَأَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ عَلَى الرَّاهِنِ. يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِأَنَّ الرَّهْنَ الْمَوْجُودَ فِي يَدِهِ مِلْكَ فُلَانٍ غَصَبَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ وَرَهَنَهُ عِنْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ هَذَا الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ. كَمَا أَنَّ إقْرَارَ الرَّاهِنِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (78) بِنَاءً عَلَيْهِ يَأْخُذُ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ. وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَحِقُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ
(2/146)
أَنْ يَتَدَاخَلَ فِي الْمَرْهُونِ بِسَبَبِ إقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمُدَاخَلَةِ أَيْضًا فِي الْمَطْلُوبِ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ. وَلَكِنْ إذَا هَلَكَ هَذَا الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ مَطْلُوبُهُ وَيَضْمَنُ أَيْضًا لِلْمُقَرِّ لَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَقَرَّ بِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ الْمُقَرِّ لَهُ بِدُونِ إذْنِهِ وَكَانَ إقْرَارُهُ هَذَا حُجَّةً عَلَيْهِ. فَلَمَّا تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَرْهُونِ بِسَبَبِ هَلَاكِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعْطَاءُ قِيمَتِهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الرَّهْنِ) .
(2/147)
[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرَّهْنِ وَيَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ]
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرَّهْنِ:
وَيَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ خُلَاصَةُ الْبَابِ الرَّابِعِ أَحْكَامُ الرَّهْنِ:
(1) لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِ الرَّهْنِ لِحِينِ فِكَاكِهِ.
(2) قَبْلَ الْفِكَاكِ إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ أَوَفَلِسَ الْمُرْتَهِنُ يَكُونُ أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ.
(3) إذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ بِمِقْدَارِهِ مِنْ الدَّيْنِ إذَا أَتْلَفَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إذَا أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الرَّهْنِ إذَا أَتْلَفَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ.
(4) الْمَرْهُونُ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَبِالْقِيمَةِ يَوْمَ التَّلَفِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي الرَّهْنِ اعْتِبَارَانِ إقْرَارُ الرَّاهِنِ أَنَّ الْمَرْهُونَ لِلْغَيْرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ، الْأَجَلُ فِي الرَّهْنِ يُفْسِدُ الرَّهْنَ.
فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَكُونُ الرَّاهِنُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَيَكُونُ بَدَلُ الرَّهْنِ مَرْهُونًا لِحِينِ حُلُولِ الْأَجَلِ.
وَإِنْ كَانَ مُعَجَّلًا لَا يَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ لِلْمُرْتَهِنِ جَمِيعَ الدَّيْنِ.
يَضْمَنُ مِقْدَارَ النَّقْصِ الْمُحْدَثِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ. فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَكُونُ ضَامِنًا الْقِيمَةَ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَتَكُونُ مَرْهُونَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ مُعَجَّلًا يَسْقُطُ مِقْدَارُ قِيمَتِهِ (إنْكَارُ الْمُرْتَهِنِ فِي حُكْمِ الْإِتْلَافِ) مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ عَيْنُ الرَّهْنِ. وَهَذَا وَدِيعَةٌ - بِنَاءً عَلَيْهِ كُلُّ فِعْلٍ يُوجِبُ ضَمَانَ الْمُسْتَوْدِعِ يُوجِبُ ضَمَانَ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا.
(2/149)
مَالِيَّةُ الرَّهْنِ وَهَذَا مَضْمُونٌ وَلِهَذَا السَّبَبِ إذَا هَلَكَ بِلَا تَعَدٍّ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ حَتَّى لَوْ فُقِدَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ أَدَاءِ الرَّاهِنِ الدَّيْنَ يَجِبُ عَلَى الدَّائِنِ أَنْ يَرُدَّ لِلْمَدِينِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مَرَّتَيْنِ (5) الرَّهْنُ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ مُطَالَبَةِ الدَّيْنِ (6) إذَا تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ فِي الْمَرْهُونِ بِصُورَةٍ مُمْكِنَةِ الْفَسْخِ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ لَا يَنْفُذُ هَذَا التَّصَرُّفُ مَا لَمْ يَلْحَقْهُ رِضَا الْمُرْتَهِنِ (7) الْمُرْتَهِنُ مَجْبُورٌ عَلَى إحْضَارِ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَمَا يَطْلُبُ دَيْنَهُ.
اسْتِثْنَاءٌ: 1: إذَا كَانَ إحْضَارُ الرَّهْنِ مُحْتَاجًا إلَى حَمْلٍ وَمُؤْنَةٍ.
2 -: إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْعَدْلِ وَكَانَ هَذَا غَائِبًا.
3 -: إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَقْبِضْ.
4 -: إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَكَانَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْعَدْلِ.
فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ إحْضَارُ الرَّهْنِ.
(8) فِي الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ اسْتِخْلَاصِ الرَّهْنِ.
فَفِي قَوْلٍ بِمِقْدَارِ الدَّيْنِ السَّاقِطِ لَدَى التَّلَفِ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُؤَدِّيهِ الْمُعِيرُ إلَى الْمُرْتَهِنِ.
(9) لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بَلْ تَنْتَقِلُ أَحْكَامُ الرَّهْنِ إلَى الْوَرَثَةِ وَيُوَفَّى الدَّيْنُ مِنْ التَّرِكَةِ.
(10) لِلرَّاهِنِ أَنْ يُودِعَ الرَّهْنَ إلَى آخَرَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ. وَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَهَلَكَ أَثْنَاءَ الِانْتِفَاعِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لِكَوْنِهِ عَارِيَّةً.
(11) يَدُ الْعَدْلِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ.
(12) إذَا لَمْ يُوفِ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ يُجْبَرُ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ لِأَجْلِ وَفَاءِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْعِ إكْرَاهٌ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلًا: الْإِجْبَارُ لَيْسَ بِغَيْرِ حَقٍّ.
ثَانِيًا: الْإِجْبَارُ لَيْسَ خَاصًّا بِبَيْعِ الرَّهْنِ بَلْ بِتَأْدِيَةِ الدَّيْنِ
(2/150)
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرَّهْنِ الْعُمُومِيَّةِ]
الْمَادَّةُ 729) حُكْمُ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِ الرَّهْنِ لِحِينِ فِكَاكِهِ وَأَنْ يَكُونَ أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ.
لِلرَّهْنِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ حَبْسِ الْمَرْهُونِ أَيْ صَلَاحِيَّةُ تَوْقِيفِهِ لِبَيْنَمَا يُؤَدِّي الْمَدِينُ أَيْ الرَّاهِنُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ الدَّيْنَ الَّذِي جُعِلَ الرَّهْنُ فِي مُقَابَلَتِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ إلَى نَائِبِهِ كَوَكِيلِهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ يَهَبُ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أَوْ يُبَرِّئُهُ مِنْهُ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ وَأَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ قَبْلَ الْفِكَاكِ إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ أَوْ كَانَ حَيًّا.
الثَّالِثُ: يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ هَلَاكِ الْمَرْهُونِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِمِقْدَارِ الْمَرْهُونِ.
تَفْصِيلُ الْأَحْكَامِ - الْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ:
مَسْأَلَةٌ 1 - إذَا أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالرَّهْنِ لِلْغَيْرِ لَا يُنْزَعُ الْمَرْهُونُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْإِقْرَارِ. وَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى حَقِّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 78) . بَلْ يُؤْمَرُ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ أَوْ اسْتِخْلَاصِ الْمَرْهُونِ وَرَدِّهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَنْقِرْوِيُّ.
مَسْأَلَةٌ 2 - إذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِأَجْلِ بَيْعِهِ فِي السُّوقِ وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يُؤْخَذُ الرَّهْنُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَيُعَادُ إلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ لِحِينِ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ بَيْعَهُ وَإِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ الزَّيْلَعِيّ.
وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ فَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ: بِعْ الرَّهْنَ وَخُذْ حَقَّهُ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا أُرِيدُ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا أُرِيدُ حَقِّي كَانَ لَهُ ذَلِكَ الْخَانِيَّةُ وَالدُّرُّ والشرنبلالي وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُخَيَّرًا: إنْ شَاءَ مَكَّنَ الرَّاهِنَ مِنْ بَيْعِ الرَّهْنِ وَأَسْقَطَ حَقَّ حَبْسِهِ. وَإِنْ شَاءَ لَا يُمَكِّنُهُ. وَلَكِنْ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ آخَرَ وَأَوْفَى دَيْنَهُ بِثَمَنِهِ لِلدَّائِنِ يَتَخَيَّرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إعَادَةِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا آخُذُ الدَّرَاهِمَ وَلَا أُعِيدُ الرَّهْنَ.
(2/151)
مَسْأَلَةٌ 3 - لَا يُمْكِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَرْهُونَ وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ لَيْسَ الْمِلْكِيَّةَ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ. حَتَّى إنَّهُ إذَا رَهَنَ شَخْصٌ لِآخَرَ مَالًا وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: إذَا لَمْ أُعْطِك مَطْلُوبَك لِحِينِ الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَلْيَكُنْ الْمَرْهُونُ مَالًا لَك مُقَابِلَ دَيْنِي فَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ. وَحَيْثُ إنَّهُ لَا حُكْمَ لِهَذَا الْكَلَامِ يَبْقَى الْمَرْهُونُ مَرْهُونًا كَالْأَوَّلِ وَإِنْ مَرَّ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ (فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ) . وَبَيْنَمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ مَرْعِيَّةً فِي زَمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ أَبْطَلَهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ الْمُبَارَكِ «لَا تُغَلِّقْ الرَّهْنَ» وَالْمُرَادُ مِنْهُ لَا يَكُونُ الْمَرْهُونُ بِالْحَبْسِ الْكُلِّيِّ عَبُوسًا بِصُورَةِ أَنْ يُصْبِحَ مَمْلُوكًا لِلْمُرْتَهِنِ (الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ) .
مَسْأَلَةٌ 4 - لَا يَبْقَى لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ إلَى الرَّاهِنِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 97) . كَمَا يُسْتَفَادُ أَيْضًا مِنْ الْمَادَّةِ (731) فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَ أَنْ يَرْهَنَ مَالًا مُقَابِلَ دَيْنٍ إذَا أَوْفَى هَذَا الدَّيْنَ فَلَا يَنْتَقِلُ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ إلَى الرَّهْنِيَّةِ مُقَابِلَ مَطْلُوبٍ آخَرَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ (الْعِنَايَةُ) .
مَثَلًا: لَوْ كَانَ شَخْصٌ مَدِينًا لِآخَرَ بِخَمْسِينَ مَجِيدِيًّا وَعَشْرِ ذَهَبَاتٍ فَأَعْطَاهُ رَهْنًا مُقَابِلَ خَمْسِينَ مَجِيدِيًّا ثُمَّ أَدَّى هَذَا الدَّيْنَ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ بِحَبْسِ الرَّهْنِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَشْرِ ذَهَبَاتٍ وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا فِي إبْرَاءِ الدَّيْنِ وَهِبَتِهِ الزَّيْلَعِيّ وَإِذَا كَانَ الْمَرْهُونُ شَيْئَيْنِ وَرُهِنَا مُقَابِلَ دَيْنَيْنِ بِعَقْدٍ مُتَعَدِّدٍ وَمُسْتَقِلٍّ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَرْهُونًا مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ الَّذِي يُقَابِلُهُ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ وَكَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِ الرَّهْنَيْنِ أَزْيَدَ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَنْقَصَ مِنْهُ فَيَرُدُّ الدَّائِنُ زِيَادَةَ الرَّهْنِ إلَى الْغُرَمَاءِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بَقِيَّةَ مَطْلُوبِهِ الْآخَرِ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ. بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ هَذِهِ الْبَقِيَّةِ غَرَامَةً. مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَهْنٌ مُقَابِلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَفُسِخَ عَقْدُ السَّلَمِ يَكُونُ هَذَا الرَّهْنُ اسْتِحْسَانًا رَهْنًا مُقَابِلَ رَأْسِ الْمَالِ وَيَجُوزُ حَبْسُ الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَجْلِ رَأْسِ الْمَالِ الزَّيْلَعِيّ.
وَبَعْدَ أَنْ يُوَفَّى الدَّيْنُ كَامِلًا أَوْ يُوهَبَ أَوْ يُبَرَّأَ الرَّاهِنُ مِنْهُ إذَا طَلَبَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يُعْطِهِ حَالَ كَوْنِ تَسْلِيمِهِ مُمْكِنًا يَكُونُ إذْ ذَاكَ بِحُكْمِ الْغَاصِبِ وَإِذَا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ قِيمَتِهِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 4 79) . (نُقُولُ الْبَهْجَةِ) .
مَسْأَلَةٌ 5 - الْأَجَلُ فِي الرَّهْنِ يُفْسِدُ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَبْسِ الدَّائِمِ فَعِنْدَمَا يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ لَا يُحْبَسُ لِحِينِ حُلُولِ الْأَجَلِ الْأَنْقِرْوِيُّ.
فِكَاكُ الرَّهْنِ يَكُونُ بِخَمْسَةِ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ - يَكُونُ بِعَدَمِ رَدِّ الرَّاهِنِ الْإِبْرَاءَ مَتَى أَبْرَأْهُ الْمُرْتَهِنُ.
الثَّانِي - يَكُونُ بِعَدَمِ رَدِّ الرَّاهِنِ الْهِبَةَ مَتَى وَهَبَهُ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 847) .
الثَّالِثُ - يَكُونُ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ الدَّيْنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِنَائِبِهِ حَتَّى إنَّهُ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ وَهُوَ
(2/152)
فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَوْفَى مَطْلُوبَ الْمُرْتَهِنِ يُؤْخَذُ حِينَئِذٍ الرَّهْنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيُسَلَّمُ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ زَالَ مَانِعُ التَّسْلِيمِ بِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ شرنبلالي (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24) .
يُوَفَّى الدَّيْنُ أَيْضًا إلَى النَّائِبِ. فَلَوْ جُنَّ الْمُرْتَهِنُ وَعُيِّنَ لَهُ وَصِيٌّ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ يُوَفَّى الدَّيْنُ إلَى الْوَصِيِّ الْمَرْقُومِ وَيُرَدُّ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ (فَتَاوَى أَبُو السُّعُودِ) .
رَابِعًا: يَكُونُ بِإِيفَاءِ شَخْصٍ آخَرَ الدَّيْنَ تَبَرُّعًا. كَمَا لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ عِنْدَ آخَرَ سَاعَةً قِيمَتُهَا عَشْرُ ذَهَبَاتٍ مُقَابِلَ عَشْرِ ذَهَبَاتٍ دَيْنَهُ وَأَدَّى شَخْصٌ أَجْنَبِيٌّ ذَلِكَ الدَّيْنَ تَبَرُّعًا فَيَجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ تُعَادَ السَّاعَةُ إلَى الرَّهْنِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَوْفَى الدَّيْنَ تَبَرُّعًا إذَا هَلَكَتْ السَّاعَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ تُعَادَ إلَى الرَّاهِنِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَ إلَى الشَّخْصِ الْمُتَبَرِّعِ الْعَشْرَ ذَهَبَاتٍ الَّتِي أَخَذَهَا وَلَيْسَ إلَى الرَّاهِنِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ الرَّهْنِ) .
خَامِسًا: يَكُونُ بِحَوَالَةِ الْمُرْتَهِنِ أَحَدُ دَائِنِيهِ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (690) .
وَأَمَّا إذَا أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى شَخْصٍ فَلَا يَفُكُّ الرَّهْنَ وَلَيْسَ مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يُعْتَبَرَ كَأَنَّهُ قَدْ فَكَّ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (690) .
وَقَوْلُهُ (أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ) يَعْنِي أَنَّ سَائِرَ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُتَدَاخَلُوا فِي الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ أَوْ أَنْ يَدْخُلَ فِي قِسْمَةِ الْغُرَمَاءِ. سَوَاءٌ أَكَانَ الرَّاهِنُ تُوُفِّيَ أَمْ حَيًّا أَمْ مُفْلِسًا فَوَالْحَالَةُ هَذِهِ تَعْبِيرُ (وَفَاةً) الْوَارِدُ فِي الْمَجَلَّةِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا.
الْمَسْأَلَةُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي: وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ يُبَاعُ الرَّهْنُ وَيُوَفَّى الدَّيْنُ كَامِلًا مِنْ ثَمَنِهِ. فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يُقَسَّمُ غَرَامَةً بَيْنَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَإِذَا لَمْ يُوَفِّ ثَمَنُهُ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ يَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ بَاقِيَ الدَّيْنِ غَرَامَةً مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِ الرَّاهِنِ (فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ وَالْبَزَّازِيَّةُ) .
إيضَاحُ الْحُكْمِ الثَّالِثِ: سَتَذْكُرُ التَّفْصِيلَاتُ الْعَائِدَةُ لَهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 74) .
[ (الْمَادَّةُ 730) لَا يَكُونُ الرَّاهِنُ مَانِعًا لِلْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ]
(الْمَادَّةُ 730) (لَا يَكُونُ الرَّاهِنُ مَانِعًا لِلْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ حَتَّى إنَّهُ بَعْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ أَيْضًا فَصَلَاحِيَّةُ الْمُرْتَهِنِ فِي مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ بَاقِيَةٌ) .
الرَّهْنُ لَا يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُهُ وَبَعْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ وَحَبْسِهِ أَيْضًا فَصَلَاحِيَّةُ الْمُرْتَهِنِ فِي مُطَالَبَةِ الرَّاهِنِ بِمَطْلُوبِهِ الْمُعَجَّلِ الَّذِي حَلَّ أَجَلُهُ وَحَتَّى فِي حَبْسِ الْمَدِينِ الرَّاهِنِ بَاقِيَةً لِأَجْلِ أَخْذِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بَاقٍ أَيْضًا بَعْدَ الرَّهْنِ وَحَيْثُ إنَّ الرَّهْنَ لِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ فَلَا
(2/153)
يَسْقُطُ حَقُّ طَلَبِ الدَّائِنِ (الْكِفَايَةُ) غَيْرَ أَنَّهُ فِي زَمَانِنَا نَظَرًا لِلْأُصُولِ الْمَرْعِيَّةِ إذَا كَانَ لِلرَّاهِنِ مَالٌ مَرْهُونٌ أَوْ مَالٌ آخَرُ كَافٍ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ إنَّ مَالَهُ يُبَاعُ بِمَعْرِفَةِ الْمُحَكِّمَةِ وَيُسَدَّدُ مَطْلُوبُ الْمُرْتَهِنِ وَالدَّائِنِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمَدِينُ بِبَيْعِ مَالِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَتَى طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ كَامِلَ دَيْنِهِ الْمُعَجَّلِ أَوْ الْمُؤَجَّلِ الَّذِي حَلَّ أَجَلُهُ أَوْ التَّقْسِيطَ الَّذِي حَلَّ مِنْهُ فَعِنْدَمَا يَعْتَرِفُ الرَّاهِنُ بِوُجُودِ الرَّهْنِ سَالِمًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يُؤْمَرُ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ إلَى مَجْلِسِ الْمُرَافَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ مِنْ إحْضَارِ الرَّهْنِ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِبَقَائِهِ (الزَّيْلَعِيّ وَالْكِفَايَةُ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ كَامِلًا فَأَوَّلًا يُسَلِّمُ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ. وَثَانِيًا يَلْزَمُ تَقْدِيمُ أَدَاءِ الدَّيْنِ عَلَى رَدِّ وَتَسْلِيمِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فَتَسْلِيمُ الْمَرْهُونِ أَوَّلًا يُبْطِلُ الْوَثِيقَةَ فَلَوْ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرْهُونِ أَوَّلًا فَنَظَرًا لِاحْتِمَالِ وَفَاةِ الرَّاهِنِ يَلْزَمُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنْ يُشَارِكَ الْمُرْتَهِنُ الْغُرَمَاءَ مَعَ أَنَّ بُطْلَانَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي هَذَا ثَابِتٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَيُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا (الْخَانِيَّةُ) . ثُمَّ حَيْثُ إنَّ الْمُرْتَهِنَ عَيَّنَ حَقَّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ يَعْنِي لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ مُتَعَيِّنٌ وَمُتَقَرِّرٌ يَقْتَضِي أَنْ يُعَيِّنَ الرَّاهِنُ أَيْضًا حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ وَأَنْ تَحْصُلَ الْمُسَاوَاةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ فَلَا يَحْصُلُ التَّعَيُّنُ الْمَذْكُورُ إلَّا بِقَبْضِ الدَّيْنِ الْمُخْتَارُ وَالدُّرُّ وَالزَّيْلَعِيّ.
وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَسُقُوطَ الدَّيْنِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 74) وَطَلَبَ لِتَظَاهُرِ الْحَقِيقَةِ إحْضَارَ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا إلَى مَجْلِسِ الْمُحَاكَمَةِ فَإِذَا كَانَ إحْضَارُ الرَّهْنِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى مَصَارِيفَ نَقْلِيَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ سَاعَةً أَوْ خَاتَمًا يَأْمُرُ الْحَاكِمُ الْمُرْتَهِنَ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ إلَى الْمَجْلِسِ الزَّيْلَعِيّ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي بَلْدَةِ الرَّهْنِ أَوْ فِي غَيْرِهَا الْأَنْقِرْوِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَهْلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 74) وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَإِذَا أَوْفَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ هَذِهِ الْمَرَّةَ يَكُونُ قَدْ أَعْطَاهُ مَرَّتَيْنِ (مَرَّةً بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَمَرَّةً بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ) (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الثَّالِثِ مِنْ الرَّهْنِ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ) .
وَإِذَا أَحْضَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِنَاءً عَلَى أَمْرِ الْحَاكِمِ يُوفِي الرَّاهِنُ دَيْنَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرُدُّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالزَّيْلَعِيّ غَيْرَ أَنَّهُ فِي سِتِّ مَسَائِلَ لَيْسَ الْمُرْتَهِنُ مُكَلَّفًا بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ:
مَسْأَلَةٌ (1) إنْ كَانَ لِلرَّهْنِ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إحْضَارِهِ أَيْ عَلَى نَقْلِهِ بِدَرَاهِمَ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ كَمَا سَيُوَضَّحُ شَرْحًا فِي الْمَادَّةِ (732) (رَدُّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ التَّخْلِيَةُ وَالتَّسْلِيمُ وَلَيْسَ النَّقْلَ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) . وَلَمْ يُعْتَبَرْ هُنَاكَ احْتِمَالُ تَكْرَارِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي مُقَابِلِهِ ضَرَرٌ مُتَعَيَّنٌ وَهُوَ تَأْخِيرُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَأَفَادَ الْمُرْتَهِنُ بَقَاءَهُ فَيَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى
(2/154)
عَدَمِ هَلَاكِهِ بَتَاتًا لِطَلَبِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ وُجُودِ الرَّهْنِ فِي مَجْلِسِ الْمُحَاكِمَةِ يُحْتَمَلُ هَلَاكُهُ وَبُطْلَانُ الدَّيْنِ (شِبْلِيٌّ) . وَجَرَى هَذَا لِتَحْلِيفِهِ عَلَى الثَّبَاتِ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ وُقُوعِ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَإِذَا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ يُؤْمَرُ الرَّاهِنُ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ فَيُقْبَضُ الرَّهْنُ بَعْدَ الْإِيفَاءِ. وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُرْتَهِنُ لَا يُؤْمَرُ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَلَقِيَهُ الْبَائِعُ فِي غَيْرِ مِصْرِهِمَا وَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ فَأَبِي الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الْمَبِيعَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَ إحْضَارِ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الرَّهْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَبِيعَ مَعَ الثَّمَنِ عِوَضَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِذَا تَأَخَّرَ قَبْضُ أَحَدِهِمَا لَا بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا يَتَأَخَّرُ الْآخَرُ وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلَيْسَ بِعِوَضٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ تَأَخُّرَ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَيْعِ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي كَفِيلٌ حَتَّى يَحْضُرَ ذَلِكَ الْمِصْرَ أَوْ يَبْعَثَ وَكِيلًا لِيَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ الْمَبِيعَ نَظَرًا لَهُمَا (الْخَانِيَّةُ) .
وَهَا أَنَّ مَسْأَلَةَ إحْضَارِ الرَّهْنِ قَدْ اُخْتِيرَتْ وَوَضَحَتْ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ فِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَالدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَالْبَابِ السَّابِعِ مِنْ الْهِنْدِيَّةِ وَإِنَّمَا إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ فِي غَيْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي عُقِدَ فِيهَا الرَّهْنُ وَاسْتَدْعَى الرَّاهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ فَفِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ بَعْضُ رِوَايَاتٍ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمِصْرِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ (شِبْلِيٌّ وَالْخَانِيَّةُ) .
مَسْأَلَةٌ 2: وَمَتَى طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ الَّذِي فِي يَدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ بِوَضْعِهِ الرَّهْنَ فِي يَدِ الْعَدْلِ يَكُونُ أَظْهَرَ عَدَمَ تَأْمِينِ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُقْتَدِرًا عَلَى أَخْذِ الرَّهْنِ مِنْ يَدِ الْعَدْلِ وَإِحْضَارِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (754) (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) . وَلَكِنْ مَتَى ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْعَدْلِ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِهَلَاكِهِ فَإِذَا حَلَفَ يُؤْمَرُ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِذَا نَكَلَ لَا يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى إيفَاءِ الدَّيْنِ.
إنْكَارُ الْعَدْلِ الرَّهْنَ بِحُكْمِ هَلَاكِهِ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ وَأَفَادَ أَنَّ الْمَالَ الْمُدَّعَى رَهِينَةً هُوَ مَالُهُ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَطْلُبَ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ الزَّيْلَعِيّ. وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا أَثْبَتَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ رَهْنٌ مَوْدُوعٌ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ الْخَانِيَّةُ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ.
مَسْأَلَةٌ 3: إذَا أَوْدَعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ الَّذِي وَضَعَ فِي يَدِ الْأَمِينِ مِنْ عِيَالِهِ فَفُقِدَ وَقَالَ الْأَمِينُ الْمَذْكُورُ: إنَّهُ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْعَدْلِ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ مَالَ مَنْ هِيَ فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ الْمُرْتَهِنُ مُكَلَّفًا بِإِحْضَارِهَا " لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَقْبِضْ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ. فَإِنْ ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّ الرَّهْنَ قَدْ تُمُلِّكَ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى عِلْمِهِ فَإِنْ حَلَفَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُجْبَرْ (الْخَانِيَّةُ) .
مَسْأَلَة: إذَا أَوْدَعَ الرَّهْنَ فِي يَدِ الْعَدْلِ وَغَابَ الْعَدْلُ وَلَمْ يُعْلَمُ مَحَلُّ إقَامَتِهِ فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ (الزَّيْلَعِيّ)
(2/155)
مَسْأَلَةٌ 5: إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَبَاعَهُ بِمُوجَبِ الْوَكَالَةِ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَأَصْبَحَ الرَّهْنُ دَيْنًا وَيَكُونُ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ اقْتِدَارٌ عَلَى إحْضَارِهِ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) .
وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَقْبِضُهُ يُكَلَّفُ بِإِحْضَارِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُبْدَلِ. وَاَلَّذِي يَقْبِضُ الثَّمَنَ هُوَ الْبَائِعُ مُرْتَهِنًا كَانَ أَوْ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
مَسْأَلَةٌ 6: إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ الْأَجْنَبِيَّ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ مُطْلَقًا وَبَاعَهُ الْعَدْلُ الْمَذْكُورُ حَالًا أَوْ نَسِيئَةً وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فِيمَا لَوْ بَاعَهُ نَسِيئَةً فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ (الْخَانِيُّ) .
[ (الْمَادَّةُ 731) إذَا قُضِيَ مِقْدَارٌ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُ رَدُّ مِقْدَارٍ مِنْ الرَّهْنِ مُقَابِلَ ذَلِكَ]
(الْمَادَّةُ 731) إذَا قُضِيَ مِقْدَارٌ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُ رَدُّ مِقْدَارٍ مِنْ الرَّهْنِ مُقَابِلَ ذَلِكَ وَلِلْمُرْتَهِنِ الْحَقُّ بِحَبْسِ الرَّهْنِ وَإِمْسَاكِهِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ بَقِيَّةَ الدَّيْنِ تَمَامًا لَكِنْ إذَا رَهَنَ شَيْئَيْنِ وَتَعَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارٌ مِنْ الدَّيْنِ فَعِنْدَ أَدَاءِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ لِأَحَدِهِمَا فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَخْلِصَهُ وَحْدَهُ.
إذَا تَخَلَّصَتْ ذِمَّةُ الْمَدِينِ مِنْ مِقْدَارٍ مِنْ الدَّيْنِ يَبْقَى الْمَرْهُونُ مَحْبُوسًا وَمَرْهُونًا كَمَا كَانَ مُقَابِلَ الدَّيْنِ السَّاقِطِ وَمُقَابِلَ الدَّيْنِ الْبَاقِي.
وَعَلَيْهِ إذَا أُوفِيَ مِقْدَارٌ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينِ أَوْ مِنْ قِبَلِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ أُبْرِئَ وَأُسْقِطَ مِنْ طَرَفِ الدَّائِنِ أَوْ وُهِبَ لِلرَّاهِنِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إذَا صَارَ الْمَدِينُ بَرِيئًا مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ بِسَبَبِ إحْدَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ مِقْدَارٍ مِنْ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ مُقَابِلَ الْمِقْدَارِ الَّذِي قَضَى وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مُتَعَدِّدًا بَلْ يَبْقَى كُلُّ الرَّهْنِ مَحْبُوسًا كَمَا كَانَ مُقَابِلَ كُلِّ الدَّيْنِ وَتَبْقَى لِلْمُرْتَهِنِ صَلَاحِيَّةٌ بِحَبْسِ مَجْمُوعِ الرَّهْنِ وَإِمْسَاكِهِ لِبَيْنَمَا يَسْتَوْفِي بَقِيَّةَ الدَّيْنِ تَمَامًا؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ كُلَّ الرَّهْنِ مَحْبُوسٌ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ الدَّيْنِ فَلِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي حَمْلِ الدَّائِنِ وَإِجْبَارِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ يُعْتَبَرُ كُلُّ الْمَرْهُونِ مَحْبُوسًا مُقَابِلَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ وَنَظِيرَ هَذَا الْمَبِيعِ الَّذِي فِي يَدِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّتَيْنِ 278 و 279 إذَا أَوْفَى الْمُشْتَرِي مِقْدَارًا مِنْ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ.
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ مِنْ الْمَبِيعِ الْهِدَايَةُ وَالْعَيْنِيُّ مَثَلًا لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ عِنْدَ آخَرَ لِأَجْلِ دَيْنِهِ الْبَالِغِ أَلْفَ قِرْشٍ خَاتَمًا قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ أَوْ خَمْسُمِائَةِ قِرْشٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُمَا ثُمَّ أَدَّى خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ أَحَدَ الْخَاتَمَيْنِ بِلَا رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَذْكُورُ مُخْتَلِفَ الْجِنْسِ أَيْ خَمْسَ مِائَةٍ مِنْهُ ذَهَبًا وَخَمْسَ مِائَةٍ فِضَّةٍ الْهِنْدِيَّةُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ ". كَمَا إنَّ الْحُكْمَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ أَيْضًا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 379 ". وَلَكِنَّهُ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 6 1 7 " أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ الْمَرْهُونَ، يَفْسَخَ قِسْمًا مِنْ الرَّهْنِ.
وَلِذَلِكَ أَيْضًا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ وَكَانَ قَدْ أَوْفَى مِقْدَارًا مِنْ الدَّيْنِ يَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مَا كَانَ أَعْطَاهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ " 1 74 " عَبْدُ الْحَلِيمِ يَعْنِي أَنَّهُ بِقَضَاءِ مِقْدَارٍ مِنْ الدَّيْنِ لَا يُصْبِحُ الْمَرْهُونُ مَرْهُونًا مُقَابِلَ الْمِقْدَارِ الْبَاقِي وَحَيْثُ إنَّهُ يَبْقَى
(2/156)
مَرْهُونًا مُقَابِلَ الدَّيْنِ كُلَّهُ كَمَا كَانَ فَيَجْرِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ.
مَثَلًا لَوْ رَهَنَ الرَّاهِنُ مَالًا مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ أَوْفَى لِلْمُرْتَهِنِ أَرْبَعَمِائَةِ قِرْشٍ مِنْهُ وَقَالَ: فَلْيَبْقَ الرَّهْنُ مُقَابِلَ السِّتِّمِائَةِ قِرْشٍ الْبَاقِيَةِ فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْكَلَامِ وَيَبْقَى مَرْهُونًا مُقَابِلَ كُلِّ الدَّيْنِ (الْأَنْقِرْوِيُّ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَلَكِنْ إذَا رَهَنَ شَيْئَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ مُقَابِلَ دَيْنٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِقْدَارًا مِنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ وَأَوْفَى الْمِقْدَارَ الَّذِي تَعَيَّنَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَبْرَأَ أَوْ وَهَبَ لِلرَّاهِنِ فَلِلرَّاهِنِ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَخْلِصَهُ وَحْدَهُ فَقَطْ. (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 729) . وَيُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِخُصُوصِ أَيِّ رَهْنٍ أَعْطَاهُ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 775 1) .
سُؤَالٌ وَجَوَابٌ: بِمَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَعَدَّدُ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ فَهَلْ يَتَعَدَّدُ الرَّهْنُ مِثْلَ الْبَيْعِ أَمْ لَا؟ الرِّوَايَةُ مُخْتَلِفَةٌ بِخُصُوصِ تَعَدُّدِ عَقْدِ الرَّهْنِ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ: فَعَلَى رِوَايَةٍ يَتَعَدَّدُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرِيرُ الْعَقْدِ. وَالْحَالُ أَنَّهُ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ الْمَادَّةِ (179) وَشَرْحِهَا لَا يَتَعَدَّدُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّهُ فِي قَبُولِ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ إضْرَارٌ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ هِيَ أَنْ يُضَمَّ الرَّدِيءُ إلَى الْجَيِّدِ وَيُبَاعُ الرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ مَعًا. وَحَيْثُ إنَّ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا يَزُولُ فِي الرَّهْنِ فَلَيْسَ مِنْ ضَرَرٍ لِلْمُرْتَهِنِ فِي قَبُولِ الرَّهْنِ وَفِي أَحَدٍ مِنْ الْمَرْهُونِ الْمُتَعَدِّدِ. فَهَا أَنَّهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَهَذِهِ الْحِكْمَةِ حِينَمَا يَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْت حِصَانِي هَذَا بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ وَفَرَسِي هَذِهِ بِخَمْسَ عَشَرَةَ ذَهَبًا، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ الِاثْنَيْنِ بِهَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُك حِصَانِي هَذَا مُقَابِلَ عَشْرِ ذَهَبَاتٍ مِنْ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ ذَهَبًا مِنْ الَّتِي لَك عَلَيَّ وَرَهَنْتُك فَرَسِي هَذِهِ مُقَابِلَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ ذَهَبًا الْبَاقِيَةِ، فَلَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبُولِ الِاثْنَيْنِ وَأَمَّا إنْ قَالَ: ارْتَهَنْت هَذَا الْحِصَانَ مُقَابِلَ عَشْرِ ذَهَبَاتٍ صَحَّ ذَلِكَ الْهِدَايَةُ وَعَيْنِيٌّ.
وَأَمَّا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَحُكْمُ هَذِهِ الْفِقْرَةِ أَيْضًا نَظِيرُ حُكْمِ الْفِقْرَةِ السَّالِفَةِ. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَا يَتَعَدَّدُ عَقْدُ الرَّهْنِ فِي الرَّهْنِ أَيْضًا بِمُجَرَّدِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَبِلَتْ الرِّوَايَةَ الْأُولَى (أَبُو السُّعُودِ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَلِنُوَضِّحَ بِمِثَالِ فِقْرَةِ الْمَجَلَّةِ الثَّانِيَةِ هَذِهِ: مَثَلًا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْت هَذِهِ السَّاعَةَ مُقَابِلَ عَشْر ذَهَبَاتٍ مِنْ الدَّيْنِ الْبَالِغِ خَمْسَ عَشَرَةَ ذَهَبًا أَوْ رَهَنْت هَذَا السَّيْفَ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِ ذَهَبَاتٍ مِنْهُ، وَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَبَعْدَ أَنْ قَبَضَ الِاثْنَيْنِ إذَا أُعْطِيَ خَمْسَ ذَهَبَاتٍ لِلرَّاهِنِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ السَّيْفَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقُولَ: لَا، اعْطِنِي السَّيْفَ مَا لَمْ يُوفِ كُلَّ الدَّيْنِ. وَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ إعْطَائِهِ يَكُونُ غَاصِبًا.
وَالْإِتْيَانُ شَرْحًا بِقَوْلِهِ: بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْمَجَلَّةِ. وَإِلَّا فَإِنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْفِقْرَةِ جَارٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُتَعَدِّدًا. كَمَا لَوْ رُهِنَ مَالٌ وَسُلِّمَ بِعَقْدٍ مُقَابِلَ دَيْنٍ ثُمَّ رُهِنَ مَالٌ آخَرُ
(2/157)
وَسُلِّمَ بِعَقْدٍ آخَرَ مُقَابِلَ دَيْنٍ آخَرَ فَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ. يَعْنِي أَنَّهُ مَتَى أُوفِيَ دَيْنٌ يَسْتَخْلِصُ الْمَالَ الَّذِي فِي مُقَابِلَتِهِ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
يُشَارُ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ: أَوَّلًا: ذُكِرَ فِي الْمَجَلَّةِ (شَيْئَانِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْهَنَ نِصْفُ شَيْءٍ مُقَابِلَ مِقْدَارٍ مِنْ الدَّيْنِ وَيُرْهَنَ النِّصْفُ الثَّانِي مُقَابِلَ الْمِقْدَارِ الْبَاقِي. وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (720) .
ثَانِيًا: قِيلَ أَيْضًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ دُونَ أَنْ يَتَعَيَّنَ مِقْدَارٌ مِنْ الدَّيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ. مَثَلًا إذَا قَصَدَ رَجُلٌ أَنْ يَرْهَنَ عِنْدَ الْآخَرِ خَاتَمَيْنِ مُقَابِلَ ثَلَاثِمِائَةِ قِرْشٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَقَالَ: رَهَنْت أَحَدَ الْخَاتَمَيْنِ لِمِائَةٍ وَالْآخَرَ لِمِائَتَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّ الْخَاتَمَيْنِ لِمِائَةٍ وَأَيَّهُمَا لِمِائَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْخَاتَمَيْنِ فَمَا يُصِيبُهُ مِنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ كَمَا سَيَذْكُرُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) وَبِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إذْ ذَاكَ أَيَّ الدَّيْنِ يَسْقُطُ مُقَابِلَ الْخَاتَمِ الْهَالِكِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (709) .
[ (الْمَادَّةُ 732) لِصَاحِبِ الرَّهْن الْمُسْتَعَار أَنْ يُؤَاخِذ الرَّاهِن الْمُسْتَعِير لِتَخْلِيصِ الرَّهْن وَتَسْلِيمه إيَّاهُ]
(الْمَادَّةُ 732) - لِصَاحِبِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ أَنْ يُؤَاخِذَ الرَّاهِنَ الْمُسْتَعِيرَ لِتَخْلِيصِ الرَّهْنِ وَتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ بِسَبَبِ فَقْرِهِ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَفِيَهُ وَيُخَلِّصَ مَالَهُ.
لِلْمُعِيرِ مَتَى شَاءَ أَنْ يُؤَاخِذَ الْمُسْتَعِيرَ الْحَاضِرَ كَيْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ وَيُخَلِّصَ الرَّهْنَ الْمُسْتَعَارَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي أَنْ يَطْلُبَ الْعَارِيَّةَ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (825) وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (735) . مَعَ إنَّمَا مَتَى كَانَتْ الْإِعَارَةُ الَّتِي بِقَصْدِ الرَّهْنِ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَطْلُبَ الرَّهْنَ الْمُسْتَعَارَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا أَنْ يُؤَاخِذَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (728) .
يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ تَوْكِيلُ شَخْصٍ آخَرَ أَمِينًا لَهُ لِقَبْضِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ هَذَا الْوَكِيلِ لَا يَكُونُ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (91) .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَمِينَ الْمُسْتَعِيرِ وَتَلِفَ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِهِ لَزِمَ الضَّمَانُ. (الْخَانِيَّةُ) . الْحَمْلُ وَالْمُؤْنَةُ يَعْنِي الْمَصَارِيفَ النَّقْلِيَّةَ. لِإِعَادَةِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُعِيرِ وَلَيْسَتْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قِيَاسًا لِلْمَادَّةِ (830) (الْبَزَّازِيَّةُ) . وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ الْمُسْتَعِيرُ غَائِبًا وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُمْكِنِ لِلْمُعِيرِ مُؤَاخَذَتُهُ يُؤَدِّي الْمُعِيرُ الدَّيْنَ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَسْتَرِدُّ الرَّهْنَ مَثَلًا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ الْمُسْتَعِيرُ غَائِبًا وَادَّعَى شَخْصٌ بِأَنَّ الْمَالَ الْمَرْهُونَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِلْكُهُ وَاسْتُعِيرَ مِنْ قِبَلِ الْغَائِبِ الْمَرْقُومِ وَرُهِنَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَأَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ فَيَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ كَامِلَ مَطْلُوبِهِ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَيَرُدُّ الْمَرْهُونَ إلَيْهِ. وَلَكِنْ إذَا أَفَادَ الْمُرْتَهِنُ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مِلْكُ الْمُدَّعِي فَلَيْسَ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَتَدَاخَلَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ (الْهِنْدِيَّةُ) رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1637) .
وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ لِسَبَبِ فَقْرِهِ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَتَخْلِيصِ الرَّهْنِ يَجُوزُ لِلْمُعِيرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ تَمَامًا لِلْمُرْتَهِنِ وَيَسْتَخْلِصَ مَالَهُ مِنْ الرَّهْنِ وَيَأْخُذَهُ وَأَنْ يَرْجِعَ بَعْدَهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِالدَّيْنِ
(2/158)
الَّذِي أَدَّاهُ. وَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ قَبَضَ تَمَامَ مَطْلُوبِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ رَدِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُعِيرِ بِتَقْدِيرِ إثْبَاتِهِ أَنَّهُ مَالٌ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ ذَلِكَ أَيْضًا (الْأَنْقِرْوِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
يَعْنِي مَتَى نَقَدَ الْمُعِيرُ الْمُرْتَهِنَ دَيْنَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقُولَ: مَطْلُوبِي لَيْسَ عِنْدَك أَنْتَ لَسْت خَصْمًا لِي، لَا آخُذُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَعْطَيْتنِي إيَّاهَا. وَفِي الْوَاقِعِ مَتَى أَقْدَمَ شَخْصٌ ثَالِثٌ عَلَى إعْطَاءِ مَا لِشَخْصٍ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ تَبَرُّعًا وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ حَقٌّ فِي عَدَمِ أَخْذِهَا فَالْمُرْتَهِنُ مَجْبُورٌ عَلَى قَبُولِ تَأْدِيَةِ الْمُعِيرِ. وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي هَذِهِ التَّأْدِيَةِ مُتَبَرِّعٌ وَلَيْسَ سَاعِيًا لِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ سَاعِيًا أَيْضًا لِتَخْلِيصِ الْمِلْكِ وَأَمَّا الْمُعِيرُ فَهُوَ سَاعٍ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ (الْهِدَايَةُ) .
وَعَلَيْهِ فَمَتَى أَرَادَ الْمُعِيرُ تَخْلِيصَ الْمَرْهُونِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَكَانَ الْمُسْتَعِيرُ حَاضِرًا فَإِمَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُ الْمُعِيرِ أَوْ يُنْكِرَ وَعِنْدَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ مِلْكَ الْمُعِيرِ فَكَمَا أَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ وَيَأْخُذَ الرَّهْنَ وَبِتَقْدِيرِ غِيَابِ الْمُسْتَعِيرِ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُقِرًّا بِمِلْكِيَّةِ الْمُعِيرِ لِلْمَرْهُونِ فَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ وَيَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ. وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ حَاضِرًا لَا يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ هَذَا الْإِقْرَارُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ مُقِرًّا بِمِلْكِيَّةِ الْمُعِيرِ لِلْمَرْهُونِ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَتَدَاخَلَ فِي الْمَرْهُونِ فِي حَالِ عَدَمِ حُضُورِ الْمُسْتَعِيرِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْفِقْرَةِ السَّابِقَةِ.
الْفِقْرَةُ (لِسَبَبِ فَقْرِهِ) الْوَارِدَةُ فِي الْمَجَلَّةِ لَيْسَتْ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ غَنِيًّا إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ مَالَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِمُرَاجَعَتِهِ رَأْسًا دُونَ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُسْتَعِيرَ مَتَى كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُقِرًّا بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مِلْكُ الْمُعِيرِ فَهُوَ مَجْبُورٌ عَلَى أَخْذِ كَامِلِ مَطْلُوبِهِ وَرَدِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُعِيرِ (الْهِنْدِيَّةُ وَالْخَانِيَّةُ) . تَعْبِيرُ (مُعِيرٍ) فِي الْمَجَلَّةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. مَتَى أَدَّى أَجْنَبِيٌّ مَطْلُوبَ الْمُرْتَهِنِ تَمَامًا وَطَلَبَ إعَادَةَ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُعِيرِ فَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الِامْتِنَاعِ أَيْ لَهُ حَقٌّ أَنْ لَا يَقْبَلَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَعْطَاهَا ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعِيرِ وَالْأَجْنَبِيِّ هُوَ أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا وَالْمُعِيرُ فِي هَذِهِ التَّأْدِيَةِ سَاعٍ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَأَمَّا هَذَا الْأَجْنَبِيُّ فَلَيْسَ بِسَاعٍ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَلَا لِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ وَلِذَلِكَ لَا تُوجَدُ خُصُومَةٌ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالْأَجْنَبِيِّ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) .
أُشِيرُ بِعِبَارَةِ (ذَلِكَ الدَّيْنُ) فِي الْمَجَلَّةِ إلَى وُجُوبِ أَدَاءِ الدَّيْنِ كَامِلًا يَعْنِي أَنَّ الْمُعِيرَ يُمْكِنُهُ تَخْلِيصَ مَالٍ بِأَدَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ وَإِلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَعَارِ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ بِأَدَاءِ مِقْدَارِ الْقِيمَةِ فَقَطْ. مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ أَلْفَ قِرْشٍ وَرَهَنَهَا الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ مُقَابِلَ دَيْنِ أَلْفَيْ قِرْشٍ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ بِتَأْدِيَةِ أَلْفَيْ قِرْشٍ. وَلَيْسَ لَهُ اسْتِخْلَاصُهُ بِتَأْدِيَةِ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ الَّتِي هِيَ أَلْفُ قِرْشٍ فَقَطْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ مَالًا آخَرَ لَهُ مُقَابِلَ دَيْنٍ بِصُورَةٍ مُوَافِقَةٍ لِقَيْدِ وَشَرْطِ الْمُعِيرِ وَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ مَالَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ كُلَّ الدَّيْنِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ الْمُسْتَعَارَ بِإِعْطَاءِ مَا يُصِيبُ الْمُسْتَعَارُ مِنْ الدَّيْنِ فَقَطْ أَبُو السُّعُودِ.
كَمَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ شَخْصٌ مَالًا مِنْ اثْنَيْنِ وَأَدَّى رَهْنَهُ وَأَدَّى نِصْفَ الدَّيْنِ الَّذِي يُقَابِلُهُ مُعَيِّنًا أَنَّ حِصَّةَ الدَّيْنِ
(2/159)
الَّتِي أَعْطَاهَا هِيَ الدَّيْنُ الَّذِي يُصِيبُ حِصَّةَ الْمَالِ الْعَائِدِ إلَى فُلَانٍ مِنْ ذَيْنِك الشَّخْصَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بَلْ يُعَدُّ الْمَبْلَغُ الْمُعْطَى كَأَنَّهُ أُدِّيَ لِأَجْلِ الِاثْنَيْنِ وَبَعْدَ أَنْ يَقْضِيَ بَاقِي الدَّيْنِ بِالِاشْتِرَاكِ يَسْتَخْلِصَانِ مَالَهُمَا. (الْهِنْدِيَّةُ) .
رُجُوعُ الْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ الْأَدَاةِ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ.
لِلْمُعِيرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ الزَّائِدَ عَلَى قِيمَةِ الْمُسْتَعَارِ وَيَسْتَخْلِصَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ الْمُسْتَعِيرَ صَرَاحَةً بِقَوْلِهِ (اقْضِ دَيْنِي) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُقَاسُ عَلَى الْمَادَّةِ (1506) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مَجْبُورٌ عَلَى أَدَاءِ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ لِأَجْلِ اسْتِخْلَاصِ الْمُسْتَعَارِ فَلَا يُعَدُّ مُتَبَرِّعًا فِي هَذَا الْأَدَاءِ الزَّيْلَعِيّ.
وَلَكِنَّهُ اخْتَلَفَ فِي الْكَمْيَّةِ الَّتِي يُرَاجِعُ فِيهَا الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ: فَنَظَرًا لِمَا ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَجَزَمَ فِي الدُّرَرُ وَكَمَا سَيُبَيِّنُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ " 741 " عَنْ مِقْدَارِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ يَحِقُّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فَقَطْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَفِي مَا زَادَ عَنْهُ يَكُونُ الْمُعِيرُ مُتَبَرِّعًا يَعْنِي لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَلْفِ قِرْشٍ فِي الْمِثَالِ الْمَبْسُوطِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ شَرْحًا تَحْتَ عِنْوَانِ " ذَلِكَ الدَّيْنِ ". وَلَا يَحِقُّ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ وَيَكُونُ الْمُعِيرُ مُتَبَرِّعًا فِي تَأْدِيَةِ الدَّيْنِ الَّذِي يَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الْمُسْتَعَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ لَكَانَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ فَقَطْ أَيْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إعْطَاءُ قِيمَتِهِ إلَى الْمُعِيرِ.
وَلَمَّا كَانَ ضَامِنًا الزِّيَادَةَ عَنْ قِيمَتِهِ فَكَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْهَلَاكِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْحُكْمُ فِي الْفَكِّ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ وَالْمُعِيرُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي مَا زَادَ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ. (الْكِفَايَةُ وَالْخَانِيَّةُ) .
سُؤَالٌ: مَا دَامَ أَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَقْتَدِرُ عَلَى اسْتِخْلَاصِ مِلْكِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ كُلَّهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ وَمَجْبُورٌ عَلَى إيفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ فَمَا كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا فِي مَا زَادَ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ.
الْجَوَابُ: إنْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ نَشَأَ عَنْ تَأْدِيَةِ دَيْنِهِ بِمِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ رُجُوعُ الْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ أَيْ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي يُمْكِنُ أَدَاءُ الدَّيْنِ بِهِ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي يُمْكِنُ سُقُوطُهُ مِنْ الدَّيْنِ فِي حَالِ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَلَيْسَ بِالزِّيَادَةِ أَبُو السُّعُودِ. وَالْوَاقِعُ وَإِنْ تَضَرَّرَ الْمُعِيرُ بِسَبَبِ أَدَائِهِ مَبْلَغًا زَائِدًا وَلَكِنْ لِكَوْنِهِ لَمْ يُقَيِّدْ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ الرَّهْنَ بِقِيمَةِ الْمُسْتَعَارِ فَالتَّقْصِيرُ حَصَلَ مِنْهُ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَمْ يَكُنْ مَجْبُورًا عَلَى إعْطَاءِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ بَلْ مُخْتَارًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْحُكْمُ فِي سُقُوطِ الدَّيْنِ بِسَبَبِ هَلَاكِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا سَيَذْكُرُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) وَفِي سُقُوطِ الدَّيْنِ بِنِسْبَةِ الْعَيْبِ الطَّارِئِ عَلَى الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا هُمَا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي الضَّمَانِ وَالْخَانِيَّةُ) .
وَلَوْ لَمْ يَهْلَكْ وَلَكِنَّهُ تَعَيَّبَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَعَلَيْهِ لِلْمُعِيرِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْأَنْقِرْوِيُّ.
وَلَكِنَّهُ نَظَرًا لِبَيَانِ صَاحِبِ الْمُلْتَقَى يَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالشَّيْءِ الَّذِي أَدَّاهُ لِلْمُرْتَهِنِ. يَعْنِي يَرْجِعُ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَالزَّيْلَعِيّ أَيْضًا رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ " لَمَّا كَانَ الْمُعِيرُ مَجْبُورًا أَوْ مُضْطَرًّا عَلَى تَأْدِيَةِ جَمِيعِ الدَّيْنِ لِيَسْتَرْجِعَ مَالَهُ فَلَا يُعَدُّ مُتَبَرِّعًا فِي التَّأْدِيَةِ الْمَذْكُورَةِ يَعْنِي فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ الزَّائِدِ عَنْ قِيمَةِ
(2/160)
الْمُسْتَعَارِ وَالْمُوَافِقُ لِلْعَدَالَةِ هُوَ هَذَا الْقَوْلُ وَلَيْسَ مِنْ قَيْدٍ وَلَا إشَارَةٍ فِي الْمَجَلَّةِ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَيْسَ لِلْمُعِيرِ حَقُّ الْمُرَاجَعَةِ فِي حَالِ هَلَاكِ رَهْنِ الْمُسْتَعَارِ فُهِمَ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ السَّابِقَةِ أَنَّ حَقَّ رُجُوعِ الْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ يَنْتِجُ عَنْ تَأْدِيَةِ الْمُسْتَعِيرِ دَيْنَهُ مِنْ مَالِ الْمُعِيرِ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ أَنْ يُرْهَنَ إلَى الدَّائِنِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَيْ كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِقُّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِبَدَلِ الرَّهْنِ أَوْ بِالدَّيْنِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ يَفُكَّ هَذَا الْأَخِيرُ الرَّهْنَ وَيَقْبِضَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (813) ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ الْمَرْهُونَ لَمْ يَهْلَكْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَكُونُ الْمُسْتَعِيرُ قَضَى دَيْنَهُ بِهَذَا الرَّهْنِ وَلِكَوْنِهِ عَارِيَّةً مَحْضَةً بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (الْهِدَايَةُ عَيْنِيٌّ وَالْخَانِيَّةُ) .
حَتَّى إنَّهُ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الرَّهْنَ الْمُسْتَعَارَ قَبْلَ الرَّهْنِ يَعْنِي لَوْ كَانَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ حَيَوَانًا مَثَلًا فَرَكِبَهُ أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ وَعَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ (الْمُلْتَقَى) . الِاسْتِعَارَةُ فِي هَذَا لَا تُقَاسُ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ بِقَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ. الْمُسْتَعِيرُ فِي الِاسْتِعَارَةِ بِقَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَبْرَأُ بِعَوْدَتِهِ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ الْمُخَالَفَةِ بَلْ يَبْقَى الْمَالُ فِي ضَمَانَةٍ إلَى أَنْ يُعِيدَهُ إلَى صَاحِبِهِ سَالِمًا. وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ فِي الِاسْتِعَارَةِ بِقَصْدِ الرَّهْنِ بِعَوْدَتِهِ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ الْمُخَالَفَةِ يَكُونُ فِي مَقَامِ مُسْتَوْدَعٍ وَلَيْسَ فِي مَقَامِ مُسْتَعِيرٍ. وَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فِي الِاسْتِعَارَةِ بِقَصْدِ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ الْمُخَالَفَةِ حَيْثُ إنَّ يَدَهُ لَمْ تَزَلْ بَاقِيَةً عَلَى الْمُسْتَعَارِ فَيَضِلُّ الْمُسْتَعَارُ فِي ضَمَانِهِ إلَى حِينِ إعَادَتِهِ إلَى مَالِكِهِ. الْهِدَايَةُ وَعَيْنِيٌّ تُفَصَّلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 787 ".
إنَّمَا يَتَبَادَرُ هُنَا إلَى الذِّهْنِ مَسْأَلَةٌ يُحْتَاجُ إلَى حَلِّهَا وَهِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ، إنَّهُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ اسْتَرْجَعَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ. وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؟ مِنْ الْمُحَقَّقِ أَنَّهُ هَلَكَ الرَّهْنُ وَالْمُسْتَعِيرُ يَسْتَعْمِلُهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ وَالظَّاهِرُ وُجُوبٌ عَلَيْهِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ وَهَلَكَ الْمَرْهُونُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِذَلِكَ الْعَمَلِ " الشَّارِحُ ".
اخْتِلَافُ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي زَمَانِ الْهَلَاكِ: فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا حَصَلَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُعِيرُ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالتَّسْلِيمِ وَأَنَّ الضَّمَانَ لَازِمٌ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: إنَّهُ هَلَكَ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الرَّهْنِ وَبَعْدَ الْفَكِّ وَالِاسْتِرْدَادِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ الْمُسْتَعِيرَ يُنْكِرُ الضَّمَانَ. وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَلِلْمُعِيرِ " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 76 وَإِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَالْمُعِيرُ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الرَّهْنِ وَالْخَانِيَّةُ ".
[ (الْمَادَّةُ 733) لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ]
إنَّ الرَّهْنَ لَا يَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الِاثْنَيْنِ مَعًا. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَسْتَرِدُّوا الرَّهْنَ مَا لَمْ يُؤَدُّوا الدَّيْنَ كَامِلًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ يَتَقَدَّمُ عَلَى حَقِّ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ الزَّيْلَعِيّ
(2/161)
وَوَفَاءُ الدُّيُونِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ. وَإِذَا تُوُفِّيَ الْمُرْتَهِنُ يَبْقَى الرَّهْنُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ رَهْنًا وَتَجْرِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَحْكَامُ الْمُدْرَجَةُ فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ. اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ " 734 و 735.
وَفُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ أَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ وَرَدَتْ بِالْإِجْمَالِ وَسَتُفَصَّلُ فِي الْمَوَادِّ التَّالِيَةِ. وَعَادَةُ الْمُؤَلِّفِينَ إجْمَالُ الشَّيْءِ ثُمَّ تَفْصِيلُهُ.
[ (الْمَادَّةُ 734) تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ وَكَانَتْ وَرَثَتُهُ كِبَارًا]
(الْمَادَّةُ 734) - إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ وَكَانَتْ وَرَثَتُهُ كِبَارًا قَامُوا مَقَامَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ الدَّيْنِ تَمَامًا مِنْ التَّرِكَةِ وَتَخْلِيصِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا غَائِبِينَ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ مُدَّةَ السَّفَرِ فَيَبِيعُ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَيُؤَدِّي الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ.
إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ لَا يَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ. فَإِنْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ كِبَارًا وَلَمْ يَكُونُوا غَائِبِينَ أَوْ مَجَانِينَ فَيَقُومُونَ مَقَامَ الرَّاهِنِ الْمُتَوَفَّى وَكَمَا أَنَّ لِلرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ أَدَاءَ الدَّيْنِ وَاسْتِخْلَاصَ الرَّهْنِ يَلْزَمُ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْضًا أَنْ يُوفُوا كَامِلَ الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ وَخَلَّصُوا الرَّهْنَ. يَعْنِي إنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى إيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ التَّرِكَةِ وَعِنْدَ امْتِنَاعِهِمْ يُجْبَرُونَ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ " 7 75 ". وَإِذَا أَبَوْا وَأَصَرُّوا عَلَى الْعِنَادِ يَبِيعُ الْحَاكِمُ الرَّهْنَ وَيُؤَدِّي الدَّيْنَ.
وَالْأُصُولُ الْمَرْعِيَّةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ هِيَ أَنْ تُبَاعَ هَذِهِ الْأَمْوَالُ بِمَعْرِفَةِ دَائِرَةِ الْإِجْرَاءِ وَيُسَدَّدُ الدَّيْنَ وَلَا يُضْغَطُ عَلَى الْمَدِينِ بِالْحَبْسِ.
قِيلَ (مِنْ التَّرِكَةِ) لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَيْسُوا مَجْبُورِينَ عَلَى أَدَاءِ دَيْنِ الْمُتَوَفَّى مِنْ أَمْوَالِهِمْ.
وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوْ كَانُوا كِبَارًا غَائِبِينَ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ مُدَّةَ السَّفَرِ أَيْ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَاعَةً فَلِلْوَصِيِّ الَّذِي نَصَّبَهُ الْمُتَوَفَّى حَالَ حَيَّاتِهِ (وَيُقَالُ لَهُ الْوَصِيُّ الْمُخْتَارُ) أَوْ الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ لِلصِّغَارِ أَوْ الْكِبَارِ الْغَائِبِينَ - عِنْدَ عَدَمِ نَصَبِ الْمُتَوَفَّى وَصِيًّا حَالَ حَيَّاتِهِ - (وَيُقَالُ لَهُ الْوَصِيُّ الْمَنْصُوبُ) بَيْعُ الرَّهْن بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَيُؤَدِّي الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَقُومُ مَقَامَ الرَّاهِنِ الْمُتَوَفَّى.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَفِّي وَصِيٌّ كَمَا وَضَحَ آنِفًا فَيُنَصِّبُ الْحَاكِمُ لَهُ وَصِيًّا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ نَصَّبَ نَاظِرًا وَحَافِظًا عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ الْعَاجِزِينَ عَنْ مُحَافَظَةِ حُقُوقِهِمْ وَالنَّظَرِ فِي شُؤُونِهِمْ أَبُو السُّعُودِ.
وَلِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَفِّي وَرَثَةٌ يُرَاجِعُ الْمُرْتَهِنُ الْحَاكِمَ، وَالْحَاكِمُ أَيْضًا يَبِيعُ الرَّهْنَ وَيُؤَدِّي الدَّيْنَ (التَّنْقِيحُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَالْفَيْضِيَّةُ) .
قَيْدُ (بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ) الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي أُوضِحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (729) .
[ (الْمَادَّةُ 735) لَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَخَذَ مَاله مِنْ الْمُرْتَهِنِ مَا لَمْ يُؤَدِّي الدَّيْنَ]
(الْمَادَّةُ 735) لَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ الْمُسْتَعِيرُ حَيًّا أَمْ تُوُفِّيَ قَبْلَ فَكِّ الرَّهْنِ.
(2/162)
أَيْ إنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ الرَّهْنِ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُعِيرِ أَوْ مِنْ قِبَلِ وَرَثَتِهِمَا أَوْ مِنْ طَرَفِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ طَرَفِ الدَّائِنِ أَوْ يُوهَبْ إلَى الْمَدِينِ - فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ قَدْ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ فِي مَالِهِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (729) حَقُّ الْحَبْسِ فِيهِ.
وَالْحُكْمُ فِي حَالِ وَفَاةِ الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ تُوَضَّحُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ فَقَطْ لِلْمُعِيرِ حَقٌّ فِي مُؤَاخَذَةِ الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ كَيْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ الْمُسْتَعَارَ وَيُسَلِّمَهُ إيَّاهُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (732) يَعْنِي لِلْمُعِيرِ أَنْ يُرَاجِعَ الْحَاكِمَ وَيُجْبِرَ الرَّاهِنَ الْمُسْتَعِيرَ عَلَى تَخْلِيصِ الرَّهْنِ وَأَنْ يَطْلُبَ حَبْسَهُ إلَى أَنْ يَسْتَخْلِصَ الرَّهْنَ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ لِلْمُعِيرِ حَقٌّ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ شَرْحًا أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ لِلْمُرْتَهِنِ وَيُخَلِّصَ مَالَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ تَمَامًا. حَتَّى إنَّهُ إذَا رَهَنَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ مَعَ مَالِهِ سَوِيَّةً لَا يَقْتَدِرُ الْمُعِيرُ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ بِأَدَائِهِ الْحِصَّةَ الَّتِي تُصِيبُ الْمُسْتَعَارَ مِنْ الدَّيْنِ. بَلْ إنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى أَدَائِهِ كَامِلًا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 732 وَشَرْحَهَا.
إذَا تُوُفِّيَ الْمُعِيرُ يَبْقَى الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ عَلَى حَالِهِ رَهْنًا. وَلَيْسَ لِوَارِثِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسْتَعَارَ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الِاسْتِرْدَادِ إزَالَةَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَإِبْطَالَ حَقِّهِ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) .
كَمَا أَنَّهُ لَدَى وَفَاةِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا يَبْقَى الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ مَرْهُونًا عِنْدَ الْوَرَثَةِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (733) .
الْخُلَاصَةُ أَنَّ رَهِينَةَ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ لَا تَبْطُلُ بِوَفَاةِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ يَعْنِي بِوَفَاةِ الْبَعْضِ مِنْهُمْ أَوْ بِوَفَاةِ كَافَّتِهِمْ.
[ (الْمَادَّةُ 736) وَفَاة الرَّاهِن الْمُسْتَعِير وَهُوَ مَدِينٌ مُفْلِسٌ]
(الْمَادَّةُ 736) إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ الْمُسْتَعِيرُ وَهُوَ مَدِينٌ مُفْلِسٌ يَبْقَى الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ عَلَى حَالِهِ مَرْهُونًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ بِدُونِ رِضَا الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ مَتَى أَرَادَ الْمُعِيرُ بَيْعَ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ يَكْفِي لِأَدَاءِ الدَّيْنِ يُبَاعُ بِدُونِ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِي لِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يُبَاعُ مَا لَمْ يَرْضَ الْمُرْتَهِنُ.
وَإِذَا تُوُفِّيَ وَهُوَ غَائِبٌ وَلَمْ يُمْكِنْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُؤَاخِذَهُ يَبْقَى الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ مَرْهُونًا كَمَا هِيَ الْحَالِ وَهُوَ حَيٌّ وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَحَقُّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ يَدُومُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ كَامِلَ مَطْلُوبِهِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (729) وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ وَغَيْرِ الْمُسْتَعَارِ.
إلَّا أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ وَاسْتِيفَاءَ الْحَقِّ مِنْ ثَمَنِهِ لَا يُبَاعُ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ إلَى آخَرَ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَ ذَلِكَ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ. يَعْنِي إذَا رَاجَعَ الْمُرْتَهِنُ الْحَاكِمَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُ الْمُعِيرِ وَقَدْ رَضِيَ بِحَبْسِهِ فَقَطْ بِإِعَارَتِهِ إيَّاهُ لِأَجْلِ الرَّهْنِ. وَلَيْسَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ. اُنْظُرْ الْمَوَادَّ 6 9، 5 36، 358، الْحَالُ أَنَّ جَوَازَ بَيْعِ الرَّهْنِ غَيْرِ الْمُسْتَعَارِ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (757) . كَمَا أَنَّهُ لَا صَلَاحِيَّةَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمُؤَاخَذَةِ الْمُعِيرِ لِأَدَاءِ " الدَّيْنِ وَأَخْذِ مَالِهِ وَلَا لِلتَّشَبُّثِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُؤَدِّيَ
(2/163)
دَيْنَ غَيْرِهِ دُونَ أَنْ يُوجَدَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ لِذَلِكَ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ. وَلَوْ كَانَ الْغَيْرُ أَبًا أَوْ ابْنًا (الْبَهْجَةُ وَالتَّنْقِيحُ) . وَعَدَمُ تَحْمِيلِ الضَّمَانِ عَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرِ فِي الْمَادَّةِ (916) مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا السَّبَبِ.
وَمَتَى أَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَيُؤَدِّيَ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ كَافِيًا لِأَدَاءِ الدَّيْنِ يُبَاعُ دُونَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ رَاضِيًا بِذَلِكَ فَيُؤَدِّي مِنْ ثَمَنِهِ الدَّيْنَ الَّذِي فِي مُقَابَلَتِهِ وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ يُرَدُّ إلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ إمْسَاكَ الْمَرْهُونِ فَقَطْ بَلْ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي مُقَابَلَتِهِ بَعْدَهُ لِلْمُسْتَعِيرِ مَالًا غَيْرَهُ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ إلَى ذَلِكَ الْمَالِ بِالدَّيْنِ الَّذِي أَعْطَاهُ لِلْمُرْتَهِنِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (532) . وَلَكِنْ لَا يُعَادُ إلَى الْمُعِيرِ لِأَجْلِ بَيْعِهِ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَيُبَاعُ الْمَرْهُونُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ وَمَوْقُوفٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَبَعْدَ أَنْ يُوَفِّيَ الدَّيْنَ بِثَمَنِهِ يُسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِذَا فُهِمَ أَنَّ ثَمَنَ الرَّهْنِ لَا يَكْفِي لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُبَاعُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ رِضًا بِذَلِكَ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ يُوجَدُ مَنْفَعَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ فِي حَبْسِ الْمَرْهُونِ. وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْمُعِيرُ مَجْبُورًا عَلَى إيفَاءِ الدَّيْنِ لِاحْتِيَاجِهِ لِلْمَرْهُونِ أَوْ مُقْتَدِرًا عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ تَمَامًا بِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ السِّعْرِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 739) .
الْخُلَاصَةُ - لَا يُمْكِنُ بَيْعُ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ رِضًا بِذَلِكَ. وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى رِضَا الْمُسْتَعَارِ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا رِضَا الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ كَافِيَةً لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَلَا حَاجَةَ لِرِضَاهُ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ غَيْرَ كَافِيَةٍ فَفِي تِلْكَ الصُّورَةِ رِضَاهُ لَازِمٌ.
[ (الْمَادَّةُ 737) تُوُفِّيَ الْمُعِيرُ وَدَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ تَرِكَتِهِ]
(الْمَادَّةُ 737) - إذَا تُوُفِّيَ الْمُعِيرُ وَدَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ تَرِكَتِهِ يُؤْمَرُ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ بِالنَّفْسِ وَتَخْلِيصِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ وَرَدِّهِ، إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَأْدِيَةِ الدَّيْنِ بِسَبَبِ فَقْرِهِ يَبْقَى ذَلِكَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ عَلَى حَالِهِ مَرْهُونًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنَّهُ لِوَرَثَةِ الْمُعِيرِ أَنْ يُؤَدُّوا الدَّيْنَ وَيَسْتَخْلِصُوهُ وَإِذَا طَالَبَ دَايِنُوا الْمُعِيرِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ يَفِي الدَّيْنَ يُبَاعُ بِلَا رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَفِي الدَّيْنَ لَا يُبَاعُ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ.
إذَا تُوُفِّيَ الْمُعِيرُ وَدَيْنُهُ يَزِيدُ عَلَى تَرِكَتِهِ يُؤْمَرُ الْمُسْتَعِيرُ الرَّاهِنُ وَيُجْبَرُ عَلَى تَأْدِيَةِ الدَّيْنِ بِالنَّفْسِ أَيْ مِنْ مَالِهِ وَتَخْلِيصِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ مَعَ إعَادَتِهِ إلَى تَرِكَةِ الْمُعِيرِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (732) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ إجْبَارُهُ لِيَظْفَرَ الْمُرْتَهِنُ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي عِنْدَ الرَّاهِنِ وَيَسْتَوْفِيَ دَايَنُوا الْمُعِيرِ مَطْلُوبَهُمْ مِنْ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ.
غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ دَيْنُ الرَّاهِنِ مُؤَجَّلًا هَلْ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ فِي الْحَالِ أَوْ يَنْتَظِرُ لِحُلُولِ الْأَجْلِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ أَيْ سَبَبٍ يُوجِبُ إبْطَالَ الْأَجَلِ. فَلْيُحَرَّرْ (شَارِحٌ) .
وَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ الْمُسْتَعِيرُ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهِ بِسَبَبِ فَقْرِهِ يَبْقَى ذَلِكَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ عَلَى حَالِهِ مَرْهُونًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ. وَلَا يُسْتَرَدُّ الْمَرْهُونُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِسَبَبِ إفْلَاسِ الْمُعِيرِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 735) .
إنَّمَا لِوَرَثَةِ الْمُعِيرِ أَنْ يُؤَدُّوا الدَّيْنَ كَامِلًا وَيَسْتَخْلِصُوا الرَّهْنَ الْمُسْتَعَارَ وَقَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (732) أَنَّ الْمُعِيرَ أَيْضًا مَالِكٌ لِهَذَا الْحَقِّ.
(2/164)
وَلَا يُمْكِنُ بَيْعُ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ بِدُونِ رِضَا دَايِنِي الْمُعَيَّرِ. كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمُعِيرُ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ بِدُونِ رِضَاهُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ السَّابِقَةَ) .؛ لِأَنَّهُ تُوجَدُ فَائِدَةٌ لِلدَّائِنِينَ فِي عَدَمِ رِضَاهُمْ إذْ إنَّهُ حِينَمَا لَا يُبَاعُ الرَّهْنُ يُؤَدِّيهِ الرَّاهِنُ بِنَفْسِهِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ وَيَبْقَى الْمَرْهُونُ سَالِمًا لِلدَّائِنِينَ. تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ.
وَإِذَا طَلَبَ دَايَنُوا الْمُعِيرِ بَيْعَ الرَّهْنِ لِتَأْدِيَةِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ - وَلَيْسَ دَيْنُهُمْ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ يَفِي الدَّيْنَ الْمَذْكُورَ يُبَاعُ دُونَ أَنْ يُلْتَفَتَ إلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ فَيُؤَدَّى ذَلِكَ الدَّيْنُ وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ فِي مَقَامِ فِقْرَةِ (إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ بَيْعَ الرَّهْنِ وَتَأْدِيَةَ الدَّيْنِ) الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الرَّهْنِ لَا يَفِي الدَّيْنَ فَلَا يُبَاعُ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ. وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ سَبَبِهِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ. كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا لَوْ كَانَ الْمُعِيرُ حَيًّا هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) .
(الْمَادَّةُ 837) إذَا تُوُفِّيَ الْمُرْتَهِنُ يَبْقَى الرَّهْنُ مَرْهُونًا عِنْدَ وَرَثَتِهِ.
يَعْنِي إذَا تُوُفِّيَ الْمُرْتَهِنُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَطْلُوبَهُ أَيْ قَبْلَ أَنْ يَفُكَّ الرَّهْنَ بِوَجْهٍ مَا كَالِاسْتِيفَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ بِوَفَاةِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى الرَّهِينَةِ وَحِصَّةُ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (729) تَنْتَقِلُ كَامِلًا إلَى وَرَثَتِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 733) وَتَكُونُ الْوَرَثَةُ مُشْتَرِكِينَ فِي مُحَافَظَةِ الرَّهْنِ كَمَا أُفِيدَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (720) .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ وَرَثَةُ الْمُرْتَهِنِ غَائِبِينَ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةُ يُنَصِّبُ الْحَاكِمُ وَصِيًّا كَيْ يُحَافِظَ عَلَى الرَّهْنِ وَيَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَهَذَا الْوَصِيُّ يَحْفَظُ الْمَرْهُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَبَعْدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ يُعِيدُ الْمَرْهُونَ إلَى الرَّاهِنِ.
[ (الْمَادَّةُ 739) قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا]
(الْمَادَّةُ 739) إذَا قَضَى الرَّاهِنُ الَّذِي أَعْطَى رَهْنًا وَاحِدًا لِأَجْلِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِشَخْصَيْنِ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ نِصْفَ الْمَرْهُونِ وَلَا صَلَاحِيَّةَ لَهُ أَيْضًا بِتَخْلِيصِ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَفِ دَيْنَ الِاثْنَيْنِ تَمَامًا.
إذَا أَعْطَى شَخْصٌ رَهْنًا وَاحِدًا فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِشَخْصَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (720) وَأَوْفَى الدَّيْنَ الْوَاحِدَ مِنْ ذَيْنِك الشَّخْصَيْنِ يَبْقَى الرَّهْنُ كُلُّهُ مَرْهُونًا عِنْدَ الدَّائِنِ الْآخَرِ كَالْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ كُلَّ الرَّهْنِ أَوْ نِصْفَهُ يَعْنِي الْقِسْمَ الْعَائِدَ إلَى الْمُرْتَهِنِ الَّذِي أَدَّى لَهُ دَيْنَهُ وَلَا حَقَّ لَهُ بِاسْتِخْلَاصِ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَفِ دَيْنَ الِاثْنَيْنِ تَمَامًا. وَلَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ كَسَاعَتَيْنِ مَثَلًا. وَيَبْقَى هَذَا الرَّهْنُ كَمَا كَانَ مَرْهُونًا فِي يَدِ الِاثْنَيْنِ وَعَقْدِ الرَّهْنِ أَيْضًا قَائِمًا بِحَقِّ الِاثْنَيْنِ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي يَدِ الدَّائِنِ الْآخَرِ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَى أَحَدُ الدَّائِنِينَ حِصَّتَهُ فَنَظَرًا لِأَنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ يَكُونُ مَضْمُونًا بِنِسْبَةِ الدَّيْنَيْنِ كَمَا فُصِّلَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (720) يَلْزَمُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الدَّائِنَ الَّذِي اسْتَوْفَى أَحَدَ مَطْلُوبِهِ أَنْ يُعِيدَ مِقْدَارَ مَا سَقَطَ مِنْ الَّذِي أَخَذَهُ إلَى الْمَدِينِ حَتَّى لَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِحَقِّهِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ.
يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْهَالِكِ مُسَاوِيَةً لِحِصَّةِ الدَّيْنِ أَوْ زَائِدَةً عَنْهُ وَيَسْتَرِدُّ الْمَدِينُ كُلَّ مَا أَوْفَاهُ
(2/165)
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ فَقَطْ.
وَسَبَبُ ثُبُوتِ حَقِّ اسْتِرْدَادِهِ هُوَ لِأَنَّ ارْتِهَانَ الِاثْنَيْنِ بَاقٍ طَالَمَا لَمْ يَصِلْ الْمَرْهُونُ إلَى يَدِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ الَّذِي اسْتَوْفَى مَطْلُوبَهُ لَا يَخْلُصُ مِنْ الضَّمَانِ بِوَسِيلَةِ أَنَّ الرَّهْنَ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُرْتَهِنِينَ عَدْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ رَدُّ الْمُحْتَارِ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ. وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَهْلَكُ الرَّهْنُ فِيهَا بِتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ يُوَضَّحُ فِي الْمَادَّةِ " 741، وَشَرْحِهَا.
[ (الْمَادَّةُ 740) لِلدَّائِنِ الَّذِي أَخَذَ رَهْنًا وَاحِدًا مِنْ مَدِينَيْهِ إمْسَاكُ الرَّهْنَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَطْلُوبَهُ مِنْهُمَا]
(الْمَادَّةُ 740) لِلدَّائِنِ الَّذِي أَخَذَ رَهْنًا وَاحِدًا مِنْ مَدِينَيْهِ الِاثْنَيْنِ أَنْ يُمْسِكَ الرَّهْنَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَطْلُوبَهُ مِنْ الِاثْنَيْنِ.
عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (721) . أَنَّهُ أَوْفَى أَحَدُ الْمَدِينَيْنِ الدَّيْنَ الْعَائِدَ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ كُلَّهُ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ أَيْضًا الْقِسْمَ الَّذِي يَخُصُّهُ (الْبَهْجَةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ قَابِلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ لَوَجَبَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ وَالْإِمْسَاكِ.
مَثَلًا، لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ دَيْنُ أَلْفَيْ قِرْشٍ عَلَى شَخْصَيْنِ مُنَاصَفَةً وَبَعْدَ أَنْ رَهَنَا سَاعَةً مُشْتَرَكَةً مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا أَوْفَى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ قِرْشٍ الْعَائِدَةَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِأَجْلِ اسْتِرْدَادِ نِصْفِ السَّاعَةِ: فَلْتَبْقَ يَوْمًا عِنْدِي وَيَوْمًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ. بَلْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَ كُلَّ الْمَرْهُونِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ جَمِيعَهُ. وَإِذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ إيفَاءِ أَحَدِ الرَّاهِنَيْنِ حِصَّةَ الدَّيْنِ وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ مِقْدَارِ مَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الرَّاهِنِ.
وَلَكِنْ إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ غَائِبًا فَلِلْحَاضِرِ مِنْهُمَا أَنْ يَفِيَ كُلَّ الدَّيْنِ وَيَسْتَرِدَّ الْمَرْهُونَ. وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي هَذَا الْإِيفَاءِ وَتَبْقَى حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ الْمَرْهُونِ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَلَهُ إمْسَاكُهَا لِبَيْنَمَا يُسْتَوْفَى الْقِسْمُ الْعَائِدُ لِلرَّاهِنِ مِنْ شَرِيكِهِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا هَلَكَتْ السَّاعَةُ فِي يَدِهِ يَسْقُطُ مَا لِلرَّاهِنِ الْمُؤَدِّي عِنْدَ شَرِيكِهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ. فَإِنْ قَبَضَ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الشَّرِيكِ حِصَّتُهُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَهَلَكَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ (الْخَانِيَّةُ) . مَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا زَادَ عَنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ (الْخَانِيَّةُ) .
[ (الْمَادَّةُ 741) أَهْلَكَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ]
(الْمَادَّةُ 741) - إذَا أَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَإِذَا أَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ.
أَيْ إذَا أَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا فَكَمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ بَدَلِهِ كَذَلِكَ إذَا أَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى آخَرَ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَيْبًا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ كِلَاهُمَا مُحْتَرَمٌ فَمَنْ أَهْلَكَهُ أَوْ عَيَّبَهُ يَضْمَنُ حَقَّ الْآخَرِ، وَصُورَةُ الضَّمَانِ يَرِدُ تَفْصِيلُهَا أَثْنَاءَ الشَّرْحِ أَبُو السُّعُودِ.
(2/166)
وَإِذَا أَهْلَكَهُ أَوْ عَيَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّ الْمَرْهُونَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ ضَمَانٌ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا الضَّمَانُ فِي حَالَةِ الْإِتْلَافِ فَهُوَ ضَمَانٌ بِنَفْسِهِ.
وَتَشْتَمِلُ هَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ وَلِأَجْلِ تَوْضِيحِهَا نُفَصِّلُهَا كَمَا يَلِي:
1 - إتْلَافُ الرَّهْنِ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: إذَا أَتْلَفَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ يَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الرَّاهِنُ بَدَلَ الرَّهْنِ. يَعْنِي إنْ كَانَ وَقْتَ أَدَاءِ الدَّيْنِ لَمْ يَحِلَّ بَعْدُ يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَمِثْلَهُ إنْ كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَيَبْقَى ذَلِكَ الْبَدَلُ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ لِحِينِ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ.
سُؤَالٌ: حَيْثُ إنَّ الْمَرْهُونَ هُوَ مِلْكُ الرَّاهِنِ وَحَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الْمِلْكِ مُقْتَدِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ كَيْفَ مَا شَاءَ فِي مِلِكِهِ وَعَلَى إتْلَافِهِ وَتَضْيِيعِهِ أَيْضًا فَكَانَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاهِنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
الْجَوَابُ: نَظَرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي فِي الْمَادَّةِ (729) بِالرَّهْنِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ الرَّاهِنُ أَجْنَبِيًّا فِي حَقِّ الضَّمَانِ يَعْنِي مَتَى كَانَ الْمُتْلِفُ أَجْنَبِيًّا حَقِيقَةً فَكَمَا إنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا فَكَذَلِكَ الرَّاهِنُ الْمُتْلِفُ يَكُونُ ضَامِنًا أَيْضًا التَّنْقِيحُ وَأَبُو السُّعُودِ وَبَعْدَ هَذَا مَتَى حَلَّ الْأَجَلُ الْمَذْكُورُ فَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَدَلُ الْمَرْقُومُ بَدَلَ مِثْلِهِ أَمْ بَدَلَ قِيمَتِهِ فَإِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَطْلُوبِهِ يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مَطْلُوبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ يَظْفَرُ الدَّائِنُ بِمَالِ الْمَدِينِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَطْلُوبِهِ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ بِلَا إذْنِ الْمَدِينِ (الدُّرَرُ) . إذَا زَادَ يَرُدُّ الزِّيَادَةَ لِلرَّاهِنِ. وَبِالْعَكْسِ أَيْ إذَا نَقَصَ يَطْلُبُ الدَّائِنُ مِقْدَارَ النَّقْصِ مِنْ مَدِينِهِ الرَّاهِنِ عَلَى حِدَةٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَيْ مُعَجَّلًا أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَحَلَّ أَجَلُهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا بَلْ لَزِمَهُ أَدَاءُ كُلِّ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ.
1 - تَعْيِيبُ الرَّاهِنِ: الْحُكْمُ الثَّانِي: إذَا عَيَّبَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ يَكُونُ ضَامِنًا مِقْدَارَ النَّقْصِ الْعَارِضِ عَلَى الْمَرْهُونِ بِسَبَبِ التَّعْيِيبِ وَيَكُونُ بَدَلُ ضَمَانِ النَّقْصِ الْمَذْكُورِ مَرْهُونًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ. هَذَا إذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ مُؤَجَّلًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعَجَّلًا فَسَوَاءٌ أَكَانَ مُعَجَّلًا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَمْ مُؤَجَّلًا وَاكْتَسَبَ حُكْمُ الْمُعَجَّلِ بِحُلُولِ وَقْتِ الْأَدَاءِ فَإِذَا كَانَ بَدَلُ ضَمَانِ النَّقْصِ الْمَذْكُورِ مِنْ جِنْسِ مَطْلُوبِهِ لَهُ أَنْ يُجْرِيَ حِسَابَ ذَلِكَ الْبَدَلِ بِمَطْلُوبِهِ وَإِذَا أَوْفَى الدَّيْنَ كَامِلًا بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْبَاقِي مِنْهُ أَيْ الْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ وَإِلَّا فَيُمْسِكُهُ فِي يَدِهِ كَيْ يَكُونَ رَهْنًا كَمَا فِي السَّابِقِ وَيَطْلُبُ بَاقِيَ دَيْنِهِ مِنْ الرَّاهِنِ.
3 - إتْلَافُ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْكَارُهُ: الْحُكْمُ الثَّالِثُ - إذَا أَتْلَفَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُعَجَّلًا يَجِدُ ذَاتَهُ أَوْ مُؤَجَّلًا وَحَلَّ أَجَلُهُ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِبَدَلِ الضَّمَانِ بِجِنْسِ الدَّيْنِ يَقَعُ التَّقَاضِي بِمُجَرَّدِ
(2/167)
الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَإِنْ كَانَ بَدَلُ الضَّمَانِ غَيْرَ جِنْسِ الدَّيْنِ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَيَبْقَى الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ مَرْهُونًا بِمَقَامِ أَصْلِ الرَّهْنِ وَعُدَّتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ. يَعْنِي يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ إنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ مَرْهُونَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَعِنْدَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ لَهُ أَنْ يُجْرِيَ التَّقَاضِيَ عَلَى مُوجِبِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ. فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ مَا زَادَ عَنْهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ عَنْ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَةُ إذَا هَلَكَتْ بِالتَّعَدِّي تُضْمَنُ. (اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 401 و 787) . وَإِلَّا فَضَمَانُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَ بِسَبَبِ عَقْدِ الرَّهْنِ أَبُو السُّعُودِ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ بَاقِيَهُ مِنْ الرَّاهِنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ وَيَكُونُ مَرْهُونًا عِنْدَهُ بِمَقَامِ أَصْلِ الرَّهْنِ. إنْكَارُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بِحُكْمِ الْإِتْلَافِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 779) .
مَثَلًا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ رَهَنَ كَذَا مَالًا لَهُ بِقِيمَةِ أَلْفَيْ قِرْشٍ عِنْدَ هَذَا الشَّخْصِ وَسَلَّمَهُ لَهُ مُقَابِلَ دَيْنِهِ الْبَالِغِ أَلْفَ قِرْشٍ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ حَاضِرٍ وَأَثْبَتَهُ الرَّاهِنُ فَكَمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ تَمَامًا يَكُونُ ضَامِنًا لِلرَّاهِنِ الْأَلْفَ قِرْشٍ الْبَاقِيَةَ أَيْضًا (الْبَهْجَةُ) .
سُؤَالٌ - عِنْدَ إتْلَافِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ فَضَمَانَةُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ مُنَافٍ لِمَسْأَلَةِ (الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ) .
الْجَوَابُ - لَيْسَ مُنَافِيًا؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَمَانُ الْمُرْتَهِنِ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْإِتْلَافِ هُوَ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَأَمَّا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَضَمَانُ الرَّهْنِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ ضَمَانُ الرَّهْنِ. وَلَيْسَ مِنْ مُنَافَاةٍ بَيْنَ الضَّمَانَيْنِ بَلْ مُمْكِنٌ اجْتِمَاعُهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ. مَثَلًا بَيْنَمَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَالِ الْمَرْهُونِ مُقَابِلَ الدَّيْنِ الْبَالِغِ أَلْفَ قِرْشٍ فِي شَهْرِ مُحْرِمٍ أَلْفَ قِرْشٍ تَنَزَّلَتْ بِسَبَبِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ إلَى سِتِّمِائَةِ قِرْشٍ وَاسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ يَضْمَنُ السِّتَّمِائَةِ قِرْشٍ الَّتِي هِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ بِضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْأَرْبَعمِائَةِ الْبَاقِيَةَ بِضَمَانِ الرَّهْنِ وَيُعْتَبَرُ الدَّيْنُ أُوفِيَ كَامِلًا (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالْخَانِيَّةُ) .
4 - تَعْيِيبُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ:
الْحُكْمُ الرَّابِعُ - إذَا عَيَّبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ النَّقْصِ الْعَارِضِ عَلَى الْمَرْهُونِ بِسَبَبِ التَّعَبِ (الدُّرَرُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) فَإِذَا كَانَ بَدَلُ الضَّمَانِ هَذَا مُسَاوِيًا لِلدَّيْنِ يَكُونُ أُوفِيَ تَمَامًا مَعَ إذَا زَادَ شَيْءٌ يَرُدُّهُ إلَى الرَّاهِنِ مَعَ الرَّهْنِ. وَإِذَا نَقَصَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَهُ مِنْ مَدِينِهِ وَيَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الرَّهْنِ.
فَائِدَةٌ - فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ لَمَّا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاهِنِ أُخِذَ مِنْهُ بَدَلُ الضَّمَانِ وَأُعْطِيَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَجْدُرُ بِالتَّدْقِيقِ. وَلَكِنْ مَتَى وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ يَعْنِي مَتَى اقْتَضَى تَأْدِيَةُ بَدَلِ الضَّمَانِ كَيْ تَكُونَ صُورَةُ التَّضْمِينِ مُعْتَبَرَةً يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: يُؤْخَذُ بَدَلُ الضَّمَانِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَيُعْطَى إلَى الرَّاهِنِ ثُمَّ يُعْطِيهِ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِصِفَةِ رَهْنٍ وَإِلَّا
(2/168)
يَبْقَى الضَّمَانُ الْوَاقِعُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ مَا لَمْ يُؤْخَذْ وَيُقْبَضْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ مَدِينٌ بِبَدَلِ الضَّمَانِ فَتَأْدِيَتُهُ لَا تَصِحُّ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ يَدِهِ وَيُقْبَضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلدَّيْنِ وَقَابِضًا لَهُ فِي آنٍ وَاحِدٍ. (الشَّارِحُ) .
عَوْدَةُ الْمُرْتَهِنِ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ مُخَالَفَتِهِ: قَوْلُهُ - (إذَا أَتْلَفَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ عَيَّبَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا خَالَفَ أَمْرَ الرَّاهِنِ وَعَمِلَ شَيْئًا يُوجِبُ الضَّمَانَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ نَقْصٌ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ وَكَذَّبَهُ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 76) رَدُّ الْمُحْتَارِ.
فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَنَّ تَعْبِيرَ (يَبْرَأُ الرَّاهِنُ مِنْ الضَّمَانِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَإِلَّا فَكَمَا سَيَذْكُرُ فِي اللَّاحِقَةِ الْآتِيَةِ أَنَّ الضَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِسَبَبِ هَلَاكِ الرَّهْنِ بَاقٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
[لَاحِقَة فِي بَيَان الْمَسَائِل الْعَائِدَة لِسُقُوطِ الدِّين بِهَلَاكِ الرَّهْن فِي يَد المرتهن أَوْ الْعَدْل]
لَاحِقَةٌ.
فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْعَائِدَةِ لِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ وَإِنْ تَكُنْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إجْمَالًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 0 4) فَقَدْ شُرِّعَ بِتَفْصِيلِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي بِنَاءً عَلَى الْمُنَاسَبَةِ الْمَوْقِعِيَّةِ: مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِضَمَانِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَلَكِنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ بِعَدَمِ سُقُوطِ الدَّيْنِ كُلًّا أَوْ قِسْمًا عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَسَرَدَ مَا يَأْتِي فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ (إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الرَّهْنِ كَانَتْ لِأَجْلِ الطُّمَأْنِينَةِ مِنْ الدَّيْنِ أَيْ لِأَجْلِ تَأْمِينِ اسْتِيفَائِهِ فَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا وَكَانَ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى التَّوْثِيقِ قَدْ فَاتَ) .
وَاجْتِهَادُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَقَوْلُ الْبَاجُورِيِّ وَهُوَ مِنْ مُحَقِّقِي الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي مَضْمُونِيَّةِ الرَّهْنِ مُطَابِقٌ لِلْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ. فَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ مُتَعَدِّيًا سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ أَمْ قَبْلَهَا. وَعَدَمُ إعْطَاءِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ فِي حَالِ طَلَبِ الرَّاهِنِ وَاسْتِعْمَالُ الرَّهْنِ تَعَدٍّ. (انْتَهَى) .
وَرَغْمًا عَنْ أَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ أَحْكَامِ الرَّهْنِ الْعُمُومِيَّةِ وَمِنْ الْمُهِمِّ فِيهَا فَلَمْ يُكْتَبُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ شَيْءٌ عَنْهَا لَا صَرَاحَةً وَلَا إشَارَةً بَلْ إنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَادَّةِ (1108) .
أَدِلَّةُ الْحَنَفِيَّةِ - اسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَضْمُونِيَّةِ الرَّهْنِ بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَبِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ السُّنَّةُ: الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الْمَرْوِيُّ عَنْ الرَّسُولِ وَهُوَ «أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ فَرَسًا فَمَاتَ الْفَرَسُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ حَقُّك» فَهَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الدَّيْنِ بِضَيَاعِ الرَّهْنِ شِبْلِيٌّ
(2/169)
إجْمَاعُ الْأُمَّةِ: حَيْثُ إنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ وَاقِعٌ عَلَى مَضْمُونِيَّةِ الرَّهْنِ فَفِي الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَمَانَةٌ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ (الْعِنَايَةُ) .
الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ - الرَّهْنُ مَقْبُوضٌ لِأَجْلِ الدَّيْنِ. فَعِنْدَ قَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ مَضْمُونًا وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَقَعُ التَّقَاضِي بَيْنَ الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ.
لَمَّا كَانَ قَبْضُ الدَّيْنِ مَضْمُونًا فَالرَّهْنُ الْمَقْبُوضُ أَيْضًا لِأَجْلِ الدَّيْنِ يَكُونُ مُلْحَقًا بِالدَّيْنِ وَلِذَلِكَ يَكُونُ هُوَ أَيْضًا مَضْمُونًا. كَمَا جُعِلَ الْمَالُ الَّذِي قُبِضَ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونًا وَكَالْمَالِ الَّذِي قُبِضَ بَعْدَ الْبَيْعِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مَالِكِ الْعَيْنِ شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ
أَنْوَاعُ الضَّمَانِ - أَنْوَاعُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ - ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْغَصْبِ هُوَ الشَّيْءُ الْمَضْمُونُ بِقِيمَتِهِ وَبِبَدَلِهِ وَتَفْصِيلُهُ يَرِدُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
الثَّانِي - ضَمَانُ الْمَبِيعِ هُوَ الشَّيْءُ الْمَضْمُونُ بِالثَّمَنِ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلًا وَهَذَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
الثَّالِثُ - ضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ الرَّهْنِ هُوَ الشَّيْءُ الْمَضْمُونُ بِقِيمَةِ الْمَرْهُونِ وَبِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ (تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ) وَهَا نَحْنُ نُبَاشِرُ بِتَفْصِيلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: فِي الرَّهْنِ اعْتِبَارَانِ:
الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ: عَيْنُ الرَّهْنِ. عَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَالْوَدِيعَةِ. وَالْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَنْ هَذَا أَنْوَاعٌ هِيَ كَمَا يَأْتِي أَوَّلًا: كُلُّ فِعْلٍ إذَا أَوْقَعَهُ - الْمُسْتَوْدَعُ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ مِنْ أَجْلِهِ فَإِذَا أَوْقَعَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ أَيْضًا. مَثَلًا إذَا حَفِظَ الْمُرْتَهِنُ الْخَاتَمَ الْمَرْهُونَ فِي جَيْبِهِ وَهَلَكَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ مُحَافَظَةٍ وَخُصُوصًا الْمُرْتَهِنُ مَأْمُورٌ بِالْمُحَافَظَةِ. كَمَا لَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ قَمِيصًا وَعَلَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى كَتِفِهِ وَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حِفْظٌ وَلَيْسَ اسْتِعْمَالًا (الْخَانِيَّةُ) . وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (722) .
ثَانِيًا: نَفَقَةُ الرَّهْنِ عَائِدَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا تَبَيَّنَ فِي الْمَادَّةِ (724) . كَمَا أَنَّ نَفَقَةَ الْوَدِيعَةِ عَائِدَةٌ لِلْمُودِعِ.
ثَالِثًا: إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّاهِنِ. حَتَّى إنَّهُ مَتَى هَلَكَ الْحَيَوَانُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَمَصَارِيفُ رَمْيِهِ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا تَعُودُ عَلَى الرَّاهِنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
رَابِعًا: لَا يَقُومُ قَبْضُ الرَّهْنِ مَقَامَ قَبْضِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حَيْثُ إنَّهُ أَمَانَةٌ فَالْقَبْضُ فِيهِ أَمَانَةٌ أَيْضًا وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الضَّمَانِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (262) .
خَامِسًا: كُلُّ فِعْلٍ بِتَقْدِيرِ إيقَاعِهِ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ - فِي الْوَدِيعَةِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ مِنْ أَجْلِهِ. إذَا أَوْقَعَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ يَلْزَمُهُ أَيْضًا ضَمَانُ الْغَصْبِ. مَثَلًا كَمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَارَةُ الْوَدِيعَةِ مَعَ إيجَارِهَا وَتَرْهِينِهَا لِلْغَيْرِ لَا يُمْكِنُ أَيْضًا إعَارَةُ الرَّهْنِ وَإِيجَارُهُ وَتَرْهِينُهُ لِلْغَيْرِ. حَتَّى إنَّهُ إذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ آخَرَ - أَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ لِكَوْنِهِ قَدْ تَعَدَّى فِي حَالِ هَلَاكِهِ يَكُونُ ضَامِنًا بِضَمَانِ الْغَصْبِ (التَّنْقِيحُ) .
(2/170)
سَادِسًا: إذَا تُوُفِّيَ الْمُرْتَهِنُ مُجْهِلًا فَكَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (801) يَلْزَمُ ضَمَانُ جَمِيعِ الْقِيمَةِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ زَائِدَةً عَنْ الرَّهْنِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَتُؤَدَّى الزِّيَادَةُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُرْتَهِنِ إلَى الرَّاهِنِ (التَّنْقِيحُ) .
سَابِعًا: إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ مَالَهُ الْبَالِغَ أَلْفَيْ قِرْشٍ فِي مُقَابَلَةِ أَلْفِ قِرْشٍ دَيْنَهُ وَسَلَّمَهُ لَهُ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ لَدَى الْإِنْكَارِ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِالرَّهْنِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ قِيمَتِهِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجْرِي حِسَابُ أَلْفِ قِرْشٍ وَتَلْزَمُ إعَادَةُ الْأَلْفِ قِرْشٍ الْبَاقِيَةِ ضَمَانًا إلَى الرَّاهِنِ (الْهِنْدِيَّةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (901) .
الِاعْتِبَارُ الثَّانِي: مَالِيَّةُ الرَّهْنِ. مَالِيَّةُ الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ. وَبِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدِعَ شَيْءٌ عِنْدَ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بِلَا تَقْصِيرٍ وَلَا تَعَدٍّ فَعِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ - يَجِبُ سُقُوطُ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ. وَهَاكَ بَيَانُ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَنْ هَذَا الِاعْتِبَارِ.
أَوَّلًا: إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ فَيُعَدُّ الدَّيْنُ الَّذِي فِي مُقَابَلَتِهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى يَوْمَ قَبْضِ الرَّهْنِ، يَعْنِي يُعْتَبَرُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ. وَيُطْلَقُ عَلَى هَذَا الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) . وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِشَيْءٍ وَلَا الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ (التَّنْوِيرُ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (399) . فَإِذَا فُقِدَ الْمَرْهُونُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ أَدَاءِ الرَّاهِنِ الدَّيْنَ يَلْزَمُ عَلَى الدَّائِنِ أَنْ يَرُدَّ لِلْمَدِينِ الدَّيْنَ الَّذِي أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ اسْتَوْفَى مَطْلُوبَهُ حِينَمَا قَبَضَ الرَّهْنَ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ حَيْثُ إنَّ أَخْذَهُ مَطْلُوبَهُ ثَانِيَ مَرَّةٍ يَكُونُ اسْتِيفَاءً بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ الَّذِي قَبَّضَهُ إلَى الرَّاهِنِ التَّنْقِيحُ وَالزَّيْلَعِيّ.
وَإِذَا رَهَنَ الرَّاهِنُ سَاعَةً بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ مُقَابِلَ عَشْرِ ذَهَبَاتِ دَيْنٍ ثُمَّ أَوْفَى سِتَّ ذَهَبَاتٍ مِنْ الدَّيْنِ وَقَالَ: فَلِتَبْقَ السَّاعَةَ رَهْنًا مُقَابِلَ الْأَرْبَعِ ذَهَبَاتٍ الْبَاقِيَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ السَّاعَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا اعْتِبَارَ لِهَذَا الْقَوْلِ فَتَهْلَكُ بِكَامِلِ الدَّيْنِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ السِّتِّ ذَهَبَاتٍ إلَى الرَّاهِنِ الْأَنْقِرْوِيُّ.
ثَانِيًا: إذَا أَوْفَى رَجُلٌ دَيْنَ آخَرَ تَبَرُّعًا وَقَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الرَّهْنَ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ إلَى الرَّاهِنِ مُلِّكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَنَظَرًا لِسُقُوطِ الدَّيْنِ يَرُدُّ الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّجُلِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْهُ. يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ يُرْجِعُهَا الْمُرْتَهِنُ الْمُتَبَرِّعُ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْمُدَايِنَاتِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ أَوْفَى دِينًا غَيْرَ وَاجِبِ الْأَدَاءِ. وَعَلَيْهِ وَجَبَتْ إعَادَتُهُ إلَى الْمُتَبَرِّعِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) . رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَفَّلَ إنْسَانًا بِإِذْنِ الدَّائِنِ فَأَعْطَى الْمَدِينَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ رَهْنًا بِذَلِكَ الْمَالِ ثُمَّ قَضَى الْكَفِيلُ دَيْنَ الطَّالِبِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الطَّالِبِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الطَّالِبِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ (الْخَانِيَّةُ) .
ثَالِثًا: إذَا رَهَنَ الْمَدِينُ مَالَهُ الْبَالِغَ أَلْفَ قِرْشٍ مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ دَيْنِهِ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ حَوَّلَ دَايِنَهُ بِالدَّيْنِ الْمَذْكُورِ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ مِنْ مَدِينٍ لَهُ بِأَلْفِ قِرْشٍ بِالْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّاهِنُ هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الدَّائِنِ وَبِمَا أَنَّ الدَّيْنَ مُطْلَقٌ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ أَيْضًا. بِنَاءً عَلَيْهِ يَأْخُذُ الْمُحِيلُ مَطْلُوبَهُ الَّذِي عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (الْبَزَّازِيَّةُ وَفَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ) .
رَابِعًا: إذَا هَلَكَ بَعْضُ الرَّهْنِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِنِسْبَتِهِ مَثَلًا إذَا هَلَكَ مِقْدَارٌ مِنْ الْمَرْهُونِ فِي يَدِ
(2/171)
الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ مِقْدَارٌ مِنْ الدَّيْنِ بِنِسْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ زَائِدَةً عَنْهُ. مَثَلًا إذَا رَهَنَ رَجُلٌ خَاتَمَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ أَلْفِ قِرْشٍ وَسَلَّمَهُمَا ثُمَّ هَلَكَ خَاتَمٌ مِنْهُمَا فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ مَا يُصِيبُ ذَلِكَ الْخَاتَمَ، أَيْ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْخَاتَمِ الْهَالِكِ أَلْفَ قِرْشٍ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَيْنِ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ مِنْ الدَّيْنِ يَعْنِي مِنْ الْأَلْفِ قِرْشٍ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي وَإِلَّا فَكَوْنُ قِيمَةِ الْخَاتَمِ الْهَالِكِ أَلْفَ قِرْشٍ لَا تُوجِبُ سُقُوطُ الدَّيْنِ كَامِلًا.
خَامِسًا: إذَا رَهَنَ شَخْصٌ مُقَابِلَ دَيْنٍ مِائَةَ قِرْشٍ فَرْوًا بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ أَفْسَدَتْ الْعُثَّةُ الْفَرْوَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَنَزَلَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةِ قِرْشٍ فَيَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّيْنِ فَقَطْ وَيُؤَدِّي الْمَدِينُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ قِرْشًا إلَى الدَّائِنِ وَيَسْتَرِدُّ الْفَرْوَ؛ لِأَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنْ الْفَرْوِ مَرْهُونٌ بِرُبْعٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْفَرْوِ رُبْعُهُ فَبَقِيَ أَيْضًا مِنْ الدَّيْنِ رُبْعُهُ (التَّنْقِيحُ) .
سَادِسًا - إذَا رُهِنَتْ دَارٌ مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ وَخَرِبَتْ بِدَرَجَةِ أَنْ صَارَتْ عَرْصَةً صِرْفَةً يُقَسَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْعَرْصَةِ يَوْمَ قَبَضَهُمَا فَيَسْقُطُ الْمِقْدَارُ الَّذِي يُصِيبُ الْبِنَاءَ وَيَبْقَى الْمِقْدَارُ الَّذِي يُصِيبُ الْعَرْصَةَ. وَلَوْ رَهَنَ شَيْئَيْنِ يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ ظَهَرَ حُرًّا يَهْلَكُ الْآخَرُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْخَانِيَّةُ) .
سَابِعًا - إذَا أَخَذَ الدَّائِنُ مِنْ الْكَفِيلِ رَهْنًا كَمَا أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ وَهَلَكَ الرَّهْنَانِ الْوَاحِدُ تِلْوَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَافِيًا لِلدَّيْنِ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ مُطَالَبٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ نَظَرًا لِكَوْنِ الرَّهْنِ الثَّانِي عُدَّ زِيَادَةٍ فِي الرَّهْنِ، أَيُّهُمَا هَلَكَ يَهْلَكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَيْهِ بِمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَى قِيَمِ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةً هَلَكَ الْمَرْهُونُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ (الْخَانِيَّةُ) . وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (713) .
الْقِيمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الرَّهْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ الْأَجْنَبِيِّ: الْقِيمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الرَّهْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ هِيَ عَلَى مَا ذُكِرَ أَعْلَاهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ. وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْهَلَاكِ لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ. إذْ إنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (713) إذَا زِيدَ فِي الرَّهْنِ فَكَمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ يَكُونُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ فَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ أَيْضًا يَوْمَ قَبْضِهِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ بِحُكْمِ الزِّيَادَةِ وَإِلَيْك بَيَانُ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا: أَوَّلًا - إذَا رَهَنَ رَجُلٌ مَالَهُ الَّذِي تَبْلُغُ قِيمَتُهُ أَلْفَ قِرْشٍ مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ دَيْنِهِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ أَعَادَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّاهِنِ وَبَعْدَ مُدَّةٍ اسْتَرَدَّهُ وَقَبَضَهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ وَهَلَكَ بَعْدَئِذٍ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلَكُ بِأَلْفِ قِرْشٍ. بِخِلَافِ الْغَصْبِ إذَا تَكَرَّرَ بَعْدَ الرَّدِّ حَيْثُ يُعْتَبَرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ لَا الْأَوَّلُ لِانْتِسَاخِهِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الثَّالِثِ مِنْ الرَّهْنِ) .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا رَهَنَ مَالَهُ بِقِيمَةِ أَلْفِ قِرْشٍ مُقَابِلَ دَيْنِ أَلْفِ قِرْشٍ وَسَلَّمَ وَتَنَازَلَتْ قِيمَتُهُ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَى سِتِّمِائَةِ قِرْشٍ بِسَبَبِ تَرَاجُعِ السِّعْرِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ سِتَّمِائَةِ قِرْشٍ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ) (2 91) . وَحَيْثُ إنَّ الْأَرْبَعَمِائَةِ قِرْشٍ الَّتِي هِيَ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ مَضْمُونَةٌ بِضَمَانِ الرَّهْنِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَعِنْدَمَا يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ الْأَجْنَبِيِّ سِتَّمِائَةِ قِرْشٍ يَكُونُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ دَيْنِهِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَالْخَانِيَّةُ) .
(2/172)
ثَانِيًا - إذَا رَهَنَ رَجُلٌ مَالًا عَلَى أَنَّهُ سَالِمٌ مِنْ الْعَيْبِ مُقَابِلَ دَيْنٍ وَظَهَرَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ مَعِيبًا ثُمَّ هَلَكَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَالِ الْمَذْكُورِ يَوْمَ قَبْضِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَعِيبًا كَافِيَةً لِلدَّيْنِ يَسْقُطُ أَيْضًا كُلَّ الدَّيْنِ بِمُوجَبِ التَّفْصِيلَاتِ السَّابِقَةِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
ثَالِثًا - إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَالٍ كَوْنِ قِيمَتُهٌ يَوْمَ قَبْضِهِ نَاقِصَةً عَنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ. وَيَطْلُبُ الْمُرْتَهِنُ الْبَقِيَّةَ مِنْ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عَلَى قَدْرِ الْمَالِيَّةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (400) . مَثَلًا لَوْ رَهَنَ رَجُلٌ مَالًا بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ مُقَابِلَ دَيْنٍ أَلْفَ قِرْشٍ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ خَمْسُمِائَةِ قِرْشٍ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ الْبَاقِيَةِ (الدُّرَرُ) .
رَابِعًا - إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَالٍ كَوْنِ قِيمَتِهِ زَائِدَةً عَنْ الرَّهْنِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ كُلُّهُ وَأَمَّا مَا زَادَ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ هَلَاكُ الرَّهْنِ بِتَعَدِّي الْمُرْتَهِنِ فَبِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (741) يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ مَا زَادَ أَيْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (701) بِتَعْبِيرٍ آخَرَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ بَدَلَ مَا زَادَ مِنْ الرَّهْنِ عَنْ الدَّيْنِ أَيْضًا نَظَرًا لِيَوْمِ إتْلَافِهِ وَتَعَدِّيهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (912) .
وَإِذَا كَانَ هَلَاكُهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَبِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (768) لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنُ أَدَاءَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ. سَوَاءٌ أَكَانَ ثُبُوتُ هَلَاكِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِقَوْلِ الْمُرْتَهِنِ وَيَمِينِهِ يَعْنِي يَكُونُ الْمَضْمُونُ مَرْهُونًا عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَالْقِيمَةِ (أَبُو السُّعُودِ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَالضَّمَانُ بِالْمِقْدَارِ الْمُسْتَوْفَى مَثَلًا لَوْ كَانَ دَيْنُ أَحَدٍ عَشْرَ ذَهَبَاتٍ فَقَطْ وَأَعْطَى دَايِنَهُ كِيسًا يَحْتَوِي عَلَى عِشْرِينَ ذَهَبًا وَهَلَكَتْ كُلُّهَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَحَيْثُ إنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ يَكُونُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَدْ أَوْفَى ذَلِكَ الدَّيْنَ، وَالْعَشْرُ ذَهَبَاتٍ الْبَاقِيَةُ تَكُونُ هَلَكَتْ أَمَانَةً عِنْدَ الدَّائِنِ.
رَهْنُ الْمِقْدَارِ الزَّائِدِ مِنْ الرَّهْنِ عَنْ الدَّيْنِ لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ حَبْسُ الْمَرْهُونِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ. وَبِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (22) مَا ثَبَتَ لِضَرُورَةٍ يُقَدَّرُ بِمِقْدَارِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ. يَعْنِي أَنَّ الضَّرُورَةَ تَثْبُتُ فِي مَرْهُونِيَّةٍ وَمَحْبُوسِيَّةٍ الرَّهْنِ فَقَطْ. وَإِلَّا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةٍ فِي مَضْمُونِيَّةِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الرَّهْنِ مَعَ عَدَمِ الضَّمَانِ مُمْكِنٌ. كَمَا هِيَ الْحَالَةُ فِي اسْتِعَارَةِ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. فَفِي حَالَةِ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ مَا زَالَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ بِحُكْمِ الِاسْتِعَارَةِ مَعَ بَقَاءِ الرَّهْنِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْعِنَايَةُ، الْفَتْحُ، الْهِنْدِيَّةُ وَالْكَفَالَةُ ".
مَثَلًا إذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ سُرِقَ يَسْقُطُ الدَّيْنُ التَّنْقِيحُ ". وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ زِيَادَةِ الْمَرْهُونِ عَنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ.
وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ الْمُرْتَهِنُ النَّعْجَةَ الْمَرْهُونَةَ وَاسْتَهْلَكَهَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ زَائِدَةً عَنْ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَتْ ذُبِحَتْ تِلْكَ النَّعْجَةُ لِمَرَضِهَا وَلِخَوْفٍ مِنْ هَلَاكِهَا الْبَزَّازِيَّةُ.
وَكَذَلِكَ إذَا رُهِنَتْ أَمْتِعَةٌ بِأَلْفَيْ قِرْشٍ مُقَابِلَ دَيْنِ أَلْفِ قِرْشٍ وَهَلَكَ مِنْهَا بِتَعَدِّي الْمُرْتَهِنِ قِسْمٌ قِيمَتُهُ أَلْفَ قِرْشٍ فَحَيْثُ إنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ تَمَامًا يَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ بَاقِيَ أَمْتِعَتِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ الْفَيْضِيَّةُ " اُنْظُرْ الْحُكْمَ الثَّالِثَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 741 ".
(2/173)
وَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَ شَخْصٌ ثَوْبًا بِقِيمَةِ عِشْرِينَ قِرْشًا مُقَابِلَ دَيْنِهِ الْبَالِغِ عَشَرَةَ قُرُوشٍ وَسَلَّمَهُ وَبَعْدَهُ تَنَازَلَتْ قِيمَتُهُ إلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِرْشًا لِاسْتِعْمَالِ الْمُرْتَهِنِ إيَّاهُ مُدَّةً بِإِذْنِ الرَّاهِنِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ بِلَا إذْنٍ وَطَرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نَقْصُ أَرْبَعَةِ قُرُوشٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَ وَهُوَ بِقِيمَةِ عَشَرَةِ قُرُوشٍ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الرَّاهِنِ قِرْشًا وَاحِدًا فَقَطْ مُقَابِلَ مَطْلُوبِهِ وَتَسْقُطُ التِّسْعَةُ قُرُوشٍ الْبَاقِيَةُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الثَّوْبِ وَقْتَ عَقْدِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ أَمَانَةٌ وَحَيْثُ إنَّ الْمُرْتَهِنَ اسْتَعْمَلَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَلَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَاسْتِعْمَالِ الرَّاهِنِ نَفْسَهُ وَكَانَ النَّقْصُ الطَّارِئُ بِسَبَبِهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا النُّقْصَانَ الَّذِي هُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَرْبَعَةُ قُرُوشٍ فَقَطْ (الْبَزَّازِيَّةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) فَمَا وَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ قُرُوشٍ يَصِيرُ قِصَاصًا بِقَدْرِهَا مِنْ الدَّيْنِ فَإِذَا هَلَكَ الثَّوْبُ وَقِيمَتُهُ بَعْدَ النُّقْصَانِ عَشْرَةٌ يَكُونُ نِصْفُهَا مَضْمُونًا وَنِصْفُهَا أَمَانَةً فَبِقَدْرِ الْمَضْمُونِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ وَبَقِيَ قِرْشٌ وَاحِدٌ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِرْشٍ وَاحِدٍ (الْخَانِيَّةُ) .
مَعْنَى هَلَاكِ الرَّهْنِ - هَلَاكُ الرَّهْنِ صَيْرُورَتُهُ فِي حَالَةٍ لَا يَصْلُحُ الِانْتِفَاعُ مَعَهَا بِهِ. مَثَلًا كَمَوْتِ النَّعْجَةِ الْمَرْهُونَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا صَارَتْ الْأَرْضُ الْمَرْهُونَةُ بُحَيْرَةً بِسَبَبِ طُغْيَانِ الْمِيَاهِ عَلَيْهَا فَهَذِهِ الْحَالَةُ أَيْضًا بِحُكْمِ الْهَلَاكِ فَسَقَطَ الدَّيْنُ بِمُوجَبِ التَّفْصِيلَاتِ السَّالِفَةِ. وَلَكِنْ إذَا انْسَحَبَتْ الْمِيَاهُ أَخِيرًا تَعُودُ كَمَا كَانَتْ رَهْنًا. أَمَّا إذَا طَرَأَ عَلَى الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ نُقْصَانٌ بِسَبَبِ طُغْيَانِ الْمِيَاهِ ثُمَّ انْسِحَابِهَا فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ النُّقْصَانِ الْمَذْكُورِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
وَإِذَا فَرَّ الْحَيَوَانُ الْمَرْهُونُ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ مُعْتَبِرًا الدَّائِنَ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْحَيَوَانُ تَرْجِعُ رَهِينَتُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ إنَّمَا يَكُونُ اسْتِيفَاءَ حَقِيقَةٍ إذَا هَلَكَ وَلَمَّا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ بَقِيَ مَحْبُوسًا عَلَى الرَّهِينَةِ لَا مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ وَالْخَانِيَّةُ) وَالْفَرَسُ الْمَغْصُوبُ إذَا فَرَّ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ عَادَ قَيْدَ الْفِرَارِ فَإِنَّهُ يَعُودُ عَلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ.
وَإِذَا اُغْتُصِبَ الْمَرْهُونُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْهَالِكِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ مَأْذُونًا مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (0 75) بِالِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَرْهُونِ وَغُصِبَ مِنْهُ أَثْنَاءَ الِانْتِفَاعِ فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَصِيرُ عَارِيَّةً فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ. وَإِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَى الرَّهْنِ خَلَلٌ بِالِاغْتِصَابِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ.
الرَّهْنُ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ: قَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (0 1 7) أَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَخْذُ الرَّهْنِ مُقَابِلَ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا. فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسٍ وَالْمُقَابِلَةُ الرَّهْنُ مَوْجُودَةٌ عَيْنًا فِي يَدِ الرَّاهِنِ يَقْبِضُ الْمُرْتَهِنُ الْعَيْنَ الْمَضْمُونَةَ بِنَفْسِهَا وَيُسَلِّمُهَا وَيَضْمَنُ الْأَقَلَّ قِيمَةً مِنْ الْمَرْهُونِ الْعَيْنِ الَّتِي فِي مُقَابِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ حَيْثُ إنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فَحَيْثُمَا تَصِلُ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَلْزَمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعْطِيَ مِقْدَارَهَا الْمَضْمُونَ إلَى الرَّاهِنِ، وَمَا زَادَ عَنْهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ وَبَقِيَ الرَّهْنُ فَيَصِيرُ الرَّهْنُ مَرْهُونًا فِي مُقَابَلَةِ بَدَلِ الْعَيْنِ وَقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَيْنِ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ بَدَلِهَا وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ (لِسَانُ الْحُكَّامِ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ) .
وَبَعْدَ هَذَا
(2/174)
إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَكُونُ هَذَا الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ الْمَذْكُورِ وَبَدَلِ تِلْكَ الْعَيْنِ وَقِيمَتِهَا حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الرَّاهِنِ. وَبِالْعَكْسِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ مِنْ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ كَمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَفِيهِ فَضْلٌ الزَّيْلَعِيّ.
الرَّهْنُ مُقَابِلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ: أَخْذُ الرَّهْنِ مُقَابِلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَيْضًا صَحِيحٌ. وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ عَقْدُ السَّلَمِ تَامًّا وَالرَّهْنُ عِوَضًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ الْخَانِيَّةُ " كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِ السَّلَمِ وَقَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ يَهْلَكُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ رَدُّ وَإِعَادَةُ الْمُسْلَمِ فِيهِ الدُّرَرُ ".
الرَّهْنُ مُقَابِلُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ: إذَا أَخَذَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ رَهْنًا لِأَجْلِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ جَازَ ذَلِكَ وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ يُعَدُّ الْمُرْتَهِنُ اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَيَبْقَى السَّلَمُ صَحِيحًا. وَإِذَا لَمْ يَهْلَكْ الرَّهْنُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَهَلَكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ يَبْطُلُ السَّلَمُ وَيُرَدُّ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ مُقَابِلُ الْبَدَلِ الصَّرْفِ أَيْضًا هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَانِيَّةُ،.
الشَّرْطُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ تَعَيَّبَ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ وَلَوْ اُشْتُرِطَ عَدَمُ سُقُوطِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي مُقَابَلَتِهِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. " اُنْظُرْ الْمَادَّةُ 83 وَشَرْحَهَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْأَنْقِرْوِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ) . مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ: إنِّي آخُذُ مِنْك الرَّهْنَ بِشَرْطِ عَدَمِ سُقُوطِ الدَّيْنِ وَهَلَاكُ الْمَرْهُونِ بِلَا شَيْءٍ عِنْدَ هَلَاكِهِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: فَلِيَكُنْ ذَلِكَ فَحَيْثُ إنَّ الرَّهْنَ وَالشَّرْطَ بَاطِلَانِ فَإِذَا هَلَكَ أَوْ ضَاعَ يَسْقُطُ الدَّيْنُ الَّذِي يُقَابِلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَفْصِيلُهُ الْخَانِيَّةُ ".
حُكْمُ الْحُكْمِ فِي تَنَاقُصِ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ بِتَرَاجُعِ الْأَسْعَارِ: إذَا تَنَاقَصَتْ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَالْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ سُقُوطُ الدَّيْنِ (الْخَانِيَّةُ) . مَثَلًا إذَا رُهِنَ مَالٌ بِمِائَتَيْ قِرْشٍ مُقَابِلَ مِائَتَيْ قِرْشٍ دَيْنٍ وَسُلِّمَ ثُمَّ تَنَازَلَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةِ قِرْشٍ بِسَبَبِ تَنَزُّلِ الْأَسْعَارِ فَلَا يَسْقُطُ نِصْفُ الدَّيْنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . كَمَا هِيَ الْحَالَةُ فِي الْغَصْبِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 0 900) حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَمَرَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْمَالَ وَبَاعَ الْمُرْتَهِنُ بِمِائَةِ قِرْشٍ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَبَعْدَ أَنْ يَحْسِبَ الْمِائَةَ قِرْشٍ مُقَابِلَ دَيْنِهِ يَأْخُذُ الْمِائَةَ قِرْشٍ الْبَاقِيَةَ أَيْضًا مِنْ الرَّاهِنِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ سُقُوطِ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ الْأَسْعَارِ بَقَاءُ الرَّهْنِ. حَتَّى إنَّهُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ تَرَاجُعِ السِّعْرِ يَهْلَكُ بِقِيمَتِهِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَلَيْسَ بِقِيمَتِهِ بَعْدَ التَّرَاجُعِ.
الِاخْتِلَافُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْهَلَاكِ: إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ بِأَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ تَرَاجُعِ السِّعْرِ فَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْقَبْضِ بِمُوجَبِ التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ أَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْعَدْلُ: إنَّ الْمَرْهُونَ بَيْعٌ بِنَاءً عَلَى الصَّلَاحِيَّةِ الَّتِي فِي الْمَادَّةِ (760) بَعْدَ تَرَاجُعِ السِّعْرِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ بَقِيَ فَضْلُ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى دَيْنًا (فَبِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ) عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بَيْنَهُمْ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ (الدُّرَرُ رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ) .
الرَّهْنُ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ مَضْمُونٌ وَبَعْدَ إبْرَاءِ الْإِسْقَاطِ غَيْرُ مَضْمُونٍ يَعْنِي بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ يَبْقَى الرَّهْنُ مَرْهُونًا وَمَضْمُونًا كَالْأَوَّلِ مَا لَمْ يُسْتَرَدَّ الرَّهْنُ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (158) .
(2/175)
بَعْضُ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَى هَذَا: أَوَّلًا إذَا اسْتَقْرَضَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ خَمْسَ كَيْلَاتِ قَمْحٍ وَقَبَضَهَا وَبَعْدَ أَنْ رَهَنَ مُقَابِلَهَا مَالًا وَسَلَّمَهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْقَمْحَ الَّذِي بِذِمَّتِهِ بِمِائَةِ قِرْشٍ وَدَفَعَ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ وَسَلَّمَهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَ ذَلِكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَمَّا كَانَ بَدَلُ ذَلِكَ الْمَالِ يُعَادِلُ خَمْسَ كَيْلَاتِ قَمْحٍ يَكُونُ قَدْ هَلَكَ بِخَمْسِ كَيْلَاتِ قَمْحٍ وَعَلَيْهِ يُعِيدُ الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّاهِنِ الْمِائَةَ قِرْشٍ الَّتِي أَخَذَهَا.
ثَانِيًا إذَا رَهَنَ شَخْصٌ مَالًا بِأَلْفِ قِرْشٍ عِنْدَ دَائِنِهِ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَبَعْدَ أَنْ أَدَّى شَخْصٌ أَجْنَبِيٌّ الدَّيْنَ الْمَذْكُورَ تَبَرُّعًا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَيَلْزَمُ الدَّائِنَ أَنْ يُعِيدَ إلَى الشَّخْصِ الْأَجْنَبِيِّ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُعِيدَ مَا قَبَضَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ.
ثَالِثًا إذَا أَدَّى الْكَفِيلُ بِالْأَمْرِ الدَّيْنَ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ الَّذِي أَعْطَاهُ الْمَدِينُ إلَى الدَّائِنِ فِي يَدِ الدَّائِنِ سَقَطَ الدَّيْنُ. وَفِي هَذَا الْحَالِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِالْأَمْرِ إلَى الْمَدِينِ وَهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الدَّائِنِ. وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ بِالْأَمْرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الدَّائِنِ رَأْسًا.
رَابِعًا: إذَا حَوَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِدَيْنِهِ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَالْحَوَالَةُ مُنْفَسِخَةً؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِطَرِيقِ الْأَدَاءِ بَرَاءَةٌ خِلَافَ الْحَوَالَةِ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بَرَاءَةً الْهِنْدِيَّةُ، الدُّرُّ الْمُنْتَقَى الْخَانِيَّةُ وَالْأَنْقِرْوِيُّ. إنَّمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِمَا زَادَ (أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالدُّرُّ وَالْهِدَايَةُ) .
خَامِسًا: إذَا أَخَذَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي رَهْنًا مُقَابِلَ الْمَالِ الَّذِي بَاعَهُ إيَّاهُ وَبَعْدَ أَنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ضُبِطَ ذَلِكَ الْمَالُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْمُرْتَهِنِ ضَامِنًا لِلْمَرْهُونِ.
سَادِسًا: إذَا اشْتَرَى الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ مَالًا مُقَابِلَ مَطْلُوبِهِ أَوْ صَالَحَ الرَّاهِنُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ثُمَّ هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَزِمَتْ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ وَلَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ وَالصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَالصُّلْحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
سَابِعًا: إذَا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ بِبَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ أَوْ وَهَبَهُ مَطْلُوبَهُ ثُمَّ هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كَانَ هَلَاكُهُ قَبْلَ الْمَنْعِ أَيْ قَبْلَ أَنْ يَمْتَنِعَ الْمَرْءُ عَنْ إعَادَةِ الرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى طَلَبِ الرَّاهِنِ - لَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ. وَيَهْلَكُ مَجَّانًا (الْخَانِيَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ لَا يَبْقَ رَهِينَةً وَيَكُونُ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ قَبْضَ أَمَانَةٍ لَا قَبْضَ اسْتِيفَاءٍ شَرْحُ الْمَجْمَعِ وَالزَّيْلَعِيّ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الرَّهْنِ بِأَمْرَيْنِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْقَ رَهْنًا الزَّيْلَعِيّ وَالْأَنْقِرْوِيُّ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْمَنْعِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا كُلَّ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْمَنْعِ الْمَذْكُورِ غَاصِبًا لِلرَّهْنِ (الْبَزَّازِيَّةُ) مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَعَيْنِيٌّ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْآنِفَةِ - أَيْ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَإِبْرَاءِ الْإِسْقَاطِ - هُوَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يُسْقِطُ الدَّيْنَ أَصْلًا وَأَمَّا الِاسْتِيفَاءُ لَا يُسْقِطُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَوْجُودٌ وَالِاسْتِيفَاءَ مُتَعَذِّرٌ فَقَطْ أَبُو السُّعُودِ رَاجِعْ
(2/176)
شَرْحَ الْمَادَّةِ (158) .
نُقْصَانُ الْعَيْنِ يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ. يَعْنِي نُقْصَانَ الرَّهْنِ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنِ يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِهِ (الْخَانِيَّةُ) كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) . بِأَنْ كَانَ قَلْبًا فَانْكَسَرَ وَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ يَذْهَبُ قَدْرُ النُّقْصَانِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ (الْخَانِيَّةُ) .
لِذَلِكَ إذَا رَهَنَ فَرْوًا بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ مُقَابِلَ مِائَةِ قِرْشٍ وَبَعْدَ أَنْ سَلَّمَ أَكَلَتْ الْعُثَّةُ الْفَرْوَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَتَنَازَلَتْ قِيمَتُهُ إلَى مِائَةِ قِرْشٍ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ أَيْ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ قِرْشًا وَعِنْدَ أَدَاءِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ قِرْشًا يَسْتَخْلِصُ الْفَرْوَ (الْبَزَّازِيَّةُ الْوَاقِعَاتُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ حَيَوَانًا وَعَمِيَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ رُبْعُهُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحَيَوَانِ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ زِيَادَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْحَيَوَانِ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَيْنِ لِلْحَيَوَانِ وَعَيْنَيْنِ لِلَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) وَرَدَّهُ مَعِيبًا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَقَالَ: كَذَلِكَ قَبَضَتْهُ وَقِيمَتُهُ سَلِيمًا عَشْرَةٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الرَّاهِنِ أَوْلَى لِسَانُ الْحُكَّامِ. وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا فَعَوِرَتْ عَيْنَيْهِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ أَلْفًا ذَهَبَتْ بِالْعَوَارِ خَمْسُمِائَةٍ نِصْفُ الدَّيْنِ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ خَمْسَمِائَةٍ وَذَهَبَ بِالْعَوَارِ رُبْعُ الدَّيْنِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُرْهَنُ بِالْآلَافِ إلَّا مَا يُسَاوِي أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ وَالْبَيِّنَةُ أَيْضًا بَيِّنَتُهُ (الْخَانِيَّةُ) .
رَهْنُ الْمِثْلِيَّاتِ إذَا رُهِنَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ مُقَابِلَ خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا تُرْهَنُ الْمِثْلِيَّاتُ مِنْ سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ يَعْنِي مَثَلًا لَوْ رُهِنَ الذَّهَبُ مُقَابِلَ الْحَيَوَانِ الْمَغْصُوبِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلَكُ بِقِيمَتِهِ وَتَجْرِي التَّفْصِيلَاتُ الَّتِي ذُكِرَتْ آنِفًا.
وَأَمَّا إذَا رُهِنَتْ الْمِثْلِيَّاتُ الْمَذْكُورَةُ مُقَابِلَ جِنْسِهَا وَهَلَكَ الرَّهْنُ فَيَهْلَكُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا وَكِيلًا وَيَسْقُطُ قَدْرُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْجَوْدَةُ وَالْقِيمَةُ. مَثَلًا لَوْ رَهَنَ رَجُلٌ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً مُقَابِلَ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً وَتَلِفَ الرَّهْنُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى جَوْدَةِ الدَّيْنِ أَوْ الرَّهْنِ وَإِلَى رَدَاءَةِ الْآخَرِ. يَعْنِي لَا يُبْحَثُ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ كَيْلَةً فَيَسْقُطُ الْخَمْسُونَ وَيَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ الْبَاقِيَ مِنْ الرَّاهِنِ. وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ كَيْلَةً يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَتَبْقَى الْخَمْسُ كَيْلَاتٍ أَمَانَةً وَتَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ الْأَمَانَةِ.
إثْبَاتُ هَلَاكِ الرَّهْنِ هَلَاكُ الرَّهْنِ بِلَا تَعَدٍّ يَثْبُتُ بِالشُّهُودِ وَبِيَمِينِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا. يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ فَإِنْ أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَلَاكِ الرَّهْنِ فِيهَا وَإِلَّا يَحْلِفُ الْيَمِينَ عَلَى هَلَاكِهِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1774) . سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَرْهُونُ مَنْقُولًا كَالْحَيَوَانِ وَالْمَتَاعِ وَالْحُلِيِّ أَوْ كَانَ عَقَارًا.
وَلَا يُقَالُ: حَيْثُ إنَّ الْمُرْتَهِنَ ادَّعَى هَلَاكَ الْمَرْهُونِ وَلَمْ يَدَّعِ هَلَاكَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ مَالِهِ فَادِّعَاؤُهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ لَا يُسْمَعُ، وَعِنْدَ إثْبَاتِ هَلَاكِ الرَّهْنِ بِهَذَا الْوَجْهِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِمُوجَبِ التَّفْصِيلَاتِ الَّتِي مَرَّتْ وَلَا
(2/177)
يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا لِلزِّيَادَةِ عَلَى تَقْدِيرِ زِيَادَةِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَنْ الدَّيْنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالتَّنْقِيحُ) .
الِاخْتِلَافُ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ - إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ. وَإِذَا أَقَامَ كِلَاهُمَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الرَّاهِنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الرَّاهِنِ تُثْبِتُ زِيَادَةَ الضَّمَانِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (2 76 1) .
مَثَلًا لَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قِيمَةِ الْمَالِ الْمَرْهُونِ مُقَابِلَ دَيْنٍ أَلْفِ قِرْشٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ: إنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ قِرْشٍ فَسَقَطَ الدَّيْنُ كَامِلًا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: إنَّ قِيمَتَهُ خَمْسُمِائَةِ قِرْشٍ فَبَقِيَ لِي بِذِمَّتِك خَمْسُمِائَةِ قِرْشٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ. وَأَمَّا إذَا أَفَادَ الطَّرَفَانِ أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ قِيمَةَ الرَّهْنِ بِكَوْنِ الرَّهْنِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فَقَطْ. يَعْنِي بَعْدَ أَنْ أَدَّى الدَّيْنَ فَقَطْ.
وَأَفَادَ صَاحِبُ رَدِّ الْمُحْتَارِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ قَوْلٌ صَرَاحَةً بِخُصُوصِ مَا يَجِبُ عَمَلُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ مُحَقَّقًا أَنَّ الرَّهْنَ أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ مَعَ جَهَالَةِ قِيمَتِهِ.
الْأَحْكَامُ الَّتِي يَتَّحِدُ فِيهَا الْبَيْعُ بِالْوَفَاءِ وَالرَّهْنِ:
1 - الْمَبِيعُ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَكَمَا أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي يُقَابِلُهُ يَسْقُطُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْعَادِي فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ الَّذِي فِي مُقَابَلَتِهِ أَيْضًا. رَاجِعْ الْمَوَادَّ 399، 400، 1 0 4.
2 - كَمَا أَنَّ لَيْسَ لِلْبَائِعِ بِالْوَفَاءِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ الْمَبِيعَ أَوْ يَرْهَنَهُ لِآخَرَ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ لِآخَرَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (756) .
3 - إذَا اشْتَرَطَ أَنْ تَعُودَ بَعْضُ مَنَافِعِ الْبَيْعِ وَفَاءً لِلْمُشْتَرِي فَكَمَا أَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ بِمُوجَبِ حُكْمِ الْمَادَّةِ (398) إذَا أُبِيحَتْ مَنَافِعُ الْمَرْهُونِ لِلْمُرْتَهِنِ جَازَ ذَلِكَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (0 75) .
4 - كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَبِيعِ وَفَاءً فَالْمُرْتَهِنُ أَيْضًا أَحَقُّ فِي الْمَرْهُونِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ 3 0 4 و 729.
5 - إذَا اُدُّعِيَ الْمَرْهُونُ مِنْ قِبَلِ آخَرَ فَكَمَا إنَّهُ يُشْتَرَطُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ 637 1 حُضُورُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَثْنَاءَ الْمُحَاكِمَةِ يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اُدُّعِيَ الْمَبِيعُ وَفَاءً مِنْ طَرَفِ آخَرَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى.
6 - إذَا تُوُفِّيَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ كِلَاهُمَا فِي الْمَبِيعِ وَفَاءً فَكَمَا أَنَّ وَرَثَةَ الْمُتَوَفَّى تَقُومُ مَقَامَهُ فَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ أَيْضًا مِثْلُهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّتَيْنِ 733 و 737.
7 - كَمَا أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجْرِي فِي الْعَقَارِ الْمَبِيعِ وَفَاءً لَا يَجْرِي فِي الْعَقَارِ الْمَرْهُونِ أَيْضًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1 2 0 1) .
8 - إذَا بِيعَ عَقَارٌ مُجَاوِرٌ لِلْعَقَارِ الْمَبِيعِ وَفَاءً تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْبَائِعِ وَفَاءً وَلَا تَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي وَفَاءً كَمَا أَنَّهُ إذَا بِيعَ عَقَارٌ مُتَّصِلٌ بِالْعَقَارِ الْمَرْهُونِ، فَالشُّفْعَةُ فِي هَذَا الْعَقَارِ الْمَبِيعِ لِلرَّاهِنِ وَلَيْسَتْ لِلْمُرْتَهِنِ.
9 - كَمَا أَنَّ تَعْمِيرَ الْمَرْهُونِ عَائِدٌ عَلَى الرَّاهِنِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (724) فَتَعْمِيرُ الْمَبِيعِ وَفَاءً عَائِدٌ أَيْضًا عَلَى الْبَائِعِ (الفصولية) .
0 - 1 - كَمَا أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي إتْمَامِ الرَّهْنِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ.
(607) فَالْقَبْضُ شَرْطٌ أَيْضًا فِي إتْمَامِ الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي رَاجِعْ الْمَادَّةَ (6 70) .
(2/178)
الْأَحْكَامُ الَّتِي يَخْتَلِفَانِ فِيهَا:
1 - إذَا أَجَّرَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَفَاءً يُعَدُّ الْقَبْضُ لِلْبَائِعِ صَحِيحٌ وَلَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ، وَأَمَّا إذَا أَجَّرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ يَطْلُبُ الْأُجْرَةَ وَبَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ كَالْأَوَّلِ وَلَا تَلْزَمُ الْأُجْرَةُ.
2 - فِي الْبَيْعِ بِطَرِيقِ الِاسْتِغْلَالِ اسْتِئْجَارُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَالتَّسَلُّمُ صَحِيحٌ، وَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَمُقَاوَلَةُ الِاسْتِغْلَالِ وَإِيجَارُهُ لَا يَجُوزَانِ (الْأَنْقِرْوِيُّ فِي الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ) .
[ (الْمَادَّةُ 742) إتْلَاف أجنبي لِلرَّهْنِ]
(الْمَادَّةُ 742) إذَا أَتْلَفَ آخَرُ الرَّهْنَ يُعْطِي قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَتَكُونُ تِلْكَ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ.
إذَا أَتْلَفَ الرَّهْنَ شَخْصٌ آخَرُ أَيْ غَيْرُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَاسْتَهْلَكَهُ أَوْ عَيَّبَهُ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ يُعْطَى الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ هَلَاكِهِ وَإِذَا عَيَّبَهُ يُعْطَى نُقْصَانَ قِيمَتِهِ يَوْمَ التَّعْيِيبِ سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ بِقَصْدٍ أَمْ بِغَيْرِ قَصْدٍ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 912) .
يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُتْلِفُ أَجْنَبِيًّا يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ الْقِيمَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْهُ. وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ خَصْمًا لِلْمُتْلِفِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ كَمَا أَنَّهُ أَحَقُّ فِي عَيْنِ الرَّهْنِ يَكُونُ أَحَقَّ أَيْضًا فِي اسْتِرْدَادِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) . اُنْظُرْ الْفِقْرَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَادَّةِ (11637) .
وَتَكُونُ تِلْكَ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُعَجَّلًا وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الدَّيْنِ يَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ مَطْلُوبَهُ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا رِضَا الرَّاهِنِ. وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ يُرَدُّ الْفَضْلُ إلَى الرَّاهِنِ. وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يَحْبِسُ الْمُرْتَهِنُ الْقِيمَةَ الْمَذْكُورَةَ لِوَقْتِ حُلُولِ أَدَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَمَا يَحِلُّ الْأَجَلُ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، يَجْرِي حِسَابُهَا مِنْ مَطْلُوبِهِ رَدُّ الْمُحْتَارِ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ وَإِنْ بَقِيَ فَضْلٌ يَرُدُّهُ إلَى الرَّهْنِ. كَمَا أَنَّهُ يَمْسِكُ بَدَلَ الضَّمَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَطْلُوبِهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ مِنْ الْمُتْلِفِ وَيَبْقَى ذَلِكَ الْمِثْلُ. مَرْهُونًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1 89) .
فَإِذًا، إذَا كَانَ الْمُتْلِفُ أَجْنَبِيًّا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ وَإِذَا كَانَ الْمُتْلِفُ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) (التَّنْقِيحُ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ) مَثَلًا لَوْ رَهَنَ مَالًا بِقِيمَةِ أَلْفِ قِرْشٍ فِي غُرَّةِ مُحَرَّمٍ مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ قِيمَةُ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فِي رَجَبٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى سِتِّ مِائَةِ قِرْشٍ فَاسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فِي رَجَبٍ يَكُونُ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ ضَامِنًا السِّتَّمِائَةِ قِرْشٍ الَّتِي هِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَاكِهِ، وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعُمِائَةِ قِرْشٍ وَيَكُونُ كَأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الرَّهْنِ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَتَكُونُ السِّتُّمِائَةِ قِرْشٍ مَرْهُونَةً بِمُوجَبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 74) أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ مُقَابِلَ الرَّهْنِ الَّذِي تَنَاقَصَتْ قِيمَتُهُ
(2/179)
بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ فَسُقُوطُ أَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ مِنْ الدَّيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفٌ لَهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ، وَفِي هَذِهِ عَيْنُ الرَّهْنِ قَدْ هَلَكَتْ وَإِيضَاحُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّهْنُ بَاقِيًا كَانَ الْمَرْهُونُ فِي حَالَةٍ يُمْكِنْ مَعَهَا الرُّجُوعُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ بِتَرَقِّي الْأَسْعَارِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ هَالِكًا يَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ قَدْ تَقَرَّرَ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ أَنْ يَرْجِعَ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى بِتَرَقِّي السِّعْرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
(2/180)
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ]
الْقَاعِدَةُ فِي هَذَا هِيَ: إذَا تَصَرَّفَ الْوَاحِدُ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْمَرْهُونِ تَصَرُّفًا مَشْرُوعًا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخُ، يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ بِسَبَبِ هَذَا التَّصَرُّفِ. وَإِلَّا فَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ، وَالْمَسَائِلُ الْآتِي ذِكْرُهَا تَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ خُلَاصَةُ الْفَصْلِ.
التَّصَرُّفَاتُ فِي الرَّهْنِ سِتَّةٌ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ:
التَّصَرُّفُ الْأَوَّلُ الْعَارِيَّةُ. الْإِعَارَةُ تَكُونُ:
1 - لِلرَّاهِنِ.
2 - لِلْمُرْتَهِنِ.
3 - لِلْأَجْنَبِيِّ.
وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ تُوجِبُ سُقُوطَ الرَّهْنِ مِنْ الضَّمَانِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَعِيرُ الرَّاهِنَ أَمْ الْأَجْنَبِيَّ أَوْ الْمُرْتَهِنَ بِشَرْطِ هَلَاكِهِ حَالَ اسْتِعْمَالِهِ وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَفْسَخَ عَقْدَ الرَّهْنِ وَتُزِيلَهُ (اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 748 و 749) .
التَّصَرُّفُ الثَّانِي الْوَدِيعَةُ.
يَكُونُ الْمُسْتَوْدِعُ:
1 - الرَّاهِنُ.
2 - الْمُرْتَهِنُ.
3 - الْأَجْنَبِيُّ.
1 - إذَا أَوْدَعَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ فَمَا زَالَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَيَنْتَقِضُ الْقَبْضُ وَيَبْطُلُ ضَمَانُ الرَّهْنِ أَيْضًا وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى الرَّهِينَةِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الرَّهْنَ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (749) .
2 - إيدَاعُ الرَّاهِنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ ذَاتًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَأَمَانَتِهِ.
3 - يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُودِعَ وَيُسَلِّمَ الرَّهْنَ إلَى شَخْصٍ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَلِلرَّاهِنِ ذَلِكَ أَيْضًا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَدْلًا. وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ فِي هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَا يَسْقُط ضَمَانُ الرَّهْنِ أَيْضًا.
(2/181)
التَّصَرُّفُ الثَّالِثُ - الرَّهْنُ.
الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي يَكُونُ:
1 - الرَّاهِنُ.
2 - الْمُرْتَهِنُ.
3 - الْأَجْنَبِيُّ.
1 - حَيْثُ إنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَلَا يَتَرَتَّبُ حُكْمٌ عَلَى رَهْنِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّاهِنِ. غَيْرَ أَنَّهُ حِينَمَا يُسَلِّمُهُ وَيُعِيدُهُ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الرَّهْنِ يَبْطُلُ ضَمَانُ الرَّهْنِ وَيُنْتَقَضُ الْقَبْضُ. وَلَكِنْ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى الرَّهِينَةِ السَّابِقَةِ.
2 - وَأَمَّا رَهْنُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ فَمَا دَامَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ بَاقِيًا لَا حُكْمَ لِلرَّهْنِ الثَّانِي. غَيْرَ أَنَّهُ إذَا فُسِخَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَأُقِيلَ وَأُعِيدَ الْمَرْهُونُ إلَى الرَّاهِنِ وَأُكْمِلَ أَمْرُ الْفَسْخِ يُصْبِحُ الرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ آخَرَ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَيُعْتَبَرُ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ زَمَانُ الرَّهْنِ وَالتَّسْلِيمِ ثَانِيًا.
3 - إذَا رَهَنَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِإِذْنِ الْآخَرِ إلَى شَخْصٍ ثَالِثٍ وَسَلَّمَهُ لَهُ يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ. بَيْدَ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ مُقَابَلَةَ دَيْنِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ بِسَبَبِ هَذَا الرَّهْنِ وَيَكُونُ الرَّهْنُ الثَّانِي رَهْنَ الْمُسْتَعَارِ.
التَّصَرُّفُ الرَّابِعُ - الْإِجَارَةُ، يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ: 1 الرَّاهِنُ. 2 الْمُرْتَهِنُ. 3 الْأَجْنَبِيُّ.
1 - إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ الرَّاهِنَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ كَأَنَّهُ أَعَارَ الْمَرْهُونَ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ.
2 - إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُرْتَهِنَ وَتَجَدَّدَ الْقَبْضُ لِأَجْلِ الْإِيجَارِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ.
3 - إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَجْنَبِيًّا وَأَجْرَى أَحَدُهُمَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ بِإِذْنِ الْآخَرِ وَسَلَّمَ الْمَرْهُونَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَتُبْطِلُ الرَّهْنَ وَالْأُجْرَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ حَقُّ قَبْضِ الْأُجْرَةِ رَاجِعٌ لِلْعَاقِدِ.
كَذَلِكَ الْمُؤَجِّرُ يَكُونُ: 1 الرَّاهِنُ. 2 الْمُرْتَهِنُ. 3 الْأَجْنَبِيُّ.
1 - إذَا آجَرَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ إلَى آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ تَكُونُ الْإِجَارَةُ جَائِزَةً يَعْنِي لَا تَكُونُ لَازِمَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ. وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَ الْمَرْهُونَ إلَى الرَّهِينَةِ. وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ.
2 - إذَا آجَرَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ إلَى آخَرَ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ فَالْأُجْرَةُ لِلْمُرْتَهِنِ. بَيْدَ أَنَّهُ لَا تَكُونُ تِلْكَ
(2/182)
الْأُجْرَةُ حَلَالًا لَهُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا. وَيُعِيدُ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ إلَى الرَّهِينَةِ. وَإِذَا هَلَكَ الْمَأْجُورُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ بَعْدَ تَعَدٍّ لَزِمَ الضَّمَانُ 3 إذَا آجَرَ شَخْصٌ أَجْنَبِيٌّ الْمَرْهُونَ فُضُولًا لِآخَرَ أَجَازَهُ الطَّرَفَانِ (الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) جَازَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ. إذَا أَجَازَهُ الرَّاهِنُ فَقَطْ فَالْأُجْرَةُ أَيْضًا لِلرَّاهِنِ بَيْد أَنَّهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الرَّهِينَةِ وَإِذَا أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ فَقَطْ: فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لِلْآجِرِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ حَلَالًا لَهُ وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الرَّهِينَةِ (الْخَانِيَّةُ) .
التَّصَرُّفُ الْخَامِسُ: الْبَيْعُ يَكُونُ الْمُشْتَرِي:
1 - الرَّاهِنُ. 2 - الْمُرْتَهِنُ. 3 - أَجْنَبِيٌّ.
الصُّورَةُ الْأُولَى كَوْنُ الْمُشْتَرِي الرَّاهِنَ، حَيْثُ إنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُ الرَّاهِنِ وَإِذَا كَانَ لَا حُكْمَ لِبَيْعِ الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ لَهُ، وَإِذَا أَعَادَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْبَيْعِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِانْتِقَاضِ الْقَبْضِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا. رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ (746 و 147) وَشَرْحَهُمَا.
التَّصَرُّفُ السَّادِسُ الْهِبَةُ وَحُكْمُهَا كَحُكْمِ الْبَيْعِ الَّذِي فُصِّلَ آنِفًا الْأَصْلُ فِي تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ هُوَ هَذَا: إذَا تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ فِي الْمَرْهُونِ قَبْلَ سُقُوطِ الدَّيْنِ بِوَجْهٍ مُمْكِنِ الْفَسْخِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْرَارِ فَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ هَذَا لَا يَكُونُ نَافِذًا بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ وَلَكِنْ إذَا أَوْفَى الرَّاهِنُ بَعْدَ هَذَا دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ وَتَكُونُ التَّصَرُّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ نَافِذَةً كَمَا سَيَتَّضِحُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24) الْهِنْدِيَّةُ.
[ (الْمَادَّةُ 743) رَهْنُ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ لِشَخْصٍ آخَرَ بِدُونِ إذْنِ الثَّانِي بَاطِلٌ]
حَتَّى إنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ عَلَى رَجُلٍ قَائِلًا: إنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ رَهَنَ عِنْدِي هَذَا الْمَالَ وَسَلَّمَنِي إيَّاهُ وَأَنَا أَعَرْتُهُ أَوْ آجَرْتُهُ لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَلَّمْتُهُ إيَّاهُ فَلْيُعِدْهُ لِي، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ يُعَادُ الْمَرْهُونُ إلَى الْمُدَّعِي الْأَنْقِرْوِيُّ تَشْتَمِلُ هَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى حُكْمَيْنِ وَإِيضَاحُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا يَأْتِي:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ رَهْنُ الرَّاهِنِ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ بَاطِلٌ، رَاجِعْ الْمَادَّةَ (46) .
(2/183)
مَثَلًا إنَّ الرَّاهِنَ بَعْدَ أَنْ رَهَنَ مَالًا عِنْدَ شَخْصٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ إذَا رَهَنَ ذَلِكَ الْمَالَ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ أَيْضًا وَأَخَذَهُ مِنْ يَدِ الشَّخْصِ الْأَوَّلِ بِدُونِ إذْنِهِ وَسَلَّمَهُ لِلثَّانِي فَيَكُونُ الرَّهْنُ الثَّانِي هَذَا بَاطِلًا وَيَحِقُّ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ اسْتِرْدَادُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي. وَإِنْ أَدَّى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقَلِبُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ إلَى الصِّحَّةِ (التَّنْقِيحُ وَوَاقِعَاتُ الْمُفْتِينَ) بِخِلَافِ بَيْعِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِالْعَقْدِ دُونَ الرَّهْنِ. وَإِذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّتَيْنِ 174 و 274) .
قِيلَ (بِدُونِ إذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّهْنَ لِشَخْصٍ آخَرَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ.
الْحُكْمُ الثَّانِي - رَهْنُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ بَاطِلٌ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (96) حَتَّى إذَا رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي قَبْلَ الْإِعَادَةِ فَالرَّاهِنُ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ بِكُلِّ قِيمَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّتَيْنِ (1 90 و 891) وَتَوْفِيقًا لِحُكْمِ لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) . وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ يُعْطَى بَدَلُ الضَّمَانِ رَهْنًا لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ، يَعْنِي يَجْرِي الْحُكْمُ فِي هَذَا الْبَدَلِ كَالْحُكْمِ الْأَوَّلِ الْمَدْرَجِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) . مَثَلًا إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَبَدَلَ الضَّمَانِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ فَضْلٌ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَالْمُرْتَهِنُ مَجْبُورٌ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ ذَلِكَ الْفَضْلَ أَيْضًا لِلرَّاهِنِ التَّنْقِيحُ وَعَيْنِيٌّ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ إنَّ الْمُرْتَهِنَ يَكُونُ مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَالِ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ رَهَنَ مَالَ نَفْسِهِ لِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي وَبِسَبَبِ هَلَاكِهِ فِي يَدِ هَذَا الْأَخِيرِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِمُوجَبِ لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 72) . وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ قِيمَةَ ذَلِكَ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي، بِصِفَتِهِ غَاصِبُ الْغَاصِبِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعْطِي بَدَلَ الضَّمَانِ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الثَّانِي وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ الثَّانِي بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ وَبِمَطْلُوبِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ.
رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1 0 7) . وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي يَدَّعِي الرَّاهِنُ ذَلِكَ الرَّهْنَ بِحُضُورِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي وَبَعْدَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ يُوضَعُ كَمَا كَانَ رَهْنًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ. وَوَرَدَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي أَيْضًا بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّهْنَ لِشَخْصٍ آخَرَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ. كَمَا سَيَبِينُ فِي الْمَادَّةِ (745) وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّهُ قَدْ بُسِطَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَالْمَادَّتَيْنِ 4 74 و 745 الْآتِي ذِكْرُهُمَا فَائِدَةُ قَيْدِ (بِدُونِ إذْنِهِ) وَالْمُحْتَرِزِ عَنْهُ بِهِ.
[ (الْمَادَّةُ 744) رَهْن الرَّاهِن الرَّهْنَ عِنْدَ آخَرَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ]
(الْمَادَّةُ 744) إذَا رَهَنَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ عِنْدَ آخَرَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَيَصِيرُ الرَّهْنُ الثَّانِي صَحِيحًا.
أَيْ (1) إذَا رَهَنَهُ الرَّاهِنُ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ أَوْ.
(2) إذَا اسْتَأْجَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ وَجَدَّدَ الْقَبْضَ أَوْ.
(3) إذَا أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الْأَرْضَ الْمَرْهُونَةَ مُزَارَعَةً يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ يَعْنِي أَنَّهُ يَصِيرُ مُنْفَسِخًا وَيَكُونُ الرَّهْنُ الثَّانِي صَحِيحًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (18 7) .
فَلْنُوضِحْ الْآنَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ:
(2/184)
الصُّورَةُ الْأُولَى: بَعْدَ أَنْ يَرْهَنَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَحِقُّ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي، وَيَضْبِطَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنًا كَالْأَوَّلِ بِدَعْوَاهُ إنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ رَهْنٌ عِنْدَهُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (51) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلشَّخْصِ الْآخَرِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَلَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا. (وَرَدَ فِي الشَّرْحِ وَسَلَّمَهُ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِدُونِ التَّسْلِيمِ لَا حُكْمَ لَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (706) .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا اسْتَأْجَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ وَحَدَّدَ الْقَبْضَ تَكُونُ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً وَيَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا. وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَحَدَّدَ الْقَبْضَ فَحِينَمَا يَمُرُّ زَمَنٌ يَكُونُ اُسْتُحِقَّ فِيهِ مِقْدَارٌ مِنْ الْأُجْرَةِ يَصِيرُ الرَّهْنُ بَاطِلًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . حَتَّى إنَّهُ بَعْدَ الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِإِمْكَانِ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَ الْمَرْهُونَ إلَى الرَّهِينَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَلَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا بِدُونِ رِضَا الطَّرَفَيْنِ وَلَكِنَّ إعَارَةَ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَ لَا تُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (114) . (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) . قَدْ فُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَالْمَادَّةِ (728) .
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الْأَرْضَ الْمَرْهُونَةَ مُزَارَعَةً فَإِنْ كَانَتْ الْمُقَاوَلَةُ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُؤْنَةُ الْبَذْرِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ تَكُونُ هَذِهِ الْمُزَارَعَةُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ وَيَصِيرُ الرَّهْنُ فِيهَا بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الْمُؤْنَةُ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 745) رَهْن الْمُرْتَهِن الرَّهْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ]
(الْمَادَّةُ 745) - إذَا رَهَنَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ يَصِيرُ الْأَوَّلُ بَاطِلًا. أَيْ إذَا رَهَنَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِشَخْصٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ يَكُونُ هَذَا الرَّهْنُ صَحِيحًا وَيَصِيرُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ بَاطِلًا يَعْنِي مُنْفَسِخًا وَيَصِيرُ الرَّاهِنُ الْأَوَّلُ مُعِيرًا وَالرَّاهِنُ الثَّانِي - الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ - مُسْتَعِيرًا وَالشَّخْصُ الْآخَرُ مُرْتَهِنًا وَتُجْرَى الْأَحْكَامُ الْمَارُّ ذِكْرُهَا بِشَأْنِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ فِي الْمَوَادِّ 727، 728، 732، 735، 736، 737 فِي هَذَا أَيْضًا. إنَّمَا التَّسْلِيمُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ شَرْحًا لَازِمٌ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا حُكْمَ لِلرَّهْنِ. وَبَعْدَ هَذَا لَا يَعُودُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ الْبَاطِلُ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ كَمَا كَانَ رَهْنًا بِدُونِ عَقْدٍ جَدِيدٍ لِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ أَنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاهِنِ فَلَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْخَانِيَّةُ)
[ (الْمَادَّةُ 746) بَيْع الْمُرْتَهِن الرَّهْنَ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ]
(الْمَادَّةُ 746) - إذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَالرَّاهِنُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَنَفَّذَهُ.
لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُجْرِيَ تَصَرُّفًا فِي الْمَرْهُونِ يُوجِبُ إزَالَةَ مِلْكِ الرَّهْنِ مِنْهُ بِدُونِ أَمْرِ الْقَاضِي. وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ حِفْظِهِ مِنْ الْفَسَادِ وَتَحْصِينِهِ، كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْهَدِيَّةِ مَعَ التَّسْلِيمِ فَإِذَا فَعَلَ يَكُونُ ضَامِنًا (التَّنْقِيحُ) .
(2/185)
فَعَلَيْهِ إذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ أَمْرِ الْحَاكِمِ أَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ يَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ فُضُولًا وَيَكُونُ الرَّاهِنُ مُخَيَّرًا فِيهِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ 367 إنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَأَعَادَ الْمَرْهُونَ كَالْأَوَّلِ رَهْنًا حَتَّى أَنَّهُ إذَا بَاعَ شَخْصٌ - الْمَالَ الْمَوْجُودَ فِي عُهْدَتِهِ وَفَاءً إلَى شَخْصٍ آخَرَ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَهُ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَطْلُبَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَيَدَّعِيَهُ وَيَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَوْ كَانَ حَقُّ الْحَبْسِ لِلْمُرْتَهِنِ فَلِكَوْنِ الرَّاهِنِ مَالِكًا لَهُ أَنْ يَطْلُبَهُ مِنْ الشَّخْصِ الَّذِي أَمْسَكَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ حُضُورِهِ ذَلِكَ الْمَالَ مِنْ الرَّاهِنِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) . وَإِنْ شَاءَ وَكَانَتْ الشُّرُوطُ الْمُحَرَّرَةُ فِي الْمَادَّةِ (378) مَوْجُودَةً أَجَازَ الْبَيْعَ وَنَفَّذَهُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (96) . أَمَّا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ بَعْدَهُ وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ ضَمَّنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ شَاءَ لِلْمُشْتَرِي اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 901 و 910.
وَإِذَا أَجَازَهُ الرَّاهِنُ وَنَفَّذَهُ حَسَبَ هَذِهِ الْفِقْرَةِ يَصِيرُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَرْهُونًا كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ الْخُلَاصَةُ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِنَاءً عَلَى الْمَسَاغِ وَالْجَوَازِ الْمُسْتَفَادَيْنِ مِنْ الْمَادَّتَيْنِ 747 و 759 وَإِذَا بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ فُضُولًا وَأَجَازَهُ الرَّاهِنُ يُقَوَّمُ ثَمَنُ الْمَرْقُومِ مَقَامَهُ وَيَصِيرُ مَرْهُونًا وَحَيْثُ إنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ أَيْ ثَمَنَ الْمَرْهُونِ الْمَبِيعِ يَصِيرُ مَرْهُونًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ سَوَاءٌ أَقَبَضَهُ أَمْ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِذَا أُهْلِكَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ حَتَّى بِوَفَاةِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِمُوجِبِ لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) (الْخَانِيَّةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْبَزَّازِيَّةُ) جَاءَ " بِدُونِ رِضَا الرَّاهِنِ " لِأَنَّهُ إذَا وُكِّلَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ لِبَيْعِ الرَّهْنِ فَبَيْعُهُ لِلرَّهْنِ يَكُونُ صَحِيحًا وَنَافِذًا وَكَأَنَّهُ بَيْعٌ بِإِذْنِهِ ابْتِدَاءً. حَتَّى إذَا قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَعْطِ الْمَرْهُونَ لِلدَّلَّالِ كَيْ يَبِيعَهُ وَأَعْطَاهُ الْمُرْتَهِنُ لِلدَّلَالَةِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الدَّلَالَةِ لَا يَجِبُ ضَمَانٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (لِسَانُ الْحُكَّامِ) وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِيمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِدُونِ إذْنٍ ثُمَّ أَجَازَهُ الرَّاهِنُ. وَجَاءَ أَيْضًا " بِدُونِ أَمْرِ الْحَاكِمِ " لِأَنَّهُ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّة " 759 " لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَجَاءَ أَيْضًا " بِدُونِ ضَرُورَةٍ " لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ إذَا خِيفَ مِنْ فَسَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ إمْكَانٌ لِمُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ.
[ (الْمَادَّةُ 747) بَيْع الرَّاهِن الرَّهْنَ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ]
(الْمَادَّةُ 747) إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ لَا يَكُونُ بَيْعُهُ نَافِذًا وَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى حَقِّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ بَيْدَ أَنَّهُ إذَا قَضَى الدَّيْنَ يَصِيرُ الْبَيْعُ نَافِذًا. وَإِذَا أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ الْبَيْعَ يَصِيرُ نَافِذًا وَيَخْرُجُ الرَّهْنُ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ. وَيَصِيرُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ رَهْنًا مَقَامَ الْمَبِيعِ. وَإِذَا لَمْ يُجِزْهُ الْمُرْتَهِنُ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَرَبَّصَ لِحِينِ فَكِّ الرَّهْنِ وَإِنْ شَاءَ رَاجَعَ الْحَاكِمَ وَفَسَخَ الْبَيْعَ بِمَعْرِفَتِهِ.
إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَى أَجْنَبِيٍّ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ يَنْعَقِدُ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ إنْ
(2/186)
شَاءَ أَجَازَهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُجِزْهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّ حَقَّ إمْسَاكِ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَ وَحَبْسِهِ فِي يَدِهِ وَحِفْظِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ نَافِذٍ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِإِعْطَائِهِ حَقًّا لِفَسْخِ الْبَيْعِ. مَعْنَى (يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا) : أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ نَافِذًا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (46) . سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُرْتَهِنُ وَاقِفًا عَلَى ذَلِكَ الْبَيْعِ أَمْ غَيْرَ وَاقِفٍ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 67 "، وَهَذِهِ الموقوفية بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ فَالْبَيْعُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَلَازِمٌ إثْبَاتُ هَذِهِ الموقوفية عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَكَوْنُ الْمَبِيعِ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا يَمْنَعُ موقوفية الْبَيْعِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ رَجُلٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَالًا لِوَارِثِهِ أَوْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ زِيَادَةً عَنْ ثُلُثِ مَالِهِ تَبْقَى تَصَرُّفَاتُهُ هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قُدْرَةَ لِلرَّاهِنِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْمَرْهُونَ إلَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ مَانِعَةٌ لِلتَّسْلِيمِ. وَالْبَيْعُ كَمَا أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى الْمِلْكِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ أَيْضًا إلَى الْقُدْرَةِ لِلتَّسْلِيمِ (الزَّيْلَعِيّ وَتَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) . كَمَا أَنَّ بَيْعَ غَيْرِ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ حَسَبَ مَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (209) . فَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِدُونِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ وَأَخَذَهُ مِنْ الرَّاهِنِ خِلْسَةً وَبِلَا إذْنِهِ وَسَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي فَالْمُرْتَهِنُ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ بِمُوجِبِ الْفِقْرَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَنَفَّذَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ رَهْنًا وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَدَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَحَفِظَهُ كَالْأَوَّلِ رَهْنًا.
وَإِذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ ضَمَّنَهُ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ لِلْمُشْتَرِي رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ 1635 وَ (741) (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ بِدُونِ إذْنٍ يَكُونُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ مُنْفَسِخًا. بَيْدَ أَنَّهُ إذَا قَضَى الدَّيْنَ وَبِتَعْبِيرٍ أَهَمَّ وَأَشْمَلَ إذَا سَقَطَ حَقُّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ يَصِيرُ ذَلِكَ الْبَيْعُ نَافِذًا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (24) وَكَمَا تُشِيرُ إلَيْهِ شَرْحًا عِبَارَةُ (إذَا قَضَى الدَّيْنَ) مَذْكُورَةً عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ.
وَالْمَقْصِدُ سُقُوطُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الرَّهْنِ وَهَذَا السُّقُوطُ يَكُونُ كَمَا بُسِطَ أَعْلَاهُ أَوَّلًا بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ ثَانِيًا بِإِبْرَاءِ الْإِسْقَاطِ ثَالِثًا بِهِبَةِ الْمُرْتَهِنِ الدَّيْنَ لِلرَّاهِنِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (729) . جَاءَ (بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِإِذْنِ وَرِضَى الْمُرْتَهِنِ ابْتِدَاءً يَكُونُ الْبَيْعُ نَافِذًا وَثَمَنُهُ مَرْهُونًا مَقَامَهُ. تَعْيِينُ الْمُرْتَهِنِ الْمُشْتَرِي مُعْتَبَرٌ حَتَّى أَنَّهُ إذَا أَمَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِقَوْلِهِ بِعْ الْمَرْهُونَ لِفُلَانٍ وَبَاعَهُ الرَّاهِنُ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا إذَا أَمَرَ الْمُؤَجِّرُ بِبَيْعِ الْمَأْجُورِ لِفُلَانٍ مَثَلًا وَبَاعَهُ الْمُؤَجِّرُ لِغَيْرِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِ بَدَلِ الْمَبِيعِ سَيَصِيرُ مَرْهُونًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَحَيْثُ إنَّهُ تَخْتَلِفُ ذِمَمُ النَّاسِ فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَكُونُ التَّخْصِيصُ ذَا فَائِدَةٍ.
وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ إنَّ بَدَلَ الْمَبِيعِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَأْجُورِ
(2/187)
فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ.
وَإِذَا أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ الْبَيْعَ أَيْ بَيْعَ الرَّاهِنِ الْوَاقِعَ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْبَيْعُ نَافِذًا وَلَزِمَ الرَّاهِنَ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ لِلْمُشْتَرِي فَيَخْرُجُ الرَّهْنُ إذْ ذَاكَ مِنْ الرَّهِينَةِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَصَارَ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ نَافِذًا لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْمَانِعِ الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَعَدَمُ اقْتِدَارِ الرَّاهِنِ لِلتَّسْلِيمِ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (24) (الزَّيْلَعِيّ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) . بَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ إجَازَةَ الْمُرْتَهِنِ لِبَيْعِ الرَّهْنِ لَيْسَتْ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ. وَكَمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ عِنْدَ إجَازَةِ الْبَيْعِ وَإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ تَصَرُّفَاتِ الرَّاهِنِ كَإِقْرَارِهِ أَنَّ الْمَرْهُونَ لِلْغَيْرِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لَا تُوجِبُ أَيْضًا سُقُوطَ الدَّيْنِ بَلْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ. (الْهِنْدِيَّةُ) .
وَإِذَا أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ الرَّاهِنِ يَصِيرُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ رَهْنًا مَقَامَ الْمَبِيعِ. سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ مَقْبُوضًا أَمْ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي. وَإِنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ يَكُونُ رَهْنًا فِي كِلَا الصُّورَتَيْنِ إنْ اُشْتُرِطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَرْهُونًا مَقَامَ الْمَبِيعِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ بَدَلُ الْمَالِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَلِلْمُبْدَلِ حُكْمُ الْبَدَلِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ وَجَبَ انْتِقَالُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَى الْبَدَلِ. لِأَنَّ الرِّضَا بِالْبَيْعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِسُقُوطِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) سُؤَالٌ: ثَمَنُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دَيْنٌ وَحَيْثُ إنَّ الدَّيْنَ مَعْدُومٌ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ. الْجَوَابُ: وَإِنْ كَانَ رَهْنُ الدَّيْنِ غَيْرَ جَائِزٍ ابْتِدَاءً فَالرَّهْنُ فِي هَذَا بَقَاءٌ وَلِذَلِكَ جَازَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (55) (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَيَتَفَرَّعُ عَلَى رَهْنِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ مَسْأَلَتَانِ: مَسْأَلَةٌ 1: إذَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ لِوَفَاةِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ.
مَسْأَلَةٌ 2: إذَا هَلَكَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ قَبْضِهِ يَكُونُ بِمُوجِبِ لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ قَدْرُهُ مِنْ الدَّيْنِ.
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي لُزُومِ اشْتِرَاطِ رَهْنِيَّةٍ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَعَدَمِهِ - فَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ يَكُونُ رَهْنًا إنْ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ وَقْتَ الْإِجَازَةِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَذُكِرَ سَبَبُهُ آنِفًا وَصُرِّحَ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَدُلُّ إطْلَاقُ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (64) .
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ تُشْتَرَطْ رَهْنِيَّةٌ الثَّمَنِ مَقَامَ الْمَبِيعِ لَا يَكُونُ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ رَهْنًا فَإِذَا نَدِمَ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَجَازَ الْبَيْعَ لَا تُجْدِي تِلْكَ النَّدَامَةُ نَفْعًا لِأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ هَذِهِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي عَدَمِ الْإِجَازَةِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (24) . لَا يَكُونُ بَدَلُ الْإِيجَارِ مَرْهُونًا بِلَا شَرْطٍ. فَلَوْ آجَرَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ هَذَا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا سَيُوَضَّحُ وَلَكِنْ إذَا أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ لَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ مَرْهُونَةً مَا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْإِيجَارِ هُوَ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ بَدَلَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْعَيْنِ، وَحَيْثُ إنَّ الْأُجْرَةَ هِيَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إلَى الْمَنْفَعَةِ.
وَإِذَا آجَرَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِلَا
(2/188)
إجَازَةِ الرَّاهِنِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ هُوَ كَالْغَاصِبِ يَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ أَوْ يَرُدُّهَا عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ آجَرَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْمَأْجُورَ وَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيْعَ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى الْبَدَلِ. لِأَنَّ بَدَلَ، الْمَبِيعِ بَدَلُ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ.
وَأَمَّا حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمَنْفَعَةِ (الزَّيْلَعِيّ) . مَثَلًا لَوْ بَادَلَ الْمُؤَجِّرُ الدُّكَّانَ الْمَأْجُورَةَ بِحَانُوتٍ فِي جِوَارِهَا فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ هَذَا فَلَيْسَ لَهُ الِادِّعَاءُ بِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدُّكَّانِ انْتَقَلَ إلَى الْحَانُوتِ وَلَا طَلَبُ إكْمَالِ مُدَّتِهِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ فِيهَا. وَإِذَا لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ. لِأَنَّ عَدَمَ نَفَاذِ الْبَيْعِ نَاشِئٌ عَنْ حَقِّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ. وَعَدُّ الْبَيْعُ مَوْقُوفًا لَا يَصْرِفُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي أَنَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ يَكُونُ حَفِظَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ وَبَقَاؤُهُ مَوْقُوفًا لَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ. لِأَنَّ حَقَّ حَبْسِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَبْطُلُ بِانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَا نَفَاذٍ إنَّمَا الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِرَهْنِ الْمَالِ أَمْ غَيْرَ عَالَمٍ إنْ شَاءَ تَرَبَّصَ لِحِينِ فَكِّ الرَّهْنِ. سُؤَالٌ - بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (209) مِنْ الْمَجَلَّةِ بَيْعُ مَا كَانَ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ غَيْرُ صَحِيحٍ. كَمَا ذُكِرَ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ. وَعَلَيْهِ فَمِنْ اللَّازِمِ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْبَيْعُ صَحِيحًا. الْجَوَابُ - كَوْنُ الْمَبِيعِ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ هُنَا يَعْنِي عَجْزَ الرَّاهِنِ الْبَائِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَرْهُونِ إلَى الْمُشْتَرِي هُوَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ (أَبُو السُّعُودِ) وَإِنْ شَاءَ رَاجَعَ الْحَاكِمَ وَفَسَخَهُ بِمَعْرِفَتِهِ بِعَجْزِ الرَّاهِنِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَهُ. فَإِذَنْ فَسْخُ هَذَا الْبَيْعِ عَائِدٌ لِلْحَاكِمِ وَإِلَّا فَلَا الْمُرْتَهِنُ وَلَا الرَّاهِنُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ مُسْتَقِلًّا لِأَنَّ هَذَا الْفَسْخَ لِأَجْلِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَقَطْعُ النِّزَاعِ عَائِدٌ لِلْحَاكِمِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
بَيْعُ الرَّهْنِ مُكَرَّرًا - مَا ذُكِرَ فِي الْمَجَلَّةِ هُوَ مَسْأَلَةُ بَيْعِ الرَّهْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمَسْأَلَةُ بَيْعِهِ مُكَرَّرًا تُوَضَّحُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: مَثَلًا لَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ لِشَخْصٍ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَقَبْلَ الْإِجَازَةِ بَاعَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ فَكَمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الْبَيْعُ الثَّانِي مَوْقُوفًا عَلَيْهَا أَيْضًا وَأَيَّ الْبَيْعَيْنِ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الصَّحِيحُ وَيَكُونُ الْآخَرُ بَاطِلًا مَثَلًا لَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ نَافِذًا وَالثَّانِي مُنْفَسِخًا وَبِالْعَكْسِ إذَا أَجَازَ الثَّانِي كَانَ نَافِذًا وَأَصْبَحَ الْأَوَّلُ مُنْفَسِخًا وَسَبَبُ اخْتِيَارِ الْمُرْتَهِنِ هُوَ: حَيْثُ إنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ سَيَكُونُ رَهْنًا بَدَلًا عَنْ الْمَرْهُونِ فَمَنْ وَجَدَهُ الْمُرْتَهِنُ أَمِينًا مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَيُّ بَيْعٍ ظَهَرَ لَهُ أَنْفَعَ جَعَلَهُ مُخْتَارًا بِتَرْجِيحِهِ وَإِذَا قِيلَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَمِينًا وَالثَّمَنُ زَائِدًا أَوْ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ وَأُحْضِرَ كَيْ يُعْطَى لِلْمُرْتَهِنِ رَهْنًا فَلَا يَبْقَى السَّبَبُ الَّذِي ذُكِرَ آنِفًا لِأَجْلِ اخْتِيَارِ الْمُرْتَهِنِ فَيُجَابُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَعْنِي السَّبَبَ يُسْتَقْصَى عَنْهُ فِي أَجْنَاسِهِ وَلَيْسَ فِي الْمَسَائِلِ الْخُصُوصِيَّةِ رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (189) (الشَّارِحُ) .
وَأَمَّا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ ثُمَّ قَبِلَ الْإِجَازَةَ وَوَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ آجَرَهُ لِرَجُلٍ ثَانٍ فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ الرَّهْنَ وَتِلْكَ الْهِبَةَ وَالْإِجَارَةَ كَانَ الْبَيْعُ نَافِذًا وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ
(2/189)
وَالرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ (الْأَنْقِرْوِيُّ) لِأَنَّ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ فَائِدَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثَّمَنَ الْمَبِيعَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَرْهُونِ.
وَأَمَّا إجَازَةُ التَّصَرُّفَاتِ الْأُخْرَى فَلَا فَائِدَةَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْهَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَنَظَرًا لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ اخْتِيَارِ مَا يَضُرُّهُ وَتَرْكِ مَا يُفِيدُهُ وَلَا يَثْبُتُ الْمُدَّعَى بِهَذَا الدَّلِيلِ وَلَا سِيَّمَا إذَا صَرَّحَ الْمُرْتَهِنُ بِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ أَوْ بَدَلُهُ رَهْنًا وَأَفَادَ أَنَّهُ أَجَازَ الْهِبَةَ وَالرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ، فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَالْهِبَةُ وَغَيْرُهَا صَحِيحَةً.
(الشَّارِحُ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْدُثُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مَثَلًا وَأَمَّا إذَا وَهَبَ الْمَالَ الْمَرْهُونَ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ فَبِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ وَتَكُونُ الْهِبَةُ صَحِيحَةً. كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا.
حَيْثُ إنَّهُ يُوجَدُ تَفْصِيلَاتٌ بِخُصُوصِ بَيْعِ الرَّهْنِ فِي الْمَبْحَثِ الثَّانِي مِنْ لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (355) فَلْتُرَاجَعْ. اخْتِلَافٌ فِي مَقْدِرَةِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي - نَظَرًا لِوُجُودِ نُقْطَتَيْ اخْتِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَإِلَيْكَ بَيَانُ الِاخْتِلَافَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَالْقَوْلُ الَّذِي وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَيْهِ فِي الْمَجَلَّةِ: الِاخْتِلَافُ الْأَوَّلُ - إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَفَسَخَ الْمُرْتَهِنُ هَذَا الْبَيْعَ عِنْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ فَفِي رِوَايَةٍ - (وَهِيَ الْأَصَحُّ) - لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِذَلِكَ. لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ هُوَ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ فَإِيقَافُ الْبَيْعِ يَكْفِي لِذَلِكَ (أَبُو السُّعُودِ) . حَتَّى أَنَّهُ إذَا أَوْفَى الرَّاهِنُ دَيْنَهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فَسَخَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ لَزِمَ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ مُنْعَقِدٌ صَحِيحًا وَلَازِمًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاهِنِ وَالتَّأْخِيرِ نَظَرًا لِلْمُرْتَهِنِ فَقَطْ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 100) . (أَبُو السُّعُودِ) . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ كَالْمَالِكِ (الزَّيْلَعِيّ) . حَتَّى أَنَّهُ نَظَرًا لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا أَوْفَى الرَّاهِنُ دَيْنَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي. إذًا مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (رَاجِعْ الْحَاكِمَ) يُفْهَمُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا حَاجَةَ لِمُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ لِأَجْلِ الْفَسْخِ.
الِاخْتِلَافُ الثَّانِي - إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ الْمَالَ الْمَرْهُونَ فَإِنْ لَمْ يَحُزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ فَكَمَا صَرَّحَ فِي الْمَجَلَّةِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الْحَقُّ أَنْ يُرَاجِعَ الْحَاكِمَ وَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بِمَعْرِفَتِهِ وَلَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ ذَلِكَ الِاخْتِيَارُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالَمٍ بِرَهْنِيَّتِهِ أَثْنَاءَ الشِّرَاءِ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ عِنْدَمَا اشْتَرَاهُ أَنَّهُ مَرْهُونٌ فَلَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْمُشَارَ إلَيْهِ اعْتَبَرَ ظُهُورَ الْمَبِيعِ مَرْهُونًا أَوْ مَأْجُورًا عَيْبًا فَحِينَمَا يَشْتَرِي الْوَاحِدُ مَالًا مَعَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَا خِيَارَ عَيْبٍ فِي هَذَا أَيْضًا (أَبُو السُّعُودِ) .
وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ سَوَاءٌ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِرَهْنِيَّتِهِ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَجَعَلَ الْإِمَامَانِ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا كَوْنَ الْمَبِيعِ مَرْهُونًا أَوْ مَأْجُورًا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَوْ ضُبِطَ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي. بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ أَيْ عَلَى أَنَّهُ
(2/190)
مَالُ غَيْرِ الْبَائِعِ فَكَمَا أَنَّ حَقَّ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ بَاقٍ فَفِي هَذَا أَيْضًا حَقُّ فَسْخِهِ بَاقٍ (أَبُو السُّعُودِ) وَلِذِكْرِ الْمَجَلَّةِ الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقَةً بِقَوْلِهَا (الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ) يَعْنِي لِعَدَمِ تَقْيِيدِهَا بِقَيْدِ (إذَا اشْتَرَاهُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَنَّهُ مَرْهُونٌ مَثَلًا) يُفْهَمُ أَنَّهُ قَدْ اُخْتِيرَ مَذْهَبُ الْإِمَامَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ مَا وَفِي الْوَاقِعِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَيْضًا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِمَا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 64) إيجَارُ الْمَرْهُونِ وَهِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ وَوَقْفُهُ وَالْإِقْرَارُ بِهِ لِآخَرَ - قَوْلٌ (إذَا بَاعَ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا فَالْحُكْمُ فِي الْإِيجَارِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْإِقْرَارِ لِآخَرَ وَفِي الْوَقْفِ أَيْضًا عَلَى الْمِنْوَالِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ فَلَوْ آجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ لِآخَرَ وَوَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ أَوْ أَقَرَّ بِالرَّهْنِ الْمَذْكُورِ لِآخَرَ فَجَمِيعُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَا تُورِثُ خَلَلًا فِي حَقِّ حَبْسِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (64) (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
بَيْدَ أَنَّهُ إذَا فَكَّ الرَّهْنَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَتَصَرُّفَاتُ الرَّاهِنِ الْمَذْكُورَةِ تَكُونُ نَافِذَةً إذَا أَجَازَهُمَا الْمُرْتَهِنُ وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَيْ الْإِيجَارِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ لُحُوقِ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَخْرُجُ الْمَرْهُونُ مِنْ الرَّهِينَةِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ (الْوَاقِعَاتُ) وَمَثَلًا فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ لَا يَكُونُ بَدَلُ الْإِجَارَةِ مَرْهُونًا مَحِلَّ الْمَأْجُورِ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا لِأَنَّ بَدَلَ الْإِجَارَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ وَالْحَالُ أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي مَالِيَّةِ الْمَرْهُونِ وَلَيْسَ فِي مَنْفَعَتِهِ فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ إجَازَةُ الْمُرْتَهِنِ الْإِجَازَةَ تَكُونُ إسْقَاطًا لَحَقِّهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَقْفُ الْمَرْهُونِ: إذَا وَقَفَ الرَّهْنَ مَالًا بَعْدَ أَنْ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ لَا يُنْتَقَضُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِسَبَبِ هَذَا الْوَقْفِ وَفِي التَّقْدِيرِ يُنْظَرُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ حَيًّا وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَيَكُونُ الْوَقْفُ صَحِيحًا وَيَجْبُرُ الْحَاكِمُ الرَّاهِنَ عَلَى وَفَاءِ الدِّينِ مِنْ أَمْوَالِهِ الْأُخَرَ وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ أَوْ يَكُونُ مُتَوَفَّى وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ إنْ كَانَ لِلْوَاقِفِ أَمْوَالٌ أُخْرَى كَافِيَةٌ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ فَيُوَفَّى دَيْنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ وَيَبْقَى الْمَالُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ أَمْوَالٌ أُخْرَى فَيُبَاعُ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ وَيُوَفَّى دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ مِنْ ثَمَنِهِ الْإِقْرَارُ - إذَا أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِأَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُ الشَّخْصِ الْفُلَانِيِّ لَا يُصَدَّقُ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُنْزَعُ الْمَرْهُونُ الْمَذْكُورُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْإِقْرَارِ دُونَ أَنْ تُقَامَ الْبَيِّنَةُ مِنْ قِبَلِ الْمُقِرِّ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُهُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (78) بَلْ يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ نَفْسُهُ فَيُؤْمَرُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَرَدِّ الْمَرْهُونِ لِلْمُقِرِّ لَهُ وَلَكِنْ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَهَلْ يُؤْمَرُ الرَّاهِنُ بِأَدَائِهِ حَالًا عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَجِبُ الِانْتِظَارُ إلَى أَنْ يَحِلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ: فَتِلْكَ مَسْأَلَةٌ جَدِيرَةٌ بِالتَّدْقِيقِ
[ (الْمَادَّةُ 748) لِكُلٍّ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَ الرَّهْنَ بِإِذْنِ رَفِيقِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ]
(الْمَادَّةُ 748) :
لِكُلٍّ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيدَ الرَّهْنَ بِإِذْنِ رَفِيقِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الرَّهْنِيَّةِ بَعْدَهُ تَشْتَمِلُ هَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى حُكْمَيْنِ:
(2/191)
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ - لِلرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيرَ الرَّهْنَ إلَى شَخْصٍ آخَرَ لِأَنَّ عَدَمَ نَفَاذِ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ بِسَبَبِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَعِنْدَمَا يَرْضَى الْمُرْتَهِنُ يَصِيرُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحًا. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 24) .
الْحُكْمُ الثَّانِي - لِلْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَنْ يُعِيرَ الرَّهْنَ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ فِي هَذِهِ الْإِعَارَةِ وَكِيلًا مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 1459 و 1460) .
حُكْمُ إعَارَةِ الرَّهْنِ وَالْحِيلَةِ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ، مَتَى وَقَعَ قَبْضُ الْمُسْتَعِيرِ لِلْإِعَارَةِ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ يَخْرُجُ الرَّهْنُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ - لَيْسَ مِنْ الرَّهِينَةِ - لِأَنَّ الضَّمَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَالْقَبْضُ قَدْ انْتَقَضَ (أَبُو السُّعُودِ) فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِمُوجِبِ لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) . فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَصِحُّ اعْتِبَارُ إعَارَةِ الرَّهْنِ حِيلَةً لِعَدَمِ سُقُوطِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ.
قَيْدٌ (آخَرُ) لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ إعَارَةِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ حُكْمِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ عَلَى حِدَةٍ.
وَحَيْثُ إنَّ الرَّهْنِيَّةَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ هَذِهِ الْإِعَارَةِ فَلِكُلٍّ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا بِالِاتِّفَاقِ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الرَّهْنِيَّةِ مِنْ دُونِ عَقْدٍ جَدِيدٍ أَيْضًا: وَبَيْنَمَا كَانَ رَهْنُ الرَّهْنِ لِلْآخَرِ يُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَإِعَارَتُهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا وَلَا تُبْطِلُ الرَّهْنَ.
مَسْأَلَةٌ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى بَقَاءِ الرَّهْنِ بَعْدَ الْإِعَارَةِ حَيْثُ إنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَبْقَى بَعْدَ الْإِعَارَةِ فَإِذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ وَالْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (729) وَلَمْ تُذْكَرْ هَذِهِ الْأَحَقِّيَّةُ هُنَا مَعَ أَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي الْمَادَّةِ (749) .
لَفْظُ الْإِعَارَةِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْإِيدَاعِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُودِعَ الرَّهْنَ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ. وَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى مَضْمُونِيَّةِ الرَّهْنِ أَيْضًا بِهَذَا الْإِيدَاعِ. حَتَّى إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَفْقًا لِمَا جَاءَ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) يَعْنِي أَنَّهُ بِإِيدَاعِ الرَّهْنِ عِنْدَ آخَرَ لَا يَكُونُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ (الْخَانِيَّةُ) .
وَيُحَصَّلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعِ وَيُسْتَفَادُ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ الْمَادَّةِ (753) كَمَا لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: (أَعْطِ الرَّهْنَ الدَّلَّالَ لِبَيْعِهِ وَخُذْ حَقَّك) وَفَعَلَ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الدَّلَّالِ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ وَأَمَّا لَفْظُ الْإِعَارَةِ فَهُوَ احْتِرَازٌ مِنْ إيجَارِ الْمَرْهُونِ وَهِبَتِهِ لِآخَرَ. لِأَنَّهُ كَمَا وَضَحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ بِإِذْنِ الثَّانِي مِنْ آخَرَ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ يَخْرُجُ الرَّهْنُ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا آجَرَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ لِآخَرَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَتُوُفِّيَ الرَّاهِنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ غُرَمَاءِ الْمُتَوَفَّى وَإِذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ لَا يَسْقُطُ مَطْلُوبُ الْمُرْتَهِنِ (بِإِذْنِهِ) لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْهُونَ كَالْوَدِيعَةِ لَا يُعَارُ بِلَا إذْنِ الثَّانِي فَلَا يُؤَجَّرُ وَلَا يُودَعُ أَيْضًا. رَاجِعْ الْمَوَادَّ (790، 791، 792)
(2/192)
حَتَّى أَنَّهُ إذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ لِآخَرَ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهِ بِضَمَانِ الْغَصْبِ.
وَأَمَّا بِالْعَكْسِ فَإِذَا أَعَارَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ خِلْسَةً يَسْقُطُ الضَّمَانُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُرْتَهِنِ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ وَهَذَا الْقَبْضُ قَدْ انْتَقَضَ بِإِعَارَةِ الرَّاهِنِ وَتَسْلِيمِهِ (أَبُو السُّعُودِ) .
[ (الْمَادَّةُ 749) لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيرَ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ]
(الْمَادَّةُ 749) لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيرَ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ.
د - لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعِيرَ وَيُودِعَ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ. وَلَكِنْ إذَا آجَرَهُ تَكُونُ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةً. وَلَا يُنْتَقَضُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْإِعَارَةِ وَالْإِيدَاعُ وَالْإِجَارَةُ: مَثَلًا لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُعْطِيَ إذْنًا لِلرَّاهِنِ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ وَلِلرَّاهِنِ زَرْعُهَا.
كَذَلِكَ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ إذْنًا لِلرَّاهِنِ كَيْ يَسْكُنَ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ وَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ وَلَكِنْ إذَا قَبَضَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ يَسْقُطُ ضَمَانُ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ (الْخَانِيَّةُ) . لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُرْتَهِنِ قَائِمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَابِضٌ لِلْمَرْهُونِ وَالْقَبْضُ حَيْثُ إنَّهُ انْتَقَضَ بِرَدِّ الْمَرْهُونِ لِلرَّاهِنِ فَيَصِيرُ الضَّمَانُ أَيْضًا مُرْتَفِعًا (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ وَالْأَنْقِرْوِيُّ) .
حِيلَةٌ فِي عَدَمِ إسْقَاطِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ لِأَجْلِ عَدَمِ سُقُوطِ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الْمَرْهُونِ وَفْقًا لِلَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) يَجِبُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ إعَارَةُ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ. وَحَيْثُ إنَّ هَذِهِ الْإِعَارَةَ لَا تُخِلُّ فِي الرَّهْنِ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ. وَمَتَى عَادَ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَعُودُ الضَّمَانُ أَيْضًا.
اسْتِعَارَةِ الْوَصِيِّ وَغَصْبُهُ الْمَرْهُونَ: إذَا رَهَنَ الصَّبِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ لِأَجْلِ دَيْنِ الْيَتِيمِ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يُنْظَرُ. فَإِنْ كَانَ اسْتَعَارَهُ لِأَجْلِ أُمُورِ الْوَصِيِّ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَهْلِكُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ. وَيَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ مَطْلُوبَهُ عَلَى حِدَةٍ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ. وَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ اسْتَعَارَهُ لِأَجْلِ أُمُورِ نَفْسِهِ يَضْمَنُ الْوَصِيَّ ذَلِكَ الْمَالَ لِلصَّبِيِّ. وَإِذَا اغْتَصَبَ الْوَصِيُّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَاسْتَعْمَلَهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ اسْتَعْمَلَهُ فِي أُمُورِ الصَّبِيِّ فَبَعْدَ أَنْ يَضْمَنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ يَرْجِعُ عَلَى الصَّبِيِّ بِبَدَلِ الضَّمَانِ. وَإِنْ كَانَ اسْتَعْمَلَهُ الْوَصِيُّ فِي أُمُورِ نَفْسِهِ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ قِيمَةَ الرَّهْنِ مِنْ مَالِهِ. وَكَمَا فُصِّلَ فِي لَاحِقَةِ شَرْجِ الْمَادَّةِ (741) يُوَفِّي الدَّيْنَ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهَا. وَإِنْ بَقِيَ فَضْلٌ يَكُونُ لِلْيَتِيمِ. وَإِنْ نَقَصَتْ يُكَمَّلُ النَّقْصُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
وَفِي تَعْبِيرِ (إعَارَةٌ) الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مُسَامَحَةٌ. لِأَنَّهُ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّتَيْنِ (765 و 766) أَنَّ
(2/193)
الْإِعَارَةَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَالْحَالُ أَنَّهُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ حَيْثُ إنَّ الْمُرْتَهِنَ لَيْسَ مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهَا لِلرَّاهِنِ. فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَكُونُ انْتِفَاعُ الرَّاهِنِ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ لَا بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ.
وَبَيْنَمَا كَانَ الرَّاهِنُ مَمْنُوعًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَرْهُونِ بِسَبَبِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ يَزُولُ مَانِعُ الِانْتِفَاعِ. وَلَكِنْ نَظَرًا لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ حَائِزٌ عَلَى حَقِّ اسْتِرْدَادِ الرَّهْنِ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ مَتَى شَاءَ مَعَ عَدَمِ ضَمَانِهِ فِي هَذِهِ الْإِعَارَةِ أَطْلَقَ إعَارَةً مِنْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْ بِتَقْدِيرِ إعَارَةِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ حَيْثُ إنَّ الرَّهْنِيَّةَ بَاقِيَةٌ، فَعِنْدَ وَفَاةِ الرَّاهِنِ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ مِنْ سَائِرِ دَائِنِي الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ وَلَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ بَاقِيًا فِي يَدِ الرَّاهِنِ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ. لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ لَازِمٍ. وَالْمُرْتَهِنُ كَمَا أَنَّهُ مُقْتَدِرٌ عَلَى اسْتِرْدَادِ الْمَرْهُونِ فِي حَالِ حَيَاةِ الرَّاهِنِ فَيَكُونُ مُقْتَدِرًا عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَيْضًا. (شَرْحُ الْمَجْمَعِ وَالْخَانِيَّةُ) .
سُؤَالٌ: إذَا أُعِيرَ الْمَرْهُونُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا أَوْضَحَ فِي شَرْحِ الْفِقْرَةِ السَّابِعَةِ يَسْقُطُ ضَمَانُ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَمَّا لَمْ يَبْقَ ضَمَانٌ لَزِمَ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّهْنِيَّةُ أَيْضًا.
الْجَوَابُ: عَدَمُ ضَمَانِ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ لَا يُنَافِي الرَّهْنِيَّةَ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ غَيْرِ الْمُنْفَكَّةِ إذْ يُمْكِنُ انْفِكَاكُ الضَّمَانِ عَنْ الرَّهْنِ أَلَا يُرَى أَنَّ وَلَدَ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ مَرْهُونٌ أَيْضًا مَعَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عِنْدَ هَلَاكِهِ يَعْنِي يَهْلِكُ مَجَّانًا (تَكْمِلَةُ الْبَحْرِ) .
وَاحْتُرِزَ بِلَفْظِ (الْإِعَارَةُ لِلرَّاهِنِ) مِنْ الْإِجَارَةِ إذْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ إيجَارُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا تَلْزَمُ أُجْرَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ بَدَلَ إيجَارٍ مِنْ الرَّاهِنِ تُحْسَبُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ مِنْ مَطْلُوبِ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (533) (الْبَهْجَةُ) . فَقَطْ إذَا آجَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَهَذِهِ الْإِجَارَةُ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إعَارَةِ أَوْ إيدَاعِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الرَّاهِنِ مَتَى شَاءَ. وَمَا زَالَ فِي قَبْضِ الرَّاهِنِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ.
وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُودِعَ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ، حَيْثُ إنَّ هَذَا الْإِيدَاعَ لَا يُبْطِلُ عَقْدَ الرَّهْنِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَرْهُونَ مَتَى شَاءَ (الْخَانِيَّةُ) .
احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ (يُعِيرُ الرَّاهِنَ) مِنْ الْإِيدَاعِ لِشَخْصٍ آخَرَ. لِأَنَّهُ وَلَوْ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ إيدَاعُ الرَّهْنِ لِشَخْصٍ آخَرَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَلَا يَجْرِي فِي هَذَا الْحُكْمِ الْجَارِي فِي الْإِعَارَةِ لِلرَّاهِنِ بَلْ يَكُونُ بَقَاءُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ فِي حُكْمِ بَقَائِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَفْقًا لِمَا جَاءَ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) وَكَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (753) فَائِدَةٌ: الْقِيمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الرَّهْنِ هِيَ الْقِيمَةُ وَقْتَ قَبْضِ الرَّهْنِ. وَلَيْسَتْ الْقِيمَةَ وَقْتَ اسْتِرْدَادِ
(2/194)
الرَّهْنِ بَعْدَ إعَارَتِهِ لِلرَّاهِنِ (الْبَزَّازِيَّةُ) . مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ فِي الْغَصْبِ. يَعْنِي إذَا اغْتَصَبَ الْغَاصِبُ مَالًا وَأَمْسَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُدَّةً فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ سَالِمًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَاغْتَصَبَ أَخِيرًا وَثَانِيَةً مِنْ طَرَفِ الْغَاصِبِ الْمَرْقُومَ فَالْقِيمَةُ وَقْتَ هَذَا الْغَصْبِ الثَّانِي هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
مَثَلًا لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ مَالَهُ الْبَالِغَ قِيمَتُهُ أَلْفَ قِرْشٍ لِآخَرَ فِي مُحَرَّمٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَبَعْدَ أَنْ أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ لِلرَّاهِنِ فِي صَفَرٍ اسْتَرَدَّهُ، قَبَضَهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَتْ قِيمَتُهُ تَنَزَّلَتْ إلَى خَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَسْقُطُ دَيْنٌ بِأَلْفِ قِرْشٍ بِمُوجِبِ التَّفْصِيلَاتِ الْوَارِدَةِ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) . وَلَا يَسْقُطُ خَمْسُمِائَةِ قِرْشٍ فَقَطْ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
(2/195)
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْعَدْلِ] [ (الْمَادَّةُ 752) يَدُ الْعَدْلِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ]
(الْمَادَّةُ 752) يَدُ الْعَدْلِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي إذَا اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى أَنْ يُودِعَا الرَّهْنَ عِنْدَ الشَّخْصِ الَّذِي ائْتَمَنَاهُ وَرَضِيَ هُوَ وَقَبَضَهُ يَصِيرُ الرَّهْنُ تَامًّا وَلَازِمًا وَيَقُومُ ذَلِكَ الشَّخْصُ مَقَامَ الْمُرْتَهِنِ. .
فِي يَدِ الْعَدْلِ اعْتِبَارَانِ: فَهِيَ بِاعْتِبَارٍ تَقُومُ مَقَامَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَبِاعْتِبَارٍ آخَرَ مَقَامَ يَدِ الرَّاهِنِ:
الِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ: يَدُ الْعَدْلِ كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَمَا يَقُومُ قَبْضُ الْعَدْلِ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ فَكَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ إذَا اتَّفَقَا لَدَى عَقْدِ الرَّهْنِ عَلَى إيدَاعِ الرَّهْنِ لِشَخْصٍ عَاقِلٍ ائْتَمَنَاهُ وَرَضِيَ ذَلِكَ الشَّخْصُ وَقَبَضَ الرَّهْنَ يَكُونُ الرَّهْنُ تَامًّا وَلَازِمًا وَإِذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْعَدْلِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَفْقًا لِمَا جَاءَ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) .
الِاعْتِبَارُ الثَّانِي: يَدُ الْعَدْلِ كَيَدِ الرَّاهِنِ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ حِفْظَ الْعَدْلِ يَقُومُ مَقَامَ حِفْظِ الرَّاهِنِ أَيْ أَنَّ يَدَ الْعَدْلِ فِي الْحِفْظِ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِ الرَّاهِنِ. وَيَقُومُ ذَلِكَ الشَّخْصُ مَقَامَ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ مَالِيَّةِ الْمَرْهُونِ وَمَقَامَ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ حِفْظِ الرَّهْنِ. وَتَكُونُ عُدَّتْ الْيَدُ الْوَاحِدَةُ فِي حُكْمِ الْيَدَيْنِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) . لِلْعَدْلِ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْهُونَ لِأَجْلِ حِفْظِهِ إلَى أَمِينِهِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي عِيَالِهِ (الْخَانِيَّةُ) .
مَعْنَى قِيَامِ الْعَدْلِ مَقَامَ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَالِيَّةِ: إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَوْ يَدِ أَمِينِهِ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ يَكُونُ فِي حُكْمِ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَتَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمُنْدَرِجَةُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) .
ثَمَرَةُ قِيَامِ الْعَدْلِ مَقَامَ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْحِفْظِ: حَيْثُ إنَّ يَدَ الْعَدْلِ كَيَدِ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ فَإِذَا ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ لِلْمَرْهُونِ بَعْدَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْعَدْلِ فَالْمُسْتَحِقُّ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ - لِلرَّاهِنِ لِكَوْنِهِ غَاصِبًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ لِلْعَدْلِ بِصِفَتِهِ غَاصِبَ - الْغَاصِبِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (910) . وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهَا - لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ الْغَصْبِ. وَضَمَانُ الْغَصْبِ يَتَحَقَّقُ وَالتَّحْوِيلُ. وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (881) . وَالنَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ الْمَذْكُورَانِ صَدَرَا مِنْ الْعَدْلِ وَلَيْسَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ (أَبُو السُّعُودِ) .
وَإِذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْعَدْلَ يَرْجِعُ هَذَا عَلَى الرَّاهِنِ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (أَبُو السُّعُودِ) .
(2/197)
كَمَا أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ ضُبِطَ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَضَمِنَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمُرْتَهِنِ يَرْجِعُ هَذَا عَلَى الرَّاهِنِ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ عَلَى مَا أَوْضَحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (701) .
وَلَا يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ لَفْظِ عَدْلٍ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ وَاحِدًا لِأَنَّ الْعَدْلَ كَمَا أَنَّهُ يَكُونُ وَاحِدًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّدًا، وَيَجْرِي حُكْمُ الْمَادَّةِ (873) فِي هَذَا التَّقْدِيرِ. إذْ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْعَدْلُ وَكَانَ الْمَرْهُونُ غَيْرَ قَابِلِ الْقِسْمَةِ يَحْفَظُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِإِذْنِ الْآخَرِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ ضَاعَ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا ضَمَانُ الْغَصْبِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (91) . وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ يَقْسِمُهُ الْعُدُولُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَيَحْفَظُ كُلٌّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ وَإِذَا أَعْطَى أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ لِآخَرَ بِلَا إذْنٍ وَهَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْآخِذِ. وَأَمَّا الْمُعْطِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُ حِصَّتَهُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 783) . (الْهِنْدِيَّةُ) .
وَلَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ اللَّازِمِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ وُكِّلَ مِنْ طَرَفِ الرَّاهِنِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ. سَوَاءٌ أَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ أَمْ لَمْ يَكُنْ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ وَالْإِصْلَاحِيَّة لِلْعَدْلِ الْمَرْقُومِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ مَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِذَلِكَ وَفْقًا لِمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (760) . (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ) .
وَلَا يَحِقُّ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلْعَدْلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الرَّهْنِ سِوَى الْإِمْسَاكِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَلَا يَبِيعُ وَلَا يُؤَجِّرُ وَلَا يَسْتَخْدِمُ (الْخَانِيَّةُ) .
(وَقَبَضَهُ) لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلرَّاهِنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْعَدْلُ، لِأَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (706) أَنَّ الرَّهْنَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبْضِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِ الدَّيْنِ وَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْعَدْلُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَتَبْقَى الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ (الْخَانِيَّةُ) . وَفِي هَذِهِ الْحَالِ مَتَى بَاعَ الْوَكِيلُ الرَّهْنَ أَعْطَى ثَمَنَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الرَّاهِنِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ.
وَلَا يَطْرَأُ خَلَلٌ عَلَى صِفَةِ الْعَدْلِ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ وَفَاتِهِمَا بَلْ يُمْسِكُ الْعَدْلُ الرَّهْنَ وَيَحْبِسُهُ كَالْأَوَّلِ.
لَاحِقَةٌ: إيدَاعُ الْمَبِيعِ لِيَدِ الْعَدْلِ.
إذَا بَاعَ الْبَائِعُ مَالًا وَاتَّفَقَ عَلَى أَنْ يَبْقَى الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْعَدْلِ لِبَيْنَمَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ وَوُضِعَ فِي يَدِهِ جَازَ ذَلِكَ وَقَامَتْ يَدُهُ مَقَامَ يَدِ الْبَائِعِ. حَتَّى إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْعَدْلِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ. (الْخَانِيَّةُ)
[ (الْمَادَّةُ 753) اُشْتُرِطَ حِينَ الْعَقْدِ قبض الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ثُمَّ وَضَعَاهُ فِي يَدِ عَدْل]
(الْمَادَّةُ 753) إذَا اُشْتُرِطَ حِينَ الْعَقْدِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ثُمَّ وَضَعَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِالِاتِّفَاقِ فِي يَدِ الْعَدْلِ جَازَ ذَلِكَ.
يَجُوزُ إيدَاعُ الرَّهْنِ إلَى الْعَدْلِ بِرِضَى الطَّرَفَيْنِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَقَبْضِ الْمَرْهُونِ مِنْ قِبَلِ الْمُرْتَهِنِ، يَعْنِي أَنَّهُ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ أَيْ الْمَرْهُونَ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إذَا عُقِدَ الرَّهْنُ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَتَمَّ يَقْبِضُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً وَوَضَعَاهُ بِالِاتِّفَاقِ فِي يَدِ عَدْلٍ جَازَ ذَلِكَ.
(2/198)
وَإِذَا هَلَكَ الْمَرْهُونُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ الْمَرْقُومِ يَكُونُ كَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ " 741 ".
لِأَنَّهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ الْعَدْلُ مَقَامَ الْمُرْتَهِنِ ابْتِدَاءً يَجُوزُ بَقَاؤُهُ أَيْضًا بِمُوجِبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
شُرِطَ اتِّفَاقُ الطَّرَفَيْنِ فِي هَذَا الْوَضْعِ. لِأَنَّهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الرَّهْنِ مِلْكَ الرَّاهِنِ فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَضَعَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا مُنِعَ عَنْهُ وَفْقًا لِأَحْكَامِ الْمَادَّةِ (96) وَحَيْثُ إنَّ الْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ فَلَا يُعَدُّ الرَّاهِنُ بِرِضَاهُ بِحِفْظِ الْمُرْتَهِنِ رَاضِيًا بِحِفْظِ الْعَدْلِ.
وَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَتْ مُوَافَقَةُ الرَّاهِنِ فِي هَذَا الْوَضْعِ. وَبِحُكْمِ الْمَادَّةِ " 729 " حَيْثُ إنَّ حَقَّ حِفْظِ وَحَبْسِ وَإِمْسَاكِ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَ لِحِينِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ ثَابِتٌ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُخِلَّ بِهَذَا الْحَقِّ رَاجِعْ الْمَادَّةَ " 46 ". فَبِنَاءً عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْمُرْتَهِنِ لِهَذَا الْوَضْعِ اُشْتُرِطَتْ أَيْضًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَالْمَادَّةِ الْآنِفَةِ: إنَّ وُقُوعَ مُقَاوَلَةِ إيدَاعِ الرَّهْنِ لِلْعَدْلِ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ كَانَ أَثْنَاءَ الْعَقْدِ وَفِي هَذِهِ الْمَادَّةِ كَانَ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَبَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فَتَفْتَرِقُ الْمَادَّتَانِ عَنْ بَعْضِهِمَا فِي هَذِهِ الْجِهَةِ وَلَا يُسْتَغْنَى بِإِحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى " الْهِنْدِيَّةُ وَالْبَزَّازِيَّةُ ".
[ (الْمَادَّةُ 754) إعْطَاء الْعَدْلِ الرَّهْن إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ]
(الْمَادَّةُ 754) :
لَيْسَ لِلْعَدْلِ أَنْ يُعْطِيَ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ حَالَةَ كَوْنِ الدَّيْنِ بَاقِيًا وَإِنْ فَعَلَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ يَضْمَنُ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ. .
يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَدْلِ وَالدَّيْنُ بَاقٍ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ إلَى الرَّاهِنِ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ. لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ كِلَيْهِمَا تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ وَلَفْظُ عَدْلٍ هُنَا مَذْكُورٌ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَدْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (752) وَالْعَدْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَادَّةِ (753) وَلِذَلِكَ حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ يَجْرِي فِي كِلَا الْعَدْلَيْنِ.
وَكَمَا أَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ تَعَلَّقَ بِسَبَبِ يَدِ الْعَدْلِ وَأَمَانَتِهِ بِحِفْظِ الْمَرْهُونِ فَتَعَلَّقَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْمَرْهُونِ وَلِهَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّ الْآخَرِ (الدُّرَرُ) .
تَعْبِيرُ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ لِلْآخَرِ) لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ إعْطَائِهِ أَمِينَهُ. لِأَنَّهُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَمِينَهُ (الْخَانِيَّةُ) . وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْهُونَ وَدِيعَةً لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ لَيْسَ بِأَمِينِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَإِنْ فَعَلَ يَكُونُ ضَامِنًا بِضَمَانِ الْغَصْبِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَإِذَا أَعْطَى الْعَدْلُ الرَّهْنَ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ بِلَا إذْنِ الْآخَرِ يَعْنِي إذَا أَعْطَاهُ الرَّاهِنُ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ مَثَلًا أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيُعِيدَهُ كَالْأَوَّلِ إلَى يَدِهِ. لِأَنَّهُ مِنْ اللَّازِمِ إعَادَةُ مَا أَخَذَ بِغَيْرِ حَقٍّ.
(2/199)
وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُعَادَ إلَى الْعَدْلِ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ يَضْمَنُ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ. لِأَنَّ الْعَدْلَ كَمَا أَنَّهُ مُسْتَوْدَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ عَيْنِ الْمَرْهُونِ فَهُوَ مُسْتَوْدَعُ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ مَالِيَّةِ الْمَرْهُونِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (790) أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ إلَى أَجْنَبِيٍّ (الْهِدَايَةُ) .
ثُمَّ أَنَّهُ أَعْطَى الْعَدْلَ الرَّهْنَ الْمُرْتَهِنُ يَكُونُ قَدْ أَعْطَى مِلْكَ الْغَيْرِ آخَرَ بِلَا إذْنٍ وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (96) غَيْرُ جَائِزٍ إذَا أَعْطَاهُ الرَّاهِنُ أَيْضًا يَكُونُ أَبْطَلَ يَدَ الْمُرْتَهِنِ وَهَذَا تَعَدٍّ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (30) . .
مَاذَا يَكُونُ بَدَلُ الضَّمَانِ؟ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَقْبِضُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الْقِيمَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْعَدْلِ وَيُعْطِيَانِهَا بِالتَّرَاضِي الْعَدْلَ الْمَرْقُومَ أَوْ عَدْلًا آخَرَ. وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا يُرَاجِعَانِ الْحَاكِمَ وَالْحَاكِمُ يَضَعُهَا فِي يَدِ عَدْلٍ. وَالْأَمْثَلُ أَنْ تُقْبَضَ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْعَدْلِ الْمَرْقُومِ وَلَا تُعْتَبَرُ تِلْكَ الْقِيمَةُ مَوْضُوعَةً رَهْنًا عِنْدَ الْعَدْلِ الْمَرْقُومِ لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ الْقِيمَةَ الْمَذْكُورَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَدْلِ فَإِذَا قَصَدَ إقَامَتَهَا رَهْنًا فِي يَدِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَزِمَ أَنْ يَكُونُ الْعَدْلُ مُوفِيًا وَمُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَبِالنَّظَرِ لِوُجُودِ الْمُنَافَاةِ التَّامَّةِ بَيْنَ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يُمْكِنُ لِهَاتَيْنِ الصَّفْقَتَيْنِ أَنْ تَجْتَمِعَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ (الطَّحْطَاوِيُّ وَالْأَنْقِرْوِيُّ) وَلَكِنْ تَجْرِي فِي هَذَا التَّفْصِيلَاتُ الْآتِيَةُ.
حُكْمُ الضَّمَانِ فِيمَا لَوْ أَعْطَى الْعَدْلُ الرَّهْنَ الرَّاهِنَ: إذَا أَعْطَى الْعَدْلُ الرَّهْنَ الرَّاهِنَ وَلِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ بَعْدَ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ وَتُودَعُ تِلْكَ الْقِيمَةُ بِرَأْيِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَوْ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ عِنْدَهُ ثَانِيَةً أَوْ عِنْدَ عَدْلٍ آخَرَ فَإِذَا أَوْفَى الرَّاهِنُ دَيْنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ تَبْقَى الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ مَالًا لِلْعَدْلِ وَيَأْخُذُهَا مِمَّنْ وُجِدَتْ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الرَّاهِنَ يَكُونُ أَخَذَ مَالَهُ بِالتَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ فَالْمُرْتَهِنُ أَيْضًا يَكُونُ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ. فَلَوْ صَارَتْ الْقِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ مِلْكَ الرَّاهِنِ لَوَجَبَ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ.
حُكْمُ الضَّمَانِ لَوْ أَعْطَى الْعَدْلُ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ: إذَا أَعْطَى الْعَدْلُ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنٍ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ يَأْخُذُ الرَّاهِنُ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ الْقِيمَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْعَدْلِ الْمَرْقُومِ أَوْ مِمَّنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْبَدَلَيْنِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَرْهُونِ لَمْ تَصِلْ إلَى يَدِ الرَّاهِنِ وَصَارَ الْعَدْلُ مَالِكًا لِلْمَالِ الْمَذْكُورِ بِالضَّمَانِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُنْظَرُ: إذَا كَانَ الْعَدْلُ أَعْطَى الرَّهْنَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَقَالَ لَهُ مَثَلًا (هَذَا رَهْنُكَ خُذْهُ مُقَابِلَ مَطْلُوبِكَ) يَرْجِعُ الْعَدْلُ الْمَرْقُومُ أَيْضًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقِيمَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، سَوَاءً أَكَانَ هَلَاكُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِاسْتِهْلَاكِهِ أَمْ بِدُونِهِ لِأَنَّ هَذَا الْإِعْطَاءَ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَاسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ يَأْخُذُ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. (رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ 787 و 814) . (الْهِنْدِيَّةُ والشرنبلالي) . وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي صُورَةِ إنْ كَانَ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ فَلَيْسَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. لِأَنَّ الْعَدْلَ حَيْثُ إنَّهُ مَالِكُ الْمَرْهُونِ بِالضَّمَانِ اسْتِنَادًا لِوَقْتِ التَّسْلِيمِ فَيُفْهَمُ أَنَّهُ
(2/200)
أَعَارَ أَوْ أَوْدَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ تَعَدِّي وَتَقْصِيرِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَوْدَعِ فَعَدَمُ تَرَتُّبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا أَمْرٌ وَاضِحٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْأَنْقِرْوِيُّ عَنْ الزَّيْلَعِيّ) . (بِدُونِ رِضَاهُ) لِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ. اسْتِثْنَاءٌ - إذَا اُشْتُرِطَ حِينَ عَقْدِ الرَّهْنِ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ لِلْعَدْلِ وَإِيدَاعَهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهُ وَإِذَا أُودِعَ الْمَرْهُونُ لِلْعَدْلِ بِدُونِ سَبْقِ ذَلِكَ الشَّرْطِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ بِرِضَاءِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ وَحْدَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْعَدْلِ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ.
[ (الْمَادَّةُ 755) إذَا تُوُفِّيَ الْعَدْلُ يُودَعُ الرَّهْنُ عِنْدَ عَدْلٍ غَيْرِهِ]
(الْمَادَّةُ 755) إذَا تُوُفِّيَ الْعَدْلُ يُودَعُ الرَّهْنُ عِنْدَ عَدْلٍ غَيْرِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا يَضَعُهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ عَدْلٍ.
لَا يَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَ الْعَدْلِ عِنْدَ وَفَاتِهِ بَلْ يُودَعُ الرَّهْنُ بِتَرَاضِي الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ عِنْدَ عَدْلٍ غَيْرِهِ وَكَمَا أَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ إيدَاعُ الرَّهْنِ الْمُرْتَهِنَ بِرِضَاءِ الطَّرَفَيْنِ يَجُوزُ إيدَاعُهُ الرَّاهِنَ أَيْضًا بِرِضَاءِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّةِ (749) لِأَنَّ الْحَقَّ لِلطَّرَفَيْنِ فَلَهُمَا أَنْ يُوَسِّعَاهُ كَيْفَمَا أَرَادَا. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمَجَلَّةِ " إلَى عَدْلٍ آخَرَ " لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ غَيْرِ الطَّرَفَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا يُرَاجِعَا الْحَاكِمَ وَهَذَا عِنْدَ وُقُوعِ الْمُرَاجَعَةِ عَلَى الْأُصُولِ يَضَعُ الرَّهْنَ فِي يَدِ عَدْلٍ " الْخَانِيَّةُ " وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْحَاكِمِ عِنْدَ وُقُوفِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ مُعَادِلٌ لِلْعَدْلِ الْمُتَوَفَّى فِي الْعَدَالَةِ أَنْ يَضَعَ الرَّهْنَ عِنْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الرَّاهِنُ " الْهِنْدِيَّةُ ".
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ مَسَاغٌ أَنْ يَضَعَ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّاهِنِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.
لَا يُعَدُّ الْعَدْلُ اللَّاحِقُ حَائِزًا عَلَى وَكَالَةِ الْمُتَوَفَّى بِبَيْعِ الرَّهْنِ بِمُجَرَّدِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْعَدْلِ الْمُتَوَفَّى " الْخَانِيَّةُ " بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا بَاعَ الْعَدْلُ اللَّاحِقُ الرَّهْنَ اسْتِنَادًا عَلَى وَكَالَةِ الْعَدْلِ السَّابِقِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ " الْهِنْدِيَّةُ ". لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِوَفَاةِ الْمُوَكَّلِ حَسَبَ مَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ " 1529 " وَالرَّهْنُ لَمْ يُوَكَّلْ الْعَدْلُ الْجَدِيدُ فِي الْبَيْعِ. " الْخَانِيَّةُ ".
(2/201)
[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ] [ (الْمَادَّةُ 756) بَيْعُ الرَّاهِن أَوْ المرتهن الرَّهْنِ بِلَا إذْنِ رَفِيقِهِ]
(الْمَادَّةُ 756) :
لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الرَّهْنِ بِلَا إذْنِ رَفِيقِهِ.
لَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ بِدُونِ إذْنِ وَرِضَا الْآخَرِ وَلَا بِسَبَبٍ مَا؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ وُجُودِ حَقِّ مِلْكِ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ فَكَمَا أَنَّ بَيْعَ الْمُرْتَهِنِ إيَّاهُ لَا يَنْفُذُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ " 365 ". نَظَرًا لِوُجُودِ حَقِّ مَالِيَّةِ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي حَقَّ حَبْسِهِ وَإِمْسَاكِهِ وَاسْتِيفَاءِ مَطْلُوبِهِ مِنْهُ فَبَيْعُ الرَّاهِنِ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ تَصَرُّفًا يُبْطِلُ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا. " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 46 " " الطَّحْطَاوِيُّ ".
وَإِذَا بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَيَكُونُ هَذَا الْمَبِيعُ فُضُولًا. وَمَتَى كَانَ الْمَرْهُونُ مَوْجُودًا عَيْنًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَجَازَ الْبَيْعَ وَيَبْقَى الثَّمَنُ مَرْهُونًا وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَعِنْدَمَا يَنْفَسِخُ يُعَادُ الرَّهْنُ لِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ بَعْد هَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ. " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 378 " وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الرَّاهِنُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ " رَاجِعْ الْمَادَّةَ 910 ".
إذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ إيفَاءَ الدَّيْنِ بِالْمَرْهُونِ فَلَيْسَ الْمُرْتَهِنُ مَجْبُورًا عَلَى أَنْ يَأْذَنَ لِلرَّاهِنِ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ لِحِينِ أَدَاءِ الدَّيْنِ (التَّنْوِيرُ) كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (729) .
هَذِهِ الْمَادَّةُ مُجَمِّلَةٌ وَحَيْثُ إنَّ الْمَادَّتَيْنِ (736، 747) تَحْتَوِيَانِ أَيْضًا عَلَى حُكْمِهَا فَلَيْسَ لَهَا لُزُومٌ حَقِيقِيٌّ هُنَا. وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِلْمَوَادِّ الْآتِيَةِ.
[ (الْمَادَّةُ 757) حَلَّ وَقْتُ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ عَنْ أَدَائِهِ]
(الْمَادَّةُ 757) إذَا حَلَّ وَقْتُ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ عَنْ أَدَائِهِ يُؤْمَرُ مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَيُؤَدِّيَ الدَّيْنَ إذَا أَبَى يَبِيعُ الْحَاكِمُ الرَّهْنَ وَيَفِي الدَّيْنَ. .
مَتَى حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَامْتَنَعَ ذُو الرَّهْنِ عَنْ أَدَائِهِ أَوْ أَبَى عَنْ إيفَاءِ الدَّيْنِ الْمُعَجَّلِ يُؤْمَرُ مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُ الرَّاهِنَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (20) فَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْإِجْبَارِ لَا يَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ بَيْعَ إكْرَاهٍ. كَمَا سَيُوَضَّحُ شَرْحًا فِي تَعْرِيفِ الْإِكْرَاهِ. وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْإِجْبَارِ وَلَمْ يُؤَدِّ مِنْ ثَمَنِهِ الدَّيْنَ أَوْ لَمْ يَبِعْهُ وَأَوْفَى الدَّيْنَ مِنْ مَبْلَغٍ آخَرَ فِيهَا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقُولَ لَهُ (لَا أَقْبَلُ إنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ لَيْسَ ثَمَنَ الرَّهْنِ بَلْ عَلَيْكَ أَنْ تَبِيعَ الرَّهْنَ وَتُعْطِيَ مِنْ ثَمَنِهِ) . وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ مِنْ جِنْسِ
(2/203)
الدَّيْنِ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ مَطْلُوبَهُ مِنْهُ. مَثَلًا لَوْ أَخَذَ رَجُلٌ مُقَابِلَ دَيْنٍ نِصْفُهُ مُؤَجَّلٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِسَنَةٍ وَمِقْدَارُهُ عَشْرُ ذَهَبَاتٍ قِطْعَتَيْ ذَهَبٍ عُثْمَانِيٍّ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِخَمْسِ ذَهَبَاتٍ فَعِنْدَ حُلُولِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَضْبِطَ نِصْفَ الْمَرْهُونِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عِنْدَ حُلُولِ السَّنَةِ مُقَابِلَ مَطْلُوبِهِ (الْخَانِيَّةُ) . وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا رِضَاءُ الرَّاهِنِ أَوْ حُكْمُ الْحَاكِمِ.
وَإِذَا أَبَى الرَّاهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ وَامْتَنَعَ بِصُورَةٍ أُخْرَى عَنْ تَأْدِيَةِ الدَّيْنِ فَالْحَاكِمُ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُرَاجَعَةِ لَهُ عَلَى الْأُصُولِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ بِالذَّاتِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ بِقِيمَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ وَيُؤَدِّي الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ. وَلَا يَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ فُضُولًا بَلْ نَافِذٌ وَمُعْتَبَرٌ.
الْأُصُولُ الْمَرْعِيَّةُ الْيَوْمَ بِخُصُوصِ بَيْعِ الْحَاكِمِ هِيَ هَذِهِ: يُرَاجِعُ الْمُرْتَهِنُ الْمَحْكَمَةَ مُدَّعِيًا مَطْلُوبَهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَطَالِبًا بَيْعَ الرَّهْنِ. وَعِنْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ والمرهونية تَحْكُمُ الْمَحْكَمَةُ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ. وَبَعْدَ تَبْلِيغِ الْإِعْلَامِ الْحَاوِي هَذَا الْحُكْمَ لِلرَّاهِنِ يُبَاعُ الْمَرْهُونُ عَلَى الْأُصُولِ بِمَعْرِفَةِ دَائِرَةِ الْإِجْرَاءِ (الشَّارِحُ) . فِي هَذَا التَّقْدِيرِ عُهْدَةُ الْبَيْعِ رَاجِعَةٌ لِلرَّاهِنِ. وَإِلَّا لَا تَعُودُ بِالذَّاتِ لِلْحَاكِمِ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ أَوْ لِأَمِينِهِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (1461) وَلَوْ كَانَتْ عُهْدَةُ الْبَيْعِ عَائِدَةً لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعِ وَكِيلًا - تَعُودُ لِلْمَدِينِ فِي هَذَا كَمَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَتْهُ دَائِرَةُ الْإِجْرَاءِ بِمُوجِبِ الْأُصُولِ الْمَرْعِيَّةِ فِي يَوْمِنَا هَذَا فَعُهْدَةُ الْبَيْعِ عَائِدَةٌ لِلرَّاهِنِ وَلَيْسَ لِدَائِرَةِ الْإِجْرَاءِ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا جَاءَ ثَمَنُ الْمَرْهُونِ مُسَاوِيًا أَوْ زَائِدًا عَنْ الدَّيْنِ فَبِهَا. وَيُرَدُّ فَضْلُهُ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ جَاءَ نَاقِصًا يَطْلُبُ الْمُرْتَهِنُ بَاقِيَ الْمَبْلَغِ مِنْ الرَّاهِنِ. وَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ.
وَيُبَاعُ هَذَا الرَّهْنُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مَخْصُوصًا لِسُكْنَى الرَّاهِنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَوْ إذَا تُوُفِّيَ لِوَرَثَتِهِ دَارٌ يَسْكُنُونَ فِيهَا. لِأَنَّهُ نَظَرًا لَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ لَا يُقَاسَ عَلَى الْمَادَّةِ (999) (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيَجِبْ أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْ الذِّهْنِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ وَأَحْكَامَ الْمَادَّتَيْنِ 758، 759 الْآتِيَةَ تَجْرِي فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ الرَّاهِنُ وَكَّلَ أَحَدًا لِبَيْعِ الرَّهْنِ وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ أَحَدًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَحُكْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَادَّتَيْنِ 76 و 761. .
وَالْفِقْرَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَذْهَبُ الْإِمَامَيْنِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -. وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ بَيْعُ الرَّهْنِ بَلْ يُحْبَسُ الرَّاهِنُ إلَى أَنْ يَبِيعَ مِنْ ذَاتِهِ الرَّهْنَ أَوْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ بِصُورَةٍ أُخْرَى. وَهَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحَجْرِ بِالْفَلَسِ (شِبْلِيٌّ)
[ (الْمَادَّةُ 758) غَابَ الرَّاهِنُ وَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ]
(الْمَادَّةُ 758) إذَا غَابَ الرَّاهِنُ وَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ فَالْمُرْتَهِنُ يُرَاجِعُ الْحَاكِمَ لِأَجْلِ بَيْعِ الرَّهْنِ وَاسْتِيفَاءِ مَطْلُوبِهِ مِنْهُ. إذَا غَابَ الرَّاهِنُ غِيبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَمْ تُمْكِنْ مُرَاجَعَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ يُرَاجِعُ الْمُرْتَهِنُ الْحَاكِمَ لِأَجْلِ بَيْعِ الرَّهْنِ بِقِيمَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ وَاسْتِيفَاءِ مَطْلُوبِهِ مِنْهُ يَعْنِي أَنَّ
(2/204)
الْمُرْتَهِنَ يَأْخُذُ إذْنًا مِنْ الْحَاكِمِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَيَبِيعُهُ بِنَاءً عَلَى الْإِذْنِ الَّذِي يُعْطِيهِ الْحَاكِمُ وَيَسْتَوْفِي مَطْلُوبَهُ مِنْهُ (لِسَانُ الْحُكَّامِ) وَإِذَا بَاعَهُ الْحَاكِمُ بِالذَّاتِ بِنَاءً عَلَى مُرَاجَعَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِمَعْرِفَةِ أَمِينِهِ وَأَدَّى مَطْلُوبَ الْمُرْتَهِنِ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا جَاءَ بَدَلُ الرَّهْنِ مُسَاوِيًا لِلدَّيْنِ فِيهَا. وَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ يُحَافِظُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِمَعْرِفَةِ الْقَيِّمِ الَّذِي يُنَصِّبُهُ لِأَجْلِ الْغَائِبِ. وَنَظَرًا لِلْأُصُولِ الْمَرْعِيَّةِ الْيَوْمَ يُحْفَظُ هَذَا الْفَضْلُ فِي خَزَائِنِ دَوَائِرِ الْإِجْرَاءِ وَإِنْ نَاقِصًا يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ النُّقْصَانَ عِنْدَ ظَفَرِهِ بِهِ مِنْ الرَّاهِنِ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ تُوُفِّيَ الرَّاهِنُ يَبِيعُ الْحَاكِمُ الرَّهْنَ أَوْ يَأْذَنُ لِلْعَدْلِ بِبَيْعِهِ (الْخَانِيَّةُ) .
[ (الْمَادَّةُ 759) الْخَوْف مِنْ فَسَادِ الرَّهْنِ]
(الْمَادَّةُ 759) إذَا خِيفَ مِنْ فَسَادِ الرَّهْنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. وَيَبْقَى الثَّمَنُ فِي يَدِهِ. وَإِذَا بَاعَهُ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ يَكُونُ ضَامِنًا. كَذَلِكَ إذَا أَدْرَكَتْ ثِمَارٌ وَخُضْرَةُ الْكَرْمِ وَالْبُسْتَانِ الْمَرْهُونَ وَخِيفَ مِنْ هَلَاكِهَا يُمْكِنُ بَيْعُهَا بِرَأْيِ الْحَاكِمِ وَإِذَا بَاعَهَا الْمُرْتَهِنُ مِنْ ذَاتِهِ كَانَ ضَامِنًا.
إذَا حَصَلَ خَوْفٌ مِنْ فَسَادِ الرَّهْنِ لِبَقَائِهِ مُدَّةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مَثَلًا لَوْ خِيفَ مِنْ إشْرَافِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ عَلَى الْخَرَابِ يُنْظَرُ. فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا يُرَاجَعُ. لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مَالُهُ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَجِبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنْ يُرَاجَعَ وَيُفْهَمُ لُزُومُ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (757) . وَلِهَذَا لَمْ تُذْكَرْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي الْمَجَلَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ تَكُنْ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ مَعْلُومَتَيْنِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ مَفْقُودًا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ يُرَاجِعُ الْمُرْتَهِنُ الْحَاكِمَ وَالْحَاكِمُ إنْ شَاءَ بَاعَهُ هُوَ وَإِنْ شَاءَ أَذِنَ الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِهِ. لِأَنَّ الْحَاكِمَ ذُو صَلَاحِيَةٍ فِي بَيْعِ مَالِ الْمَفْقُودِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ فَسَادِهِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) رَاجِعْ الْمَادَّةَ (58) .
حُكْمُ هَذِهِ الْمَادَّةِ مُنْحَصِرٌ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الرَّاهِنُ غَائِبًا فِيهَا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً. وَيُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَادَّةِ تَالِيَةً الْمَادَّةَ الْآنِفَةَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ مَفْقُودًا لَزِمَتْ مُرَاجَعَتُهُ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَالِ. وَالرَّهْنُ الَّذِي يُبَاعُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَطْلُوبِ الْمُرْتَهِنِ وَكَانَ الدَّيْنُ مُعَجَّلًا سِرَايَةُ مِنْ دَيْنِهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنُ وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ كَأَصْلِ الرَّهْنِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) . وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الرَّهْنِ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ إذْنِ الْحَاكِمِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (96) وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ أَوْ إذْنِ الرَّاهِنِ وَكَانَتْ شُرُوطُ الْإِجَازَةِ الْحُرَّةِ فِي الْمَادَّةِ (358) مَوْجُودَةً يَكُونُ الرَّاهِنُ مُخَيَّرًا عِنْدَ حُضُورِهِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَرْهُونًا. وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَرَدَّ الْمَبِيعَ إلَى الرَّهْنِيَّةِ وَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ بَدَلَهُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (891) . كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا عَيْنًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلرَّاهِنِ حَقُّ تَضْمِينِهِ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ الْمَادَّةِ (1636) . لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْغَائِبِ الْمَفْقُودِ وَالْوِلَايَةَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ ثَابِتَانِ لِلْحَاكِمِ لَا غَيْرُ " رَدُّ الْمُحْتَارِ "
(2/205)
كَذَلِكَ زَوَائِدُ الرَّهْنِ أَيْضًا هِيَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ. مَثَلًا إذَا أَدْرَكَتْ الزَّوَائِدُ الْمُتَوَلِّدَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَادَّةِ (715) كَالثِّمَارِ وَخُضْرَةِ الْكَرْمِ أَوْ الْبُسْتَانِ الْمَرْهُونِ وَخِيفَ مِنْ أَنْ تَفْسُدَ وَتَهْلِكَ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا يُمْكِنُ بَيْعُهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَبِإِذْنِ الرَّاهِنِ. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا يُرَاجِعُ الْمُرْتَهِنُ الْحَاكِمَ فَإِنْ شَاءَ الْحَاكِمُ بَاعَ هَذِهِ الزَّوَائِدَ بِالذَّاتِ أَوْ بِمَعْرِفَةِ أَمِينِهِ وَإِنْ شَاءَ يَأْذَنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِبَيْعِهَا. وَبِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَبَيْعُ الرَّاهِنِ الْمَبِيعَ نَافِذٌ وَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ عَلَى أَحَدٍ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (91) وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُرْتَهِنِ فِي حَبْسِ الْمَرْهُونِ. وَلَيْسَتْ فِي الْبَيْعِ. وَالْحَالُ أَنَّهُ حِينَمَا يَكُونُ الرَّاهِنُ غَائِبًا فَالْمُرْتَهِنُ مُقْتَدِرٌ عَلَى عَرْضِ الْأَمْرِ عَلَى الْحَاكِمِ وَاسْتِحْصَالِ رَأْيِهِ. حَتَّى أَنَّهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ رَفْعُ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْحَاكِمِ غَيْرَ مُتَيَسِّرٍ فَلِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الزِّيَادَةِ مِنْ ذَاتِهِ وَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا بَيْعُ زَوَائِدِ الْمَرْهُونِ الْمَذْكُورَةِ إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْفَسَادِ أَوْ الْهَلَاكِ بِسَبَبِ مُرُورِ الْوَقْتِ يَرْفَعُ الْمُرْتَهِنُ الْمَسْأَلَةَ إلَى الْحَاكِمِ وَمُبَاشَرَتَهُ لِاسْتِحْصَالِ رَأْيِهِ " رَدُّ الْمُحْتَارِ قُبَيْلَ بَابِ الرَّهْنِ " يُوضَعُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (21) تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ.
وَالْحَاصِلُ مَتَى خِيفَ مِنْ فَسَادِ الْمَرْهُونِ فَإِمْكَانُ بَيْعِهِ مَشْرُوطٌ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِي حَالِ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَصْلُ الْمَرْهُونِ أَمْ زَوَائِدُهُ.
وَأَمَّا إذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الثِّمَارَ وَالْخُضْرَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ ذَاتِهِ يَعْنِي بِدُونِ التَّحَصُّلِ عَلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ أَوْ إذْنِ الرَّاهِنِ، يَكُونُ ضَامِنًا. رَاجِعْ (96 و 715) . وَأَمَّا صُورَةُ الضَّمَانِ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ ضَمِنَهَا الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهَا الْمُرْتَهِنُ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ كَمَا أَنَّ لِلرَّاهِنِ إجَازَةَ الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ شُرُوطُ الْإِجَازَةِ مَوْجُودَةً.
وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُحْدِثَ فِي الْمَرْهُونِ تَصَرُّفًا يُوجِبُ إزَالَةَ الْمَرْهُونِ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ. وَنَظَرًا لِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَفْظُ الْبَيْعِ الْوَارِدِ فِي الْمَجَلَّةِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا. كَمَا لَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ شَاةً وَمَرِضَتْ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَذْبَحَهَا وَإِنْ خِيفَ مِنْ هَلَاكِهَا. فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ (التَّنْقِيحُ) .
تَعْبِيرُ (الْبَيْعِ) الْوَارِدُ فِي الْمَجَلَّةِ احْتِرَازِيٌّ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ. لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُجْرِيَ التَّصَرُّفَ الَّذِي فِيهِ حِفْظُ الْمَرْهُونِ مِنْ الْفَسَادِ دُونَ أَنْ يُوجِبَ إزَالَةَ عَيْنِ الْمَرْهُونِ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ. كَمَا لَوْ جَمَعَ ثَمَرَ الْكَرْمِ وَالْبُسْتَانِ الْمَرْهُونَ بِدُونِ أَمْرِ الْحَاكِمِ وَحَفِظَهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ حِفْظٌ. وَحِفْظُ الْمَرْهُونِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ. لَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ لَا يُحْدِثَ نَقْصًا فِي الْكَرْمِ وَالْأَشْجَارِ أَثْنَاءَ الْجَمْعِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ نَقْصٌ سَقَطَ قَدْرُهُ مِنْ الدَّيْنِ (التَّنْقِيحُ) .
[ (الْمَادَّةُ 760) وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا لِأَجْلِ بَيْعِ الرَّهْنِ]
(الْمَادَّةُ 760) إذَا حَلَّ وَقْتُ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَوَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ أَحَدًا غَيْرَهُمَا لِأَجْلِ بَيْعِ الرَّهْنِ صَحَّ ذَلِكَ. وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ ذَلِكَ الْوَكِيلَ بَعْدَهَا. وَلَا يَنْعَزِلُ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَيْضًا.
(2/206)
إذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَوَكَّلَ الرَّاهِنُ بِالْوَكَالَةِ الْمُضَافَةِ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا لِأَجْلِ بَيْعِ الرَّهْنِ كَانَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ صَحِيحَةً عَلَى مَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْمَادَّةِ (1459) . (الْخَانِيَّةُ) .
فَالْوَكَالَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَجَلَّةِ هِيَ الْوَكَالَةُ الْمُضَافَةُ. وَذِكْرُ صُورَةِ الْوَكَالَةِ فِي الْمَجَلَّةِ بِشَكْلِ الْوَكَالَةِ الْمُضَافَةِ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا بَلْ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ الْغَالِبِ. بِنَاءً عَلَيْهِ التَّوْكِيلُ بِالْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ أَيْضًا لِبَيْعِ الرَّهْنِ جَائِزٌ وَصَحِيحٌ. لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ الرَّهْنَ هُوَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ شَاءَ لِبَيْعِ مَالِهِ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا (أَبُو السُّعُودِ) وَلِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (1192) كُلٌّ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَيْفَمَا يَشَاءُ وَلَكِنْ يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَكَالَتَيْنِ مَثَلًا لِلْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ الْمُضَافَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ حِينَمَا يَحِلُّ وَقْتُ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1456) . .
وَلَكِنَّهُ إذَا وُكِّلَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ حِينَمَا يَحِلُّ وَقْتُ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَيْ إذَا وُكِّلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ بِالْوَكَالَةِ الْمُضَافَةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ قَبْلَ حُلُولِ الْوَقْفِ أَيْضًا (الْخَانِيَّةُ) .
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ بِدُونِ حُكْمِ الْمَحْكَمَةِ أَيْضًا. وَمَتَى بَاعَهُ وَكَالَةً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَقُومُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَقَامَ الْمَرْهُونِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ أَهْلًا لِلْوَكَالَةِ وَقْتَ التَّوْكِيلِ كَمَا لَوْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَا تَكُونُ الْوَكَالَةُ صَحِيحَةً رَاجِعْ الْمَوَادَّ (1458 و 957 و 966) (الْفَيْضِيَّةُ) .
حَتَّى أَنَّهُ إذَا بَاعَ الصَّغِيرُ الْمَرْقُومُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالْوَكَالَةَ بَطَلَا؛ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ مُقْتَدِرًا عَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ الْأَمْرِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا تَنْقَلِبُ الْوَكَالَةُ إلَى الصِّحَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - بَيْعُ هَذَا الصَّبِيِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ صَحِيحٌ. لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُقْتَدِرٌ عَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ الِامْتِثَالِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِرًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ (أَبُو السُّعُودِ) . فَإِذَنْ مِنْ اللَّازِمِ إثْبَاتُ أَهْلِيَّةِ الْمَأْمُورِ لِلْوَكَالَةِ وَقْتَ التَّوْكِيلِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَوَقْتَ الِامْتِثَالِ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ. وَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ عَقْدِ الْوَكَالَةِ الْمَذْكُورَةِ حِينَ عَقْدِ الرَّهْنِ يَجُوزُ أَيْضًا إجْرَاؤُهَا بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَيَكُونُ بَيْعُ الْوَكِيلِ الرَّهْنَ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْوَكَالَةِ صَحِيحٌ أَيْضًا. وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ بَيْعُ الرَّهْنِ بِدُونِ وَكَالَةٍ كَهَذِهِ مِنْ الرَّاهِنِ (اُنْظُرْ مَادَّتَيْ 96 و 365) وَحِينَمَا يَبِيعُ الرَّهْنَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِهِ وَيَقْبِضُ ثَمَنَهُ يَبْقَى الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ رَهْنًا فِي يَدِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ وَهُوَ فِي يَدِ الْعَدْلِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) " شَرْحُ الْمَجْمَعِ ".
كَمَا لَوْ هَلَكَ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي أَيْ حَالَةِ كَوْنِهِ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ بِوَفَاةِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا فَإِنَّمَا يَهْلِكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ قَدْرُهُ مِنْ الدَّيْنِ بِمُوجِبِ اللَّاحِقَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَإِذَا هَلَكَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَعْدَ بَيْعِ الْمَرْهُونِ يَسْقُطُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا وَلَا تَسْقُطُ قِيمَةُ الرَّهْنِ الْحَقِيقِيَّةُ.
(2/207)
فَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَثَلًا الْمَالَ الْمَرْهُونَ مُقَابِلَ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَبَعْدَ أَنْ قَبَضَ الثَّمَنَ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ أَلْفُ قِرْشٍ فَقَطْ. وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّيْنِ الْحَقِيقِيَّةُ أَلْفًا وَخَمْسِينَ قِرْشًا فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ قِرْشًا لَا يَسْقُطُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الدَّيْنِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ.
فَيُنْتَجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْخُصُوصَ لَيْسَ مَقِيسًا عَلَى مَسْأَلَةِ " الْقِيمَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الرَّهْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ هِيَ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهِ " الْمَارُّ إيضَاحُهَا فِي الْمَادَّةِ (741) (الْبَزَّازِيَّةُ وَالْعِنَايَةُ) .
وَإِذَا اُشْتُرِطَتْ الْوَكَالَةُ الْمَذْكُورَةُ حِينَ عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ أُجْرِيَتْ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ أَيْ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُ بِدُونِ رِضَاءِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَكَالَةِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً. لِأَنَّهُ لَمَّا اُشْتُرِطَتْ الْوَكَالَةُ وَقْتَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَصَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ الرَّهْنِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ. بِنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الرَّهْنَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لَازِمٌ صَارَتْ الْوَكَالَةُ الَّتِي هِيَ وَصْفُهُ لَازِمَةً أَيْضًا ثُمَّ حَيْثُ إنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ فَلَوْ كَانَ لِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى ضَيَاعِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ (الْهِدَايَةُ) فَهَا أَنَّ الْوَكَالَةَ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَأَنَّ الْمُوَكِّلَ مُقْتَدِرٌ عَلَى عَزْلِ وَكِيلِهِ مَتَى شَاءَ فَعَدَمُ اقْتِدَارِ الْمُوَكِّلِ الرَّاهِنِ عَلَى عَزْلِ هَذَا الْوَكِيلِ نَاشِئٌ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُ الْمَجَلَّةِ (لَيْسَ لِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ) لَيْسَ بِقَصْدِ الِاحْتِرَازِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. وَالْمُرْتَهِنُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ هَذَا الْوَكِيلَ وَيَمْنَعَهُ مِنْ بَيْعِ الرَّهْنِ (الْخَانِيَّةُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ الْمُرْتَهِنُ، وَهَذِهِ الْوَكَالَةُ كَمَا أَنَّهَا لَازِمَةٌ أَصْلًا لَازِمَةٌ وَصْفًا أَيْضًا.
بِنَاءً عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يُوَكِّلَ الرَّاهِنُ الْوَكِيلَ الْمَرْقُومَ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ إذَا مَنَعَهُ وَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَا يُعْتَبَرُ الْمَنْعُ وَالنَّهْيُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَأَمَّا إذَا نَهَى الرَّاهِنُ وَكِيلَهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً وَقْتَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَحِينَ تَوْكِيلِهِ إيَّاهُ فَالنَّهْيُ مُعْتَبَرٌ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1498) (الدُّرَرُ وَالْهِنْدِيَّةُ) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْعَزْلِ مِنْ التَّوْكِيلِ بَعْدَ الرَّهْنِ: اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ عَزْلِ الْوَكِيلِ مِنْ الْوَكَالَةِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَعَدَمِهِ. فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى جَوَازِ عَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ أَيْضًا وَذَهَبَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ وَلَا بِوَفَاتِهِ. وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى فَخْرَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ قَاضِي خَانْ رَجَّحَ وَصَحَّحَ جِهَةَ عَزْلِ هَذَا الْوَكِيلِ أَيْضًا وَعَدَمَ انْعِزَالِهِ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ وَإِطْلَاقُ الْمَجَلَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْمُخْتَارُ.
جَاءَ فِي الشَّرْحِ " بِدُونِ رِضَاءِ الْمُرْتَهِنِ ". لِأَنَّهُ بِرِضَاءِ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ. وَلَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ وُصُولُ خَبَرِ الْعَزْلِ إلَى الْوَكِيلِ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (1523) سَوَاءٌ كَلَا غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يُوَكِّلَا.
وَبِنَاءً عَلَيْهِ تُعَدُّ الْوَكَالَةُ بَاقِيَةً لِبَيْنَمَا يَصِلُ خَبَرُ الْعَزْلِ إلَى ذَلِكَ الْوَكِيلِ " الْهِنْدِيَّةُ " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (17) . وَلَا
(2/208)
يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الْمَرْقُومُ يَعْنِي الْوَكِيلَ غَيْرَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَكَالَةِ بِوَفَاةِ أَحَدٍ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ كِلَيْهِمَا أَوْ بِجُنُونِ أَحَدِهِمَا أَوْ هُمَا مَعًا.
وَلَمْ يَنْعَزِلْ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ صَارَتْ لَازِمَةً بِلُزُومِ عَقْدِ الرَّهْنِ. لِأَنَّهُ لَمَّا اُشْتُرِطَتْ الْوَكَالَةُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَأَصْبَحَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ صَارَتْ الْوَكَالَةُ لَازِمَةً بِلُزُومِ الْأَصْلِ. وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ أُجْرِيَتْ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ. عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ آنِفًا. اُنْظُرْ الْمَوَادَّ 1521 و 1522 و 1527 وَلَمْ يَنْعَزِلْ الْوَكِيلُ بِوَفَاةِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يُوَكِّلْهُ " أَبُو السُّعُودِ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ.
فَعَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّاهِنِ أَيْضًا الْمُرْتَهِنُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَثَلًا لَهُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَلَوْ كَانَتْ وَرَثَةٌ الرَّاهِنِ غَيْرَ حَاضِرَةٍ (الْهِنْدِيَّةُ) . حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْوَارِثُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ وَلِلْوَكِيلِ الْمَرْقُومِ بَيْعُ الرَّهْنِ فِي غِيَابِ الرَّاهِنِ وَحَالَ حَيَاتِهِ أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاءُ الرَّاهِنِ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ وَقَضَاؤُهُ تَعْبِيرُ وَوَفَاةُ الْمُوَكِّلِ يَعْنِي الرَّاهِنَ إقْرَارٌ مِنْ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ بِوَفَاةِ الْوَكِيلِ أَوْ بِجُنُونِهِ بِدَرَجَةِ أَنْ يُقْطَعَ الْأَمَلُ مِنْ شِفَائِهِ لَا يَبْقَى حُكْمٌ لِلْوَكَالَةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1529) سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَكِيلُ الْمُرْتَهِنُ أَمْ الْعَدْلُ أَمْ غَيْرَهُمَا وَأَمَّا الرَّهْنِيَّةُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَلِذَلِكَ لَا يَقُومُ وَارِثُ الْوَكِيلِ الْمُتَوَفَّى أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ وَصِيُّهُ مَقَامَهُ " الْخَانِيَّةُ " لِأَنَّ الْإِرْثَ لَا يَجْرِي فِي الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَيْ الرَّاهِنَ قَدْ اعْتَمَدَ عَلَى رَأْيِ الْوَكِيلِ الْمُتَوَفَّى وَرَضِيَ بِهِ وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى رَأْيِ وَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ " الدُّرَرُ وَالْعِنَايَةُ ".
حَتَّى لَوْ بَاعَ هَذَا الْوَصِيُّ أَوَالْوَارِثُ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا. وَلَكِنْ إذَا كَانَ لِلْوَكِيلِ مَأْذُونِيَّةٌ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ كَانَ لِوَصِيِّ هَذَا الْوَكِيلِ بَيْعُ الرَّهْنِ. وَالْمَأْذُونِيَّة بِالتَّوْكِيلِ تَكُونُ عَلَى الصُّورَةِ الْآتِيَةِ: وَهِيَ إذَا قَالَ الرَّاهِنُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ: وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَأَجَزْتُ كُلَّ مَا تَعْمَلُهُ كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ. وَلَكِنْ لَيْسَ لِوَصِيِّ هَذَا الْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِالْبَيْعِ الْمَذْكُورِ لِآخَرَ (أَبُو السُّعُودِ) . وَإِذَا جُنَّ الْوَكِيلُ وَكَانَ شِفَاؤُهُ مَأْمُولًا لَا يَنْعَزِلُ مِنْ الْوَكَالَةِ. وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ عِنْدَ إفَاقَتِهِ (الْهِنْدِيَّةُ وَابْنُ نُجَيْمٍ) . وَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ حَالَ جُنُونِهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 979 و 980.
. اسْتِثْنَاءٌ - إذَا رَهَنَ الرَّاهِنُ مَالًا وَوَكَّلَ الْعَدْلَ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا الْعَدْلُ فَبِنَاءً عَلَى حُكْمِ الْمَادَّةِ (706) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ حُكْمٌ فَالْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ صَحِيحَةٌ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ 1449 وَإِذَا بَاعَهُ الْعَدْلُ كَانَ الْبَيْعُ نَافِذًا. وَيُعْطِي الْعَدْلُ الْمَرْقُومُ الثَّمَنَ إلَى الرَّاهِنِ وَلَيْسَ إلَى الْمُرْتَهِنِ.
مَعَ أَنَّهُ إذَا أَعْطَى الْعَدْلُ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا. لِأَنَّهُ يَكُونُ أَعْطَى الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَخَدَمَ الْعَدَالَةَ. وَالْوَكَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ لَازِمَةً وَكَمَا أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَعْزِلَ الْعَدْلَ يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ الْمَرْقُومُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِوَفَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ بِجُنُونِهِ (الْهِنْدِيَّةُ بِزِيَادَةٍ) .
تَتِمَّةٌ: لِلْوَكِيلِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ أَنْ يَبِيعَ الْمَرْهُونَ مِنْ ذَاتِهِ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَلَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ لِمُرَاجَعَةِ الْمَحْكَمَةِ وَاسْتِحْصَالِ حُكْمٍ. سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَرْهُونُ مَنْقُولًا أَمْ عَقَارًا
(2/209)
مَثَلًا إذَا اسْتَقْرَضَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ عِشْرِينَ ذَهَبًا وَرَهَنَ عِنْدَهُ مُقَابِلَ ذَلِكَ سَاعَةً وَمَعَ تَسْلِيمِهِ إيَّاهَا أَعْطَاهُ وَكَالَةً بِبَيْعِ السَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ بَدَلِهَا فَيَبِيعُ الْمُرْتَهِنُ تِلْكَ السَّاعَةَ وَيَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّكَ لَمْ تُخْبِرْنِي أَوْ لَمْ تَأْخُذْ إعْلَامًا مِنْ الْمَحْكَمَةِ.
وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ دَوْرِيَّةً أَمْ غَيْرَ دَوْرِيَّةٍ. مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ عَقَارًا فَحَيْثُ إنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ تَابِعٌ لِبَعْضِ مُعَامَلَاتٍ رَسْمِيَّةٍ فَالْمُرْتَهِنُ الْحَائِزُ عَلَى وَكَالَةِ بَيْعِ الْمَرْهُونِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُ الْعَقَارِ مُسْتَقِلًّا وَالْأُصُولُ الْآتِيَةُ مَرْعِيَّةٌ الْيَوْمَ فِي بَيْعِهِ وَإِلَيْك الْبَيَانُ: يُرَاجِعُ الدَّائِنُونَ مَأْمُورِي التَّسْجِيلِ بِشَأْنِ بَيْعِ الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ أَوْ الْأَمْلَاكِ الصِّرْفَةِ الَّتِي رُهِنَتْ بِسَنَدَاتِ الدَّفْتَرِ الْخَاقَانِيِّ وَبِطَرِيقِ الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ وَالْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ. وَيُبْرِزُ لَهُمْ السَّنَدَ الْخَاقَانَيَّ الْمُتَضَمِّنَ الْوَكَالَةَ وَالْبَيْعَ بِالْوَفَاءِ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا يُخْبِرُ مَأْمُورُو التَّسْجِيلِ الْمَدِينَ بِالْكَيْفِيَّةِ تَحْرِيرًا فَإِذَا لَمْ يَفِ الْمَدِينُ دَيْنَهُ بِظَرْفِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ يَبِيعُ مَأْمُورُو التَّسْجِيلِ هَذَا الْعَقَارَ بِالْمُزَايَدَةِ وَيُؤَدُّونَ مَطْلُوبَ الدَّائِنِ مِنْ ثَمَنِهِ وَلَكِنْ إذَا رَاجَعَ الرَّاهِنُ الْمَحْكَمَةَ وَادَّعَى أَنَّهُ وَفَّى الدَّيْنَ سَابِقًا وَوَقَعَ إشْعَارٌ مِنْ الْمَحْكَمَةِ إلَى مَأْمُورِي التَّسْجِيلِ لِلُزُومِ تَأْخِيرِ مُعَامَلَاتِ الْبَيْعِ يُؤَخَّرُ أَمْرُ الْمُزَايَدَةِ انْتِظَارًا لِلْحُكْمِ الَّذِي يُصْدَرُ بِهَذَا الشَّأْنِ وَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ صَارَتْ مَرْعِيَّةَ الْإِجْرَاءِ بِنَاءً عَلَى الْإِرَادَةِ السَّنِيَّةِ الصَّادِرَةِ فِي 1 أَيْلُولَ سَنَةَ 1306. وَفُهِمَ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْفَرَاغَ هَذَا مَخْصُوصٌ فِي الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ وَالْأَمْلَاكِ الصِّرْفَةِ وَأَمَّا إذَا جَرَى فَرَاغُ الْمُسَقَّفَاتِ وَالْمُسْتَغِلَّات الْوَقْفِيَّةُ وَفَاءً مُقَابِلَ الدَّيْنِ فَبَيْعُهَا لِأَجْلِ الدَّيْنِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى حُكْمِ الْمَحْكَمَةِ وَإِعْلَامِهَا وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ ذَاتِهِ يَعْنِي أَنَّ مَأْمُورَ التَّسْجِيلِ لَا يَسْمَحُ بِفَرَاغِ هَذَا الْوَكِيلِ (الشَّارِحُ)
. الْأَحْكَامُ الَّتِي يَتَّحِدُ وَيَفْتَرِقُ فِيهَا الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْعَارِي: يَفْتَرِقُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عَنْ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْأَمْوَالِ غَيْرِ الْمَرْهُونَةِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى: يُجْبَرُ الْوَكِيلُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ عَلَى بَيْعِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَادَّةِ (715) رَاجِعْ الْمَادَّةَ الْآتِيَةَ. سَوَاءٌ اُشْتُرِطَتْ الْوَكَالَةُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَإِجْبَارُ الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الَّتِي أُجْرِيَتْ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ إيضَاحُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ. وَأَمَّا إذَا نَظَرْنَا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا إجْبَارَ فِي الْوَكَالَةِ الَّتِي بَعْدَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ بِسِرَايَةِ اللُّزُومِ مِنْ الرَّهْنِ إلَيْهَا فَإِذَا ثَبَتَ قَصْدًا يُعْطِي لَهُ حُكْمَ نَفْسِهِ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا إعَانَةٌ وَالْمُعِيرُ لَا يُجْبَرُ وَهَذَا أَصَحُّ (الْكِفَايَةُ) وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ عَادَةً لَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ وَكِيلٌ بِبَيْعِهِ. لِأَنَّهُ حَيْثُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُوَكَّلِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ إيفَاءِ لَوَازِمِ الْوَكَالَةِ وَأَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْهَا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1522) . أَمَّا الْمُدَّعِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ (أَبُو السُّعُودِ) .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ الرَّاهِنِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْعَارِي فَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِ مُوَكِّلِهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1521) .
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ لَا يَنْعَزِلُ بِوَفَاةِ الْمُوَكِّلِ الرَّاهِنِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْعَارِي فَيَنْعَزِلُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1527) . .
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ الْمَرْهُونَ مُقَابِلَ ثَمَنٍ مُخَالِفٍ لِجِنْسِ الدَّيْنِ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ
(2/210)
إلَى جِنْسِ الدَّيْنِ بِبَيْعِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِطَرِيقَةِ بَيْعِ الصَّرْفِ. وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْعَارِي هَذِهِ الصَّلَاحِيَّةُ (أَبُو السُّعُودِ) وَفِي الْوَاقِعِ أَنَّ هَاتَيْنِ الْوَكَالَتَيْنِ تَفْتَرِقَانِ بِصُورَةٍ خَامِسَةٍ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ يَجِبُ مُرَاجَعَةُ التَّنْوِيرِ لِأَجْلِ ذَلِكَ.
. وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْ الْخُصُوصَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْعَارِي بَلْ إنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْأَحْكَامِ (الْهِنْدِيَّةُ) وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي: الْوَكِيلُ يَبِيعُ الرَّهْنَ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ الْعَارِي لَهُمَا أَنْ يَبِيعَا الرَّهْنَ بِالْأَجَلِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ وَنَقْدًا وَبِكَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ مُطْلَقَةٌ وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ الْمَرْقُومُ هُوَ الْعَدْلُ الَّذِي أُودِعَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ وَبَعْدَ أَنْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ نَسِيئَةً عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقُولَ: لَا أُعْطِيهِ مَا لَمْ يُحْضِرْ الْعَدْلُ ثَمَنَ الْمَرْهُونِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 730) . لِأَنَّ الرَّهْنَ صَارَ دَيْنًا بِالْبَيْعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَكَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا الرَّهْنَ وَصَارَ الثَّمَنُ رَهْنًا بِتَرَاضِيهِمَا ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ انْتِقَالِ حُكْمِ الرَّهْنِ إلَى الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الرَّهْنَ بِأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ بَلْ وَضَعَهُ فِي يَدِ عَدْلٍ (الْعِنَايَةُ) .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَيُكَلَّفُ بِإِحْضَارِ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ (الْفَتْحُ) لَكِنْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ أَيْضًا أَنْ يَبِيعَ الْمَرْهُونَ لِأَجَلٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ بَيْنَ النَّاسِ كَوَكِيلِ الْبَيْعِ الْعَارِي. كَالْبَيْعِ مُؤَجَّلًا لِعَشْرِ سَنَوَاتٍ (أَبُو السُّعُودِ) إنَّمَا إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَكُنْ عَدْلٌ وَوَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَهُ نَسِيئَةً. كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْبَيْعُ نَسِيئَةً عِنْدَ وُجُودِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ نَقْدًا، رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ (1494 و 1498) . الْهِنْدِيَّةُ. مَثَلًا لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْوَكِيلِ: (إنَّ الْمُرْتَهِنَ يُطَالِبُنِي بِدَيْنِهِ وَيُضَايِقُنِي فَبِعْ الرَّهْنَ حَتَّى أَتَخَلَّصَ مِنْهُ) فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَبِيعَ الْمَرْهُونَ نَسِيئَةً.
2 - إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ الْمَرْهُونَ ثُمَّ وَهَبَ ثَمَنَهُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ ذَلِكَ وَضَمِنَ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1461) وَأَمَّا بَعْدَ قَبْضِهِ الثَّمَنَ إذَا وَهَبَهُ لِلْمُشْتَرِي عَيْنًا كُلًّا أَوْ قِسْمًا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 857) . إنَّمَا هَذَا الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا حَطَّ وَأَسْقَطَ مِقْدَارًا مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَبِنَاءً عَلَى شَرْحِ الْمَادَّةِ (158) كَانَ الْحَطُّ وَالْإِسْقَاطُ صَحِيحًا وَلَزِمَ الْعَدْلَ الْمَرْقُومَ أَنْ يُعِيدَ الْمِقْدَارَ السَّاقِطَ مِنْ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهُ مِنْ الْمَبْلَغِ الَّذِي أَعْطَاهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْحُكْمُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْعَارِي عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ. 3 -.
إذَا ادَّعَى الْعَدْلُ الْمَرْقُومُ أَنَّ الثَّمَنَ هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ أَنْ بَاعَ الرَّهْنَ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ يُصَدَّقُ الْعَدْلُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّتَيْنِ (777 و 1774) وَمِلْكُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
4 - إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ وَادَّعَى أَنَّهُ سَلَّمَ الثَّمَنَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا لِلْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ يُصَدَّقُ الْعَدْلُ
(2/211)
بِيَمِينِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 777 و 1774) وَيَسْقُطُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ 5 -.
الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ لِابْنِهِ أَوْ لِزَوْجَتِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1417) بَيْدَ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ وَأَجَازَهُ كُلٌّ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ صَارَ جَائِزًا وَلَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْحُكْمُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْعَارِي أَيْضًا هَكَذَا.
الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ إذَا وَكَّلَ شَخْصًا آخَرَ كَيْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَبَاعَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ يُنْظَرُ: فَإِذَا بَاعَهُ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ بِحُضُورِ الْوَكِيلِ أَوْ أَخْبَرَهُ بِالْمَبْلَغِ الَّذِي سَيَبِيعُهُ بِهِ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَإِذَا بَاعَهُ فِي غِيَابِهِ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُجِزْهُ بَعْدَهُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1453) .
7 - إذَا كَانَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ شَخْصَيْنِ وَبَاعَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُجِزْ الْوَكِيلُ الْآخَرُ أَوْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الرَّأْيِ وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الِاثْنَيْنِ وَلَا يَجُوزُ إذَا أَجَازَهُ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ فَقَطْ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1461) .
8 - إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ الْمَرْهُونَ وَبَعْدَ أَنْ أَعْطَى الْمُرْتَهِنَ الثَّمَنَ وُجِدَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ قَدِيمٌ يُخَاصِمُ الْمُشْتَرِي الْعَدْلَ الْمَرْقُومَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1461) فَإِذَا أُثْبِتَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ بِالْبَيِّنَةِ وَحُكِمَ بِرَدِّهِ يَسْرِي هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَيْضًا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 87) إذْ أَنَّهُ حِينَمَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ إلَى الْعَدْلِ لِثُبُوتِ الْعَيْبِ بِالْبَيِّنَةِ يَكُونُ ضَامِنًا الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْعَدْلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ - إنْ كَانَ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ - بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ وَقَدْ فُهِمَتْ سِرَايَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعُودُ الْمَبِيعُ كَالْأَوَّلِ إلَى الرَّهِينَةِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ ثَانِي مَرَّةٍ وَكَذَلِكَ إذَا رُدَّ الْمَبِيعُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ إلَى الْعَدْلِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ بِالْبَيِّنَةِ فَلِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ عَلَى الرَّاهِنِ أَيْضًا وَقَدْ فُهِمَتْ سِرَايَةُ الْحُكْمِ عَلَى الرَّاهِنِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ بِالْبَيِّنَةِ بَلْ أَقَرَّ الْعَدْلُ الْمَرْقُومُ بِالْعَيْبِ وَرُدَّ إلَيْهِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الْمَذْكُورُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي تَجْرِي فِي هَذَا الْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ الذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَنْكَرَهُ الْعَدْلُ وَحُكِمَ بِرَدِّهِ لِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ لَدَى اسْتِحْلَافِهِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ أَيْضًا وَلَكِنْ إذَا أَقَرَّ الْعَدْلُ بِالْعَيْبِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي مَكَثَ فِيهَا الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَرُدَّ إلَيْهِ الْمَبِيعُ يَبْقَى الْمَذْكُورُ مَالًا لِلْعَدْلِ.
وَلَا يَكُونُ لِلرَّدِّ الَّذِي وَقَعَ بِالْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ حُكْمٌ وَلَا تَأْثِيرٌ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 87) كَمَا لَوْ أَقَالَ الْعَدْلُ الْمَرْقُومُ الْبَيْعَ أَوْ اسْتَرْجَعَ الْمَبِيعَ بِدُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ - وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الْمَذْكُورُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهُ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي - يَبْقَى أَيْضًا الْمَبِيعُ لِلْعَدْلِ وَلَا يَكُونُ لِذَلِكَ تَأْثِيرٌ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ كَمَا أُوضِحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (196) تُعْتَبَرُ الْإِقَالَةُ بَيْعًا جَدِيدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّخْصِ الثَّالِثِ.
(2/212)
[فَائِدَةٌ فِي ضَبْطِ الرَّهْنِ بِالِاسْتِحْقَاقِ]
ِ بَعْدَ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَيُعْطِي ثَمَنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ: إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ الْمَرْهُونَ وَأَعْطَى ثَمَنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ ثُمَّ ضُبِطَ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِالِاسْتِحْقَاقِ يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ الثَّمَنَ عَنْ قَبْضِهِ مِنْهُ. يَعْنِي يَأْخُذُهُ مِنْ الْعَدْلِ إنْ كَانَ أَعْطَاهُ لِلْعَدْلِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1641) . وَيَأْخُذُ الْعَدْلُ إنْ شَاءَ مِنْ الرَّاهِنِ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي عُهْدَةِ الْبَيْعِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ مَطْلُوبَهُ مِنْ الرَّاهِنِ. وَيَعُودُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى حَالِهِ (الْخَانِيَّةُ) وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْطَاهُ لِلْمُرْتَهِنِ يَأْخُذُ مِنْهُ وَإِلَّا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْعَدْلِ. لِأَنَّ الْعَدْلَ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ فِي الْبَيْعِ (الزَّيْلَعِيّ) .
. وَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمُسْتَحِقُّ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْآتِيَةِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: إنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَةَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ. لِأَنَّ الرَّاهِنَ غَاصِبٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ وَسَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي وَفِي حَالِ تَضْمِينِهِ لِلرَّاهِنِ يَكُونُ بَيْعُ الْعَدْلِ وَقَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ صَحِيحَيْنِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ إذْ ذَاكَ أَنَّ الرَّاهِنَ أَمَرَ الْعَدْلَ بِبَيْعِ مِلْكِهِ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِلرَّهْنِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: وَإِنْ شَاءَ يَضْمَنُهُ لِلْعَدْلِ الْمُتَعَدِّي بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرْجِعُ الْعَدْلُ الْمَرْقُومُ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَرَادَ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلٌ مِنْ قِبَلِ الرَّاهِنِ وَعَامِلٌ لَهُ وَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَحِقَهُ مِنْ عُهْدَةِ الْبَيْعِ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ بَيْعُ الْعَدْلِ وَقَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ حِينَمَا كَانَ الرَّاهِنُ ضَامِنًا وَقَرَارُ الضَّمَانِ وَقَعَ عَلَيْهِ يَصِيرُ مَالِكًا لِلْمَرْهُونِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الضَّمَانِ وَيَتَبَيَّنُ إذْ ذَاكَ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَيْعِ مَالِ نَفْسِهِ وَحَيْثُ إنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ مَطْلُوبَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ صَحِيحٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (الزَّيْلَعِيّ) . بَقِيَ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ كَالزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ الْعَدْلَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ تَبِعُوا فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةُ قَالَ الشِّبْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيّ: وَقَدْ قَالَ شَارِحُهَا الْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ الثَّمَنُ وَعَزَاهُ إلَى الْكَافِي (أَبُو السُّعُودِ) . وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي أَخَذَ مِنْهُ مَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ. لِأَنَّ الْعَدْلَ صَارَ مَالِكًا الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ بِالضَّمَانِ. وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الْعَدْلُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَضْمَنُ الْعَدْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ؟ قَالَ والشرنبلالي: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَرْجِعَ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ الْمَذْكُورَانِ بَاطِلَيْنِ وَيَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ مَطْلُوبَهُ مِنْ الرَّاهِنِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ لِلْمُشْتَرِي الْمُتَعَدِّي بِالْأَخْذِ وَالتَّسَلُّمِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ عَلَى الْعَدْلِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْتَرْ الْمُسْتَحِقُّ صُورَةً مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَأْسًا، مَا لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ.
جَاءَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ (وَأَعْطَى الْعَدْلُ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ) . لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ وَضَبَطَ الْمَبِيعَ
(2/213)
بِالِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَيْسَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ.
ذُكِرَ فِي الدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَالْوُقَايَةِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ يَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ فِيهِ وَحَيْثُ إنَّ الْبَيْعَ حَصَلَ لِأَجْلِ حَقِّهِ جَازَ لُزُومُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا.
وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي يُوَكِّلُ فِيهَا الرَّاهِنُ الْعَدْلَ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ فَقَطْ. سَوَاءٌ أَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ أَمْ لَمْ يَقْبِضْهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الرَّهْنِ وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُقْتَضَى بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَحَقِّهِ (الزَّيْلَعِيّ)
[ (الْمَادَّةُ 761) عِنْدَ حُلُولِ أَدَاءِ الدَّيْنِ يَبِيعُ الْوَكِيلُ الرَّهْنَ وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ]
(الْمَادَّةُ 761) :
عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِ أَدَاءِ الدَّيْنِ يَبِيعُ الْوَكِيلُ الرَّهْنَ وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِذَا امْتَنَعَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ وَإِذَا أَبَى الرَّاهِنُ أُجْبِرَ بِبَيْعِ الْحَاكِمِ وَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ أَوْ وَرَثَتُهُ غَائِبِينَ يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِذَا امْتَنَعَ يَبِيعُ الْحَاكِمُ بِنَفْسِهِ.
إنَّ الشَّخْصَ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ عِنْدَمَا يَحِلُّ وَقْتُ أَدَاءِ الدَّيْنِ يَبِيعُ الرَّهْنَ وَزَوَائِدَهُ الْمُحَرَّرَةَ فِي الْمَادَّةِ (815) وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُضَافَةً أَيْ عَلَى أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِ أَدَاءِ الدَّيْنِ. حَتَّى أَنَّهُ حِينَمَا يَكُونُ التَّوْكِيلُ مُضَافًا لِوَقْتٍ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ شَخْصًا عَلَى أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ وَيَفِيَ الدَّيْنَ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهِ لِحَدِّ كَذَا مِنْ الزَّمَنِ مَثَلًا وَبَاعَ الْوَكِيلُ الرَّهْنَ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ حُلُولِ ذَلِكَ الزَّمَنِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ نَافِذًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1456) وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا يَحْدُثُ مِنْ الرَّهْنِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ ثَمَرٍ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ (الْخَانِيَّةُ) .
فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْمَرْهُونَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ يَخْرُجُ الْمَرْهُونُ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ وَإِنْ بَقِيَ ثَمَنُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي يَقُومُ ذَلِكَ الثَّمَنُ مَقَامَ الْمُثَمَّنِ. يَعْنِي كَمَا أَنَّ الثَّمَنَ أَيْضًا رَهْنًا (الْخَانِيَّةُ) .
وَلِذَلِكَ إذَا هَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَوْ بِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِوَفَاتِهِ مُفْلِسًا يَسْقُطُ الدَّيْنُ الَّذِي يُقَابِلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) . وَالثَّمَنُ الْمُعْتَبَرُ فِي سُقُوطِ الدَّيْنِ ثَمَنُ الْمَبِيعِ يَعْنِي ثَمَنَ الْمَرْهُونِ وَلَيْسَ قِيمَةَ الْمَرْهُونِ الْحَقِيقِيَّةَ وَقْتَ الْقَبْضِ مَثَلًا. وَفِي الْوَاقِعِ وَإِنْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَقْبِضْ هَذَا الثَّمَنَ بَعْدُ حَيْثُ إنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ اُعْتُبِرَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ.
إذَا ادَّعَى الْعَدْلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ وَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي يَكُونُ كَأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى.
سُؤَالٌ - إذَا كَانَ كَلَامُ الْعَدْلِ هَذَا إقْرَارًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ. وَإِذَا كَانَ شَهَادَةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا حُكْمَ لَهَا. فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ حُجَّةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ؟ الْجَوَابُ - كَلَامُ الْعَدْلِ هَذَا لَيْسَ أَدْنَى مِنْ قَوْلِهِ: (هَلَكَ الْمَرْهُونُ فِي يَدِي بِلَا تَعَدٍّ) فَبِقَوْلِهِ هَلَكَ بِلَا تَعَدٍّ يُقْبَلُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ 1774 وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) .
(2/214)
وَإِذَا امْتَنَعَ الْوَكِيلُ الْمَرْقُومُ عَنْ بَيْعِ الرَّهْنِ أَوْ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِوَفَاةِ الْوَكِيلِ فَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَظَرًا لِهَذَا الْقَوْلِ يُجْبَرُ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ فِي تَقْدِيرِ غِيَابِ الرَّاهِنِ أَوْ وَرَثَتِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ. وَالْقَاضِي يُجْبِرُ الْعَدْلَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ (الْخَانِيَّةُ) وَكَيْفِيَّةُ الْجَبْرِ تَحْصُلُ بِحَبْسِ الْحَاكِمِ الْوَكِيلَ بِضْعَةَ أَيَّامٍ. يَعْنِي عِنْدَ امْتِنَاعِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عَنْ الْبَيْعِ يُرَاجِعُ الْمُرْتَهِنُ الْحَاكِمَ. يَعْنِي عِنْدَمَا يُثْبِتُ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَوَكَالَةَ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِالْبَيْعِ يُجْبِرُ الْحَاكِمُ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ. وَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ هَذَا يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ (الْخَانِيَّةُ) .
الْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ الْإِمَامِ الْكَرْخِيِّ وَنَظَرًا لِهَذَا الْقَوْلِ لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ بَلْ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُتَبَرِّعٌ وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يُجْبَرُ خُصُوصًا إذَا كَانَ إجْبَارُ الْمُوَكِّلِ مُمْكِنًا.
وَحَيْثُ إنَّ الْمَجَلَّةَ صَرَّحَتْ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ أَنَّهُ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ قَدْ قُبِلَ.
وَاذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِنَاءً عَلَى الْجَبْرِ الْوَاقِعِ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا. يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ لَا يُقَاسَ عَلَى الْبَيْعِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ فِي الْمَادَّةِ (1006) لِأَنَّ الْإِجْبَارَ فِي هَذَا بِحَقٍّ وَالْبَيْعُ الَّذِي يَقَعُ بِنَاءً عَلَى إجْبَارِ مُحِقٍّ مِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ بَيْعًا مُكْرَهًا وَهَذَا الْإِجْبَارُ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى تَأْدِيَةِ الدَّيْنِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَبِعْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ وَأَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ مِنْ مَبْلَغٍ صَحَّ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى مَحِلٌّ لِإِجْبَارِهِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ. (عَيْنِيٌّ) .
وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ أَيْضًا عَنْ بَيْعِ الرَّهْنِ يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ وَيُعْطِي ثَمَنَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَبَيْعُ الْحَاكِمِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَبِحُكْمِ الْمَادَّةِ (20) مِنْ الْمَجَلَّةِ الضَّرَرُ يُزَالُ - وَالْأُصُولُ الْمَرْعِيَّةُ فِي يَوْمِنَا هَذَا هِيَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَسْتَحْصِلُ مِنْ الْمَحْكَمَةِ إعْلَامًا بِتَحْصِيلِ الدَّيْنِ وَبَيْعِ الرَّهْنِ وَيُودِعُ هَذَا الْإِعْلَامَ إلَى دَائِرَةِ الْإِجْرَاء فَيُبَلَّغُ إخْبَارٌ إلَى الرَّاهِنِ بِلُزُومِ إيفَائِهِ الدَّيْنَ وَأَنْ سَيُبَاعُ الْمَرْهُونُ إذْ لَمْ يَفْعَلْ. وَيُوضَعُ الْمَرْهُونُ بَعْدَ هَذَا فِي الْمَزَادِ وَبَعْدَ أَنْ يَتَقَرَّرَ عَلَى أَحَدٍ يُبَلَّغُ إلَى الْمَدَّيْنِ مِنْ طَرَفِ دَائِرَةِ الْإِجْرَاءِ إنْذَارٌ آخَرُ يُخْبَرُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ الدَّيْنَ يُسَلَّمُ الْمَرْهُونُ إلَى الْمُشْتَرِي. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يُسَلَّمْ الْمَرْهُونُ إلَى الْمُشْتَرِي وَيُؤْخَذْ ثَمَنُ الْمَبِيعِ وَيُوَفَّى دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ فَأُقِيمَ الْإِنْذَارُ مَقَامَ الْإِجْبَارِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ.
وَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ أَوْ وَرَثَتُهُ فِي حَالٍ وَفَاتِهِ غَائِبِينَ وَلَمْ يُمْكِنْ إجْبَارُهُمْ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ بِحَبْسِهِ بِضْعَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ وَكَمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَيْرُ مُقْتَدِرٍ عَلَى الِادِّعَاءِ عَلَى الرَّاهِنِ الْغَائِبِ فَلَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَةٌ أَيْضًا بِبَيْعِ الرَّهْنِ (أَبُو السُّعُودِ وَالزَّيْلَعِيّ) .
فَعَلَى قَوْلِ إجْبَارُ الْوَكِيلِ مُطْلَقٌ. سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً بِالْعَقْدِ أَمْ عُقِدَتْ بَعْدَ تَمَامِ عَقْدِ الرَّهْنِ. وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ قَالَ: إنْ كَانَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ أَيْ الْوَكَالَةِ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَيُجْبَرُ الْوَكِيلُ وَأَمَّا إذَا أُجْرِيَتْ الْوَكَالَةُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ. وَإِنَّمَا إطْلَاقُ الْمَجَلَّةِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ (أَبُو السُّعُودِ وَالْخَانِيَّةُ) .
(2/215)
وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ الْمَرْهُونَ بِحَسَبِ وِكَالَتِهِ تَرْجِعُ عُهْدَةُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1461) وَيَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ (الْخَانِيَّةُ) .
وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا أَنْكَرَ الْعَبْدُ الْوَكِيلُ كَوْنَ الْمَالِ الْمَرْهُونِ هُوَ هَذَا الْمَالُ أَوْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إنْ كَانَ الْمَالُ الْمَرْهُونُ هُوَ هَذَا الْمَالُ أَمْ لَا بِالْقَوْلِ مَعَ الْيَمِينِ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ قَوْلُ الْعَدْلِ. فَإِنْ حَلَفَ الْعَدْلُ الْيَمِينَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ وَحِينَئِذٍ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ الرَّاهِنَ إنْ كَانَ حَاضِرًا بِالْبَيْعِ وَإِذَا امْتَنَعَ يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ وَلَكِنْ إذَا نَكَلَ الْعَدْلُ عَنْ الْيَمِينِ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ (الْخَانِيَّةُ) .
أَوْ إذَا امْتَنَعَ الْوَكِيلُ الْمَرْقُومُ عَنْ الْبَيْعِ وَأَصَرَّ عَلَى عِنَادِهِ يَبِيعُ الْحَاكِمُ بِالذَّاتِ وَإِذَا بَاعَ الْحَاكِمُ تُعَادُ عُهْدَةُ الْبَيْعِ إلَى الرَّاهِنِ فَكَمَا تَقَدَّمَ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلٌ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْعَدْلُ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ إذَا أَرَادَ إقَامَتَهَا (مَا يُخَالِفُهُ فِي الْأَنْقِرْوِيُّ) وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَشْرَ ذَهَبَاتٍ مَثَلًا وَبَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِدَرَاهِمَ فِضِّيَّةٍ أَوْ إذَا كَانَ الدَّيْنُ فِضَّةً وَبَاعَهُ بِذَهَبٍ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيُبَدَّلُ بَعْدَهُ الْمَبْلَغُ بِحَبْسِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ حِنْطَةً وَبَاعَ الرَّهْنَ بِدَرَاهِمَ فِضِّيَّةٍ صَحَّ ذَلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِي الْوَكِيلُ الْمَذْكُورُ بِالدَّرَاهِمِ الْفِضِّيَّةِ حِنْطَةً وَيُعْطِيَهَا لِلدَّائِنِ.
قَوْلُهُ (عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِ أَدَاءِ الدَّيْنِ) لِأَجْلِ بَيَانِ الصُّورَةِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْوَكَالَةُ مُضَافَةً أَوْ مُعَلَّقَةً كَمَا وَضَحَ شَرْحًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ مُضَافَةً إلَى وَقْتٍ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ وَكَانَتْ مُطْلَقَةً فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ قَبْلَ حُلُولِ وَقْتِ الْأَدَاءِ أَيْضًا.
وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ التَّسْلِيطِ عَلَى الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ وَكَالَةُ الْعَدْلِ مَثَلًا بِبَيْعِ الرَّهْنِ مُضَافَةً إلَى حُلُولِ أَجَلٍ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: إنَّ الْأَجَلَ لِرَمَضَانَ وَهَا قَدْ حَلَّ قَالَ الرَّاهِنُ: إنَّهُ كَانَ لِشَوَّالٍ وَحَصَلَ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ. لِأَنَّ التَّسْلِيطَ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَأَمَّا إذَا اُخْتُلِفَ فِي حُلُولِ وَقْتِ الْأَدَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَ الدَّيْنِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ.
(2/216)
[لَاحِقَةٌ فِي الِاخْتِلَافَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّهْنِ] [الْمَبْحَث الْأَوَّل اخْتِلَاف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهِن فِي أَصْلِ الرَّهْن أَوْ تُعَيِّيَنه وَردّه أَوْ مِقْدَار الْمَرْهُون بِهِ]
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ أَوْ تَعْيِينِ وَرَدِّ الرَّهْنِ أَوْ فِي مِقْدَارِ الْمَرْهُونِ بِهِ.
مَسْأَلَةٌ 1 - الْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِمُنْكِرِ الرَّهْنِ (الْأَشْبَاهُ قُبَيْلَ الْجِنَايَاتِ) " رَاجِعْ الْمَادَّةَ 86 ". .
مَسْأَلَةٌ 2 - إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِيمَا لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الرَّهْنُ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: إنَّهُ هُوَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْقَابِضَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ (الْأَشْبَاهُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
إلَّا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ رَهَنَ مَالَهُ الَّذِي بِقِيمَةِ أَلْفَيْ قِرْشٍ مُقَابِلَ دَيْنِهِ الْبَالِغِ أَلْفَ قِرْشٍ وَسَلَّمَهُ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: إنَّ الْمَالَ الْمَرْهُونَ هُوَ هَذَا وَأَحْضَرَ مَالًا بِقِيمَةِ خَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَإِذَا لَمْ يُصَدِّقْ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمَالَ الْمَرْهُونَ هُوَ هَذَا الْمَالُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ هَذَا. لِأَنَّهُ بَيْنَمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَرْهُونَ بِقِيمَةِ أَلْفَيْ قِرْشٍ فَالِادِّعَاءُ بِأَنَّ الْمَالَ الْمَرْهُونَ هُوَ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَ يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الرَّهْنِ) . وَلَوْ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ بِفَرَسٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ فَقَالَ الرَّاهِنُ " لَيْسَ هَذَا الْفَرَسُ الْمَرْهُونَ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: هَذَا ذَلِكَ الْفَرَسُ وَانْتَقَصَ سِعْرُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَيَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ يُجْعَلُ الْفَرَسُ هَالِكًا بِالدَّيْنِ فِي زَعْمِهِ (الْخَانِيَّةُ بِتَغْيِيرٍ وَفِيهَا تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ) .
. مَسْأَلَةٌ 3 - إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِيمَا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ: إنِّي كُنْتُ رَهَنْت وَسَلَّمْتُ هَذَا الثَّوْبَ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: كُنْتُ رَهَنْت وَسَلَّمْتُ هَذَا الْبَغْلَ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ وَالْبَغْلُ مَوْجُودَيْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ. وَأَمَّا إذَا كَانَا هَالِكَيْنِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ الَّذِي ادَّعَى الرَّاهِنُ رَهْنَهَا وَتَسْلِيمَهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبَغْلِ فَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ.
كَمَا أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: إنَّكَ كُنْتَ رَهَنْتَ وَسَلَّمْتَ الثَّوْبَ وَالْبَغْلَ كِلَيْهِمَا وَقَالَ الرَّاهِنُ: إنِّي رَهَنْتُ وَسَلَّمْتُ الثَّوْبَ فَقَطْ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1762) وَأَمَّا الْقَوْلُ فَلِلرَّاهِنِ (الْخَانِيَّةُ) .
. مَسْأَلَةٌ 4 - إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ أَنَّهُ أَعَادَهُ لِلرَّاهِنِ وَأَنْكَرَهُ الرَّاهِنُ يَكُونُ الْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ اتَّفَقَا عَلَى دُخُولِ الْمَرْهُونِ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَدَّعِي الْمُرْتَهِنُ
(2/217)
الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ وَالرَّاهِنُ يُنْكِرُهُ فَبِنَاءً عَلَيْهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. وَلَا يُقَالُ إنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (1774) . لِأَنَّ حُكْمَ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ بِخُصُوصِ الْأَمَانَةِ الْمَحْضَةِ وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلَيْسَ بِالْأَمَانَةِ الْمَحْضَةِ بَلْ إنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ. عَلَى مَا وَرَدَ تَفْصِيلُهُ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) .
وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَةً صَحِيحَةً بِخُصُوصِ أَنَّ الْقَوْلَ فِي الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فَكَوْنُ الْقَوْلِ مَعَ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَيَلْزَمُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا حُكْمُ الْمَادَّةِ (1774) السَّالِفَةِ الذِّكْرِ.
وَإِذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّ الرَّهْنَ إلَى الرَّاهِنِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ وَادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلرَّاهِنِ. وَتُرَجَّحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالتَّنْقِيحُ وَالْخَانِيَّةُ) .
مَسْأَلَةٌ 5 - إذَا أَقَامَ الِاثْنَانِ الْبَيِّنَةَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآنِفَةِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِمُوجِبِ لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) لِأَنَّ بَيِّنَةَ الرَّاهِنِ تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1762) .
وَأَمَّا إذَا أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ فَقَطْ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1769) . (والشرنبلالي رَدُّ الْمُحْتَارِ التَّنْقِيحُ وَالْبَزَّازِيَّةُ) .
. مَسْأَلَةٌ 6 - إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الرَّهْنَ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يُنْكِرُ أَسَاسًا دُخُولَ الْمَرْهُونِ فِي ضَمَانِهِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 76) . وَإِنْ أَقَامَ كِلَاهُمَا الْبَيِّنَةَ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ. لِأَنَّ بَيِّنَةَ الرَّاهِنِ تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1762) " الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ الْبَزَّازِيَّةُ رَدُّ الْمُحْتَارِ الْخَانِيَّةُ وَالْأَنْقِرْوِيُّ ".
[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِي الِاخْتِلَافِ عَلَى بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَثَمَنِهِ]
مَسْأَلَةٌ 7 - إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ قِرْشٍ وَأَفَادَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ بَاعَهُ بِتِسْعِمِائَةِ قِرْشٍ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى ذَلِكَ يُسْأَلُ الرَّاهِنُ فَإِذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ بِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْ تِسْعِمِائَةِ قِرْشٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ وَالْمُرْتَهِنِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 76) وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1762) . .
وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ الرَّاهِنُ الْبَيْعَ مُدَّعِيًا أَنَّ الرَّهْنَ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مُسَاوِيَةً لِلدِّينِ.
. مَسْأَلَةٌ 8 - إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ بِأَلْفِ قِرْشٍ وَالْوَكِيلُ بِتِسْعِمِائَةٍ وَالْمُرْتَهِنُ بِثَمَانِمِائَةٍ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ قَبَضَ الثَّمَانَمِائَةِ قِرْشٍ الْمَذْكُورَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ. وَيَأْخُذُ الْمِائَتَيْ قِرْشٍ مِنْ الرَّاهِنِ عَلَى حِدَةٍ. وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَلِلرَّاهِنِ.
(2/218)
مَسْأَلَةٌ 9 - إذَا أَقَامَ الْعَدْلُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ بَاعَ الرَّهْنَ بِتِسْعِمِائَةِ قِرْشٍ وَأَقَامَ الرَّاهِنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يُبَعْ وَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ
. مَسْأَلَةٌ 10 - إذَا رَهَنَ شَخْصٌ مَالًا هُوَ بِقِيمَةِ أَلْفِ قِرْشٍ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ بَالِغٍ أَلْفَ قِرْشٍ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: إنِّي بِعْته بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ: لَمْ تَبِعْهُ بَلْ إنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِكَ وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِذَا أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى بَيْعِهِ فَبِهَا وَإِلَّا يَحْلِفْ الرَّاهِنُ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِبَيْعِ الْمُرْتَهِنِ. وَلَا يَحْلِفُ عَلَى أَنَّ الْمَرْهُونَ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنْ حَلَفَ يَسْقُطُ الدَّيْنُ (الْخَانِيَّةُ) (اُنْظُرْ لَاحِقَةَ شَرْحِ الْمَادَّةِ 741) .
. مَسْأَلَةٌ 11 - إذَا بَاعَ الْعَدْلُ الْمَرْهُونَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ أَنْ حَصَلَ التَّصَادُقُ عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الرَّاهِنُ: بَاعَهُ بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ (وَلَمَّا صَارَ كُلٌّ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةِ الرَّهْنِ عَشْرَ ذَهَبَاتٍ) وَصَادَقَ الْعَدْلُ عَلَى قَوْلِ الرَّاهِنِ. مَعَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يُصَادِقْ وَقَالَ: لَا بَلْ بِيعَ بِخَمْسِ ذَهَبَاتٍ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُرْتَهِنِ. وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَلِلرَّاهِنِ (الْخَانِيَّةُ) .
[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ عَلَى مِقْدَارِ الْمَرْهُونِ بِهِ]
. مَسْأَلَةٌ 12 - إذَا رَهَنَ شَخْصٌ عِنْدَ آخَرَ مَالًا مُقَابِلَ دَيْنٍ بَالِغٍ أَلْفَ قِرْشٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ: إنِّي رَهَنْته مُقَابِلَ خَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَقَطْ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْته - مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ تَمَامًا وَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُنْكِرٌ تَعَلُّقَ الْمَرْهُونِ بِزِيَادَةِ الدَّيْنِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (76) . (الْخَانِيَّةُ) .
. مَسْأَلَةٌ 13 - إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِيمَا لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ: أَعْطَيْتُ رَهْنًا مُقَابِلَ أَلْفِ قِرْشٍ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ رَهَنْت مُقَابِلَ خَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مَوْجُودًا وَقِيمَتُهُ أَلْفُ قِرْشٍ يَجْرِي التَّحَالُفُ، فَإِنْ حَلَفَا كِلَاهُمَا يُرَدُّ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ. وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ التَّحَالُفِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يُنْكِرُ سُقُوطَ زِيَادَةِ الدَّيْنِ (الْخَانِيَّةُ) .
فَإِذَا اخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ عَلَى مِقْدَارِ الْمَرْهُونِ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ مَثَلًا: إنَّكَ كُنْتَ رَهَنْتَ هَذَيْنِ الْمَالَيْنِ مُقَابِلَ مَطْلُوبِي الْبَالِغِ أَلْفَ قِرْشٍ وَقَالَ الرَّاهِنُ: كُنْتُ رَهَنْتُ أَحَدَهُمَا فَقَطْ يَجْرِي التَّحَالُفُ. وَإِنْ أَقَامَ كِلَاهُمَا الْبَيِّنَةَ رُجِّحَ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ.
[الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ فِي نِزَاعِ شَخْصَيْنِ عَلَى رَهْنٍ وَاحِدٍ]
مَسْأَلَةٌ 14 - إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْ شَخْصَيْنِ فِي مَالٍ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ مَرْهُونٌ عِنْدَهُ فَقَطْ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
(2/219)
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَفِي هَذَا ثَلَاثُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ أَيْ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِكَ الشَّخْصَيْنِ. فَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ إنْ بَيَّنَ الْآخَرُ تَارِيخًا يُحْكَمُ بِرَهْنِيَّةٍ الْمَالِ الْمَذْكُورِ لَدَى الْيَدِ. لِأَنَّ قَبْضَ ذِي الْيَدِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ وَالْأَسْبَقُ عَقْدًا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ الْآخَرُ وُقُوعَ عَقْدِهِ وَقَبْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْأَوَّلُ الرَّهْنَ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ - أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ ذَيْنِكَ الشَّخْصَيْنِ مَعًا. يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الِاثْنَانِ وَضَعَا الْيَدَ عَلَيْهِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَقَطْ.
وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إذَا بَيَّنَ الِاثْنَانِ تَارِيخًا وَكَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا سَابِقًا يُحْكَمُ لَهُ. لِأَنَّ مَنْ كَانَ تَارِيخُهُ سَابِقًا أَثْبَتَ يَدَهُ وَثَبَتَ حَقُّهُ فِي زَمَنٍ لَمْ تَكُنْ لِلْآخَرِ مُنَازَعَةٌ فِيهِ.
وَإِذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ تَارِيخًا يُحْكَمُ لَهُ. لِأَنَّهُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ لِكَوْنِ ثُبُوتِ عَقْدِ الرَّهْنِ بِحَقِّ الَّذِي بَيَّنَ تَارِيخًا فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ وَبِحَقِّ الْآخَرِ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ أَحَدٌ مِنْهُمَا تَارِيخًا أَوْ إذَا بَيَّنَ الِاثْنَانِ تَارِيخًا وَاحِدًا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ الْوَاقِعَةُ لِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ. حَيْثُ إنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ مِلْكٌ وَاحِدٌ مَرْهُونًا عِنْدَ شَخْصَيْنِ وَلَا مَسَاغَ فِي رَهْنِهِ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ شُيُوعٌ. وَرَهْنُ الْمَشَاعِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّمَا يَهْلِكُ أَمَانَةً لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلرَّهْنِ الْبَاطِلِ (أَبُو السُّعُودِ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي - أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ وَفَاةِ الرَّاهِنِ وَفِيهَا أَيْضًا ثَلَاثُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى: أَنْ يُبَيِّنَ الِاثْنَانِ تَارِيخًا لِلِارْتِهَانِ وَالْقَبْضِ وَأَنْ يَكُونَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا سَابِقًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَحْكُمُ لِمَنْ كَانَ تَارِيخُهُ مُقَدَّمًا.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُبَيِّنَ الِاثْنَانِ تَارِيخًا وَاحِدًا أَيْ مُسَاوِيًا.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يُبَيِّنَ أَحَدٌ مِنْهُمَا تَارِيخًا.
وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يُنْظَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ فِي يَدِهِمَا - كَوُجُودِهِ فِي تَرِكَةِ الرَّاهِنِ - فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُحْكَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمُنَاصَفَةِ لِأَنَّ مَقْصُودَ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ هُوَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الرَّهْنِ بِأَنْ يُبَاعَ لِدَيْنِهِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلشَّرِكَةِ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا بَرْهَنَا عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ لَا يُقْبَلُ فَإِذَا بَرْهَنَا بَعْدَ مَوْتِهَا قُبِلَ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا الْمَالُ فَيُقْتَضَى لِكُلٍّ نِصْفُ مِيرَاثِ زَوْجٍ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ) .
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَطْ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ قَبْضَهُ دَلِيلٌ عَلَى سَبَقِهِ (شَرْحُ الْمَجْمَعِ الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ)
(2/220)
[الْخَاتِمَةُ فِي بَيَانِ دَعْوَى الرَّهْنِيَّةِ]
ِ وَالِاسْتِيدَاعِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ التَّصَدُّقِ مَعَ التَّسْلِيمِ فِي مَالٍ.
مَسْأَلَةٌ 15 - تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الرَّهْنِ عَلَى بَيِّنَةِ الْوَدِيعَةِ. كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ بِأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ أَخَذَ مِنِّي هَذَا الْمَالَ الْمَوْجُودَ فِي يَدِهِ عَلَى سَبِيلِ الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى ذَلِكَ الشَّخْصُ أَنَّهُ أَخَذَهُ رَهْنًا تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْ الْمُرْتَهِنِ.
لِأَنَّهُ فِي اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يَرُدَّ الرَّهْنَ عَلَى الْإِيدَاعِ فَيَعْتَبِرُ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ أَوَّلًا ثُمَّ رَهَنَ بَعْدَهُ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ شُهُودُ الطَّرَفَيْنِ صَادِقِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ.
. مَسْأَلَةٌ 16: تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ عَلَى بَيِّنَةِ الرَّهْنِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ بَاعَ هَذَا الْمَالَ إلَى هَذَا الشَّخْصِ وَادَّعَى ذَلِكَ الشَّخْصُ أَنَّهُ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَأَقَامَ الِاثْنَانِ الْبَيِّنَةَ وَأَثْبَتَا الْمُدَّعَى تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ. فَيُعْتَبَرُ كَأَنَّهُ رَهْنٌ أَوَّلًا ثُمَّ بَيْعٌ مُؤَخَّرًا فَتَبْطُلُ الرَّهْنِيَّةُ. وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا يُعَدُّ شُهُودُ الطَّرَفَيْنِ صَادِقِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ.
. مَسْأَلَةٌ 17: تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ عَلَى بَيِّنَةِ الرَّهْنِ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ الرَّهْنَ وَالتَّسْلِيمَ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ. وَلَكِنْ إذَا ادَّعَى الْوَاحِدُ مِنْ الْخَارِجِينَ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الشَّخْصِ الثَّالِثِ وَالْخَارِجُ الْآخَرُ ادَّعَى الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ. تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الرَّهْنِ وَالتَّسْلِيمِ. مَا لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ الْخَارِجُ الْآخَرُ أَنَّ الْقَبْضَ الْوَاقِعَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ حَصَلَ قَبْلَ وُقُوعِ الرَّهْنِ
. مَسْأَلَةٌ 18: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ الشِّرَاءَ وَالْقَبْضَ فِي مَالٍ وَادَّعَى شَخْصٌ آخَرُ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَأَقَامَ الِاثْنَانِ الْبَيِّنَةَ وَأَثْبَتَا مُدَّعَاهُمَا فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ فِي تَارِيخٍ أَقْدَمَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الرَّهْنِ. مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ تَارِيخَ الشِّرَاءِ مُقَدَّمٌ.
تَارِيخُ الْإِرَادَةِ السَّنِيَّةِ: 25 صَفَرِ 1288.
(2/221)
[الْكِتَابُ السَّادِسُ الْأَمَانَاتُ]
ُ الْأَمَانَاتُ الْأَمَانَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. لِأَنَّ مُعَامَلَةَ الْإِنْسَانِ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعَ رَبِّهِ أَوْ مَعَ الْعِبَادِ أَوْ مَعَ نَفْسِهِ. وَالرِّعَايَةُ لِلْأَمَانَةِ لَازِمَةٌ فِيهَا كُلِّهَا. وَرِعَايَةُ الْإِنْسَانِ لِلْأَمَانَةِ مَعَ رَبِّهِ تَكُونُ بِإِجْرَاءِ جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ كَافَّةِ الْمَنْهِيَّاتِ وَكُلُّ شَيْءٍ يُكَلِّفُ اللَّهُ الْإِنْسَانَ بِهِ فَهُوَ أَمَانَةٌ وَاجِبَةُ التَّأْدِيَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا الْقِسْمُ مِنْ الْأَمَانَةِ شَبِيهٌ بِبَحْرٍ لَيْسَ لَهُ سَاحِلٌ. وَأَمَانَةُ الْإِنْسَانِ مَعَ الْعِبَادِ أَيْضًا تَكُونُ بِمُحَافَظَتِهِ عَلَى حُقُوقِ كَافَّةِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ كَأَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَمَالِكِهِ وَأَصْحَابِهِ وَجِيرَانِهِ وَعُمُومِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَبِعَدَمِ خِيَانَتِهِ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ. وَالْأَمَانَاتُ الْمَبْحُوثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ هِيَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَمَانَةِ الْإِنْسَانِ مَعَ الْعِبَادِ وَرِعَايَةُ الْإِنْسَانِ لِلْأَمَانَةِ مَعَ نَفْسِهِ أَيْضًا عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ مَا كَانَ أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَحِفْظُهُ وَوِقَايَةُ نَفْسِهِ مِمَّا هُوَ مُضِرٌّ لَهَا فِي الْعُقْبَى (شَيْخُ زَادَهْ عَلَى تَفْسِيرِ الْقَاضِي) .
(2/225)
الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَمَانَاتِ فِي بَيَانِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَمَانَاتِ. الْأَمَانَاتُ جَمْعُ أَمَانَةٍ وَتُعَرَّفُ الْأَمَانَةُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِي ذِكْرُهَا.
وَالْأَمَانَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا أَيْ بِمَعْنَى كَوْنِ الْإِنْسَانِ أَمِينًا فَقَدْ جُمِعَتْ هُنَا بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَتِهِ اسْمَ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ (شَيْخُ زَادَهْ) .
ذِكْرُ الْأَمَانَةِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَدُّدِ أَنْوَاعِ الْأَمَانَةِ الْمَبْحُوثِ فِيهَا هُنَا مِثْلُ اللُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ.
وَجَمْعُ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْعَائِدَةِ لِلُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ فِي الْمَجَلَّةِ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَذْكُورٌ تَحْتَ عِنْوَانِ (كِتَابٍ) فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْفِقْهِ وَحَيْثُ إنَّ الثَّلَاثَةَ مَعَ اتِّحَادِهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا أَمَانَةً بِسَبَبِ قِلَّةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا فَكَانَ جَمْعُهَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ تَحْتَ عِنْوَانِ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ مُنَاسِبًا وَفِي الْوَاقِعِ أَنَّ الْمَأْجُورَ أَيْضًا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (600) . وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (1350) أَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ أَيْضًا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشَارِكِينَ. وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ لِكَثْرَةِ مَسَائِلِ الْإِجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْمُنَاسِبِ إيرَادُهَا فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ.
بَحَثَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي أَشْبَاهِهِ تَحْتَ عِنْوَانِ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ فِي اللُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَمَالِ الْوَقْفِ الَّذِي فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي وَمَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي فِي يَدِ الْأَبِ وَالْحَاكِمِ أَوْ الْوَصِيِّ وَسَرَدَ بَعْضَ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَمَانَاتِ وَلَكِنْ لَمْ تُوضَعْ الْأَمَانَاتُ الَّتِي هِيَ كَمَالِ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ مَوْضِعَ الْبَحْثِ فِي الْمَجَلَّةِ. بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ الْمَجَلَّةُ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ وَأَسَّسَ أُصُولَ ذِكْرِ اللُّقَطَةِ وَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ. تَحْتَ عِنْوَانِ (كِتَابِ الْأَمَانَاتِ) .
وَكَمَا أَنَّ حِفْظَ الْأَمَانَةِ مُوجِبٌ لِلسَّعَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ فَالْخِيَانَةُ لِلْأَمَانَةِ تَسْتَلْزِمُ الشَّقَاءَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَمَانَةُ تَجُرُّ الْغِنَى وَالْخِيَانَةُ تَجُرُّ الْفَقْرَ» . (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ)
[ (الْمَادَّةُ 762) الْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الشَّخْصِ الَّذِي اُتُّخِذَ أَمِينًا]
(الْمَادَّةُ 762) :
الْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الشَّخْصِ الَّذِي اُتُّخِذَ أَمِينًا. سَوَاءٌ أَجُعِلَ أَمَانَةً بِعَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ كَالْوَدِيعَةِ أَمْ كَانَ أَمَانَةً ضِمْنَ عَقْدٍ كَالْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ. أَوْ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِ شَخْصٍ بِدُونِ عَقْدٍ وَلَا قَصْدٍ. كَمَا لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ فِي دَارِ أَحَدٍ مَالَ جَارِهِ فَنَظَرًا لِكَوْنِهِ لَمْ يُوجَدْ عَقْدٌ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَ صَاحِبِ الْبَيْتِ بَلْ أَمَانَةٌ فَقَطْ.
(2/226)
الْأَمَانَةُ لُغَةً مَصْدَرٌ بِمَعْنَى كَوْنِ الْإِنْسَانِ أَمِينًا. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَنْ اُتُّخِذَ أَمِينًا يَعْنِي الْمَالَ. . الْوَدِيعَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الْمَالُ الَّذِي يُودَعُ عِنْدَ شَخْصٍ بِقَصْدِ الْحِفْظِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالدُّرُّ) .
وَعُرِّفَتْ الْوَدِيعَةُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ بِعِلَاوَةِ قَيْدِ " فَقَطْ " عَلَى تَعْرِيفِهَا وَقُصِدَ بِذَلِكَ الْقَيْدِ إخْرَاجُ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُعْطَى لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَلِأَجَلِ الِانْتِفَاعِ مَعًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
بَيْدَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْحِفْظُ مَقْصُودًا فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ كَمَا هُوَ مَعْقُودٌ فِي الْعَارِيَّةِ كَمَا جَاءَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ فَهَذَا الْمَقْصُودُ لَيْسَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ فِيهَا هُوَ شَيْءٌ آخَرُ وَالْحِفْظُ ضِمْنِيٌّ.
بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَحَيْثُ إنَّ الْأَمَانَاتِ السَّائِرَةَ تَبْقَى خَارِجَةً بِتَعْبِيرِ (لِأَجَلِ الْحِفْظِ) الْوَارِدِ فِي التَّعْرِيفِ فَلَمْ تَرَ الْمَجَلَّةُ لُزُومًا لِذِكْرِ وَعِلَاوَةِ قَيْدِ (فَقَطْ) .
سُؤَالٌ - تَعْرِيفُ الْوَدِيعَةِ هَذَا مَعَ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لِتَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ يُوجَدُ فِيهِ تَكْرَارٌ. لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ عَرَّفُوا الْأَمَانَةَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ (الْأَمَانَةُ الَّتِي تُتْرَكُ لِأَجَلِ الْحِفْظِ) . فَهَا قَدْ فُهِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِتَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ.
وَالْمَجَلَّةُ ذَكَرَتْ الْإِيدَاعَ فِي التَّعْرِيفِ نَظَرًا لِمَعْنَى الْإِيدَاعِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ لَدَى التَّعْرِيفِ تُحَصِّلُ هَذِهِ الْمَجَلَّةُ (الْمَالُ الَّذِي تُحَالُ مُحَافَظَتُهُ إلَى شَخْصٍ لِأَجْلِ الْحِفْظِ) وَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وُجِدَ التَّكْرَارُ.
الْجَوَابُ - حَيْثُ إنَّ لَفْظَ إيدَاعٍ الْوَاقِعِ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ مُسْتَعْمَلٌ لُغَةً بِمَعْنَى الْوَضْعِ أَمَانَةً يَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ عَيْنَ تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ يَعْنِي أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ يَصِيرُ هَكَذَا: الْوَدِيعَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُوضَعُ أَمَانَةً عِنْدَ شَخْصٍ. وَكَمَا أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ لَفْظَ إيدَاعٍ مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَى وَضْعِ شَيْءٍ أَمَانَةً. فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَفْظُ إيدَاعٍ مَحْمُولٌ عَلَى التَّجْرِيدِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَفْظُ إيدَاعٍ بِمَعْنَى مُجَرَّدِ الْإِحَالَةِ إلَى الْغَيْرِ فَيُجَابُ عَلَى السُّؤَالِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا لُزُومَ لِارْتِكَابِ الْمَجَازِ غَيْرِ الْمُنَاسِبِ فِي التَّعْرِيفِ.
[ (الْمَادَّةُ 764) الْإِيدَاعُ إحَالَةُ الشَّخْصِ مُحَافَظَةَ مَالِهِ إلَى آخَرَ]
(الْمَادَّةُ 764) الْإِيدَاعُ إحَالَةُ الشَّخْصِ مُحَافَظَةَ مَالِهِ إلَى آخَرَ وَيُقَالُ لِلْمُحِيلِ مُودِعٌ بِكَسْرِ الدَّالِ وَلِلَّذِي قَبِلَ وَدِيعٌ وَمُسْتَوْدَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ.
الْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ إحَالَةُ شَخْصٍ مُحَافَظَةَ مَالِ نَفْسِهِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً إلَى آخَرَ وَيُقَالُ لِلشَّخْصِ الَّذِي قَبِلَ الْإِحَالَةَ وَدِيعٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَمُسْتَوْدَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ وَمُودَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْضًا (التَّنْوِيرُ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَشِبْلِيٌّ) .
الْإِحَالَةُ صَرَاحَةً: تَكُونُ بِقَوْلِهِ كَلَامًا مِثْلَ أَوْدَعْتُكَ مَالِي هَذَا أَوْ أَعْطَيْتُهُ أَمَانَةً.
الْإِحَالَةُ دَلَالَةً: مَثَلًا إذَا أَخَذَ رَجُلٌ زِقًّا قَدْ انْفَتَحَ وَسَالَ الدُّهْنُ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ فِي غِيَابِ مَالِكِهِ يَكُونُ الْتَزَمَ الْحِفْظَ دَلَالَةً حَتَّى أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ وَسَالَ الدُّهْنُ مِنْهُ يَضْمَنُ مَا سَالَ بَعْدَ أَخْذِهِ إيَّاهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ قَطُّ أَوْ إنْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا حِينَمَا أَخَذَهُ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ ضَرَرٌ مَا مِنْ حَالَةِ أَخْذِهِ إيَّاهُ ثُمَّ سَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَضَاعَ لَا يُلْزَمُ الضَّمَانَ (الْبَحْرُ)
(2/227)
سُؤَالٌ، فِي مَسْأَلَةِ الظَّرْفِ لَا يُوجَدُ إحَالَةُ مُحَافَظَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِحَالَةَ فِعْلُ الْمَالِكِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْتِزَامُ مُحَافَظَتِهِ. لَكِنَّ - الِالْتِزَامَ فِعْلُ الْأَمِينِ.
الْجَوَابُ، الْمَقْصُودُ هُوَ إحَالَةُ الشَّرْعِ. إذْ أَنَّهُ بِأَخْذِهِ الظَّرْفَ قَدْ الْتَزَمَ الْمُحَافَظَةَ شَرْعًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَحَيْثُ إنَّ لَفْظَ وَدِيعٍ لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي الْمَوَادِّ الَّتِي سَيَأْتِي ذِكْرُهَا اُسْتُعْمِلَتْ كَلِمَةُ مُسْتَوْدَعٍ فَذِكْرُ كَلِمَةِ وَدِيعٍ فِي الْمَادَّةِ (1637) لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
سُؤَالٌ - هَذَا التَّعْرِيفُ لَيْسَ جَامِعًا أَفْرَادَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِوُجُودِ تَعْبِيرِ (مَالِ ذَاتِهِ) فِي التَّعْرِيفِ فَلَا يَكُونُ مُتَنَاوِلًا إيدَاعَ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ لِآخَرَ يَعْنِي الْإِيدَاعَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَادَّةِ 791. فَبِنَاءً عَلَيْهِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ (الْإِيدَاعُ هُوَ إحَالَةُ مُحَافَظَةِ مَالٍ إلَى آخَرَ) .
الْجَوَابُ - إذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى آخَرَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي الْمَادَّةِ 791 فَفِي هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَوْدَعُ هُوَ الَّذِي أَوْدَعَ بَلْ صَاحِبُ الْمَالِ بِحُكْمِ الْمَادَّتَيْنِ 1460 و 1462 مِنْ الْمَجَلَّةِ وَالْمُسْتَوْدَعُ رَسُولٌ بَيْنَهُمَا.
سُؤَالٌ 2 - لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يُودِعَ مَالَ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (1379) وَالْحَالُ أَنَّ قِسْمًا مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَوْدَعَهُ لَيْسَ مَالَهُ الْخَاصَّ.
سُؤَالٌ 3 - جَاءَ فِي الْمَادَّةِ 78 مِنْ الْمَجَلَّةِ أَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِمَعْرِفَةِ أَمِينِهِ فَكَمَا أَنَّ الْحِفْظَ أَيْضًا هُوَ إيدَاعٌ فَلِأَحَدِ الْمُسْتَوْدَعِينَ عِنْدَ تَعَدُّدِهِمْ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّقْسِيمَ بِإِذْنِ الْآخَرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (783) وَهَذَا الْإِذْنُ إيدَاعٌ لِلْوَدِيعَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَيْسَ هَذَا التَّعْرِيفُ جَامِعًا لِأَفْرَادِهِ.
الْجَوَابُ عَلَى السُّؤَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِمَا أَنَّ إيدَاعَ الْمُسْتَوْدَعِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِإِذْنِ الْمُودِعِ دَلَالَةً فَالْمُودِعُ هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ. جَوَابٌ آخَرُ عَلَى الْأَسْئِلَةِ الثَّلَاثَةِ جُمْلَةً (كَمَا يَجُوزُ التَّعْرِيفُ بِالْمُسَاوِي وَالتَّعْرِيفُ بِالْأَعَمِّ وَالتَّعْرِيفُ بِالْأَخَصِّ جَائِزَانِ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَهَذَا التَّعْرِيفُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ يَعْنِي هُوَ تَعْرِيفٌ بِالْأَخَصِّ) .
[ (الْمَادَّةُ 765) الْعَارِيَّةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي تُمْتَلَكُ مَنْفَعَتُهُ لِآخَرَ مَجَّانًا]
(الْمَادَّةُ 765) الْعَارِيَّةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي تُمْتَلَكُ مَنْفَعَتُهُ لِآخَرَ مَجَّانًا أَيْ بِلَا بَدَلٍ وَيُسَمَّى مُعَارًا أَوْ مُسْتَعَارًا أَيْضًا. . الْعَارِيَّةُ تَجُوزُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَالتَّشْدِيدُ أَفْصَحُ وَفِي ذَلِكَ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ أَيْضًا وَهُوَ عَارَةٌ عَلَى وَزْنِ نَاقَةٍ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ بِسُرْعَةٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ أَيْ مِنْ مَصْدَرِهَا إنْ أُرِيدَ الِاشْتِقَاقُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ (بَاجُورِيٌّ) وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هِيَ الْمَالُ الَّذِي تُمْتَلَكُ مَنْفَعَتُهُ لِآخَرَ مَجَّانًا أَيْ بِلَا بَدَلٍ وَكَمَا يُسَمَّى مُعَارًا وَمُسْتَعَارًا بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا وَلَفْظُ الْعَارِيَّةِ لَيْسَ مَنْسُوبًا إلَى الْعَارَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْمُنَاوَبَةِ.
(2/228)
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ فَقَدْ عَرَّفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ الْعَارِيَّةَ بِأَنَّهَا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ عَلَى كَوْنِ الْعَارِيَّةِ إبَاحَةً (أَوَّلًا) : تَنْعَقِدُ الْعَارِيَّةُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، (ثَانِيًا) لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَارِيَّةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَالْحَالُ أَنَّ التَّمْلِيكَ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ لَيْسَ بِجَائِزٍ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 452) .
سُؤَالٌ - الِاتِّخَاذُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى حُصُولِ الْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَعْمَلُهُ. فَبِنَاءً عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ صُنْعٌ وَلَا عَمَلٌ فِي الْأَمَانَةِ الَّتِي تَصِلُ لِيَدِ شَخْصٍ فِي حَالَةِ وُقُوعِ مَالِ الْجَارِ فِي بَيْتِ جَارِهِ فِيمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَأَلْقَتْ الْمَالَ فِي الْبَيْتِ الْآخَرِ مَثَلًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَارَ لَمْ يُتَّخَذْ أَمِينًا عَلَى الْمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ وَمَالِكِ الْأَمَانَةِ. فَإِذَنْ الْقَسِيمُ مُبَايِنٌ لِلْمُقْسِمِ. الْجَوَابُ - الْمَقْصُودُ مِنْ الِاتِّخَاذِ لَيْسَ اتِّخَاذَ مَالِكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ حَصْرًا فَقَطْ بَلْ سَوَاءٌ أَكَانَ الِاتِّخَاذُ مِنْ طَرَفِ مَالِكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا هِيَ الْحَالَةُ فِي الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَفِي الْمَأْجُورِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَمِينًا وَمُعْتَمَدًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمَّا مِنْ قِبَلِ الشَّرِيعَةِ كَمَا هُوَ الْأَمْرُ فِي اللُّقَطَةِ وَفِي الْمَالِ الَّذِي أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِ الْجِيرَانِ.
وَلَا شَكَّ بِأَنَّهُ إذَا صَارَ مَالٌ فِي يَدِ شَخْصٍ بِدُونِ عَقْدٍ وَلَا قَصْدٍ يَتَّخِذُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ ذَلِكَ الشَّخْصَ أَمِينًا أَيْ يَأْمُرُهُ بِالْمُحَافَظَةِ كَيْ يَرُدَّهُ أَخِيرًا إلَى صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ أَجُعِلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَمَانَةً بِعَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ كَالْوَدِيعَةِ وَبِمَا أَنَّ الْأَمَانَةَ لَا تَكُونُ بِعَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ إلَّا فِي الْوَدِيعَةِ (فَكَافُ) التَّشْبِيهِ هُنَا زَائِدَةٌ أَمْ كَانَ أَمَانَةً ضِمْنَ عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ أَوْ غَيْرِ صَحِيحٍ كَالْمَبِيعِ الَّذِي قَبَضَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَالْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمَرْهُونِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ مِنْ جِهَةِ الْوَكَالَةِ.
إذْ أَنَّ الْمَأْجُورَ صَارَ أَمَانَةً ضِمْنَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْمَرْهُونَ ضِمْنَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَمَالَ الْمُضَارَبَةِ وَغَيْرَهُ ضِمْنَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ. يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ عَقْدَ الْإِيدَاعِ كَانَ لِأَجْلِ الِاسْتِحْفَاظِ فَقَطْ وَالْأَمَانَاتُ الْأُخْرَى لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْفَاظِ أَيْ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَالْأَصْلِيَّ فِيهِ لَيْسَ الِاسْتِحْفَاظُ بَلْ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُهُ فَالْمَأْجُورُ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً فَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ فِيهِ لَيْسَ الْحِفْظُ بَلْ تَمْلِيكٌ وَالْحِفْظُ فِيهَا كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (607) تَبَعِيٌّ وَضِمْنِيٌّ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ. لِأَنَّ حِفْظَ الْمَأْجُورِ لَازِمٌ لِتَأْمِينِ الِانْتِفَاعِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ وَسَوَاءٌ أَصَارَ أَمَانَةً فِي يَدِ شَخْصٍ بِدُونِ سَبْقِ عَقْدٍ وَقَصْدٍ مَا كَمَالِ الْيَتِيمِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الْأَبِ وَالْحَاكِمِ وَاللُّقَطَةِ الَّتِي وَجَدَهَا الْمُلْتَقِطُ فَحَفِظَهَا لِأَجْلِ أَنْ يُعِيدَهَا إلَى مَالِكِهَا. أَوْ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِ رَجُلٍ بِلَا قَصْدٍ.
فَمَالُ الْيَتِيمِ الْمَوْجُودُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ وَمَالُ الْوَقْفِ الَّذِي فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي وَالْعَيْنُ الْمَوْجُودَةُ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ بِالِانْتِفَاعِ مِنْهَا أَمَانَةٌ وَلَيْسَتْ وَدِيعَةً (الْبَحْرُ) .
كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ الرِّيحُ مَالَ أَحَدٍ عَلَى بَيْتِ جَارِهِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَنَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ الْقَصْدِ وَالْعَقْدِ لَا
(2/229)
يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً - عِنْدَ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَلَا يَكُونُ أَيْضًا لُقَطَةً لِلْعِلْمِ بِصَاحِبِهِ بَلْ يَكُونُ أَمَانَةً فَقَطْ وَلَفْظُ (كَمَا لَوْ. ..) هَذَا مِثَالٌ لِفِقْرَةِ (بِدُونِ قَصْدٍ وَعَقْدٍ. ..)
وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ السَّالِفَةِ بَيْنَ الْأَمَانَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَاتِ السَّائِرَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ.
وَالْحَمْلُ فِي قَوْلِهِمْ (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالْمُسْتَعَارُ أَمَانَةٌ وَالْمَأْجُورُ أَمَانَةٌ) مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَالْحَمْلِ فِي قَوْلِهِمْ (كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ) وَهُوَ حَمْلٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا عَكْسُهُ أَيْ حَمْلُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ كَالْقَوْلِ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ لَا يَجُوزُ. مَادَّةُ الِاجْتِمَاعِ وَمَادَّةُ الِافْتِرَاقِ - يَجْتَمِعُ خُصُوصُ كَوْنِ الشَّيْءِ أَمَانَةً وَدِيعَةً فِي الْمَالِ الَّذِي أُعْطِيَ ضِمْنَ عَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ أَيْ فِي الْوَدِيعَةِ. يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أُعْطِيَ لِأَجْلِ عَقْدِ الِاسْتِحْفَاظِ يَكُونُ أَمَانَةً وَدِيعَةً مَعًا. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ مَالُ شَخْصٍ عَلَى بَيْتِ جَارِهِ بِسَبَبِ هُبُوبِ الرِّيحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَلَيْسَ وَدِيعَةً. فَتَفْتَرِقُ الْأَمَانَةُ عَنْ الْوَدِيعَةِ فِي هَذَا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
بَيْنَ الْأَمَانَةِ الْوَدِيعَةِ فَرْقَانِ مُخْتَلِفَانِ:
الْأَوَّلُ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا وُجُودُ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ مُطْلَقٍ بَيْنَهُمَا.
الثَّانِي - اخْتِلَافُ الْأَمَانَةِ عَنْ الْوَدِيعَةِ حُكْمًا أَيْضًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. مَثَلًا بَيْنَمَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضَعُ وَالشَّرِيكُ عِنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً وَمُسْتَعِيرُ الرَّهْنِ بَعْدَ مُخَالِفَتِهِ وَعَوْدَتِهِ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَمِينُ بَعْدَ الْمُخَالِفَةِ وَالْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ، يَعْنِي حَتَّى وَلَوْ أَزَالَ الْأَمِينُ تَعَدِّيهِ بِقَصْدِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَرَّةً أُخْرَى لَا يَزُولُ حُكْمُ الضَّمَانِ وَلَا تَنْقَلِبُ يَدُ الْغَصْبِ أَيْ يَدُ الضَّمَانِ إلَى يَدِ الْأَمَانَةِ بِمُجَرَّدِ إزَالَةِ التَّعَدِّي بِنِيَّةِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَنْ يَكُونَ تَعَدَّى عَلَى الْأَمَانَةِ بَلْ تَبْقَى فِي ضَمَانِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهَا سَالِمَةً. وَسَيَأْتِي إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (787) (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَيُفْهَمُ مِنْ مُطَالَعَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَبْحَثْ فِيهِ فِي عُمُومِ الْأَمَانَةِ الْمَذْكُورَةِ بِصُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَلْ أَنَّهُ بَحَثَ فِي بَعْضِ الْأَمَانَاتِ كَاللُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلَكِنَّهُ جَرَى الْبَحْثُ فِي الْمَادَّةِ (370) عَلَى أَمَانَةِ الْمَبِيعِ بَاطِلًا وَفِي الْمَادَّةِ (600) عَلَى أَمَانَةِ الْمَأْجُورِ وَفِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) عَلَى أَمَانَةِ الْمَرْهُونِ وَفِي الْمَادَّةِ (1350) عَلَى أَمَانَةِ مَالِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْمَادَّةِ (1413) عَلَى أَمَانَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَفِي الْمَادَّةِ (1461) عَلَى أَمَانَةِ الْمَالِ الْمَقْبُوضِ مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ الْوَكَالَةِ.
[ (الْمَادَّةُ 763) الْوَدِيعَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُودَعُ عِنْدَ شَخْصٍ لِأَجْلِ الْحِفْظ]
الْوَدِيعَةُ لُغَةً مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ الَّذِي هُوَ عَلَى وَزْنِ رَدْعِ وَمَعْنَى الْوَدْعُ التَّرْكُ مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ وَزْنُ فَعِيلٍ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ كَرَحِيمٍ وَبِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَقَتِيلٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِهِ الشَّرْعِيِّ الْآتِي أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ.
إذَنْ فَاسْتِعْمَالُ وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ يَكُونُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ سَوَاءٌ حِينَمَا يَتَقَدَّمُ مَوْصُوفُهُ عَلَيْهِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ وَحَيْثُ إنَّ تَعْبِيرَيْ رَجُلٌ قَتِيلٌ وَامْرَأَةٌ قَتِيلٌ صَحِيحٌ فَالتَّاءُ الَّتِي فِي آخِرِ كَلِمَةِ وَدِيعَةٍ لَيْسَتْ عَلَامَةً
(2/230)
لِلتَّأْنِيثِ بَلْ أَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى انْتِقَالِهَا مِنْ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ.
وَاسْتِعْمَالُ الْمَصْدَرِ (وَدْعٍ) وَمَاضِيهِ فِي اللُّغَةِ وَاقِعٌ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْعَالِي (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ) وَفِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] بِتَخْفِيفِ وَدَّعَكَ (الزَّيْلَعِيّ) . وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الزنجاني قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى عِزِّي وَأَمَاتُوا مَاضِي يَدَعُ أَيْ أَنَّهُمْ تَرَكُوا اسْتِعْمَالَ الْمَاضِي الَّذِي مُضَارِعُهُ يَدَعُ وَلَا يُقَالُ وَدَعَهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ: تَرَكَهُ وَلَا وَادِعٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ: تَارِكٌ (سَعْدُ الدِّينِ عَلِيٌّ الْعَزِيُّ) . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنَّمَا أَمَاتُوهُ غَالِبًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ نَطَقُوا بِهِ نَادِرًا فَيَكُونُ هَهُنَا مِنْ قَبِيلِ النَّادِرِ (الْبَاجُورِيُّ) . وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّائِعَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ وَمَاضِيهِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ يَعْنِي تَوْدِيعٌ وَوَدَّعَ أَوْ مِنْ بَابِ إفْعَالٍ أَيْ إيدَاعٌ وَأَوْدَعَ فَاسْتَعْمَلَتْهُ الْمَجَلَّةُ مِنْ بَابِ إفْعَالٍ. ثَالِثًا - النَّهْيُ وَالْمَنْعُ فِي الْعَارِيَّةِ لَهُ عَمَلٌ وَتَأْثِيرٌ وَالْحَالُ لَا عَمَلَ وَلَا تَأْثِيرَ لِلنَّهْيِ فِي التَّمَلُّكِ كَالْإِجَارَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا نَهَى الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعَارِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَأَمَّا إذَا نَهَى الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَأْجُورِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَا حُكْمَ لِذَلِكَ النَّهْيِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَيَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا أَوْ مَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهَا أَوْ مَا دُونَهَا. رَابِعًا - إجَارَةُ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ لَا تَجُوزُ فَلَوْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ تَمْلِيكًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ تَمْلِيكٌ وَإِجَارَةٌ مَمْلُوكَةٌ (الزَّيْلَعِيّ) كَمَا كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إيجَارُ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي مَلَكَهَا بَعْدَ الْإِجَارَةِ لِلْآخَرِ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 428) وَشَرْحَهَا.
وَذَهَبَ عُلَمَاءُ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنَّ الْمَجَلَّةَ اخْتَارَتْ هَذَا الْقَوْلَ.
وَأَدِلَّةُ هَؤُلَاءِ هِيَ هَذِهِ: أَوَّلًا - لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ كَمَا ذُكِرَ عِبَارَةً عَنْ الْإِبَاحَةِ لَمَا كَانَ لِلْمُبَاحِ أَنْ يُبِيحَهَا لِلْآخَرِ مَثَلًا مَتَى أُبِيحَ الطَّعَامُ لِأَحَدٍ فَمَعَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَتَنَاوَلَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَهُ وَيُطْعِمَهُ غَيْرَهُ وَلَمَّا جَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ إعَارَةُ الْمُسْتَعَارِ الْآخَرِ وَالْحَالُ أَنَّ عِبَارَةَ لِلْآخَرِ جَائِزَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (819) (الزَّيْلَعِيّ) .
ثَانِيًا - انْعِقَادُ الْإِعَارَةِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ يَشْهَدُ عَلَى تَمْلِيكٍ وَلَيْسَتْ إبَاحَةً (الْبَحْرُ) وَالصَّحِيحُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْقَائِلُ بِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَبِمَا أَنَّ عَامَّةَ الْحَنَفِيَّةِ ذَهَبُوا لِهَذَا الْقَوْلِ فَالْمَجَلَّةُ اخْتَارَتْهُ أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَيُمْكِنُ إعْطَاءُ الْجَوَابِ عَلَى أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا إبَاحَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: الْجَوَابُ عَلَى الْأَوَّلِ - الِاعْتِبَارُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي وَلَيْسَ لِلْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 3) . .
الْجَوَابُ عَلَى الثَّانِي - بِمَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا وَأَنَّ لِلْمُعِيرِ الرُّجُوعَ مَتَى شَاءَ فَجَهَالَةُ الْمُدَّةِ لَا تُوجِبُ النِّزَاعَ. وَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تَكُونُ جَالِبَةً لِلنِّزَاعِ لَا تَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الْعَقْدِ. كَبَيْعِ الْمَجْهُولِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ وَتَسَلُّمٍ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (200) . وَأَمَّا الْمُعَاوَضَاتُ كَالْإِجَارَةِ فَحَيْثُ إنَّهَا لَازِمَةٌ وَإِنَّ الْجَهَالَةَ
(2/231)
فِيهَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فَتَعْيِينُ الْمُدَّةِ لَازِمٌ فِيهَا (الزَّيْلَعِيّ) وَلِذَلِكَ قَيَّدَتْ الْمَجَلَّةُ الْمَنْفَعَةَ فِي الْإِجَارَةِ بِقَيْدِ (مَعْلُومَةٌ) وَتَرَكَتْ هَذَا الْقَيْدَ هُنَا.
الْجَوَابُ عَلَى الثَّالِثِ - حَيْثُ إنَّ الْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَإِنَّ لِلْمُعِيرِ حَقَّ الرُّجُوعِ مَتَى أَرَادَ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (6 80) فَلَا عَمَلَ وَلَا تَأْثِيرَ لِلنَّهْيِ. يَعْنِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْإِعَارَةِ.
الْجَوَابُ عَلَى الرَّابِعِ - إنَّ عَدَمَ جَوَازِ إجَازَةِ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (823) مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِلْزَامِهِ شَيْئًا غَيْرَ جَائِزٍ كَلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ أَوْ عَدَمِ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَلَيْسَ نَاتِجًا عَنْ كَوْنِهِ غَيْرَ تَمْلِيكٍ حَتَّى أَنَّهُ إعَارَةُ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ جَائِزَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكٌ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 815) .
تَقْسِيمُ التَّمْلِيكَاتِ: الشَّيْءُ الَّذِي يُمْلَكُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَالًا أَوْ مَنْفَعَةً وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ إمَّا أَنْ يُمْلَكَ فِي مُقَابِلِهِ بَدَلٌ أَوْ مَجَّانًا فَتَمْلِيكُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ بَدَلٍ يَكُونُ بَيْعًا وَالتَّمْلِيكُ مَجَّانًا يَكُونُ هِبَةً كَمَا وَأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ فِي مُقَابَلَةِ بَدَلٍ يَكُونُ إجَارَةً وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ مَجَّانًا يَكُونُ عَارِيَّةً.
فَبَيْنَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ وَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ أَيْنَمَا يُوجَدُ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ يُوجَدُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ. أَفَلَا يُرَى أَنَّهُ مِنْ مَلَّكَ شَخْصًا مَالًا بِالِاشْتِرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ يَصِيرُ مَالِكًا أَيْضًا لِمَنْفَعَتِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الْإِعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ.
فَلْنَشْرَحْ الْآنَ الْقُيُودَ الْوَاقِعَةَ فِي التَّعْرِيفِ:
الْقَيْدُ الْأَوَّلُ (مَجَّانًا) - قَيْدُ مَجَّانًا هُنَا مَرْبُوطٌ بِالتَّمْلِيكِ وَمَوْقِعُهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى بَعْدَ قَيْدِ مَنْفَعَتِهِ فَبِقَيْدِ (مَجَّانًا) يَبْقَى الْمَأْجُورُ خَارِجًا كَمَا وَأَنَّهُ بِقَيْدِ (مَنْفَعَتِهِ) أَيْضًا بَقِيَتْ الْأَشْيَاءُ الَّتِي مُلِكَتْ أَعْيَانُهَا خَارِجَةً مِثْلُ الْقَرْضِ وَالْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ وَالْمُوصَى بِهِ بِعَيْنِهِ.
وَلَا مَجَالٍ لِلْقَوْلِ إنَّهُ حَيْثُ إنَّ الْقَرْضَ وَالْمَبِيعَ يَبْقَيَانِ خَارِجَيْنِ بِقَيْدِ (مَجَّانًا) فَلَا لُزُومَ لِإِخْرَاجِهَا بِقَيْدِ (مَنْفَعَتِهِ) لِأَنَّ التَّعْرِيفَ: الْعَارِيَّةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي مُلِكَتْ مَنْفَعَتُهُ مَجَّانًا يَعْنِي بِلَا بَدَلٍ.
يَتَفَرَّعُ بَعْضُ مَسَائِلَ عَلَى خُصُوصِ كَوْنِ الْعَارِيَّةِ بِلَا بَدَلٍ.
1 - مَسْأَلَةٌ - نَظَرًا لِأَنَّ قَيْدَ (بِلَا بَدَلٍ) مُعْتَبَرٌ فِي الْعَارِيَّةِ فَإِذَا اسْتَعَارَ رَجُلٌ مِنْ آخَرَ عَرْصَةً عَلَى أَنْ يُنْشِئَ عَلَيْهَا أَبْنِيَةً وَيَسْكُنَ فِيهَا وَتَعُودَ إلَى صَاحِبِهَا مَتَى خَرَجَ مِنْهَا لَا يَكُونُ هَذَا الْعَقْدُ عَارِيَّةً بَلْ إجَارَةً فَاسِدَةً لِأَنَّ الْمُدَّةَ وَالْأُجْرَةَ مَجْهُولَتَانِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ يَصِيرُ الْبِنَاءُ مِلْكَ الْمُسْتَعِيرِ وَيَأْخُذُ الْمُعِيرُ أَجْرَ مِثْلِ عَرْصَتِهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْعَارِيَّةِ) . رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ (0 5 4 و 2 46) (الْبَحْرُ) .
2 - مَسْأَلَةٌ - إذَا شُرِطَتْ تَأْدِيَةُ ضَرِيبَةِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ يَخْرُجُ هَذَا الْعَقْدُ مِنْ كَوْنِهِ إعَارَةً وَيَصِيرُ إجَارَةً فَاسِدَةً لِأَنَّ ضَرِيبَةَ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُعِيرِ وَلَا يُقَاسَ عَلَى الْمَادَّةِ (5 81) .
وَالْحِيلَةُ فِي عَدَمِ فَسَادِ الْإِجَارَةِ مَعَ اشْتِرَاطِ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ هِيَ أَنْ يَضُمَّ مِقْدَارَ الضَّرِيبَةِ عَلَى بَدَلِ الْإِجَارَةِ وَبَعْدَ أَنْ يُسَمَّى بَدَلُ الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَأْمُرُ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ بِأَنْ يُعْطِيَ الضَّرِيبَةَ مِنْ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْبَدَلِ الْمَذْكُورِ. وَيَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ وَكِيلًا مِنْ طَرَفِ الْمُؤَجِّرِ عَلَى أَدَاءِ هَذِهِ الضَّرِيبَةِ مِنْ بَدَلِ الْإِجَارَةِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (59 4 1) . (الْبَزَّازِيَّةُ) .
(2/232)
الْقَيْدُ الثَّانِي الْمَنْفَعَةُ - بِمَا أَنَّ تَعْبِيرَ الْمَنْفَعَةِ هُنَا ذُكِرَ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فَكَمَا أَنَّهُ يَكُونُ شَامِلًا لِكُلِّ مَنْفَعَةٍ فَالْمَالُ يَكُونُ شَامِلًا أَيْضًا لِمَنْفَعَةِ جُزْءٍ شَايِعٍ مِنْ الْمَالِ وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ إعَارَةَ الْمَشَاعِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ وَغَيْرِ الْقَابِلِ صَحِيحَةٌ. وَسَوَاءٌ أُعِيرَ إلَى الشَّرِيكِ أَوْ إلَى أَجْنَبِيٍّ كَمَا أَنَّ إعَارَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ إلَى شَخْصَيْنِ صَحِيحَةٌ أَيْضًا وَسَوَاءٌ أُعِيرَ عَلَى أَنْ يُسْتَعْمَلَ مُنَاصَفَةً أَوْ بِنِسْبَةِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ أَوْ أُجْمِلَتْ كَيْفِيَّةُ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ تُفَصَّلْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي أَوَّلِ الْعَارِيَّة) .
سُؤَالٌ - وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (29 4) إنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ غَيْرُ جَائِزَةٍ. مَعَ أَنَّ إعَارَتَهُ جَائِزَةٌ. فَمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ .
الْجَوَابُ - إنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَبِالنَّظَرِ لِكَوْنِهَا مُعَاوَضَةً فَلَا مُسَامَحَةَ فِيهَا.
مَنْفَعَةُ الْمُسْتَعَارِ: كَمَا وَأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمُسْتَعَارِ تَكُونُ بِأَشْيَاءَ كَاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَوَادِّ الْآتِيَةِ وَرَهْنِ الْمَالِ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ كَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا بِإِيجَارِ الْمُسْتَعَارِ إلَى آخَرَ وَانْتِفَاعِ الْمُسْتَعِيرِ بِبَدَلِ الْإِجَارَةِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ) .
مَثَلًا لَوْ أَعْطَى الْمُعِيرُ مَالَهُ لِشَخْصٍ آخَرَ وَأَذِنَ لَهُ بِإِيجَارِهِ لِلْغَيْرِ وَالِانْتِفَاعِ بِبَدَلِهِ جَازَ وَكَانَ الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ مِلْكَ الْمُسْتَعِيرِ.
أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا عَلَى تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ الْمَالُ الَّذِي أُوصِيَتْ مَنْفَعَتُهُ. مَثَلًا لَوْ قَالَ رَجُلٌ: إذَا تُوُفِّيتُ فَلْيَسْكُنْ زَيْدٌ فِي دَارِي هَذِهِ مُدَّةَ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَذِهِ الْمُعَامَلَةُ وَصِيَّةٌ بِالْمَنْفَعَةِ وَحَيْثُ إنَّ تَعْرِيفَ الْعَارِيَّةِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ مَانِعًا لِأَغْيَارِهِ.
الْجَوَابُ: الْمَقْصُودُ مِنْ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ وَمَالِ التَّعْرِيفِ هُوَ (الْمَالُ الَّذِي مُلِكَتْ مَنْفَعَتُهُ فِي الْحَالِ) وَأَمَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَلَا تَمْلِيكَ فِي الْحَالِ بَلْ أَنَّهُ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ تَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ كَمَا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ فِي عَرْصَةِ شَخْصٍ آخَرَ حَقُّ مُرُورٍ مُجَرَّدٍ عَنْ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَوَهَبَ ذَلِكَ الشَّخْصُ حَقَّ مُرُورِ هَذَا إلَى صَاحِبِ الْعَرْصَةِ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْهِبَةُ إسْقَاطًا كَانَتْ دَاخِلَةً فِي تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ التَّعْرِيفُ مَانِعًا لِأَغْيَارِهِ.
الْجَوَابُ: الْمَقْصُودُ مِنْ التَّمْلِيكِ التَّمْلِيكُ بِطَرِيقِ الْجَوَازِ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ حَقُّ الرُّجُوعِ مَتَى أَرَادَ وَإِلَّا لَيْسَ التَّمْلِيكُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ. حَتَّى أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (6 80) لِلْمُعِيرِ حَقُّ الرُّجُوعِ مَتَى شَاءَ عَنْ هَذَا التَّمْلِيكِ. فَحِينَمَا قُصِدَ مِنْ هَذَا التَّمْلِيكِ هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ أَيْ هِبَةُ حَقِّ الْمُرُورِ أَبَدًا فَلَا تَكُونُ دَاخِلَةً فِي هَذَا التَّعْرِيفِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ مُوجِبٍ لِعِلَاوَةِ عِبَارَةِ (لَا عَلَى التَّأْبِيدِ) وَأَيْضًا تَعْبِيرُ (مُلِكَتْ) الْمَذْكُورُ فِي التَّعْرِيفِ لِأَجْلِ إخْرَاجِ هَذِهِ الْهِبَةِ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ فِي الْعَارِيَّةِ) .
(2/233)
[ (الْمَادَّةُ 766) الْإِعَارَةُ هِيَ الْإِعْطَاءُ عَارِيَّةً]
الْمَادَّةُ 766) - الْإِعَارَةُ هِيَ الْإِعْطَاءُ عَارِيَّةً وَيُقَالُ لِلشَّخْصِ الَّذِي أَعْطَى مُعِيرًا.
يُطْلَقُ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَعْطَى الْعَارِيَّةَ مُعِيرًا. وَيَدُلُّ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى أَنَّ الْإِعَارَةَ مَصْدَرٌ قَائِمٌ بِالْمُعِيرِ.
سُؤَالٌ: إذَا أُمْعِنَ النَّظَرُ فِي تَعْرِيفِ الْعَارِيَّةِ الْمُدْرَجِ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ وَوُضِعَ هَذَا التَّعْرِيفُ يَعْنِي مَعْنَى الْعَارِيَّةِ مَحِلَّهُ يَصِيرُ هَكَذَا: (الْإِعَارَةُ هِيَ إعْطَاءُ مَالٍ مُلِكَتْ مَنْفَعَتُهُ مَجَّانًا) . مَعَ أَنَّ الْإِعَارَةَ عُرِّفَتْ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ: (تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ مَالٍ مَجَّانًا يَعْنِي بِلَا بَدَلٍ) فَيُنْتَجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمَجَلَّةِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِتَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَاهِيَّةِ الْإِعَارَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ: إنِّي أَعَرْتُكَ فَرَسِي هَذِهِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُسْتَعِيرِ فَالْإِعَارَةُ فِي نَظَرِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ مَنْفَعَةِ الْفَرَسِ وَفِي نَظَرِ الْمَجَلَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ إعْطَاءِ الْفَرَسِ إلَى الْمُسْتَعِيرِ.
الْخُلَاصَةُ الْإِعَارَةُ بِحَسَبِ تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ إعْطَاءِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَبِحَسَبِ تَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ وَلَمْ أُصَادِفْ كِتَابًا يُعَرِّفُ الْإِعَارَةَ كَمَا عَرَّفَتْهَا الْمَجَلَّةُ.
[ (الْمَادَّةُ 767) الِاسْتِعَارَةُ هِيَ الْأَخْذُ عَارِيَّةً]
(الْمَادَّةُ 767) - الِاسْتِعَارَةُ هِيَ الْأَخْذُ عَارِيَّةً وَيُقَالُ لِلَّذِي أَخَذَ مُسْتَعِيرًا.
يُطْلَقُ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَخَذَ عَارِيَّةً مُسْتَعِيرًا. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ مَصْدَرٌ قَائِمٌ بِالْمُسْتَعِيرِ. إذَا فُصِّلَ لَفْظُ عَارِيَّةٍ الْمَذْكُورِ فِي التَّعْرِيفِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى الَّذِي سُرِدَ فِي الْمَادَّةِ 5 76 فَالِاسْتِعَارَةُ نَظَرًا لِلْمَجَلَّةِ هِيَ أَخْذُ الْمَالِ الَّذِي مُلِكَتْ مَنْفَعَتُهُ مَجَّانًا يَعْنِي بِلَا بَدَلٍ. وَأَمَّا نَظَرًا لِلْفُقَهَاءِ فَالِاسْتِعَارَةُ هِيَ اسْتَمْلَاك مَنْفَعَةِ مَالٍ. .
(2/234)
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْعُمُومِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَمَانَاتِ]
إنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَادَّةِ (768) الْآتِي بَيَانُهَا شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْأَمَانَاتِ يَعْنِي لِلُّقَطَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَعَامٌّ لِأَمَانَاتٍ أُخْرَى أَيْضًا وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ الْمَادَّةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَمَانَاتِ الْعُمُومِيَّةِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (762) وَأَمَّا أَحْكَامُ الْمَوَادِّ السَّائِرَةِ الَّتِي فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ هَذَا لَا يَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْعُمُومِيَّةِ وَالْمَادَّتَانِ (769) وَ (771) . عَصَبٌ وَمُرَكَّبَتَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمَانَةِ وَالْمَادَّةُ 77. أَيْضًا مَخْصُوصَةٌ فِي اللُّقَطَةِ.
(الْمَادَّةُ 768) - الْأَمَانَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٌ. يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِهَا أَوْ ضَيَاعِهَا بِدُونِ صُنِعَ الْأَمِينِ وَتَقْصِيرِهِ وَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
فِي الْأَمَانَةِ قَاعِدَتَانِ.
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: الْأَمَانَةُ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَمِينِ وَحَيْثُ إنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْفِقْرَةِ أَنَّ الْأَمَانَةَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً حَتَّى وَلَوْ هَلَكَتْ بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ وَلِذَلِكَ فَسَّرَتْهُ الْمَجَلَّةُ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مَقْصُودٍ. يَعْنِي إذَا هَلَكَتْ الْأَمَانَةُ أَوْ فُقِدَتْ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا فِي يَدِ الْأَمِينِ بِدُونِ صُنْعِهِ وَتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَمِينِ الْمَذْكُورِ. سَوَاءٌ أَهَلَكَتْ بِسَبَبٍ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ كَالسَّرِقَةِ أَمْ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ. وَسَوَاءٌ أَهْلَكَ مَالُ الْأَمِينِ مَعَ الْأَمَانَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَمْ يَهْلِكْ وَسَوَاءٌ أَشُرِطَ الضَّمَانُ أَمْ لَمْ يُشْرَطْ رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (83) .
وَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَتْ الْأَمَانَةُ اسْمًا لِلْمَالِ غَيْرِ الْمَضْمُونِ وَيُقَالُ مَثَلًا لِلْوَدِيعَةِ فِي الْمَادَّةِ (777) أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَيْ أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ مِنْ أَبْوَابِ عِلْمِ الْفِقْهِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَهَاكَ بَيَانُ الْبَعْضِ مِنْهَا:
1 - الْبُيُوعُ: الْمَالُ الَّذِي قُبِضَ بِطَرِيقِ سَوْمِ الشِّرَاءِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي رَاجِعْ الْمَادَّةَ (7 9 2) .
2 - الْمَالُ الَّذِي قُبِضَ بِطَرِيقِ سَوْمِ النَّظَرِ أَمَانَةٌ فِي الْمُشْتَرِي. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (299) . .
3 - أَحَدُ الْمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ قُبِضَا مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ أَوْ الِاثْنَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (8 13) . .
4 - الْمَالُ الَّذِي بِيعَ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَقُبِضَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (370) .
(2/235)
5 - الْمِقْدَارُ الزَّائِدُ عَنْ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي قُبِضَ وَفَاءً وَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ. أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1 0 4) . .
6 - إجَارَةُ: الْمَأْجُورِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (0 0 6) .
7 - الْمُسْتَأْجَرُ فِيهِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْأَجِيرِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (6 1) . .
8 - رَهْنُ: الْمِقْدَارِ الزَّائِدُ عَنْ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ. رَاجِعْ لَاحِقَةَ شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 74) . .
9 - الْأَمَانَاتُ: اللُّقَطَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ. رَاجِعْ الْمَادَّةِ (769) . .
0 - 1 - الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (770) . .
11 - الْوَدِيعَةُ الَّتِي أَعْطَاهَا الْمُسْتَوْدَعُ لِأَمِينِهِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْأَمِينِ الْمَرْقُومِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (0 78) . .
2 - 1 - إذَا أَرْسَلَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مَعَ أَمِينِهِ إلَى الْمُودَعِ فَهَذِهِ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْأَمِينِ الْمَرْقُومِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (579) .
3 - 1 - إذَا تُوُفِّيَ الْمُسْتَوْدَعُ فَالْوَدِيعَةُ الَّتِي تُوجَدُ عَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ وَصِيِّهِ أَوْ فِي يَدِ الْوَرَثَةِ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 801) . .
4 - 1 - الْغَصْبُ: زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَتَوْضِيحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (3 0 9) . .
51 - الْإِكْرَاهُ: أَثْنَاءَ اشْتِرَاءِ الشَّخْصِ الْمُكْرَهِ عَلَى الشِّرَاءِ وَمَالُ غَيْرِهِ بِالْإِكْرَاهِ وَقَبْضُهُ إيَّاهُ بِالْإِكْرَاهِ أَيْضًا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ لِقَصْدِ إعَادَتِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَهَذَا الْمَالُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْمُكْرَهِ. وَيَأْتِي إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَادَّةِ (1006) . .
6 - 1 - الشَّرِكَةُ: حِصَّةُ أَحَدِ الْمُشَارِكَيْنِ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْآخَرِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (87 0 1) .
17 - مَالُ الشَّرِكَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (0 135) .
18 - رَأْسَ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (13 4 1) .
19 - الْوَكَالَةُ: الْمَالُ الَّذِي قَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَالرَّسُولُ مِنْ جِهَةِ الْوَكَالَةِ وَمِنْ جِهَةِ الرِّسَالَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِمَا رَاجِعْ الْمَادَّةَ (63 4 1) . .
0 - 2 - الْوَصِيَّةُ: إذَا أُوصِيَتْ مَنْفَعَةُ مَالٍ إلَى شَخْصٍ وَسُلِّمَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لِذَلِكَ الشَّخْصِ كَيْ يَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى مُوجِبِ الْوَصِيَّةِ فَالْمَالُ الْمَذْكُورُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ (الْبَحْرُ) .
اسْتِثْنَاءٌ: الْفِقْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي مِثَالِ الْمَادَّةِ (777) وَهِيَ: (أَوْ إذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَتْ السَّاعَةُ لَزِمَ الضَّمَانُ) مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ (الْأَشْبَاهُ) .
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ، إذَا هَلَكَتْ الْأَمَانَةُ بِسَبَبِ صُنِعَ الْأَمِينِ وَفِعْلِهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ فِي أَمْرِ الْمُحَافَظَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَةِ صَاحِبِ الْمَالِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا وَغَيْرِ الْجَائِزِ مُخَالِفَتُهُ يَكُونُ الْأَمِينُ ضَامِنًا. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا مَسَائِلُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُتَفَرِّقَةِ. فَلْنَذْكُرْ بَعْضَهَا:
1 - الْبُيُوعُ: إذَا تَعَدَّى الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ وَهَلَكَ يَضْمَنُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1 4) .
(2/236)
الْإِجَارَةُ: إذَا تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمَأْجُورِ أَوْ خَالَفَ أَمْرَ الْمُؤَجِّرِ الْمُعْتَبَرِ يَضْمَنُ. رَاجِعْ الْمَوَادَّ 545، 546، 547، 548، 550، 551، 552، 556، 557، 559، 602، 603، 4 60،.
3 - إذَا هَلَكَ الْمُسْتَأْجَرُ فِيهِ بِمُخَالِفَةِ الْأَجِيرِ لِأَمْرِ مُسْتَأْجِرِهِ أَوْ بِتَعَدِّيهِ يَضْمَنُهُ الْأَجِيرُ رَاجِعْ الْمَوَادَّ 571، 807، 608، 609، 1 61. .
مَثَلًا لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ الْحَمَّامَ وَتَرَكَ ثِيَابَهُ عِنْدَ حَارِسِ الثِّيَابِ وَبَعْدَ دُخُولِهِ رَأَى الْحَارِسُ شَخْصًا آخَرَ وَهُوَ يَرْتَدِي الثِّيَابَ وَظَنَّ أَنَّهُ صَاحِبُهَا لَكِنْ، تَبَيَّنَ أَنَّ الثِّيَابَ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِلشَّخْصِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ يَضْمَنُهَا الْحَارِسُ الْمَذْكُورُ كَمَا لَوْ نَامَ الْحَمَّامِيُّ وَسُرِقَتْ الثِّيَابُ فَإِنْ نَامَ قَاعِدًا لَا يَضْمَنُ وَأَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
4 - الْكَفَالَةُ: إذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ مَالٌ أَمَانَةٌ لِشَخْصٍ وَكَفَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ دَيْنَ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَعَادَ الْمَالَ إلَى صَاحِبِهِ يَكُونُ ضَامِنًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (0 5 6) .
5 - الرَّهْنُ: إذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْمَرْهُونِ وَهَلَكَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ. اُنْظُرْ لَاحِقَةَ شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 74) وَالْمَادَّةُ (9 5 7) . .
6 - إذَا خَالَفَ الْعَدْلُ يَضْمَنُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (4 75) .
7 - الْأَمَانَاتُ: إذَا قَصَّرَ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْأَجْرِ فِي أَمْرِ الْمُحَافَظَةِ يَضْمَنُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (777) .
8 - إذَا تَعَدَّى الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَهَلَكَتْ أَوْ طَرَأَ نَقْصٌ عَلَى قِيمَتِهَا يَكُونُ ضَامِنًا. رَاجِعْ الْمَوَادَّ 779، 882، 783، 784، 794، 799، 1 80، 2 80. .
9 - إذَا تَعَدَّى الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْعَارِيَّةِ وَهَلَكَتْ أَوْ طَرَأَ نَقْصٌ عَلَى قِيمَتِهَا يَكُونُ ضَامِنًا. رَاجِعْ الْمَوَادَّ 814، 815، 816، 817، 818، 0 82، 1 82، 823، 825، 826، 827، 828، 829. .
0 - 1 - الشَّرِكَةُ: إذَا تَعَدَّى شَرِيكُ الْمِلْكِ وَهَلَكَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ أَوْ عَرَضَ نَقْصٌ عَلَى قِيمَتُهٌ يَضْمَنُ الْحِصَّةَ الْعَائِدَةَ إلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (87 0 1) . .
11 - إذَا تَعَدَّى شَرِيكُ الْعَقْدِ يَضْمَنُ. اُنْظُرْ الْمَوَادَّ: 1379، 1380، 1382، 1383. .
2 - 1 - إذَا تَعَدَّى الْمُضَارِبُ يَضْمَنُ رَاجِعْ الْمَوَادَّ 15 4 1، 416 1، 421 1، 422 1، 430 1. .
13 - الْوَكَالَةُ: إذَا خَالَفَ الْوَكِيلُ وَتَرَتَّبَ ضَرَرٌ عَلَى مُوَكِّلِهِ مِنْ ذَلِكَ يَضْمَنُ الضَّرَرَ. رَاجِعْ الْمَوَادَّ 1494، 1498، 1150، 1515
[ (الْمَادَّةُ 769) وَجَدَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مَحِلٍّ آخَرَ وَأَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ مَالٌ لَهُ]
(الْمَادَّةُ 769) - إذَا وَجَدَ شَخْصٌ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مَحِلٍّ آخَرَ وَأَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ مَالٌ لَهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ وَعَلَى هَذَا إذَا هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ فُقِدَ يَضْمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُنْعٌ وَتَقْصِيرٌ وَأَمَّا إذَا أَخَذَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعْلُومًا فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى صَاحِبِهِ. وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَأَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي وَجَدَهُ وَأَخَذَهُ
(2/237)
إذَا أَخَذَ شَخْصٌ مَالًا لَيْسَ لَهُ لِنَفْسِهِ يَكُونُ غَاصِبًا حُكْمًا (الْهِنْدِيَّةُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) سَوَاءٌ كَانَ عَنْ عِلْمٍ أَمْ جَهْلٍ.
مِثَالُ أَخْذِهِ عَنْ عِلْمٍ: إذَا وَجَدَ شَخْصٌ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مَحِلٍّ آخَرَ كَمَا الْمَنْقُولَاتُ وَالْحَيَوَانَاتُ الَّتِي يَفْقِدُهَا صَاحِبُهَا وَأَخَذَهُ فَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ:
1 - إذَا أَخَذَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَالًا لِنَفْسِهِ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ. سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ مَعْلُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (96) . وَإِمَّا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ لِأَنَّ أَخْذَ الرَّجُلِ الشَّيْءَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَالًا لَهُ مَمْنُوعٌ وَمُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَسَبَبُ الْقَوْلِ هُنَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ عِوَضٌ عَنْ الْقَوْلِ يَكُونُ غَاصِبًا هُوَ أَنَّ الْغَصْبَ كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي تَعْرِيفِهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ يَحْصُلُ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَحَيْثُ إنَّ الشَّيْءَ الْمَذْكُورَ فُقِدَ يَعْنِي أَنَّ يَدَ صَاحِبِهِ لَمْ تُوجَدْ عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ الْيَدُ الْمُحِقَّةُ أُزِيلَتْ يَعْنِي لَا يَكُونُ الْمَالُ الْمَذْكُورُ نُزِعَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ بِنَاءً عَلَى أَخْذِ الرَّجُلِ الْمَالَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَالًا لَهُ فَإِذَا هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ يَكُونُ ضَامِنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُنْعٌ وَتَقْصِيرٌ فِي هَلَاكِهِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1 89) . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا أَعَادَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي وَجَدَهُ فِيهِ لَا يَكُونُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ بَلْ يَبْقَى فِي ضَمَانِهِ مَا لَمْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (2 89) . .
مِثَالٌ أَوَّلٌ: إذَا أَخَذَ رَجُلٌ شَاةً فَرَّتْ مِنْ قَطِيعِ غَيْرِهِ وَالْتَحَقَتْ بِقَطِيعِهِ ظَانًّا أَنَّهَا مِنْ غَنَمِهِ وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ يَكُونُ ضَامِنًا وَتُوَضَّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (1 88) . .
مِثَالٌ ثَانٍ عَلَى الْأَخْذِ عَنْ جَهْلٍ: إذَا وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ ضِمْنَ الثَّوْبِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً ثَوْبًا لَهُ ثُمَّ أَعْطَى الثِّيَابَ إلَى صَاحِبِهَا بِنَاءً عَلَى طَلَبِهِ وَنَسِيَ ثَوْبَهُ وَأَخَذَهُ الْمُودِعُ مَعَ الْوَدِيعَةِ وَبَعْدَ اطِّلَاعِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ عَلَى ذَلِكَ هَلَكَ الثَّوْبُ فِي يَدِهِ يَكُونُ ضَامِنًا. وَجَهْلُ الْمُودِعِ لَيْسَ بِعُذْرٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (2) وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ دَفَعَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ إلَى صَاحِبِهِ نَاسِيًا فِيهِ ثَوْبَهُ فَقَدْ دَفَعَ الْمُسْتَوْدَعُ مَا لَهُ إلَى غَيْرِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ قِبَلِ الْمَادَّةِ (1 77) حَيْثُ دَفَعَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ إلَى غَيْرِهِ وَالْغَيْرُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَكَيْفَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَوْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَقْصُودَ يُلْزِمُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا أَخَذَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَأَخْفَاهُ عَنْ صَاحِبِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمَادَّةِ (901) وَيُقَالُ: إنَّ الْمُودِعَ أَخَذَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ بِلَا أَمْرٍ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ وَكَانَ فِيهِ ثَوْبُ الْمُسْتَوْدَعِ وَذَهَبَ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ حَيْثُ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا أَمْرٍ مِنْ صَاحِبِهِ. (الشَّارِحُ) .
2 - وَأَمَّا إذَا كَانَ أَخْذُهُ الشَّيْءَ بِقَصْدِ إعْطَائِهِ إلَى صَاحِبِهِ مَعْلُومًا فَهُوَ أَمَانَةٌ صِرْفَةٌ وَلَيْسَتْ اللُّقَطَةُ كَالْمَالِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ السَّكْرَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ ذَاهِبٌ فِي الطَّرِيقِ وَيَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ أَنْ يَرَى الشَّخْصَ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَالُ.
كَمَا لَوْ وَجَدَ شَخْصٌ فِي حَائِطِ الْبَيْتِ الَّذِي اشْتَرَاهُ نُقُودًا مَدْفُونَةً فَيُنْظَرُ. إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهَا مِلْكَهُ
(2/238)
تَكُونُ لَهُ وَيُجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهَا لَهُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ الْبَائِعُ: إنَّهَا لَيْسَتْ مَالَهُ فَتَكُونُ لُقَطَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ) الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الشَّيْءُ الْمَفْقُودُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْفِقْرَةِ الْأُولَى.
وَيُحْتَرَزُ بِتَعْبِيرِ (فُقِدَ) مِنْ مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - الْأَشْيَاءُ الَّتِي رَمَاهَا وَتَرَكَهَا صَاحِبُهَا قَصْدًا فَكَمَا أَنَّهَا لَا تُعَدُّ لُقَطَةً لَا يَلْزَمُ رَدُّهَا لِصَاحِبِهَا وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا. مَثَلًا فِي زَمَانِنَا عِنْدَمَا يُعَطِّلُ أَصْحَابُ الْكُرُومِ وَالْبَسَاتِينِ كُرُومَهُمْ وَبَسَاتِينَهُمْ يَتْرُكُونَ بَقَايَا الْعِنَبِ وَالْبِطِّيخِ وَيَتْرُكُ أَصْحَابُ الْمَزْرُوعَاتِ أَيْضًا بَعْدَ الْحَصَادِ بَقِيَّةَ السَّنَابِلِ فِي الْحُقُولِ. فَإِنْ كَانَ تَرْكُ أَصْحَابِهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَيْ يَأْخُذَهَا مَنْ شَاءَ فَلَا بَأْسَ فِي أَخْذِهَا فَهِيَ بِحُكْمِ الْمُبَاحِ مَعَ مَعْلُومِيَّةِ أَصْحَابِهَا (الْهِنْدِيَّةُ) كَمَا أَنَّ الْأَشْيَاءَ السَّرِيعَةَ الْفَسَادِ وَالْمُعْتَادَ رَمْيُهَا وَاَلَّتِي لَيْسَتْ ذَاتَ قِيمَةٍ لَا تُعَدُّ لُقَطَةً وَبِنَاءً عَلَيْهِ الْكُمَّثْرَى مَثَلًا الْمَعْدُودَةُ مِنْ الْأَثْمَارِ إذَا وُجِدَتْ فِي النَّهْرِ الْجَارِي لَا تَكُونُ لُقَطَةً وَحَيْثُ إنَّ أَصْحَابَهَا رَمَوْهَا قَصْدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَهَا فَأَخَذَهَا لِأَجْلِ تَمَلُّكِهَا جَائِزٌ (عَبْدُ الْحَلِيمِ عَنْ الْخُلَاصَةِ) .
وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْقَيِّمَةُ الَّتِي يُسَارِعُ الْفَسَادُ إلَيْهَا كَالْأَشْجَارِ وَالْأَخْشَابِ إذَا وُجِدَتْ فِي النَّهْرِ الْجَارِي فَتَكُونُ لُقَطَةً إنْ كَانَ أَصْحَابُهَا غَيْرَ مَعْلُومِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - الْأَشْيَاءُ الْمَوْجُودَةُ فِي يَدِ أَصْحَابِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تُفْقَدْ لَيْسَتْ لُقَطَةً. مَثَلًا لَوْ أَخَذَ شَخْصٌ خُفْيَةً أَوْ جَهْرًا وَقَهْرًا مَالَ شَخْصٍ آخَرَ مِنْ جَيْبِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِهِ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ بِنِيَّةِ أَنْ يُعِيدَهُ لَهُ يَكُونُ سَارِقًا أَوْ غَاصِبًا بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مَوْجُودًا يَلْزَمُ رَدُّهُ وَتَسْلِيمُهُ عَيْنًا لِصَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ تُوُفِّيَ فَلِجَمِيعِ وَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَلِبَيْتِ الْمَالِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (4 79) وَإِذَا كَانَ قَدْ هَلَكَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ وَيَلْزَمُ إنْ كَانَ هَلَاكُهُ بِتَعَدٍّ وَتَقْصِيرٍ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ السَّابِقَةَ وَشَرْحَهَا.
فَهَا إنَّ الْمَالَ الَّذِي يُعْلَمُ صَاحِبُهُ لَا يَكُونُ لُقَطَةً عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِلْإِشْهَادِ وَلَا لِلْإِعْلَانِ لِأَجْلِ التَّفْتِيشِ عَلَى صَاحِبِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (770) . وَفِي قَوْلٍ إنَّ هَذَا لُقَطَةٌ وَعَلَيْهِ أَيْضًا لَا حَاجَةَ لِلْإِعْلَانِ. وَالْمَجَلَّةُ بِتَعْبِيرِ (مَحْضَةٍ) اخْتَارَتْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ.
3 - وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ وَأَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقَطِ. وَإِذَا وَجَدَ اللُّقَطَةَ شَخْصَانِ فَكِلَاهُمَا يُعَرِّفَانِ وَيَكُونَانِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي حُكْمِ اللَّقْطَةِ. وَذِكْرُ لَفْظَةِ شَخْصٍ الْوَارِدِ فِي صَدْرِ الْمَادَّةِ لَيْسَ احْتِرَازًا مِنْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَلْ الْقَصْدُ مِنْهُ التَّنْكِيرُ وَالتَّعْمِيمُ يَعْنِي أَيًّا كَانَ مِنْ النَّاسِ. وَفِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ بَيَانُ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ وَبَيَانُ حُكْمِهَا مَعًا.
. مَسَائِلُ اللُّقَطَةِ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ مُسْتَقِلَّةٌ فِي كِتَابٍ تَحْتَ عِنْوَانِ (كِتَابِ اللُّقَطَةِ) وَفِيهَا تَفْصِيلَاتٌ مُهِمَّةٌ وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَجَلَّةِ إلَّا مَسَائِلُ قَلِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا وَجَبَ أَنْ نُوَسِّعَ هَذَا الْمَبْحَثَ وَنُفَصِّلَ بَعْضَ التَّفْصِيلِ.
الْمَسَائِلُ الْعَائِدَةُ لَهَا. وَالْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ:
أَوَّلًا - تَعْرِيفُ اللُّقْطَةِ
(2/239)
ثَانِيًا - أَرْكَانُ اللُّقَطَةِ.
ثَالِثًا - شَرَائِطُ اللُّقَطَةِ.
رَابِعًا - حِلُّ أَخْذِ اللُّقَطَةِ.
خَامِسًا - الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَانُ اللَّازِمَانِ فِي اللُّقَطَةِ وَالِاسْتِغْنَاءُ بِالْوَاحِدِ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ.
سَادِسًا - مَحِلُّ إشْهَادِ اللُّقَطَةِ.
سَابِعًا - إعَادَةُ اللُّقَطَةِ إلَى مَحِلِّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا.
ثَامِنًا - زَمَانُ إعْلَانِ اللُّقَطَةِ وَمُدَّتُهُ وَمِقْدَارُهُ.
تَاسِعًا - تَسْلِيمُ اللُّقَطَةِ إلَى الَّذِي طَلَبَهَا مُدَّعِيًا أَنَّهَا مَالَهُ.
عَاشِرًا - الْمُعَامَلَةُ الَّتِي يَجِبُ إجْرَاؤُهَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ ظُهُورِ صَاحِبِهَا.
حَادِي عَشَرَ - صُورَةُ تَدَارُكِ تَسْوِيَةِ نَفَقَةِ اللُّقَطَةِ.
1 - تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ: اللَّقْطَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي فُقِدَ وَوَجَدَهُ آخَرُ وَكَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ وَمَالِكُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ. سَوَاءٌ أَفُقِدَ مِنْ مَالِكِهِ أَمْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرُ الْغَاصِبُ وَسَوَاءٌ أَكَانَ سَبَبُ الْفَقْدِ سُقُوطَ الْمَالِ بِدُونِ عِلْمٍ أَمْ النَّوْمَ أَمْ الْفِرَارَ أَمْ تَرْكَ الْحِمْلِ لِثِقَلِهِ. (الْبَاجُورِيُّ) .
يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي وُجِدَ يَكُونُ أَمَانَةً سَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبُهُ مَعْلُومًا أَمْ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ مَعْلُومًا فَلَا يَكُونُ لُقَطَةً وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
فُقِدَ: بِهَذَا التَّعْبِيرِ تَبْقَى الْأَمْوَالُ الَّتِي فِي الْمَنَازِلِ وَعِنْدَ مُحَافِظِيهَا خَارِجَةً. وَآخِذُ هَذِهِ الْأَمْوَالِ سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ. وَيَجِيءُ تَعْرِيفُ وَبَيَانُ أَحْكَامِهِ فِي الْكِتَابِ الثَّامِنِ.
بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ إنَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْمَنَازِلِ وَفِي جِوَارِ الْقُرَى وَفِي الْمَرَاعِي وَفِي أَطْرَافِ الْعَشَائِرِ وَالْبَدْوِ وَالرُّحُلِ وَبِجِوَارِ الْقَوَافِلِ النَّازِلَةِ فِي مَحِلٍّ لَا تُعَدُّ لُقَطَةً وَمَنْ أَخَذَهَا يَكُونُ غَاصِبًا أَوْ سَارِقًا.
وَبِتَعْبِيرِ (فُقِدَ) يَبْقَى الْمَالُ الَّذِي أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ خَارِجًا. وَإِلْقَاءُ مَالٍ بِهَذِهِ الصُّورَةِ إبَاحَةٌ. مَثَلًا: لَوْ رَمَى شَخْصٌ مَالًا وَقَالَ: مَنْ وَجَدَهُ فَهُوَ لَهُ فَكَانَ لِمَنْ سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ بِالذَّاتِ حَقُّ أَخْذِ وَتَمْلِيكِ الْمَالِ الْمَرْقُومِ كَمَا أَنَّ لِلشَّخْصِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْ الْقَوْلَ بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعَهُ بِالْوَاسِطَةِ صَلَاحِيَةٌ فِي أَخْذِ الْمَالِ وَتَمَلُّكِهِ. وَكَذَلِكَ كَمَا أَنَّ أَخْذَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تُنْثَرُ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْوَلَائِمِ وَاسْتَمْلَاكهَا جَائِزٌ فَالشُّرْبُ مِنْ الْمَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَ الْبَابِ خُصُوصًا حَتَّى يَشْرَبَ مِنْهُ النَّاسُ جَائِزٌ أَيْضًا. كَذَلِكَ إذَا غَرَسَ رَجُلٌ شَجَرَةً ذَاتَ فَاكِهَةٍ فِي مَفَازَةٍ لَيْسَتْ مِلْكَ أَحَدٍ وَأَبَاحَ ثَمَرَهَا لِلنَّاسِ جَازَ لِلْكُلِّ تَنَاوُلُ ثِمَارِهَا.
مَالِكُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ: بِهَذَا التَّعْبِيرِ تَخْرُجُ الْأَمَانَةُ الَّتِي مَالِكُهَا مَعْلُومٌ وَتُرَدُّ هَذِهِ الْأَمَانَةُ إلَى صَاحِبِهَا وَلَا حَاجَةَ لِلْإِعْلَانِ. وَيُفْهَمُ مِنْ مَادَّةِ الْمَجَلَّةِ هَذِهِ أَنَّ الْمَالَ لَيْسَ لُقَطَةً (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
غَيْرُ مُبَاحٍ: بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ يَخْرُجُ الْمَالُ الَّذِي يُغْتَنَمُ مِنْ الْحَرْبِيِّ أَثْنَاءَ الْمُحَارَبَةِ. وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ غَنِيمَةً وَهَذَا. الْمَالُ لَيْسَ لُقَطَةً.
(2/240)
الْمَالُ: بِهَذَا اللَّفْظِ يَبْقَى اللَّقِيطُ خَارِجًا. يَعْنِي إنَّ مَا وُجِدَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا وَكَانَ وَلَدًا فَلَا يُقَالُ لَهُ لُقَطَةٌ بَلْ يُسَمَّى لَقِيطًا. وَفِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِاللَّقِيطِ. وَحَيْثُ إنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْمَجَلَّةِ مَسَائِلُ عَائِدَةٌ لَهُ صُرِفَ النَّظَرُ عَنْ تَصْرِيفِ أَحْكَامِهِ.
2 - أَرْكَانُ اللُّقَطَةِ: أَرْكَانُ اللُّقَطَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: اللَّاقِطُ أَيْ آخِذُ اللُّقَطَةِ؛ الْمَلْقُوطُ أَيْ اللُّقَطَةُ؛ اللُّقْطَةُ يَعْنِي أَخْذَ اللُّقَطَةِ (الْبَاجُورِيُّ) .
3 - شُرُوطُ اللُّقَطَةِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ عَاقِلًا، يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ عَاقِلًا فَالْتِقَاطُهُ صَحِيحٌ.
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَخَذَ شَخْصٌ اللُّقَطَةَ جَبْرًا مِنْ يَدِ الْمُلْتَقِطِ الْعَاقِلِ أَوْ فُقِدَتْ اللُّقَطَةُ وَوَجَدَهَا شَخْصٌ آخَرُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدَّعِيَهَا وَيَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا فَلَهُ حَقُّ تَمَلُّكِهَا بَعْدَ الْإِعْلَانِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
كَمَا أَنَّ أَخْذَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ اللُّقَطَةَ جَائِزٌ أَيْضًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ مَأْذُونًا يُجْرِي الْإِعْلَانَ الْمَسْرُودَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ.
حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مُقْتَدِرًا عَلَى الْإِشْهَادِ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي أَخَذَ اللُّقَطَةَ مِنْهُ وَتَرَكَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَيْرَ عَاقِلٍ فَالْتِقَاطُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ.
بِنَاءً عَلَيْهِ، الْتِقَاطُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَنْهُوشِ غَيْرُ صَحِيحٍ. حَتَّى إنَّهُ إذَا أَخَذَ مَجْنُونٌ مَالًا لُقَطَةً وَانْتَزَعَهُ مِنْهُ شَخْصٌ ثُمَّ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَيَأْخُذَ اللُّقَطَةَ مِنْ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
4 - حِلُّ أَخْذِ اللُّقَطَةِ: اُخْتُلِفَ فِي الْمَالِ الْمَفْقُودِ إذَا بِقَصْدِ رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ هَلْ هُوَ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ. فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: بِمَا أَنَّهُ فِي هَذَا الْأَخْذِ وَالِالْتِقَاطِ وَضْعُ يَدٍ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ فَبِحُكْمِ الْمَادَّةِ (6 9) لَا يَكُونُ أَخْذُهُ وَالْتِقَاطُهُ حَلَالًا.
وَقَالَ غَيْرُهُمْ بِجَوَازِ الِالْتِقَاطِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الِالْتِقَاطِ هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ: «مَنْ أَصَابَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ» . وَلَكِنْ يَجُوزُ أَيْضًا عَدَمُ أَخْذِ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ. لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُفَتِّشُ عَلَيْهِ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي فُقِدَ مِنْهُ وَيَجِدُهُ. وَيَظْفَرُ بِمَالِهِ. (فَتْحُ الْقَدِيرِ) . هَلْ الْأَوْلَى أَخْذُ اللُّقَطَةِ أَوْ عَدَمُ أَخْذِهَا؟ هَذِهِ الْجِهَةُ تَحْتَاجُ إلَى إيضَاحٍ. الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْمَجَلَّةِ أَنَّ أَخْذَ الْمَالِ الْمَفْقُودِ بِقَصْدِ رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ جَائِزٌ. سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْمَالُ بِرْذَوْنًا أَوْ حَيَوَانًا آخَرَ أَوْ طَيْرًا أَوْ أَمْتِعَةً أَوْ أَشْيَاءَ أُخْرَى كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ أَمِينًا مِنْ نَفْسِهِ فَأَخْذُهُ لِأَجْلِ رَدِّهِ وَإِعَادَتِهِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ ضَيَاعَ اللُّقَطَةِ مُتَوَهَّمٌ هُنَاكَ يَجِبُ أَخْذُهَا وَإِعْلَانُهَا لِأَجْلِ صِيَانَةِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ النَّاسِ. مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْتِقَاطِ اللُّقَطَةِ جَائِزٌ أَيْضًا. لِأَنَّ صَاحِبَهَا يُفَتِّشُ عَلَيْهَا فِي الْمَحِلِّ الَّذِي فَقَدَهَا وَيَجِدُهَا وَيَظْفَرُ بِمَالِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَمِينًا مِنْ نَفْسِهِ وَلَحَظَ أَنَّهُ يَسْتَهْلِكُهَا بِسَبَبِ حِرْصِهِ وَطَمَعِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْتَقِطَهَا (الْفَتْحُ وَالْهِدَايَةُ
(2/241)
وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) ، وَإِنَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْخَوْفِ مِنْ هَلَاكِ اللُّقَطَةِ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَكَانَ الشَّخْصُ الَّذِي وَجَدَهَا أَمِينًا فَالْتِقَاطُهَا لَازِمٌ وَوَاجِبٌ وَتَرْكُ هَذَا اللُّزُومِ مُوجِبٌ لِلْإِثْمِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الضَّمَانَ. يَعْنِي فِي تِلْكَ الْحَالِ لَا يَلْزَمُ الشَّخْصَ الَّذِي لَمْ يَلْتَقِطْهَا الضَّمَانُ عَلَى تَقْدِيرِ ضَيَاعِ اللُّقَطَةِ الْمَذْكُورَةِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
وَأَمَّا إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا وَلَا يُفَتِّشُ عَلَيْهَا كَقُشُورِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَفَضَلَاتِ الْخُضْرَةِ فَيُعْتَبَرُ رَمْيُهَا وَإِلْقَاؤُهَا إبَاحَةً فَلِلَّذِي وَجَدَهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا بِدُونِ أَنْ يَكُونَ مَجْبُورًا عَلَى الْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ. وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا. وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سَتَبْقَى فِي مِلْكِيَّةِ مَالِكِهَا فَلِصَاحِبِهَا اسْتِرْدَادُهَا مِنْ يَدِ الْآخِذِ إذَا وُجِدَتْ عَيْنًا، لِأَنَّ رَمْيَهَا إبَاحَةٌ وَلَيْسَ تَمْلِيكًا. وَفِي الْإِبَاحَةِ حَيْثُ إنَّ الْمَالَ الَّذِي أُبِيحَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِيَّةِ صَاحِبِ الْمَالِ فَحَقُّ اسْتِرْدَادِهِ بَاقٍ (فَتْحُ الْقَدِيرِ)
5 - الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَانُ اللَّازِمَانِ فِي اللُّقَطَةِ وَالِاسْتِغْنَاءُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ: مَتَى تَكُونُ اللُّقَطَةُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ يَلْزَمُ لَهُمَا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:
الْأَوَّلُ: عِنْدَ أَخْذِ اللُّقَطَةِ وَرَفْعِهَا مِنْ الْمَحِلِّ. الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ أَنْ تُؤْخَذَ بِقَصْدِ إعَادَتِهَا إلَى صَاحِبِهَا. أُفِيدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْمَجَلَّةِ بِفِقْرَةِ (إذَا أَخَذَهُ بِقَصْدِ إعَادَتِهِ إلَى صَاحِبِهِ) .
الثَّانِي: الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْتِقَاطِ اللُّقَطَةِ. وَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْمَجَلَّةِ.
الثَّالِثُ: الْإِعْلَانُ بَعْدَ الْتِقَاطِ اللُّقَطَةِ. وَهَذَا الشَّرْطُ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (0 77) .
فَلْنُوَضِّحْ الشَّرْطَ الثَّانِي: إذَا قَالَ الْمُلْتَقِطُ بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ أَثْنَاءَ الْتِقَاطِهِ اللُّقَطَةَ يَعْنِي عِنْدَمَا يَرْفَعُ اللُّقَطَةَ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي يَجِدُهَا فِيهِ أَنَّهُ وَجَدَ اللُّقَطَةَ وَأَخَذَهَا عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا لِصَاحِبِهَا يُفْهَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ أَخَذَهَا حَتَّى يَرُدَّهَا لِصَاحِبِهَا. وَحَيْثُ إنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الْإِشْهَادِ إثْبَاتُ الِالْتِقَاطِ لِأَجْلِ رَدِّ اللُّقَطَةِ إلَى صَاحِبِهَا لَدَى الْإِيجَابِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الشُّهُودُ أَشْخَاصًا عُدُولًا وَمَقْبُولِي الشَّهَادَةِ. وَيَحْصُلُ الْإِشْهَادُ بِقَوْلِ الْآخِذِ لِلشُّهُودِ: عِنْدِي شَيْءٌ مَفْقُودٌ أَخْبِرُوا عَنِّي كُلَّ مَنْ سَمِعْتُمْ بِأَنَّهُ يُفَتِّشُ عَلَى اللُّقَطَةِ وَيُقَالُ لِهَذَا (الْإِشْهَادُ عَلَى اللَّقْطَةِ) . وَالْإِشْهَادُ لَازِمٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ اللُّقَطَةُ ذَاتَ قِيمَةٍ أَوْ كَانَتْ لَا أَهَمِّيَّةَ لَهَا. وَلَا يَلْزَمُ فِي الْإِشْهَادِ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ اللُّقَطَةِ أَوْ بَيَانِ جِنْسِهَا بِأَنَّ اللُّقَطَةَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ، عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
الْمَالُ الَّذِي يُلْتَقَطُ تَحْتَ هَذِهِ الشُّرُوطِ يَكُونُ أَمَانَةً.
وَتَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ عَلَى كَوْنِ اللُّقَطَةِ أَمَانَةً.
أَوَّلًا - إذَا هَلَكَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا لَا يُلْزَمُ الضَّمَانَ رَاجِعْ الْقَاعِدَةَ الثَّانِيَةَ فِي شَرْحٍ الْمَادَّةِ (768) وَإِذَا ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَنَّ اللُّقَطَةَ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (774 1) .
ثَانِيًا - لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُعْطِيَ اللُّقَطَةَ إلَى أَمِينِهِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (780) وَإِذَا هَلَكَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ الْأَمِينِ الْمَرْقُومِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ وَلَا أَمِينَهُ الضَّمَانُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (1 9) رَدُّ الْمُحْتَارِ.
ثَالِثًا - إذَا هَلَكَتْ اللُّقَطَةُ أَوْ فُقِدَتْ بِسَبَبِ تَعَدِّي أَوْ تَقْصِيرِ الْمُلْتَقِطِ لَزِمَ ضَمَانُ جَمِيعِ قِيمَتِهَا وَإِذَا
(2/242)
حَصَلَ نُقْصَانٌ فِي الْقِيمَةِ يَجِبُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ الْمَذْكُورِ. رَاجِعْ الْقَاعِدَةَ الثَّانِيَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَالْمَادَّةَ (787) (الْهِنْدِيَّةُ) .
رَابِعًا - إذَا امْتَنَعَ الْمُلْتَقِطُ عَنْ تَسْلِيمِ اللُّقَطَةِ لِصَاحِبِهَا مَعَ أَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ ثُمَّ هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ ضَامِنًا.
وَأَمَّا كَوْنُ الْإِشْهَادِ وَالْإِعْلَانِ مُغْنِيًا أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ. فَتَعْرِيفُ الْإِشْهَادِ الْمَذْكُورُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ لَا يُفِيدُ الِاسْتِغْنَاءَ يَعْنِي أَنَّ التَّعْرِيفَ وَالْإِعْلَانَ أَيْضًا لَازِمٌ بَعْدَ الْإِشْهَادِ. وَهُنَاكَ قَوْلٌ الْإِعْلَانُ غَيْرُ لَازِمٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ.
وَأَمَّا الْإِعْلَانُ فَهُوَ لَا يُغْنِي عَنْ الْإِشْهَادِ. بِنَاءً عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ قَبْلَ الْإِعْلَانِ لَازِمٌ فَإِذَا حَصَلَ الْإِعْلَانُ بَعْدَ الِالْتِقَاطِ فَفِي هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ الْإِعْلَانَ لَا يَكْفِي لِلْإِشْهَادِ الَّذِي لَمْ يُجَدْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
6 - مَحِلُّ إشْهَادِ اللُّقَطَةِ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ عَلَى اللُّقَطَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ آنِفًا حِينَ أَخَذَهَا وَرَفَعَهَا وَتَرْكُ الْإِشْهَادِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُوجِبُ الضَّمَانَ. حَتَّى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى الْإِشْهَادِ حِينَمَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَلَمْ يُشْهِدْ وَتَجَاوَزَ الْمَحِلَّ الْمَذْكُورَ يَكُونُ ضَامِنًا (الْبَزَّازِيَّةُ) مَا لَمْ تَكُنْ اللُّقَطَةُ فِي الْمَفَازَةِ وَالصَّحْرَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ أُنَاسٌ يَسْتَشْهِدُ بِهِمْ أَوْ أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْإِشْهَادِ يَخَافُ مِنْ اغْتِصَابِ اللُّقَطَةِ مِنْ يَدِهِ وَتَرَكَ الْإِشْهَادَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ فَلَا يُوجَبُ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ. لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْإِشْهَادِ إنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ صِيَانَةِ الْأَمْوَالِ يَعْنِي لِأَجْلِ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ وَإِعَادَتِهِ إلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ ظُهُورِهِ فَالْإِشْهَادُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيُعْتَبَرُ غَاصِبًا يَكُونُ سَبَبًا لِضَيَاعِ الْمَالِ وَلَيْسَ لِحِفْظِهِ (الْهِدَايَةُ وَالْفَتْحُ) . وَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ - فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِشْهَادِ لِلْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ - قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ. يَعْنِي إذَا قَالَ الْمُلْتَقِطُ: إنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادُ لِلسَّبَبِ الْفُلَانِيِّ يُقْبَلُ مَعَ الْيَمِينِ بَيْدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَدَمُ الشَّهَادَةِ نَاشِئًا عَنْ عَدَمِ وُجُودِ الشُّهُودِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ بَعْدَئِذٍ حِينَمَا يَظْفَرُ بِالشُّهُودِ وَتَرْكُ الْإِشْهَادِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ. وَلَكِنْ تَرْكُ الْإِشْهَادِ بِلَا سَبَبٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
1 - مَسْأَلَةٌ، إذَا لَمْ يُشْهِدْ الْمُلْتَقِطُ وَلَكِنَّ صَاحِبَ اللُّقَطَةِ أَقَرَّ بِأَنَّ أَخَذَ الْمُلْتَقِطِ اللُّقَطَةَ وَرَفْعَهُ إيَّاهَا كَانَ بِقَصْدِ رَدَّهَا وَإِعَادَتِهَا لَهُ وَلَيْسَ بِقَصْدِ أَنْ يَمْتَلِكَهَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ تَصِيرُ حُجَّةً فِي حَقِّهِمَا (الْعِنَايَةُ) .
2 - مَسْأَلَةٌ، إذَا ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ الَّذِي تَرَكَ الْإِشْهَادَ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنَّ الْتِقَاطَهُ كَانَ لِأَجْلِ رَدِّ اللُّقَطَةِ وَإِعَادَتِهَا لِصَاحِبِهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ: إنَّهُ أَخَذَهَا لِأَجْلِ تَمَلُّكِهَا فَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ مَعَ يَمِينِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَدَّعِي الضَّمَانَ وَوُجُوبَ الْبَدَلِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَهَذَا يُنْكِرُ. فَنَظَرًا لِلْمَادَّةِ (8) مِنْ الْمَجَلَّةِ يَكُونُ الْقَوْلُ لِمَنْ ادَّعَى بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ وَالْبَيِّنَةُ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ (76) عَلَى الْمُنْكِرِ وَحَيْثُ إنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْإِنْسَانِ الْكَامِلِ يَدُلُّ وَيَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْتَكِبُ الْمَعْصِيَةَ وَيَخْتَارُ الثَّوَابَ فَأَخْذُهُ وَالْتِقَاطُهُ جَائِزٌ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخْذَ حَلَالٌ. وَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ لِأَجْلِ إعَادَتِهِ إلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ لِنَفْسِهِ. وَهَذَا الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِشْهَادِ. وَرَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ هَذَا بِعِبَارَةِ (وَبِهِ نَأْخُذُ) . وَتَرْكُ الْإِشْهَادِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ. وَرُجِّحَ هَذَا الْمَذْهَبَ
(2/243)
بِالنَّظَرِ إلَى ظَاهِرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. وَلَا يُوجَدُ قَيْدٌ وَلَا إشَارَةٌ فِي الْمَجَلَّةِ إلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ وَمَعَ ذَلِكَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ إنَّ الْمَجَلَّةَ بِعَدَمِ ذِكْرِهَا لُزُومَ الْإِشْهَادِ قَدْ قَبِلَتْ هَذَا الْمَذْهَبَ أَيْ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ. إنَّمَا مَحِلُّ هَذَا الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ آنِفًا مُحْتَاجٌ لِلْإِيضَاحِ.
وَيَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا لَوْ اتَّفَقَ صَاحِبُ الْمَالِ وَالْمُلْتَقِطُ عَلَى كَوْنِ الْمَالِ لُقَطَةً وَأَمَّا إذَا قَالَ الْمُلْتَقِطُ: إنِّي أَخَذْتُ الْمَالَ وَرَفَعْتُهُ بِصِفَةِ لُقَطَةٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَهُ وَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُفْقَدْ مِنِّي بَلْ أَنْتَ غَصَبْتَهُ وَحَصَلَ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِلَا تَفْصِيلٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْخَيْرِيَّةُ فِي اللُّقَطَةِ) .
7 - إعَادَةُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ الْأَخْذِ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ: إذَا أَعَادَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ إلَى مَحِلِّهَا وَتَرَكَهَا هُنَاكَ بَعْدَ أَنَّ الْتَقَطَهَا فَفِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ:
1 - مَسْأَلَةٌ: بَعْدَ أَنْ الْتَقَطَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا لِصَاحِبِهَا إذَا أَعَادَهَا إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَتَرَكَهَا هُنَاكَ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا فَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ. سَوَاءٌ أَعَادَهَا بَعْدَ أَنْ تَجَاوَزَ الْمَحِلَّ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ أَمْ قَبْلَ التَّجَاوُزِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا هُوَ هَذَا (الْبَحْرُ) . وَهَذَا بِخِلَافِ مَا وَرَدَ فِي الْغَصْبِ فِي الْبَزَّازِيَّةُ أَنَّهُ إذَا أَعَادَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ قَبْلَ مُغَادَرَةِ الْمَحِلِّ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَتَجَاوُزِهِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. وَإِنْ أَعَادَهَا بَعْدَ الْمُغَادِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ تَبْقَى فِي ضَمَانِهِ إلَى أَنْ يُعِيدَهَا وَيُسَلِّمَهَا لِصَاحِبِهَا سَالِمَةً.
2 - مَسْأَلَةٌ: إذَا أَعَادَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ بَعْدَ أَنْ الْتَقَطَهَا كَيْ تَكُونَ مَالًا لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لِأَجْلِ إعْطَائِهَا لِصَاحِبِهَا لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ وَتَبْقَى تَحْتَ ضَمَانِ الْمُلْتَقِطِ وَمَسْئُولِيَّتِهِ إلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى صَاحِبِهَا سَالِمَةً (الْخَانِيَّةُ) .
8 - زَمَانُ إعْلَانِ اللُّقَطَةِ وَمُدَّتُهُ وَمِقْدَارُهُ: لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْلَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَادَّةِ (0 77) وَقْتَ الْأَخْذِ. فَكَمَا أَنَّ الْإِعْلَانَ يَجُوزُ وَقْتَ الْأَخْذِ فَإِذَا أَعْلَنَ بَعْدَ الِالْتِقَاطِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ هَلَاكِ اللُّقَطَةِ يَكُونُ صَحِيحًا وَمُعْتَبَرًا أَيْضًا وَإِذَا أَعْلَنَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ يُفْهَمُ أَنَّهُ الْتَقَطَهَا بِقَصْدِ رَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ لِأَجْلِ تَمَلُّكِهَا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 68 (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
وَإِنْ كَانَ اُخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ الْإِعْلَانِ فَقَدْ قِيلَ أَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ الْمُدَّةُ مُخَصَّصَةً بِوَقْتٍ كَسَنَةٍ مَثَلًا. وَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِعْلَانِ مُفَوَّضَةً لِرَأْيِ الْمُلْتَقِطِ فَإِنَّهُ يُعْلِنُهَا لِوَقْتِ حُصُولِ الظَّنِّ الْغَالِبِ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا لَنْ يَطْلُبَهَا أَوْ لِزَمَنٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ فَسَادُهَا إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَثْمَارِ مَثَلًا بِبَقَائِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً.
وَإِنْ كَانَ إعْلَانُ الْمُلْتَقِطِ مَرَّةً كَافِيًا لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّمَانِ فَالْوَاجِبُ تَكْرَارُ الْإِعْلَانِ (الْفَتْحُ) .
9 - صُورَةُ تَسْلِيمِ اللُّقَطَةِ لِمَنْ يَطْلُبُهَا مُدَّعِيًا أَنَّهَا مَالَهُ وَأَحْكَامُهَا إذَا ظَهَرَ صَاحِبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ:
الْأَسْبَابُ الَّتِي يَجُوزُ تَسْلِيمُ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ يَطْلُبُهَا مُدَّعِيًا أَنَّهَا مَالَهُ ثَلَاثَةٌ:
أَوَّلًا: إثْبَاتُ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ لَهُ وَيُسْرَدُ تَفْصِيلَاتٌ بِهَذَا الْخُصُوصِ فِي الْمَادَّةِ (0 77) وَشَرْحِهَا.
ثَانِيًا: إذَا عَدَّدَ شَخْصٌ وَوَصَفَ جَمِيعَ عَلَامَاتِ اللُّقَطَةِ الْمُوَافِقَةِ لِنَفْسِ الْأَمْرِ مَثَلًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا نُقُودٌ
(2/244)
إذَا بَيَّنَ عَدَدَهَا وَجِنْسَهَا وَالْكِيسَ الْمَوْضُوعَةَ فِيهِ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُعْطِيَ تِلْكَ اللُّقَطَةَ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ بِرِضَاهُ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهَا. لَكِنْ إذَا لَمْ يُعْطِهَا بِرِضَاهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَلَهُ الْحَقُّ أَنْ يَطْلُبَ بَيِّنَةً. وَابْنُ الْهُمَامِ يُرَجِّحُ هَذَا الْقَوْلَ. كَمَا لَوْ ظَهَرَ شَخْصَانِ وَوَصَفَ كِلَاهُمَا اللُّقَطَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالَهُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُعْطِيَهُمَا لَهُمَا بِالِاشْتِرَاكِ بِلَا إجْبَارٍ. وَلَكِنْ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ بِفِقْرَةِ (ثَانِيًا) أَعْلَاهُ لِلْمُلْتَقِطِ حَقٌّ بِأَنْ يَطْلُبَ كَفِيلًا مِنْ الشَّخْصِ الَّذِي سَيُسَلِّمُهُ اللُّقَطَةَ وَأَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ التَّسْلِيمِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إعْطَائِهِ كَفِيلًا.
ثَالِثًا - إذَا ظَهَرَ شَخْصٌ وَادَّعَى بِأَنَّ اللُّقَطَةَ مَالَهُ وَأَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ وَصَادَقَ عَلَى ذَلِكَ يُسَلِّمُهُ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ وَإِنْ لَمْ يُوَصِّفْهَا وَيُعَرِّفْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ وَلَكِنْ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ هَذِهِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ وَطَلَبَ بَيِّنَةً يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ كَمَالٍ هَذِهِ الْجِهَةَ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
وَلَا يُجْبَرُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْآخَرِينَ. لِأَنَّهُ حَيْثُ هَذَا الْإِقْرَارُ وَاقِعٌ عَلَى الْغَيْرِ. فَلَيْسَ حَائِزًا صِفَةً تُوجِبُ الْإِلْزَامَ. وَعَلَيْهِ فَلِلْمُلْتَقِطِ حَقٌّ بِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ.
وَمَا جَاءَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ اللُّقَطَةَ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ هُوَ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ إعْطَائِهِ وَتَسْلِيمِهِ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلتَّعْزِيرِ وَلَا مَسْئُولًا مِنْ جِهَةِ الْآخِرَةِ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ الْغَيْرِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ لَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ تُجَاهَ صَاحِبِهَا الْحَقِيقِيِّ.
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا سَلَّمَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ إلَى شَخْصٍ بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ أَوْ بِالتَّصْدِيقِ ثُمَّ ظَهَرَ شَخْصٌ آخَرُ وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالَهُ فَكَمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ عَيْنًا إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً لَهُ الْخِيَارُ إذَا هَلَكَتْ. فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُلْتَقِطِ وَإِنْ شَاءَ لِلشَّخْصِ الَّذِي قَبَضَهَا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (0 91) .
وَإِذَا ضَمَّنَهَا لِلْقَابِضِ فَلَيْسَ لِلْقَابِضِ أَنْ يُضَمِّنَهَا لِلْمُلْتَقِطِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (658) . وَأَمَّا إذَا ضَمَّنَهَا لِلْمُلْتَقِطِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ وَالصَّحِيحُ هُوَ هَذَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُلْتَقِطِ وَتَصْدِيقَهُ كُذِّبَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَكَأَنَّهُ سَلَّمَ بِلَا تَصْدِيقٍ وَفَهِمَ أَخِيرًا أَنَّ اللُّقَطَةَ لَيْسَتْ مَالَهُ. (الْفَتْحُ) رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 79 مِنْ الْمَجَلَّةِ وَالْمَادَّةَ 4651.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْأَظْهَرَ هُوَ هَذَا فَإِنْ سَلَّمَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى بَيَانِ الْعَلَامَةِ وَصَارَ ضَامِنًا تُجَاهَ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ الْحَقِيقِيِّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَخَذَهَا بِبَدَلِ الضَّمَانِ وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ بِالْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) يَعْنِي قَالُوا: إنَّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذُكِرَتْ آنِفًا رُجُوعًا وَلَيْسَ مِنْ رُجُوعٍ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ.
اسْتِثْنَاءٌ: إذَا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ لِشَخْصٍ وَسُلِّمَتْ لَهُ بِسَبَبِ لُحُوقِ الْحَاكِمِ بِالتَّسْلِيمِ ثُمَّ ظَهَرَ شَخْصٌ آخَرُ وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالُهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ.
. 10 - الْمُعَامَلَةُ الَّتِي يَجِبُ إجْرَاؤُهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلُّقَطَةِ صَاحِبٌ: إذَا أَعْلَنَ الْمُلْتَقِطُ وَعَرَّفَ بِظَرْفِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَتْنًا وَشَرْحًا فِي الْمَادَّةِ (0 77) وَلَمْ يَظْهَرْ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ
(2/245)
يَكُونُ مُخَيَّرًا بِالتَّصَرُّفِ فِي الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا:
1 - إنْ شَاءَ يُدَاوِمُ عَلَى حِفْظِ اللُّقَطَةِ لِأَجْلِ صَاحِبِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَعِنْدَ وَفَاتِهِ يُوصِي بِهَا آخَرَ حَتَّى لَا يُدْخِلَهَا وَرَثَتُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَلَا يَقْتَسِمُوهَا.
يَعْنِي أَنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لُقَطَةٌ وَيُوصِي بِحِفْظِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ (الْفَتْحُ) .
2 - وَإِنْ شَاءَ يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَيْ تُرَدَّ إلَى صَاحِبِهَا عِنْدَ وُجُودِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَوُجُودُ خَزِينَةٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمُحَافَظَةِ اللُّقَطَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ.
3 - وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى اللُّقَطَةَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَحْفَظَهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَالْحَاكِمُ يُقْرِضُهَا إلَى غَنِيٍّ إنْ كَانَتْ قَابِلَةً لِلْإِقْرَاضِ. وَإِذَا اسْتَقْرَضَهَا الْمُلْتَقِطُ مِنْ الْحَاكِمِ يَجُوزُ أَيْضًا. أَوْ أَنَّ الْحَاكِمَ يُعْطِيهَا إلَى غَنِيٍّ بِطَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ يَبِيعُهَا الْمُلْتَقِطُ أَوْ الْحَاكِمُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهَا. وَإِذَا بَاعَهَا الْحَاكِمُ لَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بَعْدَئِذٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ شَيْئًا قَابِلًا لِلْفَسَادِ وَلَمْ يَبِعْهَا الْمُلْتَقِطُ وَهَلَكَتْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (785) . .
4 - وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ عَلَى أَنْ يَعُودَ الثَّوَابُ عَلَى صَاحِبِهَا وَيَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ.
يَعْنِي وَإِنْ يَكُنْ الْمُلْتَقِطُ مَجْبُورًا عَلَى إيصَالِ عَيْنِ اللُّقَطَةِ إلَى صَاحِبِهَا وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ أَوْصَلَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا. عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ صَاحِبَهَا يُجِيزُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَنِيٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِ الْغَنِيِّ الصَّغِيرِ أَيْضًا (الْهِدَايَةُ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ) .
وَإِذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ الْفَقِيرِ وَزَوْجَتِهِ وَأَنْ يَبِيعَهَا إذَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً لِلْبَيْعِ وَيَصْرِفَ ثَمَنَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَ إذْنًا مِنْ الْحَاكِمِ مَتَى أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَهَا عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ قَالُوا: إنَّ صَرْفَهَا بِدُونِ إذْنٍ لَا يَحِلُّ فَعَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ حِلَّ صَرْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
وَإِذَا وُجِدَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ التَّصَدُّقِ فَإِنْ أَجَازَ التَّصَدُّقَ يَكُونُ ثَوَابُهُ عَائِدًا عَلَيْهِ. وَقِيَامُ اللُّقَطَةِ فِي يَدِ الْفَقِيرِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْإِجَازَةِ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً. وَإِنْ كَانَ عَدَمُ لُحُوقِ الْإِجَازَةِ مِنْ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْ مَسْأَلَةَ الْإِجَازَةِ بَعْدَ هَلَاكِ اللُّقَطَةِ فِي يَدِ الْفَقِيرِ مُسْتَثْنَاةٌ.
وَلَكِنْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ قَاصِرًا فَهُوَ غَيْرُ أَهْلٍ لِلتَّبَرُّعَاتِ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَنْ يُجِيزَ التَّصَدُّقَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ كَمَا سَيُذْكَرُ رَاجِعْ مَادَّتَيْ (58 و 80) . وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ مُخْتَارًا فِي التَّصَرُّفِ بِالْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَبْعَثُ هَذَا الِاخْتِيَارُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِ الْمَالِ.
فَبِنَاءً عَلَيْهِ فِي صُوَرِ الْبَيْعِ وَالتَّصَدُّقِ لِصَاحِبِ الْمَالِ حَقُّ التَّضْمِينِ كَمَا يَأْتِي:
حَقُّ التَّضْمِينِ فِي التَّصَدُّقِ:
(2/246)
إذَا تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى فَقِيرٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا ثُمَّ ظَهَرَ صَاحِبُ الْمَالِ وَإِنْ يَكُنْ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ مُقْتَرِنًا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. فَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَأْخُذَهَا مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً يُضَمِّنُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ لِلْفَقِيرِ (الْهِدَايَةُ) يُضَمِّنُهَا لِلْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَالَ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ إلَى الْغَيْرِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (96) . .
سُؤَالٌ: نَعَمْ فِي الْوَاقِعِ سَلَّمَهَا بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهَا لَكِنَّهُ سَلَّمَهَا بِإِذْنِ وَإِبَاحَةِ الشَّرْعِ وَحَيْثُ إنَّ الْجَوَازَ الشَّرْعِيَّ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (91) فَمَا كَانَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ يَتَرَتَّب الضَّمَانُ.
الْجَوَابُ: إنَّ الثَّابِتَ مِنْ الشَّارِعِ هُوَ الْإِذْنُ بِالتَّصَدُّقِ وَلَيْسَ إيجَابُ التَّصَدُّقِ يَعْنِي أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ التَّصَدُّقَ بِاللُّقَطَةِ وَاجِبًا عَلَى الْمُلْتَقِطِ. بَلْ أَنَّهُ رَخَّصَ بِالتَّصَدُّقِ فَقَطْ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْعَمَلِ بِهَذِهِ الرُّخْصَةِ وَعَدَمِهِ. فَلَا يَبْقَى بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُتَخَلِّصًا مِنْ الضَّمَانِ. وَيُضَمِّنُهَا لِلْفَقِيرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنِهِ.
سُؤَالٌ: لَمَّا قَبَضَ الْفَقِيرُ اللُّقَطَةَ وَثَبَّتَ مِلْكِيَّتَهُ فِيهَا بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يَسْتَرْجِعُهَا؟ يَعْنِي كَيْفَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَسْتَرِدُّهَا مِنْ الْفَقِيرِ بِالتَّضْمِينِ؟
الْجَوَابُ: ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ كَمَا هُوَ فِي الْهِبَةِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (864) الْفَتْحُ.
وَلَيْسَ لِمَنْ ضُمِّنَ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى رَفِيقِهِ. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ وَاسْتَهْلَكَهَا هَذَا ثُمَّ ظُهْر صَاحِبُهَا وَضَمَّنَهَا لِلْفَقِيرِ فَلَيْسَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ.
سُؤَالٌ: بِمَا أَنَّ الْفَقِيرَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْمُلْتَقِطِ فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَحِقَّ لَهُ الرُّجُوعُ.
الْجَوَابُ: حَيْثُ إنَّ الْغُرُورَ لَمْ يَقَعْ ضِمْنَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ عَقْدِ التَّبَرُّعِ الَّذِي يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الدَّافِعِ فَلَيْسَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلرُّجُوعِ (الْعِنَايَةُ) رَاجِعْ الْمَادَّةَ (658) . .
كَمَا أَنَّهُ إذَا ضَمَّنَهَا لِلْمُلْتَقِطِ فَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَصِيرُ كَأَنَّهُ مَالِكٌ لِلُّقَطَةِ بِالضَّمَانِ اسْتِنَادًا عَلَى وَقْتِ أَخْذِهِ إيَّاهَا وَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَالِ نَفْسِهِ.
كَذَلِكَ إذَا دُفِعَتْ اللُّقَطَةُ لِلْحَاكِمِ وَبَعْدَ أَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ ظَهَرَ صَاحِبُهَا فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَأْمُورٌ بِمُحَافَظَةِ أَمْوَالِ الْغُيَّابِ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكِهَا (الْفَتْحُ) وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْفَقِيرِ. وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) .
حَقُّ التَّضْمِينِ فِي بَيْعِ الْمُلْتَقِطِ وَبَيْعِ الْحَاكِمِ: إذَا بَاعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ عَلَى بِنَاءِ أَنْ يَحْفَظَ ثَمَنَهَا ثُمَّ وَجَدَ صَاحِبَهَا بَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ:
فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ بَاعَهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ يَأْخُذُ صَاحِبُ الْمَالِ الثَّمَنَ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ. كَمَا لَوْ بَاعَهَا الْحَاكِمُ بِالذَّاتِ فَالْحَاكِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَاعَهَا الْمُلْتَقِطُ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ يُنْظَرُ.
فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُهُ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ وَاسْتَرَدَّ مَالَهُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (378) .
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ
(2/247)
لِلْبَائِعِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْبَيْعُ نَافِذًا وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ لِلْمُشْتَرِي. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (0 1 9) وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ.
جُعْلُ اللُّقَطَةِ وَنَفَقَتُهَا: لَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَطْلُبَ جُعْلًا أَيْ أُجْرَةً مُقَابِلَ الْتِقَاطِهِ. سَوَاءٌ الْتَقَطَهَا مِنْ مَحِلٍّ قَرِيبٍ أَوْ مِنْ مَحِلٍّ بَعِيدٍ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهَا قَالَ: (إنِّي أَدْفَعُ كَذَا مَالًا لِمَنْ وَجَدَهَا وَسَلَّمَنِي إيَّاهَا) . وَيَكُونُ الْمُلْتَقِطُ مُتَبَرِّعًا فِي إنْفَاقِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَاصِرَةٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي الْإِنْفَاقِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَيَرْجِعُ بَعْدَهُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ. كَمَا لَوْ رَاجَعَ الْمُلْتَقِطُ الْحَاكِمَ قَائِلًا: إنَّ فِي يَدِهِ حَيَوَانًا لُقَطَةً وَطَلَبَ إذْنًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ لُقَطَةً فِي يَدِهِ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَلَى مَالِ الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ فَائِدَةٌ فِي هَذَا الْإِنْفَاقِ (الْهِدَايَةُ) .
وَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ تُقَامُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ إقَامَتِهَا وَلَكِنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لِأَجْلِ كَشْفِ الْحَالِ يَعْنِي لِكَيْ يَنْكَشِفَ أَمَامَ الْحَاكِمِ أَنَّ الْحَيَوَانَ الْمَذْكُورَ لُقَطَةٌ. وَإِلَّا بِمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِأَجْلِ الْحُكْمِ فَالْخَصْمُ لَيْسَ بِلَازِمٍ حِينَ اسْتِمَاعِهَا (الْفَتْحُ) .
وَأَمَّا إذَا أَفَادَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ لَيْسَ لَدَيْهِ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ لُقَطَةٌ يَقُولُ الْحَاكِمُ لِلْمُلْتَقِطِ بِحُضُورِ شُهُودٍ ثِقَاتٍ: (إنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي قَوْلِكَ فَأَنْفِقْ عَلَيْهِ) ، وَسَبَبُ إعْطَاءِ الْحَاكِمِ الْإِذْنَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ بِهَذَا الْوَجْهِ الْحَذَرُ مِنْ لُزُومِ أَحَدِ الضَّرَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ الْحَاكِمُ بِالْإِنْفَاقِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ وَمُطْلَقَةٍ فَعَلَى تَقْدِيرِ ظُهُورِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ مَغْصُوبًا يَتَقَرَّرُ عَلَى الْمَالِكِ الضَّمَانُ أَيْ لُزُومُ النَّفَقَةِ وَهَذَا ضَرَرٌ لِلْمَالِكِ. وَإِذَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْإِنْفَاقِ فَبِصُورَةِ ظُهُورِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ لُقَطَةً وَأَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِإِنْفَاقِهِ وَمُتَضَرِّرًا مِنْ ذَلِكَ (الْعِنَايَةُ) .
صُورَةُ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ وَمَرْهُونِيَّةِ اللُّقَطَةِ مُقَابِلَ هَذَا الْمَصْرِفِ: لِيَكُنْ مَعْلُومًا نَظَرًا لِأَصَحِّ الرِّوَايَاتِ أَنَّ أَمْرَ الْحَاكِمِ بِالْإِنْفَاقِ فَقَطْ لَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ إلَى صَاحِبِهِ أَخِيرًا؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْحَاكِمِ يَتَرَاوَحُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَالْحِسْبَةِ فَيَحْصُلُ الشَّكُّ بِجِهَةِ الْإِنْفَاقِ الْمَذْكُورِ. وَالْحَالُ أَنْ لَا دَيْنَ بِالشَّكِّ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (8) . .
فَإِذَا أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ بِنَاءً عَلَى أَمْرِ الْحَاكِمِ فِي الصُّورَةِ الْمَشْرُوحَةِ يَأْخُذُ مَصْرِفَهُ مِنْ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ. سَوَاءٌ أَأَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ مِنْ مَالِهِ أَمْ اسْتَدَانَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَأَنْفَقَ حَتَّى إذَا امْتَنَعَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ عَنْ إعْطَاءِ الْمَصْرِفِ الْمَذْكُورِ يَبِيعُ الْحَاكِمُ اللُّقَطَةَ الْمَذْكُورَةَ وَيُؤَدِّي مَصْرِفَهَا مِنْ ثَمَنِهَا وَيَرُدُّ الْبَقِيَّةَ إلَى صَاحِبِهَا. وَهَلَاكُ اللُّقَطَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ هَذَا الْمَصْرِفِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا ظَهَرَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الَّتِي صَرَفَهَا الْمُلْتَقِطُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَصْرِفِهِ هَذَا عَلَى صَاحِبِ اللُّقَطَةِ. وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّ لِلْمُلْتَقِطِ حَقُّ إمْسَاكِ اللُّقَطَةِ فِي يَدِهِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ تَسْلِيمِهَا لِصَاحِبِهَا لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي - (الْهِدَايَةِ وَالْغُرَرِ وَالْمُنْتَقَى وَرَدِّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةِ وَالتَّبْيِينِ) .
وَإِنَّمَا نَظَرًا لِلْإِيضَاحَاتِ الَّتِي سَرَدَهَا والشرنبلالي:
(2/248)
إنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مَذْهَبُ الْإِمَامِ زُفَرَ وَأَمَّا فِي مَذْهَبِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.
. صُورَةُ تَدَارُكِ النَّفَقَةِ وَكَوْنُ الْإِنْفَاقِ مُؤَقَّتًا: تُتَدَارَكُ النَّفَقَةُ أَوَّلًا مِنْ بَدَلِ الْإِيجَارِ. كَمَا لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَابِلَةً لِلْإِيجَارِ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْحِصَانِ فَيُؤَجِّرُهَا الْمُلْتَقِطُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا.
ثَانِيًا: يُنْفِقُ الْمُلْتَقِطُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مُؤَقَّتًا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَأْجِرٌ لِلُّقَطَةِ وَخِيفَ مِنْ أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَةَ الْحَيَوَانِ أَوْ كَانَتْ شَاةً مَثَلًا أَيْ حَيَوَانًا غَيْرَ قَابِلٍ لِلْإِيجَارِ فَيَأْمُرُ الْحَاكِمُ الْمُلْتَقِطَ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَبِيعُهَا وَيَحْفَظُ ثَمَنَهَا لِأَنَّ أَمْرَ الْحَاكِمِ نَظَرِيٌّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ.
وَيُعْطِي الْحَاكِمُ الْمُلْتَقِطَ مَصْرِفَ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ. (" 1 " رَاجِعْ الْمَادَّةَ (58) وَقَدْ أُوضِحَ بَيْعُ اللُّقَطَةِ آنِفًا) .
وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْحَاكِمِ أَنْ يُثْبِتَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ لُقَطَةٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَدُرُّ الْمُخْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ) .
تَبَدُّلُ الْحِذَاءِ فِي الِازْدِحَامِ: إذَا تَرَكَ إنْسَانٌ عِنْدَ ازْدِحَامِ النَّاسِ حِذَاءَهُ سَهْوًا وَأَخَذَ حِذَاءَ غَيْرِهِ يَكُونُ لُقَطَةً. وَيَجِبُ التَّفْتِيشُ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَمَّا إذَا أَخَذَ حِذَاءَ أَحَدِهِمْ قَصْدًا فِي الِازْدِحَامِ وَتَرَكَ مَحِلَّهُ حِذَاءً أَدْنَى مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَذَا الْحِذَاءِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَهُ وَتَرَكَ الْأَدْنَى مِنْهُ يَكُونُ أَظْهَرَ رِضًا بِانْتِفَاعِ الْغَيْرِ بِذَلِكَ الْأَدْنَى وَيَجِبُ أَنْ لَا يُفْهَمَ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ جَوَازُ وَمَشْرُوعِيَّةُ انْتِفَاعِ الشَّخْصِ الَّذِي أَخَذَ الْأَعْلَى بِهِ وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْحِذَاءُ الَّذِي تُرِكَ مُسَاوِيًا لِلَّذِي أُخِذَ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ بِزِيَادَةٍ)
[ (الْمَادَّةُ 770) إعْلَانُ الْمُلْتَقِط أَنَّهُ وَجَدَ لُقَطَةً وَحِفْظُهَا عِنْدَهُ أَمَانَةً]
(الْمَادَّةُ 770) يُعْلِنُ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ وَجَدَ لُقَطَةً وَيَحْفَظُهَا عِنْدَهُ أَمَانَةً لِبَيْنَمَا يَظْهَرُ صَاحِبُهَا فَإِذَا ظَهَرَ شَخْصٌ وَأَثْبَتَ أَنَّهَا مَالَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إيَّاهَا.
يُعْلِنُ الْمُلْتَقِطُ بِوَاسِطَةِ الْمُنَادِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَ اللُّقَطَةَ فِيهِ وَفِي الْأَسْوَاقِ وَالشَّوَارِعِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ كَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ أَنَّهُ وَجَدَ لُقَطَةً أَوْ يُعْلِنُ هُوَ بِذَاتِهِ. وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ لِهَذَا الْإِعْلَانِ (تَعْرِيفٌ) .
سَبَبُ الْإِعْلَانِ فِي الْمَحَالِّ الْمَذْكُورَةِ هُوَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِعْلَانِ ظُهُورُ صَاحِبِ الْمَالِ وَتَسْلِيمُهُ إيَّاهُ وَنَوَالُ صَاحِبِ الْمَالِ مَالَهُ فَالْإِعْلَانُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُسَهِّلُ الْمَقْصُودَ الْمَذْكُورَ.
وَأَمَّا الْإِعْلَانُ فِي الْجَرَائِدِ فَلَمْ تَكُنْ أَوْرَاقَ حَوَادِثَ فِي عَصْرِ الْفُقَهَاءِ كَمَا هُوَ فِي زَمَانِنَا فَلَا يُوجَدُ بَحْثٌ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ بِشَأْنِ الْإِعْلَانِ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ. وَلَكِنَّ الْإِعْلَانَ فِي زَمَانِنَا بِوَاسِطَةِ الْأَوْرَاقِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا جَائِزٌ. وَلَكِنْ بِمَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْرَءُونَ الْجَرَائِدَ وَيَعْرِفُونَ قِرَاءَتَهَا وَبِمَا أَنَّهُ لَا تُوجَدُ جَرَائِدُ فِي كُلِّ مَحِلٍّ فَيَجِبُ الْإِعْلَانُ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ الْمُنَادِي فِي مَجَامِعِ النَّاسِ كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ.
(2/249)
وَيَحْفَظُ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ أَمَانَةً عِنْدَهُ لِبَيْنَمَا يَظْهَرُ صَاحِبُهَا.
الصُّوَرُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا تَسْلِيمُ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَالِي، وَاَلَّتِي لَا تَجُوزُ الْأَحْوَالُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا تَسْلِيمُ اللُّقَطَةِ إلَى صَاحِبِهَا يَعْنِي لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا مَالِي ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ - إذَا ظَهَرَ شَخْصٌ وَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالُهُ بِحُضُورِ الْحَاكِمِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِمُوجِبِ الْبَيِّنَةِ بِتَسْلِيمِهَا لَهُ لَزِمَ الْمُلْتَقِطَ تَسْلِيمُهَا لَهُ. يَعْنِي أَنَّ الْمُلْتَقِطَ مَجْبُورٌ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى شَخْصٌ بِأَنَّ اللُّقَطَةَ مَالُهُ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَرَادَ أَخْذَهَا فَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ أَوْ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ (الْهِدَايَةُ) وَلَا يُجْبَرُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى تَسْلِيمِ اللُّقَطَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَحُكْمٍ لِأَنَّهُ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّعِي فِي هَذَا هُوَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ فَبِحُكْمِ الْمَادَّةِ (76) يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ (الْفَتْحُ) .
إذَا أَثْبَتَ شَخْصٌ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالُهُ وَأَخَذَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ حُكْمًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ شَخْصٌ آخَرُ وَادَّعَى وَأَثْبَتَ أَنَّ اللُّقَطَةَ مَالُهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ الضَّمَانُ أَلْبَتَّةَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1 9) . وَيَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِيضَاحَاتُ بِهَذَا الْخُصُوصِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
الثَّانِي - بَيَانُ جَمِيعِ عَلَامَاتِ اللُّقَطَةِ.
وَالثَّالِثُ تَصْدِيقُ الْمُلْتَقِطِ.
وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
[ (الْمَادَّةُ 771) هَلَكَ مَالُ شَخْصٍ عِنْدَ آخَرَ قَضَاءً]
(الْمَادَّةُ 771) إذَا هَلَكَ مَالُ شَخْصٍ عِنْدَ آخَرَ قَضَاءً فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ يَضْمَنُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ بِصُورَةِ سَوْمِ الشِّرَاءِ وَسُمِّيَ الثَّمَنُ فَهَلَكَ الْمَالُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ مَثَلًا إذَا أَخَذَ شَخْصٌ إنَاءَ بِلَّوْرٍ مِنْ دُكَّانِ الْبَائِعِ بِدُونِ إذْنِهِ فَوَقَعَ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَأَمَّا إذَا أَخَذَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَوَقَعَ مِنْ يَدِهِ بِلَا قَصْدٍ أَثْنَاءَ النَّظَرِ وَانْكَسَرَ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ الْإِنَاءُ عَلَى إنَاءٍ آخَرَ فَانْكَسَرَ ذَلِكَ الْإِنَاءُ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ فَقَطْ وَأَمَّا الْإِنَاءُ الْأَوَّلُ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ لِصَاحِبِ الدُّكَّانِ: بِكَمْ هَذَا الْإِنَاءُ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ: بِكَذَا قِرْشًا خُذْهُ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَانْكَسَرَ ضَمِنَ ثَمَنَهُ وَكَذَا لَوْ وَقَعَ كَأْسُ الْفُقَّاعَيْ مِنْ يَدِ أَحَدٍ فَانْكَسَرَ وَهُوَ يَشْرَبُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ مِنْ قَبِيلِ الْعَارِيَّةِ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بِسَبَبِ سُوءِ اسْتِعْمَالِهِ فَانْكَسَرَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ.
إذَا هَلَكَ فِي يَدِ شَخْصٍ مَالُ شَخْصٍ آخَرَ قَضَاءً يَعْنِي بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ:
الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ - إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَخَذَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ أَمْ غَيْرَ عَالَمٍ يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُصُوصَ مِنْ قَبِيلِ الْغَصْبِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَادَّةِ (1 88) فَيَجْرِي فِيهِ حُكْمُ الْمَادَّةِ (1 89) .
(2/250)
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - إذَا كَانَ أَخَذَهُ: يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ لَفْظِ الْأَخْذِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ هُنَا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 64) أَنَّهُ سَوَاءٌ أَخَذَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ أَمْ غَيْرَ عَالَمٍ يَلْزَمُ الضَّمَانُ. كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ شَخْصٌ مَالَ غَيْرِهِ ظَنًّا بِأَنَّهُ مَالُهُ يَكُونُ ضَامِنًا. مَثَلًا لَوْ أَعْطَى الْقَصَّارُ أَحَدًا ثَوْبَ الْغَيْرِ ظَانًّا بِأَنَّهُ لَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ يَكُونُ الِاثْنَانِ ضَامِنَيْنِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (912) . وَالْجَهْلُ لَيْسَ عُذْرًا. وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْهُمَا وَإِنْ ضَمَّنَّهُ لِلْمُسْتَهْلِكِ فَلَيْسَ لِهَذَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَصَّارِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (658) . وَأَمَّا إذَا ضَمَّنَهُ لِلْقَصَّارِ يَرْجِعُ هَذَا عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
2 - عَلَى كُلِّ حَالٍ: هَذَا التَّعْبِيرُ لِأَجْلِ التَّعْمِيمِ وَيُلَاحَظُ هَذَا التَّعْبِيرُ بِثَلَاثَةِ وُجُوهِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - بِمَعْنَى أَنَّهُ سَوَاءٌ أَكَانَ هَلَاكُهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَمْ بِتَعَدٍّ وَتَقْصِيرٍ وَعَدَمُ إتْيَانِ قَيْدِ قَضَاءً فِي الْمِثَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّعْمِيمُ فَلَا شُبْهَةَ بِأَنَّ التَّعْمِيمَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى مَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (891) . إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِيءُ مُلَائِمًا قَيْدَ قَضَاءٍ الْمَذْكُورَ فِي صَدْرِ الْمَادَّةِ بِمَقَامٍ بِلَا تَعَدٍّ.
الْوَجْهُ الثَّانِي - يَعْنِي أَنَّهُ سَوَاءٌ أَخَذَهُ لِأَجْلِ الرُّؤْيَةِ أَوْ لِأَجْلِ إرَاءَتِهِ لِلْغَيْرِ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ كَالِاسْتِعْمَالِ مَثَلًا. وَهَذَا التَّعْمِيمُ أَيْضًا صَحِيحٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْبَزَّازِيَّةُ وَلَكِنْ لَا يُوجَدُ فِي الْعِبَارَةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ - بِمَعْنَى أَنَّهُ سَوَاءٌ أَسُمِّيَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يُسَمَّ. وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ بِالنَّظَرِ لِرِوَايَةِ الظَّهِيرِيَّةِ وَبِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مُلَاءَمَةِ الْعِبَارَةِ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ التَّعْمِيمِ بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا.
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي - إذَا كَانَ أَخْذُهُ لِلْمَالِ الَّذِي هَلَكَ قَضَاءً فِي يَدِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَلِكَوْنِ ذَلِكَ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ فِي حَالَةِ هَلَاكِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 786) . .
وَلَا اشْتِبَاهَ فِي أَنَّ قَيْدَ (قَضَاءً الْوَارِدَ فِي صَدْرِ الْمَادَّةِ مُعْتَبَرٌ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ عَلَى مَا أُشِيرَ إلَيْهِ) . كَمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْآتِي ذِكْرُهُمَا أَيْضًا.
هَذِهِ الْفِقْرَةُ أَيْ فِقْرَةُ (الْمَالُ الْمَأْخُوذُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَمَانَةٌ) قَاعِدَةٌ تَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مَسَائِلُ مِنْ أَبْوَابِ عِلْمِ الْفِقْهِ الْمُتَفَرِّقَةِ. فَلْنَذْكُرْ بَعْضَهَا:
1 - الْإِقْرَاضُ. إذَا طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ خَمْسِينَ ذَهَبًا قَرْضًا فَأَعْطَاهُ سَهْوًا سِتِّينَ ذَهَبًا وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ آيِبًا فِي الطَّرِيقِ كَيْ يَرُدَّ الْعَشْرَ ذَهَبَاتٍ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَفْرَزَهَا هَلَكَتْ فَحَيْثُ إنَّ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْعَشْرِ ذَهَبَاتٍ قَرْضًا يَضْمَنُ هَذِهِ الْخَمْسَةَ أَسْدَاسٍ. يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ وَأَمَّا الْبَاقِي مِنْهُ فَحَيْثُ إنَّهُ وَدِيعَةٌ وَأُخِذَتْ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ (الْأَنْقِرْوِيُّ) . وَالْخَمْسُونَ ذَهَبًا الْبَاقِيَةُ فِي يَدِ الْمُسْتَقْرِضِ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ دَيْنُ الْمُقْرِضِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ (الشَّارِحُ) .
2 - أَدَاءُ الدَّيْنِ. إذَا كَانَ الشَّخْصُ مَدِينًا لِآخَرَ بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ وَأَعْطَاهُ سَهْوًا اثْنَيْ عَشْرَ ذَهَبًا وَاطَّلَعَ الْقَابِضُ عَلَى ذَلِكَ أَخِيرًا فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ تَكُونُ الِاثْنَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ أَمَانَةً (الْخَانِيَّةُ فِي الْغَصْبِ) .
(2/251)
3 - الْبُيُوعُ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَمْوَالٍ الَّتِي قُبِضَتْ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ مَبِيعًا تَكُونُ الْبَاقِيَةُ أَمَانَةً لِأَنَّهَا قُبِضَتْ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَإِذَا هَلَكَتْ قَضَاءً فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُهَا.
4 - الْمَالُ الَّذِي قُبِضَ بِطَرِيقِ سَوْمِ النَّظَرِ أَمَانَةٌ. فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْقَابِضِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (299) .
5 - الْمَالُ الَّذِي قُبِضَ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ أَمَانَةٌ، وَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْقَابِضِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (298) .
6 - إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَالَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (370) . 7 - حَيْثُ إنَّ الْمَبِيعَ وَفَاءً قُبِضَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ أَمَانَةٌ. وَإِذَا هَلَكَ قَضَاءً فِي يَدِ الْقَابِضِ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ عَنْ الدَّيْنِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (401) .
8 - الْإِجَارَةُ: حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَبَضَ الْمَأْجُورَ الَّذِي فِي يَدِهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَهُوَ أَمَانَةٌ وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَضَاءً لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (601) . .
9 - إذَا هَلَكَ الْمَالُ الْمَوْجُودُ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ قَضَاءً لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (610) .
10 - الْكَفَالَةُ: إذَا هَلَكَتْ الْأَمَانَةُ الَّتِي فِي يَدِ الْكَفِيلِ الَّذِي كَفَلَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ مَالِ الْأَمَانَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي يَدِهِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الضَّمَانُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (650) .
11 - الرَّهْنُ: إذَا هَلَكَ الْمَالُ الْمَرْهُونُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَفَضَلَ ذَلِكَ الْمَالُ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (741) .
12 - الْأَمَانَاتُ: إذَا دَخَلَ رَجُلٌ إلَى بَيْتِ آخَرَ بِإِذْنِهِ وَبَيْنَمَا كَانَ يَشْرَبُ مَاءً بِالْقَدَحِ الْمَوْجُودِ فِي الْعَرْصَةِ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَضَاءً وَانْكَسَرَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (772) .
13 - إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (777) .
14 - إذَا هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَا يَضْمَنُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (713) .
15 - الشَّرِكَةُ: إذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ لَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ الْمَرْقُومُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1350) .
9716 - إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ لَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْمَرْقُومُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1413) .
17 - الْوَكَالَةُ: إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ الَّذِي قَبَضَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَكَالَةِ لَا يَضْمَنُ ذَلِكَ الْوَكِيلُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1463) . غَيْرَ أَنَّ أَرْبَعَ مَسَائِلَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَفِيهَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْمَالِ الْمَقْبُوضِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ.
(2/252)
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي مَالًا بِصُورَةِ سَوْمِ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي حَالِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَلَوْ شُرِطَ عَدَمُ الضَّمَانِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ) . وَبِمَا أَنَّ تَفْصِيلَاتِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ سَبَقَتْ فِي الْمَادَّةِ (298) وَشَرْحِهَا فَلْتُرَاجَعْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - يَلْزَمُ ضَمَانُ الْمَالِ الَّذِي قُبِضَ بِصُورَةِ سَوْمِ الرَّهْنِ وَقَدْ مَرَّ إيضَاحُهُ فِي الْمَبْحَثِ الثَّالِثِ مِنْ شَرْحِ الْمَادَّةِ (710) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - الْمَالُ الَّذِي قَبْضُهُ بِجِهَةِ الْبَيْعِ هَذَا الْمَالُ كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ خَطَأً غَيْرَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي ظَنًّا بِأَنَّهُ الْمَبِيعُ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْمَرْقُومِ يَكُونُ ضَامِنًا بَدَلَهُ. (الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ - الْمَالُ الْمَقْبُوضُ بِطَرِيقِ الْوَثِيقَةِ يَعْنِي بِصُورَةِ الرَّهْنِ. فَالْمِقْدَارُ الْمُعَادِلُ لِلدَّيْنِ مِنْ هَذَا الْمَقْبُوضِ مَضْمُونٌ بِدَيْنِهِ. (رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 741) . .
1 - مَثَلًا إذَا أَخَذَ رَجُلٌ إنَاءً مِنْ دُكَّانِ الْبَائِعِ الَّذِي يَبِيعُ الْأَوَانِيَ الزُّجَاجِيَّةَ بِدُونِ إذْنِهِ فَوَقَعَ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَ يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَيْسَ مَأْذُونًا بِهِ دَلَالَةً. وَدُخُولُهُ إلَى الدُّكَّانِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ دَلَالَةً بِأَخْذِ الْإِنَاءِ (الْخَانِيَّةُ بِزِيَادَةٍ) . سَوَاءٌ أَكَانَ وُقُوعُهُ قَضَاءً أَوْ عَنْ تَعَدٍّ وَتَقْصِيرٍ.
وَالْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي هَذَا وَاحِدٌ وَلَيْسَ مَا وُضِعَ لِلْبَيْعِ نَظِيرَ دُخُولِ الرَّجُلِ مَنْزِلَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ (الْبَزَّازِيَّةُ فِي الثَّالِثِ فِي مَسَائِلِ الضَّمَانِ مِنْ الْبَيْعِ) .
هَذَا الْمِثَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
2 - وَإِذَا أَخَذَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَبَيْنَمَا كَانَ يَنْظُرُ فِيهِ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ قَضَاءً وَانْكَسَرَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَالْأَمَانَةُ لَيْسَتْ مَضْمُونَةً بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (768) . وَهَذَا الْمِثَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
كَمَا لَوْ دَخَلَ رَجُلٌ إلَى دُكَّانِ سَمَّانٍ بِقَصْدِ شِرَاءِ سَمْنٍ وَلَمَّا نَظَرَ إلَى الْكُوبِ الْمَوْضُوعِ فِيهِ السَّمْنُ سَالَ مِنْ أَنْفِهِ دَمٌ قَضَاءً فَتَنَجَّسَ السَّمْنُ يُنْظَرُ.
فَإِنْ كَانَ نَظَرُهُ بِإِذْنِ السَّمَّانِ لَا يَضْمَنُ. وَإِلَّا يَكُونُ ضَامِنًا. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنْ كَانَ السَّمْنُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ مَأْكُولٍ يَضْمَنُ نُقْصَانَ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا يَضْمَنُ كُلَّ بَدَلِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ ضَرَرٌ مِنْ سَيَلَانِ الدَّمِ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ.
3 - وَإِذَا سَقَطَ ذَلِكَ الْإِنَاءُ أَيْ الْإِنَاءُ الَّذِي أُخِذَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَوَانٍ أُخْرَى قَضَاءً فَانْكَسَرَ وَكُسِرَتْ تِلْكَ الْأَوَانِي لَزِمَ ضَمَانُ الْأَوَانِي الْمَذْكُورَةِ أَيْ الْأَوَانِي الَّتِي سَقَطَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْإِنَاءُ. لِأَنَّ تِلْكَ الْأَوَانِي انْكَسَرَتْ بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (912) (الْخَانِيَّةُ) .
بُحِثَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ عَمَّا أُخِذَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ. وَحَيْثُ إنَّ تِلْكَ الْأَوَانِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْفِقْرَةُ اسْتِطْرَادًا هُنَا وَإِلَّا لَيْسَتْ مِثَالًا عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْفِقْرَةَ الثَّالِثَةَ فَرْعٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْعُمُومِيَّةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (912) الَّتِي هِيَ " إذَا اسْتَهْلَكَ شَخْصٌ مَالَ الْآخَرِ الْمَوْجُودَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ أَمِينِهِ قَصْدًا أَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ يَكُونُ ضَامِنًا ".
(2/253)
وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّ ذَلِكَ الْإِنَاءَ الَّذِي نُظِرَ فِيهِ أُخِذَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُهُ أَيْضًا يَعْنِي كَمَا كَانَ فِي فِقْرَةِ (إذَا أَخَذَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَبَيْنَمَا كَانَ يَنْظُرُ فِيهِ. ..) فَالْمِثَالُ الرَّابِعُ هَذَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ عَيْنَ الْفِقْرَةِ الْمِثَالِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي الَّتِي هِيَ (إذَا أَخَذَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ فِيهِ. ..) فَمَعَ أَنَّ ذِكْرَهُ تَكْرَارٌ فَوُقُوعُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ أَيْضًا فِي مَوْقِعِهِ جَدِيرٌ بِالتَّأَمُّلِ.
5 - أَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِصَاحِبِ الدُّكَّانِ: بِكَمْ هَذَا الْإِنَاءُ؟ فَأَجَابَهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ: بِكَذَا قِرْشًا خُذْهُ فَأَخَذَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ الثَّمَنُ ثُمَّ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ وَانْكَسَرَ وَحْدَهُ أَوْ انْكَسَرَ وَكَسَرَ أَوَانٍ أُخْرَى مَعَهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ جَمِيعِ مَا انْكَسَرَ مِنْ الْأَوَانِي. وَهَذَا الْمِثَالُ مِثَالٌ عَلَى الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ يَعْنِي مِثَالٌ لِفِقْرَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ) .
6 - كَذَلِكَ إذَا وَقَعَ كَأْسُ الشُّرْبِ الْفَقَّاعِي قَضَاءً مِنْ يَدِ شَخْصٍ وَهُوَ يَشْرَبُ شَرَابًا وَانْكَسَرَ فَلِكَوْنِ ذَلِكَ الْكَأْسِ مِنْ قَبِيلِ الْعَارِيَّةِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (813) .
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَقْدَانِ:
الْعَقْدُ الْأَوَّلُ: بَيْعُ الشَّرَابِ وَالْآخَرُ إعَارَةُ الْكَأْسِ فَإِذَا قَبَضَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الشَّرَابَ مَعَ الْكَأْسِ فَوَقَعَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ فَانْكَسَرَتْ وَسَالَ الشَّرَابُ أَيْضًا لَزِمَهُ إعْطَاءُ ثَمَنِ الشَّرَابِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (294) وَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْكَأْسِ كَمَا ذُكِرَ أَعْلَاهُ. وَالْمِثَالُ السَّادِسُ هَذَا مِثَالٌ مُسْتَقِلٌّ لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
7 - غَيْرَ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ الْكَأْسُ بِسَبَبِ سُوءِ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ أَنَّهُ رَمَاهُ قَصْدًا أَوْ كَسَرَهُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (787) . اُنْظُرْ الْقَاعِدَةَ الثَّانِيَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (768) .
كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَسَرَ ذَلِكَ الْكَأْسُ أَوَانِيَ أُخْرَى وَجَبَ ضَمَانُهَا أَيْضًا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (912) الْمِثَالُ السَّابِعُ هَذَا لِأَجْلِ بَيَانِ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ فِي قَيْدِ (قَضَاءً) الَّذِي وَرَدَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَالْمَسْأَلَةُ الْعُمُومِيَّةُ فِي هَذَا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ 787 هِيَ (إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا بِتَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَقْصِيرِهِ لَزِمَ الضَّمَانُ) .
[ (الْمَادَّةُ 772) الْإِذْنُ دَلَالَةً كَالْإِذْنِ صَرَاحَةً]
(الْمَادَّةُ 772) - الْإِذْنُ دَلَالَةً كَالْإِذْنِ صَرَاحَةً. بَيْدَ أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ النَّهْيِ صَرَاحَةً لَا اعْتِبَارَ لِلدَّلَالَةِ. مَثَلًا إذَا دَخَلَ رَجُلٌ بَيْتَ آخَرَ فَهُوَ مَأْذُونٌ دَلَالَةً بِشُرْبِ الْمَاءِ بِالْإِنَاءِ الْمَخْصُوصِ لَهُ. وَإِذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَضَاءً وَهُوَ يَشْرَبُ وَانْكَسَرَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَلَكِنْ إذَا أَخَذَهُ بِيَدِهِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ نَهَاهُ بِقَوْلِهِ: لَا تَمَسَّهُ فَسَقَطَ وَانْكَسَرَ يَصِيرُ ضَامِنًا.
الْإِذْنُ دَلَالَةً كَالْإِذْنِ صَرَاحَةً فِي الْحُكْمِ: فَلِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْمَالِ الْهَالِكِ قَضَاءً فِي يَدِ الَّذِي أَخَذَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ الصَّرِيحِ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا ضَمَانُ الْمَالِ الْهَالِكِ فِي يَدِ الَّذِي أَخَذَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ دَلَالَةً.
(2/254)
غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ نَهْيٌ وَمَنْعٌ صَرِيحَانِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْإِذْنِ دَلَالَةً. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (13) .
وَتَرِدُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى أَيْ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ صَرَاحَةً كَالْإِذْنِ دَلَالَةً وَهِيَ:
1 - مَثَلًا لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ بَيْتَ أَوْ دُكَّانَ آخَرَ بِإِذْنِهِ يَكُونُ مَأْذُونًا دَلَالَةً لِشُرْبِ الْمَاءِ بِالْإِنَاءِ الْمَوْضُوعِ خُصُوصًا يَعْنِي أَنَّ دُخُولَهُ الْبَيْتَ بِإِذْنِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ بِالشُّرْبِ بِالْكَأْسِ الْمَوْضُوعِ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَإِذَا أَخَذَ الْكَأْسَ بِيَدِهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْإِذْنِ دَلَالَةً وَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَضَاءً وَهُوَ يَشْرَبُ بِهِ وَانْكَسَرَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ السَّابِقَةَ.
كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ الْكَأْسُ بِلَا قَصْدٍ وَلَا تَقْصِيرٍ بَيْنَمَا كَانَ يَشْرَبُ بِهِ شَخْصٌ بِنَاءً عَلَى إذْنِ صَاحِبِهِ الصَّرِيحِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (813) . وَلَكِنْ إذَا أَخَذَ الْكَأْسَ الصِّينِيَّ الْمَوْضُوعَ لِأَجْلِ الزِّينَةِ وَغَيْرَ الْمُعَدِّ لِلشُّرْبِ أَوْ أَحَدَ الْآنِيَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الدُّكَّانِ لِأَجْلِ الْبَيْعِ بِلَا إذْنٍ وَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَضَاءً وَهُوَ يَشْرَبُ بِهِ وَانْكَسَرَ لَزِمَ الضَّمَانُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .
2 - إذَا دَخَلَ رَجُلٌ حَمَّامًا وَأَخَذَ طَاسَ الْجُرْنِ وَأَعْطَاهُ لِأَحَدِ الزَّبَائِنِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْحَمَّامِ وَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْطِي وَلَا عَلَى الْآخِذِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ مَأْذُونٌ بِهِ دَلَالَةً.
3 - إذَا دَخَلَ نَفَرٌ مِنْ النَّاسِ بَيْتَ رَجُلٍ وَأَخَذَ أَحَدُهُمْ الْمِرْآةَ الْمَوْضُوعَةَ فِي مَحِلٍّ ظَاهِرٍ وَبَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِيهَا أَعْطَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ فُقِدَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ إذْنٌ دَلَالَةً لِلنَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ. وَأَمَّا إذَا أَخَذَ شَيْئًا أَخْذُهُ مَمْنُوعٌ فَيَكُونُ غَاصِبًا. كَمَا ذُكِرَ آنِفًا.
4 - إذَا ذَهَبَ الْأَبُ بِبَغْلِ ابْنِهِ أَوْ الِابْنُ بِبَغْلِ أَبِيهِ أَوْ الزَّوْجُ بِبَغْلِ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجَةُ بِبَغْلِ الزَّوْجِ إلَى الطَّاحُونِ وَهَلَكَ الْبَغْلُ قَضَاءً لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ، لِأَنَّهُ يُوجَدُ إذْنٌ بِذَلِكَ.
5 - إذَا أَرْسَلَ شَخْصٌ رَجُلًا إلَى مَحِلٍّ لِأَجْلِ شَغْلِهِ وَأَخَذَ الرَّسُولُ حَيَوَانَ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ وَرَكِبَهُ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ يُنْظَرُ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْآمِرِ وَالرَّسُولِ صَدَاقَةٌ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَضْمَنُ.
6 - إذَا مَرِضَ حَيَوَانٌ مُشْتَرَكٌ وَرَأَى الْبَيْطَارُ لُزُومًا لِكَيِّهِ وَكَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَلِلشَّرِيكِ الْحَاضِرِ أَنْ يَكْوِيَهُ فَإِذَا هَلَكَ الْحَيَوَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَضْمَنُ الْمُشَارِكُ الَّذِي حَمَلَ عَلَى كيه. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 91) .
7 - إذَا ذَبَحَ الرَّاعِي حَيَوَانًا مَأْكُولَ اللَّحْمِ كَالشَّاةِ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ الرَّجَاءَ مِنْ دَوَامِ حَيَاتِهِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا نَظَرًا لِلْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا إذْنًا دَلَالَةً. وَإِذَا ذَبَحَهُ أَجْنَبِيٌّ فَفِي قَوْلٍ يَضْمَنُ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَا يَضْمَنُ.
وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ الرَّاعِي حَيَوَانًا غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَالْحِمَارِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي حَالِ الذَّبْحِ أَيْ فِي الْحَالَةِ الَّتِي قَطَعَ الْأَمَلَ مِنْ حَيَاتِهِ (الْفُصُولَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مُصَادِفٌ مَالًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
8 - إذَا ذَبَحَ شَخْصٌ الشَّاةَ الَّتِي رَبَطَ الْجَزَّارُ أَرْجُلَهَا لِأَجْلَ ذَبْحِهَا لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَإِذَا وَضَعَ رَجُلٌ
(2/255)
اللَّحْمَ فِي الْقِدْرِ لِأَجْلِ طَبْخِهَا وَبَعْدَ أَنْ وَضَعَهَا عَلَى الْمُوقَدَةِ وَضَعَ شَخْصٌ آخَرُ النَّارَ تَحْتَهَا وَطَبَخَهَا لَا يَكُونُ ضَامِنًا.
9 - إذَا وَقَعَ الْحَمْلُ عَنْ دَابَّةٍ وَحَمَّلَهُ شَخْصٌ عَلَيْهَا بِلَا إذْنٍ وَهَلَكَتْ فِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ دَلَالَةً بِهَذَا ثَابِتٌ.
10 - إذَا أَرْسَلَ شَخْصٌ لِآخَرَ هَدِيَّةً ضِمْنَ إنَاءٍ وَكَانَتْ تِلْكَ مِنْ قَبِيلِ مَا تَزُولُ لَذَّتُهُ بِتَفْرِيغِهَا إلَى إنَاءٍ آخَرَ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إذْنًا دَلَالَةً. وَإِذَا انْكَسَرَ الْإِنَاءُ قَضَاءً أَثْنَاءَ الْأَكْلِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاكِهِ الَّتِي تَزُولُ لَذَّتُهَا بِتَفْرِيغِهَا إلَى إنَاءٍ آخَرَ فَلَيْسَ لِلشَّخْصِ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهَا فِيهِ. مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى لَهُ صَدَاقَةٌ وَمُسَامَحَةٌ.
11 - إذَا دَخَلَ شَخْصٌ كَرْمَ صَدِيقِهِ وَتَنَاوَلَ شَيْئًا يَعْنِي مِقْدَارًا مِنْ الْعِنَبِ مَثَلًا بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُبَالِي بِذَلِكَ عِنْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ بَأْسٌ فِي هَذَا التَّنَاوُلِ.
12 - إذَا خَرَجَ رَجُلَانِ لِسَفَرٍ وَتُوُفِّيَ أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ فِيهِ حَاكِمٌ يُرَاجَعُ فَلِرَفِيقِهِ الْبَاقِي بِقَيْدِ الْحَيَاةِ أَنْ يَبِيعَ أَمْتِعَتَهُ وَحَيَوَانَاتِهِ وَيُسَلِّمُ ثَمَنَهَا لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبِعْهَا وَقَصَدَ نَقْلَهَا عَيْنًا فَيَضْطَرُّ إلَى مَصَارِيفَ نَقْلِيَّةٍ كَثِيرَةٍ مَعَ أَنَّ رَفِيقَهُ مَأْذُونٌ دَلَالَةً بِالْبَيْعِ فِي مَوَاضِعَ كَهَذِهِ.
إنَّمَا هَذَا الْمَسَاغُ بِمَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ لَا يُعَاقَبَانِ مِنْ جَرَّاءِ بَيْعِ وَشِرَاءِ مَالِ الْغَيْرِ وَإِلَّا لَا يَكُونُ بِمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ نَافِذٌ، رَاجِعْ الْمَادَّةَ (378) . وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ نَقُودَهُ وَأَشْيَاءَهُ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَجْلِ حِفْظِهَا وَاذَا هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي يَدِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
رَاجِعْ الْمَادَّةَ (91) وَشَرْحَهَا.
وَلَكِنْ إذَا أَخَذَ ذَلِكَ الْإِنَاءَ بِيَدِهِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ أَوْ صَاحِبَ الدُّكَّانِ نَهَاهُ بِقَوْلِهِ: لَا تَمَسَّهُ، يَعْنِي بَعْدَ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَضَاءً وَانْكَسَرَ يَصِيرُ ضَامِنًا بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (891) .
وَلَكِنْ إذَا نُهِيَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ فَبِنَاءً عَلَى الْمَأْذُونِيَّةِ دَلَالَةً وَبَعْدَ هَلَاكِهِ قَضَاءً فِي يَدِهِ فَلَا حُكْمَ لِلنَّهْيِ. (رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 13) .
(2/256)
[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْوَدِيعَةِ وَفِيهِ فَصْلَانِ]
ِ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِيدَاعِ ثَابِتَةٌ بِأَدِلَّةٍ أَرْبَعَةٍ بِالْكِتَابِ. كَمَا وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَغَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبُولِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَالَّةً عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِيدَاعِ.
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْجَلِيلَةُ بِحَقِّ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ. يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إذْ أَقْفَلَ عُثْمَانُ الْكَعْبَةَ وَصَعِدَ عَلَى سَطْحِهَا فَطَلَبَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِفْتَاحَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ عِنْدَ عُثْمَانَ. فَطَلَبَهُ مِنْهُ، فَامْتَنَعَ عُثْمَانُ عَنْ إعْطَائِهِ وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ لَأَعْطَيْتُكَ، فَضَغَطَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى يَدِ عُثْمَانَ، وَأَخَذَ الْمِفْتَاحَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَعْبَةَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ، فَطَلَبَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ وَأَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ السِّقَايَةَ وَالسِّدَانَةَ أَيْ شَرَفَ خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْجَلِيلَةُ عَقِبَ ذَلِكَ. فَأَمَرَ الرَّسُولُ الْأَكْرَمُ عَلِيًّا فَرَدَّ الْمِفْتَاحَ إلَى عُثْمَان، وَقَدَّمَ مَعْذِرَةً بِوَاسِطَتِهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا عَلِيُّ جِئْتَ قَبْلًا وَأَخَذْتَ الْمِفْتَاحَ مِنِّي بِالْجَبْرِ وَالْإِكْرَاهِ، وَالْآنَ أَتَيْتَ بِالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ. فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ بِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَلَفَظَ عُثْمَانُ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ. وَنَزَلَ جَبْرَائِيلُ مُخَيِّرًا أَنَّ السِّقَايَةَ وَالسِّدَانَةَ لِعُثْمَانَ وَأَوْلَادِهِ أَبَدًا بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ. وَلَمَّا هَاجَرَ عُثْمَانُ أَخِيرًا أَعْطَى الْمِفْتَاحَ لِأَخِيهِ شَيْبَةَ. بِنَاءً عَلَيْهِ فَحَقَّ حِفْظُ الْمِفْتَاحِ وَالسِّدَانَةِ مَنُوطَانِ بِشَيْبَةَ وَأَوْلَادِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (شَيْخُ زَادَهْ) .
ثُمَّ إنَّ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَابِ إعَانَةِ الْإِنْسَانِ إخْوَانَهُ وَالْإِعَانَةُ مَنْدُوبَةٌ بِنَصِّ الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَمَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ هُوَ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ فَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ بِنَاءً عَلَى هَذَا بَعْضَ الْمَبَاحِثِ بِالْعِنْوَانِ الْمَذْكُورِ فَقَالُوا: كِتَابُ النِّكَاحِ وَكِتَابُ الْبُيُوعِ وَذَكَرُوا بَعْضَ الْمَبَاحِثِ الْأُخْرَى تَحْتَ عِنْوَانِ شَيْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ فَقَالُوا كِتَابُ الْعَارِيَّةُ وَكِتَابُ الْمَأْذُونِ. وَسَبَبُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَتْ الْمَجَلَّةُ أَيْضًا حَرَّرَتْ هَذَا الْعِنْوَانَ هُنَا هَكَذَا فَالظَّاهِرُ وَالْمُوَافِقُ لِمَوْضُوعِ عِلْمِ الْفِقْهِ أَنْ يُقَالَ (فِي الْإِيدَاعِ) .
(2/257)
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ وَشَرْطِ الْإِيدَاعِ]
بِمَا أَنَّ الْمَجَلَّةَ أَدْخَلَتْ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ فِي عِنْوَانِ الْعَقْدِ وَجَعَلَتْ تَعْبِيرَ الْعَقْدِ شَامِلًا لِلرُّكْنِ وَالشَّرْطِ فَقَدْ تَغَيَّرَ أُسْلُوبُهَا هُنَا.
أَرْكَانُ الْإِيدَاعِ أَرْبَعَةٌ: (1) الْوَدِيعَةُ يَعْنِي الْعَيْنَ الْمُودَعَةَ.
(2) الصِّيغَةُ (3) الْمُودِعُ (4) الْوَدِيعُ.
يُبْحَثُ عَنْ الْأَوَّلِ فِي الْمَادَّةِ (775) وَعَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي الْمَادَّةِ (776) وَعَنْ الرَّابِعِ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ: (الْمَادَّةُ 773) يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً أَوْ صَرَاحَةً. مَثَلًا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ: أَوْدَعْتُكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ أَمَّنْتُكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْمُسْتَوْدِعُ أَيْضًا: قَبِلْتُ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ صَرَاحَةً. وَإِذَا دَخَلَ شَخْصٌ إلَى الْخَانِ وَقَالَ لِصَاحِبِ الْخَانِ: أَيْنَ أَرْبِطُ حَيَوَانِي؟ فَأَرَاهُ مَحِلًّا وَرَبَطَ حَيَوَانَهُ فِيهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ دَلَالَةً وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالَهُ بِجَانِبِ صَاحِبِ الدُّكَّانِ وَذَهَبَ وَرَآهُ هُوَ أَيْضًا وَسَكَتَ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَ صَاحِبِ الدُّكَّانِ وَإِذَا تَرَكَ رَجُلٌ مَالَهُ بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ قَائِلًا لَهُ: هَذَا وَدِيعَةٌ عِنْدَك، وَذَهَبَ وَرَآهُ هُوَ أَيْضًا وَسَكَتَ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ. وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ: لَا أَقْبَلُ، وَرَدَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ. وَإِذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالَهُ بِجَانِبِ جُمْلَةِ أَشْخَاصٍ عَلَى سَبِيلِ الْوَدِيعَةِ وَذَهَبَ وَرَأَوْهُ هُمْ أَيْضًا وَسَكَتُوا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. وَلَكِنْ إذَا انْصَرَفُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَحِلِّ الْوَاحِدُ بَعْدَ الْآخَرِ يَتَعَيَّنُ الَّذِي بَقِيَ أَخِيرًا لِلْحِفْظِ وَيَكُونُ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ.
رُكْنَا الْإِيدَاعِ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ.
بِنَاءً عَلَيْهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالصَّرَاحَةِ أَوْ دَلَالَةً.
وَبِتَعْبِيرِ (دَلَالَةً) يَعْنِي: بِالدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ، وَبِالدَّلَالَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَبِالْكِنَايَةِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 149.
الْمَسَائِلُ الَّتِي يَلْزَمُ فِيهَا الْقَبُولُ أَوْ لَا يَلْزَمُ بَعْدَ الْإِيجَابِ: وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ. كَمَا يُفْهَمُ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الْفِقْرَةِ (وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ صَاحِبُ الدُّكَّانِ) . لِأَنَّهُ حَيْثُ سَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ نَتِيجَةَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ فَلَا يَكُونُ الْتِزَامٌ بِلَا لُزُومٍ غَيْرَ أَنَّ لُزُومَ
(2/258)
الْقَبُولِ فِي الْإِيدَاعِ بَعْدَ الْإِيجَابِ هُوَ لِأَجْلِ وُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَلَكِنْ لِاكْتِسَابِ الْمَالِ صِفَةَ الْأَمَانَةِ فَالْإِيجَابُ وَحْدَهُ كَافٍ وَالْقَبُولُ لَيْسَ لَازِمًا فِيهِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْإِيجَابِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فِي يَدِ الَّذِي سَيَكُونُ مُسْتَوْدَعًا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِلْغَاصِبِ: أَوْدَعْتُكَ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِكَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْغَاصِبُ لَا يُجَابُ، وَلَوْ رَدَّهُ أَيْضًا يَكُونُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ يَكْتَسِبُ صِفَةَ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَيَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ الْأَرْبَعَةُ مِنْهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْمَجَلَّةِ لَفْظِ صَرَاحَةً وَدَلَالَةً الْوَارِدَيْنِ بَعْدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِنَاءً مِنْ احْتِمَالِ ارْتِبَاطِهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كِلَيْهِمَا فَيَكُونُ انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالنَّظَرِ لِلْمِجَلَّةِ بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً. كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَجَلَّةِ الْآتِي ذِكْرُهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً. وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الدَّلَالَةُ الْقَوْلِيَّةُ كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي مِنْ الْمَجَلَّةِ الْآتِي ذِكْرُهُ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الدَّلَالَةُ الْفِعْلِيَّةُ. كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ الْآتِي ذِكْرُهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ صَرَاحَةً وَالْقَبُولِ دَلَالَةً.
كَمَا هُوَ فِي الْمِثَالِ الرَّابِعِ مِنْ الْمَجَلَّةِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: انْعِقَادُ الْإِيدَاعِ بِالْإِيجَابِ دَلَالَةً وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً.
وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ مِثَالٌ عَلَى هَذَا فِي الْمَجَلَّةِ فَنَذْكُرُ لَهُمْ مِثَالًا كَمَا يَأْتِي: مَثَلًا لَوْ تَرَكَ رَجُلٌ مَالًا بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ وَبَيْنَمَا هُوَ ذَاهِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَالَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ: إنِّي قَبِلْتُ هَذَا الْمَالَ وَدِيعَةً فَيَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ دَلَالَةً وَالْقَبُولِ صَرَاحَةً.
وَفُهِمَ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ السَّابِقَةِ سَبَبُ تَعَدُّدِ الْأَمْثِلَةِ وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّلَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَجَلَّةِ أَعَمُّ مِنْ الدَّلَالَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ كِنَايَةً.
كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَعْطِنِي هَذَا الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ يَكُونُ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْهِبَةِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى مِنْ الْهِبَةِ تَكُونُ الْوَدِيعَةُ مُتَيَقَّنَةً وَالْهِبَةُ مَشْكُوكَةً وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ كِنَايَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ فِي آخِرِ الْوَدِيعَةِ) .
مَثَلًا لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ: أَوْدَعْتُكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ أَمَّنْتُكَ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْمُسْتَوْدَعُ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ صَرَاحَةً وَبِالْقَبُولِ صَرَاحَةً.
وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَوْدَعُ الْإِيجَابَ بِأَنْ رَفَضَ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ.
وَلَكِنَّ الْمُودِعَ مَعَ ذَلِكَ تَرَكَهَا وَذَهَبَ فَهَلَكَتْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَإِذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ الْمَالَ الْمَذْكُورَ إلَى بَيْتِهِ كَيْ يَكُونَ مَالًا لَهُ يَكُونُ غَاصِبًا. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (769) . وَأَمَّا إذَا أَخَذَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ لِصَاحِبِهِ فَاللَّائِقُ وَالْمُنَاسِبُ أَيْضًا أَنْ يُعَدَّ غَاصِبًا نَظَرًا لِمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ
(2/259)
فِي يَدِهِ فَالْمُنَاسِبُ أَيْضًا أَنْ يَضْمَنَ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْفُصُولَيْنِ اعْتَرَضَ عَلَى الذَّخِيرَةِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ قَائِلًا: إنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يَكُونَ ضَامِنًا. لِنُبَيِّنَ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي مَعَ ذِكْرِ أَجْوِبَتِهَا اللَّازِمَةِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: حَيْثُ إنَّ الْغَصْبَ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ يَدُ مَالِكٍ وَأَزَالَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَكُونُ غَصْبًا. فَنَقُولُ جَوَابًا عَلَى هَذَا: إنَّ الْحَالَ وَالْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تُسَاوِي الْغَصْبَ فِي إزَالَةِ التَّصَرُّفِ تُعَدُّ مِنْ قَبِيلِ الْغَصْبِ حُكْمًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (901) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَخْذُ الْمُسْتَوْدَعِ ذَلِكَ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ بِقَصْدِ الضَّرَرِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِقَصْدِ النَّفْعِ، جَوَابُهُ: لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْغَصْبِ بِالنِّيَّةِ. وَلِهَذَا إذَا أَخَذَ أَحَدٌ مِنْ جَيْبِ السَّكْرَانِ كِيسَ دَرَاهِمِهِ حَتَّى لَا يَضِيعَ وَيَرُدُّهُ إلَيْهِ حِينَمَا يَزُولُ سُكْرُهُ وَيُفِيقُ يَكُونُ غَاصِبًا. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (2) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: تَرْكُ الْمَالِكِ الْمَالَ بَعْدَ رَدِّ الْمُسْتَوْدَعِ إيدَاعٌ ثَانٍ وَأَخْذُ الْمُسْتَوْدَعِ وَرَفْعُهُ أَيْضًا قَبُولٌ ضِمْنِيٌّ فَبِنَاءً عَلَيْهِ الظَّاهِرُ عَدَمُ تَرَتُّبِ الضَّمَانِ.
الْجَوَابُ: حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ رَدَّ صَرَاحَةً وَلِكَوْنِ الصَّرَاحَةِ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ وَالضِّمْنِيَّاتِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الدَّلَالَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الصَّرَاحَةُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (13) .
وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْإِيضَاحَاتِ أَنَّ الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي وَجَّهَهَا صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ إلَى صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ غَيْرُ وَارِدَةٍ فَبَقِيَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَوْلُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ (اللَّائِقُ لُزُومُ الضَّمَانِ) سَالِمًا مِنْ الِاعْتِرَاضِ.
كَمَا أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ مَتَاعًا فِي بَيْتِ شَخْصٍ آخَرَ بِلَا أَمْرٍ وَفُقِدَ لِعَدَمِ مُحَافَظَةِ الشَّخْصِ الْآخَرِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُحَافَظَةَ وَلَا لُزُومَ بِدُونِ الْتِزَامٍ.
وَإِنَّمَا إذَا رَمَاهُ الشَّخْصُ الْآخَرُ الْمَذْكُورُ خَارِجَ الْبَيْتِ وَفُقِدَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ اسْتِهْلَاكٌ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (912) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفِقْرَةِ (كَمَا سَقَطَ مَالٌ شَخْصٍ بِهُبُوبِ الرِّيحِ. ..) الْمُنْدَرِجَةِ فِي الْمَادَّةِ (762) وَبَيْنَ هَذِهِ ظَاهِرٌ.
فَفِي الْفِقْرَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُوجَدُ إحَالَةٌ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَمَّا هُنَا وَإِنْ كَانَتْ إحَالَةُ صَاحِبِ الْمَالِ قَصْدًا مَوْجُودَةً فَقَبُولُ الْآخَرِ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَبِلَا قَبُولٍ لَا يَحْصُلُ إجْبَارٌ عَلَى الْمُحَافَظَةِ.
وَلَكِنْ إذَا أَدْخَلَ رَجُلٌ دَابَّتَهُ إلَى دَارِ غَيْرِهِ وَأَخْرَجَهَا صَاحِبُ الدَّارِ مِنْ دَارِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مُضِرَّةٌ لِلدَّارِ. وَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ دَابَّةُ الْغَيْرِ فِي إصْطَبْلِهِ وَأَخْرَجَهَا صَاحِبُهَا وَفُقِدَتْ فَيَكُونُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
2 - وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ شَخْصٌ خَانًا وَسَأَلَ صَاحِبَهُ أَيْنَ يَرْبِطُ حَيَوَانَهُ؟ فَأَرَاهُ مَحِلًّا فَرَبَطَهُ فِيهِ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً قَوْلِيَّةً وَيَكُونُ صَاحِبُ الْخَانِ مُسْتَوْدَعًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . حَتَّى أَنَّهُ إذَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَيَوَانِ وَلَمْ يَجِدْ الْحَيَوَانَ فِي مَحِلِّهِ وَسَأَلَ صَاحِبَ الْخَانِ فَأَجَابَهُ أَنَّ رَفِيقَك أَخَذَهُ لِيَسْقِيَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَفِيقٌ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْخَانِ قَصَّرَ فِي الْمُحَافَظَةِ. يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ الرَّجُلَ حِينَمَا رَآهُ آخِذًا الْحَيَوَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَصِيرُ ضَامِنًا
(2/260)
ذَلِكَ الشَّخْصَ مُسْتَوْدَعًا؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَيْنِ تَعَارَضَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَبْقَى ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً فِي يَدِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَفِيهِ أَنَّ الثَّانِيَ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّهُ رَدُّ الْحِفْظِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ حِينَمَا دَفَعَ إلَى دَارِهِ الْمَالَ وَرَأَى صَاحِبَهُ وَسَكَتَ صَارَ قَابِلًا دَلَالَةً (الشَّارِحُ) .
3 - وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ رَجُلٌ مَالَهُ بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا كَهَذَا الْمَالِ وَدِيعَةٌ عِنْدَك مَثَلًا، وَذَهَبَ وَرَآهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ وَسَكَتَ فَحَيْثُ إنَّ الْإِيدَاعَ يَنْعَقِدُ فِعْلًا أَيْ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً فَعَلَيْهِ يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَ صَاحِبِ الدُّكَّانِ. حَتَّى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ الْوَدِيعَةَ هُنَاكَ وَذَهَبَ يَصِيرُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَرَدَ فِي هَذَا الْمِثَالِ (وَرَآهُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُ لَا تَكُونُ الْوَدِيعَةُ قُبِلَتْ بِالدَّلَالَةِ الْقَوْلِيَّةِ أَوْ الْفِعْلِيَّةِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ لِعَدَمِ مُحَافَظَةِ صَاحِبِ الدُّكَّانِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
وَلَكِنْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الدُّكَّانِ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ إلَى الْخَارِجِ. فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ. عَلَى مَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ.
4 - وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ شَخْصٌ بِوَاسِطَةِ شَخْصٍ آخَرَ حَيَوَانَهُ إلَى الرَّاعِي لِأَجْلِ رَعْيِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الرَّاعِي وَقَالَ: لَا أَقْبَلُ أَعِدْهُ إلَى صَاحِبِهِ وَبَيْنَمَا كَانَ يُعِيدُهُ هَلَكَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّخْصِ الْآخَرِ وَلَا عَلَى الرَّاعِي؛ لِأَنَّ الرَّاعِيَ بِعَدَمِ قَبُولِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ الْأَمَانَةُ. وَحَيْثُ إنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْآخَرَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَسْلِيمِ الْحَيَوَانِ إلَى الرَّاعِي فَلَمْ تَنْتَهِ رِسَالَتُهُ وَيَدُ أَمَانَتِهِ بَاقِيَةٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
5 - وَكَذَلِكَ إذَا نَزَعَ رَجُلٌ ثَوْبَهُ فِي الْحَمَّامِ وَتَرَكَهُ عِنْدَ حَارِسِ الثِّيَابِ وَرَآهُ هَذَا وَسَكَتَ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمُغْتَسَلِ، وَقَالَ الْحَارِسُ: إنَّ شَخْصًا لَبِسَ الثَّوْبَ وَذَهَبَ فَظَنَنْته لَهُ، فَلِكَوْنِهِ تَرَكَ السُّؤَالَ وَالْبَحْثَ وَقَصَّرَ فِي الْحِفْظِ يَكُونُ ضَامِنًا. وَلَكِنْ إذَا قَالَ الْحَارِسُ: رَأَيْت الشَّخْصَ وَهُوَ يَرْفَعُ ثَوْبَك وَلَكِنْ ظَنَنْته إيَّاكَ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سُرِدَ وَجْهَانِ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - عَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَنَّ فِيمَنْ رَفَعَ الثَّوْبَ أَنَّهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي - لُزُومُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرْت شَرْحًا وَهِيَ (حَتَّى إذَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَرَ الْحَيَوَانَ فِي مَحِلِّهِ وَعِنْدَ سُؤَالِهِ مِنْ صَاحِبِ الْخَانِ إلَخْ) نَظِيرَةً لِهَذِهِ.
6 - وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالًا بِجَانِبِ صَاحِبِ دُكَّانٍ قَائِلًا: هَذَا الْمَالُ وَدِيعَةٌ عِنْدَك وَذَهَبَ بَعْدَ أَنْ رَآهُ الْمُودِعُ وَسَكَتَ يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ. وَإِذَا رَدَّ صَاحِبُ الدُّكَّانِ قَائِلًا: لَا أَقْبَلُ، لَا يَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ عُرْفًا لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الرَّدِّ صَرَاحَةً (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَلَا تُعَارِضُ الدَّلَالَةُ الصَّرِيحَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 13) وَشَرْحَهَا وَعَلَيْهِ إذَا فُقِدَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الدُّكَّانِ. وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ مُرْتَبِطَةٌ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ وَمُقَابِلَةٌ فِقْرَةَ (وَإِذَا رَآهُ وَسَكَتَ) .
(2/261)
كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ لِلْمُودِعِ: أَوْدِعْ هَذَا الْمَالَ عِنْدِي فَتَرَكَ الْمُودِعُ ذَلِكَ الْمَالَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا تَنْعَقِدُ الْوَدِيعَةُ (الْبَاجُورِيُّ) .
7 - وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ شَخْصٌ مَالَهُ عِنْدَ جُمْلَةِ أَشْخَاصٍ عَلَى سَبِيلِ الْوَدِيعَةِ وَذَهَبَ وَرَأَوْهُ هُمْ أَيْضًا وَسَكَتُوا فَيَنْعَقِدُ الْإِيدَاعُ هُنَا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ دَلَالَةً فِعْلِيَّةً وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. يَعْنِي أَنَّ تَرْكَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَذَهَابَهُ أَيْ الْمُودِعِ الْمَرْقُومِ يَكُونُ إيدَاعًا فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ الْمَالُ بِنَاءً عَلَى مُغَادَرَتِهِمْ جَمِيعِهِمْ ذَلِكَ الْمَحِلَّ يَضْمَنُونَ كُلُّهُمْ بِالِاشْتِرَاكِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (787) . يَعْنِي أَنَّ بَدَلَ الضَّمَانِ يَنْقَسِمُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الَّذِينَ قَامُوا وَذَهَبُوا فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةَ أَشْخَاصٍ مَثَلًا يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُمْسَ قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ.
جَاءَ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ (وَإِذَا رَأَوْهُ هُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَرَوْهُ لَا يُوجَدُ قَبُولٌ بِالسُّكُوتِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ شَخْصٌ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ بِدُونِ أَمْرِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا.
وَسِيَّانِ قَاعِدَةُ تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَرَدِّ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَجَلَّةِ تَسْلِيمُ الْوَدِيعَةِ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ يَتِمُّ بِوَضْعِهَا أَمَامَهُ وَلَيْسَ شَرْطًا وَضْعُهَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي حِضْنِهِ. كَمَا أَنَّ رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَيْضًا يَتِمُّ بِوَضْعِهَا أَمَامَ الْمُودِعِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ وَضْعُهَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي حِضْنِهِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ كَانَ الْإِيدَاعُ وَانْتِهَاءُ الْإِيدَاعِ مُتَسَاوِيَانِ. مَعَ أَنَّهُ فِي الدَّيْنِ لَيْسَتْ الْحَالَةُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ بَلْ وَضْعُ الْمَدِينِ دَيْنَهُ فِي يَدِ الدَّائِنِ أَوْ فِي حِضْنِهِ كَانَ شَرْطًا. حَتَّى أَنَّهُ بِوَضْعِهِ الدَّيْنَ أَمَامَهُ لَا يَكُونُ أَدَّى دَيْنَهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
إلَّا أَنَّهُ إذَا غَادَرَ أُولَئِكَ الْأَشْخَاصُ الْوَاحِدُ تِلْوَ الْآخَرِ ذَلِكَ الْمَحِلَّ بَعْدَ أَنْ رَأَوْهُ وَسَكَتُوا فَمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فِي الْآخِرِ يَكُونُ تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَقَطْ (الْبَحْرُ) .
فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا تَرَكَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَيْضًا الْمَحِلَّ الْمَذْكُورَ وَفُقِدَ ذَلِكَ الْمَالُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لَا غَيْرُ.
يَرِدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سُؤَالٌ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي.
إنَّ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ تَجْعَلُهُمْ جَمِيعًا مُسْتَوْدَعِينَ كَمَا جَاءَ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى. وَحَيْثُ إنَّ مَنْ يَذْهَبُ مِنْهُمْ وَيَتْرُكُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ الْبَاقِي كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَلْزَمَهُ الضَّمَانُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (790) الْجَوَابُ: أَنَّ الطَّحْطَاوِيَّ حَصَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَدِيعَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ عَادًّا إيَّاهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَادَّةِ (783) وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ قَابِلَةً لِلْقِسْمَةِ فَقَالَ: إنَّ الْمُنَاسِبَ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ ذَهَبَ ضَمَانُ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 774) لِكُلٍّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ فَسْخُ عَقْدِ الْإِيدَاعِ مَتَى شَاءَ]
الْإِيدَاعُ لَيْسَ عَقْدًا لَازِمًا. يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا بِحَقِّ أَحَدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ.
رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (114) وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ لِلْمُودِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَدِيعَتَهُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَالِ. وَلِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ أَيْضًا أَنْ يَرُدَّ الْوَدِيعَةَ مَتَى أَرَادَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِخُصُوصِ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ (الْبَاجُورِيُّ) .
فَبِنَاءً عَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ صَلَاحِيَةُ فَسْخِ الْإِيدَاعِ مَتَى أَرَادَ. سَوَاءٌ أَكَانَ عَقْدُ الْإِيدَاعِ
(2/262)
مُوَقَّتًا لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَثَلًا أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّةِ (794) أَنَّ لِلْمُودِعِ فَسْخُ الْإِيدَاعِ وَحْدَهُ بِالِاسْتِقْلَالِ.
فَلِذَلِكَ مَتَى طَلَبَ الْمُودِعُ وَدِيعَتَهُ يُقَدِّمُهَا لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَبَ يَتَضَمَّنُ فَسْخَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْمُسْتَوْدَعُ عَنْ إعَادَتِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ لَزِمَ ضَمَانُهَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَلَوْ كَانَ هَلَاكُهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ. وَعِنْدَمَا تُطْلَبُ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِهَا فِي الْحَالِ قَائِلًا (حِينَمَا سَلَّمْتنِي كَانَ ذَلِكَ بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَأَنَا أَيْضًا أُسَلِّمُك بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مُصَدَّقٌ بِالْيَمِينِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (1774) وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ لِإِثْبَاتِ الرَّدِّ بِالشُّهُودِ وَعَلَيْهِ فَلَا حَقَّ لَهُ بِالتَّأْخِيرِ بِحُجَّةِ الْإِشْهَادِ (الْبَاجُورِيُّ) .
إنَّمَا عَقْدُ الْإِيدَاعِ يَكُونُ لَازِمًا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهِيَ: إذَا كَانَ الْحِفْظُ فِي مُقَابَلَةِ أُجْرَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (777) فَحَيْثُ إنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ هَذَا عَقْدُ حِفْظٍ وَفِيهِ الْمُسْتَوْدَعُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ فَيَصِيرُ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ عَقْدَ إجَارَةٍ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَفْسَخَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (406) (الْأَنْقِرْوِيُّ وَالْعِنَايَةُ) .
[ (الْمَادَّةُ 775) مِنْ شُرُوط الْوَدِيعَةِ أَنْ تَكُونَ قَابِلَةً لِوَضْعِ الْيَدِ وَصَالِحَةً لِلْقَبْضِ]
(الْمَادَّةُ 775) يُشْتَرَطُ فِي الْوَدِيعَةِ أَنْ تَكُونَ قَابِلَةً لِوَضْعِ الْيَدِ وَصَالِحَةً لِلْقَبْضِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إيدَاعُ الطَّيْرِ الطَّائِرِ فِي الْهَوَاءِ.
يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ وَقْتَ الْإِيدَاعِ قَابِلَةً؛ لَأَنْ يَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا وَأَنْ تَكُونَ صَالِحَةً وَقَابِلَةً لِلْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عَقْدُ اسْتِحْفَاظٍ فَلَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا قَبْلَ أَنْ يُثْبِتَ الْمُسْتَوْدَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَعِبَارَةُ (صَالِحَةً لِلْقَبْضِ) عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لِعِبَارَةِ (قَابِلَةً لِوَضْعِ الْيَدِ) .
بِنَاءً عَلَيْهِ إيدَاعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالْمَالِ الْمُسْتَحِيلِ إخْرَاجُهُ مِنْ الْبَحْرِ وَالْحَيَوَانِ الْآبِقِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِوَضْعِ الْيَدِ وَقْتَ الْإِيدَاعِ. فَلِذَلِكَ إذَا فُقِدَ الطَّيْرُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بِالضَّمَانِ بِحُجَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِ.
هَلْ الشَّرْطُ وَضْعُ الْيَدِ فِعْلًا أَوْ الْقَابِلِيَّةُ لِوَضْعِ الْيَدِ فَقَطْ؟ إنَّ الْبَعْضَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالزَّيْلَعِيّ مِنْ جُمْلَتِهِمْ قَالُوا بِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِعْلًا شَرْطٌ وَذَهَبَ الْبَعْضُ الْآخَرُ إلَى أَنَّ الْقَابِلِيَّةَ لِوَضْعِ الْيَدِ كَافِيَةٌ وَلَيْسَ وَضْعُ الْيَدِ فِعْلًا شَرْطًا.
وَيُفْهَمُ مِنْ الْمِثَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي الْمَادَّةِ (773) مِنْ الْمَجَلَّةِ وَمَنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْمَجَلَّةَ اخْتَارَتْ الْقَوْلَ الثَّانِيَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 776) شُرُوط صِحَّةِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ]
(الْمَادَّةُ 776) يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَوْدَعُ عَاقِلَيْنِ مُمَيِّزَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا بَالِغَيْنِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ إيدَاعُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَقَبُولُهُمَا الْوَدِيعَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَمَّا إيدَاعُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمَأْذُونِ وَقَبُولُهُ الْوَدِيعَةَ فَهُوَ صَحِيحٌ.
(2/263)
يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ كَوْنُ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ عَاقِلَيْنِ مُمَيِّزَيْنِ وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَوْدَعُ مَأْذُونًا (الْبَحْرُ) .
وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَوْدَعُ بَالِغَيْنِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ إيدَاعُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَقَبُولُهُمَا الْوَدِيعَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَحَيْثُ إنَّ إيدَاعَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِذَا قَبِلَ شَخْصٌ مَالَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِنَاءً عَلَى أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ يَكُونُ غَاصِبًا.
وَحَيْثُ إنَّ قَبُولَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ مَالَهُ عِنْدَ الْمَجْنُونِ أَوْ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا بِالْإِجْمَاعِ. يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْمَادَّةِ (916) لَا يَجْرِي فِيهِ. وَلَكِنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُودِعَ مَالَهُمَا.
وَلَكِنَّ إيدَاعُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمَأْذُونِ وَقَبُولَهُ الْوَدِيعَةَ صَحِيحٌ. سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْذُونًا إذْنًا عَامًّا أَمْ خَاصًّا لِقَبُولِ الْوَدِيعَةِ الْمَذْكُورَةِ رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ (966 و 967) .
وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ إيدَاعَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمَأْذُونِ صَحِيحٌ إذَا أَخَذَ شَخْصٌ وَدِيعَةً مِنْهُ وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (777) .
وَإِذَا تُوُفِّيَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمَأْذُونُ مُجْهِلًا الْوَدِيعَةَ تُضْمَنُ مِنْ تَرِكَتِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (801) . وَإِذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بِتَعَدِّيهِ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ بِتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ يَكُونُ ضَامِنًا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 787) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ الْمَأْذُون مُؤَاخَذٌ بِالضَّمَانِ لِتَضْيِيعِ الْوَدِيعَةِ.
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ فِي حَالَةِ اسْتِهْلَاكِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمَالَ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ أَوْ اسْتَعَارَهُ: تَقْيِيدُ الصَّبِيِّ بِالْمَأْذُونِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ احْتِرَازِيٌّ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمَحْجُورِ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَمَا أَنَّهُ إذَا قَبِلَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْوَدِيعَةَ وَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ بِسَبَبِ عَدَمِ مُحَافَظَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ الْوَدِيعَةَ فِي حَالِ صِبَاهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ أَيْضًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ تَضْيِيعُ الْأَمْوَالِ فَيَكُونُ الْمُودِعُ بِتَسْلِيمِهِ الْمَالَ مَعَ عِلْمِهِ هَذِهِ الْعَادَةَ رَضِيَ بِاسْتِهْلَاكِهِ وَلِذَلِكَ لَا يُؤَاخَذُ الصَّبِيُّ مِنْ جَرَّاءِ اسْتِهْلَاكِهِ الْوَدِيعَةَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَلِذَلِكَ إذَا دَلَّ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ السَّارِقَ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ الْمُودَعِ عِنْدَهُ أَوْ شَاهَدَ السَّارِقَ وَهُوَ يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَى الْمَنْعِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. وَالْحَالُ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مَتَى بَلَغَ يَضْمَنُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (887) . أَيْ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَكُونُ ضَامِنًا.
وَلِذَلِكَ أَيْضًا إذَا أُودِعَ مَالٌ عِنْدَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ وَتُوُفِّيَ قَبْلَ الْبُلُوغِ مُجْهِلًا فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ
(2/264)
كَذَلِكَ إذَا تُوُفِّيَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ أَيْضًا. مَا لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ الْوَدِيعَةِ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 801) .
الْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ فِي هَذَا.
إذَا أُودِعَ مَالٌ عِنْدَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ وَاسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَافَقَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الرَّأْيِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَجَلَّةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ خَاصَّةً إذَا كَانَ مَعَهُ أَحَدُ الْإِمَامَيْنِ يُعَدُّ مُرَجِّحًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.
وَإِذَا دُفِعَ مَالٌ لِلصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ قَرْضًا أَوْ عَارِيَّةً أَوْ بِيعَ مِنْهُ وَسُلِّمَ لَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ الْمَرْقُومُ يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا تَعَدَّى الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مِنْ غَيْرِ سَابِقِ الْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِيدَاعِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ يَكُونُ ضَامِنًا. وَلِذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مَالَ غَيْرِهِ يَضْمَنُ. وَلَا تَأْثِيرَ فِي هَذَا لِكَوْنِهِ صَبِيًّا مَحْجُورًا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَجْرِي فِي الْأَقْوَالِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَفْعَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْمَرْقُومَ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُنَافِي هَذَا الشَّرْحُ شَرْحَ الْمَادَّةِ (778) وَالْمَادَّةِ (916) مِنْ الْمَجَلَّةِ.
وَلِذَلِكَ أَيْضًا إذَا أَوْدَعَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ بِلَا إذْنٍ مَالَ غَيْرِهِ عِنْدَ صَبِيٍّ مَحْجُورٍ آخَرَ فَلِكَوْنِ الِاثْنَيْنِ مُتَعَدِّيَيْنِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الصَّبِيَّيْنِ لَدَى هَلَاكِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ الْإِيدَاعِ وَالِاسْتِهْلَاكِ بَعْدَ الْإِيدَاعِ إذْ إنَّهُ إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ مَالَهُ عِنْدَ صَبِيٍّ مَحْجُورٍ يَكُونُ إذْنَ دَلَالَةٍ بِاسْتِهْلَاكِهِ كَمَا أُوضِحَ سَابِقًا وَأَمَّا فِي الِاسْتِهْلَاكِ بِلَا سَبْقِ الْإِيدَاعِ فَلَيْسَ مِنْ إذْنٍ.
(2/265)
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ وَضَمَانَاتِهَا]
عَطْفُ الضَّمَانَاتِ عَلَى الْأَحْكَامِ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
وَلِلْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ:
1 - كَوْنُ الْمَالِ أَمَانَةً وَاجِبَةَ الْحِفْظِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ.
وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (777) .
2 - لُزُومُ الرَّدِّ وَالْإِعَادَةِ عِنْدَ الطَّلَبِ. وَهَذَا مَسْطُورٌ فِي الْمَادَّةِ (794) .
3 - كَوْنُ قَبُولِ الْوَدِيعَةِ مُسْتَحَبًّا (الْبَحْرُ) . وَلَا ذِكْرَ لِهَذَا الْحُكْمِ فِي الْمَجَلَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ.
(الْمَادَّةُ 777) الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ أَوْ فُقِدَتْ بِدُونِ صُنْعِ الْمُسْتَوْدَعِ وَتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. فَقَطْ إذَا أُودِعَتْ بِأُجْرَةٍ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَهَلَكَتْ بِسَبَبٍ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ كَالسَّرِقَةِ تَكُونُ مَضْمُونَةً. مَثَلًا إذَا سَقَطَتْ السَّاعَةُ الْمُودَعَةُ مِنْ يَدِ رَجُلٍ قَضَاءً وَانْكَسَرَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا بِرِجْلِهِ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ عَلَيْهَا وَانْكَسَرَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ. كَذَلِكَ إذَا أَعْطَى رَجُلٌ لِآخَرَ أُجْرَةً لِأَجْلِ إيدَاعِ وَحِفْظِ مَالِهِ ثُمَّ فُقِدَ ذَلِكَ الْمَالُ بِسَبَبٍ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ كَالسَّرِقَةِ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.
الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ لَازِمَةُ الْحِفْظِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:
الْأَوَّلُ: الْحَافِظُ.
الثَّانِي: عِلَّةُ الْحِفْظِ.
وَالثَّالِثُ: كَيْفِيَّةُ الْحِفْظِ.
فَالْأَوَّلُ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (780) وَالثَّانِي فِي الْمَادَّةِ (781) وَالثَّالِثُ فِي الْمَادَّةِ (782) .
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا أَوْ فُقِدَتْ بِدُونِ صُنْعِ الْمُسْتَوْدَعِ وَتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ كَمَا لَوْ سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ يَعْنِي أَنَّ خَسَائِرَهَا تَعُودُ عَلَى الْمُودِعِ. اُنْظُرْ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى فِي الْمَادَّةِ (768) ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ الْأَكْرَمَ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَمَعْنَى أَهَلَكْت وَالْإِغْلَالُ الْخِيَانَةُ. ثُمَّ حَيْثُ إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْإِيدَاعِ أُهْلِكَتْ بِنَاءً عَلَى
احْتِيَاجِ النَّاسِ
فَلَوْ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ الْوَدِيعَةِ وَلَزِمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ تَعْطِيلُ الْمَصَالِحِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَوْدَعُ: وَقَعْت الْوَدِيعَةُ مِنِّي أَوْ وَقَعَتْ الْوَدِيعَةُ، فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ ادِّعَاءٌ بِفِقْدَانِ الْوَدِيعَةِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ.
رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (607) .
(2/266)
الْمَسَائِلُ الْعَدِيدَةُ. الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى كَوْنِ الْوَدِيعَةِ أَمَانَةً: 1 مَسْأَلَةٌ - إذَا أَعْطَى رَجُلٌ مَالًا لِشَخْصٍ وَقَالَ لَهُ: أَعْطِهِ الْيَوْمَ لِفُلَانٍ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، فَلَمْ يُعْطِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهَلَكَ بِيَدِهِ فَحَيْثُ إنَّ الشَّخْصَ الْمَرْقُومَ أَيْ الْمُسْتَوْدَعَ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى إعْطَاءِ الْمَالِ الْمَذْكُورِ لِفُلَانٍ الشَّخْصِ الْآخَرِ بِقَوْلِ (نَعَمْ) وَبِمَا أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ وَدِيعَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
2 - مَسْأَلَةٌ - إذَا فُقِدَ الْبَغْلُ الْمُودَعَ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَأَعْطَى الْمُسْتَوْدَعُ بَغْلَهُ لِلْمُودِعِ قَائِلًا لَهُ (اسْتَعْمِلْهُ لَبَيْنَمَا أَجِدُ بَغْلَك وَأُعِيدُهُ لَك) وَهَلَكَ هَذَا الْبَغْلُ بِيَدِ الْمُودِعِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَجَدَ الْمُسْتَوْدَعُ الْبَغْلَ الْمَفْقُودَ وَأَعَادَهُ فَلَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ الْبَغْلَ الْمُسْتَهْلَكَ.
3 - مَسْأَلَةٌ - إذَا طَلَبَ رَجُلٌ مِنْ شَخْصٍ خَمْسِينَ ذَهَبًا قَرْضًا فَأَعْطَاهُ غَلَطًا سِتِّينَ وَعِنْدَ اطِّلَاعِ الْمُسْتَقْرِضِ عَلَى ذَلِكَ أَفْرَزَ الْعَشْرَ ذَهَبَاتٍ وَبَيْنَمَا هُوَ آيِبٌ لِأَجْلِ إعَادَتِهَا وَقَّعَهَا فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهَا بِجِهَةِ أَنَّهَا قَرْضٌ وَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ السُّدْسِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ وَدِيعَةٌ صِرْفَةٌ. وَكَذَا لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
4 - مَسْأَلَةٌ - إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ كُلِّهَا فَكَمَا أَنَّ الْقَوْلَ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (1774) وَإِذَا هَلَكَ قِسْمٌ مِنْهَا فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ فِي الْمِقْدَارِ الْهَالِكِ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَيْضًا. وَلَكِنْ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ يُعَدُّ هَذَا النُّكُولُ إقْرَارًا بِوُجُودِ الْوَدِيعَةِ عَيْنًا. فَبِنَاءً عَلَيْهِ يُجْبَرُ الْمُسْتَوْدَعُ وَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يُظْهِرَ الْوَدِيعَةَ أَوْ يُثْبِتَ هَلَاكَهَا وَإِذَا أَقَامَ الطَّرَفَانِ الْبَيِّنَةَ يَعْنِي أَنَّ الْمُودِعَ أَقَامَ بَيِّنَتَهُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ وَالْمُسْتَوْدَعَ عَلَى هَلَاكِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا وَأَعَادَهَا تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَوْدَعِ.
5 - مَسْأَلَةٌ - إذَا طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا شَخْصٌ آخَرُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ أَيْضًا بَلْ الضَّمَانُ يَلْزَمُ الشَّخْصَ الْمَرْقُومَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (912) .
6 - مَسْأَلَةٌ - إذَا اخْتَلَفَ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَوْدَعُ فِيمَا لَوْ قَالَ الْمُودَعُ: اسْتَهْلَكْت الْوَدِيعَةَ بِدُونِ إذْنِي، وَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: أَنْتَ اسْتَهْلَكْتهَا أَوْ اسْتَهْلَكَهَا فُلَانٌ بِأَمْرِك فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَوْدَعِ.
7 - مَسْأَلَةٌ - إذَا أَخَذَ الْحَاكِمُ دَرَاهِمَ مِنْ شَخْصٍ لِأَجْلِ كَرْيِ النَّهْرِ يَعْنِي بِسَبَبِ مَشْرُوعٍ كَالْأَسْبَابِ الْمُحَرَّرَةِ فِي الْمَادَّةِ (1321) وَأَوْدَعَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ عِنْدَ شَخْصٍ وَفُقِدَتْ بِيَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ أَوْدَعَهَا بِذَاتِهِ أَوْ بِاسْمِ كَرْيِ النَّهْرِ تَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْعُمُومِ.
وَإِنْ كَانَ أَوْدَعَهَا بِاسْمِ ذَلِكَ الشَّخْصِ تَعُودُ خَسَارَتُهَا عَلَيْهِ خَاصَّةً (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1460) .
8 - مَسْأَلَةٌ - إذَا كَانَ شَخْصٌ مَدِينًا لِشَخْصٍ آخَرَ بِأَلْفِ قِرْشٍ فَأَعْطَاهُ أَوَّلًا أَلْفَ قِرْشٍ ثُمَّ أَلْفَ قِرْشٍ ثَانِيَةً أَوْ أَعْطَاهُ أَلْفَيْ قِرْشٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً وَقَالَ لَهُ: امْسِكْ أَلْفَ قِرْشٍ مُقَابِلَ دَيْنِك وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْأَلْفُ قِرْشٍ مَثَلًا ثُمَّ هَلَكَتْ الْأَلْفَا قِرْشٍ - عِنْدَ الدَّائِنِ فَتَكُونُ هَلَكَتْ أَمَانَةً.
وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ بِقَوْلِهِ: إنَّ مُدَّةَ الْأَلْفِ قِرْشٍ لِأَجْلِ دَيْنِك فَحَسِبَ أَنَّهُ أَخَذَ أَلْفَ قِرْشٍ مُقَابِلَ مَطْلُوبِهِ وَتَكُونُ الْأَلْفُ قِرْشٍ الْأُخْرَى هَلَكَتْ أَمَانَةً.
(2/267)
وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَفَادُ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ مِنْ ذِكْرِ عَدَمِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ.
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ - وَإِنْ شَرَطَ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ بِصُورَةِ هَلَاكِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 83) .
الْحُكْمُ الثَّانِي - إذَا فُقِدَتْ الْوَدِيعَةُ وَحْدَهَا يَعْنِي بِدُونِ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُسْتَوْدَعِ مَعَهَا وَقِيلَ مَثَلًا: لَوْ سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ لَسُرِقَ مَالُ الْمُسْتَوْدَعِ مَعَهَا فَمَا دَامَ أَنَّ مَالَ الْمُسْتَوْدَعِ لَمْ يُسْرَقْ فَالْوَدِيعَةُ أَيْضًا لَمْ تُسْرَقْ فَلَا يُتَّهَمُ الْمُسْتَوْدَعُ وَلَا يُحْكَمُ بِالضَّمَانِ بِأَقَاوِيلَ كَهَذِهِ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ - سَوَاءٌ أَهَلَكَتْ أَوْ فُقِدَتْ الْوَدِيعَةُ بِسَبَبٍ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ أَوْ غَيْرِ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
(اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 608) . (الْبَحْرُ) .
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: إنَّ الْوَدِيعَةَ فُقِدَتْ وَلَا أَعْلَمُ كَيْفَ فُقِدَتْ، فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ أَمِينٌ. غَيْرَ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: وَضَعْت الْوَدِيعَةَ بِجَانِبِي ثُمَّ نَسِيت وَقُمْت فَحَيْثُ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ عَلَى التَّقْصِيرِ بِالْمُحَافَظَةِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
إلَّا أَنَّهُ إذَا أَوْدَعَ مَالًا بِالْأُجْرَةِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ فَفِي صُورَةِ هَلَاكِهِ أَوْ فِقْدَانِهِ بِسَبَبٍ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ كَالسَّرِقَةِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. وَلَكِنْ إذَا هَلَكَتْ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْفِقْرَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الْمُودِعُ - وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَالَ غَيْرِهِ - أُجْرَةً مُقَابِلَ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ لِلْمُسْتَوْدَعِ صَحَّ ذَلِكَ وَلَزِمَ عَلَى الْمُودِعِ إعْطَاءُ تِلْكَ الْأُجْرَةِ وَتَكُونُ مِنْ قَبِيلِ إجَارَةِ الْآدَمِيِّ.
حَتَّى أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَوْدَعَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ وَاشْتَرَطَ أُجْرَةً مُقَابِلَ الْحِفْظِ صَحَّ ذَلِكَ وَلَزِمَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْغَاصِبِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُسْتَوْدَعِ بِالْأُجْرَةِ: سُؤَالٌ - ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (607) أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمُسْتَأْجَرُ فِيهِ بِيَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذُكِرَ أَيْضًا أَنَّ عَدَمَ لُزُومِ الضَّمَانِ بِفِقْرَةِ (إذَا حَبَسَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهَلَكَ الْمَالُ بِيَدِهِ) فِي الْمَادَّةِ (482) هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامَانِ: إنَّهُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي الْفِقْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فَالْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَدَمِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ فِي الْمَجَلَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَمُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ يَعْنِي يُظَنُّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ السَّالِفَ الْبَيَانِ جَارٍ فِي الْمُسْتَوْدَعِ بِالْأَجِيرِ أَيْضًا وَقَدْ ذُكِرَ جَرَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا أَيْضًا فِي الزَّيْلَعِيّ وَالْهِدَايَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. يَعْنِي ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (607) يَجْرِي أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ إيدَاعِ مَالٍ لِأَجْلِ الْحِفْظِ بِأُجْرَةٍ وَهَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَا أَنَّ الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَدَمِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الْمَذْكُورَةَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيَكُونُ قَبْلَ مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَكُونُ اُخْتِيرَ
(2/268)
مَذْهَبَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ.
الْجَوَابُ - أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ جَارِيًا فِي الْمُسْتَوْدَعِ بِالْأُجْرَةِ فَالْمُسْتَوْدَعُ بِالْأُجْرَةِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي تَهْلِكُ بِشَيْءٍ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُسْتَوْدَعِ بِالْأَجْرِ هُوَ هَذَا.
وَعِنْدَ الْإِمَامَيْنِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ هُوَ الْعَمَلُ وَحِفْظُ الْمُسْتَأْجَرِ فِيهِ وَاجِبٌ تَبَعًا. وَمَا فِي الْمُسْتَوْدَعِ بِالْأُجْرَةِ فَالْحِفْظُ مَقْصُودٌ وَوَاجِبٌ مُقَابِلَ بَدَلٍ. وَلِذَلِكَ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بِالْأُجْرَةِ بِسَبَبٍ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ يَكُونُ ضَامِنًا لَهَا بِالِاتِّفَاقِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ رَجُلٌ حَمَّامًا وَتَرَكَ ثِيَابَهُ عِنْدَ النَّاطُورِ فَسُرِقَتْ مِنْهُ يُنْظَرُ. فَإِنْ كَانَ شَرَطَ لَهُ أُجْرَةً لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ يَكُونُ ضَامِنًا، وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْوَاقِعِ وَإِنْ كَانَ الشَّخْصُ الَّذِي دَخَلَ الْحَمَّامَ سَيُعْطِي أُجْرَةً لِصَاحِبِهِ فَهَذِهِ الْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ انْتِفَاعِهِ بِالْحَمَّامِ وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ مُحَافَظَةِ الثِّيَابِ.
أَمْثِلَةٌ عَلَى عَدَمِ مَضْمُونِيَّةِ الْوَدِيعَةِ:
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ: إذَا وَقَعَتْ السَّاعَةُ الْمُودَعَةُ مِنْ يَدِ شَخْصٍ قَضَاءً يَعْنِي بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَانْكَسَرَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: إذَا وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي حِرْزِ مِثْلِهَا وَقَفَلَ الْمَحِلَّ الْمَذْكُورَ وَأَعْطَى الْمِفْتَاحَ إلَى شَخْصٍ وَبَعْدَ أَنْ ذَهَبَ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ لَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ حُضُورِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
يَعْنِي أَنَّ إعْطَاءَ مِفْتَاحِ الْمَحِلِّ الَّذِي حُفِظَتْ الْوَدِيعَةُ فِيهِ إلَى الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ تَعَدِّيًا أَوْ تَقْصِيرًا.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي صُنْدُوقٍ ثُمَّ وَضَعَ عَلَى الصُّنْدُوقِ إنَاءَ مَاءٍ فَتَقَاطَرَ وَأَفْسَدَ الْوَدِيعَةَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ فُقِدَتْ بِصُنْعِ الْمُسْتَوْدَعِ وَتَعَدِّيهِ أَوْ بِتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ لَزِمَ الضَّمَانُ. كَمَا صَرَّحَ فِي الْمَادَّةِ (787) . مَثَلًا لَوْ وَطِئَ الْمُسْتَوْدَعُ السَّاعَةَ بِقَدَمِهِ أَوْ وَقَعَ عَلَى السَّاعَةِ شَيْءٌ قَضَاءً وَانْكَسَرَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَصَلَ التَّعَدِّي. وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَعْبِيرِ وَطِئَ يَعْنِي مِنْ إسْنَادِ فِعْلِ التَّعَدِّي إلَى الْمُسْتَوْدَعِ أَنَّ لُزُومَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ يَكُونُ فِي صُورَةِ إيقَاعِ الْمُسْتَوْدَعِ التَّعَدِّيَ وَأَمَّا إذَا تَعَدَّى عَلَى الْوَدِيعَةِ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتَعَدِّي فَقَطْ وَصُرِّحَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْمَادَّةِ (778) .
وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ - أَنَّ فِقْرَةَ (وَأَمَّا إذَا وَطِئَ السَّاعَةَ. .. إلَخْ) مُحْتَرَزٌ عَنْهَا بِقَيْدِ (بِدُونِ صُنْعِهِ وَتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي الْحِفْظِ) وَمَعَ أَنَّ مُدَّةَ الْمُحْتَرَزِ عَنْهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَادَّةِ (787) .
1 - سُؤَالٌ - مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَالْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إذَا وَقَعَتْ السَّاعَةُ قَضَاءً وَانْكَسَرَتْ وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِقَدَمِهِ يَلْزَمُهُ فَمَا هُوَ الْفَرْقُ فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ الْجَوَابُ: الْمُسْتَوْدَعُ مَأْذُونٌ بِإِمْسَاكِ السَّاعَةِ وَحِفْظِهَا يَعْنِي أَنَّ الْإِمْسَاكَ حِفْظٌ أَيْضًا وَحَيْثُ إنَّ هَلَاكَ
(2/269)
الْوَدِيعَةِ يَنْتِجُ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مَأْذُونٌ بِهِ أَيْ عَنْ الْإِمْسَاكِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (91) .
وَأَمَّا الْهَلَاكُ الْمُنْدَرِجُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَنْشَأْ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مَأْذُونٌ بِهِ بَلْ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِهِ.
2 - سُؤَالٌ: بَيْنَمَا كَانَ الضَّمَانُ لَازِمًا إذَا وَطِئَ السَّاعَةَ فَلِمَاذَا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إذَا وَطِئَ الْعَارِيَّةُ يَعْنِي كَمَا لَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (813) فِيمَا لَوْ سَقَطَتْ الْمِرْآةُ الْمُسْتَعَارَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ قَضَاءً أَوْ زَلَّتْ رِجْلُهُ وَاصْطَدَمَ بِالْمِرْآةِ فَانْكَسَرَتْ.
وَفِيمَا لَوْ سُكِبَ شَيْءٌ عَلَى الْبِسَاطِ وَتَلَوَّثَ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْوَدِيعَةِ.
يَعْنِي أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْوَدِيعَةِ وَلَا يُوجِبُهُ فِي الْعَارِيَّةُ فَمَا هَذَا الْفَرْقُ؟ الْجَوَابُ: الْمُسْتَعِيرُ مَأْذُونٌ بِهَذَا الْعَمَلِ فِي الْعَارِيَّةُ يَعْنِي حَالَ كَوْنِ الْمُسْتَعِيرِ مَأْذُونًا بِفَرْشِ الْبِسَاطِ وَالْمَشْيِ عَلَيْهِ حَسَبَ الْعَارِيَّةُ مَثَلًا أَمَّا الْمُسْتَوْدَعُ فَلَيْسَ مَأْذُونًا بِدَوْسِ الْوَدِيعَةِ. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ بِمَا أَنَّ الْفِعْلَ الْمُسْتَلْزِمَ الْهَلَاكَ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي الْعَارِيَّةُ فَلَيْسَ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الْوَدِيعَةِ (الْأَشْبَاهُ وَشَرْحُهَا وَتَنْوِيرُ الْأَذْهَانِ) . كَذَلِكَ إذَا أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ أُجْرَةً لِأَجْلِ إيدَاعِ مَالِهِ وَحِفْظِهِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَقَاوَلَ مَعَهُ عَلَى الْأُجْرَةِ ثُمَّ فُقِدَ ذَلِكَ الْمَالُ بِسَبَبٍ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ كَالسَّرِقَةِ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ نَظِيرُ فِقْرَةِ (غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَوْدَعَ لِأَجْلِ الْحِفْظِ بِأُجْرَةٍ) .
وَذَكَرَ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ إذَا كَانَ الْهَلَاكُ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُمْكِنِ التَّحَرُّزِ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ.
وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ مَالُ الْغَيْرِ وَإِنْ هَلَكَتْ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بِلَا تَعَدٍّ يَلْزَمُ الضَّمَانُ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ (أَيْ عَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ أَمَانَةً بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ) إنَّمَا يَجْرِي فِي الصُّورَةِ الَّتِي تَكُونُ الْوَدِيعَةُ مَالَ الْمُودِعِ وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ مَالُ الْغَيْرِ فَكُلٌّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ يَكُونُ مَسْئُولًا. مَثَلًا لَوْ أَوْدَعَ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ شَخْصٍ فَهَلَكَ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ لِلْغَاصِبِ وَلَيْسَ لِهَذَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ بِصِفَتِهِ مَالِكًا بِالضَّمَانِ وَقْتَ الْغَصْبِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ مَالَهُ وَتَكُونُ الْوَدِيعَةُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (777) أَمَانَةً بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ، مَا لَمْ تَهْلِكْ بِشَيْءٍ أَوْقَعَهُ الْمُسْتَوْدَعُ فِيهَا كَالتَّعَدِّي وَالتَّقْصِيرِ.
وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ أَيْضًا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.
وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ لِلْمُسْتَوْدَعِ وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ يَرْجِعُ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى الْمُودِعِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُودِعَ غَاصِبٌ. (رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 658) . وَعَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِجَوَازِ رُجُوعِهِ، وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ بِعَدَمِ جَوَازِهِ.
وَيُبْنَى حَقُّ تَضْمِينِهِ الْغَاصِبَ عَلَى الْمَادَّةِ (891) وَتَضْمِينِهِ الْمُسْتَوْدَعَ يَنْجُمُ مِنْ أَجْلِ أَخْذِهِ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بِدُونِ رِضَا مَالِكِهِ أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
(2/270)
[ (الْمَادَّةُ 778) وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ يَدِ خَادِمِ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَتَلِفَتْ]
(الْمَادَّةُ 778) إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ يَدِ خَادِمِ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَتَلِفَتْ يَكُونُ الْخَادِمُ ضَامِنًا.
إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا وَجَلَبَ لَهَا نُقْصَانًا يَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ وَالْمُتَعَدِّي وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْفِعْلِ يُضَافُ إلَى فَاعِلِهِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (89) . رَاجِعْ الْمَادَّةَ (912) .
سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَهْلِكُ وَالْمُتَعَدِّي صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا أَمْ كَانَ ضَمَّنَ غَيْرَ الْمُسْتَوْدَعِ أَمْ أَجْنَبِيًّا. الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ مُتَّفِقُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الصَّغِيرِ الْمُسْتَهْلِكِ وَالْمُتَعَدِّي وَلَا يَجْرِي الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (776) هُنَا. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ الْمُسْتَهْلِكِ وَالْمُتَعَدِّي مَالٌ يُنْتَظَرُ إلَى حِينِ يُسْرِهِ. وَإِلَّا لَا يَضْمَنُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ بِسَبَبِ فِعْلِ الصَّغِيرِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (916) .
مَثَلًا إذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ يَدِ خَادِمِ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ الْخَادِمُ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا اسْتَهْلَكَ أَجْنَبِيٌّ الْوَدِيعَةَ يَكُونُ ضَامِنًا وَحَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَكُونُ خَصْمًا لِلْمُسْتَهْلِكِ فِي هَذَا لَهُ أَنْ يَطْلُبَ بَدَلَهَا وَيَدَّعِيَهُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1637) .
وَفِقْرَةُ (وَكَذَلِكَ إذَا خَلَطَ شَخْصٌ غَيْرَ الْمُسْتَوْدَعِ الذَّهَبَاتِ الْمَذْكُورَةَ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ ضَامِنًا) الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَادَّةِ (787) فَرْعٌ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ.
فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ السَّابِقَةِ أَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ مِنْ قَبِيلِ الْمِثَالِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْعُمُومِيَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ شَرْحًا وَكَانَ إتْيَانُهَا مِثَالًا مُنَاسِبًا.
[ (الْمَادَّةُ 779) فِعْلُ مَا لَا يَرْضَاهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ فِي حَقِّ الْوَدِيعَةِ]
(الْمَادَّةُ 779) :
فِعْلُ مَا لَا يَرْضَاهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ فِي حَقِّ الْوَدِيعَةِ تَعَدٍّ.
فِعْلُ مَا لَا يَرْضَاهُ الْمُودِعُ وَلَا يُجَوِّزُهُ الشَّرْعُ فِي حَقِّ الْوَدِيعَةِ تَعَدٍّ (الْعِنَايَةُ) . فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ تَعْرِيفُ التَّعَدِّي الَّذِي يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ التَّعَدِّيَ غَيْرُ التَّقْصِيرِ وَهُوَ فِعْلُ الْمُسْتَوْدَعِ الْمَخْصُوصُ. يَعْنِي أَنَّ التَّعَدِّيَ فِعْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَهُوَ أَشْيَاءُ كَإِتْلَافِ الْوَدِيعَةِ وَإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ لِغَيْرِ أَمِينِهِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَإِيدَاعِ الْوَدِيعَةِ إلَى آخَرَ أَوْ اسْتِعْمَالِهَا وَوَطْءِ السَّاعَةِ الْمُودَعَةِ قَضَاءً وَإِسْقَاطِ شَيْءٍ قَضَاءً عَلَى السَّاعَةِ.
وَأَمَّا التَّقْصِيرُ فَهُوَ مِثْلُ عَدَمِ مَنْعِ السَّارِقِ أَثْنَاءَ سَرِقَةِ الْوَدِيعَةِ مَعَ وُجُودِ الِاقْتِدَارِ عَلَى ذَلِكَ وَحِفْظِ الْوَدِيعَةِ فِي مَحِلٍّ لَيْسَ مِنْ الْمُعْتَادِ حِفْظُهَا فِيهِ.
فَبِنَاءً عَلَيْهِ فِي الْمَادَّةِ (787) . عُطِفَ التَّقْصِيرُ عَلَى التَّعَدِّي.
فَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْمُسْتَوْدَعِ لِلْمُودِعِ (كُنْت وَهَبْتنِي أَوْ بِعْتنِي الْوَدِيعَةَ) وَانْكِسَارُ الْمُودَعِ لَيْسَ تَعَدِّيًا وَإِذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لَا يَلْزَمُ ضَمَانُهَا (الْبَحْرُ) . إلَّا إذَا امْتَنَعَ الْمُسْتَوْدَعُ عَنْ إعَادَةِ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ أَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ وَهَلَكَتْ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (794) .
(2/271)
كَمَا لَوْ أَوْدَعَ كِيسًا مَرْبُوطًا وَصُنْدُوقًا مُقْفَلًا وَفَتَحَهُمَا الْمُسْتَوْدَعُ وَضَاعَا دُونَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئًا فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. يَعْنِي أَنَّ الْفَتْحَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ تَعَدِّيًا أَوْ تَقْصِيرًا.
وَنَظَرًا لِلُزُومِ دُخُولِ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي الْمَادَّةِ (784) فِي التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ يَعْنِي حَيْثُ إنَّهُ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ مُخَالَفَةٍ لِأَحَدِ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ تَعَدِّيًا وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ لَنْ يَكُونَ مَانِعًا لِغَيْرِهِ فَدَفْعًا لِلْإِشْكَالِ زِيدَ قَيْدُ (وَلَا يُجَوِّزُ الشَّرْعُ) شَرْحًا: مَثَلًا لَوْ خَالَفَ الْمُسْتَوْدَعُ الشَّرْطَ الَّذِي شَرَطَهُ الْمُودِعُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مُمْكِنَ الْإِجْرَاءِ وَمُقَيَّدًا فَذَلِكَ لَيْسَ تَعَدِّيًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُودِعُ رَاضِيًا بِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُخَالَفَةَ جَائِزَةٌ شَرْعًا.
بَعْضُ الْمَسَائِلِ الْمَعْدُودَةِ وَغَيْرُ الْمَعْدُودَةِ تَعَدِّيًا وَتَقْصِيرًا: 1 مَسْأَلَةُ - أَنَّ دَفْعَ الْوَدِيعَةِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ إلَى مَنْ لَيْسَ أَمِينًا كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (780) تَعَدٍّ فَحِفْظُ شَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَأْتَمِنْهُ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ الْوَدِيعَةَ فِي مَحِلِّ حِفْظِ مَالِ نَفْسِهِ فِيهِ تَقْصِيرٌ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (781) .
2 - مَسْأَلَةُ - عِنْدَ ذَهَابِ الْمُسْتَوْدَعِ إلَى سَفَرٍ فَأَخْذُهُ الْوَدِيعَةَ مَعَهُ حَالٍ كَوْنِ الطَّرِيقِ غَيْرَ أَمِينٍ تَعَدٍّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (781) .
3 - مَسْأَلَةُ - كَمَا أَنَّ الْعَمَلَ خِلَافَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَادَّةِ (784) وَالْفِقْرَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (783) تَعَدٍّ فَالْفِقْرَاتُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَوَادِّ (788، 790، 792) وَالْفِقْرَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ الْمَادَّتَيْنِ (793 و 794) تَعَدٍّ أَيْضًا.
4 - مَسْأَلَةُ - كَمَا أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (796) تَعَدٍّ فَالْفِقْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَادَّةِ (799) الْوَدِيعَةُ أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (801) تَعَدٍّ أَيْضًا.
5 - مَسْأَلَةُ - كَمَا أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَضْمَنُ إذَا قَالَ أَنَّهُ وَضَعَ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةً فِي مَحِلٍّ غَيْرِ بَيْتِهِ وَبَعْدَ أَنْ جَلَسَ وَقَامَ نَسِيَهَا وَيَضْمَنُ الدَّلَّالُ إذَا قَالَ: إنَّهُ وَضَعَ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لِأَجْلِ بَيْعِهِ فِي دُكَّانٍ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ فِي أَيِّ دُكَّانٍ وَضَعَهُ.
6 - مَسْأَلَةُ - إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إنْ كَانَ وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي دَارِهِ أَوْ فِي دَارِ أُخْرَى يَضْمَنُ (الْهِنْدِيَّةُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
7 - مَسْأَلَةُ - إذَا أَعْطَى شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ ثِيَابًا كَيْ يَدَعَهَا عِنْدَ الْخَيَّاطِ فَأَعْطَى الْخَيَّاطُ إيَّاهَا وَنَسِيَ الْخَيَّاطُ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهَا فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَإِذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: لَا أَعْلَمُ إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فُقِدَتْ أَمْ لَا، لَا يَضْمَنُ وَلَكِنَّهُ إنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ إنْ كُنْت أَضَعْتهَا أَمْ لَا فَقَوْلُ هَذَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا ذُكِرَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ.
8 - مَسْأَلَةُ - إنْكَارِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ حِينَ طَلَبِ الْمُودِعُ وَنَقْلِهِ الْوَدِيعَةَ الْمَنْقُولَةَ فِي حَالٍ إنْكَارِهِ مِنْ مَحِلِّهَا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ تَعَدٍّ؛ لِأَنَّ إنْكَارَ الْمُودِعِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ وَحَيْثُ إنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ يَنْفَسِخُ بِهِ فَلَا يَعُودُ
(2/272)
بِدُونِ عَقْدٍ جَدِيدٍ (الْبَحْرُ) .
وَكَوْنُ إنْكَارِ الْوَدِيعَةِ تَعَدِّيًا مُقَيَّدٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ.
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْكَارُ تِجَاهَ الْمُودِعِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَإِنْكَارُهُ تِجَاهَ غَيْرِ الْمُودِعِ لَيْسَ تَعَدِّيًا.
بَلْ لَرُبَّمَا كَانَ حِفْظًا كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهَا مِنْ مَحِلِّهَا حَالَ جُحُودِهِ أَوْ كَانَتْ عَقَارًا وَكَانَ نَقَلَهَا غَيْرَ قَابِلٍ فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ الضَّمَانُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَكِنَّهُ لَازِمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ (الْبَحْرُ) .
مَثَلًا لَوْ سَأَلَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ قَائِلًا: هَلْ لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ عِنْدَك؟ فَأَجَابَهُ الْمُسْتَوْدَعُ سَلْبًا، لَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَعَدِّيًا بَلْ لَرُبَّمَا كَانَ مُحَافَظَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ مِنْ سُوءِ قَصْدِ السَّائِلِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْكَارُ حِينَمَا يَطْلُبُهَا الْمُودِعُ بِقَصْدِ أَخْذِهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ السُّؤَالِ عَنْ الْوَدِيعَةِ لِأَجْلِ تَذْكِيرِ الْمُسْتَوْدَعِ بِالْمُحَافَظَةِ وَشُكْرِهِ فَجَوَابُ الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ، لَا يُعَدُّ جُحُودًا وَإِنْكَارًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ (الْبَحْرُ) . وَسَنَزِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَفْصِيلًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (787) .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ إنْكَارُ الْمُسْتَوْدَعِ مَبْنِيًّا عَلَى سَبَبٍ شَرْعِيٍّ.
فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَدُوٌّ مَوْجُودًا عِنْدَ طَلَبِ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةَ وَكَانَ يَخَافُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَهَا جَبْرًا لَدَى الْإِقْرَارِ بِهَا فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَوْ أَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ وَهَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ قَصَدَ الْحِفْظَ بِهَذَا الْإِنْكَارِ (الْبَحْرُ) .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: يَجِبُ أَنْ لَا يُحْضِرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَحْضَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَهَا وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهَا لِلْمُودِعِ قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُسْتَوْدَعِ: (فَلْتَبْقَ الْوَدِيعَةُ بِيَدِك) ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ تِلْكَ الْوَدِيعَةُ مَعَ أَنَّ الْمُودِعَ كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى أَخْذِهَا فِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ إيدَاعًا جَدِيدًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُودِعُ مُقْتَدِرًا عَلَى أَخْذِ الْوَدِيعَةِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ لَا يَخْلُصُ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَالْإِعَارَةَ لَمْ يَتِمَّا بَعْدُ.
9 - مَسْأَلَةُ - إذَا دَلَّ الْمُسْتَوْدَعُ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَسَرَقَهَا السَّارِقُ الْمَرْقُومُ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. وَلَكِنْ بَعْدَ الدَّلَالَةِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ إذَا مَنَعَ السَّارِقَ أَثْنَاءَ السَّرِقَةِ وَأَخَذَهَا السَّارِقُ جَبْرًا وَقَهْرًا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ أَيْضًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
10 - مَسْأَلَةُ - إنَّ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ يُعْتَبَرَانِ فِي كَوْنِ بَعْضِ الْمُعَامَلَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ فِي الْوَدِيعَةِ تَعَدِّيًا أَمْ لَا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (36) .
مَثَلًا لَوْ رَبَطَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَيَوَانَ فِي مَحِلٍّ يُعَدُّ رَبْطُهُ إيَّاهُ فِيهِ تَعَدِّيًا عُرْفًا فَهَلَكَ بَعْدَ أَنْ بَعُدَ عَنْ نَظَرِهِ يَضْمَنُ.
كَمَا لَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي بِيَدِهِ فِي دُكَّانٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ أَوْ شَدَّ شَبَكَتَهُ عَلَى بَابِ الدُّكَّانِ وَتَرَكَهَا وَبَعْدَ أَنْ ذَهَبَ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ لِأَجْلِ شَغْلِهِ هَلَكَتْ فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ هَكَذَا يَعْنِي أَنْ يُتْرَكَ بَابُ الدُّكَّانِ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ أَمْتِعَةٌ مَفْتُوحًا مَعَ عَدَمِ وُجُودِ حَارِسٍ لَهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَكُونُ فِي هَذَا
(2/273)
حَفِظَ الْوَدِيعَةَ بِجِيرَانِهِ كَمَا حَافَظَ عَلَى أَمْوَالِهِ وَلَا يَكُونُ قَصْدُ الْإِيدَاعِ لِلْجِيرَانِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْمَادَّةِ (790) . وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ كَذَلِكَ يَضْمَنُ. وَتَرْكُ صَبِيٍّ غَيْرِ مُقْتَدِرٍ عَلَى الْمُحَافَظَةِ فِي الدُّكَّانِ كَتَرْكِهِ خَالِيًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ إذَا وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي غُرْفَةٍ مِنْ غُرَفِ خَانٍ وَاكْتَفَى بِسَدِّ بَابِهِ وَلَمْ يُقْفِلْهُ بِالْمِفْتَاحِ وَسُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ فَإِنْ كَانَ قَفْلُ الْبَابِ فَقَطْ فِي مَوَاضِعَ كَهَذِهِ يُعَدُّ تَوْثِيقًا وَحِفْظًا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا مِنْ الْإِغْفَالِ وَالتَّضْيِيعِ يَكُونُ الضَّمَانُ لَازِمًا.
11 - مَسْأَلَةُ - حَيْثُ إنَّ إطْلَاقَ الْبَقَرِ الْوَدِيعَةِ بِلَا إذْنٍ فِي الصَّحْرَاءِ مَعْدُودٌ مِنْ التَّعَدِّي فَإِذَا فُقِدَتْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ أَتْلَفَهَا الذِّئْبُ يَضْمَنُهَا الْمُسْتَوْدَعُ. وَلَكِنْ إذَا هَلَكَ الْحَيَوَانُ الْمَذْكُورُ حَتْفَ أَنْفِهِ فِي الصَّحْرَاءِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فَبَعْضُهُمْ قَالَ بِالضَّمَانِ وَبَعْضُهُمْ بِعَدَمِهِ.
12 - مَسْأَلَةُ - فَتْحِ الْقَفَصِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَدِيعَةٌ وَفَتْحُ بَابِ الْإِصْطَبْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ الْحَيَوَانُ الْمُودَعُ تَعَدٍّ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا فَتَحَهُ الْمُسْتَوْدَعُ وَهَرَبَ الطَّيْرُ وَالْحَيَوَانُ مِنْهُ يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَهَرَبَ عِنْدَ فَتْحِ الْبَابِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ.
13 - مَسْأَلَةُ - إذَا أَعْطَى الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ شَخْصًا آخَرَ بِالْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ يَكُونُ تَعَدِّيًا. وَأَمَّا إعْطَاؤُهُ بِنَاءً عَلَى الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ فَلَيْسَ تَعَدِّيًا.
رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1007) . بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَكْرَهَ شَخْصٌ الْمُسْتَوْدَعَ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ تُعْطِنِي الْوَدِيعَةَ أَسْجُنُك شَهْرًا فَأَعْطَاهُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِنَاءً عَلَى هَذَا يَضْمَنُ. وَلَكِنْ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِلْمُسْتَوْدَعِ: إنْ لَمْ تُعْطِنِي هَذِهِ الْوَدِيعَةَ أَقْتُلُك أَوْ أَقْطَعُ كَذَا عُضْوَك فَأَعْطَاهُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ الْمَذْكُورَةَ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُجْبِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ لِوُقُوعِ الْإِكْرَاهِ مُسْتَجْمِعًا شُرُوطَهُ وَعُدَّ التَّهْدِيدُ بِإِتْلَافِ كُلِّ الْمَالِ يَعْنِي بِإِتْلَافِ جَمِيعِ مَالِ الْمُسْتَوْدَعِ بِحَيْثُ لَنْ يَبْقَى قَدْرُ كِفَايَةٍ مِنْهُ إكْرَاهًا مُلْجِئًا. وَعُدَّ التَّهْدِيدُ بِإِتْلَافِ بَعْضِ الْمَالِ أَيْ بِحَيْثُ إنْ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ كِفَايَةٍ لِلْمُسْتَوْدَعِ إكْرَاهًا غَيْرَ مُلْجِئٍ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ كُلِّ الْمَالِ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ. وَلَكِنْ إذَا كَانَ التَّهْدِيدُ بِصُورَةِ إتْلَافِ مَا بَقِيَ بَعْدَ أَنْ تَرَكَ لَهُ قُوتًا كَافِيًا لَا يُعْتَبَرُ. وَهَلْ الْمَقْصُودُ مِنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ كِفَايَةُ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ الْعُمْرِ الْغَالِبِ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كِفَايَةُ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ. (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
4 - 1 مَسْأَلَةُ - كَمَا أَنَّ دَفْنَ النُّقُودِ فِي الْمَفَازَةِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ تَعَدٍّ، فَبَيْعُ الْوَدِيعَةِ وَتَسْلِيمُهَا آخَرَ أَيْضًا تَعَدٍّ. وَأَمَّا إذَا بِيعَتْ فَقَطْ وَلَمْ تُسَلَّمْ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَعَدِّيًا.
فَلِذَلِكَ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ: بِعْت الْوَدِيعَةَ وَقَبَضْت ثَمَنَهَا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: بِعْتهَا لِآخَرَ وَسَلَّمْته إيَّاهَا يُوجِبُ الضَّمَانَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (790) .
15 - مَسْأَلَةُ - مُعَالَجَةِ الْحَيَوَانِ الْمُودَعِ تَعَدٍّ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَمَرَ الْمُسْتَوْدَعُ شَخْصًا بِمُعَالَجَةِ الْحَيَوَانِ الْمُودَعِ فَتَلِفَ الْحَيَوَانُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ. كَمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّخْصَ أَيْضًا. عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْمُسْتَوْدَعَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ الرُّجُوعُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ.
وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْمُعَالِجَ وَلِهَذَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ إنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّ الْحَيَوَانَ مِلْكَ الْمُسْتَوْدَعِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (658) .
(2/274)
مَسْأَلَةُ - إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: كُنْت وَضَعْت الْوَدِيعَةَ فِي مَحِلٍّ وَلَا أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعْتهَا وَقَدْ نَسِيت يَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَالَ: وَضَعْت الدَّرَاهِمَ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِي وَبِوَقْتِهَا فَقَدْتهَا، يَضْمَنُ أَيْضًا.
17 - مَسْأَلَةُ - إذَا وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِجَانِبِهِ وَاتَّكَأَ وَنَامَ فَسُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ يَضْمَنُ. مَا لَمْ يُحَصِّلْ هَذَا الْمَالَ فِي السَّفَرِ. فَلَا يَضْمَنُ إذْ ذَاكَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَّكِئْ وَتَنَاوَلَ فِي مَحِلِّهِ وَفُقِدَتْ لَا يَضْمَنُ.
18 - مَسْأَلَةُ - إذَا نَزَعَ الْمُسْتَوْدَعُ ثِيَابَهُ وَوَضَعَهَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَلَمَّا غَطَسَ وَغَابَتْ الْوَدِيعَةُ عَنْ نَظَرِهِ سُرِقَتْ تِلْكَ الْوَدِيعَةُ يَضْمَنُهَا كَمَا أَنَّهُ إذَا نَسِيَهَا هُنَاكَ وَفُقِدَتْ يَضْمَنُهَا أَيْضًا.
[ (الْمَادَّةُ 780) حِفْظُ الْمُسْتَوْدَع الْوَدِيعَة]
(الْمَادَّةُ 780) :
يَحْفَظُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مِثْلَ مَالِهِ بِالذَّاتِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ. وَإِذَا هَلَكَتْ أَوْ فُقِدَتْ عِنْدَ أَمِينِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا عَلَى الْأَمِينِ.
يَحْفَظُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ (يَعْنِي لَمْ تُقَيَّدْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ 784) مِثْلَ مَالِهِ يَعْنِي كَمَا أَنَّهُ يَحْفَظُ مَالَهُ بِالذَّاتِ أَوْ بِمَعْرِفَةِ أَمِينِهِ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ أَيْضًا أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ أَيْ بِوَاسِطَةِ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَى مَالِهِ وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ وَمُقْتَدِرٌ عَلَى الْحِفْظِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُودِعُ نَهَى عَنْ إعْطَائِهَا الْأَمِينَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمُودِعُ مَجْبُورًا عَلَى ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ النَّهْيُ وَتُعْطَى لَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَجْبُورًا يُعْتَبَرُ النَّهْيُ وَلَا تُعْطَى. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (784) . وَكَمَا أَنَّ الْأَمِينَ يَحْفَظُهَا بِالذَّاتِ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا أَيْضًا بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ (الْبَحْرُ) .
فِقْرَةُ (أَوْ) مَعْطُوفَةٌ عَلَى كَلِمَةِ (بِالذَّاتِ) . يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ مَالَ نَفْسِهِ بِالذَّاتِ وَبِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ أَيْضًا بِالذَّاتِ أَوْ بِمَعْرِفَةِ أَمِينِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. فَإِذَا ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ وَهُوَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا بِهَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ مَسْئُولًا وَلَا ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ كَمَا حَفِظَ مَالَ نَفْسِهِ وَجَعَلَ الْوَدِيعَةَ بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ شَيْءٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ تَرْكَ الْحِفْظِ بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ. وَأَمَّا تَرْكُ الْحِفْظِ بِعُذْرٍ لَا يَسْتَلْزِمُ الضَّمَانَ. كَمَا لَوْ سَلَّمَ شَخْصٌ أَمْتِعَتَهُ وَحِمَارَهُ الْمُحَمَّلَ إلَى رَجُلٍ ذَاهِبٍ إلَى مَحِلٍّ مَعَ بِغَالِهِ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُسَلِّمَهَا لِفُلَانٍ فِي الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَمَا هُوَ سَائِرٌ وَقَعَ بَغْلُهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِهِ هَرَبَ الْحِمَارُ الْحَامِلُ الْوَدِيعَةَ وَفُقِدَ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بَغْلَهُ وَأَمْوَالَهُ تَضِيعُ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِهِ إيَّاهَا وَانْصِرَافِهِ وَرَاءَ الْحِمَارِ الْمَفْقُودِ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْحِمَارِ وَالْأَمْتِعَةِ. كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (609) وَشَرْحِهَا وَالْحُكْمُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.
وَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَجَلَّةِ (يَحْفَظُهَا بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ) أَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَدْفَعَهَا لِأَمِينِهِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَأَمَّا إذَا طَلَبَهَا الْأَمِينُ كَيْ يَصْرِفَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَأَعْطَاهُ إيَّاهَا الْمُسْتَوْدَعُ يَضْمَنُهَا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
هَلْ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَتَقَاضَى أُجْرَةً لِأَجْلِ الْحِفْظِ بِلَا مُقَاوَلَةٍ؟ .
لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَطْلُبَ أُجْرَةَ هَذَا الْحِفْظِ. إلَّا إذَا كَانَتْ مُقَاوَلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِمَنْ يَعْمَلُ لِأَجْلِ الْغَيْرِ أَمَانَةً. مَا لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا وَنَاظِرًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
(2/275)
وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بِيَدِهِ أَوْ ضَيَاعِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (777) لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَمِينِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ فُقِدَتْ بِيَدِ الْأَمِينِ الْمَذْكُورِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّتَيْنِ (91 و 777) .
مَثَلًا إذَا غَسَلَ غَسَّالٌ الثِّيَابَ وَعَلَّقَهَا فِي دُكَّانِهِ ثُمَّ تَرَكَ ابْنَ أَخِيهِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَذَهَبَ فَسُرِقَتْ الثِّيَابُ مِنْ الدُّكَّانِ حِينَمَا نَزَلَ مَثَلًا ابْنُ الْأَخِ إلَى سِرْدَابِ الدُّكَّانِ فَإِنْ كَانَ ابْنُ الْأَخِ أَجِيرَ الْغَسَّالِ وَتِلْمِيذَهُ وَكَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا مَأْذُونًا يُنْظَرُ: فَإِذَا كَانَتْ الثِّيَابُ فِي حَالَةِ أَنَّهَا تُرَى مِنْ السِّرْدَابِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى ابْنِ الْأَخِ وَلَا عَلَى الْغَسَّالِ. وَعَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَسَّالِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ حَفِظَ الثِّيَابَ بِأَمِينِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَبِأَمِينِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَتْهُ الْمَجَلَّةُ كَمَا أَنَّ عَدَمَ تَرَتُّبِ الضَّمَانِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ نَشَأَ عَنْ أَنَّهُ يَرَى الثِّيَابَ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ وَلَمْ يَتْرُكْ الْحِفْظَ. وَإِذَا كَانَتْ الثِّيَابُ لَا تُرَى مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى ابْنِ الْأَخِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَسَّالِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مَحْجُورًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ لَا يُؤَاخَذُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ وَتَضْيِيعِ الْوَدِيعَةِ (جَامِعُ أَحْكَامِ الصِّغَارِ) وَقَدْ مَرَّ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (776) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَمِينِ وَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَارَتْهُ الْمَجَلَّةُ: هَلْ إنَّ وُجُودَ هَذَا الْأَمِينِ فِي عِيَالِ الْمُسْتَوْدَعِ شَرْطُ؟ .
بَيَانِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ وُجُودَ هَذَا الْأَمِينِ فِي عِيَالِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ فِي مَنْزِلَةِ عِيَالِهِ شَرْطٌ.
مِثَالٌ عَلَى الِابْنِ فِي عِيَالِ أَبِيهِ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ ابْنِهِ الْأَمِينِ الْبَالِغِ أَوْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ الْمَوْجُودِ فِي عِيَالِهِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَعْطَى الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ ابْنَهُ الْمَوْجُودَ فِي عِيَالِهِ وَالْغَائِبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَيَّنَ الْبَلَدَ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَادَّعَى ابْنُهُ أَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَى ذَاكَ الشَّخْصِ الْحَاضِرِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ بِأَنَّهُ أَعْطَاهَا الِابْنَ الْمَرْقُومَ لِذَاكَ الشَّخْصِ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ.
وَكَأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَجْعَلُ الِابْنَ الْمَرْقُومَ مَحِلَّهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالْبَحْرُ) .
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّهُ أَعْطَى الْوَدِيعَةَ أَمِينَهُ ابْنَهُ ذَاكَ الْمَوْجُودَ فِي عِيَالِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ الِابْنُ تُوُفِّيَ وَكَانَ الْأَبُ وَارِثًا لَهُ تُضْمَنُ الْوَدِيعَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ.
مِثَالٌ عَلَى مَنْزِلَةِ عِيَالٍ: إذَا آجَرَ شَخْصٌ غُرْفَةً مِنْ غُرَفِ بَيْتِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَسَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَى هَذَا الْمُسْتَأْجِرِ يُنْظَرُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ مَفَاتِيحُ عَلَى حِدَةٍ وَكَانَ يَدْخُلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَا مَانِعٍ إلَى مَحِلِّ إقَامَةِ الْآخَرِ كَانَ الضَّمَانُ غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُسْتَأْجِرَ فِي مَنْزِلَةِ عِيَالِ الْمُسْتَوْدَعِ.
وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِفْتَاحٌ عَلَى حِدَةٍ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُسْتَأْجِرَ لَيْسَ فِي عِيَالِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا فِي مَنْزِلَةِ عِيَالِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَنَظَرًا لِقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: هَذَا إذَا دَفَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ لِشَخْصٍ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ عِنْدَ هَلَاكِهَا وَإِنْ كَانَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ أَمِينَهُ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (272) بِخُصُوصِ تَعْرِيفِ الْعِيَالِ.
(2/276)
وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَتَى حَفِظَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ شَخْصٍ أَمِينٍ لَهُ يَجُوزُ هَذَا الْحِفْظُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْأَمِينُ فِي عِيَالِهِ وَنَظَرًا لِهَذَا الْقَوْلِ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ الْأَمِينِ وَشَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا، وَالْحَاصِلُ بِوَاسِطَةِ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَى حِفْظِ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مَثَلًا فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ كَحِفْظِ الْمُسْتَوْدَعِ مَالَ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. وَكَمَا أَنَّ الْفَتْوَى هِيَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَبِمَا أَنَّهُ أَفْتَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى الْمُسَمَّاةِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي يَظْهَرُ مِنْ إتْيَانِ لَفْظِ أَمِينٍ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ وَقَعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا يُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ عِبَارَةِ (أَوْ لِلشَّخْصِ الَّذِي اعْتَادَ حِفْظَ مَالِ نَفْسِهِ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَادَّةِ (874) وَمِنْ قَوْلِهِ: (يَحْفَظُ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِالذَّاتِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ كَخَادِمِهِ أَوْ شَرِيكِهِ أَوْ عِيَالِهِ) فِي الْمَادَّةِ (722) ؛ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ الضَّمَانُ مِنْ أَجْلِهِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ لِسَبَبِهِ أَيْضًا. أَمَّا كُلُّ فِعْلٍ لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ الضَّمَانُ مِنْ أَجْلِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ لِسَبَبِهِ أَيْضًا. وَلَكِنَّ الْوَدِيعَةَ إذَا هَلَكَتْ لَا تُضْمَنُ (الزَّيْلَعِيّ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) وَأَمَّا الْمَرْهُونُ إذَا هَلَكَ يُضْمَنُ بِغَيْرِهِ.
الْحِفْظُ بِوَاسِطَةِ غَيْرِ الْأَمِينِ: نَظَرًا لِلْقَوْلَيْنِ السَّالِفِي الْبَيَانِ يُشْتَرَطُ لِحِفْظِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ عِيَالِهِ أَنْ تَكُونَ الْعِيَالُ أُمَنَاءَ وَأَشَارَتْ الْمَجَلَّةُ إلَى هَذَا بِلَفْظِ أَمِينٍ. بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ بِوَاسِطَةِ شَخْصٍ غَيْرِ أَمِينٍ وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِ الْمُسْتَوْدَعِ.
أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ فِي الْأَمِينِ: الْحَاصِلُ فِي الْأَمِينِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ.
الْمُسْتَوْدَعُ الَّذِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ: (1) إمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ شَخْصٌ أَمِينٌ.
(2) أَوْ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ أَلْبَتَّةَ.
(3) أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَمِينٍ.
وَلَهُ أَنْ يُودِعَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَهُ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ.
وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لَهُ أَنْ يُودِعَهُ أَيْضًا وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ (الطَّحْطَاوِيُّ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ إنْ كَانَ لِشَخْصٍ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِوَاسِطَةِ زَوْجَتِهِ الْأَمِينَةِ السَّاكِنَةِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِوَاسِطَةِ زَوْجَتِهِ غَيْرِ الْأَمِينَةِ.
كَمَا أَنَّهُ نَظَرًا لِقَوْلِ الثَّانِي لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِوَاسِطَةِ شَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً، وَحَيْثُ إنَّ هَذَا مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ الشَّرِيكِ أَمِينًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا إنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ.
حَتَّى أَنَّهُ إذَا حَفِظَهَا بِوَاسِطَةِ الشَّرِيكِ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ بِيَدِ الشَّرِيكِ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا.
وَبِمَا أَنَّ فَائِدَةَ قَيْدِ (بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ) سَتُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ الْمَادَّةِ (790) فَلْتُرَاجِعْ.
الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَمِينِ: يَظْهَرُ مِنْ التَّقْرِيرِ الْمَشْرُوحِ أَنَّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمَارِّ ذِكْرُهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَخَصُّ مُطْلَقًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَعَمُّ مُطْلَقًا فَحِينَمَا يَكُونُ إيدَاعُ الْمُسْتَوْدَعِ لِغَيْرِهِ وَحِفْظُهُ بِوَاسِطَتِهِ صَحِيحًا يَكُونُ صَحِيحًا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَيْضًا.
الْحُكْمُ فِي الْحِفْظِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِ الْأَمِينِ، إذَا حَفِظَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَمِينٍ وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ الْوَدِيعَةُ فَالْمُودِعُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَوْدَعَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ ذَلِكَ الشَّخْصَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (790) . أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَا يَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ
(2/277)
الْوَدِيعَةِ بِيَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ. وَلَكِنْ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ فِي أَيِّ حَالٍ.
الْفَرْقُ بَيْنَ الْحِفْظِ عِنْدَ الْأَمِينِ وَالْإِيدَاعِ لِلْغَيْرِ: إذَا حَفِظَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ الْأَمِينِ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ يَكُونُ كَأَنَّهُ أَوْدَعَهَا لَهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (790) أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ لِآخَرَ فَيَحْصُلُ بِنَاءً عَلَى هَذَا تَنَافٍ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَادَّتَيْنِ فَيُجَابُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَادَّةَ (790) مُقَيَّدَةٌ بِهَذِهِ الْمَادَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ عِنْدَ آخَرَ مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ أَمِينِهِ فَقَطْ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَعَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
[ (الْمَادَّةُ 781) لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ حَيْثُ يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ]
لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ حَيْثُ يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ الْمُمَاثِلِ لِلْوَدِيعَةِ.
مَكَانُ الْحِفْظِ: يَظْهَرُ مِنْ تَعْبِيرِ (حَيْثُ يَحْفَظُ) أَنَّ مَحِلَّ الْحِفْظِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْجُورَ وَالْمُسْتَعَارَ أَيْضًا. فَعَلَيْهِ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ فِي بَيْتِهِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ وَفِي غُرْفَتِهِ وَفِي دُكَّانِهِ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَوْ يَسْتَعِيرَ مَحِلًّا مُعَيَّنًا وَيَحْفَظَهَا فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَوْدَعِ مَالٌ هُنَالِكَ.
وَكَمَا أَنَّهُ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَضَعَ الدَّرَاهِمَ الْمَوْدُوعَةَ فِي جَيْبِهِ. حَتَّى إنَّهُ إذَا وَضَعَهَا فِي جَيْبِهِ وَحَضَرَ إلَى مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَسُرِقَتْ هُنَاكَ أَوْ ضَاعَتْ بِصُورَةٍ أُخْرَى لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ مَالَهُ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ وَاسْتَعَارَهُ وَأَنْ يَضَعَ دَرَاهِمَهُ فِي جَيْبِهِ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ أَيْضًا.
وَإِنَّمَا إذَا سَكِرَ الْمُسْتَوْدَعُ وَزَالَ عَقْلُهُ وَفُقِدَتْ الدَّرَاهِمُ فَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى لُزُومِ الضَّمَانِ.
وَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي حَفِظَ شَخْصٌ آخَرُ مَالَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ مَالَهُ الَّذِي لَيْسَ مُمَاثِلًا لِلْوَدِيعَةِ عَلَى مَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ شَخْصٌ آخَرُ مَالَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ وَإِنَّمَا هُوَ بِيَدِ الشَّخْصِ الْمَرْقُومِ فَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَضْعُهُ الْوَدِيعَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَلَّمَهَا لِلْغَيْرِ أَيْ لِشَخْصٍ لَيْسَ أَمِينًا وَهَذَا بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (790) مُسْتَلْزِمٌ لِلضَّمَانِ (الْبَحْرُ) .
فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ يُبْحَثُ عَنْ مَحِلِّ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ.
يُشْتَرَطُ فِي مَحِلِّ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا مَحْفُوظًا.
حَتَّى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ شَخْصٌ الْوَدِيعَةَ فِي دَارٍ مَكْشُوفَةِ الْأَطْرَافِ غَيْرِ مُحَاطَةٍ بِحَائِطٍ وَغُرَفُهَا عَارِيَّةٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَخَرَجَ مِنْهَا وَذَهَبَ وَقْتُ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ. وَقَدْ سُئِلْت عَنْ خَيَّاطَةٍ فِي دَارٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ خَرَجَتْ مِنْهَا هِيَ وَزَوْجُهَا لَيْلًا لِعُرْسِ جَارَتِهَا فَسُرِقَتْ ثِيَابُهَا مِنْهَا فَأَفْتَيْت بِالضَّمَانِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُعَدُّ تَضْيِيعًا. تَأَمَّلْ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
أَخْذُ الْوَدِيعَةِ فِي السَّفَرِ: إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ ذَاهِبًا إلَى مَحِلٍّ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ وَكَانَ الطَّرِيقُ أَمِينًا فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ مَعَهُ.
سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ مُحْتَاجَةً إلَى حَمْلٍ وَمُؤْنَةٍ أَمْ لَمْ تَكُنْ (الْبَحْرُ) . كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (779) .
(2/278)
لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحِفْظِ صَادِرٌ مِنْ الْمُودِعِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ، لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ أَيْضًا. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 64) . فَإِذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
رَاجِعْ الْمَادَّةَ (91) .
وَالشَّيْءُ الْمُحْتَاجُ إلَى حَمْلٍ وَمُؤْنَةٍ هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ يَعْنِي فِي نَقْلِهِ إلَى ظَهْرٍ أَوْ إلَى أُجْرَةٍ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَلَا يُقَالُ: إنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَائِدَةٌ عَلَى الْمُودِعِ حَيْثُ إنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ وَالْإِعَارَةِ مِنْ مَسَافَةِ السَّفَرِ تَكُونُ زِيَادَةً فَأَخْذُ الْوَدِيعَةِ فِي السَّفَرِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُودِعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُؤْنَةَ مِنْ لَوَازِمِ الْمُودِعِ الضَّرُورِيَّةِ.
إلَّا أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي السَّفَرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ احْتِيَاجٌ إلَى مُؤْنَةِ الْحَمْلِ فَعَلَى مَنْ تَكُونُ عَائِدَةً هَلْ عَلَى الْمُودِعِ أَمْ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَلَعَلَّهَا عَائِدَةٌ عَلَى الْمُودِعِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحِفْظِ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 88) وَأَمَّا إذَا اخْتَارَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا الْمَصْرِفَ بِلَا أَمْرٍ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُودِعِ بَعْدَهُ (الشَّارِحُ) .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ أَمِينٍ فَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ ضَرُورِيًّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا وَكَانَ سَفَرُهُ مَعَ أَهْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَأَمَّا إذَا كَانَ سَفَرُهُ مُنْفَرِدًا فَيَضْمَنُ.
(الْبَحْرُ) .
أَخْذَ الْوَدِيعَةِ فِي السَّفَرِ بَحْرًا: السَّفَرُ بَحْرًا مِنْ الْأَسْفَارِ ذَاتِ الْأَخْطَارِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرُ أَنَّ التَّلَفَ وَالْهَلَاكَ غَالِبٌ فِيهِ وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّ نَقْلَ الْأَمْوَالِ التِّجَارِيَّةِ فِي السُّفُنِ مُتَعَارَفٌ فِي زَمَانِنَا وَالسَّلَامَةُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْيَانِ غَالِبَةٌ فِيهَا فَاللَّائِقُ أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ بَيْنَ السَّفَرِ بَحْرًا وَالسَّفَرِ بَرًّا فَحِينَئِذٍ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ مَعَهُ إنْ سَافَرَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَبِمَا أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ السُّفُنُ التِّجَارِيَّةُ مَوْجُودَةً فِي زَمَنِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْأَسْفَارُ كَانَتْ تَحْصُلُ بِالسُّفُنِ ذَاتِ الشِّرَاعِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يُعِدُّونَ السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ خَطَرًا وَمُؤَدِّيًا لِلْهَلَاكِ. وَأَمَّا فِي الْحَالَةِ الْحَاضِرَةِ فَنَظَرًا لِوُجُودِ سُفُنٍ تِجَارِيَّةٍ جَسِيمَةٍ فَلَا خَطَرَ فِي السَّفَرِ فِيهَا.
فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا نَقَلَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي سَفِينَةٍ شِرَاعِيَّةٍ يَجِبُ عَدُّهَا خَطِرَةً وَإِنْ نَقَلَهَا فِي سَفِينَةٍ تِجَارِيَّةٍ يَلْزَمُ عَدُّهَا سَالِمَةً كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ (الشَّارِحُ) .
وَإِذَا عَيَّنَ الْمُودِعُ مَكَانَ الْحِفْظِ أَوْ نَهَى عَنْ السَّفَرِ بِهَا فَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي سَفَرِهِ، يَعْنِي إذَا عَيَّنَ الْمُودِعُ مَكَانَ حِفْظٍ لِأَجْلِ الْوَدِيعَةِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُغَيِّرَهُ وَلَا أَنْ يَأْخُذَهَا فِي السَّفَرِ إذَا نَهَى الْمُودِعُ عَنْ ذَلِكَ. كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا إذَا اُشْتُرِطَتْ أُجْرَةٌ فِي مُقَابَلَةِ حِفْظِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْفَاظَ مُقَابِلَ الْأُجْرَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالتَّسْلِيمَ لَازِمٌ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ (قطلوبغا فِي الْوَدِيعَةِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ) .
[ (الْمَادَّةُ 782) يَلْزَمُ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ مِثْل أَمْثَالِهَا]
(الْمَادَّةُ 782) يَلْزَمُ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ مِثْلُ أَمْثَالِهَا. بِنَاءً عَلَيْهِ حِفْظُ الْأَمْوَالِ كَالنُّقُودِ وَالْمُجَوْهَرَاتِ فِي مَحَالَّ كَالْإِصْطَبْلِ وَالتِّبْنِ تَقْصِيرٌ فِي الْحِفْظِ فَإِذَا هَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ.
بِاخْتِلَافِ الْوَدِيعَةِ يَخْتَلِفُ مَحِلُّ الْحِفْظِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ كَأَمْثَالِهَا لَازِمٌ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. يَعْنِي أَنَّ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ فِي حِرْزِ مِثْلِهَا لَازِمٌ وَمَا كَانَ حِرْزًا أَيْ مَحِلَّ حِفْظٍ لِنَوْعٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ لَا يَكُونُ حِرْزًا لِنَوْعِ وَدِيعَةٍ آخَرَ.
(2/279)
فَإِذَا وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي مَحِلٍّ لَا تُحْفَظُ فِيهَا أَمْثَالُهَا فَهَذَا الْوَضْعُ وَالْحِفْظُ تَقْصِيرٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحِرْزِ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ: وَأَمَّا فِي السَّرِقَةِ فَمَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حِرْزًا لِنَوْعِ مَالٍ آخَرَ وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَلْزَمُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ الْأَمْوَالَ الْغَالِيَةَ الثَّمَنِ كَالنُّقُودِ وَالْمُجَوْهَرَاتِ مِنْ الْإِصْطَبْلِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْحُكْمُ فِي الْحِفْظِ فِي غَيْرِ مِثْلِ الْحِرْزِ وَبَعْضُ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَيْهِ: أَوَّلًا: يُحْفَظُ الْحَيَوَانُ الْمُودَعُ فِي الْإِصْطَبْلِ وَإِذَا فُقِدَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَأَمَّا حِفْظُ النُّقُودِ وَالْمُجَوْهَرَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْغَالِيَةِ الثَّمَنِ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا فِي مَحَالَّ مِنْ الْإِصْطَبْلِ مَحِلُّ التِّبْنِ وَالْبُسْتَانِ وَالْعَرْصَةِ فَهُوَ تَقْصِيرٌ فِي الْحِفْظِ فَإِذَا هَلَكَتْ أَوْ فُقِدَتْ الْأَمْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي أَمَاكِنَ كَهَذِهِ لَزِمَ الضَّمَانُ.
ثَانِيًا: إذَا وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي دَارِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ أَشْخَاصٌ كَثِيرُونَ يُنْظَرُ. فَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا يُمْكِنُ حِفْظُهُ فِي حَالَةِ دُخُولِ وَخُرُوجِ أُنَاسٍ كَثِيرِينَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. وَإِلَّا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
ثَالِثًا: إذَا وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي دَارِ وَتَرَكَ بَابَهَا مَفْتُوحًا وَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ لِعَدَمِ وُجُودِ أَحَدٍ فِي الدَّارِ كَانَ ضَامِنًا.
رَابِعًا: إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي الْحَمَّامِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَغَابَ وَفُقِدَتْ الْوَدِيعَةُ يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ بِهَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ) .
خَامِسًا: إذَا تُرِكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي مَحِلٍّ يَسْكُنُهُ الْفَأْرُ فَأَفْسَدَهُ يُنْظَرُ. فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ أَعْلَمَ الْمُودِعَ بِأَنَّ الْفَأْرَ يَدْخُلُ ذَلِكَ الْمَحِلَّ وَوَضَعَهَا بِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُخْبِرْ الْمُودِعَ مَعَ عِلْمِهِ بِدُخُولِ الْفَأْرِ وَلَمْ يَسُدَّ الْمَنَافِذَ الَّتِي يَدْخُلُ مِنْهَا وَأَفْسَدَ الْفَأْرُ الْوَدِيعَةَ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.
الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ بَيْنَمَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ يَحْفَظُهَا كَأَمْثَالِهَا: وَأَمَّا إذَا ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ يَحْفَظُهَا الْمُودَعُ نَظِيرَ أَمْثَالِهَا فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (777) وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْخُصُوصِ مَعَ الْيَمِينِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (1774) (وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 783) تَعَدَّدَ الْمُسْتَوْدَعُ وَلَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ تَصِحُّ قِسْمَتُهَا]
(الْمَادَّةُ 783) إذَا تَعَدَّدَ الْمُسْتَوْدَعُ وَلَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ تَصِحُّ قِسْمَتُهَا يَحْفَظُهَا الْوَاحِدُ بِإِذْنِ الْآخَرِ أَوْ يَحْفَظُونَهَا بِالْمُنَاوَبَةِ. وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ تَصِحُّ قِسْمَتُهَا؛ يُقَسِّمُونَهَا بَيْنَهُمْ بِالتَّسَاوِي وَيَحْفَظُ كُلٌّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ حِصَّتَهُ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْآخَرِ بِلَا إذْنِ الْمُودِعِ. فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِيَدِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْآخِذِ.
يُمْكِنُ إيدَاعُ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ أَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ أَيْضًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا تَعَدَّدَ الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنْ كَانَ اثْنَيْنِ
(2/280)
أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ تَسُوغُ قِسْمَتُهَا يَعْنِي أَنَّ تَقْسِيمَهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ أَلْبَتَّةَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَيَوَانًا أَوْ إذَا كَانَتْ تَسُوغُ قِسْمَتُهَا وَلَكِنَّهَا تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عِنْدَ تَقْسِيمِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَوْبًا. يَحْفَظُهَا أَحَدُهُمْ بِإِذْنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ لِأَشْخَاصٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَمَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْحِفْظِ لَيْلًا وَنَهَارًا يَكُونُ رَضِيَ بِإِثْبَاتِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 772) . وَالْمَادَّةَ (790) وَلَا تُنَافِي هَذَا الْحُكْمَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ قُيِّدَ (بِلَا إذْنٍ) وَهُوَ هُنَاكَ مُعْتَبَرٌ فَكَذَا هُنَا الْإِذْنُ مَوْجُودٌ دَلَالَةً أَوْ يَحْفَظُونَهَا بِالْمُنَاوَبَةِ أَيْ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْمُهَايَأَةُ مُهَايَأَةً فِي الْحِفْظِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ (الْبَحْرُ تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِقْرَتَيْنِ: نَظَرًا لِعَطْفِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى بِعِبَارَةِ (أَوْ) يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْفِقْرَتَيْنِ. وَظَاهِرُ الْفَرْقِ هُوَ: إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ اثْنَيْنِ مَثَلًا فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِصُورَةٍ دَائِمَةٍ بِمُوجِبِ الْفِقْرَةِ الْأُولَى.
يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى هُوَ الْحِفْظُ الدَّائِمِيُّ. وَفِي الْوَاقِعِ أَنَّ الْحَمَوِيُّ قَدْ اشْتَبَهَ فِي جَوَازِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَالَ: إذَا قَرَّرَ الْمُسْتَوْدِعُونَ الْحِفْظَ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَالِ الَّذِي لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ الْوَدِيعَةَ عِنْدَهُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى نَوْبَتِهِ فَحُكْمُ هَذَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ انْتَهَى. لَكِنَّ الْمَجَلَّةَ جَوَّزَتْ هَذِهِ الصُّورَةَ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَعْنِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَحَالَةِ حِفْظِ أَحَدِهِمْ بِإِذْنِ الْآخَرِ بِصُورَةٍ دَائِمَةٍ وَحِفْظِهِمْ بِالْمُنَاوَبَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ يَعْنِي لَا عَلَى الْآخِذِ وَلَا عَلَى الدَّافِعِ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 91) . وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ بِتَعَدٍّ أَوْ بِتَقْصِيرٍ يَضْمَنُ الْمُتَعَدِّي أَوْ الْمُقَصِّرُ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (787) . وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ عَلَى الْآخَرِ. وَالْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ مُتَّفِقُونَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهَا. كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمِثْلِيَّاتِ السَّائِرَةِ يُقَسِّمُهَا الْمُسْتَوْدِعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَحْفَظُ كُلٌّ مِنْهُمْ الْحِصَّةَ الَّتِي تُصِيبُهُ.
مَثَلًا إذَا أَوْدَعَ الْمُودِعُ ثَلَاثِينَ ذَهَبًا عِنْدَ شَخْصَيْنِ يَحْفَظُ كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشْرَ ذَهَبًا وَإِذَا أَوْدَعَهَا عِنْدَ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ يَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشْرَ ذَهَبَاتٍ.
وَلَيْسَ لِلْوَاحِدِ أَنْ يَدْفَعَ كَامِلَ حِصَّتِهِ أَوَجُزْءًا مِنْهَا إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْآخَرِ بِلَا إذْنِ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ عِنْدَمَا أَوْدَعَ الْوَدِيعَةَ الَّتِي تَسُوغُ قِسْمَتُهَا لِأَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدِينَ رَضِيَ بِحِفْظِ الْمُتَعَدِّدِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ الْبَعْضِ وَرِضَاهُ بِحِفْظِ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ بِحِفْظِ الْوَاحِدِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُشَارُ إلَيْهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا: (إذَا جُعِلَ فِعْلُ الشَّخْصَيْنِ مُضَافًا إلَى شَيْءٍ قَابِلِ التَّجْزِيءِ يَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَبِنَاءً عَلَى هَذَا إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ بِهِ) 0 وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ جَارِيَةٌ أَيْضًا فِي الْمَسَائِلِ الْآتِي ذِكْرُهَا كَمَا أَنَّ فِي الْمُرْتَهِنِ الْمُتَعَدِّدِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ
(2/281)
وَالْعُدُولُ فِي الرَّهْنِ وَالْأَوْصِيَاءِ والمُسْتَبْضِعِينَ هُوَ هَكَذَا أَيْضًا.
يَعْنِي أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَيْ أَحَدِ الْمُرْتَهَنِينَ مَثَلًا إذَا سَلَّمَ حِصَّتَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْآخَرِ وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ يَضْمَنُ بِضَمَانِ الْغَصْبِ.
كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (720) وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْوَاحِدِ أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ تَجُوزُ قِسْمَتُهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمْ (الْبَحْرُ) .
قِيلَ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ (بِدُونِ إذْنٍ) لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ إيدَاعَ الْمُسْتَوْدَعِ بِإِذْنِ الْمُودِعِ السَّابِقِ جَائِزٌ فَبِإِذْنِهِ اللَّاحِقِ جَائِزٌ أَيْضًا. كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ (790 و 791) .
إذَا دَفَعَ أَحَدُ الْمُسْتَوْدَعِينَ كَامِلَ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْبَعْضَ مِنْهَا إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِ الْمُودِعِ وَهَلَكَتْ بِيَدِ الْآخَرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ عَلَى الْقَابِضِ يَعْنِي عَلَى الْآخِذِ ضَمَانُ تِلْكَ الْحِصَّةِ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُسْتَوْدَعُ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى مُسْتَوْدَعِ الْمُسْتَوْدَعِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (777) " الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ ".
وَأَمَّا الدَّافِعُ فَيَضْمَنُ حِصَّتَهُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (790) . يَعْنِي يَضْمَنُ الَّذِي دَفَعَ خَمْسَ عَشْرَةَ ذَهَبًا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ فِي الشَّرْحِ آنِفًا وَعَشْرَ ذَهَبَاتٍ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي وَلَيْسَ عَلَى الْآخِذِ ضَمَانٌ. قِيلَ شَرْحًا تِلْكَ الْحِصَّةُ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ وَبِالذَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَأَمَّا عَدَمُ ضَمَانِ الْحِصَّةِ الْأُخْرَى فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَادَّةِ (777) .
[ (الْمَادَّةُ 784) إِن كَانَ الشَّرْط الْوَارِد عِنْد عَقْدِ الْإِيدَاع مفيدًا فَهُوَ مُعْتَبَر وَإِلَّا فَهُوَ لَغْو]
(الْمَادَّةُ 784) إنْ كَانَ الشَّرْطُ الْوَارِدُ عِنْدَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ مُفِيدًا وَمُمْكِنَ الْإِجْرَاءِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ. مَثَلًا إذَا أُودِعَ مَالٌ بِشَرْطِ أَنْ يُحْفَظَ فِي دَارِ الْمُسْتَوْدَعِ وَحَصَلَتْ ضَرُورَةٌ فَانْتَقَلَ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ لِوُقُوعِ الْحَرِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ الشَّرْطُ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا نُقِلَتْ الْوَدِيعَةُ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَهَلَكَتْ أَوْ فُقِدَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُودِعُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ وَنَهَاهُ عَنْ إعْطَائِهَا زَوْجَتَهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ خَادِمَهُ أَوْ لِمَنْ اعْتَادَ حِفْظَ مَالَ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ اضْطِرَارٌ لِإِعْطَائِهَا لِذَلِكَ الشَّخْصِ فَلَا يُعْتَبَرُ النَّهْيُ وَإِذَا أَعْطَى الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ وَهَلَكَتْ أَوْ فُقِدَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِذَا أَعْطَاهَا وَلَمْ يَكُنْ اضْطِرَارٌ لِذَلِكَ يَضْمَنُ، كَذَلِكَ إذَا شَرَطَ حِفْظَهَا فِي الْغُرْفَةِ الْفُلَانِيَّةِ مِنْ الدَّارِ وَحَفِظَهَا الْمُسْتَوْدَعُ فِي غُرْفَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ الْغُرَفُ مُتَسَاوِيَةً فِي أَمْرِ الْمُحَافَظَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الشَّرْطُ. وَاذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَى الْغُرَفُ مِنْ الْحَجَرِ وَالْأُخْرَى مِنْ الْخَشَبِ فَيُعْتَبَرُ الشَّرْطُ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا وَيَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورًا عَلَى حِفْظِهَا فِي الْغُرْفَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَهَا. وَإِذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي غُرْفَةٍ أَدْنَى مِنْهَا فِي الْحِفْظِ وَهَلَكَتْ يَضْمَنُ.
(2/282)
لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي يُورِدُهُ الْمُودِعُ أَثْنَاءَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ أَوْ بَعْدَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ وَيَقْبَلُهُ الْمُسْتَوْدَعُ مُعْتَبَرٌ إذَا كَانَ مُمْكِنَ التَّنْفِيذِ يَعْنِي إنْ كَانَ تَنْفِيذُهُ وَإِيفَاؤُهُ مُمْكِنًا وَمُفِيدًا أَيْ نَافِعًا لِلْمُودِعِ. وَيَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ رِعَايَةُ ذَلِكَ الشَّرْطِ حَتَّى إذَا لَمْ يُرَاعِهِ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا يَضْمَنُ.
رَاجِعْ الْمَادَّةَ (787) . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنَ التَّنْفِيذِ وَمُفِيدًا فَهُوَ لَغْوٌ. وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ رِعَايَةُ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ فُقِدَتْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ (رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 83) .
يَحْصُلُ مِنْ تَحْلِيلِ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: اثْنَانِ فِي جِهَةِ الْمُثْبِتِ وَاثْنَانِ فِي جِهَةِ الْمَنْفِيِّ.
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ الْوَارِدُ أَثْنَاءَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ مُمْكِنَ التَّنْفِيذِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: إنْ كَانَ الشَّرْطُ الْوَارِدُ أَثْنَاءَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ مُفِيدًا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ الْوَارِدُ أَثْنَاءَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ غَيْرَ مُمْكِنِ التَّنْفِيذِ فَهُوَ لَغْوٌ وَلَوْ كَانَ مُفِيدًا.
الْحُكْمُ الرَّابِعُ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ الْوَارِدُ أَثْنَاءَ عَقْدِ الْإِيدَاعِ غَيْرَ مُفِيدٍ فَهُوَ لَغْوٌ وَلَوْ كَانَ مُمْكِنَ التَّنْفِيذِ.
، وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الْأَرْبَعَةَ بِالْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ بِصُورَةِ النَّشْرِ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ اللَّفِّ.
مَثَلًا لَوْ أُودِعَ مَالٌ بِشَرْطِ أَنْ يُحْفَظَ فِي دَارِ الْمُسْتَوْدَعِ وَحَصَلَتْ ضَرُورَةٌ لِنَقْلِهِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ لِوُقُوعِ الْحَرِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الشَّرْطُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ فَإِذَا نُقِلَتْ الْوَدِيعَةُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَهَلَكَتْ أَوْ فُقِدَتْ هُنَاكَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (91) . وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيقُ غَالِبًا مُحِيطًا بِدَارِ الْمُسْتَوْدَعِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْحَرِيقُ مُحِيطًا بِدَارِ الْمُسْتَوْدَعِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُخَافُ مِنْ أَنْ تَحْتَرِقَ الْوَدِيعَةُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ فِي حَالَةِ تَسْلِيمِهَا إلَى شَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ.
هَذَا الْمِثَالُ الْحُكْمُ الرَّابِعُ.
وَفِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَتْ رِعَايَةُ الْمُسْتَوْدَعِ بِهَذَا الشَّرْطِ مُمْكِنَةً فَإِذَا رَاعَاهُ يَكُونُ عَدَمُ نَقْلِهِ الْوَدِيعَةَ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمُودِعِ لَا بَلْ مُضِرًّا لَهُ بِاحْتِرَاقِ الْوَدِيعَةِ. وَلَكِنْ إذَا نَقَلَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَادَّعَى هَذِهِ الضَّرُورَةَ بِنَاءً عَلَى هَلَاكِهَا هُنَالِكَ فَأَنْكَرَ الْمُودِعُ لَا يُصَدَّقُ الْمُسْتَوْدَعُ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ فَادِّعَاءُ الضَّرُورَةِ ادِّعَاءٌ مُسْقِطٌ الضَّمَانَ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهَذَا لَا يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَكِنْ إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ حُصُولَ الِاضْطِرَارِ لِلنَّقْلِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ لِحَرِيقٍ وَقَعَ فِي دَارِهِ فَإِنْ كَانَ وُقُوعُ الْحَرِيقِ فِي دَارِهِ مَعْلُومًا يُصَدَّقُ الْمُسْتَوْدَعُ بِيَمِينِهِ.
خُلَاصَةُ الْكَلَامِ، مَتَى ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وُقُوعُ الْحَرِيقِ فِي دَارِ الْمُسْتَوْدَعِ لَا يَبْقَى احْتِيَاجٌ لِإِثْبَاتِ أَنَّهُ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ لِلْآخَرِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَحْتَرِقَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا شَرَطَ الْمُودِعُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِالذَّاتِ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ وَنَهَاهُ عَنْ إعْطَائِهَا زَوْجَتَهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ خَادِمَهُ أَوْ شَخْصًا اعْتَادَ مِنْ الْقَدِيمِ حِفْظَ مَالَ نَفْسِهِ - أَيْ مَالِ الْمُسْتَوْدَعِ - أَوْ أَجْنَبِيًّا كَوَكِيلِهِ أَوْ شَرِيكِهِ مُفَاوَضَةً كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (780) فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ اضْطِرَارٌ وَاحْتِيَاجٌ لِإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ النَّهْيُ وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرَيْنِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْإِمْكَانِ لِتَنْفِيذِهِمَا.
سُؤَالٌ، شَرْطُ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا إذْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحِفْظُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بِعَقْدِ
(2/283)
الْوَدِيعَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (777) . فَلَا لُزُومَ إذَنْ لِلْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ " إذَا شَرَطَ وَأَمَرَ ".
الْجَوَابُ، مَقْصُودُ الْحِفْظِ بِنَفْسِهِ وَبِالذَّاتِ كَمَا وَرَدَ شَرْحًا.
مَتَى تَحْصُلُ ضَرُورَةُ الْإِعْطَاءِ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ، تَحْصُلُ ضَرُورَةُ الْإِعْطَاءِ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ حِينَمَا تَكُونُ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا يُحْفَظُ بِيَدِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ الْمُجَوْهَرَاتِ وَنَهَاهُ عَنْ إعْطَائِهَا زَوْجَتَهُ أَوْ فَرَسًا وَنَهَاهُ عَنْ دَفْعِهَا إلَى السَّائِسِ.
فَإِذَا أَعْطَاهَا الْمُسْتَوْدَعُ ذَلِكَ الشَّخْصَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا - وَهَلَكَتْ أَوْ فُقِدَتْ بِيَدِهِ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ مُرَاعَاةِ الشَّرْطِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ مُفِيدٍ إذَنْ (الْبَحْرُ) . الظَّاهِرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنِ التَّنْفِيذِ. (الشَّارِحُ) .
مَثَلًا إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ عِنْدَ آخَرَ حَيَوَانًا وَنَهَاهُ عَنْ إعْطَائِهِ إلَى خَادِمِهِ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ خَادِمَهُ جَبْرًا يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورًا لِإِعْطَائِهِ إيَّاهَا لِعَدَمِ وُجُودِ أَمِينٍ يَحْفَظُهَا فَضَاعَتْ بِيَدِهِ لَا يَضْمَنُ. وَأَمَّا إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهَا مَعَ وُجُودِ خَادِمٍ غَيْرِهِ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ وَهَلَكَتْ يَكُونُ ضَامِنًا.
وَكَذَلِكَ إذَا نَهَى الْمُودِعُ عَنْ إعْطَاءِ عَقْدِ الْجَوْهَرِ الْمُودَعِ إلَى زَوْجَتِهِ فُلَانَةَ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَمِينَةٌ أُخْرَى تَحْفَظُ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ كَزَوْجَةٍ أُخْرَى مَثَلًا فَالنَّهْيُ مُعْتَبَرٌ وَإِلَّا فَلَا. (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالزَّيْلَعِيّ وَالْبَحْرُ) .
وَفِي الشَّخْصِ الَّذِي حَصَلَ النَّهْيُ عَنْ إعْطَائِهِ الْوَدِيعَةَ احْتِمَالَانِ:
الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا يُحَافَظُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الشَّخْصِ. كَمَا لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ جَوْهَرًا وَنَهَى عَنْ إعْطَائِهِ زَوْجَتَهُ أَوْ فَرَسًا وَنَهَى عَنْ إعْطَائِهَا سَائِسَهُ.
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا لَا يُحْفَظُ بِيَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ. كَمَا لَوْ كَانَتْ جَوْهَرًا وَنَهَى عَنْ إعْطَائِهِ خَادِمَهُ أَوْ فَرَسًا وَنَهَى عَنْ إعْطَائِهَا زَوْجَتَهُ. وَنَظَرًا لِإِيضَاحِ الزَّيْلَعِيّ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَجَلَّةِ هِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى وَأَمَّا حَيْثُ إنَّ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مُفِيدٌ فَمُخَالَفَتُهُ تُوجِبُ الضَّمَانَ هَذَا الْمِثَالُ مِثَالُ الْحُكْمِ الثَّالِثِ وَيَكُونُ مِثَالًا لِلْحُكْمِ الثَّانِي أَيْضًا بِاعْتِبَارِ الْفِقْرَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ الْآتِي ذِكْرُهَا.
مِثَالٌ ثَانٍ لِلْحُكْمِ الثَّالِثِ الْمَذْكُورِ - إذَا اقْتَرَبَ أَجَلُ الْمَرْأَةِ الْمُسْتَوْدَعَةِ وَسَلَّمَتْ الْوَدِيعَةَ إلَى جَارِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمَذْكُورَةِ أَمِينٌ يَجُوزُ دَفْعُ وَتَسْلِيمُ الْوَدِيعَةِ لَهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَيْهَا (الْخَانِيَّةُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالْبَحْرُ) .
مِثَالٌ ثَالِثٌ عَلَى الْحُكْمِ الثَّالِثِ الْمَذْكُورِ - إذَا قَالَ الْمُودِعُ لَا تَحْفَظْ الْوَدِيعَةَ فِي الْغُرْفَةِ الْفُلَانِيَّةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ حَصِينَةٍ وَحَفِظَهَا الْمُسْتَوْدَعُ فِي تِلْكَ الْغُرْفَةِ وَضَاعَتْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَحِلٌّ حَصِينٌ غَيْرَ تِلْكَ الْغُرْفَةِ لَا يَضْمَنُهَا الْمُسْتَوْدَعُ.
وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَحِلٌّ غَيْرَهَا وَكَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى نَقْلِهَا إلَيْهَا يَجْرِي حُكْمُ الْمِثَالِ الْآتِي.
مِثَالٌ رَابِعٌ عَلَى الْحُكْمِ الثَّالِثِ الْمَذْكُورِ - إنَّ قَوْلَ الْمُودِعِ لِلْمُسْتَوْدَعِ احْفَظْ الْوَدِيعَةَ بِيَدِك وَلَا تَتْرُكْهَا
(2/284)
مِنْ يَدِك لَيْلًا وَنَهَارًا شَرْطٌ مُمْكِنُ التَّنْفِيذِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَهُوَ لَغْوٌ وَإِذَا أَعْطَاهَا لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ اضْطِرَارٌ وَاحْتِيَاجٌ لِذَلِكَ وَتَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَحَيْثُ إنَّ النَّهْيَ مُفِيدٌ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا إنْ كَانَ هَلَاكُهَا حَصَلَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ لِلْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي وَغَيْبُوبَتِهِ عَنْ عَيْنَيْهِ وَيَجْرِي فِي هَذَا الضَّمَانِ الَّذِي عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ التَّفْصِيلَاتُ الَّتِي سَتُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (790) .
وَسَبَبُ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ أَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي الْأَمَانَةِ وَالْكِيَاسَةِ وَالدِّينِ وَمَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُوجِبُ الشَّيْنَ.
فَبِنَاءً عَلَيْهِ يَكُونُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُفِيدًا.
وَأَمَّا إذَا وَقَعَ هَلَاكُ الْوَدِيعَةِ وَضَيَاعُهَا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَوْدَعَ الثَّانِيَ فَحَيْثُ إنَّ الْوَدِيعَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ فِي حِفْظِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ فَعَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي.
يَكُونُ عَدَمُ وُجُودِ اضْطِرَارِ إعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ لِلْغَيْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ: وَوَرَدَ فِي الْمَجَلَّةِ (إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ اضْطِرَارٌ) .
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا خَفِيفًا كَسَاعَةِ جَيْبٍ وَخَاتَمٍ فَيُعْطِيهَا الْمُسْتَوْدَعُ لِأَمِينِهِ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَى حِفْظِهَا وَاسْتِصْحَابِهَا بِنَفْسِهِ. وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَجْبُورًا عَلَى إعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ أَمِينَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ شَيْئًا خَفِيفًا لِغَيْرِهِ لِأَجْلِ حِفْظِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَمِينٌ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ غَيْرَ الْأَمِينِ الَّذِي نَهَى الْمُودِعُ عَنْهُ (الْبَحْرُ) كَذَلِكَ إذَا شَرَطَ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ فِي الْغُرْفَةِ الْفُلَانِيَّةِ مِنْ الدَّارِ وَحَفِظَهَا الْمُسْتَوْدَعُ فِي غُرْفَةٍ غَيْرِهَا مِنْ تِلْكَ الدَّارِ - سَوَاءٌ أَنَهَى عَنْ حِفْظِهَا فِي غُرْفَةٍ غَيْرِهَا أَمْ لَمْ يَنْهَ - وَعَلَى تَقْدِيرِ حِفْظِهَا فِي غُرْفَةٍ غَيْرِهَا مِنْ تِلْكَ الدَّارِ فَإِنْ كَانَتْ الْغُرَفُ مُتَسَاوِيَةً فِي أَمْرِ الْمُحَافَظَةِ أَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْغُرْفَةُ الْأُخْرَى أَقْوَى فِي الْحِفْظِ فَحَيْثُ إنَّ الشَّرْطَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ غَيْرُ مُفِيدٍ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ الدَّارِ حِرْزٌ وَاحِدٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا: أَنَّهُ إذَا نَقَلَ السَّارِقُ الْمَالَ مِنْ غُرْفَةٍ إلَى أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ حَدُّ السَّرِقَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَمَا لَوْ شَرَطَ وَضْعَ النُّقُودِ الْمُودَعَةِ فِي كَذَا كِيسٍ وَوُضِعَتْ فِي غَيْرِهِ وَفُقِدَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ وَضْعُ النَّقْدِ الْمُودَعِ بِشَرْطِ وَضْعِهِ فِي الْكِيسِ فِي الصُّنْدُوقِ يَجُوزُ حِفْظُ النُّقُودِ الْمُودَعَةِ بِشَرْطِ أَنْ تُوضَعَ فِي الصُّنْدُوقِ فِي الْغُرْفَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ وَإِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةَ التَّنْفِيذِ فَلَيْسَتْ مُفِيدَةً.
وَإِذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ فِي أَمْثِلَةِ الْحُكْمِ الرَّابِعِ وَالْحُكْمِ الثَّالِثِ فَلَا يَلْزَمُ فِي هَذَا أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ الشُّرُوطُ الَّتِي مِثْلُ (خُذْ الْوَدِيعَةَ بِيَدِك الْيُمْنَى وَلَا تَأْخُذْهَا بِالْيَدِ الْيُسْرَى) أَوْ اُنْظُرْ الْوَدِيعَةَ بِالْعَيْنِ الْيُمْنَى وَلَا تَنْظُرْ إلَيْهَا بِالْعَيْنِ الْيُسْرَى لَغْوٌ وَمُخَالَفَتُهَا لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ.
كَمَا لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ إلَى دَارِ آخَرَ وَنَقَلَ بِلَا إذْنٍ الثَّوْبَ مِنْ إحْدَى غُرَفِهَا إلَى غُرْفَةٍ أُخْرَى يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْغُرَفُ مُتَسَاوِيَةً فِي الْحِرْزِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَيَلْزَمُ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَسَاوِيَةٍ.
(2/285)
أَمَّا إذَا كَانَتْ إحْدَى الْغُرَفُ يَعْنِي الْغُرْفَةَ الَّتِي شَرَطَ فِي الْحِفْظِ فِيهَا حَجَرًا وَالْأُخْرَى أَيْ الَّتِي حَفِظَ الْمُسْتَوْدَعُ فِيهَا مُخَالِفًا الشَّرْطَ خَشَبًا أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَوْقَ السُّوقِ وَالْأُخْرَى لَيْسَتْ فَوْقَهُ يَعْنِي إذَا كَانَ يُوجَدُ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُمَا فِي أَمْرِ الْمُحَافَظَةِ فَالشَّرْطُ مُفِيدٌ مُعْتَبَرٌ وَالْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورٌ عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ فِي الْغُرْفَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَهَا أَيْ الْغُرْفَةِ الَّتِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ لَيْسَتْ فَوْقَ الطَّرِيقِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا وَضَعَهَا فِي غُرْفَةٍ أَدْنَى مِنْ تِلْكَ الْغُرْفَةِ فِي الْمُحَافَظَةِ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ ضَمِنَهَا. وَهَذَا الْمِثَالُ مِثَالُ الْحُكْمِ الثَّانِي.
كَمَا لَوْ أُودِعَتْ وَشَرَطَ الْحِفْظَ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ وَحَفِظَهَا فِي غَيْرِ صُنْدُوقٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَلَكِنْ إذَا كَانَ أَحَدُ الصُّنْدُوقَيْنِ مِنْ خَشَبٍ وَالْآخَرُ خِزَانَةً مِنْ حَدِيدٍ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَتْ فِي حَالَةِ حِفْظِهِ إيَّاهَا فِي صُنْدُوقٍ مِنْ الْخَشَبِ.
كَذَلِكَ قَيْدُ (تِلْكَ الدَّارِ) الْوَاقِعُ فِي الْمِثَالِ وَهُوَ (كَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْحِفْظَ فِي الْغُرْفَةِ الْفُلَانِيَّةِ مِنْ الدَّارِ) احْتِرَازِيٌّ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي أُودِعَ بِشَرْطِ أَنْ يُحْفَظَ فِي تِلْكَ الدَّارِ الْكَائِنَةِ فِي الْمَحَلَّةِ الْفُلَانِيَّةِ لَا يَحْفَظُ فِي دَارٍ غَيْرَهَا. وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ الْأُخْرَى أَحْرَزَ مِنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ تَكُونَانِ غَالِبًا مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي الْحِرْزِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَكُونُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُفِيدًا.
وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ الْأُخْرَى مُسَاوِيَةً فِي الْحِفْظِ لِتِلْكَ الدَّارِ أَوْ أَحْصَنَ مِنْهَا يَجُوزُ حِفْظُهَا فِي تِلْكَ الدَّارِ الْأُخْرَى. فَقَيْدُ (تِلْكَ الدَّارِ) نَظَرًا لِهَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالْهِنْدِيَّةُ) . وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمَجَلَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُخْتَارُ.
كَمَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْحِفْظَ فِي كَذَا بَلْدَةٍ وَحُفِظَتْ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى يَلْزَمُ الضَّمَانُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (787) وَقَدْ ظَهَرَتْ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْمُحَرَّرَةِ أَسْبَابُ تَعَدُّدِ الْأَمْثِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ.
[ (الْمَادَّةُ 785) غَابَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ]
(الْمَادَّةُ 785) إذَا غَابَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ يَحْفَظُهَا الْمُسْتَوْدَعُ إلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ وَفَاتُهُ. إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالْمُكْثِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا أَمَانَةً عِنْدَهُ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبِعْهَا وَفَسَدَتْ بِالْمُكْثِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
إذَا غَابَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ الْمَكَانُ الْمَوْجُودُ فِيهِ وَلَا حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ يَعْنِي إذَا صَارَ مَفْقُودًا يَحْفَظُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ وَفَاتُهُ وَتَتَحَقَّقَ وَرَثَتُهُ. يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْحِفْظُ لِذَلِكَ الْحِينِ وَإِلَّا فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ بِنَاءً عَلَى فَقْدِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْبُوبَتِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ أَوْ يُعْطِيَهَا لِوَرَثَتِهِ أَوْ يَصْرِفَهَا وَيَسْتَهْلِكَهَا عَلَى أُمُورِهِ أَوْ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ لِمَأْمُورِ بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا أَنْ يَطْلُبَهَا مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَوْدَعِ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِ الْمَفْقُودِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ وَكَمَا أَنَّ لَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ الْمَوْجُودَ بِيَدِ الْمَفْقُودِ بِالذَّاتِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ الَّذِي بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَيْضًا.
غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالْمُكْثِ بِأَنْ كَانَتْ صُوفًا مَثَلًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِإِذْنِ
(2/286)
الْحَاكِمِ وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا أَمَانَةً عِنْدَهُ مِثْلَ أَصْلِهَا. يَعْنِي أَنَّ اللَّائِقَ وَالْمُنَاسِبَ بِالْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَبِيعَ الْوَدِيعَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَأَنْ يَحْفَظَ ثَمَنَهَا وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ حَاكِمٌ يَبِيعُهَا الْوَدِيعُ بِالذَّاتِ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهَا.
وَأَمَّا مَا دَامَتْ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ مُمْكِنَةً فَإِذَا بَاعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِدُونِ الْمُرَاجَعَةِ يَكُونُ بَيْعًا فُضُولِيًّا وَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْفُضُولِيِّ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبِعْهَا وَفَسَدَتْ بِالْمُكْثِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ حَيْثُ إنَّ عَدَمَ بَيْعِهِ إيَّاهَا امْتِنَاعٌ عَنْ عَمَلِ الْخَيْرِ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، فَفَسَادُ الْوَدِيعَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُعَدُّ تَقْصِيرًا أَيْضًا.
مَثَلًا لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الصُّوفِ أَوْ شَيْئًا يُفْسِدُهُ الْعُثُّ وَلَمْ يَبِعْهَا الْمُسْتَوْدَعُ وَلَمْ يُعَرِّضْهَا إلَى الشَّمْسِ وَالْهَوَاءِ فِي الصَّيْفِ وَأَفْسَدَهَا الْعُثُّ فَهَلَكَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. ذُكِرَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ عَرْضَ وَدِيعَةٍ كَهَذِهِ إلَى الشَّمْسِ وَالْهَوَاءِ وَالِارْتِدَاءِ بِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُفْسِدُهَا الْعُثُّ لَازِمٌ كَمَا أَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ وَإِلْبَاسَهَا غَيْرَهُ لَازِمٌ أَحْيَانًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْحَرِيرِ وَاقْتُضِيَ ذَلِكَ لِأَجْلِ مُحَافَظَتِهَا مِنْ آفَاتٍ مِثْلِ هَذِهِ وَأَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا اللُّزُومَ وَفَسَدَتْ الثِّيَابُ يَكُونُ ضَامِنًا.
إنَّمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ نَهَى الْمُسْتَوْدَعَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ (الْبَاجُورِيُّ) .
وَتَظْهَرُ وَفَاةُ الْغَائِبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: وَرَدَ فِي الْمَجَلَّةِ (إلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ وَفَاتُهُ) وَتَبَيُّنُ وَفَاةِ الْغَائِبِ الْمَرْقُومِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: تَبَيُّنُ وَفَاةِ الْمَفْقُودِ حَقِيقَةً.
تَظْهَرُ وَفَاتُهُ حَقِيقَةً وَتَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ. كَمَا لَوْ كَانَ لِلْمَفْقُودِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ مَالٌ أَوْ دَيْنٌ عِنْدَ أَحَدٍ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَدِيعَةِ وَيَطْلُبَهَا مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ وَيَدَّعِيَ بِالدَّيْنِ وَيَطْلُبَهُ مِنْ الْمَدِينِ. مَثَلًا إذَا ادَّعَى ابْنُ الْمَفْقُودِ عَلَى مَدِينِ وَالِدِهِ قَائِلًا: بِمَا أَنَّ وَالِدِي تُوُفِّيَ وَقَدْ بَقِيَ دَيْنُهُ الَّذِي بِذِمَّتِك الْبَالِغُ كَذَا قِرْشًا مِيرَاثًا لِي فَاعْطِنِي إيَّاهُ وَمَعَ إقْرَارِ الْمَدِينِ وَإِثْبَاتِ وَفَاةِ وَالِدِهِ بِالشُّهُودِ تَثْبُتُ وَفَاةُ الْمَفْقُودِ حَقِيقَةً. كَمَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْغَائِبِ وَالْمَفْقُودِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ نَظَرًا لِوَفَاةِ مُوَرِّثِهِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ انْتَقَلَ إرْثُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ فَقَطْ وَطَلَبَ تَسْلِيمَهَا لَهُ مُثْبِتًا الْوَفَاةَ بِالْبَيِّنَةِ يَثْبُتُ مَوْتُ الْغَائِبِ الْمَرْقُومِ وَتَجْرِي الْمُعَامَلَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي الْمَادَّةِ (802) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: تَبَيُّنُ وَفَاةِ الْمَفْقُودِ حُكْمًا. يَعْنِي إذَا أَكْمَلَ الْمَفْقُودُ سِنَّ التِّسْعِينَ اعْتِبَارًا مِنْ تَارِيخِ وِلَادَتِهِ يُحْكَمُ بِوَفَاتِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ نَادِرَةٌ وَلَا اعْتِبَارَ لِلنَّادِرِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ 42 - الْمَجَلَّةُ. إنَّمَا وَفَاةُ الْمَفْقُودِ حُكْمًا بَعْدَ إكْمَالِهِ سِنَّ التِّسْعِينَ يَحْصُلُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَإِلَّا لَا يُعَدُّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ إكْمَالِهِ سِنَّ التِّسْعِينَ بِدُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ. وَحُكْمُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يَكُونُ ضِمْنَ دَعْوَى. كَمَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودِعِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بِقَوْلِهِ: إنَّ مُوَرِّثِي أَكْمَلَ سِنَّ التِّسْعِينَ وَوَدِيعَتُهُ مَوْرُوثَةٌ لِي فَأَعْطِنِي إيَّاهَا وَأَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ إكْمَالَهُ سِنَّ التِّسْعِينَ فَأَثْبَتَ الْوَارِثُ هَذِهِ الْجِهَةَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ وَإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ إلَى الْمُدَّعِي.
وَبَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ الْحَاكِمُ وَفَاةَ الْمَفْقُودِ حَقِيقَةً بِالْبَيِّنَةِ إذَا ظَهَرَ الْمَفْقُودُ حَيًّا يَكُونُ الْمُوَرِّثُ الْمَرْقُومُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَارِثَ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشُّهُودَ. وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَوْدَعَ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ
(2/287)
الْمُسْتَوْدَعِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَارِثِ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (91) .
وَلَكِنْ إذَا حُكِمَ بِوَفَاةِ الْمَفْقُودِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَبَعْدَ أَنْ أُعْطِيت الْوَدِيعَةُ إلَى الْوَارِثِ ظَهَرَ الْمَفْقُودُ حَيًّا يَأْخُذُ مَا كَانَ مَوْجُودًا عَيْنًا بِيَدِ الْوَارِثِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مَا هَلَكَ (رِسَالَةُ الْمَفْقُودِ بِزِيَادَةٍ) .
[ (الْمَادَّةُ 786) نَفَقَةُ الْوَدِيعَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ]
(الْمَادَّةُ 786) نَفَقَةُ الْوَدِيعَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ كَالْفَرَسِ وَالْبَقَرَةِ عَائِدَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا. فَإِذَا كَانَ صَاحِبُهَا غَائِبًا يُرَاجِعُ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَاكِمَ وَهُوَ أَيْضًا يَأْمُرُ بِإِجْرَاءِ الصُّورَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلَحُ وَأَنْفَعُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ. مِثْلُ إنْ كَانَ إيجَارُ الْوَدِيعَةِ مُمْكِنًا يُؤَجِّرُهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ وَيُنْفِقُ مِنْ أُجْرَتِهَا وَيَحْفَظُ الْفَضْلَ لِلْمُودِعِ. أَوْ يَبِيعُهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا. وَإِنْ كَانَ إيجَارُهَا غَيْرَ مُمْكِنٍ يَبِيعُهَا فِي الْحَالِ بِثَمَنِ مِثْلِهَا أَوْ بَعْدَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَطْلُبَ مَصْرِفَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ صَاحِبِهَا وَأَمَّا إذَا أَنْفَقَ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَنْفَقَهُ مِنْ الْمُودِعِ.
تَعُودُ نَفَقَةُ الْوَدِيعَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى نَفَقَةٍ كَالْفَرَسِ وَالْبَقَرَةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَيْ عَلَى الْمُودِعِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (88) . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ لِعَدَمِ إنْفَاقِ الْمُسْتَوْدَعِ مِنْ مَالِهِ أَوْ لِعَدَمِ تَرْكِ الْمُودِعُ نَفَقَتَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. وَوَرَدَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يُرَاجِعُ الْمُودِعَ أَوْ وَكِيلَهُ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ وَيَطْلُبُ إعْطَاءَهَا أَوْ اسْتِرْدَادَ الْحَيَوَانِ الْمُودَعِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُودِعُ تَرَكَ النَّفَقَةَ وَلَمْ يُنْفِقْ الْمُسْتَوْدَعُ وَلَمْ يُسَلِّمْ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودِعِ مَعَ فَسْخِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ يَضْمَنُ.
إذَا كَانَ صَاحِبُهَا - هَلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْغَائِبِ هُنَا الْمَفْقُودُ أَوْ الشَّخْصُ الْمَوْجُودُ فِي مَسَافَةِ السَّفَرِ كَمَا هُوَ فِي الْغَائِبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (799) أَمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْ الشَّخْصُ السَّاكِنُ وَالْمُقِيمُ فِي قَصَبَةٍ وَبَلْدَةٍ غَيْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي يُقِيمُ فِيهَا الْمُسْتَوْدَعُ. لَمْ أَظْفَرْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَحْتَاجُ إلَى تَحَرٍّ وَتَفْتِيشٍ - وَيُرَاجِعُ إذْ ذَاكَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَاكِمَ وَعِنْدَمَا يَطْلُبُ إذْنًا وَرُخْصَةً لِإِنْفَاقٍ إذَا أَثْبَتَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ وَدِيعَةٌ بِيَدِهِ وَأَنَّ صَاحِبَهُ غَائِبٌ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ الْمُسْتَوْدَعَ بِإِجْرَاءِ الصُّورَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ نَفْعًا وَصَلَاحًا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (58) . كَمَا لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا كَالْبَغْلِ وَالْحِصَانِ وَكَانَ إيجَارُهَا مُمْكِنًا فَيُؤَجِّرُهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ وَيُنْفِقُ مِنْ أُجْرَتِهَا وَيَحْفَظُ الْفَضْلَ لِلْمُودِعِ. وَفِي الْوَاقِعِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّرًا فِي الْمَادَّةِ (792) أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ لِآخَرَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الشَّرْعِيَّةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. أَوْ يَبِيعُهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا بِرَأْيِ الْحَاكِمِ وَيَحْفَظُ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ لِلْمُودِعِ. وَلَا يَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ بَيْعًا فُضُولِيًّا.
وَإِذَا كَانَ إيجَارُ الْوَدِيعَةِ غَيْرَ مُمْكِنٍ يَبِيعُهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِي الْحَالِ يَعْنِي بِدُونِ أَنْ يُنْفِقَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ أَوْ بَعْدَ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِالْأَكْثَرِ عَلَى أَمَلِ أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَعِنْدَمَا يَحْضُرُ صَاحِبُهَا يَطْلُبُ مِنْهُ مُصَرِّفُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ الْإِنْفَاقَ لَحَدِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُوَ عَلَى أَمَلِ أَنْ
(2/288)
يَحْضُرَ الْمَالِكُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَإِذَا صَرَفَ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَأْخُذَ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُودِعِ. غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ حَيَوَانًا لَا يَجِبُ أَنْ يَتَجَاوَزَ هَذَا الْمُصْرَفُ قِيمَةَ الْحَيَوَانِ فَإِنْ تَجَاوَزَهَا فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَطْلُبَ قِيمَتَهَا فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَذَكَرَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ الْمُودِعُ الْمُسْتَوْدَعَ قَبْلَ الْغَيْبَةِ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَلَمْ يُنْفِقْ وَهَلَكَ الْحَيَوَانُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ اخْتَارَ الْحُرْمَةَ لِسَبَبِ حُرْمَةِ ذِي الرُّوحِ (الْبَاجُورِيُّ) وَلِرُبَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرَ مُخَالِفَةٍ لِلْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ.
أَمَّا إذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ الْمَذْكُورَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَذَلِكَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا الْمُصْرَفَ مِنْ الْمُودِعِ. رَاجِعْ الْقَاعِدَةَ الْمُحَرَّرَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ (725 وَ 1508) . طَلَبُ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُودِعِ الَّذِي طَلَبَ الْإِذْنَ بِالْإِنْفَاقِ: إذَا رَاجَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَاكِمَ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ لِأَجْلِ بَيْعِ الْوَدِيعَةِ كَمَا ذُكِرَ شَرْحًا يَطْلُبُ الْحَاكِمُ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ وَدِيعَةٌ بِيَدِهِ وَأَنَّ صَاحِبَهُ غَائِبٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ وَدِيعَةً بِيَدِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَغْصُوبًا أَوْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا. وَحَيْثُ إنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ هِيَ لِأَجْلِ اسْتِكْشَافِ الْحَالِ وَلَيْسَتْ لِأَجْلِ الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَحْضُرُ الْخَصْمُ فِيهَا. وَالْحُكْمُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللُّقَطَةِ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (770) .
[ (الْمَادَّةُ 787) هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا فِي حَالِ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَقْصِيرِهِ]
(الْمَادَّةُ 787) إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا فِي حَالٍ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَقْصِيرِهِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ. مَثَلًا إذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ النُّقُودَ الْمُودَعَةَ عِنْدَهُ فِي أُمُورِ نَفْسِهِ وَاسْتَهْلَكَهَا أَوْ دَفَعَهَا لِغَيْرِهِ وَجَعَلَهُ يَسْتَهْلِكُهَا يَضْمَنُ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا صَرَفَ النُّقُودَ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ ثُمَّ وَضَعَ مَحِلَّهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَضَاعَتْ بِدُونِ تَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ لَا يَخْلُصُ مِنْ الضَّمَانِ.
وَكَذَلِكَ إذَا رَكِبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَيَوَانَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ وَهَلَكَ الْحَيَوَانُ أَثْنَاءَ سَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِسَبَبِ سُرْعَةِ السُّوقِ أَمْ بِسَبَبٍ آخَرَ أَمْ سُرِقَ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ. كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ عِنْدَ وُقُوعِ الْحَرِيقِ مُقْتَدِرًا عَلَى نَقْلِ الْوَدِيعَةِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ فَلَمْ يَنْقُلْهَا وَاحْتَرَقَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ.
يَعْنِي أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بِالْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فَكَمَا أَنَّ وَفَاءَ بَدَلِهَا لَازِمٌ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ إذَا طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا لَزِمَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ الْمَذْكُورِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (803) .
وَفِي هَذِهِ الْمَادَّةِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ:
الْأَوَّلُ: هَلَاكُ الْوَدِيعَةِ فِي حَالٍ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ.
الثَّانِي: هَلَاكُ الْوَدِيعَةِ فِي حَالَةِ تَقْصِيرِ الْمُسْتَوْدَعِ.
الثَّالِثُ: طُرُوءُ نُقْصَانٍ عَلَى قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ فِي حَالٍ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ.
الرَّابِعُ: طُرُوءُ نُقْصَانٍ عَلَى قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ فِي حَالٍ تَقْصِيرِ الْمُسْتَوْدَعِ.
فَكُلُّ هَذِهِ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ وَكَمَا أَنَّ الْمِثَالَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَجَلَّةِ وَارِدَانِ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَالْمِثَالَ الثَّالِثَ وَارِدٌ أَيْضًا
(2/289)
عَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّعَدِّي وَالتَّقْصِيرِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 779 وَبَعْضُهَا مَذْكُورٌ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ.
غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ تَعَدِّيهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ التَّعَدِّيَ وَرَجَعَ إلَى الْوِفَاقِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بِلَا تَعَدٍّ هَلْ يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُحْتَاجَةٌ لِلْإِيضَاحِ فَوَجَبَ إعْطَاءُ التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ كَمَا يَلِي: الْأَمَانَاتُ قِسْمَانِ فَفِي الْبَعْضِ مِنْهَا يَزُولُ الضَّمَانُ بِالْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي وَفِي الْبَعْضِ لَا يَزُولُ. كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ الْآتِيَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ 864 الَّتِي هِيَ فِي مَقَامِ هَذِهِ الْمَادَّةِ فِي الْعَارِيَّةُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ تَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٌ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَهَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ أَوْ طَرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (بِحَالَةِ تَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ) يَعْنِي بِالْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كَوْنَ التَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ مَشْرُوطٌ بِهَلَاكِ الْوَدِيعَةِ أَوْ بِطُرُوءِ نُقْصَانٍ عَلَى قِيمَتِهَا فِي حَالَةِ التَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ. وَلِذَلِكَ بَادَرْنَا بِإِيضَاحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَلِي: الْأَمَانَاتُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - الْأَمَانَاتُ الَّتِي نَفْعُ وَضْعِ يَدِ الشَّخْصِ الَّذِي اُتُّخِذَ أَمِينًا عَلَى تِلْكَ الْأَمَانَاتِ يَعْنِي فَائِدَةُ عَمَلِ حِفْظِهِ يَكُونُ عَائِدًا إلَى صَاحِبِ الْمَالِ فَقَطْ وَتَقُومُ يَدُ الْأَمِينِ مَقَامَ يَدِ مَالِكِهَا كَالْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ نَفْعَ وَضْعِ يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ فِي الْوَدِيعَةِ وَفَائِدَتَهُ عَائِدَانِ إلَى الْمُودِعِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ فِي وَضْعِ الْيَدِ هَذَا نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ مَا.
وَفِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الْأَمَانَاتِ إذَا رَجَعَ الْأَمِينُ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ يَدَ هَذَا الْأَمِينِ يَدُ صَاحِبِ الْمَالِ تَقْدِيرًا فَمَنْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي فَالْأَمَانَةُ الَّتِي اكْتَسَبَتْ حُكْمَ الْمَغْصُوبِ بِالتَّعَدِّي فَبِالْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ تَكُونُ كَأَنَّهَا أُعِيدَتْ لِيَدِ صَاحِبِ الْمَالِ.
فَكَمَا أَنَّ الْغَاصِبَ يَصِيرُ بَرِيئًا مَتَى أَعَادَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إلَى صَاحِبِهِ حَقِيقَةً بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (892) يَبْرَأُ الْأَمِينُ أَيْضًا مِنْ حُكْمِ التَّعَدِّي مَتَى عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَمَانَاتِ هُوَ هَذَا: (1) الْوَدِيعَةُ: (2) الْمَالُ الْمُسْتَعَارُ لِأَجْلِ الرَّهْنِ وَاَلَّذِي لَمْ يُرْهَنْ بَعْدُ: (3) مَالُ الشَّرِكَةِ الْمَوْجُودُ بِيَدِ الشَّرِيكِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَوْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: (4) مَالُ الْمُضَارَبَةِ الْمَوْجُودُ بِيَدِ الْمُضَارِبِ: (5) الْبِضَاعَةُ بِيَدِ الْمُسْتَبْضِعِ: (6) الْمَالُ الْمَوْجُودُ بِيَدِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَسَتَنْفَصِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (814) .
إذَا تَعَدَّى الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَلَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ مَا مِنْ هَذَا التَّعَدِّي وَتَرَكَ التَّعَدِّي عَلَى نِيَّةِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً ثُمَّ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يَعْنِي إذَا وَقَعَ الْهَلَاكُ بَعْدَ أَنْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (2) جَاءَ (وَلَمْ يَتَرَتَّبْ ضَرَرٌ مَا) لِأَنَّهُ إذَا تَرَتَّبَ نُقْصَانٌ بِسَبَبِ التَّعَدِّي وَالِاسْتِعْمَالِ يَضْمَنُ ذَلِكَ النُّقْصَانَ. حَيْثُ يَكُونُ حَبْسُ هَذَا النُّقْصَانِ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَجْهِ التَّعَدِّي أَيْ
(2/290)
أَصْبَحَ غَيْرَ مُقْتَدِرٍ عَلَى إعَادَةِ النُّقْصَانِ الْمَذْكُورِ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ.
وَبَيْنَمَا كَانَ الضَّمَانُ يَزُولُ فِي الْوَدِيعَةِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَزُولُ الضَّمَانُ فِي الْعَارِيَّةُ وَالْمَأْجُورِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَى مَا سَيُوضَحُ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ تَحْصُلُ بِإِعَادَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ إلَى يَدِ صَاحِبِ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَحَيْثُ إنَّ أَيْدِيَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ هِيَ نَفْسُهُمَا وَعَمَلُهُمَا لِنَفْسِهِمَا فَكَمَا أَنَّهَا لَنْ تَصِلَ حَقِيقَةً إلَى يَدِ صَاحِبِهَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ الْمُخَالَفَةِ لَنْ تَصِلَ إلَى يَدِهِ حُكْمًا أَيْضًا. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْمُسْتَوْدَعِ وَحِفْظَهُ هُوَ لِأَجْلِ الْمُودِعِ وَيَدُهُ فِي حُكْمِ يَدِ الْمُودِعِ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
فَلْتُوضَحْ الْمَسْأَلَةُ الْآنِفَةُ فِي حَقِّ الْبَرَاءَةِ مِنْ الضَّمَانِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ التَّعَدِّي بِمِثَالٍ.
مَثَلًا إذَا رَكِبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَيَوَانَ الْمُودَعُ بِلَا إذْنٍ وَاسْتَعْمَلَهُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَعَدَّى وَيَصِيرُ الرَّاكِبُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ. إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَدُونَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ مَا يَعْنِي دُونَ أَنْ يَهْلِكَ أَوْ يَطْرَأَ نُقْصَانٌ عَلَى قِيمَتِهِ إذَا تَرَكَ الرُّكُوبَ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَدَّى يَعْنِي أَنْ لَا يَرْكَبَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَحَفِظَهُ كَمَا فِي السَّابِقِ يَصِيرُ بَرِيئًا وَتَنْقَلِبُ يَدُ الضَّمَانِ إلَى يَدِ الْأَمَانَةِ كَمَا كَانَتْ. حَتَّى إذَا هَلَكَ الْحَيَوَانُ أَوْ فُقِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
أَمَّا إذَا رَكِبَهُ يَوْمًا وَبَعْدَ ذَلِكَ رَبَطَهُ فِي الْإِصْطَبْلِ مَسَاءً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهُ صَبَاحًا أَيْ بِنِيَّةِ رُكُوبِهِ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَسُرِقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَوْ هَلَكَ حَتْفَ أَنْفِهِ يَضْمَنُهُ الْمُسْتَوْدَعُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (2) (الْبَحْرُ) .
وَإِذَا نَزَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الثِّيَابَ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا أَوْ رَفَعَ السَّجَّادَ بَعْدَ أَنْ فَرَشَهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي مَحِلٍّ لَا تُحْفَظُ فِيهِ أَمْثَالُهَا رَفَعَهَا مِنْهُ وَخَبَّأَهَا فِي مَحِلِّ حِصْنٍ آخَرَ أَوْ بَعْدَ أَنْ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَمِينِهِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَهَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِيَدِهِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ.
اخْتِلَافٌ فِي إزَالَةِ التَّعَدِّي: إذَا اُخْتُلِفَ فِي إزَالَةِ التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ يُنْظَرُ. إذَا أَقَرَّ الْمُودِعُ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي فِيهَا. أَوْ أَنْكَرَ فَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لَازِمَةٌ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ نَظَرًا لِأَنَّ الِادِّعَاءَ بِأَنَّ عَمَلَ الْمُسْتَوْدَعِ إيَّاهُ هُوَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ ادِّعَاءٌ بِأَمْرٍ عَارِضٍ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصِّفَةِ الْعَارِضَةِ هُوَ الْعَدَمُ لَا يَصْدُقُ ادِّعَاؤُهُ هَذَا بِلَا بَيِّنَةٍ.
(الْبَدَائِعُ بِزِيَادَةٍ) .
فَمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْقَوْلَ فِي حَقِّ الْعَوْدَةِ إلَى الْوِفَاقِ لِلْمُسْتَوْدَعِ وَلَيْسَ مَجْبُورًا عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَنْفِي عَنْ نَفْسِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ فِعْلًا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَإِتْلَافِهِ الْوَدِيعَةَ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ (الْبَدَائِعُ) .
مَثَلًا إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ أَنْ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ غَيْرِ أَمِينِهِ بِقَوْلِهِ: أَعَدْتهَا لِيَدِي، وَهَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَقَابَلَهُ الْمُودِعُ بِالْقَوْلِ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تُعِيدَهَا فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورٌ عَلَى إثْبَاتِ دَفْعِهِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1632) .
كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ أَرْسَلَ الْوَدِيعَةَ مَعَ غَيْرِ أَمِينِهِ إلَى الْمُودَعِ وَأَنَّهَا وَصَلَتْ وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ وُصُولَهَا
(2/291)
فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ وَحَلَفَ الْمُودِعُ الْيَمِينَ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ. وَإِذَا صَادَقَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى إيصَالِ الرَّسُولِ الْمَرْقُومِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى ذَلِكَ الرَّسُولِ وَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ. وَإِنَّمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً بِيَدِ الرَّسُولِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا.
اسْتِثْنَاءٌ: الْمَسَائِلُ الْآتِي ذِكْرُهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الضَّمَانِ بِإِزَالَةِ التَّعَدِّي بَعْدَ التَّعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا أَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِنَاءً عَلَى طَلَبِ صَاحِبِ الْمَالِ رَدَّهَا وَأَعَادَهَا بِقَوْلِهِ: لَمْ تُودِعْنِي إيَّاهَا، وَنَقَلَ الْوَدِيعَةَ الْمَنْقُولَةَ بِالْجُحُودِ تِجَاهَ الْمُودِعِ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَقْتَ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُحْضِرْهَا مَا لَمْ يَعُدْ وَيُسَلِّمْ الْوَدِيعَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَى صَاحِبِهَا.
يَعْنِي مَعَ أَنَّ الْجُحُودَ الْمَذْكُورَ تَعَدٍّ وَلَا يُعَدُّ تَرْكُ التَّعَدِّي بِمُجَرَّدِ اعْتِرَافِهِ بَعْدَ الْجُحُودِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِيدَاعِ فُسِخَ فِي حَالَةِ طَلَبِ الْمُودِعِ وَدِيعَتَهُ وَالْمُسْتَوْدَعُ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْإِعَادَةِ أَصْبَحَ غَاصِبًا وَحَيْثُ إنَّ يَدَهُ لَا تَكُون كَيَدِ الْمَالِكِ فَبِإِقْرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الرَّدُّ إلَى يَدِ الْمَالِكِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
إيضَاحُ قُيُودِ الْمَسْأَلَةِ:
1 - قِيلَ (بِنَاءً عَلَى طَلَبِهِ رَدَّ وَإِعَادَةَ الْوَدِيعَةِ) لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى سُؤَالِ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ يَعْنِي عَلَى قَوْلِهِ: وَدِيعَتِي بَاقِيَةٌ حَالَةَ إنْكَارِ الْمُسْتَوْدَعِ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ لَيْسَ إنْكَارًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ إنَّهُ حِفْظٌ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَلْفِتُ نَظَرَ طَائِفَةِ اللُّصُوصِ إلَى الْوَدِيعَةِ وَيُوجِبُ انْتِبَاهَهُمْ إلَيْهَا وَالْجُحُودُ مِنْ بَابِ حِفْظِهَا.
2 - جَاءَ (إذَا أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ بِقَوْلِهِ: لَمْ تُودِعْنِي إيَّاهَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ قَائِلًا: إنَّ صَاحِبَ الْمَالِ وَهَبَنِي إيَّاهَا أَوْ بَاعَهَا، فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْمَالِ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ ثُمَّ هَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدَهُ بِيَدِ مَنْ كَانَ مُسْتَوْدَعًا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. حَيْثُ إنَّهُ بِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْيَدِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجِهَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ. كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (779) .
3 - وَرَدَ (إذَا نَقَلَهَا مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَقْتَ الْإِنْكَارِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَهَلَكَتْ هُنَاكَ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَيْضًا هَذَا الْوَجْهَ مِنْ الْخُلَاصَةِ. وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ: وَلَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا وَيُحَوِّلُهَا الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ فَإِذَا هَلَكَتْ هُنَالِكَ بَعْدَ الْإِنْكَارِ يَضْمَنُ. وَإِنْ كَانَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ لَمْ يَعْتَمِدُوا هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِعَدَمِ ظُهُورِ صِحَّتِهِ لَهُمْ وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْمَادَّةِ (901) مِنْ الْمَجَلَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخْتَارَ هُوَ هَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
4 - قِيلَ (الْمَنْقُولَةُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَقَارًا وَانْكَسَرَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ ثُمَّ هَلَكَتْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: الضَّمَانُ غَيْرُ لَازِمٍ يَعْنِي أَنَّ الْعَقَارَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْجُحُودِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ. فَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَقَارًا يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ بِالْإِنْكَارِ
(2/292)
ضَامِنًا وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (905) . (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
5 - جَاءَ (الْجُحُودُ تِجَاهَ الْمُودِعِ أَوْ وَكِيلِهِ) . لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ الْمُودِعِ أَوْ وَكِيلِهِ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ ثُمَّ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ هُوَ لِأَجْلِ مَنْعِ مَقْصِدٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ لِلسَّائِلِ كَأَنْ يُفَكِّرَ فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ جَبْرًا فَهُوَ حِفْظٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِيدَاعِ عَلَى السِّتْرِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْإِنْكَارُ تِجَاهَ الْمَالِكِ عُرْفًا وَعَادَةً مِنْ قَبِيلِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ.
6 - (إذَا لَمْ يُحْضِرْ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ الْجُحُودِ) لِأَنَّهُ إذَا أَحْضَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ الْجُحُودِ يَعْنِي هَيَّأَهَا لِيُعْطِيَهَا الْمُودِعَ فَقَالَ لَهُ الْمُودِعُ: دَعْهَا تَبْقَى وَدِيعَةً يُنْظَرُ. فَإِنْ كَانَ الْإِحْضَارُ الْمَذْكُورُ بِدَرَجَةِ أَنْ يُعَدَّ الْمُودِعُ قَابِضًا لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ؛ لَانَ هَذَا إيدَاعٌ جَدِيدٌ، إنْ لَمْ يَكُنْ إحْضَارُ الْمَذْكُورِ بِدَرَجَةِ أَنْ يَصِيرَ الْمُودِعُ مَعَهُ قَابِضًا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَالْإِعَادَةَ لَمْ يَتِمَّا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَمَانَاتُ الَّتِي نَفْعُ وَضْعِ يَدِ الشَّخْصِ الَّذِي اتَّخَذَ أَمِينًا عَلَيْهَا وَفَائِدَةُ عَمَلِهِ يَعُودَانِ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ غَيْرَ أَنْ لَا تَقُومَ يَدُ الْأَمِينِ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ بَلْ لِلْأَمِينِ نَفْعٌ فِيهَا وَمَأْمُورِيَّةُ الْأَمِينِ لِلْحِفْظِ لَيْسَتْ بِالْمَعْقُودِ الْأَصْلِيِّ بَلْ إنَّهَا تَبَعٌ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذِهِ الْأَمَانَاتِ لَا يَبْرَأُ الْأَمِينُ مِنْ الضَّمَانِ بِعَوْدَتِهِ إلَى الْوَفَاءِ بَعْدَ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ بِسَبَبِ التَّعَدِّي تَحْصُلُ بِرَدِّ الْأَمَانَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدِ صَاحِبِهَا فَكَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ تَرْكِ التَّعَدِّي لَيْسَ إعَادَةً حَقِيقِيَّةً نَظَرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَعَمَلَهُمَا إنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِمَا لَا تَحْصُلُ الْإِعَادَةُ حُكْمًا أَيْضًا. مَثَلًا الْمُسْتَأْجِرُ يَحْفَظُ الْمَأْجُورَ وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ فَحِفْظُهُ كَانَ لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَيْ لِأَجْلِ فَائِدَةِ ذَاتِهِ (الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ فِي الْإِجَارَة) .
وَكَمَا أَنَّ صُورَةَ تَفَرُّعِ الْمَأْجُورِ عَلَى هَذِهِ الضَّابِطَةِ أُوضِحَتْ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (545) فَإِيضَاحُ كَيْفِيَّةِ تَفَرُّعِ الْمُسْتَعَارِ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (814) .
مَثَلًا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ النُّقُودَ الْمُودَعَةَ عِنْدَهُ بِصَرْفِهِ إيَّاهَا فِي أُمُورِ ذَاتِهِ أَوْ فِي أُمُورِ الْمُودَعِ بِلَا أَمْرِ الْمُودِعِ أَوْ أَعْطَاهَا رَجُلًا آخَرَ فَاسْتَهْلَكَهَا هَذَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ تَعَدٍّ.
اسْتِهْلَاكُ بَعْضِ الْوَدِيعَةِ: إذَا أَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّهُ صَرَفَ مِقْدَارًا مِنْ النُّقُودِ الْمَذْكُورَةِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ فِي تَعَيُّنِ الْمِقْدَارِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَثِيرًا لِلْمُسْتَوْدَعِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (8) .
وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ نِصْفَ الْوَدِيعَةِ مَثَلًا ثُمَّ هَلَكَ النِّصْفُ الْآخَرُ بِيَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يَضْمَنُ النِّصْفَ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ تَعَدِّيَ الْمُسْتَوْدَعِ وَقَعَ عَلَى النِّصْفِ فَقَطْ وَالضَّمَانَ عَلَى مِقْدَارِ الْجِنَايَةِ.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ يَعْنِي ضَمَانَ النِّصْفِ فَقَطْ عِنْدَ اسْتِهْلَاكِ نِصْفِ الْوَدِيعَةِ فِي تَقْدِيرِ عَدَمِ لُحُوقِ ضَرَرٍ لِلْوَدِيعَةِ مِنْ التَّبْعِيضِ.
مِثْلُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
(2/293)
وَذَلِكَ كَاسْتِهْلَاكِ الْمُسْتَوْدَعِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ذَهَبًا مِنْ الْخَمْسِينَ ذَهَبًا الْمُودَعَةِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّبْعِيضُ مُضِرًّا لِلْوَدِيعَةِ وَاسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْضَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ هَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْوَدِيعَةِ وَالْمِقْدَارَ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ مَعَ نُقْصَانِ مَا تَبَقَّى؟ هَذَا مَا يَجِبُ تَدْقِيقُهُ.
وَيُمْكِنُ إعْطَاءُ الْجَوَابِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ بِالْوَجْهِ الْآتِي تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (900) : فَإِنْ كَانَ نُقْصَانُ الْبَاقِي دُونَ رُبْعِ قِيمَتِهِ يَضْمَنُ تَمَامَ مَا اسْتَهْلَكَهُ مَعَ نُقْصَانِ الْبَاقِي أَيْضًا وَأَمَّا إنْ كَانَ بَالِغًا رُبْعَ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْمُودِعُ بِالْخِيَارِ كَمَا سَيُفَصَّلُ فِي الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَشَرْحِهَا.
(الْأَحْكَامُ فِي حَقِّ ادِّعَاءِ الْمُسْتَوْدَعِ بِأَنَّ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ بِتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ كَانَ بِأَمْرِ الْمُودِعِ) .
إذَا ادَّعَى الْمُسْتَهْلِكُ أَنَّ اسْتِهْلَاكَ النُّقُودِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ الْأُخْرَى بِصَرْفِهِ إيَّاهَا فِي أُمُورِهِ بِالذَّاتِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَانَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُودِعُ بِهَذَا الْإِذْنِ فِيهَا وَاذَا أَنْكَرَ تُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ فَإِنْ أَثْبَتَ فِيهَا أَيْضًا. وَإِلَّا يَحْلِفُ الْمُودِعُ الْيَمِينَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (76) . فَإِنْ حَلَفَ الْمُودِعُ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1632) . تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ. وَقَدْ مَرَّ هَذَا الْبَحْثُ آنِفًا.
إيضَاحُ قُيُودِ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ.
جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ (فِي أُمُورِهِ) هَذَا الْقَيْدُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْفَى الْمُسْتَوْدَعُ بِنُقُودِ الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ الْمُمَاثِلَ لِلْوَدِيعَةِ بِلَا أَمْرٍ يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُودِعُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (793) . وَعَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي إيفَاءِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ تِلْكَ النُّقُودَ مِنْ الدَّائِنِ. إنَّمَا لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِمَنْ لَهُ النَّفَقَةُ كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْمَادَّةِ (799) .
(إذَا اسْتَهْلَكَهَا بِصَرْفِهِ إيَّاهَا) . لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ النُّقُودَ الْمُودَعَةَ كَيْ يَصْرِفَهَا فِي أُمُورِهِ وَبَعْدَ أَنْ وَضَعَهَا فِي مَحِلِّهَا أَيْ فِي حِرْزِ مِثْلِهَا وَضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَهَا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مُجَرَّدٌ قُصِدَ لِإِجْرَاءِ التَّعَدِّي فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الثَّانِيَةِ.
مَثَلًا لَوْ نَوَى شَخْصٌ غَصْبَ مَالَ شَخْصٍ آخَرَ وَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِ صَاحِبِهِ دُونَ أَنْ يَحْصُلَ الْغَصْبُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَوَى لِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الضَّمَانُ لَازِمٌ فِي صُورَةِ أَخْذِ الْوَدِيعَةِ لِأَجْلِ صَرْفِهَا وَإِعَادَتِهَا قَبْلَ وُقُوعِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ بِصُورَةِ التَّعَدِّي (الْبَدَائِعُ) .
كَمَا أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ مِقْدَارًا مِنْ النُّقُودِ الْمُودَعَةِ بِقَصْدِ أَنْ يَصْرِفَهَا وَأَعَادَهَا إلَى مَحِلِّهَا يَعْنِي أَنَّهُ خَلَطَهَا مَعَ نُقُودِ وَدِيعَةٍ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَهَا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ (حَاشِيَةُ الْأَشْبَاهِ يَبْرِي زَادَهْ عَنْ النِّهَايَةِ) .
(أَوْ إذَا اسْتَهْلَكَهَا بِغَيْرِهِ) . عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمُودِعُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا الْمُسْتَوْدَعَ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى أَوْ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا الْمُسْتَهْلِكَ.
مَثَلًا إذَا أَصَابَ الْحَيَوَانُ الْمُودَعَ مَرَضٌ وَعَالَجَهُ الْمُسْتَوْدَعُ بِوَاسِطَةِ بَيْطَارٍ فَهَلَكَ الْحَيَوَانُ بِسَبَبِ الْمُعَالَجَةِ يَكُونُ الْمَالِكُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْمُسْتَوْدَعَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ تَعَدَّى بِإِتْيَانِهِ عَمَلًا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ
(2/294)
أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَيْطَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
رَاجِعْ الْمَادَّةَ (610) وَشَرْحَهَا. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا الْبَيْطَارَ. فَإِنْ كَانَ الْبَيْطَارُ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ هُوَ مَالُ غَيْرِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَإِلَّا فَلَا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (658) وَشَرْحَهَا. غَيْرَ أَنَّهُ نَظَرًا لِبَيَانِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَرْجِعُ الْبَيْطَارُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ مَالُ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ. وَإِنَّمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ أَمَرَ بِمُعَالَجَةِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَيْسَ مَالَهُ فَعَالَجَهُ الْبَيْطَارُ وَهَلَكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَلَا يَخْلُصُ الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ الضَّمَانِ بِوَضْعِهِ، مِثْلُ الْوَدِيعَةِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا مَحِلَّهَا يَعْنِي أَنَّهُ إذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ النُّقُودَ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَبَعْدَ أَنْ وَضَعَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ ضَاعَتْ النُّقُودُ الَّتِي وَضَعَهَا مَحِلَّهَا بِدُونِ تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ لَا يَخْلُصُ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ الَّتِي وَضَعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَاقِيَةٌ فِي مِلْكِ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا تُحْسَبُ لِلْوَدِيعَةِ مَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُودِعُ (الْبَحْرُ) . وَلَيْسَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا وَقَابِضًا يَعْنِي مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا فِي آنٍ وَاحِدٍ.
أَلَمْ يُرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَجُلٌ مَدِينًا لِرَجُلٍ آخَرَ بِعَشْرِ ذَهَبَاتٍ قَرْضًا فَأَفْرَزَهَا وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ وَهُوَ يَحْفَظُهَا لِكَيْ يُعْطِيَهَا لَكِنَّهُ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ خَسَارَتُهَا تَعُودُ عَلَيْهِ. وَنَظِيرُ هَذِهِ كَمَا لَوْ أَلْقَى الْمَدِينُ فِي الْمَاءِ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَحْضَرَهَا كَيْ يُعْطِيَهَا دَائِنَهُ بِأَمْرِ الدَّائِنِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لَا يَصِيرُ الْمَدِينُ بَرِيئًا مِنْ الدَّيْنِ كَمَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (95) .
وَكَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ نِصْفَ نُقُودِ الْأَمَانَةِ مَثَلًا وَجَلَبَ بَدَلًا مِنْهَا نُقُودًا مِنْ مَالِهِ وَمِنْ جِنْسِ الْبَاقِي وَضَمَّهَا إلَى النُّقُودِ الْبَاقِيَةِ يَعْنِي خَلَطَهَا بِصُورَةٍ لَا يُمْكِنُ مَعَهَا تَمْيِيزُهَا عَنْهَا ثُمَّ ضَاعَتْ كُلُّهَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ. يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ بِسَبَبِ الِاسْتِهْلَاكِ وَيَضْمَنُ الْبَاقِيَ لِسَبَبِ الْخَلْطِ؛ لِأَنَّ خَلْطَ مَالِ غَيْرِهِ مَعَ مَالِ نَفْسِهِ يُعَدُّ اسْتِهْلَاكًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (788) .
خُلَاصَةُ الْكَلَامِ: أَنَّهُ يَجْرِي حُكْمُ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَضَعُ مَحِلَّ الْمِقْدَارِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَمِنْ مَالِهِ وَيَخْلِطُهُ بِالْبَاقِي. وَلَكِنْ إذَا وَضَعَ عَلَامَةً عَلَى النُّقُودِ الَّتِي وَضَعَهَا مِنْ مَالِهِ وَكَانَ تَمْيِيزُهَا بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ مُمْكِنًا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مِقْدَارِ مَا اسْتَهْلَكَهُ فَقَطْ.
وَكَذَلِكَ إذَا رَكِبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَيَوَانَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ بِلَا إذْنٍ فَهَلَكَ وَهُوَ ذَاهِبٌ سَوَاءٌ أَكَانَ بِسَبَبِ سُرْعَةِ السَّيْرِ أَمْ بِسَبَبٍ آخَرَ أَمْ بِلَا سَبَبٍ أَمْ سُرِقَ فِي الطَّرِيقِ سَيَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا ذَلِكَ الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْمُسْتَوْدَعِ الْحَيَوَانَ بِلَا إذْنٍ يُعَدُّ تَعَدِّيًا فَضَمَانُهُ وَاجِبٌ فِي حَالَةِ هَلَاكِهِ بِأَيِّ صُورَةٍ كَانَتْ أَثْنَاءَ وُقُوعِ ذَلِكَ التَّعَدِّي.
إيضَاحُ قُيُودِ الْمِثَالِ الثَّانِي:
1 - (الْحَيَوَانُ) هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا فَإِذَا ارْتَدَى الْمُسْتَوْدَعُ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ وَضَاعَ أَثْنَاءَ اسْتِعْمَالِهِ يَضْمَنُهُ. كَمَا لَوْ وَضَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الصَّحْنَ الْمُودَعَ عَلَى كُوبِهِ فَوَقَعَ وَانْكَسَرَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَضْعُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ لَزِمَ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِذَا كَانَ فِي الْكُوبِ
(2/295)
شَيْءٌ يَحْتَاجُ لِلْوِقَايَةِ وَالسِّتْرِ فَوَضْعُ الصَّحْنِ فَوْقَ الْكُوبِ يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا. فَإِذَا انْكَسَرَ يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوبِ شَيْءٌ فَلَا يُعَدُّ وَضْعُ الصَّحْنِ فَوْقَهُ اسْتِعْمَالًا وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إذَا انْكَسَرَ.
2 - (وَهُوَ ذَاهِبٌ فِي الطَّرِيقِ) فَائِدَةُ هَذِهِ الْقُيُودِ تُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ الْمَسْرُودَةِ فِي صَدْرِ الْمَادَّةِ.
3 - (بِلَا إذْنٍ) يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَرْكَبَ الْحَيَوَانَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (792) .
4 - (إذَا رَكِبَ) فِي هَذَا الْقَيْدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْإِصْطَبْلِ بِقَصْدِ أَنْ يَرْكَبَهُ وَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَهُ فَلَا ضَمَانَ كَمَا أُوضِحَ فِي شَرْحِ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْفَعْ الْمُسْتَوْدَعُ وَيُسَلِّمُ الْوَدِيعَةَ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَثْنَاءَ وُقُوعِ حَرِيقٍ أَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ مَعَ وُجُودِ اقْتِدَارِهِ عَلَى ذَلِكَ وَاحْتَرَقَتْ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ وَيُعْلَمُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ. فَلْنَذْكُرْ بَعْضَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَثَلًا إذَا دُفِعَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَمَانَةٌ عَلَى أَنْ تُسَلَّمَ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فِي حَيْفَاءَ وَبَيْنَمَا كَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ ذَاهِبًا بِالسَّفِينَةِ إلَى حَيْفَاءَ جَنَحَتْ السَّفِينَةُ وَأَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ فَأَلْقَى الْمُسْتَوْدَعُ بِنَفْسِهِ مَعَ بَاقِي الرُّكَّابِ إلَى زَوْرَقٍ فَنَجَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ نَقْلِ تِلْكَ الْأَمَانَةِ إلَى الزَّوْرَقِ أَوْ إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى فَهَلَكَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَلَكِنَّهُ إذَا كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى نَقْلِ الْأَمَانَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَمُحَافَظَتِهَا مِنْ الْغَرَقِ وَلَمْ يَفْعَلْ يَضْمَنُهَا عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِهَا. كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمُسْتَأْجَرِ فِيهِ هُوَ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا عَلَى مَا حُرِّرَ فِي الْمَادَّةِ (609) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَمَانَةَ فِي السَّفِينَةِ وَرَمَى بِنَفْسِهِ إلَى الْبَحْرِ خَوْفًا مِنْ الْأَسْرِ أَوْ مِنْ الْقَتْلِ وَنَجَا سِبَاحَةً لَا يَضْمَنُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا خَرَجَتْ اللُّصُوصُ عَلَى الْمُكَارِي وَهُوَ سَائِرٌ فِي الطَّرِيقِ فَتَرَكَ الْحَمْلَ وَفَرَّ مَعَ حَيَوَانِهِ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا لَهُ أَنْ يَفِرَّ بِالْحَيَوَانِ وَبِحَمْلِهِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللُّصُوصَ تَتْبَعُهُ وَتُدْرِكُهُ إذْ ذَاكَ فَتَأْخُذُ الْحَيَوَانَ مَعَ حَمْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكَارِي.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا رَأَى الْمُسْتَوْدَعُ شَخْصًا أَجْنَبِيًّا مُبَاشِرًا بِأَخْذِ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَيْهِ يَضْمَنُ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِظَنِّهِ الْوَدِيعَةَ مَالَ الْآخِذِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (72) ؛ لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ يُعَدُّ مُقَصِّرًا فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ.
مَثَلًا لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ وَدِيعَتَانِ لِشَخْصَيْنِ وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا وَدِيعَةَ الْآخَرِ سَهْوًا بِإِذْنِ الْمُسْتَوْدَعِ لَزِمَ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى مَنْعِهِ فَلَا يَضْمَنُ. رَاجِعْ الْمَسْأَلَةَ التَّاسِعَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (779) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فِي دَارِهِ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ غَيْرَ أَمِينَةٍ وَمَوْجُودَةً فِي تِلْكَ الدَّارِ فَأَخَذَتْ الْوَدِيعَةَ وَأَضَاعَتْهَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُقَصِّرًا فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ (
(2/296)
تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 788) خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا مَعَ مَالٍ آخَرَ]
(الْمَادَّةُ 788) :
خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا مَعَ مَالٍ آخَرَ بِصُورَةٍ يَتَعَذَّرُ وَلَا يُمْكِنُ مَعَهَا تَفْرِيقُهَا عَنْهُ يُعَدُّ تَعَدِّيًا. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا خَلَطَ الْمُسْتَوْدَعُ مِقْدَارَ الدَّنَانِيرِ ذَاتِ الْمِائَةِ الْمُودَعَةِ عِنْدَهُ بِدَنَانِيرَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ يَكُونُ ضَامِنًا.
خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِلَا إذْنِ الْمُودِعِ مَعَ مَالٍ آخَرَ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ فَلَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهَا عَنْهُ أَوْ أَمْكَنَ بِتَعَسُّرٍ يُعَدُّ تَعَدِّيًا.
يَعْنِي مُوجِبًا لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ وَفُقِدَ إمْكَانُ وُصُولِ الْمُودِعِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ مِنْ أَجْلِ فِعْلِ الْمُسْتَوْدَعِ.
وَذَكَرَتْ الْمَجَلَّةُ الْخَلْطَ، وَاسْمُ فَاعِلِهِ الْخَالِطُ هُوَ لِأَجْلِ التَّعْمِيمِ. يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْخَالِطُ الْمُسْتَوْدَعَ أَوْ الْأَجْنَبِيَّ أَوْ شَخْصًا آخَرَ كَابْنِ الْمُسْتَوْدَعِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الْمَوْجُودِ فِي عِيَالِهِ. وَالضَّمَانُ يَلْزَمُ عَلَى الْخَالِطِ فِي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ.
يَعْنِي إنْ كَانَ الْخَالِطُ الْمُسْتَوْدَعُ فَالضَّمَانُ يَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَالِطُ ابْنُ الْمُسْتَوْدَعِ الصَّغِيرُ مَثَلًا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ الصَّغِيرِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 778) . وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بِسَبَبِ الصَّغِيرِ الْمَرْقُومِ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 916) . فَإِذَا خَلَطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْخَالِطِ يُصْبِحُ الْمَخْلُوطُ الْمَذْكُورُ مَالَ الْخَالِطِ وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ وَلَا لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَتَدَخَّلَ فِي ذَلِكَ الْمَخْلُوطِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَخْلُوطُ يَصِيرُ مَالَ الْخَالِطِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْخَالِطُ الْمُسْتَوْدَعُ أَوْ أَمِينُ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ شَخْصًا أَجْنَبِيًّا فَلَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ. مَثَلًا لَوْ خَلَطَ عَشْرَ كَيْلَاتٍ مِنْ حِنْطَةٍ مُودَعَةٍ عِنْدَهُ بِحِنْطَةٍ تَصِيرُ الْحِنْطَةُ الْمَخْلُوطَةُ مَالَ الْخَالِطِ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مُبَاحًا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْحِنْطَةِ الْمَخْلُوطَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ بَدَلَهَا إلَى الْمُودِعِ.
وَإِذَا كَانَ الْخَالِطُ غَيْرَ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ فَخَلَطَ شَعِيرَ الْمُودِعِ مَعَ حِنْطَةِ الْمُسْتَوْدَعِ مَثَلًا ثُمَّ غَابَ بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ فَإِذَا أَرَادَ الْمُودِعُ أَوْ الْمُسْتَوْدَعُ أَنْ يُعْطِيَ بَدَلَ أَحَدِهِمَا وَيَأْخُذَ الْمَخْلُوطَ وَوَافَقَ الْآخَرُ فَبِهَا. وَإِذَا لَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُبَاعُ الْمَخْلُوطُ بِرِضَاهُمَا وَتُضْرَبُ قِيمَةُ حِنْطَةِ صَاحِبِ الْحِنْطَةِ غَيْرِ الْمَخْلُوطَةِ بِالثَّمَنِ وَيُضْرَبُ شَعِيرُ صَاحِبِ الشَّعِيرِ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ بِثَمَنِهِ. وَيُقْسَمُ حَاصِلُ الضَّرْبِ عَلَى مَجْمُوعِ الثَّمَنِ فَخَارِجُ قِسْمَةِ الْمَضْرُوبِ يَكُونُ حِصَّةَ صَاحِبِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ عَنْ الْمَخْلُوطِ وَيَقْتَضِي كَوْنَ الْمَخْلُوطِ مِلْكًا لِلْخَالِطِ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُمَا التَّصَرُّفُ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي مَالِ الْغَيْرِ؟ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِهَذَا الْوَجْهِ إجَازَةٌ لِلْخَلْطِ وَلَا يُجْدِي نَفْعًا إذَا كَانَ الْخَلْطُ إتْلَافًا فَإِنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَلْحَقُ الْإِتْلَافَ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 1453 (الشَّارِحُ) .
يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (مَعَ مَالٍ آخَرَ) أَنَّهُ سَوَاءٌ أَخَلَطَ الْمُسْتَوْدَعُ بِمَالِهِ أَمْ بِمَالِ غَيْرِهِ فَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ خَلَطَ الْمُسْتَوْدَعُ الْمَالَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ بِمَالِ شَخْصٍ آخَرَ مُودَعٍ عِنْدَهُ أَيْضًا يَضْمَنُ الْوَدِيعَتَيْنِ وَيَبْقَى الْمَخْلُوطُ لَهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا خَلَطَ الْمُسْتَوْدَعُ مِقْدَارَ الدَّنَانِيرِ ذَاتِ الْمِائَةِ الْمُودَعَةِ عِنْدَهُ بِدَنَانِيرِ نَفْسِهِ أَوْ بِدَنَانِيرِ غَيْرِهِ بِلَا
(2/297)
إذْنِ الْمُودِعِ ثُمَّ ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ وُجِدَتْ مَخْلُوطَةً بِصُورَةٍ يَتَعَسَّرُ أَوْ يَمْتَنِعُ مَعَهَا تَمْيِيزُهَا يَصِيرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْخَالِطَ يُعَدُّ مُسْتَهْلِكًا الْوَدِيعَةَ لِسَبَبِ خَلْطِهِ إيَّاهَا (الْبَحْرُ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - (ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ) . هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا فَإِذَا وُجِدَ الْمَخْلُوطُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّرْحِ، عَيْنًا فَالضَّمَانُ لَازِمٌ أَيْضًا وَذُكِرَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
وَهَذِهِ التَّعْبِيرَاتُ أَيْ تَعْبِيرَاتُ إذَا ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْمُتُونِ الْفِقْهِيَّةِ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّنْوِيرِ وَالْمُلْتَقَى وَالْكَنْزِ كَمَا أَنَّ الْمَجَلَّةَ لَمْ تَذْكُرْهَا أَيْضًا فِي مِثَالِهَا الْآتِي.
2 - (بِلَا إذْنِ) هَذَا الْقَيْدُ احْتِرَازِيٌّ وَالْمُحْتَرَزُ عَنْهُ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ 789 الْآتِي بَيَانُهَا.
وَكَذَلِكَ إذَا خَلَطَ شَخْصٌ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ الدَّنَانِيرَ الْمَذْكُورَةَ يَعْنِي دَنَانِيرَ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِهِ مَعَ دَنَانِيرِ وَدِيعَةِ الْمُودِعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بِلَا إذْنٍ يَضْمَنُ. وَسَوَاءٌ أَضَاعَتْ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ أَمْ سُرِقَتْ أَمْ وُجِدَتْ مَخْلُوطَةً فَالْخَلْطُ الْمَذْكُورُ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَيَنْقَطِعُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عَلَى مَا سَيُفَصَّلُ حَقُّ - الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ وَيَبْقَى الْمَخْلُوطُ الْمَذْكُورُ مَالًا لِلْمُخَالِطِ. وُجُوهُ الْخَلْطِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْكَامُهَا.
نَشْرَعُ فِي تَفْصِيلِ الْخَلْطِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي. الْخَلْطُ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - الْخَلْطُ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَ تَيَسُّرِ التَّمْيِيزِ.
يَعْنِي أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا تَفْرِيقُ الْمَالَيْنِ الْمَخْلُوطَيْنِ وَتَمْيِيزُهُمَا أَيْ إفْرَازُهُمَا وَفَصْلُهُمَا. كَخَلْطِ الْجَوْزِ مَعَ اللَّوْزِ أَوْ الذَّهَبِ مَعَ الْفِضَّةِ الْمَجِيدِيَّةِ أَوْ الْمَجِيدِيِّ التَّامِّ مَعَ قِطَعٍ: النِّصْفِ أَوْ الرُّبْعِ مِنْهُ أَوْ الدِّينَارِ الذَّهَبِ التَّامِّ مَعَ أَجْزَائِهِ كَالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ أَوْ الذَّهَبِ الْعُثْمَانِيِّ مَعَ الذَّهَبِ الْإِنْكِلِيزِيِّ أَوْ الْفَرَنْسَاوِيِّ.
فَالْخَلْطُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ بِالْإِجْمَاعِ فَيُفَرَّقُ الْمَخْلُوطُ وَيُرَدُّ قِسْمُ الْوَدِيعَةِ مِنْهُ إلَى صَاحِبِهِ. وَإِذَا هَلَكَ الْمَخْلُوطُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ يَهْلِكُ أَمَانَةً كَمَا كَانَ قَبْلَ الْخَلْطِ تَكْمِلَةُ (رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَأَشَارَتْ الْمَجَلَّةُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعِبَارَةِ (لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهَا) .
الْوَجْهُ الثَّانِي - الْخَلْطُ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَ تَعَسُّرِ التَّمْيِيزِ. يَعْنِي أَنْ يَكُونَ تَفْرِيقُ الْمَالَيْنِ الْمَخْلُوطَيْنِ عَسِرًا.
كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ.
فَكَوْنُ هَذَا الْخَلْطِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ أَوْ غَيْرَ مُوجِبٍ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا. فَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَالْهِدَايَةِ وَوَرَدَ فِي النِّهَايَةِ إيضَاحًا لِتَعَذُّرِ تَفْرِيقِ الْمَخْلُوطِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَيُعْتَبَرُ جَوَابًا لِمَا قِيلَ: إنَّ الْمَخْلُوطَ الْمَذْكُورَ حِينَمَا يُطْرَحُ فِي الْمَاءِ تَرْسُبُ الْحِنْطَةُ وَيَطْفُو الشَّعِيرُ فَيُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمَا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُقْبَلُ الْمَخْلُوطُ وَيَنْقُصُ ثَمَنُهُ بِالْعَيْبِ الْحَاصِلِ مِنْ الْبَلَلِ وَبِمَا أَنَّهُ لَا تَخْلُو إعَادَةُ الْحِنْطَةِ مِنْ قَلِيلٍ مِنْ الشَّعِيرِ. وَالشَّعِيرِ مِنْ قَلِيلٍ مِنْ الْقَمْحِ. فَعَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّفْرِيقُ وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ شَرَحْت هَذِهِ الْمَادَّةَ مِنْ الْمَجَلَّةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ خَلَطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْمَخْلُوطِ وَيَكُونُ الْمَالِكُ مُخَيَّرًا كَمَا ذُكِرَ فِي قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ الْآتِي (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ - الْخَلْطُ بِطَرِيقِ مَزْجِ جِنْسٍ بِجِنْسٍ آخَرَ.
وَهَذَا يَكُونُ بِخَلْطِ نَوْعٍ مِنْ الْمَائِعِ
(2/298)
بِمَائِعٍ آخَرَ كَخَلْطِ الْخَلِّ بِالسَّمْنِ وَالطَّحِينَةِ بِالدِّبْسِ. وَالْخَلْطُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ بِالِاتِّفَاقِ (الْقُهُسْتَانِيُّ) .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ - الْخَلْطُ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ لِلْجِنْسِ بِالْجِنْسِ. كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ زَيْتِ الْجَوْزِ بِزَيْتِ الْجَوْزِ أَوْ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ أَوْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ.
وَقَدْ وَقَعَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْخَلْطِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
فَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ حَيْثُ إنَّ الْخَلْطَ الْمَذْكُورَ هُوَ اسْتِهْلَاكٌ لِلْمَخْلُوطِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ مِنْ الْمَخْلُوطِ وَيَصِيرُ الْمَخْلُوطُ مَالَ الْخَالِطِ وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْخَالِطِ يَعْنِي إنْ كَانَ الْمَخْلُوطُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ يَلْزَمُ أَدَاءُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ أَدَاءُ قِيمَتِهِ. وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُشَارِكَ الْمَخْلُوطَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَفْرِيقُ وَتَمْيِيزُ الْمَخْلُوطِ غَيْرَ مُمْكِنٍ فَالْمُودِعُ الْمَالِكُ يَبْقَى عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ الْوَدِيعَةِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ يَكُونُ الْخَلْطُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إتْلَافًا وَيَصِيرُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا وَمَالِكًا لِلْمَخْلُوطِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، فَإِذَا تَرَكَ الْمُسْتَوْدَعُ الْمَخْلُوطَ بِهَذَا التَّقْدِيرِ وَتُوُفِّيَ عَنْ تَرِكَةِ غَرِيمِهِ يَسْتَوْفِي الْمُودِعُ حَقَّهُ مِنْ الْمَخْلُوطِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ كُلٌّ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ (الْبَدَائِعُ) .
وَلَكِنْ لَا يُبَاحُ لِلْخَالِطِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ (الْبَحْرُ) . فَقَطْ إذَا أَبْرَأَ الْمُودِعُ الْخَالِطَ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ مَعًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَعِنْدَ الْإِمَامَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْمُودِعُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْخَالِطَ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَكَ فِي الْمَخْلُوطِ بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ.
وَلَكِنْ إذَا أَبْرَأَ الْمُودِعُ الْخَالِطَ فَعِنْدَ الْمُشَارِ إلَيْهِ مَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَتَتَعَيَّنُ الْمُشَارَكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِيمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ إفْرَازٌ وَتَعْيِينٌ حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ عَيْنًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ فَكَانَ إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ قَائِمًا مَعَهُ (الزَّيْلَعِيّ) .
وَلَا يُوجَدُ فِي الْمَجَلَّةِ قَيْدٌ وَلَا إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَهُوَ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِي مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ. إنَّمَا كَانَ الضَّمَانُ مُتَعَيِّنًا فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَلَيْسَ مُتَعَيِّنًا فِي مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ. وَلَكِنْ إذَا حَمَلَ بَيَانُ الْمَجَلَّةِ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ فَيَكُونُ ذَكَرَ قِسْمًا مِنْهُ وَأَهْمَلَ الْقِسْمَ الْآخَرَ فَحَمْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْلَى.
[ (الْمَادَّةُ 789) خَلَطَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا بِمَالٍ آخَرَ أَوْ اخْتَلَطَا بِدُونِ صُنْعِهِ]
(الْمَادَّةُ 789) إذَا خَلَطَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا بِمَالِ آخَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ أَوْ اخْتَلَطَ الْمَالَانِ بِبَعْضِهِمَا الْبَعْضُ بِدُونِ صُنْعِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمَا مَثَلًا لَوْ انْخَرَقَ الْكِيسُ دَاخِلَ صُنْدُوقٍ وَاخْتَلَطَتْ الدَّنَانِيرُ الَّتِي فِيهِ مَعَ دَنَانِيرَ أُخْرَى يَصِيرُ الْمُسْتَوْدَعُ وَصَاحِبُ الْوَدِيعَةِ شَرِيكَيْنِ فِي مَجْمُوعِهَا. وَإِذَا هَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
(2/299)
إذَا أَجْرَى الْمُسْتَوْدَعُ فِي الْوَدِيعَةِ التَّصَرُّفَ الْمَعْدُودَ تَعَدِّيًا بِأَمْرِ الْمُودِعِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ مِلْكِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (1510) .
وَلِذَلِكَ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ لِآخَرَ وَيُعِيرَهَا وَيَرْهَنَهَا وَيَهَبَهَا وَيُؤَجِّرَهَا وَيَبِيعَهَا بِإِذْنِ الْمُودِعِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1452) . وَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا أَيْضًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (792) . وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا مَعَ غَيْرِ أَمِينِهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (799) . وَأَنْ يَصْرِفَهَا عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ كَأَهْلِ الْمُودِعِ وَعِيَالِهِ.
اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (799) .
وَعَلَيْهِ أَيْضًا إذَا خَلَطَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ بِمَالٍ آخَرَ بِصُورَةٍ لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمَا مَعَهَا أَوْ اخْتَلَطَ الْمَالَانِ كَذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمَا بِدُونِ رَأْي وَضْعِ الْمُسْتَوْدَعِ مَثَلًا - هَذَا التَّمْثِيلُ عَلَى فِقْرَةِ (بِدُونِ صُنْعِهِ) - إذَا انْخَرَقَ الْكِيسُ الْمَوْجُودُ وَدِيعَةً دَاخِلَ صُنْدُوقٍ وَاخْتَلَطَتْ دَنَانِيرُ الذَّهَبِ الْعُثْمَانِيِّ الَّتِي فِيهِ مَعَ دَنَانِيرِ ذَهَبٍ عُثْمَانِيٍّ أُخْرَى بِعَيْنِ الْوَزْنِ وَعَيْنِ الْمِقْدَارِ يَعْنِي لَوْ اخْتَلَطَتْ مَثَلًا عَشْرُ قِطَعِ دَنَانِيرِ ذَهَبٍ عُثْمَانِيٍّ كُلُّ قِطْعَةٍ بِمِائَةِ قِرْشٍ مَعَ خَمْسِ قِطَعِ دَنَانِيرَ عُثْمَانِيٍّ ذَهَبٍ كُلُّ قِطْعَةٍ بِمِائَةِ قِرْشٍ أَيْضًا وَكَانَ تَفْرِيقُهَا مُمْكِنًا مِنْ بَعْضِهَا فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَيَصِيرُ الْمُسْتَوْدَعُ وَصَاحِبُ الْوَدِيعَةِ شَرِيكَيْنِ فِي مَجْمُوعِهَا أَيْ فِي الْمَخْلُوطِ بِشَرِكَةِ الْمِلْكِ شَرِكَةً اخْتِيَارِيَّةً بِصُورَةِ الْخَلْطِ وَجَبْرِيَّةً بِتَقْدِيرِ الِاخْتِلَاطِ؛ لِأَنَّهُ حِينَمَا كَانَ مُحَرَّرًا فِي الْمَادَّةِ (777) لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَعَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ بِالِاخْتِلَاطِ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالْأَوْلَوِيَّةِ.
وَيَثْبُتُ عَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ أَيْضًا عِنْدَ الْخَلْطِ بِلَا صُنْعٍ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ صُنْعٌ وَتَعَدٍّ فِي الِاخْتِلَاطِ.
مَثَلًا لَوْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ الْمُودَعَةُ عَشَرَةً وَالْأُخْرَى خَمْسَةً وَاخْتَلَطَا بِبَعْضِهِمَا تَكُونُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا مُشْتَرَكَةً أَثْلَاثًا ثُلُثَانِ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَثُلُثٌ لِلْآخَرِ.
وَإِذَا هَلَكَ أَوْ ضَاعَ بَعْضُ الدَّنَانِيرِ الْمُخْتَلِطَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ ضَمَانُ بَعْضِ الْوَدِيعَةِ أَوْ كُلِّهَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. وَإِذَا هَلَكَ بَعْضُ الذَّهَبِ الْمُخْتَلِطِ يَجْرِي حُكْمُ الْمَادَّةِ (1061) .
اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي الْخَلْطِ بِالْإِذْنِ: اشْتِرَاكُ الْمُسْتَوْدَعِ وَالْمُودِعُ فِي صُورَةِ خَلْطِ الْمُسْتَوْدَعِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا يَجْرِي حُكْمُ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمَخْلُوطَ يَكُونُ مِلْكَ الْخَالِطِ وَيَضْمَنُ الْخَالِطُ حَقَّهُ لِلْمُسْتَوْدَعِ.
كَمَا أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ أَتْبَعَ الْقَلِيلَ لِلْكَثِيرِ يَعْنِي مَنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ يَكُونُ الْمَخْلُوطُ مِلْكَهُ وَيَضْمَنُ حَقَّهُ الْآخَرُ. وَأُشِيرَ بِقَوْلِ (لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمَا) فِي الْمَجَلَّةِ إلَى أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ بِصُورَةٍ يَكُونُ التَّفْرِيقُ مُمْكِنًا فِيهَا لَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فَيُفَرَّقُ الْمَالَانِ وَيُعْطَى لِكُلٍّ مَالُهُ.
إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُودِعُ بِالْإِذْنِ فَبِهَا وَإِنْ أَنْكَرَ يُجْبَرُ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى إثْبَاتِهِ وَفِي حَالِ عَجْزِهِ عَنْ الْإِثْبَاتِ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُودِعَ الْيَمِينَ. فَإِنْ حَلَفَ الْمُودِعُ صَارَ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا.
(2/300)
وَإِذَا أَوْدَعَهَا الْأَجْنَبِيُّ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا بِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ بِإِذْنِ الْمُودِعِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ) . رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (787) . كَمَا أَنَّ نَظِيرَ هَذَا يَجِيءُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ أَيْضًا.
[ (الْمَادَّةُ 790) لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ]
(الْمَادَّةُ 790) :
لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ.
فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ يَضْمَنُ وَإِذَا هَلَكَتْ بِتَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي وَتَقْصِيرِهِ فَإِنْ شَاءَ الْمُودِعُ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ وَيَرْجِعُ هَذَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي.
لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ (1) بِلَا عُذْرٍ (2) بِلَا إذْنٍ (3) بِلَا قَصْدٍ (4) عِنْدَ آخَرَ يَعْنِي عِنْدَ شَخْصٍ لَيْسَ بِأَمِينِهِ.
(رَاجِعْ الْمَادَّةَ 96) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ غَيْرِ الْمُسْتَوْدَعِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ. ثُمَّ لَا يُمْكِنُ لِشَيْءٍ أَنْ يَتَضَمَّنَ مِثْلَهُ. كَمَا لَا يُمْكِنُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ.
وَتُوجَدُ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ وَهُوَ مَالِكُهَا أَنْ يُمَلِّكَهَا لِغَيْرِهِ. أَوَّلُهَا: مَذْكُورٌ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ يَعْنِي لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُمَلِّكَ الْحِفْظَ لِآخَرَ وَهُوَ مَالِكٌ لَهُ.
الثَّانِي: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْهَنَ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (743) .
الثَّالِثُ: لَيْسَ لِوَكِيلِ الْبَيْعِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي الْبَيْعِ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1466) .
الرَّابِعُ: لَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِ الشَّيْءِ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِينَ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمَأْجُورَ لِآخَرَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 427) .
الْخَامِسُ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ الْمُعَارَ الَّذِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِينَ لِآخَرَ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 820) .
السَّادِسُ: لَيْسَ لِلْمُزَارِعِ أَنْ يُعْطِيَ الْأَرْضَ لِآخَرَ عَلَى طَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ.
السَّابِعُ: لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِطَرِيقِ الْمُضَارَبَةِ إلَى آخَرَ.
الثَّامِنُ: لَيْسَ لِلْمُسْتَبْضِعِ أَنْ يُبْضِعَ.
التَّاسِعُ: لَيْسَ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ آخَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
(1) " الْوَدِيعَةُ " يَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنَّ إعْطَاءَ مِفْتَاحِ الْحُجْرَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهِ الْوَدِيعَةُ لِآخَرَ لَا يُعَدُّ تَسْلِيمًا لِتِلْكَ الْحُجْرَةِ إلَيْهِ وَبِهَذَا لَا تَكُونُ الْوَدِيعَةُ أُودِعَتْ عِنْدَ آخَرَ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ ضَمَانٌ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ (الْبَحْرُ) .
(2) " بِلَا عُذْرٍ " لِأَنَّهُ عِنْدَ وُقُوعِ حَرِيقٍ فِي دَارِ الْمُسْتَوْدَعِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (784) لِكَوْنِ الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرَ مُقْتَدِرٍ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِالذَّاتِ أَوْ بِأَمِينِهِ فَإِذَا وَضَعَهَا فِي دَارِ جَارِهِ وَهَلَكَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ مَعَ أَنَّ الْوَضْعَ عِنْدَ الْجَارِ مَعْدُودٌ مِنْ الْإِيدَاعِ.
إنَّمَا بَعْدَ حُصُولِ الِاضْطِرَارِ لِلْإِيدَاعِ عِنْدَ الْغَيْرِ بِنَاءً عَلَى أَعْذَارٍ كَهَذِهِ إذَا لَمْ يَسْتَرِدَّهَا فِي حَالَةِ زَوَالِ الْعُذْرِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ نَظَرًا لِبَيَانِ قَاضِي خَانْ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 91) . وَلَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَدِيعَةَ مِنْ ذَلِكَ الْآخَرِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ. حَيْثُ إنَّ مَا ثَبَتَ لِضَرُورَةٍ يُقَدَّرُ بِمِقْدَارِهَا بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (22) وَلِكَوْنِ الضَّرُورَةِ تَرْتَفِعُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَرِيقِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْمَذْكُورِ يَكُونُ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ ابْتِدَاءً وَبِلَا ضَرُورَةٍ وَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِهَا بِيَدِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَذْكُورِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَقَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
(2/301)
كَمَا أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ خَطَرُ غَرَقِ السَّفِينَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا الْمُسْتَوْدَعُ فَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ الْمَوْجُودِ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى لِعَدَمِ اقْتِدَارِهِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ بِنَفْسِهِ وَعَدَمِ وُجُودِ أَمِينٍ يَسْتَلِمُ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ هُنَاكَ لَا يَضْمَنُ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 21) " تَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ ".
(3) " بِلَا إذْنٍ "؛ لِأَنَّهُ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ ابْتِدَاءً بَعْدَ إيدَاعِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُودِعُ صَارَ جَائِزًا. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ الْآتِيَةَ وَشَرْحَهَا) .
وَحِينَمَا يُودِعُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ يَخْرُجُ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ الْآخَرُ مُسْتَوْدَعًا (رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ 1452، 1459) الْخُلَاصَةُ ".
حَتَّى لَوْ اسْتَرْجَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْآخَرِ بِلَا إذْنٍ بَعْدَ أَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ بِإِذْنِ الْمُودِعِ وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يَكُونُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْقَوْلُ فِي تَعْيِينِ الشَّخْصِ لِلْمُسْتَوْدَعِ. مَثَلًا لَوْ أَنَّهُ بَعْدَ إعْطَاءِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ إلَى شَخْصٍ آخَرَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ حَصَلَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُودِعِ وَبَيْنَ الْمُسْتَوْدَعِ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُودِعُ: لَمْ آمُرْ بِإِعْطَائِهَا ذَلِكَ الشَّخْصَ، وَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: أَمَرْتَ بِإِعْطَائِهَا ذَلِكَ الشَّخْصَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعُ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ وَلِكَوْنِ الْمُسْتَوْدَعِ أَمِينًا فَقَبُولُ قَوْلِهِ لَازِمٌ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1774) .
وَلَكِنْ إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: إنِّي أَعْطَيْتهَا لِلشَّخْصِ الْفُلَانِيِّ بِأَمْرِك، لَا يَثْبُتُ أَخْذُ ذَلِكَ الشَّخْصِ لَهَا بِمُجَرَّدِ هَذَا الْكَلَامِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (78) .
مَثَلًا لَوْ أَمَرَ الْمُودِعُ الْمُسْتَوْدَعَ بِأَنْ يُعْطِيَهَا إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ وَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: إنِّي أَعْطَيْته إيَّاهَا، فَأَنْكَرَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ وَقَالَ الْمُودِعُ أَيْضًا: لَمْ تُعْطِهِ فَالْقَوْلُ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَوْدَعِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1774) وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّ كَلَامَ الْمُسْتَوْدَعِ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَلْزَمُ مَسْئُولِيَّتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَجْزِ عَنْ إثْبَاتِ أَخْذِهِ.
كَمَا لَوْ قَالَ الْمُودِعُ: إنِّي بَعْدَ أَنْ أَمَرْتُ الشَّخْصَ الْفُلَانِيَّ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ مِنْك نَهَيْته فَأَجَابَ الْمُسْتَوْدَعُ جَاءَ ذَلِكَ الشَّخْصُ وَأَخَذَ الْوَدِيعَةَ مِنِّي بِمُوجِبِ أَمْرِك وَأَفَادَ الشَّخْصُ الْمَرْقُومُ أَنَّهُ وَصَلَ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْوَدِيعَةَ يَبْرَأُ الْمُسْتَوْدَعُ.
(4) " قَصْدًا "؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ التَّبَعِيَّ جَائِزٌ. مَثَلًا لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ حَمَّامًا وَبَعْدَ أَنْ نَزَعَ ثِيَابَهُ وَضَعَهَا مَعَ الْوَدِيعَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَهُ أَمَامَ صَاحِبِ الْحَمَّامِ ثُمَّ سُرِقَتْ فَالْأَنْسَبُ عَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ أُودِعَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ آخَرَ فَهَذَا الْإِيدَاعُ ضِمْنِيٌّ وَغَيْرُ قَصْدِيٍّ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 54) .
(5) " عِنْدَ آخَرَ "؛ لِأَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ أَمِينِهِ. " رَاجِعْ الْمَادَّةَ 780 ".
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَعْطَى شَخْصٌ لِآخَرَ مَالًا كَيْ يُعْطِيَهُ إلَى شَخْصٍ آخَرَ وَبَعْدَ أَنْ أَعْطَى الْآخَرَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ إلَى رَجُلٍ حَتَّى يُعْطِيَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ الْآخَرِ ضَاعَ ذَلِكَ الْمَالُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَمِينَ الْآخَرِ الْمَرْقُومِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْآخَرِ الْمَذْكُورِ.
وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينَهُ يَضْمَنُ رَدُّ الْمُحْتَارِ ".
(2/302)
وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ بِلَا إذْنٍ وَكَانَتْ مَوْجُودَةً عَيْنًا فَلِلْمُسْتَوْدَعِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ يَعْنِي بَعْدَ الْإِيدَاعِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَإِذَا كَانَ هَلَاكُهَا حَصَلَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ لِلْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ تَرَكَ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
صُورَةُ الضَّمَانِ، هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إعْطَاءِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتَهَا يَوْمَ وُقُوعِ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي إنْ كَانَتْ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (703) .
غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَيْدَانِ وَشَرْطَانِ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ:
الْقَيْدُ الْأَوَّلُ: لُزُومُ الضَّمَانِ بِهَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ شَرْحًا يَكُونُ فِي صُورَةِ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ لِلْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي. وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ. وَعَدَمُ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي نَاشِئٌ عَنْ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ الْمَذْكُورَ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ الْأَمِينِ وَعَدَمُ لُزُومِهِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ نَشَأَ عَنْ عَدَمِ تَرْكِهِ الْحِفْظَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي وَلَمْ يُفَارِقْهُ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بَاقِيَةً فِي حِفْظِهِ أَيْضًا وَبَقِيَ رَأْيُهُ حَاضِرًا وَمَوْجُودًا. وَأَمَّا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فَحَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ تَرَكَ الْحِفْظَ الَّذِي الْتَزَمَهُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ. عَلَى مَا مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (784) .
كَذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ شَخْصٌ لِآخَرَ فِي الْقُدْسِ أَمْتِعَةً وَتَعَهَّدَ ذَلِكَ الْآخَرُ بِنَقْلِ الْأَمْتِعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى حَيَوَانِهِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى حَلَبَ وَبَعْدَ أَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْحَيَوَانِ أَعْطَاهَا لِشَخْصٍ آخَرَ فَهَلَكَتْ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ يَضْمَنُهَا الْآخَرُ الْمَذْكُورُ.
كَذَلِكَ إذَا أَعْطَى شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ مَالًا عَلَى أَنْ يُودِعَهُ عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ النَّاسِ فَسَلَّمَ الشَّخْصُ الْآخَرُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ إلَى فُلَانٍ قَائِلًا لَهُ: إنَّ الشَّخْصَ الْفُلَانِيَّ أَرْسَلَ لَك هَذَا الْمَالَ وَدِيعَةً وَبَعْدَ أَنْ قَبِلَهُ فُلَانٌ الْمَارُّ الذِّكْرِ أَعَادَهُ إلَى الشَّخْصِ الْآخَرِ وَهَلَكَ بِيَدِهِ يَضْمَنُ فُلَانٌ الْمَذْكُورُ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَئِمَّةُ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي. وَإِلَيْك الْبَيَانُ: إذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ بِلَا إذْنٍ كَمَا أُوضِحَ سَالِفًا وَهَلَكَتْ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُشَارِ إلَيْهِ حَيْثُ إنَّ مُسْتَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعِ قَبَضَ الْوَدِيعَةَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا. وَأَمَّا مُودَعُ الْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ أَيْضًا (الْبَحْرُ) .
وَأَمَّا الْإِمَامَانِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَجَعَلُوا الْمُودِعَ مُخَيَّرًا بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ وَتَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي. وَفِي مَذْهَبِهِمْ فِي صُورَةِ تَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي يَكُونُ لِهَذَا الْأَخِيرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى الْإِيضَاحَاتِ الْمَسْرُودَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (658) . وَأَمَّا فِي تَقْدِيرِ تَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِهِ أَصْبَحَ مَالِكًا الْوَدِيعَةَ بِضَمَانِهِ فَيَكُونُ أَوْدَعَ مَالَهُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (777) . مَا لَمْ يَكُنْ هَلَاكُ الْوَدِيعَةِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي بِتَعَدٍّ أَوْ بِتَقْصِيرٍ.
(2/303)
وَنَظَرًا لِقَوْلِهِ فِي الْفِقْرَةِ الْآنِفَةِ فِي الْمَجَلَّةِ (يُضَمِّنُ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ) وَعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِإِمْكَانِ تَضْمِينِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي أَيْضًا وَلِأَنَّهُ فِي حَالَةِ حَمْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ يَكُونُ ذَكَرَ قِسْمًا مِنْهَا وَأَهْمَلَ الْقِسْمَ الْآخَرَ وَمَعَ كَوْنِ الْمَادَّةِ (783) هِيَ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُ (لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ) هُنَاكَ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَقَدْ اخْتَارَتْ الْمَجَلَّةُ قَوْلَهُ.
الْقَيْدُ الثَّانِي - لُزُومُ الضَّمَانِ بَعْدَ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ الْإِيدَاعِ يَكُونُ فِي صُورَةِ هَلَاكِهَا بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي.
وَأَمَّا إذَا اسْتَرَدَّ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ أَنْ أَوْدَعَهَا بِلَا إذْنٍ ثُمَّ هَلَكَتْ وَهِيَ بِيَدِهِ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَلْزَمُ بَعْدَ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَوْدَعِ وَعَوْدَتِهِ إلَى الْوِفَاقِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (787) .
فَإِذَا ادَّعَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ الْمُودِعُ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ هَلَكَتْ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي وَطَلَبَ الضَّمَانَ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا وَادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ هَلَاكَهَا بَعْدَ أَنْ رَدَّهَا الْمُسْتَوْدَعُ الثَّانِي لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ. وَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مُقِرٌّ بِالسَّبَبِ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ أَيْ الْإِيدَاعَ عِنْدَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ فَادِّعَاؤُهُ الْبَرَاءَةَ لَا يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّتَيْنِ 787 و 789.
وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَوْدَعُ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: إنَّ الْوَدِيعَةَ هَلَكَتْ بِيَدِهِ بَعْدَ أَنْ غُصِبَتْ مِنْهُ وَأُعِيدَتْ إلَيْهِ وَادَّعَى الْمُودِعُ بِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِيَدِ الْغَاصِبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ يَبْقَى أَمِينًا كَمَا كَانَ.
فَالِاخْتِلَافُ السَّالِفُ الذِّكْرُ بَيْنَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامَيْنِ هُوَ فِي حَقِّ مُسْتَوْدَعِ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي حَقِّ مُسْتَوْدَعِ الْغَاصِبِ. مَثَلًا إذَا أَوْدَعَ الْغَاصِبُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ شَخْصٍ وَهَلَكَ بِيَدِهِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ - وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. مَا لَمْ يَكُنْ هَلَاكُ الْوَدِيعَةِ بِيَدِهِ حَصَلَ بِتَعَدِّيهِ أَوْ بِتَقْصِيرِهِ - وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَوْدَعَ وَهَذَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) . وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَوْدَعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُودِعَ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَلَكِنْ إذَا أَعَادَ مُودَعُ الْغَاصِبِ الْوَدِيعَةَ إلَى مُودِعِهِ يَبْرَأُ. كَمَا كَانَ غَاصِبُ الْغَاصِبِ بَرِيئًا بِرَدِّهِ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (911) .
وَقَدْ ذَكَرَ وَجَزَمَ فِي الدُّرَرِ وَالْبَحْرِ أَنْ لِلْمُسْتَوْدَعِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ نَظَرًا لِنَقْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَبَيَانِ الْبَاقَانِيِّ وَالْبُرْجَنْدِيِّ رُجُوعُ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى الْغَاصِبِ يَكُونُ فِي صُورَةِ عَدَمِ عِلْمِ الْمُسْتَوْدَعِ بِكَوْنِ الْمُودِعِ غَاصِبًا. رَاجِعْ شَرْحَ (777) .
وَإِذَا هَلَكَتْ بِتَعَدِّي وَتَقْصِيرِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي فَالْمُودِعُ مُخَيَّرٌ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهَا الْمُسْتَوْدَعُ. فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي - وَلَيْسَ لِهَذَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ.
كَمَا لَمْ يَكُنْ لِغَاصِبِ الْغَاصِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (910) - وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى
(2/304)
الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ بِضَمَانِهِ صَارَ مَالِكًا الْوَدِيعَةَ اسْتِنَادًا عَلَى الزَّمَانِ الَّذِي سَلَّمَهَا فِيهِ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي.
[ (الْمَادَّةُ 791) أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ وَأَجَازَ الْمُودِعُ ذَلِكَ]
(الْمَادَّةُ 791) - (إذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ وَأَجَازَ الْمُودِعُ ذَلِكَ خَرَجَ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْعُهْدَةِ وَصَارَ الشَّخْصُ الْآخَرُ مُسْتَوْدَعًا) .
إذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ وَأَجَازَ الْمُودِعُ ذَلِكَ أَخِيرًا الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةٌ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي يَخْرُجُ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْعُهْدَةِ وَيَصِيرُ الْمُسْتَوْدَعُ الثَّانِي يَعْنِي ذَلِكَ الشَّخْصَ مُسْتَوْدَعًا. يَعْنِي تَكُونُ كَأَنَّهَا أُودِعَتْ مِنْ طَرَفِ الْمُودِعِ رَأْسًا عِنْدَ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَيَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ خَارِجًا مِنْ الْمَسْئُولِيَّةِ. وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ الَّذِي وَرَدَ بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ كَوْنِ الْإِجَازَةِ تَلْحَقُ الْأَفْعَالَ كَمَا تَلْحَقُ الْأَقْوَالَ هِيَ قَاعِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ وَهَذِهِ الْمَادَّةُ جُزْءٌ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهَا، رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (1453) .
وَأَمَّا إذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ عِنْدَ آخَرَ وَبَعْدَ أَنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ الثَّانِي ثُمَّ أَجَازَ الْمُودِعُ هَذَا الْإِيدَاعَ فَهَلْ هَذِهِ الْإِجَازَةُ وَيَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ بِنَاءً عَلَيْهَا وَنَظِيرُهَا مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (793) .
وَكَذَلِكَ إذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَوْدَعُ بِإِذْنِ الْمُودِعِ ابْتِدَاءَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى.
[ (الْمَادَّةُ 792) لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَيُؤَجِّرَهَا وَيُعِيرَهَا وَيَرْهَنَهَا]
(الْمَادَّةُ 792) - (كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيُعِيرَهَا وَيَرْهَنَهَا وَأَمَّا إذَا آجَرَهَا أَوْ أَعَارَهَا أَوْ رَهَنَهَا بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهَا لِآخَرَ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ ضَاعَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا) .
وَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيُعِيرَهَا وَيَرْهَنَهَا وَيَبِيعَهَا وَيَهَبَهَا وَيُسَلِّمَهَا وَأَنْ يَأْخُذَهَا لِأَجْلِ دَيْنِ نَفْسِهِ وَأَنْ يَتَقَاضَى بِهَا وَيُجْرِيَ حِسَابَهَا وَتَفْصِيلَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:
1 - الِاسْتِعْمَالُ: وَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا يَكُونُ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (765) .
2 - إذَا أَجَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِيجَارُ لِأَجْلِ الْمُودِعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ إعَارَةً أَيْ يَكُونُ الْمُودِعُ أَعَارَهَا الْمُسْتَوْدَعَ وَالْمُسْتَوْدَعُ أَجَرَ الْوَدِيعَةَ لِلْآخَرِ وَانْتَفَعَ بِهَا اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (765) .
3 - الْإِعَارَةُ: إذَا أَعَارَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ وَبِاسْمِهِ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ وَكِيلًا يَعْنِي رَسُولًا
(2/305)
بِالْإِعَارَةِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1460) وَإِذَا أَعَارَهَا بِاسْمِ الْمُودِعِ وَبِاسْمِ نَفْسِهِ يَجُوزُ هَذَا أَيْضًا.
4 - الرَّهْنُ: إذَا رَهَنَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا لِأَجْلِ دَيْنِ نَفْسِهِ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ رَهْنِ الْمُسْتَعَارِ وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُ أَحْكَامِهِ فِي الْمَادَّةِ (726) وَالْمَوَادِّ اللَّاحِقَةِ لَهَا. وَأَمَّا إذَا رَهَنَهَا لِأَجْلِ الْمُودِعِ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ طَرَفِ الْمُودِعِ يَعْنِي رَسُولًا بِالرَّهْنِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1460) .
5 - الْبَيْعُ: إذَا بَاعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ مِنْ طَرَفِ الْمُودِعِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1452) .
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا جَعَلَ الْمُسْتَوْدَعُ عَقْدَ الْبَيْعِ مُضَافًا لِلْمُودِعِ تَكُونُ حُقُوقُ الْعَقْدِ عَائِدَةً لِلْمُودِعِ وَإِذَا أَضَافَهَا لِنَفْسِهِ تَكُونُ عَائِدَةً إلَى الْمُسْتَوْدَعِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1461) .
6 - الْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ: لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَهَبَ الْوَدِيعَةَ وَيُسَلِّمَهَا لِآخَرَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (1470) رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1459) .
7 - التَّقَاصُّ وَإِجْرَاءُ الْمَحْسُوبِ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ دَيْنٌ عَشْرُ ذَهَبَاتٍ عُثْمَانِيَّةٍ مِنْ جِهَةِ الْقَرْضِ وَأَعْطَى ذَلِكَ الشَّخْصَ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ عَشْرَ ذَهَبَاتٍ عُثْمَانِيَّةٍ وَدِيعَةً فَلِلرَّجُلِ أَنْ يُجْرِيَ تَقَاصَّ وَحِسَابَ الذَّهَبَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ بِإِذْنِ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ وَرِضَاهُ. وَإِذَا كَانَتْ الذَّهَبَاتُ الْمُودَعَةُ مَوْجُودَةً بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ حِينَ التَّرَاضِي يَقَعُ التَّقَاصُّ بِدُونِ احْتِيَاجٍ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ الْمُودَعَةُ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ حِينَ التَّرَاضِي وَكَانَتْ فِي دَارِهِ لَا يَقَعُ التَّقَاصُّ قَبْلَ أَنْ يُحَدِّدَ الرَّجُلُ الْمَرْقُومُ الْقَبْضَ اُنْظُرْ الْفَائِدَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (262) وَلَا يَقَعُ التَّقَاصُّ.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا أَوْ يُؤَجِّرَهَا أَوْ يُعِيرَهَا أَوْ يَرْهَنَهَا أَوْ يَبِيعَهَا وَيُسَلِّمَهَا أَوْ يَهَبَهَا وَيُسَلِّمَهَا لِآخَرَ وَلَا أَنْ يُجْرِيَ تَقَاصَّهَا وَحِسَابَهَا بِمَطْلُوبِهِ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهَا وَإِذَا أَجْرَى وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ فِي الْفِقْرَاتِ الْآتِيَةِ.
تَفْصِيلُ الْأَسْبَابِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْمَذْكُورَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (96) مِنْ الْمَجَلَّةِ. وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوَدِيعَةَ بِالذَّاتِ بِلَا إذْنِ صَاحِبِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ يَسْتَعْمِلُهَا أَيْضًا. وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي مِنْ الْمَادَّةِ (787) .
اسْتِثْنَائِيَّةٌ: اُسْتُثْنِيَتْ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ مِنْ مَسْأَلَةِ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْوَدِيعَةِ بِلَا إذْنٍ. مَثَلًا إذَا أُودِعَ عِنْدَ شَخْصٌ كُتُبُ عِلْمٍ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَنْظُرَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ وَأَنْ يُطَالِعَهَا. إنْ كَانَ النَّظَرُ وَتَقْلِيبُ أَوْرَاقِهَا غَيْرَ مُضِرٍّ فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ. وَهَذَا النَّظَرُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِ الْغَيْرِ وَالِاسْتِضَاءَةِ بِنَارِهِ. وَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ الشَّرِيفِ الْمُودَعِ عِنْدَهُ. فَإِذَا هَلَكَ فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ لِلْمُسْتَوْدَعِ وِلَايَةً وَاقْتِدَارًا عَلَى التَّصَرُّفِ بِهَذَا الْوَجْهِ وَالْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ مُنَافٍ لِلضَّمَانِ
(2/306)
الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
2 - وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِآخَرَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَالْإِيدَاعَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ مَالِكًا الْإِجَارَةَ فَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ أَيْ أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ لُزُومَ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ مَعَ كَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ أَوْ عَدَمَ لُزُومٍ يَعْنِي أَنْ تَصِيرَ الْإِجَارَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ مَعَ أَنَّهَا لَازِمَةٌ.
بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ لِأَجْلِ مَنَافِعِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِأَجْلِ الْمُودِعِ أَيْضًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (96) .
3 - وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ غَيْرُ مَالِكٍ لِمَنَافِع الْوَدِيعَةِ وَحَيْثُ إنَّ الْإِعَارَةَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ فَلَيْسَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَمْلِكَ شَخْصٌ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ.
4 - وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا عِنْدَ آخَرَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا وَلَيْسَ لِشَخْصٍ أَنْ يَفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ بِلَا أَمْرِ صَاحِبِهِ.
وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَرْهَنَ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ لِأَجْلِ دَيْنِ نَفْسِهِ أَوْ دَيْنِ شَخْصٍ أَجْنَبِيٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا لِأَجْلِ دَيْنِ الْمُودِعِ أَيْضًا بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَالْوَدِيعَةَ لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا.
5 - الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ: لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَبِيعَ الْوَدِيعَةَ لِآخَرَ بِلَا إذْنٍ وَيُسَلِّمَهَا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (96) . فَإِنْ فَعَلَ كَانَ بَيْعًا فُضُولِيًّا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (368) .
6 - الْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ: لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَهَبَ الْوَدِيعَةَ لِآخَرَ وَيُسَلِّمَهَا بِلَا إذْنٍ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (96) ؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (857) كَوْنُ الْوَاهِبِ مَالِكًا لِلْمَالِ الْمَوْهُوبِ شَرْطٌ.
7 - التَّقَاصُّ وَالْحِسَابُ: لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ مُقَابِلَ دَيْنِهِ عِنْدَ الْمُودَعِ وَيَجْرِي تَقَاصُّهَا وَحِسَابُهَا وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. مَثَلًا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ آخَرَ دَيْنٌ خَمْسُونَ ذَهَبًا وَأَوْدَعَ الشَّخْصُ الْآخَرُ عِنْدَهُ خَمْسِينَ ذَهَبًا فَلَا يَقَعُ التَّقَاصُّ بِالدَّيْنِ الْمَذْكُورِ بِلَا تَرَاضٍ.
فَإِذَا اسْتَعْمَلَهَا بِلَا إذْنٍ أَوْ آجَرَهَا أَوْ أَعَارَهَا أَوْ رَهَنَهَا وَسَلَّمَهَا أَوْ بَاعَهَا وَسَلَّمَهَا أَوْ وَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ ضَاعَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا أَثْنَاءَ الِاسْتِعْمَالِ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ نَظَرًا لِكَوْنِهَا تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (96) .
تَفْصِيلُ الضَّمَانِ:
1 - الِاسْتِعْمَالُ: إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَثْنَاءَ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَوْدَعِ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ فَقَطْ. وَمَسْأَلَةُ الِاسْتِعْمَالِ هَذِهِ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ هُنَا وَلَكِنْ حَيْثُ إنَّهَا ذُكِرَتْ فِي مِثَالِ الْمَادَّةِ (787) فَذُكِرَتْ شَرْحًا لِأَجْلِ حُسْنِ الْمُقَابَلَةِ.
2 - الْإِيجَارُ: إذَا أَجَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا فَعِنْدَ هَلَاكِهَا بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْمُودِعُ
(2/307)
مُخَيَّرٌ. إنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَالْغَاصِبِ. وَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. إنْ كَانَ هَلَاكُهَا بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَصَلَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ. رَاجِعْ الْمَوَادَّ 600 و 601 و 831 وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ بِسَبَبِ أَنَّهُ بِحُكْمِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ. وَلِأَجْلِ مَسْأَلَةِ رُجُوعِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الَّذِي هُوَ مُؤَجِّرُهُ فَلْيُرَاجَعْ شَرْحُ الْمَادَّةِ (658) .
3 - الْإِعَارَةُ: إذَا أَعَارَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ وَهَلَكَتْ بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَالْمُودِعُ مُخَيَّرٌ. إنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. إذَا كَانَ هَلَاكُهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مَالِكٌ لِلْمُسْتَعَارِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَالْمُسْتَعَارُ أَمَانَةٌ بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ، حُكْمُ الْمَادَّةِ (813) وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَعِيرِ وَلَيْسَ لِهَذَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) .
4 - الرَّهْنُ: إذَا رَهَنَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ عِنْدَ آخَرَ وَلَمْ يُجِزْ الْمُودِعُ الرَّهْنَ فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً فَكَمَا لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا عَيْنًا مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَكُونُ الْمُودِعُ مُخَيَّرًا إذَا هَلَكَتْ. إنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ وَلَيْسَ لِهَذَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ بَلْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِتَقْدِيرِ هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بِلَا تَعَدٍّ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا ذُكِرَ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) . وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُرْتَهِنِ. وَإِذَا ضَمَّنَهَا لِلْمُرْتَهِنِ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (701) .
5 - الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ: إذَا بَاعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ لِآخَرَ وَهَلَكَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمُودِعُ مُخَيَّرٌ. إنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) .
6 - الْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ: إذَا وَهَبَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنٍ لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا فَهَلَكَتْ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَالْمُودِعُ مُخَيَّرٌ. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَوْدَعَ. وَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ. (رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 658) .
7 - التَّقَاصُّ وَالْحِسَابُ: إذَا أَخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ لِأَجْلِ تَقَاصِّهَا بِدَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُودِعُ يَسْتَرِدُّهَا إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً بِيَدِهِ فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ اسْتَهْلَكَهَا وَكَانَ الْمُسْتَهْلَكُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَجْرِي التَّقَاصُّ مَعَ مِقْدَارِ الدَّيْنِ وَلَا يَبْقَى مَحِلٌّ لِلتَّضْمِينِ.
[ (الْمَادَّةُ 793) أَقْرَضَ الْمُسْتَوْدَعُ دَرَاهِمَ الْأَمَانَةِ بِلَا إذْنٍ إلَى آخَرَ]
(الْمَادَّةُ 793) إذَا أَقْرَضَ الْمُسْتَوْدَعُ دَرَاهِمَ الْأَمَانَةِ بِلَا إذْنٍ إلَى آخَرَ وَسَلَّمَهَا وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ. وَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى بِالدَّرَاهِمِ الْمَوْدُوعَةِ عِنْدَهُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى صَاحِبِهَا لِآخَرَ وَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا يَضْمَنُ.
إذَا أَقْرَضَ الْمُسْتَوْدَعُ مَبْلَغَ الْأَمَانَةِ أَوْ مَالَ أَمَانَةٍ أُخْرَى مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ بِلَا إذْنٍ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ فَإِنْ أَجَازَ صَاحِبُهَا يَعْنِي إنْ أَجَازَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ عَيْنًا بِيَدِ الْمُسْتَقْرِضِ فَتَكُونُ الْإِجَازَةُ صَحِيحَةً وَإِلَّا فَيَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ أَوْ ذَلِكَ الْمَالَ. وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ مَالِكًا ذَلِكَ الْقَرْضَ بِسَبَبِ
(2/308)
مِلْكِهِ يَعْنِي بِسَبَبِ ضَمَانِهِ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ: (1) - دَرَاهِمُ الْأَمَانَةِ. هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا وَالْحُكْمُ فِي عُمُومِ الْمِثْلِيَّاتِ الَّتِي يَجُوزُ إقْرَاضُهَا عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَشْرُوحِ. وَكَذَلِكَ فِي الْمَكِيلَاتِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ الْأَمَانَةُ وَفِي الْمَوْزُونَاتِ كَالدَّقِيقِ وَالتِّبْنِ، وَفِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ.
(2) - وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَهَا صَاحِبُهَا كَانَ الْقَرْضُ صَحِيحًا. وَكَانَ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ الْقَرْضِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ عَائِدًا إلَى الْمُودِعِ. وَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِأَمْرِ الْمُودِعِ ابْتِدَاءً رَاجِعْ مَادَّتَيْ (1459 وَ 1460) . غَيْرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْإِجَازَةِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا بِيَدِ الْمُسْتَقْرِضِ فَإِذَا أَجَازَ الْمُودِعُ هَذَا الْإِقْرَاضَ بَعْدَ أَنْ اسْتَهْلَكَهَا الْمُسْتَقْرِضُ لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ وَيُضَمِّنُهَا الْمُودِعُ لِلْمُسْتَوْدَعِ.
(3) - يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ. هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ لِأَجْلِ الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ لِلْمُودِعِ أَنْ يَضْمَنَ الِاحْتِرَازَ مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ أَوْ ذَلِكَ الْمَالَ لِلْقَابِضِ أَيْضًا وَيَبْرَأُ الْمُسْتَوْدَعُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1635) . كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَذْكُورَةُ أَوْ ذَلِكَ الْمَالُ مَوْجُودَةً عَيْنًا بِيَدِ الْمُسْتَقْرِضِ فَلِلْمُودِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا عَيْنًا. وَلَكِنْ هَلْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُضَمِّنَهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَذْكُورَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا بِيَدِ الْقَابِضِ، رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1635) كَذَلِكَ إذَا أَدَّى الْمُسْتَوْدَعُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَوْجُودَةِ أَمَانَةً عِنْدَهُ دَيْنَ صَاحِبِهَا أَيْ دَيْنَ الْمُودِعِ الَّذِي لِآخَرَ وَلَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا فَصَاحِبُهَا يَكُونُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ أَجَازَ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يَطْلُبَ شَيْئًا مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُجِزْ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يُضَمِّنُ وَدِيعَتَهُ لِلْمُسْتَوْدَعِ. وَتُصْبِحُ الدَّرَاهِمُ الَّتِي أُعْطِيت إلَى الدَّائِنِ مَالَهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ اسْتَوْفَى مَطْلُوبَهُ وَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُودِعِ بِحُجَّةِ أَنَّهُ أَوْفَى دَيْنَهُ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ الدَّائِنَ أَيْضًا وَيَسْتَرِدَّ الْوَدِيعَةَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي) . رَاجَعَ الْمَادَّةُ (787) .
وَفِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: عِبَارَةُ (إذَا أَدَّى) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ أَدَّى الدَّرَاهِمَ لِلدَّائِنِ قَصْدًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَطْلُوبُ الدَّائِنِ مِنْ جِنْسِ الْوَدِيعَةِ فَلِلدَّائِنِ الْمَرْقُومِ عِنْدَ ظَفَرِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ مِقْدَارًا كَافِيًا لِمَطْلُوبِهِ. وَإِنْ كَانَ إعْطَاءُ الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرَ جَائِزٍ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: يُشَارُ بِعِبَارَةِ (لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا) إلَى أَنَّ الْمُودِعَ الَّذِي هُوَ صَاحِبُهَا مَوْجُودٌ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ صَاحِبُهَا مُتَوَفَّى فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُعْطِيَ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ إلَى دَائِنِ الْمُتَوَفَّى إنْ كَانَ الدَّائِنُ الْمَذْكُورُ مَعْرُوفًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ أَتَى بِفِعْلٍ كَانَ عَلَى وَصِيِّ الْمُتَوَفَّى أَنْ يَفْعَلَهُ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي) . رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (892) .
لِأَنَّهُ قَضَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ غَرِيمُ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ لِلِابْنِ مِيرَاثٌ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
(2/309)
كَمَا لَوْ كَانَ لِلْمُتَوَفَّى بِذِمَّةِ شَخْصٍ مَطْلُوبٍ عَشْرُ ذَهَبَاتٍ وَلِشَخْصٍ آخَرَ دَيْنٌ عَشْرُ ذَهَبَاتٍ وَأَعْطَى لِذَلِكَ الشَّخْصِ عَشْرَ ذَهَبَاتٍ بِقَوْلِهِ: إنِّي أُعْطِي هَذِهِ الْعَشْرَ ذَهَبَاتٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ الْآخَرِ لِأَجْلِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي لِلْمُتَوَفَّى بِذِمَّتِي وَبِقَصْدِ إيفَائِهِ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَإِلَّا كَانَ مُتَبَرِّعًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ إعْطَاءُ دَيْنِ الْمُتَوَفَّى إلَى وَرَثَتِهِ (مِنْ الْمَحِلِّ الْمَذْبُورِ) .
[ (الْمَادَّةُ 794) طَلَب صَاحِب الْوَدِيعَة وَدِيعَتَهُ]
(الْمَادَّةُ 794) إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ صَاحِبُهَا لَزِمَ رَدُّهَا وَتَسْلِيمُهَا لَهُ. وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ وَالتَّسْلِيمِ يَعْنِي كُلْفَتَهُ تَعُودُ عَلَى الْمُودِعِ. وَإِذَا طَلَبَهَا الْمُودِعُ وَلَمْ يُعْطِهَا الْمُسْتَوْدَعُ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ ضَاعَتْ يَضْمَنُ. بَيْدَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إعْطَاؤُهَا لِعُذْرٍ كَوُجُودِهَا فِي مَحِلٍّ بَعِيدٍ حِينَ الطَّلَبِ وَهَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
إذَا طَلَبَ الْوَدِيعَةَ صَاحِبُهَا أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ رَسُولُهُ فَإِنْ كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى الرَّدِّ وَالتَّسْلِيمِ لَزِمَ رَدُّ الْوَدِيعَةِ وَتَسْلِيمُهَا لَهُ أَوْ لِوَكِيلِهِ أَوْ لِرَسُولِهِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ طَلَبَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَدِيعَتَهُ هُوَ بِمَعْنَى فَسْخِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَحَيْثُ إنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْعُقُودِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ فَحَقُّ الْمُودَعِ لَهُ ثَابِتٌ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - (طَلَبَ) .
يَظْهَرُ مِنْ ذِكْرِ طَلَبِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ هُنَا بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَنَّهُ سَوَاءٌ أَطَلَبَهَا بِذَاتِهِ أَمْ أَرْسَلَ وَكِيلًا أَمْ رَسُولًا وَطَلَبَهَا بِوَاسِطَةِ الْوَكِيلِ أَوْ الرَّسُولِ الْمَرْقُومِ يَلْزَمُ رَدُّهَا. كَمَا سَيُفَصَّلُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
2 - (لَهُ) هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى وَكِيلِهِ أَوْ رَسُولِهِ جَائِزٌ أَيْضًا. مَثَلًا لَوْ أَمَرَ الْمُودِعُ الْمُسْتَوْدَعَ بَانَ يُعْطِيَ الْوَدِيعَةَ لِفُلَانٍ يَلْزَمُ إعْطَاؤُهَا لَهُ. وَإِذَا أَعْطَاهَا لِفُلَانٍ يَبْرَأُ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَوَّلُ وَحِينَمَا يُرِيدُ صَاحِبُهَا اسْتِرْدَادَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ الْمُسْتَوْدَعَ الْأَوَّلَ عَلَى الِاسْتِرْدَادِ الْمَذْكُورِ.
الرَّدُّ إلَى عِيَالِ الْمُودِعِ أَوْ مَنْزِلِهِ: فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَعَدَمِهِ إلَى عِيَالِ الْمُودِعِ وَمَنْزِلِهِ كَزَوْجَةِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَوَلَدِهِ بِلَا أَمْرِ الْمُودِعِ قَوْلَانِ: فَفِي قَوْلٍ: يَجُوزُ رَدُّهَا وَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَرَدِّ مِلْكِ الْمَالِكِ إلَى عِيَالِهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا الرَّدُّ إيدَاعًا. وَلَكِنْ إذَا رَدَّ الْغَاصِبُ وَأَعَادَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِ صَاحِبِ الْمَالِ لَا يَبْرَأُ.
وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَيْ بِيَدِ أَحَدِ مَنْ هُمْ فِي عِيَالِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَنَظَرًا لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ (لَهُ) لَا يَكُونُ احْتِرَازًا مِنْ عِيَالِهِ.
وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَا تُرَدُّ إلَى عِيَالِهِ أَوْ إلَى مَنْزِلِهِ.
فَإِذَا رُدَّتْ وَهَلَكَتْ بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا كَمَا سَيُفَصَّلُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. وَلَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمَجَلَّةُ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
(2/310)
صُورَةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ: يَحْصُلُ رَدُّ الْوَدِيعَةِ وَتَسْلِيمُهَا بِتَخْلِيَةِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ يَعْنِي بِإِفْرَاغِهِ إيَّاهَا بِحَالٍ يُمْكِنُ قَبْضُهَا وَالْإِذْنُ لَهُ بِقَبْضِهَا. كَوْنُهَا أَمَامَهُ وَقَوْلُهُ: اقْبِضْ.
3 - (الرَّدُّ) يُشَارُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَى أَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْمُودِعُ حَمْلَ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ يَعْنِي نَقْلَهَا إلَى دَارِهِ مَثَلًا وَلَمْ يَنْقُلْهَا الْمُسْتَوْدَعُ يَعْنِي إذَا امْتَنَعَ عَنْ نَقْلِهَا وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ بِيَدِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ شَيْءٌ سِوَى التَّخْلِيَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
4 - (فَإِنْ كَانَ مُقْتَدِرًا) هَذَا الْقَيْدُ احْتِرَازِيٌّ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَجَلَّةِ آتِيًا.
5 - وَرَدَ فِي الشَّرْحِ (بِعَيْنِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ الْمَوْجُودَةُ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ كَاسِدَةً يَلْزَمُ رَدُّهَا عَيْنًا إلَى صَاحِبِهَا. وَإِلَّا فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الدَّرَاهِمُ كَاسِدَةٌ لَا آخُذُهَا وَأُرِيدُ بَدَلَهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ نَقْدِيَّةً مَوْجُودَةً بِعَيْنِهَا وَكَانَتْ رَائِجَةً ثُمَّ مُنِعَ تَدَاوُلُهَا بِغِيَابِ الْمُودِعِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ التَّضْمِينَ بِحُجَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْدِلْهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ كَمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطِ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عَيْنًا، وَقَالَ: إنِّي أُعْطِي مِثْلَهَا لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ، وَهُوَ مَجْبُورٌ عَلَى إعْطَائِهَا عَيْنًا إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً. مَثَلًا إذَا أَمْسَكَ الْمُسْتَوْدَعُ دَنَانِيرَ الْوَدِيعَةِ وَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ أَمْثَالَهَا لِلْمُودِعِ فَلِلْمُودِعِ حَقٌّ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا وَأَنْ يَطْلُبَ عَيْنَ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (243) النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ فِي الْأَمَانَاتِ.
طَلَبُ الْمُودِعِ وَإِنْكَارُ الْمُسْتَوْدَعِ: إذَا طَلَبَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ أَوْدَعَ عِنْدَهُ مَالًا فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَوْدَعِ.
(رَاجِعْ الْمَادَّةَ 78) . فَإِذَا نَكِلَ الْمُسْتَوْدَعُ عَنْ الْيَمِينِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَإِذَا أَقَامَ الْمُودِعُ الْبَيِّنَةَ لَزِمَ الضَّمَانُ أَيْضًا " رَاجِعْ الْمَادَّةَ 901 ".
إذَا اُخْتُلِفَ فِي قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ وَمِقْدَارِهَا وَوَضْعِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ. " رَاجِعْ الْمَادَّةَ 78 ".
مَثَلًا لَوْ أَوْدَعَ شَخْصٌ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ صُنْدُوقًا مَقْفُولًا ثُمَّ لَمَّا قَبَضَهُ ادَّعَى بِأَنَّ كَذَا أَشْيَاءَ نَاقِصَةً فِي الصُّنْدُوقِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَعْلَمُ وُجُودَ أَشْيَاءَ كَهَذِهِ فِي الصُّنْدُوقِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَلَا الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ الْآخَرِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُودِعِ أَنْ يَدَّعِيَ إيدَاعَهُ لِلْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ لِاسْتِهْلَاكِ الشَّخْصِ الْآخَرِ وَتَضْيِيعِهِ إيَّاهَا.
كَذَلِكَ إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ بِلَا تَعْدَادٍ وَادَّعَى أَخِيرًا بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ بِزِيَادَةِ كَذَا لَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ شَيْءٌ. مَا لَمْ يَدَّعِ لِقَوْلِهِ: إنَّهَا كَانَتْ زَائِدَةً مِقْدَارَ كَذَا وَأَنْتَ أَضَعْت الزِّيَادَةَ أَوْ حَصَلَتْ مِنْك خِيَانَةٌ بِوَجْهِ كَذَا، وَإِذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ يَحْلِفُ الْمُسْتَوْدَعُ رَاجِعْ الْمَادَّةَ " 1589 ".
ادِّعَاءُ الْمُسْتَوْدَعِ بِأَنَّهُ رَدَّهَا أَوْ أَنَّهَا هَلَكَتْ: إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ أَوْ أَنَّهَا هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِيَدِهِ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ.
" رَاجِعْ
(2/311)
الْمَادَّةَ 1774 " وَإِذَا تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ الْيَمِينَ لَا تَحْلِفُ وَرَثَتُهُ.
وَمُؤْنَةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَتَسْلِيمِهَا يَعْنِي كُلْفَتُهُ وَمَصْرِفُهُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمُودِعِ " رَاجِعْ الْمَادَّةَ 797، لِأَنَّهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنْ يَعُودَ رَدُّ وَإِعَادَةُ الْمَالِ عَلَى مَنْ يَكُونُ قَبَضَهُ لِأَجْلِ مَنْفَعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (88) الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ. وَحَيْثُ إنَّ قَبْضَ الْوَدِيعَةِ هُوَ لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْمُودِعِ فَكَمَا أَنَّ مُؤْنَةَ رَدِّهَا بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَائِدَةٌ عَلَى الْمُودِعِ فَمُؤْنَةُ رَدِّ الْمُسْتَعَارِ أَيْضًا تَعُودُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْتَعَارِ لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَعِيرِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (830) .
وَكَمَا أَنَّ الْمَوَادَّ (594 و 595 و 8340) مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَعَائِدَةُ مُؤْنَةِ رَدِّ الْمَرْهُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (723) .
وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُودِعُ: أَحْضِرْ لِي الْوَدِيعَةَ الْيَوْمَ فَلَوْ قَالَ: نَعَمْ أُحْضِرُهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهَلَكَتْ فِي غَدِ الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ هُوَ التَّخْلِيَةُ وَلَيْسَ النَّقْلُ مِنْ مَحِلٍّ إلَى آخَرَ فَجَوَابُهُ بِقَوْلِ: نَعَمْ تَبَرُّعٌ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إنْفَاذِهِ.
وَإِذَا طَلَبَ الْمُودِعُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ رَسُولُهُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَمْ يُعْطِهَا الْمُسْتَوْدَعُ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ ضَاعَتْ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ بَعْدَ الطَّلَبِ تَعَدٍّ (الْبَحْرُ) ، وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَعْنِي بِصُورَةِ عَدَمِ إعْطَائِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَرُدَّ الْوَدِيعَةَ سَالِمَةً إلَى صَاحِبِهَا. رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ " 787 ".
وَالْحَاصِلُ طَلَبُ الْوَدِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ.
1 - طَلَبُ الْمُودِعُ بِالذَّاتِ: وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَرُدَّهَا. فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهَا وَهَلَكَتْ يَضْمَنُهَا. وَلِذَلِكَ إذَا طَلَبَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ وَبِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُسْتَوْدَعِ " لَيْسَ لِي اقْتِدَارٌ أَنْ أُحْضِرُهَا الْآنَ " فَتَرَكَ وَذَهَبَ فَإِنْ كَانَ ذَهَبَ بِرِضَاهُ يَكُونُ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ إنْشَاءً مُجَدَّدًا فَإِذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَأَمَّا إذَا ذَهَبَ بِدُونِ رِضَاهُ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا وَإِنَّمَا إذَا كَانَ طَالِبُ الْوَدِيعَةِ وَكِيلَ الْمُودِعِ فَلِعَدَمِ مَأْذُونِيَّةِ الْوَكِيلِ الْمَرْقُومِ بِإِنْشَاءِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِأَيِّ حَالٍ الْبَحْرُ.
كَمَا لَوْ كَانَتْ الْفَرَسُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ شَخْصَيْنِ بِيَدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فَطَلَبَهَا الْآخَرُ كَيْ يَنْتَفِعَ بِهَا فِي نَوْبَتِهِ فَلَمْ يُعْطِهَا مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ حِصَّتَهُ.
2 - طَلَبُ وَكِيلِ الْمُودِعِ: فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ رَدُّهَا فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ يَضْمَنُ.
مَثَلًا لَوْ بَعْدَ أَنْ قَالَ الْمُودِعُ لِلْمُسْتَوْدَعِ: أَعْطِ الْوَدِيعَةَ لِخَادِمِي، فَطَلَبَهَا الْخَادِمُ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَمْ يُعْطِهَا وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ يَضْمَنُ.
وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورًا عَلَى دَفْعِهَا فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَةٌ
(2/312)
بِالْبَيِّنَةِ وَثَبَتَ بِتَصْدِيقِ الْمُسْتَوْدَعِ فَكَمَا أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهَا فَهُوَ بِالْأَوْلَى غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى رَدِّهَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُسْتَوْدَعُ وَكَالَةَ الشَّخْصِ الَّذِي يَقُولُ: أَنَا وَكِيلٌ أَوْ لَمْ يُكَذِّبْهَا أَوْ سَكَتَ أَوْ كَذَّبَهَا فَإِذَا لَمْ يُعْطِهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَهَلَكَتْ بِيَدِهِ لَا يَضْمَنُ تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ.
وَالْحَاصِلُ - إذَا جَاءَ شَخْصٌ عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ مِنْ قِبَلِ الْمُودِعِ وَصَدَّقَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى وَكَالَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ لَا يُؤْمَرُ بِرَدِّهَا إلَى الْوَكِيلِ الْمَرْقُومِ رَدُّ الْمُحْتَارِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَيْضًا عَلَى الدَّفْعِ إذَا كَذَّبَ الْوَكَالَةَ أَوْ سَكَتَ.
وَلَكِنْ إذَا طَلَبَ شَخْصٌ الدَّيْنَ مِنْ الْمَدِينِ قَائِلًا: إنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَصَدَّقَ الْمَدِينُ أَيْضًا عَلَى الْوَكَالَةِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ الدَّيْنَ يَعْنِي بِجَبْرِ الْمَدِينِ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ إقْرَارَ الْمَدِينِ فِي الدَّيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إقْرَارٌ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فِي الْوَدِيعَةِ فَهُوَ إقْرَارٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَيْسَ صَحِيحًا.
وَلَوْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ الْمَالَ لَا يَصِيرُ خَصْمًا وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَالِ إلَّا أَنْ تَقَعَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ لَا يَحْلِفُ الْوَكِيلُ الْمَطْلُوب عَلَى الْعِلْمِ بِوَكَالَتِهِ إذْ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَمْ تَصِحَّ إذْ لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَتُهُ فَلَمْ يَصِرْ خَصْمًا إلَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْمَالُ يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَكِيلَ قَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ عِنْدَهُ تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ فِي آخِرِ الْوَدِيعَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُودِعُ: أَعْطِ الْوَدِيعَةَ لِمَنْ أُرْسِلُهُ مِنْ وُكَلَائِي الثَّلَاثَةِ وَطَلَبَهَا أَحَدُهُمْ فَلَمْ يُعْطِهِ إيَّاهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِحُجَّةِ أَنَّهُ سَيُعْطِيهَا لِلْوَكِيلِ الْآخَرِ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى طَلَبَ الْمُودِعُ أَوْ وَكِيلُهُ الْوَدِيعَةَ فَلَا يَكُونُ لَهُ رِضًا بِإِمْسَاكِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ بَعْدَهُ وَيَكُونُ الطَّلَبُ الْمَذْكُورُ فَسْخًا لِعَقْدِ الْوَدِيعَةِ مِنْ قِبَلِ الْمُودِعِ " مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ.
3 - طَلَبُ رَسُولِ الْمُودِعِ إذَا أَثْبَتَ رِسَالَةَ الرَّسُولِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَزِمَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ رَدُّهَا لَهُ حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الرَّسُولِ بِحُجَّةِ أَنَّهُ سَيُعْطِيهِ إيَّاهَا بِذَاتِهِ وَتَلِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَدِهِ يَضْمَنُ.
وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ رِسَالَةَ مَنْ قَالَ: أَنَا رَسُولٌ أَوْ أَنْكَرَ رِسَالَةً وَلَمْ يَتَمَكَّنْ هُوَ أَيْضًا مِنْ إثْبَاتِ رِسَالَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُعْطِهِ.
كَمَا لَوْ قَالَ الْمُودِعُ لِلْمُسْتَوْدَعِ: أَعْطِ الْوَدِيعَةَ لِمَنْ يُخْبِرُك بِكَذَا عَلَامَةً، وَجَاءَ شَخْصٌ لِلْمُسْتَوْدَعِ وَأَخْبَرَهُ بِالْعَلَامَةِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُسْتَوْدَعُ وَلَمْ يُعْطِهِ الْوَدِيعَةَ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُخْبِرَ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَخْصٌ غَيْرُ الرَّسُولِ مَا لَمْ يُثْبِتْ الشَّخْصُ الْمَرْقُومُ أَنَّ الْعَلَامَةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ عَلَامَةُ الْمُودِعِ " تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَفِيهِ تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَالْأَنْقِرْوِيُّ ". قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ: أَعْطَيْتُهَا لِلرَّسُولِ: إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ لِلْمُودِعِ " جَاءَ رَسُولُك وَأَعْطَيْتُهُ الْوَدِيعَةَ، وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ أَنَّهُ رَسُولٌ فَإِنْ أَثْبَتَ الْمُسْتَوْدَعُ ذَلِكَ فَبِهَا وَإِلَّا يَحْلِفُ الْمُودِعُ أَنَّهُ لَيْسَ رَسُولًا فَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ ثَبَتَتْ الرِّسَالَةُ. وَأَمَّا إنْ حَلَفَ يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ. وَاذَا صَدَّقَ الْمُسْتَوْدَعُ رِسَالَةَ الرَّسُولِ يَرْجِعُ عَلَى الرَّسُولِ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ يَعْنِي يُضَمِّنُهُ لِلرَّسُولِ الْمَرْقُومِ وَالتَّضْمِينُ يَكُونُ بِالصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ: الصُّورَةُ الْأُولَى - إذَا أَعْطَى الْمُسْتَوْدَعُ الرَّسُولَ الْوَدِيعَةَ رَغْمَ تَكْذِيبِهِ رِسَالَتَهُ يَعْنِي إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهَا مَعَ
(2/313)
بَيَانِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ يَرْجِعُ الْمُسْتَوْدَعُ أَيْضًا بَعْدَ الضَّمَانِ عَلَى ذَلِكَ الرَّسُولِ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا أَعْطَى الْمُسْتَوْدَعُ الرَّسُولَ الْوَدِيعَةَ دُونَ أَنْ يُصَدِّقَهُ أَوْ يُكَذِّبَهُ يَرْجِعُ الْمُسْتَوْدَعُ أَيْضًا عَلَى الرَّسُولِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ - إذَا صَدَّقَ الْمُسْتَوْدَعُ الرَّسُولَ الْمَذْكُورَ يَعْنِي مَعَ بَيَانِهِ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ قِبَلِ الْمُودِعِ فَإِذَا شَرَطَ تَضْمِينَهُ وَالرُّجُوعَ عَلَيْهِ فِي تَقْدِيرِ إنْكَارِ الْمُودِعِ وَتَضْمِينِهِ الْوَدِيعَةَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ الرَّسُولِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَإِيضَاحٌ) .
وَلَكِنْ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ إذَا عَجَزَ حِسًّا أَوْ مَعْنًى.
بَيَانُ الْعَجْزِ الْحِسِّيِّ هُوَ كَوُجُودِ الْوَدِيعَةِ فِي مَحِلٍّ بَعِيدٍ حِينَ طَلَبِهَا. وَبَيَانُ الْعَجْزِ الْمَعْنَوِيِّ هُوَ كَمَا لَوْ كَانَ وَقْتَ فِتْنَةٍ وَكَانَ الْمُسْتَوْدَعُ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ وَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَدْفُونَةً مَعَ مَالِهِ فَإِذَا لَمْ يُعْطِهَا الْمُسْتَوْدَعُ لِعَجْزِهِ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ وَهَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَدِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ الْمُودِعُ ظَالِمًا فِي طَلَبِهِ وَدِيعَتَهُ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ إعْطَائِهَا. مَثَلًا لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ سَيْفًا وَكَانَ قَصْدُ الْمُودِعِ أَخْذَهُ وَضَرْبَ أَحَدٍ بِهِ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ إعْطَائِهِ إيَّاهُ، وَيَسْتَمِرُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّ الْمُودِعَ عَدَلَ عَنْ فِكْرَةِ الضَّرْبِ فَإِذَا طَلَبَهُ الْمُودِعُ وَقَامَ الرَّيْبُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ لِلِانْتِقَامِ أَوْ فِي الْمَسَائِلِ الْمُبَاحَةِ. فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا حَرَّرَتْ امْرَأَةٌ سَنَدًا يَحْتَوِي عَلَى إقْرَارِهَا بِأَخْذِ مَطْلُوبِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ أَنَّ الْمَالَ الْفُلَانِيَّ هُوَ مِلْكُ زَوْجِهَا وَأَوْدَعَتْ السَّنَدَ الْمَذْكُورَ أَثْنَاءَ مَرَضِهَا عِنْدَ شَخْصٍ عَلَى أَنْ يُعْطَى إلَى زَوْجِهَا بَعْدَ وَفَاتِهَا ثُمَّ أَبْلَتْ مِنْ مَرَضِهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ السَّنَدَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَلِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ إعَادَةِ السَّنَدِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ إلَى الزَّوْجَةِ الْمُودِعَةِ صِيَانَةً لِحُقُوقِ زَوْجِهَا.
تَنَاقُضُ الْمُسْتَوْدَعِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ: مَثَلًا إذَا طَلَبَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: أُعْطِيكَهَا غَدًا أَوْ خُذْهَا غَدًا.
فَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ فَيَسْأَلُ الْمُسْتَوْدَعُ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ فِيهِ. فَأَخْبَرَ أَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ أُعْطِيكَهَا غَدًا لَا يَضْمَنُ إذْ لَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ أَنَّهَا تَلِفَتْ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: خُذْهَا غَدًا، إقْرَارٌ بِوُجُودِ الْوَدِيعَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ أَخِيرًا ضَاعَتْ تَنَاقُضٌ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُودِعِ إيَّاهَا ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ إنْكَارِهِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَعَادَهَا يُقْبَلُ مِنْهُ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَدِّهَا قَبْلَ الْإِنْكَارِ مُؤَوِّلًا إنْكَارَهُ بِقَوْلِهِ: أَخْطَأْت فِي إنْكَارِي أَوْ نَسِيت، يُقْبَلُ مِنْهُ أَيْضًا.
وَأَمَّا إذَا طَلَبَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ وَأَجَابَهُ الْمُسْتَوْدَعُ: إنَّك لَمْ تُعْطِنِي شَيْئًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ كُنْتَ
(2/314)
أَوْدَعْتهَا عِنْدِي وَلَكِنْ رَدَدْتهَا لَك، أَوْ ادَّعَى بِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ. وَلَكِنْ إذَا ادَّعَى بِرَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا أَوْ تَلَفِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَيْسَ لَك عِنْدِي شَيْءٌ، يُقْبَلُ. إذْ إنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُوجَدُ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بَعْدَ الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ فَيَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ.
وَإِذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ ضَيَاعَ الْوَدِيعَةِ وَأَثْبَتَهُ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَهَا الْمُودِعُ بِالْبَيِّنَةِ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ الْمُسْتَوْدَعِ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ وَالْهَلَاكُ مُطْلَقٌ إذْ إنَّهُ يُحْتَمَلُ الْهَلَاكُ قَبْلَ الْجُحُودِ وَلَا ضَمَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْجُحُودِ فَالضَّمَانُ لَازِمٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْمَضْمُونِ يُوجِبُ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ وَلَا يَقْتَضِي سُقُوطَهُ. فَيَكُونُ قَدْ حَصَلَ شَكٌّ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ (قطلوبغا فِي الْوَدِيعَةُ) .
[ (الْمَادَّةُ 795) يَرُدُّ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ وَيُسَلِّمُهَا بِالذَّاتِ أَوْ مَعَ أَمِينِهِ]
(الْمَادَّةُ 795) :
يَرُدُّ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ وَيُسَلِّمُهَا بِالذَّاتِ أَوْ مَعَ أَمِينِهِ فَإِذَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ فِي أَثْنَاءِ رَدِّهَا مَعَ أَمِينِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
يَرُدُّ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ وَيُسَلِّمُهَا إلَى الْمُودِعِ بِالذَّاتِ أَوْ مَعَ أَمِينِهِ الْمُقْتَدِرِ عَلَى الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةَ مَعَ أَمِينِهِ جَائِزٌ كَمَا أَنَّ حِفْظَهَا عِنْدَهُ جَائِزٌ أَيْضًا بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (780) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - (مُقْتَدِرٌ عَلَى الْحِفْظِ) : لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مَعَ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُقْتَدِرِ عَلَى حِفْظِهَا وَتَلِفَتْ بِيَدِ ذَلِكَ الصَّغِيرِ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.
2 - أَمِينِهِ: يَظْهَرُ مِنْ ذِكْرِ لَفْظَةِ " أَمِينِهِ " بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَنَّ وُجُودَ الْأَمِينِ الْمَرْقُومِ فِي عِيَالِ الْمُسْتَوْدَعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (780) .
فَمَتَى رَدَّ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَخْلُصُ مِنْ الْمَسْئُولِيَّةِ مَتَى إذَا ضُبِطَتْ الْوَدِيعَةُ بِالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ مَسْئُولًا وَلَا ضَامِنًا تِجَاهَ الْمُودِعِ.
غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَعْطَى الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ لِلرَّسُولِ بِأَمْرِ الْمُودِعِ وَبَعْدَ أَنْ هَلَكَتْ بِيَدِ الرَّسُولِ ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ فَالْمُسْتَحِقُّ الْمَرْقُومُ مُخَيَّرٌ. إنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْمُودِعِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلرَّسُولِ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 910) .
وَسَبَبُ قَوْلِهِ: أَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ مَعَ غَيْرِ أَمِينِهِ وَتَلِفَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ يَضْمَنُ.
وَإِذَا ادَّعَى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِقَوْلِ: إنِّي أَرْسَلْتُ الْوَدِيعَةَ مَعَ فُلَانٍ وَهُوَ غَيْرُ أَمِينٍ وَوَصَلَتْ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُودِعُ بِالْوُصُولِ فِيهَا وَإِذَا أَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودِعِ وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُسْتَوْدَعُ وُصُولَهَا (رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 789) .
صُورَةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ: رَدُّ الْمُسْتَوْدَعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْلِيَةِ الْوَدِيعَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ الْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورًا عَلَى نَقْلِهَا إلَى بَيْتِ الْمُودِعِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
3 - (إلَى الْمُودِعِ) : لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَجَلَّةِ إلَى مَنْ يَجِبُ رَدُّ الْوَدِيعَةِ أَيْ هَلْ يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الْمُودِعِ بِالذَّاتِ أَوْ يَجُوزُ رَدُّهَا إلَيْهِ وَإِلَى مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ؟ وَبِنَاءً عَلَيْهِ بَادَرْنَا إلَى إيضَاحِ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ:
(2/315)
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يَلْزَمُ رَدُّهَا إلَى الْمُودِعِ بِالذَّاتِ يَعْنِي أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُقَاسُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ أَيْ عَلَى الْمَادَّةِ (829) فَيَلْزَمُ رَدُّهَا إلَى الْمُودِعِ بِالذَّاتِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا الرَّأْي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ فِي الرَّدِّ إلَى مَنْزِلِ الْمُودِعِ أَوْ عِيَالِهِ وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ رِضًا فِي الرَّدِّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ رِضًا فِي الرَّدِّ إلَى هَؤُلَاءِ لَمَا كَانَ أَوْدَعَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْفُصُولَيْنِ هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِ (وَبِهِ يُفْتَى) وَقِيلَ: هَذَا الْقَوْلُ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ) أَيْضًا.
وَظَاهِرُ الْمَادَّةِ 794 يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَجَلَّةَ رَجَّحَتْ هَذَا الْقَوْلَ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمَادَّةِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ رَدُّ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِ الْمُودِعِ وَالْمَالِكِ يَعْنِي إلَى مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَيْضًا وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلَ نَظَرًا لِنَقْلِ الْبَحْرِ بِعِبَارَةِ (وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ) وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (794) .
وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ مَعَ أَمِينِهِ إلَى صَاحِبِهَا فَتَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ بِيَدِ الْأَمِينِ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى صَاحِبِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ وَالْأَمِينِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 91) . (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
رَدُّ الْمُسْتَوْدَعِ بِالذَّاتِ أَوْ مَعَ أَمِينِهِ وَإِنْكَارُ الْمُودَعِ.
إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ لَك بِالذَّاتِ أَوْ مَعَ أَمِينِي فُلَانٌ، وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (1774) قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ وَبَيْنَمَا أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ أَبَدًا عَلَى النَّفْيِ فَالْيَمِينُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَرِدُ عَلَى الْإِثْبَاتِ إذْ إنَّهُ إذَا حَلَفَ الْمُسْتَوْدَعُ الْيَمِينَ عَلَى أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِيَدِهِ يَبْرَأُ.
بَيْدَ أَنَّهُ إذَا تُوُفِّيَ الْمُسْتَوْدَعُ قَبْلَ حَلِفِ الْيَمِينِ وَبَعْدَ ادِّعَائِهِ بِأَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودِعِ أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَحْلِفُ الْوَارِثُ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 801) وَشَرْحَهَا.
كَمَا لَوْ تُوُفِّيَ الْمُودِعُ وَطَلَبَ وَارِثُهُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ فَادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا إلَى الْمُودِعِ أَوْ إلَى وَصِيِّهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَكُونُ الْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَوْدَعِ.
[ (الْمَادَّةُ 796) طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بَعْدَ أَنْ أَوْدَعَا مَالًا مُشْتَرَكًا عِنْدَ شَخْصٍ حِصَّتَهُ فِي غِيَابِ الْآخَرِ]
(الْمَادَّةُ 796) إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (بَعْدَ أَنْ أَوْدَعَا مَالَهُمَا الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ شَخْصٍ) حِصَّتَهُ فِي غِيَابِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ أَعْطَاهُ الْمُسْتَوْدَعُ حِصَّتَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
إذَا أَوْدَعَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ مَالَهُمْ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ شَخْصٍ وَطَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي غِيَابِ الْآخَرِ حِصَّتَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ أَعْطَاهُ الْمُسْتَوْدَعُ حِصَّتَهُ. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْغِيَابِ هُنَا الْفِقْدَانُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامَيْنِ وَالْمَجَلَّةُ قَدْ قَبِلْته. وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الْحُكْمُ فِي هَذَا كَالْحُكْمِ الْمُنْدَرِجِ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ يَعْنِي حَيْثُ إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ غَيْرُ مَالِكِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَالْإِعْطَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَعَدِّيًا عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ.
(2/316)
وَدَلِيلُ الْإِمَامَيْنِ هُوَ بِمَا أَنَّ الشَّرِيكَ الْحَاضِرَ طَلَبَ حِصَّتَهُ الَّتِي أَوْدَعَهَا عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ فَهَذَا مَجْبُورٌ عَلَى إعْطَائِهِ إيَّاهَا كَمَا أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَشَارِكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي غِيَابِ الْآخَرِ وَبِدُونِ إذْنِهِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (1147) . يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ فَكَمَا لِلْمُشَارِكِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ حَالَ غِيَابِهِ فَلَهُ حَقٌّ أَنْ يَأْخُذَهَا أَيْضًا إذَا وُجِدَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ.
وَذَكَرَ فِي الْمَادَّةِ 1100 أَنَّ الْحُكْمَ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامَيْنِ جَارٍ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَلَيْسَ فِي الْقِيَمِيَّاتِ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ ذَكَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ جَاءَ فِي الْقِيَمِيَّاتِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَذِكْرُ الشَّرِيكَيْنِ بِصِيغَةِ الْمَثْنَى لَيْسَ احْتِرَازِيًّا كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ شَرْحًا أَيْضًا إذْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً فَالْحُكْمُ أَيْضًا هَكَذَا كَمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ ثَلَاثَةَ أَشْخَاصٍ مَثَلًا وَجَاءَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ مِنْهُمْ فِي غِيَابِ الْآخَرِ فَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا حِصَّتَهُمَا مِنْ الْوَدِيعَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ. وَإِذَا رَاجَعَ الشَّرِيكُ الَّذِي طَلَبَ حِصَّتَهُ الْحَاكِمَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَأْمُرُ الْمُسْتَوْدَعَ بِإِعْطَائِهِ حِصَّتَهُ. حَتَّى لَوْ أَعْطَى ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ وَدِيعَتَهُمْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ شَخْصًا آخَرَ وَأَنْذَرُوهُ بِأَنْ لَا يُعْطِيَ الْوَدِيعَةَ لِأَحَدِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ الثَّلَاثَةُ مُجْتَمِعِينَ ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ (الْخَانِيَّةُ) .
الْأَحْكَامُ فِيمَا لَوْ أَخَذَ أَحَدُ الْمُودِعِينَ الْمُتَعَدِّدِينَ حِصَّتَهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ.
إذَا سَلَّمَ الْمُسْتَوْدَعُ الْمُودِعَ الْحَاضِرَ حِصَّتَهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِمُوجِبِ فِقْرَةِ هَذِهِ الْمَادَّةِ ثُمَّ تَلِفَتْ الْحِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ بِيَدِ الْقَابِضِ تَعُودُ خَسَارَتُهَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ. وَلَمَّا يَحْضُرُ الْمُودِعُ الْآنَ يَأْخُذُ الْحِصَّةَ الْمَوْجُودَةَ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ تَمَامًا وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ الَّذِي أَخَذَ حِصَّتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهَا. وَأَمَّا إذَا دَفَعَ الْمُسْتَوْدَعُ لِلْمُودِعِ الطَّالِبِ حِصَّتَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَلِفَتْ الْحِصَّةُ الْأُخْرَى بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَحَضَرَ الشَّرِيكُ الْغَائِبُ فَتَجْرِي الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ. فَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ وَالتَّسْلِيمُ هَذَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ تَكُونُ الْحِصَّةُ الْمَأْخُوذَةُ مِلْكًا لِمَنْ قَبَضَهَا وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَحَدٍ ضَمَانٌ وَإِنْ كَانَتْ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ يَكُونُ الْغَائِبُ مُخَيَّرًا حِينَمَا يَحْضُرُ. إنْ شَاءَ شَارَكَ الْقَابِضَ فِي حِصَّتِهِ الَّتِي أَخَذَهَا يَعْنِي أَخَذَ نِصْفَ الْحِصَّةِ الَّتِي أَخَذَهَا. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ حِصَّتَهُ لِلْمُسْتَوْدَعِ. وَيَكُونُ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمَادَّةِ (91) . وَيَرْجِعُ الْمُسْتَوْدَعُ بِحَسَبِ هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى الْقَابِضِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَقَالَ الْحَمَوِيُّ: إنَّ كَوْنَ الْمُودِعِ اثْنَيْنِ يَحْصُلُ بِأَنْ يَكُونَ الِاثْنَانِ مَعًا عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ. وَأَمَّا إذَا أَوْدَعَ وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ فَقَطْ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ فَوُجُودُ الْآخَرِ حِينَ الْإِيدَاعِ لَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاكَهُ فِي الْوَدِيعَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْآخَرُ شَاهِدًا مَثَلًا انْتَهَى.
كَوْنُ الْمُودِعِ اثْنَيْنِ يَنْحَصِرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ حَامِلًا الْوَدِيعَةَ مَثَلًا وَسَلَّمَهَا الِاثْنَانِ لِلْمُسْتَوْدَعِ قَائِلَيْنِ (هَذَا الْمَالُ لَنَا نُعْطِيكَهُ كَيْ يَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَك) يَصِيرُ الْمُودِعُ اثْنَيْنِ.
(2/317)
وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُعِيرَ الْمُودِعَ حِصَّتَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَتْ يَضْمَنُهَا حَتَّى لَوْ رَاجَعَ الْمُحَاضِرُ الْحَاكِمَ وَطَلَبَ حِصَّتَهُ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِإِعْطَائِهَا، وَإِذَا أَقَامَ أَحَدُ الْمُودِعِينَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ كَامِلَ الْوَدِيعَةِ مِلْكُهُ أَوْ أَنَّ رَفِيقَهُ أَقَرَّ وَقْتَ الْإِيدَاعِ بِأَنَّ كَامِلَ الْوَدِيعَةِ مِلْكُهُ لَا تُقْبَلُ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ بِمُوَاجَهَةِ الْمُسْتَوْدَعِ فَقَطْ وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِثْلِيَّةً جَازَ إعْطَاءُ أَحَدِ الْمُودِعَيْنِ حِصَّتَهُ وَإِذَا كَانَتْ قِيَمِيَّةً لَا تَجُوزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْإِفْرَازَ غَالِبٌ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْمُبَادَلَةَ غَالِبَةٌ فِي الْقِيَمِيِّ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَادَّتَيْنِ 1117 و 1118 وَبِمَا أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَيْسَ مَأْذُونًا بِالْمُبَادَلَةِ أَيْ بِتَقْسِيمِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي بِيَدِهِ بَيْنَ الْمُشَارِكِينَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ.
وَرَدَ فِي هَذَا الْمِثَالِ تَعْبِيرُ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَ كُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْنِ مَالَهُ عِنْدَ شَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ وَجَاءَ أَحَدُهُمَا طَالِبًا مَالَهُ فَالْمُسْتَوْدَعُ مَجْبُورٌ عَلَى رَدِّهِ وَإِعَادَتِهِ إلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْإِعْطَاءِ فِي غِيَابِ الْآخَرِ لِمُجَرَّدِ عَدَمِ إيدَاعِ الِاثْنَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ (الْفَيْضِيَّةُ) .
[ (الْمَادَّةُ 797) مَكَانُ الْإِيدَاعِ فِي تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ مُعْتَبَرٌ]
(الْمَادَّةُ 797) :
مَكَانُ الْإِيدَاعِ فِي تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ مُعْتَبَرٌ مَثَلًا الْمَتَاعُ الَّذِي أُودِعَ فِي الشَّامِ يُسَلَّمُ فِي الشَّامِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْقُدْسِ.
مَكَانُ الْإِيدَاعِ مُعْتَبَرٌ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَتَسْلِيمِهَا لِصَاحِبِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَمَا يَلْزَمُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ هُوَ التَّخْلِيَةُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ مَادَّتَيْ (794 و 795) وَلَيْسَ نَقْلُ الْوَدِيعَةِ مِنْ مَحِلٍّ وَإِيصَالِهَا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَاجِبًا عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ التَّسْلِيمَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّخْلِيَةِ.
مَثَلًا الْمَتَاعُ الَّذِي أُودِعَ فِي الشَّامِ تَجِبُ تَخْلِيَتُهُ لِأَجْلِ التَّسْلِيمِ فِي الشَّامِ وَإِلَّا لَا يُجْبَرُ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى نَقْلِهِ إلَى الْقُدْسِ وَتَسْلِيمِهِ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُرْغِمَ عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْقُدْسِ لَوَجَبَتْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ مَعَ أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (794) أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَائِدَةٌ عَلَى الْمُودِعِ.
وَالْحَاصِلُ الْمُودِعُ مَجْبُورٌ عَلَى أَخْذِ الْوَدِيعَةِ فِي مَكَانِ الْإِيدَاعِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: لِي عِنْدَك كَذَا وَدِيعَةً فَأَعْطِنِي إيَّاهَا يُؤْمَرُ الْآخَرُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (1621) بِإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ لِيُحْضِرَهَا إلَى مَجْلِسِ الْمُحَاكَمَةِ وَلَا يُجْبَرُ ذَلِكَ الْآخَرُ عَلَى إحْضَارِ الْوَدِيعَةِ إلَى مَجْلِسِ الْمُحَاكَمَةِ وَاعْتِبَارُ مَكَانِ الْإِيدَاعِ فِي تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ مُطْلَقٌ.
أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ مُحْتَاجَةً إلَى حَمْلٍ وَمُؤْنَةٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ.
مَثَلًا لَوْ أَوْدَعَ شَخْصٌ آخَرَ خَمْسِينَ ذَهَبًا فِي بَيْرُوتَ وَاجْتَمَعَا بَعْدَ مُدَّةٍ فِي صَيْدَا فَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُسْتَوْدَعَ عَلَى إحْضَارِ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ مِنْ بَيْرُوتَ وَتَسْلِيمِهِ لَهُ فِي صَيْدَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يُصْبِحُ مَجْبُورًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى الذَّهَابِ لِبَيْرُوتَ وَنَقْلِ الْمَبْلَغِ إلَى صَيْدَا أَوْ أَنْ يَطْلُبَهُ بِالْبَرِيدِ وَيَتَضَرَّرَ بِأُجْرَتِهِ وَالضَّرَرُ مَمْنُوعٌ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (19) .
(2/318)
[ (الْمَادَّةُ 798) مَنَافِعُ الْوَدِيعَةِ]
(الْمَادَّةُ 798) :
مَنَافِعُ الْوَدِيعَةِ لِصَاحِبِهَا.
يَعْنِي أَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ الْوَدِيعَةِ تَكُونُ لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ نَمَاءُ مِلْكِ صَاحِبِهَا يَعْنِي الْمُودِعَ.
فَلِذَلِكَ نِتَاجُ حَيَوَانِ الْأَمَانَةِ وَلَبَنُهُ وَصُوفُهُ عَائِدٌ لِصَاحِبِهِ فَإِذَا تَجَمَّعَ مِقْدَارٌ مِنْ لَبَنِ الْحَيَوَانِ الْمُودَعِ أَوْ مِنْ ثِمَارِ الْكَرْمِ وَالْبُسْتَانِ الْمُودَعِ وَخِيفَ مِنْ فَسَادِهِ فَبَاعَهُ الْمُسْتَوْدَعُ بِدُونِ إذْنِ صَاحِبِهِ يَضْمَنُ بِصِفَتِهِ غَاصِبًا. وَهَاكَ إيضَاحُ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَجْرِي عِنْدَ حُصُولِ الْخَوْفِ مِنْ فَسَادِ مَنَافِعِ الْوَدِيعَةِ وَزَوَائِدِهَا.
إذَا كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ غَائِبًا يُرَاجِعُ الْمُسْتَوْدَعُ الْحَاكِمَ وَإِذَا بَاعَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَلَا ضَمَانَ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 91) .
وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا بِلَا أَمْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلْدَةٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ كَمَنْ فِيهِ يَضْمَنُ أَيْضًا. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 96) . وَلَكِنْ إذَا بَاعَ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ كَوُجُودِهِ فِي الْمَفَازَةِ مَثَلًا جَازَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (21) .
وَمَعَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَبِعْ الْمُسْتَوْدَعُ الزَّوَائِدَ الْمَذْكُورَةَ فَسَدَتْ بِمُكْثِهَا فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِي الْوَدِيعَةِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (785) لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ أَيْضًا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ مُمْكِنَةً أَمْ غَيْرَ مُمْكِنَةٍ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَنَافِعُ الَّتِي لَا تَعُودُ إلَى الْمُودِعِ: الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَنَافِعِ السَّابِقَةِ الذِّكْرِ الْمَنَافِعُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْوَدِيعَةِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ شَرْحًا. وَأَمَّا الْمَنَافِعُ الَّتِي لَا تَتَوَلَّدُ مِنْ الْوَدِيعَةِ فَلَا تَعُودُ إلَى الْمُودِعِ. كَبَدَلِ الْإِيجَارِ. كَمَا لَوْ أَجَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ بِلَا إذْنِ الْمُودِعِ وَأَخَذَ أُجْرَتَهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ مِلْكَ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَا تَدَخُّلَ لِلْمُودِعِ بِهَا.
(رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 447) . وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَلَالًا لِلْمُسْتَوْدَعِ.
كَمَا لَوْ اتَّخَذَ الْمُسْتَوْدَعُ نَقُودَ الْوَدِيعَةِ رَأْسَ مَالٍ وَتَاجَرَ بِهَا وَرَبِحَ فَيَكُونُ الرِّبْحُ عَائِدًا لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يَتَدَخَّلَ بِهِ وَيَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ لِلْمُودِعِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي كَانَتْ رَأْسَ مَالٍ فَقَطْ.
[ (الْمَادَّةُ 799) غَابَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَقَدَّرَ الْحَاكِمُ نَفَقَةً مِنْ نُقُودِهِ الْمُودَعَةِ]
(الْمَادَّةُ 799) إذَا غَابَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ وَبِنَاءً عَلَى مُرَاجَعَةِ مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَدَّرَ لَهُ الْحَاكِمُ نَفَقَةً مِنْ نُقُودِ ذَلِكَ الْغَائِبِ الْمُودَعَةِ وَصَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ النُّقُودِ الْمُودَعَةِ عِنْدَهُ لِنَفَقَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَأَمَّا إذَا صَرَفَ بِلَا أَمْرِ الْحَاكِمِ يَضْمَنُ.
إذَا كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ غَائِبًا وَرَاجَعَ مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ الْحَاكِمَ يَعْنِي طَلَبَ تَقْدِيرَ نَفَقَةٍ لَهُ مِنْ نُقُودِ الْغَائِبِ الْمَرْقُومِ الْمُودَعَةِ مَثَلًا فَإِنْ أَقَرَّ الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّ لِلْغَائِبِ الْمَرْقُومِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَبِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْمُودِعِ الْغَائِبِ لِأَجْلِ الْمُدَّعِي يُحَلِّفُ الْحَاكِمُ أَيْضًا طَالِبَ النَّفَقَةِ وَفْقًا
(2/319)
لِلْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ يُقَدِّرُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ نَفَقَةً مِنْ نُقُودِ الْغَائِبِ الْمَرْقُومِ الْمُودَعَةِ أَوْ مِنْ مَالِ الْآخَرِ الْمُودَعِ وَالصَّالِحِ لِلنَّفَقَةِ كَالشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْأَقْمِشَةِ أَوْ يَأْمُرُ وَيَأْذَنُ لِلْمُسْتَوْدَعِ بِالصَّرْفِ عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُودِعِ فَإِذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مِنْ نُقُودِ الْوَدِيعَةِ الْمَوْجُودَةِ بِيَدِهِ أَوْ مِنْ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْأَقْمِشَةِ وَأَعْطَى النَّفَقَةَ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
سُؤَالٌ وَجَوَابٌ: سُؤَالٌ - إذَا قَدَّرَ الْحَاكِمُ نَفَقَةً مِنْ مَالِ الْمُودِعِ وَفِي غَيْبَتِهِ يَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَيْهِ وَهَذَا نَظَرًا لِلْمَادَّةِ (1830) غَيْرُ جَائِزٍ.
الْجَوَابُ - النَّفَقَةُ الْمَذْكُورَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُودِعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَيْضًا فَقَضَاءُ الْحَاكِمِ بِالنَّفَقَةِ وَحُكْمُهُ لَيْسَ سِوَى إعَانَةٍ لِمَنْ لَهُ النَّفَقَةُ.
إيضَاحُ الْقُيُودُ:
1 - غَائِبٌ: الْمَقْصُودُ مِنْ الْغَائِبِ هُنَا الشَّخْصُ الْبَعِيدُ مُدَّةَ السَّفَرِ. وَحَيْثُ إنَّ مُرَاجَعَةَ مَنْ كَانَ بَعِيدًا بِأَقَلَّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ تَكُونُ سَهْلَةً فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ نَفَقَةٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ فِي غِيَابِهِ (الْبَحْرُ وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
2 -: إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَبِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ جَازَ تَقْدِيرُ نَفَقَةٍ مِنْ مَالٍ كَهَذَا مَوْجُودٍ بِيَدِ الْمُضَارِبِ أَوْ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ وَهَذَا مَشْرُوطٌ بِإِقْرَارِ الْمُسْتَوْدَعِ الْوَدِيعَةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقِرَّ الْوَدِيعَةِ فَلَا تَلْزَمُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.
وَبِأَيِّ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ الَّتِي سَتُذْكَرُ يَسْتَحِقُّ طَالِبُ النَّفَقَةِ النَّفَقَةَ 3 - تَحْلِيفُ طَالِبِ النَّفَقَةِ، إذَا كَانَ الشَّخْصُ الطَّالِبُ لِلنَّفَقَةِ زَوْجَةَ الْمُودِعِ الْغَائِبِ مَثَلًا فَعِنْدَ لُزُومِ تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ تَحْلِفُ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَاشِزٍ وَإِنْ كَانَ طَالِبُ النَّفَقَةِ وَلَدَ الْغَائِبِ يَحْلِفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ عَلَى أَنَّ وَالِدَهُ الْغَائِبَ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ نَفَقَةً وَهَذِهِ الْيَمِينُ هِيَ إحْدَى الْأَيْمَانِ الْخَمْسِ الَّتِي تُحَلَّفُ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ بِلَا طَلَبٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَادَّةِ 1746 مِنْ الْمَجَلَّةِ.
4 -: كَفِيلٌ بِالْمَالِ.
إذَا كَانَ طَالِبُ النَّفَقَةِ الزَّوْجَةَ مَثَلًا وَلَزِمَ تَقْدِيرُ نَفَقَةٍ لَهَا فَيَلْزَمُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كَفِيلًا ثِقَةً يَسْتَعِدُّ وَيَتَعَهَّدُ بِأَنْ يَضْمَنَ مَا تَأْخُذُهُ الزَّوْجَةُ مِنْ النَّفَقَةِ إذَا حَضَرَ زَوْجُهَا وَتَبَيَّنَ لَدَى الْمُحَاكَمَةِ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ تِلْكَ النَّفَقَةَ إمَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا تَرَكَ لَهَا مَا يَكْفِيهَا أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالنُّشُوزِ أَوْ الطَّلَاقِ.
5 -: أَوْ بِلَا أَمْرِ الْمُودِعِ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ بِأَمْرِ الْمُودِعِ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَصْرِفَ بِلَا تَقْدِيرِ الْحَاكِمِ أَيْضًا وَسَيَجِيءُ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبًا.
6 -: الْوَدِيعَةُ.
هَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ مَخْصُوصًا الْوَدِيعَةِ. بَلْ مِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ مَالُ الْغَائِبِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمُضَارِبِ أَوْ بِذِمَّةِ الْمَدِينِ أَيْضًا وَتَخْصِيصُهُ الْوَدِيعَةِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْبَحْثِ مُعَلَّقًا الْوَدِيعَةِ.
(2/320)
النُّقُودُ هَذَا التَّعْبِيرُ كَمَا أُوضِحَ شَرْحًا غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ فَالْأَشْيَاءُ الصَّالِحَةُ لِلنَّفَقَةِ كَالْفَرَسِ وَالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِ الْغَائِبِ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ.
الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عِنْدَ صَرْفِ الْوَدِيعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ.
إذَا حَلَفَ الْمُسْتَوْدَعُ لَدَى الْإِيجَابِ بَعْدَ أَنْ صَرَفَ ثَلَاثَمِائَةِ قِرْشٍ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ الْمَوْجُودَةِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ عَلَى النَّفَقَةِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ الْحَاكِمِ وَرَدَّ الْمِائَتَيْ قِرْشٍ الْبَاقِيَةَ إلَى الْمُودِعِ أَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ مِنْهَا مِقْدَارًا بِيَدِهِ تُقْبَلُ مِنْهُ الْيَمِينُ وَيَكُونُ صَادِقًا فِي يَمِينِهِ.
وَإِذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّهُ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ لَهُ النَّفَقَةُ بَعْدَ تَقْدِيرِ الْحَاكِمِ النَّفَقَةَ عَلَى هَذَا يُقْبَلُ كَلَامُهُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1774.
8 -: يُحَلِّفُ الْحَاكِمُ إلَخْ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الزَّوْجَةَ أَوْ أَحَدَ الْأَوْلَادِ وَصَرَفُوا مِنْ الْوَدِيعَةِ لِأَجْلِ نَفَقَةِ أَنْفُسِهِمْ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ قَدْ اسْتَوْفَوْا حَقَّهُمْ إذْ نَفَقَتُهُمْ لَازِمَةٌ عَلَى الْمُودِعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ الْأَبُ مَثَلًا وَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ وَدِيعَةِ الِابْنِ وَاخْتَلَفَا فِيمَا لَوْ قَالَ الِابْنُ لِأَبِيهِ: صَرَفْت وَدِيعَتِي وَأَنْتَ مَلِيءٌ فَاضْمَنْهَا، وَقَالَ أَبُوهُ: صَرَفْتهَا فِي حَالٍ عُسْرِي وَفَقْرِي. يُنْظَرُ إلَى حَالَةِ الْأَبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فَالْقَوْلُ لِلِابْنِ رَاجِعْ مَادَّتَيْ (5 و 10) وَعِنْدَ إقَامَةِ كِلَيْهِمَا الْبَيِّنَةَ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الِابْنِ. وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ غَيْرَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ وَالزَّوْجَةِ يَضْمَنُونَ بِصَرْفِهِمْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ.
9 -: تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ. يَظْهَرُ مِنْ ذِكْرِ تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّهُ وَلَوْ أَخْبَرَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّ الزَّوْجَ الْغَائِبَ مَثَلًا أَمَرَهُ بِأَنْ لَا يُعْطِيَ مِنْ الْوَدِيعَةِ شَيْئًا لِزَوْجَتِهِ الطَّالِبَةِ النَّفَقَةَ هَذِهِ لَا يَلْتَفِتُ الْحَاكِمُ إلَى كَلَامِهِ هَذَا وَيُقَدِّرُ نَفَقَةً مِنْ الْوَدِيعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَوْدَعُ إذَا أَعْطَى الْوَدِيعَةَ بَعْدَ التَّقْدِيرِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ.
إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ اسْتِحْصَالُ أَمْرِ الْحَاكِمِ مُمْكِنًا وَصَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ دُونَ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ نَفَقَةٍ وَبِلَا أَمْرِ الْحَاكِمِ وَلَا إذْنِهِ يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَصَرَفَ عَلَى أَبَوَيْ الْمُودِعِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَوْلَادِهِ أَوْ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِمَالِ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ نَائِبٌ مِنْ طَرَفِ الْمُودِعِ فِي الْحِفْظِ وَلَيْسَ نَائِبًا فِي شَيْءٍ آخَرَ رَاجِعْ الْمَادَّتَيْنِ (96) وَ (793) .
وَحِينَمَا يَصِيرُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا بِهَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ يَصِيرُ مَالِكًا بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ الْمَبْلَغَ الَّذِي صَرَفَهُ عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُودِعِ وَحَيْثُ إنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَالِ نَفْسِهِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَصَارِيفِهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْضًا سَوَاءٌ أَنْفَقَ الْمُسْتَوْدَعُ بِالذَّاتِ مِنْ تِلْكَ النُّقُودِ أَوْ سَلَّمَهُمْ
(2/321)
إيَّاهَا وَأَنْفَقُوا هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ.
إيضَاحُ الصَّرْفِ بِأَمْرِهِ: إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّهُ صَرَفَ تِلْكَ النُّقُودِ بِأَمْرِ الْمُودِعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ الْأَمْرَ فَإِنْ أَثْبَتَ فَبِهَا. وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِرْ عَلَى الْإِثْبَاتِ يَحْلِفُ الْمُودِعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ فَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ ثَبَتَ أَمْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ.
وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَدَّعِي فِيهَا الْمُسْتَوْدَعُ بِأَنَّهُ تَصَدَّقَ الْوَدِيعَةِ بِأَمْرِ الْمُودِعِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لِفُلَانٍ.
وَإِذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ بِلَا أَمْرٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ وَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ أَيْ الْمُودِعُ ذَلِكَ فَحَيْثُ إنَّ الْإِجَازَةَ الْمَذْكُورَةَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الضَّمَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ إذْ ذَاكَ أَلْبَتَّةَ.
الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ وَكَانَ اسْتِحْصَالُ أَمْرِ الْحَاكِمِ غَيْرَ مُمْكِنٍ: ذَكَرَتْ الْمَجَلَّةُ لُزُومَ الضَّمَانِ عَلَى تَقْدِيرِ الصَّرْفِ بِلَا أَمْرٍ هَذَا إذَا كَانَ اسْتِحْصَالُ الْأَمْرِ مُمْكِنًا وَلَمْ يُسْتَحْصَلْ عَلَيْهِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ شَرْحًا وَأَمَّا إذَا كَانَ اسْتِصْدَارُ الْأَمْرِ مِنْ الْحَاكِمِ غَيْرَ مُمْكِنٍ وَصَرَفَ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ اسْتِحْسَانًا كَمَا نَقَلَ عَنْ النَّوَادِرِ (الْبَحْرُ فِي النَّفَقَة) إذَا طَلَبَتْ زَوْجَةُ الْمُودِعِ مَثَلًا نَفَقَةً مِنْ نُقُودِ الْوَدِيعَةِ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَأَخْبَرَ بِأَنَّهَا قَدْ ضَاعَتْ يَضْمَنُ.
الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي تُوجِبُ النَّفَقَةَ: وَهُمْ الَّذِينَ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَكَيْفَ تَصْدُرُ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ؟ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ تَحْتَ عُنْوَانِ " بَابُ النَّفَقَةِ " وَبِنَاءً عَلَيْهِ سَرْدُ التَّفْصِيلَاتِ هُنَا فِي حَقِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ وَلَكِنْ نَقُولُ هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْمَعْلُومَاتِ الْمُجْمَلَةِ: إنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي تُوجِبُ النَّفَقَةَ ثَلَاثَةٌ: الْأُولَى: الزَّوْجِيَّةُ. يَعْنِي أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ.
الثَّانِيَةُ: الْقَرَابَةُ. يَعْنِي أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ الْفَقِيرِ لَازِمَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَنَفَقَةَ الْأَبِ الْفَقِيرِ لَازِمَةٌ عَلَى وَلَدِهِ.
الثَّالِثَةُ: الْمِلْكُ. يَعْنِي أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِهِ. كَمَا لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُ أَصْحَابِ الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ عَنْ إعَاشَتِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (1320) وَرَاجَعَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ الْحَاكِمَ، يَأْمُرُ الْحَاكِمُ الشَّرِيكَ الْمُمْتَنِعَ إمَّا بِبَيْعِ حِصَّتِهِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ بِإِعَاشَتِهِ الْحَيَوَانَ الْمُشْتَرَكَ.
[ (الْمَادَّةُ 800) عَرَضَ لِلْمُسْتَوْدَعِ جُنُونٌ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ مِنْ شِفَائِهِ الْوَدِيعَةُ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ عَيْنًا]
(الْمَادَّةُ 800) إذَا عَرَضَ لِلْمُسْتَوْدَعِ جُنُونٌ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ مِنْ شِفَائِهِ وَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ الَّتِي أَخَذَهَا قَبْلَ الْجِنَّةِ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ عَيْنًا فَلِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ حَقٌّ بِأَنْ يَرَى كَفِيلًا مُعْتَبَرًا وَيُضَمِّنَ الْوَدِيعَةَ مِنْ مَالِ الْمَجْنُونِ. وَإِذَا أَفَاقَ وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يَسْتَرِدُّ الْمَبْلَغَ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ.
(2/322)
إذَا عَرَضَ لِلْمُسْتَوْدَعِ حَالُ جِنَّةٍ بِدَرَجَةِ أَنْ انْقَطَعَ الرَّجَاءُ مِنْ شِفَائِهِ أَيْ أَنَّهُ صَارَ بِدَرَجَةِ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْمَادَّةِ (944) وَحَصَلَ يَأْسٌ مِنْ صَحْوِهِ وَإِفَاقَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً وَأَثْبَتَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ فِي مُوَاجَهَةِ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَوْ وَصِيِّهِ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمَجْنُونُ قَبْلَ الْجِنَّةِ عَيْنًا هِيَ وَدِيعَتُهُ هَذِهِ تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عَيْنًا وَطَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَكَانَ لِلْمَجْنُونِ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ وَأَثْبَتَ الْمُودِعُ بِالْمُخَاصَمَةِ فِي مُوَاجِهَتِهِ الْإِيدَاعَ وَقِيمَةَ الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْقِيَمِيَّاتِ أَوْ فِي مُوَاجَهَةِ الْوَصِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الْحَاكِمُ لِعَدَمِ وُجُودِ وَلِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ لِلْمَجْنُونِ لَزِمَ تَضْمِينُ الْوَدِيعَةِ وَكَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَرَى كَفِيلًا مُعْتَبَرًا أَيْ كَفِيلًا قَوِيًّا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لِلْمَجْنُونِ ثَانِيَةً لَدَى الْإِيجَابِ الشَّيْءَ الَّذِي يَضْمَنُهُ مِنْ مَالِ الْمَجْنُونِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ وَيَضْمَنُهَا مِنْ مَالِ الْمَجْنُونِ. يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَوْفِي مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ مِنْ مَالِ الْمَجْنُونِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَجْنُونِ مَالٌ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ بَلْ يُنْتَظَرُ إلَى حَالِ يُسْرِهِ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (926) .
غَيْرَ أَنَّهُ إذَا أَفَاقَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ تَضْمِينِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَعْنِي إذَا زَالَ جُنُونُهُ (وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ تَحْصُلُ إفَاقَتُهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ مِنْهَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ السَّالِفَةِ؛ لِأَنَّ الْيَأْسَ الْمَذْكُورَ يَكُونُ بِالنَّظَرِ لِاجْتِهَادِ الْبَشَرِ. وَيَجُوزُ ظُهُورُ عَكْسِهِ بِالْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ) وَأَفَادَ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِيَدِهِ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (1774) وَيَطْلُبُ الْمَبْلَغَ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ أَيْ بَدَلَ التَّضْمِينِ مِنْ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ أَوْ مِنْ كَفِيلِهِ وَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (97) .
[ (الْمَادَّةُ 801) تُوُفِّيَ الْمُسْتَوْدَعُ وَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ]
(الْمَادَّةُ 801) إذَا تُوُفِّيَ الْمُسْتَوْدَعُ وَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ فَبِمَا أَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِ وَارِثِهِ أَيْضًا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فَإِنْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ قَالَ فِي حَيَاتِهِ لَفْظًا: رَدَدْت الْوَدِيعَةَ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ ضَاعَتْ، أَوْ أَنْكَرَ وَأَثْبَتَ الْوَارِثُ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ، وَإِذَا قَالَ الْوَارِثُ: نَحْنُ نَعْرِفُ الْوَدِيعَةَ. وَوَصَفَهَا وَفَسَّرَهَا وَأَفَادَ أَنَّهَا ضَاعَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُسْتَوْدَعِ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُسْتَوْدَعُ حَالَ الْوَدِيعَةِ فَيَكُونُ قَدْ تُوُفِّيَ مُجْهِلًا فَتُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ مِثْلُ سَائِرِ دُيُونِهِ.
فِي الْوَدِيعَةِ احْتِمَالَانِ عِنْدَ وَفَاةِ الْمُسْتَوْدَعِ:
الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ: وُجُودُ الْوَدِيعَةِ عَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ. فَإِذَا وُجِدَتْ عَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ فَالْحُكْمُ الَّذِي يَجْرِي فِي حَقِّهَا وَهِيَ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ يَجْرِي عَيْنًا وَهِيَ بِيَدِ وَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ وَلِذَلِكَ تَكُونُ أَمَانَةً بِيَدِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ إلَى حِينِ أَنْ تُرَدَّ لِصَاحِبِهَا وَيَسْتَمِرُّ الْوَارِثُ أَوْ الْوَصِيُّ فِي حِفْظِهَا كَالْمُسْتَوْدَعِ وَمَتَى طَلَبَهَا صَاحِبُهَا تُرَدُّ وَتُعَادُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لَدَائِنِي الْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يَتَدَخَّلُوا فِيهَا وَيُدْخِلُوهَا فِي قِسْمَةِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى وَهَذِهِ لَيْسَتْ مَعْدُودَةً مِنْ التَّرِكَةِ وَالْحُكْمُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا.
(2/323)
وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ قَوْلَ الْمُسْتَوْدَعِ مَقْبُولٌ عِنْدَ ادِّعَائِهِ فِي حَيَاتِهِ بِهَلَاكِ الْوَدِيعَةِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (1774) يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ أَوْ وَصِيَّةُ هَذَا أَيْضًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ الْوَدِيعَةِ الْمَوْجُودَةِ عَيْنًا. وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْوَارِثُ: نَحْنُ نَعْرِفُ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ إلَخْ) .
مَثَلًا إذَا دَفَعَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى زَوْجَتِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ عِنْدَهَا وَلَمَّا طُلِبَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَتْ: إنَّهَا ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدٍ وَفْقًا لِلْمَادَّةِ (1774) . وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ بِأَنَّهَا رَدَّتْ الْوَدِيعَةَ لِزَوْجِهَا الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاتِهِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُهَا وَإِذَا وُجِدَ تَجْهِيلٌ مِنْ الْمُتَوَفَّى تَكُونُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ.
لُزُومُ ثُبُوتِ كَوْنِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي التَّرِكَةِ وَدِيعَةً.:
إثْبَاتُ وُجُودِ الْوَدِيعَةِ عَيْنًا أَيْ إثْبَاتُ أَنَّ الْمَالَ الْمَوْجُودَ عَيْنًا هُوَ الْمَالُ الَّذِي أُودِعَ مِنْ قِبَلِ الْمُودِعِ عِنْدَ الْمُتَوَفَّى إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالشَّهَادَةِ الْعَادِلَةِ وَإِمَّا بِإِقْرَارِ الْكِبَارِ مِنْ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَتْ تَرِكَةُ الْمُتَوَفَّى غَيْرَ مُسْتَغْرَقَةٍ بِالدُّيُونِ وَإِلَّا لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِقَوْلِ الْمُودِعِ كَمَا أَنَّ إقْرَارَ الْوَصِيِّ وَالصِّغَارِ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1573) .
ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْوَدِيعَةِ عِنْدَمَا تَنْتَقِلُ لِيَدِ وَرَثَةِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ وَصِيِّهِ هُوَ عَيْنُ الْحُكْمِ حِينَمَا تَكُونُ بِيَدِ الْمُسْتَوْدَعِ نَفْسِهِ إنَّمَا تُسْتَثْنَى الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ. مَثَلًا لَوْ دَلَّ الْمُسْتَوْدَعُ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَأَرَاهُ إيَّاهَا وَسَرَقَهَا السَّارِقُ فَحَيْثُ إنَّهُ يُعَدُّ قَصَّرَ فِي الْحِفْظِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ مَعَ أَنَّهُ إذَا دَلَّ الْوَارِثُ السَّارِقَ عَلَى طَرِيقَةِ سَرِقَتِهَا وَسَرَقَهَا لَا يَضْمَنُ الْوَارِثُ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْمُبَاشِرِ.
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: عَدَمُ وُجُودِ الْوَدِيعَةِ عَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْوَدِيعَةُ الْمَذْكُورَةُ عَيْنًا فِي تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى وَطَلَبَهَا الْمُودِعُ مُدَّعِيًا بِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ تُوُفِّيَ مُجْهِلًا عَلَى مَا جَاءَ فِي الْفِقْرَةِ الرَّابِعَةِ تَجْرِي فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: إذَا أَقَرَّ الْمُودِعُ بِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ بَيَّنَ فِي حَالٍ حَيَاتِهِ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ لِصَاحِبِهَا أَوْ أَنَّهَا ضَاعَتْ يَعْنِي أَنَّهُ سَرَدَ حَالًا مِنْ أَحْوَالِ الْوَدِيعَةِ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ شَرْعًا أَوْ إذَا أَنْكَرَ الْمُودِعُ وَأَثْبَتَ الْوَارِثُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَمَا يَلْزَمُ إقْرَارُهُ أَوْ إثْبَاتُهُ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ هُوَ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ (رَدَدْتهَا أَوْ ضَاعَتْ) .
وَبِمَا أَنَّ مَا أُثْبِتَ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ التَّلَفُ وَالضَّيَاعُ فَلْتَفْتَرِقْ هَذِهِ الْفِقْرَةُ عَنْ الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَثْبَتَ وَصِيُّ الْمُتَوَفَّى أَوْ وَرَثَتُهُ قَوْلَ الْمُسْتَوْدَعِ هَذَا كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ وَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ لَكَانَ يَبْرَأُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (1774) وَإِذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ هَذَا بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (75) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - الْقَوْلُ: إذَا لَمْ يَثْبُتْ قَوْلُ (رَدَدْت) مَثَلًا وَادَّعَوْا بِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَأَنَّهَا تَلِفَتْ
(2/324)
بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يُصَدَّقُونَ بِلَا بَيِّنَةٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ. يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الْمُسْتَوْدَعِ (رَدَدْتهَا) أَوْ (ضَاعَتْ) يُقْبَلُ وَلَا يُقْبَلُ هَذَا الِادِّعَاءُ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُجْهِلًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) لَكِنْ قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مَا نَصُّهُ: وَارِثُ الْمُودِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا قَالَ: ضَاعَتْ فِي يَدِ مُوَرِّثِي فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي عِيَالِهِ حِينَ كَانَ مُودَعًا يُصَدَّقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَا يُصَدَّقُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
2 - (رَدَدْتهَا. ..) لِأَنَّ بَيَانَ وَتَقْرِيرَ حَالِ الْوَدِيعَةِ بِصُورَةٍ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُحَرَّرَتَيْنِ فِي الْمَجَلَّةِ مَثَلًا إذَا ادَّعَى وَرَثَةُ الْمُسْتَوْدَعِ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ أَفَادَ وَأَقَرَّ بِأَنَّ الْمُودِعَ أَمَرَهُ بِبَيْعِ الْوَدِيعَةِ لِشَخْصٍ آخَرَ وَبَاعَهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَمْرِ لِلشَّخْصِ الْفُلَانِيِّ وَأَنَّ الثَّمَنَ بَقِيَ فِي ذِمَّةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَثْبَتُوا الْأَمْرَ وَالْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ يَبْرَءُونَ أَيْضًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (75) (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
3 - إذَا أَثْبَتَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَارِثِ مَعَ الْيَمِينِ لَا يُقْبَلُ بِلَا إثْبَاتٍ (الْأَشْبَاهُ) .
4 - رَدَدْتهَا إلَخْ. سُرِدَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْمَجَلَّةِ بِصُورَةٍ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ ادَّعَى وَهُوَ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ أَنَّهُ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى زَوْجَتِهِ وَتُوُفِّيَ عَقِبَ ذَلِكَ وَعِنْدَمَا طُلِبَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الزَّوْجَةِ أَنْكَرَتْ هَذِهِ دَفْعَ زَوْجِهَا الْوَدِيعَةَ لَهَا فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُ الزَّوْجَةِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (78) وَالضَّمَانُ يَلْزَمُ تَرِكَةَ الْمُتَوَفَّى بِسَبَبِ التَّجْهِيلِ.
وَهَلْ تَلْزَمُ الْيَمِينُ إذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ قَوْلَ الْمُسْتَوْدَعِ الْمُتَوَفَّى (رَدَدْتهَا) ؟ إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ ادَّعَى وَهُوَ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ بِأَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ يُسْمَعُ مِنْهُ وَإِنْ يَكُنْ الْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلَهُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (1874) وَحَيْثُ إنَّ صُدُورَ الِادِّعَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَجَبَ اسْتِمَاعُ شُهُودٍ عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ كَمَا ذُكِرَ سَالِفًا.
وَلَكِنْ بَعْدَ إثْبَاتِ قَوْلِ الْمُسْتَوْدَعِ الْمُتَوَفَّى هَذَا هَلْ تَجِبُ يَمِينٌ كَالْيَمِينِ الَّتِي لَزِمَتْ عَلَى الْمُوَرِّثِ الْمُسْتَوْدَعِ وَهُوَ حَيٌّ وَاَلَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمَادَّةِ (1774) ؟ وَنَظَرًا لِنَقْلِ الْعِمَادِيَّةِ مِنْ النَّوَادِرِ فِي بَحْثِ الضَّمَانَاتِ تَلْزَمُ الْيَمِينُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِأَنَّهُمْ (لَمْ يَعْمَلُوا بِلُزُومِ رَدِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ ضَمَانِهَا عَلَى الْمُتَوَفَّى) .
وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ نَظَرًا لِمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأَنْقِرْوِيِّ لَا تَلْزَمُ الْيَمِينُ وَعِبَارَتُهُ فِي هَذَا هِيَ (ادَّعَى الْمُودَعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَحْلِفُ وَارِثُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ) انْتَهَى.
الْوَجْهُ الثَّانِي: إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُسْتَوْدَعُ حَالٍ الْوَدِيعَةِ فِي حَيَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَبْسُوطِ آنِفًا فَلِوُقُوفِ وَارِثِهِ عَلَى ذَلِكَ فَسَّرَ وَارِثُهُ الْوَدِيعَةَ وَوَصَفَهَا بِقَوْلِهِ: نَحْنُ نَعْلَمُ الْوَدِيعَةَ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَا وَكَذَا وَفَسَّرَهَا بِصُورَةٍ تُوَافِقُ أَوْصَافَهَا الْحَقِيقِيَّةَ وَأَفَادَ بِأَنَّهَا ضَاعَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ أَنَّهُ رَدَّهَا وَسَلَّمَهَا لِصَاحِبِهَا يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (1774) وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَالْمُسْتَوْدَعِ عِنْدَمَا تُفَسَّرُ الْوَدِيعَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَصِيرُ الْوَدِيعَةُ الْمَذْكُورَةُ أَمَانَةً بِيَدِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِتَقْدِيرِ هَلَاكِهَا وَكَمَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَجْهِيلٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا ادَّعَى وَارِثُ الْمُسْتَوْدَعِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ مُجْهِلًا كَمَا سَيُذْكَرُ فِي الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ ضَاعَتْ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَوْدَعِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْأَمِينِ مَقْبُولًا فَقَوْلُ الضَّمِينِ لَا يُقْبَلُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ.
(2/325)
وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْفِقْرَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ عَالِمًا الْوَدِيعَةِ وَكَانَ الْمُوَرِّثُ الْمُسْتَوْدَعُ وَاقِفًا عَلَى عِلْمِ وَارِثِهِ هَذَا فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بَيَانُ وَتَقْرِيرُ حَالِ الْوَدِيعَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ (الْبَزَّازِيَّةُ) . يَعْنِي أَنَّهُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَحْصُلُ التَّجْهِيلُ بِالسُّكُوتِ عَنْ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيرِ تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَرَدَ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ التَّوْصِيفُ وَالتَّفْسِيرُ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يُقْبَلُ إذَا لَمْ يَصِفْ وَيُفَسِّرْ. وَبِمَا أَنَّ الْفِقْرَةَ الْأَخِيرَةَ مُتَمِّمَةٌ لِهَذِهِ الْفِقْرَةِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي الْأَخِيرَةِ وَأَمَّا (إذْ قَالَ الْوَارِثُ: نَحْنُ نَعْلَمُ الْوَدِيعَةَ فَقَطْ) .
إفَادَةٌ: مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إذَا كَانَ مُسْتَوْدَعًا بِلَا أَجْرٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَوْدَعًا بِالْأَجْرِ وَتَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ ضَاعَتْ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّرُ مِنْهُ فَيَلْزَمُ تَنْفِيذُ حُكْمِ الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (777) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا فِي تَرِكَةِ الْمُسْتَوْدَعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذَا الْأَخِيرُ حَالَ الْوَدِيعَةِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِاطِّلَاعِ الْوَارِثِ عَلَيْهَا فَحَيْثُ إنَّهُ يَكُونُ تُوُفِّيَ مُجْهِلًا يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ أَيْ الدُّيُونِ الَّتِي تَرَتَّبَتْ بِذِمَّتِهِ فِي حَالَةِ صِحَّتِهِ يَعْنِي تُؤْخَذُ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَيُؤْخَذُ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ عَلَى الْمِثْلِيَّاتِ. وَإِلَّا فَهَذَا الدَّيْنُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ دَيْنِ الْمَرَضِ. وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْشَكَتْ أَنْ تَفْسُدَ وَلَا تَسْتَقِيمَ مُدَّةً طَوِيلَةً كَالْعِنَبِ وَالْبِطِّيخِ. فَلِلْمُودِعِ أَنْ يَبِيعَهَا بِسِعْرِهَا الْحَاضِرِ أَوْ يَأْكُلَهَا وَيَضْمَنَ قِيمَتَهَا (الْأَنْقِرْوِيُّ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَفِي قَوْلِهِ: كَدُيُونِهِ السَّائِرَةِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ غَرِيمَةً يَدْخُلُ الْمُودِعُ أَيْضًا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ. وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْمُودِعِ امْتِيَازٌ مَا عَنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْمَجْهُولَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ وَلِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صَارَ بِالتَّجْهِيلِ مُسْتَهْلِكًا لَهَا تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَكَمَا يَدْخُلُ الْمُودِعُ فِي الْغُرَمَاءِ فَلَوْ تُوُفِّيَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ أَنْ اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ إثْبَاتَ قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ لَازِمٌ عَلَى الْمُودِعِ فَإِنْ لَمْ يَقْتَدِرْ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ مَعَ الْيَمِينِ لِلْوَرَثَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) رَاجِعْ الْمَادَّةَ (76) . وَإِذَا تَبَيَّنَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ يُوجَدُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فِي دُكَّانِي كِيسٌ يَحْتَوِي عَلَى مِقْدَارٍ مِنْ النُّقُودِ وَلَا أَعْلَمُ عَدَدَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الدُّكَّانِ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا تَجْهِيلٌ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ وَالْفِقْرَةِ الرَّابِعَةِ السَّالِفَتَيْ الذِّكْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَهِيَ: إذَا أَوْدَعَ شَخْصَانِ عِنْدَ رَجُلٍ أَلْفَ قِرْشٍ وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تَارِكًا وَلَدًا لَهُ وَادَّعَى الْوَاحِدُ الشَّخْصُ أَنَّ الِابْنَ الْمَرْقُومَ اسْتَهْلَكَ الْوَدِيعَةَ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا هِيَ الْوَدِيعَةُ فَاَلَّذِي ادَّعَى اسْتِهْلَاكَ الِابْنِ حَيْثُ إنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُودِ الْوَدِيعَةِ عَيْنًا حِينَ وَفَاةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بِحَسَبِ الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ بَلْ يَضْمَنُ الْمَرْقُومُ لَدَى الْإِثْبَاتِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ. يُطْلَبُ شَيْئَانِ فِي التَّجْهِيلِ. فُهِمَ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْمَسْرُودَةِ أَنَّهُ يُطْلَبُ شَيْئَانِ فِي تَجْهِيلِ الْوَدِيعَةِ. الْأَوَّلُ عَدَمُ بَيَانِ الْمُسْتَوْدَعِ حَالَ الْوَدِيعَةِ. بِنَاءً عَلَيْهِ الْمُسْتَوْدَعُ حَالَ الْوَدِيعَةِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ أَيْضًا. وَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ أَعْلَاهُ هُوَ هَذَا.
الثَّانِي عَدَمُ مَعْرِفَةِ الْوَارِثِ بِحَالِ الْوَدِيعَةِ. يَعْنِي إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَيُقَرِّرْ الْمُسْتَوْدَعُ حَالَ الْوَدِيعَةِ فِي حَالِ
(2/326)
حَيَاتِهِ وَكَانَ الْوَارِثُ عَالِمًا الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَوْدَعُ عَالِمًا بِعِلْمِ الْإِرْثِ أَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِسَبَبِ عَدَمِ بَيَانِهِ حَالَ الْوَدِيعَةِ وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ هُوَ هَذَا.
فَإِذَا قَالَ الْوَارِثُ: إنِّي أَعْلَمُ الْوَدِيعَةَ وَصَدَّقَ الْمُودِعُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى مَعْلُومَاتِ الْوَارِثِ بِهَذَا الْوَجْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ مِنْ التَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا.
تَجْهِيلُ الْوَدِيعَةِ قِسْمًا: وَيَكُونُ تَجْهِيلُ الْوَدِيعَةِ فِي قِسْمٍ مِنْهَا أَيْضًا.
مَثَلًا كَمَا لَوْ كَانَ قِسْمٌ مِنْ الْوَدِيعَةِ مَوْجُودًا عَيْنًا وَوُجِدَ تَجْهِيلٌ فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ لَزِمَ ضَمَانُ الْقِسْمِ الَّذِي فِيهِ تَجْهِيلٌ وَوَجَبَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُودِعُ مَا يُصِيبُ حِصَّتَهُ إذَا كَانَتْ تَرِكَةُ الْمُسْتَوْدَعِ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ وَيَرِدُ الْقِسْمُ الْآخَرُ عَيْنًا مَثَلًا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عِشْرِينَ ذَهَبَةً وَكَانَتْ الْخَمْسَ عَشْرَةَ مِنْهَا مَوْجُودَةً عَيْنًا وَالْخَمْسَةُ الْأُخْرَى غَيْرَ مَوْجُودَةٍ يَلْزَمُ ضَمَانُ الْخَمْسَةِ فَقَطْ وَتُرَدُّ الْخَمْسَةَ عَشْرَةَ عَيْنًا.
التَّجْهِيلُ فِي الْأَمَانَاتِ السَّائِرَةِ: كَمَا أَنَّ تَجْهِيلَ الْوَدِيعَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى مَا ذُكِرَ فَتَجْهِيلُ الْأَمَانَاتِ السَّائِرَةِ كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ وَمَالِ الْبِضَاعَةِ وَالْمَالِ الْمَأْجُورِ وَالْمَالِ الْمُسْتَعَارِ وَالْمَالِ الَّذِي بِيَدِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مُسْتَلْزِمٌ لِلضَّمَانِ أَيْضًا، وَالْقَاعِدَةُ فِي هَذَا هِيَ: (كُلُّ أَمِينٍ مَاتَ مُجْهِلًا الْأَمَانَةَ فَالضَّمَانُ فِيهَا لَازِمٌ) .
فَإِذَا ادَّعَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ وَفَاةِ الْأَمِينِ تَلَفَ الْأَمَانَةِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ رَدَّهَا لِصَاحِبِهَا لَا يُصَدَّقُونَ بِلَا بَيِّنَةٍ. مَثَلًا لَوْ وُجِدَ بِيَدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَالُ شَرِكَةٍ وَتُوُفِّيَ هَذَا الشَّرِيكُ مُجْهِلًا دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ وَصْفَ الْمَالِ الْمَذْكُورِ يَضْمَنُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الشَّرِكَةُ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) أَنَّ مَا زَادَ مِنْ الرَّهْنِ عَنْ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ فَإِذَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ مُجْهِلًا هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَزِمَ ضَمَانُهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ (الْحَمَوِيُّ) فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ أَرْبَابِ الْفَتْوَى بِهَذَا الْقَوْلِ.
اسْتِثْنَاءٌ: وَاسْتُثْنِيَتْ بَعْضُ الْمَسَائِلِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي حَقِّ تَجْهِيلِ الْأَمَانَةِ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَحَوَاشِيهِ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ الْمُفِيدِ ذِكْرُ بَعْضِ مَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ مِنْهَا هُنَا.
1 - إذَا مَاتَ النَّاظِرُ مُجْهِلًا بَعْدَ أَنْ قَبَضَ غَلَّاتِ الْوَقْفِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحِقٌّ لِتِلْكَ الْغَلَّاتِ وَكَانَتْ مَشْرُوطَةً لِلْمَسْجِدِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ وَطَلَبَهَا فَلَمْ يُعْطِهَا ثُمَّ مَاتَ مُجْهِلًا لَزِمَ الضَّمَانُ بَيْدَ أَنَّهُ إذَا تُوُفِّيَ النَّاظِرُ مُجْهِلًا عَيْنَ الْوَقْفِ وَالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَوْقُوفَةَ أَوْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الَّتِي اُسْتُبْدِلَ الْعَقَارُ الْمَوْقُوفُ بِهَا فَالضَّمَانُ لَازِمٌ.
2 - إذَا أَوْدَعَ الْحَاكِمُ أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ عِنْدَ أَحَدٍ وَتُوُفِّيَ مُجْهِلًا قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ الشَّخْصَ الَّذِي أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ وَأَمَّا إذَا تُوُفِّيَ مُجْهِلًا أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ الَّتِي وَضَعَهَا فِي دَارِهِ يَضْمَنُ.
(2/327)
إذَا أَوْدَعَ أَمِيرُ الْجَيْشِ الْغَنَائِمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَحَدِ الرُّوَاةِ وَتُوُفِّيَ دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ عِنْدَ مَنْ أَوْدَعَهُمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
4 - إذَا أَلْقَتْ الرِّيحُ مَالًا فِي دَارِ أَحَدٍ وَتُوُفِّيَ مُجْهِلًا ذَلِكَ الْمَالَ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
5 - إذَا وَضَعَ شَخْصٌ مَالَهُ فِي دَارِ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهَا وَتُوُفِّيَ صَاحِبُ الدَّارِ مُجْهِلًا الْمَالَ الْمَذْكُورَ لَا يَضْمَنُ.
6 - إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ مَالًا عِنْدَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ وَتُوُفِّيَ الصَّبِيُّ الْمَرْقُومُ مُجْهِلًا ذَلِكَ الْمَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ لِالْتِزَامِ الْحِفْظِ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ الْمَذْكُورُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ أَيْضًا. مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْوَدِيعَةَ وُجِدَتْ بِيَدِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
وَالْحَاصِلُ - وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ غَيْرَ لَازِمٍ فِي حَالِ وَفَاةِ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَعَدَمِ عِلْمِ مَصِيرِ الْوَدِيعَةِ وَوَقَعَ هَلَاكُهَا إذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي وُجُودَ الْوَدِيعَةِ بِيَدِ الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَرْقُومِ.
وَأَحْكَامُ الْمَحْجُورِينَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَادَّةِ (946) كَالْجُنُونِ وَالدَّيْنِ وَالسَّفَهِ وَالْعُنَّةِ وَالْغَفْلَةِ هِيَ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَعْتُوهُ مَأْذُونًا بِالتِّجَارَةِ أَوْ بِقَبُولِ الْوَدِيعَةِ وَتُوُفِّيَ مُجْهِلًا بَعْدَ أَنْ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ لَزِمَ الضَّمَانُ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 776 وَشَرْحَهَا) .
7 - وَإِذَا تُوُفِّيَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ مُجْهِلًا مَالَ ابْنِهِ أَوْ حَفِيدِهِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فَإِذَا تُوُفِّيَ وَصِيُّ الْأَبِ وَوَصِيُّ الْجَدِّ وَوَصِيُّ الْقَاضِي مُجْهِلًا مَالَ الصَّغِيرِ أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. وَقَدْ ذُكِرَتْ الْأَبْيَاتُ الْآتِيَةُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهِيَ:
وَكُلُّ أَمِينٍ بَاتَ وَالْعَيْنُ يَحْصُرُ ... وَمَا وُجِدَتْ عَيْنًا فَدَيْنًا يُصَيَّرُ
سِوَى مُتَوَلِّي الْوَقْفِ ثُمَّ مُفَاوِضٍ ... وَمُودِعِ مَالِ الْغُنْمِ وَهُوَ الْمُؤَمَّرُ
وَصَاحِبُ دَارٍ أَلْقَتْ الرِّيحُ مِثْلَ مَا ... لَوْ أَلْقَاهُ مَلَاكٌ بِهَا لَيْسَ يَشْعُرُ
وَكَذَا وَالِدُ جَدٍّ وَقَاضٍ وَصِيُّهُمْ ... جَمِيعًا وَمَحْجُورٌ فَوَارِثُ يُسْطَرُ
(الدُّرُّ الْمُخْتَارُ) .
كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَصِفْ الْوَارِثُ وَيُفَسِّرُ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي بَلْ قَالَ: نَحْنُ نَعْرِفُ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّهَا هَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ رَدَّهَا فِي حَيَاتِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْقَوْلُ تِجَاهَ إنْكَارِ الْمُودِعِ وَالْقَوْلُ لِلْمُودِعِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إثْبَاتِ ضَيَاعِ الْوَدِيعَةِ لَزِمَ الضَّمَانُ مِنْ التَّرِكَةِ.
فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا ادَّعَى الْمُودَعُ التَّجْهِيلَ وَادَّعَى الْوَارِثُ تَلَفَهَا أَخِيرًا بَيْنَمَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً وَمَوْجُودَةً عِنْدَ وَفَاةِ الْمُسْتَوْدَعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ. وَأَمَّا إذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ رَدَّ مُوَرِّثِهِ الْوَدِيعَةَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ تَلَفَهَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ. وَحَيْثُ إنَّ هَذِهِ الْفِقْرَةَ سُرِدَتْ لِأَجْلِ بَيَانِ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ مِنْ عِبَارَةِ (وَصَفَ وَفَسَّرَ) الْمَذْكُورَةِ آنِفًا فِي الْفِقْرَةِ الَّتِي تَحْتَ عُنْوَانِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) كَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ إتْيَانُهَا عَقِبَهَا لِكَيْ تَنْسَجِمَ الْعِبَارَةُ.
صُورَةُ الْإِثْبَاتِ: إذَا دَفَعَ الْوَرَثَةُ الِادِّعَاءَ الْمُوَجَّهَ بِقَوْلِهِمْ إنَّ الْوَدِيعَةَ كَانَتْ عِنْدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِمْ مَوْجُودَةً عَيْنًا وَإِنَّ مُوَرِّثَهُمْ قَالَ: هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدِي أَوْ كُنْت أَخَذْت هَذَا الْمَالَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ
(2/328)
أَوْ الرِّسَالَةِ مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ عَلَى أَنْ أَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَأُسَلِّمَهُ إيَّاهُ فَادْفَعُوهُ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ ضَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَنَا فَإِذَا ثَبَتَ دَفْعُهُمْ هَذَا بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَسَبَبُ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِ الْوَارِثِ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ هَذِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْمَجَلَّةِ هُوَ أَنَّهُ عَدَا عَنْ أَنَّ الْوَدِيعَةَ كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ وَفَاةِ الْمُسْتَوْدَعِ فَقَدْ فَسَّرَهَا الْوَارِثُ وَلَمَّا كَانَ تَفْسِيرُهُ مُطَابِقًا لِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صُدِّقَ قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ إنَّ الْوَدِيعَةَ لَيْسَتْ مَعْرُوفَةً فَادِّعَاؤُهُ أَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ وَأَنَّهُ هُوَ يَعْرِفُهَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا.
وَبَيَانُ حَالِ الْوَدِيعَةِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِوَقْتِ الْمَوْتِ فَإِذَا بَيَّنَ الْمُسْتَوْدَعُ حَالَ الْوَدِيعَةِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَإِفَاقَتِهِ يَكُونُ تَخَلَّصَ مِنْ التَّجْهِيلِ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى الْمُودِعُ التَّجْهِيلَ بِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالٍ الْوَدِيعَةِ وَقْتَ وَفَاتِهِ فَبِمَا أَنَّ عَدَمَ الْبَيَانِ وَقْتَ الْوَفَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْبَيَانِ قَبْلَهُ وَلَا يَكُونُ الِادِّعَاءُ الْمَذْكُورُ صَحِيحًا بَلْ يَقْتَضِي إقَامَةَ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا وَبِلَا بَيَانِ حَالِ الْوَدِيعَةِ وَتَقْرِيرِهَا فِي صُورَةِ بَيَانِ رَدِّ الْمِقْدَارِ الْمَجْهُولِ: إذَا قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ لِلْمُودِعِ (كُنْت قَبَضْت بَعْضَ الْوَدِيعَةِ) وَتُوُفِّيَ الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَةُ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَقَالَ الْمُودِعُ: لَمْ آخُذْ شَيْئًا، وَقَالَ وَرَثَةُ الْمُسْتَوْدَعِ: بَقِيَ مِائَةُ قِرْشٍ مِنْ الْوَدِيعَةِ الَّتِي هِيَ أَلْفُ قِرْشٍ مَثَلًا فَحَيْثُ إنَّ الْمُودِعَ قَبَضَ الْبَعْضَ مِنْ الْوَدِيعَةِ فَهُوَ مَجْبُورٌ عَلَى تَعْيِينِ مِقْدَارِ مَا قَبَضَهُ وَيَثْبُتُ قَبْضُهُ لِلْمِقْدَارِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ.
وَلَكِنْ إذَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّهُ قَبَضَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَحْلِفُ الْمُودِعُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا قَالَ الْمُودِعُ: أَخَذْت مِائَةَ قِرْشٍ، وَقَالَ وَرَثَةُ الْمُسْتَوْدَعِ: أَخَذْت تِسْعَمِائَةِ قِرْشٍ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُ الْمُودِعِ.
ذُكِرَ فِي الْهِنْدِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ الْمُودِعُ بِقَبْضِ بَعْضِ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ فِي تَعْيِينِ مِقْدَارِهِ لَهُ أَيْ لِلْمُودِعِ. سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ الْوَاجِبِ وُجُودُ فَرْقٍ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْهِنْدِيَّةِ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَادَّةِ (1774) مِنْ الْمَجَلَّةِ أَوْ تَوْفِيقِهِمَا.
حَاصِلُ مَسَائِلِ تَجْهِيلِ الْوَدِيعَةِ هُوَ هَذَا:
1 - إذَا بَيَّنَ الْمُسْتَوْدَعُ وَصْفَ الْوَدِيعَةِ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ وَلَمْ تُوجَدْ الْوَدِيعَةُ فِي تَرِكَتِهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَمَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ هَذَا.
2 - إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَكَانَ الْوَارِثُ عَالِمًا الْوَدِيعَةِ وَصَادَقَ الْمُودِعَ عَلَى عِلْمِهِ بِهَذَا الْوَجْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ.
3 - إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ عَالِمًا الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا أَيْضًا فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي التَّرِكَةِ هُوَ الْوَدِيعَةُ يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا. وَهَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى.
4 - إذَا تُوُفِّيَ الْمُسْتَوْدَعُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَصْفَ الْوَدِيعَةِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا فِي
(2/329)
التَّرِكَةِ يَكُونُ مَاتَ مُجْهِلًا وَتَكُونُ الْوَدِيعَةُ دَيْنًا عَلَى التَّرِكَةِ. وَهَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الرَّابِعَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 803) إذَا تُوُفِّيَ الْمُودِعُ تُدْفَعُ الْوَدِيعَةُ إلَى وَارِثِهِ]
(الْمَادَّةُ 803) إذَا تُوُفِّيَ الْمُودِعُ تُدْفَعُ الْوَدِيعَةُ إلَى وَارِثِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُتَفَرِّقَةً بِالدَّيْنِ يُرَاجِعُ الْحَاكِمَ وَإِذَا دَفَعَهَا الْمُسْتَوْدَعُ إلَى الْوَارِثِ بِلَا مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ وَاسْتَهْلَكَهَا الْوَارِثُ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا.
تُعْطَى الْوَدِيعَةُ عِنْدَ وَفَاةِ الْمُودِعِ لِوَارِثِهِ أَوْ لِوَصِيِّهِ. وَلِلْوَارِثِ أَنْ يَطْلُبَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ وَأَنْ يَدَّعِيَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ.
وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ إذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّهُ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ لِوَصِيِّهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلُهُ بِمُوجِبِ حُكْمِ الْمَادَّةِ (1774) .
بِقَوْلِهِ (لِوَارِثِهِ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ إشَارَةٌ إلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَلَوْ كَانَ الْمُتَوَفَّى أَمَرَ الْمُسْتَوْدَعَ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُودِعُ أَمَرَ الْمُسْتَوْدَعَ بِإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ لِشَخْصٍ لَيْسَ وَارِثًا وَأَعْطَاهَا الْمُسْتَوْدَعُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُودِعِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ بِنَاءً عَلَى الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِوَفَاةِ الْمُودِعِ تَبْطُلُ وَكَالَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ بِقَبْضِهِ الْوَدِيعَةَ وَيُصْبِحُ أَمْرُ الْمُودِعِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِعْ الْمَادَّةَ (1526) .
تَعْبِيرُ (لِوَارِثِهِ) لَيْسَ لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ وَصِيِّ الْمُتَوَفَّى أَوْ دَائِنِهِ.
رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (793) (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ وَارِثٌ وَاحِدٌ. أَمَّا إذَا كَانَ الْوَارِثُ مُتَعَدِّدًا فَلَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْوَدِيعَةِ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَقَطْ يَعْنِي إلَى بَعْضِهِمْ وَإِذَا سُلِّمَتْ وَتَلِفَتْ فَلِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الْحَقُّ يُضَمِّنُوا حِصَّتَهُمْ الْمُسْتَوْدَعَ إنْ لَمْ يَجُزْ التَّسْلِيمُ الْمَذْكُورُ.
فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ قَابِلَةً لِلْقِسْمَةِ وَكَانَ الْوَارِثُ عِبَارَةً عَنْ وَلَدَيْهِ مَثَلًا وَجَبَ إعْطَاءُ نِصْفِهَا إلَى أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ وَالنِّصْفِ الْآخَرِ إلَى الثَّانِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلْقِسْمَةِ لَزِمَ تَسْلِيمُهَا إلَى الِاثْنَيْنِ مَعًا. رَاجِعْ الْمَادَّةَ (796) .
حَتَّى إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ عِنْدَ آخَرَ مَالًا وَقَالَ لَهُ: ادْفَعْهُ لِابْنِي عِنْدَ وَفَاتِي ثُمَّ تُوُفِّيَ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَأَعْطَاهُ لِابْنِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ آخَرُ ضَمِنَ حِصَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا تَكُونُ مَوْرُوثَةً لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُودِعِ وَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا لِبَعْضِهِمْ. وَلَوْ كَانَ الْمُودِعُ أَمَرَ بِذَلِكَ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْوَدِيعَةِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا تُوُفِّيَ الْمُودِعُ وَكَانَتْ وَرَثَتُهُ فِي
(2/330)
دِيَارٍ أُخْرَى وَقَبَضَ أَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ تَرِكَتَهُ فَإِنْ أَعْطَى الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى الِابْنِ الْمَرْقُومِ وَلَمْ يُجِزْ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوهَا لِلْمُسْتَوْدَعِ.
مُسْتَثْنًى: يُسْتَثْنَى مَسْأَلَةٌ مِنْ لُزُومِ دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى الْوَارِثِ وَهِيَ:
إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ عِنْدَ آخَرَ صَكًّا يَنْطِقُ بِأَنَّ لِذَلِكَ الشَّخْصِ دَيْنَ - كَذَا قِرْشًا بِذِمَّةِ ذَلِكَ الْآخَرِ - ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُودِعُ وَعَلِمَ الْمُسْتَوْدَعُ أَنَّ مِقْدَارًا مِنْ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ قَدْ أُوفِيَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ ذَلِكَ الصَّكَّ أَبَدًا إلَى حِينِ أَنْ يُقِرَّ الْوَارِثُ بِالْقَبْضِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الصَّكَّ إلَى الْوَارِثِ الْمَذْكُورِ لَأَلْحَقَ ضَرَرًا بِالْمَدِينِ. وَالضَّرَرُ مَمْنُوعٌ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (17) الدُّرُّ الْمُخْتَارُ (وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ يُرَاجِعُ الْحَاكِمَ وَتُعْطَى الْوَدِيعَةُ بِأَمْرِهِ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَقْتَضِي إعْطَاؤُهَا وَإِذَا أَعْطَاهَا الْمُسْتَوْدَعُ إلَى الْوَارِثِ بِدُونِ أَمْرِ الْحَاكِمِ وَاسْتَهْلَكَهَا الْوَارِثُ يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ الْوَدِيعَةِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ الْمَرْقُومُ أَمِينًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ وَيَفِيَ الدَّيْنَ.
(إذَا اسْتَهْلَكَهَا) لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَوْجُودَةً عَيْنًا بِيَدِ الْوَارِثِ يَسْتَرِدُّهَا الْغُرَمَاءُ عَيْنًا كَمَا أَنَّهُ مَتَى كَانَتْ تَرِكَةُ الِابْنِ الْمُتَوَفَّى مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَلَا يَبْرَأُ الْمَدِينُ إذَا أَعْطَى دَيْنَهُ لِلْوَارِثِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
(لِلْوَارِثِ) لَيْسَ لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ بَعْضِ الدَّائِنِينَ لِأَنَّهُ حِينَمَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُعْطِيَهَا لِبَعْضِ الدَّائِنِينَ أَيْضًا فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ حِصَّةَ الْآخَرِينَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِبَعْضِ الدَّائِنِينَ فِي التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ رُجْحَانٌ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دَائِنٍ ذَا حِصَّةٍ مِنْ تَرِكَةِ الْمَدِينِ بِنِسْبَةٍ مَطْلُوبَةٍ.
إلَّا أَنَّ قَيْدَ (لِلْوَارِثِ) هُوَ لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ فَلِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُعْطِيَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَصِيِّ.
فَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَعْطَاهَا إلَى الْوَصِيِّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (1774) .
كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَفَّى وَارِثٌ مَعْلُومٌ فِي الظَّاهِرِ وَقَبَضَ أَمِينُ بَيْتِ الْمَالِ تَرِكَتَهُ يَجُوزُ لِلْمُسْتَوْدَعِ وَالْحَالَةَ هَذِهِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَدِيعَةَ إلَى الِابْنِ الْمَرْقُومِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ ظَهَرَ وَارِثُ الْمُودِعِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَرْقُومِ أَنْ يَطْلُبَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ بَلْ يَأْخُذُهَا مِنْ أَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ.
وَلَزِمَ مُرَاجَعَةُ الْحَاكِمِ فِي إعَادَةِ الْوَدِيعَةِ يَكُونُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي تَكُونُ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ، يَعْنِي إذَا كَانَ لِلتَّرِكَةِ مَالٌ آخَرُ يَكْفِي لِلدَّيْنِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَدِيعَةِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِإِعْطَائِهَا لِلْوَارِثِ.
حُكْمُ مُسْتَوْدَعِ الْغَاصِبِ: إذَا أَعَادَ مُسْتَوْدَعُ الْغَاصِبِ الْوَدِيعَةَ عَيْنًا يَبْرَأُ. وَلَا يَبْقَى مَسْئُولًا تِجَاهَ صَاحِبِ الْمَالِ أَوْ وَارِثِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
(2/331)
[ (الْمَادَّةُ 803) الْوَدِيعَةُ إذَا لَزِمَ ضَمَانُهَا]
(الْمَادَّةُ 803) :
الْوَدِيعَةُ إذَا لَزِمَ ضَمَانُهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ تُضْمَنُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ تُضْمَنُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ وُقُوعِ الشَّيْءِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ.
تَشْتَمِلُ هَذِهِ الْمَادَّةُ عَلَى حُكْمَيْنِ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: يَلْزَمُ مِثْلُ الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فَعَلَيْهِ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُسْتَوْدَعُ الْحِنْطَةَ الْمُودَعَةَ عِنْدَهُ فِي وَقْتِ غَلَاءٍ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ مِثْلَهَا إلَى صَاحِبِهَا وَقْتَ الرَّخَاءِ فَطَلَبَ الْمُودِعُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ فَالْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِقِيمَتِهَا وَقْتَ الِاسْتِهْلَاكِ بَلْ يَحْكُمُ بِأَدَاءِ مِثْلِهَا.
وَسَيُوضَحُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 891 سَبَبُ لُزُومِ مِثْلِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ لَزِمَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ لُزُومِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ وُقُوعِ الشَّيْءِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ هُوَ زَمَانُ الْغَصْبِ فَتَلْزَمُ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (891) وَمَسْأَلَةُ هَذِهِ الْمَادَّةِ الْعُمُومِيَّةِ هِيَ الْمَادَّةُ (891) كَذَلِكَ إذَا لَزِمَ تَضْمِينُ نُقْصَانِ قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ فَتَلْزَمُ قِيمَةُ النُّقْصَانِ يَوْمَ وُقُوعِ الشَّيْءِ الَّذِي أَوْجَبَ الضَّمَانَ.
وَسَيُوضَحُ فِي الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ لُزُومُ ضَمَانِ قِيمَةِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي مِنْ الْأَمْوَالِ الْقِيَمِيَّةِ يَوْمَ وُقُوعِ الشَّيْءِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ فَلَوْ لَزِمَ الضَّمَانُ لِوَفَاةِ الْمُسْتَوْدَعِ مُجْهِلًا الْوَدِيعَةَ فَيَلْزَمُ إعْطَاءُ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْوَفَاةِ.
كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَوْدَعُ الْوَدِيعَةَ شَهْرًا بِلَا إذْنٍ وَتَلِفَتْ لَزِمَتْ قِيمَتُهَا فِي ابْتِدَاءِ اسْتِعْمَالِهَا وَلَوْ نَزَلَتْ قِيمَتُهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الْعَاشِرِ بِتَرَاجُعِ الْأَسْعَارِ فَيَقْتَضِي قِيمَتَهَا فِي ابْتِدَاءِ اسْتِعْمَالِهَا أَيْضًا.
كَذَلِكَ لَوْ أَثْبَتَ الْمُودِعُ الْإِيدَاعَ وَقِيمَةِ الْوَدِيعَةِ وَقْتَ الْإِنْكَارِ بِسَبَبِ إنْكَارِ الْمُسْتَوْدَعِ لِلْوَدِيعَةِ فَيُحْكَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بِالْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمَّا إذَا لَمْ تَعْلَمْ الشُّهُودُ قِيمَةَ الْوَدِيعَةِ فَيُحْكَمُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ بِقِيمَةِ الْوَدِيعَةِ يَوْمَ الْإِنْكَارِ الَّتِي يُقِرُّ بِهَا الْمُسْتَوْدَعُ (تَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ) وَيَحْلِفُ الْمُسْتَوْدَعُ بِالطَّلَبِ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا لَا تَزِيدُ عَنْ ذَلِكَ.
قِيمَةُ سَنَدِ الدَّيْنِ وَدَفْتَرِ الْحِسَابِ: إنَّ قِيمَةَ دَفْتَرِ الْحِسَابِ وَسَنَدِ الدَّيْنِ هِيَ قِيمَةُ ذَلِكَ الْوَرَقِ مَكْتُوبًا لَا مَا يَحْتَوِيهِ الدَّفْتَرُ أَوْ السَّنَدُ مِنْ الْمَبَالِغِ.
مَثَلًا لَوْ أَوْدَعَ شَخْصٌ سَنَدًا مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا مُشَعَّرًا بِمَالِهِ فِي ذِمَّةِ آخَرَ مِنْ الدَّيْنِ وَاسْتَهْلَكَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَيَلْزَمُ ضَمَانُ ذَلِكَ السَّنَدِ مَكْتُوبًا مَهْمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمَبْلَغِ الَّذِي يَحْتَوِيهِ السَّنَدُ (فَيْضِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ وَالِاسْتِهْلَاكَ قَدْ صَادَفَ الْوَرَقَ لَا الْمَبْلَغَ الَّذِي يَحْتَوِيهِ وَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِضَيَاعِ سَنَدِ الدَّيْنِ.
أَمَّا إذَا عَجَزَ الدَّائِنُ عَنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَحَلَفَ الْمَدْيُونُ الْيَمِينَ وَتَلِفَ الدَّيْنُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَيُضَافُ هَذَا التَّلَفُ عَلَى إنْكَارِ الْمَدْيُونِ وَحَلَّفَهُ الْيَمِينَ.
(2/332)
[خَاتِمَةٌ فِي الْوَدِيعَةِ تَحْتَوِي عَلَى مَبْحَثَيْنِ] [الْمَبْحَثُ الْأَوَّل فِي نِزَاعِ شَخْصَيْنِ فِي وَدِيعَةٍ وَاحِدَة]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ بِأَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ الَّتِي فِي يَدِ فُلَانٍ هِيَ لَهُ وَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا وَحْدَهُ وَأَنْكَرَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ أَنَّهَا لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَالْقَاضِي مُخَيَّرٌ فِي الْبَدْءِ بِالْيَمِينِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الِاثْنَانِ عَلَى الْبَدْءِ بِالْيَمِينِ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُعَيِّنَ ذَلِكَ؛ فَإِذَا نَكِلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ الَّذِي كُلِّفَ بِحَلِفِهِ مِنْ الِاثْنَيْنِ فَتُصْبِحُ الْمِائَةُ دِينَارٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُدَّعِينَ وَيَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يُؤَدِّيَ لَهُمَا مِائَةَ دِينَارٍ أُخْرَى وَيَأْخُذُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِائَةَ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ سَبَبٌ مُرَجِّحٌ لِلْحُكْمِ لِأَحَدِهِمَا أَمَّا إذَا حَلَفَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْيَمِينَ لِلِاثْنَيْنِ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا مِنْهُ شَيْئًا لِعَدَمِ وُجُودِ الْحُجَّةِ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكِلَ عَنْ الْحَلِفِ لِلْآخَرِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا نَكِلَ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا وَلَمْ تَكُنْ لِلْآخَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا أُرِيدَ تَكْلِيفُ الْيَمِينِ لِأَجْلِ الِاثْنَيْنِ حَسَبَ الْمَسْأَلَةِ الْآنِفَةِ فَإِذَا نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ حِينَمَا كُلِّفَ لِلْحَلِفِ لِأَحَدِهِمَا فَيَجِبُ عَدَمُ التَّعْجِيلِ بِالْحُكْمِ وَيَجِبُ تَحْلِيفُهُ لِلْآخَرِ حَتَّى إذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ لِنُكُولِهِ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ تَكْلِيفِهِ الْحَلِفَ لِلْآخَرِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ أَوْدَعَ أَحَدُكُمَا الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ وَلَكِنْ لَا أَعْلَمُ أَيُّكُمَا الْمُودَعُ فَلِلْمُدَّعِيَيْنِ أَخْذُ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ إذَا اتَّفَقَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الضَّمَانُ الَّذِي لَزِمَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَمَتَى اتَّفَقَ الْمُدَّعِيَانِ عَلَى أَخْذِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ عَنْ تَسْلِيمِهِمَا إيَّاهُ.
وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقْ الْمُدَّعِيَانِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ لَيْسَ لَهُ وَإِذَا حَلَفَ لَهُمَا بَرِئَ مِنْ دَعْوَى الِاثْنَيْنِ. وَإِذَا نَكِلَ يَجْرِي الْعَمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ (الْبَحْرُ) .
(2/333)
[الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِي بَعْضِ الِاخْتِلَافَاتِ بَيْنَ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ - لَوْ قَالَ الْمُودِعُ لِلْمُسْتَوْدَعِ: إنَّ لِي عِنْدَك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ وَدِيعَةً وَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْدَعُ: إنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ هُوَ مِلْكِي فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَوْدَعِ.
اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (76) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: كَانَ لِي عِنْدَك أَلْفُ قِرْشٍ وَدِيعَةً وَأَعْطَيْتنِي إيَّاهَا فَلَوْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَمْ يَكُنْ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي أَعْطَيْتُك إيَّاهَا هِيَ لِي فَأَعِدْهَا إلَيَّ، فَالْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: كُنْت أَعَرْتُك الدَّابَّةَ الْفُلَانِيَّةَ وَأَعَدْتهَا لِي بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ: إنَّ الدَّابَّةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ مِلْكِي. فَالْحُكْمُ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ عَلَى الْمِنْوَالِ الْمَذْكُورِ أَيْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْمَذْكُورِ أَيْ إلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ لِلْمُقِرِّ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: لَوْ أَثْبَتَ الْمُودِعُ إيدَاعَهُ الْوَدِيعَةَ لِلْمُسْتَوْدَعِ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ كَوْنِ الْمُودِعِ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا الْمُسْتَوْدَعَ وَبَعْدَ ذَلِكَ ثَبَتَ تَلَفُ الْوَدِيعَةِ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ. سَوَاءٌ أَشَهِدَتْ شُهُودُ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى أَنَّ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ حَصَلَ بَعْدَ الْجُحُودِ أَوْ قَبْلَهُ أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْمُسْتَوْدَعُ قَائِلًا: لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ.
أَوْ إنَّ وَدِيعَتَك لَا تَلْزَمُنِي وَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى تَلَفِهَا قَبْلَ الْجُحُودِ لَزِمَ الضَّمَانُ أَيْضًا. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (794) (تَنْوِيرُ الْأَبْصَارِ) (وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَتَكْمِلَتُهُ) . وَإِذَا لَمْ تُمْكِنْهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَلَفِهِ قَبْلَ الْجُحُودِ وَطَلَبَ الْمُودِعُ الْيَمِينَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِكَوْنِهِ تَلِفَ قَبْلَ الْجُحُودِ. إلَّا أَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ الْمُودِعُ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُسْتَوْدَعِ بِقَوْلِ: لَيْسَ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ. فَلَوْ شَهِدُوا عَلَى التَّلَفِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى كَوْنِهِ قَدْ تَلِفَ قَبْلَ الْجُحُودِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ - لَوْ قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ لِلْمُودِعِ: لَمْ أُعْطِك الْوَدِيعَةَ؛ لِأَنَّهَا ضَاعَتْ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ: أَعْطَيْتُك إيَّاهَا، لَزِمَ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ضَاعَتْ: رَدَدْتهَا وَلَكِنْ قَدْ أَخْطَأْت فِي قَوْلِي ضَاعَتْ، فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ أَيْضًا.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ - لَوْ قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: أَخَذْت مِنْك أَلْفَ قِرْشٍ وَدِيعَةً وَتَلِفَتْ فِي يَدِي بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَقَالَ لَهُ الْمُودِعُ: إنَّك لَمْ تَأْخُذْ الْأَلْفَ وَدِيعَةً بَلْ اغْتَصَبْته اغْتِصَابًا وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ ضَمِنَ الْمُسْتَوْدَعُ أَمَّا لَوْ قَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: أَعْطَيْتنِي أَلْفَ قِرْشٍ وَدِيعَةً وَضَاعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ الْمُودِعُ: بَلْ اغْتَصَبْته. وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَوْدَعَ ضَمَانٌ.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنَّ مَا أَعْطَيْته مِنْ النُّقُودِ قَدْ كَانَ وَدِيعَةً وَفُقِدَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ وَلَوْ قَالَ الْمُودِعُ: قَدْ كَانَ قَرْضًا، فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ - لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ آخَرَ أَلْفَ قِرْشٍ قَرْضًا وَأَلْفًا آخَرَ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ لِلْمُودِعِ: قَدْ كَانَتْ الْأَلْفُ الَّتِي أَعْطَيْتُك إيَّاهَا فِي مُقَابِلِ دَيْنِك وَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَوْدَعِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(2/334)
[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْعَارِيَّةُ وَيَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ]
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْعَارِيَّةِ:
وَيَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ قَدْ جِيءَ بِالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ إذْ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا أَمَانَةٌ وَقَدْ أُخِّرَتْ الْعَارِيَّةُ عَنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَارِيَّةِ تَمْلِيكًا أَيْ تَمْلِيكَ النَّفْعِ وَإِيدَاعًا وَلَيْسَ فِي الْوَدِيعَةِ إلَّا الْإِيدَاعُ وَلَا يُوجَدُ فِيهَا تَمْلِيكٌ لِذَلِكَ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مُفْرَدَةً وَالْعَارِيَّةَ مُرَكَّبَةً.
وَعَلَيْهِ فَيُوجَدُ فِي هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ تَرَقٍّ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى فَأَوَّلُ الْغَيْثِ قَطْرَةٌ ثُمَّ يَنْهَمِرُ (الْبَحْرُ، وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْعَارِيَّةُ: مَشْرُوعِيَّةُ الْعَارِيَّةُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ آيَةُ {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] وَقَدْ فُسِّرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِ " وَيَمْنَعُونَ مَا يَتَعَاوَرُونَ ". وَمَعْنَى التَّعَاوُرِ التَّنَاوُبُ فِي الِانْتِفَاعِ.
وَعَلَيْهِ فَبِمَا أَنَّ الْعَارِيَّةُ هِيَ تَنَاوُبٌ فِي الِانْتِفَاعِ فَلَا تَجُوزُ الْإِعَارَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِدُونِ اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ ذَمِّ اللَّهِ تَعَالَى مَنْعَ الْمَاعُونِ أَيْ ذَمِّهِ عَدَمَ الْإِعَارَةِ أَنَّ الْإِعَارَةَ مَحْمُودَةٌ.
وَمَحَاسِنُ الْإِعَارَةِ، هِيَ نِيَابَةٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ كَالْقَرْضِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُحْتَاجِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] فَثَوَابُ الْقَرْضِ الْحَسَنَةُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَعْنِي أَنَّ الْإِعَارَةَ تَكُونُ لِلْمُضْطَرِّ وَبِمَا أَنَّ الْمُعِيرَ بِإِعَارَتِهِ لِلْمُسْتَعِيرِ يَكُونُ قَدْ أَعَانَ الْمُضْطَرَّ فَيَكُونُ فِي إعَانَتِهِ هَذِهِ كَأَنَّهُ قَدْ نَابَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ فِعْلَ الْمُعِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نِيَابَةَ فِي الْحَقِيقَةِ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
(وَالسُّنَّةُ) «فِعْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ إذْ اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَرَكِبَهُ» وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الْإِعَارَةِ إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَدْ قَالُوا بِكَوْنِهَا مُسْتَحَبَّةً وَذَهَبَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْعَارِيَّةَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْعِينِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: نِسْبَةً إلَى الْعَارَةِ وَهِيَ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ، يُقَالُ: أَعَرْته الشَّيْءَ إعَارَةً وَعَارَةً؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ صَادِرَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُبَيَّنٌ آنِفًا وَالنَّبِيُّ كَانَ لَا يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْعَارَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَهُوَ فِي عُلُوِّ مَقَامِهِ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ الْأَفْعَالَ الَّتِي تُنْسَبُ إلَى الْعَارِ.
وَقِرَاءَةُ لَفْظِ الْعَارِيَّةُ مُخَفَّفًا جَائِزٌ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
(2/335)
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْإِعَارَةِ وَشُرُوطِهَا]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْإِعَارَةِ:
وَشُرُوطُهَا لِلْإِعَارَةِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: (1) الصِّيغَةُ (2) الْمُعِيرُ (3) الْمُسْتَعِيرُ (4) الْمُعَارُ.
الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ لِشُرُوطِ الْإِعَارَةِ.
إنَّ شُرُوطَ الْإِعَارَةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَوَّلُهَا تَعُودُ إلَى الْمُسْتَعَارِ وَثَانِيهَا إلَى الْمُعِيرِ وَثَالِثُهَا إلَى الْمُسْتَعِيرِ وَرَابِعُهَا إلَى الْقَبْضِ وَعَلَيْهِ فَقَدْ ذُكِرَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ فِي الْمَادَّتَيْنِ (808 و 818) وَالثَّالِثُ فِي الْمَادَّةِ (809) وَالرَّابِعُ فِي الْمَادَّةِ (810) .
وَلَمَّا كَانَتْ الْمَادَّتَانِ (806 و 807) لَيْسَتَا مِنْ الْمَسَائِلِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ هَذَا الْعُنْوَانِ فَقَدْ كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ تَأْتِيَ تَحْتَ عُنْوَانِ الْفَصْلِ الثَّانِي. (الْمَادَّةُ 804) :
الْإِعَارَةُ تَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَبِالتَّعَاطِي مَثَلًا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك مَالِي هَذَا، أَوْ قَالَ: أَعْطَيْتُك إيَّاهُ عَارِيَّةً، فَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت أَوْ قَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِإِنْسَانٍ: أَعْطِنِي هَذَا الْمَالَ عَارِيَّةً، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ انْعَقَدَتْ الْإِعَارَةُ.
وَقَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّتَيْنِ (101 وَ 102) مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمَادَّتَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَلْفَاظٍ خَاصَّةٍ. بِنَاءً عَلَيْهِ فَذِكْرُ كَلِمَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالتَّعَاطِي فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَا يَكُونُ مُسْتَدْرَكًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ رُكْنُ الْإِعَارَةِ عِبَارَةً عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالتَّعَاطِي اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (149) .
الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةُ: وَيُسْتَفَادُ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ بِذِكْرِ كَوْنِ الْإِعَارَةِ تَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: لَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِلَا إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ. وَعَلَيْهِ لَوْ أَرْسَلَ أَحَدٌ رَسُولًا لِآخَرَ لِاسْتِعَارَةِ مَالٍ مِنْهُ فَذَهَبَ إلَيْهِ الرَّسُولُ وَلَمَّا لَمْ يَجِدْهُ فِي بَيْتِهِ احْتَمَلَ مَا جَاءَ لِاسْتِعَارَتِهِ وَقَفَلَ إلَى مُرْسَلِهِ وَسَلَّمَهُ ذَلِكَ الْمَالَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَتَلِفَ ذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَصَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّسُولَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّجُلَ الَّذِي قَبَضَ الْمَالَ مِنْ الرَّسُولِ وَأَيٌّ مِنْهُمَا ضَمِنَ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ اُنْظُرْ مَادَّتَيْ (891) وَ (658) وَشَرْحَهُمَا.
الْحُكْمُ الثَّانِي لَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ. وَلَوْ كَانَ الْمُوجِبُ هُوَ الْمُعِيرُ وَيُشْتَرَطُ اسْتِمَاعُ الْمُسْتَعِيرِ لِإِعَارَتِهِ الْمَالَ.
(2/336)
وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ: أَعَرْت فُلَانًا دَابَّتِي هَذِهِ أَوْ ثَوْبِي هَذَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّخْصُ حَاضِرًا يَسْمَعُ كَلَامَ الْمُعِيرِ وَأَخَذَ تِلْكَ الدَّابَّةَ أَوْ ذَلِكَ الثَّوْبَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ شَرْطٌ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَمَا صَارَ بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ (167) .
أَمَّا لَوْ اسْتَمَعَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ رَسُولٌ كَلَامَ الْمُعِيرِ أَوْ فُضُولِيٌّ عَدْلٌ وَأَخْبَرَا الْمُسْتَعِيرَ بِهِ وَأَخَذَ الْمُسْتَعِيرُ الْمَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولٌ فِعْلًا: الْحُكْمُ الثَّالِثُ لَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِلَا إيجَابٍ أَيْضًا.
وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ الِاسْتِعَارَةِ: خُذْ دَابَّتِي هَذِهِ وَاسْتَخْدِمْهَا وَاسْتَعْمِلْهَا وَأَخَذَهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَارِيَّةً بَلْ عَقْدَ وَدِيعَةٍ وَتَكُونُ نَفَقَةُ الدَّابَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا لِإِعْطَاءِ الْمُودِعِ الْمُسْتَوْدَعَ الْإِذْنَ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَلَا تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (815) .
1 - مَثَلًا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك مَالِي هَذَا، أَوْ قَالَ: أَعْطَيْتُك إيَّاهُ عَارِيَّةً، أَوْ قَالَ: مَلَّكْتُك مَنْفَعَةَ مَالِي هَذَا بِلَا عِوَضٍ، فَقَالَ الْآخَرُ: قَبِلْت؛ أَوْ قَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِإِنْسَانٍ: أَعْطِنِي هَذَا الْمَالَ عَارِيَّةً فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَقَبَضَهُ الْمُسْتَعِيرُ أَيْضًا انْعَقَدَتْ الْإِعَارَةُ.
الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةُ: يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ سِتُّ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَدْ تَبَيَّنَ بِقَوْلِ (مَثَلًا) أَنَّ عَقْدَ الْعَارِيَّةُ لَا يَنْحَصِرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ قَدْ أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ تَسْتَعْمِلَهَا وَقَبِلَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ الْفَاسِدَ هُوَ أَخْذُ الدَّابَّةِ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا بِاسْتِهْلَاكِهَا بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ مِثْلَهَا. أَمَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِقِيمَتِهَا (الْبَحْرُ) .
وَكَمَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِقَوْلِ أَحَدٍ لِآخَرَ: أَقْرَضْتُك ثَوْبِي لِتَلْبَسَهُ يَوْمًا وَاحِدًا، أَوْ أَقْرَضْتُك دَارِي لِتَسْكُنَهَا سَنَةً، وَقَبِلَ الْآخَرُ تَنْعَقِدُ أَيْضًا بِقَوْلِ الْمُعِيرِ: أَعْطَيْتُك دَابَّتِي هَذِهِ عَلَى أَنْ تَسْتَعْمِلَهَا وَتَعْلِفَهَا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
بَيْدَ أَنَّهُ فِي انْعِقَادِ الْإِعَارَةِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ قَوْلَانِ: فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَجَّرْتُك دَارِي هَذِهِ لِمُدَّةِ شَهْرٍ مَجَّانًا أَوْ قَالَ لَهُ: أَجَّرْتُك دَارِي هَذِهِ مَجَّانًا بِدُونِ لَفْظِ (شَهْرٍ) فَتَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (3) وَشَرْحَهَا.
كَمَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْهِنْدِيَّةِ أَنَّهَا اعْتَمَدَتْ الْقَوْلَ الثَّانِيَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (405) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا يَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ يَكُونُ بِالْعَكْسِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُعِيرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ.
(2/337)
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لِلْعَارِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: أَوَّلُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ اللَّفْظِيَّانِ وَالْقَوْلِيَّانِ.
ثَانِيهَا كَوْنُ الْإِيجَابِ قَوْلِيًّا وَالْآخَرُ فِعْلِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ.
ثَالِثُهَا كَوْنُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِعْلِيَّيْنِ وَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَقَطْ تَكُونُ تَعَاطِيًا أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَلَا تَكُونُ تَعَاطِيًا.
وَعَلَيْهِ فَكَمَا يَكُونُ قَبُولُ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُعِيرِ قَوْلًا يَكُونُ فِعْلًا أَيْضًا. كَأَنْ يَقُولَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ: قَدْ أَعَرْتُك مَالِي هَذَا فَيَقْبِضُ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ، أَوْ يَقُولُ الْمُسْتَعِيرُ لِلْمُعِيرِ: قَدْ اسْتَعَرْت مِنْك هَذَا الْمَالَ يُسَلِّمُهُ الْمُعِيرُ لَهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَالْفِقْرَةُ الْأُولَى مِنْ مِثَالِ الْمَجَلَّةِ مِثَالٌ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيَّيْنِ وَالْقَوْلِيَّيْنِ وَالْفِقْرَةُ الثَّانِيَةُ مِثَالٌ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْفِعْلِيَّيْنِ.
وَهَلْ يُوجَدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مِثَالٌ لِلتَّعَاطِي؟ .
وَالتَّعَاطِي مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ يَعْنِي مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُعَاطَاةِ أَيْ التَّنَاوُلِ وَيَحْصُلُ بِإِعْطَائِهِ مِنْ طَرَفٍ وَقَبْضِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ أَوْجَبَ طَرَفٌ قَوْلًا وَقَبِلَ الْجَانِبُ الْآخَرُ فِعْلًا أَيْ بِالْقَبْضِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَعَاطِيًا. كَذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ الْمَادَّةِ (175) وَعَلَيْهِ فَلَيْسَتْ فِقْرَةُ (أَوْ قَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا) مِثَالًا لِلتَّعَاطِي لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ فِي جُمْلَةِ (أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِإِنْسَانٍ إلَخْ) الَّتِي تَلِيهَا مِثَالٌ لِلتَّعَاطِي.
وَتَدُلُّ عِبَارَةُ (فَأَعْطَاهُ الْآخَرُ إيَّاهُ أَيْضًا) الْوَارِدَةُ فِي الْمِثَالِ عَلَى الْإِعْطَاءِ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ وَيُعْتَبَرُ بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ لَفْظَ (وَقَبَضَ الْمُسْتَعِيرُ) مُقَدَّرٌ وَعَلَيْهِ فَتَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِالتَّعَاطِي بِإِعْطَاءِ الْمُعِيرِ الْمَالَ وَقَبْضِ الْمُسْتَعِيرِ ذَلِكَ الْمَالَ. وَلِذَلِكَ فَعِبَارَةُ " أَعْطِنِي هَذَا الْمَالَ عَارِيَّةً " الْوَارِدَةُ فِي الْمَجَلَّةُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى كَوْنِ الْإِعْطَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ قَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْأَعْلَى وَالْإِعَارَةُ هِيَ الْأَدْنَى فَمَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ الْأَعْلَى يُصْرَفُ إلَى الْأَدْنَى.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَا تَنْعَقِدُ الْعَارِيَّةُ بِالْوَعْدِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعِرْنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ لِلْغَدِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ: أُعِيرُك إيَّاهَا غَدًا فَذَهَبَ إلَيْهِ فِي الْغَدِ وَأَخَذَ الدَّابَّةَ بِلَا إذْنٍ عُدَّ غَاصِبًا؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَإِنَّمَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ وَعُدَّ مُجَرَّدٍ.
لَكِنْ لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ دَابَّةً لِلْغَدِ وَأَعَارَهُ إيَّاهَا فَجَاءَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَخَذَ الدَّابَّةَ تَحْتَ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ انْعَقَدَتْ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِلْغَدِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إنَّ جَهَالَةَ الْمَنَافِعِ الْمُمَلَّكَةِ لَا تُفْسِدُ الْإِعَارَةُ. وَعَلَى ذَلِكَ فَجَهَالَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْإِعَارَةِ لَيْسَتْ بَاعِثَةً عَلَى النِّزَاعِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تَبْعَثُ عَلَى النِّزَاعِ لَا تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ. وَعَدَمُ صَيْرُورَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ بَاعِثَةً عَلَى النِّزَاعِ نَاشِئٌ عَنْ كَوْنِ الْإِعَارَةِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ فَلِلْمُعِيرِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ فَسْخُ عَقْدِ الْإِعَارَةِ وَاسْتِرْدَادُ الْمُعَارِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَعِيرِ لِلْمَنْفَعَةِ الَّذِي بَدَأَ بِالِانْتِفَاعِ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ عُقُودُ الْمُعَاوَضَةِ لَازِمَةً فَالْجَهَالَةُ فِيهَا بَاعِثَةٌ لِلنِّزَاعِ كَعَقْدَيْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (الزَّيْلَعِيّ) .
(2/338)
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: وَيُسْتَفَادُ (مِنْ تَعْبِيرِ مَالِي هَذَا الْوَارِدِ) فِي الْمِثَالِ أَنَّ مَعْلُومِيَّةَ عَيْنِ الْمُسْتَعَارِ شَرْطٌ فِي صُحُفِ الْإِعَارَةِ اُنْظُرْ مَادَّةَ (811) .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: وَتَدُلُّ كَلِمَةُ (مَالِي) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعَارُ مِلْكًا لِلْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَالتَّمْلِيكُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمَالِكِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ، بَحْرٌ) .
وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (822) أَنْ تُعِيرَ فَرَسَ زَوْجِهَا بِلَا إذْنِهِ لِأَحَدٍ وَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَالَ الْمُسْتَعَارَ مَالٌ مَغْصُوبٌ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ إذَا شَاءَ تَضْمِينُ الْمُعِيرِ وَإِذَا شَاءَ تَضْمِينُ الْمُسْتَعِيرِ وَذَلِكَ كَمَا سَيُوضَحُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (813) .
إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُعِيرُ مَالِكًا لِرَقَبَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الْإِعَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُعِيرُ مَالِكًا لِمَنْفَعَتِهِ.
وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُعِيرَ آخَرَ الْمَأْجُورَ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّتَيْنِ (819، 820) أَنْ يُعِيرَ الْمُسْتَعَارَ لِآخَرَ.
[ (الْمَادَّةُ 805) سُكُوتُ الْمُعِيرِ لَا يُعَدُّ قَبُولًا]
(الْمَادَّةُ 805) :
سُكُوتُ الْمُعِيرِ لَا يُعَدُّ قَبُولًا فَلَوْ طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ إعَارَةَ شَيْءٍ فَسَكَتَ صَاحِبُ ذَلِكَ الشَّيْءِ ثُمَّ أَخَذَهُ الْمُسْتَعِيرُ كَانَ غَاصِبًا.
لَا يُعَدُّ سُكُوتُ الْمُعِيرِ قَبُولًا لِإِيجَابِ الْمُسْتَعِيرِ (الْبَحْرُ) يَعْنِي لَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ لَوْ سَكَتَ الْمُعِيرُ عَلَى إيجَابِ الْمُسْتَعِيرِ.
؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ كَمَا صَارَ بَيَانُهَا فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ تَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالتَّعَاطِي، وَالسُّكُوتُ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (67) أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ.
فَلَوْ طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ إعَارَةِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ فَسَكَتَ صَاحِبُ ذَلِكَ الشَّيْءِ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُسْتَعِيرُ ذَلِكَ الشَّيْءَ كَانَ غَاصِبًا وَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ بِتَعَدٍّ وَتَقْصِيرٍ يَضْمَنُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 891) .
[ (الْمَادَّةُ 806) لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِعَارَةِ مَتَى شَاءَ]
(الْمَادَّةُ 806) :
لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِعَارَةِ مَتَى شَاءَ لَيْسَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدًا لَازِمًا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ حَقُّ فَسْخِ الْإِعَارَةِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 114) مَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ ذَلِكَ.
أَوَّلًا - لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِعَارَةِ مَتَى شَاءَ وَيَسْتَرِدَّ الْمُعَارَ وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ مُؤَقَّتَةً أَمْ مُقَيَّدَةً أَمْ لَمْ تَكُنْ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ عَرْصَةً أَوْ مَزْرَعَةً أُعِيرَتْ لِلْبِنَاءِ أَوْ الزَّرْعِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ خِلَافَهُمَا أَوْ كَانَ فِي رُجُوعِ الْمُعِيرِ عَنْ الْعَارِيَّةُ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَيُفْهَمُ مِمَّا سَيَأْتِي مِنْ الْإِيضَاحَاتِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (832) أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ مُسْتَثْنًى وَيَثْبُتُ جَوَازُ الرُّجُوعِ عَنْ الْعَارِيَّةُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
(2/339)
أَوَّلُهُمَا - الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ «الْمِنْحَةَ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ» (الْعِنَايَةُ) .
ثَانِيهِمَا الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ. وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْمَنَافِعُ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ يَثْبُتُ بِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ " لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْمَعْدُومِ مُسْتَحِيلٌ فَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِعَارَةِ أَيْ الِامْتِنَاعُ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ بَعْدُ عَائِدٌ لِلْمُعِيرِ أَيْ مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ " زَيْلَعِيٌّ ". حَتَّى إنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ جَوَازُ الرُّجُوعِ وَالْفَسْخِ فِي الْإِجَارَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 406 " سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فِي ذَلِكَ.
كَرَاهَةُ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِعَارَةِ: الرُّجُوعُ فِي الْإِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُؤَقَّتَةً الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ تَمَامِ الْوَقْتِ خَلْفُ وَعْدٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ " تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ ".
إذَا حَصَلَ رُجُوعٌ عَنْ الْإِعَارَةِ بَطَلَتْ وَانْفَسَخَتْ فَالْمَادَّةُ " 825 " مَعَ الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ لِلْمَادَّةِ " 831 " فَرْعٌ عَنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَلَوْ رَجَعَ الْمُعِيرُ عَنْ الْإِعَارَةِ بَعْدَ إنْشَاءِ الْمُسْتَعِيرِ فِي الدَّارِ الْمُعَارَةِ حَائِطًا مَثَلًا بِلَا إذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُعِيرَ بِنَفَقَاتِ الْعِمَارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ الْحَائِطَ إنْ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ " بَحْرٌ ".
ثَانِيًا - لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ دَارًا وَأَذِنَ لَهُ الْمُعِيرُ أَنْ يُنْشِئَ لِنَفْسِهِ بِنَاءً بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْمُعِيرُ الدَّارَ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا فَيَلْزَمُ هَدْمُ بِنَاءِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ فَرَّطَ فِي الرَّدِّ بَعْدَ الطَّلَبِ وَهُوَ مُقْتَدِرٌ عَلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا.
ثَالِثًا - لَوْ بَاعَ أَحَدٌ دَارِهِ بَعْدَ أَنْ أَعَارَ حَائِطَهَا لِآخَرَ لِيَضَعَ عَلَيْهِ الْجُذُوعَ فَلِلْمُشْتَرِي رَفْعُ جُذُوعِ ذَلِكَ الْمُسْتَعِيرِ، مَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ قَدْ شَرَطَ حِينَ الْبَيْعِ بَقَاءَ وَقَرَارَ الْجُذُوعِ الْمَذْكُورَةِ.
وَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . أَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ وَقْتَ الْبَيْعِ بَقَاءَهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُعْتَبَرًا.
رَابِعًا - لَوْ أَعَارَ أَحَدٌ آخَرَ حِيطَانَ دَارِهِ لِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَتُوُفِّيَ الْمُعِيرُ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْجُذُوعَ عَلَى الْحِيطَانِ فَلِوَارِثِ الْمُعِيرِ طَلَبُ رَفْعِهَا وَلَوْ شَرَطَ عِنْدَ وَضْعِ الْجُذُوعِ قَرَارَهَا وَبَقَاءَهَا. وَعَلَيْهِ فَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ الْقَرَارِ وَالْإِرْثِ مَعَهُ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
خَامِسًا - لَوْ أَعَارَ شَخْصٌ أَحَدَ وَرَثَتِهِ عَرْصَتَهُ لِيَبْنِيَ فِيهَا لِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَتُوُفِّيَ الْمُعِيرُ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ الْوَارِثُ فِيهَا بِنَاءً، فَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنْ يَطْلُبُوا رَفْعَ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ. إلَّا إذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ وَكَانَتْ الْعَرْصَةُ مِنْ نَصِيبِ الْبَانِي.
سَادِسًا - لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ دَارًا وَبَنَى فِيهَا بِنَاءً لِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ أَوْ بِإِذْنِهِ ثُمَّ بَاعَ الْمُعِيرُ الدَّارَ فَيُجْبَرُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى هَدْمِ الْبِنَاءِ وَأَنْ يَرُدَّ الدَّارَ إلَى الْمُشْتَرِي.
سَابِعًا - لَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ لِآخَرَ فِي الْبِنَاءِ فِيهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ الْمَأْذُونُ فِيهَا عَنْ إذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ إنْشَاءِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ.
ثَامِنًا - لِلْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْإِعَارَةِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ لَيْسَ تَعْبِيرُ (الْمُعِيرِ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ إذْ لِلْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْعَرْصَةِ أَنْ يَقْلَعَ الْبِنَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ. سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ
(2/340)
مُوَقَّتَةً أَمْ لَا فَلِلْمُسْتَعِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَيْضًا أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْإِعَارَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اتَّفَقَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَى فَسْخِ الْإِعَارَةِ تُفْسَخُ. وَانْفِسَاخُ الْإِعَارَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَعَلَى ذَلِكَ تَنْفَسِخُ الْإِعَارَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: " 1 " بِفَسْخِ الْمُعِيرِ فَقَطْ " 2 " بِفَسْخِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَطْ " 3 " بِاتِّفَاقِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْفَسْخِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) بِنَاءً عَلَيْهِ فَالْعَارِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْوَدِيعَةِ أَيْضًا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 874) .
الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلْزَمُ فِيهَا الْعَارِيَّةُ: تَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ بِالْوَصِيَّةِ فَلَوْ أَوْصَى أَحَدٌ بِإِعَارَةِ شَيْءٍ وَقَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمُعِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لِذَا كَانَ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ يَقُومُ بِالْمُعَارِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 807) تَنْفَسِخُ الْإِعَارَةُ بِمَوْتِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ]
(الْمَادَّةُ 807) :
تَنْفَسِخُ الْإِعَارَةُ بِمَوْتِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ.
تَنْفَسِخُ الْإِعَارَةُ بِوَفَاةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا إلَيْهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا تَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ أَحَدِهِمَا. أَوْ السَّبَبُ فِي انْفِسَاخِ الْإِعَارَةِ هُوَ كَمَا يَلِي.
لَمَّا كَانَ الْمَعْدُومُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْمِلْكِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ فَثُبُوتُ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ فِي الْمَنَافِعِ الَّتِي تُمَلَّكُ لَهُ يَحْصُلُ بِوُجُودِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْوُجُودِ. وَلَوْ خَرَجَ الْمُسْتَعِيرُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِوَفَاتِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَنَافِعِ الْآتِيَةِ تَنْفَسِخُ الْإِعَارَةُ فِي الْمَنَافِعِ الْآتِيَةِ كَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ الْمُعِيرُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَنَافِعِ الْآتِيَةِ وَانْتَقَلَ الْمُسْتَعَارُ إلَى وَرَثَتِهِ فَلَا يَبْقَى حُكْمٌ لِلْإِعَارَةِ لِكَوْنِ الْوَرَثَةِ لَمْ يَكُونُوا مُعِيرِينَ.
مَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ انْفِسَاخِ الْإِعَارَةِ.
تَتَفَرَّعُ الْمَسْأَلَتَانِ الْآتِيَتَانِ عَلَى انْفِسَاخِ الْإِعَارَةِ بِوَفَاةِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا تُوُفِّيَ الْمُعِيرُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الِانْتِفَاعُ بِالْعَارِيَّةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَإِنْ انْتَفَعَ كَانَ غَاصِبًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (96) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا تُوُفِّيَ الْمُسْتَعِيرُ فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمُسْتَعَارَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُعِيرُ الْمُسْتَعَارَ إلَى الْوَارِثِ فَاسْتِعْمَالُ الْوَارِثِ الْمَذْكُورِ إيَّاهُ بِلَا إذْنٍ فِي حُكْمِ الْغَصْبِ وَلِذَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَتَلِفَ ضَمِنَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ مَعًا أَوْ تُوُفِّيَ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا عَقِبَ الْآخَرِ تَنْفَسِخُ الْإِعَارَةُ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
تَجْهِيلُ الْعَارِيَّةِ: لَمَّا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ تَنْفَسِخُ بِوَفَاةِ الْمُعِيرِ حَسَبَ مَا هُوَ مَشْرُوحٌ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْعَارِيَّةُ فِي تَرِكَةِ الْمُسْتَعِيرِ أَيْ لَوْ تُوُفِّيَ الْمُسْتَعِيرُ مُجْهِلًا لَزِمَ ضَمَانُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (801) وَشَرْحَهَا.
(2/341)
فَعَلَيْهِ لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ سَيْفًا وَتُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُجْهِلًا أَيْ بِدُونِ أَنْ يُبَيِّنَ حَالٍ السَّيْفِ وَقَالَ الْوَرَثَةُ: إنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا عَنْهُ فَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى.
[ (الْمَادَّةُ 808) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُسْتَعَارُ صَالِحًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ]
(الْمَادَّةُ 808) :
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُسْتَعَارُ صَالِحًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْحَيَوَانِ الْفَارِّ وَلَا اسْتِعَارَتُهُ.
يُشْتَرَطُ:
1 - أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمُسْتَعَارُ صَالِحًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ بِدُونِ اسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ.
2 - أَلَّا يُشْتَرَطَ الْعِوَضُ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ.
3 - أَلَّا يَكُونَ الْمُسْتَعَارُ صَبِيًّا تَحْتَ الْوِصَايَةِ.
وَيَحْصُلُ بِعِبَارَةِ " كَوْنِ الْمُسْتَعَارِ صَالِحًا لِلِانْتِفَاعِ " ضَابِطٌ لِلْمُسْتَعَارِ وَعَلَيْهِ تَجُوزُ إعَارَةُ كُلِّ شَيْءٍ صَالِحٍ لِلِانْتِفَاعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ.
أَمَّا إذَا كَانَ الِانْتِفَاعُ مَوْقُوفًا عَلَى ذَهَابِ الْعَيْنِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْإِعَارَةُ صَحِيحَةً فَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الشَّمْعَةِ لِلْوَقُودِ وَالْأَطْعِمَةِ لِلْأَكْلِ، وَالصَّابُونِ لِلْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْصُلُ بِذَهَابِ الْعَيْنِ (الْبَاجُورِيُّ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ: (1) قِيلَ: بِدُونِ اسْتِهْلَاكٍ بِنَاءً عَلَيْهِ فَكَمَا لَا تَصِحُّ إعَارَةُ وَاسْتِعَارَةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ فَلَا تَصِحُّ أَيْضًا إعَارَةُ الْحَيَوَانِ الْفَارِّ وَلَا اسْتِعَارَتُهُ يَعْنِي تَكُونُ بَاطِلَةً. حَتَّى لَوْ أَمْسَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْحَيَوَانَ الْفَارَّ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالضَّمَانِ بِدَاعِي أَنَّهُ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِ وَضَاعَ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ.
إعَارَةُ الْمِثْلِيَّاتِ قَرْضٌ: وَتُسْتَعْمَلُ إعَارَةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَاسْتِعَارَتُهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِمَعْنَى الْقَرْضِ.
وَوَجْهُ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ الْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةَ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَقْدَيْنِ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ فِيهِمَا حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 61 ".
وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك شَعِيرِي هَذَا الْبَالِغَ قَدْرُهُ كَذَا كَيْلَةً، كَانَ قَرْضًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 2 ".
وَالسَّبَبُ فِي حَمْلِ إعَارَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْقَرْضِ: هُوَ أَنَّ إعَارَتَهَا إذَنْ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانِهَا وَالِاسْتِهْلَاكُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمِلْكِ فَيَقْتَضِي بِالضَّرُورَةِ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ، وَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ كَمَا أَنَّهُ يَكُونُ بِالْهِبَةِ يَكُونُ أَيْضًا بِالْقَرْضِ وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْقَرْضَ أَدْنَى مِنْ الْهِبَةِ فِي الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَسْتَلْزِمُ رَدَّ مِثْلِهِ وَهَذَا الْمِثْلُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ الَّتِي صَارَ إقْرَاضُهَا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) اسْتِثْنَاءً وَإِنْ يَكُنْ إعَارَةُ الْمِثْلِيَّاتِ
(2/342)
تُعْتَبَرُ قَرْضًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ إلَّا أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ فِيهَا مَنْفَعَةً لِلِاسْتِعْمَالِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ عَارِيَّةً بِلَا اشْتِبَاهٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْعَمَلُ بِالْإِعَارَةِ الَّتِي هِيَ تَمْلِيكٌ لِلْمَنْفَعَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ إذْ لَا يُذْهَبُ إلَى الْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 17.
مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ دِينَارًا لِيَزِنَ بِهِ دَنَانِيرَهُ أَوْ اسْتَعَارَ أَمْوَالًا لِيُزَيِّنَ بِهَا حَانُوتَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَارِيَّةً حَقِيقِيَّةً فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِهْلَاكُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا بِصُورَةٍ غَيْرِ الصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْإِعَارَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَارِيَّةِ قَرْضٌ فَاسِدٌ: فَلَوْ أُعِيرَتْ الْقِيمَاتُ عَلَى أَنْ تُسْتَهْلَكَ تَكُونُ قَرْضًا مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ لَوْحًا مِنْ الْخَشَبِ أَوْ مِقْدَارًا مِنْ اللَّبِنِ لِيَسْتَعْمِلَهَا فِي بِنَائِهِ أَوْ اسْتَعَارَ قُمَاشًا لِيَرْفَعَ بِهِ ثَوْبَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ اسْتِعَارَةً حَقِيقِيَّةً بَلْ يَكُونُ قَرْضًا وَعَلَى الْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَضْمَنَ بَدَلَ الْقَرْضِ أَيْ قِيمَةَ الْمَالِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ لَكِنْ لَوْ اسْتَعَارَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ إلَى صَاحِبِهِ كَانَ ذَلِكَ إعَارَةً أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: قَدْ أَعَرْتُك هَذَا الطَّبَقَ مِنْ الْحَلْوَى، فَأَخَذَهُ الْآخَرُ وَاسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَلَى أَنَّهُ قَرْضٌ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا صَدَاقَةٌ وَعَدَمُ كُلْفَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَفِي حَالَةِ وُجُودِ ذَلِكَ يَكُونُ هَذَا الْعَمَلُ إبَاحَةً.
2 - قَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ شَرْطِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ كَمَا صَارَ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (765) أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْعِوَضَ فِي الْإِعَارَةِ فَلَا تَكُونُ إعَارَةً بَلْ تَكُونُ إجَارَةً؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ (الْبَحْرُ، وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (3) .
3 - قِيلَ: يُشْتَرَطُ أَلَّا يَكُونَ الْمُسْتَعَارُ صَبِيًّا تَحْتَ الْوِصَايَةِ وَالْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِمَنَافِعِ الصَّغِيرِ لَيْسَ جَائِزًا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 58) وَذَلِكَ كَمَا صَارَ بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ " 599 " وَشَرْحِهَا وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لِآخَرَ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُعِيرَ إلَى أُسْتَاذٍ لِيُعَلِّمَهُ صَنْعَةً فَلِلْأُسْتَاذِ اسْتِخْدَامُهُ " تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ ".
[ (الْمَادَّةُ 809) كَوْنُ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ عَاقِلَيْنِ مُمَيِّزَيْنِ]
(الْمَادَّةُ 809) :
يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ عَاقِلَيْنِ مُمَيِّزَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا بَالِغَيْنِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ إعَارَةُ وَاسْتِعَارَةُ الْمَجْنُونِ وَلَا الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فَتَجُوزُ إعَارَتُهُ وَاسْتِعَارَتُهُ.
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِعَارَةِ: 1 وَ 2 - كَوْنُ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ عَاقِلَيْنِ.
3 - كَوْنُ الْمُسْتَعِيرِ مُعَيَّنًا.
4 - كَوْنُ الْمُعِيرِ مَالِكًا وَلَوْ لِلْمَنْفَعَةِ.
5 - كَوْنُ الْمُعِيرِ غَيْرَ مُكْرَهٍ.
(2/343)
كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَقْدٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِيدَاعِ.
أَمَّا كَوْنُ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ بَالِغَيْنِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْإِعَارَةِ كَمَا كَانَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْوَدِيعَةِ أَيْضًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (776) .
بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إعَارَةُ وَاسْتِعَارَةُ الْمَجْنُونِ وَلَا الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ مُتَفَرِّعَةٌ عَنْ الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَعِيرُ مُعَيَّنًا فَلَا تَصِحُّ الْإِعَارَةُ بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ خِطَابًا لِشَخْصَيْنِ: وَقَدْ أَعَرْت هَذَا الْمَالَ لِأَحَدِكُمَا، فَلَا تَصِحُّ الْإِعَارَةُ " الْبَاجُورِيُّ وَإِذَا كَانَ الْمُعِيرُ مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمَالِ الَّذِي أَعَارَهُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ.
بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ أَعَارَ الشَّخْصُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي أُوصِيَ لَهُ بِهَا لِآخَرَ كَانَتْ صَحِيحَةً " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 82 " وَإِذَا كَانَ الْمُعِيرُ مُكْرَهًا فَلَا تَكُونُ الْإِعَارَةُ صَحِيحَةً وَيَكُونُ الْمُسْتَعِيرُ غَاصِبًا " الْبَاجُورِيُّ ".
الْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَفَرَّعُ عَنْ عَدَمِ جَوَازِ إعَارَةِ وَاسْتِعَارَةِ الْمَحْجُورِينَ: لَمَّا كَانَتْ إعَارَةُ هَؤُلَاءِ غَيْرَ جَائِزَةٍ فَلَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ مِنْ الْمَجْنُونِ مَالًا وَأَخَذَهُ كَانَ غَاصِبًا وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ اسْتِعَارَتُهُمْ غَيْرَ جَائِزَةٍ فَلَوْ أَعَارَ أَحَدٌ مَالًا لِمَجْنُونٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَلَمْ يَحْفَظْهُ فَضَاعَ فَلَا يَكُونُ الْمَجْنُونُ مَسْئُولًا.
وَلَوْ أَعَارَ صَبِيٌّ مَالًا مِنْ صَبِيٍّ آخَرَ وَكَانَ الْمَالُ لِشَخْصٍ آخَرَ وَتَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ الصَّبِيِّ الْمُسْتَعِيرِ فَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ الدَّافِعُ مَأْذُونًا لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ شَيْءٌ " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 916 ".
أَمَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مَحْجُورًا وَالْمُعِيرِ كَذَلِكَ مَحْجُورًا فَلِصَاحِبِ الْمَالِ تَضْمِينُ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّبِيَّيْنِ وَلَوْ اسْتَعَارَ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مَالًا مِنْ كَبِيرٍ وَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ كَمَا سَيَصِيرُ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (960) أَمَّا لَوْ أَتْلَفَ مَالًا آخَرَ بِلَا اسْتِعَارَةٍ كَانَ ضَامِنًا وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا كَمَا وُضِّحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (776) .
الْإِعَارَةُ بِالْوِلَايَةِ وَبِالْوِصَايَةِ: لَيْسَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ إعَارَةُ مَالِ الصَّغِيرِ لِآخَرَ بِالْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا مِنْ تَوَابِعِهَا وَهِيَ تَبَرُّعٌ بِلَا بَدَلٍ (الْبَحْرُ وَالدُّرُّ الْمُخْتَارُ) .
وَإِنْ فَعَلَ وَتَلِفَ ضَمِنَ وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الَّذِي اسْتَعْمَلَ مَالَ الصَّغِيرِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فَتَجُوزُ إعَارَتُهُ وَاسْتِعَارَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِعَارَةَ وَالِاسْتِعَارَةَ مِنْ عَادَاتِ التُّجَّارِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ مِثَالٌ لِلْفَقَرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَعَلَيْهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى فَهْمِ الْإِعَارَةِ وَالِاسْتِعَارَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَارِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ اُنْظُرْ الْمَوَادَّ " 957، 966، 967 ".
(2/344)
مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ صَبِيٌّ مِنْ صَبِيٍّ آخَرَ مَالًا. فَإِذَا كَانَ الْمُعِيرُ مَأْذُونًا وَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَالُ لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ الْمُعِيرِ. ضَمِنَ الْمُعِيرُ لَكِنْ إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ صَبِيًّا مَحْجُورًا فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ تَلَفَ الْمُعَارِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ كَانَ بِتَسْلِيطِ الْمُعِيرِ. وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ مَحْجُورًا فَلِصَاحِبِ الْمَالِ تَضْمِينُ الْمُعِيرِ بِاعْتِبَارِهِ غَاصِبًا وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُسْتَعِيرِ الْمُعِيرِ بِاعْتِبَارِهِ غَاصِبَ الْغَاصِبِ تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَبِ الصَّغِيرِ إعَارَةُ مَا لِوَلَدِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ لِلْعَيْنِيِّ الْمَأْذُونِ أَنْ يُعِيرَ مَالَ نَفْسِهِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ كَوْنُ إعَارَةِ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ هِيَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ وَمِنْ لَوَازِمِهَا أَمَّا إعَارَةُ الْأَبِ فَلَيْسَتْ مِنْ تَوَابِعِهَا بَلْ هِيَ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ.
إعْطَاءُ وَلَدِ الْمُسْتَعِيرِ الصَّغِيرِ الْمَالَ الْمُسْتَعَارَ لِآخَرَ: لَوْ أَعْطَى وَلَدُ الْمُسْتَعِيرِ الصَّغِيرِ الْمَحْجُورِ الْمَالَ الْمُسْتَعَارَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى آخَرَ وَفُقِدَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلَدِ الْمَرْقُومِ مَعَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ يَعْنِي لِلْمُعِيرِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (910) .
[ (الْمَادَّةُ 810) الْقَبْضُ شَرْطٌ فِي الْعَارِيَّةُ]
(الْمَادَّةُ 810) :
الْقَبْضُ شَرْطٌ فِي الْعَارِيَّةِ فَلَا حُكْمَ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ يُشْتَرَطُ فِي الْعَارِيَّةُ قَبْضُ الْمُسْتَعِيرِ الْمُسْتَعَارَ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً وَلَا حُكْمَ لِلْعَارِيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَنْتَفِعُ بِالْمُسْتَعَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
وَالْعَارِيَّةَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ أَيْضًا وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (57) .
الْإِذْنُ صَرَاحَةً، كَأَنْ يَقُولَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك مَالِي هَذَا فَاقْبِضْهُ أَمَّا الْإِذْنُ دَلَالَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابِ الْعَارِيَّةُ: فَإِيجَابُ الْمُعِيرِ إذْنٌ بِالْقَبْضِ دَلَالَةً.
أَحْكَامُ الْإِذْنِ صَرَاحَةً وَدَلَالَةً.
إذَا أُعْطِيَ الْإِذْنُ صَرَاحَةً فَلِلْمُسْتَعِيرِ بِلَا شَكٍّ أَنْ يَقْبِضَ الْعَارِيَّةُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ (وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ عَلَى مَجْلِسِ الْعَارِيَّةُ) وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْإِذْنُ دَلَالَةً فَهَلْ يَتَقَيَّدُ الضَّبْطُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ كَمَا تَقَيَّدَتْ الْهِبَةُ فِي ذَلِكَ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (840) أَوْ لَا يَتَقَيَّدُ: يَظْهَرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ أَنَّ الْإِذْنَ دَلَالَةً فِي الْعَارِيَّةُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (804) وَالْمَسْأَلَةُ هِيَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إنَّنِي اسْتَعَرْت ثَوْرَك غَدًا فَأَجَابَهُ صَاحِبُ الثَّوْرِ: أَعَرْتُك إيَّاهُ فَذَهَبَ الْمُسْتَعِيرُ فِي الْغَدِ وَقَبَضَ الثَّوْرَ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ فَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِعَارَةِ وَفِي الْوَاقِعِ أَنَّهُ يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِعَارَةِ إذْ إنَّ فِي الْهِبَةِ تَزُولُ مِلْكِيَّةُ الْمَالِكِ بِالْمِلْكِيَّةِ عَنْ الْمِلْكِ وَعَنْ الْمَنْفَعَةِ مَعًا أَمَّا فِي الْعَارِيَّةُ فَتَزُولُ الْمَنْفَعَةُ مُؤَقَّتًا كَمَا أَنَّهُ يُوجَدُ فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِعَارَةِ فِي كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
(2/345)
[ (الْمَادَّةُ 811) تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ]
(الْمَادَّةُ 811) :
يَلْزَمُ تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَعَارَ شَخْصٌ إحْدَى دَابَّتَيْنِ بِدُونِ تَعْيِينٍ وَلَا تَخْيِيرٍ لَا تَصِحُّ الْإِعَارَةُ بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُعِيرُ الدَّابَّةَ الَّتِي يُرِيدُ إعَارَتَهَا مِنْهُمَا لَكِنْ إذَا خَيَّرَهُ قَائِلًا خُذْ أَيَّهُمَا شِئْت عَارِيَّةً صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ.
يَلْزَمُ تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ أَوْ تَخْيِيرُ الْمُعِيرِ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ عَيْنِ الْمُسْتَعَارِ تُخِلُّ بِصِحَّةِ الْإِعَارَةِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ تَصِحُّ الْإِعَارَةُ بِدُونِ تَعَيُّنِ الزَّمَانِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْمُنْتَفِعِ كَمَا يُسْتَفَادُ أَيْضًا مِنْ الْمَادَّةِ (816) . مَثَلًا لَوْ أَعَارَ شَخْصٌ إحْدَى دَابَّتَيْنِ بِدُونِ تَعْيِينٍ وَلَا تَخْيِيرٍ لَا تَصِحُّ الْإِعَارَةُ بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُعِيرُ الدَّابَّةَ الَّتِي يُرِيدُ إعَارَتَهَا مِنْهُمَا حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُسْتَعِيرُ دَابَّةً بِنَاءً عَلَى الْإِعَارَةِ الْوَاقِعَةِ بِلَا تَعْيِينٍ وَلَا تَخْيِيرٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَعْنِي مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ: اذْهَبْ إلَى إصْطَبْلِي فَتَجِدُ فِيهِ فَرَسَيْنِ فَخُذْ أَحَدَهُمَا، وَقَصَدَ الْمُسْتَعِيرُ إلَى الْإِصْطَبْلِ وَأَخَذَ أَحَدَ الْفَرَسَيْنِ كَانَ غَاصِبًا. لَكِنْ إذَا قَالَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْت عَارِيَّةً وَخَيَّرَهُ صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ فَلَوْ أَخَذَ الْمُسْتَعِيرُ بِنَاءً عَلَى هَذَا التَّخْيِيرِ أَحَدَ الْفَرَسَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَانَ جَائِزًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْأَخْذُ فِي حُكْمِ الْغَصْبِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ فِيمَا لَوْ هَلَكَ الْفَرَسُ الْمُعَارُ فِي يَدِهِ قَدْ قُصِدَ بِفَقْرِهِ (وَلَكِنْ إذَا خَيَّرَهُ قَائِلًا خُذْ أَيَّهُمَا شِئْت) بَيَانُ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ.
فِي جَوَازِ إعَارَةِ الْمُشَاعِ.
لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعَارُ غَيْرَ مُشَاعٍ.
وَعَلَيْهِ فَإِعَارَةُ الْمُشَاعِ صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ لِلشَّرِيكِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ كَذَلِكَ يَجُوزُ إعَارَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِشَخْصَيْنِ مُنَاصَفَةً أَوْ ثَلَاثًا. وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ لِشَخْصَيْنِ جُمْلَةً كَقَوْلِ الْمُعِيرِ: أَعَرْتُكُمَا مَالِي هَذَا، أَمْ مُفَصَّلَةً كَقَوْلِ: أَعَرْتُك نِصْفَ مَالِي هَذَا وَأَعَرْت هَذَا النِّصْفَ لِلْآخَرِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ حَتَّى جَازَتْ إعَارَةُ الْمُشَاعِ وَلَمْ يَجُزْ إجَارَتُهُ؟ قَدْ ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (429) أَنَّ إجَارَةَ الْمُشَاعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ لَيْسَتْ جَائِزَةً وَعَلَيْهِ يُلْزِمُنَا ذَلِكَ أَنْ نَبْحَثَ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْمُؤَجِّرُ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ فَيَجِبُ إجْبَارُهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَمَتَى كَانَ الْمَأْجُورُ مُشَاعًا فَيَلْزَمُ تَسْلِيمُ غَيْرِ الْمَأْجُورِ مَعَ الْمَأْجُورِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا الْإِعَارَةُ فَبِمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَلَوْ تَسَلَّمَ الْمُعِيرُ بِرِضَاهُ غَيْرَ الْمَأْجُورِ أَيْضًا تَمَّتْ الْإِعَارَةُ وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ فَلَا يَبْقَى لِلْإِعَارَةِ حُكْمٌ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُعَارِ
(2/346)
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْعَارِيَّةُ وَضَمَانِهَا]
الْأَحْكَامُ: جَمْعُ حُكْمٍ، وَالْحُكْمُ مَعْنَاهُ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى هَذَا الْعُنْوَانِ الْآثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْعَارِيَّةُ، وَالضَّمَانَاتُ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ.
(مَادَّةُ 813) :
الْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْعَارِيَّةِ بِدُونِ بَدَلٍ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ أُجْرَةً بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ.
الْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْعَارِيَّةُ مَجَّانًا. وَلِلْمُعِيرِ الثَّوَابُ عَلَى خُلُوصِ نِيَّتِهِ لِإِتْيَانِهِ الْخَيْرَ مَعَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ. وَقَدْ تَوَضَّحَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (765) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِعَارَةِ أَنْ تَكُونَ مَجَّانًا. وَعَلَيْهِ لَوْ اُشْتُرِطَ فِي الْإِعَارَةِ بَدَلٌ انْقَلَبَتْ إلَى إجَارَةٍ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (434) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا انْتَفَعَ بِالْعَارِيَّةِ تَكُونُ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مَجَّانًا.
لِذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَطْلُبَ أُجْرَةً مِنْ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ أَيْ إذَا قَدِمَ الْمُعِيرُ عَلَى الْإِعَارَةِ بَعْدَ أَنْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ أُجْرَةَ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ طَلَبَ وَادَّعَى تُرَدُّ دَعْوَاهُ.
الِاخْتِلَافُ فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ: هَذِهِ الْمَادَّةُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَ الطَّرَفَانِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ الْإِعَارَةِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ وَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ أَنَّهَا إجَارَةٌ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهَا إعَارَةٌ. يَعْنِي لَوْ رَكِبَ أَحَدٌ دَابَّةَ آخَرَ لِلذَّهَابِ إلَى مَحِلٍّ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ: أَجَّرْتُك إيَّاهَا فَأَعْطِنِي أُجْرَتَهَا، وَقَالَ الرَّاكِبُ: أَعَرْتنِي إيَّاهَا إعَارَةً وَلَيْسَ لَك أُجْرَةٌ وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاكِبِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُنْكِرٌ لِلْأُجْرَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (8، 76) .
[ (الْمَادَّةُ 813) الْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ]
(الْمَادَّةُ 813) الْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِذَا هَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. مَثَلًا إذَا سَقَطَتْ الْمِرْآةُ الْمُعَارَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا عَمْدٍ أَوْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ فَسَقَطَتْ الْمِرْآةُ وَانْكَسَرَتْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْبِسَاطِ الْمُعَارِ شَيْءٌ فَتَلَوَّثَ بِهِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَلَا ضَمَانَ.
الْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ فُقِدَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ اسْتِعْمَالِهِ إيَّاهَا حَسْبَ الْمُعْتَادِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ فِي غَيْرِ حَالِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
(2/347)
وَقَدْ أُثْبِتَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْقَائِلِ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» .
الْوَجْهُ الثَّانِي: بِمَا أَنَّ الْمُسْتَعَارَ قَدْ أُخِذَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ " اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ " وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ " اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ سَوْمِ الشِّرَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ، فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَدِّي بِإِذْنِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (881) أَلَا تَرَى لَوْ أَذِنَ أَحَدٌ بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَأَتْلَفَهُ الْآخَرُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُتْلِفَ ضَمَانٌ (مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ) وَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي أَثْنَاءِ الِانْتِفَاعِ الَّذِي أَذِنَ بِهِ لِلْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ أَمَّا إذَا تَلِفَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ حَصَلَ التَّلَفُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ (الْبَاجُورِيُّ) .
وَتُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ سَوَاءٌ أَكَانَ تَلَفُ الْعَارِيَّةِ ظَاهِرًا أَمْ خَفِيًّا عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ تَلَفَ الْمُسْتَعَارِ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَهُوَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1774) . كَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ رَدَّ الْعَارِيَّةِ لِلْمُعِيرِ وَكَذَّبَهُ الْمُعِيرُ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَعِيرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَلَوْ شُرِطَ الضَّمَانُ مَثَلًا لَوْ عُقِدَتْ الْعَارِيَّةُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا إذَا تَلِفَ الْمَالُ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ عَلَى تَقْدِيرِ التَّلَفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَذَلِكَ كَاشْتِرَاطِ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ فِي حَالِ التَّلَفِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (82) (الْبَحْرُ) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ: لَقَدْ جَاءَ فِي (أَشْبَاهِ ابْنِ نُجَيْمٍ) عَنْ ذِكْرِهِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَاعِدَةِ (الْعَادَةُ مُحْكِمَةٌ) (لَوْ اُشْتُرِطَ) ضَمَانُ الْعَارِيَّةُ إذَا تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ يَصِحُّ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ عَلَى رِوَايَةٍ نَقْلًا عَنْ (الزَّيْلَعِيّ، وَالْجَوْهَرَةِ) وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ وَالْمُفْتَى بِهِ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَمَوِيُّ نَقْلًا عَنْ (قَاضِي خَانْ) هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَا حُكْمَ لَهُ وَبِمَا أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ ذَكَرَتْ عَدَمَ الضَّمَانِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ آنِفًا وَبِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (64) يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهَا قَدْ اخْتَارَتْ الْقَوْلَ بِأَنْ لَا حُكْمَ لِلشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْمَبْدَأِ قَدْ سِرْنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِيضَاحِهَا.
الْمَسَائِلُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى كَوْنِ الْعَارِيَّةُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ: أَوَّلًا: مَثَلًا إذَا سَقَطَتْ الْمِرْآةُ الْمُعَارَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ قَضَاءً أَوْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ فَسَقَطَتْ الْمِرْآةُ وَانْكَسَرَتْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ بَغْلًا فَصَارَ أَعْرَجَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ.
ثَانِيًا: لَوْ رَبَطَ الْمُسْتَعِيرُ الْبَغْلَ الْمُسْتَعَارَ بِحَبْلٍ حَسَبَ الْعَادَةِ فَاخْتَنَقَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مُعْتَادَةٌ.
ثَالِثًا: لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ الْحَمَّامَ وَأَخَذَ فِي الِاغْتِسَالِ فَسَقَطَ الْإِنَاءُ مِنْ يَدِهِ وَتَشَوَّهَ لَا يَضْمَنُ أَحْكَامُ الْعَارِيَّةُ وَضَمَانُهَا
(2/348)
رَابِعًا: لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ سِلَاحًا لِمُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ فَانْكَسَرَ السِّلَاحُ كَأَنْ كَانَ سَيْفًا أَثْنَاءَ الْقِتَالِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
خَامِسًا: لَوْ زَلَّتْ قَدَمُ أَحَدٍ وَهُوَ لَابِسٌ ثِيَابًا مُسْتَعَارَةً فَتَمَزَّقَتْ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
سَادِسًا: لَوْ وَقَعَ عَلَى الْبِسَاطِ الْمُعَارِ فَتَلَوَّثَ بِهِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهٌ فَلَا ضَمَانَ.
سَابِعًا: لَوْ قَصَدَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُعَارَةِ إلَى مَحِلٍّ مُعْتَادٍ مُسَمًّى وَرَجَعَ مِنْهُ فَضَعُفَتْ الدَّابَّةُ أَوْ كَانَتْ حُبْلَى فَأَسْقَطَتْ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ.
ثَامِنًا: لَوْ أَحْضَرَ الْمُسْتَعِيرُ لِلْمُعِيرِ فَقَالَ لَهُ الْمُعِيرُ: ضَعْهُ هُنَا، فَسَقَطَ مِنْهُ بَيْنَمَا كَانَ يَضَعُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ وَانْكَسَرَ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ.
تَاسِعًا: لَوْ أَصْبَحَتْ الثِّيَابُ بِحَالَةٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعِيرِ إيَّاهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
عَاشِرًا: لَوْ سَقَطَ الْكَأْسُ أَوْ فِنْجَانُ الْقَهْوَةِ مِنْ يَدِ الشَّارِبِ بَعْدَ أَنْ تَنَاوَلَهُ مِنْ يَدِ السَّاقِي وَأَخَذَ يَشْرَبُ فَانْكَسَرَ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْكَأْسِ أَوْ الْفِنْجَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ. أَمَّا ثَمَنُ الْقَهْوَةِ وَالْمَاءِ فَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَقَدْ تَلِفَ بَعْدَ الْقَبْضِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (294) . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا الِاسْتِعْمَالَ الْمُعْتَادَ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ أَمَّا لَوْ تَلِفَتْ بِاسْتِعْمَالِهَا اسْتِعْمَالًا غَيْرَ مُعْتَادٍ ضَمِنَ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ ارْتَدَى لِبَاسَ النَّهَارِ لَيْلًا وَنَامَ عَلَى السَّرِيرِ فَتَمَزَّقَ كَانَ ضَامِنًا.
وَقَدْ بُيِّنَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ الْمُحْتَرَزُ عَنْهُ مِنْ قَيْدِ " بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ " الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَهُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي حَالِ التَّلَفِ بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ لَزِمَ الضَّمَانُ وَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ كَوْنِ الْعَارِيَّةُ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا لَمْ يَرُدَّ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعَارَ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَأَمْسَكَهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ أَمْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ لَزِمَ الضَّمَانُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (826) وَقَدْ عَدَّ مُحَشِّي الدُّرَرِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةً إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُعَدَّ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ تَعَدِّيًا فَلَا تُعَدُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةً عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الْعَارِيَّةُ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعَارُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِلْكًا لِلْمُعِيرِ أَمَّا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَارِيَّةُ مِلْكٌ لِشَخْصٍ آخَرَ يَعْنِي لَوْ ظَهَرَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ بِتَبَيُّنِ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِ إذْ إنَّ الْعَارِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ وَالتَّمْلِيكُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْمَالِكِ وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (777) . يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُعِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصِ الْمُسْتَحِقِّ غَاصِبًا وَالْمُسْتَعِيرُ غَاصِبَ الْغَاصِبِ فَلِلْمُسْتَحِقِّ، كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي الْمَادَّةِ (910) ، تَضْمِينُ الْمُعِيرِ وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُسْتَعِيرِ. وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ فَلَيْسَ لِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ إذَا ضَمِنَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ هُوَ كَمَا يَأْتِي: بِمَا أَنَّ الْمُعِيرَ يَمْلِكُ الْمُسْتَعَارَ بِالضَّمَانِ وَقْتَ الْإِعَارَةِ فَيَكُونُ قَدْ أَعَارَ مَالَهُ وَالْعَارِيَّةَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَتْ مَضْمُونَةً مَا لَمْ يَكُنْ التَّلَفُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ حَاصِلًا بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ وَإِذَا ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ فَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ رُجُوعِهِ عَلَى الْمُعِيرِ هُوَ أَنَّ الْعَارِيَّةُ عَقْدٌ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْقَابِضِ.
اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) (الْبَحْرُ) فَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَالٍ أَعَارَ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لِشَخْصٍ بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَتَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ
(2/349)
وَلَا تَقْصِيرٍ لَزِمَ كُلًّا مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُعِيرِ ضَمَانُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ. وَإِذَا أَثْبَتَ الْمُسْتَحِقُّ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ مِلْكُهُ فَلَا تُطْلَبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَبِعْهُ مِنْ آخَرَ أَوْ لَمْ يَهَبْهُ لَهُ لَكِنْ لَوْ ادَّعَى الْمُعِيرُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَدْ بَاعَ مِنْهُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ أَوْ أَذِنَهُ بِإِعَارَتِهِ لِآخَرَ وَلَمْ يُثْبِتْ الْمُعِيرُ دَعْوَاهُ وَنَكِلَ الْمُسْتَحِقُّ لَدَى تَحْلِيفِهِ الْيَمِينَ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ تَضْمِينُهُ الْقِيمَةَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
الِاخْتِلَافُ فِي إعَارَةِ مَالٍ أَوْ غَصْبِهِ: لَوْ اخْتَلَفَ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُعِيرُ فَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: إنَّك أَعَرْتنِي دَابَّتَك وَتَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَقَالَ لَهُ الْمُعِيرُ: إنِّي لَمْ أُعِرْك إيَّاهَا بَلْ اغْتَصَبْتهَا اغْتِصَابًا، فَإِذَا لَمْ يَرْكَبْ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ فَلَا يَضْمَنُ (الْهِنْدِيَّةُ) .
إذَا تَعَدَّى الْأَمِينُ مَرَّةً أَوْ خَالَفَ فَلَا تَعُودُ إلَيْهِ صِفَةُ الْأَمَانَةِ وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ.
وَعَلَيْهِ إذَا تَلِفَتْ الْأَمَانَةُ بَعْدَ ذَلِكَ. أَيْ بَعْدَ مُعَاوَدَةِ الْأَمِينِ إلَى الْوِفَاقِ، كَانَ ضَامِنًا. وَلَوْ كَانَ التَّلَفُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ. وَإِلَيْك بَعْضُ الْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّعَةِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُتَفَرِّقَةِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْمُسْتَأْجِرُ، وَقَدْ جَاءَ تَفْصِيلُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (454) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، الْمُسْتَعِيرُ لِشَيْءٍ غَيْرَ الرَّهْنِ.
[ (الْمَادَّةُ 814) حَصَلَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ تَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٌ بِحَقِّ الْعَارِيَّةُ]
(الْمَادَّةُ 814) - (إذَا حَصَلَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ تَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٌ بِحَقِّ الْعَارِيَّةِ ثُمَّ هَلَكَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فَبِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ الْهَلَاكُ أَوْ النَّقْصُ يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ. مَثَلًا إذَا ذَهَبَ الْمُسْتَعِيرُ بِالدَّابَّةِ الْمُعَارَةِ إلَى مَحِلٍّ مَسَافَتُهُ يَوْمَانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَتَلِفَتْ تِلْكَ الدَّابَّةُ أَوْ هَزَلَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا لَزِمَ الضَّمَانُ وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ بِهَا إلَى مَحِلٍّ مُعَيَّنٍ فَتَجَاوَزَ بِهَا ذَلِكَ الْمَحِلَّ ثُمَّ هَلَكَتْ الدَّابَّةُ حَتْفَ أَنْفِهَا لَزِمَ الضَّمَانُ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَعَارَ إنْسَانٌ حُلِيًّا فَوَضَعَهُ عَلَى صَبِيٍّ وَتَرَكَهُ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الصَّبِيِّ مَنْ يَحْفَظُهُ فَسُرِقَ الْحُلِيُّ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ قَادِرًا عَلَى حِفْظِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ) .
فَلَوْ حَصَلَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ تَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٌ بِحَقِّ الْعَارِيَّةُ ثُمَّ هَلَكَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فَبِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ الْهَلَاكُ أَوْ النَّقْصُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِتَعَدٍّ وَتَقْصِيرٍ أَمْ بِسَبَبٍ آخَرَ أَمْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ حَتْفَ أَنْفِهَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَمَّا أَصْبَحَ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ فَقَدْ تَحَوَّلَتْ يَدُ أَمَانَتِهِ إلَى يَدِ ضَمَانٍ. أَيْ أَنَّهُ يَلْزَمُ ضَمَانُ مِثْلِ الْعَارِيَّةُ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتِهَا تَامَّةً إذَا كَانَتْ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ وَقِيمَةِ النُّقْصَانِ فَقَطْ فِي حَالِ النُّقْصَانِ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - قِيلَ " لَوْ حَصَلَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ تَعَدٍّ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ طَرَفِ الْمُسْتَعِيرِ بَلْ وَقَعَ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ لَزِمَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الضَّمَانُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (89) مَثَلًا لَوْ أَعْطَى الصَّغِيرُ الْمَحْجُورُ الْمُسْتَعَارَ لِلْمُسْتَعِيرِ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ مَالًا لِآخَرَ وَضَاعَ لَزِمَ الضَّمَانُ الصَّبِيَّ الدَّافِعَ. الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ
(2/350)
قِيلَ " بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ ": أُشِيرَ بِهَذَا الْقَيْدِ إلَى أَنَّ نِيَّةَ التَّعَدِّي الْمُجَرَّدَةَ بِلَا فِعْلٍ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 2) .
مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ فَرَسًا وَنَوَى عَدَمَ إعَادَتِهَا لِصَاحِبِهَا ثُمَّ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ، يُنْظَرُ، فَإِذَا كَانَ رَاكِبًا عَلَى تِلْكَ الْفَرَسِ وَسَائِرًا بِهَا لَزِمَ الضَّمَانُ إذَا تَلِفَتْ الْفَرَسُ بَعْدَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَدْ اقْتَرَنَتْ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ النِّيَّةِ وَاقِفًا، أَيْ غَيْرَ سَائِرٍ بِالْفَرَسِ، ثُمَّ سَارَ بَعْدَ النِّيَّةِ وَتَلِفَتْ الْفَرَسُ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالْفِعْلِ.
وَيُوَضَّحُ التَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي كَتَلَفِ الدَّابَّةِ بِكَبْحِهَا بِاللِّجَامِ أَوْ إتْلَافِ عَيْنِهَا أَوْ تَلَفِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلرُّكُوبِ عَلَيْهَا إلَى مَحِلٍّ مَعْلُومٍ بِحَبْسِهَا فِي الْبَيْتِ أَوْ بِأَخْذِهَا إلَى مَحِلٍّ آخَرَ لِلسَّقْيِ أَوْ بِتَحْمِيلِهَا حِمْلًا يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُطِيقُهُ أَوْ بِاسْتِعْمَالِهَا لَيْلًا نَهَارًا أَوْ بِاسْتِعْمَالِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ لِحَرْثِ أَرْضٍ فِي أَرْضٍ أُخْرَى أَقْسَى تُرْبَةً مِنْهَا وَمَا مَاثَلَهَا مِنْ الْأَحْوَالِ فَيُعَدُّ تَعَدِّيًا، وَكَذَلِكَ بِضَيَاعِ الدَّابَّةِ بِتَرْكِهَا فِي الزُّقَاقِ وَدُخُولِ الْمُسْتَعِيرِ الْبَيْتَ أَوْ الْمَسْجِدَ بِحَيْثُ لَا تُرَى أَيْ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ تَقْصِيرًا فِي الْحِفْظِ سَوَاءٌ أَرَبَطَهَا فِي الْبَابِ أَمْ لَمْ يَرْبِطْهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَتَى جَعَلَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ فَيَكُونُ قَدْ أَضَاعَهَا. أَمَّا إذَا لَمْ تَغِبْ عَنْ نَظَرِهِ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ الْعَارِيَّةَ لِتَرْعَى وَتَلِفَتْ فَلَا يَضْمَنُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنْ تُرْسَلَ لِلرَّعْيِ وَاذَا كَانَتْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُشْتَرَكَةً ضَمِنَ (الْبَحْرُ) (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 41) وَعَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ التَّعَدِّيَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ قَدْ وُضِّحَ آنِفًا وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْمَجَلَّةِ فَفِي الْمَوَادِّ (815 و 816 و 817 و 820 و 821 و 823 و 825 و 826 و 827 و 828 و 829) قَدْ حُرِّرَ أَيْضًا (الْبَحْرُ) .
3 - جَاءَ " بِأَيِّ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، يَعْنِي لَوْ تَلِفَ الْمُسْتَعَارُ بِتَعَدِّي الْمُسْتَعِيرِ أَوْ تَقْصِيرِهِ مَرَّةً أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نُقْصَانٌ أَوْ لَوْ لَمْ يَحْدُثْ التَّلَفُ وَلَمْ يَطْرَأْ النُّقْصَانُ بِذَلِكَ التَّعَدِّي وَالتَّقْصِيرِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَرْكِ الْمُسْتَعِيرِ التَّعَدِّيَ وَدَعْوَتِهِ إلَى الْوِفَاقِ أَوْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا. مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ فَرَسًا لِيَرْكَبَهُ إلَى الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ وَبَلَغَ ذَلِكَ وَتَجَاوَزَهُ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ وَيَكُونُ الْفَرَسُ مَضْمُونًا إلَى أَنْ يُعِيدَهُ إلَى صَاحِبِهِ سَالِمًا فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ التَّجَاوُزِ كَانَ ضَامِنًا.
كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ مَالًا لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ آخَرَ فَاسْتَعْمَلَ الْمَالَ ثُمَّ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ وَالتَّسْلِيمِ كَانَ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
قَاعِدَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي تُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْإِعَارَةِ: قَدْ ذَكَرْتُ الْقَاعِدَةَ الْآتِيَةَ لِضَمَانِ الْمُسْتَعِيرِ وَهِيَ (الْعَارِيَّةُ كَالْإِجَارَةِ فَكُلُّ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْإِجَارَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْإِعَارَةِ) أَيْضًا (الضَّمَانَاتُ الْفَضِيلِيَّةُ فِي إجَارَةِ الدَّوَابِّ) .
4 - قِيلَ: هَلَكَتْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا تَعَدَّى أَوْ قَصَّرَ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ ضَرَرٌ مَا وَأَعَادَ الْمُسْتَعَارَ سَالِمًا إلَى صَاحِبِهِ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ بَرِيئًا فَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
5 - جَاءَ وَقْتُ التَّعَدِّي أَوْ التَّقْصِيرِ إلَخْ، فَلْنُوضِحْ هَذَا بِمِثَالٍ: لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ دَابَّةً لِمُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمَضَتْ وَلَمْ يُعِدْ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعَدِّيًا بِمُقْتَضَى
(2/351)
الْمَادَّةِ (826) فَلَوْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتَلِفَتْ فَتَلْزَمُ قِيمَتُهَا اعْتِبَارًا مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا وَلَا مُقَصِّرًا فِي مُدَّةِ الْإِعَارَةِ إلَى انْتِهَاءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَالْمُسْتَعَارُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ صِرْفَةٌ وَيَبْدَأُ تَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرُهُ مُنْذُ خِتَامِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ.
وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَدِيعَةِ أَيْ فِي الْمَادَّةِ (803) وَعَدَمُ ذِكْرِهَا فِي الْعَارِيَّةُ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهَا مَفْهُومَةً مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ.
6 - قِيلَ: قِيمَتُهَا. إذَا اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَعِيرِ أَمَّا الْبَيِّنَةُ فَلِلْمُعِيرِ. (اُنْظُرْ مَادَّتَيْ 8 وَ 76) .
مَثَلًا لَوْ ذَهَبَ الْمُسْتَعِيرُ بِالدَّابَّةِ الْمُعَارَةِ إلَى مَحِلٍّ مَسَافَتُهُ يَوْمَانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ حَمَّلَهَا حِمْلًا يَزِيدُ عَنْ طَاقَتِهَا وَسَاقَهَا بِالْعُنْفِ وَالشِّدَّةِ فَتَلِفَتْ تِلْكَ الدَّابَّةُ أَوْ هَزَلَتْ أَوْ عَرَجَتْ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا لَزِمَ الضَّمَانُ.
كَذَلِكَ لَوْ حَرَثَ الْمُسْتَعِيرُ الْمَزْرَعَةَ عَلَى ثَوْرَيْنِ ثُمَّ أَطْلَقَهُمَا بَعْدَ الْحَرْثِ مَرْبُوطَيْنِ بِحَبْلِهِمَا فَاخْتَنَقَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ.
وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِرُكُوبِهِ فَأَرْدَفَ شَخْصًا آخَرَ مَعَهُ وَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ نِصْفَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ الْوَاقِعَ نَاشِئٌ عَنْ الْفِعْلِ الْمَأْذُونِ بِهِ وَالْفِعْلِ الْغَيْرِ الْمَأْذُونِ بِهِ فَتَنْقَسِمُ الْقِيمَةُ عَلَى الْفِعْلَيْنِ وَمَا يُصِيبُ الْفِعْلَ الْمَأْذُونَ فِيهِ فَهُوَ هَدَرٌ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ كُلَّ الْقِيمَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ بِهَا إلَى مَحِلٍّ فَذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَتَجَاوَزَهُ فَهَلَكَتْ الدَّابَّةُ وَهُوَ عَائِدٌ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ أَوْ قَبْلَ عَوْدَتِهِ إلَيْهِ حَتْفَ أَنْفِهَا بِآفَةٍ يَعْنِي سَمَاوِيَّةٍ لَزِمَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّجَاوُزَ لَمَّا كَانَ تَعَدِّيًا وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ تَعَدٍّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ غَصْبًا فَالتَّلَفُ الْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَيِّ صُورَةٍ كَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ. وَاذَا كَانَ التَّلَفُ حَتْفَ الْأَنْفِ فَلَا يُقَالُ: مَا ذَنْبُ الْمُسْتَعِيرِ فِي ذَلِكَ.
الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ بَعْدَ التَّعَدِّي: لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ رَدَّ الدَّابَّةَ إلَى الْمُعِيرِ سَالِمَةً بَعْدَ التَّجَاوُزِ الْمَذْكُورِ وَادَّعَى الْمُعِيرُ أَنَّهَا تَلِفَتْ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّجَاوُزُ الْمَذْكُورُ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمُعِيرِ. بَعْضُ التَّعَدِّيَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ: كَذَلِكَ لَوْ نَامَ الْمُسْتَعِيرُ وَهُوَ مُمْسِكٌ عِنَانَ الْفَرَسِ فَجَاءَ أَحَدٌ فَقَطَعَ الْعِنَانَ وَأَخَذَ الْفَرَسَ فَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْفَرَسِ أَمَّا لَوْ أَخَذَ السَّارِقُ الْعِنَانَ مِنْ يَدِهِ وَسَرَقَ الْفَرَسَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَيَضْمَنُ إذَا كَانَ فِي الْحَضَرِ وَنَامَ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ ضَيَّعَ الْعَارِيَّةُ بِنَوْمِهِ نَوْمًا ثَقِيلًا لَا يَتَنَبَّهُ مَعَهُ عَلَى أَخْذِ السَّارِقِ الْعِنَانَ مِنْ يَدِهِ وَإِلَّا لَوْ نَامَ فِي الْحَضَرِ جَالِسًا فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لَوْ نَامَ جَالِسًا وَكَانَتْ الْفَرَسُ أَمَامَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِقْوَدُهَا فِي يَدِهِ وَهُنَا يَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَ ضَمَانٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَرَنَ أَحَدٌ الْبَقَرَةَ الَّتِي اسْتَعَارَهَا مَعَ أُخْرَى قُوَّتُهَا ضِعْفًا وَاشْتَغَلَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَتَلِفَتْ الْبَقَرَةُ
(2/352)
الْمُعَارَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (43) إذَا كَانَ ذَلِكَ مُعْتَادًا أَمَّا إذَا كَانَ خِلَافَ الْمُعْتَادِ لَزِمَ الضَّمَانُ (تَعْلِيقَاتُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الْبَحْرِ) .
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِمَحِلٍّ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِهِ وَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَ الْمَحِلُّ الَّذِي قَصَدَ إلَيْهِ أَقْرَبَ مِنْ الْمُسَمَّى وَلَوْ أَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ إلَى الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ وَتَلِفَتْ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعَارَهُ إيَّاهَا لِلذَّهَابِ وَلَيْسَ لِلْإِمْسَاكِ (الْبَحْرُ) إذْ إنَّ إمْسَاكَ الدَّابَّةِ فِي الْإِصْطَبْلِ بِلَا عَمَلٍ مُضِرٌّ. وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا كَمَا صَارَ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (546) وَقَدْ فَصَّلْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (817) .
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ إنْسَانٌ قِلَادَةً فَقَلَّدَهَا الصَّبِيَّ وَتَرَكَهُ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الصَّبِيِّ مَنْ يَحْرُسُهُ بِعَيْنِهِ فَسُرِقَتْ الْقِلَادَةُ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ قَادِرًا عَلَى حِفْظِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ الْعَارِيَّةُ لِآخَرَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (819) وَالْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ.
إنَّ الْمِثَالَ الَّذِي مَرَّ لَمْ يَكُنْ مِثَالًا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ وَيُعْتَبَرُ مِثَالًا لَهَا بِسَبَبِ الْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ: أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى حِفْظِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانُ تِلْكَ الْقِلَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ غَيْرِ الْقَادِرِ عَلَى حِفْظِهَا فَقَدْ ضَيَّعَ الْقِلَادَةَ أَيْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهَا. وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ السَّارِقَ أَيْضًا لَا يَنْجُو مِنْ الضَّمَانِ. وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَالْمُعِيرُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ لِتَضْيِيعِهِ إيَّاهَا وَهَذَا هُوَ الْمُبَيَّنُ فِي الْمَجَلَّةِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ تَضْمِينُ السَّارِقِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ السَّارِقَ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ لِلسَّارِقِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (910) .
وَكَذَلِكَ إذَا نَبَّهَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ بِأَنَّ دَابَّتَهُ لَا تُحْفَظُ بِدُونِ مِقْوَدٍ وَأَنَّهُ يَجِبُ قَوْدُهَا بِمِقْوَدٍ وَأَلَّا يَتْرُكَ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا فَقَادَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِدُونِ مِقْوَدٍ فَتَعِبَتْ الدَّابَّةُ وَسَقَطَتْ وَعَطِبَتْ رِجْلُهَا لَزِمَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَدْ خَالَفَ شَرْطًا مُفِيدًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ الْمُسْتَعِيرُ مُجْهِلًا تُضْمَنُ الْعَارِيَّةُ مِنْ تَرِكَتِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 801) وَشَرْحَهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ أَمَامَهُ وَنَامَ جَالِسًا وَسُرِقَتْ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ سَوَاءٌ أَوَقَعَ ذَلِكَ فِي حَالِ السَّفَرِ أَمْ فِي حَالِ فِي الْحَضَرِ.
أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا وَسُرِقَتْ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَضَرِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي حَالِ السَّفَرِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَعَارُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَمْ أَمَامَهُ أَمْ كَانَ حُوِّلَ بِصُورَةٍ يُعَدُّ فِيهَا حَافِظًا لَهُ: (الِادِّعَاءُ بِوُقُوعِ التَّصَرُّفِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ) .
لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ أَنَّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ وَقَعَ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ وَلِذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ الْمُعِيرُ فَبِهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1587) وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُعِيرُ تُطْلَبُ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنْ أَثْبَتَهُ فَبِهَا وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ يَحْلِفُ الْمُعِيرُ الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1632) تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ.
(2/353)
مُسْتَثْنَيَاتٌ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي ابْتِدَاءِ هَذِهِ الْمَادَّةِ فِي الشَّرْحِ بَعْضُ الْمَسَائِلِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الْأَمِينِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ التَّعَدِّي وَالْمُخَالَفَةِ.
1 - الْمُسْتَوْدَعُ: وَقَدْ مَرَّتْ أَحْكَامُهُ مُفَصَّلَةً فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (787) .
2 - مُسْتَعِيرُ الرَّهْنِ: فَلَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ مَالًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ الرَّهْنِ فَيَكُونُ قَدْ تَعَدَّى لَكِنَّهُ لَوْ رَهَنَهُ بَعْدَ تَرْكِهِ اسْتِعْمَالَهُ وَسَلَّمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ رَجَعَ أَمِينًا كَمَا كَانَ. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ تَأْدِيَةِ الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ الدَّيْنَ فِي مُقَابِلِ الرَّهْنِ أَوْ قَبْلَ تَأْدِيَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ الرَّاهِنَ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانُ الْغَصْبِ (الْبَحْرُ، تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
3 - الْمُضَارِبُ: إذَا خَرَجَ الْمُضَارِبُ عَنْ حُدُودِ مَأْذُونِيَّتِهِ وَخَالَفَ الشَّرْطَ كَانَ غَاصِبًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1421) لَكِنْ لَوْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ كَانَ بَرِيئًا مِنْ الضَّمَانِ وَيَكُونُ مُضَارِبًا كَمَا كَانَ.
فَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: بِعْ وَاشْتَرِ فِي الْقُدْسِ، فَذَهَبَ الْمُضَارِبُ إلَى الشَّامِ لِيَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ كَانَ غَاصِبًا فَإِذَا تَلِفَ رَأْسُ الْمَالِ الْمُعْطَى لَهُ فِي الشَّامِ ضَمِنَهُ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَكِنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْقُدْسِ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي الشَّامِ فَتَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقُدْسِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا.
4 - الْمُسْتَبْضَعُ: لَوْ قَالَ الْمُبْضِعُ لِلْمُسْتَبْضَعِ: لَا تَخْرُجْ مِنْ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ فَأَخَذَ الْمُسْتَبْضَعُ الْبِضَاعَةَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ كَانَ غَاصِبًا.
فَبِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ هُنَاكَ كَانَ ضَامِنًا لَكِنْ لَوْ نَقَلَ الْبِضَاعَةَ قَبْلَ التَّلَفِ إلَى عَيْنِ الْبَلَدِ الْمَشْرُوطِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَإِذَا تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَكُونُ ضَامِنًا.
5 - الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ: لَوْ اسْتَعْمَلَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ شَيْءٍ ذَلِكَ الشَّيْءَ كَانَ غَاصِبًا. لَكِنْ لَوْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بِتَرْكِهِ الِاسْتِعْمَالَ الَّذِي هُوَ تَعَدٍّ يَعُودُ أَمِينًا إلَى صِفَتِهِ. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ ضَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا.
6 - الْوَكِيلُ بِالْحِفْظِ.
7 - الْوَكِيلُ بِالْإِجَارَةِ: فَلَوْ أَعْطَى أَحَدٌ فَرَسًا لِآخَرَ عَلَى أَنْ يُؤَجَّرَ مِنْ فُلَانٍ فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالذَّاتِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَرَكَهُ وَتَلِفَ فَلَا يَضْمَنُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
8 - الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ: لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ لِآخَرَ خَمْسَ ذَهَبَاتٍ لِيَسْتَأْجِرَ لَهُ دَارًا فَاسْتَأْجَرَ لَهُ خِلَافًا لِمَأْذُونِيَّتِهِ دُكَّانًا وَبَعْدَ ذَلِكَ اسْتَرَدَّ تِلْكَ الذَّهَبَاتِ عَيْنًا وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا (مِنْ الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ) .
9 - شَرِيكُ الْعِنَانِ: لَوْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ مُنْحَصِرَيْنِ فِي بَلْدَةٍ بِهَذَا الْقَيْدِ فَأَخَذَ الشَّرِيكُ رَأْسَ الْمَالِ بِلَا إذْنِ الْمُشَارِكِ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى وَبَعُدَ ذَلِكَ الْبَلَدُ الْأَوَّلُ الْمَشْرُوطُ عَادَتْ لَهُ صِفَةُ الْأَمِينِ.
10 - الشَّرِيكُ الْمُفَاوِضُ وَهَذَا بَعْدَ التَّعَدِّي إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَتْ لِلشَّرِيكِ الْمَذْكُورِ صِفَةُ
(2/354)
الْأَمِينِ.
وَالْفَرْقُ إذَا عَادَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَأُ مَعَ كَوْنِهِ إذَا عَادَ بَعْضُ الْأُمَنَاءِ كَالْمُسْتَوْدَعِ إلَى الْوِفَاقِ بَعْدَ الْمُخَالَفَةِ يَبْرَأُ وَيُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ مُرَاجَعَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (787) .
[ (الْمَادَّةُ 815) نَفَقَةُ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ]
(الْمَادَّةُ 815) نَفَقَةُ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ الْمُعَارَةَ بِدُونِ عَلَفٍ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ.
سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ (816) أَمْ مُؤَقَّتَةً عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّةِ (817) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِمَنَافِعِ الْعَارِيَّةِ مَجَّانًا فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ (الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ) كَمَا فِي الْمَادَّةِ (88) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (36) .
وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعْطَيْتُك هَذَا الْحَيَوَانَ لِتَسْتَعْمِلَهُ وَتَعْلِفَهُ كَانَ ذَلِكَ عَارِيَّةً وَلَيْسَ هَذَا عَقْدُ إجَارَةٍ بِأَنْ يُعَدَّ أَمْرُ إعْطَاءِ الْعَلَفِ بَدَلَ إجَارَةٍ.
وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَادَّةِ لَيْسَ إجْبَارُ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وَضَحَ فِي الْمَادَّةِ (806) لَمَّا كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ فَسْخُ الْعَارِيَّةُ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ فَلَا مَحِلَّ لِهَذَا الْإِجْبَارِ. وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ كَمَا يَأْتِي: أَيْ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمُسْتَعِيرِ: أَنْفِقْ عَلَى الْمُسْتَعَارِ وَاسْتَحْصِلْ الْمَنْفَعَةَ مِنْهُ أَوْ اُتْرُكْهُ وَرُدَّهُ لِلْمُعِيرِ وَتَخَلَّصْ مِنْ النَّفَقَةِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا أَمْسَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةُ وَلَمْ يُعْطِهَا عَلَفًا فَتَلِفَتْ كَانَ ضَامِنًا. وَفَائِدَةُ قَيْدِ " مَعَ الْإِمْسَاكِ " يُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الشَّرْحِ أَنِفًا. مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَتَلْزَمُ نَفَقَةُ الْمُسْتَعَارِ الْمُعِيرَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ: أَعَرْتُك هَذَا الْحَيَوَانَ عَلَى أَنْ تَعْلِفَهُ وَقَبِلَ الْمُسْتَعِيرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَارِيَّةً بَلْ إجَارَةً فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ وَالْبَدَلَ مَجْهُولَانِ (الْبَاجُورِيُّ) .
[ (الْمَادَّةُ 816) كَوَّنَ الْإِعَارَة مُطْلَقَةً]
(الْمَادَّةُ 816) إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً أَيْ لَمْ يُقَيِّدْهَا الْمُعِيرُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِعْمَالُ الْعَارِيَّةُ فِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ شَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُهُ لَكِنْ يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. مَثَلًا إذَا أَعَارَ رَجُلٌ دَابَّةً عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إعَارَةً مُطْلَقَةً فَالْمُسْتَعِيرُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ إلَى أَيِّ مَحِلٍّ شَاءَ وَإِنَّمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي مَسَافَةُ الذَّهَابِ إلَيْهِ سَاعَتَانِ عُرْفًا أَوْ عَادَةً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ شَخْصٌ حُجْرَةً فِي خَانٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا وَأَنْ يَضَعَ فِيهَا أَمْتِعَتَهُ إلَّا أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهَا بِصَنْعَةِ الْحِدَادَةِ خِلَافًا لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.
أَيْ إنَّهُ إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً أَيْ لَمْ يُقَيِّدْهَا الْمُعِيرُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ أَوْ
(2/355)
بِشَخْصِ الْمُنْتَفِعِ وَبِشَرْطٍ مُفِيدٍ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (819) كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِعْمَالُ الْعَارِيَّةِ فِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ شَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ لِآخَرَ كَيْ يَسْتَعْمِلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمُسْتَعِيرِ وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ بِمُوجَبِ الْإِذْنِ الْمُعْطَى لَهُ مِنْ الْغَيْرِ وَلَمَّا كَانَ الْإِذْنُ مُطْلَقًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَيَتَصَرَّفَ بِهِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 96 ".
سُؤَالٌ: بِمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْإِعَارَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مَجْهُولَةٌ وَجَهَالَةُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُمْلَكُ تُوجِبُ فَسَادَ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (اُنْظُرْ الْمَوَادَّ 213، 451، 460) فَكَانَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِعَارَةُ فَاسِدَةً.
الْجَوَابُ: لَمَّا كَانَتْ الْإِعَارَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ كَمَا صَارَ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (804) وَبِمَا أَنَّ لِلْمُعِيرِ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي أَيِّ زَمَانٍ أَرَادَ فَلَا تُوجِبُ جَهَالَةُ الْمَنَافِعِ فَسَادَ الْإِعَارَةِ. يَعْنِي أَنَّ الْمُعِيرَ إذَا لَمْ يَرْضَ بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَعِيرِ مَا تَصَدَّى لِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِعَارَةِ فِي الْحَالِ وَيَسْتَرِدُّ الْمُعَارَ لَكِنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ لَمَّا كَانَا مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَالْجَهَالَةُ فِيهِمَا بَاعِثَةٌ عَلَى النِّزَاعِ (الزَّيْلَعِيّ) .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ (عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ) هُوَ كَأَنْ يَقُولَ الْمُعِيرُ: ارْكَبْ الدَّابَّةَ أَوْ احْمِلْ عَلَيْهَا حِمْلًا أَوْ اُسْكُنْ الدَّارَ الْمُسْتَعَارَةَ أَوْ ضَعْ فِيهَا أَمْتِعَتَك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ عَدَمِ التَّقْيِيدِ. وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ هُنَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَنْفَعَةِ أَمَّا الْإِطْلَاقُ الْوَارِدُ فِي الْمَادَّةِ (819) فَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُنْتَفِعِ. وَعَلَى ذَلِكَ تَتَدَاخَلُ هَاتَانِ الْمَادَّتَانِ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ.
لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ فِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُهُ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُسْتَعَارَ أَوْ يَرْهَنَهُ عِنْدَ آخَرَ. كَمَا سَيُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ (823) (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ) .
وَتَنْقَسِمُ الْإِعَارَةُ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ قِسْمًا.
وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَالْمَادَّتَيْنِ (819 و 820) أَنَّ الْإِعَارَةَ سِتَّةَ عَشَرَ قِسْمًا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ شَيْئَانِ يَدُورَانِ بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ. فَيَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَقْسَامٌ وَيَحْصُلُ مِنْ أَخْذِ الطَّرَفَيْنِ مُرَكَّبَيْنِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أُخْرَى كَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْإِطْلَاقِ فِي جُمْلَتِهَا أَوْ التَّقْيِيدِ قِسْمَانِ آخَرَانِ وَهِيَ:
1 - الْإِطْلَاقُ فِي الزَّمَانِ، وَالتَّقْيِيدُ فِي الْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعُ وَالشَّرْطُ الْمُفِيدُ.
2 - الْإِطْلَاقُ فِي الْمَكَانِ وَالتَّقْيِيدُ فِي الزَّمَانِ وَالِانْتِفَاعُ وَالْمُنْتَفِعُ وَالشَّرْطُ الْمُفِيدُ.
3 - الْإِطْلَاقُ فِي الِانْتِفَاعِ.
وَالتَّقْيِيدُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمُنْتَفِعُ وَالشَّرْطُ الْمُفِيدُ.
4 - الْإِطْلَاقُ فِي الْمُنْتَفِعِ وَالتَّقْيِيدُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعُ وَالشَّرْطُ الْمُفِيدُ.
5 - الْإِطْلَاقُ فِي الشَّرْطِ الْمُفِيدِ، وَالتَّقْيِيدُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعُ وَالْمُنْتَفِعِ.
6 - التَّقْيِيدُ فِي الزَّمَانِ، وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ. وَالْمِثَالُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَادَّة (818) يُشِيرُ إلَى هَذَا الْقِسْمِ.
(2/356)
التَّقْيِيدُ فِي الْمَكَانِ، وَالْإِطْلَاقُ فِي الزَّمَانِ وَالِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ وَالْفِقْرَةِ الْقَائِلَةِ (إذَا اسْتَعَارَ فَرَسًا يَرْكَبُهُ إلَى مَحِلٍّ) مِنْ الْمَادَّةِ (817) تُشِيرُ إلَى هَذَا الْقِسْمِ (الْبَحْرُ) .
8 - التَّقْيِيدُ فِي الِانْتِفَاعِ، هُوَ الْإِطْلَاقُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَالْمُنْتَفِعِ، وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ، وَإِنَّ الْعَارِيَّةَ الْمَارُّ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (818) هِيَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّامِنُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ ذَكَرَ التَّقْيِيدَ فِي الِانْتِفَاعِ فَلَوْ كَانَ يَقْصِدُ أَيْضًا التَّقْيِيدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَكَانَتْ الْمَادَّةَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ الْمَادَّةِ (817) وَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَدْرَكَةً فَلِذَلِكَ قَدْ قَصَدَ الْإِطْلَاقَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَحَصَلَ بِذَلِكَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّامِنُ.
9 - التَّقْيِيدُ بِالْمُنْتَفِعِ، وَالْإِطْلَاقُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (820) .
10 - التَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ الْمُفِيدِ وَالْإِطْلَاقُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَالِانْتِفَاعِ، وَعَلَيْهِ لَوْ قَيَّدَ الْمُعِيرُ الِاسْتِعْمَالَ بِالشَّرْطِ الْمُفِيدِ كَانَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا مُعْتَبَرًا وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ مُخَالَفَتُهُ.
فَلَوْ قَالَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ عِنْدَ إعَارَةِ الدَّابَّةِ: أَمْسِكْ عِنَانَ الدَّابَّةِ وَلَا تَتْرُكْهُ حَيْثُ لَا تُحْفَظُ إلَّا بِهِ ثُمَّ أَرْخَى لَهَا الْعِنَانَ بَعْدَ زَمَنٍ فَأَسْرَعَتْ فِي الْمَشْيِ وَسَقَطَتْ إلَى الْأَرْضِ وَتَلِفَتْ كَانَ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
11 - الْإِطْلَاقُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالتَّقْيِيدُ فِي الِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ.
12 - الْإِطْلَاقُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعِ وَالتَّقْيِيدُ فِي الْمُنْتَفِعِ وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ. أَمَّا قِسْمُ الْإِطْلَاقِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ، وَالتَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ الْمُفِيدِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ.
13 - التَّقْيِيدُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْإِطْلَاقُ فِي الِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ. وَالْعَارِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ الْبَحْثِ فِي الْمَادَّةِ (817) هِيَ عَارِيَّةُ هَذَا الْقِسْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ التَّقْيِيدَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَلَوْ كَانَ يَقْصِدُ أَيْضًا التَّقْيِيدَ فِي الِانْتِفَاعِ لَكَانَتْ الْمَادَّةُ الْمَذْكُورَةُ عَيْنَ الْمَادَّةِ (818) وَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَدْرَكَةً فَلِذَلِكَ قَدْ قَصَدَ مِنْهَا الْإِطْلَاقَ فِي الِانْتِفَاعِ كَمَا فَصَّلَ فِي شَرْحِهَا.
14 - التَّقْيِيدُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعِ وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُنْتَفِعِ وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ وَقَدْ وُضِعَ بَحْثُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّتَيْنِ (819) وَ (820) . أَمَّا قِسْمُ التَّقْيِيدِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمُنْتَفِعِ وَالْإِطْلَاقِ فِي الشَّرْطِ الْمُفِيدِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ.
15 - الْإِطْلَاقُ فِي الْجَمِيعِ يَتَأَلَّفُ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَمِنْ مَجْمُوعِ الْمَادَّةِ (819) .
16 - التَّقْيِيدُ فِي الْجَمِيعِ (الْكِفَايَةُ شَرْحُ الْهِدَايَةِ مَعَ الْإِيضَاحِ) وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الْقِسْمَ السَّادِسَ عَشَرَ فَيُسْتَنْبَطُ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ مَجْمُوعِ الْمَوَادِّ (817 و 818 و 820) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَمَّا كَانَتْ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (817) مُقَيَّدَةً بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَبِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (18 8) مُقَيَّدَةً بِنَوْعٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَبِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (820) مُقَيَّدَةً بِالْمُنْتَفِعِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ يَعْنِي لَيْسَ لَهُ مُخَالَفَةُ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ أَصْلًا كَمَا لَيْسَ لَهُ مُحَالَفَةُ التَّقْيِيدِ فِي الْمُنْتَفِعِ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَمَا يَتَّضِحُ لَك عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي.
فِي لُزُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى التَّقْيِيدَاتِ الْخَمْسَةِ أَوْ عَدَمِ لُزُومِهَا: وَعَلَيْهِ لَوْ قَيَّدَ الْمُعِيرُ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَشْبَاهَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالشَّرْطِ الْمُفِيدِ فَيَلْزَمُ انْقِيَادُ الْمُسْتَعِيرِ لِذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ لَهُ مُخَالَفَتُهُ أَمَّا التَّقْيِيدُ مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعِ: فَلَيْسَ لَهُ الْمُخَالَفَةُ بِالتَّجَاوُزِ إلَى مَا فَوْقُ. أَمَّا مُخَالَفَتُهُ إلَى خَيْرٍ أَيْ دُونَ أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَى مَا فَوْقُ فَجَائِزَةٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (818) .
(2/357)
أَمَّا التَّقْيِيدُ مِنْ حَيْثُ الْمُنْتَفِعِ. فَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَمَا ذَكَرَ حُكْمَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (820) .
وَبِمَا أَنَّهُ قَدْ نُظِرَ فِي تَعْبِيرِ هَذِهِ الْمَادَّةِ " الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ الَّذِي يُرِيدُهُ " إلَى الْإِطْلَاقِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَفِي تَعْبِيرِ " عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُ " قَدْ نُظِرَ إلَى الْإِطْلَاقِ فِي الِانْتِفَاعِ وَذَلِكَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.
وَاعْتِبَارُ الْإِطْلَاقِ فِي الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ يَكُونُ فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ دَلِيلٍ عَلَى التَّقْيِيدِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً، فَعَلَيْهِ تُقَيَّدُ الْإِعَارَةُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ دَلَالَةً وَلَوْ لَمْ تُقَيَّدْ صَرَاحَةً اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (45) بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ بِمَا يُخَالِفُ عُرْفَ الْبَلْدَةِ وَعَادَتَهَا وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ كَانَ ضَامِنًا بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (814) إلَّا أَنَّهُ إذَا تَقَيَّدَتْ الْإِعَارَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَلَا تَخْرُجُ الْإِعَارَةُ بِذَلِكَ مِنْ قِسْمِ الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ فَعَلَيْهِ لَوْ أَعَارَ أَحَدٌ فَرَسَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ إعَارَةً مُطْلَقَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالِانْتِفَاعِ وَكَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمُنْتَفِعِ فَلَهُ (1) أَنْ يَرْكَبَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ وَيَشْمَلُ هَذَا الْإِطْلَاقَ فِي الزَّمَانِ.
(2) وَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى أَيِّ مَحِلٍّ أَرَادَ وَهَذَا مِثَالٌ لِلْإِطْلَاقِ فِي الْمَكَانِ. إنْ شَاءَ رَكِبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ رَكِبَهُ غَيْرُهُ. وَهَذَا الْمَحِلُّ سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ أَمْ خَارِجَهَا فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ عَلَى كِلَا الْحَالَيْنِ (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ) (لَهُ أَنْ يَذْهَبَ) لَيْسَ هَذَا التَّعْبِيرُ أُرِيدَ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْمَجِيءِ فَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَوْ يُحَمِّلَهُ حِمْلًا وَيَأْتِيَ بِهِ. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ دَابَّةً لِلذَّهَابِ عَلَيْهَا وَهُوَ فِي الْقُدْسِ إلَى يَافَا فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ عَلَيْهَا وَيَرْجِعَ. فَلَوْ ذَهَبَ عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتِعَارَةً مُطْلَقَةً إلَى الْمَحِلِّ الْمُسْتَعَارِ لَهُ وَبَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهَا شَهْرًا هُنَاكَ حَمَّلَ الدَّابَّةَ حِمْلًا مُعْتَادًا وَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ فَلَا يَضْمَنُ. أَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَإِنَّمَا لَهُ الذَّهَابُ دُونَ الْمَجِيءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: رَدُّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَسْتَطِيعُ الرَّدَّ إلَّا بَعْدَ الْمَجِيءِ حَالَةَ كَوْنِ رَدِّ الْمَأْجُورِ فِي الْإِجَارَةِ هُوَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (594) .
الْمَثَلُ الثَّانِي: لَمَّا كَانَتْ الْإِعَارَةُ تَبَرُّعًا فَالتَّسَامُحُ جَارٍ فِيهَا أَمَّا الْإِجَارَةُ فَبِمَا أَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَالْمُضَايَقَةُ أَيْ عَدَمُ التَّسَامُحِ فِيهَا مَرْعِيَّةٌ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) لَكِنْ لَيْسَ لَهُ الذَّهَابُ بِالدَّابَّةِ الْمُعَارَةِ إلَى الْمَحِلِّ فَاَلَّذِي مَسَافَةُ الذَّهَابِ إلَيْهِ سَاعَتَانِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ.
كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ لِلْحَمْلِ دَابَّةً فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْحِمْلَ فَلِلْمُسْتَعِيرِ تَحْمِيلُ أَيِّ شَيْءٍ أَرَادَ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَمِّلَهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ يُصْرَفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَالْحِمْلُ فَوْقَ الطَّاقَةِ لَيْسَ مُتَعَارَفًا حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَمِّلَ دَابَّتَهُ فَوْقَ طَاقَتِهَا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ شَخْصٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حُجْرَةً فِي خَانٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا وَأَنَّهُ يَضَعُ فِيهَا أَمْتِعَةً وَهَذَا مِثَالٌ لِلْإِطْلَاقِ فِي الِانْتِفَاعِ.
وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا يُخَالِفُ الْعَادَةَ كَأَنْ يَشْتَغِلَ فِيهَا بِصَنْعَةِ الْحِدَادَةِ مِمَّا يُوَرِّثُ وَهْنَ الْبِنَاءِ وَضَرَرَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
[ (الْمَادَّةُ 817) كَوَّنَ الْإِعَارَة مُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان]
(الْمَادَّةُ 817) إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْقَيْدُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ مُخَالَفَتُهُ مَثَلًا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا أَرْبَعَ سَاعَاتٍ وَكَذَلِكَ اسْتَعَارَ فَرَسًا
(2/358)
لِيَرْكَبَهُ إلَى مَحِلٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ إلَى مَحِلٍّ غَيْرِهِ ".
إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ وَمُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْقَيْدُ وَالشَّرْطُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ مُخَالَفَتُهُ أَيْ مُخَالَفَةُ الْقَيْدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ أَوْ بِالشَّرْطِ الْمُفِيدِ وَإِنْ خَالَفَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَمَّا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَأْذَنُ لَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ.
يَعْنِي ` إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ أَوْ بِالشَّرْطِ الْمُفِيدِ وَمُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ كَيْفَ شَاءَ بِالْمُسْتَعَارِ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ دَائِرَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنَيْنِ وَالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ الِانْتِفَاعَ بِالْمُسْتَعَارِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ فِي دَائِرَةِ ذَلِكَ الشَّرْطِ أَوْ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِعَارَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَمَّا كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى إطْلَاقِهَا مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ حَيْثُ الْمُنْتَفِعِ فَلِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِعْمَالُ الْعَارِيَّةِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ يَعْنِي إذَا شَاءَ انْتَفَعَ بِهَا بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ بِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَعَارُ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَلَيْسَ قَوْلُ الْمَجَلَّةِ (التَّقْيِيدُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) بِتَعْبِيرٍ احْتِرَازِيٍّ كَمَا أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ إذَا قَيَّدَ الِاسْتِعْمَالَ بِالشَّرْطِ الْمُفِيدِ كَانَ ذَلِكَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُعْتَبَرًا وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُخَالِفَهُ وَقَدْ ذُكِرَ مِثَالُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (816) .
وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (لَيْسَ لَهُ الْمُخَالَفَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُخَالَفَةُ عَمْدًا كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُخَالَفَةُ سَهْوًا أَيْضًا.
مِثَالٌ لِلْمُخَالَفَةِ عَمْدًا: إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ وَيَذْهَبَ بِهَا إلَى الْمَحِلِّ الْمُرَادِ فَإِنْ شَاءَ رَكِبَهَا بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ أَرْكَبَهَا غَيْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا أَرْبَعَ سَاعَاتٍ.
وَإِذَا رَكِبَهَا أَرْبَعَ سَاعَاتٍ وَتَلِفَ الْحَيَوَانُ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نُقْصَانٌ كَانَ ضَامِنًا أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ مَا وَسَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ سَالِمًا فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ.
وَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُ الْحَيَوَانِ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ " 826 ".
وَإِذَا أَمْسَكَهُ وَتَلِفَ الْحَيَوَانُ كَانَ ضَامِنًا.
كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ " 548 ".
يَعْنِي لَوْ اُسْتُؤْجِرَ حَيَوَانٌ عَلَى أَنْ يُسْتَعْمَلَ كَذَا مُدَّةً فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ زِيَادَةً عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ ثُمَّ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ مُتَّحِدَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ فِي الْإِعَارَةِ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ إمْسَاكُ الْمُسْتَعَارِ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُعِيرُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (826) وَبِنَاءً عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرُدَّهُ وَتَلِفَ وَجَبَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَأْجُورَ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَأَمْسَكَهُ فِي يَدِهِ لِعَدَمِ مَجِيءِ صَاحِبِهِ وَعَدَمِ أَخْذِهِ إيَّاهُ وَتَلِفَ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَالسَّبَبُ هُوَ:
(2/359)
أَنَّ الرَّدَّ فِي الْإِجَارَةِ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (554) وَفِي الْإِعَارَةِ عَائِدٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (830) .
وَمِثَالُ الْمَجَلَّةِ هَذَا مِثَالٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ حَيَوَانًا عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى مَحِلٍّ فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ وَيَأْتِيَ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ وَيَأْتِيَ مِنْهُ (الْوَاقِعَاتُ) حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْحَيَوَانَ لِيَسْقِيَهُ مِنْ النَّهْرِ وَتَلِفَ كَانَ ضَامِنًا وَلَيْسَ لَهُ الذَّهَابُ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (814) أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لِذَلِكَ الْحَيَوَانِ وَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
هَذَا الْمِثَالُ مِثَالٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَكَانِ.
وَفِي صُورَةِ التَّقْيِيدِ بِالْمَكَانِ تَحْتَاجُ الْخُصُوصَاتُ الْآتِيَةُ إلَى الْإِيضَاحِ وَهِيَ الذَّهَابُ إلَى مَكَان مُسَاوٍ أَوْ إلَى مَكَان أَقْصَرَ أَوْ إذَا أَمْسَكَ فِي الدَّارِ فَعَلَيْهِ لَوْ قُيِّدَتْ الْإِعَارَةُ بِالْمَكَانِ كَمَا هُوَ مَضْمُونُ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَذَهَبَ الْمُسْتَعِيرُ إلَى مَكَان أَقْصَرَ مِنْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى لَزِمَ الضَّمَانُ كَمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ لَمْ يَذْهَبْ إلَى مَكَان وَأَمْسَكَ الْحَيَوَانَ فِي دَارِهِ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَدْ بُيِّنَ أَنَّ إمْسَاكَ الْحَيَوَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ مُضِرٌّ بِهِ. كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ حَيَوَانًا لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَكَانٍ فَذَهَبَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْمَسَافَةِ وَتَلِفَ الْحَيَوَانُ لَزِمَ الضَّمَانُ كَمَا جَاءَ فِي الْخَانِيَّةِ " رَدِّ الْمُحْتَارِ وَتَكْمِلَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 814 "، بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ الْأُخْرَى تَتَمَسَّكُ بِالْمَسْأَلَةِ الْفِقْهِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (817) وَبَيَّنْتُ عَدَمَ لُزُومِ الضَّمَانِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْ فِي صُورَةِ الذَّهَابِ إلَى مَحِلٍّ أَقْصَرَ مِنْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى وَفِي صُورَةِ عَدَمِ الذَّهَابِ إلَى مَحِلٍّ مَعَ إمْسَاكِ الدَّابَّةِ فِي الْإِصْطَبْلِ.
وَبِالتَّمَسُّكِ بِالْمَادَّةِ " 64 " يُعْلَمُ أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ اخْتَارَتْ بِقَوْلِهَا: " إذَا اسْتَعَارَ فَرَسًا لِيَرْكَبَهُ إلَى مَحِلٍّ، الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَالْحُكْمُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ كَمَا بَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 546 ".
مِثَالٌ لِلْمُخَالَفَةِ سَهْوًا: لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ حَيَوَانًا لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَحِلٍّ فَأَرْسَلَ الْمُسْتَعِيرُ إلَى الْمُعِيرِ رَسُولًا فَأَخْطَأَ الرَّسُولُ فَاسْتَعَارَهُ لِلذَّهَابِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الرَّسُولُ ذَلِكَ لِمُرْسِلِهِ فَلَوْ ذَهَبَ إلَى الْمَحِلِّ الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ، أَمَّا لَوْ ذَهَبَ إلَى الْمَحِلِّ الْأَوَّلِ وَتَلِفَ الْحَيَوَانُ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نُقْصَانٌ كَانَ ضَامِنًا وَلَيْسَ لِلْمُرْسِلِ الرُّجُوعُ عَلَى رَسُولِهِ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَضْمَنُهُ.
[ (الْمَادَّةُ 818) تَقْيِيد الْإِعَارَة بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ]
(الْمَادَّةُ 818) :
إذَا قُيِّدَتْ الْإِعَارَةُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ النَّوْعَ الْمَأْذُونَ بِهِ إلَى مَا فَوْقَهُ لَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ بِاسْتِعْمَالِ الْعَارِيَّةِ بِمَا هُوَ مُسَاوٍ لِنَوْعِ الِاسْتِعْمَالِ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ أَوْ بِنَوْعٍ أَخَفَّ مِنْهُ. مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيُحَمِّلَهَا حِنْطَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَمِّلَ عَلَيْهَا حَدِيدًا أَوْ حِجَارَةً وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُحَمِّلَهَا شَيْئًا مُسَاوِيًا لِلْحِنْطَةِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَمِّلَهَا حِمْلًا. وَأَمَّا الدَّابَّةُ الْمُسْتَعَارَةُ لِلْحَمْلِ فَإِنَّهَا تُرْكَبُ.
(2/360)
وَإِذَا أُطْلِقَتْ الْإِعَارَةُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَقُيِّدَتْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ النَّوْعَ الْمَأْذُونَ بِهِ إلَى مَا فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ الْمُسْتَعَارِ بِالتَّجَاوُزِ إلَى مَا فَوْقَ الْمَأْذُونِ بِهِ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (96) وَإِنْ تَجَاوَزَ وَتَلِفَ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نُقْصَانٌ كَانَ ضَامِنًا.
وَكَمَا أَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ الْمَأْذُونِ بِهِ عَيْنًا لَهُ أَنْ يُخَالِفَ بِاسْتِعْمَالِ الْعَارِيَّةِ بِمَا هُوَ مُسَاوٍ لِنَوْعِ الِاسْتِعْمَالِ الَّذِي فِيهِ تَشَابُهٌ أَوْ بِنَوْعٍ أَخَفَّ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ صَلَاحِيَّةُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ فِي الْقِسْمِ الْمُطْلَقِ إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْقِسْمِ الْمُفِيدِ الْمُخَالَفَةُ بِالتَّجَاوُزِ إلَى مَا فَوْقُ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى بِالْعُدُولِ إلَى الشَّرِّ. لَكِنْ كَمَا أَنَّ لَهُ الْمُخَالَفَةَ بِالْعُدُولِ إلَى مُمَاثِلٍ فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ أَيْضًا بِالْعُدُولِ إلَى خَيْرٍ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَ الْمُعِيرِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا " تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ ".
لَوْ اُسْتُعِيرَ حَيَوَانٌ اسْتِعَارَةً مُطْلَقَةً فِي الْمَكَانِ يَعْنِي لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك فَرَسِي هَذَا عَلَى أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ شَهْرًا وَاحِدًا، فَتُحْمَلُ هَذِهِ الْإِعَارَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الْخُرُوجُ بِهِ إلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ خَرَجَ وَتَلِفَ الْفَرَسُ سَوَاءٌ أَخْرَجَ بِهِ مَعَ اسْتِعْمَالِ إيَّاهُ أَمْ بِدُونِ اسْتِعْمَالٍ كَانَ ضَامِنًا كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ ثِيَابًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَبِمَا أَنَّ اسْتِعَارَتَهُ تُحْمَلُ عَلَى لُبْسِهِ الثِّيَابَ فِي الْمَدِينَةِ فَلَوْ لَبِسَهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَتَلِفَتْ كَانَ ضَامِنًا لَكِنْ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا وَخَرَجَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُعَدُّ حَافِظًا إيَّاهُ كَمَا فِي الْمِصْرِ " الْوَاقِعَاتُ " وَالْحَاصِلُ إذَا قُيِّدَتْ الْإِعَارَةُ بِالِانْتِفَاعِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَنْفَعَةِ أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى نَوْعِ الِانْتِفَاعِ وَهَذَا مَا بَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْمَادَّةُ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ مُعْتَبَرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَعَارُ مَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالْفَرَسِ وَالثَّوْبِ أَمْ لَمْ يَكُنْ كَالْغَرْفَةِ.
مَثَلًا لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَشْتَغِلَ صَنْعَةَ الْحِدَادَةِ فِي الْحُجْرَةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا لِلسُّكْنَى كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ " 426 ".
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُنْتَفِعِ وَهَذَا هُوَ الْمُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ " 819 " وَيُعْتَبَرُ التَّقْيِيدُ بِالْمُنْتَفِعِ فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ وَلِهَذَا يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ التَّقْيِيدِ بِالْمَنْفَعَةِ وَالتَّقْيِيدِ بِالْمُنْتَفِعِ كَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّتَيْنِ " 427 و 428 ".
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ لِلْفِقْرَةِ الْأُولَى: لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيُحَمِّلَهَا حِنْطَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَمِّلَهَا حَدِيدًا أَوَحِجَارَةً أَوْ لَبِنًا أَوْ قُطْنًا أَوْ تِبْنًا أَوْ حَطَبًا أَوْ تَمْرًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَسَاوَتْ الْأَشْيَاءُ الْمَذْكُورَةُ وَزْنًا فَالْحَدِيدُ مَثَلًا يَجْتَمِعُ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَمَّا الْقُطْنُ فَيَأْخُذُ مَكَانًا وَاسِعًا مِنْ ظَهْرِهَا فَيَتَجَاوَزُ مَكَانَ الْحِمْلِ.
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ: كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ يُحَمِّلَهَا شَيْئًا مُسَاوِيًا لِلْحِنْطَةِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهَا وَيُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّ هَذِهِ الْخِفَّةَ لَيْسَتْ فِي الْوَزْنِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ " 559 ".
الْمِثَالُ الثَّانِي لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِحِرَاثَةِ مَزْرَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَهُ أَنْ يَحْرُثَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَزْرَعَةَ أَوْ مَزْرَعَةً أُخْرَى أَخَفَّ مِنْهَا.
(2/361)
مِثَالٌ ثَانٍ لِلْفِقْرَةِ الْأُولَى: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْرُثَ مَزْرَعَةً أَقْسَى تُرْبَةً مِنْ تِلْكَ الْمَزْرَعَةِ وَحِرَاثُهَا أَثْقَلُ.
وَإِنْ فَعَلَ وَتَلِفَ كَانَ ضَامِنًا.
مِثَالٌ ثَالِثٌ لِلْفِقْرَةِ الْأُولَى: لَوْ قَيَّدَ الْمُسْتَعِيرُ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمُسْتَعَارِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَنْ يَجْعَلَ فُلَانًا يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ هَذَا الْقَيْدِ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَرُكُوبِ الْحَيَوَانِ.
مِثَالٌ ثَالِثٌ لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ: مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالسَّكَنِ وَالْحَمْلِ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِي هَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ لِلْفِقْرَةِ الْأُولَى: وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَمِّلَ الدَّابَّةَ الَّتِي اسْتَعَارَهَا لِلرُّكُوبِ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ: وَأَمَّا الدَّابَّةُ الْمُسْتَعَارَةُ لِلْحَمْلِ فَإِنَّهَا تُرْكَبُ.
كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّتَيْنِ (550 و 558) .
وَلْنُبَادِرْ إلَى إيضَاحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: تُقَسَّمُ مُخَالَفَةُ الِانْتِفَاعِ الْمُسَمَّى أَيْ الْعَيْنِ مِنْ طَرَفِ الْمُعِيرِ إلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْمُخَالَفَةُ فِي الْمِثْلِ وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ جَائِزَةٌ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ دَابَّةً لِتَحْمِيلِهَا مِنْ صُبْرَةِ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ خَمْسَ كِيلَاتٍ فَحَمَّلَهَا خَمْسَ كِيلَاتٍ مِنْ صُبْرَةِ حِنْطَةٍ أُخْرَى أَوْ لَوْ اسْتَعَارَ خَمْسَ كِيلَاتٍ حِنْطَةٍ لِفُلَانٍ وَحَمَّلَهَا خَمْسَ كِيلَاتٍ حِنْطَةٍ لِرَجُلٍ آخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّعْيِينُ هُنَا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ وَمُخَالَفَتُهُ جَائِزَةً فَلَوْ تَرَتَّبَ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (91) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ تَقْيِيدِ الْمُعِيرِ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ مُفِيدًا (الْبَحْرُ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُخَالَفَةُ فِي الْجِنْسِ إذَا وَقَعَتْ مُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ يُنْظَرُ، فَإِذَا كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ هَذِهِ إلَى خَيْرٍ أَيْ إذَا كَانَ الْحِمْلُ الَّذِي صَارَ تَحْمِيلُهُ أَخَفَّ مِنْ الْحِمْلِ الْمُسَمَّى كَانَتْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ جَائِزَةً. كَتَحْمِيلِ الدَّابَّةِ الَّتِي اُسْتُعِيرَتْ عَلَى أَنْ تَحْمِلَ خَمْسَ كِيلَاتٍ حِنْطَةٍ خَمْسَ كِيلَاتٍ شَعِيرٍ. فَلَوْ تَلِفَ الْحَيَوَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (91) وَإِذَا كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ الْمَذْكُورَةُ إلَى شَرٍّ أَيْ إلَى أَثْقَلَ وَأَضَرَّ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ. وَإِنْ خَالَفَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ كَمَا فِي أَمْثِلَةِ الْمَجَلَّةِ. كَذَلِكَ لَا يَحْمِلُ عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي اُسْتُعِيرَتْ عَلَى أَنْ تَحْمِلَ خَمْسِينَ أُوقِيَّةً حِنْطَةً خَمْسِينَ أُوقِيَّةً تِبْنًا؛ لِأَنَّ التِّبْنَ لَمَّا كَانَ خَفِيفًا يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ زِيَادَةً عَنْ مَحِلِّ الْحِمْلِ فَهُوَ مُضِرٌّ بِالدَّابَّةِ حِينَئِذٍ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
لَكِنْ لَوْ حَمَلَ خَمْسَ كَيْلَاتٍ شَعِيرٍ وَنِصْفًا عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا خَمْسَ كِيلَاتٍ حِنْطَةٍ وَكَانَتْ الْخَمْسُ كِيلَاتٍ وَالنِّصْفُ مِنْ الشَّعِيرِ مُسَاوِيَةً لِلْخَمْسِ كِيلَاتٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ أَوْ عَدَمِهِ فِي حَالٍ كَهَذِهِ. قَدْ صَرَّحَ فِي التَّنْقِيحِ عَدَمَ لُزُومِ الضَّمَانِ وَذَكَرَتْ الْوَلْوَالِجِيَّةِ أَيْضًا صِحَّةَ عَدَمِ لُزُومِ الضَّمَانِ أَمَّا الْهِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ فَقَدْ ذَكَرَتْ أَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ مُخَالَفَةٌ إلَى الشَّرِّ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِسَبَبِ أَخْذِ الشَّعِيرِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَزْيَدَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُ لِلْحَيَوَانِ (الْبَحْرُ) .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْمُخَالَفَةُ فِي الْقَدْرِ أَيْ فِي الزِّيَادَةِ وَقَدْ قِيلَ (الزِّيَادَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ إلَى النُّقْصَانِ لَا تُعَدُّ مُخَالَفَةً بَلْ تَكُونُ مُوَافَقَةً كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّةِ (818) مِنْ الْمَجَلَّةِ. كَتَحْمِيلِ أَرْبَعِينَ كِيلَةً حِنْطَةً عَلَى الدَّابَّةِ
(2/362)
الَّتِي اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ.
عَلَيْهَا خَمْسِينَ كِيلَةً فِعْلِيَّةً لَا تَجُوزُ الْمُخَالَفَةُ بِصُورَةِ الزِّيَادَةِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْمُخَالَفَةُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُنْظَرُ. فَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَ الْحِمْلِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهَا ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ بِنِسْبَةِ الزَّائِدِ عَنْ الْحِمْلِ الْمُسَمَّى وَعَلَيْهِ لَوْ حَمَّلَ سِتَّ كِيلَاتٍ حِنْطَةٍ عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا خَمْسَ كِيلَاتٍ فَقَطْ وَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ وَكَانَتْ تُطِيقُ حَمْلَ السِّتِّ الْكِيلَاتِ فَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ سُدُسَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَوْزِيعَ الضَّمَانِ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمِقْدَارِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ الْمِقْدَارِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ الْحِمْلَ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ كُلَّ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَدْ اسْتَهْلَكَ تِلْكَ الدَّابَّةَ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَةِ قَدْ مَرَّتْ تَفْصِيلَاتُهَا اللَّازِمَةُ فِي الْمَادَّةِ (559) وَشَرْحُهَا لِلْأَقْسَامِ الْأُخْرَى فِي الْمُخَالَفَةِ: الْمُخَالَفَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْمِثْلِ وَالْقَدْرِ مَعًا أَوْ تَكُونَ فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ مَعًا إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ الصُّورَتَيْنِ دَاخِلٌ فِي الثَّالِثِ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ مِنْهُ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ عَدُّهَا أَقْسَامًا أُخْرَى.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: تَدْخُلُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِمَّا مَرَّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ لَأَنْ يُعَدَّ أَقْسَامٌ أُخْرَى. فَلَوْ طَحَنَ إحْدَى عَشْرَةَ كِيلَةً عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا عَلَى أَنْ يَطْحَنَ عَلَيْهَا عَشْرَ كِيلَاتٍ أَيْ أَنْ يَدُورَ عَلَيْهَا الطَّحْنُ وَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ كَانَ ضَامِنًا جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَحَنَ عَشْرَ كِيلَاتٍ انْتَهَى إذَنْ الْمُعِيرُ وَالِاسْتِعْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طَحْنِ الْكِيلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَ بِلَا إذْنِ الْمَالِك. وَبِنَاءً عَلَيْهِ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ غَاصِبًا لَكِنَّ الْحِمْلَ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِمْلَ يَقَعُ دَفْعَةً وَاحِدَةً. وَعَلَيْهِ يَقْتَضِي ضَمَانَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِي الطَّحْنِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْحِمْلِ الضَّمَانُ أَحْيَانًا بِمِقْدَارِ الزِّيَادَةِ.
[ (الْمَادَّةُ 819) أَطْلَقَ الْمُعِيرُ الْإِعَارَةَ بِحَيْثُ لَمْ يُعَيِّن الْمُنْتَفِعَ]
(الْمَادَّةُ 819) :
إذَا كَانَ الْمُعِيرُ أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ بِحَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُنْتَفِعَ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَارِيَّةَ عَلَى إطْلَاقِهَا يَعْنِي إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهَا بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ أَعَارَهَا لِغَيْرِهِ لِيَسْتَعْمِلَهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالْحُجْرَةِ أَمْ كَانَتْ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَدَابَّةِ الرُّكُوبِ. مَثَلًا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك حُجْرَتِي، فَالْمُسْتَعِيرُ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَأَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعَرْتُك هَذَا الْفَرَسَ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْكَبَهُ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يُرْكِبَهُ غَيْرَهُ.
وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ يُفَسَّرُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: وَقَدْ فَسَّرْتُ عِبَارَةَ أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ بِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُنْتَفِعِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمَادَّةِ (816) عِبَارَةُ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنَّ الْإِطْلَاقَ هُنَاكَ بِمَعْنًى آخَرَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ إطْلَاقَانِ: أَوَّلُهُمَا - الْإِطْلَاقُ الَّذِي فِي عِبَارَةِ (إذَا كَانَ الْمُعِيرُ أَطْلَقَ الْإِعَارَةَ) . وَمَعْنَى هَذَا الْإِطْلَاقِ يُوَضَّحُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي.
الْمُعَارُ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالدَّارِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْمُعَارُ الَّذِي
(2/363)
يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالثِّيَابِ وَالْفَرَسِ لِلرُّكُوبِ وَيُوجَدُ فِي الْإِطْلَاقِ أَيْ الْإِطْلَاقِ الْوَارِدِ فِي عِبَارَةِ (إذَا كَانَ الْمُعِيرُ أَطْلَقَ) الْوَارِدَةِ فِي الْمَجَلَّةِ احْتِمَالَانِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعِبَارَةِ الْأُولَى الِاحْتِمَالُ حَتْمًا الْأَوَّلُ النَّصُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَعْنِي كَأَنْ يَقُولَ الْمُعِيرُ: أَعَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ تُرْكِبَهَا مَنْ شِئْت. فَعَلَى تَقْدِيرِ نَصِّ الْمُعِيرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَارُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ.
وَالْإِطْلَاقُ فِي الْإِجَارَةِ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْ بِمَعْنَى النَّصِّ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْضًا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 522) .
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي - هُوَ الْإِطْلَاقُ الشَّامِلُ لِلسُّكُوتِ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ: أَعَرْتُك حَيَوَانِي هَذَا سَوَاءٌ أَقَالَ: لَكَ إرْكَابُهُ مَنْ شِئْت أَمْ لَمْ يَقُلْ، أَيْ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ هَذَا التَّعْبِيرَ عَلَى كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى مَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي لَا اشْتِبَاهَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ إعَارَةُ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ أَمَّا فِي النَّوْعِ الثَّانِي فَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ الْإِعَارَةِ لِلْغَيْرِ فَقَالَ الزَّيْلَعِيّ بِعَدَمِ جَوَازِ إعَارَتِهِ وَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ كَاللُّبْسِ وَالزِّرَاعَةِ عَلَى مَا إذَا قَالَ: عَلَى أَنْ أُرْكِبَ عَلَيْهَا مَنْ أَشَاءُ كَمَا حُمِلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَمَاكِنَ إعَارَتِهِ وَقَالَ (لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ. .. إلَخْ) .
وَكَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ مِثَالِ الْمَجَلَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْمَجَلَّةَ لَمْ تَلْتَفِتْ إلَى مَا بَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيّ وَقَدْ أَخَذَتْ بِمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْهِدَايَةُ.
وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ إيجَادُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ يَلْزَمُ النَّصُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِذَا لَمْ يُعَيَّنْ الرَّاكِبُ كَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 552) . أَمَّا فِي الْإِعَارَةِ فَيَكْفِي السُّكُوتُ وَالْفَرْقُ فِي هَذَا الْبَابِ يَظْهَرُ لَك بِمُرَاجَعَةِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (408) .
الثَّانِي - وَيُفَسَّرُ الْإِطْلَاقُ الْوَارِدُ فِي جُمْلَةِ " لِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ فِي التَّفْسِيرِ " الْآتِي يَعْنِي لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ بِهِ بِإِعَارَتِهِ لَهُ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَمَّا كَانَتْ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (812) عِبَارَةً عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ فَتَجُوزُ إعَارَةُ الْمُسْتَعِيرِ الْمُسْتَعَارَ؛ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يُمَلِّكَ غَيْرَهُ مَا يَمْلِكُهُ كَمَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِيجَارَ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 587) الْبَحْرُ.
جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ (إنْ شَاءَ. . وَإِنْ شَاءَ. .) فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ اخْتِيَارُ إحْدَى تِلْكَ الْمَنْفَعَتَيْنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُسْتَعِيرُ فِي الْعَارِيَّةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَنْفَعَتَيْنِ وَقَدْ أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ بِقَيْدِ (فَقَطْ) .
بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ فَرَكِبَهَا هُوَ وَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ أَيْضًا يَعْنِي أَرْدَفَهُ خَلْفَهُ وَتَلِفَتْ فَإِذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ قَادِرَةً عَلَى حَمْلِ الِاثْنَيْنِ مَعًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَاصِلٌ مِنْ رُكُوبِ الِاثْنَيْنِ وَبِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ فَالْمِقْدَارُ الَّذِي يُصِيبُهُ هَدَرٌ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
(2/364)
أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ قَادِرَةً عَلَى حَمْلِهِمَا فَيَضْمَنُ كُلٌّ قِيمَتَهَا. اُنْظُرْ لَاحِقَةَ شَرْحِ الْمَادَّةِ (551) لَكِنْ هَلْ يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ؟ وَقَدْ مَرَّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (428) أَنَّ لَهُ فِي الْإِجَارَةِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا. سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعَارِيَّةُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالْغُرْفَةِ أَمْ كَانَتْ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَفَرَسِ الرُّكُوبِ يَعْنِي أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَنْ يُعِيرَ الْمُسْتَعَارَ لِآخَرَ.
جَاءَ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ فَرَسُ الرُّكُوبِ. وَقَدْ بَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (427) أَنَّ فَرَسَ الرُّكُوبِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ.
أَمَّا فَرَسُ التَّحْمِيلِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ. (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 551) . مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك حُجْرَتِي وَقَبِلَ الْمُسْتَعِيرُ الْإِعَارَةَ أَيْضًا فَالْمُسْتَعِيرُ إذَا شَاءَ أَقَامَ فِي الْحُجْرَةِ وَإِذَا شَاءَ أَسْكَنَ غَيْرَهُ فِيهَا. لَكِنْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا هُوَ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ؟ أَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (428) .
وَهَذَا الْمِثَالُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك فَرَسَ الرُّكُوبِ هَذَا وَقَبِلَ الْمُسْتَعِيرُ الْإِعَارَةَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْكَبَهُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُرْكِبَهُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ قَدْ أَمَرَ الْمُسْتَعِيرَ بِالِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ عَامٌّ وَشَامِلٌ لِلِانْتِفَاعِ كَمَا يَشَاءُ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 64) . وَجِهَةُ التَّعْيِينِ عَائِدَةٌ إلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَهَذَا يَعْنِي التَّعْيِينَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ.
وَهَذَا مِثَالٌ لِمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ وَتَحْتَاجُ مَسْأَلَةُ تَحْمِيلِ الْفَرَسِ حِمْلًا إلَى إيضَاحٍ فَهَلْ لِلْمُسْتَعِيرِ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَنْ يَحْمِلَ حِمْلَهُ أَوْ يُعِيرَهُ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ؟ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْفَرَسُ جَوَادًا مُعَدًّا لِلرُّكُوبِ مَثَلًا فَلَيْسَ لَهُ التَّحْمِيلُ وَلَوْ أُعِيرَ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا مَرَّ فِي الْمِثَالِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْجَوَادَ الْعَرَبِيَّ لَا يَحْمِلُ وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (43) .
وَعَلَيْهِ فَلَوْ حَمَلَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ حِمْلًا وَتَلِفَ لَزِمَ الضَّمَانُ وَلَوْ كَانَ مَا حَمَلَهُ مِمَّا يُطِيقُهُ الْجَوَادُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الثِّيَابَ، فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَلْبَسَهَا أَوْ يُلْبِسَهَا غَيْرَهُ (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ) وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِفَاعٍ آخَرَ فِي الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ بَعْدَ تَعْيِينِ فِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ يَعْنِي لَوْ أُعِيرَ مَالٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ إعَارَةً مُطْلَقَةً وَكَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ بَعْدَ أَنْ تَعَيَّنَ الِانْتِفَاعُ بِفِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ بِهِ، يَعْنِي لَوْ أَرْكَبَ الْمُسْتَعِيرُ أَوَّلًا غَيْرَهُ عَلَى الْفَرَسِ الْمَذْكُورِ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ فَلَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ الْفَرَسَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ قَالَ الزَّيْلَعِيّ بِصُحُفِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ مُوَافِقٌ أَيْضًا لِلْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (552) . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ رَكِبَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ أَوَّلًا ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ وَتَلِفَ الْفَرَسُ لَزِمَ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ ثُمَّ أَنْزَلَهُ وَرَكِبَ هُوَ الْفَرَسَ وَتَلِفَ الْفَرَسُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الرَّاكِبُ بِالْفِعْلِ فَالْمُخَالَفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ تَعَدِّيًا مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ قَالُوا بِأَنَّ
(2/365)
لِلْمُسْتَعِيرِ صَلَاحِيَّةً فِي ذَلِكَ. مَثَلًا لَوْ رَكِبَ الْمُسْتَعِيرُ أَوَّلًا ثُمَّ أَرْكَبَ غَيْرَهُ وَتَلِفَ الْفَرَسُ فَقَدْ قَالُوا بِعَدَمِ الضَّمَانِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (91) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ الْفَرَسَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَرَكِبَهُ وَتَلِفَ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعْمَلَهُ بِإِذْنِ الْمُسْتَعِيرِ وَتَمْلِيكِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَكِبَهُ هُوَ بَعْدَ أَنْ أَرْكَبَهُ غَيْرَهُ وَتَلِفَ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَدْ اسْتَعْمَلَ الْمَنَافِعَ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا لَمَا اسْتَطَاعَ تَمْلِيكَهَا لِلْغَيْرِ. (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ، وَقَاضِي خَانْ) .
وَعَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تُشِرْ الْمَجَلَّةُ إلَى اخْتِيَارِهَا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فَقَدْ اخْتَارَتْ الْمُتُونُ الْفِقْهِيَّةُ كَالْمُنْتَقَى وَالْهِدَايَةِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَمَا أَنَّ الْكَافِيَ وَالزَّيْلَعِيّ قَالَا بِصِحَّةِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. وَالْحَالُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِجَارَةِ هِيَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (552) وَعَلَيْهِ يَجِبُ إيجَادُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِحَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ.
أَمَّا الْإِعَارَةُ فِيمَا أَنَّهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ.
وَرَدَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (بِلَا تَعْيِينِ الْمُنْتَفِعِ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَفِعَ إذَا تَعَيَّنَ فَلَيْسَ لِغَيْرِ الْمُسْتَعِيرِ الِانْتِفَاعُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. مَثَلًا لَوْ عَيَّنَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمُسْتَعَارَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَجِيرِهِ فُلَانٍ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُخَالِفَ هَذَا التَّعَيُّنَ.
[ (الْمَادَّةُ 820) تَعْيِينُ الْمُنْتَفِعِ فِي إعَارَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ]
(الْمَادَّةُ 820) (يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الْمُنْتَفِعِ فِي إعَارَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي إعَارَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُعِيرُ نَهَى الْمُسْتَعِيرَ عَنْ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَهُ لِآخَرَ لِيَسْتَعْمِلَهُ. مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ: أَعَرْتُك هَذَا الْفَرَسَ لِتَرْكَبَهُ أَنْتَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ خَادِمَهُ إيَّاهُ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: أَعَرْتُك هَذَا الْبَيْتَ لِتَسْكُنَهُ أَنْتَ، كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْكُنَهُ وَأَنْ يُسْكِنَ فِيهِ غَيْرَهُ، لَكِنْ إذَا قَالَ لَهُ أَيْضًا: لَا تُسْكِنْ فِيهِ غَيْرَك فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُسْكِنَ فِيهِ غَيْرَهُ) .
يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الْمُنْتَفِعِ فِي إعَارَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْإِجَارَةِ حَسَبَ مَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (427) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ يَكُونُ رَاضِيًا بِاسْتِعْمَالِ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي عَيَّنَهُ بِعَقْدِ الْإِعَارَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِاسْتِعْمَالِ شَخْصٍ آخَرَ لَهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ مُخَالَفَةُ التَّعْيِينِ الْمَذْكُورِ وَالسَّبَبُ فِي اعْتِبَار التَّعْيِينِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الثَّانِي أَيْ فِعْلُ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ فِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ وَلَمَّا كَانَ الْمُعِيرُ رَاضِيًا بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعِيرِ وَغَيْرَ رَاضٍ بِاسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُ التَّعْيِينِ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُعِيرِ (الْكِفَايَةُ وَالْهِدَايَةُ) .
وَلَيْسَ تَعْيِينُ الِانْتِفَاعِ فِي الْإِعَارَةِ مُعْتَبَرًا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَمَا هُوَ الْحَالُ أَيْضًا فِي الْإِجَارَةِ حَسَبَ مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (428) ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَدِيمُ الْفَائِدَةِ كَحِمْلِ الدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ.
(2/366)
لَكِنْ تَجْرِي هَذِهِ التَّفْصِيلَاتُ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْهَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ عَنْ إعْطَاءِ الْمُسْتَعَارِ لِغَيْرِهِ. أَمَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ إعْطَائِهِ لِغَيْرِهِ كَانَ النَّهْيُ مُعْتَبَرًا حَيْثُ لَا اعْتِبَارَ لِلدَّلَالَةِ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (13) فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يُعِيرَهُ لِآخَرَ لِيَسْتَعْمِلَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَعَارُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالدَّارِ أَمْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ وَإِنْ فَعَلَ وَتَلِفَ كَانَ ضَامِنًا (الْبَحْرُ) .
مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ: أَعَرْتُك هَذَا الْفَرَسَ لِتَرْكَبَهُ أَنْتَ، وَفَعَلَ الْمُسْتَعِيرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يُرْكِبَ الْفَرَسَ خَادِمَهُ أَوْ شَخْصًا أَجْنَبِيًّا. فَلَوْ مَرِضَ الْفَرَسُ وَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْفَارِسِ الْمُتَمَرِّنِ لَيْسَ كَرُكُوبِ السُّوقِيِّ.
كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ هُوَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ مَعَهُ. يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْدِفَهُ وَإِنْ فَعَلَا وَتَلِفَ الْفَرَسُ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْفَرَسُ يُطِيقُ حَمْلَهُمَا مَعًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ نَاشِئٌ عَنْ رُكُوبِهِمَا مَعًا وَلَمَّا كَانَ رُكُوبُ أَحَدِهِمَا مَأْذُونًا فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لِأَجْلِهِ وَيَلْزَمُ ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ لِأَجْلِ رُكُوبِ الْآخَرِ (الْبَحْرُ) أَمَّا أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ صَبِيًّا فَيَجِبُ ضَمَانُ مِقْدَارِ ثِقَلِهِ وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ النِّصْفِ اُنْظُرْ لَاحِقَةَ شَرْحِ الْمَادَّةِ (651) (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك هَذَا الثَّوْبَ لِتَلْبَسَهُ أَنْتَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُلْبِسَهُ آخَرَ؛ لِأَنَّ بَيْنَ لُبْسِ التَّاجِرِ الثَّوْبَ وَبَيْنَ لُبْسِ الْقَصَّابَ وَالْقَنَّاءِ إيَّاهُ بَوْنٌ شَاسِعٌ. وَلِذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ فِيهِ مُعْتَبَرٌ.
وَمِثَالُ الْمَجَلَّةِ هَذَا وَالْمِثَالُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ أَمْثِلَةٌ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
وَالْمَالُ الَّذِي لَا تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِآخَرَ لَوْ أُعِيرَ وَتَلِفَ لَزِمَ الضَّمَانُ. فَلَوْ أَعَارَ الْمُسْتَعِيرُ الشَّيْءَ الَّذِي لَا تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِآخَرَ بِلَا إذْنٍ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي لَزِمَ الضَّمَانُ وَكَانَ الْمُعِيرُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ الْأَوَّلُ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي. مَا لَمْ يَكُنْ تَلَفُهُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي نَاشِئًا عَنْ تُعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ الثَّانِيَ. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي الرُّجُوعُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَلَوْ كَانَ تَلَفُهُ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) .
كَذَلِكَ لَوْ جَاءَ أَحَدٌ لِلْمُسْتَعِيرِ وَقَالَ لَهُ: قَدْ اسْتَعَرْت الدَّابَّةَ الْمُعَارَةَ لَك مِنْ صَاحِبِهَا وَأَمَرَنِي بِقَبْضِهَا مِنْك فَصَدَّقَهُ وَأَعْطَاهُ إيَّاهَا وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُعِيرُ يَعْنِي صَاحِبَ الدَّابَّةِ أَمْرَهُ وَلَمْ يُثْبِتْ الْمُسْتَعِيرُ أَمْرَ الْمُعِيرِ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مَالِكًا الْمُسْتَعَارَ بِالضَّمَانِ فَيُفْهَمُ مِنْ إعْطَائِهِ إيَّاهُ أَنَّهُ أَعَارَ مَالَهُ.
وَالْعَارِيَّةُ بِمَا أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا فِي حَالِ تَلَفِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 813) .
أَمَّا إذَا أَعْطَاهَا لَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَشَرَطَ الضَّمَانَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي فَلِلْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 825) .
أَمَّا لَوْ قَالَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الْحُجْرَةَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ لِتَسْكُنَهَا أَنْتَ. كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْكُنَهَا وَأَنْ يُسْكِنَ فِيهَا
(2/367)
غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الْإِعَارَةِ. أَمَّا بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ إسْكَانُ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (823) وَهَذَا مِثَالٌ لِلْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَدَاةِ.
لَكِنْ لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ: لَا تُسَكِّنْ غَيْرَك فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ إسْكَانُ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْإِعَارَةِ أَيْضًا، وَهَذَا الْمِثَالُ لِلْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
مَعَ كَوْنِهِ لَوْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ فِي الْإِجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ: لَا تُؤَجِّرْ الْمَأْجُورَ لِآخَرَ فَلَهُ الْإِيجَارُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ.
[لَاحِقَةٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَفِي التَّقْيِيدِ وَالْإِطْلَاقِ]
إذَا اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَسَافَةِ أَوْ فِي التَّقْيِيدِ وَالْإِطْلَاقِ فِي نَوْعِ الِانْتِفَاعِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُعِيرِ (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ لَمَّا كَانَ صَاحِبَ الْمَالِ فَهُوَ أَدْرَى بِالطَّرِيقِ الَّتِي يَمْلِكُ بِهَا مَنْفَعَةَ مَالِهِ لِآخَرَ وَكَمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فِي أَصْلِ الْإِعَارَةِ فَلَهُ الْقَوْلُ أَيْضًا فِي صِفَتِهَا.
مَثَلًا لَوْ ادَّعَى الْمُعِيرُ أَنَّهُ أَعْطَى الْإِذْنَ بِالِانْتِفَاعِ الْمُقَيَّدِ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ وَادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ الْإِطْلَاقَ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ فِي التَّقْيِيدِ فَلَوْ قَالَ الْمُعِيرُ: أَعَرْتُهُ الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا خَمْسَ كِيلَاتٍ شَعِيرٍ وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: إنَّك أَعَرْتنِي إيَّاهَا عَلَى أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهَا خَمْسَ كِيلَاتٍ حِنْطَةٍ وَاخْتَلَفَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُعِيرِ. وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فَقَالَ الْمُعِيرُ: قَدْ أَعَرْتُك الدَّابَّةَ لِتَرْكَبَهَا مِنْ الْقُدْسِ إلَى يَافَا وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: لَا بَلْ إلَى غَزَّةَ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُعِيرِ. أَمَّا لَوْ أَثْبَتَ الْمُسْتَعِيرُ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ يُقْبَلُ.
[ (الْمَادَّةُ 821) اُسْتُعِيرَ فَرَسٌ لِيُرْكَبَ إلَى مَحِلٍّ مُعَيَّنٍ وَكَانَتْ الطُّرُقُ مُتَعَدِّدَةً]
(الْمَادَّةُ 821) - (إنْ اُسْتُعِيرَ فَرَسٌ لَأَنْ يُرْكَبَ إلَى مَحِلٍّ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَتْ الطُّرُقُ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ مُتَعَدِّدَةً كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ شَاءَ مِنْ الطُّرُقِ الَّتِي اعْتَادَ النَّاسُ السُّلُوكَ فِيهَا وَأَمَّا لَوْ ذَهَبَ فِي طَرِيقٍ لَيْسَ مُعْتَادًا السُّلُوكُ فِيهِ فَهَلَكَ الْفَرَسُ لَزِمَ الضَّمَانُ. وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعِيرُ فَهَلَكَ الْفَرَسُ فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ الَّذِي سَلَكَهُ الْمُسْتَعِيرُ أَبْعَدَ مِنْ الطَّرِيقِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعِيرُ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَخِلَافَ الْمُعْتَادِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ) .
لَوْ اُسْتُعِيرَ حَيَوَانٌ لِلذَّهَابِ إلَى مَحِلٍّ مُعَيَّنٍ وَكَانَتْ الطَّرِيقُ الْمُوَصِّلَةُ إلَيْهِ مُتَعَدِّدَةً وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُعِيرُ إحْدَاهَا كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ شَاءَ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي اعْتَادَ النَّاسُ الذَّهَابَ فِيهَا إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (36) وَالْعَادَةُ حُجَّةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (37) وَالتَّعْيِينُ بِالْعُرْفِ كَالتَّعْيِينِ بِالنَّصِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ تَلِفَ الْحَيَوَانُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (91) .
وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الذَّهَابُ جَائِزًا فِي طَرِيقٍ لَيْسَ مُعْتَادًا فَلَوْ ذَهَبَ وَتَلِفَ أَوْ ضَاعَ كَانَ ضَامِنًا.؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (816) يُصْرَفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ. وَالتَّعْيِينُ بِالْعُرْفِ كَالتَّعْيِينِ بِالنَّصِّ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (45) (وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ، وَالْوَاقِعَاتُ) .
وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعِيرُ فَهَلَكَ الْفَرَسُ فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ
(2/368)
الَّذِي سَلَكَهُ الْمُسْتَعِيرُ أَبْعَدَ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعِيرُ أَوْ كَانَ أَخْوَفَ أَيْ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَغَيْرَ مَسْلُوكٍ أَيْ خِلَافَ الْمُعْتَادِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ إلَى شَرٍّ وَالْإِذْنُ لِشَيْءٍ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ بِمَا فَوْقَهُ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (أَبْعَدَ) أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَوْ سَلَكَ طَرِيقًا مُسَاوِيًا لِلطَّرِيقِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعِيرُ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ فَرْطٌ فِي الطُّولِ وَالسُّهُولَةِ وَمَا أَشْبَهَ مِنْ الْخُصُوصَاتِ أَوْ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ الَّذِي سَلَكَهُ أَسْهَلَ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى الْمِثْلِ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِشَيْءٍ إذْنٌ بِمَا يُسَاوِيهِ أَوْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي قَدْ مَرَّتْ فِي الْمَادَّةِ (547) بِعَيْنِهَا.
[ (الْمَادَّةُ 833) امْرَأَةٌ أَعَارَتْ شَيْءٌ مِلْك لِزَوْجِهَا بِلَا إذْنِهِ فَضَاعَ]
(الْمَادَّةُ 833) - (إذَا طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ امْرَأَةٍ إعَارَةَ شَيْءٍ هُوَ مِلْكُ زَوْجِهَا فَأَعَارَتْهُ إيَّاهُ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ فَضَاعَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِمَّا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ وَفِي يَدِ الزَّوْجَةِ عَادَةً لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا الزَّوْجَةُ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَدِ النِّسَاءِ كَالْفَرَسِ فَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمِنَهُ لِزَوْجَتِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ لِلْمُسْتَعِيرِ) .
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُعِيرُ مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمَالِ الَّذِي أَعَارَهُ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (815) يَعْنِي إذَا كَانَ مَالِكًا لَهُ كَانَتْ الْإِعَارَةُ صَحِيحَةً.
وَعَلَيْهِ إذَا طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ امْرَأَةٍ إعَارَةَ شَيْءٍ هُوَ مِلْكُ زَوْجِهَا أَعَارَتْهُ إيَّاهُ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ ضَاعَ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتُهٌ نُقْصَانٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِمَّا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ وَفِي يَدِ الزَّوْجَةِ عَادَةً جَازَتْ الْإِعَارَةُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مُسْتَعِيرَةٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَلِلْمُسْتَعِيرِ إعَارَةُ الْمُسْتَعَارِ لِآخَرَ كَمَا مَرَّ فِي الْمَادَّةِ (820) وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا الزَّوْجَةُ أَيْضًا اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (91 و 813) .
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُعِيرُ مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمُعَارِ فَلَا تَصِحُّ الْإِعَارَةُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (96) .
وَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُعَارُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ كَالْفَرَسِ وَالثَّوْرِ فَلَا تَجُوزُ هَذِهِ الْإِعَارَةُ فَتَكُونُ الزَّوْجَةُ غَاصِبَةً وَالْمُسْتَعِيرُ غَاصِبَ الْغَاصِبِ وَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ زَوْجَتَهُ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (910) (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَفِي حَالَةِ ظُهُورِ مُسْتَحِقٍّ لِلْعَارِيَّةِ كَمَا بَيَّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (813) فَإِذَا ضَمِنَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالضَّمَانِ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ تَضْمِينَ الزَّوْجَةِ بِمَا أَنَّهَا مَالِكَةٌ لِلْمَالِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَتَكُونُ قَدْ أَعَارَتْ مَالَهَا. وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ. وَإِذَا صَارَ تَضْمِينَ الْمُسْتَعِيرِ فَبِمَا أَنَّ نَفْعَ عَقْدِ الْعَارِيَّةِ عَائِدٌ إلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (658) فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعِيرِ.
[ (الْمَادَّةُ 823) لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَارِيَّةَ وَلَا أَنْ يَرْهَنَهَا بِدُونِ إذْنِ الْمُعِيرِ]
(الْمَادَّةُ 823) - (لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَارِيَّةَ وَلَا أَنْ يَرْهَنَهَا بِدُونِ إذْنِ الْمُعِيرِ وَإِذَا اسْتَعَارَ مَالًا لِيَرْهَنَهُ عَلَى دَيْنٍ عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ عَلَى دَيْنٍ عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِذَا رَهَنَهُ فَهَلَكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ) .
(2/369)
لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَارِيَّةَ وَلَا أَنْ يَرْهَنَهَا بِدُونِ إذْنِ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مِنْ الْعُقُودِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ فَهِيَ دُونَ الرَّهْنِ وَالْإِيجَارِ وَبِمَا أَنَّ الرَّهْنَ وَالْإِيجَارَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ الَّتِي هِيَ فَوْقَ الْإِعَارَةِ فَلَا يَتَضَمَّنُ الشَّيْءُ مَا فَوْقَهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (406) وَنَظَرًا لِكَوْنِ الْعَارِيَّةِ غَيْرَ لَازِمَةٍ فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ حَسَبَ الْمَادَّةِ (806) فَلَوْ جَوَّزْنَا إجَارَةَ الْمُسْتَعَارِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَلَّا يَكُونَ لِلْمُعِيرِ حَقُّ الرُّجُوعِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَأَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَبِهَذَا يَتَضَرَّرُ الْمُعِيرُ. أَوْ أَنَّنَا نَقُولُ فِي مَقَامِ الْإِثْبَاتِ: لَوْ كَانَتْ إجَارَةُ الْعَارِيَّةِ جَائِزَةً لَوَجَبَ أَنْ نَقُولَ بِلُزُومِ مَا لَمْ يَلْزَمْ (كَالْعَارِيَّةِ) فَلَوْ جَازَتْ إجَارَةُ الْعَارِيَّةِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ لُزُومَ الْعَارِيَّةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاسْتِرْدَادِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعَاتِ الْعَارِيَّةِ أَوْ نَقُولُ بِعَدَمِ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ كَالْإِجَارَةِ، وَعَدَمُ لُزُومِ الْإِجَارَةِ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعَاتِهَا (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَيَثْبُتُ عَدَمُ جَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْعَارِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ عَقْدًا لَازِمًا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ وَهُوَ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ أَيْ أَنَّهُ لَوْ جَازَ الرَّهْنُ فَإِمَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ لُزُومَ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ أَوْ يُوجِبَ عَدَمَ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَهُوَ الرَّهْنُ.
وَيَثْبُتُ ذَلِكَ أَيْضًا بِصُورَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ هُوَ إيفَاءٌ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُوفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ الْآخَرِ بِدُونِ إذْنِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَنَّ إيجَارَ وَرَهْنَ الْعَارِيَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ أَمْ لَا تَخْتَلِفُ وَقَدْ ظَهَرَتْ الْأَسْبَابُ الَّتِي جَوَّزَتْ إعَارَةَ الْمُسْتَعِيرِ لِلْعَارِيَّةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعْمِلِينَ وَعَدَمَ جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِيهَا.
وَيُسْتَفَادُ أَيْضًا مِنْ تَعْبِيرِ الْمَادَّةِ هَذِهِ (بِلَا إذْنٍ) أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ إيجَارَ الْعَارِيَّةِ وَرَهْنَهَا بِإِذْنِ الْمُعِيرِ.
وَقَدْ ذُكِرَتْ مَسْأَلَةُ الْإِيجَارِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (765) كَمَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ أَيْضًا قَدْ ذُكِرَتْ فِي مَتْنِ وَشَرْحِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ مُفَصَّلَةً فَلْتُرَاجِعْ. وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ مَالًا لِيَرْهَنَهُ عَلَى دَيْنٍ عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ عَلَى دَيْنٍ عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُ شَيْئًا أَكْثَرَ مِمَّا تُفِيدُ الْمَادَّةُ (728) الْقَائِلَةُ: إذَا كَانَ إذْنُ صَاحِبِ الْمَالِ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَرْهَنَهُ فِي مُقَابَلَةِ كَذَا دَرَاهِمَ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ جِنْسُهُ كَذَا أَوْ عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ فِي الْبَلْدَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ إلَّا عَلَى وَفْقِ قَيْدِهِ وَشَرْطِهِ إلَّا أَنَّهَا كُرِّرَتْ هُنَا تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِلْفِقْرَةِ الْآتِيَةِ.
وَإِنْ فَعَلَ أَيْ لَوْ آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ مِنْ آخَرَ بِلَا إذْنِ الْمُعِيرِ أَوْ إذَا اسْتَعَارَ مَالًا لِيَرْهَنَهُ فِي مُقَابِلِ دَيْنٍ عَلَيْهِ فِي بَلْدَةٍ فَرَهَنَهُ فِي مُقَابِلِ دَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَتَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ أَوْ ضَاعَتْ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ مَعَ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي أَوْ الْمُرْتَهِنِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ أَيْ يَلْزَمُ ضَمَانُ قِيمَتِهَا يَوْمَ تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْإِيجَارُ وَالرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ مِنْ قَبِيلِ الْغَصْبِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتْلَفْ فَلِلْمُعِيرِ حَقٌّ فِي اسْتِرْدَادِهِ.
إيضَاحُ الْإِيجَارِ: لَوْ آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِآخَرَ بِدُونِ إذْنِ الْمُعِيرِ كَانَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ فُضُولِيَّةً وَيَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الْمَادَّةِ (447) مِنْ الْمَجَلَّةِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ
(2/370)
تَكُونُ الْأُجْرَةُ لِلْمُسْتَعِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأُجْرَةُ حَاصِلَةً مِنْ سَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَالِ الْغَيْرِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا (الشِّبْلِيُّ) .
إيضَاحُ الضَّمَانِ: وَلَوْ آجَرَ الْمُسْتَعَارَ لِآخَرَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ كَانَ الْمُعِيرُ مُخَيَّرًا فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ الَّذِي هُوَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ فِي زَمَنِ تَسْلِيمِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَغَاصِبًا وَقْتَ التَّسْلِيمِ أَيْ بِتَسْلِيمِهِ الْمُسْتَعَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَغَاصِبًا وَقْتَ التَّسْلِيمِ أَيْ بِتَسْلِيمِهِ الْمُسْتَعَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا يَضْمَنُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّلَفُ بِتَعَدٍّ وَتَقْصِيرٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ نَظَرًا لِكَوْنِهِ يَمْلِكُ الْمُسْتَعَارَ بِالضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ آجَرَ مَالَهُ وَالْمَأْجُورُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَانَةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (600) . لَكِنْ لَوْ تَلِفَ الْمَأْجُورُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ بِتَعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ فَلِلْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا يَضْمَنُهُ لِلْمُعِيرِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (602) وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمَّا كَانَ قَدْ أَخَذَ وَقَبَضَ مَالَ الْمُعِيرِ بِلَا إذْنِهِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَأْجِرُ عَالِمًا بِكَوْنِ عَيْنِ الْمَأْجُورِ أَمَانَةً فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْتَعِيرُ الَّذِي هُوَ مُؤَجِّرُهُ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمِنَهُ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرَ الْغَرُورِ الْمَادَّةُ (658) (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
أَمَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ يَعْلَمُ بِكَوْنِ عَيْنِ الْمَأْجُورِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُؤَجِّرِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ قَدْ غَرَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذْ يَكُونُ هَذَا الْمُسْتَأْجِرُ كَالشَّخْصِ الَّذِي يَسْتَأْجِرُ مَالًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ (الْبَحْرُ وَجَوَاهِرُ الْفِقْهِ) .
إيضَاحُ رَهْنٍ وَتَسْلِيمِ الْمُسْتَعَارِ بِلَا إذْنٍ: لَوْ رَهَنَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ عِنْدَ آخَرَ بِلَا إذْنِ الْمُعِيرِ فَالْمُسْتَعِيرُ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنُ فِي حُكْمِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُعِيرُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ أَيْ الْمُسْتَعِيرَ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمَّا كَانَ الرَّاهِنُ أَيْ الْمُسْتَعِيرُ مَالِكًا لَهُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَلَى مَا جَاءَ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ أَخَذَ مَالَ الْمُعِيرِ بِلَا إذْنٍ فَإِذَا ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنُ فَيَكُونُ الْمَرْهُونَ تَلِفَ عَلَى كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ فَلِذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ طَلَبُ دَيْنِهِ مِنْ الرَّاهِنِ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الدَّيْنِ رَهْنٌ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالشَّيْءِ الَّذِي ضَمَّنَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِأَنَّ الرَّهْنَ مُسْتَعِيرٌ أَمْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (658) تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ.
لَكِنْ لَوْ رَهَنَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ الَّذِي فِي يَدِهِ بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ عِنْدَ مُرْتَهِنٍ آخَرَ وَسَلَّمَهُ لَهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَصَاحِبُ الْمَالِ الرَّاهِنُ الْأَوَّلُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ الثَّانِيَ الَّذِي هُوَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَإِذَا ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ الثَّانِيَ فَلِلْمُرْتَهِنِ الثَّانِي الرُّجُوعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) . كَمَا صَارَ تَفْصِيلُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (743) .
(2/371)
[ (الْمَادَّةُ 824) لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ الْعَارِيَّةَ عِنْدَ آخَرَ]
(الْمَادَّةُ 824) - (لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ الْعَارِيَّةَ عِنْدَ آخَرَ فَإِذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ مَثَلًا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى مَحِلِّ كَذَا ثُمَّ يَعُودُ فَوَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَتَعِبَتْ الدَّابَّةُ وَعَجَزَتْ عَنْ الْمَشْيِ فَأَوْدَعَهَا عِنْدَ شَخْصٍ ثُمَّ هَلَكَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا فَلَا ضَمَانَ) .
لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ الْعَارِيَّةَ الَّتِي تَجُوزُ إعَارَتُهَا عِنْدَ آخَرَ أَيْ عِنْدَ أَمِينِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (820) أَنْ يُعِيرَهَا لِآخَرَ وَيَكُونُ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي أَمَانَةً وَعَلَيْهِ فَإِيدَاعُ الْمُسْتَعِيرِ لِلْإِعَارَةِ هُوَ دُونَ إعَادَتِهَا؛ لِأَنَّ فِي الْإِعَارَةِ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَإِيدَاعًا مَعًا وَأَنَّ مَنْ يَمْلِكُ الْأَعْلَى يَمْلِكُ الْأَدْنَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلِذَلِكَ يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُعِيرَ وَلَا الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ، وَعَدَمُ لُزُومِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَادَّةِ (91) الْقَائِلَةِ: (الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ) كَمَا أَنَّ عَدَمَ لُزُومِ الْمُسْتَوْدَعِ الضَّمَانُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (777) الْمُتَضَمَّنَةِ عَدَمَ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ فِي التَّلَفِ الَّذِي يَحْصُلُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَقَيْدُ (بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ) فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَعِير لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَوْدَعِ فَهُوَ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ. فَلَوْ تَلِفَتْ تِلْكَ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ وَإِنْ كَانَ بِتَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَقْصِيرِهِ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (91) . كَمَا يَتَّضِحُ لَك فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (828) . أَمَّا لَوْ تَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ بِتَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَقْصِيرِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَزِمَ الْمُسْتَوْدَعَ الضَّمَانُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (387) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي إيدَاعِ الْعَارِيَّةِ: فِي إيدَاعِ الْعَارِيَّةِ قَوْلَانِ فَالْإِيدَاعُ الْمَذْكُورُ عَلَى قَوْلٍ لَيْسَ جَائِزًا وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ.
وَنَظَرًا لِكَوْنِ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ هُوَ الْقَوْلُ الْمُفْتَى بِهِ فَقَدْ قَبِلَتْ الْمَجَلَّةُ هَذَا الْقَوْلَ.
وَيَتَفَرَّعُ عَنْ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. فَلَوْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ مَعَ أَمِينِهِ الْأَجْنَبِيِّ لِلْمُعِيرِ وَتَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْأَمِينِ لَزِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ (الْبَحْرُ) .
وَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ جَوَازِ إيدَاعِ آخَرَ الْعَارِيَّةَ، يَعْنِي لَا يَجُوزُ إيدَاعُ آخَرَ الْعَارِيَّةَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - الْعَارِيَّةُ الَّتِي لَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا لِآخَرَ. فَهَذِهِ الْعَارِيَّةُ قَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إيدَاعِهَا وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الدَّلِيلِ الَّذِي ذُكِرَ لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْمَادَّةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (0 82) وَشَرْحَهَا. بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ ذَهَبَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْفَرَسِ الَّذِي اسْتَعَارَهُ لِيَرْكَبَهُ بِالذَّاتِ فَأَوْدَعَهُ أَحَدًا هُنَاكَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمِثَالِ الْآتِي وَتَلِفَ فِي يَدِهِ كَانَ ضَامِنًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - لَوْ أَوْدَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ عِنْدَ آخَرَ بَعْدَ آخَرَ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُ الْمُعِيرُ عَنْ إعْطَائِهِ لِغَيْرِهِ وَتَلِفَ كَانَ ضَامِنًا. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (280) .
(2/372)
أَمَّا إذَا أَعَادَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ لِلْمُعِيرِ صَحِيحًا وَسَالِمًا بِدُونِ أَنْ يَتْلَفَ أَوْ يَطْرَأَ عَلَى قِيمَتِهِ نُقْصَانٌ وَتَلِفَ بَعْدَ الْإِعَارَةِ بِيَدِ الْمُعِيرِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ إذَا اسْتَعَارَ شَخْصٌ دَابَّةً لِلذَّهَابِ بِهَا إلَى مَحِلِّ كَذَا ثُمَّ الْعَوْدَةُ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَعْنِي بِدُونِ تَقْيِيدِهِ وَرُكُوبِهِ إيَّاهَا فَرَكِبَهَا فَوَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَتَعِبَتْ الدَّابَّةُ وَعَجَزَتْ عَنْ الْمَشْيِ فَأَوْدَعَهَا عِنْدَ شَخْصٍ ثُمَّ هَلَكَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا أَيْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ بِنَفْسِهَا بَرِئَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُسْتَوْدَعُ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ.
وَلَيْسَ قَوْلُهُ: فَتَعِبَتْ الدَّابَّةُ وَعَجَزَتْ عَنْ الْمَشْيِ، فِي هَذَا الْمِثَالِ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ إيدَاعُ الْعَارِيَّةِ مُطْلَقًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحَرِّي أَسْبَابٍ مُجْبِرَةٍ لِجَوَازِ الْإِيدَاعِ إنَّمَا ذُكِرَ هَذَا الْقَيْدُ لِبَيَانِ الْحُكْمِ الْأَكْثَرِ.
[ (الْمَادَّةُ 825) مَتَى طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ رَدُّهَا إلَيْهِ فَوْرًا]
(الْمَادَّةُ 825) (مَتَى طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ رَدُّهَا إلَيْهِ فَوْرًا وَإِذَا أَوْقَفَهَا وَأَخَّرَهَا بِلَا عُذْرٍ فَتَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا ضَمِنَ) .
مَتَى طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ بِالذَّاتِ أَوْ بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ رَدُّهَا إلَيْهِ فَوْرًا أَيْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ عَنْ الْعَارِيَّةِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (806) وَطَلَبَ إعَادَتَهَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَمْ تَحْدُثْ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْمُعِيرِ حَقًّا فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَوْ طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ وَلَمْ يُعِدْهَا الْمُسْتَعِيرُ إلَيْهِ وَبَقِيَ يَسْتَعْمِلُهَا لَزِمَ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتْ مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ وَإِلَّا فَلَا، كَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُعَارُ مَالَ وَقْفٍ أَوْ مَالَ يَتِيمٍ فَلَا تَجُوزُ إعَارَتُهُ وَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي مُدَّةِ الْإِعَارَةِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ 1 - مَتَى طَلَبَ: يُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ الْمُطْلَقِ إذَا طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ بِالذَّاتِ يَلْزَمُ رَدُّهَا كَمَا يَلْزَمُ رَدُّهَا أَيْضًا لَوْ طَلَبَهَا بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ أَوْ رَسُولِهِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1459) .
وَعَلَيْهِ لَوْ رَاجَعَ أَحَدٌ الْمُسْتَعِيرَ وَقَالَ لَهُ: إنَّ الْمُعِيرَ أَعَارَنِي الْمُسْتَعَارَ الَّذِي فِي يَدِك وَأَمَرَنِي بِقَبْضِهِ، فَصَدَّقَ الْمُسْتَعِيرُ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ وَأَعْطَاهُ الْمُسْتَعَارَ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُعِيرُ أَنَّهُ أَمَرَ ذَلِكَ الشَّخْصَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُسْتَعِيرُ الْأَمْرَ فَبِهَا وَإِلَّا فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ فَإِذَا حَلَفَ الْمُعِيرُ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا الْمَالَ الْمُسْتَعَارَ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (814) وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ بِمَا ضَمِنَ وَإِنْ الْمُعِيرُ ظَلَمَهُ بِإِنْكَارِ الْإِذْنِ وَلَمَّا كَانَ لَيْسَ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَظْلِمَ الْآخَرَ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (921) لَكِنْ الْمُسْتَعِيرُ لَوْ كَذَّبَ ذَلِكَ الشَّخْصَ فِي إفَادَتِهِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ بِهَا أَوْ صَدَّقَ مَعَ اشْتِرَاطِ الضَّمَانِ وَأَعْطَاهُ الْمُسْتَعَارَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ إيَّاهَا اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (820) .
إذَا ضَاعَ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ وَعِنْدَ طَلَبِ صَاحِبِهِ لَهُ لَمْ يُخْبِرْهُ بِضَيَاعِهِ وَوَعَدَ بِرَدِّهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَخْبَرَهُ بِضَيَاعِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَإِذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُعِيرُ فَلَا يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ لِلتَّنَاقُضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ.
(2/373)
لَكِنْ إذَا لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُعِيرُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ رَسُولٌ وَلَمْ يُعِدْهُ الْمُسْتَعِيرُ وَتَلِفَ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ فِي الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
2 - الرَّدُّ وَالتَّسْلِيمُ: لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ رَدَّهُ وَتَسْلِيمَهُ الْمُسْتَعَارَ قَبْلًا فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُسْتَعِيرِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1774) وَلَيْسَ الْمُسْتَعِيرُ مُجْبَرًا عَلَى إثْبَاتِ هَذَا الِادِّعَاءِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ رَدَّ الْمُسْتَعَارَ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ وَادَّعَى الْمُعِيرُ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِتَعَدِّي الْمُسْتَعِيرِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ رَجَحَتْ بَيِّنَةُ الْمُعِيرِ (الْوَجِيزُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (86) .
3 - (فَوْرًا) : وَهَذَا الْقَيْدُ يُوَضَّحُ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي وَبَعْدَ الطَّلَبِ الْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: إذَا وَقَفَهَا فِي يَدِهِ بِلَا عُذْرٍ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ رَدِّهِ لِلْمُعِيرِ وَأَخَّرَ رَدَّهَا إلَى الْمُعِيرِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ رَسُولِهِ يَعْنِي لَمْ يَرُدَّهَا فَوْرًا وَأَبْقَاهَا عِنْدَهُ بِلَا رِضَا الْمُعِيرِ وَتَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ ضَاعَتْ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ ضَمِنَ فِي حَالِ التَّلَفِ وَالضَّيَاعِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا وَفِي حَالِ النُّقْصَانِ أَيْ نُقْصَانِ قِيمَتِهَا فَقَطْ.
كَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (794) . وَيَجِبُ فِي نُقْصَانِ الْقِيمَةِ الْعَمَلُ بِأَحْكَامِ الْمَادَّةِ (900) مِنْ الْمَجَلَّةِ كَذَلِكَ لَوْ طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَعِيرُ: نَعَمْ أُعْطِيك إيَّاهَا، وَمَضَى شَهْرٌ ثُمَّ تَلِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ عَاجِزًا عَنْ رَدِّ الْعَارِيَّةِ فِي وَقْتِ الطَّلَبِ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ غَيْرَ عَاجِزٍ عَنْ رَدِّهَا إلَّا أَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ صَرَاحَةً فِي بَقَائِهَا فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ كَأَنْ يَقُولَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ: لَا بَأْسَ، فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ أَيْضًا أَمَّا إذَا كَانَ الْمُعِيرُ لَمْ يَرْضَ بِبَقَائِهَا أَيْ لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِ الْمُسْتَعِيرِ رَدَّهَا وَأَظْهَرَ الْكُرْهَ وَالسُّخْطَ لِعَدَمِ رَدِّهَا أَوْ سَكَتَ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
جَاءَ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ فَلَا يَلْزَمُ الرَّدُّ إلَى زَوَالِ الْعُذْرِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُ الرَّدُّ فَلَوْ أَعَارَ أَحَدٌ آخَرَ دَابَّةً إعَارَةً مُطْلَقَةً وَرَبَطَهَا الْمُسْتَعِيرُ فِي إصْطَبْلِهِ وَذَهَبَ إلَى السُّوقِ فَصَادَفَهُ الْمُعِيرُ وَطَلَبَ مِنْهُ إعَادَةَ الْعَارِيَّةِ فَتَأْخِيرُهُ إيَّاهَا إلَى أَنْ يَعُودَ إلَى دَارِهِ مَعْفُوٌّ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ. كَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ.
كَذَلِكَ لَوْ أَحْضَرَ الْمُسْتَعِيرُ الثَّوْبَ الْمُسْتَعَارَ فَوْرًا يَطْلُبُ الْمُعِيرُ إيَّاهُ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْأَشْخَاصِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَادَّةِ (829) وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْلِيمُ الْعَارِيَّةِ أَمْسَكَهَا فِي يَدِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَتَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. أَمَّا إذَا وَجَدَ أَحَدًا مِنْهُمْ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لَهُ كَانَ ضَامِنًا.
[ (الْمَادَّةُ 826) الْعَارِيَّةُ الْمُوَقَّتَةُ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً يَلْزَمُ رَدُّهَا لِلْمُعِيرِ فِي خِتَامِ الْمُدَّةِ]
(الْمَادَّةُ 826) - (الْعَارِيَّةُ الْمُوَقَّتَةُ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً يَلْزَمُ رَدُّهَا لِلْمُعِيرِ فِي خِتَامِ الْمُدَّةِ لَكِنْ الْمُكْثُ الْمُعْتَادُ مَعْفُوٌّ. مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَتْ امْرَأَةٌ حُلِيًّا عَلَى أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ إلَى عَصْرِ الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ لَزِمَ رَدُّ الْحُلِيِّ الْمُسْتَعَارِ فِي حُلُولِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا عَلَى أَنْ
(2/374)
تَلْبَسُهُ فِي عُرْسِ فُلَانٍ لَزِمَ إعَادَتُهُ فِي خِتَامِ ذَلِكَ الْعُرْسِ لَكِنْ يَجِبُ مُرُورُ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ لِلرَّدِّ وَالْإِعَارَةِ) .
الْعَارِيَّةُ الْمُوَقَّتَةُ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً فِيمَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي خِتَامِ الْوَقْتِ وَدِيعَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا وَيَلْزَمُ رَدُّهَا لِلْمُعِيرِ فِي خِتَامِ الْمُدَّةِ وَلَيْسَ لَهُ تَوْقِيفُهَا زِيَادَةً عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ.
الْعَارِيَّةُ الْمُوَقَّتَةُ نَصًّا، هِيَ الْحَاوِيَةُ لِلتَّوْقِيتِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ الْمُوَقَّتَةُ دَلَالَةً، هِيَ الْعَارِيَّةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى التَّوْقِيتِ بِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ وَالْمَادَّةُ (827) تَعْبِيرٌ عَامٌّ لِذَلِكَ. وَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرُدَّ الْمُسْتَعِيرُ فِي خِتَامِ الْمُدَّةِ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَزِمَ الضَّمَانُ سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ الْمُسْتَعِيرُ بَعْدَ خِتَامِ الْمُدَّةِ أَمْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى انْتَهَتْ الْمُدَّةُ يَكُونُ غَاصِبًا بِإِمْسَاكِهِ الْعَارِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ إذْنُ الْمُعِيرِ مُوَقَّتًا فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهَا الْمُسْتَعِيرُ فِي خِتَامِ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ قَدْ أَمْسَكَ لِنَفْسِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (891) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ: قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِلُزُومِ الضَّمَانِ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ فِي حَالَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُسْتَعِيرِ الْمُسْتَعَارَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَقَالُوا بِعَدَمِ لُزُومِ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الْمُسْتَعِيرُ وَلَمْ يَطْلُبْهُ الْمُعِيرُ وَتَلِفَ وَهُوَ مُحَافِظٌ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ، وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِلُزُومِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا وَيَرَى أَنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ قَبِلَتْ هَذَا الْقَوْلَ وَقَدْ أَفْتَى مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى الْفَيْضِيَّةِ وَعَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَجَلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لُزُومُ الضَّمَانِ قِيَمًا إذَا لَمْ يَرُدَّهُ وَتَلِفَ. فَالْقَائِلُونَ بِلُزُومِ رَدِّهِ قَالُوا بِلُزُومِ الضَّمَانِ فِي حَالَةِ عَدَمِ الرَّدِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صُرِّحَ فِي الْمَادَّةِ (827) بِلُزُومِ الضَّمَانِ أَمَّا الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ بِلُزُومِ الضَّمَانِ فَيَقُولُونَ بِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَيَلْزَمُ الرَّدُّ بَعْدَ الطَّلَبِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَعَارَ الْمُسْتَعِيرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ بَعْدَ خِتَامِ الْمُدَّةِ الْعَارِيَّةِ لِآخَرَ كَانَ ضَامِنًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ أَمْ لَمْ تَكُنْ وَيَكُونُ الْمُعِيرُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ الثَّانِيَ.
كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى الْمُسْتَعِيرُ بَعْدَ خِتَامِ الْمُدَّةِ فِي الْإِعَارَةِ الْمُوَقَّتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْعَارِيَّةُ إلَى أَجْنَبِيٍّ لِأَجْلِ تَوْصِيلِهَا إلَى الْمُعِيرِ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا كَانَ أَمْسَكَهَا فِي يَدِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ أَوْ تَرَكَهَا بِيَدِ الْأَجْنَبِيِّ.
لَكِنْ الْمُكْثُ الْمُعْتَادُ فِي خِتَامِ الْمُدَّةِ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ مَعْفُوٌّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (36) ، فَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ الْمُسْتَعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْمُكْثِ الْمُعْتَادِ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ الشَّرْعِيَّ يُنَافِي الضَّمَانَ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (91) وَيُعْرَفُ الْمُكْثُ الْمُعْتَادُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي لَمْ يُعَيَّنْ مِقْدَارُهَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ.
مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَتْ امْرَأَةٌ حُلِيًّا عَلَى أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ إلَى عَصْرِ الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ لَزِمَ رَدُّ الْحُلِيِّ الْمُسْتَعَارِ فِي حُلُولِ ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَهَذَا الْمِثَالُ لِلْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ نَصًّا.
(2/375)
كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ ذَهَابًا وَإِيَابًا فَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا عِنْدَ الرُّجُوعِ فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهَا مَعَ كَوْنِ الرَّدِّ مُمْكِنًا وَأَبْقَاهَا عِنْدَهُ أَيَّامًا فَسُرِقَتْ مِنْ عِنْدِهِ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
كَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا عَلَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي عُرْسِ فُلَانٍ لَزِمَ إعَادَتُهُ فِي خِتَامِ ذَلِكَ الْعُرْسِ وَهَذَا الْمِثَالُ لِلْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ دَلَالَةً.
مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ كِتَابًا لِتَحْضِيرِ بَحْثٍ فَلَوْ أَتَمَّ الْبَحْثَ أَوْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ رَدُّ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَارِيَّةَ مُقَيَّدَةٌ مَعْنًى بِمُدَّةِ قِرَاءَةِ الْمُسْتَعِيرِ الْكِتَابَ. لَكِنْ يَلْزَمُ فِي إعَادَةِ الْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَرَدِّهَا مُرُورُ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ. وَعَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ الْمُسْتَعَارُ فِي أَثْنَاءِ هَذَا الْوَقْتِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَضْمَنُ.
وَقَدْ صُرِّحَ فِي الْمَادَّةِ (794) أَنَّ رَدَّ الْوَدِيعَةِ لَازِمٌ بَعْدَ الطَّلَبِ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ الْمُوَقَّتَةِ فَيَلْزَمُ رَدُّهَا بِدُونِ طَلَبٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ: لَمَّا كَانَ إمْسَاكُ الْمُسْتَوْدَعِ فِي الْوَدِيعَةِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَبْضِ السَّابِقِ وَالْقَبْضُ السَّابِقُ الْمَذْكُورُ لِلْمَالِكِ وَفِي الْعَارِيَّةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ إمْسَاكُ الْمُسْتَعِيرِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَبْضِ السَّابِقِ لَكِنْ الْقَبْضُ السَّابِقُ الْمَذْكُورُ هُوَ لِنَفْسِ الْمُسْتَعِيرِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِذْنِ وَلَا يُوجَدُ إذْنٌ بَعْدَ الْوَقْتِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ بِسَبَبِ إمْسَاكِهِ الْعَارِيَّةَ لِنَفْسِهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 827) اسْتِعَارَة شَيْء لِلِاسْتِعْمَالِ فِي عَمَلٍ مَخْصُوصٍ]
(الْمَادَّةُ 827) - (إذَا اُسْتُعِيرَ شَيْءٌ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي عَمَلٍ مَخْصُوصٍ فَمَتَى انْتَهَى ذَلِكَ الْعَمَلُ بَقِيَتْ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ وَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا وَلَا أَنْ يُمْسِكَهَا زِيَادَةً عَنْ الْمُكْثِ الْمُعْتَادِ وَإِذَا اسْتَعْمَلَهَا أَوْ أَمْسَكَهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ) .
مَثَلًا لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ فَأْسًا لِتَكْسِيرِ جِذْعٍ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ بَعْدَ تَكْسِيرِ الْجِذْعِ. كَمَا يَلْزَمُ رَدُّ الْقِدْرِ وَالْإِنَاءِ الْمُسْتَعَارَيْنِ لِلْغَسِيلِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ غَسْلِ الثِّيَابِ. وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُمَا وَأَعَارَهُمَا لِآخَرَ أَوْ أَوْدَعَهُمَا عِنْدَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهُمَا فَتَلِفَا كَانَ ضَامِنًا كَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَهُمَا فِي يَدِهِ زِيَادَةً عَنْ الْمُكْثِ الْمُعْتَادِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ أَمْسَكَهُمَا لِلِاسْتِعْمَالِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَالْعَارِيَّةُ الَّتِي فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ عَارِيَّةٌ مُوَقَّتَةٌ دَلَالَةً أَيْضًا وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ الْمِثَالُ الْقَائِلُ: (لَوْ اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا عَلَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي عُرْسِ فُلَانٍ لَزِمَ إعَادَتُهُ فِي خِتَامِ ذَلِكَ الْعُرْسِ) وَهُوَ مِثَالٌ لَهَا. وَعَلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ الْمَادَّةُ لَا تُفِيدُ حُكْمًا زَائِدًا عَنْ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ لَوْ كَانَتْ عِبَارَةُ أَوْ (دَلَالَةً) الْوَارِدَةُ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ لَمْ تَرِدْ فِيهَا لَكَانَ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ لُزُومٌ حَقِيقِيٌّ.
[ (الْمَادَّةُ 828) الْمُسْتَعِيرُ يَرُدّ الْعَارِيَّةَ إلَى الْمُعِيرِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَمِينِهِ]
(الْمَادَّةُ 828) - (الْمُسْتَعِيرُ يَرُدُّ الْعَارِيَّةَ إلَى الْمُعِيرِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَمِينِهِ فَإِذَا رَدَّهَا بِغَيْرِ أَمِينِهِ فَهَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ ضَمِنَ) .
الْمُسْتَعِيرُ يَرُدُّ الْعَارِيَّةَ إلَى الْمُعِيرِ أَوْ إلَى خَادِمِهِ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تَسْلِيمًا بِنَفْسِهِ أَوْ
(2/376)
بِأَمِينِهِ كَمَا سَيُبَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ.
فَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ بَرِئَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَدْ رَدَّهَا وَأَعَادَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (36) . وَمَعْنَى رَدِّهَا لِأَمِينِهِ: إيدَاعُهَا لِأَمِينِهِ.
وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَادَّةُ فِي حُكْمِ الْمَادَّةِ (824) بِنَاءً عَلَيْهِ فَالْأَمِينُ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْأَمِينِ الَّذِي فِي عِيَالِ الْمُسْتَعِيرِ وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَيْ مِنْ الْأَمِينِ الَّذِي لَيْسَ فِي عِيَالِ الْمُسْتَعِيرِ إذْ إنَّهُ اشْتَرَطَ فِي جَوَازِ الْإِيدَاعِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (824) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْآخَرُ أَمِينًا.
وَالْحَاصِلُ: لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرُدَّ الْعَارِيَّةَ إلَى الْمُعِيرِ مَعَ الشَّخْصِ الَّذِي يُمْكِنُهُ إيدَاعُهُ إيَّاهَا وَفِي هَذِهِ الْحَالِ إذَا أَتْلَفَ الْأَمِينُ الْمَذْكُورُ الْعَارِيَّةَ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (91) وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ الْأَمِينَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ إلَّا.
أَمَّا لَوْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ غَيْرِ أَمِينِهِ وَتَلِفَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ أَيْ قَبْلَ رَدِّهَا وَتَسْلِيمِهَا لِلْمُعِيرِ أَوْ طَرَأَ عَلَى قِيمَتِهَا نُقْصَانٌ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا ذَلِكَ الشَّخْصُ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُقَيَّدَةً أَمْ مُوَقَّتَةً فَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
مَثَلًا لَوْ أَرْسَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ الْمُوَقَّتَةَ بَعْدَ خِتَامِ الْمُدَّةِ مَعَ غَيْرِ أَمِينِهِ لِلْمُعِيرِ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ وَالتَّنْوِيرُ وَالدُّرَرُ) .
[ (الْمَادَّةُ 829) كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مِنْ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ كَالْمُجَوْهَرَاتِ]
(الْمَادَّةُ 829) (إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مِنْ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ كَالْمُجَوْهَرَاتِ يَلْزَمُ فِي رَدَّهَا أَنْ تُسَلَّمَ لِيَدِ الْمُعِيرِ نَفْسِهِ وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَإِيصَالُهَا إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يُعَدُّ التَّسْلِيمُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تَسْلِيمًا وَكَذَا إعْطَاؤُهَا إلَى خَادِمِ الْمُعِيرِ رَدٌّ وَتَسْلِيمٌ. مَثَلًا الدَّابَّةُ الْمُعَارَةُ تَسْلِيمُهَا إيصَالُهَا إلَى إصْطَبْلِ الْمُعِيرِ وَتَسْلِيمُهَا إلَى سَائِسِهِ) .
الْعَارِيَّةُ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ فِي يَدِ الْخَدَمِ كَالْمُجَوْهَرَاتِ يَلْزَمُ فِي رَدِّهَا أَنْ تُسَلَّمَ لِيَدِ الْمُعِيرِ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ أُعْطِيت هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَى خَادِمِ الْمُعِيرِ أَوْ وُضِعَتْ فِي دَارِهِ أَوْ إصْطَبْلِهِ وَتَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى يَدِ الْمُعِيرِ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَالْعُرْفَ لَمْ يَجْرِيَا عَلَى تَسْلِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَأَمْثَالِهَا لِلْخَدَمِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (36) الْبَحْرُ.
لَكِنْ إذَا جَرَى الْعُرْفُ عَلَى تَسْلِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ لِبَعْضِ الْخَدَمِ الْخُصُوصِيِّينَ فَفِي تِلْكَ الْحَالِ يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا لَهُمْ.
فَعَلَيْهِ إذَا كَانَ يُوجَدُ عِنْدَ الْأَعْيَانِ مُوَظَّفٌ أَوْ خَادِمٌ لِحِفْظِ تِلْكَ الْمُجَوْهَرَاتِ وَالْعِنَايَةِ بِهَا فَمِنْ الْجَائِزِ تَسْلِيمُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ لَهُ.
كَذَلِكَ إذَا وُجِدَ فِي عِيَالِ الْمُعِيرِ مَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَ الْقَبْضِ وَالصَّرْفِ وَيُدِيرُ سَائِرَ مَصَالِحِهِ فَإِذَا جَرَتْ
(2/377)
الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ عَلَى تَسْلِيمِهِ الْأَشْيَاءَ النَّفِيسَةَ فَيَجُوزُ تَسْلِيمُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لَهُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (36) .
أَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَدِ الْخَدَمِ فَإِيصَالُهَا إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يُعَدُّ التَّسْلِيمُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تَسْلِيمًا أَوْ تَسْلِيمُهُ لِخَادِمِ الْمُعِيرِ جَائِزٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (36) .
مَثَلًا الدَّابَّةُ الْمُعَارَةُ تَسْلِيمُهَا إيصَالُهَا إلَى إصْطَبْلِ الْمُعِيرِ وَهَذَا مِثَالٌ لِإِيصَالِهَا إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يُعَدُّ التَّسْلِيمُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تَسْلِيمًا أَوْ يُسَلِّمُهَا إلَى سَائِسِهِ وَهَذَا مِثَالٌ لِإِعْطَائِهَا لِخَادِمِ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمَّا كَانَ مُتَعَارَفًا يُعَوَّلُ وَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الْإِصْطَبْلُ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَرَدُّ الْمُعَارِ إلَيْهِ كَرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ لَكِنْ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَالَ: إذَا كَانَ الْإِصْطَبْلُ خَارِجَ دَارِ الْمُعِيرِ فَالْإِيصَالُ إلَيْهِ لَا يُعَدُّ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ الْحَيَوَانِ هُنَاكَ بِلَا حَافِظٍ (الزَّيْلَعِيّ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
قِيلَ (إصْطَبْلُهُ) ؛ لِأَنَّ إيصَالَهُ إلَى أَرَاضِي الْمُعِيرِ لَيْسَ تَسْلِيمًا (الْبَحْرُ) .
وَجَازَ تَسْلِيمُهُ إلَى سَائِسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُعِيرُ يَحْفَظُ حَيَوَانَهُ بِوَاسِطَةِ سَائِسِهِ فَالتَّسْلِيمُ إلَى السَّائِسِ عَادَةً كَالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَصَاحِبُهُ يُسَلِّمُهُ إلَى سَائِسِهِ. هَلْ كَلِمَةُ (سَائِسِهِ) قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ؟ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهُ يَجُوزُ تَسْلِيمُ حَيَوَانٍ كَهَذَا إلَى خَادِمِ الْمُعِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْخَادِمُ مُكَلَّفًا بِخِدْمَةِ الْحَيَوَانِ يَعْنِي سَائِسًا أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ السَّائِسَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْقَى الْحَيَوَانُ فِي يَدِهِ دَائِمًا بَلْ يَسْتَعِينُ بَعْضًا بِرُفَقَائِهِ مِنْ الْخَدَمِ وَمُعْتَبَرٌ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ رَاضٍ لِذَلِكَ الْخَادِمِ. وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ بِصِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ (الزَّيْلَعِيّ) وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَوْلُهُ (سَائِسِهِ) لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا.
وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ جَاءَ خَادِمُ الْمُعِيرِ أَوْ سَائِسُهُ مَثَلًا مِنْ طَرَفِ الْمُعِيرِ يَقْبِضُ الْحَيَوَانَ الْمُعَارَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَبَعْدَ قَبْضِهِ مِنْهُ ضَاعَ وَأَنْكَرَ الْمُعِيرُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ قِبَلِهِ بِقَبْضِ الْمُعَارِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ ضَمَانٌ وَالْحَالُ أَنَّهُ إذَا أُعْطِيت الْعَارِيَّةُ لِشَخْصٍ آخَرَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (825) لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ الضَّمَانُ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (795) الِاخْتِلَافُ فِي صِحَّةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ رَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَلَيْسَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ كَرَدِّ الْعَارِيَّةِ. وَأَنَّ تَعْبِيرَ الْعَارِيَّةِ هُنَا احْتِرَازٌ عَنْ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَبْرَأُ مَا لَمْ يَرُدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِ الْغَصْبِ وَإِزَالَتُهُ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ لِصَاحِبِهِ وَلَا يَكُونُ بِالرَّدِّ لِغَيْرِهِ (الْبَحْرُ) وَسَيُعْطَى إيضَاحَاتٌ عَنْ هَذَا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (890) .
[ (الْمَادَّةُ 830) عِنْدَمَا يَرُدُّ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ الَّتِي فِي يَدِهِ فَمُؤْنَتُهَا تَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ]
(الْمَادَّةُ 830) - (عِنْدَمَا يَرُدُّ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ الَّتِي فِي يَدِهِ فَمُؤْنَتُهَا أَيْ كُلْفَتُهَا وَمَصَارِفُ نَقْلِهَا تَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ) .
تَعُودُ مَئُونَةُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى مَنْ تَعُودُ إلَيْهِ مَنْفَعَةُ قَبْضِهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (87) . وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ.
الْإِعَارَةُ: إذَا أَرَادَ الْمُسْتَعِيرُ رَدَّ الْعَارِيَّةِ الَّتِي فِي يَدِهِ فَمَصَارِيفُ رَدِّهَا وَمَئُونَةُ نَقْلِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ الْعَارِيَّةِ تَعُودُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَبَضَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ لِمَنْفَعَتِهِ.
(2/378)
وَتَتَفَرَّعُ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ عَنْ كَوْنِ مَئُونَةِ رَدِّ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَوْ طَلَبَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ وَكَانَ الْمُسْتَعِيرُ قَادِرًا عَلَى رَدَّهَا أَيْضًا وَامْتَنَعَ عَنْ إعَادَتِهَا لِلْمُعِيرِ بِقَوْلٍ لَهُ: اُحْضُرْ أَنْتَ وَخُذْهَا أَوْ أَرْسِلْ حَمَّالًا لِيَأْخُذَهَا وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ كَانَ ضَامِنًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ أَمْسَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ فِي يَدِهِ بِلَا اسْتِعْمَالٍ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ عَنْ خِتَامِ الْمُدَّةِ قَائِلًا لِيَحْضُرْ الْمُعِيرُ لِيَأْخُذَهَا وَتَلِفَ فِي يَدِهِ كَانَ ضَامِنًا (الْبَحْرُ) .
الْإِجَارَةُ: إذَا كَانَ رَدُّ وَإِعَادَةُ الْمَأْجُورِ يَحْتَاجُ إلَى حَمْلٍ وَمَئُونَةٍ فَأُجْرَةُ نَقْلِهَا تَعُودُ عَلَى الْآجِرِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (595) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَأْجُورِ لِمَنْفَعَةِ الْآجِرِ إذْ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ بَدَلَ الْإِجَارَةِ (الْبَحْرُ) .
وَيَرِدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السُّؤَالُ الْآتِي: وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَيْضًا مَالِكٌ مَنْفَعَةَ الْمَأْجُورِ فَلِذَلِكَ كَانَ قَبْضُ الْمَأْجُورِ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَجِبُ لِذَلِكَ أَنْ تَلْزَمَ الْمُسْتَأْجِرَ مَئُونَةُ رَدِّ الْمَأْجُورِ أَوْ يَجِبُ عَلَى الْأَقَلِّ حَسَبَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ تَلْزَمَ الْمُؤَجِّرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ بِالسَّوِيَّةِ.
الْجَوَابُ: إنَّمَا يَحْصُلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْفَعَةُ فَقَطْ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَبِمَا أَنَّ الْعَيْنَ مُرَجَّحَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَجُعِلَتْ مَئُونَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ.
الرَّهْنُ: مَئُونَةُ إعَادَةِ الرَّهْنِ بَعْدَ فَكِّهِ إلَى الرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (الْبَحْرُ) ؛ لِأَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَيْ فِي شَرْحِ عِنْوَانِ " كِتَابُ الْخَامِسِ فِي الرَّهْنِ ". إنَّ قَبْضَ الْمَرْهُونِ هُوَ لِتَأْمِينِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ.
الْغَصْبُ: مَئُونَةُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَمَصَارِيفُ نَقْلِهِ " كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (890) عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ وَإِعَادَةُ الْمَغْصُوبِ لِمَالِكِهِ وَإِزَالَةُ مَا أَتَى مِنْ ضَرَرٍ لِصَاحِبِ الْمَالِ بِغَصْبِهِ مَالَهُ (الْبَحْرُ) .
اسْتِثْنَاءٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ هَذِهِ الْمَادَّةِ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَهِيَ: لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ مَالَ آخَرَ لِيَرْهَنَهُ فِي مُقَابِلِ دَيْنٍ عَلَيْهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ فَكَّ الرَّهْنَ فَمَئُونَةُ رَدِّ هَذَا الْمَالِ وَإِعَادَتِهِ تَعُودُ عَلَى الْمُعِيرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْعَارِيَّةِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَالْفَائِدَةَ فِي الْعَارِيَّةِ الَّتِي تُسْتَعَارُ لِأَجْلِ الرَّهْنِ هِيَ لِلْمُعِيرِ فَعَلَيْهِ لَمَّا كَانَ يَسْقُطُ دَيْنُ الْمُسْتَعِيرِ فِي حَالَةِ تَلَفِ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ حَيْثُ إنَّ هَذِهِ الْعَارِيَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ (الْبَحْرُ) فَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ لُزُومُ مَئُونَةِ رَدِّ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُعِيرِ هُوَ مِنْ فُرُوعِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
[ (الْمَادَّةُ 831) اسْتِعَارَةُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَلِغَرْسِ الْأَشْجَارِ]
(الْمَادَّةُ 831) - (اسْتِعَارَةِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَلِغَرْسِ الْأَشْجَارِ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْإِعَارَةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ وَأَنْ يَطْلُبَ قَلْعَ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُوَقَّتَةً فَيَضْمَنُ الْمُعِيرُ مِقْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ قِيمَةِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مَقْلُوعَةً حِينَ قَلَعَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً فِي حَالَةِ بَقَائِهَا إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، مَثَلًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مَقْلُوعَةً فِي حَالَةِ قَلْعِهَا فِي الْحَالِ اثْنَيْ عَشَرَ
(2/379)
دِينَارًا وَقِيمَتُهَا عَلَى أَنْ تَبْقَى إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَطَلَبَ الْمُعِيرُ قَلْعَهَا فِي الْحَالِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاءُ ثَمَانِيَةِ دَنَانِيرَ) .
اسْتِعَارَةُ الْأَرَاضِي لِلْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَلِغَرْسِ الْأَشْجَارِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ بِالشِّرَاءِ وَالِاسْتِئْجَارِ يَجُوزُ أَيْضًا بِالْإِعَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَقْصِدُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ بَيَانَ حَصْرِ الْمَنَافِعِ الَّتِي يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْإِعَارَةِ إذْ إنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الْأَرَاضِي أَيْضًا لِلْمَرَاحِ وَنَصْبِ الْخِيَامِ وَإِيقَافِ وَإِقَامَةِ الدَّوَابِّ وَلِلزِّرَاعَةِ. كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الْحَيَوَانِ لِلرُّكُوبِ وَلِلْحَمْلِ وَلِلْحِرَاثَةِ وَلِإِيجَارِهِ لِآخَرَ وَرَهْنُهُ وَالْحُلِيِّ لِلتَّزْيِينِ وَتُزَيَّنُ الدَّارُ بِهِ، وَالثِّيَابِ لِلُّبْسِ وَالدَّارِ لِسُكْنَاهَا وَوَضْعِ أَمْتِعَتِهِ فِيهَا وَالْجُذُوعِ لِوَضْعِهَا فِي الْبِنَاءِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ، بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ الْأَحْكَامُ الْوَارِدَةُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ.
فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِعَارَةِ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ يَبْنِيَ الْمُسْتَعِيرُ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً أَوْ يَغْرِسَ شَجَرًا وَالْمُسْتَعِيرُ مُجْبَرٌ عَلَى رَفْعِ الْبِنَاءِ وَقَلْعِ الْأَشْجَارِ، مَا لَمْ يَكُنْ الْقَلْعُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ كَمَا سَيُوَضَّحُ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَقَدْ جَازَ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (806) .
بِطَلَبِ قَلْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ شَغَلَ بِمِلْكِهِ مِلْكَ الْمُعِيرِ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ: مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (909) : لَوْ شَغَلَ أَحَدٌ عَرْصَةَ آخَرَ بِوَضْعِ كُنَاسَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِيهَا يُجْبَرُ عَلَى رَفْعِ مَا وَضَعَهُ وَتَخْلِيَةِ الْعَرْصَةِ (الْبَحْرُ) .
وَإِذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ لَا يَلْزَمُ الْمُعِيرَ الضَّمَانُ الْمُحَرَّرُ فِي الْقَضِيَّةِ الْآتِيَةِ: وَكَذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ تَضْمِينُ الْمُعِيرِ النُّقْصَانَ الطَّارِئَ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ بِسَبَبِ الْقَلْعِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ فِقْرَةِ " ثُمَّ إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً " لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ فَلَا يَكُونُ الْمُعِيرُ فِي الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مُغَرِّرًا لِلْمُسْتَعِيرِ بَلْ يَكُونُ الْمُسْتَعِيرُ هُوَ الَّذِي أَغَرَّ نَفْسَهُ وَقَدْ ظَهَرَ فِي هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ سَبَبُ لُزُومِ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ الْمَوْجُودُ بَيْنَهُمَا.
تَمَلُّكُ الْمُعِيرِ الْبِنَاءَ وَالْأَشْجَارَ: لِلْمُعِيرِ حَقٌّ آخَرُ أَيْضًا فَلَوْ كَانَ قَلْعُ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مُضِرًّا فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مَقْلُوعَةً وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَعِيرُ. يَعْنِي لِلْمُعِيرِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْأَبْنِيَةَ وَالْأَشْجَارَ بِقِيمَتِهَا فِي الْحَالِ وَقْتَ رُجُوعِهِ مَقْلُوعَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَرَأَ عَلَى أَرْضِ الْمُسْتَعِيرِ نُقْصَانٌ فَلَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ ذَلِكَ مُسْتَقِلًّا لِدَفْعِ ضَرَرِهِ.
وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ تَمَلُّكُ الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ يَطْرَأُ نُقْصَانٌ فِي الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ بِسَبَبِ الْقَلْعِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبِنَاءِ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ وَصْفٍ. أَمَّا الْمُعِيرُ فَصَاحِبُ أَصْلٍ فَلِذَلِكَ يُرَجَّحُ طَرَفُ صَاحِبِ الْأَصْلِ.
لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ قَلْعُهُمَا مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُمَا جَبْرًا يَعْنِي بِدُونِ رِضَا الْمُسْتَعِيرِ، أَمَّا إذَا رَضِيَ الْمُعِيرُ بِالتَّمَلُّكِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُسْتَعِيرُ أَيْضًا بِالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ كَانَ تَمَلُّكُ الْمُعِيرِ وَشِرَاؤُهُ صَحِيحًا. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 531) وَشَرْحَهَا.
وَالْحَاصِلُ - إذَا كَانَ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فَلِلْمُعِيرِ الصَّلَاحِيَّةُ فِي تَمَلُّكِهِمَا جَبْرًا وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُعِيرَ عَلَى التَّمَلُّكِ الْمَذْكُورِ. وَالْمُسْتَعِيرُ مَجْبُورٌ عَلَى الْقَلْعِ وَلَوْ كَانَ الْقَلْعُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ فِي
(2/380)
حَالَةِ طَلَبِ الْمُعِيرِ ذَلِكَ.
وَإِسْنَادُ الرُّجُوعِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ إلَى الْمُعِيرِ لَيْسَ لِلْحَصْرِ؛ لِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ فَسْخُ الْإِعَارَةِ وَقَلْعُ الشَّجَرِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ مُؤَقَّتَةً أَمْ لَمْ تَكُنْ.
وَالْحَاصِلُ - تُفْسَخُ الْعَارِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَقَدْ صَارَ إيضَاحُ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (806) .
وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ بِأَنْ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ: إنَّ هَذَا الْبِنَاءَ قَدْ عَمِلْته أَنَا أَوْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ قَدْ غَرَسْتهَا، فَقَالَ الْمُعِيرُ: إنَّ هَذَا الْبِنَاءَ أَوْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ كَانَا مَوْجُودَيْنِ قَبْلًا فِي الْأَصْلِ، فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ وَإِذَا أَقَامَ الطَّرَفَانِ الْبَيِّنَةَ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمُعِيرِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُؤَقَّتَةً عَلَى مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (826) فَبِمَا أَنَّ الرُّجُوعَ الْمَذْكُورَ قَبْلَ خِتَامِ الْمُدَّةِ يَتَضَمَّنُ خُلْفًا الْمَوْعِدَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فَيَضْمَنُ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ مِقْدَارِ التَّفَاوُتِ الْمَوْجُودِ بَيْنَ قِيمَةِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ مَقْلُوعَةً حِينَ قَلَعَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً فِي حَالَةِ بَقَائِهَا إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ الْمُعِيرُ مُجْبَرًا عَلَى تَمَلُّكِهَا وَضَمَانِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ لَمَّا صَرَّحَ بِرِضَاهُ بِتَرْكِهَا إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ قَدْ خَدَعَ الْمُسْتَعِيرَ وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ حَالِ الْإِنْسَانِ الثَّبَاتَ عَلَى وَعْدِهِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُعِيرُ عَلَى وَعْدِهِ فَلِلْمُسْتَعِيرِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَأَصْبَحَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ.
وَالْمُعِيرُ يَضْمَنُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ التَّفَاوُتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَقَطْ وَلَا يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَةِ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُحِيطِ يُفِيدُ ضَمَانَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنَّ الْمَجَلَّةَ لَمْ تَقْبَلْ قَوْلَ الْمُحِيطِ هَذَا (الْبَحْرُ) .
فَعَلَيْهِ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ فِي الْإِعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ قَبْلَ خِتَامِ الْمُدَّةِ وَكَانَ قَلْعُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ ضَرَرًا فَاحِشًا وَأَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فَيَمْلِكُهَا بِقِيمَتِهَا وَقْتَ خِتَامِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْوَقْتِ لَا تَكُونُ مُسْتَحَقَّةً لِلْقَلْعِ وَلِذَلِكَ لَا يَتَمَلَّكُهَا بِقِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً فِي الْحَالِ.
وَلَيْسَ عَلَى الْمُعِيرِ مِنْ ضَمَانٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فِي حَالَةِ رُجُوعِهِ عَنْ الْإِعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا أَيْ وَإِنْ لَزِمَ الْمُعِيرَ ضَمَانٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ إذَا رَجَعَ عَنْ الْإِعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا إلَّا أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا يُلْزَمُ الْمُعِيرُ بِضَمَانٍ مَا بَلْ لَهُ فِي حَالَةِ وُجُودِ الضَّرَرِ لِلْأَرْضِ مِنْ قَلْعِهِمَا أَنْ يَتَمَلَّكَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا مَقْلُوعَةً.
سُؤَالٌ وَجَوَابٌ: وَيَرِدُ السُّؤَالُ الْآتِي عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ.
ضَمَانُ الْغَرُورِ يَكُونُ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِهَا.
مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: اذْهَبْ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، فَذَهَبَ مِنْهَا فَسَلَبَهُ اللُّصُوصُ فَلَا يَلْزَمُ قَائِلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ ضَمَانٌ، وَعَلَيْهِ فَلِمَاذَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي الْعَارِيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ.
كَمَا أَنَّهُ إذَا لَحِقَ الْمَوْهُوبَ لَهُ ضَمَانٌ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَا يَكُونُ الْوَاهِبُ ضَامِنًا (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 658) .
(2/381)
الْجَوَابُ: هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ " ابْنِ فِي هَذِهِ الْعَرْصَةِ وَإِنِّي لَتَارِكُهَا فِي يَدِك لِلْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ وَإِذَا لَمْ أَتْرُكْهَا فَإِنِّي ضَامِنٌ لِبِنَائِك.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا ضُبِطَتْ الْأَرْضُ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَأَصْبَحَ الْمُسْتَعِيرُ مُجْبَرًا عَلَى الْقَلْعِ. فَلَوْ رَجَعَ الْمُعِيرُ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْوَقْتِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا فَلَوْ ضُبِطَتْ الْأَرْضُ الْمُسْتَعَارَةُ بِالِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَأَصْبَحَ الْمُسْتَعِيرُ مُجْبَرًا عَلَى قَلْعِ الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُعِيرَ الضَّمَانُ الْمَذْكُورُ آنِفًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُؤَقَّتَةً فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ عَلَى كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ هَذَا مَا قَالَتْهُ الْهِنْدِيَّةُ أَوَّلًا ثُمَّ أَعْقَبَتْهُ بِقَوْلِهَا وَقَدْ قَالَ الْخَصَّافُ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُعِيرَ الضَّمَانُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (658) .
لَوْ غَرَّرَ أَحَدٌ آخَرَ فِي الْعَقْدِ الَّذِي نَفْعُهُ لِلْقَابِضِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ بِلُزُومِ الضَّمَانِ.
مَثَلًا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ مَقْلُوعَةً حِينَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِعَارَةِ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وَكَانَتْ قِيمَتُهَا لَوْ بَقِيَتْ إلَى انْتِهَاءِ وَقْتِ الْإِعَارَةِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَطَلَبَ الْمُعِيرُ قَلْعَهَا لَزِمَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ مِقْدَارَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ. وَيُعْتَبَرُ فِي الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ قِيمَتُهَا وَقْتَ الِاسْتِرْدَادِ يَعْنِي يُعْتَبَرُ بَدَلُ الْأَرْضِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَسْتَرِدُّهَا فِيهِ الْمُعِيرُ (الْبَحْرُ) لِأَنَّ قِيمَةَ وَقْتِ الِاسْتِرْدَادِ أَسْهَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَلْزَمُ الْقِيمَةُ وَقْتَ مُرُورِ الْمُدَّةِ وَلَكِنْ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ.
مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ أَعَارَ أَحَدٌ أَرْضَهُ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ سَنَتَيْنِ وَبَعْدَ مُرُورِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَلَى غَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ بِنَائِهِ فِي الْأَرْضِ رَجَعَ الْمُعِيرُ عَنْ الْإِعَارَةِ وَأَمَرَ بِالْقَلْعِ وَتَحَقَّقَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَنَّ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْأَشْجَارِ إذَا بَقِيَتْ سَنَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ أَلْفُ قِرْشٍ وَقِيمَتَهَا فِي الْحَالِ مَقْلُوعَةً مِائَةُ قِرْشٍ ضَمِنَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ تِسْعَمِائَةِ قِرْشٍ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
[ (الْمَادَّةُ 832) اسْتِرْدَاد الْمُسْتَعِير الْأَرْض الْمُعَارَّة قَبْل وَقْت الْحَصَاد]
(الْمَادَّةُ 832) - (لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِرْدَادُ الْأَرْضِ الَّتِي أُعِيرَتْ لِلزَّرْعِ إذَا رَجَعَ عَنْ إعَارَتِهِ قَبْلَ وَقْتِ الْحَصَادِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ مُؤَقَّتَةً أَمْ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ) .
قَدْ جُوِّزَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ اسْتِحْسَانًا. وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ الِاسْتِرْدَادِ هُوَ: أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَمْ يَكُنْ فِي زِرَاعَتِهِ الْأَرْضَ مُبْطِلًا وَغَيْرَ مُحِقٍّ وَإِنَّمَا هُوَ مَغْرُورٌ بِإِعْطَاءِ الْمُعِيرِ إيَّاهُ إذْنًا بِالزِّرَاعَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ يَلْزَمُ تَرْكُ الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ، وَبَعْدَ رُجُوعِ الْمُعِيرِ تَنْقَلِبُ الْإِعَارَةُ إلَى إجَارَةٍ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (19) تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ. وَلَمْ يُجِزْ الرُّجُوعَ وَالِاسْتِرْدَادَ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ لِلزَّرْعِ مَعَ كَوْنِهِ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ لِلْبِنَاءِ وَلِغَرْسِ الْأَشْجَارِ وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: وَقَدْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْمَادَّةِ (831) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ وَإِبْقَاءُ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْلِ مِمَّا يَضُرُّ بِالْمُعِيرِ فَلِأَجْلِ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ أَيْ الْمُعِيرِ قُلِعَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَلِلزَّرْعِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ تَبْقَى الْأَرْضُ الْمُسْتَعَارَةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ
(2/382)
بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ الَّذِي هُوَ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ جَوَّزَ إبْقَاءَ الْأَرَاضِي فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ وَيَأْخُذُ الْمُعِيرُ أَجْرَ مِثْلِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَبْقَى فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِعَارَةِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ اُسْتُؤْجِرَتْ أَرَاضٍ لِلزِّرَاعَةِ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ يَصِيرُ إبْقَاءُ الْأَرْضِ الْمَأْجُورَةِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 526) وَشَرْحَهَا (الْبَحْرُ) .
وَلِإِبْقَاءِ الزَّرْعِ إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ عَلَى مُوجَبِ هَذِهِ الْمَادَّةِ عِلَّتَانِ: أُولَاهُمَا - أَنَّ قَلْعَ الزَّرْعِ مُضِرٌّ بِالْمُسْتَعِيرِ كَمَا أَنَّ إبْقَاءَهُ بِلَا بَدَلٍ مُضِرٌّ بِالْمُعِيرِ أَيْضًا فَيُدْفَعُ ضَرَرُ الطَّرَفَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (31) .
وَبِذَلِكَ رُوعِيَ حَقُّ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الزَّرْعِ قَدْ غَرَّرَ بِهِ الْمُعِيرُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
ثَانِيهِمَا - أَنَّهُ يُوجَدُ فِي قَلْعِ الزَّرْعِ أَبْطَالٌ لِمِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ وَفِي تَرْكِهِ تَأْخِيرُ حَقٍّ لِلْمُعِيرِ أَيْ تَأْخِيرُ تَصَرُّفِهِ وَبِمَا أَنَّ الْقَرَارَ الْأَوَّلَ أَشَدُّ مِنْ الثَّانِي فَيَجِبُ أَنْ يُعَارَ إلَى الثَّانِي اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (29) .
اخْتِلَاف الْفُقَهَاءِ فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ: يَلْزَمُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ عَقْدُ الْإِيجَارِ فِي لُزُومِ الْأُجْرَةِ يَعْنِي يَجِبُ أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُعِيرُ الْأَرْضَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ الرُّجُوعِ.
لَكِنْ إذَا لَمْ يَتَّفِقْ الطَّرَفَانِ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ يُؤَجِّرُ الْحَاكِمُ وَيُقَدِّرُ الْأُجْرَةَ بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْوُقُوفِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَجِّرْ الْمُعِيرُ وَالْحَاكِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أُجْرَةٌ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (596) . وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْآخَرِينَ يَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الرُّجُوعِ وَلَوْ لَمْ تُعْقَدْ إجَارَةٌ.
مَعْنَى عَدَمِ الِاسْتِرْدَادِ هُنَا: وَيُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَجَلَّةِ (لَيْسَ لِلْمُعِيرِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ وَمُرْتَبِطٌ بِنَفْيِ الِاسْتِرْدَادِ حَصْرًا وَلَيْسَ لِنَفْيِ الرُّجُوعِ وَالِاسْتِرْدَادِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (806) أَنَّ لِلْمُعِيرِ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِعَارَةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ، وَلَوْ كَانَ فِي رُجُوعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ تَبْطُلُ الْإِعَارَةُ بِالرُّجُوعِ الْوَارِدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ وَتَبْقَى الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ بُطْلَانِ الْإِعَارَةِ بِالرُّجُوعِ وَبَيْنَ إبْقَائِهَا فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ.
وَالْمُعِيرُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ لَوْ قَالَ: إنَّنِي أَتَمَلَّكُ الزَّرْعَ بِعَطَاءِ الْمُسْتَعِيرِ مِثْلَ الْبِذَارِ وَمَصَارِيفِهِ وَيُسَلِّمُنِي الْمُسْتَعِيرُ أَرْضًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْبِذَارُ نَابِتًا فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَ الْمُسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّ الْبِذَارَ قَبْلَ النَّبَاتِ مُسْتَهْلَكٌ وَمَعْدُومٌ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (205) إذَا كَانَ نَابِتًا وَكَانَ الْمُسْتَعِيرُ رَاضِيًا بِذَلِكَ جَازَتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى ذَلِكَ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
مَسْأَلَةٌ أُخْرَى لَيْسَ لِلْمُعِيرِ فِيهَا اسْتِرْدَادُ الْمُسْتَعَارِ.
لَيْسَ لِلْمُعِيرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ اسْتِرْدَادُ الْمُسْتَعَارِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِعَارَةِ. فَلَوْ أَعَارَ الْمُعِيرُ زِقًّا لِوَضْعِ
(2/383)
زَيْتٍ فَرَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ الْإِعَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْإِمْكَانِ تَدَارُكُ زِقٍّ آخَرَ وَوَضَعَ الزَّيْتَ فِيهِ هُنَاكَ فَيَبْقَى ذَلِكَ الزِّقُّ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى مَحِلٍّ يُمْكِنُ فِيهِ تَدَارُكُ زِقٍّ آخَرَ.
[خَاتِمَةٌ فِي الِاخْتِلَافَاتِ فِي التَّمْلِيكِ وَالْإِعَارَةِ]
ِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَوْ قَالَ أَحَدٌ بَعْدَ أَنْ أَعْطَى ابْنَتَهُ الْجِهَازَ الْمُعْتَادَ أَيْ جِهَازَ مِثْلَهَا كُنْت أَعَرْتُك هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ وَالْعُرْفُ أَنْ يُعْطِيَ الْأَبُ ذَلِكَ الْجِهَازَ مِلْكًا وَلَا يُعْطِيهِ لِابْنَتِهِ مِنْ قَبِيلِ الْإِعَارَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يُكَذِّبُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ كَذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ مُطَّرِدًا وَكَانَ أَحْيَانًا هَكَذَا أَوْ أُخْرَى هَكَذَا فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ.
كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَالُ أَكْثَرَ مِنْ الْجِهَازِ الَّذِي يُعْطَى لِأَمْثَالِ تِلْكَ الْبِنْتِ وَادَّعَى الْأَبُ بَعْدَ إعْطَائِهِ إيَّاهُ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ يُصَدَّقُ فِي كَلَامِهِ لَكِنْ هَلْ الْقَوْلُ لِلْأَبِ فِي جَمِيعِهِ أَوْ فِيمَا يَزِيدُ عَنْ جِهَازِ الْمِثْلِ الظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَالْأُمُّ وَسَائِرُ أَوْلِيَاءِ الصَّغِيرَةِ كَالْأَبِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ تُوُفِّيَ الْأَبُ بَعْدَ إعْطَائِهِ الْجِهَازَ لِابْنَتِهِ فَإِذَا أَرَادَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ إدْخَالَ الْجِهَازِ فِي التَّرِكَةِ يُنْظَرُ. فَإِذَا كَانَ الْأَبُ فِي حَالَةِ صِحَّتِهِ اشْتَرَاهُ لِابْنَتِهِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ لِابْنَتِهِ الْكَبِيرَةِ وَسَلَّمَهَا إيَّاهُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ الْمُدَاخَلَةُ فِيهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.
(2/384)
[الْكِتَابُ السَّابِعُ الْهِبَةُ]
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَاهِبِ الْعَطَايَا مُعْطِي النِّعَمِ خَالِقِ الْبَرَايَا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ مُبَلِّغِ الْهَدْيِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَخُلَفَائِهِ أَئِمَّةِ الدِّينِ الْمُجْتَبَى.
فِي حَقِّ الْهِبَةِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَبَابَيْنِ.
إنَّ ذِكْرَ مَبَاحِثِ الْهِبَةِ بَعْدَ الْعَارِيَّةِ هُوَ تَرَقٍّ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ هِيَ تَمْلِيكٌ لِلْمَنَافِعِ فَقَطْ فَهِيَ أَدْنَى، وَالْهِبَةُ هِيَ تَمْلِيكٌ لِلْعَيْنِ وَلِلْمَنْفَعَةِ مَعًا فَهِيَ أَعْلَى مِنْ الْعَارِيَّةِ، الْهِبَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ بِوَزْنِ فِعْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَأْخُوذٌ مِنْ وَهَبَ كَعِدَةٍ أَصْلُهَا وَعْدَةٌ مِنْ وَعَدَ فَكَانَتْ مِنْ الْمَصَادِرِ الَّتِي تُحْذَفُ أَوَائِلُهَا وَيُعَوَّضُ فِي آخِرِهَا بِالتَّاءِ (الْفَتْحُ، وَالْعَيْنِيُّ) مَشْرُوعِيَّةُ الْهِبَةِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] لِآخِرِ الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّحِيَّةِ هُوَ الْعَطِيَّةُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَإِنْ قَالَ الْبَعْضُ بِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهَا السَّلَامُ (الْكِفَايَةُ) وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ أَيْضًا «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» (الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ) تَهَادَوْا بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْوَاوِ هِيَ صِيغَةُ الْخِطَابِ لِلْجَمَاعَةِ كَلَفْظَةِ (تَعَالَوْا) كَذَلِكَ كَلِمَةُ (تَحَابُّوا) بِالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ هِيَ صِيغَةُ خِطَابِ الْجَمَاعَةِ وَأَصْلُهَا (تَحَابُّونَ) فَسَقَطَتْ النُّونُ لِكَوْنِهَا جَوَابًا لِلْأَمْرِ (الْهِدَايَةُ وَالْعَيْنِيُّ) .
إجْمَاعُ الْأُمَّةِ: قَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْهِبَةِ (الْهِدَايَةُ) .
مَحَاسِنُ الْهِبَةِ: إنَّ لِلْهِبَةِ مَحَاسِنَ كَثِيرَةً فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ تَعْلِيمُ وَلَدِهِ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعْلِيمُهُ الْجُودَ وَالْإِحْسَانَ؛ لِأَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا هُوَ رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَسَيِّئَةٍ (الْبَحْرُ) وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسَهُ بِالْوَهَّابِ إذْ وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص: 9] وَيَكْفِي ذَلِكَ لِإِثْبَاتِ مَحَاسِنِ الْهِبَةِ (الْفَتْحُ) . إذَا بَاشَرَ الْإِنْسَانُ فِعْلَ الْهِبَةِ فَقَدْ اكْتَسَبَ أَشْرَفَ الصِّفَاتِ وَاسْتَعْمَلَ الْكَرَمَ وَأَزَالَ مِنْ نَفْسِهِ الشُّحَّ وَأَدْخَلَ السُّرُورَ إلَى قَلْبِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَوْرَثَ الْمَوَدَّةَ وَالْمَحَبَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَزَالَ الْحَسَدَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَتَصْدُقُ فِي حَقِّهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْمُفْلِحِينَ (الطَّحْطَاوِيُّ)
(2/387)
[الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ الِاصْطِلَاحَات الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ فِي الْهِبَةِ]
الْمُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ الْإِصْلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ فِي الْهِبَةِ (الْمَادَّةُ 833) - (الْهِبَةُ هِيَ تَمْلِيكُ مَالٍ لِآخَرَ بِلَا عِوَضٍ وَيُقَالُ لِفَاعِلِهِ: وَاهِبٌ، وَلِذَلِكَ الْمَالُ مَوْهُوبٌ وَلِمَنْ قَبِلَهُ مَوْهُوبٌ لَهُ وَالِاتِّهَابُ بِمَعْنَى قَبُولِ الْهِبَةِ أَيْضًا) . الْهِبَةُ: فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّفَضُّلُ وَالْإِحْسَانُ بِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَيْ الْمُعْطَى لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَالًا كَهِبَةِ شَخْصٍ لِآخَرَ فَرَسًا أَمْ غَيْرَ مَالٍ كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ لِآخَرَ: لِيَهَبَ اللَّهُ لَك وَلَدَك، مَعَ أَنَّ وَلَدَ ذَلِكَ الشَّخْصِ حُرٌّ لَيْسَ بِمَالٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) . فَعَلَى ذَلِكَ فَنَقْلُ الْهِبَةِ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ إلَى مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيِّ هُوَ نَقْلُ الِاسْمِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْمَالِ، وَجَمْعُ الْهِبَةِ: هِبَاتٌ وَمَوَاهِبُ (الْفَتْحُ) وَالْهِبَةُ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هِيَ تَمْلِيكُ مَالٍ لِآخَرَ بِلَا عِوَضٍ وَيُسَمَّى الْمُمَلِّكُ وَاهِبًا وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْمَالُ مَوْهُوبًا وَيُسَمَّى الشَّخْصُ الَّذِي يَقْبَلُ ذَلِكَ التَّمْلِيكَ مَوْهُوبًا لَهُ كَمَا أَنَّ الِاتِّهَابَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ هُوَ بِمَعْنَى قَبُولِ الْهِبَةِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِيهَابَ هُوَ بِمَعْنَى طَلَبِ الْهِبَةِ (الْكِفَايَةُ وَالْفَتْحُ) وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ الْهِبَةَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ إلَّا أَنَّهُ يُطْلِقُ أَحْيَانًا كَلِمَةَ هِبَةٍ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبِ وَأَنَّ الْهِبَةَ الْوَارِدَةَ فِي عِنْوَانِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي هِيَ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبِ وَيُطْلِقُ أَيْضًا عَلَى الْمَالِ الْمَوْهُوبِ لَفْظَةَ مُوهَبَةٍ (الْفَتْحُ) .
وَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ الْمُتَقَدِّمِ الْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ وَإِنَّ تَعْرِيفَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ لَا يُوجَبُ خُرُوجُهُمَا مِنْ الْهِبَةِ.
إيضَاحُ الْقُيُودِ: - (التَّمْلِيكُ) إنَّ تَقْيِيدَ التَّمْلِيكِ بِقَيْدٍ بِلَا عِوَضٍ هُوَ مَرْبُوطٌ بِالتَّمْلِيكِ وَمُؤَخَّرٌ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ الْمَالَ بِلَا عِوَضٍ وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ الْمَعْنَوِيَّ لِلتَّعْرِيفِ وَهُوَ بِمَثَابَةِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ مِنْ وَجْهٍ قَيْدًا مُدْخِلًا فَيَدْخُلُ فِيهِ التَّمْلِيكَاتُ الْأُخْرَى كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَيَكُونُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَيْدًا مُخْرِجًا وَيُخَرِّجُ ذَلِكَ اللَّفْظُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ مِنْ التَّعْرِيفِ وَهِيَ: 1 - فَرَاغُ الْمُسْتَغَلَّاتِ الْوَقْفِيَّةِ وَالْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ مَجَّانًا فَتَخْرُجُ مِنْ التَّعْرِيفِ عَلَى رَأْيِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْفَرَاغَ هُوَ نُزُولٌ عَنْ الْحَقِّ الْعَادِي الْمُجَرَّدِ.
2 - بِمَا أَنَّ كَلِمَةَ التَّمْلِيكِ تُفِيدُ التَّمْلِيكَ حَالًّا فَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ.
3 - يَخْرُجُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ هِبَةُ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْوَارِدُ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (873) فَيَجِبُ خُرُوجُهَا
(2/389)
لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَلَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ إسْقَاطٌ وَلَيْسَتْ تَمْلِيكًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَوْنُهَا لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (873) بَعْدَ الْإِيجَابِ. بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ وَقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
رَابِعًا - يَخْرُجُ أَيْضًا الْإِقْرَارُ الَّذِي يَقَعُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَبِطَرِيقَةِ نَفْيِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا فِي الْحَالِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْمَالَ هُوَ مَالٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَصْلِ فَلِذَلِكَ الْإِقْرَارُ الْوَاقِعُ صُورَةَ نَفْيِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ خَارِجًا عَنْ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَمْ يَكُنْ هِبَةً وَحَتَّى لَا يَلْزَمُ الْقَبْضُ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لِتَمَامِ عَقْدِ الْهِبَةِ. مَثَلًا إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ (أَيْنَ تراست) فَيَكُونُ بِقَوْلِهِ هَذَا قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ ذَلِكَ الْمَالِ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَمَّا إذَا قَالَ (أَيْنَ ترا) فَيَكُونُ قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَالَ مِلْكًا لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَبِمَا أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْهِبَةِ فَأَصْبَحَ هَذَا الْإِقْرَارُ هِبَةً فَيَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ (الْهِنْدِيَّةُ) .
فَلِذَلِكَ إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّ جَمِيعَ مَا أَمْلِكُهُ هُوَ لِفُلَانٍ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ هَذَا هِبَةً فَيَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ حَالَةَ كَوْنِهِ لَوْ أَقَرَّ قَائِلًا: إنَّ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُنْسَبُ لِي هِيَ لِفُلَانٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا إقْرَارًا فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّسْلِيمِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1591) وَشَرْحَ الْمَادَّةَ (848) .
الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ لَفْظِ التَّمْلِيكِ: - يُوجِبُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ أَنْ يَكُونَ الْمُمَلِّكُ أَيْ الْوَاهِبُ مَالِكًا لِذَاكَ الْمَالِ وَأَهْلًا لِتَمْلِيكِهِ وَقَدْ أُشِيرَ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَى الْمَادَّتَيْنِ (857 و 859) كَمَا أَنَّهُ أُشِيرَ بِذَلِكَ إلَى عَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ حَيْثُ إنَّ الْحَطَبَ وَالْأَخْشَابَ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْجِبَالِ الْمُبَاحَةِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَتَمْلِيكُهَا مِنْ الْوَاهِبِ لِآخَرَ يَكُونُ مُحَالًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكًا لِشَيْءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ (الْبَحْرُ) .
(2) قِيلَ فِي النَّصِّ التُّرْكِيِّ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ تَمْلِيكُ مَالِ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَذَا التَّعْبِيرِ الِاحْتِرَازُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَالَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْ مَالَيْنِ بَلْ جَاءَ ذَلِكَ لِلتَّنْكِيرِ وَالتَّعْمِيمِ لَيْسَ إلَّا فَهُوَ يَشْمَلُ الْمَوْهُوبَ لَهُ فِيمَا إذَا كَانَ مَالًا وَاحِدًا وَكَذَا إذَا كَانَ مَالَيْنِ فَأَكْثَرَ.
(3) قِيلَ: تَمْلِيكُ مَالٍ وَبِذَلِكَ تَخْرُجُ الْإِبَاحَةُ وَتَخْرُجُ أَيْضًا الْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ وَالْمُهَايَأَةُ الزَّمَانِيَّةُ وَالْمَكَانِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَيَخْرُجُ أَيْضًا فَرَاغُ الْمُسْقَفَاتِ وَالْمُسْتَغِلَّاتِ الْوَقْفِيَّةِ (عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْفَرَاغَ فِيهِمَا هُوَ إيجَارٌ) .
الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالْهِبَةِ قَدْ أَخْرَجَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ تَعْرِيفِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالْهِبَةِ ثَلَاثَةُ فُرُوقٍ: (1) فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةِ فَالْهِبَةُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَهِيَ إعْطَاءُ الْإِذْنِ بِأَكْلِ مَالٍ حَسَبَ تَعْرِيفِهَا الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (836) فَعَلَيْهِ الْهِبَةُ تَخْتَلِفُ عَنْ الْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةِ.
(2) فَرْقٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ فِي الْهِبَةِ تَزُولُ مِلْكِيَّةُ الْوَاهِبِ مِنْ الْمَوْهُوبِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَحُصُولِ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْإِبَاحَةِ لَا تَزُولُ مِلْكِيَّةُ الْمُبِيحِ مَا لَمْ يَأْكُلْهُ وَيَتَنَاوَلْهُ الْمُبَاحُ لَهُ.
(2/390)
يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمَوْهُوبُ مَعْلُومًا مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِبَاحَةِ عِلْمُ الْمُبَاحِ لَهُ وَالْمُبَاحِ أَيْ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِبَاحَةِ مَعْلُومِيَّةُ الشَّيْءِ الَّذِي أُبِيحَ كَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّةُ الْمُبَاحِ لَهُ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ شَخْصٌ: كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ مَالِي فَمَالِي حَلَالٌ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إبَاحَةً كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي الْمَادَّةِ (875) (الْخَانِيَّةُ فِي فَصْلِ بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْمَدْيُونِ) (وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ الْغَصْبِ) .
أَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: مَهْمَا أَخَذْت مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَك فَلَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ ذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ هِبَةٌ وَقَدْ صَرَّحَتْ الْمَادَّةُ (858) بِعَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَانِيَّةِ (رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا أَكَلْت مِنْ مَالِي أَوْ أَخَذْت أَوْ أَعْطَيْت حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الطَّعَامِ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ فَإِنَّ مَنْ قَدَّمَ مَائِدَةً بَيْنَ قَوْمٍ حَلَّ لَهُمْ الْأَكْلُ مِنْهَا وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ) .
(4) وَبِقَيْدٍ بِلَا عِوَضٍ يَخْرُجُ الْبَيْعُ وَالْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْقِسْمَةِ وَهِيَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1116) .
أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا. يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ اعْتِرَاضٌ بِصُوَرٍ أَرْبَعٍ تَحْتَاجُ لِلْإِجَابَةِ عَلَيْهَا: 1 - قَدْ وَرَدَ فِي التَّعْرِيفِ لَفْظُ الْمَالِ، وَالْمَالُ بِحَسَبِ تَعْرِيفِهِ الْوَارِدِ فِي الْمَادَّةِ (126) لَا يَشْمَلُ الدَّيْنَ وَيَخْرُجُ بِهَذَا التَّعْرِيفِ هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الْمَدْيُونِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ الْوَارِدُ ذِكْرُهُ فِي الْمَادَّةِ (848) فَعَلَيْهِ يَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ لِإِفْرَادِهِ.
إنَّ الْمَالَ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هُوَ بِمَعْنَى الْمَالِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (631) وَهُوَ الْمَالُ حَالًا وَمَآلًا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَالِ الْأَعَمِّ فَحِينَئِذٍ صِحَّةُ التَّمْلِيكِ الْمَارِّ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (848) تَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الْوَاجِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَحِينَمَا يَقْبِضُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَمْرِ يَكُونُ الْقَابِضُ قَابِضًا أَوَّلًا عَنْ الْوَاهِبِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ ثُمَّ يَكُونُ قَابِضًا بِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْهِبَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الدَّيْنُ وَقْتَ الْقَبْضِ عَيْنًا فَإِذَا عُمِّمَ التَّعْرِيفُ بِحَيْثُ يَشْتَمِلُ الْمَوْجُودَةَ حَالًا وَالْعَيْنُ الْمَوْجُودَةُ مَآلًا فَيَكُونُ صَحِيحًا أَيْ إنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ أَيْضًا (الدُّرَرُ وَشَرْحُهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَتِمُّ بَعْدَ الْقَبْضِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا.
2 - يَخْرُجُ بِتَعْبِيرِ " الْمَالُ هِبَةُ الطَّاعَاتِ " مَعَ أَنَّ هِبَةَ الطَّاعَاتِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ إذْ وَرَدَ فِي الْهِنْدِيَّةِ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الصَّدَقَةِ مَا نَصُّهُ (رَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ دَعَا لَهُ فَإِنَّهُ يَصِلُ الثَّوَابُ إلَى الْمَيِّتِ وَإِذَا جَعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ جَازَ) .
ج - إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ الْمُعَرَّفَةِ هِيَ الْهِبَةُ بِالْمُعَامَلَاتِ وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ هِيَ الْهِبَةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ دُنْيَوِيَّةٌ أَيْ تَثْبُتُ بِهَا مِلْكِيَّةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَحَقُّ الْوَاهِبِ بِالرُّجُوعِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَهِبَةُ الطَّاعَاتِ لَمْ تَكُنْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَكَمَا أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ التَّعْرِيفِ فَهِيَ خَارِجَةٌ أَيْضًا عَنْ الْمُعَرَّفِ.
3 - قَوْلُهُ: بِلَا عِوَضٍ يُخْرِجُ بِذَلِكَ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ الْوَارِدِ ذِكْرُهَا فِي الْمَادَّةِ (855) فَلِذَلِكَ
(2/391)
يَكُونُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ جَامِعٍ لِإِفْرَادِهِ فَلِذَلِكَ يُنْتَفَضُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ عَكْسًا بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (الْفَتْحُ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِلَا عِوَضٍ هُوَ نَصٌّ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فَتَكُونُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ نَقِيضَتَهُ.
ج: قَوْلُهُ أَيْضًا: بِلَا عِوَضٍ، مَعْنَاهُ بِلَا شَرْطِ الْعِوَضِ وَفِيهِ حَذْفُ الْمُضَافِ وَلَيْسَ لَفْظَةُ " بِلَا عِوَضٍ " بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ وَأَنْ يَكُنْ الْمَعْنَى الثَّانِي (أَيْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ) مُنَافِيًا لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَمَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَيْ بِلَا شَرْطِ الْعِوَضِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِذَلِكَ (الدُّرَرُ) وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: (1) الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ شَيْءٍ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَالْبَيْعُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ.
(2) مَاهِيَّةٌ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِعَدَمِ شَرْطِ الْعِوَضِ وَالْهِبَةُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ كَمَا سَيُوَضَّحُ ذَلِكَ قَرِيبًا.
(3) الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ، وَالْعَارِيَّةُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ وَبِلَا عِوَضٍ الْوَارِدَةُ هُنَا هِيَ بِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَاهِيَّةٌ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَلَيْسَتْ بِمَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَلِذَلِكَ تَدْخُلُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ يَعْنِي أَنَّ مَاهِيَّةً بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ مَاهِيَّةً لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ لَمْ تَكُنْ مُبَايِنَةً لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَلْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ مَاهِيَّةً بِلَا شَرْطِ شَيْءٍ هِيَ أَعَمُّ مِنْ مَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ شَيْءٍ وَمَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .
وَإِنْ يَكُنْ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ كَالْحَمَوِيِّ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ قَائِلًا بِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا تَجْتَمِعُ بِمَاهِيَّةِ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَ: بِلَا عِوَضٍ، هُوَ نَصٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فَلَا تَجْتَمِعُ نَقِيضَتُهَا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بِالْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ إلَّا أَنَّهُ قَدْ نَشَأَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ مِنْ عَدَمِ تَدْقِيقِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَجِبُ إذْ أَنَّ تَعْبِيرَ بِلَا عِوَضٍ لَيْسَ نَصًّا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ كَمَا قَالَ، بَلْ هُوَ عَامٌّ وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ تَنَافٍ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ بَيْنَ الْمَشْرُوطِ بِالشَّيْءِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُوجَدُ تَبَايُنٌ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الصِّدْقِ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا أَنَّ اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ كَالْإِنْسَانِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالنُّطْقِ وَالْحَيَوَانُ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُوجَدُ تَنَافٍ بَيْنَ الشَّيْءِ الْمَشْرُوطِ وَبَيْنَ عَدَمِهِ (الْفَتْحُ وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
إلَّا أَنَّهُ يَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَيْدَ بِلَا عِوَضٍ الْوَاقِعَ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ إذَا اُعْتُبِرَ بِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا شَرْطٍ فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ عَلَى الْبَيْعِ فَيَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنْتَقَضًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَانِعًا لِأَغْيَارِهِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ الْمَحْذُورُ بَلْ يَشْتَدُّ وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُنْتَقَضُ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ طِرَادًا (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .
إنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ لَيْسَ وَارِدًا عَلَى جَوَابِ صَاحِبِ الدُّرَرِ؛ لِأَنَّ خُلَاصَةَ ذَلِكَ الْجَوَابِ هُوَ أَنَّ وُجُودَ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا فَإِذَا وُجِدَ الْعِوَضُ جَازَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْعِوَضُ جَازَ أَيْضًا كَالْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَالْعِوَضُ أَمْرٌ لَازِمٌ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا بِلَا عِوَضٍ أَيْ بِنَفْيِ الْعِوَضِ فَبَعْدَ أَنْ اعْتَرَضَ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَجَابَ عَلَى أَصْلِ السُّؤَالِ بِمَا يَأْتِي:
(2/392)
إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَيْدِ بِلَا عِوَضٍ الْوَارِدِ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ أَيْ بِلَا اكْتِسَابِ الْعِوَضِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهِيَ تَمْلِيكُ مَالٍ لِآخَرَ بِشَرْطِ عَدَمِ اكْتِسَابِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ عِوَضٌ إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْهِبَةَ لَمْ تَكُنْ بِشَرْطِ الِاكْتِسَابِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ عِنْدَمَا عَرَّفُوا الْبَيْعَ بِأَنَّهُ (مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ) بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ صَرَّحَ بِقَيْدِ (بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ) لِإِخْرَاجِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ مِنْ التَّعْرِيفِ: إلَّا أَنَّهُ مَا دَامَ مَعْنَى الِاكْتِسَابِ هُوَ الْكَسْبُ وَالرِّبْحُ وَالْوَاهِبُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يَكُونُ كَاسِبًا الْعِوَضَ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ يَكُونُ كَاسِبًا الْمَالَ الْمَوْهُوبَ فَمَا هِيَ فَائِدَةُ هَذَا الْجَوَابِ فِي دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ؟
الْجَوَابُ الثَّانِي - إنَّ تَعْرِيفَ الْمَجَلَّةِ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ التَّعْرِيفَ بِالْأَعَمِّ وَالتَّعْرِيفَ بِالْأَخَصِّ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْأَجْوِبَةُ الْأُخْرَى: إنَّ مُنْلَا مِسْكِينٍ - والشُّرُنْبُلاليُّ قَدْ أَجَابَا عَلَى السُّؤَالِ الثَّالِثِ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى إلَّا أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ أَجْوِبَتُهُمَا ظَاهِرَةً وَكَافِيَةً لِدَفْعِ السُّؤَالِ وَأَنَّ الْجَوَابَ الْمَقْبُولَ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَتَقَدَّمَ آنِفًا.
4 - إنَّ الْوَصِيَّةَ تَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: أَعْطِ سَاعَتِي هَذِهِ إذَا مِتّ لِزَيْدٍ ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الشَّخْصُ وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ مُسَاعِدًا فَيَصِيرُ زَيْدٌ مَالِكًا لِتِلْكَ السَّاعَةِ مَجَّانًا وَلِذَلِكَ حِينَمَا عَرَّفَ (ابْنُ كَمَالٍ) (الْهِبَةَ) ضَمَّ عَلَيْهِ قَيْدَ " فِي الْحَالِ " فَأَصْبَحَ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ: (تَمْلِيكُ الْمَالِ فِي الْحَالِ بِلَا عِوَضٍ) وَبِقَيْدِ " فِي الْحَالِ " خَرَجَتْ الْوَصِيَّةُ الَّتِي هِيَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِمَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي تَعْرِيفِ الْمَجَلَّةِ هَذَا الْقَيْدُ فَأَصْبَحَتْ الْوَصِيَّةُ دَاخِلَةً فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ وَعِنْدِي التَّعْرِيفُ لِذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَغْيَارِهِ.
ج - يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ التَّمْلِيكِ الْوَارِدِ فِي التَّعْرِيفِ التَّمْلِيكُ فِي الْحَالِ (الْقُهُسْتَانِيُّ) أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَهِيَ لَيْسَتْ تَمْلِيكًا فِي الْحَالِ بَلْ هِيَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ (الْفَتْحُ) .
[ (الْمَادَّةُ 834) الْهَدِيَّةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُعْطَى لِأَحَدٍ أَوْ يُرْسَلُ إلَيْهِ إكْرَامًا لَهُ]
(الْمَادَّةُ 834) - (الْهَدِيَّةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُعْطَى لِأَحَدٍ أَوْ يُرْسَلُ إلَيْهِ إكْرَامًا لَهُ) . الْهَدِيَّةُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هِيَ الْمَالُ الَّذِي أُعْطِيَ أَوْ أُرْسِلَ لِشَخْصٍ بِطَرِيقِ الْإِكْرَامِ وَتُجْمَعُ الْهَدِيَّةُ عَلَى الْهَدَايَا وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِكْرَامِ الرِّشْوَةُ مِنْ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الرِّشْوَةَ لَا تُرْسَلُ إكْرَامًا بَلْ تُعْطَى بِشَرْطِ الْإِعَانَةِ وَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَاهِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ يُوجَدُ فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ وَهُوَ أَنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ بِقَبْضِهِ الْهَدِيَّةَ يُصْبِحُ مَالِكًا لَهَا بِعَكْسِ الْمُرْتَشِي فَهُوَ لَا يُصْبِحُ مَالِكًا لَهَا بِالْقَبْضِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ فَرْقَانِ: (1) إذَا اسْتَهْلَكَ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْهَدِيَّةَ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا أَمَّا الْمُرْتَشِي إذَا اسْتَهْلَكَ الرِّشْوَةَ فَيَضْمَنُ.
(2) وَإِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا عَيْنًا وَعَلَى ذَلِكَ إذَا أَخَذَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ رِشْوَةً لِقَضَاءِ أَمْرٍ لَهُ فَلِذَلِكَ الشَّخْصِ الْحَقُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرِّشْوَةَ مِنْ الْمُرْتَشِي.
لَوْ أَنَّ الْمُرْتَشِيَ قَضَى لَهُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الَّذِي دُفِعَتْ الرِّشْوَةُ لِأَجْلِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّهُ أَعْطَى مُقَابَلَ الرِّشْوَةِ عِوَضًا فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ حَقَّ اسْتِرْدَادِ الرِّشْوَةِ وَلِذَلِكَ إذَا أَبْرَأَ شَخْصٌ آخَرَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ لَهُمْ مَصْلَحَةً مِنْ الْمَصَالِحِ فَبِمَا أَنَّ
(2/393)
الْإِبْرَاءَ الْمَذْكُورَ هُوَ رِشْوَةٌ فَلَا يَصِحُّ كَمَا أَنَّهُ إذَا أَعْطَى الْعَشِيقَانِ بَعْضَهُمَا بَعْضًا أَشْيَاءَ فَهِيَ رِشْوَةٌ وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ فَلِلدَّافِعِ حَقٌّ فِي اسْتِرْدَادِهَا (الْقُنْيَةِ) .
[ (الْمَادَّةُ 835) الصَّدَقَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي وُهِبَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ]
(الْمَادَّةُ 835) - (الصَّدَقَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي وُهِبَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ) . الصَّدَقَةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يُوهَبُ لِأَجْلِ الثَّوَابِ وَلِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى. هِيَ تُعْطَى لِلْفَقِيرِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الْهِبَةِ وَحَيْثُ إنَّ الصَّدَقَةَ هِيَ لِلثَّوَابِ فَالْهِبَةُ لِلْغَنِيِّ وَلَوْ حَصَلَتْ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ فَهِيَ هِبَةٌ كَمَا أَنَّ الصَّدَقَةَ لَوْ أُعْطِيت لِلْفَقِيرِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ (الْخَانِيَّةُ وَالْقُهُسْتَانِيُّ وَالْأَنْقِرْوِيُّ) وَيُقَسَّمُ النَّاسُ نَظَرًا إلَى الثَّرْوَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: غَنِيٌّ، وَفَقِيرٌ، وَمِسْكِينٌ. فَالْغَنِيُّ شَرْعًا هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ نِصَابًا يَزِيدُ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصِيلَةِ أَيْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ عَلَى الْأَقَلِّ أَوْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا مَالًا آخَرَ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ فَلَا تُعْطَى لَهُ الزَّكَاةُ. إنَّ الْغَنِيَّ لَيْسَ مَحْدُودًا بِحَدٍّ فَكَمَا أَنَّهُ يُعَدُّ الشَّخْصُ الَّذِي يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً زَائِدَةً عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصِيلَةِ أَوْ بَدَلَهَا غَنِيًّا فَكَذَلِكَ يُعَدُّ الشَّخْصُ الَّذِي يَمْلِكُ أُلُوفَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ غَنِيًّا أَيْضًا أَمَّا الْفَقِيرُ فَهُوَ الشَّخْصُ الَّذِي لَا يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ تَزِيدُ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ. فَإِذَا مَلَكَ مَالًا أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَهُوَ فَقِيرٌ. وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ.
[ (الْمَادَّةُ 836) الْإِبَاحَةُ عِبَارَةٌ عَنْ إعْطَاءِ الرُّخْصَةِ]
(الْمَادَّةُ 836) - (الْإِبَاحَةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إعْطَاءِ الرُّخْصَةِ وَالْإِذْنِ لِشَخْصٍ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا بِلَا عِوَضٍ) . مَعْنَى الْإِبَاحَةِ لُغَةً التَّخْيِيرُ فَيُقَالُ: إنَّ فُلَانًا أَبَاحَ مَالَهُ لِفُلَانٍ أَيْ أَذِنَهُ بِأَخْذِهِ أَوْ تَرَكَهُ أَيْ جَعَلَهُ مُخْتَارًا فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ وَمَعْنَاهَا شَرْعًا إعْطَاءُ الْإِذْنِ وَالرُّخْصَةِ لِآخَرَ بِأَكْلِ وَتَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ أَيْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ بِلَا عِوَضٍ، فَلَفْظُ (الْأَكْلِ) تَعْبِيرٌ مَخْصُوصٌ بِالْمَأْكُولَاتِ وَلَفْظُ (التَّنَاوُلِ) عَامٌّ فِي الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ فَعَطْفُ التَّنَاوُلِ عَلَى لَفْظَةِ الْأَكْلِ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَهُوَ جَائِزٌ إذْ الْإِبَاحَةُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِالْمَأْكُولَاتِ كَمَا سَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (1226) .
فَالتَّعْرِيفُ الظَّاهِرُ وَالْأَنْسَبُ لِلسِّيَاقِ هُوَ أَنْ تُعَرَّفَ الْهِبَةُ بِالتَّعْرِيفِ الْآتِي (هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُوهَبُ لِشَخْصٍ إكْرَامًا) (الْقُهُسْتَانِيُّ) .
(2/394)
[الْبَابُ الْأَوَّلُ بَيَانُ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْهِبَةِ وَيَحْتَوِي عَلَى فَصْلَيْنِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ الْهِبَةِ وَقَبْضِهَا]
الْبَابُ الْأَوَّلُ: بَيَانُ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْهِبَةِ:
وَيَحْتَوِي عَلَى فَصْلَيْنِ يُنْظَرُ فِي الْهِبَةِ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:
(1) سَبَبُهَا وَهُوَ قَصْدُ الْوَاهِبِ عَمَلَ الْخَيْرِ وَهَذَا الْخَيْرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَوَابًا دُنْيَوِيًّا كَالْعِوَضِ وَالثَّنَاءِ أَوْ دَفْعَ شَرِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ثَوَابًا أُخْرَوِيًّا كَالنَّعِيمِ الْمُخَلَّدِ وَهَذَا إذَا حَسُنَتْ نِيَّةُ الْوَاهِبِ.
وَالْهِبَةُ مَنْدُوبَةٌ وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مَالًا حَرَامًا أَوْ كَانَ مَعْلُومًا بِأَنَّ الْوَاهِبَ سَيَمْتَنُّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمَا وَهَبَ إلَيْهِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
(2) شَرْطُ الْهِبَةِ سَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ.
(3) حُكْمُ الْهِبَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِلْكِيَّةً غَيْرَ لَازِمَةٍ وَلِذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ وَفَسْخُ عَقْدِهَا حَيْثُ إنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَيَجُوزُ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
(4) رُكْنُ الْهِبَةِ وَسَيَجِيءُ ذِكْرُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ (أَبُو السُّعُودِ) .
(2/395)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ الْهِبَةِ وَقَبْضِهَا:
يُفْهَمُ مِنْ مُطَالَعَةِ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ يَحْتَوِي عَلَى مَسَائِلَ أُخْرَى غَيْرِ مُتَعَلِّقَةٍ بِرُكْنِ الْهِبَةِ وَلِذَلِكَ أَصْبَحَ الْعِنْوَانُ أَخَصَّ مِنْ الْمُعَنْوَنِ.
(الْمَادَّةُ 837) :
تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ.
تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَتِمُّ بِقَبْضِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَبْضًا كَامِلًا أَيْ بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ نَائِبِهِ وَمَعْنَى تَتِمُّ أَيْ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ هُمَا رُكْنُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ هُمَا رُكْنُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعُقُودِ الْأُخْرَى اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (491 و 433) .
قُلْنَا: إنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ (وَقِيَامُ الْعَقْدِ يَكُونُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْغَيْرِ مَا لَمْ يَمْلِكْ مِنْ طَرَفِهِ لِلْغَيْرِ وَيُوجِبُ الْمَالِكُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ إيجَابَ الْهِبَةِ هُوَ إلْزَامُ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ وَلَا إلْزَامَ بِدُونِ قَبُولٍ (الْكِفَايَةُ وَالْقُهُسْتَانِيُّ) .
وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُلْزَمَ بِهِ فِيهِ فَائِدَةُ الْمُلْزَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكًا لِآخَرَ بِدُونِ رِضَاءِ ذَلِكَ الْآخَرِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (167) .
اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي رُكْنِ الْهِبَةِ وَأَدِلَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ: إنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ وَأَمَّا الْقَبُولُ فَلَا يُعَدُّ رُكْنَ الْهِبَةِ رَغْمًا عَنْ أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ قَائِلًا: إنَّنِي لَا أَهَبُ مَالِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَبَ مَالًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْ أَوْجَبَ الْهِبَةَ يَحْنَثُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ (النِّهَايَةُ) .
كَذَلِكَ إذَا حَلَفَ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ لِفُلَانٍ وَبَعْدَ حَلِفِهِ أَوْجَبَ الْهِبَةَ لَهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ فَلَا يَحْنَثُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ رُكْنَ الْهِبَةِ وَكَانَ الْقَبُولُ رُكْنًا فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِعَدَمِ قَبُولِ الْإِيجَابِ وَلَوَجَبَ أَنْ لَا يُعَدَّ الْوَاهِبُ حَانِثًا بِيَمِينِهِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ بِإِنَّنِي لَا أَبِيعُ فُلَانًا مَالًا ثُمَّ بَعْدَ حَلِفِهِ أَوْجَبَ مَالَهُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَلَا يَكُونُ الْمُوجِبُ حَانِثًا (النِّهَايَةُ) . وَتَكُونُ الْهِبَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ (الْعِنَايَةُ) حَتَّى أَنَّ
(2/396)
الْقُهُسْتَانِيَّ قَدْ ذَكَرَ بِكَوْنِ الْقَبُولِ لَيْسَ رُكْنًا هُوَ قَوْلُهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ مَالًا فِي الطَّرِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِلْكٌ لِمَنْ يَأْخُذُهُ فَهُوَ جَائِزٌ أَمَّا (ابْنُ الْهُمَامِ) فَقَدْ قَالَ: إنَّ الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ رُكْنٌ قِيَاسًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا اسْتِحْسَانًا.
تَسْيِيبُ الدَّابَّةِ إذَا تَخَلَّى شَخْصٌ عَنْ حَيَوَانِهِ وَتَرَكَهُ حَبْلُهُ عَلَى غَارِبِهِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ عَاطِلًا وَغَيْرَ نَافِعٍ وَأَخَذَهُ آخَرُ فَأَصْلَحَهُ ثُمَّ قَامَ صَاحِبُهُ مُطَالِبًا بِهِ يُنْظَرُ فَإِذَا قَالَ صَاحِبُهُ حِينَ تَرْكِهِ لِلْحَيَوَانِ: فَلِيَأْخُذْهُ مَنْ يُرِيدُهُ، فَيُصْبِحُ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِلْكًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ الْقَبْضِ يَصِيرُ مَعْلُومًا سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ غَائِبًا حِينَمَا تَكَلَّمَ صَاحِبُ الْحَيَوَانِ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَعَلِمَ بِهِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ أَمْ كَانَ حَاضِرًا حِينَ قَالَ ذَلِكَ وَسَمِعَ الْكَلَامَ بِأُذُنِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ الْحَيَوَانِ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ قَالَ حِينَ تَرْكِهِ إيَّاهُ: إنَّنِي لَا أُرِيدُهُ بَعْدَ الْآنَ وَكَذَا لَوْ قَذَفَ شَخْصٌ بِثَوْبِهِ إلَى الْخَارِجِ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُهُ حِينَ تَرْكِهِ إيَّاهُ: إنَّنِي لَا أُرِيدُهُ بَعْدَ الْآنَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مَا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُهُ حِينَ قَذَفَهُ فَلْيَأْخُذْهُ مَنْ أَرَادَهُ (الْخَانِيَّةُ) وَيَتَحَقَّقُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي يُقِيمُهَا الشَّخْصُ الَّذِي الْتَقَطَ ذَلِكَ الْمَالَ وَأَصْلَحَهُ أَوْ بِنُكُولِ صَاحِبِ الْمَالِ عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ لَدَى اسْتِحْلَافِهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَاب الثَّالِثِ) .
أَمَّا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ فَيَقُولُ بِأَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَرُكْنِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَأَنَّ الْإِيجَابَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدٌ وَقِيَامُ الْعَقْدِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْغَيْرِ بِدُونِ تَمْلِيكِهِ، وَإِلْزَامَ الْمِلْكِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَكُونُ بِدُونِ قَبُولِهِ (الْفَتْحُ) أَمَّا حِنْثُ حَالِفِ الْيَمِينِ بِعَدَمِ الْهِبَةِ فِي حَالَةِ إيجَابِهِ الْهِبَةَ هُوَ لِأَنَّ الْحَالِفَ لِلْيَمِينِ يَكُونُ قَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي فِي وُسْعِهِ أَيْ الْإِيجَابِ إذْ إنَّ الْقَبُولَ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ (الْكِفَايَةُ) إلَّا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ شَخْصٌ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ ثُمَّ أَوْجَبَ الْبَيْعَ بَعْدَ الْحَلِفِ لَا يَحْنَثُ وَالْحَالُ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُعَدَّ حَانِثًا حَسَبَ هَذَا الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ لَهُ فِي كُلِّ عَقْدٍ هُوَ الْإِيجَابُ لِلْقَبُولِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (الْفَتْحُ) .
وَكَذَلِكَ يُفَرَّقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْإِيجَابِ فِي الْهِبَةِ وَبَيْنَ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ.
الْقَوْلُ الَّذِي قَبِلَتْهُ الْمَجَلَّةُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ: الْهِبَةُ تَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، أَنَّهَا اعْتَبَرَتْ كِلَا الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ رُكْنَ الْهِبَةِ.
وَتَتَفَرَّعُ بَعْضُ مَسَائِلَ عَلَى انْعِقَادِ الْهِبَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ:
1 - مَسْأَلَةٌ: لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِوَعْدِ الْهِبَةِ مَثَلًا لَوْ وَعَدَ شَخْصٌ آخَرَ قَائِلًا لَهُ: إنَّنِي سَأَهَبُك مَا فِي ذِمَّتِك مِنْ الدَّيْنِ لِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَهَبْهُ إيَّاهُ فَلَا يُجْبَرُ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَلَى الْهِبَةِ لِلْوَعْدِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ إذْ لَيْسَ لِلْوَعْدِ مِنْ حُكْمٍ " الْبَهْجَةُ وَعَلِيٌّ أَفَنْدِي.
2 - مَسْأَلَةٌ: لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: إنَّنِي وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ إلَّا أَنَّك لَمْ تَقْبَلْهُ، وَعَجَزَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْ إثْبَاتِ قَبُولِ الْهِبَةِ فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ " الْهِنْدِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ مُنْكِرٌ لِلْهِبَةِ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ مُدَّعٍ بِهَا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (76) .
إيضَاحَاتٌ فِي حَقِّ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ.
(2/397)
إنَّ ثُبُوتَ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْمَوْهُوبِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ أَيْ تَرَتَّبَ حُكْمٌ عَلَى الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْمَوْهُوبِ فَلِذَا لَيْسَ لِلْهِبَةِ مِنْ حُكْمٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ يَبْقَى الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مِلْكًا لِلْوَاهِبِ كَمَا كَانَ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ " الْهِدَايَةُ، وَجَوَاهِرُ الْفِقْهِ، وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ.
إنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ رُكْنَ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ الرُّكْنِ إلَّا أَنَّهُ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ.
لَيْسَ لِلْهِبَةِ حُكْمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا أَمْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ: وَبِمَا أَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبْضِ الْكَامِلِ فَبِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ. مَثَلًا إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ قَائِلًا: قَدْ وَهَبْت مَالِي الْفُلَانِيِّ لِفُلَانٍ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ لَا يُعَدُّ الْوَاهِبُ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ قَبَضَ مَالَ الْمَوْهُوبِ " الْأَنْقِرْوِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ الْوَاهِبُ بِالْهِبَةِ وَبِالْقَبْضِ مَعًا فَيَثْبُتُ حُصُولُ الْقَبْضِ وَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّك كُنْت وَهَبْتَنِي هَذَا الْمَالَ الَّذِي تَحْتَ يَدِك وَسَلَّمْته لِي وَقَدْ أَقْرَرْت بِقَبْضِي إيَّاهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الشَّخْصُ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ أَقَرَّ بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ وَالصَّدَقَةِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا " التَّتَارْخَانِيَّة ".
الْعُقُودُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْقَبْضِ: إنَّ الْعُقُودَ الْمَوْقُوفُ تَمَامُهَا عَلَى الْقَبْضِ هِيَ اثْنَا عَشَرَ عَقْدًا وَهِيَ: (1) الْهِبَةُ (2) الصَّدَقَةُ (3) الرَّهْنُ (4) الْعُمْرَى (5) النِّحْلَةُ (6) الصُّلْحُ (بَعْدَ أَقْسَامِهِ) (7) رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ (8) إذَا ظَهَرَ بَعْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ زُيُوفًا قَبَضَ بَدَلَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ (9) الصَّرْفُ (10) الْكَيْلُ إذَا بِيعَ بِكَيْلٍ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَبَضَ بَدَلَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ (11) الْوَزْنُ إذَا بِيعَ بِوَزْنٍ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَبَضَ بَدَلَهُ بِمَجْلِسِ الْبَيْعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) (12) الْبَيْعُ الْفَاسِدُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (371) .
الْأَدِلَّةُ عَلَى لُزُومِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا الْهِبَةُ فَلَا يَحْصُلُ فِيهَا حُكْمُ الْمِلْكِيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَثْبُتُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَالْمَقْصِدُ فِي ذَلِكَ نَفْيُ الْمِلْكِ " أَبُو السُّعُودِ " أَيْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ إذْ الْجَوَازُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ (الْهِدَايَةُ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلَا يَتِمُّ التَّبَرُّعُ إلَّا بِالْقَبْضِ حَسَبَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (57) ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ إجْبَارَ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْ إنَّ إيجَابَ شَيْءٍ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ أَمْرٌ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ التَّبَرُّعَاتِ " الْفَتْحُ ".
(2/398)
وَالْحَاصِلُ لَوْ ثَبَتَتْ الْمِلْكِيَّةُ فِي الْمَوْهُوبِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْهِبَةِ لَأَصْبَحَ الْوَاهِبُ مُطَالِبًا بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِ شَيْءٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ عَلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي أَسْئِلَةٌ ثَلَاثَةٌ: (1) س - إنَّ الْوَاهِبَ بِهِبَتِهِ الْمَالَ يَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ إذْ إنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ شَخْصٌ نَقْلَ شَيْءٍ لَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ وَشَرَعَ فِي نَقْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِكْمَالُ.
ج - لِلْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ مِلْكَانِ الْأَوَّلُ مِلْكُ الْمَالِ وَالثَّانِي مِلْكُ الْيَدِ وَمِلْكُ الْيَدِ مَقْصُودٌ كَمِلْكِ الْمَالِ فَإِذَا غُصِبَتْ فَكَمَا أَنَّ الْمَالَ مَضْمُونٌ كَذَلِكَ تَكُونُ الْيَدُ مَضْمُونَةً أَيْضًا إذَا غُصِبَتْ إذْ الْمَادَّةُ (1637) تَبْحَثُ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمَأْجُورِ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْيَدِ مَضْمُونٌ وَضَمَانُ مِلْكِ الْيَدِ هُوَ بِرَدِّهِ وَإِعَادَتِهِ. كَذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي مَبَاحِثِ اللُّقَطَةِ إذَا أُخِذَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فَلِلْمُلْتَقِطِ اسْتِرْدَادُهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَضْمُونَةٌ وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْهِبَةِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ بِنَفْسِهِمَا فَالْتِزَامُ الْوَاهِبِ أَحَدَهُمَا لَا يُوجِبُ الْتِزَامَهُ الْآخَرَ " الْكِفَايَةُ وَالْهِدَايَةُ بِزِيَادَةٍ ".
(2) س - إذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْهِبَةِ وَكَانَ ذَلِكَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِيَّةِ بِصُورَةِ أَلَّا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَوْهُوبِ فَلَا يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى التَّسْلِيمِ. إنَّ الْمِلْكِيَّةَ الَّتِي تَثْبُتُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْمِلْكِ هُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمَالِكُ كَيْفَمَا يَشَاءُ حَسْبَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (1192) وَلَا يَحْصُلُ هَذَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِوُجُودِ حَقِّ الْقَبْضِ " الْكِفَايَةُ " فَلِذَلِكَ إذَا بَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَخْذَهُ مِنْ الْوَاهِبِ وَتَسْلِيمَهُ لِلْمُشْتَرِي.
(3) س - بِمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ تَبَرُّعٌ وَهِبَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَتِمُّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَغَيْرُ مَوْقُوفَةٍ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَارِثِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَجِبُ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَتِمَّ الْهِبَةُ أَيْضًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا سِيَّمَا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ هِبَةٌ مُعَلَّقَةٌ عَلَى الْمَوْتِ وَالْهِبَةُ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعُ بَحْثِنَا هِبَةٌ مُرْسَلَةٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ الْمُرْسَلَةُ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَبِمَا أَنَّ الْهِبَةَ الْمُعَلَّقَةَ تَتِمُّ بِلَا قَبْضٍ فَبِالْأَوْلَى أَنْ تَتِمَّ الْهِبَةُ الْمُرْسَلَةُ بِلَا قَبْضٍ أَيْضًا.
ج - إنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِوَفَاةِ الْمُوصِي تَزُولُ مِلْكِيَّتُهُ عَنْ الْمُوصَى بِهِ فَلَا يَحْصُلُ هُنَا إلْزَامُ شَخْصٍ عَلَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْهِبَةِ وَحَتَّى لَمْ يَبْقَ لُزُومٌ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُتَبَرِّعِ. أَمَّا حَقُّ الْوَارِثِ فَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ إذْ إنَّ الْوَارِثَ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمُوصَى بِهِ حَتَّى تَتَوَقَّفَ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَارِثِ لِلْمُوصَى بِهِ " الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ وَالْعِنَايَةُ، " اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 57 ".
وَتَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْهِبَةِ حُكْمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ.
" 1 " - مَسْأَلَةٌ: إذَا وَهَبَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِآخَرَ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ أَوْدَعَهُ لِشَخْصٍ خِلَافَهُ وَسَلَّمَهُ لَهُ وَسَلَّمَ الْمُسْتَوْدَعَ ذَلِكَ الْمَالَ بِلَا إذْنِ الْوَاهِبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِنَادًا عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ وَاسْتَهْلَكَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِلْوَاهِبِ الْخِيَارُ فِي تَضْمِينِ ذَلِكَ الْمَالِ إمَّا لِلْمُسْتَوْدَعِ وَإِمَّا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 910 " " النَّتِيجَةُ ".
(2/399)
مَسْأَلَةٌ: إذَا أَمَرَ شَخْصٌ شَرِيكَهُ بِأَنْ يُعْطِيَ مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِ لِابْنِهِ وَامْتَنَعَ شَرِيكُهُ عَنْ الْإِعْطَاءِ وَبِمَا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِعْطَاءَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ بَلْ كَانَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّخْصُ قَدْ وَكَّلَ ابْنَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ شَرِيكِهِ فَإِذَا كَانَ الشَّرِيكُ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَبِهَذِهِ الْوَكَالَةِ فَلِلِابْنِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُخَاصِمَ الشَّرِيكَ وَيَطْلُبَ تَسْلِيمَ ذَلِكَ الْمَالِ لَهُ أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ يَتَضَمَّنُ إعْطَاءَ الْمَالِ عَلَى طَرِيقِ الْهِبَةِ فَلَيْسَ لِذَلِكَ الِابْنِ أَنْ يُخَاصِمَ الشَّرِيكَ وَيَطْلُبَ تَسْلِيمَ الْمَالِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَتِمَّ لِعَدَمِ الْقَبْضِ " الْبَحْرُ " وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ ".
" 3 " - مَسْأَلَةٌ: إذَا أَخَذَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ مَالٍ لِيُعْطِيَهُ لِفَقِيرٍ فَلَمْ يَجِدْ الْفَقِيرَ فِي بَيْتِهِ فَلِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ أَوْ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَلَى أُمُورِهِ وَيَسْتَهْلِكَهُ " الْوَجِيزُ ".
" 4 " مَسْأَلَةٌ - إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ حَسَبَ مَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ " 849 ".
" 5 " مَسْأَلَةٌ - إنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْهِبَةِ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ " الْهِنْدِيَّةُ " وَلِذَلِكَ لِلْوَكِيلِ بِالْهِبَةِ بَعْدَ إيجَابِهِ الْهِبَةَ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَقُولَ: إنِّي وَكَّلْتُهُ بِالْهِبَةِ فَقَطْ وَلَمْ أُوَكِّلْهُ بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ.
تَقْسِيمُ الْقَبْضِ قَدْ ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ كَامِلًا وَالْقَبْضُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - الْقَبْضُ الْكَامِلُ. وَهُوَ يَكُونُ بِقَبْضِ كُلِّ مَوْهُوبٍ بِالصُّورَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِقَبْضِهِ فَإِذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ دَارًا فَقَبَضَ مِفْتَاحَهَا هُوَ قَبْضٌ لِلدَّارِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي - الْقَبْضُ النَّاقِصُ، كَقَبْضِ حِصَّةٍ شَائِعَةٍ فِي مَالٍ وُهِبَ بَعْضُهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ وَلَا يَكْفِي الْقَبْضُ النَّاقِصُ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ فَعَلَيْهِ إذَا وُهِبَ بَعْضُ مَالٍ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ يَجِبُ إفْرَازُ وَتَقْسِيمُ الْحِصَّةِ الْمَوْهُوبَةِ وَتَسْلِيمُهَا وَقَبْضُهَا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَمَّا إذَا سُلِّمَتْ الْحِصَّةُ الْمَوْهُوبَةُ مَعَ الْحِصَّةِ الْغَيْرِ مَوْهُوبَةٍ بِدُونِ إفْرَازٍ وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ كَمَا سَيُوَضَّحُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ " 858 ".
وَقَدْ بُيِّنَ فِي الْمَوَادِّ " 841 و 842 و 843 " أَنْوَاعَ هَذَا الْقَبْضِ وَشُرُوطِهِ أَمَّا إذَا وُهِبَ الْمَالُ الْغَيْرُ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ فَتَتِمُّ الْهِبَةُ بِالْقَبْضِ الْوَاقِعِ بِالتَّبَعِ أَيْ الْقَبْضِ الَّذِي يَحْصُلُ ضِمْنًا بِقَبْضِ كُلِّ الْمَالِ " الدُّرَرُ وَالطَّحْطَاوِيُّ ".
تَقْسِيمُ الْقَبْضِ الْكَامِلِ: الْقَبْضُ الْكَامِلُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ - الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ كَأَخْذِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِيَدِهِ أَوْ حَمْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ وَذَهَابِهِ بِهِ " الطَّحْطَاوِيُّ ".
النَّوْعُ الثَّانِي - الْقَبْضُ الْحُكْمِيُّ كَالْقَبْضِ بِطَرِيقِ التَّخْلِيَةِ وَمِثَالُهُ إذَا وَهَبَ شَخْصٌ لِآخَرَ مَالًا مَوْجُودًا
(2/400)
مُحْضَرًا فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَصَالِحًا لِلْقَبْضِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ: قَبَضْته، أَيْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَقْبِضْ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَبْضِ بِطَرِيقِ التَّخْلِيَةِ وُجُودُ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فَعَلَيْهِ إذَا وَهَبَ شَخْصٌ لِآخَرَ مَالًا وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ حِينَمَا يَجِدُهُ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ زُفَرَ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ " الدُّرُّ وَشُرُوحُهُ، وَتَصِحُّ الْهِبَةُ بِالْقَبْضِ بِالنَّوْعِ الثَّانِي عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الرَّأْيُ الْمُخْتَارُ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ " الْأَنْقِرْوِيُّ وَالدُّرَرُ وَجَامِعُ الْفِقْهِ وَالطَّحْطَاوِيُّ.
إلَّا أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ وَاقِعٌ فِي الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ لَيْسَتْ بِقَبْضٍ، التَّخْلِيَةُ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا مِنْ الْمَسَائِلِ.
التَّخْلِيَةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاهِبُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِحَالَةٍ يَسْتَطِيعُ مَعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَخْذَهُ وَأَنْ يُلْزِمَهُ بِقَبْضِهِ (الدُّرَرُ وَالْأَنْقِرْوِيُّ) فَلِذَلِكَ إذَا وَهَبَ شَخْصٌ مَالًا مَوْضُوعًا ضِمْنَ خِزَانَةٍ مُقْفَلَةٍ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْمَالَ مَعَ تِلْكَ الْخِزَانَةِ وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَحْصُلُ فِي حَالَةِ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَوْهُوبِ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَمْوَالُ الْمَوْهُوبَةُ ضِمْنَ خِزَانَةٍ مُقْفَلَةٍ فَلَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْخِزَانَةُ مَفْتُوحَةً فَيَحْصُلُ الْقَبْضُ.
(الْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ) . إذَا وَهَبَ الْوَاهِبُ مَالًا وَسَلَّمَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَقَرَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِقَبْضِهِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ ثُمَّ إذَا ادَّعَى الْوَاهِبُ عَدَمَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا فِي إقْرَارِهِ فَعَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ الْمَوْهُوبُ لَهُ تَوْفِيقًا لِلْمَادَّةِ (1589) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَلَا يَحْلِفُ (الْأَنْقِرْوِيُّ)
[ (الْمَادَّةُ 838) الْإِيجَابُ فِي الْهِبَةِ]
(الْمَادَّةُ 838) :
الْإِيجَابُ فِي الْهِبَةِ، هَؤُلَاءِ الْأَلْفَاظُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي مَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَالِ مَجَّانًا كأكرمت وَوَهَبْت وَأَهْدَيْت، وَالتَّعْبِيرَاتُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ مَجَّانًا إيجَابٌ لِلْهِبَةِ أَيْضًا كَإِعْطَاءِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ قُرْطًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ مِنْ الْحُلِيِّ أَوْ قَوْلِهِ لَهَا: خُذِي هَذَا وَعَلِّقِيهِ.
وَكَذَلِكَ كَلِمَاتُ أَعْطَيْتُكَ وَمَلَّكْتُكَ وَهَذَا الْمَالُ لَك هِبَةٌ وَكَلِمَةُ (أَيْنَ ثرا) الْفَارِسِيَّةُ هِيَ مِنْ أَلْفَاظِ إيجَابِ الْهِبَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْهِبَةِ يَحْصُلُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَالِ مَجَّانًا مَا لَمْ تَقُلْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ عَلَى طَرِيقِ الْمِزَاحِ وَلِذَلِكَ فَعَقْدُ الْهِبَةِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَلْفَاظٍ أُخْرَى مُسْتَعْمَلَةٍ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ وَتَصِحُّ الْهِبَةُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ فِي حَالَةِ وُجُودِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْهِبَةِ وَإِلَّا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّمْلِيكِ هُوَ لَفْظٌ عَامٌّ يَشْمَلُ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالْوَصِيَّةَ. وَالْقَاعِدَةُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي قِيلَتْ مِنْ الْمُمَلَّكِ تُفِيدُ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ فَالْعَقْدُ عَقْدُ هِبَةٍ وَإِذَا كَانَتْ تُفِيدُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ فَهِيَ عَارِيَّةٌ وَاذَا كَانَتْ تَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ يُنْظَرُ إلَى نِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ الْهِبَةَ فَالْعَقْدُ هِبَةٌ وَاذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ الْعَارِيَّةَ فَالْعَقْدُ عَقْدُ عَارِيَّةٍ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (2) .
(2/401)
وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْهِبَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْهِبَةُ وَضْعًا كَقَوْلِ الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: وَهَبْتُك هَذَا الشَّيْءَ، أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ (أَيْنَ جيزثرا أَوْ أَيْنَ مَال تري كردم أَوْ بنام توكردم أَوْ أَنْ توكردم) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلِمَاتِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْهِبَةُ كِنَايَةً وَعُرْفًا كَقَوْلِ الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: اكْتَسِ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ قَوْلِهِ: قَدْ جَعَلْت لَك هَذِهِ الدَّارَ عُمْرَى.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَالْعَارِيَّة مَعًا كَقَوْلِ الْوَاهِبِ: قَدْ جَعَلْت هَذِهِ الدَّارَ رَقَبًا لَك أَوْ حَبَسْتهَا لَك ثُمَّ يُسَلِّمُهَا لَهُ فَهَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ عَارِيَّةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِبَةٌ (الْهِنْدِيَّةُ) .
قَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ الْإِيجَابُ فَقَطْ وَلَمْ يُذْكَرْ الْقَبُولُ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَسُكُوتُ الْمَجَلَّةِ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ هُوَ لِكَوْنِهِ يُعْلَمُ ذَلِكَ مُقَايَسَةً فَلَمْ تَرَ حَاجَةً لِتَكْرَارِهِ وَالْقَبُولُ بِالْهِبَةِ يَكُونُ بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقَبُولِ كَقَوْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ: اتَّهَبْت أَوْ قَبِلْت الْهِبَةَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَبُولِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ أَيْضًا بِلَفْظِ النِّحَلِ وَالْإِعْطَاءِ الْهِدَايَةُ.
وَكَذَلِكَ تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِاللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ بِكَلِمَةِ (جبه) الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي تِلْكَ اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْهِبَةِ فَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدِينِهِ بِاللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ (دِين سكاجبة أيتدم) يَكُونُ الدَّائِنُ قَدْ وَهَبَ دَيْنَهُ لِلْمَدِينِ: كَذَلِكَ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِاللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ (أَيْنَ مَال تراكردم أَوْ بِنَامٍ توكردو أَوْ أَزَانٍ توكردم) يَكُونُ قَدْ وَهَبَ مَالَهُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) وَكَذَلِكَ إذَا خَاطَبَ شَخْصٌ قَوْمًا مُعَيَّنِينَ قَائِلًا لَهُمْ: قَدْ وَهَبْت هَذَا الْمَالَ لِأَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهُ مَنْ يُرِيدُهُ وَقَامَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَأَخَذَهُ تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ (أَبُو السُّعُودِ) .
وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَى الزَّوْجُ قُرْطًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ مِنْ الْحُلِيِّ وَقَالَ لَهَا: خُذِي هَذَا فَاسْتَعْمِلِيهِ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّنِي وَهَبْته لَك فَاسْتَعْمِلِيهِ، كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى زَوْجَتَهُ ثِيَابًا قَائِلًا لَهَا: اكتسيها أَوْ مِقْدَارًا مِنْ الْمَالِ قَائِلًا لَهَا اشْتَرِي بِهَا ثِيَابًا لِتَلْبَسِيهَا عِنْدِي، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّمْلِيكِ مَجَّانًا أَيْ الْأَلْفَاظِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ وَلَا تَحْتَمِلُ عَقْدًا آخَرَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (68) .
بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَبَضَتْ الزَّوْجَةُ الْحُلِيَّ أَوْ الثِّيَابَ أَوْ النُّقُودَ تَمَّتْ الْهِبَةُ وَلَوْ أَعْطَتْ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَخَذَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا ثِيَابًا لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ تَأْخُذْ بِهَا ثِيَابًا فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا دَخْلٌ فِيهَا (الْقُنْيَةِ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1192) .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا: أَعْطَيْتُكَ هَذَا الْمَالَ، وَقَبِلَهُ الزَّوْجُ وَقَبَضَهُ كَانَ ذَلِكَ هِبَةً.
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - الْكَافُ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَا يَنْحَصِرُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ.
كَمَا صَارَ إيضَاحُهُ. كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ: إنَّنِي أَغْرِسُ هَذَا الْكَرْمَ عَلَى اسْمِ ابْنِي الصَّغِيرِ أَوْ جَعَلْت هَذَا الْكَرْمَ لِابْنِي
(2/402)
الصَّغِيرِ كَانَ هِبَةً. أَمَّا إذَا قَالَ: جَعَلْت هَذَا الْكَرْمَ لِاسْمِ ابْنِي الصَّغِيرِ وَإِنْ يَكُنْ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ مُتَرَدَّدٌ إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: أَبُو الصَّغِيرِ غَرَسَ كَرْمًا أَوْ شَجَرًا ثُمَّ قَالَ: جَعَلْته لِابْنِي، فَهُوَ هِبَةٌ وَإِنْ قَالَ: جَعَلْته بِاسْمِ ابْنِي فَكَذَلِكَ هُوَ الْأَظْهَرُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْهِبَةَ يَصْدُقْ، وَلَوْ قَالَ: أَغْرِسُهُ بِاسْمِ ابْنِي. لَا يَكُونُ هِبَةً فَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
2 - تَمْلِيكُ الْمَالِ مَجَّانًا، يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ مَجَّانًا.
وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: هَبْ لِي مَالَك هَذَا، فَقَالَ مُجِيبًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ بِاللُّغَةِ الْفَارِسِيَّة (فداي تَوّ بَادٍ) أَوْ (أزتو دريغ نيست) فَلَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ. كَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِاثْنَيْنِ دَابَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِالْفَارِسِيَّةِ " مِنْ حصه خَوْد رابتو أرزاني داشتم " فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ هِبَةً (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
3 - " فِي مَعْنَى " وَ " الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ مَجَّانًا " فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ إعْطَاءِ أَحَدٍ آخَرَ شَيْئًا لَا يَكُونُ قَدْ وَهَبَهُ إيَّاهُ. حَتَّى لَوْ قَالَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ: تَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَأَخَذَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ) .
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى ابْنِهِ فِي صِحَّتِهِ مَالًا يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَفَعَلَ وَكَثُرَ ذَلِكَ فَمَاتَ الْأَبُ فَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ هِبَةً فَالْكُلُّ لَهُ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَأَنْ يَعْمَلَ فِيهِ لِلْأَبِ فَهُوَ مِيرَاثٌ (الْهِنْدِيَّةُ) .
وَعَلَيْهِ لَوْ أَنَامَ أَحَدٌ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى فِرَاشٍ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ أَوْ عَشْرَ سَنَوَاتٍ وَلَمْ يُمَلِّكْهُ إيَّاهُ فَيَبْقَى الْفِرَاشُ مِلْكًا لَهُ (الْهِنْدِيَّةُ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ: إنَّ الْأَثْوَابَ الَّتِي أَعْطَاهَا إيَّاهَا مَحْسُوبَةً مِنْ مَهْرِهَا وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ: إنَّك وَهَبَتْنِي إيَّاهَا صُدِّقَ الزَّوْجُ شَرْعًا (أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الزَّوْجُ حُلِيًّا وَدَفَعَهُ لِزَوْجَتِهِ وَسَلَّمَهَا إيَّاهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَتْ الزَّوْجَةُ فَقَالَ الزَّوْجُ: هُوَ لِي لِأَنَّنِي أَعَرْتُهَا إيَّاهُ، وَقَالَ وَرَثَةُ الزَّوْجَةِ: لَا بَلْ وَهَبْتَهَا إيَّاهُ، فَهُوَ مِيرَاثٌ لَنَا وَاخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلزَّوْجِ. يَعْنِي لَوْ حَلَفَ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهَا إيَّاهُ عَارِيَّةً وَلَمْ يُعْطِهِ لَهَا هِبَةً يَأْخُذُ الزَّوْجُ ذَلِكَ الْحُلِيَّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُنْكِرٌ لِلْهِبَةِ. وَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُنْكِرِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (76) . (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ) رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ أَيْضًا.
لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ عِنْدَ آخَرَ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ: اصْرِفْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ فِي حَوَائِجِك، وَصَرَفَهَا الْآخَرُ كَانَ ذَلِكَ قَرْضًا. لَكِنْ لَوْ كَانَ حِنْطَةً وَقَالَ لَهُ: كُلْهَا كَانَ هِبَةً (الْخَانِيَّةُ فِي أَوَّلِ الْهِبَةِ) . كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: تَصَرَّفْ فِي هَذِهِ الْعَرْصَةِ وَبَقِيَ مُدَاوِمًا عَلَى التَّصَرُّفِ فَلَا يَكُونُ قَدْ وَهَبَهُ إيَّاهَا كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ لِابْنِهِ مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَتَاجَرَ بِهَا الِابْنُ وَتَزَايَدَتْ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْأَبُ فَإِذَا كَانَ قَدْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ فَالْكُلُّ لِلِابْنِ وَإِذَا كَانَ قَدْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِهَا لَهُ فَالْكُلُّ مِيرَاثٌ (الْهِنْدِيَّةُ) .
(2/403)
الْأَلْفَاظُ، هَذِهِ الْعِبَارَةُ خَاصَّةٌ بِالْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى مَا صَارَ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (101) يَكُونُ بِالْأَلْفَاظِ فَعَلَيْهِ الْهِبَةُ لَا يَنْحَصِرُ انْعِقَادُهَا بِاللَّفْظِ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا بِالتَّعَاطِي كَمَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. وَيَكُونُ الْقَبُولُ فِعْلًا أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ الْمَادَّةُ (841) .
كَذَلِكَ إنَّ عِبَارَةَ الْأَلْفَاظِ هِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاطِقِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّ الْهِبَةَ تَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمَعْهُودَةِ أَيْضًا (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 70) .
فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ الْأَخْرَسُ شَيْئًا مِنْ مَالٍ بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ لِزَوْجَتِهِ وَسَلَّمَهَا ذَلِكَ ثُمَّ نَدِمَ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِإِشَارَةِ النَّاطِقِ " الْبَهْجَةُ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ.
5 - بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَيْ بِصُورَةٍ لَا تَحْتَمِلُ عَقْدًا آخَرَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَمَّا كَانَ أَدْنَى مِنْ الْهِبَةِ فَإِذَا كَانَ لَفْظٌ يَحْتَمِلُ الْقَرْضَ وَالْهِبَةَ مَعًا فَالتَّمْلِيكُ الْوَاقِعُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ يُصْرَفُ إلَى الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ الْأَقَلَّ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ فِي الْقَرْضِ يَزُولُ فِي مُقَابِلِ بَدَلٍ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِلَا بَدَلٍ " الْأَنْقِرْوِيُّ ".
وَعَلَيْهِ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ آخَرَ مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقَالَ لَهُ: اصْرِفْهَا فِي حَوَائِجِك فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ هِبَةً بَلْ قَرْضًا. أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ أَثْوَابًا وَقَالَ: الْبَسْهَا، فَبِمَا أَنَّ إقْرَاضَ الْأَثْوَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ هِبَةً تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ حِنْطَةً لِآخَرَ وَقَالَ لَهُ: كُلْهَا كَانَ هِبَةً لَا قَرْضًا (الْأَنْقِرْوِيُّ) وَعَلَيْهِ لَوْ اخْتَلَفَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَالَ الْوَاهِبُ: قَدْ كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ قَرْضًا وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: بَلْ هِبَةً، فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلدَّافِعِ (التَّنْقِيحُ) .
كَذَلِكَ لَوْ أَعْطَتْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا مِقْدَارًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لِيُنْفِقَهُ عَلَى الْبَيْتِ وَأَنْفَقَهُ الزَّوْجُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَسَائِرَ الْوَرَثَةِ فَلِسَائِرِ الْوَرَثَةِ تَضْمِينُ الزَّوْجَةِ حِصَّتَهُمْ مِنْ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) وَفِي الْأَنْقِرْوِيِّ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: كَانَتْ تَدْفَعُ لِزَوْجِهَا وَرَقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى النَّفَقَةِ أَوْ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ (انْتَهَى وَمِثْلُهُ فِي الطَّحْطَاوِيِّ) .
وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ قَبْلَ الزِّفَافِ أَمْوَالًا وَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِرْدَادَهَا عِنْدَ مُفَارَقَتِهَا بِدَاعِي أَنَّهَا عَارِيَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مُنْكِرِ التَّمْلِيكِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 76) وَإِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ يَعْنِي لَوْ جُمِعَ فِي مَسْأَلَةٍ بَيْنَ بَيِّنَةِ الْهِبَةِ وَبَيِّنَةِ الْعَارِيَّةِ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْهِبَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا أَعْطَتْ الزَّوْجَةُ فِي مُقَابَلِ الْهَدَايَا الْمَذْكُورَةِ عِوَضًا فَبِمَا أَنَّ تِلْكَ الْهَدَايَا لَمْ تَكُنْ هِبَةً فَلَا يَكُونُ عِوَضُ الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِوَضًا وَلَهَا اسْتِرْدَادُهُ. لَكِنْ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الزَّوْجَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا صَرَّحَتْ وَقْتَ الْإِعْطَاءِ بِكَوْنِهِ عِوَضًا. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 868 وَشَرْحَهَا) . أَمَّا إذَا لَمْ تُصَرِّحْ بِذَلِكَ بَلْ نَوَتْ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا فَبِمَا أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَا تُعَدُّ عِوَضًا بَلْ تَكُونُ هِبَةً مُسْتَقِلَّةً فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ اسْتِرْدَادُهَا بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (867) (التَّنْقِيحُ) .
6 - قِيلَ: أَلَّا يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْمُزَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدٌ هَازِلًا لِآخَرَ: وَهَبْتنِي مَالَك هَذَا؛ فَقَالَ لَهُ: قَدْ وَهَبْتُك إيَّاهُ، وَقَبِلَهُ الْآخَرُ وَتَسَلَّمَهُ وَقَبَضَهُ جَازَتْ الْهِبَةُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَبَيَّنَ بَعْضُ
(2/404)
الْفُقَهَاءِ اسْتِدْلَالًا لِذَلِكَ بِأَنَّ إيجَابَ الْهِبَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ كَانَ جَائِزًا. وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْوَاقِعَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُزَاحِ. وَالْمُزَاحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا أَنَّهُ فِي طَلَبِ الْهِبَةِ وَلَيْسَ فِي الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَا مَحِلَّ لِلِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى انْعِقَادِ الْهِبَةِ بِالْمُزَاحِ (الْحَمَوِيُّ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ؛ الطَّحْطَاوِيُّ) وَقَدْ بُيِّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (169) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْجَدُّ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْهَزْلِ.
[ (الْمَادَّةُ 839) تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالتَّعَاطِي]
(الْمَادَّةُ 839) :
تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا.
كَمَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ تَنْعَقِدُ أَيْضًا بِالتَّعَاطِي أَيْ بِإِعْطَاءِ الْوَاهِبِ وَقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَتَتِمُّ يَعْنِي تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالتَّعَاطِي الْوَاقِعِ مَعَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّمْلِيكِ مَجَّانًا وَتَكُونُ تَامَّةً وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَحْصُلُ فَرْقٌ حُكْمِيٌّ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْقَوْلِيَّيْنِ وَبَيْنَ التَّعَاطِي. فَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْقَوْلِيَّيْنِ فَقَطْ أَمَّا بِالتَّعَاطِي فَتَنْعَقِدُ وَتَتِمُّ مَعًا. وَقَدْ جَاءَتْ الْمَجَلَّةُ بِالْمَادَّةِ (841) لِإِفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَتْ الْمَجَلَّةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (تَنْعَقِدُ وَتَتِمُّ) فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مِنْ حَاجَةٍ إلَى الْمَادَّةِ (841) .
مَثَلًا لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ فَقِيرًا نُقُودًا وَأَخَذَهَا الْفَقِيرُ دُونَ أَنْ يَفُوهَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِشَيْءٍ تَنْعَقِدُ هِبَةً خُصُوصِيَّةً أَيْ صَدَقَةً (الْقُهُسْتَانِيُّ) .
قَدْ اُشْتُرِطَ لِانْعِقَادِ الْهِبَةِ بِالتَّعَاطِي وُجُودُ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى التَّمْلِيكِ عَلَى مَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
وَعَلَيْهِ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ ابْنَهُ مَالًا وَتَصَرَّفَ الِابْنُ فِي الْمَالِ فَيَبْقَى الْمَادَّةُ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْضًا. إلَّا إذَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَلَّكَ ابْنَهُ ذَلِكَ الْمَالَ.
مَثَلًا لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِابْنِهِ: تَصَرَّفْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ وَتَصَرَّفَ الْآخَرُ مُدَّةً فِيهِ فَلَا يَكُونُ الِابْنُ الْمَذْكُورُ مَالِكًا لَهَا كَذَلِكَ لَوْ أَنَامَ أَحَدٌ ابْنَهُ عَلَى فِرَاشِهِ الْمَمْلُوكِ فَلَا يُصْبِحُ ذَلِكَ الْفِرَاشُ لِلِابْنِ مَا لَمْ يُمَلِّكْهُ " الْهِنْدِيَّةُ ".
[ (الْمَادَّةُ 840) الْإِرْسَالُ وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ]
(الْمَادَّةُ 840) :
الْإِرْسَالُ وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَفْظًا.
الْإِرْسَالُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ مِنْ طَرَفٍ وَالْقَبْضُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَفْظًا مَعَ الْقَبْضِ وَبِنَاءً عَلَيْهِ تَنْعَقِدُ بِهِمَا الْهِبَةُ وَتَتِمُّ. وَهَذَا الْقَبْضُ بِمَا أَنَّهُ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمَادَّةِ (841) الْآتِيَةِ تَتِمُّ بِهِ الْهِبَةُ يَعْنِي أَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ. وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تُبَيِّنُ انْعِقَادَ الْهِبَةِ بِالتَّعَاطِي، وَالتَّعَاطِي فِي الْهِبَةِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِعْطَاءِ مِنْ طَرَفِ الْوَاهِبِ وَالْقَبْضِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
وَبِمَا أَنَّ الْإِرْسَالَ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ وَالْقَبْضَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَيَفْتَرِقُ عَنْ التَّعَاطِي الْوَاقِعِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَادَّةُ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَادَّةِ الْآنِفَةِ يَعْنِي أَنَّ الْهِبَةَ الْوَاقِعَةَ عَلَى وَجْهِ هَذِهِ الْمَادَّةِ وَإِنْ انْعَقَدَتْ بِالتَّعَاطِي
(2/405)
فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْمَادَّةِ السَّالِفَةِ هُوَ مَا يَأْتِي: إنَّ الْمَادَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَقِّ التَّعَاطِي الْوَاقِعِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَالْإِرْسَالُ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ وَالْقَبْضُ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ. وَعَلَيْهِ يَكُونُ التَّعَاطِي فِي الْهِبَةِ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مَا كَانَ التَّسْلِيمُ وَالْقَبْضُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
النَّوْعُ الثَّانِي مَا كَانَ الْإِرْسَالُ فِي مَجْلِسٍ وَالْقَبْضُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُ الرَّسُولِ فِي هَذَا الْإِرْسَالِ وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَالسَّبَبُ فِي قَوْلِ الْمَجَلَّةِ (وَالْقَبْضُ) عَدَمُ تَمَامِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَادَّةِ (837) .
حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ أَحَدٌ لِآخَرَ هَدِيَّةً وَتُوُفِّيَ الْمُهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهَا فَتَبْقَى الْهَدِيَّةُ فِي مِلْكِ الْمُهْدِي كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَوَفَّى هُوَ الْمُهْدِي فَلَا تُسَلَّمُ الْهَدِيَّةُ إلَيْهِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 849 " مَجْمُوعُ الْفَتَاوَى.
[ (الْمَادَّةُ 841) الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ]
(الْمَادَّةُ 841) :
الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَيْهِ تَتِمُّ الْهِبَةُ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِدُونِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت أَوْ اتَّهَبْت عِنْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ أَيْ قَوْلِهِ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ.
قَبْضُ الْمَوْهُوبِ فِي الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ كَقَبُولِ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتِمُّ إذَا وَقَعَ الْإِيجَابُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَ قَبُولُ ذَلِكَ الْإِيجَابِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ تَنْعَقِدُ وَتَتِمُّ الْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ أَيْضًا بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْهِبَةَ بَعْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ لَفْظًا وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِأَيِّ كَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ، كَقَوْلِهِ: اتَّهَبْت؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْهِبَةَ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْهِبَةِ. (الدُّرَرُ) فَعَلَيْهِ لَمْ تَقُلْ الْمَجَلَّةُ بِأَنَّ الْقَبْضَ بِالْهِبَةِ قَبُولٌ بَلْ قَالَتْ: إنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ مُشَبِّهَةً الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ بِالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ قَصَدْت بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُهِمَّةِ وَهِيَ انْعِقَادُ الْهِبَةِ. تَمَامُهَا مَعًا بِالْقَبْضِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي ذَلِكَ هُوَ تَمَامُ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ إذْ لَا حَاجَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ مُمَاثِلًا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ لِذَلِكَ جَازَ الْقَبْضُ بَعْدَ إيجَابِ الْهِبَةِ.
لَوْ حَصَلَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْهِبَةِ فَعَلَيْهِ لَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْقَبُولُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْإِيجَابِ الْقَوْلِيِّ بَلْ يَشْمَلُ الْهِبَةَ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا رَغْمًا عَنْ أَنَّ الْمَجَلَّةَ فِي مِثَالِهَا الْآتِي قَدْ صَوَّرَتْ الْمَسْأَلَةَ بِالْإِيجَابِ الْقَوْلِيِّ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ فِي صُورَةِ الْمِثَالِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ فَعَلَيْهِ إذَا أَعْطَى شَخْصٌ حَسْبَمَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (869) قِرْشًا وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَقَبَضَ السَّائِلُ ذَلِكَ الْقِسْطَ يَكُونُ هَذَا الْقَبْضُ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ. كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ شَخْصٌ حَسَبَ الْمَادَّةِ (840) إلَى جَارِهِ طَبَقًا مِنْ ثَمَرِ كَرْمِهِ مَعَ خَادِمِهِ وَقَبَضَهُ الْجَارُ فَهَذَا الْقَبْضُ أَيْضًا كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بِنَاءً عَلَيْهِ تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ وَتَتِمُّ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ الْمَادَّةَ الْمَوْهُوبَةَ وَقَبِلَ ذَلِكَ الْقَبْضَ فِعْلًا بِدُونِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت أَوْ اتَّهَبْت عِنْدَ إيجَابِ الْوَاهِبِ أَيْ قَوْلِ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ أَوْ أَهْدَيْتُك إيَّاهُ. وَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَالِكًا الْمَوْهُوبَ لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ (الزَّيْلَعِيّ) وَالْقَبُولُ كَمَا يَكُونُ صَرَاحَةً يَكُونُ دَلَالَةً أَيْضًا. وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبُولٌ دَلَالَةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
(2/406)
قَبُولُ الْهِبَةِ نَوْعَانِ: - يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَبُولَ الْهِبَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (839) كَمَا يَكُونُ بِالْقَبُولِ أَحْيَانًا يَكُونُ أُخْرَى بِالْفِعْلِ. وَالْقَبُولُ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ تَنْعَقِدُ بِالْقَبُولِ الْقَوْلِيِّ إلَّا أَنَّهَا لَا تَكُونُ تَامَّةً أَمَّا فِي الْقَبُولِ الْفِعْلِيِّ فَتَنْعَقِدُ بِهِ وَتَكُونُ تَامَّةً مَعًا.
مِثَالٌ آخَرُ: لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِجَمَاعَةٍ: قَدْ وَهَبْت هَذَا الْمَالَ لِأَحَدِكُمْ فَمَنْ أَرَادَهُ مِنْكُمْ فَلْيَأْخُذْهُ، فَأَخَذَهُ أَحَدُهُمْ كَانَ مَالِكًا لَهُ وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَذَا قَبُولٌ فِعْلِيٌّ عَلَى وَجْهِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
هَلْ قَوْلُ الْمَجَلَّةِ فِي مِثَالِهَا هَذَا (إذَا قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ) تَعْبِيرٌ احْتِرَازِيٌّ أَمْ لَا؟ وَلْنُبَادِرْ إلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ الشَّأْنِ. لِلْهِبَةِ بَعْدَ إيجَابِ الْوَهَّابِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ فِي قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ:
الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ: إعْطَاءُ إذْنِ الْوَاهِبِ صَرَاحَةً بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُوجَدُ صُورَتَانِ: الصُّورَةُ الْأُولَى أَنْ يَقْبَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إيجَابَ الْوَاهِبِ قَوْلًا فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (844) .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إيجَابَ الْوَاهِبِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ وَيَسْكُتَ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَثَلًا إذَا قَالَ الْوَاهِبُ: وَهَبْتُك مَالِي هَذَا فَخُذْهُ، وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِدُونِ أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت قَوْلًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَا شُبْهَةَ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ. إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْهِبَةَ فَهَلْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ؟ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ أَذِنَ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (844) وَتَتِمُّ الْهِبَةُ بِذَلِكَ وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ قَاضِي خَانْ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْبَابِ التَّرْجِيحِ (الْفَتَاوَى الْقَاعِدِيَّةُ وَالنِّهَايَةُ وَعَبْدُ الْحَلِيمِ وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) فَسَبَبُ قَوْلِ الْمَجَلَّةِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ هُوَ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُذْكَرْ فِي مِثَالِ الْمَجَلَّةِ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ صَرَاحَةً فَأَصْبَحَ حَسَبَ الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (844) قَبْضُ الْهِبَةِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ شَرْطًا وَمَعَ أَنَّهُ اُشْتُرِطَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ (اُنْظُرْ الْفَصْلَ الثَّانِيَ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ) فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ) .
وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ جَوَابًا عَلَى هَذَا. إنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابِ الْوَاهِبِ فَقَطْ أَمَّا الْقَبُولُ فَلَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الرُّكْنِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا مِنْهُ قِيَاسًا انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيًّا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ. لَكِنَّ الْمَجَلَّةَ قَدْ اخْتَارَتْ الْقَوْلَ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ لِلْهِبَةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (837) فَكَانَ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرَ مَقْبُولٍ عَلَى رَأْيِ الْمَجَلَّةِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِمَا أَنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ قَائِمٌ مَقَامَ قَبُولِ الْهِبَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ (182) يَعْنِي بِمَا أَنَّ الْقَبُولَ مُقَيَّدٌ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِالْقَبْضِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَهَذَا الْقَوْلُ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ لِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا وَالْإِيجَابُ فَقَطْ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي مَجْلِسٍ
(2/407)
وَاحِدٍ (الْفَتْحُ) وَبِمَا أَنَّ الْمَجَلَّةَ تَعْتَبِرُ رُكْنَ الْهِبَةِ عِبَارَةً عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا فَهَلْ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ؟ احْتِمَالٌ ثَانٍ، عَدَمُ إذْنِ الْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ صَرَاحَةً وَسُكُوتُهُ. وَحُكْمُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ (845) هُوَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ كَانَ صَحِيحًا أَمَّا إذَا قَبَضَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَلَا. احْتِمَالٌ ثَالِثٌ، نَهْيُ الْوَاهِبِ لَهُ عَنْ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ وَحُكْمُ هَذَا سَيُذْكَرُ فِي الْمَادَّةِ (863) .
[ (الْمَادَّةُ 842) إذْنُ الْوَاهِبِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً فِي الْقَبْضِ]
(الْمَادَّةُ 842) - (يَلْزَمُ إذْنُ الْوَاهِبِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً فِي الْقَبْضِ) .
أَيْ فِي قَبْضِ الْمَوْهُوبِ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ الْهِبَةُ.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ الْوَاقِعُ بِدُونِ إذْنِ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَمَّا كَانَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا مَا لَمْ يُوجَدْ إذْنٌ بِهِ مِنْ الْوَاهِبِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَا لَمْ يُقْبَضْ يَبْقَى فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَيْضًا (الْهِدَايَةُ) (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 96) .
يُبَيَّنُ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ صَرَاحَةً أَوْ دَلَالَةً.
فَعَلَى ذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ بِدُونِ أَنْ يُوجَدَ إذْنٌ مِنْ الْوَاهِبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةَ بِذَلِكَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ بِدُونِ الْإِذْنِ الْمَذْكُورِ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ. فَعَلَى ذَلِكَ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّ الدَّارَ الَّتِي تَحْتَ يَدِي قَدْ تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيَّ وَأَذِنْتنِي بِقَبْضِهَا وَادَّعَى الْآخَرُ قَائِلًا: إنَّك قَبَضْتهَا بِدُونِ إذْنِي فَالْقَوْلُ لِلْآخَرِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (76) . أَمَّا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدِي وَتَصَدَّقْت بِهَا عَلَيَّ فَجَازَتْ الصَّدَقَةُ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (846) وَادَّعَى الْآخَرُ: إنَّ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدِي وَقْتَ التَّصَدُّقِ وَقَدْ قَبَضْتهَا بِدُونِ إذْنِي، فَالْقَوْلُ لِلْمُتَصَدِّقِ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (76) .
أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْأَوَّلُ قَائِلًا لِلْآخَرِ: إنَّك تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيَّ وَهِيَ فِي يَدِهِ وَقَدْ جَازَتْ الصَّدَقَةُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (846) ، وَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: قَدْ كَانَتْ فِي يَدِي وَقْتَ التَّصَدُّقِ وَقَبَضْتهَا بِلَا إذْنِي فَالْقَوْلُ لِلْأَوَّلِ.
[ (الْمَادَّةُ 843) إيجَابُ الْوَاهِبِ إذْنٌ دَلَالَةً بِالْقَبْضِ]
(الْمَادَّةُ 843) - (إيجَابُ الْوَاهِبِ إذْنٌ دَلَالَةً بِالْقَبْضِ وَأَمَّا إذْنُهُ صَرَاحَةً فَهُوَ قَوْلُهُ: خُذْ هَذَا الْمَالَ فَإِنِّي وَهَبْتُك إيَّاهُ، إنْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَوْلُهُ: وَهَبْتُك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ اذْهَبْ وَخُذْهُ، هُوَ أَمْرٌ صَرِيحٌ) .
إيجَابُ الْوَاهِبِ إذْنٌ دَلَالَةً بِالْقَبْضِ أَيْ إيجَابُ الْوَاهِبِ تَسْلِيطٌ عَلَى الْقَبْضِ.
بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ دَلَالَةً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَمْلِكُهُ وَيُصْبِحُ الْقَبْضُ بِالْإِذْنِ دَلَالَةً اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ عَدَمُ صِحَّةِ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ إذْنٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ بِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ فَالْقِيَاسُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (96) عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَاقٍ (الْعِنَايَةُ) .
(2/408)
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: هُوَ أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقَبْضِ فَأَصْبَحَ بِذَلِكَ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَلَمَّا كَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ إذْنُ الْبَائِعِ صَرَاحَةً بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ يَعْنِي أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاهِبِ مِنْ عَقْدِ الْهِبَةِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ فَكَانَ إذْنًا دَلَالَةً (الْفَتْحُ وَالْعِنَايَةُ وَالْهِدَايَةُ) .
مَثَلًا: بِمَا أَنَّ قَوْلَ الْوَاهِبِ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: اقْبِضْ هَذَا الْمَالَ فَلَوْ قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ تَتِمُّ الْهِبَةَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْوَاهِبُ بَعْدَ الْإِيجَابِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: اقْبِضْهُ صَرَاحَةً (الْهِدَايَةُ) .
اسْتِثْنَاءٌ: لَكِنْ كَوْنُ الْإِيجَابِ إذْنًا دَلَالَةً فِيمَا إذَا لَمْ يَنْهَ الْوَاهِبُ بَعْدَ الْإِيجَابِ عَنْ الْقَبْضِ. كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (863) وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذْنًا (الْهِدَايَةُ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (13) فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ هَذَا النَّهْيِ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَلَا يُعَدُّ الِافْتِرَاقُ (الدُّرَرُ) .
أَمَّا الْإِذْنُ صَرَاحَةً فَهُوَ قَوْلُهُ: خُذْ هَذَا الْمَالَ فَإِنِّي وَهَبْتُك إيَّاهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَمَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَقَوْلُهُ: وَهَبْتُك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ اذْهَبْ وَخُذْهُ أَمْرٌ صَرِيحٌ. وَصِحَّةُ الْقَبْضِ بِهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَمْنَعْ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَنْ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ بَعْدَ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ. أَمَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا حُكْمَ لِلْإِذْنِ السَّابِقِ. وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَسَبَ الْمَادَّةِ (863) قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لِلْإِذْنِ بِالْقَبْضِ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى أَمْرُ الْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ يَعْنِي إعْطَاءَ الْإِذْنِ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ وَالْفِقْرَةُ الْأُولَى مِنْ الْمَادَّةِ تُبَيِّنُ حُكْمَ هَذَا.
الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ نَهْيُ الْوَاهِبِ عَنْ الْقَبْضِ. وَحُكْمُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (844) الْمَذْكُورَةِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: سُكُوتُ الْوَاهِبِ عَنْ الْقَبْضِ وَحُكْمُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
[ (الْمَادَّةُ 844) أَذِنَ الْوَاهِبُ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ]
(الْمَادَّةُ 844) (إذَا أَذِنَ الْوَاهِبُ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ يَصِحُّ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ أَمَّا الْإِذْنُ دَلَالَةً فَمُعْتَبَرٌ بِمَجْلِسِ الْهِبَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ. مَثَلًا: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ يَصِحُّ وَأَمَّا لَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك الْمَالَ الَّذِي هُوَ فِي الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ، وَلَمْ يَقُلْ: اذْهَبْ وَخُذْهُ. فَإِذَا ذَهَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبَضَهُ لَا يَصِحُّ) .
إذَا أَذِنَ الْوَاهِبُ صَرَاحَةً بِالْقَبْضِ يَصِحُّ قَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ سَوَاءٌ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ أَيْ افْتِرَاقِ الطَّرَفَيْنِ مِنْ مَجْلِسِ الْهِبَةِ. يَعْنِي تَتِمُّ الْهِبَةُ بِهَذَا الْقَبْضِ وَيَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ بِهَذَا الْقَبْضِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ مُطْلَقًا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (46) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ أَوْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ لَمَّا كَانَ يَثْبُتُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَيَتَحَقَّقُ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ
(2/409)
فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ (الْفَتْحُ) وَبِمَا أَنَّ مِثَالَ هَذِهِ الْفِقْرَةِ يَظْهَرُ مِنْ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَلَمْ تَذْكُرْ لَهَا الْمَجَلَّةُ مِثَالًا فَنُورِدُ لِذَلِكَ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ مِثَالًا فِيمَا يَأْتِي: لَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: قَبِلْت بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْوَاهِبِ لَهُ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ فَخُذْهُ. فَكَمَا أَنَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْضُهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَهُ قَبْضُهُ أَيْضًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ. إذَا لَمْ يَنْهَ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ عَنْ الْقَبْضِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (132) .
كَذَا لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ: قَدْ وَهَبْتُك مَالِي الَّذِي فِي الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ اذْهَبْ فَخُذْهُ، وَذَهَبَ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ تَمَّتْ الْهِبَةُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ: قَبِلْت. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ قَاضِي خَانْ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (841) . (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
أَمَّا الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ دَلَالَةً فَمُقَيَّدٌ بِمَجْلِسِ الْهِبَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ الْمَذْكُورِ وَكَانَ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا كَانَ هَذَا الْقَبْضُ مُعْتَبَرًا اسْتِحْسَانًا (لَا قِيَاسًا) . أَمَّا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ اسْتِحْسَانًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا يُصْبِحُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَذَا الْقَبْضِ مَالِكًا لِلْمَوْهُوبِ. وَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْقَبْضِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَلَى الْإِذْنِ الصَّرِيحِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ إيجَابَ الْهِبَةِ تَسْلِيطٌ وَإِذْنٌ بِالْقَبْضِ هُوَ لِإِلْحَاقِ الْقَبْضِ بِقَبُولِ الْإِيجَابِ وَبِمَا أَنَّ الْقَبُولَ يَتَقَيَّدُ بِمَجْلِسِ الْإِيجَابِ فَالْقَبْضُ يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ أَيْضًا (الْعَيْنِيُّ، الطَّحْطَاوِيُّ) .
مَثَلًا: لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: اقْبِضْ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ صَحَّ وَتَمَّتْ الْهِبَةُ وَقَدْ أُشِيرَ فِي هَذَا الْمِثَالِ بِقَوْلِ " هَذَا الْمَالَ " إلَى أَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ بِقَبْضِهَا بِالْإِذْنِ دَلَالَةٌ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ عَلَى وُجُوبِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا.
أَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ دَيْنًا فَمَا لَمْ يَكُنْ إذْنًا بِالْقَبْضِ صَرَاحَةً فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ أَيْضًا وَقَدْ أَشَارَتْ الْمَادَّةُ (848) بِقَوْلِهَا (اذْهَبْ فَخُذْهُ صَرَاحَةً) إلَى ذَلِكَ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
حَتَّى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: قَدْ وَهَبْتُك خَمْسَ كِيلَاتٍ مِنْ صُبْرَةِ الْحِنْطَةِ هَذِهِ وَكَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْحِنْطَةَ مِنْ تِلْكَ الصُّبْرَةِ فِي حُضُورِ الْوَاهِبِ وَأَخَذَهَا فَلَا يَكُونُ مَالِكًا لَهَا. أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: وَهَبْتُك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ خَمْسَ كِيلَاتٍ حِنْطَةٍ فَكِلْهَا، وَكَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْحِنْطَةَ يَمْلِكُهَا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِيمَا يَجُوزُ مِنْ الْهِبَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ) " اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 158 ".
وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ أَنَّ فِقْرَةَ الْمَادَّةِ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَقَدْ تَقَيَّدَتْ بِالْمَادَّةِ (848) السَّالِفَةِ الذِّكْرِ.
أَمَّا لَوْ قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ مَجْلِسِ الْهِبَةِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ (الْهِنْدِيَّةُ) مَتَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ غَاصِبًا.
كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ: قَدْ وَهَبْتُك مَالِي الَّذِي فِي الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: اذْهَبْ فَخُذْهُ فَلَوْ ذَهَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبَضَهُ فَلَا يَصِحُّ فَإِذَا قَبَضَهُ يُعَدُّ غَاصِبًا فَلِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُهُ وَطَلَبُ بَدَلِهِ إذَا تَلِفَ.
[ (الْمَادَّةُ 845) لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَهَبَ الْمَبِيعَ لِآخَرَ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ]
(الْمَادَّةُ 845) - (لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَهَبَ الْمَبِيعَ لِآخَرَ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ، وَيَأْمُرَ الْمَوْهُوبَ لَهُ بِالْقَبْضِ) .
(2/410)
وَإِذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ الْمَبِيعَ الْمَذْكُورَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَالْهِبَةِ، كَانَتْ الْهِبَةُ تَامَّةً (الْحَمَوِيُّ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مَنْقُولًا أَمْ عَقَارًا.
وَبِمَا أَنَّ - بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ غَيْرُ جَائِزٍ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي الْمَادَّةِ (253) فَتَفْتَرِقُ الْهِبَةُ فِي هَذَا الْخُصُوصِ عَنْ الْبَيْعِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (253) كَالْهِبَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَاضِ فَلِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ بِالْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ بِذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَلَهُ أَنْ يُنِيبَ آخَرَ بِالْقَبْضِ وَيُصْبِحُ بَعْدَ ذَلِكَ النَّائِبُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ وَيُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ الْهِبَةَ حَصَلَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّ هِبَةَ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُسْقِطُ - حَقَّ حَبْسِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ الثَّابِتِ لَهُ بِمُوجَبِ الْمَادَّةِ (278) وَقَدْ فُصِّلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْمَادَّةِ (253) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ: (1) قَبْلَ الْقَبْضِ، فَهُوَ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا إذْ جَوَازُ الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْلَى.
(2) لِآخِرِ، هَذَا الْقَيْدُ احْتِرَازِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَهَبَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ وَقَبِلَ الْبَائِعُ الْهِبَةَ فَيَكُونُ ذَلِكَ إقَالَةً لِلْبَيْعِ وَتَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ الْإِقَالَةِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (3) . كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الْآخَرُ بَدَلَ إيجَارِ الْعَيْنِ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ وَقَبِلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ قَدْ أَقَالَ بِذَلِكَ عَقْدَ الْإِيحَارِ فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَدْ كَانَتْ الْهِبَةُ إقَالَةً مَجَازًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (61) .
(3) الْهِبَةُ: إنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ هِيَ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا مِنْ وَجْهٍ لَيْسَتْ احْتِرَازِيَّةً فَكُلُّ تَصَرُّفٍ تَمَامُهُ الْقَبْضُ وَالْحُكْمُ فِي هَذَا كَالْهِبَةِ. وَمِنْ وَجْهٍ احْتِرَازِيَّةٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ آخَرَ لَيْسَ جَائِزًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (253) .
[ (الْمَادَّةُ 846) وَهَبَ مَالَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ آخَرَ لَهُ وَالتَّسْلِيمِ مَرَّةً أُخْرَى]
(الْمَادَّةُ 846) - (مَنْ وَهَبَ مَالَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ آخَرَ لَهُ تَتِمُّ الْهِبَةُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ مَرَّةً أُخْرَى) .
إذَا تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ قَامَ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرَ. أَمَّا إذَا تَغَايَرَ أَقَامَ الْأَقْوَى مَقَامَ الْأَضْعَفِ لَكِنْ الْأَضْعَفُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَقْوَى؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْأَقْوَى مِثْلُ الْأَدْنَى وَزِيَادَةٌ أَمَّا الْأَدْنَى فَلَيْسَ فِيهِ الْأَقْوَى فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ (الزَّيْلَعِيّ. الطَّحْطَاوِيُّ) .
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ آخَرَ مَضْمُونًا كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَاللُّقَطَةِ أَوْ الْأَمَانَةِ بِصُورَةٍ أُخْرَى وَالْمَقْبُوضُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ بِغَصْبٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ تَتِمُّ الْهِبَةُ وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ: قَبِلْت أَوْ اتَّهَبْت، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَالُ حَاضِرًا وَمَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَلَا حَاجَةَ لِتَمَامِ الْهِبَةِ إلَى تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ مِنْ طَرَفِ الْوَاهِبِ وَإِلَى الْقَبْضِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُرُورِ وَقْتٍ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يُقْتَدَرُ بِهِ عَلَى الْقَبْضِ (الْعِنَايَةُ) . بِنَاءً عَلَيْهِ تَتِمُّ هَذِهِ الْهِبَةُ بِدُونِ حَاجَةٍ إلَى مُرُورِ وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ الْمَوْهُوبُ (الْقُهُسْتَانِيُّ) حَتَّى أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ تَلِفَ عَلَى أَنَّهُ مَالُ الْمَوْهُوبِ لَهُ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ فَرَسًا وَهَلَكَ فِي يَدِ
(2/411)
الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ فَنَفَقَاتُ إلْقَاءِ جِيفَتِهِ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ (أَبُو السُّعُودِ بِتَغْيِيرٍ مَا) .
يُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ السَّالِفَةِ أَنَّ قَبْضَ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْهِبَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّ الْقَبْضَ بِالْغَصْبِ وَالْبَيْعَ الْفَاسِدَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ الَّتِي هِيَ دُونَهُمَا لَكِنْ الْقَبْضَ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الشِّرَاءِ (الْهِدَايَةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَبْضُ الْأَمَانَةِ ضَعِيفًا فَلَا يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الضَّمَانِ (الْعِنَايَةُ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - الْمَالُ.
بِمَا أَنَّ لَفْظَ الْمَالِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَجَلَّةِ مُطْلَقًا فَيَشْمَلُ الْأَمَانَةَ وَالْمَضْمُونَ وَالْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (64) .
2 - قَبِلْتُ.
قَدْ أُشِيرَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إلَى الْقَبُولِ صَرَاحَةً شَرْطٌ وَلَيْسَتْ مَقِيسَةٌ عَلَى الْمَادَّةِ (841) ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فَلَا حَاجَةَ لِلْقَبْضِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَمْلِكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ بِدُونِ رِضَاهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكًا لِآخَرَ أَيْ أَنْ يُمَلِّكَ آخَرَ بِدُونِ رِضَاهُ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (167) . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَاضِيًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ مِلْكٌ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الضَّرَرِ مَوْجُودٌ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمِيرَاثُ فَقَطْ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (841) .
3 - وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي: الْقَبْضُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: قَبْضٌ مَضْمُونٌ بِقِيمَةِ الْمَقْبُوضِ أَوْ بِمِثْلِهِ كَالْقَبْضِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْغَاصِبِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (891) كَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْمَالِ الْمَقْبُوضِ بِطَرِيقِ سَوْمِ الشِّرَاءِ مَعَ تَسْمِيَتِهِ الثَّمَنَ وَالْمَالَ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (298 و 371) .
وَعَلَيْهِ لَوْ بَاعَ صَاحِبُ الْمَالِ الْمَقْبُوضِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَالَهُ هَذَا مِنْ قَابِضِهِ بَيْعًا صَحِيحًا فَلِكَوْنِ الْقَبْضَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ أَيْ لِأَنَّهُمَا مَضْمُونَانِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ وَيَقُومُ الْقَبْضُ السَّابِقُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّاحِقِ اللَّازِمِ فِي الْبَيْعِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ لِلْقَابِضِ فَيَمْلِكُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْهِبَةِ وَلَا حَاجَةَ لِقَبْضٍ آخَرَ وَيَبْرَأُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ الضَّمَانِ بِقَبُولِهِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ (أَبُو السُّعُودِ) .
سُؤَالٌ - بِمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ فِي الْمَادَّةِ (366) فَكَيْفَ يَصِحُّ لِلْبَائِعِ هِبَتُهُ لِلْمُشْتَرِي يَعْنِي أَنَّهُ مَا دَامَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي فَمَا مَعْنَى تَمْلِيكُهُ لِلْمُشْتَرِي مَرَّةً أُخْرَى بِالْهِبَةِ؟ الْجَوَابُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَوَّلًا: كَأَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ فَسَخَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَبَعْدَ فَسْخِهِ وَهَبَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الْقَابِضِ.
(2/412)
ثَانِيًا: إنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ بِلَا أَمْرِ الْبَائِعِ فَأَصْبَحَ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ فَوَهَبَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الْمَقْبُوضَ لِلْمُشْتَرِي (الْفَتْحُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْبُوضُ بِالْغَصْبِ.
ثَالِثًا: لَيْسَ بَعِيدًا أَنْ تَكُونَ نَفْسُ الْهِبَةِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ اقْتِضَاءً يَعْنِي إذَا وَهَبَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ بِهَذِهِ الْهِبَةِ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ هِبَةً.
وَالْحَاصِلُ: إنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ فِي الْأَمْوَالِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ مَعَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ وَفِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّاحِقِ أَيْ إنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ أَعْلَى وَأَقْوَى مِنْ الْقَبْضِ اللَّاحِقِ اللَّازِمِ فِي الْهِبَةِ (الْكِفَايَةُ وَأَبُو السُّعُودِ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي - الْقَبْضُ الْمَضْمُونُ بِغَيْرِهِ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ الْمَضْمُونِ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ الْمَضْمُونِ بِالدَّيْنِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (293) مَعَ اللَّاحِقَةِ الَّتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (741) .
وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقَبْضِ قَدْ اخْتَلَفَتْ الْكُتُبُ الْفِقْهِيَّةُ فِي قِيَامِهِ مَقَامَ قَبْضِ الْهِبَةِ وَإِنَّنَا نَنْقُلُ هُنَا الْمَسَائِلَ الَّتِي تُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ وَنَتْرُكُ تَرْجِيحَهَا لِأَهْلِ الِاقْتِدَارِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ وَالتَّبْيِينُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الْقَبْضِ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَابِضِ اللَّازِمِ فِي الْهِبَةِ أَمَّا الْكِفَايَةُ وَجَوَاهِرُ الْفِقْهِ وَالْمُجْتَبَى فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ الثَّانِيَ مِنْ الْقَبْضِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّازِمِ فِي الْهِبَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ جَدِيدٍ (نُقُولُ الْبَهْجَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْقَبْضِ الْمُوجِبَةِ لَهُ فَلَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ بَرَاءَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْهِبَةِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَجْدِيدِ قَبْضٍ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْقَبْضُ الْجَدِيدُ عِبَارَةٌ عَنْ مُرُورِ وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بُلُوغَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ، الْعِنَايَةُ، الطَّحْطَاوِيُّ) . وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْفِقْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَادَّةِ (270) .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: قَبْضُ الْأَمَانَةِ كَقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّة وَالْمَأْجُورِ وَالْمَالِ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّتَيْنِ (777 و 813) لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَوْهُوبِ عَلَى مَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْمَادَّةِ (871) غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ أَيْضًا وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْضُ أَمَانَةٍ بِنَاءً عَلَيْهِ فَهَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَيْضًا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ (الزَّيْلَعِيّ) .
(س) لَمَّا كَانَ وَضْعُ يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ فَأَصْبَحَ الْمُسْتَوْدَع نَائِبًا لِلْمُودِعِ فِي يَدِهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَحِفْظِهِ لَهُ وَعَامِلًا لَهَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقُومَ هَذَا الْقَبْضُ مَقَامَ الْقَبْضِ اللَّازِمِ فِي الْهِبَةِ وَيَكُونُ الْمَوْهُوبُ قَدْ وُهِبَ وَهُوَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ.
الْجَوَابُ: إنَّ الْمُسْتَوْدَعَ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِلْمُودِعِ وَإِنَّ يَدَ الْمُسْتَوْدَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ وَلَكِنْ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِلْمُودِعِ وَبِمَا أَنَّهُ وَاضِعٌ يَدَهُ بِنَاءً عَلَى الْوَدِيعَةِ حَقِيقَةً يَكُونُ الْمُسْتَوْدَعُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَابِضًا (الزَّيْلَعِيّ) .
حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَ هِبَةِ الْوَدِيعَةِ لِذِي الْيَدِ إذَا ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ:
(2/413)
إذْ وُهِبَتْ الْوَدِيعَةُ لِذِي الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّرِ آنِفًا يَعْنِي لِلْمُسْتَوْدَعِ وَظَهَرَ بَعْدَ تَلَفِهَا فِي يَدِهِ مُسْتَحِقٌّ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مُخَيَّرًا.
إنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا لِلْوَاهِبِ وَإِنْ شَاءَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (910) وَإِذَا ضَمَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ يُنْظَرُ فِيمَا إذَا جَدَّدَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقَبْضَ بَعْد الِاتِّهَابِ وَقَبْلَ تَضْمِينِ الْمُسْتَحِقِّ الْوَاهِبَ الْمُودِعَ فَلَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمَّنَهُ.
(اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 861) أَمَّا إذَا لَمْ يُجَدِّدْ قَبْضَهُ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمَّنَهُ وَالْفَرْقُ هُوَ إذَا لَمْ يُجَدِّدْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقَبْضَ لَا يُنْتَقَضُ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ بِالْهِبَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ غَرُورًا فِي عَقْدٍ عَائِدٍ نَفْعُهُ لِلدَّافِعِ كَمَا بُيِّنَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (658) الذَّخِيرَةُ فَصْلٌ " 13 "، فَعَلَيْهِ إذَا ظَهَرَ مُسْتَحِقٌّ بِمَالِ وَهَبَهُ الْأَبُ لِطِفْلِهِ الصَّغِيرِ وَتَلِفَ ذَلِكَ الْمَالُ فَضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْأَبَ فَلَيْسَ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَمَّا إذَا ضَمَّنَ الصَّغِيرَ الْمَالَ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُنْظَرُ فَإِذَا جَدَّدَ الصَّغِيرُ بَعْدَ الْبُلُوغِ الْقَبْضَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى أَبِيهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُجَدِّدْ الْقَبْضَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى أَبِيهِ " الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ " " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 658 ".
[ (الْمَادَّةُ 847) وَهَبَ أَحَدٌ دَيْنَهُ لِلْمَدْيُونِ أَوْ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَرُدَّهُ الْمَدْيُونُ]
(الْمَادَّةُ 847) - (إذَا وَهَبَ أَحَدٌ دَيْنَهُ لِلْمَدْيُونِ أَوْ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَرُدَّهُ الْمَدْيُونُ تَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ فِي الْحَالِ) .
لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ أَوْ إبْرَائِهِ مِنْهُ لَكِنْ يُرَدُّ بِرَدِّهِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْ الدَّيْنِ هُمَا مِنْ وَجْهٍ تَمْلِيكٌ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إسْقَاطٌ. فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إسْقَاطٌ يَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيُرَدُّ بِرَدِّهِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) . كَمَا تُرَدُّ التَّمْلِيكَاتُ الَّتِي كَالْبَيْعِ بَعْدَ الْإِيجَابِ بِرَدِّ الطَّرَفِ الْآخَرِ إيَّاهَا وَعَلَيْهِ فَقَدْ صَارَتْ هِبَةُ الدَّيْنِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ تَمْلِيكًا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ أَيْ مَالًا وَبِاعْتِبَارِ الْآتِي حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهِ كَمَا يَصِحُّ اشْتِرَاءُ الدَّائِنِ مَتَاعًا مِنْ الْمَدْيُونِ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ أَمَّا الْبَيْعُ فَهُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ. وَقَدْ صَارَ مِنْ وَجْهٍ إسْقَاطًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا وَحَلَفَ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى أَنْ لَا مَالَ لَهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ مَالًا مِنْ عَمْرٍو بِمَا لَهُ عَلَى زَيْدٍ مِنْ الدَّيْنِ فَعَلَيْهِ يُرَدُّ التَّمْلِيكُ بِالرَّدِّ بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ مَالًا أَمَّا بِاعْتِبَارِهِ وَصْفًا فَيَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ يَتِمُّ بِوُجُودِ الْمُسْقِطِ وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ (الزَّيْلَعِيّ فِي الْإِجَارَةِ مَعَ الْإِيضَاحِ) .
بَعْضُ مَسَائِلَ مُتَفَرِّعَةٍ عَنْ الضَّابِطِ الْأَوَّلِ: - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا وَهَبَ أَحَدٌ دَيْنَهُ لِمَدْيُونِهِ أَوْ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ أَوْ أَبَاحَهُ دَيْنَهُ وَلَمْ يَرُدَّ الْآخَرُ الْهِبَةَ أَوْ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِبَاحَةَ تَصِحُّ الْهِبَةُ أَوْ الْإِبْرَاءُ أَوْ الْإِبَاحَةُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ فِي الْحَالِ بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولِ الْمَدْيُونِ وَتَكُونُ الْهِبَةُ بِمَعْنَى الْإِبْرَاءِ مَجَازًا وَبِمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْهِبَةِ الْقَبُولُ دُونَ الْإِبْرَاءِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (837) فَتَفْتَرِقُ الْهِبَةُ عَنْ الْإِبْرَاءِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِمَدْيُونِهِ: تَرَكْت لَك دَيْنِي، أَوْ قَالَ " حَقّ خويش بتوماندم أَوْ ترابحل كردم " فَيَكُونُ قَدْ أَبْرَأَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ دَيْنَهُ الْمَذْكُورَ مِنْهُ كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدٌ (همه غر بِمَا نرامجل كردم) بَرِئَ
(2/414)
مَدْيُونُو ذَلِكَ الشَّخْصِ (الْهِنْدِيَّةُ وَوَاقِعَاتُ الْمُفْتِينَ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ أَبَاحَ الدَّائِنُ مَدْيُونَهُ الدَّيْنَ عِنْدَمَا بَلَغَتْهُ وَفَاةٌ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَدْيُونَ حَيٌّ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ دَيْنِهِ بَعْدُ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (51) (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَوْ وَهَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الدَّائِنِينَ حِصَّتَهُ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لِلْمَدْيُونِ صَحَّتْ الْهِبَةُ. كَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ دَيْنَهُ الَّذِي فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ وَوَهَبَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ الدَّيْنَ لِلْمَدْيُونِ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً فِي حِصَّتِهِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِشَخْصَيْنِ عَلَى زَيْدٍ دَيْنٌ أَرْبَعُمِائَةِ قِرْشٍ مُنَاصَفَةً وَوَهَبَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِزَيْدٍ يَعْنِي لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك بَرِئَ زَيْدٌ مِنْ مِائَتَيْ قِرْشٍ وَإِذَا قَالَ: وَهَبْتُك نِصْفَهُ، نَفَذَ فِي رُبْعِهِ وَبَقِيَ فِي الرُّبْعِ الثَّانِي مَوْقُوفًا عَلَى إذْنِ الشَّرِيكِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (858) (الْبَزَّازِيَّةُ وَالْأَنْقِرْوِيُّ) . كَمَا فِي هِبَةِ نِصْفِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ (الْخَانِيَّةُ قُبَيْلَ " فَصْلٌ فِي هِبَةِ الْمُشَاعِ ") .
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ صَاحِبَيْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً نِصْفَ ذَلِكَ الْمَالِ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى حِصَّتِهِ لَكِنْ لَوْ بَاعَ الْفُضُولِيُّ نِصْفَ الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَأَجَازَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ نَفَذَ فِي رُبْعِ الْمَالِ فَقَطْ (الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ) وَقَدْ مَرَّ فِي هَذَا الشَّأْنِ بَعْضُ الْمَسَائِلِ فِي الْبُيُوعِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا لَمْ يُرَدَّ، أَنَّهُ لَا حَاجَةَ أَنْ يَقُولَ الْمَدْيُونُ: قَبِلْت الْهِبَةَ أَوْ الْإِبْرَاءَ لِتَمَامِهِمَا، حَتَّى أَنَّهُ تُوُفِّيَ الْمَدْيُونُ قَبْلَ الْقَبُولِ لَزِمَتْ الْهِبَةُ (جَوَاهِرُ الْفِقْهِ، الْهِنْدِيَّةُ) .
فَائِدَةٌ: إذَا كَانَ مِقْدَارٌ مِنْ دَيْنِ الدَّائِنِ قِسْمًا مِنْ هَذَا الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ وَانْصَرَفَتْ الْهِبَةُ إلَى الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ مُنَاصَفَةً؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِصَرْفِهِ إلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. مَثَلًا لَوْ كَانَ لِلدَّائِنِ عَلَى مَدْيُونِهِ أَلْفُ قِرْشٍ مُعَجَّلَةٌ وَأَلْفٌ أُخْرَى مُؤَجَّلَةٌ، وَقَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ بِدُونِ تَعْيِينٍ: وَهَبْتُك خَمْسَمِائَةِ قِرْشٍ فَتَسْقُطُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ مِنْ الْمُعَجَّلِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ مِنْ الْمُؤَجَّلِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ) .
إيضَاحُ قُيُودِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى:
1 - مَدْيُونُهُ، هَذَا التَّعْبِيرُ بِاعْتِبَارٍ احْتِرَازِيٌّ فَخَرَجَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ الْمَدْيُونِ وَسَيُبَيَّنُ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ وَبِاعْتِبَارٍ آخَرَ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا فَلَوْ وَهَبَ دَائِنُ الْمُتَوَفَّى دَيْنَهُ لِوَرَثَتِهِ كَانَتْ هِبَةً صَحِيحَةً وَلَوْ كَانَتْ تَرِكَتُهُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ وَإِذَا رَدَّ الْوَارِثُ هَذِهِ الْهِبَةَ رُدَّتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَلَا تُرَدُّ بِرَدِّ الْوَارِثِ (التَّتَارْ خَانَيِّةُ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) الْمَدْيُونُ يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا التَّعْبِيرِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَنَّ الْهِبَةَ لِلْمَدِينِ صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ. بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ الدَّائِنُ دَيْنَهُ الَّذِي عَلَى الْمُتَوَفَّى لَهُ كَانَتْ صَحِيحَةً وَإِذَا رُدَّ لِوَارِثِ هَذِهِ الْهِبَةِ يَجْرِي الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ آنِفًا، كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الدَّائِنُ دَيْنَهُ لِبَعْضِ وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى تَكُونُ الْهِبَةُ صَحِيحَةً أَيْضًا وَتَكُونُ كَالْهِبَةِ لِلْمُتَوَفَّى بِنَاءً عَلَيْهِ يَسْتَفِيدُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مِنْهُ وَيُرَدُّ هَذَا الْإِبْرَاءُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِرَدِّهِ وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآنِفَةِ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ:
(2/415)
أَوَّلُهَا لِلدَّائِنِ، أَنْ يَهَبَ دَيْنَهُ لِمَدْيُونِهِ الْحَيِّ.
ثَانِيهَا لِلدَّائِنِ أَنْ يَهَبَهُ لِمَدْيُونِهِ الْمُتَوَفَّى.
ثَالِثُهَا لِلدَّائِنِ أَنْ يَهَبَهُ لِبَعْضِ وَرَثَةِ مَدْيُونِهِ الْمُتَوَفَّى أَوْ لِكُلِّهِمْ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
2 - الْهِبَةُ، يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِ كَوْنِ الْهِبَةِ صَحِيحَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ بَقَاءَ الدَّيْنِ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ أَوْ إبْرَائِهِ مِنْهُ لَيْسَ شَرْطًا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَلَّا يَكُونَ قَدْ قَبَضَ الدَّيْنَ. بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ مَدْيُونَهُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ مِنْهُ إبْرَاءَ إسْقَاطٍ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ كَانَ صَحِيحًا فَلَوْ قَالَ الدَّائِنُ بَعْدَمَا أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ مَدْيُونِهِ (وامي كه مرا بوده است بتوبخشيدم) كَانَ صَحِيحًا. وَيَسْتَرِدُّ الْمَدْيُونُ مَا أَعْطَاهُ لِدَائِنِهِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (158) كَذَلِكَ لَوْ أَدَّى أَحَدٌ ذَلِكَ الدَّيْنَ لِلدَّائِنِ تَبَرُّعًا وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّائِنُ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ كَانَ الْإِبْرَاءُ صَحِيحًا أَيْضًا وَيَسْتَرِدُّ الْمُتَبَرِّعُ مَا أَعْطَاهُ لِلدَّائِنِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ) .
3 - الْإِبْرَاءُ، يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِهِ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الَّذِي يَبْرَأُ مِنْهُ مَعْلُومًا. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ (اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ مِنْ كُلِّ حَقٍّ لَك عَلَيَّ وَأَحَلَّهُ الْآخَرُ) فَإِذَا كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَالِمًا بِمَا لَهُ مِنْ حَقٍّ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ بَرِئَ حُكْمًا وَدِيَانَةً. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَيَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حُكْمًا وَدِيَانَةً أَيْضًا وَالْمُفْتَى بِهِ هُوَ هَذَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَيْسَ مَانِعًا لِصِحَّةِ الْإِسْقَاطِ. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَيَبْرَأُ حُكْمًا وَلَا يَبْرَأُ دِيَانَةً (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .
لَكِنْ إذَا كَانَ الْإِبْرَاءُ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ فَيَلْزَمُ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ الشَّرْطِ. وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ الْإِبْرَاءُ صَحِيحًا وَالدَّيْنُ سَاقِطًا.
وَلَوْ قَالَ أَحَدٌ لِزَوْجَتِهِ: لَا أَهَبُك هَذَا الْمَالَ حَتَّى تُبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِكِ فَأَبْرَأَتْهُ الزَّوْجَةُ فَامْتَنَعَ عَنْ أَنْ يَهَبَهَا الْمَالَ الْمَذْكُورَ بَقِيَ مَهْرُ الزَّوْجَةِ كَمَا كَانَ بِنَاءً عَلَى الْمَادَّةِ (855) " الْبَزَّازِيَّةُ ".
كَذَلِكَ قَدْ بُيِّنَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (834) عَدَمُ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ.
بَعْضُ مَسَائِلَ مُسْتَثْنَاةٍ مِنْ الضَّابِطِ الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَابِطِ: لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ وَإِبْرَائِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: (1) الْإِبْرَاءُ مِنْ بَدَلِ الصَّرْفِ.
(2) الْإِبْرَاءُ مِنْ بَدَلِ السَّلَمِ.
وَعَلَيْهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَدَلَ صَرْفٍ أَوْ بَدَلَ سَلَمٍ فَبِمَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ مُوجِبٌ لِانْفِسَاخِ عَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَحْدَهُ فَسْخُ الْعَقْدِ اللَّازِمِ فَيَلْزَمُ الْقَبُولُ فِي هِبَتِهِ وَإِبْرَائِهِ. وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ بِدُونِ الْقَبُولِ.
وَتُوُفِّيَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ ثُمَّ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: قَبَضْته فِي حَيَاتِهِ فَبِمَا أَنَّ الْوَارِثَ يَكُونُ مُنْكِرًا لُزُومَ الْهِبَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ حَسَبَ الْمَادَّةِ (76) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْوَارِثِ أَمْ كَانَتْ فِي يَدِ مُدَّعِي الْهِبَةِ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ، وَالْمِنَحُ) .
قَوْلُهُ: وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْوَارِثِ، هَذَا لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: وَهَبَ لَك وَالِدِي هَذَا الْعَيْنَ فَلَمْ تَقْبِضْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: قَبَضْته فِي حَيَاتِهِ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الَّذِي يَدَّعِي الْهِبَةَ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ قَدْ عُلِمَ السَّاعَةَ وَالْمِيرَاثُ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَبْضَ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
(2/416)
[ (الْمَادَّةُ 850) وَهَبَ أَحَدٌ لِابْنِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ شَيْئًا]
(الْمَادَّةُ 850) - (إذَا وَهَبَ أَحَدٌ لِابْنِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ شَيْئًا يَلْزَمُ التَّسْلِيمُ وَالْقَبْضُ) .
قَبْضُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فِي الْهِبَةِ شَرْطٌ وَلَا يَكْفِي قَبْضُ الْآخَرِينَ فُضُولًا كَالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَيْ ابْنَتِهِ أَوْ ابْنِهِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ شَيْئًا سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي يَدِ الشَّخْصِ أَمْ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَمْ الْغَاصِبِ أَمْ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَلْزَمُ تَسْلِيمُ الْوَاهِبِ وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَزَالُ فِي عِيَالِ ذَلِكَ الشَّخْصِ يَعْنِي يَلْزَمُ التَّسْلِيمُ وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ كَمَا فِي الْهِبَةِ لِأَجْنَبِيٍّ إذْ لَا يَجْرِي فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ فَلَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْأَبِ الْوَاهِبِ أَوْ أَنْ يُجَدِّدَ الْأَبُ بَعْدَ الْهِبَةِ الْقَبْضَ (مُنْلَا مِسْكِينٍ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (838) .
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ دَارًا لِابْنَيْهِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ وَثَانِيهِمَا كَبِيرٌ كَانَتْ فَاسِدَةً فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ كَمَا أَنَّهُ قَدْ وَهَبَ فَهُوَ قَابِضٌ لِحِصَّةِ الصَّغِيرِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ ثُمَّ بِمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَادَّةِ قَبْضُ الْكَبِيرِ بِالذَّاتِ وَالْهِبَةُ وَقْتَ الْقَبْضِ مُشَاعٌ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فَاسِدَةٌ أَمَّا لَوْ وَهَبَ لِابْنَيْنِ كَبِيرَيْنِ وَسَلَّمَهُمَا مَعًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا شُيُوعَ وَقْتَ الْقَبْضِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْهِبَةِ) وَسَتَأْتِي تَفْصِيلَاتٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ فِي لَاحِقَةِ شَرْحِ الْمَادَّةِ (858) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ شَيْئًا مَا لِامْرَأَةٍ بَالِغَةٍ فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً لِذَلِكَ الشَّيْءِ بِقَبْضِ زَوْجِهَا إيَّاهُ فُضُولًا.
كَذَا لَوْ قَطَعَ أَحَدٌ لِزَوْجَتِهِ ثَوْبًا فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ بِمُجَرَّدِ قَطْعِهِ إيَّاهُ وَيَلْزَمُ التَّسْلِيمُ. (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ أَحَدٌ لِابْنَتِهِ الْكَبِيرَةِ أَثْوَابًا فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إيَّاهَا فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ أَمَّا لَوْ قَطَعَهَا لِابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ.
وَقَدْ فُسِّرَ لَفْظُ كَبِيرٍ بِالْعَاقِلِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ (851) إذَا كَانَ ابْنُهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَكَانَ مَجْنُونًا جُنُونًا مُطْبِقًا فَالْحُكْمُ فِيهِمَا عَلَى وَجْهِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ. يَعْنِي إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي يَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ عِنْدَ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ فَتَتِمُّ الْهِبَةُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَلَا يَلْزَمُ التَّسْلِيمُ.
حَادِثَةُ الْفَتْوَى: لَوْ عَيَّنَ الْحَاكِمُ جَدَّ الصَّغِيرِ الصَّحِيحَ وَصِيًّا لَهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ لِتَعْيِينِهِ لِكَوْنِهِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (974) وَلِيًّا مُجْبَرًا) وَبَلَغَ السَّنَةَ الثَّامِنَةَ عَشْرَ مِنْ عُمْرِهِ وَأَصْبَحَ بِمُقْتَضَى حُكْمِ (986) بَالِغًا، فَوَهَبَ الْجَدُّ لِحَفِيدِهِ مَالًا فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ رُشْدُهُ فِي حُضُورِ الْحَاكِمِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْقَبْضُ حَسَبَ هَذِهِ الْمَادَّةِ أَوْ يُعَدُّ بِحُكْمِ الصَّغِيرِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ حَسَبَ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي قَبْضِ الْجَدِّ حَيْثُ إنَّهُ يُعَدُّ الْحَفِيدُ الْمَذْكُورُ بِوُجُودِهِ تَحْتَ الْوِصَايَةِ مَحْجُورًا إذْ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ رُشْدُهُ هَذَا أَمَامَ الْحَاكِمِ بِإِقَامَةِ الشُّهُودِ فَأَصْبَحَ الْحَفِيدُ بِحُكْمِ الصَّغِيرِ؟ وَيُجَابُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا بِأَنَّ الْحَجْرَ يَرْتَفِعُ عَنْ الصَّغِيرِ بِسَبَبَيْنِ:
الْأَوَّلُ: إذْنُ الْوَلِيِّ، وَالثَّانِي بُلُوغُهُ (التَّنْقِيحُ) فَبِبُلُوغِ الصَّغِيرِ لَا تَبْقَى وِلَايَةُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بِالْبُلُوغِ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى شَرْحُ الْمُلْتَقَى فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ) .
(2/417)
قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: الْهِبَةُ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِهِ وَلَوْ كَانَ فِي عِيَالٍ وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى قَبْضَ مَا وَهَبَ لِعَبْدِهِ الْمَحْجُورِ (انْتَهَى) .
[ (الْمَادَّةُ 851) يَمْلِكُ الصَّغِيرُ الْمَالَ الَّذِي وَهَبَهُ إيَّاهُ وَصِيُّهُ أَوْ مُرَبِّيهِ]
(الْمَادَّةُ 851) - (يَمْلِكُ الصَّغِيرُ الْمَالَ الَّذِي وَهَبَهُ إيَّاهُ وَصِيُّهُ أَوْ مُرَبِّيهِ يَعْنِي مَنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ أَيْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْوَاهِبِ: وَهَبْت، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ) .
يَمْلِكُ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ الْمَالَ الْمَعْلُومَ الَّذِي وَهَبَهُ إيَّاهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَلِيُّهُ كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّغِيرُ أَوْ الصَّغِيرَةُ فِي عِيَالِهِمَا أَيْ فِي حِجْرِهِمَا وَتَرْبِيَتِهِمَا أَوْ مُرَبِّيهِمَا يَعْنِي مَنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَقْرِبَاءَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ كَأَخِيهِمَا وَعَمِّهِمَا وَخَالِهِمَا أَمْ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمْ كَانَ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً عِنْدَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ أَيْ بِقَوْلِ الْوَاهِبِ: وَهَبْت وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ وَكَلِمَةُ يَعْنِي الْوَارِدَةُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ هِيَ تَفْسِيرُ الْمُرَبِّي وَلَيْسَتْ تَفْسِيرَ الْوَصِيِّ كَمَا أُشِيرَ ذَلِكَ آنِفًا وَسَيُفَصَّلُ ذَلِكَ آتِيًا.
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - الصَّغِيرُ: إنَّ الْحُكْمَ الَّذِي فِي حَقِّ الصَّغِيرِ هُوَ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ فَلَوْ قِيلَ " الطِّفْلُ " بَدَلًا مِنْ " الصَّغِيرِ " لَكَانَ يَعُمُّ وَيَشْمَلُ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
لَكِنْ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ فِي مَسَائِلَ كَهَذِهِ عَلَى الذُّكُورِ لَيْسَ مَعْنَاهُ تَرْكَ الْإِنَاثِ خَارِجَاتٍ عَنْهُ بَلْ هُوَ لِتَغْلِيبِ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ يَعْنِي أَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ اعْتِبَارِ بَيَانِ أَحْكَامِ الذُّكُورِ بَيَانًا أَيْضًا لِأَحْكَامِ الْإِنَاثِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ خِطَابَ الشَّرْعِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (الْفَتْحُ) .
وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ جُنُونًا مُطْبِقًا فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الصَّغِيرِ (النَّتِيجَةُ) .
2 - وَصِيُّهُ: بِمَا أَنَّهُ يَشْتَمِلُ هَذَا الْحُكْمُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَوْ قَالَتْ الْمَجَلَّةُ: وَلِيَّهُ أَوْ وَصِيَّهُ، أَوْ قَالَتْ: وَلِيَّهُ بَدَلًا عَنْ وَصِيِّهِ وَاشْتَمَلَتْ الْوَصِيَّ بِالْحُكْمِ لَكَانَ أَوْلَى، وَالْمَقْصُودُ بِالْوَلِيِّ فِي هَذَا الْأَبُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مَوْجُودًا فَالْجَدُّ. وَإِلَيْك التَّرْتِيبُ الْآتِي: أَوَّلًا: الْأَبُ، ثَانِيًا: الْوَصِيُّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْأَبُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ أَيْ عِنْدَ وَفَاتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ غِيبَةً مُتَقَطِّعَةً أَوْ وَصِيُّ هَذَا الْوَصِيِّ.
ثَالِثًا: الْجَدُّ الصَّحِيحُ أَيْ أَبُو الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيِّ لِلْأَبِ الْمُتَوَفَّى أَوْ الْغَائِبِ.
رَابِعًا: الْوَصِيُّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْجَدُّ عِنْدَ وَفَاةِ الْجَدِّ أَوْ غِيَابِهِ غَيْبَةً مُتَقَطِّعَةً أَوْ وَصِيُّ هَذَا الْوَصِيِّ.
خَامِسًا: الْوَصِيُّ الَّذِي يُعَيِّنُهُ الْحَاكِمُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (974) (وَمَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، الدُّرُّ الْمُنْتَقَى، تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجَلَّةِ (وَصِيُّهُ) أَعَمُّ مِنْ الْوَصِيِّ الْمُخْتَارِ وَالْوَصِيِّ الْمَنْصُوبِ.
وَهِبَةُ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ الْمَالَ الَّذِي عِنْدَهُ أَوْ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ لِلصَّغِيرِ أَيْ الطِّفْلِ صَحِيحَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الطِّفْلُ الْمَذْكُورُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ وَتَرْبِيَتِهِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
(2/418)
أَوْ مُرَبِّيهِ: قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ كَلِمَةُ الْمُرَبِّي فِي الْمَادَّةِ (852) بِمَعْنًى مُقَابِلٍ لِلْوَلِيِّ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ هُنَا فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا وَلَا وَصِيًّا وَعَلَيْهِ فَهِبَةُ الْمُرَبِّي صَحِيحَةٌ بِلَا قَبْضٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطَانِ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الطِّفْلُ فِي حِجْرِ ذَلِكَ الْمُرَبِّي وَتَرْبِيَتِهِ حِجْرٌ تُقْرَأُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُهَا حُجُورٌ وَيُطْلَقُ الْحِجْرُ عَلَى الْمَحِلِّ الَّذِي مِنْ الْإِبِطِ إلَى الْكَشْحِ أَيْ الْبُكُورِ فَمَعْنَى فِي حِجْرِهِ أَيْ فِي تَرْبِيَتِهِ، وَقَوْلُهُ (فِي تَرْبِيَتِهِ) أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ بِعِطْفٍ تَفْسِيرِيٍّ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ، الطَّحْطَاوِيُّ) وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْمَجَلَّةِ فِي عِبَارَةِ (فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ) .
وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْمُرَبِّي سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ ذَوِي قُرْبَى الطِّفْلِ كَالْأَخِ وَالْأُمِّ وَالْخَالِ أَمْ كَانَ أَجْنَبِيًّا كَالْمُلْتَقِطِ.
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ أَقْرِبَاءَ الصَّغِيرِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَكُنْ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ لِلصَّغِيرِ مَالًا لَهُ فِي يَدِهِ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ لِذَلِكَ الصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكُ الصَّغِيرُ ذَلِكَ الْمَالَ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَيَلْزَمُ الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: يَجِبُ أَلَّا يَكُونَ وَلِيٌّ لِلصَّغِيرِ أَوْ وَصِيٌّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ وُجُودِ وِلَايَةٍ لِهَؤُلَاءِ الْمُرَبِّينَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَوُجُودِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَانِعَانِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لِهَؤُلَاءِ. إنَّ وِلَايَةَ الْقَبْضِ لِهَؤُلَاءِ تَثْبُتُ إذَا لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيُّهُ فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلَا سَوَاءٌ أَكَانَ الصَّبِيُّ فِي عِيَالِ الْقَابِضِ أَمْ لَمْ يَكُنْ وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَمْ أَجْنَبِيًّا (الْفَتْحُ) وَإِنْ قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: الِاخْتِلَافُ الْمُبَيَّنُ الظَّاهِرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (852) يَجْرِي هُنَا أَيْضًا فَلَمْ أَرَ غَيْرَهُ مَنْ قَالَ بِهَذَا.
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ مَنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ مَالًا فِي يَدِهِ وَأَبُوهُ حَيٌّ لَزِمَ قَبُولُ الْأَبِ وَقَبْضُهُ. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ لِحَفِيدِهِ أَيْ ابْنِ ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ شَيْئًا لَكِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إيَّاهُ وَأَبُوهُ مَوْجُودٌ فَلَا حُكْمَ لِتِلْكَ الْهِبَةِ (النَّتِيجَةُ، وَالْمُلْتَقَى، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، الْعِنَايَةُ) .
وَالْمَقْصِدُ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَفَاتُهُ أَوْ كَانَ مَفْقُودًا بِغَيْبَتِهِ غِيبَةً مُنْقَطِعَةً أَيْ أَنْ يَكُونَ مَفْقُودًا (الْكُتُبُ السَّابِقَةُ) .
4 - سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِهِ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ، هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمُسْتَعَارِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ كَمَا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا إعَارَةً لِآخَرَ. فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْوَدِيعَةِ. فَلَوْ وَهَبَ الْمُعِيرُ لِلطِّفْلِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ مَالًا قَدْ أَعَارَهُ لِأَحَدٍ مَلَكَهُ الطِّفْلُ الْمَذْكُورُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَلَا حَاجَةَ لِتَجْدِيدِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا (الْبَزَّازِيَّةُ) .
وَالْحَاصِلُ: تَتِمُّ هِبَةُ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَمْوَالِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ: أَوَّلُهَا: مَا كَانَ فِي يَدِ الْوَاهِبِ. ثَانِيهَا: مَا كَانَ عِنْدَ مُسْتَوْدَعِ الْوَاهِبِ. ثَالِثُهَا: مَا كَانَ عِنْدَ مُسْتَعِيرِ الْوَاهِبِ.
وَاحْتِرَازِيٌّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَيُحْتَرَزُ بِالتَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ عَنْ سِتَّةِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَمْوَالِ: أَوَّلُهَا: الْمَالُ الَّذِي فِي الْمُشْتَرِي شِرَاءً بِبَيْعٍ فَاسِدٍ.
يَعْنِي لَوْ بَاعَ أَحَدُ مَالًا لَهُ مِنْ آخَرَ بَيْعًا فَاسِدًا
(2/419)
وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ وَهَبَ ذَلِكَ الْمَالَ وَهُوَ فِي يَدِهِ إلَى طِفْلِهِ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) يَعْنِي لَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ وَالْمُتَارَكَةِ. وَإِلَّا فَكَيْفَ يَهَبُ مَالَ الْمُشْتَرِي. وَقَدْ ذُكِرَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (846) .
ثَانِيهَا: كَذَلِكَ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ إذَا وَهَبَ الْبَائِعُ نِصْفَ مَالِهِ الَّذِي بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطَ فِيهِ خِيَارَ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي.
ثَالِثُهَا: الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ الْغَاصِبِ. مَثَلًا لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ دَابَّةَ آخَرَ وَوَهَبَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تِلْكَ الدَّابَّةَ لِطِفْلِهِ وَهِيَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَالضَّمَانُ بِمَا أَنَّهُ يَكُونُ بِتَفْوِيتِ الْيَدِ فَقَطْ فَتِلْكَ الدَّابَّةُ كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً فَلَيْسَتْ فِي يَدِهِ حُكْمًا (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) .
رَابِعُهَا: الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَوْ رَهَنَ أَحَدٌ مَالَهُ عِنْدَ آخَرَ فِي مُقَابِلِ مَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَوَهَبَ طِفْلَهُ ذَلِكَ الْمَالَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ فَكَّ الْمَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَمْلِكُ الطِّفْلُ الْمَذْكُورُ الْمَالَ الْمَذْكُورَ بِتِلْكَ الْهِبَةِ.
خَامِسُهَا: الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ لَوْ آجَرَ أَحَدٌ دَارِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا وَوَهَبَ تِلْكَ الدَّارَ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَهِيَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ لِطِفْلِهِ وَتُوُفِّيَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُدْخِلُوا الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ فِي مِيرَاثِهِ أَمَّا لَوْ وَهَبَهُ أَيَّامًا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ الْهِبَةُ تَامَّةً (رَدُّ الْمُحْتَارِ) . كَذَلِكَ لَوْ آجَرَ أَحَدٌ مَزْرَعَتَهُ لِآخَرَ وَوَهَبَهَا لِطِفْلِهِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا تَصِحُّ (الْهِنْدِيَّةُ) .
سَادِسُهَا: الْمُتَّهَبُ يَعْنِي الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالَهُ لِطِفْلِهِ بَعْدَ أَنْ وَهَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِلَا عِوَضٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ اسْتَرَدَّ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْفَسْخِ الْأَوَّلِ فَلَا يَمْلِكُ الطِّفْلُ أَيْضًا (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ تَمَامِ الْهِبَةِ فِي مَذِّهِ الْأَنْوَاعِ السِّتَّةِ هُوَ: - أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي مَعَ قَبْضِ الْآخَرِينَ لِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يُوجَدُ فِيهِمْ الْقَبْضُ الَّذِي تَتِمُّ فِيهِ الْهِبَةُ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ، الدُّرُّ الْمُنْتَقَى، الْهِنْدِيَّةُ) . وَإِنْ يَكُنْ الْمُسْتَعَارُ قَدْ قُبِضَ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَعِيرِ إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا فِي صُورَةٍ أُخْرَى. فَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ أَمَّا عَقْدُ الْعَارِيَّةِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ.
5 - مَالُهُ. يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَالُ حَائِزًا عَلَى شَرْطَيْنِ: أَوَّلُهُمَا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. فَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (858) ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَجْهُولِ غَيْرُ صَحِيحٍ اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (213، 449) مَثَلًا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك شَيْئًا مِنْ مَالِي فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ " أَبُو السُّعُودِ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ ".
ثَانِيهِمَا: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَالُ نَافِعًا لِلصَّغِيرِ كَمَا سَيُوَضَّحُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ.
6 - الْهِبَةُ، الصَّدَقَة فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ كَالْهِبَةِ. فَلَوْ تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِمَالِهِ الْمُودَعِ عِنْدَ آخَرَ عَلَى طِفْلٍ أَوْ تَصَدَّقَ الْأَبُ بِمَنْزِلِهِ السَّاكِنِ فِيهِ عَلَى طِفْلِهِ جَازَتْ " الْبَزَّازِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ ". كَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ الْأَبُ بِأَرْضِهِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْمَشْغُولَةِ بِزَرْعِهِ عَلَى طِفْلِهِ جَازَتْ أَيْضًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّرْعُ لَهُ وَكَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا تَصِحُّ
(2/420)
الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ، وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ ثَمَّةَ مَانِعٌ (الْبَزَّازِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ) .
7 - بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ، وَفِي هَذَا حُكْمَانِ:
الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: عَدَمُ لُزُومِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَتَوَلَّى طَرَفَاهُ شَخْصٌ وَاحِدٌ أَيْ يَتَوَلَّى فِيهِ طَرَفٌ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ مَعًا يَكْفِي فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ الْإِيجَابُ فَقَطْ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
هَذَا إذَا كَانَ عَاقِدُ الْعَقْدِ يُوجِبُ الْعَقْدَ أَصَالَةً عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ تَعْبِيرًا يَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ بِالْأَصَالَةِ لِذَلِكَ.
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِطِفْلِهِ شَيْئًا فِي يَدِهِ أَوْ عِنْدَ مُسْتَوْدَعِهِ أَوْ مُسْتَعِيرِهِ تَتِمُّ الْهِبَةُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: وَهَبْت، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَبُولِ لِتَمَامِ الْهِبَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الطِّفْلُ الْمَذْكُورُ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ لَمَّا كَانَ فِي قَبْضِ الْأَبِ نَابَ مَنَابَ قَبْضِ الصَّغِيرِ.
إذْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ قَبْضُ أَبِي الصَّغِيرِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ (الزَّيْلَعِيّ، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) .
مَثَلًا لَوْ قَالَ الْأَبُ: إنَّ دُكَّانِي الْفُلَانِيَّةَ الْمَمْلُوكَةَ هِيَ لِابْنِي الصَّغِيرِ كَانَ ذَلِكَ هِبَةً فَإِذَا كَانَتْ الدُّكَّانُ الْمَذْكُورَةُ فِي يَدِ الْأَبِ تَمَّتْ الْهِبَةُ كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَنْزِلَهُ الَّذِي فِي دِيَارٍ أُخْرَى لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَأَشْهَدَ الْحَاضِرِينَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى ذَلِكَ تَمَّتْ الْهِبَةُ الْمَذْكُورَةُ (الْقُنْيَةِ وَفَتْوَى يَحْيَى أَفَنْدِي) .
وَعَلَيْهِ لَوْ اسْتَصْنَعَ أَحَدٌ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَثْوَابًا فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَهَبَهَا بِآخَرَ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَيَّنَ وَقْتَ صُنْعِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا أَنَّهَا عَارِيَّةٌ (الْبَزَّازِيَّةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْعُرْفُ وَالْعُرْفُ فِي ذَلِكَ قَصْدُ الصِّلَةِ وَالْإِحْسَانِ وَمَعَ ذَلِكَ فَبِمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَارِيَّةً، فَلَوْ بَيَّنَ وَقْتَ صُنْعِهَا أَنَّهَا عَارِيَّةٌ كَانَتْ عَارِيَّةً وَإِلَّا كَانَتْ هِبَةً (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 36) وَشَرْحَهَا (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ: أَخَذْت هَذَا الْمَالَ لِوَلَدِي الصَّغِيرِ فَكَمَا أَنَّ الصَّغِيرَ يَمْلِكُهُ فَلَوْ أَخَذَ لَهُ دَسْتًا مِنْ الثِّيَابِ وَفَصَّلَهَا لَهُ تَمَّتْ الْهِبَةُ (الْقَرَوِيُّ) وَلَا يَمْنَعُ تَمَامُ الْهِبَةِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ كَوْنَ الْمَوْهُوبِ مَشْغُولًا أَوْ مُشَاعًا. فَلَوْ وَهَبَ أَحَدٌ دَارِهِ الَّتِي يَسْكُنُهَا لِطِفْلِهِ أَوْ الَّتِي وَضَعَ فِيهَا أَمْتِعَتَهُ أَوْ الَّتِي يَسْكُنُهَا آخَرُ بِلَا أُجْرَةٍ أَيْ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ أَوْ أَرْضَهُ الْمَزْرُوعَةَ إعَارَةً أَوْ حِصَّتَهُ الشَّائِعَةَ فِي الْمِلْكِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ أَوْ بُسْتَانِهِ الَّذِي فِي أَرْضٍ أَمِيرِيٍّ أَوْ كُرُومَهُ مَلَكَ الطِّفْلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ إيجَابِهِ، لِأَنَّ الْبُسْتَانَ وَالْأَرْضَ لَمَّا كَانَا فِي قَبْضِ الْأَبِ فَهُمَا فِي حُكْمِ قَبْضِ الطِّفْلِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْهِبَةِ وُجُودُ أَمْتِعَةِ الطِّفْلِ فِي الدَّارِ بَلْ يُقَرِّرُهَا (أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ عَلِيٌّ أَفَنْدِي الزَّيْلَعِيّ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ) .
رَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِدَارِ وَالْأَبُ سَاكِنُهَا جَازَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (الْهِنْدِيَّةُ بِاخْتِصَارِ) .
الْحُكْمُ الثَّانِي: إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ أَوْ وَدِيعَةً فِي يَدِ آخَرَ فَلَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُهِبَ شَيْءٌ لِطِفْلٍ تَتِمُّ الْهِبَةُ بِقَبْضِ هَؤُلَاءِ إيَّاهُ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (842) وَبِمَا أَنَّهُ يَكْفِي كَوْنُ الْمَوْهُوبِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (846) وَلَا يَلْزَمُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ فَلَا لُزُومَ لِقَبْضٍ آخَرَ (الْهِدَايَةُ، مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ، الْأَنْقِرْوِيُّ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْإِنْسَانِ مَالَهُ بِمَا أَنَّهُ قَبْضٌ وَبِمَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ
(2/421)
قَبْضَ أَمَانَةٍ أَيْضًا فَيَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (846) (النِّهَايَةُ) . وَعَلَيْهِ فَكَوْنُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ يَجْرِي فِي الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الْوَاهِبِ ظَاهِرٌ. أَمَّا الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ قَيْدُ الْمُسْتَوْدَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ لَكِنْ يَدُ الْمُسْتَعِيرِ لَيْسَتْ كَيَدِ الْمُعِيرِ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (787) . وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَرِدُ سُؤَالٌ وَهُوَ أَلَّا يَجِبَ أَنْ تَكُونَ هِبَةُ الْمُسْتَعَارِ غَيْرَ جَائِزَةٍ وَيُجَابُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ تَجُوزُ الْهِبَةُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ إنَّ عَقْدَ الْعَارِيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَهَبُ مَالًا لِطِفْلِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ أَنْ يُعْلِمَ وَيُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ وَوُجُودُ الْإِعْلَامِ لَازِمٌ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ أَمَّا الْإِشْهَادُ فَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ وَتَصِحُّ الْهِبَةُ بِدُونِهِ إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِشْهَادَ مَنْعًا لِإِنْكَارِ الْوَاهِبِ أَوْ إنْكَارِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالْبَزَّازِيَّةُ) .
[ (الْمَادَّةُ 852) الْهِبَة لِلطِّفْلِ]
(الْمَادَّةُ 852) - (إذَا وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا لِطِفْلٍ تَتِمُّ الْهِبَةُ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ أَوْ مُرَبِّيهِ) .
إذَا وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا لِطِفْلٍ أَيْ إذَا وَهَبَ شَخْصٌ غَيْرُ وَلِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُرَبِّي الصَّغِيرِ أَيْ الَّذِي يَتَرَبَّى الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِ لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ أَوْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مَالًا فَتَتِمُّ الْهِبَةُ فِي ذَلِكَ بِقَبْضِ الْوَلِيِّ أَوْ مُرَبِّي الصَّغِيرِ الَّذِي يَتَرَبَّى الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِ؛ لِأَنَّ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ إجْرَاءُ الْعُقُودِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَلَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ لِلصَّغِيرِ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي فِيهَا نَفْعٌ مَحْضٌ لَهُ فَلِلْوَلِيِّ إجْرَاءُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (الْهِدَايَةُ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - لِطِفْلٍ: هَذَا التَّعْبِيرُ كَمَا أَنَّهُ عَامٌّ وَشَامِلٌ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فَالْحُكْمُ فِي الْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا.
2 - شَيْئًا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْءُ نَافِعًا لِلصَّغِيرِ. حَتَّى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ حِمَارًا أَعْمَى فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحِمَارَ فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا يَضُرُّ الصَّغِيرَ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 58) .
3 - وَهَبَ: فَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ كَالْهِبَةِ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ إذَا وُهِبَ لِلصَّغِيرِ وَكَانَ الْمَالُ غَيْرَ مَأْكُولٍ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَلَيْسَ لِأَبَوَيْ الصَّغِيرِ أَنْ يَسْتَهْلِكَاهُ فِي أُمُورِهِمَا. مَا لَمْ يَكُونَا فَقِيرَيْنِ مُحْتَاجَيْنِ. (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 799) وَإِذَا كَانَ مَالًا مَأْكُولًا كَالْعِنَبِ فَلِأَبَوَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِهْدَاءَ إلَيْهِ مَا وَذِكْرُ الصَّبِيِّ لِاسْتِصْغَارِ الْهَدِيَّةِ. أَمَّا عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَلَيْسَ لَهُمَا أَكْلُهُ (أَبُو السُّعُودِ) قَالَهُ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ بُخَارَى (الطَّحْطَاوِيُّ) وَيَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُبَاعَ وَيُصْرَفَ ثَمَنُهُ فِي مَرَافِقِ الصَّغِيرِ.
4 - الْقَبْضُ: وَيُشَارُ بِهِ إلَى كَوْنِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضِ الْوَلِيِّ أَصْلًا أَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي الْأَصْلِ فِي قَبْضِ الْوَلِيِّ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ عَيْنًا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ الْآنِفَةَ) .
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا بَلْ كَانَ دَيْنًا ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ. لَا يَلْزَمُ الْقَبْضُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ.
يَعْنِي يَلْزَمُ قَبْضُ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ بِاسْمِ الصَّغِيرِ. وَلَا يَلْزَمُ الْقَبْضُ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ (مِنْقَارِي زَادَهْ وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .
(2/422)
مَثَلًا: لَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا الَّذِي فِي ذِمَّةِ زَوْجِهَا لِابْنِهَا مِنْهُ وَسَلَّطَتْ زَوْجَهَا عَلَى قَبْضِهِ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ أَمَّا لَوْ أَفْرَزَ الزَّوْجُ الْمَهْرَ الْمَذْكُورَ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبَضَهُ لِلصَّغِيرِ تَتِمُّ الْهِبَةُ حِينَئِذٍ. وَفِي الْقُنْيَةِ تَتِمُّ الْهِبَةُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ بَعْدَ الْإِفْرَازِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّسْلِيطِ عَلَى الْقَبْضِ كَمَا لَا حَاجَةَ لِلْإِفْرَازِ وَالْقَبْضِ (الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ) . وَصَارَتْ الْهِبَةُ تَامَّةً بِقَبْضِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الطِّفْلِ لِلْوَلِيِّ عَلَى وَجْهِ الْمَادَّةِ (974) وَقَبْضُ الْهِبَةِ أَيْضًا مِنْ بَابِ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ. وَتَتِمُّ الْهِبَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ الطِّفْلُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهِ وَتَرْبِيَتِهِ أَمْ لَمْ يَكُنْ (الزَّيْلَعِيّ) .
وَالْوَلِيُّ الْمَقْصُودُ هُنَا تِسْعَةُ أَشْخَاصٍ وَهُمْ: (1) الْأَبُ (2) وَصِيُّ الْأَبِ (3) وَصِيُّ وَصِيِّ الْأَبِ (4) الْجَدُّ أَيْ أَبُو الْأَبِ (5) وَصِيُّ الْجَدِّ (6) وَصِيُّ وَصِيِّ الْجَدِّ (7) الْقَاضِي (8) وَصِيُّ الْقَاضِي (9) وَصِيُّ وَصِيِّ الْقَاضِي (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) وَوِلَايَةُ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَيْضًا. فَمَتَى كَانَ وَصِيُّ الْأَبِ مَوْجُودًا مَثَلًا فَلَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ. وَعَلَيْهِ إذَا تُوُفِّيَ أَحَدٌ وَتَرَكَ وَصِيَّهُ وَأَبَاهُ فَالْوَصِيُّ الْمَذْكُورُ أَوْلَى فِي الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ أَبِيهِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ قُبَيْلَ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ) .
مَثَلًا لَوْ وَهَبَ أَجْنَبِيٌّ لِصَغِيرٍ مَالًا وَأَبُو الصَّغِيرِ مَوْجُودٌ وَقَبَضَ جَدُّ الصَّغِيرِ أَيْ أَبُو أَبِيهِ الْهِبَةَ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ. إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّغِيرُ الْمَذْكُورُ فِي عِيَالِ هَذَا الْجَدِّ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَوْلِيَاءِ الْمُؤَخَّرِينَ عَنْ الْأَبِ كَانَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ (الْهِنْدِيَّةُ، الْبَحْرُ الْقَاعِدِيَّةُ، تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) . اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (23) .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ (مَوْجُودٌ) هُوَ الْحُضُورُ. بِنَاءً عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْأَبُ غَائِبًا غَيْبَةً مُتَقَطِّعَةً انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْغَائِبُ بَاعِثٍ عَلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الصَّغِيرِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَتَتِمُّ الْهِبَةُ أَيْضًا بِقَبْضِ الْمُرَبِّي؛ لِأَنَّ الْمُرَبِّيَ لَمَّا كَانَ أَحَقَّ بِحِفْظِ الطِّفْلِ لِثُبُوتِ يَدِهِ كَمَا أَنَّ تَحْصِيلَ الْمَالِ اللَّازِمِ لِلْأَكْلِ وَالْكِسْوَةِ هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحِفْظِ فَلِذَلِكَ لِلْمُرَبِّي وِلَايَةٌ عَلَى الصَّغِيرِ فِي التَّصَرُّفَاتِ النَّافِعَةِ أَيْضًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
وَإِذَا تُوُفِّيَ الْأَوْلِيَاءُ الْمُحَرَّرَةُ دَرَجَاتُهُمْ آنِفًا أَوْ غَابُوا غَيْبَةً مُتَقَطِّعَةً فَقَبْضُ الْمُرَبِّي كَافٍ وَلَكِنْ هَلْ يَكْفِي قَبْضُ الْمُرَبِّي فِي حَالَةِ وُجُودِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رَجَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ كالنرجندي، وَالْقُهُسْتَانِيِّ، والولوالجية جِهَةَ كَوْنِهِ كَافِيًا وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُفْتَى بِهِ وَيُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ بَيَّنَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ عَنْ هَذَا التَّصْحِيحِ لِكَوْنِ قَاضِي خَانْ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُعْتَمَدِ عَلَى أَقْوَالِهِمْ لِمَزَايَاهُ الْعِلْمِيَّةِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ: فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ سَوَّى بَيْنَ الزَّوْجِ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَقَالُوا: يَجُوزُ قَبْضُ هَؤُلَاءِ عَنْ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِمْ وَإِذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا الْفَتْحُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالصَّحِيحُ وَبِهِ يُفْتِي (الطَّحَاوِيَّ) .
(2/423)
وَقَدْ ذَكَرَتْ الْمَجَلَّةُ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا هُنَا بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَيْ إنَّهَا لَمْ تُقَيِّدْ صِحَّةَ قَبْضِ الْمُرَبِّي بِقَيْدِ عَدَمِ حُضُورِ الْوَلِيِّ وَلَمَّا كَانَ الْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ حَسَبَ الْمَادَّةِ (64) فَتَكُونُ الْمَجَلَّةُ قَدْ قَبِلَتْهُ.
بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَجْنَبِيٌّ لِصَغِيرٍ مَالًا وَهُوَ فِي عِيَالِ جَدِّهِ الصَّحِيحِ وَقَبِلَ الْجَدُّ الْهِبَةَ تَتِمُّ الْهِبَةُ بِقَبْضِ الْجَدِّ الْمَذْكُورِ وَلَوْ كَانَ أَبُو الصَّغِير الْمَذْكُورِ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ وَمَوْجُودًا كَذَلِكَ تَتِمُّ الْهِبَةُ لِلصَّغِيرِ لَوْ وَهَبَهُ أَحَدٌ مَالًا وَهُوَ فِي عِيَالِ أَخِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ أَوْ فِي عِيَالِ أَجْنَبِيٍّ وَقَبَضَهُ مَنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ الْمَذْكُورُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ وَمَوْجُودًا، كَذَلِكَ تَتِمُّ الْهِبَةُ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ لِلْبِنْتِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا وَزُفَّتْ إلَى زَوْجِهَا مَالًا وَهِيَ فِي عِيَالِ الزَّوْجِ بِقَبْضِ الزَّوْجِ إيَّاهُ.
وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ الْأَبَ قَدْ أَقَامَ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ مَقَامَهُ فِي حِفْظِ الصَّغِيرِ وَقَبْضِ الْهِبَةِ أَيْضًا مِنْ الْحِفْظِ، وَلَوْ قَبَضَ الْأَبُ هَذِهِ الْهِبَةَ أَيْضًا تَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَبِ (الزَّيْلَعِيّ) سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَمْ لَا فِي الصَّحِيحِ (الْبَحْرُ) وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ حَقٌّ فِي قَبْضِ دُيُونِ الصَّغِيرِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
كَذَلِكَ لَا حَقَّ لِلزَّوْجِ قَبْلَ الزِّفَافِ فِي قَبْضِ الْهِبَةِ. وَقَدْ رَجَّحَتْ الْهِدَايَةُ وَالتَّجْرِيدُ وَالْجَوْهَرَةُ وَالْبَحْرُ وَالْمِنَحُ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ جِهَةَ كِفَايَتِهِ وَقَالُوا بِأَنَّ جَوَازَ تَصَرُّفِ غَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ لِلضَّرُورَةِ. وَإِلَّا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَفْوِيضٌ مِنْ الْأَبِ فَلَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ مَعَ حُضُورِ الْأَبِ (الْجَوْهَرَةُ، تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ، الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (22) .
5 - قِيلَ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ وَمُرَبِّيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ هَؤُلَاءِ فَلَا حُكْمَ لِقَبْضِ شَخْصٍ آخَرَ فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِطِفْلٍ كَانَ فِي حِجْرِ وَتَرْبِيَةِ زَيْدٍ وَقَبَضَ شَخْصٌ أَجْنَبِيٌّ آخَرَ ذَلِكَ بِاسْمِ الطِّفْلِ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ.
[ (الْمَادَّةُ 853) وُهِبَ شَيْءٌ لِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ]
(الْمَادَّةُ 853) - إذَا وُهِبَ شَيْءٌ لِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ تَتِمُّ الْهِبَةُ بِقَبْضِهِ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ.
لَوْ وُهِبَ شَيْءٌ نَافِعٌ أَيْ مَالٌ لِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَوْ لِلصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَةِ تَتِمُّ الْهِبَةُ اسْتِحْسَانًا بِقَبُولِهِ إيَّاهَا وَقَبْضِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ كَالْأَبِ أَوْ مُرَبٍّ؛ لِأَنَّ فِي الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ نَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرُ أَهْلٌ لِمُبَاشَرَةِ الشَّيْءِ الَّذِي فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ لَهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (961) (الْهِدَايَةُ وَالْكِفَايَةُ) . وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ: أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ عَقْلِ الْمُمَيِّزِ لِعَدَمِ نَظَرِهِ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ نَظْرَةً تَامَّةً بِسَبَبِ عَدَمِ اعْتِدَالِ عَقْلِهِ فَعَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ يُرَدُّ التَّصَرُّفُ الْمُضِرُّ (كَهِبَةِ الصَّغِيرِ لِآخَرَ) لِمَنْفَعَةِ الصَّغِيرِ كَذَلِكَ تُرَدُّ تَصَرُّفَاتُهُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ مِنْ أَجْلِ مَنْفَعَةِ الصَّغِيرِ أَيْضًا حَتَّى لِذَلِكَ لَوْ أَنَّ وَلِيَّ الصَّغِيرِ إذَا رَأَى نَفْعًا فِي إجَازَةِ التَّصَرُّفِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَلَهُ إجَازَتُهُ.
وَكُلُّ تَصَرُّفٍ فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ لِلصَّغِيرِ فَالنَّظَرُ وَالْفَائِدَةُ لِلصَّغِيرِ فِي نَفَاذِهِ إذْ إنَّ لَا حِكْمَةَ مِنْ رَدِّ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي فِيهَا نَفْعٌ مَحْضٌ لِلصَّغِيرِ (الزَّيْلَعِيّ) .
قَدْ عُرِّفَ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ فِي الْمَادَّةِ (943) إلَّا أَنَّ الزَّيْلَعِيّ فَسَّرَ الْمُمَيِّزَ فِي هَذَا الْبَحْثِ بِالشَّخْصِ الَّذِي يُدْرِكُ وَيَعْقِلُ التَّحْصِيلَ وَالْجَمْعَ.
(2/424)
سُؤَالٌ: عَقْلُ الصَّبِيِّ إمَّا مُعْتَبَرٌ أَوْ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا يَلْزَمُ أَلَّا تَتِمَّ الْهِبَةُ بِقَبْضِهِ.
وَإِذَا كَانَ مُعْتَبَرًا فَيَقْتَضِي أَلَّا يُعْتَبَرَ قَبْضُ خَلَفِهِ أَيْ وَلِيِّهِ مَا دَامَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ؟
جَوَابٌ: إنَّ عَقْلَهُ مُعْتَبَرٌ فِي النَّفْعِ الْمَحْضِ وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِعْلُهُ مَعَ خَلَفِهِ فَيَكُونُ قَدْ فُتِحَ بَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ لِلصَّغِيرِ وَبِمَا أَنَّ فِي هَذَا تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ فَهُوَ جَائِزٌ (الْعَيْنِيُّ) .
إيضَاحُ الْقُيُودِ:
1 - الْمُمَيِّزُ: هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا مِنْ وَجْهٍ إذْ الْحُكْمُ فِي الْمُمَيِّزَةِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ. لَكِنْ قَدْ اكْتَفَى الْفُقَهَاءُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِذِكْرِ الرَّجُلِ وَاحْتِرَازِيٌّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَيُحْتَرَزُ فِيهِ عَنْ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَعَلَيْهِ لَوْ وُهِبَ شَيْءٌ لِلصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ بِقَبْضِهِ (الْحَمَوِيُّ) وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلِيُّهُ أَوْ مُرَبِّيهِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ الْآنِفَةِ.
2 - نَافِعٌ. هَذَا الْقَيْدُ احْتِرَازِيٌّ فَعَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لِلصَّغِيرِ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ غَيْرَ نَافِعٍ كَأَنْ كَانَ تُرَابًا فِي بَيْتِ الْوَاهِبِ مَا إذَا بِيعَ فِي مَحِلِّهِ لَا يُسَاوِي شَيْئًا وَإِذَا نُقِلَ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ يَحْتَاجُ لِمَئُونَةٍ تَزِيدُ عَلَى فَائِدَتِهِ مَا تُوجِبُ ضَرَرَ الصَّغِيرِ فَالْهِبَةُ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً وَيُرَدُّ الْمَوْهُوبُ لِلْوَاهِبِ وَيُتْرَكُ لَهُ (الْحَمَوِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ وُهِبَ لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ شَيْءٌ يَحْتَاجُ لِلْإِنْفَاقِ وَلَا نَفْعَ لَهُ كَأَنْ يُوهَبُ لِلصَّغِيرِ حِمَارٌ أَعْمَى فَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْهِبَةِ وَتُرَدُّ إلَى الْوَاهِبِ (أَبُو السُّعُودِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ) .
3 - الْهِبَةُ: وَالْحُكْمُ فِي الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ أَيْضًا. لَكِنْ يُحْتَرَزُ بِهَذَا التَّعْبِيرِ عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَعَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ الْمَدْيُونُ لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فِي أَدَائِهِ الدَّيْنَ لِلصَّغِيرِ إلَّا أَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ لِلصَّغِيرِ لَا يُقَاسُ عَلَى الْهِبَةِ (الْحَمَوِيُّ) اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (896) .
4 - وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ: يُشَارُ بِهَذَا التَّعْبِيرِ أَيْ بِعِبَارَةِ الْوَلِيِّ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ تَتِمُّ الْهِبَةُ بِقَبْضِهِ كَمَا تَتِمُّ أَيْضًا بِقَبْضِ وَلِيِّهِ أَوْ مُرَبِّيهِ وَعَلَيْهِ فَلِتَحْصِيلِ النَّفْعِ لِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ طَرِيقَانِ وَتَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ تَوَفَّرَتْ الْمَنْفَعَةُ الْعَائِدَةُ لِلصَّغِيرِ (الزَّيْلَعِيّ) .
5 - بِقَبُولِهِ إيَّاهُ وَقَبْضِهِ: فَكَمَا أَنَّ لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ أَنْ يَقْبَلَ مَا يُوهَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَإِذَا رَدَّهُ الصَّغِيرُ الْمَذْكُورُ رُدَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الرَّدَّ بِمَا أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلصَّغِيرِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ أَنْ يَمْلِكَ الرَّدَّ (الْحَمَوِيُّ فِي الْهِبَةِ) .
سُؤَالٌ: بِمَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِلصَّغِيرِ حَقُّ الْقَبُولِ عِنْدَ إيجَابِ الْهِبَةِ أَلَّا يَكُونُ رَدُّهُ قَدْ أَدَّى إلَى إبْطَالِ هَذَا الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهُ.
؟ الْجَوَابُ: إنَّ حَقَّ الْقَبُولِ لَيْسَ حَقًّا مَالِيًّا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ.
أَمَّا إذَا وُهِبَ لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ مَالٌ وَرَدَّ وَلِيُّهُ هَذِهِ الْهِبَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الرَّدَّ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَيْسَ عَدَمُ صِحَّةِ الرَّدِّ بِمَعْنَى تَمَامِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبُولِ. وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَوْ رَدَّ الْوَلِيُّ الْمَذْكُورُ الْهِبَةَ وَقَبِلَ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ الْهِبَةَ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ كَانَ صَحِيحًا (رَدُّ الْمُحْتَارِ وَالطَّحْطَاوِيُّ بِزِيَادَةٍ) . فَعَلَيْهِ لَمَّا كَانَ يَجُوزُ
(2/425)
الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ حَسَبَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ بَيْعُ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الرُّجُوعِ. وَانْظُرْ مَا حُكْمُهُ، وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى مَا عَلَّلْنَا بِهِ كَانَ وَاجِبًا إنْ تَيَقَّنَ الرُّجُوعُ وَكَانَ الْأَبُ وَنَحْوُهُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي (الطَّحْطَاوِيُّ) ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ الْهِبَةِ فَائِدَةً لِلصَّغِيرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْقُطْ فَلَا يُعْطَى لِلْبَائِعِ عِوَضٌ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ بِحَقِّ رُجُوعِهِ كَمَا سَيُوَضَّحُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (855) الْأَنْقِرْوِيُّ.
[ (الْمَادَّةُ 854) الْهِبَةُ الْمُضَافَةُ]
(الْمَادَّةُ 854) - (الْهِبَةُ الْمُضَافَةُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ، مَثَلًا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ اعْتِبَارًا مِنْ رَأْسِ الشَّهْرِ الْآتِي لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ) .
الْهِبَةُ الْمُضَافَةُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ أَيْ إذَا وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا اعْتِبَارًا مِنْ وَقْتٍ سَيَأْتِي غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا صَارَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (82) لَا تَصِحُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ إضَافَةُ التَّمْلِيكِ وَتَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ.
مَثَلًا: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ اعْتِبَارًا مِنْ رَأْسِ الشَّهْرِ الْآتِي أَوْ اعْتِبَارًا مِنْ غَدٍ، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: قَبِلْت، أَيْضًا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ. وَكَذَلِكَ الرُّقْبَى لَيْسَتْ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا هِبَةٌ مُضَافَةٌ أَيْضًا (الطَّحْطَاوِيُّ، الدُّرَرُ) .
الرُّقْبَى، هِيَ تَمْلِيكُ أَحَدٍ مَالَهُ لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ ذَلِكَ الشَّخْصِ. وَالرُّقْبَى بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِارْتِقَابِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَنْتَظِرُ وَيَرْتَقِبُ وَفَاةَ الْوَاهِبِ (الزَّيْلَعِيّ) . يَعْنِي كَأَنْ يَقُولَ أَحَدٌ لِآخَرَ: إذَا تُوُفِّيتُ قَبْلَكَ فَلْيَكُنْ هَذَا الْمَالُ لَك، وَإِذَا تُوُفِّيتَ قَبْلِي فَلْيَبْقَ لِي. كَأَنْ يَنْتَظِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْتَ الْآخَرِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ أَفَنْدِي أَيْضًا أَوْ مَعْنَاهَا رَقَبَةُ دَارِي لَك وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَكِنْ لَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ الْهِبَةُ بِالشَّكِّ فَتَكُونُ عَارِيَّةً (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ مُلَخَّصًا) .
لَكِنْ قَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ (الْخَانِيَّةُ) .
وَيُوجَدُ احْتِمَالَانِ فِي مَعْنَى الصِّحَّةِ هَذِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: (1) كَوْنُ هَذِهِ الْمُقَاوَلَةِ صَحِيحَةً تَمَامًا. فَفِي هَذَا الْحَالِ إذَا تُوُفِّيَ أَيُّهُمَا يَلْزَمُ أَنْ يَبْقَى الْمَالُ لِلْآخَرِ.
(2) كَوْنُ الْهِبَةِ صَحِيحَةً وَالشَّرْطِ بَاطِلًا. يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِبَةُ الْوَاهِبِ صَحِيحَةً وَتُوُفِّيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلًا فَلَا يَعُودُ الْمَوْهُوبُ لِلْوَاهِبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِيَ هُوَ الْمَقْصُودُ. (الشَّارِحُ) لَكِنْ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ الْمَوْهُوبُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِلدَّافِعِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ (الْهِدَايَةُ، عَبْدُ الْحَلِيمِ) وَهَذَا الْقَوْلُ يَحْتَمِلُ الْعَارِيَّةَ وَالْهِبَةَ مَعًا وَلَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ أَعْلَى مِنْ الْعَارِيَّةِ وَلَا يَثْبُتُ الطَّرَفُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ عَلَى الْعَارِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَدْنَى (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) . قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (مُضَافَةٌ) لَيْسَ احْتِرَازًا مِنْ الْمُعَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ الْمُعَلَّقَةَ عَلَى شَرْطٍ مُحْتَمَلٍ وُجُودُهُ أَوْ عَدَمُ وُجُودِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّمَرِ لِغَيْرِهِ: هُوَ لَك إنْ أَدْرَكَ، أَوْ قَالَ: إذَا كَانَ غَدًا فَهُوَ جَائِزٌ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
مِثَالٌ لِلْعَيْنِ: لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ إذَا دَخَلَ الشَّخْصُ الْفُلَانِيُّ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ عَادَ فُلَانٌ مِنْ سَفَرِهِ، فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ (عَزْمِي زَادَهْ) .
(2/426)
مِثَالٌ لِلدَّيْنِ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: إذَا جَاءَ غَدًا فَلْتَكُنْ لَك الْأَلْفُ قِرْشٍ الَّتِي لِي عَلَيْك دَيْنًا، أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهَا أَوْ إذَا أَعْطَيْت نِصْفَ الدَّيْنِ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ أَوْ فَلْيَكُنْ لَكَ النِّصْفُ الْآخَرُ تَكُونُ بَاطِلَةً (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
كَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا: إذَا تُوُفِّيَتْ فِي هَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي، كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ الْمَرِيضَةُ لِزَوْجِهَا: إذَا تُوُفِّيتُ بِهَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ أَوْ فَهُوَ لَك صَدَقَةٌ مِنِّي، كَانَ هَذَا الْقَوْلُ بَاطِلًا وَبَقِيَ الْمَهْرُ كَالْأَوَّلِ. (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدْيُونِهِ: إذَا أَنَا مِتُّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ فَأَنْتَ فِي حِلِّ الدَّيْنِ، صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى شَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ كَأَنْ يَقُولُ الدَّائِنُ لِمَدْيُونِهِ: إذَا كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ يَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا وَيَتِمُّ الْإِبْرَاءُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى) .
وَتَعْبِيرُ الْهِبَةِ الْمُضَافَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْعُمْرَى؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ هِبَةً مُضَافَةً.
الْعُمْرَى: هِيَ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ لِآخَرَ: " أَعْطَيْتُك هَذِهِ الدَّارَ مَا دُمْت حَيًّا عَلَى أَنْ تُرَدَّ لِي بَعْدَ وَفَاتِكَ " أَوْ (أَعْطَيْتُك هَذِهِ الدَّارَ مَا دُمْت حَيًّا عَلَى أَنْ تُرَدَّ لِوَرَثَتِي بَعْدَ وَفَاتِي) فَالتَّمْلِيكُ الْوَاقِعُ عَلَى الْوَجْهِ الْآنِفِ الذِّكْرِ جَائِزٌ وَلَوْ تُوُفِّيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا يُرَدُّ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ لِلْوَاهِبِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَيُصْبِحُ إرْثًا لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ (الدُّرَرُ) ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى بِشَرْطِ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُعَمَّرِ لَهُ بِمَا أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ كَانَ التَّمْلِيكُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يُفْسِدُهُ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (83) (الزَّيْلَعِيّ، أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّانِي) .
كَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ الْوَاهِبُ كَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْوَاهِبِ (الدُّرَرُ) .
وَكَمَا تَكُونُ الْعُمْرَى فِي الْعَقَارِ تَكُونُ أَيْضًا فِي الْمَنْقُولَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ أَيْضًا (عَبْدُ الْحَلِيمِ) .
[ (الْمَادَّةُ 855) الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَض]
(الْمَادَّةُ 855) - (تَصِحُّ الْهِبَةُ بِشَرْطِ عِوَضٍ وَيُعْتَبَرُ الشَّرْطُ. مَثَلًا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ لِآخَرَ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا عِوَضًا أَوْ يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ الْمَعْلُومَ الْمِقْدَارِ تَلْزَمُ الْهِبَةُ، كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ وَسَلَّمَ عَقَارًا مَمْلُوكًا لَهُ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ بِنَفَقَتِهِ حَتَّى الْمَمَاتِ وَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَاضِيًا بِإِنْفَاقِهِ حَسَبَ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ إذَا نَدِمَ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ وَاسْتِرْدَادِ ذَلِكَ الْعَقَارِ) .
إنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ اللَّتَيْنِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ صَحِيحَتَانِ وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (83) . وَالصَّدَقَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِهِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ السَّابِعِ) .
" 1 " - عِوَضًا: يُفْهَمُ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ هُنَا مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ حَقِيقِيًّا كَمَا فِي مِثَالَيْ الْمَجَلَّةِ الْآتِيَيْ الذِّكْرِ أَوْ حُكْمِيًّا كَالسُّكْنَى مَعًا وَعَدَمِ التَّطْلِيقِ وَتَرْكِ الظُّلْمِ وَسَيُوَضَّحُ ذَلِكَ فِي آخِرِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَادَّةِ.
(2/427)
بِشَرْطٍ: وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الشَّرْطُ التَّقْيِيدِيُّ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (82) وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ هُوَ: إذَا ذُكِرَ فِي الْهِبَةِ شَرْطٌ فَالشَّرْطُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْلِيقًا وَهَذَا يَكُونُ بِأَدَاءِ الشَّرْطِ (كَانَ أَوْ إذَا) وَهَذِهِ الْهِبَةُ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ وَالْمَوْهُوبُ سَوَاءٌ أَكَانَ عَيْنًا كَمَا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ شَيْئًا لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ بِنَفَقَةِ الْوَاهِبِ إلَى وَفَاتِهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ بِنَفَقَةِ الْوَاهِبِ إلَى وَفَاتِهِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَعُولَهُ وَيُلَاحِظَ إلَى وَفَاتِهِ أَوْ إذَا وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا عَقَارًا بِشَرْطِ أَنْ يُحْسِنَ مُعَاشَرَتَهَا إلَى وَفَاتِهَا تَكُونُ الْهِبَةُ بَاطِلَةً (الْأَنْقِرْوِيُّ النَّتِيجَةُ) أَوْ لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ دَيْنًا كَمَا لَوْ قَالَتْ الزَّوْجَةُ الْمَرِيضَةُ لِزَوْجِهَا: إذَا تُوُفِّيتُ بِهَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ، فَلَا تَكُونُ الْهِبَةُ صَحِيحَةً (النَّتِيجَةُ) ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ التَّمْلِيكَاتِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (82) مَتَى لَوْ أَعْطَى لِلْوَاهِبِ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ فِي هَذِهِ الْهِبَةِ وَسَلَّمَ لَهُ فَلَا تَنْقَلِبُ الْهِبَةُ إلَى الصِّحَّةِ الْفَيْضِيَّةُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 52) وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا وَيُذْكَرُ مَعَ كَلِمَةِ (عَلَى) أَوْ كَلِمَةِ (أَوْ) كَقَوْلِك: وَهَبْتُك هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي هَذَا الثَّوْبَ (الدُّرَرُ) وَهَذَا شَرْطٌ لَا يُخِلُّ بِالْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ تُوجَدُ التَّفْصِيلَاتُ الْآتِيَةُ.
الْهِبَةُ مَعَ الشَّرْطِ التَّقْيِيدِيِّ قِسْمَانِ:
- الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: كَوْنُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُلَائِمًا وَهَذِهِ الْهِبَةُ وَالشَّرْطُ صَحِيحَانِ وَالْمُبَيَّنُ فِي الْمَجَلَّةِ هُوَ هَذَا وَقَدْ ذَكَرْت أَمْثِلَتَهُ فِيهَا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: كَوْنُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُخَالِفًا يَعْنِي غَيْرَ مُلَائِمٍ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا تَفْسُدُ الْهِبَةُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ بِمَعْنَى الرِّبَا وَالرِّبَا يَجْرِي فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَلَا يَجْرِي فِي الْهِبَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ. وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعَمِّرِ فِي رُجُوعِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُعَمَّرِ لَهُ وَجَعَلَهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمُعَمَّرِ لَهُ (الْعِنَايَةُ) فَلِذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يُوهِبَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ الْمَالَ لِآخَرَ وَيُسَلِّمَهُ أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَهُ فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ (التَّنْقِيحُ، الْهِنْدِيَّةُ) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ كُرُومَهُ الَّتِي فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِحَفِيدِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَحْصُولُهَا لَهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ أَوْ وَهَبَهُ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَبْقَى سَاكِنًا فِيهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ وَسَلَّمَهَا لَهُ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَالشَّرْطُ بَاطِلًا (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ هِبَةً بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فِيهَا فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالَهُ لِآخَرَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْجِعَ لَهُ مِقْدَارًا مِنْ الْمَوْهُوبِ الْمَذْكُورِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ صَحِيحَتَانِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا يُجْبَرُ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ عَلَى رَدِّ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ أَوْ إعْطَاءِ بَدَلِ عِوَضٍ لَهُ.
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ دَارًا لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا عَلَى شَرْطِ إعْطَاءِ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا لِلْوَاهِبِ كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً وَالشَّرْطُ بَاطِلًا (الْهِنْدِيَّةُ) .
أَمْثِلَةٌ عَلَى الْعِوَضِ الْحَقِيقِيِّ: 1: مَثَلًا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ لِآخَرَ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا عِوَضًا مَعْلُومًا أَوْ يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ الْمَعْلُومَ الْمِقْدَارِ
(2/428)
تَلْزَمُ الْهِبَةُ أَيْ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ حَسْبَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَادَّةِ (868) إذَا رَاعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّرْطَ أَيْ إذَا أَعْطَى الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ أَوْ أَدَّى ذَلِكَ الدَّيْنَ. سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا أَمْ كَانَ مِنْ الْأَقَارِبِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَادَّةِ (866) . لَكِنْ لُزُومُ هَذِهِ الْهِبَةِ يَكُونُ بِتَقَابُضِ الْعِوَضَيْنِ وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالتَّعَهُّدِ بِالْعِوَضِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (868) . يَعْنِي يَهَبُ الْوَاهِبُ مَالًا بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَيُسَلِّمُهُ وَبَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَلِكَ الْمَالَ أَيْضًا يُعْطِي الْعِوَضَ لِلْوَاهِبِ وَيُسَلِّمُهُ إيَّاهُ وَيَقْبِضُهُ الْآخَرُ وَيَسْتَلِمُهُ فَتَكُونُ الْهِبَةُ لَازِمَةً مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُ الْمَوْهُوبِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْعِوَضِ. أَمَّا بِدُونِ التَّقَابُضِ فَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ فَعَلَيْهِ لَوْ اتَّفَقَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى الْعِوَضِ لَكِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعِوَضَ لِلْوَاهِبِ فَلَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَاضِرًا وَمُهَيَّأً لِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ. وَلِلْوَاهِبِ عَدَمُ قَبُولِ الْعِوَضِ وَالرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْعِوَضِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الْوَاهِبُ رَاضِيًا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ. كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ بَعْضَ أَشْيَاءَ لِوَالِدَتِهِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ عِوَضًا كَهَذَا وَسَلَّمَهَا إيَّاهَا وَلَمْ تُعْطِهِ وَالِدَتُهُ الْعِوَضَ الْمَذْكُورَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
وَعَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرَاعِ الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّرْطَ فَبِمَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ يُؤْمَرُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ. فَإِذَا أَعْطَاهُ فَبِهَا. وَإِذَا لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ ضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَدَلَ الْمَوْهُوبِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ: إنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوَاهِبِ حَقٌّ لِلرُّجُوعِ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلْمَوْهُوبِ (عَلِيٌّ أَفَنْدِي، الْهِنْدِيَّةُ) .
وَالْحَاصِلُ - أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ مَعْلُومًا وَمَذْكُورًا بِكَلِمَةِ " عَلَى " فَهِيَ هِبَةٌ ابْتِدَاءً بِحَسَبِ اللَّفْظِ وَبَيْعٌ انْتِهَاءً بِحَسَبِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ جِهَةِ الْهِبَةِ لَفْظًا وَجِهَةِ الْبَيْعِ مَعْنًى وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَوَجَبَ إعْمَالُهُمَا؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الشَّبِيهَيْنِ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا " الْعِنَايَةُ ".
كَالْهِبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ. فَهَذِهِ الْهِبَةُ بِمَا أَنَّهَا تُعْتَبَرُ ابْتِدَاءً هِبَةً وَيَلْزَمُ فِيهَا الْقَبْضُ وَالشُّيُوعُ يَكُونُ مَانِعًا لِتَمَامِهَا وَبِمَا أَنَّهَا تُعْتَبَرُ انْتِهَاءً وَصِيَّةً فَقَدْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ " اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 877.
أَمَّا إذَا ذُكِرَ الْعِوَضُ مَعَ حَرْفِ الْبَاءِ مَثَلًا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمَالِكِ هَذَا وَقَبِلَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ هِبَةً فَهُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً " الدُّرَرُ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 3 ".
تَتَفَرَّعُ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ الْآتِيَةُ عَلَى كَوْنِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةً ابْتِدَاءً: أَوَّلًا - التَّقَابُضُ شَرْطٌ فِي الْعِوَضَيْنِ. يَعْنِي يَلْزَمُ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ مُطْلَقًا وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْهِبَةِ بِإِذْنٍ صَرِيحٍ وَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُمْكِنُ لِلطَّرْفَيْنِ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّسْلِيمِ " الطَّحَاوِيَّ، كَمَا قَدْ صَارَ تَفْصِيلُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 837 ".
ثَانِيًا - الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي الْمَالِ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ صَحِيحَةً بِالشُّيُوعِ. وَعَلَيْهِ لَوْ وُهِبَ قِسْمٌ مِنْ مَالٍ شَائِعٍ قَابِلِ الْقِسْمَةِ هِبَةً بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَانَتْ بَاطِلَةً " أَبُو السُّعُودِ. يَعْنِي إذَا وُهِبَ نِصْفُ مَالٍ قَابِلِ
(2/429)
الْقِسْمَةِ هِبَةً بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَسَلَّمَهُ شَائِعًا فَكَمَا أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ فَلَوْ أَعْطَى نِصْفَ مَالٍ قَابِلِ الْقِسْمَةِ عِوَضًا لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ أَيْضًا " رَدُّ الْمُحْتَارِ عَبْدُ الْحَلِيمِ.
ثَالِثًا - لَوْ وَهَبَ أَبُو الصَّغِيرِ مَالَ وَلَدِهِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَأَبِي يُوسُفَ.
سَوَاءٌ أَشُرِطَ إعْطَاءُ هَذَا الْعِوَضِ مَالًا أَوْ شُرِطَ إعْطَاؤُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ. وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ الْمَذْكُورُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ لِلْأَبِ التَّبَرُّعُ بِمَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ (الزَّيْلَعِيّ، الطَّحْطَاوِيُّ) (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 58) .
رَابِعًا - خِيَارُ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ لَا تُفْسَخُ الْهِبَةُ بِخِيَارِ الْغَبْنِ وَالتَّغْرِيرِ وَقِلَّةِ الْعِوَضِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
خَامِسًا - إذَا اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ فَلَا يَجْرِي التَّحَالُفُ كَمَا سَيُبَيَّنُ فِي الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ مِنْ اللَّاحِقَةِ الْآتِيَةِ.
وَتَتَفَرَّعُ الْمَسْأَلَتَانِ الْآتِيَتَانِ عَنْ كَوْنِهَا بَيْعًا انْتِهَاءً: - أَوَّلًا - يَصِحُّ الْعَقْدُ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ. بِنَاءً عَلَيْهِ يُمْكِنُ رَدُّ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
ثَانِيًا - إذَا كَانَ عَقَارًا فَيُؤْخَذُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ بِالشُّفْعَةِ. (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 1022) .
أَمَّا إذَا كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ مَعْلُومٍ أَيْ مَجْهُولًا فَيَكُونُ هِبَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً (أَبُو السُّعُودِ، رَدُّ الْمُحْتَارِ) لِأَنَّ شَرْطَ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَلَا تَفْسُدُ الْهِبَةُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ (الدُّرَرُ، عَبْدُ الْحَلِيمِ، الْفَتْحُ) .
وَقَدْ قَالَ مُحَشِّي الدُّرَرُ عَزْمِي زَادَهْ إنَّ بَيَانَ الدُّرَرِ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ تَجُوزُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي الْعِوَضَ الْمَجْهُولَ وَالْقَوْلُ فِي الْعِوَضِ لِلْمُعَوَّضِ أَيْ الْمَوْهُوبِ لَهُ انْتَهَى.
وَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فِي الْمِثَالِ الْآتِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُعْلَمُ وَقْتُ مَوْتِهِ فَلَا يُعْلَمُ أَيْضًا صُورَةُ إطْعَامِهِ وَمَا سَيُطْعَمُ وَيُكْسَى.
2 - وَهُوَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ عَقَارَهُ الْمَمْلُوكَ أَوْ مَالَ الْمَنْقُولِ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُولَهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَبَعْدَ أَنْ عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ مُدَّةً بِحَسَبِ الشَّرْطِ وَكَانَ رَاضِيًا بِإِعَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ إذَا نَدِمَ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ وَاسْتِرْدَادُ عَقَارِهِ.
وَلَوْ تُوُفِّيَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَعْدَ أَنْ عَالَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُدَّةً فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ مُدَاخَلَةٌ فِي الْمَوْهُوبِ. كَذَلِكَ لَوْ عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَتُوُفِّيَ الْوَاهِبُ بِدُونِ وَارِثٍ فَلَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُدَاخَلَةُ فِي الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ (النَّتِيجَةُ) إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِإِعَاشَتِهِ وَامْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ فَلِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُ الْمَوْهُوبِ فَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ مِنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ مَا دَامَ الْوَاهِبُ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا تَمْلِيكًا قَطْعِيًّا وَلَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدُ حَقُّ الْوَاهِبِ مِنْهُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْهِبَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّفْعَةَ.
أَمَّا إذَا عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ مُدَّةً عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْوَاهِبُ حَيٌّ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ شَيْءٌ صَرِيحٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ لَكِنْ بِمَا أَنَّ الْمَوْهُوبَ
(2/430)
لَهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إيفَاءِ الْوَاهِبِ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ بِتَمَامِهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَعُلْ الْوَاهِبَ حَتَّى الْمَمَاتِ وَلَمْ يَبْقَ عَوْلُهُ فِي الْإِمْكَانِ فَعَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْ الْهِبَةُ بَعْدُ وَلْنَذْكُرْ مَسْأَلَتَيْنِ نَظِيرَتَيْنِ لِذَلِكَ فِيمَا يَلِي: - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ دَارِهِ الْمَمْلُوكَةَ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا وَأَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ فَقَطْ وَلَمْ يُعْطِ الْبَاقِيَ وَامْتَنَعَ عَنْ إعْطَائِهِ فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرُدَّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ السِّتَّةَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَيَسْتَرِدَّ دَارِهِ.
كَذَلِكَ إذَا ضَبَطَ بَعْضَ الْعِوَضِ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا هُوَ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (898) فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْعِوَضِ لِلْوَاهِبِ وَيَسْتَرِدَّ الْمَوْهُوبَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - لَوْ وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا عَلَى أَلَّا يُطَلِّقَهَا إلَى الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيَّنْ وَقْتٌ لِلْإِمْسَاكِ وَعَدَمِ التَّطْلِيقِ وَطَلَّقَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ كَانَتْ الْهِبَةُ لَازِمَةً (الْأَنْقِرْوِيُّ) . فَقِيلَ: إذَا لَمْ تُوَقِّتْ لِذَلِكَ وَقْتًا كَانَ قَصْدُهَا أَنْ يُمْسِكَهَا مَا عَاشَ قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) وَعَلَيْهِ يَخْطِرُ عَلَى الْبَالِ احْتِمَالَانِ فِيمَا إذَا تُوُفِّيَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ أَنْ عَالَ الْوَاهِبَ مُدَّةً: - 1 - قِيَاسًا عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَرَّ ذِكْرُهُمَا يَضْمَنُ الْوَاهِبُ مِثْلَ نَفَقَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَالَ فِيهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لِوَرَثَتِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ مِنْهُمْ. وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْبِطَ وَرَثَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بَيْتُ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ الْعَقَارَ وَيُتْرَكُ الْوَاهِبُ مَحْرُومًا مِنْهُ.
2 - قَوْلُ وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى لِلْوَاهِبِ: إنَّنَا نَضْبِطُ الْمَالَ بِالْإِرْثِ وَلَا نَرُدُّهُ لَك وَإِنَّمَا نَعُولُك كَمَا تَعَهَّدَ بِذَلِكَ مُوَرِّثُنَا لَكِنْ بِمَا أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ بَيْنَ وَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْوَاهِبِ عَقْدٌ أَوْ مُقَاوَلَةٌ عَلَى الْعَوْلِ فَلَيْسَ مِنْ حَقِّ دَعْوَى وَخُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا.
كَمَا لَوْ وَهَبَ فَرَسًا بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَشَرَةَ رِيَالَاتٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَأَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ خَمْسَةَ رِيَالَاتٍ سَلَفًا وَاسْتَمْهَلَهُ فِي الْبَاقِي عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَتُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ حَقٌّ فِي إعْطَاءِ الْخَمْسِ الرِّيَالَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَضَبَطَهُ بِدُونِ رِضَى الْوَاهِبِ. بِنَاءً عَلَيْهِ فَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي سَاقِطٌ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِلْعَدَالَةِ وَالْفِقْهِ.
وَإِنْ يَكُنْ أَنَّهُ يَحِقُّ لِوَرَثَتِهِ الْمَفْرُوغُ لَهُ أَنْ يَعُولَ الْفَارِغَ الَّذِي أَفْرَغَ لِمُوَرِّثِهِمْ أَرَاضِيُهُ الْأَمِيرِيَّةَ أَوْ مُسَقَّفَاتِهِ وَمُسْتَغِلَّاتِهِ الْمَوْقُوفَةَ مَجَّانًا بِشَرْطِ عَوْلِهِ بَدَلًا عَنْ مُوَرِّثِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقَاسُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ إلَى الْمَمَاتِ. هَذَا الْقَيْدُ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا فَلَوْ قَالَ: تَعُولُنِي إلَى السَّنَةِ الْفُلَانِيَّةِ يَكُونُ صَحِيحًا أَيْضًا. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا عَالَ لِتِلْكَ السَّنَةِ فَيَكُونُ الْعِوَضُ قَدْ أُدِّيَ تَامًّا وَلَزِمَتْ الْهِبَةُ. وَلَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مُجْبَرًا عَلَى عَوْلِهِ (الشَّارِحُ) .
وَتَلْزَمُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَمَا صَارَ إيضَاحُ ذَلِكَ آنِفًا بِالتَّقَابُضِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلِلْوَاهِبِ فِي الْمِثَالِ
(2/431)
الْمَذْكُورِ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ عَقَارَهُ الْمَمْلُوكَ لِآخَرَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُولَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَاشِرْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِإِعَاشَةِ الْوَاهِبِ وَلَوْ كَانَ رَاضِيًا بِعَوْلِهِ فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا فَلِذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي الشَّرْحِ عِلَاوَةً عَلَى الْمَتْنِ قَيْدُ (بَعْدَ أَنْ عَالَ مُدَّةً) .
وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَوْ عَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُدَّةً فَبِمَا أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ عِوَضَ الْمُدَّةِ الَّتِي عَالَهُ فِيهَا وَإِذَا كَانَ رَاضِيًا بِعَوْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْنِي إنْ كَانَ رَاضِيًا بِإِعْطَاءِ مَا شَرَطَ إيفَاءَهُ تَدْرِيجِيًّا وَتَقْسِيطًا فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ هِبَتِهِ وَيُوجَدُ هَذَا الْقَيْدُ أَيْضًا فِي الْفَتْوَى الَّتِي أَفْتَاهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
جَاءَ فِي الْمِثَالِ (وَهُوَ رَاضٍ بِعَوْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَالَهُ مُدَّةً ثُمَّ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ فَلِلْوَاهِبِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ عَيْنًا إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَتَضْمِينُهُ بَدَلَهُ إذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ عَلَى التَّبَرُّعِ.
الْعِوَضُ الْحُكْمِيُّ: الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ الْحُكْمِيِّ صَحِيحَةٌ أَيْضًا وَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ.
الْعِوَضُ الْحُكْمِيُّ كَعَدَمِ التَّطْلِيقِ وَتَرْكِ الظُّلْمِ وَالسُّكْنَى مَعًا.
فَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا بِشَرْطِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا لِلْحَجِّ أَوْ يُحْسِنَ إلَيْهَا أَوْ يَكْسُوَهَا مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ وَهَذِهِ أَيْ نَفَقَةُ الْحَجِّ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهَا وَقَطْعُ الثَّوْبِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْعِوَضِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا بِشَرْطِ تَرْكِهِ ظُلْمَهَا أَوْ بِشَرْطِ سُكْنَاهُ مَعَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَحَكَمُوا بِبُطْلَانِ الْهِبَةِ إذَا ظَلَمَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ امْتَنَعَ عَنْ مُسَاكَنَتِهَا وَإِنْ يَكُنْ تَرْكُ الظُّلْمِ وَالْمُسَاكَنَةِ لَيْسَا بِعِوَضٍ حَقِيقِيٍّ إلَّا أَنَّهُ مُشَابِهٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلْعِوَضِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَنْتَفِعُ مِنْهُمَا (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا كَيْ لَا يَضْرِبَهَا وَلَا يَظْلِمَهَا ثُمَّ ظَلَمَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ ضَرَبَهَا بِدُونِ حَقٍّ يَبْقَى مَهْرُهَا أَيْضًا عَلَى حَالِهِ. وَإِنْ ضَرَبَهَا لِتَأْدِيبٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا لَا يَعُودُ الْمَهْرُ. (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْ الزَّوْجَةُ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا لِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَ لَهَا فِي السَّنَةِ ثَوْبَيْنِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَمَرَّتْ سَنَتَانِ وَلَمْ يَقْطَعْ لَهَا الْأَثْوَابَ وَكَانَ قَدْ شُرِطَ فِي الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ بَقِيَ الْمَهْرُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ لَمَّا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْعِوَضُ فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَلَا تَلْزَمُ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَتَدُلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ جَهَالَةَ الْعِوَضِ غَيْرُ مُضِرَّةٍ. كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ عَزْمِي زَادَهْ. وَكَذَا لَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهَا وَلَمْ يُحْسِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (الْخَانِيَّةُ فِي فَصْلٍ فِي هِبَةِ الْمَرْأَةِ مَهْرَهَا مِنْ الزَّوْجِ) .
(2/432)
[لَاحِقَةٌ فِي الْهِبَةِ تَحْتَوِي عَلَى أَرْبَعَةِ مَبَاحِثَ]
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - إذَا اخْتَلَفَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُقُوعِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ: قَدْ كَانَ الْعِوَضُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: بَلْ خَمْسَةً، فَالْوَاهِبُ يَكُون مُخَيَّرًا إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ قَائِمًا وَالْعِوَضُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ. إنْ شَاءَ قَبِلَ الْعِوَضَ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الْهِبَةِ وَأَمَّا فِي حَالَةِ تَلَفِ الْمَوْهُوبِ فَلِلْوَاهِبِ تَضْمِينُ الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيمَةَ الْمَوْهُوبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - إذَا اخْتَلَفَ الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ فِي أَصْلِ الْعِوَضِ يَعْنِي لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاهِبُ: قَدْ كَانَ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: إنَّهُ لَمْ يُشْرَطْ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْمُنْكِرِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مَوْجُودًا. أَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ شَيْءٌ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (871) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - إذَا أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ عَنْ الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: إنَّنِي أَخُوك، أَوْ إنَّنِي أَعْطَيْتُكَ عِوَضًا، أَوْ إنَّ الْمَالَ الَّذِي أَعْطَيْته لِي لَمْ يَكُنْ هِبَةً بَلْ كَانَ صَدَقَةً، فَلَيْسَ لَكَ الرُّجُوعُ حَسَبَ أَحْكَامِ الْمَوَادِّ (866 و 868 و 874) وَأَنْكَرَ الْوَاهِبُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ اسْتِحْسَانًا لِلْوَاهِبِ " أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ - لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالًا لِآخَرَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْكَرَ الْهِبَةَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ وَدِيعَةً فَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْوَاهِبِ فَإِذَا حَلَفَ الْوَاهِبُ الْيَمِينَ أَخَذَ الْمَوْهُوبَ: وَإِذَا تَلِفَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ تَلَفُهُ قَبْلَ دَعْوَى الْهِبَةِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ دَعْوَى الْهِبَةِ كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنًا " الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ ".
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ - إذَا وَهَبَ الْوَاهِبُ مَالًا لِلْمُسْتَوْدَعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَادَّةِ " 846 " ثُمَّ أَنْكَرَ الْهِبَةَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشْهَدَا عَلَى رُؤْيَتِهِمَا الْقَبْضَ صَحَّ ذَلِكَ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ " 846 "، كَذَلِكَ
(2/433)
لَوْ أَنْكَرَ الْوَاهِبُ وُجُودَ الْهِبَةِ وَقْتَ الْهِبَةِ فِي يَدِ الْمُسْتَوْدَعِ وَشَهِدَتْ الشُّهُودُ بِالْهِبَةِ وَلَمْ تَشْهَدْ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَبْضِ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَكَانَ الْمَوْهُوبُ وَقْتَ الْمُخَاصَمَةِ فِي يَدِ الْوَاهِبِ وَالْوَاهِبُ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ صَحَّ أَيْضًا اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 5 و 10 أَمَّا إذَا تُوُفِّيَ الْوَاهِبُ فَالشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ " الْهِنْدِيَّةُ ".
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ - لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَدْ وَهَبَهُ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ وَلَدَى إنْكَارِ الْوَاهِبِ ذَلِكَ شَهِدَتْ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ أَقَرَّ بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ. أَمَّا لَوْ وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ.
مَثَلًا: لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشُّهُودِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْآخَرُ شَهِدَ عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ أَقَرَّ بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فَلَا يُقْبَلُ. كَمَا أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ فِي حَالَةِ وُجُودِ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ حِينَ الدَّعْوَى فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ " الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ الْهِبَةِ ".
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ - لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ مَالًا عَلَى أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مُخَيَّرٌ كَذَا أَيَّامًا وَأَجَازَ الْهِبَةَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَتْ أَمَّا لَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَمْ تَجُزْ، أَمَّا إذَا وَهَبَ الْوَاهِبُ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ كَذَا أَيَّامًا فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (864) فَلَا يَصِحُّ فِيهَا خِيَارُ الشَّرْطِ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ شَرْحِ كِتَابِ الْبُيُوعِ.
لَكِنْ هَلْ يَصِحُّ شَرْطُ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْهِبَةِ اللَّازِمَةِ كَالْهِبَةِ لِمَحْرَمٍ ذِي رَحِمٍ أَوْ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَوْ الصَّدَقَةِ؟ وَالْحُكْمُ فِي الْبَرَاءَةِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ. فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ مِنْ حَقِّي الْفُلَانِيِّ عَلَى أَنْ أَكُونَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ كَذَا يَوْمًا، كَانَتْ الْبَرَاءَةُ صَحِيحَةً وَالْخِيَارُ بَاطِلًا (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ) .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ - مَا تَجُوزُ هِبَتُهُ مُنْفَرِدًا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ. لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ ثَمَرَ شَجَرَةٍ عَلَى أَنْ يَبْقَى لَهُ مِنْهُ كَذَا رِطْلًا وَآذَنَهُ بِجَمْعِهَا مِنْ الشَّجَرَةِ صَحَّ ذَلِكَ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (219) . لَكِنْ مَا لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ مُنْفَرِدًا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ يَعْنِي يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا وَتَصِحُّ الْهِبَةُ فِيهِ جَمِيعِهِ فَلَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ فَرَسًا عَلَى أَنْ يَبْقَى لِلْوَاهِبِ حَمْلُهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا فَتَكُونُ الْفَرَسُ وَفِلْوُهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ.
(2/434)
لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي يُمْكِنُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَبِمَا أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَا يَرِدُ عَلَى الْحَمْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ مَقْصُودًا فَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ لَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ (الْعِنَايَةُ) .
(2/435)
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْهِبَةِ]
سَيُبَيَّنُ هُنَا شَرَائِطُ صِحَّةِ الْهِبَةِ وَشَرَائِطُ نَفَاذِهَا وَالشَّرَائِطُ الْمَذْكُورَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - مَا يَعُودُ عَلَى نَفْسِ الرُّكْنِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي - مَا يَعُودُ عَلَى نَفْسِ الْوَاهِبِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ - مَا يَعُودُ عَلَى نَفْسِ الْمَوْهُوبِ.
وَيُبَيَّنُ كُلٌّ مِنْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ - يَلْزَمُ أَنْ لَا تُعَلَّقَ الْهِبَةُ لِلْمَالِ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ وَأَنْ لَا تَكُونَ مُضَافَةً إلَى وَقْتٍ كَمَا بُيِّنَ ذَلِكَ فِي مَتْنِ وَشَرْحِ الْمَادَّةِ (854) .
الْقِسْمُ الثَّانِي - كَوْنُ الْوَاهِبِ أَهْلًا لِلْهِبَةِ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ حُرًّا عَاقِلًا وَسَيُذْكَرُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (859) (الْهِنْدِيَّةُ) .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ - خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ:
- النَّوْعُ الْأَوَّلُ: كَوْنُ الْمَوْهُوبِ مَوْجُودًا وَسَيُبَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (856) الْآتِيَةِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: كَوْنُ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ مُتَقَوِّمًا. بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ هِبَةُ الشَّيْءِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالٍ كَالْآدَمِيِّ الْحُرِّ وَالْجِيفَةِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: كَوْنُ الْمَوْهُوبِ مَمْلُوكًا بِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْمُبَاحَاتِ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (833) ، الْهِنْدِيَّةُ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: كَوْنُ الْمَوْهُوبِ مَقْبُوضًا وَقَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّتَيْنِ (837 و 861) .
النَّوْعُ الْخَامِسُ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ الْقَابِلُ الْقِسْمَةَ مَقْسُومًا وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ، وَأَلَّا يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مُتَّصِلًا أَوْ مَشْغُولًا بِغَيْرِ الْمَوْهُوبِ كَمَا سَيُفَصَّلُ ذَلِكَ فِي اللَّاحِقَةِ الَّتِي فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (858) (الْهِنْدِيَّةُ) .
(الْمَادَّةُ 658) - (يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَوْهُوبِ فِي وَقْتِ الْهِبَةِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ هِبَةُ عِنَبِ بُسْتَانٍ سَيُدْرَكُ أَوْ فِلْوِ فَرَسٍ سَيُولَدُ) .
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ وُجُودُ الْمَوْهُوبِ وَقْتَ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الشَّيْءُ الْمَعْدُومُ غَيْرَ مَحِلٍّ لِلْمِلْكِ وَتَمْلِيكُهُ بِعَقْدٍ مُحَالٌ فَالْهِبَةُ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ (الزَّيْلَعِيّ) . حَتَّى أَنَّهُ لَا تَنْقَلِبُ الْهِبَةُ إلَى الصِّحَّةِ بَعْدَئِذٍ فِيمَا لَوْ أَذِنَهُ
(2/436)
بِقَبْضِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَقَبَضَهُ بَعْدَ الْوُجُودِ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (52) كَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فِي الْبَيْعِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّتَيْنِ (197 و 205) بِنَاءً عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ هِبَةُ عِنَبِ بُسْتَانٍ سَيُدْرَكُ أَوْ فِلْوِ فَرَسٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ سَيُولَدُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوْ لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ الَّذِي فِي بَطْنِ فَرَسِهِ الْحَامِلِ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْهِبَةِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَا تَصِحُّ أَيْ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْحُكْمِ وَعَدَمِهِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) وَيُفْهَمُ مِنْ الْإِيضَاحَاتِ السَّالِفَةِ أَنَّ تَعْبِيرَ (أَوْ فِلْوِ فَرَسٍ سَيُولَدُ) فِي مَتْنِ الْمَجَلَّةِ عَامٌّ فِي حَقِّ الْفَرَسِ الْحَامِلِ وَقْتَ الْهِبَةِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) كَذَلِكَ لَوْ أَضَاعَ أَحَدٌ دَبُّوسًا مِنْ أَلْمَاسِ فَوَهَبَهُ لِأَحَدٍ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ وَآذَنَهُ بِالتَّفْتِيشِ عَنْهُ وَالْآخَرُ جَدَّ فِي طَلَبِهِ وَقَبَضَهُ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِوُجُودِ الْخَطَرِ وَقْتَ طَلَبِهِ (أَبُو السُّعُودِ) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ السَّمْنَ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْ هَذَا السِّمْسِمِ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ وَقْتَ حُدُوثِهِ فَلَا تَنْقَلِبُ هَذِهِ الْهِبَةُ إلَى الصِّحَّةِ وَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ الْحُدُوثِ بِنَاءً عَلَى الْهِبَةِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مَعْدُومَةٌ وَإِنَّمَا تُوجَدُ بِالطَّحْنِ وَالْعَصْرِ. وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِهَذِهِ وُجُودٌ بِالْقُوَّةِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَإِنْ كَانَ مَا يُوجَدُ بِالْقُوَّةِ مِنْ عَامَّةِ الْمُمْكِنَاتِ (الْعِنَايَةُ) وَإِنْ يَكُنْ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ جَائِزَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْجَوَازَ نَاشِئٌ عَنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَعْدُومِ (الزَّيْلَعِيّ) وَهِبَةُ الْمَعْدُومِ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً كَمَا وَضَحَ آنِفًا إلَّا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْمَعْدُومُ وَجُدِّدَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ (الْهِدَايَةُ) .
وَأَمَّا لَوْ وَهَبَ الصُّوفَ الَّذِي عَلَى هَذِهِ الشَّاةِ، وَالزَّرْعَ الَّذِي فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، وَالثَّمَرَ الَّذِي عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَالْحَلِيبَ الَّذِي فِي ثَدْيِ هَذِهِ الشَّاةِ فَبِمَا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ (هِبَةِ الْمُشَاعِ) فَإِذَا قَصَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصُّوفَ وَسَلَّمَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ تَتِمُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ نَاشِئٌ عَنْ الِاتِّصَالِ وَهَذَا مَانِعٌ لِلْقَبْضِ الْكَامِلِ كَمَا فِي الشَّائِعِ (الْهِدَايَةُ) . يَعْنِي لَوْ حَلَبَ اللَّبَنَ وَسَلَّمَ حَصَلَ الْقَبْضُ الْكَامِلُ وَيَكْفِي فَصْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ إيَّاهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ (أَبُو السُّعُودِ، الْهِدَايَةُ) وَإِنَّمَا جَازَ فِي اللَّبَنِ وَإِنْ كَانَ فِي وُجُوهِ شَكٍّ قَدْ يَكُونُ رِيحًا أَوْ دَمًا لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْوُجُودِ، بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ فَإِنَّهُ بِانْفِصَالِهِ يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ بِخِلَافِ هِبَةِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّصَرُّفِ وَقْتَ الْهِبَةِ (الطَّحَاوِيَّ) وَإِنْ يَكُنْ بَيْعُ نَوَى التَّمْرِ الَّذِي فِي بَلَحٍ غَيْرَ جَائِزٍ وَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الصِّحَّةِ وَلَوْ أُخْرِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَسُلِّمَتْ بَلْ يَلْزَمُ فِيهِ بَيْعٌ جَدِيدٌ وَيُقْتَضَى لِذَلِكَ عَدَمُ جَوَازِ هِبَةِ اللَّبَنِ فِي الثَّدْيِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْهِبَةُ عَقْدَ تَبَرُّعٍ وَيَكْفِي فِيهِ وُجُودُ الْمَوْهُوبِ بِالْفِعْلِ وَلَا يُقْتَضَى فِيهِ تَعْيِينُ الْمَوْهُوبِ بِالْفِعْلِ لِعَكْسِ الْبَيْعِ وَهُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ الَّذِي يَحْتَاجُ لِانْعِقَادِهِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ (سَعْدِي حَلَبِيٌّ) .
[ (الْمَادَّةُ 857) كون الْمَوْهُوب مَال الْوَاهِبِ]
(الْمَادَّةُ 857) (يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَالَ الْوَاهِبِ بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَجَازَهَا صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ الْهِبَةِ تَصِحُّ) .
يُشْتَرَطُ فِي نَفَاذِ الْهِبَةِ كَوْنُ الْمَوْهُوبِ مَالَ الْوَاهِبِ كَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ (اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ 365 و 378) وَعَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْهُوبُ مَالَ الْوَاهِبِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 96) .
(2/437)
وَلِلْمَوْهُوبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لَا يَكُونُ فِيهَا لِلْوَاهِبِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: كَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَالٍ أَبَدًا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ أَوْ يَكُونَ مَالًا غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ آخَرَ مَيْتَةً وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا كَانَتْ بَاطِلَةً وَكَمَا أَنَّ هِبَةَ ذَلِكَ بَاطِلَةٌ فَإِعْطَاءُ الْعِوَضِ فِي هِبَةٍ كَهَذِهِ بَاطِلٌ أَيْضًا، كَذَلِكَ الْمُعَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِ فِي الْخَمْرِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَيْسَتْ جَائِزَةً، سَوَاءٌ كَانَ مُعْطِي الْخَمْرِ عِوَضًا الْمُسْلِمُ أَوْ غَيْرُ الْمُسْلِمِ لَكِنْ تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بَيْنَ غَيْرِ مُسْلِمِينَ (الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ) وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ غَيْرُ مُسْلِمٍ لِمُسْلِمٍ مَالًا وَأَعْطَاهُ الْمُسْلِمُ خَمْرًا عِوَضًا فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ (الْهِنْدِيَّةُ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي - يَكُونُ الْمَوْهُوبُ مَالًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ لَوْ أَعْطَى أَحَدٌ نُقُودًا لِآخَرَ قَرْضًا أَوْ أُجْرَةً فِي مُقَابِلِ عَمَلٍ وَوَهَبَ ذَلِكَ الشَّخْصُ النُّقُودَ وَهِيَ لَا تَزَالُ فِي يَدِهِ عَيْنًا لِمَنْ أَعْطَاهُ إيَّاهَا فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ حَتَّى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ النُّقُودِ لَوْ رَجَعَ عَنْ هِبَتِهِ هَذِهِ (الْقَاعِدِيَّةُ) .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ - يَكُونُ مَالًا لِلشَّخْصِ الْأَجْنَبِيِّ. وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ هُوَ كَمَا يَأْتِي.
فَلَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ لِآخَرَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ زَوْجَ الْوَاهِبِ أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَوْ الْكَبِيرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَلَا يَصِحُّ أَيْ لَا يَنْفُذُ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 96) ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ أَحَدٍ مَالًا يَمْلِكُهُ مُحَالٌ (الْهِنْدِيَّةُ) .
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ أَشْيَاءَ زَوْجَتِهِ بِدُونِ إذْنِهَا لِشَخْصٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا وَلَمْ تُجِزْ الزَّوْجَةُ الْمَذْكُورَةُ تِلْكَ الْهِبَةَ فَلَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ لِآخَرَ بِدُونِ إذْنِهِ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَلِلِابْنِ اسْتِرْدَادُهُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ (هَامِشُ الْبَهْجَةِ) .
وَإِذَا تَلِفَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ فِي هَاتَيْنِ الْهِبَتَيْنِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَاهِبَ أَوْ الْمَوْهُوبَ لَهُ.
وَكَذَا إذَا حَوَّلَ الدَّائِنُ دَيْنَهُ الْمَطْلُوبَ مِنْ آخَرَ لِدَائِنِهِ حَوَالَةً مُقَيَّدَةً وَقَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ الدَّيْنَ مِنْ الْمَدِينِ وَهَبَ الدَّائِنُ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ لِلْمَدِينِ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ (الْأَنْقِرْوِيُّ، الْوَلْوَالِجِيَّةِ) (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 692) .
لَكِنْ كَمَا تَصِحُّ هِبَةُ أَحَدٍ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ ابْتِدَاءً يَعْنِي هِبَتَهُ مَالَ غَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ تَصِحُّ هِبَةُ مَالِ آخَرَ بِلَا إذْنِهِ إذَا أَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ تَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (1453) كَمَا فِي الْبَيْعِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 388) لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي وَقْتِ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ قِيَامُ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُجِيزِ وَالْمَالِ الْمَوْهُوبِ.
قَدْ اسْتَعْمَلَتْ الْمَجَلَّةُ فِي الْمَادَّةِ (106) لَفْظَ الصَّحِيحَ مُقَابِلًا لِلنَّافِذِ وَفِي الْمَادَّةِ (108) قَدْ اسْتَعْمَلَتْ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي مَعْنًى شَامِلٍ لِلنَّافِذِ أَيْضًا وَهُنَا قَدْ اسْتَعْمَلَتْهُ فِي مَعْنَى النَّافِذِ فَقَطْ.
وَالْهِبَةُ الَّتِي تَنْعَقِدُ وَتَنْفُذُ بِتِلْكَ الْإِجَازَةِ تَقَعُ مِنْ طَرَفِ صَاحِبِ الْمَالِ أَيْ الْمُجِيزِ
(2/438)
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الْمَأْمُورُ بِالْهِبَةِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْهِبَةُ وَاقِعَةً مِنْ طَرَفِ الْآمِرِ كَمَا سَيُوَضَّحُ قَرِيبًا.
فَعَلَيْهِ إذَا أَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ فُضُولًا عِوَضًا أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْوَاهِبِ الْقَرَابَةُ الْمَانِعَةُ لِلرُّجُوعِ الْوَارِدَةُ فِي الْمَادَّةِ (866) فَلِصَاحِبِ الْمَالِ الرُّجُوعُ عَنْ هَذِهِ الْهِبَةِ (الْقُنْيَةِ) وَبِالْعَكْسِ لَوْ أَعْطَى الْمَوْهُوبُ لَهُ لِصَاحِبِ الْمَالِ عِوَضًا أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّرَةُ فِي الْمَادَّةِ (866) الْمَذْكُورَةُ هُنَا آنِفًا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ (الْهِنْدِيَّةُ) .
اسْتِثْنَاءٌ: - الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - لَا بَأْسَ فِي تَصَدُّقِ الزَّوْجَةِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْ دَارِ زَوْجِهَا كَقِطْعَةٍ مِنْ الْخُبْزِ (الْبَزَّازِيَّةُ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - لَوْ أَمَرَ أَحَدٌ آخَرَ قَائِلًا لَهُ: هَبْ لِفُلَانٍ مِنْ طَرَفِي أَلْفَ قِرْشٍ وَوَهَبَهُ الْآخَرُ فَتَقَعُ مِنْ طَرَفِ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَيْ الْآمِرِ وَلَمَّا كَانَ الْآمِرُ الَّذِي عُدَّ وَاهِبًا غَيْرَ مَالِكٍ لِذَلِكَ الْمَالِ فَلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ الرُّجُوعُ عَلَى الْآمِرِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَوْهُوبِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْآمِرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ ثَمَّةَ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ هَذِهِ الْهِبَةِ وَيَسْتَرِدَّ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ مِنْ الشَّخْصِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَكِنْ لَوْ أَمَرَهُ قَائِلًا (هَبْ لِلشَّخْصِ الْفُلَانِيِّ أَلْفَ قِرْشٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ) وَوَهَبَ الْآخَرُ الْمَبْلَغَ تَقَعُ أَيْضًا هَذِهِ الْهِبَةُ مِنْ الْآمِرِ وَلِلْآمِرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْهَا فِيمَا لَوْ كَانَ لَا يُوجَدُ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ.
أَمَّا الْمَأْمُورُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآمِرِ بِالْمَبْلَغِ الَّذِي وَهَبَ (الْبَحْرُ) .
[ (الْمَادَّةُ 858) كون الْمَوْهُوب مَعْلُومًا مُعَيَّنًا]
(الْمَادَّةُ 858) - (يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَعْلُومًا مُعَيَّنًا بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ لَا عَلَى التَّعْيِينِ: قَدْ وَهَبْت شَيْئًا مِنْ مَالِي أَوْ وَهَبْت أَحَدَ هَاتَيْنِ الْفَرَسَيْنِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا إذَا قَالَ: لَك الْفَرَسُ الَّتِي تُرِيدُهَا مِنْ هَاتَيْنِ الْفَرَسَيْنِ وَعَيَّنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ أَحَدَهُمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَا يُفِيدُ تَعْيِينُهُ بَعْدَ الْمُفَارِقَةِ عَنْ مَجْلِسِ الْهِبَةِ) .
يَعْنِي يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَوْهُوبُ الَّذِي هُوَ عَيْنٌ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا وَالْمَوْهُوبُ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَجْهُولِ لَيْسَ صَحِيحًا (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .
فَعَلَيْهِ إذَا قَالَ الْوَاهِبُ لَا عَلَى التَّعْيِينِ (1) يَجُوزُ عَدُّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَقُولِ الْقَوْلِ، كَمَا أَنَّهُ يَصِحُّ عَدَمُ عَدِّهِ وَاعْتِبَارُهُ وَهَبْتُ لَك مَالِي شَيْئًا أَوْ وَهَبْتُ لَك مِقْدَارًا مِمَّا أَمْلِكُهُ (2) أَوْ وَهَبْتُك أَحَدَ هَاتَيْنِ الْفَرَسَيْنِ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَيْسَ مَعْلُومًا وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ مُعَيَّنًا أَيْضًا.
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ حِصَّتَهُ فِي تَرِكَةٍ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا يُصِيبُهُ مِنْهَا مِنْ الْمَالِ لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ كَمَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ فِيمَا لَوْ قَالَ أَحَدٌ: وَهَبْتُ مِقْدَارًا مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَمْلِكُهَا لِابْنِي الصَّغِيرِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَشْيَاءَ الَّتِي وَهَبَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا (التَّنْقِيحُ وَعَلِيٌّ أَفَنْدِي) .
(2/439)
وَشَرْطُ كَوْنِ الْمَوْهُوبِ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاهِبِ.
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ الْوَاهِبُ حِصَّتَهُ فِي هَذَا الْمَعْلُومَةِ الْمِقْدَارِ عِنْدَهُ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ حِصَّةَ الْوَاهِبِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةُ، لَكِنْ قَدْ جَاءَ فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ لَوْ قَالَ: وَهَبْتُ نَصِيبِي فِي هَذَا الْحِصَانِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِقْدَارَ ذَلِكَ النَّصِيبِ فَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِجَهَالَةِ الْمَوْهُوبِ انْتَهَى بِتَغْيِيرٍ مَا.
وَأَمَّا إذَا قَالَ: لَك الْفَرَسُ الَّتِي تُرِيدُهَا مِنْ هَاتَيْنِ الْفَرَسَيْنِ وَعَيَّنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ أَحَدَهُمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْوَاهِبِ: فَهِيَ لَك قَدْ، وَهَبْتُك إيَّاهَا فَهِيَ لَك، أَيْ أَنَّهُ إيجَابٌ بِطَرِيقِ اقْتِضَاءٍ كَمَا أَنَّ تَعْيِينَ وَقَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ هُوَ قَبُولٌ حَسْبَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (841) .
وَالسَّبَبُ فِي كَوْنِ الْجَهَالَةِ غَيْرَ مَانِعَةٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ زَوَالُ سَبَبِ الْفَسَادِ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْفَسَادِ بِتَفَرُّقِ الْمَجْلِسِ وَبِذَلِكَ تَعُودُ الصِّحَّةُ الْمَمْنُوعَةُ. اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (24) ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْجَهَالَةِ فِي الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ (الْخَانِيَّةُ فِي أَوَائِلِ الْهِبَةِ) .
أَمَّا التَّعْيِينُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ مِنْ مَجْلِسِ الْهِبَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ: أَيُّمَا أَرَدْت مِنْ هَذَيْنِ الْمَالَيْنِ فَهُوَ لَك، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَقَبَضَهُ وَعَيَّنَهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَلَا يُفِيدُ التَّعْيِينُ الْوَاقِعُ إزَالَةَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ تَأَكَّدَ بِمُلَابَسَةِ التَّفَرُّقِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَلَا يَنْقَلِبُ بِالتَّعْيِينِ إلَى الصِّحَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ لِتَقَرُّرِ الْجَهَالَةِ (الْخَانِيَّةُ أَوَائِلُ الْهِبَةِ) .
وَلُزُومُ كَوْنِ الْمَوْهُوبِ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ عَيْنًا كَمَا أُشِيرَ إلَى ذَلِكَ أَثْنَاءَ الشَّرْحِ أَمَّا إذَا كَانَ دَيْنًا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمَوْهُوبُ مَعْلُومًا فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ إسْقَاطٌ وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِسْقَاطِ وَيَعُودُ بَيَانُ الْمَجْهُولِ إلَى الْمُسْقِطِ (الْخَانِيَّةُ فِي أَوَائِلِ الْهِبَةِ) . مَثَلًا إذَا كَانَ لِأَحَدٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ قِرْشٍ مِنْ جِهَةِ قَرْضٍ وَأَلْفٌ أُخْرَى مِنْ جِهَةِ بَدَلٍ إجَارَةٍ وَقَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ: وَهَبْتُك أَلْفًا مِنْ الْأَلْفَيْ قِرْشٍ الْمَذْكُورَيْنِ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَيَعُودُ تَعْيِينُ أَيِّهِمَا عَلَى الْوَاهِبِ إذَا كَانَ حَيًّا وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ إبْرَاءٌ وَالْجَهَالَةُ فِي الْإِبْرَاءِ لَا تُخِلُّ بِصِحَّتِهِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ) .
[لَاحِقَةٌ فِي الْمَوْهُوبِ تَحْتَوِي عَلَى مَبْحَثَيْنِ]
[الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي حَقِّ الشُّرُوطِ الْبَاقِيَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوْهُوبِ]
بِمَا أَنَّ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمُشَاعِ صَحِيحَةٌ وَبَعْضَهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَيُعَدُّ تَعْدَادُ ذَلِكَ إجْمَالًا (سَنَذْكُرُ بَعْضَ الْإِيضَاحَاتِ فِي هِبَةِ الْمُشَاعِ) .
1 - الْبَيْعُ، يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ لِلْمُشَارِكِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ اُنْظُرْ الْمَادَّتَيْنِ (214 و 215) سَوَاءٌ أَكَانَ قَابِلًا
(2/440)
لِلْقِسْمَةِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
2 - الْإِجَارَةُ، إذَا أُوجِرَ الْمُشَاعُ الْمُشْتَرَكُ صَحَّ وَإِذَا أُوجِرَ لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ فَاسِدًا اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (429) .
3 - الْإِعَارَةُ، تَجُوزُ إعَارَةُ الْمُشَاعِ لِلشَّرِيكِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ شَخْصٌ لِأَجْنَبِيٍّ نِصْفَ الدَّارِ الَّتِي يَمْلِكُهَا وَسَلَّمَهَا كُلَّهَا لَهُ جَازَ وَتَكُونُ الْإِعَارَةُ مُسْتَأْنَفَةً فِي الْكُلِّ وَإِلَّا فَلَا اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (811) .
4 - الرَّهْنُ، رَهْنُ الْمُشَاعِ فَاسِدٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْمَرْهُونُ سَوَاءٌ كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ أَمْ غَيْرَ قَابِلٍ وَسَوَاءٌ كَانَ لِلشَّرِيكِ أَمْ لِأَجْنَبِيٍّ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (710) .
5 - الْوَقْفُ إنَّ وَقْفَ الْمُشَاعِ الْقَابِلَ الْقِسْمَةَ جَائِزٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّالِثِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ أَمَّا وَقْفُ الْمُشَاعِ غَيْرُ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ فَجَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ.
6 - الْإِيدَاعُ، يَجُوزُ إيدَاعُ الشَّرِيكِ الْحِصَّةَ الشَّائِعَةَ. أَمَّا تَسْلِيمُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ لِلْغَيْرِ مَعَ حِصَّتِهِ بِلَا إذْنِ الْمُشَارِكِ فَغَيْرُ جَائِزٍ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (1087) .
7 - الْقَرْضُ، يَجُوزُ إقْرَاضُ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ.
فَلَوْ سَلَّمَ أَحَدٌ لِآخَرَ أَلْفَ قِرْشٍ وَقَالَ لَهُ: إنَّ نِصْفَهَا قَرْضٌ لَك وَالنِّصْفَ الْآخَرَ اعْمَلْ بِهَا لِلشَّرِكَةِ، كَانَ صَحِيحًا (الطَّحْطَاوِيُّ، فَتْحُ الْقَدِيرِ، الْأَنْقِرْوِيُّ) .
8 - الْهِبَةُ، إنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ مَعَ أَنَّهَا ذُكِرَتْ إجْمَالًا فِي مِثَالِ الْمَادَّةِ (54) وَلَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَقَدْ رُوِيَ إيضَاحُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى - يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ الْقَابِلُ الْقِسْمَةَ غَيْرَ شَائِعٍ وَقْتَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَيُشْرَطُ الْقَبْضُ الْكَامِلُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ فَيَدُلُّ النَّصُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ بِوُجُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. فَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ الْكَامِلُ فِي الْهِبَةِ لِتُفِيدَ وَتُثْبِتَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْمِلْكَ وَفِي هِبَةِ الْمُشَاعِ لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ الْكَامِلُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِسَبَبٍ كَهَذَا عِبَارَةٌ عَنْ صَيْرُورَةِ الشَّيْءِ بِتَمَامِهِ فِي حَيِّزِ الْقَابِضِ وَالشَّائِعُ لَا يَكُونُ فِي حَيِّزِ الْقَابِضِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ مِنْ وَجْهٍ فِي حَيِّزِ الْقَابِضِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي حَيِّزِ الشَّرِيكِ وَالْكَامِلُ هُوَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (الزَّيْلَعِيّ) فَكُلُّ جُزْءٍ فِي حَيِّزِهِ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَجِبُ قَبْضُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ قَبْضُهُ فَكَانَ مَقْبُوضًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ النَّافِيَةُ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ (الْعِنَايَةُ) .
سُؤَالٌ، يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالسَّلَمِ وَالصَّرْفِ قَبْضُ الشَّائِعِ أَمَّا فِي الْهِبَةِ فَلَا يَجُوزُ فَمَا الْفَرْقُ فِي ذَلِكَ؟ جَوَابٌ بِمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْقَبْضُ فَلَا يَضُرُّ فِيهِمَا الشُّيُوعُ كَمَا أَنَّهُ وَإِنْ شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالسَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَالصَّرْفِ فَبِمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فَلَا تَقْتَضِي مُرَاعَاةَ كَمَالِهِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) . كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ قَرْضًا عَلَيْهِ وَيَعْمَلُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِشَرِكَتِهِ وَبِأَنْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُبْطِلُ التَّبَرُّعَ حَتَّى يَكُونَ مَانِعًا (الْفَتْحُ) . فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ حِصَّتَهُ.
مِنْ مَالٍ قَابِلٍ الْقِسْمَةَ أَيْ الْحِصَّةِ الَّتِي يَجُوزُ إفْرَازُهَا وَتَقْسِيمُهَا فَالْهِبَةُ
(2/441)
جَائِزَةٌ فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ إفْرَازُهَا وَتَسْلِيمُهَا لِتُفِيدَ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إذْ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ بِتَسْلِيمِهَا مُشَاعًا وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (الْعِنَايَةُ) وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْأَبِ لِطِفْلِهِ فَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ: قَدْ وَهَبْتُك حِصَّتِي مِنْ الرِّبْحِ وَكَانَتْ الْحِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ قَائِمَةً تَمَامًا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَوْجُودَةً فَلَا تَكُونُ الْهِبَةُ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ هِبَةَ شَائِعٍ قَابِلَةً لِلْقِسْمَةِ (الْهِنْدِيَّةُ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّالِثِ) .
اسْتِثْنَاءٌ: لَكِنْ لَوْ وَهَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا شَائِعًا لِلْآخَرِ مَثَلًا لَوْ كَانَ قَصْرٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو شَائِعًا وَوَهَبَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو حِصَّتَهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهَا فَهَذِهِ الْهِبَةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَمَّا الْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْهُمْ فَقَالُوا بِأَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْهِبَةِ هُوَ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى أَمَّا ظَاهِرُ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْهِبَةِ لِلشَّرِيكِ أَيْضًا (الطَّحْطَاوِيُّ) وَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (851) إنَّ الْأَبَ لَوْ وَهَبَ نِصْفَ مَالِهِ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ لِطِفْلِهِ كَانَ صَحِيحًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ - اُخْتُلِفَ فِي هِبَةِ الْمُشَاعِ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى كَوْنِ الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ فَاسِدَةً وَالْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الدُّرَرِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْمَالِ الَّذِي يَتَّهِبُهُ شَائِعًا. قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: يُفِيدُ الْمِلْكَ مِلْكًا فَاسِدًا وَبِهِ يُفْتَى.
فَعَلَيْهِ لَوْ وَقَفَ أَحَدٌ الْعَرْصَةَ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ هِبَةً فَاسِدَةً صَحَّ الْوَقْفُ وَضَمِنَ قِيمَتَهَا (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ بِعَدَمِ تَمَامِ هِبَةِ الْمُشَاعِ " أَبُو السُّعُودِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي " وَالْأَصَحُّ إنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ " الطَّحْطَاوِيُّ بِتَغْيِيرٍ مَا ".
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إذَا وُهِبَ مَالٌ مُشَاعٌ ثُمَّ أُفْرِزَ وَقُسِّمَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَسُلِّمَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَصْبَحَتْ الْهِبَةُ الْمَذْكُورَةُ تَامَّةً وَانْقَلَبَتْ إلَى الصِّحَّةِ " عَبْدُ الْحَلِيمِ، اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 24 " وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ سَوَاءٌ أَقَسَّمَ الْوَاهِبُ بِالذَّاتِ أَمْ أَنَابَ أَحَدًا فَقَسَّمَهُ أَمْ أَمَرَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَقَسَّمَهُ مَعَ الشَّرِيكِ رَدُّ الْمُحْتَارِ.
مَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْ عَنْ كَوْنِ هِبَةِ الشَّائِعِ غَيْرَ تَامَّةٍ: أَوَّلًا - إذَا تَصَرَّفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَالِ الْمَوْهُوبِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَالْبَيْعِ مَثَلًا لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ " الْأَنْقِرْوِيُّ وَالدُّرَرُ " فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ نِصْفَ دَارِهِ الْقَابِلَةِ لِلْقِسْمَةِ وَسَلَّمَهَا كُلَّهَا بِهِ ثُمَّ بَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ تَسَلُّمِهِ الْكُلَّ الْحِصَّةَ الْمَوْهُوبَةَ مِنْ آخَرَ فَلَا تَصِحُّ " الْهِدَايَةُ، وَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ " الزَّيْلَعِيّ وَالْخَانِيَّةُ فِي فَصْلٍ فِي هِبَةِ الْمُشَاعِ ".
ثَانِيًا - يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ فِي الْمَالِ الْمَوْهُوبِ وَاَلَّذِي سُلِّمَ مُشَاعًا " الزَّيْلَعِيّ ".
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - الشُّيُوعُ الَّذِي يَحِلُّ بِتَمَامِ الْهِبَةِ هُوَ الشُّيُوعُ الَّذِي يَكُونُ وَقْتَ الْقَبْضِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْهِبَةِ فَقَطْ " النِّهَايَةُ ".
وَالْحَاصِلُ - فِي هَذَا أَرْبَعُ صُوَرٍ:
(2/442)
الْأُولَى - كَوْنُهُ غَيْرَ شَائِعٍ وَقْتَ الْهِبَةِ وَوَقْتَ التَّسْلِيمِ مَعًا. وَالْهِبَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَحِيحَةٌ وَالثَّانِيَةُ - كَوْنُهُ وَقْتَ الْهِبَةِ مُشَاعًا وَوَقْتَ التَّسْلِيمِ غَيْرَ مُشَاعٍ وَالْهِبَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَحِيحَةٌ أَيْضًا.
فَعَلَيْهِ لَوْ سَلَّمَ أَحَدٌ دَارِهِ كُلَّهَا لِآخَرَ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا هِبَةٌ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ صَدَقَةٌ صَحَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْقِسْمِ الْمَوْهُوبِ (الْوَلْوَالِجِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةُ) لِأَنَّ تَمَامَهُمَا بِالْقَبْضِ وَلَا شُيُوعَ عِنْدَ الْقَبْضِ (أَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .
كَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ نِصْفَ مَالِهِ لِشَخْصٍ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ وَهَبَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَسَلَّمَهُمَا لَهُ مَعًا صَحَّتْ الْهِبَةُ " الْبَحْرُ " وَعَلَيْهِ فَفِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ شُيُوعٌ وَقْتَ الْهِبَةِ وَلَكِنْ وَقْتَ الْقَبْضِ لَا شُيُوعَ.
الثَّالِثَةُ - كَوْنُهُ وَقْتَ الْهِبَةِ غَيْرَ شَائِعٍ وَوَقْتَ التَّسْلِيمِ شَائِعًا. وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَهَبَ شَخْصٌ مَجْمُوعَ مَالٍ بِتَمَامِهِ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ مُتَفَرِّقًا كَانَتْ الْهِبَةُ صَحِيحَةً، قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ فِي الْبَابِ الثَّانِي: وَلَوْ وَهَبَ الْجَمِيعَ وَسُلِّمَ مُتَفَرِّقًا جَازَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
لَكِنْ شُيُوعٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ زَالَ بِتَسْلِيمِ الْقِسْمِ الْآخَرِ وَمَتَى زَالَ مَانِعُ الصِّحَّةِ عَادَ الْمَمْنُوعُ أَمَّا إذَا لَمْ يَزُلْ الشُّيُوعُ فَلَا تَصِحُّ فَلَوْ وَهَبَ شَخْصٌ دَارِهِ بِتَمَامِهَا لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَنْ هِبَةِ نِصْفِهَا وَسَلَّمَ النِّصْفَ الشَّائِعَ الْآخَرَ فَيَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ تَحَرِّي مَسْأَلَتِهَا وَإِيجَادِهَا.
الرَّابِعَةُ - كَوْنُهُ شَائِعًا وَقْتَ الْهِبَةِ وَوَقْتَ التَّسْلِيمِ مَعًا. وَالْهِبَةُ لَيْسَتْ صَحِيحَةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا لَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ لِلشَّرِيكِ اُنْظُرْ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى.
وَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ نِصْفَ مَالِهِ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ لِشَخْصٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ شَائِعًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَبَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ شَائِعًا. فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الشُّيُوعِ " الْقُهُسْتَانِيُّ ".
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ - عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي يُرِيدُ هِبَةَ حِصَّتِهِ الشَّائِعَةِ لِآخَرَ مِنْ مَالٍ قَابِلٍ الْقِسْمَةَ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ ذَلِكَ الْمَالِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَيُبَرِّئَهُ مِنْ ثَمَنِهِ (الْأَنْقِرْوِيُّ) .
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الْوَاهِبُ قَدْ أَوْصَلَ لِلْمَوْهُوبِ تَمَامَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يُرِيدُ هِبَتَهَا لَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ - يُوجَدُ اخْتِلَافٌ فِي كَوْنِ الشُّيُوعِ مِنْ طَرَفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَانِعًا لِتَمَامِ الْهِبَةِ (الْقُهُسْتَانِيُّ) فَلَوْ وَهَبَ مَالًا وَاحِدًا قَابِلًا الْقِسْمَةَ لِاثْنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَاحِدًا وَوَكَّلَ شَخْصَيْنِ اثْنَيْنِ لِقَبْضِ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ إلَيْهِ فَلَا شُيُوعَ فِي ذَلِكَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
مَثَلًا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ قَصْرَهُ بِقَوْلِهِ مُخَاطِبًا زَيْدًا وَعَمْرًا: قَدْ وَهَبْتُكُمَا قَصْرِي، أَيْ إذَا لَمْ يَذْكُرْ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْإِمَامَانِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
أَمَّا لَوْ وَهَبَ مَالًا وَاحِدًا قَابِلَ الْقِسْمَةِ لِاثْنَيْنِ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ وَلَا شُيُوعَ فِي هَذَا. أَمَّا إذَا فُصِّلَتْ الْحِصَصُ الْمَوْهُوبَةُ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ هَذَا التَّفْصِيلُ رَافِعًا بَعْدَ الْإِجْمَالِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ سَوَاءٌ أَكَانَ التَّفْصِيلُ مَعَ التَّفْضِيلِ أَمْ لَا. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا مِثَالٌ لِلتَّفْضِيلِ: لَوْ قَالَ أَحَدٌ خِطَابًا لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهَبْتُكُمَا أَنْتُمَا الِاثْنَانِ هَذَا الْقَصْرَ لَك يَا زَيْدُ الثُّلُثَانِ وَلَك يَا عُمَرُ الثُّلُثُ.
(2/443)
مِثَالٌ عَلَى عَدَمِ التَّفْضِيلِ: لَوْ قَالَ أَحَدٌ خِطَابًا لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو: وَهَبْتُكُمَا أَنْتُمَا الِاثْنَانِ هَذَا الْقَصْرَ نِصْفُهُ لَك يَا عَمْرُو وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَك يَا زَيْدُ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا التَّفْضِيلُ ابْتِدَاءً يَعْنِي مِنْ غَيْرِ سَابِقِيَّةِ الْإِجْمَالِ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّفْصِيلُ بِالتَّفْضِيلِ أَمْ بِلَا تَفْضِيلٍ وَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْفِقْرَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي. وَتَكُونُ هِبَةُ شَخْصٍ لِاثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ سَابِقِيَّةِ الْإِجْمَالِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - كَوْنُ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ مُخْتَلِفَيْنِ فَفِي هَذِهِ الْهِبَةِ الَّتِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شُيُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ نِصْفَ مَالِهِ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ لِشَخْصٍ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَبَ النِّصْفَ الْآخَرَ لِآخَرَ وَسَلَّمَهُ (اُنْظُرْ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى) .
الْوَجْهُ الثَّانِي - كَوْنُ الْعَقْدِ مُتَّفِقًا وَالْقَبْضِ مُخْتَلِفًا وَلَمَّا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالْقَبْضِ كَمَا وُضِّحَ آنِفًا فَالْهِبَةُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ كَهِبَةِ شَخْصٍ مَالَهُ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ ابْتِدَاءً بِتَفْصِيلٍ وَبِعَقْدٍ وَاحِدٍ لِشَخْصَيْنِ وَتَسْلِيمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَّةً لِأَحَدِهِمَا وَمَرَّةً لِلْآخَرِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ - كَوْنُ الْعَقْدِ مُخْتَلِفًا وَالْقَبْضِ مُتَّفِقًا.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ - كَوْنُ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ مُخْتَلِفَيْنِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بِعَدَمِ جَوَازِ الْهِبَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. مَا لَمْ تَكُنْ الْهِبَةُ وَالتَّسْلِيمُ بِالْمَعِيَّةِ وَاقْتَسَمَا جَازَتْ الْهِبَةُ حِينَئِذٍ " أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ، الْبَحْرُ، الْهِدَايَةُ، الْفَتْحُ، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ - لَوْ وَهَبَ أَحَدٌ مَالَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَابِلِ الْقِسْمَةَ لِوَلَدَيْهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَسَلَّمَهُمَا إيَّاهُ فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا صَارَ إيضَاحُهُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ " 851 ".
تَنْعَقِدُ وَتَتِمُّ الْهِبَةُ لِلصَّغِيرِ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ أَمَّا هِبَةُ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِذَلِكَ تَتَأَخَّرُ عَنْ هِبَةِ الصَّغِيرِ فَيَحْصُلُ بِالِاتِّفَاقِ الشُّيُوعُ فِي هَذِهِ الْهِبَةِ " الْبَزَّازِيَّةُ وَالْبَحْرُ، وَالْحِيلَةُ لِتَصْحِيحِ هَذِهِ الْهِبَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَالَ أَوَّلًا لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ ثُمَّ يَهَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِوَلَدَيْهِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ " التَّنْقِيحُ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (846) لَا تَتَوَفَّقُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِلْكَبِيرِ وَلَا تَتَأَخَّرُ عَنْ هِبَةِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ حِيلَةٍ يَتَخَلَّصُ بِهَا مِنْ الْحَرَامِ أَوْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْحَلَالِ فَهِيَ حَسَنَةٌ (الطَّحْطَاوِيُّ) .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ - قَابِلِيَّةُ التَّقْسِيمِ هِيَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحِصَّةِ الْمَوْهُوبَةِ فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ قَصْرًا إلَى أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ وَكَانَ مُمْكِنًا تَقْسِيمُهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ صَحَّتْ الْهِبَةُ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ تَقْسِيمُهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ بَلْ كَانَ مُمْكِنًا تَقْسِيمُهُ إلَى قِسْمَيْنِ أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَحَّتْ الْهِبَةُ أَيْضًا فَعَلَيْهِ لَوْ وَهَبَ رُبْعَ مَالِهِ الَّذِي يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ إلَى قِسْمَيْنِ فَقَطْ جَازَ (التَّنْقِيحُ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ - إنَّ الشُّيُوعَ الَّذِي مِنْ طَرَفِ الْوَاهِبِ فَقَطْ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ تَمَامِ الْهِبَةِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ وَهَبَ شَخْصَانِ أَمْوَالَهُمَا الْمُشْتَرَكَةَ الْقَابِلَةَ الْقِسْمَةَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَبِمَا أَنَّهُ قَدْ سُلِّمَ الْمَالَ جُمْلَةً وَقُبِضَ جُمْلَةً جَازَتْ إذْ لَا شُيُوعَ فِي ذَلِكَ (الْقُهُسْتَانِيُّ؛ الْهِدَايَةُ) .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ - لَا يَحِلُّ فِي الصَّدَقَةِ الشُّيُوعُ الَّذِي مِنْ طَرَفِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فِي تَمَامِهَا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْجَامِعِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ (الْهِدَايَةُ، وَهَامِشِ الْأَنْقِرْوِيُّ) .
(2/444)