الضرورات ولا بأس بكينونتهما أي الزوجين معا بمنزل واحد
وإن وصلية كان الطلاق بائنا إذا كان بينهما سترة أي ستر وحجاب تحرزا من الخلوة بالأجنبية إلا أن يكون الزوج فاسقا يخاف منه فإن كان فاسقا أو البيت ضيقا خرجت لأنه عذر والأولى خروجه أي الزوج إلى منزل آخر لأن مكثها في منزل الزوج واجب ومكثه فيه مباح ورعاية الواجب واجب
وإن جعلا بينهما امرأة ثقة تقدر على الحيلولة وعلى منع الوطء فحسن عملا بالواجب بقدر الإمكان ولو أبانها أو مات عنها وزوجها في سفر سواء كانت مصرا أو مفازة بقرينة قوله وإن كان ذلك في المصر وإنما قيد بالإبانة لأن في الرجعي لم تفارقه لأن الزوجية قائمة بينهما
و الحال أن بينها وبين مصرها الذي خرجت منه أقل من مدته أي مدة السفر فعلى هذا يلزم التأويل في قوله في سفر بأن قصده وإلا لما صح هذا تدبر
رجعت إلى مصرها مطلقا لأنه ليس بابتداء الخروج بل هو بناء
وإن كانت بينها وبين مصرها مسافته أي السفر من كل جانب تخيرت بين الرجوع إلى مصرها وبين التوجه إلى مقصدها سواء كان معها ولي أي محرم أو لا في الصورتين لأن ذلك المكان أخوف من السفر والعود أحمد لتعتد في منزلها وفيه إشارة إلى أنه لو أبانها أو مات عنها في سفر فإن كان بعدها عن مصرها الذي نشأت منه أو عن مقصدها مسيرة سفر وعن
____________________
(2/156)
الآخر أقل من مسيرة سفر تتوجه المرأة إلى آخر الأقل مصرا كان أو مقصدا كما في الشمني
وإن كان ذلك أي الطلاق أو الموت في مصر من الأمصار الواقعة في الطريق والمراد موضع الإقامة ولو قرية وبعدها عن كل من المصر والمقصد مسيرة سفر بقرينة قوله ثم تخرج إن كان لها محرم لأن الخروج إلى ما دون السفر يجوز بلا محرم لا يخرج منه ما لم تعتد ثم تخرج إن كان لها محرم عند الإمام لكن لو كان ذلك في المفازة سارت إلى أدنى البقاع الآمنة إليها وقالا إن كان معها محرم جاز الخروج قبل الاعتداد لأن نفس الخروج مباح دفعا لأذى الغربة ووحشة الوحدة فهذا عذر وإنما الحرمة للسفر وقد ارتفعت بالمحرم وله إن العدة أمنع من الخروج من عدم المحرم فإن للمرأة أن تخرج إلى ما دون السفر بغير محرم وليس للمعتدة ذلك فلما حرم عليها الخروج إلى السفر بغير المحرم ففي العدة أولى
باب ثبوت النسب لما كان من آثار الحمل ذكره عقيب العدة أقل مدة الحمل ستة أشهر لقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ثم قال الله تعالى وفصاله في عامين فبقي للحمل ستة أشهر وأكثرها كثيرا سنتان وغالبها تسعة أشهر وعند الأئمة الثلاثة أربع سنين وعن مالك وعباد خمس سنين وعنه وربيعة سبع سنين وعن الزهري ست سنين وتمسكوا في ذلك بحكايات منها ما روي أن عبد العزيز الماجشوني ولدته أمه لأربع سنين وهذه عادة معروفة في نساء ماجشون أنهن تلد لأربع سنين وروي أن الضحاك ولدته أمه لأربع
____________________
(2/157)
سنين بعدما نبتت ثنيتاه وهو يضحك فسمي ضحاكا وكذا هرم بن حيان ومحمد بن عبد الله وغيرهم ولنا قول عائشة الصديقة رضي الله عنها الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل أي بقدر ظل مغزل وفي رواية ولو بفلكة مغزل أي بقدر دوران فلكة مغزل
وظل المغزل مثل لقلته لأن ظله حال الدوران أسرع زوالا من سائر الظلال وظاهره أنه قالته سماعا إذ العقل لا يهتدي إلى المقادير والحكايات محتملة للغلط لأن عادة المرأة أنها تحتسب مدة الحمل من انقطاع الحيض والانقطاع كما يكون بالحبل يكون بعذر آخر فجاز أن ينقطع الدم بالمرض بعد سنتين ثم حبلت فبقي إلى سنتين ومن قال إن نكحت فلانة فهي طالق فنكحها فولدت لستة أشهر منذ نكحها لزمه أي الزوج نسبه أي نسب الولد ومهرها لأنه لا يبعد أن الزوج والزوجة وكلا بالنكاح والوكيلان نكحها في ليلة معينة والزوج وطئها في تلك الليلة ووجد العلوق ولا يعلم أن النكاح مقدم على العلوق أم مؤخر فلا بد من الحمل على المقارنة على أن الزوج إن علم أنه لم يكن على هذه الصفة وأنه لم يطأها في تلك الليلة فهو قادر على اللعان فلما لم ينتف الولد باللعان فليس علينا نفيه عن الفراش مع تحقق الإمكان كما في صدر الشريعة والمنح لكن فيه كلام لأنه لا لعان بنفي الحمل قبل وضعه عند الإمام ولا يمكن الحمل إلى قولهما لأن عندهما يلاعن إن أتت به لأقل من ستة أشهر كما في اللعان وما نحن فيه إن أتت لستة أشهر وكذا بعد الوضع لأن الزوجية شرط في اللعان وبعده لا يبقى أثر النكاح فكيف يقدر على النفي تدبر
وإذا أقرت المطلقة بانقضاء العدة أطلقه فشمل أية معتدة كانت كما في شرح الجامع الصغير نقلا عن الإمام فخر الإسلام وغيره لكن في العناية ذكر المرغيناني وقاضي خان أن الآيسة لو أقرت بانقضاء عدتها ثم جاءت بولد لأقل من سنتين ثبت النسب فلم يتناول كل معتدة تتبع ثم ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار كما في عامة المعتبرات فعلى هذا ما وقع
____________________
(2/158)
في أكثر نسخ صدر الشريعة من وقت الطلاق سهو من قلم الناسخ تدبر
ثبت نسبه لظهور كذبها بيقين هذا إذا جاءت لأقل من سنتين من وقت الفراق وإن جاءت به لأكثر منهما لا يثبت وإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار وتمامه في التبيين فليطالع وإن ولدت لستة أشهر من وقت الإقرار لا يثبت نسبه منه
وقال الشافعي يثبت لأن حمل أمرها على الصلاح ممكن فوجب الحمل عليه وفي ضده حمله على الزنا وهو منتف عن المسلم ولأن فيه ضررا على الولد بإبطال حقه في النسب فيرد إقرارها ولنا أن المرأة أمينة في الإخبار عما في رحمها كما إذا أقرت بانقضاء عدتها فوجب قبول خبرها حملا لكلامها على الصحة ولا يلزم من قطعه عنه أن يكون من الزنا لأنه يحتمل أنها تزوجت
وإن لم تقر المطلقة بانقضاء عدتها يثبت النسب إن ولدت لأقل من سنتين بلا دعوة لاحتمال كون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش ويثبت النسب احتياطا
وإن ولدت لسنتين أو أكثر لا يثبت النسب لحدوث الحمل بعد الطلاق يقينا وفيه أبحاث قررها يعقوب باشا في حاشيته فليطالع
إلا في الطلاق الرجعي ويكون الولد رجعة يعني إذا جاءت به لأكثر من سنتين كان مراجعا ما لم تقر بانقضاء العدة لأن العلوق بعد الطلاق والظاهر أنه منه وإن وطئها في العدة حملا بحالهما على الأحسن والأصلح فإن جاءت به لأقل من سنتين بانت من زوجها بانقضاء العدة بوضع الحمل ويثبت النسب لوجود العلوق في النكاح أو في العدة ولا يصير مراجعا لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق وبعده فلا يصير مراجعا بالشك وفيه كلام قرره يعقوب باشا في حاشيته فلينظر
بخلاف البائن وإنما
____________________
(2/159)
ذكره مكررا مع أنه علم من قوله وإن لسنتين أو أكثر لأنه توطئة لقوله إلا أن يدعيه أي الزوج نسبه فيثبت النسب فيه أي في البائن إذا ولدت لسنتين أو أكثر أيضا أي كما يثبت في الرجعي ويحمل على الوطء بشبهة بيانه أنه التزم النسب بدعوته له وفيه وجه شرعي بأن وطأها بشبهة في العدة والنسب يحتاط في إثباته فيثبت
وقال الزيلعي وهكذا ذكروه وفيه نظر لأن المبتوتة بالثلاث إذا وطئها الزوج بشبهة كان شبهة في الفعل وفيها لا يثبت النسب وإن ادعاه فكيف أثبت به النسب هنا انتهى
وفيه بحث لأنه يمكن التوجيه بأن المراد من هذا وجوده في بعض المواد لا في الكل فإن في معتدة الكنايات إن ادعى الزوج ولادته ثبت نسبه منه تدبر
وفي النهاية أن الزوج إذا ادعاه هل يشترط فيه تصديق المرأة فيه روايتان انتهى لكل الأوجه أنه لا يشترط لأنه ممكن منه وقد ادعاه ولا معارض له وكذا في المعتدة من غير طلاق من أسباب الفرقة
وإن كانت المبانة مراهقة وكان قد دخل بها ولم تقر بانقضاء عدتها وتعبير المصنف بالمراهقة أولى من تعبير كثير بالصغيرة لأن المراهقة هي التي تلد لا ما دونها تدبر فإن أتت به أي بالولد لأقل من تسعة أشهر منه طلقها بائنا كان أو رجعيا عند الطرفين لأن العلوق حينئذ يكون في العدة يثبت نسبه وإلا أي وإن لم تأت به لأقل من تسعة أشهر بل أتت به لتمامها فلا يثبت لانقضاء عدتها بالأشهر شرعا فإذا ثبت في الإقرار المحتمل ففيما لا يحتمل أولى وهذا إذا لم تدع الحبل فإن ادعت فهي كالكبيرة في حق ثبوت النسب فيثبت في البائن لأقل من سنتين
وفي الرجعي لأقل من سبعة وعشرين شهرا وقيدنا بكونه دخل بها لأنه لو لم يدخل بها وجاءت بولد فإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق يثبت نسبه وإن جاءت به لأكثر لا يثبت لحصول العلوق وهي أجنبية كما في الغاية وقيدنا بكونها لم تقر بانقضائها لأنها لو أقرت بعد ثلاثة أشهر ولم تدع الحبل ثم جاءت بولد فإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار يثبت وإن جاءت لستة أشهر لا لانقضاء العدة ومجيء الولد بمدة حبل
____________________
(2/160)
تام كما في البحر فعلى هذا ظهر أن المصنف أخل بهذه القيود وهي مما لا ينبغي الإخلال بها تدبر
وأما ما في البدائع من أنه قال إذا لم تقر بانقضاء عدتها فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق يثبت النسب وإن جاءت به لستة لا يثبت غلط
والصواب إبدال الستة بالتسعة تأمل
وعند أبي يوسف يثبت النسب فيما دون سنتين
وفي الإصلاح أما إذا لم تقر بشيء فعنده سكوتها كإقرارها بالحبل حيث لم تقر بانقضاء العدة بمضي ثلاثة أشهر والبلوغ قد يكون بالحبل فتعين فيثبت في البائن إلى سنتين
وفي الرجعي إلى سبعة وعشرين ومن مات عنها زوجها يثبت نسب ولدها من المتوفى إن أتت به لأقل من سنتين
وقال زفر إذا ولدته لتمام عشرة أشهر وعشرة أيام من حين مات لا يثبت النسب منه
وإن كانت التي مات زوجها مراهقة فلأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام فساعة لأن عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام وأدنى مدة الحمل ستة أشهر فإذا أتت به لأقل من هذه تيقنا أن العلوق في العدة
وفي الغاية وعند أبي يوسف إن جاءت بالولد لأقل من سنتين من وقت وفاة الزوج يثبت النسب وإلا فلا لأن سكوتها بمنزلة الإقرار بالحبل عنده وأما عندهما فسكوتها بمنزلة الإقرار بانقضاء العدة وهو الأشهر لأن عدتها ذات جهة واحدة لأنها لا تحتمل الحبل لصغرها وإلا أي ولم تأت به لأقل من سنتين في الكبيرة بل لسنتين أو أكثر ولم تأت به لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام في المراهقة بل أتت به لعشرة أشهر وعشرة أيام أو أكثر فلا يثبت النسب ولا تثبت ولادة المعتدة مطلقا عند الإنكار إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند الإمام لأن الإلزام على الغير ولا يجوز إلا بحجة تامة ثم قيل تقبل شهادة الرجلين ولا يفسقان بالنظر إلى العورة
____________________
(2/161)
إما لكونه قد يتفق من غير قصد نظر ولا تعمد أو للضرورة كما في تحمل شهادة الزنا وعندهما تكفي شهادة امرأة واحدة وفسر في الكافي بالقابلة لأن الفراش قام بقيام العدة وهو ملزم والحاجة إلى تعيين الولد فيه فيتعين بشهادتها
وقال فخر الإسلام لا بد أن تكون المرأة مسلمة حرة عدلة
وإن كان بها حبل ظاهر أو اعترف الزوج به أي الحبل تثبت الولادة بمجرد قولها عنده لثبوت النسب قبل الولادة ببقاء الفراش فلا احتياج إلى الشهادة وعندهما لا بد من شهادة امرأة
وفي شرح المجمع وغيره وأما شهادة القابلة فلا بد منه لتعيين الولد اتفاقا لاحتمال أن يكون الولد غير هذا المعين وإنما الخلاف في ثبوت نفس الولادة بقول المعتدة فعنده ثبت إذا تأبد بمؤيد من ظهور حبل أو اعتراف وعندهما يثبت بشهادة القابلة
وإن ادعتها أي الولادة بعد موته أي الزوج لأقل من سنتين فصدقها الورثة صح في حق الإرث والنسب أي يثبت نسب ولد المعتدة عن وفاة بتصديق الورثة كلهم أو بعضهم أما في حق الإرث فظاهر لأنه خالص حقهم ويثبت في حق غيرهم أيضا استحسانا لأنهم قائمون مقام الميت فيقبل قولهم وهذا لأن ثبوت نسبه باعتبار فراشه في الحقيقة وهو باق بعد موته لبقاء العدة فيقبل قولهم ويثبت في حق غيرهم أيضا إذا كانوا من أهل الشهادة بأن كان فيهم رجلان أو رجل وامرأتان عدول فيشارك المصدقين والمكذبين جميعا وهل يشترط
____________________
(2/162)
لفظ الشهادة لثبوت النسب في حق غيرهم الصحيح عدم اشتراطه كما في أكثر المعتبرات ولهذا شرط المصنف التصديق دون لفظ الشهادة فقال هو المختار لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم والتبع يراعى فيه شرائط المتبوع لا شرائط نفسه على ما عرف في موضعه فبهذا التقرير اندفع ما في الفرائد من أنه قال لفظ هو المختار ليس في محله تتبع
ومن نكح امرأة فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من وقت تزوجها ثبت نسبه منه إن أقر بالولادة أو سكت لأن الفراش قائم والمدة تامة
وإن جحد الولادة حال قيام النكاح فبشهادة أي فيثبت بشهادة امرأة واحدة عدلة فإن نفاه أي الزوج لاعن ولا يعترض بأن اللعان لزم بشهادة الواحدة لأنا نقول النسب يثبت بالنكاح القائم واللعان إنما لزم بالقذف الثابت في ضمن نفي الولد لا بنفي الولد من حيث هو
وإن أتت به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها لا يثبت النسب منه لسبق العلوق على العقد فإن ادعت نكاحها منذ ستة أشهر وادعى الزوج الأقل فالقول لها مع اليمين لأن الظاهر شاهد لها فإنها تلد ظاهرا من نكاح لا من سفاح ويجب أن تستحلف عندهما وعند
____________________
(2/163)
الإمام بلا يمين والفتوى على قولهما في الأشياء الستة
وإن علق طلاقها بالولادة أي قال الزوج لامرأته إذا ولدت فأنت طالق وقالت ولدت فشهدت بها أي بالولادة امرأة قابلة عدلة لا تطلق عند الإمام خلافا لهما لأن شهادتهن حجة فيما لا يطلع عليه الرجال ولأنها لما قبلت على الولادة تقبل فيما يبتنى عليها وهو الطلاق وله أنها ادعت الحنث فلا يثبت إلا بحجة تامة وهذا لأن شهادتهن ضرورية في الولادة فلا تظهر في حق الطلاق لأنه ينفك عنها وعند الشافعي تطلق بشهادة أربع نسوة وعند مالك بامرأتين وعند أحمد بامرأة بناء على الأصول المقررة عندهم
وإن اعترف الزوج بالحبل سواء قبل التعليق أو بعده تطلق بمجرد قولها عند الإمام لأن إقراره به إقرار بما يفضي إليه وهي مؤتمنة كما في تعليق الحيض وعندهما لا بد من شهادة امرأة فلا يقع بدونها لدعواها الحنث فلا بد من حجة وشهادتها حجة
ومن نكح أمة فطلقها بعد الدخول طلقة واحدة بائنة أو رجعية فاشتراها فولدت لأقل من ستة أشهر منذ شراها لزمه الولد سواء أقر به أو نفاه لأن العلوق سابق على
____________________
(2/164)
الشراء وإلا أي وإن لم تلد لأقل بل ولدت لتمامها أو أكثر فلا لأنه ولد المملوكة إذ الحادث يضاف إلى أقرب وقته فلا بد من دعوته قيدنا بالدخول لأنه لو كان قبل الدخول فإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الطلاق لا يلزمه وإن كان لأقل منه لزمه إذا ولدته لتمام ستة أشهر أو أكثر من وقت العقد وإن كان لأقل لا يلزمه كما في التبيين وقيدنا بالواحدة لأنه إذا كان ثنتين يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق للحرمة الغليظة فلا يضاف العلوق إلا إلى ما قبله لأنها لا تحل بالشراء ومن قال لأمته إن كان في بطنك ولد فهو مني فقالت ولدت فشهدت امرأة عدلة بالولادة فهي أم ولده هذا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت مقالته وإلا فلا لاحتمال أنه بعد مقالة المولى فلم يكن المولى مدعيا هذا الولد بخلاف الأول لتيقننا بقيامه في البطن بعد القول فتيقنا بالدعوى وقيد بالتعليق لأنه لو قال هذه حامل مني يلزمه الولد وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر إلى سنتين حتى ينفيه كما في البحر ومن قال الغلام هو ابني ومات القائل فقالت أمه أي أم الغلام أنا امرأته أي الميت وهو ابنه يرثانه بالبنوة والزوجية إذا كانت معروفة بالحرية والإسلام وبكونها أم الغلام لأن النكاح هو المتعين لذلك وضعا وعادة فإن جهلت حريتها وقالت الورثة أنت أم ولده فلا ميراث لها لأن ظهور الحرية باعتبار الدار حجة في دفع الرق لا في استحقاق الإرث وقالوا لها مهر المثل لأن الوارث أقر بالدخول عليها ولم يثبت كونها أم ولد
وفي التنوير زوج أمته من عبده فجاءت بولد فادعاه المولى لم يثبت نسبه وعتق الولد وتصير الأمة أم ولده
____________________
(2/165)
166 باب الحضانة بالكسر لغة مصدر حضن الصبي أي رباه وشرعا تربية الأم أو غيرها الصغير أو الصغيرة الأم أحق بحضانة ولدها قبل الفرقة وبعدها لإجماع الأمة ولأنها أشفق من غيرها إن كانت أهلا فلا حضانة لمرتدة لأنها تحبس وتجبر على الإسلام إلا إذا تابت فهي أحق به ولا للفاسقة كما في الفتح وغيره لكن في البحر وينبغي أن يراد بالفسق هنا الزنا لاشتغال الأم عن الولد بالخروج من المنزل لا مطلقة وفي القنية الأم أحق وإن كانت سيئة السيرة معروفة بالفجور ما لم تقبل ذلك ثم أي بعد الأم بأن ماتت أو لم تقبل أو تزوجت بغير محرم أو ليست أهلا أمها أي أم الأم
وإن علت لأن هذه الولاية مستفادة من قبل الأمهات فكانت التي هي من قبلها أولى وعن أبي يوسف إن أم الأب أولى ثم أم الأب وإن علت فهي مقدمة على الأخوات والخالات لأنها أ
____________________
(2/166)
م ولها قرابة الولادة وهي أشفق فكانت أولى ولهذا يحرز ميراث الأم السدس في أكثر الكتب لكن إنما يكون هو السدس إذا كان معها ولد أو ولد الابن أو الاثنان من الإخوة والأخوات وعند عدمهم ثلث الجميع أو ثلث ما يبقى بعد فرض أحد الزوجين للجدة السدس عند عدمهم أيضا والتنظير مطلقا ليس في محله تدبر
وقال زفر الأخت لأب وأم أو لأم أو الخالة أحق من أم الأب ثم أخت الولد لأبوين ثم لأم ثم لأب لأنهن بنات الأبوين فكن أولى من بنات الأجداد فتقدم الأخت لأبوين ثم الأخت لأم وعند زفر هما يشتركان لاستوائهما فيما يعتبر وهو الإدلاء بالأم وجهة الأب لا مدخل له فيه ونحن نقول يصلح للترجيح وإن كان قرابة الأب لا مدخل لها فيه ثم الأخت لأب
وفي رواية تقدم الخالة عليها وبنات الأخت لأب وأم أو لأم أولى من الخالات واختلفت الروايات في بنات الأخت لأب والصحيح أن الخالة أولى منهن ثم خالته كذلك أي خالته لأب وأم ثم لأب لأن قرابة الأم أرجح والخالة هي أخت الصغيرة لا مطلق الخالة لأن خالة الأم مؤخرة عن عمة الصغيرة وكذا خالة الأب ثم عمته كذلك أي عمته لأب وأم ثم لأم ثم لأب ولم يذكر المصنف بعد العمات أحدا من النساء والمذكور في الفتح وغيره أن بعد العمات خالة الأم لأب وأم ثم لأم ثم لأب ثم بعدهن خالة الأب لأب وأم ثم لأم ثم لأب ثم بعدهن عمات الأمهات والآباء على هذا الترتيب وبنات الأخت أولى من بنات الأخ وهن أي بنات الأخ أولى من العمات وفي أكثر المعتبرات
____________________
(2/167)
وأما بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات فبمعزل عن الحضانة لأنهن غير محرم وبهذا ظهر أن ما في القهستاني من أنه قال ثم بنت خالته كذلك ثم بنت عمته كذلك ضعيف تتبع
ومن نكحت غير محرمه أي محرم الولد ممن لها حق الحضانة سقط حقها بالإجماع وينتقل إلى من بعدها لقوله عليه الصلاة والسلام أنت أحق به ما لم تتزوجي ولأن الأجنبي ينظر إليه شزرا أي نظر البغيض ويعطيه نزرا أي قليلا ولهذا قال في القنية ولو تزوجت الأم بزوج آخر وتمسك الصغير معها أم الأم في بيت غير الأب فللأب أن يأخذه منها فعلى هذا تسقط الحضانة أما بتزوج غير المحرم أو بسكناها عند المبغض له كما في البحر فإذا اجتمع النساء الساقطات الحق يضع القاضي الصغير حيث شاء منهن كما في المحيط لا يسقط حق من نكحت محرمه أي محرم الولد كأم الصغير نكحت عمه أي الصغير
و مثل جدة أم الأم أو الأب نكحت جده أي أب أب الصغير أو أب أمه لانتفاء الضرر بقيام القرابة ويعود الحق أي حق الحضانة إليها بزوال نكاح سقط ذلك الحق به أي بذلك النكاح والأحسن بزواله هذا في الطلاق البائن أما في الرجعي فلا يعود حقها حتى تنقضي عدتها لقيام الزوجية فقولهم سقط حقها معناه
____________________
(2/168)
مع مانع منه لأنه من زوال المانع لا من عود الساقط كالناشزة لا نفقة لها ثم تعود بالعود إلى منزل الزوج كما في البحر والقول قولها في نفي الزوج لأنها تنكر بطلان حقها في الحضانة هذا إن ادعى الزوج أن الأم تزوجت بآخر وأنكرت أما إن أقرت وادعت طلاقه فإن أبهمت الزوج فالقول لها وإن عينت لا يقبل قولها في دعوى الطلاق حتى يقر به الزوج ويكون الغلام عندهن حتى يستغني عنها بأن يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ويستنجي أي يمكنه أن يفتح سراويله عند الاستنجاء ويقدر على الطهارة ويشده بعده وحده حال أو ظرف وقدر بتسع أو سبع أي قدر مدة الاستغناء أبو بكر الرازي بتسع سنين والخصاف بسبع سنين وعليه الفتوى كما في أكثر الكتب اعتبارا للغالب
وفي الخانية إن اختلفا في سنه لا يحلف القاضي واحدا منهما بل ينظر إن وجده مستغنيا كما مر يدفعه إلى الأب لأنه إذا استغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم والأب أقدر على ذلك ثم يجبر الأب أو الوصي أو الولي على أخذه لأن الصيانة عليه
و تكون الجارية عند الأم أو الجدة حتى تحيض عند الشيخين لأنهما بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك أقدر والغلام بعد البلوغ يحتاج إلى التحصين والحفظ والأب فيه أقدر وعند محمد حتى تشتهى لاحتياجها إلى الحفظ
وفي شرح نفقات الخصاف الجارية تكون عند أمها حتى تحيض عند الطرفين وعند أبي يوسف حتى تشتهى وهكذا روي عن محمد فتبين أن في المسألة روايتين كما تكون عند غيرهما أي الأم والجدة ممن يستحق الحضانة فإنها تترك عندهن حتى تشتهى وقيل حتى تستغني وإذا استغنى الولد عند واحدة منهن فالأولى أقربهم تعصيبا فالأب ثم الجد الأقرب فالأقرب وبه أي بقول محمد يفتى لفساد الزمان كما في أكثر المعتبرات
وفي البحر أن الفتوى على خلاف ظاهر الرواية فقد صرح في التجنيس بأن في
____________________
(2/169)
ظاهر الرواية أنها أحق بها حتى تحيض واختلف في حد الشهوة فقدره أبو الليث تسع سنين وعليه الفتوى كما في التبيين وفيه إشارة إلى أنها لو تزوجت قبل أن تبلغ لا تسقط حضانتها كما في البحر ومن لها حق الحضانة لا تجبر عليها إن أبت لاحتمال أن تعجز عن الحضانة إلا إذا تعينت بأن لا يأخذ الولد ثدي غيرها أو لا يكون له ذو رحم محرم سواها فتجبر على الحضانة إذ الأجنبية لا شفقة لها عليه كما في الدرر
وفي المنح تفصيل فليطالع
وفي التنوير ولا تقدر الحاضنة على إبطال حق الصغير في الحضانة فلو اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز والشرط باطل وتستحق الحاضنة أجرة الحضانة إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لأبيه وتلك الأجرة غير أجرة إرضاعه كما في البحر فإن لم تكن أي إن لم توجد امرأة مستحقة للحضانة فالحق للعصبات على ترتيبهم في الإرث فيقدم الأب ثم الجد ثم الأخ لأب وأم ثم لأب ثم بنوه كذلك ثم العم ثم بنوهم لكن لا تدفع صبية إلى عصبة غير محرم كابن العم ومولى العتاقة تحرزا عن الفتنة وفيه إشارة إلى أنه يدفع الغلام إلى ابن العم فيبدأ بابن العم لأب وأم ثم لأب وإلى أن عدم الدفع إذا كانت الصغيرة تشتهى وكان غير مأمون أما إذا كانت لا تشتهى كبنت سنة مثلا أو تشتهى وكان مأمونا فلا منع كما في البحر ولا تدفع إلى فاسق ماجن أي شخص لا يبالي بما صنع وبما قيل له ولو كان الفاسق محرما لكونه غير مؤتمن على نفسه فضلا عن الصبية وفيه إشارة إلى أن الصبي يدفع لكن في
____________________
(2/170)
التسهيل ولا يدفع إلى محرم لا يؤمن على صبي وصبية بفسقه انتهى
وهو أولى لما بينا سقوط الحضانة بالفسق نقلا عن الفتح وغيره
وفي المطلب ومن لا يؤمن على صبي وصبية ليس له حق الإمساك تدبر
وإن اجتمعوا أي اجتمع مستحقو الحضانة في درجة فأورعهم أولى ثم أسنهم
وفي المطلب وإذا لم تكن للصغير عصبة يدفع إلى الأخ لأم ثم إلى ولده ثم إلى العم لأم ثم إلى الخال لأب وأم ثم لأب ثم لأم لأن لهؤلاء ولاية عند الإمام في النكاح ولا حق لأمة وأم ولد في الحضانة قبل العتق وكذا المدبرة أو مكاتبة ولدت ذلك الولد قبل الكتابة لاشتغالهن بخدمة المولى لكن إن كان الولد رقيقا كن أحق به لأنه مملوك لمولى الأم وقيد بقبل العتق لأن بعد العتق كانت كالحرة والذمية أحق بولدها المسلم بأن كان زوجها مسلما لأن الشفقة لا تختلف لاختلاف الدين
وقال الشافعي وأحمد ومالك في رواية لا حق لها للذمية في المسلم ما لم يخف عليه إلف الكفر فحينئذ يؤخذ عنها جارية كانت أو غلاما لاحتمال الضرر بانتقاش أقوال الكفر في ذهنه وليس للأب أن يسافر بولده حتى يبلغ حد الاستغناء لما فيه من الإضرار بالأم بإبطال حقها في الحضانة كما في أكثر الكتب وهو يدل على أن حضانتها إذا سقطت جاز له السفر به ولا للأم ذلك لما فيه من الإضرار بالأب إلا إلى وطنها وقد تزوجها فيه فلا تخرجه إلى بلد ليس وطنا لها وإن وقع النكاح فيه في رواية الأصل وتخرجه في
____________________
(2/171)
رواية الجامع الصغير والأول أصح إن لم يكن الوطن دار حرب فليس لها أن تخرجه إلى دار الحرب أصلا هذا إذا كان الأب مسلما أو ذميا أما لو كانا مستأمنين وقد تزوجها هناك جاز لها الخروج إلى دارها وليس ذلك أي السفر به لغير الأم ممن يستحق الحضانة نظرا للصغير وهذا كله إذا كان بين المصرين أو القريتين تفاوت وإن كان بين المصرين أو القريتين ما اسم كان عبارة عن المسافة بحيث يمكن للأب أن يطلع عليه أي ولده ويبيت في منزله فلا بأس به لعدم الإضرار بالأب فصار كالنقلة من محلة إلى محلة أخرى في المصر المتباعد الأطراف
وكذا النقلة من القرية إلى المصر لما فيه مصلحة للصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر بخلاف العكس أي النقلة من المصر إلى القرية إذ فيه ضرر الولد حيث يتخلق بأخلاق أهل السواد إلا إذا وقع العقد فيه لأن أهل الكفور أهل القبور ولا خيار للولد في الحضانة مطلقا سواء كان مميزا أو لا وسواء كان غلاما أو جارية وقال الشافعي إذا كان مميزا يخير
وفي التنوير بلغت الجارية مبلغ النساء إن بكرا ضمها الأب إلى نفسه وإن ثيبا لا إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها والغلام إذا عقل واستغنى برأيه ليس للأب ضمه إلى نفسه والجد بمنزلة الأب فيه وإن لم يكن أب ولا جد ولها أخ أو عم فله ضمها إن لم يكن مفسدا وإن كان مفسدا لا يضمها وكذا الحكم في كل عصبة ذي رحم محرم منها وإن لم يكن لها أب ولا جد ولا غيرهما من العصبات أو كان لها عصبة مفسد فالنظر فيها إلى الحاكم فإن مأمونة خلاها تنفرد بالسكنى وإلا وضعها عند أمينة قادرة على الحفظ بلا فرق في ذلك بين بكر وثيب
____________________
(2/172)
باب النفقة وهي لغة اسم من الإنفاق والتركيب دال على المضي بالبيع نحو نفق البيع نفاقا بالفتح أي راج أو بالموت نحو نفقت الدابة نفوقا أي ماتت أو بالفناء نحو نفقت الدراهم نفقا أي فنيت وليست النفقة هنا مشتقة من النفوق بمعنى الهلاك ولا من النفق بل هو اسم للشيء الذي ينفقه الرجل على عياله ونحو ذلك وشريعة ما يتوقف عليه بقاء شيء من نحو مأكول وملبوس وسكنى قالوا ونفقة الغير تجب على الغير بأسباب الزوجية والقرابة والملك فبدأ بالأول لمناسبة ما تقدم من النكاح والطلاق والعدة ولأن الزوجية هي الأصل فقال تجب النفقة والكسوة بالضم والكسر اللباس كما في المفردات
وفي التاج الإلباس والسكنى اسم من الإسكان لا من السكون كما في الصحاح للزوجة على زوجها
____________________
(2/173)
سواء كان فقيرا أو غنيا حاضرا أو غائبا ثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع ولأن النفقة جزاء الاحتباس ومن كان محبوسا بحق شخص كانت نفقته عليه وأصله القاضي والعامل في الصدقات والوالي والمفتي والمقاتل والمضارب إذا سافر بمال المضاربة والوصي
ولو كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء لأن العجز من قبله فكان كالمجبوب والعنين خلافا لمالك مسلمة كانت الزوجة أو كافرة موطوءة أو غيرها حرة أو أمة ولو غنية لأن الدلائل لا فضل فيها كبيرة أو صغيرة التي توطأ أي تصلح للوطء في الجملة بلا منع نفسها عنه فتجب نفقة الرتقاء والقرناء أو غيرها مما لا يمنع الوطء ولا اعتبار لكونها مشتهاة على الصحيح كما في القهستاني لكن في أكثر الكتب قالوا إن كانت الصغيرة مشتهاة بحيث يمكن التلذذ منها تجب لها النفقة فعلى هذا أن المراد بالوطء أعم منه ومن الدواعي تدبر
وقال الشافعي لها النفقة وإن كانت في المهد إذا سلمت الزوجة ظرف لقوله تجب إليه أي إلى الزوج نفسها في منزله أي في منزل الزوج كما في الهداية وغيرها
وفي شرح الأقطع تسليمها نفسها شرط في وجوب النفقة ولا خلاف في ذلك
وفي النهاية هذا الشرط ليس بلازم في ظاهر الرواية فإنه ذكر في المبسوط وفي ظاهر الرواية بعد صحة العقد النفقة واجبة لها وإن لم تنقل إلى بيت الزوج ثم قال
وقال بعض المتأخرين من أئمة بلخي لا تستحق النفقة إذا لم تزف في بيت زوجها وهو رواية عن أبي يوسف
وفي الكافي الفتوى على ظاهر الرواية وكذا في الدرر وغيره قالوا هذا إذا لم يطالبها الزوج بالانتقال وكذا إذا طالبها ولم تمتنع أما
____________________
(2/174)
إذا طالبها بالانتقال وامتنعت بغير حق فلا نفقة لها فعلى هذا لا يلزم المخالفة على ما في شرح الأقطع في صورة عدم الامتناع لأنها سلمت إليه نفسها معنى لكن التقصير وجد من جهة الزوج حيث ترك النقل تأمل أو لم تسلم نفسها لحق لها كالمهر المعجل فإنه منع بحق فتستحق النفقة أو لم تسلم نفسها لعدم طلبه أي لعدم طلب الزوج الزوجة لأن الطلب حقه وإذا لم يطالبها كان تاركا حقه فتستحق النفقة لأنها حقها فلا يسقط حقها بترك حقه وتفرض النفقة أي تقدر في كل شهر وتسلم إليها في كل شهر لأنه يتعذر القضاء بها كل ساعة ويتعذر بجميع المدة فقدرنا بالشهر لأنه الأوسط وهو أقرب الآجال
وفي المبسوط فإن كان محترفا يوما فيوما وإن من التجار شهرا فشهرا وإن من الدهاقين سنة فسنة وللزوج الإنفاق عليها بنفسه إلا أن يظهر للقاضي عدم إنفاقه فيفرض لها في كل شهر ويقدرها تقدير الغلاء ولا يقدر بدراهم كما في التنوير
وفي البحر ينبغي للقاضي إذا أراد فرض النفقة أن ينظر في سعر البلد وينظر ما يكفيها بحسب عرف تلك البلدة ويقوم الأصناف بالدراهم ثم يقدر بالدراهم
وفي الاختيار لو صالحته من النفقة على ما لا يكفيها فطلبت التكميل كملها القاضي
و تفرض الكسوة كل ستة أشهر لأنها تحتاج إليها في كل ستة أشهر باختلاف البرد والحر ففي الصيف قميص ومقنعة وملحفة وتزاد في الشتاء جبة ولحاف وفراش إن طلبته ويختلف ذلك يسارا وإعسارا وحالا وبلدانا كما في أكثر الكتب وتقدر بكفايتها بلا إسراف
____________________
(2/175)
ولا تقتير تصريح لما علم في ضمن قوله بكفايتها
وفي الاختيار وليس فيها تقدير لازم لاختلاف ذلك باختلاف الأوقات والطباع والرخص والغلاء والوسط خبز البر وإدام بقدر كفايتها وإن كان الرجل صاحب مائدة لا تفرض عليه النفقة وتفرض الكسوة ويعتبر في ذلك أي في فرض النفقة حالهما أي الزوجين في اليسار والإعسار وهو اختيار الخصاف وعليه الفتوى كما في الهداية ففي الموسرين من الزوجين يعتبر حال اليسار ككسوتهم واليسار اسم من الإيسار وهو الاستغناء وفي المعسرين يعتبر حال الإعسار أي الافتقار وفي المختلفين بأن يكون الزوج موسرا والزوجة معسرة أو بالعكس يعتبر بين ذلك أي نفقة الوسط دون نفقة الموسرين وفوق المعسرين والمستحب أن يطعمها الزوج ما يأكله لأنه مأمور بحسن المعاشرة وقيل قائله الكرخي يعتبر حاله أي الزوج في اليسار والإعسار فقط أي لا يعتبر حالها وهو قول الشافعي قال صاحب البدائع وهو الصحيح قال صاحب
____________________
(2/176)
المبسوط المعتبر حاله في اليسار والإعسار في ظاهر الرواية وذكر في الخزانة أنه يعتبر حالها وهو قول مالك فينفق بقدر ما يقدر والباقي دين عليه والقول له أي للزوج في إعساره في حق النفقة لأنه منكر والبينة لها لأنها مدعية وتفرض عليه أي على الزوج نفقة خادم واحد ملكا لها لو كان الزوج موسرا لأن كفايتها واجبة عليه وهذا من تمامها وفي قوله لها إشعار بأنه يشترط للإجبار على النفقة كون الخادم ملكا لها وهو ظاهر الرواية ولهذا قيده الزيلعي في شرح الكنز بمملوك لها فإن كان غير مملوك لها لا تستحق النفقة للخادم وقيل عليه نفقة الخادم ولو حرا وهذا إذا كانت الزوجة حرة وإن كانت أمة لا تستحق نفقة الخادم
وفي الخانية وخادم المرأة إذا امتنعت عن الطحن والخبز لا تجب لها النفقة على الزوج لأن نفقة الخادم مقابل بالخدمة بخلاف نفقة المرأة ولا نفرض لأكثر من خادم واحد عند الطرفين وهو قول الأئمة الثلاثة وزفر وعند أبي يوسف في غير المشهور عنه لأن المشهور من قوله كقولهما كما في الطحاوي تفرض نفقة خادمين أحدهما لمصالح داخل البيت والآخر لمصالح خارجه وعنه أيضا إذا كانت فائقة في الغنى وزفت إليه بخدم كثير استحقت نفقة الجميع وهو رواية هشام عن محمد ومختار الطحاوي
وفي الولوالجية المرأة إذا كانت من بنات الإشراف ولها خدم يجبر الزوج على نفقة خادمين
وفي السراجية وعليه الفتوى
وفي التنوير ولو له أولاد لا يكفيه خادم واحد فرض عليه لخادمين أو أكثر اتفاقا ولو امتنعت المرأة عن الطحن والخبز إن كانت ممن لا تخدم فعليه أن يأتيها بطعام
____________________
(2/177)
مهيإ وإلا لا وفي بعض المواضع تجبر على ذلك لكن الصحيح إذا لم تطبخ لا تعطيها الإدام
وفي البحر أن أدوات البيت كالأواني ونحوها على الرجل والحاصل أن المرأة ليس عليها إلا تسليم نفسها في بيته وعليه لها جميع ما يكفيها ثم قال وإنما أكثرنا من هذه المسائل تنبيها للأزواج لما نراه في زماننا من تقصيرهم في حقوقهن حتى أنه يأمرها بفرش أمتعتها جبرا عليها وكذلك لأضيافه وبعضهم لا يعطي لها كسوة حتى كانت عند الدخول غنية ثم صارت فقيرة وهذا كله حرام ولو كان الزوج معسرا لا تلزمه نفقة الخادم في الأصح من الروايتين وهو رواية الحسن عن الإمام
وقال محمد عليه نفقة خادم ولو فرضت أي نفقة زوجته نفقة العسار لإعساره أي لأجل إعساره أو وقت إعساره ثم أيسر الزوج فخاصمته للإتمام تمم لها نفقة اليسار لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والإعسار وما
____________________
(2/178)
قضى به تقدير النفقة لم تجبه لأنها تجب شيئا فشيئا فإذا تبدل حاله فلها المطالبة بتمام حقها وبالعكس أي لو فرضت ليساره ثم أعسر تلزم نفقة الإعسار
وقال الزيلعي وهذه المسألة تستقيم على قول الكرخي حيث اعتبر حال الزوج فقط ولم يعتبر حال المرأة أصلا وهو ظاهر الرواية ولا تستقيم على ما ذكره الخصاف من اعتبار حالهما على ما عليه الاعتماد فيكون فيه نوع تناقض من الشيخ لأن ذكره في أول الباب قول الخصاف ثم بنى الحكم هنا على قول الكرخي انتهى
لكن في الفتح وهو مردود بل هو مستقيم على قول الكل لأن الخلاف إنما يظهر فيما إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فكلام المصنف هنا أعم من ذلك فلو كانا معسرين وقضى بنفقة الإعسار ثم أيسرا فإنه يتمم نفقة اليسار اتفاقا وإذا أيسر الرجل وحده فإنه يقضى بنفقة يساره ونفقة إعسارها وهي الوسط عند الخصاف وكذا إذا أيسرت وحدها قضي بالوسط عنده فصار كلامه شاملا للصور الثلاث بهذا الاعتبار ومتى أمكن الحمل فلا تناقض انتهى
ويمكن التوجيه بوجه آخر بأن المسألة مفروضة في موسرة متزوجة بمعسر ثم أيسر وكذا بالعكس أو بأن الكلام الثاني في قضاء القاضي وما ذكره كان بطريق الإفتاء فلا تناقض تدبر
فعلى هذا لو قال وجب الوسط كما في التنوير لكان أولى لأنه لا يحتاج إلى هذه التكلفات تأمل ولا نفقة لناشزة أي عاصية ما دامت على تلك الحالة ثم وصفها على وجه الكشف فقال خرجت الناشزة من بيته خروجا حقيقيا أو حكميا بغير حق وإذن من الشرع قيد به لأنها لو خرجت بحق كما لو
____________________
(2/179)
خرجت لأنه لم يعط لها المهر المعجل أو لأنه ساكن في مغصوب أو منعته من الدخول إلى منزلها الذي يسكن معها فيه بحق كما لو منعته لاحتياجها إليه وكانت سألته أن يحولها إلى منزله أو يكتري لها منزلا آخر ولم يفعل لم تكن ناشزة وقيد بالخروج لأنها لو كانت مقيمة معه ولم تمكنه من الوطء لا تكون ناشزة لأن البكر لا توطأ إلا كرها
وفي البحر وشمل الخروج الحكمي ما إذا طلب أن يسافر بها من بلدها وامتنعت فإنه لا نفقة لها على ظاهر الرواية وأما على المفتى به فإنها لا تكون ناشزة وإطلاق عدم وجوب النفقة للناشزة شامل لما إذا كانت النفقة مفروضة فإن النشوز يسقطها أيضا إلا إن استدانت فإن المستدانة لا يسقطها النشوز على أصح الروايتين كالموت لا يسقطها أيضا
وفي القهستاني فمن النواشز ما إذا منعت نفسها لاستيفاء المهر بعد ما سلمتها كما قالا وليست بناشزة عنده وما إذا سلمت نفسها في النهار أو الليل فقط فلا نفقة كالمحترفات لم تكن مع الزوج إلا بالليل
و كذا لا نفقة لامرأة محبوسة بدين ولو ترك الدين وأطلق لكان أحسن لأن المحبوسة ظلما بغير حق أو بحق لا نفقة لها ذكر في الأصل والجامع من غير تفصيل وهذا عند الطرفين وهو الصحيح وعند أبي يوسف إن بدين لا تقدر على أدائه أو حبست ظلما تجب وإلا لا وهذا إن لم يقدر على الوصول إليها في الحبس وإن قدر قالوا تجب النفقة وقيد بحبسها لأنه لو حبس مطلقا أو هرب أو نشز كان لها النفقة
و كذا لامرأة مريضة لم تزف أي لم تنقل إلى منزل زوجها لعدم الاحتباس لأجل الاستمتاع كما في الدرر لكن بين هذا وبين قوله فتجب النفقة ولو هي في بيت أبيها نوع تناقض إلا أن يقال اختار هنا كما اختار صاحب الهداية وهو خلاف ظاهر الرواية واختار ثمة ظاهر الرواية تدبر
و كذا لامرأة مغصوبة يعني أخذها رجل كرها فذهب بها وعن أبي
____________________
(2/180)
يوسف أن لها النفقة عما مضى إذا عادت والفتوى على الأول لأن فوت الاحتباس ليس منه ليجعل باقيا تقديرا كما في الهداية
وفي القهستاني والأحسن ترك القيد فإنها ليست واجبة إذا رضيت به انتهى
نعم إلا أن المغصوبة طوعا داخلة تحت حد الناشزة تدبر
و كذا لامرأة صغيرة لا توطأ وإنما صرح مع أنه مستفاد من قوله أو صغيرة التي توطأ رد القول الشافعي لأنه قال لها النفقة تدبر
ولم يذكر حكم العجز من الطرفين بأن كانا صغيرين لا يطيقان الجماع
وفي الذخيرة لا نفقة لها لأن المنع لمعنى جاء من جهتها فلا تستحق النفقة وأكثر ما في الباب أن يجعل المنع من قبله كالمعدوم فالمنع من قبلها قائم ومع قيام المنع من جهتها لا يستحق النفقة وفيه نظر لأن الدليل يقبل القلب كما في العناية وجوابه أن الأصل اعتبار جهتها لأنها لو كانت محبوسة لا نفقة لها ولو كان هو محبوسا وجبت كما مر فعلم أنه لا اعتبار بالمنع من جهته فلا يلزم الترجيح تدبر
و كذا لامرأة حاجة حال كونها لا تكون معه أي الزوج حج الإسلام قبل تسليم النفس أو بعده ولو مع محرم لأن فوت الاحتباس منها
وعن أبي يوسف لها نفقة الحضر دون السفر لأن إقامة الفرض عذر لكن إطلاقه شامل للفرض والنفل ولو حجت معه فرضا أو نفلا فلها نفقة الحضر بالاتفاق لأنها كالمقيمة في منزله فما زاد على نفقة الحضر يكون في مالها لأنه بإزاء منفعة لها لا نفقة السفر ولا الكراء ومؤنة السفر هذا تصريح لما علم ضمنا ولو اكتفى بالأول لكان أخصر
ولو مرضت الزوجة في منزله أي الزوج فلها النفقة والقياس عدمها إذا كان مرضها يمنع الجماع لفوت الاحتباس للاستمتاع وجه الاستحسان إن الاحتباس موجود فإنه يستأنس بها وتحفظ البيت ويستمتع بها لمساو غيره والمانع يعارض كالحيض لا تجب النفقة لو مرضت في بيتها وزفت إليه مريضة إلى بيت الزوج وهذا اختيار صاحب الهداية وهو مروي عن أبي يوسف
____________________
(2/181)
وليس هو المختار لأن المنقول في ظاهر الرواية وجوب النفقة للمريضة سواء كان قبل النقلة أو بعدها وسواء كان يمكنه جماعها أو لا كان معها زوجها أو لا حيث لم تمنع نفسها كما في أكثر المعتبرات وما في الخانية من أنها إذا زفت إلى زوجها وهي صحيحة فمرضت في بيت الزوج مرضا لا تحتمل الجماع لا نفقة لها مخالف للكتب المعتبرة وتمامه في البحر تتبع ولا يفرق القاضي بين الزوجين لعجزه أي الزوج عن النفقة ولا بعدم إيفاء الزوج حال كونه غائبا حقها ولو كان الزوج موسرا لأن العجز من الإنفاق لا يوجب الفراق خلافا للشافعي فإنه قال القاضي يفرق بينهما بالعجز عن النفقة إن طلبت الفرقة وهذا فيما إذا كان حاضرا وثبت إعساره عند القاضي وأما إذا كان غائبا فالتفريق عنده لعدم إيفائه حقها من النفقة ولو كان موسرا لا يعجزه عن النفقة صرح بهذا في غاية القصوى قال في شرحه لو غاب الزوج حال كونه قادرا على أداء النفقة ولكن لا يوفي حقها فأظهر الوجهين أنه لا فسخ فيه ولكن يبعث الحاكم إلى حاكم بلده ليطالبه إن كان موضعه معلوما والثاني ثبوت الفسخ وإليه مال جمع من أصحابنا وأفتوا بذلك للمصلحة كما في الدرر فلا يرد عليه ما في الذخيرة من أن العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرا فيكون هذا ترك الإنفاق لا العجز عن الإنفاق وأطلق النفقة فشمل الأنواع الثلاثة وهي مأكول وملبوس ومسكن فلا يفرق لعجزه عن كلها أو بعضها وتؤمر الزوجة بالاستدانة أي يقول لها القاضي استديني على زوجك أي اشتري الطعام نسيئة على أن تقضي الثمن من ماله على ما ذكره الخصاف هذا إذا لم يكن لها أخ أو ابن موسر أو من تجب عليه نفقتها لولا الزوج وإن كان يؤمر الابن أو الأخ بالإنفاق عليها ويرجع به على الزوج إذا أيسر ويحبس كل منهما إذا امتنع كما في شرح المختار وفائدة الأمر بالاستدانة عليه لتحيل المرأة رب المال واللام للعاقبة عليه
____________________
(2/182)
أي على الزوج فترجع بالدين عليه أو ترجع به على تركته إن مات وبدون الأمر ليس لرب المال أن يرجع بذلك على الزوج بل على الزوجة ثم هي على الزوج بما فرض لها القاضي وفيه إشارة إلى أنها لا ترجع عليه إلا بالتصريح بالاستدانة عليه
وفي البحر وكذا إن نوت وإذا لم تصرح ولم تنو لم ترجع ولو ادعت أنها نوت الاستدانة عليه وأنكر الزوج فالقول لها
وفي الفتح لو امتنع من الإنفاق عليها مع اليسر لم يفرق ويبيع الحاكم ماله عليه ويصرفه في نفقتها فإن لم يجد ماله يحبسه حتى ينفق عليها ولا يفسخ ولا تجب عليه نفقة مدة مضت ولم تصل إليها إما بعجزه أو تعنته أو غيبته بالحبس وغيره وقد أكلت من مال نفسها ولم يبين مقدار زمنه وذلك شهر كما في الفتح
وفي الغاية أن نفقة ما دون الشهر لا تسقط إلا أن تكون النفقة قضي بها بتقدير القاضي النفقة لها أو تراضيا أي اصطلح الزوجان على مقدارها
____________________
(2/183)
بشيء معلوم منهما لكل شهر أو سنة فتجب النفقة المفروضة أو المرضية لما مضى ما داما حيين لأن هذه صلة تجب بقدر الكفاية عند الاحتباس كرزق القاضي في بيت المال فلا بد من التسليم أو التأكيد بقضاء أو تراض وعند الأئمة الثلاثة تجب بدونهما
ولو مات أحدهما بعد أحد هذين أو طلقت بعد القضاء أو التراضي قبل قبضها أي قبل قبض الزوجة النفقة من الزوج سقطت النفقة المفروضة بالقضاء والرضاء لأنها صلة ساقطة بأحدهما قبل القبض كالهبة وأطلق الطلاق فشمل البائن والرجعي كما في المنح
وفي الجواهر المفتى به أن الرجعي لا يسقطها وفي خزانة المفتين أن المفروضة لا تسقط بالطلاق على الأصح ورجحه صاحب البحر من وجوه فليطالع
وفيه إشعار بأنها لو لم تعين بأحدهما تسقط بالطريق الأولى كما في المحيط وعند الأئمة الثلاثة لا تسقط إلا أن تكون الزوجة استدانت بأمر قاض فإنها لا تسقط بالموت والطلاق هو الصحيح لأن للقاضي ولاية عامة واستدانتها عليه بأمر القاضي كاستدانة الزوج
ولو عجل أي الزوج أو أبوه لها النفقة أو الكسوة لمدة ثم مات أحدهما قبل تمامها أي المدة فلا رجوع عليها أي لا يسترد شيء منها عند الشيخين وجعله الولوالجي وأصحاب الفتاوى قول أبي يوسف وقالوا الفتوى عليه أطلقه فشمل ما إذا كانت قائمة أو مستهلكة أو هالكة فلا ترد شيئا اتفاقا وإن كانت قائمة أو مستهلكة فكذلك عندهما خلافا لمحمد فإن عنده يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي للزوج وهو قول الشافعي ولم يذكر حال الطلاق مع أنه صرح في البحر عدم فرق الموت والطلاق في الحكم
وفي الفتح الموت والطلاق قبل الدخول سواء انتهى
فعلى هذا لو قال ثم مات أحدهما أو طلقها لكان أولى
____________________
(2/184)
تدبر
وإذا تزوج العبد بالإذن أي بإذن مولاه فنفقتها دين عليه أي على العبد يباع العبد فيه لوجود سببه وقد ظهر وجوبه في حق المتوفى فتعلق برقبته إلا أن يفديه المولى أو يموت أو يقتل في الصحيح مرة بعد مرة أخرى فإذا بيع في دين النفقة فاشتراه من علم به أو لم يعلم فرضي ظهر السبب في حقه أيضا فإذا اجتمعت النفقة عليه مرة أخرى يباع ثانيا وكذا حاله عند المشتري الثالث وهلم جرا ولا يباع العبد في دين غيرها أي غير النفقة إلا مرة فإن وفى الغرماء فبها وإلا طولب به بعد الحرية كذا في أكثر المعتبرات لكن فيه كلام لأنه إن أراد أن العبد المديون بالنفقة الماضية يباع ثانيا وثالثا كما قال صدر الشريعة وتبعه صاحب الدرر وصاحب الفرائد فليس كذلك بل هو سهو فاحش فلا يباع لبقية النفقة الماضية لأنها كالمهر كما هو منقول المذهب وإن أراد أنه بالنفقة الحادثة بعد البيع يباع ثانيا وثالثا فكذلك الجواب في الديون الحادثة بعده إذا كان بإذن المولى ولا فرق بينهما إلا أن يقال إن النفقة وإن كانت حادثة بعد البيع لا تتفرق فصارت دينا واحدا حكما بخلاف الديون الحادثة بعده فافترقا تتبع
قيد بالعبد لأن المدبر وولد أم الولد لا يباع وكذا المكاتب ما لم يعجز كما في الشمني وقيد بالإذن لأنه إذا تزوج بغير إذنه لا يباع وقيد بنفقتها لأن نفقة أولاده لا تجب عليه
و يجب على الزوج أن يسكنها أي الزوجة لقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم في بيت أي في مكان يصلح مأوى للإنسان حيث أحب لكن بين جيران صالحين سيما إذا كان ممن يتهم بالإيذاء خال عن أهله أي الزوج وأهلها أي محرم الزوجة لأنهما يتضرران بالسكنى مع الناس إذ لا يأمنان على متاعهما ويمنعهما من الاستمتاع والمعاشرة إلا أن ترضى هي بأهله أو يرضى هو بأهلها
ولو كان ولده أي الزوج من غيرها أي الزوجة لمعاداة بينهما غالبا إلا أن يكون صغيرا لا يفهم الجماع وفيه إشعار بأن لها أن لا تسكن مع أمته كما في المحيط لكن المختار له أن يجمع بينهما لأنه يحتاج إلى استخدامها لكن لا يطؤها بحضرتها كما لا يحل وطء زوجته بحضرتها ويكفيها بيت أي كامل المرافق مفرد من دار إذا كان له
____________________
(2/185)
أي للبيت غلق بالتحريك ما يغلق ويفتح بالمفتاح لحصول المقصود وهو الأمن والمعاشرة وفيه إشعار بأنه لو كان الخلاء مشتركا بعد أن يكون به غلق يخصه ليس لها أن تطالبه بمسكن آخر
وفي شرح المختار ولو كان في الدار بيوت وأبت أن تسكن مع ضرتها ومع أحد من أهله إن خلى لها بيتا وجعل له مرافق وغلقا على حدة ليس لها أن تطلب بيتا آخر كما في الفتح وهو مفيد أنه لا بد للبيت من بيت الخلاء ومن مطبخ بخلاف ما في الهداية قال في البحر وينبغي الإفتاء بما في شرح المختار فلهذا فسرنا بكامل المرافق تدبر
ويشترط أن لا يكون في الدار من أحماء الزوج ممن يؤذيها وله أي للزوج منع أهلها أي محرمها ولو وصلية ولدها أي الزوجة حال كون ذلك الولد من غيره أي من غير ذلك الزوج وليس بصفة وإلا يلزم حذف الموصول مع بعض الصلة عن الدخول عليها لأن المكان ملكه كما في الكافي وفيه إشعار بأن ليس له المنع من ملك الغير كما في القهستاني لا من النظر إليها عطف على عن الدخول أو لنفي الجنس أي لا منع أو للنفي أي لا يمنعون من النظر ومن الظن أن التقدير ليس له منعهم من النظر كما في القهستاني والكلام معها متى أي في أي وقت شاءوا إذ لا ضرر فيه وفي المنع قطيعة الرحم ولكن له أن يمنعهم من القرار عندها لأنه يورث الفتنة كما في المطلب والصحيح أنه أي الزوج لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين
____________________
(2/186)
ولا من دخولهما عليها في الجمعة أي سبعة أيام مرة قيد للخروج والدخول كليهما
و كذا لا يمنع في الدخول والخروج إلى محرم غيرهما أي غير الوالدين في السنة مرة قوله والصحيح احتراز عن قول محمد بن مقاتل فإنه قال لا يمنع المحارم في كل شهر وفي المختارات وعليه الفتوى وفي أكثر الكتب له أن يأذنها بالخروج لزيارة الأبوين والأقرباء والحج ولو كانت قابلة أو غسالة أو كان لها حق على آخر أو له عليها وما عدا ذلك لو أذن فخرجت يكونان عاصيين وتمنع من الحمام لكن في الخانية خلافه
وتفرض نفقة زوجة الغائب سواء كان بينهما مدة السفر أم لا كما في القهستاني نقلا عن المنية لكن يشترط في البحر أن يكون مدة سفر فإنه فيما دون السفر يسهل إحضاره ومراجعته وهو قيد حسن يجب حفظه تتبع وطفله وبنته الكبيرة أو ابنه الفقير الكبير إن كان زمنا وأبويه فلا تفرض عن غيرهم من الأقرباء لأن نفقتهم إنما تجب بالقضاء لأنه مجتهد فيه والقضاء على الغائب لا يجوز وكذا لا تفرض عن مملوكه كما في البحر في مال له أي للغائب من جنس حقهم أي دراهم أو دنانير أو طعاما أو كسوة من جنس حقهم بخلاف ما إذا كان من خلاف جنسه لأنه يحتاج إلى البيع فلا يباع مال الغائب للإنفاق بالوفاق عند مودع ظرف لقول له أو حال أو عند مضارب أو مديون يقر كل واحد من المودع أو المضارب أو المديون به أي بمال الوديعة أو المضاربة أو الدين وبالزوجية في نفقة العرس وبالنسب في
____________________
(2/187)
البواقي ولم يذكره لأنه يعلم منه بطريق المقايسة أو يعلم القاضي عطف على يقر ذلك المذكور من الوديعة والمضاربة والدين والزوجية والنسب عند عدم اعترافهم لأن علمه حجة يجوز القضاء به في محل ولايته فإن علم ببعض من الثلاثة يشترط إقرارهم بما لم يعلم به وهو الصحيح قيد بكون المال عند شخص لأنه لو كان له مال في بيته فطلبت من القاضي فرض النفقة فإن علم بالنكاح بينهما فرض لها في ذلك المال لأنه إيفاء لحق المرأة وليس بقضاء على الزوج بالنفقة كما لو أقر بدين ثم غاب وله مال حاضر من جنس الدين وطلب صاحب الدين من ذلك قضي له به كما في البحر ويحلفها أي القاضي الزوجة ولا حاجة بذكر غيرها ممن يطلب النفقة مع أن الحكم جار بعينه في الطفل وإخوته كما في القهستاني لأنه يعلم بطريق المقايسة كما قررناه آنفا فبهذا اندفع ما قاله الباقاني على المصنف على أن الطفل هو الصبي حين يسقط من البطن إلى أن يحتلم والصبي كيف يحلف تدبر
أنه أي الغائب لم يعطها النفقة بأن قالت بالله ما استوفيت النفقة كما في الخانية ويأخذ أي يأخذ القاضي منها أي من الزوجة كفيلا بالنفقة لاحتمال أنها استوفت النفقة أو طلقها الزوج وانقضت عدتها أو
____________________
(2/188)
كانت ناشزة
وقال صدر الشهيد الصحيح التحليف والتكفيل لأن من الناس من يعطي الكفيل ولا يحلف ومنهم من يحلف ولا يعطي الكفيل فيجمع بينهما احتياطا فلو لم يقروا بالزوجية ولم يعلم القاضي بها أي الزوجية فأقامت الزوجة بينة على الزوجية أو على المال أو مجموعهما كما في التبيين لا يقضي القاضي بها أي بالزوجية لأنه ليس بخصم في الزوجية وكذا إذا أنكر من في يده المال فأقامت بينة لا يقضي به لأنها ليست خصما في إثباته كما في الاختيار فعلى هذا اقتصاره على الزوجية قصور تدبر
وكذا لا يقضي لو لم يخلف الغائب مالا فأقامت الزوجة البينة على الزوجية ليفرض القاضي لها أي الزوجة النفقة على الغائب ويأمرها أي الزوجة بالاستدانة عليه أي على الغائب لا يسمع القاضي بينتها لأن في ذلك قضاء على الغائب وعند زفر وهو قول الإمام أولا ثم رجع قال مشايخنا قول أبي يوسف ثم قول زفر كما في الإصلاح يسمعها أي يسمع القاضي البينة ليفرض النفقة ويأمر بالاستدانة إذا لم يكن له مال إذ لا ضرر فيه على الغائب لأنه إذا حضر وأقر بالزوجية قضى الدين وإن أنكرها كلفها القاضي إعادة البينة فإن أعادت فبها وإن عجزت يضمن الكفيل أو المرأة لا يسمع لثبوت الزوجية لأنه أيضا قضاء على الغائب وهو المعمول به اليوم والمختار وهذه من إحدى المسائل الست التي يفتى فيها بقول زفر لحاجة الناس كما في عامة المعتبرات وتجب النفقة والسكنى وكذا الكسوة كما في أكثر المعتبرات قالوا إنما ما لم يذكرها محمد في الكتاب لأن العدة لا تطول غالبا فتستغني عنها
____________________
(2/189)
حتى لو احتاجت إليها يفرض لها لمعتدة الطلاق ولو كان الطلاق رجعيا أو بائنا واحدا أو أكثر فلا نفقة للمختلعة وإن لم يشترط في العقد وقال لها النفقة إلا إذا شرط فيه ولها السكنى مطلقا لأن النفقة حقها فيصح الإبراء عنها دون السكنى كما في البحر وعند الأئمة الثلاثة لا نفقة لمبتوتة لو حائلا ولو كانت حاملا تجب عليه نفقة الحمل لكونه ولده وكذا السكنى إلا في قول عن الشافعي ومالك تجب لموت إلى انقضاء عدتها و كذا تجب للمرأة المفرقة بلا معصية صادرة عنها كخيار العتق والبلوغ والتفريق لعدم الكفاءة ولو اقتصر بعدم الكفاءة بدون ذكر التفريق أو بالتفريق بدون عدم الكفاءة لكان أخصر تدبر
وفي التبيين ولو وقعت الفرقة بينهما باللعان أو الإيلاء أو العنة أو الجب فلها النفقة بهذه الأشياء مضافة إلى الزوج وكذا إذا وقعت الفرقة بينهما بخيار البلوغ أو العتق أو عدم الكفاءة ولو أسلمت المرأة وأبى الزوج فلها النفقة لأن الفرقة بالإباء وهو منه بخلاف ما إذا أسلم وأبت هي حيث لا تجب لها النفقة لأن الامتناع جاء من قبلها ولهذا يسقط به مهرها كله إذا كان قبل الدخول انتهى
لكن ليس الأمر كذلك بل إذا كانا نصرانيين فأسلم وأبت هي بقيت الزوجية على حالها إلا أن يكونا مجوسيين أو المرأة مجوسية فإن فيها إذا أسلم وأبت هي يبطل النكاح فلا نفقة لها فعلى هذا الصواب أن يخصص تدبر
لا تجب النفقة والسكنى لمعتدة الموت مطلقا سواء كانت حاملا أو لا إلا إذا كانت أم ولد وهي حامل فلها النفقة من جميع المال والمفرقة بمعصية صادرة منها كالردة وتقبيل ابن الزوج أي تقبيلها ابنه أو أباه بشهوة والزنا به طوعا لا كرها فإنه تقع الفرقة ولا تسقط النفقة وفيه إشارة إلى أن ردته أو تقبيله ابنتها وغيرهما هو معصية منه لم تسقط النفقة وإلى أن لا تجب لها السكنى أيضا كما في المبسوط لكن في الخانية وشرح
____________________
(2/190)
الطحاوي صرح بوجوبها لها
وفي الفتح لها السكنى في جميع الصور لأن القرار في منزل الزوج حق عليها فلا يسقط بمعصيتها كما في البحر والمنح بخلاف المسألة الأولى فعلى هذا أن يذكر وجوب النفقة في الصورتين على الإطلاق وتخصيص عدم وجوب السكنى لمعتدة الموت أولى تدبر
ولو ارتدت مطلقة الثلاث تسقط نفقتها يعني لو طلقها ثلاثا أو بائنا ثم ارتدت العياذ بالله تعالى سقطت نفقتها وهذا إذا خرجت من بيت الزوج وإلا فلها النفقة كما في القهستاني وما وقع في المتن من تقييده بالثلاث كما وقع في الهداية اتفاقي لا أي لا تسقط نفقتها لو مكنت أي معتدة الثلاث وكذا البائن وأما في الرجعي فلا فرق بين الردة والتمكين وكل واحد منهما يسقط النفقة لأن النكاح باق والفرقة حصلت منه ابنه أي ابن الزوج لأنه لا أثر للتمكين خلافا لزفر
فصل ونفقة الطفل الحر الفقير وكذا السكنى والكسوة تجب على أبيه بالإجماع سواء
____________________
(2/191)
كان الأب موسرا أو معسرا لكن على المعسرة تفرض عليه بقدر الكفاية وعلى الموسر بقدر ما يراه الحاكم وإن كان الأب عاجزا يتكفف وينفق وقيل نفقته في بيت المال وإن كان قادرا على الكسب اكتسب وإن امتنع عنه حبس كما في الفتح ولا يحبس والد وإن علا في دين ولده وإن سفل إلا في النفقة قيد بالطفل لأن البالغ لا يجب نفقته على أبيه إلا بشروط كما سيأتي وقيد بالفقير لأنه ينفق على الغني من ماله فإن أنفق الأب من ماله رجع على ماله بشرط الإشهاد وقيدنا بالحر لأن الوالد المملوك نفقته على مالكه لا على أبيه لا يشاركه أي الأب فيها أي في النفقة أحد من الأم وغيرها في ظاهر الرواية لقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف فهي عبارة في إيجاب نفقة المنكوحات إشارة إلى أن نفقة الأولاد على الأب وأن النسب له كنفقة الأبوين والزوجة يعني لا يشرك الأب في نفقة الولد أحد كما لا يشرك الولد إن كان غنيا في نفقة الوالدين الفقيرين أحد ولا يشرك الزوج في نفقة الزوجة ولو غنية أحد ولا تجبر أمه أي أم الطفل على إرضاعه قضاء لأن ما عليها تسليم النفس للاستمتاع لا غير وتؤمر ديانة لأنه من باب الاستخدام وهو واجب عليها ديانة إلا إذا تعينت الأم للإرضاع بأن لا يجد الأب من يرضعه أو كان الولد لا يأخذ ثدي غيرها أو لم يكن له مال والأب معسر فحينئذ تجبر على الإرضاع صيانة عن ضياعه وهذا مروي عن الشيخين وظاهر الرواية أنها لا تجبر لأنه يتغذى بالدهن واللبن وغيرهما من المائعات فلا يؤدي إلى ضياعه وإلى الأول مال القدوري وشمس الأئمة وعليه الفتوى وكان هو المذهب كما في أكثر المعتبرات لأن قصر الرضيع الذي لم يأنس الطعام على الدهن والشراب سبب تمريضه كما في الفتح ويستأجر الأب لأن الأجرة عليه من ترضعه عندها أي عند الأم إذا أرادت ذلك لأن الحضانة لها وفيه إشارة إلى أنه يجب الإرضاع عند الأم وذا غير واجب بل عليها إرضاعه أما في منزل أمه أو فنائه أو في منزل نفسها ثم تدفعه إلى أمه إلا إذا شرط ذلك عند
____________________
(2/192)
العقد وكذا لا يجب على المرضعة المكث عندها إلا إذا شرط
ولو استأجرها أي الأم و الحال هي زوجته غير مطلقة أو معتدته من طلاق رجعي لترضع ولدها لا يجوز الاستئجار ولم تستحق الأجرة لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة بقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين وهو أمر بصيغة الخبر وهو آكد واستئجار الشخص لأمر مستحق عليه لا يجوز وإنما لا تجبر عليه لاحتمال عجزها فعذرت فإذا أقدمت عليه ظهر قدرتها فلا تعذر
وفي جواز استئجار معتدة البائن روايتان ففي ظاهر الرواية أنه يجوز لأن النكاح قد زال فهي كالأجنبية وصحيح في الجوهرة
وفي رواية الحسن لا يجوز لأنه باق في حق بعض الأحكام وبعد العدة يجوز استئجارها بالاتفاق لزوال النكاح بالكلية
وفي المجتبى لو استأجر زوجته من مال الصبي لإرضاعه جاز من ماله لا يجوز حتى لا يجتمع نفقة النكاح والإرضاع والحاصل أن على تعليل صاحب الهداية ومن تبعه فإنه واجب عليها ديانة لا يأخذ شيئا في مقابلة الإرضاع لا من الزوج ولا من مال الصغير لوجوبه عليها وعلى ما علل به في المجتبى ومثله في الذخيرة من أن المنع إنما هو اجتماع واجبين يجوز أن تأخذ من مال الصغير لا من مال الأب كما في المنح وهي أي الأم بعد العدة أو المعتدة من طلاق بائن على إحدى الروايتين أحق وأولى بالاستئجار من الأجنبية لأن إرضاعها أنفع للصغير إن لم تطلب زيادة على الغير فإن التمست زيادة لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنها وإليه الإشارة بقوله تعالى لا تضار والدة
____________________
(2/193)
بولدها ولا مولود له بولده أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية وفي كل موضع جاز الاستئجار ووجبت النفقة لا تسقط هذه الأجرة بموته لأنها أجرة وليست بنفقة كما في الذخيرة
وفي الولوالجية لا تسقط هذه الأجرة بموته بل لتكون أسوة الغرماء وظاهر المتون أن الأم لو طلبت الأجرة أي أجر المثل والأجنبية متبرعة بالإرضاع فالأم أولى لأنهم جعلوا الأم أحق في جميع الأحوال إلا في حالة طلب الزيادة على أجرة الأجنبية لكن في التبيين وغيره أن الأجنبية أولى أن ترضعه بغير أجر أو بدون أجر المثل لكن هي أولى بالإرضاع أما في الحضانة فالأم أولى كما في البحر
وفي المنح إن كانت الأجنبية ترضعه بغير أجرة أو بأجر يسير والأم تريد الزيادة ترضعه الأجنبية عند الأم ولا ينزع الولد من الأم لأن الحضانة لها
وفي البحر إذا استأجر الأم للإرضاع لا يكفي عن نفقة الولد لأن الولد لا يكفيه اللبن بل يحتاج معه إلى شيء آخر كما هو المشاهد خصوصيا لكسوة فيقدر القاضي له نفقة غير أجرة الرضاع وغير أجرة الحضانة فعلى هذا تجب على الأب ثلاثة أجرة الرضاع وأجرة الحضانة ونفقة الولد
ولو استأجرها هي زوجته لإرضاع ولده أي الزوج حال كونه من غيرها صح الاستئجار لأنها لم يجب عليها إرضاعه ديانة
ونفقة البنت بالغة أو صغيرة ولم يذكرها لإغناء الطفل والابن البالغ زمنا بفتح الزاي وكسر الميم أي الذي طال مرضه زمانا كما في المغرب أو الذي لا يمشي على رجليه كما في المذهب وكذا أعمى وأشل وغيرهما فقير تجب على الأب خاصة وبه يفتى هذا ظاهر الرواية وقيل قائله الحسن والخصاف برواية عنه على الأب ثلثاها وعلى الأم ثلثاها اعتبارا بالإرث بخلاف
____________________
(2/194)
الصغير حيث تجب نفقته على الأب وحده والفرق على هذه الرواية أن الأب اجتمعت فيه للصغير ولاية ومؤنة حتى وجبت عليه صدقة الفطر فاختص بنفقته ولا كذلك الكبير لانعدام الولاية فيه وفي الخانية أب الأب بمنزلة الأب عند عدمه وعلى الموسر عطف على الأب أي يجب على الموسر فإنه إذا كان معسرا كان عاجزا ولا نفقة على العاجز بخلاف نفقة الزوجة وأولاده الصغار لأنه التزم بالعقد ولا تسقط بالفقر واختلفوا في اليسار واختار المصنف بأن يملك ما فضل من حاجته مما يبلغ مائتي درهم فصاعدا فقال يسارا يحرم الصدقة وعليه الفتوى كما في أكثر المعتبرات
وفي الخلاصة يسار الزكاة وبه يفتى وعن محمد يسار الفاضل عن نفقة شهر لنفسه وعياله فإن لم يكن له شيء واكتسب لكل يوم درهما وكفاه أربعة دوانق ينفق الفضل
وفي التحفة يعتبر قول محمد إذا كان كسوبا وهو أرفق فإن لم يفضل عن كسبه فلا شيء عليه لكن يؤمر ديانة أن لا يضيع ولده نفقة أصوله أي تجب على الموسر نفقة أبويه وأجداده وجداته أما الأبوان فلقوله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا نزلت في حق الأبوين الكافرين وليس من المعروف أن الابن يعيش في نعم الله تعالى ويتركهما يموتان جوعا وأما الأجداد والجدات فلأنهم من الآباء والأمهات لكن فيه استدراك بما قدمه من
____________________
(2/195)
قوله كنفقة الأبوين ولو اقتصر بهذا لكان أخصر تدبر الفقراء سواء كانوا قادرين على الكسب أو لا قيل هذا ظاهر الرواية
وقال الحلواني الابن الكاسب لا يجبر على نفقة الأب الكاسب لأنه كان غنيا باعتبار الكسب فلا ضرورة في إيجاب النفقة على الغير
وفي الفتح لا يجبر الموسر على نفقة أحد من قرابته إذا كان صحيحا وإن كان لا يقدر على الكسب إلا في الوالد خاصة أو في الجد فإن الولد يجبر على نفقته وإن كان صحيحا وهذا يؤيد قول السرخسي ويوافق إطلاق المتن
وفي البحر لو ادعى الولد غنى الأب وأنكره الأب فالقول للأب والبينة للابن بالسوية بين الابن والبنت ولو أحدهما فائق اليسار في ظاهر الرواية وهو الصحيح لتعلق الوجوب بالولاد وهو يشملهما بالسوية بخلاف غير الولاد لأن الوجوب علق فيه بالإرث وقيل يجب بقدر الإرث وقال مشايخنا هذا إذا تفاوتا في اليسار تفاوتا يسيرا أما إذا كان فاحشا فيفرض بقدره كما في المحيط ويعتبر فيها أي في نفقة الأصول يعني في وجوبها القرب والجزئية أي النفقة على القرب إن استويا في الجزئية وعلى الجزء إن استويا في القرب لا يعتبر الإرث كما هو رواية عن الإمام فلو كان له بنت وابن ابن فنفقته كلها على البنت لأنها أقرب مع أن إرثه لهما نصفان ومع أنهما يستويان في الجزئية
ولو كان له بنت بنت وأخ فنفقته كلها على بنت البنت لأنها جزء جزئه مع استوائهما في القرب مع أن كل إرثه للأخ لأنها محجوبة حجب حرمان عن الإرث بالأخ ولو قال ولو كان له
____________________
(2/196)
ولد بنت لكان أشمل للذكر والأنثى لأنهما في الحكم سواء تدبر
و يجب عليه أي الموسر نفقة كل ذي رحم محرم منه وهو من لا يحل مناكحته على التأبيد مثل الإخوة والأخوات وأولادهما والأعمام والعمات والأخوال والخالات فلا نفقة لذي رحم محرم مثل أولادهم ولا نفقة لمحرم غير ذي رحم كزوجات الآباء والبنين والأصهار وآباء الأمهات والإخوة والأخوات من الرضاعة وأولادهم ولا بد أن يكون المحرمية بجهة القرابة لأنه لو كان قريبا محرما لا من جهتها كابن عم إذا كان أخا من الرضاع فإنه لا نفقة له كما في البحر
وقال ابن أبي ليلى تجب النفقة على كل وارث محرما أو لا
وقال الشافعي لا تجب النفقة على غير الولدين والمولودين لأن استحقاق الصلة عنده باعتبار الولاد ولنا قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك وقراءته مشهورة محمولة على السماع من النبي عليه الصلاة والسلام فيقيد به مطلق النص إن كان ذو الرحم فقيرا صغيرا مطلقا أو أنثى بالغة فقيرة أو فقيرا ذكرا بالغا مجنونا أو زمنا أو أعمى أو لا يحسن الكسب لخرقه الخرق بضم الخاء المعجمة وسكون الراء الحمق أو لكونه من ذوي البيوتات كناية عن كونه شريفا عظيما أي لكونه من أعيان الناس يلحقه العار بالكسب أو لكونه طالب علم لا يقدر على الكسب لاشتغاله بالعلم وهذا إذا كان به رشد كما في
____________________
(2/197)
الخلاصة ولذا قال صاحب القنية أنا أفتي بعدم وجوبها فإن قليلا منهم حسن السيرة مشتغلا بالعلم الديني وأكثرهم فساق شرهم أكثر من خيرهم يحضرون الدرس ساعة لخلافيات ركيكة ضررها في الدين أكبر من نفعها ثم يشتغلون طول النهار بالسخرية والغيبة والوقوع في الناس وغيرها مما يستحقون به أصلحهم الله تعالى وإيانا بجاه نبيه ولو علم السلف حالهم لحرموا الإنفاق عليهم فضلا أن يفرضوا نفقاتهم ثم قال قلت لكن نرى طلبة العلم بعد الفتنة العامة مشتغلين بالفقه والأدب اللذين هما قواعد الدين وأصول كلام العرب والاشتغال بالكسب يمنعهم عن التحصيل ويؤدي إلى ضياع العلم والتعطيل فكان المختار الآن قول السلف ويجبر أي الموسر عليها أي على النفقة لإيفاء حق مستحق عليه وتقدر النفقة بقدر الإرث لقوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك فجعل العلة هي الإرث فيقدر الوجوب بقدر العلة حتى لو كان له أي للصغير مثلا أخوات متفرقات موسرات فنفقته عليهن أخماسا كما يرثن منه أخماسا ثلاثة أخماسها على الأخت لأب وأم وخمسها على الأخت لأب وخمسها على الأخت لأم فرضا وردا ويعتبر فيها أي في نفقة ذي الرحم
____________________
(2/198)
المحرم أهلية الإرث بأن يكون وارثا في الجملة وإن كان محجوبا بغيره لا حقيقته بأن يكون محرزا للميراث لأنه لا يعلم إلا بعد الموت وفرع عليه بقوله فنفقة من أي فقير له خال وابن عم موسران على خاله لأنه محرم ويحرز ميراثه ابن عمه لأنه عصبته وهذا لأن سبب الإرث ثابت للخال فإن ابن العم لو مات قبل الخال يحرز ميراثه الخال وإذا استويا في المحرمية وأهلية الإرث يرجح من كان وارثا في الحال فلو كان له عم وخال أو عم وعمة فالنفقة على العم لاستوائهما في المحرمية ويرجح العم بكونه وارثا في الحال ونفقة زوجة الأب على ابنه
وفي الجوهرة إن احتاج الأب إلى زوجة والابن موسر وجب عليه أن يزوجه أو يشتري له جارية ويلزمه نفقتهما وكسوتهما وإن كان للأب أكثر من زوجة لم تلزم الابن إلا نفقة واحدة يوزعه الأب عليهن لكن في البحر أن المذهب عدم وجوب نفقة امرأة الأب أو جاريته حيث لم يكن للأب علة فإن القول بالوجوب مطلقا إنما هو رواية عن أبي يوسف
ونفقة زوجة الابن على أبيه إن كان الابن صغيرا فقيرا أو كان كبيرا فقيرا زمنا بحيث لا يقدر على الكسب ولا تجب نفقة الغير على فقير إلا للزوجة والولد الصغير الفقير أو الكبير الفقير العاجز عن الكسب لأنه التزمها بالإقدام على العقد إذ المقاصد لا
____________________
(2/199)
تنتظم دونها ولا يعمل في مثلها الإعسار كما في الهداية ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين لأن الاستحقاق إنما يثبت باسم الوارث واختلاف الدين يمنع التوارث فلا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم ولا على عكسه إلا للزوجة لأن النفقة واجبة لها بالعقد الصحيح
____________________
(2/200)
لاحتباسها بحق له مقصود وهذا لا يتعلق باتحاد الملة ولهذا لا تجب بالنكاح الفاسد والوطء بشبهة وقرابة الولاد أعلى أو أسفل يعني الأصول والفروع لأن نفقتهم باعتبار الجزئية وجزء الجزء في معنى نفسه حكما فكما لا تمنع نفقة نفسه بكفره لا تمنع نفقة جزئه إلا أنهم إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم وإن كانوا مستأمنين لأنا نهينا عن المبرة في حق من يقاتلنا في الدين كما في الهداية فعلى هذا لو قيد بالذمي كما قيده صاحب الدرر لكان أولى لأنه لا يجبر المسلم على إنفاق أبويه الحربيين كما مر ولا الحربي على إنفاق أبيه المسلم أو الذمي لانقطاع الولاية تدبر
و يجوز للأب بيع عرض ابنه الكبير الغائب عن بلده أو المختفي فيه بحيث لا يدري مكانه لنفقته عند الإمام استحسانا لأن له ولاية الحفظ في مال ولده الغائب إذ للوصي ذلك فالأب أولى لتوفر شفقته وبيع المنقول من باب الحفظ فإذا جاز بيعه فالثمن من جنس حقه وهو النفقة فله الاستيفاء وفيه إشارة إلى أن غير الأب من الأقارب لا ولاية لهم أصلا في التصرف حال الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر كما في الهداية وإلى أن القاضي ليس له البيع عن الكل كما في المنح وإنما قيدنا بالكبير لأن في الصغير له بيع عقاره أيضا وقيدنا بالغائب إذ لو كان حاضرا ليس له بيع عرضه أيضا بالاتفاق كما في الإصلاح فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يقيد بهما وكذا لو أطلق النفقة فقال للنفقة لكان أولى لأن الأب كما يبيع لنفقته يبيع لنفقة أم الغائب وإن كانت الأم لا تملك البيع تدبر لا يجوز للأب بيع عقاره إجماعا لأن العقار محصنة بنفسها ولا للأب بيع العرض أي عرض ابنه لدين له أي للأب على الابن سواها أي سوى النفقة اتفاقا لأن النفقة لا تشبه سائر الديون لأنه حينئذ يلزم القضاء على الغائب فلا يجوز بخلاف النفقة فإنها واجبة قبل قضاء القاضي إلا بقدر ما يحتاج إليه من النفقة ولا يجوز له أن يبيع الزيادة على ذلك كما في البحر فبهذا اندفع ما ذكره الزيلعي حيث قال إذا كان
____________________
(2/201)
البيع من باب الحفظ وله ذلك فما المانع منه لأجل دين آخر تدبر ولا يجوز للأم بيع ماله أي مال الابن ولو عرضا لنفقتها في ظاهر الرواية وما ذكره في الأقضية من جواز بيع الأبوين فتأويله أن الأب هو الذي يبيع لكن لنفقتهما أضاف البيع إليهما وعندهما لا يجوز ذلك كله للأب أيضا وهو القياس لأن بالبلوغ انقضت ولايته عنه وعن ماله حتى لا يملك في حضرته وصار كالأم ولا ضمان عليهما أي على الأب والأم لو أنفقا من مال الابن عندهما أي عند الأبوين لأنهما استوفيا حقهما لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر وقد أخذ جنس حقهما وحكم الزوجة والولد كالأبوين إذا أنفقا ما عندهما لا ضمان عليهما بخلاف غيرهما من القريب المحرم العاجز فإنه يضمن بالاتفاق من غير قضاء ولا رضاء ولذا يفرض القاضي في مال الغائب نفقة الأولين فقط كما في البحر
وفي الخلاصة ولو أنفق على نفسه من مال الابن ثم خاصمه الابن فقال أنفقته وأنت موسر وقال الأب أنفقته وأنا معسر قال ينظر إلى حال الأب يوم الخصومة إن كان معسرا فالقول قوله استحسانا في نفقته وإن كان موسرا فالقول قول الابن ولو أقام البينة فالبينة بينة الابن
ولو أنفق المودع بفتح الدال وهو ليس بقيد لأن مديون الغائب كذلك كما في الولوالجي فعلى هذا لو قال ولو أنفق الأجنبي ما في يده من مال ابن لكان أولى تدبر مال الابن الذي أودعه إياه
____________________
(2/202)
عليهما أي على الأبوين وهو أيضا ليس بقيد بل الإنفاق على الزوجة والأولاد بلا أمر كذلك كما في البحر فعلى هذا لو عمم لكان أولى تدبر بغير أمر قاض ضمن لتصرفه في مال غيره بلا إنابة وولاية بخلاف ما إذا أمره القاضي لأنه ملزم ولا يلزم القضاء للغائب لأن نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء وقضاؤه إعانة لهم فحسب
وفي النوادر إذا لم يكن في مكان يمكن استطلاع رأي القاضي لا يضمن استحسانا وقد قالوا في رجلين أغمي على أحدهما فأنفق رفيقه عليه من ماله أو مات فجهزه صاحبه من ماله لم يضمن استحسانا كما في الشمني ولا يرجع المودع المنفق إذا ضمن عليهما أي على الأبوين وكذا على الزوجة والأولاد لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه تبرع بمال نفسه فلا يرجع فعلى هذا لو قال لا يرجع الدافع على القابض لكان أشمل تدبر
ولو قضى القاضي بنفقة غير الزوجة من الأصول والفروع والقرائب ومضت مدة بلا إنفاق سقطت النفقة بالإجماع لأن نفقة هؤلاء لكفاية الحاجة فتسقط لحصولها بخلاف نفقة الزوجات لأنها تجب على الاحتباس لا بطريق الكفاية
وفي الحاوي نفقة الصغير تصير دينا بالقضاء دون غيره وأطلق في المدة فشمل القليل والكثير لكن في الذخيرة أن نفقة ما دون الشهر لا تسقط فبهذا يمكن حمل ما ذكر في زكاة الجامع من أن نفقة المحارم تصير دينا بقضاء القاضي على المدة القليلة تدبر وما ذكر في كتاب النكاح من أنها لا تصير دينا بالقضاء وتسقط بمضي المدة على المدة الكثيرة إلا أن يكون القاضي أمر بالاستدانة عليه فلا تسقط بمضي المدة لأن إذن القاضي كإذن الغائب فتصير دينا في ذمته
وفي البحر وقد أخل بقيد لا بد منه وهو الاستدانة والإنفاق مما استدانه كما قيد في أكثر المعتبرات حتى قال الطرسوسي ولقد غلط بعض الفقهاء هنا في مفهوم كلام الهداية وقال إذا أذن القاضي بالاستدانة ولم يستدن فإنها لا تسقط وهذا غلط بل معنى الكلام أذن القاضي في الاستدانة واستدان قال في المبسوط فلو أنفق بعد الإذن بالاستدانة من ماله أو صدقة تصدق بها عليه فلا رجوع له لعدم الحاجة انتهى فعلى هذا لو قال إلا أن يستدين بأمر القاضي وينفق
____________________
(2/203)
منها لكان أولى
وفي البحر لو مات من عليه النفقة بعد ذلك لا تسقط على الصحيح بل يأخذ من تركته وفي الخلاصة خلافه تتبع
و تجب على المولى نفقة رقيقه وهي الطعام والكسوة والسكنى بإجماع العلماء إذا كان قنا أو مدبرا أو أم ولد لا مكاتبا لالتحاقه بالإحرار ولو أوصى بعبد لرجل وبخدمته لآخر فالنفقة على من له الخدمة فإن مرض في يد صاحب الخدمة إن كان مرضا لا يمنعه من الخدمة كانت نفقته على صاحب الخدمة وإن كان مرضا يمنعه من الخدمة كانت نفقته على صاحب الرقبة وإن تطاول المرض ورأى القاضي أن يبيعه فباعه يشتري بثمنه عبدا يقوم مقام الأول في الخدمة كما في الخانية وزاد في المحيط أنه لو كان صغيرا لم يبلغ الخدمة فنفقته على صاحب الرقبة حتى يبلغ الخدمة ثم على المخدوم لأنه ملك المنافع بغير عوض فصار كالمستعير وكذا النفقة على الراهن والمودع وأما عبد العارية فعلى المستعير وأما كسوته فعلى المعير كما في البحر وفي التنوير نفقة العبد المغصوب على الغاصب إلى أن يرده إلى مالكه فإن طلب من القاضي الأمر بالنفقة أو البيع لا يجيبه وإن خاف القاضي على العبد الضياع باعه القاضي لا الغاصب ويرد ثمنه لمالكه طلب المودع من القاضي الأمر بالنفقة على عبد الوديعة لا يجيبه بل يؤجره وينفق منه أو يبيعه ويحفظ ثمنه لمولاه
وفي القنية ونفقة المبيع على البائع ما دام في يده هو الصحيح
وفي المنح وفيه إشكال لأنه لا ملك للبائع لا رقبة ولا منفعة فينبغي أن تكون النفقة على المشتري وتكون تابعة للملك كالمرهون فإن أبى المولى عن الإنفاق اكتسبوا أي اكتسب الأرقاء الدال عليه لفظ الرقيق وأنفقوا
____________________
(2/204)
عليهم نظرا لهم ببقاء أنفسهم ولسيدهم ببقاء ملكه
وإن لم يكن لهم كسب لعدم قدرتهم عليه ببعض العوارض أو جارية لا يؤجر مثلها أجبر المولى على بيعهم إن محلا له أي للبيع لأنهم من أهل الاستحقاق وفي البيع إيفاء حقهم وإبقاء حق المولى بالخلف وهو الثمن وإنما قيدنا إن محلا له لإخراج المدبر وأم الولد فإنه يجبر على الإنفاق لا غير لأنه لا يمكن بيعهما فعلى هذا لو قيده المصنف لكان أولى
وفي التنوير عبد لا ينفق عليه مولاه أكل من مال مولاه بلا رضاه إن عاجزا عن الكسب وإلا لا وفي غيرهم من الحيوان المملوك يؤمر صاحبه بالإنفاق عليه ديانة لا قضاء عند الطرفين وعند أبي يوسف والأئمة الثلاثة قضاء حتى لو امتنع عنه بعده يحبسه القاضي ولو كانت الدابة مشتركة بين اثنين فأبى أحدهما عن الإنفاق عليها وطلب الآخر من القاضي أن يأمره بالإنفاق فالقاضي يقول للآبي إما أن تبيع نصيبك منها أو تنفق عليها
وفي المحيط يجبر وأما في غير الحيوان كالعقار والزرع والشجر فيكره له أن لا ينفق عليها حتى تفسد للنهي عن تضييع المال
____________________
(2/205)
كتاب الإعتاق ذكره عقيب الطلاق لأن كلا منهما إسقاط الحق وقدم الطلاق لمناسبة النكاح ثم الإسقاطات أنواع تختلف أسماؤها باختلاف أنواعها فإسقاط الحق عن الرق عتق وإسقاط الحق عن البضع طلاق وإسقاط ما في الذمة براءة وإسقاط الحق عن القصاص والجراحات عفو كما في الأقطع هو أي الإعتاق لغة الإخراج عن الملك يقال أعتقه فعتق ويقال من باب فعل بالفتح يفعل بالكسر عتق العبد عتاقا والعتق الخروج عن الملك فالعتق اللغوي حينئذ هو العتق الشرعي وهو الخروج عن المملوكية كما في البحر لكن في الدرر وغيره الإعتاق لغة إثبات القوة مطلقا وشرعا إثبات القوة الشرعية فتبعه المصنف فقال إثبات القوة الشرعية في المملوك لكن الأولى ما في البحر لأن
____________________
(2/206)
أهل اللغة لم يقولوا عتق العبد إذا قوي وإنما قالوا عتق العبد إذا خرج عن المملوكية وإنما ذكروا القوة في عتق الطير ولئن سلم أن إثبات القوة ممكن لكن هذا التعريف يصدق على مذهبهما لا على مذهبه لأن عنده الإعتاق إثبات الفعل المفضي إلى حصول العتق فلهذا يتجزأ عنده لا عندهما والعجب أن صاحب الدرر ذكر في باب عتق البعض أن هذا التعريف غير مسلم وفصل كل التفصيل تتبع ثم العتق أربعة واجب إذا أعتقه عن كفارة لقوله تعالى فتحرير رقبة مؤمنة ومندوب إذا أعتقه لوجه الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام أيما مؤمن أعتق مؤمنا في الدنيا أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ومباح إذا أعتقه من غير نية أو لفلان ومعصية إذا أعتقه للصنم أو للشيطان إنما يصح الإعتاق من مالك فلا يصح من غير مالك لكن يرد عليه إعتاق عبد الغير فإنه صحيح موقوف على إجازة المالك إلا أن يقال هو شرط للنفاذ وليس الكلام هنا إلا في الصحة تأمل حر لأن المملوك لا يملك وإن ملك ولا عتق إلا في الملك ولو كان المملوك مأذونا كما في أكثر الكتب لكن قوله حر مستدرك لأنه لا
____________________
(2/207)
حاجة إليه مع ذكر المالك لأن الحرية للاحتراز عن إعتاق غير الحر وهو ليس بمالك تدبر مكلف أي عاقل بالغ فلا يصح من صبي ومجنون ومعتوه ونائم ومبرسم ومدهوش ومغمى عليه لأن العتق تبرع وليس واحد منهم بأهل له ولهذا لو قال أعتقت وأنا صبي أو أنا نائم كان القول قوله وكذا لو قال أعتقته وأنا مجنون بشرط أن يعلم جنونه أو قال وأنا حربي في دار الحرب وقد علم ذلك منه لأنه أضافه إلى زمان لا يتصور منه الإعتاق بصريحه أي بصريح لفظ الإعتاق بأن كان مستعملا فيه وضعا وشرعا
وإن لم ينو سواء ذكر بصيغة الوصف أو الخبر أو النداء كأنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق ولا بد أن يذكر خبر المبتدأ فلو ذكر الخبر فقط توقف على النية ولذا قال في الخانية لو قال حر فقيل له من عنيت فقال عبدي عتق عبده كما في البحر
أو حررتك أو أعتقتك لأن هذه الألفاظ موضوعة للإعتاق شرعا وعرفا فلا تفتقر إلى نية ولو قال أردت الكذب أو أنه حر من العمل صدق ديانة لأنه محتمل كلامه لا قضاء لأنه خلاف الظاهر وكذا لا يصدق قضاء لو قال ما أردت به العتق أو لا علم لي بمعناه ولو قال أردت به أنه كان حرا في وقت من الأوقات ينظر فإن كان العبد من السبي يدين وإن كان مولدا لا يدين أو هذا مولاي لأنه وصفه بولاية العتاقة السفلى فيعتق عن غير نية لأن المولى لا يكون هنا بمعنى الموالي في الدين لأنه مجاز لا دليل عليه ولا بمعنى الناصر لأن المالك لا يستنصر بمملوكه ولا بمعنى ابن العم لأن الكلام في العبد المعروف النسب ولا بمعنى المعتق لأن إضافته إليه تنافي ذلك كما في الشمني أو يا مولاي ليس من الصريح بل ملحق به كما في التبيين وقال زفر والأئمة الثلاثة لا يعتق بقوله يا مولاي إلا بالنية لأنه يراد به الإكرام عادة لا التحقيق أو
____________________
(2/208)
قال لأمته هذه مولاي أو يا مولاتي وقيد بالمولى لأنه يعتق في قوله يا سيدي ويا مالكي إلا بالنية أو يا حر أو يا عتيق لأن نداءه بهذا الوصف يقتضي ثبوته وإثباته من جهته ممكن فيثبت تصديقا له إن لم يجعل ذلك اسما له فلو سماه حرا ثم ناداه بيا حر لا يعتق لأن غرضه الإعلام باسم علمه لا إثبات هذا الوصف لأن الإعلام لا يراعى فيها المعاني حتى لو سماه حرا ثم ناداه بيا آزاد بالفارسية وبالعكس عتق به لأنه ما ناداه باسم علمه إذ الإعلام لا يتغير فيعتبر إخبارا عن الوصف وفي الجوامع قال لعبد غيره يا حر استغنى ثم اشتراه يعتق قيل هذا نقض للقاعدة وهي أن العتق لا يصح إلا في الملك أجيب بأنه يمكن إثباته حال النداء بأن أعتق عبد غيره وأجاز المولى فإنه يعتق كذا قيل لكن هذا ليس بسديد لأن العتق حاصل بإجازة المولى قبل أن يشتريه فالمسألة ليست هذا بل الجواب أنه أقر بحريته فلما ملكه عتق بالإقرار السابق فلا يلزم العتق في ملك الغير تتبع
وكذا يصح الإعتاق لو أضاف الحرية إلى ما أي عضو ويعبر به عن جميع البدن وإنما قال ذلك لأنه إذا أضافه إلى عضو لا يعبر به عن جميع البدن كاليد والرجل لا يعتق عندنا خلافا للأئمة الثلاثة ولو قال أعتقت سنك أو ظفرك أو شعرك لا يعتق بالاتفاق كرأسك حر ونحوه كأن يقول وجهك حر أو رقبتك أو بدنك وكقوله لأمته فرجك حر وكذا لو قال لها فرجك حر عن الجماع عتقت
وفي المجتبى لو قال لعبده فرجك حر عتق عند الشيخين وعن محمد روايتان فالصحيح أنه لا يعتق كما في الجوهرة وفي الاست والدبر الأصح أنه لا يعتق لأنه لا يعبر به عن البدن كما في الاختيار
وفي الشمني لو قال لعبده ذكرك حر يعتق لكن في الخانية خلافه وهو ظاهر الرواية ولو قال لسانك حر يعتق وفي الدم روايتان
وفي البحر لو قال بدنك بدن حر عتق وكذا الفرج والرأس وعن أبي يوسف رأسك رأس حر أنه لا يعتق
وفي المحيط وغيره أن بالإضافة لا يعتق لأنه تشبيه بحذف حرفه وأن بالتنوين عتق لأن هذا وصف وليس بتشبيه فصار كأنه قال رأسك حر ولو قال لعبده أنت حرة أو قال لأمته أنت حر يعتق في الوجهين وكذا روي عن الشيخين ولو أراد الرجل أن يقول شيئا فجرى على
____________________
(2/209)
لسانه العتق عتق ولم يذكر الجزء الشائع كما ذكره في الطلاق للفرق بين العتاق والطلاق فإن الطلاق لا يتجزأ اتفاقا فذكر بعضه كذكر كله وأما العتق فيتجزأ عند الإمام فإذا قال نصفك حر أو ثلثك حر يعتق ذلك القدر خاصة عنه كما سيأتي فما في غاية البيان من تسوية الطلاق والعتاق في الإضافة إلى الجزء الشائع سهو كما في البحر ومما ألحق بالصريح كما في البدائع أن يقول وهبت لك نفسك أو وهبت نفسك منك أو بعت نفسك منك يعتق سواء قبل أو لم يقبل نوى أو لم ينو وزاد في الخانية تصدقت بنفسك عليك وأما لو قال بعتك نفسك بكذا فإنه يتوقف على القبول
و كذا يصح الإعتاق بكنايته من الألفاظ عطف على قوله بصريحه إن نوى العتق بها للاشتباه والاحتمال كلا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك أو إليك أو لا رق لي عليك أو خرجت من ملكي أو خليت سبيلك لأنه يحتمل نفي الملك ونفي السبيل وتخلية السبيل بالبيع
____________________
(2/210)
والكتابة كما يحتمل العتق وإذا نواه تعين ولو قال لعبده اذهب حيث شئت من بلاد الله لا يعتق وإذا نوى لأنه يفيد زوال اليد فلا يدل على العتق كما في المكاتب كما في الدرر
أو قال لأمته أطلقتك أي نوى به العتق تعتق لأنه بمعنى خليت سبيلك
ولو قال لأمته طلقتك لا تعتق وإن نوى
وقال الشافعي تعتق بصريح لفظ الطلاق وكنايته لأن الإعتاق هو إزالة ملك الرقبة والطلاق إزالة ملك المتعة فيجوز إطلاق كل واحد منهما على الآخر مجازا ولنا أن ملك اليمين فوق ملك النكاح فكان إسقاطه أقوى واللفظ يصلح مجازا عما هو دون حقيقته لا عما فوقه فلهذا امتنع في المتنازع فيه واتسع في عكسه كما في الهداية فلو قال فرجك علي حرام أو أنت علي حرام يريد العتق لم تعتق لأن اللفظ غير صالح له فهو كما إذا قال لها قومي واقعدي ناويا للعتق وكذا أي كطلقتك في الحكم سائر ألفاظ صريح الطلاق وكناياته حتى لو قال اختاري فاختارت نفسها ونوى العتق لا تعتق كما في أكثر المعتبرات إلا أنه استثنى منها في النهر نقلا عن البدائع أمرك بيدك واختاري فإنه يقع به العتق بالنية لكن إن هذا من كنايات التفويض لا من كنايات الطلاق والكلام في عدم العتق بكنايات الطلاق تأمل
وفي المحيط لو قال لأمته أمرك بيدك وأراد العتق فأعتقت نفسها في المجلس عتقت وإلا فلا
وفي البدائع ولو قال أمر عتقك بيدك أو جعلت عتقك في يدك أو قال له اختر العتق أو خيرتك في عتقك أو في العتق لا يحتاج فيه إلى النية لأنه صريح لكن لا بد من اختيار العبد العتق ويتوقف على المجلس لأنه تمليك كما في البحر
وقال الباقاني وفي العبارة نوع تسامح لأن من جملة كنايات الطلاق أطلقتك وقد مر أنه يقع به العتق إن نوى ويجاب بأن هذا في حكم المستثنى انتهى لكن الأولى أن يجاب بأنه كناية فيهما والممنوع استعارة ما كان من ألفاظ الطلاق خاصة صريحا أو كناية تدبر ولو قال أنت لله أو إنك لله لا يعتق
____________________
(2/211)
عند الإمام وإن نوى لأنه صادق في مقاله إذ كل مخلوق لله فصار كقوله أنت عبد الله خلافا لهما فإنه يعتق عندهما إذا نوى لأن معناه أنت خالص لله وذا بانتفاء ملكه عنه فصار كقوله لا ملك لي عليك
ولو قال للأصغر أو الأكبر سنا هذا ابني أو أبي عتق بلا نية عند الإمام وكذا أي يعتق بلا نية لو قال لأمته هذه أمي لأن المقر له إن كان يولد مثله وهو مجهول النسب يثبت نسبه منه وإن لم ينو العتق وإن لم يكن كذلك يكون هذا اللفظ مجازا عن الحرية ويعتق وإن لم ينو لأن المجاز متعين ولو كان كناية لاحتاج إلى النية وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة لا يعتق إن لم يصلح أن يكون ابنا له أو أبا له أو أما لأن كلامه لغو لاستحالة موجبه فصار كقوله أعتقتك قبل أن أحلق بخلاف معروف النسب ومن يولد له مثله لأن كلامه محتمل لجواز أن يكون مخلوقا من مائه بالوطء عن شبهة أو اشتهر نسبه من الغير وله أنه محال بحقيقته لكنه صحيح بمجازه لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه وهذا لأن البنوة في المملوك سبب لحريته إما إجماعا صلة للقرابة وإطلاق السبب وإرادة المسبب شائع مجازا ولأن الحرية ملازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف ملازم من طرق المجاز على ما عرف فيحمل عليه تحرزا عن الإلغاء بخلاف ما استشهد به لأنه لا وجه له في المجاز فتعين الإلغاء وهذا الاختلاف يبتنى على أصل وهو أن المجاز خلف عن الحقيقة في حق التكلم عنده وخلف عن الحقيقة في حق الحكم عندهما وهذا بحث طويل فليطلب
____________________
(2/212)
من الأصول والمطولات
ولو قال لصغير هذا جدي لا يعتق في المختار وقيل على الخلاف
وكذا لو قال هذا أخي أي لا يعتق في ظاهر الرواية إذ الواسطة لم تذكر فلا مجاز وفاقا لأن هذا الكلام لا موجب له في الملك إلا بواسطة وهو الأب والجد والأخ وهي غير ثابتة في كلامه فتعذر أن يجعل مجازا فلو قال هذا جدي أبو أبي أو هذا أخي لأبي أو أمي يعتق
وفي الذخيرة لو قال لغلامه هذا عمي أو خالي يعتق بلا خلاف وكذا لو قال لأمته هذه عمتي أو خالتي وفرق بينهما في البدائع بأن الإخوة يحتمل الإكرام والنسب بخلاف العم والخال لأنه لا يشتمل للإكرام عادة أو قال لعبده هذا بنتي أو لأمته هذا ابني قيل يعتق وقيل لا يعتق بالإجماع لأن المشار إليه ليس من جنس المسمى ولا يعتق بلا سلطان لي عليك وإن
____________________
(2/213)
نوى فإن السلطان هو الحجة قال الله تعالى أو ليأتيني بسلطان مبين أي بحجة ويذكر ويراد به اليد والاستيلاء سمي به السلطان لقيام يده واستيلائه فصار كأنه قال لا حجة لي عليك ولو نص عليه لم يعتق وإن نوى وكذا هذا وقيل يعتق إن نواه وهو قول الأئمة الثلاثة ولا يعتق أيضا بيا ابني ويا أخي في ظاهر الرواية
وفي التحفة وأما في النداء إذا قال يا ابني يا بنتي يا أبي فإنه لا يعتق إلا إذا نوى لأن النداء لا يراد به ما وضع له اللفظ إنما يراد به استحضار المنادى إلا إذا ذكر اللفظ الموضوع للحرية كقوله يا حر يعتق لأن في الموضوع لا يعتبر المعنى انتهى
فعلى هذا لا ينبغي الجمع بقوله لا سلطان لي لأنه لا يعتق وإن نوى كما مر إلا أن يقال يا أبي لأصغر ويا ابني لأكبر سنا منه فلا يعتق عندهما وإن نوى لأن إمكان المعنى الحقيقي في الجملة شرط لصحة المجاز عندهما فلا يمكن فيهما لتعذر الأصل لكن يرد على قول الإمام مطلقا وعلى قولهما في صور الإمكان كقوله يا أخي وقوله لأصغر يا ابني ولأكبر يا أبي إلا أن يكون معروف النسب فلا إمكان أيضا تدبر ومثله لو قال لعبده يا جدي يا عمي أو لأمته يا عمتي يا خالتي يا أختي
وفي الكافي ولو قال يا ابن ابني لا يعتق لأنه صادق في مقاله فإنه ابن أبيه وكذا لو قال يا بني أو لأمته يا بنية لأن هذا لطف وإكرام لأنه تصغير الابن والبنت بلا إضافة والأمر كما أخبر فلا يعتق أو قال أنت مثل الحر
____________________
(2/214)
لأنه أثبت المماثلة وهي قد تكون عامة وقد تكون خاصة فلا يعتق بلا نية بالشك كما في الكافي وغيره حتى قال في البحر وهو يفيد أنه من الكنايات يقع به العتق بالنية لكن إطلاق المتن يقتضي عدم العتق وإن نوى كما في الاختيار وغيره وإلا فقوله وقيل يعتق أي النوي مستدرك تدبر
ولو قال ما أنت إلا حر عتق لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد ككلمة الشهادة
وفي المحيط لو قال ما أنت إلا مثل الحر لا يقع ولو قال لحرة أنت مثل هذه يعني أمته تعتق أمته ولو قال ما أنت حرة مثل هذه الأمة لم تعتق
وفي الخانية لو قال لثوب خاطه مملوكه هذه خياطة حر لا يعتق مملوكه لأنه يراد به التشبيه
ولو قال كل عبد في الدنيا أو في الأرض أو في بلخي أو في هذه السكة أو في هذا الجامع حر وعبده فيها لا يعتق عند أبي يوسف إلا أن ينوي عبده
وقال محمد
____________________
(2/215)
يعتق والفتوى على قول أبي يوسف كما في أكثر المعتبرات ولو قال كل عبد في هذه الدار حر وعبده فيها يعتق في قولهم جميعا ولو قال ولد آدم كلهم أحرار لا يعتق عبده في قولهم وفي الجوهرة ولو جمع بين عبده وبين ما لا يقع عليه العتق كالبهيمة والحائط فقال عبدي هذا حر وهذا أو قال أحدكما حر عتق العبد عند الإمام وعندهما لا وإن قال لعبده وعبد غيره أحدكما حر لم يعتق إجماعا إلا بالنية
وفي الشمني نقلا عن المرغيناني نظر إلى عشر جوار فقال إن اشتريت جارية منكن فهي حرة فاشترى جاريتين صفقة واحدة إحداهما لنفسه والأخرى لغيره لم تعتق واحدة منهما قال والمعنى فيه غموض
وفي الخانية ولو قال لعبده قد أعتقك الله عتق وإن لم ينو هو المختار ولو قال العتاق عليك يعتق ولو قال عتقك علي واجب لا يعتق ومن ملك مبتدأ خبره قوله الآتي عتق عليه ذا رحم يعني محرميته بالقرابة لا بالرضاع حتى لو ملك ابن عمه وهي أخته رضاعا لا يعتق منه أي من مالك عتق عليه وتحقيقه أن القرابة أقسام قريبة كالولادة وحكمها العتق بالإنفاق خلافا لأصحاب الظواهر فإنهم يقولون لا يعتق عليه لكن يلزمه أن يعتق وبعيدة كبني الأعمام والأخوال وحكمهما عدم العتق بالإنفاق لأنها بعدت ولم يؤثر في حرمة النكاح فلم يعتق بالملك ومتوسطة كالقرابة المتأبدة بالمحرمية وتفسيره كل من حرم نكاحه على التأبيد لأجل النسب فالشافعي ألحق المتوسطة بالبعيدة ويقول العلة في الولادة البعضية والأصل أن لا يخالف البعض الكل ونحن نلحقها بالقريبة ونستدل بقوله عليه الصلاة والسلام من ملك ذا رحم محرم فهو حر أو عتق عليه وفيه دليل على أن سبب العتق الملك مع القرابة المتأبدة بالمحرمية فإن مثل هذا في لسان صاحب الشرع لبيان السبب كما قال عليه الصلاة والسلام من بدل دينه فاقتلوه
وقال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر
____________________
(2/216)
فليصمه وهذا لأن حرمة المناكحة ثبتت بهذه القرابة لمعنى الصيانة عن ذلك الاستفراش والاستخدام قهرا وملك اليمين أبلغ في الاستدلال من الاستفراش وهذا معنى قولهم هذه قرابة صينت عن أدنى الذلين فلأن يصان عن أعلاهما أولى كما في المستصفى
ولو وصلية كان المالك صغيرا أو مجنونا أو كافرا لعموم العلة لكن يشترط كونه في دار الإسلام حتى لو ملك قريبه في دار الحرب أو أعتق المسلم عبده فيها لا يعتق خلافا لأبي يوسف وكذا إذا أعتق الحربي عبده فيها كما في الإيضاح هذا إذا كان العبد حربيا أما لو كان مسلما أو ذميا فأعتق الحربي فيها عتق إجماعا كما في الجوهرة
والمكاتب يتكاتب عليه قرابة الولاد فحسب كما إذا اشترى المكاتب أباه وأمه يتكاتب عليه وإذا اشترى أخاه ومن يجري مجراه لا يتكاتب عليه لأنه لا ملك له في الحقيقة وإنما له التكسب خاصة وقرابة الولاد تجب مواساتها بالتكسب دون غيرها من الأقارب وكذا التكاتب خلافا لهما أي إذا اشترى المكاتب أخاه ومن يجري مجراه يتكاتب عليه وهو رواية عن الإمام لأنه لو كان حرا عتق عليه فإذا كان مكاتبا يتكاتب عليه كقرابة الولاد
ومن أعتق لوجه الله تعالى عتق وهو ظاهر
وكذا يعتق لو أعتق للشيطان أو للصنم لأن الإعتاق هو الركن المؤثر في إزالة الرق وصفة القربة لا تأثير لها في ذلك وإن وصلية عصى لأن ذلك من فعل الكفرة وعبدة الأصنام حتى إن فعل المسلم كفر به عند قصد التعظيم
وكذا يعتق لو أعتق مكرها لا فرق بين إكراه الملجئ وغيره لصدور الركن من الأهل في المحل وكذا لو أعتق هزلا أو سكران يعني من محرم لا مما طريقه مباح والذي لم يقصد السكر من مثلث ومن حصل له بغذاء أو دواء كما في البحر فعلى هذا لو قيد بسبب محظور لكان أولى تدبر
ولو أضاف أي علق العتق إلى ملك بأن قال إن ملكتك فأنت حر وفيه خلاف الشافعي أو أضاف إلى شرط كإن دخلت الدار فأنت حر صح ويقع العتق إذا وجد الشرط
وفي البحر والتعليق بأمر كائن تنجيز فلو قال لعبده إن ملكتك فأنت حر عتق للحال بخلاف قوله لمكاتبه إن أنت عبدي فأنت حر لا
____________________
(2/217)
يعتق قال أبو الليث وبه نأخذ لأن في الإضافة قصورا ومن مسائل التعليق اللطيفة ما في الظهيرية رجل قال لأمته إذا مات والدي فأنت حرة ثم باعها من والده ثم تزوجها ثم قال لها إذا مات والدي فأنت طالق ثنتين فمات الوالد وكان محمد أولا يقول تعتق ولا تطلق ثم رجع
وقال لا يقع طلاق ولا عتاق والمسألة على استقصاء في المبسوط انتهى
ولو خرج عبد حربي إلينا حال كونه مسلما عتق
وفي الزاهدي إذا خرج مراغما لأنه مسلم استولى على مال الكافر وهو نفسه فيملكها وروي أن عبيد أهل الطائف خرجوا إلى النبي عليه السلام مسلمين فطلب أصحابه رضي الله عنهم قسمتهم فقال هم عتقاء الله والحمل يعتق بعتق أمه إذ هو متصل بها فهو كسائر أجزائها وقول صاحب التنوير إذا ولدته بعد عتقها لأقل من نصف حول شرط لكونه يعتق مقصودا لا بطريق التبعية حتى لا ينجر ولاؤه إلى موالي الأب وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فإنه يعتق بطريق التبعية فحينئذ ينجر الولاء إلى الأب كما في شرح الوقاية وينبغي حمل قول الكنز على الأول وهو ما إذا ولدته لأقل من ستة أشهر ليكون عتقه بطريق الأصالة دفعا للزوم التكرار لأنه سيذكر أن الولد يتبع الأم في الحرية والتبعية إنما تكون إذا ولدته لستة أشهر فأكثر فيحمل عليه ويمكن حمل الحرية في كلامه على الحرية الأصلية فلا إشكال ولا تكرار ومثله في البحر وصح إعتاقه أي الحمل وحده لأنه نفس من وجه ولهذا صحت الوصية به والإرث بخلاف بيعه وهبته وحده إذ التسليم شرط فيهما لكن لا يعتق الحمل ما لم يولد لأنه مشروط بأن يكون بين الإعتاق والولادة أقل من ستة أشهر إلا في المسألتين إحداهما أن تكون الأمة معتدة عن طلاق أو وفاة فتلده من سنتين من وقت الفراق وإن كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الإعتاق فحينئذ يعتق لأنه كان موجودا حين أعتقه بدليل ثبوت نسبه
____________________
(2/218)
وثانيهما إذا كان حملها توأمين فجعلت بأولهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر منها عتقا جميعا لأنهما حمل واحد ولا تعتق أمه به أي بإعتاق الحمل لأن المولى لم يعتقها صريحا والأم لا تتبع الولد لما فيه من قلب الموضوع والولد يتبع أمه في الملك والرق والحرية والتدبير والاستيلاد والكتابة لإجماع الأمة ولأن ماءه مستهلك بمائها فيرجح جانبها لأنه متيقن به من جهتها وهذا يثبت نسب ولد الزنا وولد الملاعنة منها حتى ترثه ويرثها وولد الأمة من سيدها حر لأنه يخلق من مائه وقد تعلق على ملكه فيعتق عليه وكذا ولد الأمة من ابن سيدها أو أب سيدها حر كما في البحر و ولدها حال كونه من زوجها ملك لسيدها لأن ماءها مملوك لسيدها فتحققت المعارضة فرجحنا جانبها لما تقدم والزوج قد رضي برق ولده حيث أقدم على نكاح الأمة فلهذا قالوا فولد العامي من الشريفة ليس بشريف لأن النسب للتعريف وحال الرجال مكشوف دون النساء وولد المغرور حر بقيمته وهو ما إذا تزوج حر امرأة على أنها حرة أو اشترى أمة على أنها ملك البائع فولدت كل منهما ولدا فظهر أن الأولى أمة والثانية ملك لغير البائع فحينئذ يكون كل من الولدين حرا بالقيمة لإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وكذا لو كان المغرور مكاتبا أو مدبرا أو عبدا عند محمد وقالا أولادهم أرقاء لحصولهم بين رقيقين فلا وجه لحريتهم
____________________
(2/219)
فارغة
____________________
(2/220)
221 باب عتق البعض أخره عن إعتاق الكل لأن إعتاق الكل أفضل وأكثر ثوابا أو لأنه أكثر وقوعا ومن أعتق بعض عبده سواء عين ذلك البعض بأن قال ربعك حر أو أبهمه بأن قال بعضك حر لكن لزمه بيانه صح إعتاقه في ذلك البعض خاصة عند الإمام وسعى العبد للمولى في باقيه وفي المنافع أي زال ملكه عن القدر ولم يرد به حقيقة العتق عند الإمام وإنما أريد به ثبوت أثره وهو زوال الملك إليه أشير في المبسوط فإن قيل إزالة الملك لا تسمى إعتاقا كالبيع والهبة أجيب بأنها تسمى بذلك باعتبار عاقبتها وترتب العتق عليها بطرقه وهو أي معتق البعض بقدر ما تعين في حق السعاية باختيارها المولى كالمكاتب لأن المستسعي عنده كالمكاتب في جميع الأحوال إلى أن يؤدي السعاية لأن زوال الملك عن البعض يقتضي ثبوت المالكية في كله إذ لا يتمكن من التصرف مع بقاء الملك في بعضه وبقاء الملك في البعض يمنع من المالكية فقلنا بالمالكية يدا لا رقبة عملا بالدليلين وهو حكم المكاتب والسعاية كبدل الكتابة فله أن يستسعيه وله أن يعتقه إذ المكاتب محل الإعتاق إلا أنه لا يرد في الرق لو عجز بخلاف الكناية المقصودة لأن السبب ثمة عقد يحتمل الفسخ وهنا السبب إزالة الملك لا إلى أحد فلا يحتمل الفسخ وقالا يعتق كله ولا يسعى بناء على أن
____________________
(2/221)
العتق لا يتجزأ بالاتفاق فكذا الإعتاق عندهما وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه إثبات العتق كالكسر مع الانكسار فيلزم من عدم تجزؤ اللازم وهو العتق عدم تجزؤ ملزومه وهو الإعتاق لكن الإمام يقول الإعتاق إزالة الملك لأنه ليس للمالك إلا إزالة حقه وهو الملك والملك متجزئ فكذا إزالته فإعتاق البعض إثبات شطر العلة فلا يتحقق المعلول إلا أن يتحقق تمام العلة وهو إزالة الملك كله كما في أكثر المعتبرات
وقال الزيلعي وأصله أن الإعتاق يوجب زوال الملك عنده وهو متجزئ وعندهما يوجب زوال الرق وهو غير متجزئ وأما نفس الإعتاق أو العتق لا يتجزأ بالإجماع لأنه ذات القول وهو العلة وحكمه وهو نزول الحرية فيه لا يتصور فيه التجزؤ وكذا الرق لا يتجزأ بالإجماع لأنه ضعف حكمي والحرية قوة حكمية فلا يتصور اجتماعهما في شخص واحد فإذا ثبت هذا فأبو حنيفة اعتبر جانب الرق فجعل كله رقيقا على ما كان وقد قال زال ملكه عن البعض الذي أعتقه
____________________
(2/222)
ولم يكن ذلك البعض حرا وهما اعتبرا جانب الحرية فصار كله حرا
وإن أعتق شريك في عبد نصيبه منه كالنصف وغيره بلا إذن فللآخر أي للشريك الآخر أن يعتق أو يدبر أو يكاتب نصيبه إن شاء لأن الإعتاق متجزئ عند الإمام فنصيبه مملوك له أو يستسعي أي يطلب الآخر سعاية العبد في قيمة نصيبه يوم العتاق ولو كان الآخر صبيا فإن كان له ولي أو وصي فالخيار له وإن لم يكن نصب القاضي له وصيا أو ينتظر بلوغه والولاء لهما أي للمعتق وللآخر بقدر نصيبهما لأنهما المعتقان أو يضمن الشريك الآخر المعتق يوم العتق لأنه جنى على نصيبه بما منعه من التصرف فيه بما عدا العتاق وتوابعه وفيه إشارة إلى أن الاعتبار في اليسار والإعسار ليوم العتاق فلو أيسر ثم أعسر لم يسقط الضمان بخلاف العكس ولو اختلفا في اليسار والإعسار يحكم الحال إلا أن يكون بين الخصومة وللعتق مدة يختلف فيها الأحوال فالقول للمعتق لأنه منكر ولو اختلفا في القيمة يوم العتق فإن كان قائما يقوم للحال وإن كان هالكا فالقول للمعتق لأنه منكر وإلى أنه له خيار الاستسعاء والتضمين لكن لو اختار الاستسعاء لم يرجع إلى التضمين كما لو اختار التضمين لم يرجع إلى الاستسعاء وعنه أنه يرجع إلا إذا حكم به حاكم كما في المحيط وإلى أنه إذا اشترك بين جماعة جاز أن يعتق بعضهم نصيبه ويختار بعض الضمان وبعض الإعتاق وبعض السعاية وكذا إذا مات الساكت فلورثته إحدى الخيارات في ظاهر الرواية لأنهم قائمون مقام مورثهم وروى الحسن عن الإمام ليس لهم إلا الاجتماع لو كان موسرا مالكا مقدار نصيب الساكت من المال والغرض
____________________
(2/223)
سوى ملبوسه ونفقة عياله وسكناه كما في التبيين والظاهر منه أنه لو لم يملك هذا المقدار لا يكون ضامنا بل إن شاء الآخر أعتق أو استسعى ولا يرجع العبد بما يؤدي بالإجماع لأنه أدى لفكاك رقبته
وعن أبي يوسف أنه يؤجر من رجل ولو صغيرا يعقل فأخذ من أجرته كما يؤجر المديون وفي المختار ولو مات العبد قبل أن يختار الساكت شيئا ليس له إلا التضمين ولو مات المعتق يؤخذ الضمان من ماله إن كان العتق في الصحة وإن في المرض فلا شيء في تركته بل يسعى العبد عنده
وعن محمد يؤخذ من تركته وهو رواية عن أبي يوسف ويرجع به أي بما ضمنه المعتق على العبد لقيامه بأداء الضمان مقام الآخر وقد كان للآخر الاستسعاء والولاء كله له لأن العتق كله من جهته حيث ملكه بأداء الضمان وقالا ليس للآخر إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار وليس له السعاية غنيا ولا الإعتاق غنيا أو
____________________
(2/224)
فقيرا إذ الإعتاق لا يتجزأ عندهما
ولا يرجع المعتق على العبد لو ضمن والولاء له أي المعتق في الحالين ومبني هذا الخلاف على أصلين أحدهما تجزؤ الإعتاق وعدمه على ما قررناه والثاني أن يسار المعتق لا يمنع استسعاء العبد عنده ويمنع عندهما لقوله عليه الصلاة والسلام في الرجل يعتق نصيبه إن كان غنيا ضمن وإن كان فقيرا يسعى في حصة الآخر قسم أي النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحكم والقسمة تقتضي قطع الشركة وله أن مالية نصيبه احتبست عند العبد فله أن يضمنه كما إذا هبت الريح بثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسرا كان أو معسرا فكذا هنا إلا أن العبد فقير فيستسعيه وعند الأئمة الثلاثة في الموسر كقولهما وفي المعسر يبقى ملك شريكه كما كان فله بيعه وهبته وعتقه سوى السعاية
ولو شهد كل منهما أي الشريكين الحاضرين بإعتاق شريكه نصيبه فأنكر كل منهما على صاحبه سعى العبد لهما أي لكل واحد منهما في حظهما مطلقا موسرين كانا أو معسرين أو أحدهما موسرا والآخر معسرا عند الإمام لأن كلا منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فكان كالمكاتب وحرم عليه استرقاقه فيصدق كل منهما في حق نفسه فتعين السعاية لهما وإنما لم يجب التضمين مع اليسار لإنكاره الإعتاق والولاء يكون بينهما كيف ما كانا لأن كلا منهما يقول عتق نصيب شريكي بإعتاقه وولاؤه له وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه لي فيكون الأمر في حقهما على ما زعما ولهذا لا يعتق من العبد شيء حتى يوفيهما بالسعاية وقالا يسعى للمعسرين
____________________
(2/225)
لأن كلا منهما يدعي السعاية هنا لأنه يقول شريكي أعتق إذ هو معسر لا أي لا يسعى للموسرين لأن كلا منهما يتبرأ من السعاية ويدعي الضمان على شريكه لأن يسار العتق يمنع السعاية عندهما ولا ضمان على شريكه لأنه ينكر سببه ولا بينة للمدعي
ولو كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى للموسر فقط لأن الموسر يدعي السعاية دون الضمان وهي له والمعسر لما ادعى الضمان على صاحبه فقط تبرأ عن السعاية ولا يثبت الضمان لإنكار سببه والولاء موقوف في كل الأحوال أي في يسارهما ولا يثبت الضمان لإنكار سببه والولاء موقوف في كل الأحوال أي في يسارهما وإعسارهما ويسار أحدهما وإعسار الآخر حتى يتصادقا لأن الولاء للمعتق وكل واحد منهما يزعم أن صاحبه هو المعتق وينفي الولاء عن نفسه ولهذا توقف الولاء إلى أن يتفقا على إعتاق أحدهما
وفي الفتح فلو مات قبل أن يتفقا وجب أن يأخذه بيت المال ولو علق أحدهما من الشريكين عتقه أي العتق المشترك بفعل غدا فقال إن دخل فلان هذه الدار غدا فهو حر والآخر بعدمه فيه فقال إن لم يدخل فيها فهو حر ولو قال في وقت مكان قوله غدا لكان أشمل لأنه لا فرق بين الغد أو اليوم أو الأمس كما في البحر فمضى الغد ولم يدر أنه دخل أم لا عتق نصفه أي العبد مجانا للتيقن بحنث أحدهما وسعى في نصفه لهما عند الإمام لأنه لا مجال لواحد منهما أن يقول لصاحبه إن النصف الباقي هو نصيبي والساقط هو نصيبك مطلقا أي موسرين أو معسرين أو مختلفين وعندهما إن كانا
____________________
(2/226)
معسرين فلا سعاية لما مر
وإن كانا معسرين ففي نصفه أي يسعى العبد في نصف قيمته عند أبي يوسف كما هو كذلك عند الإمام
و يسعى في كله عند محمد لأن المقضي عليه بالسعاية مجهول فلا يمكن القضاء على المجهول فيسعى لهما وإن كانا مختلفين أي إن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى للموسر فقط في ربعه أي في ربع قيمته عند أبي يوسف و يسعى للمعسر في نصفه عند محمد لما قررناه ولو حلف كل واحد منهما بعتق عبده على حدة فقال أحدهما إن دخل فلان الدار غدا فعبدي حر فقال الآخر إن لم يدخل فلان الدار فعبدي حر والمسألة بحالها فمضى الغد ولم يدر أنه دخل أم لا لا يعتق واحد من العبدين إجماعا لأن الجهالة في المقضي والمقضي عليه فيمتنع القضاء لتفاحش الجهالة وفي العبد الواحد المقضي له بسقوط نصف السعاية معلوم وهو العبد والمقضي به وهو سقوط نصف السعاية معلوم أيضا والمجهول واحد وهو الحانث فغلب المعلوم المجهول وقيد بكون المعلق متعددا لأنه لو قال عبده حر إن لم يكن فلان دخل هذه الدار اليوم ثم قال امرأته طالق إن كان دخل اليوم عتق العبد وطلقت المرأة لأن باليمين الأولى صار مقرا بوجود شرط الطلاق وباليمين الثانية صار مقرا بوجود شرط العتق وقيل لم يعتق ولم تطلق وتمامه في البحر فليطالع
ومن ملك ابنه أو غيره من ذي رحم محرم حال كون المالك شريكا مع شخص آخر بشراء أو هبة أو صدقة أو وصية عتق حظه منه نصفا أو غيره ولا يضمن الأب لشريكه ولو موسرا عند الإمام لأنه رضي بإفساد نصيبه كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحا أو دلالة لأنه شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء لأن شراء القريب إعتاق ولشريكه الخيار بين أن يعتق نصيبه أو يستسعي لبقائه على ملكه كالمكاتب كما مر سواء علم الشريك أنه ابنه أو لا وهو ظاهر الرواية عنه لأن سبب الرضاء يتحقق وإن لم يكن عالما به ولأن الحكم يدار على السبب وعنه أنه ضمن إذا لم يعلم ولو وصل قوله سواء إلى آخره بقوله ولا يضمن لكان أنسب كما في أكثر الكتب تدبر وقالا يضمن الأب نصيب الشريك إن كان الأب موسرا وهو قول الأئمة الثلاثة لأن شراء القريب إعتاق على الأصل فقد أفسد نصيب الشريك بالإعتاق فصار العبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه وعند إعساره أي الأب يسعى الابن في نصيب الشريك لاحتباس ماله
____________________
(2/227)
عند العبد وعند الأئمة الثلاثة بقي ملكه باع أو فعل به ما شاء كما مر
وكذا الحكم والخلاف بين الأئمة لو علق عتق عبد لم يقل عتقه لعدم التأثير لخصوصية الابن ولا لكونه ذا رحم محرم كما في الإصلاح بشراء بعضه بأن قال لعبد الغير إن ملكت شقصا منك فأنت حر ثم اشتراه أي ذلك العبد مع رجل آخر بالاشتراك أو اشترى نصف ابنه ولو قال نصف قريبه لكان أشمل ممن يملك كله أي كل الابن حيث لا يضمن لبائعه موسرا أو معسرا عند الإمام لأن البائع شاركه في العلة وهو البيع وهذا لأن علة دخول المبيع في ملك المشتري الإيجاب والقبول وقد يشاركه فيه فللبائع الخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى وقالا إن كان القريب المشتري موسرا يجب عليه الضمان وقيد بكونه ممن يملك ابنه لأنه لو اشترى نصف ابنه من أحد الشريكين وهو موسر لزمه الضمان بالإجماع أما عندهما فظاهر وأما عنده فلأن الشريك الذي لم يبع لم يشاركه في العلة فلا يبطل حقه بفعل غيره كما في التبيين
ولو اشترى الأجنبي نصفه أي الابن ثم اشترى الأب باقيه حال كونه موسرا ضمن الشريك أي فللأجنبي الخيار إن شاء ضمن الأب لأنه لم يرض بإفساد نصيبه أو إن شاء يستسعي الابن في حظه احتباس ماليته عنده وهذا عند الإمام وقالا يضمن الأب فقط لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما كما مر
ولو ملكاه بالإرث فلا ضمان إجماعا لعدم الاختيار فيه كما إذا كان لرجلين عم وله جارية فزوجها أحدهما فولدت ولدا ثم مات العم فورثاه عتق الولد على الأب ولا ضمان عليه لأنه ملك بالإرث بخلاف ما إذا استولد أمة بالنكاح ثم ورثها مع غيره لأن المستولد ثمة يصير متملكا من شريكه نصيبه وضمان التملك لا يعتمد الصنع كما في الكافي
عبد كان لموسرين بكسر الراء وهو ثلاثة نفر لكن تقيده بيسار الثلاثة ليس بمفيد لأن الاعتبار بالمدبر والمعتق وأما الساكت فلا اعتبار بحاله من اليسار والإعسار كما في البحر دبره أحدهم نصيبه وأعتقه آخر والثالث ساكت
____________________
(2/228)
ضمن بالتشديد الساكت مدبره أي له أن يختار تضمين قيمة نصيبه فإن اختاره ضمن المدبر لا المعتق
و ضمن المدبر معتقه ثلثه أي ثلث قيمته حال كونه مدبرا لا أي لا يضمن المدبر معتقه ما ضمن أي لا يضمن قيمة ما ملكه بالضمان من جهة الساكت لأن ملكه ثبت مستندا وهو ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين هذا عند الإمام لأن التدبير منجز عنده كالإعتاق فيقتصر على نصيبه لكنه أفسد نصيب شريكيه فأحدهما اختار إعتاق حصته فتعين حقه فيه ولم يبق له اختيار أمر آخر كالتضمين وغيره ثم للساكت توجه سببان ضمان التدبير والإعتاق لكن ضمان التدبير ضمان معاوضة لأنه قابل للانتقال من ملك إلى ملك وضمان المعاوضة هو الأصل فيضمن المدبر ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمة العبد مدبرا
وفي البحر لو كان بين اثنين دبره أحدهما ثم حرره الآخر فللمدبر تضمين المعتق ثلثه مدبرا إن كان موسرا وفي عكسه أن يستسعي المدبر العبد في نصف قيمته مدبرا لأنه بالتدبير اختار ترك الضمان ولو لم يعلم أيهما أول فإن للمدبر تضمين المعتق ربع القيمة واستسعي العبد في ربع القيمة ويرجع المعتق بما ضمن على العبد وكذا لو صدر الإعتاق والتدبير منهما معا عند الإمام
والولاء ثلثاه للمدبر وثلثه للمعتق لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار كما في الهداية وفي الغاية ومراده أنه بينه وبين عصبة المدبر والمعتق لأن العتق لا يثبت للمدبر إلا بعد موت مولاه لكن قال في الفتح وهو غلط وبين وجهه فليطالع وقالا ضمن مدبره لشريكيه لأن التدبير كالإعتاق لا يتجزأ عندهما فحين دبره أحدهم صار الكل مدبرا له ولا يصح إعتاق الآخر لمصادفته ملك الغير فيضمن ثلثي قيمته لشريكه
ولو معسرا لأنه ضمان تملك فلا يختلف بالإعسار واليسار بخلاف ضمان الإعتاق فإنه ضمن جناية وعند الأئمة الثلاثة يضمن المعتق ثلثي قيمته لهما لو موسرا ولو معسرا يعتق نصيبهما والولاء كله له أي للمدبر وهذا ظاهر وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا وعليه الفتوى كما في أكثر المعتبرات لأن منافع المملوك ثلاثة الاستخدام والاسترباح بواسطة البيع وقضاء الدين بعد موت المولى وبالتدبير يفوت الاسترباح وبقي له آخران وفي صدر الشريعة ومن المنافع الوطء ورده بعض الفضلاء بأن العبد المدبر ليس فيه منفعة الوطء وأجاب بأن الحكمة تراعى في الجنس لا في كل فرد والوطء متحقق في جنس بني آدم انتهى
لكن بقي هاهنا كلام وهو أن الوطء من قبيل
____________________
(2/229)
الاستخدام تدبر
وفي الفتح يسأل أهل الخبرة أن العلماء لو جوزوا بيع هذا فاتت المنفعة المذكورة كم يبلغ فيما ذكر فهو قيمته وهذا أحسن عندي وقيل قيمته قنا وهو غير سديد وقيل نصف قيمته قنا وقيل قنا وقيل تقوم خدمته مدة عمره ضررا فيه فما بلغت فهي قيمته
ولو قال لشريكه هي أي الأمة أم ولدك وأنكر الشريك ذلك تخدمه أي تخدم الأمة المنكر يوما وتوقف أصله تتوقف فحذفت إحدى التاءين يوما أي لا تخدم أحدا يوما ولا سعاية عليها للمنكر ولا سبيل عليها للمقر وهذا عند الإمام لأن المقر أقر أن لا حق له عليها فيؤخذ بإقراره والمنكر يزعم أنها كما كانت فلا حق له إلا في نصفها ولو مات المنكر وتسعى في نصف قيمتها لورثة المنكر وقالا للمنكر أن يستسعيها في حظه إن شاء ثم تكون حرة كلها لأنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقراره عليه كأنه استولدها فتعتق بالسعاية وذكر في الأصل رجوع أبي يوسف إلى قول الإمام فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يبين فيقول في قوله الأول تدبر
ولم يتعرض لنفقتها وكسبها وجنايتها وفي المختلف من باب محمد أن نفقتها في كسبها فإن لم يكن لها كسب فنفقتها على المنكر ولم يذكر خلافا وقال غيره نصف كسبها للمنكر ونصفه موقوف ونفقتها من كسبها فإن لم يكن لها كسب فنصف قيمتها على المنكر لأن نصف الجارية للمنكر وهو الأليق بقول الإمام وينبغي على قول محمد أن لا نفقة لها عليه أصلا
____________________
(2/230)
وأما جنايتها فتسعى فيها على قول محمد كالمكاتب وعلى قول الإمام جنايتها موقوفة إلى تصديق أحدهما صاحبه كما في الفتح وما نافية لأم ولد تقوم أي ليس لها قيمة لقوله عليه السلام أعتقها ولدها ومقتضى الحرية زوال التقوم فلا يضمن موسرا عتق لصبيه منها أي أم الولد يعني إذا كانت أمة بين رجلين فولدت ولدا فادعياه فصارت أم ولد لهما فأعتقها أحدهما وهو موسر لا يضمن حصة شريكه عند الإمام بناء على عدم تقومها وعندهما والأئمة الثلاثة هي متقومة كالمدبرة ولهذا لو قال كل مملوك لي حر اليوم يدخل فيه أم الولد فيضمن حصة شريكه منها في الصورة المذكورة بناء على تقومها
باب العتق المبهم رجل له ثلاثة أعبد قال في صحته لاثنين عنده أحدكما حر فخرج أحدهما وثبت الآخر ودخل الآخر أي الثالث فأعاد القول أي قال أحدكما حر يؤمر بالبيان إن كان حيا كما أشار إليه بقوله ثم مات من غير بيان فإن بدأ ببيان الإيجاب الأول وقال عنيت به الثابت عتق وبطل الإيجاب الثاني لأنه بقي دائرا بين الحر والعبد في جواب ظاهر الرواية فإن قال عنيت به الخارج عتق بالثاني وقال ويؤمر ببيان الإيجاب الثاني لصحته لكونه دائرا بين العبدين وإن بدأ بالثاني وقال عنيت به الثالث عتق الخارج بالإيجاب الأول لأن الإيجاب الأول دائر بينهما فإذا عتق الثابت بالإيجاب الثاني تعين الخارج بالأول وإن قال عنيت به الداخل عتق ويؤمر ببيان الإيجاب الأول عتق ثلاثة أرباع الثابت عند المولى وسعى في ربعه ونصف الخارج بالإجماع
وكذا
____________________
(2/231)
يعتق نصف الداخل عند الشيخين لأنه عتق نصف الثابت والخارج بالإيجاب الأول الدائر بينهما ونصف الداخل بالإيجاب الثاني الدائر بينه وبين الثابت وعتق ربع الثابت به لأن النصف الذي أصاب الثابت شائع فما لاقى الحرية بطل وما لاقى الرق صح فيتنصف ذلك النصف فيعتق ربعه به وقال محمد ربعه أي الداخل لأن الإيجاب الثاني لما أوجب عتق الربع من الثابت أوجبه من الداخل لأنه متنصف بينهما وأجيب بأن في الثابت مانعا من عتق النصف به كما مر ولا مانع في الداخل فإن قيل يشكل هذا على أصلهما من عدم تجزؤ الإعتاق فالجواب أن عدم تجزئه إذا وقع في محل معلوم والانقسام هنا ضروري فيتجزأ بلا خلاف لكن في الفتح والتسهيل كلام فليطالع
ولو قال هذا القول في مرضه الذي توفي فيه ومات قبل البيان وقيمة العبد متساوية فإن كان له مال يخرج قدر العتق من الثلث وذلك رقبة وثلاثة أرباع رقبة عندهما أو رقبة ونصف رقبة عنده أو لم يخرج ولكن أجازت الورثة فالجواب كما ذكرنا وإن لم يكن له مال سوى العبيد ولم يجز الوارث ذلك جعل عند الشيخين كل عبد سبعة كسهام العتق وبيانه أن حق الخارج في النصف وحق الثابت في ثلاثة الأرباع وحق الداخل
____________________
(2/232)
عندهما في النصف أيضا فيحتاج إلى مخرج له نصف وربع وأقله أربعة فتعول إلى سبعة فحق الخارج والداخل في سهمين وحق الثابت في ثلاثة فبلغت سهام العتق سبعة والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفاذها الثلث فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك فيجعل كل رقبة على سبعة وسهام السعاية أربعة عشر
و حينئذ عتق من الثابت ثلاثة أسهم من الأسباع وسعى للورثة في أربعة ومن كل من الآخرين أي الخارج والداخل اثنان منها وسعى كل منهما للورثة في خمسة فيصير جميع المال واحدا وعشرين فيستقيم الثلث والثلثان وعند محمد يجعل كل عبد ستة كسهام العتق عنده لأن حق الداخل ربع فيجعل كل رقبة ستة وسهام السعاية اثني عشر و حينئذ يعتق من الثابت ثلاثة أسهم من الأسداس ويسعى في ثلاثة و يعتق من الخارج اثنان منها ويسعى في أربعة و يعتق من الداخل واحد منها ويسعى في خمسة فيصير جميع المال ثمانية عشر فيستقيم الثلث والثلثان أيضا وعند الأئمة الثلاثة يقرع بينهم وفي كثير من المسائل يتمسكون بالقرعة أو يقوم الوارث مقامه في البيان وروي عن أحمد يقرع في الحياة والممات
ولو طلق كذلك قبل الدخول أي إن كانت له ثلاث زوجات مهرهن على السواء فطلقهن قبل الوطء على الصفة المذكورة ومات بلا بيان يوزع حكم الطلاق عليهن باعتبار الأحوال وهنا أحكام ثلاثة المهر والميراث والعدة أما حكم الميراث فللداخلة نصفه والنصف بين الخارجة والثابتة نصفان وعلى كل منهن عدة الوفاة احتياطا كما في الكافي أما حكم المهر فيقال سقط ثلاثة أثمان مهر الثابتة وربع مهر الخارجة وثمن مهر الداخلة بالاتفاق لأن بالإيجاب الأول سقط نصف مهر الواحدة منصفا بين الخارجة والثابتة فسقط ربع كل واحدة منهما ثم بالإيجاب الثاني سقط الربع منصفا بين الثابتة
____________________
(2/233)
والداخلة فأصاب كل واحدة الثمن فسقط أثمان مهر الثابتة بالإيجابين وسقط ثمن مهر الداخلة وإنما فرضت المسألة قبل الوطء ليكون الإيجاب الأول موجبا للبينونة فما أصابه الإيجاب الأول لا يبقى محلا للإيجاب الثاني فيصير في هذا المعنى كالعتق كما في أكثر المعتبرات لكن فيه كلام قرره يعقوب باشا في حاشيته فليطالع هو أي كونه بالاتفاق المختار قال صاحب الهداية هذا قول محمد خاصة وعندهما يسقط ربعه وقيل هو لهما أيضا وعلى هذه الرواية الفرق لهما أن الكلام الأول إنما يعتبر تعليقا في حق الداخل في حكم يقبل التعليق وأما في حكم لا يقبله يكون تنجيزا في حقه أيضا فالبراءة من المهر لا تقبل التعليق فيكون تنجيزا بالنسبة إليه فثبت التردد في الكلام الثاني بين الصحة وعدمه في حق فينتصف بخلاف العتق فإنه يقبل التعليق فلا يكون الكلام الثاني مترددا في حقه فثبت كله والكلام الوافي في الكافي والبيع صحيحا أو فاسدا وإن لم يسلم البيع على الصحيح أو بشرط الخيار لأحدهما وكذا الإيصاء والإجارة والتزويج
بيان في العتق المبهم وكذا العرض على البيع والموت والقتل والتحرير سواء كان التحرير منجزا أو معلقا والمراد بالمنجز ما لا نية له فيه فإن قال عنيت به الذي لزمني بقولي أحدكما حر صدق قضاء كما في البحر والتدبير والاستيلاد والهبة والصدقة مسلمتين إلى الموهوب له أي إن قال أحدكما حر فباع أحدهما أو مات أحدهما أو دبر إحدى أمتيه بعد القول فكل من التصرفات المذكورة بيان أن المراد هو الآخر فإن من حصل له الإنشاء لم يبق
____________________
(2/234)
محلا للعتق أصلا بالموت وللعتق من جهته بالبيع وللعتق من كل وجه بالتدبير والاستيلاد فتعين الآخر والهبة بالتسليم والصدقة به بمنزلة البيع لأنه تمليك كما في الدرر وغيره لكن قيد التسليم ليس بشرط لأن المساومة إذا كانت بيانا فهذه أولى بلا قبض بل وقع اتفاقا وقيد بالعتق المبهم لأن الموت في النسب المبهم وأمومية الولد المبهمة لا يكون بيانا كما في المنح والوطء لأحدهما ليس ببيان فيه أي في العتق المبهم عند الإمام هذا إذا لم يحصل منه العلوق أما إذا حصل عتقت الأخرى بالاتفاق خلافا لهما أي قالا هو بيان فيعتق الأخرى وبه قال الشافعي ومالك في رواية لأن الوطء لا يحل إلا في الملك وإحداهما حر فكان بالوطء مستبقيا الملك في الموطوءة فتعينت الأخرى لزواله بالعتق كما في الطلاق وله أن الملك قائم في الموطوءة لأن الإيقاع في المنكرة وهي معينة فكان وطؤها حلالا فلا يجعل بيانا ولهذا حل وطؤهما على مذهبه إلا أنه لا يفتى به كما في الهداية وغيرهما
وفي الفتح أن الراجح قولهما وأنه لا يفتى بقول الإمام لما فيه من ترك الاحتياط مع أن الإمام ناظر إلى الاحتياط في أكثر المسائل فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يقدم قولهما على قول الإمام كما هو دأبه تأمل
وقيد بالعتق المبهم لأن الوطء بالتدبير المبهم لا يكون بيانا بالإجماع فيه إشعار بأن التقبيل والمعانقة والنظر إلى الفرج بشهوة لا يكون بيانا بالأولى وعن أبي يوسف أنه بيان وأما الاستخدام ولو كرها فلا يكون بيانا بالإجماع وفي الطلاق المبهم هو أي الوطء
وفي الفتح قال الكرخي يحصل بالتقبيل كما يحصل بالوطء والموت بيان فمن كان له امرأتان وقال هذه أو هذه أو إحداهما
____________________
(2/235)
طالق ثم وطئ إحداهما أو ماتت تعين أن المراد هي الأخرى ولا بد أن يكون الطلاق بائنا ما في الرجعي فلا يكون الوطء بيانا لطلاق الأخرى فحل وطء المطلقة الرجعية كما في البحر فعلى هذا لو قيده ببائن لكان أولى تدبر
وإن قال لأمته إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت حرة فولدت ذكرا وأنثى ولم يدر أولهما فالذكر رقيق ويعتق نصف كل من الأم والأنثى وهذه المسألة على وجوه أحدها أن يوجد التصادق بعد العلم بالمولود أولا والجواب ما ذكر وهو كون الغلام رقيقا وعتق نصف الأم والجارية لأن كل واحدة منهما تعتق في حال بأن ولدت الغلام أولا الأم بالشرط والبنت تبعا لها إذ الأم حرة حين ولدتها وترق في حال إن ولدت البنت أولا لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة وتسعى في نصف قيمتها والغلام عبد بكل حال تقدمت ولادته أو تأخرت لأن ولادته شرط للعتق والحكم يعقب الشرط والثاني أن تدعي الأم أن الغلام أول والمولى منكر والبنت صغيرة فالقول للمولى ويحلف على علمه فإذا حلف لم تعتق واحدة منهما إلا أن تقيم الأم البينة بعد ذلك على خلافه وإن نكل عتقت الأمة والبنت والثالث أن يوجد التصادق بأن الغلام هو الأول فتعتق الأم والبنت دون الغلام والرابع أن يوجد التصادق بأولية البنت فلم يعتق أحد والخامس أن تدعي الأم أولية الغلام ولم تدع البنت وهي كبيرة فإن المولى يحلف فإن حلف لم يعتق أحد وإن نكل عتقت الأم فقط والسادس أن تدعي البنت فإن نكل حيث تعتق البنت فقط وهي من أغرب المسائل حيث تعتق البنت دون الأم مع أن عتقها بتبعية الأم وهذه مأخوذة من الكافي
وفي الفتح وهذا الجواب كما ترى في الجامع الصغير من غير خلاف فيه والمذكور لمحمد في الكيسانيات في هذه المسألة أنه لا يحكم بعتق واحد منهم لأنا
____________________
(2/236)
لم نتيقن بعتقه واعتبار الأحوال بعد التيقن بالحرية ولا يجوز إيقاع العتق بالشك فعن هذا حكم الطحاوي بأن محمدا كان أولا مع الشيخين ثم رجع لكن في النهاية والبحر تفصيل فليراجع
ولا تشترط الدعوى لصحة الشهادة على الطلاق وعتق الأمة حال كونها معينة لما فيهما من تحريم الفرج وهو حق الله تعالى فتقبل اتفاقا وفي عتق العبد و الأمة غير المعينة تشترط الدعوى لصحة الشهادة عند الإمام لأن العتق حق العبد فلا بد من الدعوى وهي لا تتحقق من المجهول وعتق المبهم لا يحرم الفرج عنده كما مر خلافا لهما لأن المشهود به حق الشرع وعدم الدعوى لا يمنع قبول الشهادة وهذا لأن المشهود به العتق وهي حق الشرع ألا يرى أنه لا يحتاج إلى قبول العبد ولا يرتد برده فلو شهدا أي رجلان على زيد بعتق أحد عبديه بغير عين أو أمته لا تقبل شهادتهما عند الإمام إلا أن يكون في وصية وهو استثناء منقطع لأن صدر الكلام لم يتناوله كما في البحر أي إن شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو أشهدا على تدبيره في صحته أو مرضه وأداء الشهادة في مرض موته أو بعد الوفاة تقبل استحسانا لأن التدبير حيثما وقع وقع وصية وكذا العتق في مرض الموت وصية والخصم في الوصية إنما هو الموصي وهو معلوم وعنه خلف وهو الوصي أو الوارث كما في الهداية
وفي الدرر تفصيل فليطالع وعندهما والأئمة الثلاثة تقبل شهادتهما مطلقا وإن تقدم الدعوى
وفي الفتح لو شهدا بعد موته أنه قال في صحته أحدكما حر تقبل وهو الأصح اعتبارا للشيوع وإن شهدا بطلاق إحدى نسائه قبلت شهادتهما بلا دعوى فيجبره القاضي على التعيين اتفاقا لتضمنه تحريم الفرج وهو حق الله تعالى
وفي الكافي ولو شهدا أنه حرر
____________________
(2/237)
أمة معينة وسماها فنسيا اسمها أو شهدا أنه طلق امرأة معينة وسماها ونسيا اسمها بطلت شهادتهما لإقرارهما على أنفسهما بالغفلة ولو شهدا بعتقه وحكم بشهادتهما ثم رجعا عنه فضمنا قيمته ثم شهد آخران بأن المولى كان أعتقه بعد شهادتهما لم يسقط عنه الضمان اتفاقا وإن شهدا أنه أعتقه قبل شهادتهما لم تقبل أيضا ولم يرجعا بما ضمنا عند الإمام وعندهما تقبل ورجعا على المولى بما ضمنا
باب الحلف بالعتق
الحلف بفتح اللام وبسكونها وبكسرها القسم والمراد منه أن يجعل العتق جزاء على الحلف بأن يعلق العتق بشيء ومن قال إن دخلت الدار فكل مملوك عبدا أو أمة لي يومئذ حر أي يوم إذ دخلت لأن التنوين في يومئذ عوض عن الجملة المضافة إليها لفظة إذ ولفظ يوم ظرف لمملوك وكان التقدير كل من يكون في ملكي وقت الدخول حر كما في البحر
وفي القهستاني قيل مخالف لما مر أن اليوم مع فعل ممتد للنهار ولأنه
____________________
(2/238)
لمطلق الوقت وفيه أن يومئذ مركب والمركب غير المفرد انتهى
لكن في الفتح تفصيل وحاصله أن لفظ إذ لم يذكر إلا تكثيرا للعوض عن الجملة المحذوفة أو عمادا له لكونه حرفا واحدا ساكنا تحسينا ولم يلاحظ معناها وهذا لو دخل ليلا عتق ما في ملكه لأنه أضيف إلى فعل لا يمتد وهو الدخول تدبر يعتق بدخوله أي الدار من هو في ملكه أي المعتق عند الدخول سواء كان في ملكه وقت الحلف واستمر إلى وقت الدخول أو تجدد بعده أي بعد الحلف لأن المعتبر قيام الملك وقت الدخول وهو حاصل فيهما
ولو لم يقل في يمينه يومئذ بل قال إن دخلت الدار فكل مملوك لي حر لا يعتق إلا من كان في ملكه وقت الحلف لأن الشرط اعترض على الجزاء وهو العتق فيقتضي تأخر الجزاء إلى وقت دخول الدار لا تأخر الملك فيعتق من بقي على ملكه إلى زمان الدخول لا من ملكه بعده بخلاف الأولى لأنه زاد يومئذ فيها ولا يفيد تلك الزيادة إلا إذا انصرف يومئذ إلى ما يملكه في المستقبل ولا فرق بين كون العتق معلقا أو منجزا وسواء قدم الشرط أو أخره وسواء كان التعليق بإن أو بغيرها كإذا ما أو متى ما
وكذا لا يعتق لو قال كل مملوك لي أو قال كل ما أملكه حر بعد غد وله في الصورتين مملوك فاشترى آخر بعد الحلف ثم جاء بعد غد عتق الذي في ملكه يوم حلف لا الذي اشتراه بعده لأن قوله كل مملوك لي يتناول ما ملكه زمان صدور هذا الكلام منه وقوله أملكه للحال وانصرافه إلى الاستقبال بقرينة السين أو سوف فكان الجزاء حرية المملوك في الحال مضافا إلى ما بعد الغد فلا يتناول ما يملكه بعد اليمين ولو قال عنيت به ما استقبل ملكه عتق ملكه للحال وما استحدث الملك كما إذا قال زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم ثم قال لي امرأة أخرى عنيتها وطلقت المعروفة بظاهر اللفظ
____________________
(2/239)
والمجهولة باعترافه كذا هاهنا كما في البحر والمملوك لا يتناول الحمل لأنه اسم لمملوك مطلق والجنين مملوك تبعا للأم ولأنه عضو من وجه والمملوك يتناول الأنفس لا الأعضاء ولهذا لا يملك بيعه منفردا ولا يجري عتقه عن الكفارة وفرع بقوله فلو قال كل مملوك لي ذكر حر وله أي للقائل أمة حامل فولدت ذكرا لأقل من نصف حول منذ حلف لا يعتق كما بيناه وقوله لأقل من نصف حول ليس قيدا احترازيا لأنه لا فرق بين أن تلده لأقل من ستة أشهر أو لأكثر بل لكون وجود الحمل وقت الحلف متيقنا
ولو قال كل مملوك لي حر و لم يقل ذكرا عتق الحمل تبعا لأمه لأن لفظ المملوك يتناول الذكور والإناث حتى لو قال نويت الذكور دون الإناث لم يصدق قضاء وفي إطلاقه يشعر بأن يعتق الحمل تبعا لأمه مطلقا سواء ولدت لأقل من نصف حول أو لأكثر وليس كذلك بل القياس يقتضي عتق الحمل إذا ولدت لأقل من نصف حول لوجود الحمل وقت الحلف بيقين وإلا فلا لأنه لا يتيقن بوجود الحمل وقت الحلف على ذلك وقد تقدم أن قوله كل مملوك لي للحال
تتبع
ولو قال كل مملوك لي حر بعد موتي صار من في ملكه عند الحلف مدبرا لا أي لا يصير مدبرا من ملكه بعده أي بعد هذا القول لأنه لما أضاف العتق إلى الموت فمن حيث إنه إيجاب العتق يتناول المملوك في الحال ويصير مدبرا من حيث تعليقه بالموت ولا يجوز بيعه ولا يتناول من ملكه بعده ولا يصير هو مدبرا حتى يستحق العتق فيجوز بيعه لكن يعتق الجميع أي من ملكه بعد الحلف وقبله من الثلث عند موته أما عتق الأول فلأنه مدبر وأما عتق الثاني فلأن إضافة العتق إلى الموت من حيث إنه إيجاب بعد الموت يصير وصية فيتناول ما يملكه بعد هذا القول لأن المعتبر في الوصايا الملك حالة الموت
____________________
(2/240)
وقال أبو يوسف في النوادر يعتق الذي كان في ملكه يوم حلف ولا يعتق الذي ملكه بعد اليمين لأن اللفظ حقيقة للحال فلا يعتق به ما سيملكه ولهذا صار مدبرا دون الآخر
باب العتق على جعل
هو بالضم ما يجعل للعامل على عمله والمراد منه هنا العتق على المال ومن أعتق بصيغة المجهول والنائب عن الفاعل ضمير من على مال نقد أو عرض أو حيوان ولو كان بغير عينه مكيل أو موزون معلوم الجنس ويلزمه الوسط في تسمية الحيوان والثوب بعد بيان جنسهما وإن لم يسم الجنس بأن قال أنت حر على ثوب أو حيوان فقبل عتق ولزمه قيمة نفسه كما في البحر وعند الشافعي لا يعتق في المال المجهول أو به أي بذلك المال بأن قال أنت أو هو حر على ألف أو بألف فقبل العبد المال في المجلس حاضرا أو غائبا فإن كان حاضرا اعتبر مجلس
____________________
(2/241)
الإيجاب وإن كان غائبا اعتبر مجلس علمه وقيد بقوله قبل لأنه إن رد أو أعرض عن المجلس بالقيام أو بالاشتغال بما يعلم به قطع المجلس بطل عتق في الحال سواء أدى المال أو لا لأنه معاوضة المال بغير المال فشابه النكاح والطلاق
وفي البحر قال لعبده صم عني يوما أو صل عني ركعتين وأنت حر عتق وإن لم يصل ولم يصم ولو قال حج عني وأنت حر لا يعتق حتى يحج والمال المشروط دين صحيح عليه تصح الكفالة به لكونه دينا على حر بخلاف بدل الكتابة حيث لم تصح الكفالة به لأنه ثبت مع المنافي وهو قيام الرق
وإن قال المولى له إن أديت إلي ألفا فأنت حر وإذا أديت بصيغة المجهول أو متى أديت إلي ألفا فأنت حر صار مأذونا بالكسب لا مكاتبا أي لا يصير مكاتبا لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء فلا يتوقف على قبوله ولا يبطل برده وللمولى بيعه قبل وجود شرطه ولو مات وترك مالا فهو للمولى ولا يؤدي عنه ويعتق ولو مات المولى وفي يد العبد كسب كان لورثة المولى ويباع العبد ولو كانت أمة فولدت ثم أدت لم يعتق ولدها تبعا بخلاف المكاتب وإنما صار مأذونا لأن المولى رغبه في الإكساب لطلبه الأداء منه ومراده
____________________
(2/242)
التجارة لا التكدي فكان إذنا له دلالة ويعتق العبد إن أدى المال كله بنفسه لأنه لو أمر غيره بالأداء فأدى لا يعتق بخلاف المكاتب كما في المحيط في المجلس لوجود المعلق به فلا يعتق ما لم يؤد في ذلك المجلس
وفي البدائع لو أدى مكان الدراهم دنانير لا يعتق بخلاف المكاتب أو خلى العبد بين المولى وبين المال بأن وضعه في موضع يتمكن المولى من أخذه فيه أي في المجلس في التعليق بإن لأن إن لمجرد التعليق وليس له أثر في الوقت فيتقيد بالمجلس خلافا لأبي يوسف
و يعتق متى أدى أو متى خلى بينه وبينه في التعليق بإذا فلا يتقيد بالمجلس لأن إذا للوقت كمتى فيعم الأوقات كما بين في موضعه ويجبر أي الحاكم المولى على القبض ومعنى الإجبار فيه تنزيل الحاكم أو المولى منزلة القابض بالتخلية ويحكم بعتق العبد قبض أو لا لا ما هو المفهوم من الإجبار عند الناس من الإكراه بالضرب وغيره
وقال زفر يعتق بالقبض فلا يجب على المولى القبول ولا يجبر عليه وهو القياس وإن أدى العبد البعض يجبر المولى على القبض أيضا اعتبارا للبعض بالكل
وقال بعض المشايخ إن أدى البعض لا يجبر على القبول فعلى هذه الرواية إن أدى البعض بطريق التخلية لا ينزل المولى منزلة القابض لكن المختار أنه يكون قابضا إلا أنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لأن شرط العتق أداء الكل ولم يوجد فلا يعتق لأنه لم يصر قابضا في حق البعض
وفي التبيين هذا إذا كان المال معلوما وإن كان مجهولا بأن قال إن أديت إلي درهما فأنت حر لا يجبر على قبول المال لأن مثل هذه الجهالة لا تكون في المعاوضة فيكون يمينا محضا ولا جبر فيها كما لو حط عنه البعض بطلبه فأدى العبد الباقي وكذا إذا حط الجميع لم يعتق لانتفاء الشرط بخلاف المكاتب ثم إن أدى العبد ألفا كسبها أي العبد قبل التعليق رجع المولى عليه بمثلها لأن ما كسبه قبله مال استحقه المولى ويعتق لوجود شرط العتق وهو مطلق
____________________
(2/243)
الألف كما لو غصب ألف إنسان فأدى عتق ثم يرجع المغصوب منه عليه
وإن أدى العبد ألفا كسبها أي العبد الألف بعده أي بعد التعليق لا يرجع المولى عليه لأنه مأذون من جهته بالأداء منه لكنه يأخذ الباقي لأن مال المأذون في التجارة للمولى
وفي البحر إن أديت إلي ألفا في كيس أبيض فأداها في أسود لا يعتق ولو قال إذا أديت إلي ألفا هذا الشهر فأنت حر وأداها في غيره لم يعتق وفي المكاتب لا يبطل إلا بالحكم أو التراضي
ولو قال لعبده أنت حر بعد موتي بألف فإن قبل العبد بعد موته أي المولى وأعتقه الوارث أو الوصي أو القاضي إذا امتنع الوارث عتق بالألف إلا أي وإن لم يوجد المجموع وهو القبول بعد الموت وإعتاق واحد من هؤلاء فلا يعتق بالألف وإن جاز أن يعتقه الوارث مجانا وصرح الصدر الشهيد بأن الأصح أنه لا يعتق بالقبول بل لا بد من إعتاق الوارث كذا في الهداية فإن قلت ينبغي أن يعتق حكما لكلام صدر من الأهل مضافا إلى المحل وإن كان الميت ليس بأهل للإعتاق ولأن القبول لم يعتبر في حالة الحياة فإذا لم يعتق بالقبول بعد الوفاة إلا بإعتاق واحد منهم لا يكون معتبرا بعد الوفاة أيضا فلا يبقى فائدة لقبوله بعد الموت
قلت أجيب عنه أن العتق الحكمي وإن كان لا يشترط فيه الأهلية يشترط قيام الملك وقته وهنا قد خرج من ملك المعتق وبقي للوارث ومتى خرج عن ملكه لا يقع لوجود الشرط مع وجود الأهلية
____________________
(2/244)
فما ظنك عند عدمها وقوله إنه لا فائدة للقبول بعد الموت ممنوع لأنه لولا القبول لم يصح إعتاق الوصي والقاضي لعدم الملك لهما ولم يلزم الوارث الإعتاق
والحاصل أن المسألة مختلف فيها فقال بعض المشايخ يعتق بالقبول بعد الموت من غير توقف على إعتاق أحد وصحح والمتأخرون أنه لا يعتق بالقبول وفي الخانية والتبيين لو قال أنت حر على ألف بعد موتي أن القبول فيه للحال لكن في البحر ليس بصحيح إذ لا فرق في المسألة بين أن يؤخر ذكر المال أو يقدمه تأمل
وقيد بقوله أنت لأنه لو قال أنت مدبر على ألف فالقبول فيه للحال فإذا قبل صار مدبرا ولا يلزمه المال لأن الرق قائم والمولى لا يستوجب على عبده دينا إلا أن يكون مكاتبا
ولو حرره على أن يخدمه سنة فقبل العبد عتق من ساعته لأن هذا عتق على عوض والعتق على عوض يقع بالقبول قبل الأداء وعليه أن يخدمه تلك المدة المعينة والمراد من الخدمة الخدمة المعروفة بين الناس قيد بالمدة لأنه لو حرره على خدمته من غير مدة عتق وعليه أن يرد قيمة نفسه لأن الخدمة مجهولة وقيد بعلى أن يخدمه لأنه إن قال إن خدمتني سنة لا يعتق حتى يخدمه ويجوز بيعه قبل إتمامها لأنه معلق بشرط ولو خدمه في هذه الصورة أقل منها أو أعطاه مالا عن خدمته لا يعتق وكذا لو قال إن خدمتني وأولادي سنة فمات بعض الأولاد لا يعتق والفرق أن كلمة إن للتعليق وعلى للمعاوضة فإن مات المولى أو العبد قبلها أي قبل الخدمة لزمه قيمة نفسه وتؤخذ من تركته إن كان الميت هو العبد عند
____________________
(2/245)
الشيخين وعند محمد وزفر قيمة خدمته وإنما قلنا أو العبد لأنه لا فرق بين موت المولى والعبد وفصل الزيلعي كل التفصيل فليراجع
وقيد بموته قبل الخدمة لأنه لو خدم بعض المدة كسنة من أربع سنين ثم مات فعلى قولهما عليه ثلاثة أرباع قيمته وعلى قول محمد عليه قيمة خدمته ثلاث سنين كما في شرح الطحاوي
وفي الحاوي وبقول محمد نأخذ
وكذا لو باع المولى العبد من نفسه بعين فهلكت العين قبل القبض يلزمه أي العبد قيمة نفسه عند الشيخين وعند محمد قيمة العين الخلافية الأولى مبنية على خلافية هذه المسألة ووجه البناء أنه كما يتعذر تسليم العين بالهلاك يتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد فصار نظيرا لها له إنها معاوضة مال بغير مال لأن نفس العبد ليست بمال في حقه إذ لا يملك نفسه ولهما أنه معاوضة مال بمال لأن العبد مال في حق المولى ومن قال لآخر أعتق أمتك بألف درهم على أن تزوجنيها ففعل أي أعتقها الآخر وأبت أي امتنعت الأمة عن أن تتزوجه عتقت الأمة ولا شيء عليه أي على القائل لأن اشتراط البدل على الأجنبي جائز في الطلاق لا في العتاق
ولو ضم القائل عني أي لو قال أعتق أمتك عني بألف والمسألة بحالها قسم الألف على قيمتها أي قيمة الأمة ومهر مثلها لو فرضنا أن قيمتها ألف درهم ومهر مثلها خمسمائة فثلثا الألف حصة القيمة وثلثه حصة مهر مثلها ولزمه أي الأمر حصة القيمة وهي ثلثا
____________________
(2/246)
الألف وسقط عنه ما يخص المهر لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء وإذا كان كذلك فقد قابل الألف بالرقبة شراء والبضع نكاحا فانقسم عليهما ووجبت حصة ما سلم له وهو الرقبة وبطل عنه ما لم يسلم وهو البضع
ولو لم تأبه تزوجته أي الأمة الآمر فحصة المهر لها أي الأمة في الوجهين أي في صورتي ضم عني وتركه
وحصة القيمة للمولى في الثاني أي في صورة الضم وهدر في الأول أي وحصة القيمة هدر في صورة ترك الضم وقيد باشتراط التزوج من الأجنبي لأنه لو أعتق المولى أمته على أن تزوجه نفسها فزوجته فلها مهر مثلها عند الطرفين وعند أبي يوسف يجوز جعل العتق صداقا فإن أبت فعليها قيمتها في قولهم جميعا وهذا شامل للمدبرة والمكاتبة دون أم الولد لما قال في البحر عن الخانية أم الولد إذا أعتقها مولاها على أن تزوج نفسها منه فقبلت عتقت فإن أبت أن تزوج نفسها منه لا سعاية عليها انتهى
وفي المنح يشكل على عدم وجوب السعاية هنا ما ذكروه في مسألة وجوب السعاية على أم الولد إذا أسلمت فكان ينبغي أن تسعى للمولى في قيمتها لأنه مغرور من قبلها لكن إسلام أم الولد لا يوجب العتق بل تعتق بالسعاية لئلا تكون تحت الكافر ولا مدخل للمولى في إسلامها حتى تسقط بخلاف ما إذا أبت أن تزوج نفسها منه لأن الإعتاق من قبله فافترقا تأمل
باب التدبير
هو تعليق العتق بمطلق موته كما في الكنز وغيره
وفي البحر فخرج بقيد الإطلاق
____________________
(2/247)
التدبير المقيد كعتقه بموت موصوف بصفة وكذا التعليق بموته وموت غيره فخرج أيضا أنت حر بعد موتي بيوم أو شهر فهو وصية بالإعتاق فلا يعتق بعد عتق المولى إلا بإعتاق الوارث أو الوصي وخرج بموته تعليقه بموت غيره كقوله إن مات فلان فأنت حر فإنه لا يصير مدبرا أصلا لا مطلقا ولا مقيدا فإذا مات فلان عتق من غير شيء انتهى
فبهذا ظهر أن ما قاله صاحب الدرر من أنه هو تعليق المولى عتق مملوكه بالموت سواء كان موته أو موت غيره مخالفا تأمل
وهو نوعان مطلق ومقيد فأشار إلى الأول بقوله المدبر المطلق من قال له مولاه إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني أو أنت حر يوم أموت لأن اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت فيكون مدبرا مطلقا ولو نوى باليوم النهار دون الليل صحت نيته لأنه نوى حقيقة كلامه فلا يكون مدبرا مطلقا لاحتمال أن يموت بالليل وإنما هو مقيد فيعتق بموته نهارا وله بيعه أو مع موتي لأن اقتران الشيء بالشيء يقتضي وجوده معه أو عند موتي أو في موتي فإنه تعليق العتق بالموت ولا بد من وجوده أولا وفي تستعار بمعنى حرف الشرط كما عرف في الأصول وقول الزيلعي تبعا للمحيط أن حرف الظرف إذا دخل على الفعل يصير شرطا تسامح وتمامه في المنح والحدث كالموت فلو قال إن حدث لي حادث فأنت حر فهو مدبر وكذا إذا ذكر مكان الموت أو الوفاة أو الهلاك لأن المعنى واحد أو أنت مدبر أو قد دبرتك أو إن مت إلى مائة سنة أي إن مت من هذا الوقت إلى مائة سنة وغلب موته فيها بأن يكون ابن ثمانين سنة مثلا فإنه في الصورة مقيد وفي المعنى مطلق لأن الغالب أن يموت في هذه المدة لأن التعليق بما لا يعيش إليه المولى في الغالب كالتعليق بنفس موته وهو
____________________
(2/248)
المختار خلافا لأبي يوسف أو قال أوصيت لك بنفسك أو قال أوصيت لك برقبتك لأن العبد لا يملك رقبة نفسه والوصية تقتضي زوال ملك الموصي وانتقاله إلى الموصى له وأنه في العبد حرية مثل قوله بعت نفسك منك أو وهبتها لك أو قال أوصيت لك بثلث مالي لأنه يقتضي ملكه ثلث جميع ماله ورقبته من ماله فيملكها فيعتق وكذلك بسهم من ماله لأنه عبارة عن السدس ولو قال بجزئه من ماله لا يكون تدبيرا لأنه عبارة عن جزء مبهم والتعيين إلى الورثة فلا يكون رقبته داخلة في الوصية لا محالة كما في الاختيار فلا يجوز إخراجه عن ملكه بطريق من الطرق إلا بالعتق والكتابة فلا يباع ولا يوهب ولا يرهن ولا يورث ولا يجعل بدل الصلح إلا عند الشافعي فإن عنده يجوز بيعه وغيره من التصرفات التمليكية كالمدبر المقيد ويجوز استخدامه وكتابته وإيجازه والأمة التي جعلت مدبرة توطأ وتزوج أي يجوز للمولى ذلك ويجوز أن يزوجها جبرا عليها وكذا المدبر كما في البحر
وفي التنوير والمولى أحق بكسبه من وارثه وبمهر المدبرة لأنه من الاكتساب وإذا مات سيده أي سيد المدبر عتق المدبر من ثلث ماله إن خرج من الثلث
وإن لم يخرج العبد من الثلث فحسابه أي بحسب ثلث ماله فيعتق بقدره ويسعى في باقيه وإن لم يترك السيد غيره أي غير المدبر من المال سعى في ثلثيه هذا إذا كان للسيد وارث ولم يجزه وإن لم يكن له وارث أو كان لكنه أجازه
____________________
(2/249)
يعتق كله لأنه في حكم الوصية فيقدم على بيت المال ويجوز بإجازة الوارث ولكونه وصية لو قتله المدبر فإنه يسعى في جميع قيمته لأنه لا وصية للقاتل وأم الولد إذا قتلت مولاها تعتق ولا شيء عليها إن خطأ كما في شرح الطحاوي
وإن استغرقه أي المدبر دين المولى سعى في كل قيمته لأنه لا يمكن نقض العتق فيجب رد قيمته والمراد من القيمة هنا القيمة مدبرا كما في أكثر المعتبرات قيد بكون الدين مستغرقا لأن الدين لو كان أقل من قيمته فإنه يسعى في قدر الدين والزيادة على الدين ثلثها وصية أو يسعى في ثلثي الزيادة كما في شرح الطحاوي
ولو دبر أحد الشريكين وضمن نصف شريكه قنا ثم مات المدبر عتق نصفه بالتدبير وسعى في نصفه لأن نصفه على ملكه من غير تدبير عند الإمام خلافا لهما فإنهما قالا يعتق جميعه بالتدبير لأن تدبير بعضه تدبير الجميع وهي فرع مسألة التجزؤ
وفي التنوير وولد المدبرة مدبر إن كان التدبير مطلقا وإن مقيدا فلا وفيه إشارة إلى أن ولد المدبر ليس مدبرا لأن التبعية إنما هي للأم لا للأب ولو ولدت المدبرة من سيدها فهي أم ولده وبطل التدبير والمقيد عطف على قوله المطلق من قال له إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا أو من مرض كذا أو إلى عشر سنين أو إلى مائة سنة واحتمل عدم موته فيها بأن يكون ابن خمسة عشر سنة مثلا فيجوز بيعه وهبته ورهنه لأن الموت على هذا الوجه ليس بقطعي فلم ينعقد السبب في الحال
____________________
(2/250)
وأما الموت المطلق فكائن قطعا
وإن وجد الشرط عتق المدبر أي يعتق من الثلث كما يعتق المدبر المطلق منه لوجود الإضافة إلى ما بعد الموت وزوال التردد وهذا التشبيه ليس من وجوه حتى يرد ما قاله بعض الفضلاء من أن التدبير إذا كان مطلقا ولزمه السعاية يقوم المعتق مدبرا وإذا كان مقيدا يقوم قنا فلا يكون عتق المدبر كعتق المطلق تأمل
وفي الخانية رجل صحيح قال لعبده أنت حر قبل موتي بشهر فمات بعد شهر عتق من جميع ماله وهو الصحيح لأنه على قول الإمام يستند العتق إلى أول شهر قبل الموت وهو كان صحيحا في ذلك الوقت وقيل من ثلث ماله ولو مات قبل الشهر لا يعتق لأنه مدبر مقيد وقيد بالصحيح لأنه لو كان في المرض فيعتق من الثلث إجماعا كما في النهاية
وفي الكافي إن مات فلان أو مت أنا فأنت حر أو قال إذا مت أنا أو مات فلان فإنه لا يصير مدبرا لأنه تعلق عتقه بموته بصفة كونه غير متأخر عن موت فلان فصار مدبرا مقيدا وعند زفر فيصير مدبرا مطلقا
باب الاستيلاد
هو لغة طلب الولد مطلقا وأم الولد تصدق لغة على الزوجة وغيرها ممن لها ولد ثابت النسب وغير ثابت وشرعا طلب المولى الولد من أمته وأم الولد المستولدة وهما من الأسماء التي خرج بهما في الشرع من العموم إلى الخصوص لا يثبت نسب ولد الأمة في أ
____________________
(2/251)
ول مرة من مولاها المعترف بوطئها إلا أن يدعيه أي الولد ولو اعترف بالحمل بأن يقول حمل هذه الأمة مني أو هي حبلى مني أو ما في بطنها من ولد فهو مني أو قال إن كانت حبلى فهو مني فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه منه ولا فرق بين حياته ومماته بعد ما استبان خلقه وإن جاءت به لأكثر لم يثبت إلا باعترافه ولا يقبل بعده إنها لم تكن حاملا وإنما كان ريحا ولو صدقته الأمة بخلاف ما إذا قال ما في بطنها مني ولم يقل من حمل أو ولد ثم قال بعده كان ريحا وصدقته لم تصر أم ولد كما في البحر وعند الأئمة الثلاثة يثبت نسبه إذا أقر بوطئها وإن عزل عنها إلا أن يدعي أنه استبرأها بعد الوطء بحيضة لأنه لما ثبت النسب بعقد النكاح فلأن يثبت بالوطء أولى ولنا أن وطء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع منه وهو ذهاب تقومها به عند الإمام ونقصان قيمتها عندهما فلا بد من الدعوة بخلاف العقد فإن الولد مقصود منه فلا حاجة إلى الدعوة
وفي البحر معزيا إلى المحيط عن الإمام إذا عالج الرجل جاريته فيما دون الفرج فأخذت الجارية ماءه في شيء فاستدخلته فرجها في حدثان ذلك فعلقت الجارية وولدت فالولد ولده والجارية أم ولد له انتهى
هذا ليس على الإطلاق بل إذا ولدت بعدما ادعى المولى مرة وإلا لم يثبت النسب بلا دعوة تأمل وإذا ثبت نسبه منه بدعوة صارت الأمة أم ولد له ولا يجوز إخراجها عن ملكه بطريق من الطرق فلا يجوز بيعها ولا هبتها ولا تمليكها حتى لو قضى القاضي بجواز بيعها لا ينفذ وهو أظهر الروايات إلا بالعتق فإذا أعتقها في حال حياته تعتق لأن الملك قائم فيها وله أي للمولى وطؤها واستخدامها وإجارتها وتزويجها وكتابتها لبقاء ملكه
____________________
(2/252)
وولاية هذه التصرفات تستفاد به فلهذا إن الكسب والغلة والعقر والمهر للمولى
وفي البحر ولو زوجها فولدت لأقل من ستة أشهر فهو للمولى والنكاح فاسد وإن ولدت لأكثر فهو ولد الزوج وإن ادعاه المولى لكن يعتق عليه لإقراره بحريته وإن لم يثبت نسبه وتعتق بعد موته أي موت السيد من جميع ماله ولا تسعى أي أم الولد لدينه للغريم شيء لأن الحاجة إلى الولد أصلية فتقدم في حق الغرماء والورثة بخلاف التدبير فإنه وصية بما هو من زوائد الحوائج هذا إذا أقر في الصحة أما لو قال لأمته في مرضه ولدت مني فإن كان هناك ولد أو حبل تعتق من جميع المال وإلا فمن الثلث كما في المحيط ويثبت نسب ولدها بعد ذلك أي بعدما ادعى
____________________
(2/253)
المولى مرة بلا دعوة بكسر الدال لأنه بدعوى الأول تعين الولد مقصودا منها فصارت فراشا له كالمنكوحة ولهذا لزمها العدة بثلاث حيض بعد العتق هذا إذا لم تحرم عليه أما إذا حرمت عليه بوطء أمها ونحوه فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يثبت إلا بالدعوة لانقطاع الفراش
وإن نفاه بعدما اعترف بالأول انتفى لأن فراشها ضعيف يملك نقله بالتزويج بخلاف المنكوحة حيث لا ينتفي نسب ولدها إلا باللعان لتأكد الفراش واستثنى صاحب التنوير فقال إلا إذا قضى به قاض أو تطاول الزمان فلا ينتفي بنفيه واعلم أن الفراش إما ضعيف وهي الأمة أو متوسط وهي أم الولد أو قوي وهي المنكوحة وقد مر حكمها أو أقوى وهي المعتدة فيثبت نسب ولدها ولا ينتفي أصلا لعدم اللعان
ولو استولدها بنكاح أي لو تزوج أمة غيره فولدت له ثم ملكها بشراء أو غيره فهي أم ولد له وكذا تصير أم ولد له لو استولدها بملك ثم استحقت ثم ملكها لأن نسب الولد ثابت منه
____________________
(2/254)
في الصورتين فثبتت أمومية الولد لأنها تتبعه وعند الأئمة الثلاثة لا تصير الأمة أم ولد له إذا ملكها زوجها بعدما ولدت منه لأنها علقت منه برقيق فلا تكون أم ولد له بخلاف ما لو استولدها بزنا ثم ملكها حيث لا تصير أم ولد إجماعا لأن نسب الولد غير ثابت منه
ولو أسلمت أم ولد النصراني أو مدبرته والمراد من النصراني الكافر عرض عليه أي المولى الإسلام فإن أسلم فهي له وإن أبى أي عن الإسلام سعت أي أم ولده التي أسلمت في قيمتها والمراد بقيمتها هنا ثلث قيمتها لو كانت قنا كما في الغاية وهي كالمكاتبة لا تعتق حتى تؤدي
وقال زفر تعتق في الحال والسعاية دين عليها ولا ترق بعجزها عن السعاية لأنها لو ردت قنة أعيدت مكاتبة لقيام الموجب
وإن مات النصراني قبل السعاية عتقت بلا سعاية لأنها أم ولد له قيد بأم الولد لأنه لو أسلمت قنة الذمي عرض الإسلام على الذمي فإن أسلم فبها وإلا يجبر ببيعها تخلصا من يد الكافر وكذا قنه ومن ادعى ولد أمة له فيها أي في الأمة شريك أي شركة ثبت نسبه أي الولد منه أي من المدعي لأنه لما ثبت في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة أنه لا يتجزأ لما أن سببه لا يتجزأ وهو العلوق إذ الولد الواحد لا يتعلق من ماءين ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدعوى في المرض أو في الصحة وصارت الأمة
____________________
(2/255)
أم ولده لأن الاستيلاد لا يتجزأ عندهما وعنده يصير نصيبه أم ولد له ثم يتملك نصيب صاحبه بالضمان وهو الذي ذكره بقوله وضمن المدعي نصف قيمتها يوم العلوق ولا فرق في هذا بين أن يكون موسرا أو معسرا بخلاف ضمان العتق و ضمن نصف عقرها لوطئه أمة مشتركة إذ الملك يثبت حكما للاستيلاد فيتعقبه الملك في حظ صاحبه لا قيمة ولدها أي لا يضمن قيمته لأن الضمان وجب حين العلوق والنسب ثبت منه فصار حرا
وإن ادعياه معا وقد استويا في الأوصاف أي ادعى الشريكان ولد الأمة المشتركة التي حبلت في ملكهما وكذا إذا اشترياها حبلى لا يختلف ثبوت النسب منهما وتمامه في التبيين ثبت نسبه منهما لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب إلى شريح في هذه الحادثة إن لبسا فلبس عليهما ولو بينا فبين لهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه وإن مات أحدهما وهو للباقي منهما وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من غير نكير فكان إجماعا ومثله عن علي رضي الله تعالى عنه أيضا وعند الأئمة الثلاثة يرجع إلى قول القافة فيعمل بقول القائف وهي أم ولد لهما لأن دعوة كل منهما في نصيبه راجحة على دعوة صاحبه فيصير نصيبه أم ولده
قيدنا بقولنا حبلت لأنه لو كان الحمل في ملك أحدهما نكاحا ثم اشتراها هو وآخر فولدت لأقل من ستة أشهر فهي أم ولد الزوج لأن نصيبه منها صار أم ولد له والاستيلاد لا يتجزأ عندهما ولا بقاؤه عنده فيثبت في نصيب شريكه أيضا وقيدنا باستوائهما في الأوصاف لأنه إن لم يستويا فيها بأن وجد المرجح في حق أحدهما لا يعارضه المرجوح فيقدم الأب على الابن والمسلم على الذمي والحر على العبد والذمي على المرتد والكتابي على المجوسي والعبرة لهذه الأوصاف وقت الدعوة لا العلوق كما في الغاية وغيرها فعلى هذا لو قيد المصنف كما قيدنا لكان أحسن تأمل
وفي الخانية إذا أراد الرجل أن يزوج أم ولد
____________________
(2/256)
له ينبغي أن يستبرئها بحيضة ثم يزوجها فإن زوجها قبل أن يستبرئها جاز النكاح ولو أعتقها ثم زوجها لا يجوز النكاح حتى تنقضي عدتها بثلاث حيض فإن زوجها قبل الإعتاق فولدت ولدا من الزوج فالولد يكون بمنزلة الأم يعتق بموت المولى من جميع المال
وفي البحر يثبت النسب من المدعيين وإن كثروا عند الإمام وعند أبي يوسف يثبت من اثنين وعند محمد يثبت من الثلاثة لا غير
وقال زفر يثبت من خمسة فقط ولو تنازعت فيه امرأتان قضى به بينهما عنده وعندهما لا يقضي للمرأتين وتمامه فيه فليطالع وعلى كل واحد منهما نصف عقرها وتقاصا لعدم فائدة الاشتغال بالاستيفاء إلا إذا كان نصيب أحدهما أكثر فيأخذ منه الزيادة إذ المهر يجب لكل واحد منهما بقدر ملكه فيها بخلاف البنوة والإرث والولاء فإن ذلك لهما سوية وإن كان أحدهما أكثر نصيبا من الآخر ويرث الابن من كل واحد منهما ميراث ابن كامل لأن كل واحد منهما أقر له على نفسه ببنوته على الكمال فيقبل قوله ويرثان منه ميراث أب واحد لأن المستحق أحدهما فيقتسمان نصيبه لعدم الأولوية وفيه إشارة إلى أنه لو مات أحدهما قبل الولد فجميع ميراثه للباقي منهما وأن لا أولوية عليه في التصرف مشتركة كما في البحر
وإن ادعى ولد أمة مكاتبه يعني إن وطئ المولى أمة مكاتبه فولدت فادعاه فصدقه المكاتب ثبت نسبه أي الولد منه أي المولى لتصادقهما على ذلك و تجب عليه أي
____________________
(2/257)
المولى قيمته أي الولد لأنه في معنى ولد المغرور حيث اعتمد دليلا وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه فيكون حرا بالقيمة ثابت النسب منه و يجب على المولى عقرها لأنه وطئها بغير نكاح ولا بملك يمين وقد سقط عنه الحد للشبهة ولا تصير أم ولده لأنه لا ملك له فيها حقيقة
وإن لم يصدقه أي المكاتب المولى في دعوته لا يثبت النسب أي نسب الولد منه
وقال أبو يوسف يثبت ولا يعتبر تصديقه اعتبارا بالأب ويدعي ولد جارية ابنه وجوابه ظاهر وهو الفرق بأن المولى لا يملك التصرف في اكتساب مكاتبه حتى لا يتملكه والأب يملك تملكه فلا يعتبر بتصديق الابن إلا إذا دخل الولد في ملكه وقتا ما فحينئذ يثبت نسبه منه لأن الإقرار به باق وهو الموجب وزوال حق المكاتب وهو المانع
وفي التنوير وغيره ولدت منه جارية غيره وقال أحلها لي مولاها والولد ولدي فصدقه المولى في الإحلال وكذبه في الولد يثبت نسبه ولو ملكها بعد تكذيبه يوما يثبت النسب ولو صدقه في الولد يثبت نسبه ولو استولد جارية أحد أبويه أو امرأته وقال ظننت حلها لي لا حد ولا نسب وإن ملكه يوما عتق عليه وفي المنح تفصيل فليطالع
____________________
(2/258)
كتاب الأيمان الأيمان جمع اليمين ذكرها عقيب العتاق لمناسبتها له في عدم تأثير الهزل والإكراه فهما كالطلاق وقدم العتاق عليها لقربه من الطلاق لاشتراكهما في الإسقاط اليمين في اللغة مشتركة بين الجارحة والقسم والقوة وإنما سمي هذا العقد يمينا لأنهم يتماسكون بأيمانهم حالة التحالف
وفي البحر نقلا عن المنح ومفهوم لفظة اليمين لغة جملة أولى إنشائية صريحة الجزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية
وترك لفظة أولى يصيره غير مانع لدخول نحو زيد قائم وهو على عكسه فإن الأولى هي المؤكدة بالثانية من التوكيد اللفظي انتهى
لكن قوله يؤكد بها جملة بعدها يخرجه أيضا فلا حاجة لقوله أولى تأمل
وخرج بالإنشائية نحو تعليق الطلاق والعتاق فإن الأولى ليست إنشائية فليست التعاليق أيمانا لغة
وفي الشرع تقوية الحالف أحد طرفي الخبر من الفعل والترك بالمقسم به وهذا التعريف أولى من تعريف صاحب الدرر وهو تقوية الخبر بذكر اسم الله لشموله الحلف بصفات الذات
وفي البحر نقلا عن الفتح وأما مفهوم لفظة اليمين اصطلاحا فجملة أولى إنشائية مقسم فيها باسم الله تعالى أو صفته يؤكد بها مضمون ثانية في نفس السامع ظاهرا أو تحمل المتكلم على تحقيق معناها
____________________
(2/259)
فدخل بقيد ظاهرا الغموس أو التزام مكروه ككفر أو زوال ملك على تقدير ليمنع عنه أو محبوب ليحمل عليه قد خلت التعليقات انتهى
لكن قوله أولى مستدرك أيضا بقوله يؤكد بها مضمون ثانية تدبر
وفي البحر وسببها الغائي تارة إيقاع صدقه في نفس السامع وتارة حمل نفسه أو غيره على الفعل أو الترك فبين المفهوم اللغوي والشرعي عموم من وجه لتصادقهما في اليمين بالله وانفراد اللغوي في الحلف بغيره مما يعظم وانفراد الاصطلاحي في التعليقات وشرطها العقل والبلوغ والإسلام ومن زاد الحرية كالشمني فقد سها لأن العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم وركنها اللفظ المستعمل فيها وحكمها وجوب البر أصلا والكفارة خلفا كما في الكافي وهو بيان لبعض أحكامها لأن البر يكون واجبا ومندوبا وحراما وأن الحنث يكون واجبا ومندوبا
وفي التبيين اليمين بغير الله تعالى أيضا مشروع وهو تعليق الجزاء بالشرط وهو ليس بيمين وضعا وإنما سمي يمينا عند الفقهاء لحصول معنى اليمين بالله وهو الحمل أو المنع واليمين بالله تعالى لا تكره
____________________
(2/260)
وتقليله أولى من تكثيره واليمين بغيره مكروهة عند البعض وعند عامتهم لا تكره لأنه يحصل بها الوثيقة لا سيما في زماننا
وفي البحر من أراد أن يحلف بالله تعالى فقال خصمه لا أريد الحلف بالله يخشى على إيمانه
وهي أي اليمين ثلاث باعتبار الحكم فإنها باعتبار العدد أكثر من أن تعد غموس هو فعول بمعنى فاعل وهو الحلف على إثبات شيء أو نفيه في الماضي أو الحال يتعمد الكذب فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها لقوله عليه الصلاة والسلام اليمين الغموس تدع الديار بلاقع ومن حلف كاذبا أدخله الله النار وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار وهي أي اليمين الغموس حلفه بفتح الحاء وكسر اللام أو سكونها يمين يؤخذ بها العهد ثم سمي به كل يمين والمراد به المعنى المصدري حلف الحالف بالله كما في القهستاني على أمر ماض أو حال كذبا عمدا حالان من الضمير في حلف بمعنى كاذبا متعمدا ويصح أن يكون صفتين لمصدر محذوف أي حلفا والكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه عمدا كان أو سهوا إلا أنه لا يأثم بالسهو هذا هو المشهور لكن في الكرماني وغيره أن الكذب يرجع إلى ما في الذهن دون الخارج كما في القهستاني وحكمها أي اليمين الغموس الإثم ولا كفارة فيها أي في اليمين الغموس إلا التوبة استثناء منقطع أو متصل
وقال الشافعي تجب فيها كفارة لأنها لما
____________________
(2/261)
وجبت باليمين المنعقدة فبالغموس أولى ولنا قوله عليه الصلاة والسلام خمس من الكبائر لا كفارة فيهن الإشراك بالله وقتل النفس بغير حق وعقوق الوالدين والفرار عن الزحف واليمين الفاجرة ولأنها كبيرة محضة فلا تجب بها الكفارة كسائر الكبائر
و ثانيها لغو سميت به لأنها لا يعتد بها فإن اللغو اسم لما لا يعتد به وهي حلفه على أمر ماض أو حال يظنه كما قال و الحال هو بخلافه أي إن ذلك الأمر في المواقع خلاف ما ظنه كما إذا حلف أن في هذا الكوز ماء على أنه رآه كذلك ثم أريق ولم يعرفه وإنما قلنا أو حال لأنها تكون في الحال أيضا كذلك
وفي البحر نقلا عن البدائع قال أصحابنا هي اليمين الكاذبة خطأ أو غلطا في الماضي أو في الحال وهي أن يخبر عن الماضي أو عن الحال على ظن أن المخبر به
____________________
(2/262)
كما أخبر وهو بخلافه في النفي أو في الإثبات
وقال الشافعي يمين اللغو هي اليمين التي لا يقصدها الحالف وهو ما يجري على ألسن الناس في كلماتهم من غير قصد اليمين من قولهم لا والله وبلى والله وسواء كان في الماضي أو في الحال أو في المستقبل أما عندنا فلا لغو في المستقبل بل اليمين على أمر مستقبل يمين معقودة فيها الكفارة إذا حنث قصد اليمين أو لا وإنما اللغو في الماضي والحال فقط وما ذكر محمد على أثر حكايته عن الإمام أن اللغو ما يجري بين الناس من قولهم لا والله وبلى والله فذلك محمول عندنا على الماضي أو الحال وذلك عند الشافعي لغو فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين لا يقصدها الحالف في المستقبل فعندنا ليست بلغو وعنده هي لغو انتهى
وبهذا تبين لك أن اللغو أعم مما ذكره المصنف باعتبار أن اليمين التي لا يقصدها الحالف في الماضي أو الحال جعلها لغوا وعلى تفسيره لا يكون لغوا فعلى هذا لو لم يقيده بالماضي لكان أولى تدبر
وحكمها رجاء العفو أي نرجو أن لا يؤاخذ الله تعالى بها صاحبها لقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم وإنما علق عدم المؤاخذة بالرجاء مع أن عدم المؤاخذة ثابت بالنص إما تواضعا أو للاختلاف في تفسير اللغو
وفي الخلاصة اليمين اللغو لا يؤاخذ بها صاحبها إلا في الطلاق والعتاق والنذر
و ثالثها منعقدة وهي حلفه على فعل أو ترك في المستقبل وحكمها وجوب الكفارة إن حنث لقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته الآية والمراد به اليمين في المستقبل بدليل قوله تعالى واحفظوا أيمانكم ولا يتصور الحفظ على الحنث والهتك إلا في المستقبل وفي هذا المحل بحث في الدرر فليطالع ومنها أي من اليمين المنعقدة ما
____________________
(2/263)
يجب فيه البر أي حفظ يمينه كفعل الفرائض كأن يقول والله لأصومن رمضان وترك المعاصي مثل والله لا أشرب الخمر ومنها ما يجب فيه الحنث كفعل المعاصي مثل أن يقول والله لأفعلن الزنا اليوم وترك الواجبات مثل أن يقول لا أصلي عصر اليوم فيجب أن يترك الزنا ويصلي العصر ويكفر ومنها ما يفضل فيه الحنث على البر كهجران المسلم ونحوه لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه وما عدا ذلك مما لا يفضل فيه الحنث مثل أن يقول والله لا أكلم زيدا يفضل فيه البر على الحنث حفظا لليمين لقوله تعالى واحفظوا أيمانكم أي عن الحنث ولا فرق في وجوب الكفارة بين العامد والناسي فسره صاحب الدرر بالمخطئ لأن الحلف ناسيا لا يتصور إلا أن يحلف أن لا يحلف ثم نسي فحلف خلافا للشافعي والمكره في الحلف والحنث أي لا فرق في وجوبها بين المكره فيهما وغيره أما في الحلف فلقوله عليه الصلاة والسلام ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين
____________________
(2/264)
وأما في الحنث فلأن الفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه والنسيان وهو الشرط وكذا لو فعله وهو مغمى عليه أو مجنون لتحقق الشرط حقيقة ولو كانت الحكمة رفع الذنب فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب كما في الهداية
وهي أي الكفارة عتق رقبة أي إعتاقها وقد حققنا في الظهار وجه العتق مقام الإعتاق فمن الظن الحسن إعتاق رقبة أو إطعام عشرة مساكين كما في عتق الظهار أي يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار من الرقبة كما بين في الظهار وإطعامه أي يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار من الإطعام وقد مر بيانه أيضا أو كسوتهم أي كسوة عشرة مساكين كل واحد من العشرة ثوبا جديدا أو خلقا يمكن الانتفاع به أكثر من نصف الجديد يستر عامة بدنه أي أكثره وهو أدناه وذلك قميص وإزار ورداء ولكن ما لا يجزيه عن الكسوة يجزيه عن الإطعام باعتبار القيمة كما في أكثر الكتب هو الصحيح المروي عن الشيخين لأن لابس ما يستر به أقل البدن يسمى عاريا عرفا فلا يكون مكتسيا فلا يجزئ السراويل
وفي المبسوط أدنى الكسوة ما تجوز فيه الصلاة وهو مروي عن محمد فتجوز السراويل على هذه الرواية وعنه أنه للرجل يجوز وللمرأة لا يجوز لكن ظاهر الرواية ما في المتن ثم إن الأصل فيه قوله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين الآية وكلمة أو للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة عند القدرة فإن عجز الظاهر بالواو عن أحدها أي عن أحد هذه الثلاثة عند الأداء أي عند إرادة الأداء لا عند الحنث حتى لو حنث وهو معسر ثم أيسر لا يجوز له الصوم وإن حنث وهو موسر ثم أعسر أجزأه الصوم ويشترط استمرار العجز إلى الفراغ من الصوم فلو صام المعسر يومين ثم أيسر لا يجوز له الصوم كما في الخانية
وعند الشافعي يعتبر وقت الحنث صام ثلاثة أيام متتابعات حتى لو مرض فيها وأفطر أو حاضت استقبل بخلاف كفارة الظهار والقتل وعند الأئمة الثلاثة يخير بين التتابع وعدمه
وفي القهستاني وعنه أنه إذا كان قدر ما يشترط به طعام العشرة لا يصوم وعن ابن
____________________
(2/265)
المقاتل إن كان له ذلك الطعام وقوت يومين لا يصوم وفي الأصل لو كان له مال مع الدين صام بعد قضائه وأما قبله ففيه اختلاف المشايخ ولو بذل ابن المعسر أو أجنبي مالا ليكفر به لم تثبت القدرة بالإجماع فلا يجوز أي لا يصح التكفير قبل الحنث سواء كان بالمال أو بالصوم
وقال الشافعي يجزيها بمال لأنه أداها بعد سبب وهو اليمين فأشبه التكفير بعد الجرح ولنا أن الكفارة لستر الجناية ولا جناية واليمين ليست بسبب لأنه مانع غير مفض بخلاف الجرح لأنه مفض ثم لا يسترد من المسكين لوقوعه صدقة كما في الهداية ولم يذكر المصنف مسألة تعدد الكفارة لتعدد اليمين وهي مهمة قال في الظهيرية ولو قال والله والرحمن والرحيم لا أفعل كذا ففعل ففي ظاهر الرواية تلزمه ثلاث كفارات ويتعدد اليمين بتعدد الاسم لكن بشرط تخلل حرف القسم وتمامه في البحر والمنح ولو قال والله والله لا أفعل كذا يتعدد اليمين في ظاهر الرواية
ولا كفارة في حلف كافر بالله تعالى
وإن وصلية حنث حال كونه مسلما لأن الحلف لتعظيم الله تعالى ومع الكفر لا يكون تعظيما وأما تحليفه القاضي فإن المقصود منها رجاء النكول لأنه يعتقد في نفسه تعظم اسم الله تعالى وفيه خلاف الشافعي ولا تصح يمين الصبي والمجنون لانعدام أهليتهما والنائم لانعدام الاختيار فيه والمغمى عليه كالنائم
____________________
(2/266)
267 فصل وحروف القسم الأولى حروف القسم بدون الواو الواو وهي بدل عن الباء تدخل على المظهر لا المضمر فلا يقال و ك و هـ ولا يجوز إظهار الفعل معها فلا يقال احلف والله والباء وهي الأصل فيها تدخل على المظهر والمضمر نحو أفعل به أو بك إذا تعين رجوع الضمير إلى الله تعالى ويجوز إظهار الفعل فيها نحو حلفت بالله فعلى هذا الأنسب تقديم الباء إلا أنه قدم الواو لكونها أكثر استعمالا عند العرب ولا يخفى أن القسم حلفت والباء للصلة والتاء وهي بدل عن الواو ولا تدخل إلا على لفظة الله خاصة نحو تالله ولا تقول تالرحمن تالرحيم ولا يجوز إظهار الفعل معها وللقسم حروف أخر وهي لام القسم وحروف التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل والميم المكسورة والمضمومة في القسم ومن كقوله لله وها الله والله ومالله ومن الله واللام بمعنى الباء ويدخلهما معنى التعجب وربما جاءت الباء لغير التعجب دون اللازم كما في التبيين وقد تضمر حروف القسم فيكون حلفا لأن حذف الحرف من عادة العرب إيجازا كالله أفعله أي لا أفعله وإلا يلزم أن يقول لأفعلنه فتكون كلمة لا مضمرة فيه لأن نون التأكيد تلزم في مثبت القسم قال الزيلعي ثم إذا حذف الحرف ولم يعوض عنه هاء التنبيه ولا همزة الاستفهام ولا قطع ألف الوصل لم يجز الخفض إلا في اسم الله بل ينصب بإضمار فعل أو يرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر إلا في اسمين التزم فيهما الرفع وهما أيمن الله ولعمرك انتهى
لكن يفهم منه أن يكون حرف التنبه وهمزة الاستفهام من أدوات القسم وقد صرح بأنهما منها إلا أن يقال بأن العوض بعد من الأصل وإنما قال تضمر ولم يقل تحذف لأن في الإضمار يبقى أثره بخلاف الحذف لكن بقي فيه كلام لأن ظهور الأثر يختص بحالة الجر دون حالة النصب فيلزم أن يعبر فيها بالحذف تأمل واليمين بالله
____________________
(2/267)
أي بهذا الاسم الشريف وهو اسم للذات عند الأكثرين وفيه إشعار بأن بسم الله ليس بيمين وهو المختار لعدم التعارف
وفي القدوري أنه يمين مع النية
وعن محمد أنه يمين مطلقا والإطلاق دال على أنه يمين وإن كان مرفوعا أو منصوبا أو ساكنا لأنه ذكر الله مع حروف القسم
والخطأ في الإعراب غير مانع هذا إذا ذكر بالباء وأما بالواو لا يكون يمينا إلا بالجر أو باسم هو عرفا لفظ دال على الذات والصفة فالله اسم على رأي من أسمائه مطلقا ولو غير مختص به كالعليم والقادر سواء تعارف الناس الحلف به أو لا وهو الصحيح لأن اليمين باسم الله تعالى ثبت بقوله عليه الصلاة والسلام فمن كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر والحلف بسائر أسمائه تعالى حلف بالله وما ثبت بالنص أو بدلالته لا يراعى فيه العرف كالرحمن فإنه لم يستعمل في غيره تعالى والرحيم يستعمل في غيره والحق أي من لا يقبح منه فعل فهو صفة سلبية وقيل من لا يفتقر في وجوده إلى غيره وقيل الصادق في القول
وقال بعض أصحابنا إن غير المختص به لم يكن يمينا إلا بالنية ورجحه صاحب الاختيار والغاية لأنه إن كان مستعملا لله تعالى لا تتعين الإرادة إلا بالنية و لهذا اختار المصنف فقال لا يفتقر إلى نية إلا فيما يسمى به غيره أي غير الله تعالى كالحكيم والعليم
وفي البحر وهو خلاف المذهب لأن هذه الأسماء وإن كانت تطلق على الخلق لكن تعين الخالق مراد بدلالة القسم إذ القسم بغير الله تعالى لا يجوز فكان الظاهر أنه أراد به اسم الله تعالى حملا لكلامه على الصحة إلا أن ينوي به غير الله تعالى فلا يكون يمينا لأنه نوى ما يحتمله كلامه فيصدق فيما بينه وبين ربه كذا في البدائع أو بصفة من صفاته يحلف بها عرفا أي في عرف العرب بلا ورود نهي كعزة الله وجلاله وكبريائه وعظمته وقدرته لأن
____________________
(2/268)
الأيمان مبنية على العرف وكل مؤمن يعتقد تعظيم الله تعالى وتعظيم صفاته فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا سواء كان صفات الفعل أو الذات وإلا فلا وهو قول مشايخ ما وراء النهر
وقال مشايخ العراق صفات الذات مطلقا يمين لا صفات الفعل والفاصل بينهما أن كل صفة يوصف بها وبضدها كالرحمة فهي من صفات الفعل وكل صفة يوصف بها ولا يوصف بضدها كالعزة فهي من صفات الذات وقالوا إن ذكر الصفات للذات كذكر الذات وذكر صفات الفعل ليس كذكر الذات والحلف بالله مشروع دون غيره لكن هذا الطريق غير مرضي عندنا لأنهم يعتقدون بهذا الفرق الإشارة إلى مذهبهم أن صفات الفعل غير الله والمذهب عندنا أن صفات الله تعالى لا هو ولا غيره كلها قديمة فلا يستقيم الفرق بينهما كما في الكافي ولهذا اختار المصنف هذا فقال يحلف بها عرفا وهو الأصح كما في أكثر المعتبرات لا يكون اليمين بغير الله فإنه حرام عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقا وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال الإشراك بالله ثلاثة منها الحلف بغير الله وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال الحلف بغير الله شرك فما أقسم الله تعالى بغير ذاته وصفاته من الليل والضحى وغيرهما ليس للعبد أن يحلف بها وما اعتاد الناس من الحلف بجان نون وسرتو فإن اعتقد أنه حلف والبر به واجب يكفر
وقال علي الرازي إني أخاف الكفر على من قال بحياتي وحياتك وما أشبهه
وفي المنية أن الجاهل الذي يحلف بروح الأمير وحياته ورأسه لم يتحقق إسلامه بعد كما في القهستاني كالقرآن وسورة منه والمصحف والشرائع والعبادات كالصلاة وغيرها والنبي والعرش والكعبة لأن العرب ما تعارفوها يمينا وذلك إذا لم يرد بالقرآن الكلام النفسي
____________________
(2/269)
أما لو أريد فيكون يمينا هذا إذا قال والقرآن والنبي أما لو قال أنا بريء من القرآن والنبي فإنه يكون يمينا لأن البراءة منهما كفر وتعليق الكفر بالشرط يمين ولو قال أنا بريء من المصحف لا يكون يمينا ولو قال أنا بريء مما في المصحف يكون يمينا لأن ما في المصحف قرآن فكأنه قال أنا بريء من القرآن كما في الكافي
وفي الفتح ولا يخفى أن الحلف بالمصحف الآن متعارف فيكون يمينا وتمامه فيه فليراجع
وقال العيني لو حلف بالمصحف أو وضع يده عليه أو قال وحق هذا فهو يمين ولا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الحلف به ولا يكون اليمين أيضا بصفة لا يحلف بها عرفا أي في عرف العرب كرحمته تعالى من الصفات الحقيقية فإن مرجعه الإرادة إذ المعنى إرادة الإنعام وعلمه صفة بها لا يخفى عليه شيء ورضاه أي تركه الاعتراض لا الإرادة كما قال المعتزلة فإن الكفر مع كونه مرادا له تعالى ليس مرضيا عنده لأنه يعترض عليه ويؤاخذ به كما في القهستاني وغضبه أي انتقامه وكونه معاقبا لمن عصاه وسخطه أي إنزال عقوبته وفي الأصل الغضب الشديد المقتضي للعقوبة وعذابه أي عقوبته وقوله مبتدأ لعمر الله عطف بيان يمين خبر المبتدأ والعمر هو البقاء مضموما ومفتوحا ولم يستعمل في اليمين إلا المفتوح وهو من صفات الذات فكأنه قال والله الباقي وهو مبتدأ واللام لتوكيد الابتداء وخبره محذوف هو قسمي أو ما أقسم به ولا يجوز أن يقال لعمر فلا لأنه كبيرة فإذا حلف ليس له أن يبر بل يجب أن يحنث فإن البر فيه كفر عند بعضهم
وكذا يمين قوله وأيم الله بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم مقصورا وأيمن الله بفتح الهمزة وكسرها وقد يقال هيم الله بقلب الهمزة المفتوحة هاء وقد تحذف الياء مع النون فيقال أم بفتح الهمزة
____________________
(2/270)
وكسرها ولا يستعمل مقصورا إلا أيمن مع الجلالة وهو جمع يمين عند الكوفية وهمزته قطعية جعلت وصلية لكثرة الاستعمال تخفيفا ونفي سيبويه أن يكون جمعا لأن الجمع لا يبقى على حرف واحد وهمزته وصلية عنده اجتلبت ليمكن به النطق وعند البصرية هو من صلات القسم ومعناه والله أي كلمة مستقلة كالواو فعلى هذا لو قال أيم الله بدون الواو لكان أولى إلا أن يقال إن اختيار الأكثر كونه جمع اليمين فأتى بالواو بناء على ذلك تأمل و كذا لو قال بالفارسية سوكند ميخورم بخداي يكون يمينا لأنه للحال
وفي القهستاني هو مجاز إذ الشرطية ليست بقسم
وكذا قوله وعهد الله وميثاقه وكذا وذمته وأمانته لأن العهد يمين والميثاق في معناه وأطلقه فشمل ما إذا لم ينو لغلبة الاستعمال إلا إذا قصد به غير اليمين فيدين
وقال الشافعي لا يكون هذا النوع يمينا إلا بالنية و كذا أقسم وأحلف بكسر اللام وأشهد بفتح الهمزة والهاء فإن هذه الألفاظ مستعملة في الحلف فجعل حلفا في الحال
وإن لم يقل معه لفظة بالله
وقال زفر والشافعي لا يكون يمينا إلا إذا قال بالله وإن لم ينو وقال مالك إن نوى فهو يمين وإلا فلا
وكذا قوله على نذر هو أن توجب على نفسك ما ليس بواجب أو على يمين معناه على موجب يمين أو على عهد لأن العهد بمعنى اليمين
وإن وصلية لم يضف هذه الألفاظ إلى الله لكن يشترط أن يذكر المحلوف عليه لكونها يمينا منعقدة مثل أن يقول إن فعلت كذا فعلي نذر حتى إذا لم يضف بما حلف عليه لزمته الكفارة وأما إذا لم يسم شيئا بأن قال علي نذر الله فإنه لا يكون يمينا ولكن تلزمه الكفارة هذا إذا لم ينو بهذا النذر المطلق شيئا من القرب كحج أو صوم فإن نوى شيئا منها يصح النذر بها فعليه ما نوى وإن لم ينو فعليه الكفارة كما في البحر وكذا قوله إن فعل كذا
____________________
(2/271)
أي إن دخل الدار مثلا فهو كافر أو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو غيرها أو بريء من الله أو من الرسل أو من الإسلام أو من المؤمنين أو من لا إله إلا الله أو من الصلاة أو من القبلة أو من صوم رمضان أو من غيرها مما إذا أنكره صار كافرا يمين يستوجب الكفارة إذا حنث إن كان في المستقبل فأما في الماضي لشيء قد فعله فهو الغموس ولا يكفر
وقال محمد بن مقاتل يكفر لأنه علق الكفر بما هو موجود والتعليق بأمر كائن تنجيز فكأنه قال هو كافر والأصح أن الحالف لم يكفر كما في أكثر الكتب فلهذا قال ولا يصير كافرا بالحنث فيها سواء علقه أي الكفر بماض أو مستقبل إن كان يعلم الحالف أنه يمين وإن كان عنده أنه يكفر يصير به كافرا
وفي المجتبى والذخيرة والفتوى على أنه إن اعتقد الكفر به يكفر وإلا فلا في المستقبل والماضي جميعا
وفي البحر والصحيح أنه إن كان عالما أنه يمين إما منعقدة أو غموس لا يكفر بالماضي وإن كان جاهلا وعنده أنه يكفر بالحلف في الغموس أو بمباشرة الشرط في المستقبل يكفر فيهما لأنه لما أقدم عليه وعنده أن المقدم يكفر فقد رضي بالكفر كذا في كثير من الكتب وقوله مبتدأ خبره قوله الآتي
____________________
(2/272)
ليس بيمين إن فعله فعليه غضب الله أو سخطه أو لعنته أو هو زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا ليس بيمين لعدم التعارف
كذا ليس بيمين قوله حقا أو وحق الله عند الطرفين وإحدى الروايتين عن أبي يوسف وعنه في رواية أخرى أنه يكون يمينا فلهذا قال خلافا لأبي يوسف لأن الحق من صفات الله تعالى وهو حقيقة فصار كأنه قال والله الحق والحلف به متعارف وهو مختار صاحب الاختيار ولهما أنه يراد به طاعة الله تعالى إذ الطاعات حقوقه فيكون حالفا بغير الله تعالى قيد بالحق المضاف لأنه لو قال والحق يكون يمينا ولو قال حقا لا يكون يمينا لأن المنكر منه يراد تحقيق الوعد ومعناه أفعل هذا لا محالة لكن هذا قول البعض والصحيح أنه إن أراد به اسم الله تعالى يكون يمينا والحاصل أن الحق إما أن يذكر معرفا أو منكرا أو مضافا فالحق معرفا سواء بالواو أو بالياء يمين اتفاقا ومنكرا يمين على الأصح إن نوى ومضافا إن كان بالباء فيمين اتفاقا وإن كان بالواو ففيه الاختلاف السابق والمختار أنه يمين كما في البحر وغيره فبهذا ظهر قصور المتن تأمل
وكذا ليس بيمين قوله سوكند خورم بخداي لأنه وعد
وفي المحيط أنه يمين يا بطلاق زن والأحسن أو مكان يا أي أو سوكند خورم بطلاق زن إلا أنه راعى تناسب الطرفين ومن حرم ملكه على نفسه بأن قال حرمت علي طعامي أو نحوه لا يحرم لأنه قلب المشروع وغيره ولا قدرة له على ذلك بل الله تعالى هو المتصرف في ذلك
وإن استباحه أي إن عامل معاملة المباح أو شيئا منه فعليه الكفارة لقوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وقال مالك والشافعي لا كفارة عليه إلا في حق النساء والجواري وقيدنا بقولنا على نفسه لأنه لو جعل حرمته معلقة على فعله فلا تلزمه الكفارة كما لو قال إن أكلت هذا الطعام فهو علي حرام فأكله لا يحنث كما في البحر ولو قال شيئا مكان ملكه لكان أولى ليشمل الأعيان والأفعال وملكه وملك غيره وما كان حلالا وما كان حراما فيدخل فيه ما إذا قال كلامك علي حرام أو معي أو الكلام معك حرام كما في المنح وغيره
____________________
(2/273)
وقوله كل حلال علي حرام يحمل على الطعام والشراب إلا أن ينوي غير ذلك والقياس أن يحنث كما فرغ لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه وهو قول زفر وجه الاستحسان أن المقصود البر ولا يحصل إلا على اعتبار العموم فيسقط العموم فينصرف إلى الطعام والشراب لأنه يستعمل فيما يتناول عادة ولو نوى امرأته دخلت مع المأكول والمشروب وصار موليا وإن نوى امرأته وحدها صدق ولا يحنث بالأكل والشرب قال مشايخنا هذا في عرفهم أما في عرفنا يكون طلاقا عرفا ويقع بغير نية لأنهم تعارفوه فصار كالصريح وعن هذا قال والفتوى على أنه تطلق امرأته بلا نية لغلبة الاستعمال حتى لو قال لم أنو به الطلاق لا يصدق قضاء هذا إذا كانت له امرأة فإن تكن له امرأة فأكل أو شرب تجب عليه الكفارة لانصرافه عند عدم الزوجة إليهما كما في النهاية ومثله قوله حلال بروى حرام ومعناه الحلال عليه حرام أو حلال الله أو حلال المسلمين وقوله هرجه بدست راست كيرم بروي حرام
وفي التبيين واختلفوا في أنه هل تشترط فيه النية والأظهر أنه يجعل طلاقا من غير نية للعرف
وفي الكافي لو قال حلال الله علي حرام وله امرأتان يقع الطلاق على واحدة وعليه البيان في الأظهر لكن في البحر وإن كن ثلاثا أو أربعا تقع على كل واحدة واحدة بائنة
ومن نذر بما هو واجب قصدا من جنسه وهو عبادة مقصودة نذرا مطلقا غير معلق بشرط بقرينة التقابل مثل أن يقول لله علي حج أو عمرة أو اعتكاف أو لله علي نذر وأراد به شيئا بعينه كالصدقة فإن هذه عبادات مقصودة ومن جنسها واجب وإنما قيد النذر به لأنه لم يلزم الناذر ما ليس من جنسه فرض كقراءة القرآن وصلاة الجنازة ودخول المسجد وبناء المساجد والسقاية وعمارتهما وإكرام الأيتام وعيادة المريض وزيارة القبور وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام وأكفان الموتى وتطليق امرأته وتزويج فلانة لم يلزمه شيء في هذه الوجوه لأنها ليس لها أصل
____________________
(2/274)
في الفروض المقصودة كما في كثير من الكتب فعلى هذا يلزم على المصنف تقييده كما قيدناه تأمل أو نذر معلقا بشرط يريده أي يريد وجوده بجلب منفعة أو دفع مضرة كإن قدم غائبي أو شفى الله مريضي أو مات عدوي فلله علي صوم سنة أو عتق مملوك أو صلاة ووجد ذلك الشرط عطف على نذر المقدر في قوله أو معلقا لزمه الوفاء بما نذر ولم يخرج عن العهدة بالكفارة في الصورتين بلا خلاف
ولو علقه بشرط لا يريده هذه الجملة صفة شرط كإن زنيت أو شربت خمرا فلله علي كذا أو نذر خير بين الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف التزمه وتمامه في البحر فعلى هذا يلزم على المصنف تقييده تأمل
والتكفير أي كفارة اليمين هو الصحيح رواية ودراية أما الأول فلأنه قد صح رجوع الإمام عما نقل عنه في ظاهر الرواية من وجوه الوفاء سواء علقه بشرط يريده أو بشرط لا يريده ذكره في المبسوط وأما الثاني فلأنه إذا علق بشرط لا يريده ففي معنى اليمين وهو المنع ولكنه بظاهره نذر فيخير وفي أكثر المعتبرات هذا هو المذهب الصحيح المفتى به وفي الخلاصة لو
____________________
(2/275)
قال لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير لا يصح النذر بخلاف قوله لأهدين ولو نوى اليمين كان يمينا
وفي التنوير نذر أن يذبح ولده فعليه شاة ولغا لو كان يذبح نفسه أو أبيه أو جده أو أمه ولو قال إن برئت من مرضي هذا ذبحت شاة أو علي شاة أذبحها فبرأ لا يلزمه شيء إلا إذا زاد وأتصدق بلحمها ولو قال لله علي أن أذبح جزورا وأتصدق بلحمه وذبح مكانه سبع شياه جاز نذر لفقراء مكة جاز الصرف إلى فقراء غيرها نذر أن يتصدق بعشرة دراهم من الخبز فتصدق بغيره جاز إن ساوى العشرة نذر صوم شهر معين لزمه متتابعا لكن إن أفطر قضاه بلا لزوم استئناف نذر أن يتصدق بألف من ماله وهو يملك دونها لزمه فقط كما لو قال ما لي في المساكين صدقة ولا مال له نذر التصدق بهذه المائة يوم كذا على زيد فتصدق بمائة أخرى قبله على فقير آخر جاز
وفي الولوالجية إذا حلف بالنذر وهو ينوي صياما ولم ينو عددا معلوما فعليه ثلاثة أيام أو إن نوى صدقة ولم ينو عددا فعليه إطعام عشرة مساكين ومن وصل بحلفه إن شاء الله فلا حنث عليه لقوله عليه الصلاة والسلام من حلف على يمين وقال إن شاء الله فقد بر في يمينه إلا أنه لا بد من الاتصال لأنه بعد الفراغ رجوع ولا رجوع في اليمين إلا إذا كان انقطاعه بتنفس أو سعال أو نحوه فإنه لا يضر
وفي التنوير ويبطل بالاستثناء كل ما تعلق بالقول من عبادة ومعاملة بخلاف المتعلق بالقلب
باب اليمين في الدخول والخروج والإتيان والسكنى وغير ذلك شرع في بيان الأفعال التي يحلف عليها ولا سبيل إلى حصرها لكثرتها لتعلقها
____________________
(2/276)
باختيار الفاعل فيدور على القدر الذي ذكره أصحابنا في كتبهم والمذكور نوعان أفعال حسية وأمور شرعية وبدأ بالأهم وهو الدخول ونحوه لأن حاجة الحلول في مكان ألزم للجسم من أكله وشربه الأصل أن الأيمان مبنية على العرف عندنا لا على الحقيقة اللغوية كما نقل عن الشافعي وعلى الاستعمال القرآني كما عن مالك ولا على النية مطلقا كما عن أحمد لأن المتكلم إنما يتكلم بالكلام العربي أعني الألفاظ التي يراد بها معانيها التي وضعت في العرف كما أن العربي حال كونه من أهل اللغة إنما يتكلم بالحقائق اللغوية ويجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد أنه المراد بها وتمامه في الفتح
حلف بالقسم أو الشرطية لا يدخل بيتا فدخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لا يحنث لأن البيت أعد للبيتوتة وهذه البقاع ما بنيت لها وتسمية البيت للكعبة والمسجد مجاز ومطلق الاسم ينصرف إلى الحقيقة
وكذا أي لا يحنث لو دخل دهليزا معرب بكسر الدال وهو ما بين الباب وداخل الدار أو ظلة باب دار إن كان لو أغلق الباب يبقى خارجا وإلا أي وإن لم يبق خارجا لو أغلق الباب حنث الظاهر أن هذا قيد للدهليز والظلة جميعا لأنه قال صاحب البحر وغيره الظلة بالضم الساباط الذي يكون على باب الدار من سقف له جذوع أطرافها على جدار الباب وأطرافها الأخر على جدار الجار المقابل له وإنما قيدنا به لأن الظلة إذا كان معناها ما هو داخل البيت مسقفا فإنه يحنث بدخوله لأنه يبات فيه والمراد من الدهليز ما لم يصلح للبيتوتة أما إذا كان كبيرا بحيث يبات فيه فإنه يحنث بدخوله فإن مثله يعتاد بيتوتة للضيوف في بعض القرى وفي بعض المدن يبيت فيه بعض الأتباع في بعض الأوقات انتهى
____________________
(2/277)
ومن لم يطلع على هذا زعم أنه قيد للدهليز فقط فقال ما قال تدبر كما لو دخل صفة أي يحنث في حلفه لا يدخل بيتا فدخل صفة على المذهب المختار سواء كان لها أربعة حوائط كما في صفات الكوفة أو ثلاثة كما صححه في الهداية بعد أن يكون مسقفا كما في صفات ديارنا لأنه يبات فيه غاية الأمر أن مفتحه واسع وسيأتي أن السقف ليس شرطا في مسمى البيت فيحنث وإن لم يكن الدهليز مسقفا كما في الفتح وقيل لا يحنث في الصفة أيضا أي كما لو دخل دهليزا أو ظلة باب دار بحيث لو أغلق الباب يبقى خارجا فإن الصفة عندهم اسم لبيت صيفي كما في صفات الكوفة وأما في عرفنا فهي غير البيت ذات ثلاثة حوائط والصحيح الأول كما في كثير من المعتبرات وفي حلفه لا يدخل دارا ولم يسم دارا بعينها ولم ينوها فدخل دارا خربة لا يحنث لأن الدار اسم جامع للبناء والعرصة كما في المغرب وغيره إلا أنهم قالوا أنها اسم للعرصة عند العرب والعجم يقال دار عامرة ودار غامرة وقد شهدت أشعار العرب بذلك والبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر كما في الهداية وضعفه الكافي واستدل بهذه المسألة ولا يبعد أن يقال إن البناء وصف مرغوب لأن العرصة تنقص بنقصانه والمطلق ينصرف إلى الكامل فإذا انعقد النهي على الكامل لا يحنث بالناقص كما في القهستاني
ولو قال والله لا يدخل هذه الدار فدخلها حال كونها خربة لمجرد الإيضاح فالعبارة ولو صحراء وأراد بالخربة الدار التي لم يبق فيها بناء أصلا أما إذا زال بعض حيطانها وبقي البعض فهذه دار خربة فينبغي أن يحنث في المنكر إلا أن يكون له نية كما في الفتح أو دخلها بعدما بنيت هذه الدار الخربة وهو معطوف على الحال والشرطية بتقدير الفعل معتبرة دارا أخرى حنث لما تقدم أن البناء
____________________
(2/278)
وصف والوصف في الحاضر المعين لغو إذ الإشارة أبلغ في التعيين
وعند الأئمة الثلاثة لا يحنث في الوجهين
وقال أبو الليث إن حلف بالفارسية لا يحنث في المنكر والمعرف إلا بدخول المبنية كما في الكافي
وفي الدرر اعتراضات على صدر الشريعة لكن لا جدوى فيها لكونها مدافعة ودعوى فليطالع
وكذا يحنث لو وقف على سطحها أي سطح الدار لأن السطح من الدار من غير دخول من الباب بأن يوصل من سطح آخر ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد وهو قول المتقدمين وقيل لا يحنث في عرفنا أي في عرف العجم وهو قول المتأخرين
وفي الخانية حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها راكبا أو ماشيا أو محمولا بامرئ حنث وكذا لو نزل من سطحها أو صعد شجرة وأغصانها في الدار فقام على غصن لو سقط يسقط في الدار حنث وكذا لو قام على حائط منها
وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إن كان الحائط مشتركا بينه وبين جاره لا يكون حانثا وهذا إذا كانت اليمين بالعربية وإن كانت بالفارسية فارتقى شجرة أغصانها في الدار أو قام على حائط منها أو صعد السطح لا يحنث في يمينه وهو المختار لأن هذا لا يعد دخولا في العجم انتهى
وفي الكافي والمختار أن لا يحنث إن كان الحالف من بلاد العجم وعليه الفتوى فعلى هذا يلزم على المصنف تفصيل تدبر
ولو دخل طاق بابها أي باب الدار أو دهليزها أي لو حلف لا يدخل هذه الدار فدخل طاق بابها أو دهليزها إن كان لو أغلق الباب يبقى خارجا من الدار لا يحنث وفيه كلام لأن الدهليز ما بين الدار والباب كما بين آنفا فعلى هذا لا يمكن هذا التفصيل تأمل وإلا أي وإن لم يبق خارجا حنث هذا إذا كان الحالف واقفا بقدميه في طاق الباب فلو وقف بإحدى رجليه على العتبة وأدخل الأخرى فإن استوى الجانبان حنث وإن كان الخارج أسفل لم يحنث وإن كان الجانب الداخل أسفل حنث وقيل لا يحنث مطلقا وهو الصحيح كما في البحر وغيره
وفي المنح ولو كان المحلوف عليه الخروج انعكس الحكم
ولو جعلت الدار المحلوفة المعينة مسجدا أو حماما أو بستانا أو بيتا أو نهرا أو دارا بعدما خربت الدار فدخلها
____________________
(2/279)
أي الحالف لا يحنث لتبدل اسم الدار بغيره هذا إذا كانت الإشارة مع التسمية أما لو أشار ولم يسم كما إذا حلف لا يدخل هذه فإنه يحنث بدخولها على أي صفة كانت دارا أو مسجدا أو حماما أو بستانا لأن اليمين عقدت على العين دون الاسم والعين باقية كما في الذخيرة
وكذا لا يحنث لو دخل بعد انهدام الحمام وأشباهه يعني لو حلف لا يدخل
هذه الدار فجعلت حماما أو مسجدا أو بستانا ثم انهدمت هذه الأشياء فدخل العرصة لا يحنث أيضا لأن اسم الدار قد زال بالكلية باعتراض هذه الأشياء عليها وبانهدامها لا يعود اسم الدار وفيه إشارة إلى أنه لو حلف لا يدخل هذا المسجد فهدم ثم بني مسجد آخر أو لا يدخل هذا الفسطاط فنقض وضرب في موضع آخر فدخله حنث لعدم اعتراض اسم آخر عليه بخلاف ما لو حلف لا يكتب بهذا القلم فكسره ثم براه فكتب به كما في الذخيرة وفي إضافة الهدم إلى الحمام مع كون المسجد يذكر مقدما في الأولى رعاية أمر حسن كما في القهستاني
وفي لا يدخل هذا البيت فدخله بعدما انهدم البيت وصار صحراء أو بعدما بنى بيتا آخر لا يحنث لزوال اسم البيت بعد الانهدام فإنه لا يبات فيه بخلاف مما لو سقط السقف وبقي الجدران فإنه يحنث لأن السقف صفة الكمال فيه إذ البيتوتة تحصل عند عدمه فصار السقف في البيت كأصل البناء في الدار
وفي الوجيز لو حلف لا يدخل بيتا فدخل بيتا لا سقف له لا يحنث لأن البناء وصف والوصف في الغائب معتبر وفي لا يدخل هذه الدار وهو أي والحال أن الحالف فيها أي في الدار لا يحنث استحسانا ما لم يخرج ثم
____________________
(2/280)
يدخل والقياس أن يحنث تنزيلا للبقاء منزلة الابتداء وهو قول الشافعي ووجه الاستحسان أن الدخول هو الانفصال من الخارج إلى الداخل وهذا الفعل مما لا يمتد فلا يقال دخل يوما وإذا لم يكن ممتدا لا يكون بقاؤه كابتدائه ونظيره لا يخرج وهو خارج لا يحنث حتى يدخل ويخرج وكذا لا يتزوج وهو متزوج ولا يتطهر وهو متطهر فاستدام الطهارة والنكاح لا يحنث كما في الفتح
وفي لا يلبس هذا الثوب وهو أي والحال أن الحالف لابسه أو لا يركب هذه الدابة وهو راكبها أو لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها ثم شرع في النشر على الترتيب فقال إن أخذ أي شرع الحالف في النزع أي نزع الثوب والنزول من الدابة والنقلة بالضم والسكون اسم لا مصدر أي انتقاله من باب الدار من غير لبث متعلق للجميع لا يحنث وقال زفر يحنث لوجود الشرط وإن قل قلنا اليمين شرعت للبر فزمان تحصيل البر مستثنى وإلا أي وإن لم يأخذ في النزع والنزول والنقلة ولبث على حاله ساعة حنث لأن هذه الأفعال مما تمتد ويضرب لها آجال ويقال لبثت يوما وركبت يوما وسكنت شهرا فأعطى لبقائها حكم ابتدائها وفيه إشارة إلى أنه لو قال كلما ركبت فأنت طالق وهو راكب فمكث ثلاث ساعات طلقت ثلاثا في كل ساعة طلقة بخلاف ما إذا لم يكن راكبا فركب فإنها تطلق واحدة ولا تطلق بالاستمرار
وفي البحر تفصيل فليراجع ثم في لا يسكن هذا البيت أو هذه الدار لا بد من خروجه بجميع أهله بالاتفاق إلا أن يمنع مانع منه كما لو أبت المرأة أن تنتقل وغلبته وخرج هو ولم يرد العود فإنه لا يحنث ومتاعه حتى لو بقي وتد من متاعه يحنث عند الإمام كما يحنث لو بقي شيء لا قيمة له لكن في الكافي وغيره أن مشايخنا قالوا هذا إذا كان الباقي مما يقصد به السكنى فأما ببقاء مكنسة أو وتد أو قطعة حصير لا يبقى ساكنا فلا يحنث وعند أبي يوسف يعتبر نقل الأكثر لتعذر نقل الكل وعليه الفتوى كما في المحيط والكافي وغيرهما وعند محمد نقل ما يقوم به كدخدائيته أي يعتبر نقل ما لا بد في البيت من آلات
____________________
(2/281)
الاستعمال وهو أي قول محمد الأحسن والأرفق بالناس ورجحه صاحب الهداية
وفي الفتح وعليه الفتوى لكن في البحر الفتوى بمذهب الإمام أولى لأنه أحوط وإن كان غيره أرفق هذا إذا كان مستقلا بسكناه لأن الحالف لو كان سكناه تبعا كابن كبير ساكن مع أبيه وامرأة مع زوجها فحلف أحدهما لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه وترك أهله وماله وهي زوجها ومالها لا يحنث ثم قالوا هذا إذا كانت اليمين بالعربية فلو عقد بالفارسية فخرج بنفسه بعزم أن لا يعود لا يحنث والكل مقيد بالإمكان حتى لو خرج بنفسه واشتغل بطلب دار أخرى لنقل الأهل والمتاع أو خرج لطلب دابة لينتقل عنها المتاع فلم يجد أياما لم يحنث أو كانت اليمين في جوف الليل ولم يمكنه أن يخرج حتى أصبح أو كانت الأمتعة كثيرة فخرج وهو ينتقل الأمتعة بنفسه كما ينتقل الناس فإن نقل لا كما ينتقل الناس يكون حانثا أو وجد باب الدار مغلقا ولم يقدر على الفتح ولا على الخروج منه وكذا لو قدر على الخروج لهدم بعض الحائط ولم يهدم لا يحنث بخلاف ما إذا قال إن لم أخرج من هذه الدار اليوم فقيد ومنع من الخروج أياما يحنث على الصحيح ثم لا بد من نقلته أي ينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى لا يبر بنقلته
____________________
(2/282)
إلى السكة أو المسجد استدلالا بما ذكر في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره فلم يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه في حق الصلاة فكذا هذا وذكر أبو الليث لو انتقل إلى السكة وسلم الدار إلى صاحبها أو آجرها وسلمها بر في يمينه وإن لم يتخذ دارا أخرى لأنه لم يبق ساكنا انتهى
هذا أرفق ولعل الفتوى عليه لكن في الظهيرية أن الصحيح أنه يحنث ما لم يتخذ مسكنا آخر
وكذا أي لا بد من خروجه بجميع أهله بالاتفاق وعياله بالاختلاف كما مر في حلفه لا يسكن هذه المحلة لأن المحلة بمنزلة الدار
وفي لا يسكن هذه البلدة أو القرية يبر بخروجه وترك أهله ومتاعه فيها لأنه لا يعد ساكنا فيه لأن الرجل يكون ساكنا في مصر وله في مصر آخر أهل ومتاع والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب كما في الهداية وفي لا يخرج من هذه الدار مثلا فأمر الحالف من حمله وأخرجه عنها حنث لأن فعل المأمور ينتقل إلى الآمر فصار كدابة يركبها فيخرج عليها ولو حمل الحالف وأخرج بلا أمره حال كونه مكرها بحيث لا يمكنه أو راضيا بقبله إلا أنه لم يأمر لا يحنث في الصحيح أما في الأول فلعدم فعله حقيقة وهو ظاهر وحكما لعدم الأمر منه والثاني فلأن انتقال الفعل بالأمر لا الرضى فلو هدده فخرج حنث لوجود الفعل منه حقيقة وإذا لم
____________________
(2/283)
يحنث فيهما لا ينحل في الصحيح لعدم فعله وقيل ينحل ويظهر أثر هذا الخلاف فيما لو دخل بعد هذا الإخراج هل يحنث فمن قال انحلت قال لا يحنث ومن قال لا ينحل قال حنث ووجبت الكفارة وهو الصحيح كما في البحر وغيره وما في القهستاني من أن اللائق بالكتاب أن يترك هذه الجملة لأنه مفهوم بسابقه ليس بسديد لأنه محل الخلاف والعجب منه أنه صرح في قوله مكرها فقال بحيث لا يمكنه الامتناع وإلا فقد اختلف فيه المشايخ وينبغي أن لا يحنث عند الشيخين كما في المحيط تأمل ومثله أي لا يخرج لا يدخل هذه الدار أقساما وحكما فالأقسام أن يخرج بأمره وأن يخرج بلا أمره إما مكرها أو راضيا والحكم الحنث في الأول وعدمه في الآخرين كما في الدرر لكن الأولى أن يصور بالدخول فقال أن يدخل في مكان أن يخرج لكونه موضوع المسألة تأمل وفي لا يخرج منها إلا إلى جنازة مثلا فخرج من باب داره إليها حال كونه يريدها ثم أي بعد الخروج والإرادة أتى حاجة أخرى لا يحنث بالإجماع لأنه لم يوجد الخروج إلى ما حلف عليه وإنما خرج إلى الجنازة وأنه مستثنى من اليمين والإتيان بعد ذلك ليس بخروج كما لو قال إن خرجت منها إلى المسجد فأنت طالق فخرجت تريد المسجد ثم بدا لها فذهبت إلى غير المسجد لم تطلق كما في البدائع
وفي لا يخرج من بلده إلى مكة مثلا والأولى اختيار غيرها من البلدان لأنه لا يليق بالمسلم فخرج من ربضه حال كونه يريدها ثم رجع إليه حنث لوجود الخروج قاصدا إليها وهو الشرط إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج وإنما قلنا من ربضه لأنه
____________________
(2/284)
لو خرج قاصدا مكة ولم يجاوز عمران مصره لا يحنث بخلاف الخروج إلى الجنازة هذا إذا كان بينها مدة السفر أما لو لم يكن فينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل كما في الفتح وغيره فبهذا علم أن المصنف أطلق في محل التقييد تأمل وفي لا يأتيها أي مكة لا يحنث ما لم يدخلها فإن الإتيان عبارة عن الوصول كما لا يحنث لو حلف أن لا تأتي امرأته عرس فلان فذهبت قبل العرس وكانت ثمة حتى مضى العرس وتمامه في البحر والذهاب معنى كالخروج فإذا حلف لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها حنث في الأصح على ما روي عن الصاحبين فيشترط الخروج كما في أكثر المعتبرات وقيل هو كالإتيان فيشترط الوصول وهو الصحيح كما في الخلاصة لكن الأول هو المعتمد فلهذا قدمه ما نوى لأنه محتمل كلامه وفي والله ليأتين فلانا فلم يأته حتى مات حنث في آخر جزء من أجزاء حياته لأن عدم الإتيان حينئذ يتحقق لا قبله وفي الغاية وأصل هذا أن الحالف في اليمين المطلقة لا يحنث ما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين لتصور البر فإذا مات أحدهما فإنه يحنث فعلى هذا أن الضمير في قوله حتى مات يعود إلى أحدهما أيهما كان لا أنه خاص بالحالف كما هو المتبادر
وإن قيد الإتيان غدا بالاستطاعة فهو محمول على سلامة الآلات وعدم الموانع الحسية فينصرف اللفظ إليهما عند الإطلاق
وفي البحر فهي استطاعة الصحة لأنها هي المراد في العرف فهي سلامة الآلات وصحة الأسباب
وفي المبسوط الاستطاعة رفع الموانع فلو لم يأت و الحال لا مانع من مرض أو سلطان أو عارض آخر حنث إلا إذا نسي اليمين ينبغي أن يحنث كما في البحر لأن النسيان مانع
____________________
(2/285)
وكذا لو جن فلم يأته حتى مضى الغد
ولو نوى الاستطاعة الحقيقة وهي القدرة التي يحدثها الله تعالى في العبد عند الفعل وذا شرط عند الجمهور لا علة كما في القهستاني صدق ديانة لأنه محتمل كلامه لا قضاء في القول المختار لأنه خلاف الظاهر
وفي رواية صدق فإن الإنسان إذا نوى حقيقة كلامه فإن كان الظاهر لا يخالفه صدق ديانة وقضاء وإلا ففي تصديقه قضاء روايتان والمختار عدم التصديق فلهذا قال في المختار
وفي القهستاني إن الاستطاعة استطاعة الأموال كالزاد والراحلة واستطاعة الأفعال كالأعضاء السليمة واستطاعة الأحوال وهي القدرة على الأفعال لا يتقدم عليها بخلاف الأولين ويسميان بالتوفيقية والأخيرة بالتكليفية
وفي لا تخرج امرأته إلا بإذنه أي بإذن الزوج أي لا تخرج خروجا إلا خروجا ملصقا بإذنه شرط الإذن لكل خروج لأن النكرة وقعت في حيز النفي فتعم ولو نوى الإذن مرة صدق ديانة
لأنه محتمل كلامه لا قضاء لأنه خلاف الظاهر وهو قول أبي يوسف وعليه الفتوى والحيلة في ذلك أن يقول لها كلما أردت الخروج فقد أذنت لك وفيه إشارة إلى أنه يشترط ذلك الشرط في غير إذني وكذا في إلا برضائي أو إرادتي أو أمري وإلى أنه لو أذن بلا فهم لكونها نائمة أو عجمية فليس بإذن لا يتحقق بدون العلم في قول الطرفين على الصحيح
وفي البحر وفي قوله إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق لا يحنث بخروجها بوقوع غرق أو حرق غالب فيها وفي إلا إن أي حتى أذن يكفي الإذن مرة فلا يحنث إن خرجت بلا إذن بعدما خرجت بإذن مرة لأن إلا إن للغاية فتنتهي اليمين به
وفي الكافي وغيره سؤال وجواب فليطالع وفي لا تخرج إلا بإذنه لو أذن لها فيه أي في الخروج متى شاءت يعني إذا قال إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق ثم قال لها أذنت
____________________
(2/286)
لك أن تخرجي كلما شئت ثم نهاها عن الخروج فخرجت لا يحنث عند أبي يوسف لأن نهيه بعد إذنه العام لا يفيد لارتفاع اليمين بعد الإذن العام خلافا لمحمد لأنه لو أذن لها بالخروج مرة ثم نهاها يعمل نهيه اتفاقا فكذا بعد الإذن العام
وفي الذخيرة وغيرها الفتوى على قول محمد فعلى هذا لو قدمه لكان أولى كما هو دأبه تدبر
ولو أرادت المرأة الخروج فقال الزوج إن خرجت فأنت طالق أو أرادت ضرب العبد فقال إن ضربت فعبده حر تقيد الحنث بالفعل فورا أي تقيد يمينه بتلك الخرجة والضربة فلو لبثت ساعة ثم فعلت أي خرجت أو ضربت لا يحنث الحالف وهذه يمين الفور مأخوذ من فارت القدر إذا غلت فاستعير للسرعة ثم سميت به الحالة التي لا لبث فيها وتفرد الإمام بإظهارها ولم يسبقه أحد فيه وكانوا من قبل يقولون اليمين نوعان مطلقة كلا يفعل كذا وموقتة كلا تفعل كذا اليوم فخرج قسما ثالثا وهي الموقتة معنى المطلقة لفظا وفيه إشارة إلى أنه لو قال إن لم أخرج أو لم أذهب من هذه الدار ونوى الخروج والذهاب دون السكنى والفور لم يحنث بالتوقف وإلى أنه لو نوى السكنى أو الفور أو دل عليه دليل حنث كما في خزانة المفتيين
قال لآخر اجلس فتغد معي فقال إن تغديت فكذا أي فعبدي حر مثلا لا يحنث بالتغدي لا معه أي بدونه
ولو وصلية في ذلك اليوم لأن مراد المتكلم الزجر عن تلك الحالة فيتقيد بها لأن المطلق يتقيد بالحال فينصرف إلى الغداء المدعو إليه والقياس أن يحنث وهو قول زفر والأئمة الثلاثة لأنه عقد يمينه على مطلق الغداء فيتناول كل غداء إلا أن قال إن تغديت اليوم أو معك فعبدي حر فتغدى في بيته أو معه في وقت آخر يحنث لأنه زاد على قدر الجواب فيجعل مبتدأ
وفي لا يركب دابة فلان أي حلف عليه فركب دابة عبد له أي لفلان مأذون لا يحنث إلا إن نواه أي مركب مأذون وهو الحال أن العبد غير مستغرق بالدين فحينئذ يحنث لأن مركبه لمولاه فإن كان دينه مستغرقا لا
____________________
(2/287)
يحنث وإن نوى لأنه لا ملك للمولى في كسب عبده المديون المستغرق عند الإمام وعند أبي يوسف يحنث مطلقا سواء كان عليه دين أو لا إن نواه لأن عنده استغراق كسب العبد بالدين لا يمنع ملك المولى إلا أنه يشترط فيه النية لاختلال الإضافة وعند محمد وهو قول الأئمة الثلاثة يحنث مطلقا وإن لم ينوه اعتبارا لحقيقة الملك الثابت للسيد إذ استغراق الدين بالكسب لا يمنع ملك المولى عنده قيد بالمأذون لأن مركب المكاتب ليس مركبا لمولاه فلا يحنث بالاتفاق
وفي البحر حلف لا يركب فاليمين على ما يركبه الناس من الفرس والبغل وغير ذلك فلو ركب ظهر إنسان لا يحنث لأن أوهام الناس لا تسبق إلى هذا حلف لا يركب دابة ولو لم ينو شيئا فركب حمارا أو فرسا أو برذونا أو بغلا حنث فإن ركب غيرها نحو البعير والفيل لا يحنث استحسانا إلا أن ينوي ولو حلف لا يركب فرسا فركب برذونا أو بالعكس لا يحنث لأن الفرس اسم للعربي والبرذون للعجمي والخيل ينتظم الكل وهذا إذا كانت اليمين بالعربية فإن كانت بالفارسية يحنث بكل حال ولو حلف لا يركب دابة فحمل على الدابة مكرها لا يحنث وإن حلف لا يركب أو لا يركب مركبا فركب سفينة أو محملا أو دابة حنث ولو ركب آدميا ينبغي أن لا يحنث انتهى
وفي التبيين لو حلف لا يركب حيوانا يحنث بالركوب على إنسان لأن اللفظ يتناول جميع الحيوان والعرف العملي وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا انتهى لكن يشكل بما سبق من أن الأيمان مبنية على العرف لا على الألفاظ ولا على الحقيقة اللغوية قالوا في الأصول الحقيقة تترك بدلالة العادة إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا تأمل
____________________
(2/288)
باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام الأكل إيصال ما يحتمل المضغ بفيه إلى الجوف مضغ أو لا كالخبز واللحم والفاكهة ونحوها والشرب إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف مثل الماء والنبيذ واللبن والعسل فإن وجد ذلك يحنث وإلا فلا إلا إذا كان ذلك يسمى أكلا أو شربا في العرف والعادة فيحنث فإذا حلف لا يأكل كذا ولا يشرب فأدخله في فيه ومضغه ثم ألقاه لم يحنث حتى يدخله في جوفه ولو حلف لا يأكل هذه البيضة أو الجوزة فابتلعها حنث لوجود الأكل ولو حلف لا يأكل رمانا فجعل يمصه ويرمي بثفله ويبتلع ماءه لم يحنث لأن هذا مص ليس بأكل ولا شرب وأما الذوق فهو معرفة الشيء بفيه من غير إدخال عينه ألا ترى أن الأكل والشرب يفطر لا الذوق
وفي البحر لو حلف لا يذوق في منزل فلان طعاما ولا شرابا فذاق شيئا أدخله في فيه ولم يصل إلى جوفه حنث
فإذا علم هذه لو حلف لا يأكل من هذه النخلة فهو أي الأكل يقع على ثمرها بالمثلثة ودبسها غير المطبوخ لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منها بلا صنع أحد تجوزا باسم السبب وهو النخلة في المسبب وهو الخارج لأنها سبب فيه لكن شرطه أن لا يتغير بصفة حادثة فلذا قيده بغير المطبوخ وقال لا يقع على نبيذها وخلها ودبسها المطبوخ لأنها وإن كانت مما يخرج منها إلا أنها تغيرت بصفة جديدة
وفي الغاية وقيد الدبس بالمطبوخ وإن كان الدبس لا يكون إلا مطبوخا احترازا عما إذا أطلق اسم الدبس على ما يسيل بنفسه من الرطب فإنه يحنث بالرطب والتمر والبسر والرامخ والجمار والطلع كما في المنح وغيره وفيه إشارة إلى أنه لو قطع منها غصن فوصل بأخرى فأثمر فأكل من ثمرها لا يحنث وإلى أنه لا يحنث بأكل عين النخلة وإلى أنه لو كان عين الشجر مما يؤكل حنث بأكل عينها كقصب السكر وإلى أنه لو لم تكن للشجر ثمر تصرف يمينه إلى ثمنها فيحنث إذا اشترى به مأكولا وأكله وهذا إذا لم تكن له نية وإلا فعلى ما نوى إن احتمله اللفظ
____________________
(2/289)
كما في القهستاني
أو من هذه الشاة فهو على اللحم أي يحنث بأكل اللحم خاصة دون اللبن والزبد لأن عين الشاة مأكولة فتنعقد اليمين عليها
وفي البحر لو حلف لا يأكل من هذا العنب لا يحنث بزبيبه وعصيره لأن حقيقته ليست مهجورة فيتعلق الحلف بمسمى العنب وفي حلفه لا يأكل من هذا البسر فأكله أي أكل ذلك البسر حال كونه رطبا لا يحنث وكذا من هذا الرطب أو اللبن أي إذا حلف لا يأكلهما فأكله أي أكل ذلك الرطب حال كونه تمرا أو أكل ذلك اللبن حال كونه شيرازا لا يحنث إذ هذه صفات داعية إلى اليمين فيتقيد بها بخلاف لا يكلم هذا الصبي فكلمه بعدما صار شابا أو شيخا أو لا يأكل لحم هذا الحمل فأكله بعدما صار كبشا حيث يحنث لأن صفة الصبا والشباب وإن كانت داعية إلى اليمين لكن هجرانه لأجل صباه منهي عنه لأنا أمرنا بتحمل أخلاق الفتيان ومرحمة الصبيان فكان مهجورا شرعا والمهجور شرعا كالمهجور عادة فلا يعتبر وتتعلق اليمين بالإشارة وأما الحمل فلأنه ليس فيه صفة داعية إلى اليمين والأصل أن اليمين متى انعقد على شيء بوصف فإن صلح داعيا إلى اليمين به يتقيد به سواء كان معرفا أو منكرا احترازا عن الإلغاء وإن لم يصلح فإن كان المحلوف عليه منكرا يتقيد به أيضا لأن الوصف مقصود باليمين وإن كان معرفا لا يتقيد فعلى هذا وفي حلفه لا يأكل بسرا فأكله رطبا لا يحنث وفي هذا المحل كلام في الدرر على صدر الشريعة فليطالع
ولو أكل مذنبا بعدما حلف لا يأكل بسرا حنث وكذا لو أكله
____________________
(2/290)
أي المذنب بعدما حلف لا يأكل رطبا حنث عند الإمام وقالا وهو قول الأئمة الثلاثة لا يحنث فيهما ولو أكله أي المذنب سواء كان رطبا مذنبا أو بسرا مذنبا بعد حلفه لا يأكل رطبا ولا بسرا حنث اتفاقا
وفي الكافي حلف لا يأكل بسرا أو لا يأكل رطبا أو حلف لا يأكل رطبا لا بسرا فأكل مذنبا حنث سواء أكل رطبا مذنبا أو بسرا مذنبا هذا عند الطرفين
وقال أبو يوسف إن حلف لا يأكل رطبا فأكل رطبا مذنبا حنث وإن أكل بسرا مذنبا لا يحنث وإن حلف لا يأكل بسرا فأكل بسرا مذنبا حنث وإن أكل رطبا مذنبا فعلى الخلاف وذكر في الهداية قول محمد مع قول أبي يوسف والنسخ المعتبرة كشروح الجامع الصغير والمبسوط والمنظومة والأسرار والإيضاح وغيرها تشهد لما ذكرت والبسر المذنب بكسر النون المشددة الذي أكثره بسر وشيء منه رطب والرطب المذنب الذي أكثره رطب وشيء منه بسر فالحاصل أنه اعتبر الغالب إذ المغلوب في مقابلته كالمعدوم عرفا فالذي عامته رطب يسمى رطبا عرفا لا بسرا وشرعا إذ العبرة للغالب في الأحكام الشرعية كما في الرضاع وغيره ولهذا لو حلف لا يشتري رطبا فاشترى بسرا مذنبا لا يحنث ولهما أنه أكل المحلوف عليه وزيادة فيحنث ولهذا لو ميزه وأكله يحنث إجماعا فكذا إذا أكله مع غيره انتهى فبهذا علم أن عبارة المصنف لا تخلو عن شيء تأمل
وفي حلفه لا يشتري رطبا فاشترى كباسة بسر بالكسر هي عنقود النخل فيها رطب لا يحنث لأن الشراء صادف المجموع وكان الرطب تابعا وكذا لو حلف لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها شعير حبة حبة يحنث لأن الأكل صادف شيئا شيئا فكان كل واحد منهما مقصودا وإن حلف على الشراء لم يحنث كما في الفتح والقهستاني إذ المتبادر من إضافة الكباسة إلى البسر وجعلها ظرفا للرطب أن البسر غالب فلو كان الرطب غالبا أو هو والبسر متساويين ينبغي أن يحنث كما لو اشترى بسرا مذنبا لما تقدم أن المغلوب تابع
وفي حلفه لا يأكل لحما أو بيضا بلا نية فأكل لحم سمك أو بيضة لا يحنث والقياس أن يحنث وهي
____________________
(2/291)
رواية شاذة عن أبي يوسف وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه يسمى لحما كما في القرآن وجه الاستحسان أن الأيمان مبنية على العرف لا على ألفاظ القرآن كما بيناه آنفا فإنه لو حلف لا يركب دابة فركب كافرا أو لا يجلس على وتد فجلس على جبل لا يحنث وإن سمي فيه دابة وأوتادا والعرف معنا ولهذا لا يستعمل استعمال اللحم لاتخاذ الباجات منه وبائع السمك لا يسمى لحاما إلا أن ينوي فحينئذ يعتبر لأنه لحم من وجه وفيه تشديد عليه وكذا الحكم في بيضه لأن اسم البيض عرفا يتناول بيض الطير بما له قشر فلا يدخل فيه بيض السمك إلا بنية
وكذا في الشراء أي حلف لا يشتري لحما أو بيضا فاشترى لحم السمك أو بيضه لا يحنث لما بيناه
ولو أكل لحم إنسان أو خنزير في لا يأكل لحما حنث لوجود صورة اللحم ومعناه لأنه ينشأ من الدم إلا أنه حرم أكله شرعا وذا لا يبطل حقيقته فربما دعا إلى اليمين حرمته ألا ترى لو حلف لا يشرب شرابا يحنث بالخمر وإن كانت حراما لأنها شراب حقيقة وذكر العتابي أنه لا يحنث وعليه الفتوى كما في الكافي
وفي البحر هذا هو الحق اعتبارا للعرف وكذا أي يحنث في لا يأكل لو أكل كبدا أو كرشا لأن منشأ هذه الأشياء من الدم والاختصاص باسم آخر لا للنقصان كالرأس والكراع قال صاحب المحيط هذا في عرف أهل الكوفة وفي عرفنا لا يحنث فلذا قال والمختار أنه لا يحنث بهما بالكبد والكرش في عرفنا وفي الاختيار وغيره الكرش والكبد والرئة والفؤاد والرأس والأكارع والأمعاء والطحال لحم لأنها تباع مع اللحم وهذا في عرفهم وأما في البلاد التي لا تباع مع اللحم فلا يحنث اعتبارا للعرف في كل بلدة في كل زمان فيكون الاختلاف اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان
وفي الفتح وعلى المفتي أن يفتي بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه الحلف انتهى فإذا عرفت هذا فاعلم
____________________
(2/292)
أن ما في الخانية رجل حلف أن لا يشرب الشراب ولم ينو شيئا كانت اليمين على الخمر قال في عرفنا يقع اليمين على كل مسكر محمول على عرف بلده وزمانه لأن في عرفنا لا يطلق إلا على الخمر فينبغي أن لا يحنث في شرب غيره فالعجب أن بعض المفتين في ديارنا أفتوا بالحنث في هذه المسألة في شرب المسكر فلم أطلع على سببه تأمل فإنه من مزالق الأقدام كما لو أكل ألية بعدما حلف لا يأكل لحما فإنه لا يحنث لأنه نوع آخر
وفي حلفه لا يأكل شحما يتقيد بشحم البطن فلا يحنث عند الإمام وهو قول مالك والشافعي في الأصح بشحم الظهر وهو الذي خالطه لحم خلافا لهما فإنه يحنث عندهما بشحم الظهر أيضا لوجود خاصية الشحم وهو الذوب بالنار وله أنه لحم حقيقة ألا يرى أنه ينشأ من الدم ويستعمل استعماله وتحصل به قوة ولهذا يحنث بأكله في اليمين على أكل اللحم فلا يحنث ببيعه في اليمين على بيع الشحم وذكر الطحاوي أنه قول محمد أيضا وقيل هذا بالعربية فأما اسم يبه بالفارسية لا يقع على شحم الظهر بحال كما في الهداية وما في الكافي من أن الشحوم أربعة شحم البطن وشحم الظهر وشحم مختلط بالعظم وشحم على ظاهر الأمعاء واتفقوا على أنه يحنث بشحم البطن والثلاثة على الخلاف لا يخلو من نظر بل لا ينبغي خلاف في عدم الحنث بما في العظم قال الإمام السرخسي إن أحدا لم يقل بأن مخ العظم شحم انتهى وكذا لا ينبغي خلاف في الحنث بما في الأمعاء لأنه لا يختلف في تسميته شحما كما في الفتح ولو أكل ألية أو لحما بعدما حلف لا يأكل شحما لا يحنث اتفاقا لما مر
وفي الخلاصة لو حلف لا يأكل لحما حنث بأكل لحم الإبل والغنم والبقر والطيور مطبوخا كان أو مشويا أو قديدا كما ذكره في الأصل فهذا من محمد إشارة إلى أنه لا يحنث بالألية وهو الأظهر وعند الفقيه أبي الليث يحنث
وفي الخانية لو حلف أن لا يأكل لحم البقر فأكل لحم الجاموس أو بالعكس حنث قال بعضهم لا يكون حانثا
وقال بعضهم إن حلف أن لا يأكل لحم البقر فأكل لحم الجاموس حنث وبالعكس لا يحنث وهذا أصح من الأولى قال مولانا وينبغي أن لا يحنث في الفصلين جميعا لأن الناس يفرقون بينهما وهو كما لو حلف أن لا يأكل لحم الشاة فأكل لحم العين سواء كان الحالف مصريا أو قرويا وعليه الفتوى
وفي المنح حلف لا يأكل من هذا الحمار يقع على كرائه ولو حلف لا يأكل من هذا الكلب
____________________
(2/293)
إنما يقع على صيده ولا يقع على لحمه وفي حلفه لا يأكل من هذه الحنطة يتقيد بأكلها قضما بفتح القاف وسكون الضاد المعجمة الأكل بأطراف الأسنان فلا يحنث بأكل خبزها عند الإمام حتى يأكل عينها وبه قال مالك والشافعي خلافا لهما أي قالا كما يحنث بأكل عينها يحنث بأكل خبزها على الصحيح لأن أكل الحنطة مجاز عرفا عن أكل ما يتخذ منها فينصرف إليه إلا أنه إذا أكلها قضما يحنث أيضا لأنه مستعمل في معناها حقيقة فصار كما إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخلها حافيا أو راكبا يحنث وإنما قلنا على الصحيح احترازا عن رواية الأصل أنه لا يحنث عندهما إذا قضمها وله أن الكلام إذا كان له حقيقة مستعملة فالعمل بها أولى من المجاز المتعارف فصار كما لو حلف لا يأكل من هذه الشاة فأكل لبنها لا يحنث هذا إذا لم ينو شيئا وإن نوى أن لا يأكل حبا حبا يحنث بأكلها حبا حبا ولا يحنث بأكل حيزها اتفاقا ولو أكل من زرع البر المحلوف عليه لم يحنث كما في المحيط
وفي حلفه لا يأكل من هذا الدقيق يحنث أكل خبزه فلو أكل عصيدته يحنث لأنه قد تؤكل كذلك لأن أكل الدقيق هكذا يكون عند العقلاء فينصرف إلى ما هو المعتاد بينهم كما في المحيط والإفراد بذكر الخبز من المصنف ليس لنفي ما يتخذ منه بل لكونه كثير الاستعمال أورده على سبيل التمثيل غايته أنه صرح بالخبز لأنه هو الأصل والغير تبع له يؤيده قوله متصلا به لا بسفه أي لا يحنث بسف عين الدقيق لأن عينه غير مأكول بخلاف الحنطة فانصرف إلى ما يتخذ منه لتعين المجاز مرادا كما لو أكل عين النخالة كما مر في الصحيح احتراز عن قول بعض المشايخ أنه يحنث بالسف وبه قال الشافعي ومالك لأنه أكل الدقيق حقيقة والعرف وإن اعتبر فالحقيقة لا تسقط به وإن عنى أكل الدقيق بعينه لم يخنث بأكل الخبز لأنه نوى حقيقة كلامه والخبز يقع على ما اعتاده أهل مصره أي مصر الحالف إلا عند الشافعي ومالك فإنه أي خبز كان يحنث بأكله كخبز البر والشعير فإذا حلف لا يأكل خبزا حنث بأكل خبز البر والشعير ببلاد يعتاد فلو كان بموضع لا يعتاد فيه خبز الشعير مثلا لم يحنث
____________________
(2/294)
بأكله كما في البحر فلا يحنث بخبز القطائف لأنه لا يسمى خبزا مطلقا أو خبز الأرز بالعراق لأنه غير معتاد عندهم حتى لو كان في بلد يعتاد ذلك كطبرستان حنث ويحنث الحجازي واليمني بخبز الذرة لأنهم يعتادونه إلا إذا نواه فإنه حينئذ يحنث به لأنه يحتمله
وفي البحر ودخل في الخبز الكماج ولا يحنث بالثريد
وفي الخلاصة حلف لا يأكل من هذا الخبز فأكله بعدما تفتت لا يحنث ولا يحنث بالعصيدة والططماج ولا يحنث لو دقه فشربه وعن الإمام في حيلة أكله أن يدقه فيلقيه في عصيدة ويطبخ حتى يصير الخبز هالكا
وفي الظهيرية لو حلف لا يأكل خبز فلانة فالخبازة هي التي تضرب الخبز في التنور دون التي تعجنه وتهيئه للضرب فإن أكل من خبز التي ضربته حنث وإلا فلا والشواء يقع على اللحم لا على الباذنجان أو الجزر أو البيض لأنه يراد به اللحم المشوي عند الإطلاق إلا إذا نواه لأن فيه تشديدا على نفسه والطبخ يقع على ما يطبخ من اللحم بالماء وهذا استحسان اعتبارا للعرف والقياس أن يحنث في اللحم وغيره مما هو مطبوخ لكن الأخذ بالقياس متعذر إذ المسهل من الدواء مطبوخ فيصرف إلى خاص وهو متعارف وهو اللحم المطبوخ بالماء وعلى مرقه لما فيه من أجزاء اللحم ولأنه يسمى طبخا فلم يحنث بأكل قلبة يابسة لا مرق فيها
وفي الزاهدي قلت هذا في عرفهم أما في عرفنا يحنث لكل مطبوخ
وقال يعقوب باشا ينبغي أن يحنث بطبخ بلا لحم في هذا الزمان لإطلاقهم عليه طبخا عرفا تأمل إلا إذا نوى غير ذلك وعن ابن سماعة الطبيخ يكون مع الشحم فإن طبخ عدسا أو أرزا بودك فهو طبخ وإن كان بسمن أو زيت فليس بطبيخ ولو حلف لا يأكل طبيخ فلان فطبخ هو وآخر وأكل الحالف منه حنث لأن كل جزء منه يسمى طبيخا وكذا من خبز فلان فخبز هو وآخر وكذا من رمان
____________________
(2/295)
اشتراه فلان فاشتراه هو وآخر وكذا لا يلبس من نسج فلان فنسج هو وآخر ولو قال من قدر طبخها فلان فأكل ما طبخاه لم يحنث لأن أكل جزء من القدر ليس بقدر ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فلا بد أن يكون جميعه من غزلها حتى لو كان فيه جزء من ألف جزء من غزل غيرها لم يحنث كما في الاختيار والرأس على ما يباع في مصره أي مصر الحالف ويكبس أي يدخل في التنانير جمع تنور فيحنث بأكل رأس الغنم والبقر عند الإمام وأما عندهما فبأكل رأس الغنم خاصة والمعول عليه في زماننا العادة كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا أن ما في التبيين من أن الأصل اعتبار الحقيقة اللغوية إن أمكن العمل بها وإلا فالعرف مردود لأن الاعتبار إنما هو العرف وتقدم الفتوى على أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي
وفي البحر ولو كان هذا الأصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد على خلافه في الفروع وبما ذكرناه اندفع ما ذكره الإسبيجابي من أنه في الأكل يقع على الكل إذ كل ما يسمى رأسا وفي الشواء يقع على رأس البقر والغنم عنده وعندهما على الغنم خاصة ولا يقع على رأس الإبل إجماعا انتهى
و تقع الفاكهة على التفاح والبطيخ والمشمش والتين والخوخ والسفرجل والإجاص والكمثرى والجوز واللوز والفستق والعناب لا العنب والرطب والرمان إلا بالنية عند الإمام وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة تقع على العنب والرطب والرمان أيضا
____________________
(2/296)
أي كما تقع على الثلاثة المذكورة ولا تقع على القثاء والخيار اتفاقا لأنهما من البقول وكذا الباقلاء والسمسم والجزر
وفي القهستاني أن اليابس منها كالزبيب والتمر وحب الرمان ليست بفاكهة
وفي المحيط اليابس من الأثمار فاكهة إلا البطيخ وإليه مال شمس الأئمة وذكر في الكشف الكبير أن هذا اختلاف عصر وزمان فالإمام أفتى على حسب عرفه وتغير العرف في زمانهما وفي عرفنا ينبغي أن يحنث بالاتفاق
وفي القهستاني والفتوى على قولهما
وفي المحيط أن العبرة في جميع ذلك العرف فما يؤكل على سبيل التفكه عادة ويعد فاكهة في العرف يدخل تحت اليمين وما لا فلا
و يقع الإدام على ما يصطبغ به على بناء المفعول أي شيء يختبط به الخبز وذلك بالمائع دون غيره كالخل والزيت واللبن والعسل والدبس وكذا الملح فإنه وإن كان لا يؤكل وحده عادة لكنه يذوب في الفم فيحصل الاختلاط في الخبز لا اللحم والبيض والجبن إلا بالنية عند الإمام وهو الظاهر من قول أبي يوسف لأنها تفرد بالأكل وما أمكن أفراده بالأكل ليس بإدام وإن أكل مع الخبز وعند محمد وهو قول الأئمة الثلاثة هي أي اللحم والبيض والجبن إدام أيضا أي كالخل والزيت واللبن والملح وهو رواية عن أبي يوسف وبه أخذ أبو الليث وعليه الفتوى لأن مبناها العرف كما في البحر والتنوير فعلى هذا لو قدمه لكان أولى تأمل والعنب والبطيخ ليسا بإدام في الصحيح يعني بالاتفاق كما ذكره شمس الأئمة السرخسي
وفي العناية هو الصحيح وقال بعض مشايخنا أنه على هذا الاختلاف
وفي المحيط قال محمد التمر والجوز ليس بإدام لأنه يفرد بالأكل في الغالب وكذا العنب والبطيخ والبقل لأنه لا يؤكل تبعا للخبز بل يؤكل وحده غالبا وكذا سائر الفواكه حتى لو كان في موضع يؤكل تبعا للخبز غالبا يكون إداما عنده اعتبارا للعرف وهو الأصل في هذا الباب والغداء والأولى التغدي لأن الغداء حقيقة بالفتح والمداسم
لما يؤكل في الوقت الخاص لا الأكل الأكل أي المأكول الذي يقصد به الشبع عادة فلو أكل لقمة أو لقمتين لم يحنث حتى يزيد على نصف الشبع قال بعض الأفاضل هذا في الغداء والعشاء
____________________
(2/297)
وأما في السحور يحنث بأكل لقمة أو لقمتين
وكذا لو شرب المصري اللبن فيما بين طلوع الفجر والزوال فلو حلف لا أتغدى فأكل فيما بينهما حنث ولو أكل قبله أو بعده لا وجنس المأكول ما يأكله أهل بلده فلو حلف لا يتغدى فشرب اللبن وحصل به الشبع لا يحنث إن كان مصريا ويحنث إن بدويا
وقال الكرخي لو أكل تمرا أو أرزا أو غيره حتى يشبع لا يحنث ولا يكون غداء حتى يأكل الخبز وكذا إن أكل لحما بغير خبز اعتبارا للعرف كما في الاختيار والعشاء والأولى التعشي لأن العشاء بالفتح والمداسم للمأكول في هذا الوقت كما تقدم في الغداء
إلا إذا أكل فيما بين الزوال ونصف الليل فلو حلف لا أتعشى يراد به هذا
وقال الإسبيجابي هذا في عرفهم وأما في عرفنا فوقت العشاء بعد صلاة العصر
وفي البحر هذا هو الواقع في عرف ديارنا لأنهم يسمون ما يأكلونه بعد الزوال وسطانية
والسحور والأولى التسحر لما مر وهو الأكل فيما بين نصف الليل وطلوع الفجر فلو حلف لا أتسحر يراد به هذا
____________________
(2/298)
والتصبح من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى وفي إن أكلت أو شربت أو لبست أو كلمت أو تزوجت أو خرجت فعبدي حر مثلا ولم يذكر مفعوله ونوى أمرا معينا بأن قال نويت الخبز أو اللحم أو نحوه مثلا لا يصدق أصلا لا قضاء ولا ديانة لأن النية إنما تصح في الملفوظ لأن الخبز وما يضاهيه غير مذكور تنصيصا والمقتضى لا عموم له فلغت نية التخصيص فحنث بأي شيء أكل أو شرب أو لبس أو غيره وعند الشافعي يصدق ديانة لأن للمقتضى عموما عنده وهو رواية عن أبي يوسف وبه أخذ الخصاف
وفي الفتح كلام فليطالع ولو زاد طعاما في إن أكلت أو شرابا في إن شربت ونحوه صدق ديانة لا قضاء لأنه نكرة في حيز الشرط فتعم كما تعم في النفي لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي وعلى هذا إن اغتسل ونوى تخصيص الفاعل أو المكان أو السبب بدون ذكره لا يصدق
وفي الفتح لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية لا تصح لأنه تخصيص الجنس ولو نوى حبشية أو عربية صحت فيما بينه وبين الله تعالى لأنه تخصيص الجنس
وفي حلفه لا يشرب من دجلة لا يحنث بشربه منها بإناء ما لم يكرع إلا إذا نوى الاغتراف صدق ديانة والكرع تناول الماء من موضعه بفيه لا بالكف والإناء فلو مد عنقه نحوه وشرب بفيه حنث وهذا عند الإمام خلافا لهما فإنه يحنث بشربه منها بإناء عندهما وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه المتعارف يقال شرب أهل بغداد من دجلة والمراد الشرب بأي شيء كان وله أن حقيقة الشرب من دجلة بالكرع وهي مستعملة فمنعت المصير إلى المجاز وإن كان متعارفا وهذا بناء على أن الكلام إذا كان له حقيقة مستعملة ومجاز متعارف فالعمل بالحقيقة أولى عنده وعندهما العمل بعموم المجاز أولى وفي المجتبى ولجنس هذه المسائل أصل حسن وهو أنه متى عقد يمينه على شيء ليس حقيقة مستعملة وله مجاز متعارف يحمل على
____________________
(2/299)
المجاز إجماعا كما إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة وإن كانت له حقيقة مستعملة يحمل على الحقيقة إجماعا كمن حلف لا يأكل لحما وإن كانت له حقيقة مستعملة ومجاز متعارف فعنده يحمل على الحقيقة وعندهما يحمل عليهما لا بطريق الجمع بين الحقيقة والمجاز ولكن بمجاز يعم أفرادهما وهو الأصح
وإن قال لا يشرب من ماء دجلة حنث بالإناء اتفاقا لأن اليمين عقدت على الماء دون النهر وفيه إشارة إلى أنه إذا شرب من فوق رأسه الماء حنث وإلى أنه حلف على نهر بعينه فشرب من نهر أخذ منه كرعا أو اعترافا لم يحنث ولو حلف من ماء هذا النهر فشرب من نهر أخذ منه حنث
وفي الشمني ولو حلف لا يشرب ماء فراتا أو من ماء فرات يحنث بكل ماء عذب في أي موضع كان
وكذا في الجب والبئر أي حلف لا يشرب من هذا الجب أو من هذه البئر يحنث بشربه بالإناء إجماعا لأنه لا يمكن فيه الكرع فتعين المجاز وإن كان يمكن الكرع فعلى الخلاف ولو تكلف فشرب بالكرع فيما لا يمكن الكرع لا يحنث لأن الحقيقة والمجاز لا يجتمعان
وفي الاختيار هذا في البئر وأما في الحب إن كان ملآنا يمكن الشرب منه لا يحنث إلا بالكرع عنده كما في النهر وفي الإناء بعينه أي لو حلف لا يشرب من هذا الإناء فهو على الشرب بعينه لأنه المتعارف فيه وإمكان البر ورجاء الصدق عند الطرفين شرط صحة انعقاد الحلف المطلق والمقيد سواء كان قسما أو غيره خلافا لأبي يوسف فإن اليمين عقد فلا بد له من محل ومحله عنده خبر في المستقبل سواء كان الحالف قادرا عليه أو لا كمسألة مس السماء وعندهما محل اليمين خبر في رجاء الصدق لأن محل الشيء ما يكون قابلا
____________________
(2/300)
لحكمه وحكم اليمين البر ولا يخفى أن أوائل الكتاب أولى بهذا الأصل
فمن حلف بالله ليشربن ماء هذا الكوز اليوم أو أن أشربه اليوم فعبدي حر مثلا ولا ماء فيه سواء علم به أو لا كما في أكثر الكتب ويؤيده إطلاقه لكن الإسبيجابي قيده بعدم علمه بأن لا ماء فيه وأما إذا علم بأن لا ماء فيه يحنث بالاتفاق لتحقق العدم أو قد كان فيه فصب أو شرب غيره أو مات قبل مضيه أي مضي اليوم لا يحنث عند الطرفين لأنه إذا لم يكن في الكوز ماء فالبر غير ممكن سواء ذكر اليوم أو لا وإن كان فيه ماء فإن ذكر اليوم فالبر إنما يجب عليه في الجزء الأخير من اليوم فإذا صب لم يكن البر متصورا فلا تنعقد اليمين
خلافا له أي فيحنث عند أبي يوسف في الصورتين لأنه انعقدت لكنه يعجز في الأولى ولم تنحل في الثانية بالهلاك
وقال الشافعي ومالك لو تلف بلا اختياره لا يحنث
وكذا أي على هذا الخلاف إن أطلق اليمين و لم يقل الماء ولا ماء فيه إلا إن كان فيه ماء فصب فإنه يحنث بالاتفاق أما عنده فظاهر وأما عندهما فلأن البر يجب عليه كما فرغ من اليمين لكن موسعا بشرط أن لا يفوته في مدة عمره والبر متصور عند الفراغ فانعقدت اليمين إلا أن أبا يوسف يقول إن الحنث في المطلق في الحال وفي الوقت بعد مضي الوقت ومن فروع هذه المسألة ما ذكره التمرتاشي وهو لو قال لامرأته إن لم تهبي مهرك اليوم لي فأنت طالق وقال أبوها إن وهبت مهرك لزوجك فأمك طالق فالحيلة في عدم حنثهما أن تشتري منه بمهرها ملفوفا وتقبضه فإذا مضى اليوم لم يحنث الأب لأنها لم تهب ولم يحنث الزوج لأنها عجزت عن الهبة عند الغروب لأن المهر سقط عن الزوج بالبيع
وفي حلفه ليصعدن أو ليمسن السماء أو ليطيرن في الهواء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا أو ليقتلن زيدا حال كون الحال عالما بموته أي موت زيد انعقدت اليمين لإمكان أن يخلق الله تعالى هذه الأفعال في حقه كما في حق بعض الأولياء
وقال زفر والشافعي لا تنعقد لأنه مستحيل
____________________
(2/301)
عادة فأشبه المستحيل حقيقة وحنث للحال للعجز الثابت عادة بخلاف مسألة الكوز لأنه لم يتصور البر بخلق الله تعالى لأن المخلوق غير المحلوف عليه كما في القهستاني وغيره وفيه بحث من وجهين تأمل وهذا إذا كانت اليمين مطلقة وأما إذا كانت موقتة لا يحنث حتى يمضي ذلك الوقت
وقال زفر يحنث للحال قال الزيلعي وهذا القول لا يستقيم منه لأنه يمنع الانعقاد على ما ذكر آنفا إلا إذا حمل على أن له رواية أخرى انتهى لكن يمكن التوجيه بوجه آخر وهو أن جوابه في الموقت خلاف الجواب في المطلق تأمل قيد بالفعل لأنه لو حلف على الترك بأن قال إن تركت مس السماء فعبدي حر مثلا لم ينعقد لأن الترك لا يتصور في غير المقدور كما في البحر
وإن لم يعلم بموته أي من زيد فلا يحنث عندهما إذ حينئذ يراد القتل المتعارف وهو ممتنع بخلاف ما إذا علم فإنه حينئذ يراد قتله بعد إحياء الله تعالى وهو ممكن خلافا لأبي يوسف لأن إمكان البر ليس شرطا لانعقاد اليمين عنده
وفي حلفه لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح أو هلل أو كبر لا يحنث سواء كان في الصلاة أو خارجها هو المختار اختاره خواهر زاده لأنه لا يسمى متكلما عرفا وشرعا وعند الشافعي يحنث وهو القياس لأنه كلام حقيقة كما في أكثر الكتب وجعل صاحب الكافي قول الشافعي كقول خواهر زاده واختار صاحب الهداية أنه إذا قرأ في الصلاة لا يحنث وفي خارجها يحنث وهو ظاهر المذهب
وفي الكافي قال الفقيه أبو الليث إن عقد يمينه بالفارسية لا يحنث بالقراءة أو التسبيح خارج الصلاة أيضا للعرف فإنه يسمى قارئا مسبحا وعليه
____________________
(2/302)
الفتوى وفي البحر أن المختار للفتوى أن اليمين إن كانت بالعربية لم يحنث بالقراءة في الصلاة ويحنث بالقراءة خارجها وإن كانت بالفارسية لا يحنث مطلقا
وفي الفتح أن قول خواهر زاده مختار للفتوى من غير تفصيل بين عقد اليمين بالعربية أو بالفارسية
وفي المنح فقد اختلف الفتوى والإفتاء بظاهر المذهب أولى انتهى لكن الأولوية غير ظاهرة لما أن مبنى الأيمان على العرف المتأخر ولما علمت من أكثرية التصحيح له ونقل عن تهذيب القلانسي أنه لا يحنث بقراءة الكتب ظاهرا وباطنا في عرفنا تأمل
وفي حلفه لا يكلمه فكلمه بحيث يسمع نفسه وهو أي والحال أن المحلوف عليه نائم حنث إن أيقظه وهو رواية المبسوط وعليه مشايخنا وهو المختار
وفي التحفة وهو الصحيح لأنه إذا لم ينتبه كان كما إذا ناداه من بعيد وهو بحيث لا يسمع صوته وقيل حنث مطلقا سواء أيقظه أو لم يوقظه لأنه قد كلمه ووصل إلى سمعه لكنه لم يفهم لنومه كما إذا ناداه وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله وإليه مال القدوري وصححه الإمام السرخسي
وفي الذخيرة لا يحنث حتى يكلمه بكلام مستأنف بعد اليمين منقطع عنها لا متصل بها فلو قال موصلا إن كلمتك فكذا فاذهبي أو اخرجي أو شتمها متصلا لم يحنث لأنه يكون من تمام الكلام الأول فلا يكون مرادا باليمين ولو كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا لا يحنث كما في الشمني
ولو كلم غيره بعدما حلف لا يكلمه وقصد سماعه لا يحنث لأنه لم يكلمه حقيقة
ولو سلم على جماعة هو فيهم حنث لأن السلام كلام للجميع
وإن نواهم دونه لا يحنث ديانة لعدم القصد ولا يصدق قضاء لأن الظاهر أنه للجماعة والنية لا يطلع عليها الحاكم كما في الاختيار فعلى هذا لو
____________________
(2/303)
قيده بالديانة لكان أوضح
وفي الاختيار ولو كان الحالف إماما فسلم والمحلوف عليه خلفه لا يحنث بالتسليمتين ولو كان الحالف هو المؤتم فكذلك وعن محمد يحنث لأنه يصير خارجا عن صلاة الإمام بسلامه خلافا لهما ولو سبح به في الصلاة أو فتح عليه لم يحنث وفي خارجها يحنث ولو قرع الباب فقال من القارع يحنث قال أبو الليث إن قال بالفارسية كيست لا يحنث لأنه ليس بخطاب وإن قال كي تو يحنث لأنه خطاب له هو المختار
وفي التبيين لو قال لغيره إن ابتدأتك بالكلام فعبدي حر فالتقيا فسلم كل منهما على صاحبه لا يحنث لأنه لم يوجد منه كلام بصفة البداية وهو المحلوف عليه وسقط اليمين عن الحالف لأن كل كلام يوجد من الحالف بعد ذلك يكون بعد وجود الكلام من المحلوف عليه فلا يحنث لأن شرط حنثه أن يكون قبله وعلى هذا لو كان كل واحد منهما حالفا أن لا يتكلم صاحبه والمسألة بحالها لا يحنث كل واحد منهما أبدا لما ذكرنا ولو قال لامرأته إن كلمتك بعد هذا قبل أن تتكلمي فامرأته طالق فقالت إن كلمتك قبل أن تكلمني فجميع ما أملكه حر ثم إن الزوج كلمها بعد ذلك لا يحنث
ولو قال لا أكلمه إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم المأذون إذنه فكلمه حنث عند الطرفين إذ الإذن هو الأعلام خلافا لأبي يوسف فإنه قال لا يحنث لحصول الإذن بدون العلم به
وقال نصير رحمه الله تعالى إن الإذن قد وجد بدون العلم بالإجماع وإنما الخلاف في الأمر كما في القهستاني
وفي حلفه لا يكلمه شهرا فهو من حين حلف لأنه لو لم يذكر الشهر تتأبد اليمين فذكر الشهر لإخراج ما وراءه فبقي ما يلي يمينه داخلا بدلالة حاله بخلاف لأعتكفن أو لأصومن شهرا فإن التعيين يتناول إليه بخلاف ما إذا قال تركت الصوم شهرا فإنه لا يتناول من حين حلفه لأن تركه مطلقا يتناول الأبد فذكر الوقت لإخراج ما وراءه فهو كقوله إن تركت كلامه شهرا أو إن لم أساكنه شهرا كما في المنح
و في حلفه يوم أكلمه لمطلق الوقت
____________________
(2/304)
لأن اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت والكلام لا يمتد وقد مر في الطلاق وتصح نية النهار فقط بالإجماع ديانة وقضاء لإرادة الحقيقة عن أبي يوسف أنه لا يصدق قضاء لأنه خلاف المشهور و في حلفه ليلة كلمه تقع على الليل فحسب دون مطلق الوقت لأنه المستعمل فيه وفي حلفه إن كلمته أي فلانا إلى أن يقدم زيد أو قال إن كلمته حتى يقدم زيد أو قال إن كلمته إلا أن يأذن زيد أو قال إن كلمته حتى يأذن زيد فعبدي حر فكلمه قبل ذلك أي قبل قدومه أو إذنه حنث أي عتق في الوجوه كلها لبقاء اليمين ولو كلمه بعد القدوم أو الإذن لا لانتهاء اليمين وإن مات زيد سقط الحلف عند الطرفين لانتفاء تصور البر وهو شرط الانعقاد عندهما خلافا لأبي يوسف لما تقدم كما لو قال لغيره والله لا أكلمك حتى يأذن لي فلان أو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي فمات فلان قبل الإذن أو برئ من الدين فاليمين ساقطة في قولهما خلافا له وعلى هذا لو حلف ليوفينه اليوم فأبرأه الطالب فيجب أن يعلم إن كلمه ما زال وما دام وما كان غاية منتهى اليمين بها فإذا حلف لا يفعل كذا ما دام ببخارى فخرج تنتهي اليمين بالخروج فلو عاد بعده وفعل لا يحنث
وفي حلفه لا يأكل طعام فلان أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته أو لا يكلم عبده إن عين الطعام والدار والثوب والدابة والعبد بأن قال طعام زيد هذا مثلا وزال ملكه عنها وفعل الحالف واحدا من هذه الأفعال بعد ذلك لا يحنث عند الطرفين خلافا لمحمد في العبد والدار قال في الكافي وغيره في هذه المسألة وعند محمد يحنث لأنه جمع بين الإشارة والإضافة وكل واحد منهما للتعريف إلا أن الإشارة أبلغ في التعريف لأنها تقطع شركة الأغيار والإضافة لا تقطع فاعتبرت الإشارة ولغت
____________________
(2/305)
الإضافة والمشار إليه قائم فيحنث ولهما أن اليمين عقدت على عين مضاف إلى فلان إضافة ملك فلا تبقى اليمين بعد زوال الملك كما إذا لم يشر وهذا لأن هذه الأعيان لا يقصد هجرانها لذواتها بل لأذى من ملاكها واليمين تتقيد بمقصود الحالف فصار كأنه قال ما دام لفلان نظرا إلى مقصوده انتهى فإذا عرفت هذا فاعلم أن خلاف محمد ليس في العبد والدار فقط بل في جميع الأشياء المذكورة من الطعام والثوب وغيرهما وتخصيصه بالعبد والدار مخالف لما في الكافي وغيره والصواب تركه تتبع وفي المتجدد من الأشياء المذكورة بأن اشترى فلان طعاما آخر أو دارا أو ثوبا أو دابة أخرى أو عبدا آخر ففعل الحالف واحدا من هذه الأفعال لا يحنث اتفاقا لوقوع اليمين على المشار إليه
وإن لم يعين الحالف أي أضاف إلى فلان ولم يعين الطعام والدار والثوب والدابة والعبد بل أطلقه بأن قال طعام زيد مثلا لا يحنث لو فعل واحدا من هذه الأفعال المذكورة بعد الزوال أي بعد زوال الإضافة لأنه عقد يمينه على فعل واقع في محل مضاف إلى فلان ولم يوجد فلا يحنث ويحنث بالمتجدد أي بالفعل في المتجدد لوجود الشرط وهو النسبة والإضافة إلى فلان وعدم الإشارة
وفي الكافي وعن أبي يوسف أنه لا يحنث في المتجدد ملكا في الدار لأن الملك لا يستحدث فيها عادة فهو آخر ما يباع وأول ما يشترى فتقيدت اليمين المضافة إليها بالقائمة في ملكه وقت الحلف وعنه في رواية تتقيد اليمين في الجميع بالقائم في ملكه وقت الحلف
وفي حلفه لا يكلم امرأته أو صديقه بحث في المعين بأن قال لا يكلم امرأته هذه أو صديقه هذا يحنث في المعين بعد الإبانة للزوجة والمعاداة للصديق إجماعا لأن الحر يهجر لذاته ولم يظهر أن الداعي معنى في المضاف إليه فلغا وصف الإضافة وتعلقت اليمين بالذات وفي غيره أي غير المعين بأن قال لا يكلم امرأة فلان أو صديق فلان لا يحنث لأن مجرد هجران الحر لغيره محتمل وغير الإشارة إليه والتسمية باسمه يدل على ذلك فلا يحنث بعد زوال الإضافة بالشك إلا في رواية عن محمد لأن المقصود هجرانه والإضافة للتعريف
____________________
(2/306)
فصار كالمشار إليه فيحنث عنده ويحنث بالمتجدد أي بالفعل في المتجدد
وفي الاختيار وغيره ولو لم يكن له امرأة ولا صديق فاستحدث ثم كلمه حنث خلافا لمحمد هذا إذا لم تكن له نية وأما إذ نوى فعلى ما نوى لأنه نوى محتمل كلامه
وفي حلفه لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه أي الطيلسان فكلمه حنث لأن الامتناع لذاته لا للطيلسان فكانت الإضافة للتعريف فتعلقت اليمين بالمعرف ولهذا لو كلم المشتري لا يحنث
حلف لا أكلمه حينا أو زمانا منكرا أو الحين أو الزمان معرفين باللام ولا نية له فهو يقع على ستة أشهر لمجيء الحين له ولساعة ولأربعين سنة فحمل على الوسط وهو ستة أشهر وعند الشافعي ساعة وعند مالك سنة ومعها أي مع النية ما نوى من الزمان اليسير والمديد والوسط لأنه حقيقة كلامه
وإن قال لا أكلمه الدهر أو الأبد معرفين
____________________
(2/307)
باللام فهو على العمر يعني يراد به ما دام حيا بالإجماع ولو قال دهرا منكرا فقد توقف الإمام وعندهما هو كالزمان وبه قالت الأئمة الثلاثة وهذا الاختلاف في المنكر على الصحيح واعلم أن ما توقف فيه الإمام أربع مسائل الدهر والخنثى المشكل ووقت الختان ومحل أطفال المشركين في الآخرة
وفي البحر وقد توقف الإمام في أربع عشرة مسألة وفي هذا التوقف تصريح بكمال علمه وورعه وفيه تنبيه لكل أحد أن لا يستنكف من التوقف فيما لا وقوف له عليه إذ المجازفة افتراء على الله بتحريم الحلال وضده كما في الحقائق
ولو قال لا أكلمه أياما أو شهورا أو سنين فعلى ثلاثة من كل صنف بالإجماع وهو رواية الجامع الكبير وهو الأصح لأنها أقل الجمع وعن الإمام فعلى عشرة
وفي التنوير حلف لا يكلم عبيد فلان أو لا يركب دوابه أو لا يلبس ثيابه ففعل بثلاثة منها حنث إن كان له أكثر من ثلاثة وإلا لا وإن كانت يمينه على زوجاته أو أصدقائه أو إخوته لا يحنث ما لم يكلم الكل
وإن عرف أي قال لا أكلمه الأيام أو الشهور أو السنين فعلى عشرة كأيام كثيرة لأنه جمع معرف فينصرف إلى أقصى ما يذكر من الجمع وهو العشرة عند الإمام هو الصحيح وقالا يقع على جمعة أي على سبعة في الأيام وسنة في الشهور والعمر في السنين وقيل لو كانت اليمين بالفارسية
____________________
(2/308)
فالأيام سبعة بالاتفاق ورأس الشهر وغرة الشهر الليلة الأولى مع اليوم وسلخ الشهر اليوم التاسع والعشرون وأول الشهر من اليوم الأول إلى السادس عشر وآخر الشهر منه إلى الآخر إلا إذا كان تسعة وعشرين فإن أوله إلى وقت الزوال من الخامس عشر وما بعده آخر الشهر وأول اليوم إلى ما قبل الزوال ويحكم العرف في فصول السنة على ما روي عن محمد كما في القهستاني
باب اليمين في الطلاق والعتق الأصل في هذا الباب أن الولد الميت ولد في حق غيره لا في حق نفسه وأن الأول اسم لفرد سابق والآخر لفرد لاحق والأوسط لفرد بين عددين متساويين وأن الشخص متى اتصف بالأولية لا يتصف بالآخرية لتناف بينهما وإن اتصاف الفعل بالأولية لا ينافي اتصافه بالآخرية لأن الفعل الثاني غير الأول قال رجل لامرأته أو قال لأمته إن ولدت فأنت كذا أي طالق أو حرة حنث بالميت أي طلقت المرأة وعتقت الجارية بولد ميت لوجود الشرط وهو ولادة الولد ألا يرى أنه يقال ولدت ولدا حيا وولدت ولدا ميتا
ولو قال لأمته إذا ولدت ولدا فهو أي الولد حر فولدت ولدا ميتا ثم ولدا حيا عتق الولد الحي عند الإمام خلافا لهما أي قالا لا يعتق واحد منهما لأن اليمين انحلت لوجود الشرط وهو ولادة الولد
____________________
(2/309)
الميت لا إلى جزاء لأن الميت ليس بمحل للحرية وله أن الشرط ولادة الحي لأنه وصفه بالحرية ومن ضرورتها الحياة فصار كقوله إذا ولدت ولدا حيا فهو حر بخلاف حرية الأم والطلاق لأنه لم يتقيده بالحياة فافترقا وفي أول عبد أملكه فهو حر فملك عبدا عتق لتحقق الأولية فإنه اسم لفرد سابق وقد وجد
ولو ملك عبدين معا ثم آخر لا يعتق واحد منهم لعدم التفرد والسبق
ولو زاد الحالف في كلامه السابق وحده عتق الآخر أي الثالث لأنه أول عبد ملكه وحده وقيده بوحده لأنه لو قال واحدا لا يعتق الثالث لاحتمال أن يكون قوله واحدا حالا من العبد أو المالك فلا يعتق بالشك إلا إذا عنى الواحدة وتمامه في التبيين فليطالع ومراده من زيادة وحده أنه زاد وصفا للأول سواء كان وحده أو لا فشمل ما لو قال أول عبد أشتريه بالدنانير فهو حر فاشترى عبدا بالدراهم أو بالعروض ثم اشترى بالدنانير فإنه يعتق وكذا لو قال أول عبد أشتريه أسود فهو حر فاشترى عبدا أبيض ثم أسود فإنه يعتق ولو قال أول عبد أملكه فهو حر فملك عبدا ونصف عبد عتق الكامل وتمامه في البحر فليراجع
ولو قال آخر عبد أملكه فهو حر فمات المالك بعد ملك عبد واحد لا يعتق هذا العبد إذ الآخر اسم لفرد لاحق
ولو مات بعد ملك عبدين متفرقين عتق الآخر لاتصافه بالآخرية لأن له سابقا وهذا الحكم ظاهر وإنما ذكره ليبني عليه قوله منذ أي حين ملكه وهو وقت الشراء من كل ماله عند الإمام لأنه صحيح يوم الشراء إذ لو كان الشراء في مرض موته يكون العتق من الثلث بلا خلاف فبهذا لو قيده بالصحة لكان أولى وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة يعتق عند موته من الثلث أي من ثلث ماله على كل حال لتحقق الآخرية وعلى هذا الخلاف إذا قال آخر امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا يقع منذ تزوجها فلا ترث
____________________
(2/310)
عند الإمام فلا يصير فارا لأنه كان صحيحا في هذا اليوم وتعتد عدة الطلاق بلا حداد لأنه كان حيا ولها مهر ونصف مهر إن كانت مدخولا بها مهر بالدخول بشبهة ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول خلافا لهما أي وعندهما يقع عند الموت فيصير فارا وترث ولها مهر واحد وتعتد مع الحداد وعند أبي يوسف عدة الفراق ثلاث حيض وعند محمد عدة الوفاة تستكمل فيها ثلاث حيض كما في مبسوط صدر الإسلام
وفي كل عبد بشرني بكذا فهو حر فبشره ثلاثة متفرقون عتق الأول لأن البشارة اسم لخبر يغير بشرة الوجه ويشترط كونه سارا في العرف وهذا إنما يتحقق من الأول وإن بشروه معا عتقوا لأن البشارة تحققت من الكل قال الله تعالى فبشرناه بغلام حليم
ولو قال من أخبرني مكان بشرني عتقوا في الوجهين أي في التفرق والجمع لأنه خبر وإن كان عند المخاطب علمه لكنه يشترط أن يكون صدقا كالبشارة بخلاف من أخبرني أن فلانا قدم فكذا فأخبره واحد كذبا فإنه يعتق لأنه يطلق على الكذب والصدق ولا فرق في البشارة بين الباء وعدمها بخلاف الخبر كما في البحر ولو أرسل إليه العبد عتق في البشارة والخبر لأن الكتابة والمراسلة تسمى بشارة وهذا بخلاف الحديث حيث لا يحنث إلا بالمشافهة ولو أن عبدا له أرسل عبدا آخر ببشارته فإن أضاف إلى المرسل عتق وإلا فالرسول
ولو نوى كفارته بشراء أبيه أو غيره من ذي رحم محرم وتقييده بالأب اتفاقي وعلى هذا لو قال بشراء كل قريب محرم لكان أولى تدبر سقطت أي الكفارة عندنا وعند زفر والأئمة الثلاثة لا يجزيه عنها وهو قول الإمام أولا لا والأصل في هذا أن النية إن قارنت علة العتق والحال أن رق المعتق كامل صح التكفير وإلا فلا وأن القرابة
____________________
(2/311)
عندهم علة للعتق والملك شرط وعندنا الأمر على العكس لأن الشارع جعل شراء القريب إعتاقا فإذا اشترى أباه بنية الكفارة كانت النية مقارنة لعلة العتق فيعتق عنها لا أي لا تسقط الكفارة بشراء أمة استولدها بالنكاح أي لو قال لأمة الغير قد استولدها بالنكاح إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني ثم اشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط ولا تجزيه عن الكفارة لأن حريتها مستحقة بالاستيلاد فلا تضاف إلى اليمين من كل وجه لأن الرق فيها ناقص كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا أن عبارته لا تخلو عن التسامح ولقد أحسن صاحب التنوير حيث قال ولا شراء مستولدة بنكاح علق عتقها عن كفارته بشرائها تأمل أو بشراء عبد حلف بعتقه أي قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر فشراء بنية الكفارة لا تسقط الكفارة لأن الشرط قران النية بعلة العتق وهي اليمين وأما الشراء فشرطه لا يقال قد ذكر في الأصول الفقه أن التعليق عندنا يمنع العلية فإذا وجد الشرط يصير المعلق علة حينئذ فيكون النية مقارنة لعلة العتق لأنا نقول قد ذكر في الأصول أيضا أن المعتبر مقارنة النية لذات العلة لا لوصف العلية ولذلك شرطوا الأهلية حال التعليق لا حال وجود الشرط التي هو زمان حدوث العلية واللازم من منع التعليق العلية قبل وجود الشرط مقارنة النية للعلية لا مقارنتها لذات العلة كما في الإصلاح
إلا إن قال إن اشتريتك فأنت حر عن كفارتي حيث يجزيه عنها لأن حريته غير متحققة بجهة أخرى وقد قارنت النية اليمين وهو العلة وأنت خبير أن قولهم اليمين علة العتق إطلاق الكل وإرادة الجزء لأن العلة هو الجزاء وهو أنت حر لا مجموع اليمين من الشرط والجزاء
وفي البحر وينبغي أنه لو وهب له قريبه أو تصدق به عليه أو أوصى له به أو جعل مهرا لها فنوى أن يكون عن كفارته عند قبوله فإنه يجوز لأن النية صادفت العلة الاختيارية بخلاف الأرث لأنه جبري ولم أره منقولا صريحا وكلامهم يفيده دلالة لكن نص عليه في الفتح والتبيين فليطالع ذكر هذه المسائل في هذا الموضع لكن المحل المناسب لها في الكفارة مع أنه ذكر ثمة بعضها تأمل وفي إن تسريت أمة التسري هو أن يتبوأ بها بيتا وتخصها أي يمنعها من الخروج والانتشار وشرط في الجامع الكبير شرطا ثالثا وهو أن يجامعها هذا عندهما وعنده مع هذه الثلاث يشترط طلب الولد حتى لو وطئها وعزل عنها لا يكون تسريا عنده خلافا
____________________
(2/312)
لهما كما في الإصلاح فهي حرة فتسرى من في ملكه وقت الحلف عتقت لأن اليمين انعقدت في حقها لمصادفتها الملك
وإن تسرى من ملكها بعده أي بعد الحلف لا يعتق وفيه إشارة إلى أنه لو علق عتق غيرها أو الطلاق بالتسري بها يحنث ذكره صاحب البحر آمرا بحفظه
وقال زفر تعتق في الوجهين لأن ذكر التسري ذكر للملك لأن التسري لا يصح إلا في الملك قلنا الملك يصير مذكورا ضرورة صحة التسري فتقدر بقدره ولا يظهر في حق الحرية وهو الجزاء لأن الثابت بالضرورة تقدر بقدرها
وفي كل مملوك لي حر عتق عبيده ومدبروه وأمهات أولاده لأنه يملكهم رقبة ويدا لا يعتق مكاتبوه ولا المملوك المشترك لقصور ملكه إلا إن نواهم لأن فيه تغليظا على نفسه وكذا لا يعتق عبيد عبد التاجر مطلقا عند أبي يوسف وعند محمد عتقوا مطلقا وعند الإمام إن لم يكن عليه دين عتقوا إذا نواهم وإلا فلا وإن كان عليه دين لم يعتقوا وإن نواهم كما في أكثر المعتبرات وبهذا أن ما في المجتبى من أنه لا يدخل العبد المرهون والمأذون في التجارة سبق قلم كما في البحر تدبر وفي هذه طالق أو هذه وهذه طلقت الأخيرة وخير في الأوليين لأن أو لإثبات أحد المذكورين وقد أدخلها بين الأوليين ثم عطف الثالثة على المطلقة لأن العطف للمشاركة في الحكم فيختص بمحله فصار كما إذا قال إحداكما طالق وهذه
وكذا العتق أي لو قال هذا حر أو هذا وهذا عتق الأخير وله الخيار في الأوليين كما بينا
و كذا الإقرار بأن قال لفلان علي ألف درهم أو لفلان وفلان كان خمسمائة للأخير وخمسمائة للأوليين يجعله لأيهما شاء قالوا وعليه الفتوى قالوا هذا في موضع الإثبات
____________________
(2/313)
وأما في موضع النفي فيعم وهذا إذا لم يذكر للثاني خبر حتى لو ذكر بأن قال هذه طالق وهذه طالقتان لا تطلق بل يخير بين الإيجاب الأول والثاني كما في الشمني
باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك يحنث بالمباشرة دون التوكيل إذا كان ممن يباشر بنفسه في البيع والشراء والإجارة والاستئجار والصلح عن مال والقسمة والخصومة أي جواب الدعوى سواء كان إقرارا أو إنكارا وهي ملحقة بالبيع على المختار وضرب الولد حتى لو حلف لا يبيع ثم وكل غيره فباع لا يحنث وكذا الحكم في الشراء وغيره لأن العقود وجدت من العاقد حتى كانت الحقوق عليه ولهذا لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه فلم يوجد ما هو الشرط وهو العقد من الآمر وإنما الثابت له حكم العقد إلا أن ينوي غير ذلك وقيدنا بإذا كان ممن يباشر بنفسه لأن الحالف إذا كان ذا سلطان كالأمير والقاضي ونحوهما لا يباشر بنفسه حنث بالأمر أيضا كما يحنث بالمباشرة بنفسه لأنه يمنع نفسه عما يعتاده وإن كان يباشر مرة ويفوض أخرى اعتبر الغالب كما في البحر وغيره وبهذا علم أن المصنف أطلق في محل التقييد وأطلق أيضا في الصلح عن مال وهو مقيد بأن يكون عن إقرار أما الصلح عن إنكار فهو فداء اليمين في حق المدعى عليه فيكون الوكيل من جانبه سفيرا محضا فعلى هذا إذا حلف المدعي أن لا يصالح فلانا عن هذه الدعوى أو عن هذا المال فوكل فيه لا يحنث مطلقا وإذا حلف المدعى عليه ثم وكل به فإن كان عن إقرار حنث وإن كان عن إنكار أو سكوت لا وبهما أي يحنث الحالف بالمباشرة والتوكيل
____________________
(2/314)
والأولى أن يقول بفعله وفعل مأموره ليشمل رسوله لأنه يحنث بالرسالة في هذه الأشياء على أنه لا يحنث بمجرد الأمر بل لا بد من فعل الوكيل حتى لو حلف لا يتزوج فوكل به لا يحنث حتى يزوجه الوكيل تدبر في النكاح بأن حلف لا ينكح فلانة ثم وكل فلانا بالنكاح فنكح له حنث لأن الوكيل في هذا سفير ومعبر ولهذا لا يضيفه إلى نفسه بل الآمر وحقوق العقد ترجع إلى الآمر لا إليه وكذا حال سائر الصور الآتية قيد بالنكاح لأنه لو قال والله لا أزوج فلانة فأمر رجلا فزوجها لا يحنث بخلاف التزوج لأن التزويج بأمره لا يلحقه حكم والتزوج بأمره يلحقه حكم وهو الحل كما في البزازية والطلاق سواء كان التوكيل به قبل الحلف أو بعده في النكاح والخلع والعتق أي الإعتاق سواء كان التوكيل قبله أو بعده فإن علق الطلاق والعتق بشرط ثم حلف به ثم وجد الشرط لم يحنث ولو حلف أولا حنث كما في أكثر المعتبرات والكتابة إذا لم يكاتب بنفسه وإلا فلا يحنث بكتابة الوكيل فينبغي أن يذكرها فيما لا يحنث كما في القهستاني والصلح عن دم عمد لأنه كالنكاح في مبادلة المال بغيره وفي حكمه الصلح عن إنكار والهبة ولو فاسدة وعن أبي يوسف لا يحنث
وقال زفر لا يحنث فيه إلا بالقبض والصدقة والقرض والاستقراض قال صاحب الدرر عدهم الاستقراض هاهنا مشكل لأنهم صرحوا أن التوكيل بالاستقراض باطل فيجب أن يترتب الحنث لأن الباطل لا يترتب عليه الحكم انتهى لكن يمكن أن يحمل على ما هو متعارف من تسمية الرسول بالاستقراض وكيلا كما إذا قال المستقرض وكلتك أن تستقرض لي من فلان كذا درهما وقال الوكيل للمقرض إن فلانا يستقرض منك كذا ولو قال أقرضني مبلغا كذا فهو باطل حتى لا يثبت الملك إلا للوكيل تأمل
وإن نوى المباشرة خاصة صدق ديانة لا قضاء أي فما كان من الحكميات كالطلاق مثلا لا يصدق قضاء لأنه فعل شرعي وهو أن يوجد من المرء تكلم يقع به الطلاق والأمر بذلك مثلا التكلم بكلمة الطلاق في هذا المعنى فإذا نوى التكلم به فقد نوى الخصوص فلم يصدق قضاء وكذا حال غيره
وكذا
____________________
(2/315)
ضرب العبد كما إذا حلف لا يضرب وهو ممن لا يضرب عبده بنفسه فأمر غيره فضربه حنث والذبح كما إذا حلف لا يذبح شاة وهو ممن لا يذبح فأمر غيره فذبح حنث كما في النظم وفيه إشعار بأنه إذا كان ممن يذبح بنفسه لم يحنث فينبغي أن يذكر هاتين فيما لا يحنث كما في القهستاني
والبناء والخياطة والإيداع والاستيداع والإعارة وإن لم يقبل المستعير فبمجرد الإعارة حنث عندنا خلافا لزفر وعلى هذا الخلاف الهبة والصدقة والقرض كما في القهستاني والاستعارة فلو حلف لا يعير ثوبه من فلان فبعث المحلوف عليه وكيلا لقبض المستعار فأعاره حنث عند زفر ويعقوب وعليه الفتوى لأن الوكيل رسول وهذا إذا أخرج الوكيل كلامه مخرج الرسالة فقالا إن فلانا يستعير منك كذا فأما إذا لم يقل ذلك لا يحنث كما لو حلف أن يعيره شيئا ثم ردفه على دابته كما في القهستاني وقضاء الدين وقبضه والكسوة والحمل إلا أنه لو نوى المباشرة خاصة في ضرب العبد وغيره يصدق قضاء وديانة لأن هذه الأفعال حسية تعرف بأثرها وهو التألم في ضرب العبد وانقطاع العروق في الذبح وعلى هذا قياس البواقي والنسبة إلى الآمر بالتسبب مجاز فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى حقيقة كلامه والفرق بين ضرب العبد وضرب الولد أن معظم منفعة ضرب الولد عائدة إلى الولد وهو التأديب فلم ينسب فعله إلى الآمر بخلاف ضرب العبد فإن منفعته وهي الائتمار بأمر المولى عائدة إلى المولى فيضاف الفعل إليه
وفي البحر وينبغي أن يكون مرادهم بالولد الكبير لأنه لا يملك ضربه فهو كما لو حلف لا يضرب حرا أجنبيا فإنه لا يحنث إلا بالمباشرة إلا أن يكون الحالف ذا سلطان وأما الولد الصغير فكالعبد حتى لو أمر غيره فضربه ينبغي أن يحنث وفي لا يتزوج فزوجه فضولي فأجاز بالقول حنث لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء على ما عرف في تصرفات الفضولي وبالفعل
____________________
(2/316)
أي لو جاز بالفعل كإعطاء المهر ونحوه لا يحنث هو المختار وعليه الفتوى كما في الخانية لأن العقود تختص بالأقوال فلا يكون فعله عقدا وإنما يكون رضى وشرط الحنث العقد لا الرضى وروي عن محمد لا يحنث في الوجهين وأفتى به بعض المشايخ لأن الإجازة ليست بإنشاء للعقد حقيقة وإنما تنفيذ لحكم العقد بالرضا به كما في الاختيار
وفي التنوير ولو زوجه فضولي ثم حلف لا يتزوج لا يحنث بالقول أيضا ولو قال كل امرأة تدخل في نكاحي فكذا فأجاز نكاح فضولي بالفعل لا يحنث ومثله إن تزوجت امرأة بنفسي أو بوكيلي أو بفضولي فلو زاد عليه أو أجزت نكاح فضولي ولو بالفعل فلا مخلص له إلا إذا كان المعلق طلاق المزوجة فيرفع الأمر إلى شافعي ليفسخ اليمين المضافة وفي لا يزوج عبده أو أمته يحنث بالتوكيل والإجازة لأن ذلك مضاف إليه متوقف على إرادته لملكه وولايته
وكذا أي يحنث بالتوكيل والإجازة في ابنه وبنته الصغيرين لولايته عليهما وفي الكبيرين لا يحنث إلا في المباشرة لعدم ولايته عليهما فهو كالأجنبي عنهما فيتعلق بحقيقة الفعل
وفي البحر حلف لا يزوج بنته الصغيرة فزوجها رجل بغير أمره فأجاز حنث لأن حقوقه متعلقة بالمجيز ولو حلف لا يزوج ابنا له كبيرا فأمر رجلا فزوجه ثم بلغ الابن الخبر فأجاز أو زوجه رجل فأجاز الأب ورضي الابن لم يحنث ودخول اللام كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره يقتضي اختصاصا والمراد بالدخول تعلق الجار والمجرور به على البيع كإن بعت لك أي لأجلك ثوبا فعبدي حر مثلا يقتضي اختصاص الفعل بالمحلوف عليه أي يقتضي أن يختص الفعل الذي تعلق به اللام بالذي حلف عليه وهو المخاطب المتصل به اللام في المثال المذكور ثم فسر الاختصاص بقوله بأن كان بأمره سواء كان ملكه أو لا حتى لو دس المخاطب ثوبا في ثياب الحالف فباعه بغير علمه لا يحنث وإن أمر بيع ثوب من ثياب غيره يحنث ومثله أي مثل البيع الشراء والإجارة والصياغة والبناء حتى لو حلف لا يشتري لك ثوبا يقتضي أن يكون بأمره سواء كان ملكه أو لا وكذا حال البواقي
و دخول اللام على العين كإن بعت ثوبا لك يقتضي اختصاصها أي العين به أي بالمحلوف عليه وهو المخاطب المتصل به اللام بأن كان ملكه سواء أمره
____________________
(2/317)
أو لا فيحنث لو باع مملوكا له سواء أمره أو لا حتى لو أخفى المحلوف عليه ثوبه في ثياب الحالف فباعه ولم يعلم يحنث وإن أمر ببيع ثوب مملوك لغيره فباع لم يحنث
وكذا أي يقتضي اختصاص الفعل بالمحلوف عليه بأن ملكه سواء أمره أو لا دخولها أي دخول اللام على الضرب أي ضرب الولد لأن ضرب الغلام يقبل النيابة كما في المنح لكن في الخانية أن المراد به العبد للعرف ولأن الضرب مما لا يملك بالعقد ولا يلزم به فتنصرف اليمين فيه إلى المحلوف المملوك بالتقديم والتأخير والأكل والشرب والدخول فلو حلف لا يضرب لك ولدا أو ولدا لك يحنث لو ضرب ولدا مخصوصا به سواء كان بعلمه أو بأمره أو دونهما وسواء قدم كلمة اللام أو أخرها وحاصله أن لام الاختصاص إذا اتصل بضمير عقيب فعل متعد فإما أن يتوسط بين الفعل ومفعوله الثاني أو يتأخر عن المفعول وعلى التقديرين فإما أن يحتمل الفعل النيابة أو لا فإن احتملها وتوسط بينهما كان اللام لاختصاص الفعل وشرط حنثه وقوع الفعل لأجل من له الضمير سواء كانت العين مملوكة أو لا
____________________
(2/318)
وذلك إنما يكون بالأمر وإن تأخر عن المفعول كان لاختصاص العين به وشرطه كونها مملوكة له سواء كان الفعل وقع لأجله أو لا وإن لم يحتملها لا يفترق الحكم في التوسط والتأخر بل يحنث إذا فعله سواء كان بأمره أو لا لأن الفعل إذا لم يحتمل النيابة لم يكن انتقاله إلى غير الفاعل فيكون الأمر وعدمه سواء فتعين أن تكون اللام لاختصاص العين صونا للكلام عن الإلغاء كما في المنح
وإن نوى غيره أي نوى في إن بعت ثوبا لك معنى إن بعت لك ثوبا أو بالعكس صدق ديانة وقضاء فيما عليه أي فيما فيه تشديد على نفسه بأن باع ثوبا مملوكا للمخاطب بغير أمره في المسألة الأولى ونوى بالاختصاص بالأمر أو باع ثوبا لغير المخاطب في الثانية ونوى الاختصاص بالأمر فإنه يحنث ولولا نيته لما حنث لأنه نوى ما يحتمله كلامه بالتقديم والتأخير وليس فيه تخفيف وفيما فيه تخفيف كعكس هاتين المسألتين يصدق ديانة لأنه محتمل كلامه لا قضاء لأنه خلاف الظاهر وفي إن بعته واشتريته فهو حر فعقد بالخيار لنفسه عتق لأنه في الأول يملكه البائع الآن اتفاقا وفي الثاني ملك المشتري عندهما وصار المعلق كالمنجز عنده بخلاف قوله إن ملكته فهو حر فاشتراه بشرط الخيار لا يعتق عند الإمام لأن الشرط وهو الملك لم يوجد عنده قيد بالخيار لأنه لو حلف لا يبيعه بأن قال إن بعته فهو حر فباعه بيعا صحيحا بلا خيار لا يعتق ولا يخفى أنه إذا باعه بشرط الخيار للمشتري أنه لا يعتق لأنه بات من جهته وكذا قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه بالخيار للبائع لا يعتق أيضا لأنه باق على ملك بائعه سواء أجاز البائع بعد ذلك أو لا وذكر الطحاوي أنه إذا جاز البائع البيع يعتق وتمامه في البحر فإذا عرفت هذا علم أن المصنف أطلق في محل التقييد تأمل
وكذا أي عتق لو عقد بالفاسد أو الموقوف وهذا مجمل لا بد من بيانه أما في المسألة الأولى وهي قوله إن بعته فأنت حر فباعه بيعا فاسدا فإن كان في يد البائع أو يد المشتري غائبا عنه بأمانة أو رهن يعتق عليه لأنه لم يزل ملكه عنه وإن كان في يد المشتري حاضرا أو غائبا مضمونا بنفسه لا يعتق لأنه بالعقد زال ملكه عنه وأما في الثانية وهي قوله إن اشتريته فهو حر فاشتراه شراء فاسدا فإن كان في يد
____________________
(2/319)
البائع لا يعتق لأنه على ملك البائع بعد وإن كان في يد المشتري وكان حاضرا عنده وقت العقد يعتق لأنه صار قابضا له عقيب العقد فملكه وإن كان غائبا في بيته ونحوه فإن كان مضمونا بنفسه كالمغصوب يعتق لأنه ملكه بنفس الشراء وإن كان أمانة أو مضمونا بغيره كالرهن لا يعتق لأنه لا يصير قابضا عقيب العقد كما في البدائع
ولو عقد بالباطل لا يعتق لأنه معدوم بأصله فلو اشترى مدبرا أو أم ولد لا يحنث ولو قضى بجوازه القاضي يحنث في الحال والمكاتب كالمدبر في رواية لكن يلزم فيه إجارة المكاتب وفي إن لم أبعه أي عبدا فكذا أي فأمته حرة مثلا فأعتقه أو دبره حيث لتحقق العجز عن البيع بفوات محله وفيه إشعار بأنه لو دبر أمته أو استولدها حنث وبأنه لو قيد البيع بوقت فأعتق أو دبر قبل مضيه لم يحنث عند الطرفين خلافا لأبي يوسف كما في القهستاني
قالت المرأة لزوجها تزوجت علي فقال الزوج في جوابها كل امرأة لي طالق طلقت هي أي المرأة التي دعته إلى الحلف أيضا أي كغيرها لدخولها تحت العموم والأصل العمل بالعموم مهما أمكن إلا في رواية عن أبي يوسف فإنه قال لا تطلق لأنه أخرجه جوابا فينطبق عليه ولأن غرضه أرضاؤها وهو بطلاق غيرها فيتقيد به واختاره شمس الأئمة السرخسي وكثير من المشايخ
وفي البحر الأولى إن يحكم الحال إن كان قد جرى بينهما مشاجرة وخصومة تدل على غضبه يقع الطلاق عليها وإلا لا
وفي التنوير ولو قيل له ألك امرأة غير هذه المرأة فقال كل امرأة لي فهي كذا لا تطلق هذه المرأة وتمامه فيه فليطالع
وإن نوى غيرها أي غير المحلفة صدق ديانة لا قضاء لأنه تخصيص العام وهو خلاف الظاهر
ومن قال علي المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة
____________________
(2/320)
أو إلى مكة رزقنا الله تعالى زيارته لزمه استحسانا حج أو عمرة مشيا من باب داره إن قدره وقيل من موضع محرم كحجفة للشاميين وإن نوى بيت الله مسجدا لم يلزمه شيء فإن ركب فعليه دم لأنه أدخل نقصا فيه ولا فرق بين أن يكون الناذر في الكعبة أو خارجا عنها ولذا أطلق فإذا لزمه فله الخيار إن شاء مشى وهو أكمل وإن شاء ركب وذبح شاة
ولو قال علي الخروج أو الذهاب أو السفر أو الركوب أو الإتيان إلى بيت الله أو إلى المدينة أو المشي إلى الصفا أو المروة لا يلزمه شيء لأنه لم يلزم الإحرام بهذا اللفظ فإنه غير متعارف ولا يمكن إيجابها باعتبار حقيقة اللفظ لأنها ليست بقرب مقصودة
وكذا لا يلزمه شيء لو قال علي المشي إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام لعدم التعارف خلافا لهما فإن عندهما عليه حج أو عمرة بناء على أن الحرم شامل على البيت وكذا المسجد الحرام فكان ذكره كذكره بخلاف الصفا والمروة ولأنهما منفصلان عنه
وفي عبده حر إن لم يحج العام أي السنة بالتخفيف ثم قال السيد حججت فأنكر العبد وأتى بشاهدين فشهدا بكونه يوم النحر بكوفة لا يعتق عند الشيخين خلافا لمحمد لأن هذه الشهادة قامت على أمر معلوم وهو التضحية ومن ضرورته انتفاء الحج فتحقق الشرط
وفي الفتح وقول محمد أوجه قال في الإصلاح نقلا عن المبسوط فإن قلت لا نسلم ذلك إذ لا تنكر كرامة الأولياء فيجوز أن يكون في يوم واحد بمكة وكوفة قلت إنا أمرنا ببناء الأحكام
____________________
(2/321)
على ما هو الظاهر المعروف وفيه نظر لما مر في باب النسب من أنه يثبت لمن ولد لستة أشهر من زوجة مشرقية وزوجها في المغرب انتهى لكن يمكن دفع النظر بأن أمر النسب أمر لازم الرعاية فلهذا اعتبروا فيه ما لم يعتبروا في غيره تدبر ولهما أنها قامت على النفي لأن المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية لأنه لا مطالب لها فصار كما إذا شهدا إنه لم يحج غاية الأمر أن هذا النفي مما يحيط به علم الشاهد ولكنه لا يميز بين نفي ونفي للتيسير فإن قيل ذكر في المبسوط أن الشهادة على النفي تسمع في الشروط ولهذا لو قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فشهدا أنه لم يدخل الدار اليوم تقبل ويقضى بعتقه وما نحن فيه من قبيل الشروط قلت هو عبارة عن أمر ثابت معاين وهو كونه خارج الدار كما في الكافي وغيره لكن الفرق مشكل لي بين عدم
الدخول وعدم الحج تأمل
وفي لا يصوم فصام ساعة أي جزءا من النهار بنية حنث لأنه صوم شرعا إذ هو إمساك مع النية وهو متحقق به
وإن ضم قوله لا يصوم صوما أو يوما يحنث بالإجماع لا يحنث بالإجماع ما لم يتم يوما تاما لأن المطلق ينصرف إليه
وفي التنوير حلف ليصومن من هذا اليوم وكان بعد أكله أو بعد الزوال صحت وحنث للحال كما لو قال لامرأته إن لم تصلي اليوم فأنت كذا فحاضت من ساعتها أو بعدما صلت ركعة فإن اليمين تصح وتطلق للحال وفي لا يصلي يحنث إذا سجد سجدة لا قبله أي لا قبل السجود لزيادة الإيضاح والقياس أن يحنث بالافتتاح اعتبارا بالشروع في الصوم ووجه الاستحسان أنه لا يقال صلى ركوعا ولا سجودا ويقال صلى ركعة
وإن ضم إليه صلاة فيشفع أي يحنث بتمام شفع لأنه أطلق الصلاة فينصرف إلى الكاملة لا بأقل من الشفع للنهي عن البتيراء فلا تشترط قعدة التشهد وقيل تشترط والأشبه أنها لو كانت فرضا رباعيا تشترط وإلا فلا وما في القهستاني من أنه لا حاجة إليه ليس بشيء لأن الشافعي قال يحنث بركعة وكذا أحمد في قول والتصريح فيما هو محل الخلاف دأب أصحاب المتون فغفل عن هذا فقال ما قال تتبع
وفي إن لبست من غزلك أي مغزولك فهو هدي أي فعل التصدق بهذا الثوب بمكة فإن الهدي ما يهدى إلى مكة فملك الزوج قطنا فغزلته الزوجة ونسج الغزل سواء كان النسج منها أو من غيرها
وفي الجامع الصغير نسجته فلبسه أي الزوج على المعتاد فهو
____________________
(2/322)
هدي أي واجب التصدق بمكة ولو تصدق بقيمته أو على غير فقراء مكة جاز خلافا لزفر في الثاني هذا عند الإمام خلافا لهما لأن النذر لا يصح إلا في الملك أو مضافا إلى سبب الملك ولم يوجد لأن اللبس وغزل المرأة ليسا من أسباب ملكه وله أن المرأة تغزل من قطن الرجل عادة والمعتاد هو المراد وذلك سبب لملكه
وإن لبس ما غزلت من قطن في ملكه وقت الحلف فهدي بالاتفاق لإضافته إليه وكذا لو زاد من قطني لزمه الهدي بالإجماع ولو زاد من قطنها لم يلزم الهدي بلا خلاف ولو قال إن لبست من غزلك فلبس ثوبا بعضه من غزل غيرها حنث بخلاف ما قال ثوبا من غزلك وعلى هذا من نسجك أو ثوبا من نسجك
وفي التنوير حلف لا يلبس من غزلها فلبس تكة منه لا يحنث كلا يلبس ثوبا من نسج فلان فلبس من نسج غلامه وكان يعمل بيده فإنه لا يحنث إذا كانت فلان يعمل بيده وإلا بأن كان فلان لا ينسج بيده حنث
خاتم الفضة ليس بحلي أي لا يحنث بلبسه إذا حلف لا يلبس حليا لأنه يستعمل لغير التزين ولهذا حل للرجال فلم يكن كاملا في الحلي فلم يدخل في مطلق اسمه إلا إذا كان مصنوعا على هيئة خاتم النساء بأن كان ذا فص وهو الصحيح كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا لو قيده كما قيدنا لكان أولى تأمل بخلاف خاتم الذهب لأنه لا يستعمل إلا للتزين ولهذا لا يحل للرجال فكان كاملا في معنى الحلي فيدخل تحت اسمه ولهذا لو لبس خلخالا أو سوارا من ذهب أو فضة أو حجر يحنث بالإجماع لأنه حلي كامل لا يحل للرجال وعقد اللؤلؤ إن رصع فحلي وإلا أي وإن لم يرصع فلا أي لو حلف لا يلبس حليا فلبس عقد لؤلؤ غير مرصع لم يحنث عند الإمام لأنه لا
____________________
(2/323)
يتحلى به عرفا إلا مرصعا ومبنى الأيمان على العرف وقالا حلي مطلقا فيحنث بلبسه إذا حلف لا يلبس حليا عندهما وعند الأئمة الثلاثة أنه حلي حقيقة حتى سمي به في القرآن كما في أكثر المعتبرات لكن يشكل بما تقدم أن الأيمان مبنية على العرف لا على الحقيقة اللغوية ولا على ألفاظ القرآن والأولى أن يعلل بأن هذا اختلاف عصر وزمان فكل أفتى بما شاهد في زمانه
وقال في الكافي وغيره وقولهما أقرب إلى عرف ديارنا ولهذا قال وبه أي بقول الإمامين يفتى لأن التحلي به على الانفراد معتاد كما في عامة المعتبرات
وفي لا يجلس على الأرض أو السطح أو الدكان فجلس على بساط أو حصير فوقها لا يحنث لأنه لا يسمى جالسا على الأرض عادة
وإن حال بينها أي الأرض وبينه أي الحالف ثيابه الذي يلبسه حنث لأنها تبع له فلا تصير حائلا ولو خلع ثوبه فبسطه وجلس لا يحنث لارتفاع التبعية وفي لا ينام على هذا الفراش فجعل فوقه فراش آخر فنام عليه لا يحنث لأنه مثله والشيء لا يكون تبعا لمثله فتنقطع النسبة السفلى هذا في العرف أما لو نكره فحلف لا ينام على فراش حنث بوضع الفراش على الفراش
وإن جعل فوقه قرام بالكسر ستر رقيق يحنث لأنه تابع له وفي لا يجلس على هذا السرير إن جعل فوقه سرير آخر فجلس عليه لا يحنث لأنه غيره وما وقع في الكنز والقدوري من تنكير السرير مشكل إلا أن يحمل المنكر على المعرف كما في الجوهرة لكن بعيد تأمل
وإن جعل فوقه أي فوق هذا السرير بساط أو حصير فجلس عليه حنث لأنه يعد جالسا عليه عادة كمن حلف لا يركب على هذا الفرس فجعل فوقه سرجا فركب بخلاف ما لو حلف لا ينام على ألواح هذا السرير أو ألواح هذه السفينة ففرش على ذلك فراش فإنه لا يحنث
____________________
(2/324)
باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك الأصل فيه أن ما يشارك الميت فيه الحي تقع اليمين فيه على حالة الحياة والموت وما اختص بحالة الحياة يتقيد بها فقال الضرب والكسوة والكلام والدخول يختص فعلها بالحي ثم فرع على هذا الأصل بقوله فلا يحنث من قال إن ضربته أي زيدا مثلا أو كسوته أو دخلت عليه فكذا بفعلها أي بفعل هذه الأشياء بعد موته أي بعد موت زيد لأن الضرب اسم لفعل مولم متصل بالبدن والإيلام لا يتحقق في الميت والمعذب في القبر يحيى بقدر ما يتألم به وهو أقرب إلى الحق فلو حلف لأضربن مائة سوط بر بضربة واحدة إن وصل إلى بدنه كل سوط بشرط الإيلام وأما عدمه بالكلية فلا وكذا الكسوة إذ يراد به التمليك عند الإطلاق وهو لا يتحقق في الميت إلا أن ينوي به الستر وكذا الكلام والدخول إذ المقصود من الكلام الإفهام والموت ينافيه والمراد من الدخول عليه زيارته وبعد الموت يزار قبره لا هو ولو دخل عليه في المسجد حنث على المختار وكذا لو حلف لا يطؤها أو لا يقبلها فوطأها أو قبلها بعد الموت لا يحنث بخلاف الغسل والحمل والمس لتحقق هذه الأشياء في الميت وفي حلف لا يضربها فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث لتحقق الإيلام بهذه الأفعال أطلقه فشمل ما إذا كانت اليمين بالعربية أو الفارسية
____________________
(2/325)
وأما إذا كانت في حالة الغصب أو المزاح وهو المذهب وقيل لا يحنث في حالة المزاح فلهذا لو أصاب رأسه أنفها في الملاعبة فأدماها لا يحنث
وفي الخانية هو الصحيح ولا يشترط القصد في الضرب فلو حلف لا يضرب امرأته فضرب أمته فأصابها يحنث كما في البحر وقيل يشترط على الأظهر فلا يحنث بأن تعمد غيرها وأصابها جزم به في الخانية
حلف ليضربنه حتى يموت فهو يقع على أشد الضرب لأنه المراد في العرف ولو قال حتى يغشى عليه أو يبكي أو يبول فلا بد من وجودها حقيقة
وفي التنوير حلف ليضربن فلانا ألف مرة فهو على الكثرة حلف إن لم أقتل زيدا فكذا وهو ميت إن علم الحالف بموته حنث وإلا لا حلف لأقتل فلانا بالكوفة فضربه بالسوط ومات بها حنث وبعكسه لا وفي حلفه
ليقضين دينه قريبا فما دون الشهر قريب والشهر بعيد فلو قضى تمام الشهر حنث وقبله بر لأن الشهر وما زاد عليه يعد في العرف بعيدا وما دونه يعد قريبا ولذا يقال عند بعد العهد ما لقيتك منذ شهر
وفي التنوير ولفظ السريع كالقريب ولفظ الأجل كالبعيد وإن نوى مدة فيهما فهو على ما نوى حلف لا يكلمه مليا أو طويلا إن نوى شيئا فذاك وإلا فعلى شهر ويوم وفي حلفه ليقضينه أي دينه اليوم فقضاه بنفسه أو بأمر غيره ولو بطريق الحوالة وقبض المحتال فلو تبرع به غيره لم يبر بخلاف ما لو أعطي ولم يقبل لكنه وضعه بحيث تناول يده لو أراد قبضه وإلا لا يبر ولو كان الدائن غائبا لم يحنث بترك القضاء كما في القهستاني لكن المختار للفتوى أما الحالف يرفع الأمر إلى القاضي فإذا رفع الأمر إليه بر لأن القاضي في هذه الصورة انتصب نائبا عنه في هذا الحكم نظرا للحالف زيوفا يبر بالضم مصدر زافت
____________________
(2/326)
الدراهم زيفا أي صارت مردودة للغش أو نبهرجة لفظ أعجمي معرب وأصله نبهر وهي والزيف كلاهما من جنس الدراهم وفضتهما غالبة والفرق أن الزيف ما يرده بيت المال ولا يرده التجار بخلاف النبهرجة فإنه يردها التجار أيضا أو مستحقة بفتح الحاء أي مستحقا صاحبها إياها على الدين أو باعه أي باع المديون داينه به أي بدينه شيئا من ملكه كالعبد وغيره بيعا صحيحا كما هو المتبادر فلو باع فاسدا وليس فيه وفاء بالدين فقد حنث وإلا فقد بر وقبضه أي قبض الدائن ذلك الشيء وإنما اشترط القبض وقد وجب الثمن بنفس البيع لأنه لا يتقرر قبله بر في هذه الصور لأن الزيافة والنبهرجة عيب والعيب لا يعدم الجنس ولهذا لو تجوز به صار مستوفيا لدينه فوجد شرط البر وقبض المستحقة صحيح ولا يرتفع برده البر المتحقق وبالبيع وقت المقاصة بين الدين وبين الثمن فصار الثمن قضاء للدين
ولو قضاه رصاصا أو ستوقة أو وهبه أي الدائن ذلك الدين للمديون مجانا أو أبرأه منه أي من الدين لا يبر الحالف وانحلت يمينه في صورة الهبة والإبراء أما في صورة الأوليين فلم يبر وحنث وجواب الشرط السابق محذوف من هذا الجنس إن اختلف معنى وإنما احتاج إلى هذا التكلف لأن اليمين لما كانت موقتة فإذا وهبه له قبل انقضائه فقد عجز عن البر وانحلت اليمين وهذا كله عندنا وعند أبي يوسف فمستقيم بلا تكليف لأنه قد حنث كما في مسألة الكوز كما في القهستاني ولا يخفى أنه لو لم يكن قيد اليوم لاستقام بدون الاحتياج إلى هذا التكلف أو لو قال ولو رصاصا أو ستوقة حنث ولو وهبه أو أبرأه لا يبر لكان أسلم من أعظم الاختلال تأمل
وفي حلفه لا يقبض دينه من غريمه درهما دون درهم لا يحنث في يمينه بقبض بعضه لعدم وجود الشرط وهو قبض الكل بوصف التفرق ما لم يقبض كله متفرقا فإنه يحنث لوجود الشرط وهو قبض الكل بوصف التفرق لأنه أضاف القبض إلى دين معروف بالإضافة إليه فيتناول كله ولو قيد باليوم لم يحنث بقبض البعض في اليوم متفرقا لأن
____________________
(2/327)
328 الشرط أخذ الكل فيه متفرقا ولو أدخل من التبعيضية حنث
وإن فرقه أي القبض بعمل ضروري كالوزن لا يحنث لأنه قد يتعذر وزن الكل دفعة واحدة فيكون هذا القدر مستثنى من اليمين خلافا لزفر هذا إذا لم يتشغلا بين الوزنتين بعمل آخر أما إذا اشتغل بينهما بعمل آخر حنث لأنه تبدل المجلس فاختلف الدفع
وفي التنوير لا يأخذ ماله على فلان إلا جملة أو لا جميعا فترك منه درهما ثم أخذ الباقي كيف شاء لا يحنث ومن قال إن كان لي إلا مائة أو غير مائة أو سوى مائة من الدراهم فعبده حر مثلا لا يحنث بها أي بالمائة أو بأقل منها لأن شرط الحنث الزيادة على المائة سواء كانت تلك الزيادة دينارا أو عروضا للتجارة أو عبدا للتجارة أو سوائم مما تجب فيه الزكاة لأن الاستثناء تكلم بالباقي من المستثنى منه بعد المستثنى ولا يحكم بثبوت المستثنى ولا بنفيه فهو في حكم المسكوت عنه فكأنه قال ليس لي شيء زائد على المائة وفي حلفه لا يفعل كذا تركه أبدا لأنه نفى الفعل مطلقا فيتناول فردا شائعا في جنسه فيعم الجنس كله ضرورة شيوعه وفي ليفعلنه يكفي فعله مرة لأنه يتناول فعلا واحدا وهو نكرة في موضع الإثبات فيخص ويحنث إذا لم يفعله في عمره
وفي آخر جزء من أجزاء حياته ويفوت محل الفعل هذا إذا كانت مطلقة وإن كانت موقتة ولم يفعل فيه يحنث بمضي الوقت إن كان الإمكان باقيا إلى آخر الوقت وإلا لا
حلفه بتشديد اللام وال أي حلفه مالك أمر بلد رجلا ليعلمنه بكل داعر بالدال المهملة أي فاسق خبيث مفسد أتى بالبلد تقيد اليمين بحال ولايته بالكسر أي بزمان تسلطه هذا على أهل البلد
____________________
(2/328)
لأن المقصود من الإعلام دفع شر الداعر وغيره بزجره فلا يفيد فائدته بعد زوال الولاية والزوال بالموت وكذا بالعزل في ظاهر الرواية فلم يجب الإعلام لو عاد إلى الولاية كما لم يجب على الفور فإن لم يعلمه حتى مات أو عزل فقد حنث
وفي الفتح ولو حكم بانعقاد هذه للفور لم يكن بعيدا نظرا إلى المقصود وهو المتبادر لزجره ودفع شره فالداعي يوجب التقييد بالفور وفور علمه به
وفي البحر لو حلف رب الدين غريمه أو الكفيل بأمر المكفول عنه أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه تقيد بالخروج حال قيام الدين والكفالة
وفي حلفه ليهبنه فوهب ولم يقبل بر الحالف في يمينه خلافا لزفر
وكذا القرض والعارية والصدقة والوصية والإقرار بخلاف البيع ونظيره الإجارة والصرف والسلم والرهن والنكاح والخلع وهذا لأن الهبة ونظائرها تبرع فيتم بالمتبرع بخلاف البيع ونحوه لأنه معاوضة فاقتضى العوض من الجانبين
وفي حلفه لا يشم ريحانا فهو يقع على ما لا ساق له فلا يحنث بشم الورد والياسمين قصدا لأن الريحان عند الفقهاء ما لساقه رائحة طيبة كما لورقه وقيل في عرف أهل العراق اسم لما لا ساق له من البقول مما له رائحة مستلذة وقيل اسم لما ليس له شجر وعلى كل فليس الورد والياسمين منه وقيدنا بالقصد لأنه لو وجد ريحه بلا قصد ووصلت الرائحة إلى دماغه لا يحنث كما في الفتح وقيل يحنث بشمهما في حلفه لا يشم ريحانا لأن الريحان اسم لما له رائحة طيبة من النبات عرفا فيحنث كما في الاختيار وفي حلفه لا يشم وردا أو بنفسجا فهو يقع على ورقة دون الدهن في عرفنا كما في الكافي وذكر الكرخي أنه يحنث أيضا لعموم المجاز وهذا مبني على العرف فكان في عرف أهل
____________________
(2/329)
الكوفة بائع الورق لا يسمى بالبنفسج وإنما سمي بائع الدهن ثم صار كما يسمى به في أيام الكرخي فقال به وأما في عرفنا فيجب أن لا ينعقد إلا على نفس النبات فلا يحنث بالدهن أصلا كما في الورد والحناء أن اليمين على شرائهما ينصرف إلى الورق لأنهما اسم للورق والعرف يقرر له بخلافه في البنفسج كما في المنح ولهذا لو قال وفي البنفسج ولو رد يعتبر عرف بلده لكان أحسن تأمل
وفي حلفه لا يدخل دار فلان تناول الملك والإجارة لأن المراد به المسكن عرفا فدخل ما يسكنه بأي سبب كان بإجارة أو بإعارة باعتبار عموم المجاز معناه أن يكون محل الحقيقة فردا عن أفراد المجاز لا باعتبار الجمع بين الحقيقة والمجاز خلافا للشافعي حلف أنه لا مال له وله دين على مفلس أو ملي أي غني لا يحنث لأن الدين ليس بمال عرفا وإنما هو وصف في الذمة وعند الأئمة الثلاثة يحنث
____________________
(2/330)
كتاب الحدود لما كانت اليمين للمنع في أحد نوعيها ناسب أن يذكر الحدود عقيبها والحد في اللغة المنع ومنه سمي البواب حدادا لمنعه الناس عن الدخول وسمي اللفظ الجامع المانع حدا لأنه يجمع معنى الشيء ويمنع دخول غيره فيه وسميت العقوبات الخالصة حدا لأنها مانع من ارتكاب أسبابها معاودة وحدود الله تعالى محارمه لأنها ممنوع عنها ومنه قوله تعالى تلك حدود الله فلا تقربوها وحدود الله أيضا أحكامه لأنها تمنع من التخطي إلى ما وراءها ومنه تلك حدود الله حدود الله فلا تعتدوها أو لأن كفارة اليمين دائرة بين العقوبة والعبادة فناسب أن يذكر العقوبات المحضة بعدها ومحاسن الحدود كثيرة ومن جملتها أنها ترفع الفساد الواقع في العالم وتحفظ النفوس والأعراض والأموال سالمة عن ابتذال وسبب كل من الحدود ما أضيف إليه من الزنا والشرب والسرقة والقذف
وفي الشرع الحد فاللام الجنس بقرينة مقام التعريف فيشمل الحدود الخمسة وهي حد القذف وحد الشرب وحد السرقة وحد الزنا وحد قطع الطريق
____________________
(2/331)
وأما حد السكر فداخل في حد الشرب كمية وكيفية غايته أن له قسمين شرب الخمر وشرب المسكر بقيد السكر فلا يرد عليه ما قيل أنها ستة عقوبة مقدرة مبينة في الكتاب أو السنة أو الإجماع تجب على الإمام إقامتها يعني بعد ثبوت السبب عنده وعليه يبتنى عدم جواز الشفاعة فيه فإنها طلب ترك الواجب وأما قبل الوصول إلى الإمام والثبوت عنده تجوز الشفاعة عند الرافع له إلى الحاكم ليطلقه لأن الحد لم يثبت بعد كما في الفتح حقا لله تعالى أي تعظيما وامتثالا لأمره تعالى لأن المقصد الأصلي من شرعيته الانزجار عما يتضرر به العباد والتحقيق أن العلم بشرعية الحدود مانع قبل الفعل زاجر بعده يمنع من العود إليه وليس الحد كفارة للمعصية بل التوبة هي المسقطة عنه عذاب الآخرة كما في الفتح فلا يسمى تعزير ولا قصاص حدا أما التعزير فلعدم التقدير فيه وأما القصاص فلأنه حق العبد مطلقا فلهذا جاز العفو عنه ولا يشكل هذا بحد القذف لأن الغالب فيه عندنا حق الله تعالى ألا ترى أنه لا تقبل شهادته
والزنى بالقصر يكتب بالياء لغة حجازية وبالمد لغة نجدية وطء أي غيبة حشفة أو أكثر من الرجل فلو لم تدخل الحشفة لم يحد لأنه ملامسة مكلف خرج به وطء المجنون والمعتوه والصبي وزاد صاحب البحر قوله ناطق طائع خرج بالناطق وطء الأخرس فإنه غير موجب للحد لاحتمال أن يدعي شبهة وبالطائع وطء المكره لأن الإكراه يسقط الحد على ما سيأتي في قبل وزاد صاحب البحر قوله مشتهاة حالا أو ماضيا فخرج به غير المشتهاة كوطء الصبية التي لا تشتهى والميتة والبهيمة خال ذلك الوطء عن ملك أي ملك النكاح واليمين احتراز عن وطء جارية مشتركة ومنكوحة نكاحا فاسدا وشبهته أي
____________________
(2/332)
الملك كوطء معتدة البائن وجارية الابن والأب وسيأتي تمامه وزاد صاحب البحر قوله في دار الإسلام لأنه لا حد في الوطء في دار الحرب أو تمكينه من ذلك أو تمكينها ليصدق على ما إذا كان مستلقيا فقعدت على ذكره فتركها حتى إذا أدخلته فإنهما يحدان في هذه الصورة وليس الموجود منه سوى التمكين فعلى هذا أن هذا التعريف ليس بتعريف الموجب للحد وإلا لانتقض التعريف طردا وعكسا والأولى أن يقول كما قال صاحب البحر ليكون التعريف تاما تأمل
ويثبت الزنا ثبوتا ظاهرا عند الحاكم لا بمجرد علم الحاكم لأن علمه ليس بحجة خلافا لأبي يوسف وثوري والشافعي بشهادة أربعة رجال فلا يثبت بشهادة النساء ولا بشهادة اثنين أو ثلاثة وإنما يشترط فيه أربعة رجال تحقيقا لمعنى الستر ولأن الزنا لا يتم إلا باثنين وفعل واحد لا يثبت إلا بشاهدين وأطلقهم فشمل ما إذا كان الزوج أحد الأربعة بشرط كون الزوج لم يقذفها خلافا للشافعي فلو كان قذفها وشهد بالزنا ومعه ثلاثة حد الثلاثة للقذف وعلى الزوج اللعان فعلى هذا لو قال بعض الشهود إن فلانا قد زنى وشهد عند الحاكم لا تقبل مجتمعين فلو شهدوا متفرقين حال مجيئهم وشهادتهم لم تقبل ويحدون حد القذف وأما إذا حضروا في مجلس واحد عند الحاكم وجلسوا مجلس الشهود وقاموا إلى الحاكم واحدا بعد واحد فشهدوا قبلت شهادتهم لأنه لا يمكن الشهادة دفعة واحدة كما في السراج بالزناء متعلق بالشهادة أي شهادة ملتبسة بلفظ الزنا لأنه الدال على الفعل الحرام لا بالوطء أو الجماع إذا سألهم بعد الشهادة ظرف يثبت الإمام أو نائبه والقاضي عن ماهية الزنا احتراز عن زنى العين واليد والرجل فإنه يطلق عليه توسعا نحو العينان تزنيان وكيفيته لاحتمال كونه مكرها وقيل لاحتمال كونه تماس الفرجين من غير إدخال وقيل لاحتمال كونه زنى الإبط والفخذ والدبر كما في المضمرات وهو الأصح فإنه مختار المبسوط ولا يقال إن السؤال عن
____________________
(2/333)
الماهية يغني عن ذلك والأحسن صورة الإكراه لأن الغرض من هذه الاستقصاء وكمال الجهد والاحتياط في الاحتيال لدرء الحدود لقوله عليه الصلاة والسلام ادرءوا الحدود ما استطعتم فالأحسن الاحتراز عن الكل كما في القهستاني وأين زنى لاحتمال أنه زنى في دار الحرب أو البغي ومتى زنى لأن الزنى المتقادم أو في حال الصبا أو الجنون لا يوجب الحد ورد بأن الزنى المتقادم ليس على إطلاقه فإنه يوجب إذا كان ثبوته بالإقرار وجوابه أن التقادم إنما يمنع لإيجابه التهمة بالتأخير إذا لم يكن التأخير لعذر بخلاف الإقرار لأن التقادم ليس فيه ما يقتضي التهمة والتقادم في الزنا يثبت بشهر وما فوقه عندهما وعنده يفوض إلى رأي القاضي وبمن زنى هذا السؤال عن المزنية إذا كانت الشهادة على الزاني وفائدته الاستكشاف عن الشبهة وعن الزاني إذا كانت الشهادة على المزنية وفائدته الاستكشاف عن شرط التكليف وهذه القاعدة توجد في الأول أيضا كما في الإصلاح فمن قال إن السؤال عن الماهية يغني عنه أو خص السؤال بالأول فقد أخطأ تأمل فبينوه على الوجه المشروح وقالوا رأيناه وطئها بصيغة الفعل في فرجها كالميل في المكحلة بضم الميم والحاء آلة مخصوصة للكحل وهذا راجع إلى بيان الكيفية وهو زيادة بيان احتيالا للدرء وإلا يغني ما ذكر عن ذلك وعدلوا بصيغة المجهول أي الشهود تعديلا سرا
____________________
(2/334)
وعلانية عند من لا يكتفي بظاهر العدالة في غير الحد من الحقوق وهو ظاهر عند من يكتفي احتيالا للدرء وفي أكثر المعتبرات ويحبسه الإمام حتى يسأل عن الشهود كي لا يهرب ولا وجه لأخذ الكفيل منه لأن أخذه نوع احتياط فلا يكون مشروعا فيما يبتنى على الدرء وحبسه ليس بطريق الاحتياط بل بطريق التعزير انتهى لكن يشكل الأمر بأنه يلزم الجمع بين التعزير والحد في حالة واحدة إذا حد بعده فيلزم أن يكون الحبس احتياطا لا تعزيرا على أن المستفاد من تعليل الحبس بقولهم كي لا يهرب يؤيده تأمل
أو بالإقرار أي يثبت الزناء بإقرار الزاني أيضا حال كونه عاقلا بالغا فلا اعتبار لقول المجنون والصبي ولا يشترط الإسلام فلو أقر الذمي بوطء الذمية حد خلافا لمالك ولا الحرية فلو أقر العبد بالزنا حد خلافا لزفر أربع مرات كما في قصة ماعز خلافا للشافعي فإن عنده يثبت بإقراره مرة في أربعة مجالس من مجالس المقر وقيل من مجالس الحاكم والأول هو الصحيح فلو أقر أربعا في مجلس واحد كان كإقرار واحد خلافا لابن أبي ليلى فإن عنده يقام بالإقرار أربعا وإن كان في مجلس واحد وفيه إشعار بأنه لو أقر أربعا في أربعة أيام أو أربعة أشهر ثبت به الزناء كما في القهستاني وللإقرار شرطان أحدهما أن يكون صريحا فلو أقر الأخرس بالزناء بكتابة أو بإشارة لا يحد الثاني أن لا يظهر كذبه كما لو أقر فظهر مجبوبا أو أقرت فظهرت رتقاء فإنه يوجب شبهة فتندرئ كما في الفتح فبهذا علم أن عبارة المصنف قاصرة تدبر كلما أقر رده الحاكم وقال أبك داء أو جنون أو غيره حتى يغيب عن بصره وفيه تسامح لأن الحاكم لا يرده في الرابعة بل يقبله فلو قيده بإلا مرة رابعة لكان أولى
وفي القهستاني أن الإقرار لم يعتبر عند غير الإمام حتى لو شهدوا بذلك لم يقبل لأنه إن كان منكرا قد رجع عن الإقرار وإلا فلا عبرة بالشهادة ولو أقر بالزنى
____________________
(2/335)
مرتين وشهد عليه أربعة لا يحد عند أبي يوسف خلافا لمحمد ثم سأل كما مر أي سأله الحاكم عن ماهيته وكيفيته ومزنيته ومكانه سوى الزمان لأن التقادم مانع الشهادة لا الإقرار لكن الأصح أنه يسأله لجواز أنه زنى في صباه أو في حالة الجنون كما في بعض المعتبرات وفيه إشعار بوجوب السؤال
وفي السراجية ينبغي أن يسأله فبينه أي بين المقر ما ذكر من الشرط فإذا بينه لزم الحد لظهور الحق
وندب تلقينه أي تلقين الحاكم المقر ليرجع عن إقراره بلعلك قبلت أو لمست أو وطأت بشبهة أو نظرت أو باشرت أو تزوجت تحقيقا لمعنى الستر فلو ادعى الزاني أنها زوجته سقط الحد عنه وإن كانت زوجة للغير ولو تزوجها بعد زنائه بها أو اشتراها لا يسقط الحد في ظاهر الرواية لأنه لا شبهة له وقت الفعل كما في المحيط وهذا مقيد بما إذا لم يتقادم أو كان بالإقرار تدبر فإن رجع المقر عن إقراره قبل الحد أي قبل الحكم بالحد أو بعده قبل الشروع فيه أو في أثنائه قبل الموت ترك وخلي سبيله لاحتمال صدقه خلافا للشافعي وابن أبي ليلى فإن عندهما يحد لوجود الحد بإقراره فلا يبطل برجوعه وإنكاره
والحد للمحصن بكسر الصاد وفتحها رجمه لم يقل بالحجارة لأنه معتبر في مفهوم الرجم في فضاء أي أرض فارغة واسعة حتى يموت متعلق برجمه وقد ثبت ذلك بالحديث وعليه انعقد إجماع الصحابة رضي الله عنهم وفيه إشعار بأنه لو رجع في رجمه وهرب أتبعه وهذا إذا ثبت بالبينة
____________________
(2/336)
وأما إذا ثبت بالإقرار فلا يتبعه فإنه رجوع بخلاف الأول لأنه لا يصح الرجوع فيه وبأنه لا بأس لكل من رمى أن يتعمد قتله لأنه واجب القتل إلا من كان ذا رحم محرم منه فإنه لا يقصد مقتله لأن بغيره كفاية كما في التبيين وظاهره أنه يرجمه ولكن لا يقصد مقتله مع أن ظاهر المحيط أنه لا يرجمه أصلا وهذا بعد القضاء به وأما قبله فيجب القصاص في العمد والدية في الخطإ إذا قتله يبدأ به الشهود أي يجب بداية الشهود بالرجم ولو بحصاة صغيرة هكذا عن علي رضي الله تعالى عنه ولأنهم قد يتجاسرون على الأداء ثم يستعظمون المباشرة فيرجعون وفيه ضرب احتيال في الدرء وعند الأئمة الثلاثة في رواية عن أبي يوسف لا تشترط بدايتهم ولكن يستحب حضورهم وبدايتهم اعتبارا بالجلد وأجيب بأن كل أحد لا يحسن الجلد فربما يقع مهلكا والإهلاك غير مستحق وكذلك الرجم لأنه إتلاف فإن أبوا أي الشهود كلا أو بعضا عن الرجم أو غابوا أو ماتوا أو جنوا أو فسقوا أو قذفوا كلا أو بعضا أو عموا أو خرسوا أو ارتدوا سقط الرجم سواء كان قبل القضاء أو بعده لفوات الشرط وهو بداءة الشهود وروي عن أبي يوسف لو أبوا كلا أو بعضا أو غابوا رجم الإمام ثم الناس ولم ينتظروهم ولو كانوا مرضى لا يستطيعون الرمي وقد حضروا أو مقطوعي الأيدي يبدأ به الإمام هذا إذا قطعت أيديهم قبلها فإن بعد الشهادة امتنعت الإقامة وقيد بالرجم لأن ما سواه من الحدود لا يجب الابتداء من الشهود ولا الإمام كما في الظهيرية ثم قال وإذا سقط بامتناع أحدهم هل يحد الشاهد أو لا ذكر في المبسوط أنه لا يقام الحد على الشهود ثم الإمام أي يرجم الإمام أو القاضي ثم الناس ولم يذكر المصنف أن الإمام إذا امتنع بعد الشهود أنه لا يسقط الحد وقياسه السقوط كما في البحر
وفي الظهيرية القاضي إذا أمر الناس برجم الزاني وسعهم أن يرجموه وإن لم يعاينوا أداء الشهادة وروي عن محمد هذا إذا كان القاضي فقيها عدلا أما إذا كان فقيها غير عدل أو كان عدلا غير فقيه فلا يسعهم أن يرجموه حتى يعاينوا أداء الشهادة وفي المقر يبدأ الإمام أي يرجم في حق المقر خاصة الإمام حال كونه
____________________
(2/337)
مبتدأ فهو تضمين شائع ليس فيه تسامح كما في القهستاني ثم الناس هكذا عن علي رضي الله تعالى عنه
ويغسل المرجوم بعد موته ويكفن ويصلى عليه لقوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عن غسل ماعز وتكفينه والصلاة عليه اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم لقد تاب توبة لو قسمت على أهل الحجاز لوسعتهم ولقد رأيته ينغمس في أنهار الجنة ولأنه قتل بحق فلا يسقط به الغسل بخلاف الشهيد
و الحد لغير المحصن أي لزان حر فقد سائر الشروط الخمس مائة جلدة لقوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة إلا أنه انتسخ في حق المحصن فبقي في حق غيره معمولا به ويكفينا في تعيين الناسخ القطع برجم النبي عليه الصلاة والسلام فيكون من نسخ الكتاب بالسنة القطعية كما في البحر وللعبد الزاني نصفها أي نصف جملة المائة فيجلد خمسين سوطا لقوله تعالى فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب والمراد به الجلد لأن الرجم لا ينتصف وإذا ثبت التنصيف في الإماء لوجود الرق ثبت في العبد دلالة بسوط متعلق بجلدة لا ثمرة له لأن عليا رضي الله تعالى عنه لما أراد أن يقيم الحد كسر ثمرته ضربا وسطا أي متوسطا بين المولم في الغاية وغير المولم
وفي المضمرات ضربا مولما غير قاتل ولا جارح لأن المقصود الانزجار ولو كان الرجل الذي وجب عليه الحد ضعيف الخلقة فخيف عليه الهلاك يجلد جلدا خفيفا يحتمله كما في الفتح لما روي أن رجلا ضعيفا زنى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ عثكالا فيه مائة شمراخ فيضرب به ضربة كما في السراجية مفرقا ذلك الضرب على جميع بدنه ويعطي كل عضو
____________________
(2/338)
حظه من الضرب لأنه نال اللذة كما في التبيين وغيره قال في شرح عيون المذاهب وفيه كلام لأنه يلزم منه أن يضرب الفرج انتهى لكن الضرب في الفرج قد يفضي إلى التلف والحد زاجر لا متلف فلهذا تتقى الأعضاء التي لا يؤمن منها التلف كالفرج وغيره تدبر إلا الرأس لئلا يؤدي إلى زوال سمعه أو بصره أو شمه والوجه لأنه مجمع المحاسن فلا يؤمن ذهابها بالضرب والفرج لئلا يؤدي إلى الهلاك
وقال بعض مشايخنا لا يضرب الصدر والبطن لأنه مهلك وعند أبي يوسف والشافعي في قول يضرب الرأس ضربة واحدة لقول أبي بكر رضي الله تعالى عنه أضربوا الرأس فإن الشيطان فيه وجوابه أنه ورد في حربي كان دعاه وهو مستحق القتل
ويضرب الرجل قائما في كل حد لأن مبنى إقامة الحد على التشهير والقيام أبلغ فيه بلا مد أي من غير أن يلقى على الأرض وتمد رجلاه كما يفعل اليوم وقيل من غير أن يمد الضارب يده فوق رأسه وقيل من غير أن يمد السوط على العضو عند الضرب ويجره وكل ذلك لا يفعل لأنه زيادة في الحد وفيه إشعار بأنه لا يمسك ولا يشد لأن الألم يزيد به إلا أن يعجزهم فيشد وينزع ثيابه أي يجرد الرجل عنها ليجد زيادة الألم فينزجر خلافا للشافعي وأحمد سوى الإزار فإنه لا ينزع حذرا عن انكشاف العورة والمرأة تحد جالسة في كل حد لأنه أستر لها ولا تنزع ثيابها أي ثياب المرأة لأن فيه كشف العورة وهذا تصريح بما علم بالاستثناء إلا الفرو أي اللباس الذي من جلود الغنم وغيره والحشو أي الثوب المملو بالقطن أو الصوف أو غيره فإنهما ينزعان ليصل الألم إلى بدنها إلا إذا لم يكن لها غير ذلك
ويحفر لها أي للمرأة إلى السرة أو إلى الصدر في الرجم لأنها ربما تضطرب وتكشف العورة وهو بيان للجواز وإلا فلا بأس بترك الحفر لها لا يحفر في الرجم له أي للرجل لأنه ينافي التشهير والربط والإمساك غير مشروع في المرجوم وهذا صريح بما علم ضمنا والأولى تركه ولا يحد سيد مملوكه سواء كان عبدا أو أمة بلا إذن الإمام أو نائبه لأنه حق الله تعالى ولا
____________________
(2/339)
نيابة له فيه بخلاف التعزير فإنه حق العبد وعند الأئمة الثلاثة يحد إذا عاين السبب أو أقر عنده ولو ثبت بالبينة فلهم فيه قولان وفي حد القذف والقصاص وجهان هذا إذا كان المولى ممن يملك إقامة الحدود بتقلد القضاء حتى لو كان مكاتبا أو ذميا أو امرأة فلا يقيم الحد اتفاقا وإحصان الرجم احتراز عن إحصان القذف على ما سياتي الحرية لقوله عليه الصلاة والسلام لا يحصن الحر الأمة ولا العبد الحرة والتكليف لأن الصبي والمجنون ليسا بأهل للعقوبات والإسلام للحديث من أشرك بالله فليس بمحصن ورجمه عليه السلام اليهوديين إنما كان بحكم التوراة قبل نزول آية الجلد ثم نسخ وعن أبي يوسف أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان وبه قاله الشافعي وأحمد والوطء بنكاح صحيح حتى لو وطئ بنكاح فاسد أو ملك يمين لم يرجم وكذا من لم يتزوج أو تزوج ولم يدخل بها لا يكون محصنا أما في الأول فلعدم تمكنه من الوطء الحلال وأما في الثاني فلقوله عليه السلام الثيب وبالثيب والثيابة لا تكون بغير دخول ولأنه لم يستغن عن الزناء والدخول إيلاج الحشفة أو قدرها ولا يشترط الإنزال لأنه
____________________
(2/340)
شبع
وفي الدرر ويجب أن يعلم أن حصول الوطء بنكاح صحيح شرط لحصول صفة الإحصان ولا يجب بقاؤه لبقاء الإحصان حتى لو تزوج في عمره مرة بنكاح صحيح ثم زال النكاح وبقي مجردا وزنى يجب عليه الرجم حال وجود الصفات المذكورة فيهما أي في الوطيء والموطوءة بنكاح صحيح حتى إن المملوكين إذا كانا بينهما وطء بنكاح صحيح حال الرق ثم عتقا لم يكونا محصنين وكذا الكافران وكذا الحر إذا تزوج أمة أو صغيرة أو مجنونة ووطئها لا يكون محصنا لوجود النفرة عن نكاح هؤلاء لعدم تكامل النعمة وكذا إذا كان الزوج عبدا أو صبيا أو مجنونا أو كافرا وهي حرة بالغة عاقلة مسلمة بأن أسلمت قبل أن يطأها الزوج ثم وطئها الكافر قبل أن يفرق بينهما فإنها لا تكون محصنة بهذا الدخول ولو زال الإحصان بعد ثبوته بالجنون أو العته يعود محصنا إذا أفاق وعند أبي يوسف لا يعود حتى يدخل بامرأته بعد الإفاقة
وفي البحر إذا سرق الذمي أو زنى ثم أسلم أو ثبت ذلك عليه بإقراره أو بشهادة المسلمين لا يدرأ عنه الحد وإن ثبت بشهادة أهل الذمة فأسلم يقام عليه الحد وسقط عنه
ولا يجمع بين جلد ورجم يعني في المحصن لأنه عليه السلام لم يجمع ولا يجمع بين جلد ونفي يعني
____________________
(2/341)
في المحصن وعند الأئمة الثلاثة يجمع بين الجلد والنفي ولنا أن الحد في الابتداء الإيذاء باللسان ثم نسخ بالحبس في البيوت ثم نسخ بجلد مائة ونفي في البكر بالبكر وجلد ورجم في الثيب بالثيب ثم نسخ بجلد مائة في كل زان ثم نسخ الجلد واستقر الحكم بالرجم في المحصن والجلد في غيره إلا سياسة استثناء من قوله
ولا بين جلد ونفي إذا رأى الإمام مصلحة للمسلمين فيعزر به قدر ما يرى لأن عمر رضي الله تعالى عنه نفى غلاما صبيح الوجه افتتن به النساء والحسن لا يوجب النفي إلا أنه فعله سياسة لا حدا وفيه إشارة إلى أن السياسة لا تختص بالزناء بل تكون في كل جناية
____________________
(2/342)
الرأي فيه إلى الإمام
وفي البحر وفسر التغريب في النهاية بالحبس وهو أحسن وأسكن للفتنة من نفيه إلى إقليم آخر لأنه بالنفي يعود مفسدا كما كان انتهى لكن يمكن أن يكون صالحا بلحوق العار وبالغربة عن الوطن فلا يتحقق العود مفسدا تأمل
والمريض الزاني المحصن يرجم في الحال لأن الرجم متلف ولا يتأخر لسبب المرض ولا يجلد الزاني المريض غير المحصن ما لم يبرأ عن المرض كي لا يفضي إلى الهلاك وهو غير مستحق به لكن يحبس حتى يبرأ فيجلد وفيه إشارة إلى أنه إذا كان مريضا وقع اليأس عن برئه يقام عليه الحد تطهيرا كما في المحيط وإلى أنه لا يجلد في الحر والبرد الشديدين لخوف التلف كما في أكثر الكتب
والحامل إن ثبت زناها بالبينة تحبس حتى تلد كي لا تهرب قيد بالبينة لأنه إذا ثبت بالإقرار لا تحبس لأن الرجوع عنه صحيح فلا فائدة في الحبس وترجم الحامل المحصنة إذا وضعت أي بعد وضع الولد إن كان له مرب لأن التأخير لأجل الولد وقد انفصل ولا تجلد الحامل غير المحصنة ما لم تلد و تخرج من نفاسها لأنه نوع مرض ولذا نفذ تصرفها من الثلث فلو اكتفى جاز والحائض كالصحيح وإن لم يكن للمولود من يربيه لا ترجم حتى يستغني الولد عنها لأن في ذلك صيانة الولد عن الهلاك كما في الاختيار وإنما صورها في صورة الاتفاق مع أنها ذكرت في الهداية وغيرها أنها رواية عن الإمام لكن لما كان تعليلها أقوى رجحها وسكت عما عداها تدبر
____________________
(2/343)
باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه قد تقدم حقيقة الزناء وهو الذي يوجب الحد وكيفية إثباته ثم شرع في تفاصيله وبدأ ببيان الشبهة فقال الشبهة وهي ما يشبه الثابت وليس في نفس الأمر بثابت أو اسم من الاشتباه وهي ما بين الحلال والحرام والخطأ والصواب دارئة أي دافعة للحد عن الواطئ لما تقدم قال الإسبيجابي الأصل أنه متى ادعى شبهة وأقام البينة عليها سقط الحد فبمجرد الدعوى يسقط أيضا الإكراه خاصة فلا يسقط به الحد حتى يقيم البينة على الإكراه وهي أي الشبهة نوعان هذا مسلك صاحب الوقاية والكنز لكن في الإصلاح وغيره أن الشبهة ثلاثة أنواع في المحل وفي الفعل وفي العقد ولا يمكن درج الثالثة في الثانية لأن النسب يثبت فيها ولا شيء فيها على الجاني وإن اعترف بالحرمة شبهة في الفعل أي الوطء وتسمى شبهة الاشتباه أي شبهة المشتبه المعتبر في حقه لا غير وهي أي الشبهة في الفعل ظن غير الدليل على حل الفعل دليلا عليه فلا يحد فيها أي في شبهة الفعل إن ظن الواطئ الحل قال في الإصلاح إن ادعى الحل وعلل بأن العبرة لدعوى الظن لا للظن فإنه يحد إن لم يدع وإن حصل له الظن ولا يحد إن ادعى وإن لم يحصل له الظن تأمل وإلا أي وإن لم
____________________
(2/344)
يظن الحل يحد قالوا هذه الشبهة في ثمانية مواضع والزيادة عليها حاصلة بالنظر لتعدد الأصول وإلى هذه المواضع أشار بقوله كوطء معتدته من ثلاث لأن حرمتها مقطوع بها فلم يبق له فيها ملك ولا حق غير أنه بقي فيها بعض الأحكام كالنفقة والسكنى والمنع من الخروج وثبوت النسب وحرمة أختها وأربع سواها وعدم قبول شهادة كل منهما لصاحبه فحصل اشتباه لذلك فأورث شبهة عند ظن الحل لأنه في موضع الاشتباه فيعذر والإطلاق شامل ما إذا وقعها جملة أو متفرقا
وفي البحر سؤال وجواب فليطالع أو كوطء معتدته من طلاق على مال
وفي الهداية والمختلعة والمطلقة على مال بمنزلة المطلقة الثلاث لثبوت الحرمة بالإجماع وقيام بعض الآثار في العدة
وفي البحر ومرادهم الطلاق على مال بغير لفظ الخلع أما إذا كان بلفظ الخلع ففيه الاختلاف لكن الصحيح أن يكون الحكم فيه كالحكم في المطلقة ثلاثا ذكره الكرخي أو كوطء أم ولد أعتقها لثبوت حرمتها بالإجماع وتثبت الشبهة عند الاشتباه لبقاء أثر الفراش وهي العدة أو كوطء أمة أصله أي أبيه وأمه
وإن علا من الأجداد والجدات فإن اتصال الأملاك بين الأصول والفروع قد يوهم أن للابن ولاية وطء جارية الأصل كما في العكس أو كوطء أمة زوجته فإن غنى الزوج بمال زوجته المستفاد من قوله تعالى ووجدك عائلا فأغنى أي بمال خديجة قد يورث شبهة أن مال الزوجة ملك للزوج كما في أكثر المعتبرات وما قاله الباقاني وغيره من أنه قد أجمع على أن نسبة الإغناء نسبة مجازية بخلاف قوله عليه الصلاة والسلام أنت ومالك لأبيك على أن هذا التفسير غير متعين
____________________
(2/345)
كما ذكر في كتب التفسير مع أنه يحتمل الخصوص ليس بسديد لأن كون نسبة الإغناء نسبة مجازية لا ينافي إيراث الشبهة مع تصريحهم إغناءه بمال خديجة وإن كان على قول تأمل
أو كوطء أمة سيده لأن العبد ينتفع بمال المولى عادة مع كمال الانبساط فإذا ظن أن وطء الجواري من قبيل الاستخدام واشتبه عليه الحال يكون معذورا
وكذا وطء المرتهن المرهونة فإذا قال المرتهن علمت أنها حرام ففيه روايتان ففي رواية كتاب الرهن لا حد عليه
وفي رواية كتاب الحد يجب الحد في الأصح كما في الهداية
وفي التبيين وهو المختار لأن الاستيفاء من عينها لا يتصور وإنما يتصور من ماليتها فلم يكن الوطء حاصلا في محل الاستيفاء لكن لما كان الاستيفاء سببا لملك المال في الجملة وملك المال سبب لملك المتعة في الجملة حصل الاشتباه وأما على رواية الإيضاح أنه يحد سواء ظن أو لا فهي مخالفة لعامة الروايات كما في الفتح
وفي الهداية والمستعير للرهن في هذا بمنزلة المرتهن وأما الجارية المستأجرة والعارية الوديعة وكجارية أخيه فيحد وإن ظن الحل ففي هذه المواضع الثمانية لا يحد إذا قال إنها محل لي ولو قال علمت أنها على حرام وجب الحد وأطلق في ظن الحل فشمل ظن الرجل وظن الجارية فإن ظناه فلا حد وإن علما الحرمة وجب الحد وإن ظنه الرجل وعلمته الجارية أو بالعكس فلا حد كما في المحيط
و النوع الثاني من نوعي الشبهة شبهة في المحل أي الموطوءة وتسمى شبهة ملك وشبهة حكمية وهي قيام دليل ناف للحرمة في ذاته أي إذا نظرنا إلى الدليل مع قطع النظر عن المانع يكون منافيا ولا يتوقف على ظن الجاني واعتقاده فلا يحد الجاني فيها أي في الشبهة في المحل
وإن وصلية علم بالحرمة كوطء أمة ولده وإن سفل فإنه عليه الصلاة والسلام أضاف مال الولد إلى الأب
____________________
(2/346)
فاللام التمليك فقال أنت ومالك لأبيك ولم يثبت حقيقة الملك فتثبت شبهته عملا بحرف اللام بقدر الإمكان أو كوطء مشتركته فإن الملك فيها دليل جواز الوطء أو كوطء معتدته بالكنايات بأن قال لها أنت بائن أو علي حرام أو بتة أو برية مثلا وأراد البينونة أو الثلاث ثم جامعها في عدتها لا حد عليه لقول بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم إن الكنايات رواجع وإن نوى الثلاث دون الثلاث لا فائدة في هذا اللفظ لأنه إن أراد معتدته من الثلاث صريحا فقد مر في شبهة الفعل وإن أراد ألفاظ الكنايات إذا نوى بها الثلاث فليس حكمها ذلك كما ذكر قبيلها والصواب الترك تأمل
أو كوطء البائع الأمة المبيعة أو كوطء الزوج الأمة الممهورة أي التي جعلها صداقا لامرأة تزوجها قبل تسليمها أي قبل تسليم المبيعة إلى المشتري في البيع الصحيح وقبل التسليم وبعده في الفاسد والمبيعة بشرط الخيار سواء للبائع أو للمشتري وقبل تسليم الممهورة إلى الزوجة لأن كون المبيعة في يد البائع بحيث لو هلكت انتقض البيع دليل الملك في المبيعة وكون المهر صلة أي غير مقابل بمال دليل عدم زوال الملك فلا يحد الواطئ في هذه المواضع وإن قال علمت أنها حرام خلافا لزفر والنسب يثبت في هذه أي في شبهة المحل عند الدعوة لعدم تمحضه زنى لقيام الدليل النافي للحرمة لا في الأولى أي لا يثبت النسب في شبهة الفعل
وإن وصلية ادعى لتمحضه زنى وإن سقط الحد لأمر راجع إليه وهو اشتباه الحال عليه هذا ليس بمجرى على العموم فإن في
____________________
(2/347)
المطلقة الثلاث يثبت النسب لأن هذا وطء في شبهة العقد فيكفي ذلك لإثبات النسب
ويحد بوطء أمة أخيه أو عمه أو ذي رحم محرم غير الولاد أو المستأجرة أو المستعارة
وإن وصلية ظن حلها لأنه لم يستند ظنه إلى دليل
وكذا يجب الحد بوطء امرأة وجدها على فراشه وقال حسبتها امرأتي لعدم الاشتباه مع طول الصحبة فلم يكن هذا الظن مستندا إلى دليل
وإن وصلية كان أعمى لإمكان التمييز بالسؤال إلا إن دعاها فقالت أي أجابت تلك المرأة فقالت أنا زوجتك فوطئها لا يحد لأنه اعتمد على الإخبار وهو دليل في حقه ولو جاءت بولد ثبت نسبه قيد بقوله وأنا زوجتك لأنها إذا أجابت بالفعل ولم تقل ذلك فواقعها وجب عليه الحد كما في العناية
لا يجب الحد بوطء أجنبية زفت أي بعثت إليه وقلن أي النساء بالجمع لكن الظاهر أنه ليس بشرط لأنه من المعاملات والواحدة تكفي فيها كما في البحر فعلى هذا لو أتى بصيغة المفرد كما في الكنز لكان أولى تأمل هي زوجتك لأنه اعتمد على إخبارهن في موضع الاشتباه إذ الإنسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها في أول الوهلة فصار كالمغرور لكنه لا يحد قاذفه وعليه المهر أي مهر المثل والعدة ويثبت نسب ولدها منه لأن الوطء في دار الإسلام لا يخلو عن الحد أو المهر وقد سقط الحد فتعين المهر ولا بوطء بهيمة لأنه ليس في معنى الزنى في كونه جناية إلا أنه يعزر لأنه ارتكب جريمة والذي يروى أنها تذبح وتحرق فذلك يقطع التحدث به
وزنى في دار حرب أو بغي أي من زنى في دار الحرب أو البغي ثم خرج إلينا لا يقام عليه الحد إلا إذا كان أمير المصر في دار الحرب فله أن يقيم الحد على من زنى في معسكره وتمامه في المنح وعند الأئمة يقام عليه الحد لو خرج إلينا وأقر لأنه التزام بإسلامه أحكام الإسلام أينما كان ولنا قوله عليه الصلاة
____________________
(2/348)
والسلام لا تقام الحدود في دار الحرب
ولا يجب الحد بوطء امرأة محرم له تزوجها سواء كان عالما بالحرمة أو لا ولكن إن كان عالما به يوجع بالضرب تعزيرا له هذا عند الإمام وعندهما والأئمة الثلاثة عليه الحد إن كان عالما بذلك لأن الشرع أخرج المحارم عن محلية النكاح فصار العقد لغوا وله أن المحرم محل النكاح باعتبار أن المقصود منه التناسل وكل أنثى من بنات آدم قابلة له ومحلية النكاح وإن انعدمت عن المحارم بدليل لكن بقيت شبهتها كما في نكاح المتعة فيندرئ به الحد هذا ووطء الزوجة بغير شهود وغيرها من شبهة العقد فتكون الشبهة على ثلاثة أضرب كما بيناه في أول الكتاب
أو من استأجرها ليزني بها فإنه لا يحد عند الإمام لأنه روي أن امرأة سألت رجلا مالا فأبى أن يعطيها حتى تمكنه من نفسها فدرأ عمر الحد عنها وقال هذا مهرها خلافا لهما في المسألتين وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه ليس بينهما ملك ولا شبهة فكان زنى محضا قيد بالاستئجار لأنه لو زنى بها وأعطاها مالا ولم يشترط شيئا يحد اتفاقا ولو قال أمهرتك لا زنى بك لا يحد اتفاقا وقيد ليزني بها لأنه لو استأجرها للخدمة ثم جامعها يحد اتفاقا
ومن وطئ أجنبية فيما دون الفرج أي في غير السبيلين كالتبطين والتفخيذ يعزر اتفاقا كما في شرح المجمع وغيره لأنه أتى أمرا منكرا ليس فيه حد
وكذا لو وطأها أي الأجنبية في الدبر فإنه يعزر عند الإمام
____________________
(2/349)
وعندهما يحد فإذا عرفت هذا فاعلم أن في هذه المحل كلاما لأن المسألة الأولى اتفاقية والثانية اختلافية فلا معنى لهذا العطف بطريق التشبيه تأمل وفيه إشارة أنه لو فعل هذا بعبده أو أمته أو منكوحته لا يحد بلا خلاف وإن كان حراما بالإجماع وإنما يعزر لارتكاب المحظور أو عمل عمل قوم لوط فإنه يعزر ولا يحد عند الإمام وعندهما يحد وهو أحد قولي الشافعي وقال في قول يقتلان بكل حال لقوله عليه الصلاة والسلام اقتلوا الفاعل والمفعول ولهما أنه في معنى الزناء لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على سبيل الكمال على وجه تمحض حراما لقصد سفح الماء وله أنه ليس بزنى لاختلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في موجبه من الإحراق بالنار وهدم الجدار والتنكيس من مكان مرتفع بإتباع الأحجار وغير ذلك ولا هو في معنى الزنا لأنه ليس فيه إضاعة الولد واشتباه الأنساب وكذا أندر وقوعا لانعدام الداعي في أحد الجانبين والداعي إلى الزناء من الجانبين وما رواه الشافعي محمول على السياسة أو على المستحل إلا أنه يعزر عنده كما في الهداية
وفي المنح والصحيح قول الإمام
وفي الفتح أنه يودع في السجن حتى يتوب أو يموت ولو اعتاد اللواطة قتله الإمام محصنا كان أو غيره سياسة وفي التبين لو رأى الإمام مصلحة قتل من اعتاده جاز له قتله
وفي البحر أنهم يذكرون في حكم السياسة أن الإمام يفعلها لم يقولوا القاضي فظاهره أن
____________________
(2/350)
القاضي ليس له الحكم بالسياسة ولا العمل بها
وفي التنوير ولا تكون اللواطة في الجنة على الصحيح لأنه ليس لأهل الجنة دبر وكلهم قبل لأن له ليس فيها احتياج لدفع الفضلات
وإن زنى ذمي بحربية مستأمنة في دارنا فلا حد لو زنى في دار الحرب حد الذمي فقط لا الحربية عند الطرفين لكون أهل الذمة مخاطبين بالعقوبات بخلاف الحربية وعند أبي يوسف يحدان لأن المستأمن ملتزم لأحكامنا ما دام في دارنا فيحد إلا في شرب الخمر وفي عكسه أي إن زنى حربي مستأمن بذمية حدت الذمية لا الحربي عند الإمام لأنه قد وجد حقيقة الزنى منها فيحد خاصة وعند أبي يوسف يحدان لما مر وعند محمد لا يحدان لأن الحد يسقط في الأصل فأوجب سقوطه في التبع
وإن زنى مكلف بمجنونة أو صغيرة يجامع مثلها لأنها إذا لم تكن يجامع مثلها فوطئها لا يجب عليه الحد كما في الغاية ولو قيده لكان أولى تأمل حد المكلف خاصة بالإجماع لكونه أصلا وفي عكسه أي إن زنى مجنون أو صبي بمكلفة لا حد عليها أي المكلفة لأنها تابعة له إلا في رواية عن أبي يوسف فإنه قال يحد المكلفة وهو قول زفر والأئمة الثلاثة لأن الزناء وجد منها وسقوط الحد من جانبه لا يسقط الحد عنها ولا حد بزنى المكره سواء كان المكره زانيا أو مزنية ولو أكره غير السلطان يحد عند الإمام ولا يحد عندهما لأن المعتبر خوف التلف وذا يتحقق من غيره إذا كان المكره قادرا على إيقاع ما هدد به والفتوى على قولهما ولا يحد إن أقر أحدهما أي أحد الزانيين بالزنى أربع مرات
____________________
(2/351)
في مجالس مختلفة وادعى آخر النكاح لأن دعوى النكاح تحتمل الصدق وهو يقوم بالطرفين فأورث شبهة وإذا سقط الحد وجب المهر أما لو أقر أحدهما بالزنى وقال الآخر ما زنى بي ولا أعرفه فلا يحد المقر عند الإمام وزفر وعندهما يحد
وفي المنح إذا كانت المرأة غائبة وأقر الرجل أنه زنى بها أو شهد عليه الشهود فإنه يقام عليه الحد
ومن زنى بأمة فقتلها أي الأمة به أي بفعل الزناء لزمه أي الفاعل الحد والقيمة عند الطرفين لأنه جنى جنايتين فيوفر على كل واحدة منهما حكمها وعند أبي يوسف لزمه القيمة فقط لأن تقرر ضمان القيمة سبب لملك الأمة وعلى هذا الخلاف لو زنى بجارية ثم اشتراها أو زنى بها ثم نكحها أو زنى بجارية جنت عليه قبل الزناء فدفعت إلى الزاني بعد الزناء بسبب الجناية أما لو فداها المولى بعد الجناية فيجب عليه الحد اتفاقا أو زنى بها ثم غصبها وضمن قيمتها أما لو غصبها ثم زنى بها ثم ضمن قيمتها فلا حد عليه اتفاقا كما في شرح المجمع قيد بالجارية لأنه لو زنى بالحرة فقتلها به يجب الحد مع الدية اتفاقا
وفي الحقائق وضع هذا إذ لو زنت بعبد ثم اشترته يحدان اتفاقا
والخليفة أي الإمام الأعظم الذي ليس فوقه إمام يؤخذ بالمال وبالقصاص إذا أخذ مالا أو قتل بغير حق لأنه من حقوق العباد ويستوفيه ولي الحق إما بتمكينه أو بالاستعانة بمنعة المسلمين وفيه إشعار بأنه لا يشترط القضاء لاستيفاء القصاص والأموال إلا إذا أنكر الأموال لا بالحد لأن إقامته مفوضة إليه فلا يمكنه أن يقيمه على نفسه وكذا القاضي بخلاف أمير البلدة فإنه يقام عليه الحد بأمر الإمام
____________________
(2/352)
353 باب الشهادة على الزناء والرجوع عنها لا تقبل الشهادة بحد أي بما يوجبه كالزناء مثلا متقادم أي موجبه أو سببه وهو الزناء فإسناده إلى الحد مجاز من غير بعد عن الإمام يعني أن عدم القبول مشروط بقرب الحاكم بحيث يقدر على أدائها من غير تأخير وإلا تقبل
وفي الفتح وغيره ولا شك أنه لا يتعين البعد عذرا بل يجب أن يكون كل من نحو مرض أو خوف طريق ولو في بعد يومين ونحوه من الأعذار التي يظهر أنها مانعة من المسارعة انتهى فعلى هذا لو قال من غير عذر لكان أولى تأمل والأصل أن الحدود الخالصة حقا لله تعالى تبطل بالتقادم لأن الشاهد مخير بين حسبتين أداء الشهادة والستر قال عليه الصلاة والسلام من ستر على أخيه المسلم عورة ستر الله عليه عورته يوم القيامة فالتأخير إن كان للستر فالإقدام على الأداء بعده يكون عن عداوة وإلا صار فاسقا آثما خلافا للشافعي كما في أكثر المعتبرات والمنح ولا يخفى أن في العبارة تساهلا مشهورا فإن الذي يبطل بالتقادم الشهادة بأسبابها إلا في حد القذف لأن الدعوى فيه شرط فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى فلا يوجب تفسيقهم
وفي السرقة يضمن السارق المال المسروق إذا ثبت بالشهادة ولا يضره التقادم لأنه حق العبد
____________________
(2/353)
لكن لا يحد السارق لأنه حق الله تعالى فلهذا لو شهد رجل وامرأتان على السرقة يقضى بالمال دون القطع وفي كثير من الكتب التقادم كما يمنع الشهادة يمنع إقامة الحد بعد القضاء خلافا لزفر وهو قول الأئمة الثلاثة حتى لو هرب بعدما ضرب بعض الحد ثم أخذ بعدما تقادم الزمان لا تقام عليه بقية الحد ويصح الإقرار به أي لو أقر بما يوجب الحد بعد التقادم لأن المرء لا يتهم على نفسه إلا في الشرب وتقادم غير الشرب بشهر وهو منقول عن محمد لأن ما دونه عاجل ومروي عنهما في الأصح قال الإمام أنه مفوض إلى رأي القاضي وقيل بمضي ستة أشهر وقيل بنصف شهر
وفي التنوير ولو شهدوا بزنى متقادم حد الشهود عند البعض وقيل لا و تقادم الشرب بزوال الريح عند الشيخين كما سيأتي وعند محمد بشهر أيضا أي كتقادم غير الشرب
وإن شهدوا بزناه بغائبة وهم يعرفونها قبلت شهادتهم ويحد بخلاف سرقة من غائب أي ولو شهدوا أنه سرق من فلان وهو غائب لم يقطع لشرطية الدعوى في السرقة دون الزناء لكنه يحبس السارق إلى أن يجيء المسروق منه كما سيأتي
وإن أقر بالزنى بمجهولة أو غائبة حد المقر لأنه أقر بالزناء وهو غير متهم في حق نفسه
وإن شهدوا كذلك أي شهدوا وجهلوا الموطوءة لا يحد المشهود عليه لاحتمال أنها امرأته أو أمته بل هو الظاهر ولا الشهود لوجود النصاب
وفي البحر وإن قال المشهود عليه إن التي رأوها معي ليست لي بامرأة ولا بخادم لم يحد أيضا وذلك أنها تتصور أمة ابنه أو منكوحته نكاحا فاسدا ولو قالوا زنى بامرأة لا نعرفها ثم قالوا بفلانة فإنه لا يحد الرجل ولا المشهود
وكذا لو اختلفوا في طوع المرأة يعني لو شهد اثنان أنه زنى بفلانة كرها وآخران أنها طاوعته لا يحد عند الإمام وهو قول زفر وعندهما يحد الرجل لاتفاق الأربعة على زناه لا المرأة للاختلاف في طوعها وله أنه اختلف المشهود عليه لأن الزناء فعل واحد يقوم بهما وفي إطلاقه شامل ما إذا شهد ثلاثة بالطواعية وواحد بالإكراه وعكسه لكن في الوجه الأول يحد الثلاثة
____________________
(2/354)
حد القذف لعدم سقوط إحصانها بشهادة الفرد وعند الإمام لا يحدون في هذه الوجوه لأن اتفاق الأربعة على النسبة إلى الزناء بلفظ الشهادة يخرج كلامهم من أن يكون قذفا
ولا يحد أحد لو اختلف الشهود في بلد الزناء أما في حقهما فلاختلافه ولم يتم على كل منهما نصاب الشهادة وأما الشهود فللشبهة نظرا إلى اتحاد الصورة خلافا لزفر أو شهد أربعة به أي بالزناء في بلد معين في وقت معين وأربعة به أي شهد أربعة أخرى بالزنا في ذلك الوقت ببلد آخر لم يحد أحد أما في حقهما فللتيقن بكذب أحد الفريقين ولا رجحان لأحدهما فيرد الجميع وأما الشهود فلاحتمال صدق كل فريقين يعني مع وجود النصاب إذ بدونه لا يجري ذلك الاحتمال وبدون احتمال الصدق لا يجري وجود النصاب
وكذا لا يحد أحد لو شهد أربعة على امرأة به أي بالزناء وهي أي والحال أن تلك المرأة بكر أي يثبت بكارتها بقول النساء وقولهن يقبل في إسقاط الحد لا في إيجابه فلا يحد أحد وكذا في الرتق والقرن وغيرهما مما يعمل بقول النساء وفيه إشعار بأنهم لو شهدوا على رجل بالزناء فوجد مجبوبا فإنه لا حد على أحد أو هم أي الشهود فسقة سواء علم فسقهم في الابتداء أو ظهر فسقهم في الحال لأنه تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق وأنه مانع عن العمل به وأما عدم الحد على الشهود لأن الفاسق من أهل الأداء وهم أربعة أو شهود على شهود لأن في شهادتهم زيادة شبهة وهم ما نسبوا المشهود عليه إلى الزناء بل حكوا شهادة الأصول بذلك والحاكي للقذف لا يكون قاذفا فلا يحدون وكذا لا حد على الأصول بالأولى
وإن وصلية شهد به أي بالزنى الأصول بعد ذلك لرد شهادتهم من وجه برد شهادة الفروع هذا في الحدود وفي غير الحدود تقبل بعد رد شهادة الفرع لثبوت المال مع الشبهة
وحد المشهود عليه لو اختلف الشهود في زوايا البيت معناه أن
____________________
(2/355)
يشهد كل اثنين على الزناء في زاوية وكان البيت صغيرا وإن كان كبيرا لا تقبل والقياس أن لا تقبل كيف ما كان وهو قول زفر والشافعي وجه الاستحسان أن التوفيق ممكن بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية والانتهاء في زاوية أخرى بالاضطراب ولو اختلفوا في ساعتين من يوم أو في لون المزني بها وفي طولها وقصرها أو في ثيابها فإنه لا يمنع لإمكان التوفيق
و حد الشهود فقط إذا طلبه المشهود عليه ولا يحد المشهود عليه لو كانوا عميانا في وقت الأداء أو محدودين في قذف أو كانوا أي الشهود أقل من أربعة أو أحدهم عبد أو محدود ولو ترك قوله أو محدودين في قذف واقتصر على هذه لكان أخصر لانفهامه مما ذكر بطريق الدلالة تأمل وإنما خص الحد بهم لعدم أهلية الشهادة فيهم أو عدم النصاب فلا يثبت الزناء ويجب الحد لكونهم قذفة
وكذا أي حد الشهود فقط لو وجد أحدهم أي أحد الشهود عبدا أو محدودا في قذف بعد حد المشهود عليه بالشهادة لأنهم قذفة وديته في بيت المال إن رجم أي المشهود عليه بأن كان محصنا لأنه حصل بقضاء القاضي وخطؤه في بيت المال لأنه عامل للمسلمين فيجب في مالهم وهو بيت المال
وأرش جرح ضربه أي المشهود عليه أو موته منه هدر أي لو شهد الشهود بالزنى والزاني غير محصن فجلد فجرح أو أفضى إلى الموت ثم ظهر أحدهم عبدا أو محدودا في قذف فالأرش هدر عند الإمام وقالا وهو قول الأئمة الثلاثة الأرش في بيت المال أيضا أي كما في الرجم وله أن الفعل الجارح لا ينتقل إلى القاضي لأنه لم يأمر به فيقصر على الجلاد إلا أنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح كي لا يمتنع الناس عن الإقامة مخافة الغرامة
وكذا الخلاف لو رجع الشهود وفيه تسامح لأنه يوهم أن أرش الجرح أو موته هدر عند الإمام وعندهما في بيت المال
____________________
(2/356)
وليس كذلك بل إذا رجع الشهود بعد الجرح والموت لا يضمنون عنده وعندهما يضمنون وهو قول الأئمة الثلاثة تدبر
ولو رجعوا الشهود بعد الرجم أي رجم المحصن حدوا أي الشهود حد القذف
وقال زفر لا يحدون قيد بالرجوع لأنهم لو ظهروا عبيدا لا يحدون اتفاقا وقيد ببعد الرجم لأنهم لو رجعوا بعد الجلد يحدون اتفاقا وغرموا الدية لأن النفس تلف بشهادتهم
وقال الشافعي يقتلون هذا إذا قالوا تعمدنا وإن قالوا أخطأنا غرموا الدية اتفاقا وكل واحد من الشهود رجع صفة كل حد خبر كل وغرم ربعها أي ربع الدية وفيه إشارة إلى أنه لو شهد أربعة على أنه زنى بفلانة وشهد عليه أربعة آخرون بالزناء بغيرها فرجع الفريقان فإنهم يضمنون الدية إجماعا وحدوا للقذف عند الشيخين
وقال محمد لا يحدون ولو ترك المسألة الأولى واقتصر على هذه لكان أخصر لانفهامها منها بطريق الدلالة تدبر
ولو رجع أحد خمسة الذين شهدوا به ورجم لشهادتهم فلا شيء عليه أي على الراجع من الضمان والحد سواء كان قبل القضاء أو بعده فإن رجع آخر بعد رجوع الخامس حدا لانفساخ القضاء بالرجوع في حقهما وغرما أي الراجعان من الخمسة ربعها أي الدية لأن المعتبر فيه بقاء من شهد لا رجوع من رجع فبقي ثلاثة الأرباع من الدية ولو رجع واحد قبل القضاء حدوا كلهم ولا يرجم المشهود عليه
وقال زفر حد الراجع فقط لأنه لا يصدق على غيره ولهم أن كلامهم قذف في الأصل وإنما تصير شهادة باتصال القضاء فإذا لم يتصل بقي قذفا فيحدون
ولو رجع واحد بعده أي القضاء قبل الحد فكذلك أي حدوا كلهم عند الشيخين وعند محمد وهو قول زفر والشافعي الراجع فقط ولا يحد الباقون لأن الشهادة تأكدت بالقضاء فلا تنفسخ إلا في حق الرابع كما إذا رجع بعد الإمضاء ولهما أن الإمضاء من القضاء فصار كما إذا رجع واحد قبل القضاء
____________________
(2/357)
ولهذا يسقط الحد عن الشهود عليه
ولو شهدوا فزكوا فرجم بكونه محصنا ثم ظهروا أي الشهود كفارا أو عبيدا فالدية أي دية المرجوم على المزكين إن رجعوا عن التزكية وقالوا تعمدنا الكذب مع علمنا بأنهم ليسوا أهلا للشهادة وإلا أي ولو ثبتوا على تزكيتهم ولم يرجعوا وقالوا أخطئنا فعلى بيت المال عند الإمام وقالا وهو قول الأئمة الثلاثة الدية في بيت المال مطلقا أي سواء رجعوا عن التزكية أو لا هذا إذا أخبروا بحرية الشهود وإسلامهم أما إذا قالوا هم عدول فظهروا عبيدا لم يضمنوا اتفاقا وقيد بالمزكين لأنه لا ضمان على الشهود والمسألة بحالها لأن كلامهم لم يقع شهادة ولا يحدون للقذف لأنهم قد قذفوا حيا وقد مات فلا يورث
ولو قتل أحد المأمور برجمه يعني شهد أربعة على رجل بالزناء فأمر الإمام برجمه فضرب شخص عمدا عنقه فظهروا أي الشهود كذلك أي كفارا أو عبيدا فالدية في مال القاتل استحسانا والقياس أن يجب القصاص وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه قتل نفسا معصومة وجه الاستحسان أن القضاء صحيح ظاهرا وقت القتل فأورث شبهة الإباحة فلم تجب إلا الدية في ماله لأنه عمد والعاقلة لا تعقل العمد وتجب في ثلاث سنين بخلاف ما قتله قبل القضاء فإنه وجب القصاص في العمد والدية في الخطإ على عاقلته
وفي البحر ولو أمر برجمه بعد الشهادة قبل التعديل خطأ من القاضي فقتله رجل عمدا وجب القصاص أو خطأ وجبت الدية في ثلاث سنين وقيد بقتل المأمور برجمه لأن من قتل من قضي بقتله قصاصا فإنه يقتص منه سواء ظهر الشهود عبيدا أو كفارا أو لا لأن الاستيفاء للولي كما في التبيين
ولو أقر الشهود بتعمد النظر إلى فرج
____________________
(2/358)
الزاني والزانية لا ترد شهادتهم لأنه يباح لهم النظر لتحمل الشهادة فأشبه الطبيب والقابلة والخافضة والختان والاحتقان والبكارة في العنة والرد بالعيب إلا إذا قالوا تعمدنا النظر للتلذذ فلا تقبل إجماعا لفسقهم كما في الفتح
ولو أنكر المشهود عليه بالزناء الإحصان بأن أنكر بعد وجود سائر الشروط يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين فيما إذا لم يكن له ولد من حرة مسلمة عاقلة خلافا لزفر والأئمة الثلاثة فعندهم شهادتهن غير مقبولة في غير الأموال وعند زفر وإن قبلت إلا أنه يقول الإحصان شرط في معنى العلة لأن الجناية تتغلظ عنده فيضاف الحكم إليه فأشبه حقيقة العلة فلا شهادة للنساء فيه احتيالا للدرء ولهم أن الإحصان عبارة عن الخصال الحميدة وأنها مانعة عن الزناء فلا يكون في معنى العلة أو يثبت بولادة زوجته منه أي من هذا المكر
وفي التنوير ولو خلا بها ثم طلقها وقال وطئها وأنكرت فهو محسن دونها كما لو قالت بعد الطلاق كنت نصرانية وقال كانت مسلمة فإنه يحكم بإحصانه دونها إذا كان أحد الزانيين محصنا يحد كل واحد منهما حده فيرجم المحصن ويجلد غيره تزوج بلا ولي فدخل بها لا يكون محصنا عند أبي يوسف
باب حد الشرب وهو نوعان شرب الخمر ويكفي فيه القليل ولو قطرة ولا يلزم السكر وشرب المسكر المحرم غير الخمر لا بد فيه من السكر وأشار إلى الأول بقوله من شرب خمرا وهو من ألفاظ العموم فيشمل الذمي وغيره والحال أنه لا حد على الذمي والأخرس وغير المكلف والأولى أن يقول مسلم ناطق مكلف شرب خمرا تأمل
ولو
____________________
(2/359)
وصلية شرب قطرة واحدة يعني بلا اشتراط السكر لأن حرمة الخمر قطعية وحرمة غيره ظنية فلا حد إلا بالسكر منه فأخذوا ريحها أي ريح الخمر موجود أي حين الأخذ قال في الذخيرة وإذا أخذه الشهود وهو سكران أو أخذوه وقد شرب خمرا وريحها يوجد منه فذهبوا به إلى مصر فيه الإمام فانقطع ذلك منه يعني الرائحة قبل أن ينتهوا به إلى الإمام يحد وهذا لأن الاحتراز عن مثل هذا غير ممكن فلا يعتبر مانعا عن إقامة الحد كما لو ذهبت الرائحة بالمعالجة لكن لا بد بأن يشهدا بالشرب ويقولا أخذناه وريحها موجودة وقوله وريحها موجود جملة حالية من الضمير في أخذ والأولى أن يقول موجودة لأن الريح مؤنث سماعي وأشار إلى الثاني بقوله أو جاءوا به سكران ولو كان سكره من نبيذ ونحوه من المسكرات المحرمة غير الخمر وأما إذا سكر بالمباح كشرب المضطر والمكره والمتخذ من الحبوب والعسل والذرة والبنج فلا تعتبر تصرفاته كلها لأنه بمنزلة الإغماء لعدم الجناية كما في أكثر الكتب فعلم من هذا أن البنج مباح وسكره حرام ولا يحد بسكره عند الشيخين خلافا لمحمد
وفي القهستاني ولا يحد بما حصل من نحو الأفيون وجوز بواء واختلف أنه أمسكر أم لا
وشهد بذلك أي بشرب الخمر أو النبيذ المسكر رجلان لأن شهادة النساء لا تقبل في الحدود للشبهة فإذا شهدوا عند القاضي على رجل بشرب الخمر سألهم القاضي عن الخمر ما هي ثم سألهم كيف شرب لاحتمال الإكراه وأين شرب لاحتمال أنه شرب في دار الحرب ومتى شرب لاحتمال التقادم فإذا بينوا ذلك حبسه القاضي حتى يسأل عن العدالة ولا يقضي بظاهر العدالة كما في الخانية أو أقر به أي بالشرب مرة
____________________
(2/360)
عند الطرفين وعند أبي يوسف وزفر مرتين اعتبارا بالشهادة كما في الزناء وأجيب بأن ذلك ثبت على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره وعلم شربه طوعا أي لا مكرها ولا مضطرا كما بيناه آنفا حد جواب من شرب أي حد المأخوذ بالريح أو السكر وبني الفعل للمجهول للتعظيم فيشير إلى أن الحدود الخالصة لله للإمام والولاة وللقضاة عنده فلا يحد قاضي الرستاق وفقيهه والمتفقهة وأئمة المساجد كما في القهستاني إذا صحا فلو شهدوا على السكران لم يحد ويحبس حتى يزول سكره تحصيلا لغرض الانزجار ثمانين سوطا متعلق بقوله حد للحر لإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهو حجة على قول الشافعي وهو أربعون عنده للحر وأربعين سوطا للعبد لأن الرق منصف على كل حال مفرقا ذلك على بدنه كما في حد الزناء لأن تكرار الضرب في موضع واحد قد يفضي إلى التلف وأشار بالتشبيه إلى أنه يتوقى المواضع المستثناة في حد الزناء وأنه يضرب بسوط لا عقدة له ضربا متوسطا ويجرد عن ثيابه مثل الحشو وفي المشهور عن أصحابنا وعن محمد أنه لا يجرد
وإن أقر
____________________
(2/361)
أي بالشرب وفيه خلاف للأئمة الثلاثة أو شهدا عليه بعد زوال ريحها قيد لمجموع الإقرار والشهادة لا لبعد المسافة كما قررناه آنفا لا يحد عند الشيخين خلافا لمحمد فإنه يحد عنده لأن التقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق غير أنه قدر بالزمان عنده اعتبارا بحد الزناء وعندهما قدر بذهاب الرائحة وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد وعندهما لا يحد إلا عند قيام الرائحة ورجح في الغاية قول محمد فقال فالمذهب عندي في الإقرار ما قاله محمد
وفي الفتح وقول محمد هو الصحيح
وفي البحر الحاصل أن المذهب قولهما إلا أن قول محمد أرجح من جهة المعنى انتهى
فعلى هذا لو قدمه لكان أولى كما هو دأبه
تدبر
ولا يحد من وجد منه الرائحة الخمر أو تقيأها أي الخمر لأنه يحتمل أنه شربها مكرها أو مضطرا والرائحة محتملة أيضا فلا يجب الحد بالشك إلا إذا علم أنه طائع أو أقر بالشرب ثم رجع عن إقراره فإنه لا يحد لأنه خالص حق الله تعالى فيعمل الرجوع فيه كسائر الحدود وهذا لأنه يحتمل أن يكون صادقا فصار شبهة أو أقر سكران فإنه لا يحد لزيادة احتمال الكذب في إقراره فيحتال للدرء والحاصل أن كل حد كان خالصا لله تعالى لا يصح إقراره وإلا يصح كحد القذف لأن فيه حق العبد
والسكران فيه كالصاحي عقوبة عليه كما في سائر تصرفاته من الإقرار بالمال والطلاق والعتاق وغيرها
والسكر الموجب للحد أن لا يعرف الرجل من المرأة والأرض من السماء هذا حده عند الإمام وعندهما أن يهذي ويخلط في كلامه أن يكون أكثر كلامه هذيانا فإن كان نصفه مستقيما فليس سكران وإليه مال أكثر المشايخ وعند الشافعي المعتبر ظهور أثر السكر في مشيه وحركاته وأطرافه وهذا مما يختلف بالأشخاص فإن الصاحي ربما يتمايل في مشيه والسكران قد يتمايل ويمشي مستقيما وبه أي بقول الإمامين يفتى كما في أكثر
____________________
(2/362)
المعتبرات لأنه المتعارف
وفي الفتح واختاروه للفتوى لضعف دليل الإمام والمعتبر في قدر السكر في حق الحرمة ما قالاه بالاتفاق للاحتياط
ولو ارتد السكران لا تبين امرأته منه أي لا يعتبر ارتداده لعدم القصد والاعتقاد قضاء أما ديانة فإن كان في الواقع قصد التكلم به ذاكرا لمعناه كفر وإلا فلا كما في المنح وعند أبي يوسف ارتداده كفر
وفي البحر وينبغي أن يصح إسلامه كالمكره لكن في الفتح خلافه
باب حد القذف والقذف لغة الرمي مطلقا وفي الاصطلاح نسبة من أحصن إلى الزناء صريحا أو دلالة وهو من الكبائر بإجماع الأئمة واستثنى منه الشافعية ما كان في خلوة لعدم لحوق العار
وفي البحر وقواعدنا لا تأباه لأن العلة لحوق العار وهو مفقود هو أي حد القذف كحد الشرب كمية أي عددا وهو ثمانون جلدة للحر ونصفها للعبد وثبوتا أي من حيث الثبوت بشهادة الرجلين أو بإقرار القاذف مرة لا النساء
وفي الفتح ويسألهما القاضي عن القذف ما هو وعن خصوص ما قال ولا بد من اتفاقهما على اللغة التي وقع القذف بها وعلى زمان القذف ولو قال لي بينة حاضرة في المصر أمهله القاضي إلى آخر المجلس وحبسه عند الإمام إلى قيام القاضي عن مجلسه ولو شهد عليه بزنى متقادم سقط الحد
____________________
(2/363)
عن القاذف ولم يثبت الزنى
فمن قذف محصنا أو محصنة بصريح الزنى احتراز عما يكون بطريق الكناية بأن قال لرجل محصن يا زان فقال الآخر صدقت لا يحد المصدق بخلاف ما لو قال هو كما قلت وكذا لو قال أشهد أنك زان فقال آخر وأنا أشهد لا حد على الثاني ولو قال ببعير أو بثور أو بحمار أو بفرس لا حد عليه بخلاف زنيت ببقرة أو بشاة أو بثوب أو بدراهم
حد القاذف بطلب المقذوف المحصن استيفاء الحد سواء كان رجلا أو امرأة واشترط طلبه لأن فيه حقه من حيث دفع العار عنه ولو كان المقذوف غائبا عن مجلس القاذف حال القذف كما في الدرر متفرقا لما مر ولا ينزع عنه أي عن القاذف غير الفرو والحشو أي يجرد كما يجرد في حد الزاني لأن سببه غير مقطوع به فلا يقام على الشدة إلا أنه ينزع عنه الفرو والحشو لأن ذلك يمنع إيصال الألم وإحصانه أي المقذوف كونه مكلفا أي عاقلا بالغا فخرج الصبي والمجنون لأنهما لا يلحقهما العار حرا فخرج العبد ولو مدبرا أو مكاتبا أي ثبت حريته بإقرار القاذف أو بالبينة بشهادة رجل وامرأتين أو بعلم القاضي ولا يحلف القاذف أن المقذوف محصن مسلما فخرج الكافر عفيفا عن الزنى الشرعي لأن غير العفيف لا يلحقه العار ولو قيده ناطقا لكان أولى لأن قذف الأخرس لا يوجب
____________________
(2/364)
الحد لأن طلبه يكون بالإشارة ولعله لو كان ينطق لصدقه وهذا القدر كاف لدرء الحد فبهذا يندفع ما قيل من أن عندنا للأخرس لكل شيء إشارة مخصوصة معهودة منه فينبغي أن يحد إذا أفهم طلبه بإشارته المخصوصة تأمل
ويشترط أيضا أن لا يكون مجبوبا ولا خنثى مشكلا وأن لا تكون المرأة رتقاء ولا خرساء إذ المجبوب والرتقاء لا يحد قاذفهما لأنهما لا يلحقهما العار بذلك لظهور كذبه بيقين
ولو نفاه عن أبيه بأن قال لست لأبيك أو لست بابن فلان إن نفاه عنه في غضب أي مشاتمة حد وإلا أي وإن لم يكن نفيه في غضب بل في حالة الرضى فلا أي يحد والظاهر أن هذا قيد للصورتين كما في الدرر والغاية وغيرهما لكن صاحب الكافي وغيره من المعتمدين خصوا بالصورة الثانية فقالوا فمن نفى نسب غيره فقال لست لأبيك يحد وهذا إذا كانت أمه محصنة لأنه قذف أمه حقيقة لأنه متى لم يكن من أبيه يكون من غير أبيه ضرورة واقتضاء ولا نكاح لغير أبيه فكان في نفي نسبه من أبيه نسبة أمه إلى الزنى ضرورة
وفي القهستاني إنما حد به لأنه صريح في القذف كيا زانية فالتقييد لغو وإن قال في غضب لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى له حد وإن قال في غير غضب لا لأن هذا الكلام قذف حقيقة لأنه نفى نسبه من أبيه ونفي نسبه من أبيه نسبة أمه إلى الزنا إلا أن في غير حال الغضب قد يراد المعاتبة أي أنت لا تشبه أباك في المروءة والسخاوة فلا يحد مع الاحتمال وفي الحال الغضب يراد به حقيقة كلامه انتهى
فبهذا علم أن المصنف ترك ما
____________________
(2/365)
لا بد منه وهو قوله وأمه محصنة وخالف أكثر المعتبرات بتعميم الغضب في الصورتين لكن بقي فيه كلام وهو إرادة هذا المعنى في حال الغضب أظهر لأن الأب كريم والابن بخيل مثلا فإن كثيرا من الناس يقولون في حال الغضب تهكما لست بابن فلان فينبغي أن لا يحد مطلقا لكن في عامة الكتب يحد في حال الغضب تدبر
وفي التبيين لو قال إنك ابن فلان لغير أبيه يحد إذا كان في حال المشاتمة بخلاف ما إذا نفى الولادة عن أبويه بأن قال لست بابن فلان وفلانة فإنه لا يحد
ولا يحد لو نفاه عن جده بأن قال لست بابن فلان وهو جده لأنه صادق في نفيه أو نسبه إليه إلى جده لأنه ينسب إليه مجازا أو نسبه إلى عمه أو خاله أو رابه بالتشديد أي زوج أمه لأن كلا منهم يسمى أبا مجازا أو قال يا ابن ماء السماء فإن في ظاهره نفي كونه ابنا لأبيه وليس المراد ذلك بل التشبيه في الجود والسماحة والصفاء أو قال لعربي يا نبطي فإنه لا يحد لأنه يراد به التشبيه في الأخلاق أو عدم الفصاحة النبط جيل من الناس بسواد العراق الواحد نبطي
وفي الإصلاح وفيه نظر لأن حالة الغضب تأبى عن قصد التشبيه فيما يوصف به في الأول كما تأبى عن القصد إلى معنى الصعود في زنأت في الجبل انتهى
لكن يمكن الجواب بأنه لم يعهد استعماله لذلك القصد ويمكن أن يجعل المراد في حالة الغضب التهكم به عليه أو لست بعربي فإنه لا يحد لما مر
وفي المنح لو قال لست لأب أو لست ولد حلال فهو قذف ولو قال يا زانية فقالت أنت أزنى مني حد الرجل لأنه قذفها وليست هي قاذفة لأنه يحمل على أنت أعلم مني بالزنى ولو قال لامرأة زنى بك زوجك قبل أن يتزوجك فهو قاذف ولو قال زنى فخذك أو ظهرك فليس بقاذف
ويحد بقذف الميت المحصن أو الميت المحصنة إن طالب به الوالد أو جده وإن علا والتقييد بالوالد اتفاقي إذ الأم كذلك
____________________
(2/366)
أو الولد أو ولد ولده وإن سفل والأولى أن يقول إن طالب به الأصول والفروع وإن علوا أو سفلوا لأن العار يلحق بهم فيكون القذف متناولا لهم معنى
وقال زفر مع وجود الولد ليس لولد الولد ذلك ولو وصلية محروما عن الإرث خلافا للشافعي مطلقا بناء على أن حد القذف يورث عنده فيثبت لكل وارث حق المطالبة وعندنا لا بل يثبت لمن يلحق به العار ولهذا يثبت للمحروم عن الإرث بالكفر والرق وغيرهما خلافا لزفر
وكذا أي يحد إن طالب به ولد البنت خلافا لمحمد في غير ظاهر الرواية لأنه منسوب إلى أبيه لا إلى أمه فلا يلحقه الشين بزنى أبي أمه والمذهب الأول لأن الشين يلحقه إذ النسب ثابت من الطرفين كما في أكثر الكتب فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يقول وفيه خلاف عن محمد تأمل
ولا يطالب ولد أباه ولا يطالب عبد سيده بقذف أمه المحصنة بالإجماع لأنهما لا يعاقبان بسبهما والمراد بالولد الفرع وإن سفل وبالأب الأصل وإن علا ذكرا كان أو أنثى فلو كان لها ابن من غيره أو أب ونحوه وليس بمملوك له فله أن يطالبه بالحد لوجود السبب وعدم المانع كما في التبيين
ويبطل حد القذف بموت المقذوف سواء مات قبل الشروع في الحد أو بعده وعند الأئمة الثلاثة لا يبطل بناء على أن الإرث يجري عندهم كحقوق العباد وعندنا لا لأن حق الشرع غالب فيها فلا يجري الإرث فيه لا يبطل بالرجوع عن الإقرار يعني من أقر بقذف ثم رجع لم يقبل لأن للمقذوف حقا فيه فيكذبه في الرجوع بخلاف حدود هي خالص حق الله تعالى إذ لا مكذب له فيها
ولا يصح العفو عن حد القذف ولا الاعتياض عنه أي أخذ العوض عن حد القذف لأنهما لا جريان في حق الشرع لأنه غالب عندنا خلافا للشافعي ولو عفا المقذوف قبل القضاء بالحد لا يحد القاذف لا لصحة عفوه بل لترك طلبه حتى لو عاد وطلب يحد وفيه إشارة إلى أنه يشترط الدعوى في إقامته ولم تبطل الشهادة بالتقادم
____________________
(2/367)
وفي البحر ويقيمه القاضي بعلمه في أيام قضائه وكذا لو قذفه بحضرته ولو قال زنأت في الجبل وعنى الصعود أي حال كونه قائلا أردت به الصعود حد عند الشيخين وفيه إشارة إلى أنه لو لم يعن الصعود يحد اتفاقا خلافا لمحمد فإنه يقول لا يحد وهو قول الشافعي لأنه نوى حقيقة لفظه لأن زنأ بالهمزة يجيء بمعنى صعد وذكر الجبل يقرر مراده وفي مستعمل بمعنى على ولهما إن ظاهر اللفظ دال على الفاحشة وهمزته يجوز أن تكون مقلوبة من الحرف اللين كما يلين المهموز ودلالة الحال داعية إلى إرادة القذف وذكر الجبل إنما يتعين الصعود مرادا إذا كان مقرونا بكلمة على إذ هو مستعمل فيه فلذا لو قال زنأت على الجبل قيل لا يحد وقيل يحد
وفي الغاية والمذهب عندي إذا كان هذا الكلام خرج على وجه الغضب والسباب يجب الحد وإلا فلا وقيد بالهمزة إذ لو كان بالياء وجب الحد اتفاقا وكذا لو اقتصر على قوله زنأت يحد اتفاقا كما في البحر
وإن قال رجل لآخر يا زان وعكس عليه الآخر بأن قال لا بل أنت زان حدا أي القائلان به لأن كلا منهما قذف صاحبه بخلاف ما لو قال له مثلا يا خبيث فقال بل أنت تكافآ ولا يعزر كل منهما للآخر ولو قال له لامرأته وعكست حدت المرأة فقط ولا لعان على الزوج لأنهما قاذفان وقذفه يوجب اللعان وقذفها يوجب الحد
وفي البداية بالحد إبطال اللعان لأن المحدود في القذف ليس بأهل له ولا إبطال في عكسه أصلا فيحتال للدرء إذ اللعان في معنى الحد وفيه إشارة إلى أنه لو قال يا زانية بنت زانية فخاصمت الأم أولا فحد الرجل سقط اللعان ولو خاصمت المرأة أولا فلاعن القاضي بينهما ثم خاصمت الأم يحد الرجل
ولو قالت في جواب قوله لها يا زانية زنيت بك أو معك بطل الحد أيضا أي كما بطل اللعان لوقوع الشك في كل منهما لاحتمال أنها أرادت الزنى قبل النكاح فيجب الحد لا اللعان واحتمال أنها أرادت زناي هو الذي كان معك بعد النكاح لأني ما مكنت أحدا غيرك وهو المراد في مثل هذه الحالة وعلى هذا
____________________
(2/368)
يجب اللعان لا الحد لوجود القذف منه لا منها فجاء الشك هذا إذا اقتصرت على هذه ولو زادت قبل أن أتزوجك تحد المرأة وحدها وقيد بكونها امرأته لأنه لو كان ذلك كله مع أجنبية لم يحد هو بل هي لأنها صدقته ولو قالت في جوابه أنت أزنى مني حد الرجل وحده
وإن أقر رجل بولد ثم نفاه أي نفى نسبه يلاعن لأن النسب لزمه بإقراره وبالنفي بعده صار قاذفا فيجب اللعان
وإن عكس أي نفاه ثم أقر به حد أي المنافي لأنه كذب نفسه بعدما نفاه والولد له أي ثبت نسبه للرجل في الوجهين لإقراره سابقا ولاحقا ولا شيء أي لا حد ولا لعان إن قال رجل ليس بابني ولا ابنك لأنه أنكر الولادة وبه لا يصير قاذفا
ولا حد بقذف امرأة لها ولد سواء كان حيا أو ميتا لا يعلم له أب أو لاعنت بولد لقيام أمارة الزنى وهي ولادة ولد لا أب له فلا يوجد العفة عن الزنى وفيه إشارة إلى أنه لا بد من بقاء اللعان حتى لو بطل بإكذاب نفسه ثم قذفها رجل حد وإلى أنه لا بد أن يقطع القاضي نسب الولد حتى لو جاءت بولد ولم يقطع القاضي النسب وجب الحد على قاذفها كما في البحر بخلاف قذف من لاعنت بغيره أي الولد لانعدام أمارة الزنى
ولا حد بقذف رجل وطئ حراما لعينه كوطء امرأة في غير ملكه من كل وجه أو من وجه كوطء أمة مشتركة فإن الوطء في الصورتين حرام لعينه والأصل أن من وطئ وطئا حراما لعينه لا يجب الحد بقذفه لفوات العفة وشمل قوله في غير ملكه جارية ابنه والمنكوحة نكاحا فاسدا والأمة المستحقة والمكره على الزنى والثابت حرمتها بالمصاهرة أو تزوج محارمه ودخل بهن أو جمع المحارم أو تزوج أمة على حرة أو وطئ مملوكة حرمت أبدا كأمته التي هي أخته رضاعا هذا هو الصحيح لثبوت التضاد بين الحل والحرمة
ولا حد بقذف مسلم زنى في
____________________
(2/369)
كفره لتحقق الزنى منها شرعا لانعدام الملك والزنى حرام في جميع الأديان خلافا للأئمة الثلاثة أو بقذف مكاتب وإن وصلية كان مات عن وفاء أي ترك ما لا يفي ببدل الكتابة لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اختلفوا في موته حرا وعبدا فأورث شبهة وفيه إشارة إلى أن المكاتب إذا مات عن غير وفاء لا حد بالطريق الأولى قال صاحب الفرائد لا وجه لإدراج هذه المسألة بين مسائل وطء الحرام لعينه ووطء الحرام لغيره لأنها لا تعلق بهذه القاعدة انتهى
لكن وجه المناسبة معلوم لأنه كما لا يحد بقذف رجل وطئ حراما لعينه لا يحد بقذف مكاتب تأمل
ويحد بقذف من وطئ حراما لغيره كوطء أمته المجوسية أو وطئ امرأته وهي حائض وكذا المظاهر منها والمحرمة باليمين والمعتدة عن غيره والأختين بملك اليمين والمشتراة شراء فاسدا لأن هذا الوطء ليس بالزنى فكان محصنا
وكذا أي يحد بقذف وطئ مكاتبته عند الطرفين لأنها ملكه وتحريمها عارض فهي كالحائض خلافا لأبي يوسف وزفر لأن ملكه زائل في حق الوطء بدلالة وجوب العقر عليه
ويحد من قذف مسلما كان قد نكح محرمة في كفره عند الإمام خلافا لهما بناء على أن نكاح الكافر محرمة صحيح عنده خلافا لهما كما مر في النكاح
ويحد مستأمن قذف مسلما في دارنا لأن فيه حق العبد وقد التزم إيفاء حقوق العباد
ويكفي حد واحد لجنايات اتحد جنسها كما إذا زنى
____________________
(2/370)
مرات متعددة فحد مرة يكون من الجميع
وفي المبسوط لو قذف جماعة بكلمة واحدة بأن قال يا أيها الزناة أو كلمات متفرقة بأن قال يا زيد أنت زان يا عمرو أنت زان يا خالد أنت زان لا يقام عليه إلا حد واحد عندنا وعند الشافعي إذا قذفهم بكلام واحد فكذلك الجواب وإن قذفهم بكلمات متفرقة يحد لكل واحد منهم انتهى
لكن الظاهر من سائر الكتب عدم التداخل مطلقا عند الشافعي تأمل
لا يكفي حد واحد إن اختلف جنسها يعني إذا زنى وقذف وشرب فإنه يحد لكل واحد منها لعدم حصول المقصود بالبعض لاختلاف الأسباب لكن لا يتوالى بينهما خيفة الهلاك ينتظر حتى يبرأ من الأول
فصل في التعزير قال صاحب التنوير هو تأديب دون الحد وفي اللغة مطلق التأديب وقوله دون الحد من معناه الشرعي أي أدنى من الحد في القدر وقوة الدليل فإنه شرعا لا يختص بالضرب بل قد يكون به وقد يكون بالصفع وبفرك الأذن وبالكلام العنيف وبنظر القاضي إليه بوجه عبوس وشتم غير القذف
وفي البحر ولا يكون التعزير بأخذ المال من الجاني في المذهب لكن في الخلاصة سمعت عن ثقة أن التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي ذلك أو الوالي جاز ومن جملة ذلك رجل لا يحضر الجماعة يجوز تعزيره بأخذ المال ولم يذكر كيفية الأخذ
____________________
(2/371)
وأرى أن يؤخذ فيمسك مدة للزجر ثم يعيده لا أن يأخذه لنفسه أو لبيت المال فإن آيس من توبته يصرف إلى ما يرى
وفي النهاية التعزير على مراتب تعزير أشراف الأشراف وهم العلماء والعلوية بالإعلام وتعزير الأشراف والدهاقين بالإعلام والجر إلى باب القاضي وتعزير الأوساط وهم السوقية بالجر والحبس وتعزير الأرازل بهذا كله وبالضرب انتهى
وظاهره أنه ليس مفوضا إلى رأي القاضي وأنه ليس للقاضي التعزير بغير المناسب المستحق لكن مختار السرخسي أنه ليس فيه تقدير بل هو مفوض إلى رأي القاضي لأن المقصود منه الزجر وأحوال الناس مختلفة فتفوض إلى رأي القاضي
وفي التنوير ويكون التعزير بالقتل كمن وجد رجلا مع امرأة لا تحل له إن كان يعلم أنه لا ينزجر بصياح وضرب بما دون السلاح وإلا لا وإن كانت المرأة مطاوعة قتلهما ولو كان مع امرأته وهو يزني بها أو مع محرمه وهما مطاوعتان قتلهما جميعا مطلقا وعلى هذا المكابر بالظلم وقطاع الطريق وصاحب المكس وجميع الظلمة بأدنى شيء قيمة ويقيمه كل مسلم حال مباشرة المعصية وبعدها ليس ذلك لغير الحاكم حتى لو عزره بعد الفراغ منها بغير إذن المحتسب فللمحتسب أن يعزر المعزر
يعزر من قذف مملوكا عبدا أو أمة أو كافرا بالزناء ولو صريحا مثل يا زاني وهو ليس بزان لأنه جناية قذف وقد امتنع الحد لفقد الإحصان فوجب التعزير ولهذا يبلغ في التعزير غايته
أو قذف مسلما صالحا بيا فاسق إلا أن يكون معلوم الفسق فلا يعزر فإن أراد القاذف إثبات الفسق مجردا من غير بيان سببه لا تسمع فإن بين سببا شرعيا لا يطلب القاضي منه إقامة البينة بل يسأل المقول له عن الفرائض التي تفرض عليه معرفتها فإن لم يعرفها ثبت فسقه فلا شيء على القائل له يا فاسق والتقييد بالمسلم اتفاقي لأنه لو قذف مسلم ذميا يعزر لأنه ارتكب معصية كما في البحر يا كافر أو يا يهودي وأراد الشتم ولا يعتقده كفرا فإنه يعزر ولا يكفر ولو اعتقد المخاطب كافرا كفر لأنه اعتقد الإسلام كفرا
وفي القنية لو قال ليهودي أو مجوسي يا كافر يأثم إن شق عليه وقال في البحر ومقتضاه أنه يعزر لارتكابه ما أوجب الإثم انتهى
لكن فيه ما فيه تأمل
يا خبيث ضد الطيب يا لص يا سارق يا فاجر إلا أن يكون لصا أو فاجرا كما في البحر يا منافق يا
____________________
(2/372)
لوطي قيل إن أراد أنه من قوم لوط لا شيء عليه وإن أراد أنه يعمل عملهم يعزر عند الإمام ويحد عندهما والصحيح أنه يعزر إن كان في غضب وفي البحر أو هزل من تعود الهزل والقبيح يا من يلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر والحال أنه ليس على ما وصفه به يا ديوث أي الذي لا غيرة له ممن يدخل على أهله يا مخنث هو الذي في حركاته وسكناته خنوثة أي لين والذي يفعل الفعل الردي يا خائن من الخيانة يا ابن القحبة
وفي الإصلاح لا يقال القحبة في العرف أفحش من الزانية لأن الزانية قد تفعل سرا وتأنف منه والقحبة من تجاهر به بالأجرة لإتيان الفعل لأنا نقول لذلك المعنى لم يجب الحد بذلك اللفظ فإن الزنى بالأجرة يسقط الحد عنده خلافا لهما انتهى
فعلى هذا يلزم أن يحد عندهما بهذا اللفظ مع أن الخلاف لم ينقل عنه بل الجواب أن الزنى صريح في ابن الزانية بخلاف في ابن القحبة فلهذا لم يحد فيه ويؤيده ما في البحر من أنه لو قال لامرأته يا قحبة يعزر بخلاف يا روسبى فإنه يحد لأنه صريح في العرف بالزناء بخلاف قوله يا قحبة لأنه كناية عن الزانية لكن في المضمرات التصريح يوجب الحد فيه تأمل
يا ابن الفاجرة فإنها من تباشر كل معصية فلا يكون في معنى الزانية فكذا يعزر بطلب الولد بقوله يا ابن الفاسق يا ابن الكافر والنصراني وأبوه ليس كذلك يا زنديق وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام يا قرطبان وهو معرب قلتبان
وفي التبيين هو الذي يرى مع امرأته أو مع محرمه رجلا أجنبيا فيدعه خاليا بها ولذا كان أفحش من الديوث وقيل هو السبب للجمع بين اثنين لمعنى غير ممدوح وقيل هو الذي يبعث امرأته مع غلام بالغ أو مع مزارعه إلى الضيعة أو يأذن في الدخول عليها في غيبته يا مأوى الزواني أو يا مأوى اللصوص أو يا حرام زاده ومعناه الولد الحاصل من الوطء الحرام وهو أعم من الزناء
وفي المنح وغيره
وفي العرف لا يراد إلا ولد الزناء وكثيرا ما يراد به الخبيث اللئيم فلهذا لا يحد به انتهى
لكن في عرفنا يراد به رجل يعلم الحيل في أكثر الأمور فعلى هذا لا يلزم شيء تدبر
____________________
(2/373)
ومن الألفاظ الموجبة للتعزير يا رستاقي يا ابن الأسود يا سفيه يا أحمق كما في البحر وإنما عزر فيها لأنه آذى مسلما وألحق الشين به فلهذا يعزر كل مرتكب منكر أو مؤذي مسلم بغير حق بقول أو فعل ولو بغمز العين
وفي الخانية إن كان المدعى عليه ذا مروءة وكان أول ما فعل يوعظ استحسانا ولا يعزر فإن عاد وتكرر منه روي عن الإمام أنه يضرب وتمامه في الفتح لا يعزر بيا حمار يا كلب يا قرد يا تيس يا خنزير يا بقر يا حية يا ذئب يا حجام يا ابن حجام وأبوه ليس كذلك فإنه لا يعزر وإن كان أبوه حجاما فعدم التعزير بالأولى يا بغاء بالتشديد قيل هذا من شتم العوام يتفوهون به ولا يعرفون معناه انتهى
وليس له وجه فإنه اسم لذكر البقر وهو عبارة عن الواطئ الذي لشدة شبقه لا يفرق بين الحلال والحرام ولا بين الحسن والقبح
وفي شرح المولى مسكين البغاء الذي يعلم بفجورها ويرضى فبهذا ينبغي أن يجب التعزير لأنه ألحق الشين به تأمل
يا مؤاجر فإنه يستعمل فيمن يؤاجر أهله للزناء لكنه ليس معناه الحقيقي المتعارف بل بمعنى المؤجر يا ولد الحرام
وفي البحر فينبغي التعزير به لأنه في العرف بمعنى يا ولد الزنا فعلى هذا لا فرق بينه وبين يا حرام زاده ولا وجه لذكره تدبر
يا عيار وهو الذي يتردد بغير عمل يا ناكس يا منكوس على وزن فاعل ومفعول قال أخي جلبي ناكس لفظ عجمي والنون في أوله للنفي والكاف منه مفتوح و كس بمعنى الآدمي يا سخرة يا ضحكة بوزن الصفرة من يضحك عليه الناس وبوزن الهمزة من يضحك على الناس يا كشحان قيل الكاشح المتباعد عن مودة صاحبه من قولهم كشح القوم إذا ذهبوا عنه فلا إشكال أنه ليس بمعنى القرطبان وقيل الذي سمع رجلا يمد يده إلى امرأته ولا يبالي فعلى هذا أنه بمعنى القرطبان والديوث فيجب التعزير يا أبله يا موسوس ونحوه
وفي الإصلاح والضابط في هذا أنه إن نسبه إلى فعل اختياري يحرم في الشرع ويعد عارا في العرف يجب التعزير وإلا لا فخرج بالقيد الأول النسبة إلى الأمور
____________________
(2/374)
الخلقية فلا يعزر في يا حمار ونحوه فإن معناه الحقيقي غير مراد بل معناه المجازي كالبليد وهو أمر خلقي وبالقيد الثاني النسبة إلى ما لا يحرم في الشرع فلا يعزر وفي يا حجام ونحوه مما يعد عارا في العرف ولا يحرم في الشرع وبالقيد الثالث النسبة إلى ما لا يعد عارا في العرف فلا يعزر في يا لاعب النرد ونحوه مما يحرم في الشرع وحكى الهندواني أنه يعزر في زماننا في مثل يا كلب يا خنزير لأنه يراد به الشتم في عرفنا لكن الأصح لا يعزر وقيل إن كان المنسوب من الأشراف يعزر وهذا أحسن كما في أكثر المعتبرات فلهذا قال واستحسنوا تعزيره في هذه الألفاظ كلها إذا كان المقول له فقيها أي عالما بالعلوم الدينية على وجه المزاح فلو قال بطريق الحقارة يخاف عليه الكفر لأن إهانة العلم كفر على المختار أو علويا أي منسوبا إلى علي رضي الله تعالى عنه
وفي القهستاني ولعل المراد كل متق وإلا فالتخصيص غير ظاهر
وللزوج أن يعزر زوجته لترك الزينة إذا أرادها الزوج وكانت قادرة عليها وترك الإجابة إذا دعاها إلى فراشه ولم تكن حائضا أو نفساء لأن الإجابة واجبة عليها وترك الصلاة كما في الدرر وغيره لكن في التنوير لا على ترك الصلاة لأن المنفعة لا تعود إليه بل إليها لكن الأب يعزر الابن لتركها وترك الغسل من الجنابة لأنهما فريضتان وللخروج من بيته بغير إذنه إذا قبضت مهرها أو وهبته منه
____________________
(2/375)
وأقل التعزير ثلاثة أسواط لأن ما دونها لا يقع به الزجر وذكر مشايخنا أن أدناه على ما يراه الإمام بقدر ما يعلم أنه ينزجر لأنه يختلف باختلاف الناس
وأكثره أي التعزير تسعة وثلاثون سوطا لأنه ينبغي أن لا يبلغ حد الحد وأقله أربعون وهو حد العبد في القذف والشرب وهذا عند الطرفين كما في أكثر الكتب
وفي شرح المولى مسكين وقول محمد مضطرب قيل مع الإمام وقيل مع الثاني وعند أبي يوسف خمسة وسبعون سوطا وهو مأثور عن علي رضي الله تعالى عنه لكن فيه كلام في شرح الهداية فليطالع
وفي رواية عنه وهو قول زفر يبلغ تسعة وسبعين سوطا لأنه اعتبر حد الأحرار لأنهم الأصول وهو ثمانون ونقص عنه سوطا وعنه لو رأى القاضي تعزير مائة فقد أخذ بالأثر وإن ضرب أكثر فهو بالخيار كما في الإصلاح وغيره لكن ليس على الإطلاق بل هو مقيد بأن له ذنوبا كثيرة كما في الفتح وغيره لأن العقوبة على قدر الجناية فلا يجوز أن يبلغ فوق ما فرض الله من الزناء وغيره فمن لم يطلع على هذا عمل على إطلاقه فضرب مائة أو أكثر للذنب مطلقا فتعدى حدود الله عصمني الله تعالى وإياكم عن الزلل
ويجوز حبسه أي حبس من عليه التعزير بعد الضرب لأن الحبس من التعزير فله ضمه معه إن رأى فيه مصلحة وأشد الضرب التعزير لأن ضربه خفيف من حيث العدد فلا يخفف من حيث الوصف كي لا يؤدي إلى فوت المقصود وهو الانزجار واختلف في شدته فقال بعضهم الشدة هو الجمع فيجتمع الأسواط في عضو واحد ولا يفرق على الأعضاء وقال بعضهم لا بل في شدته في الضرب لا في الجمع هذا فيما إذا عزر بما دون أكثره وإلا فتسعة وثلاثون من أشد الضرب فوق ثمانين حكما فضلا عن أربعين مع تنقيص واحد مع الأشدية فيفوت المعنى
____________________
(2/376)
الذي لأجله نقص ثم حد الزنى لأن جنايته أعظم وحرمته آكد ثم حد الشرب لأن جنايته يقينية ثم حد القذف لأن سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا وفيه إشعار بأن التعزير لا يتقادم وجاز عفوه
ومن حد أو عزر على بناء المجهول للتعظيم أي من حده الإمام أو عزره فمات من ذلك فدمه هدر لأنه مأمور من الشرع
فلا يتقيد بشرط السلامة إذا لم يتجاوز الموضع المعتاد خلافا للشافعي
بخلاف تعزير الزوج زوجته فإنها لو ماتت من ضربها لا يهدر دمها بل يضمن لأن تأديبه على هذه الأشياء مباح ترجع منفعته إليه لا إليها فيتقيد بشرط السلامة وكذا لو أدب المعلم الصبي فمات يضمن عندنا وعند الأئمة الثلاثة لا يضمن الزوج والمعلم في التعزير ولا الأب في التأديب ولا الجد ولا الوصي إذا ضربه ضربا معتادا وإلا يضمن بالإجماع
____________________
(2/377)
كتاب السرقة لما فرغ عن بيان الزواجر الراجعة إلى صيانة النفوس كلا أو بعضا واتصالا بها شرع في بيان المزجرة الراجعة إلى صيانة الأموال وأخرها لكون النفس أصلا والمال تابعا هي أي السرقة في اللغة أخذ الشيء خفية بغير إذن صاحبه مالا كان أو غيره
وفي الشرعية هي نوعان لأنه إما يكون ضررها بذي المال أو به وبعامة المسلمين فالأول يسمى بالسرقة الصغرى والثاني بالكبرى بين حكمها في الآخر لأنها أقل وقوعا واشتراكا في التعريف وأكثر الشروط فعرفهما فقال أخذ مكلف بطريق الظلم فلا يقطع غير المكلف كالصبي والمجنون ولا غيرهما إذا كان معه أحدهما وإن كان الآخذ الغير وعند أبي يوسف يقطع الغير كما في القهستاني خفية شرط في السرقة ابتداء وانتهاء إذا كان الأخذ نهارا
____________________
(2/378)
لأنه وقت يلحقه الغوث فيه وابتداء إذا كان ليلا كما إذا نقب الجدار سرا وأخذ المال من المالك جهرا لأنه وقت يلحقه الغوث فيه فلو لم يكتف بالخفية فيه ابتداء لامتنع القطع في أكثر السراق والشرط أن يكون خفية على زعم السارق حتى لو دخل دار إنسان فسرق وهو يزعم أن المالك لا يعلم قطع ولو علم أنه يعلمه لا لأنه جهر ولو دخل ما بين العشاء والعتمة والناس يذهبون ويجيئون فهو بمنزلة النهار قدر وزن عشرة دراهم وزن كل عشرة سبعة مثاقيل يوم السرقة والقطع فلو سرق نصف دينار قيمته النصاب قطع ولو أقل لا ولا يقطع في الذهب حتى يكون مثقالا تكون قيمته عشرة دراهم ولو أخرج من الحرز أقل من العشرة ثم دخل فيه وكمل لم يقطع مضروبة فلو أخذ نقرة فضة وزنها عشرة دراهم أو متاعا قيمته عشرة دراهم غير مضروبة لم يقطع فيقوم بأعز النقود أو بنقد البلد الذي يروج بين الناس في الغالب فالأول رواية الحسن عن الإمام والثاني رواية أبي يوسف عنه ولا يقطع بالشك ولا بتقويم واحد أو بعض من المقومين من حرز أي ممنوع عن وصول يد الغير إليه وهو في الأصل المجعول في الحرز أي الموضع الحصين فلا يقطع في غيره لا ملك له أي للسارق فيه أي في المسروق ولا شبهة ملك فلا يقطع لو سرق من حرز له فيه شبهة أو تأويل كما سيأتي ولا بد من كون السارق ليس بأخرس ولا أعمى لاحتمال أنه لو نطق ادعى شبهة والأعمى جاهل بمال غيره ولا بد أن تكون السرقة في دار العدل فلو سرق في دار الحرب أو البغي ثم خرج إلى دار الإسلام فأخذ لم يقطع ولا بد من ثبوت دلالة القصد إلى النصاب المأخوذ فلو سرق ثوبا لا يساوي عشرة وفيه دراهم مضروبة لم يقطع هذا إذا لم يكن الثوب وعاء للدراهم عادة وإلا يقطع كسرقة كيس فيه دراهم كثيرة لأن القصد فيه يقع على سرقة الدراهم ولا بد أن يكون للمسروق منه يد صحيحة وأن يكون المسروق مما لا يتسارع إليه الفساد ولو سرق من السارق لم يقطع وكذا لو سرق ما يتسارع إليه الفساد كاللحم والفواكه ولا بد أن يخرجه ظاهرا حتى لو ابتلع دينارا في
____________________
(2/379)
الحرز وخرج لم يقطع ولا ينتظر إلى أن يتغوطه بل يضمن مثله كما في البحر وغيره فعلى هذا علم أن تعريف المصنف ليس بتام والأولى أن يقول هي أخذ مكلف ناطق بصير عشرة دراهم جيادا ومقدارها مقصودة ظاهرة الإخراج خفية من صاحب يد صحيحة مما لا يتسارع إليه الفساد في دار العدل من حرز لا شبهة ولا تأويل فيه تأمل
وتثبت السرقة بما يثبت به الشرب أي تثبت بشهادة رجلين وبالإقرار لا بشهادة رجل وامرأتين ولا بالشهادة على الشهادة فإن سرق مكلف حر أو عبد وهما في القطع سواء لأن النص لم يفصل ولأن القطع لا ينتصف فكمل ولم يندرئ صيانة لأموال الناس ذلك القدر أي قدر عشرة دراهم حال كونه محرزا بمكان أي بسبب موضع معد لحفظ الأموال كالدور والدكاكين والخيام والمذهب أن حرز كل شيء معتبر بحرز مثله حتى لا يقطع بأخذ لؤلؤ من إسطبل بخلاف أخذ الدابة أو حافظ كالجالس عند ماله في الطريق أو في المسجد حتى لو سرق شيئا من تحت رأس النائم في الصحراء أو في المسجد يقطع كما سيأتي
وأقر السارق بها أي بالسرقة طائعا وفلو أقر مكرها كان باطلا ومن المتأخرين من أفتى بصحته ويحل ضربه لكن لا يفتى به لأنه حور وفي المنح إن كان معروفا بالفجور المناسب للتهمة فقالت طائفة من الفقهاء يضربه الوالي أو القاضي وقالت طائفة يضربه الوالي فقط ومنهم من قال لا يضربه وأما إن كان مجهول الحال يحبس حتى يكشف أمره قيل الحبس شهرا وقيل يحبس مدة اجتهاد ولي الأمر مرة عند الطرفين وعند أبي يوسف وزفر مرتين أو شهد على البناء للفاعل عليه رجلان أنه سرق هذا تصريح بما علم ضمنا فحذفه أولى للاختصار كما قيل لكن المصنف صرحه لأنه توطئة لقوله وسألهما أي الشاهدين الإمام أو القاضي عن السرقة ما هي أي السرقة احتراز عن نحو الغصب والسرقة
____________________
(2/380)
الكبرى وكيف هي لجواز أنه أدخل يده في الدار وأخرج أو تأوله آخر من خارج وأين هي لجواز أن يسرق من غير حرز أو في دار الحرب أو البغي ومتى هي لجواز أنها متقادم أم لا وكم هي والضمير يرجع إلى السرقة والمراد المسروق فيسأل الإمام ليعلم أن المسروق كان نصابا أو لا
وممن سرق لجواز أن يكون المسروق منه ذا رحم محرم أو أحد الزوجين لا يقال إن هذا مستغنى عنه لأن المسروق منه حاضر والشهود تشهد بالسرقة منه فلا حاجة إلى السؤال عن ذلك لأنه يحتمل أن لا يكون المسروق منه حاضرا ويكون المدعي غيره تأمل
وبيناها أي بين الشاهدان تلك الأشياء المسئول عنها قطع جواب أن أي قطع السارق يده سواء كان مقرا أو غيره جزاء لكسبه ويحبسه إلى أن يسأل عن الشهود للتهمة ثم يحكم بالقطع
وفي البحر وأما المقر فيسأل عن جميع ما ذكرنا إلا عن السؤال عن الزمان
وفي الفتح ولا يسأل المقر عن المكان وهو مشكل للاحتمال المذكور وصح رجوعه عن إقراره بالسرقة حتى لو أقر بالسرقة جماعة ثم رجع واحد سقط الحد عن الجميع ولكن يضمنون المال
وفي الذخيرة وإذا أقر بالسرقة ثم هرب فإن كان في فوره لا يتبع بخلاف ما إذا شهد الشهود عليه بالسرقة ثم هرب فإنه يتبع
وفي التنوير ولا قطع بنكول وإقرار مولى على عبده بها وإن لزم المال ولو قضى بالقطع ببينة أو إقرار فقال المسروق منه هذا متاعه لم يسرقه مني أو قال شهد شهودي بزور أو أقر هو بباطل أو ما أشبه ذلك فلا قطع كما لو شهد كافران على كافر ومسلم بها في حقهما
وإن كانوا أي السراق جمعا أي مما فوق الواحد وأصاب كلا منهم قدر نصاب أي نصاب السرقة وهو عشرة دراهم مضروبة قطعوا أي قطع الإمام يد كلهم وإن وصلية تولى الأخذ بعضهم لوجود الأخذ من الكل معنى فإنهم معاونون فلو امتنع الحد بمثله لامتنع القطع في أكثر السراق كما في أكثر المعتبرات لكن يشكل بما قالوا إنه يجب الاحتياط في الدرء فينبغي أن لا يقطع غير الآخذ كما هو قول زفر إلا أن يقال إن هذه المسألة وضعت في دخولهم الحرز كلهم بخلاف مسألة دخول واحد البيت وتأول من هو خارج
____________________
(2/381)
تدبر
وفيه إشارة إلى أنه لو أصاب كلا أقل من ذلك لم يقطع وإلى أنه لو سرق واحد من عشرة من كل واحد منهم درهما من حرز واحد قطع لكمال النصاب في حق السارق وإطلاقه شامل بما إذا كانوا خرجوا من الحرز أو بعده في فوره أو خرج هو بعدهم في فورهم لأنه بذلك يحصل التعاون
ويقطع بسرقة الساج ضرب من الشجر لا ينبت إلا ببلاد الهند والآبنوس بمد الهمزة وفتح الباء معروف والصندل والعود والعنبر والمسك والأدهان والورس والزعفران والفصوص بضم الفاء فص الخاتم الخضر جمع أخضر والتقييد بها اتفاقي والياقوت والزبرجد واللؤلؤ واللعل والفيروزج والإناء والباب المتخذين من الخشب لأن الصنعة فيها غلبت على الأصول والتحقت بالأموال النفيسة هذا إذا كان الباب في الحرز وكان خفيفا لا يثقل على الواحد حتى لو كان متعلقا بالجدار لا يقطع وكذا بكل ما هو من أعز الأموال وأنفسها ولا يوجد في دار العدل مباحة الأصل غير مرغوب فيها كما في الدرر
لا يقطع بسرقة شيء تافه أي حقير خسيس في أعين الناس يوجد مباحا في دارنا كخشب أي لم تدخله صنعة تغلب عليه كالحصير الخسيسة حتى لو غلبت الصنعة كالحصير البغدادية والمصرية والجرجانية يقطع فيها وحشيش مملوك فلا قطع بالكلاء الرطب بالطريق أولى واختلف في القطع بأخذ الوسمة والحناء والوجه القطع لأنه جرت العادة بإحرازه في الدكاكين كما في البحر وقصب وسمك سواء كان طريا أو مالحا وطير مطلقا حتى البط والدجاج والحمام لكن استثنى في الظهيرية من الطير الدجاج وزرنيخ ونظر بعضهم فقال ينبغي أن يقطع بأخذ الزرنيخ لأنه يصان في الدكاكين كما في البحر ومغرة بالفتحات الطين الأحمر وكذا بزجاج على الظاهر لأنه يسرع إليه الكسر ونورة وعند الأئمة الثلاثة وهو رواية عن أبي يوسف يقطع لكل مال لو بلغ قيمة المأخوذ نصابا إلا في التراب والسرقين والأشربة المطربة لأنه سرق مالا متقوما من
____________________
(2/382)
حرز لا شبهة فيه ولا يقطع أيضا بما يسرع فساده كلبن ولحم ولو كان قديدا ما هو مهيأ للأكل كالخبز بخلاف ما لم يكن مهيأ للأكل كالحنطة والسكر فإنه يقطع فيه إجماعا في غير سنة القحط وأما فيها فلا قطع في الطعام مطلقا لأنه سرق عن ضرورة وجوع كما في الشمني وفاكهة رطبة فدخل فيها العنب والرطب على المختار بخلاف الزبيب والتمر وذكر الإسبيجابي أنه لا بد أن يكون المسروق يبقى من حول إلى حول فلا قطع بما لا يبقى وما في التبيين وغيره من أنه يقطع بالعسل والخل إجماعا كلام لأن الناطفي نقل عن المجرد عدم القطع في الخل عند الإمام لأنه قد صار خمرا مرة فحينئذ لا إجماع تأمل
وبطيخ أي لا يفسد سريعا منه كالقديد منه وأما ما يفسد منه فداخل في الفاكهة الرطبة كما في القهستاني فبهذا اندفع ما قيل من أنه لا حاجة إليه لدخوله في الفاكهة تأمل
وكذا ثمر أي لا بفاكهة يابسة على الشجر كالجوز واللوز لعدم الإحراز وإنما قيد بالشجر لأنه لو كان في الحرز قطع كما في القهستاني نقلا عن المضمرات فمن لم يتفطن على هذا قال كان هذا معلوما من قوله وفاكهة رطبة لكن أعاده تمهيدا لقوله وزرع لم يحصد تأمل
وزرع لم يحصد وإن كان له حائط أو حافظ لعدم الإحراز الكامل وفيه إشعار بأنه لو حصد ووضع في الحظيرة قطع لأنه صار محرزا ولا يقطع بما يتأول فيه الإنكار يعني يقول أخذته لنهي المنكر كأشربة مطربة أي مسكرة قال العيني مطربة أو غير مطربة لأنه إن كان حلوا فهو مما يتسارع الفساد وإن كان مرا فإن كان خمرا فلا قيمة لها وإن كان غيرها فللعلماء في تقومها اختلاف فلم يكن في معنى ما ورد به النص لأنه ما زال متقوما إجماعا وآلات لهو كدف وطبل ولا فرق بين الطبل للغزاة وغيره على الأصح لأن في صلاحيته للهو صارت شبهة وبربط ومزمار وطنبور لعدم تقومها حتى لا يضمن متلفا وعند الإمام وإن ضمنها لغير اللهو إلا أنه يتأول أخذه للنهي عن المنكر وصليب ذهب أو فضة وشطرنج ونرد لأنه يتبادر من أخذها الكسر نهيا عن المنكر بخلاف الدرهم الذي عليه
____________________
(2/383)
التمثال لأنه ما أعد للعبادة فلا يثبت شبهة إباحة الكسر
وعن أبي يوسف إذا كان الصليب في مصلاهم لا يقطع لعدم الحرز وإن في البيت يقطع لوجود النصاب والحرز وجوابه ما ذكرنا من تأويل الإباحة فهو عام لا يخصص غير الحرز وهو المسقط
ولا يقطع بسرقة باب مسجد مطلقا لعدم الإحراز لكن يجب أن يعزر ويبالغ فيه إن اعتاد ويحبس حتى يتوب
وفي البحر لا قطع في سرقة حصيره وقناديله وكذا أستار الكعبة وإن كانت محرزة لعدم المالك وكتب علم ومصحف لأن آخذها يتأول بالقراءة فيه أو النظر لإزالة الأشكال وصبي حر ولو كان عليهما أي على الصبي والمصحف حلية من الذهب والفضة قدر النصاب وهذا عند الطرفين لأن الكاغد والجلد والحلية تبع كمن سرق آنية فيها خمر وقيمة الآنية فوق النصاب ومثله الصبي الحر وعليه حلي لأنه ليس بمال وما عليه تبع له خلافا لأبي يوسف فإن عنده تقطع إذا بلغ الحلية نصابا لأن سرقته تمت في نصاب كامل والخلاف في صبي لا يمشي ولا يتكلم حتى لا يكون في يد نفسه وإلا لا يقطع اتفاقا وفي أكثر المعتبرات لو سرق إناء ذهب فيه نبيذ أو ثريد أو كلبا عليه قلادة فضة لا يقطع على المذهب إلا في رواية عن أبي يوسف فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يقول
وعن أبي يوسف لأنه يشعر ما في المختصر أنه ظاهر مذهبه وليس كذلك
تدبر
و لا يقطع بسرقة عبد كبير أو صغير يعقل لأنه غصب وخداع وإطلاقه شامل للنائم والمجنون والأعمى ودفتر المراد من الدفتر صحيفة فيها كتابة من مصحف أو تفسير أو حديث أو فقه أو علوم عربية أو غيرها كما في أكثر الكتب فعلى هذا لو اقتصر على قوله ودفتر لاستغنى عن قوله وكتب علم تدبر
بخلاف سرقة العبد الصغير
____________________
(2/384)
أي لا يعبر عن نفسه ولا يتكلم ولا يعقل خلافا لأبي يوسف كما في الكبير ودفتر الحساب لأن ما فيه لا يقصد بالأخذ فكان المقصود هو الكواغد
وفي البحر وأما الدفاتر التي في الديوان المعمول بها فالمقصود علم ما فيها فلا قطع وأما دفتر علم الحساب والهندسة فهو كغيره فلا قطع بسرقته لأنها كالكتب وعند الأئمة الثلاثة يقطع في كل الدفاتر بلا فرق إذا بلغت قيمتها نصابا
ولا يقطع بسرقة كلب ونمر وفهد لأنه مباح الأصل ولا يقطع بخيانة وهي الأخذ مما في يده على وجه الأمانة لقصور الحرز ونهب أي غارة لمال لأنه أخذ علانية واختلاس وهو أن يأخذ من اليد بسرعة جهرا
وكذا نبش أي لا يقطع بأخذ الكفن عن ميت في قبر سواء كان الكفن مسنونا أو زائدا أو أقل ولو كان القبر الذي نبشه وسرق منه في بيت مقفل على الصحيح لاختلال الحرز وكذا لو سرق من القبر غير الكفن أو سرق من ذلك البيت مالا آخر لوجود الإذن بالدخول عادة وكذا لو سرق الكفن من تابوت في القافلة وفيه الميت لأن الشبهة تمكنت في الملك لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث لتقدم حاجة الميت وهذا عند الطرفين خلافا لأبي يوسف أي فيقطع بالكفن المسنون أو أقل ولو كان القبر في الصحراء لقوله عليه الصلاة والسلام من نبش قطعناه وهو مذهب الأئمة الثلاثة لهما قوله عليه الصلاة والسلام لا قطع على المختفي وهو النباش بلغة أهل المدينة وما رواه غير مرفوع أو هو محمول على السياسة لمن اعتاده فيقطعه الإمام سياسة لا حدا
ولا يقطع بسرقة مال عامة كمال بيت المال أو مال مشترك لأن للسارق فيه حقا فأورث شبهة أو مثل دينه من جنسه ولو حكما أو أزيد على دينه لصيرورته شريكا بمقدار حقه وعند الأئمة الثلاثة يقطع في الزائد حالا كان أو مؤجلا لأن الحق ثابت والتأجيل لتأخير المطالبة والقياس أن يقطع في المؤجل لأنه لا يباح له أخذه قبل الأجل
____________________
(2/385)
وإن كان دينه من خلاف جنس حقه بأن كان نقدا فسرق عرضا قطع لأنه ليس باستيفاء وإنما هو استبدال فلا يتم إلا بالتراضي ولم يوجد وكذا لو سرق حليا من فضة ودينه دراهم إلا أن يقول أخذته رهنا بديني فلا قطع خلافا لأبي يوسف
وفي الهداية وغيره وعن أبي يوسف أنه لا يقطع لأن له أن يأخذ عند بعض العلماء قضاء من حقه أو رهنا بحقه قلنا هذا قول لا يستند إلى دليل ظاهر فلا يعتبر بدون اتصال الدعوى به حتى لو ادعى ذلك درئ عنه الحد لأنه ظن في موضع الخلاف انتهى
فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يعبر بعن كما مر تحقيقه آنفا
وإن كان دينه دنانير فسرق دراهم أو بالعكس ولا يقطع وكذا لو سرق من جنس حقه أجود أو أردأ لأن النقدين جنس واحد حكما وهذا هو الصحيح وقيل يقطع لأنه ليس له حق الأخذ ولا بما قطع فيه مرة ولم يتغير أي إذا سرق مالا فقطع فرده إلى مالكه ثم سرقه ثانيا والحال أنه لم يتغير المسروق عن حالته الأولى حقيقة فإنه لا يقطع استحسانا والقياس أن يقطع وهو رواية عن أبي يوسف وهو قول الأئمة الثلاثة ودليل الطرفين مبين في المطولات
وإن كان المسروق قد تغير عند أخذه ثانيا قطع ثانيا وفيه إشارة إلى أنه لو باعه مالكه بعد الرد ثم سرقه قطع لأنه يتغير حكما عند مشايخنا وعند مشايخ العراق لا يقطع كغزل نسخ أي لو سرق الغزل فقطع ورد ثم نسج فعاد وسرق ثانيا قطع ثانيا لأنه صار بالتغيير كعين أخرى حتى تبدل اسمه ويملكه الغاصب به وكذا في كل عين فرد على المالك فأحدث فيه صنعة لو أحدثه الغاصب في المغصوب انقطع حق المالك كما في القهستاني
وفي الفتح لو سرق ذهبا أو فضة وقطع به ورد فجعله المسروق منه آنية أو كانت آنية فضربها دراهم ثم عاد فسرقه لا يقطع عند الإمام خلافا لهما
____________________
(2/386)
387 فصل في الحرز هو أي الحرز قسمان حرز بمكان وهو المكان المعد لإحراز الأمتعة كبيت ولو بلا باب أو بابه مفتوح لأن الباب لقصد الإحراز إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج لبقاء يده قبله
وفي التبيين ولو كان باب الدار مفتوحا في النهار فسرق لا يقطع لأنه مكابرة وليس بسرقة ولو كان في الليل بعد انقطاع انتشار الناس قطع وكصندوق وغيره كما ذكرناه ويحافظ كمن هو عند ماله ولو وصلية نائما لأنه قد قطع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا ما في القهستاني من أنه لا يقطع بأخذ المال من نائم إذا جعله تحت رأسه أو جنبه أما إذا وضع بين يديه ثم نام ففيه خلاف ضعيف لأنه يقطع بكل حال على الصحيح لأن المعتبر الإحراز المعتاد وقد حصل بهذا فإن الناس يعدون النائم عند متاعه حافظا له ألا يرى أن المودع والمستعير لا يضمن مثله وهما يضمنان بالتضييع وما لا يكون محرزا يكون مضيعا
وفي البحر لا قطع في المواشي في الرعي وإن كان معها الراعي وإن كان معها سوى الراعي من يحفظهما يجب القطع وكثير من المشايخ أفتوا بهذا وفي الحرز بالمكان لا يعتبر الحافظ فلو سرق من بيت مأذون له بالدخول فيه لكن مالكه يحفظه لا يقطع لأن المكان يمنع وصول اليد إلى المال ويكون المال مختفيا به والاختفاء لا يوجد في الحافظ فكان ذلك أصلا وهذا فرعا فلا اعتبار للفرع مع وجود الأصل
ولا قطع بسرقة مال من بينهما قرابة ولاء بالإجماع لجريان الانبساط بينهم بالانتفاع في المال والدخول في الحرز ولا بسرقة من بيت ذي رحم محرم منه كالأخوين والعمين
ولو وصلية مال غيره لأنه مأذون شرعا في الدخول حرزهم خلافا للأئمة الثلاثة
ويقطع بسرقة ماله
____________________
(2/387)
أي مال ذي الرحم المحرم من بيت غيره أي بيت الأجنبي لوجود الحرز
وفي التبيين وينبغي أن لا يقطع في الولاد لما ذكرنا من الشبهة في ماله وكذا يقطع بسرقة من بيت محرم رضاعا لعدم القرابة وما في التبيين من أنه لا حاجة إلى ذكره لأنه لم يدخل في ذي الرحم المحرم ليس بوارد لأنه محل الخلاف ولهذا قال خلافا لأبي يوسف في الأم وفي أكثر المعتبرات
وعن أبي يوسف لا يقطع لأنه يدخل عليها بلا استئذان عادة بخلاف أخته رضاعا وجه الظاهر أنه لا تأثير للمحرمية في منع القطع بلا قرابة كالمحرمية بالزنى أو بالتقبيل عن شهوة والرضاع لا يشتهى عادة فلا يسقطه إعادة فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يعبر بعن كما مر مرارا
ولا قطع بسرقة مال زوجته أو زوجها لانبساط بينهما في الأموال عادة
ولو من حرز خاص يعني لو سرق أحد الزوجين في حرز الآخر خاصة لا يسكنان فيه خلافا للأئمة الثلاثة وفيه إيماء إلى أنه لو أخذ من بيته أو بالعكس ثم طلقها وعند المرافعة انقضت عدتها لم يقطع واحد منهما لأن أصله غير موجب للقطع وكذا لو أخذ من امرأته المبتوتة في العدة أو أخذت هي منه في العدة وكذا لو أخذ أجنبي من أجنبية أو بالعكس ثم تزوجها قبل القضاء بالقطع لم يقطع لأن الزوجية مانعة وكذا بعد القضاء في ظاهر الرواية
وكذا لا يقطع لو سرق عبد من سيده أو سيدته أو زوجة سيده أو زوج سيدته لوجود الإذن بالدخول عادة أو سرق رجل من مكاتبه لأن له من اكتسابه حقا وكذا لو سرق المكاتب من سيده أو سرق رجل من ختنه بفتحتين هو زوج كل ذي رحم محرم منه أو صهره بكسر الصاد والسكون هو زوج كل ذي رحم محرم من امرأته وهذا عند الإمام خلافا لهما وللأئمة
____________________
(2/388)
الثلاثة فيهما لعدم الشبهة في المال والحرز وله أن بين الأختان والأصهار مباسطة في دخول بعضهم منازل البعض بلا استئذان فتمكنت الشبهة في الحرز أو سرق من مغنم لأن له فيه نصيبا ولا يخفى أن الأخذ إن كان من المعسكر فالمغنم داخل في مال الشركة وإلا ففي مال العامة كما في القهستاني أو سرق من حمام نهارا وإن وصلية كان ربه أي صاحبه عنده المراد وقت الإذن بالدخول فيه حتى لو أذن بالدخول ليلا لا يقطع سواء كان له حافظ أم لا لأنه اختل الحرز بالإذن ولذا يقطع إذا سرق منه وفي وقت لم يؤذن فيه بالدخول
وعن الإمام أنه إذا سرق ثوبا من تحت رجل في الحمام يقطع أو سرق من بيت أذن في دخوله ويدخل في ذلك حوانيت التجار والخانات إلا إذا سرق منه ليلا فيقطع إلا إذا اعتيد الدخول فيه بعض الليل هذا في المفتوحة وفي المغلقة يقطع مطلقا في الأصح وفيه إشارة إلى أنه لو أذن بجماعة مخصوصين بالدخول فدخل واحد غيرهم وسرق فإنه يقطع كما في البحر
وفي التنوير وكل ما كان حرزا لنوع فهو حرز للأنواع كلها على المذهب أو سرق الضيف من مضيفه أطلقه فشمل ما إذا سرق من البيت الذي أضافه فيه أو من غيره من تلك الدار التي أذن له في دخولها وهو مقفل أو في صندوق مقفل لأن الدار مع جميع بيوتها حرز واحد فبالإذن في الدار اختل الحرز فيكون فعله خيانة لا سرقة وعند الأئمة الثلاثة من موضع أنزل فيه لا يقطع
وفي غيره يقطع وقطع لو سرق من الحمام ليلا هذا ليس على الإطلاق حتى لو أذن بالدخول ليلا لا يقطع كما قررناه آنفا أو من المسجد متاعا وربه أي صاحبه عنده وقد مر تحقيقه في أول الفصل أو أدخل يده في صندوق غيره أو كمه أو جيبه
____________________
(2/389)
أما الصندوق فحرز بنفسه وأما الكم والجيب فحرز بالحافظ فيقطع إذا أخذ قدر النصاب أو سرق جوالقا بضم الجيم فيه متاع وربه أي صاحبه يحفظه أو نائم عليه أي على الجوالق لأن الجلوس عنده والنوم عليه أو بقرب منه حفظ له عادة فيقطع
أو سرق المؤجر من البيت المستأجر على صيغة اسم المفعول فإنه يقطع عند الإمام خلافا لهما أي لا يقطع لو سرق المؤجر مال المستأجر من البيت المستأجر عندهما
قيد بالمؤجر لأنه لو سرق المستأجر من المؤجر في بيت آخر يقطع اتفاقا
ولو سرق شيئا ولم يخرجه من الدار لا يقطع لأن يد المالك قائمة حينئذ فلا يتحقق الأخذ
قيد بالسرقة لأنه يجب الضمان على الغاصب بمجرد الأخذ وإن لم يخرجه من الدار على الصحيح وهذا إذا كانت الدار صغيرة بحيث لا يستغني أهل البيوت عن الانتفاع بصحن الدار بخلاف ما لو أخرجه من حجرة إلى صحن الدار يعني لو كانت الدار كبيرة وفيها مقاصير أي حجر ومنازل وفي كل مقصورة مكان يستغني به أهله عن انتفاع بصحن الدار وإنما ينتفعون به انتفاع السكة فيكون إخراجه كإخراجه إلى السكة لأن كل مقصورة باعتبار ساكنيها حرز على حدة فيقطع بإخراجه إلى صحنها أو سرق بعض أهل حجر جمع حجرة دار من حجرة أخرى فيها أي في الدار بأن كانت كبيرة فيها حجرات يسكن في كل منها إنسان لا تعلق له بالحجرة التي يسكن فيها غيره لا كالدار التي صاحبها واحد وبيوتها مشغولة بمتاعه وخدامه وبينهم انبساط كما في شرح الوقاية فعلى هذا أن ما في الكافي من أنه
وفي الدار المشتملة على البيوت إذا كان في كل بيت ساكن لا يقطع محمول على هذا وإلا فظاهره مخالف تدبر
أو أخذ شيئا من حرز فألقاه في الطريق ثم خرج فأخذه يقطع عندنا
وقال زفر لا يقطع فيه لأن الإلقاء غير موجب للقطع كما لو أخرج ولم يأخذ
ولنا أن الرمي حيلة يعتادها السراق ولم يعترض عليه يد معتبرة فاعتبر الكل فعلا واحدا بخلاف ما لو تركه لأنه مضيع لا سارق وعند الشافعي تقطع مطلقا أو حمله على حمار فساقه فأخرجه
____________________
(2/390)
أي الحمار من الحرز لأن سيره مضاف إليه بسوقه
قيد بالسوق لأنه لو لم يسقه وخرج بنفسه لم تقطع والمراد متسببا في إخراجه فشمل ما لو ألقاه في نهر في الدار وكان الماء ضعيفا وأخرجه بتحريك السارق لأن الإخراج يضاف إليه وإن أخرجه الماء بقوة جريه لم يقطع وقيل يقطع وهو الأصح لأنه أخرجه بسببه
ولو دخل بيتا فأخذ شيئا وناول أي أعطى من هو خارج من البيت لا يقطعان لأن القطع يجب بهتك الحرز والإخراج ولم يوجد ذلك منهما
وكذا لا يقطعان لو أدخل الخارج يده فتناول أي أخذه من الداخل وقال أبو يوسف يقطع الداخل فقط في الصورة الأولى ويقطعان في الصورة الثانية
وفي الكافي وعن أبي يوسف إن كان الخارج أدخل يده حتى ناوله الآخر المتاع فالقطع عليهما وإن كان الداخل أخرج يده مع المتاع حتى أخذ منه الخارج يقطع الداخل لا الخارج لأن الداخل تم منه هتك الحرز فصار المال مخرجا بفعله أو بمعاونته فيقطع بكل حال فإما الخارج إن أدخل يده فقد وجد منه إخراج المال من الحرز فيقطع وإن لم يدخل يده ولكن الآخر أخرج يده إليه فإنما أخذ هو متاعا غير محرز فلا يقطع انتهى
لكن بقيت هاهنا صورة أخرى وهي أن يدخل أحدهما في البيت ويأخذ شيئا ثم يناوله من في الخارج من غير أن يخرج يده من البيت ومن غير أن يدخل الخارج يده فيه أيقطعان أو أحدهما عنده أم لا فعلى هذا أن عبارة المصنف غير وافية فلا بد من التفصيل وأن يعبر بعن تدبر
وكذا لا يقطع لو نقب بيتا وأدخل يده فيه وأخذ شيئا لأنه لم يهتك الحرز وهو الصحيح
وعن أبي يوسف في الإملاء تقطع لأنه أخذ من الحرز أو طر أي شق صرة خارجة من كم غيره خلافا له أي لأبي يوسف فإنه تقطع عنده في المسألتين
وإن حلها أي الصرة وأخذ من داخل الكم تقطع اتفاقا هذا مجمل وتفصيله وإن طر صرة خارجة من الكم وأخذ
____________________
(2/391)
الدراهم لم تقطع وإن أدخل يده في الكم وطرها وأخذها قطع لأن الرباط في الوجه الأول من خارج فبالطر يتحقق الأخذ من الظاهر فلا يوجد هتك الحرز والرباط في الوجه الثاني من داخل فبالطر يتحقق هتك الحرز بإخراج المال من الكم ولو حل الرباط تقطع في الوجه الأول لأن الدراهم تبقى في الكم بعد حل الرباط فيتحقق هتك الحرز بالإخراج منه
وفي الوجه الثاني لا يقطع لأنه إذا حل الرباط تبقى الدراهم خارجة من الكم فلم يوجد إخراج المال من الحرز وإنما أخذه من خارج الكم فلا يقطع
وعن أبي يوسف أنه تقطع في الوجوه كلها لأنه محرز إما بالكم أو بصاحبه قلنا المرء يعد ماله محفوظا بكمه أو جيبه وقصده قطع المسافة إن كان ماشيا أو الاستراحة إن كان جالسا لا حفظ ماله ولا يعتبر في الحرز ما ليس بمقصود كما في الكافي وغيره فعلى هذا ينبغي للمصنف التفصيل ويعبر بعن مكان قوله خلافا كما مر مرارا تأمل
ولو سرق من قطار بالكسر أي من الإبل المقطورة المقرب بعضها إلى بعض على نسق واحد جملا أي بعيرا لأن الجمل يختص بالذكر من الإبل فلا وجه للتخصيص فلهذا فسرناه ببعير تدبر
أو حملا بالحاء المكسورة أو جوالقا مملوءا من المتاع واقعا على ظهر دابة وإن لم يكن من قطار لا يقطع وإن وجد السائق أو القائد أو الراكب لأن كلا منهم قاطع المسافة أو ناقل متاع لا حافظ قال في الفتح حتى لو كان مع الأحمال من يتبعها للحفظ قالوا يقطع وعند الأئمة الثلاثة يقطع فيهما
وإن شق الحمل وأخذ منه شيئا قطع لأن الجوالق حرز والفسطاط كالبيت في جميع ما ذكر
وفي الفتح لو سرق نفس الفسطاط لا يقطع لعدم إحرازه إلا إذا كان الفسطاط غير منصوب وإنما هو ملفوف عند من يحفظه أو في فسطاط آخر فإنه يقطع
وفي التنوير قال أنا سارق هذا الثوب قطع إن أضافه لكونه إقرارا بالسرقة وإن نونه لا تقطع لكونه عدة لا إقرارا
____________________
(2/392)
393 فصل كيفية القطع وإثباته ولو ترك قوله وإثباته لكان أخصر لأنه لم يذكر في هذا الفصل بل ذكر في أول الكتاب فذكره هنا مستدرك تدبر
تقطع يمين السارق أما القطع فبالنص وأما اليمين فبقراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فاقطعوا أيمانهما وهي مشهورة فجاز التقييد بها وهذا من تقييد المطلق لا من بيان المجمل وقد قطع النبي عليه الصلاة والسلام اليمين والصحابة رضي الله تعالى عنهم من زنده لأنه المتوارث ومثله لا يطلب له سند بخصوصه كالتواتر ولا يبالى فيه بكفر النافين فضلا عن فسقهم أو ضعف دينهم كما في البحر وتحسم أي تغمس في الدهن المغلي وجوبا لأن الدم لا ينقطع إلا به والحد زاجر لا متلف ولهذا لا يقطع في الحر والبرد الشديدين ويحبس حتى يتوسط الأمر في ذلك وأجر الدهن على السارق كأجر الحداد ومقيم الحد
و تقطع رجله اليسرى من الكعب وتحسم إن عاد إلى السرقة وهذا كله إذا كانت اليد اليمنى موجودة وإن كانت ذاهبة أو مقطوعة قطع الرجل اليسرى أو لا وإن كانت رجله اليسرى مقطوعة فلا قطع عليه فإن سرق ثالثا أو رابعا لا تقطع اليد اليسرى والرجل اليمنى عندنا بل يحبس حتى يتوب وهذا استحسان ويعزر أيضا ذكره بعض المشايخ ومدة التوبة مفوضة إلى رأي الإمام وقيل إلى أن يظهر سيماء الصالحين في وجهه وللإمام أن يقتله سياسة لسعيه في الأرض بالفساد وعند الشافعي يقطع في الثالث يده اليسرى
وفي الرابع رجله اليمنى لقوله عليه الصلاة والسلام من سرق فاقطعوه فإن عاد فاقطعوه فإن عاد فاقطعوه فإن عاد فاقطعوه ولنا الإجماع لأن عليا رضي الله تعالى عنه قال أني لأستحيي أن لا أدع له يدا يبطش بها ورجلا يمشي عليها وبهذا حاج بقية الصحابة فحجهم أي غلبهم فانعقد إجماعا ولم يحتج عليه أحد بهذا الحديث فبان أنه لا أصل له
____________________
(2/393)
إذ لو ثبت لبلغهم ولو بلغهم لاحتجوا به أو يحمل على السياسة أو النسخ
وطلب المسروق منه شرط القطع لأن الخصومة شرط لظهورها حتى لا يقطع وهو غائب وكذا إذا غاب عند القطع لاحتمال أن يهبه المسروق هذا إذا اختار المالك القطع وإن قال أنا أضمنه لم يقطع عندنا كما في الشرح المجمع ولو كان المسروق منه مودعا أو غاصبا أو صاحب الربا أو مستعيرا أو مستأجرا أو مشاربا أو مستبضعا أو قابضا على سوم الشراء أي بعقد فاسد أو مرتهنا وكل من له يد حافظة سوى المالك كالأب والوصي والوكيل ومتولي الوقف لأن ولاية الاسترداد لهم
وقال زفر والشافعي لا يقطع بخصومة هؤلاء ما لم يحضر المالك لأن المطلوب منهم الحفظ دون الخصومة ويقطع أيضا بطلب المالك أيضا في السرقة من هؤلاء أو المودع أو الغاصب إلى آخره إلا أن الراهن إنما يقطع بخصومته حال قيام الراهن قبل قضاء الدين أو بعده كما في الزاهدي
وفي الفتح والصحيح من نسخ الهداية بعد قضاء الدين لأنه لا حق له في المطالبة بالعين بدون القضاء فليس له أن يخاصم في ردها تأمل
لا يقطع بطلب السارق أو المالك لو سرقت من السارق بعد القطع يعني إذا سرق رجل شيئا فقطع به وبقي المسروق في يده وسرقه من السارق سارق آخر لا يقطع الثاني لأن المال غير متقوم في حق السارق حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك ولم ينعقد موجبه للقطع إذ
____________________
(2/394)
الرد واجب عليه وللأول ولاية الخصومة في الاسترداد لحاجته والوجه أنه إذا ظهر هذا الحال للقاضي لا يرده إلى الأول ولا إلى الثاني إذا رده لظهور خيانة كل منهم بل يرده من يد الثاني إلى المالك إن كان حاضرا وإلا حفظه كما يحفظ أموال الغيب كما في الفتح بخلاف ما لو سرقت منه أي من السارق الأول قبل القطع أو بعد درء الحد بشبهة فإنه يقطع بخصومة الأول لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم يوجد فصار كالغاصب كما في الهداية وأطلق الكرخي والطحاوي عدم قطع السارق من السارق لكن الحق ما في الهداية كما في البحر
وإن لم يطلب أحد لا يقطع لما مر من أن طلب المسروق منه شرط وإن وصلية أقر هو بها أي بالسرقة ولا بد من حضوره أي حضور الطالب عند الإقرار والشهادة والقطع احتراز عن قول الشافعي فإنه قال لا حاجة إلى حضور المسروق منه إن أقر بعدما شهد عند القطع
ولو كانت يده اليسرى أو إبهامها أي إبهام يده اليسرى مقطوعة أو شلاء أو أصبعان سوى الإبهام كذلك أي مقطوعين أو شلاء لا يقطع منه أي من السارق شيء لما فيه من تفويت جنس المنفعة بطشا وقوام البطش بالإبهام وفيه إشارة إلى أنه لو كان المقطوع أصبعا غير الإبهام أو أشل فإنه يقطع وإلى أنه لو كانت يده اليمنى شلاء أو ناقصة الأصابع يقطع في ظاهر الرواية لأن المستحق بالنص قطع اليمنى واستيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز
وعن أبي يوسف لا يقطع لأن مطلق الاسم يتناول الكامل بل يحبس إلى أن يتوب وكذا لا تقطع يده لو كانت رجله اليمنى مقطوعة أو شلاء
وفي البحر لو كانت رجله اليمنى مقطوعة الأصابع فإن كان يستطيع القيام والمشي عليها قطعت يده وإلا فلا ولا يضمن المأمور بقطع اليمنى لو قطع اليسرى عند الإمام سواء كان عمدا أو خطأ لأنه أتلف وأخلف من جنسه ما هو خير منه فلا يعد إتلافا وعندهما يضمن إن تعمد لأنه
____________________
(2/395)
قطع طرفا معصوما بغير حق ولا تأويل له لأنه يتعمد الظلم فلا يعفى وإن كان في المجتهدات وكان ينبغي أن يجب القصاص إلا أنه امتنع للشبهة
وقال زفر يضمن في الخطأ أيضا وهو القياس والمراد هو الخطأ في الاجتهاد وأما في معرفة اليمين واليسار لا يجعل عفوا وقيل يجعل حتى إذا قال أخرج يمينك فأخرج يساره وقال هذه يميني فقطع لا يضمن إجماعا وإن كان عالما بأنها يساره لأنه قطعه بأمره
هذا كله إذا كان بالأمر وإذا قطعه أحد قبل الأمر والقضاء يجب القصاص في العمد والدية في الخطأ اتفاقا وسقط القطع عن السارق وقضاء القاضي بالقطع كالأمر على الصحيح فلا ضمان ولو أطلق الحاكم وقال اقطع يده ولم يعين اليمنى فلا ضمان على القاطع اتفاقا لعدم المخالفة إذ اليد تطلق عليهما
وفي البحر ولم يذكر المصنف أن هذا القطع وقع حدا أو لا فعلى طريقة أنه وقع حدا فلا ضمان على السارق لو كان استهلك العين وعلى طريقة عدم وقوعه حدا فهو ضامن في العمد والخطأ
ومن سرق شيئا ورده قبل الخصومة إلى مالكه لا يقطع لأن الخصومة شرط لظهور السرقة كما مر فلو رده بعد المرافعة إلى القاضي قطع لانتهاء الخصومة وهو شامل لما إذا رده
____________________
(2/396)
بعد القضاء بالقطع وأما إذا رده بعدما شهد الشهود ولم يقض القاضي استحسانا وأطلق في الرد فشمل الرد حقيقة والرد حكما كما إذا رده إلى أصله وإن علا كوالده وجده ووالدته سواء كانوا في عيال المالك أو لا لأن لهؤلاء شبهة الملك فيثبت به شبهة الرد بخلاف ما إذا رده إلى عيال أصوله فإنه يقطع لأنه شبهة الشبهة وهي غير معتبرة ومن الرد الحكمي الرد إلى فرعه وكل ذي رحم محرم منه بشرط أن يكون في عياله وإلا فليس برد ومنه الرد إلى مكاتبه وعبده
ومنه الرد إلى مولاه ولو كان مكاتبا ومنه إذا سرق من العيال رد إلى من يعولهم كما في البحر
وكذا لا تقطع لو نقصت قيمته من النصاب قبل القطع بعد القضاء
وعن محمد تقطع وهو قول زفر والأئمة الثلاثة اعتبارا بالنقصان في العين ولنا وإن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الإمضاء أطلقه فشمل ما إذا تغير السعر في بلد أو بلدين حتى إذا سرق ما قيمته نصاب في بلد وأخذ في آخر فيه القيمة أنقص لم تقطع وقيد بنقصان القيمة لأن العين لو نقصت فإنه تقطع لأنه مضمون عليه فكمل النصاب عينا أو دينا كما إذا استهلكه كله أما بنقصان السعر فغير مضمون فافترقا كما في أكثر المعتبرات أو ملكه أي السارق المسروق بعد القضاء بهبة مع القبض أو بيع
وقال زفر والشافعي تقطع وهو رواية عن أبي يوسف لأن السرقة السابقة والحكم بموجبها لا يبطل بالملك الحادث بعده ولنا أن الإمضاء في باب الحدود من القضاء فإذا ملكه بعد القضاء قبل الإمضاء سقط القطع كما لو ملكه قبل القضاء وقوله بعد القضاء قيد للمسألتين
أو ادعى السارق أنه أي المسروق ملكه أي ملك السارق بعدما ثبتت السرقة بالبينة فلا قطع عندنا
وإن وصلية لم يثبت لأن الشبهة دارئة للحد فتحقق بمجرد الدعوى بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار إجماعا ومثل هذا يسمى اللص الظريف
وقال الشافعي لا يسقط بمجرد الدعوى وهو أحد الوجهين وهو رواية عن أحمد لأن سقوط القطع بمجرد دعواه يؤدي إلى سد باب الحد ولا يعجز السارق عن هذا ونقل عنه أنه لا تقطع وتمامه في الفتح
وكذا لو ادعاه أحد السارقين يعني إذا كان السارق اثنين فادعى أحدهما الملك لم يقطعا وإن لم يثبت سواء قبل القضاء أو بعده قبل الإمضاء لأن الرجوع عامل في حق الراجع ومورث للشبهة في حق الآخر بخلاف ما لو قال سرقت أنا وفلان كذا فأنكر فلان فإنه يقطع المقر لعدم الشركة بتكذيبه
ولو سرقا وغاب أحدهما وشهد على
____________________
(2/397)
البناء للمفعول أي شهد اثنان على سرقتهما قطع الآخر أي الحاضر وكان الإمام يقول أولا لا تقطع ثم رجع وقال تقطع وهو قولهما لأن السرقة إذا لم تثبت على الغائب كان أجنبيا وبدعوى الأجنبي لا تثبت الشبهة ولأن احتمال دعوى الشبهة من الغائب شبهة الشبهة فلا تعتبر
ولو أقر العبد المأذون بسرقة قطع وردت إلى المسروق منه وكذا المحجور عند الإمام وعند أبي يوسف يقطع ولا ترد وعند محمد لا يقطع ولا ترد هذه المسألة على وجوه لأنه لا يخلو إما أن يكون العبد مأذونا أو محجورا والمال قائم في يده أو هالك والمولى مصدق أو مكذب فإن كان مأذونا يصح إقراره في حق القطع المال فتقطع يده ويرد المال على المسروق منه إن كان قائما وإن كان هالكا لا ضمان عليه صدقه مولاه أو كذبه وإن كان محجورا والمال هالك تقطع ولم يضمن كذبه مولاه أو صدقه وإن كان قائما وصدقه مولاه تقطع عندهم ويرد المال على المسروق منه وإن كذبه وقال المولى المال مالي قال الإمام أبو حنيفة تقطع يده والمال للمسروق منه
وقال أبو يوسف وهو قول الأئمة الثلاثة تقطع والمال للمولى وقال محمد لا تقطع والمال للمولى ويضمن العبد بعد العتق
وقال زفر لا يصح إقراره بالمال في حق القطع مأذونا أو محجورا ويصح إقراره بالمال إن كان مأذونا أو يصدقه المولى وإن كان محجورا لا ودليلهم مبين في المطولات فليراجع وحكى الطحاوي أن الأقاويل الثلاثة مروية عن الإمام فقوله الأول أخذ به محمد والثاني أخذ به أبو يوسف
ومن قطع بسرقة والعين قائمة أي حال كون العين المسروقة موجودة ردها إلى صاحبها لبقائها على ملكه وفيه إشارة إلى أنه لا يحل للسارق الانتفاع به بوجه من الوجوه وإلى أنه لو وهبها أو باعها فإنها تؤخذ من المشتري والموهوب له بلا خلاف وإن لم تكن قائمة فلا ضمان عليه وإن وصلية استهلكها سواء كان قبل القطع أو بعده لقوله عليه الصلاة والسلام لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه قوله وإن استهلكها إشارة إلى رد ما روى الحسن
____________________
(2/398)
عن الإمام أنه يضمن بالاستهلاك
وفي الكافي هذا إذا كان بعد القطع وإن كان قبله فإن قال المالك أنا أضمنه لم تقطع عندنا وإن قال أنا أختار القطع تقطع ولا يضمن وعند الأئمة الثلاثة يجتمع
وفي البحر لو قطع السارق ثم استهلك السرقة غيره لم يضمن لأحد وكذا لو هلك في يد المشتري أو الموهوب له ولو استهلكه فللمالك تضمينه
وإن سرق سرقات فقطع بكلها أو بعضها لا يضمن شيئا منها أي من تلك السرقات يعني من سرق سرقات فحضر واحد من أربابها وادعى حقه فأثبت فقطع فيها فهو لجميعها ولا يضمن شيئا عند الإمام وقالا وهو قول الأئمة الثلاثة يضمن ما موصولة لم يقطع به لأن الحاضر ليس بنائب عن الغائب ولا بد من الخصومة لتظهر السرقة وله أن الواجب بالكل قطع واحد حقا لله تعالى لأن مبنى الحدود على التداخل والخصومة شرط للظهور عند القاضي وعلى هذا الخلاف إذا سرق من واحد نصابا مرارا فخاصمه في بعضها فقطع لنصاب واحد وفيه إشارة إلى أنه لو حضروا وقطع بخصومتهم لا يضمن اتفاقا ولو لم يقطع يضمن اتفاقا
ولو سرق ثوبا فشقه في الدار وهو يساوي بعد الشق نصابا ثم أخرجه قطع ما لم يكن إتلافا
وعن أبي يوسف لا تقطع في الخرق الفاحش وفي اليسير تقطع اتفاقا لعدم وجوب الضمان وترك الثوب عليه وإنما يضمن النقصان مع القطع وكذا إذا كان الخرق فاحشا وصحح الخبازي عدم وجوبه لأنه لا يجتمع مع القطع ورجح في الفتح الضمان وقال إنه الحق لوجوب الضمان قبل الإخراج والفرق بينهما أن الفاحش ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة واليسير ما لا يفوت به شيء من المنافع بل يتعيب به وهو الصحيح وهذا فيما إذا اختار تضمين النقصان وأخذ الثوب وإن اختار تضمين القيمة وترك الثوب عليه لا يقطع اتفاقا وقيد في الدار لأنه إذا أخرجه غير مشقوق وهو يساوي نصابا ثم شقه وانتقص قيمته بالشق من النصاب فإنه يقطع قولا واحدا وقيدنا وهو يساوي بعد الشق
____________________
(2/399)
نصابا لأنه إذا شق في الدار وانتقص قيمته ثم أخرجه لم يقطع وقيدنا ما لم يكن إتلافا لأنه لو كان الشق إتلافا فله تضمين القيمة وترك الثوب عليه فلا قطع اتفاقا لأنه ملكه مستند إلى وقت الأخذ كما في البحر وغيره فعلى هذا أخل المصنف بما ذكر من هذين القيدين تأمل
لا يقطع إن سرق شاة في الدار فذبحها ثم أخرجها وإن بلغ لحمها نصابا لأن السرقة تمت على اللحم ولا قطع فيه لكن يضمن قيمتها للمسروق منه
ولو ضرب المسروق من الفضة والذهب قدر النصاب دراهم أو دنانير قطع وردها أي الدراهم المسروق منه عند الإمام وعندهما لا يردها بناء على الصنعة منه عندهما خلافا له ثم وجوب القطع لا يشكل على قوله وقيل لا يجب رد الدنانير على قولهما وقيل يجب وعلى هذا الخلاف إذا اتخذ النقد آنية أو غيرها
قيد بالنقد متقومة لأنه لو جعل الحديد والرصاص أواني فإن كان يباع عددا فهو للسارق بالإجماع وإن كان يباع وزنا فهو على اختلافهم في الذهب والفضة
ولو صبغه أي الثوب المسروق أحمر لا يؤخذ منه أي الثوب المصبوغ ولا يضمنه عند الإمام وفي التبيين لو سرق ثوبا فصبغه أحمر فقطع لا يجب عليه رده ولا ضمان له هكذا ذكره في المحيط والكافي ولفظ الهداية وإن سرق ثوبا فقطع فصبغه أحمر لم يؤخذ منه الثوب ولا يضمن بتأخير الصبغ عن القطع ولفظ محمد سرق الثوب فقطع يده وقد صبغ الثوب أحمر هذا دليل على أنه لا فرق بين
____________________
(2/400)
أن يصبغه قبل القطع أو بعده وهذا عند الشيخين انتهى
وقال المولى سعدي أنت خبير بأن عبارة الهداية ليست على ما نقله لكن قال في العناية قال في النهاية صورة المسألة سرق ثوبا فقطع فيه ثم صبغه أحمر ثم قال قول المصنف ألا ترى أنه غير مضمون إلى آخره إنما يستقيم إذا كان صورتها ما قال صاحب النهاية انتهى
فعلى هذا يمكن أن ما في التبيين أن يكون نقلا لمآل مسألة الهداية ومحصلها بشهادة قوله ألا ترى ولذا طي المصنف القطع من البين ليشعر بعدم الفرق بين أن يصبغه قبل القطع أو بعده تأمل
وعند محمد يؤخذ منه الثوب ويعطى ما زاد الصبغ فيه لأن عين ماله قائمة من كل وجه وهو أصل والصبغ تبع فصار اعتبار الأصل أولى ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى وحق المالك في الثوب قائم صورة لا معنى لزوال التقوم بالقطع فكان حق السارق أحق بالترجح
وإن صبغه أسود أخذ منه الثوب ولا يعطى شيئا وحكما على صيغة الماضي المثنى فيه أي في الأسود كحكمهما في الأحمر
وفي الهداية وغيرها وإن صبغه أسود أخذ منه في المذهبين يعني عند الطرفين وعند أبي يوسف هذا والأول سواء لأن السواد زيادة عنده كالحمرة وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة ولكنه لا يقطع حق المالك وعند الإمام السواد نقصان فلا يوجب انقطاع حق المالك انتهى
فعلى هذا في قوله وحكما كحكمهما في الأحمر كلام تأمل
باب قطع الطريق هذا بيان للسرقة الكبرى وإطلاق السرقة عليه مجاز ولذا لزم التقييد بالكبرى وسميت بالكبرى لأن ضرر قطع الطريق على أصحاب الأموال على عامة المسلمين بانقطاع الطريق ولهذا يجب إغلاظ الحد بخلاف الصغرى لكن قدمت الصغرى لكونها أكثر وقوعا من قصد قطع الطريق هذا التعليق مجاز أي قصد قطع المار عن الطريق من مسلم بيان لمن أو ذمي سواء كان حرا أو
____________________
(2/401)
عبدا فخرج الحربي المستأمن لأن في إقامة الحد عليه خلافا كائنا على مسلم أو ذمي حتى لو قطعه على مستأمن يجب الحد ويضمن المال لثبوت عصمة ماله حالا فأخذ هذا المعصوم القاطع قبله أي قبل قطع الطريق حبس لمباشرته منكرا حتى يتوب ويظهر سيما الصالحين عليه أو يموت وعند الشافعي ينفى من البلد
وإن أخذ أي قاصدا قطع الطريق مالا بعد التعزير وحصل لكل واحد من القاطعين نصاب السرقة قطع يده اليمنى ورجله اليسرى أي إن كان صحيح الأطراف فإن لم يحصل لكل واحد نصاب لم يقطع واشترط الحسن بن زياد نصابين لأنه يقطع منه طرفان
وإن قتل نفسا معصومة فقط ولم يأخذ مالا
ولو كان قتله بعصا أو حجر أي لا يشترط أن يكون القتل موجبا للقصاص من مباشرة الكل بالآلة قتل بلا قطع حدا أي سياسة لا قصاصا فلا
____________________
(2/402)
يعتبر عفو الولي تفريع على كون القتل حدا يعني لو عفا الأولياء عنه لا يلتفت إلى عفوهم بل يقتل لأنه حق الله تعالى
وإن قتل نفسا معصومة وأخذ مالا قطع يده ورجله من خلاف وقتل وصلب أو قتل فقط أو صلب فقط يعني الإمام مخير إن شاء قطع وقتل وصلب وإن شاء قتل وإن شاء صلب عند الشيخين لأن أصل التشهير بالقتل والمبالغة بالصلب فيخير فيه وهو ظاهر الرواية
وعن أبي يوسف يصلب مطلقا لأنه منصوص عليه وخالف محمد في القطع يعني قال محمد يقتل فقط أو يصلب فقط ولا يقطع وهو قول الأئمة الثلاثة لتوحد الجناية فلم يجب حدان أو للتداخل كحد سرقة ورجم فإنه يقتل ولا يقطع وكذا هذا أجيب بأنه حد واحد تغلظ لتغلظ سببه وهو تفويت الأمن على التناهي وأخذ المال فيكون قطعه وقتله حدا واحدا مغلظا لا حدين ويصلب حيا ويبعج أي يشق بطنه برمح حتى يموت
وفي الجوهرة وغيرها ثم يطعن بالرمح في ثديه الأيسر ويحرك الرمح حتى يموت به تشهيرا له واستعجالا لموته والصلب حيا ظاهر المذهب وهو الأصح وعن الطحاوي يقتل ثم يصلب وهو قول الشافعي ويترك ثلاثة أيام فقط أي لا يترك أكثر منها حذرا عن تأذي الناس بنتنه وإذا تم له ثلاثة أيام من وقت موته يخلى بينه وبين أهله ليدفنوه وعن أبي يوسف أنه يترك حتى يسقط عبرة ويرد ما أخذه من المال إلى مالكه إن كان ما أخذه باقيا وإلا أي وإن لم يكن باقيا فلا ضمان عليه كما في السرقة الصغرى
ولو باشر الفعل بعضهم حدوا كلهم بمباشرة البعض لأنه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض ناصرا للبعض حتى إذا زلت أقدامهم انضموا إليهم وإنما الشرط القتل من واحد منهم وقد تحقق وعند الشافعي حد المباشر فقط
وإن أخذ مالا وجرح قطع يده ورجله من خلاف والجرح هدر لأنه لما وجب
____________________
(2/403)
الحد سقط عصمة النفس
وإن جرح فقط أي لم يقتل ولم يأخذ مالا أو قتل فتاب قبل أن يؤخذ فلا حد أي لا قطع في الأولى ولا قتل في الثاني بل يقتص فيما فيه القصاص ويؤخذ الأرش منه فيما فيه الأرش وذلك إلى الأولياء كما في الهداية
وعن هذا قال والحق للولي إن شاء عفا وإن شاء أخذ بموجب الجناية وفيه كلام لأن مراد صاحب الهداية بقوله وذلك إلى الأولياء إما القصاص وإما أرش الجرح فللمجروح كما لا يخفى وتمامه في البحر تتبع
قيد بالقتل ليعلم حكم أخذ المال بالأولى
وفي البحر رد المال من تمام توبتهم لتقطع خصومة صاحبه ولو تاب ولم يرد المال لا يسقط الحد وقيل يسقط وفيه إشارة إلى أنه يجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلكه
وكذا أي لا يحد لو كان فيهم أي في القطاع صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليه لأن الجناية واحدة فالامتناع في حق البعض امتناع في حق الباقين وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء لظهور حق العبد وإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا عنه
وعن أبي يوسف أنه لو باشر العقلاء يحد الباقون وهو قول الأئمة الثلاثة أو قطع بعض القافلة على بعض لأن الحرز واحد فصارت القافلة كدار واحدة كما في الهداية
وقال المولى سعدي والأولى أن يقول
____________________
(2/404)
كبيت واحد لأنه قد يكون في الدار الواحدة مقاصير كما سبق انتهى
لكن فيه الكلام لأن المراد بالدار عند الإطلاق الدار التي صاحبها واحد وبيوتها مشغولة بمتاعه وخدامه وبينهم انبساط لا المقيدة بأن كانت كبيرة فيها حجرات يسكن في كل منها إنسان لا تعلق له بالحجرة التي يسكن فيها غيره على أن تشبيه القافلة بالبيت غير مناسب لأن البيت واحد بخلاف القافلة كما لا يخفى تأمل
أو قطع على البناء للمفعول الطريق ليلا أو نهارا بمصر أو بين مصرين فليس بقاطع الطريق استحسانا
وفي القياس يكون قاطع الطريق وهو قول الأئمة الثلاثة لوجوده حقيقة
وعن أبي يوسف أنهم إن قصدوا في المصر بالسلاح يجري عليهم أحكام قطاع الطريق وإن قصدوا بالحجر والخشب فإن كانوا خارج المصر فكذلك وإن كانوا بقرب منه أو في المصر وإن كان بالليل فكذلك أيضا وإن كان بالنهار لا يجري عليهم أحكام قطاع الطريق واستحسن المشايخ هذه الرواية وبه يفتى كما في أكثر الكتب نظرا لمصلحة الناس بدفع شر المتغلبة المفسدين
وفي التنوير العبد في حكم قطع الطريق كغيره وكذا المرأة في ظاهر الرواية
وفي السراجية ولو كانت فيهم امرأة فقتلت وأخذت المال دون الرجال لم تقتل المرأة وقتل الرجل هو المختار ويجوز أن يقاتل دون ماله وإن لم يبلغ نصابا ويقتل من يقاتل عليه ومن خنق في المصر غير مرة أي صار عادته قتل به أي بسبب ذلك لتكلأت لأنه ذو فتنة ساع في الأرض بالفساد ويقتل دفعا لفتنته وشره عن العباد وإلا أي وإن لم يخنق غير مرة بل خنقه مرة فكالقتل بالمثقل أي لا يقتل عند الإمام وإنما تجب الدية على العاقلة كما سيأتي في الديات إن شاء الله تعالى
____________________
(2/405)
كتاب السير لما كان المقصود من الحدود إخلاء العالم عن المعاصي ومن الجهاد إخلاؤه عن رأس المعاصي أورد السير عقيب الحدود والسير جمع سيرة بكسر الفاء من السير فتكون لبيان هيئة السير وحالته إلا أنها غلبت في الشريعة على طريقة المسلمين في
____________________
(2/406)
المعاملة مع الكافرين والباغين وغيرهما الجهاد في اللغة بذل ما في الوسع من القول والفعل
وفي الشريعة قتل الكفار ونحوه من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم وغيرهم والمراد الاجتهاد في تقوية الدين بنحو قتال الحربيين والذميين والمرتدين الذين هم أخبث الكفار للإنكار بعد الإقرار والباغين فاللام للعهد على ما هو الأصل كما في القهستاني بدءا منا نصب بدءا على الظرفية أي في بدء الأمر فرض كفاية يعني يفرض علينا أن نبدأهم بالقتال بعد بلوغ الدعوة وإن لم يقاتلونا فيجب على الإمام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين وعلى الرعية إعانته إلا إذا أخذ الخراج فإن أخذ فلم يبعث كان كل الأثم عليه وبين معنى كونه على الكفاية بقوله
إذا أقام أي انتصب به أي بالجهاد البعض أي بعض المسلمين سقط عن الكل أي باقي المسلمين إذا كان بذلك البعض كفاية وإلا فرض على الأقرب فالأقرب من العدو إلى أن تقع الكفاية فإن لم تقع الكفاية إلا بجميع الناس فحينئذ صار فرض عين كالصلاة أما الفريضة فلقوله تعالى فاقتلوا المشركين ولقوله عليه الصلاة والسلام الجهاد ماض إلى يوم القيامة أراد به فرضا باقيا وهو على الكفاية لأنه ما
____________________
(2/407)
فرض لعينه إذ هو فساد في نفسه وإنما فرض لإعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه ودفع الشر عن العباد فإذا حصل المقصود بالبعض سقط عن الباقين كصلاة الجنازة ورد السلام وإن لم يقم به أحد أثم جميع الناس بتركه لأن الوجوب على الكل ولأن في اشتغال الكل به قطع مادة الجهاد من الكراع والسلاح فيجب على الكفاية إلا أن يكون النفير عاما كما في أكثر المعتبرات
وإن تركه أي الجهاد الكل أثموا أي المكلفون به وإثمهم على تقدير تركه مطلقا لا تركهم خاصة حتى لو قام به غيرهم من العبيد والنسوان سقط الأثم عنهم كما في الإصلاح
ولا يجب أي الجهاد على صبي لأنه غير مكلف وامرأة وعبد لأنهما مشغولان بحق الزوج والمولى وحقهما مقدم على فرض الكفاية كما في أكثر المعتبرات لكن الدليل خاص لمن له الزوج والمدعى عام كما قال المولى سعدي في حاشيته ولهذا غيره القهستاني فقال لأن المرأة من قرنها إلى قدمها عورة وفي الجهاد قد ينكشف شيء من ذلك لا محالة انتهى
وفيه كلام لأنه يلزم من هذا التعليل أن لا تخرج المرأة إن هجم العدو أيضا فليس كذلك بل الحق ما في أكثر المعتبرات ودفع الاعتراض ممكن بأدنى تأمل تدبر
و أعمى ومقعد وأقطع للحرج بعجزهم وكذا لا يجب على مديون بغير إذن غريمه ولا على عالم ليس في البلدة أفقه منه
فإن هجم أي غلب العدو أي على بلد من بلاد الإسلام أو ناحية من نواحيها
وفي المغرب
____________________
(2/408)
الهجوم الإتيان بغتة والدخول من غير استئذان ففرض عين فتخرج المرأة والعبد بلا إذن الزوج والمولى لأن المقصود لا يحصل إلا بإقامة الكل فيفرض على الكل وحق الزوج والمولى لا يظهر في حق فروض الأعيان وكذا يخرج الولد بغير إذن والديه والغريم بغير إذن دائنه وإن الزوج والمولى إذا منعا أثما
وفي البحر امرأة مسلمة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها ما لم تدخل حصونهم وحرزهم قال في الذخيرة إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العدو وهم يقدرون على الجهاد فأما من وراءهم يبعد من العدو فإن كان الذين هم بقرب العدو عاجزين عن مقاومة العدو القادرين إلا أنهم لا يجاهدون لكسل بهم أو تهاون افترض على من يليهم فرض عين ثم من يليهم كذلك حتى يفترض على هذا التدريج على المسلمين كلهم شرقا وغربا انتهى
فعلى هذا لو قيد بالاستطاعة لكان أولى لأنه لا يجب على المريض المدنف ومن لا يقدر على الزاد والراحلة تأمل
وكره الجعل بضم الجيم وهو ما يضربه الإمام على الناس الذين يخرجون إلى الجهاد إن كان في بيت المال فيء بأنه يشبه الأجر على الطاعة فيكره
وفي البحر وغيره والفيء المال المأخوذ من الكفار بغير قتال كالخراج والجزية
____________________
(2/409)
وأما المأخوذ بقتال فيسمى غنيمة كما في الفتح وظاهره إذا لم يكن في بيت المال فيء وكان فيه وغيره من بقية الأنواع لا يكره الجعل ولا يخفى ما فيه فإنه لا ضرورة لجواز الاستقراض من بقية الأنواع ولذا لم يذكر الفيء في بعض المعتبرات وإنما ذكر مال بيت المال وهو الحق انتهى
لكن صرح المولى سعدي في حاشيته إن مال الغنيمة
____________________
(2/410)
الموجود في بيت المال لا يصرف إلا لمقاتلة تتبع حتى يظهر لك الحق وإلا وإن لم يوجد في بيت المال فيء فلا يكره الجعل وهو الصحيح فإن الجهاد قد يكون بالنفس وقد يكون بالمال على اختلاف الأشخاص والأحوال
وقال المولى سعدي وللإمام ذلك بشرط الضمان فإذا زالت الحاجة يرد إن كان قائما وإلا فقيمته والأولى أن يغزو المسلم بمال نفسه ثم بمال بيت المال لأنه لمصالح المسلمين
ثم شرع في كيفية القتال فقال وإذا حاصرناهم أي يحيط الإمام مع التابعين بالكفار في ديارهم أو غيرها في موضع حصين لئلا يتفرقوا ندعوهم إلى الإسلام والإيمان لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما قاتل قوما حتى دعاهم إلى الإسلام فإن أسلمو نكف عن قتالهم لحصول المقصود وإلا أي وإن لم يسلموا فإلى الجزية أي فندعوهم إلى قبول الجزية لأنه عليه الصلاة والسلام أمر هكذا إن كانوا من أهلها أي الجزية كأهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من العجم واحترز عن المرتدين ومشركي العرب وعبدة الأوثان منهم فلا ندعوهم إلى الجزية بل أمرهم دائر بين الإسلام والسيف ويبين لهم الإمام قدرها أي قدر الجزية ومتى تجب أي يبين لهم زمان أدائها لئلا يفضي إلى المنازعة فإن قبلوا الجزية فلهم ما لنا من عصمة الدماء والأموال وعليهم ما علينا من التعرض بهما أي إنا كنا نتعرض لدمائهم وأموالهم قبل قبول الجزية فبعدما قبلوها إذا تعرضنا لهم أو تعرضوا لنا يجب لهم علينا ما يجب لبعضنا على بعض عند التعرض
____________________
(2/411)
يؤيده استدلالهم عليه بقول علي رضي الله تعالى عنه إنما بذلوا الجزية ليكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا وحرم قتال من لم تبلغه الدعوة قبل أن يدعى إلى الإسلام ومن قتلهم قبل الدعوة يأثم للنهي عنه ولا يغرم بقتله لأنهم غير معصومين
وقال الشافعي يضمنون الدية وندب دعوة من بلغته الدعوة مبالغة في الإنذار وقطع الأعذار ولا يجب ذلك
وفي المحيط تقديم الدعوة إلى الإسلام كان في ابتداء الإسلام وأما بعدما انتشر يحل القتال معهم قبل الدعوة ويقوم ظهور الدعوة وشيوعها مقام دعوة كل مشرك وهذا صحيح ظاهر كما في التبيين فإن أبوا عما دعوا إليه نستعين بالله تعالى فإنه الناصر للأولياء والقاهر للأعداء فيستعان منه في كل الأمور ونقاتلهم
____________________
(2/412)
بنصب المجانيق جمع منجنيق لأنه عليه الصلاة والسلام نصبها على الطائف والتحريق بالنار أراد حرق دورهم وأمتعتهم ونحو ذلك والتغريق بإرسال المياه على دورهم وبساتينهم وأنفسهم أيضا وقطع الأشجار ولو مثمرة وإفساد الزرع ولو عند الحصاد لأن في جميع ذلك سببا لغيظهم وكسر شوكتهم وتفريق شملهم فيكون مشروعا
وفي الفتح هذا إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك فإن كان الظن أنهم مغلوبون وأن الفتح دنا كره لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها ونرميهم بالسهام
وإن وصلية تترسوا بأسارى المسلمين أي وإن اتخذوهم ترسا ونقصدهم أي الكفار دون المسلمين الذين اتخذوهم أتراسا به أي بالرمي وعند الأئمة الثلاثة لا يجوز في هذه الصورة وهو قول الحسن هنا إذا لم يعلم أنه يتلف المسلم به إلا أن يخاف انهزامنا وإن أصابوا منهم فلا دية ولا كفارة خلافا للشافعي
قيد بالتترس عند المحاربة لأن الإمام إذا فتح بلدة وفيها مسلم أو ذمي لا يحل قتل أحد منهم لاحتمال أنه ذلك المسلم أو الذمي ولو أخرج واحد من عرض الناس حل إذن قتل الباقي لجواز كون المخرج هو ذاك فصار في كون المسلم في الباقين شك بخلاف الحالة الأولى فإن كون المسلم أو الذمي فيهم معلوم بالعرض فوقع الفرق كما في الفتح
ويكره إخراج النساء والمصاحف في سرية لا يؤمن عليها أي على السرية لخوف الافتضاح والاستخفاف إن غلبوا ولا يبعد أن يراد به ذو الصحف فيشمل كتب التفسير والحديث والفقه فإنها بمنزلة المصحف كما في أكثر الكتب
وقال الطحاوي إنه كان في بدء الإسلام ثم انتسخ ذلك والأول أصح وأحوط لا
____________________
(2/413)
أي لا يكره إخراج النساء والمصاحف في عسكر يؤمن عليه أي على العسكر لأن الغالب فيه السلامة إلا أن إخراج المرأة الشابة مكروه خوفا من الفتن وقد فرق الإمام رحمه الله تعالى بينهما بأن أقل الجيش أربعمائة وأقل السرية مائتان
وقال الحسن أقله أربعة آلاف وأقلها أربعمائة كما في الخانية ولا يكره دخول مستأمن إليهم بمصحف إن كانوا يوفون العهد يعني إذا دخل مسلم إليهم بأمان فلا بأس أن يحمل معه مصحفا إذا كانوا قوما يوفون بالعهد لأن الظاهر عدم التعرض
ونهى عن الغدر بفتح المعجمة وسكون الدال وهو نقض العهد كما إذا عهد أن لا يحاربهم في زمان كذا ثم يحاربهم فيه فلو لم يعهد وخادعهم جاز لقوله عليه الصلاة والسلام الحرب خدعة ما لم يتضمن النقض والغلول بالضم وهو خيانة وسرقة من الغنيمة والمثلة بضم الميم وسكون المثلثة قطع بعض الأعضاء أو تسويد الوجه
وفي الفتح هذا بعد الظفر والنصر أما قبل ذلك فلا بأس به إذا وقع قتالا كمبارز ضرب فقطع أذنه ثم ضرب ففقئت عينه ولم ينته فضربه فقطع يده وأنفه ونحو ذلك
و نهى عن قتل امرأة أو غير مكلف كالصبي والمجنون أو شيخ فإنه لا يقدر على القتال ولا على الصياح ولا على
____________________
(2/414)
الاحتبال ولا يكون من أهل الرأي والتدبير أو أعمى أو مقعدا أو أقطع اليمنى لأن المبيح للقتل عندنا هو الحرب ولا يتحقق منهم ولهذا إلا يقتل يابس الشق والمقطوع يده ورجله من خلاف والراهب الذي لم يقاتل وأهل الكنائس الذين لا يخالطون الناس خلافا للشافعي في الشيخ والأعمى والمقعد وفيه إشعار بأنه يقتل من كانت يده مقطوعة اليسرى والأخرس والأصم ومن يجن ويفيق في حال إفاقته لأنه ممن يقاتل إلا أن يكون أحدهم قادرا على القتال أو ذا رأي في الحرب أو ذا مال يحث أي يحرض الكفار على القتال به أي بالرأي أو المال أو يكون أحدهم ملكا فحينئذ يقتل لتعدي ضرره إلى العباد وقد روي أنه عليه السلام قتل دريد بن الصمة وكان مضى عليه مائة وعشرون سنة لكونه صاحب رأي في الحرب وكذا يقتل منهم من قاتل إلا غير مكلف فإنه يقتل في القتال لا بعد الأسر والمكلف يقتل بعد الأسر
وفي البدائع ولو قتل ممن لا يحل قتله فلا شيء فيه من دية وكفارة إلا التوبة والاستغفار لأن دم الكافر لا يتقوم إلا بالأمان ولم يوجد وإذا لم يجز قتل هؤلاء فينبغي أن يؤسروا ويحملوا إلى دار
____________________
(2/415)
الإسلام إذا قدر المسلمون على ذلك ويتركوهم في دار الحرب
و نهى الابن عن قتل أب كافر لقوله تعالى فلا تقل لهما أف وفيه إشعار إلى أنه يبتدئ بقتال كل ذي رحم محرم سوى الأب وإن علا والأم وإن علت
وعن الشافعي يكره قتل ذي رحم ولو كان غير محرم كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا لو قال وعن قتل أصله الكافر لكان أشمل تأمل
بل يأبى الابن منه ليقتله بالنصب أي لأن يقتله غيره لأن المقصود يحصل من غير اقتحام الآثم فإذا أدركه في الصف يشغله بالمجادلة بأن يوقب فرسه أو يطرحه من فرسه ويلجئه إلى مكان ولا ينبغي أن ينصرف إلى مكان ويتركه لأنه يصير حربا علينا إلا إن قصد الأب قتله ولا يمكنه دفعه إلا بالقتل فحينئذ لا بأس في قتله لأن مقصوده الدفع ألا يرى لو شهر الأب المسلم سيفه على ابنه ولا يمكن دفعه إلا بقتله يقتله فكذا هنا
ويجوز للإمام صلحهم إن كان الصلح مصلحة لنا كما إذا نزل ببعض حصونهم ولم يكن للمسلمين قوة فلا بأس بالصلح على ترك الجهاد مدة معينة أي مدة كانت معهم لأن هذا جهاد معنى فإن كان بهم قوة لا ينبغي أن يصالح لما فيه من ترك الجهاد صورة ومعنى أو تأخيره ويجوز أخذ مال لأجله أي لأجل الصلح إن كان لنا به أي بأخذ المال حاجة فلا يصالح عند عدم الحاجة وهو أي المال الذي يؤخذ منهم بالصلح كالجزية أي يصرف في مصارف الجزية إن كان قبل النزول بساحتهم بأن أرسل إليهم رسولا فكان كالجزية فلا يخمس وكالفيء أي الغنيمة لو كان بعده أي بعد النزول بساحتهم لأنه يكون مأخوذا بالقهر فيخمس ثم يقسم الباقي ودفع المال ليصالحوا لا يجوز لما فيه من إعطاء الدنية ولحوق المذلة إلا لخوف الهلاك لأن دفعه بأي طريق أمكن واجب كما في أكثر الكتب
____________________
(2/416)
وفي الفتح وهو تساهل فإنه لا يجب دفع الهلاك بإجراء كلمة الكفر ويقتل غيره لو أكره عليه بقتل نفسه بل يصير للقتل فلا يقتل غيره ويصالح المرتدون إذا غلبوا على بلدة وصار دارهم دار الحرب وإلا لا يجوز مصالحتهم كما في أكثر الكتب فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يقيد بهذا القيد وهو مما لا ينبغي الإخلال به تدبر
بدون أخذ مال منهم وإنما يصالحهم لينظر في أمورهم لأن الإسلام مرجو منهم فجاز تأخير قتالهم طمعا في الإسلام ولا نأخذ عليه مالا فإنه كالجزية عليهم ولأن في ذلك تقريرا على الارتداد كما في أكثر المعتبرات قال المولى سعدي وفيه بحث فإن الموادئة تكون بزمان معين فلو أخذ منهم مال مقدر إلى ذلك الزمان كيف يكون تقريرا لهم عليه انتهى
لكن يمكن الجواب بأن أخذ المال سبب أمن خطرهم فلا يرجى الإسلام إلى هذا الزمام فيلزم التقرير من وجه خصوصا في الزمان الممتد على أنه يكون الزمان
قيد بالمال لا بمجرد الصلح تأمل
وإن أخذ المال منهم غلطا أو خطأ بطريق الصلح لا يرد إليهم لأنه مال غير معصوم وأشار إلى أنه يجوز الصلح مع أهل البغي بالأولى ولا يؤخذ منهم شيء ثم إن ترجح النبذ يعني لو صالحهم الإمام ثم رأى النبذ أي نقض العهد أنفع نبذ أي ينقض مرسلا خبر النقض إليهم لأنه عليه الصلاة والسلام نبذ الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة ولا بد من اشتراط علم ملك الكفار بالنقض أو مدة يبلغ الخبر إلى ملكهم تحرزا عن الغدر المنهي عنه
ومن بدأ منهم بخيانة
____________________
(2/417)
قوتل فقط وإن كان باتفاقهم أو بإذن ملكهم قوتل الجميع بلا نبذ لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه بخلاف ما إذا دخل جماعة منهم فقطعوا الطريق ولا منعة لهم حيث لا يكون هذا نقضا للعهد ولو كانت لهم منعة وقاتلوا المسلمين علانية يكون نقضا للعهد في حقهم دون غيرهم لأنه بغير إذن ملكهم ففعلهم لا يلزم غيرهم حتى لو كان بإذن ملكهم صاروا ناقضين للعهد لأنه باتفاقهم معنى كما في الهداية
ولا يباع أي يكره كراهة التحريم أن يملك بوجه كالهبة منهم سلاح أي مما استعمل للقتل ولو صغيرا ولا خيل ولا حديد لئلا يتقوى به الكفار ولا يبلغ ما في حكمه من الحرير والديباج فإن تمليكه مكروه فلا بأس بتمليك الثياب والطعام
ولو كان البيع
____________________
(2/418)
بعد الصلح لأنه قد ينبذ ولا يجهز إليهم أي لا يبعث التجار إليهم بالجهاز والمراد هاهنا السلاح وغيره فيكون معنى الكلام ولا يباع منهم سلاح ولا خيل ولا حديد ولا يحملها التجار أيضا إليهم
صح أمان حر أو حرة كافرا أو جماعة أو أهل حصن أي صح من الحر والحرة المسلمين أن يزيل الخوف عن كافر أو أكثر ولو أهل بلد أو حصن بأي لسان كان وحرم قتلهم والصواب فحرم بالفاء التفريعية والأصل فيه قوله عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم أي يتماثل في القصاص والديات ويسعى بذمتهم أدناهم أي يعطي الأمان أقلهم وهو الواحد فإن كان فيه أي في الأمان ضرر نبذ إليهم أي نقض الأمان ذلك والأمان رعاية لمصالح المسلمين أعلمهم بذلك وأدب أي أدب الإمام ذلك المؤمن هذا إذا علم أن ذلك منهي شرعا فإن
____________________
(2/419)
لم يعلم ذلك لم يؤدب واعتبر جهله عذرا في دفع العقوبة ولغا أمان ذمي المستعين للمسلمين لأنه منهم أو أسير أو تاجر عندهم أي عند الكفار لأنهما مقهوران تحت أيديهم فلا يخافونهم والأمان يختص بمحل الخوف
وكذا أمان من أسلم ثمة ولم يهاجر إلينا للتهمة وكذا لو دخل مسلم في عسكر أهل الحرب في دار الإسلام وأمنهم لا يصح أمانه لأنه مقهور بمنعتهم أو مجنون لأنه لا يعقل فلا يصح أمانه أو صبي عاقل ولو مراهقا أو عبد غير مأذونين بالقتال لأن كل واحد منهما محجور عن القتال فلا يصح أمانه بخلاف المأذون في القتال هذا عند الإمام وعند محمد يجوز أمانهما أي أمان الصبي العاقل والعبد المحجورين عن القتال وهو قول الأئمة الثلاثة لقوله عليه الصلاة والسلام أمان عبد أمان أبو يوسف معه أي مع محمد في رواية الكرخي ومع الإمام في رواية الطحاوي
____________________
(2/420)
باب الغنائم وقسمتها أي في بيان أحكام الغنائم وقسمتها والغنائم جمع غنيمة وهي اسم لمال مأخوذ من الكفرة بالقهر والغلبة والحرب قائمة وحكمها أن يخمس والباقي بعد الخمس للغانمين خاصة ما فتح الإمام من البلاد أو الأراضي عنوة أي قهرا كما في الهداية وانتصابها على التمييز
وفي الكفاية العنوة الذل والخضوع والقهر ليس بتفسير لها لغة لأن عنا لازم وقهر متعد بل بطريق المجاز لأن من الذلة يلزم القهر فهو مخير فيه إن شاء قسمه أي المفتوح القابل للقسمة بين المسلمين أي الفاتحين كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بخيبر فحينئذ يكون نفس البلاد عشرية وفيه إشعار بأنه يسترق نساؤهم وذراريهم كما في القهستاني أو أقر أهله عليه أي إن شاء من عليهم بتمليك
____________________
(2/421)
الرقاب والنساء والذراري والأموال هذا في العقار وأما في المنقول فلا يجوز به المن عليهم ثم إذا من عليهم بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقول ما لا بد لهم منه ليخرج عن حد الكراهة فإنه إذا من عليهم برقابهم وأراضيهم وقسم سائر الأموال جاز ويكره وإن قسم سائر الأراضي والرقاب لم يجز ووضع جزية عليهم أي على رءوس البلدة
و وضع الخراج على أراضيهم كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه بسواد العراق بموافقة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم يحمد من خالفه وفي كل ذلك قدوة فيتخير قالوا الأولى هو الأول عند حاجة الغانمين والثاني عند عدمها ليكون عدة لهم في الزمان الثاني
وقال الشافعي لا يجوز المن في العقار لتضمنه إبطال حق الغانمين والحجة عليه ما رويناه
و الإمام في حق أهل ما فتح عنوة أيضا مخير إن شاء قتل الأسرى الذين يأخذهم من المقاتلين سواء كانوا من العرب أو العجم لأنه عليه الصلاة والسلام قتلهم ولأن فيه حسم مادة الشرك
وفي القهستاني لا يقتل النساء والذراري بل يسترقون لمنفعة المسلمين أو استرقهم توفيرا للمنفعة على المسلمين أو تركهم أحرارا إلا مشركي العرب والمرتدين إذ لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف حال كونهم ذمة للمسلمين أي حقا واجبا للمسلمين عليهم من الجزية والخراج فإن الذمة حق العهد والأمان ولذا سموا بأهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم وقد ظن أن المعنى ليكونوا أهل ذمة لنا كما في القهستاني وإسلامهم لا يمنع استرقاقهم ما لم يكن الإسلام قبل الأخذ لانعقاد سبب الملك قبل الإسلام وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز قتلهم أو وضع الجزية عليهم بعد إسلامهم إلا الاسترقاق فإن أسلموا قبل الأخذ لا يجوز استرقاقهم لأنه لم ينعقد سبب الملك ولا يجوز ردهم إلى دارهم أي إلى دار الحرب لما فيه من تقوية الكفار ولا المن أي لا يجوز أن يترك الكافر الأسير بلا أخذ شيء منه خلافا للشافعي
وفي الفتح هو أن يطلقهم إلى دار الحرب بغير شيء
وفي الغاية والنهاية هو الإنعام عليهم بأن يتركهم مجانا بدون
____________________
(2/422)
إجراء الأحكام عليهم من القتل والاسترقاق أو تركهم ذمة للمسلمين انتهى
لكن ما في الفتح لا يصح في الكلام المختصر لأنه هو عين قوله ولا يجوز ردهم إلى دار الحرب كما في البحر
ولا يجوز الفداء بالمال هذا على المشهور من المذهب لأن آية السيف نسخت المفاداة وقيل لا بأس به أي بالفداء بأخذ المال عند الحاجة إليه أي إلى أخذ المال وهو قول محمد في السير الكبير استدلالا بأسارى بدر ويجوز الفداء بالأسارى أي بأسارى المسلمين عندهما تخليصا للمسلم وهو قول الشافعي ولا يجوز عند الإمام لأن في المفاداة تكثير سواد الكفرة وفي الترك رجاء إسلامهم قال الإسبيجابي والصحيح قول الإمام واعتمده النسفي وغيره قال في التبيين
وعن الإمام أنه لا بأس بأن يفادي بهم أسارى المسلمين وهو قول محمد ثم قال وذكر في السير الكبير أن هذا هو أظهر الروايتين عن الإمام وقال أبو يوسف يجوز ذلك قبل القسمة لا بعدها انتهى
فعلى هذا قوله ويجوز بالأسارى عندهما محل تأمل إلا أنه يحمل على الروايتين واختار أحدهما تدبر
وفي أكثر المعتبرات ولو أسلم الأسير لا يفادى بمسلم أسير إلا إذا طابت به نفسه وهو مأمون على إسلامه
وتذبح مواش جمع ماشية وهي الإبل والبقر والغنم ولا تترك خلافا للشافعي شق نقلها أي إذا أراد الإمام العود
____________________
(2/423)
ومعه مواش ولم يقدر على نقلها إلى دار الإسلام ذبحها وتحرق قطعا ولا تعقر خلافا لمالك لهما قوله عليه السلام لا تذبحن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة ولنا إن في الترك تقوية لهم وفي العقر تعذيبا ومثلة والذبح للمصلحة جائز وإلحاق الغيظ بهم من أقوى المصالح وهو مندوب بالنص وإنما تحرق لئلا تنتفع بها الكفار كلا ولا تحرق قبل الذبح لأنه لا يعذب بالنار إلا ربها
قيد بالمواشي احترازا عن النساء والصبيان اللاتي يشق إخراجها فإنها تترك في أرض خربة حتى يموتوا جوعا وعطشا كما في البحر ويحرق سلاح شق نقله وما لا يحرق منها كالحديد يدفن في موضع لا يقف عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم
وفي التنوير وجد المسلمون حية أو عقربا في رحالهم ثمة ينزعون ذنب العقرب وأنياب الحية بلا قتل لهما دفعا لضررهما عن المسلمين ما داموا في دار الحرب وإبقاء لنسلهما
ولا تقسم غنيمة في دار الحرب وهو مشهور من مذهب أصحابنا لأنهم لا يملكونها قبل الإحراز
وعن أبي يوسف الأحب أن يقسم وقيل يكره كراهة تحريم عندهما وكراهة تنزيهية عند محمد والحاصل أن القاسم إن كان هو الإمام أو كانت القسمة عن اجتهاد فالخلاف في الكراهة وإلا ففي النفاذ وعند الشافعي يملكونها بعد استقرار الهزيمة وتبنى على هذا مسائل كثيرة منها إذا أتلف واحد شيئا من الغنيمة في دار الحرب لا يضمن عندنا خلافا له ومنها لو مات واحد من الغانمين ثمة لا يورث نصيبه عندنا خلافا له ومنها لو قسم الإمام الغنيمة لا عن اجتهاد ولا لحاجة الغزاة لا يصح عندنا خلافا له ومنها لو وطئ واحد من الغزاة أمة من السبي فولدت لا يثبت نسبه عندنا بل الأمة والولد والعقر للغزاة يقسمونها كما في أكثر المعتبرات لكن
____________________
(2/424)
في الكافي نفي لزوم العقر بوطئها تتبع إلا للإيداع أي قسمة إيداع بأن لم يمكن للإمام ما يحمل الغنيمة فأودعها الغانمين ليخرجوها إلى دار الإسلام بأجر المثل ثم يقسمها ولا يجبرهم على ذلك في رواية السير الصغير
وفي الكبير أجبرهم على ذلك لأنه دفع ضرر عام بتحميل ضرر خاص ثم ترد ولا تباع قبل القسمة لعدم ثبوت الملك قبل الإحراز وبعده نصيبه مجهول جهالة فاحشة فلا يمكنه أن يمنعه خلافا للشافعي والمقاتل والردء بكسر الراء وسكون الدال معين المقاتلين بالخدمة وقيل هم المقاتلة بعد المقاتلين ويقرب منهم وهو في الأصل الناصر سواء في استحقاق الغنيمة لتحقق المشاركة في السبب وهو المجاوزة عندنا وشهود الوقعة عند الشافعي فعلى هذا إذا لم يقاتل لمرض أو غيره لا يستوي عنده
وكذا مدد وهو الذي يرسل إلى الجيش ليزدادوا وفي الأصل ما يزاد به الشيء ويكثر لحقهم أي العسكر في دار الحرب ولو
____________________
(2/425)
بعد القتال قبل إحرازها أي الغنيمة بدارنا يعني يشارك المدد بهم في الغنيمة
وقال الشافعي لا يشاركونهم بعد القتال وفيه إشارة إلى أنه لو فتح الإمام مع العسكر بلدا من بلدانهم أو أحرز المغنم بدارنا أو قسم في دارهم عن اجتهاد أو باع فيها ثم لحقهم مدد لم يشاركهم ولي أنه لو قاتلهم في دارنا كانت للمقاتل والمستعين لا المدد الذي لحقه بعد القتال
ولا حق فيها أي في الغنيمة لسوقي لم يقاتل لأنه تاجر فإن قاتل فكالمقاتل وعند الشافعي في قول يسهم لهم
ولا حق فيها لمن مات قبل القسمة أو بيع في دار الحرب قبل الإحراز بدارنا ولو بعد الإحراز يورث نصيبه ولو قبل القسمة لتحقق سبب الملك بعده خلافا للشافعي
وفي البحر وصرحوا في كتاب الوقف أن معلوم المستحق لا يورث بعده على أحد القولين وفي قول يورث ولم أر ترجيحا وينبغي أن يفصل فإن مات بعد خروج الغلة وإحراز النواظر لها قبل القسمة يورث نصيب المستحق لتأكد الحق فيه فإن الغنيمة بعد الإحراز بدارنا يتأكد فيها للغانمين ولا ملك لواحد بعينه في شيء قبل القسمة مع أن النصيب يورث فكذا في الوظيفة وإن مات قبل الإحراز وهو في يد المتولي لا يورث نصيبه سواء مات في نصف السنة أو في آخرها وقيدنا بقبل القسمة أو بيع لأنه إذا مات بعد القسمة أو البيع ثمة فإنه يورث نصيبه كما في التتارخانية فعلى هذا لو قيده لكان أولى تدبر
وينتفع على صيغة المبني للمفعول أي وينتفع الغانم منها فلا ينتفع التاجر والداخل بخدمة الجندي بأجر إلا أن يكون خبز الحنطة أو طبخ اللحم فلا بأس به لأنه ملكه بالاستهلاك ولو فعلوا لا ضمان عليهم فيها أي الغنيمة في دار الحرب بلا قسمة بالسلاح والركوب واللبس إن احتيج أي إن احتاج إلى السلاح بأن لم يجد سلاحا آخر أو إلى دابة الغنيمة أو ثوبها بأن
____________________
(2/426)
لم يجد دابة أخرى أو ثوبا آخر يجوز استعمال سلاحها وركوب دابتها ولبس ثوبها وإلا لا
و ينتفع بالعلف والحطب والدهن والطيب مطلقا أي سواء وجد الاحتياج أو لا
وفي الكافي وغيره ولا بأس بأن يعلف العسكر دوابهم في دار الحرب ويأكلوا ما وجدوا من الطعام كالخبز واللحم وما يستعمل فيه كالسمن والزيت ويستعملوا الحطب
وفي بعض النسخ الطيب والدهن ويدهنوا بالدهن ويوقحوا به الدابة لأن الحاجة
تمس إليها ويجوز للغني والفقير وكل ذلك بلا قسمة ثم شرط الحاجة في السير الصغير حتى لو كان بلا حاجة كما في الثياب والدواب لا ولم يشترطها في السير الكبير وهو الاستحسان وبه قالت الأئمة الثلاثة
وعن هذا قال وقيل إن احتيج ينتفع بالأشياء المذكورة والأوجه الاستحسان لقوله عليه الصلاة والسلام في طعام خيبر كلوها واعلفوها ولا تحملوها ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة وهو كونه في دار الحرب بخلاف السلاح والدواب لا يستصحبهما فلم يوجد دليل الحاجة كما في أكثر المعتبرات وفيه جواز الانتفاع بما ذكر في الظهيرية بما إذا لم ينههم الإمام عن الانتفاع بالمأكول والمشروب وإما إذا نهاهم عنه فلا يباح لهم الانتفاع به انتهى
لكن ينبغي أن يقيد بما إذا لم يكن حاجتهم إليه وإلا لا يعمل نهيه كما في البحر لا ينتفع بالبيع أصلا لانعدام الملك قبل الإحراز ولا التمول أي اتخاذ الغنيمة مالا بنفسه
وفي العناية لا يجوز أن يبيعوا بالذهب والفضة ولا يتمولونه أي يبيعونه بالعروض ولا ينتفع بعد الخروج من دار الحرب قبل القسمة بل يرد ما فضل مما كان ينتفع به من العلف وغيره إلى الغنيمة لزوال حاجته وكلمة بل هنا للترقي أي لا ينتفع بها بعد الخروج إلى دار الإسلام بل عليه أن يرد ما فضل إلى الغنيمة
وإن انتفع به أي بما فضل بعد الخروج رد قيمته إلى الغنيمة وعن الشافعي لا يرد كالمتلصص
وإن قسمت الغنيمة قبل الرد أي قبل رد ما فضل تصدق به إن قائما وبقيمته إن هالكا على الفقراء لو كان غنيا وينتفع إن كان فقيرا ومن أسلم منهم أي من الحربي ثمة قبل أخذه أي أخذ الغزاة إياه أحرز نفسه وطفله لأنه صار مسلما تبعا فلا يجوز قتلهم
____________________
(2/427)
واسترقاقهم
و أحرز كل ما أي من المنقول هو معه لسبق يده الحقيقية عليه أو وديعة عند مسلم أو ذمي لأنه في يده حكما
وفي البحر ولو أسلم بعدما أخذ أولاده الصغار وماله ولم يؤخذ هو حتى لو أسلم أحرز بإسلامه نفسه فقط وعقاره فيء عندنا
وقال الشافعي هو له لأنه في يده كالمنقول ولنا أن العقار ليس في يده حقيقة لأن الدار في يد أهل الدار وسلطانها وقيل فيه أي في العقار خلافا لمحمد وأبي يوسف في قوله الأول قال بعضهم هذا قول الإمام وقول أبي يوسف الآخر
وفي قول محمد وقول أبي يوسف الأول العقار كغيره من الأموال وولده مبتدأ خبره قوله الآتي فيء الكبير لأنه كافر حربي ولا يتبعه وزوجته لأنها كافرة حربية لا تتبعه وحملها لأنه جزؤها فيسترق برقها خلافا للشافعي وعبده المقاتل لأنه لقتاله صار متمردا على مولاه وملحقا بأهل الدار وكذا أمته المقاتلة ولو كانت حبلى فهي والجنين فيء كما في البحر وفيه إشارة إلى أن من لم يقاتل ليس بفيء وماله مع حربي بغصب أو وديعة فيء لأن يده ليست بمحترمة
____________________
(2/428)
فيكون فيئا في ظاهر الرواية
وكذا ماله مع مسلم أو ذمي بغصب عند الإمام لأن يده ليست كيد المالك فيكون فيئا خلافا لهما لأن المال تابع للنفس وقد صارت معصومة
____________________
(2/429)
بالإسلام وقيل أبو يوسف في هذا مع الإمام وحاصله أن هذا يكون فيئا عند الإمام فقط خلافا لهما في رواية
وفي رواية أخرى أن هذا يكون فيئا عند الشيخين خلافا لمحمد
قيد بالحربي إذا أسلم لأن المسلم أو الذمي إذا دخل دار الحرب بأمان فأصاب مالا ثم ظهرنا على الدار فحكمه حكم من أسلم في دارهم في جميع ما ذكرنا إلا في حق مال في يد حربي في رواية أبي سليمان وهو الأصح لأن العصمة كانت ثابتة لهذا المال تبعا للمالك فلا يزول
وفي رواية أبي حفص يكون فيئا ولو أغاروا عليها ولم يظهروا فكذلك الحكم عند الإمام يصير جميع ماله فيئا إلا نفسه وأولاده الصغار عند محمد
____________________
(2/430)
431 فصل في كيفية القسمة أفردها المصنف بفصل على حدة لكثرة شعبها والقسمة جعل نصيب شائع في محل معين وتقسم الغنيمة أي يجب على الإمام أن يقسم الغنيمة ويخرج خمسها أولا لقوله تعالى فأن لله خمسه ويقسم الأربعة الأخماس على الغانمين للنصوص الواردة وعليه الإجماع
وعن هذا قال للراجل أي من لا فرس معه سواء كان معه بعير أو بغل أو لم يكن سهم وللفارس سهمان عند الإمام وزفر وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة والليث وأبي ثور وأكثر أهل العلم للفارس ثلاثة أسهم له سهم ولفرسه سهمان لما روي عن النبي عليه السلام أسهم للفارس ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وله ما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أسهم للفارس سهمين له وسهما لفرسه فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم للفارس سهمان وللراجل سهم ولا يسهم لأكثر من فرس واحد عند
____________________
(2/431)
الطرفين عند أبي يوسف يسهم لفرسين لأنه عليه الصلاة والسلام أسهم زبيرا خمسة أسهم ولهما أنه عليه الصلاة والسلام ولم يسهم يوم خيبر لصاحب الأفراس إلا لفرس واحد وما رواه محمول على التنفيل كما أعطى سلمة بن الأكوع سهمين وهو راجل والبراذين جمع البرذون وهو خيل العجم كالعتاق بكسر العين جمع عتيق وهو فرس جواد وإنما استويا لأن إرهاب العدو يضاف إلى جنس الخيل وهو شامل للبراذين والعراب والهجين والمقرف ولأن في البرذون قوة الحمل والصبر وفي العتيق قوة الطلب والسفر فكل منهما جنس المنفعة
ولا يسهم لراحلة وهي التي يحمل عليها الحمل ولا بغل لأنه لا يقاتل عليها ولا تصلح للطلب والهرب والعبرة لكونه فارسا أو راجلا عند المجاوزة أي مجاوزة مدخل دار الحرب لا شهود الوقعة عندنا خلافا للأئمة الثلاثة فينبغي للإمام أو نائبه أن يعرض الجيش عند دخوله دار الحرب ليعلم الفارس من الراجل حتى يقسم الغنائم بينهم بقدر استحقاقهم فمن جاوز مدخل دار الحرب هذا تفريع لمذهبنا راجلا فاشترى فرسا بعد المجاوزة وشهد الوقعة فله سهم راجل وروى ابن المبارك عن الإمام أن له سهم الفارس ومن جاوز فارسا فنفق أي هلك فرسه فشهد الوقعة راجلا فله سهم فارس وهذا عند الأئمة الثلاثة يعتبر كونه فارسا أو راجلا حال انقضاء الحرب لأنه سبب الاستحقاق
____________________
(2/432)
إما المجاوزة فوسيلة إلى السبب فلا يعتبر كالخروج من البيت ولنا أن المجاوزة أقوى الجهاد لأن الإرهاب بها يلحقهم ولهذا يحتاج إلى شوكة وجيش عظيم والجهاد يكون بالإرهاب كما يكون بالقتل هذا في عدم المضايق أما لو دخل فارسا وقاتل راجلا لضيق المكان استحق سهم الفارس بالاتفاق وكذا لو كان في السفينة لتهيئته للقتال فارسا وهو كالمباشر
ولو باعه أي الفرس بعد المجاوزة قبل القتال أو حال القتال على الأصح أما لو باعه بعد الفراغ من القتال لم يسقط سهم الفرسان أو وهبه أو آجره أو رهنه فسهم راجل في ظاهر الرواية لأن الإقدام على هذه التصرفات يدل على أنه لم يقصد بالمجاوزة القتال فارسا إلا إذا باعه مكرها وعن الإمام إنه فارس للمجاوزة
وفي المنح لو غصب فرسه منه قبل الدخول فدخل راجلا ثم استردده فيها فله سهم فارس وكذا لو ركب عليه غيره ودخل دار الحرب أو نفر الفرس فاتبعه ودخل راجلا وكذا إذا ضل منه ودخل راجلا ثم وجده فيها لا يحرم من سهم الفارس ولو وهبها ودخل راجلا ودخل الموهوب له فارسا ثم رجع فيها استحق الموهوب له في الغنيمة سهم الفارس فيما أصابه قبل الرجوع وسهم الراجل فيما أصابه بعده والراجع راجل مطلقا
وكذا لو كان الفرس مريضا أو مهرا لا يقاتل عليه لأنه لا يقصد به القتال إلا إذا زال المرض
____________________
(2/433)
وصار بحال يقاتل عليه قبل الغنيمة فإنه يسهم استحسانا وكذا من كان فرسه مريضا بعد المجاوزة بخلاف ما إذا أطال المكث في دار الحرب حتى بلغ المهر وصار صالحا للركوب فقاتل عليه لا يستحق سهم الفرسان
ولا يسهم لمملوك لأنه مشغول بخدمة سيده فيمنعه من الخروج إلى الجهاد أو مكاتب لأنه كالعبد إذ الرق قائم وتوهم عجزه ثابت فيمنعه من الخروج إليه أو صبي أو امرأة لأنهما عاجزان عن القتال ولهذا لا يلحقهما فرض الخروج أو ذمي لأنه ليس بأهل للجهاد وكلمة أو في قوله أو مكاتب إلى هنا غير مناسب بل الأولى الواو بل يرضخ بالضاد والخاء المعجمتين أي يعطي شيئا قليلا من أربعة الأخماس لهم بحسب ما يرى الإمام تحريضا على القتال وانحطاطا لرتبتهم إن قاتلوا أو داوت المرأة الجرحى أو دل الذمي على عوراتهم أي مستوراتهم والواو في ودل بمعنى أو وإلا يلزم أن لا ترضخ له إن دل على عوراتهم فقط أو على الطريق فقط فليس كذلك تدبر
وعلى الطريق فلا يرضخ العبد إذا لم يقاتل لأنه دخل لخدمة المولى فصار كالتاجر إلا أن يكون مأذونا بالقتال وقاتل فينبغي أن يكون له السهم الكامل وكذا الصبي لأنه مفرض بأن يكون له قدرة عليه والمرأة يرضخ لها إذا كانت تداوي الجرحى وتقوم على المرضى لأنها عاجزة عن القتال فتقوم إعانتها مقام القتال بخلاف العبد لأنه قادر عليه والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل لأن فيه منفعة للمسلمين ولا يبلغ بالرضخ السهم إلا في الذمي إذا دل لأنه فيها منفعة عظيمة ولا يبلغ السهم إذا قاتل كما في أكثر المعتبرات لكن فيه كلام لأنه لا وجه لتخصيص حكم الدلالة بالذمي لأن العبد وغيره أيضا إذا دل يعطى له أجرة الدلالة بالغا ما بلغ إلا أن يقال ذكر الذمي اتفاقي تأمل
وفيه إشعار إلى أنه يجوز الاستعانة بالكافر على القتال إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما في البحر
والخمس من الغنيمة يكون لليتامى والمساكين
____________________
(2/434)
وابن السبيل أي يقسم الخمس على ثلاثة أسهم سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل وتدخل فقراء ذوي القربى فيهم فيصرف إلى جميعهم أو بعضهم كما في النتف وغيره ويقدم منهم ذوو القربى الفقراء أي أقرباء النبي عليه الصلاة والسلام من بني المطلب وبني هاشم دون بني نوفل وعبد شمس فيقدم اليتيم منهم على اليتيم من غيرهم والمساكين على المساكين وابن السبيل على ابن السبيل ولا حق فيه أي في الخمس لأغنيائهم أي لأغنيائهم ذوي ا
____________________
(2/435)
لقربى عندنا فبقي لهم خمس الخمس يستوي فيه فقيرهم وغنيهم للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى ولذي القربى مطلقا من غير فصل ولنا إن الخلفاء الراشدين قسموها على الثلاثة على نحو ما ذكرنا وكفى بهم قدوة
وقال عليه الصلاة والسلام يا معشر بني هاشم إن الله كره لكم غسالة الناس وأوساخهم وعوضكم بخمس الخمس من الغنيمة والعوض إنما ثبت في حق من ثبت في حقه المعوض وهم الفقراء والنبي عليه الصلاة والسلام أعطاهم للنصرة ألا ترى أنه علل فقال إنهم لم يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام وشبك بين أصابعه وبهذا تبين أن المراد بالنص قرب النصرة لا قرب القرابة هكذا قول الكرخي وقال الطحاوي فقيرهم أيضا محروم
وفي الحاوي القدسي وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف لذوي القربى واليتامى وابن السبيل وبه نأخذ وقال صاحب البحر هذا يقتضي أن الفتوى على الصرف إلى الأقرباء الأغنياء فليحفظ و ذكره تعالى حيث قال فإن لله خمسه
____________________
(2/436)
للتبرك كما قال عامة أصحابنا
وقال بعض أصحابنا أنه لعمارة البيت الحرام إن كانت القسمة بقربه وإلى عمارة الجوامع في كل بلدة هي في القرب من موضع القسمة وسهم النبي عليه السلام سقط بموته لأنه كان يستحقه بالرسالة ولا رسول بعده
وقال الشافعي يصرف إلى الخليفة والحجة عليه ما قدمنا كالصفي أي كسقوط الصفي بفتح الصاد وكسر الفاء وتشديد الياء هو شيء نفيس كان يصطفيه لنفسه النفيسة من الغنيمة كدرع أو سيف أو فرس أو أمة
وإن دخل دار الحرب من لا منعة له بلا إذن الإمام لا يخمس ما أخذوا يعني إن دخل دار الحرب واحد واثنان أو ثلاثة مغيرين بلا إذن الإمام لا يخمس لأن أخذهم حينئذ يكون اختلاسا وسرقا لا قهرا وغلبة
وإن كان الدخول بإذنه أي الإمام أو لهم أي للداخلين منعة وإن لم يأذن الإمام خمس ما أخذوا منهم لأنه مأخوذ على وجه الغلبة والقهر لا الاختلاس والسرقة فكان غنيمة هذا في المنعة ظاهر أما في الإذن فالمشهور أنه يخمس لأنه لما أذن الإمام فقد التزم نصرتهم بالإمداد فصار كالمنعة كما في أكثر المعتبرات لكن في المضمرات أنه لو أغار ثلاثة أو أقل لا يخمس في ظاهر الرواية
وعن محمد أنه لم يخمس إلا إذا بلغوا تسعة وللإمام أي
____________________
(2/437)
ندب للإمام أن ينفل والتنفيل إعطاء الغزاة شيئا زائدا على سهمهم حثا على القتال قبل إحراز الغنيمة وقبل أن تضع الحرب أوزارها أي الانتهاء وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع وقيل آثامها والمعنى حتى تضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم وهو كناية عن انقضاء الحرب وهذا اقتباس من القرآن فيقول الإمام هذا تفسير للتنفيل
من قتل قتيلا أي مقتولا باعتبار ما يئول إليه فله سلبه أو يقول من أصاب شيئا فله ربعه مثلا أو يقول لسرية جعلت لكم الربع بعد ما رفع الخمس
وفي التبيين قوله بعد الخمس ليس على سبيل الشرط ظاهرا لأنه لو نفل بربع الكل جاز وإنما وقع ذلك اتفاقا ألا يرى أنه لو نفل السرية بالكلية جاز فهذا أولى
وفي التنوير ويستحق الإمام لو قال من قتل قتيلا فله سلبه إذا قتل هو استحسان بخلاف من قتلته أنا فلي سلبه للتهمة إلا إذا عمم بعده كما في البحر ولو خاطب واحدا فقتل المخاطب رجلين فله سلب الأول خاصة إلا إذا قتلهما معا فله سلب واحد والخيار في تعيينه للقاتل لا للإمام ولو على العموم فقتل رجل اثنين فأكثر فاستحق سلبهما ثم استحقاق السلب إذا كان القتيل مباح الدم فلا يستحقه بقتل النساء وغير المكلفين إلا إذا قاتل صبي فقتله استحق سلبه ويستحقه بقتل المريض والأجير منهم والتاجر في عسكرهم والذمي الذي نقض العهد وخرج إليهم كما يستحق السلب من يستحق السهم أو الرضخ فشمل الذمي والتاجر والمرأة والعبد
ولا ينفل
____________________
(2/438)
أي لا ينبغي للإمام أن ينفل بكل المأخوذ بأن يقول للعسكر كل ما أخذتم فهو لكم بالسوية بعد الخمس أو للسرية لم يجز لأن فيه إبطال السهمين اللذين أوجبهما الشرع إذ فيه تسوية الفارس بالراجل وكذا لو قال ما أصبتهم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس لأن فيه إبطال الخمس الثابت بالنص كما في أكثر المعتبرات لكن في الفتح كلام
____________________
(2/439)
فليطالع
وفي الهداية وإن فعله مع السرية أي قال ما أصبتم فلكم جاز لأن التصرف إليه وقد تكون المصلحة فيه ولا بعد الإحراز أي لا ينفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام لأن حق الغير تأكد فيه بالإحراز وكذا لا ينفل يوم الفتح إذ فيه إبطال حق الغير إلا من الخمس أي يجوز التنفيل بعد الإحراز من الخمس إلا للغني لأن الخمس للمحتاج كما في القهستاني وغيره لكن قال في البحر تصريح بأنه تنفيل يدل على جوازه للغني تتبع والسلب بفتحتين بمعنى المسلوب ما ينزع من الإنسان وغيره للكل أي لجميع الجند إن لم ينفل الإمام فالقاتل وغيره فيه سواء عندنا خلافا للشافعي وهو أي السلب مركبه أي مركب المقتول وما عليه أي على المركب من السرج والآلة وما على الدابة من ماله في حقيبته أو وسطه وثيابه وسلاحه وما معه من المال لا مع غلامه على دابة أخرى وما كان على فرس آخر فليس بسلب وهو غنيمة لجميع الجيش
وفي المحيط لو قال من قتل قتيلا فله سلبه فقتل رجل راجلا ومع غلامه فرس بقرب منه يكون فرسه للقاتل لأن مقصود الإمام قتل من كان متمكنا من القتال فارسا بخلاف ما إذا لم يكن بجنبه والتنفيل لقطع حق الغير لا للملك وأما الملك فإنما يثبت بعد الإحراز بدار الإسلام كسائر الغنائم وهذا عند الشيخين
____________________
(2/440)
خلافا لمحمد فإنه قال يثبت به الملك كما يثبت بالقسمة في دار الحرب فلو قال الإمام هذا تفريع على هذا الاختلاف من أصاب جارية فهي له لا يحل لمن أصابها الوطء بعد الاستبراء ولا البيع قبل الإحراز بدار الإسلام عند الشيخين خلافا له أي لمحمد بناء على ثبوت الملك خلافا لهما والشراء من الحربي ووجوب الضمان بالإتلاف قيل على هذا الاختلاف كما في الهداية
باب استيلاء الكفار لما فرغ من بيان حكم استيلائنا عليهم شرع في بيان حكم استيلائهم علينا وهو شامل لشيئين استيلاء بعضهم واستيلائهم على أموالنا فقدم الأول فقال إذا سبى الترك أي كفار الترك بالضم جيل من الناس والجمع أتراك كما في القاموس فعلى هذا من قال الترك جمع تركي فقد خالف ما في القاموس تتبع الروم أي نصارى الروم بدار الحرب والروم بالضم جمع الرومي وأخذوا أي الترك أموالهم أي أموال الروم ملكوها لأن الاستيلاء قد تحقق في مال مباح وهو السبب لأن الكلام في كافر استولى على كافر آخر أو على ماله في دار الحرب لأن الكافر يملك بمباشرة سبب كالاحتطاب والاصطياد فكذا بهذا السبب كما في التبيين وغيره فعلى هذا لو قيده بدار الحرب كما قيدنا لكان أولى لأنه لو أسر الترك امرأة من الروم فأسلمت قبل أن يدخلوها دارهم كانت
____________________
(2/441)
حرة ولو استولى كفار الترك والهند على الروم وأحرزوها بالهند ثبت الملك لكفار الهند كما في القهستاني ونملك ما وجدنا من ذلك أي من الذي سباه الترك من الروم وأخذوه من أموالهم إذا غلبنا عليهم أي على الترك لأنهم ملكوه فصار كسائر أموالهم
وإن غلبوا أي الكفار على أموالنا وأحرزوها
____________________
(2/442)
أي أموالنا بدارهم أي بدار الحرب ملكوها
وقال الشافعي لا يملكونها وهذا الخلاف مبني على أن الكفار مخاطبون بالشرائع عنده فتصير أموالنا معصومة في حقهم فلا يملكونها بالاستيلاء وغير مخاطبين عندنا فلا تصير أموالنا معصومة والاستيلاء على مال غير معصوم موجب للملك
وكذا يملكون عندنا لو ند أي لو نفر منا بعير إليهم لتحقق الاستيلاء إذ لا يد للعجماء لتظهر عند الخروج من دارنا والتقييد بالبعير اتفاقي وإنما المقصود الدابة كما عبر بها في المحيط فعلى هذا إن الأولى أن يعبر بالدابة تدبر
فإذا ظهرنا أي غلبنا عليهم بعونه تعالى فمن وجد منا ملكه في يد الغانمين بعد الاستيلاء أخذه مطلقا أي سواء كان مثليا أو قيميا قبل القسمة أي قسمة الإمام الغنائم مجانا أي أخذه بلا شيء وبعدها أي لو وجد ملكه بعد قسمة الإمام الغنائم إن كان ما وجده مثليا المثلي يدخل تحت الكيل والوزن والعدد كما سيجيء إن شاء الله تعالى لا يأخذه لأنه لا فائدة في أخذه لوجود مثله
وإن كان ما وجده قيميا القيمي خلاف المثلي أخذه بالقيمة إن شاء لورود الأثر ولأنه زال ملك المالك القديم بغير رضاه وكان
____________________
(2/443)
له حق الأخذ نظرا له ما لم يتعلق به حق غيره بعينه فإذا تعلق يأخذه بالقيمة نظرا للجانبين والمراد من القسمة قسمتنا الغنيمة بين الغانمين كما في عامة المعتبرات فعلى هذا من حمل القسمة على قسمة الكفار فقد أخطأ تأمل
وإن اشتراه أي في دار الحرب منهم أي من العدو تاجر وأخرجه إلى دار الإسلام وهو قيمي يأخذه المالك القديم بالثمن إن اشتراه به أي بثمنه الذي اشترى به التاجر من العدو إن شاء ولا يأخذ منه مجانا لأنه يتضرر التاجر بأخذه مجانا
وإن اشتراه بعرض فبقيمة العرض أي يأخذه المالك القديم بقيمة العرض ولو كان البيع فاسدا يأخذه بقيمة نفسه ولو اختلف المالك والمشتري منهم في قدر الثمن فالقول قول المشتري بيمينه إلا أن يقيم المالك البينة كما في البحر
وإن وهب له فبقيمته أي لو وهبوه لمسلم فأخرجه إلى دار الإسلام أخذه المالك بقيمته لأنه ثبت له ملك خاص فلا يزال إلا بالقيمة ومثله أي مثل القيمي المثلي في شرائه بثمن أو عرض يعني لو اشترى التاجر مثليا بثمن أو
____________________
(2/444)
عرض يأخذه المالك القديم بذلك الثمن أو العرض إن شاء
وإن اشتراه أي مثليا بجنسه أو وهب له أي وهب له وأخرجه إلى دار الإسلام لا يأخذه لأنه غير مفيد
وفي البحر وغيره ولو اشتراه بمثله قدرا ووصفا فإنه لا يأخذه لعدم الفائدة سواء كان البيع صحيحا أو فاسدا بخلاف ما إذا كان بأقل منه قدرا أو بأردى منه وصفا فإن له أن يأخذه لأنه يفيد فلو كان اشتراه بمثله نسيئة فليس للمالك أخذه ولو اشتراه بخمر أو خنزير لم يكن للمالك أخذه باتفاق الروايات انتهى
فعلى هذا ظهر خلاف ما قيل من أنه لو اشتراه بخمر أو خنزير يأخذه منهم بقيمته إن شاء كما لو ملك بالهبة وإن كان ما اشتراه التاجر عبدا ففقئت عينه في يد التاجر وأخذ التاجر أرشها يأخذه المالك القديم بكل الثمن الذي أخذه التاجر به من العدو إن شاء أي لا يحط شيء من الثمن ولا يأخذ المالك الأرش أما الأول فلأن الأوصاف لا يقابلها شيء وأما الثاني فلأن الملك في الأرش صحيح فلو أخذه بمثله فلا يفيد
وإن أسروه من يد التاجر فاشتراه تاجر آخر يعني عبد الرجل أسره العدو فاشتراه رجل فأخرجه إلى دارنا ثم أسره العدو ثانيا فاشتراه رجل آخر فأخرجه إلى دارنا يأخذه المشتري الأول منه
____________________
(2/445)
أي من المشتري الثاني بثمنه أي الثمن الذي أخذ التاجر الثاني به من العدو ثم يأخذه المالك القديم منه أي من المشتري الأول بالثمن أي الثمن الذي اشتراه به الأول من العدو والذي اشتراه به الثاني من العدو إن شاء لأن المشتري الأول قام عليه بالثمنين أحدهما بالشراء الأول والثاني بالتخليص من المشتري الثاني وليس له أي للمالك القديم أخذه أي أخذ العبد من المشتري الثاني قبل أخذه الأول من الثاني ولو كان الأول غائبا لورود الأسر على ملك الأول لا على ملك القديم
ولا يملكون أي الكفار بالاستيلاء التام والإحراز بدارهم حرنا ومدبرنا وأم ولدنا ومكاتبنا لأن الملك باستيلاء إنما يثبت إذا ورد على مال مباح والحر معصوم بنفسه فلا يكون رقا وكذا من سواه لثبوت الحرية فيه من وجه ويملك عليهم كل ذلك أي حرهم ومدبرهم وأم ولدهم ومكاتبهم للاستيلاء على مباح فلو أهدى ملك من أهل الحرب إلى مسلم هدية من أحرارهم ملكه إلا إذا كان قرابة له كما في القهستاني ولا يملكون عبدا أو أمة أبق إليهم عند الإمام والشافعي لأن الآبق لما انفصل عن دارنا زالت يد المالك عنه فظهر يده على نفسه فصار معصوما فلم يبق محلا للملك وفي إطلاق العبد إشعار بأن عبد المسلم والذمي سواء كما في العناية لكن في أكثر الكتب فيه قولان فيأخذه مالكه بعد القسمة مجانا أيضا أي كما يأخذه مالكه قبل القسمة لكن يعوض عنه من بيت المال لأنه لا يمكن إعادة القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم وليس له على المالك جعل الآبق لأنه
____________________
(2/446)
عامل لنفسه إذ في زعمه أنه ملكه وعندهما هو أي العبد الآبق إليهم كالمأسور فيملكونه بالاستيلاء لأن العصمة لحق المالك لقيام يده وقد زالت ولهذا لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه قيد بالإباق لأنه إذا كان مترددا في دار الإسلام فأخذوه وأحرزوه بدار الحرب يملكونه اتفاقا
وفي شرح الوقاية الخلاف فيما أخذوه قهرا أو قيدوه أما إذا لم يقهر فلا يملكونه اتفاقا انتهى
فعلى هذا لو قال لا يملكون عبدا أبق إليهم فأخذوه قهرا لكان أولى
تدبر
وإن أبق العبد بفرس ومتاع فاشترى رجل ذلك كله أي كل ما ذكرنا من العبد والفرس والمتاع وأخرجه إلى دارنا أخذ المالك ما سوى العبد بالثمن و أخذ العبد مجانا هذا عند الإمام وعندهما أخذه بالثمن أيضا أي كما يأخذ الفرس والمتاع إن شاء بناء على الأصل المذكور
وإن اشترى حربي مستأمن في دارنا عبدا مسلما وأدخله دارهم عتق عند الإمام وتقييد العبد بالإسلام اتفاقي لأنه لو كان ذميا فعلى هذا الخلاف كما في أكثر الكتب فعلى هذا لو أطلقه لكان أولى خلافا لهما
____________________
(2/447)
أي لا يعتق عندهما وعند الأئمة الثلاثة لأن الواجب أن يجبر على بيعه فقد زال إذ لا يد لنا عليهم فبقي عبدا في أيديهم قلنا إذا زالت ولاية الجبر أقيم الإعتاق مقامه تخليصا للمسلم عن أيدي الكفار قيد بكون الحربي ملكه في دارنا لأن العبد المسلم إذا أسره الحربي من دار الإسلام وأدخله داره لا يعتق اتفاقا
وإن أسلم عبد لهم أي للكفار ثمة أي في دار الحرب فجاءنا مسلما أو ظهرنا أي غلبنا عليهم أو خرج إلى عسكرنا مسلما فهو حر فلا يثبت الولاء من أحد والتقييد بإسلامه في دار الحرب اتفاقي إذ لو خرج مراغما لمولاه فآمن في دار الإسلام فالحكم كذلك بخلاف ما إذا خرج بإذن مولاه أو بأمره لحاجة فأسلم في دارنا فإن حكمه أن يبيعه الإمام ويحفظ ثمنه لمولاه الحربي كما في البحر
باب المستأمن هو من يدخل دار غيره بأمان فشمل مسلما دخل دارهم بأمان وكافرا دخل دارنا بأمان وتقديم استيمان المسلم على الكافر ظاهر إذا دخل تاجرنا إليهم أي دخل مسلم إلى دار الحرب بأمان لا يحل له أي لتاجرنا المسلم المستأمن أن يتعرض لشيء من مالهم أو دمائهم لأنه دخل بأمان فالتعرض غدر فإن غدر بهم التاجر
____________________
(2/448)
و أخذ شيئا وأخرجه من دارهم بطريق التعرض به ملكه بالاستيلاء ملكا محظورا أي خبيثا لأنه حصله بالغدر حتى لو كانت جارية كره وطؤها للمشتري كما للبائع بخلاف ما إذا اشترى شراء فاسدا فإنه لا يكره وطؤها إلا للبائع فيتصدق به تنزها عنه
وإن غدر به أي بالتاجر ملكهم أي ملك الكفار فأخذ ماله أو حبسه أي التاجر أو فعل ذلك أي أخذ ماله أو حبسه غيره أي غير ملكهم بعلمه أي الملك ولم ينهه حل له أي للتاجر التعرض لمالهم ودمهم لأنهم نقضوا العهد فيباح له التعرض كالأسير والمتلصص بالإجماع فإنه يجوز له أخذ المال وقتل النفس وإن أطلقوه طوعا لأنه غير مستأمن دون استباحة الفرج لأنه لا يباح إلا بالملك ولا ملك قبل الإحراز بدارنا إلا إذا وجد امرأته المأسورة أو أم ولده أو مدبرة ولم يطأها أهل الحرب لأنه إذا وطئهن يجب العدة للشبهة بخلاف أمته المأسورة حيث لا يحل وطؤها مطلقا لأنها مملوكة لهم
وإن أدانه أي باعه بالدين والمراد من الدين ما هو الأعم من البيع بالدين والابتياع به أو القرض ثمة أي في دار الحرب حربي أو أدان هو حربيا أي دخل المسلم دار الحرب بأمان فجعله الحربي مديونا بتصرف أو جعل الحربي مديونا بتصرف ما أو غصب أحدهما من الآخر وخرجا أي ذلك التاجر والحربي إلينا وتحاكما عند حاكم لا يقضي لواحد منهما على صاحبه بشيء أما الإدانة فلأن القضاء على المستأمن يعتمد الولاية ولا ولاية وقت الإدانة أصلا ولا وقت القضاء لأنه ما التزم حكم الإسلام فيما مضى من أفعاله وإنما التزام ذلك في المستقبل وأما الغصب فلأنه صار ملكا للذي غصبه واستولى عليه لمصادفته مالا غير معصوم
وقال أبو يوسف يقضي بالدين على المسلم دون الغصب لأنه التزم أحكامه حيث كان وأجيب عنه بأنه لما امتنع في حق المستأمن امتنع في حق المسلم أيضا تحقيقا للتسوية بينهما وكذا لا يقضي بشيء لو فعل ذلك حربيان أي لو أدان أو غصب أحدهما من الآخر في دارهم وخرجا إلينا مستأمنين لما ذكرنا
وإن خرجا أي
____________________
(2/449)
الحربيان إلينا بعدما فعلا ذلك حال كونهما مسلمين قضى بالدين لوقوع المداينة بتراضيهما والتزامهما الأحكام بالإسلام لا بالغصب لأنه ملكه فلا خبث في ملك الحربي ليؤمر بالرد
ولو أسلم الحربي بعدما غصبه أي غصب منه المسلم ثم خرجا حال كونهما مسلمين إلينا يفتي بالرد ديانة ولا يقضي عليه اقتصر على الغصب وسكت عن الإفتاء بقضاء الدين مع أنه يفتي بأن يجب عليه قضاء الدين فيما بينه وبين الله تعالى كما في الفتح وفي البحر خرج حربي مع مسلم إلى العسكر فادعى المسلم أنه أسير وقال كنت مستأمنا فالقول للحربي إلا إذا قامت قرينة ككونه مكتوفا أو مغلولا أو كان مع عدد من المسلمين فيكون القول قول المسلم
وإن قتل أحد المسلمين المستأمنين الآخر ثمة أي في دار الحرب فعليه الدية في ماله أي في مال القاتل في العمد والخطأ والكفارة أيضا أي تجب الكفارة كالدية في الخطأ دون العمد لأنها لا تجب عندنا في العمد
____________________
(2/450)
أما الكفارة والدية في الخطأ فلإطلاق الكتاب وإنما تجب في ماله لأن العاقلة لا قدرة لهم على الصيانة مع تباين الدارين والوجوب عليهم على اعتبار تركها وإنما تجب في العمد في ماله لأن العواقل لا يعقل العمد والقصاص قد سقط للشبهة فلا بد من الدية صيانة للدم المعصوم فتعين أن يكون ذلك من ماله
وعن أبي يوسف أن عليه القود في العمد
وإن كانا أسيرين فقتل أحدهما صاحبه فلا شيء إلا الكفارة في الخطأ عند الإمام وعندهما الأسيران كالمستأمنين أي تجب عليه الدية في العمد وفي الخطأ من ماله والكفارة في الخطأ لأن العصمة لا تبطل بالأسر كما لا تبطل بالدخول في دارهم بالأمان وله أن الأسير صار تبعا لهم بالقهر فلا تجب بقتله دية كاملة وهو الحربي بخلاف المستأمن فإنه ليس بمقهور ولا شيء في قتل المسلم ثمة أي في دار الحرب مسلما أسلم ولم يهاجر إلينا سوى الكفارة في الخطأ اتفاقا عند أئمتنا وعند الأئمة الثلاثة يجب القصاص بقتله عمدا وتجب الدية بقتله خطأ
فصل بيان ما بقي من أحكام المستأمن لا يمكن من التمكين مستأمن حربي أن
____________________
(2/451)
يقيم في دارنا سنة لضرر الإطلاع علينا ويقال أي قال الإمام له أي للحربي المستأمن إن أقمت سنة نضع عليك الجزية أي المال الذي يوضع على الذمي وقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع وما وقع عن بعض الناس أن في ذلك تقريرا للكافر على أعظم الجرائم وهو الكفر فمردود بأنه دعوة إلى الإسلام بأحسن الجهات وهو أن يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الإسلام فيسلم مع دفع شره في الحال كما في القهستاني قيد بالسنة لأنها أقصى المآرب وفيها تجب الجزية ولو منع عن مكثه فيما دونها لانسد باب التجارات وتضرر به المسلمون كما في أكثر الكتب لكن يشكل بما سيأتي من أنه لو قيل له إن أقمت شهرا إلى آخره إلا أن يقال لا منافاة بينهما لأن مرجع ذلك إلى المصلحة والإمام أدرى بها فإذا رأى المصلحة في السنة وقت بها ومكنه من الإقامة اليسيرة التي هي دونها وإذا رأى المصلحة في أن يوقت بما دونها نحو الشهرين فعل ومكنه من الإقامة دونها وأن الممنوع أن يمكن من إقامة دائمة وهي السنة وما فوقها ثم يمكن من الرجوع وهذا لا ينافي كما في المنح لكن هذا ليس بتام لأنه لا يتمشى بقوله ولو منع عن مكثه فيما دونها لانسد باب التجارات وتضرر به المسلمون تأمل
وقيد بالمستأمن لأنه لو دخل دارنا بلا أمان فهو وما معه فيء وإن قال دخلت بأمان لم يصدق إلا أن يشهد رجلان فإن أقام هنا سنة وقيل له ذلك صار ذميا لأنه صار ملتزما للجزية بعد هذه المقالة بإقامته سنة وفيه إشارة إلى اشتراط القول والمدة لصيرورته ذميا كما دل عليه كلام العتابي وغيره فإنه قال لو أقام سنين من غير أن يتقدم الإمام إليه فله الرجوع لكن في
____________________
(2/452)
كلام المبسوط دلالة على أنه يصير ذميا بمجرد الإقامة سنة والأوجه الأول كما في الفتح وإلى أنه لا جزية عليه في حول المكث لأنه إنما صار ذميا بعده فتجب في الحول الثاني إلا بشرط أخذها منه فيه وإلى أنه يجري القصاص بينه وبين المسلم ويضمن المسلم قيمة خمره وخنزيره إذا أتلفه وتجب الدية عليه إذا قتله خطأ ويجب كف الأذى عنه وتحرم غيبته كالمسلم كما في البحر ولا يمكن من العود إلى داره لأن عقد الذمة لا ينتقص لكونه خلفا عن الإسلام وكذا يصير ذميا لو قيل أي قال الإمام له للحربي المستأمن إن أقمت شهرا أو نحو ذلك نضع عليك الجزية فإن أقام المدة التي قدرها الإمام أو اشترى أرضا ووضع عليه خراجها أي خراج الأرض لأنه إذا وضع عليه فقط لزمه حكم يتعلق بالمقام في دارنا فصار ذميا ضرورة ولا يصير ذميا بمجرد الاشتراء لجواز أن يشتريها للتجارة وهو ظاهر الرواية وعليه جزية سنة من حين وضع الخراج لما ذكرناه أو نكحت المستأمنة ذميا لأنها التزمت المقام تبعا للزوج فتكون ذمية هذا عطف على قوله أو اشترى ولو قال أو صار لها زوج مسلم أو ذمي لكان أولى لأنها لو تزوجت مسلما تكون ذمية أيضا ولأن النكاح حقيقة في الوطء عندنا وهو ليس بشرط هنا إلا أن يقال إن النكاح بمعنى العقد بإضافته إليها ولأنه يشمل ما إذا دخل المستأمن بامرأته دارنا ثم صار الزوج ذميا فليس له الرجوع وكذا لو أسلم وهي كتابية ويشمل ما إذا تزوج مستأمن مستأمنة في دارنا ثم صار الرجل ذميا كما في المنح تأمل
لا لو نكح هو أي المستأمن الحربي ذمية لعدم التزامه المقام في دارنا لتمكنه من طلاقها لكن فيه كلام بين في شروح الهداية فليطالع فإن رجع إلى داره حل دمه لصيرورته حربيا وظاهره أنه لا فرق بين كونه قبل الحكم بكونه ذميا أو بعده لأن الذمي إذا لحق بدار الحرب صار حربيا كما في البحر
وإن كان له أي للمستأمن الراجع إلى داره وديعة عند مسلم أو ذمي أو دين عليهما أي على المسلم أو الذمي فأسر أو ظهر عليهم مبنيان للمفعول أي أسر ذلك الراجع أو ظهر المسلمون على دارهم فقتل سقط دينه لأن إثبات اليد عليه بواسطة
____________________
(2/453)
المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فيخص به فيسقط وصارت وديعته عندهما فيئا للغزاة تبعا لنفسه فصار كما إذا كانت في يده حقيقة وعن أبي يوسف أنها تصير ملكا للمودع لأن يده فيها أسبق فكان بها أحق ولم يذكر حكم الرهن قالوا والرهن للمرتهن بدينه عند أبي يوسف وعند محمد يباع ويستوفى دينه والزيادة فيء للمسلمين وينبغي ترجيحه لأن ما زاد على قدر الدين في حكم الوديعة كما في البحر فعلى هذا لو قال وصار ماله فيئا لكان أولى لأنه لا يختص الوديعة لأن ما عند شريكه ومضاربه وما في بيته في دارنا كذلك
وإن قتل أي ذلك الراجع ولم يظهر عليهم أي على أهل الحرب أو مات حتف أنفه فهما أي الدين الوديعة لورثته بالإجماع لأن حكم الأمان باق في ماله لعدم بطلانه فإن جاءنا حربي إلينا بأمان وله زوجة هناك أي في دار الحرب وولد صغير أو كبير ومال عند مسلم أو ذمي أو حربي فأسلم هنا أي في دار الإسلام ثم ظهر أي ظهر المسلمون عليهم أي على أهل الحرب فالكل من الزوجة والولد والمال فيء أما المرأة وأولاده الكبار فظاهر لأنهم حربيون وليسوا بأتباع وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملا لأنه جزؤها أما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يصير
____________________
(2/454)
مسلما تبعا لإسلام أبيه إذا كان في يده وتحت ولايته ومع تباين الدارين لا يتحقق ذلك وكذا أمواله لا تصير محرزة بإحراز نفسه لاختلاف الدارين فبقي الكل فيئا ولو سبي الصبي في هذه المسألة إلى دار الإسلام يكون مسلما تبعا لأبيه لأنهما اجتمعا في دار واحدة ومع كونه مسلما لا يخرج عن الرق
وإن أسلم أي الحربي ثمة أي في دار الحرب ثم جاء إلينا فظهر عليهم أي على أهل الحرب فطفله حر مسلم تبعا لأبيه ووديعته عند مسلم أو ذمي له أي للذي أسلم ثمة لأن يدهما كيده وغير ذلك من ولده الكبير والمرأة والعقار الوديعة التي عند حربي فيء لعدم التبعية وعدم العصمة وفيه إشارة إلى أن العين المغصوبة في يد المسلم أو الذمي يكون فيئا لعدم النيابة
وفي بعض النسخ ومن أسلم ثمة وله هناك وارث مسلم أو ذمي فقتله مسلم عمدا أو خطأ فلا شيء عليه إلا الكفارة في الخطأ لكن ذكرت هذه قبيل هذا الفصل فتكون مكررة
وإن قتل مسلم لا ولي له خطأ أو قتل مستأمن أسلم هنا أي في دارنا فللإمام أخذ الدية أي حق الأخذ له لأنه لا وارث له لا أنه يملكه الإمام كما توهم بل يوضع لبيت المال من عاقلة القاتل لأنه قتل نفسا معصومة خطأ فيعتبر بسائر النفوس المعصومة وفي العمد له أي للإمام أن يقتص إن شاء أو يأخذ الدية بطريق الصلح إن شاء أي ينظر فيه الإمام فأيهما رأى أصلح فعل وليس له أي للإمام العفو مجانا لأن تصرفه مقيد بالنظر فلا يجوز له إبطال حق المسلمين بغير عوض
وفي الدرر دار الحرب تصير دار الإسلام بإجراء أحكام الإسلام فيها كإقامة الجمعة والأعياد وإن
____________________
(2/455)
بقي فيها كافر صلى ولم يتصل بدار الإسلام بأن كان بينها وبين دار الإسلام مصر آخر لأهل الحرب ويعكس أي يصير دار الإسلام دار الحرب بأمور ثلاثة بإجراء أحكام الشرك فيها واتصالها بدار الحرب بحيث لا يكون بينهما مصر للمسلمين وإن لا تبقى فيها مسلم أو ذمي آمنا بالأمان الأول على نفسه هذا عند الإمام وعندهما إذا أجروا فيها أحكام الشرك صارت دار الحرب سواء اتصلت بدار الحرب أو لا وبقي فيها مسلم أو ذمي بالأمان الأول أو لا
باب العشر والخراج أي في بيان العشر والخراج لما ذكر ما يصير به الحربي ذميا شرع في بيان الخراج الذي يجب عليه وذكر العشر استطرادا لأن سبب كل منهما هو الأرض النامية وقدمه على الخراج لكونه من الوظائف الإسلامية كما في أكثر الكتب قال المولى سعدي عنون الباب بما ليس مقصودا منه وقد استقبحه البعض والعشر لغة واحد من العشرة والخراج ما يخرج من نماء الأرض أو نماء الغلام وسمي به ما يأخذه السلطان من وظيفة الأرض والرأس وحدد أراضيهما أولا لأنه حينئذ أضبط فقال أرض العرب عشرية وهي أي أرض العرب ما بين العذيب بضم العين وفتح الذال تصغير عذب يراد به ماء تميم إلى أقصى حجر وهو بالحاء المهملة والجيم المفتوحتين الصخر فمن روى بسكون الجيم وفسره بالجانب فقد صحفه لأنه وقع في أمالي أبي يوسف الصخر موضع الحجر كما في الكفاية باليمن بمهرة بالفتح والسكون بدل من قوله باليمن وهي في الأصل اسم رجل أو اسم قبيلة تنسب إليه الإبل المهرية فسمى ذلك المقام به هذا طولها
____________________
(2/456)
وأما عرضها فهو ما بين يبرين والدهناء ورمل وعالج وهي أسماء مواضع إلى حد الشام أي إلى مشارف الشام وقراها لأن النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم أجمعين لم يأخذوا الخراج من أرض العرب ولأنه بمنزلة الفيء فلا يثبت في أراضيهم كما لا يثبت في رقابهم وهذا لأن وضع الخراج من شرطه أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد العراق ومشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف كما في الهداية
وكذا البصرة بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وكان القياس عند أبي يوسف أن تكون البصرة خراجية لأنها من جزء أرض الخراج إلا أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وضعوا عليها العشر فترك القياس لإجماعهم قال الكرخي أرض الحجاز وتهامة واليمن ومكة والطائف والبرية عشرية
و كذا كل ما أي الأرض التي أسلم أهله وتذكير الضمير باعتبار لفظة ما أو فتح عنوة وقسم بين الغانمين لأن اللائق بالمسلمين وضع العشر عليهم لأنه عبادة حتى يصرف مصارف الصدقات ويشترط فيه النية ولأنه أخف من الخراج لتعلقه بحقيقة الخارج بخلاف الخراج وأرض السواد أي سواد العراق وسمي به لخضرة أشجارها وزرعها خراجية لأن عمر رضي الله تعالى عنه وضع عليها الخراج بحضرة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهو أشهر من أن ينقل فيه أثر معين ووضع الخراج على مصر حين فتحها عمرو بن العاص وكذا أجمعوا على وضع الخراج على الشام وهي أي أرض السواد ما بين العذيب بدل من السواد إلى عقبة حلوان بضم الحاء اسم بلد ومن الثعلبية بفتح الثلاثة وسكون العين المهملة
____________________
(2/457)
أو العلث بفتح العين المهملة وسكون اللام وبالثاء المثلثة قرية موقوفة على العلوية على شرقي دجلة وهو أول العراق إلى عبادان بتشديد الباء الموحدة حصن صغير على شط البحر
وفي المغرب ووضع الثعلبية موضع العلث في حد السواد خطأ لأنها من منازل البادية كما في العناية فعلى هذا لو أخره وعنونه ب قيل لكان أولى
____________________
(2/458)
وكذا في كونها خراجية كل ما أي أرض فتح عنوة وأقر أهله عليه وتذكير ضميرها على ما مر باعتبار لفظة ما أو صولحوا أي صالح الإمام مع أهلها أن يقرهم عليها ولم ينقلهم إلى موضع آخر لأن اللائق بالكفار ابتداء الخراج سوى مكة فإنها فتحت عنوة وأقر أهلها عليها إلا أنه عليه الصلاة والسلام لم يوظف على أراضيها الخراج وتركها لأهلها وكما لا رق على العرب فكذا لا خراج على أراضيهم وأطلق المصنف فيما أقر أهله عليه تبعا للقدوري وقيده في الجامع الصغير على ما في الهداية بأن ما يصل إليها ماء الأنهار فتكون خراجية وما لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهي أرض عشرية لأن العشر يتعلق بالأرض النامية ونماؤها بمائها فيعتبر السقي بماء العشر أو بماء الخراج انتهى لكن في الفتح تفصيل وحاصله أن التي فتحت عنوة إن أقر الكفار عليها لا يوظف عليهم إلا الخراج وإن سقيت بماء المطر وإن قسمت بين المسلمين لا يوظف إلا العشر وإن سقيت بماء الأنهار فلهذا قال في التبيين هذا في حق المسلم أما الكافر فيجب عليه الخراج من أي ماء سقى لأن الكافر لا يبتدأ بالعشر فلا يتأتى فيه التفصيل في حالة الابتداء إجماعا وإنما الخلاف فيه في حالة البقاء فيمن ملك أرضا عشرية فتصير خراجية عند الشيخين أيضا خلافا لمحمد فعلى هذا علم أن صاحب الهداية اختار قول محمد في حالة البقاء تتبع
وأرض السواد مملوكة لأهلها عندنا خلافا للشافعي فإنها عنده وقف على المسلمين وأهلها مستأجرون لأن عمر رضي الله تعالى عنه استطاب قلوب الغانمين فآجرها لكن في التبيين رد من وجوه فليطالع يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها لأنها مملوكة لهم ولم يتعرض
____________________
(2/459)
فارغة
____________________
(2/460)
لكون الأراضي العشرية مملوكة لأهلها لكن إذا كانت الخراجية مملوكة فكون العشرية مملوكة أولى
هذا هو المشهور في الكتب الفقهية لكن أفتى بعض المتأخرين بأن ما وراءهما أرضا ليست بعشرية ولا خراجية بل يقال لها الأرض المملكة واشتهرت بالأرض الأميرية وهي الأرض التي فتحت عنوة أو صلحا لكن لم تملك لأهلها بل أحرزت لبيت المال ثم أوجرت بإجارة فاسدة بشرط أن يزرعوها ويؤدوا من حاصلها خراج مقاسمة واشتهرت عند الناس بالعشرية كما هو حكم أراضي بلدنا وليست ملكا لمن في أيديهم لا يقدرون على بيعها وشرائها وهبتها ووقفها إلا بتمليك السلطان فإذا مات واحد منهم قام ابنه مقامه ويتصرف على الوجه المذكور ولا تعود الأراضي التي في يده إلى بيت المال وإن كان له بنت أو أخ لأب وطالباه يعطي لهما بأجرة بطريق الإجارة الفاسدة أيضا وإن عطلها متصرفها ثلاث سنين أو أكثر بحسب تفاوت الأرض تنزع عن يده وتعطى لآخر وإن أراد واحد منهم الفراغ لآخر لا يقدر إلا بإذن السلطان أو نائبه
وإن أحيا مواتا أي أحيا المسلم الأرض التي لا مالك لها ولا ينتفع بها واحد يعتبر قربه فإن قرب من أرض الخراج فخراجي أو أرض العشر فعشري وتذكير الضمير باعتبار المكان عند أبي يوسف لأن ما قرب من الشيء يأخذ حكمه كفناء الدار لصاحبها الانتفاع به وإن لم يكن ملكا له ولذا لا يجوز إحياء ما قرب من العامر
و يعتبر ماؤه وتذكيره كما مر
____________________
(2/461)
باعتبار المكان عند محمد فإن أحياها بماء خراج فهي خراجية وإلا فعشرية ولو قيد بالمسلم كما قيدنا لكان أولى لأن الكافر يجب عليه الخراج مطلقا فلهذا صرح صاحب التنوير فقال وكل من الأراضي العشرية والخراجية إن سقي بماء العشر أخذ منه العشر إلا أرض كافر تسقى بماء العشر حيث يؤخذ منها الخراج لأنه وظيفته وإن سقي بماء الخراج أخذ منه الخراج
والخراج نوعان أحدهما خراج مقاسمة وهو أن يكون الواجب جزءا شائعا من الخارج كالخمس ونحوه كالربع والثلث والنصف ولا يزاد على النصف فيتعلق بالخارج كالعشر أي كتعلقه بالخارج إلا أنه يوضع موضع الخراج لأنه خراج حقيقة كما في الاختيار
و الثاني خراج وظيفة وهو أن يكون الواجب شيئا في الذمة يتعلق بالتمكن من الزراعة ولا
____________________
(2/462)
يزاد على ما وضعه عمر رضي الله تعالى عنه على السواد أي سواد العراق لكل جريب وقيده صاحب الدرر بقوله يبلغه الماء صالح للزرع صاع من بر أو شعير قيده بالصالح لأنه لا شيء في غير الصالح لها وعند الشافعي في بر أربعة دراهم وشعير درهمان ودرهم عطف على صاع ولجريب الرطبة بالفتح الفصفصة خمسة دراهم وعند الشافعي ستة دراهم ولجريب الكرم أو النخل جمع نخلة كتمر وتمرة المتصل صفة الكرم والنخل وإفراده لأجل كلمة أو عشرة دراهم وعند الشافعي ثمانية دراهم
وفي الكافي فإن كانت الأشجار ملتفة لا يمكن زراعة أرضها فهي كرم انتهى فعلى هذا قوله النخل المتصل يكون مستدركا لأن النخل المتصل هو الكرم على هذا التفسير تدبر ولما سواه أي لما سوى ما ذكر مما ليس توظيف عمر رضي الله تعالى عنه كزعفران وبستان وهو كل أرض يحوطها حائط وفيها نخيل وأشجار متفرقة بحيث يمكن زراعة ما بين الأشجار وإلا فهي كرم كما مر آنفا ما تطيق أي يوضع عليه بحسب الطاقة اعتبارا بما وضعه عمر رضي الله تعالى عنه فإن ما وضعه بحسب الطاقة ونصف الخارج غاية الطاقة فإن التنصيف عين الإنصاف ولا يزاد عليه لأن للأكثر حكم الكل
وإن لم تطق أي الأرض ما وظف نقص أي نقص الإمام عنها ما لا تطيقه وجعل عليها ما تطيقه ولا يزاد على ما وظفه عمر رضي الله تعالى عنه
وإن وصلية أطاقت الأرض عند أبي يوسف لقول عمر رضي الله تعالى عنه لعامليه لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق فقالا لا بل
____________________
(2/463)
حملناها ما تطيق ولو زدنا لأطاقت وهو دال على جواز النقص عند عدم الإطاقة وعلى عدم جواز الزيادة وإن أطاقت خلافا لمحمد يعني إذا أراد الإمام توظيف الخراج على الأرض ابتداء وزاد على وظيفة عمر فعند محمد يجوز لأن الوظيفة مقدرة بالطاقة وعند الإمام وهو رواية عن أبي يوسف لا يجوز وهو الصحيح كما في الكافي فعلى هذا بين ما في المتن وما في الكافي نوع مخالفة لأن ما في المتن يشعر بأنه ظاهر مذهب أبي يوسف لأنه يعبر بعند وما في الكافي يشعر بأنه خلاف ظاهر المذهب لأنه يعبر بعن مع أنه لم يذكر قول الإمام في المتن تتبع
قيد بزيادة التوظيف لأن الزيادة في الأراضي التي صدر التوظيف من عمر رضي الله تعالى عنه أو من إمام بمثل وظيفة عمر رضي الله تعالى عنه لم يجز إجماعا ولا خراج إن انقطع عن أرضه الماء أو غلب عليها أي على الأرض
____________________
(2/464)
فارغة
____________________
(2/465)
الماء لأنه فات التمكن من الزراعة وهو النماء التقديري في بعض الحول وكونه ناميا في جميع الحول شرط أو أصاب الزرع آفة سماوية لا يمكن احترازها كغرق وحرق وشدة برد وقيدنا بسماوية لا يمكن احترازها لأنها إذا كانت غير سماوية ويمكن احترازها كأكل قردة وسباع ونحوهما أو هلك الخارج بعد الحصاد لا يسقط الخارج في الأصح كما في التنوير
وفي التبيين قالوا في الاصطلام إنما يسقط عنه إذا لم يبق من السنة مقدار ما يمكنه أن يزرع الأرض ثانيا أما إذا بقي من المدة قدر ذلك فلا يسقط والاصطلام أن يذهب كل الخارج أما إذا ذهب بعضه فإن بقي مقدار الخراج ومثله بأن بقي مقدار درهمين أو قفيزين يجب الخراج وإن بقي أقل من ذلك يجب نصفه ويجب خراج إن عطلها أي أرض الخراج مالكها وكان خراجها موظفا لوجود التمكن وهو الذي فوت
____________________
(2/466)
الريع مع إمكان تحصيله هذا إذا تمكن المالك من الزراعة ولم يزرعها أما إذا عجز من الزراعة فللإمام أن يدفعها إلى غيره مزارعة ويأخذ الخراج من نصيب المالك ويمسك الباقي له وإن شاء آجرها وأخذ الخراج من أجرتها وإن شاء زرعها بنفقة من بيت المال فيأخذ الخراج من نصيب صاحبها وإن لم يتمكن من ذلك ولم يجد من يقبل ذلك باعها وأخذ من ثمنها الخراج ولا يتغير خراجها إن أسلم مالكها أو اشتراها مسلم لما روي أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اشتروا الأرض الخراجية وأدوا الخراج ولا عشر في خارج أرض الخراج لأنها مع الخراج والعشر لا يجتمعان عندنا وعند الأئمة الثلاثة يجب العشر كوجوب الخراج ولا يتكرر خراج الوظيفة بتكرر الخارج في سنة لأن عمر رضي الله تعالى عنه لم يوظفه مكررا بخلاف العشر وخراج المقاسمة لأنهما يتكرران لتعلقهما بالخارج حقيقة وفي البحر لو وهب
____________________
(2/467)
السلطان لإنسان الخراج جاز عند أبي يوسف وعليه الفتوى إن كان صاحب الأرض مصرفا له خلافا لمحمد ولو ترك له عشر أرضه لا يجوز له بالإجماع
____________________
(2/468)
فارغة
____________________
(2/469)
فصل في بيان أحكام الجزية وهذا الضرب الثاني من الخراج وقدم الأول لقوته إذ يجب مطلقا سواء أسلموا أو لا بخلاف الجزية ولأنه حقيقة الخراج لأنه الرأس ويجمع على جزى كلحية ولحى وسميت بها لأنها تجزئ أي تكفي عن القتل إذ بقبولها يسقط عن الذمي القتل لقوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وهي على ضربين فأشار إلى الضرب الأول
____________________
(2/470)
فقال الجزية إذا وضعت بتراض أو صلح لا تغير فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق فلا يتعدى بالتغير كما لا يتغير ما يوضع على بني نجران من الحلل ثم أشار إلى الضرب الثاني فقال
وإن فتحت بلدة عنوة أي غلب الإمام على الكفار وفتح قهرا وأقر أهلها عليها توضع الجزية على الظاهر الغنى في السنة ثمانية وأربعون درهما يؤخذ منه في كل شهر أربعة دراهم وعلى المتوسط في الغنى نصفها أي أربعة وعشرون درهما يؤخذ منه في كل شهر درهمان وعلى الفقير القادر على الكسب ربعها أي اثني عشر درهما يؤخذ منه في كل شهر درهم نقل ذلك عن عمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم والصحابة رضي الله تعالى عنهم متوافرون لم ينكر عليهم أحد منهم فصار إجماعا
وقال الشافعي الجزية دينار أو اثنا عشر درهما على كل رأس غنيا أو فقيرا لم يذكر حد الغني والمتوسط والفقير في ظاهر الرواية
وفي شرح الطحاوي من ملك عشرة آلاف درهم فصاعدا غني ومن ملك مائتي درهم فصاعدا متوسط ومن ملك ما دون المائتين أو لا يملك شيئا فقير وعليه الاعتماد كما في التنوير وقيل من لا بد له من الكسب لإصلاح معيشته فمعسر ومن له أموال ويعمل فوسط ومن لا يعمل لكثرة أمواله فموسر وقيل من لا كفاية له فمعسر ومن يملك قوته وقوت عياله فوسط ومن يملك الفضل فموسر
وفي الاختيار المختار أن ينظر في كل بلد إلى حال أهله وما يعتبرونه في ذلك لأن عادة البلاد مختلفة
____________________
(2/471)
في ذلك فيجعل ذلك موكولا إلى رأي الإمام هذا هو الصحيح أما لو كان مريضا في السنة كلها أو نصفها لا تجب عليه الجزية ولو ترك العمل مع القدرة عليه فهو المعتمد وتوضع الجزية على كتابي أي على أهل الكتب سواء كان من العرب أو العجم لقوله تعالى من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية والكتابي شامل لليهود والنصارى ويدخل في اليهود السامرة لأنهم يدينون بشريعة موسى عليه الصلاة والسلام إلا أنهم يخالفونهم في الفروع ويدخل في النصارى الإفرنج والأرمن
وفي الخانية وتؤخذ الجزية من الصابئين عند الإمام خلافا لهما ومجوسي وهو واحد المجوس وهم قوم يعظمون النار ويعبدونها لأن النبي عليه الصلاة والسلام وضع الجزية على مجوس هجر ووثني أي عابد وثن وهو ما كان منقوشا في حائط ولا شخص له والصنم اسم لما كان على صورة الإنسان والصليب ما لا نقش له ولا صورة ولكنه بعيد كما في المنح وغيره فعلى هذا ظهر مخالفة ما قيل من أن الوثن ما له صورة كصور الآدمي تأمل
عجمي جمعه العجم وهو خلاف العربي وإن فصيحا والأعجمي الذي في لسانه
____________________
(2/472)
عجمة أي عدم إفصاح بالعربية وإن كان عربيا وعند الشافعي على كتابي ومجوسي فقط لأن الأصل في الكفار القتال لقوله تعالى وقاتلوهم لكنا تركناه في أهل الكتاب بما قررناه آنفا والمجوسي دخل فيهم بقوله عليه الصلاة والسلام سنوا بهم سنة أهل الكتاب فبقي ما وراءهم على الأصل ولنا أن استرقاقهم جائز فتوضع الجزية عليهم كالمجوس لا توضع على وثني عربي لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعث منهم فظهرت المعجزة لديهم فكفرهم أفحش والمراد بالعربي عربي الأصل وهم عبدة الأوثان وإنهم أميون كما وصفهم الله تعالى في كتابه فأهل الكتاب وإن سكنوا فيما بين العرب وتوالدوا منهم ليسوا بعربي الأصل ولا على مرتد لأنه كفر بربه بعدما رأى محاسن الإسلام وبعدما هدي إليه فلا توضع أيضا على زنديق لأنه يعتقد في الباطن خلاف الظاهر بل إن جاء قبل أن يؤخذ وأقر أنه زنديق وتاب تقبل توبته وإن بعد الأخذ يقتل ولا تقبل توبته ولذا قال الإمام اقتلوا الزنديق وإن قال تبت وأمواله وذريته فيء لأهل الإسلام فلا يقبل منهما أي من الوثني العربي والمرتد إلا الإسلام أو السيف زيادة في العقوبة ولا يخفى أنه لو اكتفى به وأظهر ضميرهما وترك قوله ولا على عربي ولا على مرتد لكان أخصر وتسترق أنثاهما أي أنثى الوثني
____________________
(2/473)
العربي والمرتد لا رجاء لهما خلافا للشافعي في وثني العرب وطفلهما لأنه عليه الصلاة والسلام كان يسترق ذراري مشركي العرب وأبو بكر رضي الله تعالى عنه استرق نساء بني حنيفة وصبيانهم وكانوا مرتدين إلا أن نساء المرتدين وذراريهم يجبرون على الإسلام بخلاف ذراري عبدة الأوثان ونسائهم ولا جزية على صبي ومجنون ومعتوه كما في أكثر الكتب فعلى هذا لو قال على غير مكلف لكان أشمل وامرأة لأنها وجبت بدلا عن القتل أي عن القتال وهما لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية وأراد بالمرأة غير امرأة بني تغلب فإنها توضع عليها ومملوك قنا كان أو مدبرا أو أم ولد أي أمة كما في أكثر الكتب لكن في البحر ولا ينبغي ذكر أم الولد فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء الأحرار فكيف بأم الولد وإنما المراد ابن أم الولد ومكاتب لأنهم لو كانوا مسلمين لما وجب عليهم النصرة بالقتال لكونهم في يد الغير فلا يجب ما هو خلاف عنها ولا يؤدي عنهم مواليهم لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم وشيخ كبير وزمن وأعمى ومقعد لما بيناه خلافا للشافعي في قول وعن أبي يوسف تجب على هؤلاء إذا كان لهم مال لأنهم يقاتلون في الجملة إذا كانوا صاحبي رأي كما مر تفصيله في أول الكتاب وفقير لا يكتسب خلافا للشافعي وراهب لا يخالط ولو كان قادرا على العمل لأنه لا يقتل وعن الإمام أنه توضع الجزية إذا قدر على العمل وهو قول أبي يوسف وفي الاختيار لو أدرك الصبي أو أفاق المجنون أو أعتق العبد أو برئ المريض قبل وضع
____________________
(2/474)
الإمام الجزية وضع عليهم وبعد وضعها لا حتى تمضي هذه السنة لأن المعتبر أهليتهم وقت الوضع بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع حيث توضع عليه
وتجب الجزية في أول الحول لأنها وجبت لإسقاط القتل فتجب للحال إلا أنها تؤخذ في آخره قبل تمامه بحيث يبقى منه يوم أو يومان
وقال أبو يوسف تؤخذ حين تدخل السنة ويمضي شهران منها كما في الجوهرة وعند الشافعي بعد تمام الحول ويؤخذ قسط كل شهر فيه كما بيناه لأنه زمان وجوبه
وتسقط الجزية عندنا بالإسلام أو الموت أو بعد مضي السنة لأنها عقوبة دنيوية شرعت لدفع الشر وقد اندفع بإسلامه أو بموته وعند الشافعي ومالك لا تسقط لأنها كسائر الديون وتتداخل أي الجزية بالتكرر يعني إذا مرت على الذمي سنون ولم تؤخذ فيها الجزية سقطت عن تلك الأعوام وتؤخذ منه جزية السنة التي هو فيها عند الإمام خلافا لهما فإن عندهما تؤخذ عن الأعوام الماضية وهو قول الأئمة الثلاثة لأنها حق واجب في الذمة في كل السنة فلا تسقط بالتأخير بخلاف خراج الأرض فإنه لا تدخل فيه اتفاقا لأنه مؤنة الأرض وقيل على الخلاف
ولا يجوز إحداث بيعة أو كنيسة أو لا يحدث الكتابي بيعة ولا كنيسة ولا يحدث المجوسي بيت نار أو صومعة في دارنا
____________________
(2/475)
أي دار الإسلام لقوله عليه الصلاة والسلام لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة والمراد إحداثها يقال كنيسة اليهود والنصارى لمعبدهم وكذلك البيعة إلا أنه غلب البيعة على معبد النصارى والكنيسة على معبد اليهود والصومعة كالكنيسة لأنها تبنى للتخلي للعبادة بخلاف موضع الصلاة في البيت لأنه تبع للسكنى والدار شاملة للأمصار والقرى والفناء وهو تصحيح المختار كما في الفتح وغيره وقيل لا يمنع عن ذلك في قرى لا تقام فيها الجمعة والحدود وهذا في قرى أكثرها ذميون وأما في قرى المسلمين فلا يجوز وهذا في أرض العجم وأما في العرب فيمنع مطلقا لا يباع فيها خمر وخنزير مصرا أو قرية كما في الاختيار وتعاد المنهدمة من غير زيادة على البناء الأول من الكنائس والبيع القديمة
____________________
(2/476)
لأنه جرى التوارث من لدن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا بترك البيع والكنائس وفيه إشارة إلى أنها لا تهدم القديمة مطلقا سواء في الأمصار أو في السواد وعمل الناس على هذا وذكر محمد في العشر والخراج أنها تهدم أمصار المسلمين وفي الإجارات لا تهدم فيها وهو الأصح والمراد بالقديمة ما كانت قبل فتح الإمام بلدتهم ومصالحتهم على إقرارهم على بلدتهم وأراضيهم والأولى أن لا يصالحهم عليه كما في البحر هذا في المنهدمة أما إذا هدمت ولو بغير وجه فلا تجوز إعادتها كما في أكثر المعتبرات لكن في زماننا لا يفرق بعض منا بين الهدم والانهدام ففعل ما فعل حفظني الله وإياكم من الزلل من غير نقل يعني إذا انهدمت يبنونها في ذلك الموضع باللبن والطين على قرار الأول ولا يشيدونها بالحجر والآجر ولا يمكنون نقلها لأنه إحداث في الحقيقة فلو وقف الإمام على إحداثها وعلى ما زاد في عمارة العتيق خربها وينبغي أن لا يضربوا الناقوس إلا في كنائسهم وبيوتهم خفية بحيث لا يسمع صوته خارجها ولا يسكنون بين المسلمين في المصر إلا في محلة خاصة ليس فيها مسلمون فلو اشترى أهل الذمة في محلة المسلمين دارا يجبر على بيعها
ويميز الذمي عن المسلمين وجوبا في زيه بكسر الزاي المعجمة الهيئة أي يميز في الرداء والعمامة وسائر اللباس ومركبه وسرجه أي سرج مركبه بحذف المضاف وإلا يلزم انتشار الضمير كذا في القهستاني ولا يركب خيلا لأن ركوبه عز وكذا لا يركب جملا إلا لحاجة كاستعانة الإمام بهم في الذب عن المسلمين قيد بالخيل لأن له أن يركب الحمار عند المتقدمين لأن ركوبه ذل وكذا
____________________
(2/477)
البغل وفيه إشعار بأن ركوب البغل إذا كان للعز لا يباح له ولا يعمل بسلاح أي لا يستعمله ولا يحمله فإن فيه عزا ويظهر الذمي بالشد فوق ثيابه الكستيج بضم الكاف وهو ما يشد على وسطه من علامة بها يمتاز عن المسلم وينبغي أن يكون من الصوف أو الشعر وأن لا يجعل حلقة يشده كما يشد المسلم المنطقة بل يعلقه على اليمين والشمال كما في المحيط وعن أبو يوسف هو خيط غليظ من صوف بقدر الأصبع يشده الذمي فوق ثيابه دون ما يتزينون به من زنانير الإبريسم ويركب سرجا كالإكاف في الهيئة يعني إن احتاج إلى ركوب حمار ولذا قال والأحق أن لا يترك للذمي أن يركب إلا لضرورة وفي البحر واختار المتأخرون أن لا يركبوا أصلا إلا إذا خرجوا إلى قرية ونحوها أو كان مريضا وحاصله أنه لا يركب إلا لضرورة وحينئذ
____________________
(2/478)
فارغة
____________________
(2/479)
ركب للضرورة على الصفة التي تقدمت ينزل في المجامع أي في مجامع المسلمين لعدم الضرورة في ركوبه هنا ولا يلبس ما يخص أهل العلم والزهد والشرف تعظيما لهؤلاء
وفي الفتح يمنعهم الإمام من الثياب الفاخرة حريرا أو غيره كالصوف المرتفع والجوخ الرفيع والأبراد الرقيقة وصرح بمنعهم من القلانس الصغار وإنما تكون طويلة من كرباس مصبوغة بالسواد مضربة مبطنة ويجب تمييزهم في النعال أيضا فيلبسون المكاعب الخشنة الفاسدة اللون تحقيرا لهم وشرط في القميص أيضا أن يكون ذيله قصيرا وأن يكون جيبه على صدوره كما يكون للنساء ومن القعود حال قيام المسلم عندهم هكذا أمروا كما في عامة المعتبرات فعلى هذا ثم حكام بلادنا بعدم منعهم يلبسون الثياب الفاخرة ويركبون خيلا أي خيل ويجلسون معظما عندهم بل يقف بعض المسلمين خدمة لهم فالويل كل الويل
وتميز أنثاه أي أنثى الذمي في الطريق والحمام بالجلاجل وغير ذلك عن المسلمين فتمشين في ناحية الطريق
____________________
(2/480)
والمسلمات في وسطه ويجعلن إزارهن مخالفة لإزار المسلمات
وتجعل على داره أي الذمي علامة كي لا يستغفر أي لئلا يدعو السائل بالرحمة والمغفرة له أي للذمي عند الإعطاء كما هو العادة ظاهرا ولا يبدأ بسلام لما فيه من الإكرام وأما رده فأداء الواجب ومكافأة إكرامه في الجملة لكن لا يزيد على قوله وعليكم ولا يقول عليكم السلام ويضيق عليه الطريق يعني إذا التقى المسلم والذمي في الطريق يجعله في الطرف الضيق ويؤدي الجزية قائما والآخذ منه قاعدا ويؤخذ منه بتلبيبه وجره وإظهار مذلته ويهز أي يحرك بعنف ويقال له أد الجزية يا ذمي أو يا عدو الله إذ لا إله له وإشعارا بأنها بدل دمه المستحق ولا يقال له يا كافر ولا ينقض عهده أي لا يخرج عن حكم الذمة بالإباء عن الجزية لأن ما يدفع عنه قتالنا التزام الجزية وقبولها لا أداؤها وهو باق فلا ينقض وعند الأئمة الثلاثة ينقض فيجب أن يقتل أو يسترق كما في أكثر المعتبرات وفي الدرر وفيه إشكال لأن معنى الامتناع عن الجزية التصريح بعدم أدائها كأنه يقول لا أعطي الجزية بعد هذا وظاهره أنه ينافي بقاء الالتزام اللهم إلا أن يراد بالالتزام والصواب بالامتناع تأخيرها والتعلل في أدائها ولا يخفى بعده انتهى لكن يمكن الجواب بأنه بالتزامه يكون دينا في ذمته كالكفالة بالمال فقوله بعده لا أعطي الجزية لا فائدة له فيلزم أن يحبس كسائر الديون تدبر أو بزناه بمسلمة وقتله مسلما فيقام الحد في الزناء ويستوفى القصاص منه في
____________________
(2/481)
القتل أو سبه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأن السب كفر فكفره المقارن له لا يمنعه فالطارئ لا يرفعه هذا إذا لم يعلن أما إذا أعلن بشتمه أو اعتاد فالحق أنه يقتل لأن المرأة التي كانت تعلن بشتمه عليه الصلاة والسلام قتلت وهو مذهب الأئمة الثلاثة وبه يفتى اليوم
وفي المؤيد زاده نقلا عن الشفاء من شتم النبي عليه الصلاة والسلام من الذمي فأرى للإمام أن يحرقه بالنار فله ذلك ولا يسقط إسلامه قتله
وفي النوادر يسقط هذا إذا سبه كافر وأما إذا سبه عليه الصلاة والسلام أو واحدا من الأنبياء مسلم ولو سكران وأنه يقتل حدا ولا توبة له أصلا تنجيه من القتل سواء بعد القدرة عليه والشهادة أو جاء تائبا من قبل نفسه كالزنديق لأنه حد وجب فلا يسقط بالتوبة ولا يتصور خلافه لأنه حد تعلق به حق العبد
وفي البزازية من شك في عذابه وكفره فقط كفر بخلاف ما إذا سب الله تعالى ثم تاب لأنه حق الله تعالى
وفي الخلاصة وساب الشيخين كافر ومبتدع إن فضل عليا عليهما انتهى
وفي الرسالة المسماة بالمعروضات للمولى أبي السعود تفصيل في حق السب فليطالع لأننا أمرنا الآن بعملها
____________________
(2/482)
بل ينقض عهده باللحاق بدار الحرب أو الغلبة على موضع لمحاربتنا لأنهم صاروا بذلك حربيا علينا فلا يفيد بقاء العهد بعد ذلك لأن المقصود من عقد الذمة دفع الفساد بترك القتال والظاهر أنه لا ينقض إلا بأحد الأمرين
وفي الفتح أن الذمي لو جعل نفسه طليعة للمشركين فإنه يقتل لأنه محارب فحينئذ هي ثلاث تأمل
ويصير الموصوف بما ذكر كالمرتد في قتله ودفع ماله لورثته وغير ذلك لأنه التحق بالأموات لتباين الدار لكن لو أسر ذلك الذمي يسترق ولا يجبر على قبول الدين
والمرتد يقتل إن أبى عن الإسلام ولا يسترق كما سيأتي
وفي البحر وأفاد بالتشبيه أن المال الذي يلحق به بدار الحرب فيء كالمرتد ليس لورثتهما أخذه بخلاف ما إذا رجع إلى دارنا بعد اللحاق وأخذ شيئا من ماله ولحق بدار الحرب فإنه يكون لورثته لأنه مالهم باللحاق الأول
____________________
(2/483)
وتمامه فيه
ويؤخذ من بني تغلب رجالهم ونسائهم ضعف الزكاة أي ضعف زكاتنا مما تجب فيه الزكاة وتصرف مصارف الجزية لأن عمر رضي الله تعالى عنه صالحهم على ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من غير نكير كما بين في الزكاة فلزم ذلك على نسائهم أيضا لأن النساء أهل لوجوب زكاة المال عليهم بالصلح
وقال زفر لا يؤخذ من نسائهم وهو قول الشافعي لا من صبيانهم لعدم وجوب الزكاة عليهم فعلى هذا لو قال لا من غير مكلف منهم لكان أولى لأن حكم المجنون والمعتوه منهم كحكم الصبي ويؤخذ من مواليهم أي عتقائهم الجزية والخراج كموالي قريش أي معتق التغلبي ومعتق القريشي واحد فتوضع الجزية أو خراج الأرض على معتقهما
وقال زفر يضاعف على موالي التغلبي لقوله عليه السلام إن مولى القوم منهم ولنا أن الصدقة المضاعفة تخفيف والمعتق لا يلحق بالأصل فيه ألا ترى أن الإسلام أعلى أسباب التخفيف ولا يتبعه فيه ويصرف الخراج والجزية وما أخذ من بني تغلب أو ما أخذوا في هذا المحل وما بعده بمعنى الواو وإلا ليس بمناسب من أرض أجلى أهلها عنها أو أهداه أهل الحرب إلى الإمام
و ما أخذ منهم أي من أهل الحرب
____________________
(2/484)
بلا قتال بأن أخذ بالصلح في مصالح المسلمين متعلق بيصرف كسد الثغور جمع ثغر وهو موضع مخافة البلدان وبناء القناطر جمع قنطرة والجسور جمع جسر والفرق بينهما أن الأول لا يرفع والثاني يرفع وفيه إشارة إلى أنه يصرف في بناء المساجد والبقعة عليها لأنه من المصالح فيدخل فيه الصرف على إقامة شعائرها من وظائف الإمامة والأذان ونحوهما وكفاية العلماء والمدرسين والمفتين والقضاة والعمال أي العمال على الزكاة والعشر والمقاتلة وذراريهم والضمير يعود إلى الكل
____________________
(2/485)
لأن نفقتهم على الآباء فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى الاكتساب وتعطلت مصالح المسلمين وفائدة ذلك أنه يخمس ولا يقسم بين الغانمين
وفي الهداية وغيرها ما يوهم التخصيص حيث قال وذراريهم أي ذراري المقاتلة انتهى
لكن في البحر وليس كذلك انتهى هذا هو الحق لأن العلة تشمل الكل تدبر
واعلم أن أموال بيت المال أربعة أحدها ما ذكر والثاني الزكاة والعشر مصرفهما ما بين في باب المصرف والثالث خمس الغنائم والمعادن والركاز ومصرفه ما ذكر في أوائل هذا الكتاب والرابع اللقطات والتركات التي لا وارث لها ودية مقتول لا ولي له ومصرفه اللقيط الفقير والفقراء الذين لا أولياء لهم يعطون منه نفقاتهم وأدويتهم ويكفن به موتاهم وتعقل جنايتهم وعلى الإمام أن يجعل لكل نوع بيتا يخصه ولا يخلط بعضه ببعض فإن لم يوجد في بعضها شيء فللإمام أن يستقرض عليه من النوع الآخر ويصرفه إلى أهل ذلك ثم إذا حصل من ذلك النوع شيء رده إلى المستقرض منه إلا أن يكون المصرف من الصدقات أو من خمس الغنائم على أهل الخراج وهم فقراء فإنه لا يرد فيه شيئا وكذا في غيره إذا صرفه إلى المستحق ويجب على الإمام أن يتق الله ويصرف إلى كل مستحق قدر حاجته من غير زيادة ومن مات منهم في نصف السنة حرم من العطاء لأنه صلة فلا يملك قبل القبض وقيد نصف السنة لأنه لو مات في آخر السنة
____________________
(2/486)
يستحب صرف ذلك إلى قريبه ولو عجل له كفاية سنة ثم عزل قبل تمامها قيل يجب وقيل لا يجب والأمر مفوض إلى الإمام وفي تنوير المؤذن والإمام إذا كان لهما وقف فلم يستوفيا حتى ماتا فإنه يسقط وكذلك القاضي وقيل لا يسقط ذلك بالموت والأول راجح لحكايته الثاني بصيغة التمريض
باب المرتد هو في اللغة الراجع مطلقا وفي الشرع هو الراجع عن دين الإسلام وركن الردة إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان وشرائط صحتها العقل والطوع من ارتد و نعوذ العياذ بالله تعالى فهي مفعول مطلق مكسور العين يعرض أي عرض الإمام والقاضي كل يوم من أيام التأجيل لرجاء العود إليه عليه أي المرتد الإسلام وإن تكرر منه ذلك استحبابا إلا أنه إذا ارتد ثانيا العياذ بالله تعالى ثم تاب ضربه الإمام ثم خلى سبيله وإن ارتد ثالثا حبسه بعد الضرب الموجع حتى يظهر عليه التوبة ويرى أنه مسلم مخلص ثم خلى سبيله فإن عاد فعله به هكذا ويقتل إلا أن يأبى أن يسلم وهذا قول أصحابنا جميعا وروي عن علي وابن عمر رضي الله عنهم أنه لا تقبل توبته بعد الثلاثة لأنه مستحق ومستهزئ ليس بتائب وتكشف شبهته التي عرضت في الإسلام
____________________
(2/487)
إن كانت أي إن وجدت له شبهة فإن استمهل أي طلب المهل بعد العرض للتفكر حبس ثلاثة أيام لأنها مدة ضربت لإبلاء الأعذار وفيه إشارة إلى أنه إذا لم يستمهل لا يمهل في ظاهر الرواية بل يقتل من ساعته إلا إذا كان الإمام يرجو إسلامه
وعن الشيخين يستحب أن يمهل بلا استمهال لرجاء الإسلام
وقال عليه الصلاة والسلام لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يقتل ما بين المشرق والمغرب كما في القهستاني
وقال الشافعي الإمهال واجب ولا يحل للإمام أن يقتل قبل أن تمضي عليه ثلاثة أيام والحر والعبد فيه سيان فإن تاب بعد الإتيان بكلمة الشهادة فبها ونعمت
____________________
(2/488)
وإلا أي وإن لم يتب قتل وجوبا لقوله عليه الصلاة والسلام من بدل دينه فاقتلوه وتوبته بالتبرؤ بعد الإتيان بالشهادتين عن كل دين سوى الإسلام أو بالتبري عما انتقل إليه لحصول المقصود والأول هو الأولى لأن المرتد لا دين له
____________________
(2/489)
وفيه إشعار بأنه لو قال الكافر لا إله إلا الله محمد رسول الله لصار مسلما ولا يشترط أن يعلم معنى هاتين الكلمتين إذا علم أنه كلمة الإسلام ويشترط معرفة اسمه عليه الصلاة والسلام دون معرفة أبيه وجده كما في القهستاني
وقتله أي المرتد قبل العرض أي عرض الإسلام عليه ترك ندب أي ترك مستحب لا وجوب فلهذا قال لا ضمان ولا دية على القاتل فيه أي في القتل لأن الارتداد مبيح لكن إن قتله غير الإمام أو قطع عضوا منه بغير إذنه أدبه
ويزول ملكه أي المرتد بالردة عن ماله زوالا موقوفا إلى أن يتبين حاله لأنه ميت حكما والموت يزيل الملك
____________________
(2/490)
عن الحي وهذا عند الإمام وهو الصحيح فإن أسلم عاد ملكه إليه كما كان
وإن مات أو قتل على ارتداده أو لحق بدار الحرب وحكم به أي حكم القاضي بلحاقها عتق مدبروه عن ثلث ماله ولم يذكر حكم مكاتبه
وفي البحر فيعتق وإذا عتق فولاؤه للمرتد لأنه المعتق وأمهات أولاده عن كله وحلت آجال ديونه فيلزم أداؤها في الحال لأنه في حكم الميت حتى لو جاء بعد القضاء وأسلم بقي ما ذكر على حاله خلافا للأئمة الثلاثة
وكسب إسلامه أي ما حصل من سعيه حال كونه مسلما لوارثه المسلم اتفاقا ولا يكون فيئا عندنا وكسب ردته أي ما حصل من سعيه حال كونه مرتدا فيء للمسلمين فيوضع في بيت المال عند الإمام وعندهما فلوارثه المسلم كما سيأتي وعند الأئمة الثلاثة كلاهما فيء ويقضي دين إسلامه أي دينه حال إسلامه من كسب إسلامه ودين ردته من كسبها أي يقضي من كسبه حال ردته قبل اللحاق على ما روى زفر عن الإمام وعنه أنه يبدأ بكسب الإسلام فإن لم يف بذلك يقضي من كسب الردة وعنه على عكسه أي يبدأ بكسب الردة
وفي القهستاني وهو الصحيح فإن كسبه حق الورثة بخلاف كسبها وهذا إذا ثبت الدين بغير الإقرار وإلا فعن كسبها
ويوقف بيعه وشراؤه وإجارته
____________________
(2/491)
وهبته ورهنه وعتقه وتدبيره وكتابته ووصيته وفسر وقوفها بقوله فإن أسلم ورجع عن ارتداده صحت هذه العقود والتصرفات
وإن مات أو قتل أو حكم بلحاقه بطلت وهذا عند الإمام بناء على أن الأصل عنده أن الردة تزيل الملك فلذا قال وقالا لا يزول ملكه أي المرتد عن ماله لأن أثر الردة في إباحة دمه لا في زوال ملكه كالمقضي عليه بالرجم والقود وله أن المرتد زالت عصمة نفسه بالردة فكذا عصمة ماله لأنها تابعة للنفس غير أنه لما كان مدعوا إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه لوقوفه على
____________________
(2/492)
محاسنه توقفا في أمره وتقضى ديونه مطلقا أي حال الإسلام أو في الردة من كلا كسبيه أي من كسبه في الإسلام وكسبه في الردة لثبوت الملك فيهما وكلاهما أي كلا كسبيه اللذين لم يتعلق بهما حق الدارين لوارثه المسلم لأن ملكه في الكسبين بعد الردة باق فينتقل بموته إلى ورثته ويستند إلى ما قبيل ردته أن الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم وللإمام أنه يمكن استناد التوريث في كسب الإسلام لوجوده قبل الردة ولا يمكن الاستناد في كسب الردة لعدم الكسب قبل الردة لكن بين الإمامين تفصيل في الخلاف فقال ومحمد اعتبر كونه وارثا عند اللحاق بدار الحرب لأنه السبب وأبو يوسف عند الحكم به أي باللحاق لأنه يصير ميتا بالقضاء وعن الإمام في رواية وهو قول زفر يعتبر توريثه يوم ارتد لأنه سبب الإرث
وتصح أي عندهما تصرفاته سواء أسلم أو مات على ردته ولا تبطل ولا يوقف غير الشركة المفاوضة فإنهما موقوفة بالاتفاق لأنه تعتمد المساواة ولا مساواة بين المسلم والمرتد ما لم يسلم لكن اختلفوا في كيفية نفاذ تصرفاته فإن تصرفه في الصحة كتصرف الصحيح عند أبي يوسف فيعتبر من كل ماله لأن الظاهر عوده إلى الإسلام وكتصرف المريض عند محمد فيعتبر من ثلثه لأنه يفضي إلى القتل ظاهرا
ويصح اتفاقا استيلاده كما إذا جاءت أمته بولد وادعاه فإنه يثبت
____________________
(2/493)
نسبه منه وصارت الأمة أم ولد له لا يحتاج إلى تمام الملك وطلاقه لأن النكاح لما انفسخ بالردة كانت المرأة معتدة فإن طلقها يقع وكذا إذا ارتدا معا فطلقها فأسلما معا فإن النكاح ينفسخ فيقع الطلاق وكذا يصح اتفاقا قبول الهبة وتسليم الشفعة والحجر على عبده المأذون
ويبطل اتفاقا نكاحه وهذه المسألة ذكرت في النكاح فلو اقتصر على أحدهما لكان أخصر وذبيحته وكذا صيده بالكلب والبازي والرمي وشهادته وإرثه لأنها تعتمد الملة ولا ملة له وتتوقف اتفاقا مفاوضته وكذا التصرف على ولده الصغير وماله وهذه المسألة مستدركة لأنها فهمت من قوله ولا يوقف غير المفاوضة تأمل
ثم اعلم أن تصرفات المرتد أنواع نافذ اتفاقا كالاستيلاد والطلاق وباطل اتفاقا كالنكاح والذبيحة موقوف اتفاقا كالمفاوضة ومختلف في توقيفه وهو ما عدا المصنف فإنه موقوف عنده ونافذ عندهما
وترثه أي ترث المرتد امرأته المسلمة إن مات أو قتل أو قضي عليه باللحاق وهي في العدة لأنه صار فارا بالردة إذ الردة بمنزلة المرض لأنها سبب الموت فيتعلق حقها بماله
وإن عاد مسلما بعد الحكم بلحاقه أخذ ما وجده باقيا في يد وارثه وإن لم يجده فليس له أن يضمنه بعدما تصرف فيه وإنما يأخذ عين ماله لأن الوارث كان خلفه لاستغنائه عنه بموته
____________________
(2/494)
الحكمي فإذا أعاد ظهرت حاجته وبطل حكم الخلف لكن إنما يعود إلى ملكه بقضاء أو برضاء من الوارث
ولا ينقض عتق مدبره وأم ولده لأن القاضي قضى بعتقهما عن ولاية شرعية فلا يمكن نقضه
وإن عاد إلى دارنا مسلما قبله أي قبل القضاء فكأنه لم يرتد ولم يزل مسلما فيكون مدبره وأم ولده على ملكه وما كان عليه من الديون فهو إلى أجله كما كان وما وجده من ماله في يد وارثه يأخذه بغير قضاء ورضاء ويضمن ما أتلفه
والمرأة إذا ارتدت لا تقتل عندنا حرة كانت أو أمة بل تحبس إن أبت ولو صغيرة فتطعم كل يوم لقمة وشربة وتمنع من سائر المنافع حتى تتوب أي تسلم أو تموت وعند الأئمة الثلاثة والليث والزهري والنخعي والأوزاعي ومكحول وحماد تقتل لقوله عليه الصلاة والسلام من بدل دينه فاقتلوه وكلمة من تعم الرجال والنساء قالوا من طرف الحنفية المراد المحارب لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن قتل النساء غير محاربات وجزاء مجرد الكفر لا يقام في الدنيا لأنها دار الابتلاء وإنما تحبس لأنها ارتكبت جريمة عظيمة تضرب كل ثلاثة أيام مبالغة في الحمل على الإسلام وعن الإمام أن الحرة تخرج كل يوم وتضرب تسعة وثلاثين سوطا حتى تسلم أو تموت والأمة التي ارتدت يجبرها على الإسلام مولاها يعني إذا ارتدت الأمة تحبس في منزل المولى وتؤدب وتستخدم حتى تسلم لما فيه من الجمع بين الحقين الجبر والاستخدام بخلاف العبد المرتد لأنه لا فائدة في دفعه إليه لأنه يقتل ويستثنى من خدمتها عدم وطئها وقد صرح الإسبيجابي بأنه لا
____________________
(2/495)
يطؤها كما في البحر
وفي الفتح ولا تسترق الحرة المرتدة ما دامت في دار الإسلام فإن لحقت بدار الحرب فحينئذ تسترق إذا سبيت وتجبر مع ذلك على الإسلام وبطلت عنها العدة ولزوجها أن يتزوج أختها وأربعا سواها من ساعته لانعدام العدة عليها كالميتة ولو ولدت في دارهم لأقل من ستة أشهر من وقت الردة يثبت من الزوج لكن يسترق الولد تبعا لها وتجبر على الإسلام وعن الإمام في النوادر تسترق في دار الإسلام أيضا وينفذ جميع تصرفها أي المرأة في مالها كالبيع والهبة وغيرهما لصحتها لعدم قتلها هذا إن أسلمت في دارنا وإلا فإن ماتت أو لحقت بدارهم فالتصرف باطل عنده صحيح عندهما كما في القهستاني وجميع كسبها أي كسب المرتدة في الإسلام أو في الردة لوارثها المسلم إذا ماتت أو لحقت بدار الحرب لأنه لا حراب منا فلم يوجد سبب الفيء ويرثها زوجها أي يرث الزوج المسلم من المرتدة إن ارتدت مريضة وماتت قبل انقضاء العدة استحسانا لأنها قصدت إبطال حقه فيرد عليها قصدها كما قصدها في جانب الزوج والقياس أن لا يرثها وهو قول زفر إلا إن ارتدت صحيحة فلا يرثها زوجها لأن الزوجية قد انقطعت بالارتداد وهي لا تقتل فلم يتعلق حقه بمالها وقاتلها أي قاتل المرتدة يعزر فقط أي لا يجب عليه شيء من القود والدية للشبهة لكن يؤدب ويعزر إذا كانت في دارنا لكونه فضوليا فيما فعله وسائر أحكامها أي المرتدة كالرجل المرتد فيما ذكر
فإن والأولى الواو ولدت أمته أي أمة المرتد فادعاه أي الولد ثبت نسبه وأموميتها أي
____________________
(2/496)
كون الأمة أم ولد له لأنه يصح استيلاده اتفاقا والولد حر يرثه أي أباه المرتد مطلقا أي سواء كان بين الارتداد والولادة أقل من ستة أشهر أو أكثر إن كانت الأمة مسلمة لأن الولد يتبع خير الأبوين دينا فكان مسلما تبعا لها والمسلم يرث المرتد في رواية
وكذا يرثه إن كانت الأمة نصرانية وولدته لأقل من ستة لأنه حينئذ يتيقن وجوده في البطن قبل الردة فيكون مسلما يرثه المرتد إلا إن ولدته النصرانية لأكثر من نصف حول منذ ارتد لأن العلوق حينئذ كان من ماء المرتد فيتبع المرتد لأنه أقرب إلى الإسلام لأنه يجبر فالظاهر من حاله أن يسلم فإذا كان مرتدا لا يرث أحدا
وإن لحق المرتد دارهم بماله أي مع ماله فظهر على بناء المفعول أي غلب عليه أي المرتد فهو أي المال فيء لا نفسه لأن المرتد لا يسترق وليس عليه إلا الإسلام أو السيف كمشركي العرب كما مر فإن لحق بها بغير مال وحكم بلحاقه ثم رجع عنها فذهب به أي مع ماله إلى دارهم فظهر عليه أي المرتد فهو أي المال لوارثه إن وجده قبل القسمة لأنه انتقل إلى ورثته بلحاقه وكان الوارث مالكا قديما وحكمه أنه إن وجده قبل القسمة أخذه بغير بدل وإن وجده بعد القسمة أخذه بقيمته إن شاء وإن كان مثليا فقد تقدم أنه لا يؤخذ لعدم الفائدة كما في الفتح وغيره فعلى هذا أن ما قال صاحب الفرائد من أنه لم يبين أصحاب الكتب التي عندنا حكم ما إذا وجد بعدها إلا صاحب الكافي مع أنه لم يبين حكم ما إذا كان مثليا ناشئ من عدم التتبع تدبر
وإن لحق المرتد بدارهم فقضي بعبده
____________________
(2/497)
أي عبد المرتد لابنه أي ابن المرتد فكاتبه أي العبد الابن فجاء المرتد مسلما فبدل الكتابة والولاء له أي للجائي لأنه لا وجه إلى بطلان المكاتبة لنفوذها بدليل منفذ وهو القضاء بلحاقه فجعلنا الوارث الذي يكون خلفه كالوكيل من جهته وحقوق العقد ترجع فيه إلى الموكل والولاء لمن يقع العتق عنه هذا لو جاء قبل أداء بدل الكتابة وأما بعده لا يكون له بل لابنه وعند الأئمة الثلاثة لا تصح المكاتبة ولا يتفرع عليه من إرثه فهو عبده كالأول
ومن قتله مرتد خطأ فقتل على ردته أو لحق بدارهم فديته أي دية المقتول في كسب إسلامه أي المرتد عند الإمام لأن العواقل لا تعقل المرتد لانعدام النصرة فيكون في ماله المكتسب في الإسلام لنفوذ تصرفه دون المكتسب في الردة لتوقف تصرفه وقالا في كسبه مطلقا أي في الإسلام والردة جميعا وهو قول الأئمة الثلاثة لنفوذ تصرفاته في الحالين ولهذا يجري الإرث فيهما عندهما وفيه إشعار بأنه إذا أسلم ثم مات أو لم يمت يكون في الكسبين جميعا بالاتفاق
ومن قطعت يده أي المسلم عمدا فلو كان القطع خطأ فهو على العاقلة فارتد المقطوع يده والعياذ بالله ومات على ردته منه أي من القطع بسرايته إلى النفس أو لحق المقطوع يده بدارهم ثم جاء مسلما ومات منه أي من القطع فنصف ديته فلا يجب القصاص لوجود الشبهة وهو الارتداد لورثته في مال القاطع أي الحكم في المسألتين ضمان دية اليد فقط في ماله لا في مال العاقلة لأنها لا تعقل العمد ولا يضمن القاطع بالسراية إلى النفس شيئا أما في الأولى فلأن السراية حلت محلا غير معصوم فأهدرت بخلاف ما إذا قطعت يد المرتد ثم أسلم فمات من ذلك فإنه لا يضمن شيئا وأما في الثانية فقال في الهداية معناه إذا قضى بلحاقه لأنه صار ميتا تقديرا والموت يقطع السراية وإسلامه حياة حادثة تقديرا فلا يعود حكم الجناية الأولى فإذا لم
____________________
(2/498)
يقض القاضي بلحاقه حتى عاد مسلما فهو على الخلاف الذي بينه بقوله
وإن أسلم بدون لحاق أي بلا قضاء باللحاق فمات من القطع فتمام الدية أي يضمن القاطع تمام الدية عند الشيخين والأئمة الثلاثة لكونه معصوما وقت القطع ووقت السراية وعند محمد وزفر يضمن نصفها أي نصف الدية لأن اعتراض الردة أهدر السراية فلا تنقلب بالإسلام إلى الضمان قيد بكون المقطوع هو المرتد لأنه لو لم يرتد وإنما ارتد القاطع بعد القطع ثم قتل القاطع أو مات ثم سرى القطع إلى النفس فإن كان القطع عمدا فلا شيء على أحد وإن كان خطأ وجبت الدية بتمامها على عاقلة القاطع كما في البحر
مكاتب ارتد فلحق بدارهم واكتسب مالا فأخذ بماله أي أخذ مع ماله وأبى أن يسلم وقتل فبدل الكتابة لمولاه والباقي لورثته أي لورثة المكاتب لأن المكاتب إنما يملك اكتسابه بالكتابة والردة لا تؤثر في الكتابة فكذا اكتسابه وعند الأئمة الثلاثة كله لمولاه
زوجان ارتدا فلحقا بدارهم الأولى بالواو فولدت المرأة ثم ولد للولد فظهر عليهم فالولدان أي ولدهما وولد ولدهما فيء لأن المرتدة تسترق فكذا ولدها لأنه يتبع الأم ويجبر الولد أي ولدهما على الإسلام تبعا لأبويه لا ولده أي لا يجبر ولد الولد على الإسلام بالإجماع إلا في رواية الحسن فإنه يجبر أيضا وهذا بناء على أن ولد الولد لا يتبع الجد في الإسلام في ظاهر الرواية ويتبعه في رواية
وفي التنوير لو مات مسلم عن امرأة حامل فارتدت ولحقت بدار الحرب فولدت هناك ثم ظهر عليهم فإنه لا يسترق ويرث أباه ولو لم تكن ولدته حتى سبيت ثم ولدته في دار الإسلام فهو مسلم مرقوق فلا يرث أباه وإسلام الصبي
____________________
(2/499)
العاقل صحيح فلا يرث أبويه الكافرين لأن المسلم لا يرث الكافر
وكذا ارتداده عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإن عنده إسلامه إسلام وارتداده ليس بارتداد وعند زفر والشافعي لا يصح كلاهما ما لم يبلغ حد البلوغ قيده بالعاقل لأن غيره لا يصح ارتداده وإسلامه وكذا المجنون والسكران الذي لا يعقل وخرج عن هذا إسلام السكران فإنه صحيح والمراد بالصبي العاقل المميز وهو من بلغ سبع سنين فما فوقها لأنه روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عرض الإسلام على علي رضي الله تعالى عنه وهو ابن سبع فأجابه إليه وقيل الذي يعقل أن الإسلام سبب النجاة ويميز الخبيث من الطيب والحلو من المر
وفي المجتبى ولو وصف الإسلام لغلامه الكافر فقال أنا على هذا فهو مسلم إذا غلب على ظنه فهم ما قاله قال له صف لي الإسلام فإن وصف فهو مسلم وإلا فلا وعن الشيخ الجليل إذا أتى بكلمة الشهادة وهو يعلم أنه الإسلام يحكم بإسلامه وإن لم يعلم تفسيرها
وفي البحر أن الصبي العاقل يخاطب بأداء الإيمان كالبالغ لو مات بعده بلا إيمان خلد في النار ذكره في التجريد
ويجبر الصبي العاقل إذا ارتد على الإسلام لما فيه نفع له ولا يقتل إن أبى لوجود الشبهة في صحة ردته ولم يذكر المصنف ألفاظا تكون إسلاما أو كفرا أو خطأ
____________________
(2/500)
مع أنها من المهمات الدينية فذكرناها في آخر باب المرتد للمناسبة فما يكون كفرا بالاتفاق يوجب إحباط العمل كما في المرتد وتلزم إعادة الحج إن كان قد حج ويكون وطؤه حينئذ مع امرأته زنا والولد الحاصل منه في هذه الحالة ولد الزنا ثم إن أتى بكلمة الشهادة على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قاله لأنه بالإتيان بكلمة الشهادة لا يرتفع الكفر وما كان في كونه كفرا اختلاف يؤمر قائله بتجديد النكاح وبالتوبة والرجوع عن ذلك احتياطا وما كان خطأ من الألفاظ لا يوجب الكفر فقائله مؤمن على حاله ولا يؤمر بتجديد النكاح ولكن يؤمر بالاستغفار والرجوع عن ذلك هذا إذا تكلم الزوج فإن تكلمت الزوجة ففيه اختلاف في إفساد النكاح وعامة علماء بخارى على إفساده لكن يجبر على النكاح ولو بدينار وهذا بغير الطلاق
وفي البزازية للمسلم ينبغي أن يتعوذ بهذا الدعاء صباحا ومساء فإنه سبب العصمة من الكفر هو دعاء سيد البشر عليه الصلاة والسلام اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم إنك أنت علام الغيوب ثم إذا كان في المسألة وجوه توجيه
____________________
(2/501)
ووجه واحد يمنعه يميل العالم إلى ما يمنع من الكفر ولا ترجح الوجوه على الوجه
وفي البحر والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده ومن تكلم بها خطأ أو مكرها لا يكفر عند الكل ومن تكلم بها عالما عامدا كفر عند الكل ومن تكلم بها اختيارا جاهلا بأنها كفر ففيه اختلاف والذي تحرر أنه لا يفتى بتكفير مسلم مهما أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فعلى هذا فأكثر ألفاظ الكفر المذكورة لا يفتى بالتكفير فيها ولقد ألزمت نفسي أن لا أفتي منها انتهى لكن في الدرر وإن لم يعتقد أو لم يعلم أنها لفظة الكفر ولكن أتى بها عن اختيار فقد كفر عند عامة العلماء ولا يعذر بالجهل وإن لم يقصد في ذلك بأن أراد أن يتلفظ بلفظ آخر فجرى على لسانه لفظ الكفر فلا يكفر لكن القاضي لا يصدقه
وفي أكثر المعتبرات أن تعليم صفة الإيمان للناس وبيان صفة خصائص أهل السنة والجماعة من أهم الأمور وللسلف رحمهم الله تعالى من ذلك تصانيف والمختصر أن يقول كل ما أمرني الله تعالى به قبلته وما نهاني عنه انتهيت عنه فإذا اعتقد ذلك بقلبه وأقر بلسانه كان إيمانه صحيحا وكان مؤمنا بالكل وفيه إذا قال الرجل لا أدري أصحيح إيماني أم لا فهذا خطأ إلا إذا أراد به نفيا للشك كمن يقول لشيء نفيس لا أدري أيرغب فيه أحد أم لا ومن شك في إيمانه وقال إن شاء الله فهو كافر إلا أن يؤولها فقال لا أدري أأخرج من الدنيا وأنا مؤمن فحينئذ لا يكون كفر ومن أضمر الكفر أو هم به فهو كافر ومن كفر بلسانه طائعا وقلبه مطمئن بالإيمان فهو كافر ولا ينفعه ما في قلبه لأن الكافر يعرف بما ينطق به بالكفر فإذا نطق بالكفر طائعا كان كافرا عندنا وعند الله تعالى
وفي البزازية إذا خطر بباله أشياء توجب الكفر به لكنه لا يتكلم به فذلك محض الإيمان بالحديث وإذا عزم على الكفر بعد حين يكفر في الحال لزوال التصديق المستمر وجحود الكفر توبة
وفي الدرر والرضى بكفر نفسه كفر بالاتفاق وأما الرضى بكفر غيره فقد اختلفوا فيه وذكر شيخ الإسلام الرضى بكفر الغير إنما يكون كفرا إذا كان يستنجز الكفر ويستحسنه أما إذا لم يكن كذلك ولكن أحب الموت أو القتل على الكفر لمن كان شريرا مؤذيا بطبعه حتى ينتقم الله تعالى منه فهذا لا يكون كفرا وعلى هذا إذا دعا على ظالم فقال أماتك الله تعالى على الكفر أو قال سلب الله تعالى عنك الإيمان ونحوه فلا يضره إن كان مراده أن ينتقم الله تعالى منه على ظلمه وإيذائه الخلق وعن الإمام أن الرضى بكفر الغير كفر من غير تفصيل
وفي البزازية من لقن إنسانا كلمة الكفر ليتكلم بها كفر وإن كان
____________________
(2/502)
على وجه اللعب والضحك وكذا من علمها كلمة لتبين من زوجها فهو كافر ومن أمر رجلا بالكفر كفر الآمر في الحال تكلم المأمور به أم لا لأنه استخفاف بالإسلام هذا إنما يكون كفرا على قول من جعل الرضى بكفر الغير كفرا أما من لم يجعله كفرا لا يكفر الآمر والمعلم ومن قال لا إله وأراد أن يقول إلا الله ولم يتكلم به لا يكفر لأنه معتقد للإيمان أما إذا لم يخطر بباله الإثبات وأراد النفي فقط فهو كافر
وفي الخانية الوثني الذي لا يقر بوحدانية الله تعالى إذا قال لا إله إلا الله يصير مسلما حتى لو رجع عن ذلك يقتل ولو قال الله لا يصير مسلما ولو قال أنا مسلم لا يصير مسلما وإن قال أردت به أني مسلم إني على الحق لم يكن مسلما واليهودي أو النصراني إذا قال لا إله إلا الله لا يصير مسلما ما لم يقل محمد رسول الله
وفي الدرر أما اليهودي أو النصراني إذا قالاهما اليوم فلا يحكم بإسلامهم لأنهم يقولون ذلك فإذا استفسرته يقول هو رسول الله إليكم فلا يدل هذا على إيمانه ما لم ينضم إليه التبرؤ مما هو عليه وإذا قال النصراني أشهد أن لا إله إلا الله وتبرأ عن النصرانية لا يحكم بإسلامه لجواز أنه دخل في اليهودية إذ اليهودي يقول ذلك أيضا وإن زاده وقال أدخل في دين الإسلام زال الاحتمال وكذا إذا قال أنا مسلم لم يكن مسلما لأن معناه التسليم للحق وكل ذي دين يزعم أنه كذلك إلا إذا قال أنا مسلم مثلك
وفي الخانية وعن بعض المشايخ إذا قال اليهودي دخلت في الإسلام يحكم بإسلامه وإن لم يقل تبرأت عن اليهودية لأن قوله دخلت في الإسلام إقرار بدخول حادث في الإسلام وأفتى البعض في ديارنا بإسلامه من غير تبرؤ وهو المعمول به الآن والمجوسي إذا قال أسلمت أو قال أنا مسلم يحكم بإسلامه مجوسي قال صلى الله تعالى عليه وسلم لا يكون مسلما قال كافر آمنت بما آمن به الرسول يصير مسلما قال كافر الله تعالى واحد يصير مسلما ولو قال لمسلم دينك حق لا يصير مسلما وقيل يصير إلا إذا قال حق لكن لا آمن به وعن الحسن بن زياد إذا قال الرجل لذمي أسلم فقال أسلمت كان مسلما لأنه خاطبه بجواب ما كلفه به
وفي فصول العمادي قال ليهودي أو نصراني صف دينك فقال لا أدري قال الإمام محمد هو ليس بيهودي ولا نصراني وحكمه حكم المرتد
مسلم تزوج نصرانية صغيرة ولها أبوان نصرانيان فكبرت وهي لا تعقل دينا من الأديان أي لا تعرفه بقلبها ولا تصفه أي لا تعبر بلسانها وهي غير معتوهة فإنها تبين من زوجها وكذلك الصغيرة
____________________
(2/503)
المسلمة إذا بلغت عاقلة غير معتوهة وهي لا تعقل الإسلام وتصفه بانت من زوجها
وفي مجمع النوازل أذن في وقت الصلاة أجبر على الإسلام أما لو قرأ وتعلم لا يكون إسلاما كافر لقن كافرا آخر الإسلام لم يكن مسلما كافر جاء إلى رجل وقال اعرض علي الإسلام فقال اذهب إلى فلان يكفر وقيل لا يكفر كافر لم يفر بالإسلام إلا أنه صلى مع المسلمين بجماعة يحكم بإسلامه وإن صلى وحده لا وروي عن محمد أنه يكون مسلما إذا صلى إلى قبلة المسلمين
وقال الناطفي إذا صلى الكافر في وقتها ولو منفردا متوجها إلى الكعبة يصير مسلما ذمي اقتدى بمسلم وصلى خلفه قال أبو بكر محمد بن الفضل يحكم بإسلامه ولو أم الذمي المسلمين لا قال واحد رأيته يصلي في المسجد الأعظم وشهد آخر أنه يصلي في المسجد لا تقبل ولكن يجبر على الإسلام
وفي البزازية شهد مسلم على نصراني بأنه أسلم قبل موته نجعله مسلما وإن شهد على مسلم ميت أنه ارتد قبل موته ومات عليه لا أجعله مرتدا يصلي المسلمون عليه بخبر واحد لو عدلا شهد نصرانيان على نصراني أنه مسلم وهو ينكر لم يقبل وكذا لو شهد رجل وامرأتان من المسلمين وترك على دينه وجميع أهل الكفر فيه على السواء ولو شهد نصرانيان على نصرانية بأنها أسلمت جاز وأجبرت على الإسلام وهذا كله قول الإمام
وفي النوادر تقبل شهادة رجل وامرأتين على الإسلام وشهادة نصرانيين على نصراني بأنه أسلم
ثم إن ألفاظ الكفر أنواع الأول فيما يتعلق بالله تعالى إذا وصف الله تعالى بما لا يليق به أو سخر باسم من أسمائه أو بأمر من أوامره أو أنكر صفة من صفات الله تعالى أو أنكر وعده أو وعيده أو جعل له شريكا أو ولدا أو زوجة أو نسبه إلى الجهل أو العجز أو النقص أو أطلق على المخلوق من الأسماء المختصة بالخالق نحو القدوس والقيوم والرحمن وغيرها يكفر ويكفر بقوله لو أمرني الله تعالى بكذا لم أفعل
ولو قال إن فلانا في عيني كاليهودي في عين الله تعالى يكفر عند جمهور المشايخ وقيل إن عنى استقباح فعله لا يكفر
ولو قال دست خداي درازست كفر عند أكثرهم وقيل إن عنى به الجارحة يكفر وإن عنى به القدرة لا
وفي البزازية لكن ينبغي أن لا يكون كفرا حينئذ عند الكل
تدبر
ويكفر بقوله يجوز أن يفعل فعلا لا حكمة فيه وبإثبات المكان لله تعالى فإن قال الله في السماء فإن قصد به حكاية ما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر وإذا أراد به المكان
____________________
(2/504)
كفر وإن لم تكن له نية يكفر عند أكثرهم وعليه الفتوى كما في البحر ولو قال أرى الله تعالى في الجنة فهذا كفر ولو قال من الجنة فليس بكفر لكن في الفصولين ينبغي أن يكفر لو جعل الجنة ظرفا لله تعالى لا لو جعلها لنفسه واللفظ يحتملهما ويكفر بقوله الله تعالى جلس للإنصاف أو قام به لأنه وصف الله تعالى بالقيام والقعود وبوصفه تعالى بالفوق والتحت
ولو قال مربر آسمان خداي أست وبرزمين فلان كفر كما في أكثر الكتب لكن في الخزانة خلافه قال أزخداي هج مكان خالي نيست كفر
وقوله حين الغضب لا أخشى الله إذا قيل له ألا تخشى الله تعالى كفر إذا نفى الخوف وإن أراد به شيئا آخر لا يكفر
ولو قال علم خداي درهمه مكان هست فهذا خطأ ومن قال نه مكاني زتو خالي نه توهيج مكاني كفر
ولو قال لمن لا يمرض هذا منسي الله أو قال هذا من نسيه الله تعالى فهذا كفر عند بعضهم وهو الصحيح
ويكفر بقوله رأيت الله تعالى في المنام وبقوله المعدوم ليس بمعلوم الله تعالى وبقول الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله تعالى وبظنه أن الجنة وما فيها للفناء عند البعض
وبقوله لامرأته أنت أحب إلي من الله تعالى إذا أراد به الطاعة لها وإن قال أردت الشهوة فلا بأس به وبإدخال الكاف في آخر الله عند نداء من اسمه عبد الله إن كان عالما على الأصح وبتصغير الخالق عمدا عالما وإن كان جاهلا في ذلك لا يدري ما يقول أو لم يكن له قصد في ذلك لا يكفر
وبقوله إن كنت فعلت كذا أمس فهو كافر وهو يعلم أنه قد فعله إذا كان عنده أن يكفر به وعليه الفتوى لأنه يكون هذا منه رضى بالكفر وأما إذا قال يعلم لله تعالى أنه قد فعل كذا وهو يعلم أنه لم يفعل فعامة المشايخ على أنه يكفر وقيل لا يكفر ويكفر بقوله الله لا يعلم أني لم أزل أذكرك بدعاء الخير عند البعض وبقوله الله تعالى يعلم أنك أحب إلي من ولدي وهو كاذب فيه
قالت امرأة لزوجها توسر خداي داني فقال نعم يكفر لأن الغيب والسر واحد
وفي البزازية لا يكفر ومن ادعى الغيب لنفسه يكفر حتى يؤمر بتجديد النكاح في قول المرأة نعم في جواب أتعلمين الغيب
ويكفر بقوله أرواح المشايخ حاضرة تعلم
ويكفر عند البعض بقوله فلا يموت بهذا المرض وبقوله عند صياح الطير يموت أحد عند البعض والأصح عدمه وبقوله عند رؤية هالة القمر التي تكون حول القمر يكون مطرا مدعيا على الغيب بلا علامة وبرجوعه من سفر عند سماعه صياح العقعق عند البعض وبإتيان الكاهن وتصديقه وبقوله أنا أعلم المسروقات وبقوله أنا أخبر عن أخبار الجن إياي فإن قال هذا فهو ساحر كاهن ومن صدقه فقد كفر وباعتقاده أن الملك يعلم الغيب
____________________
(2/505)
الثاني في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي البزازية يجب الإيمان بالأنبياء بعد معرفة معنى النبي وهو المخبر عن الله تعالى بأوامره ونواهيه وتصديقه بكل ما أخبر عن الله تعالى وأما الإيمان بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فيجب بأنه رسولنا في الحال وخاتم الأنبياء والرسل فإذا آمن بأنه رسول ولم يؤمن بأنه خاتم الأنبياء لا يكون مؤمنا وفي فصول العمادي من لم يقر ببعض الأنبياء بشيء أو لم يرض بسنة من سنن المرسلين عليهم السلام فقد كفر وبينا حكمته في قوله من سب نبيا ويكفر بنسبة الأنبياء إلى الفواحش كالعزم على الزناء ونحوه في يوسف عليه الصلاة والسلام وقيل ولو قال لم يعصوا حال النبوة وقبلها كفر لأنه رد النصوص
ويكفر بقوله لا أعلم أن آدم عليه الصلاة والسلام نبي أو لا وبقوله لو كان فلان نبيا لم آمن به كما في أكثر الكتب بخلاف ما في القنية ولا يكفر بقوله لو بعث فلان نبيا لائتمرت بأمره ولا بإنكار نبوة الخضر وذي الكفل عليهما السلام لعدم الإجماع على نبوتهما ويكفر بقوله إن كان ما قال الأنبياء صدقا وحقا نجونا
وبقوله أنا رسول وبطلبه المعجزة حين ادعى رجل الرسالة والمتأخرون قالوا إن كان غرض الطالب تعجيزه وإفضاحه لا يكفر واختلف في تصغير شعر النبي عليه الصلاة والسلام لكن إذا أراد الإهانة فلا خلاف في الكفر أما إذا أراد التعظيم فلا
ومن قال لا أدري أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إنسيا أو جنيا يكفر ومن استخف بسنة أو حديث من أحاديثه عليه الصلاة والسلام أو رد حديثا متواترا أو قال سمعناه كثيرا بطريق الاستخفاف كفر وبشتمه رجلا اسمه محمد وكنيته أبو القاسم ذاكرا للنبي عليه الصلاة والسلام
وفي إكراه الأصل إذا أكره الرجل على أن يشتم محمدا على ثلاثة أوجه أحدها أن يقول لم يخطر ببالي شيء وإنما شتمت محمدا كما طلبوا مني وأنا غير راض به
وفي هذا الوجه لا يكفر والثاني أن يقول خطر ببالي رجل من النصارى اسمه محمد فأردت بالشتم ذلك النصراني وفي هذا الوجه لا يكفر أيضا والثالث أن يقول خطر ببالي رجل من النصارى فلم أشتم ذلك وإنما شتمت محمدا عليه الصلاة والسلام وفي هذا الوجه يكفر مطلقا لأنه أمكنه أن يدفع الإكراه عن نفسه بشتم محمد آخر خطر بباله
ويكفر بقوله جن النبي عليه السلام ساعة لا بقوله أغمي عليه
ولو قيل كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يحب كذا مثلا القرع فقال رجل أنا لا أحبه كفر وقيل إن كان على وجه الإهانة وإلا لا
ومن قال لو لم يأكل آدم الحنطة ما وقعنا في هذا البلاء ففيه اختلاف ولو قال ما صرنا أشقياء يكفر
وفي البزازية قال إن آدم عليه السلام نسج الكرباس فقال آخر نحن إذا أولاد الحائك
____________________
(2/506)
يكفر قال لقاؤك علي كلقاء ملك الموت إن قاله لكراهة الموت لا يكفر وإن قاله إهانة لملك الموت يكفر ويكفر بتعييبه ملكا من الملائكة أو بالاستخفاف به وبقوله إن عزرائيل عليه الصلاة والسلام غلط في قبض روح فلان
رجل قال لآخر احلق رأسك وقلم أظفارك فإن هذه سنة فقال لا أفعل وإن كان سنة فهذا كفر لأنه قاله على سبيل الإنكار والرد وكذا في سائر السنن خصوصا في سنة هي معروفة وثبوتها بالتواتر كالسواك ونحوه ويكفر بقوله لا أدري أن النبي في القبر مؤمن أو كافر وبقوله ما كان علينا نعمة من النبي عليه الصلاة والسلام لأن البعثة من أعظم النعم وبقذفه عائشة وإنكاره صحبة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وبإنكاره إمامته على الأصح وبإنكاره صحبة عمر رضي الله تعالى عنه على الأصح
الثالث في القرآن والأذكار والصلاة ونحوها إذا أنكر آية من القرآن واستخف بالقرآن أو بالمسجد أو بنحوه مما يعظم في الشرع أو عاب شيئا من القرآن أو خطئ أو سخر بآية منه كفر إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف والصحيح كفره وقيل إن كان عاميا يكفر وإن كان عالما لا لكن ذهب بعض الفقهاء إلى عدم إيجاب الكفر ويكفر باعتقاد أن القرآن مخلوق حقيقة وكذا بخلق الإيمان ويجب إكفار الذين يقولون إن القرآن جسم إذا كتب وعرض إذا قرئ
وفي فصول العمادية إذا قرأ القرآن على دق الدف والقصب يكفر وقال لمن يقرأ القرآن ويتذكر كلمة والتفت الساق بالساق أو ملأ قدحا وجاء به وقال كأسا دهاقا أو قال فكانت سرابا بطريق المجازفة أو قال عند الكيل والوزن وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون أو جمع أهل موضع وقال فجمعناهم جمعا أو قال وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا أو قال لغيره كيف تقرأ والنازعات نزعا تنصب أو ترفعها وأراد به الطعن والسخرية أو قال صرح اسمك فإن الله تعالى قال كلا بل ران على قلوبهم أو دعي إلى الصلاة بالجماعة فقال أنا أصلي وحدي فإن الله تعالى قال إن الصلاة تنهى أو قال لغيره كل تفشيلة فإن التفشيلة تذهب بالريح قال الله تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم كفر في هذه الصور كلها
والحاصل أن من استعمل كلام الله تعالى في بدل كلامه هازلا كفر وكذا لو نظم القرآن بالفارسية ويكفر بوضع رجله على المصحف مستخفا
وإذا قال القرآن أعجمي كفر ولو قال في القرآن كلمة أعجمية ففي أمره نظر
ويكفر بالاستهزاء بالأذكار وبشرب الخمر وقال بسم الله أو قال ذلك عند الزنى وعند الحرام المقطوع بحرمته أو عند أخذ كعبين للنرد أو عند رمي الرمل وطرح الحصى كما يفعله أرباب
____________________
(2/507)
الفأل لأنه استخف باسم الله تعالى والوزان يقول في العد في مقام أن يقول واحد بسم الله ويضعه مكان قوله واحد لا أن يريد به ابتداء العد لأنه لو أراد ابتداء العد لقال بسم الله واحد لكنه لا يقول كذلك بل يقتصر على بسم الله يكفر لكن فيه كلام وإن قال عند الفراغ الحمد لله لا يكفر عند البعض لأن حمده وقع على الخلاص من الحرام وقيل يكفر لأنه وقع على اتخاذ الحرام فإن نوى يعامل على نيته وإن لم ينو شيئا لا يكفر كما في البزازية قال بدر الرشيد وسمعت عن بعض الأكابر أنه قال من قال موضع الأمر للشيء أو موضع الإجازة بسم الله مثل أن يقول واحد أدخل أو أقوم أو أقعد أو أتقدم أو أسير وقال المشير بسم الله يعني به أذنتك فيما استأذنت كفر لكن فيه كلام
ويكفر بقول المريض لا أصلي أبدا جوابا لمن قاله صل وقيل لا وكذا لا أصلي حين أمر بها وقيل إنما يكفر إذا قصد نفي الوجوب قال محمد قول الرجل لا أصلي يحتمل أربعة أوجه أحدها لا أصلي لأني صليت والثاني لا أصلي بأمرك فقد أمرني بها من هو خير منك والثالث لا أصلي فسقا ومجانا فهذه الثلاثة ليست بكفر والرابع لا أصلي إذ ليست تجب علي الصلاة ولم أؤمر بها وفي هذا الوجه يكفر ولو قيل للفاسق صل حتى تجد حلاوة الصلاة فقال لا تصل حتى تجد حلاوة الترك يكفر ويكفر بقول العبد لا أصلي فإن الثواب يكون للمولى وإذا قيل لرجل صل فقال إن الله تعالى نقص عني مالي فأنا أنقص حقه كفر
ويكفر بقوله لو صارت القبلة إلى هذه الجهة ما صليت وبقوله سرنماز بستدام وبقوله اصبر إلى مجيء شهر رمضان حتى نصلي في جواب من قال صلي ومن قال له صل فقال من يقدر على أن يبلغ هذا الأمر إلى نهايته أو قال للآمر ما زدت وما ربحت من صلاتك يكفر وبقوله نصلي رمضان إن الصلاة في رمضان تساوي سبعين صلاة وبترك الصلاة متعمدا غير ناو للقضاء وغير خائف للعقاب وبصلاته لغير القبلة متعمدا أو في ثوب نجس أو بغير وضوء عمدا والمأخوذ به الكفر في الأخير فقط وقيل لا في الكل ومحل الاختلاف إذا لم يكن استخفافا بالدين وإن على وجه الاستهزاء والاستخفاف فيصير كافرا بالاتفاق
وفي فصول العمادي ولو ابتلي إنسان بذلك ضرورة بأن كان يصلي مع قوم فأحدث واستحى أن يظهر ذلك وكتم فصلى هكذا أو كان هرب من العدو فقام يصلي وهو غير طاهر قال بعض مشايخنا لا يكفر لأنه غير مستهزئ وينبغي لمن اضطر إلى ذلك أن لا يقصد بالقيام القيام إلى صلاة ولا يقرأ شيئا وإذا حنى ظهره لا يقصد الركوع ولا السجود ولا يسبح حتى لا يصير كافرا إجماعا
ويكفر بإنكار فريضة الركوع والسجود مطلقا
____________________
(2/508)
وبالاستهزاء بالأذان لا بالمؤذن وبإعادة الأذان على وجه الاستهزاء وبقوله صوت طرفة حين سمع الأذان استهزاء أو قال هذا صوت غير المتعارف أو صوت الأجانب أو صوت الجرس أو قال اين بانك باسبان هذا إذا قصد الاستهزاء بالقراءة نفسها بخلاف ما إذا استهزأ بقارئها من وحشة قبح صوته فيها وغرابة تأديته بها
وبقوله لا أؤدي الزكاة بعد الأمر بأدائها على قول وبقوله لو أمرني الله تعالى بالزكاة أكثر من خمسة دراهم أو بالصوم أكثر من شهر لا أفعل ولو تمنى أن لا يفرض رمضان فالصواب أنه على نيته
قال عند دخول شهر رمضان جاء الشهر الثقيل أو الضيف الثقيل أو قال عند دخول رجب بفتنها أندر افتاديم إن قال تهاونا كفر وإن قال لضعفه وجوعه لا يكفر ويكفر بقوله إن هذه الطاعات جعلها الله تعالى عذابا علينا بلا تأويل أو قال لو لم يفرض الله تعالى هذه الطاعات لكان خيرا لنا وبقوله لا عند أمره بقوله قل لا إله إلا الله لكن إن عنى به لا أقول بأمرك لا يكفر
وبإنكاره الأهوال عند النزع أو القبر لكن المعتزلة أنكروا عذاب القبر فلا يصح إكفارهم في صحيح الأقوال وبإنكاره القيامة أو البعث أو الجنة أو الميزان أو الحساب أو الصراط أو الصحائف المكتوبة فيها أعمال العباد إلا إذا أنكر بعينه وبإنكاره رؤية الله عز وجل بعد دخوله الجنة وبإنكاره عذاب القبر وبقوله لو أعطاني الله الجنة لا أريدها دونك أو لا أدخلها مع فلان أو لو أعطاني الله تعالى الجنة أو لأجل هذا العمل لا أريدها أو لا أريد الجنة أو أريد رؤيته تعالى كما في أكثر الكتب لكن رؤيته تعالى أكبر من الجنة فينبغي أن لا يكفر بطلب الأعلى ويؤيده ما قالوا من أن الدنيا حرام على أهل الآخرة حرام على أهل الدنيا وكلاهما حرامان على أهل الله تأمل
وبقوله لا أعلم أن اليهود والنصارى إذا بعثوا هل يعذبون بالنار وبإنكاره حشر بني آدم لا غيرهم وبعدم رؤية العقوبة بالذنب وبعدم رؤية المعاصي قبيحة وبعدم رؤية الطاعة حسنا وبعدم رؤية الثواب على الطاعة وبعدم رؤية وجوب الطاعات
الرابع في الاستخفاف بالعلم
وفي البزازية فالاستخفاف بالعلماء لكونهم علماء استخفاف بالعلم والعلم صفة الله تعالى منحه فضلا على خيار عباده ليدلوا خلقه على شريعته نيابة عن رسله فاستخفافه بهذا يعلم أنه إلى من يعود فإن افتخر سلطان عادل بأنه ظل الله تعالى على خلقه يقول العلماء بلطف الله اتصفنا بصفته بنفس العلم فكيف إذا اقترن به العمل الملك عليك لولا عدلك فأين المتصف بصفته من الذين إذا عدلوا لم يعدلوا عن ظله والاستخفاف بالأشراف والعلماء كفر
ومن قال للعالم عويلم أو لعلوي عليوي قاصدا به الاستخفاف كفر
ومن أهان الشريعة أو المسائل التي لا بد منها كفر ومن بغض عالما من غير سبب ظاهر خيف عليه الكفر ولو شتم فم عالم فقيه أو
____________________
(2/509)
علوي يكفر وتطلق امرأته ثلاثا إجماعا كما في مجموعة المؤيدي نقلا عن الحاوي لكن في عامة المعتبرات أن هذه الفرقة فرقة بغير طلاق عند الشيخين فكيف الثلاث بالإجماع تدبر
حكي أن فقيها وضع كتابه في دكان وذهب ثم مر على ذلك الدكان فقال صاحب الدكان هاهنا نسيت المنشار فقال الفقيه عندك لي كتاب لا منشار فقال صاحب الدكان النجار يقطع الخشبة بالمنشار وأنتم تقطعون به حلق الناس أو قال حق الناس أمر ابن الفضل بقتل ذلك الرجل لأنه كفر باستخفاف كتاب الفقيه وفيه إشعار بأن الكتاب إذا كان في غير علم الشريعة كالمنطق والفلسفة لا يكون كفرا لأنه يجوز إهانته في الشريعة
يحكي عن العلامة الخوارزمي مولانا همام الدين أنه قتل واحدا من الأعونة حين أطال لسانه إلى دفتر واحد من الطلبة من قال لفقيه يذكر شيئا من العلم أو يروي حديثا صحيحا هذا ليس بشيء أو قال لأي شيء يصلح هذا الكلام ينبغي أن يكون الدرهم لأن العزة والحرمة اليوم للدرهم لا للعلم كفر ولو قال رجل درهم بايد علم بجيه كار آير أو قال علم بكاسه اندرشكست كفر
ويكفر بجلوسه على مرتفع ويتشبه بالمذكرين ومعه جماعة يسألونه ويضحكون منه ثم يضربهم بالمخراق وكذا يكفر الجمع لاستخفافهم بالشرع وكذا لو لم يجلس على مكان مرتفع ولكن يستهزئ بالمذكرين ويسخر والقوم يضحكون كفروا وكذا من تشبه بالمعلم على وجه السخرية وأخذ الخشبة ويضرب الصبيان كفر
ويكفر من قال قصصت شاربك وألقيت العمامة على العانق استخفافا أو قال ما أقبح أمر قص الشارب ولف طرف العمامة ويكفر بقوله ماذا أعرف الشرع أو قال ماذا أصنع بالشرع وبقوله الشرع وأمثاله لا يفيدني ولا ينفذ أو قال لماذا يصلح لي مجلس العلم أو ألقى الفتوى على الأرض وقال أين جه شرعست أو قال ماذا أشرع هذا أو قال ماذا أعرف الطلاق والملاق أو قال من علم حيل را منكرم أو قال اذهب معي إلى الشرع فقال لا أذهب حتى بالبيدق كفر إذا عاند الشرع بخلاف ما إذا أراد دفعه في الجملة عند المخاصمة أو قصد أنه صحح الدعوى فيستحق المطالبة أو تعلل لأن القاضي ربما لا يكون جالسا في المحكمة فلا يكفر أما لو قال إلى القاضي فقال لا أذهب فلا يكفر
إذا تخاصم رجلان فقال أحدهما تعالى حتى نذهب إلى العالم أو إلى الشرع فقال الآخر من علم جه دانم يكفر ويكفر بقوله آنكس كه سيم كرفتي قاضي شريعت كجابود قيل إن عنى به قاضي البلد لا يكفر لو قال أين كان الشرع وأمثاله حين أخذت الدراهم يكفر ومن قال
____________________
(2/510)
لرجل بيا بمجلس علمي روم فقال مرا بعلم جه كاراست يكفر ومن قيل له قم اذهب إلى مجلس العلم فقال من يقدر على الإتيان بما يقولون أو قال مالي ومجلس العلم كفر أو قال من يقدر على أن يكمل بما أمر العلماء كفر كما في أكثر الكتب لكن لو سمع في مجلس العلم ما لا يتيسر على كل أحد من كثرة النوافل والرياضات والمجاهدات التي تحكى عن الأنبياء وعن بعض السلف الصالح فقال تعجبا وتعظيما لشأنه مقرا بعجزه عن مثله ونقصانه لا على سبيل الاستخفاف والإنكار ينبغي أن لا يكفر ويكفر بقوله لآخر لا تذهب إلى مجلس العلم فإن ذهبت تطلق وتحرم امرأتك ممازحة أو جدا ومن رجع من مجلس العلم فقال الآخر رجع هذا من الكنيسة كفر ويكفر بقوله قصعة ثريد خير من العلم وبقوله الجهل خير من العلم وبقوله الجاهل خير من العالم وبقوله زاهد جاهل خير من عالم فاسق وبقوله فعل دانشمندان همانست فعل كافران ومن ذكر عنده الشرع فتجشأ فقال هذا الشرع كفر ويكفر بقوله لا توحيد في علم الشريعة أو علم الحقيقة أعلى من علم الشريعة أو لا حقيقة علم الشريعة أو علم الحقيقة أحب إلي من الشريعة ويريد بالحقيقة علم الفلاسفة
الخامس في المتفرقات ويكفر بقوله الإيمان يزيد وينقص وبقوله لا أدري الكافر في الجنة أو في النار وبقوله لا أترك النقد لأجل النسيئة جوابا لقوله دع الدنيا للآخرة وبقوله أنا مخلد وبقوله النصرانية خير من اليهودية لأنه أثبت الخيرية لما هو قبيح شرعا وعقلا ثابت قبيحة بالقطعي بل بقوله اليهودية شر من النصرانية وبقوله لا في جواب ألست بمسلم وبقوله لا أسمع كلامك وأفعل جزاء في جواب من قال اتق الله ولا تفعل وبقوله قتل فلان أو دم فلان حلال أو مباح قبل أن يعلم سببا موجبا للقتل وكذا من قال لهذا القائل صدقت وأحسنت إلا أن يراد به الشتم فينبغي أن لا يكفر بل يعزر وبقوله مال فلان المسلم لي حلال قبل تحليل المالك إياه ولو قال لأمير يقتل بغير حق كما إذا قتل سارقا أو شاربا جودت له أو أحسنت يكفر وبقوله ليتني لم أسلم إلى هذا الوقت حتى أرث أبي
وبقوله لبيك أو قال نحن كذلك في جواب من قال يا كافر أو يا مجوسي أو يهودي أو يا نصراني وبقوله أنا ملحد وبقول المعتذر كنت كافرا فأسلمت عند البعض وقيل لا وبتبجيل الكافر حتى لو سلم على الذمي تبجيلا وبقوله للمجوسي يا أستاذ تبجيلا وبقوله الحرام أحب إلي من الحلال في جواب من قال كل من الحلال
وباعتقاد الحلال حراما أو على العكس هذا إذا كان حراما بعينه وحرمته ثابتة بدليل قطعي
____________________
(2/511)
أما لو بإخبار الآحاد لا يكفر ولو قال نعم الأمر أكل الحرام قيل يكفر
ومن قال أحب الخمر ولا أصبر عنها قيل يكفر وبقوله الخمر ليست بحرام لأنه استحل الحرام القطعي وباستحلال اللواطة إن علم أن حرمته من الدين وبتمنيه أن لم يحرم الظلم أو الزناء أو القتل بغير حق أو كل حرام لا يكون حلالا في وقت بخلاف الخمر
ولو تصدق على فقير شيئا من المال الحرام يرجو الثواب يكفر ولو علم الفقير بذلك فدعا له وأمن المعطي كفرا
ولو شتم فم مسلم يكفر وتطلق امرأته بائنا وهو الأصح مما قاله البعض من أنها تطلق ثلاثا كما في مجموعة المؤيدي نقلا عن الحاوي هذا قول محمد وعند الشيخين أن هذه فرقة بغير طلاق كما قررناه آنفا على أنه أفتي في زماننا عدم الكفر
ولو سب طعاما بكلمة الجماع يكفر ولو شتم حيوانا من المأكولات أو الماء فعند الإمام يكفر وعندهما لا ولا يكفر في قولهم جميعا لو شتم حيوانا لا يؤكل
ومن ابتلي بمصيبات متنوعة فقال أخذت مالي وأخذت ولدي وأخذت كذا وكذا فماذا نفعل أيضا وماذا بقي ولم تفعله وما أشبه هذا من الألفاظ فقد كفر ويكفر بقول المريض المشتد مرضه إن شئت توفيتني مسلما وإن شئت كافرا
ارتكب معصية صغيرة فقال له قائل تب فقال ماذا صنعت حتى أتوب يكفر قال لظالم تؤذي الله والمسلمين فقال نعم ما أفعل خوش مي كنم كفر
وفي البزازية ومن قال للظالم إنه عادل يكفر وكذا للأمراء في زماننا لأنهم جائرون بيقين ومن سمى الجور عدلا كفر وقيل لا يكفر لأن له تأويلا وهو أن يقول أردت أنه عادل عن غيرنا أو هو عادل عن طريق الحق هذا إذا لم يرد به حقيقة اللفظ أما إذا أراد به حقيقة اللفظ فيكفر عند الكل فلا يكفي عدله في قضية جزئية لأن في العرف لا يطلق العدل إلا على من استمر على وتيرة الشروع بين الرعايا
ومن قال لمن أخذه مقاطعة على مال معلوم مبارك باد يكفر ومن تكلم بكلمة الكفر وضحك منه آخر كفر الضاحك والمتكلم إلا أن يكون ضروريا بأن يكون الكلام مضحكا ولو تكلم الواعظ بكلمة الكفر وقبل منه القوم كفر الكل وقيل إذا سكت القوم عن الذكر وجلسوا عنده بعد تكلمه بالكفر كفروا إذا علموا أن هذه الكلمة كفر
ويكفر بقوله أماته الله قبل حياته وبقوله زدني واطلب يوم القيامة في جواب من قال لمديونه أعط الدراهم في الدنيا فإنه لا دراهم في الآخرة يعني تؤخذ حسناتك وعند البعض لا يكفر وبقوله أعطني برا أعطيك يوم القيامة شعيرا أو على العكس وبقوله مالي في المحشر وبقوله لا أخاف المحشر أو لا أخاف يوم القيامة وبقوله أنا بريء من الموت عند البعض وبقوله لآخر أذهب معك إلى خفير جهنم أو
____________________
(2/512)
إلى بابها ولكن لا أدخلها وبقوله إلى جهنم أو إلى طريق جهنم عند البعض وبقوله كفرت حين تكلم بكلمة زعم القول أنها كفر فليس بكفر ويكفر بقوله لا حمية ولا دين لي في جواب من قال ليس لك حمية ولا دين
وبقوله لولده يا ولد الكافر عند البعض وبقوله لدابته يا دابة الكافر أو يا ملك الكافر إن كانت نتجت عنده وإلا لا وبقوله ما أمرني فلان أفعل ولو بكفر وبقوله فلان أكفر مني أو قال ضاق صدري حتى أردت أن أكفر أو كدت أن أكفر أو كان زمان أقرب إلى كفره وبقوله صيرورة المرء كافرا خير من الخيانة وبإنكاره ونفيه حكمة المطر
وبقوله بعد قبلة أجنبية هي حلال وبتمنيه إن لم يحرم الأكل فوق الشبع وبقوله لا يقال للسلطان هكذا في جواب من قال يرحمك الله حين عطس السلطان وبقوله بارك الله في كذبك لمن كذب واستحسانه باطلا من كلام أهل البدعة وبقوله للقبيح إنه حسن وبقوله أنت مثل إبليس
لا يكفر بقوله أنت عندي مثل إبليس عند الله ويكفر بخروجه إلى نيروز المجوس والموافقة معهم فيما يفعلونه في ذلك اليوم وبشرائه يوم نيروز شيئا لم يكن يشتريه قبل ذلك تعظيما للنيروز لا للأكل والشرب وبإهدائه ذلك اليوم للمشركين ولو بيضة تعظيما لذلك اليوم ولا يكفر بإجابة دعوة مجوس وحلق رأس ولده
ويكفر بوضع قلنسوة المجوس على رأسه على الصحيح إلا لتخليص الأسير أو لضرورة دفع الحر والبرد عند البعض وقيل إن قصد به التشبيه يكفر وكذا شد الزنار في وسطه
وفي البزازية ويحكى عن بعض من الأسالفة أنه يقول ما ذكر من الفتاوى أنه يكفر بكذا وكذا أنه للتخويف والتهديد لا لحقيقة الكفر وهذا كلام باطل وحاشا أن يلعب أمناء الله تعالى أعني علماء الأحكام بالحلال والحرام والكفر والإسلام بل لا يقولون إلا الحق الثابت عند شريعة سيدنا محمد عليه
____________________
(2/513)
الصلاة والسلام عصمني الله وإياكم عن زلل عن اللسان وتكلم كلمة الكفر بالخطأ والنسيان آمين بحرمة سيد المرسلين صلاة لله عليه وعليهم أجمعين
باب البغاة أي في بيان أحكام البغاة جمع الباغي من البغي وهو التجاوز عن الحد
وفي الفتح البغي في اللغة الطلب تقول بغيت كذا أي طلبته قال الله تعالى حكاية ذلك ما كنا نبغ ثم اشتهر في العرف في طلب ما لا يحل من الجور والظلم
وفي التنوير هو في عرف الفقهاء هم الخارجون على الإمام الحق بغير حق والإمام يصير إماما بالمبايعة معه من الأشراف والأعيان وبأن ينفذ حكمه في رعيته خوفا من قهره وجبروته فإن بايع الناس ولم ينفذ حكمه فيهم لعجزه عن قهرهم لا يصير إماما فإذا صار إماما فاجرا لا ينعزل إن كان له قهرا وغلبة وإلا ينعزل إذا خرج قوم مسلمون عن طاعة الإمام
____________________
(2/514)
أي الخليفة العدل لا عن أمير ظلم بهم فلو خرجوا عليه لظلم ظلمهم فليسوا ببغاة كما في أكثر الكتب وتغلبوا على بلد
وفي القهستاني وفيه رمز إلى أنهم يكونون أهل بغي وإن كان منعة الإمام أقل من منعتهم لأن المنعة لا تظهر في حق الشارع وإلى أنه يشترط أن يكونوا ظانين أنهم على الحق والإمام على الباطل متمسكين بشبهة وإن كانت فاسدة بأنهم غير فاسقين بالاتفاق فإن لم يكن لهم شبهة فهم في حكم اللصوص وإلى أنه يشترط أن يكون الإمام والقوم مسلمين وأنهم مرتكبون للكبيرة فإن طاعة الإمام فرض وإلى أن الإمام لا يطاع في معصية بالنص والإجماع دعاهم الإمام إلى العود أي إلى طاعته وهذه الدعوة ليست بواجبة فإن أهل العدل لو قاتلوهم من غير دعوة إلى العود لم يكن عليهم شيء لأنهم علموا ما يقاتلوهم عليه فحاربهم كالمرتدين وأهل الحرب بعد بلوغ الدعوة وكشف شبهتهم التي استندوا إليها في خروجهم عن طاعته لأنه أهون الأمرين فإذا أجابوا إلى الطاعة تم المرام وإن قالوا فعلنا لظلمك فالإمام أزاله وإلا والناس لا يعينون الإمام والبغاة وبدأهم الإمام بالقتال أي قبل أن يبدءوا بالقتال لو تحيزوا أي اتخذوا حيزا أي مكانا مجتمعين في ذلك المكان على ما نقله الإمام خواهر زاده عن أصحابنا وقيل قائله القدوري لا أي لا يبدأ بقتالهم ما لم يبدءوا أي البغاة بالقتال فإن بدءوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم وهو قول الشافعي فإن قتل المسلم ابتداء لا يجوز ولنا أن الحكم يدور على
____________________
(2/515)
الدليل وهو تعسكرهم واجتماعهم فإن صبر الإمام إلى بدئهم ربما لا يمكن دفع شرهم وهو المذهب
وفي القهستاني وجب كسر منعتهم بلا سلاح إن أمكن وإلا فلا بأس بالقتال بالسلاح وفي الكشف إن لم يعزموا على الخروج لا يتعرض لهم بالقتل والحبس وإلا يجب على كل من كان له قوة القتال أن يقاتلهم مع الإمام
فإن كان لهم أي للبغاة فئة أي جماعة يلحقون بهم أجهز على صيغة مبني للمفعول على جريحهم وهو كناية عن إتمام القتل
وفي البحر وجهز على الجريح اتبع وجهز أثبت قتله وأسرعه وتمم عليه وموت مجهز وجهيز سريع كما في القاموس وأتبع موليهم على البناء للمفعول للقتل والأسر لأن جريحهم يحتمل أن يبرأ فيعود إلى القتال وكذا من ولى منهم وموليهم بالنصب مفعول ثان وهو اسم فاعل من ولى تولية إذا أدبر كتولى ولم يذكر حكم أسرهم
وفي الاختيار الأحسن الحبس لأنه يؤمن به شره من غير قتل وفي المرأة المقاتلة إذا أخذت حبست ولا تقتل إلا في حال مقاتلتها وعند الأئمة الثلاثة لا يجهز ولا يتبع وإلا وإن لم يكن لهم فئة فلا يجهز على جريحهم ولا يتبع موليهم لأن شرهم مندفع بدونه فلا قتل لكونهم مسلمين ولا تسبى ذريتهم وشيخهم وزمنهم وأعماهم لأنهم لا يقتلون إذا كانوا مع الكفار فهذا أولى كما في الاختيار وعلى هذا يقتل إن كان ذا رأي أو مال كما إذا كانوا مع الكفار ولا يقسم مالهم بل يحبس أموالهم حتى يتوبوا فيرد عليهم بالإجماع لأن الإسلام يعصم النفس والمال والحبس كان لدفع شرهم
وجاز استعمال سلاحهم وخيلهم عند الحاجة فلو كان غير محتاج إليهما وضع السلاح عند سائر أموالهم ويباع الخيل وحبس ثمنه لاحتياجه إلى النفقة ولا ينفق عليه من بيت المال
وقال الشافعي لا يجوز لأنه مال مسلم فلا يجوز الانتفاع به إلا برضاه ولنا أن عليا رضي الله تعالى عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة وكانت قسمته للحاجة لا للتمليك وإن للإمام أن يفعل ذلك في مال العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى
وإن قتل باغ مثله فظهر عليهم أي على البغاة لا يجب شيء من القصاص
____________________
(2/516)
والدية لانقطاع ولاية الإمام عنهم
وفي البحر يصنع بقتلى أهل العدل ما يصنع بسائر الشهداء لأنهم شهداء وأما قتلى أهل البغي فلا يصلى عليهم ولكنهم يغسلون ويكفنون ويدفنون وهو الصحيح
وإن غلبوا على أهل مصر فقتل بعض أهله أي أهل المصر آخر منه أي من المصر عمدا قتل القاتل قصاصا به أي بقتل مثله إذا ظهر على المصر إذا لم يجر على أهل المصر أحكام البغاة وأزعجوا قبل ذلك لأنه حينئذ لم تنقطع ولاية الإمام وبعد إجراء أحكامهم تنقطع فلا يجب القصاص ولكن يستحق عذاب الآخرة كما في الهداية والفتح وبهذا ظهر لك أنه لا بد من هذين القيدين تدبر
وإن قتل عادل مورثه الباغي يرثه أي يرث العادل من ذلك الباغي مطلقا لأنه قتل بحق وفي إشعار بأنه يحل للعادل قتل ذي رحم محرم منه إلا أنه لا يباشر قتله إلا دفعا لهلاك نفسه ويحتال في إمساكه ليقتل غيره
ولو كان الأمر بالعكس أي لو قتل الباغي مورثه العدل لا يرثه الباغي عند الطرفين إلا إن ادعى أنه كان في قتله على الحق زاعما أن الباغي إنما هو في جانب مورثه فيرثه وعند أبي يوسف لا يرثه أي الباغي العادل مطلقا أي سواء كان ادعى أنه كان على الحق أو على الباطل وهو قول الشافعي لأنه قتل بغير حق فيحرم من الميراث اعتبارا بالخطأ ولهما أنه قتل بتأويل يسقط معه الضمان فلا يوجب حرمان الإرث لأنه من باب العقوبة
وفي الهداية العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم لأنه مأمور بقتالهم دفعا لشرهم والباغي إذا قتل العادل لا يضمن عندنا ويأثم
وفي المحيط العادل إذا أتلف مال الباغي يؤخذ بالضمان وبين الكلامين مخالفة إلا أن يحمل ما في الهداية على ما إذا أتلفه حال القتال إذا لم يكن إلا بإتلاف شيء من مالهم كالخيل لا على ما إذا أتلفه في غير هذه الحالة لأن مالهم
____________________
(2/517)
معصوم واعتقاد الحرمة موجود فلا معنى لمنع الضمان وكره بيع نفس السلاح فلا يكره بيع ما يتخذ منه كالحديد ممن علم أنه من أهل الفتنة لأنه إعانة على المعصية
وإن لم يعلم أنه من أهل الفتنة فلا يكره لأن الغلبة في الأمصار لأهل الصلاح
____________________
(2/518)
519 كتاب اللقيط لما كان في الالتقاط دفع الهلاك عن نفس اللقيط ذكره عقيب السير الذي فيه دفع الهلاك عن نفس عامة المسلمين وقدم اللقيط على اللقطة لتعلقه بالنفس
وهو في اللغة ما يلقط أي يرفع من الأرض فعيل بمعنى مفعول ثم غلب على الصبي المنبوذ لأنه بصدد أن يلقط
وفي الاصطلاح اسم لمولود حي طرحه أهله خوفا من العيلة أو التهمة سمي به باعتبار ما يئول إليه وهو من باب وصف الشيء بالصفة المشارفة كقوله عليه الصلاة والسلام من قتل قتيلا فله سلبه وشرط في المستصفى أن لا يعرف نسبه التقاطه أي أخذ اللقيط مندوب من تركه إن لم يخف هلاكه بأن كان في مصر لما فيه من أرحم
وإن
____________________
(2/519)
خيف هلاكه بأن كان في مفازة ونحوها من المهالك فواجب صيانة له ودفعا للهلاك كمن رأى أعمى يقع في بئر ونحوها يجب عليه حفظه عن الوقوع وعند الأئمة الثلاثة فرض عين
وكذا اللقطة يعني التقاطها مع الإشهاد واجب إن خيف هلاكها ومندوب إن لم يخف وأمن نفسه عليها وقال بعض التابعين يحل رفعها وتركها أفضل
وهو أي اللقيط حر في جمع أحكامه حتى أن قاذفه يحد ولا يحد قاذف أمه لأن الأصل في بني آدم الحرية وكذا الدار دار الأحرار لأن الحكم للغالب إلا إن ثبت رقه بحجة أي بحجة على أنه رقيق فإنه حينئذ يكون عبدا والحجة بينة أقيمت على الملتقط إذا كان اللقيط صغيرا أو بينة على اللقيط أو تصديقه إن كان كبيرا كما في القهستاني وشرطه أن يكون الشهود مسلمين إلا إذا اعتبر بوجوده في موضع الكفار كما في أكثر الكتب هذا على رواية كتاب اللقيط من المبسوط وأما في رواية ابن سماعة عن محمد فالعبرة للواجد لقوة اليد كما سيأتي فلا تقبل شهادة الكفار على هذه الرواية إذا كان الملتقط مسلما تأمل
ونفقته وكذا الكسوة والسكنى في بيت المال إذا لم يوجد له مال هكذا روي عن عمر وعلي
وكذا جنايته في بيت المال وإرثه له أي بيت المال لأن الغرم بالغنم
وإن أنفق عليه الملتقط فهو متبرع لا يكون دينا عليه لعدم ولايته إلا أن يأذن الحاكم بإنفاقه عليه بشرط الرجوع فحينئذ يكون دينا على اللقيط لعموم الولاية فيرجع الملتقط عليه إذا كبر وأما إذا مات في صغره يرجع على بيت المال
وقال الطحاوي إن مجرد الأمر
____________________
(2/520)
بالإنفاق يكفي للرجوع والأصح ما في المتن لأن مطلق الأمر يحتمل الحسبة والاستدانة فلا يرجع عليه بالشك أو يصدقه اللقيط إذا بلغ يعني إذا لم يأمر القاضي بإنفاقه فصدقه اللقيط بعد البلوغ في أنه أنفقه للرجوع فله الرجوع لأنه أقر بحقه كما في شرح المجمع لابن ملك لكن في البحر خلافه فإنه قال وينبغي أن يكون معنى التصديق تصديقه أنه أنفق بأمر القاضي على أنه يرجع لا تصديقه على الإنفاق لأنه لو كان بلا أمر القاضي لا رجوع له فتصديقه وعدمه سواء وإن ادعى الملتقط الإنفاق بقول القاضي على أن يكون دينا عليه فكذبه اللقيط لا يرجع إلا ببينة بخلاف القاضي إذا أنفق على الصغير
ولا يؤخذ اللقيط من ملتقطه قهرا سواء كان رجلا أو امرأة لأنه ثبت له حق الحفظ لسبق يده فله أن يدفع إلى غيره باختياره فلو دفع إليه لم يأخذه منه لأنه أبطل حقه بالاختيار وله أن ينقله إلى حيث شاء وينبغي أن ليس له نقله من مصر إلى قرية أو بادية كما في البحر ولو انتزعه أحد واختصمه الأول والثاني إلى القاضي يدفعه إلى الأول وينبغي أن ينزع منه إذا لم يكن أهلا لحفظه
وفي البحر ينزع من سفيه وفاسق وكافر ولو وجده مسلم وكافر فتنازعا قضي به للمسلم
وإن ادعاه واحد أنه ابنه قبل قوله وثبت نسبه أي اللقيط استحسانا منه أي ممن يدعي إذا لم يدعه الملتقط واللقيط حي فإذا مات لم يصدق الغير إلا بحجة فإن ادعاه فدعوته أولى وإن كان ذميا والآخر مسلما لأنه صاحب يد
ولو كان المدعي عبدا لأن ثبوت النسب منه أولى من الانتفاء بالكلية وهو أي اللقيط مع كون أبيه عبدا حر لأن ولد العبد قد يكون حرا بكون أمه حرة فلا تبطل الحرية الثابتة تبعا للدار بالشك
أو كان المدعي ذميا وهو أي اللقيط مع كون أبيه ذميا مسلم إن لم يكن أي إن لم يوجد في مقرهم أي مقر الذميين لأن دعوته تضمنت النسب وهو أنفع له وإبطال الإسلام الثابت
____________________
(2/521)
بالدار يضره فصحت فيما ينفعه دون ما يضره ولا يلزم من كونه ابنا له أن يكون كافرا كما لو أسلمت أمه وهو الاستحسان وذمي إن كان أي وجد فيه أي في مقر الذميين وهذا تصريح بأن المعتبر هو المكان وقد اختلف المشايخ فيه فحاصله أن هذه المسألة على أربعة أوجه أحدها أن يجده مسلم في مكان المسلمين فيكون مسلما والثاني أن يجده كافر في مكان أهل الكفر فيكون كافرا والثالث أن يجده كافر في مكان المسلمين والرابع أن يجده مسلم في مكان الكفار ففي هذين الفصلين اختلفت الرواية ففي كتاب اللقيط العبرة للمكان لسبقه
وفي رواية ابن سماعة عن محمد العبرة للواجد لقوة اليد
وفي رواية أيهما كان موجبا لإسلامه فهو المعتبر لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وهو أنفع له كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا ينبغي للمصنف تقييد الواجد بكونه ذميا لأن الواجد إذا كان مسلما يلزم أن يكون اللقيط مسلما على الروايتين الأخيرتين تأمل
وعند الأئمة الثلاثة هو مسلم مطلقا
وإن ادعاه اثنان معا كل منهما أنه ابنه ثبت نسبه منهما لعدم الأولوية وفيه إشارة إلى أنه لو ادعته امرأة ذات زوج فإن صدقها زوجها أو شهدت لها القابلة أو أقامت البينة صحت وإلا لا تصح الدعوى وإن لم يكن لها زوج فلا بد من نصاب الشهادة وأقامتا البينة ثبت منهما عند الإمام وعندهما لا يثبت وهو رواية عن الإمام وإلى أنه لو ادعى أكثر من رجلين لم يثبت منه عند أبي يوسف وأما عند محمد فيثبت من الثلاث لا الأكثر وعن الإمام يثبت من الأكثر
وإن وصف أحدهما علامة فيه أي في جسده ووافق لأن الظاهر شاهد له أو سبق أحدهما في الدعوة على الآخر فهو أولى إلا إذا أقام الآخر البينة لأنه أقوى وإنما قيدنا بالموافقة لأنه لو وصف وأخطأ ولو في بعض فلا ترجيح وهو ابنهما
وفي البحر أن العلامة مرجحة عند عدم مرجح أقوى منها فيقدم ذو البرهان على ذي العلامة والمسلم على الذمي ذي العلامة وظاهر ما في الفتح تقديم ذي اليد على الخارج ذي العلامة وينبغي تقديم الحر على العبد ذي العلامة
والحر والمسلم في دعوته أولى من العبد والذمي لف ونشر مرتب لأن حرية الأب أنفع له وكذا إسلامه إذا كان حرا وإن كان عبدا
____________________
(2/522)
فالذمي أولى لأن الترجيح بإسلام يكون عند الاستواء ولو ادعاه حران أحدهما أنه ابنه من هذه الحرة والآخر من الأمة فالذي يدعيه من الحرة أولى
وإن شد عليه أي على اللقيط مال أو شد المال على دابة هو أي اللقيط عليها أي على الدابة فهو أي المال له أي اللقيط عملا بالظاهر وعن محمد إن كان بحال يستمسك عليها كان له وإلا فلا ينفق الملتقط منه أي من المال عليه أي على اللقيط بأمر قاض لأنه مال ضائع وللقاضي ولاية صرف مثله إليه وقيل ينفق منه عليه بدونه أي بدون إذن القاضي أيضا أي كما ينفق بإذن القاضي ويصدق في نفقة مثله والصحيح الأول
وله أي للملتقط شراء ما لا بد له أي اللقيط منه أي من المال ومن طعام وكسوة وغيرهما لأنه من الإنفاق هذا بيان لما الموصولة
و للملتقط قبض هبته أي قبض ما وهب للقيط وكذا قبض صدقته لأنه نفع محض ولذا يملكه ووصيه وتسليمه في حرفة نظرا له لأنه من باب تثقيفه وله تعليمه حديث شاء
لا يجوز له تزويجه لانعدام سبب الولاية من القرابة والملك والسلطنة فأنكحه السلطان ومهره في بيت المال
وفي الخانية وليس له أن يختنه فإن فعل ذلك وهلك كان ضامنا و لا تصرفه في ماله أي مال اللقيط لغير ما ذكر
وفي القهستاني تصرف ماله من التجارة اعتبارا بالأم ففي الكلام تسامح ولا إجارته أي اللقيط ليأخذ الأجرة لنفسه اعتبارا بالعم في الأصح وهو رواية الجامع الصغير بخلاف الإمام فإنها تملك الاستخدام فتملك الإجارة وقيل وهي رواية القدوري له إجارته لأنه يرجع إلى تثقيفه
____________________
(2/523)
كتاب اللقطة هي من الالتقاط وهو الرفع وهي بضم اللام وفتح القاف اسم للآخذ وبسكون القاف اسم للمال الملقوط كالضحكة بفتح الحاء اسم فاعل وبسكونها اسم مفعول وهذا عند الخليل
وعن الأصمعي وابن الأعرابي والفراء أنها بفتح القاف اسم للمال أيضا
وفي اصطلاح الفقهاء هي رفع شيء ضائع للحفظ على الغير لا للتمليك هي أي اللقطة أمانة بالاتفاق لا يضمنها الملتقط إلا بالتعدي والمنع بعد الطلب إن أشهد عند القدرة شاهدين أنه أخذها ليردها على صاحبها فلو وجدها في طريق أو غيره وليس فيه أحد أشهد عند الظفر به فإذا ظفر ولم يشهد ضمن إلا إذا ترك الإشهاد لخوف ظالم كما في زماننا هذا والقول قوله مع يمينه في كوني كذا منعني من الإشهاد وإلا أي وإن لم يشهد كذلك فهلكت ضمن عند الطرفين ولم يشترط أبو يوسف الإشهاد كما في أكثر الكتب وفي الينابيع ذكر في بعض الكتب قول محمد مع الإمام
____________________
(2/524)
والأصح أنه مع أبي يوسف والأول الصحيح قيد بالإشهاد لأنه لو أقر أنه أخذها لنفسه يضمن اتفاقا ولأنه لو تصادقا على أنه أخذها ليردها لم يضمن اتفاقا هذا إذا اتفقا أنه لقطة وإن اختلفا فقال صاحبها أخذتها غصبا وقال الملتقط لا بل أخذتها لقطة لك يضمن اتفاقا كما في أكثر الكتب وبه علم أن الإشهاد شرط عند الاختلاف وفيه إشارة إلى أن البالغ والصبي سواء في الضمان بترك الإشهاد فأشهد أبوه ووصيه وعرف لم يصدق
والقول للمالك إن أنكر أخذه للرد أي إن لم يشهد عليه وقال الملتقط أخذته للمالك وكذبه المالك فإنه ضامن عند الطرفين وعند أبي يوسف القول للملتقط فلا يضمن لأن الظاهر شاهد لاختياره الحسبة دون المعصية وهو قول الأئمة الثلاثة ولهما أنه أقر بسبب الضمان وهو أخذ مال الغير ثم ادعى ما يبرئوه فوقع الشك فلا يصدق إلا ببينة
وفي الحاوي ترجيح قول أبي يوسف حيث قال وبه نأخذ وعلى هذا الخلاف لو قال مالكها أخذتها لنفسك وقال الملتقط بل أخذتها لأجلك
وفي النوادر لو ضاعت في يده ثم وجدها في يد رجل فلا خصومة معه بخلاف المودع
وفي البحر إذا أخذ الرجل لقطة ليعرفها ثم أعادها إلى المكان الذي أخذها منه فقد برئ من الضمام هذا إذا أعادها قبل أن يتحول عن ذلك المكان أما إذا أعادها بعدما تحول يضمن في غير ظاهر الراوية
ويكفي في الإشهاد قوله أي الملتقط من سمعتموه ينشد أي يطلب لقطة فدلوه جمع أمر مخاطب من دل يدل عليها قليلة كانت أو كثيرة واحدة أو أكثر لأنها اسم جنس ويعرفها أي يجب تعريف اللقطة في مكان أخذها فإنه أقرب إلى الوصول وفي المجامع أي مجامع الناس كأبواب المساجد والأسواق فإنه أقرب إلى وصول الخبر مدة أي زمانا يغلب على ظنه أي الملتقط عدم طلب صاحبها أي اللقطة بعدها أي بعد هذه المدة وهو الصحيح وعليه الفتوى وهو مختار شمس الأئمة السرخسي لأن ذلك يختلف بقلة المال وكثرته فيفوض إلى رأي المبتلى وهو خلاف ظاهر الرواية فإنه عرفها سنة نفيسة
____________________
(2/525)
كانت أو خسيسة وهو قول الأئمة الثلاثة
وقيل إن كانت عشرة دراهم فأكثر فحولا أي فيعرفها حولا وإن كانت أقل فأياما على حسب ما يرى وهو رواية عن الإمام وعنه وعن غيره غير هذا ثم اختلف في التقدير ومن قدر المدة بالحول ونحوه قيل يعرفها كل جمعة وقيل شهر وقيل ستة أشهر وما لا يبقى كالأطعمة المعدة للأكل وبعض الثمار يعرف إلى أن يخاف فساده أي إلى مدة يظن أنها تفسد فيها ولا خلاف في ذلك ولو وجد اللحم أو اللبن أو الفواكه الرطبة ونحوها عرف إلى تلك المدة كما في المختار ولم يتناول الثمار الساقطة تحت الأشجار في الأمصار والمختار أنها إذا لم تكن مما يبقى يجوز ولا خلاف في ذلك إذا كانت في الرساتيق وأما ما على الأشجار فلا يؤخذ في موضع ولا بأس بالانتفاع من التفاح والكمثرى الذي في نهر جار كما في المحيط
وفي التنوير حطب وجد في الماء له قيمة فلقطة وإلا فحلال لآخذه لكن في النظم لو كانت مما لا يبقى باعها بأمر القاضي ثم حفظ ثمنها كما في القهستاني وعند الشافعي يبيعها ويتربص بثمنها حولا ثم أي بعد ما مضى مدة التعريف ولم يظهر مالكها يتصدق الملتقط بها أي باللقطة إن شاء لأنه لما عجز عن إيصال عين اللقطة إلى صاحبها جاز له أن يوصل عوضها وهو الثواب على اعتبار إجازته إلا أن الأفضل أن يحفظه ليجيء صاحبها فإن التصدق رخصة والحفظ عزيمة فإن جاء ربها بعده أي بعد التصدق بعد التعريف مدته أجازه أي التصدق ربها إن شاء ولو بعد هلاكها لأن التصدق وإن حصل بإذن الشرع لكن لم يحصل بإذنه فيتوقف على إجازته وإنما قيدنا ولو بعد هلاكها لئلا يتوهم اشتراط قيامها للإجازة وليس ذلك بشرط وأجره له
____________________
(2/526)
أي ثواب التصدق له أو ضمن الملتقط لأنه سلم ماله إلى غيره بغير إذنه ولو بأمر القاضي وهو الصحيح لأن أمره لا يكون أعلى من فعله والقاضي لو تصدق بها كان له أن يضمنه أو ضمن الفقير لو كانت هالكة قيد لهما جميعا لأنه قبض ماله بغير إذنه وأيهما ضمن لا يرجع على الآخر لأن كلا منهما ضامن بفعل الملتقط بالتسليم بغير إذن صاحبها والفقير بالتسليم بدون إذنه ويأخذها أي المالك اللقطة منه أي من الفقير إن كانت باقية لأنه وجد عين ماله
ولقطة الحل والحرم سواء عندنا لأن النص الدال على مشروعية الالتقاط بشرط الإشهاد مطلق يتناول لقطتهما وعند الشافعي يجب تعريف لقطة الحرم إلى مجيء صاحبها
ويجوز التقاط البهيمة الضالة ما لم يخف ضياعها
وفي البحر وإن كان مع اللقطة ما يدفع به عن نفسه كالقرن للبقرة وزيادة القوة في البعير بكدمه ونفحه يقضى بكراهية الأخذ وبه علم أن التقاط البهيمة على ثلاثة أوجه لكن ظاهر الهداية أن صورة الكراهية إنما هي عند الشافعي لا عندنا وإنما قيدنا بالضالة لأن من رأى دأبة في غير عمارة أو برية لا يأخذها ما لم يغلب على ظنه أنها ضالة بأن كانت في موضع لم يكن بقربه بيت مدر أو شعر أو قافلة ضالة أو دواب في مرعاها كما في أكثر الكتب وقيدنا بما لم يخف ضياعها لأنه إن خافه لا يسعه تركه كما في الولوالجية فعلى هذا علم أن المصنف أخل بتركهما تأمل
وفي القاموس البهيمة كل ذات أربع ولو في الماء أو كل حي لا يمير والجمع بهائم انتهى فشمل الدواب والطيور والإبل والبقر والغنم والدجاج والحمام الأهلي كما في الحاوي
وفي البحر ومن أخذ بازيا أو شبهه وفي رجليه سبرا وجلاجل فعليه أن يعرفه للتيقن بثبوت يد الغير
____________________
(2/527)
عليه قبله وكذا لو أخذ ظبيا وفي عنقه قلادة أو حمامة في المصر يعرف أن مثلها لا يكون وحشية فعليه أن يعرفها
وفي التنوير محضنة حمام اختلط بها أهلي لغيره لا ينبغي له أن يأخذه وإن أخذه طلب صاحبه ليرده عليه فإن فرخ عنده فإن كانت الأم غريبة لا يتعرض لفرخها وإن كانت الأم لصاحب المحضنة والغريب ذكر فالفرخ له ولم يذكر هل يلزم الجعل أو لا
وفي المنح ولو التقط لقطة أو وجد ضالة فرده على أهله لم يكن له جعل وإن عوضه شيئا فحسن ولو قال من وجده فله كذا فأتى به إنسان يستحق أجرة مثله كما في التتارخانية وعلله في المحيط بأنها إجارة فاسدة لكن فيه نظر لأنه لا قبول لهذه الإجارة فلا إجارة أصلا كما في البحر هذا مسلم إن وجده قبل هذا القول أما إن وجده بعده فيستحق الأجرة مثله تأمل
وهو أي الملتقط متبرع في إنفاقه عليها أي على اللقطة بلا إذن حاكم أي سلطان أو قاض لقصور ولايته فلا يرجع إلى ربها
وإن أنفق عليها بإذنه أي الحاكم بشرط الرجوع فدين على ربها فله الرجوع لأن للقاضي ولاية في مال الغائب وعلى اللقيط نظرا لهما وقد يكون النظر بالاتفاق قيده بشرط الرجوع لأنه لو أمره ولم يقل على أن ترجع لا يكون دينا في الأصح
له أي للملتقط أن يحبسها أي اللقطة عنه أي عن
____________________
(2/528)
اللاقط حتى يأخذه أي يأخذ ما أنفقه كحبس المبيع لأجل الثمن فإن امتنع صاحبها عن أداء ما أنفقه بيعت اللقطة في حق النفقة كالرهن فإن هلكت أي العين في يد الملتقط بعد الحبس سقط الدين كالرهن
وإن هلكت قبله لا أي لا يسقط هذا الدين لأنها أمانة
ويؤجر القاضي ولو حكما كما إذا أذن الملتقط أن يؤجر ما له منفعة يعني إذا رفع ذلك إلى الحاكم نظر فيه فإن كان للبهيمة منفعة آجرها وينفق منها أي من الأجرة لأن فيه إبقاء العين على مالكه من غير إلزام الدين عليه وما لا منفعة له من اللقطة يأذن القاضي للملتقط بالاتفاق عليها إن كان الإنفاق أصلح لربها من البيع ورجع عليه
إذا أقام الملتقط البينة أنها لقطة أي لا يأذن القاضي بالإنفاق ولا بالبيع حتى يقيم البينة أنها لقطة عنده في الصحيح لأنه يحتمل أن يكون غصبا في يده فيحتال لإيجاب النفقة على صاحبها وهذه البينة إنما هي لكشف الحال فتقبل مع غيبة صاحبها
وإن قال الملتقط لا بينة لي يقول القاضي له أي للملتقط أنفق عليها أي على اللقطة إن كنت صادقا فيما قلت فحينئذ له الرجوع إن كان صادقا وإلا فلا وقيل ينبغي للحاكم أن يحلفه ثم يأمره بالإنفاق عليها يومين أو ثلاثة أيام على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكها فإذا لم يظهر يأمر ببيعها لأن إدارة النفقة مستأصلة فلا نظر في الإنفاق مدة مديدة كما في الهداية وعن هذا قال وإلا أي وإن لم يكن الإنفاق أصلح بأن كانت النفقة
____________________
(2/529)
تستغرق قيمة اللقطة باعه القاضي الملتقط أو الحيوان فإن ظهر المالك ليس له نقض البيع بإذن الحاكم وإن بغيره أمره إن كان قائما إن شاء أجازه وأخذ الثمن وإن شاء أبطله وأخذ عين ماله وإن كان هالكا إن شاء ضمن البائع ونفذ البيع من جهة البائع في ظاهر الرواية وبه أخذ عامة المشايخ وإن شاء ضمن المشتري كما في الفتح وأمر للملتقط بحفظ ثمنه أي ثمن الملتقط أو الحيوان إبقاء له معنى عند تعذر إبقائه صورة ولو أنث الضمير فيهما لكان أولى تأمل
وللملتقط أن ينتفع باللقطة بعد التعريف لو كان فقيرا لأن صرفه إلى فقير آخر كان للثواب وهو مثله
وفي الظهيرية لو باعها الفقير وأنفق الثمن على نفسه ثم صار غنيا يتصدق بمثله على المختار وإن كان الملتقط غنيا تصدق بها أي اللقطة على فقير بعد التعريف ولو بلا إذن الحاكم ويجوز للغني الانتفاع بإذنه على وجه القرض كما في أكثر المعتبرات لكن في الخانية خلافه في الصورتين تتبع
ولو كان تصدق على أبويه أو ولده إلا أن يكون الولد صغيرا لأن الولد يعد غنيا بغناء أبيه أو زوجته لو كانوا فقراء لأنهم محل الصدقة إلا إذا عرف أنها لذمي وأنها توضع في بيت المال
وإن كانت اللقطة حقيرة بحيث يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنوى وقشور الرمان والبطيخ في مواضع متفرقة والسنبل بعد الحصاد ينتفع بها بدون تعريف لأن إلقاءها إباحة للأخذ دلالة وللمالك أخذها لأن التمليك من المجهول لا يصح
وفي البزازية لو وجدها مالكها في يده له أخذها إلا إذا قال عند الرمي من أخذها فهي له لقوم معلومين وكذا الحكم في التقاط السنابل بعد جمع غيره فإنه يعد دناءة وإنما قيدنا بالمواضع المتفرقة لأنها لو مجتمعة فهي من قبيل ما يطلبها صاحبها
وفي البزازية أصابوا بعيرا مذبوحا في البادية إن لم يكن قريبا من الماء ووقع في ظنه أن مالكه أباحه لا بأس بالأخذ والأكل لو طرح ميتة فجاء آخر وأخذ صوفها له الانتفاع به ولو جاء مالكها له أن يأخذ الصوف منه ولو سلخها ودبغ الجلد يأخذه
____________________
(2/530)
المالك ويرد عليه ما زاد الدباغ فيه
وفي الاختيار رجل غريب مات في دار رجل ليس له وارث معروف وخلف مالا وصاحب المنزل فقير فله الانتفاع به بمنزلة اللقطة وفي الخانية خلافه
وفي التنوير مات في البادية جاز لرفيقه بيع متاعه ومركبه وحمل ثمنه إلى أهله
ولا يجب دفع اللقطة إلى مدعيها إلا ببينة لأنها دعوى فلا بد فيها من البينة ويحل الدفع إن بين علامتها من غير جبر أي من غير أن يجبر عليه في القضاء عندنا خلافا للشافعي ولو دفعها إليه بغير قضاء ثم جاء آخر وأقام البينة فله أن يضمن أيهما شاء ولا يرجع القابض على الدفع وإن بقضاء فهو مجبور فيرجع على القابض وفي الهداية ويأخذ منه كفيلا إذا كان يدفعها إليه استيثاقا وهذا بلا خلاف لأنه يأخذ الكفيل لنفسه بخلاف الكفيل لوارث غائب عنده وإذا صدقه قيل لا يجبر على الدفع وقيل يجبر وصحح في النهاية أنه لا يأخذ كفيلا مع إقامة الحاضر البينة
وفي التنوير من عليه ديون ومظالم جهل أربابها وأيس من معرفتهم فعليه التصدق بقدرها من ماله وإن استغرقت جميع ماله ويسقط عنه المطالبة في العقبى
____________________
(2/531)
كتاب الآبق وهو اسم فاعل من أبق إذا هرب من بابي نصر وضرب
وقال بعض الفضلاء الإباق انطلاق الرقيق تمردا ثم قال وإنما أطلقه ليشمل ما إذا تمرد عن غير مالكه انتهى لكن في الحقيقة هو تمرد عن المالك إذ ضرره يرجع إليه والأولى أن يقيد بعلى مولاه تدبر
ندب أخذه أي الآبق لمن قوي عليه أي قدر على حفظه وضبطه بالإجماع لما فيه من إحياء حق المالك هذا إذا لم يخف ضياعه أما إن خاف ضياعه فيفرض أخذه ويحرم أخذه لنفسه كما في التنوير
وكذا الضال وهو الذي لم يهتد إلى طريق منزله من غير قصد إحياء له لاحتمال الضياع وقيل تركه أي الضال أفضل لأنه لا يبرح مكانه فيلقاه مولاه وإن عرف الواجد بيت مولاه فالأولى أن يوصله إليه ويرفعان أي الآبق والضال إلى الحاكم لعجزه عن حفظهما هذا اختيار السرخسي
وقال الحلواني هو بالخيار إن شاء حفظهما بنفسه وإن شاء رفعهما إلى الحاكم
____________________
(2/532)
فيحبس الحاكم الآبق تعزيرا له ولئلا يأبق ثانيا دون الضال فلهذا يؤجر الضال وينفق عليه من غلته ولا يؤجر الآبق بل ينفق عليه من بيت المال دينا على مالكه وإذا طالت المدة يبيعه ويمسك ثمنه فإن جاء صاحبه وبرهن دفع الثمن إليه واستوثق بكفيل إن شاء لجواز أن يدعيه آخر وليس له نقض البيع لأن بيعه بأمر الشرع ولو زعم المدعي أنه دبره أو كاتبه لم يصدق في نقض البيع
وفي التنوير ويحلفه أي القاضي مدعيه مع البرهان بالله ما أخرجه عن ملكه بوجه وإن لم يبرهن وأقر العبد أنه عبده أو ذكر المولى علامته دفع إليه لعدم المنازع بكفيل للاستيثاق وإن أنكر المولى إباقه خوفا من أخذ الجعل منه حلف بالله ما أبق ويدفع إليه
أبق عبده فجاء به رجل وقال لم أجد معه شيئا صدق
ولمن رده أي الآبق إلى مالكه سواء كان الآبق محجورا أو مأذونا من مدة سفر أو أكثر أربعون درهما لا غير ولو بلا شرط استحسانا فلو صالح على خمسين لم يجز الزيادة بخلاف الصلح على الأقل ولو كان الراد رجلين نصف المبلغ بينهما كما أنه لو اشترك الآبق بين رجلين كان المبلغ على قدر نصيبهما ولو رد جارية معها ولد صغير يكون تبعا لأمه فلا يزاد على الجعل شيء
وقال الشافعي لا شيء له إلا بالشرط وهو القياس كما في الضال وإن كانت قيمته أقل من أربعين فقيمته أي فالجعل قيمته إلا درهما عند محمد لأن المقصود إحياء مال المالك فلا بد أن يسلم له شيئا تحقيقا للفائدة وعند أبي
____________________
(2/533)
يوسف أربعون درهما لأن التقدير بها ثبت بالنص أي لا ينقص عنها ولم يذكر قول الإمام
وفي البحر مع محمد فكان المذهب فلهذا قدمه المصنف لكن الذي عليه سائر أصحاب المتون مذهب أبي يوسف كما في المنح تتبع وإن رده الآبق من دونها أي مدة السفر فبحسابه يعني بتوزيع الأربعين على الأيام الثلاثة كل يوم ثلاثة عشر درهما وثلث درهم فقضى بذلك إن رده مسيرة يوم وقيل يكون بتصالحهما واختاره بعض المشايخ وقيل يكون برأي الحاكم وهو الصحيح وعليه الفتوى كما في البحر وإطلاقه مشير إلى أنه لا فرق بين أن يأخذ في المصر أو خارجه وهو المذكور في الأصل وهو الصحيح وعن الإمام لو أخذ في المصر ليس بشيء
وإن أبق الآبق منه أي من الآخذ أو مات في يده لا يضمن إن أشهد وقت الأخذ أنه أخذه ليرده لأنه أمانة وهذا إذا لم يستعمله لحاجة نفسه وإلا فقد ضمن كما في القهستاني وإلا أي لم يشهد عند الأخذ مع التمكن على ذلك فلا شيء له من الجعل إن رده عند الطرفين لأن الإشهاد شرط عندهما خلافا لأبي يوسف ويضمن إن أبق منه على تقدير إن لم يشهد عند الأخذ عندهما لأنه غاصب وعند أبي يوسف لا يضمن أيضا وهو قول الأئمة الثلاثة قال صاحب الفرائد قوله إن أبق منه مستغن عنه هنا لأن صدر الكلام يغني عنه انتهى هذا ليس بشيء لأن التصريح في محل الخلاف لازم فالعجب أنه صرح الخلاف في كتابه تتبع وجعل الرهن أي لو أبق العبد المرهون فالجعل على المرتهن لأنه أحيا دينه بالرد لرجوعه به بعد سقوطه فحصل سلامة ماليته له ولولا ذلك لهلك دينه والرد في حياة الراهن وبعده سواء هذا إذا كانت قيمته مساوية للدين أو أقل ولو كانت قيمته أكثر من الدين فعليه بقدر دينه والباقي على الراهن
وجعل العبد الجاني
____________________
(2/534)
الآبق على المولى إن اختار المولى فداه لعود المنفعة إليه وعلى ولي الجناية إن دفعه أي إن اختار الدفع إلى الأولياء لعودها إليهم هذا إذا جنى الآبق خطأ لأنه لو كان قتل عمدا ثم رده فلا جعل له على أحد وكذا لو جنى الآبق في يد الآخذ ولو جنى بعد إباقه قبل أخذه فلا شيء وإن دفع إلى المولى فعليه الجعل كما في البحر وجعل العبد المديون الآبق من ثمنه إن أبى المولى لأنه عن قضاء الدين ويقدم الجعل على الدين إن بيع فيه أي الدين لأنه مؤنة الملك فيجب على من يستقر له الملك وعلى المولى إن أداه عنه أي الجعل على المولى لأنه اختار قضاء ما عليه من الدين وجعل العبد الموهوب الآبق على الموهوب له وإن وصلية رجع الواهب في هبته بعد الرد لأن المالك له وقت الرد المنتفع به إنما هو الموهوب له ولو وهبه للآخذ فإن كان قبض المولى فلا جعل وإلا فعلى المولى بخلاف ما إذا باعه منه فإن الجعل له مطلقا
وفي التنوير ويجب جعل مغصوب على غاصبه وجعل عبد رقبته لرجل وخدمته لآخر على صاحبه الخدمة في الحال فإذا مضت المدة رجع به على صاحب الرقبة ويباع العبد به وأمر نفقته كاللقطة أي حكم نفقة الآبق كحكم نفقة اللقطة في جميع الأحكام غير أنه لا يؤجره بخلاف اللقطة كما مر
والمدبر وأم الولد كالقن لأنهما مملوكان للمولى ويستكسبها كالقن بخلاف المكاتب لأنه ليس بمملوك يدا هذا إذا ردهما في حياة المولى وإن ردهما بعد موته فلا جعل له لأن أم الولد تعتق بموته وكذا المدبر إن خرج من الثلث وإن لم يخرج فكذلك
____________________
(2/535)
عندهما إذ العتق لا يتجزأ عندهما وعنده يصير كالمكاتب فلا جعل كما في أكثر الكتب لكن عدم تجزي العتق متفق عليه وإنما الاختلاف بينهم في تجزي الإعتاق وعدمه إلا أن يقال إن هذا يكون دليلا للجميع وهو لا ينافي ذكر دليل مستقبل بعده للإمام تدبر
وإن كان الراد أبا المولى أو ابنه وهو راجع إلى الأب أو الابن على سبيل البدل في عياله أي المولى أو كان وصيه أي وصي المولى أو كان أحد الزوجين أو كان سلطانا أو حافظ طريق أو أمير قافلة أو من في عياله ولو كان أجنبيا وغيرهم كما في القهستاني فلا شيء له لأن العادة جرت بالرد من هؤلاء تبرعا والمالك الصبي كالبالغ فيجب الجعل في ماله مؤنة الملك
____________________
(2/536)
كتاب المفقود من فقده يفقده فقدا أو فقدانا أو فقودا عدمه كما في القاموس ويقال فقدته إذا أضللته أو طلبته وكلاهما متحقق فإنه قد أضله أهله وهم في طلبه
وفي الشرع هو أي المفقود غائب أي بعيد عن أهله ولم يذكر الغائبة لأنه من الأحكام المشتركة لا يدرى أي لا يعلم مكانه ولا حياته ولا موته وفي البحر المدار إنما هو على الجهل بحياته وموته لا على الجهل بمكانه فإنهم جعلوا منه كما في المحيط المسلم الذي أسره العدو ولا يدرى أحي أم ميت مع أن مكانه معلوم انتهى
فعلى هذا قوله مكانه مستدرك تدبر فينصب له القاضي من يحفظ ماله ويستوفي حقه أي يقبض غلاته والدين الذي أقر به غرماؤه
____________________
(2/537)
لأنه من باب الحفظ فلا يخاصم في الدين المجحود الذي تولاه المفقود ولا في نصيب له في عقار أو عروض في يد رجل لأن وكيل القاضي بالقبض ليس وكيل بالخصومة بالإجماع لكن لو قضى به نفذ وتمامه في البحر مما أي من شيء لا وكيل له فيه وأما فيما له فيه وكيل فيستوفيه الوكيل لأنه لا ينعزل بفقد موكله ويبيع منصوب القاضي ما يخاف عليه الهلاك من ماله كالعروض والثمار لأنه لما تعذر حفظه له بصورته كان النظر له في حفظه بمعناه وهو ثمنه قيد بما يخاف عليه لأن ما لا يخاف عليه ذلك لا يبيعه لا في النفقة ولا في غيرها إذ لا نظر في ذلك لأن القاضي نصب لمصالح المسلمين نظرا لمن عجز من التصرف بنفسه والمفقود عاجز بنفسه فكان النظر له في حفظه بصورته وقيل لو نقص عبده أو أرضه بمضي الأيام جاز بيعه وعن الوبري الأولى أن لا يبيع وعنه إن باع نفذ وعنه باع لدينه كما إذا علم كونه حيا غائبا منذ سنين بلا رجوع كما في القهستاني
وينفق منه على زوجته أي الغائب وقريبه ولادا أي من حيث الولاد وهو فروعه وإن سفلوا وأصوله وإن علوا لأن نفقة هؤلاء واجبة بلا قضاء القاضي ويكون القضاء إعانة لهم ولا يكون قضاء على الغائب فلا ينفق على من لا يستحق النفقة إلا بالقضاء كالأخ والأخت وغيرهم من ذوي الرحم المحرم غير الولاد ثم أشار إلى حكمه فقال وهو أي المفقود حي في حق نفسه بالاستصحاب حتى لا تنكح امرأته
وقال مالك والشافعي في قول إذا مضى أربع سنين يفرق القاضي بينهما إن طلبت ثم تعتد عدة الوفاة فلها التزوج بزوج آخر فإن الزوج لا سبيل له عليها وهكذا روي قضاء عمر رضي الله تعالى عنه في الذي استهوته الجن ولنا قوله صلى الله
____________________
(2/538)
تعالى عليه وسلم في امرأة المفقود أنها امرأته حتى يأتيها البيان وقول علي رضي الله تعالى عنه هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يتبين موته أو طلاقه وقد صح رجوع عمر إلى قول علي
ولا يقسم ماله بين ورثته ولا تفسخ إجارته لأن الاستصحاب يصلح لإبقاء ما كان على ما كان ميت في حق غيره لأن الاستصحاب دليل ضعيف غير مثبت فلا يرث المفقود ممن مات أي من أقاربه حال فقده إن حكم بموته يريد أنه لا يرث ممن مات حال فقده لكن لا مطلقا بل إن حكم بموته فيما بعده وهو احتراز عما إذا مات مورثه حال فقده ثم ظهر بعده فإنه يرثه كما سيأتي وقولنا فيما بعده يفهم من تفريعه عليه بقوله فيوقف نصيبه كلا أو بعضا إلى أن يحكم بموته فلا يلزم المحذور كما قيل تأمل فيوقف نصيبه أي نصيب المفقود منه أي من مال من مات قبل الحكم بموته في يد عدل لإمكان حياته كلا لو انفرد وارثا أو بعضا لو معه وارث آخر فلو مات رجل وترك ابنا مفقودا فقط وقف جميع التركة وإن معه بنتين أعطي نصف التركة لهما ووقف النصف الآخر إلى أن يحكم بموته فإن جاء أي المفقود ولو قال فإن ظهر حيا لكان أولى لأنه لو لم يجئ ولكن إن ثبت حياته بالبينة أو غيرها فالحكم كذلك تدبر قبل الحكم به أي بموته فهو أي الموقوف له أي المفقود وإلا أي وإن لم يجئ قبل الحكم بالموت حتى حكم به فلمن أي فالموقوف لمن يرث ذلك المال لولاه أي
____________________
(2/539)
لولا المفقود
وفي التبيين فإن تبين حياته في وقت مات فيه قريبه كان له وإلا يرد الموقوف لأجله إلى وارث مورثه الذي وقف من ماله
وإذا مضى من عمره أي المفقود ما أي مدة لا يعيش إليه أقرانه وهو ظاهر المذهب لكن اختلفوا في المراد بموت أقرانه فقيل من جميع البلاد وقيل من بلده وهو الأصح وهذا أرفق
وقال شيخ
____________________
(2/540)
الإسلام إنه أحوط وأقيس وقيل يفوض إلى رأي الإمام لأنه يختلف باختلاف الأشخاص فإن الملك العظيم إذا انقطع خبره يغلب على الظن في أدنى مدة أنه مات لا سيما إذا دخل مهلكة
وفي التبيين هو المختار وقيل تسعون سنة من وقت ولادته وبه جزم صاحب الكنز وغيره لأن الحياة بعدها نادرة في زماننا ولا عبرة للنادر وعليه الفتوى كما في الكافي والذخيرة وقيل مائة وعشرون سنة
وعن الإمام ثلاثون سنة وعن بعضهم ستون سنة وقيل سبعون سنة وقيل ثمانون سنة
وفي القهستاني وعليه الفتوى في زماننا وعنهما مائة سنة حكم بموته جواب إذا في حق ماله حينئذ أي حين مضى من عمره ما لا يعيش إليه أقرانه ونحوه فلا يرثه من مات قبل ذلك أي قبل الحكم بموته ويقسم ماله بين ورثته الموجودين في وقت الحكم كأنه مات في ذلك الوقت معاينة إذ الحكمي معتبر بالحقيقي وتعتد زوجته للموت عند ذلك أي عند الحكم لا قبله
وفي الدرر وليس للقاضي تزويج أمة الغائب والمجنون وعبدهما وله أن يكاتبها ويبيعهما كذا في العمادية
____________________
(2/541)
كتاب الشركة أوردها عقيب المفقود لتناسبهما بوجهين كون مال أحدهما أمانة في يد الآخر كما أن مال المفقود أمانة في يد الحاضر وكون الاشتراك قد يتحقق في مال المفقود كما لو مات مورثه وله وارث آخر والمفقود حي
والشركة بإسكان الراء لغة خلط النصيبين بحيث لا يتميز أحدهما ويقال الشركة هي العقد نفسه لأنه سبب الخلط فإذا قيل شركة العقد بالإضافة فهي إضافة بيانية
وشرعا هي عبارة عن عقد بين المتشاركين في الأصل والربح وشرعيتها بالسنة فإن النبي عليه الصلاة والسلام بعث والناس يباشرونها فقررهم عليها بإجماع الأمة والمعقول وهي أي الشركة طريق ابتغاء الفضل وهو مشروع بالكتاب وركنها في شركة العين اختلاطهما
وفي العقد اللفظ المفيد له كما سيأتي
هي أي الشركة ضربان شركة ملك وشركة عقد فالأولى أي شركة الملك أن يملك
____________________
(2/542)
اثنان أو أكثر عينا إرثا أو شراء أو اتهابا واستيلاء أي أخذا بالقهر من مال الحربي أو اختلط مالهما بغير صنعهما معطوف على قوله يملك بحيث لا يتميز أحد المالين على الآخر أو يعسر تمييزه أو خلطاه بصنعهما خلطا يمتنع التميز كالبر مع البر أو يعسر كالبر مع الشعير والحاصل أنها نوعان جبرية واختيارية فأشار إلى الجبرية بالإرث فإن من الجبرية الشركة في الحفظ كما إذا هبت الريح بثوب في دار بينهما فإنهما شريكان في الحفظ كما في القهستاني وإلى الاختيارية بشراء ومن الاختيارية أن يوصى لهما بمال فيقبلان فاقتصر على العين قال عينا فأخرج الدين فقيل إن الشركة فيه مجاز لأنه وصف شرعي لا يملك وقد يقال بل يملك شرعا وقد جازت هبته ممن عليه الدين وصحيح في الفتح فعلى هذا لو قال أن يملك متعدد لكان أشمل من الدين والشركة في الحفظ سواء كان المالك اثنين أو أكثر تدبر
وكل منهما أي كل واحد من الشريكين أو الشركاء شركة ملك أجنبي في نصيب الآخر حتى لا يجوز له التصرف فيه إلا بإذن الآخر كغير الشريك لعدم تضمنها الوكالة
ويجوز بيع نصيبه من شريكه في جميع الصور المذكورة لولايته على ماله و بيعه من غيره أي غير الشريك بغير إذنه فيما عدا الخلط أي إلا في صورة الخلط والاختلاط فلا يجوز بيعه من غير إذن شريكه في هاتين الصورتين بلا إذنه والفرق أن الشركة إذا كانت بينهما من الابتداء بأن اشتريا حنطة أو ورثاها كانت كل حبة مشتركة بينهما فبيع كل
____________________
(2/543)
منهما نصيبه شايعا جائز من الشريك والأجنبي بخلاف ما إذا كانت بالخلط والاختلاط لأن كل حبة مملوكة لأحدهما بجميع أجزائها ليس للآخر فيها شركة فإذا باع نصيبه من غير إذن الشريك لا يقدر على تسليمه إلا مخلوطا بنصيب الشريك فيتوقف على إذنه بخلاف بيعه من الشريك للقدرة على التسليم
والثانية أي شركة العقد أن يقول أحدهما شاركتك في كذا أو في عامة التجارات ويقبل الآخر لأنه عقد من العقود فلا بد من الإشارة بركنه وعن هذا قال وركنها أي ماهيتها من الركن يطلق على جميع الأجزاء كما في القهستاني الإيجاب والقبول وشرطها أي شركة العقد عدم ما يقطعها أي الشركة كشرط دراهم معينة من الربح لأحدهما فإنه يقطع الشركة في الربح لاحتمال أن لا يربح غيره
وفي الكافي وشرطها أن يكون التصرف التي عقد الشركة عليه قابلا للوكالة ليكون المستفاد بالتصرف مشتركا بينهما فتحقق حكمها وهو الشركة في المال وهي أي شركة العقد أربعة أنواع وجه الحصر أن الشريكين
____________________
(2/544)
فارغة
____________________
(2/545)
إما أن يذكرا المال في العقد أو لا فإن ذكرا فإما أن يستلزم اشتراط المساواة في ذلك المال في رأسه وربحه أو لا فإن لزم فهي المفاوضة وإلا فالعنان وإن لم يذكراه فإما أن يشترطا العمل فيما بينهما في مال الغير أو لا فالأول الصنائع والثاني الوجوه كما في أكثر المعتبرات لكن قال في العناية وفيه نظر لأنه يوهم أن شركة الصنائع والوجوه مغايرتان للمفاوضة والأولى أن يقول على ثلاثة أوجه شركة بالأموال وشركة بالأعمال وشركة بالوجوه وكل واحد منها على وجهين مفاوضة وعنان فالكل ستة تتبع شركة مفاوضة وهي لغة المساواة والمشاركة مفاعلة من التفويض كأن كل واحد منهما رد ما عنده إلى صاحبه وفيه إشعار بأن المزيد قد يشتق من المزيد إذا كان أشهر وهو خلاف المشهور كما في القهستاني وإنما سمي هذا العقد بها لاشتراط المساواة فيه من جميع الوجوه قال قائلهم لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا أي مساوين فلا بد من تحقيق المساواة ابتداء وانتهاء في مدة البقاء وذلك بالمال وشريعة أن يشترك متساويان أو أكثر تصرفا بأن يقدر كل واحد منهما على جميع ما يقدر عليه الآخر وإلا فات معنى المساواة
وفي الاصطلاح التصرف يعني الكفالة من جهته
____________________
(2/546)
والوكالة لا مطلق التصرف إذ لا بأس في أن يكون بيع أحدهما أو شراؤه أكثر من الآخر ودينا ومالا أي من جهة الدين والمال وربحا لتحقق المساواة من جميع الوجوه فكلما فات شرط من شرائط المفاوضة يجعل عنانا إن أمكن تصحيحه لتصرفهما بقدر الإمكان وتتضمن المفاوضة الوكالة فيصير كل واحد وكيلا عن صاحبه فحقوق عقد كل تنصرف إلى الآخر كما تنصرف إلى نفسه والكفالة فيصير كل كفيلا عن الآخر فيما لحقه من نحو ضمان التجارة والغصب والاستهلاك كما سيأتي وهذه الشركة جائزة عندنا استحسانا وفي القياس لا يجوز وهو قول الشافعي
وقال مالك لا أعرف ما المفاوضة وجه القياس أنها تضمنت الوكالة بمجهول الجنس والكفالة بمجهول وكل ذلك بانفراده فاسد وجه الاستحسان قوله عليه الصلاة والسلام فاوضوا فإنه أعظم للبركة وكذا الناس تعاملوها من غير نكير وبه يترك القياس والجهالة محتملة تبعا كما في المفاوضة ثم فرعه فقال فلا تجوز هذه الشركة بين مسلم وذمي عند الطرفين فتجوز بين المسلمين والذميين والكتابي والمجوسي لأن الكفر ملة واحدة خلافا لأبي يوسف لتساويهما في أهلية الوكالة والكفالة وزيادة أحدهما في التصرف لا يمنعها كما أن المفاوضة جائزة بين الحنفي والشافعي ومع أنه يتصرف في بيع متروك التسمية وشرائه دون الحنفي إلا أنه يكره لأن الذمي لا يهتدي إلى الجائز من العقود كما في أكثر المعتبرات لكن هذا الدليل جاز في شركة العنان أيضا فيلزم أن يكره عنده وليس كذلك تدبر
ولهما أنه لا تساوي في التصرف فإن الذمي لو اشترى برأس المال خمورا أو خنازير صح ولو اشتراها مسلم لا يصح والشريك الشافعي يمكن إلزامه بالدليل الشرعي في متروك التسمية لأن ذلك مجتهد فيه و لا كذلك الذمي إذ ليس لنا ولاية الإلزام عليه كما في أكثر
____________________
(2/547)
المعتبرات لكن في إطلاق التعليل كلام تأمل
ولا تجوز بين حر وعبد لعدم التساوي في التصرف
و لا بين بالغ وصبي ولا بين صبيين أو عبدين والأولى بالواو هذا وما بعده أو مكاتبين لعدم صحة الكفالة من هؤلاء ولا بد في هذه الشركة من لفظ المفاوضة لأن هذا اللفظ يغني عن تعداد شرائطها أو بيان جميع مقتضياتها يعني لو لم يذكر لفظ المفاوضة وبينا جميع مقتضاها صح اعتبارا للمعنى
ولا يشترط في صحة الشركة تسليم المال لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود ولا يشترط خلطه لأن المقصود الخلط في المشترى وكل واحد منهما يشتري بما في يده بخلاف المضاربة لأنه لا بد من التسليم ليتمكن من الشراء ويشترط حضور المال عند العقد أو عند الشراء لأن الشركة تتم بالشراء لأن الربح به يحصل كما في الاختيار وما اشتراه كل واحد منهما سوى طعام أهله وكسوتهم فلها عملا بعقد المفاوضة وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف فكان شراء أحدهما كشرائهما وأراد بالمستثنى ما كان من حوائجه كالسكنى والركوب لحاجته وكذا الإدام والجارية التي يطؤها بإذن شريكه فليس الكل على الشركة لكن للبائع أن يطالب بثمن الطعام وغيره أيهما شاء المشتري بالأصالة ولصاحبه بالكفالة ويرجع الآخر بما أدى على المشتري بقدر حصته كما في البحر وكل دين لزم أحدهما بما تصح فيه الشركة من العقد كبيع سواء كان جائزا أو فاسدا وشراء واستئجار لزم الآخر تحقيقا للمساواة ولتضمنها الكفالة قيد بما تصح فيه الشركة لأن ما لا تصح فيه كالنكاح والخلع والنفقة والجناية والصلح عن دم عمد فإنه لا يضمن ما لزم الآخر لأنها ليست من التجارة
وإن لزم أحدهما دين بكفالة بأمر لزم الآخر يعني لو كفل أحد المفاوضين أجنبيا بمال بإذن المكفول عنه لزم صاحبه
____________________
(2/548)
عند الإمام خلافا لهما لأن الكفالة تبرع حتى لا تصح ممن ليس بأهله وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما يلزمه بالتجارة دون التبرع ولهذا لا تصح الهبة والصدقة والإقراض من أحدهما في حق شريكه فصارت كالكفالة بالنفس وله أنها تبرع ابتداء ولكنها تنقلب مفاوضة بقاء لأنه يرجع بما يؤدي على المكفول عنه إذا كفل بأمره وكلامنا في البقاء بخلاف الكفالة بالنفس لأنها تبرع ابتداء وبقاء
وكذا لزم الآخر إن لزم أحدهما دين بغصب يعني لو غصب أحد المفاوضين شيئا وهلك في يده يلزم الآخر عند الطرفين خلافا لأبي يوسف أي لا يلزم الآخر لأنه ليس من ضمان التجارة ولهما أن المضمون يكون مملوكا عند الضمان مستندا إلى وقت القبض فيلتحق بضمان التجارة وفي الكفالة بلا أمر المكفول عنه لا يلزمه في الصحيح لانعدام معنى المفاوضة ابتداء وانتهاء
وفي المنح إذا ادعي على أحد المفاوضين فاستحلف فأراد المدعي استحلاف الآخر فإن القاضي يستحلفه على فعل نفسه فأيهما نكل يمضي الأمر عليهما لأن إقرار أحدهما كإقرارهما ولو ادعى على أحدهما وهو غائب كان له أن يستحلف الحاضر على علمه لأنه فعل غيره فإن حلف ثم قدم الغائب كان له أن يستحلفه ألبتة فلو حلف ثم أراد أن يستحلف شريكه لم يكن له ذلك
وفي المجمع وإقراره أي إقرار أحد المفاوضين للأب بدين غير لازم لشريكه عند الإمام خلافا لهما ولو ادعى مفاوضة على آخر فأنكر الآخر فبرهن المدعي ثم ادعى ذو اليد ملكيته في عين ببينة يردها أي أبو يوسف البينة وقبلها أي محمد ببينة ذي اليد ودليل الطرفين مذكور في شرحه
هذا إذا لم يذكر ملك العين في دعوى المفاوضة وإن ذكرها لا تقبل بينة ذي اليد اتفاقا
ولو استحق رجل عقارا ببينة فبرهن ذو اليد على تجديد بناء فيه اطرد الخلاف أي قال أبو يوسف لا تقبل
____________________
(2/549)
بينته وقال محمد تقبل
وإن ورث أحدهما أي أحد المفاوضين ما تصح به والأولى فيه الشركة من النقدين وغيرهما أو وهب له أي لأحد المتفاوضين تصدقا أو غيره وقبضه الموهوب له صارت المفاوضة عنانا لأن المساواة فيما يصلح رأس المال المشتركة ابتداء وبقاء شرط بالمفاوضة وقد فاتت بقاء لعدم مشاركة الآخر له في الإرث والهبة لأنه إنما يشاركه فيما يحصل بسبب التجارة أو ما يشبهها وليست المساواة شرطا في العنان فانقلبت عنانا
وكذا تنقلب عنانا إن فقد فيها أي المفاوضة شرط لا يشترط في العنان لما قلنا من زوال المساواة وإن ورث أحدهما عرضا أو عقارا بقيت مفاوضة لأنهما مما لا تصح فيه الشركة فلا تشترط المساواة ولو قال ما لا تصح فيه الشركة مكان عرضا أو عقارا لكان أولى لأنه لو ورث أحدهما دينارا وهو دراهم أو دنانير لا تبطل حتى يقبض لأن الدين لا تصح الشركة فيه فإذا قبض بطلت المفاوضة كما في المنح وكذا لو عمم الإرث لكان أولى لأن حكم الهبة والوصية وغيرهما كذلك تدبر
ولا تصح مفاوضة ولا عنان إلا بالدراهم أو الدنانير باتفاق أصحابنا جميعا أو بالفلوس النافقة أي الرائجة عند محمد لأنها تروج كالأثمان فأخذت حكمها خلافا لهما لأن الرواج في الفلوس عارض ثبت باصطلاح الناس وذا يتبدل ساعة فساعة فيصير عرضا فلا يصلح أن يكون رأس المال وذكر الكرخي قول أبي يوسف مع محمد لكن الأقيس مع الإمام
وفي القهستاني والفتوى على قول محمد
وقال الإسبيجابي في المبسوط الصحيح أنها على الفلوس تجوز على قول الكل لأنها صارت ثمنا باصطلاح الناس كما في الكافي أو بالتبر أي جوهر الذهب والفضة قبل أن يضربا وقد يطلق على غيرهما من المعدنيات كالنحاس والحديد وأكثر اختصاصه بالذهب ومنهم من جعله في الذهب حقيقة وفي غيرها
____________________
(2/550)
مجازا والنقرة أي القطعة المذابة من الذهب والفضة كما في المغرب والمراد غير المضروبة فهي مستدركة بالتبر كما في القهستاني إن تعامل الناس بهما قيد به لأنه جعل في شركة الأصل والجامع الصغير أن التبر بمنزلة العروض فلم يصلح رأس مال الشركة والمضاربة وجعل في صرف الأصل كالأثمان حتى لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل التسليم فيجوز الشركة به لأنهما خلقا ثمنين وجه الأول وهو ظاهر المذهب أن الثمنية تختص بالضرب المخصوص لأنه عند ذلك لا يصرف إلى شيء آخر ظاهرا إلا أن يجري التعامل باستعمالها ثمنا فينزل التعامل بمنزلة الضرب فيكون ثمنا ويصلح رأس المال
ولا تصحان أي المفاوضة والعنان بالعروض أي بكون مالهما عروضا لأن الشركة تؤدي إلى ربح ما لم يضمن لأنه لا بد من بيعها فإذا باع أحدهما عروضه بألف وباع الآخر عروضه بألف وخمسمائة ومقتضى العقد الشركة في الكل فما يأخذه صاحب الألف زيادة على ألف بربح ما لا يضمن وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن إلا أن يبيع أحدهما نصف عرضه أي نصف ماله من العروض بنصف عرض الشريك الآخر منه ليصير العرض مشتركا بينهما أولا شركة ملك حتى لا يجوز لكل واحد منهما حينئذ أن يتصرف في نصيب الآخر ثم يعقد الشركة بعد ذلك إن شاءا مفاوضة وإن شاءا عنانا فيصير العرض رأس مال شركة المفاوضة أو العنان ويجوز لكل واحد منهما حينئذ أن يتصرف في نصيب الآخر وهذه حيلة لمن أراد الشركة مفاوضة وعنانا بالعروض هذا إذا تساويا قيمة فلو تفاوتا بأن يكون قيمة متاع أحدهما أربعمائة وقيمة الآخر مائة باع صاحب الأقل أربعة أخماس عرضه بخمس عرض الآخر فيصير المال بينهما أخماسا كما في النهاية لكن في التبيين كلام فليطالع
ولا تصح بالمكيل والموزون والعددي المتقارب احترازا عن المتفاوت فإنه لا يجوز مطلقا قبل الخلط
____________________
(2/551)
اتفاقا لأنه يتعين بالتعيين فينزل منزلة العروض
وإن خلطا أي الشريكان جنسا واحدا ثم اشتركا فيه فشركة عقد عند محمد لأن المكيل والموزون والمعدود ثمن من وجه لأنه يصح الشراء به دينا في الذمة وعرض من وجه لأنه يتعين بالتعيين فعملنا بالشبهين بالإضافة إلى الحالين أي الخلط وعدمه بخلاف العروض لأنها ليست ثمنا بحال
و شركة ملك عند أبي يوسف وهو ظاهر الراوية لتعينه بعد الخلط أيضا وما يتعين بالتعيين لا يصلح أن يكون رأس مال الشركة وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا تساويا في المالين واشترطا التفاضل في الربح فعند أبي يوسف لا يجوز لأن الربح يكون بقدر الملك وعند محمد يجوز
وإن خلطا جنسين كخلط الحنطة بالشعير مثلا لا تنعقد الشركة اتفاقا وإن كانت شركة الملك ثابتة والفرق لمحمد أن المخلوط من جنس واحد من ذوات الأمثال ومن جنسين من ذوات القيم فتمكن الجهالة كما في العروض وإذا لم تصح الشركة فحكم الخلط هنا كحكم الخلط في الوديعة كما سيأتي إن شاء الله تعالى
وشركة عنان معطوف على شركة مفاوضة بالكسر إما اسم من العن مصدر عن يعن بالضم والكسر أي عرض قال ابن السكيت كأنه عن لهما شيء فاشتركا فيه أو من العن بمعنى الحبس فكأنه حبس بعض ماله عن الشركة أو حبس شريكه عن بعض التجارة أو من عنان الدابة لأن الفارس يمسك العنان بإحدى يديه ويتصرف بالأخرى كيف شاء فكذا شريك العنان يشارك ببعض ماله ويتصرف في البقية كيف شاء وإما مصدر عانه أي عارضه فكأن كل واحد يعارض الآخر وهي أي شركة العنان أن يشتركا متساويين فيما ذكر أي في المفاوضة أو غير متساويين وفيه كلام لأنه إذا اشتركا متساويين في جميع ما ذكر في المفاوضة تكون شركة المفاوضة لا العنان إلا أن يقال أن يشتركا متساويين في جميع ما ذكر مع عدم الاشتراط أو أن يشتركا متساويين من وجه لكنه بعيد تدبر وتتضمن أي شركة العنان الوكالة لأن المقصود من الشركة وهو التصرف في
____________________
(2/552)
مال الغير لا يكون إلا بها عند عدم الولاية دون الكفالة لأنها إنما تثبت في المفاوضة لضرورة المساواة والعنان لا يقتضيها
وتصح أي شركة العنان في نوع من التجارات كالبر ونحوه أو في عمومها أي في عموم التجارات وببعض مال كل منهما وبكله أي وبكل مال كل منهما لعدم اشتراط التساوي
و تصح مع التفاضل في رأس المال بأن يكون لأحدهما ألف وللآخر ألفان مثلا والربح بأن يكون ثلثا الربح لأحدهما وثلثه للآخر
و تصح مع التساوي فيهما أي في رأس المال والربح وفي أحدهما دون الآخر أي التساوي في رأس المال والتفاضل في الربح وعكسه عند عملهما و تصح مع زيادة الربح للعامل عند عمل أحدهما
وقال زفر ومالك والشافعي لا تصح المساواة في المال والتفاضل في الربح وعكسه لأن الربح فرع المال فيكون بقدر الشركة في الأصل ولنا قوله عليه الصلاة والسلام الربح على ما شرطا والوضيعة على قدر المالين مطلقا بلا فصل
وفي البحر ثم المسألة على ثلاثة أوجه الأول أن يشترطا العمل عليهما والربح بينهما نصفين والوضيعة على قدر رأس المال فإن عمل أحدهما دون الآخر فالربح بينهما على ما شرطا وإن شرطا العمل على أكثرهما ربحا جاز وإن شرطاه على أقلهما ربحا خاصة لا يجوز الربح بينهما وعلى قدر رأس مالهما
وفي التبيين وإن شرطاه للقاعد أو لأقلهما عملا فلا يجوز
و تصح مع كون مال أحدهما دراهم صحاحا أو مكسورة بيضاء أو سوداء أي رديئة الفضة و مال الآخر دنانير سواء
____________________
(2/553)
كانا متساويين في القيمة أو لا وفيه إشعار بأن المفاوضة لا تصح مع اختلاف رأس المال وهذا رواية عن الشيخين وفي ظاهر الراوية أنه يصح إذا تساويا في القيمة كما في القهستاني
ولا يشترط الخلط فيها أي في هذه الشركة أيضا أي كالمفاوضة خلافا لزفر والشافعي ولفظ أيضا قيد لهما لا للخلط فقط والوضيعة الحطيطة أي بأن هلك جزء من المال على قدر المال وإن وصلية شرطا غير ذلك لما روينا آنفا وما شراه كل واحد منهما طولب بثمنه أي ثمن المشترى هو أي المشتري فقط فلا يطالب بمشترى الآخر لأن هذه الشركة تتضمن الوكالة دون الكفالة والمباشر هو الأصيل في الحقوق فتتوجه المطالبة إليه دون صاحبه ورجع الآخر على شريكه بحصته منه أي من الثمن إن أداه ماله ولأنه وكيل في حصته وإن اختلافا بأن ادعى أنه اشترى عبدا للشركة وهلك وعليه البينة لأنه يدعي عليه حق الرجوع وهو ينكر فالقول قوله وفيه إشعار بأنه إن ادعاه من مال الشركة لم يرجع
وتبطل الشركة بهلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء لأنها عقدت لاستنماء المال فلا يتصور بعد هلاكه وهو أي الهلاك على مالكه أي مالك المال قبل الخلط حيث هلك في يده أو في يد الآخر لأن رأس مال كل منهما قبل الخلط باق على ملكه بعد العقد فلا ضمان إن هلك في يده وإن في يد صاحبه فهو أمين لا يضمن وعليهما أي على الشريكين إن هلك بعده أي بعد الخلط لأنه لا يتميز هذا تصريح بما علم في ضمن قوله وهو على مالكه قبل الخلط ولو اكتفى بالأول لكفى فإن هلك مال أحدهما قبل أن يشتري شيئا بعدما شرى الآخر بماله شيئا فالمشترى بينهما لأن عقد الشركة كان قائما وقت الشراء فلا يتغير حكمه بهلاك مال الآخر ورجع المشتري على شريكه بثمن
____________________
(2/554)
حصته لأنه اشترى نصفه بالوكالة وقد قضى الثمن من ماله فيرجع عليه بحسابه
وإن هلك مال أحدهما قبل شراء الآخر فإن كان وكله حين الشركة صريحا فالمشتري لهما شركة ملك ورجع بحصته أي إن لم يشتر أحدهما شيئا وهلك ماله ثم اشترى الآخر بماله إن صرحا بالوكالة في عقد الشركة فالمشترى مشترك بينهما على ما شرطا لأن الشركة إن بطلت فالوكالة المصرح بها قائمة فكان مشتركا بحكم الوكالة ويكون شركة ملك ويرجع على شريكه بحصته من الثمن وإلا أي وإن لم يصرح بالوكالة حين الشركة بل ذكرا مجرد الشركة فللمشتري أي يكون المشترى الذي اشتراه فقط لأن في الوقوع على شركة حكم الوكالة التي تتضمنها الشركة فإذا بطلت يبطل ما في ضمنها ولكل من شريكي المفاوضة والعنان أن يبضع أي يجعل المال بضاعة المراد هنا دفع المال للآخر ليعمل فيه على أن يكون الربح لرب المال لأنه من عادة التجار ويضارب أي يدفع المال مضاربة وأما لو أخذه مضاربة فإن كان يتصرف فيما ليس من جنس تجارتهما فهو له خاصة وكذا إن أخذ مضاربة بحضرة صاحبه ليتصرف فيما هو من تجارتهما وأما إذا أخذ المال مضاربة ليتصرف فيما كان من تجارتهما أو مطلقا حال غيبة شريكه يكون الربح مشتركا بينهما
وعن الإمام أن الشريك لا يضارب لأنه نوع شركة والأول أصح وهو رواية الأصل لأن الشركة غير مقصودة وإنما المقصود تحصيل الربح كما إذا استأجره بأجر بل أولى لأنه تحصيل بدون ضمان في ذمته بخلاف الشركة حيث
____________________
(2/555)
لا يملكها لأن الشيء لا يستتبع مثله كما في الهداية وبهذا علم أنه ليس للشريك أن يشارك بخلاف المضاربة ويستأجر ويوكل من يتصرف فيه لأن التوكيل بالبيع والشراء ومن توابع التجارة بخلاف الوكيل بالشراء حيث لا يملك أن يوكل غيره كما في الهداية ويودع ويبيع بنقد ونسيئة ويسافر لأن كلا منهما من توابع التجارة ومؤنة السفر والكراء من رأس المال
وفي القهستاني أن لكل من المفاوضين ما ذكره وأن يعير استحسانا ويؤجر ويستقرض ويكاتب ويأذن عبد الشركة ويزوج الأمة ويخاصم ويرهن ويرتهن وليس ذلك لأحد شريكي العنان ولا يجوز لشريكي المفاوضة والعنان تزويج العبد ولا الإعتاق ولو على مال والتصدق والهبة والقرض وكذا كل ما كان إتلافا للمال أو كان تمليكا للمال بغير عوض وصح بيع شريك مفاوض ممن ترد شهادته له كأبيه وابنه لإقراره بدين
وفي المحيط لو اشترى أحد شريكي العنان ما هو من جنس تجارتهما وأشهد عند الشراء أنه يشتريه لنفسه فهو مشترك بينهما ولو اشترى شيئا ليس من جنس تجارتهما فهو له خاصة ولو أقال أحدهما فيما باعه الآخر جازت الإقالة ويده أي يد أحد الشريكين كما في أكثر الكتب في المال أي في مال الشركة يد أمانة لأنه قبض المال بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة فصار كالوديعة فيقبل قوله في الدفع لشريكه لأنه أمين ولو بعد موت شريكه ويضمن بالتعدي كما يضمن الشريك بموته مجهلا نصيب صاحبه وهذا هو المذهب والقول بعدم الضمان إذا مات مجهلا غلط كما في البحر
وشركة الصنائع معطوف على قوله وشركة العنان وهي جمع الصنيعة كالصحائف والصحيفة أو جمع صناعة كرسائل ورسالة فإن الصناعة كالصنيعة حرفة الصانع وعمله ولذا يقال شركة المحترفة
و شركة التقبل من قبول أحدهما العمل وإلقائه على صاحبه وهي أي شركة الصنائع والتقبل أن يشترك خياطان أو صباغ وخياط على أن يتقبلا الأعمال أي محلها فإن العمل عرض لا يقبل القبول ويكون الكسب بينهما
وقال
____________________
(2/556)
الشافعي لا تجوز هذه الشركة وهذه إحدى الروايتين عن زفر لأن الشركة في الربح تبتني على الشركة في رأس المال على أصلهما ولا مال لهما فكيف يتصور التمييز بدون الأصل ولنا أن المقصود تحصيل المال بالتوكيل وهذا مما يقبل التوكيل فيجوز وفيه تنبيه على أن اتحاد العمل والمكان ليس بشرط خلافا لمالك وزفر فيهما لعجز كل منهما عن الصنعة التي يتقبلها شريكه ولنا أن صحة هذه الشركة باعتبار الوكالة والتوكيل
____________________
(2/557)
فارغة
____________________
(2/558)
فارغة
____________________
(2/559)
فارغة
____________________
(2/560)
بتقبل العمل صحيح والعمل ليس بلازم على الموكل فله أن يقيمه بأجرة
ولو شرطا أي الشريكان العمل نصفين والربح أثلاثا جاز لأن الأجر بدل عمليهما وأنهما يتفاوتان فيكون أحدهما أجود عملا وأحسن صناعة فيجوز والقياس أن لا تجوز وهو قول زفر لأنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن لأن الضمان بقدر العمل فالزيادة عليه زيادة ربح ما لم يضمن وجه الاستحسان أن الوجوه هنا ليس بربح لأن الربح يقتضي المجانسة بينه وبين رأس المال ولا مجانسة لأن رأس المال هو العمل والربح مال فكان بدل العمل كما بينا وفيه إشعار بأن هذه الشركة عنان ومفاوضة عند استجماع الشرائط والمطلق ينصرف إلى العنان فإنه المتعارف كما في الكافي
وكل عمل تقبله أحدهما يلزمهما أي الشريكين لأنه تقبله لنفسه بالأصالة ولشريكه بالوكالة فعلى كل واحد منهما الطلب بالعمل ولكل منهما طلب الأجر ويبرأ الدافع بالدفع أي بدفع الأجر إلى أحدهما وهذا ظاهر في المفاوضة وفي غيرها استحسان لا قياس لأن الكفالة مقتضى المفاوضة والشركة هنا مطلقة وجه الاستحسان وهو أن هذه الشركة مقتضية للضمان ألا يرى أن ما
____________________
(2/561)
يتقبله كل واحد منهما مضمون على الآخر ولهذا يستحق الأجر بسبب نفاذ تقبله عليه فجرى مجرى المفاوضة في ضمان العمل واقتضاء البدل
و يكون الكسب أي الأجر بينهما وإن عمل أحدهما فقط أما الذي عمل فظاهر وأما الذي لم يعمل فلأنه لما لزمه العمل بالتقبل وكان ضامنا له استحق الأجر بالضمان ولزوم العمل
وشركة الوجوه أي شركة ابتذال الشركاء إذ لا مال لهم ولا علم ولذا يقال لها شركة المفاليس وفيه مجاز من وجوه كما في القهستاني أو لأن بناءها على وجاهتهما بين الناس وشهرتهما بحسن المعاملة إذا لا بد منه في الشراء نسيئة فسميت بها وهي أي شركة الوجوه أن يشتركا ولا مال لهما على أن يشتريا بوجوههما أي ليشتريا بلا نقد الثمن بسبب وجاهتهما وأمانتهما عند الناس وصيغة الجمع على طريقة قوله تعالى فقد صغت قلوبكما ويبيعا والربح بينهما أي بايعان فما حصل بالبيع يدفعان منه ما وجب عليهما بالشراء وما فضل يكون بينهما وهذه الشركة لا تجوز عند الشافعي ومالك فإن شرطاها مفاوضة أي نصا على المفاوضة أو ذكرا جميع ما تقتضيه المفاوضة واجتمعت فيها شرائطها صحت فيترتب عليها أحكام المفاوضة فتتضمن الوكالة والكفالة ومطلقها أي مطلق هذه الشركة عنان لأنه المتعارف إلا أن تخصيص شركة الوجوه بذلك لا يخلو عن شيء والأحسن بيان هذا الحكم على وجه يتناول شركة الصنائع أيضا إذ هو يجري فيهما كما مر تدبر وتتضمن هذه الشركة عند الإطلاق الوكالة فقط
____________________
(2/562)
فيما يشتريانه إذ لا يتمكن عليه إلا بالوكالة
فإن شرطا في شركة الوجوه مناصفة المشترى بينهما بالمفاوضة والعنان أو مثالثته أي المشترى في العنان فالربح كذلك مشترك مناصفة أو مثالثة وشرط الفضل في الربح في هذه الشركة على قدر الملك باطل إذ الضمان هنا بقدر الملك في المشترى فالربح الزائد على الملك ربح ما لم يضمن
فصل في الشركة الفاسدة ولا تجوز الشركة فيما لا تصح الوكالة به كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والاستقاء وكذا في أخذ كل مباح كاجتناء الثمار من الجبال والبراري وأخذ الصيد والملح والسنبلة والكحل وجوهر المعادن والأحجار والأتربة والجص وغيرها من موضع يباح أخذه لأن الشركة تقتضي الوكالة والتوكيل إثبات التصرف لمن ليس له ولاية ذلك التصرف وذا لا يوجد في المباحات وما جمعه كل واحد بلا عمل من الآخر ولا إعانته فله لأنه أثر عمله
وإن أعانه الآخر بأن قلعه وجمعه أحدهما وحمله الآخر مثلا فله أي للمعين أجر مثله لا يزاد أجر المثل على نصف ثمن المأخوذ عند أبي يوسف لأنه رضي بنصف المأخوذ وهو المختار عند المصنف بناء على تقديمه خلافا لمحمد فإن عنده له أجر المثل بالغا ما بلغ وهو المختار عند البعض لأن المسمى مجهول والرضا بالمجهول لغو وما أخذاه معا فلهما نصفين لاستوائهما في الأخذ وإن أخذاه منفردين وخلطاها وباعاها قسم الثمن بينهما
____________________
(2/563)
على قدر ملكهما فإن لم يعرف قدر ملك كل منهما صدق كل على النصف مع اليمين وأقيم البينة على الزيادة كما في القهستاني
وإن كان لأحدهما بغل وللآخر راوية فاستقى أحدهما فالكسب كله له أي الذي استقى وللآخر أجر مثل ماله أي أجر مثل البغل إن كان المستقي صاحب الراوية وأجر مثل الراوية إن كان صاحب البغل
وفي البحر دفع دابته إلى رجل يؤاجرها على أن الأجر بينهما فالشركة فاسدة والأجر لصاحب الدابة وللآخر أجر مثله وكذا في السفينة والبيت
والربح في الشركة الفاسدة على قدر المال ويبطل شرط الفضل حتى لو كان المال نصفين وشرط الربح أثلاثا فالشرط باطل ويكون الربح نصفين لأن الأصل أن الربح تابع للمال كالربع ولم يعدل عنه إلا عند صحة التسمية ولم تصح
وتبطل الشركة بموت أحدهما أي أحد الشريكين لتضمنها الوكالة وهي تبطل بالموت وإطلاقه شامل لما إذا علم بموت صاحبه أو لم يعلم لأنه عزل حكمي فلا يشترط له العلم بخلاف ما إذا فسخ أحدهما الشركة ومال الشركة دراهم أو دنانير حيث
____________________
(2/564)
يتوقف على علم الآخر لأنه عزل قصدي كما في الهداية وبلحاقه بدار الحرب مرتدا إن حكم به لأنه بمنزلة الموت إذا قضى القاضي بلحاقه فلو عاد مسلما لم تكن بينهما شركة
وفي التنوير وتبطل الشركة بإنكارها وبفسخ أحدهما وبجنونه مطبقا
ولا يزكي أحدهما مال الآخر بعد الحول بلا إذنه لأن ليس من جنس التجارة فلا ينوب عن صاحبه في أدائها فلو أداها لم يجز فإن أذن كل منهما لصاحبه بأن يؤدي الزكاة عنه فأديا بغيبة صاحبه معا أي في زمان واحد ولا يعلم التقديم والتأخير ضمن كل من الشريكين وإن لم يعلم بأدائه حصة صاحبه عند الإمام وعندهما لا يضمن إذا لم يعلم كما في الكافي
وإن أديا متعاقبا ضمن الثاني سواء علم بأداء الأول أو لا عند الإمام وقالا لا يضمن إن لم يعلم فإن علم بأداء صاحبه ضمن
وفي الزيادات لا يضمن علم بأداء شريكه أو لا وهو الصحيح عندهما كما في الكافي وعلى هذا الخلاف الوكيل بأداء الزكاة أو الكفارة إذا أدى الآمر بنفسه مع أداء المأمور أو قبله قوله وقالا لا يضمن مصروف إلى مسألتين معا وإلا تكون المسألة الأولى خالية عن الخلاف ولكن لا يخلو عن التعسف لأن سوق كلامه يشعر بأن الخلاف إنما هو في أدائهما متعاقبا فقط مع أن الخلاف واقع فيهما كما قررناه فالأولى أن يذكر الخلاف فيهما تدبر
وإن أذن أحد المفاوضين لشريكه أن يشتري أمة ليطأها ففعل فهي له خاصة بلا شيء أي لا يغرم لشريكه شيئا عند الإمام ويؤخذ كل بثمنها أي للبائع أن يطالب بكل الثمن أيهما شاء لما عرفت أن المفاوضة تتضمن الكفالة وقالا لا يضمن حصة شريكه وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه أدى دينا عليه خاصة من مال مشترك فيرجع عليه صاحبه بنصيبه وله أن الجارية دخلت في الشركة على البتات جريا على مقتضى الشركة فأشبه حال عدم الإذن
____________________
(2/565)
غير أن الإذن يتضمن هبة نصيبه منه لأن الوطء لا يحل إلا بالملك ولا وجه بإثباته بالبيع لأنه يخالف مقتضى الشركة فأثبتاه بالهبة الثابتة في ضمن الإذن
وفي التنوير ومن اشترى عبدا فقال له آخر أشركني فيه فقال فعلت إن قبل القبض لم يصح وإن بعده صح ولزمه نصف الثمن وإن لم يعلم بالثمن خير عند العلم به ولو قال أشركني فيه فقال نعم ثم لقيه آخر وقال مثله وأجيب بنعم فإن كان القائل عالما بمشاركة الأول فله ربعه وإن يعلم فله نصفه وخرج العبد من ملك الأول
وفي الباقاني معلمان اشتركا لحفظ الصبيان وتعليم القرآن فعلى ما أجزنا في الجواب من الفتوى أن الاستئجار لتعليم القرآن جائز تجوز هذه الشركة
وفي المنح ولا شركة للقراءة بالزمزمة ولا التغاذي لأنها غير مستحقة عليهم ولا تجوز شركة الدلالين في عملهم ثلاثة نفر ليسوا بشركاء تقبلوا عملا من رجل ثم جاء واحد وعمل ذلك كله فله ثلث الأجرة ولا شيء للآخرين
وفي السراجية طاحونة مشتركة بين اثنين أنفق أحدهما في عمارتها لم يكن متطوعا بخلاف ما إذا أنفق على عبد مشترك أو أدى خراج كرم مشترك حيث يكون متطوعا
____________________
(2/566)
567 كتاب الوقف مناسبته للشركة باعتبار أن المقصود بكل منهما الانتفاع بما يزيد على أصل المال هو لغة مصدر وقفه أي حبسه وقفا ووقف بنفسه وقوفا يتعدى ولا يتعدى ويطلق على الموقوف مبالغة فيجمع على الأوقاف ولا يقال أوقفه إلا في لغة رديئة واجتمعت الأمة على جواز الوقف لما روي أنه عليه الصلاة والسلام تصدق بسبع حوائط في المدينة وكذلك الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقفوا والخليل عليه السلام وقف أوقافا هي باقية جارية إلى يومنا وسببه إرادة محبوب النفس في الدنيا بين الإحياء وفي الآخرة التقرب إلى رب الأرباب عز وجل ومحله المال المتقوم القابل للوقف وركنه الألفاظ الخاصة كصدقة موقوفة مؤبدة على المساكين ونحوه وشرطه شرط سائر التبرعات من كونه حرا بالغا عاقلا وأن يكون منجزا غير معلق فلو قال إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده لا تصير وقفا ومن شرائطه الملك وقت الوقف حتى لو غصب أرضا
____________________
(2/567)
فوقفها ثم ملكها لا يكون وقفا ومنها عدم الجهالة ومنها عدم الحجر على الواقف لسفه أو دين ومنها أن لا يلحق به خيار شرط فلو وقف على أنه بالخيار لم يصح عند محمد مطلقا
وقال أبو يوسف إن كان الوقف معلوما جاز وإلا فلا ومنها أن لا يكون للواقف ملة أخرى فلا يصح وقف المرتد إن قتل أو مات على ردته وإن أسلم صح ويبطل وقف المسلم إن ارتد والعياذ بالله تعالى ويصير ميراثا سواء قتل على ردته أو مات أو عاد إلى الإسلام إلا أنه عاد الوقف بعد عود إلى الإسلام ويصح وقف المرتدة لأنها لا تقتل وأما الإسلام فليس بشرط فلو وقف الذمي على ولده ونسله وجعل آخره للمساكين جاز ويجوز الإعطاء لمساكين المسلمين وأهل الذمة وإن خصص فقراء أهل الذمة اعتبر شرطه كالمعتزلي إذا خصص أهل الاعتزال فيفرق على اليهود والنصارى والمجوس منهم إلا إن خصص صنفا منهم فلو دفع القيم إلى غيرهم كان ضامنا وشرط صحة وقفه أن يكون قربة عندنا وعندهم فلو وقف على بيعة فإذا خربت كان للفقراء لم يصح وكان ميراثا لأنه ليس بقربة عندنا كالوقف على الحج والعمرة لأنه ليس بقربة عندهم بخلاف ما إذا وقف على مسجد بيت المقدس فإنه صحيح لأنه قربة عندنا وعندهم فلو أنكر فشهد عليه ذميان عدلان في ملتهم قضي عليه بالوقف
وفي الحاوي وقف المجوسي على بيت النار واليهود والنصارى على البيعة والكنيسة باطل إذا كان في عهد الإسلام وما كان منها في أيام الجاهلية مختلف فيه الأصح أنه إذا دخل عهد عقد الذمة لا يتعرض كما في البحر وشريعة عند الإمام حبس العين ومنع الرقبة المملوكة بالقول عن تصرف الغير حال كونها مقتصرة على حكم ملك الواقف فالرقبة باقية على ملكه في حياته وملك ورثته في وفاته بحيث يباع ويوهب إلا أن ما يأتي من النذر بالمنفعة يأبى عنه ويشكل بالمسجد فإنه حبس على ملك الله تعالى بالإجماع اللهم إلا أن يقال إنه تعريف للوقف
____________________
(2/568)
المختلف فيه كما في القهستاني لكن فيه ما فيه تدبر وإنما قيدنا بالقول لأنه لو كتب صورة الوقفية مع الشرائط بلا تلفظ لا يصير وقفا بالاتفاق
و حبسها على التصدق بالمنفعة على الفقراء وعلى وجه من وجوه الخير ولو قال وصرف منفعته إلى وجه من وجوه الخير لكان أولى لأن الموقوف له لا يلزم أن يكون فقيرا والتصدق لا يكون إلا له تدبر ثم قيل المنفعة معدومة والتصدق بالمعدوم لا يصح فلا يجوز الوقف أصلا عنده والأصح أنه جائز إجماعا إلا أنه غير لازم عنده كالعارية حتى يرجع فيه أي وقت شاء ويورث عنه إذا مات وهو الأصح فلا يلزم ولا يزول ملكه أي ملك المالك المجازي عن العين إلا أن يحكم به حاكم ولاه الإمام فإنه يزول ملكه حينئذ ويصير لازما فلم يصر بعده ملكا لأحد وهذا إذا ذكر الواقف شرائط اللزوم وإلا لم يزل ملكه إلا إذا حكم بلزومه وطريق المرافعة أن يريد الواقف الرجوع بعدما سلمه إلى المتولي محتجا بعدم اللزوم عند الإمام فيختصمان إلى القاضي فيقضي باللزوم على قولهما فيلزم لأنه قضى في محل مجتهد فيه وإنما يحتاج إلى الدعوى عند البعض والصحيح أن الشهادة بالوقف بدون الدعوى مقبولة كما في المنح وغيره لكن هذا الجواب على الإطلاق غير صحيح وإنما الصحيح أن كل وقف هو حق الله تعالى فالشهادة عليه صحيحة بدون الدعوى وكل وقف هو حق العباد فالشهادة لا تصح بدون الدعوى ولا تشترط المرافعة فإنه لو كتب كاتب من إقرار الواقف أن قاضيا من قضاة المسلمين قضى بلزومه صار لازما كما في البحر لكن في الخانية تفصيل فليراجع وإنما قيدنا بولاه الإمام لأنه لو حكما رجلا
____________________
(2/569)
فحكم بلزومه فالصحيح أن الوقف لا يلزم به وهل القضاء به قضاء على الناس كافة كالحرية أو لا وكان يفتي بعض المتأخرين بأن القضاء بالوقف قضاء على كافة الناس
وفي المنح وينبغي أن يفتى به ويعول عليه لما فيه من صون الوقف عن التعرض إليه بالحيل ولما فيه من النفع للوقف لكن في البحر إن القضاء بالوقفية ليس قضاء على الكافة على المعتمد فتسمع الدعوى من غير المقتضى عليه وأما القضاء بالحرية فقضاء على الكافة فلا تسمع الدعوى بعده بالملك لأحد وأما القضاء بالملك لأحد فليس على الكافة بلا شبهة تتبع حتى يظهر لك الحق قيل قائله صاحب الوقاية وغيره أو يعلقه أي الوقف بموته سواء كان في حالة الصحة أو في حالة المرض بأن يقول إذا مت فقد وقفت داري على كذا ثم مات صح
____________________
(2/570)
ولزم إن خرج من الثلث لأن الوصية بالمعدوم جائز وإن لم يخرج منه جاز بقدر الثلث إن لم تجز الورثة وما في البزازية من أنه قال في مرضه أرضي صدقة موقوفة على ابني فلان فإن مات فعلى ولدي وولد ولدي ونسلي ولم تجز الورثة فهي إرث بين كل الورثة ما دام الابن الموقوف عليه حيا فإن مات صارت كلها للنسل غير صحيح والصحيح أن الثلثين ملك والثلث وقف إلا أن يحمل على الوقف الذي خرج من الثلث تتبع
وفي الهداية قال في الكتاب لا يزول ملك الواقف إلا أن يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته وهذا في حكم الحاكم صحيح لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه وأما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبدا فصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدا فيلزمه
وفي البحر ولو قال إذا مت فاجعلوها وقفا فإنه يجوز لأنه تعليق التوكيل لا تعليق الوقف نفسه ونص محمد في السير الكبير أن الوقف إذا أضيف إلى ما بعد الموت يكون باعتباره وصية
وفي المحيط لو قال إن مت من مرضي هذا فقد وقفت أرضي هذه لا يصح الوقف برئ أو مات لأنه تعليق وفي الخانية لو قال أرضي بعد موتي موقوفة سنة جاز وتصير الأرض موقوفة أبدا لأنه في معنى الوصية بخلاف ما إذا لم يضف إلى ما بعد الموت بأن قال أرضي موقوفة سنة لأن ذلك ليس بوصية بل هو محض تعليق أو إضافة ولو قال وقفتها في حياتي وبعد وفاتي مؤبدا فإنه جائز عندهم لكن عند الإمام ما دام حيا كان هذا نذرا بالتصدق بالغلة فكان عليه الوفاء بالنذر وله أن يرجع عنه ولو لم يرجع حتى مات جاز من الثلث وعندهما هو أي الوقف حبس العين وإزالة ملك المالك المجازي مقتصرة على حكم ملك الله المالك الحقيقي تعالى وتقدس على وجه يعود نفعه على العباد فيلزم ويزول ملكه بحيث لا يباع ولا يوهب ولا يورث سواء وجد أحد القيدين المذكورين أو لا لأنه قصد بالوقف استدامة الخير فوجب أن يخرج عن ملكه ويخلص لله تعالى كما لو جعل داره مسجدا وله أن غرضه التصدق بمنفعة ماله وذا يقتضي بقاءه على ملكه
____________________
(2/571)
ولهذا اعتبر شرط الواقف فيه وبقي تدبيره بعده في نصب القيم وتوزيع الغلة بخلاف المسجد فإنه خالص لله تعالى ولهذا لا ينتفع به بشيء من منافع الملك قيل الفتوى على قولهما كما في الكافي وغيره فيجعل الوقف كذلك بمجرد القول أي يلزم ويزول ملكه بمجرد قوله وقفت داري هذه مثلا ولا يحتاج إلى القضاء ولا إلى التسليم عند أبي يوسف وهو قول الأئمة الثلاثة وبه يفتي مشايخ العراق لأنه إسقاط للملك كالإعتاق وعند محمد لا يلزم ولا يزول ملكه ما لم يسلمه أي الموقوف إلى ولي لأن تمليكه إلى الله قصدا غير متحقق فإنما يثبت في ضمن التسليم إلى العبد كالصدقات وبه يفتي مشايخ بخارى وهو المعمول به في زماننا ولما بين مسالك أئمتنا الثلاثة فرع عليها
بقوله فلو وقف وقفا على الفقراء أو بنى سقاية أو خانا أو رباطا لبني السبيل الظاهر أنه قيد للجميع لكن في إصلاح الرباط ما بني في الثغور لتنزل فيه الغزاة انتهى
فعلى هذا قوله لبني السبيل قيد للأولين لا لقوله رباطا فالأولى أن يؤخر قوله رباطا تدبر أو جعل أرضه مقبرة لا يزول ملكه عنه أي في كل ما ذكر إلا بالحكم عند الإمام لأنه ينقطع عنه حق العبد بالحكم أو تعليقه بموته لكن اقتصر على الأول لأن التعليق بالموت كالعدم عنده لضعفه فلهذا أشار بقوله قيل تأمل قال صاحب الفرائد وفيه بحث لأنه يوهم عدم جواز الانتفاع به للواقف وعدم جواز السكون في الخان وعدم جواز النزول في الرباط بعد الحكم وليس كذلك انتهى هذا ليس بشيء لأنه بالحكم يخرج من الملك ويكون مباحا للعامة والواقف من جملتهم فلا إبهام تأمل وعند أبي يوسف يزول بمجرد القول كما هو أصله إذ التسليم عنده ليس بشرط وعند محمد يزول إذا سلمه إلى متول كما هو الأصل عنده
وفي الغاية وعند محمد لا بد من التسليم ولكن في كل باب يعتبر ما يليق به ففي الخان أنه يحصل بالسكنى وفي الرباط بالنزول وفي السقاية بشرب الناس وفي المقبرة بدفنهم ويكتفى إذا وجدت هذه الأشياء من واحد لتعذر اجتماع الناس انتهى
وعنه
____________________
(2/572)
قال واستقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة ولو جعل أرضه طريقا فهو على هذا الخلاف ثم لا فرق في الانتفاع في مثل هذه الأشياء بين الفقير والغني إلا في الغلة حتى لا يجوز الصرف إلا للفقراء وكذا لو وقف أرضا لتصرف غلتها إلى الحجاج أو الغزاة أو طلبة العلم لا تصرف إلى الغني منهم كما في المحيط
وشرط لتمامه أي لتمام الوقف بعد ما لزم بأحد الأمور المذكورة عنده ذكر مصرف مؤبد مثل أن يقول على كذا وكذا ثم على فقراء المسلمين وعند أبي يوسف يصح بدونه أي بدون ذكر مصرف مؤبد لأن الوقف إزالة الملك لله تعالى وذا يقضي التأبيد ولمحمد أن الوقف تصدق بالمنفعة وذا يحتمل أن يكون موقتا ومؤبدا فلا بد من التنصيص وإذا انقطع المصرف صرف إلى الفقراء ولا يعود إلى ملكه إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا فعلم من هذا أن التأبيد شرط ألبتة إلا عند أبي يوسف لا يشترط ذكره وعند محمد يشترط لكن صاحب الهداية نقله بصيغة التمريض فقال قيل التأبيد شرط بالإجماع إلا عند أبي يوسف فإنه لا يشترط ذكر التأبيد
وفي البحر والحاصل أن عند أبي يوسف في التأبيد روايتين في رواية لا بد منه وذكره ليس بشرط
وفي رواية ليس بشرط ويفرع على روايتين ما لو وقف على إنسان بعينه أو عليه وعلى أولاده أو على قرابته وهم يحصون أو على أمهات أولاده فمات الموقوف عليه فعلى الأول يعود إلى ورثة الواقف وعليه الفتوى كما في الفتح وغيره وعلى الثاني يصرف إلى الفقراء وإن لم يسمهم وهذا الصحيح عنده واختلفوا في حد ما لا يحصى روي عن محمد عشرة وعن أبي يوسف مائة وهو المأخوذ عند البعض وقيل أربعون وقيل ثمانون والفتوى على أنه يفوض إلى رأي الحاكم
وصح عند أبي يوسف وقف المشاع مطلقا سواء مما يحتمل القسمة أو لا وبه قال الشافعي
____________________
(2/573)
لأن القسمة من تمام القبض والقبض عنده ليس بشرط فكذا تتمته ولا يصح عند محمد لأن أصل القبض شرط عنده فكذا ما يتم به وهذا فيما يحتمل القسمة وأما ما لا تحتملها كالحمام فيصح عند محمد مع الشيوع كالهبة والصدقة إلا في المسجد والمقبرة فإنه لا يتم مع الشيوع مطلقا بالاتفاق
وفي الدرر وبعض مشايخ زماننا أفتوا بقول أبي يوسف وبه يفتى
و صح جعل غلة الوقف أو بعضها أو الولاية لنفسه أي صح للواقف أن يشترط انتفاعه من وقفه وتوليته لنفسه عند أبي يوسف لأن شرط الواقف معتبر فيراعى كالنص وعليه الفتوى ترغيبا للناس في الواقف كما في أكثر المعتبرات ولو شرط الولاية للأفضل فالأفضل من الأولاد وإن كان كلهم في الفضل سواء تكون الولاية لأكبرهم سنا ذكرا كان أو أنثى ولو كان الأفضل غائبا في موضع أقام القاضي رجلا يقوم بأمر الوقف ما دام الأفضل حيا
وفي الظهيرية إذا شرطها لأفضلهم واستوى اثنان في الديانة والسداد والفضل والرشاد فالأعلم بأمر الوقف أولى وأفتى بعض المتأخرين بالاشتراك بينهما إذا لم يوجد صفة الترجيح في إحداهما لأن أفعل التفضيل ينتظم بالواحد والمتعدد أفضل ولو ولى القاضي أفضل ثم حدث في ولده أفضل منه فالولاية إليه
و صح جعل البعض أي بعض الغلة أو الكل
____________________
(2/574)
فارغة
____________________
(2/575)
أي كل الغلة لأمهات أولاده أو مدبريه ما داموا أحياء وبعدهم للفقراء
وفي الهداية قيل يجوز بالاتفاق وقيل هو على الخلاف أيضا هو الصحيح وهو مختار المصنف لكن في البحر وفرع بعضهم على هذا الاختلاف أيضا اشتراط الغلة لمدبريه وأمهات أولاده وهو ضعيف والأصح أنه صحيح اتفاقا تدبر
و صح شرط أن يستبدل به أي بالوقف غيره أي يبيعه ويشتري بثمنه أرضا أخرى إذا شاء عند أبي يوسف استحسانا لأن فيه تحويله إلى ما يكون خيرا من الأول أو مثله فكان تقريرا لا إبطالا فإذا فعل صارت الثانية كالأولى في شرائطها وإن لم يذكرها ثم لا يستبدلها بثالثة لأنه حكم ثبت بالشرط والشرط وجد في الأول لا في الثانية وأما الاستبدال بدون الشرط فلا يملكه إلا القاضي بإذن السلطان حيث رأى المصلحة فيه
وفي القنية مبادلة دار الوقف بدار أخرى أنما تجوز إذا كانتا في محلة واحدة أو تكون المحلة المملوكة خيرا من المحلة الموقوفة وعلى عكسه لا يجوز وإن كانت المملوكة أكثر مساحة وقيمة وأجرة لاحتمال قلة رغبات الناس فيها لدناءتها ولو وقف على أن يبيعها ويصرف ثمنها إلى حاجة أو يكون ثمنها وقفا لمكانها فإن المختار أنه باطل إلا أن يصرف إلى أن يموت فحينئذ يكون وصية فيعتبر من الثلث خلافا لمحمد في الكل أي كل المذكور في وقف المشاع إلى هنا ولا خلاف في اشتراط الغلة لولده فإذا وقف على ولده شمل المذكر والأنثى إلا أن يقيد بالذكور فلا يدخل فيه الإناث فما يوجد واحد من الصلبي كانت الغلة له وإذا انتفى صرفت إلى الفقراء لا ولد الولد وإن لم يكن حين الوقف ولد صلبي بل ولد ابن ذكر أو أنثى كانت الغلة خاصة لا يشاركه فيها من دونه من البطون فإن حدث له ولد كانت له ولا يدخل ولد البنت في الوقف على الولد مفردا أو جمعا في ظاهر الراوية وهو الصحيح المفتى به كما في البحر ولو وقف على ولده وولد ولده اشترك ولده وولد ابنه وصحح قاضي خان دخول البنات فيما إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده وهو المعمول به الآن ولا يفضل الذكر على الأنثى في القسمة بينهم وصحح عدمه في ولدي لو قال على ولدي فمات كانت للفقراء ولا تصرف إلى ولد ولده إلا بالشرط إلا إذا ذكر البطون الثلاثة فإنه لا تصرف إلى الفقراء ما بقي أحد من أولاده وإن سفل يستوي فيه الأقرب والأبعد إلا أن يذكر ما يدل
____________________
(2/576)
على الترتيب بأن يقول الأقرب فالأقرب أو يقول على ولدى ثم على ولد ولدي أو يقول بطنا بعد بطن فحينئذ يبدأ بما بدأ به الواقف بخلاف ما لو قال نسلا بعد نسل لأن النسل يتضمن القريب والبعيد القريب بحقيقته والبعيد بحكم العرف فلا يدل على الترتيب وبه يفتى اليوم لكن فيه كلام لأن لفظ النسل فقط يدل على التأبيد لأنه شامل للقريب والبعيد كما بيناه آنفا فيبقى قوله بعد نسل بلا فائدة فإن قيل إن قوله بعد نسل للتأكيد قلنا التأسيس أولى من التأكيد لأن الكلام ما أمكن حمله على التأسيس لا يحمل على التأكيد كما في أكثر المعتبرات فينبغي أن يحمل على ما يدل على الترتيب تأمل فإنه من الغوامض وما في الدرر من أنه لو قال ابتداء على أولادي يستوي فيه الأقرب والأبعد إلا أن يذكر ما يدل على الترتيب مخالف لما في الخانية وغيرها لأن لفظ الأولاد لا يشتمل على ولد الولد وهو المختار للفتوى تدبر ولو وقف على ولديه ثم على أولادهما فمات أحدهما كان للآخر النصف والذي للميت للفقراء لكن ينبغي أن يوجه القاضي إلى الآخر إن كان محتاجا كما أفتى البعض في ديارنا فإن مات الآخر صرف الكل إلى أولاد الأولاد بخلاف ما لو وقف على أولاده ثم الفقراء فمات بعضهم لأنه وقف على أولاده ثم على الفقراء فما بقي منهم أحد لا تصرف على الفقراء ولو وقف على امرأته وأولاده ثم ماتت امرأته لا يكون نصيبها لابنها المتولد من الواقف خاصة إذا لم يشترط رد نصيب الميت إلى ولده ولو قال على ولدي وولد ولدي أبدا ما تناسلوا ولم يقل بطنا بعد بطن لكن شرط رد نصيب الميت إلى ولده فالغلة لجميع ولده ونسله بينهم على السوية ولو مات بعض أولاد الواقف وترك ولدا ثم جاءت الغلة تقسم على الولد وولد الولد وإن سفلوا وعلى الميت فما أصاب الميت من الغلة كان لولده بالإرث فيصير لولد الميت سهمه الذي عينه
____________________
(2/577)
الواقف بحكم تعيينه وسهم ولده بالإرث كما في الغرر ولو قال على ولدي المخلوقين ونسلي يدخل الولد الحادث بالنسل بخلاف ما لو قال على ولدي المخلوقين ونسلهم كما في الخانية ولو قال على المحتاجين من ولدي وليس له إلا ولد واحد محتاج كان النصف له والآخر للفقراء ولو قال أرضي صدقة موقوفة على أقاربي أو على قرابتي أو على ذوي قرابتي قال هلال يصح الوقف ولا يفضل الذكر على الأنثى ولا يدخل فيه والد الواقف ولا جده ولا ولده
وفي الزيادات يدخل كما في الخانية
وفي الإسعاف ولو قال على الذكور من ولدي وعلى ولدي الذكور من نسلي يكون على الذكور من ولده لصلبه وعلى أولادهم من البنين والبنات وعلى ولد كل ذكر من نسله سواء كان من ولد الذكور أو ولد الإناث ولا يدخل فيه الأنثى الصلبية
وصح وقف العقار للنصوص والآثار وكذا صح وقف المنقول المتعارف وقفه عند محمد كما صح وقف المنقول مقصودا إذا تعامل الناس وقفه كالفأس والمرو والقدوم والمنشار والجنازة بالكسر السرير وثيابها التي تصنع من قطعة ستر الكعبة ونحوها يستر بها الميت على الجنازة والقدور والمراجل والمصاحف جمع المصحف
وفي الخلاصة
____________________
(2/578)
إذا وقف مصحفا على أهل مسجد للقراءة إن كانوا يحصون جاز وإن وقف على المسجد جاز ويقرأ فيه
وفي موضع آخر فلا يكون مقصورا عليه والكتب جمع الكتاب وأبو يوسف معه أي مع محمد في وقف السلاح والكراع والخيل والإبل في سبيل الله وما سوى الكراع والسلاح لا يجوز وقفه عند أبي يوسف لأن القياس إنما يترك بالنص والنص ورد فيهما فيقتصر عليه وبه أي يقول محمد يفتي لوجود التعامل في هذه الأشياء واختاره أكثر فقهاء الأمصار وهو الصحيح كما في الإسعاف وهو قول
____________________
(2/579)
عامة المشايخ كما في الظهيرية لأن القياس قد يترك بالتعامل كما في الاستصناع بخلاف ما لا تعامل فيه كالثياب والأمتعة خلافا للشافعي وقد حكى في المجتبى الخلاف على خلاف هذا المنقول فقيل قول محمد بجوازه مطلقا جرى التعارف به أولا وقول أبي يوسف إن جرى فيه تعامل ولما جرى التعامل في وقف الدنانير والدراهم في زمان زفر بعد تجويز صحة وقفهما في رواية دخلت تحت قول محمد المفتى به في وقف كل منقول فيه تعامل كما لا يخفى فلا يحتاج على هذا إلى تخصيص القول بجواز وقفهما لمذهب زفر من رواية الأنصاري وقد أفتى صاحب البحر بجواز وقفهما ولم يحك خلافا كما في المنح وعن زفر رجل وقف الدراهم أو الطعام أو ما يكال أو يوزن قال يجوز قيل له وكيف يكون قال يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بفضلها في الوجه الذي وقف عليه وما يوزن ويكال يباع فيدفع ثمنه بضاعة أو مضاربة كالدراهم قالوا على هذا القياس لو قال الكر من الحنطة وقف على شرط أن يفرق للفقراء الذين لا بد لهم فيزرعونها لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر الفرض لغيرهم من الفقراء أبدا جاز على هذا الوجه ومثل هذا أكثرهم في الري وناحية نهاوند
وكذا يصح عند أبي يوسف وقفه أي وقف المنقول تبعا كمن وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم أي الأكرة عبيده أي عبيد الواقف وسائر آلات الحراثة والقياس أن لا يجوز
____________________
(2/580)
لأن التأبيد من شرطه وجه الاستحسان أنها تبع للأرض في تحصيل ما هو المقصود وكم من شيء يثبت تبعا ولهذا دخل في وقف الأرض ما كان داخلا في البيع من البناء والأشجار دون الزرع والثمار ومحمد معه فيه وأما لو بنى على أرض ثم وقف البناء بدون الأرض إن كانت الأرض مملوكة فلا يصح وإن موقوفة على ما عين البناء له جاز إجماعا وإن لجهة أخرى فمختلف والمعمول به الآن الجواز وكذا حكم وقف الأشجار
وفي المنح المتعارف في ديارنا وقف البناء بدون الأرض وكذا وقف الأشجار بدونها فيتعين الإفتاء بصحته لأنه منقول فيه التعامل انتهى والمراد بالتعامل تعامل الصحابة والتابعين والمجتهدين من أئمة الدين رضوان الله تعالى عليهم وعلينا أجمعين لا تعارف العوام كما قال بعض الفضلاء فعلى هذا ما قال صاحب المنح من أن المتعارف إلى قوله لأنه منقول فيه تعامل ليس بمعتمد لكن في المحيط وغيره رجل وقف بقرة على رباط على أن ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء السبيل فإن كان في موضع يغلب ذلك في أوقافه رجوت أن يكون جائزا ومن المشايخ من قاله بالجواز مطلقا قالوا لأنه جرى بذلك التعارف في ديار المسلمين انتهى هذا يشعر بأن المراد مطلق التعارف لا ما قاله البعض تدبر
وإذا صح الوقف أي إذا لزم الوقف على حسب الاختلاف في سبب اللزوم فلا يملك مبني للمفعول أي لا يكون الوقف مملوكا لأحد أصلا ولا يملك مبني للمفعول من التفعيل أي لا يقبل التمليك لغيره بوجه من الوجوه
____________________
(2/581)
فارغة
____________________
(2/582)
إلا أنه يجوز قسمة المشاع عند أبي يوسف يعني إذا كان الوقف مشاعا وطلب الشريك القسمة يصح مقاسمته عنده وهو قول الأئمة الثلاثة لأن القسمة تمييز وإفراز غاية ما في الباب أن الغالب في غير المكيل والموزون معنى المبادلة إلا أنه جعل في قسمة الوقف معنى الإفراز غالبا نظرا للوقف فلم يجعلها في معنى البيع والتمليك خلافا لهما لأن في القسمة معنى البيع والتمليك في غير المثليات وهو في الوقف ممتنع
وفي الإسعاف ولو استحق نصف ما وقفه وقضي به للمستحق يستمر الباقي وقفا عند أبي يوسف خلافا لمحمد
وفي التنوير أطلق القاضي بيع الوقف الغير المسجل لوارث الواقف فباع صح لأن ذلك منه يكون حكما ببطلان الوقف فيجوز بيعه ولو أطلق لغير الوارث لا يصح بيعه لأن الوقف إذا بطل عاد إلى ملك وارث الواقف وبيع مال الغير لا يجوز بغير طريق شرعي ويبدأ من ارتفاع الوقف أي من غلته بعمارته وإن لم يشترطها الواقف لأن قصد الواقف صرف الغلة
____________________
(2/583)
مؤبدا وهذا إنما يحصل بالإصلاح والعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء والثابت به كالثابت نصا وفيه إشعار بأنه لا يستدين المتولي إذا لم يكن في يده ما يعمره إلا بأمر القاضي
وفي البحر ويستدين للإمام والخطيب والمؤذن بإذن القاضي لضرورة مصالح المسجد وكذا للحصير والزيت ولو ادعى المتولي أنه استدان بإذن القاضي هل يقبل قوله بلا بينة الظاهر أنه لا يقبل وإن كان مقبول القول لما أنه يريد الرجوع في الغلة
____________________
(2/584)
إن وقف على الفقراء فلو فضل عن العمارة صرف أولا إلى ولده الفقير ثم إلى قرابته ثم إلى مواليه ثم إلى جيرانه ثم إلى أهل مصره من كان أقرب إلى الواقف منزلا
وقال أبو بكر الإسكاف لا يعطي لأحد من أقربائه شيئا كما في القهستاني
وإن على جمع أو واحد معين وآخره للفقراء فعليه أي فالعمارة على المعين فإن امتنع المعين عن العمارة أو كان فقيرا لا يقدر على العمارة بماله آجره الحاكم أي القاضي أو القيم بإذنه استحسانا صيانة للوقف وفيه إشعار بأن الواقف ومن له السكنى لا يؤجره لأنه غير ناظر خلافا للشافعي وعمره من الثلاثي من العمارة لا من التعمير من أجرته بقدر ما يبقى على الصفة التي وقفها الواقف فلا يزيد على ذلك إلا برضا ذلك المعين وكذا إن كان وقفا على الفقراء لا يزيد على ذلك على الأصح ولا يجوز صرف غلة مستحقة له إلى جهة غير مستحقة إلا برضاه ثم أي بعد العمارة رده أي الباقي إليه أي إلى المعين لأن في ذلك رعاية لحق الواقف وحق الموقوف عليه ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيها من إتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر في المزرعة
ونقض الوقف يصرف أي يصرفه الحاكم إلى عمارته أي الوقف إن احتاج إلى العمارة بالفعل وإلا أي وإن لم يحتج إلى العمارة بالفعل حفظ النقض إلى وقت الحاجة إلى العمارة فيصرف إليها
وإن تعذر صرف عينه أي عين النقض إليها بأن لا يصلح يباع أي يبيعه
____________________
(2/585)
فارغة
____________________
(2/586)
نحو المتولي النقض ويصرف ثمنه إليها وقت الحاجة لأنه بدل النقض ولا يقسم النقض بين مستحقي الوقف لأنه جزء من العين وحقهم في المنفعة والعين حق الله تعالى فلا يصرف إليهم
____________________
(2/587)
فارغة
____________________
(2/588)
فارغة
____________________
(2/589)
فارغة
____________________
(2/590)
فارغة
____________________
(2/591)
592 فصل إذا بنى مسجدا لا يزول ملكه أي ملك المالك المجازي عنه أي عن المسجد وإنما قال بنى لأنه لو كان ساحة زال ملكه بمجرد الأمر بالصلاة فيها ذكر الأبد أو لا كما في المحيط حتى يفرزه أي يميزه عن ملكه من كل الوجوه بطريقه أي مع طريق المسجد بأن يجعل له سبيلا عاما يدخل فيه المسلمون منه لأنه لا يخلص لله تعالى إلا به ويأذن أي لكل الناس بالصلاة أي بكل الصلاة فيه أي في المسجد عند الطرفين لأنه تسليم وهو شرط عندهما فلو أذن لقوم أو للناس شهرا أو سنة مثلا لا يزول ملكه كما في القهستاني ويصلي فيه ولو بلا أذان وإقامة واحد
وفي رواية عندهما لأن المسجد موضع
____________________
(2/592)
السجود ويحصل بفعل الواحد
وفي رواية عندهما شرط صلاة جماعة جهرا بأذان وإقامة حتى لو كان سرا بأن كان بلا أذان ولا إقامة لا يصير مسجدا اتفاقا لأن أداء الصلاة على الوجه المذكور بالجماعة وهذه الرواية صحيحة كما في الكافي وغيره
ولا يضر جعله أي جعل الواقف تحته أي تحت المسجد سردابا هو بيت يتخذ تحت الأرض للتبريد وغيره لمصالحه أي المسجد ولا يخرج به عن حكم المسجد كما في بيت المقدس
وإن جعله أي السرداب لغير مصالحه أي المسجد أو جعل الواقف فوقه أي المسجد بيتا وجعل بابه أي باب المسجد إلى الطريق وعزله أي ميزه عن ملكه
أو اتخذ وسط داره مسجدا وأذن أي كل الناس بالصلاة أي كل الصلاة فيه
____________________
(2/593)
أي في المسجد لا يزول ملكه أي ملك المالك المجازي عنه عن المسجد وله أي المالك بيعه أي المسجد فيورث أي عن المالك إذا مات لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء ملك العبد متعلقا به وهذا في الصورتين الأوليين وأما في الثالثة فلأن ملكه محيط بجوانبه فكان له حق المنع والمسجد لا يكون لأحد فيه حق المنع وفيه إشعار بأنه لو بنى بيتا على سطح المسجد لسكنى الإمام فإنه لا يضر في كونه مسجدا لأنه من المصالح فإذا كان هذا في الواقف فكيف بغيره فمن بنى على جدار المسجد وجب هدمه ولا يجوز أخذ الأجرة
وفي البزازية ولا يجوز للقيم أن يجعل شيئا من المسجد مستغلا ولا مسكنا ولو خرب ما حوله واستغني عنه يبقى مسجدا عند الشيخين وبه يفتى وعند محمد عاد إلى المالك ومثله حشيش المسجد وحصيره مع الاستغناء عنهما كما في المنح
وفي البحر الفتوى على قول محمد في آلات المسجد وعلى قول أبي يوسف في تأبيد المسجد وعند أبي يوسف يزول ملكه أي ملك المالك المجازي بمجرد القول مطلقا لما مر أن التسليم عنده ليس بشرط
ولو ضاق المسجد على المصلين وبجنبه طريق العامة يوسع المسجد منه أي من الطريق إذا لم يضر بأصحاب الطريق وكذا لو ضاق وبجنبه أرض لرجل يؤخذ أرضه بالقيمة ولو كرها وبالعكس يعني لو ضاق الطريق وبجنبه مسجد واسع مستغنى عنه يوسع الطريق منه لأن كليهما للمسلمين والعمل بالأصلح كما في الفرائد وغيره لكن ما في التبيين من أنه جاز لكل أحد أن يمر فيه حتى الكافر يعارض هذا التعليل تدبر رباط استغني عنه
____________________
(2/594)
يصرف وقفه إلى أقرب رباط إليه هذا عند الشيخين كما في الدرر وهو المختار عند المصنف ولهذا صوره على صورة الاتفاق
وفي القنية حوض أو مسجد خرب وتفرق الناس عنه فللقاضي أن يصرف أوقافه إلى مسجد آخر أو حوض آخر
وفي المنح والمسجد إذا استغنى عنه المسلمون ولا يصلى فيه وخرب ما حوله يعود إلى ملك صاحبه كما كان عند الطرفين
وقال أبو يوسف يبقى مسجدا أبدا انتهى هذه الراوية مخالفة لما في الدرر إلا أن يحمل على اختلاف الروايتين وما حكي من أن محمدا أمر بمزبلة فقال هذا مسجد أبي يوسف ومر أبو يوسف على إصطبل فقال هذا مسجد محمد من وضع الجهلة وليس من شأنهم الطعن كما في الكفاية
وفي الغرر إذا اتحد الواقف والجهة وقل مرسوم بعض الموقوف عليه جاز للحاكم أن يصرف من فاضل الوقف الآخر إليه وإن اختلف أحدهما فلا
والوقف في المرض وصية فيعتبر من الثلث إن لم تجز الورثة ولو وقف المريض داره وعليه دين محيط لا يصح وإن لم يكن محيطا صح بعد الدين في ثلثه ويتبع مضارع مجهول من الاتباع بالتشديد شرط الواقف في إجارة الوقف إن وجد شرط الإجارة حتى إذا شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من سنة والناس لا
____________________
(2/595)
يرغبون في استئجار سنة وكان إجارتها أكثر من سنة أدر على الواقف وأنفع للفقراء فليس للقيم أن يخالف شرطه ولكنه يرفع الأمر إلى القاضي فيؤجره أكثر من سنة وإلا أي وإن لم يوجد شرط الإجارة فنختار للفتوى أن لا تؤجر الضياع جمع ضيعة أكثر من ثلاث سنين ولا يؤجر غيرها أي غير الضياع أكثر من سنة وبه يفتى كما في أكثر المعتبرات وأما الأوقاف التي في ديارنا فتؤجر بالإجارات الفاسدة حتى لو آجر القيم دار الوقف بالأجرة المعجلة أو المؤجلة على رجل مثلا لا تنزع عن يده ما دام يؤدي الأجرة المعينة ويتصرف كيف ما يشاء فإن مات ينتقل إلى ولده ذكرا أو أنثى على السوية ولا ينتقل إلى سائر الورثة بل يأخذها للوقف ويؤجرها إلى غيره على الوجه المذكور
ولا يؤجر الوقف إلا بأجر المثل حتى لو آجر بدون أجر المثل لزمه إتمامه بالغا ما بلغ وعليه الفتوى دفعا للضرر عن الموقوف عليهم كأب آجر منزل صغيره بدونه إلا إذا لم يوجد من يستأجره بالمثل
وفي البحر وشرط الزيادة أن يكون عند الكل أما لو زادها واحد واثنان تعنتا فإنها غير مقبولة ثم أي بعد الإيجار بأجر المثل لا تنقض أي لا تفسخ تلك الإجارة إن زادت الأجرة لكثيرة الرغبة لأن المعتبر أجر المثل يوم العقد
وفي المنح
____________________
(2/596)
فارغة
____________________
(2/597)
فارغة
____________________
(2/598)
فارغة
____________________
(2/599)
وأما إذا زاد أجر المثل في نفسه من غير أن يزيد أحد فللمتولي فسخها وعليه الفتوى والمستأجر الأول أولى من غيره إذا قبل الزيادة
وفي مجموع النوازل إذا آجر القيم دار الوقف من نفسه لا يجوز وكذا لو آجر من عبده أو مكاتبه وكذا إن آجر من أبيه أو ابنه عند الإمام وعندهما يجوز
وليس للموقوف عليه كالإمام والمدرس والأولاد وغيرهم أن يؤجر الوقف لأنه لا حق له في التصرف في الوقف إنما حقه في الغلة ولو غصب الوقف لا يكون لأحد منهم حق الخصومة بغير إذن القاضي لكن في المنح إذا كان الأجر كله للموقوف عليه بأن كان الوقف لا يسترم وغيره لا يشاركه في استحقاق الغلة فحينئذ يجوز وهذا في الدور والحوانيت وأما الأراضي إن كان الواقف شرط تقديم العشر والخراج وسائر المؤن فليس للموقوف عليه أن يؤجرها وأما إذا لم يشترط ذلك يجب أن يجوز ويكون الخراج والمؤنة عليه إلا بإنابة
____________________
(2/600)
من المتولي أو ولاية من الواقف فحينئذ يكون له حق التصرف ولا يعار الوقف ولا يرهن حتى لو سكن فيه المرتهن يجب عليه أجر مثله
وإن غصب عقاره أي عقار الوقف يختار وجوب الضمان يعني المختار في غصب العقار والدور الموقوفة الضمان كما أن المختار في غصب منافع الوقف الضمان وعليه الفتوى وكذا منافع مال اليتيم وفي أكثر المعتبرات إذا سكن المتولي دار الوقف بغير أجر قيل لا شيء على الساكن وعامة المتأخرين على أن عليه أجر المثل سواء كانت الدار معدة للاستغلال أو لم تكن صيانة عن أيدي الظلمة وقطعا للأطماع الفاسدة وعليه الفتوى
وكذا الرجل إذا سكن دار الوقف بغير أمر الواقف وبغير أمر القيم كان عليه أجر المثل بالغا ما بلغ حتى لو باع المتولي دار الوقف فسكنها المشتري ثم رفع إلى قاض فأبطل البيع وظهر الاستحقاق للوقف كان على المشتري أجر مثله وهل يضمن المتولي إن اقتصر شيئا من مصالح الوقف قيل إن كان في عين ضمنها وإن كان ما في الذمة لا
وفي القنية انهدم الوقف فلم يحفظ القيم حتى ضاع نقضه يضمن اشترى القيم من الدهان دهنا ودفع الثمن ثم أفلس الدهان بعد لم يضمن
وفي البحر ولو أذن القاضي للقيم في خلط مال الوقف بماله تخفيفا عليه جاز ولا يضمن ولو أخذ متولي الوقف من غلته أشياء ثم مات بلا بيان فإنه لا يكون ضامنا كما في عامة المعتبرات هذا فيما إذا لم يطالب المستحق وأما إذا طالبه ولم يدفع له ثم مات بلا بيان فإنه يكون ضامنا هذا في الغلة
____________________
(2/601)
أما في الأصل فيكون ضامنا إذا مات بلا بيان
وفي البزازية وقف عليه غلة دار ليس له السكنى وإن وقف عليه السكنى لم يكن له الاستغلال
ولو شرط الواقف الولاية لنفسه وكان خائنا تنزع منه أي يعزل القاضي الواقف المتولي على وقفه وإن وصلية شرط الواقف أن لا تنزع لأنه شرط مخالف للحكم الشرعي فيبطل وبهذا علم أن قولهم شرط الواقف كنص الشارع ليس على عمومه وتمامه في البحر
وفي البزازية إن عزل القاضي للخائن واجب عليه ومقتضاه الإثم بتركه والإثم بتولية الخائن ولا شك فيه
____________________
(2/602)
وفيه إشارة إلى أن ولاية الواقف تكون إذا شرطها لنفسه وإلا فلا
وفي الغرر مرض المتولي وفوض التولية إلى غيره جاز ولو مات المتولي بلا تفويضها إلى غيره فالرأي في نصب المتولي إلى الواقف ثم إلى وصيه ثم إلى القاضي والباني للمسجد أولى من القوم بنصب الإمام والمؤذن في المختار إلا إذا عين القوم أصلح مما عينه
وفي التنوير وما دام أحد يصلح للتولية من أقارب الواقف لا يجعل المتولي من الأجانب أراد المتولي إقامة غيره مقامه في حياته إن كان التفويض له عاما صح وإلا فلا
وفي الدرر وتقبل فيه أي في الوقف الشهادة على الشهادة وشهادة الرجال بالنساء والشهادة بالشهرة لإثبات أصله وإن صرحوا بالتسامع بخلاف سائر ما تجوز فيه الشهادة بالتسامع كالنسب فإنهم إذا صرحوا بأنهم شهدوا بالتسامع لا تقبل لأن الوقف حق الله تعالى وفي تجويز القبول بتصريح التسامع حفظ للأوقاف القديمة عن الاستهلاك وغيره ليس كذلك أي لا تقبل الشهادة بالشهرة لإثبات شرطه في الأصح كما في أكثر المعتبرات لكن في المجتبى تقبل الشهادة على أصل الوقف بالشهرة وعلى شرائطه أيضا وهو المختار واعتمده في المعراج وقواه في الفتح والمختار ما في أكثر المعتبرات وبيان المصرف من أصله فتقبل الشهادة عليه بالتسامع لتوقف الوقف عليه هذا إذا كان أصل الوقف لم يستند إلى ملك شرعي أما إذا استند فلا تقبل الشهادة بالشهرة بل تجب الشهادة على تسجيله وبه يفتى اليوم لأن الملك الشرعي لا ينزع عن يد المالك إلا بالشهادة على تسجيل الوقف لا بالتسامع تأمل فإنه من الغوامض الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
____________________
(2/603)
الله
متول بنى في عرصة الوقف فهو أي البناء يكون للوقف إن بناه من مال الوقف أو من مال نفسه ونواه للوقف أو لم ينو شيئا وإن بنى لنفسه وأشهد عليه كان له أي للمتولي نفسه والأجنبي إذا بني ولم ينو شيئا فله ذلك وإن نوى كونه للوقف كان وقفا كذا الغرس والغرس في المسجد للمسجد مطلقا هذا إذا كان بإذن المتولي
____________________
(2/604)
أما إذا أحدث رجل عمارة في الوقف بغير إذن فللمتولي أن يأمره بالرفع إن لم يضر رفعه البناء القديم وإلا فهو الذي ضيع ماله فليتربص إلى أن يتخلص ماله من تحت البناء ثم يأخذه ولو اصطلحوا على أن يجعل ذلك للوقف بثمن لا يجاوز أقل القيمتين منزوعا أو مبنيا فيه صح
وفي الذخيرة قال سئل شيخ الإسلام عن وقف مشهور اشتبهت مصارفه وقدر ما يصرف إلى مستحقيه قال ينظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من الزمان أن قوامه كيف يعملون فيه وإلى من يصرفونه فيبنى على ذلك لأن الظاهر أنهم كانوا يفلعون ذلك على موافقة شرط الواقف وهو المظنون بحال المسلمين فيعمل على ذلك
وفي التنوير اشترى المتولي بمال الوقف دارا لا تلحق بالمنازل الموقوفة ويجوز بيعها في الأصح مات المؤذن والإمام ولم يستوفيا وظيفتهما من الوقف سقط لأنه في المعنى معنى الصلة كالقاضي وقيل لا يسقط لأنه كالأجرة وإن كان على إمام دار وقف في يد المستأجر فلم يستوف الأجرة حتى مات فيبني إن آجرها المتولي فإنه يسقط وإن آجرها الإمام لا يسقط كما في العمادية
وفي الدرر باع دارا ثم ادعى أني كنت وقفتها أو قال وقف علي لا تصح الدعوى للتناقض فليس له أن يحلف المشتري ولو أقيمت البينة قبلت على المختار وينقض البيع
وفي المنح وقف بين أخوين مات أحدهما وبقي في يد الحي أولاد الميت ثم الحي أقام بينة
____________________
(2/605)
على واحد من أولاد الأخ أن الوقف بطنا بعد بطن والباقي غيب والوقف واحد تقبل وينتصب خصما عن الباقين ولو أقام أولاد الأخ بينة أن الوقف مطلق عليك وعلينا فبينة مدعي الوقف بطنا بعد بطن أولا قال الفقيه أبو الليث من يأخذ الأجر من طلبة العلم في يوم لا درس فيه أرجو أن يكون جائزا
وفي الحاوي إذا كان مشغولا بالكتابة
____________________
(2/606)
أو التدريس لو اشترط في الوقف أن يزيد في وظيفة من يرى زيادته أو ينقص من وظيفة من يرى نقصانه من أهل الوقف وأن يدخل معهم من يرى إدخاله وأن يخرج من يرى إخراجه جاز ثم إذا زاد أحد منهم شيئا أو نقصه مرة أو أدخل أحدا أو أخرج أحدا ليس له أن يغيره بعد ذلك لأن شرطه وقع على فعل يراه فإذا رآه أو أمضاه فقد انتهى ما رآه إلا لشرطه وتمامه في أوقاف الخصاف الحمد لله على الإتمام وعلى رسوله وآله أفضل الصلاة والسلام وقد انتهى هذا النصف الأول من الشرح
____________________
(2/607)
اللطيف وفي اليوم الخميس رابع عشر من ذي القعدة الشريفة سنة سبعين وألف ونرجو من الله تمام النصف الآخر بحرمة سيد المرسلين صل الله تعالى وسلم عليه وعليهم أجمعين
____________________
(2/608)
فارغة
____________________
(2/609)
فارغة
____________________
(2/610)
كتاب البيوع وجه المناسبة بينه وبين ما قبله أن ما قبله إزالة الملك لا إلى مالك وفيه اليد فنزل الوقف في ذلك منزلة البسيط من المركب والبسيط مقدم على المركب في الوجود فقدمه في التعليم وهي جمع بيع بمعنى مبيع كضرب الأمير
والمبيعات أصناف مختلفة وأجناس متفاوتة أو جمع المصدر لاختلاف أنواعه إما باعتبار المبيع لأنه إما بيع سلعة بسلعة ويسمى مقايضة أو بالثمن وهو البيع المشهور أو بيع ثمن بثمن وهو الصرف أو دين بثمن وهو السلم وإما باعتبار الثمن لأن الثمن الأول إن لم يعتبر يسمى مساومة أو اعتبر مع زيادة فهو المرابحة أو بدونها فهو التولية أو مع النقص فهو الوضعية أو أريد به الحاصل بالمصدر كعلوم في جمع علم وهو من الأضداد يقال على الإخراج عن الملك والإدخال فيه قال صلى الله تعالى عليه وسلم لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يبيع على بيع أخيه
أي لا يشتري على شراء أخيه
____________________
(3/3)
لأن المنهي عنه هو الشراء لا البيع ويقع غالبا على إخراج المبيع عن الملك قصدا ويتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وبالحرف نحو باعه الشيء وباعه منه وربما دخلت اللام فيقال بعت الشيء وبعت لك فهي زائدة وابتاع زيد الدار بمعنى اشتراها وباع عليه القاضي أي من غير رضاه وكذا الشراء قال الله تعالى وشروه بثمن بخس أي باعوه
ويقع غالبا على إخراج الثمن عن الملك قصدا
ثم البيع لا ينعقد إلا بصدور ركنه من أهله مضافا إلى محل قابل لحكمه كسائر العقود وهذا كما في الحسيات فإنه يحتاج في إيجاد السرير إلى النجار وهو مثل العاقد في مسألتنا وإلى الآلة وهو مثل قوله بعت واشتريت وإلى النجر وهو مثل إخراج هذا القول على سبيل الإنشاء وإلى المحل وهو المبيع وهذا معنى قول أهل الحكمة إن العلة على أربعة أقسام آلية كالفأس ومحلية كالخشب وفاعلية كالنجار وحالية كالنجر
وعلى هذا يخرج مسائل البيوع وغيرها من العقود عند دخول المفسد من حيث الأهل ومن حيث المحل أو غيره فإن بذلك يختلف الأمر فإن العقد لا ينعقد أصلا إذا لم يكن العاقد أهلا
وينعقد موقوفا عند توقف الأهلية وكذلك لا ينعقد عند فوات المحل ومشروعية البيع بقوله تعالى وأحل الله البيع وبالسنة وهي كثيرة وبإجماع الأمة وبالمعقول البيع في الشرع مبادلة مال بمال لم يقل بالتراضي ليتناول بيع
____________________
(3/4)
المكره فإنه منعقد وإن لم يلزم
وقال يعقوب باشا وغيره وينبغي أن يزاد قيد بطريق الاكتساب كما وقع في الكتب لإخراج مبادلة رجلين مالهما بطريق الهبة بشرط العوض فإنه ليس ببيع ابتداء وإن كان في حكمه بقاء
انتهى
وفيه كلام لأن قوله ليس ببيع ابتداء يقتضي أن يكون الهبة بشرط العوض في ابتداء العقد تبرعا محضا لا مبادلة فخرج بقوله المبادلة فلا حاجة إلى هذا القيد وكذا لا حاجة إلى قيد على وجه التمليك كما قيل لأنه يفهم من المبادلة أيضا
وينعقد البيع أي يحصل شرعا بإيجاب هو كلام أول من يتكلم من المتعاقدين حال إنشاء البيع سمي بالإيجاب مبالغة لكونه موجبا أي مثبتا للآخر خيار القبول وقبول أي من إيجاب وقبول أو بسببهما وهو كلام ثاني من يتكلم منهما في تلك الحال
فعلم أن هذين
____________________
(3/5)
اللفظين من أركانه فمن الظن أنهما خارجان من حقيقة البيع وينبغي أن يكون الواو بمعنى الفاء فإنهما لو كانا معا لم ينعقد والإطلاق شامل لأنواعه الأربعة الجائز والفاسد والموقوف والباطل
كما في القهستاني وفيه إشارة إلى أنه لا ينعقد بالوكيل من الجانبين إلا في الأب فإنه يتولى الطرفين في مال الصغير
وفي الخانية الواحد لا يتولى العقد من الجانبين إلا في مسائل منها الأب إذا اشترى مال ولده الصغير لنفسه أو باع ماله من ولده فإنه يكتفي بلفظ واحد
وقال خواهر زاده هذا إذا أتى بلفظ يكون أصلا في ذلك اللفظ بأن باع ماله فقال بعت هذا من ولدي فإنه يكتفي بقوله بعت
أما إذا أتى بلفظ لا يكون هو أصلا في اللفظ بأن أراد أن يبيع ماله من ولده فقال اشتريت هذا المال لولدي لا يكتفي بقوله اشتريت ويحتاج إلى قوله بعت
ومنها الوصي إذا باع ماله من اليتيم أو يشتري مال اليتيم لنفسه وكان ذلك خيرا لليتيم ومنها الوصي إذا اشترى مال اليتيم للقاضي بأمر القاضي ومنها العبد يشتري لنفسه من مولاه بأمره وأما القاضي فإنه لا يعقد لنفسه لأن فعله قضاء وقضاؤه لنفسه باطل فلا يملك
____________________
(3/6)
كما لا يملك تزويج اليتيمة من نفسه بلفظ الماضي كبعت واشتريت لأنه إنشاء والشرع قد اعتبر الإخبار إنشاء في جميع العقود فينعقد به ولأن الماضي إيجاب وقطع والمستقبل عدة أو أمر وتوكيل ولهذا انعقد بالماضي
وفي القنية ينعقد بلفظين مستقبلين ثم قال لا ينعقد وبين التوفيق بين قولين بأنه إن أراد بالمضارع الحال ينعقد وإن أراد به الاستقبال والوعد لا لأن المضارع يحتمل الحال والاستقبال
وفي التحفة باللفظين الماضيين ينعقد بدون النية وأما بصيغة المستقبل لا إلا بالنية
قال صاحب القنية وهذا الفقه وهو أن الشرع جعل الإيجاب والقبول علامة الرضى والإخبار عن الحال أدل على الرضى وقت العقد من الماضي
فقول الهداية ولا ينعقد بلفظين أحدهما لفظ المستقبل محله ما إذا خلا عن النية أو مراده المستقبل المصدر بالسين أو سوف فإنه لا يحتمل غيره فلا يرد على كلام الهداية شيء كما في المنح وفصل المولى سعدي أفندي في هذا المحل في حاشيته فليطالع
وفي المحيط سماع المتعاقدين الإيجاب والقبول شرط الانعقاد
ولو سمع أهل المجلس وقال البائع ولم أسمعه ولم يكن به وقر لم يصدق وما دل على معناهما أي معنى الإيجاب والقبول كقول البائع أعطيت أو بذلت أو رضيت أو جعلت لك هذا بكذا فإنه في معنى بعت وقال المشتري اخترت أو قبلت أو فعلت أو أجزت أو أخذت وقد يقوم القبض مقام القبول كما لو قال بعتك هذا بدرهم فقبضه المشتري ولم يقل شيئا ينعقد البيع كما في الخانية
و ينعقد أيضا بالتعاطي لأن جوازه باعتبار الرضى وقد وجد وحقيقته وضع الثمن
____________________
(3/7)
وأخذ المثمن عن تراض منهما في المجلس كما قالوا وهو يفيد أنه لا بد من إعطاء من الجانبين وعليه الأكثر كما ذكره الطرسوسي وأفتى به الحلواني
وفي البزازية أنه المختار لكن في التنوير ويكتفى بالإعطاء من أحد الجانبين على الأصح إذا لم يصرح مع التعاطي بعدم الرضى
وفي المنح هكذا صححه الكمال في الفتح ونص محمد على أن بيع التعاطي يثبت بقبض أحد البدلين وبهذا ينتظم المبيع والثمن
وفي القاموس وغيره التعاطي التناول وهو إنما يقتضي الإعطاء من جانب والأخذ من جانب لا الإعطاء من الجانبين كما فهم الطرسوسي
وفي الكرخي وبه يفتى واكتفى الكرماني بتسليم المبيع مع بيان الثمن أما إذا دفع الثمن ولم يقبض فلا يجوز في النفيس كالعبيد والجواهر والخسيس كاللحم والخبز وهو الصحيح احتراز عن قول الكرخي فإنه قال إنما ينعقد بالخسيس دون النفيس
ولو قال خذه بكذا فقال أخذت أو رضيت صح لأن قوله خذه أمر بالأخذ بالبدل وهو لا يكون إلا بالبيع فكأنه قال بعته منك فخذه فقدر البيع اقتضاء فيثبت باعتباره وفرق في الولوالجية في القبول بنعم بين أن يبدأ البائع بالإيجاب أو المشتري فإن بدأ
____________________
(3/8)
البائع فقال بعت عبدي هذا بألف فقال المشتري نعم لم ينعقد لأنه ليس بتحقيق وإن بدأ المشتري فقال لآخر اشتريت عبدك هذا بألف وقال الآخر نعم صح البيع لأنه جواب
وإذا أوجب أحدهما أي أحد المتعاقدين فللآخر أن يقبل كل المبيع بكل الثمن في المجلس أي في مجلس الإيجاب أعم من أن يكون بالخطاب أو بالرسول كما إذا قال لرسوله قل لفلان بعت عبدي منه بكذا فذهب الرسول فأخبره فقال المشتري في مجلسه ذلك اشتريت أو بالكتاب لأن كلا منهما سفير فمجلسه كمجلس العقد بالخطاب فلو قال بعت منه فبلغه يا فلان فبلغه هو رجل آخر جاز بخلاف ما لم يقل بلغه فبلغه فقبل لا يجوز لأن شرط العقد في البيع لا يتوقف على قبول غائب اتفاقا كما في النكاح على الأظهر عند الطرفين وفي الزاهدي لو قال بعني من فلان الغائب فحضر الغائب في المجلس فقال اشتريت صح أو يترك كل المبيع بعين إذا قال البائع بعتك هذا بكذا فالآخر بالخيار إن شاء قبله وإن شاء رد لأنه مخير غير مجبر فيختار أيهما شاء فهذا خيار القبول فيمتد إلى آخر المجلس للحاجة إلى التفكر والتروي والمجلس جامع للمتفرقات فاعتبر ساعاته ساعة واحدة دفعا للعسر وتحقيقا لليسر وعند الشافعي لا يمتد بل هو على الفور لا يقبل آخر بائعا كان أو مشتريا بعضا دون بعض أي ليس له أن يقبل كل المبيع ببعض الثمن أو بعضه بكله أو ببعضه لأنه تفريق للصفقة وأنه ضرر بالبائع فإن من عادة التجار ضم الرديء إلى الجيد في البيع لترويج الرديء فلو صح التفريق يزول الجيد عن ملكه ويبقى الرديء فيتضرر بذلك وكذلك المشتري يرغب في الجميع فإذا فرق البائع الصفقة عليه يتضرر إلا أن يرضى الآخر بذلك في المجلس بعد قبوله في البعض ويكون المبيع بما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء كعبد واحد أو مكيلا أو موزونا فأما ما لا ينقسم إلا بالقيمة كثوبين أو عبدين فلا يجوز وإن قبل الآخر إلا إذا بين ثمن كل مما قبل الآخر ومما ترك لأن ذلك دليل على رضاه بالتفريق ولأن الإيجاب حينئذ في معنى إيجابات متعددة أما إذا كرر في البيان لفظ البيع بأن قال بعتك
____________________
(3/9)
هذين بدرهمين بعت هذا بدرهم وبعت هذا بدرهم يجوز اتفاقا وأما إذا لم يكرر بأن قال بعتك هذين بدرهمين كل واحد بدرهم فيجوز عندهما خلافا للإمام بناء على أن البيع يتكرر بتكرر لفظ بعت عنده وبتفصيل الثمن عندهما كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يذكر الخلاف كما هو دأبه تدبر
وإن رجع الموجب سواء كان بائعا أو مشتريا أو قام أحدهما يعني لو كانا قاعدين فقام أحدهما عن المجلس قبل القبول ظرف لرجع وقام على سبيل التنازع بطل الإيجاب أما الأول فلأن المانع من الرجوع لزوم إبطال حق الغير وهو منتف ههنا لأن الإيجاب لا يفيد الحكم بدون القبول فإن قيل إن كان الموجب المشتري ففي رجوعه إبطال حق البائع وهو تملكه الثمن وإن كان البائع ففي رجوعه إبطال حق المشتري وهو تملكه المبيع أجيب بأن الحق للموجب لأنه أثبت ولاية التملك للآخر وبأن حق التملك لا يعارض حقيقة الملك للبائع لكونها أقوى منه وأما الثاني فلأن القيام دليل الإعراض والرجوع ولهما ذلك قبل القبول فإن قيل الصريح أقوى من الدلالة فلو قال بعد القيام قبلت ينبغي أن لا يثبت الرجوع أجيب بأن الإيجاب بطل بما يدل على الإعراض فلا يؤثر التصريح بعده وفي الفتح وعلى اشتراط اتحاد المجلس وأما إذا تبايعا وهما يمشيان أو يسيران ولو كانا على دابة واحدة فأجاب الآخر لا يصح لاختلاف المجلس في ظاهر الرواية واختاره غير واحد كالطحاوي وغيره أنه إن أجاب على فور كلامه متصلا جاز
وفي الخلاصة عن النوازل إذا أجاب بعدما مشى خطوة أو خطوتين جاز ولا شك أنهما إذا كانا يمشيان متصلا لا يقع الإيجاب إلا في مكان آخر بلا شبهة
وقال صدر الشهيد لا يصح في ظاهر الرواية ولو كان المخاطب في صلاة فريضة ففرغ منها وأجاب صح
وكذا في نافلة فضم إلى ركعة الإيجاب أخرى
____________________
(3/10)
ثم قبل بخلاف ما لو أكملها أربعا ولو كان في يده كوز فشرب ثم أجاب جاز وكذا لو أكمل لقمة لا يتبدل المجلس إلا إذا اشتغل بالأكل ولو ناما جالسين لا يختلف بخلاف ما لو ناما مضطجعين أو أحدهما وإن كانا قائمين واقفين فسارا أو أحدهما بطل الإيجاب وكذا لو لم يقم ولكن يتشاغل في المجلس بشيء غير البيع بطل الإيجاب كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا إن ما في الإصلاح من قوله أو قام أيهما لم يقل عن مجلسه لأن الإيجاب يبطل بمجرد القيام وإن لم يذهب عن المجلس لدلالته على الإعراض فيه كلام لوجود دليل الإعراض بدون القيام والمراد بذكر القيام تبدل مجلس الإيجاب مطلقا تدبر
وفي الجوهرة وإن كان قائما فقعد ثم قبل فإنه يصح لأنه بالقعود لم يكن معرضا
وفي القنية رجل في البيت فقال الذي في السطح بعته منك بكذا فقال اشتريت صح إذا كان كل واحد منهما يرى صاحبه ولا يلتبس الكلام للبعد وكذا إذا تعاقدا وبينهما النهر والسفينة كالبيت
وإذا وجد الإيجاب والقبول من المتقاعدين لزم البيع وفيه إشارة إلى أن البيع يتم بهما ولا يحتاج إلى القبض ولا إلى إجازة البائع بعدهما وهو الصحيح بلا خيار مجلس إلا من عيب أو عدم رؤية
وقال الشافعي لا يلزم به بل لهما خيار المجلس لقوله عليه السلام المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن التفرق عرض يقوم بالجوهر وهو الأبدان ولنا قوله عليه السلام لا ضرار في الإسلام وفي إثبات الخيار لأحدهما إضرار للآخر فلا يثبت والخيار فيما رواه محمول على خيار المقبول وتفرقهما محمول على التفرق بالأقوال بأن قال أحدهما بعت وقال الآخر لا أشتري لما جاء في رواية عن النبي عليه الصلاة والسلام المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا عن
____________________
(3/11)
بيعهما وهذا لأن الأحوال ثلاثة قسم لم يوجد فيه ركن ما وهي حالة الهيئة وقسم وجد فيه ركنان وقسم وجد فيه أحدهما دون الآخر فنقول هذا الاسم وهو كونهما متبايعين قبل صدور الركنين وبعده بطريق المجاز باعتبار ما يئول في الأول وباعتبار ما كان في الثاني وفيما إذا وجد أحدهما دون الآخر بطريق الحقيقة فيكون مرادا ويحتمل أن يكون مرادا فيحمل عليه والفرق بينهما إن كان أحدهما مرادا والآخر محتمل للإرادة وتمامه في العناية فليطالع
ويصح البيع في العوض المشار إليه مبيعا كان أو ثمنا فإن كلا منهما عوض عن الآخر والحكم المذكور مشترك بينهما ولذلك قال في العوض ولم يقل في الثمن كما في الإصلاح
وقال سعدي أفندي وتقرير صدر الشريعة صريح في أن المراد بالأعواض الأثمان فتأمل في الترجيح بلا معرفة قدره ووصفه لأن الإشارة أقوى أسباب التعريف وجهالة القدر والوصف معها لا تقضى إلى المنازعة فلا تمنع الجواز لأن العوضين حاضران والأموال الربوية مستثناة من هذا الحكم فإن بيع الحنطة بجنسها مثلا لا يجوز بالإشارة لاحتمال الربا وكذا السلم فإن معرفة قدر رأس المال شرط عند الإمام إذا كان فيما يتعلق العقد على مقداره كما سيأتي إن شاء الله تعالى لا يصح البيع في غيره أي في غير المشار إليه بلا معرفة قدره كعشرة ونحوها وصفته ككونه مصريا أو دمشقيا لأن جهالتهما تفضي إلى النزاع المانع من التسليم والتسلم فيعرى العقد عن المقصود وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز
____________________
(3/12)
هذا فيما يحتاج إلى التسليم وفيما لا يحتاج إليه كما إذا أقر لفلان بمتاع عنده فاشتراه منه ولم يعرفا مقداره جاز كما في الزاهدي
و يصح البيع بثمن حال ومؤجل لإطلاق قوله تعالى وأحل الله البيع بأجل معلوم معناه إذا بيع بخلاف جنسه ولم يجمعها قدر لأنه لو بيع بجنسه وجمعهما قدر لم يجز تأجيله كما في المنح قيد بمعلوم لأن جهالة الأجل تفضي إلى المنازعة فالبائع يطالب في مدة قريبة والمشتري يأباها فيفسد فإن اختلفا في الأجل فالقول قول من ينفيه وكذا لو اختلفا في قدره فالقول لمدعي الأقل أو البينة بينة المشتري في الوجهين وإن اتفاقا على قدره واختلفا في مضيه فالقول للمشتري أنه لم يمض والبينة بينته أيضا كما في الجوهرة وقيد بالثمن لأن المبيع إذا كان عينا لا يصح الأجل فإن شرط فيه الأجل فالبيع فاسد لأن التأجيل في الأعيان لا يصح
وفي المنح لو باع مؤجلا انصرف إلى شهر لأنه المعهود في الشرع في السلم واليمين في ليقضين دينه أجل
وفي شرح المجمع لو مات البائع لا يبطل الأجل ولو مات المشتري حل المال فإن فائدة التأجيل أن ينجز فيؤدي الثمن من نماء المال فإذا مات من له الأجل تعين المتروك لقضاء الدين فلا يفيد التأجيل
ولو اشترى بأجل سنة غير معينة فمنع البائع البيع ولم يسلمه حتى مضت السنة ثم سلم المبيع فله أي فللمشتري أجل سنة أخرى عند الإمام لأن التأجيل للتصرف في المبيع وإيفاء الثمن بواسطته وكان إلى سنة مجهولا على سنة مبدؤها قبض المبيع عرفا محصلا لفائدة التأجيل خلافا لهما فإن عندهما لا أجل له بعد سنة لأنه أجله سنة وقد مضت فصار كما لو قال إلى رمضان
وفي البحر عليه ألف ثمن جعله الطالب نجوما إن أخل بنجم حل الباقي فالأمر كما
____________________
(3/13)
شرطا
وإن أطلق الثمن والمراد من الإطلاق أن يكون مطلقا عن قيد البلد وعن قيد وصف الثمن بعد أن سمى قدره بأن قال بعته بعشرة دراهم مثلا
فإن استوت مالية النقود بأن لا يكون بعضها أفضل من بعض مع تفاوت أنواعها ورواجها صح البيع ولزم ما قدر من عشرة وغيره من أي نوع كان أي من الأحادي أو الثنائي أو الثلاثي لأن الواحد من النوع الأول والاثنين من الثاني والثالث من الثالث متساويات في المالية والرواج فالمشتري يعطي أي نوع يريد إذ لا نزاع عند عدم تفاوت المالية وهو المانع في الجواز
وإن اختلفت رواجا فمن الأروج أي أروج النقود في البلد إذ المتعارف بين الناس المعاملة بالنقد الغالب فالتعيين بالعرف كالتعيين بالنص فيعتبر مكان العقد فلو باع شيئا من رجل ببصرة بكذا من الدنانير فلم ينعقد الثمن حتى وجد المشتري ببخارى يجب عليه الثمن بعيار بصرة كما في الخزانة
وإن استوى رواجها لا ماليتها بأن يكون بعضها أفضل من بعض فسد البيع للجهالة المفضية إلى النزاع ما لم يبين أنه من أي نوع فإذا بين تندفع الجهالة المانعة من التسليم فيصح فالحاصل أن المسألة رباعية لأنها إما أن تستوي في الرواج والمالية معا أو تختلف فيهما أو تستوي في أحدهما والفساد في صورة واحدة وهي الاستواء في الرواج والاختلاف في المالية والصحة في ثلاث صور فيما إذا كانت مختلفة في الرواج والمالية فينصرف إلى الأروج وفيما إذا كانت مختلفة في الرواج مستوية في المالية فينصرف إلى الأروج أيضا وفيما إذا استوت فيهما وإنما الاختلاف في الاسم كالمصري والدمشقي فيخير المشتري في دفع أيهما شاء كما في المنح
____________________
(3/14)
ويصح البيع في الطعام وهو الحنطة ودقيقها وكذا سائر الحبوب كالعدس والحمص وغيرهما
وقال بعض المشايخ ما يقع في العرف على ما يمكن أكله من غير إدام كاللحم المطبوخ والمشوي ونحوه قال الصدر الشهيد وعليه الفتوى
وكل مكيل وموزون كيلا في الكيلي ووزنا في الوزني وما ورد الشرع بكيله فهو كيلي أبدا وما ورد بوزنه فهو وزني أبدا وما لم يرد فيه شيء يعتبر فيه العرف وكذا يصح بيع الكيلي والوزني جزافا وهو البيع بالحدس والظن بلا كيل ولا وزن إن بيع بغير جنسه لقوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم بخلاف ما إذا بيع بجنسه مجازفة فإنه لا يصح لاحتمال الربا إلا إذا كان قليلا وهو ما دون نصف الصاع لعدم المعيار الشرعي وهو نصف الصاع
و يصح بيع الكيلي بإناء معين أو بيع الوزني بوزن حجر معين كل منهما لا يدرى قدره إذا لم يحتمل الإناء النقصان والحجر التفتت كأن يكون من خشب أو حديد فإن احتملهما لم يجز وكذا إذا باعه بوزن شيء يخف إذا جف كالخيار والبطيخ لأن الجهالة فيه لا تفضي إلى المنازعة لأن البيع يوجب التسليم والحال وهلاكه قبل التسليم نادر وبه اندفع ما رواه حسن من عدم الجواز للجهالة كما في المنح وغيره لكن التعليل يقتضي البيع حالا فلا يتصور التفتت والجاف في الحال فينبغي أن يجوز مطلقا سواء احتمل التفتت والجفاف أو لا إلا في السلم لأن التسليم فيه متأخر إلى حلول الأجل فيحتملهما فيحتاج إلا أن يحمل عليه تأمل
وفي التبيين هذا إذا كان الإناء لا ينكبس بالكبس ولا ينقبض ولا ينبسط كالقصعة والخزف وأما إذا كان ينكبس كالزنبيل والقفة فلا يجوز إلا في قرب الحال استحسانا بالتعامل فيه روي ذلك عن أبي يوسف
ومن باع صبرة وهي بالضم ما جمع من الطعام كل صاع بدل من صبرة بدرهم
____________________
(3/15)
صح في صاع واحد فقط عند الإمام لأن ما سماه وهو الصاع الواحد معلوم القدر والثمن فيجوز البيع فيه وما وراءه مجهول القدر والثمن فلا يجوز فيه إلا أن يسمي جملتها أي جملة صيعانها في العقد بأن قال بعتك هذه الصبرة على أنها مائة صاع بمائة درهم فيصح في جملتها لارتفاع الجهالة وللمشتري الفسخ بالخيار وإن وصلية كيل مجهول كال أو سمي مجهول سمى جملتها أي جملة الصيعان في المجلس بعد ذلك أي بعد البيع ظرف لكيل وسمى على طريق التنازع وفي إطلاقه يشعر بأن الخيار ثابت له مطلقا أما في كيلها وتسميتها في المجلس فلأن الثمن كان مجهول المقدار في ابتداء بيع الصغيرة وكان يحتمل أن يكون الثمن في ظنه أقل من الذي ظهر فلما انكشف الحال بكيلها أو تسميتها ثبت له الخيار وأما في عدم كيلها وعدم تسميتها فلأن الصفقة تفرقت على المشتري لأنه اشترى صبرة وانعقد البيع في قفيز كما في شرح المجمع
ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم لا يصح البيع في شيء منها أي من القطيع عند الإمام لأنه ينصرف إلى الواحد والواحدة منها متفاوتة فلا يصح البيع في واحد منها بخلاف مسألة الصبرة
وكذا لا يصح البيع لو باع ثوبا كل ذراع بدرهم عند الإمام لما مر أطلق الثوب تبعا لما في أكثر المتون وقيده العتابي بثوب يضره التبعيض أما في الكرباس فينبغي أن يجوز عنده في ذراع واحد كما في الطعام لأن التبعيد لا يضره كما في العناية لكن الحكمة تراعى في الجنس لا في كل فرد فإذا وجد التفاوت في جنس الثوب اعتبر الحكم في الكل تدبر وفي المنح نقلا عن القنية اشترى ذراعا من خشبة أو ثوب من جانب معلوم لا يجوز ولو قطعه وسلمه لم يجز أيضا إلا أن يقبل وعن أبي يوسف جوازه وعن محمد فساده ولكن لو قطع وسلم فليس
____________________
(3/16)
للمشتري الامتناع وعلى هذا لو باع غصنا من شجرة من موضع معلوم حتى لو اشترى الأوراق بأغصانها وكان موضع قطعها معلوما ومضى وقتها فليس للمشتري أن يسترد الثمن
وكذا لا يصح كل معدود متفاوت كالبقر والإبل والعبيد والبطيخ والرمان والسفرجل لما ذكرنا بخلاف المتقارب كالجوز لعدم التفاوت وعندهما والأئمة الثلاثة يصح في الكل أي في كل المبيع في جميع ذلك المذكور من الصبرة والقطيع والثوب والمعدود المتفاوت لأن زوال الجهالة بيدهما فلا تفضي إلى المنازعة لأنها تزول بالكيل والعد والزرع ومثل ذلك لا يعد مانعا ولأن قيام طريق المعرفة كقيام حقيقة المعرفة في حق جواز البيع كما لو باع عبدا بوزن هذا الحجر ذهبا أو بهذه الدراهم ولا يعلم وزنها واعلم أن المصنف رجح قول الإمام لأنه قدمه كما هو دأبه لكن ظاهر ما في الهداية ترجيح قولهما لتأخير دليلهما كما هو عادته وصرح في الخلاصة والزاهدي وغيرهما بأن الفتوى على قولهما تيسيرا على الناس قال في البحر وقد وضعت ضابطا فقيها لم أسبق إليه لكلمة كل بعد تصريحهم بأنها لاستغراق أفراد ما دخلته في المنكر وأجزائه في المعرف وهو أن الإفراد إن كانت مما لا يعلم نهايتها فإن لم تفض الجهالة إلى المنازعة فإنها تكون على أصلها من الاستغراق كمسألة التعليق والأمر بالدفع عنه وإلا فإن كان لا يمكن معرفتها في المجلس فهي على الواحد اتفاقا كالإجارة والإقرار والكفالة وإلا فإن كانت الإفراد متفاوتة لم يصح في شيء عنده كبيع قطيع كل شاة بكذا وصح في الكل عندهما كالصبرة والأصح البيع في واحد عنده كالصبرة انتهى
وإن باع صبرة على أنها مائة قفيز بمائة درهم فكيلت فوجدت أقل من
____________________
(3/17)
المائة عشرة مثلا أو أكثر من المائة فخير إن شاء أخذ المشتري الأقل أي التسعين بحصته بالكسر أي بنصيبه من المائة وأسقط ثمن ما عدم لعدم ضرره من النقصان أو فسخ البيع إن شاء بالإجماع لعدم رضائه بالأقل والزائد للبائع إجماعا لأنه في الكمية المنفصلة قدر وأصل فلا يكون للمشتري لأن البيع وقع على قدر معين فلا يستحق الزيادة بل القدر المعين ومن هنا ظهر أنه وجد مائة قفيز يجوز البيع في الكل بلا خيار لواحد منهما إجماعا وفيه إشارة إلى أن التخيير فيما إذا لم يقبض شيئا منه فلو قبض كان بمنزلة الاستحقاق بلا خيار له كما في الخانية
وفي المذروع يعني لو اشترى ثوبا على أنه مائة ذراع بمائة درهم فوجد أقل فخير المشتري إن شاء يأخذ الأقل بكل الثمن أي مجموعه لأن الأخذ بإعطاء جميع الثمن نافع للبائع لأخذه الثمن بلا نقصان مع عدم المنع من جانب الشرع لأن الذرع وصف في المذروع لكونه عبارة عن الطول ففواته لا يوجب سقوط شيء من الثمن المعين أو يفسخ أي إن شاء يفسخ لعدم انعقاد البيع حقيقة إذ لم يوجد المبيع المعين فيكون أخذه بكل الثمن على وجه التعاطي والزائد له أي للمشتري بالثمن بلا زيادة قضاء وليس له ديانة كما في القهستاني بلا خيار للبائع لأنه وجد المبيع مع زيادة وهي في الكمية المتصلة صفة وتبع فلا يقابله شيء من الثمن كما لو باعه على أنه معيب فوجد سليما فالبائع لا يخير بل يجبر على التسليم وحاصله أن القلة والكثرة من حيث الكيل والوزن قدر وأصل فالمكيل والموزون لا يتعيبان بالتبعيد ومن حيث الذرع وصف وتبع فالذروع يتعيب به
وفي العناية تفصيل فليراجع
وإن سمى لكل ذراع قسطا من الثمن بأن قال بعتك هذا الثوب على أنه مائة ذراع بمائة درهم كل ذراع بدرهم فوجده المشتري أقل من القدر المسمى إن شاء أخذ الأقل بحصته أي بحصة الأقل من الثمن
____________________
(3/18)
لا بكل الثمن لأن الذراع هنا أصل مقصود بقوله كل ذراع بدرهم ونزل كله منزلة ثوب على حدة وإن شاء يتركه لأن المبيع إذا لم يوجد تاما لا يوجد العقد حقيقة فيكون أخذه على وجه التعاطي
وكذا الزائد أي لو وجده المشتري أكثر من القدر المسمى خير بين أن يأخذ الزيادة بحساب كل ذراع بدرهم لأن البائع عنى بقوله كل ذراع بدرهم أن كل واحد من الذرعان المسماة بدرهم واحد إلى غايته فلا بد من رعاية هذا المعنى وبين أن يفسخ دفعا لضرر التزام الزائد وعن هذا قال وله أي للمشتري الخيار في الوجهين أي في النقصان والزيادة وفيه إشارة بأن ثبوت الخيار فيهما يدل على بقاء العقد الأول فيهما إلا في قول الشافعي بطل البيع
وفي العناية كلام فليطالع
وصح بيع عشرة أسهم أو أقل أو أكثر من مائة سهم من دار أو غيرها بالاتفاق لأن العشرة منها اسم لجزء شائع والسهم أيضا اسم لشائع لا لموضع معين وبيع الشائع جائز فيصير من له عشرة أسهم شريكا لمن له تسعون سهما فلا يؤدي إلى المنازعة لا يصح بيع عشرة أذرع من مائة ذراع منها من الدار عند الإمام لأن المبيع معين قدرا ومجهول محلا لتفاوت جوانب الدار في القيمة
____________________
(3/19)
فصار كبيع بيت من بيوت الدار بغير تعيين وذكر الخصاف أن الفساد عنده إذا لم يعلم جملة الذراعان وأما إذا علم جملتها يجوز عنده والصحيح أنه لا يجوز عنده مطلقا وعندهما يصح البيع فيهما أي في الأسهم والأذرع إذا كانت الدار مائة ذراع لأن عشرة أذرع من مائة ذراع منها عشرها كعشرة أسهم من مائة سهم فتخصيص الجواز بأحدهما تحكم
ولو باع عدلا عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه في مقداره ومنه عدل الحمل على أنه عشرة أثواب بعشرة دراهم أو أقل أو أكثر فإذا هو أقل من المسمى أو أكثر من المسمى فسد البيع في الصورتين لعدم العلم بثمن المعدوم المتفاوت في الأقل فيؤدي إلى النزاع وجهالة المبيع في الأكثر لأن ما زاد غير معلوم فيما بين الجملة فلا يمكن الرد لوقوع المنازعة والتعارض فيما بينهما فيفسد
وفي البحر ولو اشترى أرضا على أن فيها كذا نخلا مثمرا فوجد فيها نخلة لا تثمر فسد
وفي التنوير لو باع عدلا أو غنما واستثنى واحدا بغير عينه فإنه فاسد ولو بعينه جاز البيع
ولو فصل الثمن بأن قال بعتك هذا العدل على أنه عشرة أثواب كل ثوب بدرهم فكذا يفسد البيع في الأكثر أي فيما إذا كان أحد عشر مثلا لأن العقد يتناول العشرة فعلى المشتري رد الثوب الزائد وهو مجهول لاحتمال كونه جيدا أو رديا ولجهالته يصير المبيع أيضا مجهولا فيفسد ويصح البيع في الأقل بحصته يعني إذا كان تسعة مثلا لأن حصة المعدوم معلومة وهو درهم
____________________
(3/20)
لكل ثوب فتكون حصة الباقي معلومة أيضا ويخير المشتري إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن وإن شاء ترك لتفرق الصفقة عليه
وإن باع ثوبا على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم أخذه أي الثوب المشتري بعشرة دراهم لو كان الثوب عشرة ونصفا بلا خيار لحصول النفع الخالص
و يأخذ الثوب المشتري بتسعة دراهم لو كان الثوب تسعة ونصفا بخيار لفوات الوصف المرغوب فيه وهذا عند الإمام لأن الذرع وصف في الأصل وإنما أخذ حكم المقدار بالشرط وهو مقيد بالذراع فعند عدمه عاد الحكم إلى الأصل وعند أبي يوسف يخير المشتري في أخذه بأحد عشر في الأول أي فيما إذا وجده عشرة ونصفا
و يخير المشتري بأخذه بعشرة في الثاني أي فيما إذا وجده تسعة ونصفا لأنه لما أفرد كل ذراع ببدله نزل كل ذراع منزلة ثوب على حدة وقد انتقص وعند محمد يخير في أخذه في الأول أي فيما وجده عشرة ونصفا بعشرة ونصف وفي الثاني أي فيما وجده تسعة ونصفا بتسعة ونصف لأن من ضرورة مقابلة الذراع بالدراهم مقابلة نصفه بنصفه قيل هذا في ثوب يضره القطع وأما الكرباس الذي لا يضره القطع ولا يتفاوت جوانبه فلا يطيب للمشتري ما زاد على المشروط
____________________
(3/21)
فصل فيما يدخل في البيع تبعا بغير تسمية وما لا لا يدخل والأصل إن كل ما هو متناول اسم المبيع عرفا أو كان متصلا بالمبيع اتصال قرار أو كان من حقوق المبيع ومرافقه يدخل في البيع بلا ذكر صريح ونعني بالقرار الحال الثاني على معنى أن ما وضع لأن يفصله البشر بالآخرة ليس باتصال قرار وما وضع لا لأن يفصله منه فهو اتصال قرار ثم فرع على هذا الأصل فقال يدخل البناء والمفاتيح في بيع الدار بلا ذكر لأن البناء متصل بالأرض اتصال قرار فيدخل في البيع تبعا وكذا مفتاح غلق متصل بباب الدار بخلاف المنفصل وهو القفل فإنه ومفتاحه لا يدخلان والبناء في الأصل بمعنى المبني ويدخل فيه الباب والسلم ولو من خشب إن كان متصلا به بخلاف المنفصل والسرير كالسلم
وفي التبيين وفي عرف أهل مصر ينبغي أن يدخل السلم وإن كان منفصلا لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه
وفي المنح ويدخل الحجر الأسفل من الرحى وكذا الأعلى استحسانا إذا كانت مركبة في الدار لا المنقولة
وفي الخانية لو اشترى بيت الرحى بكل حق هو له أو بكل قليل وكثير هو فيه ذكر محمد في الشروط أن له الأعلى والأسفل وكذا لو كان فيه قدر نحاس موصولا بالأرض وقيل الحجر الأعلى لا يدخل في البيع ولو اشترى دارا يدخل الأشجار في صحنها والبستان فيها صغيرا أو كبيرا وإن كان خارج الدار لا يدخل وإن كان له باب في الدار وقيل إن كان أصغر من الدار ومفتحه فيها يدخل وإن أكبر أو مثلها لا وكذا تدخل البئر الكائنة في الدار والبكرة على البئر ولا يدخل
____________________
(3/22)
الدلو والحبل المعلقات عليها إلا إذا قال بمرافقها
وفي التبيين وثياب الغلام والجارية يدخل في البيع إلا أن يكون ثيابا مرتفعة إذا العرف فيهما جار على ثياب البذلة ثم البائع بالخيار إن شاء أعطى الذي عليه وإن شاء أعطى غيره وخطام البعير والحبل المشدود في عنق الحمار والحزام والبردعة والإكاف يدخل للعرف بخلاف سرج الدابة ولجامها والحبل المشدود على قرن البقر والجل وفصيل الناقة وفلو الرمكة وجحش الأتان والعجول والحملان إن ذهب به مع الأم إلا موضع البيع دخل فيه للعرف وإلا فلا
وكذا يدخل الشجر في بيع الأرض بلا ذكر مثمرة كانت الأشجار أو لا على الأصح إذا كانت موضوعة في الأرض للقرار فتدخل تبعا صغيرة كانت أو كبيرة إلا اليابسة فإنها على شرف القلع فهي كالحطب الموضوع وقيدنا بكونها موضوعة في الأرض لأنه لو كانت فيها أشجار صغار تحول في فصل الربيع وتباع فإنها إن كانت تقلع من أصلها تدخل في البيع وتكون للمشتري وإن كانت تقطع من وجه الأرض فهي للبائع إلا بالشرط
وفي البحر باع أرضا فيها قطن لم يدخل الثمر وأما أصله فمنهم من قال لا يدخل على الصحيح وأما الكراث وما كان مثله فما كان على ظاهر الأرض لا يدخل وما كان مغيبا في الأرض من أصوله واختلفوا فيه والصحيح أنه يدخل
وفي الكرخي والأصل إن ما كان لقطعه مدة معلومة فهو كالثمر فلا يدخل وما ليس
____________________
(3/23)
بقطعه مدة معلومة يدخل كالشجر وشجرة الخلاف للمشتري وكذا كل ما كان له ساق ولا يقطع أصله حتى كان شجرا وأصل الآس والزعفران للبائع والقصب في الأرض كالثمر وأما عروقها فتدخل في البيع وقوائم الخلاف والباذنجان تدخل في البيع ذكره السرخسي والإمام الفضلي جعل قوائم الخلاف كالثمر بلغ أو لا انقطع أو لا وبه يفتى
ولو أطلق شراء شجرة أي لم يعين بأن شراءها للقطع أو للقرار دخل مكانها أي مكان الشجرة من الأرض بمقدار غلظها في البيع عند محمد وهو المختار لتضمنه القرار إذ الشجر اسم للمستقر على الأرض ولا قرار بدونها فيتقدر بقدرها كما لو أقر بالشجرة لفلان تدخل أرضها وكما لو اقتسمها وقيل يتقدر بقدر ساقها وقيل بقدر ظلها عند الزوال وقيل بقدر عروقها العظام هذا إذا لم يعين قدرا فإن عين يدخل المعين خلافا لأبي يوسف فإنه قال دخل عينها ولا غير كما في الشراء للقطع إذ الأرض الأصل والشجر تبع فلو دخلت الأرض يصير الأصل تبعا قيد بالإطلاق لأنه لو اشتراها للقطع لا تدخل الأرض اتفاقا وإن اشتراها للقرار دخلت ما تحت الشجرة من الأرض بقدر غلظها دون ما تنتهي إليه العروق اتفاقا
ولا يدخل الزرع في بيع الأرض بلا ذكر بالإجماع لأنه متصل به للفصل فأشبه المتاع الموضوع في البيت
ولا يدخل الثمر في بيع الشجر إلا باشتراطه أي باشتراط دخول الزرع في بيع الأرض ودخول الثمر في بيع الشجر لقوله عليه الصلاة والسلام من باع نخلا أو شجرا فيه ثمر فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع أي يقول المشتري اشتريت مع زرعه أو مع ثمره فتدخل وإلا فلا مطلقا وعند الأئمة الثلاثة لو كانت مؤبدة تدخل وإلا لا
وإن وصلية ذكر الحقوق
____________________
(3/24)
والمرافق لأنهما ترجع إلى مثل المسيل والشرب والطريق لا إلى الزرع والثمر فلو قال بعتكها بكل قليل وكثير هو له فيها أو منها من حقوقها أو من مرافقها لا يدخل وإن لم يقل من حقوقها ومرافقها دخل اتفاقا لأنه حينئذ يكون من المبيع بخلاف الثمر المجذوذ أو الزرع المحصود حيث لا يدخل إلا بالتنصيص عليه ويقال للبائع على تقدير عدم الدخول اقلعه أي الزرع واقطعها أي الثمر وتأنيث الضمير لما أن الاسم الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء يذكر ويؤنث وسلم المبيع فإن التسليم لازم عليه وذلك لا يكون إلا بالتخلية وعند الأئمة الثلاثة للبائع تركها حتى يظهر صلاح الثمر ويستحصد الزرع
وكذا لا يدخل في بيع الأرض حب بذر ماض مجهول صفة حب ولم ينبت بعد أو نبت وصار له قيمة وتعرف قيمته بتقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة فإن كانت قيمتها مبذورة أكثر علم أنه صار متقوما
وإن نبت البذر ولم تصر له قيمة بعد دخل في البيع وقيل لا يدخل وصرح في التجنيس بأن الصواب الدخول كما نص عليه القدوري والإسبيجابي وفصل في الذخيرة في غير الثابت بين ما إذا لم يعفن أو لا فإن عفن فهو للمشتري لأن العفن لا يجوز بيعه على الانفراد فصار كجزء من أجزاء الأرض
وفي البحر وصحح في السراج عدم الدخول إلا بالذكر وصحح في المحيط دخول الزرع قبل النبات فالحاصل أن المصحح عدم الدخول ولو لم يكن له قيمة إلا قبل النبات فالصواب دخول ما لا قيمة له فاختلف الترجيح فيما لا قيمة له وعلى هذا الخلاف الثمر الذي لا قيمة له
ومن باع ثمرة بدا صلاحها أو لم يبد من البدو بالضمتين وتشديد الواو
____________________
(3/25)
الظهور صح لأنه مال متقوم إما لكونه منتفعا به في الحال أو في المآل وقيل لا يجوز قبل بدو الصلاح وهو قول الأئمة الثلاثة وإنما قيد بقوله ببدا صلاحها لأن بيعها قبل البدو لا يصح اتفاقا وقبل بدو الصلاح بشرط القطع في المنتفع به صحيح اتفاقا وبعدما تناهت صحيح اتفاقا إذا أطلق وأما بشرط الترك ففيه اختلاف سيأتي فصار محل الخلاف البيع بعد الظهور قبل بدو الصلاح مطلقا أي بلا شرط القطع ولا بشرط الترك فعند الأئمة الثلاثة لا يجوز وعندنا يجوز ولكن اختلفوا فيما إذا كان غير منتفع به الآن أكلا وعلفا للدواب فقيل بعدم الجواز ونسبه قاضي خان لعامة مشايخنا والصحيح الجواز كما في البحر
وفي الفتح والحيلة في جوازه باتفاق المشايخ أن يبيع الكمثرى أول ما تخرج مع الأوراق فيجوز فيها تبعا للأوراق كأنه ورق كله وإن كان بحيث ينتفع به ولو علفا للدواب فالبيع جائز باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع لو مطلقا
وفي الشمني وإنما الخلاف في تفسير بدو صلاحها وعندنا على ما في المبسوط هو أن يأمن العاهة والفساد وعلى ما في الخلاصة عن التجريد أن يكون منتفعا به وعند الشافعي ظهور النضج ومبادئ الحلاوة ويقطعها المشتري للحال تفريغا لملك البائع وأجرة القلع على المشتري
____________________
(3/26)
وإن شرط تركها أي الثمرة على الشجرة حتى تدرك فسد البيع لأنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل ملك الغير أو لأنه صفقة في صفقة لأنه إجارة في البيع إن كانت للمنفعة حصة من الثمن أو إعارة في بيع إن لم تكن له حصة من الثمن كما في أكثر المعتبرات قال في البحر وتعقبهم في الغاية بأنكم قلتم أن كلا من الإجارة والإعارة غير صحيح فكيف يقال أنه صفقة في صفقة وجوابه أنه صفقة فاسدة في صفقة صحيحة ففسدتا جميعا انتهى هذا مسلم إن كانت الإجارة فاسدة وإن باطلة فلا لما سيأتي أن إجارة النخيل باطلة والباطل عبارة عن المعدوم المضمحل والمعدوم لا يصلح متضمنا فيلزم في هذه الصورة أن لا توجد صفقة في صفقة فلا يندفع الإشكال تأمل
ولو وصلية أي ولو كان بعد تناهي عظمها عند الشيخين وهو القياس لأن ما زاد وحدث من الترك في ملك البائع مضمون عند البيع وهو مجهول خلافا لمحمد فإنه قال يفسد في المتناهية استحسانا لأنه شرط متعارف وهو قول الأئمة الثلاثة
وفي البحر نقلا عن الأسرار الفتوى على قول محمد وبه أخذ الطحاوي
وفي المنتقى ضم إليه أبو يوسف
وفي التحفة والصحيح قولهما لأن التعامل لم يكن بشرط الترك وإنما كان بالإذن بالترك من غير شرط وكذا يفسد شراء الزرع بشرط الترك لما قررنا
وإن تركها أي الثمرة الغير المتناهية على الشجر بإذن البائع بلا اشتراط تركها حالة العقد طاب له أي للمشتري الزيادة الحاصلة في ذات الثمرة بالترك لأنه حصل بطريق مباح
وإن تركها أي الثمرة بغير
____________________
(3/27)
إذنه أي البائع تصدق بما زاد في ذاتها لحصوله بطريق محظور ويعرف مقدار الزائد بالتقويم يوم البيع ويوم الإدراك وما تفاوت بينهما يكون زائدا
وإن تركها أي الثمرة بعدما تناهت بغير إذنه إلى أن تدرك لا يتصدق المشتري بشيء لأن الثمرة إذا صارت بهذه المثابة لا يتحقق زيادة فيها وإنما هو تغير وصف وهو من أثر الشمس والقمر والكواكب
وإن استأجر المشتري الشجر بطلت الإجارة أي لو اشتراها مطلقا عن الترك والقطع ثم استأجر الشجر إلى وقت إدراك الثمر بطلت الإجارة وطابت الزيادة لأن الإجارة باطلة لعدم التعارف والحاجة فبقي الإذن معتبرا فتطيب
وإن استأجر المشتري الأرض لترك الزرع إلى أن يستحصد فسدت الإجارة لجهالة المدة فقد يتقدم الإدراك إذا تعجل الحر وقد يتأخر إذا طال البرد ولا تطيب الزيادة الحاصلة فيها للخبث والحاصل أن الإذن في الإجارة الباطلة صار أصلا إذ الباطل عبارة عن المعدوم المضمحل والمعدوم لا يصلح متضمنا فصار الإذن مقصودا ولا كذلك في الفاسد لأن الفاسد ما كان موجودا بأصله فائتا بوصفه فأمكن جعله متضمنا للإذن وفساد المتضمن يقتضي فساد ما في الضمن فيفسد الإذن فيتمكن الخبث
وفي العناية كلام فليطالع
ولو أثمرت الشجرة ثمرا آخر بعد شراء الموجود قبل القبض بتخلية البائع بين المشتري وبين الثمرة فسد البيع إن لم يحلل له البائع لتعذر التسليم بسبب الاختلاط وعدم التمييز هذا إذا لم يعرف الحادث بالموجود فإن عرف فالعقد صحيح على حاله وكذا إذا حلل له البائع كما في الكافي
ولو أثمرت الشجرة ثمرا آخر بعد القبض أي
____________________
(3/28)
بعد قبض المشتري المبيع بالتخلية فلا يفسد بالاختلاط ولكنهما يشتركان فيه لاختلاط ملك أحدهما للآخر والقول في قدر الحادث للمشتري مع يمينه لكونه في يده
وفي التبيين وكذا الباذنجان والبطيخ فحاصله أن لهذه المسألة ثلاث صور أحدها إذا خرج الثمار كله فإنه يجوز بيعه بالاتفاق وحكمه ما مضى وثانيها أن لا يخرج شيء منه فإنه لا يجوز بيعه اتفاقا وثالثها أن يخرج بعضها دون بعض فإنه لا يجوز في ظاهر المذهب وقيل يجوز إذا كان الخارج أكثر ويجعل المعدوم تبعا للموجود استحسانا لتعامل الناس وللضرورة وكان شمس الأئمة الحلواني وأبو بكر بن الفضل يفتيان به
وقال شمس الأئمة السرخسي والأصح أنه لا يجوز
وفي البحر وهو ظاهر المذهب لكن في الفتح فإن الناس تعاملوا بيع ثمار الكرم بهذه الصفة ولهم في ذلك عادة ظاهرة وفي نزع الناس عن عادتهم حرج وقد رأيت في هذا رواية عن محمد وهو في بيع الورد على الأشجار فإن الورد لا يخرج جملة ولكن يتلاحق البعض البعض ثم جوز البيع في الكل بهذا الطريق وهو قول مالك والمخلص أن يشتري أصول الباذنجان والبطيخ والرطبة ليكون ما يحدث على ملكه
وفي الزرع والحشيش يشتري الموجود ببعض الثمن ويستأجر مدة معلومة يعلم غاية الإدراك وانقضاء الغراس فيها لباقي الثمر وفي ثمار الأشجار يشتري الموجود ويحل له البائع ما يوجد فإن خاف أن يرجع يفعل كما قال أبو الليث في الإذن في ترك الثمر على الشجر على أنه متى رجع عن الإذن كان مأذونا في الترك بإذن جديد فيحل له على مثل هذا الشرط انتهى
ولو باع ثمرة على شجرة واستثنى منها أي من الثمرة المبيعة المجذوذة أو غيرها أرطالا معلومة صح أي البيع والاستثناء في ظاهر
____________________
(3/29)
الرواية وهو مذهب مالك لأن المستثنى معلوم بالعبارة والمبيع معلوم بالإشارة وجهالة قدره لا يمنع الجواز ألا ترى أن بيعه مجازفة جائز والأصل أن ما جاز بيعه ابتداء يجوز استثناؤه كبيع صبرة إلا قفيزا وقفيز من صبرة بخلاف الحمل وأطراف الحيوان حيث لا يجوز استثناؤه لأنه لا يجوز بيعه ابتداء وقيل لا يصح وهو رواية الحسن والطحاوي وهو قول الشافعي وأحمد لجهالة الباقي وهو أقيس بمذهب الإمام في مسألة بيع صبرة طعام كل قفيز بدرهم فإنه أفسد البيع وقت العقد وهو لازم في استثناء أرطال معلومة على الأشجار وإن لم يفض إلى المنازعة فالحاصل أن كل جهالة تفضي إلى المنازعة مبطلة فليس يلزم أن ما لا يفضي إليها يصح معها بل لا بد من عدم الإفضاء إليها في الصحة من كون المبيع على حدود الشرع ألا يرى أن المتبايعين قد تراضيا على شرط لا يقتضيه العقد وعلى البيع بأجل مجهول ولا يعتبر ذلك مصححا كما في الفتح وفي المنح وقد يفهم من كلام الزيلعي أن رواية عدم الجواز هي رواية الحسن وحده وليس كذلك بل هي رواية أبي يوسف أيضا عن الإمام وتمامه فيه فليطالع
ثم محل الاختلاف ما إذا استثنى معينا فإن استثنى جزءا كربع وثلث فإنه صحيح اتفاقا وكذا لو كان الثمر مجذوذا واستثنى منه أرطالا جاز وقيد بالأرطال لأنه لو استثنى رطلا واحدا جاز اتفاقا لأنه استثناء القليل من الكثير بخلاف الأرطال لجواز أن لا يكون ذلك فيكون استثناء الكل من الكل
ويجوز بيع البر والشعير والعدس حال كونه في سنبله إن بيع بغير جنسه وإن بيع بجنسه لا يجوز لشبهة الربا
وكذا يجوز بيع الباقلاء هو بالقصر والتشديد أو بالمد والتخفيف الحب المعروف في قشره والأرز والسمسم وكذا يجوز بيع اللوز والفستق بضم الفاء والتاء وسكون السين والجوز في قشرها الأول قيد للجميع وإنما قيد الأول وهو الأعلى
____________________
(3/30)
تنصيصا على موضع الخلاف فإن الشافعي لا يجوز بيع ذلك كله وله في بيع السنبلة قولان وعندنا يجوز ذلك كله وعلى البائع تخليصها وتسليمها إلى المشتري هو المختار
وفي الكافي وغيره وللشافعي إن كان المبيع مستورا بشيء لا منفعة له فصار كتراب الصاغة أي كبيع تراب الفضة بتراب الفضة أو بالفضة ولنا أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع النخل حتى يزهي وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة وحكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها فظاهره يقتضي الجواز بعد وجود الغاية وعنده لا يجوز حتى يخرج من قشره الأول انتهى لكن الاستدلال بمفهوم الغاية لا يجوز عندنا إلا أن يقال إنه مبني على إلزام الشافعي بمذهبه في المفهوم وإن لم يكن معتبرا عندنا فيكون جوابا إلزاميا على مذهبه ويسمى جدلا فعلى هذا يندفع به اعتراض صاحب العناية فلا يلزم عليه ما قاله صاحب الدرر تأمل
وأجرة الكيل في مثل البر للكيال وعد المبيع أي أجرة العد في مثل الغنم للعداد ووزنه أي أجرة الوزن في مثل العسل للوزان وزرعه أي أجرة الذرع في مثل الكرباس والكتان للذراع على البائع فيما بيع بشرط الكيل والعد والوزن والذرع لأنه من تمام التسليم وتسليم المبيع عليه وكذا ما كان من تمامه قيد بالكيل لأن صب الحنطة في الوعاء على المشتري وكذا إخراج الطعام من السفينة وكذا قطع العنب المشترى جزافا عليه وكذا كل شيء باعه جزافا كالثوم والبصل والجزر إذا خلى بينهما وبين المشتري وكذا قطع الثمرة إذا خلى بينها وبين المشتري كما في البحر وغيره لكن في الفتح وصبها في وعاء المشتري على البائع أيضا هو المختار
وأجرة نقد الثمن أي تميز جيده عن رديئه ووزنه على المشتري لأنه يحتاج في تسليم الثمن إلى تعيين قدره وصفته فتكون مؤنته عليه وكذا مؤنة تمييز الجيد عن غيره هو الصحيح كما في الخلاصة وهو ظاهر الرواية كما في الخانية وبه يفتى كما في الزاهدي وغيره إلا إذا قبض البائع الثمن ثم جاء يرده بعيب الزيافة فإنه على البائع وأما أجرة نقد الدين فإنه على المديون إلا إذا قبض رب الدين الدين ثم ادعى عدم النقد فالأجرة على رب الدين كما في البحر وفي بيع سلعة بثمن أي بدراهم ودنانير سلم هو أو لا أي سلم الثمن قبل المبيع إذا وقع المنازعة بينهما
____________________
(3/31)
في تسليم المبيع والثمن قيل للمشتري ادفع الثمن أولا لأن حق المشتري تعين في المبيع فيقدم دفع الثمن ليتعين حق البائع بالقبض لما أنه يتعين بالتعيين تحقيقا للمساواة في تعيين حق كل واحد منهما خلافا للشافعي في قول
هذا إذا كان المبيع حاضرا وإن غائبا فلا يسلم حتى يحضر البائع المبيع على مثال الراهن مع المرتهن وفي البزازية باع بشرط أن يدفع المبيع قبل نقد الثمن فسد البيع لأنه لا يقتضيه العقد
وقال محمد لا يصح لجهالة الأجل إن لم يكن البيع مؤجلا فإنه لو كان مؤجلا لا يمكن التسليم أولا بل يجب تسليم المبيع وإن أسقط البائع حقه بالتأجيل فلا يسقط حق المشتري في قبض المبيع
وفي بيع سلعة بسلعة هذا بيع المقايضة على ما مر أو ثمن بثمن ويسمى هذا بيع الصرف سلما معا تسوية بينهما في العينية والدينية فلا ضرورة في تقديم أحدهما بالدفع لكن لا بد من معرفة التسليم والتسلم الموجب للبراءة
وفي التجريد تسليم المبيع أن يخلي بينه وبين المبيع على وجه يتمكن من قبضه من غير حائل وكذا تسليم الثمن وفي الأجناس يعتبر في صحة التسليم ثلاثة معان أن يقول خليت بينك وبين المبيع وأن يكون المبيع بحضرة المشتري على صفة يتأتى فيه النقل من غير مانع وأن يكون مفرزا غير مشغول بحق غيره وعن الوبري المتاع لغير البائع لا يمنع فلو أذن له بقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده وكان الإمام يقول القبض أن يقول خليت بينك وبين المبيع فاقبضه ويقول المشتري وهو عند البائع قبضته فلو أخذه برأسه وصاحبه عنده فقاده فهو قبض دابة أو بعيرا وإن كان غلاما أو جارية فقال المشتري تعال معي أو امش فخطى معه فهو قبض وكذا لو أرسله في حاجته
____________________
(3/32)
وفي الثوب إن أخذه بيده أو خلى بينه وبينه وهو موضوع على الأرض فقال خليت بينك وبينه فاقبضه فقال قبضته فهو قبض وكذا القبض في البيع الفاسد بالتخلية ولو اشترى حنطة في بيت ودفع البائع المفتاح له وقال خليت بينك وبينها فهو قبض وإن لم ينقل شيئا لا يكون قبضا ولو باع دارا غائبة فقال سلمتها إليك فقال قبضتها لم يكن قبضا وإن كانت قريبة كان قبضا وهي أن تكون بحال يقدر على إغلاقها وإلا فهي بعيدة وتمامه في البحر فليطالع وفي التنوير وجد البائع الثمن زيوفا ليس له استرداد السلعة وحبسها به
قبض بدل الجياد زيوفا ثم علم بها يردها ويسترد الجياد إن قائمة وإلا فلا
اشترى شيئا وقبضه ومات مفلسا قبل نقد الثمن فالبائع أسوة للغرماء ولو لم يقبضه فالبائع أحق به اتفاقا
____________________
(3/33)
باب الخيارات وفي المستصفى العلل نوعان عقلية وهي ما لا يجوز تراخي الحكم عنها كالسواد مع الاسوداد ولذلك قال الشيخ أبو نصر العلة العقلية ما إذا وجد يجب الحكم به وشرعية كالبيت للحج والأوقات للصلاة والبيع للملك وفي مثل هذه العلة يجوز تراخي الحكم عن علته إلا أنه لا يجوز تخلف الحكم عن العلة إلا على قول من يجوز تخصيص العلة واعلم أن الموانع أنواع مانع يمنع انعقاد العلة كما إذا أضاف البيع إلى حر ومانع يمنع تمام العلة كما إذا أضاف إلى مال الغير ومانع يمنع ابتداء الحكم كخيار الشرط ومانع يمنع تمام الحكم كخيار الرؤية ومانع يمنع لزوم الحكم كخيار العيب فقدم خيار الشرط على أنواعه لهذا
وفي البحر والخيارات في البيع لا تنحصر في الثلاثة بل هي ثلاثة عشر خيارا
خيار الشرط خيار الرؤية خيار العيب خيار الغبن خيار الكمية خيار الاستحقاق خيار كشف الحال خيار تفرق الصفقة بهلاك البعض قبل القبض خيار إجازة عقد الفضولي خيار فوات الوصف المشروط المستحق بالعقد خيار التعيين خيار الخيانة في المرابحة خيار نقد الثمن وعدمه صح خيار الشرط أي الاختيار للفسخ أو الإجازة بسبب شرطه ولو بعد البيع فالخيار اسم من الاختيار والإضافة من قبيل إضافة الحكم إلى علته وسببه وهي بين الفصحاء والفقهاء شائعة فلا حاجة إلى ما قيل من أنه لو قال صح شرط الخيار لكان أولى لأن الموصوف بالصحة شرط الخيار لا نفس الخيار تدبر لكل من العاقدين أي البائع والمشتري منفردا ولهما معا أي صح الخيار للبائع والمشتري جميعا في مبيع أو بعضه صرح في السراجية حيث قال اشترى مكيلا أو موزونا أو عبدا وشرط الخيار في نصفه أو ثلثه أو ربعه جاز كما في البحر ثلاثة أيام بالنصب على الظرف أو بالرفع على الابتداء والخبر هو الظرف
____________________
(3/34)
المتقدم ويجوز أن يكون هو مبتدأ على نحو قوله تعالى ومنهم دون ذلك فيكون من قبيل التجاذب كما في القهستاني لكن في الفتح والصواب أن يقدر مدته بثلاثة أيام فما دونها لا أكثر من ثلاثة أيام عند الإمام وزفر والشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام لحبان بن منقذ يغبن في البياعات إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام وجهه أن شرط الخيار مخالف لمقتضى العقد وهو اللزوم أولا فيكون مفسدا لكنه جوز بهذا النص على خلاف القياس فيقتصر على المدة المذكورة لا ما فوقها
وفي البحر وحين ورد النص به جعلناه داخلا على الحكم مانعا له تقليلا لعمله بقدر الإمكان ولم نجعله داخلا على أصل البيع للنهي عن بيع بشرط والبيع الذي شرط فيه الخيار يقال فيه علة اسما ومعنى لا حكما وللخالي عنه علة اسما ومعنى وحكما إلا إن أجاز أي من له الخيار في الثلاثة يعني لا يجوز الخيار أكثر من ثلاثة أيام لكن لو ذكر أكثر منها وأجاز في الثلاثة بإسقاط خيار الأكثر عند الإمام ولا اعتبار لأوله لزوال المفسد قبل تقرره فانقلب صحيحا وقد اختلفوا في صفة العقد فقيل انعقد فاسدا ثم يعود صحيحا بزوال المفسد في ظاهر الرواية وهو قول العراقيين وقيل موقوف على إسقاط الشرط فبمضي جزء من الرابع يفسد فلا ينقلب صحيحا وهو مختار السرخسي وفخر الإسلام وغيرهما من مشايخ ما وراء النهر وعند زفر والشافعي يفسد من أول الأمر إذا شرط الزيادة على الثلاث ولو ساعة فلا ينقلب جائزا كالنكاح بغير شهود حيث لا ينقلب صحيحا بالإشهاد وعندهما يجوز أكثر من الثلاث أن بين مدة معلومة أية مدة كانت طويلة أو قصيرة لما روي
____________________
(3/35)
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه أجاز الخيار إلى شهرين ولأن الخيار شرع للتروي لدفع الغبن وقد تمست الحاجة إلى الأكثر فشابه التأجيل في الثمن قيد بمعلومة لأن الخيار إذا كان مجهولا بأن قال اشتريت على أني بالخيار أياما أو قال مؤبدا فإنه غير جائز اتفاقا
وفي الخلاصة لو أثبت الخيار ولم يذكر وقتا فله الخيار ما دام في المجلس
وإن اشترى شخص شيئا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع صح البيع استحسانا إذا نقده في الثلاث والقياس وهو قول زفر والأئمة الثلاثة لا يجوز لأنه بيع شرطت فيه الإقالة فهو مفسد ولنا أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما باع ناقة بهذا الشرط ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولأنه في معنى شرط الخيار فلا يفسده قيد بقوله إلى ثلاثة لأنه لو لم يبين الوقت أصلا أو ذكر وقتا مجهولا فالبيع فاسد اتفاقا
و إن اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام لا يصح البيع عند الإمام لأن هذا في معنى الخيار من حيث إن المقصود منها التفكر وشرط فوق الثلاثة مفسد فكذا هذا وعن أبي يوسف روايتان وأصحهما أنه مع الإمام إلا أن ينقد في الثلاثة أي اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أو أكثر فنقد في الثلاث جاز
____________________
(3/36)
بالإجماع كما في شرط الخيار لزوال المفسد وعند محمد يجوز إلى أربعة أيام وأكثر كما في خيار الشرط جريا على أصله وأبو يوسف كان مع محمد في هذا الأصل لكن خالفه في هذه المسألة عملا بالنهي الوارد عن البيع بشرط إلا أن النص ورد في شرط الخيار فجاز فبقي الحكم في المسألة على مقتضى النهي لكن يشكل قول أبي يوسف بتجويز الزيادة على شهرين لعدم الأثر في الزيادة مع أنها يجوز تأمل
وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه وإن قبضه المشتري بإذن البائع لأن خروجه إنما يكون برضى البائع والخيار ينافيه فيصح تصرف البائع في المبيع في مدة الخيار تصرف الملاك من الهبة والعتق والوطء وغيرها ويصير فسخا للبيع فيخرج الثمن عن ملك المشتري اتفاقا لكنه لا يدخل في ملك البائع عند الإمام وقالا يدخل فإن قبضه أي المبيع المشتري سواء بإذن البائع أو لا فهذا عنده في مدة الخيار حتى لو هلك عند البائع ينفسخ البيع ولا شيء على المشتري لزمه قيمته أي قيمة المبيع على المشتري لأن خيار البائع لا يسقط عن المبيع الهالك فيقع الهلاك على ملكه فينفسخ البيع لعدم إمكان اللزوم إذ لو لزم للزم بعد الهلاك وذا لا يجوز لعدم المحل فكان مضمونا كالمقبوض على سوم الشراء لأن بطلان العقد لا يبطل المساومة فوجب الضمان بالقيمة إن قيميا وبالمثلي إن مثليا ولم يذكر المثل كما ذكره البعض اكتفاء بذكر الأصل في الضمان قيدنا في مدة الخيار لأنه لو هلك بعد تمام المدة يجب عليه الثمن لا الضمان لأن العقد قد لزم بعد تمامها
وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع اتفاقا للزم البيع في جانبه ويمنع خروج الثمن من ملك المشتري بالاتفاق والأصل أن البدل الذي من له جانب من الخيار لا يخرج عن ملكه فإن هلك المبيع في يده أي المشتري لزم الثمن لأن المبيع إذا قرب من الهلاك يكون معيبا لا
____________________
(3/37)
يمكن الرد فيلزم العقد الموجب الثمن المسمى خلافا للشافعي فإن عنده تجب القيمة
وكذا لزم الثمن لو تعيب في يد المشتري أطلقه فشمل ما إذا عيبه المشتري أو أجنبي أو تعيب بآفة سماوية ولكن ليس باقيا على إطلاقه وإنما المراد به عيب يلزم ولا يرتفع كما إذا قطعت يده وأما ما يجوز ارتفاعه كالمرض فهو على خياره إن زال المرض في الأيام الثلاثة وأما إذا مضت والعيب قائم لزم البيع لتعذر الرد كما في البحر وغيره وإنما لم يقل عيبا لا يرتفع كما قال بعض الفضلاء لأنه إذا كان العيب نظيرا لهلك يفهم أن يكون العيب مما لا يرتفع كما لا
____________________
(3/38)
يرتفع الهلاك لأن الكلام فيما لا يمكن رده على وجه قبضه أو لا تأمل
إلا أنه أي المبيع إذا خرج عن ملك البائع فيما إذا شرط الخيار للمشتري لا يدخل في ملك المشتري عند الإمام كي لا يجتمع البدل والمبدل عنه في ملك شخص واحد خلافا لهما فإن عندهما يدخل وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه لما خرج المبيع عن ملك البائع وجب أن يدخل في ملك المشتري كي لا يصير سائبة بغير مالك قيده بكون المبيع في يد المشتري لأنه لو هلك قبل القبض فلا شيء عليه اتفاقا ولم يذكر حكم ما إذا كان الخيار لهما ففي أكثر المعتبرات لا يخرج شيء من المبيع والثمن من ملك البائع والمشتري اتفاقا
فلو اشترى زوجته بالخيار هذا تفريع لما قبله لا يفسد النكاح عند الإمام لأنه لا يملكها باعتبار الخيار ويفسد عندهما لأنه يملكها
وإن وطئها أي الزوجة المشتراة بالخيار فله أي للزوج المشتري ردها عند الإمام لأنه أي الوطء بالنكاح أي بحكم ملك النكاح لبقائه لا بحكم ملك اليمين لعدمه وعندهما ليس له أن يردها مطلقا إلا في البكر فإنها لا ترد اتفاقا لأن الوطء ينقصها عنده وعندهما الوطء بملك اليمين وظاهره أنه لو نقصها وهي يثبت فالحكم كذلك كما في البحر
ولو ولدت تلك المشتراة أو حبلت منه في مدته أي في مدة الخيار بالنكاح لا تصير تلك المشتراة أم ولده أي الزوج المشتري عند الإمام خلافا لهما فإن عندهما تصير أم ولد له لو ادعى الولد لأنه ولد والفراش ضعيف كما في الإيضاح لكن الكلام في الحامل من المشتري بالنكاح فلا حاجة إلى قيد الدعوة تدبر
ومحله ما إذا كان قبل القبض أما بعده سقط الخيار اتفاقا وتصير أم ولد للمشتري لأنها تعيبت عنده بالولادة فعلى هذا لو قال ولو ولدت في مدته بالنكاح قبل القبض كما في أكثر المعتبرات لكان أولى تدبر
ولو اشترى قريبه أراد به ذا رحم محرم منه به أي بالخيار أو اشترى عبدا أو أمة بعد قوله إن ملكت عبدا أو أمة فهو حر لا يعتقان في مدته عند
____________________
(3/39)
الإمام لعدم الدخول خلافا لهما بخلاف ما إذا قال إن اشتريت لأنه لا يصير كالمنشئ للعتق بعد الشراء فسقط الخيار فيعتق عند هم جميعا ولا يعد حيض الجارية المشتراة به أي بالخيار إذا حاضت في مدته أي مدة الخيار من الاستبراء عند الإمام خلافا لهما ولا استبراء على البائع
____________________
(3/40)
إن ردت الجارية به أي بالخيار عند الإمام سواء كان قبل القبض أو بعده لأنه لم يدخل في ملك غيره وعندهما إن كان قبل القبض لا يجب على البائع الاستبراء استحسانا والقياس أن يجب لتجدد الملك وإن كان بعده يجب قياسا واستحسانا
وأجمعوا في البيع البات يفسخ بإقالة وغيرها أن الاستبراء واجب على البائع إذا كان الفسخ قبل القبض قياسا وبعده قياسا واستحسانا كما في العناية
ولو قبض المشتري به أي بالخيار المبيع بإذن البائع ثم أودعه أي أودع المشتري المبيع عنده البائع فهلك في يد البائع في المدة أو بعدها فهو على البائع عند الإمام ولا شيء على المشتري لارتفاع القبض بالرد لعدم الملك فلا يثبت الإيداع بل يصير رده لرفع القبض فيقع الهلاك قبل قبض المشتري وهو يبطل البيع وعندهما يهلك على المشتري ويلزمه الثمن لأنه ملكه فصار مودعا ملك نفسه فهلاكه في يد المودع كهلاكه في يده هذا لو كان الخيار للمشتري ولو للبائع فسلم المبيع إلى المشتري فأودعه البائع بطل البيع عند الكل ولو كان البيع باتا فقبض بإذن البائع فهلك عنده بطل البيع عند الكل ولو كان البيع باتا فقبض المبيع بإذن البائع أو بغير إذنه ثم أودعه البائع فهلك كان على المشتري اتفاقا لصحة الإيداع كما في البحر
ولو اشترى العبد المأذون شيئا به أي الخيار فأبرأه بائعه عن ثمنه في المدة يبقى خياره عند الإمام لأنه لما لم يملكه كان الرد امتناعا عن التملك وله أي للمأذون الرد بالخيار لأنه أي المأذون يلي عدم التملك كما لو وهبت له هبة فامتنع عن القبول وعندهما بطل خياره لأنه ملكه فكان الرد والفسخ منه تمليكا من البائع بلا بدل وهو تبرع والمأذون لا يملكه وهذا يقتضي صحة الإبراء لكن لا يصح عند أبي يوسف قياسا ويصح عند محمد استحسانا
ولو اشترى ذمي من ذمي حرابه أي بالخيار فأسلم في مدته بطل شراؤه عند الإمام كي لا يتملكها أي الخمر مسلما بالإجازة وعندهما بطل الخيار لأنه ملكها فلا يملك ردها وهو مسلم هذا في إسلام المشتري أما لو أسلم البائع فلا يبطل بالإجماع وصار المشتري على حاله خلافا لهما في الجميع أي في جميع المسائل
____________________
(3/41)
المذكورة من قوله فلو اشترى إلى هنا وقد ذكر قولهما ووجههما عقيب كل مسألة وقد زاد بعض الشارحين على ما ذكره مسائل
منها ما إذا تخمر العصير في بيع مسلمين في مدته فسد البيع عنده لعجزه عن تملكه وعندهما لعجزه عن رده
ومنها لو اشترى دارا على أنه بالخيار وهو ساكنها بإجارة أو إعارة فاستدام سكناها قال السرخسي لا يكون اختيارا وهو كابتداء السكنى
وقال خواهر زاده استدامتها اختيار عندهما لملك العين وعنده ليس باختيار
ومنها حلال اشترى ظبيا بالخيار فقبضه ثم أحرم والظبي في يده ينتقض عنده ويرد إلى البائع لا يلزم المشتري ولو كان الخيار للبيع ينتقض بالإجماع ولو كان للمشتري فأحرم البائع للمشتري أن يرده
ومنها أن الخيار إذا كان للمشتري وفسخ العقد فالزائد ترده على البائع عنده لأنها لم تحدث على ملك المشتري وعندهما للمشتري لأنها حدثت على ملكه كما في البحر
ومن له الخيار سواء كان بائعا أو مشتريا أو أجنبيا فله أن يفسخه وله أن يجيزه وإذا أراد الإجازة يجيز البيع بحضرة صاحبه وغيبته في مدته بالقول أو الفعل وإن لم يعلم صاحبه بالاتفاق لكونه راضيا وقت إثبات الخيار ولا يفسخ البيع في مدته إلا بحضرته والمراد بالحضرة علم صاحبه أو علم من يقوم مقامه عند الطرفين لأن الفسخ تصرف في حق صاحبه وذا لا يجوز بدون علمه كالوكيل إذا عزل الموكل لا يثبت حكم عزله في حقه ما لم يعلم فالخيار باق على حاله خلافا لأبي يوسف وهو قول زفر والأئمة الثلاثة فإنهم يقولون يفسخ
____________________
(3/42)
بغيبته أيضا لأنه مسلط على الفسخ من طرف صاحبه فلا يتوقف على علمه ولذا لا يشترط رضاه فصار كالوكيل بالبيع هذا إذا كان الفسخ بالقول ولو كان بالفعل كالإعتاق والبيع والوطء يجوز بلا علمه بالاتفاق لأنه حكمي ولا يشترط العلم في الحكمي وذكر الكرخي أن خيار الرؤية على هذه الخلاف وفي خيار العيب لا يصح فسخه بغير علمه بالإجماع لأنه لا يثبت إلا بالقضاء فإن فسخ من له الخيار بغيبة صاحبه وعلم به الآخر في المدة انفسخ البيع لحصول العلم به وإلا أي وإن لم يعلم به الآخر في المدة بل علم بعد مضي المدة تم العقد لوجود الرضى دلالة حيث لم يتم الفسخ لا يقال إن في شرط العلم ضررا لمن له الخيار إذ لا يجوز أن يختفي صاحبه فلا يصل إليه الخبر في مدته لأنا نقول يمكن تداركه بأن أخذ منه كفيلا يحضره في المدة أو وكيلا يثق به حتى إذا بدا له الفسخ رده عليه وقال بعضهم لو رفع الأمر إلى الحاكم فنصب من يخاصم عنه صح الرد عليه
ويتم العقد أيضا بموت من له الخيار ولا ينتقل إلى الورثة
وقال الشافعي يورث عنه لأنه حق لازم له في البيع فيجري فيه الإرث كخيار العيب وبه قال مالك ولنا أن الغرض منه التأمل لغرض نفسه وقد بطلت أهلية التأمل بخلاف خيار العيب لأن المورث استحق المبيع سليما فكذا الوارث لا أنه ورث خياره كذا قالوا إذا علمت هذا ظهر أن خيار التغرير وهو ما إذا غر البائع المشتري أو بالعكس ووقع البيع بينهما بغبن فاحش لا يورث لأنه مجرد حق ثبت للبائع أو للمشتري كما في خيار الشرط كما في المنح وقيد بموت من له الخيار لأن الخيار لا يبطل بموت من عليه الخيار اتفاقا
وكذا يتم العقد ويبطل الخيار بمضي المدة فإن أغمي عليه أو جن أو نام أو سكر بحيث لا يعلم حتى مضت المدة الصحيح أنه يسقط الخيار كما في الاختيار خلافا لمالك
و يتم بالأخذ بشفعة بسبب المبيع بشرط الخيار يعني لو اشترى دارا على أنه بالخيار فبيعت دار أخرى بجنبها في
____________________
(3/43)
مدة وطلبها بطريق الشفعة فهذا الطلب رضى بتملك الدار الأولى لأن طلب الشفعة بها يقتضي إبطال الخيار وإجازة الشراء سابقا إذ الشفعة لا تصير إلا بالملك وقيدنا بشرط الخيار لأن طلبها لا يسقط خيار الرؤية والعيب ولو قال وبالطلب بشفعة لكان أولى لأن طلبها مسقط وإن لم يأخذها كما في المعراج فلهذا قلنا في تصويرها وطلبها بطريق الشفعة تدبر
و يتم بكل ما يدل على الرضى من قبيل عطف العام على الخاص كالركوب لغير الاختبار أي الامتحان فلو ركب دابة لينظر إلى سيرها لا يدل على رضاه كما لو ركبها ليردها أو ليسقيها أو ليعلفها وفيه إشعار بأنه لو استخدم الجارية مرة للامتحان ثم أخرى فإن كان من نوع واحد فهو رضى وإلا فلا وكذا إذا لبسه مرة كما في أكثر الكتب فعلى هذا يكون في عموم قوله لغير الاختبار نظر كما في الفرائد لكن يمكن أن يقال إنه أعم من الاختيار أو مما في حكمه فيندفع به النظر تدبر والوطء والتقبيل واللمس بشهوة والنظر إلى الفرج بشهوة والإعتاق وتوابعه أي توابع الإعتاق كالتدبير والكتابة وكذا كل تصرف لا ينفذ إلا في الملك كالبيع والإجارة والإسكان والمرمة والبناء والتجصيص والهدم ورعي الماشية وحلب البقرة ومعالجة الدابة وكري الأنهار لأن هذه التصرفات دليل الملك هذا كله إذا كان الخيار للمشتري ووجد منه شيء من هذه الأشياء وإن كان الخيار للبائع وفعل هذه الأشياء انفسخ البيع
ولو شرط المشتري الخيار لغيره عاقدا أو غيره لعموم الغير جاز
____________________
(3/44)
الشرط عندنا ويثبت لهما الخيار والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر لأنه موجب العقد فلا يجوز اشتراطه لغير العاقد كالثمن وجه الاستحسان أنه يثبت له ابتداء ثم للغير نيابة تصحيحا لتصرفه والتقييد بالمشتري اتفاقي لأن البائع لو شرط الخيار جاز أيضا كما في أكثر الكتب فعلى هذا لو قال وإن شرط أحد المتعاقدين الخيار لأجنبي لكان أولى ليشمل البائع والمشتري وليخرج اشتراط أحدهما للآخر فإن قوله لغيره صادق بالبائع وليس بمراد كما في البحر
وفي النوازل لو شرط الخيار لجيرانه إن عد أسماءهم جاز وإلا فلا وأيهما أي أي من المشتري والغير أو البائع أجاز البيع أو فسخ البيع صح لأن كلا منهما يملك التصرف أصالة أو نيابة
وإن أجاز البيع واحد ممن شرط الخيار له من المتعاقدين والأجنبي وفسخ الآخر البيع اعتبر السابق ردا كان أو إجازة لوجوده في زمان لا يزاحمه فيه أحد وتصرف الآخر بعده لغو
وإن كانا أي اللفظان وهما الإجازة والفسخ معا أي مجتمعين بأن أجاز واحد وفسخ الآخر وخرج الكلامان معا فالفسخ أي فالمعتبر الفسخ في رواية لأن الخيار شرع للفسخ فهو تصرف فيما شرع لأجله فكان أولى كما في الاختيار وصححه قاضي خان
وقال الزيلعي وهو الأصح وبه جزم المصنف وكثير من المتون فكان هو المذهب وقيل يرجح تصرف العاقد نقضا أو إجازة لأن الصادر عن نيابة لا يصلح معارضا للصادر عن أصالة
وفي البحر لو تفاسخا ثم تراضيا على فسخ الفسخ وعلى إعادة العقد بينهما جاز
ولو باع شخص عبدين مسميين بالقابل والمقبول على أنه بالخيار في أحدهما أي في أحد العبدين ثلاثة أيام فإن عينه أي عين محل الخيار بأن يقال على أني بالخيار في القابل مثلا وفصل ثمن كل واحد منهما بأن يقال القابل بألف والمقبول بألف ومائة صح البيع لأن
____________________
(3/45)
الذي فيه الخيار كالخارج عن العقد فكان الداخل فيه غيره فما لم يكن ذلك الداخل معلوما وثمنه معلوما لا يجوز إذ جهالة المبيع والثمن مفسد للبيع ولن يكونا معلومين إلا بالتفصيل والتعيين وإلا أي وإن لم يفصل الثمن ولم يعين محل الخيار أو أن يفصله ولم يعينه أو أن لا يفصله ويعينه فلا يصح البيع لجهالة الثمن والمبيع أو أحدهما فهذه أربعة أنواع وأما بيع عبد على أنه بالخيار في نصفه فجائز بلا تفصيل لأن النصف من الواحد لا يتفاوت وكذا الحكم في بيع شيء من الكيلي أو الوزني بالخيار في نصفه لأن ثمن الكل إذا كان معلوما يصير نصف الثمن معلوما والشيوع لا يمنع الصحة والجواز ولا فرق بين أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري كما في العيني
ويجوز خيار التعيين للمشتري وهو بيع أحد الشيئين أو ثلاثة أشياء على أن يأخذ المشتري أيا شاء من الاثنين والثلاثة والقياس الفساد لجهالة المبيع وهو قول زفر والشافعي وجه الاستحسان أنه في معنى شرط الخيار لاحتياج الناس إلى اختيار من يثق به أو اختيار من يشتريه لأجله ولا يمكنه البائع من الحمل إليه إلا في البيع فكان في معنى ما ورد به الشرع والجهالة لا توجب الفساد بعينها بل لإفضائها إلى المنازعة ولا منازعة في الثلاث لتعين من له الخيار ولا يجوز في أكثر من ثلاثة أشياء لعدم الحاجة إليها لاشتمال الثلاثة على الجيد والرديء والوسط فما فوقها باق على القياس لأن ثبوت الرخصة بالحاجة والحاجة تندفع بالثلاث
وفي البحر يجوز خيار التعيين في جانب البائع كما يجوز في جانب المشتري ويتقيد تخييره بمدة خيار الشرط على الاختلاف بين الإمام وصاحبيه
____________________
(3/46)
يعني بثلاثة أيام عنده وبمدة معلومة عندهما ثم قيل يشترط أن يكون في هذا العقد خيار الشرط مع خيار التعيين وهو المذكور في الجامع الصغير قال شمس الأئمة هو الصحيح وقيل لا يشترط كما يشعر به كلام المصنف وهو المذكور في الجامع الكبير والمبسوط قالوا ووضعها في الجامع الصغير مع خيار الشرط اتفاق لا لأنه شرط قال فخر الإسلام وهو الصحيح والمبيع واحد من الشيئين أو الثلاثة في هذه الصورة والباقي أمانة في يد المشتري ثم فرعه فقال فلو قبض المشتري لأنه لو لم يقبضه بطل البيع الكل فهلك في يده واحد أو تعيب في يده واحد لزم البيع بالثمن فيه أي في الهالك أو المتعيب لامتناع الرد بالهلاك أو بسبب العيب الذي حدث فيه عنده وتعين الباقي للأمانة في يده لأن الداخل تحت العقد أحدهما والذي لم يدخل في العقد قبضه بإذن مالكه لا على سوم الشراء ولا بطريق الوثيقة وكان أمانة في يده فيرده
وإن هلك الكل في يده لزمه أي المشتري نصف ثمن كل إن كانت شيئين أو ثلثه إن كان ثلاثة لشيوع البيع والأمانة مع عدم الأولوية ولا فرق بين أن يكون الثمن متفقا أو مختلفا وكذا لو كان الهلاك على التعاقب ولم يدر الأول بخلاف ما إذا تعيبا ولم يهلكا حيث يبقى خياره على حاله وله أن يرد أحدهما لأن المعيب محل لابتداء البيع وكذا التعيين بخلاف الهالك فإنه ليس محلا لابتدائه فليس لتعيينه ولكن ليس له أن يردهما وإن كان فيه خيار الشرط لأن العيب يمنع من الرد بخيار الشرط كما في المنح وليس له أي المشتري بخيار التعيين رد الكل للزوم البيع في أحدهما إلا إن ضم إليه أي إلى خيار التعيين خيار الشرط فحينئذ له رد الكل في مدته لأنه أمين في أحدهما فيرد بحكم الأمانة وفي
____________________
(3/47)
الآخر مشتر قد شرط الخيار لنفسه فيتمكن من رده وإذا مضت الأيام بطل خيار الشرط فلا يملك ردهما وبقي له خيار التعيين فيرد أحدهما
ويورث خيار التعيين يعني لو مات من له خيار التعيين فللوارث رد أحدهما لأن المورث كان مخصوصا بتعيين ملكه المخلوط برضى صاحبه فكذا وارثه حيث انتقل الملك إليه مخلوطا بملك الغير
و يورث خيار العيب لأن المورث استحق المبيع غير معيب فكذا الوارث فله رده إن كان معيبا وهذا معنى الإرث فيهما فلا ينافي ما قيل أنهما لا يورثان أي بنفسهما كيف والإرث فيما يقبل الانتقال لا يورث خيار الشرط و خيار الرؤية لأنهما يثبتان للعاقد بالنص والوارث ليس بعاقد
وقال الشافعي يورث خيار الشرط لأن الوارث ورث الملك على وجه التوقت كما كان فله خيار الشرط والأنسب ذكر مسألة الإرث وعدمه في آخر الخيارات كما لا يخفى تدبر
ولو اشتريا أي الرجلان شيئا على أنهما بالخيار فرضي أحدهما بالبيع بأن أسقط خياره لا يرد الآخر عند الإمام خلافا لهما فإنهما قالا له أن يرده وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه لو لم يملك فسخه كان إلزاما عليه لا برضاه وفيه إبطال لما ثبت من حقه لأن كلا من الإجازة والفسخ حقه وله إن رد أحدهما دون الآخر يوجب عيبا في المبيع لم يكن عند البائع أعني عيب الشركة وخصه في البحر بما إذا كان بعد القبض أما قبله فليس له الرد يعني اتفاقا فإن قلت بيعه منهما رضي منه بعيب التبعيض قلت أجيب بأنه إن سلم فهو رضي به في ملكهما لا في ملك نفسه كما في المنح قيد بالمشتريين لأن البائع لو كان اثنين والمشتري واحدا وفي البيع خيار شرط أو عيب فرد المشتري نصيب أحدهما دون الآخر بحكم الخيار جاز اتفاقا كما في شرح المجمع وعلى هذا الخلاف خيار العيب يعني لو اشترياه فرضي أحدهما بعيب فيه لا الآخر
و خيار الرؤية يعني لو اشتريا شيئا لم يرياه ثم رآه أحدهما ورضي لا الآخر قال في المنح ويلزم البيع لو اشترى عبدا من رجلين صفقة واحدة على أن الخيار للبائعين فرضي أحدهما دون الآخر فليس لأحدهما الانفراد إجازة أو ردا هذا عند الإمام
____________________
(3/48)
كما في الخانية
ولو اشترى عبدا على أنه خباز
وفي المعراج قوله على أنه خباز أي عبد حرفته هذا لأنه لو فعل هذا الفعل أحيانا لا يسمى خبازا أو كاتب فظهر العبد بخلافه أي بخلاف ما ذكره بأن كان غير خباز أو غير كاتب أخذه أي المشتري بكل الثمن المسمى إن شاء لأن الوصف لا يقابله شيء من الثمن كما إذا اشترى دارا أو أرضا على أن فيها كذا وكذا بيتا أو نخلة فوجدها ناقصة جاز البيع وله الخيار أو ترك إن أمكن وهو قول الشافعي لأن هذا وصف مرغوب به فيستحق بالشرط ويثبت بفواته الخيار للمشتري لأنه لم يرض بالعبد دونه وهذا الاختلاف اختلاف نوع لا اختلاف جنس لقلة التفاوت فلا يفسد العقد بعدمه بخلاف شرائه شاة على أنها حامل أو تحلب كذا رطلا أو عبدا يكتب كذا وكذا حيث يفسد البيع في ظاهر الرواية لأن هذا شرط مجهول لا وصف مرغوب حتى لو شرط أنها حلوب أو لبون لا يفسد لأنه يذكر على سبيل الوصف دون الشرط كما إذا اشترى فرسا على أنه هملاج أو كلبا على أنه صيود أو اشترى جارية على أنها ذات لبن وهو رواية عن الإمام وبه أخذ الفقيه أبو الليث والصدر الشهيد وعليه الفتوى قيدنا بأن أمكن لأنه إن تعذر الرد بسبب من الأسباب رجع المشتري على البائع بالنقصان في ظاهر الرواية وهو الأصح
وفي المنح لو قال أحد المتبايعين شرطنا الخيار وأنكر الآخر فالقول قوله كما في دعوى الأجل والمضي فإن القول للمنكر
اشترى جارية بالخيار فرد غيرها بدلها قائلا بأنها المشتراة فتنازع البائع والمشتري فقال البائع غيرت والمبيعة ليست كذلك وأنكر المشتري التغيير وليس للبائع بينة فالقول للمشتري مع اليمين وجاز للبائع وطؤها ولو قال البائع عند رده كان يحسن ذلك لكنه نسي عندك فالقول للمشتري ولو اشتراه من غير اشتراط كتبه وخبزه وكان يحسن ذلك فنسيه في يد البائع رده عليه
____________________
(3/49)
50 فصل في خيار الرؤية من اشترى ما لم يره جاز أي صح البيع عندنا وعند الشافعي في القول الجديد لا يصح
وفي الكفاية الخلاف فيما إذا كان المبيع قائما بين يديهما موجودا كما إذا اشترى زيتا في زق أو برا في جوالق أو ثوبا في كم أو شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم حتى لو لم يكن كذلك ولم يشر إليه أو إلى مكانه لا يصح البيع اتفاقا وموضع الخلاف في المبيع إذ لا خيار في الثمن الدين
____________________
(3/50)
وأما الثمن العين ففيه الخيار عندنا لأنه بمنزلة المبيع له أن المبيع مجهول الوصف وجهالته تمنع الجواز ولنا قوله عليه الصلاة والسلام من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه
وفي البحر وأراد بما لم يره ما لم يره وقت العقد ولا قبله والمراد بالرؤية العلم بالمقصود من باب عموم المجاز فصارت الرؤية من أفراد المعنى المجازي ليشمل ما إذا كان المبيع مما يعرف بالشم كالمسك وما اشتراه بعد رؤية فوجده متغيرا وما اشتراه الأعمى وفي القنية اشترى ما يذاق فذاقه ليلا ولم يره سقط خياره وله أي للمشتري رده أي الشيء الذي اشتراه ولم يره إذا رآه ما لم يوجد من المشتري ما يبطله أي الخيار وفي البحر اختلفوا هل هو مطلق أو مؤقت فقيل مؤقت بوقت إمكان الفسخ بعدها حتى لو تمكن منه ولم يفسخ سقط خياره وإن لم توجد الإجازة صريحا ولا دلالة وقيل يثبت الخيار له مطلقا فيكون له الفسخ في جميع عمره ما لم يسقط بالقول أو بفعل ما يدل على الرضى وهو الصحيح لإطلاق النص والعبرة لعين النص لا لمعناه
وإن وصلية رضي قبلها أي له الرد إذا رآه وإن قال قبل الرؤية رضيت لأنه خيار ثبت شرعا فلا يسقط بإسقاطهما بخلاف خيار الشرط والعيب
وفي شرح المجمع ثم إن أجازه بالقول قبل الرؤية لا يزال خياره لأنه يثبت عند الرؤية فلا يبطل قبل وقتها وإن أجازه بالفعل بأن تصرف فيه يزول كما سيجيء وأما الفسخ بالقول فجائز قبل الرؤية لعدم لزوم العقد لأن اللزوم يفيد تمام الرضى وتمامه بالعلم بأوصاف مقصودة وهو غير حاصل قبل الرؤية ولا خيار لمن باع ما لم يره لأن النبي عليه الصلاة والسلام أثبت الخيار في الشراء لا في البيع
____________________
(3/51)
ولقضاء جبير بن مطعم بمحضر من الأصحاب في الشراء لا في البيع وهو قول الإمام آخرا رجع إليه وفي قوله الأول له الخيار اعتبارا بالمشتري كخيار العيب والشرط
ويبطل من الإبطال خيار الرؤية ما يبطل خيار الشرط من صريح ودلالة وضرورة فما يفعل للامتحان لا يبطلها إن لم يتكرر كما في أكثر المعتبرات لكن فيه كلام لأنه قيد يحتاج إلى التكرار إذا لم يعلم بالمرة الأولى تدبر من تسبيب في يده وتعيب قبل الرؤية بعيب لا يرتفع كقطع اليد لأنه أخذه سليما فيمتنع أن يرده معيبا وتعذر مصدر مضاف معطوف على قوله تعيب رد بعضه بسبب هلاك بعضه لأنه لو رد بعضه الباقي لزم تفريق الصفقة وتصرف من المشتري لا يفسخ صفة تصرف كالإعتاق وتوابعه من التدبير والاستيلاد أو تصرف من المشتري يوجب حقا للغير كالبيع المطلق أي كالبيع بغير قيد الخيار والرهن والإجارة والهبة بتسليم قبل الرؤية وبعدها لأن هذه الحقوق تمنع الفسخ فيلزم البيع ببطلان الخيار فمعنى البطلان قبل الرؤية خروجه عن صلاحية أن يثبت له الخيار عند الرؤية وما أي التصرف الذي لا يوجب حقا للغير كالبيع بالخيار والمساومة أي العرض على البيع والهبة بلا تسليم يبطل خيار الرؤية بعدها أي بعد الرؤية لا قبلها لأن هذه التصرفات لا تزيد على صريح الرضى فإنه لا يبطل قبلها بل بعدها وهنا لا يوجد إلا الدلالة على الرضى المجرد بخلاف الأفعال السابقة فإن فيها توجد مع الرضى حقوق زائدة فيبطل بعدها وقبلها ثم اعلم أن قوله يبطل خيار الرؤية ما يبطل خيار الشرط غير منعكس فلا يقال ما لا يبطل خيار الشرط لا يبطل خيار الرؤية لانتقاضه بالقبض بعد الرؤية فإنه يبطل خيار الرؤية والعيب لا الشرط وهلاك بعض المبيع لا يبطل خيار الشرط والعيب ويبطل خيار الرؤية وأورد صاحب البحر على الكنز والهداية في هذا المحل فليطالع
وكفت رؤية وجه الرقيق في سقوط الخيار سواء كان أمة أو عبدا لأن المقصود في
____________________
(3/52)
الرقيق وجهه لأن سائر الأعضاء فيه تبع لوجهه لأن القيمة فيه تتفاوت بتفاوته مع التساوي في سائر الأعضاء
و رؤية وجه الدابة وكفلها أي لا يسقط الخيار برؤية وجهها حتى ينظر إلى كفلها لأنه موضع مقصود منه كالوجه هو الصحيح كما في المحيط واكتفى محمد بالنظر إلى وجهها اعتبارا بالآدمي وشرط بعض العلماء رؤية القوائم وعن الإمام في البرذون والبغل والحمار يكفي أن يرى شيئا منه إلا الحافر والذنب والناصية كما في البحر وفي شاة اللحم أي الشاة التي لحمها مقصود لا بد من الجس وهو اللمس باليد لأنه يعرف به اللحم المقصود وفي شاة القنية هي التي تحبس لأجل النتاج لا بد من رؤية الضرع لأنه هو المقصود منها
وفي الجوهرة ولو اشترى بقرة حلوبا فرأى كلها ولم ير ضرعها فله الخيار لأن الضرع هو المقصود لكن في البحر لا بد من النظر إلى ضرعها وسائر جسدها فليحفظ
فإن في بعض العبادات ما يوهم الاقتصار على رؤية ضرعها انتهى
فعلى هذا لو قال لا بد من رؤية الضرع مع جميع جسدها كما في الاختيار لكان أولى تدبر
ورؤية ظاهر الثوب إن لم يكن معلما كافية لأن برؤية ظاهره يعلم حال البقية إذ لا تتفاوت أطراف الثوب الواحد إلا يسيرا ورؤية علمه كافية إن كان معلما لأن ماليته تتفاوت بحسب علمه أطلق في هذا لكن في المحيط مقيد بما إذا كان مطويا هذا إذا لم يخالف باطن الثوب ظاهره أما إذا اختلفا فلا بد من رؤية الباطن قيل هذا في عرفهم أما في عرفنا فما لم ير الباطن لا يسقط خياره لأنه ليس بمثلي فلا يعرف كله بدون نشره ولا بد منه وهو قول زفر
وفي المبسوط الجواب على ما قال زفر وهو المختار كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يذكر قول زفر ويرجحه تأمل
____________________
(3/53)
ورؤية داخل الدار كافية وإن وصلية لم يشاهد بيوتها عند أئمتنا الثلاثة وعند زفر لا بد من مشاهدة البيوت وعليه أي على قول زفر الفتوى اليوم قال في التبيين وغيره وفي عامة الروايات إذا رأى صحن الدار أو خارجها يسقط خياره لكن هذا مبني على عادة أهل الكوفة في ذلك الزمان فإن دورهم كانت على نمط واحد لا تختلف وذلك يظهر برؤية خارجها وأما في زماننا اليوم فلا بد من النظر إلى داخلها لتفاوت بيوتها ومرافقها قال بعض مشايخنا تعتبر رؤية ما هو المقصود في الدور حتى لو كان في الدار بيتان شتويان وبيتان صيفيان فتشترط رؤية الكل مع رؤية الصحن فلا تشترط رؤية المطبخ والمزبلة والعلو إلا في بلد يكون مقصودا وبعضهم اشترطوا رؤية الكل وهو الأظهر والأشبه كما قال الشافعي وهو المعتبر في ديارنا
وفي الخزانة أن الفتوى في بيت الغلة على أنه تكفي رؤية خارجه لأنه غير متفاوت وتكفي في البستان رؤية خارجه ورءوس أشجاره في ظاهر الرواية لكن في البحر قالوا لا بد في البستان من رؤية ظاهره وباطنه وفي الكرم لا بد من رؤية عنب الكرم من كل نوع شيئا وفي الرمان لا بد من رؤية الحلو والحامض
ولو اشترى دهنا في زجاجة ورؤيته من خارج الزجاجة لا تكفي حتى يصبه في كفه عند الإمام لأنه لم ير الدهن حقيقة لوجود الحائل
وكذا لو اشترى سمكا في ماء يمكن أخذه من غير اصطياد فرآه في الماء فرؤيته لا تكفي على الصحيح
وإن رأى بعض المبيع فله الخيار إذا رأى باقيه لأنه لو لزمه يكون إلزاما للبيع فيما لم يره وأنه خلاف النص
____________________
(3/54)
وكذا الإجازة في البعض لا يكون إجازة في الكل ولا تصح الإجازة في البعض ورد الباقي كما في الاختيار وما يعرض بالنموذج كالمكيل والموزون فرؤية بعضه كرؤية كله
وفي الاختيار والأصل إذا كان المبيع أشياء إن كان من العدديات المتفاوتة كالثياب والدواب والبطيخ ونحوها لا يسقط الخيار إلا برؤية الكل لأنها تتفاوت وإن كان مكيلا أو موزونا وهو الذي يعرف بالنموذج أو معدودا متقاربا كالجوز فرؤية بعضه يبطل الخيار في كله لأن المقصود معرفة الصفة وقد حصلت وعليه التعارف إلا أن يجده أردأ من النموذج فيكون له الخيار وإن كان المبيع مغيبا تحت الأرض كالبصل والثوم بعد النبات إن عرف وجوده تحت الأرض جاز وإلا فلا فإذا باعه ثم قلع منه أنموذجا ورضي به فإن كان مما يباع كيلا كالبصل أو وزنا كالبقل بطل خياره عندهما وعليه الفتوى للحاجة وجريان التعامل به وعند الإمام لا وإن كان مما يباع عددا كالفجل فرؤية بعضه لا تسقط خياره لما تقدم
وفيما يطعم لا بد من الذوق لأنه المعروف للمقصود وإن كان مما يشم فلا بد من شمه كالمسك
وفي الولوالجية اشترى نافجة مسك فأخرج المسك منها ليس له الرد بخيار الرؤية والعيب لأن الإخراج يدخل عليه عيبا ظاهرا حتى لو لم يدخل كان له أن يرد بخيار العيب والرؤية جميعا كما في البحر
ونظر الوكيل بالشراء أو القبض أي قبض المبيع كاف لا نظر الرسول
وفي الدرر اعلم أن هنا وكيلا بالشراء ووكيلا بالقبض ورسولا
صورة التوكيل بالشراء أن يقول الموكل كن وكيلا عني بشراء كذا أو صورة التوكيل بالقبض أن يقول كن وكيلا عني بقبض ما اشتريته وما رأيته وصورة الرسالة أن يقول كن رسولا عني بقبضه فرؤية الوكيل الأول تسقط الخيار بالإجماع لأن حقوق العقد ترجع إليه ورؤية الوكيل الثاني تسقط عند الإمام إذا قبضه بالنظر إليه فحينئذ ليس له ولا للوكيل أن يرده إلا من عيب
____________________
(3/55)
وأما إذا قبضه مستورا ثم رآه فأسقط الخيار فإنه لا يسقط لأنه إذا قبض مستورا ينتهي التوكيل بالقبض الناقص فلا يملك إسقاطه قصدا لصيرورته أجنبيا بل للموكل الخيار ورؤية الرسول لا تسقط الخيار بالإجماع وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة هو أي الرسول كالوكيل
وفي الفرائد هذا سهو من قلم الناسخ والصواب أن يقال وعندهما الوكيل بالقبض كالرسول في عدم إسقاط رؤية الخيار لأن عدم إسقاط رؤية الرسول الخيار متفق عليه إنما الخلاف في الوكيل بالقبض إذا قبضه ناظرا إليه فإن رؤيته تسقط الخيار عند الإمام لأن الوكيل بالقبض وكيل بإتمام العقد وتمامه بتمام الصفقة وتمامها بسقوط خيار الرؤية فصار قبضه كقبض الموكل مع الرؤية بخلاف الرسول لأنه غير نائب عن المشتري وعندهما لا يسقط برؤية الوكيل بالقبض لأنه وكيل بالقبض لا بإسقاط الخيار فلا يملكه ما لم يصر وكيلا
وعبارة المصنف لا تقبل الإصلاح أصلا ولا يمكن أن يدعي أنه من باب القلب على معنى أن الوكيل بالقبض كالرسول وهو أظهر من أن يخفى فلا يصار إليه انتهى
هذا ظاهر لكن يمكن أن يقال وعندهما كالوكيل بالقبض عندهما أي هما سواء في عدم إسقاط رؤيتهما الخيار تأمل
وبيع الأعمى وشراؤه صحيح وعند الشافعي في قول لا يصح لكن لا وجه له إذ يلزم أن يموت جوعا لو لم يجد وكيلا بشراء ما يطعم به وله أي للأعمى الخيار إذا اشترى لأنه اشترى ما لم يره ومن اشترى ما لم يره فله الخيار إذ رأى بالحديث كما في الهداية
وفي العناية فيه نظر لأن قوله عليه الصلاة والسلام ما لم يره سلب وهو يقتضي تصور الإيجاب وهو إنما يكون في البصير فالأولى أن يستدل بمعاملة الناس العميان من غير نكير فإن ذلك أصل في الشرع بمنزلة الإجماع انتهى لكن إن أراد بتصور الإيجاب وقوعه فغير لازم إذ غاية كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ويكفي فيها إمكان الرؤية بأن يكون من شأنه وذلك يتحقق بالآدمية وإن لم يره دائما فيندفع به النظر ويسقط بجسه أي بجس الأعمى المبيع إن كان مما يعرف بالجس كالغنم مثلا أو شمه إن كان مما يعرف بالشم كالمسك أو ذوقه إن كان مما يعرف بالذوق كالعسل فيما يعرف بذلك أي بالجس أو بالشم أو بالذوق على سبيل البدل لأن هذه تفيد
____________________
(3/56)
العلم كالبصير فيقوم مقام الرؤية وبوصف العقار له أي للأعمى لأنه لا سبيل إلى معرفته إلا به حتى يسقط خياره بعد ذلك وعن أبي يوسف أنه اشترط مع ذلك أن يوقف في مكان لو كان بصيرا لرآه
وقال الحسن يوكل وكيلا لقبضه له وهو يراه وهو أشبه بقول الإمام
وقال بعض أئمة بلخي يسقط خياره بمس الحيطان والأشجار مع الوصف وإن أبصر بعد الوصف وبعدما وجد منه ما يدل على الرضى فلا خيار له لأن العقد تم ولو اشترى البصير ثم عمي قبل الرؤية انتقل إلى الوصف لوجود العجز قبل العلم هذا كله إذا وجدت المذكورات من الشم والذوق والجس ونحوها من الأعمى قبل شرائه ولو وجدت بعده ثبت له الخيار بالمذكورات فيمتد الخيار ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى من قول أو فعل في الصحيح
ومن رأى أحد الثوبين فشراهما ثم رأى الثوب الآخر فوجده معيبا فله أخذهما أو ردهما أي رد الثوبين إن شاء لأن رؤية أحدهما لا يكون رؤية الآخر للتفاوت في الثياب فيبقى الخيار فيما لم يره لا رد أحدهما أي لا رد المعيب وحده لئلا يكون تفريقا للصفقة قبل التمام على البائع لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده إن قبضه مستورا ولهذا يتمكن من الرد بغير قضاء ولا رضى فيكون فسخا من الأصل
ومن رأى شيئا قاصدا لشرائه عند رؤيته عالما بأنه مرئية وقت الشراء ثم شراه بعد زمان فوجده متغيرا تخير لأن تلك الرؤية لم تقع معلمة بأوصافه فكأنه لم يره وإلا أي وإن لم يتغير عن الصفة التي رآها عليها فلا يتخير لأن العلم بالمبيع قد حصل بالرؤية السابقة
____________________
(3/57)
وقد رضي به ما دام على تلك الصفة وإنما قيدنا قاصدا لشرائه عند رؤيته لأنه لو رآه لا لقصد الشراء ثم اشتراه فله الخيار لأنه إذا رأى لا لقصد الشراء لا يتأمل كل التأمل فلم يقع معرفة كما في البحر وإنما قيدنا عالما بأنه مرئية وقت الشراء لأنه لو لم يعلم عند العقد أنه رآه من قبل فحينئذ ثبت له الخيار لعدم الرضى به كما في الهداية فعلى هذا إن المصنف لو قيد بهذين القيدين كما في قيدنا لكان أولى تأمل
وإن اختلفا في تغيره فقال المشتري قد تغير وقال البائع لم يتغير فالقول للبائع مع يمينه وعلى المشتري البينة لأن التغير حادث وسبب اللزوم ظاهر هذا إذا كانت المدة قريبة أما إذا كانت بعيدة فالقول للمشتري لأن الظاهر شاهد له
وفي البحر ولا يصدق في دعوى التغير إلا بحجة إلا أن تطول والشهر طويل وما دونه قليل
وفي الفتح جعل الشهر قليلا وإن اختلفا في الرؤية فقال البائع له رأيت قبل الشراء وقال المشتري ما رأيت أو قال له رأيت بعد الشراء ثم رضيت فقال رضيت قبل الرؤية فللمشتري أي فالقول للمشتري مع يمينه لأن البائع يدعي أمرا عارضا وهو العلم بالصفة والمشتري ينكره فالقول له
وفي البحر لو أراد المشتري أن يرده فأنكر البائع كون المردود مبيعا فالقول للمشتري وكذلك في خيار الشرط لأنه انفسخ العقد برده وبقي ملك البائع في يده فيكون القول قول القابض في تعيين ملكه أمينا كان أو ضمينا كالمودع والغاصب ولو اختلفا في الرد بالعيب فالقول للبائع
ومن اشترى عدل زطي ولم يره وقبضه والعدل المثل والزط جيل من الهند ينسب إليهم الثياب الزطية فباع منه أي من العدل ثوبا أو وهب لآخر وسلم فله أن يرده للمشتري أن يرد ما بقي بعيب لا بخيار رؤية أو شرط لأنه تعذر الرد فيما خرج عن ملكه وفي رد ما بقي تفريق الصفقة قبل التمام لأن خيار الرؤية والشرط يمتنعان تمامها بخلاف خيار العيب لتمامها معه بعد القبض وكلامنا فيه فإن عاد إليه ذلك الثوب بفسخ وهو على خياره لزوال المانع وهو تفريق الصفقة وعن أبي يوسف لا يعود بعد سقوطه لخيار الشرط وعليه اعتمد القدوري وصححه قاضي خان
____________________
(3/58)
فصل في خيار العيب أخر خيار العيب لأنه يمنع اللزوم بعد التمام وإضافة الخيار إلى العيب من قبيل إضافة الشيء إلى سببه مطلق البيع الإضافة من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها والتقدير البيع المطلق من شرط البراءة من كل عيب يقتضي سلامة المبيع عن العيوب لأن الأصل هو السلامة وهي وصف مطلوب مرغوب عادة وعرفا والمطلوب عادة كالشروط نصا فلمن وجد في مشريه بفتح الميم وكسر الراء اسم مفعول من الشراء عيبا كان عند البائع ولم يره المشتري عند البيع ولا عند القبض أو رآه ولكن لم يعلم أنه عيب عند التجار فقبضه وعلم بذلك ينظر إن كان عيبا بينا لا يخفى على الناس كالعور لم يكن له أن يرده وإن كان يخفى يرد رده مبتدأ مؤخر خبره قوله فلمن أو أخذه أي أخذ المشتري المبيع المعيب بكل ثمنه لأنه ما رضي عند العقد إلا بوصف السلامة بدلالة الحال فعند فواتها يتخير لا إمساكه ونقص ثمنه أي لا يخير بين إمساكه وبين أخذ نقصان الثمن لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الأثمان إلا برضى بائعه أي بإمساك المشتري المبيع المعيب ونقص ثمنه والمراد عيب كان عند البائع وقبضه المشتري من غير أن يعلم به ولم يوجد من المشتري ما يدل على الرضى به بعد العلم بالعيب
وكل ما أوجب نقصان الثمن عند التجار فهو عيب العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة
____________________
(3/59)
السليمة وذكر المصنف ضابطة كلية يعلم بها العيوب الموجبة للخيار على سبيل الإجمال فقال وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب لأن التضرر بنقصان المالية ونقصان المالية بانتقاص القيمة فالتضرر بانتقاص القيمة والمرجع في معرفته عرف أهله كما في العناية فالإباق كالكتاب لغة الاستخفاء وشرعا استخفاء العبد أو الجارية عن المولى تمردا
ولو وصلية إلى ما دون السفر من صغير يعقل هو يأكل ويشرب وحده عيب لفراره عن العمل لخبث في طبعه وفيه إشارة إلى أن إباق الصغير الذي لا يعقل ولا يميز ليس بعيب لأنه ضال لحبه اللعب لا آبق
وفي القهستاني وليس بإباق لو فر من محلة إلى محلة أو قرية إلى بلد وإن العكس فإباق
انتهى لكن الأشبه إن كانت البلدة كبيرة مثل القاهرة يكون عيبا كما في التبيين
وكذا السرقة واللام للعهد أي سرقة صغير يعقل عيب وإن لم يكن عشرة دراهم وقيل دون درهم ليس بعيب وفي غير عاقل لا لأنها صادرة بلا فكر ولا فرق بين أن يسرق من مولاه أو غيره لكن سرقة المأكول من المولى للأكل ليست بعيب والبول في الفراش من صغير يعقل عيب لكن من داء وفي غير عاقل لا يعد عيبا لظهوره من ضعف المثانة ولعدم التدارك وهي أي الإباق والسرقة والبول في الفراش في الكبير عيب آخر ثم فرعه بقوله فلو أبق أو سرق أو بال في الفراش في صغره عند البائع ثم عاوده أي عاود كل واحد منها عند المشتري فيه
____________________
(3/60)
أي في الصغر رد به أي رد المشتري بكل واحد منها على البائع إن شاء لكونها عيبا قديما لاتحاد السبب وهنا مسألة عجيبة وهي أن من اشترى عبدا صغيرا فوجده يبول في الفراش وتعيب عنده بعيب آخر كان له أن يرجع بنقصان العيب فلو رجع بنقصان العيب ثم كبر للبائع أن يسترد ما أعطى ثمن النقصان لزوال العيب بالبلوغ
وإن أبق أو سرق أو بال عند البائع في صغره ثم عاوده عنده أي عند المشتري بعد البلوغ لا أي لا يرد به لأن ما يعاود بعد البلوغ يكون عيبا آخر لاختلاف السبب
والجنون المطبق وقيل أكثر من يوم وليلة وقيل من ساعة عيب في الغلام والجارية مطلقا سواء كان في حال صغره أو كبره فلو جن في صغره عند البائع وعاوده عند المشتري فيه أي في صغره أو في كبره رد به لأن الثاني عين الأول إذ معدن العقل هو القلب وشعاعه في الدماغ والجنون انقطاع هذا الشعاع وهو لا يختلف باختلاف السن قيل يكفي في الرد جنونه عند البائع فقط لكن الصحيح أنه لم يرد بدون المعاودة وعليه الجمهور
والبخر بفتحتين والخاء المعجمة نتن رائحة الفم
وفي البزازية نتن رائحة الأنف ولذفر بفتحتين والذال المعجمة شدة الريح طيبة أو خبيثة ومرادهم نتن الإبط وبالدال المهملة مصدر ذفر إذا خبث رائحته وبالسكون اسم منه كما في الطلبة وغيره ومن الظن أن في المغرب مرادهم منه حدة الرائحة منتنة أو طيبة فإنه قال أراد منه الصنان بضم المهملة وهو نتن الإبط على أن عد الرائحة الطيبة من العيوب عيب لا يخفى على عاقل
____________________
(3/61)
كما في القهستاني والزناء والتولد منه أي من الزناء كل من هذه الأربعة عيب في الجارية لأن ذلك يخل بالمقصود منها فالبخر والذفر يخل بالقرب للخدمة والزناء بالاستفراش والتولد من الزناء بطلب الولد لا في الغلام أي ليس هذه الأشياء عيبا في العبد لأن المطلوب منه الاستخدام من بعد وهذه الأشياء لا تخل به إلا أن يكون البخر والذفر من داء وهو استثناء من مقدر تقديره أن المذكور لا يكون عيبا في الغلام كل الأحوال إلا أن يكون البخر والذفر فاحشا بحيث يمنع القرب من المولى أو يكون الزناء عادة له بأن تكرر أكثر من مرتين ولا يشترط المعاودة عند المشتري في الزناء كما في أكثر الكتب فعلى هذا لو قال بعده أو يكون الزناء عادة له لكان أولى
قيل إن البخر عيب في الأمرد وهو الأصح كما في الخلاصة وفي العمادية لو كان الغلام يلاط به مجانا فهو عيب وبالأجر ليس بعيب وعند الأئمة الثلاثة إن ما ذكر عيب في العبد أيضا
والاستحاضة عيب لأن استمرار الدم علامة الداء
وكذا عدم حيض بنت سبع عشرة سنة لا أقل قيد بسبع عشرة لأنه أقصى زمن البلوغ عند الإمام وعندهما خمس عشرة سنة لأن الحيض هو الأصل في بنات آدم وهو دم صحة فإذا لم تحض فالظاهر أنه عن دائها ولذا قالوا لا تسمع دعواه بانقطاعه إلا إذا ذكر سببه من داء أو حبل لأن ارتفاعه بدونها لا يعد عيبا والمرجع في الحبل إلى قول النساء وفي الداء إلى قول طبيبين عدلين ويعرف ذلك أي المذكور من الاستحاضة وعدم الحيض بقول الأمة لأنه لا يعرفه غيرها ولكن لا يرد
____________________
(3/62)
بقولها فترد الأمة إذا انضم إليه أي إلى قول الأمة نكول البائع قبل القبض وبعده يعني إذا قالت الأمة ذلك وأنكره البائع يستحلف فإن نكل سواء كان قبل القبض أو بعده ترد عليه بنكوله في ظاهر الرواية و هو الصحيح
وعن أبي يوسف ترد بلا يمين البائع لضعف البيع قبل القبض حتى يملك المشتري الرد بلا قضاء ولا رضى وصح الفسخ للعقد الضعيف بحجة ضعيفة قالوا في ظاهر الرواية لا تقبل قول الأمة فيه ذكره في الكافي
ولو ادعى انقطاعه في مدة قصيرة لم تسمع وأقلها ثلاثة أشهر عند الثاني وأربعة أشهر وعشر عند الثالث من وقت الشراء وحاصله أنه إذا صحح دعواه سئل البائع فإن صدقه ردت عليه وإلا لم يحلف عند الإمام كما سيأتي وإن أقر به وأنكر كونه عنده حلف فإن نكل ردت عليه ولا تقبل البينة على أن الانقطاع كان عند البائع للتيقن بكذبهم بخلاف الشهادة على الاستحاضة كما في البحر وغيره
والكفر عيب فيهما أي في الغلام والجارية لعدم الائتمان على المصالح الدينية وعند الشافعي ليس بعيب ومن أغرب ما ذكره الزيلعي رواية عن الشافعي أنه لو اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما يرده حيث يكون الإسلام عيبا ولا يكون الكفر عيبا
وكذا الشيب بالشين المعجمة عيب وكذا الشمط وهو اختلاط البياض بالسواد في الشعر لأنه في غير أوانه دليل الداء وفي أوانه دليل الكبر فيصير عيبا على التقديرين وكذا الصهوبة بضم المهملة حمرة الشعر إذا فحشت بحيث تضرب إلى البياض
والدين لأن ماليته تكون مشغولة به والغرماء مقدمون على المولى أطلقه فشمل دين العبد والجارية وأما إذا كان مطالبا به للحال أو متأخرا إلى ما بعد العتق مأذونا أو محجورا وليس كذلك بل المراد الدين الذي يطالب به في الحال بسبب الإذن لا الدين المؤجل إلى العتق ولا المحجور لأن دينه لا يطالب إلا بعد العتق فلا يكون عيبا كما في البحر وغيره فعلى هذا لو قيده
____________________
(3/63)
بهذين القيدين لكان أولى تأمل
والسعال القديم يعرفه الأطباء وأما السعال الحادث فليس بعيب لأنه يزول
والشعر والماء في العين لأنهما يضعفان البصر ويورثان العمى ولا خصوصية لهما بل كل مرض بالعين فهو عيب ومنه السبل وكثرة الدمع والغرب في العين والعشي وهو ضعف البصر بحيث لا يبصر في الليل والعمش والشتر والحول والحوص وهو نوع من الحول والجرب في العين وغيرها وقد ذكر المصنف أو لا ضابط العيب ثم ذكر عددا من العيوب ولم يستوفها لكثرتها فلا بأس بتعداد ما اطلعنا عليه في كلامهم تكثيرا للفوائد
فمن العيوب المشتركة بين العبد والأمة الشلل والشم والصمم والخرس والعرج والسن الساقطة والشاغية والسوداء والخضراء وفي الصفراء خلاف ووجعها والأصبع الزائدة والناقصة والظفر الأسود المنقص للثمن والعسر وهو العمل باليسار عجزا والثؤلول والحال إن كانا قبيحين منقصين والكذب والنميمة وترك الصلاة وغيرها من الذنوب والنكاح والقمار بالنرد ونحوه والأمراض والكي وتشنج في الأعضاء وكثرة الأكل وقيل في الجارية عيب لا في الغلام ولا شك أنه لا فرق إذا أفرط وعدم استمساك البول والحمق وغيرها
ومن المختصة بالعبد العته والخصي بخلاف ما لو وجد فحلا إذا اشترى على أنه خصي والفتق والأدرة وعدم الختان إذا كان كبيرا والرعونة واللين في الصوت والتكسر في
____________________
(3/64)
المشي إن كثر فإن قل لا ومحلوق اللحية أو منتوفها إذا اشترى أمرد والتخنث بالعمل القبيح وشرب الخمر
ومن المختصة بالأمة الرتق والقرن والعفل والحبل والمغنية وعدة رجعي والولادة عند البائع أو قبله وثقب في الأذنين إن واسعا ومحترقة الوجه لا يدرى حسنها من قبحها بخلاف ما إذا كانت دميمة أو سوداء
وفي البزازية وإن اشتراها على أنها جميلة ووجدها قبيحة ترد وكل عيب يمكن المشتري من إزالته بلا مشقة لا يرد به كإحرام الجارية ومنها ما في الحيوانات من الحرون والحزن والجمح والفدع والصكك والفحج والمشش والدخس وخلع الرأس واللجام والصدف والشدق والعثر والعزل وقلة الأكل ومص لبنها جميعا وعدم الحلب إن كانت مثلها تشترى للحلب وإن للحم لا وما يمنع التضحية في المضحي ومما في غيرها الهشم والحرق والعفونة وكون الحنطة مسوسة وضيق أحد الخفين لا كلاهما والنقب الكبير في الجدار وكثرة بيوت النمل في الكرم أو كان فيه ممر الغير أو مسيل الغير والنز والسبخ وكون الآية ساقطة أو الخطأ في المصحف وعدم مسيل في الدار وعدم الشرب في الأرض أو مرتفعة لا تسقى ونجاسة ما ينقصه الغسل وذكر قاضي خان أن فوات المشروط بمنزلة العيب
فإن ظهر عيب قديم أي كائن عند البائع بعدما حدث عند المشتري أي عيب آخر رجع بالنقصان لأن تعذر الرد بسبب العيب
____________________
(3/65)
الحادث وطريق معرفته أن يقوم وبه هذا العيب ثم يقوم وهو سالم فإذا عرف التفاوت بين القيمتين يرجع عليه بحصته من الثمن كثوب شراه فقطعه أي الثوب فاطلع المشتري على عيب وليس له الرد بل يرجع بالنقصان كما بيناه آنفا إلا أن يرضى البائع استثناه من المسألتين جميعا بأخذه كذلك أي معيبا أو مقطوعا فله أي للبائع ذلك أي الأخذ لأن الامتناع لحقه فأسقط حقه بالرضى حتى لو باعه المشتري بعدما حدث عيب آخر سقط رجوعه بالنقصان لأنه صار حابسا له بالبيع إذ الرد غير ممتنع بالقطع برضى البائع فكان مفوتا للرد بخلاف ما إذا خاطه ثم باعه حيث لا يبطل الرجوع بالنقصان لأنه لم يصر حابسا له بالبيع لامتناع الرد قبله بالخياطة من غير علم بالبيع وبعد امتناع الرد لا تأثير له فإن خاط المشتري بعدما قطع الثوب أو صبغه أحمر قيد به لتكون الزيادة في المبيع ثابتة اتفاقا لأنه لو صبغه أسود يكون نقصانا عنده كالقطع وقالا يكون زيادة
أو لت السويق بسمن أي لو كان المبيع سويقا فخلطه بسمن ثم ظهر عيبه رجع على البائع بنقصانه لتعذر الرد بسبب الزيادة وحاصله أن الزيادة نوعان متصلة وهي قسمان متولدة عن الأصل كالجمال حيث لا يمنع الرد في ظاهر الرواية وغير متولدة منه كالصبغ فإنه يمنع ومنفصلة وهي أيضا نوعان متولدة من المبيع كالولد والثمر فإنه يمنع الرد إذا حدث بعد القبض وأما إذا حدث قبل القبض فلا وغير متولدة منه فإنه لا يمنع الرد بالعيب والفسخ فإذا فسخ تسلم الزيادة للمشتري وليس لبائعه أن يأخذه قطعا لحق الشرع وإن رضي به المشتري لوجود الربا حتى لو باعه أي المشتري الثوب المخيط أو المصبوغ بالحمرة أو السويق الملتوت بالسمن بعد رؤية عيبه لا يسقط الرجوع لأن الرد ممتنع
____________________
(3/66)
أصلا قبله فلا يكون بالبيع حابسا للمبيع وعن هذا إن من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لولده الصغير وخاطه ثم اطلع على عيب لا يرجع بالنقصان بخلاف ما لو كان الولد كبيرا لأن التمليك حصل في الأول قبل الخياطة وفي الثاني بعدها بالتسليم إليه وهذا معنى ما في الفوائد الظهيرية من أن الأصل أن كل موضع يكون المبيع قائما عن ملك المشتري ويمكنه الرد برضى البائع فأخرجه عن ملكه لا يرجع بالنقصان وكل موضع يكون المبيع قائما على ملكه ولا يمكنه الرد وإن قبله البائع فأخرجه عن ملكه يرجع بالنقصان كما في البحر
ولو أعتق المشتري المبيع بلا مال أو دبر أو استولد قبل العلم بالعيب لأنه بعد العلم لا يرجع ثم ظهر العيب رجع بنقصان العيب أما الإعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع وهو قول زفر لأن امتناع الرد بفعله فصار كالقتل
وفي الاستحسان يرجع وهو قول الشافعي واحد لأن العتق انتهاء الملك لأن الآدمي ما خلق في الأصل محلا للملك وإنما يثبت الملك فيه على خلاف الأصل موقتا إلى الإعتاق فكان انتهاء كالموت وهذا لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد متعذر ولهذا يثبت الولاء بالعتق وهو من آثار الملك فبقاؤه كبقاء الملك والتدبير والاستيلاد بمنزلته لأنهما وإن كان لا يزيلان الملك إلا أن المحل بهما يخرج عن أن يكون قابلا للنقل من ملك إلى ملك فقد تعذر الرد مع بقاء الملك يرجع بالنقصان لأنه استحق المبيع بوصف السلامة وصار كما لو تعيب عنده
وكذا أي يرجع بنقصان العيب إن ظهر عيب قديم بعد موت المشتري لأن الملك ينتهي به والامتناع حكمي لا بفعله
وإن عتق المبيع على مال أو قتل لا يرجع بشيء لأنه حبس بدله في الإعتاق على مال وحبس البدل كحبس المبدل
وعن الإمام وهو قول أبي يوسف والشافعي أنه يرجع لأن البدل والمبدل ملكه فصار كالإعتاق مجانا والكتابة كالإعتاق على مال لحصول العوض فيها وأما القتل فلأنه لا يوجد إلا مضمونا وإنما يسقط هنا باعتبار الملك إن لم يكن مديونا فإن كان مديونا ضمنه السيد فصار كالمستفيد به عوضا بخلاف الإعتاق لأنه لا يوجب الضمان لا محالة هذا ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه يرجع لأن المقتول ميت بأجله فكأنه مات حتف
____________________
(3/67)
أنفه
وكذا لا يرجع بالنقصان لو أكل الطعام كله أو بعضه حال كونه في وعاء واحد فإن كان في وعاءين فأكل ما في أحدهما أو باع ثم علم بعيب كان بكل ذلك فله رد الباقي بحصته من الثمن كما في الحقائق أو لبس الثوب فتخرق ثم اطلع على عيب لا يرجع بالنقصان عند الإمام خلافا لهما فإنه يرجع بالنقصان عندهما
وفي المنح ثم قال أبو يوسف يرد ما بقي إن رضي البائع لأن استحقاق الرد في بعض دون الكل فيتوقف على رضاه وقال محمد يرد الباقي مطلقا لأن رده ممكن حيث لا يضره التبعيض ورجع بالنقصان فيما أكله لتعذر رده وعند الإمام لا يرجع بشيء وقد اعتمده صاحب الكنز وغيره قال في النهاية وقالا يرجع استحسانا في الأكل ثم قال وعلى هذا الخلاف إذا لبس الثوب حتى تخرق وعنهما يرد ما بقي ويرجع بنقصان ما أكل وعليه الفتوى
وفي البحر أن الفتوى على قولهما في الرجوع بالنقصان كما في الخلاصة
وفي المجتبي لو أكل بعض الطعام يرجع بنقصان غيبه ويرد ما بقي عند محمد وبه يفتى وإن باعه نصفه لا يرجع بنقصانه ويرد ما بقي عنده وبه يفتى أيضا
ولو اشترى طعاما فأطعمه ابنه أو امرأته أو مكاتبه أو ضيفه لا يرجع وإن أطعم عبده أو مدبره أو أم ولده يرجع لأن ملكه باق
ولو اشترى سمنا ذائبا وأكله ثم أقر البائع أنه كان وقعت فيه فأرة رجع بالنقصان عندهما وبه يفتى كما في البحر
وفي القنية ولو كان غزلا فنسجه أو فليقا فجعله إبريسما ثم ظهر أنه كان رطبا وانتقص وزنه رجع بنقصان العيب بخلاف ما إذا باع
وإن شرى بيضا أو جوزا أو بطيخا أو قثاء أو خيارا فكسره قيد به لأنه لو اطلع قبل كسره فإنه يرده فوجده فاسدا بأن كان منتنا أو مرا
فإن كان ينتفع به في الجملة بأن صلح لأكل بعض الناس أو الدواب رجع بنقصانه دفعا للضرر بقدر الإمكان ولا يرده لأن الكسر عيب حادث إلا أنه يقبلها البائع مكسورا
____________________
(3/68)
ويرد الثمن
وقال الشافعي يرده وإلا أي وإن لم ينتفع به أصلا فبكل ثمنه أي يرجع بجميع الثمن لأنه ليس بمال فكان البيع باطلا ولا يعتبر في الجوز صلاح قشره على ما قيل لأن ماليته باعتبار اللب بخلاف بيض النعامة إذا وجده فاسدا بعد الكسر فإنه يرجع بالنقصان لأن ماليته باعتبار القشر
ولو وجد البعض فاسدا وهو قليل كالواحد والاثنين في المائة صح البيع استحسانا لعدم خلوه عادة ولا خيار له كالتراب في الحنطة إلا أن يعده الناس عيبا فله الرد وإلا أي وإن لم يكن قليلا بل كثيرا فسد البيع في الكل ورجع بكل ثمنه عند الإمام لجمعه في العقد بين ما له قيمة وما لا قيمة له وعندهما يجوز في حصة الصحيح منه وقيل يفسد العقد في الكل إجماعا ولو قال المصنف فوجده معيبا مكان فاسدا لكان أولى لأن من عيب الجوز قلة لبه وسواده تدبر
وفي الفتح لو اشترى دقيقا فخبزه بعضه وظهر أنه مر رد ما بقي ورجعه بنقصان ما خبز
وفي البحر اشترى عددا من البطيخ أو الرمان أو السفرجل فكسر واحدا واطلع على عيب رجع بحصته من الثمن لا غير
ولا يرد الباقي إلا أن يبرهن أن الباقي فاسد ولو وجد في المسك رصاصا ميزه ورده بحصة قل أو كثر
ومن باع ما شراه بآخر فرد عليه أي بائع ما شراه بعيب أو بسبب عيب بقضاء بعد قبضه بإقرار ومعنى القضاء بالإقرار أنه أنكر الإقرار فأثبت بالبينة كما في الهداية وإنما أول بهذا لأنه لو لم ينكر الإقرار لا يحتاج إلى القضاء بل يرد عليه بإقراره بعيب فإذا رد به بلا قضاء لا يرد على بائعه كما في أكثر الشروح لكن لا حاجة إلى هذا التأويل لأنه لا يمكن أن ينكر إقراره مع أنه لا يرضى بالرد فيرد بالقضاء فلا يكون بيعا لعدم الرضى كما في التسهيل أو نكول عن اليمين أو بينة رده على بائعه الأول لأنه بالقضاء فسخ من الأصل فجعل البيع كأن لم يكن غاية الأمر أنه أنكر قيام العيب لكنه صار مكذبا شرعا بالقضاء كما في الهداية ومنهم من جعله قول أبي يوسف
وعند محمد ليس له أن يخاصم بائعه لتناقضه وغايته على أنه سبق منه جحود نصا بأن قال بعته وما به هذا العيب وإنما حدث عندك ثم رد عليه بقضاء ليس له أن يخاصم بائعه ومنهم من حملها على ما إذا كان ساكتا والبينة تجوز على الساكت ويستحلف الساكت أيضا لتنزيله منزلة منكر كما في البحر
ولو قبله برضاء لا يرد عليه أي على بائعه الأول
____________________
(3/69)
وقيل في عيب لا يحدث مثله كالإصبع الزائدة يرد للتيقن به عند البائع الأول والأصح أنه لا يرد عليه في الكل كما في الرمز هذا إذا كان الرد بعد القبض أما قبله فله أن يرده على بائعه الأول وإن كان بالتراضي في غير العقار كما في المنح وغيره
ومن قبض ما شراه ثم ادعى عيبا لا يجوز المشتري على دفع ثمنه إلى البائع لاحتمال أن يكون صادقا في دعواه بل يبرهن المشتري أن يقيم البينة لإثبات العيب بأنه وجد بالبيع عند المشتري لأنه إن لم يوجد عنده ليس له أن يرده وإن كان عند البائع لاحتمال أنه زال فإذا برهن أنه وجد عنده يحتاج أن يبرهن أيضا أن هذا العيب كان به عند البائع لاحتمال أنه حدث عنده أو يحلف بائعه على قولهما لأنه إن أقر به لزمه فإذا أنكره يحلف فإن حلف برئ وإن نكل ثبت قيام العيب للحال ثم يحلف ثانيا على أن هذا العيب لم يكن فيه عنده فإن حلف برئ وإن نكل فسخ القاضي العقد بينهما فإن قال الظاهر بالواو شهودي غيب جمع غائب دفع الثمن إن حلف بائعه لأن في الانتظار ضررا بالبائع وليس فيه كثير ضرر على المشتري لأنه متى أقام البينة رد عليه المبيع وأخذ ثمنه ولزم العيب إن نكل البائع لأن النكول حجة فيه بخلاف الحدود
وفي عبارة الهداية هنا كلام فليراجع شروحها
ومن ادعى أي المشتري إباق مشريه أي إباق الرقيق الذي اشتراه فأنكر البائع يبرهن المشتري أولا أنه أي الرقيق أبق عنده يعني لا تسمع دعوى المشتري هذه حتى يثبت وجود العيب عنده فإن أقام بينة أنه أبق عنده تسمع دعواه بعد ذلك ثم يحلف بائعه على البتات مع أنه فعل الغير ويقال في كيفية التحليف بالله لقد
____________________
(3/70)
باعه وسلمه وما أبق قط
وفي المنح هذا هو الأحوط انتهى لكن في هذا الوجه ترك النظر للبائع لأن قوله وما أبق قط شامل للإباق من الغاصب إذا لم يعلم منزل مولاه أو لم يقدر على الرجوع إليه وليس بعيب أو بالله ماله حق الرد عليك من الوجه الذي يدعي المشتري أو بالله ما أبق عندك قط كما في الكنز لكن قال المتأخرون فيه ترك النظر للمشتري لأنه لا يتناول الإباق من المودع والمستأجر والمستعير والغاصب لا إلى منزل مولاه مع القدرة على الرجوع إليه أنه عيب لا يحلف بأن يقال بالله لقد باعه وما به هذا العيب لأن العيب قد يحدث بعد البيع قبل التسليم وهو موجب للرد وبه يتضرر المشتري أو لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب إذ يمكن أن يؤول البائع كلامه ويريد أن العيب لم يكن موجودا عند البيع والتسليم معا فيتضرر المشتري وفي إباق الكبير إذا كانت الدعوى في إباق الكبير يحلف بالله ما أبق منذ بلغ الرجال لأن الإباق في الصغر لا يوجب الرد
وفي الدرر ينبغي أن يكون الحكم في البول في الفراش والسرقة أيضا كذلك لاشتراكها في العلة وإليه أشار في غاية البيان بقوله وذلك لأن اتحاد الحالة شرط في العيوب الثلاثة وعند عدم بينة المشتري على إباقه عنده أي المشتري يحلف البائع عندهما أنه ما يعلم أنه أي العبد أبق عنده أي المشتري لأن الدعوى صحيحة حتى تترتب عليها البينة فكذا اليمين واختلفوا على قول الإمام فقيل يحلف وقيل لا وهو الأصح لأن الحلف يترتب على دعوى صحيحة ولا تصلح إلا من خصم ولا يصير خصما فيه إلا بعد قيام العيب فإن نكل البائع عن اليمين على قولهما ثبت إباقه عند المشتري
و حلف
____________________
(3/71)
ثانيا للرد كما مر فإن بنكوله ثبت العيب عند المشتري هذا في العيوب التي لا تظهر للقاضي ولا يعرف أهي حادثة عند المشتري أم لا وأما العيوب التي لا يحدث مثلها كالإصبع الزائدة والناقصة والعمى فإن القاضي يقضي بالرد من غير تحليف لتيقنه بوجوده عند البائع إلا إذا ادعى البائع رضاه وأثبته بطريقه
ولو قال بائعه بعد التقابض أي بعد قبض المشتري المبيع والبائع الثمن بعتك هذا مع آخر وقال المشتري لا بل بعت هذا وحده فالقول له أي للمشتري مع اليمين لأن القول للقابض أمينا كان أو ضمينا كما في الوديعة والغصب
وكذا يكون القول للمشتري لو اتفقا في قدر المبيع واختلفا في المقبوض لما بيناه من أن القول للقابض
ولو اشترى عبدين صفقة أي في عقد واحد وقبض أحدهما ووجد بالمقبوض أو بالآخر عيبا ردهما أي العبدين جميعا أو أخذهما جميعا ولا يرد المعيب وحده أي ليس للمشتري أن يرده وحده لأن فيه تفريق الصفقة قبل التمام وعن أبي يوسف أنه يرد المقبوض خاصة لأن الصفقة فيه تمت لتناهيها فيه والأصح الأول لأن تمام الصفقة يتعلق بقبض المبيع وهو اسم للكل إلا إن ظهر العيب بعد قبضهما لأنه تفريق بعد التمام فلا يمنع الرد وحده خلافا لزفر ووضع المسألة في عبدين لكونه مما يمكن الانتفاع بأحدهما لأنه لو لم يمكن كما إذا اشترى خفين ووجد في أحدهما عيبا لا يرد المعيب خاصة اتفاقا لأنهما في المعنى والمنفعة كشيء واحد والمعتبر هو المعنى ولهذا قالوا لو اشترى زوجي ثور وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا وقد ألف أحدهما الآخر بحيث لا يعمل بدونه لا يملك رد المعيب خاصة
ولو كان المبيع كيليا أو وزنيا من نوع واحد و وجد بعض الكيلي أو الوزني معيبا بعد القبض رد كله أو أخذه أي
____________________
(3/72)
أخذ كله بعيبه لأنه كالشيء الواحد فليس له أن يأخذ البعض سواء كان قبل القبض أو بعده كالثوب الواحد إذا وجد ببعضه عيبا بخلاف العبدين وقوله بعد القبض اتفاقي ولو تركه لكان أولى تدبر وقيل هذا أي الخيار بين رد الكل أو أخذه إن لم يكن في وعاءين وإلا أي وإن كان في وعاءين فهو كالعبدين حتى يرد الوعاء الذي وجد فيه العيب وحده
ولو استحق بعضه أي بعض الكيلي والوزني بعد القبض ليس له رد ما بقي بخلاف الثوب قال صاحب المنح استحق بعض المبيع فإن كان استحقاقه قبل القبض خير في الكل لتفريق الصفة وإن بعد القبض خير من القيمي لا في غيره لأن التبعيض في القيمي كالثوب عيب فيخير بخلاف المثلي وفي شروط ظهير الدين إذا استحق نصف الدار شائعا فالمشتري بالخيار عندنا إن شاء رد ما بقي ورجع بجميع الثمن وإن شاء أمسك ما بقي ورجع على البائع بثمن المستحق وإن استحق منها موضع بعينه إن كان قبل القبض فهو بالخيار وإن بعد القبض فلا خيار له ويرجع بثمن المستحق
وقال الخصاف له أن يرد الكل ويرجع بالثمن
وفي شرح الطحاوي إذا اشترى شيئا ثم استحق بعضه فإن كان شيئا لا يمكن تمييزه إلا بضرر كالدار والأرض والكرم والعبد يتخير المشتري وإلا فلا وإن قبض المشتري أحد المبيعين فيما إذا وقع البيع على شيئين فحكمه ما قبل قبضهما فثبت الخيار للمشتري سواء ورد الاستحقاق على مقبوض أو غيره لتفريق الصفة قبل التمام ومداواة المشتري المعيب بعد رؤية العيب وركوبه أي ركوبه المعيب بعدها وكذا الإجارة والرهن والكتابة والعرض على البيع واللبس والسكنى رضي لأنه دليل الاستبقاء وفيه
____________________
(3/73)
إشارة إلى أن الاستخدام بعد العلم لا يكون رضى استحسانا لأن الناس يتوسعون فيه وهو للاختيار كما في البحر
وفي البزازية أن الاستخدام رضى بالعيب في المرة الثانية على الصحيح إلا إذا كان في نوع آخر
وفي التنوير اشترى جارية لها لبن فأرضعت صبيا له ثم وجد بها عيبا كان له أن يردها كما لو استخدمها
وفي الغرر اشترى جارية ولم يتبرأ من عيوبها فوطئها أو قبلها أو لمسها بشهوة ثم وجد بها عيبا لم تردها مطلقا ويرجع بالنقصان إلا إذا رضي البائع
ولو ركبه لرده على البائع أو سقيه أو شراء علفه ولا بد له منه فلا أي لا يكون بهذه الأشياء رضي بالعيب للاحتياج إليه قيل الركوب للرد لا يكون رضى كيف ما كان
وفي البحر ادعى عيبا في حمار فركبه ليرده وعجز عن البينة فركبه جائيا فله الرد ولو ركب لينظر إلى سيرها فهو رضى
وفي الفتح وجد بها عيبا في السفر وهو يخاف على حمله حمله عليها ويرد بعد انقضاء سفره وهو معذور
ولو قطع يد العبد المبيع بعد قبضه أي المشتري أو قتل بسبب متعلق بقطع وقتل على التنازع كان عند البائع رده وأخذ ثمنه في صورة القطع يعني اشترى عبدا قد سرق عند البائع ولم يعلم به وقت الشراء أو القبض فقطعت يده عند المشتري له أن يرده ويأخذ ثمنه عند الإمام وكذا إذا قتل بسبب كان عند البائع لكن في القتل لا يرد بل أخذ الثمن وقالا لا يرده بل رجع بفضل ما بين كونه سارقا وغير سارق أو قاتلا وغير قاتل إن لم يعلم المشتري بالعيب عند الشراء وإلا أي وإن علم المشتري بالعيب عند الشراء فلا والحاصل أنه بمنزلة الاستحقاق عنده وبمنزلة العيب عند هما لأن الموجود في يد البائع سبب القطع والقتل وهو لا ينافي المالية فينفذ العقد فيه لكنه متعيب فيرجع بنقصانه لتعذر الرد وله أن سبب الوجوب حصل في يد البائع والوجوب يفضي إلى الوجود فيضاف الوجود إلى السبب السابق وقوله إن لم يعلم بالعيب يفيد على قولهما لأن العلم بالعيب رضى به ولا يفيد على قوله في الصحيح لأن العلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع كما في البحر وغيره وظاهر كلام المؤلف أنه ليس بمخير بين إمساكه والرجوع بنصف الثمن وليس
____________________
(3/74)
كذلك بل هو مخير فله إمساكه وأخذ نصف الثمن لأنه بمنزلة الاستحقاق إلا العيب حتى لو مات بعد القطع حتف أنفه رجع بنصف الثمن عنده كالاستحقاق قيد بكون القطع عند المشتري لأنه لو قطعت عند البائع ثم باعه فمات عند المشتري به فإنه يرجع بالنقصان عنده أيضا وبالقطع لأنه لو اشترى مريضا فمات منه عند المشتري أو عبدا زنى عند البائع فجلد عند المشتري فمات به رجع بالنقصان عنده أيضا
وكذا لو زوج أمته البكر ثم باعها وقبضها المشتري ولم يعلم النكاح ثم وطئها الزوج لا يرجع بنقصان البكارة وإن كان زوالها بسبب كان عند البائع كما في الفتح
ولو تداولته الأيدي يعني بعد وجوب سبب القطع في يد البائع لو تداولته الأيدي بالبياعات ثم قطع في يد المشتري الأخير رجع الباعة جمع بائع وأصله بيعة على وزن نصرة بعضهم على بعض عند الإمام كما في الاستحقاق وعندهما يرجع المشتري الأخير على بائعه لا يرجع بائعه أي بائع المشتري على بائعه كما في العيب لأن المشتري الأخير لم يصر حابسا المبيع حيث لم يبعه ولا كذلك الآخرون فإن البيع يمنع الرجوع بنقصان العيب كما تقدم
ولو باع بشرط البراءة من كل عيب صح وإن وصلية لم يعد العيوب عندنا لأن الجهالة في الإبراء لا تفضي إلى النزاع وإن تضمن التمليك لعدم الحاجة إلى التسليم
وقال الشافعي لا يجوز لأن الإبراء عن الحقوق المجهولة لا يجوز لأن فيه معنى التمليك وهو يؤدي إلى تمليك المجهول وبه قال أحمد وعند زفر البيع جائز والشرط فاسد إذا كان مجهولا حتى إذا ذكر العيوب وعددها صحت البراءة عنها كان ابن أبي ليلى يقول لا تصح البراءة من العيب مع التسمية ما لم يره المشتري وقد جرت هذه المسألة بينه وبين الإمام أبي حنيفة في مجلس أبي جعفر الدوانقي فقال له الإمام أرأيت لو باع جارية
وفي موضع المأتي منها عيب أو غلاما في ذكره عيب أكان يجب على البائع أن يري المشتري ذلك الموضع منها أو منه ولم يزل يعمل به هكذا حتى أقحمه وضحك الخليفة مما صنع به ويدخل في البراءة عن العيوب العيب الحادث قبل القبض عند أبي يوسف وذكره مع الإمام في المبسوط
وفي الخانية أنه ظاهر مذهبهما لأن المراد
____________________
(3/75)
لزوم العقد بإسقاط حقه عن صفة السلامة وذلك بالبراءة عن الموجود والحادث خلافا لمحمد فإنه قال لا يدخل فيه الحادث إذا المقصود هو البراءة عن العيب الموجود لا على العموم فلا يدخل المعدوم وأجمعوا أنه لو أبرأه من كل عيب به لا يدخل الحادث ولو قال أبرأتك من كل عيب وما يحدث لم يصح إجماعا فاستشكل على قول أبي يوسف لأنه مع التنصيص لا يصح فكيف يصححه ويدخله بلا تنصيص ولكن هذا على رواية الإسبيجابي وأما على رواية المبسوط فيصح الاشتراط باعتبار أنه يقيم السبب وهو العقد مقام العيب الموجب للرد
وفي التنوير أبرأه من كل داء فهو على ما في الباطن في العادة وما سواه مرض
اشترى عبدا فقال لمن ساومه إياه اشتره فلا عيب به
فلم يتفق البيع فوجد به عيبا رده على بائعه ولا يمنعه من الرد عليه إقراره السابق ولو عينه بأن قال لا عور لا يرده لإحاطة العلم به
قال عبدي هذا آبق فاشتره مني فاشتراه وباع من آخر فوجده الثاني آبقا لا يرده بما سبق من الإقرار ما لم يبرهن أنه أبق عنده
باع عبدا وقال البائع للمشتري برئت إليك من كل عيب به إلا الإباق فوجده آبقا فله الرد ولو قال إلا إباقه فوجده آبقا لا
مشتر لعبد أو أمة قال أعتق البائع أو دبر أو استولد الأمة أو هو حر الأصل وأنكر البائع
حلف فإن حلف قضى على المشتري بما قاله لإقراره بما ذكر ورجع بالعيب إن علم به حتى لو قال باعه وهو ملك فلان وصدقه فلان وأخذه لا يرجع بالنقصان
وجد المشتري بمشريه عيبا وأراد الرد به فاصطلحا على أن يدفع البائع الدراهم إلى المشتري جاز وعلى العكس لا يصح
رضي الوكيل بالعيب لزم الموكل إن كان المبيع مع العيب يساوي الثمن وإلا لا
ظهر عيب بمشتري الغائب عند القابض فوضع المبيع عند عدل فإذا هلك هلك على المشتري إلا إذا قضى بالرد على بائعه والله تعالى أعلم
____________________
(3/76)
باب البيع الفاسد أخره عن الصحيح لكونه عقدا مخالفا للدين لأنه معصية يجب رفعها وعنونه به وإن ذكر فيه الباطل باعتبار كثرة أنواعه وغيره يذكر فيه بطريق الاستطراد قال بعض الفضلاء الفاسد كما يذكر في مقابلة الباطل كذا يذكر في مقابلة الصحيح فيراد منه ما يعم الباطل وهو المراد ههنا انتهى
لكن فيه كلام لأنه يلزم منه أن يشمل الصحيح إذا استعمل في مقابلة الباطل ولا وجه له تدبر
واعلم أن البيوع على أنواع صحيح وهو المشروع بأصله ووصفه وباطل وهو ضده ولا يفيد الملك بوجه
وفاسد وهو المشروع بأصله دون الوصف ويفيد الملك إذا اتصل به القبض ومكروه وهو المشروع بأصله ووصفه لكن جاوره شيء منهي عنه وموقوف وهو مشروع بأصله ووصفه ويفيد الملك على سبيل التوقف ولا يفيد تمامه لتعلق حق الغير
بيع ما ليس بمال والبيع أي بيع الشيء به أي جعله ثمنا بإدخال الباء عليه كأن يقول بعت هذا الثوب بهذه الميتة مثلا باطل كالدم المسفوح والميتة التي ماتت حتف أنفها لأن المنخنقة وأمثالها مال عند أهل الذمة والحر لانعدام ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال لأن هذه الأشياء لا تعد مالا عند أحد ممن له دين سماوي كما في أكثر الكتب لكن الحر مال في شريعة يعقوب عليه الصلاة والسلام حتى استرق السارق على ما قالوا فلا ينبغي أن يقال أنه لم يكن مالا عند أحد كما في القهستاني
وكذا يبطل بيع أم الولد والمدبر المطلق إلا بالقضاء لقيام المالية ولذلك فصله بقوله
____________________
(3/77)
وكذا كما في الإيضاح
وفي البحر ونفاذ القضاء ببيع أم الولد ضعيف وفي قضاء البزازية أظهر عدم النفاذ لكن صحح في الفتح النفاذ بقضاء القاضي تدبر
قيدنا بالمطلق لأن بيع المقيد جائز اتفاقا وعند الأئمة الثلاثة بيع المدبر جائز مطلقا
وكذا يبطل بيع المكاتب لأنه استحق يدا على نفسه بعقد الكتابة فلا يتمكن المولى من فسخه وفي بيعه إبطال لذلك الاستحقاق اللازم في حق المولى فلا يجوز إلا أن يجيزه المكاتب ففيه روايتان أظهرهما الجواز لأن رضاه به متضمن تعجيز نفسه
وكذا يبطل بيع مال غير متقوم كالخمر والخنزير بالثمن وهو الدراهم والدنانير حالا أو مؤجلا لأن المقصود في البيع عين المبيع لأنها هي المنتفع بها لا عين الثمن لأنها جعلت وسيلة إليه ولهذا يجوز ثبوته في الذمة وإذا جعلت الخمر مبيعة تكون مقصودة وفيه إعزاز والشرع أمر بإهانتها ولهذا يبطل بيعها
و كذا يبطل بيع قن ضم إلى حر وذكية ضمت إلى ميتة ماتت حتف أنفها
وإن وصلية بين ثمن كل عند الإمام لأن الحر غير داخل في البيع أصلا لكونه غير مال وبضمه إلى القن جعل شرطا لقبول القن وجعل غير المال شرطا لقبول المبيع مبطل للبيع وكذا الميتة وعندهما يصح البيع في العبد والذكية إن بين الثمن لأن الصفقة متعددة معنى بتفصيل الثمن والفساد بقدر المفسد فلا يتعداه كما لو جمع بين أخته وأجنبية بالنكاح لكن التنظير ليس بمحله لأن النكاح لا يبطل بالشروط المفسدة ولا كذلك البيع تأمل
وصح البيع في قن ضم إلى مملوك له من مدبر مطلق أو مقيد أو مكاتب أو أم ولد فالمملوك أعم خلافا لزفر أو ضم إلى قن غيره أي غير البائع بالحصة أي صح
____________________
(3/78)
بحصة القن في الصورتين وإن لم يبين الحصة لأن بيع المدبر وأم الولد جائز بالقضاء وبيع المكاتب برضاه كما بيناه فيصير محلا للبيع فدخلوا ابتداء في العد ثم خرجوا عنه لاستحقاقهم أنفسهم باتصال الحرية بهم من وجه فصار جمع العبد مع كل منهم بمنزلة بيع عبدين استحق أحدهما وبيع قن الغير يجوز موقوفا فيصير محلا للبيع
وفي الحقائق الجمع بين العبد ومعتق البعض كالجمع بين العبد والحر وكذا صح البيع في ملك ضم إلى وقف في الصحيح بالنظر إلى أصله الذي هو حبس العين على ملك الواقف فحينئذ يجوز بيع الملك المضموم إليه بحصته وقيل لا يصح
وفي الفوائد هذا في غير المسجد أما في المسجد فلا يصح في الملك المضموم إليه فلهذا لا يصح بيع قرية لم يستثن منها المساجد والمقابر انتهى
وفيه كلام لأنه يصح في الملك بصرف الكلام إلى الاستثناء المعنوي وهو الأصح كما في المحيط تدبر
وبيع العرض أي غير الثمن بالخمر أو بالعكس والأولى وبالعكس بالواو أي بيع الخمر بالعرض فاسد في العرض فيملكه بالقبض فتجب قيمته لوجود حقيقة البيع وهو مبادلة المال بالمال فإن الخمر عند البعض مال ولا يملك الخمر لبطلان البيع في الخمر حتى لو هلكت عند المشتري لا يضمن لأنها غير متقومة عند الشرع وكذا بيعه أي بيع العرض الخنزير فاسد في العرض باطل في الخنزير كما في الخمر ولم يذكر بيع الخنزير بالعرض
وفي التسهيل وغيره فسد لو قوبل خمر أو خنزير أو شعره بعين سواء بيعت به أو بيع بها إذا أمكن جعل العين مقصودا انتهى
فعلى هذا لو قال بيع الأرض بالخمر أو الخنزير أو بالعكس لكان أخصر وأولى تدبر
ولا يجوز بيع طير في الهواء ومعناه أن يأخذ صيدا ثم يرسله من يده ثم يبيعه وإنما قيدناه بذلك لأن بيع الطير في
____________________
(3/79)
الهواء قبل أن يأخذه باطل كما في البحر هذا إذا كان الطير يطير ولا يرجع أما إذا كان له وكر عنده يطير منه في الهواء ثم يرجع إليه جاز بيعه والحمام إذا علم عودها وأمكن تسليمها جاز بيعها لأنها مقدورة التسليم كما في التبيين وغيره فعلى هذا لو قيده بقوله لا يرجع لكان أولى تدبر
و لا يجوز بيع سمك لم يصد لأنه بيع ما لا يملكه كما في أكثر الكتب وهذا التعليل يفيد بطلانه لما تقرر من أن بيع ما لا يملكه باطل لا فاسد لكن محل وقوعه فاسدا إن كان بالعرض لأنه مال متقوم لأن التقوم بالإحراز ولا إحراز كما في منح الغفار وفيه كلام لأنه ينبغي أن يبطل لأن السمك الذي لم يصد ليس بمال أصلا والبيع باطل فيه مطلقا كما قال بعض الفضلاء أو صيد وألقي في حظيرة لا يؤخذ منها بلا حيلة فإنه فاسد للعجز عن التسليم أو دخل إليها أي مسوقا إلى الحظيرة بنفسه ولم يسد مدخله فإنه لا يجوز
وفي الزاهدي إذا اجتمعت بنفسها فبيعها باطل كيف ما كان لعدم الملك
وإن صيد وألقي فيها أي في الحظيرة وأمكن أخذه أي السمك بلا حيلة صح بيعه لكونه مقدور التسليم لكن إذا سلمه إلى المشتري فله خيار الرؤية قيل هذا إذا لم يهيئ الحظيرة أو الأرض للاصطياد أما إذا هيأها له يملكها بلا خلاف
ولا يجوز بيع الحمل أو النتاج
وفي الدرر جعل بيع النتاج باطلا وبيع الحمل فاسدا لأن عدم الأول مقطوع به وعدم الثاني مشكوك فيه انتهى
لكن في البحر وغيره والحمل بسكون الميم بمعنى الجنين والنتاج حمل الحبلة والبيع فيهما باطل لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيعهما تدبر
و لا يجوز بيع اللبن في الضرع فإنه فاسد للغرر
____________________
(3/80)
لاحتمال كونه انتفاخا ولأنه تنازع في كيفية الحلب وربما يزداد فيختلط المبيع بغيره كما في المنح لكن فيه كلام لأنه في صورة كونه انتفاخا يقضي أن يكون بيعه باطلا لأنه مشكوك الوجود فلا يكون مالا تأمل
قال يعقوب باشا وعلى هذا ينبغي أن لا يجوز بيع الشيء الملفوف الموصوف لأنه يحتمل أن لا يوجد شيء أو وصفه المذكور مع أنهم صرحوا بجوازه انتهى
وفيه كلام لأن عدم وجدان الوصف المذكور لا يقتضي كون الآخر أن لا يكون مالا والشيء يقتضي المالية والانتفاخ ليس بمال والقياس غير جائز تدبر
وكذا لا يجوز بيع اللؤلؤ في الصدف فإنه فاسد للغرر وهو مجهول لا يعلم وجوده ولا قدره ولا يمكن تسليمه إلا بضرر وهو الكسر كما في المنح لكن في تعليله كلام لأن المجهول الذي لا يعلم وجوده يقتضي أن يكون بيعه باطلا تأمل والصوف على ظهر الغنم لورود النهي عنه ولأنه يزيد من الأسفل بغير انقطاع فيختلط الغير بالمبيع
وفي شروح الوقاية ويعود صحيحا إن قلع انتهى لكن في السراج لو سلم الصوف بعد العقد لم يجز أيضا ولا ينقلب صحيحا تأمل
خلافا لأبي يوسف فيهما فإنه يجوز بيع اللؤلؤ في الصدف لتيسر التسليم ولا ضرر بالكسر لأن الصدف لا ينتفع به إلا بالكسر ولكن يخير لعدم الرؤية وكذا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم للقدرة على التسليم
ولا يجوز بيع اللحم في الشاة لاحتمال أن يكون مهزولا أو سمينا فيفضي إلى النزاع
و لا يجوز بيع ضربة القانص وهو بالقاف والنون الصائد يقول بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة بكذا وقيل بالغين والياء قال في تهذيب الأزهري نهي عن ضربة الغائص وهو الغواص بأن يقول أغوص غوصة فما أخرجته من اللآلئ فهو لك بكذا وهو بيع باطل لعدم ملك البائع المبيع قبل العقد فكان غررا ولجهالة ما يخرج وتمامه في البحر فليراجع
و لا يجوز بيع جذع يعني الجذع المعين لأن غير المعين لا يعود صحيحا كما في الاصطلاح في سقف وذراع من ثوب يضره التبعيض كالقميص
وإن وصلية ذكر قطعه لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر وقيدنا بالضرر لأنه لو كان مما لا يضره التبعيض كالكرباس فيجوز وقول الطحاوي في
____________________
(3/81)
آجر من حائط وذراع من كرباس أو ديباج لا يجوز ممنوع في الكرباس أو محمول على كرباس يتعيب به وأما ما لا يتعيب فيه فيجوز كما في البحر فلو قلع الجذع المعين أو قطع الذارع وسلم قبل الفسخ عاد صحيحا لزوال المفسد قبل التقرر بخلاف ما إذا باع جلد الحيوان وذبحه وسلمه حيث لا يعود صحيحا وبخلاف ما إذا باع بزرا في بطيخ ونحوه حيث لا يصح وإن شقه وأخرج المبيع
ولا يجوز بيع المزابنة ولو فيما دون خمسة أوسق خلافا للشافعي وهي بيع الثمر بالثاء المثلثة على النخل بتمر بالتاء المثناة مجذوذ أي مقطوع والمزابنة بيع الثمر في رءوس النخل بالتمر من الزبن وهو الدفع كما في البحر مثل كيله خرصا أي خرزا وظنا لا حقيقيا لأنه لو كان مثله كيلا حقيقيا لم يبق ما على الرأس تمرا بل تمرا مجذوذا كالذي يقابله من المجذوذ وإنما لم يجز لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع المزابنة لأن الجهالة في المماثلة تفضي إلى الربا وبيع العنب بالزبيب على هذا
وفي المنح وفيه كلام لأنه فسر المزابنة بما سمعت من بيع الثمر بالمثلثة على رأس النخل بتمر بالمثناة وهو خلاف التحقيق لأن الثمر بالمثلثة حمل الشجر رطبا كان أو بسرا أو غيره وإذا لم يكن رطبا جاز لاختلاف الجنس والأولى أن يقال بيع الرطب بتمر
و لا يجوز بيع المحاقلة وهي بيع البر في سنبله ببر مثل كيله خرصا لنهيه عليه الصلاة والسلام عنها أيضا ولأنه باع مكيلا بمكيل من جنسه فلا يجوز بطريق الخرص كما لو كانا موضوعين على الأرض
ولا يجوز البيع بالملامسة والمنابذة وإلقاء الحجر بأن يتساوما سلعة فيلزم البيع لو لمسها أي السلعة المشتري وهذا بيع الملامسة أو
____________________
(3/82)
وضع المشتري عليها حجرا وهو البيع بإلقاء الحجر أو نبذها أي السلعة إليه أي إلى المشتري البائع وهذا البيع بالنابذة هذه بيوع كانت في الجاهلية فنهي عنها
وقال صاحب الفرائد لو أخر قوله أو وضع عليها حجرا عن قوله أو نبذها لكان النشر على ترتيب اللف لكنه جعله مشوشا ولا بد من نكتة انتهى
المناسبة بأن اللمس والوضع من قبل المشتري والمنابذة من قبل البائع ولو أخره للزم الخلط والتفصيل تدبر
ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين لجهالة المبيع إلا بشرط أن يأخذ المشتري أيهما شاء فيجوز لاشتراطه خيار التعيين كما بيناه في موضعه
ولا يجوز بيع المراعي جمع المرعى ولو أفرد كما أفرد البعض لكان أخصر والمراد بالمرعى الكلأ النابت في أرض غير مملوكة أو في أرض البائع بدون تسبب منه قيدنا به لأنه لو تسبب في ذلك بأن سقى الأرض أو هيأها للإنبات جاز له بيع كلئها لأنه ملكه حتى لو احتشه إنسان بغير إذنه كان له استرداده وقيل لا يجوز بيعه لأنه ليس بملكه لأن الشركة فيه ثابتة بالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار ولا إجارتها أي لا تجوز إجارة المرعى التي هي الكلأ لأن إجارتها تقع على استهلاك عين غير مملوكة ولو عقدت على استهلاك عين مملوك بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا تجوز وهذا أولى وإنما فسرنا المرعى بالكلأ وجعلناه من إطلاق اسم المحل على الحال لأن بيع رقبة الأرض وإجارتها جائزة بالإجماع كما في الشمني وفي القهستاني المراعي بكسر العين جمع المرعى بفتحها وهو الرعي بكسر الراء الكلأ رطبا ويابسا كما في الصحاح وغيره فمن الظن أنه من ذكر المحل وإرادة الحال تتبع
ولا يجوز بيع النحل بفتح النون وسكون الحاء المهملة حيوان يحدث منه العسل بلا كوارات جمع كوارة بضم الكاف
____________________
(3/83)
وتشديد الواو معسل النحل إذا سوى من طين أو خشب وغيرهما وهذا عند الشيخين لكونه من الهوام فلا ينتفع بعينه بل بما يخرج عنه فلا يكون نفسه مالا متقوما والشيء إنما يصير مالا لكونه منتفعا به حتى لو باع كوارة فيها عسل بما فيها من النحل يجوز تبعا له كذا ذكره الكرخي كما في الهداية
وفي التبيين لو باعه مع الكوارة صح تبعا لها ذكره القدوري في شرحه وذكر الكرخي أنه لا يجوز بيعه مع العسل والمتبادر من المتن جواز بيع النحل إذا انضم مع الكوارة وإن لم يكن فيها عسل مع أن جوازه إذا كان فيها ذلك عند الشيخين على ما في التبيين بما ذكره القدوري تدبر خلافا لمحمد فيجوز بيع نفسه بلا كوارة إذا كان محرزا أي مجموعا وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه حيوان منتفع به حقيقة وشرعا
ولا يجوز بيع دود القز وبيضه عند الإمام لأنه من الهوام وعند أبي يوسف يجوز البيع في الدود إذا كان مع القز يعني إذا ظهر منه القز يجوز البيع تبعا له وفي البيض عنه أي عن أبي يوسف قولان في قول يجوز بيع بيضه مطلقا لمكان الضرورة وهو مع محمد وفي قول لا يجوز وهو مع الإمام فيه وعند محمد وهو قول الأئمة الثلاثة يجوز بيعهما لكونهما منتفعا به وهو المختار للفتوى
وفي البحر ولكن يرد عليه أن الفتوى على قول محمد في بيع النحل أيضا كما في الذخيرة والخلاصة وغيرهما فلم اختار في قوله في الدود دون النحل بلا ترجيح تدبر
ولا يجوز بيع الآبق لورود النهي ولعجزه عن التسليم إلا ممن يزعم أنه أي الآبق عنده فإنه حينئذ يجوز لأن المنهي بيع آبق في حق المتعاقدين وهو غير آبق في حق المشتري ولأنه انتفى العجز لكونه مقبوضا وصرح بفساد هذا البيع في الدرر وغيره لكن في البحر صرح ببطلانه لانعدام المحلية ولو باعه ثم عاد من الإباق لا يتم ذلك العقد وعن هذا قال فإن عاد قبل الفسخ لا ينقلب صحيحا وهو ظاهر الراوية وبه كان يفتي أبو عبد الله البلخي لكونه وقع باطلا
____________________
(3/84)
وقيل ينقلب صحيحا ويتم العقد المزبور على القول بالفساد وهذا رواية عن الإمام لزوال المانع عن التسليم كما إذا أبق بعد البيع هكذا يروى عن محمد كما في الهداية ورجح في الفتح القول بالفساد
ولا يجوز بيع لبن امرأة سواء كانت حرة أو أمة ولو للوصل بعد الحلب لأنه جزء الآدمي وهو بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع وأما بيع نفس الأمة فحلال لاختصاصه للحي ولا حياة في لبنها
وقال الشافعي يكون اللبن محلا للبيع لكونه مشروبا ظاهرا وعند أبي يوسف يصح في ابن الأمة اعتبارا لبيعها
وفي الهداية وغيرها ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحرة والأمة وعن أبي يوسف أنه يجوز بيع لبن الأمة انتهى
فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يقول وعن أبي يوسف لأن قوله عند أبي يوسف يقتضي الظاهر تأمل
وفي التسهيل واختلف المشايخ في حال الأمة لو شراها بأنها حبلى صح عند البعض لا عند البعض وصح بأن المبيعة حلوب
ولا يجوز بيع شعر الخنزير لأنه محرم فيبطل لنجاسته ولكن يباح الانتفاع به أي بشعر الخنزير للخرز ونحوه ضرورة الخرز بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها زاي معجمة مصدر خرز الخف وغيره فيستعمله الخفاف في زمانهم وكذا تستعمله النسوان لتسوية الكتان لأن غيره لا يعمل عمله وعلى هذا قيل إذا لم يوجد إلا بالبيع جاز بيعه لكن الثمن لا يطيب للبائع وقيل هذا إذا كان منتوفا فالمقطوع يكون طاهرا ويفسد شعر الخنزير الماء القليل عند أبي يوسف وهو المختار لا يفسده عند محمد لأن إطلاق الانتفاع به بدليل طهارته ولأبى يوسف أن الإطلاق للضرورة فلا يظهر إلا في حالة الاستعمال وحالة الوقوع تغايرها
ولا يجوز بيع شعر الآدمي ولا الانتفاع به ولا بشيء من أجزائه لأن الآدمي مكرم غير مبتذل فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا مبتذلا وقد قال عليه الصلاة
____________________
(3/85)
والسلام لعن الله الواصلة والمستوصلة الحديث وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء وذوائبهن وعن محمد أنه يجوز الانتفاع به استدلالا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام حين حلق رأسه قسم شعره بين أصحابه رضي الله تعالى عنهم وكانوا يتبركون به ولو لم يجز الانتفاع به لما فعل لكن فيه ما فيه
تتبع
لا يجوز بيع جلود الميتة قبل الدباغ لأنها غير منتفع بها وليست بمال لنجاستها فيبطل بخلاف الثوب والدهن المتنجس فإنها عارضة ويجوز بيعها بعده أي بعد الدباغ وينتفع به أي بالجلد المدبوغ الدال عليه الجلود فلا يرد ما قيل من أن الظاهر أن يكون الضمير مؤنثا وإنما ينتفع به لكونه طاهرا بعده ويباع عظمها أي الميتة وينتفع به أي بعظمها
وكذا عصبها وقرنها وصوفها وشعرها ووبرها لطهارة هذه المذكورات إذ لا حياة فيها حتى يحل الموت بها القرن من الوبر ولو قدم على الصوف لكان أقرب وكذا لو قدم الشعر على الصوف لكان أنسب
وكذا يباع عظم الفيل عند الشيخين فإن الفيل عندهما بمنزلة السباع حتى يباع عظمه وينتفع به قالوا هذا إذا لم يكن عن العظم وأشباهه دسومة أما إذا كانت فهو نجس خلافا لمحمد فإنه نجس العين عنده كالخنزير حرمة وصورة والمختار قولهما
ولا يجوز بيع علو سقط أي يبطل بيع موضع العلو بعد سقوطه
____________________
(3/86)
سواء سقط بيت السفل أو لا إذ بعد انهدامه لا يبقى له حق التعلي وهو ليس بمال لأن المال ما يمكن إحرازه فالبيع لم يصادف محله فيكون لغوا بخلاف الشرب حيث يجوز بيعه تبعا للأرض باتفاق الروايات ومفردا في رواية وإنما قيدنا ببعد سقوطه لأن البيع قبله يجوز نظرا إلى البناء القائم فيه وإن سقط العلو بعد البيع قبل التسليم يبطل البيع لهلاك المبيع قبل التسليم
ولا يجوز بيع المسيل ولا هبته لأن رقبة المسيل مجهول لأن مقدار ما يشغله الماء من الأرض يختلف بقلة الماء وكثرته حتى لو بين حدوده وموضعه جاز وإن أريد بالمسيل التسييل فإن كان على السطح كان حق التعلي وقد مر بطلانه وإن كان على الأرض كان مجهولا بجهالة محله وصحا أي البيع والهبة في الطريق لأن رقبة الطريق معلوم وإن لم يبين فمقدر بعرض باب الدار فيجوز فيه البيع والهبة ففي بيع حق المرور روايتان وجه البطلان أنه ليس بمال ووجه الصحة الاحتياج إليه وهو حق معلوم متعلق بعين باق وصح بيع حق المرور تبعا للأرض بالإجماع ووحده في رواية
ولا يجوز بيع شخص على أنه أمة فإذا هو عبد وكذا عكسه استحسانا والقياس جوازه وهو قول زفر لأن الاختلاف بالذكورة والأنوثة اختلاف بالوصف لأنهما وصفان في الحيوان واختلاف الوصف يوجب الخيار إلا الفساد كما في البهائم وجه الاستحسان أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان مختلفان لتفاحش التفاوت في المقاصد فإن المقصود من العبد الاستخدام خارج الدار ومن الأمة الاستخدام داخل الدار كالاستفراش والاستخدام وغيرهما فباختلاف المقاصد صارا جنسين مختلفين
ولو باع كبشا فإذا هو نعجة صح ويخير وجه الصحة لأنه لا تفاوت في المقصود فإن المقصود منه اللحم والحمل والركوب ونحو ذلك فالأنثى والذكر يصلحان لذلك فكان جنسا واحدا فتعلق العقد بالمشار إليه
____________________
(3/87)
اعلم أن في مختلفي الجنس يتعلق العقد في المسمى إذا اختلف المسمى والمشار إليه لأن التسمية أبلغ في التعريف من الإشارة لأن الإشارة لتعريف الذات والتسمية لإعلام الماهية وهو أمر زائد على أصل الذات فكان أبلغ في التعريف ويحتاج في مقام التعريف إلى ما هو أبلغ فيه فكانت الإشارة أولى بالاعتبار في متحدي الجنس لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا والوصف يتبعه فأمكن الجمع بينهما بأن يجعل الإشارة للتعريف والتسمية للترغيب فثبت له الخيار عند فوات الوصف المرغوب فيه بخلاف مختلفي الجنس لأن المسمى فيه مثل المشار إليه وليس بتابع فلا يمكن أن يجعل أحدهما تبعا للآخر فيعتبر الأعرف عند تعذر الجمع بينهما وهذا هو الأصل في العقود كلها كالإجارة والنكاح والصلح عن دم العمد والخلع والعتق على مال كما في التبيين
ولا يجوز شراء ما باع البائع أو وكيله من سلعة أو غيرها بأقل مما باع من الثمن قبل نقد كل الثمن الأول أو بعضه وإن بقي من ثمنه درهم كما في السراج صورتها باع جارية مثلا بألف حالة أو نسيئة فقبضها المشتري ثم اشتراها البائع من المشتري قبل نقد الثمن الأول بالأقل فالبيع الثاني فاسد عندنا
وقال الشافعي يجوز وهو القياس لأن الملك فيه قد تم بالقبض فيجوز بيعه بأي قدر كان من الثمن كما إذا باعه من غير البائع أو منه بمثل الثمن الأول أو بأكثر أو ببعض أو بأقل بعد النقد وإنما منعنا جوازه استدلالا بقول عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعدما اشترت بثمانمائة بئس ما شريت واشتريت أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن لم يتب ولأن الثمن لم يدخله في ضمانه فإذا وصل إليه المبيع وقعت المقاصة بقي له فضل بلا عوض بخلاف ما إذا باع بعرض لأن الفضل إنما يظهر عند المجانسة وإنما ترك فاعل الشراء ليشمل شراء من لا تقبل شهادته للبائع كالأصول والفروع ومكاتبه فهو أيضا بمنزلة شراء البائع عند الإمام خلافا لهما في غير العبد والمكاتب وكذا الحكم لو باعه وكالة عن غيره أو اشتراه بطريق الوكالة لغيره إذا كان هو البائع ومحل كلامه شراء الكل أو البعض وخرج شراء وارث البائع ووكيله عند الإمام خلافا لهما وأما شراء البائع ممن اشترى من مشتريه أو الموهوب له أو الموصي فجائز اتفاقا وقيد بما باع لأن المبيع إذا انتقض وتغير بعيب جاز ولا بد من عدم الجواز من اتحاد جنس الثمن فإن اختلف جاز مطلقا والدراهم والدنانير جنس واحد هنا
وكذا شراؤه أي لا يجوز شراء ما باع البائع أو وكيله حال كون ما باع مع غيره بثمنه الأول قبل نقده ويصح في الغير بحصته صورتها باع جارية
____________________
(3/88)
بخمسمائة وقبضها المشتري ثم اشتراها وجارية أخرى معها قبل نقد الثمن بخمسمائة فإن الشراء في التي لم يبعها منه صحيح وفي الأخرى وهي التي باعها منه فاسد لأنه لا بد أن يجعل بعض الثمن بمقابلة التي لم يبعها منه فيكون مشتريا للأخرى بأقل مما باع ضرورة ولا يسري الفساد لضعفه لأنه مجتهد فيه ويقصر على محله فلا يتعداه كما في الجمع بين عبد ومدبر
ولا يجوز شراء زيت أي دهن الزيتون على أن يزنه بظرفه أي بشرط وزنه معه و أن يطرح عنه أي عن الزيت لكل ظرف مقدار معين كخمسين رطلا لأن هذا شرط لا يقتضيه العقد لأن مقتضاه أن يطرح عنه وزن الظرف فإذا طرح مقدار خمسين رطلا مثلا يحتمل أن يكون أكثر من الظرف أو أقل إلا إذا عرف وزنه خمسون رطلا فحينئذ يجوز وإن شرط طرح مثل وزن الظرف يصح لأنه شرط يقتضيه العقد
وإن اختلفا أي البائع والمشتري في الظرف وقدره فقال المشتري الظرف هذا وهو عشرة أرطال وقال البائع غير هذا وهو خمسة أرطال فالقول للمشتري مع يمينه لأنه إن اعتبر اختلافا في تعيين الظرف المقبوض كما هو الظاهر وقدر الزيت فالقول له لأنه قابض والقول للقابض أمينا كان أو ضمينا وإن اعتبر اختلافا في قدر الثمن فكذا لأنه ينكر الزيادة ولا يتحالفان لأن اختلافهما في الثمن ثبت تبعا لاختلافهما في الزق والاختلاف في الزق لا يوجب التحالف لأنه ليس بمعقود به ولا معقود عليه فكذا الاختلاف فيما ثبت تبعا لأن حكم التبع لا يخالف حكم الأصل
ولو أمر مسلم ذميا ببيع خمر أو شرائها صح أي يجوز توكيل المسلم ذميا ببيع الخمر وبشرائهما عند الإمام لأن الوكيل فيما وكل به يتصرف تصرف الأصل لأهليته لا لنيابته وانتقال الملك إلى الآمر حكمي فلا يمتنع بسبب الإسلام كما إذا ورثهما خلافا لهما لأن عندهما لا يجوز إذ الوكيل نائب عن موكله فيما تصرف فيه عائد إليه فمباشرته كمباشرته وذا لا يجوز فيما نحن فيه إذ لا ولاية
____________________
(3/89)
للمسلم في بيعها ولا شرائها والتوكيل مبني على الولاية فيما وكل به غيره وعلى هذا الخلاف الخنزير وقد روي عن الأم يكره أشد ما يكون من الكراهة ثم إن كان خمرا يخللها وإن خنزيرا يسيبه
وكذا أي على هذا الخلاف لو أمر المحرم غيره ببيع صيده الذي اصطاده قبل الإحرام يجوز التوكيل عند الإمام خلافا لهما
ولو شرى كافر عبدا مسلما ومصحفا صح ويجبر على إخراجهما من ملكه أي من ملك الكافر دفعا للذل من جهة
وقال الشافعي لا يجوز إذلالا من جهة مملوكيتها للكافر قيد بالشراء لأن الكافر لو استأجر مسلما للخدمة جاز اتفاقا ولكن يكره
والبيع بشرط يقتضيه العقد صحيح كشرط كون الملك للمشتري وشرط تسليم المشتري الثمن وشرط تسليم البائع المبيع لأن مثل هذا الشرط لا يزيد شيئا بل يؤكد موجب العقد
وكذا يصح بشرط لا يقتضيه العقد ولا نفع فيه لأحد من المتعاقدين والمبيع المستحق للنفع بأن يكون آدميا كشرط أن لا يبيع الدابة المبيعة بأن قال بعت هذه الدابة منك على أن لا تبيعها أو تسيبها في المرعى لأن هذا الشرط لا يؤدي إلى النزاع ولا يحتمل الربا لعدم النفع الزائد فيصح العقد ويبطل الشرط وهو الظاهر من المذهب وعن أبي يوسف أنه يفسد البيع قيل هذا مثال لعدم النفع للعاقدين مع منفعته للمعقود عليها لكن ليست من أهل الاستحقاق وكذا يصح بشرط ملائم للعقد كشرط أن يرهنه المشتري شيئا معينا أو يعطيه كفيلا معينا لأن هذا لا يفسد بل يؤكد وإن كانا غير معينين يفسدان للمنازعة وكذا يصح بشرط يلائم العقد لورود النص على جوازه كالخيار والأجل رخصة وتيسيرا
ولو كان البيع بشرط لا يقتضيه العقد وفي نفع لأحد المتعاقدين أي البائع والمشتري أو
____________________
(3/90)
لمبيع يستحق النفع بأن يكون آدميا فهو أي هذا البيع فاسد لما فيه من زيادة عرية عن العوض فيكون ربا وكل عقد شرط فيه الربا يكون فاسدا
وفي شرح المجمع إنما يفسد البيع بشرط إذا ذكره بكلمة على وأما إذا ذكره بحرف الشرط كما إذا قال بعت إن كنت تعطيني كذا فالبيع باطل كبيع عبد على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو كبيع أمة على أن يستولدها المشتري لأن هذه شروط لا يقتضيها العقد فيه منفعة للمعقود عليه فيفسد به فلو أعتقه أي العبد المشتري بعدما اشتراه بشرط العتق عاد البيع صحيحا استحسانا فتلزم على المشتري الثمن عند الإمام وعندهما لا يعود صحيحا فتلزم على المشتري القيمة وهو القياس لأن العقد فسد بالشرط أعتق أو لم يعتق فلا يعود صحيحا كما إذا تلف بوجه آخر وهو رواية عن الإمام وجه الاستحسان أن الشرط وإن لم يلائم العقد لذاته لكن شرط العتق من حيث الحكم يلائمه لأنه منه للملك والشيء بانتهائه يتقرر ولهذا لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب فإذا تلف بوجه آخر لم تتحقق الملاءمة فيتقرر الفساد وإذا وجد العتق تحققت الملاءمة فيرجح جانب الجواز فيعود صحيحا
وفي الحقائق الخلاف فيما إذا أعتقه المشتري بعد القبض وأما قبله فلا يصح الإعتاق وكشرط أن يستخدمه أي العبد البائع شهرا أو يسكنها أي الدار المبيعة أو لا يسلمه أي المبيع إلى رأس الشهر متعلق بيسكنها ولا يسلمه على طريق التنازع أو يقرضه المشتري درهما أو يهدي له المشتري هدية هذه أمثلة شرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع البائع أو كشرط أن يقطع البائع الثوب ويخيطه قباء أو قميصا أو يحذو النعل يعني لو اشترى جلدا على أن يحذوه البائع نعلا للمشتري يقال حذا لي نعلا أي عملها أو يشركه أي النعل من التشريك وهو وضع الشراك على النعل وهو السير ا
____________________
(3/91)
لذي عن ظهر القدم كذا في المغرب هذه أمثلة شرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع للمشتري فيفسد ولأنه إن كان بعض الثمن بمقابلة العمل المشروط فهو إجارة مشروطة في بيع وإن لم يكن في مقابلته شيء فهو إعارة مشروطة فيه وقد ورد النهي عن صفقة في صفقة ويصح في النعل استحسانا للتعامل لأن التعامل يرجح على القياس لكونه إجماعا عمليا والقياس عدم الجواز وهو قول زفر
ولا يجوز بيع أمة إلا حملها لأن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد والحمل من هذا القبيل وتمامه في الهداية
ولا يجوز البيع إلى النيروز وهو أول يوم من نزول الشمس في برج الحمل وابتداء ربيع والمهرجان وهو أول يوم من نزول الشمس في الميزان وابتداء خريف وصوم النصارى وفطر اليهود إن لم يعلم العاقدان مقدار ذلك المذكور من النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود لأن النيروز والمهرجان لا يتعينان إلا بظن وممارسة بعلم النجوم فربما يقع الخطأ فيكون مجهولا فيؤدي إلى النزاع وكذا صوم النصارى وفطر اليهود يكونان مجهولين لأن النصارى يبتدئون ويصومون خمسين يوما فيفطرون فيوم صومهم مجهول وأما فطرهم بعد ما شرعوا في صومهم فمعلوم فلا جهالة فيه ولا فساد واليهود يصومون من أول شهر إلى تمام عشرين من شهر آخر ثم يفطرون فيوم صومهم وفطرهم مجهول لاختلافهما باختلاف عدة شهر هذا إذا لم يعرف العاقدان هذه الآجال وكذا إذا لم يعرف أحدهما أما إذا كان ذلك معلوما عندهما فيجوز البيع لعدم النزاع
ولا يجوز البيع إلى الحصاد بفتح الحاء المهملة وكسرها وقت قطع الزرع والدياس بكسر الدال المهملة وقت وطء الدواب الحنطة وغيرها والقطاف بكسر القاف والفتح لغة فيه وقت قطع العنب من الكرم والجزاز بكسر الجيم وفتحها وقت جز الصوف من ظهر الغنم وقيل جزاز النخل
وفي الهداية بالزاي وذكرها الزيلعي أنه بالذال المعجمة عام في قطع الثمار وبالمهملة خاص في النخل وقدوم الحاج أي وقت مجيء الحاج وإنما لم يجز
____________________
(3/92)
البيع إلى هذه المذكورات لعدم تيقن أوقاتها لأنها تتقدم وتتأخر وتصح الكفالة إلى هذه الأوقات لكون الجهالة يسيرة لأن الكفالة تتحمل الجهالة اليسيرة في أصل الدين إذ تجوز الكفالة بمال غير معين ففي الوصف أولى
وفي التسهيل وفي النذر تتحمل الجهالة ولو فاحشة بخلاف البيع فإنه لا يتحملها في أصل الثمن فكذا في وصفه قيد بهذه الأوقات لأنه لو كفل إلى هبوب الريح فهي باطلة لأنها متفاحشة فإن أسقط ممن له الأجل الأجل المفسد للبيع قبل حلوله أي قبل مجيء الأجل المفسد وقبل التفرق صح البيع لزوال المفسد وهو النزاع قبل دخول وقته مع أن الجهالة ليست في صلب العقد بل في شرط زائد فيمكن إسقاطه خلافا لزفر والشافعي إذ العقد عندهما بعد فساده لا ينقلب صحيحا أصلا وقيدنا بقولنا قبل التفرق لأنه لو تفرقا قبل الإبطال تأكد الفساد ولا ينقلب صحيحا اتفاقا كما في شرح المجمع
وكذا لو باع مطلقا عن هذه الآجال ثم أجل إلى هذه الأوقات فإنه يصح لأن هذا تأجيل الدين لا الثمن فالدين هنا في التحمل بمنزلة الكفالة
وفي القنية باع بألف نصفه نقدا ونصفه إلى رجوعه من زمستان وهو فاسد والفتوى على انصرافه إلى شهر كما في البحر
ومن باع نصيبه من دار يجوز البيع إن علمه أي النصيب منها المتعاقدان علم مقدار نصيبه شرط عند الإمام لأن الجهالة تفضي إلى المنازعة فلا يجوز خلافا لأبي يوسف فإن عنده يجوز مطلقا سواء علما أو لا لأنهما رضيا بالجهالة فلا تفضي المنازعة ويكفي علم المشتري عند محمد لأن جهالة المبيع تضره لا البائع فيشترط علمه وكذا شراء الدار بفنائها فاسد عند الإمام رحمه الله تعالى لجهالة المقدار خلافا لأبي يوسف خطأ 1 59
____________________
(3/93)
فصل لما ذكر البيع الفاسد والباطل ذكر حكمهما عقيبهما لأن حكم الشيء أثره وأثر الشيء يتبعه وجودا وكذا يتبعه ذكرا للمناسبة قبض المشتري المبيع بيعا باطلا بإذن بائعه لا يملكه لانعدام الركن وهو مبادلة المال بالمال والمبيع الباطل لا يعد مالا
وفي الفرائد إن قوله قبض لو قرئ على لفظ الفعل المبني للفاعل يلزم أن يكون حرف الشرط محذوفا تقديره ولو قبض ويكون قوله لا يملكه جوابه والأحسن أن يقرأ مصدرا مرفوعا على الابتداء مضافا إلى المشتري ويكون قوله لا يملكه على صيغة المبني للفاعل من التفعيل خبره والضمير البارز راجعا إلى المشتري وفاعله المستكن فيه راجعا إلى القبض انتهى لكن لا يخلو عن التعسف فيه والأولى قوله يملكه جواب الشرط المحذوف بقرينة التقابل وهو قوله ولا قبض المبيع بيعا باطلا إلى آخره تدبر وهو أي المبيع أمانة في يده عند البعض فلا يضمن لو هلك في يد المشتري لأن العقد غير معتبر فبقي القبض بإذن المالك فيكون أمانة في يده ومضمون عند البعض الآخر لأنه لا يكون أدنى من المقبوض على سوم الشراء وقيل الأول أي كونه أمانة قول الإمام والثاني أي كونه مضمونا قولهما أخذا أي أخذ صاحب القيل كون الأول قوله والثاني قولهما من الاختلاف في ما لو بيع مدبر أو أم ولد فمات في يد مشتريه حيث لا يضمن عنده خلافا لهما ففهم صاحب القيل أن كل مبيع بيعا باطلا فهو على هذا الخلاف فقال الأول قوله والثاني قولهما
ولو قبض المبيع بيعا فاسدا بإذن بائعه صريحا كقبض المشتري المبيع
____________________
(3/94)
بأمره في المجلس أو بعده على الرواية المشهورة أو دلالة كقبضه في مجلس عقده ولم ينهه البائع عنه قبل الافتراق وكل أي والحال أن كل واحد من المبيع والثمن عوضيه أي البيع مال خرج بهذا القيد البيع الباطل ولا شك أن البيع الباطل خرج أولا في البيع الفاسد فلا حاجة إلى إخراجه ثانيا
وقال صاحب البحر اللهم إلا أن يقال إن بعض البيوع الباطلة أطلقوا عليها اسم الفاسد فربما يتوهم أن المبيع فيها يملك بالقبض فصرح بما يخرجها انتهى لكن هذا يكون جوابا لما وقع في الكنز ولا يكون جوابا لما في هذا المتن لأن المصنف بين أولا حكم البيع الباطل ثم شرع في بيان حكم الفاسد فلا يقال هنا إن المراد بالفاسد ما هو الباطل أو أعم بل هو مستدرك تدبر ملكه أي المقبوض بالبيع الفاسد
وقال الشافعي البيع الفاسد لا يفيد الملك بالقبض قيد به لأنه بدون القبض لا يفيد الملك اتفاقا لأن السبب ضعيف لا يفيد الملك إذا لم يتقو بالقبض كالهبة وقيد بإذن البائع لأن القبض لو لم يكن بإذنه لا يفيد الملك اتفاقا وإنما ذكر الإذن دون الرضى لأنه لا يشترط في بعض أفراده كبيع المكره كما لا يخفى وللشافعي أنه بيع محظور فلا يكون سببا للملك الذي هو نعمة ولنا أن البيع الفاسد مشروع بأصله لأنه مبادلة مال بمال فيفيد الملك بهذا الاعتبار ولزمه أي المشتري بواو الاعتراض لا العطف على ملكه كما في القهستاني لهلاكه أي وقت هلاك المبيع في يد المشتري مثله أي المبيع حقيقة أي صورة ومعنى في ذوات الأمثال كالكيلي والوزني أو مثله معنى كالقيمة في القيمي كالحيوان والعرض وفيه إشارة إلى أن المبيع لو كان موجودا رد بعينه وإلى أن العبرة للقيمة يوم القبض وإلى أنه ملكه بقيمته ولو ازدادت قيمته في يده فأتلفه لم يتغير كالغضب
وعند محمد يوم الاستهلاك لأنه بالإتلاف يتقرر عليه قيمته فتعتبر قيمته إلا إذا زادت من حيث العين لا السعر فإنه يوافق الشيخين فالقول في القيمة للمشتري مع يمينه لكونه منكر
____________________
(3/95)
الضمان والبينة للبائع ولكل منهما فسخه قبل القبض أي لكل واحد من المتعاقدين حق الفسخ قبل قبض المشتري ما دام المبيع في ملكه بلا علم الصاحب على ما قال أبو يوسف وإنما عندهما علمه كما في الفصولين لكن في الكافي أنه شرط والأولى في مكان اللام كلمة على فإن إعدام الفساد واجب حقا للشرع كما في القهستاني فعلى هذا قال الزيلعي أن اللام بمعنى على انتهى لكن لا حاجة إليه لأنه حكم آخر وإنما مراده بيان أن لكل منهما ولاية الفسخ دفعا لتوهم أنه ملك بالقبض تأمل
وبعده أي بعد القبض ما دام المبيع في ملك المشتري إذا كان الفساد في صلب العقد كبيع درهم بدرهمين أي ينفرد أحدهما بالفسخ أيضا لقوة الفساد
وإن كان الفساد لشرط زائد كشرط أن يهدي له هدية مثلا فكذا ينفرد بالفسخ قبل القبض وعلى ما حققناه اندفع ما قيل من أن كلامه فيما بعد القبض لأن حكم ما قبل القبض مر آنفا فلا وجه لقوله فكذا قبل القبض تدبر
وأما بعده فالفسخ لمن له الشرط بحضرة صاحبه ولا يشترط فيه قضاء القاضي لا لمن عليه الشرط وهذا عند محمد لأن العقد قوي والفساد ضعيف فمن له منفعة الشرط يقدر أن يسقط شرط الهدية فيبقى العقد صحيحا لرفعه المفسد فإذا فسخ من عليه المنفعة فقد بطل حق الغير وعند الشيخين لكل واحد من العاقدين الفسخ حقا للشرع لا حقا لهما ولا حقا لأحدهما حيث رضيا بالعقد كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا أن يذكر المصنف هذه المسألة في صورة الاتفاق لا يخلو عن ركاكة بل يلزم التفصيل تأمل
ولا يأخذه أي المبيع البائع بعد الفسخ حتى يرد ثمنه أي ثمن المبيع إلى المشتري لأن المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن
فإن مات البائع بعد فسخ البيع فالمشتري أحق به أي بحبس ما اشتراه حتى يأخذ ثمنه فليس للورثة ولا للغرماء حبس الثمن حتى يأخذ المبيع ذكر
____________________
(3/96)
الثمن مقام القيمة لانعدام الفساد بالفسخ ولا يدخل المبيع في قسمة غرماء البائع لأن المشتري مقدم حال حياته وكذا يقدم بعد وفاته على التجهيز والغرماء فيأخذ المشتري دراهم الثمن بعينها لو قائمة ويأخذ مثلها لو هالكة ولو مات المشتري فالبائع أحق من سائر الغرماء وطاب للبائع ربح ثمنه من دراهم المبيع أو دنانيره بعد التقابض أي اشتراك البائع والمشتري في قبض المبيع والثمن لتملكه ولم يطب قبله لعدم تملكه لا أي لا يطيب للمشتري ربح مبيعه فيتصدق المشتري به أي بالربح وجوبا والفرق أن المبيع مما يتعين فيتعلق العقد به فيتمكن الخبث فيه والنقد لا يتعين في العقود فلم يتعلق العقد الثاني بعينه فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق وهذا في الخبث الذي سببه فساد الملك أما الخبث بعدم الملك كالغصب عند الطرفين يشمل النوعين لتعلق العقد فيما يتعين حقيقة وفيما لا يتعين شبهة من حيث إنه تتعلق به سلامة المبيع أو تقدير الثمن وعند فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة والشبهة تنزل إلى شبهة الشبهة والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها
وقال أبو يوسف يطيب له الربح مطلقا لأن عنده شرط الطيب الضمان وقد وجد وعند زفر والشافعي لا يطيب في الكل كما في الهداية وغيرها
وقال صدر الشريعة فإن قيل ذكر في الهداية في المسألة السابقة ثم إذا كانت دراهم الثمن قائمة يأخذها المشتري بعينها لأنها تتعين بالتعيين في البيع الفاسد وهو الأصح لأنه بمنزلة الغصب فهذا يناقض ما قلتم من عدم تعين الدراهم قلنا يمكن التوفيق بينهما بأن لهذا العقد شبهتين شبهة الغصب وشبهة البيع فإذا كانت قائمة اعتبر شبهة الغصب سعيا في رفع العقد الفاسد وإذا لم تكن قائمة فاشترى بها شيئا تعتبر شبهة البيع حتى لا يسري الفساد إلى بدله كما ذكرنا من شبهة الشبهة انتهى
وفي الدرر أن ما ذكره صدر الشريعة لا يفيد التوفيق بين كلامي الهداية وإنما يفيد دليلا للمسألة لا يرد عليه ما يرد على الهداية فالوجه ما قال في العناية أنه إنما يستقيم على الرواية الصحيحة وهي إنما لا تتعين لا على الأصح وهي ما مر أنها تتعين في البيع الفاسد انتهى لكن يمكن الدفع بوجه آخر بأن المراد في العقود العقود الصحيحة لأن المطلق ينصرف إلى الكامل فحينئذ عدم التعين سواء كان في المغصوب أو ثمن المبيع بالبيع الفاسد إنما هو في العقد الثاني فلا يضر تعينه في
____________________
(3/97)
الأول فعلى هذا ينبغي أن يكون جواب صاحب العناية بلا حصر تدبر
وفي الفرائد كلام صدر الشريعة يفيد دفع التناقض لأن حاصل التناقض أن صاحب الهداية قال فيما سبق الثمن في البيع الفاسد يتعين بالتعيين
وفي هذه المسألة لا يتعين وحاصل الدفع أن التعين بالتعيين في حالة قيام الثمن وعدم التعين في حالة عدمه ولا يتحقق التناقض إلا إذا اتحد الجهتان انتهى هذا وجه لكنه خلاف ما صرحوا به لأنهم قالوا ثم إن كانت دراهم الثمن قائمة يأخذها بعينها لأنها تتعين بالتعيين على رواية أبي سليمان وهو الأصح
وفي رواية أبي حفص لا تتعين كما في العناية وغيرها فبهذا علم أن هذا التوجيه ليس بدافع تدبر
كما طاب ربح مال ادعاه فقضى أي قضى المدعى عليه ذلك المال ثم تصادقا أي المدعي والمدعى عليه على عدمه أي عدم وجوب المال المدعى فرد المال بعدما ربح فيه المدعي لأن المال المؤدى يكون بدل الدين الذي هو حق المدعي بإقرار المدعى عليه إذ المرء يؤاخذ بإقراره حكما فيصير المدعي بائعا دينه بما أخذ فإذا تصادقا على عدم الدين صار المدعي كأنه استحق الدين فيلزم أن يكون الدين ملكا بالبيع الفاسد لأن المبيع هنا فاسد في حق البدل وهو غير قائمة فلا يؤثر الخبث فيما لا يتعين بالتعيين
فإن باع المشتري ما اشتراه شراء فاسدا صح بيعه لأنه بيع ما دخل في ملكه
____________________
(3/98)
بالقبض فينفذ فيه تصرفه
قيد صاحب التنوير بيعا باتا صحيحا ولغير بائعه لأنه لو باعه فاسدا لا يمنع النقض كالبيع الذي فيه الخيار لأنه ليس بلازم ولأنه لو باعه من بائعه كان نقضا للبيع هذا في العقد الذي فساده ليس بالإكراه لأنه لو كان فاسدا بالإكراه فإن تصرفات المشتري كلها تنتقض وقيد المصنف بالشراء الفاسد احترازا عن الإجارة الفاسدة لما في جامع الفصولين قيل ليس للمستأجر فاسدا أن يؤجره من غيره إجارة صحيحة وقيل يملكها بعد قبضه كمشتر فاسدا له البيع جائزا وهو الصحيح لأن للمؤجر الأول نقض الثانية لأنها تفسخ بالأعذار
وكذا لو أعتقه أي أعتق المشتري شراء فاسدا العبد بعد قبضه صح وكان الولاء له وكذا توابع الإعتاق من التدبير والاستيلاء والكتابة إلا أنه يعود حق الاسترداد بعجز المكاتب أو وهبه وسلمه أي إذا وهبه المشتري وسلمه ارتفع الفساد وصح وسقط بكل من البيع والإعتاق والهبة وبالتسليم حق الفسخ الذي كان للبائع لأن المشتري ملك المبيع بالقبض فنفذ فيه تصرفاته المذكورة وينقطع به حق البائع في الاسترداد لأنه تعلق به حق العبد والفسخ لحق الشرع وما اجتمع حق الله تعالى وحق العبد إلا وقد غلب حق العبد لحاجته وغناء الله تعالى وعليه أي على المشتري قيمته لما مر أنه مضمون بالقبض والرهن كالبيع لأنه لازم فيثبت عجزه عن رد العين فتلزمه القيمة إلا أنه يعود حق الاسترداد بفكه وكذا لو أوصى بالبيع المشتري ثم مات سقط الفسخ فتلزمه القيمة
ولو بنى المشتري في دار اشتراها فاسدا أو غرس فيها فعليه قيمتها أي قيمة الدار والأرض وينقطع حق الاسترداد عند الإمام رواه يعقوب عنه في الجامع الصغير ثم شك بعد ذلك في رواية وقال ينقض المشتري البناء والغرس ويرد الدار والغرس على هذا الاختلاف لهما إن حق الشفيع أضعف من حق البائع حتى يحتاج فيه إلى القضاء ويبطل بالتأخير حق البائع ثم أضعف الحقين لا يبطل بالبناء فأقواهما أولى وله أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام وقد حصل بتسليط من جهة البائع فينقطع حق الاسترداد كالبيع بخلاف حق الشفيع لأنه لم يوجد منه التسليط ولهذا لا يبطل بهبة المشتري وبيعه فكذا ببنائه
وشك أبو يوسف في روايته لمحمد عن الإمام لزوم قيمتها أي قيمة الدار ولم يشك محمد في روايته عن الإمام لزوم قيمتها وهذه المسألة من المسائل التي أنكر أبو يوسف روايتها عن الإمام وقد نص محمد على الاختلاف في كتاب الشفعة فإن حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء وثبوته على الاختلاف
وفي الفصولين ولو وقفه أو جعله مسجدا لا يبطل حقه ما لم يبن
وفي البحر ينبغي أن يحمل على ما قبل القضاء به
وأما إذا قضي به فإنه يرتفع الفساد للزومه والظاهر أن ما في الفصولين تبعا للعمادي ليس بصحيح فقد قال الخصاف لو اشترى أرضا بيعا فاسدا وقبضها ووقفها وقفا صحيحا وجعل آخرها للمساكين فقال الوقف فيها جائز وعليه قيمتها للبائع انتهى
لكن قال قاضي خان لو باع أرضا بيعا فاسدا فجعله المشتري مسجدا لا يبطل حق الفسخ ما لم يبن في ظاهر الرواية فإن بناه بطل في قول الإمام وغرس الأشجار بمنزلة البناء
____________________
(3/99)
وكذا لو وقفها لا يبطل حق الفسخ ما لم يبن انتهى فعلى هذا إن ما في الفصولين على الرواية الظاهرة وما قال الخصاف على غيرها وما قاله صاحب البحر من أنه ليس بصحيح غير صحيح تدبر
قيل لما كان المكروه أدنى درجة من الفاسد ولكنه شعبة من شعبه ألحق بالفاسد وأخره عنه فقال
وكره النجش بفتحتين وبسكون الجيم أيضا إن زيد الثمن بأكثر من ثمن المثل ولا يرد الشراء لترغيب غيره ويجري في النكاح وغيره لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا تناجشوا أي لا تفعلوا ذلك وإنما قيدنا بأكثر من ثمن المثل لأن المشتري إذا طلب بأقل من ثمن المثل فلا بأس أن يزيد الآخر في الثمن إلى أن يبلغ ثمن المثل وإن لم يرد الشراء
و كره السوم أي الاستشراء بثمن كثير على سوم غيره أي استشراء غيره بثمن قليل إذا رضيا ظرف السوم بثمن معلوم ولم يبق بينهما إلى العقد لقوله عليه الصلاة والسلام لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه وهو نفي في معنى النهي فيفيد المشروعية قيد بقوله إذا رضيا لأنهما إذا لم يتراضيا فلا يكره لأنه بيع من يزيد
و كره تلقي الجلب أي استقبال من في المصر جلبا بفتحتين أو السكون أي مجلوبا من طعام أو حيوان أو غيره المضر صفة التلقي بأهل البلد للنهي عنه وأما إذا لم يضر بأهل البلد بأن لم يكونوا محتاجين إليه فلا بأس به إلا إذا لبس سعر البلد على الواردين فاشترى منهم بأرخص منه فإنه يكره
و كره بيع الحاضر للبادي طمعا في غلاء الثمن زمن القحط أي يكره بيع البلدي من
____________________
(3/100)
البدوي في زمان القحط علفه وطعامه طمعا في ثمن متجاوز الحد لقوله عليه الصلاة والسلام لا يبيع الحاضر للبادي وللضرر بأهل البلد وأيضا يكره بيع البلدي لأجل البدوي في البلد كالسمسار فيغالي السعر على الناس ولو تركه وباعه بنفسه للزم الرخصة في السعر ولم يقع أهل البلد في السعر
اللام في للبادي إما بمعنى التمليك أو بمعنى الأجل فلهذا صور بوجهين
قيد نقله في زمن القحط لأنه في الرخص غير مكروه
والبيع عند أذان الجمعة لقوله تعالى وذروا البيع ولأن فيه إخلالا بواجب السعي إذا قعدا للبيع أو وقفا له وأطلقه فشمل ما إذا تبايعا وهما يمشيان إليها وما في النهاية من عدم الكراهة مشكل لإطلاق الآية
ثم المعتبر هو النداء الأول إذا وقع بعد الزوال على المختار لا يكره بيع من زيد هذا تصريح لما علم ضمنا لأنه يفهم من قوله وكره السوم على سوم غيره إذا رضيا بثمن فإذا لم يتراضيا فلا كما مر آنفا وصح البيع في الجميع أي في جميع ما ذكر من قوله وكره النجش إلى هنا لأن الكراهة لا تمنع الانعقاد
ومن ملك مملوكين صغيرين أو كبيرا أحدهما وصغيرا آخر للذين أحدهما مبتدأ خبره ذو رحم محرم من الآخر والجملة صفة لمملوكين كره له أن يفرق بينهما قبل البلوغ بالبيع والهبة ونحوها والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ووهب النبي عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله تعالى عنه غلامين أخوين صغيرين ثم قال له ما فعلت بالغلامين فقال بعت أحدهما فقال أدرك أدرك ويروى اردد اردد ولأن الصغير يستأنس
____________________
(3/101)
بالصغير وبالكبير الكبير يتعاهده فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس والمنع من التعاهد وفيه ترك الرحمة على الصغار وقد أوعد عليه ثم المنع معلوم بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب ولا قريب غير محرم ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما لأن النص ورد بخلاف القياس فيقتصر على مورده ولا بد من اجتماعهما في ملكه حتى لو كان أحد الصغيرين له والآخر لغيره لا بأس ببيع واحد منهما بدون حق مستحق أي لو كان التفريق بحق مستحق عليه لا بأس به كدفع أحدهما بالجناية وبيعه بالدين ورده بالعيب لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به كما في الهداية ويصح البيع هنا أيضا لأن النهي لمعنى في غيره وهو ما فيه من إيحاش الصغير فلا يوجب الفساد لكن يأثم البائع لارتكابه المنهي خلافا لأبي يوسف في قرابة الولاد حيث قال يفسد البيع فيها ويجوز في غيرها في رواية عنه
و يفسد في الجميع في رواية أخرى وبه قال زفر والأئمة الثلاثة لأن الأمر بالإدراك والرد لا يكون إلا في البيع الفاسد ولهما أن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محله فينفذ والنهي لمعنى مجاور له غير متصل به فلا يوجب الفساد فإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق لأن النص ورد على خلاف القياس في القرابة المحرمة للنكاح في الصغير فلا يلحق به غيره
وفي الجوهرة وكما يكره من التفريق بالبيع يكره في القيمة في الميراث والغنائم هذا كله إذا كان المالك مسلما وأما إذا كان كافرا فلا يكره
باب الإقالة الخلاص عن خبث البيع الفاسد والمكروه لما كان بالفسخ كان للإقالة تعلق خاص بهما فأعقب ذكرها إياهما وهي لغة الرفع مطلقا من القليل لا من القول والهمزة للسلب كما ذهب إليه البعض بدليل قلت البيع بكسر القاف وهي جائزة لقوله عليه الصلاة والسلام من
____________________
(3/102)
أقال نادما بيعته أقاله الله تعالى عثراته يوم القيامة ولأن العقد حقهما وكل ما هو حقهما يملكان رفعه بحاجتهما كما في العناية وشرعا رفع عقد البيع غير السلم فإنه ليس بفسخ تصح الإقالة بلفظين أحدهما مستقبل هذا بيان ركنهما وهو الإيجاب والقبول الدالان عليها وشرط أن يكونا بلفظين ماضيين أو أحدهما بمستقبل والآخر بماض كأقلني فقد أقلتك عند الشيخين كالنكاح خلافا لمحمد فإن عنده يشترط أن يعبر بهما عن المضي كالبيع
وفي الخانية ذكر قول محمد قول الإمام حيث قال ولا تصح الإقالة بلفظ الأمر في قولهما لكن في الجوهرة وغيرها قد جعلوا قول الإمام مع أبي يوسف فلهذا عول عليه المصنف في المتن وتتوقف الإقالة على القبول في المجلس فكما يصح قبولها في مجلسها نصا بالقول يصح قبولها دلالة بالفعل كما في أكثر الكتب فعلى هذا لو قال ولو فعلا كما في التنوير لكان أولى تدبر كالبيع لو قبل الآخر بعد زوال المجلس أو بعدما صدر عنه فيه ما يدل على الإعراض كما سبق في البيع لا تتم الإقالة وهي أي الإقالة بيع جديد في حق غير العاقدين إجماعا فيجب بالإقالة الاستبراء في الجارية لو كان المبيع جارية وتقايلا فإنه حق الله تعالى لأنها بيع جديد في حق غيرهما وهو الله تعالى وتجب الشفعة في العقار لكونها بيعا جديدا في غيرهما وهو الشفيع ويجب التقابض لو كان البيع السابق صرفا ولا تسقط الزكاة إذا اشترى بعروض التجارة عبدا للخدمة بعد الحول ثم رد بالبيع بغير قضاء فاسترد العروض فهلكت في يده فإنه بيع في حق الفقير كما في القهستاني
وزاد صاحب المنح إذا باع المشتري المبيع من آخر ثم تقايلا ثم اطلع على عيب كان في يد البائع فأراد أن يرده على البائع ليس له ذلك لأنه بيع في حقه كأنه اشتراه من المشتري منه
____________________
(3/103)
وكذا إذا كان موهوبا فباعه الموهوب له ثم تقايلا ليس للواهب أن يرجع في هبته لأن الموهوب له في حق الواهب كالمشتري من المشترى منه
وإذا اشترى شيئا فقبضه ولم ينقد الثمن حتى باعه من آخر ثم تقايلا وعاد إلى المشتري فاشتراه منه قبل نقد ثمنه بأقل من الثمن جاز وكان في حق البائع كالمملوك بشراء جديد من المشتري الثاني
وفي حقهما أي حق العاقدين بعد القبض فسخ للعقد إن أمكن عند الإمام لأنها تنبئ عن الفسخ والرفع والأصل في الكلام أن يحمل على حقيقته فلا يحمل على البيع لأنه ضدها إذ هي عبارة عن الرفع والإزالة والبيع عن الثبات فتعين البطلان في الحمل على البيع وأما كونها بيعا في حق غيرهما فمعنوي إذ يثبت به حكم البيع وهو الملك فيلزمه الثمن الأول جنسا ووصفا وقدرا ويبطل ما شرطه من الزيادة والنقصان والتأجيل ولا يبطل بالشروط الفاسدة بخلاف البيع ويصح أن يبيع منه قبل استرداد المبيع ولو كانت بيعا لبطل ويصح استرداد المبيع بلا إعادة الكيل والوزن وجاز هبة المبيع منه بعد الإقالة قبل القبض
فإذا تعذر جعلها فسخا بأن زادت المبيعة بعد القبض زيادة منفصلة أو هلك المبيع في غير المقايضة بطلت الإقالة عنده لتعذر الفسخ هذا إذا تقايلا بعد القبض وإن كانت قبل القبض فهي فسخ في حق الكل في غير العقار وعند أبي يوسف والشافعي في القديم ومالك وهي بيع في حق المتعاقدين فلو زادت المبيعة بعد القبض زيادة منفصلة تجوز الإقالة عنده لأنها تمليك من الجانبين لعوض مالي وهو البيع والعبرة للمعاني دون الألفاظ المجردة
فإن تعذر جعلها بيعا بأن كانت قبل القبض في المنقول أو كانت بعد هلاك أحد العوضين في المقايضة ففسخ لأنها موضوعة له أو يحتمله
فإن تعذر جعلها فسخا وبيعا بأن كانت قبل القبض في المنقول بأكثر من الثمن الأول أو بأقل منه أو بجنس آخر أو بعد هلاك السلعة في غير المقايضة بطلت الإقالة عنده ويبقى البيع الأول على حاله لأن بيع المنقول قبل القبض لا يجوز والفسخ يكون بالثمن الأول وقد سميا خلافه وعند محمد والشافعي في الجديد وزفر فسخ إن كانت بالثمن الأول أو بأقل لأن اللفظ موضوع للفسخ والرفع يقال اللهم أقلني عثراتي فيعمل بمقتضاه
فإن تعذر جعلها فسخا بأن تقايلا بعد القبض بالثمن الأول بعد الزيادة المنفصلة أو تقايلا بعد القبض بخلاف جنس الأول فبيع حملا على محتمله ولهذا صار بيعا في حق غيرهما لعدم ولايتهما عليه
فإن تعذر جعلها بيعا وفسخا بأن تقايلا في المنقول قبل القبض
____________________
(3/104)
على خلاف جنس الأول بطلت الإقالة ويبقى البيع الأول على حاله لأن الفسخ لا يكون على خلاف الثمن الأول والبيع لا يجوز قبل القبض وبالأقل من الثمن يكون فسخا عنده بالثمن الأول لأنه سكوت عن بعض الثمن وهو لو سكت عن الكل كان فسخا فكذا إذا سكت عن البعض
وفي النهاية الخلاف فيما ذكر الفسخ بلفظ الإقالة ولو ذكره بلفظ المفاسخة أو المتاركة أو الرد لا يجعل بيعا اتفاقا إعمالا بمقتضى موضوعه اللغوي
و الإقالة قبل القبض فسخ في النقلي وغيره أي في المنقول والعقار عند الطرفين وعند أبي يوسف في العقار بيع جديد إذ لا مانع في جعلها بيعا فيه وهي تمليك من الجانبين كما مر ثم ذكر بعض الفروع بقوله
فلو شرط فيها أي الإقالة أكثر من الثمن الأول أو خلاف الجنس بطل الشرط ولزم الثمن الأول عند الإمام لأن الإقالة فسخ وهو لا يكون إلا على الثمن الأول فيصير ذلك الشرط فاسدا ولغوا دون الإقالة لما مر أن الإقالة لا تفسد بالشرط الفاسد بخلاف البيع
وقال صاحب المنح وتصح الإقالة بمثل الثمن الأول وتصح بالسكوت عن الثمن الأول ويجب الثمن الأول بلا خلاف إلا إذا باع المتولي أو الوصي للوقف أو للصغير شيئا بأكثر من قيمته أو اشتريا شيئا للوقف أو للصغير حيث لا تجوز إقالته وإن كانت بمثل الثمن الأول رعاية لجانب الوقف وحق الصغير وعندهما يصح الشرط لو كانت الإقالة بعد القبض وتجعل الإقالة بيعا جديدا لأن الأصل هو البيع عند أبي يوسف وعند محمد إن تعذر الفسخ فجعلها بيعا ممكن فإذا زاد أو شرط خلاف الجنس كان قاصدا البيع
وإن شرط أقل من الثمن الأول من غيره تعيب عند المشتري لزم الثمن الأول أيضا عند الطرفين وعند أبي يوسف تجعل بيعا ويصح الشرط لأن البيع هو الأصل عنده
وإن تعيب المبيع عند المشتري وشرط أقل من الثمن الأول بناء على العيب صح الشرط اتفاقا فيجوز الإقالة بأقل من الثمن الأول فيجعل الحط بإزاء ما فات بالعيب
ولا تصح الإقالة بعد ولادة المبيعة عند الإمام لما مر أن المبيعة إذا زادت زيادة منفصلة تكون الإقالة باطلة عنده
____________________
(3/105)
أما المنفصلة قبل القبض والمتصلة بعد القبض فلا تمنع الإقالة عنده خلافها لهما لأن البيع هو الأصل عند أبي يوسف وعند محمد الأصل إذا تعذر جعلها فسخا تجعل بيعا ولا يمنعها أي الإقالة هلاك الثمن بل يمنعها هلاك المبيع لأنها رفع البيع والأصل فيه المبيع ولهذا إذا هلك المبيع قبل القبض يبطل البيع بخلاف هلاك الثمن وهلاك بعضه أي بعض المبيع يمنع الإقالة بقدره اعتبارا للبعض بالكل وفي التنوير وإذا هلك أحد البدلين في المفاوضة صحت الإقالة في الباقي منهما وعلى المشتري قيمة الهالك إن قيميا ومثله إن مثليا
تقايلا فأبق العبد من يد المشتري وعجز عن تسليمه تبطل
وإن اشترى عبدا فقطعت يده وأخذ أرشها ثم تقايلا صحت الإقالة ولزمه جميع الثمن ولا شيء للبائع من أرش اليد إذا علم وقت الإقالة وإن لم يعلم يخير بين الأخذ بجميع الثمن وبين الترك
وتصح إقالة الإقالة فلو تقايلا المبيع ثم تقايلاها أي الإقالة ارتفعت وعاد عقد الإقالة لا إقالة السلم فإنه لا يصح
باب المرابحة والتولية لما فرغ مما يتعلق بالأصل وهو البيع من البيوع اللازمة وغير اللازمة وما يرفعها شرع في بيان الأنواع التي تتعلق بالثمن من المرابحة والتولية وغيرهما المرابحة بيع ما شراه
وفي الدرر بيع ما ملكه لم يقل بيع المشتري ليتناول ما إذا ضاع المغصوب عند الغاصب وضمن قيمته ثم وجده حيث جاز له أن يبيعه مرابحة وتولية على ما ضمن وإن لم يكن فيه شراء بما شراه به أي بمثل ما قام عليه كما في الدرر ثم قال ولم يقل بثمنه الأول لأن ما يأخذه من المشتري ليس بثمنه الأول بل مثله فهذا علم أن في عبارة المصنف تسامحا وزيادة على ما قام عليه وإن لم يكن من جنسه وسبب جواز البيع مرابحة تعامل الناس بلا نكير واحتياج الغبي إلى الذكي مع أن الغرض من المبيعات الاسترباح
والتولية مصدر ولى غيره إذا جعله واليا
وفي
____________________
(3/106)
الشرع بيعه أي بيع ما ملكه به أي بمثل ما قام عليه وفي عبارة المصنف تسامح أيضا لأن ما شراه وهو الثمن الأول صار ملكا للبائع فلا يمكن البيع به وفيه أيضا اشتباه لما سيجيء من أن أجرة الصبغ وغيره تضم إلى الثمن الأول فلا يكون الثاني مثلا له في المقدار فيكون المراد بمثل الثمن الأول بما قام عليه كما في شرح المجمع فعلى هذا لو قال المصنف كما قال صاحب الدرر لكان أولى فلا يحتاج إلى هذا التكليف تدبر
بلا زيادة ولا نقص والمراد بقوله بيعه بيع العرض لأن المرابحة والتولية لا تجوزان في بيع الصرف وعلة جواز البيع تولية ما روي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه اشترى بعيرين فقال له النبي عليه الصلاة والسلام ولني أحدهما أي بعه بالتولية
والوضيعة بيعه بأنقص منه أي مما قام عليه مبناها على الأمانة لأن المشتري يأتمن البائع في خبره معتمدا على قوله فيجب على البائع التنزه عن الخيانة والتجنب عن الكذب لئلا يقع المشتري في غرور ولا يصح ذلك أي كل من التولية والمرابحة والوضيعة ما لم يكن الثمن الأول مثليا كالدرهم والدينار والكيلي والوزني لأنه لو لم يكن مثليا كأشياء متفاوتة كالحيوانات والجواهر يكون مرابحة بالقيمة وهو مجهولة لأن معرفتها لا يمكن حقيقة فلا يجوز بيعه مرابحة وتولية إلا إذا كان المشتري يرابحه ممن يملك ذلك بالبدل من البائع بسبب من الأسباب ومن ثمة قال أو كان في ملك من يريد الشراء و يكون الربح معلوما لانتفاء الجهالة وعبارة المجمع لا يصح ذلك حتى يكون العوض مثليا أو مملوكا للمشتري والربح مثلي معلوم انتهى
وفي البحر وتقييد الربح بالمثلي اتفاقي لجواز أن يرابح على عين قيمته مشار إليها ولذا قال في الفتح أو بربح هذا الثوب وقيد بكونه معلوما للاحتراز عما إذا باعه ده يازده أي بربح مقدار عشرة دراهم على أحد عشرة دراهم فإن كان الثمن الأول عشرين كان الربح درهمين وإن كان ثلاثين كان ثلاثة دراهم لا يجوز لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته لأنه ليس من ذوات الأمثال كما في الهداية وغيرها
ويجوز أن يضم إلى رأس المال أجرة القصارة والصبغ سواء كان أسود أو غيره والطراز بكسر الطاء وبالراء المهملتين وآخره زاي علم الثوب والفتل بفتح الفاء ما يصنع بأطراف الثياب بحرير أو
____________________
(3/107)
كتان والحمل أي أجرة حمل المبيع من مكان إلى مكان برا أو بحرا وسوق الغنم والسمسار لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال في عادة التجار والأصل فيه أن كل ما يزيد في المبيع أو قيمته كالصبغ والحمل يلحق به وما لا فلا وقيد بالأجرة لأنه لو فعل شيئا من ذلك بيده لا يضمه وكذا لو تطوع متطوع بهبة أو بإعارة وكذا يضم تجصيص الدار وطي البئر وكري الأنهار والقناة والمسناة والكراب وكشنح الكروم وسقيها والزرع وغرس الأشجار
وفي البحر نقلا عن المحيط يضم طعام المبيع إلا ما كان سرفا وزيادة فلا يضم وكسوته وكراه وأجرة المخزن الذي يوضع فيه
وأما أجرة السمسار والدلال فقال الزيلعي إن كانت مشروطة في العقد تضم وإلا فأكثرهم على عدم الضم في الأول ولا تضم أجرة الدلال بالإجماع انتهى
وهو تسامح فإن أجرة الأول تضم في ظاهر الرواية وفي الدلال قيل لا تضم والمرجع العرف كما في الفتح لكن يقول بعد ضم أجرة هذه الأشياء قام علي بكذا لا يقول اشتريته بالإجماع تحرزا عن الكذب وكذا إذا قوم الموروث ونحوه يقول ذلك وكذا إذا رقم على الثوب شيئا وباعه برقمه فإنه يقول برقمه كذا ولا يضم نفقته أي نفقة نفسه أي البائع ولا يضم أجر الراعي والطبيب والمعلم وبيت الحفظ لعدم العرف بإلحاقه أطلق في التعليم فشمل تعليم العبد صناعة أو قرآنا أو شعرا أو غناء أو عربية
وفي المبسوط أضاف نفي ضم المنفق في التعليم إلى أنه ليس فيه عرف ظاهر حتى لو كان في ذلك عرف ظاهر يلحقه برأس المال كما في الفتح ولذا لا يلحق أجرة الرائض والبيطار والفداء في الجناية وجعل الآبق لندرته والحجامة والختان لعدم العرف وكذا لا يضم مهر العبد ولا يحط مهر الأمة لو زوجها والذي يؤخذ في الطريق بطريق الظلم لا يضم إلا في موضع جرت به العادة
فإن ظهر للمشتري خيانة البائع في المرابحة إما
____________________
(3/108)
بالبينة أو بإقرار البائع أو بنكوله عن اليمين وهو المختار وقيل لا يثبت إلا بإقراره خير المشتري في أخذه بكل ثمنه وهو المسمى أو تركه أي المبيع إن أمكن الترك
و إن ظهر الخيانة في التولية يحط أي المشتري من ثمنه قدر الخيانة عند الإمام وهو أي الحط القياس في الوضيعة يعني إذا خان خيانة ينفي الوضيعة أما إذا كانت خيانة يوجد الوضيعة معها فهو بالخيار وهذا قياس قول الإمام لأنه لو اعتبره ما سماه من الثمن لما بقي تولية لأنه زائد على الثمن الأول فينقلب مرابحة بخلاف المرابحة لأنه لو اعتبر فيه المسمى لا يلزم الانقلاب بل مرابحة كما كانت فاعتبر المسمى مع الخيار في خيانة المرابحة لفوت الرضى ولم يعتبر في خيانة التولية لئلا تنقلب مرابحة فتعين الحط في خيانة التولية
وعند أبي يوسف يحط فيهما أي في المرابحة والتولية قدر الخيانة مع حصتها أي حصة الخيانة من الربح في المرابحة مثلا إذا قال اشتريت هذا الثوب بعشرة فباعه مرابحة بخمسة عشر ثم ظهر أن البائع كان اشتراه بثمانية يحط قدر الخيانة وهو درهمان ويحط من الربح ما يقابل قدر الخيانة وهو درهم واحد فيأخذ الثوب باثني عشرة درهما إذ لفظ التولية والمرابحة أصل فيبتني على العقد الأول لتحقق الأصل الذي هو التولية والمرابحة وعند محمد يخير بين أخذه بكل الثمن وتركه فيهما أي في المرابحة والتولية إذ الثمن المبتنى على شرائه مجهول والثمن المسمى معلوم والمعلوم أولى من المجهول فاعتبر فيهما المسمى إلا أنه يخير لما مر من عدم الرضى
فلو هلك المبيع بعد ظهور الخيار في المرابحة قبل الرد إلى البائع أو امتنع الفسخ بحدوث ما يمنع الرد لزم كل الثمن المسمى وسقط الخيار اتفاقا قال في الهداية يلزمه جميع الثمن في الروايات الظاهرة لأنه مجرد خيار لا يقابله شيء من الثمن كخيار الرؤية
____________________
(3/109)
والشرط بخلاف خيار العيب لأنه مطالبة بتسليم الفائت فيسقط ما يقابله عند عجزه
انتهى
وفي الكافي وعن محمد أن المشتري يرد قيمة المبيع ويرجع على البائع بثمن سلمه إليه بناء على أصله في إقامة القيمة مقام المبيع في التحالف انتهى فعلى هذا إن قوله اتفاقا ليس في محله تدبر
ومن شرى شيئا بعشرة فباعه بخمسة عشر ثم شراه هذا الثوب ثانيا بعشرة يرابح على خمسة يعني يبيعه مرابحة على خمسة ويقول قام علي بخمسة
وإن شراه ثانيا بخمسة لا يرابح يعني إذا استغرق الربح الثمن لا يبيعه مرابحة أصلا عند الإمام وعندهما يرابح على الثمن الأخير مطلقا سواء استغرق الربح الثمن كما في الثانية أو لا كما في الأولى لأن الأخير عقد متجدد منقطع الأحكام عن الأول فيجوز بناء المرابحة عليه كما إذا تحلل ثالث بأن باعه المشتري من أجنبي ثم باعه الأجنبي من البائع ثم اشتراه الأول منه فإنه يبيعه مرابحة على الثمن الأخير وله أن شبهة حصول الربح الأول بالعقد الثاني ثابتة لأنه لا يتأكد به بعدما كان على شرف الزوال بالظهور على عيب والشبهة كالحقيقة في بيع المرابحة احتياطا ولهذا لا تجوز المرابحة فيما أخذه بالصلح لشبهة الحطيطة فيه كما في التبيين
وفي البحر نقلا عن المحيط أن ما قاله الإمام أوثق وما قالاه أرفق وإن اشترى مأذون مديون بعشرة وباع من سيده بخمسة عشر أو بالعكس بأن اشترى المولى بعشرة مثلا وباعه من عبده المأذون المستغرق بالدين بخمسة عشر يرابح السيد في الأولى والعبد في الثانية على عشرة فيقول قام علي بعشرة لأن هذا العقد وإن كان صحيحا في نفسه فيه شبهة العدم لأن العبد ملكه وما في يده لا يخلو عن حقه فاعتبر عدما في حق المرابحة وبقي الاعتبار للبيع الأول فيصير كأن العبد اشتراه للمولى بعشرة في الفصل الأول وكأنه يبيعه للمولى في الفصل الثاني فيعتبر الثمن الأول
والمكاتب كالمأذون لوجود التهمة بل كل من لا تقبل شهادة له كالأصول والفروع وأحد الزوجين وأحد المتفاوضين
____________________
(3/110)
كذلك وخالفاه فيما عدا العبد والمكاتب وتقييده بالمديون اتفاقي ليعلم حكم غيره بالأولى لوجود ملك المولى في اكتسابه كما في البحر وفيه كلام لأن التقييد ليس باتفاقي بل لتحقق الشراء قال الفقيه أبو الليث فإن كان العبد لا دين عليه فالشراء الثاني باطل لأن العبد إذا كان لا دين عليه فماله لمولاه كما في أكثر الكتب تدبر
هذا إذا لم يبين أما إن بين أنه اشتراه من عبده المأذون أو من مكاتبه أو بين أنهما اشتريا من المولى يجوز بيعهم مرابحة كما في النقاية فعلى هذا لو قال إلا أن يبين لكان أولى
والمضارب بالنصف لو شرى بمال المضاربة شيئا بعشرة وباع من رب المال بخمسة عشر يرابح رب المال على اثني عشر ونصف فيقول قام علي باثني عشر ونصف هذا عندنا لأن كل واحد منهما يستفيد ملك اليد بهذا العقد وإن لم يستفد ملك الرقبة فيعتبر العقد مع شبهة العدم لأن المضارب وكيل عن رب المال في البيع الأول من وجه فجعل البيع الثاني عدما في حق نصف الربح وعند زفر لا يجوز بيع رب المال من المضارب ولا بيع المضارب منه لانعدام الربح لأن الربح يحصل إذا بيع من الأجنبي إذ البيع تمليك مال بمال غيره وهو يشتري ماله بماله ويرابح من يريد المرابحة بلا بيان أي من غير بيان أنه اشتراه سليما بكذا من الثمن فتعيب عنده أما بيان نفس العيب القائم به فلا بد منه لئلا يكون غاشا له للحديث الصحيح من غش فليس منا كما في البحر
لو اعورت المبيعة بآفة سماوية أو بصنع المبيعة أو وطئت وهي والحال أنها ثيب ولم ينقصها الوطء سواء كان الواطئ مولاها أو غيره ولذا أتى بصيغة المجهول أو أصاب الثوب قرض فأر أي قطع فأر أو حرق نار لأن جميع ما يقابله الثمن قائم إذ الفائت وصف فلا يقابله شيء من الثمن إذا فات بلا صنعه ولذا لو فات في يد البائع قبل قبض المشتري لا يسقط باعتبار شيء من الثمن إلا أن المشتري بالخيار أخذه بكل الثمن أو تركه وكذا منافع البضع لا يقابلها الثمن
وعند زفر وهو قول الشافعي ورواية عن أبي يوسف يجب البيان لأجل النقصان في صورة الاعورار أما في صورة وطء الثيب فلا خلاف
وقال أبو الليث وقول زفر أجود وبه نأخذ ورجحه
____________________
(3/111)
في الفتح وعن محمد أنه إن نقصه قدرا لا يتغابن الناس فيه لا يبيعه مرابحة بلا بيان ودل كلامه أنه لو نقص بتغيير السعر بأمر الله لا يجب عليه أن يعين بالأولى أنه اشتراه في حال غلائه وكذا لو اصفر الثوب لطول مكثه أو توسخ كما في البحر وإن فقئت عينها بمباشرة الغير سواء فقأها المولى أو الأجنبي بأمر المولى أو بدونه أو وطئت وهي بكر سواء كان الواطئ مولاها أو غيره أو تكسر الثوب من طيه ونشره لزم البيان أي يبيعه مرابحة بشرط أن يبين العيب حيث احتبس عنده جزء بعض المبيع وهو العذرة والعين لأن إزالة العذرة وإخراج العين عند كونها في ملكه فلا يملك بيع الباقي بكل الثمن مرابحة وتولية إذ الأوصاف إذا صارت مقصودة بالإتلاف صار بها حصة من الثمن بلا خلاف أما إذا فقأها الأجنبي فيجب البيان أخذ أرشها أو لا لأنه لما فقأ الأجنبي أوجب عليه ضمان الأرش ووجوب ضمان الأرش سبب لأخذ الأرش فأخذ حكمه فما وقع في الهداية من التقييد يقول وأخذ المشتري أرشه اتفاقي كما في الفتح وإنما قلنا بمباشرة الغير لأنه إذا فقأ بفعل نفس المبيع فهو بمنزلة ما لو تعيب بآفة سماوية
وإن اشترى بنسيئة ورابح بلا بيان خير المشتري أي من اشترى ثوبا بعشرة نسيئة وباعه بربح واحد حالا ولم يبين ذلك فعلم المشتري خيانته يصير مخيرا إن شاء رده وإن شاء قبله لأن للأجل شبها بالمبيع ألا ترى أنه يزاد في الثمن لأجل الأجل والشبهة في هذا ملحقة بالحقيقة احتياطا فصار كأنه اشترى شيئين وباع أحدهما مرابحة بثمنهما فإن أتلفه أي المشتري المبيع ثم علم لزم كل ثمنه المسمى إذ ليس له إلا ولاية الرد ولا رد مع الإتلاف ولو عبر بالتلف لكان أولى لأن حكم الإتلاف يعلم من حكم التلف بالأولى بخلاف العكس كما في البحر
وكذا التولية يعني لو اشترى بنسيئة وولاه بلا بيان ثم علم المشتري الخيانة خير لأن الخيانة في التولية مثلها في المرابحة لابتنائها على الثمن الأول كما في الفرائد وغيره لكن ينبغي أن يعود قوله وكذا التولية إلى جميع ما ذكره للمرابحة فلا بد من البيان في التولية أيضا كما في البحر
ولو اشترى ثوبين بصفقة كلا بخمسة كره بيع أحدهما مرابحة بخمسة بلا بيان أي من غير بيان أنه اشتراه بخمسة مع ثوب آخر لأن الجيد قد يضم إلى الرديء لترويجه وهذا عند الإمام وقالا لا يكره قيد بثوبين لأن المشترى لو كان مما يكال أو يوزن أو يعد يجوز بلا كراهة اتفاقا وقيد بقوله بصفقة لأنه لو كانا بصفقتين
____________________
(3/112)
يجوز أيضا اتفاقا وقيد بكلا بخمسة إذ لو بين ثمن كل واحد منهما لا يكره اتفاقا وقيد بخمسة لأنه لو باعه بالزائد لا يجوز اتفاقا وقيد المرابحة ليس للاحتراز عن التولية لأنها في الحكم كذلك بل لأنه لو باعه مطلقا لا يكره اتفاقا
ومن ولى أي باع شيئا بالتولية بما قام عليه أو بما اشتراه ولم يعلم مشتريه قدره بكم قام عليه في المجلس فسد البيع لجهالة الثمن وكذا المرابحة
وإن علمه أي علم المشتري قدره في المجلس خير بين أخذه وتركه لأن الفساد لم يتقرر فإذا حصل العلم في المجلس جعل كابتداء العقد وصار كتأخير القبول إلى آخر المجلس فإن علم بعد التفريق يتقرر الفساد
وفي التنوير لا رد بغبن فاحش في ظاهر الرواية ويفتى بالرد إن غره وإلا لا وتصرفه في بعض المبيع غير مانع منه
فصل بيان البيع قبل قبض المبيع والتصرف في الثمن بالزيادة والنقصان وغير ذلك وجه إيراد الفصل ظاهر لأن المسائل المذكورة فيه ليست من باب المرابحة ووجه ذكره في بابها للاستطراد باعتبار تقييدها بقيد زائد على البيع المجرد لا يصح بيع المنقول قبل قبضه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما لم يقبض ولأن فيه غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك بخلاف هبته والتصدق به وإقراضه قبل القبض من غير البائع فإنه صحيح عند محمد على الأصح خلافا لأبي يوسف وأما كتابة العبد المبيع قبل القبض موقوفة وللبائع حبسه بالثمن وإن نقده نفذت كما في التبيين ولا خصوصية لها بل كل عقد تقبل النقض فهو موقوف وأما تزويج الجارية المبيعة قبل قبضها فجائز بدليل صحة تزويج الآبق وأما الوصية به
____________________
(3/113)
قبل القبض فصحيحة اتفاقا
وإطلاق البيع شامل للإجارة والصلح لأنه بيع وقيد بالمنقول لأنه لو كان مهرا أو ميراثا أو بدل الخلع أو العتق عن مال أو بدل الصلح عن دم العمد يجوز بيعه قبل القبض بالاتفاق والأصل أن عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل قبضه فالتصرف فيه غير جائز وما لا فجائز كما في البحر
ويصح في العقار أي يصح بيع عقار لا يخشى هلاكه قبل قبضه عند الشيخين خلافا لمحمد وهو قول زفر والشافعي عملا بإطلاق الحديث واعتبارا بالمنقول ولهما أن ركن البيع صدر عن أهله في محله ولا غرر فيه لأن الهلاك بالعقار نادر حتى إذا تصور هلاكه قبل القبض لا يجوز بيعه بأن كان على شط النهر أو كان المبيع علوا فعلى هذا لو قيد بلا يخشى هلاكه قبل القبض كما قيدنا لكان أولى تدبر بخلاف المنقول
والغرر المنهي غرر انفساخ العقد والحديث معلول به عملا بدلائل الجواز وإنما عبر بالصحة دون النفاذ واللزوم لأن النفاذ واللزوم موقوفان على نقد الثمن أو رضى البائع وإلا فللبائع إبطاله وكذا كل تصرف يقبل النقض إذا فعله المشتري قبل القبض أو بعده بغير إذن البائع فللبائع إبطاله بخلاف ما لا يقبل النقض كالعتق والتدبير والاستيلاد كما في البحر
ومن اشترى كيليا كيلا أي بشرط الكيل لا يجوز له أي للمشتري بيعه ولا أكله حتى يكيله ثانيا لقوله عليه السلام إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكل ولاحتمال الغلط في الكيل الأول إذ ربما ينقص أو يزيد فالزيادة للبائع فيصير التصرف في مال الغير حراما فيجب الاحتراز لكونه ربويا بخلاف ما إذا اشترى مجازفة لأن الزيادة له ولم يذكر فساد البيع ونص في الجامع الصغير على
____________________
(3/114)
فساده
وفي الفتح نقلا على الجامع الصغير لو أكله وقد قبضه بلا كيل لا يقال أنه أكله حراما لأنه أكل ملك نفسه إلا أنه أثم لتركه ما أمر به من الكيل وكان هذا الكلام أصلا في سائر المبيعات بيعا فاسدا إذا قبضها فملكها فأكلها وقد تقدم أنه لا يحل أكل ما اشتراه فاسدا وهذا يبين أن ليس كل ما لا يحل أكله إذا أكله أن يقال فيه أكل حراما وكفى كيل البائع بعد العقد بحضرته أي بحضرة المشتري لأن المبيع صار معلوما به وتحقق التسليم و هو الصحيح رد لما قيل شرط كيلان كيل البائع بعد العقد بحضرة المشتري وكيل المشتري قبل التصرف فيه قيد ببعد العقد وبحضرة المشتري لأنه إذا كاله قبل العقد مطلقا وبعده في غيبة المشتري لا يكون كافيا كما في البحر ومثله أي مثل الكيلي الوزني والعددي غير الدراهم والدنانير أي لا يبيعه ولا يأكله حتى يزنه أو يعده ثانيا ويكفي إن وزنه أو عده بعد البيع بحضرة المشتري
وفي المجتبى لو اشترى المعدود عدا كالموزون لحرمة الزيادة عليه هذا عند الإمام في أظهر الروايتين وعنه أنه كالمذروع وهو قولهما لأنه ليس من الربويات فعلى هذا يلزم للمصنف التفصيل تدبر وإنما قيدنا بغير الدراهم والدنانير لأنهما يجوز التصرف فيهما بعد القبض قبل الوزن كما في الإيضاح هذا كله في غير بيع التعاطي أما هو فلا يحتاج إلى وزن المشتري ثانيا وإن صار بيعا بالقبض بعد الوزن
وفي الخلاصة وعليه الفتوى لا المذروع أي لا يحرم بل يجوز بيعه والتصرف فيه قبل إعادة الذرع بعض القبض لأن الزيادة له إذ الذراع وصف في الثوب واحتمال النقص إنما يوجب خياره وقد أسقط ببيعه بخلاف المقدر
وفي التبيين هذا إذا لم يسم لكل ذراع ثمنا وإن سمى فلا يحل له التصرف فيه حتى يذرع
وصح التصرف في الثمن ببيع وهبة وإجارة ووصية وتمليك ممن عليه بعوض وغير عوض قبل قبضه سواء كان مما لا يتعين كالنقود أو مما يتعين كالمكيل والموزون حتى لو باع إبلا بدراهم أو بكر من الحنطة جاز أن يأخذ بدله شيئا آخر لأن المطلق للتصرف وهو الملك قائم والمانع وهو غرر الانفساخ بالهلاك منتف لعدم تعينها بالتعيين أي في النقود بخلاف المبيع كما في العناية وغيرها لكن المدعى عام وهو التصرف في الثمن قبل القبض جائز مطلقا سواء كان مما لا يتعين أو مما يتعين كما مر والدليل وهو انتفاء غرر الانفساخ بالهلاك لعدم تعينها بالتعيين فيكون الدليل أخص من المدعى تدبر والحط منه أي صح حط البائع بعض الثمن ولو بعد هلاك المبيع
____________________
(3/115)
لأنه بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله لكونه إسقاطا والإسقاط لا يستلزم ثبوت ما يقابله فيثبت الحط في الحال ويلتحق بأصل العقد استنادا وفيه إشارة إلى أن حط كل الثمن غير ملتحق بالعقد اتفاقا
و صح الزيادة فيه أي في الثمن حال قيام المبيع إن قبل في المجلس حتى لو زاده فلم يقبل حتى تفرقا بطلت الزيادة كما في الهداية وغيرها فعلى البائع هذا لو قيد به لكان أولى لأنه مما لا بد منه لا بعد هلاكه أي المبيع في ظاهر الرواية إذ لو هلك المبيع أو تغير بتصرف المشتري فيه حتى خرج عن إطلاق اسمه عليه كبر طحن أو خرج عن محلية المبيع كعبد دبر لا تجوز الزيادة إذ ثبوتها ملحوظ في مقابلة الثمن وهو غير باق على حاله فلم يتصور التقابل فيه
وكذا صح الزيادة في المبيع أو لزم البائع دفعها إن قبل المشتري ذلك لأنه تصرف في حقه وملكه ويلتحق بالعقد فيصير حصته من الثمن حتى لو هلكت الزيادة قبل القبض تسقط حصتها من الثمن بخلاف الزيادة المتولدة من المبيع حيث لا يسقط شيء بعد هلاكها قبل القبض وكذا إذا زاد في الثمن عرضا كما لو اشتراه بمائة وتقابضا ثم زاد المشتري عرضا قيمته خمسون وهلك العرض قبل التسليم ينفسخ العقد في ثلاثة ولا يشترط للزيادة هنا قيام المبيع فتصح بعد هلاكه بخلاف الزيادة في الثمن كما في البحر
وقال يعقوب باشا وها هنا كلام وهو أن الظاهر من الكافي أن الزيادة بعد تلف المبيع سواء كانت في الثمن أو في المبيع تصح في رواية ولا تصح في ظاهر الرواية لأن الزيادة تغير العقد من وصف إلى وصف فتستدعي قيام العقد وقيامه بقيام المبيع وذكر في بعض شروح الجامع الصغير أن الزيادة في المبيع أو الثمن إنما تجوز إذا كان المبيع قائما ولا تجوز لو كان المبيع هالكا فبين هذا وبين ما ذكر منافاة فليتأمل في التوفيق
ويتعلق الاستحقاق بكل ذلك أي استحقاق البائع والمشتري بكل الثمن والمبيع والزائد والمزيد عليه فالزيادة والحط يلحقان بأصل العقد عندنا
وقال صدر الشريعة ويمكن أن يراد أنه إذا استحق مستحق المبيع أو الثمن فالاستحقاق يتعلق جميع ما يقابله من المزيد والمزيد عليه فلا يكون الزائد صلة مبتدأة كما هو مذهب زفر والشافعي انتهى
واعترض عليه صاحب الدرر بأنه لا يمكن ذلك لأن مدار هذا الاستحقاق على الدعوى والبينة فإن ادعى المستحق مجرد المزيد عليه وأثبته أخذه وإن ادعاه مع الزيادة وأثبته أخذه وكذا إن ادعى الزيادة فقط ثم إن حكم الاستحقاق يظهر في التولية والمرابحة فليتأمل فيرابح ويولي هذا
____________________
(3/116)
117 تفريع على صحة الزيادة والحط وعلى إلحاقهما بأصل العقد على الكل أن يزيد وعلى ما بقي إن حط لأن كلا من الزيادة والنقصان ملتحق بأصل العقد فتعتبر المرابحة والتولية بالنسبة إليه والشفيع يأخذ بالأقل في الفصلين أي فصل الزيادة على الثمن وفصل الحط عنه وإن كان مقتضى الإلحاق بالأصل أن يأخذ بالكل في صورة الزيادة لأن حقه تعلق بالعقد الأول وفي الزيادة إبطاله وليس لهما إبطاله
ومن قال بع عبدك من زيد بألف على أني ضامن كذا أي مائة مثلا من الثمن سوى الألف أخذ أي مولى العبد الألف من زيد والزيادة منه أي من الضامن لأن الزيادة المشروطة جعلت من الأصل المقابل للمبيع فكأنه التزم بعض ما ورد عليه العقد من الثمن فيؤخذ منه
وإن لم يقل من الثمن والمسألة بحالها فالألف على زيد لأنه ثمن العبد ولا شيء عليه من الثمن على المقابل لأنه لم يزد
فإن قيل فكيف لا شيء عليه وعبارته صريحة بالضمان قلنا مبنى الكلام على أنه قال بع عبدك من زيد بألف على أني ضامن سوى الألف فالضمان إذن غير متعلق بالثمن فلا شيء عليه من الثمن هذه المسألة من تفاريع زيادة الثمن وفي ذكرها فائدة جوازها من الأجنبي أيضا ولهذا ذكرها المصنف في هذا الباب ولقد أصاب ولم يذكرها صاحب الهداية بل أوردها بعد السلم
وكل دين أجل بأجل معلوم صح تأجيله وإن كان حالا في الأصل لأن المطالبة حقه فله أن يؤخره سواء كان ثمن مبيع أو غيره تيسيرا على من له عليه ألا ترى أنه يملك إبراءه مطلقا فكذا موقتا ولا بد من قبوله ممن عليه الدين فلو لم يقبله بطل التأخير فيكون حالا
ويصح تعليق التأجيل بالشرط كما في البحر إلا القرض استثناه من قوله وصح تأجيله أي فلا يصح تأجيله لكونه إعارة وصلة في الابتداء ومعاوضة في الانتهاء فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة إذ لا جبر في التبرع وعلى اعتبار الانتهاء
____________________
(3/117)
لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا
وفي الظهيرية القرض المجحود يجوز تأجيله وفصل صاحب التنوير مسألة القرض لكثرة الاحتياج إليها في المعاملات فقال القرض هو عقد مخصوص يرد على دفع مال مثلي لرد مثله وصح في مثلي لا في غيره فصح استقراض الدراهم والدنانير وكذا ما يكال أو يوزن أو يعد متقاربا فصح استقراض جوز وبيض ولحم استقرض طعاما بالعراق فأخذه صاحب القرض بمكة فعليه قيمته بالعراق يوم اقترضه عند أبي يوسف وعند محمد يوم اختصما وليس عليه أن يرجع إلى العراق فيأخذ طعامه
ولو استقرض الطعام ببلد فيه الطعام رخيص فلقيه المقرض في بلد فيه الطعام غال فأخذه الطالب بحقه ليس له أن يحبس المطلوب ويؤمر المطلوب بأن يوثق به حتى يعطيه طعامه في البلد الذي استقرض فيه
استقرض شيئا من الفواكه كيلا أو وزنا فلم يقبضه حتى انقطع فإنه يجبر صاحب القرض على تأخيره إلى مجيء الحديث إلا أن يتراضيا على القيمة ويملك المستقرض القرض بنفس القبض عند الشيخين خلافا لأبي يوسف
أقرض صبيا فاستهلكه الصبي لا يضمنه وكذا المعتوه ولو عبدا محجورا لا يؤاخذ به قبل العتق وهو كالوديعة
استقرض من آخر دراهم فأتاه المقرض بها فقال المستقرض ألقها في الماء فألقاها لا شيء على المستقرض والقرض لا يتعلق بالجائز من الشروط والفاسد فيها لا يبطله ولكنه يلغو شرطه رد شيء آخر فلو استقرض الدراهم المكسورة على أن يؤدي صحيحا كان باطلا وكان عليه مثل ما قبض
إلا في الوصية فهو استثناء من المستثنى يعني إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلانا إلى سنة يجوز من الثلث ويلزم ولا يطالب حتى تمضي المدة لأنه وصية بالتبرع والوصية يتسامح فيها نظرا للموصي ألا ترى أنها تجوز بالخدمة والسكنى وتلزم
ولا يصح التأجيل إلى أجل مجهول متفاحش الجهالة كهبوب الريح ونزول المطر مثلا ويصح في المتقارب كالحصاد ونحوه كما جاز ذلك في الكفالة
____________________
(3/118)
باب الربا وجه مناسبته للمرابحة أن في كل منهما زيادة إلا أن تلك حلال وهذه حرام والحل هو الأصل في الأشياء فقدم ما يتعلق بتلك الزيادة على ما يتعلق بهذه والربا بكسر الراء والقصر اسم من الربو بالفتح والسكون فلامه واو ولذا قيل في النسبة ربوي وفتحها خطأ
وفي المصباح الربا الفضل والزيادة وهو مقصور على الأشهر وليس المراد مطلق الفضل بالإجماع وإنما المراد فضل مخصوص فلذا عرفه شرعا بقوله هو فضل مال أي فضل أحد المتجانسين على الآخر بالمعيار الشرعي أي الكيل أو الوزن ففضل قفيزي شعير على قفيزي بر لا يكون ربا خال ذلك الفضل عن عوض قيد به ليخرج بيع بر وكر شعير بكري بر وكري شعير فإن للثاني فضلا على الأول لكنه غير خال عن العوض يصرف الجنس إلى خلاف جنسه بأن يباع كر بر بكري شعير وكر شعير بكري بر شرط جملة فعلية صفة لفضل مال أي شرط ذلك الفضل لأحد العاقدين أي البائعين أو المقرضين أو الراهنين للاحتراز عما إذا شرط لغيرهما
وفي الإصلاح في أحد البدلين ولم يقل لأحد العاقدين لأن العاقد قد يكون وكيلا وقد يكون فضوليا والمعتبر كون الفضل للبائع أو للمشتري انتهى لكن عقد الوكيل عقد للموكل وعقد الفضولي يتوقف على قبول المالك فيصير العاقد حقيقة الموكل أو المالك فلا حاجة إلى التبديل تدبر في معاوضة مال بمال قيد بها للاحتراز عن هبة بعوض زائد ويدخل فيه ما إذا شرط فيه من الانتفاع بالرهن كالاستخدام والركوب والزراعة واللبس وأكل الثمر فإن الكل ربا حرام كما في القهستاني
وعلته لوجوب المماثلة التي يلزم عند فواتها الربا وفي اصطلاح الأصوليين العلة ما يضاف إليه ثبوت الحكم بلا واسطة فخرج الشرط لأنه لا يضاف إليه ثبوته والسبب والعلامة وعلة العلة لأنها بالواسطة القدر لغة كون شيء مساويا
____________________
(3/119)
لغيره بلا زيادة ولا نقصان وشرعا التساوي في المعيار الشرعي الموجب للمماثلة الصورية وهو الكيل والوزن والجنس أي مع اتحاد الجنس في العوضين فالعلة مجموع الوصفين عندنا لأن الأصل فيه الحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا وعد الأشياء الستة الحنطة والشعير والتمر والملح والذهب والفضة أي بيعوا مثلا بمثل أو بيع الحنطة بالحنطة مثل بمثل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه ومثل خبره ولما كان الأمر للوجوب والبيع مباح صرف الوجوب إلى رعاية المماثلة كما في قوله تعالى فرهان مقبوضة حيث صرف الإيجاب إلى القبض فصار شرطا للرهن والمماثلة بين الشيئين يكون باعتبار الصورة والمعنى معا والقدر يسوى الصورة كما بيناه والجنسية تسوى المعنى فيظهر الفضل الذي هو الربا ولا يعتبر الوصف لقوله عليه الصلاة والسلام جيدها ورديئها سواء فحرم تفريع على كون العلة القدر والجنس بيع الكيلي والوزني بجنسه كبيع الحنطة بالحنطة والذهب بالذهب مثلا متفاضلا لوجود الربا في ذلك أو نسيئة أي بأجل لما في ذلك شبهة الفضل إذ النقد خير ولو وصلية غير مطعوم خلافا للشافعي فإن علة الربا عنده الطعم في المطعومات والثمنية في الأثمان والجنسية شرط لعمل العلة عملها حتى لا تعمل العلة المذكورة عنده إلا عند وجود الجنسية كالجص من المكيلات والحديد من الموزونات والطعم غير معتبر عندنا وحل بيع ذلك متماثلا بعد التقابض أو متفاضلا غير معير أي بغير عيار كحفنة بحفنتين لانتفاء جريان الكيل وما دون نصف صاع فهو في حكم الحفنة لأنه لا تقدير للشرع بما دونه وأما إذا كان أحد البدلين يبلغ حد نصف الصاع أو أكثر والآخر لم يبلغه فلا يجوز كما في العناية وبيضة ببيضتين وتمرة بتمرتين وحاصله أن ما لا يدخل تحت المعيار وهو الكيل والوزن إما لقلته كالحفنة والحفنتين والتمرة والتمرتين
____________________
(3/120)
وإما لكونه عدديا لا يباع بالمعيار الشرعي كالبيضة والبيضتين والجوزة والجوزتين يحل البيع متفاضلا لعدم جريان القدر والمعيار فلا يوجد المساواة فلم يتميز الفضل وبقي على الأصل وهو الحل عندنا خلافا للشافعي لوجود علة الحرمة وهي الطعم مع عدم المخلص وهو المساواة فيحرم لأن الأصل عنده الحرمة
فإن وجد الوصفان أي الكيل أو الوزن مع الجنس حرم الفضل كقفيز بر بقفيزين منه
و حرم النسأ ولو مع التساوي كقفيزين بقفيزين منه أحدهما أو كلاهما نسيئة لوجود العلة
وإن عدما أي كل منهما حلا أي الفضل والنسأ لعدم العلة الموجبة المحرمة إذ الأصل الجواز والحرمة بعارض فيجوز ما لم يثبت فيه دليل الحرمة
وإن وجد أحدهما فقط حل التفاضل كما إذا بيع قفيز حنطة بقفيزي شعير يدا بيد حل الفضل فإن أحد جزأي العلة وهو الكيل موجود هنا دون الجزء الآخر وهو الجنسية وإن بيع خمسة أذرع من الثوب الهروي بستة أذرع منه يدا بيد حل أيضا لأن الجنسية موجودة دون القدر لا النسأ أي لا يحل النسأ في هاتين الصورتين ولو بالتساوي وذلك لأن جزء العلة وإن كان لا يوجب الحكم لكنه يورث الشبهة في الربا والشبهة في باب الربا ملحقة بالحقيقة لكنها أدون من الحقيقة فلا بد من اعتبار الطرفين ففي النسيئة أحد البدلين معدوم وبيع المعدوم غير جائز فصار هذا المعنى مرجحا لتلك الشبهة فلا يحل وفي غير النسيئة لم تعتبر الشبهة لما قلنا أن الشبهة أدون من الحقيقة على أن المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد يؤيد ما قلنا
وعند الشافعي أن الجنس بانفراده لا يحرم النسأ كما في شرح الوقاية
ثم فرعه بقوله فلا يصح سلم هروي في هروي لوجود الجنس والنسإ في المسلم فيه ولا سلم بر في شعير لوجود القدر مع النسأ
وشرط التعيين والتقابض في المجلس في الصرف لقوله عليه الصلاة والسلام الفضة بالفضة هاء وهاء معناه خذ يدا بيد والمراد به القبض كنى بها عنه لأنها آلته و شرط التعيين فقط في غيره أي في غير عقد الصرف من الربويات ولا يشترط التقابض في بيع الطعام بمثله عينا
____________________
(3/121)
حتى لو باع برا ببر بعينهما وتفرقا قبل القبض جاز عندنا خلافا للشافعي وإنما قلنا بمثله إذ التفاضل لا يجوز اتفاقا وإنما قلنا عينا إذ لو لم يكن معينا لا يجوز اتفاقا أما عندنا فلعدم العينية وأما عنده فلعدم القبض وللشافعي قوله عليه الصلاة والسلام الطعام بالطعام يدا بيد ولأنه لم يقبض في المجلس يتعاقب القبض فيوجد في القبض الأول مزية فتتحقق شبهة الربا ولنا أنه مبيع متعين فلا يشترط فيه كالثوب وهذا لأن الفائدة المطلوبة إنما هو التمكن في التصرف فيه فيترتب ذلك على التعين بخلاف الصرف لأن القبض فيه ليتعين به ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام يدا بيد عينا بعين لما رواه عبادة بن الصامت كذا وتعاقب القبض لا يعتبر تفاوتا في مال عرفا بخلاف النقد والأجل
وما نص على صيغة المجهول على تحريم الربا فيه كيلا فهو كيلي أبدا كالبر والشعير والتمر والملح أو إن نص على تحريمه أي تحريم الربا فيه وزنا فهو وزني أبدا كالذهب والفضة ولو وصلية تعورف بخلافه لأن النص قاطع وأقوى من العرف والأقوى لا يترك بالأدنى وما لا نص فيه أي في كونه كيليا أو وزنيا حمل على العرف كغير الستة المذكورة من البر إلى الفضة لأن
____________________
(3/122)
الشرع اعتبر عادة الناس لقوله عليه الصلاة والسلام ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله تعالى حسن
وقال الشافعي هو محمول على عادة أهل الحجاز في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام قلنا ذلك في نصاب الزكاة والكفارات لأن الأمة اجتمعت على خلاف ذلك في البياعات وعن أبي يوسف أنه يعتبر العرف على خلاف المنصوص عليه أيضا لأن النص على ذلك بمكان العرف وقد تبدل فيتبدل حكمه
وقال المولى سعدي استقراض الدراهم عددا وبيع الدقيق وزنا على ما هو المتعارف في زماننا ينبغي أن يكون مبنيا على هذه الرواية ثم فرعه بقوله فلا يجوز بيع البر بالبر متماثلا وزنا لأن البر كيلي شرعا لا وزني ولا يجوز بيع الذهب بالذهب متماثلا كيلا لأن الذهب وزني لا كيلي وإن تعارفوا ذلك لاحتمال الفضل على ما هو المعيار فيه
وجاز بيع فلس معين بفلسين معينين عند الشيخين خلافا لمحمد بيع الفلس بجنسه متفاضلا يحتمل وجوها الأول أن يكون كلاهما في البيع معينا الثاني أن يكون المبيع معينا والثمن غير معين الثالث عكس الثاني الرابع أن يكون كل منهما غير معين والكل فاسد سوى الوجه الأول له أن الثمنية تثبت باصطلاح الكل فلا تبطل باصطلاحهما وإذا بقيت أثمانا لا تتعين فصار كبيع الدرهم بالدرهمين
ولهما أن الثمنية في حقهما تثبت باصطلاحهما إذ لا ولاية للغير عليهما وتبطل باصطلاحهما وإذا بطلت تتعين بالتعيين بخلاف النقود لأنها للثمنية خلقة
ويجوز بيع الكرباس بالقطن وكذا بالغزل كيف ما كان لاختلافهما جنسا لأن الثوب لا ينقض ليعود غزلا أو قطنا والكرباس الثياب من الملحم والجمع كرابيس كما لو باع
____________________
(3/123)
القطن بغزله فإنه يجوز كيف ما كان لاختلاف الجنس وهو قول محمد
وقال أبو يوسف لا يجوز إلا متساويا وقول محمد أظهر
وفي الحاوي وهو الأصح ولو باع قطنا غير محلوج بمحلوج جاز إذا علم أن الخالص أكثر مما في الآخر وإلا لا يجوز ولو باع القطن غير المحلوج بحب القطن فلا بد أن يكون الحب الخالص أكثر من الحب الذي في القطن
و يجوز بيع اللحم بالحيوان عند الشيخين وعند محمد وهو قول الشافعي لا يجوز بيعه أي بيع اللحم بحيوان جنسه حتى يكون اللحم أكثر مما في الحيوان ليكون اللحم بمقابلة ما فيه والباقي من اللحم بمقابلة السقط كالجلد والكرش والأمعاء والطحال لأنهما جنس واحد ولهذا لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نسيئة فكذا متفاضلا كالزيت بالزيتون وهو القياس ولهما أن الحيوان ليس لحمه بمال ولا ينتفع به انتفاع اللحم وماليته معلقة بالذكاة فيكون جنسا آخر بخلاف الزيت والزيتون وهو الاستحسان قيد باللحم لأنه لو باع أحد الشاتين المذبوحتين الغير المسلوختين بالأخرى جاز اتفاقا بأن يجعل لحم كل منهما بجلد الآخر ولو كانتا مسلوختين يجوز إذا تساويا وزنا ولو اشترى شاة حية بشاة مذبوحة يجوز اتفاقا وموضع الخلاف بيع اللحم من جنس ذلك الحيوان
ويجوز بيع الدقيق بالدقيق متماثلا كيلا لا متفاضلا لاتحاد الاسم والصورة والمعنى وبه تثبت المجانسة من كل وجه ولا يعتبر احتمال التفاضل كما في البر بالبر وقيده ابن الفضل بما إذا كانا مكبوسين وإلا لا تجوز خلافا للشافعي لعدم الاعتدال في دخوله الكيل لأنه منكبس وممتلئ جدا
وقوله كيلا احتراز عن الوزن لأن فيه روايتين وعن الجزاف وإشارة إلى نفي قول الشافعي
لا يجوز بيع الدقيق بالسويق أي أجزاء حنطة مقلية والدقيق أجزاء حنطة غير مقلية أصلا أي لا متفاضلا ولا متساويا عند الإمام لأنه لا يجوز بيع الدقيق بالمقلية ولا بيع السويق بالحنطة فكذا بيع أجزائهما لقيام المجانسة
وبيع المقلية والسويق متساويا جائز لاتحاد الاسم خلافا لهما أي قالا يجوز كيف ما كان لاختلاف الجنس ولكن يدا بيد لأن
____________________
(3/124)
القدر يجمعهما
ويجوز بيع الرطب بالرطب متماثلا خلافا للشافعي وكذا يجوز بيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب متماثلا عند الإمام لأن الرطب والتمر متجانسان بالذات لا بالصفات فيدخل تحت قول عليه الصلاة والسلام التمر بالتمر مثل بمثل وإن لم يتجانس على زعم المخالف يجوز أيضا لدخوله تحت قوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد خلافا لهما لانتقاص الرطب بالجفاف وبيع العنب بالزبيب على هذا الخلاف
وكذا يجوز بيع البر رطبا بفتح الراء وسكون الطاء أو مبلولا بمثله أو باليابس و بيع التمر والزبيب منقعين بمثلهما متساويا حال من الجميع يعني يجوز بيع البر رطبا أو مبلولا بمثله أو باليابس وبيع التمر والزبيب منقعين بمثلهما متساويا عند الشيخين لأن حال المبيع معتبر وقت العقد فيعتبر التساوي فيه اختلفت الصفة أو لم تختلف خلافا لمحمد في جميع ذلك لأنه اعتبر التساوي في الحال والمآل وترك أبو يوسف الأصل الذي هو تحقق التساوي حال العقد في بيع الرطب بالتمر وكان مع محمد لحديث النبي عليه الصلاة والسلام أنه سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال النبي عليه الصلاة والسلام أوينقص إذا جف فقيل نعم قال لا فبقي الباقي على القياس
ويجوز بيع لحم حيوان بلحم حيوان غير جنسه متفاضلا نقدا
وكذا اللبن وعن الشافعي أنهما جنس واحد لاتحاد المقصود فلا يجوز إلا متساويا ولنا أن الأصول مختلفة حتى لا يضم بعضها إلى بعض في الذكوة فكذا أجزاؤها وقيدنا بالنقد لأن بيعه نسيئة غير جائز بالاتفاق
والجاموس مع البقر جنس واحد وكذا المعز مع الضأن والبخت مع
____________________
(3/125)
العراب فلا يجوز بيع لحم البقر بالجاموس متفاضلا لاتحاد الجنس بدليل الضم في الذكاة للتكميل فكذا أجزاؤهما ما لم يختلف المقصود كشعر المعز وصوف الضأن فإنهما جنسان فإن قلت لم جاز بيع لحم الطير بعضه ببعض متفاضلا مع أنه جنس واحد ولم يتبدل بالصفة قلنا إنما جاز لأنه غير موزون عادة فلم يكن مقدرا فلم توجد العلة فحاصله أن الاختلاف باختلاف الأصل أو المقصود أو بتبدل الصفة
وفي الفتح ينبغي أن يستثنى من لحوم الطير الدجاج والإوز لأنه يوزن في عادة أهل مصر بعظمه
ويجوز بيع خل العنب بخل الدقل نقدا متفاضلا لأنهما جنسان متغايران كأصلهما وكذا شحم البطن بالألية أو باللحم أي يجوز بيعها متفاضلا وإن كانت كلها من الضأن لأنها أجناس مختلفة لاختلاف الأسماء والصور والمقاصد
و يجوز بيع الخبز بالبر أو الدقيق أو السويق متفاضلا لعدم التجانس لأن الخبز وزني أو عددي والبر كيلي بالنص ولم يجمعها قدر وكذا بيع الخبز بالدقيق أو السويق متفاضلا لما ذكرنا من عدم التجانس فلم توجد علة الربا هذا إذا كانا نقدين وأما إذا كان أحدهما نسيئة سواء كان خبزا أو برا أو دقيقا فيجوز في صورة كون البر نسيئة عند الإمام لأنه أسلم موزونا في مكيل يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره قيل يفتى به ويجوز في صورة كون الخبز نسيئة عند أبي يوسف لأنه أسلم في موزون وقيل به يفتى وعن هذا قال
وإن وصلية أحدهما نسيئة به يفتى للتعامل
وفي الحاوي ويجوز بيع اللبن بالجبن
ولا يجوز بيع الجيد بالرديء إذا قوبل بجنسه مما فيه الربا إلا متساويا لقوله عليه الصلاة والسلام جيدها ورديئها سواء
وكذا لا يجوز بيع البسر بالتمر إلا متساويا لإطلاق التمر على البسر
ولا يجوز بيع البر بالدقيق أو بالسويق أو بالنخالة مطلقا أي لا متساويا ولا متفاضلا لأن المجانسة باقية من وجه باعتبار أنها أجزاء الحنطة ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج
____________________
(3/126)
حتى يكون الزيت في صورة بيع الزيتون به والشيرج في صورة بيع السمسم به أكثر مما في الزيتون والسمسم وفيه اللف والنشر المرتب وهو أن يرجع الأول للأول والثاني للثاني لتكون الزيادة بالثجير بفتح الثاء ثفل كل شيء يعصر اعلم أن البيع لا يجوز في ثلاث صور الأولى أن يعلم أن الزيت الذي في الزيتون أكثر لتحقق الفضل من الدهن والثفل الثانية أن يعلم التساوي لخلو الثفل عن العوض الثالثة أن لا يعلم أنه مثله أو أكثر أو أقل فلا يصح عندنا لأن الفضل المتوهم كالمتحقق احتياطا وعند زفر جاز لأن الجواز هو الأصل والفساد لوجود الفضل الخالي فما لم يعلم لا يفسد ويجوز البيع في صورة بالإجماع بأن يعلم أن الزيت المنفصل أكثر ليكون الفضل بالثفل وكل شيء بثفله قيمة إذا بيع بالخالص منه لا يجوز حتى يكون الخالص أكثر كبيع الجوز بدهنه واللبن بسمنه والتمر بنواه كما في البحر
ولا يستقرض الخبز أصلا أي لا وزنا ولا عددا عند الإمام للتفاوت الفاحش من حيث الطول والعرض والغلظ والدقة ومن حيث الخباز والتنور وعند أبي يوسف يجوز استقراضه وزنا لإمكان التساوي في الوزن لا عددا للتفاوت في آحاده وبه يفتى وبه جزم صاحب الكنز وذكر الزيلعي أن الفتوى على قول أبي يوسف وعند محمد يجوز عددا أيضا للتعارف والتعامل
وفي شرح المجمع الفتوى على قول محمد
وفي الفتح وأنا أرى قول محمد أحسن لكونه أيسر وأرفق
ولا ربا بين السيد وعبده لأنه وما في يده ملكه أطلقه وقيد بعض الفضلاء بما إذا لم يكن دين مستغرق لرقبته وكسبه وأما إذا كان مستغرقا فيجري الربا بينهما اتفاقا لعدم الملك عنده للمولى في كسبه كالمكاتب وعندهما لتعلق حق الغير لكن إذا لم يكن ما معه لمولاه بأن كان مديونا سواء كان الدين لمولاه كالمكاتب أو لغيره فيقرر البيع بينهما فيصير الحكم كحكم سائر البيوع ولذا لم يفصل تدبر
وفي البحر ولا ربا بين المتفاوضين وشريكي العنان إذا تبايعا من مال الشركة وإن كان من غيره جرى بينهما
ولا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب عند الطرفين خلافا لأبي يوسف والشافعي اعتبارا بالمستأمن منهم في
____________________
(3/127)
دارنا ولهما قوله عليه الصلاة والسلام لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب ولأن مالهم مباح في دارهم فبأي طريق أخذه المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن عذر بخلاف المستأمن منهم لأن ماله صار محظورا بعقد الأمان قال في التسهيل وغيره ولا يجوز الربا عند الإمام بين مسلم ومن آمن ثمة لعدم العصمة في مال من أسلم ثمة فصار كمال الحربي ويجوز للمسلم أخذ مال الحربي برضاه ولهما أنه ربا جرى بين مسلمين فحرم وفيه كلام وهو أن عدم العصمة ممنوع ألا يرى أن الغانمين لم يملكوا ما في يد من أسلم ثمة إذا ظهروا عليهم انتهى لكن يمكن الفرق بأن بيع الشيء من الربويات بجنسه متفاضلا يكون برضاه بخلاف ما إذا ظهروا عليهم وأخذوا ما في يد من أسلم ثمة لأنهم أخذوا قهرا لا بالرضى فاقترفا تدبر
باب الحقوق والاستحقاق كان من حق مسائل الحقوق أن تذكر في الفصل المتصل بأول البيوع إلا أن المصنف التزم ترتيب الهداية كما التزم صاحب الهداية ترتيب الجامع الصغير ولأن الحقوق توابع فيليق ذكرها بعد ذكر المسائل المتبوع إلا أن صاحب الهداية ذكر مسائل الحقوق في باب على حدة ثم ذكر مسائل الاستحقاق في باب آخر والمصنف ذكرهما في باب وليت شعري لم ترك أسلوبه والحقوق جمع حق وهو خلاف الباطل وهو مصدر حق الشيء من باب ضرب وقتل إذا وجب وثبت ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها وتمامه في البحر فليراجع يدخل العلو والكنيف في بيع الدار وإن لم يذكر بكل حق هو لها ونحوه لأن الدار اسم لما يدار عليه الحدود من الحائط ويشتمل على بيوت ومنازل وصحن غير مسقف والعلو من أجزائه فيدخل فيه من غير ذكر وكذا الكنيف داخل فيما أطلق عليه وإن كان خارجا مبنيا على الظلة لأنه يعد منها عادة وكذا يدخل بئر الماء والأشجار التي في صحنها والبستان الداخل وأما الخارج فإن كان
____________________
(3/128)
أكثر منها أو مثلها لا يدخل إلا بالشرط وإن كان أصغر منها يدخل لأنها يعد من الدار عرفا والكنيف المستراح كما في البحر
وفي البناية الدار لغة اسم لقطعة أرض ضربت لها الحدود وميزت عما يجاورها بإدارة خط عليها فبني على بعضها دون البعض ليجمع فيها مرافق الصحراء للاسترواح ومنافع الأبنية للإسكان وغير ذلك ولا فرق بين ما إذا كانت الأبنية بالأحجار والتراب أو بالخيام والقباب ولا تدخل الظلة في بيع الدار الظلة والساباط الذي يكون أحد طرفيه على الدار والطرف الآخر على دار أخرى أو على الأسطوانات في السكة ومفتحها في الدار المبيعة كما في الفتح
وفي البحر وغيره وفي الصحاح الظلة بالضم كهيئة الصفة
وفي المغرب قول الفقهاء ظلة الدار يريدون السدة التي تكون فوق الباب لكن عمم في الإصلاح فقال أو على الأسطوانات في السكة سواء كان مفتحها إلى الدار أو لا ومن وهم أنها السدة التي فوق الباب فقد وهم انتهى إلا بذكر كل حق هو لها أي للدار أو بمرافقها أي بذكر مرافقها وهي حقوقها أي بعتها لك بمرافقها أو بكل حق قليل وكثير هو فيها أو منها فحينئذ تدخل الظلة في بيعها عند الإمام
وعندهما تدخل أي الظلة من غير ذكر شيء مما ذكرنا إن كان مفتحها في الدار لأنها من توابع الدار وله أن الظلة تابعة للدار من حيث إن قرار أحد طرفيها على بناء الدار وليست بتابعة لها من حيث إن قرار طرفها الآخر على غير بنائها فلا تدخل بلا ذكر الحقوق وتدخل بذكرها عملا بالشبهين ولو كان خارج الدار مبنيا على الظلة تدخل في بيع الدار بلا ذكر الحقوق لأنها تعد من الدار عادة
وفي الخانية ويدخل الباب الأعظم فيما باع بيتا أو دارا بمرافقهما لأن الباب الأعظم من مرافقهما
ولا يدخل العلو في شراء منزل إلا بذكر نحو كل حق أي إلا أن يقول كل حق هو له أو بمرافقه أو كل قليل وكثير هو فيه أو منه لأن المنزل بين الدار والبيت إذ تتأتى فيه مرافق السكنى بنوع قصور بانتفاء منزل الدواب فيه فلشبهه بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر الحقوق ولشبهه بالبيت لا يدخل فيه بدونه ولا يدخل العلو في شراء بيت وإن وصلية ذكر كل حق ونحوه ما لم ينص عليه لأن البيت اسم لما يبات فيه والعلو مثله والشيء لا يستتبع مثله فلا يدخل إلا فيه بالتنصيص عليه
وفي الكافي إن هذا التفصيل مبني على عرف أهل الكوفة وفي عرفنا يدخل
____________________
(3/129)
العلو في الكل سواء باع باسم البيت أو المنزل أو الدار والأحكام تبتنى على العرف فيعتبر في كل إقليم وفي كل مصر عرف أهله
ولا يدخل الطريق في بيع ما له طريق
و لا يدخل المسيل في بيع ما له مسيل
و لا يدخل الشرب في بيع ما له شرب إلا بذكر نحو كل حق لأن هذه الأشياء تابعة من وجه باعتبار وجودها بدون المبيع فلا يدخل إلا بذكر نحو كل حق كما في القهستاني واللام للعهد أي مسيل الماء والنهر في ملك خاص وشرب الأرض وماؤها وينبغي أن لا يدخل الشرب أصلا في موضع يتعارف بيع الأرض بلا شرب وطريق الدار عرضه عرض الباب الذي هو مدخلها وطوله منه إلى الشارع أو هو أعم ومن طريق خاص في ملك إنسان وقت البيع فلو سد الطريق القديم لم يدخل بذكره فالطريق إلى الشارع العام وإلى سكة غير نافذة يدخل في البيع كما في المحيط لكن في الخلاصة أن الأخيرة لا تدخل إلا بذكرها بخلاف الطريق النافذة فإنها لا تدخل أصلا وإن كان له حق المرور كما كان قبل الشراء وتدخل هذه الأشياء في الإجارة بدون ذكر نحو كل حق إذا لم ينتفع المؤجر بدونها ومثلها الرهن والصدقة الموقوفة
وقال العيني ولا يدخل مسيل ماء الميزاب إذا كان في ملك خاص ولا مسقط الثلج فيه
فصل في بيان أحكام الاستحقاق البينة حجة متعدية إلى الغير تظهر في حق كافة الناس لأن البينة لا تصير حجة إلا بقضاء القاضي وله ولاية عامة فينفذ قضاؤه في حق الكافة كما في التبيين وظاهره أن معنى التعدي أنه يكون القضاء بها على كافة الناس في كل شيء قضى به بالبينة وليس كذلك وإنما يكون القضاء على الكافة في عتق ونحوه كما مر تحقيقه والإقرار حجة قاصرة فلا يتوقف على القضاء وللمقر ولاية على نفسه دون غيره فيقتصر عليه والتناقض يمنع دعوى الملك لا يمنع التناقض دعوى الحرية والطلاق والنسب لأن القاضي لا يمكنه أن يحكم
____________________
(3/130)
بالكلام المتناقض إذ أحدهما ليس بأولى من الآخر فسقطا غير أن الحرية والطلاق والنسب مبناه على الخفاء فيعذر في التناقض لأن النسب يبتنى على العلوق والطلاق والحرية ينفرد بهما الزوج والمولى فيخفى عليهم كما في التبيين فلو ولدت أمة مبيعة تفريع على كون البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة يعني لو اشترى أمة فولدت عنده من غير مولاه
وفي الكافي ولدت لو باستيلاد فاستحقت ببينة تبعها ولدها في كونه مستحقا وملكا لمن برهن إن كان في يده أي في يد المشتري وقضى به أي بالولد أيضا وهو الأصح لأن محمدا قال إذا قضى القاضي بالأصل للمستحق ولم يعرف الزوائد أو في يد آخر غائب لم تدخل الزوائد تحت القضاء لانفصالها عن الأصل يوم القضاء فعلى هذا ظهر تقييده بأن كان في يده وقيل يكفي القضاء بالأم لأنه تبع لها فيدخل في الحكم عليها
وإن أقر المشتري بها أي بالأمة المبيعة لرجل لا يتبعها ولدها فيأخذ المقر له الأمة لا ولدها والفرق أن البينة تثبت الملك من الأصل والولد كان متصلا بها يومئذ فثبت بها الاستحقاق فيهما والإقرار حجة قاصرة بقيت به الملك في المخبر به ضرورة صحة الخبر وما ثبت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة ولم يذكر النكول لأنه في حكم الإقرار
وفي البحر نقلا عن النهاية إنما لا يتبعها الولد في الإقرار إذ لم يدعه المقر له أما إذا ادعاه كان له لأن الظاهر أنه له ولا خصوصية للولد بل زوائد المبيع كلها على التفصيل انتهى لكن الظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق كما قاله المولى سعدي
وفي البزازية واستحقاق الجارية بعد موت الولد لا يوجب على المشتري شيئا كزوائد المغصوب
وإن قال شخص لآخر أي لرجل يطلب شراء عبد اشترني فأنا عبد لفلان فاشتراه أي الرجل
العبد بناء على كلامه فإذا هو حر أي ظهر أنه حر وإذا هنا للمفاجأة فإن كان البائع حاضرا أو غائبا كان
____________________
(3/131)
مكانه معلوما لا يضمن العبد الآمر لوجود من عليه الحق وهو البائع وإلا أي وإن لم يكن البائع حاضرا أو لم يكن مكانه معلوما ضمن أي رجع المشتري على العبد بالثمن عند الطرفين لأن المقر بالعبودية ضمن سلامة نفسه والمشتري اعتمد على أمره وإقراره أنه عبده إذ القول قوله في الحرية فيجعل ضامنا للثمن عند تعذر رجوعه على البائع دفعا للغرر والضرر ورجع العبد على البائع بالثمن إذا حضر لأنه قضى دينا عليه وهو مضطر فيه فلا يكون متبرعا وعند أبي يوسف لا يرجع المشتري على العبد بشيء لأن ضمان الثمن بالمعاوضة أو بالكفالة فلم توجد منهما كما قال اشترني أو قال أنا عبد ولم يزد على ذلك فإنه لا رجوع عليه بشيء بالاتفاق كما في الفتح لكن في العتابية ما يخالفه فلينظر ثمة
وإن قال ارتهني فأنا عبد فارتهنه فإذا هو حر فلا ضمان أصلا سواء كان البائع حاضرا أو لا وسواء كان مكانه معلوما أو غير معلوم لأن الرهن لم يشرع معاوضة وموجب الضمان هو الغرور في المعاوضة
ومن ادعى حقا مجهولا في دار فأنكر المدعى عليه ذلك فصولح من الحق المجهول على شيء كمائة درهم مثلا فأخذه المدعي فاستحق بعضها أي بعض الدار فلا رجوع عليه أي على المدعي بشيء من البدل لجواز أن يكون دعواه فيما بقي وإن قل فما دام في يده شيء لم يرجع
ولو استحق كلها أي كل الدار التي ادعاها رد أي من المدعي كل العوض للتيقن بأنه أخذ عما لا يملكه فيرده وفهم منه أي من المذكور صحة الصلح عن المجهول على معلوم وفهم منه أيضا عدم اشتراط صحة الدعوى لصحة الصلح
وفي المنح استفيد مما تقدم من الحكم شيئان أحدهما أن الصلح عن المجهول جائز لأنه لا يفضي إلى
____________________
(3/132)
المنازعة الثاني أن صحة الصلح لا يتوقف على صحة الدعوى لصحته هو دونها حتى لو برهن لم تقبل إلا إذا ادعى إقرار المدعى عليه به قيد بالمجهول لأنه لو ادعى قدرا معلوما كربعها لم يرجع ما دام في يده ذلك المقدار وإن بقي أقل منه رجع بحساب ما استحق والمصنف اقتصر بالأولى فقد قصر تدبر
ولو كان المدعي ادعى كلها أي كل الدار فصولح على شيء كمائة مثلا ثم استحق شيء منها رد أي المدعي حصة ما يستحق ولو كان المستحق بعضا من الدار لأن الصلح على مائة وقع عن كل الدار فإذا استحق منها شيء تبين أن المدعي لا يملك ذلك بحسابه من العوض كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا أن الواو في ولو زائدة لأن المعنى حينئذ لو كان المدعي ادعى كلها فصولح على شيء ثم استحق الكل رد المدعي حصة ما يستحق وليس كذلك بل يرد حينئذ كل العوض كما مر آنفا بل المراد ههنا رد المدعي حصة ما يستحق لو كان المستحق بعضا تدبر
____________________
(3/133)
134 فصل ثم ذكر أحكام الفضولي بلا فصل فقال ولمن باع فضولي هو نسبة إلى فضول جمع الفضل أي الزيادة
وفي المغرب وقد غلب جمعه على ما لا خير فيه حتى قيل فضول بلا فضل ثم قيل لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي وهو في اصطلاح الفقهاء من ليس وكيلا وفتح الفاء خطأ كما في البحر ملكه مفعول باع أن يفسخه مبتدأ مؤخر خبره لمن وله أي للمالك أن يجيزه يعني ينعقد بيعه موقوفا على إجازة المالك بالشرائط الأربعة كما في البحر وبينها بقوله بشرط بقاء العاقدين أي وله أن يجيزه إن شاء بشرط بقاء البائع والمشتري أما شرط بقاء البائع فلأن حقوق العقد لم يلزمه حال حياته فلا يلزمه بعد وفاته وأما بقاء المشتري فلأن الثمن يلزمه في حال حياته فكيف لا يلزمه بعد وفاته
و بشرط بقاء المعقود عليه أي المبيع والمراد بكون المبيع قائما أن لا يكون متغيرا بحيث يعد شيئا آخر لأن الملك لم ينتقل إليه بالعقد فلا ينتقل بعد هلاكه
وفي البحر ولو لم يعلم حال المبيع وقت الإجازة من بقائه وعدمه جاز البيع في قول أبي يوسف أولا وهو قول محمد لأن الأصل بقاؤه ثم رجع
وقال لا يصح ما لم يعلم بقاؤه و بشرط بقاء المالك الأول لأنه بموته يبطل العقد الموقوف فبعد ذلك لا يفيد إجازة الوارث وإنما جاز بيع الفضولي عندنا لأن ركن التصرف صدر من أهله مضافا إلى محله ولا ضرر في انعقاده موقوفا فينعقد وليس فيه ضرر على المالك لأنه مخير فإذا رأى المصلحة فيه نفذه وإلا فسخه بل له فيه منفعة حيث يسقط عنه مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن ويسقط رجوع حقوق العقد إليه فثبت للفضولي القدرة الشرعية إحرازا لهذه المنافع على أن الإذن له ثابت دلالة لأن كل عاقل يرضى بتصرف يحصل له به النفع خلافا للشافعي إذ عنده تصرفات الفضولي باطلة كلها وقيد المصنف بالأول مستدرك
____________________
(3/134)
لا طائل تحته تتبع
وكذا بشرط بقاء الثمن إن كان الثمن عرضا لأن العرض يتعين بالتعيين فصار كالبيع فيشترط بقاؤه وبهذا يفهم أن الثمن إن كان دينا يحتاج إلى أربعة أشياء وإن كان عرضا يحتاج إلى خمسة أشياء فلا وجه بالحصر إلى أربعة كما قيل تدبر وإذا أجاز المالك عند قيام الخمسة المذكورة جاز البيع فالثمن العرض ملك للفضولي أي إن كان الثمن عرضا كان مملوكا للفضولي وإجازة المالك إجازة نقد لا إجازة عقد لأنه لما كان العرض متعينا كان شراء من وجه والشراء لا يتوقف بل ينفذ على المباشر إن وجد نفاذا فيكون ملكا وبإجازة المالك لا ينتقل إليه بل تأثير إجازته في النقد لا في العقد وعليه أي يجب عن الفضولي مثل البيع لو كان مثليا وإلا أي وإن لم يكن مثليا فقيمته لأنه لما صار البدل له صار مشتريا لنفسه بمال الغير مستقرضا له في ضمن الشراء فيجب عليه رده كما لو قضى دينا بمال الغير واستقراض غير المثلي جائز ضمنا وإن لم يجز قصدا وغير العرض يعني إن كان الثمن في بيع الفضولي دينا غير عرض كالدراهم والدنانير والفلوس والكيلي والوزني بغير عينهما فأجاز المالك البيع حال بقاء الأربعة جاز البيع وهو الثمن ملك للمجيز أمانة في يد الفضولي بمنزلة الوكيل حتى لا يضمن بالهلاك في يده سواء هلك بعد الإجازة أو قبله لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة وللفضولي أن يفسخ قبل إجازة المالك دفعا للحقوق عن نفسه لأن حقوق البيع ترجع إليه بخلاف الفضولي في النكاح حيث لا يكون الفسخ له قبل الإجازة لأن الحقوق لا ترجع إليه
وصح إعتاق المشترى اسم مفعول أو فاعل صلته من الغاصب إذا أجيز البيع يعني لو غصب عبدا فباعه ثم أعتقه المشتري من الغاصب ثم أجاز المولى البيع صح العتق استحسانا عن المشتري عند الشيخين خلافا لمحمد وزفر وهو رواية عن أبي يوسف وهو القياس لأنه لا عتق بدون الملك وجه الاستحسان أن الملك يثبت موقوفا بتصرف مطلق موضوع لإفادة الملك ولا ضرر فيه فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه وينفذ بنفاذه
ولا يصح بيعه أي بيع المشتري من الغاصب عند إجارة المغصوب منه البيع الأول لأن بالإجازة يثبت للبائع
____________________
(3/135)
ملك بات فإذا طرأ على ملك موقوف أبطله لاستحالة الملك البات والملك الموقوف في محل واحد
ولو قطعت يده أي يد العبد الذي باعه الفضولي عند المشتري فأجيز أي أجاز المالك البيع فأرشه أي أرش يد العبد له أي لمشتريه لأن الملك ثبت له من وقت الشراء فتبين أن القطع ورد على ملكه وعلى هذا كل ما يحدث من البيع كالكسب والولد والعقر قبل الإجازة يكون للمشتري وكذا الحكم في أرش جميع جراحاته فذكر اليد مثال وهو لا يخص كما لا يخفى وفيه سؤال وجواب في المنح وغيره فليطالع ويتصدق المشتري بما زاد من أرش اليد على نصف ثمنه أي ثمن العبد وجوبا لأن فيه شبهة عدم الملك لأنه غير موجود حقيقة وقت القطع وأرش اليد الواحدة في الحر نصف الدية وفي العبد نصف القيمة والذي دخل في ضمانه هو ما كان بمقابلة الثمن فيما زاد على نصف الثمن شبهة عدم الملك فيتصدق به وجوبا ولو رد وجوب التصدق بالزائد كما هو ظاهر ما في الفتح وقيد بما زاد لأنه لا يتصدق بالكل وإن كان فيه شبهة عدم الملك لكونه مضمونا عليه بخلاف ما زاد ووزع في الكافي فقال إن لم يكن مقبوضا ففيما زاد ربح ما لم يضمن وإن كان مقبوضا ففيه شبهة عدم الملك كما في البحر
ومن اشترى عبدا من غير سيده ثم أقام المشتري بينة بعد ما ادعى على البائع أنه أقر قبل البيع بأني أبيع بغير أمر مولاه أو بعد البيع بأني بعت بغير أمره أو على المولى أنه أقر بعدم أمر البيع على إقرار البائع الفضولي أو السيد حال إرادة رد العبد على الإقرار بعدم الأمر ببيع العبد المذكور وأراد المشتري رده أي العبد لا تقبل بينته لبطلان دعواه بالتناقض إذ إقدامهما على العقد اعتراف منهما بصحته ونفاذه لأن الظاهر من حال المسلم العاقل مباشرة العقد الصحيح النافذ والبينة لا تبتنى إلا على دعوى صحيحة فإذا بطلت الدعوى لا تقبل كما لو أقام البائع البينة أنه باع بلا أمر أو برهن على إقرار المشتري بذلك فإنه لا تقبل
ولو أقر البائع الفضولي بذلك أي عدم أمر رب العبد عند القاضي فله أي للمشتري رده إن طلب المشتري ذلك لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار لعدم التهمة فللمشتري أن يساعده فيتفقان فينتقض في حقهما وهو المراد ببطلان البيع
____________________
(3/136)
في عبارته لا في حق رب العبد إن كذبهما وادعى أنه كان أمره فإذا لم ينفسخ في حقه يطالب البائع بالثمن عندهما لأنه وكيله وليس له مطالبة المشتري لبراءته بالتصادق وعند أبي يوسف له أن يطالبه فإذا أدى رجع به على البائع بناء على براءة الوكيل وتمامه في البحر فليراجع
ولو اشترى دارا من فضولي وأدخلها المشتري في بنائه فلا ضمان على الفضولي عند الإمام وهو قول أبي يوسف آخرا خلافا لمحمد وهو قول أبي يوسف أولا
وفي البحر يعني إذا أقر البائع بالغصب وأنكر المشتري لأن إقراره لا يصدق على المشتري ولا بد من إقامة البينة حتى يأخذها فإذا لم يقم المستحق وهو صاحب الدار البينة كان التلف مضافا إلى عجزه عن إقامة البينة لا إلى عقد البائع لأن الغاصب لا يجوز بيعه فعلى هذا يعلم أن قوله وأدخلها المشتري في بنائه اتفاقي وإنما ذكره ليعلم حكم غيره بالأولى وأراد بالدار العرصة بقرينة أدخلها في بنائه
باب السلم لما كان من أنواع البيوع ولكن شرط فيه القبض كالصرف أخرهما وقدمه على الصرف لأن الشرط في الصرف قبضهما
وفي السلم قبض أحدهما فهو بمنزلة المفرد من المركب وهو في اللغة عبارة عن نوع بيع يعجل فيه الثمن
قيل وفي اصطلاح الفقهاء هو أخذ عاجل بآجل وفي البحر نقلا عن الفتح ليس بصحيح لصدقه على البيع بثمن مؤجل وعرفه أولا بيع آجل بعاجل والظاهر أن قولهم أخذ عاجل بآجل تحريف من النساخ الجهلة فاستمر النقل على هذا التحريف
انتهى
وعن هذا قال هو بيع آجل بعاجل لكن يجوز أن يقال المراد
____________________
(3/137)
أخذ ثمن عاجل بآجل بقرينة المعنى اللغوي إذ الأصل عدم التغيير إلا أن يثبت بدليل كما قاله بعض الفضلاء
وفي الدرر وهو مشروع بالكتاب وهو قوله تعالى إذا تداينتم بدين الآية فإنها تشمل السلم والبيع بثمن مؤجل وتأجيله بعد الحلول والسنة وهي قوله عليه الصلاة والسلام من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وبالإجماع ويأباه القياس لأنه بيع معدوم لكنه ترك لما ذكر ولم يستدل بما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم لأن محمد بن العز الحنفي قال في حواشي الهداية هذا اللفظ هكذا لم يرو من أحد من الصحابة في كتب الحديث وكأنه من كلام واحد من الفقهاء انتهى
ويصح السلم فيما أمكن ضبط صفته أي جودته ورداءته ونحو ذلك ومعرفة قدره أي مقداره أعم من الكيل والوزن والذرع لأنه لا يفضي إلى المنازعة وفي البحر السلم في العنب الفلاني في وقت كونه حصرما لا يصح والسلم في التفاح الشامي قبل الإدراك يصح لأنه يسمى تفاحا لا في غيره أي وما لا يمكن ضبط صفته ومعرفة قدره لا يصح السلم فيه لأنه يفضي إلى المنازعة وهذه قاعدة كلية تبتنى عليها كثير مسائل السلم
فشرع المصنف في ذكر بعضها لتعرف باقيها بالتأمل فيها فقال مفرعا بما عليها فيصح السلم كما في الفرائد لكن لما كان المصنف شرع أن يبين الفصلين بالفاء فالأولى أن تكون تفصيلية تدبر في المكيل كالبر والشعير والموزون كالعسل والزيت سوى النقدين من الدراهم والدنانير لا لأنهما موزونة ولكنهما غير مثمنين بل خلقا ثمنين فلا يجوز السلم فيها
و يصح في العددي المتقارب وهو ما لا يتفاوت آحاده كالجوز والبيض عددا وكيلا لأنه معلوم مضبوط مقدور التسليم وما فيه من التفاوت يهدر عرفا ولا خلاف في جوازه عددا وإنما الخلاف فيه كيلا فعندنا يجوز كيلا ومنعه زفر كيلا وعنه منعه عددا أيضا للتفاوت وإنما جاز كيلا عندنا لوجود الضبط فيه
قيد بالمتقارب ومنه الكمثرى والمشمش والتين لأن العددي المتفاوت لا يجوز السلم فيه وما تفاوتت ماليته متفاوت كالبطيخ والقرع
____________________
(3/138)
والرمان والسفرجل وغيرها فلا يجوز السلم في شيء منها عددا للتفاوت إلا إذا ذكر ضابطا غير مجرد العدد كطول وغلظ وغير ذلك كما في البحر وغيره
لكن في شرح المجمع وذكر في المختلف يجوز السلم في الجوز والبيض عددا وكيلا ووزنا
وقال زفر يجوز كيلا ووزنا وكذا ذكر في المبسوط
وفي فتاوى الأفطس أجمعوا على أن السلم يجوز في الجوز كيلا وفي البيض وزنا
انتهى فعلى هذا يظهر مخالفة ما في البحر وغيره من أنه منعه زفر كيلا تدبر
وكذا في الفلوس أي يصح السلم فيها عددا لأن الثمنية فيها ليست خلقية وإنما الجواز فيها بالاصطلاح فللعاقدين إبطالها خلافا لمحمد لأنها أثمان
وفي البحر وظاهر الرواية عن الكل الجواز وإذا بطلت ثمنيتها لا تخرج عن العد إلى الوزن للعرف إلا أن يهدره أهل العرف كما هو في ديارنا في زماننا وقد كانت قبل هذه الأعصار عددية في ديارنا أيضا
انتهى فعلى هذا يكون اختيار المصنف غير الظاهر فلهذا قال خلافا لمحمد لكن الأولى أن يقول وعن محمد تدبر
وفي اللبن بفتح اللام وكسر الباء وهو الطوب الأحمز وشرط في الخلاصة ذكر المكان الذي يعمل فيه اللبن والآجر بضم الجيم وتشديد الراء مع المد اللبن إذا طبخ إذا سمي ملبن بكسر الميم وفتح الباء قالبهما معلوم لأن التفاوت حينئذ يكون أقل
و يصح السلم في المذروع كالثوب إن بين طوله وعرضه ورقعته أي غلظه ورقته
وفي المنح وصفته أي من قطن أو كتان أو مركب منهما وهو الملحم أو حرير ونحو ذلك وصنعة كعمل الشام أو الروم لأنه يصير معلوما بذكر هذه الأشياء فلا يؤدي إلى النزاع
قيل هذا إذا كان الثوب غير الحرير إذ لو كان حريرا لا بد أيضا من بيان وزنه
و يصح في السمك المليح أي القديد بالملح وزنا ونوعا معلومين لأنه لا ينقطع وهو معلوم يمكن ضبطه ببيان قدره بالوزن وبيان نوعه
وكذا الطري في حينه فقط أي يصح في سمك طري حين يوجد غير مقيد بوقت دون وقت حتى كان في بلد لا ينقطع يجوز مطلقا وزنا ونوعا ولا يجوز السلم فيهما أي في المليح والطري عددا لتفاوت آحاده بالكبر والصغر
وعن الإمام أن السمك لا
____________________
(3/139)
يصح فيه السلم لا طريا ولا مليحا لأنه لحم فصار كالسلم في اللحم
وفي الإيضاح والصحيح من المذهب أن السمك الصغار يجوز السلم فيه كيلا ووزنا وفي الكبار روايتان ولا فرق بين الطري والمليح
ولا يصح السلم في الحيوان طائرا أو غيره لتفاوت آحاده خلافا للشافعي إذ عنده يجوز إذا كان موصوفا لإمكان الضبط بمعرفة النوع واللون والوصف والسن وأطرافه كالرءوس والأكارع ولا في جلوده عددا لكون التفاوت في الصغر والكبر فاحشا وعند مالك يجوز في الرءوس والجلود عددا للتقارب
وفي العناية ولا يتوهم أنه يجوز وزنا لقيد عددا لأن معناه أنه عددي فحيث لم يجز عددا لم يجز وزنا بالطريق الأولى لأنه لا يوزن عددا وفي الذخيرة إن بين للجلود ضربا معلوما يجوز لانتفاء المنازعة حينئذ
ولا يصح في الحطب حزما و لا الرطبة جرزا لأن هذا مجهول لا يعرف طوله وغلظه حتى إذا عرف ذلك بأن بين الحبل الذي يشد به الحطب والرطبة وبين طوله وضبط ذلك بحيث لا يؤدي إلى النزاع جاز ولو قيد الوزن في الكل صح كما في الفتح
ولا يصح في الجوهر والخرز بالتحريك الذي ينظم لتفاوت آحاده إلا صغار اللؤلؤ لو كانت تباع وزنا فيجوز السلم فيها وزنا لأن الصغار إنما يعلم به
ولا يصح في اللحم طريا عند الإمام وقالا يصح إذا وصف موضع معلوم منه بصفة معلومة
وفي البحر وقالا يجوز إذا بين جنسه ونوعه وسنه وموضعه وصفته وقدره لأنه موزون مضبوط الوصف كالألية والشحم بخلاف لحم الطيور فإنه لا يقدر على وصف موضع منه ولأنه يختلف باختلاف كبر العظم وصغره فيؤدي إلى المنازعة وفي منزوع العظم روايتان والأصح عدمه ولذا أطلقه في الكتاب
وفي الحقائق والعيون الفتوى على قولهما وهذا على الأصح من ثبوت الخلاف بينهم وقد قيل لا خلاف فمنع الإمام فيما إذا أطلق السلم في اللحم وقولهما فيما إذا بينا وإذا حكم الحاكم بجوازه صح اتفاقا
ولا يجوز السلم بكيل أو ذراع معين قيد للكيل والذراع لا يدرى قدره أي قدر ذلك الصاع والذراع لاحتمال الضياع فيقع النزاع بخلاف البيع به حالا قيد بكونه لم يدر قدره لأنهما لو كانا معلومي المقدار جاز ولا يجوز في طعام قرية أو تمر نخلة معينة إذ ربما تعرضهما آفة فلا يمكن التسليم قيد بقرية لأنه لو أسلم في طعام ولاية يجوز لأن وصول الآفة لطعام كل الولاية
____________________
(3/140)
نادر وهذا إذا نسب إلى قرية ليؤدي من طعامها وأما إذا نسب إليها لبيان وصف الطعام فالسلم جائز كما في شرح المجمع
ولا يجوز فيما لا يبقى في الأسواق والبيوت من حين العقد إلى حين المحل بكسر الحاء المهملة مصدر قولهم حل الدين أي إلى حين حلول الأجل حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو بالعكس أو منقطعا فيما بين ذلك لا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام لا تسلفوا في الأثمار حتى يبدو صلاحها ولاحتمال موت المسلم إليه بعد العقد قبل أن يبلغ المحل إذ يحل الأجل ويلزم التسليم والاحتمال في هذا العقد ملحق بالحقيقة خلافا للشافعي إذ عنده يجوز إن وجد وقت الحلول فلا يلزم الاستمرار
وشرطه أي شرط جواز السلم تسعة أشياء ذكر المصنف منها ثمانية الأول بيان الجنس كبر أو شعير و الثاني بيان النوع كسقية بفتح السين وتشديد الياء أي مسقية وهي ما تسقى سيحا أو بخسية بفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وهي ما تسقى بالمطر نسبة إلى البخس لأنها مبخوسة الحظ من الماء بالنسبة إلى السيح غالبا
و الثالث بيان الصفة كجيد أو رديء و الرابع بيان القدر نحو كذا رطلا أو كيلا بما لا ينقبض ولا ينبسط فلا يجعل مثل الزنبيل كيلا لاحتمال الزيادة والنقصان ويجعل مثل قربة الماء كيلا عند أبي يوسف للتعامل
و الخامس بيان أجل معلوم إذ السلم لا يجوز إلا مؤجلا عندنا
وعند الشافعي الأجل ليس بشرط لأنه عليه الصلاة والسلام رخص فيه مطلقا ولنا قوله عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث إلى أجل معلوم ولأنه شرع رخصة للفقراء فلا بد من مدة
____________________
(3/141)
ليقدر على التحصيل والتتميم والإيصال والتسليم
وأقله أي أقل الأجل في السلم شهر في الأصح روي ذلك عن محمد وعليه الفتوى لأن ما دونه عاجل والشهر وما فوقه آجل بدليل مسألة اليمين حلف ليقضين دينه عاجلا فقضاه قبل تمام الشهر بر وقيل ثلاثة أيام وقيل عشرة أيام وقيل أكثر من نصف يوم
وقال صدر الشهيد والصحيح ما رواه الكرخي أنه مقدر بما يمكن فيه تحصيل المسلم فيه
وفي الفتح وهو جدير أن لا يصح لأنه لا ضابط يتحقق فيه وكذا من رواية أخرى عن الكرخي أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه وإلى عرف الناس في تأجيل مثله كل هذا تنفتح فيه المنازعات بخلاف المقدار المعين من الزمان انتهى وفي البحر هو جدير بأن يصح ويعول عليه فقط لأن من الأشياء ما لا يمكن تحصيله في شهر فيؤدي التقدير به إلى عدم حصول المقصود من الأجل وهو القدرة على تحصيله انتهى هذا مسلم إن كان التقدير مخصوصا بالشهر لا بالزيادة فليس كذلك لأن ما نحن فيه أقل بيان الأجل لا أكثره حتى يرد عليه قوله إن من الأشياء ما لا يمكن تحصيله إلى آخره لأنه إن حصل في الشهر فبها وإن لم يحصل فيه واتفقا على زيادة عليه جاز بلا مانع تدبر
و السادس بيان قدر رأس المال إن كان كيليا أو وزنيا أو عدديا أي وشرطه بيان قدر رأس المال إذا كان العقد يتعلق على مقداره وإن كان مشارا إليه عند الإمام فلا يجوز في جنسين بلا بيان رأس مال كل منهما يعني إذا أسلم مائة درهم في كر بر وكر شعير ولم يبين رأس مال كل منهما لا يصح عنده لأن إعلام قدر رأس المال شرط فيقسم المائة على البر والشعير باعتبار القيمة وهي تعرف بالظن فتكون مجهولة حتى لو كان من جنس واحد يصح لأن رأس المال ينقسم عليهما على السواء ولا يجوز السلم بنقدين بلا بيان حصة كل منهما من المسلم فيه كما في الوقاية يعني إذا أسلم عشرة دراهم وعشرة دنانير في عشرة أقفز بر لم تجز عنده لأن الدراهم والدنانير المذكورة إذا لم تعلم وزنا يلزم عدم بيان حصة كل منهما من المسلم فيه وكذا إذا علم وزن واحد منهما دون الآخر حيث يلزم بطلان العقد في حصة ما لم يعلم ويبطل في حصة الآخر للجهالة ولكون الصفقة واحدة واعترض بأن هذا التصوير إنما يستقيم
____________________
(3/142)
على عبارة الهداية وغيرها حيث قالوا لو أسلم جنسين ولم يبين مقدار أحدهما فعلى هذا يكون غير المبين رأس المال وأما في عبارة الوقاية فلكون الظاهر أن غير المبين هو حصة رأس المال من المسلم فيه وبينهما مخالفة ظاهرة انتهى
وأجاب بعض الفضلاء والحق أنه لا مخالفة لأن بيان الحصة من المسلم فيه بيان رأس المال كما لا يخفى
تأمل
و السابع بيان مكان إيفائه أي إيفاء المسلم فيه إن كان له حمل بفتح الحاء الثقل ومؤنة كالحنطة قيل ما لا يحمل إلى مجلس القضاء مجانا وقيل ما لا يمكن رفعه بيد واحدة هذا عند الإمام وعندهما لا يشترط معرفة قدر رأس المال إذا كان معينا لأنه صار معلوما بالإشارة كما في الثمن والأجرة
وله أن جهالة قدر رأس المال قد يفضي إلى جهالة المسلم فيه بأن ينفق بعضه ثم يجد بالباقي عيبا فيرده ولا يتفق له الاستبدال في مجلس العقد فينفسخ العقد في المردود ويبقى في غيره ولا يدري قدره فيفضي إلى جهالة المسلم فيه فيجب التحرز عن مثله والموهوم في هذا العقد كالمتحقق لشرعه مع المنافي
وفي البحر والأولى أن يعلل للإمام بأنه ربما لا يقدر على المسلم فيه فيحتاج إلى رد رأس المال فيجب أن يكون معلوما وأما ما ذكروه فيندفع بما قدمناه من أن الانتقاد شرط بخلاف ما إذا كان رأس المال ثوبا لأن الذرع وصف فيه لا يتعلق العقد على مقداره ولا يشترط بيان مكان الإيفاء ويوفيه في مكان عقده عندهما لأن التسليم وجب بالعقد فتعين مكانه له ولأنه لا يزاحمه مكان آخر فيه فيصير نظير أول أوقات الإمكان في الأوامر وصار كالقرض والغصب وللإمام أن التسليم غير واجب في الحال فلا يتعين بخلاف القرض والغصب وإذا لم يتعين فالجهالة فيه تفضي إلى المنازعة لأن قيم الأشياء تختلف باختلاف المكان فلا بد من البيان وصار كجهالة الصفة وعن هذا قال من قال من المشايخ إن الاختلاف فيه عنده يوجب التحالف كما في الصفة وقيل على عكسه لأن تعيين المكان من قضية العقد عندهما كما في الهداية
ومثله أي مثل المسلم فيه في الخلاف في اشتراط تعيين مكان الإيفاء الثمن المؤجل الذي لحمله مؤنة كما إذا باع ثوبا بمد حنطة مؤجلة فإنه يشترط بيان مكان إيفاء الحنطة عنده في الصحيح وعندهما يتعين
____________________
(3/143)
للإيفاء مكان العقد في الثمن وقيل لا يشترط في الكل والأجرة كما لو استأجر دارا أو دابة بمكيل أو موزون موصوف بالذمة فإنه يشترط بيان مكان الإيفاء عنده خلافا لهما ويتعين في إجارة الدار موضع الدار للإيفاء وموضع تسليم الدابة في إجارة الدابة والقسمة بأن اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة فعنده يشترط بيان مكان الإيفاء وعندهما يتعين مكان العقد
وما لا حمل له ولا مؤنة كالمسك والكافور ونحوهما يوفيه حيث شاء في الأصح اتفاقا قال صاحب الهداية وما لم يكن له حمل ومؤنة لا يحتاج فيه إلى بيان مكان الإيفاء بالإجماع لأنه لا تختلف قيمته ويوفيه في المكان الذي أسلم فيه وهذه رواية الجامع الصغير في البيوع وذكر في الإجارات يوفيه في أي مكان شاء وهو الأصح لأن الأماكن كلها سواء ولا وجوب في الحال ولو عينا مكانا قيل لا يتعين لأنه لا يفيد وقيل يتعين لأنه يفيد سقوط خطر الطريق انتهى فعلى هذا قول المصنف في الأصح احتراز عن رواية الجامع الصغير وقوله اتفاقا قيد لعدم الاحتياج إلى بيان الإيفاء وتعيينه إذ لم يكن له حمل ولا مؤنة فلا وجه لما قيل من أن قول المصنف يوفيه حيث شاء في الأصح اتفاقا لا يخلو عن شيء لأنه يشعر بأن الإيفاء حيث شاء متفق عليه في الأصح وإن ذكر بعضهم أنه مختلف فيه وليس الأمر كذلك تدبر قيل هذا إذا أمكن الإيفاء في موضع العقد إذ لو كان العقد في لجة البحر أو قلة الجبال يوفيه في أقرب الأماكن من مكان العقد
وفي التنوير شرط الإيفاء في مدينة فكل محلاتها سواء في الإيفاء حتى لو أوفاه في محلة منها برئ
و الثامن قبض رأس المال ولو غير نقد بالتخلية قبل التفرق أي قبل تفرق العاقدين بالبدن لأن السلم أخذ آجل بعاجل وذلك بالقبض قبل الافتراق فلا يضر القبض بعد مشيهما فرسخا أو أكثر أو نومهما والافتراق أن يتوارى أحدهما صاحبه حتى لو دخل رب السلم بيته لإخراج الدراهم ولم يغب عن عين صاحبه لا يكون افتراقا
شرط بقائه أي بقاء العقد على الصحة لا شرط انعقاده فينعقد
____________________
(3/144)
صحيحا بدونه ثم يفسد بالافتراق بلا قبض فلو أبى المسلم إليه قبضه في المجلس أجبر عليه وفيه إشارة إلى أن شرط الخيار مفسد للسلم لأنه يمنع تمام القبض
والشرط التاسع الذي لم يذكره المصنف هو القدرة على تحصيل المسلم فيه وزاد صاحب البحر تسعا أخر فليطالع
فلو تفريع على قوله وقبض رأس المال أسلم رجل إلى آخر مائة نقدا ومائة دينا على المسلم إليه في كر بطل السلم في حصة الدين فقط سواء كان العقد مطلقا بأن قال أسلمت إليك مائتي درهم في كر حنطة ثم جعلا مائة من رأس المال تقاصا بالدين أو مقيدا بأن أسلمت إليك في مائة نقد ومائة دين لي عليك وسواء أضيف إلى دراهم بعينها أو لا وذلك لفقدان القبض
وإنما قال دينا على المسلم إليه لأنه لو كان الدين على الأجنبي فهو غير صحيح في حق الكل حتى لو نقد الكل من ماله في المجلس لم ينقلب جائزا بخلاف ما إذا كان الدين على المسلم إليه فإنه بالنقد في المجلس ينقلب إلى الجواز
وعند زفر السلم باطل في الكل لسريان الفساد ولا يجوز التصرف في رأس المال أو المسلم فيه قبل قبضه أي قبل قبض المسلم إليه رأس المال وقبل قبض رب السلم المسلم فيه بشركة أو تولية لأن المسلم فيه مبيع والتصرف فيه قبل القبض لا يجوز ولرأس المال شبه بالمبيع فلا يجوز التصرف قبل القبض ففي التولية تمليكه بعوض وفي الشركة تمليك بعضه بعوض فلا يجوز
وصورة الشركة فيه أن يقول رب السلم لآخر أعطني نصف رأس المال ليكون نصف المسلم فيه لك
وصورة التولية أن يقول أعطني مثل ما أعطيت المسلم إليه حتى يكون المسلم فيه لك وإن خصهما بالذكر لأنهما أكثر وقوعا من غيرهما
ولا يجوز لرب السلم شراء شيء من المسلم إليه برأس المال بعد التقابل في عقد السلم الصحيح بعد وقوعه قبل قبضه بحكم الإقالة استحسانا لقوله عليه السلام لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك أي لا تأخذ إلا ما أسلمت فيه حال قيام العقد أو رأس مالك بعد الانفساخ فتركنا القياس عملا به لأن النبي عليه الصلاة والسلام جعل
____________________
(3/145)
حق رب السلم أخذ المسلم فيه قبل الإقالة وأخذ رأس المال بعدها ثم لا يجوز الاستبدال قبل الإقالة بالمسلم فيه لئلا يصير قابضا حق غيره فكذا بعدها برأس المال
وعند زفر وهو قول الأئمة الثلاثة يجوز استبدال رب السلم به شيئا من المسلم إليه قياسا باعتبار سائر الديون
ولو اشترى المسلم إليه كرا وأمر رب السلم بقبضه أي بقبض الكر الذي اشتراه ولم يقبضه من البائع قضاء أي لأجل القضاء عليه من الكر المسلم فيه لم يصح لأنه اجتمعت صفقتان السلم وهذا الشراء فلا بد من أن يجرى فيه الكيلان ولو أمر مقرضه بذلك صح يعني لو كان الكر قرضا لا سلما فاشترى المستقرض كرا من غيره وأمر مقرضه بقبضه قضاء لحقه فإنه يصح وإن لم يعد الكيل لأن القرض إعارة وكان المقبوض عين حقه تقديرا فلم يكن استبدالا
وكذا لو أمر المسلم إليه رب سلمه بقبضه أي بقبض الكر منه له أي لأجل مسلم إليه ثم بقبضه ثانيا لنفسه أي لنفس رب السلم فاكتاله أي رب السلم لأجل المسلم إليه ثم اكتاله لنفسه صح لاجتماع الكيلين
ولو اكتال المسلم إليه في ظرف رب السلم بأمره أي بأمر رب السلم وهو والحال أنه غائب لا يكون قبضا لأن في السلم لم يصح أمر رب السلم بالكيل لأن حقه في الدين لا في العين فأمره لم يصادف ملكه فالمسلم إليه جعل ملكه في ظرف استعاره من رب السلم
قيد بغيبته لأنه لو كان حاضرا وكاله المسلم إليه بحضرته وخلى بينه وبين الطعام يصير قابضا لأن التخلية تسليم
ولو اكتال البائع كذلك يعني لو اشترى من آخر طعاما ودفع المشتري إلى البائع ظرفا وأمره أن يكيله ويجعله في الظرف ففعل البائع والمشتري غائب كان قبضا لأنه كان مالكا للعين بالشراء فأمره صادف ملكه فيكون قابضا بوضعه في ظرفه وكان البائع وكيلا في إمساك الظرف فجعل في يد المشتري حكما لأن الوكيل في القبض كالموكل
بخلاف ما لو اكتاله البائع في ظرف نفسه لأن المشتري صار مستعيرا ظرفه ولم يقبضه فلم تصح العارية لأنها تبرع فلا يتم بلا قبض فلا يصير الواقع فيه واقعا في يد المشتري أو اكتاله في ناحية بيته أي بيت البائع لأن البيت ونواحيه في يده فلم يصر المشتري
____________________
(3/146)
قابضا
ولو اكتال العين والدين في ظرف المشتري بأن اشترى رجل من آخر كرا بعقد السلم وكرا معينا بالبيع عند حلول أجل السلم ثم أمر المشتري البائع بأن يجعل الكرين في ظرف المشتري إن بدأ البائع هو المسلم إليه بالعين كان قبضا أي كان المشتري هو رب السلم قابضا لهما
أما في العين فلصحة الأمر فيه وأما في الدين فلاتصاله بملك المشتري كمن استقرض حنطة وأمره أن يزرعها في أرضه
وكمن دفع إلى صائغ خاتما وأمره أن يزيد من عنده نصف دينار وإن بدأ البائع بالدين فلا يكون قابضا لهما عند الإمام
أما في الدين فلعدم صحة الأمر فيه
وأما في العين فلأنه خلطه بملكه قبل التسليم فصار مستهلكا عنده فينتقض البيع مع أن الخلط غير مرضي به من جهة الآمر لجواز أن يكون مراده البداية بالعين فلم يتحقق رضاه حتى يكون شريكا له وعندهما صح قبض العين فإن شاء رضي بالشركة في المخلوط
وإن شاء فسخ البيع لأن الخلط ليس باستهلاك عندهما كما في الهداية وخصه قاضي خان بقول محمد أما عند أبي يوسف إذا بدأها بالدين يصير قابضا لهما كما لو بدأ بالعين ضرورة اتصاله بملكه في الصورتين إذ الخلط ليس باستهلاك
وقال محمد يصير قابضا للعين دون الدين فيشتركان فيه ولم يبرأ عن الدين وكذا لو استقرض رجل كرا ودفع إليه غرائره ليكيله فيها ففعل وهو غائب لم يكن قبضا كما في المنح
ولو أسلم أمة في كر من بر مثلا أي جعل أمة رأس المال في اشتراء كر بعقد السلم وقبضت الأمة أي قبضها المسلم إليه ثم تقايلا عقد السلم فماتت أي ثم ماتت الأمة في يد المسلم إليه قبل ردها أي الأمة إلى رب السلم بقي التقايل على حاله ولم يبطل بهلاكها وتجب على المسلم إليه قيمتها أي الأمة يوم قبضها
____________________
(3/147)
أي الأمة
ولو ماتت الأمة قبل الإقالة ثم تقايلا صح التقايل أي الإقالة بعد موتها ويجب على المسلم إليه قيمتها يوم القبض لأن شرط الإقالة بقاء العقد وهو يبقى ببقاء المعقود عليه وهو المسلم إليه فيه وهو باق في ذمة المسلم إليه بعد هلاكها فإذا انفسخ العقد وجب عليه ردها وقد عجز بموتها فتجب عليه قيمتها كما لو تقابضا ثم تقايلا بعد هلاك أحدهما أو هلك أحدهما بعد الإقالة
وإنما اعتبر يوم القبض لأنه سبب الضمان كالغصب
وكذا المقايضة وهي بيع سلعة بسلعة في الوجهين هو الموت بعد التقايل والتقايل بعد الموت لأن كل واحد منهما مبيع من وجه وثمن من وجه ففي الباقي يعتبر المبيعة وفي الهلاك الثمنية بخلاف الشراء بالثمن فيهما أي إذا اشترى أمة بألف ثم تقايلا فماتت في يد المشتري بطلت الإقالة ولو تقايلا بعد موتها فالإقالة باطلة لأن المعقود عليه في البيع إنما هو الأمة ولا يبقى العقد بعد هلاكها فلا تصح الإقالة ابتداء ولا تبقى انتهاء لانعدام محلها كما في الهداية
وفي التنوير تقايلا البيع في عبد فأبق من يد المشتري فإن لم يقدر المشتري على تسليمه بطلت الإقالة والبيع بحاله
ولو ادعى أحد عاقدي السلم بيان الأجل أو ادعى اشتراط الرداءة وأنكر الآخر يعني لو قال أحدهما شرطنا التأجيل وقال الآخر لم نشترط شيئا أو قال أحدهما شرطنا طعاما رديا وقال الآخر لم نشترط فالقول لمدعيهما أي لمدعي الأجل والرداءة مطلقا سواء كان مدعيهما رب السلم أو المسلم إليه عند الإمام لأن المدعي يدعي الصحة فكان القول له وإن أنكر خصمه إذ الظاهر شاهد له لأن العقد الفاسد معصية والظاهر من حال المسلم التحرز عنه
وقالا للمنكر إن كان المنكر رب السلم في الصورة الأولى أي القول لرب السلم عندهما إذا ادعى المسلم إليه التأجيل لأنه ينكر حقا عليه وهو الأجل أو كان المنكر المسلم إليه في الصورة الثانية وهي الرداءة لأنه منكر والأصل أن من خرج كلامه تعنتا فالقول لصاحبه بالاتفاق وإن خرج خصومة بأن ينكر ما يضره مع اتفاقهما على عقد واحد فالقول لمدعي الصحة عنده وعندهما القول للمنكر سواء أنكر الصحة أو غيرها
وفي التنوير ولو اختلفا في مقداره فالقول للطالب مع يمينه وإن برهن قبل وإن برهنا قضى ببينة المطلوب واختلفا في مضيه فالقول للمطلوب لإنكاره توجه المطالبة وإن برهنا قضى ببينة المطلوب
والاستصناع
____________________
(3/148)
لغة طلب العمل متعد إلى مفعولين وشرعا بيع ما يصنعه عينا فيطلب فيه من الصانع العمل والعين جميعا فلو كان العين من المستصنع كان إجارة لا استصناعا وكيفيته أن يقول لصانع كخفاف مثلا اصنع لي من مالك خفا من هذا الجنس بهذه الصفة بعشرين بأجل معلوم كأن يقول شهرا مثلا سلم فيعتبر فيه شرائطه فيصح فيما أمكن ضبط صفته وقدره تعورف الاستصناع فيه أو لا عند الإمام لأن السلم بالأجل ثابت بالكتاب والسنة والإجماع مطلقا والاستصناع بالأجل في عرفهم فلا يحمل عليه وعندهما إن ضرب الأجل فيما تعورف فهو استصناع لأن اللفظ حقيقة فيه فيحفظ على مقتضاه وإن ضرب فيما لا يتعارف فيه فهو سلم لتعذر جعله استصناعا ويحمل الأجل فيما فيه تعامل على الاستعجال هذا إذا كانت المدة على سبيل الاستمهال أما إذا كان على سبيل الاستعجال بأن استصنع على أن يفرغ عنه غدا أو بعد غد لا يصير سلما بالإجماع وحكي عن الهندواني أنه إن ذكره المستصنع فليس بسلم وإن ذكر الصانع فسلم وقيل إن ذكر أدنى مدة تمكن فيه من العمل فاستصناع وإن كان أكثر فسلم يراعى شرائطه
و الاستصناع بلا أجل معلوم يصح استحسانا فيما تعورف فيه كخف وطست وقمقمة وغير ذلك من الأواني وهو بيع والقياس أن لا يصح لأنه بيع المعدوم وبه قال زفر والأئمة الثلاثة وجه الاستحسان أن المستصنع فيه المعدوم يجعل موجودا حكما كطهارة المعذور فنزل منزلة الإجماع للتعامل من زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا وهو من أقوى الحجج وقد استصنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خاتما ومنبرا فصار كدخول الحمام بأجر فإنه جاز استحسانا للتعامل وإن أبى القياس جوازه لأن مقدار المكث وما يصب من الماء مجهول وكذا لو قال لسقاء أعطني شربة ماء بفلس أو احتجم بأجر لا عدة كما ذهب إليه الحاكم
____________________
(3/149)
الشهيد قائلا إذا جاء مفروغا عنه ينعقد بالتعاطي ولذا يثبت الخيار لكل واحد منهما لكن الصحيح من المذهب جوازه بيعا لأن محمدا ذكر فيه القياس والاستحسان وهما لا يجريان في المواعدة
وفرع على كونه بيعا بقوله فيجبر الصانع على عمله ولو كان عدة لم يجبر ولا يرجع المستصنع عنه أي عن أمره ولو كان عدة لجاز رجوعه والمبيع هو العين لا عمله أي عمل الصانع
وقال البردعي عمله نظرا إلى أن الاستصناع مشتق من الصنع وهو العمل والأول أصح لأن المقصود هو العين وذكر الصنعة لبيان الوصف والجنس ويكون المبيع هو العين لأنه معطوف على ما بعد الفاء لا العمل وفرع على كونه العين بقوله فلو أتى الصانع بما صنعه قبل العقد غيره أو بما صنعه هو قبل العقد فأخذه أي المستصنع العين صح ولو كان المبيع عمله لما صح بيعه ولا يتعين المستصنع بفتح النون للمستصنع بكسر النون بلا اختياره ورضاه فيصح بيع الصانع له أي للمستصنع بفتح النون قبل رؤيته ولو تعين له لما صح بيعه وله أخذه وتركه أي للمستصنع بكسر النون بعد الرؤية بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه ولا خيار للصانع فيجبر على العمل
وعن الإمام أن له الخيار دفعا للضرر عنه والصحيح الأول وعن أبي يوسف أنه لا خيار لواحد منهما
ولا يصح الاستصناع بلا أجل فيما لم يتعارف هو فيه كالثوب يعني لو أمر حائكا أن ينسج له ثيابا بغزل من عنده بدراهم لم يجز إذ لم يجز فيه التعامل فيبقى على أصل القياس إلا إذا شرط فيه الأجل وبين شرائط السلم فحينئذ
____________________
(3/150)
يجوز بطريق السلم
وفي البحر دفع مصحفا إلى مذهب ليذهبه بذهب من عنده وأراه الذهب أنموذجا من الأعشار والأخماس ورءوس الآي وأوائل السور فأمره رب المصحف أن يذهبه كذلك بأجرة معلومة لا يصح
وفي الخانية رجل استصنع رجلا في شيء ثم اختلفا في المصنوع فقال المستصنع لم تفعل ما أمرتك وقال الصانع فعلت قالوا لا يمين فيه لأحدهما على الآخر ولو ادعى الصانع على رجل أنك استصنعت إلي في كذا كذا وأنكر المدعى عليه لا يحلف
مسائل خبر مبتدأ محذوف أي هذه مسائل شتى جمع شتيت وعبر عنها في الهداية بمسائل منثورة وعبر في التنوير بالمتفرقات والمعنى واحد وحاصلها أن المسائل التي تشتتت على الأبواب المتقدمة فلم تذكر فيها إذا استذكرت سميت بها متفرقات من أبوابها أو منثورة على أبوابها
يصح بيع الكلب والفهد وسائر السباع علمت الكلب والفهد والسباع أو لا عندنا لحصول الانتفاع بهم حراسة أو اصطيادا وعن أبي يوسف لا يصح بيع الكلب العقور لأنه لا ينتفع به حراسة كالهوام المؤذية وذكر في المبسوط أنه لا يجوز بيع الكلب العقور الذي لا يقبل التعليم وقال هذا هو الصحيح من المذهب وهكذا يقول في الأسد إذا كان يقبل التعليم ويصاد به إنه يجوز بيعه وإن كان لا يقبل التعليم والاصطياد به لا يجوز والفهد والبازي يقبلان التعليم فيجوز بيعهما على كل حال انتهى وأجيب بأنه ينتفع بجلده لأنه يطهر بالدباغ ويكون المتلف ضامنا لأن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في كلب بأربعين درهما من غير تخصيصه بنوع
وقال الشافعي لا يصح بيع الكلب مطلقا وهو قول أحمد وبعض أصحاب مالك
وأما اقتناء الكلب للصيد أو لحفظ الزرع أو المواشي أو البيوت فجائز بالإجماع كما في الشمني واختلف الرواية عن الإمام في القرد وكره عند أبي يوسف وجاز عند محمد والفيل كالهرة في جواز بيعه
وفي البزازية وشراء السباع جائز ولحمها لا وبيع الفيل جائز
وفي التنجيس أن المختار للفتوى جواز بيع لحم المذبوح من السباع وكذا الكلب والحمار لأنه طاهر وينتفع به في إطعام سنورة بخلاف الخنزير المذبوح لأنه نجس العين وفي التخصيص إشعار بعدم جواز هوام الأرض كالحية والعقرب ودواب البحر غير السمك كالضفدع والسرطان لأن جواز البيع يدور مع حل الانتفاع وحرمة الانتفاع بها وقال بعضهم إن بيع الحية يجوز إذا انتفع بها للأدوية ولا يخفى أن هذه المسألة مستدركة بما مر في البيع الفاسد كما في
____________________
(3/151)
القهستاني لكن في البحر وبيع غير السمك من دواب البحر إن كان له ثمن كالسقنقور وجلود الخز ونحوها يجوز وإلا فلا
والذمي في البيع كالمسلم لأنه مكلف بمثل هذه الأحكام كالمسلم بمعنى أن ما يحل لنا يحل لهم وأن ما يحرم علينا يحرم عليهم في العقود لقوله عليه الصلاة والسلام فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بعد أداء الجزية إلا في بيع الخمر فإنها أي الخمر في حقه أي في حق الذمي كالخل في حقنا
و إلا في الخنزير فإنه في حقه كالشاة في حقنا وفي البحر لا يمنعون من بيع الخمر والخنزير أما على قول بعض مشايخنا فإنه يباح الانتفاع بهما شرعا لهم فكان مالا في حقهم
وعن البعض حرمتهما ثابتة على العموم في حق المسلم والكافر لأن الكفار مخاطبون بالشرائع في الحرمات وهو الصحيح من مذهب أصحابنا فكانت الحرمة ثابتة في حقهم لكنهم لا يمنعون عن بيعهما لأنهم لا يعتقدون حرمتهما ويتمولون بهما وقد أمرنا بتركهم وما يدينون
ومن زوج مشريته لآخر قبل قبضها جاز لثبوت الولاية عليه بالشراء لأنه سبب الملك فيجعل التصرف بالتزويج في البيع المنقول قبل القبض كالإعتاق والتدبير في عدم الانفساخ بخلاف التصرف بمثل البيع قبل القبض إذ هو ينفسخ بهلاك المبيع قبل قبضه فإن وطئت أي إن وطئها زوجها كان الواطئ قابضا لها لأن وطء الزوج حصل بتسليط المشتري فصار منسوبا إليه كأنه فعله بنفسه وإلا أي وإن لم يطأها الزوج فلا يكون قابضا إذ بمجرد التزويج لا يتحقق القبض والقياس أن يتحقق وهو رواية عن أبي يوسف لأنه تعييب حكمي فيعتبر بالتعييب الحقيقي وجه الاستحسان أن في الحقيقي استيلاء على المحل وبه يصير قابضا ولا كذلك الحكمي فافترقا
وفي التنوير فلو انتقض البيع بطل النكاح في المختار
ومن اشترى شيئا منقولا فغاب
____________________
(3/152)
المشتري قبل قبض المبيع ونقد الثمن غيبة معروفة بأن علم مكانه فأقام بائعه بينة أنه باعه منه لا يباع ذلك الشيء في دين بائعه أي لم يبعه القاضي في دين البائع لأنه يتوصل إلى حقه بالذهاب إليه فلا حاجة إلى بيعه لأن فيه إبطال حق المشتري في العين
وإن لم تكن غيبة معروفة بأن لم يعلم مكانه وطلب بيعه بثمنه يباع فيه أي في الثمن إذا برهن أنه باعه منه أي من الغائب إذا لم يكن قبضه الغائب لأن القاضي نصب لكل من عجز عن النظر ونظرهما في بيعه لأن البائع يصل به إلى حقه ويبرؤ من ضمانه والمشتري أيضا يبرئ ذمته من دينه ومن تراكم نفقته فإنه إذا انكشف الحال عمل القاضي بموجب إقراره فلا يحتاج إلى خصم حاضر وإنما يحتاج إذا كانت البينة للقضاء لأن البينة هنا ليست للقضاء على الغائب وإنما هي لنفي التهمة وانكشاف الحال وهذا لأن الشيء في يده وقد أقر به للغائب على وجه يكون مشغولا بحقه فيظهر الملك للغائب على الوجه الذي أقر به ولا يقدر البائع أن يصل إلى حقه كالراهن إذا مات مفلسا والمشتري إذا مات مفلسا قبل القبض فإن فضل شيء من الثمن يمسك للغائب وإن نقص يرجع البائع على المشتري إذا ظفر
وقيدنا بالمنقول احترازا على العقار فإن القاضي لا يبيعه كما في النهاية وإن غاب أحد المشتريين بأن اشتراه رجلان فغاب أحدهما والمسألة بحالها فللحاضر دفع كل الثمن وقبض المبيع وحبسه أي حبس المبيع عن شريكه إذا حضر الغائب حتى ينقد شريكه حصته لأنه مضطر إذ لا يمكنه الانتفاع بنصيبه إلا بأداء جميع الثمن لأن البيع صفقة واحدة وله حق الحبس ما بقي منه شيء والمضطر يرجع وإذا كان له أن يرجع عليه كان له الحبس عند الطرفين إلى أن يستوفي حقه ولو حبس لا يصير غاصبا
وعند أبي يوسف كان مقطوعا فيما أدى عن صاحبه لأنه قضى دين غيره بغير أمره فلا يرجع عليه وليس له الحبس ويصير غاصبا به فهلك بالقيمة
قيل هذا إذا كان الثمن
____________________
(3/153)
حالا أما إذا كان مؤجلا فليس للحاضر دفعه وإن حل الأجل
وإن اشترى شيئا بألف مثقال ذهب وفضة فهما أي الذهب والفضة نصفان أي يجب خمسمائة مثقال من الذهب وخمسمائة مثقال من الفضة لأنه أضاف المثقال إليهما على السواء ويشترط بيان الفضة من الجودة وغيرها بخلاف ما لو قال من الدراهم والدنانير فإنه لا يحتاج إلى بيان الصفة وينصرف إلى الجياد
وإن قال بألف من الذهب والفضة فمن الذهب خمسمائة مثقال ومن الفضة خمسمائة درهم وزن سبعة أي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل لإضافة الألف المبهم إليهما فيصرف إلى الوزن المتعارف المعهود في كل واحد منهما
وفيه إشارة إلى أنه لو قال لفلان علي كر حنطة وشعير وسمسم فإنه يجب من كل جنس ثلث الكر وهكذا في المعاملات كلها كما في البحر وفي الفتح في الدراهم ينصرف إلى الوزن المعهود ويجب كون هذا إذا كان المتعارف في بلد العقد في اسم الدرهم ما يوزن سبعة والمتعارف في بعض البلاد الآن كالشام والحجاز ليس كذلك بل وزن ربع وقيراط من ذلك الدرهم وأما في عرف مصر لفظ الدرهم ينصرف الآن إلى وزن أربعة دراهم بوزن سبعة من الفلوس إلا أن يقيد بالفضة فينصرف إلى دراهم بوزن سبعة فإن ما دونه ثقل أو خف يسمونه نصف فضة
ومن قبض زيفا بدل جيد غير عالم به أي بالزيف فأنفقه أو هلك فهو قضاء وبرئ ولا رجوع عليه بشيء عند الطرفين لأن إيجاب رد الزيف لأخذ الجيد إيجاب له عليه بالنسبة إلى شيء واحد ومثل هذا التكليف غير معهود في الشرع ولأن الزيف بعد الإنفاق والهلاك ينوب مناب حقه الجيد وقال أبو يوسف يرد مثل الزيف ويقتضي الجيد لأن حق
____________________
(3/154)
صاحب الدين يراعى من حيث الوصف لكن لا يمكن رعايته بإيجاب الضمان في الوصف إذ لا قيمة له عند المقابلة بجنسه فيلزم الرجوع إلى الرد بمثل زيفه وذكر فخر الإسلام وغيره أن قولهما قياس وقول أبي يوسف هو الاستحسان فظاهره ترجيح قول أبي يوسف وقيل قوله الأنسب للفتوى
وفي الإصلاح ولمحمد فيه قولان قوله الأول مع أبي حنيفة وقوله الأخير مع أبي يوسف قيد بالإتلاف لأنه لو كان قائما يرده ويسترد الجيد عندهم وقيد بغير عالم به لأنه لو كان عالما به عند القبض يسقط حقه بلا خلاف
وإن فرخ طير أو باض في أرض متعلق بهما أو تكنس ظبي فيها أي تستر ومعناه دخل في الكناس وهو موضع الظبي وفي بعض النسخ أو تكسر أي وقع في أرض فتكسر رجله ويحترز به عما لو كسره رجل فيها فهو يكون للكاسر لا للآخذ فهو أي المذكور من الفرخ والبيض والظبي لمن أخذه لأنه مباح سبقت يده إليه فكان أولى به إلا إذا هيأ أرضه لذلك فهو له أو كان صاحب الأرض قريبا من الصيد بحيث يقدر على أخذه لو مد يده فهو لصاحب الأرض كما في البحر وغيره فعلى هذا لو قيده كما قيدنا لكان أولى تدبر
وكذا صيد تعلق بشبكة منصوبة للجفاف لا للاصطياد يعني يكون هو للآخذ أو دخل الصيد دارا يكون أيضا للآخذ ودرهم أو سكر نثر فوقع الدرهم أو السكر على ثوب أحد فإن أعده أي الثوب صاحبه أي صاحب الثوب لذلك أي لوقوع الدرهم أو السكر عليه أو كفه أي جمع الثوب إلى نفسه بعد السقوط عليه وإن لم يعدله أو أغلق باب الدار بعد الدخول ملكه أي صار له بهذا الفعل وليس للغير أخذه إذ بالإعداد والكف يظهر أنه طالب الأخذ فكان مستحقا
وفي البحر نقلا عن الذخيرة إن أغلق الباب على الصيد ولم يعلم به لم يصر آخذه مالكا له حتى لو خرج الصيد بعد ذلك فأخذه غيره ملكه كما لو عسل النحل في أرضه أي جعل عسله في أرض رجل أو نبت فيها شجر أو اجتمع تراب بجريان الماء فهو
____________________
(3/155)
لصاحب الأرض على كل حال وإن لم تكن أرضه معدة لذلك لأنه من إنزال الأرض حتى يملكه تبعا ولهذا يجب في العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر
إنه مهد هنا قاعدة كلية فقال وما أي الذي لا يصح تعليقه بالشروط ويبطله الشرط الفاسد أربعة عشر شيئا على ما ذكره المصنف تبعا لصاحب الكنز
الأول البيع فإذا باع عبدا وشرط استخدامه شهرا مثلا فالبيع فاسد
والأصل أن ما كان مبادلة مال بمال فإنه لا يصح تعليقه بالشرط الفاسد للنهي عن بيع وشرط
وما كان مبادلة مال بغير مال أو كان من التبرعات فإنه لا يبطل به لأن الشروط الفاسدة من باب الربا وهو مختص بالمعاوضات المالية دون غيرها من غير المالية والتبرعات ويبطل الشرط فقط وأصل آخر أن التعليق بالشرط المحض لا يجوز في التمليكات ويجوز فيما كان من باب الإسقاط المحض كالطلاق والعتاق وكذا ما كان من باب الإطلاقات والولايات يجوز تعليقه بالشرط الملائم وكذا التحريضات كما في البحر
و الثاني الإجارة بأن آجر داره بشرط أن يقرضه المستأجر أو يهدي إليه أو آجره إياها إن قدم زيد فهي فاسدة لأنها في معنى البيع
و الثالث القسمة بأن كان للميت دين على الناس فاقتسموا التركة من الدين والعين على أن يكون الدين لأحدهم والعين للباقين فهي فاسدة لأنها في معنى البيع من حيث اشتمالها على الإقرار في المبادلة
و الرابع الإجازة بأن باع فضولي عبده فقال أجزته بشرط أن تقرضني أو تهدي إلي أو علقها بشرط لأنها بيع معنى كما ذكره العيني ولا خصوصية لإجازة البيع بل كل ما لا يصح تعليقه بالشرط إذا انعقد موقوفا لا يصح تعليق إجازته بالشرط حتى النكاح
و الخامس الرجعة بأن قال لمطلقة الرجعية راجعتك على أن تقرضيني كذا أو إن قدم زيد لأنها استدامة الملك فيكون معتبرة بابتدائه كما لا يجوز تعليق ابتدائه لا يجوز تعليقها كما ذكره العيني قال في البحر وهو سهو ظاهر وخطأ صريح وسيأتي أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد وإن كان لا يصح تعليقه وفصل كل التفصيل فليراجع
لكن يفرق بين النكاح والرجعة بأنه لا يشترط فيها رضى الزوجة ولا شهود ولا مهر وبأنه يجوز عود الأمة على الحرة التي تزوجها بعدما طلق الأمة بخلاف النكاح
تدبر و السادس الصلح عن مال أي بمال بأن قال صالحتك على أن تسكنني في الدار سنة مثلا لأنه معاوضة مال بمال فيكون بيعا و السابع الإبراء عن الدين بأن قال أبرأتك عن ديني على أن تخدمني شهرا أو قدم فلان لأنه تمليك من وجه حتى يرتد
____________________
(3/156)
وإن كان فيه معنى الإسقاط فيكون معتبرا بالتمليكات فلا يجوز تعليقه بالشرط إلا إذا علق بكائن كما قال المديون دفعت إلى فلان فقال إن كنت دفعت إليه فقد أبرأتك صح لأنه تعليق بأمر كائن وفي البحر وحاصله أن التعليق بموت الدائن صحيح إلا إذا كان المديون وارثا وعلق في مرض موته فيكون مخصصا لإطلاق الكتاب
و الثامن عزل الوكيل بأن قال لوكيله عزلتك على أن تهدي إلي شيئا أو إن قدم فلان لأنه ليس مما يحلف به فلا يجوز تعليقه بالشرط الفاسد كما ذكره العيني
وفي البحر وتعليله يقتضي عدم صحة تعليقه وأما كونه يبطل بالشرط الفاسد فلا دليل عليه من هذا وعندي أن هذا خطأ أيضا فإن عزل الوكيل ليس من قبيل ما يبطل بالشرط الفاسد وإنما هو من قبيل ما لا يصح تعليقه بالشرط لكن لا يبطل بالشرط الفاسد انتهى وفيه كلام لأنه إذا لم يصح تعليقه بالشرط الفاسد فقد بطل بذلك الشرط الفاسد بمعنى أنه إذا وجد ذلك الشرط لم يترتب وجوده عليه كما قال بعض الفضلاء وهو جواب بعينه عما يورد في الرجعة وغيرها تدبر
و التاسع الاعتكاف بأن قال اعتكفت إن شفى الله مرضي أو إن قدم زيد فلأنه ليس مما يحلف به كعزل الوكيل
وفي المنح نقلا عن البحر وعندي أن ذكره من هذا القسم خطأ من وجهين من كونه يبطل بالشروط الفاسدة ومن كونه لا يصح تعليقه أما الثاني فقال في القنية قال لله علي اعتكاف شهر إن دخلت الدار ثم دخل فعليه اعتكاف شهر عند علمائنا فإذا صح تعليقه بالشرط لم يبطل بالشرط الفاسد لكنه ذكر إيجاب الاعتكاف من جملة ما لا يصح تعليقه بشرط ويبطل بفاسده وذكر في البزازية من هذا القسم فقال وتعليق وجوب الاعتكاف بالشرط لا يصح ولا يلزم وقد ناقض الكمال كلامه فإنه جعل إيجاب الاعتكاف مما لا يصح تعليقه وعزاه إلى الخلاصة ولم يقل في رواية مع أنه قدم في باب الاعتكاف أن الاعتكاف الواجب هو المنذور تنجيزا أو تعليقا وهو صريح في صحة التعليق بالشرط وتمام تحقيقه يطلب من البحر فليراجع
لكن إن ما لا يصح تعليقه وما لا يصح هو مع الشرط الفاسد هو الاعتكاف نفسه لا النذر به بل النذر به يصح تعليقه بالشرط ويترتب لزومه على تحقق الشرط فلا يفسده كالنذر بسائر العبادات الذي يصح النذر بها بخلاف الوضوء وعيادة المريض كما عرف في محله وقد ذكروا بعيد هذا أن الوقف لا يصح تعليقه بالشرط ويصح تعليق النذر به فافترقا تدبر
و العاشر المزارعة بأن قال زارعتك أرضي على أن تقرضني كذا أو إن قدم فلان لأنها إجارة فلا يصح تعليقها بالشرط
و الحادي عشر المعاملة وهي المساقاة بأن قال ساقيتك شجري أو كرمي على أن تقرضني كذا أو إن قدم فلان لأنها إجارة أيضا
و الثاني عشر الإقرار بأن قال لفلان علي كذا إن أقرضني كذا أو
____________________
(3/157)
إن قدم فلان لأنه ليس مما يحلف به بخلاف ما إذا علق بموته أو بمجيء الوقت فإنه يجوز ويحمل على أنه فعل ذلك للاحتراز عن الجحود أو دعوى الأجل فيلزمه للحال
و الثالث عشر الوقف بأن قال وقفت داري إن قدم فلان لأنه ليس مما يحلف به أيضا
وفي البحر وفي الجامع الفصولين والوقف في رواية فظاهره أن في صحة تعليقه روايتين
وفي الفتح وشرطه أن يكون منجزا غير معلق فلو قال إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده لا يصير وقفا
و الرابع عشر التحكيم بأن يقول المحكمان إذا أهل شهر أو قالا لعبد أو كافر إذا أعتقت أو أسلمت فاحكم بيننا عند أبي يوسف خلافا لمحمد فإنه يجوز تعليقه عنده بشرط وإضافته إلى زمان كالوكالة والقضاء وله أن التحكيم تولية صورة وصلح معنى فباعتبار أنه صلح لا يصح تعليقه ولا إضافته وباعتبار أنه تولية يصح فلا يصح بالشك والاحتمال
وفي الخانية الفتوى على قول أبي يوسف ولم يتعرض فيه لقول الإمام وقد قال بعض شارحي الكنز فإنه لا يصح عنده وعليه الفتوى ولم يتعرض لقول الإمامين
وما أي الذي لا يبطله الشرط الفاسد وهو سبعة وعشرون شيئا على ما ذكره المصنف الأول القرض بأن قال أقرضتك هذه المائة بشرط أن تخدمني شهرا مثلا فإنه لا يبطل بهذا الشرط وذلك لأن الشروط الفاسدة من باب الربا وإنه مختص بالمبادلة المالية والعقود كلها ليست بمعاوضة مالية فلا يؤثر فيها الشروط الفاسدة
وفي البزازية وتعليق القرض حرام والشرط لا يلزم
و الثاني الهبة بأن قال وهبت لك هذه الجارية بشرط أن يكون حملها لي
و الثالث الصدقة بأن قال تصدقت عليك على أن تخدمني جمعة مثلا
و الرابع النكاح بأن قال تزوجتك على أن لا يكون لك مهر كما عرف في موضعه
و الخامس الطلاق بأن قال طلقتك على أن لا تتزوجي غيري
و السادس الخلع بأن قال خالعتك على أن يكون لي الخيار مدة سماها بطل الشرط ووقع الطلاق ووجب المال
و السابع العتق بأن قال أعتقتك على أني بالخيار
و الثامن الرهن بأن قال رهنت عندك عبدي بشرط أن أستخدمه
و التاسع الإيصاء بأن قال أوصيت إليك على شرط أن تتزوج ابنتي
و العاشر الوصية بأن قال أوصيت لك بثلث مالي إن أجاز فلان ذكره العيني
وقال في البحر وفيه نظر لأنه
____________________
(3/158)
مثال تعليقها بالشرط والكلام الآن في أنها لا تبطل بالشرط الفاسد انتهى
لكن فيه كلام لأن الشرط الفاسد يصدق مع عدم صحة التعليق ومع الصحة ومعناه أنه يفسد لو كان لا يجوز التعليق به وهنا يجوز فلم يفسد
تدبر
و الحادي عشر الشركة بأن قال شاركتك على أن تهديني كذا
و الثاني عشر المضاربة بأن قال ضاربتك في ألف على النصف في الربح إن شاء فلان أو إن قدم زيد ذكره العيني
وفي البحر وهو مثال لتعليقها بالشرط وهذا الذي وقع للعيني دليل على كسله وعدم تصفح كلامهم فإنه لو أتى بالأمثلة التي ذكروها في الأبواب لكان أنسب انتهى
لكن فيه كلام قد قررناه في الوصية تدبر
و الثالث عشر القضاء بأن قال الخليفة وليتك قضاء مكة مثلا على أن لا تعزل أبدا
و الرابع عشر الإمارة بأن قال الخليفة وليتك إمارة الشام مثلا على أن لا تركب
و الخامس عشر الكفالة بأن قال كفلت غريمك إن أقرضتني كذا ذكره العيني
وفي البحر وهو مثال لتعليقها بالشرط انتهى والجواب قد مر تدبر
و السادس عشر الحوالة بأن قال أحلتك على فلان بشرط أن لا ترجع عليه عند التوى
و السابع عشر الوكالة بأن قال وكلتك إن أبرأتني عما لك على ما ذكره العيني
وفي البحر وهو مثال تعليقها بالشرط انتهى وقد مر الجواب تدبر
و الثامن عشر الإقالة بأن قال أقلتك عن هذا البيع إن أقرضتني كذا ذكره العيني
وفي البحر نقلا عن القنية لا يصح تعليق الإقالة بالشرط وتقدم أنهما لو تقايلا بأقل من الثمن الأول أو بجنس آخر لم تفسد ووجب الثمن الأول وهو مثال أنها لا تبطل بالشرط وأما ما ذكره العيني فمثال تعليقها انتهى وفيه كلام قد مر مرارا
و التاسع عشر الكتابة بأن قال المولى لعبده كاتبتك على ألف بشرط أن لا تخرج من البلد أو على أن تقابل فلانا أو على أن لا تعمل في نوع من التجارة فإن الكتابة على هذا الشرط تصح ويبطل الشرط وذلك لأن الشرط غير داخل في صلب العقد وأما إذا كان داخلا بأن كان في نفس البدل كالكتابة على خمر ونحوها فإنها تفسد به على ما عرف في موضعه
و العشرون إذن العبد في التجارة بأن قال المولى لعبده أذنت لك في التجارة على أن تتجر إلى شهر أو سنة ونحوهما لأنه ليس بعقد بل هو إسقاط والإسقاطات لا تتوقف
و الحادي والعشرون دعوة الولد بأن يقول المولى إن كان لهذه الأمة حمل فهو مني لأن النسب مما يتكلف ويحتاط في ثبوته
و الثاني والعشرون الصلح عن دم العمد بأن صالح
____________________
(3/159)
ولي المقتول عمدا القاتل على شيء بشرط أن يقرضه أو يهدي إليه شيئا فإن الصلح صحيح والشرط فاسد ويسقط الدم لأنه من الإسقاطات ولا يحتمل الشرط وكذا الإبراء عنه ولم يذكره اكتفاء به و الثالث والعشرون الجراحة بأن صالح عنها بشرط إقراض شيء أو إهدائه
وقيد صاحب الدرر بالتي فيها القصاص فإن الصلح إذا كان عن الجراحة التي فيها الأرش كان من القسم الأول وكذا إذا كان عن القتل الخطأ يكون من القسم الأول
و الرابع والعشرون عقد الذمة بأن قال الإمام لحربي يطلب عقد الذمة ضربت عليك الجزية إن شاء فلان مثلا فإن عقد الذمة صحيح والشرط باطل كما في البحر وهو كما لا يخفى مثال لتعليق عقد الذمة بالشرط والعجب أنه اعترض العيني مرارا فغفل عنه
تأمل و الخامس والعشرون تعليق الرد بعيب بأن يقال إن وجدت بالمبيع عيبا أرده عليك إن شاء فلان مثلا أو بخيار شرط وهو السادس والعشرون أي وتعليق الرد به بأن قال من له خيار الشرط في البيع رددت البيع أو قال أسقطت خياري إن شاء فلان فإنه يصح ويبطل الشرط كما في البحر وفيه كلام لأن تعليق الرد بالعيب باطل وله الرد بالعيب وفي خيار الشرط صح ما شرط ومثل في الخلاصة للأول بقوله بأن يقال إن لم أرد هذا الثوب المعيب اليوم عليك فقد رضيت بالعيب وللثاني بقوله لو قال أبطلت خياري إذا جاء غد انتهى ومقتضاه أنه إذا قال ذلك بطل خياره إذا جاء غد فقول صاحب البحر يبطل الشرط ليس بظاهر تدبر
و السابع والعشرون عزل القاضي بأن قال الخليفة للقاضي عزلتك عن القضاء إن شاء فلان فإنه ينعزل ويبطل الشرط كما في البحر لكن يرد عليه بأن هذا مثال للتعليق بالشرط كما مر آنفا والمصنف لم يذكر ما تصح إضافته إلى المستقبل وما لا تصح واقتصر من القاعدة على ما ذكره لكن قال في التنوير والغرر وما تصح إضافته إلى المستقبل أربعة عشر الإجارة وفسخها والمزارعة والمعاملة والمضاربة والوكالة والكفالة والإيصاء والوصية بالمال والقضاء والإمارة والطلاق والعتاق والوقف وما لا تصح إضافته إلى المستقبل عشرة البيع وإجارته وفسخه والقسمة والشركة والهبة والنكاح والرجعة والصلح عن مال والإبراء عن الدين فإن هذه الأشياء تمليكات فلا تجوز إضافتها إلى الزمان كما لا يجوز تعليقها بالشرط لما فيه من معنى القمار
____________________
(3/160)
161 كتاب الصرف وجه المناسبة بالبيع وتأخيره ظاهر هو لغة النقل والزيادة وشرعا هو بيع ثمن بثمن أي ما خلق للثمنية تجانسا كبيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب أو لا كبيع الذهب بالفضة أو بالعكس ودخل تحت قولنا ما خلق للثمنية بيع المصوغ بالمصوغ أو بالنقد فإن المصوغ بسبب ما اتصل به من الصنعة لم يبق ثمنا صريحا ولهذا يتعين في العقد ومع ذلك بيعه صرف لأنه خلق للثمنية
وشرط فيه أي في الصرف أي شرط بقائه على الصحة لا شرط انعقاده وهو الصحيح المختار كما في البحر التقابض قبل التفرق بالأبدان حتى لو قاما وذهبا معا فرسخا مثلا في جهة واحدة ثم تقابضا قبل الافتراق صح
____________________
(3/161)
وكذا لو طال قعودهما في مجلس الصرف أو ناما أو أغمي عليهما فيه ثم تقابضا بخلاف خيار المخيرة إذ التخيير تمليك فيبطل بما يدل على الرد والقيام دليله والمعتبر افتراق العاقدين حتى لو كان لكل من الرجلين على صاحبه دين فأرسل رسولا فقال بعتك الدنانير التي لي عليك بالدراهم التي لك علي وقال قبلت فهو باطل لأن حقوق العقد تتعلق بالمرسل لا بالرسول وكذا لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار أو ناداه من بعيد لم يجز لأنهما متفرقان بأبدانهما كما في البحر
وصح بيع الجنس بغيره يعني الذهب بالفضة أو بالعكس مجازفة وبفضل إن تقابضا في المجلس لأن المستحق هو القبض قبل الافتراق دون التسوية فلا يضره الجزاف ولو افترقا قبل القبض بطل لفوات الشرط والمراد بالقبض القبض بالبراجم لا بالتخلية لا بيعه أي بيع الجنس بجنسه لا مجازفة ولا بفضل إلا متساويا لما مر في الربا لقوله عليه الصلاة والسلام الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا وفي المجازفة احتمال الربا فلا يجوز وإن وصلية اختلفا جودة وصياغة لأن المماثلة في الأوصاف ليست بشرط لقوله عليه الصلاة والسلام جيدها ورديئها سواء ولا فرق في ذلك بين أن يكونا مما يتعين بالتعيين كالمصوغ والتبر أو لا يتعينان كالمضروب أو يتعين أحدهما دون الآخر
وفي البحر إذا باع درهما كبيرا بدرهم صغير أو درهما جيدا بدرهم رديء يجوز لأن لهما فيه غرضا صحيحا ثم فرعه بقوله فإن بيع الجنس بالجنس مجازفة ثم علم التساوي قبل التفرق جاز وإلا فلا والقياس أن لا يجوز لوقوع العقد فاسدا فلا ينقلب جائزا
____________________
(3/162)
لكنهم استحسنوا جوازه لأن ساعات المجلس كساعة واحدة
وقال زفر إذا عرف التساوي بالوزن جاز سواء كان في المجلس أو بعده وإنما قلنا بيع الجنس بالجنس لأن وضع المسألة فيه قال في البحر وغيره لو باع الجنس بالجنس مجازفة فإن علما تساويهما قبل الافتراق صح وبعده لا على أن مسألة اختلاف الجنس قد تقدمت آنفا فلا حاجة إلى التكرار فعلى هذا ظهر فساد ما قيل في تفسير قوله فإن بيع أي الذهب بالفضة مجازفة ثم علم التساوي قبل التفرق جاز لاختلاف الجنس تدبر
ولا يجوز التصرف في بدل الصرف قبل قبضه إذ كل واحد منهما ثمن من وجه وهذا القدر يكفي في سلب الجواز لأن الشبهات ملحقة بالحقيقة في باب الحرمات ثم فرعه بقوله فلو باع ذهبا بفضة واشترى بها أي بالفضة ثوبا قبل قبضها فسد بيع الثوب لفوات القبض الواجب في بدلي الصرف ولأن الثمن في الصرف مبيع من وجه لعدم الأولوية والتصرف في المبيع قبل القبض لا يجوز قيل لا نسلم عدم الأولوية فإن ما دخله الباء أولى بالثمنية وأجيب بأن ذلك في الأثمان الجعلية لا في الأثمان خلقية والقياس يقتضي جوازه كما نقل عن زفر
ولو اشترى أمة تساوي ألفا مع طوق من فضة قيمته ألف بألفين متعلق باشترى ونقد المشتري من الثمن ألفا فهو ثمن الطوق لأن قبض ثمن الصرف واجب حقا للشرع وقبض ثمن الأمة ليس بواجب فالظاهر هو الإتيان بالواجب
ولو اشتراها أي الأمة التي معها طوق بألفين ألف نقد وألف نسيئة فالنقد ثمن الطوق لأن التأجيل في الصرف باطل وفي المبيع جائز فيصرف الأجل إلى الأمة دون الطوق إذ المباشرة على وجه الصحة لا على وجه البطلان ولو اشتراها بألفين نسيئة فسد في الكل قيد بتأجيل البعض لأنه لو أجل الكل فسد البيع في الكل عند الإمام وقالا يفسد في الطوق دون الأمة كما في البحر
وإن اشترى سيفا حليته خمسون أي تساوي خمسين درهما بمائة متعلق باشترى ونقد خمسين فهي حصة الحلية وإن وصلية لم يبين المشتري حصة الحلية لأن حصة الحلية يجب قبضها في المجلس والظاهر من حال المسلم أن لا يترك الواجب فيحمل عليه وإن
____________________
(3/163)
لم يبينه ولم ينوه أو قال هي من ثمنهما لأن معنى قول المشتري خذ هذا من ثمنهما خذ بعضا من ثمن مجموعهما وثمن الحلية بعض ثمن المجموع فيحمل عليه طلبا للجواز وقيل معناه خذ هذا على أنه ثمن كل منهما وليس الحال كذلك فيكون من قبيل ذكر الاثنين وإرادة الواحد كما قال الله تعالى نسيا حوتهما وقال الله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان والمراد أحدهما بخلاف ما إذا لم يذكر المفعول به للإمكان وهنا صورتان إحداهما أن يبين ويقول خذ هذا نصفه من ثمن الحلية ونصفه من ثمن السيف والثانية أن يجعل الكل من ثمن السيف وفيهما يكون المقبوض ثمن الحلية لأنهما شيء واحد فيجعل عن الحلية لحصول مراده هكذا ذكره الزيلعي
وفي البحر وفي المعراج معزيا إلى المبسوط لو قال خذ هذه الخمسين من ثمن السيف خاصة وقال الآخر نعم أو قال لا وتفرقا على ذلك انتقض البيع في الحلية لأن الترجح بالاستحقاق عند المساواة في العقد أو الإضافة ولا مساواة بعد تصريح الدافع بكون المدفوع بثمن السيف خاصة والقول في ذلك قوله لأنه هو المملك فالقول له في بيان جهته
وفي السراج لو قال هذا الذي عجلته حصة السيف كان عن الحلية وجاز البيع لأن السيف اسم للحلية أيضا لأنها تدخل في بيعه تبعا ولو قال هذا من ثمن النصل والجفن خاصة فسد البيع لأنه صرح بذلك وأزال الاحتمال فلم يمكن حمله على الصحة انتهى ويمكن التوفيق بأن يحمل ما ذكره الزيلعي على ما إذا قال من ثمن السيف ولم يقل خاصة فيوافق ما في السراج وأما ما في المبسوط فإنما قال خاصة وحينئذ كأنه قال خذ هذا عن النصل فليتأمل انتهى
قيد بقوله بمائة لأنه لو باعه بخمسين أو أقل منهما لم يجز للربا وإن باعه بفضة لم يدر وزنها لم يجز أيضا لشبهة الربا خلافا لزفر ففي ثلاثة أوجه لا يجوز البيع وفي واحد يجوز وهو ما إذا علم أن الثمن أزيد مما في الحلية ليكون ما كان قدرها مقابلا لها والباقي في مقابلة النصل خلافا للأئمة الثلاثة هذا إذا كان الثمن من جنس الحلية فإن كان من خلافها جاز كيف ما كان لجواز التفاضل ولا خصوصية للحلية مع السيف بل المراد إذا جمع مع الصرف غيره فإن النقد لا يخرج عن كونه صرفا بانضمام غيره إليه وعلى هذا بيع المزركش والمطرز بالذهب أو الفضة
وفي المبسوط وكان محمد بن سيرين يكره بيعه بجنسه وبه نأخذ لاحتمال
____________________
(3/164)
الزيادة والأولى بيعه بخلاف جنسه انتهى
وإن تفرقا أي المتعاقدان بلا قبض شيء صح البيع في السيف دونها أي دون الحلية
وإن تخلص السيف عن الحلية بلا ضرر لأنه أمكن إفراده بالبيع فصار كالطوق والأمة وإلا أي وإن لم يتخلص بلا ضرر بطل البيع فيهما أي في السيف والحلية لأن حصة الصرف يجب قبضها قبل الافتراق فإذا لم يقبضها حتى افترقا فسد فيه لفقد شرطه وكذا في السيف إن كان لا يتخلص إلا بضرر لتعذر تسليمه بدون الضرر كالجذع في السقف وفي البحر تفصيل فليراجع
وإن باع إناء فضة بفضة أو ذهب وقبض بعض ثمنه وافترقا قبل قبض الباقي صح العقد فيما قبض فقط لوجود شرطه وهو القبض قبل الافتراق وبطل فيما لم يقبض لعدم وجود الشرط والإناء مشترك بينهما لأن عقد الصرف وقع على كله أولا ثم طرأ الفساد على ما لم يقبض وهو لا يشيع على ما وجد فيه القبض فحصلت الشركة في الكل بالتراضي ولم يلزم تفريق الصفقة قبل التمام لأن صفقة الصرف تمت بالتقابض ولو في البعض ولا خيار للمشتري بخلاف هلاك أحد العبدين قبل القبض كما في البحر وإن استحق بعضه أي بعض الإناء أخذ المشتري ما بقي بحصته أو رده لأن الشركة عيب في الإناء لأن التشقيص يضره وكان ذلك بغير صنعه فيتخير بخلاف ما مر لأن الشركة وقعت بصنعه وهو الافتراق قبل نقد كل الثمن فإن أجاز المستحق قبل فسخ الحاكم العقد جاز العقد وكان الثمن له يأخذه البائع من المشتري ويسلمه إليه إذا لم يفترقا بعد الإجازة ويصير العاقد وكيلا للمجيز فتتعلق حقوق العقد به دون المجيز
أطلق في الخيار فشمل ما قبل القبض وبعده كما في البحر ولو استحق بعض قطعة نقرة وهي القطعة المذابة
____________________
(3/165)
من الذهب أو الفضة اشتراها أخذ المشتري الباقي بحصته بلا خيار لأن الشركة ليست بعيب في النقرة إذ لا يلزم الانتقاص بالتبعيض فلم يتضرر المشتري بالشركة فيها هذا لو كان الاستحقاق بعد قبضها أما لو كان قبل قبضها فله الخيار لتفرق الصفقة عليه قبل التمام كما في البحر والدرهم والدينار نظير النقرة لأن الشركة في ذلك لا تعد عيبا
وصح بيع درهمين ودينار بدينارين ودرهم استحسانا عندنا بصرف الجنس إلى خلافه فيقابل الدرهمان بالدينارين والدينار بالدرهم
وقال زفر والأئمة الثلاثة لا يجوز هذا العقد أصلا
و صح أيضا بيع كر بر وكر شعير بكري بر وكري شعير بأن يجعل كرا بر بكر شعير وكرا شعير بكر بر ولو صرفا إلى جنسه فسد وفي البحر تفصيل فليطالع
و صح بيع أحد عشر درهما بعشرة دراهم ودينار بأن يجعل العشرة بمثلها والدينار بدرهم تصحيحا للعقد وإنما ذكر هذه بعد التي قبلها وإن كانت قد علمت مما قبلها لبيان أنه لا يشترط أن يكون الجنسان من الطرفين بل إن كانا في طرف واحد فكذلك
و صح بيع درهم صحيح ودرهمين غلة بدرهمين صحيحين ودرهم غلة للتساوي في الوزن وسقوط اعتبار الجودة وفيه خلاف زفر والأئمة الثلاثة أيضا
وفي الإصلاح قد ذكر صاحب الوقاية هنا مسائل من مسائل الربا ورددناها إلى بابها
انتهى
ويمكن الجواب بأن يقال قد شرط التماثل في الصرف فرارا عن الفضل المؤدي إلى الربا فذكر مسألة بيع درهمين ودينار وبيع كر بر وبيع درهم صحيح في الصرف لأن مبناه على الجواز لا في باب الربا لكون مبناه على عدم الجواز
و صح بالإجماع بيع دينار بعشرة هي أي العشرة عليه وتقع المقاصة بنفس العقد لأن الدين لم يجب بعقد بل كان ثابتا قبله وسقط بإضافة العقد إليه ولا ربا في دين سقط أو بعشرة مطلقة أي صح استحسانا عندنا إن باع الدينار ممن عليه عشرة دراهم ولكن لم يضف العقد إلى ما في ذمته بل إلى عشرة مطلقة غير مقيدة بكونها عليه إن دفع الدينار ويتقاصان العشرة بالعشرة والقياس عدم الجواز
____________________
(3/166)
وهو قول زفر والأئمة الثلاثة لكونه استبدالا وجه الاستحسان أنهما لما تقاصا انفسخ الأول وانعقد صرف آخر مضافا فتثبت الإضافة اقتضاء كما لو جدد البيع بأكثر من الثمن الأول قيل هذا إذا كان الدين سابقا أما إذا كان لاحقا فكذلك يجوز في أصح الروايتين وذلك بأن باع دينارا بعشرة دراهم ثم باع مشتري الدينار ثوبا منه بعشرة وتقاصا
ثم الظاهر أن قوله ويتقاصان معطوف على قوله إن دفع فيقتضي سقوط نون التثنية إلا أن يقال إنه استئناف لكنه بعيد ولو قال وتقاصا بصيغة المضي كما وقع في سائر الكتب لكان أسلم تدبر
وما غالبه الفضة أو الذهب فضة وذهب لف ونشر مرتب حكما إذ الحكم في الشرع للغالب لأن الغش القليل لا يخرج الدراهم عن الدرهمية والدينار عن الدينارية لأن النقود المستعملة بين الناس لا يخلو منه ثم فرع بقوله فلا يجوز بيع الخالص به أي بغالب الفضة أو بغالب الذهب ولا بيع بعضه ببعض إلا متساويا وزنا استثناء من مجموع ما في حيز قوله فلا يجوز ولا يجوز استقراضه إلا وزنا كما في الجياد وما غلب عليه الغش منهما أي من الذهب والفضة بحيث لا يتميز عن الغش إلا بضرر فهو في حكم العروض لا في حكم الدراهم والدنانير إذ الحكم للغالب في الشرع ثم فرعه بقوله فبيعه أي ما غلب عليه الغش بالخالص على وجوه حلية السيف لأنه إذا كانت زيادة الخالصة معلومة يجوز البيع لو تقابضا قبل الافتراق وتكون الفضة بالفضة والزيادة في مقابلة الغش هو النحاس وغيره على مثال بيع الزيتون بالزيت أما إذا كانت الخالصة مثل ما في المغشوش أو أقل أو لم يعلم أيهما أقل فلا يجوز كما هو حكم حلية السيف على ما بيناه في موضعه ويصح بيعه أي بيع الذي غلب غشه بجنسه متفاضلا صرفا للجنس إلى خلافه بشرط التقابض في المجلس في الصورتين لوجود الفضة من الجانبين ومتى شرط القبض في الفضة اعتبر في النحاس لعدم التميز عنه إلا بضرر هذا إذا عرف أن الفضة تجتمع عند إذابة المغشوشة ولا تحترق أما إذا عرف أنها تحترق وتهلك كان حكمها حكم النحاس الخالص ولا يجوز بيعها بجنسها متفاضلا
و يصح التبايع والاستقراض بما يروج منه أي من الذي غلب غشه من الذهب والفضة وزنا إن كان يروج وزنا أو عددا إن كان يروج عددا أو بهما أي بكل منهما إن كان يروج بهما لأن المعتبر فيما لا نص فيه العادة ولا يتعين بالتعيين ما دام يروج لكونه ثمنا بالاصطلاح فإن هلك قبل
____________________
(3/167)
التسليم لا يبطل العقد بينهما ويجب عليه مثله
ولو اشترى به أي بالذي غلب غشه وهو نافق فكسد قبل النقد بطل البيع عند الإمام لأن الثمنية ثبتت لها بعارض الاصطلاح فإذا كسدت رجعت إلى أصلها ولم تبق ثمنا فيبطل البيع لبقائه بلا ثمن ويجب على المشتري رد المبيع إن كان قائما ومثله أو قيمته إن كان هالكا وقالا لا يبطل البيع لأن الثمن تعلق بالذمة والكساد عرض على الأعيان دون الذمة ولما لم يتمكن من تسليم الثمن لكساده تجب قيمته وعن هذا قال وتجب قيمته أي قيمة الذي غلب غشه يوم البيع عند أبي يوسف لأنه مضمون بالبيع فتعتبر قيمته في ذلك الوقت كالمغصوب
وفي الذخيرة الفتوى على قول أبي يوسف و قيمته آخر ما تعومل به عند محمد أي قيمته يوم ترك الناس المعاملة لأن التحول من رد المسمى إلى قيمته إنما صار بالانقطاع فيعتبر يومه
وحد الكساد أن تترك المعاملة بها في جميع البلاد وإن كانت يروج في بعض البلاد لا يبطل لكنه يتعيب فيتخير البائع وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق وإن وجد في يد الصيارفة أو في البيوت كما في البحر ولم يذكر فيما نقصت قيمتها قبل القبض أو غلب
وفي التنوير ولو نقصت قيمتها قبل القبض فالبيع على حاله بالإجماع ولا يتخير البائع وعكسه لو غلت قيمتها وازدادت فكذلك البيع على حاله ولا يتخير المشتري ويطالب بنقد ذلك العيار الذي كان وقت البيع
وما لا يروج منه أي من الذي غلب غشه كالرصاصة والستوقة يتعين بالتعيين لزوال المقتضي للثمنية وهو الاصطلاح وينبغي للمصنف أن يذكر عقيب قوله ولا يتعين بالتعيين لكونه ثمنا كما وقع في سائر الكتب
تتبع
والمتساوي الغش كمغلوبه في التبايع والاستقراض فلا يجوز البيع به ولا إقراضه إلا بالوزن بمنزلة الدراهم الرديئة ولا ينتقض العقد لأن الخالص
____________________
(3/168)
فيه موجود حقيقة ولم يصر مغلوبا فيجب الاعتبار بالوزن شرعا وإذا أشير إليه في المبايعة كان بيانا لقدره ووصفه ولا يبطل البيع بهلاكه قبل القبض ويعطيه مثله لكونه ثمنا لم يتعين كما في البحر
وكذا في الصرف يعني المتساوي الغش كمغلوبه في الصرف أيضا حتى لا يجوز بيعه بجنسه متفاضلا وقيل كغالبه أي كغالب الغش حتى يجوز بيعه بجنسه متفاضلا ولو باعه بالفضة الخالصة لم يجز حتى يكون الخالص أكثر مما فيه الفضة لأنه لا غلبة لأحدهما على الآخر فيجب اعتبارهما ويجوز البيع بالفلوس النافقة وإن وصلية لم تتعين لأنها أحوال معلومة وصارت أثمانا بالاصطلاح فجاز بها البيع فوجبت في الذمة كالنقدين ولا تتعين وإن عينها كالنقد إلا إذا قال أردنا تعليق الحكم بعينها فحينئذ يتعلق العقد بعينها بخلاف ما إذا باع فلسا بفلسين بأعيانهما حيث يتعين من غير تصريح لأنه لو لم يتعين لفسد البيع وهذا على قولهما وأما على قول محمد لا يتعين وإن صرحاه وأصله أن اصطلاح العامة لا يبطل باصطلاحهما على خلافه عنده وعندهما يبطل في حقهما كما في البحر فإن كسدت أي اشترى بها شيئا فكسدت قبل التسليم فالخلاف كما في كساد المغشوش يعني يبطل البيع عند الإمام خلافا لهما هكذا ذكر القدوري الخلاف
والذي في الأصل وشرح الطحاوي والأسرار البطلان من غير ذكر خلاف سوى خلاف زفر كما في أكثر شروح الهداية لكن في الفتح جواب فحاصله لا فرق بين كساد المغشوشة وكساد الفلوس إذ كل منهما سلعة بحسب الأصل ثمن بالاصطلاح فإن غالبة الغش الحكم فيها للغالب وهو النحاس مثلا فلو لم ينص على الخلاف في الفلوس وجب الحكم به
ولو استقرضها أي الفلوس فكسدت يرد مثلها أي إذا كانت هالكة عند الإمام وإذا كانت قائمة فيرد عينها بالإجماع لأن المردود في القرض جعل عين المقبوض حكما وإلا يلزم مبادلة جنس بجنس نسيئة وإنه حرام فلا يشترط فيها الرواج وعند أبي يوسف قيمتها أي قيمة الفلوس يوم القرض وعند محمد يوم الكساد وقول أبي يوسف
____________________
(3/169)
أيسر للفتوى لأن يوم القبض يعلم بلا كلفة وقول محمد أنظر في حق المستقرض لأن قيمتها يوم الانقطاع أقل وكذا في حق المقرض بالنظر إلى قول الإمام لا إلى المفتي لأن يوم الكساد لا يعرف إلا بحرج ولا يجوز البيع بغير النافقة ما لم تعين لأنها سلعة فلا بد من تعيينها
ومن اشترى بنصف درهم فلوس أو دانق بفتح النون وكسرها سدس الدرهم يحتمل أن يكون عطفا على درهم أو على نصف وهو الظاهر فلوس أو قيراط وهو نصف الدانق فلوس جاز البيع عندنا وكذا بثلث درهم أو ربعه وعليه أي على المشتري ما يباع بنصف درهم أو دانق أو قيراط منها أي من الفلوس فقوله من الفلوس بيان لما يباع لأن التبايع بهذا الطريق متعارف في القليل معلوم بين الناس لا تفاوت فيه فلا يؤدي إلى النزاع واقتصر المصنف على ما دون الدرهم لأنه لو اشترى بدرهم فلوس أو بدرهمين فلوس لا يجوز عند محمد لعدم العرف وجوزه أبو يوسف للعرف وهو الأصح كما في الكافي
ولو دفع إلى صيرفي وهو من يميز الجودة من الرداءة درهما وقال أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا أي ما ضرب من الفضة ما يساوي وزن نصف درهم إلا حبة فسد البيع في الكل عند الإمام لأن الفساد قوي في البعض وهو قوله نصف درهم إلا حبة لتحقق الربا لأنه باع الفضة بالفضة متفاضلا وزن الحبة فيسري إلى البعض الآخر وهو الفلوس لاتحاد الصفقة وعندهما صح البيع في الفلوس وبطل فيما يقابل الفضة وأصل الخلاف أن العقد يتكرر عنده بتكرار اللفظ وعندهما بتفصيل الثمن حتى لو قال أعطني بنصفه فلوسا وأعطني بنصفه نصفا إلا حبة جاز البيع في الفلوس وبطل فيما بقي عندهما كما في البحر
وعن هذا قال ولو كرر أعطني صح في الفلوس اتفاقا لأنه لما كرر صار عقدين وفي الثاني ربا وفساد أحد البيعين لا يوجب فساد الآخر
وفي المنح قال أبو
____________________
(3/170)
النصر الأقطع هذا غلط من الناسخ لأن العقد فيه فاسد عند الإمام وعندهما جائز في الفلوس فاسد في قدر النصف الآخر على اختلافهم في الصفقة الواحدة إذا تضمنت الصحيح والفاسد
وفي الفتح اعتراض وجواب
فليطالع
ولو قال أعطني به أي بالدرهم نصف درهم فلوس قال المولى سعدي قال ابن الهمام يجوز في فلوس الجر صفة لدرهم والنصب صفة لنصف ويجوز على رواية الجر أن يكون صفة للنصف والجر على الجوار ونصفا إلا حبة صح في الكل والنصف والأولى بالفاء التفريعية إلا حبة بمثله والفلوس بالباقي لأنه ذكر المثمن ولم يقسمه على أجزاء الثمن فيكون النصف إلا حبة في مقابلة مثله وما بقي من نصف وحبة في مقابلة الفلوس
وفي التنوير والأموال ثلاثة ثمن بكل حال وهو النقدان صحبته الباء أو لا قوبل بجنسه أو لا ومبيع بكل حال كالثياب والدواب وثمن من وجه مبيع من وجه كالمثليات فإن اتصل بها الباء فثمن وإلا فمبيع وأما الفلوس فإن كانت رائجة ألحقت بالثمن وإلا فبالسلعة ومن حكم الثمن عدم اشتراط وجوده في ملك العاقد عند العقد وعدم بطلان العقد بهلاك الثمن ويصح الاستبدال به في غير الصرف والسلم وحكم المبيع خلاف الثمن في الكل فيشترط وجود المبيع في ملكه
____________________
(3/171)
كتاب الكفالة عقب البيوع بذكر الكفالة لأنها لا تكون إلا في البياعات غالبا ولأنها إذا كانت بأمر كان فيها معنى المعاوضة انتهاء فناسب ذكرها عقيب البيوع التي هي معاوضة و هي في اللغة الضم قال الله تعالى وكفلها زكريا أي ضمها إلى نفسه وقرئ بتشديد الفاء ونصب زكريا أي جعله كافلا لها وضامنا لمصالحها
وفي الشرع ضم ذمة أي ذمة الكفيل إلى ذمة أي إلى ذمة الأصيل في المطالبة وفي المنح وأصله أن الكفيل والمكفول عنه صارا مطلوبين للمكفول له سواء كان المطلوب من أحدهما هو المطلوب من الآخر كما في الكفالة بالمال أو لا كما في الكفالة بالنفس فإن المطلوب من الأصيل المال ومن الكفيل إحضار النفس ولفظ المطالبة بإطلاقه ينتظمهما هذا على رأي بعضهم وجزم المولى مسكين في شرح الكنز بأن المطلوب منهما واحد وهو تسليم النفس فإن المطلوب عليه تسليم النفس والكفيل قد التزمه إذا علمت هذا ظهر لك أنه لا يحتاج إلى قول صاحب الدرر في مطالبة النفس أو المال أو التسليم لأن المطالبة تشمل ذلك انتهى
لكن فيه كلام لأن صاحب الدرر قال بعده وإنما اخترت
____________________
(3/172)
تعريفا صحيحا متنا ولا لجميع الأقسام صريحا ولا صراحة فيما نقل صاحب المنح عن المولى المسكين بل على طريق الشمول والتصريح أولى في التعريف تدبر
لا في الدين كما قاله بعضهم لكنه هو أي كونه ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة الأصح لأن الكفالة كما تصح بالمال تصح بالنفس ولا دين ثمة وكما تصح بالأعيان المضمونة بنفسها ولأنه لما يثبت الدين في ذمة الكفيل ولم يبرأ الأصيل صار الدين الواحد دينين وقلب الحقيقة فلا يصار إليه إلا عند الضرورة كما في العناية وغيرها لكن فيه كلام لأن معنى قلب الحقائق عند المحققين انقلاب واحد من الواجب والممتنع والممكن إلى الآخر والدين فعل واجب في الذمة وهو ههنا تمليك مال بدلا عن شيء كما في القهستاني
وقال المولى أخي في حاشيته تعليل صاحب العناية يعطي عدم صحة الثاني مع أن مقتضى صيغة التفضيل صحته اللهم إلا أن يلغى معنى الأفضلية فيها كما صرح به في شرح المفتاح فكأنه قال الصحيح الأول فاندفع ما ذكر الأستاذ في شرح الغرر انتهى
هذا مخالف لاصطلاح الفقهاء فإنهم لا يستعملون الأصح في معنى الصحيح بل في مقابلة الصحيح تدبر
ولا تصح الكفالة إلا ممن يملك التبرع لأنه عقد تبرع ابتداء فلا تصح من العبد والصبي والمجنون لكن العبد يطالب بعد العتق كما في الخلاصة هذا بيان أهلها
وأما ركنها فإيجاب وقبول بالألفاظ الآتية ولم يجعل أبو يوسف في قوله الآخر القبول ركنا فجعلها تتم بالكفيل وحده في المال والنفس
وشرطها كون
____________________
(3/173)
المكفول به مقدور التسليم من الكفيل وفي الدين كونه صحيحا وحكما لزوم المطالبة على الكفيل بما هو على الأصيل نفسا أو مالا
والمدعي مكفول له والمدعى عليه مكفول عنه والنفس أو المال مكفول به والمكفول عنه والمكفول به في الكفالة بالنفس واحد
وهي الكفالة ضربان كفالة بالنفس و كفالة بالمال خلافا للشافعي في الكفالة بالنفس إذ عنده لا تجوز الكفالة بالنفس في قول لأنه غير قادر على تسليم المكفول له حيث لا ينقاد له بل يمانعه ويدافعه بخلاف الكفالة بالمال لقدرته على مال نفسه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام الزعيم غارم
وجه الاستدلال به أنه بإطلاقه يفيد مشروعية الكفالة بنوعيها لا يقال لا غرم في كفالة النفس لأنا نقول الغرم لزوم ضرر عليه ومنه قوله تعالى إن عذابها كان غراما ويمكن العمل بموجبها بأن يخلى بينه وبينه على وجه لا يقدر أن يمتنع عنه أو بأن يستعين بأعوان القاضي على تسليمه مع أن الظاهر أنه إنما يتكفل بنفس من يقدر على تسليمه وينقاد له وأيضا إلزام الشيء على نفسه يصح وإن كان لا يقدر على ملتزم عليه غالبا كمن نذر أن يحج ألف حجة يلزمه ذلك وإن كان لا يعيش ألف سنة
فالأولى أي كفالة النفس تنعقد بكفلت بنفسه وبرقبته ونحوها أي نحو الرقبة مما يعبر به عن جميع البدن عرفا كالبدن والجسد والروح والرأس والوجه والعنق والعين والفرج إذا كانت امرأة بخلاف اليد والرجل أو بجزء شائع منه كنصفه أو عشره أو ثلثه أو ربعه أو نحوها لأن النفس الواحدة في حق الكفالة لا تتجزأ فكان ذكر بعضها شائعا كذكر كلها
وفي السراج ولو أضاف الجزء إليه بأن قال الكفيل كفل لك نصفي أو ثلثي فإنه لا يجوز
و تنعقد بضمنته أي بقوله ضمنت لك فلانا لأنه تصريح بمقتضاه أو هو علي لأن كلمة علي للإلزام فكأنه قال أنا ملتزم تسليمه أو إلي لأن إلي بمعنى علي قال عليه الصلاة والسلام من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا أي يتيما أو عيالا فإلي وروي علي لكونهما بمعنى أو أنا زعيم لأن الكفيل يسمى زعيما قال الله تعالى
____________________
(3/174)
حكاية عن صاحب يوسف وأنا به زعيم أي كفيل أو قبيل به أي بفلان لأن القبيل هو الكفيل ولهذا سمي الصك قبالة لأنه يحفظ الحق
لا تنعقد بأنا ضامن لمعرفته لأنه التزم معرفته دون المطالبة
وقال أبو يوسف يصير ضامنا للعرف وقال أبو الليث هذا القول عن أبي يوسف غير مشهور والظاهر ما روي عنهما وبظاهر الرواية يفتى كما في أكثر الكتب
وفي التنوير وينعقد بقوله أنا ضامن حتى يجتمعا أو يلتقيا ويكون كفيلا إلى الغاية وقيل لا ينعقد لعدم بيان المضمون هل هو نفس أو مال
قيد بالمعرفة لأنه لو قال أنا ضامن تعريفه أو علي تعريفه ففيه اختلاف المشايخ والوجه اللزوم كما في البحر ولو قال أنا ضامن لوجهه فإنه يؤخذ لوجهه به ولو قال أنا أعرفه لا يكون كفيلا وكذا لو قال أنا كفيل لمعرفة فلان ولو قال معرفة فلان علي قالوا يلزمه أن يدل عليه كما في الخانية ولو قال فلان آشناء منست أو آشناست صار كفيلا بالنفس عرفا وبه يفتى في المضمرات وصح أخذ كفيلين وأكثر لأن حكم الكفالة استحقاق المطالبة وهو يحتمل التعدد فالتزام الأول لا يمنع الثاني على أن المقصود منها التوثق وأخذ كفيل آخر وآخر زيادة في التوثق فصحت الثانية مع بقاء الأولى وكذا الثالثة فما فوقها
ويجب فيها أو في الكفالة بالنفس على الكفيل إحضار مكفول به وهو النفس إذا طلبه المكفول له وهو المدعي وفاء بما التزمه فإن لم يحضره أي إن لم يحضر الكفيل المكفول به بعد الطلب بغير عجز حبس على صيغة المبني للمفعول أي حبسه الحاكم لامتناعه عن إيفاء ما وجب عليه ولكن لا يحبسه أول مرة حتى يظهر مطله لأنه جزاء الظلم وهو ليس بظالم قبل المطل هذا إذا أقر بالكفالة بالنفس أما إذا أنكرها وثبتت بالبينة
____________________
(3/175)
عند الحاكم فيحبسه أول مرة في ظاهر الرواية قال الخصاف لا يحبسه أول مرة ولو ثبت بالبينة وقيدنا بغير عجز لأنه إن عجز فلا حبس بل يلازمه الطالب
وإن عين أي الكفيل وقت تسليمه أي المكفول به لزمه أي الكفيل ذلك أي إحضار المكفول به فيه أي في الوقت الذي عينه إذا طالبه المكفول له في ذلك الوقت أو بعده لأنه التزمه كذلك فإن سلمه إليه قبل مجيء ذلك الوقت برئ الكفيل وإن لم يقبله المكفول له لأنه ما التزم تسليمه إلا مرة وقد أتى به
وفي المنح إذا كفل إلى ثلاثة أيام كان كفيلا بعد الثلاثة ولا يطالب في الحال في ظاهر الرواية وبه يفتى وإذا قال أنا كفيل بنفس فلان من اليوم إلى عشرة أيام صار كفيلا في الحال فإذا مضت العشرة خرج عنها
ولو قال أنا كفيل بنفسه إلى عشرة فإذا مضت العشرة فأنا بريء قال ابن الفضل لا مطالبة عليه بها لا فيها ولا بعدها
وقال أبو الليث الفتوى على أنه لا يصير كفيلا
وهذا حيلة لمن يلتمس منه الكفالة ولا يريد أن يصير كفيلا
وفي الواقعات الفتوى على أنه يصير كفيلا كما في البحر فإن غاب المكفول به وعلم مكانه أمهله الحاكم مدة ذهابه وإيابه وهو مقيد بما إذا أراد الكفيل السفر إليه فإن أبى حبسه للحال من غير إمهال كما في البزازية فإن مضت المدة ولم يحضره مع إمكان الإحضار حبسه الحاكم لما ذكرناه
وإن غاب المكفول به ولم يعلم مكانه لا يطالب به لأنه عاجز فعلى هذا التجأ إلى باب الجائر ينبغي أن لا يطالب به لتحقق العجز كما في الزاهدي
وفي البحر ولا بد من ثبوت أنه غائب لم يعلم مكانه إما بتصديق الطالب أو ببينة فإن اختلفا ولا بينة فقال الكفيل لا أعرف مكانه وقال الطالب تعرفه فإن كان له خرجة معلومة للتجارة في كل وقت فالقول للطالب ويؤمر الكفيل بالذهاب إلى ذلك الموضوع وإلا فالقول للكفيل لتمسكه بالأصل وهو الجهل
ولو علم أن المكفول به أريد ولحق بدار الحرب يؤجل الكفيل ولا تبطل باللحاق بدار الحرب وقيده في الذخيرة بما إذا كان الكفيل قادرا على رده بأن كان بيننا وبينهم مواعدة أنهم يردون إلينا المرتد وإلا لا يؤاخذ به ثم كل موضع قلنا إنه يؤمر بالذهاب إليه للطالب أن يستوثق بكفيل من الكفيل حتى لا يغيب الآخر
وتبطل الكفالة بالنفس بموت الكفيل لحصول العجز الكلي عن التسليم بعد موته ووارثه لا يقوم مقامه لأن الخليفة فيما له لا
____________________
(3/176)
فيما عليه بخلاف الكفالة بالمال كما في الهداية وغيرها لكن في السراج نقلا عن الكرخي لا تبطل بموت الكفيل ويطالب ورثته بإحضاره و تبطل بموت المكفول به لامتناع التسليم
ولو كان المكفول به عبدا إنما قال هذا لتوهم أن العبد مال مطالب به وكفل بنفسه رجل أما إذا كان المدعى به نفس العبد لا يبرأ وضمن قيمته دون موت المكفول له بل يطالب وارثه أو وصيه الكفيل أي إذا مات المكفول له لم تبطل ويسلمه الكفيل إلى ورثته فإن سلمه إلى بعضهم برئ منهم خاصة وللباقين مطالبته بإحضاره فإن كانوا صغارا فلوصيهم مطالبته فإن سلمه أحد الوصيين برئ في حقه وللآخر مطالبته
وفي منظومة ابن وهبان أنها تبطل بموت الطالب والمعروف في المذهب خلافه كما في البحر
ويبرأ الكفيل بالنفس إذا سلمه أي سلم المكفول به إلى المكفول له حيث تمكن مخاصمته كما إذا سلمه في مصر سواء قبله الطالب أو لا
وإن وصلية لم يقل إذا دفعته إليك فأنا بريء لأن موجب الدفع إليه البراءة فتثبت وإن لم ينص عليها كالمديون إذا سلم الدين وإطلاقه شامل ما إذا قال سلمته إليك بجهة الكفالة أو لا إن طلبه منه وأما إذا لم يطلبه منه فلا بد أن يقول ذلك و يبرأ بتسليم وكيل الكفيل أو رسوله لقيامهما مقامه وبتسليم المكفول به نفسه من كفالته هذا قيد في الجميع يعني لا يبرأ الكفيل حتى يقول له المكفول سلمت نفسي إليك من الكفالة والوكيل والرسول كالمكفول لا بد من التسليم عنها وإلا لا يبرأ كما في المنح فعلى هذا ظهر ضعف ما قيل من أنه متعلق بتسليم المكفول به نفسه تدبر
هذا إذا كان بغير طلب أما إذا كان بعد طلبه فلا يشترط أن يقول سلمته بحكم الكفالة كما مر آنفا فينبغي لصاحب المنح التفصيل تأمل
قيد بالوكيل والرسول لأنه لو سلمه أجنبي بغير أمر الكفيل وقال سلمت إليك عن الكفيل فإن قبل
____________________
(3/177)
الطالب برئ الكفيل وإن سكت لا فإن شرط تسليمه في مجلس القاضي فسلمه في السوق أي في سوق المصر قالوا يبرأ لحصول المقصود بنصرة أعوان الحاكم والمختار في زماننا أنه لا يبرأ سواء كان في سوق ذلك المصر أو في سوق مصر آخر وهو قول زفر وبه يفتى في زماننا لتهاون الناس في إقامة الحق ولمعاونة الفسقة على الخلاص منه والفرار فالتقليد بمجلس القاضي مفيد وهذه إحدى المسائل التي يفتى بقول زفر
وإن سلمه في مصر آخر لا يبرأ عندهما لأنه قد يكون شهوده فيما عينه أو يعرف ذلك القاضي حادثته فلا يبرأ بالتسليم في مصر آخر ويبرأ عند الإمام إن كان فيه سلطان أو قاض وكانت غير مقيدة بمصر لإمكان اختصاره إلى مجلس القاضي
وفي البحر نقلا عن القنية كفل بنفسه في البلد وسلمه في الرساتيق صح إن كان فيها حاكم
وقال العلاء التاجري والبدر الطاهر لا يصح قال وجوابهما أحسن لأن أغلب قضاة رساتيق خوارزم ظلمة فلا يقدر على محاكمته على وجه العدل انتهى
هذا في زمانهم أما في زماننا فأكثر قضاة مصر مثل قضاة رساتيق خوارزم أصلحهم الله تعالى بلطفه وكرمه
وإن سلمه في برية أو في السواد أي في القرية التي ليس لها حاكم لا يبرأ لعدم حصول المقصود وهو القدرة على المحاكمة
وكذا لا يبرأ إن سلمه في السجن وقد حبسه غير الطالب قيل هذا إذا كان في سجن حاكم آخر لعدم الإمكان على المخاصمة وأما إذا كان في سجن قاض وقع مخاصمته بين يديه فيبرأ عن الكفالة سواء كان مسجونا له أو لغيره لأن الحاكم قادر على الإحضار للخصومة ثم يعيده إلى السجن فإن كفل رجل بنفسه أي المديون بمال كذا على أنه أي الكفيل إن لم يواف أي إن لم يأت الكفيل
____________________
(3/178)
المكفول له به أي المكفول عنه
يقال وافاه أي أتاه من الوفاء عدى المصنف إلى المفعول الثاني بالباء على ما هو القياس عند البعض غدا فهو ضامن لما عليه فلم يواف به غدا مع قدرته عليه لزمه أي الكفيل بالنفس ما عليه من المال عندنا لتحقق الشرط وهو عدم الموافاة إذ الكفالة تشبه النذر ابتداء باعتبار الالتزام إذ لا يقابله شيء وتشبه البيع انتهاء باعتبار الرجوع فيكون مبادلة المال بالمال فإن علق الكفالة بغير ملائم مثل هبوب الريح لم تصح كالبيع وإن بملائم متعارف مثل عدم الموافاة في وقت تصح كالنذر مع أن هذا التعليق ليس في وجوب المال بل في وجوب المطالبة
وقال الشافعي لا تصح لأنه إيجاب المال بالشرط فلا يجوز
وإن وصلية مات المكفول به قبل الحضور فيضمن الكفيل المال إذ يثبت بموته عدم الموافاة به ولو مات الكفيل قبل الحضور يضمن وارثه المال ولو مات المكفول له يطالب وارثه ولا يبرأ الكفيل من كفالة النفس بوجود الكفالة بالمال في هذه المسألة لأنها كانت ثابتة قبلها ولا تنافي كما لو كفلهما وإنما قلنا مع قدرته عليه لأنه إذا عجز لا يلزمه إلا إذا عجز بموت المطلوب لما في الكافي وغيره فإن مات المكفول عنه قبل مضي الغد ثم مضى الغد ضمن الكفيل المال لأن شرط لزوم المال عدم الموافاة وقد وجد انتهى
فعلى هذا تقييد صاحب الفتح بقوله بعد الغد مخالف لما في الكافي وغيره تتبع
وفي التنوير ولو اختلفا في الموافاة فالقول للطالب والمال لازم على الكفيل ومن ادعى على آخر مائة دينار بينها أي بين صفتها على وجه تصح الدعوى بأنها سلطانية أو إفرنجية أو لم يبينها فكفل بنفسه رجل على أنه إن لم يواف به أي المكفول به غدا فعليه المائة فلم يواف به غدا لزمه المائة عند الشيخين لتحقق الشرط لأن الكفيل لما عرف المال باللام حيث قال فعليه المائة يحمل على الأصل وهو العهد فينصرف إلى المال الذي على المدعى عليه فيخرج عن احتمال مال الرشوة لأن المدعي لم يعين المال المدعى في غير مجلس القضاء تحرزا عن حيلة خصمه فإن بين قبل الكفالة فحكمه ظاهر وإن بين بعدها يلتحق البيان إلى المجمل فصار كما كان المال مبينا عند الدعوى قبل
____________________
(3/179)
الكفالة فحينئذ تبين صحة الكفالة الأولى ويترتب عليها الأخرى ويكون القول قوله في البيان إذا اختلفا فيه لأنه يدعي صحة الكفالة خلافا لمحمد قيل عدم الجواز عنده بناء على أنه أطلق المال ولم يقل المال الذي على المدعى عليه فعلى هذا لا فرق بين بيان المدعي المال وعدم بيانه وقيل بناء على أنه لما لم يبين المدعي لم تصح الدعوى فلم يستوجب إحضاره المدعى عليه إلى مجلس القاضي فلم تصح الكفالة بالنفس فلا تجوز الكفالة بالمال لابتنائها عليها فعلى هذا إن بين تكون الكفالة صحيحة ونقل في الفتح عن قول أبي يوسف اختلافا فليطالع
ولا يجبر على إعطاء كفيل بالنفس في حد وقصاص يعني لو طلب مدعي القصاص أو حد القذف من القاضي أن يأخذ كفيلا لنفس المدعى عليه حتى يحضر البينة فالقاضي لا يجبره على إعطاء الكفيل كسائر الحدود عند الإمام مطلقا لقوله عليه الصلاة والسلام لا كفالة في حد من غير فصل ولأن مبنى الحدود كلها على الدرء بالشبهة فلا يجبر على استيثاقها بالكفالة فإن سمحت به نفسه أي لو تبرع المدعى عليه بإعطاء كفيل بلا طلب في حد القذف والقصاص صح بالإجماع لأن تسليم النفس واجب عليه للطالب فيجوز إعطاء الكفيل بتسليم نفسه له وقالا يجبر في القصاص لأن الغالب فيه حق العبد وحد القذف لأن فيه حق العبد وإن لم يقدر على الإعطاء يأمره بالملازمة معه لا بالحبس وهو المراد بالجبر هنا عندهما وألحق البعض حد السرقة بهما بخلاف سائر الحدود لأنها خالصة لله تعالى ومندرئات بالشبهات فلا حاجة إلى الجبر على إعطاء الكفيل للاستيثاق في حقه تعالى بالاتفاق ويجبر في دعوى القتل بالخطأ على الإعطاء والجروح به لأن موجبها المال وكذا يجبر في التعزير
فإن شهد عليه أي على المدعى عليه مستوران أي غير معلوم فسادهما في حد أو قود حبس وكذا يحبس إن شهد عدل واحد يعرفه القاضي بالعدالة لأن الحبس هنا للتهمة والتهمة تثبت بإحدى شطري الشهادة وهو العدد في المستور أو العدالة في الواحد بخلاف الحبس في الأموال لأنه غاية عقوبة فيها فلا يثبت إلا بحجة كاملة وإذا لم يقدر المدعي على إقامة البينة بما ادعاه ولا على إثبات التهمة حتى قام القاضي عن مجلس القضاء خلي سبيله خلافا لهما في رواية أي في هذه المسألة عنهما روايتان في رواية يحبس ولا يكفل
____________________
(3/180)
كما بيناه
وفي رواية يكفل ولا يحبس لعدم ثبوت القذف أو القود بالحجة التامة وصح الرهن والكفالة بالخراج إذ الإمام وظفه إلى وقت معين على ما يراه بدلا عن منفعة حفظ المال فيصير دينا في الذمة ويجوز فيه الكفالة بالنفس بناء على صحة الكفالة بالخراج هو المال بخلاف الزكاة لأنها ليست من الديون المطلقة لسقوطها بالموت
ثم شرع في الكفالة بالمال فقال والكفالة بالمال صحيحة ولو كان المال مجهولا إذا كان ذلك المال دينا صحيحا وصحتها بالإجماع وصحت مع جهالة المال لبنائها على التوسع فإنها تبرع ابتداء فيحتمل فيها جهالة المال بعد أن كان دينا صحيحا
والدين الصحيح الدين لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء وهو احتراز عن بدل الكتابة وسيأتي
وفي الإصلاح والمراد من الإبراء ما يعم الحكمي وهو أن يفعل فلا يلزمه سقوط الدين فلا يرد النقض بدين المهر لأن سقوطها بمطاوعتها لابن زوجها من قبيل الإبراء بالمعنى المذكور
وفي المنح ومما يشكل على هذا الأصل الكفالة بالنفقة المقبوضة غير المستدانة فإنها صحيحة مع أن دين النفقة ليس بصحيح لأنها تسقط بموت أحدهما وبالطلاق ولم أر من أجاب عن هذا والظاهر أنه أخذ فيه بالاستحسان للحاجة إليه لا بالقياس وقيد بجهالة المال للاحتراز عن جهالة الأصيل والمكفول له لأنها مانعة وتمامه في البحر فليطالع
بتكفلت متعلق بقوله صحيحة عنه أي عن فلان بألف درهم هذا نظير ما كان معلوما أو بما لك عليه أي بالذي ثبت لك عليه أي فلان هذا نظير ما كان مجهولا أو تكفل بما يدركك أي يلحقك في هذا البيع من ضمام الدرك وهو ضمام الثمن عند
____________________
(3/181)
استحقاق المبيع أو ضمان المبيع إن لحقه آفة فالمكفول به مجهول لاحتمال استحقاق الكل أو البعض فيضمن الكفيل الكل والبعض
وفي السراج فإن استحق المبيع كان للمشتري أن يخاصم البائع أولا فإذا ثبت عليه استحقاق المبيع كان له أن يأخذ الثمن من أيهما شاء وليس له أن يخاصم الكفيل أولا في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أن له ذلك وأجمعوا أن المبيع لو ظهر حرا كان له أن يخاصم أيهما شاء
وكذا تصح لو علقها أي الكفالة بشرط ملائم أي بشرط موافق وهو أن يكون الشرط سببا لوجوبه وعبر عنه بالشرط مجازا كشرط وجوب الحق نحو ما بايعت فلانا أي إن بعت شيئا من فلان فإني ضامن للثمن لا ما اشتريته فإني ضامن للمبيع لأن الكفالة بالمبيع لا تجوز فما شرطيته كما بعده وهذا من أمثلة الكفالة بالمجهول
وفي المبسوط ولو قال إذا بعته شيئا فهو علي فباعه متاعا بألف درهم ثم باعه بعد ذلك بألف درهم لزم الكفيل الأول دون الثاني لأن حرف إذا لا يقتضي التكرار بخلاف كلما وما ومثل إذا متى وإن
ولو رجع الكفيل عن هذا الضمان قبل أن يبايعه ونهاه عن مبايعته ثم بايعه بعد ذلك لم يلزمه شيء وإنما قال ما بايعت لأنه لو قال بايع فلانا على أن ما أصابك من خسران فعلي لم يصح أو ما غصبك أي إن غصب منك فلان فعلي هذا من أمثلة المجهول أيضا
وفي البحر لو قال إن غصب فلان ضيعتك فأنا ضامن لم يجز عند الشيخين
وعند محمد يجوز بناء على أن غصب العقار لا يتحقق عندهما خلافا له أو ما ذاب أي ثبت أو وجب من الذوب لك عليه أي على فلان شيء فعلي أو إن استحق المبيع فعلي جواب الجميع أي إن استحق المبيع مستحق فعلي الثمن كان استحقاق المبيع شرط وجوب الحق في ذمته وجاز التعليق به لملاءمته الشرط وكشرط إمكان الاستيفاء نحو إن قدم زيد فعلي ما عليه وهو أي زيد المكفول عنه فإن قدومه سبب موصل للاستيفاء منه قيد بكون زيد مكفولا عنه لأنه إذا كان أجنبيا كان التعليق به كما في هبوب الريح وتمامه في البحر فليطالع
وكشرط تعذر الاستيفاء
____________________
(3/182)
نحو إن غاب زيد المكفول عنه عن البلد فعلي ما عليه لأن غيبته سبب لتعذر الاستيفاء فهذه جملة الشروط التي يجوز تعليق الكفالة بها ثم الأصل فيه أن الجهالة في المال المكفول به لا تمنع صحة الكفالة كقوله ما غصبك فلان فعلي وجهالة المكفول له أو المكفول عنه تمنع حتى لو قال من غصبك من الناس أو بايعك أو قتلك فأنا كفيل لك عنه أو من غصبته أنت أو قتلته فأنا كفيل له عنك لا يجوز إلا إذا كانت الجهالة في المكفول عنه يسيرة مثل أن يقول كفلت لك بما لك على أحد هذين فحينئذ يجوز فالتعيين إلى صاحب الحق كما في التبيين
وإن علقها أي الكفالة بمجرد الشرط أي بالشرط المجرد عن الملاءمة كهبوب الريح ومجيء المطر بأن قال إن هبت الريح أو جاء المطر فما على فلان علي بطل الشرط
وكذا إن جعل أحدهما آجلا كما إذا قال كفلت بكذا إلى هبوب الريح أو مجيء المطر بطل التأجيل فتصح الكفالة ويجب المال على الكفيل حالا
وفي الهداية ولا يصح التعليق بمجرد الشرط كقوله إن هبت الريح أو جاء المطر وكذا إذا جعل واحدا منهما آجلا إلا أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة كالطلاق والعتاق
وفي التبيين وهذا سهو فإن الحكم فيه أن التعليق لا يصح ولا يلزمه المال لأن الشرط غير ملائم فصار كما لو علقه بدخول الدار ونحوه مما ليس بملائم ذكره قاضي خان وغيره وأجاب بعض الفضلاء لكن لا يخلو عن التعسف بل إذا تأملت حق التأمل ظهر لك أن السؤال باق على حاله ولا يندفع إلا أن يقال يمكن الجواب بأن قوله إلا أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا قيد لقوله وكذا إذا جعل واحدا منهما آجلا فقط فحاصله لا يصح التعليق بمجرد الشرط ولا تصح الكفالة أيضا وكذا التأجيل إذا جعل واحدا منهما آجلا فإنه تصح الكفالة ويجب المال حالا
لا يقال إنه منقوض بقوله لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشرط لأنه أراد بالتعليق بالشرط التأجيل مجازا أي بأجل متعارف فلا يلزم المحذور ويندفع الإشكال تدبر
وللطالب مطالبة أي شاء من كفيله
____________________
(3/183)
وأصيله أي يثبت الخيار في المطالبة إن شاء طالب الأصيل وإن شاء طالب الكفيل وإن شاء طالبهما معا لأنه موجب الكفالة إذ هي تنبئ عن الضم كما مر وذلك يقتضي قيام الذمة الأولى لا البراءة إلا إذا شرط براءة الأصيل فتكون حوالة كما أن الحوالة بشرط عدم براءة المحيل كفالة لأن العبرة في العقود للمعاني مجازا لا للألفاظ والمباني
ولو طالب الطالب أحدهما كان له مطالبة الآخر بخلاف المغصوب منه إذا اختار أحد الغاصبين لأن اختيار أحدهما يتضمن التمليك منه عند قضاء القاضي به ولا يمكنه التمليك من الآخر بعده وأما المطالبة بالكفالة لا تقتضيه ما لم توجد منه حقيقة الاستيفاء فإن كفل بماله عليه فبرهن الطالب على ألف لزمه أي لزم الألف الكفيل لأن الثابت بالبينة كالثابت عيانا ولا يكون قول الطالب حجة عليه كما لا يكون حجة على الأصيل لأنه مدع
وإن لم يبرهن الطالب صدق الكفيل فيما أقر به مع يمينه أي فالقول للكفيل فيما يقر به مع يمينه على نفي العلم لا على البتات كما في الإيضاح
و صدق الأصيل في إقراره بأكثر مما أقر به الكفيل على نفسه خاصة لا على الكفيل لأنه إقرار على الغير وقيد بما له عليه لأنه لو كفل بما ذاب أي حصل لك على فلان أو بما ثبت فأقر المطلوب بمال لزم الكفيل أما لو أبى الأصيل اليمين فألزمه القاضي فلم يلزم الكفيل لأن النكول ليس بإقراره كما في
____________________
(3/184)
البحر فإن كفل بلا أمره أي المكفول عنه لا يرجع الكفيل عليه أي على المكفول عنه بما أدى عنه لأنه متبرع بأدائه بغير رجوع خلافا لمالك
وإن وصلية أجازها أي الكفالة المكفول عنه بعدم العلم لأن الكفالة لزمته ونفذت عليه بغير أمر غير موجبة للرجوع فلا تنقلب موجبة له هذا إذا أجاز بعد المجلس أما إذا أجاز في المجلس فإنها تصير موجبة للرجوع كما في العمادية
وإن كفل بأمره رجع عليه بما أدى عنه لأنه قضى دينه بأمره معناه إذا أدى ما ضمن أما إذا أدى خلافه بأن كان الدين المكفول به جيدا فأدى رديئا أو بالعكس فإن رجوعه بما ضمن لا بما أدى لأن ملك الدين بالأداء فنزل منزلة الطالب بخلاف المأمور بقضاء الدين فإنه يرجع بما أدى وتمامه في المنح فليراجع ومعنى الأمر أن يشتمل كلامه على لفظة عني كأن يقول اكفل عني أو اضمن عني لفلان فلو قال اضمن الألف التي لفلان علي لم يرجع عليه عند الأداء لجواز أن يكون القصد ليرجع أو لطلب التبرع فلا يلزم المال كما في البحر والمتبادر من الأمر أمر من يصح أمره شرعا فلا رجوع على الصبي والعبد المحجورين إذا أدى كفيلهما بالأمر لعدم صحته منهما ولكن يرجع على العبد بعد عتقه فلا رجوع على الصبي مطلقا ولا يطالبه أي لا يطالب كفيل أصيلا بمال قبل الأداء إلى المكفول له لأن الموجب للمطالبة هو التملك ولا يملك قبل الأداء ويملكه بعده فيرجع فإن لوزم الكفيل من جهة الطالب فله أي للكفيل ملازمته أي ملازمة المكفول عنه حتى يخلصه وهو مقيد بما إذا كانت الكفالة بأمره
وإن حبس الكفيل فله حبسه أي للكفيل أن يحبس المكفول عنه لأن ما لحق كان لأجله فله أن يعامله بمثله هذا إذا لم يكن على الكفيل للمطلوب دين مثله وإلا فلا يلازمه ولا يحبسه كما في السراج
ويبرأ الكفيل بأداء الأصيل لأن براءة الأصيل توجب براءته لأنه ليس عليه دين
____________________
(3/185)
في الصحيح وإنما عليه المطالبة فيستحيل بقاؤها بلا دين كما ذكره الزيلعي للهداية وظاهره أن القائل بأن الكفيل عليه دين لا يبرأ بأداء الأصيل وليس كذلك بل يبرأ إجماعا لأن تعدد الدين عند القائل به حكمي فيسقط بأداء واحد كما في البحر
وإن أبرأ الطالب الأصيل وهو المطلوب أو أخر الطالب عنه أي الأصيل بأن أجل دينه برئ الكفيل في الصورة الأولى وتأخر الدين عنه أي عن الكفيل يعني يتأخر في حقه أيضا لأنه ليس عليه إلا المطالبة وهي تبع للدين فتسقط بسقوطه وتتأخر بتأخيره بخلاف ما إذا تكفل بشرط براءة الأصيل ابتداء حيث يبرأ الأصيل دون الكفيل
وفي السراج ويشترط قبول الأصيل البراءة فإن ردها ارتدت وهل يعود الدين على الكفيل فيه قولان وموت الأصيل كقبوله
وفي القنية براءة الأصيل إنما توجب براءة الكفيل إذا كانت بالأداء أو بالإبراء فإن كانت بالحلف فلا
وإن أبرأ الطالب الكفيل أو أخر الدين عنه أي عن الكفيل لا يبرأ الأصيل ولا يتأخر عنه أي عن الأصيل إذ الأصل فيه أن الأصول لا تتبع الفروع في الوصف ولا يلزم عكس الموضوع فإن كفل بالدين الحال مؤجلا إلى وقت أي إلى شهر مثلا يتأجل عن الأصيل أيضا لأنه لا مطالبة على الكفيل حال وجود الكفالة فانصرف الأجل إلى الدين كما في التبيين
ولو صالح الكفيل الطالب عن ألف على مائة برئا أي الأصيل والكفيل لأنه أضاف الصلح إلى الألف الدين على الأصيل فيبرأ عن تسعمائة فبراءته توجب براءة الكفيل ثم برئا جميعا عن المائة بأداء الكفيل ورجع الكفيل بها أي بالمائة فقط على الأصيل إن كفل بأمره إذ بالأداء يملك ما في ذمة الأصيل فاستوجب
____________________
(3/186)
الرجوع بخلاف الإبراء لأن بالإبراء يسقط الدين فلا يملكه الكفيل فلا يرجع
وإن صالح الكفيل الطالب عن الألف بجنس آخر كالثوب وغيره رجع الكفيل على الأصيل بالألف كله لأن هذا الصلح يكون مبادلة فيصير الألف بمقابلة الثوب فيملك ما في ذمة الأصيل فيرجع بكله عليه
وتوضيحه أن الألف في الأصل في ذمة الأصيل ثم انتقل عنه وثبت في ذمة الكفيل حين أخذ الطالب منه فيصح تمليك الطالب الدين الألف من الكفيل لكونه تمليك الدين ممن عليه الدين وكذا يصح التمليك من الكفيل بالهبة إذا أذن له بالقبض فصار كأنه أخرجه عن الكفالة ووكله بالقبض فقبضه ثم وهبه فيصير تمليك الدين ممن عليه الدين مع الكفيل مسلطا على الدين في الجملة
وإن صالح الكفيل عن موجب الكفالة وهو المطالبة عن شيء بشرط إبراء الكفيل خاصة برئ هو أي الكفيل فقط دون الأصيل لأن إبراء الكفيل عن الكفالة يصير فسخا لكفالته لا إسقاطا لأصل الدين
وإن قال الطالب للكفيل بالأمر برئت إلي من المال رجع الكفيل على أصيله لأن البراءة التي ابتداؤها من المطلوب وانتهاؤها إلى الطالب لا يكون إلا بالإيفاء فيرجع فصار كإقراره بالقبض منه أو الدفع إليه واستفيد منه براءة المطلوب للطالب لإقراره كالكفيل كما في المنح وكذا رجع الكفيل على أصيله في قول الطالب للكفيل برئت دون إلي عند أبي يوسف لأنه أقر براءة ابتداؤها من المطلوب وإليه الإيفاء دون الإبراء خلافا لمحمد لأن البراءة تكون بالأداء والإبراء فيثبت الأدنى وهو الإبراء ولا يرجع الكفيل بالشك وفي قول الطالب للكفيل أبرأتك لا يرجع الكفيل إلى الأصيل لأنه إبراء لا ينتهي إلى غيره وذلك بالإسقاط فلا يكون إقرارا بالإيفاء قبل جميع ما ذكرنا إذا كان الطالب غائبا
وإن كان الطالب حاضرا يرجع إليه في البيان في الكل لأنه هو المجمل حتى في برئت إلي لاحتمال إني أبرأتك مجازا وإن كان بعيدا في الاستعمال كما في النهاية قيد بقوله برئت لأنه لو كتب في الصك برئ الكفيل من الدراهم التي كفل بها كان إقرارا بالقبض عندهم
____________________
(3/187)
جميعا كقوله برئت إلي بقضية العرف فإن العرف بين الناس أن الصك يكتب على الطالب بالبراءة إذا حصلت بالإيفاء وإن حصلت بالإبراء لا يثبت الصك عليه فجعلت الكتابة إقرارا بالقبض عرفا ولا عرف عند الإبراء كما في الفتح
ولا يصح تعليق البراءة عن الكفالة بالمال بالشرط مثل إذا جاء غد فأنت بريء من الكفالة بالمال فجاء غد لا يبرأ عنها إذ شرطه باطل وكفالته جائزة كسائر البراءات لأن في الإبراء معنى التمليك والتمليكات لا تقبل التعليق بالشرط لكونه قمارا هذا ظاهر على قول من يقول بثبوت الدين على الكفيل وعلى قول غيره إن تمليك المطالبة كتمليك الدين لأنها وسيلة إليه وكذا لا يجوز تعليق براءة الأصيل لأن معنى التمليك فيه ظاهر إذ المال واجب عليه بخلاف تعليق البراءة من الكفالة بالنفس إذ ليس فيه معنى التمليك لأنه مجرد إسقاط ويروى أنه يصح لأنه عليه المطالبة دون الدين في الصحيح وكان إسقاطا محضا كالطلاق ولهذا لا يرتد إبراء الكفيل بالرد بخلاف الأصيل كما في الهداية
وعن هذا قال والمختار الصحة أي صحة تعليق البراءة عن الكفالة قيل المراد الشرط بالشرط المحض الذي لا منفعة للطالب فيه أصلا كدخول الدار ومجيء الغد لأنه غير متعارف أما إذا كان متعارفا فإنه يجوز كما في تعليق الكفالة لما في الإيضاح الكفيل بالمال والنفس لو قال إن وافيتك غدا فأنا بريء من المال فوافاه غدا يبرأ من المال فقد جوزوا تعليق البراءة عن الكفالة بالمال وكذا إذا علق البراءة باستيفاء البعض يجوز أو علق البراءة عن البعض بتعجيل البعض يجوز كما في مبسوط شيخ الإسلام فعلم أن فيه اختلاف الروايتين فرواية عدم الجواز محمول على ما إذا كان الشرط غير متعارف ورواية الجواز محمول على ما إذا كان متعارفا كما في البحر
ولا تجوز الكفالة بما تعذر استيفاؤه أي لا يمكن استيفاؤه شرعا من الكفيل كالحدود والقصاص مطلقا بالإجماع
____________________
(3/188)
لعدم إمكان إيجابهما على من تكفل لعدم جريان النيابة في العقوبة بخلاف الكفالة بنفس من عليه الحد والقصاص كما مر فعلى هذا لا يلزم الاستدراك بما مر كما قيل ولا تجوز الكفالة بالأعيان المضمونة بغيرها كالبيع في البيع الصحيح بعينه قبل القبض والمرهون بعد القبض ولا تجوز الكفالة بالأمانات كالوديعة والمستعار والمستأجر بفتح الجيم ومال المضاربة والشركة لأن من شرط صحة الكفالة أن يكون المكفول به مضمونا على الأصيل بحيث لا يمكنه أن يخرج عنه إلا بدفعه أو دفع بدله ليتحقق معنى الضم فيجب على الكفيل تسليم العين ما دام قائما وتسليم قيمته عند الهلاك فهو مضمون بغيره والمبيع قبل القبض ليس بمضمون بنفسه وإنما هو مضمون بالثمن ألا يرى أنه لو هلك لا يجب عليه شيء بل ينفسخ البيع وكذلك الرهن غير مضمون عليه بنفسه وإنما يسقط دينه إذا هلك فلا يمكن إيجاب الضمان على الكفيل وهو ليس بواجب على الأصيل وكذا الأمانات ليست بمضمونة على الأصيل لأعينها وتسليمها فلا يمكن جعلها مضمونة على الكفيل فلا تصح الكفالة بها
ولا تجوز الكفالة بدين غير صحيح كبدل الكتابة لأنه في معرض الزوال فلا يكون دينا صحيحا حر كفل به أي بالدين أو عبد وإنما قال هذا لدفع توهم أن كفالة العبد به ينبغي أن تصح لأنه يجوز ثبوت هذا الدين عليه لأن العبد محل الكتابة فخصه
وكذا بدل السعاية عند الإمام لأن المستسعى كالمكاتب عنده فلا تصح الكفالة ببدلها وعندهما تصح لأن المستسعى حر مديون عندهما ولا تجوز الكفالة بالحمل على دابة معينة مستأجرة للحمل أو بخدمة عبد معين
____________________
(3/189)
مستأجر للخدمة لعجز الكفيل عن تسليم الحمل على دابة معينة لأنها ملك الغير ولو حمل دابة أخرى لا يستحق الأجر إذ لو حمل المؤجر على الدابة الغير المعينة لا يستحق الأجر فيثبت العجز في هذه الصورة بالضرورة وكذا العبد للخدمة بخلاف غير المعين لعدم العجز عن تسليم الحمل إذ يمكنه الحمل على أي دابة كانت لأن المستحق هو الحمل لا الغير والغرض هو الأجر
ولا تجوز الكفالة عن ميت مفلس يعني إذا مات من عليه دين ولم يترك شيئا فكفل عنه للغرماء رجل لم تصح عند الإمام لأنه كفل بدين ساقط في حق أحكام الدنيا بالضرورة إذ لم يترك مالا ولا كفيلا به والكفالة بالساقط لا تجوز وجواز التبرع محمول على أن الدين باق في حق الدائن خلافا لهما فإن عندهما تجوز الكفالة لأن الدين لما كان ثابتا في حياته لا يسقط إلا بالأداء أو بالإبراء ولم يوجد شيء منهما فبقي عليه وكذا يطالب به في الآخرة حتى من تبرع بقضائه يجوز لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أتي بجنازة رجل من الأنصار فسأل هل عليه دين قالوا نعم درهمان أو دينار فامتنع من الصلاة فقال صلوا على أخيكم فقام أبو قتادة فقال هما علي يا رسول الله فصلى عليه
ولا تجوز الكفالة بلا قبول الطالب في المجلس أي في مجلس عقد الكفالة سواء كفل بالنفس أو المال عند الطرفين وقال أبو يوسف تجوز مع غيبته أي غيبة الطالب إذا بلغه خبر الكفالة فأجاز كسائر تصرفات الفضولي وفي بعض نسخ المبسوط لم يشترط الإجازة
____________________
(3/190)
وهو الأظهر عنه لأنه تصرف التزام فيستبد به الملتزم ولهما أن فيه معنى التمليك وهو تمليك المطالبة منه فيقوم بهما جميعا والموجود شطره فلا يتوقف على ما وراء المجلس إلا أن يقبل عن الطالب فضولي فإنه تصح وتتوقف على إجازته وللكفيل أن يخرج نفسه عنها قبل إجازته كما في الحقائق وغيره
وبه علم أن قبول الطالب بخصوصه إنما هو شرط النفاذ وأما أصل القبول في مجلس الإيجاب فشرط الصحة فعلى هذا إن المصنف لو ترك قوله الطالب لكان أولى كما في الإصلاح
وفي الدرر الفتوى على القول الثاني كما في تلخيص الجامع الكبير والبزازية لكن في أنفع الوسائل الفتوى على قولهما وفي تصحيح الشيخ قاسم والمختار قولهم عند المحبوبي والنسفي وغيرهما ولهذا قدمه المصنف تدبر
قيد بالإنشاء لأنه لو أخبر عن الكفالة حال غيبة الطالب تجوز إجماعا
فإن قال المريض لوارثه تكفل عني بما علي فكفل الوارث مع غيبة الغرماء جاز اتفاقا وإن كان القياس أن لا تجوز لأن الطالب غائب ولا يتم الضمام إلا بقوله
وجه الاستحسان أن ذلك وصية في الحقيقة ولهذا تصح وإن لم يسم المكفول لهم ولهذا قالوا إنما تصح إذا كان له مال أو يقال إنه قائم مقام الطالب لحاجته إليه تفريغا لذمته وفيه نفع الطالب فصار كما إذا حضر بنفسه وإنما تصح بهذا اللفظ ولا يشترط القبول لأنه يراد به التحقيق دون المساومة ظاهرا في هذه الحالة
ولو قاله أي المريض هذا القول لأجنبي اختلف فيه المشايخ فمنهم من قال بالجواز تنزيلا للمريض منزلة الطالب ومنهم من قال بعدمه لأن الأجنبي غير مطالب بقضاء دينه بلا التزام وكان المريض والصحيح سواء والأول أوجه كما في الفتح وتمامه وفي البحر فليطالع
وتجوز الكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها عندنا خلافا للشافعي في قول في الأعيان لكن المناسب للمصنف أن يذكره عقيب قوله ولا تجوز بالأعيان المضمونة بغيرها كالمقبوض على سوم الشراء أي على طلبه بعد تسمية الثمن لأنه مضمون عليه حتى إذا هلك عنده يجب الضمان عليه إذ القيمة تقوم مقامه فأمكن إيجابه على الكفيل والمغصوب لأنه مضمون بعينه
____________________
(3/191)
فإن كان المضمون عينا قائما فيلزم الضامن إحضارها وتسليمها وقيمتها إن هلكت وإن كان المضمون مستهلكا فالمضمون قيمته والمبيع بيعا فاسدا لأن المقبوض في البيع الفاسد مضمون عليه حتى إذا هلك تجب عليه قيمته
و تجوز الكفالة بتسليم المبيع إلى المشتري والمرهون إلى الراهن والمستأجر بفتح الجيم إلى المستأجر بكسر الجيم لأن تسليم العين واجب على الأصيل فأمكن التزامه فصار نظير الكفيل بالنفس لأنه ما دام قائما يجب عليه تسليمه وإن هلك يبرأ وقيل إن كان تسليمه واجبا على الأصيل كالعارية جازت الكفالة بتسليمه وإن كان غير واجب على الأصيل كالوديعة ومال المضاربة والشركة لا تجوز الكفالة بتسليمه كما في التبيين
و تجوز الكفالة بالثمن لأنه دين صحيح مضمون على المشتري كسائر الديون
فصل ولو دفع الأصيل المال إلى كفيله ليدفعه إلى الطالب قبل دفع الكفيل إلى الطالب لا يسترده أي لا يسترد الأصيل المال المدفوع منه أي من الكفيل لأنه تعلق به حق القابض على احتمال قضائه الدين فلا تجوز المطالبة ما بقي هذا الاحتمال كمن عجل زكاته ورفعها إلى الساعي وإنما ينقطع هذا الاحتمال بأداء الأصيل بنفسه فإذا أدى بنفسه يسترد من الكفيل ما أخذه ولأنه ملكه بالقبض وإطلاقه شامل ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة بأن قال خذ هذا
____________________
(3/192)
المال وأعط الطالب فلا يسترد لكنه لا يملكه بالقبض لتمحضه أمانة في يده وإن دفعه على وجه الاقتضاء بأن قال له إني لا آمن أن يأخذ الطالب حقه منه فأنا أقضيك المال قبل أن تؤديه لم يكن رسالة والفرق بينهما إنما هو من جهة الملك المدفوع للقابض وعدمه وأما ما قاله الفاضل المعروف بابن الشيخ في شرح الوقاية من أنه لو دفع على وجه الرسالة فله أن يسترد لأنه محض أمانة في يده مخالف لأكثر المعتبرات كما لا يخفى تدبر
وأشار إلى أن بالكفالة صار للكفيل على الأصيل دين لو كفل بأمره ولذا لو أخذ الكفيل منه رهنا قبل أن يؤدي عنه جاز ولو أبرأه الكفيل أو وهبه قبل الأداء عنه صح حتى لو أدى عنه لم يرجع فثبت أن له دينا عليه لكن لا رجوع له قبل الأداء كما في البحر وما ربح فيه الكفيل فله أي للكفيل يعني أن الربح الذي حصل في هذا المال بمعاملة الكفيل حلال طيب له ولا يتصدق به لما ذكر أنه حصل على ملكه ولا فرق بين أن يكون قضى الدين هو أو قضى الأصيل كما في البحر وهو مقيد بما إذا قبضه على وجه الاقتضاء وأما إذا قبضه على وجه الرسالة فإنه لا ملك له فلا يطيب له الربح على قولهما
وعند أبي يوسف يطيب له ورده أي رد الربح إلى المطلوب أحب إن كان المدفوع شيئا يتعين كالبر يعني إذا كانت الكفالة بكر بر فقبضه الكفيل من المكفول عنه وباعه وربح فيه فالربح للكفيل لكن يستحب له أن يرده على المكفول عنه ولا يجبر عليه عند الإمام في رواية الجامع الصغير وهذا إذا قضى الأصيل الدين خلافا لهما أي قالا هو له ولا يرده وهو رواية عن الإمام وعنه أنه يتصدق به
قيد بما يتعين لأن ربح ما لا يتعين لا يستحب رده على المطلوب وهل يطيب للأصيل إذا رده الكفيل عليه قال في العناية إن كان الأصيل فقيرا طاب له وإن كان غنيا ففيه روايتان والأشبه أن يطيب لأنه إنما يرد عليه على أنه حقه
ولو أمر الأصيل كفيله أن
____________________
(3/193)
يعين عليه أي يشتري ثوبا بطريق العينة بكسر العين ففعل الكفيل فالثوب للكفيل والربح الذي حصل للبائع يكون عليه أي الكفيل لا الآمر بيانه أن الأصيل أمر الكفيل بأن يشتري له ثوبا بأكثر من القيمة ليقضي به دينه بطريق العينة مثل أن يستقرض من تاجر عشرة فيأبى عنه ويبيع منه ثوبا يساوي عشرة بخمسة عشر مثلا نسيئة في نيل الزيادة ليبيعه المستقرض بعشرة ويتحمل خمسة سمي به لما فيه من الإعراض عن الدين إلى العين وهو مكروه لما فيه من الإعراض عن مبرة الإقراض مطاوعة لمذموم البخل ثم قيل هذا ضمان لما يخسر المشتري نظرا إلى قوله علي وهو فاسد وليس بتوكيل وقيل هو توكيل فاسد لأن المبيع غير متعين وكذا الثمن غير معين لجهالة ما زاد على الدين وكيف ما كان فالمشترى للمشتري وهو الكفيل والربح أي الزيادة عليه لأنه العاقد كما في الهداية
وفي العناية ومن الناس من صور للعينة صورة أخرى وهو أن يجعل المقرض والمستقرض بينهما ثالثا في الصورة التي ذكرها صاحب الهداية فيبيع صاحب الثوب الثوب باثنتي عشرة من المستقرض ثم إن المستقرض يبيعه من الثالث بعشرة ويسلم الثوب إليه ثم يبيع الثالث الثوب من المقرض بعشرة ويأخذ منه عشرة ويدفعه إلى المستقرض فيندفع حاجته
وإنما توسطا بثالث احترازا عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن
ومنهم من صور بغير ذلك وهو مذموم اخترعه أكلة الربا وقد ذمهم رسول الله عليه الصلاة والسلام بذلك فقال إذا تبايعتهم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظفر عليكم عدوكم وقيل وإياك والعينة فإنها لعينة انتهى
لكن هذا مخالف لما في الخانية حيث قال بعد تصويرها بقوله رجل له على رجل عشرة دراهم فأراد أن يجعلها ثلاثة عشر إلى أجل قالوا يشتري من
____________________
(3/194)
المديون شيئا بتلك العشرة فيقبض ثم يبيع من المديون بثلاثة عشر إلى سنة فيقع التحرز عن الحرام ومثل هذا مروي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم قال بعد تعداد الصور الأخر وهذه الحيل هي العينة التي ذكرها محمد قال مشايخ بلخي بيع العينة في زماننا خير من البيوع التي في أسواقنا انتهى لكن التحرز أولى
ومن كفل لآخر بما ذاب له على غريمه أو بما قضي له به عليه فغاب الغريم فبرهن الطالب على الكفيل بأن له على الغريم ألفا لا يقبل برهانه على الكفيل حتى يحضر المكفول عنه فيقضى عليه لأن المكفول به مال مقضى أو مال يقضى به لا غير لأن ذاب بمعنى وجب ولم يجب هنا للطالب على الغائب مال شرعا ولذا لو أقر الكفيل لا يلزمه المال لأن بالإقرار لا يثبت الوصف المذكور بل بالقضاء وهو منتف إذ لم يتعرض الطالب لقضاء القاضي بالمال في دعواه ولا في إقامته حتى لو تعرض وقال قدمت المطلوب بعد الكفالة إلى فلان القاضي وأقمت عليه بينة بألف وقضى لي عليه بذلك يقضى بألف على الكفيل وعلى الغائب حتى لو أقر الكفيل لزمه الألف في هذه الصورة
ولو برهن الطالب أن له على زيد الغائب ألفا وهذا كفيله بهذا المال بأمره قضي به عليهما أي على الكفيل والأصيل ففي المسألة قيود معتبرة
الأول أن الكفالة مقيدة بهذا المال
والثاني أن هذا المال المكفول به غير مقيد بأنه قضي به على المكفول عنه بعد الكفالة بل هو مال مطلق وبهذا القدر تمتاز هذه المسألة عن المسألة السابقة إذ المكفول هنا مقيد بقضاء القاضي
والثالث أن هذه الكفالة مقيدة بأنها بأمر الأصيل إذ الأمر يتضمن الإقرار بالمال فيصير مقضيا عليه وأما إذا لم يكن بأمره فهي لا تتضمن الإقرار فالقضاء على الكفيل لا يتضمن القضاء على الأصيل وإلى هذا أشار بقوله ولو علا أمره قضي على الكفيل فقط لا على الأصيل فليس للكفيل حق الرجوع على الأصيل بخلاف الكفالة بأمره فإن له حق الرجوع عليه بعد أداء المال خلافا لزفر لأنه لما أنكر كان زعمه أن هذا الحق غير ثابت بل المدعي ظالم فلا يكون له أن يظلم غيره قلنا الشرع كذبه فبطل زعمه
وفيه تنبيه على أن القضاء على الغائب جائز إذا كان الإثبات على الحاضر متضمنا له فكم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت أصالة إذ التعدي إلى الغائب في ضمن القضاء بالأمر ضروري
وفي الكفاية قال مشايخنا وهذا طريق من أراد إثبات الدين على الغائب ثم قال وكذا كل من ادعى على آخر حقا لا يثبت عليه إلا بالقضاء على الغائب كان
____________________
(3/195)
الحاضر خصما عن الغائب
وضمان الدرك للمشتري عند البيع تسليم أي تصديق من الكفيل بأن المبيع ملك البائع فتبطل من الإبطال دعوى الضامن على المشتري المبيع مفعول دعوى بعد ذلك لأن هذا الضمان ترغيب للمشتري في الابتياع والترغيب بمنزلة الإقرار بملك البائع فلا تصح دعوى الملكية لنفسه بعد ذلك للتناقض حتى لا يسمع طلب الشفعة منه وهو فرض صحة دعواه لرجوع المشتري عليه بحكم الكفالة فلا يفيد وكذا
يكون تسليما ولا تصح دعواه بعد هذا لو كتب شهادته على البيع وختم أي وضع خاتمه على عادة السلف على صك متعلق بكتب وختم على سبيل التنازع كتب فيه صفة صك باع ملكه أو باع بيعا باتا نافذا إذ البيع على هذا الوجه لا يكون إلا في ملكه فالدعوى لنفسه بعد الإقرار لغيره تناقض فلا تسمع وقلنا على عادة السلف لأنهم كانوا يختمونه بعد كتابة أسمائهم على الصك خوفا من التغيير والتزوير والحكم لا يختلف بين أن يكون الصك مختوما أو غير مختوم وفي الفتح الختم أمر كان في زمانهم وليس هذا في زماننا قيد بقوله باع ملكه أو بيعا باتا لأنه لو كتب شهادته في صك ببيع مطلق عن قيد الملكية وكونه نافذا لا يكون تسليما بل تسمع بعده دعوى الملكية إذ ليس فيه ما يدل على إقراره بالملك للبائع لأن البيع قد يصدر من غير المالك ولعله كتب الشهادة ليحفظ الحادثة بخلاف ما تقدم فإنه مقيد بما ذكر كما في المنح بخلاف ما لو كتبها أي شهادته على إقرار العاقدين فإنه لا يكون تسليما إذ لا يتعلق به حكم وإنما هو مجرد إخبار ولو أخبر أن فلانا باع شيئا كان له أن يدعيه وضمان الوكيل بالبيع الثمن للموكل باطل يعني إذا باع رجل لرجل ثوبا بأمره ثم ضمن الثمن عن المشتري للآمر لا يصح
وكذا ضمان المضارب الثمن لرب المال باطل يعني إذا باع المضارب مال المضاربة ثم ضمن الثمن لرب المال لا يصح لأن الكفالة التزام المطالبة وهي إليهما فيصير كل واحد منهما ضامنا لنفسه إذ حقوق العقد ترجع إليهما فلا يفيد ضمانهما بخلاف من لا ترجع إليه الحقوق كالوكيل بالتزويج إن ضمن المهر والمأمور ببيع الغنائم من قبل الإمام إن ضمن الثمن والرسول بالبيع إن ضمن الثمن لأن كل واحد منهم سفير ومعبر فيصح ضمانهم وكذا
____________________
(3/196)
الوكيل بقبض الثمن إذا ضمن الثمن عن المشتري للموكل يصح
و كذا ضمان أحد الشريكين حصة شريكه من ثمن ما باعاه صفقة واحدة باطل يعني لو باع رجلان ثوبا من رجل صفقة واحدة وضمن أحدهما لصاحبه حصته من الثمن بطل الضمان لأنه لو صح من الشركة يصير ضامنا لنفسه ولو صح في نصيب صاحبه لأدى إلى قسمة الدين قبل قبضه وذا باطل وصح ضمان أحد الشريكين لو بصفقتين لأن الصفقة إذا تعددت فما يجب لكل منهما بعقدة يكون له خاصة ألا يرى أن المشتري لو قبل نصيب أحدهما ورد الآخر صح وضمان الدرك صحيح لأنه ضمان الثمن عند ورود الاستحقاق لأنه المفهوم فيما بين الناس فكان المضمون معلوما وهو قادر على الوفاء بما التزم فصح و ضمان الخراج صحيح لما مر أنه دين مطالب من جهة العباد بخلاف الزكاة
وفي البحر أطلقه فشمل الخراج الموظف وخراج المقاسمة وخصه بعضهم بالموظف وهو ما يجب في الذمة ونفى صحة الضمان بخراج المقاسمة لأنه لم يكن دينا في الذمة والرهن كالكفالة بجامع التوثق فيجوز في كل موضع تجوز الكفالة فيه كما ذكره الزيلعي وهو منقوض بالدرك فإن الكفالة به جائزة دون الرهن انتهى
لكن التخصيص واجب بقرينة قوله أو رهن به فإنه لا يصح الرهن بخراج المقاسمة تأمل
ولو اكتفى فيما سبق بقوله وصح الرهن والكفالة بالخراج لكان أخصر تدبر
و ضمان القسمة صحيح خبر لكل من ضمان الدرك والخراج والقسمة قيل هي النوائب بعينها أو حصة منها فعلى هذا النوائب الآتية مستدركة تدبر
وقيل هي النائبة الموظفة الراتبة الديوانية في كل شهر أو سنة والمراد بالنوائب غير راتب بل يلحقه أحيانا ويحتمل أن يقع ويحتمل أن لا يقع وقيل المراد بالقسمة أجرة القسام وقال أبو جعفر معناها إذا طلب أحد الشريكين القسمة من صاحبه فضمنها إنسان صح لأنها واجبة عليه وقيل معناها إذا اقتسما ثم منع أحدهما قسم الآخر كما في شرح التسهيل
وكذا ضمان النوائب
وفي الصحاح النائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر وفي اصطلاحهم قيل أرادوا بها ما يكون بحق وقيل المراد بها ما ليس بحق وعن هذا قال سواء كانت بحق ككري النهر المشترك وأجرة الحارس والمال الموظف لتجهيز الجيش
____________________
(3/197)
وفداء الأسرى فإن الكفالة بها جائزة بالاتفاق لأنه كفل بما هو مضمون على الأصيل أو بغير حق كالجبايات التي في زماننا تأخذها الظلمة بغير حق ففي جوازها اختلاف المشايخ فقال بعضهم لا تجوز الكفالة منهم صدر الإسلام البزدوي لأنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة أو الدين وهنا لا مطالبة ولا دين شرعيين فلم يتحقق معناها
وقال بعضهم تجوز منهم فخر الإسلام علي البزدوي لأنها في المطالبة مثل سائر الديون بل فوقها والعبرة للمطالبة لأنها شرعت لالتزامها فالمطالبة الحسية كالمطالبة الشرعية ولذا قلنا من قام بتوزيع هذه النوائب على المسلمين بالعدل يؤجر وإن كان الآخذ بالأخذ ظالما وقلنا من قضى نائبة عن غيره بأمره رجع عليه وإن لم يشترط الرجوع وهو الصحيح كمن قضى دين غيره بأمره كما في البحر
وفي الإصلاح والفتوى على الصحة فإنها كالديون الصحيحة حتى لو أخذت من الأكار فله الرجوع على مالك الأرض وهو اختيار المصنف
وضمان العهدة باطل لاشتباه المراد بها لإطلاقها على الصك القديم وعلى العقد وعلى حقوقه وعلى خيار الشرط فتعذر العمل بها قبل البيان فتبطل للجهالة
وكذا ضمان الخلاص باطل عند الإمام خلافا لهما أي قالا هي صحيحة بناء على تفسيرها بتخليص المبيع إن قدر عليه ورد الثمن إن لم يقدر عليه وهو ضمان الدرك في المعنى والإمام فسرها بتخليص المبيع لا محالة ولا قدرة عليه لأن المستحق لا يمكنه منه ولو ضمن تخليص المبيع أو رد الثمن جاز لإمكان الوفاء به وهو تسليمه إن أجاز المستحق أو رده إن لم يجز والخلاف راجع إلى التفسير كما في البحر والخلاف لفظي فقط تدبر
ولو قال الكفيل ضمنته إلى شهر وقال الطالب بل ضمنته حالا فالقول للكفيل وفي الإقرار يعني من قال لآخر لك علي مائة إلى شهر فقال المقر له هي حالة فالقول للمقر له والفرق أن الكفيل لم يقر بالدين فلا دين عليه في الصحيح بل أقر بمجرد المطالبة بعد الشهر والطالب يدعي عليه المطالبة في الحال وهو ينكر فالقول له والمقر أقر بالدين ثم ادعى حقا لنفسه هو تأخير المطالبة إلى شهر فلا يقبل قوله بلا بينة
وقال الشافعي القول للمقر في الفصلين
____________________
(3/198)
وكذا يروى عن أبي يوسف ولا يؤخذ ضامن الدرك إن استحق المبيع ما لم يقض بثمنه على بائعه لأن البيع لا ينتقض بمجرد الاستحقاق على ظاهر الرواية ما لم يقض بالثمن على البائع فلا يجب رد الثمن على الأصيل فلا يجب على الكفيل
وعن أبي يوسف وهو قول الأئمة الثلاثة أنه يرجع بمجرد القضاء بالاستحقاق
وفي التنوير قال لآخر اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلكه وأخذ ماله لم يضمن ولو قال إن كان مخوفا وأخذ مالك فأنا ضامن ضمن
باب كفالة الرجلين والعبدين لما فرغ من ذكر كفالة الواحد ذكر كفالة الاثنين لأن الاثنين بعد الواحد طبعا فأخر وضعا
دين عليهما أي على الاثنين لآخر بأن اشتريا منه ثوبا و كفل كل واحد من الاثنين عن صاحبه جاز العقد لعدم المانع إذ يكون كل واحد منهما في النصف أصيلا وفي النصف الآخر كفيلا فما أداه أحدهما أي فما أدى أحدهما من الدين نصفه لا يرجع به أي بما أدى على الآخر أي على شريكه وإن عين عن نصيب صاحبه لأن وقوع الأداء عما هو عليه أصالة أولى من وقوعه كفالة إذ الأول دين مع المطالبة والثاني مطالبة فقط ولأنه لو وقع في النصف صاحبه كان لصاحبه أن يرجع عليه بأن يجعل المؤدى عنه لأن المؤدي نائبه وأداء نائبه كأدائه فيؤدي إلى الدور إلا إذا زاد على النصف فينصرف إلى ما عليه كفالة فيرجع على شريكه إن كفل بأمره
ولو كفلا أي الاثنان بمال عن رجل بالتعاقب وكفل كل واحد منهما به أي بجميع المال عن صاحبه يعني إذا كان على رجل ألف درهم مثلا فيكفل عنه اثنان كل منهما بجميعه على الانفراد ثم كفل كل منهما عن صاحبه بما لزمه بالكفالة إذ الكفالة بالكفيل جائزة فما أداه كل منهما رجع بنصفه على شريكه قليلا كان المؤدى أو كثيرا إذ الكل كفالة فلا رجحان لكل من
____________________
(3/199)
الكفالتين على الأخرى بالمطالبة ثم يرجعان على الأصيل أو رجع هو بكله أي بكل ما أداه على الأصيل ابتداء لو كفل بأمره إذا كفل كل منهما بالجميع فلا يؤتى إلى الدور هذا إذا كفل كل منهما عن صاحبه بالجميع وأما إذا كفل كل منهما بالنصف ثم كفل كل عن صاحبه فهي كالمسألة الأولى في الصحيح وكذا لو كفلا على الأصيل بالجميع ثم كفل عن صاحبه لأن الدين ينقسم عليهما نصفين فلا يكون كفيلا عن الأصيل بالجميع أو كفل كل بالجميع متعاقبا ثم كفل كل عن صاحبه بالنصف لمغايرة جهة الضمان كما في الدرر وغيره
ولو أبرأ الطالب أحدهما أي أحد الاثنين فله أي للطالب أخذ الكفيل الآخر بكله أي بكل المال لأن كلا منهما كفيل بالكل عن الأصيل فيأخذه به
ولو فسخت المفاوضة أي لو اشترى أحد المفاوضين شيئا ثم فسخت المفاوضة بينهما فلرب الدين أخذ من شاء من شريكيها أي شريكي المفاوضة بكل دينه لأن الكفالة تثبت بعقد المفاوضة فلا تبطل بالافتراق
قيد بالمفاوضة لأن شريك العنان لا يؤاخذ عن شريكه لأنها لا تتضمن الكفالة بل الوكالة كما مر في الشركة وما أداه أحدهما لا يرجع به أي بما أدى على الآخر ما لم يزد به على النصف لما بيناه آنفا
وإذا كوتب العبدان بعقد واحد بأن قال المولى كاتبتكما على ألف وقبلا وكفل كل من العبدين عن صاحبه صح العقد ورجع كل منهما على الآخر بنصف ما أدى والقياس أن لا يصح لأن فيه كفالة المكاتب والكفالة ببدل الكتابة وكل منهما بانفراده
____________________
(3/200)
باطل وعند الاجتماع أولى فصار كما إذا تعاقبت كتابتهما فإنه باطل ولهذا قال بعقد
وجه الاستحسان أن تصرف الإنسان يجب تصحيحه بقدر الإمكان وقد أمكن هنا بأن يجعل كل المال على كل منهما في حق المولى وحق نفسه وعتق الآخر معلق بأدائه لأن معنى قوله كاتبتكما بألف إن أديتما ألف درهم فأنتما حران فكأنه قال لكل منهما إن أديت الألف فأنت حر فيكون عتق كل واحد معلقا بأداء الألف ولا يحصل عتقه بأداء نصفه إذ الشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله أجزاء فيطالب المولى كلا منهما بجميع المال بحكم الأصالة لا الكفالة فأيهما أدى عتق وعتق الآخر تبعا له كما في ولد المكاتب فما أدى أحدهما رجع على الآخر لاستوائهما ولو رجع بالكل أو لم يرجع بشيء انتفى المساواة كما في الدرر
قيد بقوله وكفل لأنه لو كاتبهما معا ولم يزد على ذلك لزم على كل واحد منهما حصته ويعتق بأداء حصته فلو زاد على أنهما إن ادعيا عتقا وإن عجز أراد في الرق ولم يذكر الكفالة فعندنا لا يعتق واحد منهما ما لم يصل جميع المال إلى المولى خلافا لزفر فإنه قال يعتق بأداء حصته
وإن أعتق السيد أحدهما أي أحد العبدين المكاتبين فيما إذا كاتبهما وشرط كفالة كل منهما عن صاحبه قبل الأداء صح عتقه لمصادفته ملكه وبرئ عن النصف لأنه ما رضي بالتزام المال إلا ليكون المال وسيلة إلى العتق وما بقي وسيلة فيسقط ويبقى النصف على الآخر لأن المال في الحقيقة مقابل برقبتيهما وإنما جعل على كل واحد منهما احتيالا لتصحيح الضمان وإذا جاء العتق استغني عن الاحتيال فاعتبر مقابلا برقبتيهما فلهذا ينتصف كما في الهداية وله أي للمولى أن يأخذ حصة الآخر منه أي من الآخر أصالة أو من المعتق كفالة ويرجع المعتق فقط بما أدى على صاحبه أي إن أخذ المولى حصة الآخر من المعتق رجع المعتق بما يؤدي على الآخر لأنه مؤدى عنه بأمره فإن أخذ الآخر لم يرجع على المعتق بشيء لأنه أدى عن نفسه لا يقال أخذ المعتق بالكفالة تصحيح للكفالة ببدل الكتابة وهو باطل لأن كل واحد منهما كان مطالبا بجميع الألف والباقي بعض ذلك فيبقى على تلك الصفة لأن البقاء يكون على وفق الثبوت كما في المنح
ولو كان على عبد مال لا يجب عليه صفة مال أي على العبد إلا بعد عتقه وهو دين
____________________
(3/201)
لم يظهر في حق مولاه بل في حقه يؤاخذ بعد عتقه كمال لزمه بإقرار أو استقراض أو استهلاك وديعة فكفل به أي بذلك المال رجل كفالة مطلقة عن قيد الحلول أو التأجيل لزم الكفيل حالا لأن المال حال على العبد لوجود السبب وقبول ذمته إلا أن المطالبة تأخرت عنه بعسرته إذ هذه الديون لا تتعلق برقبته لعدم ظهورها في حق المولى فصار كما لو كفل عن غائب أو مفلس بخلاف ما إذا كفل بدين مؤجل حيث لا يلزم الكفيل حالا بل مؤجلا وإذا أدى الكفيل ما على العبد لا يرجع على العبد إلا بعد عتقه إن كان بأمره لأن الطالب كان يرجع عليه بعد العتق فكذا الكفيل لأنه قائم مقامه
ولو ادعى رقبة عبد فكفل به رجل فمات العبد المكفول برقبته قبل التسليم إلى المدعي فبرهن المدعي أي أقام بينة أنه أي العبد له أي ملكه ضمن الكفيل قيمته أي قيمة العبد لأنه كفل عن ذي اليد بتسليم رقبة العبد لأن المدعي يدعي غصب العبد على ذي اليد والكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها جائزة فيجب على الكفيل رد العين فإن هلكت تجب عليه قيمتها بخلاف ما إذا ثبت الملك له بإقرار ذي اليد وبنكوله لأن إقرار الأصيل ليس بحجة في حق الكفيل فلا يلزمه ما لم يقر به الكفيل بنفسه
ولو كفل سيد عن
____________________
(3/202)
عبده بأمره أو كفل عبد غير مديون قيد به تصحيحا للكفالة فإن كفالة المديون عن مولاه لا تصح لأنها تتضمن إبطال حق الغرماء عن سيده بأمره فعتق العبد فأي من السيد أو العبد أدى المال المكفول به لا يرجع على الآخر لأن الكفالة وقعت غير موجبة لأن أحدهما لا يستوجب دينا على الآخر
وقال زفر إن كانت الكفالة بالأمر يرجع كل منهما على صاحبه لأن المانع وهو الرق قد زال قلنا وقعت غير موجبة للرجوع فلا تنقلب موجبة له بعد ذلك
____________________
(3/203)
كتاب الحوالة ذكرها بعد الكفالة لأن كلا منهما عقد التزام ما على الأصيل للتوثق إلا أن الحوالة تتضمن براءة الأصيل براءة مقيدة بخلاف الكفالة فكانت كالمركب مع المفرد والمفرد مقدم وهي في اللغة النقل والتحويل وحروفها كيف ما تركبت دارت على معنى النقل والزوال
وقيل هي اسم بمعنى الإحالة يقال أحلت زيدا بماله على فلان ولذا قيل للمديون محيل ومحتال وللدائن محال ومحتال ولمن يقبل الحوالة محال عليه ومحتال عليه وللدين محال به ومحتال به لكن ترك عند الاستعمال محتال في محيل فرارا عن التباسه المفعول من بابه وقد فرق البعض بإلحاق له إلى المفعول وقال محتال له قيل هو لغو لعدم الحاجة إلى الصلة
وفي اصطلاح الفقهاء هي أي الحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة أي من ذمة المحيل إلى ذمة المحتال عليه واختلف المشايخ في أنها هل توجب البراءة عن الدين والمطالبة جميعا أو عن المطالبة دون الدين والصحيح من المذهب أنها توجب البراءة من الدين كما في المنح
وتصح الحوالة في الدين لا في العين أما الصحة فبالإجماع وبما روى البخاري ومسلم
____________________
(3/204)
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع أي إذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل والأمر بالاتباع دليل الجواز وأما اختصاصها بالدين فلأن الحوالة نقل حكمي والدين وصف حكمي يثبت في الذمة فجاز للدين أن يقبل ذلك النقل أما العين كالثوب فحسي فلا يقبل النقل الحكمي بل يحتاج إلى النقل الحسي فلا بد من أن يكون للمحتال دين على المحيل ولذا قال في القنية أحال عليه مائة من الحنطة ولم يكن للمحيل على المحتال عليه شيء ولا للمحتال على المحيل فقبل المحتال عليه ذلك لا شيء عليه برضى متعلق بتصح المحتال لأن الدين حقه والذمم متفاوتة ولا بد من رضاه لاختلاف الناس في الإيفاء وهذا بالإجماع والمحتال عليه لأن الدين يلزمه فلا بد من التزامه والأصح من مذهب الشافعي أن لا حاجة إلى رضاه إذا كان المحال به دين المحيل وهو قول مالك وأحمد لأن الحق للمحيل فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره
قيد برضاهما لأنها لا تصح مع إكراه أحدهما وأراد من الرضى القبول في مجلس الإيجاب لكن في البزازية لو أحال إلى غائب فقبل بعدما علم صحت ولا تصح في غيبة المحتال إلا أن يقبل رجل له الحوالة وقيل لا بد من رضى المحيل أيضا كما لا بد من رضى المحتال والمحتال عليه
وفي البحر رضى المحيل ليس بشرط على ما ذكره محمد في الزيادات وشرط القدوري وإنما شرطه للرجوع عليه فلا اختلاف في الروايات
وفي العناية وذكر في الزيادات أن الحوالة تصح بدون رضاه لأن التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه والمحيل لا يتضرر به بل فيه نفعه لأن المحتال عليه لا يرجع عليه إذا لم يكن بأمره قيل وعلى هذا تكون فائدة اشتراطه الرجوع عليه إذا كانت بأمره وقيل لعل موضوع ما ذكر في القدوري أن يكون للمحيل على المحتال عليه دين بقدر ما يقبل الحوالة فإنها حينئذ تكون إسقاطا لمطالبة المحيل عن المحتال عليه فلا تصح إلا برضاه والظاهر أن الحوالة قد تكون ابتداؤها من المحيل وقد تكون من المحتال عليه والأول إحالة وهي فعل اختياري لا يتصور بدون الإرادة والرضى وهو وجه
____________________
(3/205)
رواية القدوري
والثاني احتيال يتم بدون إرادة المحيل بإرادة المحتال عليه ورضاه وهو وجه رواية الزيادات وعلى هذا اشتراطه مطلقا كما ذهب إليه الأئمة الثلاثة بناء على إيفاء الحق حقه فله إيفاؤه من حيث شاء من غير قسر عليه بتعيين بعض الجهالة أو عدم اشتراطه مطلقا كما ذهب إليه بعض الشارحين بناء على رواية الزيادات ليس على ما ينبغي انتهى
وإذا تمت الحوالة برئ المحيل من الدين بالقبول أي بقبول المحتال الحوالة على المحتال عليه
وقال زفر لا يبرأ اعتبارا بالكفالة إذ كل واحد منهما عقد توثق بحق ولنا أن الأحكام الشرعية تبنى على وفق المعاني فمعنى الحوالة النقل والتحويل وهو لا يتحقق إلا بفراغ ذمة الأصيل بخلاف الكفالة
قوله من الدين رد على من يقول إنه يبرأ عن المطالبة لا الدين وقد تقدم بيانه آنفا ومراده أنه يبرأ براءة موقوفة ومقتضى ما ذكر من براءة المحيل أن المشتري لو أحال البائع بالثمن على رجل لم يملك حبس المبيع وكذا لو أحال المرتهن الراهن لا يحبس الرهن ولو أحال الزوج المرأة بصداقها لم تحبس نفسها بخلاف العكس في الثلاثة وبه صرح في البحر قال ولكن المنقول في الزيادات عكسه وقوله بالقبول متعلق بقوله إذا تمت الحوالة فلا يأخذ المحتال من تركته أي من تركة المحيل الدين إذا مات المحيل لكن يأخذ كفيلا من الورثة أو الغرماء مخافة التوى أي الهلاك ولا يرجع عليه
المحتال إلا إذا توي حقه فحينئذ يرجع عليه كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال إذا مات المحتال عليه مفلسا عاد الدين ولأن براءته مقيدة بسلامة حقه له فيرجع عليه عند عدم السلامة
وقال الشافعي لا يرجع عليه عند التوى بأي طريق كان لأن الساقط لا يعود
وفي البحر ومراده إذا كانت الحوالة باقية أما إذا فسخت الحوالة فإن للمحتال الرجوع بدينه على المحيل ولذا قال في البدائع إن حكمها ينتهي بفسخها وبالتوى وقوله وبالتوى مقيد بأن لا يكون المحيل هو المحتال عليه ثانيا لما في الذخيرة رجل أحال رجلا له عليه دين على رجل ثم إن المحتال عليه أحاله على الذي عليه الأصل برئ المحتال عليه الأول فإن توي المال على الذي عليه الأصل لا يعود على المحتال عليه الأول وهو بموت المحتال عليه مفلسا بأن لم يترك مالا عينا ولا دينا ولا كفيلا أو إنكاره أي إنكار المحتال عليه الحوالة وحلفه أي المحتال عليه ولا بينة للمحتال
____________________
(3/206)
والمحيل عليها أي على الحوالة وهذا عند الإمام لأن العجز عن الوصول يتحقق بكل واحد منها وهو التوى في الحقيقة وعندهما بتفليس القاضي إياه أي المحتال عليه أيضا لأنه عجز عن الأخذ منه بتفليس الحاكم وقطعه عن ملازمته عندهما كعجزه عن الاستيفاء بموته مفلسا وبالجحود
قيدنا بأن لم يترك كفيلا لأن وجود الكفيل يمنع موته مفلسا على ما في الزيادات
وفي الخلاصة لا يمنع وإن المحتال لو أبرأ الكفيل بعد موت المحتال عليه مفلسا فله أن يرجع بدينه على المحيل
وفي البزازية أخذ المحتال من المحتال عليه بالمال كفيلا ثم مات المحتال عليه مفلسا لا يعود الدين إلى ذمة المحيل سواء كفل بأمره أو بغير أمره والكفالة حالة أو مؤجلة أو كفل حالا ثم أجله المكفول له وإن لم يكن به كفيل ولكن تبرع رجل أو رهن به رهنا ثم مات المحتال عليه مفلسا عاد الدين إلى ذمة المحيل ولو كان مسلطا على البيع فباعه ولم يقبض الثمن حتى مات المحتال عليه مفلسا بطلت الحوالة والثمن لصاحب الرهن ولو اختلفا في كونه مفلسا فالقول للمحتال مع يمينه على العلم
وتصح الحوالة بالدراهم المودعة يعني إذا أودع رجل رجلا ألف درهم وأحال بها عليه آخر صح لأنه أقدر على التسليم فكانت أولى بالجواز ويبرأ المحتال عليه عن الحوالة بهلاكها كالزكاة المقيدة بالنصاب لأن المحتال التزم الأداء من هذه الدراهم وهي قد هلكت أمانة وأيضا يبرأ المودع عن الحوالة إذا استحقت الدراهم المودعة فيعود الدين على ذمة المحيل
وبالمغصوبة أي تصح الحوالة بالدراهم التي غصبها المحال عليه من المحيل ولا يبرأ بهلاكها أي لا يبرأ الغاصب بهلاك المغصوبة لأنه لا يبطل الحوالة لأنه فات إلى خلف وهو الضمان والخلف يقوم مقام الأصل وكان المغصوب قائما معنى فلا يبطل وأما إذا استحق المغصوب بطلت الحوالة لأن المغصوب وصل إلى مالكه فهو يوجب براءة الغاصب عن الضمان
وإذا قيدت الحوالة بالدين أو الوديعة أو الغصب لا يطالب المحيل المحتال عليه أي لا يطلب المحيل من المحتال عليه ما عنده أو عليه من الدراهم المودعة أو المغصوبة أو الدين لأن هذه الحوالة المقيدة تتضمن توكيل
____________________
(3/207)
المحتال بقبض ما على المحتال عليه أو ما عنده ويتضمن تسليم المحتال عليه ما عنده أو عليه بأمر المحيل فلا يطلب المحيل ذلك من المحتال لتعلق حق المحتال كالراهن لا يملك مطالبته لتعلق حق المرتهن حتى يضمن المحتال عليه للمحتال إن دفع إلى المحيل مع أن المحتال أسوة لغرماء المحيل بعد موته أي بعد موت المحيل يعني أن هذه الأموال إذا تعلق بها حق المحتال كان ينبغي أن لا يكون المحتال أسوة لغرماء المحيل بعد موته كما في الرهن مع أنه أسوة لهم لأن العين الذي بيد المحتال عليه للمحيل والدين الذي له عليه لم يصر مملوكا للمحتال بعقد الحوالة لا يدا وهو ظاهر ولا رقبة لأن الحوالة ما وضعت للتمليك بل للنقل فيكون بين الغرماء وأما المرتهن فيملك المرهون يدا وحبسا فيثبت له نوع اختصاص بالمرهون شرعا لم يثبت لغيره فلا يكون لغيره أن يشاركه فيه
وقال زفر المحتال أحق به من الغرماء لأن الدين صار له بالحوالة كالمرتهن بالرهن بعد موت الراهن
وإن لم تقيد الحوالة بشيء من المذكورات فله أي للمحيل المطالبة من المحتال بالعين أو الدين ويقدر المحتال عليه أن يدفعها إلى المحيل إذ لا تعلق لحق المحتال بما عنده أو عليه بل حقه في ذمة المحتال عليه وفي ذمته سعة فغاية ما يجب على المحتال عليه أداء دين المحتال من مال نفسه ولا تبطل الحوالة سواء كانت مقيدة أو مطلقة بأخذه أي المحيل ما على المحتال عليه من الدين أو عنده من الوديعة أو الغصب أما في المطلقة فإنها لم تتعلق بهذه الأشياء لعدم الإضافة إليها وأما في المقيدة فلأن المحتال عليه قد دفع ما تعلق به حق المحتال إلى من ليس له حق الأخذ فيضمنه للمحتال ويرجع إلى المحيل بما دفع إليه فلا تبطل الحوالة
وإذا طالب المحتال عليه المحيل بمثل ما أحال به فقال أحلت بدين لي عليك لا يقبل بلا حجة أي لا يسمع قول المحيل للمحتال عليه أحلت بدين لي عليك حين طلب المحتال عليه من المحيل مثل ما
____________________
(3/208)
أحاله إلا ببينة إذ المحتال عليه أنكر الدين لأن إقراره بالحوالة وقبوله لا يكون إقرارا ولا دليلا على أن عليه له دينا إذ الحوالة تجوز بدون الدين على المحتال عليه بل يسمع طلب المحتال عليه لوجود سببه هو أداء الدين بأمره ولو طالب المحيل المحتال بما أحال فقال أحلتني بدين لي عليك لا يقبل بلا حجة أي لا يسمع قول المحتال للمحيل أحلتني بدين لي عليك حين طلب المحيل من المحتال ما قبضه إلا ببينة لأن المحيل أنكر الدين إذ إقراره بالحوالة وإقدامه عليها لا يكون إقرارا بالدين لأن الحوالة تستعمل في الوكالة بمعنى نقل التصرف بل يسمع طلب المحيل كطلب الموكل من الوكيل ما قبضه
وفي التنوير أدى المال في الحوالة الفاسدة فهو بالخيار إن شاء رجع على القابض وهو المحتال وإن شاء رجع على المحيل ولا يصح تأجيل عقدها
وتكره السفتجة بضم السين والتاء عند سيبويه وبفتح التاء عند الأخفش تعريب سفته ومعناها المحكم وهي الإقراض أي أن يقرض إلى تاجر مثلا قرضا ليدفعه إلى صديقه في بلد آخر لسقوط خطر الطريق وإنما كرهت لورود النهي عن قرض جر نفعا وإنما ذكرت المسألة في هذا الباب لأن هذا الإقراض في معنى حوالة الصديق على المستقرض أو لأنه حوالة الطريق إليه أو لأن المقرض يحيله بالأداء إلى الصديق
____________________
(3/209)
كتاب القضاء لما كان أكثر المنازعات يقع في البياعات والديون عقبها بما يقطعها وهو قضاء القاضي أضاف الكتاب إلى القضاء دون الأدب نظرا إلى أن بيان القضاء مقصود وبيان الأدب متبوع والقضاء في اللغة له معان يكون بمعنى الإتقان والإحكام ففي المصباح أنه مصدر قضيت بين الخصمين وعليهما حكمت والجمع الأقضية وقضى أي حكم ومنه قوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبمعنى الإبلاغ وبمعنى الأداء والإنهاء ومنه قوله تعالى وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب وقضينا إليه ذلك الأمر أي أنهيناه إليه وأبلغناه ذلك وبمعنى الصنع والتقدير ومنه قوله تعالى فقضاهن سبع سماوات في يومين ومنه القضاء والقدر ويقال استقضى فلانا أي صيره قاضيا
وفي الشرح هو قطع الخصومة أو قول ملزم صدر عن ولاية عامة وفيه معاني اللغة جميعا فكأنه ألزمه
____________________
(3/210)
بالحكم وأخبره به وفرغ عن الحكم بينهما وقدر ما عليه وما له وأقام قضاه مقام صلحهما وتراضيهما لأن كل واحد منهما قاطع للخصومة وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع ومحاسنه لا تخفى على أحد ولولا ذلك لفسد العباد وخرب البلاد وانتشر الظلم والفساد والحاكم نائب الله تعالى في أرضه في إنصاف المظلوم من الظالم وإيصال الحق إلى المستحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبه أمر كل نبي قال الله تعالى إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون وقال الله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ولأجله بعث الرسل والأنبياء وكان عليه الخلفاء والعلماء ولهذا قال القضاء بالحق من أقوى الفرائض وأفضل العبادات بعد الإيمان بالله تعالى ثم هو على خمسة أوجه واجب وهو أن يتعين له ولا يوجد من يصلح له غيره لأنه إذا لم يفعل أدى إلى تضييع الحكم فيكون قبوله أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وإنصاف المظلوم من الظالم
ومستحب وهو أن يوجد من يصلح له غيره لكن هو أصلح وأقوم به
ومخير فيه وهو أن يستوي هو وغيره في الصلاحية والقيام به
ومكروه وهو أن يكون صالحا للقضاء لكن غيره أصلح وأقوم به
وحرام وهو أن يعلم من نفسه العجز عنه وعدم الإنصاف فيه في باطنه من اتباع الهوى بما لا يعرفه
ثم اعلم أن رزقه وكفايته وكفاية أهله وأعوانه ومن يمونهم يكون من بيت المال لأنه محبوس لحق العامة فلولا الكفاية ربما يطمع في أموال الناس وإن عمر رضي الله تعالى عنه أعطى شريحا كل شهر مائة درهم وأعطاه علي رضي الله تعالى عنه كل شهر خمسمائة درهم
وأهله أي القضاء من هو أهل للشهادة لأن كلا منهما من باب الولاية لأنه تنفيذ القول على الغير ولأن كلا منهما إلزام إذ الشهادة ملزمة على القاضي والقضاء ملزم على الخصم
وشرط أهليته أي القضاء شرط أهليتها أي الشهادة من العقل والبلوغ والإسلام
____________________
(3/211)
والحرية وغيرها مما سنذكره في كتاب الشهادة إن شاء الله تعالى
والفاسق أهل له أي للقضاء ويصح تقليده أي تقليد الفاسق أي المسلم الذي أقدم على كبيرة أو أصر على صغيرة وفيه إشعار بأن قضاء المستور صحيح بلا قبح كما في القهستاني وبأن العدالة شرط الأولوية وهذا ظاهر الرواية
وفي النوادر عن أصحابنا أنه لا يجوز قضاؤه كما في الاختيار وهو قول الأئمة الثلاثة ويجب أن لا يقلد الفاسق القضاء إذ لا يؤتمن عليه لقلة مبالاته بواسطة فسقه حتى لو قلد كان المقلد آثما كما يصح قبول شهادته أي شهادة الفاسق حتى لو قبل القاضي وحكم بها كان آثما ولكنه ينفذ
وفي الدرر هذا إذا غلب على ظنه صدقه وهو مما يحفظ ويجب أن لا تقبل شهادته وفي الشمني اجتماع هذه الشرائط من الاجتهاد والعدالة وغيرهما متعذر في عصرنا لخلو العصر عن المجتهد والعدل فالوجه تنفيذ قضاء كل من ولاه سلطان ذو شوكة وإن كان جاهلا فاسقا قال قاضي خان ويصح تعليق تقليد القضاء والإمارة بالشرط وكذا الإضافة إلى وقت في المستقبل وتعليق عزل القاضي بالشرط صحيح كتعليق الوكالة ولو كان في المصر قاضيان كل على محلة على حدة فالعبرة للمدعي عند أبي يوسف وللمدعى عليه عند محمد وهو الصحيح
ولو فسق القاضي العدل بأخذ الرشوة وغيرها من الزناء أو شرب الخمر يستحق العزل أي يجب على السلطان عزله كما في البزازية
وفي المعراجية يحسن عزله لوجود سبب الاستحقاق ولا ينعزل في ظاهر المذهب وعليه مشايخنا وهو الصحيح
____________________
(3/212)
وعليه الفتوى كما في الواقعات
وقال بعض المشايخ إذا قلد الفاسق ابتداء يصح ولو قلد وهو عدل ينعزل بالفسق وهو قول الأئمة الثلاثة
وفي الإصلاح وعليه الفتوى لكن في البحر وهو غريب ولم أره والمذهب خلافه وتمامه فيه فليطالع
وفي البزازية لو شرط التقليد أنه متى فسق ينعزل
وفي نوادر ابن هشام وقال محمد لو فسق القاضي ثم تاب فهو على قضائه كما إذا عمي ثم أبصر وكذا إذا ارتد والعياذ بالله تعالى ثم أسلم
قيد بالقضاء لأن الفسق لا يمنع الإمامة بلا خلاف ولا ينعزل بالفسق
وفي البحر الوالي إذا فسق فهو بمنزلة القاضي يستحق العزل ولا ينعزل ولو حكم الوالي بنفسه لم يصح لأنه لم يفوض إليه
ولو أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا أي بمال دفعه لتوليته لم تصح توليته وهو الصحيح ولو قضى لم ينفذ وبه يفتى إذ الإمام لو قلد برشوة أخذها هو أو قومه وهو غير عالم به لم يجز تقليده كقضائه برشوة كما في البحر وغيره ولم أر حكم ما لو أخذ قومه وهو غير عالم به هل يجوز تقليده أم لا وينبغي أن يجوز تقليده لأن مفهوم قوله وهو عالم به يقتضي جوازه إذا لم يعلم كما لو ارتشى وكيل القاضي أو نائبه أو كاتبه أو بعض أعوانه فإن بأمره ورضاه فهو كما لو ارتشى بنفسه وإن بغير علمه ينفذ قضاؤه وعلى المرتشي رد ما قبض تتبع
قيد بالتولية لأنه لو أخذ القاضي الرشوة وقضى لا ينفذ قضاؤه فيما ارتشى بالإجماع وحكى في الفصول فيه اختلافا فقيل لا ينفذ فيما ارتشى وينفذ فيما سواه وهو اختيار شمس الأئمة وقيل لا ينفذ فيهما وقيل ينفذ فيهما
وفي البحر قضى ثم ارتشى أو ارتشى ثم قضى أو ارتشى ولده أو بعض من لا تقبل شهادته له لا لأنه لما أخذ المال أو ابنه يكون عاملا لنفسه أو ابنه
القاضي المولى أخذ الرشوة ثم بعثه إلى شافعي المذهب ليحكم لا يصح لأنه عامل لنفسه وإن كتب إليه القاضي ليسمع الخصومة أو أخذ أجرة مثل الكتابة ينفذ لأنه ليس برشوة لما في فتاوى النسفي يحل للقاضي أخذ الأجرة على كتبة السجلات والمحاضر وعندهما لكل ألف درهم خمسة دراهم وإن كان أقل من الألف لكن لحقه من المشقة مثل ذلك ففيه خمسة أيضا
وفي الخزانة وما قيل في الألف من الثمن خمسة لا نقول به ولا يليق ذلك بفقه أصحابنا وأي مشقة للكاتب في أخذ الثمن وإنما أجرة مثله بقدر
____________________
(3/213)
مشقته وبقدر عمله في صنعته أيضا كما يستأجر الحكاك والنقاب بأجر كثير في مشقة قليلة وأجرة كتبة القبالة على رب الدين واعلم أن ما دفع إما دفع للتودد وهو حلال من الجانبين وإما لصيرورته قاضيا وهو حرام منهما وإما لخوف على نفسه أو ماله وهو حرام على الآخذ حلال للدافع وكذا إذا طمع في ماله فرشاه ببعض المال وإما ليسوي أمره عند الوالي فإن كان ذلك الأمر حراما فحرام على الجانبين وإن كان حلالا فحرام على الآخذ إن اشترط وحلال للدافع إلا أن يستأجره مدة معلومة بما يدفع إليه فإنه حلال وإن لم يشترط وطلب منه أن يسوي أمره وأعطاه بعدما يسوي اختلفوا فيه قال بعضهم لا يحل له الأخذ
وقال بعضهم يحل وهو الصحيح لأنه بر ومجازاة الإحسان فيحل كما في البحر والرشوة لا تملك ولذا يلزم الاسترداد
والفاسق يصلح مفتيا لأنه يجتهد حذرا عن النسبة إلى الخطأ وقيل لا يصلح لأنه من أمور الدين وخبره غير مقبول في الديانات ورجحه صاحب البحر فقال وظاهر ما في التحرير أنه لا يحل استفتاؤه اتفاقا فإنه قال الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة أو رآه منتصبا والناس يستفتونه معظمين وعلى امتناعه إن ظن عدم أحدهما فإن جهل اجتهاده دون عدالته فالمختار منع استفتائه بخلاف المجهول من غيره إذ الاتفاق على المنع وتمامه فيه فليطالع
ويكتفى بالإشارة من المفتي لا من القاضي إذ لا بد للقضاء من صيغة مخصوصة كحكمت وألزمت أو صح عندي أو ثبت أو ظهر عندي أو علمت على الصحيح
ولا ينبغي أن يكون القاضي فظا من الفظاظة وهي خشونة القول غليظا أي شديدا في الكلام متفاحشا جبارا أي متكبرا مقبلا بغضب عنيدا أي مخالفا للحق لأن القضاء دفع الفساد وهذه الأشياء بعينها فساد وينبغي أن يكون القاضي موثوقا به أي معتمدا عليه في دينه بالاحتراز عن الحرام وعفافه لأنه ملاك الدين وعقله لأنه مدار التكليف وصلاحه لأن في ضده الفساد وفهمه ليفهم الفساد والخصومة وعلمه بالسنة والمراد بالسنة ما ثبت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا عند أمر يعاينه والآثار وهي ما يروى عن الأصحاب رضي الله تعالى عنهم ووجوه الفقه أي طرقه قال المولى مسكين إن الفقه عند عامة العلماء اسم لعلم خاص في الدين لا لكل علم وهو علم بالمعاني التي تعلقت بها الأحكام من كتاب الله وسنة الرسول وإجماع الأمة ومقتضياتها وإشارتها
____________________
(3/214)
وينبغي أن يكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف لأن القضاء من أهم أمور المسلمين فكل من كان أعرف وأقدر وأوجب وأهيب وأصبر على ما يصيبه من الناس كان أولى
وينبغي للسلطان أن يتفحص في ذلك ويولي من هو أولى لقوله عليه الصلاة والسلام من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وخان جماعة المسلمين
وفي الأشباه فقد ظلم مرتين بإعطاء غير المستحق ومنع المستحق لكن في زماننا توجيه القضاء إلى المستحق غير ممكن لقلته أو لمانع يمنع حتى ابتليت بأن أولي القضاء من قبل من له الأمر فلم أقدر أن أولي الأحق والأولى تجاوز الله عني وعن سائر المؤمنين بحرمة سيد المرسلين صلوات الله على نبينا وعليهم أجمعين وكذا المفتي يعني ينبغي أن يكون موصوفا بالصفات المذكورة
والاجتهاد شرط الأولوية في القاضي والمفتي لا الجواز هو الصحيح تيسيرا وتسهيلا خلافا للأئمة الثلاثة
وفي الفتح واعلم أن ما ذكر في القاضي ذكر في المفتي ولا يفتي إلا المجتهد وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد
واختلفوا في المجتهد فقيل أن يعلم الكتاب بمعانيه والسنة بطرقها والمراد بعلمهما علم به يتعلق الأحكام منهما من العام والخاص والمشترك والمؤول والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ ومعرفة الإجماع والقياس ولا يشترط
____________________
(3/215)
حفظه لجميع القرآن ولا لبعضه عن ظهر القلب بل أن يعرف مظان أحكامها في أبوابها فيراجعها وقت الحاجة ولا يشترط التبحر في هذه العلوم ولا بد له من معرفة لسان العرب لغة وإعرابا وأما الاعتقاد فيكفيه اعتقاد جازم ولا يشترط معرفتها على طريق المتكلمين وأدلتهم لأنها صناعة لهم ويدخل في السنة أقوال الصحابة فلا بد من معرفتها لأنه قد يقيس مع وجود قول الصحابي ولا بد له من معرفة عرف الناس وهو معنى قولهم لا بد أن يكون صاحب قريحة
فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت والواجب عليه أن يذكر قول المجتهد كأبي حنيفة رحمه الله على جهة الحكاية فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي
وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد الأمرين إما أن يكون له سند فيه أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين لأنه بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور وتمامه في البحر فليطالع
وفي الخانية أن اختلاف أئمة الهدى توسعة على الناس فإذا كان الإمام في جانب وهما في جانب خير المفتي وإن كان أحدهما مع الإمام أخذ بقولهما إلا إذا اصطلح المشايخ على قول الآخر فيتبعهم كما اختار الفقيه أبو الليث قول زفر في مسائل
وصحح في السراج أن المفتي يفتي بقول الإمام على الإطلاق ثم بقول أبي يوسف ثم بقول محمد ثم بقول زفر والحسن بن زياد ولا يخير إذا لم يكن مجتهدا وإذا اختلف يتبع مفتيان قول الأفقه
وفي المنح وإن خالف أبا حنيفة صاحباه فإن كان اختلافهم اختلاف عصر وزمان كالقضاء بظاهر العدالة يأخذ بقول صاحبيه لتغير أحوال الناس
وفي المزارعة والمعاملة ونحوهما يختار قولهما ويجوز للشاب الفتوى إذا كان حافظا للروايات واثقا على الدرايات محافظا على الطاعات مجانبا للشهوات والعالم كبير وإن كان صغيرا والجاهل صغير وإن كان كبيرا
فيصح تقليد الجاهل عندنا لأن المقصود من القضاء إيصال الحق إلى مستحقه وذلك يحصل بالعمل بفتوى غيره ويختار المقلد الأقدر والأولى لأنه خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام في القضاء
وفي الإصلاح وعند الشافعي لا يصح تقليد الفاسق والجاهل وما قاله كان أحوط في زمانه وفي زماننا الاحتياط فيما قلنا لأن في اشتراط العلم والعدالة سد باب القضاء انتهى
وكره التقلد لمن خاف الحيف والعجز عن القيام به أي كره قبول تقليد القضاء لخوف الجور أو عدم إقامة العدل لعجزه فعلى هذا لو قال لمن خاف الحيف أو العجز لكان أولى لأن أحدهما يكفي كما في البحر ولا بأس به أي بالتقلد لمن يثق من نفسه بأداء
____________________
(3/216)
فرضه لأن كبار الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين تقلدوه وكفى بهم قدوة وقيل لا يجوز الدخول مطلقا بلا إجبار لقوله عليه الصلاة والسلام من ابتلي بالقضاء فكأنما ذبح بغير سكين وقد روي أن الإمام دعي للقضاء ثلاث مرات فأبى حتى حبس وجلد في كل مرة ثلاثين سوطا حتى قال له أبو يوسف لو تقلدت لنفعت الناس فنظر إليه شبه المغضب فقال لو أمرت أن أقطع البحر سباحة لكنت أقدر عليه فقال أبو يوسف البحر عميق والسفينة وثيق والملاح عالم فقال الإمام كأني بك قاضيا وذكر البزازي في مناقبه أقوالا حاصلها أن الإمام لم يقبل القضاء ومات على الإباء وأنه رحمه الله تعالى أحس بموته وسجد فخرجت روحه ساجدا سنة خمسين ومائة روح الله روحه وزاد في أعلى غرف الجنان فتوجه ومن غريب ما وقع أنه جيء بجنازته فازدحم الناس فلم يقدروا على دفنه إلا بعد العصر واستمر الناس يصلون على قبره الشريف عشرون وحرر من صلى عليه خمسون ألفا
وفي الهداية والكافي والصحيح أن الدخول فيه رخصة طمعا في إقامة العدل بحديث عدل ساعة خير من عبادة سنة والترك عزيمة لأنه مأمور بالقضاء بالحق وربما يظن في الابتداء أنه يقضي بالحق ثم لا يقدر عليه في الانتهاء ولأنه لا يمكنه القضاء بالحق إلا بإعانة غيره ولعل غيره لا يعينه
ومن تعين له أي للقضاء أو تعين القضاء له فرض عليه صيانة لحقوق العباد ودفعا لظلم الظالمين
وفي البحر أنه فرض عين إن تعين وفرض كفاية عند وجود غيره يعني إن كان في البلد قوم صالحون له فامتنعوا عنه أثموا كلهم إن لم يقدر السلطان فصل القضايا ولا يطلب القضاء ولا يسأله أي من صلح للقضاء ينبغي أن لا يطلب بقلبه ولا يسأله بلسانه لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن أجبر عليه نزل عليه ملك يسدده أي يلهمه الرشد ويوفقه للصواب وكذا لا يسأله الإمارة
ويجوز تقلده من السلطان الجائر أي الظالم لأن علماء السلف تقلدوا القضاء من الحجاج مع أنه أظلم زمانه ومن أهل البغي وهم الذين خرجوا عن طاعة الإمام لأن الصحابة تقلدوه من معاوية في نوبة علي رضي الله تعالى عنه وكان الحق بيد علي وقد قال علي رضي الله تعالى عنه عنه إخواننا بغوا علينا قال أبو الليث المتغلب إذا ولى رجلا
____________________
(3/217)
قضاء بلدة وقضى ذلك القاضي في مختلف فيه ثم رفع إلى قاض آخر فإن وافق رأيه أمضاه وإن خالف أبطله وهي بمنزلة حكم المحكم
وفي العمادية التقلد من أهل البغي يصح وبمجرد استيلاء الباغي لا ينعزل قضاة العدل ويصح عزل الباغي لهم حتى لو انهزم الباغي بعد ذلك لا ينفذ قضاياهم بعد ذلك ما لم يقلدهم سلطان العدل ثانيا لأن الباغي صار سلطانا بالقهر والغلبة إلا إذا كان لا يمكنه من القضاء بالحق استثناء من قوله الجائر وأهل البغي أي يجوز تقلده إلا إذا لم يمكنه الجائر وأهل البغي من القضاء بالحق فحينئذ لا يجوز لأن المقصود لا يحصل بالتقلد بخلاف ما إذا كان يمكنه
وإذا تقلد أحد القضاء بعد عزل الآخر يسأل ديوان قاض قبله وهو الخرائط التي فيها السجلات والمحاضر وغيرها من الصكوك وكتاب نصب الأولياء وتقدير النفقات لأن الديوان وضع ليكون حجة عند الحاجة فيجعل في يد من له ولاية القضاء وهذا لأن القاضي يكتب نسختين إحداهما في يد الخصم والأخر في ديوان القاضي إذ ربما يحتاج إليها لمعنى من المعاني وما في يد الخصم لا يؤمن عليه من الزيادة والنقصان فإن كان الورق من بيت المال فلا إشكال في وضعه في يد القاضي الجديد وكذا من مال الخصوم أو من مال القاضي في الصحيح لأنه اتخذت تدينا لا تمولا ويبعث القاضي الجديد أمينين من ثقاته وهو أحوط والواحد يكفي يقبضانها أي الخرائط بحضرة المعزول أو أمينه ويسألانه أي المعزول شيئا فشيئا للكشف لا للإلزام على الغير ويجعلان كل نوع في خريطة على حدة فما كان فيها من نسخ السجلات يجمعان في خريطة وما كان من نصيب الأوصياء يجمعان في خريطة وما كان من نسخ الأوقاف يجمعان في خريطة وما كان من الصكوك يجمعان في خريطة ليكون أسهل للتناول وينظر القاضي
____________________
(3/218)
الجديد في حال المحبوسين لأنه نصب ناظرا للمسلمين والمراد المحبوس في سجن القاضي فيبعث القاضي ثقة يحصيهم في السجن ويكتب أسماءهم وأخبارهم وسبب حبسهم ومن حبسهم فمن أقر بحق أو قامت عليه به أي بالحق بينة ألزمه لأن كلا منهما حجة ملزمة وليس المراد بقوله ألزمه الحكم عليه وإنما المراد ألزمه الحبس أي أدام حبسه وتمامه في البحر فليطالع
ولا يعمل بقول المعزول فلو قال حبسته بحق عليه لا يقبل قوله وكذا لو قال كنت حكمت عليه لفلان بكذا وعلله في الدرر بأنه صار كواحد من الرعايا وشهادة الواحد ليست بحجة خصوصا إذا كانت بفعل نفسه وإلا ينادي عليه أياما فإن حضر أحد وادعى وهو على إنكاره ابتدأ الحكم بينهما وإلا تأنى في ذلك أياما على حسب ما يرى القاضي ثم يخلي سبيله أي إن لم يحضر أحد بعد النداء لكن بعدما استظهر في أمره
وفي الاختيار وإن لم يحضر لا يخليه حتى يستظهر في أمره فيأخذ منه كفيلا بنفسه على الصحيح اتفاقا فإن قال لا كفيل لي فينادي شهرا فإن لم يحضر أحد أطلقه ويعمل أي يعمل القاضي الجديد في الودائع وغلات الوقف التي وضعها المعزول في أيدي الأمناء بالبينة أو بإقرار ذي اليد لأن إقرار غيره غير مقبول
قيد بغلات الوقف لأنه لا يعمل بإقرار ذي اليد في أصل الوقف إذا جحده الوارث ولا بينة ولو قال المعزول إن هذا وقف فلان بن فلان سلمته إلى هذا وأقر ذو اليد وكذبه الوارث لم يقبل قول القاضي وذي اليد إن لم يقم عليه البينة كما في البحر لا بقول المعزول إلا إذا أقر ذو اليد بالتسليم منه أي من المعزول بإقراره ثبت أن اليد كان للمعزول سابقا فصح إقرار المعزول كأنه في يده حالا لأن من كان بيده حقيقة يقبل إقراره
____________________
(3/219)
فكذا إذا كان في يد مودعه لأن يده كيد المودع إلا إذا بدأ صاحب اليد بالإقرار لغيره ثم أقر بتسليم القاضي إليه والقاضي يقر به لغيره فيسلم إلى المقر له الأول ويضمن المقر قيمته للقاضي بالإقرار وجعل صاحب العناية وغيره هذه المسألة على خمسة أوجه فليراجع
ويجلس القاضي للحكم جلوسا ظاهرا في المسجد بهيئة يعلم الناس أنه جلس لفصل الخصومات لا لعبادة أخرى لأن النبي عليه السلام جلس فيه للحكم وقال إنما بنيت المساجد لذكر الله تعالى والحكم الحديث فسوى بينهما فكان القضاء عبادة فلا منع لحضور المشرك فيه لأن نجاسته في اعتقاده لا في ظاهره والحائض تمنع عن الدخول لكن تقطع خصومتها في باب المسجد والجامع أولى من المسجد لأنه غير خفي على الغرباء وغيرهم هذا إذا كان الجامع وسط البلد وإلا فيختار الوسط منهما
وقال الشافعي يكره الجلوس للقضاء في المسجد لأنه يحضره المشرك وهو نجس
ولو جلس في داره وأذن للناس في الدخول فيها إذنا عاما ولا يمنع أحدا لأن لكل أحد حقا في مجلسه فلا بأس به لأن الحكم عبادة فلا يختص بمكان لكن الأولى أن تكون الدار في وسط البلد ويجلس معه من كان معه في المجلس ولا يجلس وحده لأنه يورث التهمة وتبعد عنه الأعوان لأنه أهيب ولا يحكم وهو ماش أو قائم أو مشغول بشيء آخر وتجوز أن يحكم وهو متكئ ولكن القضاء مستوي الجلوس أفضل تعظيما لأمر القضاء ويستحب أن يقعد معه أهل العلم إن لم يكن عالما بأحوال القضاء لكن لا يشاوره عند الخصوم بل يخرجهم أو يبعدهم ثم يشاوره
وينبغي للقاضي أن يعتذر للمقضي عليه ويبين له وجه قضائه ليكون ذلك أدفع لشكايته للناس ونسبته إلى أنه جار عليه ومن يسمع يخل فربما تفسد العامة عرضه وهو بريء وينبغي للقاضي أنه إذا اختصم إليه إخوان أو بنو الأعمام أن لا يعجل بالقضاء عليهم فيدافعهم قليلا كي يصطلحوا لأن القضاء ولو بحق ربما يكون سببا للعداوة
وفي البزازية قضى القاضي بحق ثم أمره أن يستأنف القضية ثانيا بمحضر من العلماء لا يفرض ذلك على القاضي
ولا يقبل القاضي هدية ولو قليلة لأن قبولها يؤدي إلى مراعاة المهدي فإن كان المهدي يتأذى بالرد يقبلها ويعطيه مثل قيمتها كما في الخلاصة إلا أي له أن لا يردها من قريبه وهو ذو الرحم المحرم لأن في ردها عليهم قطعية رحم وهي
____________________
(3/220)
حرام أو من جرت عادته بمهاداته قبل القضاء من الأجنبي لعدم التهمة إن لم يكن لهما أي للقريب أو من جرت عادته بمهاداته خصومة ولم يزد على العادة حتى لو كان لهما خصومة أو زادت على العادة يردها كلها في الأول وما زاد عليها في الثاني وقيده فخر الإسلام بأن لا يكون مال المهدي قد زاد فبقدر ما زاد ماله لا بأس بقبوله
وفي البحر للقاضي أن يقبلها من السلطان ومن حاكم بلده واقتصر في التتارخانية على من ولاه
وفي الخانية ويجوز للإمام والمفتي قبول الهدية وإجابة الدعوة الخاصة ويحضر الدعوة العامة لعدم كونها للقضاء إلا إذا كان صاحب العامة أحد الخصمين لا الخاصة لأنها جعلت لأجله ولم يفصل في الخاصة بين أن يكون من القريب أو من غيره أو ما إذا جرت له عادة بها أو لم تجر
وفي الكافي وإن كان بين القاضي وبين المضيف قرابة يجيبه بلا خلاف كذا ذكره الخصاف وذكر الطحاوي أن على قولهما لا يجيب الدعوة الخاصة للقريب وعلى قول محمد يجيب وهي الدعوة الخاصة ما لا يتخذ إن لم يحضر القاضي فإن علم المضيف أن القاضي إذا لم يحضرها لا يتركها فعامة وقيل إن جاوز العشرة فعامة وإلا فخاصة وقيل دعوة العرس والختان عامة وما سواهما خاصة ويشهد الجنازة ويعود المريض لأن هذا من حق المسلم على المسلم ففي الحديث للمسلم على المسلم ست حقوق إذا دعاه يجيبه وإذا مرض يعوده وإذا مات يحضره وإذا لقيه يسلم عليه وإذا استنصحه ينصحه وإذا عطس يشمته وهو لا يسقط بالقضاء لكن لا يمكث في ذلك المحل هذا إذا لم يكن المريض أحد الخصمين وإن كان أحدهما ينبغي أن لا يعود
ويتخذ مترجما وكاتبا عدلا له معرفة بالفقه ويجلس ناحية عن القاضي حيث يراه حتى لا يخدع بالرشوة ويسوي القاضي بين الخصمين جلوسا أي من حيث الجلوس بين يديه غير متربعين ولا مقعيين ولا محتبيين ويكون بين
____________________
(3/221)
القاضي وبينهما قدر ذراعين من غير أن يرفعا أصواتهما وتقف أعوان القاضي بين يديه ويمنعون الناس عن التقدم أطلق في التسوية بينهما فشمل السلطان والشريف والوضيع والأب والابن والصغير والكبير والذمي والعبد والحر
وإنما قلنا بين يديه لأنه لو أجلسهما في جانب واحد كان أحدهما أقرب إلى القاضي فتفوت التسوية وكذا لو أجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره لأن جانب اليمين أفضل
وفي البحر نقلا عن الفتاوى الكبرى خاصم السلطان مع رجل فجلس السلطان مع القاضي في مجلسه ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه ويجلس خصم السلطان فيه ويقعد هو على الأرض ثم يقضي بينهما انتهى
وحكي أن أبا يوسف وقت موته قال اللهم إنك تعلم أني لا أميل إلى أحد الخصمين حتى بالقلب إلا في خصومة النصراني مع الرشيد ولم أسو بينهما وقضيت على الرشيد ثم بكى وإقبالا ونظرا لقوله عليه الصلاة والسلام إذا ابتلي أحدكم بالقضاء فليسو بينهم في الجلوس والنظر والإشارة ولا يرفع صوته على أحد الخصمين دون الآخر ولأن في عدم التسوية كسر قلب الآخر ولا يسار أحدهما ولا يشير إليه أي لا يكلم القاضي أحد الخصمين سرا ولا يشير إليه بيده ولا برأسه ولا بعينه ولا بحاجبيه ولا يضيفه أي أحد الخصمين دون الآخر وفيه إشارة إلى أنه لو أضافهما معا فلا بأس به ولا يضحك إليه أي إلى أحدهما ولا يمزح معه أي مع أحدهما ولا يتلطف به ولا يلقنه حجته لأن هذه الأشياء كلها تهمة وعليه الاحتراز عنها ولأن فيه كسر القلب للآخر
ويكره تلقينه أي تلقين القاضي الشاهد بقوله أتشهد بكذا لأن الشاهد يستفيد من قول القاضي زيادة علم فتوجد إعانته وهي تهمة واستحسنه أي التلقين أبو يوسف في غير موضع التهمة لأنه قد يقول أعلم مكان أشهد لمهابة المجلس وهو نوع رخصة عنده رجع إليه بعدما تولى القضاء والعزيمة فيما قالا لأنه لا يخلو عن نوع تهمة
وفي الفتح وظاهر الجواب ترجيح ما روي عن أبي يوسف
وفي القنية الفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لزيادة تجربته وأما إفتاء القاضي فالصحيح أنه لا بأس به في مجلس القضاء وغيره لكن لا يفتي أحد
____________________
(3/222)
الخصمين
قيد بالشاهد البيان أنه لا يلقن المدعي بالأولى وفي الخانية فإن أمر القاضي رجلين ليعلماه الدعوى والخصومة فلا بأس به خصوصا على قول أبي يوسف
ولا يبيع القاضي ولا يشتري في مجلسه أي في مجلس القضاء وأطلقه في البحر فقال ولا في غيره هو الصحيح لأن الناس يتساهلون لأجل القضاء هذا إذا كان يكفى المئونة من بيت المال أو يعامل من بجانبه وإلا لا يكره ولو باع مال المديون أو الميت لا يكره ولا يمازح لإذهابه هيبة القضاء فإن عرض له أي للقاضي هم أو نعاس أو غضب أو جوع أو عطش أو حاجة بشربة كف عن القضاء قال عليه الصلاة والسلام لا يقضي القاضي وهو غضبان
وفي رواية وهو شبعان ولأنه يحتاج إلى التفكر وهذه الأعراض تمنع صحة التفكر فلا يؤمن عن الوقوع في الخطأ ويكره له صوم التطوع يوم القضاء لأنه لا يخلو عن الجوع ولا يتعب نفسه بطول الجلوس ويقعد طرفي النهار وإذا طمع في إرضاء الخصوم ردهما مرة أو مرتين وإن لم يطمع أنفذ القضاء بينهما فإن تأخيره بعدما ثبت ظلم
وفي التبيين وغيره القضاء واجب على القاضي بعد ظهور عدالة الشهود حتى لو امتنع يأثم ويستحق العزل ويعزر ويكفر إن لم يعتقد افتراض القضاء بعد توفر شرائطه
وإذا تقدم إليه الخصمان فإن شاء قال لهما أي للخصمين ما لكما وإن شاء سكت والسكوت أحسن كي لا يكون تهييجا للخصومة وقد قعد لقطعها وإذا تكلم أحدهما أسكت الآخر لأنهما إذا تكلما جملة لا يتمكن من الفهم
____________________
(3/223)
فصل لما كان الحبس من أحكام القضاء وتعلق به أحكام أفرده في فصل على حدة وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وإذا ثبت الحق للمدعي وطلب المدعي حبس خصمه فإن ثبت بالإقرار لا يحبسه أي لم يعجل بحبسه إذا لم يعرف كونه مماطلا في أول الوهلة فلعله طمع في الإمهال فلم يستصحب المال إلا إذا أمره بالأداء فأبى فحينئذ يحبسه لظهور المماطلة
وإن ثبت أي الحق الذي ادعاه ولو دانقا بالبينة حبسه قبل الأمر بالدفع إن طلب الخصم حبسه لظهور المطل بالإنكار
وقال شريح يحبسه من غير طلبه وقيل لا يحبس قبل الأمر بالدفع لأنه إذا ثبت بالبينة ربما تعلل به ويقول ما علمت إلا الساعة بخلاف الإقرار لكن الأول مختار صاحب الهداية وهو المذهب وصفة الحبس أن يكون في موضع ليس به فراش ولا طاق ولا يمكن أحدا أن يدخل عليه للاستئناس إلا أقاربه وجيرانه ولا يمكثون عنده طويلا ولا يخرج لجمعة وعيد ولا لجماعة ولا لحج فرض ولا لحضور جنازة ولو بكفيل كما في التبيين لكن في الخلاصة يخرج بالكفيل لجنازة الأصول والفروع وفي غيرهم لا يخرج وعليه الفتوى ولا يخرج لموت قريبه إلا إذا لم يوجد من يغسله ويكفنه فيخرج حينئذ لقرابة الولاد
وفي رواية يخرج وإن وجد من يجهزه ولا يضرب المحبوس لأجل الدين إلا إذا امتنع من الإنفاق على قريبه فيضرب ولا يغل إلا إذا خيف أنه يفر فيقيده ولا يجرد ولا يقام بين يدي صاحب الحق إهانة وتعيين مكان الحبس للقاضي إلا إذا طلب المدعي مكانا آخر فإن ادعى الفقر حبسه في كل ما لزمه بدل مال ولا يلتفت إلى قوله كالثمن أطلقه فشمل الأجرة الواجبة لأنها ثمن المنافع وشمل ما على المشتري وما على البائع بعد فسخ البيع بينهما بإقالة أو خيار وشمل رأس مال السلم بعد الإقالة وما إذا قبض المشتري المبيع أو لا كما في البحر والقرض لثبوت غنائه بحصول المال في الصورتين أو لزمه بالتزامه كالمهر المعجل قيد بالمعجل لأنه لا يحبس في المؤجل ويصدق في الإعسار وعليه الفتوى
____________________
(3/224)
وفي الأصل لا يصدق في الصداق بلا فصل بين مؤجله ومعجله كما في البزازية والكفالة إذ الإقدام على الالتزام دليل اليسار في الصورتين ويتمكن المكفول له من حبس الكفيل والأصيل وكفيل الكفيل وإن كثر
وفي الخانية رجح الاقتصار على الأول فقال وقال بعضهم إن كان الدين واجبا بدلا عما هو مال كالقرض وثمن البيع فالقول قول مدعي اليسار مروي ذلك عن الإمام وعليه الفتوى وهو خلاف ما اختاره المصنف تبعا للهداية وذكر في أنفع الوسائل أنه المذهب المفتى به فقد اختلف الإفتاء فيما التزمه بعقد ولم يكن بدل مال والعمل على ما في المتون لأنه إذا تعارض ما في المتون والفتاوى فالمعتمد ما في المتون وكذا يقدم ما في الشروح على ما في الفتاوى وقيل القول للمديون في الكل وقيل للدائن في الكل وقيل يحكم بالزي إلا في الفقهاء والعلوية كما في البحر لا فيما عدا ذلك أي لا يحبس المديون فيما سوى تلك المذكورات كبدل الغصب وضمان المتلفات وأرش الجنايات والسرقة والنفقة وإعتاق الإماء المشتركات وبدل الكتابات إن ادعى المديون الفقر لأن الأصل في الآدمي العسرة والمدعي يدعي أمرا عارضا وهو الغناء فلم يقبل منه إلا إذا برهن خصمه أن له مالا ويحبسه أي القاضي المديون حينئذ مدة يغلب على ظنه أنه لو كان له أي للمديون مال لأظهره هو الصحيح وذلك يختلف باختلاف الشخص والزمان والمكان والمال فلا معنى لتقديره وما جاء من التقدير بشهرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو شهر اتفاقي وليس بتقدير حتما وقيل يحبسه شهرين أو ثلاثة والصحيح الأول لما بيناه ولو قال المديون حلفه أنه ما يعلم أني معسر يجيبه القاضي إلى ذلك ويحلفه أنه ما يعلم إعساره فإن حلف حبسه بطلبه وإن نكل لا يحبسه والمراد من الغناء قدرة الآن على قضاء الدين فلو كان
____________________
(3/225)
للمحبوس مال في بلد آخر يطلقه بكفيل وإن علم القاضي عسرة لكن له مال على آخر يتقاضى غريمه فإن حبس غريمه الموسر لا يحبسه كما في البزازية
وفي البحر وظاهر كلامهم أن القاضي لا يحبس المديون إذا علم أن له مالا غائبا أو محبوسا موسرا وأنه يطلقه إذا علم بأحدهما ثم يسأل القاضي عن المحبوس بعد حبسه بقدر ما يراه من جيرانه فإن قامت على إعساره أطلقه ولا يحتاج إلى لفظ الشهادة وشرطه
والصغرى في العدل الواحد يكفي والاثنان أحوط وكيفيته أن يقول المخبر إن حال المعسرين في نفقته وكسوته وقد اختبرنا في السر والعلانية ولا يشترط لسماعها حضور رب الدين فإن كان غائبا سمعها وأطلقه بكفيل كما في البزازية فإن لم يظهر له أي للمحبوس مال بعد سؤاله عنه خلى سبيله أي خلى القاضي المحبوس لأن عسرته ثبتت عنده فاستحق النظر إلى الميسرة للآية فحبسه بعده يكون ظلما إلا أن يبرهن خصمه على يساره بشهادة عدلين أنه موسر قادر على قضاء الدين ولا يشترط تعيين المال فيؤبد حبسه لظهور أنه يصر على ظلمه من منع حق أخيه فيجازى بتأبيد حبسه ولا تسمع البينة على إعساره قبل حبسه عليه عامة المشايخ هو الصحيح لأن البينة للإثبات لا للنفي إلا إذا قام المدعى عليه بعد زمان على عسرة فتقبل لأن العسار بعد اليسار أمر عارض أيضا فيخليه القاضي بلا كفيل إلا في مال اليتيم ومال الوقف ومال الغائب فلا يطلقه إلا بكفيل كما في المنح
وفي البزازية أطلق القاضي المحبوس لإفلاسه ثم ادعى آخر مالا وادعى أنه موسر لا يحبسه حتى يعلم غناه
ويحبس الرجل لنفقة زوجته لأنه ظالم بالامتناع عن الإنفاق فلا يحبس في النفقة الماضية لأنها تسقط بمضي الزمان ولكن لا تسقط إن حكم الحاكم بها أو اصطلح الزوجان عليها ولأنها ليست ببدل عن مال وإلا لزمته بعقد لا والد في دين ولده أي
____________________
(3/226)
لا يحبس أصل في دين فرعه لأنه لا يستحق العقوبة بسبب ولده سواء كان موسرا أو معسرا لكن ينبغي أن يقيده بشيء وهو إذا كان موسرا وامتنع من قضاء دين ولده وقلنا لا يحبس فالقاضي يقضي دينه من ماله إن كان من جنسه وإلا باعه للقضاء كبيعه مال المحبوس الممتنع عن قضاء دينه والصحيح عندهما بيع عقاره كمنقوله
ولو قال المديون أبيع عرضي وأقضي ديني أجله القاضي ثلاثة أيام ولو له عقار يحبسه وليبعه ويقضي الدين ولو بثمن قليل
قيد بدين الولد لأن الولد يحبس بدين أصله ويحبس القريب بدين قريبه كما في البحر إلا إن أبى الوالد من الإنفاق عليه أي على الولد فإنه حينئذ يحبس لأن النفقة لحاجة الوقت وهو بالمنع قصد إهلاكه فيحبس لدفع الهلاك عنه وكذا المولى لا يحبس بدين عبده المأذون إن لم يكن على العبد دين ولا يحبس العبد لدين المولى والمولى يحبس بدين مكاتبه إذا لم يكن من جنس بدل الكتابة وإن كان من جنسه لا يحبس ولا يحبس المكاتب بدين الكتابة ويحبس بدين آخر عليه
ولو مرض المحبوس في الحبس لا يخرج من الحبس إن كان له من يخدمه فيه أي في الحبس لأنه شرع ليضجر قلبه فيتسارع إلى قضاء الدين وبالمرض يزداد ضجره وإلا أي وإن لم يكن له من يخدمه فيه أخرج من الحبس بكفيل لئلا يهلك كما لو مرض مرضا أضناه وهو مروي عن محمد وعليه الفتوى
وعن أبي يوسف لا يخرجه والهلاك في السجن وغيره سواء ولا يمكن المحترف من اشتغاله بالحرفة فيه أي في الحبس هو الصحيح وقيل لا يمنع لأن نفقته ونفقة عياله عسى تكون من ذلك
وفي القهستاني ولا يؤاجره في ظاهر الرواية
وعن أبي يوسف لو كان له عمل آجره وأدى دينه بما سوى قوته وقوت عياله ويمكن من وطء جاريته إن كان فيه أي في السجن خلوة قال الزيلعي وغيره إن احتاج إلى الجماع لا يمنع من دخول امرأته أو جاريته
____________________
(3/227)
عليه إن كان في السجن موضع سترة لأن اقتضاء شهوة الفرج كاقتضاء شهوة البطن وقيل يمنع من الوطء لأنه من فضول الحوائج انتهى
فعلى هذا المناسب للمصنف أن لا يقتصر على الجارية لأنه لا يمنع من وصول امرأته كذلك تدبر
وإذا تمت المدة للحبس على الاختلاف ولم يظهر له مال خلى سبيله هذا تكرار لكن ذكره توطئة لقوله ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس عند الإمام بل يلازمونه لأنهم منتظرون إلى زمان قدرته على الإيفاء وذلك ممكن في كل ساعة فيلازمونه كي لا يخفيه ولأنه قد يكتسب فوق حاجته الدارة فيأخذون منه فضل كسبه ولا يمنعونه من التصرف والسفر تفسير للملازمة يعني أنهم يدورون معه أينما دار ولا يمنعونه من التصرف والسفر كما في العناية ويأخذون فضل كسبه بلا اختياره أو يأخذه القاضي ويقسم بينهم بالحصص لاستواء حقوقهم في القوة لكن المديون لو آثر أحد الغرماء على غيره بقضاء الدين باختياره فله ذلك والملازمة أن يدوروا معه حيث دار فإن دخل داره لا يدخلون معه و جلسوا على الباب إلى أن يخرج لأن الإنسان لا بد أن يكون له موضع خلوة
ولو كان الدين لرجل على امرأة والمسألة بحالها لا يلازمها لما فيه من الخلوة بالأجنبية بل يبعث امرأة أمينة تلازمها وقالا إذا فلسه الحاكم أي إذا حكم بإفلاسه يحول بينه وبين غرمائه أي يأمرهم أن يتركوا ملازمته إلى أن يبرهنوا أن له مالا لأن القضاء بالإفلاس عندهما يصح فتثبت العسرة وعند الإمام لا يتحقق القضاء بالإفلاس وفي قوله إلا أن يبرهنوا إلى آخره إشارة إلى أن بينة اليسار ترجح على بينة العسار لأنها أكثر إثباتا
____________________
(3/228)
فصل في كتاب القاضي وإنما أخره عن الحبس لأنه لما كان لا يتحقق في الوجود إلا لقاضيين كان مركبا بالنسبة إلى ما قبله والبسيط قبل المركب وترك قوله إلى القاضي كما في أكثر الكتب لأن هذا الفصل غير مختص به بل بين فيه السجل والمحضر والصك والوثيقة إذا شهدوا عند القاضي على خصم حاضر حكم أي القاضي بها أي بشهادتهم لوجود الحجة وشرط الحكم وهو حضور الخصم والمراد بالخصم الحاضر من كان وكيلا من جهة المدعى عليه أو مسخرا وهو من نصبه القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع الدعوى عليه وإلا لو أراد بالخصم المدعى عليه لم تبق حاجة إلى الكتاب إلى القاضي الآخر لأن الخصم حاضر عند القاضي وقد حكم عليه كما في البحر وغيره لكن لا يخفى ما فيه من التكلف والأحسن أن يقال إن هذا توطئة لقوله وإن شهدوا على غائب لا يحكم وليس بمقصود بالذات كما في الدرر وكتب القاضي بالحكم لئلا ينسى الواقعة على طول الزمان وليكون الكتاب مذكرا لها وإلا فلا يحتاج إلى كتابة الحكم لأنه قد تم بحضور الخصم بنفسه أو من يقوم مقامه وهو أي كتاب الحكم السجل الحكمي لأنه سجله أي أحكمه بالحكم وفي المصباح السجل كتاب القاضي وسجل القاضي بالتشديد قضى وحكم وأثبت حكمه في السجل
وفي البحر فالسجل الحجة التي فيها حكم القاضي ولكن هذا وفي عرفنا السجل كتاب كبير يضبط فيه وقائع الناس وما يحكم به القاضي وما يكتب عليه
وإن شهدوا على الخصم ال غائب بأن كان في محلة أخرى أو قرية أو بلدة ويشترط في ظاهر الرواية مسيرة السفر وعن أبي يوسف يجوز فيما لا يرجع في يومه
وفي السراجية وعليه الفتوى لا يحكم لعدم جواز القضاء على الغائب عندنا ولو حكم به حاكم يرى ذلك ثم نقل إليه نفذه بخلاف الكتاب الحكمي حيث لا ينفذ خلاف مذهبه لأن الأول محكوم به فلزمه والثاني ابتداء حكم فلا يجوز له كما في التبيين وهو يدل على أن الحاكم على الغائب إذا كان حنفيا فإن حكمه لا ينفذ لقوله يرى ذلك وهو مقيد لأن معنى قولهم إن القضاء على الغائب ينفذ في أظهر الروايتين إذا كان القاضي شافعيا كما سيأتي بل يكتب
____________________
(3/229)
القاضي بها أي بالشهادة إلى قاض يكون الخصم في ولايته ليحكم القاضي المكتوب إليه على وجه الخصم كي لا يكون قضاء على الغائب وهو كتاب القاضي إلى القاضي وجه التسمية به ظاهر والكتاب الحكمي منسوب إلى الحكم باعتبار ما يؤول إليه وهو نقل الشهادة في الحقيقة لأن القاضي الكاتب لم يحكم بها وإنما نقلها للمكتوب إليه ليحكم بها ولهذا يحكم المكتوب إليه برأيه وإن كان مخالفا لرأي الكاتب بخلاف السجل فإنه ليس له أن يخالفه وينقض حكمه إذا كان في فصل مجتهد فيه أو متفق عليه كما في البحر
وفي المبسوط وغيره والقياس يأبى جواز العمل بكتاب القاضي إلى القاضي لأن القاضي الكاتب لو حضر بنفسه مجلس المكتوب إليه وعبر بلسانه عما في الكتاب لم يعمل به القاضي فكيف بالكتاب وفيه شبهة التزوير إذ الخط يشبه الخط والخاتم يشبه الخاتم إلا أنه جوز استحسانا لحاجة الناس إليه لما روي أن عليا رضي الله تعالى عنه جوزه لذلك وعليه أجمع الفقهاء ويقبل في كل ما لا يسقط بالشبهة احتراز عن الحد والقود لأن فيه شبهة البدلية عن الشهادة فيصير كالشهادة على الشهادة لأن مبناهما على الإسقاط وفي قبوله سعي في إثباتهما قيل فيه شبهة التبديل والتزوير وهما يسقطان بالشبهات كالدين فإنه يعرف بالقدر والوصف ولا يحتاج فيه إلى الإشارة والعقار فإنه أيضا يعرف بالتحديد والنكاح سواء ادعى الزوج أو الزوجة وكذا الطلاق إن ادعت على الزوج والنسب من قبل الحي أو الميت لأنه يعرف بذكر الأب والجد والقبيلة والغصب إذ فيه يلزم القيمة وهي دين والأمانة والمضاربة المجحودتين لأنهما كالمغصوبين حكما قيدهما بالمجحودتين لأن غير المجحودتين لا يحتاجان إلى كتاب القاضي وكذا الشفعة والوكالة والوصية والوفاة والوراثة والقتل الذي يوجب المال لأن البعض منها يعرف بالقدر والوصف والبعض الآخر يعرف بأحدهما ولا يقبل الكتاب في العين المنقول كالثوب والعبد والأمة ونحوها في ظاهر الرواية للحاجة إلى الإشارة عند الدعوى والشهادة وروي عن أبي يوسف للقاضي أن يقبل في العبد لأن الإباق يغلب فيه لا في الأمة
وعنه أيضا أنه تقبل في الأمة كالعبد و روي عن محمد قبوله في كل ما ينقل وعليه
____________________
(3/230)
المتأخرون
وفي البزازية والمتقدمون لم يأخذوا بقول الإمام الثاني وعمل الفقهاء اليوم على التجويز في الكل للحاجة وبه يفتى كما قال الإمام الإسبيجابي وهو مذهب الأئمة الثلاثة ولا بد أن يكون من معلوم إلى معلوم بأن يقول من فلان إلى فلان ويذكر نسبهما بأن يقول من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان
وفي العناية ويشترط فيه المعلوم الخمسة وهو أن يكون من معلوم إلى معلوم في معلوم أي المدعى لمعلوم على معلوم أي المدعى عليه فإن شاء قال بعده أي بعد أن يقول إلى فلان بن فلان وإلى كل من يصل إليه الكتاب من قضاة المسلمين حتى لا يبطل المكتوب إليه على ما سيجيء إن شاء الله تعالى ويقرؤه أي القاضي الكاتب الكتاب على من يشهدهم عليه ليعرفوا ما فيه لأنهم يشهدون عند المكتوب إليه ويعلمهم بما فيه أي في الكتاب إن لم يقرأ إذ لا شهادة بدون العلم وتكون أسماؤهم أي أسماء شهود الطريق وكذا أنسابهم داخلة في كتابه
وفي التبيين وغيره ويكتب فيه اسم المدعي والمدعى عليه على وجه يقع به التمييز وذلك بذكر جدهما وبذكر الحق فيه وبذكر شهود الأصل وأسمائهم وأنسابهم لأجل التمييز إن شاء وإن شاء اكتفى بذكر شهادتهم هذا إذا كان غير مشهور وأما إذا كان مشهورا يكتفي باسمه المشهور ويكتب العنوان في داخل الكتاب حتى لو كان على الظاهر لا يقبل قيل هذا في عرفهم أما في عرفنا العنوان يكتب على الظاهر فيعمل به
وفي الدرر ويكتب تاريخ الكتاب ولو لم يكتب فيه التاريخ لا يقبله ويختمه أي الكاتب بحضرتهم أي بحضرة الشهود ويحفظوا أي الشهود ما فيه أي في الكتاب لأنهم يشهدون به ويسلمه أي الكتاب إليهم أي إلى الشهود دفعا لتهمة التغيير وهذا عند الطرفين
____________________
(3/231)
وأبو يوسف لم يشترط شيئا من ذلك المذكور سوى إشهادهم أنه كتابه لما ابتلي بالقضاء وهو قول أبي يوسف آخرا
قيل إذا كان الكتاب في يد المدعي يفتي بأن الختم شرط وإن كان في يد الشهود يفتي بأنه ليس بشرط واختار الإمام السرخسي قوله أي قول أبي يوسف آخرا وليس الخبر كالعيان يعني أن أبا يوسف قبل أن ابتلي بقضاء وعاين ما فيه قال فيه مثل ما قالا ولما ابتلي بالقضاء وعاين بما فيه قال جميع ذلك ليس بشرط تسهيلا على الناس وإن كان الاحتياط فيما قالا وإذا وصل الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه نظر إلى ختمه ولا يقبله إلا بحضرة الخصم أي لا يأخذ الكتاب إلا وقت حضور الخصم لأنه لإلزامه كما في الاختيار لكن في الذخيرة وغيره أن حضوره شرط قبول البينة على الكتاب لا شرط قبول الكتاب
و إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأن الكتاب قد يزور فلا يثبت إلا بحجة تامة وأيضا كتاب القاضي ملزم إذ يجب على المكتوب إليه أن ينظر فيه ويعمل به ولا إلزام إلا ببينة أنه كتاب فلان بن فلان القاضي والجملة مفعول قوله بشهادة وفيه إشعار بأنه يسلم الكتاب إلى المدعي كما ذهب إليه أبو يوسف قرأه علينا وأخبرنا به وختمه وسلمه إلينا في مجلس حكمه كله خبر بعد خبر وفيه إشارة إلى مذهب الطرفين وعند أبي يوسف يكفي شهادة أنه كتاب فلان القاضي وختمه ولا يشترط أن يقولوا قرأه علينا وسلمه إلينا في مجلس حكمه وعنه أي عن أبي يوسف أن الختم ليس بشرط فيكفيهم أن يشهدوا أنه كتاب فلان القاضي لكن لا بد من إسلام شهوده بالاتفاق ولو كان لذمي على ذمي لأنهم يشهدون على فعل المسلم وإنما يحتاج إليهم إذا أنكر الخصم كونه كتاب القاضي أما إذا أقر فلا حاجة إلى الشهود فإذا شهدوا سواء على ما قالاه أو على ما قاله عند القاضي المكتوب إليه فتحه أي المكتوب إليه
____________________
(3/232)
الكتاب بعد ثبوت عدالة الشهود كما في الهداية وهو الصحيح
وفي العناية أن الأصح ما قاله محمد من تجويز الفتح عند شهادة الشهود بالكتاب والختم من غير تعرض عدالة الشهود
وفي التبيين ولو وجد في الكتاب ما يخالف شهادتهم رده وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه لأنه ثبت عنده ما في الكتاب إلا أن يقول الخصم لست بفلان الذي شهدوا به وأقام البينة أن في هذه القبيلة اثنين بهذا النسب كما في القهستاني
ويبطل الكتاب بموت القاضي الكاتب وعزله قبل وصول الكتاب إلى الثاني أو بعد وصوله قبل أن يقرأ عليهم وكذا بخروجه عن الأهلية كالجنون والفسق لأن الخروج كالعزل والإخراج حكما لكونه واحدا من الرعايا فكتابه لا يقبل كخطابه لانتفاء الولاية الشرعية وإنما قلنا بعد وصوله قبل أن يقرأ عليهم لأنه لو مات أو عزل بعدما قرأ الكتاب لا يبطل في ظاهر الرواية ويحكم به المكتوب إليه على الصحيح
وقال أبو يوسف لا يبطل مطلقا سواء مات الكاتب أو عزل قبل الوصول أو بعده بل المكتوب إليه يقضي به وهو قول الأئمة الثلاثة و يبطل بموت المكتوب إليه وعزله إلا إن كتب بعد اسمه أي اسم المكتوب إليه وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين فحينئذ لا يبطل لأن الغير صار تبعا للمعروف لمعين بخلاف ما إذا كتب ابتداء إلى كل من يصل إليه على ما عليه مشايخنا لعدم التعريف وأجاز أبو يوسف حين ابتلي بالقضاء
وفي الخلاصة وعليه عمل الناس لا يبطل بموت الخصم بل ينفذ على وارثه أي وارث الخصم المتوفى فإنه قائم مقامه وكذا ينفذ على وصيه سواء كان تاريخ الكتاب قبل موت الخصم أو بعده أطلق الخصم فشمل المدعي والمدعى عليه
وإذا علم القاضي بشيء من حقوق العباد في زمن ولايته ومحلها جاز له أن يقضي به من غير شاهد حتى إذا علم القاضي أن زيدا غصب شيئا من
____________________
(3/233)
المدعي يأخذه عن زيد ويدفعه إلى المدعي وهذا جواب رواية الأصول
وفي شرح مختصر الوقاية لأبي المكارم وهل يقضي القاضي بعلمه في حقوق العباد نعم إذا علم في مصره حال قضائه وعن محمد أنه رجع عن هذا وقال لا يقضي بعلمه وفي حدود هي حق الله كحد الزناء والشرب لا يقضي بعلمه وفي القصاص وحد القذف يقضي به وإذا علم بحقوق العباد قبل قضائه أو في غير مصره فحضر مصره ثم رفعت الحادثة إليه فعند الإمام لا يقضي بذلك العلم وعندهما يقضي واختلف المشايخ على قوله سواء كان قاضيا على الرستاق أو لم يكن ولو علم بحادثة في مصر فعزل ثم أعيد فعنده لا يقضي وعندهما يقضي
فصل قال في النهاية قد ذكرنا أن كتاب القاضي إذا كان سجلا اتصل به قضاؤه يجب على القاضي المكتوب إليه إمضاؤه إذا كان في محل مجتهد فيه بخلاف الكتاب الحكمي فإن الرأي له في التنفيذ والرد فلذلك احتاج إلى بيان تعداد محال الاجتهاد بذكر أصل يجمعها وهذا الفصل لبيان ذلك وما يلحق به
ويجوز قضاء المرأة في جميع الحقوق لكونها من أهل الشهادة لكن أثم المولي لها للحديث لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة في غير حد وقود إذ لا يجري فيها شهادتها وكذا قضاؤها في ظاهر الرواية فلو قضت في حد وقود فرفع إلى قاض آخر فأمضاه ليس لغيره أن يبطله كما في الخلاصة وأما قضاء الخنثى فيصح بالأولى وينبغي أن لا يصح في الحدود والقود لشبهة الأنوثة كما في البحر
ولا يستخلف قاض على القضاء ولا ينفذ قضاء خليفته ولو مريضا
وقال الطحاوي إنه نافذ فلا يبطله حاكم اعتبارا بالحكم إلا أن يفوض إليه ذلك الاستخلاف بأن
____________________
(3/234)
قيل من قبل المقلد ول من شئت وفيه إشعار بأنه يستخلف بالإذن دلالة كما في القهستاني فلو جعل قاضي القضاة كان له الاستخلاف لأن معناه المتصرف في القضاء تقليدا وعزلا
وفي الخلاصة الخليفة إذا أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف رجلا وأذن له في الاستخلاف جاز له الاستخلاف ثم وثم فلو استخلف المأمور بالاستخلاف رجلا فقضى للقاضي الذي استنابه أو وليه مستنيبه جاز قضاؤه ويقضي النائب بما شهدوا به عند الأصل وعكسه كما في التنوير لكن في البزازية لا يقضي القاضي بالحرمة الغليظة بكلام النائب أما النائب يقضي بكلام القاضي إذا أخبره بخلاف المأمور بالجمعة فإنه يستخلف لكونها على شرف الفوات لتوقته فكان الأمر به إذنا في الاستخلاف دلالة وكذلك القضاء وإذا استخلف المفوض إليه الاستخلاف فنائبه لا ينعزل بعزله أي بعزل المفوض إليه إياه لأنه صار نائبا عن الأصيل إلا إذا فوض إليه ذلك بأن قيل له من قبل السلطان استبدل من شئت فحينئذ يجوز له العزل ولا ينعزل بموته أي بموت المفوض إليه بل هو نائب الأصل حقيقة وفيه إشارة إلى أن نائب القاضي انعزل بموته كما في هداية الناطفي ولم ينعزل عند كثير من المشايخ وإلى أن قاضي أمير الناحية انعزل بموته بخلاف موت الخليفة حيث لا ينعزل القاضي كما لا ينعزل أمراؤه
وفي الفواكه البدرية ونائب القاضي في زماننا ينعزل بعزله وبموته فإنه نائبه من كل وجه
وفي المحيط إذا عزل السلطان انعزل نائبه بخلاف ما لو مات القاضي حيث لا ينعزل نائبه هكذا قيل ولا ينعزل القاضي إذا عزل السلطان ما لم يصل الخبر إليه كالوكيل ولا ينعزل بعزل نائبه القاضي والقاضي إذا قال عزلت نفسي أو أخرجت نفسي وسمع السلطان ينعزل وإلا لا وقيل لا ينعزل أصلا لأنه نائب عن العامة فلا يملك عزله وغير المفوض إليه الاستخلاف إن قضى نائبه بحضرته أو قضى بغيبته فأجازه الأصيل عند استماعه جاز قضاؤه إذا كان المستخلف أهلا للقضاء لأن المقصود حصول رأي الأول وقد وجد كما في الوكالة أي كالوكيل بالبيع والشراء إذا وكل غيره فباشر وكيله بحضرته أو بغيبته فأجاز عمله جاز
وإذا رفع إلى القاضي
____________________
(3/235)
حكم قاض آخر في أمر اختلف فيه في الصدر الأول قيل هو زمان الصحابة أو التابعين وقيل المراد ما يعم من الصحابة والفقهاء المجتهدين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في الأصح أمضاه القاضي المرفوع إليه سواء كان موافقا لرأيه أو مخالفا لأن القضاء متى لاقى مجتهدا فيه ينفذ ولا ينقض باجتهاد آخر لأن اجتهاد الثاني كاجتهاد الأول وقد ترجح الأول بالقضاء به ولا ينقض بما دونه إن لم يخالف الكتاب كالقضاء بحل متروك التسمية عمدا إذ هو مخالف لقوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله كما في المنح وغيره لكن الأحسن أن يمثل القضاء بتقديم الوارث على المديون فإن الأول نافذ عند الطرفين كما في القهستاني أو السنة المشهورة كالقضاء بحل المطلقة الثلاثة بنكاح الثاني بلا وطء إذ هو مخالف للحديث المشهور وهو حديث العسيلة أو الإجماع كالقضاء بحل متعة النساء لاتفاقهم على فساده ويشترط أن يكون القاضي عالما باختلاف الفقهاء حتى لو قضى بفصل مجتهد فيه وهو لا يعلم بذلك واتفق وقوع قضائه في موضع الاجتهاد لا يجب على الثاني تنفيذه
وقال شمس الأئمة هذا هو ظاهر المذهب لكن في الخلاصة أن هذا الشرط يعني كونه عالما بالاختلاف وإن كان ظاهر المذهب لكن يفتى بخلافه انتهى
فينبغي أن يعمل بما في الخلاصة في زماننا لأن قضاة زماننا غالبا لا معرفة لهم بمذاهبهم فضلا عن علمهم بمذاهب بقية المجتهدين
وفي البحر تفصيل فليراجع
وما اجتمع عليه الجمهور لا
____________________
(3/236)
يعتبر فيه خلاف البعض كالحكم بجواز بيع درهم بدرهمين لأن هذا حكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لكن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنكروا وردوا عليه
قيل في أصول الفقه يعتبر باختلاف الأقل في مقابلة اتفاق الأكثر لأن واحدا من الصحابة ربما خالف الجمع الكثير ولم يقولوا نحن أكثر منكم يقال لا مخالفة بين القولين لأن المذكور في الكتاب خلاف وفي الأصول اختلاف فافترقا وذلك أن واحدا منهم إذا خالفهم إن جوزوا له يكون اختلافا وإن لم يجوزوا يكون خلافا
وفي المنح نقلا عن شرح الأدب لو قضى في موضع الاختلاف يجوز وفي موضع الخلاف لا يجوز أراد بالأول ما كان فيه خلاف معتبر كالخلاف بين السلف وأراد بموضع الخلاف ما لم يكن معتبرا ولم يعتبر خلاف الشافعي وقيل الخلاف عبارة عن القول المهجور لكونه مقابلا لقول الجمهور وقيل الخلاف قول بلا دليل مقرر والاختلاف قول بدليل معتبر وقيل الخلاف من آثار البدعة والاختلاف من آثار الرحمة
والقضاء بحل أو حرمة ينفذ ظاهرا أي فيما بيننا وباطنا أي فيما عند الله عند الإمام ولو وصلية بشهادة زور إذا ادعي بسبب معين من العقود والفسوخ كالنكاح والطلاق والبيع والشراء والإقالة والرد بالعيب والنسب وفي الهبة والصدقة روايتان وعندهما لا ينفذ باطنا بشهادة الزور وإن نفذ ظاهرا وهو قول زفر والأئمة الثلاثة ثم فرع بقوله فلو أقامت بينة زور أنه تزوجها وحكم به حل لها تمكينه أي إذا ادعت المرأة على الرجل أنه تزوجها فأقامت على ذلك بينة زور وقضى القاضي بها حل له وطؤها وحل لها تمكينه من الوطء عند الإمام لما روي أن عليا كرم الله تعالى وجهه قضى بالنكاح بين رجل وامرأة بشهادة الشاهدين فقالت يا أمير المؤمنين إن لم يكن بد فزوجني فقال علي شاهداك زوجاك ولم يلتفت لقولها من تجديد النكاح مع كون الشهود زورا بدلالة القصة بناء على أن حكم القاضي بمنزلة إنشاء عقد صحيح ولأن القاضي مكلف بحسب الوسع فيجب التعديل عليه إذ الوقوف على حقيقة الصدق متعذر بخلاف الحكم بشهادة الكفار والعبيد والحكم على نكاح المنكوحة والمعتدة إذ الوقوف على هذه الأشياء ممكن ولا يلزم الإيجاب والقبول في إنشاء القاضي بالحكم وكذا لا يلزم حضور الاثنين في خصوص النكاح كما قيل لأن ما ثبت في ضمن صحة القضاء ثبت اقتضاء لا صريحا فلا تراعى شرائطه خلافا لهما لأن شهادة الزور حجة في الظاهر فيكون القضاء بقدر الحجة ولا يكون حجة في الباطن فلا يحل لها ذلك عندهما
وقال أبو الليث الفتوى على قولهما وأثم الشاهدان إثما عظيما ولا بد في المسألة من زيادة قيد وهو أن لا يكون في المحل مانع لإنشاء العقد لأن قضاءه فيما ليس له ولاية إنشائه أصلا لا يفيد الحل بالإجماع
وفي القهستاني إذا قضى القاضي بشهود زور أنه طلقها ثلاثا ثم تزوجت
____________________
(3/237)
بزوج بعد العدة فإنه يحل له الوطء ظاهرا وباطنا عند الإمام وإن علم أن الزوج لم يطلقها لا يحل للأول ظاهرا وباطنا وأما عندهما فيحل له ولا يحل للثاني إذا علم وعن أبي يوسف أنه يحل للأول سرا
وعن محمد يحل ما لم يدخل بها الثاني وفي الأملاك المرسلة أي المطلقة وهي التي لم يذكر فيها سبب معين لا ينفذ باطنا اتفاقا لعدم احتمال الإنشاء في نفس الملك بدون السبب كما في الصريح كمن ادعى أمة أنها ملكه مطلقا ولم يقل اشتريتها مثلا وأقام على ذلك بينة زور وقضى القاضي بها لا يحل له وطؤها بالإجماع
والقضاء في مجتهد فيه بخلاف رأيه والباء في قوله بخلاف متعلق بالقضاء ناسيا أو عامدا لا ينفذ عندهما لأنه قضاء بما هو خطأ عنده وبه يفتى كما في المحيط والهداية وعند الإمام ينفذ لو قضى ناسيا
وفي العمد روايتان عنه في رواية لا ينفذ
وفي رواية ينفذ لأنه ليس بخطأ بيقين ففي الخانية أظهر الروايتين عن الإمام نفاذ قضائه وعليه الفتوى
وفي الفتح فقد اختلف في الفتوى والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل وأما الناسي فلأن المقلد إنما ولاه ليحكم بمذهب الإمام فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم كما لو أمر السلطان بعدم سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة يجب عليه عدم سماعها ولو سمعها وقضى لا ينفذ لأنه لا يصير قاضيا بالنسبة إلى تلك الحادثة كما في المنح وأصل الخلاف فيما إذا وقع الخلاف في قضية في عصر ثم أجمع العلماء على أحد القولين في عصر آخر هل يرتفع الخلاف المتقدم أم لا فعنده يرتفع وعندهما لا يرتفع فيكون الخلاف باقيا على حاله
ولا يقضي القاضي أي لا يصح قضاؤه على غائب ولا يقضي له عندنا لأن القضاء بالبينة وهي لم تعمل إلا إذا سلمت عن الطعن والطاعن غائب خلافا
____________________
(3/238)
للشافعي
وفي البزازية قضى للغائب أو عليه لا يصح إلا أن يكون عند خصم حاضر قال صاحب البحر ولذا فسرنا بعدم الصحة والأولى أن يفسر بعدم النفاذ لقولهم إذا نفذه قاض آخر يراه فإنه ينفذ واختلف التصحيح في نفاذه فقيل لا ينفذ وقيل ينفذ ورجح الأول في الفتح وأنه لا بد من إمضاء قاض آخر لأن الاختلاف في نفس القضاء قال ظهير الدين في نفاذ القضاء على الغائب روايتان ونحن نفتي بعدم النفاذ كي لا يتطرقوا إلى إبطال مذهب أصحابنا والقائل بأن الفتوى على النفاذ خواهر زاده لكن اشتبه على كثير أن قولهم الفتوى على النفاذ أعم من كون القاضي شافعيا يراه أو حنفيا لا يراه والظاهر أنه إنما هو في حق لم يراه لاجتماع الحنفية على أنه لا يقضى على غائب كما ذكره الصدر ولو كان أعم لزم هدم مذهبنا إلا بحضرة نائبه استثناء من قوله لا يقضي على غائب أي لا يصح قضاؤه على الغائب ولا له إلا أن يحضر من يقوم مقامه حقيقة كوكيله وأبيه ووصي الميت ومتولي الوقف وفيه إشارة بأن القاضي إنما يحكم على الغائب وعلى الميت ويكتب في السجل أنه حكم على الغائب بحضرة وكيله وعلى الميت بحضرة وصيه أو شرعا عطف على قوله حقيقة أي بإقامة الشرع عنه كوصي نصبه القاضي كما إذا كان المدعى عليه ميتا وله صغير قد نصب له وصيا أو حكما لمن يقوم مقامه من حيث الحكم بأن كان ما يدعي على الغائب سببا لازما لما يدعي على الحاضر من نحو الملك كما إذا ادعى دارا على حاضر أنه اشتراها من الغائب فإنه إن صدقه الحاضر لا يسلمها القاضي إلى المدعي فإنه قضاء على الغائب وهذا حيلة لدفع دعوى الخارج وإن أنكره الحاضر فأقام بينة عليه قضى القاضي بها عليه وهذا قضاء على الغائب أيضا ولذا لو حضر وأنكر لا يحتاج إلى إعادة البينة فالحاضر ينتصب خصما عنه حينئذ وكذا لو ادعى على الحاضر شفعة دار بشرائه من الغائب أو ادعى عليه الكفالة بأن له على فلان الغائب كذا وهذا كفيل عنه بأمره يقضي القاضي على الحاضر والغائب ولو لم يقل بأمره لا يقضي على الغائب وكذا لو ادعى حد القذف على قاذفه فقال القاذف أنا عبد وقال المقذوف أعتقك مولاك وبرهن عليه قضى عليهما أو ادعى المشهود عليه أن الشاهد عبد لفلان فبرهن المدعي أن المالك الغائب أعتقه تقبل ويقضي عليهما وهي حيلة إثبات العتق على الغائب ولو قال القاذف إن أم المقذوف أمة فلان وقد قذفه بابن الزانية فأقام المقذوف بينة على أن أمه بنت فلان القريشية فقضى القاضي بالحد فهو قضاء بالنسب أيضا كما في أكثر الشروح لكن لا يخفى أن كون أمه بنت فلان القريشية لا ينافي كونها أمة لجواز أن أمها أمة فتكون أمة تبعة للأم تدبر
وفي البحر والمنح نظائر كثيرة فليرجع إليهما فإن كان ما يدعي على الغائب والأولى وإن كان
____________________
(3/239)
بالواو شرطا لما يدعيه على الحاضر لا يصح ولا يكون الحكم على الحاضر حكما على الغائب هذا قول عامة المشايخ وبعض المتأخرين على أن الشرط كالسبب لجامع التوقف وأطلق ذكر الشرط كما في الهداية لكن في الكافي إن الأصح هو أن الشرط إن تضمن ضرر الغائب لا يعطى له حكم السبب قال قاضي خان وهو الصحيح كما إذا قال لامرأته إن طلق فلان زوجته فأنت طالق فأقامت بينة أن فلانا طلق زوجته لا تقبل بينتها في الأصح وإن لم يتضمنه فهو كالسبب كما لو علق امرأته بدخول فلان الدار فأقامت البينة على الدخول تقبل بينتها
وفي المنح وأما حيلة إثبات طلاق الغائب المذكورة في الفصول وغيره فكلها الضعف من أن الشرط كالسبب
فمنها حيلة الكفالة بمهرها معلقة بطلاقه
ومنها دعواها كفالة بنفقة العدة معلقة بالطلاق ومع هذا لو حكم بحرمة نفذ لاختلاف المشايخ
ويقرض القاضي مال اليتيم وكذا مال الوقف والغائب لقدرته على استخراجه متى شاء مع حصول منفعة الحفظ لكونه مضمونا على المستقرض ويكتب ذكر الحق أي يكتب الصك لذكر الحق مخافة النسيان لكثرة الاشتغال قاله المولى سعدي فيه إشارة إلى أن انتصاب ذكر الحق علم لكونه مفعولا له ليكتب وعندي أن قوله ذكر الحق علم للصك ولا يجوز ذلك أي الإقراض للوصي بالاتفاق لعدم قدرته على الاستحصال حتى لو أقرض يضمن ولا للأب في الأصح
وفي المنح وفي الأب روايتان أظهرهما كالوصي وهو الصحيح كما في الخانية
وفي الخلاصة والخزانة الصحيح أن الأب كالقاضي فقد اختلف التصحيح والمعتمد ما في المتون ويستثنى من عدم جواز إقراض الأب والوصي على المعتمد إقراضه للضرورة كخوف ونهب فيجوز اتفاقا
وفي التنوير ولو قضى القاضي بالجور فالغرم على القاضي في ماله إن قضى بذلك متعمدا وأقر به ولو قضى خطأ فعلى المقضي له
____________________
(3/240)
فصل في التحكيم هذا من فروع القضاء وتأخيره أن المحكم أدنى مرتبة من القاضي لاقتصار حكمه على من رضي بحكمه وعموم ولاية القاضي وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع
ولو حكم من باب التفعيل الخصمان من يصلح قاضيا بكونه أهلا للشهادة فلو حكما عبدا أو صبيا أو ذميا أو محدودا في قذف لم يصح وتشترط الأهلية وقت التحكيم ووقت الحكم فلو حكما عبدا فعتق أو صبيا فبلغ أو ذميا فأسلم ثم حكم لا ينفذ حكمه ولو حكم الذميان ذميا جاز لأنه من أهل الشهادة في حقهم ويشترط أن يكون المحكم معلوما فلو حكما أول من يدخل المسجد لم يجز إجماعا للجهالة ليحكم بينهما صح الحكم لأنهما التزما ورضيا به لولايتهما على أنفسهما ونفذ حكمه أي حكم المحكوم عليهما ببينة أو إقرار أو نكول ليكون موافقا لحكم الشرع بخلاف حكمه بعلمه فإنه لا ينفذ
و نفذ إخباره أي إخبار المحكم بإقرار أحد الخصمين بأن قال لأحدهما قد أقررت عندي لهذا بهذا بكذا وقضيت عليك
و نفذ إخباره بعدالة الشاهد بأن قال لأحدهما قامت عليك بينة فعدلت عندي فحكمت لذلك حال ولايته أي بقاء تحكيمهما لأن الإخبار بالإقرار أو العدالة مقيد لوقوعه قبل قوله حكمت مثلا فيصير الإخبار قبل الانعزال بالحكم وتقوم مقام شهادة رجلين قياسا على سائر القضاة بخلاف إخباره بحكمه لانقضاء ولايته كالقاضي المعزول ولكل منهما أي من الخصمين أن يرجع قبل حكمه لأنه مقلد من جهتهما فكان لكل منهما عزله وهو من الأمور الجائزة فينفرد أحدهما بنقضه كما ينفرد أحد العاقدين في مضاربة وشركة ووكالة إذا لم تكن الوكالة بالتماس الطالب لا بعده أي لا يصح الرجوع بعد حكمه لأنه صدر عن ولايته عليهما كالقاضي إذا قضى ثم عزل لا يبطل قضاؤه
وإذا رفع حكمه أي حكم المحكم إلى قاض أمضاه إن وافق
____________________
(3/241)
مذهبه لعدم الفائدة في نقضه ثم فائدة هذا الإمضاء أن لا يكون لقاض آخر يرى خلافه نقضه إذا رفع إليه لأن إمضاءه بمنزلة قضائه وإلا أي وإن لم يوافق مذهبه نقضه أي لم يمضه لأنه حكم لم يصدر عن ولاية عامة فلم يلزم القاضي إذا خالف رأيه
ولا يصح التحكيم في حد إذ فيه حق الله تعالى وقود لأنهما لا يملكان إباحة دمهما فلا يجوز حكم المحكم فيهما لتوقف حكمه على صحة تحكيمهما وقيل إن حكمه بمنزلة الصلح فيما يجوز فيه الاستيفاء بالصلح واستيفاء الحد والقود غير مشروع بالصلح فلا يجوز التحكيم فيهما ويصح التحكيم في سائر المجتهدات وغيرها الذي هو الثابت بالكتاب والسنة والإجماع بالطريق الأولى قالوا أي مشايخنا ولا يفتى به أي بالتحكيم دفعا لتجاسر العوام
وفي البحر واعلم أن معنى قولهم لا يفتى به لا يكتب على الفتوى أو لا يجاب باللسان بالحل وإنما يسكت المفتي كما أفاده في الفتاوى الصغرى بقوله نكتم هذا الفصل ولا نفتي به وظاهر الهداية أن معناه أن المفتي يجيب بقوله بلا يحل فليتأمل فيه انتهى
ولو حكماه في دم خطأ فحكم بالدية على العاقلة لا ينفذ لأن حكم المحكم لا ينفذ في حق المحكمين ولا ينفذ إذا في حق العاقلة لأنهم ما رضوا بحكمه كما لو حكما في عيب مبيع فقضى برده ليس للبائع أن يرده على بائعه إلا أن يرضى البائع الأول والثاني والمشتري بتحكيمه
قيد بكونها على العاقلة لأنه ينفذ فيه على القاتل من ماله إذا أقر بالقتل خطأ وإن لم يقر به لا ينفذ الحكم عليه بها لكونه مخالفا للنص وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم للأولياء قوموا فدوه ولا يصح حكم المحكم ولا المولى أي القاضي من جهة السلطان لأبويه وإن علا وولده وإن سفل وزوجته لأنه يتهم بحكمه لهم ويصح حكمهما عليهم كالشهادة حيث لا تجوز لهم وتجوز عليهم ويصح لمن ولاه وعليه لأن من جاز شهادته له وعليه جاز قضاؤه له وعليهم
____________________
(3/242)
مسائل شتى جمع شتيت أي متفرقة من كتاب القضاء وهو هنا مرفوع على الوصفية للمسائل والمسائل خبر لمبتدأ محذوف فإذا قلت جاءني القوم شتى نصبت على الحال أي متفرقين ليس لذي سفل عليه أي على السفل علو لغيره أن يتد أي لا يدق وتدا في سفله أو ينقب كوة بضم الكاف وتشديد الواو وهي الطاقة
وفي الديوان بالفتح الروزنة
وفي البحر بفتح الكاف نقب البيت ويجمع على كوى بالكسر وقد تضم الكاف في المفرد والجمع ويستعار لمفاتيح الماء إلى المزارع والجداول
وفي الصحاح أن الجمع يمد ويقصر بلا رضى ذي العلو ولا لذي العلو أن يبني عليه أو يضع جذعا لم يكن قبل أو يحدث كنيفا بلا رضى ذي سفل عند الإمام لكونه من أسباب الضرر فيمنعه القاضي وعندهما لكل منهما أي من صاحب السفل والعلو فعل ما لا ضرر فيه بلا رضى الآخر إذ هو تصرف في ملكه وقيل قولهما تفسير لقوله أي لقول الإمام لأنه إنما يمنع ما فيه ضرر ظاهر إذ ما لا ضرر فيه خلاف بينهم وقيل لا بل بينهما خلاف وهو في محل وقوع الشك فما لا شك في عدم ضرره كوضع مسمار صغير يجوز اتفاقا وما فيه ضرر ظاهر كفتح الباب ينبغي أن يمنع اتفاقا وما يشك في التضرر به كدق الوتد في الجدار أو السقف فعندهما لا يمنع لأن الأصل هو الإباحة لأنه تصرف في ملكه وهو يقتضي الإطلاق والأصل عنده الحظر لأنه تعلق به حق محترم للغير والإطلاق يعارضه الرضى فإذا أشكل لا يزول المنع على أنه لا يعرى عن نوع ضرر بالعلو من توهين البناء أو نقضه فيمنع عنه ولذا لا يملك صاحب السفل أن يهدم كالجدار والسقف فكذا نقضه وقول الإمام قياس وهل يمنع صاحب العلو من التصرف في العلو اختلف المشايخ على قول الإمام قال صدر الشهيد المختار أنه إذا أشكل أنه يضر أم لا لا يملك وإذا علم أنه لا يضر يملك
وفي البحر لو انهدم السفل بغير صنع صاحبه لا يجبر على البناء لعدم التعدي ولصاحب العلو أن يبني إن شاء ويبني عليه علوه ثم يرجع ويمنعه من الانتفاع والسكنى حتى يدفع
____________________
(3/243)
إليه لكونه مضطرا
وليس لأهل زائغة أي سكة مستطيلة صفة لزائغة أي طويلة تنشعب أي تتفرع منها أي من الزائغة المستطيلة مستطيلة غير نافذة إلى موضع آخر ولا له طريق غير طريق الزائغة المستطيلة فتح باب في حائط دارهم في السكة المنشعبة لأن فتحه للمرور وليس لهم حق المرور بل هو مختص بأهل السكة المنشعبة لأنها ملك لها بأجزائها فمن أراد من أهل السكة الأولى فتح باب فقد أراد أن يتخذ طريقا في ملك الغير ويحدث لنفسه حق الشفعة فيها فيمنع من قبل القاضي إلا أن يكون صغيرا للريح أو الضوء فلا يمنع وفي النافذة المنشعبة ومستديرة هي التي لزق طرفاها يعني سكة فيها اعوجاج حتى بلغ عوجها رأس السكة والسكة غير نافذة لهم أي لأهل السكة الأولى ذلك أي فتح باب في المنشعبة أما النافذة فلأن المرور حق العامة وهم من جملتهم وأما المستديرة التي وصل طرفاها بها فلأنها سكة واحدة من أولها إلى آخرها فكان الصحن مشتركا بين جميع أهل السكة حتى لو بيعت دار في المستديرة تكون الشفعة لجميع أهل السكة قيل هذا إذا كانت مثل نصف دائرة أو أقل أما إذا كانت أكثر من ذلك لا يفتح أهل الأولى بابا فيها لكونها سكة على حدة
ومن ادعى هبة في وقت يعني ادعى رجل شيئا في يد رجل أنه وهب له وسلمه إليه في وقت كذا فسئل بينة أي فسأله القاضي بينة لإنكار المدعى عليه فقال المدعي جحدني المدعى عليه الهبة فاشتريته منه أو لم يقل المدعي ذلك أي جحدني الهبة فبرهن على الشراء بعد وقت الهبة يقبل برهانه في الفصلين لأن المدعى في الحقيقة هو الشراء بعد الهبة
ولو برهن على الشراء قبله أي قبل وقت الهبة لا يقبل برهانه كما لو ادعى أولا أنها أي الدار مثلا وقف عليه ثم
____________________
(3/244)
ادعاها لنفسه أو ادعاها لغيره ثم ادعاها لنفسه فإنه لا تقبل بخلاف ما لو ادعى الملك أولا ثم ادعى الوقف له أو لغيره فإنه يقبل والفرق أن التوفيق في الوجه الأول ممكن فلا يتحقق التناقض لجواز أن يقول وهب لي منذ شهر ثم جحدني الهبة فاشتريته منه منذ أسبوع وفي الوجه الثاني لا يمكن التوفيق فيتحقق التناقض لأن دعوى الهبة إقرار بأن الموهوب ملك الواهب قبل الهبة فلا تقبل دعوى الشراء قبل وقت الهبة وفي التبيين ولو لم يذكر لهما تاريخا أو ذكر لأحدهما ينبغي أن تقبل بينته لأنه لا يمكن التوفيق بأن يجعل الشراء متأخرا
وفي البحر أن قوله جحدني الهبة إشارة إلى أنه لا بد من توفيقه
ومن ادعى أن زيدا اشترى جاريته فأنكر زيد وترك هو أي المدعي خصومته حل له أي للمدعي وطؤها أي وطء الجارية وكان الظاهر أن لا يجوز لإقراره بملك الغير وجه الجواز أن المشتري لما جحد الشراء كان جحوده للبيع فسخا من جهته إذ الفسخ رفع العقد من الأصل والجحود إنكار العقد من الأصل وبهذه المشابهة جعل الجحود مجازا عن الفسخ لما في التنوير جحود ما عدا النكاح فسخ فلو جحد أنه تزوجها ثم ادعاه وبرهن يقبل برهانه بخلاف البيع
ومن أقر بقبض عشرة دراهم من رجل وادعى أنها أي العشرة زيوف أو نبهرجة صدق مع يمينه لأن الدراهم تقع عليهما أطلقه فشمل ما إذا بين ذلك موصولا أو مفصولا لا يصدق إن ادعى أنها ستوقة لأن اسم الدراهم لا تقع عليها
وقال صاحب المنح ولو ادعى أنها ستوقة لا يصدق إن كان البيان منه مفصولا وصدق إن كان البيان منه موصولا ولا يصدق إن أقر بقبض الجياد أو حقه أو الثمن أو بالاستيفاء لأن الاستيفاء عبارة عن قبض الحق بوصف التمام ثم في قوله قبضت دراهم جيادا لا يصدق في دعواه الزيوف مطلقا سواء كان موصولا أو مفصولا وفيما إذا أقر أنه قبض الثمن أو حقه أو استوفى ثم ادعى أنها كانت زيوفا ينظر فإن كان مفصولا لا يصدق وإن كان موصولا صدق لإمكان التأويل فالحاصل أنه إن كان موصولا صحيح في الكل والتفصيل في المفصول والفرق أن في المسائل الثلاث أقر بقبض القدر والجودة بلفظ واحد فإذا استثنى كان استثناء البعض من الكل فصح موصولا كقوله له علي ألف إلا مائة أما إذا أقر بقبض عشرة جياد فقد أقر بكل منهما بلفظ على حدة فإذا قال إلا أنها زيوف فقد استثنى الكل من
____________________
(3/245)
الكل في حق الجودة كقوله علي مائة درهم ودينار إلا دينارا كان باطلا وإن كان موصولا كما في البحر نقلا عن النهاية فعلى هذا يلزم للمصنف التفصيل تدبر
والزيف ما يرده بيت المال للقصور في الجودة إلا أنه مقبول بين التجار والنبهرجة ما يرده التجار أيضا كما يرده بيت المال للرداءة ومقبولة عند بعض الناس والستوقة ما غلب غشه أي ظاهرها فضة ووسطها نحاس أو رصاص وهو معرب ستويه
قيد بدعوى المقر لأنه لو أقر بقبض دراهم معينة ثم مات فادعى وارثه أنها زيوف لم تقبل وكذا إذا أقر الوديعة أو المضاربة أو الغصب ثم زعم أنها زيوف لم يصدق الوارث
وفي التنوير أقر بدين ثم ادعى أن بعضه قرض وبعضه ربا وبرهن عليه قبل برهانه
ومن قال لمن أقر له بألف ليس لي عليك شيء أو قال بل هو لك أو لفلان ثم قال له في مجلسه ذلك نعم لي عليك ألف لا يقبل منه بلا حجة لأن الإقرار قد ارتد برد المقر له والثاني دعوى فلا بد من الحجة أو تصديق الخصم بخلاف ما لو كذب من قال له اشتريت مني هذا ثم صدقه فإنه يصح لأن أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ فلا ينفرد بالعقد والمعنى أنه حقهما فبقي العقد فعمل التصديق أما المقر له ينفرد برد الإقرار فافترقا كما في الهداية لكن أورد يعقوب باشا في حاشيته سؤالا وجوابا في هذا المحل فليطالع
ومن قال لمن ادعى عليه مالا ما كان علي شيء قط فبرهن المدعى عليه به فبرهن هو أي المدعى عليه على القضاء أو الإبراء قبل برهانه
وقال زفر لا يقبل لأن القضاء يكون بعد الوجود وكذا الإبراء وقد أنكره فيكون مناقضا
ولنا
____________________
(3/246)
أن التوفيق ممكن لأن غير الحق قد يقضى ويبرأ منه يقال قضى بباطل وقد يصالح على شيء فيثبت ظاهرا ثم يقضى كما يقبل برهانه لو ادعى القصاص على آخر فأنكر المدعى عليه فبرهن المدعي على ما ادعاه من القصاص ثم برهن المدعى عليه على العفو أو الصلح عن القصاص على مال وكذا في دعوى الرق بأن ادعى عبودية شخص فأنكر فأقام المدعي بينة على دعواه ثم ادعى المدعى عليه إعتاقه وأقام بينة تقبل
وإن زاد على إنكاره ولا أعرفك أو لا رأيتك أو لا جرى بيني وبينك معاملة أو مخالطة أو ما اجتمعت معك في مكان فلا يقبل برهانه على القضاء أو الإبراء لتعذر التوفيق بين كلاميه لأنه لا يكون بين اثنين معاملة من غير معرفة
وقال القدوري يقبل لإمكان التوفيق لأن المحتجب والمخدرة قد يؤذي بالشغب على بابه فيأمر بعض وكلائه بإرضائه ولا يعرفه ثم يعرفه بعد ذلك فأمكن التوفيق وفرع عليه في النهار بأن المدعى عليه لو كان ممن يتولى الأعمال بنفسه لا يقبل لكن في الإصلاح كلام يمكن جوابه تتبع
ولو ادعى على آخر بيع أمته منه وأراد ردها أي رد الأمة بعيب فأنكر الآخر البيع فبرهن المدعي على البيع منه و برهن المنكر على البراءة من كل عيب لا يسمع برهان المنكر لأن اشتراط البراءة تعتبر للعقد من اقتضاء وصف السلامة إلى غيره فيقتضى وجود العقد وقد أنكره وهو ظاهر الرواية
وعن أبي يوسف أنها تقبل لإمكان التوفيق بأن باعها وكيله وأبرأه عن العيب
وفي البحر تفصيل فليطالع وفي التنوير أقر ببيع عبده من فلان ثم جحده صح
وذكر إن شاء الله في آخر صك أي من كتب صك الشراء مثلا وذكر في آخره ما أدرك فلانا من درك فعلي خلاصه إن شاء الله قال وذكر إن شاء الله ولم يقل وكتب لأن الكتب المجرد ليس كالذكر في الحكم أو كتب ذكر إقرار على نفسه وذكر في آخره من قام بهذا الذكر فهو ولي ما فيه إن شاء الله يبطل كله أي كل الصك عند الإمام قياسا لأن الكل كشيء واحد فالاستثناء ينصرف إلى جميعه بحكم العطف في أثنائه أما لو ترك فرجة فقالوا لا يلتحق به ويصير كفاصل السكوت وعندهما يبطل آخره أي ما يليه فقط وهو استحسان لأن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه إذ الصك للاستيثاق ولو صرف إلى الكل يكون للإبطال
وفي البحر والحاصل أن الشرط إذا تعقب جملا متعاطفة متصلا بها فإنه للكل وأما الاستثناء بإلا فإلى الأخير
____________________
(3/247)
فصل في القضاء بالمواريث ذكر هنا مسألتين تتعلقان باستصحاب الحال وهو الحكم بثبوت أمر في وقت بناء على ثبوته في وقت آخر مات نصراني فقالت زوجته أسلمت بعد موته ولي استحقاق الميراث وقال وارثه بل أسلمت قبله أي قبل موته ولا ميراث لك فالقول له أي للوارث لا قولها بغير بينة وعند زفر القول قولها لأن الإسلام حادث فيضاف إلى أقرب الأوقات
ولنا أن سبب الحرمان ثابت في الحال فيثبت فيما مضى تحكيما للحال كما في جريان ماء الطاحونة والظاهر بلا حجة يصلح للدفع لا للاستحقاق
وكذا لو مات مسلم فقالت زوجته النصرانية أسلمت قبل موته ولي استحقاق الميراث وقال الوارث بل أسلمت بعده وليس لك الميراث يعني يكون القول للوارث أيضا ولا يحكم الحال لأن الظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه أما الورثة فهم الدافعون ويشهد لهم ظاهر الحدوث أيضا كما في الهداية والتعبير بالاستصحاب أحسن من التعبير بالظاهر فإن ما ثبت به الاستحقاق كثيرا ما يكون ظاهرا كإخبار الآحاد كثيرا ما يوجب استحقاقا كما في الفتح
وإن قال المودع بفتح الدال هذا ابن مودعي بكسر الدال الميت لا وارث له أي للمودع غيره أي غير هذا الابن قيده به لأنه لو قال له وارث غيره ولا أدري أمات أم لا لا يدفع إليه شيء حتى يقيم المدعي بينة بقوله لا نعلم له وارثا غيره دفع الوديعة إليه أي إلى الابن لأن ما في يده ملك الوارث خلافة عن الميت
قيد بإقراره بالبنوة لأنه لو قال هذا أخوه شقيقه ولا وارث له غيره وهو يدعيه فالقاضي يتأنى في ذلك والفرق أن استحقاق الأخ بشرط عدم الابن لأنه وارث على كل حال قيد بالوارث احترازا عما إذا أقر أنه وصيه أو وكيله أو المشتري منه فإنه لا يدفعها إليه كما في
____________________
(3/248)
البحر
وإن قال المودع لآخر بعد إقراره للأول هذا ابنه أيضا وكذبه الأول وقال ليس له ابن غيري قضي للأول لا للثاني لأنه لما صح إقراره للأول لكونه خاليا عن الكذب انقطع يد المقر عن الوديعة فلا عبرة لإقراره للثاني لكونه إقرارا على الغير ولم يذكر ضمان المودع للثاني ففي الغاية أنه لا يغرم للابن الثاني شيئا بإقراره له
وفي النهاية فإن قيل ينبغي أن يضمن المودع هنا للمقر له الثاني كما قلنا في مودع القاضي المعزول إذا بدأ بالإقرار بما في يده لإنسان ثم أقر بأن القاضي المعزول سلمه فإنه يضمن للقاضي قلنا هذا أيضا يضمن نصيبه إذا دفع إلى المقر له الأول بغير رضى القاضي وهذا هو الصواب كما في الفتح
ولو قسم الميراث بين الورثة أو الغرماء بشهادة لم يقولوا أي الشهود فيها أي في هذه الشهادة لا نعرف له وارثا آخر أو غريما آخر لا يؤخذ منهم أي من الورثة أو الغرماء كفيل وهو أي أخذ الكفيل من قبل القاضي كما فعله البعض احتياط ظلم أي ميل عن سواء الطريق وهذا يكشف عن مذهبه أن المجتهد يخطئ ويصيب لا كما ظنه البعض
وفي الغاية أي دليل على أن المجتهد يخطئ ويصيب على أن الإمام أسبق الأئمة وأصحابه يبرأ عن مذهب الاعتزال حيث قالوا كل مجتهد مصيب وتمامه في البحر فليطالع
وعندهما يؤخذ لأن في التكفيل نظرا للغائب على تقدير وجوده وللإمام أن وجود آخر موهوم فلا يؤخذ الثابت قطعا له أطلقه فشمل ما إذا ثبت الدين والإرث بالبينة أو بالإقرار والخلاف في الأول ولا خلاف في أخذ الكفيل في الثاني وهي واردة على إطلاقه وشمل ما إذا قال الشهود لا نعلم له وارثا غيره وهنا لا يؤخذ الكفيل اتفاقا وقيد بعدم التكفيل لأن القاضي يتلوم ولا يدفع إليه حتى يغلب على ظنه أنه لا وارث له غيره ولا غريم له آخر اتفاقا
ومن ادعى على آخر عقارا إرثا له أي لنفسه ولأخيه الغائب وبرهن المدعى عليه أي على ما ادعاه دفع إليه أي إلى المدعي نصفه أي نصف
____________________
(3/249)
ما ادعاه مشاعا غير مقسوم وترك باقيه أي ترك نصفه الباقي وهو نصيب الغائب مع ذي اليد بلا أخذ كفيل منه أي من ذي اليد
ولو كان ذو اليد جاحدا دعواه عند الإمام هذا ظاهر في صورة الإقرار وأيضا في صورة الجحود لأن الحاضر ليس بخصم عن الغائب في استيفاء نصيبه وليس للقاضي التعرض بلا خصم كما إذا رأى شيئا في يد إنسان يعلم أنه لغيره لا ينازعه بلا خصم وقد ارتفع جحوده بقضاء القاضي إذ القضية صارت معلومة فلا يجحد بعده فيصير جحوده قبل ذلك لاشتباه الأمر فلا يكون خائنا به ولأن يد الجاحد يد ضمان ويد الغير أمانة فاليد الأولى للحفظ أولى وقالا إن لم يكن جاحدا فكذا إن كان جاحدا أخذ أي أخذ القاضي النصف الآخر منه أي من ذي اليد ووضع عند أمين حتى يقدم الغائب لخيانته بجحوده فلا نظر في تركته وفي المنقول يؤخذ منه أي من ذي اليد بالاتفاق أي إذا كانت الدعوى في المنقول فقيل يؤخذ منه ويوضع عند عدل إلى حضور صاحبه اتفاقا في الأصح لإمكان كتمان المنقول بخلاف العقار لأنه محفوظ بنفسه ولذلك يملك الوصي بيع المنقول على الكبير الغائب دون بيع العقار وقيل هذا على الخلاف يعني عند الإمام يترك نصفه الباقي مع ذي اليد ولا يستوثق نفسه بكفيل وعندهما يؤخذ منه ويوضع على يد عدل وقيل يؤخذ الكفيل بالاتفاق لجحوده وأجمعوا على أنه لا يؤخذ لو مقرا كما في البحر وإذا حضر الغائب دفع إليه أي إلى الغائب نصيبه بدون إعادة البينة لعدم الحاجة إلى إعادتها وإلى القضاء لأن أحد الورثة يتنصب خصما عن الميت فيثبت الملك للميت ثم يكون لهم بطريق الميراث عنه وكذا يقوم الواحد مقامه فيما عليه دينا أو عينا فيقوم مقام سائر الورثة في ذلك كما في التبيين
وفي البحر ولم يذكر فيه اختلافا وذكره في الفصولين وصحح أنه لا يحتاج
____________________
(3/250)
وكذا ينتصب أحدهم فيما عليه مطلقا إن كان دينا وإن كان في دعوى عين فلا بد من كونها في يده ليكون قضاء على الكل وإن كان البعض في يده نفذ بقدره وظاهر ما في الهداية والنهاية أنه لا بد من كونها كلها في يده في دعوى الدين أيضا وصرح في الفتح في الفرق بين العين والدين وهو الحق وغيره سهو انتهى
ومن أوصى بثلث ماله فهو أي الثلث يقع على كل مال له لأنها أخت الميراث والميراث يجري في الكل وكذا هي
ولو قال مالي أو ما أملك صدقة فهو يقع على مال الزكاة كالنقدين ومال السوائم وأموال التجارات بلغ النصاب أو لا وسواء كان عليه دين مستغرق أو لا لأن المعتبر جنس ما يجب فيه الزكاة لا قدرها ولا شرائطها فإن قضى دينه لزمه أن يتصدق بعده بقدر هذا عندنا وهو استحسان والقياس استواؤهما وهو قول زفر لأن اسم المال يتناول الكل وجه الاستحسان أن ما أوجبه العبد لنفسه معتبر بإيجاب الله تعالى لعبده إذ الشرع صرف الصدقة إلى المال الذي فيه الزكاة لا إلى كل المال وكذا ينصرف إيجاب العبد إليه بخلاف الوصية لأنها تعتبر بالميراث فتجري في جميع الأموال ويدخل فيه أي في النذر أرض العشر عند أبي يوسف لكون مصرفها مصارف الزكاة خلافا لمحمد فإنه قال لا تدخل أرض العشر لما فيها من معنى المئونة وكذا وجب العشر في أرض الصبي والمكاتب والأوقاف وضم الإمام إليه في النهاية ولا تدخل الخراجية لتمحضها للمئونة فإن لم يكن له أي لهذا الشخص مال غيره أي غير ما دخل تحت الإيجاب أمسك منه أي من ذلك المال قدر قوته أي قوت نفسه وعياله لاحتياجه إليه فإذا أصاب بعد ذلك مالا تصدق بمثل ما أمسك ليكون مؤديا ما أوجبه ولم يقدر بشيء لاختلاف أحوال الناس وقيل المحترف يمسك قوته ليوم وصاحب الغلة لشهر وصاحب الضياع لسنة على حسب التفاوت في مدة وصولهم إلى المال
قيد بالمال والملك من غير تعيين شيء للاحتراز عما إذا قال ألف درهم من مالي صدقة وهو لا يملك إلا مائة لا يلزمه إلا بقدر ما يملك وإن لم يكن له شيء لا يجب عليه شيء كما في البحر
ومن أوصي إليه ولم
____________________
(3/251)
يعلم الوصي بالإيصاء فهو وصي حتى لو باع شيئا من التركة بعد موت الموصي بغير علم يجوز بيعه وهو ظاهر الرواية
وعن أبي يوسف أنه لا يصح بلا علمه بخلاف التوكيل أي لا يصح بدون علم الوكيل بذلك ولذا لو باع شيئا من متاع الموكل لا يجوز بيعه
والفرق أن الوصية استخلاف بعد انقطاع ولاية الموصي فلا يتوقف على العلم كتصرف الوارث وأما الوكالة فإثبات ولاية التصرف في ماله وليست باستخلاف لبقاء ولاية المنوب عنه فلا تصح ممن تثبت له الولاية وقبل في الإخبار بالتوكيل خبر فرد وإن كان ذلك الفرد فاسقا أي لا يشترط لصحة التوكيل خبر عدل بل يثبت بخبر الواحد سواء كان عدلا أو فاسقا أو عبدا أو صغيرا مميزا إذ ليس فيها إلزام كسائر المعاملات لأن الوكيل إن شاء يستوفي لا يقبل في العزل منه والظاهر أن الضمير راجع إلى التوكيل لكن لا معنى له بل الأولى أن يترك قوله منه واكتفى في العزل أي لا يقبل في عزل الوكيل تدبر
إلا خبر عدل أي لا يقبل خبر فاسقين وفيه إشعار بأنه لا يشترط لفظ الشهادة أو مستورين وظاهر قوله أنه لا يقبل خبر الفاسقين وهو ضعيف والصحيح قبوله وثبوت هذه الأحكام لأن تأثير خبر الفاسقين أقوى من تأثير خبر العدل بدليل أنه لو قضى بشهادة واحد عدل لم ينفذ وبشهادة فاسقين نفذ كما في البحر وهذا عند الإمام وعندهما هو أي العزل كالأول أي التوكيل في أنه يقبل في الإخبار بالعزل خبر فرد ولو كان فاسقا كالإخبار بالتوكيل وعند الأئمة الثلاثة شرط في العزل والنصب عدلان
وكذا الخلاف بين الإمام وصاحبيه في إخبار السيد بجناية عبده يعني لو أخبر به فاسق للسيد بأن عبده جنى خطأ فباع أو أعتق لا يصير مختارا للفداء عنده وعندهما يصير مختارا والشفيع بالبيع يعني الشفيع إذا سكت بعدما أخبر فاسق بالبيع لا يكون تاركا للشفعة عنده وعندهما يكون والبكر البالغ بالتزويج يعني إذا أخبر فاسق البكر البالغ بالنكاح فسكتت لا تصير راضية بالنكاح عنده خلافا لهما ومسلم لم يهاجر بالشرائع متعلق بإخبار مقدر أي من أسلم
____________________
(3/252)
في دار الحرب فأخبر بالشرائع فاسق لا يؤاخذ عنده خلافا لهما أن كل واحد منهم من جنس المعاملات فلا يتوقف على أحد وصفي الشهادة وله أن فيها إلزاما من وجه دون وجه فيشترط أحد شطري الشهادة
أما العدد أو العدالة فلا يثبت بخبر المرأة والعبد والصبي وإن وجد العدد أو العدالة هذا مقيد بأن يكون المخبر غير الخصم ورسوله فلا يشترط فيه العدالة لو أخبر الشفيع المشتري بنفسه وجب الطلب إجماعا والرسول يعمل بخبره وإن كان فاسقا اتفاقا صدقه أو كذبه كما ذكره الإسبيجابي لكن في المنح تفصيل فليطالع
ولو باع القاضي أو أمينه عبدا لرجل للغرماء أي لأجل ديونهم وأخذ المال أي القاضي أو أمينه الثمن فضاع عند القاضي أو أمينه واستحق العبد ونزع من يد المشتري لا يضمن القاضي ولا أمينه الثمن للمشتري لأن القاضي أو أمينه بمنزلة الخليفة وكل واحد منهم لا يلزمه الضمان كي لا يتقاعد الناس عن قبول هذه الأمانة فيلزم تعطيل مصالح المسلمين
وفي البحر أن أمين القاضي هو من يقول له القاضي جعلتك أمينا في بيع هذا العبد
أما إذا قال بع هذا العبد ولم يزد عليه اختلف المشايخ والصحيح أنه لا تلحقه عهدة ويرجع المشتري على الغرماء لأن البيع وقع لهم فكانت العهدة عليهم عند تعذر جعلها على العاقد كما يجعل العهدة على الموكل عند تعذر جعلها على الوكيل بأن كان صبيا أو عبدا محجورا عليه
ولو باعه أي العبد الوصي لأجلهم أي لأجل الغرماء بأمر القاضي له بالبيع وقبض ثمنه ثم استحق العبد أو مات قبل قبضه أي قبض المشتري من الوصي وضاع المال أي ثمن العبد رجع المشتري بالثمن على الوصي لأنه عاقد نيابة عن الميت فترجع الحقوق إليه كما إذا وكله حال حياته وكذا الوصي الذي نصبه القاضي لأنه نصبه ليكون قائما مقام الميت وهو أي الوصي يرجع على الغرماء لأنه عامل لهم ومن عمل عملا لغيره ولحقه بسببه ضمان يرجع به من يقع له العمل
وفي البحر والتقييد بأمر القاضي اتفاقي وليعلم حكمه
____________________
(3/253)
بغير أمره بالأولى ولهذا قال الإمام الحصيري وأمر القاضي وعدم أمره سواء
وفي التنوير أخرج القاضي الثلث للفقراء ولم يعطهم إياه حتى هلك كان الهلاك من مال الفقراء والثلثان للورثة
ولو قال لك قاض عدل عالم قضيت على هذا بالرجم أو القطع أو الضرب فافعله وسعك فعله ولا يلام عليه عند الله تعالى
لأن طاعة أولي الأمر واجبة وتصديقه طاعة له وقول مثل هذا القاضي حجة وقال محمد آخرا وهو مذهب مالك والشافعي لا يقبل قوله حتى يعاين الحجة لأن قول القاضي يحتمل الغلط والتدارك لا يمكن وكثير من مشايخنا أخذوا به
وفي عيون المذاهب وبه يفتى لفساد أكثر قضاة زماننا وفي البحر تفصيل فليراجع
وكذا وسعك فعله في القاضي العدل غير العالم إن استفسر فأحسن تفسيره أي لو قال قاض جاهل عادل يلزم أن تسأله عن سببه فإن أحسن تفسير قضائه على مقتضى الشرع بأن قال مثلا استقصيت المقر به كما هو المعروف وحكمت عليه بالرجم يسع لك فعل ما أمر به وإلا أي وإن لم يحسن تفسيره فلا يسع لك فعل ما أمر به لخطئه بسبب الجهل ولا يعمل بقول غير العدل مطلقا سواء كان عالما أو جاهلا لتهمة الخيانة بفسقه ما لم يعاين سبب الحكم أي يعاين سببا شرعيا للحكم فحينئذ يعمل بقوله لانتفاء التهمة
ولو قال قاض عزل لشخص أخذت منك ألفا ودفعتها إلى فلان قضيت بها أي بتلك الألف عليك أو قال قضيت بقطع يدك في حق فقال ذلك الشخص بل أخذتها أي تلك الألف أو قطعت يدي ظلما متعلق بأخذت وقطعت على التنازع واعترف ذلك الشخص بكون ذلك أي الأخذ أو القطع حال ولايته أي ولاية
____________________
(3/254)
القاضي صدق القاضي ولا يمين عليه لأن المدعي أقر بكون الأخذ في حال قضائه فكأنه رضي بشهادة الظاهر هو أن القاضي لا يظلم في قضائه لكونه أمينا فيما فوض إليه ويقبل قوله بلا يمين لأنه لو لزمه اليمين يصير خصما وقضاء الخصم لا ينفذ فتعطل أمور الناس
وفي القهستاني وقبل وجوبا قول قاض عزل قضيت أنا بهذا العقار لزيد مثلا لفقد التهمة وهذا ظاهر الرواية
وعن محمد أنه رجع إلى أنه لم يقبل وبه أخذ أكثر المشايخ كما مر آنفا واستفيد من قوله قضيت أنا بهذا العقار لزيد أن المقضي أو المقضي عليه معلومان وإلا لا يقبل للتهمة لأن القضاء في زماننا غير معتمد كما في أكثر الكتب وعلى هذا لم يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في شيء ما كما في الكرماني
ولو قال ذلك الشخص للقاضي فعلته قبل ولايتك أو بعد عزلك وادعى القاضي فعله في زمان ولايته فالقول له أي للقاضي أيضا هو الصحيح لأنه متى اعترف أنه كان قاضيا صحت إضافة الأخذ إلى حالة القضاء لأن حالة القضاء معهودة وهي منافية للضمان فصار القاضي بالإضافة إلى تلك الحالة منكرا للضمان فكان القول له كما لو قال طلقت أو أعتقت وأنا مجنون وجنونه كان معهودا
وقوله هو الصحيح احتراز عما قاله السرخسي إذا زعم المدعي أن القاضي فعل ذلك بعد العزل كان القول قول المدعي لأن هذا الفعل حادث فيضاف إلى أقرب أوقاته ومن ادعى تاريخا سابقا لا يصدق إلا بحجة لأن الأصل متى وقعت المنازعة في الإسناد يحكم الحال والقاطع أو الآخذ إن كانت دعواه كدعوى القاضي ضمن القاطع أو الآخذ هنا أي فيما قال المدعي فعلته قبل ولايتك أو بعد عزلك لا يضمن في الأول أي فيما اعترف للمدعي بكون ذلك حال ولايته أي إذا أقر القاطع أو الآخذ بما أقر به القاضي لم يضمن لأن قول القاضي حجة ودفعه صحيح فصار إقراره به كفعله معاينا ولو أقر واحد منهما في الفصل الثاني بما أقر به القاضي يضمن لأنه أقر بسبب الضمان وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب ضمان على غيره
____________________
(3/255)
بخلاف الأول لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق
وفي التنوير صب شخص دهنا لإنسان عند الشهود وقال الصاب كانت الدهن نجسة وأنكره المالك فالقول للصاب ولو قتل شخص رجلا وقال قتلته لردته أو لقتله أبي لم يقبل قوله
____________________
(3/256)
كتاب الشهادات أخرها عن القضاء لأنها كالوسيلة وهو المقصود وشروطها كثيرة تأتي في أثناء المسائل حتى قال صاحب البحر إن شرائطها أحد وعشرون
وشرائط التحمل ثلاثة
وشرائط الأداء سبعة عشر منها عشر شرائط عامة ومنها سبعة شرائط خاصة
وشرائط نفس الشهادة ثلاثة وشرط مكانها واحد وسبب وجوبها طلب ذي الحق أو خوف فوت حقه فإن من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق وخاف فوت الحق يجب عليه أن يشهد عليه بلا طلب انتهى
هذا ليس بمسلم لأنه لا يجب أن يشهد بدون الطلب مطلقا بل يجب عليه أن يعلم صاحب الحق بأنه يشهد له فإن دعاه وجب عليه وإلا فلا يجب بل هو مقيد بأن يكون ادعى عند القاضي ولم يجد شاهدا يتم به مدعاه وذلك الشاهد حاضر يجب أن يشهد فهذا فيه طلب حكمي لأن المدعي ما ادعى عند الحاكم إلا وهو يطلب من يشهد له بحقه كما ذكره المقدسي
ومحاسنها كثيرة منها امتثال الأمر في قوله تعالى كونوا قوامين لله شهداء بالقسط
وركنها استعمال لفظ الشهادة وحكمها وجوب الحكم على القاضي
____________________
(3/257)
بما ثبت بها
وفي المبسوط والقياس يأبى كون الشهادة حجة ملزمة لأنها تحتمل الصدق والكذب والمحتمل لا يكون حجة إلا أن هذا القياس ترك بالنصوص والإجماع والشهادة في اللغة خبر قاطع وقد شهد كعلم وكرم وقد يسكن هاؤه وشهده كسمعه شهودا حضره فهو شاهد وقوم شهود أي حضور وشهد له بكذا شهادة أي أدى ما عنده فهو شاهد والجمع شهد وتمامه في البحر فليطالع
وفي التبيين هي إخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان هذا في اللغة فلهذا قالوا إنها مشتقة من الشهادة التي تنبئ عن المعاينة وسمي الأداء شهادة إطلاقا لاسم السبب على المسبب انتهى
وهو خلاف الظاهر وإنما هو معناها الشرعي أيضا كما في البحر
وعن هذا قال هي أي الشهادة إخبار شرعي بحق أي بمال أو غيره للغير أي حصل لغير المخبر من كل الوجوه كما هو المتبادر فيخرج عنه الإنكار فإنه إخبار به لنفسه في يده وكذا دعوى الأصيل فإنه إخبار لنفسه في يد غيره وكذا دعوى الوكيل فإنه ليس بإخبار للغير من كل الوجوه كما ظن كما في القهستاني على الغير فخرج الإقرار إذ هو إخبار على نفسه وتدخل فيه الشهادة بالزناء والبيع ونحوهما عن مشاهدة لا عن ظن وإليه الإشارة المصطفوية حيث قال إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع
وفي العناية وفي اصطلاح أهل الفقه عبارة عن إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظة الشهادة فالإخبار كالجنس يشملها والأخبار الكاذبة وقوله صادق يخرج الكاذبة وقوله في مجلس الحكم بلفظة الشهادة يخرج الأخبار الصادقة غير الشهادات انتهى
ويرد عليه قول القائل في مجلس القاضي أشهد برؤية كذا لبعض العرفيات والأولى أن يزاد لإثبات حق كما في المنح
ومن تعين لتحملها أي الشهادة بأن لا يوجد غيره ممن هو أهل للشهادة لا يسعه أن يمتنع منه أي من التحمل إذا طلب لأن في الامتناع من التحمل من تضييع الحقوق وإن لم يتعين للتحمل بأن يوجد غيره فهو مخير ويفترض أداؤها أي أداء الشهادة بعد التحمل إذا طلبت الشهادة منه أي من الشاهد لقوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا وقوله تعالى ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه وهذا وإن كان نهيا عن الإباء والكتمان لكن النهي عن الشيء يكون أمرا بضده إذا كان له ضد واحد لأن الانتهاء لا يكون إلا بالاشتغال به فكان أداء الشهادة فرضا قطعا كفريضة الانتهاء عن
____________________
(3/258)
الكتمان فصار كالأمر به بل آكد ولهذا أسند الإثم إلى الآلة التي وقع بها الفعل وهو القلب لما عرف أن إسناد الفعل إلى محله أقوى من الإسناد إلى كله فقوله أبصرته بعيني آكد من قولهم أبصرته وإسناده إلى أشرف الجوارح دليل على أنه أعظم الجرائم بعد الكفر ثم أداء الشهادة إنما يجب إذ كان موضع الشاهد قريبا من موضع القضاء وإن كان بعيدا بحيث لا يمكن أن يجيء إلى القاضي ويرجع بعده في يومه هذا إلى منزله لا يأثم بتركها ولو كان شيخا كبيرا لا يقدر على المشي يجوز له الركوب على مركب المدعي وإلا فلا
وفي البحر لو شهد عند الشاهد عدلان أن المدعي قبض دينه أو أن الزوج طلقها ثلاثا أو أن المشتري أعتق العبد أو أن الولي عفا عن القاتل لا يسعه أن يشهد بالدين والنكاح والبيع والقتل إلا أن يقوم الحق بغيره بأن يكون في الصك سواه ممن يقوم به الحق فحينئذ لا يفترض لأن الحق لا يضيع بامتناعه ولأنها فرض كفاية
وفي الدرر ثم إنه إنما يأثم إذا علم أن القاضي يقبل شهادته وتعين عليه الأداء وإن علم أن القاضي لا يقبل شهادته أو كانوا جماعة فأدى غيره ممن تقبل شهادته فقبلت لا يأثم وإن أدى غيره ولم تقبل شهادته يأثم من لم يؤد إذا كان ممن تقبل شهادته لأن امتناعه يؤدي إلى تضييع الحق قال شيخ الإسلام لو أخر الشاهد الشهادة بعد الطلب بلا عذر ظاهر ثم أدى لا تقبل لتمكن التهمة
وسترها أي ستر الشهادة في الحدود أفضل من أدائها يعني أنه يخير بين أن يظهرها لما فيه من إزالة الفساد أو قلته وبين أن يسترها وهو أحسن لقوله عليه الصلاة والسلام للذي شهد عنده لو سترته بثوبك لكان خيرا لك
وفي الحديث من ستر على مسلم ستر الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام لقن المقر بالزناء لدرء الحد عنه فشهر وكفى به قدوة وكذلك نقل عن الخلفاء الراشدين وأما قوله تعالى ومن يكتمها فإنه آثم قلبه فذلك في حقوق العباد وفي البحر تفصيل فليطالع
ويقول الشاهد في شهادة السرقة أشهد أنه أخذ ماله لئلا يلزم ترك الواجب لا سرق للتحرز عن وجوب الحد وضياع المال لأن القطع والضمان لا يجتمعان فاعتبر في السرقة الستر مع الشهادة
____________________
(3/259)
وحكي أن هارون الرشيد كان مع جماعة الفقهاء وفيهم أبو يوسف فادعى رجل على آخر أخذ ماله من بيته فأقر بالأخذ فسأل الفقهاء فأفتوا بقطع يده فقال أبو يوسف لا لأنه لم يقر بالسرقة وإنما أقر بالأخذ فادعى المدعي أنه سرق فأقر بها فأفتوا بالقطع وخالفهم أبو يوسف فقالوا له لم قال لأنه لما أقر أولا بالأخذ ثبت الضمان عليه وسقط القطع فلا يقبل إقراره بعده بما يسقط الضمان عنه فتعجبوا منه
وشرط للزناء أربعة رجال من الشهود لقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ولقوله تعالى ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ولفظ أربعة نص في العدد والذكورة كما في البحر
وأورد إنكم لا تقولون بالمفهوم فمن أين لكم عدم جواز الأقل أجاب الزيلعي أنه بالإجماع وأورد المعارضة بين هذه وبين قوله واستشهدوا شهيدين الآية وأجاب في الفتح بأنها مبيحة وتلك مانعة والتقديم للمانع وجه هذا الاشتراط أنه تعالى يحب الستر على عباده وأوعد بالعذاب لمن أحب إشاعة الفاحشة على المؤمنين وفي اشتراط الأربع ووصف الذكورة تحقيق معنى الستر
و شرط للقصاص وبقية الحدود وكذا لإسلام كافر ذكر وردة مسلم كما في التنوير رجلان لقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فلا تقبل شهادة النساء لقول الزهري مضت السنة من لدن رسول الله عليه الصلاة والسلام والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص ولشبهة البدلية لأنها قائمة مقام شهادتهم والحال أن الحدود والقصاص تندرئ بالشبهات
و شرطت للولادة والبكارة وعيوب النساء مما لا يطلع عليه الرجال امرأة حرة مسلمة لقوله عليه الصلاة والسلام شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه والجمع المحلى باللام يراد به الجنس فيتناول الأقل وهو الواحد وهو حجة على الشافعي في اشتراط الأربع وهو قول عطاء بناء على أن كل امرأتين مقام رجل واحد وعلى مالك في اشتراط امرأتين وهو قول الثوري لأنه لما سقط اعتبار الذكورة بقي العدد معتبرا وفيه إشارة إلى أن الرجل لو شهد لا تقبل شهادته وهو محمول على ما إذا قال تعمدت النظر أما إذا شهد بالولادة وقال فاجأتها فاتفق نظري عليها تقبل شهادته إذا كان عدلا كما في المبسوط هذا إذا تأيدت الشهادة بالأصل لأنها لو قالت هي بكر يؤجل القاضي في العنين سنة لأن شهادتها تأيدت بالأصل هو البكارة ولو قالت هي ثيب لا تقبل لأنها تجردت عن المؤيد
____________________
(3/260)
وكذا في رد المبيع إذ اشتراها بشرط البكارة فإن قلن إنها ثيب يحلف البائع لينضم نكوله إلى قولهن والعيب يثبت بقولهن فيحلف البائع كما في الهداية فإن قلت لو ثبت العيب بقولهن لا يحلف البائع بل ترد عليه الجارية فكيف يكون تحليف البائع نتيجة لثبوت العيب وثبوت العيب إنما هو مثبت للرد لا للتحليف قلت معناه العيب يثبت بقولهن في حق سماع الدعوى وحق التحليف حتى إنهن لو لم يقلن إنها ثيب ليس للمشتري ولاية التحليف
وكذا شرط شهادة امرأة واحدة لاستهلال المولود في حق الصلاة عليه بالإجماع لأنها من أمور الدين لا في حق الإرث عند الإمام لأنه مما يطلع عليه الرجال وعندهما في حق الإرث أيضا أي كما تقبل شهادتها له في حق الصلاة لأنه صوت عند الولادة ولا يحضرها الرجال عادة فصار كشهادتهن على نفس الولادة وبقولهما قال الشافعي ومالك وأحمد وهو أرجح كما في الفتح
و شرط لغير ذلك المذكور من الحدود والقصاص وما لا يطلع عليه الرجال رجلان أو رجل وامرأتان مالا كان الحق أو غير مال كالنكاح والرضاع والطلاق والوكالة والوصية والرجعة واستهلاك صبي للإرث والعتاق والنسب
وقال
____________________
(3/261)
الشافعي لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها كالأجل وشرط الخيار لأن الأصل عدم قبول شهادتهن لنقصان العقل وقصور الولاية واختلال الضبط ولكن قبلت في الأموال ضرورة باعتبار كثرة وجودها وقلة خطرها فيقتصر عليها وبه قال مالك وأحمد في رواية ولنا ما روي أن عمر وعليا رضي الله تعالى عنهما أجازا شهادة النساء مع الرجال في النكاح والفرقة
والأصل قبول شهادتهن لوجود ما تبتني أهلية الشهادة وهي المشاهدة والضبط والأداء وما يتعرض لهن من قلة الضبط بزيادة النسيان انجبر بضم الأخرى إليها فلم يبق بعد ذلك إلا الشبهة ولهذا تقبل فيما يندرئ بالشبهات وهذه الحقوق تثبت بالشبهات وإنما لا تقبل شهادة أربع من غير رجل كي لا يكثر خروجهن كما في الهداية وغيرها
وقال صاحب العناية ولم يذكر الجواب عن قوله لنقصان العقل وقصور الولاية والجواب عن الأول أنه لا نقصان في عقلهن فيما هو مناط التكليف وبيان ذلك أن للنفس الإنسانية أربع مراتب
الأولى استعداد العقل ويسمى العقل الهيولاني وهو حاصل لجميع أفراد الإنسان في مبدأ فطرتهم
والثانية أن تحصيل البديهيات باستعمال الحواس في الجزئيات فيتهيأ لاكتساب الفكريات بالمفكرة ويسمى العقل بالملكة وهو مناط التكليف
والثالثة أن تحصل النظريات المفروغ عنها متى شاء من غير افتقار إلى اكتساب ويسمى العقل بالفعل والرابعة هو أن يستحضرها ويلتفت إليها مشاهدة ويسمى العقل بالمستفاد وليس هو مناط التكليف وإنما هو العقل بالملكة وهو فيهن نقصان بمشاهدة حالهن في تحصيل البديهيات باستعمال الحواس في الجزئيات وبالتنبيه إن شئت قلت فإنه لو كن في ذلك نقصان لكان تكليفهن دون تكليف الرجال في الأركان وليس كذلك وقوله عليه السلام هن ناقصات العقل المراد به العقل بالفعل ولذلك لم يصلحن للولاية والخلافة والإمارة وبهذا ظهر الجواب عن الثاني أيضا به فتأمل انتهى
وشرط للكل الحرية فلا تقبل شهادة العبد والإسلام فلا تقبل شهادة الكافر على المسلم وما في الفتح من أن الذمي أهل للشهادة في الجملة محمول فيما إذا شهد الكافر على مثله والعدالة وهي كون حسنات الرجل أكثر من سيئاته وهي الانزجار عما يعتقده حراما في دينه وهذا يتناول الاجتناب من الكبائر وترك الإصرار على الصغائر
وعن أبي يوسف أن الفاسق إن كان وجيها ذا مروءة تقبل شهادته والأول أصح إلا أن القاضي لو قضى بشهادة الفاسق يصح عندنا خلافا للشافعي ولنا أن العدالة شرط وجوب العمل بالشهادة لا شرط
____________________
(3/262)
أهلية الشهادة لأن الفاسق أهل للقضاء والشهادة إلا أنه يمنع الخليفة من القضاء الفاسق فحينئذ لا ينفذ القضاء بشهادة الفاسق
و شرط لفظ الشهادة أي لفظ أشهد في جميع ما تقدم لورود عبارة النص كذلك ولكونه من ألفاظ اليمين فكان الامتناع عن الكذب بهذا اللفظ أشد فلا تصح الشهادة لو قال أعلم أو أتيقن مكان أشهد مخالفا لما نطق به الكتاب
واعلم أن كل موضع لا يشترط فيه لفظ الشهادة كطهارة الماء والموت وهلال رمضان لا يكون الواقع فيه من قبيل الشهادة الشرعية بل من قبيل الإخبار ولا يسأل قاض عن شاهد كيف هو بلا طعن الخصم عند الإمام عملا بظاهر عدالة المسلم لقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف فإن طعن الخصم يسأل القاضي في السر ويزكي في العلانية إلا في حد وقود فإنه يسأل القاضي في السر ويزكي في العلانية فيهما طعن الخصم أو لا بالإجماع لأنه يحتال لإسقاطهما فيشترط الاستقصاء فيهما وعندهما يسأل في سائر الحقوق سرا وعلنا وإن لم يطعن الخصم لأن بناء القضاء على الحجة وهي شهادة العدم قيل هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان لأن عصره مشهور بالخير لكونه قرنا ثالثا وعصرهما مسكوت عنه لكونه قرنا رابعا إذ فشا فيه الكذب لتغير أحوال الناس وبه أي بقول الإمامين يفتى في زماننا لأن الفساد في هذا العصر أكثر كما في أكثر المعتبرات ويحل السؤال على قولهما عند جهل القاضي بحالهم ولذا قال في البحر نقلا عن الملتقط القاضي إذا عرف الشهود بجرح أو عدالة لا يسأل عنهم ويجزي الاكتفاء بالسر في زماننا تحرزا عن الفتنة والتزكية في السر أن يبعث القاضي أمينا إلى المعدل العدل ويكتب إليه كتابا فيه اسم الشاهد ونسبه ومحلته ومسجده فيسأل عن جيرانه وأصدقائه فإذا عرفهم بالعدالة يكتب هو عدل فإذا عرفهم بالفسق يكتب الله أعلم بحاله أو لا يكتب شيئا احترازا عن كشف السر وإذا لم يعرفهم بالعدالة أو بالفسق يكتب هو مستور ويرده إلى القاضي سرا كي لا يظهر فينخدع والتزكية في العلانية أن يجمع القاضي بين المعدل والشاهد في مجلسه لتنتفي شبهة تعديل غيره ويكفي للتزكية أن يقال هو عدل في الأصح لأن من نشأ في دار الإسلام في زماننا كان
____________________
(3/263)
الظاهر من حاله الحرية والإسلام ولهذا لا يسأل القاضي عن حرية الشاهد وإسلامه ما لم ينازعه الخصم وقيل لا بد من قوله عدل جائز الشهادة لأن العبد أو المحدود في قذف إذا تاب قد يكون عدلا مع أنه لا تجوز شهادة كل واحد منهما
ولا يصح تعديل الخصم بقوله هو عدل لكن أخطأ في شهادته أو نسي كيفية الوقعة هكذا قال الإمام يعني تعديل المدعى عليه الشهود لا يصح ومراده على قول من يرى السؤال عن الشهود وأما على قوله فلا يتأتى ذلك لأنه لا يرى السؤال عن الشهود ونظيره المزارعة فإنه لا يراها ومع هذا فرع عليها على قول من يرى وعنهما أنه تجوز تزكيته وهو قول الأئمة الثلاثة لكن عند محمد لا بد من ضم آخر إليه لأنه لا يجوز تعديل الواحد عنده
ووجه الظاهر أن في زعم المدعي وشهوده أن المدعى عليه ظالم كاذب في الجحود وتزكية الكاذب الفاسق لا تصح وأطلق الخصم ولم يقيده لكن قيده صاحب المنح بما إذا كان لم يرجع إليه في التعديل لأنه إذا كان ممن يرجع إليه في التعديل صح قوله كما صرح به في البزازية فعلى هذا لو قيده كما قيد صاحب المنح لكان أولى فإن قال الخصم هو عدل صدق أي عادل صادق ثبت الحق أي حق المدعي لأنه إقرار منه بثبوت الحق بخلاف ما لو قال هم عدول ولم يزد عليه حيث لا يلزمه شيء لأنهم مع كونهم عدولا يجوز منهم النسيان والخطأ فلا يلزم من كونه عدلا أن يكون كلامه صوابا كما في الدرر لكن في البحر نقلا عن الصدر الشهيد أنه يكون مقرا بقوله صدقوا فيما شهدوا به علي بقوله هم عدول فيما شهدوا به علي
ويكفي الواحد لتزكيته السر والترجمة والرسالة إلى المزكي يعني يصلح الواحد أن يكون مزكيا للشاهد ومترجما عن الشاهد ورسولا من القاضي إلى المزكي عند الشيخين لأن التزكية من أمور الدين فلا يشترط
____________________
(3/264)
فيها إلا العدالة حتى تجوز تزكية العبد والمرأة والأعمى والمحدود في القذف التائب لأن خبرهم مقبول في الأمور الدينية والاثنان أحوط لأن فيه زيادة طمأنينة وعند محمد لا بد من الاثنين وهو قول الأئمة الثلاثة لأن التزكية في معنى الشهادة لأن ولاية القاضي تبتنى على ظهور العدالة فيشترط فيه العدد كما يشترط العدالة ومحل الاختلاف ما إذا لم يرض الخصم بتزكية الواحد فإن رضي فجاز إجماعا هذا في تزكية السر أما في تزكية العلانية يشترط جميع ما يشترط في الشهادة من الحرية والبصر وغيرهما سوى لفظ الشهادة بالإجماع لأن معنى الشهادة فيها أظهر ولذا يختص بمجلس القاضي
وعن هذا قال وتشترط الحرية في تزكية العلانية دون السر وكذا يشترط العدد فيها على ما قاله الخصاف ويشترط في تزكية شهود الزناء أربعة ذكور عند محمد كما في الهداية
فصل لما فرغ من ذكر مراتب الشهادة شرع في بيان أنواع ما يتحمله الشاهد وهو نوعان الأول ما يثبت بنفسه بلا إشهاد والثاني ما لا يثبت بنفسه بل يحتاج إلى الإشهاد فشرع في الأول وقال يشهد بكل ما سمعه من المسموعات أو رآه من المبصرات كالبيع والإقرار وحكم
____________________
(3/265)
الحاكم مثال ما كان من المسموعات كما في الفرائد لكن يمكن أن يكون مثالا لهما كما في البحر والغصب والقتل مثال ما كان من المبصرات
وإن وصلية لم يشهد من الأفعال مبني للمفعول عليه أي على ما ذكر من جانب المدعي لأن كل واحد منهما ثابت الحكم بنفسه ويقول اشهد أنه باع أو أقر لأنه عاين السبب فوجبت عليه الشهادة به كما عاين وهذا إذا كان البيع بالعقد فظاهر وإن كان بالتعاطي فكذا لأن حقيقة البيع مبادلة المال بالمال وقد وجد وقيل لا يشهدون على البيع بل على الأخذ والإعطاء لأنه بيع حكمي وليس ببيع حقيقي كما في التبيين لكن في البزازية ولو شهدوا بالبيع جاز ولا بد من بيان الثمن في الشهادة على الشراء لأن الشراء بثمن مجهول لا يصح لا يقول اشهدني فيما لا إشهاد فيه لأنه غير واقع فيكون كذبا
وفي التبيين ولو سمع من وراء الحجاب لا يسعه أن يشهد لاحتمال أن يكون غيره إذا النغمة تشبه النغمة إلا إذا كان في الداخل وحده وعلم الشاهد أنه ليس فيها غيره ثم جلس على المسلك وليس له مسلك غيره فسمع إقرار الداخل ولا يراه لأنه يحصل به العلم وينبغي للقاضي إذا فسر له أن لا يقبله لأن النغمة تشبه النغمة وقالوا إذا سمع صوت امرأة من وراء الحجاب لا يجوز أن يشهد عليها إلا إذا كان يرى شخصا وقت الإقرار قال الفقيه أبو الليث إذا أقرت امرأة من وراء حجاب وشهد عنده اثنان أنها فلانة بنت فلان بن فلان لا يجوز لمن سمع إقرارها أن يشهد عليها إلا إذا رأى شخصها حال ما أقرت فحينئذ يجوز أن يشهد على إقرارها برؤية شخصها لا رؤية وجهها
قال أبو بكر الإسكاف المرأة إذا حسرت عن وجهها فقالت أنا فلانة بنت فلان بن فلان وقد وهبت لزوجي مهري فإن الشهود لا يحتاجون إلى شهادة عدلين إنها فلانة بنت فلان بن فلان ما دامت حية إذ يمكن للشاهد أن يشير إليها فإن ماتت فحينئذ يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين أنها فلانة بنت فلان بن فلان كما في الدرر
ثم شرع في النوع الثاني فقال ولا يشهد على شهادة غيره إذا سمع أداءها أي لا يشهد على شهادة شاهد مع من سمع الشهادة سواء سمع في مجلس القاضي أو غيره لأن هذه الشهادة غير ثابت الحكم بنفسه بل بالقاضي فيستلزم التحميل مع أنه لم يتحمله حيث لم يشهد عليه أو إشهاد الغير عليها أي لا يشهد على شهادة شاهد من
____________________
(3/266)
سمع إشهاده على الشهادة ما لم يشهد هو أي شاهد الأصل عليها أي على الشهادة توضيحه قال شاهد لشخص اشهد مني أن فلانا أقر عندي بكذا فسمع آخر هذا القول لا يجوز للسامع أن يشهد لأن كلا من الشهادة والإشهاد غير ثابت الحكم بنفسه بل بالنقل إلى مجلس القضاء وذا يستلزم التحميل والإنابة وهو لم يوجد لأنه ما حمله بالإشهاد وإنما حمل غيره قبل أن سمع عند القاضي أن الشاهد يشهد بشهادة حل للسامع أن يشهد
ولا يعمل شاهد ولا قاض ولا راو بخطه ما لم يتذكر أي لا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يتذكر ولا للقاضي إذا وجد ديوانه مكتوبا بشهادة شهود ولا يحفظ أنهم شهدوا بذلك أو قضية قضاها أن يحكم بتلك الشهادة ولا أن يمضي تلك القضية ولا للراوي إذا وجد مكتوبا بخطه أو بخط غيره وهو معروف أنه قرأ على فلان ونحوه أن يروي حتى يتذكر الشهادة أو القضية أو الرواية قيل هذا عند الإمام لأن الشهادة والقضاء والرواية لا يحل إلا عن علم ولا علم هنا لأن الخط يشبه الخط وعندهما يجوز كل من الشهادة والقضاء والرواية إن كان الخط محفوظا في يده وإن لم يتذكر الحادثة لوقوع الأمن حينئذ من الزيادة والنقصان فيكون الخلاف حينئذ فيما إذا كان محفوظا في يده فعنده لا يجوز سواء كان الخط محفوظا في يده أو لا وعندهما يجوز إن كان محفوظا في يده وإلا فلا وقال بعضهم الخلاف مطلق فعند الإمام لا يجوز مطلقا وعندهما يجوز مطلقا لأن الظاهر أنه خطه والعمل بالظاهر واجب لكن في البحر وغيره وجوز محمد في الكل وجوزه أبو يوسف للراوي والقاضي دون الشاهد قال شمس الأئمة الحلواني ينبغي أن يفتى بقول محمد وجزم في البزازية بأنه يفتى بقول محمد
وفي
____________________
(3/267)
السراج وما قاله أبو يوسف هو المعول عليه
وفي المنح وقولهما هو الصحيح فعلى هذا ينبغي للمصنف التفصيل
ولا يشهد أحد بما لم يعاينه بالإجماع لما تلوناه آنفا إلا النسب بأن فلانا بن فلان أو أخوه والموت بأن فلانا قد مات والنكاح بأن فلانا تزوج فلانة والدخول بأن فلانا تزوج فلانة دخل بها وولاية القاضي بأن فلانا قد تولى القضاء من جهة فلان الإمام وأصل الوقف بأن فلانا وقف هذه الضيعة مثلا هذا إذا لم يستند إلى الملك كما قررناه في آخر الوقف والقياس أن لا تجوز الشهادة بالتسامع في المسائل المذكورة أيضا ووجه الاستحسان أن هذه الأمور تختص لمعاينة أصحابها وهم خواص الناس وتتعلق بها الأحكام فلو لم تقبل الشهادة فيهما بالتسامع لتعطلت أحكامها بخلاف البيع ونحوه قوله أصل الوقف احتراز عن شرائطه لما في البزازية وفي الوقف أنها تقبل بالتسامع على أصله لا على شرائطه وهو الصحيح وكل ما يتعلق بصحة الوقف وتتوقف عليه فهو من أصله وما لا تتوقف عليه الصحة فهو من الشرائط وفي الفصول العمادية المختار أن لا تقبل الشهادة بالشهرة على شرائط الوقف وفي المجتبى المختار أن تقبل كما بيناه في آخر الوقف وظاهر التقييد بما ذكر من الأشياء الستة يدل على عدم قبولها به في غيرها من الولاء والعتق واختلف الفحلان في نقل الاختلاف في العتق فنقل السرخسي عدم قبولها فيه إجماعا ونقل أستاذه الحلواني أنه على الاختلاف المنقول في الولاء فعن أبي يوسف الجواز فيهما ومن ذلك المهر فظاهر التقييد أنه لا تقبل فيه به ولكن في البزازية والظهيرية والخزانة أن فيه روايتين والأصح الجواز وتمامه في البحر فليطالع إذا أخبره بها أي فله أن يشهد بهذه الأشياء إذا أخبره من يثق به من عدلين أو عدل وعدلتين لأنه أقل نصاب يفيد نوع العلم الذي يبتنى عليه الحكم في المعاملات قوله إذا أخبره يدل على أن لفظة الشهادة ليست بشرط في الكل وأما الذي يشهد عند القاضي فلا بد
____________________
(3/268)
له من لفظها وشرطت في العناية لفظة الشهادة على ما قالوا والاكتفاء بإخبار رجلين أو رجل وامرأتين قولهما أما على قول الإمام فلا تجوز الشهادة ما لم يسمع ذلك من العامة بحيث يقع في قلبه صدق الخبر وفي الموت يكفي العدل ولو كانت أنثى هو المختار كما في الفتح وغيره لأن الناس يكرهون تلك الحالة فلا يحضره غالبا إلا واحد عدل أو واحدة عدلة وفي التبيين أنه لا بد من خبر عدلين في الكل إلا في الموت وصحح في الظهيرية أن الموت كغيره وإنما تشترط العدالة في المخبر في غير المتواتر فلا يشترط العدالة ولا لفظ الشهادة كما في الخلاصة
وفي البحر وغيره وفي الموت مسألة عجيبة هي إذا لم يعاين الموت إلا واحد ولو شهد عند القاضي لا يقضي بشهادته وحده ماذا يصنع قالوا يخبر بذلك عدلا مثله وإذا سمع منه حل له أن يشهد على موته فيشهد هو مع ذلك الشاهد فيقضي بشهادتهما ويشهد من رأى جالسا مجلس القضاء حال كون الجالس يدخل عليه الخصوم أنه قاض أي يحل أن يشهد الراعي على أن الجالس قاض وإن لم يعاين تقليد الإمام إياه لأن ذلك علامة ظاهرة له و يشهد من رأى رجلا وامرأة يسكنان معا في بيت وبينهما انبساط الأزواج أنها زوجته أي حل له أن يشهد بذلك وإن لم يعاين عقد النكاح وظاهره الاكتفاء بالرؤية لكن ذكره أنه لا بد من الإخبار بأنها زوجته كما في التبيين
و يشهد من رأى شيئا سوى الآدمي في يد متصرف عرف بوجهه واسمه ونسبه فيه تصرف الملاك أنه أي ذلك الشيء له أي للمتصرف إن وقع في قلبه أي قلب الرائي ذلك أي كونه له وإن لم يعاين أسباب الملك لأن اليد أقصى ما يستدل به على الملك إذ هي مرجع الدلالة في الأسباب كلها فيكتفي بها
وفي البحر قوله إن وقع في قلبه ذلك رواية عن أبي يوسف قالوا ويحتمل أن يكون هذا تفسيرا لإطلاق محمد في الرواية
وفي الفتح قال الصدر الشهيد يحتمل أن يكون قوله قول الكل وبه نأخذ
وقال أبو بكر الرازي هذا قولهم جميعا انتهى
ومن ثمة قيده بوقوعه في القلب فلو رأى درة في يد كناس
____________________
(3/269)
أو كتابا في يد جاهل لا يشهد بالملك له بمجرد يده كما في البزازية والآدمي أي لو رأى شيئا وهو آدمي إن علم رقه أو كان صغيرا لا يعبر عن نفسه أي لا يكون مميزا فكذلك يعني يحل للرائي في يد متصرف فيه تصرف الملاك أن يشهد بالملك لذي اليد لأن الرقيق لا يكون في يد نفسه وكذلك الصغير الذي لا يعبر عن نفسه لا يد له فثبت يد المولى عليه حقيقة فصار كالمتاع وإن كان كبيرا أو صغيرا يعبر عن نفسه ولم يعلم رقه لا يحل للرائي أن يشهد بالملك لذي اليد لأن لهما يدا على نفسهما تدفع يد الغير عنهما فانعدم دليل الملك وعن الإمام أنه يحل له أن يشهد فيهما أيضا اعتبارا بالثبات وإنما يشهد بالملك لذي اليد بشرط أن لا يخبره عدلان بأنه لغيره فلو أخبراه لم تجز له الشهادة بالملك له كما في الخلاصة وفي البحر أن القاضي إذا رأى عينا في يد رجل فإنه يجوز له القضاء بالملك له كما في البزازية وغيرها وبه ظهر أن قول الزيلعي في تقرير أن الشاهد إذا فسر للقاضي أنه يشهد عن سماع أو معاينة يد لم يقبله لأن القاضي لا يجوز له أن يحكم بسماع نفسه ولو تواتر عنده ولا برؤية نفسه في يد إنسان سهو انتهى وفيه كلام لأن مراد الزيلعي أن القاضي لا يقضي به قضاء محكما مبرما بحيث لو ادعى الخصم لا يقبل منه بدليل أنه صرح قبيل هذا بأنه يقضي به قضاء ترك بمعنى أنه يترك في يد ذي اليد ما دام خصمه لا حجة له كما ذكره المقدسي تدبر
ولو فسر الشاهد للقاضي أنه شهد بالتسامع في موضع يجوز فيه أن يشهد بالتسامع بأن يقول إني أشهد على هذا بالاستماع أو بمعاينة اليد بأن يقول أشهد لأني رأيته في يده لا يقبلها أي لا يقبل القاضي شهادته إلا في الوقف والموت فتقبل لو فسر للقاضي أنه أخبره من يثق به على الأصح قال يعقوب باشا وذكر في بعض الشروح أن الشهادة في الوقف تقبل وإن فسرها وفي النسب والنكاح أيضا وإن فسرها في الأصح وفي الموت إن كان مشهورا وإن فسرها بأنه سمعه وإن لم يعاين انتهى
لكن إذا أسند إلى من يوثق به كما في البحر وفي الزاهدي شهدا فيما يصح بالشهرة وقالا لم نعاين ولكن اشتهر عندنا تقبل ومن شهد أنه حضر دفن زيد أو صلى عليه قبلت شهادته بالاتفاق وهو أي حضور دفن زيد أو صلاته عليه عيان للموت حكما حتى لو فسر للقاضي قبل لأنه لم يشهد إلا بما علم فوجب قبولها
____________________
(3/270)
باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل لما فرغ من بيان ما تسمع فيه الشهادة وما لا تسمع شرع في بيان من تسمع منه الشهادة ومن لا تسمع وقدم ذلك على هذا لأنه محال الشهادة والمحال شروط والشروط مقدمة على المشروط كما في العناية لكن المشروط هو الشهادة لا من تسمع منه الشهادة تأمل
وفي البحر يقال قبلت القول حملته على الصدق كذا في المصباح والمراد من يجب قبول شهادته على القاضي ومن لا يجب لا من يصح قبولها ومن لا يصح لأن من جملة ما ذكره ممن لا يقبل شهادة الفاسق وهو لو قضى بشهادته صح بخلاف العبد والصبي والزوجة والولد والأصل لكن في خزانة المفتيين إذا قضى بشهادة الأعمى أو المحدود في القذف إذا تاب أو بشهادة أحد الزوجين مع آخر لصاحبه أو بشهادة الوالد لولده وعكسه نفذ حتى لا يجوز للثاني إبطاله وإن رأى بطلانه انتهى
فالمراد من عدم القبول عدم حله انتهى
لا تقبل شهادة الأعمى عند الطرفين سواء كان فيما يسمع أو لا لأن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة وهي غير معتبرة لشبهها بنغمة أخرى
وقال زفر وهو رواية عن الإمام تقبل فيما يجري فيه التسامع لأنه في السماع كالبصير
وفي البحر واختاره في الخلاصة وعزاه إلى النصاب جاز ما به من غير حكاية خلاف انتهى
لكن لم يذكر في الخلاصة أنه مختار وإنما قال
وفي النصاب وشهادة الأعمى لا تجوز إلا في النسب والموت وما يجوز الشهادة فيه بالشهرة والتسامع فكان ينبغي أن يقول وجزم به في النصاب من غير ذكر خلاف كما ذكره المقدسي خلافا لأبي يوسف والشافعي في الدين والعقار فيما إذا تحملها بصيرا وإنما قيدنا بالدين والعقار لأن في المنقول لا تقبل شهادته اتفاقا لأنه يحتاج إلى الإشارة والدين يعرف ببيان الجنس أو الوصف والعقار بالتحديد وكذا في الحدود لا تقبل
____________________
(3/271)
اتفاقا قيد بقوله إذا تحملها بصير لأنه لو تحملها أعمى لا تقبل اتفاقا كما في شرح المجمع وغيره لكن المراد اتفاق غير مالك وإلا فعنده مقبولة قياسا على قبول روايته تدبر
وفي الهداية ولو عمي بعد الأداء يمتنع القضاء عند الطرفين لأن قيام أهلية الشهادة شرط وقت القضاء لصيرورتها حجة عنده وقد بطلت وصار كما إذا خرس أو جن أو فسق بخلاف ما إذا ماتوا أو غابوا لأن الأهلية بالموت قد انتهت وبالغيبة ما بطلت انتهى
وعند أبي يوسف لا يمتنع القضاء لأنه لا أثر في نفس قضاء القاضي للعمى العارض للشاهد بعد أداء شهادته فيكون الأداء عنده حجة
ولا تقبل شهادة المملوك سواء كان قنا أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد أو معتق البعض والصبي لأن الشهادة من باب الولاية ولا ولاية لهما إلا إن تحملا أي الشهادة حال الرق والصغر وأديا بعد العتق والبلوغ لأنهما أهل للتحمل لأن التحمل بالمشاهدة والسماع ويبقى إلى وقت الأداء بالضبط وهما لا ينافيان ذلك وهما أهل عند الأداء وأشار إلى أن الكافر إذا تحملها على مسلم ثم أسلم فأداها تقبل وكذا الزوج إذا تحملها لامرأته فأبانها ثم شهد لها
وفي الخلاصة ومتى ردت الشهادة لعلة ثم زالت العلة فشهد في تلك الحادثة لا تقبل إلا في أربعة العبد والكافر على المسلم والأعمى والصبي
وفي النصاب إذا شهد المولى لعبده فردت ثم شهد بعد العتق لا تقبل والمراد من الصغر أن يكون صاحب تمييز لأن مطلق الصغر ليس بأهل لتحمل الشهادة فعلى هذا لو قال والتمييز مكان الصغر كما في التنوير لكان أولى وفيما قاله يعقوب باشا من أنه لا يجوز للقاضي أن يقبل شهادة المملوك ويحكم به وإن حكم لا يصح لأنه غير مجتهد فيه كلام لأن صاحب الكافي قال ورد شهادة المملوك والصبي خلافا لمالك فيهما فيكونان مجتهدا فيهما تتبع
ولا تقبل شهادة المحدود في قذف أي لقذفه وإن وصلية تاب عندنا لقوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وقوله تعالى إلا الذين تابوا استثناء منقطع لأن قوله تعالى وأولئك هم الفاسقون كلام مبتدأ ليس من جنس الأول إذ هو إخبار وما قبله أمر ونهي فلا يمكن إثبات الشركة بينهما في المعنى فإذا صار منقطعا عن الأول لا ينصرف الاستثناء المذكور إلى ما قبله
وفي البحر والأوجه أنه متصل وتمامه في الفتح فليراجع ولأن رد شهادته من تمام حده
____________________
(3/272)
وفيه إشارة إلى أن الشهادة قبل الحد تقبل
وفي المبسوط لا تسقط شهادة القاذف ما لم يضرب تمام الحد وعن الإمام سقوطها يضرب الأكثر وعنه أيضا سقوطها بضرب واحد وعند الأئمة الثلاثة تقبل إذا تاب لقوله تعالى إلا الذين تابوا إذ الاستثناء متى يعقب كلمات معطوفات ينصرف إلى جميع ما تقدم ولأن الموجب لرد شهادته فسقه وقد ارتفع بالتوبة لكن رد الشهادة لأجل أنه حد لا للفسق ولهذا لو أقام أربعة بعدما حد على أنه زنى تقبل شهادته بعد التوبة في الصحيح لأنه لو أقامها قبله لم يحد فكذا لا ترد شهادته كما في التبيين فعلى هذا لو قيد بقوله إن لم يقم بينة على صدق مقالته لكان أولى تدبر إلا إن حد كافر ثم أسلم فتقبل على الكافر وعلى أهل الإسلام ضرورة لأن هذه الشهادة شهادة أخرى حدثت بعد الإسلام ولم يلحقها رد بسبب الحد بخلاف العبد إذا حد ثم عتق حيث لا تقبل شهادته لأنه لا شهادة للعبد أصلا في حال رقه فيتوقف الرد على حدوثها فإذا حدث كان رد شهادته بعد العتق من تمام حده
ولا تقبل الشهادة لأصله وإن وصلية علا سواء كان الجد صحيحا أو فاسدا وفرعه وإن سفل لقوله عليه الصلاة والسلام لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ولأن المنافع بينهما على وجه الاتصال فلا يخلو من تمكن التهمة ولهذا تقبل على أصله وفرعه إلا إذا شهد الجد على ابنه لابن ابنه فإنها لا تقبل أطلق الفرع فشمل الولد من وجه فلا تقبل شهادة ولد الملاعن لأصوله أو هو له أو لفروعه لثبوته من وجه وتقبل شهادة الولد من الرضاع له وتجوز شهادة الرجل لأم زوجته وأبيها ولزوج ابنته ولامرأة ابنه وعبده أي ولا تقبل شهادة المولى لعبده سواء كان للعبد دين أو لم يكن لقوله عليه الصلاة والسلام لا تقبل شهادة المولى لعبده ولأنه شهادة من نفسه من وجه ومكاتبه لكونه عبدا رقبة
و لا تقبل من أحد الزوجين للآخر لقوله عليه الصلاة والسلام لا تقبل شهادة المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته
وقال الشافعي تجوز بلا فرق
وفي الخانية إن شهد الرجل لامرأة بحق ثم تزوجها بطلت شهادته ولو شهد لامرأته وهو عدل ولم يرد الحاكم شهادته حتى طلقها بائنا وانقضت عدتها روى ابن شجاع أن القاضي ينفذ شهادته وبه علم أن الزوجية إنما تمنع منها وقت
____________________
(3/273)
القضاء لا وقت الأداء ولا وقت التحمل كما في البحر
وفي كلام الخانية إشارة إلى أن القاضي لا ينفذ شهادته في العدة لما في القنية طلقها ثلاثا وهي في العدة لا تجوز شهادته لها ولا شهادتها له انتهى
فعلى هذا لو قيده بقوله ولو في عدة من ثلاث لكان أولى تدبر
ولا تقبل شهادة الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما لأنه مدع لنفسه فلو شهد بما ليس من شركتهما تقبل لانتفاء التهمة
ولا تقبل شهادة المخنث الذي يفعل الردى لارتكابه المعصية والمراد من المخنث هو الذي يتشبه بالنساء باختياره في الأقوال والأفعال وأما الذي في كلامه لين وفي أعضائه تكسر خلقة فهو مقبول الشهادة
وفي البحر المخنث بكسر النون وفتحها فإن كان الأول فهو بمعنى المتكسر في أعضائه المتلين في كلامه تشبها بالنساء وإن كان الثاني فهو الذي يعمل به لواطة و لا شهادة النائحة في مصيبة غيرها ولو بلا أجر والمغنية لارتكابهما الحرام فإنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الصوتين الأحمقين النائحة والمغنية قيدنا بمصيبة غيرها لأنها لو ناحت في مصيبتها تقبل وكذا المراد بالتغني التغني بين الناس وإلا فمجرد التغني لم يسقط العدالة كما في القهستاني
و لا تقبل شهادة العدو بسبب دنيا على عدوه لأن العداوة لأجل الدنيا حرام فيظهر بالشهادة عليه عداوته أما إذا شهد لمنفعته قبلت لعدم ظهور فسقه من عداوته فيحمل على
____________________
(3/274)
تركها
وفي القنية أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع ما لم يفسق بسببها أو يجلب بها منفعة أو يدفع بها عن نفسه مضرة وما في الواقعات وغيرها اختيار المتأخرين وأما الرواية المنصوصة فبخلافها فإنه إذا كان عدلا تقبل شهادته وهو الصحيح وعليه الاعتماد وتمامه في البحر فليطالع ومدمن الشرب على اللهو سواء شرب الخمر أو المسكر من المحرمات إذ بالإدمان والإعلان يظهر فسقه هذا إذا شرب على اللهو أما إذا شرب للتداوي فلا يسقط العدالة لكون الحرمة مختلفا فيها وفي أكثر المعتبرات قالوا إنما شرط الإدمان ليكون ذلك ظاهرا منه عند الناس لأن من اتهم بشرب الخمر في بيته لا تبطل عدالته وإن كان كبيرة وإنما تبطل إذا ظهر ذلك أو خرج سكران فيسخر منه الصبيان لأن مثله لا يحترز عن الكذب فينبغي أن لا يكون المراد من الإدمان الإدمان في النية بأن يشرب ومن نيته أن يشرب بعد ذلك إذا وجد كما في النهاية لأنه لا يظهر الشرب منه كما لا يخفى وقيل المراد من مدمن الشرب على اللهو غير شارب الخمر لأن شاربها مردود الشهادة ولو قطرة فلا حاجة لإبطال شهادته إلى الإدمان ولا إلى شربها على اللهو
وقال الصدر الشهيد أن الخصاف يسقط العدالة بشرب الخمر من غير إدمان ومحمد شرط الإدمان لسقوطها وهو الصحيح وتمام التحقيق في البحر فليطالع ومن يلعب بالطيور لشدة غفلته وإصراره على نوع لهو لأنه غالبا ينظر إلى العورات في السطوح وغيرها وهو فسق فأما إذا أمسك الحمام للاستئناس ولا يطيرها فلا تزول عدالته لأن إمساكها في البيوت مباح
أو يلعب بالطنبور لكونه من اللهو والمراد من الطنبور كل لهو يكون شنيعا بين الناس احترازا عما لم يكن شنيعا كضرب القضيب فإنه لا يمنع قبولها إلا أن يتفاحش بأن يرقصون به فيدخل في حد الكبائر أو يغني للناس لأنه يجمع الناس على الكبيرة كما في
____________________
(3/275)
الهداية وظاهره أن الغناء كبيرة وإن لم يكن للناس بل لإسماع نفسه للوحشة وهو قول شيخ الإسلام فإنه قال بعموم المنع والإمام السرخسي إنما منع ما كان على سبيل اللهو ومنهم من جوزه لإسماع نفسه دفعا للوحشة وهو الصحيح كما في أكثر المعتبرات ومنهم من جوزه في عرس أو وليمة ومنهم من جوزه ليستفيد به نظم القوافي وفصاحة اللسان ومنهم من كرهه مطلقا ومنهم من أباحه مطلقا
أو يلعب بالنرد من غير شرط المقامرة أو تفويت الصلاة أو يقامر بالشطرنج أو تفوته الصلاة بسببه أي بسبب الشطرنج لظهور الفسق بتركه الصلاة وكذا بالمقامرة أما بدونهما لا يمنع العدالة لأن للاجتهاد فيه مساغا لقول مالك والشافعي بإباحته وهو مروي عن أبي يوسف واختارها ابن الشحنة إذا كان لإحضار الذهن واختار أبو زيد حله
وفي النوازل سئل أبو القاسم عمن ينظر إلى لاعبه من غير لعب أيجوز فقال لن يصير فاسقا وقد سوى بين النرد والشطرنج في الكنز فقال أو يقامر بالنرد والشطرنج وليس كذلك والحاصل أن العدالة إنما تسقط إذا وجد واحد من خمسة القمار وفوت الصلاة بسببه وإكثار الحلف عليه واللعب به على الطريق أو يذكر عليه فسقا وإلا فلا بخلاف النرد فإنه مسقط مطلقا كما في البحر وإنما لم يذكر الثلاثة الأخيرة لأنها معلومة فلا تساهل في تركها
أو يرتكب ما يوجب الحد أي يأتي نوعا من الكبائر الموجبة للحد لوجود تعاطيه بخلاف اعتقاده وذا دليل قلة ديانته فلعله يجترئ على الشهادة زورا كما في الكافي
وفي الدرر هذا مخالف لما نقلناه عنه
____________________
(3/276)
في شرب الخمر سرا لكن التوفيق بينهما أن المراد بارتكاب ما يحد به ليس ارتكاب ما من شأنه أن يحد به بالفعل ولا يكون ذلك إلا بإظهاره واطلاع الشهود عليه
وفي البحر الإعانة على المعاصي والحث عليها كبيرة ولا تقبل شهادة بائع الأكفان وقيد السرخسي بما إذا ترصد لذلك العمل وإلا فتقبل لعدم تمنيه الموت والطاعون ولا تقبل شهادة الصكاكين لأنهم يكتبون بخلاف الواقع الصحيح قبولها إذا غلب عليهم الصلاح ولا تقبل شهادة الطفيلي والرقاص والمجازف في كلامه والمسخرة بلا خلاف ولا تقبل شهادة من يشتم أهله ومماليكه كثيرا إلا أحيانا وكذا الشتام للحيوان ولا تقبل شهادة البخيل والذي أخر الفرض بعد وجوبه إن كان له وقت معين كالصوم والصلاة ولا تجوز شهادة تارك الجماعة إلا بتأويل وكذا تارك الجمعة بغير عذر ولا تارك الصلاة ولا تقبل شهادة أهل السجن بعضهم على بعض وذكر ابن وهبان لا تقبل شهادة الأشراف من أهل العراق لأنهم قوم يتعصبون
وفي البحر فعلى هذا كل متعصب لا تقبل شهادته انتهى
فينبغي أن لا تقبل في زماننا شهادة العلماء بعضهم على بعض لأنهم متعصبون
أو يأكل الربا لأنه من الكبائر أي يأخذ القدر الزائد والمراد بالأكل الأخذ وشرط في المبسوط أن يكون مشهورا بأكل الربا لأن التجار قلما يتخلصون عن الأسباب المفسدة للعقد وكل ذلك ربا فلا بد من الاشتهار كما في الدرر
أو يدخل الحمام بلا إزار لأن كشف العورة حرام ومع
____________________
(3/277)
ذلك يدل على عدم المبالاة أو يفعل ما يستخف به كالبول والأكل على الطريق لأنه تارك المروءة وكذا كل من يأكل غير السوقي في السوق بين الناس والمراد بالبول على الطريق إذا كان بحيث يراه الناس وكذا غيرهما في المباحات القادحة في المروءة كصحبة الأراذل والاستخفاف بالناس وإفراط المزح والحرف الدنية من نحو الدباغة والحياكة والحجامة بلا ضرورة كما في القهستاني لكن في البحر الصحيح القبول إذا كانوا عدولا ومثله النخاسون والدلالون أو يظهر سب واحد من السلف وهم الصحابة والعلماء المجتهدون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لأن هذه الأفعال تدل على قصور عقله ومروءته ومن لم يمتنع عنها لا يمتنع عن الكذب كما في الدرر وزاد في الفتح العلماء ولو قال أو يظهر سب مسلم لكان أولى لأن العدالة تسقط بسب مسلم بأن لم يكن من السلف كما في النهاية وغيرها قيد بالإظهار لأنه لو كتمه تقبل كما في الهداية
وتقبل الشهادة لأخيه وعمه ولسائر الأقارب غير الأولاد
____________________
(3/278)
ومحرمه رضاعا أو مصاهرة كأم امرأته وزوج بنته وامرأة أبيه وابنه لأن الأملاك ومنافعها متميزة بينهم ولا بسوطة لبعضهم في مال البعض فلا يتحقق التهمة
و تقبل شهادة أهل الأهواء مطلقا سواء كان على أهل السنة أو بعضهم على بعض أو على الكفرة إذا لم يكن اعتقادهم مؤديا إلى الكفر كما في الذخيرة وهم أهل القبلة الذين معتقدهم غير معتقد أهل السنة في بعض الأمور كالجبرية والقدرية والروافض والخوارج والمعطلة والمشبهة وكل منهم اثني عشر فرقة على ما هو المذكور في الكتب الكلامية
وقال الشافعي لا تقبل شهادة كلها لاشتداد فسقهم ولنا أن فسقهم كان من حيث الاعتقاد ولم يوقعهم في هذا الهوى إلا تدينهم فصار كمن يشرب المثلث أو يأكل متروك التسمية عامدا مستبيحا لذلك بخلاف الفسق من حيث التعاطي إلا الخطابية هم قوم من غلاة الروافض يعتقدون استحلال الشهادة لكل من حلف عندهم أنه محق وقيل يرون الشهادة لشيعتهم واجبة فتمكن التهمة في شهادتهم فلا تقبل
و تقبل شهادة الذمي على مثله أي على ذمي آخر
وإن وصلية اختلفا ملة كاليهود والنصارى إذ الكفر ملة واحدة
وقال ابن أبي ليلى لا تقبل إن تخالفا اعتقادا وفي الغرر وتقبل من كافر على عبد كافر مولاه مسلم أو على حر كافر موكله مسلم بلا عكس
و تقبل شهادة الذمي على المستأمن لأن الذمي أعلى حالا منه لكونه من أهل دارنا ولهذا يقتل المسلم بالذمي لا بالمستأمن دون عكسه أي لا تقبل شهادة المستأمن على الذمي لقصور ولايته عليه لكونه أدنى حالا منه
و تقبل شهادة المستأمن على مثله إن كانا من دار واحدة حتى لو كانا من أهل دارين كالروم والترك لا تقبل لأن الولاية فيما بينهم منقطعة باختلاف المنعتين ولهذا لا يجري
____________________
(3/279)
التوارث بينهما
وقال الشافعي ومالك لا تقبل شهادة أهل ملة على أهل ملة أخرى
و تقبل شهادة عدو بسبب الدين أي بأمر ديني لأنه لا يكذب لدينه كأهل الأهواء هذا تصريح بما علم ضمنا لأنه يفهم من قوله ولا تقبل شهادة العدو بسبب الدنيا
و تقبل شهادة من ألم بصغيرة أي ارتكب صغيرة بلا إصرار عليها إن اجتنب الكبائر أي كل فرد من أفراد الكبائر كما في أكثر الكتب لكن في القهستاني نقلا عن الخلاصة المختار اجتناب الإصرار على الكبائر فلو ارتكب كبيرة مرات قبل شهادته واختلفوا في الكبيرة والأصح أنه ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله تعالى والدين وغلب صوابه على خطئه أي كثرت حسناته بالنسبة إلى سيئاته ممن اجتنب الكبائر وفي الاختيار ولا بد أن يكون صلاحه أكثر من فساده معتادا للصدق مجتنبا عن الكذب صحيح المعاملة في الدينار والدرهم مؤديا للأمانة قليل اللهو والهذيان قال عمر رضي الله تعالى عنه لا تغرنكم طنطنة الرجل في صلاته انظروا إلى حاله عند درهمه وديناره أما الإلمام بمعصية لا يمنع قبول الشهادة لما في اعتبار ذلك من سد باب الشهادة انتهى
و تقبل شهادة الأقلف لإطلاق النصوص عن قيد الختان لكونه سنة عندنا أطلقه تبعا لما في الكنز لكن قيده قاضي خان وغيره بأن يتركه لعذر كالكبر أو خوف الهلاك أما إذا تركه على وجه الإعراض عن السنة أو الاستخفاف بالدين فلا تقبل فالإمام لم يقدر وقت الختان بوقت وغيره من وقت الولادة إلى عشر سنين وقيل إلى اثنتي عشرة
و تقبل شهادة الخصي فإن عمر رضي الله تعالى عنه قبل شهادة علقمة الخصي ولأنه قطع منه عضو ظلما كما لو قطعت يده ظلما وكذا الأقطع إذا كان عدلا لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قطع يد رجل في سرقة ثم كان بعد ذلك يشهد فتقبل شهادته كما في المنح وولد الزناء لأن فسق الأبوين لا يوجب فسق الولد خلافا لمالك والخنثى إن لم يكن مشكلا وإن كان مشكلا يجعل امرأة في حق الشهادة احتياطا وينبغي أن لا تقبل في الحدود والقصاص كالنساء والعمال والمراد بهم عمال السلطان الذين يأخذون
____________________
(3/280)
الحقوق الواجبة كالخراج ونحوه عند الجمهور لأن نفس العمل ليس بفسق فتقبل إلا إذا كانوا أعوانا على الظلم فلا تقبل كما في البحر وقيل العامل إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة لا يجازف في كلامه تقبل والحاصل أنهم إن كانوا عدولا تقبل وإلا فلا وقيل أراد بالعمال الذين يعملون ويؤاجرون أنفسهم للعمل لأن من الناس من رد شهادتهم من أهل الصناعات الخسيسة فأفرد هذه المسألة لإظهار مخالفتهم
وفي البحر وذكر الصدر أن شهادة الرئيس لا تقبل وكذا الجابي والمراد بالرئيس رئيس القرية وهو المسمى في بلادنا شيخ البلد ومثله المعرفون في المراكب والعرفاء في جميع الأصناف وضمان الجهات في بلادنا لأنهم كلهم أعوان على الظلم كما في الفتح
و تقبل شهادة المعتق بفتح التاء لمعتقه وعكسه لأنه لا تهمة فيها وقد قبل شريح شهادة قنبر وهو جد سيبويه لعلي رضي الله تعالى عنه وكان عتيقه فيه إشعار بأن العتيق لو كان متهما لم تقبل ولذا قال في الخلاصة ولو شهد العبدان بعد العتق على الثمن كذا عند اختلاف البائع والمشتري لا تقبل لأنهما يجران نفعا لأنفسهما نفعا بإثبات العتق لأنه لولا شهادتهما لتحالفا وفسخ البيع المقتضي لإبطال العتق
وفي المنح ولا يعارض ما في الخلاصة لو اشترى غلامين وأعتقهما فشهدا لمولاهما على أنه قد استوفى الثمن جازت شهادتهما لأنهما لا يجران بها نفعا ولا يدفعان مغرما وشهادتهما بأن البائع أبرأ المشتري من الثمن كشهادتهما بالإيفاء كما في الخانية
والمعتبر حال الشاهد وقت الأداء لا وقت التحمل كما بيناه
ولو شهدا أي ابنا الميت أن أباهما أوصى إلى زيد أي جعله وصيا وزيد يدعيه أي الإيصاء قال المولى سعدي والمراد من قوله والوصي يدعي أي الوصي يرضى انتهى
لكن الدعوى تستلزم الرضا بطريق ذكر الملزوم وإرادة اللازم تدبر قبلت شهادتهما
وإن أنكر
____________________
(3/281)
ذلك الوصي فلا أي لا تقبل شهادتهما لأن القاضي لا يملك إجبار أحد على قبول الوصية
ولو شهدا أن أباهما الغائب وكله أي زيدا بقبض دينه أو وكله بالخصومة لا تقبل وإن وصلية ادعاه لأن القاضي لا يملك نصب الوكيل عن الغائب بتعيينهما فشهادتهما تصير لنفعهما إذ يمكن أن يتواضعا مع الوكيل على أخذ المال فلا تقبل للتهمة بخلاف مسألة الوصية لأن القاضي يملك نصب الوصي عند الطلب والحاجة فبشهادتهما أولى وهذا استحسان والقياس يمنع الجواز لأنهما قصدا من يقوم بإحياء حقوقهما فلا تقبل للتهمة والظاهر أن الضمير في قوله وإن ادعاه يرجع إلى الوكالة أي وإن ادعى الوكيل الوكالة فعلى هذا لو قال وإن ادعاها بالتأنيث لكان أظهر
ولو شهد داينا ميت أي لو شهد غريمان لهما على الميت دينا أنه أي الميت أوصى إلى زيد أي جعله وصيا وهو أي زيد يدعيه أي الإيصاء قبلت شهادتهما كما إذا شهدا بدين على الميت لرجلين ثم شهد المشهود لهما للشاهدين بدين على الميت تقبل شهادتهما عند الطرفين لأن كل فريق يشهد بالدين في الذمة ولا شركة له في ذلك وإنما تثبت الشركة في المقبوض بعد القبض
وقال أبو يوسف لا تقبل لأن أحد الفريقين إذا قبض شيئا من التركة بدينه يشركه الفريق الآخر فصار كل شاهدا لنفسه كما في المنح
وكذا لو شهد مديوناه أي لو شهد مديونا ميت أن الميت أوصى إلى زيد وهو يدعيه قبلت شهادتهما استحسانا والقياس يمنع الجواز في الصورتين لأن الدائنين قصدا من يؤدي حقهما والمديونين قصدا البراءة بالدفع إليه فلا تقبل للتهمة أو شهد من أوصى لهما بأن الميت قد أوصى إلى زيد وهو يدعيه أو شهد وصياه بأن الميت قد أوصى إلى زيد وهو يدعيه قبلت استحسانا والقياس يمنع الجواز في الصورتين لأنهما أرادا نصب من يوصل حقهما في الأولى ونصب من يعينهما على التصرف في مال الميت في الثانية فالنفع يرجع إليهما فلا تقبل لا يقال بأن الميت إذا كان له وصيان فالقاضي لا يحتاج إلى نصب آخر لأنه يملكه لإقرارهما بالعجز عن القيام بأمور الميت بخلاف ما إذا كان الوصي جاحدا في جميع هذه الصور لأن القاضي لا يملك إجبار أحد على قبول الوصاية كما مر آنفا ولا بد من كون الموت معروفا في الكل أي ظاهرا إلا في مسألة الغريمين للميت عليهما دين فإنها تقبل وإن لم يكن الموت معروفا
وفي البحر ولو شهد الوصي بعد العزل للميت إن خاصم لا تقبل وإلا تقبل كما لو شهد الوكيل بعد عزله للموكل إن خاصم لا تقبل وإلا تقبل ثم قال نقلا عن البزازية وأما شهادة الوصي بحق
____________________
(3/282)
للميت على غيره بعدما أخرجه القاضي عن الوصاية قبل الخصومة أو بعدها لا تقبل وكذا لو شهد الوصي بحق للميت بعدما أدركت الورثة لا تقبل ولو شهد الوصي لبعض الورثة على الميت إذا كان المشهود له صغيرا لا تجوز اتفاقا وإن بالغا فكذلك عنده وعندهما تجوز ولو شهد لكبير على أجنبي تقبل في ظاهر الرواية ولو شهد للوارث الكبير والصغير في غير ميراث لم تقبل ولو شهد الوصيان على إقرار الميت بشيء معين لوارث بالغ تقبل انتهى
ولا تقبل الشهادة حال كونها مشتملة على جرح مجرد أي جارحية مجردة أي لم يترتب عليه ما يترتب على الجرح من دفع الخصومة عن المشهود عليه ولذا يقال له الجرح المفرد وهو أي الجرح المجرد ما يفسق به شاهد المدعي المعدل فإن الحكم لم يجز قبل التعديل لا سيما إذا جرح وعند الشافعي تسمع ويحكم به وكذا نقل عن الخصاف من غير إيجاب حق للشرع كوجوب الحد أو للعبد كوجوب المال فلو أوجبه تقبل نحو أن يشهدوا هو أي الشاهد فاسق أو آكل ربا وأنه استأجرهم أو شارب خمر في وقت أو زان في وقت أو على إقرارهم أنهم شهدوا بزور أو أن المدعي مبطل في هذه الدعوى أو أنه لا شهادة لهم على المدعى عليه في هذه الحادثة وإنما لم تقبل هذه الشهادة بعد التعديل لأن العدالة بعدما ثبتت لا ترتفع إلا بإثبات حق الشرع أو العبد وليس في شيء مما ذكر إثبات واحد منهما بخلاف ما إذا وجدت قبل التعديل فإنها كافية في الدفع ومن القواعد المقررة أن الدفع أسهل من الرفع وهو السر في كون الجرح المجرد مقبولا قبل التعديل ولو من واحد ولذا قيدنا بالمعدل وغير مقبول بعده بل يحتاج إلى نصاب الشهادة وإثبات حق الشرع أو العبد كما في الدرر فعلى هذا لو قال ولا تقبل الشهادة بعد التعديل كما في الغرر لكان أولى
وتقبل الشهادة على إقرار المدعي بفسقهم أي بفسق شهوده لأنهم ما أظهروا الفاحشة بل حكوا عنه والإقرار مما يدخل تحت الحكم فهذه الشهادة ليست على جرح مجرد بخلاف الشهادة على إقرار الشهود مع أنه لا يدخل تحت الحكم لأن فيه هتك الستر وبه
____________________
(3/283)
يثبت الفسق فلا تقبل
و تقبل على أنهم أي الشهود عبيد أو أحدهم عبد أو أنهم محدودون في قذف أو أنهم شاربو خمر الآن ولم يتقادم العهد إذ لو كان متقادما لا تقبل كما مر وكذا تقبل على أنهم سرقوا مني كذا أو زنوا بالنسوة بلا تقادم ما لم يزل الريح في الخمر ولم يمض شهر في الباقي أو أنهم قذفة لفلان وهو يدعيه فإن الكل يوجب حقا للشرع وهو الرق في العبد والحد في الباقي أو أنهم شركاء المدعي شركة مفاوضة والمدعي مالا لوجود التهمة كما إذا شهد ولد المدعي أو والده أو أنه أي المدعي استأجرهم لها أو للشهادة بكذا وأعطاهم ذلك أي الأجر مما عنده أي من الشيء الذي عنده فيكون ما موصولة
وفي بعض النسخ من مالي عنده أي من مالي الذي كان عنده لأن المدعى عليه خصم في ذلك فثبت الجرح بناء عليه أو أنهم على أني صالحتهم بكذا من المال ودفعته أي المال إليهم أي إلى الشهود على أن لا يشهدوا علي بهذا الباطل فشهدوا فعليهم أن يردوا المال على أنهم أخصام في ذلك ومن شهد ولم يبرح أي لم يزل عن مجلس القاضي حتى قال أوهمت بعض شهادتي منصوب على نزع الخافض أي في بعض شهادتي قبل إن كان عدلا والمراد بالقبول قبول شهادته لا قبول قوله أوهمت لما في الهداية فإن كان عدلا جازت شهادته ومعنى قوله أوهمت أي أخطأت بنسيان ما كان بحق على ذكره أو بزيادة كانت باطلة ووجهه أن الشاهد قد يبتلى بمثله لمهابة مجلس القضاء فإن كان العذر واضحا فيقبل إذا تداركه في أوان المجلس وهو عدل بخلاف ما إذا قام عن المجلس ثم عاد وقال أوهمت لأنه يوهم الزيادة من المدعي بتلبيس وخيانة فوجب الاحتياط ولأن المجلس إذا اتحد لحق الملحق بأصل الشهادة فصار ككلام واحد ولا كذلك إذا اختلف المجلس وعلى هذا إذا وقع الغلط في بعض الحدود أو في بعض النسب وهذا إذا كان موضع شبهة فأما إذا لم يكن فلا
____________________
(3/284)
بأس بإعادة الكلام أصلا مثل أن يدع لفظة الشهادة وما يجري مجرى ذلك وإن قام عن المجلس بعد أن يكون عدلا وعن الشيخين أنه يقبل قوله في غير المجلس إذا كان عدلا والظاهر ما ذكرناه انتهى
وفي الدرر إذا تذكر لفظا بعدما شهد في شهادته فذكره يقبل إذا لم يكن فيه مناقضة وأطلق في الجامع الصغير والمحيط أنه إذا لم يبرح عن مكانه جاز ذلك إذا كان عدلا ولم يشترط عدم المناقضة وأنه شرط حسن ذكره الزاهدي
باب الاختلاف في الشهادة تأخير الاختلاف في الشهادة عن اتفاقها مما يقتضيه الطبع لكون الاتفاق أصلا والاختلاف إنما يعارض الجهل والكذب فأخره وضعا للتناسب كما في العناية شرط موافقة الشهادة الدعوى لأنها لو خالفتها فقد كذبتها والدعوى الكاذبة لا يعتبر وجودها والشرط توافقهما في المعنى دون اللفظ حتى لو ادعى المدعي الغصب فشهدا بإقرار المدعى عليه بذلك تقبل كما في أكثر الكتب وما في الوقاية من أنه شرط موافقة الشهادة الدعوى كاتفاق الشاهدين لفظا ومعنى مخالف لما في أكثر الكتب تدبر ثم فرعه فقال فلو ادعى دارا شراء أو إرثا وشهدا أي الشاهدان بملك مطلق ردت شهادتهما لأنهما شهدا بأكثر مما ادعاه المدعي لأنه ادعى ملكا حادثا وهما شهدا بملك قديم وهما مختلفان فإن الملك في المطلق يثبت من الأصل حتى يستحق بزوائده ولا كذلك في الملك الحادث ويرجع الباعة بعضهم إلى بعض فيه فصارا غيرين وفي عكسه أي ادعى ملكا مطلقا وشهدا بملك بسبب كالشراء أو الإرث تقبل الشهادة لأنهم شهدوا بأقل مما ادعاه فلم تخالف شهادتهما الدعوى للمطابقة معنى
وكذا شرط
____________________
(3/285)
اتفاق الشاهدين لفظا ومعنى لأن القضاء لا يجوز إلا بحجة وهي شهادة المثنى فما لم يتفقا فيما شهدا به لا تثبت الحجة مطلقا والموافقة المطلقة باللفظ والمعنى وهذا عند الإمام وقالا الاتفاق في المعنى هو المعتبر لا غير والمراد بالاتفاق في اللفظ تطابق اللفظين على إفادة المعنى بطريق الوضع لا بطريق التضمن حتى لو ادعى رجل بمائة درهم فشهد شاهد بدرهم وآخر بدرهمين وآخر بثلاثة وآخر بأربعة وآخر بخمسة لم تقبل عنده لعدم الموافقة لفظا وعندهما يقضي بأربعة لاتفاق الشاهدين الأخيرين فيها معنى ثم فرعه فقال فلا تقبل الشهادة لو شهد أحدهما بألف أو مائة أو طلقة و شهد الآخر بألفين أو بمائتين أو بطلقتين أو ثلاث عند الإمام لعدم الاتفاق لفظا ولأن الدلالة على الأقل بالتضمن غير معتبر ألا ترى أنه لو شهد أحدهما بأنه قال لامرأته أنت خلية وشهد الآخر أنه قال أنت برية لا يثبت شيء وإن اتفق المعنى كما لو ادعى غصبا أو قتلا فشهد أحدهما به والآخر بالإقرار به حيث لا تقبل وكذا في كل قول جمع مع فعل لا تقبل كما لو ادعى عليه ألفا فشهد أحدهما أنه دفع لهذا المدعى عليه ألفا وشهد الآخر على إقرار المدعى عليه بها لا يجمع لأن هذا قول وفعل وذكروا أنه لا يجمع بين القول والفعل كما في المنح وعندهما والأئمة الثلاثة تقبل على الأقل أي على الألف أو المائة أو الطلقة عند دعوى الأكثر لاتفاقهما على الأقل معنى من غير قدح ولو ادعى الأقل لا يثبت شيء عندهم لأن المدعي مكذب لشاهد الأكثر وفي النهاية إن كانت المخالفة بينهما في اللفظ دون المعنى تقبل كما لو شهد أحدهما على الهبة والآخر على العطية لأن اللفظ ليس بمقصود في الشهادة بل المقصود ما صار اللفظ علما عليه فإذا وجدت الموافقة في ذلك لا يصير المخالفة فيما سواها وكذا إذا شهد أحدهما بالنكاح والآخر بالتزويج تقبل ذكره في المحيط ولم يحك فيه خلافا
وفي البحر تفصيل فليطالع ولو شهد أحدهما بألف والآخر بألف ومائة والمدعي يدعي الأكثر أي ألفا ومائة قبلت شهادتهما على الألف اتفاقا
____________________
(3/286)
لاتفاقهما على الألف لفظا ومعنى وقد انفرد أحدهما بألف ومائة بالعطف والمعطوف غير المعطوف عليه فيثبت ما اتفقا عليه قيد بدعوى الأكثر لأنه لو ادعى الأقل بأن قال لم يكن إلا الألف أو سكت عن دعوى المائة الزائدة لا تقبل لظهور تكذيبه الشاهد في الأكثر إلا إذا ادعى التوفيق بأن قال كان أصل حقي ألفا ومائة ولكن أبرأت المائة عنها أو استوفيت قبلت للتوفيق وكذا مائة ومائة وعشرة يعني لو شهد أحدهما بمائة والآخر بمائة وعشرة والمدعي يدعي الأكثر على مائة اتفاقا
و كذا طلقة وطلقة ونصف أي شهد أحدهما بطلقة والآخر بطلقة ونصف تقبل اتفاقا على طلقة إن ادعى الأكثر بخلاف العشرة وخمسة عشر حيث لا تقبل لأنه مركب كالألفين إذ ليس بينهما عطف
وفي البحر شهد أحدهما على خمسة عشر والآخر على عشرة وخمسة والمدعي يدعي خمسة عشر ينبغي أن تقبل
ولو شهدا بألف أو بقرض ألف وقال أحدهما أي أحد الشاهدين قضى منها أي من الألف كذا أي خمسمائة مثلا قبلت شهادتهما على الألف لاتفاقهما على وجوب الألف لا تقبل على القضاء لأنه شهادة فرد ما لم يشهد به أي إلا أن يشهد معه آخر
وعن أبي يوسف أنه يقضي بخمسمائة لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة وينبغي أي يجب لمن علمه أي علم قضاء بعضه أن لا يشهد بالألف كلها حتى يقر المدعي به أي بما قبض كي لا يكون معينا على الظلم
ولو شهدا بقتله أي بقتل شخص زيدا يوم النحر بمكة و شهد آخران بقتله أي بقتل ذلك الشخص إياه أي زيدا فيه أي في يوم النحر بكوفة ردتا بالإجماع لأن إحداهما كاذبة بيقين ولا مجال للترجيح لأن القتل من باب الفعل والفعل الواحد لا يتكرر وكذا لو اختلفا في الزمان أو الآلة التي قتل بها ردتا أيضا قيد بكون المشهود به القتل لأنهم لو شهدوا على إقرارهم القاتل بذلك في وقتين أو مكانين تقبل كما في البحر فإن قضى بإحداهما أي بإحدى شهادتين أو لا بطلت الشهادة الأخيرة بالإجماع لأن الأولى ترجحت على الأخرى باتصال
____________________
(3/287)
القضاء بها فلا تنتقض بالثانية
ولو شهدا بسرقة بقرة واختلفا أي الشاهدان في لونها أي في لون البقرة أطلق اللون فشمل جميع الألوان وهو الصحيح أي قال أحدهما حمراء والآخر صفراء أو قال أحدهما سوداء والآخر بيضاء قطع أي قبلت شهادتهما وقطعت يد السارق عند الإمام لأنهما اختلفا فيما ليس في صلب الشهادة ولذا لو سكتا عن ذكر اللون تقبل شهادتهما مع أن التوفيق ممكن بين اللونين لأن السرقة تكون في الليالي غالبا ويكون التحمل فيها من بعيد فيتشابه عليهما اللونان أو يجتمعان بأن يكون السواد من جانب فأحدهما يراه والبياض من جانب والآخر يراه
وفي الإصلاح ويرد عليه أنه احتيال في إيجاب الحد والأصل خلاف ذلك وما قيل في دفعه أنه صيانة للحجة عن التعطيل وإنما يجب الحد ضرورة ضعيف كما لا يخفى ولو قيل يثبت المال لإمكان التوفيق ويسقط الحد لمكان الشبهة لكان أوفق للأصول أقرب إلى العقود وإن اختلفا في الذكورة والأنوثة أي قال أحدهما سرق ذكرا والآخر قال أنثى لا يقطع اتفاقا لعدم تطابق الشاهدين في المعنى لاختلافهما في جنسين متباينين وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة لا يقطع فيهما أي فيما اختلفا في لونها وفيما اختلفا في الذكورة والأنوثة لأن البقرة البيضاء غير السوداء فكانا سرقتين مختلفتين ولم يتم على واحد نصاب الشهادة فصار كالاختلاف في الذكورة والأنوثة قيل هذا اختلاف فيما إذا ادعى سرقة بقرة فقط من غير تقييد بوصف فإذا ادعى سرقة بقرة سوداء أو بيضاء فاختلف الشاهدان لا تقبل إجماعا كما لا تقبل عند اختلافهما في المروزي والهروي في سرقة الثوب لأن المدعي كذب أحدهما وفي الغصب يعني لو شهدا بغصب بقرة واختلفا في لونها لا تقبل اتفاقا لأن التحمل فيه بالنهار غالبا على قرب منه فلا يشتبه عليهما
وفي التنوير وفي العين تقبل ولو شهد واحد بالشراء أو الكتابة بألف متعلق بهما
و شهد الآخر بالشراء أو الكتابة بألف ومائة ردت شهادتهما لأن المقصود إثبات السبب وهو العقد فالبيع بألف غير البيع بألف ومائة فاختلف المشهود به لاختلاف الثمن فلم يتم النصاب على واحد منهما ولا فرق بين أن
____________________
(3/288)
يكون المدعي هو البائع أو المشتري وبين أن يدعي أقل المالين أو أكثرهما كما سيجيء وكذا لو اختلفا في مقدار بدل الكتابة لا تقبل شهادتهما لما قررناه
وكذا العتق على مال والصلح عن قود والرهن والخلع إن ادعى العبد في الصورة الأولى والقاتل في الثانية والراهن في الثالثة والمرأة في الرابعة لأن هؤلاء لا يقصدون إثبات المال بل إثبات العقد وهو مختلف فلا تقبل
وإن ادعى الآخر أي المولى في العتق على مال وولي المقتول في الصلح عن قود والمرتهن في الرهن والزوج في الخلع بأن يدعي مولى العبد أني أعتقتك على ألف ومائة وقال العبد على ألف أو ادعى ولي القصاص صالحتك على ألف ومائة وقال القاتل على ألف وكذا الباقيان كان كدعوى الدين فيما ذكر من الوجوه من أنها تقبل على ألف إذا ادعى ألفا ومائة بالاتفاق وإذا ادعى ألفين لا تقبل عنده خلافا لهما وإن ادعى الأقل من المالين تعتبر الوجوه الثلاثة من التوفيق والتكذيب والسكوت عنهما لأنه ثبت العفو والعتق والطلاق باعتراف صاحب الحق فبقي الدعوى في الدين وفي الرهن إذا كان المدعي هو الراهن لا تقبل لعدم الدعوى لأنه لما لم يكن له أن يسترد الرهن قبل قضاء الدين كانت دعواه غير مفيدة فكانت كأن لم تكن وإن كان هو المرتهن كان بمنزلة الدين يقضى بأقل المالين إجماعا وفي العناية والدرر كلام فليطالع والإجارة كالبيع عند أول المدة يعني إذا كانت الدعوى في الإجارة في أول المدة قبل استيفاء المعقود عليه واختلف الشاهدان لا تقبل كما لا تقبل عند الاختلاف في البيع للحاجة إلى إثبات العقد سواء ادعى المؤجر أو المستأجر وسواء كانت الدعوى بأقل المالين أو أكثرهما وكالدين بعدها أي بعد المدة فثبت ما اتفق عليه الشاهدان وهو الأقل أما إذا كان المدعي هو الآجر فإنه لا حاجة حينئذ إلى إثبات العقد وأما إن كان المستأجر فلأن ذلك منه اعتراف بمال الإجارة فيجب عليه ما اعترف به من غير حاجة إلى اتفاق الشاهدين أو اختلافهما وهذا إن ادعى الأكثر وإن الأقل لا تقبل شهادة من شهد بالأكثر لأن المدعي
____________________
(3/289)
يكذبه وفي بعض الشروح فإن كان الدعوى من المستأجر فهو دعوى العقد بالإجماع وهو في معنى الأول لأن الدعوى إذا كانت في العقد بطلت الشهادة فيؤخذ المستأجر باعترافه كما في العناية وفي النكاح تقبل الشهادة بألف إذا اختلف الشاهدان في قدر المهر بأن شهد أحدهما بالنكاح بالألف والآخر بألف ومائة عند الإمام استحسانا لأن المال في النكاح تابع ومن حكم التابع أن لا يغير الأصل ولذا لا يبطل بنفيه ولا يفسد بفساده وكذا لا يختلف باختلافه إذا اتفقا على الأصل وهو الملك والحل فيلزم القضاء به فيبقى المهر مالا منفردا وقضى بأقل المالين ولا فرق فيه بين دعوى الأقل أو الأكثر وهو الصحيح وبين كون الدعوى من الزوج أو الزوجة وهو الأصح لأن المنظور إليه هو النكاح وهو لا يختلف باختلاف المهر لكونه غير مقصود فلزوم إكذاب شاهد الأكثر عند دعوى الأقل لا يضر في ثبوت النكاح وقيل الاختلاف فيما إذا كانت المرأة هي المدعية فإن كان المدعي هو الزوج لا تقبل إجماعا وقالا وهو قول الأئمة الثلاثة ردت الشهادة فيه أي في النكاح أيضا أي كما في البيع ولا يقضى بشيء لأن المقصود من الجانبين إثبات السبب إذ النكاح بألف غير النكاح بألف ومائة وذكر في الأمالي قول أبي يوسف مع قول الإمام فالعمل بالاستحسان أولى وفي الشمني وغيره ولو اختلف الشاهدان في الزمان والمكان في البيع والشراء والطلاق والعتق والوكالة والوصية والرهن والدين والقرض والبراءة والكفالة والحوالة والقذف تقبل ولو اختلفا في الجناية والغصب والقتل والنكاح لا تقبل
وفي البحر تفصيل فليراجع
ولا بد من الجر في شهادة الإرث يعني إذا ادعى الوارث عينا في يد إنسان أنها ميراث أبيه وشهدا أن هذه كانت لأبيه لا يقضى له حتى يجر الميراث حقيقة بأن يقول الشاهد مات وتركه ميراثا للمدعي أو حكما كما أشار إليه بقوله أو مات وهذا ملكه أو في يده وتصرفه أما إن قال إنه كان لابنه لا تقبل شهادته لعدم الجر حقيقة وحكما هذا عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإنه قال تقبل شهادته بلا جر لأن ملك المورث ملك الوارث لكون الوراثة خلافة ولهذا يرد بالعيب ويرد عليه به فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة به للوارث ولهما أن ملك
____________________
(3/290)
الوارث يتجدد في الأعيان وإن لم يتجدد في حق الديون ولهذا يجب الاستبراء على الوارث في الجارية المورثة ويحل للوارث الغني ما كان صدقة على المورث الفقير والمتجدد يحتاج إلى النقل لئلا يكون استصحاب الحال مثبتا لكن يكتفى بالشهادة على قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال حينئذ ضرورة وكذا الشهادة على قيام يده لأن الأيدي عند الموت تنقلب يد ملك بواسطة الضمان إذ الظاهر من حال المسلم في ذلك الوقت أن يسوي أسبابه ويبين ما كان من الودائع والغصوب فإذا لم يبين فالظاهر من حاله أن ما في يده ملكه فجعل اليد عند الموت دليل الملك كما في العناية والدرر وقال صاحب المنح ولا بد مع الجر المذكور من بيان سبب الوراثة وإذا شهدوا أنه أخوه فلا بد من بيان أنه أخوه لأبيه وأمه أو لأحدهما ولا بد من قول الشاهد لا وارث له غيره ولو قال لا وارث له بأرض كذا تقبل عنده خلافا لهما وذكر اسم الميت ليس بشرط حتى لو شهدوا أنه جده أبو أبيه ووارثه ولم يسم الميت تقبل بدون اسم الميت فإن قال الشاهد كان هذا الشيء لأب المدعي أعاره من ذي اليد أو أودعه إياه قبلت الشهادة بلا جر لأن يد المستعير والمودع والمستأجر يد الميت فصار كأنه شهد بأن أباه مات والمنزل في يده وإن شهدا أن هذا الشيء كان في يد المدعي منذ كذا والحال أنه ليس في يده عند الدعوى ردت شهادتهما وعند أبي يوسف أنها تقبل لأن اليد مقصودة كالملك
وإن شهدا أنه كان ملكه قبلت فكذا هذا وصار كما لو شهدا بالأخذ من المدعي والوجه الظاهر وهو قول الطرفين إلا الشهادة قامت بمجهول فإن اليد متنوعة إلى يد ملك وأمانة وضمان فلا يملك القضاء بالشك بخلاف الأخذ لأنه معلوم وحكمه معلوم وهو وجوب الرد وبخلاف الملك لأنه معلوم غير مختلف وعن هذا قال وإن شهدا أنه كان ملكه قبلت شهادتهما لما مر
ولو أقر المدعى عليه أنه كان في يد المدعي أمر بالدفع إليه أي إلى المدعي لأن الجهالة في المقر به لا تمنع صحة الإقرار
وكذا يؤمر بدفعه لو شهدا بإقراره أي إقرار المدعى عليه بذلك أي بأنه كان في يد المدعي لأن الإقرار معلوم فتصح الشهادة به
____________________
(3/291)
292 باب الشهادة على الشهادة لا يخفى حسن تأخير شهادة الفروع عن الأصول تقبل الشهادة على الشهادة استحسانا في جميع الحقوق كالأموال والوقف على الصحيح إحياء له وصونا عن اندراسه والتعزير كما في البحر
وفي الاختيار هذا رواية عن أبي يوسف وعن الإمام أنها لا تقبل وقضاء القاضي وكتابه كما في الخانية في غير حد وقود وإن وصلية تكررت مرتين أو مرات أي تجوز في
____________________
(3/292)
درجات ثم فثم كما تجوز في درجة وكان القياس أن لا تجوز لأن الشهادة عبادة بدنية والنيابة لا تجري فيها وجه الاستحسان أن الحاجة ماسة إليها إذ شاهد الأصل قد يعجز عن أدائها لبعض العوارض فلو لم تجز لأدى إلى إتواء الحقوق ولهذا جوزت وإن كثرت أي وإن تعددت إلا أن فيها شبهة من حيث البدلية أو من حيث إن فيها زيادة احتمال وقد أمكن الاحتراز عنه بجنس الشهود فلا تقبل فيما تندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص وعند الأئمة الثلاثة تقبل فيما يسقط بها أيضا وشرط لها أي لهذه الشهادة تعذر حضور الأصل أي أصل الشاهد على القضية لأدائها بأحد من الأسباب الثلاثة بموت أي بموت الأصل كما في الهداية وغيرها لكن في القهستاني نقلا عن النهاية أن الأصل إذا مات لا تقبل شهادة فرعه فيشترط حياة الأصل أو مرض أي يكون مريضا مرضا لا يستطيع به حضور مجلس القاضي وفيه إشعار بأنها تقبل إذا كان الأصل مخدرة وهي التي لا تخالط الرجال ولو خرجت لقضاء الحاجة أو للحمام كما في القنية وكذا إذا حبس الأصل في سجن الوالي وأما في سجن القاضي ففيه خلاف كما في السراج فعلى هذا إن ذكر الثلاثة ليس بحصر أو سفر شرعي في ظاهر الرواية وعليه الفتوى لأن جوازها عند الحاجة وإنما تمس عند عجز الأصل وبهذه الأشياء يتحقق العجز بلا مرية فلو كان الفرع بحيث لو حضر الأصل مجلس الحكم أمكنه البيتوتة في منزله لم تقبل وعند أكثر المشايخ وهو قول الأئمة الثلاثة تقبل وعليه الفتوى كما في السراجية والمضمرات قالوا الأول أحسن والثاني أرفع وعن محمد أنه يجوز كيف ما كان ولو كان الأصل في المصر
و شرط أن يشهد عن كل أصل
____________________
(3/293)
اثنان لأن شهادة واحد على شهادة واحد ليس بحجة خلافا لمالك لا يشترط تغاير فرعي الشاهدين بل يكفي الفرعان للأصلين فلو شهد رجلان على شهادة أصل واحد ثم شهد هذان الشاهدان على شهادة أصل آخر في حادثة واحدة تقبل عندنا لقول علي رضي الله تعالى عنه لا تجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين ذكره مطلقا من غير تقييد بالتغاير ولم يرو غيره خلافه فحل محل الإجماع خلافا للشافعي بل لا بد عنده أن يكون شهود الفرع أربعة لأن كل فرعين قاما مقام أصل واحد فصارا كالمرأتين وذكر في الكنز إن شهد رجلان على شهادة شاهدين انتهى
وظاهره أن يكون ذلك شرطا فلا تقبل شهادة النساء على الشهادة كما قاله المقدسي في الحاوي وليس كذلك بل هو سهو وما وقع في الكنز اتفاقي لأنه يجوز أن يشهد عليها رجل وامرأتان لتمام النصاب وكذا لا يشترط أن يكون المشهود على شهادته رجلا لأن للمرأة أيضا أن تشهد على شهادتها رجلين أو رجلا وامرأتين ويشترط أن يشهد على شهادة كل امرأة نصاب الشهادة كما في التبيين وغيره
وصفتها أي الشهادة على الشهادة أن يقول الشاهد الأصل أي أصل كل من الفريقين عند التحميل مخاطبا للفرع اشهد عند الحاجة أمر من الثلاثي فلو أشهد رجلا وهناك رجل يسمعه لم يجز له أن يشهد على شهادتي فلو لم يذكره لم يجز خلافا لأبي يوسف فإنه معلوم كما في المحيط أني أشهد بكذا أي بأن فلان بن فلان بن فلان أقر عندي له بألف درهم والجملة بدل من المجرور قيد بقوله على شهادتي لأنه لو قال اشهد علي بذلك لم تجز له الشهادة وقيد بعلي لأنه لو قال بشهادتي لم تجز له كما في التبيين قيد بالشهادة على الشهادة لأن الشهادة بقضاء القاضي صحيحة وإن لم يشهدهما القاضي عليه وذكر في الخلاصة اختلافا بين الإمام وأبي يوسف فيما إذا سمعاه في غير مجلس القضاء وأشار بعدم اشتراط قوله إلى أن سكوت الفرع عند تحمله يكفي لكن لو قال لا قيل ينبغي أن لا يصير شاهدا كما في القنية ولا ينبغي أن يشهد الشاهد على شهادة من ليس بعدل
____________________
(3/294)
عنده ويقول الشاهد الفرع عند الأداء أشهد على صيغة المتكلم أن فلانا أشهدني ماض من الأفعال على شهادته بكذا وقال لي اشهد أمر من الثلاثي على شهادتي به أي بكذا لأنه لا بد من شهادة الفرع وذكر الفرع شهادة الأصل وذكر التحميل ولها لفظ أطول من هذا بأن يقول الأصل أشهد بكذا أو أنا أشهدك على شهادتي فاشهد على شهادتي ويقول الفرع عند القاضي وقت أدائه أشهد أن فلانا يشهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وأمرني بأن أشهد على شهادته أنا أشهد على شهادته أو أقصر منه بأن يقول الأصل أشهد على شهادتي بكذا ويقول الفرع أشهد على شهادة فلان بكذا ذكره محمد في السير الكبير وهو مختار الفقيه أبي جعفر وأبي الليث والإمام السرخسي وهو أسهل وأيسر لكن المصنف اختار الأوسط لما قالوا خير الأمور أوساطها ويصح تعديل الفرع أصله وهذا ظاهر الرواية وهو الصحيح كما في البحر لأن الفرع ناقل عبارة الأصل إلى مجلس القاضي فبالنقل ينتهي حكم النيابة فيصير أجنبيا فيصح تعديله والمراد أن الفروع معروفون بالعدالة عند القاضي فعدلوا الأصول وأن يعرفهم بها فلا بد من تعديلهم تعديل أصولهم كما في المنح وفيه إيماء إلى أنه يجب أن يكون الأصل عدلا فلو خرس أو فسق أو عمي أو ارتد لم تقبل شهادة فرعه كما في الخزانة وإلى أنه لو غاب كذا سنة ولم يعلم بقاؤه على عدالته قبلت شهادة فرعه إن كان الأصل رجلا مشهورا كما في الذخيرة
و يصح تعديل أحد الشاهدين الفرعين الذي هو عدل عند القاضي الفرع الآخر الذي لم تعلم عدالته لأنه من أهل التزكية وقيل لا تقبل لأنه إنما يعدل ليصير مقبول الشهادة وهي منفعة لنفسه فيتهم ولا يخفى أنه مغن عن السابق وشامل لتعديل الأصل فرعه إذا حضر وقد صح ذلك كما في القهستاني فإن سكت أي الفرع عنه أي عن تعديل الأصل جاز ونظر أي نظر القاضي في حاله أي حال الأصل كما لو حضر
____________________
(3/295)
296 الأصل بنفسه ويسأل عن عدالة الأصل غير الفرع لكون الأصل مستورا وإن ثبتت عدالته تقبل شهادة فرعه عند أبي يوسف وهو المختار لأن الواجب على الفرع هو النقل لا التعديل إذ يخفى عليه عدالته
وقال محمد ترد شهادته لأنه لا شهادة إلا بالعدالة وإذا لم يعرف الفرع عدالة الأصل لا يجوز نقله فترد شهادة الفرع على شهادته
وتبطل شهادة الفرع قبل الحكم بإنكار الأصل الشهادة أي الإشهاد بأن قالوا لم نشهدهم على شهادتنا فماتوا أو غابوا ثم شهد الفروع لم تقبل لأن التحمل لم يثبت للتعارض بين الخبرين وتقرر الأصل على شهادته شرط لصحتها بخلاف ما لو أشهده على شهادته ثم نهاه عنها لم يصح نهيه كما في التنوير قيد بالإنكار لأنه لو سئل فسكت لم يبطل الإشهاد وقيدنا بقبل الحكم لأنه لو أنكر بعدم الحكم لم تبطل لما قال يعقوب باشا في حاشيته ومراده من بطلان شهادة الفروع عدم قبولها وأما الحكم الواقع قبل الإنكار فلا يبطل
وإن شهدا على شهادة اثنين على فلانة بنت فلان الفلانية أنها أقرت لفلان بكذا وقالا أي الفرعان أخبرانا أي الأصلان أنهما يعرفانها أي الفلانة وجاء المدعي بامرأة منكرة لم يدريا الفرعان أنها أي هذه المرأة هي أي الفلانة أم لا قيل له أي قال القاضي للمدعي قد ثبت لك الحق على فلانة بنت فلان الفلانية وهذا لأنهما نقلا كلام الأصول كما تحملا وقولهما لا ندري أهي هذه أم لا لا يوجب جرحا في الشهادة لأنهما لم يعرفا فقد عرفها الأصول إلا أنها غير تامة لكونها عامة إذ عددهم لا يحصى ولذا قال له هات شاهدين أنها هي لأن التعريف بالنسبة قد تحقق بشهادتهما والمدعي
____________________
(3/296)