أنكر
ولو وجد أي القتيل في معسكر أي موضع عسكر بأرض غير مملوكة لأحد فإن وجد في خباء هو الخيمة من الصوف أو فسطاط وهو الخيمة العظيمة فعلى ربه أي رب الخباء أو الفسطاط وإلا فعلى الأقرب أي تجب الدية والقسامة على أهل ذلك الخباء أو الفسطاط الأقربين منه أي من القتيل لأن المعتبر هو اليد في الموضع الذي لا ملك لأحد فيه
قالوا هذا إذا نزلوا قبائل متفرقين وأما إذا نزلوا جملة مختلطين فالدية والقسامة على العسكر جميعهم لأنهم لما نزلوا جملة مختلطين صارت الأمكنة كلها بمنزلة محلة واحدة فيكون منسوبا إليهم كلهم فتجب غرامة ما وجد في خارج الخيام عليهم كلهم
وإن كانوا أي العسكر قد قاتلوا عدوا ووجد قتيل بينهم فلا قسامة ولا دية عليهم لأن الظاهر أن العدو قتله فكان هدرا
وإن كانت الأرض التي نزل بها العسكر مملوكة لأحد فالعسكر كالسكان والقسامة على المالك لا عليهم أي لا على العسكر لأن المالك هو المختص بالتدبير في ملكه وحفظ ملكه إليه كما مر إذ لا عبرة للسكان مع الملاك عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإنه يوجب القسامة والدية على المالك والسكان جميعا ودليله مذكور فيما سبق فلا حاجة إلى إعادته
ومن جرح في قبيلة ثم نقل إلى أهله ولم يزل ذا فراش حتى مات من تلك الجراحة فالقسامة والدية على القبيلة التي جرح فيها عند الإمام وعند أبي يوسف لا شيء فيه لأن القسامة والدية إنما شرعت في القتيل الموجود وهذا جريح ليس بقتيل فصار كما لو لم
____________________
(4/408)
يكن صاحب فراش ولهما أنه إذا كان صاحب فراش فهو مريض والمرض إذا اتصل به الموت يجعل كالميت من أول سببه في حكم التصرفات فكذا في حكم القسامة والدية يجعل كأنه مات حين جرح في ذلك الموضع فأما إذا لم يكن صاحب فراش فهو في حكم التصرفات كالصحيح فكذا في حكم القسامة والدية وعلى هذا التخريج إذا وجد على ظهر إنسان يحمله إلى بيت فمات بعد يوم أو يومين فإن كان صاحب فراش حتى مات فهو على الذي كان يحمله كما لو مات على ظهره وإن كان يذهب ويجيء فلا شيء على من حمله وفيه خلاف أبي يوسف وهذا لأن وجوده جريحا في يده كوجوده جريحا في المحلة كذا في الكافي وإليه أشار بقوله
ولو كان مع الجريح رجل فحمل ذلك الرجل المجروح إلى أهله ومات المجروح في أهله فلا ضمان على الرجل الحامل عند أبي يوسف
وفي قياس قول الإمام يضمن والعلة فيه من الطرفين ما أسلفناه نقلا عن الكافي
ولو أن رجلين كانا في بيت واحد فوجد أحدهما مذبوحا ضمن الآخر ديته عند أبي يوسف خلافا لمحمد فإنه قال لا يضمن لأنه يحتمل أنه قتل نفسه ويحتمل أن يكون قتله الآخر فلا يجب الضمان بالشك ولأبي يوسف أن الظاهر أن الإنسان لا يقتل نفسه فلا يعتبر هذا التوهم كما لا يعتبر إذا وجد قتيلا في محلة
ولو وجد القتيل في قرية لامرأة كررت اليمين عليها وتدي عاقلتها عند الطرفين وعند أبي يوسف على عاقلتها القسامة أيضا كالدية لأن القسامة على أهل النصرة والمرأة ليست منها فأشبهت الصبي
لهما أن القسامة في القتيل في الملك باعتبار الملك نفيا لتهمة القتل والمرأة في الملك وتهمة القتل كالرجل في القسامة وقال المتأخرون والمرأة تدخل في التحمل مع العاقلة في هذه المسألة أي قال المتأخرون من
____________________
(4/409)
أصحابنا إن المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل في هذه المسألة لأنها حيث جعلناها قاتلة شاركت العاقلة في الدية لأنه حيث وجبت الدية على غير المباشر فعلى المباشر أولى أن يجب جزء منها
ولو وجد أي القتيل في أرض رجل في جنب قرية صفة الأرض ليس صاحب الأرض منها أي من تلك القرية والجملة المصدرة بليس صفة قرية فهو أي وجوب الدية والقسامة على صاحب الأرض لأن التدبير في حفظ الملك الخاص للمالك دون غيره فيجعل كأن المالك هو القاتل
____________________
(4/410)
كتاب المعاقل المعاقل هي جمع معقلة كالمفاخر جمع مفخرة من عقل يعقل عقلا وعقولا ولما كان موجب القتل الخطأ وما معناه الدية على العاقلة لم يكن بد من معرفتها وبيان أحكامها في هذا الكتاب فقال وهي أي المعاقل الدية وسميت الدية عقلا ومعقلة لأنها تعقل الدماء من أن تسفك أي تمسكها وتمنعها لما يلزم عليها من وجوب الدية ويسمى العقل عقلا لمنعه صاحبه عن القبائح والعاقلة من يؤديها أي الدية وهم أي المؤدون أهل الديوان وهم الجيش الذين كتبت أسماؤهم في الديوان
وفي القاموس والديوان يكسر ويفتح مجتمع الصحف والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية وأول من وضعه عمر رضي الله تعالى عنه جمعه دواوين ودياوين انتهى
والأصل في إيجاب الدية على العاقلة بالخطأ وشبه العمد قوله عليه الصلاة والسلام لأولياء الضاربة قوموا فدوه إن كان القاتل منهم والعاقلة عند الشافعي
____________________
(4/411)
العشيرة لأنه كان عليهم في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا نسخ بعده لأنه لا يكون إلا بوحي على لسان نبي ولا نبي بعده ولأنه صلة والأقارب أحق بالصلات كالإرث والنفقات ولنا أن عمر رضي الله تعالى عنه فرض العقل على أهل الديوان بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر عليه منكر منهم فكان ذلك إجماعا منهم فإن قيل كيف يظن بهم الإجماع على خلاف ما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قلنا هذا إجماع على وفاق ما قضى به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإنهم علموا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إنما قضى على العشيرة باعتبار النصرة وقد كان قوة المرء ونصرته يومئذ بعشيرته ثم لما دون عمر رضي الله تعالى عنه الدواوين صارت القوة والنصرة بالديوان فلهذا قضى بالدية على أهل الديوان تؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية والتقدير بثلاث سنين مروي عنه عليه الصلاة والسلام ومحكي عن عمر رضي الله تعالى عنه ولأن الأخذ من العطاء للتخفيف والعطاء يخرج في كل سنة مرة
فإن خرجت ثلاث عطايا في مدة أقل من ثلاث سنين أو في مدة أكثر مثل أن تخرج عطاياهم في ستة سنين مثلا أخذ منها أي من العطايا وحاصله أنه إذا خرجت للعاقلة ثلاث عطايا في سنة واحدة يؤخذ منها كل الدية لوجود محل أداء الدية فلا فائدة في التأخير وإذا خرجت في ست سنين يؤخذ منهم في كل سنة سدس الدية إذ المقصود أن يكون المأخوذ من الأعطية لا من أصول أموالهم وذلك يحصل بالأخذ من عطاياهم في ثلاث سنين أو أقل منها أو أكثر وهذا إذا كانت العطايا في السنين المستقبلة بعد القضاء بالدية حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء بالدية ثم خرجت بعد القضاء لا يؤخذ منها لأن الوجوب بالقضاء
ومن لم يكن منهم أي من أهل الديوان فعاقلته قبيلته لأن نصرته بهم وهي المعتبرة في هذا الباب يؤخذ منهم في ثلاث سنين أيضا من كل واحد منهم ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم كل سنة درهم قوله كل
____________________
(4/412)
بالنصب على الظرفية خبر مقدم ودرهم مبتدأ مؤخر أو كل سنة درهم وثلث درهم لا أزيد و هو الأصح لمراعاة معنى التخفيف فيه وقيل يؤخذ من كل واحد في كل سنة ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم فيكون المأخوذ من كل واحد في ثلاث سنين تسعة دراهم أو اثني عشر درهما وإنما كان القول الأول أصح لخروج هذا القول من حد التخفيف وبلوغه حد الجزية في الثاني وقربه منه في الأول وعند الشافعي يجب على كل واحد نصف دينار فإن لم تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل إليهم نسبا الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات وهم الإخوة ثم بنوهم ثم الأعمام ثم بنوهم وأما الآباء والأبناء فقيل يدخلون لأنهم أقرب وقيل لا يدخلون لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة وهذا المعنى إنما يكون عند الكثرة والآباء والأبناء لا يكثرون ثم إنهم قالوا إن هذا الجواب إنما يستقيم في حق العرب المحفوظة أنسابهم فأمكن إيجاب العقل على أقرب القبائل من حيث النسب وأما العجم فلا يستقيم هذا الجواب فيهم لتضييعهم أنسابهم فلا يمكن إيجاب الدية على أقرب القبائل إليهم نسبا وإذا لم يمكن فقد اختلفوا في هذه المسألة فقال بعضهم يعتبر المحال والقرى الأقرب فالأقرب وقال بعضهم يجب الباقي في مال الجاني
وفي البزازية إذ لم يكن للقاتل عاقلة فالدية في بيت المال وهو ظاهر الرواية وعليه الفتوى والقاتل كأحدهم لأنه المباشر للقتل فلا معنى لإخراجه من العقل ومؤاخذة غيره
وقال الشافعي لا يجب على القاتل شيء لأنه إذا لم يجب عليه الكل فلا يجب عليه البعض إذ الجزء لا يخالف الكل
قلنا إيجاب الكل إجحاف به ولا كذلك إيجاب البعض وعدم وجوب الكل لا ينفي وجوب البعض
وإن كان أي القاتل ممن أي قوم يتناصرون بالحرف جمع حرفة أو بالحلف بكسر الحاء وهو التحالف على التناصر فعاقلته أهل حرفته أو أهل حلفه لما بينهم من التناصر
وعاقلة المعتق بفتح التاء و عاقلة مولى الموالاة مولاه وعاقلته يعني أن كلا من المعتق ومولى
____________________
(4/413)
الموالاة عاقلته مولاه وعاقلة مولاه لأن النصرة بهم ولقوله عليه الصلاة والسلام مولى القوم منهم
وفي مولى الموالاة خلاف الشافعي
وعاقلة ولد الملاعنة عاقلة أمه لأن نسبته إليهم فينتصرونه فإن ادعاه الأب بعدما عقلوا أي عاقلة الأم عنه أي عن ولد الملاعنة رجعوا على عاقلته أي عاقلة الأب بما غرموا في ثلاث سنين من يوم يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب لأنه تبين أن الدية لم تكن واجبة عليهم لأنه لما أكذب الأب نفسه ظهر أن النسب كان من الأب لأن النسب يثبت منه من وقت العلوق لا من وقت الدعوة فتبين به أن عقل جنايته كان على عاقلة أبيه وأن قوم الأم تحملوا عن قوم الأب مضطرين في ذلك بإلزام القاضي وإنما يرجعون في ثلاث سنين لأنهم أدوا هكذا
وإنما تعقل العاقلة ما وجب بنفس القتل وهو ما يجب بالخطأ أو شبه العمد أو التسبب فلا تعقل جناية عمد ولا جناية عبد ولا ما لزم بصلح أو باعتراف لما روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا إليه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال لا تعقل العواقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة ولأنه لا يتناصر بالعبد والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة لقصور ولايته عليهم وأرش الموضحة نصف العشر ولأن تحمل العاقلة تحرز عن الإجحاف بالخاطئ ولا إجحاف في القليل إلا أن يصدقوه أي العاقلة المعترف فيما أقر به لأن التصديق إقرار منهم فيلزمهم بإقرارهم لأن لهم ولاية على أنفسهم والامتناع كان لحقهم وقد زال
ولا تعقل العاقلة أقل من نصف عشر الدية وتتحمل نصف العشر فصاعدا لما مر من قوله عليه الصلاة والسلام لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس ولأن الإيجاب على العاقلة لدفع الإجحاف عن الجاني وذلك في القليل دون الكثير فلهذا أوجبنا الكثير على العاقلة والفاصل بينهما أرش الموضحة بالنص وما دون ذلك يكون في مال الجاني بل ذلك أي الأقل من نصف عشر الدية على الجاني والقياس فيه أحد
____________________
(4/414)
الشيئين إما التسوية بين الكثير والقليل في إيجاب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي أو التسوية بينهما في أن لا يجب شيء على العاقلة كما في ضمان المال لكنا تركنا القياس بالسنة وإنما جاءت السنة في أرش الجنين في الإيجاب على العاقلة وأرش الجنين نصف عشر بدل الرجل فيقضى بذلك على العاقلة وفيما دونه يؤخذ بالقياس كذا في الكافي
ولا تدخل النساء والصبيان في العقل لقول عمر رضي الله تعالى عنه لا يعقل مع العواقل صبي ولا امرأة ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف النصرة والجزية وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية لأن وجوب جزء من الدية على القاتل إنما هو باعتبار أنه أحد العواقل لأنه ينصر نفسه والنصرة لا توجد فيهما
وفي التبيين وهذا صحيح إذا قتله غيرهما وأما إذا باشرا القتل بأنفسهما فالصحيح أنهما يشاركان العاقلة وكذا المجنون إذا قتل فالصحيح أنه كواحد من العاقلة انتهى
ولا يعقل مسلم عن كافر وبالعكس أي لا يعقل كافر عن مسلم لعدم التناصر
ويعقل الكافر عن الكافر وإن اختلفا ملة لأن الكفر ملة واحدة إن لم تكن العداوة بين الملتين ظاهرة كاليهود مع النصارى فإن العداوة فيهما ظاهرة فلا يعقل بعضهم بعضا لعدم التناصر بظهور العداوة بينهم هكذا روي عن أبي يوسف
وإن لم يكن للذمي عاقلة فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى عليه كما في حق المسلم لما أن الوجوب على القاتل وإنما يتحول عنه إلى العاقلة لو كانت موجودة فإذا لم توجد كانت الدية عليه
والمسلم إذا لم تكن له عاقلة يعقل عنه بيت المال لأن الدية تجب بالنصرة وجماعة المسلمين يتناصرون وقيل المسلم كالذمي تجب الدية في ماله إذا لم تكن له عاقلة
وإن جنى حر على عبد خطأ فعلى العاقلة لأنه ضمان الآدمي
____________________
(4/415)
فتجب على العاقلة إذا كان القتل خطأ قياسا على الحر
وقال الشافعي في قول تجب على القاتل لأنه بدل المال عنده حتى أوجب قيمته بالغة ما بلغت ولا خلاف في أطراف العبد إن ضمانها لا يجب على العاقلة لأنه يسلك بها مسلك الأموال ولا تعقل العاقلة ما جنى العبد على حر لأن المولى في كونه مخاطبا بجناية العبد بمنزلة العاقلة فلا تتحمل عن العاقلة عواقلهم فكذا لا تتحمل جناية العبد عاقلة مولاه والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لا تعقل العاقلة عبدا ولا عمدا
____________________
(4/416)
كتاب الوصايا لا يخفى ظهور مناسبة إيراد كتاب الوصايا في آخر الكتاب لأن آخر أحوال الآدمي في الدنيا الموت والوصية معاملة وقت الموت وله اختصاص بكتاب الجنايات والديات والجناية قد تفضي إلى الموت الذي وقته وقت الوصية والوصية في الأصل اسم بمعنى المصدر ثم سمي الموصى به وصية كما في العناية ومنه قوله تعالى من بعد وصية توصون بها أو دين
الوصية في الشرع تمليك مضاف إلى ما بعد الموت يعني بطريق التبرع سواء كان عينا أو منفعة وسببها أن يذكر بالخير في الدنيا ونيل الدرجات العالية في العقبى
ومن شرائطها كون الموصي أهلا للتمليك والموصى له أهلا للتمليك والموصى به بعد موت الموصي مالا قابلا للتمليك من الغير بعقد من العقود ومنها عدم الدين ومنها التقدير بثلث التركة حتى أنها لا تصح فيما زاد على الثلث ومنها كون الموصى له أجنبيا حتى لا تجوز الوصية للوارث إلا بإجازة بقية الورثة
وركنها أن يقول أوصيت بكذا لفلان وما يجري مجراه من الألفاظ المستعملة فيها
وأما حكمها ففي حق الموصى له أن يملك الموصى به ملكا جديدا
____________________
(4/417)
كما في الهبة وفي حق الموصي إقامة الموصى له فيما أوصى به مقام نفسه كالوارث
وأما صفتها فما ذكره في المتن بقوله وهي مستحبة بما دون الثلث إن كان الورثة أغنياء أو يستغنون بأنصبائهم لأنه تردد بين الصدقة على الأجنبي والهبة بالترك للقريب والأول أولى لقوله عليه الصلاة والسلام أو صدقة يبتغي بها رضاء الله تعالى وإلا أي وإن لم تكن الورثة أغنياء ولا يستغنون بأنصبائهم فتركها أي الوصية أحب لما فيه من الصدقة على القريب وقد قال عليه الصلاة والسلام أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ولأن فيه حق الفقير والقرابة جميعا
ولا تصح الوصية بما زاد على الثلث لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أنه قال جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فالشطر يا رسول الله قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير أوكبير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس
ولا تصح الوصية لقاتله أي المورث مباشرة لقوله عليه الصلاة والسلام لا وصية للقاتل وقيد بقوله مباشرة احترازا عن القتل تسببا فإنه لا يمنع صحة الوصية لعدم تناوله النص
ولا لوارثه لقوله عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث ولأن بقية الورثة يتأذون بإيثاره بعضهم ففي تجويزه قطعية الرحم إلا بإجازة الورثة استثناء مما تقدم من
____________________
(4/418)
عدم الصحة بما زاد على الثلث وعدم صحة الوصية لقاتله ووارثه يعني لا تصح الوصية بما زاد على الثلث ولا للقاتل ولا للوارث في حال من الأحوال إلا في حال التباسها بإجازة الورثة فتصح حينئذ لأن عدم الجواز كان لحقهم فتجوز بإجازتهم ولما روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ويشترط أن يكون المجيز من أهل التبرع بأن يكون عاقلا بالغا وإن أجاز البعض دون البعض يجوز على المجيز بقدر حصته دون غيره لولايته على نفسه فقط ولا تعتبر إجازة الورثة في حال حياة الموصي حتى كان لهم أن يرجعوا بعد موت الموصي
وتصح الوصية بالثلث للأجنبي
وإن لم يجيزوا لقوله عليه الصلاة والسلام إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة لكم في أعمالكم فضعوها حيث شئتم أو قال حيث أحببتم وللإجماع على ذلك
وتصح الوصية من المسلم للذمي وبالعكس فالأول لقوله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين والثاني لأنه بعقد الذمة ساوى المسلم في المعاملات والتبرعات حتى جاز التبرع من الجانبين في حال الحياة فكذا بعد الممات وفي الجامع
____________________
(4/419)
الصغير الوصية لحربي هو في دارهم باطلة لأنها بر وصلة وقد نهينا عن بر من يقاتلنا لقوله تعالى إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين الآية وفي السير الكبير ما يدل على الجواز ووجه التوفيق أنه لا ينبغي أن يفعل وإن فعل جاز كذا في الكافي وفيه تأمل وأما وصية الحربي بعدما دخل دارنا بأمان فإنها جائزة لأن له ولاية تمليك المال في حياته فكذا بعد مماته خلا أنه لا فرق بين وصيته بالثلث أو بجميع ماله لأن المسلم إنما منع من الوصية بما زاد على الثلث لحق ورثة المسلمين فإن حقهم معصوم من الإبطال بخلاف ورثة الحربي لأن حقهم غير معصوم فلذلك لم يمنع حقهم صحة الوصية بالجميع كما في شروح الجامع الصغير
وتصح الوصية للحمل وبه أي بالحمل إن كان بينها أي بين الوصية وبين ولادته أي الحمل أقل من ستة أشهر من وقت الوصية أما الأول فلأن الوصية أخت الميراث لأنها استخلاف من وجه إذ الموصى له يخلفه في بعض ماله كالإرث ولهذا لا يحتاجان إلى القبض والجنين يصلح خليفة في الإرث فكذا في الوصية إلا أنها ترتد بالرد لأن فيها معنى التمليك بخلاف الإرث فإنه استخلاف مطلق وبخلاف الهبة لأنها تمليك محض ولا ولاية لأحد عليه حتى يملكه شيئا فإن قيل إن الوصية شرطها القبول والجنين ليس من أهله فكيف تصح قلنا الوصية تشبه الهبة وتشبه الميراث فلشبهها بالهبة يشترط القبول إذا أمكن ولشبهها بالميراث يسقط القبول إذا لم يمكن عملا بالشبهين وأما الثاني فإنه تجري فيه الوراثة فتجري فيه الوصاية لما مر أن الوصاية أخت الميراث وقد تيقنا بوجوده يوم الموت إذا أتت بالولد لأقل من ستة أشهر من يوم الموت ولا تصح الهبة له أي للحمل لما أن الهبة من شرطها القبول ولا يتصور ذلك من الجنين ولا يلي عليه أحد حتى يقبض عنه
وإن أوصى بأمه أي أم الحمل دونه أي الحمل صحت الوصية والاستثناء لأن اسم الأمة وإن لم يتناول الحمل لفظا لكنه يستحق بإطلاق اللفظ تبعا لها فإذا أفردها بالوصية صح إفرادها فإن قيل إذا لم يتناوله اللفظ فكان ينبغي أن لا يصح الاستثناء لأنه إخراج مما تناوله المستثنى منه قلنا كفى بصحته التزيي بزيه كما في استثناء إبليس من الملائكة على القول الصحيح بأنه من الجن
على أن صحة الاستثناء لا يفتقر إلى التناول اللفظي بدليل صحة استثناء قفيز حنطة من ألف درهم ولأن الأصل
____________________
(4/420)
أن ما يصح إفراده بالعقد يصح استثناؤه وما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه ويصح إفراد الحمل بالوصية فيصح استثناؤه غاية الأمر أنه يكون استثناء منقطعا بمعنى لكن حيث لم يدخل تحت اللفظ
ولا بد في الوصية من القبول لأن الإيصاء تمليك فلا بد من القبول ويعتبر القبول بعد موت الموصي لأن أوان ثبوت حكمها بعد موت الموصي ولا اعتبار بالرد والقبول في حياته أي حياة الموصي كما إذا قال لامرأته أنت طالق غدا على درهم فإن ردها وقبولها باطل قبل الغد وبه أي بالقبول تملك الوصية ولا تملك قبله لأن الوصية إثبات ملك جديد ولا يملك أحد إثبات الملك لغيره بلا اختيار
إلا أن يموت الموصى له بعد موت الموصي قبل القبول فإنه أي الموصى له يملكها أي الوصية وتصير لورثته أي ورثة الموصى له ولا حاجة إلى القبول وهذا استحسان والقياس أن تبطل الوصية لما تقرر أن أحدا لا يقدر على إثبات الملك لغيره بدون اختياره فصار كموت المشتري قبل القبول بعد إيجاب البائع ووجه الاستحسان أن الوصية من جانب الموصي وقد تمت بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته وإنما يتوقف لحق الموصى له فإذا مات دخل في ملكه كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري أو البائع ثم مات من له الخيار قبل الإجازة
ولا تصح الوصية من صبي ولا مكاتب وإن ترك وفاء
أما عدم صحة الوصية من الصبي فلأنه تبرع كالهبة والصدقة وذلك لأن اعتبار عقله فيما ينفعه دون ما يضره ألا يرى أنه لا يعتبر عقله في حق الطلاق أو العتاق لأن ذلك يضره باعتبار أصل الوضع فكذا تمليك المال بطريق التبرع فيه ضرر باعتبار أصل الوضع وإن كان يتفق نافعا باعتبار الحال والمعتبر في النفع والضرر النظر إلى أوضاع التصرفات لا إلى ما يتفق بحكم الحال وأما وصية المكاتب فعلى ثلاثة أقسام قسم باطل بالإجماع وهو الوصية بعين من أعيان ماله لأنه لا ملك له حقيقة وقسم يجوز بالإجماع وهو ما إذا أضاف الوصية إلى من يملكه بعد العتق بأن قال إذا أعتقت فثلث مالي وصية لفلان حتى لو عتق قبل الموت بأداء بدل الكتابة أو غيره ثم مات كان للموصى له ثلث ماله وإن لم يعتق حتى مات عن وفاء بطلت الوصية لأن الملك لم يوجد له حقيقة وإنما ثبت بطريق الضرورة فلا يظهر في حق نفاذ الوصية وقسم مختلف فيه وهو ما إذا قال أوصيت بثلث مالي لفلان ثم عتق فالوصية باطلة عند
____________________
(4/421)
الإمام وعندهما جائزة
والوصية مؤخرة عن الدين لأن أداءه فرض والوصية تبرع فيبدأ بالفرض فلا تصح الوصية ممن يحيط دينه بماله إلا أن يبرئه الغرماء فحينئذ تصح لزوال المانع وهو بقاء الدين فإذا أبرأه الغرماء نفذت الوصية على الحد المشروع لحاجته إليها
وللموصي أن يرجع في وصيته لأنه تبرع فجاز رجوعه عنها كالهبة ولأن قبول الوصية بعد الموت فجاز له الرجوع عنها قبل القبول كما في سائر التصرفات ثم الرجوع قد يثبت صريحا وقد يثبت دلالة فلهذا قال قولا كأن يقول رجعت عن وصيتي أو فعلا وهو ما فسره بقوله يقطع صفة فعلا حق المالك في الغصب أي في المغصوب كقطع الثوب أو خياطته أو يزيل ملكه كالبيع والهبة فإنه إذا باع الموصى له أو وهبه كان رجوعا دلالة والدلالة تقوم مقام الصريح فقام الفعل للفعل المذكور مقام القول
وإن وصلية اشتراه أي الموصى به أو رجع عن الهبة بعد ذلك أي بعدما ذكر من البيع والهبة وزوال الملك ولا يجدي تملكه ثانيا بالشراء والرجوع أو يوجب معطوف على قوله يقطع الواقع صفة لفعلا أي له أن يرجع عن وصيته بأن فعل فعلا يوجب في الموصى به زيادة لا يمكن التسليم إلا بها أي بتلك الزيادة كلت السويق بسمن والبناء في الدار والحشو بالقطن وقطع الثوب وذبح الشاة رجوع قوله والبناء في الدار والحشو بالقطن يجوز أن يكونا معطوفين على لت السويق وقوله وقطع الثوب مبتدأ خبره قوله رجوع ويجوز أن يكون المبتدأ هو قوله والبناء وما عطف عليه والخبر هو رجوع والأول هو الأظهر لابتنائه على امتناء التسليم وأما قطع الثوب وذبح الشاة فلبنائه على الاستهلاك وكون ذلك الفعل يدل على أن مثله للصرف إلى حاجته فتبطل به الوصية ويكون
____________________
(4/422)
رجوعا لا غسل الثوب وتجصيص الدار وهدمها فإنه ليس برجوع لأن ذلك ليس بتصرف في نفس ما وقعت الوصية به ولأنه تصرف في البناء والبناء تبع والتصرف في التبع لا يدل على إسقاط الحق عن الأصل وكذا هدم البناء تصرف في التابع
والجحود ليس برجوع عند محمد خلافا لأبي يوسف قال في الجامع الكبير ومن جحد الوصية لم يكن رجوعا وذكر في المبسوط أنه رجوع
قيل ما ذكر في الجامع محمول على أن الجحود كان عند غيبة الموصى له وهذا لا يكون رجوعا على الروايات كلها وما ذكر في المبسوط محمول على أن الجحود كان عند حضرة الموصى له وعند حضرته يكون رجوعا وقيل في المسألة روايتان وقيل ما ذكر في الجامع قول محمد وما ذكر في المبسوط قول أبي يوسف وهو الأصح
لأبي يوسف أن الرجوع نفي الوصية في الحال والجحود نفيها في الماضي والحال فهذا أولى أن يكون رجوعا ولمحمد أن الرجوع عن الشيء يقتضي سبق وجود ذلك الشيء وجحود الشيء يقتضي سبق عدمه فلو كان الجحود رجوعا لاقتضى وجود الوصية وعدلها فيما سبق وهو محال
ولا قوله أخرت الوصية بأن قيل له أخر الوصية فقال أخرتها لا يكون رجوعا لأن التأخير ليس بإسقاط بخلاف قوله تركت الوصية لأن الترك إسقاط أو كل وصية أوصيت بها لفلان فهي حرام فإنه لا يكون رجوعا عن الوصية
ولو قال ما أوصيت به فهو لفلان فرجوع لأن اللفظ يدل على قطع الشركة وإثبات التخصيص له فاقتضى رجوعا عن الأول بخلاف ما إذا أوصى به لآخر أيضا فإنه لا يكون رجوعا لأن اللفظ صالح للشركة والمحل يقبلها فيكون مشتركا بينهما إلا أن يكون فلان الثاني ميتا حين أوصى فالوصية الأولى تكون على حالها
وتبطل هبة المريض ووصيته لأجنبية نكحها بعدها أي بعدما ذكر من الهبة والوصية هكذا وجد في عامة النسخ بضمير التأنيث والظاهر أن تكون النسخة بعدهما أي بعد الهبة والوصية والأصل في هذا الفصل أن المعتبر كون الموصى له وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية لأنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيعتبر
____________________
(4/423)
وقت التمليك حتى لو أوصى إلى أخيه وهو وارث ثم ولد له ابن صحت الوصية للأخ وعكسه إذا أوصى إلى أخيه وله ابن ثم مات الابن قبل موت الموصي بطلت الوصية للأخ لما ذكرنا والهبة والصدقة من المريض لوارثه نظير الوصية لأنه وصية حكما حتى تعتبر من الثلث وإقرار المريض للوارث على عكسه فيعتبر كونه وارثا أو غير وارث عند الإقرار لأنه تصرف في الحال فيعتبر حاله في ذلك الوقت حتى لو أقر لشخص وهو ليس بوارث له جاز الإقرار له وإن صار وارثا بعد ذلك لكون شرطه أن يكون وارثه بسبب حادث بعد الإقرار وهو الحرية وكذا لو أقر لأجنبية ثم تزوجها لا يبطل إقراره لها وأما إذا ورث بسبب قائم عند الإقرار لا يصح كما لو أقر لأخيه المحجوب ثم مات ابنه
وكذا إقراره ووصيته وهبته لابنه الكافر أو الرقيق إن أسلم أو أعتق بعد ذلك أي ما ذكر من الإقرار والوصية والهبة أما الوصية والهبة فلما أن المعتبر فيهما حال الموت وأما الإقرار فإنه وإن كان ملزما بنفسه لكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار فيورث تهمة الإيثار فصار باعتبار التهمة ملحقا بالوصايا
وهبة المقعد وهو العاجز عن المشي لداء في رجليه والمفلوج الفلج داء يعرض في نصف البدن فيمنعه عن الحس والحركة الإرادية والأشل وهو الذي في يده ارتعاش وحركة والمسلول وهو الذي يكون به مرض السل وهو قرح في الرئة تعتبر وصيته من كل ماله إن طال مدة مرضه وقدروه بالسنة ولم يخف موته منه أي من المرض وإلا أي وإن لم يطل مدة مرضه وخيف موته منه فمن ثلثه أي ثلث ماله يعني أن من كان مبتلى بواحد من هذه الأمراض وتصرف بشيء من التبرعات قبل تمام سنة مشتملة على الفصول الأربعة كان المرض مرض الموت فتعتبر تبرعاته من ثلث ماله وإن مات بعد تمام السنة من حين تبرعه تبين أنه لم يكن مريضا مرض الموت لأنه إذا سلم في فصول السنة الأربعة التي كل واحد منها مظنة الهلاك صار المرض بمنزلة طبع من طبائعه وخرج صاحبه من أحكام المرضى حتى لا يشتغل بالتداوي كما في الدرر
وفي البزازية والمريض الذي يكون تصرفه من الثلث بأن يكون ذا فراش بحيث لا يطيق القيام لحاجته وتجوز له الصلاة قاعدا ويخاف عليه الموت كالفالج أو صار خشنا أو يابس الشق لا يكون له حكم المريض إلا إذا تغير حاله عن ذلك ومات من ذلك التغير فما فعل في حال التغير فمن الثلث قال الفضلي مرض الموت أن لا يخرج إلى حوائج نفسه وعليه اعتمد في التجريد انتهى
____________________
(4/424)
باب الوصية بثلث المال لما كان أقصى ما يدور عليه مسائل الوصايا عند عدم إجازة الورثة ثلث المال ذكر تلك المسائل التي تتعلق به في هذا الباب بعد ذكر مقدمات هذا الكتاب
ولو أوصى لكل من اثنين بثلث ماله ولم يجز وارثه ذلك قسم الثلث بينهما نصفين يعني إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما نصفان لأنهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق والثلث يضيق عن حقهما والمحل يقبل الشركة فيكون الثلث بينهما نصفين لاستواء حقهما ولم يوجد ما يدل على الرجوع عن الأولى
ولو أوصى لأحدهما بثلثه وللآخر بسدسه ولم تجز الورثة قسم الثلث بينهما أثلاثا بالإجماع لأن كل واحد منهما يستحق بسبب صحيح شرعا وضاق الثلث عن حقهما إذ لا مزيد للوصية على الثلث فيقسم على قدر حقهما بأن يجعل الثلث ثلاثة أسهم سهم لصاحب السدس وسهمان لصاحب الثلث
ولو أوصى لأحدهما بثلثه وللآخر بثلثيه أو بنصفه أو بكله ولم تجز الورثة ينصف الثلث بينهما عند الإمام لأن الوصية بأكثر من الثلث إذا لم تجزها الورثة تكون باطلة فكأنه أوصى بالثلث لكل واحد فينصف الثلث بينهما في جميع هذه الصور وعندهما يثلث الثلث في الأول أي في وصيته للآخر بثلثيه فيكون لصاحب الثلث سهم منه ولصاحب الثلثين سهمان ويخمس الثلث خمسين وثلاثة أخماس في الثاني أي في وصيته للآخر بنصفه فيكون خمساه لصاحب الثلث وثلاثة أخماسه لصاحب النصف لأن مخرج الثلث والنصف إذا اجتمعا يكون ستة ونصفه ثلاثة وثلثه اثنان فيكون المجموع خمسة أسهم فيقسم الثلث بهذه السهام وبربع الثلث في الثالث أي في وصيته للآخر بكله فيكون لصاحب الثلث ربعه ولصاحب الكل ثلاثة أرباعه وهذا الخلاف مبني على أصل مختلف فيه بين الإمام وصاحبيه وإلى هذا أشار بقوله ولا يضرب على صيغة المبني للمفعول الموصى له بالزائد على الثلث عند الإمام قال في شرح الوقاية
____________________
(4/425)
المراد بالضرب الضرب المصطلح عند الحساب فإذا أوصى بالثلث والكل فعند الإمام سهام الوصية اثنان لكل واحد نصف يضرب النصف في ثلث المال فالنصف في الثلث يكون نصف الثلث وهو السدس فينصف الثلث بينهما في الصور الثلاث كلها وعندهما يقسم الثلث في الصورة الأولى على ثلاثة أسهم سهم لصاحب الثلث وسهمان لصاحب الثلثين وعلى خمسة في الصورة الثانية ثلاثة للموصى له بالنصف وسهمان للموصى له بالثلث وعلى أربعة في الصورة الثالثة ثلاثة للموصى له بالكل وواحد للموصى له بالثلث
إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة أما المحاباة فصورتها أنه إذا كان عبدان لرجل قيمة أحدهما ألف ومائة وقيمة الآخر ستمائة فأوصى بأن يباع أحدهما لفلان بمائة والآخر لفلان بمائة فإن المحاباة حصلت لأحدهما بألف وللآخر بخمسمائة والكل وصية لكونها في حالة المرض فإن لم يكن للموصي مال غيرهما ولم تجز الورثة جازت المحاباة بقدر الثلث فيكون بينهما أثلاثا يضرب الموصى له بالألف بحسب وصيته وهي الألف والموصى له الآخر بحسب وصيته وهي خمسمائة فلو كان هذا كسائر الوصايا على قول الإمام وجب أن لا يضرب الموصى له بالألف في أكثر من خمسمائة وأما السعاية فصورتها أن يوصي بعتق عبدين قيمة أحدهما ألف وقيمة الآخر ألفان ولا مال له غيرهما إن أجازت الورثة عتقا جميعا وإن لم يجيزوا عتقا جميعا من الثلث وثلث ماله ألف فالألف بينهما على قدر وصيتهما ثلثا الألف للذي قيمته ألفان ويسعى في الباقي والثلث للذي قيمته ألف ويسعى في الباقي وأما الدراهم المرسلة أي المطلقة عن كونها ثلثا أو نصفا أو نحوهما فصورتها أن يوصي
____________________
(4/426)
لرجل بألفين ولآخر بألف وثلث ماله ألف ولم تجز الورثة فإنه يكون بينهما أثلاثا
وتبطل الوصية بنصيب ابنه يعني لو أوصى بنصيب ابنه من ميراثه لغيره بطلت لأن ما هو حق الابن لا يصح أن يوصي به لغيره لما فيه من تغيير ما فرض الله تعالى وتصح الوصية بمثل نصيب ابنه إذ لا مانع منه لأن مثل الشيء غيره سواء كان له ابن موجود أو لا كما في العناية وقال زفر كلتاهما صحيحتان لأن الجميع ماله في الحال وذكر نصيب الابن للتقدير به مع أنه يجوز أن يكون على تقدير المضاف وهو مثل ومثله شائع قال الله تعالى واسأل القرية أي أهلها فلو كان له ابنان وأوصى بمثل نصيب ابنه لآخر فللموصى له الثلث والقياس أن يكون له النصف عند إجازة الورثة لأنه أوصى له بمثل نصيب ابنه ونصيب كل واحد منهما النصف ووجه ما في المتن أنه قصد أن يجعله مثل ابنه لا أن يزيد نصيبه على نصيب ابنه وحاصله أن يجعل الموصى له كأحدهما
وإن كان له ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب ابنه لآخر فالربع وعلى هذا القياس
وإن أوصى بجزء من ماله فالتعيين مفوض إلى الورثة فيقال لهم أعطوه ما شئتم لأنه مجهول يتناول القليل والكثير والوصية لا تبطل بالجهالة والورثة قائمون مقام الموصي فكان إليهم بيانه
وإن أوصى بسهم من ماله فالسدس عند الإمام وعندهما مثل نصيب أحدهم أي أحد الورثة إلا أن يزيد النصيب على الثلث ولا إجازة من الورثة وسوى في الكنز بين السهم والجزء وهو اختيار بعض المشايخ والمروي عن الإمام أن السهم عبارة عن السدس وروي مثل ذلك عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
وفي المجمع ولو أوصى بسهم من ماله فله أحسن السهام يعني عند الإمام ولا يزاد على السدس لأن مخرج السدس أعدل المخارج فلا يتجاوز عنه كما في الإقرار وهذا إشارة إلى جواب سؤال وهو أن يقال إن أحسن الإيصاء أقله والثمن أقل من السدس فكيف جعله بمعنى السدس وقد أجاب عنه في العناية بأن جعله بمعناه بما ورد من الأثر واللغة أما الأثر فما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وقد رفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يروى أن السهم هو السدس وأما اللغة فإن إياس بن معاوية قاضي البصرة قال السهم في اللغة عبارة عن السدس قالوا أي المشايخ هذا في عرفهم وفي عرفنا السهم كالجزء فالتعيين
____________________
(4/427)
فيه مفوض إلى رأي الورثة
وإن أوصى له بسدس ماله ثم بثلث ماله بأن قال سدس مالي لفلان ثم قال في ذلك المجلس أو في مجلس آخر ثلث مالي لفلان وأجازوا أي الورثة فله الثلث لكون السدس داخلا في الثلث فلا يتناول أكثر من الثلث
وإن أوصى بسدسه لفلان ثم بسدسه له فله أي للموصى له السدس الواحد سواء اتحد المجلس أو اختلف هذا قيد للمسألتين معا وإنما كان له السدس في هذه الصورة لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت الثانية عين الأولى كما تقرر في الأصول وكما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا لن يغلب العسر يسرين وههنا سؤال ذكره صدر الشريعة ولم يجب عنه وهو أن قوله ثلث مالي له إن كان إخبارا فكاذب وإن كان إنشاء يجب أن يكون له النصف عند إجازة الورثة وإن كان في السدس إخبارا وفي الثلث إنشاء فهو ممتنع وأجاب عنه صاحب الدرر بأنا نختار أنه إنشاء وإنما لم يجب له النصف عند الإجازة لو كان النصف مدلول اللفظ وليس كذلك فإن السدس والثلث في كلامه شائع وضم الشائع إلى الشائع لا يفيد ازديادا في المقدار بل يتعين الأكثر مقدما كان أو مؤخرا ولهذا قال الجمهور في تعليله لأن الثلث متضمن للسدس فإن التضمن لا يتصور إلا في الشائع وضم السدس الشائع إلى الثلث الشائع لا يفيد زيادة في العدد ولا يتناول أكثر من الثلث وفائدة الإجازة إنما تظهر فيما يكون متناول اللفظ وإلا كان برا مستأنفا لا إجازة
وفي العناية فإن قيل فأي فائدة في قوله إذا أجازت الورثة فالجواب أن معناه حقه الثلث وإن أجازت الورثة لأن السدس يدخل في الثلث من حيث إنه يحتمل أنه أراد بالثانية زيادة السدس على الأول حتى يتم له الثلث ويحتمل أنه أراد إيجاب ثلث على السدس فيجعل السدس داخلا في الثلث لأنه متيقن وحملا لكلامه على ما يملكه وهو الإيصاء بالثلث انتهى
ولو أوصى بثلث دراهمه أو ثلث غنمه أو ثلث ثيابه وهي أي الثياب من جنس واحد فهلك الثلثان وبقي الثلث فله الباقي أو خرج من الثلث أي من ثلث ما بقي من ماله وهو الجميع من الباقي
____________________
(4/428)
وقال زفر له ثلث الباقي وكذا كل مكيل أو موزون أي إذا هلك الثلثان فللموصى له ثلث الباقي
وفي التسهيل إشارة إلى أنه يشترط أن يكون المكيل والموزون من جنس واحد
____________________
(4/429)
وإن أوصى بثلث ثيابه وهي متفاوتة أي ليست من جنس واحد فهلك الثلثان فله ثلث ما بقي من الثياب لاختلاف الجنس
وإن أوصى بثلث عبيده فهلك الثلثان فكذلك أي يكون له ثلث ما بقي من العبيد عند الإمام بناء على أن الظاهر هو اختلاف أجناسهم للتفاوت بين أفرادهم فلا يمكن جمع حق أحدهم في الواحد وعندهما فله كل الباقي لأنهم جنس واحد حقيقة وإن تفاوتت أفرادهم في الظاهر وهذا الخلاف مبني على قسمة الرقيق فعند الإمام يقسم كل عبد على حدة فما هلك يهلك على الاشتراك بين الموصى له وبين الورثة وعندهما يقسم الكل قسمة واحدة وقيل أنهما يوافقان الإمام في العبيد فقط فلا خلاف بينهم في أن له ثلث ما بقي والدواب كالعبيد اختلافا واتفاقا
وإن أوصى بألف وله عين ودين فهي عين إن خرجت الألف من ثلث العين فإن كان له ثلاثة آلاف وهي نقد أو عين قيمتها ثلاثة آلاف درهم فيدفع له الألف لأنه أمكن إيصال كل مستحق إلى حقه بلا بخس فيصار إليه وإلا أي وإن لم تخرج الألف من ثلث العين بأن كان النقد أيضا ألفا أو العين قيمتها ألف مثلا دفع ثلث العين للموصى له بالغا ما بلغ
و دفع للموصى له ثلث ما يستوفى من الدين حتى يتم الألف لأن الموصى له شريك الوارث فلو خصصناه بالعين لبخسنا في حق الورثة لأن للعين مزية على الدين إذ العين مال مطلقا والدين مال في المآل لا في الحال وكان تعديل النظر من الجانبين فيما قلنا
وإن أوصى بالثلث من ماله لزيد وعمرو وأحدهما ميت فكله أي الثلث للحي لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو أهلها وعن أبي يوسف أنه إذا لم يعلم بموته كان له نصف الثلث بخلاف ما إذا علم بموته لأنه حينئذ يكون لغوا فكان راضيا بكل الثلث للحي
وإن قال ثلث مالي بين زيد وعمرو وأحدهما ميت فالنصف أي نصف الثلث للحي لأن مقتضى هذا اللفظ أن يكون لكل منهما نصف الثلث بخلاف ما تقدم
وإن أوصى بثلث ماله ولا مال له عند الوصية فاكتسب الموصي مالا بعد الوصية فله أي للموصى له ثلث ماله عند الموت لأن الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيشترط وجود المال عند الموت لا قبله
وإن أوصى بثلث غنمه ولا غنم له أصلا أو كان له غنم فهلك قبل موته أي الموصي بطلت الوصية لما مر أنها إيجاب بعد الموت فيتعين قيامه عنده ولم يوجد وهذه وصية متعلقة بالعين فتبطل بهلاكها عند الموت
وإن استفاد الموصي غنما ثم مات صحت وصيته في القول الصحيح لأنها لو كانت بلفظ المال تصح فكذا إذا كانت باسم نوعه وهذا لأن وجوده قبل موته فضل إذ المعتبر وجوده عند الموت وإنما قال في الصحيح احترازا عن قول بعض المشايخ أن الوصية باطلة لأنه أضاف إلى مال خاص فصار بمنزلة التعيين
وإن أوصى بشاة من ماله ولا شاة له فله أي للموصى له قيمتها أي الشاة لأنه لما قال من مالي على أن غرضه الوصية بمالية الشاة إذ ماليتها توجد في مطلق المال
وتبطل الوصية لو أوصى بشاة من غنمه ولا غنم له لأنه لما قال من غنمي دل على أن غرضه عين الشاة حيث جعلها جزءا من الغنم بخلاف ما إذا أضافها إلى المال ولو أوصى بشاة ولم يضفها إلى ماله ولا غنم له لا تصح لأن المصحح إضافتها إلى المال وبدون الإضافة إلى المال يعتبر صورة الشاة ومعناها وقيل تصح لأنه لما ذكر الشاة وليس في ملكه شاة علم أن مراده المالية
وإن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وهن أي أمهات أولاده ثلاث وللفقراء والمساكين فلهن أي لأمهات أولاده ثلاثة أخماسه ولكل فريق من الفقراء والمساكين خمس عند الشيخين وعند محمد لأمهات أولاده ثلاثة أسباعه ولكل فريق سبعان فيقسم على سبعة أسهم للفقراء سهمان وللمساكين سهمان ولأمهات أولاده ثلاثة أسهم وأصله أن الوصية للفقراء والمساكين تتناول الواحد منهم عند الشيخين لأن اسم الجنس يتناول الواحد
____________________
(4/430)
ويحتمل الكل قال الله تعالى لا يحل لك النساء من بعد وقد تعذر صرفه إلى الكل فيتعين الواحد وعند محمد أنها تتناول الجمع وأدناه اثنان فصاعدا في الوصايا والوصية لأمهات الأولاد جائزة لأنها إيجاب مضاف إلى ما بعد الموت وهن بعد الموت حرائر وأنهما جنسان بدليل عطف أحدهما على الآخر في النص ومقتضاه المغايرة فيصير عدد المستحقين خمسة عندهما وعنده سبعة كما في الكافي
وإن أوصى بثلث ماله لزيد وللفقراء فله أي لزيد نصفه أي نصف الثلث ولهم أي للفقراء نصفه وعند محمد له أي لزيد ثلثه أي ثلث الثلث ولهم أي للفقراء ثلثاه أي ثلثا الثلث
وإن أوصى بمائة لزيد ومائة لعمرو ثم قال لبكر أشركتك معهما فله أي لبكر ثلث ما استقر لكل واحد من زيد وعمرو من المائة لأن الشركة للمساواة لغة ولهذا حمل قوله تعالى فهم شركاء في الثلث على المساواة وقد أمكن إثبات المساواة بين الكل في الأولى لاستواء المالين فيأخذ من كل واحد منهما ثلث المائة فتم له ثلثا المائة ويأخذ كل واحد منهما ثلثي المائة
ولو أوصى بمائة لزيد وخمسين لعمرو ثم قال لبكر أشركتك معهما فلبكر نصف ما لكل منهما لأنه لا يمكن المساواة بين الكل هنا لتفاوت المالين فحملناه على مساواة الثالث مع كل منهما بما سماه له فيأخذ النصف من كل واحد من المالين
وفي المنح ولو أوصى لرجل بجارية ولآخر بجارية أخرى ثم قال لآخر أشركتك معهما فإن كانت قيمة الجاريتين متفاوتة كانت له نصف كل واحدة منهما بالإجماع وإن كانت قيمتها على السواء فله ثلث كل واحدة منهما عندهما وعند الإمام نصف كل واحدة منهما بناء على ما تقدم من أنه لا يرى قسمة الرقيق فيكون الجنسان مختلفين وهما يريانها فصار كالدراهم المتساوية انتهى
وإن قال لفلان علي دين فصدقوه على صيغة الأمر فإنه يصدق إلى الثلث أي إذا ادعى المقر له الدين أكثر من الثلث وكذبه الورثة وهذا استحسان والقياس أن لا يصدق لأنه أمرهم بخلاف حكم الشرع وهو تصديق المدعي بلا حجة ولأن قوله لفلان علي دين إقرار بالمجهول والإقرار بالمجهول وإن كان صحيحا لكنه لا يحكم به إلا بالبيان وقد فات
وجه الاستحسان أنه سلطه على ماله بما أوصى وهو يملك هذا التسليط بمقدار الثلث بأن يوصيه له ابتداء فيصح تسليطه
____________________
(4/431)
أيضا بالإقرار له بمجهول والمرء قد يحتاج إلى ذلك بأن يعرف أصل الحق عليه ولا يعرف قدره فيسعى في فكاك رقبته بهذا الطريق فتحصل وصيته في حق التنفيذ وإن كان دينا في حق المستحق وجعل التقدير فيها إلى الموصى له فلهذا يصدق في الثلث دون الزيادة فإن أوصى مع ذلك الإقرار بالمجهول بوصايا عزل ثلث لها أي لأرباب الوصايا وثلثان للورثة لأن ميراثهم معلوم وكذا الوصايا معلومة والدين مجهول فلا يزاحم المعلوم ويقال لكل من الموصى لهم والورثة صدقوه أي فلانا المقر له فيما شئتم لأن هذا دين في حق المستحق بالنظر إلى إقرار المالك وصية في حق التنفيذ من الثلث فإذا أقر كل فريق بشيء ظهر أن في التركة دينا شائعا في النصيبين فيؤمر أصحاب الوصايا والورثة ببيانه فإذا بينوا شيئا فيؤخذ أصحاب الوصايا بثلث ما أقروا به وما بقي من الثلث لهم و يؤخذ الورثة بثلثي ما أقروا به تنفيذا لإقرار كل فريق في قدر حقه ويحلف كل من أصحاب الوصايا والورثة على العلم بدعوى المقر له الزيادة على ما أقروا ومعنى قوله على العلم أي على عدم العلم بما ادعاه المقر له من الزيادة على إقرارهم وإنما كان تحليفا لأنه تحليف على فعل الغير قال الزيلعي هذا مشكل من حيث إن الورثة كانوا يصدقونه إلى الثلث ولا يلزمهم أن يصدقوه في أكثر من الثلث وهنا لزمهم أن يصدقوه في أكثر من الثلث لأن أصحاب الوصايا أخذوا الثلث على تقدير أن تكون الوصايا تستغرق الثلث كله ولم يبق في أيديهم من الثلث شيء فوجب أن لا يلزمهم تصديقه انتهى
وإن أوصى بعين لوارثه ولأجنبي فللأجنبي نصفها أي نصف العين ولا شيء للوارث لأنه أوصى بما يملك وبما لا يملك فصح فيما يملك وبطل في الآخر بخلاف ما لو أوصى لحي وميت حيث يكون الكل للحي لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يصلح مزاحما والوارث من أهلها ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا
وإن أوصى لكل واحد من ثلاثة
____________________
(4/432)
أشخاص بثوب وهي أي الثياب المدلول عليها بثوب لكل واحد متفاوتة جيد ووسط ورديء فضاع ثوب من هذه الثياب ولم يدر أيها أي الثياب هو أي الضائع و الحال أن الورثة تقول لكل من الثلاثة هلك حقك بطلت الوصية لأن المستحق مجهول وجهالته تمنع صحة القضاء وتحصيل غرض الموصي فتبطل الوصية وكذا تبطل الوصية إذا قال الوارث لكل واحد منهم هلك حق أحدكم ولا أدري من هو فلا أدفع إلى كل منكم شيئا كذا في التبين فإن سلموا أي الورثة ما بقي من الثياب فلذي الجيد ثلثا جيدهما ولذي الرديء ثلثا رديئهما ولذي الوسط ثلث كل منهما أي من الجيد والرديء وإنما تعين حق صاحب الجيد في الجيد لأنه لا حق له في الرديء بيقين ويحتمل أن يكون حقه في الجيد بأن كان هو الجيد الأصلي ويحتمل أن يكون حقه في الضائع بأن كان هو الأجود فكان تنفيذ وصيته في محل يحتمل أن يكون حقه أولى وإنما تعين حق صاحب الرديء لأنه لا حق له في الجيد بيقين ويحتمل أن يكون حقه في الرديء بأن كان هذا الرديء الأصلي ويحتمل أن يكون حقه في الضائع بأن كان هو الأردأ فكان تنفيذ وصيته في محل يحتمل أن يكون حقه أولى وإنما تعين حق الآخر في ثلث كل واحد من الثوبين لأنه لما أخذ صاحب الجيد ثلثي الجيد وصاحب الرديء ثلثي الرديء ولم يبق إلا ثلث كل واحد منهما فقد تعين حقه في ذلك ضرورة ولأنه يحتمل أن يكون حقه في الجيد بأن كان الضائع أجود فيكون هذا وسطا ويحتمل أن يكون حقه في الرديء بأن كان الضائع أردأ فيكون هذا وسطا فكان هذا تنفيذ وصيته في محل يحتمل أن يكون حقه
كذا في الهداية
وإن أوصى ببيت معين من دار مشتركة يعني إذا كانت دار بين رجلين أوصى أحدهما ببيت بعينه من تلك الدار لرجل آخر ثم مات الموصي قسمت الدار فإن خرج ذلك البيت في نصيب الموصي فهو أي البيت للموصى له عند الشيخين وعند محمد
____________________
(4/433)
له أي للموصى له نصفه أي نصف البيت وإلا أي وإن لم يخرج البيت في نصيب الموصي فله أي للموصى له قدر ذرعه أي ذرع البيت عند الشيخين وعند محمد له قدر نصف ذرعه لأنه أوصى بملكه وملك غيره لكون الدار مشتركة فتنفذ وصيته في ملكه ويتوقف الباقي على إجازة صاحبه فإن ملكه لا تنفذ الوصية السابقة كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه فإذا اقتسموا ووقع البيت في نصيب الموصي به تنفذ الوصية في عين الموصى به وهو نصف البيت وإن وقع في نصيب صاحبه كان له مثل نصف البيت لأنه يجب تنفيذها في البدل عند تعذر تنفيذها في عين الموصى به ولهما أنه أوصى بما يستقر ملكه فيه بالتسمية لأن الظاهر أنه يقصد الإيصاء بملك منتفع به من كل وجه على الكمال وذلك يكون بالقسمة لأن الانتفاع بالمشاع قاصر وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية في جميعه ومعنى المبادلة في القسمة تابع والمقصود تكميل المنفعة ولهذا يجبر على القسمة فيه ولا تبطل الوصية إذا وقع البيت كله في نصيب شريكه ولو كانت مبادلة لبطلت والإقرار كالوصية يعني إذا أقر ببيت معين من دار مشتركة كان مثل الوصية به حتى يؤمر بتسليمه كله إن وقع البيت في نصيب المقر عندهما وإن وقع في نصيب غيره يؤمر بتسليم قدر ذرعه وعند محمد يؤمر بتسليم نصفه إن وقع في نصيب المقر وقدر نصف ذرعه إن وقع في نصيب الغير وقيل لا خلاف فيه أي في الإقرار لمحمد بل هو موافق للشيخين وهو أي عدم الخلاف بين محمد والشيخين هو المختار والفرق لمحمد على هذه الرواية أن الإقرار بملك الغير صحيح حتى أن من أقر بملك الغير لغيره ثم ملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له والوصية بملك الغير لا تصح حتى لو ملكه بوجه من الوجوه ثم مات لا تنفذ فيه الوصية
وإن أوصى بألف عين من مال غيره فلربها أي لرب الألف الإجازة بعد موت الموصي وله المنع بعد الإجازة لأنه تبرع بمال الغير فيتوقف على إجازة صاحبه فإذا أجاز كان منه ابتداء تبرع فله أن يمتنع من التسليم كسائر التبرعات بخلاف الورثة لو أجازوا ما زاد على الثلث فإنه ليس لهم أن يمتنعوا من التسليم
____________________
(4/434)
بعدها لأن الوصية في نفسها صحيحة لمصادفتها ملكه وإنما امتنعت لحق الورثة فإذا أجازوها سقط حقهم فتنفذ من جهة الموصي
وإن أقر أحد الابنين بعد القسمة بوصية أبيه بالثلث فعليه أي المقر دفع ثلث نصيبه استحسانا
وقال زفر يعطيه نصف ما في يده قياسا لأن إقراره بالثلث تضمن إقراره بمساواته إياه والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف فصار كما إذا أقر أحدهما بأخ ثالث لهما
وجه الاستحسان أنه أقر له بثلث شائع في كل التركة فكان مقرا له بثلث كل جزء من التركة فيلزمه ثلث ذلك ولا يلزمه أكثر من ذلك ولأنه لو أخذ نصف ما في يده لزاد حقه على الثلث لأنه ربما يقر الابن الآخر به أيضا فيأخذ نصف ما في يده فيصير نصف التركة وهذا بخلاف ما لو أقر أحدهما بدين لغيره فإنه يعطيه كل ما في يده إذا كان الدين مستغرقا لما في يده لأن الدين مقدم على الميراث فقد أقر أن رب الدين أحق منه بما في يده وأما الموصى له فهو الشريك الوارث فصار مقرا بأنه شريكه وشريك أخيه في الثلث فلم يسلم له شيء إلا أن يسلم للوارث مثلاه وفي العمادية ادعى رجل دينا على ميت فأقر أحد ابنيه قال الفقيه أبو الليث الاختيار عندي أن يؤخذ منه ما يخصه من الدين وهو قول الشعبي والبصري وابن أبي ليلى وسفيان الثوري وغيرهم ممن تابعهم وهذا القول أبعد من الضرر
وقال بعض المشايخ يؤخذ من حصة المقر جميع الدين وبه يفتى اليوم لكن قال مشايخنا هنا زيادة شيء لا يشترط في الكتب وهو أن يقضي القاضي عليه بإقراره إذ بمجرد إقراره لا يحل الدين في نصيبه بل يحل بقضاء القاضي عليه ونظير تلك المسألة ذكرت في الزيادات وهي أن أحد الورثة إذا أقر بالدين ثم شهد هو ورجل أن الدين كان على الميت فإنها تقبل وتسمع شهادة المقر فلو كان الدين يحل في نصيبه بمجرد إقراره لزم أن لا تقبل شهادته لما فيه من المغرم قال صاحب الزيادات وينبغي أن تحفظ هذه الزيادة فإن فيها فائدة عظيمة انتهى
وإن أوصى بأمة فولدت بعد موته أي الموصي فهما أي الأمة وولدها للموصى له إن خرجا من الثلث لأن الأم دخلت في الوصية أصالة والولد تبعا حين كان متصلا بالأم فإذا ولدت ولدا قبل القسمة والتركة قبل القسمة مبقاة على حكم ملك الميت قبلها حتى تقضى ديونه وتنفذ منها وصاياه دخل الولد في الوصية فيكونان للموصى له وإلا أي وإن لم يخرجا من الثلث أخذ الموصى له الثلث منها أي من الأم ثم أخذ منه أي من الولد فيأخذ الموصى له ما يخص
____________________
(4/435)
الثلث من الأم أولا فإن فضل شيء يأخذه من الولد عند الإمام وعندهما يأخذ منهما أي من الأم والولد على السواء لأن الولد دخل في الوصية تبعا حال اتصاله بها فلا يخرج عن الوصية بالانفصال فتنفذ الوصية فيهما على السواء من غير تقديم في الأخذ من الأم وله أن الأم أصل والولد تبع والتبع لا يزاحم الأصل ولا يجوز نقص الأصل بالتبع وفي جعل الولد شريكا معها نقص الوصية بالأم فلا يجوز بخلاف البيع والعتق لأن تنفيذ البيع والعتق في الولد لا ينقص شيئا في الأصل بل يبقى تاما صحيحا إلا أنه ينحط بعض الثمن عن الأصل ضرورة مقابلته بالولد إذا اتصل به القبض وذلك جائز لا بأس به لأن الثمن تبع حتى لا يشترط وجوده عند البيع وينعقد بدون ذكره وإن كان فاسدا هذا إذا ولدت قبل القسمة وقبل قبول الموصى له فإن ولدت بعد القبول وبعد القسمة فهو للموصى له لأن التركة بالقسمة خرجت عن حكم ملك الميت فحدثت الزيادة على خالص ملك الموصى له وإن ولدت بعد القبول قبل القسمة ذكر القدوري أنه لا يصير موصى به ولا يعتبر خروجه من الثلث وكان للموصى له من جميع المال كما لو ولدت بعد القسمة ومشايخنا قالوا يصير موصى به حتى يعتبر خروجه من الثلث كما لو ولدت قبل القبول وإن ولدت قبل موت الموصي لم تدخل تحت الوصية وبقي على حكم الميت لأنه لم يدخل تحت الوصية قصدا والكسب كالولد في جميع ما ذكرنا كذا في الكافي
باب العتق في المرض الإعتاق في المرض من أنواع الوصية لكن لما كان له أحكام مفروضة أفرده بباب على حدة وأخره عن صريح الوصية لأنه الأصل العبرة بحال التصرف في التصرف المنجز وهو الذي أوجب حكمه في الحال كأنت حر أو وهبتك فإن كان التصرف المنجز في الصحة فمن كل المال وإن كان في مرض الموت فمن ثلثه أي ثلث المال والمراد بالتصرف الذي هو إنشاء ويكون فيه معنى التبرع حتى إن الإقرار بالدين في المرض ينفذ من كل المال والنكاح في
____________________
(4/436)
المرض يكون المهر فيه من كل المال و التصرف المضاف إلى الموت وهو ما أوجب حكمه بعد موته كأنت حر بعد موتي أو هذا لزيد بعد موتي يعتبر من الثلث وإن كان هذا التصرف في الصحة فالمعتبر ليس حالة العقد بل حالة الموت ومرض صح صفته منه أي من المرض كالصحة فقوله مرض مبتدأ خبره قوله كالصحة وإنما كان كالصحة لأن حق الغرماء والورثة لا يتعلق بماله إلا في مرض موته وبالبرء منه تبين أنه ليس بمرض موت فلا يكون لأحد حق في ماله فله التصرف فيه كما شاء فالتحرير في مرض الموت والمحاباة وهي أن يبيع عبدا قيمته مائتان بمائة مثلا والكفالة والهبة وصية أي كالوصية ووجه الشبهة قوله في اعتباره من الثلث أي حكم هذه التصرفات كحكم الوصية حتى تعتبر من الثلث ومزاحمة أصحاب الوصايا في الضرب لأنها وصية حقيقة لأن الوصية إيجاب بعد الموت وهذه التصرفات منجزة في الحال
فإن أعتق وحابى وضاق الثلث عنهما أي عن العتق والمحاباة فالمحاباة أولى أي تقدم على العتق هذا إن قدمت المحاباة على العتق وهما أي العتق والمحاباة سواء إن أخرت المحاباة بأن أعتق عبدا قيمته مائة ثم باع عبدا قيمته مائتان ولا مال له سواهما يقسم الثلث وهو المائة بينهما نصفين فيعتق نصف العبد ويسعى في نصف قيمته وصاحب المحاباة يأخذ العبد الآخر بمائة وخمسين وهذا عند الإمام
وقالا هما سواء في المسألتين
له أن المحاباة أقوى لأنه في ضمن عقد المعاوضة لكن إن وجد العتق أولا وهو لا يحتمل الرفع يزاحم المحاباة وهما يقولان إن العتق أقوى لأنه لا يلحقه الفسخ والمحاباة يلحقها الفسخ ولا اعتبار للتقدم في الذكر لأنه لا يوجب التقديم في الثبوت إلا إذا اتحد المستحق واستوت الحقوق
وإن أعتق بين محاباتين بأن حابى ثم أعتق ثم حابى قسم الثلث فنصف الثلث
____________________
(4/437)
للأولى أي للمحاباة الأولى ونصف الثلث بين العتق و المحاباة الأخيرة لأن العتق مقدم على الأخيرة فيستويان
وفي الهداية إذا حابى ثم أعتق ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة قسم بينهما وبين العتق لأن العتق مقدم عليها فيستويان قال في العناية فيه بحث وهو أن المحاباة الأولى مساوية للمحاباة الثانية والمحاباة الثانية مساوية للعتق المقدم عليها فالمحاباة الأولى مساوية للعتق المتأخر عنها وهو يناقض الدليل المذكور من جانب الإمام والجواب أن شرط الإنتاج أن تلزم لنتيجة القياس لذاته وقياس المساواة ليس كذلك كما عرف في موضعه انتهى لكن يرد عليه أن المساوي للمساوي للشيء مساو لذلك الشيء فيعود المحذور اللهم إلا أن يقال إن مساواة المحاباة الأولى للثانية من جهة ومساواة الثانية للعتق المقدم من جهة أخرى وحيث انفكت الجهة اندفع المحذور
وإن حابى بين عتقين بأن أعتق ثم حابى ثم أعتق فنصف الثلث للمحاباة ونصف الثلث للعتقين بأن يقسم الثلث بين العتق الأول والمحاباة وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني هذا عند الإمام وعندهما العتق أولى في الجميع لأنه لا يلحقه الفسخ بوجه من الوجوه بخلاف المحاباة فإنه يلحقها الفسخ
وإن أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم بطلت الوصية عند الإمام وعندهما يعتق عنه عبد بما بقي لأنه وصية بنوع قربة فيجب تنفيذها ما أمكن قياسا على الوصية بالحج
ولو كان مكان العتق حج حج بما بقي إجماعا وله أن وصيته بالعتق لعبد يشترى بمائة من ماله وتنفيذها فيمن يشتري بأقل منه تنفيذ في غير الموصى له وذلك لا يجوز بخلاف الوصية بالحج لأنها قربة محضة هي حق الله تعالى والمستحق لم يتبدل فصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع إليه الباقي قال الزيلعي قيل هذه المسألة مبنية على أصل آخر مختلف فيه وهو أن العتق حق الله تعالى عندهما حتى تقبل الشهادة فيه من غير دعوى فلم يتبدل المستحق وعنده حق العبد حتى لا تقبل الشهادة فيه من غير دعوى فاختلف المستحق وهذا البناء صحيح لأن الأصل ثابت معروف ولا سبيل إلى إنكاره
وتبطل
____________________
(4/438)
الوصية بعتق عبده لو جنى بعد موت سيده فدفع بها أي بالجناية لأن حق مولى الجناية مقدم على حق الموصي فكذا على حق الموصى له وهو العبد نفسه لأنه يتلقى الملك من جهة الموصي وملك الموصي باق إلى أن يدفع وبالدفع يزول ملكه فإذا خرج عن ملكه بطلت الوصية كما إذا باعه الوصي أو وارثه بعد موته بالدين وإن فدى أي العبد بأن أعطى الورثة الفداء لولي الجناية بمقابلة العبد فلا تبطل الوصية لأنهم كانوا متبرعين بالفداء وإنما جازت الوصية حينئذ لأن العبد بريء عن الجناية فصار كأنه لم يجن
ولو أوصى لزيد بثلث ماله وترك عبدا فادعى زيد عتقه في الصحة أي صحة الموصي و ادعى الوارث عتقه في المرض فالقول للوارث مع اليمين وصورة المسألة إذا أوصى بثلث ماله لزيد وله عبد فأقر الموصى له والوارث أن الموصي أعتق هذا العبد لكن قال الموصى له أعتقه في الصحة لئلا تكون وصية تنفذ من الثلث وقال الوارث أعتقه في المرض ليكون وصية فالقول قول الوارث مع يمينه ولا شيء لزيد إلا أن يفضل الثلث عن قيمته أي العبد أو يبرهن زيد على دعواه وهو عتقه في الصحة فينفذ من جميع المال والوارث ينكر استحقاقه ثلث ماله غير العبد فلا يثبت الاستحقاق لزيد بلا برهان فإن لم يبرهن حلف الوارث أنه لم يعلم أن مورثه أعتقه في الصحة وإنما كان القول للوارث لأن العتق من الحوادث فيحكم بحدوثه من أقرب الأوقات للتيقن بها وأقرب الأوقات هنا وقت المرض وكان الظاهر شاهدا للوارث فكان القول قوله مع اليمين إلا أن يفضل من الثلث شيء على قيمة العبد لأنه لا مزاحم له أو تقوم البينة أن العتق في الصحة إذ الثابت بالبينة بمنزلة الثابت بالمعاينة نعم البينة إنما تقبل من خصم والعتق حق العبد عنده ولكنه أي الموصى له بالثلث خصم في إقامتها لإثبات حقه
ولو ادعى رجل على الميت دينا و ادعى العبد إعتاقه في صحته وصدقهما الوارث سعى العبد في قيمته وتدفع إلى الغريم عند الإمام وعندهما لا
____________________
(4/439)
يسعى لهما أن الدين والعتق في الصحة ظهرا معها لتصديق الوارث في كلام واحد فكأنهما وقعا معا والعتق في الصحة لا يوجب السعاية وله أن الإقرار بالدين أقوى لأنه في المرض يعتبر من كل المال والإقرار بالعتق يعتبر من الثلث فيجب أن يبطل العتق لكنه لا يحتمل البطلان فيبطل معنى إيجاب السعاية عليه ولأن إسناد العتق إلى الصحة إنما يصح إذا لم يوجد شغل الدين وقد وجد الدين هنا فمنع الإسناد فوجب رده بالدين ورده بالسعاية وعلى هذا الخلاف إذا مات الرجل وترك ابنا وألف درهم فقال رجل لي على الميت ألف درهم دين وقال رجل هذا الألف الذي تركه أبوك كان وديعة لي عند أبيك وقال الابن صدقتما فعنده الألف بينهما نصفان لأنه لم تظهر الوديعة إلا والدين ظاهر معها فيتحاصان كما إذا أقر الوديعة ثم بالدين وقالا الوديعة أحق لأنها تثبت في عين الألف والدين يثبت في الذمة أولا ثم ينتقل إلى العين فكانت أسبق وصاحبها أحق كما لو كان المورث حيا وقال صدقتما وذكر في الهداية فعنده الوديعة أقوى وعندهما سواء والأصح ما ذكرنا أولا وبه ينطق شروح الجامع الصغير وشروح المنظومة كذا في الكافي
وإن اجتمعت وصايا وضاق الثلث عنها قدمت الفرائض كالحج والزكاة والكفارات
وإن أخرها أي الموصي الفرائض في الذكر لأن الفرض أهم من النفل فإن تساوت الوصايا في الفرضية أو غيرها بأن كان جميعها نفلا وقدم ما قدمه الموصي لأن الظاهر من حال الموصي أن يبدأ بما هو الأهم عنده والثابت بالظاهر كالثابت بالنص وقيل إن تساوت في الفرضية تقدم الزكاة على الحج وهو ما ذكره الطحاوي وقيل بالعكس قال في الكافي واختلفت روايات عن أبي يوسف في الحج والزكاة
وقال في أحد الروايتين يبدأ بالحج وإن أخره لأن الحج يتأدى بالبدن والمال والزكاة بالمال فحسب فكان الحج أقوى فيبدأ به وروي عنه أنه تقدم عليه الزكاة بكل حال لأن حق الفقير ثابت والحج تمحض حقا لله تعالى فكانت الزكاة أقوى ويقدم الحج والزكاة على الكفارات في القتل والظهار واليمين لرجحانهما عليها فقد جاء فيهما من الوعيد ما لم يأت في كفارة قال الله تعالى ومن كفر فإن الله غني عن العالمين وقال الله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة فيهما
و تقدم
____________________
(4/440)
الكفارات على صدقة الفطر لورود القرآن بوجوبها بخلاف صدقة الفطر
و تقدم صدقة الفطر مقدمة على الأضحية للاتفاق في وجوبها وللاختلاف في وجوب التضحية وما هو متفق على وجوبه أولى بالتقديم وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات على بعض كالنذر يقدم على الأضحية لأن النذر ثابت بالكتاب دونها
وإن أوصى بحجة الإسلام أحجوا أي الورثة عنه أي الموصي رجلا من بلده الذي يحج ذلك الرجل عنه حال كونه راكبا لأن الواجب أن يحج من بلده فيجب الإحجاج عنه كما وجب لأن الوصية لأداء ما هو الواجب عليه وإنما شرط أن يكون راكبا لأنه لا يلزمه أن يحج ماشيا فوجب الإحجاج عنه على الوجه الذي لزمه إن وفت النفقة للإحجاج من بلده راكبا وإلا أي وإن لم تف النفقة فمن حيث تفي النفقة وفي القياس أن لا يحج عنه لأنه أوصى بالحج بصفة وقد عدمت وجه الاستحسان أنا نعلم أن غرضه تنفيذ الوصية فتنفذ ما أمكن
وإن خرج حاجا فمات في الطريق وأوصى أن يحج عنه حج عنه من بلده عند الإمام وزفر لأن عمله قد انقطع بموته لقوله عليه الصلاة والسلام إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث والخروج إلى الحج ليس من الثلاث فظهر بموته أن سفره كان سفر الموت لا سفر الحج فكان في هذا المعنى كخروجه للتجارة إذا مات يحج عنه من بلده فكذا هنا
وعندهما من حيث مات استحسانا لأن السفر بنية الحج وقع قربة وقد وقع أجره على الله لقوله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ولم ينقطع بموته فيكتب له حج مبرور فيبتدأ من ذلك المكان كأنه من أهل ذلك المكان بخلاف ما إذا خرج بنية التجارة لأنه لم يقع قربة فيحج عنه من بلده وعلى هذا الخلاف إذا مات الحاج عن غيره في الطريق فيحج عنه ثانيا من وطنه عند الإمام وعندهما من حيث مات
____________________
(4/441)
باب الوصية للأقارب وغيرهم إنما أخر هذا الباب عما تقدمه لأن المذكور في هذا الباب أحكام الوصية لقوم مخصوصين والمذكور فيما تقدم أحكامها على العموم والخصوص أبدا تابع للعموم جار الإنسان ملاصقه قدم الوصية للجار على الوصية للأقارب تبعا لما في الهداية وكان حق الكلام أن يقدم الوصية للأقارب على الوصية للجار نظرا إلى ترجمة الباب وأجاب عنه في العناية بأن الواو لا تدل على الترتيب وأن التقديم في الذكر اهتماما بأمر الجار ثم إن حمل الجار على الملاصق هو مذهب الإمام وهو القياس وقد حمل عليه قوله عليه الصلاة والسلام الجار أحق بصقبه ومعنى الحديث أن الجار أحق بالشفعة إذا كان ملاصقا وعندهما جار الإنسان من يسكن محلته ويجمعهم مسجدها أي مسجد المحلة لأن الكل يسمى جيرانا عرفا قال عليه الصلاة والسلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وفسر بكل من سمع النداء ولأن المقصود البر وبر الجار لا يختص بالملاصق بل بر المقابل مقصود كبر الملاصق غير أنه لا بد من نوع اختلاط فإذا جمعهم مسجد واحد فقط وجد الاختلاط وإذا اختلفا في المسجد زال الاختلاط
وقال الشافعي الجوار إلى أربعين دارا قلنا هذا الخبر ضعيف فقد طعنوا في روايته ويستوي فيه أي لفظ الجار الساكن والمالك والذكر والأنثى والمسلم والذمي والصغير والكبير كذلك وإنما دخل المذكورون في لفظ الجار لصدقه عليهم لغة
____________________
(4/442)
وشرعا ويدخل فيه العبد الساكن عنده لأن مطلق هذا الاسم يتناوله ولا يدخل عندهما لأن الوصية له وصية لمولاه وهو ليس بجار بخلاف المكاتب فإنه لا يملك ما في يد العبد إلا بتمليكه ألا يرى أنه يجوز له أخذ الزكاة وإن كان مولاه غنيا بخلاف القن والمدبر وأم الولد والأرملة تدخل لأن سكناها مضافة إليها ولا تدخل التي لها بعل لأن سكناها غير مضافة إليها وإنما هي تبع فلم تكن جارا مطلقا
وصهره من هو ذو رحم محرم من امرأته لأنه عليه الصلاة والسلام لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها وكانوا يسمون أصهار النبي صلى الله عليه وسلم وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيد رحمهما الله وفي الصحاح الأصهار اسم أهل بيت المرأة ولم يقيده بالمحرم وفي الكافي وإنما يدخل في الوصية من كان صهرا للموصي يوم موته بأن كانت المرأة منكوحة له عند الموت أو معتدة عنه بطلاق رجعي لأن المعتبر حالة الموت حتى لو مات الموصي والمرأة في نكاحه وعدته من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية لأن الطلاق الرجعي لا يقطع النكاح وإن كانت في عدة من طلاق بائن أو ثلاث لا يستحقها لأن انقطاع النكاح يوجب انقطاع الصهرية انتهى
وختنه من هو زوج ذات رحم محرم منه كأزواج البنات والأخوات والعمات والخالات لأن الكل يسمى ختنا وكذا كل ذي رحم محرم من أزواجهن عند محمد لأنهم يسمون أختانا وقيل هذا في عرفهم وأما في عرفنا فلا يتناول الأزواج المحارم و يستوي في ذلك أي في الصهر والختن الحر والعبد والأقرب والأبعد لأن اللفظ يتناولهم جميعا وأقاربه وأقرباؤه وذوو قرابته وأرحامه وذوو أرحامه وأنسابه الأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه يعني إذا أوصى
____________________
(4/443)
إلى أقاربه أو أقربائه وذوي قرابته أو أرحامه أو ذوي أرحامه أو أنسابه تكون الوصية للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه ولا يدخل فيه أي في كل واحد من هذه الألفاظ الوالدان والولد ولا الوارث ويكون للاثنين فصاعدا هذا عند الإمام ويستوي فيه الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى والمسلم والكافر وفي الجد روايتان وكذا في ولد الولد وفي ظاهر الرواية عن الإمام أنهم يدخلون وفي رواية عن الشيخين أنهم لا يدخلون
وإن لم يكن له ذو رحم محرم منه بطلت الوصية عند الإمام لأنه تبين أن الوصية منه لمعدوم فكانت باطلة
وتكون أي الوصية للاثنين فصاعدا لأنها أخت الميراث والجمع في المواريث اثنان فصاعدا فكذا الوصية وعندهما يدخل في الوصية من ينسب إليه أي إلى الموصي من قبل الأب أو الأم إلى أقصى أب له في الإسلام بأن أسلم أو أدرك الإسلام وإن لم يسلم قيل يشترط إسلام الأب الأقصى وقيل لا يشترط ولكن يشترط إدراكه للإسلام حتى لو أوصى علوي لذوي قرابته فمن شرط الإسلام يصرف الوصية إلى أولاد علي رضي الله تعالى عنه لا إلى أولاد أبي طالب ومن لم يشترط يصرفها إلى أولاد أبي طالب فيدخل فيها أولاد عقيل وجعفر ولا يدخل أولاد عبد المطلب بالإجماع لأنه لم يدرك الإسلام
فمن له عمان وخالان الوصية لعميه يعني إذا أوصى إلى أقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعميه عند الإمام رحمه الله تعالى لأنه يعتبر الأقرب فالأقرب كما في الإرث وعندهما للكل على السواء فتقسم بينهم أرباعا لأن اسم القريب يتناولهم ولا يعتبران الأقرب
ومن له عم وخالان نصف الوصية لعمه ونصفها بين خاليه لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع وأقله في الوصية والإرث اثنان فيكون للواحد النصف وبقي النصف الآخر ولا مستحق له أقرب من الخالين فكان لهما
وإن كان له عم واحد فقط فنصفها أي الوصية له أي للعم لأنه لا بد من اعتبار الجمع فيه ويرد النصف
____________________
(4/444)
الآخر من الثلث إلى الورثة لعدم من يستحقه لأن اللفظ جمع وأدناه اثنان في الوصية فلهذا يعطى له النصف والنصف الأخير للورثة
وإن كان له عم وعمة وخال وخالة فالوصية للعم والعمة على السواء لاستواء قرابتهما وقرابة العمومة أقوى من قرابة الخؤولة والعمة وإن لم تكن وارثة فهي مستحقة للوصية كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا وعندهما الوصية للكل على السوية في جميع ذلك لما عرف من مذهبهما أنهما لا يشترطان الأقرب فالأقرب كما اشترطه الإمام
وأهل الرجل زوجته عند الإمام يعني إذا أوصى لأهل رجل فهي لزوجته وعندهما أهل الرجل من يعولهم وتضمهم نفقته يعني عندهما أهل الرجل من كانوا في عياله وتلزمه نفقتهم اعتبارا للعرف المؤيد بالنص وهو قوله تعالى وأتوني بأهلكم أجمعين وقال تعالى فأنجيناه وأهله إلا امرأته والمراد من كان في عياله وللإمام قوله تعالى وسار بأهله أي زوجته بنت شعيب عليه الصلاة والسلام ومنه قولهم تأهل ببلدة كذا أي تزوج والمطلق ينصرف إلى الحقيقة المستعملة كما في الهداية وآله أهل بيته يعني إذا أوصى لآل فلان فهي لأهل بيته فيدخل فيه كل من ينسب إليه من آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام ولا يدخل فيه أولاد البنات ولا أولاد الأخوات ولا أحد من قرابة أمهم لأنهم لا ينسبون إليه وإنما ينسبون إلى آبائهم وأبوه وجده من أهل بيته لأن الأب والجد يعدان من أهل البيت وأهل نسبه من ينسب إليه من جهة الأب لأن النسب إنما يكون من جهة الآباء وجنسه أهل بيت أبيه دون أمه لأن الإنسان يتجنس بأبيه فصار كآله بخلاف قرابته حيث يدخل فيه من كان من جهة الأم أيضا لأن الكل يسمون قرابة
والوصية مبتدأ لبني فلان وهو أب صلب جملة وهو أب صلب حال من المضاف إليه للذكور خاصة خبره فلا يدخل فيه الإناث لأن حقيقة هذا اللفظ إنما هو
____________________
(4/445)
للذكور وهذا رواية عن الإمام وعندهما وهو رواية أخرى عن الإمام يدخل فيه الإناث أيضا أي كالذكور ودخول الإناث في بني فلان إما تغليب أو مجاز بإرادة الفروع
و الوصية لورثة فلان للذكر مثل حظ الأنثيين لأن الاسم مشتق من الوراثة فإذا بان قصده التفصيل وهي في أولاد المورث للذكر مثل حظ الأنثيين فكانت الوصية كالميراث من حيث إن التنصيص على الاسم المشتق يدل على أن الحكم يترتب على مأخذ الاشتقاق
و لو أوصى لولد فلان للذكر والأنثى على السواء لأن الولد ينتظم بالكل ولا يدخل أولاد الابن عند وجود أولاد الصلب لأن الولد حقيقة يتناول ولد الصلب وتدخل فيه الإناث حتى إذا كان له بنات صلبية وبنو ابن فالوصية للبنات عملا بالحقيقة ما أمكن العمل بها ويدخلون أي أولاد الابن عند عدمهم أي أولاد الصلب لأنه لما تعذر العمل بالحقيقة صير إلى المجاز بخلاف المسألة الأولى دون أولاد البنت وإنما لا يدخلون مطلقا لأن أولاد البنات إنما ينسبون إلى أبيهم كما قال الشاعر بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
وإن أوصى لبني فلان وهو أي فلان أبو قبيلة كبني تميم مثلا لا يحصون كثرة فهي أي الوصية باطلة لأنه يمكن تصحيحه في حق الكل لعدم إحصائهم فتبطل الوصية لتعذر الصرف
وإن أوصى لأيتامهم أو عميانهم أو زمناهم أو أراملهم فللغني والفقير منهم والذكر والأنثى إن كانوا أي الموصى لهم يحصون لأن الوصية تمليك وأمكن تحقيق معنى التمليك في حقهم ثم قيل حد الإحصاء عند أبي يوسف أن لا يحتاج من يعدهم إلى حساب ولا كتاب فإن احتيج إلى ذلك فهم لا يحصون وهذا أيسر
وقال بعضهم هو مفوض إلى رأي
____________________
(4/446)
القاضي كذا في شروح الهداية وللفقراء منهم خاصة إن كانوا لا يحصون لأن المقصود من الوصية القربة وهذه الأسامي أعني الأيتام وما بعده تشعر بتحقق الحاجة فتحمل على الفقراء
و إن أوصى لمواليه فهي أي الوصية لمن أعتقهم في الصحة أو المرض ولأولادهم أي أولاد المعتقين من الرجال والنساء وإعتاقه قبل الوصية وبعدها سواء ولا يدخل فيه المدبرون وأمهات الأولاد وعن أبي يوسف أنهم يدخلون لأن سبب الاستحقاق لازم في حقهم بحيث لا يلحقه الفسخ فنسبوا إلى الولاء كالمعتقين ولا يدخل فيها مولى الموالاة لأن ولاء العتاقة بالعتق وولاء الموالاة بالعقد فهما معنيان متغايران فلا ينتظمهما لفظ واحد بخلاف أولاد المعتقين لأنهم ينسبون إلى المعتق بواسطة آبائهم بولاء واحد ولا يدخل فيها موالي الموالي إلا عند عدمهم أي الموالي لأنهم ليسوا موالي الموصي حقيقة فهم بمنزلة ولد الولد مع ولد الصلب فلا يتناولهم الاسم إلا عند عدم المولى حقيقة كما مر في ولد الولد مع وجود الولد أو عدمه
وتبطل الوصية إن كان له أي للموصي معتقون بكسر التاء ومعتقون بفتح التاء يعني إذا أوصى لمواليه وله موال أعتقهم وموالي موال أعتقوهم فالوصية باطلة لأن اللفظ مشترك ولا عموم له ولا قرينة تدل على أحدهما ولا فرق في ذلك عند عامة أصحابنا بين النفي والإثبات واختيار شمس الأئمة وصاحب الهداية أنه يعم إذا وقع في حيز النفي كما لو حلف لا يكلم موالي فلان حيث يتناول الجمع والجواب عنه على قول عامة الأصحاب كما في العناية أن ترك الكلام مع الموالي مطلقا ليس لوقوعه في النفي بل لأن الحامل على اليمين بعضه لهم وهو غير مختلف وقد قرره في التقرير بما لا مزيد عليه فإن قيل سلمنا أن لفظ الموالي مشترك وحكمه التوقف فكيف حكم ببطلانها قلنا إن ذلك فيما إذا مات الموصي قبل البيان والتوقف في مثله لا يفيد فإن قيل الترجيح من جهة أخرى ممكن وهي أن شكر المنعم واجب فتصرف إلى الموالي الذين أعتقوهم
وأما فضل الأنعام في حق الذين أعتقهم هو فمندوب إليه والصرف إلى الواجب أولى من الصرف إلى المندوب كما هو المروي عن أبي يوسف بهذا المعنى قلنا أجيب بأنها معاوضة
____________________
(4/447)
بجهة أخرى وهي جريان العرف بالوصية للفقراء والغالب في المعتقين بفتح التاء أن يكونوا فقراء وفي المعتقين بكسرها الغالب أن يكونوا أغنياء والمعروف عرفا كالمشروط شرعا كما هو المروي عن أبي يوسف بهذا المعنى
وأقل الجمع اثنان في الوصايا كالمواريث لما بينا أن الوصايا أخت المواريث وقد ورد النص في القرآن بإطلاق الجمع على الاثنين في المواريث فقلنا في الوصايا إن أقل الجمع فيها اثنان أيضا حملا على ما ورد به النص في المواريث
باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة لما فرغ من ذكر أحكام الوصايا المتعلقة بالأعيان شرع في بيان الوصايا المتعلقة بالمنافع وأخر هذا الباب من جهة أن المنافع بعد وجود الأعيان ليوافق الوضع الطبع
تصح الوصية بخدمة عبده وسكنى داره وبغلتهما أي العبد والدار مدة معينة كسنة أو سنتين مثلا وأبدا لأن المنفعة تحمل التمليك ببدل وغير بدل في حال الحياة فيحتمل التمليك بعد الممات كالأعيان دفعا للحاجة وهذا لأن الموصي يبقي العين على ملكه حتى يجعله مشغولا بتصرفه موقوفا على حاجته وإنما تحدث المنفعة على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه المنفعة على حكم ملك الواقف يجوز مؤقتا ومؤبدا كالعارية وهذا بخلاف الميراث فالإرث لا يجري في الخدمة بدون الرقبة لأن الوراثة خلافة وتفسيرها أن يقوم الوارث مقام المورث فيما كان ملكا للمورث وهذا إنما يتصور فيما يبقى وقتين والمنفعة لا تبقى وقتين فأما الوصية فإيجاب ملك بالعقد كالإجارة والإعارة وكذا الوصية بغلة العبد والدار لأنها بدل المنفعة فأخذت حكمها فإن خرج ذلك
____________________
(4/448)
المذكور من رقبة العبد والدار من الثلث سلم إلى الموصى له بخدمته وسكناه فيها لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة وإلا أي وإن لم تخرج من الثلث قسمت الدار عينها أثلاثا وتهايئا في العبد يومين لهم ويوما له لأن حق الموصى له في الثلث وحقهم في الثلثين كما في الوصية بالعين ولا يمكن قسمة العبد أجزاء لأنه مما لا يحتمل القسمة فصرنا إلى المهايأة هذا إذا كانت الوصية غير مؤقتة وإن كانت مؤقتة بوقت كالسنة مثلا فإن كانت السنة غير معينة يخدم للورثة يومين وللموصى له يوما إلى أن يمضي ثلاث سنين فإذا مضت سلم للورثة لأن الموصى له استوفى حقه وإن كانت معينة فإن مضت السنة قبل موت الموصى بطلت الوصية وإن مات قبل مضيها يخدم الموصى له يوما والورثة يومين إلى أن تمضي تلك السنة فإذا مضت سلم إلى الورثة وكذا الحكم لو مات الموصى بعد مضي بعضها بخلاف الوصية بسكنى الدار إذا كانت لا تخرج من الثلث حيث تقسم عين الدار أثلاثا للانتفاع بها لإمكان قسمة عين الدار أجزاء وهو أعدل للتسوية بينهما زمانا وذاتا وفي المهايأة تقديم أحدهما زمانا ولو اقتسموا الدار مهايأة من حيث الزمان يجوز أيضا لأن الحق لهم إلا أن الأولى أولى لكونه أعدل
وإن مات الموصى له ردت أي الوصية من العبد أو الدار إلى ورثة الموصى لأنه أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه فلو انتقل إلى وارث الوصي له لاستحقها ابتداء من ملك الموصى بغير رضاه وذلك غير جائز
وإن مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت وملك الموصي ثابت في الحال فلا يتصور تملك الموصى له بعد موته
ومن أوصى له بغلة الدار أو العبد لا يجوز له السكنى والاستخدام في الأصح لأنه أوصى له بالغلة وهي الدراهم أو الدنانير وهذا استيفاء المنفعة نفسها ولا شك أنهما مغايران ويتفاوتان في حق الورثة فإنه لو ظهر دين يمكنهم أداؤه من الغلة باستردادها منه بعد استغلالها بخلاف ما إذا استوفى المنافع نفسها وقوله في الأصح احتراز عما قال بعضهم يجوز له السكنى والاستخدام لأن المقصود هو المنفعة وهي حاصلة بهذين الطريقين
ولا
____________________
(4/449)
يجوز لمن وصى له بالخدمة في العبد والسكنى في الدار أن يؤاجر العبد والدار
وقال الشافعي له ذلك لأن تمليك المنفعة بعقد مضاف إلى ما بعد الموت كتمليك المنفعة في حال الحياة ولو تملك المنفعة بالاستئجار في حال الحياة تملك الإجارة وكذا إذا تملك المنفعة بالوصية بعد الموت وهذا لأن المنافع كالأعيان عنده لما مر بخلاف المستعير فإنه لا يتملك المنفعة لأنها إباحة الانتفاع عنده ولهذا لا يتعلق بالإعارة اللزوم والوصية بالمنفعة يتعلق بها اللزوم ولنا أن الموصى له ملك المنفعة بغير عوض فلا يملك تمليكها من غيره بعوض كالمستعير فإنه لا يملك الإجارة وذلك لأن المستعير مالك للمنفعة إذ التمليك في حال الحياة أقرب إلى الجواز بعد الممات وإذا احتملت المنفعة التمليك بعد الموت بغير عوض فلأن تحتمل ذلك في حال الحياة أولى
وإن أوصى له بثمرة بستانه فمات الموصي وفيه في البستان ثمرة فله أي للموصى له هذه أي الثمرة الموجودة فقط لا ما يحدث بعدها
وإن زاد أبدا أي زاد في تلك الوصية لفظ أبدا فله أي للموصى له هي أي الثمرة الموجودة وما يستقبل عطف على الضمير أعني قوله هي أي يستحق الثمرة الموجودة وما يحدث من الثمرة في المستقبل عملا بالتأبيد في لفظ الموصي
وإن أوصى له بغلة بستانه فله الموجود وما يستقبل وحاصله أنه إذا أوصى له بالغلة استحقها دائما وبالثمرة لا يستحق إلا القائمة إلا إذا زاد لفظ أبدا فيصير كالغلة فيستحقها دائما والفرق بينهما أن الثمرة اسم للموجود عرفا فلا يتناول ما سيحدث وبعض الألفاظ يدل على ذلك كأبدا ونحوه وأما الغلة فتنتظم الموجود وما يكون يعرض أن يوجد مرة بعد أخرى كما يقال في العرف فلان يأكل من غلة بستانه أو أرضه أو داره فيصدق على ما ينتفع به في الحال أو في الاستقبال
وإن أوصى له بصوف غنمه أو لبنها أي الغنم أو أولادها فله ما يوجد من ذلك عند موته فقط سواء قال أبدا أو لم يقل أي للموصى له ما يوجد من ذلك الموصى به ما في بطونها من الأولاد وما في
____________________
(4/450)
ضروعها من الألبان وما على ظهورها من الصوف يوم مات الموصي سواء قال أبدا أو لم يقل لأنها إيجاب عند الموت فيعتبر قيام هذه الأشياء يومئذ والفرق بينهما وبين ما تقدم أن الصوف والولد واللبن الموجودات يصح استحقاقها بالعقود فإنها تملك تبعا بكل عقد فكذا بالوصية فأما المعدوم منها فلم يشرع استحقاقها بشيء من العقود فلم يصح استحقاقها بعقد الوصية فأما الثمرة أو الغلة المعدومة فيصح استحقاقها بعد المزارعة والمعاملة فلأن تستحق بالوصية أولى
باب وصية الذمي إنما ذكر وصية الذمي عقيب وصية المسلم لما أن أهل الذمة ملحقون بالمسلمين في المعاملات
ولو جعل الذمي داره بيعة أو كنيسة في صحته ثم مات فهي ميراث أما عند الإمام فلأنها بمنزلة الوقف ووقف المسلم يورث عنه فهذا أولى وإنما قلنا يورث عنه لأنه غير لازم عنده وأما عندهما فالوصية باطلة لأن هذا معصية حقيقة وإن كان في معتقدهم قربة والوصية بالمعصية باطلة لأن في تنفيذها تقرير المعصية ولو أوصى به أي بجعل داره بيعة أو كنيسة لقوم مسمين جاز أي الإيصاء من الثلث اتفاقا لأن في الوصية معنى التمليك ومعنى الاستخلاف وللموصي ولاية كليهما
وكذا يجوز في غير المسمين بأن أوصى لقوم غير مخصوصين هذا عند الإمام خلافا لهما فإنهما قالا إنها باطلة إلا أن يوصي لقوم بأعيانهم والحاصل أن وصايا الذمي على أربعة أوجه أحدها أن يوصي بما هو معصية عندنا وعندهم كالوصية للمغنيات والنائحات فهذا لا يصح إجماعا إلا أن تكون لقوم بأعيانهم فتصح تملكا
____________________
(4/451)
من الثلث فإن كانوا لا يحصون لا تصح تمليكا لأن التمليك من المجهول لا يصح ولا يمكن تصحيحها قربة لأنها معصية عند الكل وثانيها أن يوصي بما هو معصية عندهم قربة عندنا كما لو أوصى أن يجعل داره مسجدا أو يسرج في المساجد أو أوصى بالحج فهي باطلة بالإجماع اعتبارا لاعتقادهم لأنا نعاملهم بديانتهم
وثالثها أن يوصي بما هو قربة عندنا وعندهم كما لو أوصى بثلث ماله للفقراء والمساكين أو لعتق الرقاب أو يسرج في بيت المقدس فهي صحيحة إجماعا لاتفاق الكل على كون ذلك قربة ورابعها أن يوصي بما هو قربة عندهم معصية عندنا كما لو أوصى أن يجعل داره بيعة أو كنيسة أو بيت نار يسرج فيه أو تذبح الخنازير ويطعم المشركون فهي صحيحة أيضا عند الإمام سمى قوما أو لم يسم وقالا هي باطلة إلا أن يسمي قوما بأعيانهم
لهما أن هذه وصية بمعصية وفي تنفيذها تقرير المعصية والسبيل في المعاصي ردها لا قبولها فوجب القول بالبطلان
وله أن المعتبر ديانتهم في حقهم لأنا أمرنا أن نتركهم وما يدينون وهي قربة عندهم فتصح ألا يرى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة عندنا معصية عندهم لا تجوز الوصية اعتبارا لديانتهم فكذا عكسه
وتصح وصية مستأمن لا وارث له في دارنا بكل ماله لمسلم أو ذمي لأن القصر على الثلث شرعا لحق الورثة حتى تنفذ بإجازتهم وليس لورثته حق مرعي لأنهم في دار الحرب وهم أموات والحجر بناء على حق معصوم لا يصلح دليلا على الحجر لحق غير معصوم إذ حقوق أهل الحرب غير معصومة حتى لو كانت ورثته في دار الإسلام بأمان أو بذمة يتقدر بقدر الثلث لحرمتهم
وإن أوصى أي المستأمن ببعضه أي ببعض ماله ثم مات رد الباقي من ماله إلى ورثته الذين في دار الحرب لأن الرد إلى ورثته من حق المستأمن أيضا لا رعاية لحق الورثة حتى يرد أن يقال كيف يرد الباقي إلى ورثته الذين في دار الحرب وقد قلتم بأنهم ليس لورثته حق مرعي
وتصح الوصية له أي للمستأمن ما دام في دارنا سواء كانت الوصية من مسلم أو ذمي لأنه ما دام في دارنا فله حكم أهل الذمة في المعاملات حتى يصح منه عقود التمليكات في حال حياته ويصح تبرعه في حياته فكذا بعد مماته وعن الشيخين أنه لا يجوز لأنه من أهل الحرب لأنه يقصد الرجوع ويمكن منه بخلاف الذمي وصاحب الهوى وهو الذي يتبع هوى نفسه ميلا للبدعة إن لم يكفر
____________________
(4/452)
بهواه أي لم يحكم بكفره بما ارتكبه من الهوى فهو كالمسلم في الوصية لأنا أمرنا ببناء الأحكام على ظاهر الإسلام وإلا وإن لم يكن كذلك بل حكم بكفره بما ارتكبه من الهوى
فكالمرتد فيكون على خلاف المعروف بين الإمام وصاحبيه في تصرفاته قال في الكافي ووصايا المرتد نافذة بالإجماع كالذمية لأنها تبقى على الردة ولا تقتل عندنا انتهى
وفي المنح والمرتدة في الوصية كذمية فتصح وصاياها
قال في الهداية وهو الأصح لأنها تبقى على الردة بخلاف المرتد لأنه يقتل أو يسلم قال في النهاية وذكر صاحب الكتاب في الزيادات على خلاف هذا وقال بعضهم لا تكون بمنزلة الذمية وهو الصحيح فلا تصح منها وصية قلت والظاهر أنه لا منافاة بين كلاميه لأنه قال هناك وهو الصحيح وقال هنا الأصح وهما يصدقان كذا في العناية
والفرق بينهما وبين الذمية أن الذمية تقر على اعتقادها وأما المرتدة فلا تقر على اعتقادها والأشبه أن يكون كالذمية فتجوز وصيتها لأنها لا تقتل ولهذا يجوز جميع تصرفاتها فكذا الوصية وذكر العتابي في الزيادات إن ارتد عن الإسلام إلى النصرانية أو اليهودية أو المجوسية فحكم وصاياه حكم من انتقل إليهم فما صح منهم صح منه وهذا عندهما وأما عند الإمام فوصيته موقوفة ووصايا المرتدة نافذة بالإجماع لأنها لا تقتل عندنا انتهى فظهر بما ذكرناه عن المنح أن دعوى الإجماع على كون وصيتها نافذة محل نظر فليتأمل ووصية الذمي تعتبر من الثلث ولا تصح لوارثه لالتزام أهل الذمة أحكام المسلمين فيما يرجع إلى المعاملات فيجري عليهم أحكامنا كما في وصية المسلم وتجوز وصيته لذمي من غير ملته كوصية نصراني ليهودي وبالعكس لأن الكفر ملة واحدة لا تجوز وصيته لحربي في دار الحرب لأن اختلاف الدارين يمنع الإرث فكذا الوصية لأنها أخت الميراث كما تقدم
____________________
(4/453)
باب الوصي لما فرغ من بيان الموصى له شرع في بيان أحكام الموصى إليه وهو الوصي لأن كتاب الوصايا ينتظمه أيضا قدم أحكام الموصى له لكثرتها وكون الحاجة إلى معرفتها أمس ومن أوصى إلى رجل فقبل في وجهه ورد الوصية في غيبته لا يرتد لأن الموصي مات معتمدا عليه فلو صح رده في غير وجهه سواء كان في حياته أو بعد مماته صار مغرورا من جهته فلا اعتبار لرده في غيبته ويبقى وصيا كما كان فإن قيل ما الفرق بين الموصى له والموصى إليه في أن رد الموصى له بعد قبوله وبعد موت الموصي يعتبر دون رد الموصى إليه قلنا إن نفع الوصية للموصى له نفسه بخلاف الموصى إليه فإن نفع الوصية راجع إلى الموصي فكان في رده بغيره إضرار عليه وهو لا يجوز فلهذا قلنا لا يعتبر رده دفعا للضرر عن الموصي
وإن رد في وجهه أي وجه الموصي يرتد لأنه ليس للوصي ولاية إلزامه التصرف ولا غرور فيه فتوقف على قبوله فإن لم يقبل الموصى إليه ولم يرد بل سكت حتى مات الموصي فهو أي الموصى إليه مخير بين القبول وعدمه لأنه ليس للموصي ولاية الإلزام فبقي مخيرا
وإن باع الموصى إليه شيئا من التركة لم يبق له الرد وإن كان غير عالم بالإيصاء فصار بيعه التركة كقبول الوصية وينفذ بيعه وإن لم يكن عالما بالإيصاء بخلاف الوكيل إذا لم يعلم بالتوكيل فباع حيث لا ينفذ ولا يكون البيع من غير علم قبولا
فإن رد الوصي الوصاية بعد موته أي مورث الموصي ثم قبل صح ما لم ينفذ قاض رده ولم يخرجه من الوصاية لما قال لا أقبل لأن مجرد قوله لا أقبل لا يبطل الإيصاء لأنه فيه ضررا بالميت وضرر الوصي في الإبقاء
____________________
(4/454)
مجبور بالثواب إلا أن القاضي إذا أخرجه عن الوصاية يصح لأنه مجتهد فيه فكان له إخراجه بعد قوله لا أقبل كما أن له إخراجه بعد قبوله حتى إذا رأى غيره أصلح كان له عزله ونصب غيره وربما يعجز وهو عن ذلك فيتضرر ببقاء الوصية فيدفع القاضي الضرر عنه وينصب حافظا لمال الميت يتصرف فيه فيندفع الضرر من الجانبين ولو قال أقبل بعدما أخرجه القاضي لا يلتفت إليه لأنه قبل بعدما بطلت الوصية بإخراج القاضي إياه
وإن أوصى إلى عبد أو كافر أو فاسق أخرجه القاضي ونصب غيره أي إذا أوصى إلى هؤلاء المذكورين أخرجهم القاضي عن الوصاية واستبدل غيرهم مكانهم وذكر القدوري أن القاضي يخرجهم عن الوصية وهذا يدل على أن الوصية كانت لهم صحيحة لأن الإخراج يكون بعد الدخول ويدل عليه ما في السراجية من قوله إذا أوصى إلى عبد أو ذمي أو فاسق أخرجهم القاضي عن الوصاية ولو تصرفوا قبل الإخراج جاز انتهى وذكر محمد في الأصل أن الوصية باطلة لعدم الولاية لهم ووجه الصحة ثم الإخراج كما ذكره الزيلعي أن أصل النظر ثابت لقدرة العبد حقيقة وولاية الفاسق على نفسه وعلى غيره على ما عرف من أصلنا وولاية الكافر في الجملة إلا أنه لم يتم النظر لتوقف ولاية العبد على إجازة المولى ويمكنه بعدها والمعاداة الدنية الباعثة على ترك النظر في حق المسلم واتهام الفاسق بالجناية فيخرجهم القاضي عن الوصية ويقيم غيرهم مقامهم إتماما للنظر وشرط في الأصل أن يكون الفاسق مخوفا منه على المال لأنه يعذر بذلك في إخراجه وتبديله بغيره بخلاف ما إذا أوصى إلى مكاتبه أو مكاتب غيره حيث يجوز لأن المكاتب في منافعه كالحر وإن عجز بعد ذلك فالجواب فيه كالجواب في القن
وإن أوصى إلى عبده فإن كان كل الورثة صغارا صح الإيصاء عند الإمام لأنه مخاطب مستبد بالتصرف فيكون أهلا للوصاية وليس لأحد عليه ولاية فإن الصغار وإن كانوا ملاكا ليس لهم ولاية النظر فلا منافاة خلافا لهما وهو القياس وقيل قول محمد مضطرب يروى مرة مع الإمام ومرة مع أبي يوسف
ووجه القياس أن الولاية متقدمة لما أن الرق ينافيها ولأن فيه إثبات الولاية للمملوك على المالك وهذا قلب المشروع ووجه ما ذكر الإمام مر بيانه
وإن كان فيهم أي في الورثة كبير بطل الإيصاء إلى عبد نفسه إجماعا لأن للكبير أن يمنع العبد من التصرف أو يبيع نصيبه فيمنعه المشتري عن التصرف فيعجز عن الوفاء بحق الوصاية
ولو كان الوصي عاجزا عن القيام بالوصية أي أمورها ضم القاضي إليه أي إلى العاجز غيره لأن
____________________
(4/455)
في الضم رعاية الحقين حق الموصي وحق الورثة لأن تكميل النظر يحصل به لأن النظر يتم بإعانة غيره ولو شكا الوصي إلى القاضي ذلك فلا يجيبه حتى يعرف ذلك حقيقة لأن الشاكي قد يكون كاذبا تخفيفا على نفسه
وإن كان الوصي قادرا على القيام بأمور الوصاية أمينا لا يخرج على صيغة المجهول وفاعله المنوب عنه هو القاضي
وإن شكا إليه الورثة كلهم أو بعضهم منه أي من الوصي ما لم تظهر منه خيانة قال الزيلعي لو كان قادرا على التصرف وهو أمين ليس للقاضي أن يخرجه لأنه مختار الميت ولو اختار غيره كان دونه فكان إبقاؤه أولى
ألا يرى أن الوصي يقدم على أبي الميت مع وفور شفقته فأولى أن يقدم على غيره وكذا إذا شكت الورثة أو بعضهم إليه لا ينبغي أن يعزله حتى تبدو له منه خيانة لأنه استفاد الولاية من الميت غير أنه إذا ظهرت منه الخيانة فاتت الأمانة والميت إنما اختاره لأجلها وليس من النظر إبقاؤه بعد فوتها وهو لو كان حيا لأخرجه منها فينوب القاضي منابه عند عجزه ويقيم غيره مقامه كأنه مات ولا وصي له ولم يذكر ما إذا فعل القاضي ما ليس له وعزل الوصي العدل المختار هل ينعزل أم لا وذكر ذلك قاضي خان في فتاواه حيث قال وصي الميت إذا كان عدلا كافيا فلا ينبغي للقاضي أن يعزله وإذا لم يكن عدلا يعزله ولا ينصب وصيا آخر ولو كان عدلا غير كاف لا يعزله ولكن يضم إليه كافيا ولو عزل ينعزل وكذا لو عزل القاضي العدل الكافي ينعزل كما ذكره الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده
وقال ابن الشحنة في شرح الوهبانية قلت
وفي وسيط المحيط أن القاضي يصير جائرا آثما قال وعند بعض المشايخ لا ينعزل العدل الكافي بعزل القاضي لأنه مختار الميت فيكون مقدما على القاضي وعزا في القنية انعزال العدل الكافي لخواهر زاده وأن ظهير الدين المرغيناني استبعده لأنه مقدم على القاضي لأنه الميت وأن أستاذه البديع قال إذا كان هذا في وصي الميت فكيف وصي القاضي ونحوه المبسوط والهداية انتهى
وفي جامع الفصولين الوصي من الميت لو عدلا كافيا لا ينبغي للقاضي أن يعزله فلو عزله هل ينعزل أقوال الصحيح عندي أنه لا ينعزل لأنه كالموصي وهو أشفق بنفسه من القاضي فكيف يعزله وينبغي أن يفتى به لفساد قضاة الزمان كما في المنح فقد أفاد ترجيح عدم صحة العزل للوصي
وإن أوصى إلى اثنين لا ينفرد أحدهما بالتصرف في مال الميت وإن تصرف فيه فهو باطل وهذا عند
____________________
(4/456)
الطرفين
وقال أبو يوسف ينفرد كل واحد منهما بالتصرف ولو أوصى إلى رجلين ثم إن أحدهما تصرف في المال غير الأشياء المعدودة ثم أجاز صاحبه فإنه يجوز ولا يحتاج إلى تجديد العقد كذا في الجوهرة ثم إن ما ذكره في الجوهرة من الأشياء المعدودة التي يجوز لأحد الوصيين الانفراد بالتصرف فيها ما استثناه بقوله إلا بشراء كفن وتجهيز فإنه لا يبتنى على الولاية وربما يكون أحدهما غائبا ففي اشتراط اجتماعهما فساد الميت ألا يرى أنه لو فعله عند الضرورة جيرانه جاز وخصومة في حقوقه لأنهما لا يجتمعان عليها عادة ولو اجتمعا لا يتكلم إلا أحدهما غالبا على أنهما لو تكلما حال الخصومة معا ربما لم يفهم القاضي دعواهما لاختلاط كلام أحدهما بالآخر ولهذا ينفرد بهما أحد الوكيلين أيضا وقضاء دين كان على الميت وطلبه أي الدين الذي له على الغير وشراء حاجة الطفل لأن في تأخيره خوف لحوق الضرر به كخوف الهلاك من الجوع والعري وقبول الهبة له أي للطفل فإنه ليس من باب الولاية ولهذا تملكه الأم وكل من هو في يده ورد وديعة معينة وتنفيذ وصية معينة وإعتاق عبد معين لعدم الاحتياج إلى الرأي في ذلك كله بخلاف ما إذا لم تكن المذكورات معينة فربما احتيج فيها إلى الرأي فلا ينفرد أحدهما بذلك دون الآخر ورد مغصوب فيجوز لأحد الوصيين الانفراد برده دون الآخر ولم يقيدوا المغصوب بكونه معينا ولم يبينوا السر في إطلاقه عن التقييد ووجهه غير ظاهر فتأمل أو مشرى شراء فاسدا فلكل واحد منهما أن ينفرد برده لما تقدم من عدم الاحتياج إلى الرأي وجمع أموال ضائعة وحفظ المال لأن في التأخير إلى اجتماعهما خوف الفوات وبيع ما يخاف تلفه إذ يسرع إليه الفساد ففي التأخير إلى الاجتماع ضرر بين هذا عند الطرفين وعند أبي يوسف يجوز الانفراد كل واحد منهما مطلقا ولا يختص الانفراد بالأشياء المعدودة لأن الإيصاء من باب الولاية إذا ثبت لاثنين شرعا تثبت لكل واحد كاملا على الانفراد كالأخوين في ولاية الإنكاح
____________________
(4/457)
فكذا إذا ثبتت شرطا وهذا لأن الولاية لا تحتمل التجزؤ لأنها عبارة عن القدرة الشرعية والقدرة لا تتجزأ ولهما أن سبب هذه الولاية التفويض فلا بد من مراعاة صفة التفويض والموصي إنما فوض الولاية إليهما معا وهذا الشرط مقيد فلم يثبت بدون ذلك الشرط فما رضي إلا برأي الاثنين ورأي الواحد لا يكون كرأيهما بخلاف الأخوين في النكاح لأن السبب ثمة الأخوة وهي قائمة بكل واحد منهما على الكمال والسبب هنا الإيصاء وهو إليهما لا إلى كل واحد منهما ولأن الإنكاح حق مستحق لها على الولي حتى لو طالبته بإنكاحها من كفؤ خاطب يجب عليه وهنا حق التصرف للوصي ولهذا بقي مخيرا في التصرف بخلاف الأشياء المعدودة لأنها من باب الضرورة ومواضع الضرورة مستثناة عن قواعد الشرع فلهذا قال بجواز الانفراد في الأشياء المعدودة دون غيرها ثم قيل الخلاف فيما إذا أوصى إلى كل واحد منهما بعقد على حدة وأما إذا أوصى إليهما بعقد واحد فلا ينفرد أحدهما بالإجماع ذكره الحلواني قال أبو الليث وهو الأصح وبه نأخذ وقيل الخلاف في الفصلين جميعا ذكره الإسكاف
وقال في المبسوط هو الأصح كما في التبيين
فإن مات أحد الوصيين أقام القاضي غيره مقامه إن لم يوص إلى آخر أما عندهما فلأن الباقي عاجز عن التفرد بالتصرف فيضم القاضي إليه وصيا آخر نظرا للميت والورثة وعند أبي يوسف الحي منهما وإن كان يقدر على التصرف لكن الموصي قصد أن يخلفه متصرفان في حقوقه وذلك ممكن التحقق بنصب وصي آخر مكان الوصي الميت
وإن أوصى الوصي الذي مات إلى الحي جاز الإيصاء ويتصرف الحي وحده في ظاهر الرواية كما إذا أوصى إلى شخص آخر ولا يحتاج القاضي إلى نصب وصي آخر لأن رأي الميت يكون باقيا حكما برأي من يخلفه وروى الحسن عن الإمام أن الحي لا ينفرد بالتصرف لأن الموصي لم يرض بتصرفه وحده فلا يكون للوصي أن يرضى بما يعلم أن الموصي لم يرضه بخلاف ما إذا أوصى إلى غيره لأن المتوفى رضي برأي الاثنين وقد وجد ووصي الوصي وصي في التركتين أي إذا مات الوصي فأوصى إلى غيره فهو
____________________
(4/458)
وصي في تركته وتركة الميت الأول
وقال الشافعي لا يكون وصيا في تركة الميت الأول لأن الميت فوض إليه التصرف ولم يفوض له الإيصاء إلى غيره فلا يملكه ولأنه رضي برأيه ولم يرض برأي غيره
ولنا أن الوصي يتصرف بولاية منتقلة إليه فيملك الإيصاء إلى غيره كالجد ألا يرى أن الولاية التي كانت ثابتة للموصي تنتقل إلى الوصي ولهذا يقدم على الجد ولو لم تنتقل إليه لما تقدم عليه فإذا انتقلت إليه الولاية ملك الإيصاء
وكذا إن أوصى الوصي الميت إليه أي إلى آخر في إحداهما أي في إحدى التركتين يعني إذا أوصى إلى آخر في تركته يكون وصيا فيهما عند الإمام لأن تركة موصيه تركته لأن له ولاية التصرف فيهما خلافا لهما فإنهما قالا يقتصر على تركته لأنه نص عليها ثم إن قول المصنف في إحداهما يفيد عموم الوصية لتركته أو تركة موصيه لكن المذكور في عامة الكتب أنه إذا أوصى في تركته فقط يكون وصيا فيهما ولم يذكروا ما إذا أوصى في تركة موصيه لكن قال المولى المعروف بأخي حلبي قول المصنف أو مال موصيه يشعر بعدم كونه وصيا فيهما على تقدير ذكر المال الموصى وحده بدون ذكر ماله ولم نجد فيه رواية في المعتبرات بل الموجود فيها أنه إذا جعله وصيا في مال نفسه أو مع مال موصيه أو قال جعلته وصيا بغير قيد ففي جميع ذلك يصير وصيا في المالين وما يشعره في المتن ليس واحدا منها انتهى
وتصح قسمة الوصي نيابة عن الورثة مع الموصى له سواء كان الورثة غيبا أو صغارا أي يجوز للموصي أن يقسم التركة بين الورثة الغيب أو الصغار وبين الموصى له بأن يأخذ حق الورثة ويسلم الباقي إلى الموصى له فلا يرجعون أي الورثة على الموصى له لو هلك حظهم في يد الوصي لأن الهلاك بعد تمام القسمة يكون على من وقع الهلاك في نصيبه لا تصح مقاسمته أي الوصي معهم أي الورثة نيابة عن الوصي له والفرق أن الوصي خليفة الميت والوارث خليفة عن الميت أيضا حتى يرد بالعيب ويرد عليه به فصلح الوصي خصما عن الوارث نيابة عنه لأن من كان خليفة لأحد كان خليفة لمن قام مقامه فصار تصرفه كتصرفه إذا كان غائبا فصحت قسمته عليه
أما الموصى له فليس بخليفة عن الميت من كل وجه لأن للموصى له ملكا جديدا ولهذا لا يرد بالعيب ولا يرد عليه فلم يصلح الوصي خصما عنه
____________________
(4/459)
عند غيبته فلم يكن تصرفه كتصرفه إذا كان غائبا فلم تصح القسمة عليه فيرجع الموصى له عليهم أي على الورثة بثلث ما بقي لو هلك حظه في يد الموصي لأن القسمة حيث لم تصح لم تنفذ عليه غير أن الوصي لا يضمن لأنه أمين فيه وله ولاية الحفظ في التركة فيكون له ثلث الباقي لأن الموصى له شريك الوارث فينوي ما نوى من المال المشترك على الشركة ويبقى ما بقي على الشركة وصحت القسمة للقاضي لو قاسمهم نيابة عنه أي الموصى له وأخذ قسطه أي نصيب الموصى له الغائب لأن للقاضي ولاية على الغائب فكانت قسمته كقسمة الغائب بنفسه وإذا صحت القسمة من القاضي كان له أن يفرز نصيبه ويقبضه فإن فعل ذلك وهلك المقبوض في يده عن الغائب لم يكن للموصى له على الورثة سبيل ولا على القاضي
وفي الوصية بحج لو قاسم الوصي الورثة فضاع عنده أي الوصي يؤخذ للحج ثلث ما بقي في يد الوصي يعني إذا أوصى الميت بحج فقاسم له الوصي مع الورثة وأخذ المال الموصى به فضاع في يده أحج عن الميت بثلث ما بقي من التركة
وكذا لو دفعه أي دفع الوصي المال الموصى به لمن يحج فضاع في يده أي المدفوع إليه واللام في لمن بمعنى إلى يؤخذ للحج ثلث ما بقي من التركة لأن القسمة لا تزاد لذاتها بل لمقصودها وهو تأدية الحج فصار كما إذا هلك قبل القسمة فحج بثلث ما بقي وهذا عند الإمام وعند أبي يوسف إن بقي من الثلث شيء أخذ وإلا فلا لأن محل الوصية الثلث فيجب تنفيذها ما بقي محلها وإذا لم يبق بطلت لفوات محلها وعند محمد لا يؤخذ شيء لأن القسمة حق الوصي ألا يرى أنه لو أفرز الموصي نفسه مالا ليحج عنه به فهلك المال بطلت الوصية وكذا إذا أفرزه الوصي الذي قام مقامه
ولو باع الوصي من التركة عبدا مع غيبة الغرماء جاز لأن الوصي قائم مقام الموصي ولو تولاه الموصي بنفسه حال حياته جاز بيعه وإن كان مريضا مرض الموت بغير محضر من الغرماء
____________________
(4/460)
فكذا الوصي لأنه قائم مقامه وذلك لأن حق الغرماء متعلق بالمالية لا بالصورة والبيع لا يبطل المالية لفواتها إلى خلف وهو الثمن بخلاف العبد المأذون له في التجارة حيث لا يجوز للمولى بيعه لأن للغرماء حق الاستسعاء بخلاف ما نحن فيه
وإن أوصى ببيع شيء من التركة والتصدق به على المساكين فباعه وصيه وقبض ثمنه فضاع في يده واستحق المبيع ضمنه أي ضمن الوصي الثمن للمشتري لأنه عاقد التزم للعهدة بالعقد على نفسه وهذه عهدة لأن المشتري منه لم يرض بدفع الثمن أن يسلم له المبيع ولم يسلم فقد أخذ الوصي مال الغير برضاه فيجب عليه رده ورجع الوصي به أي بما ضمن في التركة أي تركة الميت لأنه عامل للميت في تنفيذ وصيته فيرجع عليه كالوكيل وكان الإمام يقول لا يرجع لأنه ضمن بفعله وهو القبض فلا يرجع على غيره ثم رجع إلى ما ذكرنا ويرجع في جميع التركة وعن محمد أنه يرجع في الثلث لأن الرجوع بحكم الوصية لا لتنفيذها فأخذ حكم الوصية ومحلها الثلث وجه الظاهر أنه إنما يرجع عليه لأنه صار مغرورا من جهة الميت فكان الضمان دينا على الميت ومحل قضاء الدين كل التركة بخلاف القاضي أو أمينه إذا تولى البيع لأنه لا عهدة وفي التزام العهدة على القاضي تعطيل القضاء لنفار الناس عن تقلد القضاء خوفا عن لزوم الضمان وفي تعطيله تعطيل مصالح الناس وأمين القاضي سفير عنه كالرسول ولا كذلك الوصي لأنه كالوكيل فإن كانت التركة قد هلكت أو لم يكن بها وفاء لم يرجع بشيء لأن البيع وقع للميت لا للورثة وصار كسائر الديون التي تكون على الأموات المفاليس
ولو قسم الوصي التركة فأصاب الوارث الصغير شيء فقبضه الوصي وباعه وقبض ثمنه فضاع واستحق ذلك الشيء الذي باعه الوصي رجع الوصي في مال الصغير لأنه عامل له
و رجع الصغير على بقية الورثة بحصته لبطلان القسمة باستحقاق ما أصابه
ولا يصح بيع الوصي ولا شراؤه لا
____________________
(4/461)
بما يتغابن على صيغة المجهول فيه نائب الفاعل ليتغابن ولا يصح بما لا يتغابن في مثله لأن تصرفه مقيد بالنظر في حق الصغير قال الله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ولأن النظر في الغبن الفاحش بخلاف الغبن اليسير لأن في اعتباره تعطيل مصالحه لعدم إمكان التحرز عنه والصبي المأذون والعبد المأذون والمكاتب يصح بيعهم وشراؤهم بالغبن الفاحش عند الإمام لأن تصرفهم بحكم المالكية إذ الإذن فك الحجر أما الوصي فتصرفه بحكم النيابة الشرعية نظرا فيتقيد بموضع النظر وعندهما لا يجوز بالغبن الفاحش لأن العقد الذي فيه غبن فاحش بمنزلة الهبة من وجه فلا يملكه من لا يملك الهبة ويصحان أي بيع الوصي وشراؤه من نفسه إن كان فيه نفع للصغير كما إذا باع الوصي متاعا يساوي خمسة عشرة بعشرة من الصغير أو اشترى من متاع الصغير ما يساوي عشرة بخمسة عشر لنفسه صح خلافا لهما قياسا على الوكيل وللإمام ما تلونا من قوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن والتصرف المذكور داخل تحت الاستثناء قال الزيلعي أما إذا لم يكن فيه منفعة ظاهرة لليتيم فلا يجوز على قول محمد وأظهر الروايات عن أبي يوسف أنه لا يجوز على كل حال هذا في وصي الأب وأما وصي القاضي فلا يجوز بيعه من نفسه بكل حال لأنه وكيله وللأب أن يشتري شيئا من مال الصغير لنفسه إذا لم يكن فيه ضرر على الصغير بأن كان بمثل القيمة أو بغبن يسير وقال المتأخرون من أصحابنا لا يجوز للوصي بيع عقار الصغير إلا أن يكون على الميت دين أو يرغب المشتري بضعف قيمته أو يكون للصغير حاجة إلى الثمن قال الصدر الشهيد وبه يفتى وزاد في الفوائد الزينية على ما نقل عن الزيلعي ثلاث مسائل نقلا عن الظهيرية أحدها إذا كان في التركة وصية مرسلة لا يمكن تنفيذها إلا منه وفيما إذا كانت غلاته لا تزيد على مؤنته وفيما إذا كان حانوتا أو دارا يخشى عليه النقصان انتهى وزاد في الخانية أخرى وهي إذا كان العقار في يد متغلب وخاف الوصي عليه فله بيعه انتهى
وله أي للوصي دفع المال أي مال الصغير مضاربة وشركة وبضاعة لأنه قائم مقام الأب وللأب هذه التصرفات
____________________
(4/462)
فكذا للوصي
و له قبول الحوالة على الإملاء من الملاءة وهي القدرة على الأداء والمفضل عليه المحيل المديون لا على الأعسر من المحيل المديون لأن فيه تضييع مال اليتيم على بعض الوجوه وهو أن يحكم بسقوطه حاكم يرى سقوط الدين إذا مات الثاني مفلسا ولا يرى الرجوع على الأول بخلاف ما إذا كان المحتال عليه أملأ وأقدر على أداء الدين من المديون الأول فإنه يجوز لكونه خيرا لليتيم وإن لم يكن خيرا لليتيم بأن كان الثاني أفلس من الأول لا يجوز
بقي أنه إذا كان الثاني مثل الأول يسارا وإعسارا هل يجوز أم لا اختلف فيه المشايخ قال بعضهم يجوز وقال بعضهم لا يجوز
ولا يجوز له أي للوصي ولا للأب الإقراض لأنه ليس فيه منفعة دنيوية لليتيم ويحتمل التوى فكان الاحتياط في عدم الجواز ويجوز للأب الاقتراض أي أخذ القرض من مال الصغير لا للوصي والفرق بينهما أن للأب أن يأخذ من مال الصبي بقدر حاجته ولا كذلك للوصي ولا يتجر الوصي في مال الصغير لأن المفوض إليه الحفظ دون التجارة ويجوز بيعه أي بيع الوصي على الكبير الغائب إذا كان المبيع غير العقار لأن الأب يلي بيع ما سوى العقار ولا يليه فكذا وصيه لأنه يقوم مقامه وكان القياس أن لا يملك الوصي غير العقار أيضا ولا الأب كما لا يملكه على الكبير الحاضر إلا أنه لما كان فيه حفظ ماله جاز استحسانا فيما يتسارع إليه الفساد لأن حفظ ثمنه أيسر وهو يملك الحفظ فكذا وصيه وأما العقار فمحفوظ بنفسه فلا حاجة فيه إلى البيع ولو كان دين باع العقار ثم إن كان الدين مستغرقا باع كله بالإجماع وإن لم يكن مستغرقا باع بقدر الدين عندهما لعدم الحاجة إلى أكثر من ذلك
وعند الإمام جاز له بيعه كله لأنه تعين حفظا كالمنقول والأصح أنه
____________________
(4/463)
لا يملك لأنه نادر كما في التبيين
ووصي الأب أحق بمال الصغير من جده لأن بالإيصاء تنتقل ولاية الأب إليه فكانت ولاية الأب قائمة معنى فيقدم على الجد كالأب نفسه وعند الشافعي الجد أحق به حيث أقامه الشرع مقام الأب عند عدمه فإن لم يوص الأب فالجد كالأب أي إن لم يوص الأب إلى أحد فالجد أحق لأنه أشفق من الغير لقيامه مقام الأب في الإرث حتى يملك الإنكاح دون الوصي أما وصي الأب فإنه مقدم عليه كما سبق بيانه وفي النهاية لما لم تكن الشهادة في الوصية أمرا مختصا بالوصية أخر ذكرها لعدم عراقتها فيه
فصل شهد الوصيان أن الميت أوصى إلى زيد معهما لا تقبل شهادتهما لأنهما يجران نفعا
____________________
(4/464)
لأنفسهما بإثبات المعين لهما فبطلت للتهمة فإذا بطلت ضم القاضي إليهما ثالثا لأن في ضمن شهادتهما إقرارا منهما بأن الموصي ضم إليهما ثالثا وإقرارهما حجة عليهما فلا يتمكنان من التصرف بعد ذلك بدونه فصار في حقهما بمنزلة ما لو مات أحد الأوصياء الثلاث فللقاضي أن يضم ثالثا فكذا هنا إلا أن يدعيه زيد أي يدعي زيد أنه وصي معهما فحينئذ تقبل شهادتهما وهذا استحسان والقياس أن لا تقبل كالأول
وجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي ابتداء فيما إذا مات ولم يترك وصيا وله ولاية ضم آخر إليهما فكان هذا مثله في ضم مدعي الوصاية
وكذا لا تقبل لو شهد ابنا الميت أن أباهما أوصى إلى زيد وهو ينكر ذلك لجرهما بشهادتهما نفعا وهو إما أن يكون معينا لهما حافظا للتركة فكانا متهمين وشهادة المتهم غير مقبولة ولو ادعى المشهود له الوصاية تقبل استحسانا ووجهه ما ذكر في المسألة الأولى ولغت أي بطلت شهادة الوصيين بمال للصغير يعني لو شهد الوصيان لوارث صغير بمال له على آخر فلا تقبل شهادتهما سواء كان ذلك المال منتقلا إليه من الميت أو من غيره للتهمة في شهادتهما وكذا تلغو شهادتهما للكبير في مال انتقل إليه من الميت للتهمة في شهادتهما لأنهما يثبتان لأنفسها ولاية الحفظ عند غيبة الكبير وبيع العقار فتبطل شهادتهما وصحت شهادتهما له أي للكبير وحده في غيره أي في غير مال انتقل إليه من الميت لأنه لا ولاية لهما حينئذ في ذلك المال لأن الميت إنما أقامها مقامه في تركته لا في غيرها هذا عند الإمام وعندهما تصح شهادتهما للكبير في الوجهين أي في مال انتقل إليه سواء كان من الميت أو غيره لأنه لا تصرف لهما في حضرة الكبير فعريت شهادتهما عن التهمة وللإمام ما بيناه آنفا من التهمة عند غيبة الكبير فكفت هذه التهمة لرد شهادتهما
وشهادة الوصي على الميت جائزة لانتفاء التهمة في هذه الشهادة فتجوز عليه لا له أي الميت لما بينا من تحقق التهمة بإثباته لنفسه التصرف
ولو كانت تلك الشهادة بعد العزل من الوصاية
وإن لم يخاصم أي وإن لم يكن الوصي خصما في هذه الصورة بأن عزله القاضي ونصب غيره خصما في هذه الدعوى
____________________
(4/465)
لاحتمال التهمة بأن يكون جر لنفسه مغنما زمان وصايته فيشهد خوفا من زواله
ولو شهد رجلان لآخرين بدين ألف يجوز أن يكون ألف مضافا إليه وأن يكون بدلا من دين إذا قرئ منكرا وعلى وجه الإضافة فهي بيانية على ميت و شهد الآخران لهما أي للشاهدين أولين بمثله أي بمثل ذلك الدين وهو ألف صحتا أي الشهادتان من الطرفين عندهما خلافا لأبي يوسف فإنها لا تصح شهادة واحد منهما عنده للتهمة لكون الشهادة من كل منهما مثبتة حق الشركة في ذلك المال الذي أثبتاه على الميت
ولهما أن الدين يجب في الذمة وهي قابلة لحقوق شتى فلا شركة ولهذا لو تبرع أجنبي بقضاء دين أحدهما لا يشاركه الآخر وروى الحسن عن الإمام أنهم إذا جاءوا معا وشهدوا فالشهادة باطلة وأما إذا شهد اثنان لاثنين فقبلت شهادتهما ثم بعد ذلك ادعى ائتزرت الشاهدان دينا آخر على الميت فشهد لهما الغريمان الأولان تقبل ووجه هذه الرواية أنهما إذا جاءوا معا كان شهادة كل فريق معاوضة للفريق الآخر فتحققت التهمة بخلاف ما إذا كانت دعوى الفريق الآخر في وقت آخر فإنه حيث ثبت الحق للفريق الأول بلا تهمة والثاني لا يزاحمه فصار كالأول في انتفاء التهمة
ولو شهد كل فريق للآخر بوصية ألف لا تصح الشهادة من كل منهما لما بينا من التهمة في شهادة الألف الدين
ولو شهد أحد الفريقين للآخر بوصية جارية والآخر له أي لذلك الفريق بوصية عبد صحت شهادة كل من الفريقين بالاتفاق لأنه لا شركة فلا تهمة كذا قالوا لكن احتمال المعاوضة في الشهادة باق كما في صورة الشهادة بالدين أو الوصية بالألف تأمل
وإن شهد الفريق الآخر له أي للفريق الأول بوصية ثلث لا تصح يعني إذا شهد الفريق الأول بوصية عبد للفريق الآخر وشهد الفريق الآخر بوصية ثلث لا تصح شهادة كل واحد من الفريقين لما أن الشهادة في الصورة الأخرى أيضا أثبت المشاركة بين الفريقين بخلاف وصية العبد والجارية والله أعلم
____________________
(4/466)
كتاب الخنثى وهو على وزن فعلى بالضم أورده عقيب الوصايا لأن المسائل المتعلقة بالوصية من أحوال من هو ناقص القوة لإشرافه على الموت وهذه المسائل من أحوال من هو ناقص الخلقة هو أي الخنثى من الخنث بالفتح والسكون وهو اللين والتكسر وألفها للتأنيث ولذا لا يلحقها ألف ولا نون وكل القياس أن يوصف بالمؤنث ويؤنث الضمير الراجع كما هو المذكور في كلام الفصحاء إلا أن الفقهاء نظروا إلى عدم تحقيق التأنيث في ذاته فلم يلحقوا علامة التأنيث في وصفه وتذكيره تغليبا للذكورة
وفي القهستاني وإنما لم يؤنث لأنه غير معلوم عندنا فذكر نظرا إلى الأصل كالجزء والشكل من له ذكر وفرج أي ما له آلة الرجال وآلة النساء ويلحق به من عري عن الأليتين جميعا
وفي القهستاني خلافه قال وفيما ذكره إشعار بأن من لم يكن له شيء منهما وخرج بوله من سرته ليس بخنثى ولذا قال الإمام وأبو يوسف إنا لا ندري اسمه
وقال محمد إنه في حكم الأنثى
وإن بال من أحدهما اعتبر به أي إن بال من ذكره فذكر وأن بال من فرجه فأنثى لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سئل عن كيف يورث فقال من حيث
____________________
(4/467)
يبول ولأن التبول من أي عضو كان فهو دلالة على أنه هو العضو الأصلي الصحيح والآخر بمنزلة العيب
وإن بال منهما أي من الذكر والفرج اعتبر الأسبق لأنه يدل سبق خروجه على أنه المقصود الأصلي
وإن استويا في الخروج فهو مشكل أي غير محكوم عليه بكونه ذكرا أو أنثى عند الإمام وقال لا علم لي به وهذا من جملة ما توقف فيه من كمال ورعه ولا اعتبار بالكثرة أي كثرة البول في كونه ذكرا أو أنثى عنده خلافا لهما فإنهما قالا ينسب إلى أكثرهما لأنه علامة قوة ذلك العضو ولكونه عضوا أصليا ولأن للأكثر حكم الكل في أصول الشرع فيترجح الكثرة وبه قالت الأئمة الثلاثة
وله أن كثرة الخروج لا تدل على القوة لأنه قد تكون لاتساع في أحدهما وضيق في الآخر
فإذا بلغ الخنثى بالسن فإن ظهرت بعض علامات الرجال من نبات لحية أو قدرة على الجماع أو احتلام كالرجل أو كان له ثدي مستو فرجل أي فحكمه حكم الرجال فإن ظهر بعض علامات النساء من حيض وحبل وانكسار ثدي ونزول لبن فيه وتمكين من الوطء فامرأة أي فحكمه حكم النساء
وإن لم يظهر شيء من علامات الذكورة ولا من علامات الأنوثة أو تعارضت هذه المعالم مثل ما إذا حاض وخرجت له لحية أو يأتي ويؤتى فمشكل أي فهو خنثى مشكل لعدم المرجح
وعن الحسن يعد أضلاعه فإن ضلع الرجل يزيد على ضلع المرأة بواحد قال محمد الإشكال قبل البلوغ فإذا بلغ فلا إشكال
وفي المبسوط إذا بلغ صاحب الأليتين لا بد أن يزول الإشكال لأنه إذا جامع بذكره أو نبت له لحية أو احتلم كاحتلام الرجال فهو رجل وإن نبت له ثدي كثدي المرأة أو رأى حيضا أو جومع كما يجامعن أو ظهر به حبل أو نزل في ثديه لبن فهي امرأة كما مر في المتن
وإذا ثبت
____________________
(4/468)
الإشكال أخذ فيه أي في الخنثى المشكل بالأحوط فيصلي بقناع لاحتمال كونه امرأة حتى لو صلى بغير قناع يستحب أن يعيدها إذا كان حرا وكذلك يستحب أن يجلس في صلاته جلوس المرأة لأنه إن كان رجلا فقد ترك سنة وهو جائز في الجملة وإن كان امرأة فقد ارتكب مكروها لأن الستر على النساء واجب ما أمكن ويقف بين صفي الرجال والنساء فيقدم على النساء لاحتمال كونه رجلا فلو وقف في صفهم أي في صف الرجال فصلاته تامة لكن يعيد صلاته من لاصقه من جانبيه ومن بحذائه من خلفه لاحتمال أنه امرأة فتفسد صلاتهم وهذا إذا نوى الإمام إمامة النساء فإن لم ينو الإمام الإمامة فلا حاجة إلى أن يعيد هؤلاء صلاتهم بل يعيد هو احتياطا
وإن وقف في صفهن أي صف النساء أعاد صلاته هو أي الخنثى فقط لاحتمال أنه رجل فتجب الإعادة احتياطا فلا يلبس الخنثى حريرا ولا حليا لاحتمال كونه ذكرا والترجيح للحظر فيما يتردد بينه وبين الإباحة ويلبس المخيط في إحرامه ولا يكشف نفسه عند رجل لأنه لو كان مراهقة لم ينظر إلى ما سوى الوجه والكف منه ولو كان مراهقا لم ينظر إلى ما تحت سرته إلى ركبتيه ولا عند امرأة لأنها لا تنظر إلى ما تحت السرة إلى الركبة مراهقا كان أو مراهقة كما في القهستاني ولا يخلو به أي بالبالغ وما في حكمه غير محرم من رجل أو امرأة تحرزا عن احتمال الحرام ولا يسافر بغير محرم من الرجال ولا مع امرأة من محارمه لاحتمال أنه امرأة فيكون سفر امرأتين بلا محرم وهو غير جائز ولا يختنه رجل ولا امرأة تحرزا عن النظر إلى الفرج لاحتمال أنه رجل وامرأة ولكن تقدم أنه يجوز للطبيب والجراح النظر إلى موضع النظر للضرورة والظاهر أن النظر إلى موضع الختان من هذا القبيل كما في البرجندي لكن النظر ليس بمحله لأن الختان عندنا سنة تدبر وهذا إذا كان مراهقا وإلا فللرجل أن يختن بل تبتاع له أمة عالمة بالختن تختنه من ماله إن كان له أي للخنثى مال لأنه يجوز لمملوكته النظر إليه
____________________
(4/469)
رجلا أو امرأة في حال العذر وإلا أي وإن لم يكن له مال فمن بيت المال يقرض ثمنها ويشتريها لأنه أعد لنوائب المسلمين وهذا إذا كان أبوه معسرا وإلا فمن مال أبيه ثم أي بعد الختن تباع الأمة وجوبا ويرد ثمنها إلى بيت المال لوقوع الاستغناء عنها
وفيه إشعار بأنه لا يتزوج عالمة بختنه على ما قال شيخ الإسلام وذهب الحلواني إلى أنه يتزوجها لأنه كان امرأة ينظر الجنس إلى الجنس والنكاح لغو وإلا فكنظر المنكوحة إلى الناكح
فإن مات قبل ظهور حاله من الذكورة والأنوثة لا يغسل للاحتمالين بل يتيمم لأنه لا يمس شيء فيه إلا الوجه واليد بخلاف الغسل
وفيه إشعار بأن لا يشترى لأجل الغسل أمة لأنها أجنبية بعد الموت ولا حاجة إلى خرقة على اليد عند التيمم لكن في القهستاني هذا إذا كان المتيمم محرما فقد يتيمم بالخرقة
ويكفن في خمسة أثواب كما تكفن المرأة فهو أحب لاحتمال أنه أنثى ولا يحضر بعدما راهق غسل رجل ولا امرأة لاحتمال الحالين وندب تسجية قبره أي ستره بثوب عند الدفن لاحتمال أنه أنثى وستر قبرها واجب ويوضع الرجل أي جنازته لأنه ذكر بيقين مما يلي الإمام ثم هو أي الخنثى بقرب الرجل مما يلي القبلة ثم توضع المرأة بقرب الخنثى ليبعد عن النظر إن صلى عليهم جملة رعاية لحق الترتيب
وفيه إشعار بأن الأفضل عند اجتماع الجنائز أن يصلى على كل منفردا لأنه أبعد عن الخلاف
وله أي للخنثى المشكل أخس النصيبين من الميراث عند الإمام وأصحابه وعليه الفتوى كما في السراجية
وفي الكفاية أن محمدا مع
____________________
(4/470)
الإمام
وفي النظم أن أبا يوسف معهما في ظاهر الأصول أي الأقل من نصيب الذكر ومن نصيب الأنثى فإنه ينظر نصيبه على أنه ذكر وعلى أنه أنثى فيعطى الأقل منهما وإن كان محروما على أحد التقديرين فلا شيء له ثم فرعه وقال فلو مات أبوه عنه أي الخنثى وعن ابن فللابن سهمان وله سهم عنده لأن الأقل متيقن وفيما زاد عليه شك والمال لا يجب بالشك ولو تركه وبنتا فالمال بينهما نصفان فرضا وردا
وفي القهستاني وذا في صورتين
الأولى ما يفرض فيه الخنثى أنثى كما ذكره المصنف
والثانية ما يفرض فيه ذكرا وهذا مشتمل على صورتين
أحدهما ما يكون فيه الخنثى محروما كما إذا تركت زوجا وأختا لأب وأم وخنثى لأب فإنه إن كان أختا فله سهم هو السدس تكملة للثلثين ولكل من الزوج والأخت نصف فتعول المسألة من ستة إلى سبعة وإن كان أخا فمحروم لأنه عصبة لم يبق له شيء بعد فرضهما وهو النصفان ولا ريب أنه أخس الحالين فيفرض كونه ذكرا
والثانية ما يكون غير محروم كما إذا تركت زوجا وأما وخنثى لأب وأم فإنه إن كان الخنثى أختا لأب وأم فله نصف كالزوج وللأم ثلث فتعول المسألة من ستة إلى ثمانية وإن كان أخا فله سهم وللزوج نصف وللأم ثلث ولا يخفى أنه أخس الحالين لأن السهم الواحد من ستة أقل من ثلاثة أسهم من ثمانية فيفرض كونه ذكرا أيضا
و فيما إذا ترك الخنثى أباه وابنا عند الشعبي له نصف النصيبين وهو ثلاثة من سبعة عند أبي يوسف تخريجا أو مذهبا وذلك أن للابن عند الانفراد كل الميراث وللبنت نصفه فكان نصف الكل اثنين ونصف وواحد والمجموع ثلاثة أرباع فإن خرج أربعة تعول إلى سبعة فيجعل للخنثى ثلاثة وللابن أربعة والمجموع يكون سبعة وخمسة من اثني عشر عند محمد تخريجا وذلك إن كان ذكرا كان المال بينهما نصفين ولو كان أنثى كان المال بينهما أثلاثا فيكون له نصف النصف أي الربع ونصف الثلث أي السدس والباقي للابن فيحتاج إلى عدد له ربع وسدس وأقل ذلك اثني عشر وربعه ثلاثة وسدسه اثنان والمجموع خمسة فهي للخنثى والباقي أي سبعة للابن والتفاضل بين التفسيرين في هذه الصورة إنما هو بثلث ربع السبع كما لا يخفى على المحاسب
ولو قال سيده كل عبد لي حر أو
____________________
(4/471)
كل أمة لي حرة لا يعتق ما لم يستبن لأن الحنث لا يثبت بالشك ومن حلف بطلاق أو عتاق إن كان أول ولد تلدينه غلاما فولدت خنثى لم يقع حتى يستبين أمر الخنثى
ولو قال بعد تقرر إشكاله أنا ذكر أو أنثى لا يقبل قوله على الصحيح لأنه دعوى يخالف قضية الدليل وقبله أي قبل إشكاله يقبل لأن الإنسان أمين في حق نفسه والقول قول الأمين ما لم يعرف خلاف ما قاله
قد ذكرنا قبل هذا ذكر مسائل شتى أو مسائل منثورة أو مسائل متفرقة من دأب المصنفين لتدارك ما لم يذكروا بحق ذكره فيه خصوصا إذا انتهى الكتاب كتابة الأخرس مبتدأ خبره الآتي كالبيان وإيماؤه بما يعرف متعلق بقوله وإيماؤه به إقراره بنحو تزوج متعلق بالكتابة والإيماء على طريقة التنازع
____________________
(4/472)
وكذا ما عطف عليه بقوله وطلاق وبيع وشراء ووصية وقود وجب عليه أوله كالبيان إذا كان إيماء الأخرس وكتابته كالبيان وهو النطق باللسان يلزمه الأحكام المذكورة بالإشارة لأن الإشارة يكون بيانا من القادر فما ظنك من العاجز
وفي الهداية وإذا قرئ على الأخرس كتاب وصية فقيل له نشهد عليك بما في هذا الكتاب فأومأ برأسه أي نعم أو كتب فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه إقرار فهو جائز قال الشراح وإنما قيد بقوله فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه إقرار لأن ما يجيء من الأخرس ومعتقل اللسان على نوعين أحدهما ما يكون ذلك منه دلالة الإنكار مثل أن يحرك رأسه عرضا والثاني ما يكون ذلك منه دلالة الإقرار بأن يحرك رأسه طولا إذا كان معهودا منه في نعم انتهى
وفيه كلام لأنه لما فسر الإيماء برأسه في تقدير المسألة بقوله نعم تعين أن وضعها فيما جاء منه دلالة الإقرار فلم تبق حاجة في تقدير جوابها إلى قوله فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه إقرار بل كان يكفي قوله فهو جائز كما قال بعض الفضلاء لكن لا يخفى أن هذا الكلام لا ورود له لأن شأن الشارحين أن يطابقوا بكلامهم كلام المصنفين على وجه الإيضاح فإن من لم يتفطن لكلامهم قال ما قال
ولا يحد الأخرس لقذف ولا لغيره كالزناء وشرب الخمر أي لا يكون كتابة الأخرس وإيماؤه بالقذف ولا كتابته وإيماؤه بالإقرار بالزناء أو شرب الخمر كالبيان حتى يحد لأن الحدود تندرئ بالشبهات وفي كتابته وإيمائه شبهة وكذا لا يحد له إذا كان مقذوفا لبقاء احتمال كونه مصدقا للقاذف كما مر في الحدود ومعتقل اللسان أي الذي احتبس لسانه بحيث لا يقدر على النطق إن امتد به ذلك الاعتقال
____________________
(4/473)
إلى سنة في رواية وقيل الامتداد إلى أوان الموت إذ روي عن الإمام أنه قال إذا دامت العقلة إلى وقت الموت يجوز إقراره بالإشارة والإشهاد عليه لأنه عجز عن النطق بمعنى لا يرجى زواله قالوا وعليه الفتوى ذكره الإمام المحبوبي وعلمت إشارته أي المعتقل فهو كالأخرس وإلا أي وإن لم يمتد أو لم تعلم إشارته فلا يكون كالأخرس حكما هذا عندنا لأن الإشارة إنما تعتبر إذا صارت معهودة وذلك في الأخرس دون المعتقل ولأن الضرورة في الأصلي لازمة وفي العارضي على شرف الزوال إلا إذا عهدت الإشارة بالامتداد فحينئذ يكون بمنزلة الأخرس وعند الشافعي حكم المعتقل كحكم الأخرس في الامتداد وعدمه لأن المجوز هو العجز ولا فرق بين الأصلي والعارضي ولا بين القديم والحادث
والكتابة من الغائب ليست بحجة لأنه قادر على الحضور فلا يكون في كونها حجة ضرورة بخلاف الأخرس لكن قالوا الكتابة على ثلاثة أوجه إما مستبين مرسوم أي معنون مصدر مثل أن يكتب في أوله من فلان إلى فلان أو يكتب إلى فلان وفي آخره من فلان على ما جرت به العادة وهو أي هذا المذكور من الكتابة كالنطق في الغائب والحاضر على ما قالوا فيلزم حجة وفي زماننا الختم شرط لكونه معتادا
____________________
(4/474)
وكذا الكتب على كاغد حيث يشترط بناء على العرف المعروف حتى لو كتب على الغير يكون غير مرسوم فلهذا قال وأما مستبين غير مرسوم كالكتابة على الجدار وورق الشجر وينوي فيه فليس بحجة إلا بالنية والبيان لأنه بمنزلة الكتابة من الصريح فلا يصلح حجة وأما غير مستبين كالكتابة على الهواء والماء بمنزلة الكلام غير مسموع ولا عبرة به فلا يثبت به الحكم وإن نوى وأما الإشارة فهو حجة من الأخرس في حق هذه الأحكام للضرورة لأنها من حقوق العباد ولا تختص هذه التصرفات بلفظ خاص بل تثبت بألفاظ كثيرة وتثبت بفعل يدل على القول فكذا يجب أن تثبت بإشارته لحاجته إلى ذلك والغالب في القصاص حق العبد والحدود حق الله تعالى وهي تسقط بالشبهات
وإذا اختلط الذكية بميتة أقل منها أي من الذكية تحرى وأكل في حالة الاختيار وإلا أي وإن لم تكن الميتة أقل منها بل مساوية أو أكثر فلا تؤكل حالة الاختيار لكن يتحرى في أكلها عند الاضطرار وفي الهداية وإذا كان الغنم مذبوحة وفيها ميتة فإن كانت المذبوحة أكثر تحرى فيها وأكل وإن كانت الميتة أكثر أو كانتا نصفين لم يؤكل وهذا إذا كانت الحالة حالة الاختيار وأما في حالة الضرورة يحل له التناول في جميع ذلك لأن الميتة المتيقنة تحل له في حالة الضرورة فالذي تحتمل أن يكون ذكية أولى غير أنه يتحرى لأنه طريق يوصله إلى الذكية في الجملة فلا يتركه من غير ضرورة
وقال الشافعي لا يجوز الأكل في حالة الاختيار وإن كانت المذبوحة أكثر لأن التحري دليل ضروري فلا يصار إليه من غير ضرورة ولا ضرورة لأن الحالة حالة الاختيار ولنا أن الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة
ألا يرى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرم والمسروق والمغصوب مع ذلك يحل التناول اعتمادا على الغالب وهذا لأن القليل لا يمكن الاحتراز عنه ولا يستطاع
____________________
(4/475)
الامتناع فسقط اعتباره دفعا للحرج كقليل النجاسة وقليل الانكشاف بخلاف ما إذا كانتا نصفين أو كانت الميتة أغلب لأنه لا ضرورة
وإذا أحرق رأس الشاة المتلطخ بدم وزال دمه فاتخذ منه مرقة جاز استعمالها والحرق كالغسل لأن النار تأكل ما فيه من النجاسة حتى لا يبقى فيه شيء أو يحيله فيصير الدم رمادا فيطهر بالاستحالة قالوا إذا تنجس التنور يطهر بالنار حتى لا يتنجس الخبز
ولو جعل السلطان الخراج لرب الأرض جاز بخلاف العشر هذا عند أبي يوسف وعند الطرفين لا يجوز فيهما لأنهما فيء لجماعة المسلمين
وله أن صاحب الخراج له حق في الخراج فصح تركه عليه وهو صلة من الإمام والعشر حق الفقراء على الخلوص كالزكاة ولا يجوز تركه عليه وعلى قول أبي يوسف الفتوى كما في التبيين وغيره وإذا ترك الإمام خراج أرض رجل أو كرمه أو بستانه ولم يكن أهلا لصرف الخراج إليه عند أبي يوسف يحل له وهو الفتوى وعند محمد لا يحل له وعليه أن يرده إلى بيت المال أو إلى من هو أهل لذلك وإن لم يفعل أثم ولو ترك العشر لا يجوز بالإجماع
ولو دفع الإمام الأراضي المملوكة إلى قوم أي إن عجز أصحاب الخراج عن زراعة الأرض وأداء الخراج ودفع الإمام الأراضي إلى غير أصحابها بالأجرة أي يؤاجرها من القادرين على الزراعة ويأخذ الخراج من أجرتها ليعطوا الخراج لمستحقه جاز ذلك من الإمام لما فيه من المصلحة فإن فضل شيء من أجرتها يدفعه إلى أصحابها وهم الملاك لأنه لا وجه إلى إزالة ملكهم بغير رضاهم من غير
____________________
(4/476)
ضرورة ولا وجه إلى تعطيل حق المقاتلة فتعين ما ذكرنا فإن لم يجد الإمام من يستأجرها باعها الإمام لمن يقدر على الزراعة ولو لم يبعها يفوت حق المقاتلة في الخراج أصلا ولو باع يفوت حق الملك في العين والفوات إلى خلف كلا فوات فيبيع تحقيقا للنظر من الجانبين وليس له أن يملكها غيرهم بغير عوض ثم إذا باعها يأخذ الخراج الماضي من الثمن إن كان عليهم خراج ورد الفضل إلى أصحابها
قيل هذا قولهما لأن عندهما القاضي يملك بيع مال المديون بالدين والنفقة وأما عند الإمام فلا يملك ذلك فلا يبيعها لكن يأمر ملاكها ببيعها وقيل هذا قول الكل والفرق للإمام بين هذا وبين غيره من الديون أن في هذا إلزام ضرر خاص لنفع عام ولإزالة الضرر عن العام وذلك جائز عنده ولأن الخراج حق متعلق برقبة الأرض فصار كدين العبد المأذون له ودين الميت في التركة فإن القاضي يملك البيع فيهما لتعلق الحق بالرقبة كما في التبيين
ولو نوى قضاء رمضان ولم يعين عن أي يوم صح أي لو كان عليه قضاء صوم يوم أو أكثر من رمضان واحد فقضاه ناويا عن قضاء رمضان ولم يعين أنه عن يوم كذا جاز وكذا لو صام ونوى عن يومين جاز عن يوم واحد
ولو عن رمضانين فلا يصح في الأصح ما لم يعين أنه صائم عن رمضان سنة كذا كما في التبيين
وكذا لا يصح في قضاء الصلاة لو نوى ظهرا عليه مثلا ولم ينو أول ظهر أو آخر ظهر أو ظهر يوم كذا ولو نوى أول ظهر عليه أو آخر ظهر عليه جاز لأن الصلاة تعينت بتعيينه وكذا الوقت معين بكونه أولا وآخرا فإذا نوى أول صلاة عليه وصلى مما يليه يصير أولا أيضا فيدخل في نية أول ظهر عليه ثانيا وكذا ثالثا إلى ما لا يتناهى وكذا الآخر وهذا مخلص من لم يعرف الأوقات التي فاتته أو اشتبهت عليه وأراد التسهيل على نفسه وقيل يصح نيته عن رمضانين وكذا نيته ظهرا عليه مثلا فيهما أي في قضاء الصوم وقضاء الصلاة أيضا أي لو نوى قضاء رمضان ولم يعين أي يوم وهذا قول بعض المشايخ لكن الأول أصح
ولو ابتلع الصائم بزاق غيره فإن كان حبيبه لزمه الكفارة وإلا وإن لم يكن حبيبه فلا يلزمه الكفارة
____________________
(4/477)
ويجب القضاء كما بيناه في موضعه
وقتل بعض الحاج عذر في ترك الحج لأن أمن الطريق شرط الوجوب أو شرط الأداء على ما بين في موضعه ولا يحصل ذلك مع قتل البعض في طريق الحج فكان معذورا في ترك الحج فلا يأثم بتركه
ومن قال لامرأة عند شاهدين توزن من شدي يعني أنت هل صرت زوجة لي فقالت المرأة شدم أي صرت لا ينعقد النكاح بينهما ما لم يقل قبول كردم لأن قولها شدم إيجاب فما لم يوجد القبول لا ينعقد وقوله ابتداء توزن من شدي وارد فيه على سبيل الاستفهام والمشاورة
ولو قال لها أي لامرأة عند شاهدين خويشتن را زن من كردانيدي معناه هل جعلت نفسك لي زوجة فقالت المرأة كردانيدم أي جعلت فقال الرجل بذير فتم يعني قبلت ينعقد النكاح بينهما لأن قولها كردانيدم إيجاب وقوله بذير فتم قبول
ولو قال لرجل دختر خويشتن را يسربا من أرزاني داشتي معناه هل جعلت بنتك لائقة لابني فقال داشتم يعني جعلت لا ينعقد ما لم يقل قبول كردم لأن هذا اللفظ لا ينبئ عن التمليك
ولو منعت المرأة زوجها من الدخول عليها أي المرأة وهو أي والحال أن الزوج يسكن معها في بيتها أي في بيت المرأة كانت المرأة ناشزة لأنها حبست نفسها منه بغير حق فلا تجب النفقة لها ما دامت على منعه
____________________
(4/478)
فيتحقق النشوز منها فصار كحبسها نفسها في منزل غيرها هذا إذا منعته ومرادها السكنى في منزلها ولو سكن في بيت الغصب فامتنعت منه فلا تكون ناشزة لأنها محقة إذ السكنى فيه حرام وكذا لا تكون ناشزة لو كان المنع لينقلها إلى منزل الزوج وكذا إذا كانت ساكنة معه في منزله ولم تمكنه من الوطء لأنه يمكن الوطء كرها غالبا فلا يعد منعا ولو قالت لا أسكن مع أمتك وأريد نفس المتكلم وحده بيتا على حدة فليس لها ذلك لأنه لا بد له ممن يخدمه فلا يمكن منعه من ذلك
ولو قالت المرأة مر إطلاق ده فقال الزوج داده كير أو حزب كير أو داده باد أو حزب باد معناه أعطني طلاقا فقال افرضي وقدري أنه قد أعطى أو أنه قد فعل أو أنه كان أعطى أو أنه كان قد فعل لأن قوله كير معناه الأصلي أمسك لكن معناه هنا افرضي وقدري إن نوى الطلاق يقع وإلا أي وإن لم ينو فلا يقع لاحتمال الوعد والإيقاع فيحتاج إلى نية الإيقاع
ولو قال الزوج داده است في جواب قولها مر إطلاق ده أو حزب است يقع الطلاق
وإن وصلية لم ينو لأنه لا يحتمل غير الإيقاع فلا يحتاج إلى النية
ولو قال داده آنكار و حزب آنكار لا يقع الطلاق
وإن وصلية نوى الوقوع والفرق بينهما أن في الأول إخبارا عن الوقوع فيقع مطلقا وفي الثانية ليس بإخبار لأن معنى قوله داده آنكار افرضي أنه وقع أو احسبي فلا يقع به شيء
ولو قال وى مرا نشايد تاقيامت يعني هي لا تليق لي إلى يوم القيامة أو همه عمر أي هي لا تليق في جميع عمري أو مدة عمري لا يقع الطلاق إلا بالنية لأنه من الكنايات
ولو قال لها حيله زنان كن فهو إقرار
____________________
(4/479)
بالطلاق الثلاث لأن معنى كلامه افعلي حيلة النساء ومقصودهم بهذا احفظي عدتك أو عدي أيام عدتك فإن هذا عندهم كناية عن وقوع الطلاق الثلاث لأن المرأة لا تشتغل بأمور إلا بعد تيقن وقوع الثلاث
ولو قال حيله خويشتن كن فلا يكون إقرارا بالطلاق الثلاث لأن هذا ليس بكناية عن الطلاق عندهم
وفي التنوير قال إن كان الله يعذب المشركين فامرأته طالق قالوا لا تطلق امرأته لأن من المشركين من لا يعذب وتمامه في شرحه فليطالع
ولو قالت امرأة له أي للزوج كابين وسوبيا بخشيدم معناه وهبت لك المهر مرا ازجنك بازدار معناه خلصنا من نزاعك فإن طلقها أي الزوج المرأة سقط المهر وإلا أي وإن لم يطلقها فلا يسقط المهر للتعليق
ولو قال لعبده يا مالكي أو لأمته أنا عبدك لا يعتق أي لا يقع العتق في العبد ولا في الأمة لأنه ليس بصريح العتق ولا كناية له فلا يكون فيه شيء مما يقتضي العتق بخلاف قوله لعبده يا مولاي لأن حقيقته تنبئ عن ثبوت الولاء وذلك بالعتق فيعتق
ولو دعا إلى فعل فقال المدعو برمن سو كندست يعني علي اليمين كه أين كار يعني هذا الفعل نكنم أي لا أفعل فهو إقرار باليمين بالله تعالى لا باليمين بغيره تعالى كالطلاق ونحوه حملا على المشروع وهو اليمين بالله تعالى
وإن قال برمن سو كندست بطلاق معناه علي اليمين بالطلاق فإقرار بالحلف بالطلاق للتصريح به حتى إذا فعله تطلق امرأته
وإن قال قلت ذلك كذبا لا
____________________
(4/480)
يصدق احتياطا في باب اليمين
و كذا يكون إقرارا بالحلف بالطلاق لو قال مراسوكند خانه است أين كار نكنم معناه أنا حالف بيمين البيت أن لا أفعل هذا الفعل فهو إقرار بالطلاق اعتبارا بالعرف
ولو قال المشتري للبائع بعد البيع بهارا بازده معناه رد الثمن فقال البائع بدهم أي أرد يكون فسخا للبيع لأن قول المشتري بهارا بازده يتضمن قوله فسخت البيع وقول البائع بدهم يتضمن قوله قبلت الفسخ فكان فسخا من الجانبين العقار المتنازع فيه لا يخرج من يد ذي اليد ما لم يبرهن المدعي على أنه في يده أي إذا ادعى عقارا لا يكتفى بذكر المدعي أنه في يد المدعى عليه وبتصديق المدعى عليه في ذلك بل لا بد من إقامة البينة أنه في يد المدعى عليه حتى يصح دعواه أو علم القاضي في الصحيح كما مر في الدعوى لأن يد المدعى عليه لا بد منه لتصح الدعوى عليه إذ هو شرط فيها ويحتمل أن يكون في يد غيره فبإقامة البينة تنتفي تهمة المواضعة فأمكن القضاء عليه بإخراجه من يده لتحقق يده بخلاف المنقول لأن اليد فيه مشاهدة فلا يحتاج إلى إثباتها بالبينة كما في التبيين
وفي البزازية هذا إذا ادعاه ملكا مطلقا أما إذا ادعى الشراء من ذي اليد وإقراره بأنه في يده فأنكر الشراء وأقر بكونه في يده لا يحتاج إلى إقامة البينة على كونه في يده
ولا يصح قضاء القاضي في عقار ليس في ولايته لكن في التنوير عقار لا في ولاية القاضي يصح قضاؤه فيه وقال في شرحه وإنما عدلنا عما اعتمده في البزازية والخلاصة من أن الصحيح أن قضاء القاضي في المحدود لا يصح إن لم يكن المحدود في ولايته انتهى
وفي تبيين الكنز علل عدم صحة القضاء بقوله لأنه لا ولاية له في ذلك المكان
قال وقد اختلف المشايخ فيه هل يعتبر المكان أو الأهل فقيل يعتبر المكان وقيل يعتبر الأهل حتى لا ينفذ قضاؤه في غير ذلك المكان على قول من يعتبر
____________________
(4/481)
المكان ولا في غير ذلك الأهل على من يعتبر الأهل وإن خرج القاضي مع الخليفة من المصر قضى وإن خرج وحده لم يجز قضاؤه فهذا ينبغي أن يكون على قول من اعتبر المكان لأن القضاء من أعلام الدين فيكون المصر شرطا فيه كالجمعة والعيدين وعن أبي يوسف أن المصر ليس بشرط فيه وإليه أشار محمد أيضا انتهى
وفي البزازية أن ما أشار إليه محمد هو رواية النوادر وبه يفتى
وإذا قضى القاضي في حادثة ببينة ثم قال رجعت عن قضائي أو بدا لي أي ظهر لي غير ذلك القضاء أو وقفت في تلبيس الشهود أو أبطلت حكمي ونحو ذلك لا يعتبر قوله والقضاء ماض إن كان بعد دعوى صحيحة وشهادة مستقيمة لأن رأيه الأول قد ترجح بالقضاء فلا ينقض باجتهاد مثله ولا يملك الرجوع عنه ولا إبطاله لأنه تعلق به حق الغير به وهو المدعي
ألا ترى أن الشاهد لما اتصل بشهادته القضاء لا يصح رجوعه ولا يملك إبطالها لما مر في موضعه فكذا القاضي
وقال الشعبي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقضي بالقضاء ثم ينزل القرآن بعد الذي قضى بخلافه فلا يرد قضاءه فيستأنف
وفي المحيط وهذا يدل على أن القاضي إذا قضى بالاجتهاد في حادثة لا نص فيها ثم تحول عن رأيه فإنه يقضي في المستقبل بما هو أحسن عنده ولا ينقض ما مضى من قضائه لأن حدوث الاجتهاد والرأي دون نزول القرآن والنبي عليه الصلاة والسلام لم ينقض القضاء الذي قضى بالرأي بالقرآن الذي نزل بعده فهذا أولى بخلاف ما إذا قضى باجتهاده في حادثة ثم تبين نص بخلافه فإنه ينقض ذلك القضاء ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قضى باجتهاده ونزل القرآن بخلافه ومع ذلك لم ينقض قضاء الأول
والفرق أن القاضي حال ما قضى باجتهاده فالنص الذي هو مخالف لاجتهاده كان موجودا منزلا إلا أنه خفي عليه وكان الاجتهاد في محل النص فلا يصح والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم حال ما قضى باجتهاده كان الاجتهاد في محل لا نص فيه فيصح وصار ذلك شريعة له فإذا نزل القرآن بخلافه صار ناسخا لذلك الشريعة كما في التبيين وظاهره أن وقوع القضاء بالبينة لا بد منه في عدم صحة رجوع القاضي عنه وقيده في الخلاصة بذلك
وقال ابن وهبان ويفهم من التقييد أنه كان إذا قضى بعلمه يجوز له الرجوع
وفي التنوير إذا قال الشهود قضيت وأنكر القاضي بأن قال لم أقض فالقول للقاضي على القول المفتى به ما لم ينفذه قاض آخر أما إذا أنفذه قاض آخر لا يكون القول قوله في
____________________
(4/482)
أنه لم يقض لوجود قضائه الثاني به
ومن له على آخر حق فخبأ صاحب الحق قوما ثم سأله أي سأله الآخر عنه أي عن الحق الذي عليه فأقر به أي بذلك الحق وهم أي القوم يرونه أي المقر ويسمعونه أي يسمعون إقراره وهو أي المقر لا يراهم صحت شهادتهم عليه بذلك الإقرار لأن الإقرار موجب بنفسه وقد علموه والعلم هو الركن في إطلاق أداء الشهادة قال الله تعالى إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وقال صلى الله تعالى عليه وسلم إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع
وإن سمعوا كلامه و لكن لم يروه أي المقر فلا تصح شهادتهم عليه بذلك الإقرار لأن النغمة تشبه النغمة فيحتمل أن يكون المقر غيره إلا إذا كانوا دخلوا البيت وعلموا أنه ليس فيه أحد سواه ثم جلسوا على الباب وليس للبيت مسلك غيره ثم دخل رجل فسمعوا إقرار الداخل ولم يروه وقت الإقرار لأن العلم حاصل لهم في هذه الصورة فجاز لهم أن يشهدوا عليه كما مر في موضعه
ولو بيع عقار وبعض أقارب البائع حاضر يعلم البيع وسكت لا تسمع دعواه بعده بخلاف الأجنبي ولو جارا إلا إذا تصرف المشتري فيه زرعا وبناء حيث تسقط دعواه على ما عليه الفتوى قطعا للأطماع الفاسدة بخلاف ما إذا باع الفضولي ملك رجل والمالك ساكت حيث لا يكون رضي عندنا خلافا لابن أبي ليلى
وفي التبيين لم يعين القريب هنا وفي الفتاوى لأبي الليث ذكر أنه لو باع عقارا وابنه وامرأته حاضر يعلم به وتصرف المشتري فيه زمانا ثم ادعى الابن أنه ملكه ولم يكن ملك أبيه وقت البيع اتفق مشايخنا على أنه لا تسمع مثل هذه الدعوى وهو تلبيس محض وحضوره عند البيع وتركه فيما يصنع فيه إقرار منه بأنه ملك البائع وأن لا حق له في المبيع وجعل
____________________
(4/483)
سكوته في هذه الحالة كالإفصاح بالإقرار قطعا للأطماع الفاسدة لأهل العصر في الإضرار بالناس وتقييده بالقريب يبقي جواز ذلك مع القريب انتهى
لكن لم يقيده المصنف بقوله أن يتصرف المشتري فيه زمانا لأن التقييد به يوجب التسوية بين القريب والجار مع أن الجار يخالفه قال ظهير الدين فتوى أئمة بخارى على أن سكوته لا يكون تسليما وله المطالبة والدعوى كما إذا كان الحاضر الساكت غير الولد والزوجة والقريب لأن سكوت الناطق لا يجعل إقرارا وأئمة خوارزم على رأي أئمة سمرقند حيث لا تسمع دعواه واختار القاضي في فتاواه أنه تسمع في الزوجة لا في غيرها
وفي المنح يتأمل المفتي في ذلك إن رأى المدعي الساكت الحاضر ذا حيلة أفتى بعدم السماع وإن رأى خلافه أفتى بالسماع لكن الغالب على أهل الزمان الفساد فلا يفتى إلا بما اختاره أهل خوارزم
ولو وهبت امرأة مهرها من زوجها ثم ماتت المرأة فطلب أقاربها المهر منه وقالوا أي الورثة كانت الهبة في مرض موتها أي المرأة وقال الزوج لا بل في صحتها فالقول له أي للزوج
وفي التبيين والقياس أن يكون القول للورثة لأن الهبة حادثة والحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات ووجه الاستحسان أنهم اتفقوا في سقوط المهر عن الزوج لأن الهبة في مرض الموت تفيد الملك وإن كانت للوارث
ألا ترى أن المريض إذا وهب عبدا لوارثه فأعتقه الوارث أو باعه نفذ تصرفه ولكن يجب عليه الضمان إن مات المورث في ذلك المرض ردا للوصية للوارث بقدر الإمكان فإذا سقط عنه المهر بالاتفاق فالوارث يدعي العود عليه بموتها والزوج ينكر فالقول قول المنكر انتهى
وقال صاحب المنح فالقول للورثة هذا هو المعتمد كما في الخانية ونص كلامه رجل مات وترك مالا فادعى بعض الورثة عينا من أعيان التركة أن المورث وهب له في صحته وقبضه ونفته الورثة قالوا إن كان ذلك في المرض فالقول يكون قول من يدعي الهبة في المرض وإن أقاموا البينة فالبينة بينة من يدعي الهبة في الصحة كذا ذكر في الجامع الصغير انتهى
ولو أقر بحق ثم قال كنت كاذبا فيما أقررت حلف المقر له أن المقر لم يكن كاذبا فيما أقر ولست بمبطل فيما تدعي عليه عند أبي يوسف وهو استحسان وعندهما يؤمر بتسليم المقر به إلى المقر له وهو القياس لأن الإقرار حجة ملزمة شرعا فلا يصار معه إلى اليمين كالبينة بل أولى لأن احتمال الكذب فيه أبعد لتضرره
____________________
(4/484)
بذلك
وجه الاستحسان أن العادة جرت بين الناس أنهم يكتبون صك الإقرار ثم يأخذون المال فلا يكون الإقرار حجة على اعتبار هذه الحالة فيحلف وبه أي بقول أبي يوسف يفتى لتغير أحوال الناس وكثرة الخداع والخيانات وهو يتضرر بذلك والمدعي لا يضره اليمين إن صادقا فيصار إليه كما في التبيين
وفي مجمع الفتاوى أن البائع لو أقر بقبض الثمن ثم قال لم أقبضه يحلف المشتري استحسانا وكذا لو أقر الواهب ثم أنكر وأراد استحلاف الموهوب يحلف وكذا لو أقر بقبض الدين ثم قال كذبت وكذا لو أقر المشتري بقبض المبيع ثم قال لم أقبضه فله ذلك استحسانا عنده لا عند الطرفين وروي أن محمدا لما قلد القضاء رجع إلى قول أبي يوسف والإقرار ليس سببا للملك لأنه ليس بناقل لملك المقر إلى المقر له لأن الإقرار إخبار يحتمل الصدق فيجوز تخلف مدلوله الوضعي عنه بخلاف الإنشاء كالبيع والهبة ونحوهما لأنه إيجاد معنى بلفظ يقارنه في الوجود فيمتنع فيه التخلف
ولو قال لآخر وكلتك بيع هذا الشيء فسكت المخاطب صار وكيلا لأن سكوته وعدم رده من ساعته دليل القبول عادة ونظيره هبة الدين ممن عليه الدين وإذا سكت صحت الهبة وسقط لما بيناه وإن قال من ساعته لا أقبل بطل وبقي الدين على حاله
ومن وكل امرأته بطلاق نفسها لا يملك الزوج الموكل عزلها لأنه يمين من جهته لما فيه من معنى اليمين وهو تعليق بفعلها فلا يصح الرجوع عن اليمين وهو تمليك من جهتها لأن الوكيل هو الذي يعمل لغيره وهي عاملة لنفسها فلا تكون وكيلة بخلاف الأجنبي كما في التبيين
ولو قال لآخر وكلتك بكذا على أني متى عزلتك فأنت وكيلي فطريق عزله أن يقول عزلتك ثم عزلتك لأن الوكالة يجوز تعليقها بالشرط فيجوز تعليقها بالعزل عن الوكالة فإذا عزله انعزل عن الوكالة المنجزة فتنجزت المعلقة فصار وكيلا جديدا ثم بالعزل الثاني انعزل
____________________
(4/485)
عن الوكالة الثانية كما في التبيين
ولو قال لآخر وكلتك بكذا على أني كلما عزلتك فأنت وكيلي لا يكون معزولا بل كلما عزله كان وكيلا لأن كلما تفيد عموم الأفعال فإذا أراد أن يعزله فطريقه أن يقول رجعت عن الوكالة المعلقة وعزلتك عن المنجزة فإنه إذا رجع عنها لا يبقى لها أثر فإذا قال بعدها وعزلتك عن الوكالة المنجزة الحاصلة من لفظ كلما فحينئذ ينعزل
وقبض بدل الصلح قبل التفرق شرط إن كان الصلح دينا بدين بأن وقع الصلح على دراهم عن الدنانير أو على شيء آخر في الذمة لأنه صرف أو بيع وفيه لا يجوز الافتراق عن الدين بالدين وإلا أي وإن لم يكن دينا بدين فلا يشترط قبضه لأن الصلح إذا وقع على غير متعين لا يبقى دينا في الذمة فجاز الافتراق عنه وإن كان مال الربا كما إذا وقع الصلح على شعير بعينه عن حنطة في الذمة وقد مر في موضعه
ومن ادعى على صبي دارا فصالحه أبوه على مال الصبي فإن كان له أي للمدعي بينة جاز الصلح إن كان بمثل القيمة أو أكثر بما يتغابن فيه بين الناس لأن للصبي فيه منفعة وهي سلامة العين له لأنه لو لم يصالح يستحقه المدعي بالبينة فيأخذه فيكون هذا الصلح من الأب بمنزلة الشراء من المدعي وإن لم يكن له أي للمدعي بينة أو كانت البينة غير عادلة لا يجوز الصلح لأن الأب يصير متبرعا بمال الصبي بالصلح لا مشتريا لأنه لم يستحق المدعي شيئا من ماله لولا الصلح
ومن قال لا بينة لي على دعوى هذا الحق ثم برهن أي أقام بينة صح برهانه لأنه يمكن أن تكون له بينة فنسيها ثم ذكرها بعد ذلك وعن الإمام أنها لا تقبل لظاهر التناقض والأصح القبول بخلاف ما إذا قال ليس لي حق
____________________
(4/486)
عليه ثم ادعى عليه حقا حيث لا تسمع دعواه للتناقض
وكذا لو قال لا شهادة لي في هذه القضية ثم شهد لما مر
وعن الإمام أنها لا تقبل أيضا وقيل تقبل وفاقا إن وافق
وفي التنوير قال تركت دعواي على فلان وفوضت أمري إلى الآخرة لا تسمع دعواه بعده
وفي التبيين لو قال ليس لي عند فلان شهادة ثم جاء به فشهد فإنه تقبل شهادته أو قال لا حجة لي على فلان ثم أتى بالحجة فإنها تقبل ولو قال لا أعلم لي حقا على فلان ثم أقام البينة أن له عليه حقا تقبل ولو قال هذه الدار ليست لي أو ذلك العبد ثم أقام بينة أن الدار أو العبد له تقبل بينته لأنه لم يثبت بإقراره حقا لأحد وكل إقرار لم تثبت به لغيره حق كان لغوا ولهذا تصح دعوى الملاعن نسب ولد نفى بلعانه نسبه لأنه حين نفاه لم يثبت فيه حقا
وللإمام الذي ولاه الخليفة أن يقطع من الإقطاع إنسانا من طريق الجادة وهي الشارع الأعظم إن لم يضر ذلك بالمارة لعموم ولايته في حق الكافة فيما فيه نظر بهم وكان له ذلك من غير أن يلحق ضررا بأحد ألا ترى أنه إذا رأى أن يدخل بعض الطريق في المسجد أو بالعكس وكان في ذلك مصلحة للمسلمين كان له أن يفعل ذلك والإمام الذي ولاه الخليفة بمنزلة الخليفة لأنه نائبه فيملك ما يملكه
ومن صادره السلطان بأن أراد أن يأخذ منه مالا ولم يعين السلطان بيع ماله بل طلب منه جملة من المال فباع ماله نفذ بيعه لأنه غير مكره به وإنما باع باختياره غاية الأمر أنه احتاج إلى بيعه لإيفاء ما طلب منه وذلك لا يوجب الكره كالدائن إذا حبس بالدين فباع ماله لقضاء الدين الذي عليه فإنه يجوز لأنه باعه باختياره وإنما وقع الكره في الإيفاء لا في البيع كما في التبيين
ولو خوف امرأته بالضرب حتى وهبت مهرها منه لا تصح الهبة إن قدر على الضرب لأنها مكرهة عليه إذ الإكراه على المال يثبت بمثله
وإن أكرهها أي المرأة على الخلع ففعلت يقع الطلاق لأن الطلاق المكره واقع ولا يجب المال إذ الرضا
____________________
(4/487)
شرط فيه وقد انعدم على ما بيناه في الإكراه
ولو أحالت أي المرأة إنسانا بالمهر على الزوج ليأخذ منه عوض دينه مثلا ثم وهبته من الزوج لا تصح الهبة لأنه تعلق به حق المحتال على مثال الرهن فصار كما لو باع المرهون أو وهبه
ومن اتخذ بئرا أو بالوعة في داره فنز منها أي من البئر أو البالوعة حائط جاره وطلب الجار تحويله أي تحويل ذلك إلى موضع آخر لا يجبر عليه أي على التحويل لأنه تصرف في خالص ملكه
وإن سقط الحائط منه أي من ذلك أي من سبب النز لا يضمنه أي لا يضمن صاحب البئر لأن هذا تسبيب فلا يجب الضمان إلا بالتعدي
ومن عمر دار زوجته بماله أي بمال الزوج بإذنها أي بإذن الزوجة فالعمارة تكون لها أي للزوجة لأن الملك لها وقد صح أمرها بذلك والنفقة التي صرفها الزوج على العمارة دين له أي للزوج عليها أي على الزوجة لأنه غير متطوع فيرجع عليها لصحة الأمر فصار كالمأمور بقضاء الدين
وإن عمرها أي الدار لها أي للزوجة بلا إذنها أي الزوجة فالعمارة لها أي للزوجة وهو أي الزوج في العمارة متبرع في الإنفاق فلا يكون له الرجوع عليها به وإن عمر لنفسه بلا إذنها أي الزوجة فالعمارة له أي للزوج لأن الآلة التي بنى بها ملكه فلا يخرج عن ملكه بالبناء من غير رضاه فيبقى على ملكه فيكون غاصبا للعرصة وشاغلا ملك غيره بملكه فيؤمر بالتفريغ إن طلبت زوجته ذلك كما في التبيين لكن بقي صورة وهي أن يعمر لنفسه بإذنها ففي الفرائد ينبغي أن تكون العمارة في هذه الصورة له والعرصة لها ولا يؤمر بالتفريغ إن طلبته انتهى
ومن أخذ غريما له فنزعه إنسان من يده فلا ضمان على النازع
____________________
(4/488)
إذا هرب الغريم لأن النزع تسبيب وقد دخل بينه وبين ضياع حقه فعل فاعل مختار فلا يضاف إليه التلف كما إذا حل قيد العبد فأبق أو كدلالة السارق على مال غيره فإن الدال لا يجب عليه الضمان لأن التلف حصل بفعل السرقة لا بالدلالة وكمن أمسك هاربا من عدو حتى قتله العدو فإن الممسك لا يجب عليه الضمان فكذا هذا
ومن في يده مال إنسان فقال له السلطان ادفعه أي هذا المال إلي وإلا قطعت يدك أو ضربتك خمسين سوطا لا يضمن الدافع لو دفع المال إلى السلطان لأنه مكره عليه فكان الضمان على المكره أو على الآخذ أو أيهما شاء المالك إن كان الآخذ مختارا وإلا فعلى المكره فقط كما في التبيين لكن إن كان المكره والآخذ هو السلطان فقط بشهادة قوله إلي فلا معنى لقوله أو على الآخذ تدبر
ولو وضع في الصحراء منجلا ليصيد به أي بالمنجل حمار وحش وسمى عليه عند الوضع فجاء في اليوم الثاني ووجد الحمار مجروحا ميتا لا يحل أكله لأن الشرط أن يجرحه إنسان أو يذبحه ولم يوجد وتقييده باليوم الثاني اتفاقي حتى لو وجده ميتا من ساعته لا يحل لعدم شرطه
ويكره من الشاة الحيا مقصورا وهو الفرج والخصية والمثانة والذكر والغدة والمرارة والدم المسفوح لما روى الأوزاعي عن واصل بن جميلة عن مجاهد قال كره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الشاة الذكر والأنثيين والقبل والغدة والمرارة والمثانة والدم قال الإمام الدم حرام وكره الستة وذلك لقوله عز وجل حرمت عليكم الميتة والدم فلما تناوله النص قطع بتحريمه وكره ما سواه لأنه مما تستخبثه الأنفس وتكرهه وهذا المعنى سبب الكراهة لقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث كما في التبيين لكن إن هذه الأشياء إن كانت من الخبائث ينبغي القول بتحريمها لأن قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث ينتظمها فكيف تجعل مكروهة وإن لم يكن كذلك فلا بد من الدليل على الكراهة بمعنى آخر وفي شرح الوهبانية تفصيل وحاصله أن الإمام أطلق اسم الحرام على الدم المسفوح وسمى ما سواه مكروها لأنه ثبت حرمته بدليل مقطوع به وهو النص المعتبر وهو قوله تعالى إلا أن تكون ميتة أو دما مسفوحا وبقية الستة لم تثبت به بل بالاجتهاد وبظاهر الكتاب
____________________
(4/489)
المحتمل للتأويل والحديث
وللقاضي أن يقرض مال الغائب والطفل واللقطة لقدرته على الاستخلاص فلا يفوت الحفظ به بخلاف الأب والوصي والملتقط لعجزهم فيكون تضييعا إلا أن الملتقط إذا نشد اللقطة ومضى مدة النشدات ينبغي أن يجوز له الإقراض من فقير لأنه لو تصدق به عليه في هذه الحالة جاز فالقرض أولى كما في التبيين وفي الأقضية إنما يملك القاضي الإقراض إذا لم يحصل غلة لليتيم أما إذا وجدت فلا يملكه هكذا روي عن محمد وينبغي أن يشترط لجواز الإقراض القاضي عدم وصي اليتيم ولو كان منصوب القاضي فإنه لم يجز عند وجود الوصي وهو الصحيح كما في الفصولين
ولو كانت حشفة الصبي ظاهرة حيث من رآه ظنه مختنا و الحال أنه لا تقطع جلدة ذكره إلا بمشقة جاز ترك ختانه على حاله لأن قطع جلدة ذكره لتنكشف الحشفة فإذا كانت الحشفة ظاهرة فلا حاجة إلى القطع وإن كان يواري الحشفة يقطع الفضل ولو ختن ولم يقطع الجلدة كلها ينظر إن قطع أكثر من النصف يكون ختانا لأن للأكثر حكم الكل وإن قطع النصف فما دونه لا يعتد به لعدم الختان حقيقة وحكما
وكذا جاز ترك ختان شيخ أسلم وقال أهل النظر لا يطيق الختان للعذر الظاهر والختان سنة وهو من شعائر الإسلام وخصائصه فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام
ووقت الختان غير معلوم عند الإمام فإنه قال لا علم لي بوقته ولم يرو عنهما فيه شيء وقيل سبع سنين وقيل لا يختن
____________________
(4/490)
حتى يبلغ وقيل أقصاه اثني عشر سنة وقيل تسع سنين وقيل وقته عشر سنين لأنه يؤمر بالصلاة إذا بلغ عشرا اعتبارا أو تخلقا فيحتاج إلى الختان لأنه شرع للطهارة وقيل إن كان قويا يطيق ألم الختان ختن وإلا فلا وهو أشبه بالفقه وختان المرأة ليس بسنة
ولا يجوز أن يصلي على غير الأنبياء والملائكة إلا بطريق التبع كما يقال اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم ونحو ذلك وذلك لأن في الصلاة من التعظيم ما ليس في غيرها من الدعوات وهي لزيادة الرحمة والقرب من الله تعالى ولا يليق ذلك لمن يتصور منه الخطايا والذنوب وإنما يدعى له بالعفو والمغفرة والتجاوز
ويستحب الترضي للصحابة والترحم للتابعين ومن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار وكذا يجوز الترحم على الصحابة والترضي للتابعين ومن بعدهم من العلماء والعباد
ولا يجوز الإعطاء باسم النيروز والمهرجان أي الهدايا باسم هذين اليومين حرام بل كفر إن قصد تعظيم المذكور من النيروز والمهرجان كما بيناه في موضعه
ولا بأس بلبس القلانس لما روي بأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان له قلانس يلبسها وقد صح ذلك
وللشاب العالم أن يتقدم على الشيخ الجاهل لما مر أنه أفضل منه قال الله تعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ولهذا يقدم في الصلاة وهي أحد أركان الإسلام وقال الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم والمراد بأولي الأمر العلماء في أصح الأقوال والمطاع شرعا يقدم والعلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على ما جاءت به
____________________
(4/491)
السنة
ولحافظ القرآن أن يختم في أربعين يوما لأن المقصود من قراءة القرآن فهم معانيه والاعتبار بما فيه لا مجرد التلاوة وذلك يحصل بالتأني لا بالتواني في المعاني فقدروا للختم أقله بأربعين يوما يقرأ في كل يوم حزبا ونصف حزب وأقل ولله در المصنف رحمه الله تعالى أنه ختم كتابه في بيان قراءة القرآن وكيفية الختم
كتاب الفرائض وجه التأخير بين فلا يحتاج إلى البيان هي جمع فريضة من الفرض وهو التقدير
____________________
(4/492)
يقال فرض القاضي النفقة أي قدرها وسمي هذا العلم فرائض لأن الله تعالى قدر بنفسه ولم يفوض تقديره إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل وبين نصيب كل واحد من النصف والربع والثمن والثلثين والثلث والسدس بخلاف سائر الأحكام كالصلاة والزكاة والحج وغيرها فإن النصوص فيها مجملة وإنما السنة بينتها وهذا العلم من أشرف العلوم قال صلى الله تعالى عليه وسلم العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة وقد حث صلى الله تعالى عليه وسلم على تعليمه وتعلمه بقوله تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي
يبدأ من تركة الميت الخالية عن تعلق حق الغير بعينها كالرهن والعبد الجاني والمشتري قبل القبض فإن صاحبه يقدم على التجهيز كما في حال حياته وإن لم يكن يبدأ بتجهيزه ودفنه اعتبارا لحالة الحياة فإن المرء يقدم نفسه في حياته فيما يحتاج إليه من النفقة والكسوة والسكنى على أصحاب الديون ما لم يتعلق حق الغير بعين ماله فكذا بعد وفاته فإنه يقدم تجهيزه ودفنه بلا إسراف ولا تقتير وهو قدر كفن الكفاية أو كفن السنة أو قدر ما يلبسه في حياته من أوسط ثيابه أو من الذي يتزين به في الأعياد والجمع والزيارات على ما اختلفوا فيه
وقال أبو يوسف كفن المرأة على زوجها خلافا لمحمد قال الصدر الشهيد وقاضي خان الفتوى على قول أبي يوسف ثم تقضى ديونه من جميع ماله الباقي بعد التجهيز والدفن أي ثم يبدأ بوفاء دينه الذي له مطالب
____________________
(4/493)
من جهة العباد لا دين الزكاة والكفارات ونحوها لأن هذه الديون تسقط بالموت فلا يلزم الورثة قدر كفن الكفاية أو كفن السن أو قدر ما يلبسه في حياته من أوسط ثيابه أو من الذي كان يتزين به في الأعياد والجمع والزيارات على ما اختلفوا فيه
وقال أبو يوسف كفن المرأة
____________________
(4/494)
على زوجها خلافا لمحمد قال الصدر الشهيد وقاضيخان الفتوى على قول أبي يوسف ثم تقضي ديونه من جميع ماله الباقي بعد التجهيز والدفن أي ثم يبدأ بوفاء دينه الذي له مطالب أداؤها إلا إذا أوصى بها أو تبرعوا بها من عندهم ثم تنفذ وصاياه من ثلث ما بقي بعد الدين أي ثم يبدأ بوصيته أي بتنفيذها من ثلث ما بقي بعد التجهيز والدين وفي أكثر من الثلث لا يجوز إلا بإجازة الورثة على ما مر ثم هذا ليس بتقديم على الورثة في المعنى بل تشريك لهم حتى إذا سلم له شيء سلم للورثة ضعفه أو أكثر ثم يقسم الباقي بين ورثته أي الذين ثبت إرثهم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة
ويستحق الإرث بنسب ونكاح وولاء كما سيأتي مفصلا ويبدأ بأصحاب الفروض أي كل صاحب سهم مقدر في الكتاب أو في السنة أو الإجماع كما ذكره
____________________
(4/495)
السرخسي وتقديمهم على العصبة لقوله عليه الصلاة والسلام ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقته فلأولى رجل ذكر ثم يبدأ بالعصاب النسبية فإن العصوبة النسبية أقوى من السبية يرشدك إلى ذلك أن أصحاب الفروض النسبية يرد عليهم دون أصحاب الفروض السبية أعني الزوجين ثم يبدأ بالمعتق بكسر التاء مذكرا كان أو مؤنثا فإن من أعتق عبدا أو أمة كان الولاء له ويرثه ويسمى ذلك ولاء العتاقة والنعمة ثم عصبته أي يبدأ عند عدم مولى العتاقة بعصبته من الذكور وهذا قيد لا بد منه لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن الحديث ثم الرد أي يبدأ بعد العصبات السببية بالرد على ذوي الفروض النسبية لبقاء قرابتهم بعد أخذ فرائضهم دون ذوي الفروض السببية ثم ذوي الأرحام أي يبدأ عند عدم الرد لانتفاء ذوي الفروض النسبية بذوي الأرحام وهم الذين لهم قرابة وليسوا بعصبة ولا ذوي سهم ثم مولى الموالاة أي عند عدم هؤلاء المذكورين يبدأ في جميع الميراث بمولى الموالاة إن لم يوجد أحد الزوجين وإن وجد يبدأ به أيضا لكن في الباقي من فرضه وتفصيل حال مولى الموالاة قد مر في موضعه ثم المقر له بنسب على الغير لم يثبت نسبه بإقراره من ذلك
____________________
(4/496)
الغير إذا مات المقر على إقراره يعني أن هذا المقر له مؤخر في الإرث عن مولى الموالاة ومقدم على الموصى له بجميع المال وفصله السيد في شرح الفرائض فليطالع ثم الموصى له بأكثر من الثلث أي إذا عدم من تقدم ذكره يبدأ بمن أوصى له بجميع المال فيكمل له وصيته لأن منعه عما زاد على الثلث لأجل الورثة فإذا لم يوجد أحد منهم فله عندنا ما عين له كاملا وإنما أخر عن المقر له بناء على أن له نوع قرابة بخلاف الموصى له ثم بيت المال أي إذا لم يوجد أحد من المذكورين توضع التركة في بيت المال على أنها مال ضائع فصار فيئا لجميع المسلمين فيوضع هناك وليس ذلك بطريق الإرث وعند الشافعية أن بيت المال منتظما يقدم على ذوي الأرحام والرد ولا ميراث عندهم أصلا لمولى الموالاة ولا للمقر له بالنسب على الغير ولا للموصى له بجميع المال
ويمنع الإرث الرق وافرا كان أو ناقصا لأن جميع ما في يده من المال فهو لمولاه فلو ورثناه عن أقربائه لوقع الملك لسيده فيكون توريثا للأجنبي بلا سبب وأنه باطل إجماعا والقتل كما مر تفصيله في الجنايات واختلاف الملتين فلا يرث الكافر
____________________
(4/497)
من المسلم إجماعا ولا المسلم من الكافر على قول علي وزيد وعامة الصحابة رضي الله تعالى عنهم وإليه ذهب علماؤنا والشافعي كما مر تفصيله واختلاف الدارين حقيقة كالحربي والذمي أو حكما كالمستأمن والذمي أو الحربيين من دارين مختلفين كما مر ذكره فلا حاجة إلى التكرار
والمجمع على توريثهم من الرجال عشرة الأب وأبوه أي أب الأب والابن وابنه والأخ وابنه والعم وابنه والزوج ومولى النعمة أي مولى العتاقة ومن النساء سبع الأم والجدة أي
____________________
(4/498)
أم الأم والبنت وبنت الابن والأخت والزوجة ومولاة النعمة أي مولاة العتاقة وهم أي الوارثون المجمع على توريثهم قسمان ذوو فرض وعصبة أي المورث فذو الفرض من له سهم مقدر والسهام المقدرة في كتاب الله تعالى ستة النصف وقد ذكر في كتاب الله تعالى في ثلاثة مواضع فقال وإن كانت واحدة أي البنت فلها النصف وقال ولكم نصف ما ترك أزواجكم وقال وله أخت فلها نصف ما ترك والربع وقد ذكر في موضعين حيث قال فلكم الربع مما تركن وقال ولهن الربع مما تركتم والثمن وقد ذكر في موضع حيث قال فلهن الثمن مما تركتم والثلثان وقد ذكر في موضعين قال في حق البنات فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وفي حق الأخوات فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان والثلث وقد ذكر في موضعين حيث قال فلأمه الثلث وقال وإن كانوا أي أولاد الأم أكثر من ذلك فهم شركاء في
____________________
(4/499)
الثلث والسدس وقد ذكر في ثلاثة مواضع حيث قال ولأبويه لكل واحد منهما السدس وقال فإن كان له إخوة فلأمه السدس وقال في حق ولد الأم وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس
ثم شرع في التفصيل فقال فالنصف للبنت وبنت الابن عند عدمها أي عدم البنت لأن بنت الابن قامت مقامها إذا عدمت البنت و النصف للأخت لأبوين وللأخت لأب عند عدمها أي عدم الأخت لأبوين إذا انفردن عن إخوتهن وأما إذا اختلطن بهم تصير عصبات بهم ويكون للذكر حظ الأنثيين كما سيأتي
و النصف للزوج عند عدم الولد وولد الابن وقيد بولد الابن ليخرج ولد البنت فإن الحكم لا يكون كذلك بل يكون لها الربع معه
والربع له أي للزوج عند وجود أحدهما وإن سفل لقوله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن فيستحق كل زوج إما النصف وإما الربع مما تركته امرأته وللزوجة الربع وإن وصلية تعددت عند عدمهما أي الولد أو ولد الابن لقوله تعالى ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد
والثمن لها أي للزوجة كذلك عند وجود أحدهما أي الولد أو ولد الابن وإن سفل لقوله تعالى فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم وإن كن أكثر من واحدة اشتركن فيه لوجهين أحدهما أن يلزم الإجحاف ببقية الورثة لأنه لو أعطى كل واحدة منهن يأخذن الكل إذا ترك أربع زوجات بلا ولد والنصف مع الولد
والثاني أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي مقابلة الفرد بالفرد كقوله ركب القوم دوابهم ولبسوا ثيابهم فيكون لواحدة الربع أو الثمن عند انفرادها بالنص وإذا كثرت وقعت المزاحمة بينهن فيصرف إليهن جميعا على السواء لعدم الأولوية ولفظ الولد يتناول ولد الابن فيكون مثله بالنص أو بالإجماع فتصير له حالتان
والثلثان لكل اثنين فصاعدا ممن فرضهن النصف وهي البنات
____________________
(4/500)
والأخوات لقوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك
والثلث للأم عند عدم الولد وولد الابن و عدم الاثنين من الإخوة والأخوات ولها مع هؤلاء السدس ولفظ الجمع في الإخوة في قوله فإن كان له إخوة يطلق على الاثنين فيحجب الأم لهما من الثلث إلى السدس من أي جهة كانا أو من جهتين لأن لفظ الإخوة يطلق على الكل وهذا قول جمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لم يحجب الأم من الثلث إلى السدس إلا بثلاثة منهم عملا بظاهر الآية ولها أي للأم ثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين فيكون لها السدس مع الزوج والأب والربع مع الزوجة والأب لأنه هو الثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين فصار للأم ثلاثة أحوال ثلث الكل وثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين والسدس وابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يرى ثلث الباقي بل يورثها ثلث الكل والباقي للأب وخالف فيه جمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم
ولو كان مكان الأب فيهما جد فلها أي للأم ثلث الجميع عند الطرفين فلا يبالي بتفضيلها عليه لكونها أقرب منه خلافا لأبي يوسف فإن لها مع الجد أيضا ثلث الباقي عنده كما في الأب فعلى هذه الرواية جعل الجد كالأب فيعصب الأم كما يعصبها الأب
و الثلث للاثنين فصاعدا من ولد الأم يقسم الثلث لذكرهم وأنثاهم بالسوية يعني الأنثى منهم تأخذ
____________________
(4/501)
مثل ما يأخذ الذكر منهم بلا تفضيل الذكر منهم على الأنثى لقوله تعالى فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث والشركة تقتضي المساواة
والسدس للواحد منهم أي من أولاد الأم ذكرا أو أنثى لقوله تعالى وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس والمراد به أولاد الأم ولهذا قرأ بعضهم وله أخ أو أخت لأم
و السدس للأم عند وجود الولد أو ولد الابن أو وجود الاثنين من الإخوة والأخوات كما سبق
و السدس للأب مع الولد أو ولد الابن فإن كان مع الأب ابن فله فرضه أعني السدس والباقي للابن وإن كان معه بنت فله السدس أيضا لأن اسم الولد يتناول الابن والبنت وللبنت النصف بالفرض وما بقي للأب أيضا لأنه أولى رجل ذكر من العصبات عند عدم الابن وولد الابن ولد شرعا بالإجماع قال الله تعالى يا بني آدم وليس دخول ولد الابن في الولد من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز بل هو من باب عموم المجاز أو عرف كون حكم ولد الابن كحكم الولد بدليل آخر وهو الإجماع
وكذا السدس للجد الصحيح عند عدمه أي عدم الأب لأن الجد الصحيح كالأب إلا في أربع مسائل مشهودة ثم عرفه فقال وهو أي الجد الصحيح من لا يدخل في نسبته إلى الميت أم كأب الأب فإن دخلت في نسبته إلى الميت أم فجد فاسد فلا يرث إلا على أنه من ذوي الأرحام لأن تخلل الأم في النسبة يقطع النسب إذ النسب إلى الآباء لأن النسب للتعريف والشهرة وذلك بالمشهور وهو الذكور دون الإناث
و السدس للجدة الصحيحة وإن وصلية تعددت كأم الأم مع الأب
____________________
(4/502)
فيشتركن في السدس إذا كن ثابتات متحاذيات في الدرجة لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم أطعموا الجدة السدس وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أشرك بين الجدتين في السدس وكان ذلك بمحضر الصحابة ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا ثم عرفها فقال وهي أي الجدة الصحيحة من لا يدخل في نسبتها إلى الميت جد فاسد هي من يتخلل في نسبتها إلى الميت ذكر بين أنثيين
و السدس لبنت الابن وإن وصلية تعددت مع الواحدة من بنات الصلب تكملة للثلثين لأن حق البنات الثلثان وقد أخذت الواحدة النصف لقوة القرابة فبقي السدس من البنات فيأخذه بنات الابن واحدة أو متعددة وما بقي من التركة فلأولى عصبة فبنات الابن من ذوات الفروض مع الواحدة من الصلبيات هذا إذا لم يكن في درجتهن ابن ابن وأما إذا كان معهن ابن ابن يكن عصبة معه ولا يرثن السدس كما سيأتي وللأخت لأب كذلك أي لها السدس وإن تعددت مع الأخت الواحدة للأبوين لأن حق الأخوات الثلثان وقد أخذت الواحدة للأبوين النصف فبقي منه سدس فيعطى للأخوات لأب تكملة للثلثين ولا يرثن مع الأختين لأب وأم إلا أن يكون معهن أخ لأب فيعصبهن كما سيأتي
فصل في العصبات العصبة النسبية ثلاثة عصبة بنفسه وعصبة بغيره وعصبة مع غيره والعصبة بنفسه ذكر فإن الأنثى لا تكون عصبة بنفسها بل لغيرها أو مع غيرها ليس في نسبته إلى الميت أنثى
____________________
(4/503)
للاثنين فصاعدا من ولد الأم يقسم الثلث لذكرهم وأنثاهم بالسوية يعني الأنثى منهم تأخذ أنثى فإن قلت الأخ لأب وأم عصبة بنفسه مع أن الأم داخلة في نسبته إلى الميت قلت قرابة الأب أصل في استحقاق العصوبة فإنها إذا انفردت كفت في إثبات العصوبة بخلاف قرابة الأم فإنها لا تصلح بانفرادها علة لإثباتها فهي ملغاة في إثبات العصوبة لكنا جعلناها بمنزلة وصف زائد فرجحنا بها الأخ لأب وأم على الأخ لأب وهو يأخذ ما أبقته الفرائض وعند الانفراد أي انفراده عن غيره في الوراثة يحرز جميع المال بجهة واحدة
وفي التبيين هذا رسم وليس بحد لأنه لا يفيد إلا على تقدير أن يعرف الورثة كلهم ولكن لا يعرف من هو العصبة منهم فيكون تعريفا بالحكم والمقصود معرفة العصبة حتى يعطى ما ذكر ولا يتصور ذلك إلا بعد معرفته
وأقربهم أي أقرب العصبات جزء الميت وهو الابن وابنه وإن وصلية سفل لدخولهم في اسم الولد وغيرهم محجوبون بهم لقوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين إلى أن قال سبحانه ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فجعل الأب صاحب فرض مع الولد ولم يجعل للولد الذكر سهما مقدرا فتعين الباقي له فدل أن الولد الذكر مقدم عليه بالعصوبة وابن الابن ابن لأنه يقوم مقامه فيقدم عليه أيضا ومن حيث المعقول أن الإنسان يؤثر ولد ولده على ولده ويختار صرف ماله ولأجله يدخر ماله عادة على ما قال عليه الصلاة والسلام الولد مبخلة مجبنة وقضية ذلك أن لا تجاوز بكسبه محل اختياره إلا أنا صرفنا مقدار الفرض إلى أصحاب الفروض بالنص فبقي الباقي على قضية الدليل وكان ينبغي أن يقدم البنت أيضا عليه وعلى كل عصبة إلا أن الشارع أبطل اختياره بتعيين الفرض لها وجعل الباقي لأولى رجل ثم أصله وهو الأب والجد الصحيح أي أب الأب
وإن وصلية علا وأولاهم به الأب لأن الله تعالى شرط لإرث الإخوة الكلالة وهو الذي لا ولد له ولا والد على ما بيناه فعلم بذلك أنهم لا يرثون مع الأب
____________________
(4/504)
ضرورة وعليه إجماع الأمة فإذا كان ذلك مع الإخوة وهو أقرب الناس إليه بعد فروعه وأصوله فما ظنك مع من هو أبعد منهم كالأعمام وغيرهم والجد يقوم مقامه في الولاية عند عدم الأب ويقدم على الإخوة فيه فكذا في الميراث وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وبه أخذ الإمام ثم جزء أبيه وهم الإخوة لأبوين أو الإخوة لأب ثم بنوهم وإن وصلية سفلوا وإنما قدموا على الأعمام لأن الله تعالى جعل الإرث في الكلالة للإخوة عند عدم الولد والوالد فعلم بذلك أنهم يقدمون على الأعمام وإنما قدم الأخ لأب وأم لأنه أقوى لاتصاله من الجانبين ثم جزء جده وهم الأعمام لأبوين أو لأب ثم بنوهم وإن وصلية سفلوا ثم جزء جد أبيه كذلك أي أولاهم بالميراث بعد الإخوة أعمام الميت لأنهم جزء الجد فكانوا أقرب ثم أعمام الأب لكونهم أقرب بعد ذلك لأنهم جزء الجد ثم أعمام الجد لأنهم أقرب بعدهم ويقدم العم لأب وأم على العم لأب ثم العم لأب على ولد العم لأب وأم
والعصبة بغيره من فرضه النصف والثلثان وهم أربع من النساء يصرن عصبة بإخوتهن ويقسم للذكر مثل حظ الأنثيين فالبنات بالابن وبنات الابن بابن الابن لقوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين والأخوات لأب وأم بأخيهن والأخوات لأب بأخيهن لقوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ومن لا فرض لها من الإناث وأخوها عصبة لا تصير عصبة به أي بأخيها كالعمة لا تصير عصبة بالعم الذي هو أخوها
____________________
(4/505)
فالمال كله للعم دون العمة وبنت العم لا تصير عصبة بابن العم فالمال كله لابن العم دون بنت العم وبنت الأخ لا تصير عصبة بأخيها فالمال كله لابن الأخ لأن النص الوارد في صيرورة الإناث بالذكور عصبة إنما هو في موضعين البنات بالبنين والأخوات بالإخوة والإناث في كل منهما ذوات فروض فمن لا فرض له من الإناث لا يتناوله النص
والعصبة مع غيره الأخوات لأبوين أو لأب مع البنات وبنات الابن والأولى أن يقول أو بدل الواو تدبر لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم اجعلوا الأخوات مع البنات عصبة وإنما سمين عصبة مع غيره ومع إخوتهن عصبة بغيره لأن ذلك الغير وهو البنات شرط بصيرورتهن ولم يجعلهن عصبة بهن لأن أنفسهن ليست بعصبة فكيف يجعلن غيرهن عصبة بهن بخلاف ما إذا كن عصبة بإخوتهن لأن الإخوة بنفسهم عصبة فيصرن بهم عصبة تبعا
وذو الأبوين من العصبات مقدم على ذي الأب الواحد لأن ذا القرابتين من العصبات أولى من ذي قرابة واحدة مع تساويهما في الدرجة ذكرا كان ذو القرابتين أو أنثى لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم إن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات والمقصود من ذكر الأم ههنا إظهار ما يرجح به بنو الأعيان على بني العلات حتى إن الأخت لأبوين مع البنت سواء كانت صلبية أو بنت ابن وسواء كانت واحدة أو أكثر تحجب الأخ لأب خلافا لابن عباس رضي الله تعالى
____________________
(4/506)
عنهما فإن الأخت لا تصير عصبة مع البنات عنده
وعصبة ولد الزنا وولد الملاعنة مولى أمه لأنه لا أب له والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ألحق ولد الملاعنة بأمه فصار كشخص لا قرابة له من جهة الأب فيرثه قرابة أمه ويرثهم فلو ترك أما وبنتا والملاعن فللبنت النصف وللأم السدس والباقي يرد عليهما كأنه لم يكن له أب
وكذا لو كان معهما زوج أو زوجة أخذ فرضه والباقي بينهما فرضا وردا ولو ترك أمه وأخاه لأمه وابن الملاعن فلأمه الثلث ولأخيه لأمه السدس والباقي رد عليهما ولا شيء لابن الملاعن لأنه لا أخ له من جهة الأب
ولو مات ولد ابن الملاعنة ورثه قوم أبيه وهم الإخوة ولا يرثونه قوم جده وهم الأعمام وأولادهم وبهذا تعرف بقية مسائله وهكذا ولد الزنا إلا أنهما يفترقان في مسألة واحدة وهو أن ولد الزنا يرث من توأمه ميراث أخ لأم وولد الملاعنة يرث التوأم ميراث أخ لأب وأم كما في الاختيار والأب مع البنت صاحب فرض وعصبة كما مر ذكره
وآخر العصبات مولى العتاقة لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب ولأنه أحياه معنى بالإعتاق فأشبه الولادة ثم عصبته أي عصبة مولى العتاقة على الترتيب المذكور بأن يكون جزء المولى أولى وإن سفل ثم أصوله ثم جزء أبيه ثم جزء جده يقدمون بقوة القرابة عند الاستواء وبعلو الدرجة عند التفاوت فمن ترك أب الأولى
____________________
(4/507)
بالألف لأنه في موضع النصب مولاه وابن مولاه فماله كله لابن مولاه لما أن الابن وابن الابن وإن سفل مقدم على الأب وهذا عند الطرفين وعند أبي يوسف للأب السدس والباقي للابن هذا قوله الآخر وهو إحدى الروايتين عند ابن مسعود وبه قال شريح والنخعي وقولهما هو اختيار سعيد بن المسيب ومذهب الشافعي والقول الأول لأبي يوسف
ولو كان مكان الأب جد فكله للابن اتفاقا وذلك لأن الأب كالابن في العصوبة بحسب الظاهر لأن اتصال كل منهما بالميت بلا واسطة وكون الابن أقرب يحتاج إلى ما مر من أن زيادة قربه أمر حكمي فوقع الخلاف هناك بخلاف الجد فإن اتصاله بواسطة الأب فيكون الأب أقرب من الجد ويكون الابن أقرب منه بلا اشتباه فلا يزاحمه الجد في الولاء أما ابن الابن مع الجد فالأظهر أن يرث ابن الابن عند أبي يوسف أيضا لأنه أشبه بالابن من الجد بالأب كما في الفتاوى
ولو ترك جد مولاه وأخا مولاه فالجد أولى ويكون الولاء كله للجد عند الإمام لأنه أقرب للميت في العصوبة من الأخ على مذهبه وعندهما يستويان فيكون الولاء بينهما نصفين والعصبة إنما يأخذ ما فضل عن ذوي الفروض كما مر
فلو تركت زوجا وإخوة لأم وإخوة لأبوين وأما
____________________
(4/508)
فالنصف للزوج والسدس للأم والثلث للإخوة لأم ولا يشاركهم الإخوة لأبوين لأن المسألة من ستة نصفه وهو ثلاثة للزوج وثلثه وهو اثنان للإخوة لأم وسدسه وهو واحد للأم وما فضل عن فرض ذوي الفروض شيء حتى يعطى للإخوة لأبوين وهم عصبة وبه قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأخذ علماؤنا
وقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه تشترك الأولاد لأب وأم مع الأولاد لأم وبه أخذ مالك والشافعي وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول أولا مثل ما قال الصديق رضي الله تعالى عنه ثم رجع عنه إلى قول عثمان رضي الله تعالى عنه وسبب رجوعه أنه سئل عن هذه المسألة فأجاب كما هو مذهبه فقام واحد من الأولاد لأب وأم
وقال يا أمير المؤمنين ولئن سلم أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فأطرق رأسه مليا وقال صدق لأنه بنو أم واحدة فشركهم في الثلث فلهذا سميت المسألة حمارية ومشركة وعثمانية وعن هذا قال وتسمى المشركة والحمارية
فصل في الحجب وهو في اللغة المنع وفي اصطلاح أهل هذا العلم منع شخص معين عن ميراثه إما كله ويسمى حجب الحرمان أو بعضه ويسمى حجب النقصان بوجود شخص آخر فشرع في تفصيل كل منهما فقال حجب الحرمان منتف في حق ستة من الورثة الابن والأب
____________________
(4/509)
والبنت والأم والزوج والزوجة
فإن قلت قد يحجب هذا الفريق بالقتل والردة والرقية فلا يصح أن حجب الحرمان منتف في هذا الفريق قلت الكلام في الورثة وهم على ذلك التقدير ليسوا بورثة ومن عداهم يحجب الأبعد بالأقرب و يحجب ذو القرابة الواحدة بذي القرابتين ومن يدلي بشخص لا يرث معه أي مع وجود ذلك الشخص كابن الابن مثلا فإنه لا يرث مع الابن إلا أولاد الأم حيث يدلون أي ينسبون إلى الميت بها أي بالأم
و لكن يرثون معها أي مع الأم قال الفاضل الشريف وتحقيق هذا الأصل أن الشخص المدلى به إن استحق جميع التركة لم يرث المدلي مع وجوده سواء اتحدا في سبب الإرث كما في الأب والجد والابن وابنه أو لم يتحدا كما في الأب والإخوة والأخوات فإن المدلى به لما أحرز جميع المال لم يبق للمدلي شيء أصلا وإن لم يستحق المدلى به الجميع فإن اتحدا في السبب كان الأمر كذلك كما في الأم وأم الأم لأن المدلى به لما أخذ نصيبه بذلك السبب لم يبق للمدلي من النصيب الذي يستحق بذلك السبب شيء وليس له نصيب آخر فصار محروما وإن لم يتحدا في السبب كما في الأم وأولادها فإن المدلى به حينئذ يأخذ نصيبه المستند إلى سببه والمدلي يأخذ نصيبا آخر مستندا إلى سبب آخر فلا حرمان فإن قلت أليست الأم تستحق جميع التركة إذا انفردت عن غيرها من أصحاب الفرائض والعصبات قلنا ليس ذلك الاستحقاق من جهة واحدة فإنها يستحق بعض التركة بالفرض وبعضها بالرد والمراد استحقاق جميعها من جهة واحدة كما في العصبة
وتحجب الإخوة مطلقا حجب الحرمان بالابن وابنه وإن وصلية سفل وبالأب لأنهم كلالة وتوريث الكلالة مشروط بعدم الولد والوالد كما مر والجد عند الإمام وتحجب أولاد العلات وهي الإخوة والأخوات لأب بالأخ لأبوين أيضا لأن ميراث الإخوة والأخوات لأب وأم جار مجرى ميراث الأولاد الصلبية وأن ميراث الإخوة والأخوات
____________________
(4/510)
لأب كميراث أولاد الابن ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم فكما تحجب أولاد الابن بالابن كذلك تحجب الإخوة والأخوات لأب وأم وعندهما لا تحجب الإخوة لأبوين أو لأب بالجد بل يقاسمونه وهو أي الجد كأخ إن لم تنقصه المقاسمة عن الثلث عند عدم ذي الفرض قال الفاضل الشريف إن الجد يشبه الأب في حجب أولاد الأم وفي أنه إذا زوج الصغير أو الصغيرة لم يكن لهما خيار إذا بلغا وفي أنه لا ولاية للأخ في النكاح مع قيام الجد في ظاهر الرواية كالأب وفي أنه لا يقتل الجد بولد الولد وفي أن حليلة كل واحد من الجانبين تحرم على الآخر وفي عدم قبول الشهادة وفي صحة استيلاد الجد مع عدم الأب وفي أنه لا يجوز دفع الزكاة إليه وفي أنه يتصرف في المال والنفس كالأب ويشبه الأخ في أنه إذا كان للصغير جد وأم كانت النفقة عليهما أثلاثا على اعتبار الميراث كما على الأخ والأم وفي أنه لا يفرض النفقة على الجد المعسر كالأخ وفي عدم وجوب صدقة الفطر للصغير على الجد وفي أن الصغير لا يصير مسلما بإسلام الجد وفي أنه إذا أقر بنافلة وابنه حي لا يثبت النسب بمجرد إقراره وفي أنه لا يجز ولاء نافلته إلى مواليه كل ذلك كما في الأخ فلتعارض هذه الأحكام اختلفت العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم رضي الله تعالى عنهم في مسألة الجد مع الإخوة فجعل كالأب في حجب الإخوة لأم وكالأخ في قسمة الميراث ما دامت المقاسمة خيرا له فإذا لم تكن خيرا له أعطينا له ثلث المال لأنه مع الأولاد يرث السدس ومع الإخوة يضاعف ذلك وأيضا إذا قسم المال بين الأبوين فللأم الثلث وللأب الثلثان وهما في الدرجة الأولى ولما كان الجد والجدة في الدرجة الثانية وكان للجدة السدس كان للجد ضعفه أعني الثلث فإذا كان مع الجد أخ واحد أخذ بالمقاسمة نصف المال فهو خير له من الثلث وإذا كان معه أخوان فهما أي المقاسمة والثلث متساويان وإذا كان معه ثلاثة إخوة فالثلث خير له لأن نصيبه بالمقاسمة حينئذ ربع هذا إذا لم يكن معه صاحب فرض أو إن لم تنقصه المقاسمة عن
____________________
(4/511)
السدس عند وجوده أي وجود ذي الفرض يعني إذا كانت معه أختان لأب وأم يجعل الجد كأخ ويكون المال بينه وبين الأختين للذكر مثل حظ الأنثيين وكذا إذا كانت معه ثلاث أخوات وإن كانت معه أربع أخوات فالمقاسمة والثلث سواء لأنه إذا جعل كأخ يكون كأختين ويكون عدد الأخوات ستة ويكون الاثنان من الستة له والاثنان ثلث الستة وتكون المقاسمة والثلث مستويتين وإن كانت معه خمس أخوات يكون الثلث خيرا له لأنه إن جعل كأخ يكون بمنزلة أختين فيكون عدد الأخوات سبعا فيكون حصته ناقصة عن السدس فيكون الثلث خيرا له وباقي أحكام المقاسمة مذكور في كتب الفرائض وشروحها فليراجع والفتوى على قول الإمام وهو سقوط الإخوة والأخوات بالجد لكن المختار في زماننا أن يفتى بعد أخذ الجد السدس بالمصالحة في الباقي بين الإخوة والأخوات وبينه
وإذا استكمل بنات الصلب الثلثين سقط بنات الابن لأن إرثهن كانت تكملة للثلثين
____________________
(4/512)
وقد كمل ببنتين فيسقطن إذ لا طريق لتوريثهن فرضا وتعصيبا إلا أن يكون بحذائهن أو أسفل منهن ابن ابن فيعصب من بحذائه ومن فوقه لكن من ليست بذات سهم فإنه لا يعصب ذات السهم كالبنات الصلبية مثلا ويسقط من دونه وإذا كانت يعصب ابن الابن من بحذائه ومن هو فوقه يكون الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين سواء كان أخا لهن أو لم يكن وهذا مذهب علي وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما وبه أخذ عامة العلماء وروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال يسقطن بنات الابن ببنتي الصلب وإن كان معهن غلام ولا يقاسمنه
وإن كانت البنت الصلبية واحدة وكان معهن غلام كان لبنات ابن أسوأ الحالين من السدس والمقاسمة وأيهما أقل أعطين ثم الأصل في بنات الابن عند عدم بنات الصلب أن أقربهن إلى الميت ينزل منزلة البنت الصلبية والتي يليها في القرب منزلة بنات الابن وهكذا وإن سفلن
مثاله لو ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض وثلاث بنات ابن ابن آخر بعضهن أسفل من بعض وثلاث بنات ابن ابن ابن آخر بعضهن أسفل من بعض فالعليا من الفريق الأول لا يوازيها أحد فيكون لها النصف والوسطى من الفريق الأول توازيها العليا من الفريق الثاني فيكون لهما السدس تكملة للثلثين ولا شيء للسفليات إلا أن يكون مع واحدة منهن غلام فيعصبها ومن بحذائها ومن فوقها من لم يكن صاحبة فرض حق لو كان الغلام مع السفلى من الفريق الأول عصبها وعصب الوسطى من الفريق الثاني والعليا من الفريق الثالث فسقطت السفليات ولو كان الغلام مع السفلى من الفريق الثاني عصبها وعصب الوسطى منه والوسطى والعليا من الفريق الثالث والسفلى من الفريق الأول ولو كان مع السفلى من الفريق الثالث عصب الجميع غير أصحاب الفرائض
وإذا استكمل الأخوات لأبوين الثلثين سقط الأخوات لأب لأن إرثهن كانت تكملة للثلثين وقد كمل بأختين فيسقطن إلا أن يكون معهن أخ لأب فيعصبهن كما في بنات الابن والجدات كلهن يسقطن بالأم سواء كانت أبويات أو أميات والأبويات خاصة أي دون الأميات بالأب أيضا أي كما يسقطن
____________________
(4/513)
بالأم وهو قول عثمان وزيد بن ثابت وعلي وغيرهم ونقل عن عمر وابن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم أن أم الأب ترث مع الأب واختاره شريح والحسن وابن سيرين لأن إرث الجدات ليس باعتبار الإدلاء لأن الإدلاء بالأنثى لا يوجب استحقاق شيء من فرضيتها بل استحقاقهن الإرث باسم الجدة ويتأدى في هذا الاسم أم الأم وأم الأب وكما أن الأب لا يحجب الأولى لا يحجب الثانية أيضا وهو مردود بأن مجرد الاسم بدون القرابة لا يوجب الاستحقاق والقرابة لا تثبت بدون اعتبار الإدلاء فوجب الإدلاء ألا يرى أن الجدة الفاسدة لا ترث مع كونها جدة لعدم الإدلاء
وكذا تسقط الأبويات بالجد إلا أم الأب وإن علت كأم أم الأب وهكذا فإنها ترث مع الجد لأنها ليست من قبله
و الجدة القربى منهن أي من الجدات من أي جهة كانت أي سواء كانت من قبل الأم أو من قبل الأب تحجب الجدة البعدى من أي جهة كانت البعدى فيثبت الحجب ههنا في أقسام أربعة وهذا مذهب علمائنا رحمهم الله تعالى وإحدى الروايتين عن زيد بن ثابت
وفي رواية أخرى عنه أن القربى إن كانت من قبل الأب والبعدى من قبل الأم فهما سواء فيكون حينئذ حجب القربى في أقسام ثلاثة فقط من تلك الأربعة وقد عمل بهذه الرواية مالك والشافعي في الأصح من أحد قوليه ودليل الطرفين مبين في شروح الفرائض فليطالع وارثة كانت القربى كأم الأب عند عدمه مع أم أم الأم وكأم الأم عند عدمها مع أم أم الأب أو محجوبة كأم الأب معه أي مع وجود الأب فإنها تحجب أم أم الأم أعني أن يخلف الميت الأب وأم الأب وأم أم الأم يكون المال كله للأب عندنا لأن البعدى محجوبة بالقربى والقربى محجوبة بالأب
وإذا اجتمع جدتان إحداهما ذات قرابة
____________________
(4/514)
واحدة كأم أم الأب و والجدة الأخرى ذات قرابتين كأم أب الأب وهي أيضا أم أم الأم فثلث السدس لذات القرابة الواحدة وثلثاه للأخرى أي التي هي ذات قرابتين عند محمد وينصف عند أبي يوسف باعتبار الأبدان وهو قول زفر وتوضيحها أن امرأة زوجت ابن ابنها بنت بنتها فولد بينهما ولد وهذه المرأة جدة لهذا الولد الذي مات من قبل أبيه لأنها أم أب أبيه ومن قبل أمه لأنها أم أم أمه فهي جدة ذات قرابتين ثم نقول هناك امرأة أخرى قد كانت تزوج بنتها ابن المرأة الأولى فولد من بنت الأخرى ابن ابن الأولى الذي هو أبو الميت فهذه الأخرى أم أم أب الميت فهي ذات قرابة واحدة وهاتان المرأتان جدتان في مرتبة واحدة فإذا اجتمعتا فقد وجدت ذات قرابتين مع ذات قرابة واحدة ودليل الطرفين مبين في شروح الفرائض
والمحروم بالقتل ونحوه كالردة والكفر لا يحجب غيره أصلا لا حجب حرمان ولا حجب نقصان وهو قول عامة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم والمحجوب بحجب الحرمان يحجب غيره كما مر في الجدة وكالإخوة والأخوات يحجبهم الأب ويحجبون الأم من الثلث إلى السدس أما عند
____________________
(4/515)
ابن مسعود فلأن المحروم عنده حاجب مع أنه ليس بوارث أصلا فكذا المحجوب بل هو أولى لأنه أقرب وارث من وجه دون وجه وأما عندنا فلأن المحروم إنما جعلناه بمنزلة المعدوم لأنه ليس بأهل للميراث من كل وجه بخلاف المحجوب فإنه أهل من وجه دون وجه آخر فيجعل كالميت في حق استحقاق الإرث حتى لا يرث شيئا ويجعل حيا في حق الحجب فهو وارث في حق محجوبه لولا حاجبه يحجبه
فصل في العول هو في اللغة يستعمل بمعنى الميل لقوله تعالى ذلك أدنى أن لا تعولوا أو بمعنى كثرة العيال أو بمعنى الارتفاع ومن هذا المعنى الأخير أخذ المعنى المصطلح عليه وهو أن يزاد على المخرج من أجزاء إذا ضاق عن فرض وعن هذا قال وإذا زادت سهام أصحاب الفريضة على الفريضة فقد عالت الفريضة واعلم أن مجموع المخارج سبعة لكن في الحقيقة تسعة ستة لكل فرض من الفروض الستة حال الانفراد وثلاثة لها حال الاختلاط إلا أن مخرج الثلث والثلثين واحد ومخرج السدس واختلاط النصف أيضا واحد فسقط اثنان وبقي سبعة وأربعة منها مخارج لا تعول أصلا لأن الفروض المتعلقة بهذه المخارج أربعة إما أن يفي المال بها أو يبقى منه شيء زائد عليها الاثنان والثلاثة والأربعة والثمانية أما الاثنان فلأن الخارج منه إما نصفان كزوج وأخت لأبوين أو لأب أو نصف وما بقي كزوج أو أخت أو بنت وعصبة فلا يتصور في مسألة قط اجتماع وأما الثلاثة فلأن الخارج منها إما ثلث وثلثان كأختين لأم وأختين لأبوين أو لأب وإما ثلث وما بقي كأم أو أختين لأم وعصبة وإما ثلثان وما بقي كبنتين أو أختين وعصبة ولا يتصور في مسألة قط اجتماع ثلثين
____________________
(4/516)
وثلثين أو ثلث وثلث وثلثين وأما الأربعة فلأن الخارج منها إما ربع ونصف وما بقي كزوج وبنت أو زوجة وأخت وعصبة أو ربع وما بقي كزوجة وعصبة أو ربع وثلث ما بقي وما بقي كزوجة وأبوين ولا يتصور في مسألة قط اجتماع ربعين ونصف وأما الثمانية فلأن الخارج منها إما ثمن وما بقي كزوجة وابن أو ثمن ونصف وما بقي كزوجة وبنت وأخ لأب وأم
وثلاثة منها تعول الستة إلى عشرة وترا أي من حيث الوتر وأراد به السبعة والتسعة وشفعا أي من حيث الشفع وأراد به الثمانية والعشرة مثال عولها إلى سبعة زوج وأختان لأبوين أو لأب أو زوج وجد وأخت لأب ومثال عولها إلى ثمانية زوج وأخت من أب وأختان وأم أو زوج وثلاث أخوات متفرقات أو زوج وأم وأخت من أب أو زوج وأختان من أبوين وأخت من أم أو زوج وأم وأختان من أب ومثال عولها إلى تسعة زوج وثلاث أخوات متفرقات وأم أو زوج وأختان من أب وأختان من أم أو زوج وأختان من الأبوين وأم وأخت من أم
ومثال عولها إلى عشرة زوج وأختان من أب وأختان من أم والأم
والاثني عشر يعول إلى سبعة عشر وترا لا شفعا وأراد به ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر مثال عولها إلى ثلاثة عشر زوج وبنتان وأم أو زوجة وأختان لأبوين وأخت لأم أو زوج وبنتا ابن وأم أو جدة ومثال عولها إلى خمسة عشر زوج وبنتان وأبوان أو زوجة وأختان لأب وأختان لأم ومثال عولها إلى سبعة عشر أربع أخوات لأم وثماني أخوات لأب وجدتان وثلاث زوجات
وأربعة وعشرون تعول إلى سبعة وعشرين عولا واحدا في المسألة المنبرية وعند ابن مسعود تعول إلى أحد وثلاثين وهي امرأة وبنتان وأبوان وجه تسميتها بالمنبرية مذكور في شروح الفرائض
والرد ضد العول إذ بالعول ينتقض سهام ذوي الفروض ويزداد أصل المسألة وبالرد يزداد السهام وينتقض أصل المسألة وذلك بأن لا تستغرق السهام الفريضة مع
____________________
(4/517)
عدم المستحق من العصبة فيرد الباقي على ذوي السهام الفريضة سوى الزوجين بقدر سهامهم وهو قول عامة الصحابة رضي الله تعالى عنهم أي جمهورهم وبه أخذ أصحابنا
وقال زيد بن ثابت لا يرد الفاضل على ذوي الفروض بل هو لبيت المال وبه أخذ مالك والشافعي
وقال عثمان رضي الله تعالى عنه يرد على الزوجين أيضا وعن ابن عباس رضي الله تعالى
____________________
(4/518)
عنهما لا يرد على ثلاثة الزوجين والجد
فإن كان من يرد عليه جنسا واحدا فالمسألة من عدد رءوسهم كبنتين وأختين أنهما لما استويا في الاستحقاق صارا كابنين أو أخوين فجعل المال بينهما نصفين وأعطى لكل واحد منهما نصف التركة وكذا الجدتان والمراد بالأختين أن تكونا من جنس واحد بأن يكون كلاهما لأب أو لأم أو لأبوين
وإن كانوا أي من يرد عليه جنسين أو أكثر من جنسين فمن عدد سهامهم أي تجعل المسألة من عدد سهامهم أي من مجموع سهام هؤلاء المجتمعين المأخوذ من مخرج المسألة فمن اثنين أي تجعل المسألة من اثنين لو كان في المسألة سدسان كجدة وأخت لأم لأن المسألة حينئذ من ستة ولهما منها اثنان بالفريضة فاجعل الاثنين أصل المسألة واقسم التركة عليهما نصفين
و تجعل من ثلاثة لو كان فيها سدس وثلث كولدي الأم مع الأم أو أخوين لأم وجدة أو أم وأخ لأم
و تجعل من أربعة لو كان فيها سدس ونصف كبنت وبنات ابن أو أخت لأبوين أو أخوات لأب أو أخت لأب وأخ لأم أو جدة مع واحد ممن يستحق النصف من الإناث
و تجعل من خمسة لو كان فيها ثلث ونصف كأخت لأب وأم أو أختين لأم وكأخت لأب وأم أو أم أو سدسان ونصف كبنت وبنت ابن وأم أو ثلثان وسدس كبنتين وأم فالمسألة في هذه الصور الثلاث أيضا من ستة والسهام التي أخذت منها خمسة ففي الصورة الأولى للأخت من الأبوين ثلاثة أسهم وللأختين لأم سهمان وقس عليها سائرها
فإن كان مع الأول الظاهر بالواو أي مع الجنس الواحد ممن يرد عليه من لا يرد عليه كالزوج أو الزوجة أعطي فرضه أي فرض من لا يرد عليه من أقل مخارجه ثم قسم الباقي من ذلك المخرج على عدد رءوسهم أي رءوس من يرد عليه أعني ذلك الجنس
____________________
(4/519)
الواحد كما كنت تقسم جميع المال على عدد رءوسهم إذا انفردوا عمن لا يرد عليه فإن استقام الباقي عليهم فبها ونعمت هي إذ لا حاجة إلى ضرب كزوج وثلاث بنات للزوج الربع فأعطه من أقل مخارجه الربع وهو أربعة فإذا أخذ ربعه وهو سهم بقي ثلاثة أسهم فاستقام على رءوس البنات وإلا أي وإن لم يستقم الباقي على عدد رءوس من يرد عليهم فإن وافق رءوسهم ذلك الباقي فما حصل تصح منه المسألة ضرب وفق رءوسهم أي رءوس من يرد عليهم في مخرج فرض من لا يرد عليه كزوج وست بنات فإن أقل مخرج فرض من لا يرد عليه أربعة فإذا أعطيت الزوج
____________________
(4/520)
واحدا منها بقي ثلاثة فلا ينقسم على عدد رءوس البنات الست لكن بينهما موافقة بالثلث فيضرب وفق عدد رءوسهن وهو اثنان في الأربعة تبلغ ثمانية فللزوج منها اثنان وللبنات ستة
وإن باين رءوسهم ذلك الباقي ضرب كل رءوسهم أي رءوس من يرد عليهم فيه أي في مخرج فرض من لا يرد عليه كزوج وخمس بنات أصلها من اثني عشر لاجتماع الربع والثلثين لكنها يرد مثلها إلى الأربعة التي هي أقل مخارج فرض من لا يرد عليه فإذا أعطينا الزوج ههنا واحدا منها بقي ثلاثة فلا يستقيم على البنات الخمس بل بينها وبين عدد الرءوس مباينة فضربنا كل عدد رءوسهن في مخرج فرض من لا يرد عليه أي الأربعة فحصل عشرون ومنها تصح المسألة كان للزوج واحد ضربناه في المضروب الذي هو خمسة فكان خمسة فأعطيناه إياها وكان للبنات ثلاثة ضربناها في الخمس حصل خمسة عشر فلكل واحد منهن ثلاثة
وإن كان مع الثاني أي مع اجتماع جنسين ممن يرد عليه من لا يرد عليه قسم الباقي من مخرج فرض من لا يرد عليه على مسألة من يرد عليه فإن استقام فبها كزوجة وأربع جدات وست أخوات لأم فإن أقل مخرج فرض من لا يرد عليه أربعة فإذا أخذت المرأة واحدا منها بقي ثلاثة وهي ههنا مستقيمة على مسألة من يرد عليه لأنها أيضا ثلاثة لأن حق الأخوات لأم الثلث وحق الجدات السدس فللأخوات سهمان وللجدات سهم واحد ففي هذه الصورة استقام الباقي على مسألة من يرد عليه وتمامه في شروح الفرائض فليطالع وإلا أي وإن لم يستقم ما بقي من مخرج فرض من لا يرد عليه على مسألة من يرد عليه ضرب جميع مسألتهم أي مسألة من يرد عليه في مخرج فرض من لا يرد عليه فالمبلغ الحاصل من هذا الضرب مخرج فرض الفريقين كأربع زوجات وتسع بنات وست جدات فإن أقل مخرج فرض من لا يرد عليه وهو الثمانية فإذا دفعناه ثمنها إلى الزوجات بقي سبعة فلا يستقيم على الخمسة التي هي مسألة من يرد عليه ههنا لأن الفرضين ثلثان وسدس بل بينهما مباينة فيضرب جميع مسألة من يرد عليه أعني الخمسة في مخرج فرض من لا يرد عليه وهو الثمانية فيبلغ أربعين فهذا المبلغ مخرج فروض الفريقين فإذا أردت أن تعرف حصة كل فريق منهما من هذا المبلغ الذي هو مخرج فروضهما فطريقه ما أشار إليه بقوله ثم يضرب سهام من لا يرد عليه من أقل مخارج فرضه في مسألة من يرد عليه فيكون الحاصل نصيب من لا يرد عليه من المبلغ المذكور
و يضرب سهام من يرد عليه من مسألتهم فيما بقي من مخرج فرض من لا يرد عليه فيكون الحاصل نصيب ذلك الفريق ممن يرد عليه وذلك لأن حق كل فريق ممن يرد عليه إنما هو في الباقي من مخرج فرض من لا يرد عليه بقدر سهامهم ففي المسألة المذكورة
____________________
(4/521)
للزوجة من ذلك المخرج واحد فإذا ضربناه في الخمسة التي هي مسألة من يرد عليه كان الحاصل خمسة فهي حق الزوجات من أربعين وللبنات أربعة فإذا ضربناها فيما بقي من مخرج فرض من لا يرد عليه وهو سبعة بلغ ثمانية وعشرين فهي لهن من الأربعين وللجدات واحد فإذا ضربناه في السبعة كان سبعة فهي للجدات قد استقام بهذا العمل فرض من لا يرد عليه وفرض كل فريق ممن يرد عليه وإن انكسر السهام المأخوذة من مخرج فروض الفريقين على البعض أو الجميع وتصحح المسألة بالأصول الآتية
فصل في ذوي الأرحام ذو الرحم هو في اللغة بمعنى القرابة مطلقا
وفي الشريعة قريب ليس بعصبة ولا ذي سهم مقدر في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله أو إجماع الأمة ويرث ذو الرحم كما ترث العصبة عند عدم ذي السهم وعدم العصبة إلا إذا كان ذو السهم أحد
____________________
(4/522)
الزوجين فيرث معه بعد أخذ فرضه لعدم الرد عليه وإنما قيدنا بعدم العصبة لأنه لا يكفي بعدم ذي السهم فعلى هذا لو قيده لكان أصوب فمن انفرد منهم فمنهم ليس بصلة انفرد بل بيان لمن أحرز جميع المال
كان عامة الصحابة أي أكثرهم رضي الله تعالى عنهم يرون توريث ذوي الأرحام وهو مذهبنا
وقال زيد بن ثابت لا ميراث لهم ويوضع المال في بيت المال وبه قال مالك والشافعي
لنا قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض أي أولى بميراث بعض بالنقل وقال صلى الله تعالى عليه وسلم الخال وارث من لا وارث له وروي أن ثابت بن دحداح مات فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لعاصم بن عدي هل تعرفون له فيكم نسبا فقال إنه كان فينا غريبا فلا نعرف له إلا ابن أخت هو أبو لبابة بن عبد المنذر فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ميراثه له
ولأن أصل القرابة سبب لاستحقاق الإرث على ما بيناه إلا أن هذه القرابة أبعد من سائر القرابات فتأخرت عنها والمال متى كان له مستحق لا يجوز صرفه إلى بيت المال وكثير من أصحاب الشافعي منهم ابن شريح خالفوه وذهبوا إلى توريث ذوي الأرحام وهو اختيار فقهائهم للفتوى في زماننا لفساد بيت المال وصرفه في غير المصارف كما في التبيين ويرجحون بقرب الدرجة ثم بقوة القرابة لأن إرثهم بطريق العصوبة فيقدم الأقرب على الأبعد ومن له قوة القرابة على غيره في كل صنف كما في العصبات ثم بكون الأصل وارثا عند اتحاد الجهة إذا استووا في الدرجة فمن يدلي بوارث أولى من كل صنف كبنت بنت الابن أولى من ابن البنت وابن بنت الابن أولى من ابن بنت البنت لأن الوارث أقوى قرابة من غير الوارث بدليل تقدمه عليه في استحقاق الإرث والمدلي بجهتين أولى كبني الأعيان مع بني العلات
وإن اختلفت جهة القرابة فلقرابة الأب الثلثان ولقرابة
____________________
(4/523)
الأم الثلث لأن قرابة الأب أقوى فيكون لهم الثلثان والثلث لقرابة الأم مثاله أبو أم الأب وأبو أب الأم وهذا لا يتصور في الفروع وإنما يتصور في الأصول والعمات والأخوال ثم يعتبر الترجيح في كل فريق كما لو انفرد يعني إذا كان لأبي الميت جدان من جهتين وكذلك لأمه فلقوم الأب الثلثان ولقوم الأم الثلث ثم ما أصاب قوم الأب ثلثاه لقرابته من جهة أبيه وثلثه لقرابته من جهة أمه وكذلك ما أصاب قوم الأم كما لو انفرد أيضا مثاله أبو أم أبي الأب وأبو أبي أم الأب وأبو أم أبي الأم وأبو أبي أم الأم وعند الاستواء في القرب والقوة والجهة للذكر مثل حظ الأنثيين لأن الأصل في المواريث تفضيل الذكر على الأنثى وإنما ترك هذا الأصل في الإخوة والأخوات لأم للنص على خلاف القياس
وتعتبر أبدان الفروع المتساوية الدرجات إن اتفقت صفة الأصول في الذكورة والأنوثة كابن البنت وبنت البنت لإدلاء كلهم بوارث
وكذا إن اختلفت صفة الأصول عند أبي يوسف وحسن بن زياد كبنت ابن البنت وابن بنت البنت لخلوهم عن ولد الوارث فإن كانت الفروع ذكورا فقط أو إناثا فقط تساووا في القسمة وإن كانوا مختلفين فللذكر مثل حظ الأنثيين ولا تعتبر في القسمة صفات أصولهم أصلا وهو رواية شاذة عن الإمام وعند محمد تؤخذ الصفة من الأصول والعدد من الفروع ويقسم المال على أول بطن وقع فيه الاختلاف أي اختلاف الأصول بالذكورة والأنوثة
____________________
(4/524)
للذكر مثل حظ الأنثيين ثم يجعل الذكور من ذلك البطن على حدة ويجعل الإناث على حدة بعد القسمة على الذكور والإناث فيقسم نصيب كل طائفة على أول بطن اختلف كذلك إن كان فيما بينهما اختلاف وإلا أي وإن لم يكن بينهما اختلاف في الذكورة والأنوثة بأن يكون جميع ما توسط بينهما ذكورا فقط أو إناثا فقط دفع حصة كل أصل إلى فرعه
وفي السراجية وشرحه وعند محمد تعتبر أبدان الفروع إن اتفقت صفة الأصول موافقا لهما وتعتبر الأصول إن اختلفت صفاتهم ويعطي الفروع ميراث الأصول مخالفا لهما كما إذا ترك ابن بنت وبنت بنت عندهما المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار الأبدان أي أبدان الفروع وصفاتهم فثلث المال لابن البنت وثلثه لبنت البنت
وعند محمد يكون المال بينهما كذلك لأن صفة الأصول متفقة ولو ترك بنت ابن بنت وابن بنت بنت عندهما المال بين الفروع أثلاثا باعتبار الأبدان ثلثاه للذكر وثلثه للأنثى وعند محمد المال بين الأصول أعني في البطن الثاني أثلاثا لبنت ابن البنت نصيب أبيها وثلثه لابن بنت البنت نصيب أمه وكذلك عند محمد إذا كان في أولاد البنات بطون مختلفة يقسم المال على أول بطن اختلف في الأصول ثم تجعل الذكور طائفة والإناث طائفة بعد القسمة فما أصاب للذكور من أول بطن وقع فيه الاختلاف يجمع ويعطي فروعهم بسحب صفاتهم إن لم يكن فيما بينهم وبين فروعهم من الأصول اختلاف في الذكورة والأنوثة بأن يكون جميع ما توسط بينهما ذكورا فقط أو إناثا فقط وإن كان فيما بينهما من الأصول اختلاف يجمع ما أصاب الذكور ويقسم على أعلى الخلاف الذي وقع في أولادهم ويجعل الذكور ههنا أيضا طائفة والإناث طائفة على قياس ما سبق وكذلك ما أصاب الإناث يعطي فروعهن إن لم تختلف الأصول التي بينهما وإن اختلفت يجمع ما أصاب لهن ويقسم على أعلى الخلاف الذي وقع في أولادهن وهكذا يعمل إلى أن ينتهي وتمامه فيهما إن شئت فليراجع وبقول محمد وهو أشهر
____________________
(4/525)
الروايتين عن الإمام والقول الأول لأبي يوسف يفتى
وذكر بعضهم أن مشايخ بخارى أخذوا بقول أبي يوسف في مسائل ذوي الأرحام والحيض لأنه أيسر على المفتي
ويقدم جزء الميت أي وترتيبهم كترتيب العصبات فيقدم فروعه وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن وإن سفلن ثم يقدم أصله أي أصل الميت وهم الأجداد الفاسدون وإن علوا كأبي أم الميت وأبي أمه والجدات الفاسدات وإن علون كأم أبي أم الميت وأم أم أبي أمه ثم يقدم جزء أبيه وهم أولاد الأخوات وإن سفلوا سواء كانت تلك الأولاد ذكورا أو إناثا وسواء كانت الأخوات لأب وأم أو لأب أو لأم وأولاد الإخوة لأم وبنات الإخوة وإن سفلن سواء كانت الأخوة من الأبوين أو من أحدهما ثم يقدم جزء جده وهم العمات والخالات والأخوال والأعمام لأم فإنهم إخوة لأبيه من أمه واعتبر فيهم كونهم لأم لأن العم من الأبوين أو من الأب عصبة وبنات الأعمام مطلقا
____________________
(4/526)
ثم أولاد هؤلاء ثم جزء جد أبيه أو أمه وهم عمات الأب أو الأم وخالاتهما وأخوالهما وأعمام الأب لأم وأعمام الأم وبنات أعمامهما وأولاد أعمام الأم فإن جميعها من ذوي الأرحام وروي عن الإمام أن أقرب الأصناف إلى الميت وأقدمهم في الوراثة عنه هو الصنف الثاني وهم الساقطون من الأجداد والجدات وإن علون ثم الصنف الأول وإن سفلوا ثم الثالث وإن نزلوا ثم الرابع وإن بعدوا وروى أبو يوسف والحسن بن زياد عنه وابن سماعة عن محمد عنه أن أقرب الأصناف الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع وهو المأخوذ للفتوى وعندهما الثالث وهم أولاد الأخوات وبنات الإخوة وبنو الإخوة لأم مقدم على الجد أبي الأم وتمامه مبين في شروح الفرائض فليطالع
فصل والغرقى جمع الغريق والهدمى أي الطائفة التي هدم عليهم جدار أو غيره وكذلك
____________________
(4/527)
الحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولا كما إذا غرقوا في السفينة معا أو وقعوا في النار دفعة أو سقط عليهم جدار أو سقف بيت عياذا به تعالى أو قتلوا في المعركة ولم يعلم التقدم والتأخير في موتهم جعلوا كأنهم ماتوا معا يقسم مال كل على ورثته الأحياء ولا يرث بعض هؤلاء الأموات من بعض
هذا هو المختار عندنا لأنه قول أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وعلي في الرواية المشهورة وإحدى الروايتين عن ابن مسعود ووجهه أن الإرث يبتنى على التيقن بسبب الاستحقاق وشرطه وهو حياة الوارث بعد الموت فلما لم يتيقن بوجود الشرط لم يثبت الإرث بالشك
وفي إحدى الروايتين عن علي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما وبه أخذ ابن ليلى يرث بعضهم من بعض إلا ممن ورث كل واحد منهم من مال صاحبه فإنه لا يرث منه صورته رجل وابنه انهدم الحائط عليهما ولم يدر أيهما مات أولا ولكل منهما امرأة وابن وترك كل منهما ستة عشر دينارا فعلى قول الجمهور تركته بين زوجته وابنه الحي
____________________
(4/528)
وكذا تركة الابن إن لم تكن زوجة أبيه أمه وإن كانت فيزاد لها الثلث وعلى القول الآخر للزوجة من تركة الأب الثمن والباقي بين ابنه الحي والميت بالسوية فيصيب الميت سبعة دنانير وأما تركة الابن فلزوجته منها الثمن ولأبيه السدس ولزوجة أبيه إن كانت أمه أيضا السدس والباقي للابن في الحالين فما أصاب أباه من تركته وهو دينار وثلثا دينار يقسم بين ورثة أبيه سوى الابن الميت وما أصابه من تركة أبيه وهو سبعة دنانير يقسم بين ورثته سوى الأب الميت
وإن اجتمع ابنا عم أحدهما أخ لأم أعطى السدس له فرضا ثم اقتسما أي ابنا العم الباقي عصوبة كما مر
ولا يرث المجوسي بالأنكحة الباطلة أي إذا تزوج المجوسي أمه أو غيرها من المحارم لا يرث منها بالنكاح
وإن اجتمع فيه أي في المجوسي قرابتان لو انفردا والظاهر لو انفردتا في شخصين ورثا أي الشخصان بهما أي بالقرابتين ويرث ذلك المجوسي الذي اجتمع فيه فيه قرابتان بهما أي بالقرابتين وإن كانت إحداهما أي إحدى القرابتين تحجب الأخرى يرث بالحاجبة يعني لو اجتمعت في المجوسي قرابتان لو تفرقتا في شخصين حجبت إحداهما الأخرى يرث بالحاجبة وإن لم تحجب يرث بالقرابتين
ويوقف للحمل نصيب ابن واحد و هو المختار وعليه الفتوى وذلك لأن من المعتاد
____________________
(4/529)
الغالب أن لا تلد المرأة في بطن واحد إلا ولدا واحدا فيبنى عليه الحكم ما لم يعلم خلافه وعند أبي يوسف نصيب ابنين
وفي السراجية وعند محمد يوقف نصيب ثلاثة بنين رواه ليث بن سعد لكن هذه الرواية ليست موجودة في شروح الأصل ولا في عامة الروايات
وفي رواية أخرى عنه نصيب ابنين وهو قول الحسن وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رواه عنه هشام وروى الخصاف عن أبي يوسف نصيب ابن واحد كما في المتن فعلى هذا لو قال وعن أبي يوسف لكان أولى وعند الإمام نصيب أربعة بنين فإن خرج أكثره أي أكثر الحمل حيا ومات ورث لأن الأكثر له حكم الكل فكأنه خرج كله حيا
وإن خرج أقله وظهر منه شيء من هذه العلامات ثم مات فلا يرث لأنه لما خرج أكثره ميتا فكأنه خرج كله ميتا وإن خرج مستقيما وهو أن يخرج رأسه أولا فالمعتبر صدره يعني إذا خرج صدره كله وإن خرج منكوسا وهو أن يخرج رجله أولا فالمعتبر سرته وإن لم يخرج السرة لم يرث
____________________
(4/530)
531 فصل في المناسخة المناسخة هي مفاعلة من النسخ بمعنى النقل والتحويل والمراد بها ههنا أن ينقل نصيب بعض الورثة بموته قبل القسمة إلى من يرث منه وعن هذا قال أن يموت بعض الورثة قبل القسمة فإن كان ورثة الميت الثاني من عداد ورثة الميت الأول ولم يقع في القسمة تغير فإنه يقسم المال حينئذ قسمة واحدة إذ لا فائدة في تكرارها كما إذا ترك بنين وبنات من امرأة واحدة ثم ماتت إحدى البنات ولا وارث لها سوى تلك الإخوة والأخوات لأب وأم فإنه يقسم مجموع التركة بين الباقين للذكر مثل حظ الأنثيين قسمة واحدة كما كانت يقسم بين الجميع كذلك فكأن الميت الثاني لم يكن في البنين وإن وقع تغير في القسمة بين الباقين كما إذا ترك ابنا من امرأة وثلاث بنات من امرأة أخرى ثم ماتت إحدى البنات وخلفت هؤلاء أعني الأخ لأب والأختين من الأبوين أو كان ورثة الميت الثاني غير ورثة الميت الأول كزوج وبنت وأم فمات الزوج قبل القسمة عن امرأة وأبوين ثم ماتت البنت قبلها أيضا عن ابنين وبنت وجدة هي أم المرأة التي ماتت أولا ثم ماتت هذه الجدة عن زوج وأخوين فصحح المسألة الأولى ويعطى سهام كل وارث من هذا التصحيح ثم صحح المسألة الثانية وتنظر بين ما في يده من
____________________
(4/531)
التصحيح الأول وبين التصحيح الثاني في ثلاثة أحوال هي المماثلة والموافقة والمباينة
فإن استقام بسبب المماثلة نصيب الميت الثاني من فريضة الميت الأول على مسألته فبها ونعمت لأن التصحيح الأول ههنا بمنزلة أصل المسألة هناك والتصحيح الثاني ههنا بمنزلة رءوس المقسوم عليه ثمة وما في يد الميت الثاني بمنزلة سهامهم من أصل المسألة ففي صورة الاستقامة تصح المسألتان من التصحيح الأول كما إذا مات الزوج في المثال المذكور عن امرأة وأبوين لأن أصلها اثنا عشر فإذا أخذ الزوج منها ثلاثة والبنت ستة والأم اثنين بقي منها واحد يجب ردها على البنت والأم بقدر سهامهما فإذا رددنا المسألة إلى أقل مخارج فرض من لا يرد عليه صارت أربعة فإذا أخذ الزوج منها واحدا بقي ثلاثة فلا يستقيم على الأربعة التي هي سهام البنت والأم بينهما مباينة فيضرب هذه السهام التي هي بمنزلة الرءوس في ذلك الأقل فيحصل ستة عشر فللزوج منها أربعة وللبنت تسعة وللأم ثلاثة ثم تلك الأربعة التي هي للزوج منقسمة على ورثته المذكورين فلزوجته واحد منها ولأمه ثلث ما يبقى وهو أيضا واحد ولأبيه اثنان فاستقام ما في يد الزوج من التصحيح الأول على التصحيح الثاني وصحت المسألتان من التصحيح الأول
وإلا أي وإن لم يستقم نصيب الميت الثاني من فريضة الميت الأول على مسألته فاضرب وفق التصحيح الثاني في جميع التصحيح الأول إن وافق نصيبه مسألته لأن في التصحيح إذا انكسر سهام طائفة واحدة عليهم وكان بين سهامهم ورءوسهم موافقة يضرب وفق عدد الرءوس في أصل المسألة فكذا هنا يضرب وفق التصحيح الثاني الذي هو بمنزلة الرءوس هناك في التصحيح الأول القائم هنا مقام أصل المسألة فيحصل به ما تصح منه المسألتان كما إذا ماتت البنت أيضا في ذلك المثال وخلفت كما ذكر ابنين وبنتا وجدة فإن ما في يدها في التصحيح الأول تسعة وتصحيح مسألتها ستة وبينهما موافقة بالثلث فيضرب ثلث الستة وهو اثنان في ستة عشر فالمبلغ وهو اثنان وثلاثون مخرج المسألتين وإلا أي وإن لم يوافق نصيبه مسألته فاضرب كل التصحيح الثاني في كل التصحيح الأول على قياس ما في باب التصحيح على تقدير المباينة بين رءوس الطائفة وبين سهامهم فالحاصل من الضرب مخرج المسألتين كما إذا ماتت في ذلك المثال الجدة التي هي أم المرأة المتوفاة أولا وخلفت زوجا وأخوين فإن ما في يدها تسعة كما عرفت آنفا وتصحيح مسألتها أربعة وبين التسعة والأربعة مباينة فاضرب حينئذ الأربعة في التصحيح السابق أعني اثنين وثلاثين يبلغ مائة وثمانية وعشرين فهي مخرج
____________________
(4/532)
المسألتين وتمامه في السيد الشريف ثم اضرب سهام ورثة الميت الأول من تصحيح مسألته في وفق التصحيح الثاني على تقدير الموافقة أو في كله على تقدير المباينة فيكون الحاصل من ضرب سهام كل وارث منهم في هذا المضروب نصيبه من المبلغ المذكور والسبب أن التصحيح الثاني ووفقه ههنا بمنزلة الضروب في أصل المسألة ثمة و اضرب سهام ورثة الميت الثاني من تصحيح مسألته في وفق ما في يده على تقدير الموافقة أو في كله على تقدير المباينة فما خرج فهو أي الحاصل من هذا الضرب نصيب كل فريق لأن حق ورثة الميت الثاني إنما هو فيما في يده فصار سهام كل واحد منهم مضروبة فيه
فإن مات ثالث من الورثة قبل القسمة فاجعل المبلغ الذي صح منهم المسألة الأولى والثانية مكان الأولى والثالث مكان الثاني في العمل كأن الميت الأول والثاني صارا ميتا واحدا فيصير الميت الثالث ميتا ثانيا
وكذا تفعل إن مات رابع أو خامس وهلم جرا إلى غير النهاية فإنه لما صار تصحيح
____________________
(4/533)
الميت الأول والثاني والثالث تصحيحا واحدا صاروا كلهم ميتا واحدا فيصير الميت الرابع ميتا ثانيا وكذا الحال إذا صار تصحيح أربعة من الموتى تصحيحا واحدا كانوا بمنزلة ميت واحد فصار الخامس ميتا ثانيا وهكذا إلى ما لا يتناهى وتفصيل هذا الباب في شرح الفرائض للسيد فليراجع
____________________
(4/534)
حساب الفرائض الفروض الستة المذكورة في كتاب الله تعالى نوعان على التنصيف إن بدأت بالأكثر أو على التضعيف إن بدأت بالأقل فثلاثة منها نوع وثلاثة أخرى نوع آخر الأول النصف ونصفه أي نصف النصف وهو الربع ونصف نصفه أي نصف الربع وهو الثمن و النوع الثاني الثلثان ونصفهما أي نصف الثلثين وهو الثلث ونصف نصفهما أي نصف نصف الثلثين وهو السدس فالنصف يخرج من اثنين والربع من أربعة والثمن من ثمانية والثلثان
____________________
(4/535)
والثلث من ثلاثة والسدس من ستة فإن لمخرج كل فرض من هذه الفروض سميه من الأعداد إذ الربع سميه الأربعة
وكذا الباقي إلا النصف فإنه من اثنين والاثنان ليس سميا للنصف فإن كان في مسألة النصف فقط كما فيمن خلف بنتا وأخا لأب وأم فهي من اثنين وإن كان فيها الربع وحده كما فيمن تركت الزوج مع الابن كانت من أربعة وإن كان فيها الثمن فقط كما فيمن ترك الزوجة والابن كانت من ثمانية وإن كان فيها الثلث وحده كما إذا ترك أما وأخا لأب وأم وإن كان فيها الثلثان فقط كما إذا ترك بنتين وعما فهي من ثلاثة وإن كان فيها السدس فقط كما إذا ترك أبا وابنا فهي من ستة
وإن اختلط النصف من النوع الأول بالنوع الثاني كله أي بالثلثين والثلث والسدس كما إذا تركت زوجا وأما وأختين لأب وأم وأختين لأم أو اختلط ببعضه أي بعض النوع الثاني كما إذا اختلط النصف بالثلث فقط أو بالثلثين فقط أو بالسدس وحده أو بالثلث والثلثين معا أو بالثلثين والسدس معا أو بالثلث والسدس معا فمن ستة أي فالمسألة من ستة لأن مخرج النصف اثنان ومخرج الثلث والثلثين ثلاثة وكلاهما داخلان في الستة فهي مخرج النصف المختلط بفروض النوع الثاني على جميع الوجوه المذكورة وأيضا بين مخرج النصف والثلث مباينة فإذا ضرب أحدهما في الآخر حصل ستة فهي مخرج لهما
أو اختلط الربع من النوع الأول بكل الثاني كما إذا خلف زوجة وأما وأختين لأب وأم وأختين لأم أو ببعضه كما إذا اختلط بالثلثين فقط أو بالثلث فقط أو بالسدس فقط أو بالثلثين والسدس معا أو بالثلثين والثلث أو بالثلث والسدس معا فمن اثني عشر فالمسألة من اثني عشر لأن مخرج أقل جزء من النوع الثاني هو الستة وقد دخل فيها مخرج الثلث والثلثين فاكتفينا بها مخرجا للكل
أو اختلط الثمن من النوع الأول بكل الثاني هذا إنما يتصور على
____________________
(4/536)
رأي ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأما على رأينا فهو غير متصور كما قرر في موضعه أو ببعضه كما إذا اختلط بالثلثين والسدس أو بالثلث والسدس على رأيه أو بالثلثين والثلث على رأيه أو بالثلثين فقط أو بالسدس فقط أو بالثلث فقط فمن أربعة وعشرين أي فالمسألة من أربعة وعشرين لأن مخرج أقل جزء من النوع الثاني هو الستة التي دخل فيها مخرج الثلث والثلثين فوجب الاكتفاء بها لما عرفت وبين الستة ومخرج الثمن أعني الثمانية موافقة بالنصف فضربنا نصف أحديهما في كل الأخرى فحصل أربعة وعشرون وأيضا بين مخرج الثلث والثلثين ومخرج الثمن مباينة فضربنا الكل في الكل فصار الحاصل أيضا أربعة وعشرين فمنها تخرج الفروض المختلطة بالثمن
وإذا انكسر سهام فريق عليهم أي على الورثة من ذلك الفريق وباينت سهامهم أي سهام من انكسر عليهم عددهم فاضرب عددهم أي كل عدد رءوس من انكسر عليهم السهام في أصل المسألة إن لم تكن عائلة وفي أصلها مع عولها إن كانت عائلة
____________________
(4/537)
كامرأة وأخوين أصل المسألة أربعة فإذا أخذت المرأة منها واحدا بقي ثلاثة ولا يستقيم على الأخوين وبينهما مباينة فضربنا الاثنين في أصل المسألة فحصل ثمانية فللمرأة من أصل المسألة واحد ضربناها في الاثنين فلم يتغير فالاثنان لها وللأخوين من أصل المسألة ثلاثة ضربناها في الاثنين فحصل ستة فلكل واحد ثلاثة منها وإن وافق سهامهم عددهم فاضرب وفق عددهم أي عدد رءوس من انكسر عليهم السهام في أصل المسألة إن لم تكن عائلة وفي أصلها مع عولها إن كانت عائلة كامرأة وستة إخوة أصل المسألة أربعة وإذا أخذت المرأة واحدا منها يبقى ثلاثة ولا تستقيم على الستة وبينهما موافقة بالثلث فضربنا وفق عددهم وهو اثنان في أصل المسألة وهو أربعة فيكون ثمانية كان للزوج واحد فضرب في اثنين فيكون اثنين وللإخوة ثلاثة فضرب في اثنين فيكون ستة لكل واحد منهم سهم
وإن انكسر سهام فريقين أو أكثر وتماثلت أعداد رءوسهم فاضرب أحد الأعداد في أصل المسألة حتى يحصل ما تصح منه المسألة على جميع الفرق كثلاث بنات وثلاثة أعمام أصل المسألة ثلاثة اثنان منها للبنات وواحد للأعمام فينكسر على الفريقين لكن بين أعداد رءوس البنات وأعداد رءوس الأعمام تماثل فيضرب عدد أحدهما وهو ثلاثة في أصل المسألة فيكون تسعة الثلثان منها ستة وهي حق البنات الثلاث والباقي وهو ثلاثة للأعمام
وإن تداخلت الأعداد فاضرب أكثرها أي أكثر الأعداد في أصل المسألة حتى يحصل ما تصح منه المسألة كأربع زوجات
____________________
(4/538)
وثلاث جدات واثني عشر عما أصلها من اثني عشر للزوجات الربع وهو ثلاثة ولا يستقيم عليها وللجدات السدس وهو سهمان ولا يستقيم عليها أيضا وللأعمام الباقي وهو سبعة ولا موافقة بين الأعداد والسهام لكن الأعداد متداخلة فيضرب أكثرها وهو اثني عشر في أصل المسألة وهو اثني عشر فيكون مائة وأربعة وأربعين كان للزوجات ثلاثة فيضرب في اثني عشر فيكون ستة وثلاثين وللجدات سهمان فيضربان في اثني عشر فيكون أربعة وعشرين وللأعمام سبعة فيضرب في اثني عشر فيكون أربعة وثمانين
وإن وافق بعض الأعداد بعضا فاضرب وفق أحدهما في جميع الثاني و اضرب المبلغ في وفق الثالث إن وافق وإلا أي وإن لم يوافق ففي جميعه و اضرب المبلغ في الرابع كذلك أي في وفقه إن وافق وإلا ففي جميعه ثم اضرب الحاصل في أصل المسألة حتى يحصل ما تصح منه المسألة كأربع زوجات وخمس عشرة جدة وثماني عشرة بنتا وستة أعمام أصلها من أربعة وعشرين للزوجات الثمن وهو ثلاثة ولا تستقيم عليها ولا توافق وللجدات السدس وهو أربعة ولا تستقيم عليها ولا توافق وللبنات الثلثان وهو ستة عشر ولا تستقيم عليهن وبين رءوسهن وسهامهن موافقة بالنصف فرجع إلى النصف وهو تسعة وبقي للأعمام سهم فمعنا أربعة وخمسة عشر وتسعة وستة ثم طلبنا بينهما التوافق فوجدنا الأربعة موافقة للستة بالنصف فرددنا أحديهما إلى نصفها وضربناه في الأخرى صار المبلغ اثني عشر وهو موافق للتسعة بالثلث فضربنا ثلث أحديهما في جميع الأخرى صار المبلغ ستة وثلاثين وبين هذا المبلغ الثاني وبين خمسة عشر موافقة بالثلث أيضا فضربنا ثلث خمسة عشر وهو خمسة في ستة وثلاثين فحصل مائة وثمانون
____________________
(4/539)
ثم ضربنا هذا المبلغ الثالث في أصل المسألة أعني أربعة وعشرين فصار الحاصل أربعة آلاف وثلاثمائة وعشرين وتمامه في شروح الفرائض فليطالع
أو إن تباينت الأعداد فاضرب كل أحدها في جميع الثاني ثم المبلغ في الثالث ثم المبلغ في الرابع ثم اضرب الحاصل في أصل المسألة حتى يحصل ما تصح منه المسألة كامرأتين وعشر بنات وست جدات وسبعة أعمام أصلها أيضا أربعة وعشرون للزوجين الثمن وهو ثلاثة لا تستقيم عليهما وبين رءوسهن وسهامهن مباينة فأخذنا عدد رءوسهن وللجدات السدس وهو أربعة لا تستقيم عليهن وبين أعداد رءوسهن وسهامهن موافقة بالنصف فأخذنا نصف عدد رءوسهن وللبنات الثلثان وهو ستة عشر لا تستقيم عليهن وبين رءوسهن وسهامهن موافقة بالنصف فأخذنا نصف عدد رءوسهن وللأعمام الباقي وهو واحد لا يستقيم عليهم وبينه وبين عدد رءوسهم مباينة فأخذنا عدد رءوسهم فصار معنا من الأعداد المأخوذة للرءوس اثنان وثلاثة وخمسة وسبعة وهذه كلها أعداد متباينة فضربنا الاثنين في ثلاثة صارت ستة ثم ضربنا هذا المبلغ في خمسة فصار ثلاثين ثم ضربنا الثلاثين في سبعة فحصل مائتان وعشرة ثم ضربنا هذا المبلغ في أصل المسألة وهو أربعة وعشرون فصار المجموع خمسة آلاف وأربعين فمنها تستقيم المسألة على جميع الطوائف هذا إذا لم تكن المسألة عائلة
و أما إن كانت المسألة عائلة فاضرب ما ضربته في الأصل فيه مع العول في جميع ذلك على ما قررناه في المسائل المذكورة
____________________
(4/540)
541 فصل وتداخل العددين يعرف بأن تطرح الأقل من الأكثر مرتين أو أكثر فيفنيه أي يفني الأقل الأكثر كالثلاثة والستة أو يقسم الأكثر على الأقل فينقسم قسمة صحيحة أي قسمة لا كسر فيها كالستة فإنها منقسمة على الثلاثة وعلى الاثنين أيضا بلا كسر فيصيب من الستة كل واحد من الثلاثة اثنان ومن اثنين ثلاثة وقس على ذلك سائر المتداخلين والسبب فيه أنه إذا عد عدد ما هو أكثر منه كان الأكثر مثلي الأقل أو أمثاله فيصيب بالقسمة كل واحد من آحاد الأقل آحاد صحيحة بعد أمثال الأقل في الأكثر ثم مثل المتداخلين بقوله كالخمسة مع العشرين لأنك إذا طرحت الخمسة من العشرين أربع مرات أفنيت العشرين فهما متداخلان وكذلك إذا قسمت العشرين على الخمسة يجيء أربعة أقسام صحيحة أو نقول التداخل هو أن يزيد على الأقل مثله أو أمثاله يساوي الأكثر أو أن يكون الأقل جزء الأكثر جزءا مفردا من الأكثر فلا تداخل بين الستة والتسعة وإن كان الستة ثلثي التسعة لأنها ليست جزءا مفردا ومن شرط التداخل أن لا يكون الأقل زوجا مع كون الأكثر فردا وأن لا يزيد الأقل على نصف الأكثر
و يعرف توافقهما أي العددين في جزء كالنصف ونظائره بأن ينقص الأقل من الأكثر من الجانبين حتى يتوافقا في مقدار فإن توافقا في واحد فهما متباينان كالخمسة مع
____________________
(4/541)
السبعة والتسعة وأحد عشر مع عشرة
وإن توافقا في أكثر من واحد فهما متوافقان فإن كان الأكثر في اثنين فهما متوافقان بالنصف كثمانية عشر مع الثمانية فإنه إذا ألقيت من ثمانية عشر ثمانية مرتين بقي منها اثنان وإذا ألقى اثنان من الثمانية ثلاث مرات بقي منها أيضا اثنان فهما متوافقان بالنصف
وإن كان الأكثر ثلاثة فبالثلث كما في التسعة والاثني عشر أو كان الأكثر أربعة فبالربع كالثمانية والاثني عشر هكذا إلى العشرة أي يكون التوافق في الأعداد التي هي العشرة وما دونها بواحد من الكسور التسعة المشهورة وهي النصف إلى العشرة وتسمى هي مع ما يتركب منها بالإضافة أو التكرير بالكسور المنطقة
وإن توافقا في أحد عشر كاثنين وعشرين مع ثلاثة وثلاثين في جزء من أحد عشر أي هما متوافقان بجزء من أحد عشر وهلم جرا أي إن توافقا في ثلاثة عشر يتوافقان بجزء من ثلاثة عشر كستة وعشرين وتسعة وثلاثين فإن العاد لهما ثلاثة عشر وفي خمسة عشر يتوافقان بجزء من خمسة عشر كثلاثين مع خمسة وأربعين فإن خمسة عشر يعدهما معا فهما متوافقان بجزء منهما
وإن أردت معرفة نصيب كل فريق كالبنات والجدات والزوجات والأعمام وغيرها من التصحيح الذي استقام على الكل فاضرب ما كان له أي لكل فريق من أصل المسألة فيما ضربته في أصل المسألة أي في المضروب الذي ضربته في أصلها فما خرج من هذا الضرب فهو نصيبه أي نصيب ذلك الفريق
____________________
(4/542)
وكذا العمل في معرفة نصيب كل فرد من أفراد ذلك الفريق من التصحيح
وإن شئت سهام كل فرد من أصل المسألة فانسب سهام كل فريق من أصل المسألة إلى عدد رءوسهم مفردا عن أعداد رءوس غيرهم ثم أعط بمثل تلك النسبة من المضروب لكل فرد منهم من أفراد ذلك الفريق
وإن أردت قسمة التركة بين الورثة و الغرماء الواو الواصلة ههنا مستعارة ل أو الفاصلة إذ لا يتصور القسمة بين الطائفتين معا لأن التركة إن وقت بجميع الديون فلا قسمة بين الغرماء وإلا فلا قسمة بين الورثة فانظر بين التركة والتصحيح فإن كان بينهما موافقة فاضرب سهام كل وارث من التصحيح في وفق التركة ثم اقسم المبلغ الحاصل من هذا الضرب على وفق التصحيح فما خرج فهو نصيب ذلك الوارث
مثاله زوج وأم وأختان لأب وأم أصلها من ستة وتعول إلى ثمانية فللزوج منها ثلاثة وللأم واحد ولكل من
____________________
(4/543)
الأختين سهمان فإن فرض أن جميع التركة خمسون دينارا أن يكون بين التصحيح والتركة موافقة بالنصف فيضرب سهم الزوج من التصحيح وهو ثلاثة في وفق التركة وهو خمسة وعشرون يبلغ خمسة وسبعين ثم تقسم الخمسة والسبعون على وفق التصحيح وهو أربعة فيكون للزوج من التركة ثمانية عشر دينارا وثلاثة أرباع دينار ويضرب سهم الأم من التصحيح وهو واحد في خمسة وعشرين وهو وفق التركة فيكون خمسة وعشرين ثم نقسمها على وفق التصحيح وهو أربعة فيكون للأم ستة دنانير وربع دينار ويضرب سهم كل من الأختين وهو سهمان في وفق التركة فيبلغ خمسين ثم نقسمها على وفق التصحيح وهو أربعة فيكون لكل واحد من الأختين اثنا عشر دينارا ونصف دينار وإن لم يكن بينهما موافقة فاضرب سهام كل وارث في جميع التركة ثم اقسم المبلغ الحاصل على جميع التصحيح فما خرج من هذه القسمة فهو نصيبه أي نصيب ذلك الوارث كما إذا فرض أن جميع التركة خمسة وعشرون دينارا كان بينهما وبين التصحيح الذي هو ثمانية مباينة فإذا أردت أن تعرف نصيب كل وارث من هذه التركة فاضرب نصيب الزوج من التصحيح وهو ثلاثة في كل التركة يحصل خمسة وسبعون ثم اقسم هذا المبلغ على التصحيح أعني ثمانية يخرج تسعة دينار وثلاثة أثمان دينار فهذه نصيب الزوج واضرب أيضا نصيب الأم من التصحيح وهو واحد من جميع التركة فيكون الحاصل خمسة وعشرين فإذا قسمتها على الثمانية خرج ثلاثة دنانير وثمن دينار فهي نصيب الأم واضرب نصيب كل أخت من التصحيح وهو اثنان في كل التركة يحصل خمسون فإذا قسمت هذا الحاصل على الثمانية خرج ستة دنانير وربع دينار فهو نصيب كل أخت من التركة
وكذا العمل لمعرفة نصيب كل فريق من الورثة يعني فاضرب ما كان لكل فريق من أصل المسألة في وفق التركة ثم اقسم المبلغ الحاصل من هذا الضرب على وفق تصحيح المسألة إن
____________________
(4/544)
كان بين التركة وتصحيح المسألة موافقة وإن كان بينهما مباينة فاضرب ما كان لكل فريق في كل التركة ثم اقسم الحاصل على جميع تصحيح المسألة فالخارج نصيب ذلك الفريق في
____________________
(4/545)
الموافقة والمباينة وتمامه في السيد فليطالع وفي القسمة بين الغرماء اجعل مجموع الديون كالتصحيح وكل دين من ديون الغرماء كسهام الوارث ثم اعمل العمل المذكور فإذا كان للميت غريمان لكل منهما ثلاثة آلاف وستة غرماء لكل منهم ألفان وكانت التركة عشرين كان بين جميع الديون وذلك ثمانية عشر وبين التركة موافقة نصفية فتضرب الثلاثة التي كانت لكل من الغريمين في نصف التركة وذلك عشرة تبلغ ثلاثين وتقسم على نصف الديون وذلك تسعة فالخارج وذلك ثلاثة وثلاثة وثلث نصيب كل منهما فيكون لكليهما ستة وثلثان ويضرب الاثنان اللذان كانا لكل من الغرماء الستة في العشرة يبلغ عشرين ويقسم على التسعة فالخارج وذلك سهما وتسعان نصيب كل منهم فيكون للغرماء الستة اثنا عشر سهما واثنا عشر تسعا وذلك سهم وثلث سهم فإذا ضممت ثلاثة عشر وثلثا إلى ستة وثلثين يبلغ عشرين وإن كانت التركة تسعة عشر فبينهما وبين جميع الديون مباينة فتضرب ثلاثة كل من الغريمين في تسعة عشر تبلغ سبعة عشر وخمسين فتقسم على ثمانية عشر فالخارج وهو ثلاثة أسهم وتسع ونصف تسع لكل منهما فيكون لكليهما ستة أسهم وثلاثة أتساع وذلك ثلث سهم فيضرب سهما كل من الغرماء الستة في تسعة عشر يبلغ ثمانية وثلاثين فيقسم على ثمانية عشر فالخارج وهو سهمان وتسع لكل منهم فللغرماء الستة اثنا عشر على ثمانية وستة أتساع سهم وذلك ثلثاه فإذا ضممت اثني عشر وثلثين إلى ستة وثلث يبلغ تسعة عشر ومن صالح من الورثة أو الغرماء على شيء معلوم منها أي من التركة فاطرح نصيبه من التصحيح أو الديون واقسم
____________________
(4/546)
الباقي على سهام من بقي من الورثة أو على ديونهم أي ديون من بقي من الغرماء مثاله
____________________
(4/547)
زوج وأم وعم ففيها نصف وثلث الكل وما بقي فأصلها وتصحيحها من ستة فإذا صالح الزوج على شيء كما في ذمته من المهر وخرج من البين تطرح سهامه من التصحيح وذلك ثلاثة وتقسم باقي التركة على سهام الباقين على ما كان أثلاثا ثلثاه للأم وثلثه للعم
قال الفقير يريد المولى الفاضل روح الله روحه وزاد في أعلى غرف الجنان فتوح نفسه النفيسة هذا آخر كتاب سماه ملتقى الأبحر ولم آل من الألو وهو التقصير جهدا أي لم أمنعك جهدا في عدم ترك شيء من مسائل الكتب الأربعة وهي القدوري والمختار والكنز والوقاية كما مر في الخطبة وألتمس على صيغة المتكلم من الالتماس من الناظر فيه أي هذا الكتاب إن اطلع على الإخلال بشيء منها أي من مسائل الكتب الأربعة بأن لا يذكره في محله أن يلحقه مفعول ألتمس بمحله فإن الإنسان محل النسيان سمي الإنسان لأنه الناسي ولذلك قيل أول الناس أول الناسي وليكن أمر غائب ذلك أي الإلحاق بمحله الأصلي بعد التأمل في مظان تلك المسألة أي بعد التأمل في مواضع يظن تلك المسألة منها فإنه ربما ذكرت بعض المسائل في بعض الكتب المذكورة في موضع وفي غيره في موضع آخر فاكتفيت بذكرها أي بذكر تلك المسألة في أحد الموضعين فيظن أن هذا ليس بمحله لكن بعد التأمل يظهر وجهه ثم إني زدت فيه مسائل كثيرة من الهداية ومن مجمع البحرين
قال في الخطبة ونبذة من الهداية فيكون مناقضا لما قال هناك لكن أسلفنا التوفيق بينهما ثمة فلا حاجة إلى التكرار ولم أزد
____________________
(4/548)
شيئا من غيرهما أي غير الهداية ومجمع البحرين حتى يسهل الطلب على من اشتبه عليه صحة شيء مما ليس في الكتب الأربعة والله حسبي أي كافي ونعم الوكيل الحمد لله على الكمال والتمام والصلاة والسلام على أفضل الرسل الكرام محمد سيد الأنام وعلى آله وصحبه العظام ما بقي على وجه الأرض علماء الأعلام بعون الله العزيز الجليل وعليه الاعتماد والتعويل في أن يهديني سواء السبيل ويجعلني من رحمته في ظل ظليل ويعصمني عن مزلة الأفهام ويثبتني يوم تزل الأقدام إنه قريب مجيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وقد انتهى هذا الشرح وتم بفضله تعالى ببلدة أدرنة صانها الله عن البلية قاضيا بالعساكر المنصورة في ولاية الروم أيلى المعمورة راجيا من الله عز وجل العفو مما وقع مني فيه من القصور والخبط والزلل وذلك في ليلة الخميس في اليوم التاسع عشر من جمادى الآخرة من شهور سنة سبع وسبعين وألف من هجرة من له العز والشرف اللهم اجعله لي ذخرا نافعا وخيرا باقيا بحرمة جميع الأنبياء والمرسلين خصوصا بحرمة حبيبك محمد المصطفى صلوات الله تعالى وعليهم أجمعين آمين وقد تم تبييضه بين الصلاتين من يوم الثلاثاء ثالث عشر من رجب المرجب المعظم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة على يد الفقير إلى الله الغني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسانه إلى يوم الدين وهذا المتخلف من خط المؤلف إبراهيم الحلبي كما سيأتي من أسامي الكتب لكن الناسخ ترك لعدم وقوعه في بعض النسخ
ملتقى الأبحر في فروع الحنفية للشيخ الإمام إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة ست وخمسين وتسعمائة جعله مشتملا على مسائل القدوري والمختار والكنز والوقاية بعبارة سهلة وأضاف إليه بعض ما يحتاج إليه من مسائل المجمع ونبذة من الهداية وقدم من أقاويلهم ما هو الأرجح وأخر غيره واجتهد في التنبيه على الأصح والأقوى وفي عدم ترك شيء من مسائل الكتب الأربعة ولهذا بلغ صيته في الآفاق ووقع على قبوله بين الحنفية الاتفاق قال وقد تم تبييضه بين الصلاتين في يوم الثلاثاء ثالث عشر رجب سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وشرحه تلميذه الحاج علي الحلبي توفي سنة سبع وستين وتسعمائة أورد فيه الاعتراض والجروح على شروح المتون الأربعة وشرحه المولى محمد الثيروي المعروف بعشي توفي سنة ست عشرة وألف ومحمد بن محمد المعروف بابن البهنسي من مشايخ دمشق إلى كتاب البيع وتوفي في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وتسعمائة وشرحه الشيخ نور الدين علي الباقاني القادري تلميذ البهنسي أوله الحمد لله الذي شرع الأحكام إلى آخره قال ولما كان ملتقى الأبحر أجل متون المذهب وأجمعها وأتمها فائدة وأنفعها أردت أن أشرحه بعد أن كتب عليه شيخي فريد دهره شيخ الإسلام الشيخ محمد البهنسي المتوفى سنة سبع وثمانين وتسعمائة وكنت أنا السبب في ذلك بقراءتي المتن عليه وطلبي منه ذلك كما أشار إليه في الديباجة بقوله وقد طلب مني شرحه بعض المترددين من أفاضل المشتغلين بتحصيل العلم ولم يقرأ هذا المتن عليه أحد إلا الفقير فقرأت من الأول إلى النفقات وانتهت كتابته هناك ثم قرأت ثانيا إلى خيار الرؤية وكتب من البيوع إليها ثم سافر إلى الحج وتوفي بعد ما جمعه بسنة فشرعت في هذا الشرح في أوائل سنة تسعين وتسعمائة وتم في ثالث عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وتسعمائة ووقع التخلل في هذه المدة بلا كتابة في أيام كثيرة بسبب الحج سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة وقد جمعت فيه من كتب المذهب من الهداية وشروحها وغير ذلك وسماه بمجرى الأنهر على ملتقى الأبحر ومن شروحه شرح إسماعيل أفندي السيواسي في أربع مجلدات وتوفي سنة ثمان وأربعين وألف وشرح الشيخ الإمام علاء الدين بن ناصر الدين الإمام بجامع بني أمية الدمشقي الحنفي المتوفى سنة فرائضه وسماه سكب الأنهر على فرائض ملتقى الأبحر أوله الحمد لله الذي قضى بالحمام على جميع الأنام إلخ وأتمه في شهر جمادى الآخرة سنة تسعين وتسعمائة وشرحه شاه محمد بن أحمد بن أبي السعود الصديقي الحنفي المناستري شرحا ممزوجا أوله الحمد لله الذي زين بهدايته سماء الشريعة إلى آخره وسماه منتهى الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ألفه سنة اثنتين وخمسين وألف وشرحه المولى العلامة قاضي القضاة بالعساكر الرومية عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده المتوفى سنة ثمان وسبعين وألف شرحا بسيطا وسماه بمجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر قال وقع الإتمام الاختتام في سنة سبع وسبعين وألف وشرحه العلامة محمد بن علي بن محمد بن علي الملقب بعلاء الدين الخصكفي الدمشقي المتوفى سنة ثمان وثمانين وألف وسماه در المنتقى في شرح المتلقى وشرحه المولى مصطفى بن عمر بن الشيخ محمد المشهور بحلب المتوفى سنة ثلاث وتسعين وألف والمولى القاضي بالقسطنطينية السيد بن محمد الحلبي المتوفى سنة أربع ومائة وألف شرحا مشهورا بالسيد الحلبي وللشيخ خليل بن رسولا بن عبد المؤمن السينوبي الأقجه جابي شرح المبسوط في مجلدين سماه إظهار فوائد الأبحر وإيضاح فوائد الأنهر أوله الحمد لله الكريم الواهب المنان إلى آخره
وللشيخ عثمان الوحدتي الأدرنوي المتوفى في حدود سنة ثلاثين ومائة وألف تقريبا شرح مبسوط غاية البسط
وللملتقى شرح مسمى بالمنتقى شرحه بالنقول والعزو إلى من أخذ منه أوله الحمد لله رب العالمين إلى آخره وشرح مناسكه الشيخ محمد بن صالح المعروف بقاضي زاده المدني المتوفى سنة سبع وثمانين وألف وللمولى علي بن شرف الدين الشيخ عبد الباقي بن الشيخ أحمد الشهير بظريفي شرح ممزوج وسماه نور التقى في شرح الملتقى أتمه في محرم سنة ثمان ومائة وألف أوله الحمد لله الذي فقه في الدين من أراد به خيرا إلخ وشرحه المولى محمد أفندي الحفيد المشهور بطورون شرحا مبسوطا من كشف الظنون وملتقى ترجمة سي موقوفاتي أفندي بالدفعات طبع أو لنمشدر مؤلفي ديباجة سنده سبب تأليفني بيان ايلمش ديكر ترجمه لري فائق بولنديغي جمله عندنده مسلمدر قد تم طبع هذين الشرحين كأنهما مرج البحرين مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لعبد الرحمن أفندي دامار المدعو بشيخي زاده وفي هامشه در المنتقى في شرح الملتقى لمؤلف در المختار شرح تنوير الأبصار في المطبعة العامرة في أيام دولة مولانا المعظم وسلطاننا المفخم السلطان ابن السلطان السلطان محمد رشاد خان خامس أدام الله دولته إلى آخر الدوران ببقاء الشريعة المصطفوية والدين السمحة السهلة الحنيفة وقد اعتنى بتصحيحه وترتيبه راجي بشفاعة النبي المختار غفر الأوزار من الغفور والستار أحمد بن عثمان بن أحمد المنتسب إلى قرية حصار وقد تصادف ختامه في أوائل محرم الحرام سنة 1328 من هجرة من خلقه الله تعالى على أجمل النعت وأكمل الوصف صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى جميع الآل والصحابة وجميع أمة الإجابة آمين يا معين
____________________
(4/549)