بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا إلى الإيمان بهدايته الأزلية ووفقنا لمداومة الصلاة بعنايته العلية وأطلعنا على الأصول وما يتفرع عليها من المسائل الحنفية وفرض علينا الزكاة لإزالة الوسخ عن الأموال البهية وشرفنا بالصوم والحج فإنهما مكفران للذنوب وكاشفان عن ظلم المعاصي وغياهب الريوب حمدا لا يكتنه كنهه في البداية والنهاية وهو مرقاة الأصول ومعراج الرواية والدراية هو الله لا إله سواه ولا منازع لما عدله وسواه والصلاة على أشرف الخلائق الإنسية ومجمع الخلائق الإنسية وطور التجليات الإحسانية ومهبط الأسرار الروحانية وترجمان لسان القدم ومنبع العلم والحلم والحكم سيدنا محمد الذي وسم الحلال والحرام ورسم الإحلال والإحرام علما للدين المبين وإماما للحكام وموطدا للملة وممهدا للإسلام صلاة ممدودة مداها باقية الوصول إلى منتهاها وعلى آله وأصحابه الذين هم قاطعوا دابر أهل الضلالة وقالعوا عرق أهل الغواية والجهالة ما تجلت وجوه الإسلام بغرر التدقيق وتجلت صدور الأحكام بدرر التحقيق
وبعد فيقول المفتقر إلى الملك المنان عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن سليمان المدعو بشيخ زاده جعل الله له الحسنى وزيادة وغفر له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه إن الكتاب المسمى بملتقى الأبحر بحر زاخر وغيث ماطر وإن كان صغير الحجم ووجيز النظم لكن جميع الواقعات من المسائل قد يوجد في قعره أو في الساحل وهو
____________________
(1/7)
أنفع متون المذهب وأجل وأتمها فائدة وأكمل خال عن الزوائد المملة والاختصارات المخلة وشهرته فوق الأطناب في مدحته رحم الله مؤلفه وتغمده بمغفرته وقد شرحه بعض من العلماء وكشف عن حقائقه المستجنة غير واحد من الفضلاء إلا أن منهم من أطنب بلا فائدة ومنهم من أوجز بلا ربط ولا قاعدة لا يرى فيما قالوا شفاء لعليل ولا رواء لغليل بل لا يخلو من زيغان الأبصار على الناظرين والتخالج في بال أكثر المتأملين فأردت تبيين مكنونه عن كل محكم وغامض وتحقيق لبه من كل حلو وحامض من غير إطناب ممل وإيجاز مخل وألحقت به كثيرا من الفوائد الجمة والمسائل المهمة متوغلا في تخليص الحق والصواب وتمييز القشر عن اللباب مع قلة البضاعة وكثرة الهموم والآلام واشتعال نيران شدائد الطريق في الليالي والأيام واختلال الحال وتراكم بواعث الملال
وسميته بمجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر راجيا من المنصف إذا نظر فيه بعين الرضا ووجد الخطأ أن يصحح على ما اشتهر فيما بينهم اللئيم يفضح والكريم يصلح لأن نوع الإنسان قلما يخلو عن السهو والنسيان ومن ألقى معاذيره يكون عند كرام الناس معذورا ولا يستحق أن يكون بلومة لائم ملوما مدحورا بل يكون السعي لديهم مشكورا والعمل الخير بين يديهم مقبولا ومبرورا ومبتغيا أن يجعله خاصا لوجه الله الغفار ووسيلة إلى شفاعة نبيه المختار وشرعت مستعينا بالله الفياض الكريم ومستعيذا من كل حاسد ولئيم وذلك في يمن أيام دولة السلطان الأكرم عضد سلاطين الأمم ظل الله في بسيط الأرض عامر المعمورة في الطول والعرض قطب فلك السلطنة الغراء مركز دائرة الخلافة العليا مالك أزمة أمور العالمين حافظ ثغور بلاد المسلمين لنصرة الدين المبين والشرع المطهر المتين المنصور بالتأييدات الفائضة من السماء المظفر بورود الجنود الغيبية على الأعداء المؤيد من عند الله الوهاب بالتوفيق المسدد بنصر الله الفتاح على التحقيق آمر العباد بإقامة النفل والفرض المخصوص بتشريف هو الذي جعلكم خلائف في الأرض أنور من بدر الدجى في هالة البرايا أظهر من شمس الضحى في العدالة بين الرعايا ملاذ أرباب الحاجات والعلماء معاذ كافة الفقراء والضعفاء حامي حوزة الإسلام مروج قواعد الشريعة بإجراء الأحكام ضابط أقطار الأمصار
____________________
(1/8)
بالقوة القاهرة رابط أطراف الآفاق بالدولة الباهرة ناصب رايات النصفة بعد اندراسها مظهر آثار العدالة عقيب انطماسها مؤسس مباني الإنصاف قالع قواعد الإجحاف مالك ممالك الآفاق وارث سرير السلطنة بالاستحقاق خادم الحرمين المعظمين مالك أماجد المشرقين
هو المليك الذي ما زال بدر هدى يطيعه الخلق من عرب ومن عجم فمذ أقام بأمر الله قد حرست جوانب الدين والدنيا من الثلم سلطان العرب والعجم والروم والخاقان السلطان الغازي محمد خان بن السلطان إبراهيم خان بن السلطان أحمد خان أسبغ الله ظلال سلطنته على مفارق العالمين ووسع سجال نوال عاطفته إلى يوم الدين ولا زالت سماء دولته بكواكب الإقبال مزينة وآيات أبهته على صفحات الكائنات مبينة وأقمار دولته ثابتة على بروج الكمال ونجوم عظمته ثاقبة على ذوي الإقبال نائية عن سمت الزوال مليك الندى ركن الهدى كعبة العلى قرين التقى والعدل والخير أجمعا إلهي بدمع الواردين لزمزم ومن طاف بالبيت العتيق ومن سعى أطل عمره واشرح بفضلك صدره وعامله بالإنعام يا سامع الدعا اعلم أن المصنف افتتحه باسم الله وفاقا لكتاب الله واقتفاء لسنة رسول الله واقتداء بالمؤلفين العارفين بالله مع إشارة إلى أداء بعض ما عليه من محامد الكريم فقال بسم الله الرحمن الرحيم الباء حرف معنى ولها معان ولم يذكر منها سيبويه إلا معنى الإلصاق والاختلاط وذكروا أنها للاستعانة وقيل للملابسة أي ابتدائي كما ذهب إليه البصريون وقدر الكوفيون بدأت والزمخشري متأخرا عن التسمية والاسم هو اللفظ الدال بالوضع على موجود في الأعيان إن كان محسوسا وفي الأذهان إن كان معقولا من غير تعرض بهيئته للزمان هو من السمو وهو العلو كما ذهب إليه البصريون أو من الوسم وهو العلامة كما ذهب إليه الكوفيون وكسرت الباء لتشابه حركتها عملها وطولت لتدل على الألف المحذوفة ولم تحذف إلا مع اسم والله اسم للذات من حيث هي عند الجمهور
وقال بعضهم للذات والصفة معا وهو لفظ عربي علم لموجد العالم وليس بمشتق عند الأكثر والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان من رحم بعد نقله إلى فعل بضم العين لأن الصفة المشبهة لا
____________________
(1/9)
تشتق إلا مع فعل لازم وهذا مطرد في باب المدح مثل رفيع الدرجات وبديع السموات وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم لأن زيادة المباني لزيادة المعاني وهي إما بحسب شموله للدارين واختصاص الرحيم بالدنيا كما وقع في الأثر يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا وإما بحسب كثرة المرحومين وقلتهم كما ورد يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة وإما باعتبار جلالة النعم ودقتها وبالجملة ففي الرحمن مبالغة في معنى الرحمة ليست في الرحيم فقصد به رحمة زائدة بوجه ما فلا ينافيه ما يروى من قولهم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما لجواز حملهما على الجلائل والدقائق واشتقاقهما من الرحمة بمعنى الرقة والعطف وهو من أوصاف الأجسام فإطلاقها عليه تعالى إنما هو باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادي التي هي انفعالات فهي عبارة عن الإنعام أو إرادته فإن كل واحد منهما مسبب عن رقة القلب والانعطاف فيكون مجازا مرسلا من إطلاق السبب على المسبب وهذا مطرد في كثير من صفاته تعالى الحمد هو الثناء لتعظيم فاعل مختار بمعنى المدح لكنه أخص منه لأن الحمد يكون بما في الإنسان من الخصال الجميلة الاختيارية والمدح بما فيه ومنه باختياره وبغير اختياره تقول حمدته لعلمه وشجاعته ومدحته لطول قامته وصباحة وجهه لقوله تعالى وزاده بسطة في العلم والجسم وأعم من الشكر لأن الشكر لا يقال إلا في مقابلة النعمة والحمد يقال في مقابلة النعمة وغيرها نقول حمدته لإحسانه إلي وحمدته لعلمه وشكرته لإحسانه إلي فكل شكر حمد وليس كل حمد شكرا وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا كما في الكواشي واللام للعهد أي حمده تعالى أو حمد محبيه أو للاستغراق أو الجنس إلا أن الأول أولى لما تقرر في الوصول أن العهد مقدم على الاستغراق وهو مبتدأ خبره لله واللام للاختصاص أي الحمد مختص به تعالى الحمد ها هنا يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أي كل حامدية متعلقة به تعالى وأن يكون مبنيا للمفعول أي كل محمودية قائمة به تعالى ويجوز أن يحمل باعتبار المعنى على المعنى الأعم أي كل ما يصح أن يطلق عليه لفظ الحمد فحينئذ يشمل كلا من معنييه فيوفى حق المقام الذي وفقنا التوفيق جعل الله تعالى فعل عباده موافقا لما يحبه ويرضاه وقيل هو استعداد الإقدام على الشيء
____________________
(1/10)
وقيل هو موافقة تدبير العبد لتقدير الحق وقيل هو الأمر المقرب إلى السعادة الأبدية والكرامة السرمدية وقيل هو جعل الأسباب موافقة للمسببات للتفقه الفقه هو الإصابة والوقوف على المعنى الحقيقي الذي يتعلق به الحكم وهو علم مستنبط بالرأي والاجتهاد ومحتاج إلى النظر والتأمل ولهذا لا يجوز أن يسمى الله فقيها لأنه لا يخفى عليه شيء واختار التفقه للإشارة إلى موافقة قوله صلى الله تعالى عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقه في الدين وإلى ما في صيغة التكليف من أن حصول علم الفقه لا يمكن دفعه بل شيئا فشيئا في الدين الدين والملة متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار فإن الشريعة من حيث إنها تطاع تسمى دينا ومن حيث إنها تجمع تسمى ملة ومن حيث إنها ترجع إليها تسمى مذهبا والفرق بينهما أن الدين منسوب إلى الله تعالى لأنه وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو من عند الرسول والملة إلى النبي والمذهب إلى المجتهد الذي الموصول مع صلته صفة للدين هو أي الدين حبله ووصف الحبل بما يدل على القوة والمتانة بقوله المتين أي الصلب الشديد وفضله الفضل ابتداء إحسان بلا علة المبين أي الموضح وميراث مجاز عن الانتقال الأنبياء والمرسلين فالرسول من بعثه الله تعالى لتبليغ الأحكام ملكا كان أو آدميا وكذا النبي إلا أنه مختص بالإنس على الأشهر وهما إما متباينان كما هو الظاهر من كلامه فالرسول جاء بشرع مبتدأ والنبي من لم يأت به وإن أمر بالإبلاغ وهو الظاهر من قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى فيكون كل منهما في غيره مجازا أو مترادفان على ما هو العادة في الخطبة فكل منهما من بعث للتبليغ أو الرسول أخص كما في القهستاني وحجته أي دليله وبرهانه الفرق بين الحجة والبينة إنما هو بحسب الاعتبار لأن ما ثبت به الدعوى من حيث إفادته البيان يسمى بينة ومن حيث الغلبة على الخصم به يسمى حجة الدامغة القاهرة المذلة للخصم من الدمع وهو من الشجاج التي بلغت أم الدماغ عن الخلق أجمعين أكده على وجه التعميم للمبالغة أو لرعاية السجع ومحجته بفتح الميم والحاء والجيم جادة الطريق وهي الطريق الواسع السالكة أي الراقية الموصلة إلى أعلى عليين أي
____________________
(1/11)
أعلى مكان في الجنة والصلاة بالرفع بالابتداء على المشهور ويجوز الجر بالعطف على الاسم أي بالصلاة وإنما كتبت بالواو مراعاة للفظ المفخم فالمعنى العطف لكن بالنسبة إليه تعالى الرحمة وإلى الملك الاستغفار وإلى المؤمنين الدعاء والجمهور على أنها في الدعاء حقيقة وفي غيره مجاز والسلام أي السلامة عن الآفات وسميت الجنة دار السلام لهذا وتسمى الله تعالى به لتنزهه عن النقائص والرذائل وتعريفهما كتعريف الحمد على خير خلقه أي أفضل مخلوقه محمد أشهر أسمائه الشريفة وهي ألف عند بعضهم وقيل ثلاثمائة وقيل تسعة وتسعون وإنما سمي به للإلهام بذلك والمعنى ذات كثرت خصالها المحمودة أو كثر الحمد له في الأرض والسماء أو كثر حمده تعالى له المبعوث إلى الإنس والجن بالإجماع وإلى الملائكة على الخلاف رحمة نصب على الحالية أو المفعول له للعالمين والعالم اسم لما سوى الله تعالى غلب منه العقلاء وقيل اسم لذوي العلم من الملائكة والإنس والجن وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع وقيل المراد به الناس وفيه تلميح إلى قوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه في الآل اختلاف والصحيح أنهم من حرمت عليهم الصدقة والصحب جمع صاحب وهو كل مسلم رأى النبي أو رآه النبي عليه الصلاة والسلام ومات على ذلك وعن بعض الأصوليين خلاف ذلك والأول هو الصحيح ولما كان الدعاء بلفظ الصلاة مختصا بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام تعظيما لم يدع به لغيرهم إلا على سبيل التبع لهم والتابعين هو الذين اتبعوا الصحابة في آثارهم والعلماء العاملين من المجتهدين والمؤلفين وغيرهم وبعد من الظروف المبنية المنقطعة عن الإضافة أي بعد الحمد والصلاة فيقول الفقير إلى رحمة ربه الغني والفاء في فيقول إما على توهم أما وإما على تقدير مهما محذوفة من الكلام والواو عوض عنها إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي كان إماما وخطيبا بجامع
____________________
(1/12)
السلطان محمد بمدينة القسطنطينية المحمية ومدرسا بدار القراءة التي بناها سعدي أفندي ومات في سنة ست وخمسين وتسعمائة وقد جاوز التسعين عمره روح الله روحه وزاد في أعلى غرف الجنان فتوجه قد سألني أي طلب مني بعض طالبي جمع مضاف إلى الاستفادة
ولو قال بعض المستفيدين لكان أولى أن أجمع له كتابا يشتمل صفة كتابا على مسائل القدوري والمختار والكنز والوقاية بعبارة سهلة المراد منها أن يكون الأخذ بالسهولة لا يحتاج إلى الفكر والدقة غير مغلقة أي غير مشكلة فأجبته الفاء فصيحة ويجوز أن تكون سببية أي أعطيته جوابا بأن أقول قبلت إيفاء مسألتك إلى ذلك أي سؤال البعض
وأضفت إليه بعض ما يحتاج أي يفتقر إليه من مسائل المجمع ونبذة عبارة عن الشيء القليل ولا ينافيه ما في آخر الكتاب من أنه زاده مسائل كثيرة من الهداية لأنه يجوز أن يكون مسائل كثيرة نظرا إلى أنفسها نبذة بالقياس إلى مسائل سائر الكتب التي جمعها في كتابه من الهداية وصرحت بذكر الخلاف الواقع بين أئمتنا الإمام محمد الشيباني والإمام أبي يوسف الرباني والإمام أبي حنيفة الأعظم رحمهم الله تعالى ثم اخترع قاعدة في المسائل الخلافية ليعلم منها الأقوى والأرجح المختار للفتوى فقال
وقدمت من أقاويلهم ما هو الأرجح المختار للفتوى من أقاويلهم والموصول مع صلته مفعول قدمت
وأخرت غيره أي غير الأرجح إلا الاستثناء من قوله غيره إن قيدته والضمير راجع إلى غيره بما يفيد الترجيح نحو قوله الصحيح والمختار وعليه الفتوى فإن الأرجح حينئذ ما هو المقيد به لا المقدم
____________________
(1/13)
وأما الخلاف الواقع بين المتأخرين من المشايخ أو الخلاف الواقع بين أصحاب الكتب المذكورة التي جمع هذا الكتاب منها فكل ما أي مسألة صدرته بلفظ قيل أو قالوا إن وصلية كان مقرونا بالأصح ونحوه أي المختار وبه يفتى فإنه أي ذلك القول المصدر بلفظ قيل أو قالوا مرجوح بالنسبة إلى ما ليس كذلك أي ما ليس فيه لفظ قيل أو قالوا ومتى للشرط هنا ذكرت لفظ التثنية كقوله خلافا لهما أو قالوا أو عندهما من غير قرينة تدل على مرجعهما فهو لأبي يوسف ومحمد أما لو ذكر مثلا محمدا ثم ذكر التثنية فالمراد الشيخان ولم آل من الألو وهو التقصير جهدا بالضم والفتح الاجتهاد وعن الفراء الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة وقد استعمل الألو في قولهم لا آلوك جهدا متعديا إلى المفعولين والمعنى لا أمنعك جهدا أي لم أقصر ولم أترك اجتهادا بل استقصيت في التنبيه على الأصح والأقوى وما هو المختار للفتوى الصحيح مقابل الفاسد الأصح مقابل الصحيح فإذا تعارضا فقال أحدهما الصحيح والآخر الأصح يؤخذ بقول الأول لأن قائل الأصح يوافق قائل الصحيح أنه صحيح وقائل الصحيح عند ذلك الحكم الآخر فاسد
وحيث ظرف مكان بمنزلة حين اجتمع على صيغة المعلوم فيه أي في الكتاب الكتب المذكورة سميته بملتقى الأبحر ليوافق الاسم المسمى هذا تعليل تسميته كتابه بهذا الاسم وذلك أن الأبحر الحقيقة لما كان موضع اجتماعها ملتقى جميع ما فيها فكذلك الأبحر المجازية يوجد ما فيها من المسائل في هذا المجموع والله سبحانه مفعول لقوله أسأل وإنما قدم على الفعل اهتماما بشأنه تعالى أو للتخصيص أو العناية أسأل أن يجعله
____________________
(1/14)
أي جعل خالصا لوجهه أي لذاته الكريم
وأن ينفعني به أي بسبب تأليفه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم تقبل الله منه ومنا إنه ذو الفضل العميم وخلصني وإياه بفضله عن عذاب الجحيم آمين بحرمة سيد المرسلين صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
____________________
(1/15)
فارغة
____________________
(1/16)
كتاب الطهارة افتتح بكتاب الطهارة لأنها مفتاح الصلاة وهي مستحقة للتقديم على باقي العبادات لكونها عماد الدين قيل هي أول ما يحاسب عليها العبد الكتب في اللغة الجمع ومنه الكتاب وهو في الأصل مصدر سمي به المكتوب تسمية للمفعول بالمصدر على التوسع الشائع واصطلاحا طائفة من المسائل اعتبرت مستقلة سواء كانت مستقلة في نفسها ككتاب اللقطة أو تابعة لما بعدها ككتاب الطهارة أو مستتبعة لما قبلها ككتاب الصلاة أو نوعا واحدة ككتاب اللقطة أو أنواعا منها ككتاب الطهارة واختار لفظ الكتاب دون الباب لأن اشتقاق الكتاب يدل على الجمع بخلاف الباب والغرض جميع أنواع الطهارة لا نوع منها
____________________
(1/17)
والطهارة لغة مصدر طهر الشيء بضم الهاء وفتحها بمعنى النظافة مطلقا واصطلاحا النظافة عن الحدث والخبث وما قاله بعض الفضلاء من أن الطهارة في الشرع نظافة المحل عن النجاسة حقيقة كانت أو حكمية سواء كان لذلك المحل تعلق بالصلاة كالبدن والثوب والمكان أو لم يكن كالأواني والأطعمة ومن خصها بالأول فقد أخطأ ليس بوارد لأن المراد بالطهارة ها هنا الطهارة المخصوصة بالصلاة لا الكلية الشاملة لجميع أنواعها وإنما وحدها لأنها في الأصل مصدر يتناول القليل والكثير ومن جمعها فقد قصد التصريح بأنواعها وسبب وجوبها وجوب ما لا يحل بدونها كالصلاة وسجدة التلاوة ومس المصحف قيل سبب وجوبها القيام إلى الصلاة وهذا فاسد لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى خمس صلوات بوضوء واحد وقيل الحدث لدورانه معه وجودا وعدما وهذا فاسد لأن السبب ما يكون مفضيا إلى الشيء والحدث رافع لها فكيف يكون سببا لها قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا افتتح بكتاب الله تعالى تيمنا وإلا فذكر الدليل خصوصا على وجه التقديم ليس من دأبه إذا قمتم إلى الصلاة أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة من باب ذكر المسبب وإرادة السبب الخاص فإن الفعل الاختياري لا يوجد بدون الإرادة كما في جميع شروح الهداية وغيرها
____________________
(1/18)
فإن قيل ظاهر الآية الكريمة يوجب الوضوء على كل قائم إليها وإن لم يكن محدثا لما أن الأمر للوجوب قطعا والإجماع على خلافه والجواب على ما ذكره بعض المفسرين من أن الخطاب خاص بالمحدثين بقرينة دلالة الحال واشتراط الحدث في التيمم الذي هو بدله فاغسلوا وجوهكم الغسل هو الإسالة أي أمروا عليها الماء وأيديكم إلى المرافق الجمهور على دخول المرفقين في المغسول ولذلك قيل إلى بمعنى مع وواحدها مرفق بكسر الميم وفتح الفاء وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين لا إشكال على قراءة النصب عطفا على الوجه واليدين وأما على قراءة الجر عطفا على الرأس فللمجاورة والإتباع لفظا لا معنى وفائدة صورة الجر التنبيه على أن المتوضئ ينبغي أن يغسل الرجل غسلا خفيفا شبيها بالمسح لما أنها مظنة الإسراف
ففرض الوضوء الفاء للتعقيب والفرض لغة القطع والتقدير يقال فرض القاضي النفقة إذا قدرها واصطلاحا ما ثبت لزومه بدليل قطعي لا شبهة فيه وحكمه أن يستحق العقاب تاركه ويكفر جاحده والوضوء بالوضوء بالضم اسم مصدر سمي به الفعل المخصوص مشتق من الوضاءة وهي الحسن والنقاوة وبالفتح اسم لما يتوضأ به والإضافة بمعنى اللازم غسل الأعضاء الثلاثة مرة يعني الوجه واليدين والرجلين قيد الأعضاء بالثلاثة مع أنها خمس لأن اليدين والرجلين جعلا في الحكم بمنزلة عضوين كما في الدراية
ومسح الرأس مرة المسح الإصابة سواء كان الإصابة باليد أو بغيرها حتى لو أصاب رأسه من ماء المطر قدر المفروض أجزأه مسحه باليد
____________________
(1/19)
أو لم يمسحه
والوجه ما بين قصاص الشعر هذا باعتبار الغالب لأن حد الوجه في الطول من مبدأ سطح الجبهة إلى الذقن سواء كان عليه شعر أو لا قال صاحب الكفاية وغيره
وفي الديوان قصاص الشعر بفتح القاف وضمها بمعنى وهو منتهى منبته من الرأس وغايته انتهى وفيه كلام لأن قصاص الشعر في اللغة منتهى منبته مطلقا لا منتهى منبته في الرأس إلا أن يقال المراد من الشعر شعر الرأس فحينئذ يكون التقييد بناء على هذه الإرادة لا على اللغة
وأسفل الذقن هذا حده طولا والذقن بالتحريك مجتمع اللحيين جمعه أذقان
وشحمتي الأذنين هذا حده عرضا الشحمة معلق القرط وإنما زاد لفظ الشحمة إدخالا لما بين العذار وشحمة الأذن في حد الوجه مطلقا ووقع في عبارة الهداية وفي غيرها وإلى شحمتي الأذن وما قاله الباقاني
وفي إفاضة الشحمتين إلى الأذن نظر لأنه يقتضي أن يكون لكل أذن شحمتان ليس بوارد لأن الأذن اسم جنس يتناول القليل والكثير فصارت إضافتها إلى الأذنين تقديرا إلا أن الأذن واحد حتى يرد السؤال فيفرض غسل
____________________
(1/20)
ما بين العذار والأذن عند الطرفين لعدم الساتر بخلاف ما تحت الشعر في العذار لاستتاره بالشعر فكأنه خرج عن كونه وجها خلافا لأبي يوسف لأن البشرة التي تحت الشعر في العذار إذا لم يجب غسلها فما وراءها أولى وإن كان أمرد أو كوسج أو أثط فغسله واجب اتفاقا والمرفقان والكعبان يدخلان في الغسل خلافا لزفر بناء على أن الأصل في الغاية عدم الدخول في المغيا كالليل في الصوم ولنا أن ضرب الغاية لا بد له من فائدة وهي إما مد الحكم إليها أو إسقاط ما وراءها والأول يحصل هنا بدونه لأن اليد اسم لذلك العضو إلى الإبط فتعين الثاني وموجبه دخول الغاية تحت المغيا فإن قيل إذا كان في دخول المرفقين والكعبين في الغسل شك واحتمال فكيف يثبت الفرض فيهما أجيب بأن الاحتمال قد زال بفعله عليه الصلاة والسلام ولم ينقل تفويته ولو كان تركه جائزا لفعله مرة تعليما للجواز والمرفق هو مجتمع العضد والساعد والكعب هو العظم الناتئ المتصل بعظم الساق من طرفي القدم لا ما روى هشام عن محمد أنه المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك لأنه في كل رجل واحد كالمرفق في اليد وقد ثنى الكعب في الآية فتعين أن المراد ما ذكرنا وإلا لم يظهر للعدول فائدة وهذا بحث طويل فليطلب من شرح الهداية لابن كمال الوزير والمفروض في مسح الرأس قدر الربع في رواية الطحاوي والكرخي عن الإمام أي المقدر بطريق الفرضية لكن لا بالدليل القطعي بل بالدليل الظني الاجتهادي فلذلك لم يكفر جاحده وتحقيقه أن الفرض على نوعين قطعي واجتهادي القطعي ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه كالكتاب والسنة المتواترة إذا لم يلحقها تخصيص أو تأويل والاجتهادي ما يفوت بفوته ولا يجبر بجابر وهذا من قبيل الثاني
وقيل يجزئ وضع ثلاث أصابع لأنا مأمورون
____________________
(1/21)
بالمسح باليد والأصابع أصلها والثلاث أكثرها وللأكثر حكم الكل وهو رواية الأصل وذكر في الظهيرية هو الصحيح لكن المصنف أورده بصيغة التمريض لأن هذا من المقدرات الشرعية وفيها يعتبر عين ما قدر به
وعند الشافعي مقدر بأقل ما يطلق عليه اسم مسح الرأس ولو كان على شعرة
وقال مالك وأحمد مسح الجميع والحسن البصري أكثر الرأس
ولو مد بإصبع أو إصبعين يعني لو وضع إصبعا أو إصبعين على رأسه فمدها مقدار ربع الرأس لا يجوز عندنا خلافا لزفر له أن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال ما دام في محله وجميع الرأس محله فيجوز ولنا أن المسح حصل بوضع الإصبع وبمدها انفصلت البلة عن المحل الممسوح حكما فصار مستعملا فالمسح بعده يكون بماء غير طاهر كذا في ابن ملك
ولو مسح بثلاث أصابع ومدها حتى استوعب الربع صح كما في أكثر المعتبرات لكن فيه كلام لأن الماء بمد الأصابع الثلاث على التعليل المذكور أيضا مستعمل فيقتضي أن لا يصح في هذه المسألة كما في الأولى مع أنه يصح بالاتفاق فليتأمل ومحل المسح ما فوق الأذن على أي جانب كان
ويفرض مسح ربع اللحية في رواية والأصح مسح ما يلاقي البشرة قال صدر الشريعة أما اللحية فعند الإمام مسح ربعها فرض لأنه لما سقط غسل ما
____________________
(1/22)
تحتها من البشرة صار كالرأس وعند أبي يوسف كلها فرض لأنه لما سقط غسل ما تحتها أقيم مسحها مقام مسح ما تحتها فيفرض مسح الكل بخلاف الرأس فإنه إذا كان عاريا عن الشعر لا يجب غسل كله ولا مسح كله وقد ذكر أن المراد بالربع ربع ما يلاقي بشرة الوجه إذ لا يجب إيصال الماء إلى ما استرسل من الذقن خلافا للشافعي
وفي أشهر الروايتين عن الإمام مسح ما يستر البشرة فرض وهو الأصح المختار انتهى وقال ابن الكمال هذه الروايات مرجوع عنها والصحيح أنه يجب غسلها لأن البشرة خرجت من أن يكون وجها لعدم المواجهة لاستتارها بالشعر وصار ظاهر الشعر الملاقي إياها ظاهر الوجه لأن المواجهة تقع به وإلى هذا أشار أبو حنيفة رحمه الله فقال وإنما مواضع الوضوء ما ظهر منها والظاهر هو الشعر لا البشرة فيجب غسله
وسننه أي الوضوء السنة ما واظب عليها النبي عليه الصلاة والسلام مع تركها أحيانا فإن المواظبة إن كانت على سبيل العبادة فسنن الهدي وفي فعلها الثواب وتركها العتاب لا العقاب وإن كانت على سبيل العادة فسنن الزوائد وتركها لا يستوجب إساءة والإضافة بمعنى اللازم قال صاحب الفرائد في شرحه الظاهر إنها على صيغة الإفراد بقرينة قوله وفرض الوضوء بصيغة الإفراد أيضا انتهى وفيه كلام لأن هذا ليس بمسلم لأن الفروض وإن كثرت فهي في حكم شيء واحد حيث يفسد بعضها عند فوات البعض الآخر بخلاف السنة فإن أحكامها ودلائلها مستقلة إذ كل منها بعد فضيلة وإن لم يوجد الأخرى والتنظير ليس بمحله
____________________
(1/23)
غسل اليدين إلى الرسغين ابتداء الرسغ المفصل الذي بين الساعد والكف وإنما لم يذكر المصنف للمستيقظ لئلا يلزم كون تلك السنة مختصة بالمستيقظ إذ هو مسنون لكل من يشرع في الوضوء ابتداء هو المختار وقيد الاستيقاظ الواقع في الهداية وغيرها اتفاقي
والتسمية وهي سنة في ابتداء الوضوء مطلقا هذا اختيار الطحاوي والقدوري وذهب أحمد إلى أن التسمية شرط في الوضوء لقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى هذا دليل مالك على ما ذكر في البدائع ودليل أصحاب الشافعي على ما ذكره الزاهدي على فرضية التسمية في ابتداء الوضوء وأجيب بأن المراد نفي الفضيلة كقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وقوله عليه الصلاة والسلام من توضأ وذكر اسم الله تعالى كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله تعالى كان طهورا لما أصابه الماء واختلف في لفظها والأفضل بعد التعوذ بسم الله الرحمن الرحيم ويسمي قبل الاستنجاء وبعده لا مع الانكشاف أو غسل موضع النجاسة وقيل التسمية مستحبة قال صاحب الفرائد والأصح أنها مستحبة وإن سماها في الكتاب سنة لأن السنة ما واظب عليها عليه الصلاة والسلام ولم يشتهر مواظبته عليها ألا ترى
____________________
(1/24)
أن عليا وعثمان رضي الله تعالى عنهما حكيا وضوءه ولم ينقل عنهما التسمية كما في الهداية انتهى وفيه كلام لأن عدم النقل عنهما لا يستلزم عدم السنية لأن المعتبر ها هنا يعني في ثبوت السنة المواظبة مع الترك أحيانا إعلاما بعدم الوجوب لا المواظبة بدون الترك لأنها دليل الوجوب على قول عند سلامته عن معارض ولهذا أورده المصنف بصيغة التمريض والسواك أي استعماله لأن السواك اسم للخشبة المرة المتعينة للاستياك أو بمعنى المصدر فحينئذ لا حاجة إلى التقدير والأصل في سنيته ما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يواظب عليه وعند فقده يعالج بالإصبع وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء وما فيه من الترغيب مع ما مر من حديث المواظبة من التأكيد أفاد السنية ويستحب في كيفية أخذه أن تجعل الخنصر من يمينك أسفل السواك تحته والبنصر والوسطى والسبابة فوقه والإبهام أسفل رأسه ولا نقبض القبضة فإن ذلك يورث الباسور ولا يستاك بطرفي السواك ولا تمص فإنه يورث العمى ويكره مضطجعا لأنه يورث كبر الطحال وينبغي أن يتخذ من الأشجار المرة لأنه يطيب النكهة ويشد الأسنان ويقوي المعدة ويكون في غلظ الخنصر بطول الشبر ويستاك عرضا لا طولا وأقله ثلاث بثلاث مياه ويبتدأ من جانب الأيمن
وغسل الفم بمياه والأنف بمياه
____________________
(1/25)
وإنما قال بمياه ولم يقل ثلاثا ليدل على أن المسنون التثليث بمياه جديدة وإنما كرر قوله بمياه ليدل على تجديد الماء لكل منهما خلافا للشافعي قال أصحاب الحديث هما فرضان في الوضوء والغسل لمواظبته عليه الصلاة والسلام عليهما ورد بأن المواظبة ليست دليل الفرض
وقال الشافعي سنتان فيهما لأن الأمر بالغسل عن الجنابة يتعلق بالظاهر دون الباطن وعندنا سنتان في الوضوء وفرضان في الغسل لأن الواجب في الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس وداخل الأنف والفم ليس من الوجه لأن الوجه اسم لما يواجه إليه بكل حال بخلاف الجنابة لأن الواجب هناك تطهير جميع البدن بالمبالغة فيجب غسل ما يمكن غسله وقال الباقاني وفي السراج الوهاج أنهما سنتان مؤكدتان فإن تركهما أثم على الصحيح قيل لا يخفى أن الإثم منوط بترك لواجب ويمكن الجواب لما قالوا أن السنة المذكورة في قوة الواجب ودليل سنيتهما المواظبة مع الترك أحيانا انتهى هذا مخالف لما قاله آنفا في تفسير السنة فإن كانت المواظبة من غير ترك فهي دليل السنة المؤكدة قال صاحب الإصلاح اعلم أن المضمضة ليست غسل الفم وكذا الاستنشاق ليس غسل الأنف بل هي عبارة عن إدارة الماء في الفم وهو عبارة عن جذب الماء بالنفس نص على ذلك في فصل الجنائز صاحب غاية البيان فمن بدلهما بغسل الفم والأنف لم يصب
وقال صاحب الفرائد والظاهر أن غسل الفم وغسل الأنف غير مجرد حصول الماء في الفم وغير مجرد حصول الماء في الأنف بل لا يمكن غسل الفم إلا بإدارة الماء في الفم ولا يمكن غسل الأنف إلا بجذب الماء بالنفس إلى الأنف فيلزم لإدارة الماء غسل الفم ولجذب الماء إلى الأنف غسل الأنف انتهى وفيه كلام لأنا لا نسلم استلزام غسل الفم لإدارة الماء بل يمكن غسل الفم بدون الإدارة ولئن سلم فلفظ المضمضة حقيقة في إدارة الماء واستعمال غير الفم لإدارة الماء مجاز فبيانه بالحقيقي أولى من المجاز
وتخليل اللحية والأصابع هو المختار لأن جبريل عليه الصلاة والسلام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك وإنما لم يكن واجبا مع أن الأمر يقتضي الوجوب لوجود الصارف وهو عدم تعليمه عليه الصلاة والسلام الأعرابي
وقيل هو في اللحية فضيلة عند الإمام ومحمد
____________________
(1/26)
لأن السنة تكون لإكمال الفرض محله وداخل اللحية ليس بمحل لإقامة فرض الغسل فيحمل ما روي على الفضيلة واعترض بأن المضمضة والاستنشاق سنتان وداخل الفم ليس بمحل الفرض في الوضوء وأجيب بأن الفم والأنف من الوجه من وجه إذ لهما حكم الخارج من وجه والوجه محل الفرض
وتثليث الغسل لأن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ مرة مرة أي غسل كل عضو مرة وقال هذا وضوء من لا يقبل الله الصلاة إلا به والمراد بالقبول الجواز وتوضأ مرتين مرتين وقال هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر أي غسل كل عضو مرتين وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم كما في الهداية قال صاحب العناية رتب على الزيادة والنقصان وعيدا وليس على ظاهره فلا بد من تأويل وهو من زاد على أعضاء الوضوء أو نقص عنها أو زاد على الحد المحدود أو نقص عنه أو زاد على الثلاثة معتقدا أن كمال السنة لا يحصل بالثلاث فهو على ثلاثة أوجه وقوله تعدى يرجع إلى الزيادة وظلم يرجع إلى النقصان وقول صاحب الهداية والوعيد لعدم رؤيته سنة إشارة إلى اختيار التأويل الثالث يعني إذا زاد لطمأنينة القلب عند الشك أو بنية وضوء آخر لا بأس به فإن الوضوء على الوضوء نور على نور قيل فيه كلام لأنهم صرحوا أن تكرار الوضوء في مجلس واحد لا يستحب بل يكره لما فيه من الإسراف فيمكن حمله على اختلاف المجلس وهو بعيد تدبر والنية وهي القصد والعزم بالقلب والمراد هنا قصد رفع الحدث أو عبادة لا تستغني عن الطهارة وعند الأئمة الثلاثة النية فرض في الوضوء كالتيمم ولنا أنه عليه الصلاة والسلام علم الأعرابي الجاهل الوضوء ولم يعلمه النية ولو كان فرضا لعلمه وأن الوضوء شرط للصلاة فلا يفتقر إلى النية كسائر شروطها وافتقار التيمم إلى النية ليصير الصعيد مطهرا لا يوجب افتقار الوضوء إليها لأن الماء مطهر كما قال الله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا
____________________
(1/27)
والتراب ليس كذلك كما في شرح المجمع لكن في هذا الاستدلال نظر فليتأمل
وفي الكفاية النية شرط في التوضؤ بنبيذ التمر أو بسؤر الحمار كالتيمم
والترتيب المنصوص وهو شرط عند الشافعي لقوله تعالى فاغسلوا وجوهكم الآية والفاء للتعقيب فيدل على أن غسل الوجه عقيب القيام إلى الصلاة بلا مهملة فيكون مقدما على سائر الأركان فيجب الترتيب في الباقي أيضا إذ لا قائل بالفصل ولنا أن المذكور في الآية حرف الواو وهي لمطلق الجمع لا للترتيب وأما الفاء فإنها داخلة على المجموع حقيقة كأنه قيل إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الأعضاء الثلاثة كما في قوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ولما روي أنه عليه الصلاة والسلام نسي مسح رأسه فتذكره بعد فراغه فمسحه ببلل كفه ولو كان الترتيب واجبا لأعاد الوضوء
واستيعاب الرأس بالمسح مرة وقال الشافعي السنة التثليث بمياه مختلفة اعتبارا بالمغسول لنا أن عليا رضي الله تعالى عنه توضأ وغسل أعضاءه ثلاثا ومسح رأسه مرة وقال هذا وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام والذي يروى فيه من التثليث محمول على التثليث بماء واحد في رواية عن الإمام وكيفيته أن يبل كفيه وأصابع يديه ويضع بطول ثلاث أصابع من كل كف على مقدم الرأس ويعزل السبابتين والإبهامين ويجافي كفيه ويجرهما إلى مؤخر الرأس ثم يمسح الفؤادين بالكفين إلى مقدم الرأس ويمسح ظاهر الأذنين بباطن الإبهامين وباطن الأذنين بباطن السبابتين ويمسح رقبته بظهر اليدين حتى يصير مسحهما ببلل لم يستعمل لأن البلة لم تستعمل ما دامت على العضو وإذا انفصلت تصير مستعملة بلا خلاف كما عرفت آنفا وبذلك ظهر ضعف ما قيل وكيفية أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم الرأس ويمدهما إلى قفاه على وجه يستوعب جميع الرأس ويمسح أذنيه بإصبعيه ولا يكون الماء مستعملا تدبر وقيل هذه الثلاثة أي النية والترتيب واستيعاب الرأس مستحبة وهو اختيار القدوري واختيار
____________________
(1/28)
صاحب الهداية كونها سنة جميعا وجعل صاحب المختار اثنين منها سنة وهما النية والترتيب وجعل استيعاب الرأس مستحبا والولاء بكسر الواو والمد بمعنى التتابع وحده المعتبر هو أن لا يشتغل المتوضئ بين أفعال الوضوء بعمل ليس منه وهو ليس بشرط عندنا خلافا لمالك رحمه الله له أنه عليه الصلاة والسلام واظب عليه ورد بأن المواظبة ليست دليل الفرض
ومسح الأذنين بماء الرأس أي بماء مسح الرأس وقال الشافعي بماء جديد لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أخذ للأذنين ماء جديدا ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام اغترف غرفة من ماء ومسح بها رأسه وأذنيه فيحمل ما رواه على أنه لم تبق في كفه بلة
ومستحبه أي الوضوء التيامن المستحب ما يثاب على فعله ولا يلام على تركه التيامن أي الشروع من جانب اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام إن الله يحب التيامن في كل شيء حتى التنعل والترجل الترجل امتشاط الرجل شعره فإن قلت قد واظب النبي عليه الصلاة والسلام على التيامن فكان حقه أن يكون من السنن قلت إنما واظب عليه على سبيل العادة والمعتبر في السنية المواظبة على سبيل العبادة ومسح الرقبة
____________________
(1/29)
لا الحلقوم فإن مسحه بدعة كما في الظهيرية وليس مراد المصنف حصر مستحباته فيما ذكره لأن له مستحبات كثيرة وعبر عنها بعضهم بالآداب فقالوا ومن آدابه أي بعض آدابه استقبال القبلة عند الوضوء ودلك أعضائه وإدخال خنصره صماخ أذنه وتقديمه على الوقت لغير المعذور وتحريك خاتمه الواسع وإن كان ضيقا يجب نزعه أو تحريكه وعدم الاستعانة بالغير وعن الوبري لا بأس بصب الخادم وعدم التكلم بكلام الناس والجلوس في مكان مرتفع احترازا عن الماء المستعمل والجمع بين نية القلب وفعل اللسان والتسمية عند كل عضو والدعاء بالمأثورات من الأدعية عند غسل كل عضو بأن يقول عند المضمضة اللهم أعني على تلاوة القرآن وعلى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وعند الاستنشاق اللهم أرحني رائحة الجنة وعند غسل وجهه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل يده اليمنى اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا وعند يده اليسرى اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ولا تحاسبني حسابا عسيرا وعند مسح رأسه وأذنيه اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وعند مسح عنقه اللهم أعتق رقبتي من النار وعند غسل رجله اليمنى اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزول فيه الأقدام وعند غسل رجله اليسرى اللهم اجعل سعيي مشكورا وذنبي مغفورا وعملي مقبولا مبرورا وتجارة لن تبور بفضلك يا عزيز يا غفور والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام بعد الوضوء وأن يقول اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وأن يشرب بعده من فضل وضوئه مستقبل القبلة قائما قالوا لم يجز شرب الماء قائما إلا هنا وعند شرب زمزم ويكره لطم الوجه بالماء والإسراف فيه وتثليث المسح بماء جديد
والمعاني الناقضة له
____________________
(1/30)
أي للوضوء لما فرغ من بيان الوضوء فرضه وسنته ومستحبه بدأ بما ينافيه من العوارض إذ رفع الشيء يكون بعده وأراد بالمعاني العلل في نقض الوضوء والنقض متى أضيف إلى الأجسام يراد به إبطال تأليفها ومتى أضيف إلى غيرها يراد به إخراجه عما هو المطلوب والمطلوب من الوضوء استباحة ما لا يجوز فعله بدونه سواء كان ذلك لصلاة أو مس المصحف أو غيرهما خروج شيء من أحد السبيلين معتادا كالبول والغائط أو غير معتاد كالدودة وإن خرجت من الإحليل كما في الخلاصة وغيرها إلا في رواية وبهذا ظهر فساد ما قيل من أن الدودة الخارجة من الإحليل لا تنقض اتفاقا إنما الاختلاف في الخارجة من الدبر سوى ريح الفرج والذكر لأنها غير نجسة لعدم الانبعاث عن محل النجاسة إلا أن يتحد فرجها مع دبرها فحينئذ المنتنة ناقصة دون غيرها
وخروج نجس بفتح الجيم عين النجاسة من البدن إن سال بنفسه أي بقوة نفسه لا بالعصر إلى ما يلحقه حكم التطهير في الوضوء أو الغسل وعن هذا قال أصحابنا إذا نزل من الرأس إلى قصبة الأنف نقض الوضوء لتجاوزه إلى موضع يجب تطهيره في الغسل بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر لعدم تجاوزه إلى موضع يجب تطهيره فيه والمراد من حكم التطهير الوجوب وقد أفصح عن ذلك صدر الشريعة حيث قال في شرح الوقاية إلى موضع يجب تطهيره في الجملة كما في الإصلاح وغفل عن هذا صاحب الفرائد حيث قال أي يلحقه حكم هو التطهير وهو من إضافة الجنس إلى النوع كقوله علم الطب فليتأمل وحد الخروج الانتقال من الباطن إلى الظاهر وذلك لا يعرف إلا بالسيلان عن موضعه بخلاف ما لو ظهرت النجاسة رأس السبيلين وإن لم تسل تنقض الوضوء
وقال زفر الخارج من غير السبيلين ينقضه كما خرج سال أو لم يسل وقال الشافعي لا ينقضه سال أو لم يسل
والقيء ملء الفم واختلف في حده والصحيح أنه ما لا يقدر على إمساكه وقيل لا يمكن الكلام به وهو الأصح كما في التبيين وقال زفر قليله وكثيره سواء في نقض الوضوء
ولو طعاما أو ماء أو مرة أو علقا المرة بالكسر إحدى الطبائع الأربع ذكره الجوهري والفقهاء يريدون ما يعم الصفراء والسوداء والمراد ها هنا الصفراء فقط
____________________
(1/31)
بمقابلة العلق من الرأس به هنا السوداء ولذا اعتبر فيه ملء الفم لا بلغما مطلقا أي نازلا من الرأس أو صاعدا من الجوف ملأ الفم أو لا لأنه للزوجته لا تتداخله النجاسة يعني أن اللزوجة القائمة بالبلغم تمنعه عن قبول النجاسة فأشبه السيف الصقيل بخلاف الطعام لأنه يحتمله فيخصه تأثير المجاورة ويتصل به قليل والقليل في غير السبيلين غير ناقض خلافا لأبي يوسف في الصاعد من الجوف لأنه يتنجس في المعدة بالمجاورة بخلاف النازل من الرأس فإنه ليس بمحل النجاسة وبهذا ظهر ضعف ما قيل إن البلغم نجس مطلقا عند أبي يوسف لأنه إحدى الطبائع الأربع حتى إن من صلى ومعه خرقة المخاط لا تجوز صلاته واختلف في كون نجاسة القيء مخففة أو مغلظة واختار صاحب الاختيار وكثير من المشايخ أن تكون مغلظة وقالوا كل ما يخرج من بدن الإنسان موجبا للتطهير فنجاسة غليظة كالغائط والبول والدم والصديد والقيء ولا خلاف فيه وكذا المني وألحقوا ماء فم النائم إذا صعد من الجوف أصفر أو منتنا وهو مختار أبي النصر ولو نزل من الرأس فطاهر اتفاقا وفي التنجيس أنه طاهر كيف ما كان وعليه الفتوى
ويشترط في الدم المائع والقيح مساواة البزاق لا الملء خلافا لمحمد قيد بالمائع لأن العلق لا ينقض الوضوء ما لم يملأ الفم اعلم أن الدم الواقع في الفم لا يخلو إما أن يحصل في الفم أو ينزل من الرأس أي يصعد من الجوف والأول ناقض عند الغيبة وعند المساواة احتياطا وإن كان أقل لا ينقض والثاني ناقض اتفاقا وإن قل لوجود السيلان من الجرح الذي وقع في الرأس بقوة نفسه إلى موضع يلحقه حكم التطهير في الجملة والثالث ناقض عندهما إن سال بقوة نفسه لا بقوة البزاق
وعند الغلبة تحقق السيلان بقوة نفسه
وعند محمد لا ينقض حتى يملأ الفم اعتبارا لسائر أنواع القيء والمراد هنا هو الصاعد من الجوف بدلالة تعليل صاحب الهداية هذه المسألة بقوله لأن المعدة ليست بموضع الدم وبهذا ظهر فساد ما قيل من أن كلام المصنف لا يظهر حمله على واحد من الأقسام
وهو أي محمد يعتبر اتحاد السبب لجمع ما قاء قليلا قليلا أراد بالسبب الغثيان فإن كان بغثيان واحد
____________________
(1/32)
يجمع عنده وإن كان في مجالس لأن الأصل إضافة الفعل إلى سببه ومعيار الاتحاد في الغثيان أن يقيء ثانيا قبل سكون النفس فإن سكنت ثم قاء فهو غثيان آخر وأبو يوسف يعتبر لجمع ما قاء قليلا قليلا اتحاد المجلس وإن لم يكن بغثيان واحد لأن اتحاد المجلس جامع للمتفرقات كما أن تلاوات آية سجدة تتحد باتحاد المجلس
وفي شرح الوافي الأصح قول محمد اعلم أن الخلاف فيما إذا اتحد المجلس دون السبب أو السبب دون المجلس أما إذا اتحدا فيجمع اتفاقا أو تعددا فلا يجمع اتفاقا وما ليس حدثا ليس نجسا فيلزم من انتفاء كونه حدثا انتفاء كونه نجسا فالدم إذا لم يسل عن رأس الجرح طاهر وكذا القيء القليل وهذا لا ينعكس كليا لأن الإغماء حدث ليس بنجس إلا أن يراد به ما يخرج من البدن فيكون منعكسا والمذكور هنا قول أبي يوسف
وقال صاحب الهداية وهو الصحيح وهو اختيار بعض المشايخ لكونه أرفق خصوصا في حق أصحاب القروح وعن محمد في غير رواية الأصول أنه لا أثر للسيلان في النجاسة فإذا كان السائل نجسا فغير السائل يكون كذلك وقال صاحب الإصلاح في حل هذا المحل وما ليس بحدث يعني لقلته ليس بنجس فلا نقض بالجرح القائم والرعاف الدائم قال الفاضل الشهير بقاضي زاده بقي ها هنا شيء وهو أن عين الخمر مثلا ليس بحدث مع أنه نجس في الشرع بلا ريب فيلزم أن تنقض بمقتضى القاعدة المذكورة وقد دفعه بعض الفضلاء حيث قالوا الكلام فيما يبدو من بدن الإنسان إذ غيره لا يكون حدثا وقد يكون نجسا كالخمر
وقال صاحب الفرائد بقي شيء آخر وهو أن تلك القاعدة وإن حملت على ما يبدو من بدن الإنسان يشكل بما إذا شرب إنسان خمرا أو بولا فقاءهما في الحال أقل من ملء الفم فإن الظاهر أن لا ينتقض الوضوء به لما تقرر عندهم أن فيما دون ملء الفم من أي نوع كان لا ينقض الوضوء فإذا لم ينقض الوضوء لا يكون حدثا مع أن البول والخمر نجسان لا محالة وإن فلا فتفكر في جوابه انتهى وجوابه أن الخمر والبول
____________________
(1/33)
نجسان قبل شربهما فإن قاءهما في الحال قاء نجسا بعينهما لا بالمجاورة بخلاف ما نحن فيه تدبر والجنون هو سلب العقل وإنما كان ناقضا لعدم تمييزه الحدث عن غيره
والسكر والإغماء والسكر ليس بداخل في حد الإغماء لأنه ليس بمرض وحده المعتبر أن لا يفرق الرجل من المرأة والإغماء ذهاب الحركة والحس وبطلان الأفعال بسبب امتلاء بطون الدماغ من البلغم البارد والغشي مثله لأنه يصير بسبب انحلال القوى التي في القلب ولا تعلق له بالدماغ ولهذا جاز الإغماء والغشي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يجز الجنون وإن كانا ناقضين لزوال المسكة بهما
وقهقهة بالغ عمدا كانت أو سهوا وهي ما يكون مسموعا له ولجيرانه وسواء ظهرت أسنانه أو لا والضحك ما يكون مسموعا له دون جيرانه ويبطل الصلاة دون الوضوء والتبسم ما لا صوت له أصلا وليس بمبطل لواحد منهما لكن تكره الصلاة به وإنما قيد بالبالغ لأن قهقهة الصبي لا تبطل الصلاة ولا تنقض الوضوء في صلاة ذات ركوع وسجود وما يقوم مقامها من الإيماء والصلاة على الدابة فلا تنقض القهقهة في صلاة الجنازة ولا في سجدة التلاوة وإن أفسدتهما ولا تنقض القهقهة المغتسل في الأصح وللشافعي خلاف في انتقاض الوضوء بالقهقهة لنا قوله عليه السلام ألا من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعا
ومباشرة فاحشة عند الشيخين وهي أن يباشر امرأته مجردين وانتشر آلته وأصاب فرجه فرجها ولم ير بللا وكذا أن يباشر الرجل الرجل لأن المباشرة على هذه الصفة لا تخلو غالبا عن المذي فجعل الغالب كالمتيقن احتياطا ولم يشترط بعضهم ملاقاة الفرج والظاهر الأول لما ذكره كثير من الفقهاء
وفي صيغة المفاعلة إشارة إلى انتقاض الوضوء من أي جانب كان سواء بين الرجل والمرأة أو بين الرجلين خلافا لمحمد لأن عنده لا ينتقض إلا إذا تبين خروج شيء لأن الوضوء ثابت بيقين فلا يرتفع بالتوهم والأول أحوط
ونوم مضطجع أي واضع أحد جنبيه على الأرض هذا إذا كان خارج الصلاة وأما إذا
____________________
(1/34)
كان فيها كالمريض إذا صلى مضطجعا ففيه اختلاف والصحيح أنه ينتقض أيضا أو متكئ بأحد وركيه فهو كالمضطجع لزوال المسكة أو مستند إلى ما لو أزيل لسقط بحيث يكون مقعده زائلا عن الأرض لأن الاسترخاء يبلغ غايته بهذا النوع من الاستناد إلا أن السند يمنعه عن السقوط وإن لم يزل لا ينتقض في أصح الروايتين عند الإمام لأن استقرار المقعد على الأرض يمنع عن الخروج وعن الطحاوي والقدوري أنه ينتقض لحصول غاية الاسترخاء والجالس إذا نام ثم سقط إن انتبه قبل أن يصل جنبه إلى الأرض لا ينتقض وقيل ينتقض بمجرد ارتفاع مقعده عن الأرض والأول أصح كما في الظهيرية
وفي الخلاصة الأول قول الإمام والثاني قول محمد
وعن أبي يوسف إن استقر نائما بعد السقوط انتقض وإلا فلا لا نوم قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد في الصلاة أو في خارجها على الصحيح عندنا خلافا للشافعي مطلقا
وفي المحيط إنما لا ينقض نوم الساجد إذا كان رافعا بطنه عن فخذيه جافيا عضديه عن جنبيه وإن ملتصقا بفخذيه معتمدا على ذراعيه فعليه الوضوء
ولا خروج دودة من جرح وكذا من أذن أو أنف لأنها متولدة من لحم طاهر وما عليها قليل والقليل غير ناقض في غير السبيلين
ولحم بالرفع عطف على خروج سقط منه أي من الجرح ومس ذكر بباطن الكف وامرأة أي مس بشرتها وكذا مس الدبر والفرج مطلقا خلافا للشافعي في الكل
وفرض الغسل والجنابة والحيض والنفاس أخر الغسل عن الوضوء اقتداء بعبارة الكتاب فإن الغسل مذكور مؤخرا عن الوضوء في النظم الدال عليهما ولأن الحاجة إلى الوضوء أكثر فقدمه اهتماما الغسل بضم العين اسم من الاغتسال وهو تمام غسل الجسد واسم للماء الذي يغسل به أيضا وبالفتح مصدر غسل والفتح أشهر وأفصح عند أهل اللغة وبالضم استعمله أكثر الفقهاء وركنه إسالة الماء على جميع ما يمكن إسالته عليه من غير حرج مرة واحدة حتى لو بقيت لمعة لم يصبها الماء لم يتم الغسل فما في غسله حرج كداخل العين يسقط غسل الفم والأنف هما فرضان عملا لا اعتقادا حتى لا يكفر جاحدهما ولهذا قال مالك والشافعي غسلهما في الغسل سنة كما حقق في موضعه
وفي الخلاصة رجل اغتسل ونسي المضمضة لكن شرب الماء إن شرب
____________________
(1/35)
على وجه السنة لا يخرج عن الجنابة وإن شرب لا على وجه السنة يخرج
وفي واقعات الناطفي لا يخرج ما لم يمجه وهذا أحوط
وسائر البدن مرة حتى داخل القلفة في الأصح ويجب إيصال الماء إلى أثناء اللحية كلها بحيث يصل إلى أصولها إذ لا حرج فيه كما في المحيط وكذا غسل السرة والشارب والحاجب والفرج الخارج ولو بقي العجين في الظفر فاغتسل لا يكفي وفي الدرن والطين يكفي لأن الماء ينفذ وكذا الصبغ والحناء لا دلكه بل هو سنة في رواية ومستحب في أخرى وواجب في رواية عن أبي يوسف وإنما تعرض المصنف لنفي فرضية الدلك صريحا لأن صيغة المبالغة مظنة توهم فرضيته خلافا لمالك قيل ولا إدخال الماء جلدة الأقلف قال صاحب فتح القدير إنه مستحب لأن في إدخاله حرجا
وقال بعض المشايخ لا يجب إيصال الماء إلى داخل القلفة مع أنه ينتقض الوضوء به إذا نزل البول إليها فلها حكم الباطن في الغسل وحكم الظاهر في انتقاض الوضوء انتهى هذا ليس بصحيح إذ لا حرج فيه والمقام مقام الاحتياط كما في البدائع وغيره
وسنته أي الغسل آثر صيغة الإفراد فإنه لو جمعها لتبادر إلى الأفهام أن كل واحد من الأمور المذكورة سنة على حدة ثبتت مواظبته عليه الصلاة والسلام عليه وذلك غير معلوم وإنما المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام اغتسل على هذه الكيفية غسل يديه في ابتدائه بعد التسمية والنية بقلبه ويقول بلسانه نويت الغسل لرفع الجنابة كما في ابتداء الوضوء وقيدنا بفي ابتدائه لأن غسل اليدين داخلان في غسل سائر البدن والمراد هنا غسل يديه قبل سائر الأعضاء لكونهما آلة التطهير وهو سنة ولم يذكر المصنف بناء على ظهوره
وفرجه أي ثم فرجه لأنه مظنة النجاسة و غسل نجاسته إن كانت قال صاحب الفرائد في حل هذا المحل نقلا عن الفاضل المعروف بقاضي زاده وقع في أكثر نسخ الهداية ويزيل النجاسة فاللام التعريف واتفق شراحها على أن الأصح نسخة التنكير لأن لام التعريف
____________________
(1/36)
إما للعهد أو للجنس بمعنى الطبيعة من حيث هي أو للاستغراق بمعنى كل فرد أو للعهد الذهني بمعنى فرد ما والكل باطل انتهى هذا بحث طويل فيه أسئلة وأجوبة واعتراضات لكن كلها غير واردة والصواب أن لام التعريف يمكن أن يكون للعهد الخارجي لأنه ذكر في نواقض الوضوء مطلق النجاسة المتنوعة إلى قسمين حقيقي وحكمي فأشار فاللام التعريف هنا إلى أحد قسميها الحقيقي فلا محذور فيه أو نقول المراد من النجاسة النجاسة المعهودة فيما بينهم فيجوز أن يشير بغير سبق ذكرها تدبر والوضوء إلا رجليه استثناء متصل لأن المعنى وغسل أعضاء الوضوء إلا رجليه واختلف في مسح رأسه والصحيح أنه يمسح وتثليث الغسل المستوعب جميع البدن بادئا بمنكبه الأيمن ثلاثا ثم الأيسر ثلاثا ثم رأسه وسائر جسده ثلاثا في الأصح قيد المصنف بالمستوعب لأنه إن لم يحصل بالثلاث استيعاب جميع البدن يجب أن يغسل مرة بعد مرة حتى حصل وإلا لا يخرج عن الجنابة وبهذا ظهر فساد ما قيل ولفظ المستوعب أخذه من مجمع البحرين ولا يرى له فائدة معتدة بها تدبر ثم غسل الرجلين لا في مكانه أي مكان الغسل إن كان أي الغاسل في مستنقع الماء قال صاحب الهداية إنما يؤخر غسل رجليه لأنهما في مستنقع الماء المستعمل فلا يفيد الغسل حتى لو كان على لوح لا يؤخر
وقال الباقاني هذا على تقدير كون الماء المستعمل نجسا وأما على تقدير كون الماء المستعمل طاهرا غير مطهر كما هو ظاهر الرواية عن الطرفين وعليه الفتوى قال غسل الرجلين وهذا أولى فعدم إفادة الغسل غير مسلم انتهى لكن فيه كلام لأن رجليه إن كانتا في مستنقع الماء المستعمل لا يمكن الغسل بالماء المطهر ما دامتا ثابتتين فيه ولذا يتحتم التأخير وإن ارتفعتا يمكن ارتفاعهما ومراد صاحب الهداية الأول بدلالة قوله لأنهما في مستنقع الماء المستعمل فليتأمل وليس على المرأة نقض ضفيرتها الضفيرة مثل العقيصة وزنا وهي الشعر المفتول بإدخال بعضه بعضا والعقص جمعه على الرأس كذا في المغرب وفسرها صاحب الغاية بالذوائب وهذا أنسب
____________________
(1/37)
وإنما خص المرأة بالذكر لأن الرجل إذا كان مضفر الشعر كالعلوية والأتراك فالعمل بوجوب النقض ولا بلها إن بل أصلها لقوله عليه الصلاة والسلام لأم سلمة رضي الله تعالى عنها يكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك هذا إذا كانت مفتولة أما إذا كانت منقوضة يجب إيصال الماء إلى أثناء الشعر كما في اللحية لعدم الحرج
وفرض الغسل لإنزال مني من العضو وهو ما خلق منه الولد رائحته عند خروجه كرائحة الطلع وعند يبسه كرائحة البيض وسبب وجوبه إتيان ما لا يحل مع الجنابة كما في الفتح ذي دفق هو شرط في الوجوب على قول أبي يوسف
وشهوة شرط بالاتفاق عندنا خلافا للشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام الماء من الماء ولنا أن الأمر في قوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا للجنب والجنب في اللغة هو الذي خرج منه المني على الشهوة وغيره ليس في معناه فلا يتناوله النص ولا يلحق به ويؤيده حديث أم سلمة وما رواه إن لم يكن منسوخا فهو محمول على خروج المني عن شهوة
ولو في نوم عند انفصاله من الظهر متعلق بشهوة ولو اتصل لكان أولى أي بشرط الشهوة عند انفصاله من الظهر لا خروجه من العضو عند الطرفين خلافا لأبي يوسف لأن وجوب الغسل متعلق بانفصال المني وخروجه وقد شرطت الشهوة عند انفصاله فتشترط عند خروجه ولهما أن الشهوة لما كان لها مدخل في وجوب الغسل وقد وجدت عند انفصال المني فلا تشترط عند خروجه وثمرة الخلاف فيمن أمسك ذكره حتى سكنت شهوته فخرج بلا شهوة يجب الغسل عندهما لا عنده وفيمن أمنى ثم اغتسل قبل أن يبول أو ينام أو يمشي فخرج المني يجب الغسل ثانيا عندهما لا عنده
____________________
(1/38)
أما لو خرج منه بعد النوم أو البول أو المشي فلا يجب عليه الغسل اتفاقا
وفي السراج الوهاج الفتوى على قول أبي يوسف في حق الضيف وعلى قولهما في غيره قال المولى المعروف بأخي حلبي نقلا عن المعراجية ذي دفق من الرجل وشهوة أي من المرأة ثم قال أقول يفهم منه انتفاء الدفق في ماء المرأة وليس بصواب لأن الله تعالى أسند الدفق إلى مائها أيضا حيث قال جل جلاله خلق من ماء دافق الآية صرح به في البيانية انتهى لكن يمكن الجواب بحمل الآية على التغليب وهو نوع من البلاغة لأن الدفق في مني المرأة غير ظاهر فليتأمل
و فرض لرؤية مستيقظ لم يتذكر الاحتلام بللا ولو مذيا عند الطرفين خلافا له أي لأبي يوسف له أن الأصل براءة الذمة فلا يجب إلا بيقين وهو القياس ولهما أن النائم غافل والمني قد يرق بالهواء فيصير مثل المذي فيجب عليه احتياطا والمرأة مثل الرجل في الأصح وإنما قيد بالمستيقظ لأن المغشي عليه أو السكران لو أفاق أو صحا ثم وجدا بللا لا يجب عليهما الغسل اتفاقا
وفي الجواهر إن استيقظ فوجد في إحليله بللا ولم يتذكر حلما إن كان ذكره منتشرا قبل النوم فلا غسل عليه وإن كان ساكنا فعليه الغسل هذا إذا نام مضطجعا أو تيقن أنه مني فعليه الغسل وهذه المسألة يكثر وقوعها والناس عنها غافلون
ولإيلاج حشفة أو قدرها إذا كان مقطوع الرأس في قبل أو دبر من آدمي حي وإن لم ينزل لقوله عليه الصلاة والسلام إذا غابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل ولأنه سبب
____________________
(1/39)
للإنزال ونفسه تتغيب عن بصره وقد يخفى عليه لقلته فيقام مقامه كما في الهداية وكذا الإيلاج في الدبر لكمال السببية في الشهوة حتى إن الفسقة يرجحونه على القبل لما يدعون فيه اللين والحرارة والضيق
وعن هذا قال بعضهم إن محاذاة الأمرد في الصلاة تفسد الصلاة كالمرأة
وقال صاحب الدرر وقيد آدمي احتراز عن الجني
وفي المحيط لو قالت امرأة معي جني يأتيني فأجد في نفسي ما أجد إذا جامعني زوجي لا غسل عليها لانعدام سببه وهو الإيلاج أو الاحتلام انتهى لكن فيه بحث من وجوه أما أولا فلأن الاحتلام مطلقا يوجب الغسل بلا بلل وأما ثانيا فلأن الإيلاج مطلقا لا يوجب الغسل كإيلاج البهيمة والميتة ما لم ينزل بل مقيد بإيلاج الآدمي الحي وأما ثالثا فلأن المني إذا نزل عند الملاعبة بدون الإيلاج يفهم من هذا أن لا يوجب الغسل وليس كذلك على الفاعل والمفعول به لو كانا مكلفين فلو لم يكن المفعول مكلفا يجب على الفاعل فقط وفي عكسه يجب على المفعول فقط
ولانقطاع حيض ونفاس لقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن على قراءة التشديد لأن منع الزوج من القربان الذي هو حقه وجعل الغسل غاية لذلك المنع دليل على وجوب الغسل والتحقيق أن سبب الوجوب هنا هو الحدث الحكمي الثابت بخروج الدم إلا أن إيجاب الغسل مشروط بانقطاعه فلذلك نسب الإيجاب إليه وهذا الحدث الحكمي بمنزلة الجنابة الثابتة بسبب الإنزال أو الإدخال وهذا بحث طويل فليطلب من شرح الهداية لابن كمال الوزير لا يفرض لمذي بسكون الذال المعجمة هو ماء رقيق أبيض خارج عند الملاعبة لقوله عليه الصلاة والسلام كل فحل يمذي ففيه الوضوء وودي بسكون الدال المهملة وهو ماء غليظ يخرج بعد البول واحتلام بلا بلل
____________________
(1/40)
سواء كان رجلا أو امرأة وإيلاج في بهيمة أو ميتة بلا إنزال وكذا الإيلاج في صغيرة غير مشتهاة لنقصان السببية
وسن الغسل للجمعة والعيدين والإحرام وفي عرفة قال صاحب الهداية قيل هذه الأربعة مستحبة وسمى محمد الغسل في يوم الجمعة حسنا في الأصل
وقال مالك هو واجب لقوله عليه الصلاة والسلام من أتى الجمعة فليغتسل ولنا قوله عليه السلام من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل وبهذا يحمل ما رواه على الاستحباب أو على النسخ ثم هذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف وهو الصحيح لزيادة فضيلتها على الوقت واختصاص الطهارة بها وفيه خلاف الحسن والعيدان بمنزلة الجمعة لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة انتهى وعلم من هذا الدليل أن الغسل لصلاة العيدين لا ليوم العيد وبهذا ظهر مخالفة صاحب الدرر بقوله وسن لصلاة الجمعة وهو الصحيح ولعيد أعاد اللام لئلا يفهم كونه سنة لصلاة العيد تدبر
وفي الظهيرية هذا الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد
وفي الخانية الغسل يوم الجمعة سنة لما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال من السنة الغسل يوم الجمعة قال أبو يوسف لليوم واحتج بهذا الحديث
وقال الشيخ الإمام أبو بكر ليس الأمر كما قال أبو يوسف والاغتسال للصلاة لا لليوم لإجماعهم على أنه لو اغتسل بعد الصلاة لا يعتبر وإذا اغتسل بعد طلوع الفجر ثم أحدث وتوضأ وصلى لم تكن صلاة بغسل
وقال الحسن إن اغتسل قبل طلوع الفجر وصلى بذلك الغسل كانت صلاة بغسل وإن أحدث وتوضأ وصلى لا يكون صلاة بغسل انتهى هذا مخالف لما نقله صاحب الهداية عن أبي يوسف والحسن إلا أن يحمل على الروايتين تتبع
ووجب الغسل للميت كفاية والمعنى أنه إن قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود وإلا يأثم الكل وقيل هو سنة مؤكدة وإنما أخره عن المسنون وحق الوجوب أن
____________________
(1/41)
يتقدم عليه لأن للإنسان حالين حال الحياة وحال الممات وحال الحياة مقدم على حال الممات وهذا الغسل من قبيل الثاني والأنسب التأخير وبهذا ظهر ضعف ما قيل في حل هذا المحل ولو قدم قسم الواجب على السنة لكان أولى
و يجب على من أسلم جنبا وأما تأخيره مع كونه واجبا فلاختلاف الرواية في وجوبه في رواية عن الإمام يجب الغسل عليه إذا أسلم جنبا ووجوبه بإرادة الصلاة وهو عندهما مكلف فصار كالوضوء ولأن الجنابة صفة مستدامة ودوامها بعد الإسلام كإنشائها فيجب الغسل
وفي رواية أخرى عنه أنه لا يجب لأنه ليس بمخاطب بالشرائع فصار كالكافرة إذا حاضت وطهرت ثم أسلمت لا يجب عليها الغسل وإلا ندب أي إن أسلم ولم يكن جنبا فإن الغسل مندوب له وندب الغسل أيضا لدخول مكة والمدينة ولمجنون أفاق ولصبي إذا بلغ بالسن وعند حجامة وفي ليلة براءة أو قدر إذا رآها وعند الوقوف بمزدلفة غداة يوم النحر عند دخول منى يوم النحر ولطواف الزيارة ولصلاة كسوف واستسقاء وفزع وظلمة وريح شديد لورود الأدلة المفيدة لذلك
ولا يجوز لمحدث مطلقا سواء كان بالحدث الأصغر أو الأكبر مس مصحف إلا بغلافه المنفصل كالخريطة ونحوها لا المتصل لأن المتصل بالمصحف هو منه ألا ترى أنه يدخل في بيعه بلا ذكر وكذا مس كتب التفاسير والأحاديث والكتب الشرعية لكن رخص بعض الفضلاء المس باليد في كتب الشرعية إلا التفسير
وفي السراج الوهاج المستحب أن لا يأخذ الكتب الشرعية بالكم أيضا بل يجدد الوضوء كلما أحدث وهذا أقرب إلى التعظيم قال الحلواني إنما نلت هذا العلم بالتعظيم فإني ما أخذت الكاغد إلا بطهارة والإمام السرخسي كان مبطونا في ليلة وكان يكرر درس كتابه فتوضأ في تلك الليلة سبع عشر مرة هذا في الصحيح
____________________
(1/42)
كذا في الهداية وكثير من الكتب وعليه الفتوى
وكره المس بالكم وهو الصحيح لأنه تابع للحامل
وفي الدرر خلافه
ولا يجوز مس درهم فيه سورة كسورة الإخلاص قال الباقاني ولو قال فيه آية لكان أولى للشمول ولو عمم بما قلناه سابقا لاستغنى عن ذكر هذه المسألة انتهى ولكن أقول ولو قال فيه شيء من القرآن لكان أولى سواء كان آية أو دونها لأن ما دون الآية عند أكثر الفقهاء يساويها في الحكم وهو الصحيح وإنما قيد بالسورة لما أنها كانت على بعض الدراهم كسورة الإخلاص ونحوها إلا بصرته لأنها بمنزلة الغلاف
ولا يجوز لجنب دخول المسجد ولو على وجه العبور خلافا للشافعي إلا لضرورة بأن كان طريقه المسجد قال صاحب التسهيل إن احتاج تيمم ودخل ولا قراءة القرآن ولو دون آية إلا على وجه الدعاء أو الثناء بأن لم يقصد القراءة فيقول الحمد لله شكرا للنعمة فحينئذ يجوز بلا كراهة وكذا قراءة الفاتحة على وجه الدعاء هو المختار وتكره لجنب كتابة القرآن وقراءة التوراة والإنجيل والزبور وكذا دخول الخلاء وفي إصبعه خاتم فيه شيء من القرآن أو من أسماء الله تعالى لما فيه من ترك التعظيم وقيل لا تكره إن جعل فصه إلى باطن الكف ولو كان ما فيه شيء من القرآن أو من أسماء الله تعالى في جيبه لا بأس به وكذا لو كان ملفوفا في شيء لكن التحرز أولى ولا يكره له قراءة القنوت هو الصحيح ولا النظر إلى القرآن ولا مس صبي لمصحف ولوح لأن في تكليفهم بالوضوء حرجا بها وفي تأخيره إلى البلوغ تقليل حفظ القرآن فرخص للضرورة
ويجوز له أي للجنب الذكر والتسبيح والدعاء لبقائها على أصل الإباحة
والحائض والنفساء كالجنب في جميع ما ذكر من الأحكام ويجوز لهما التهجي بالقرآن والمعلمة إذا حاضت فعند الكرخي تعلم كلمة كلمة وتقطع بين كلمتين وعند الطحاوي تعلم نصف آية وتقطع ثم تعلم النصف الآخر لأن ما دون الآية عنده لا يمنع
فصل الفصل في اللغة ظاهر وفي الاصطلاح طائفة من المسائل تغيرت أحكامها بالنسبة إلى ما قبلها فإن وصل إلى ما بعده نون وإلا فلا لما فرغ من بيان أحكام الطهارتين وما يوجبهما
____________________
(1/43)
وما ينقضهما شرع فيما تحصل به الطهارة فقال وتجوز الطهارة بالماء المطلق عند القدرة عليه والمطلق ما يتعرض للذات دون الصفات قال أهل الأصول هو المتعرض للذات فحسب والمقيد هو المتعرض للذات والصفات والمراد به ها هنا ما يسبق إلى الأفهام بمطلق قولنا الماء ويقال المطلق ما لا يحتاج في تعرض ذاته إلى شيء آخر والمقيد ما لا يتعرض ذاته إلا بالمقيد كماء السماء والعين والبئر والأودية والبحار لقوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا كما في الهداية وغيرها هذه الآية تدل على كل فرد من أفراد الدعوى إن كان أصل كل المياه من السماء كما نطق به قوله تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض الآية وعلى بعضها إن لم يكن كذلك لكن الآية الكريمة تدل على أن الماء الطهور أنزل من السماء والمدعى كون ما أنزل منه من الماء طهورا فلا يتم التقريب ولو سلم فاللازم من الآية كون الماء طهورا وهو لا يستلزم كونه مطهرا لغيره لأن أصحابنا يصرحون بأن ليس معنى الطهور لغة ما يطهر غيره بل إنما هو المبالغ في طهارته أي طهارته قوية والأولى أن يستدل بقوله تعالى وينزل من السماء ماء ليطهركم به تدبر وإنما جعل المصنف ماء العين وما عطف عليه قسيما لماء السماء وليس كذلك بل الجميع على القول الصحيح ماء السماء كما بين آنفا بناء على الظاهر
وإن وصلية غير شيء طاهر بعض أوصافه كالتراب والزعفران والصابون هذا الحكم فيما إذا كان الماء رقيقا بعد الاختلاط أما إذا كان ثخينا بأن غلب عليه الشيء المختلط فلا تجوز وقيد المصنف ببعض أوصافه إشارة إلى أن المتغير لو كان كلها يعني اللون والطعم والرائحة لا تجوز لكن المنقول عن بعض أصحابنا أنه تجوز ألا يرى إلى ما قال صاحب النهاية نقلا عن الأساتذة
____________________
(1/44)
وأما ماء الحوض إذا تغير لونه وطعمه ورائحته إما بمرور الزمان أو بوقوع الأوراق كان حكمه حكم الماء المطلق وفيه كلام لأن هذا مخالف لما أشار إليه المصنف لكن يمكن التوجه بأن ما نقل صاحب النهاية محمول على الضرورة فلا ينافي القول بعدم الجواز عند عدم الضرورة كما في التحفة
وقال الشافعي لا يجوز التوضؤ بماء الزعفران وأشباهه مما ليس من جنس الأرض لأنه ماء مقيد ألا يرى أنه يقال له ماء الزعفران بخلاف أجزاء الأرض لأن الماء لا يخلو عنها عادة ولنا أن الاسم باق على الإطلاق ألا يرى أنه لم يتجدد له اسم على حدة وإضافته إلى الزعفران وأشباهه كإضافته إلى البئر والعين أنها للتعريف لا للتقييد وعلامة إضافة التقييد قصور الماهية في المضاف كان قصورها قيده كي لا يدخل المطلق مثاله حلف لا يصلي فصلى الظهر يحنث لأنها صلاة مطلقة وإضافتها إلى الظهر للتعريف ولا يحنث بصلاة الجنازة لأنها ليست بصلاة مطلقة وإضافتها إليها للتقييد وأنتن بالمكث عطف على أن غير المكث بفتح الميم مصدر بمعنى الانتظار والماضي منه مكث بفتح الكاف وضمها والاسم منه مكث بضم الميم وكسرها
لا تجوز الطهارة بماء خرج عن طبعه وهو الرقة والسيلان بكثرة الأوراق أي بوقوع الأوراق الكثيرة فيه لأنه يتغير أوصافه جميعا وإن جوزه الأساتذة على ما نقله صاحب النهاية قال صاحب الفرائد لا يمكن الحمل إلا على اختلاف الروايتين كما صرح به المولى أخي حلبي انتهى لكن يمكن الحمل على ما بين آنفا تدبر أو بغلبة غيره بأن يكون أجزاء المخالط أزيد من أجزاء الماء وهو قول أبي يوسف في الصحيح لأنه غلبه حقيقة لرجوعها إلى الذات بخلاف الغلبة باللون فإنها راجعة إلى الوصف ومحمد اعتبر الغلبة باللون في الصحيح عنه لأن اللون مشاهد وفي المحيط عكسه وفي هذه المسألة اختلافات كثيرة فليطلب من شروح الكنز وغيرها أو بالطبخ كالأشربة والخل وماء الورد وماء الباقلاء والمرق قال صاحب الفرائد جعل المصنف الأشربة والخل مثالين بما غلب عليه غيره فيكون المراد من الأشربة الحلو المخلوط بالماء كالدبس والشهد المخلوطين بالماء ومن الخل الخل المخلوط بالماء على ما أشير إليه في النهاية والعناية والباقي أمثلة لما تغير بالطبخ انتهى وفيه كلام لأنه لا وجه لأن يكون الخل مثالا لما غلب عليه غيره وإن كان
____________________
(1/45)
مخلوطا بالماء لأنه لا يصدق عليه أنه ماء غلب عليه غيره فإن الخل مثلا إذا اختلط بالماء والماء مغلوب يقال خل مخلوط بالماء لا ماء مخلوط بالخل تدبر
ولا تجوز الطهارة بماء قليل وقع فيه نجس ما لم يكن غديرا قال الجوهري والمغادرة الترك والغدير القطعة من الماء يغادرها السيل وهو فعيل بمعنى مفاعل من غادره أو مفعول من اغدره ويقال فعيل بمعنى فاعل لأنه يغدر بأهله أي ينقطع عند شدة الحاجة إليها ويجوز أن يكون بمعنى مفعول من غدر أي ترك لأنه الذي تركه ماء السيل اعلم أنهم اتفقوا على أن الماء القليل يتنجس بوقوع النجاسة فيه دون الكثير واختلفوا في الحد الفاصل بينهما فمالك اعتبر تغيير الوصف والشافعي قدر بالقلتين والقلتان خمسمائة رطل بالبغدادي عندهم وذكر في وجيزهم والأشبه ثلاثمائة من تقريبا لا تحديدا وأصحابنا قدروا بعدم الخلوص لأن عند ذلك يغلب على الظن عدم وصول النجاسة إليه ثم اختلفوا فيما يعرف به الخلوص فذهب المتقدمون إلى أنه يعرف بالتحريك ولهذا قال المصنف في تعريفه لا يتحرك طرفه المتنجس بتحريك طرفه الآخر فهو مما لا يخلص بعضه ببعض والمراد بالتحريك التحريك بالارتفاع والانخفاض في ساعته لا بعد المكث إذ الماء سيال يخلص بعضه إلى بعض بالاضطراب الذي يقع فيه ولو كثر لكنهم اختلفوا في سبب التحريك فروى أبو يوسف عن الإمام أنه يعتبر التحريك بالاغتسال وهو أن يغتسل إنسان في جانب منه اغتسالا وسطا ولا يتحرك الجانب الآخر وهو قول أبي يوسف وروى أبو يوسف عن الإمام رواية أخرى أنه يعتبر التحريك باليد لا غير لأنه أخف وكان الاعتبار به أولى توسعة للناس وروى محمد عن الإمام أنه يعتبر التحريك بالوضوء لأنه متوسط بين التحريك بالاغتسال والتحريك بغسل اليد
وقال في المحيط وهو الأصح لأنه الأوسط وعن محمد أنه يعتبر بغمس الرجل
وفي الغاية ظاهر الرواية عن الإمام اعتباره بغلبة الظن فإن غلب على ظن المتوضئ وصول النجاسة إلى الجانب الآخر لا يتوضأ به وإلا توضأ
وقال هو الأصح وقيل يمتحن بأن يلقى فيه صبغ مقدار النجاسة إن نفذ إلى جانب الآخر فهو مما يخلص بعضه إلى بعض وكذا إذا اغتسل فيه وتكدر الماء فإن وصلت
____________________
(1/46)
الكدرة إلى الجانب الآخر فهو مما يخلص وإلا فلا ومن المشايخ المتأخرين من اعتبر الخلوص بالمساحة وهو أن يكون عشرا في عشر ولهذا قال المصنف أو لم يكن عشرا في عشر والظاهر أن يكون تفسيرا آخر للغدير لأنهم فسروا الغدير العظيم بما بين آنفا بعدم التحريك أو بالمساحة والمناسب على هذا التفسير أن يقول أو يكون عشرا في عشر لكن المصنف عطف على لم يكن غديرا والمعنى لا تجوز الطهارة بماء قليل وقع فيه نجس ما لم يكن غديرا أو لم يكن عشرا في عشر فكلتا الصورتين مستثنيتان عن الحكم السابق الكلي يروى ذلك عن محمد وبه أخذ مشايخ بلخي وأبو سليمان الجرجاني والمعلى قال أبو الليث وهو قول أكثر أصحابنا وعليه الفتوى لأنهم امتحنوا فوجدوا هذا القدر مما لا تخلص إليه النجاسة فقدروه بذلك تيسيرا على الناس وإن كان الحوض مدورا يعتبر فيه ستة وثلاثون ذراعا فإن هذا المقدار إذا ربع كان عشرا في عشر لأن كون الدائرة أوسع الأشكال مبرهن عند الحساب كذا في الظهيرية واختلفوا في تعيين الذراع فقال الإمام ظهير الدين المعتبر ذراع الكرباس توسعة للأمر على الناس لأنه أقصر من ذراع المساحة بإصبع لأن ذراع المساحة سبع قبضات فوق كل قبضة إصبع قائمة وذراع الكرباس سبع قبضات فقط وقيل ست قبضات أربع وعشرين إصبعا
وفي الخانية الأصح ذراع المساحة لأنه أليق بالممسوحات
وفي المحيط الأصح أن يعتبر في كل زمان ومكان ذراعهم من غير تعرض للمساحة والكرباس
وعمقه أي عمق الغدير ما لا تنحسر أي لا تنكشف الأرض بالغرف هو الصحيح فإنه أي الغدير العظيم كالجاري أي حكمه حكم ماء الجاري
وهو أي الجاري ما يذهب بتبنة هذا مختار الهداية والكافي في التحفة والبدائع الأصح أنه ما يعده الناس جاريا فيجوز الطهارة به ما لم ير أي لم يعلم والرؤية هاهنا مستعارة لمعنى العلم فينتظم الطعم والرائحة أثر النجاسة وهو لون أو طعم أو ريح إن كانت غير مرئية يتوضأ من جميع الجوانب وإن
____________________
(1/47)
كانت مرئية لا يتوضأ من موضع النجاسة بل من الجانب الآخر قال صاحب الإصلاح نقلا عن صاحب التحفة إذا وقع النجس في الماء فإما أن يكون الماء جاريا أو راكدا فإن كان جاريا إن كانت النجاسة غير مرئية فإنه لا يتنجس ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه وإن كانت مرئية مثل الجيفة ونحوها فإن كان النهر كبيرا فإنه لا يتوضأ من أسفل الجانب الذي وقعت فيه النجاسة ولكن يتوضأ من الجانب الآخر لأنه يتيقن بوصول النجاسة إلى الموضع الذي يتوضأ منه وإن كان النهر صغيرا بحيث لا يجري بالجيفة بل يجري الماء عليها إن كان يجري عليها جميع الماء فإنه لا يجوز التوضؤ به من أسفل الجيفة لأنها تنجس جميع الماء والنجاسة لا تطهر بالجريان وإن كان يجري عليها أكثر الماء فهو نجس وإن كان يجري عليها أقل الماء فهو طاهر لأن العبرة بالغالب وإن كان يجري عليها النصف يجوز التوضؤ به في الحكم ولكن الأحوط أن لا يتوضأ منه انتهى قال صاحب الفرائد في نقله قصور لأنه قال في ابتداء كلامه فإما أن يكون الماء جاريا أو راكدا ثم بين حكم الماء الجاري فقط وسكت عن حكم الماء الراكد والمقسم يقتضيه انتهى وفيه كلام لأنه اقتصر العلامة في هذا المحل على بيان حكم الماء الجاري لأن سياق كلامه يقتضي بيان هذا الحكم فقط ثم بين حكم الماء الراكد بعد أسطر فقال ولا بماء راكد وقع فيه نجس إلى آخره وغفل المخطئ عن سباقه وسياقه فأخطأ تدبر
والماء المستعمل طاهر غير مطهر هو المختار قدم الكلام في حكم الماء المستعمل على تعريفه اهتماما لشأن ما هو المقصود وإشارة إلى أن التعريفات إنما تقع تبعا وضرورة لأن البحث عن حقائق الأشياء ليس من وظيفة أهل هذا الفن والأصل في ذلك أن محمدا روى في عامة كتبه عن أصحابنا جميعا أن الماء المستعمل طاهر
____________________
(1/48)
غير مطهر وهو ظاهر الرواية عن الإمام وعليه الفتوى لعموم البلوى
وقال مالك طاهر ومطهر إذا كان الاستعمال لم يغيره لكنه مكروه مع وجود غيره مراعاة للخلاف وللشافعي ثلاثة أقوال وأظهرها كقول محمد
وفي قول طاهر ومطهر كقول مالك وفي آخر أن المستعمل إن كان محدثا فهو طاهر غير مطهر وإن كان متوضئا فهو طاهر ومطهر وهو قول زفر
وعن الإمام أنه نجس مغلظ في رواية الحسن عنه وهو رواية شاذة غير مأخوذ بها
وعن أبي يوسف مخفف للاختلاف الواقع فيه لأن اختلاف العلماء يورث التخفيف وهو ما استعمل لقربه فالسبب إقامة القربة لا نيتها لأنها قد توجد ولا تقام القربة فلا يتحقق الاستعمال أو لرفع حدث الماء يصير مستعملا عندهما بكل من القربة وإزالة الحدث خلافا لمحمد فإن عنده بالأول فقط
وعند زفر والشافعي بالثاني فقط لكن إزالة الحدث لا يتحقق إلا بنية القربة عند الشافعي سواء كان الحدث الأصغر أو الأكبر لأن الوضوء قد وجد في الاغتسال وبدون النية لا يتحقق الوضوء عنده فإن لم يتحقق لم يتحقق الاغتسال لأن الوضوء جزء من الاغتسال والكل ينتفي بانتفاء جزئه وبهذا ظهر ضعف ما قيل واشتراط النية في الجنابة عند الشافعي محل بحث ولا تصريح به في كتابه فليتأمل
ويصير مستعملا إذا انفصل عن البدن
وفي الهداية هو الصحيح
وفي المحيط أن الماء إنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زال عن البدن والاجتماع في المكان ليس بشرط هذا هو مذهب أصحابنا
وقال المولى المعروف بيعقوب باشا ولا يخفى أن في هذا حرجا عظيما على قول الإمام وأبي يوسف من أن الماء المستعمل نجس وفيه كلام لأنه إنما يلزم لو لم يكن المختار كون الماء المستعمل طاهرا والمختار أنه طاهر كما هو اختيار أكثر المشايخ
وظاهر الرواية عن الإمام وعليه الفتوى وإطلاق قول أبي حنيفة رحمه الله على أن الماء المستعمل نجس ليس بسديد لأن رواية كونه نجسا عنه رواية شاذة كما بين آنفا تدبر
وقيل إذا استقر في مكان وهو اختيار الطحاوي ومذهب سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وبعض مشايخ بلخي وبه كان يفتي ظهير الدين المرغيناني
وفي خلاصة الفتاوى المختار أنه لا يصير مستعملا ما لم يستقر في مكان ويسكن عن التحريك
لكن المصنف أورد بصيغة التمريض لأن الأول أحوط والاعتماد أولى لأن المقام مقام العبادات وفائدة الخلاف تظهر فيما انفصل ولم يستقر بل هو في الهواء فسقط على عضو إنسان وجرى فيه من غير أن يأخذه بكفه فعلى الأول لا يصح وضوءه وعلى الثاني يصح
ولو انغمس جنب في البئر بلا نية
ولو قال لو انغمس محدث لكان أولى لأن مجرد الانغماس لا يكفي في الطهارة عن الجنابة لأن المضمضة والاستنشاق فرضان فيها فجواب محمد لا يتمشى في الصورة المذكورة فقيل الماء والرجل نجسان عند الإمام في رواية عنه أما الماء فلنجاسته بأول الملاقاة لإسقاط الفرض عن البعض وأما الرجل فلبقاء
____________________
(1/49)
الحدث والأصح أن الرجل طاهر والماء المستعمل عنده لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال قبل الانفصال فلا يكون الماء بأول الملاقاة نجسا فيطهر الرجل
وعند أبي يوسف هما بحالهما الرجل بحاله لأنه لم يزل حدثه والماء بحاله لعدم إسقاط الفرض والقربة
وعند محمد الرجل طاهر لزوال حدثه والماء طهور لعدم نية القربة وإنما قال بلا نية لأنه لو انغمس للاغتسال فسد الماء عند الكل كما في العناية
وقال الفاضل المولى سعدي أفندي لا نسلم ذلك عند أبي يوسف فإنه يشترط الصب عنده ولم يوجد انتهى لكن يمكن أن يتصور الصب في حال الانغماس لأن الإنسان إذا انغمس في الماء يتحرك الماء بحركته ويتموج باضطرابه ويقع عليه فيقام مقام الصب كما في الماء الجاري تدبر
وموت ما يعيش في الماء فيه الظرف الثاني للموت والمراد بما يعيش في الماء ما يكون توالده ومثواه في الماء واحترز به عن مائي المعاش دون المولد كالبط والإوز لا ينجسه كالسمك والضفدع بكسر الدال
والسرطان لعدم الدم والضفدع البري والبحري سواء وقيل البري مفسد لوجود الدم واختلف في إفساد غير الماء كالمائعات والصحيح أنه لا يفسد وكذا الإلقاء في الماء بعد الموت
وكذا موت ما لا نفس له سائلة والمراد بالنفس هنا الدم أي ليس له دم سائل كالبق والذباب والزنبور والعقرب خلافا للشافعي في الكل إلا السمك وكل إهاب وهو الجلد الذي لم يدبغ ويتناول ذلك بعمومه ما يؤكل وما لا يؤكل دبغ فقد طهر أي الدباغة أعم من أن تكون حقيقة كالقرظ ونحوه أو حكمية كالتتريب والتشميس والإلقاء وفي الريح فإن كانت بالأولى لا يعود نجسا أبدا وإن كانت بالثانية ثم أصابه الماء ففيه روايتان عن الإمام والأظهر أنه يعود قياسا وعندهما لا يعود استحسانا وهو الصحيح وعلى هذا البئر إذا غار ماؤها بعدما تنجست ثم عاد الماء وعن محمد جلد الميتة
____________________
(1/50)
إذا يبس ثم وقع في الماء لم تنجس من غير فصل إلا جلد الآدمي لكرامته والخنزير لنجاسة عينه قدم الآدمي على الخنزير لأنه يرى أن يكون معطوفا عليه لا معطوفا على الخنزير لأن العطف يشعر بالإهانة لأنه يوهم كون معنى التبعية في النجاسة وليس كذلك بل عدم جواز الانتفاع به لشرفه لا لنجاسته حتى يكون التقديم مشعرا بالإهانة كما قاله الباقاني وغيره تدبر وكذا لا يطهر جلد الحية والفأرة واختلف في جلد الكلب والصحيح أنه يطهر والفيل كالسبع عندهما لأنه طاهر العين فيطهر جلده بالدبغ وعند محمد كالخنزير لأنه نجس العين فلا يطهر قالوا وما طهر جلده بالدباغ طهر بالذكاة هي عبارة عن الذبح الشرعي واشترط فيه أهله ومحله وذكر التسمية تحقيقا أو تقديرا لأن الذكاة مانعة عن تشرب الجلد بالرطوبات
وكذا لحمه وإن لم يؤكل لأن الجلد يطهر بالذكاة واللحم متصل به فلا يكون نجسا حتى إذا صلى ومعه لحم الثعلب قدر الدرهم جازت صلاته قال في البدائع الذكاة تطهر المذكى بجميع أجزائه إلا الدم المسفوح وهو الصحيح
وفي الكافي اللحم نجس في الصحيح والضمير المستتر في طهر الثاني عائد إلى الجلد لا إلى كلمة ما بدليل التعرض لطهارة اللحم بعده فإن قلت يلزم من هذا تفكيك الضمير قلنا لا نسلم التفكيك لأن تقدير الكلام ما يطهر جلده بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فمرجع الضمير ليس بأجنبي عن الأول حتى يلزم التفكيك فلئن سلم فقبح التفكيك عند لزوم اللبس وعدم ظهور المراد وذكر اللحم ها هنا قرينة معينة ولا نسامح فيه كما توهم البعض كذا في تعليقات الواني
وشعر الميتة غير الخنزير إذ هو بجميع أجزائه نجس العين خلافا لمحمد في شعره وعظمها وعصبها وقرنها وحافرها طاهر خلافا للشافعي لأن كلا منها من أجزاء الميتة ولنا أنه لا حياة فيها بدليل عدم الألم بقطعها كقص الظفر ونشر القرن وقطع طرف من الشعر وما لا تحلها الحياة لا يحلها الموت والمراد بإحياء العظام في النص ردها إلى ما كانت غضة رطبة في بدن حي وإنما يتألم بكسر العظم وقطع العصب لاتصالهما باللحم وبهذا ظهر فساد ما قيل من أن الطريقة المذكورة وهي قوله لا حياة فيها ولهذا لا يتألم بقطعها لا تجري في العصب لأنه
____________________
(1/51)
لا يمكن أن يقال ليس فيه حياة ولا يتألم بقطعه تدبر
وكذا شعر الإنسان وعظمه خلافا للشافعي لعدم الانتفاع بهما ولنا أن عدم الانتفاع بهما لكرامة الإنسان فتجوز الصلاة معه وإن جاوز قدر الدرهم والضمير في معه راجع إلى كل واحد مما ذكر على سبيل البدل قال صدر الشريعة فتجوز صلاة من أعاد سنه إلى فمه
وقال المحشي المعروف بيعقوب باشا قيد بسن نفسه لأنه لو كان سن غيره تفسد اتفاقا وبالإعادة إلى فمه واستحكامها في مكانها لأنه إذا حملها ولم يضعها في موضعها تفسد اتفاقا انتهى وفيه كلام لأنه ذكر في الخلاصة والخانية وغيرهما لو صلى وسنه في كمه تجوز صلاته تأمل
وبول ما يؤكل لحمه نجس عندهما حتى إن وقع في البئر بنزح الماء كله خلافا لمحمد فإنه طاهر عنده ولا يتنجس بوقوعه فيه إلا أن يغلب الماء فيخرجه عن الطهورية ولا يشرب بول ما يؤكل عند الإمام
ولو للتداوي خلافا لأبي يوسف فإنه يجوز شربه للتداوي ولو حراما وعند محمد يجوز مطلقا
فصل تنزح البئر أي ماؤها من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال لوقوع نجس ما لم تكن عشرا في عشر لأنها لو كانت عشرا في عشر لا يتنجس بشيء ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه والقياس أن لا تطهر أصلا لاختلاط النجاسة بجميع ما فيها من الأحجار والأخشاب وغيرهما ويتعذر الغسل أو لا يتنجس اعتبارا بالماء الجاري لأنها كلما يؤخذ من أعلاها ينبع
____________________
(1/52)
من أسفلها لكن ترك القياس للآثار ولهذا قيل مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار حتى إذا خرج الواجب منها حكم بطهارة جميع ما فيها ودلوها ويد النازح
وعند الشافعي يستخرج النجس ويبقى الماء طاهرا لا بنحو بعر مطلقا
وروث وخثي ما لم يستكثر أي ما لم يستكثره الناظر هذا رواية عن الإمام وهو اختيار القدوري وصاحب الهداية وقاضي خان وعليه الاعتماد وروي عن محمد ما يغطي وجه ربع الماء كثير وما دونه قليل ومن المشايخ من قال ثلثه ومنهم من قال لا يخلو دلو عن بعرة وهو اختيار الطحاوي ومحمد بن سلمة وروى هشام عن محمد الكثير ما يغير لون الماء
ولو بعرت الشاة في المحلب بعرة أو بعرتين قالوا ترمى البعرة في ساعته ويشرب اللبن لمكان الضرورة ولا يعفى القليل في الإناء لعدم الضرورة وعن أبي يوسف أنه بمنزلة البئر في حق البعرة والبعرتين ولا بخرء حمام وعصفور فإنه أي الخرء طاهر خلافا للشافعي فإن عنده يفسده كخرء الدجاج وهو القياس واستحسن علماؤنا طهارته بدلالة الإجماع فإن الصدر الأول ومن بعدهم أجمعوا على جواز اقتناء الحمامات في المساجد حتى المسجد الحرام مع ورود الأمر بتطهيرها بقوله تعالى أن طهرا بيتي وفي ذلك دلالة ظاهرة على عدم نجاسته وخرء العصفور كخرء الحمامة فما يدل على طهارة هذا يدل على طهارة ذاك وكذا خرء جميع ما يؤكل من الطيور على الأصح
وإذا علم وقت الوقوع أي وقت حيوان مات في البئر حكم بالتنجس من وقته أي من وقت الوقوع
وإلا أي وإن لم يعلم فمن يوم وليلة إن لم ينتفخ الواقع أو لم يتفسخ لأن أقل المقادير في باب
____________________
(1/53)
الصلاة يوم وليلة فإن ما دون ذلك ساعات لا يمكن ضبطها لتفاوتها ومن ثلاثة أيام ولياليها إن انتفخ أو تفسخ لأن الانتفاخ دليل التقادم فيقدر وقوعه منذ ثلاثة أيام لأنها أقل الجمع
وقالا من وقت الوجدان لأن الماء طاهر بيقين ووقع الشك في نجاسته فيما مضى واليقين لا يزول بالشك فصار كمن رأى في ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم ولم يدر متى أصابته لا يعيد شيئا من صلاته بالاتفاق وهو الصحيح
و ينزح عشرون دلوا بطريق الوجوب بعد إخراج الواقع
وسطا وهي الدلو المستعملة في آبار البلدان والقطرات التي تعود إلى الماء عفو لتعذر الاحتراز إلى ثلاثين بطريق الاستحباب بموت نحو فأرة أو عصفور أو سام أبرص قيد الموت غير معتبر في المسألة فإنها لو ماتت في الخارج ثم ألقيت فيها لا يختلف جواب المسألة
وفي الجوهرة الفأرة إذا وقعت هاربة من الهرة ينزح كله لأنها تبول وكذا إذا كانت مجروحة أو متنجسة ولو وقع أكثر من فأر فإلى الأربع كالواحد عند أبي يوسف ولو خمسا كالدجاجة إلى التسع ولو عشرا كالشاة ولو كانت فأرتان كهيئة الدجاجة فأربعون عند محمد وأربعون وجوبا إلى ستين استحبابا في رواية وأخرى إلى خمسين بنحو حمامة أو دجاجة أو سنور وما بين فأرة وحمامة كفأرة كما بين دجاجة وشاة كدجاجة
وفي السنورين ينزح كله وكله بنحو كلب أو شاة أو آدمي أو انتفاخ الحيوان الدموي أو تفسخه
ولو صغيرا لانتشار البلة في أجزاء الماء
موت الكلب ليس بشرط حتى لو انغمس وأخرج حيا ينزح جميع الماء وكذا كل ما سؤره نجس أو مشكوك وإن مكروها فيستحب نزحه في رواية والشاة إذا أخرجت حية إن كانت هاربة من السبع نزح كله خلافا لمحمد والآدمي إذا أخرج حيا إن كان محدثا نزح أربعون وإن جنبا نزح كله ولو وقع آدمي ميت قبل الغسل ينجس وإن بعد الغسل لا إلا أن يكون كافرا أو جنبا
وإن لم يمكن نزحها بأن كانت معينا نزح قدر ما كان فيها أي في البئر بقول رجلين لهما معرفة بأمر الماء عند الإمام في رواية وهو الأصح والأشبه بالفقه
____________________
(1/54)
لكونهما نصاب الشهادة الملزمة
وفي رواية ينزح منها مائة دلو
وفي رواية ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر الغلبة بشيء لتفاوتها بل فوضها إلى رأيهم كما هو دأبه وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى ينزح قدر ما فيها بأن تحفر حفيرة مثل موضع الماء من البئر ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ أو ترسل فيها قصبة وتجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح مثلا عشر دلاء ثم تعاد القصبة فيظهر لكم النقص فينزح لكل قدر منها عشر دلاء ويفتى بنزح مائتي دلو إلى ثلاثمائة وهو مروي عن محمد كأنه بنى قوله على ما شاهد في بلدة بغداد فإن آبارها لا تزيد على ثلاثمائة دلو
وما زاد على الوسط احتسب به حتى لو نزح بدلو عظيم مرة مقدار الواجب جاز لحصول المقصود وهو نزح المقدار الذي قدره الشرع
وقال زفر لا يجوز لأن بتواتر الدلاء يصير الماء كالجاري ومثله عن الحسن ولنا أن اعتبار الجريان ساقط لحصول المقصود ألا يرى أنه لو نزح في عشرة أيام كل يوم دلوين جاز ولو كان مكان ما زاد غير الوسط لكان أولى لشموله صورة النقصان أيضا
وقيل يعتبر في كل بئر دلوها كما في الهداية أورده المصنف بصيغة التمريض لأنه يلزم من هذا أن يكون نزح قدر من الماء مطهرا في بئر غير مطهر في أخرى مع اتحاد سبب النجاسة لاختلاف دلوهما في المقدار وقيل ما يسع صاعا وهو ثمانية أرطال
وسؤر الآدمي مطلقا إلا حال شرب الخمر فإن سؤره في تلك الحالة نجس قبل بلع ريقه فإن بلع ريقه ثلاث مرات طهر فمه عند الإمام لأن المائع مطلقا مطهر من غير اشتراط صب عنده والفرس وما يؤكل لحمه بغير كراهة من الطيور والدواب إلا الإبل والبقر الجلالة وهي التي تأكل العذرة طاهر لأن لعابهم متولدة من لحم طاهر وكراهة لحم الفرس في رواية لاحترامه لأنه آلة الجهاد لا لنجاسته فلا يؤثر في كراهة سؤره وهو الصحيح وسؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم نجس لنجاسة لحمها
وقال الشافعي طاهر غير الكلب والخنزير وسؤر الهرة قبل أكل الفأرة وأما بعدها فسؤرها نجس اتفاقا إذا كان على الفور وإن مكثت ساعة لا يتنجس عند أبي
____________________
(1/55)
يوسف ويتنجس عند محمد لأن فمها يتنجس بالفأرة والنجس لا يطهر إلا بالماء عنده والدجاجة المجلاة الجائلة في عذرات الناس إذ لو كانت محبوسة لا يصل منقارها إلى تحت قدميها لا يكره وسباع الطير لأنها تأكل الميتات عادة إلا المحبوس الذي يعلم صاحبه أن لا قذر على منقاره روي ذلك عن أبي يوسف واستحسنه المشايخ وسواكن البيت كالحية والفأرة مكروه والقياس أن يكون سؤرهما نجسا لنجاسة لحمها لكن سقطت نجاسة سؤرهما لعلة الطواف فبقيت كراهتهما كراهة تنزيه في الأصح وهذه العلة تجري في الهرة
وفي الخلاصة وحكم الماء المكروه أنه لو توضأ به مع القدرة على ماء آخر يجوز مع الكراهة وإن كان عادما للماء توضأ به ولا يتيمم
وسؤر البغل والحمار مشكوك وهذه عبارة أكثر المشايخ وأنكرها أبو طاهر الدباس وقال حاشا أن يكون شيء من أحكام الله تعالى مشكوكا فيه بل سؤر الحمار طاهر لو غمس فيه الثوب جازت الصلاة فيه إلا أنه يحتاط فيه فأمر بالجمع بينه وبين التيمم قيل الشك في طهارته وقيل في طهوريته وقيل جميعا والقول الثاني اختيار صاحب الهداية والوجيز وهو الأصح لأن سؤرهما طاهر ولهذا قالوا لو مسح رأسه بسؤر الحمار ثم وجد الماء المطلق لا تجب إعادته والمراد بالشك ها هنا التوقف لتعارض الأدلة لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال سؤر الحمار طاهر
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه نجس ولم يترجح دليل النجاسة لثبوت الضرورة فيه لأن الحمار يربط في الدور فيشرب في الآنية لكن ليست كضرورة الهرة لأنها تدخل في المضائق دون الحمار فلو لم تكن فيه ضرورة أصلا كان كالسباع في الحكم بالنجاسة بلا إشكال ولو كانت الضرورة كضرورتها كان مثلها في سقوط النجاسة وحيث ثبتت الضرورة من وجه واستوى ما يوجب النجاسة والطهارة تساقطا للتعارض ووجب المصير إلى الأصل وهو شيئان الطهارة في جانب الماء والنجاسة في جانب اللعاب وليس أحدهما أولى من الآخر فبقي الأمر الآخر مشكلا وأما البغل فمثل الحمار لأنه من نسله وكان بمنزلته
وفي الغاية هذا إذا كانت أمه أتانا
____________________
(1/56)
وأما إذا كانت رمكة يكون سؤره طهورا لأن الولد يتبع الأم يتوضأ به إن لم يجد غيره ويتيمم أي بجمع بينهما احتياطا في صلاة واحدة حتى لو توضأ بسؤر الحمار وصلى ثم أحدث وتيمم وأعاد تلك الصلاة جاز ولو توضأ بسؤر الحمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا ولم يتوضأ به حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار فعليه التيمم وليس عليه إعادة الوضوء بسؤر الحمار ولو تيمم وصلى ثم أراق يلزم إعادة التيمم والصلاة لأنه يحتمل أن يكون سؤر الحمار طهورا
وأيا قدم جاز والأفضل تقديم الوضوء وقال زفر لا يجوز إلا التقديم واختلف في نية الوضوء بسؤر الحمار والأحوط أن ينوي
وعرق كل شيء كسؤره أي حكم اللعاب والعرق واحد لأن كلا منهما متولد من اللحم فيعتبر عرق كل حيوان بسؤره طهارة ونجاسة وكراهة ولا يرد الإشكال بكون سؤر الحمار مشكوكا مع أن عرقه طاهر لأن حكم العرق ثبت بالحديث المخالف للقياس فبقي الحكم في غيره على أصل القياس
وإن لم يوجد إلا نبيذ التمر يتيمم ولا يتوضأ به عند أبي يوسف وبه يفتى وبه قال الشافعي قيد بنبيذ التمر إذ في غيره من الأنبذة لا يتيمم اتفاقا لأن نبيذ التمر مخصوص من القياس بالأثر فلا يقاس عليه غيره
وعند الإمام يتوضأ به لحديث ليلة الجن وهو ما روي عن ابن مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له أعندك طهور قال لا إلا شيء من نبيذ قال تمرة طيبة وماء طهور لكن رجع الإمام إلى قول أبي يوسف قبل موته عملا بآية التيمم لأن الآية أقوى من الحديث فيعمل بها أو نقول إنه منسوخ بها لتقدمه عليها لأنها مدنية وليلة الجن كانت بمكة قبل الهجرة
وعند محمد يجمع بينهما لأن في الحديث اضطرابا وفي التاريخ جهالة فوجب الجمع احتياطا والأقاويل الثلاثة مروية عن الإمام ثم اختلفوا في جواز الغسل به قال في المبسوط يجوز الاغتسال به على الأصح لأن ما ورد من النص على خلاف القياس يلحقه به ما هو مثله والجنابة حدث كغيره من الأحداث
وقال في المفيد والأصح أنه لا يجوز لأن الجنابة أغلظ الحدثين والضرورة دونها في الوضوء فلا يقاس عليه وما نقله الزيلعي عن المفيد أن النبيذ الحلو الرقيق كالماء
____________________
(1/57)
يجوز به الوضوء بلا خلاف بين أصحابنا والمتنازع فيه هو المطبوخ الذي زال عنه اسم الماء انتهى ففيه كلام لأن الاختلاف في نبيذ التمر واقع مطلقا سواء كان مطبوخا أو غير مطبوخ تدبر
باب التيمم معنى الباب في اللغة النوع وقد يعرف بأنه طائفة من المسائل الفقهية اشتمل عليها كتاب ولقب بباب كذا ابتدأ بالوضوء ثم ثنى بالغسل ثم ثلث بالتيمم على وفق ما في كتاب الله تعالى تقديما لما حقه أن يقدم التيمم لغة القصد وشرعا طهارة حاصلة باستعمال الصعيد الطاهر في عضوين مخصوصين على قصد مخصوص قال الزيلعي وفي الشرع عبارة عن استعمال جزء من الأرض في أعضاء مخصوصة على قصد التطهير وفيه بحث وهو أنه لا يشترط استعمال الجزء في الأعضاء حتى يجوز بالحجر الأملس كما صرحوا به انتهى ويمكن أن يجاب عنه بأن يراد من الجزء الجزء الحاصل من الأرض والحجر أيضا من الأرض والمراد باستعماله استعماله المعتبر شرعا تدبر والأصل في شرعيته قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وقوله عليه الصلاة والسلام التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء يتيمم المسافر لقوله تعالى أو على سفر الآية السفر المعتبر ها هنا هو السفر العرفي والشرعي لأن قليله وكثيره سواء في التيمم والصلاة على الدابة خارج المصر
ومن هو خارج المصر وإنما قيد بهذا بناء على الغالب لا للاحتراز عن المصر لأن عادم الماء في المصر يتيمم كذا في الأسرار لبعده عن الماء الصالح للوضوء والتعريف للعهد فلم يدخل ما لا يصلح له وإن كان التنكير في قوله تعالى فلم تجدوا ماء يدل على إفادة العموم لوقوعه في سياق النفي ولا يلزم المنافاة لأنه إنما ينافي قول أصحابنا أن لو كان
____________________
(1/58)
المفهوم حجة وهم لا يقولون به ميلا سواء كان مسافرا أو مقيما والميل ثلث الفرسخ وقيل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة إلى أربعة آلاف
وفي الصحاح الميل من الأرض منتهى مد البصر وعن الكرخي أنه إن كان في موضع يسمع منه صوت أهل الماء فهو قريب وإلا فهو بعيد
وعن أبي يوسف إذا كان بحيث لو ذهب إليه توضأ لغابت القافلة عن بصره فهو بعيد يجوز له التيمم
أو لمرض خاف زيادته باستعمال الماء أو بسبب الحركة ولا يشترط خوف التلف خلافا للشافعي
وفي المحيط ولو وجد المريض من يوضئه جاز له التيمم عند الإمام وعندهما لا يجوز ولو كان له خادم أو أجير لا يجوز له التيمم بالاتفاق أو بطء برئه بالنصب عطفا على زيادته ويجوز بالجر عطفا على المرض لأن شرعية التيمم للمريض إنما هي لدفع الحرج عنه والحرج يتحقق بالامتداد أيضا والمراد بالخوف غلبة الظن ومعرفته باجتهاد المريض تجربة أو أمارة أو بإخبار طبيب مسلم غير ظاهر الفسق أو لخوف عدو أو سبع سواء كان خوفه على نفسه أو على ماله أو على مال عنده أمانة كذا في شرح الطحاوي وبهذا تبين ضعف ما قيل في تعليله لأن صيانة النفس أوجب من صيانة الطهارة بالماء فإن لها بدلا ولا بدل للنفس انتهى
____________________
(1/59)
وكذا لو خافت المرأة على نفسها بأن كان الماء عند فاسق أو خاف المديون المفلس من الحبس بأن كان صاحب الدين عند الماء
وفي الولوالجي متيمم مر على ماء في موضع لا يستطيع النزول إليه لخوف من عدو على نفسه لا ينتقض تيممه لأنه غير قادر
وفي التجنيس رجل أراد أن يتوضأ فمنعه إنسان بوعيد قتل ينبغي أن يتيمم ويصلي ثم يعيد الصلاة بعد ما زال عنه ذلك لأن هذا عذر جاء من قبل العباد فلا يسقط فرض الوضوء عنه كالمحبوس في السجن انتهى لكن يشكل هذا بالعدو فإن التيمم يعتبر ثمة مع أن العجز حصل من قبل العباد والقياس ليس في محله لأن العجز في المحبوس يكون من قبلهم غالبا أو عطش سواء كان عطشه أو عطش رفيقه أو دابته أو كلبه في الحال أو في الاستقبال وكذا إذا احتاج إليه للعجين وأما لاتخاذ المرقة لا أو لفقد آلة يستخرج بها الماء ولو منديلا طاهرا
بما كان أي يتيمم بما كان من كل شيء يحترق بالنار ويصير رمادا ليس من جنس الأرض وكذلك كل شيء ينطبع ويذوب كالتراب والرمل والنورة والجص والكحل والزرنيخ والحجر وكذا الياقوت والفيروزج والزمرد لأنها أحجار مضيئة ولا يجوز التيمم باللؤلؤ ولو مسحوقا والزجاج المتخذ من الرمل وشيء آخر والماء المتجمد والمعادن إلا أن يكون في محلها أو مختلطا بالتراب والتراب غالب
ولو بلا نقع أي بلا غبار حتى لو ضرب يديه على حجر أملس جاز خلافا لمحمد أي لم يجوزه بلا نقع لقوله تعالى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه وكلمة من للتبعيض
وخصه أبو يوسف بالتراب والرمل قيل ثم رجع عنه وقال لا يجوز إلا بالتراب الخالص وهو قول الشافعي ويجوز بالنقع حال الاختيار حتى لو تيمم بغبار ثوبه أو هبت الريح فارتفع الغبار فأصاب وجهه وذراعيه فمسحه بنية التيمم جاز لأن الغبار جزء من التراب فكما جاز التيمم بالخشن منه جاز بالرقيق منه خلافا له أي لأبي يوسف لأنه ليس بتراب خالص لكنه تراب من وجه فجاز عند العجز دون القدرة كالإيماء وأما حالة الإضرار فيجوز به اتفاقا
وشرطه العجز عن استعمال الماء حقيقة بأن لا يجده أو حكما بأن وجده لكن لم يقدر على استعماله بسبب كما بين آنفا
و شرطه طهارة الصعيد لقوله تعالى صعيدا طيبا والصعيد اسم لوجه الأرض ترابا وغيره والطيب هناك بمعنى الطاهر بدلالة قوله تعالى ولكن يريد ليطهركم
والاستيعاب في الأصح وهو ظاهر الرواية وعليه الفتوى لقيامه مقام الوضوء في العضوين المخصوصين حتى قالوا لو لم يخلل الأصابع أو لم ينزع الخاتم أو لم يمسح تحت الحاجبين لم يجز تيممه وبهذا تبين ضعف ما روي عنه أن مسح أكثر الوجه واليدين كاف
والنية فرض عندنا لأن
____________________
(1/60)
التيمم أضعف من الوضوء لانتقاضه برؤية الماء فيتقوى بالنية خلافا لزفر
ولا بد من نية قربة مقصودة ولا تصح بدون الطهارة كالصلاة أو سجدة التلاوة أو صلاة الجنازة ولو تيمم لقراءة القرآن فالصحيح أنه لا تجوز الصلاة وكذا لمس المصحف ودخول المسجد لا تصح به الصلاة لأنه لم ينو به قربة مقصودة لكن يحل له مس المصحف ودخول المسجد كذا في صدر الشريعة
وقال صاحب الفرائد فيه إشكال لأن علة عدم صحة الصلاة بمثل هذا التيمم على ما ذكر في الهداية هو أن التراب ما جعل طهورا إلا في حال إرادة قربة مقصودة ألبتة فمقتضى ذلك أن التراب في التيمم لمس المصحف ودخول المسجد غير طهور فما حل مس المصحف ودخول المسجد باستعمال تراب غير طهور انتهى لكن لا إشكال فيه لأن مراد صدر الشريعة بقوله لم ينو به قربة مقصودة لم يكن القصد إليها أصالة بل ضمنا لأن المس والدخول ليس بقربة مقصودة أصالة بل المقصود منهما التلاوة والصلاة غالبا وهما مقصودان ضمنا وبهذا القدر يكفي لمس المصحف ودخول المسجد كما لو اغتسل وقدماه في مستنقع الماء المستعمل لا تجوز به الصلاة ولكن يجوز به مس المصحف ولا يتجاوز إلى الصلاة لأنه لا بد لها من طهارة كاملة وكمالها أن ينوي قربة مقصودة بنفسها لا في ضمن شيء آخر تدبر فلو تيمم كافر للإسلام لا تجوز صلاته به عندهما لأنه ليس بأهل للنية خلافا لأبي يوسف فإن عنده صحيح للإسلام لا للصلاة لأنه نوى قربة مقصودة ولا يشترط تعيين الحدث أو الجنابة هو الصحيح احتراز عما قاله أبو بكر الرازي فإنه يقول يحتاج إلى نية التيمم لرفع الحدث أو الجنابة لأن التيمم لهما بصفة واحدة فلا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالنية
وصفته أن يضرب يديه على الصعيد فينفضهما إذا كثر الغبار لئلا يصير مثلة
النقض تحريك الشيء ليسقط ما عليه من غبار أو غيره والمثلة ما يتمثل به في تبديل خلقته ثم يمسح بهما وجهه ثم يضرب بهما كذلك ويمسح بكل كف ظاهر الذراع الأخرى وباطنها مع المرفق لقوله عليه الصلاة والسلام التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة
____________________
(1/61)
للذراعين إلى المرفقين وفي المحيط وكيفيته أن يضرب يديه على الأرض ثم ينفضهما حتى يتناثر التراب فيمسح بهما وجهه ثم يضرب أخرى فينفضهما ويمسح بباطن أربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رءوس الأصابع إلى المرفق ثم يمسح بباطن كفه اليسرى باطن يده اليمنى إلى الرسغ ويمر بباطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه اليمنى ثم يفعل باليد اليسرى كذلك وهذا أحوط لأن فيه احترازا عن استعمال التراب المستعمل بقدر الإمكان فالتراب الذي على يديه يصير مستعملا بالمسح حتى لو ضرب يديه مرة ثم مسح بهما وجهه وذراعيه لا يجوز ولا يجب مسح باطن الكف لأن ضربهما على الأرض يغني عنه
وقال صدر الشريعة ثم إذا لم يدخل الغبار بين أصابعه فعليه أن يخلل أصابعه فيحتاج إلى ضربة ثالثة لتخليلها انتهى كذا ذكره في الذخيرة
وقال بعض الفضلاء يلزم من كلامه اشتراط النقع وقال بعده ولو بلا نقع فيلزم المنافاة انتهى لكن يمكن التوجيه بين كلاميه بحمل الأول على رواية من يجوزه بلا نقع والثاني على رواية من لا يجوزه بلا نقع فلا يلزم المنافاة ومن لم يتفطن على هذا قال تدبر ولا يجوز بأقل من ثلاثة أصابع لأنه مسح مشروع في طهارة معهودة فصار كمسح الخفين والرأس
ويستوي فيه الجنب والمحدث والحائض والنفساء لما روي أن قوما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا قوم نسكن هذه الرمال ولم نجد الماء شهرا أو شهرين وفينا الجنب والحائض والنفساء فقال عليه الصلاة والسلام عليكم بأرضكم كذا في العناية وغيرها وفيه كلام لأنه ثبت بهذا الحديث الاستواء في حكم التيمم فإنه كما يجوز عن الحدث يجوز عن الجنابة والحيض والنفاس
____________________
(1/62)
وأما الاستواء في كيفيته وإن كان ثابتا أيضا لكن التعليل المذكور قاصر عنه وبهذا تبين قصور ما قيل من حيث الجواز والكيفية والآلة
ويجوز التيمم قبل دخول الوقت خلافا للشافعي لأنه طهارة ضرورية فلا يصح قبل الوقت لعدم الضرورة ولنا أن النصوص الواردة في التيمم لم تفصل بين وقت ووقت فكانت مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يتقيد بقيد معتبر ولم يوجد ها هنا فصار كالعام يبقى على عمومه ما لم يخصصه مخصص معتبر
ويصلي أي المتيمم به أي بالتيمم الواحد ما شاء من فرض ونفل كالوضوء وعند الشافعي يتيمم لكل فرض لأنها طهارة ضرورية فلا يصلي به أكثر من فريضة واحدة ويصلي ما شاء من النوافل ما دام في الوقت ولنا قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا وقوله عليه الصلاة والسلام الصعيد وضوء المسلم ما لم يجد الماء فجعله طهارة ممتدة إلى وجود الماء فكان في حال عدم الماء كالوضوء
ويجوز التيمم للصحيح المقيم في المصر عند وجود الماء لخوف فوت صلاة جنازة
وفي الهداية ويتيمم الصحيح في المصر إذا حضرت جنازة والولي غيره فخاف إن اشتغل بالطهارة أن تفوته الصلاة لأنها لا تقضى فيتحقق العجز وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز للولي وهو رواية الحسن عن الإمام وهو الصحيح لأن للولي حق الإعادة فلا فوات في حقه وقوله وهو الصحيح نفي للصحة عن ظاهر الرواية لا احتراز عنه كما قيل
وقال صاحب الإصلاح وفي ظاهر الرواية أنه يجوز للولي أيضا
وقال شمس الأئمة هو الصحيح والمصنف اختار ما قال شمس الأئمة فلهذا لم يقيد بقيد بل أطلقه
وقال بعض الفضلاء ويؤيده ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال إذا فجأتك جنازة وأنت على غير طهارة فتيمم وصل عليها ولم يفصل بين ولي وغيره انتهى وفيه كلام لأن قوله إذا فجأتك يدل على أن يكون غير ولي إذ الولي غالبا يعلم الجنازة ويحضر بالطهارة تدبر
وفي شرح النقاية إذا صلى بالتيمم فحضرت أخرى فإن كان بينهما مدة التوضؤ أعاد
____________________
(1/63)
التيمم وإلا فلا وعليه الفتوى
وقال محمد وزفر يعيد مطلقا كما في المضمرات أو عيد ابتداء أي يجوز التيمم بالاتفاق كذلك إذا خاف فوت صلاة العيد ابتداء لأنها تفوت لا إلى خلف
وكذا بناء بعد شروعه متوضئا و بعد سبق حدثه عند الإمام لأن الخوف باق لأنه يوم زحمة فربما اعتراه ما أفسد صلاته خلافا لهما لعدم خوف الفوت إذ اللاحق يصلي بعد فراغ الإمام
وفي المحيط لو علم أنه لو اشتغل بالوضوء لا يفرغ الإمام عن صلاته لا يجزيه التيمم لا يجوز لخوف فوت صلاة جمعة أو وقتية والأصل فيه أن كل ما يفوت لا إلى خلف جاز أداؤه بالتيمم مع وجود الماء وكل ما يفوت إلى خلف لم يجز والجمعة تفوت إلى بدل وهو الظهر والوقتية كذلك
ولا ينقضه ردة أي لا ينقض التيمم ردة المتيمم لأن التيمم حصل حال الإسلام فيصح واعتراض الكفر عليه لا ينافيه كالوضوء لأن الردة تبطل ثواب العمل ولا تؤثر في زوال الحدث خلافا لزفر لأن الردة تبطل العبادات بالنص والتيمم عبادة واعترض بأن التيمم لا يكون عبادة إلا بالنية وهي ليست بشرط عنده وأجيب بأن هذا القول منه في تيمم بنية أو نقول في رواية أخرى عنه أنه اشترط النية في التيمم بل ينقضه ناقض الوضوء لأنه خلف الوضوء فيكون أضعف منه كذا في شروح الهداية وفيه كلام وهو أن كون البدلية بين التيمم والوضوء قول محمد لا قولهما والأولى أن يقال لأن البدلية ثابته إما بينه وبين الوضوء أو بين الماء والتراب وعلى التقديرين ما ينقض الوضوء ينقضه بالطريق الأولى كذا قال المحشي المعروف بيعقوب باشا والضمير في ينقضه راجع إلى التيمم الذي بلا اعتبار قيد لا إن عدم القيد معتبر فيه وبهذا لا يرد اعتراض الفاضل المعروف بقاضي زاده على صدر الشريعة بأن الضمير إن كان يرجع إلى مطلق التيمم لا يستقيم معنى قوله وينقضه ناقض الوضوء لأن ناقض الوضوء لا يرفع الطهارة عن الجنابة والحيض والنفاس وإن أراد رجوع بعض التيمم دون مطلقه لا يستقيم عطف قوله وقدرته على ماء كاف لطهره على ناقض الوضوء فإن القدرة تنقض مطلق التيمم
تدبر
والقدرة على ماء كاف لأنه إن لم يكف فوجوده كعدمه لطهارته وعلى استعماله لأنه إذا قدر عليه ولكن لم يقدر على استعماله فوجوده كعدمه
وفي الهداية وينقضه رؤية الماء إذا قدر على استعماله لأن القدرة هي المراد بالوجود الذي هو غاية لطهورية التراب انتهى واعلم أن إسناد النقض إلى رؤية الماء إسناد مجازي لأن رؤية الماء عند القدرة على
____________________
(1/64)
استعماله شرط عمل الحدث السابق عمله عندها والناقض حقيقة هو الحدث السابق بخروج النجس كذا في شرح الهداية
وقال المحشي المعروف بيعقوب باشا وفيه كلام وهو أن هذا لا يناسب قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأن التيمم عندهما ليس بطهارة ضرورية ولا خلف عن الوضوء بل هو أحد نوعي الطهارة فكيف يصح لمن يقال عمل الحدث السابق عمله عند القدرة ولو كان كذلك لم يكن الفرق بينه وبين طهارة المستحاضة ولم يجز أداء فرضين بتيمم واحد لأنها طهارة ضرورية حينئذ بل يناسب قول الشافعي وقول محمد إن كان معه وإن معهما فلا يناسب أيضا انتهى
وقال صاحب الفرائد إن كلام المحشي ساقط لأن التيمم وإن لم يكن خلفا عن الوضوء عندهما إلا أن التراب خلف عن الماء انتهى لكن كلام المحشي وارد على تعليلهم في تفسير قوله وينقضه ناقض الوضوء بكونه خلفا للوضوء تدبر ثم قال المحشي والأولى أن يقال لما كان عدم القدرة على الماء شرطا لمشروعية التيمم وحصول الطهارة فعند وجودها لم يبق مشروعا فانتفى لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط والمراد بالنقض انتفاؤه انتهى واعترض صاحب الفرائد أيضا فقال ليس هذا بسديد لأنه لا معنى لقوله والمراد بالنقض انتفاؤه لأن النقض متعد ولانتفاء لازم فأنى يكون المراد بالأول هو الثاني
ولو قال المراد بالنقض نفيه لكان له معنى في الجملة وكذا لو قال والمراد بالانتقاض هو الانتفاء على أنه لو كان المراد بالنقض الانتفاء يكون معنى الكلام وتنتفي قدرته إلى آخره ولا معنى له انتهى لكن هذا القائل لا يحوم حول كلام المحشي فقال ما قال ومراده بقوله والمراد بالنقض انتفاؤه بيان ما يكون حاصلا بالمعنى لا أن يكون النقض بمعنى الانتفاء فليتأمل فلو وجدت القدرة على ماء كاف وهو والحال أن المتيمم في الصلاة بطلت صلاته مطلقا لأنه قادر حقيقة فتبطل ولا تبقى لها حرمة لفوات شرطها وهو الطهارة خلافا للشافعي لأن حرمة الصلاة مانعة عن البطلان فكان عاجزا حكما لا إن حصلت القدرة بعدها أي بعد الصلاة فإنها لا تبطل اتفاقا لحصول المقصود بالخلف
ولو نسيه المسافر في رحله سواء وضعه بنفسه أو غيره بأمره أو بعلمه قيد المسافر مبني على الغالب والمعتبر عدم كونه في العمران
____________________
(1/65)
وإنما قيد بالنسيان لأنه لو ظن أن الماء فني فتيمم ثم تبين أنه لم يفن أعاد الصلاة بالاتفاق وقد بقي رحله لأنه لو كان الماء في إناء على ظهره فنسيه يعيد اتفاقا لأنه مما لا ينسى عادة
وصلى بالتيمم لا يعيد عند الطرفين وقال أبو يوسف يعيد وهو قول الشافعي لأنه واجد للماء حقيقة لأن الماء في رحله ورحل المسافر لا يخلو عن الماء عادة فكان مقصرا فصار كما إذا كان في رحله ثوب فنسيه وصلى عريانا ولهما أنه لا قدرة بدون العلم وهو المراد بالوجود وماء الرحل معد للشرب لا للاستعمال ومسألة الثوب على الاختلاف ولو كانت على الاتفاق فالفارق أن فرض الستر فات لا إلى خلف وفرض الوضوء هنا فات إلى خلف
ويستحب لراجي الماء تأخير الصلاة إلى آخر الوقت في ظاهر الرواية ليقع الأداء بأكمل الطهارتين لكن لا يبالغ في التأخير لئلا تقع الصلاة في وقت الكراهة
وعن الشيخين في غير رواية الأصول أن التأخير حتم لأن غالب الرأي كالمتحقق وجه الظاهر أن العجز ثابت حقيقة فلا يزول حكمه إلا بيقين مثله وفيه إشارة إلى أنه بدون الرجاء لا يؤخر هذا هو الصحيح كما في المحيط
ويجب طلبه بأن ينظر يمينه ويساره وأمامه ووراءه إن ظن قربه قدر غلوة وهي رمية سهم وقدر بثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ولا يبلغ الميل لئلا ينقطع عن رفقته وإلا أي وإن لم يظن فلا يجب طلبه لأن العدم ثابت حقيقة لفوات الدليل الدال على الوجود من حيث الظاهر
ويجب شراء الماء إن كان له ثمنه لتحقق القدرة ويباع بثمن المثل إن كان ثمن المثل فاضلا عن حاجته
وإلا أي وإن لم يكن له ثمن أو كان لكن لا يباع بثمن المثل فلا يجب عليه شراؤه
وفي النوادر أن ثمن ما يكفي للوضوء إن كان درهما فأبى البائع أن يعطيه إلا بدرهم ونصفه فعليه أن يشتريه لأنه غبن يسير وإن أبى أن يعطيه إلا بدرهمين لا يجب شراؤه لأنه غبن فاحش كذا روي
____________________
(1/66)
عن الإمام فعلى هذا كان ينبغي للمصنف أن يقول ويباع بثمن المثل أو بغبن يسير كما في الخانية ويعتبر قيمته في أقرب الموضع من المواضع الذي يعز فيه الماء
وإن كان مع رفيقه ماء طلبه منه قبل أن يتيمم لعدم المانع غالبا فإن منعه يتيمم لتحقق العجز وإذا صلى بعد المنع ثم أعطاه ينقض تيممه الآن ولا يلزم عليه إعادة ما قد صلى
وأن يتيمم قبل الطلب أجزأه عند الإمام لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير وقالا لا يجزيه لأن الماء مبذول عادة كذا في الهداية لكن فيه كلام لأنه إن أريد بقوله إن الماء مبذول في الفلوات فلا نسلم ذلك لأن الماء في الفلوات من أعز الأشياء فلم يكن مبذولا عادة وإن أريد أنه مبذول في العمرانات فالتقريب غير تام لأن الكلام في الخلوات تدبر أو الجنب في المصر أي تيمم الجنب في المصر لخوف البرد جاز عند الإمام لأن العجز ثابت حقيقة فلا بد من اعتباره ثم إن رخصة التيمم بسبب البرد ثابتة للمحدث أيضا على ما ذكره السرخسي وعلى ما ذكره الحلواني فلا رخصة له
وفي الحقائق الصحيح ما قاله الحلواني خلافا لهما في المسألتين
ولا يجمع بين الوضوء والتيمم لما فيه من الجمع بين الأصل والخلف بخلاف الجمع بين التيمم وسؤر الحمار لأن الغرض يتأدى بأحدهما لا بهما فجمعنا بينهما لمكان الشك فإن كان أكثر الأعضاء أي أكثر أعضاء الوضوء جريحا في الحدث الأصغر أو أكثر جميع بدنه في الحدث الأكبر يتيمم ولا يجوز أن يغسل الصحيح ويمسح الجريح
وإلا أي وإن لم يكن أكثر الأعضاء جريحا بل مساويا أو أكثر الأعضاء صحيحا غسل الصحيح ومسح على الجريح إن لم يضره وإلا فعلى الخرقة ولا يجوز التيمم لأن للأكثر حكم الكل
____________________
(1/67)
باب المسح على الخفين لما فرغ عن التيمم الذي هو خلف عن جميع الوضوء شرع في بيان المسح الذي هو خلف عن بعضه وهو غسل الرجلين ووجه مناسبة هذا الباب كون كل منهما مسحا ورخصة مؤقتة ووجه تأخيره عنه أنه بدل ناقص وهو بدل تام يجوز بالسنة ولم يقل يثبت تنبيها على أن ثبوته على وجه الجواز لا على وجه الوجوب وما قاله الأتقاني أن الثابت بالسنة مقداره ليس بسديد لأن السنة تشتمل القول والفعل وقد ورد في باب المسح حكاية فعله كرواية مغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه أنه قال توضأ رسول الله عليه الصلاة والسلام في سفر وكنت أصب الماء عليه وعليه جبة شامية ضيقة الكمين فأخرج يديه من تحت ذيله ومسح خفيه فقلت نسيت غسل القدمين فقال بهذا أمرني ربي وروى الجماعة عن حديث جرير رضي الله تعالى عنه أنه قال رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام بال وتوضأ ومسح على خفيه قال إبراهيم النخعي كان يعجبني هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة لكن يمكن الجواب بأن كان رؤيته قبل الإسلام وإخباره بعد الإسلام ورواية قوله كرواية صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه أنه قال كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يأمرنا إذا كنا في سفر أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة والأخبار في جواز المسح كثيرة روي عن الإمام أنه قال ما قلت بالمسح حتى جاءني مثل ضوء النهار وهي
____________________
(1/68)
مشهورة قريبة من المتواتر حتى قال الكرخي من أنكر المسح على الخفين يخشى عليه الكفر
وقال أبو يوسف يجوز نسخ الكتاب بخبر المسح لشهرته والظاهر أنه أراد الزيادة لأنها نسخ من وجه وأشار المصنف بقوله بالسنة إلى أن نص الكتاب ساكت عنه ردا على من زعم أن قراءة الجر في أرجلكم تدل عليه لأن قوله تعالى إلى الكعبين يدفعه لأنه نص في الغاية ومسح الخف غير مغيا هذا بحث طويل فيطلب من شروح الهداية وغيرها من كل حدث موجبه الوضوء لا لمن وجب عليه الغسل لحديث صفوان بن عسال على ما رويناه آنفا ولأن الجنابة لا تتكرر عادة فلا حرج في النزع بخلاف الحدث لأنه يتكرر
وقال شمس الأئمة الجناية ألزمته غسل جميع البدن ومع الخف لا يتأدى ذلك بخلاف الحدث الأصغر فإنه أوجب غسل أعضاء يمكن أن يجمع بينه وبين مسح الخف انتهى قال الفاضل قاضي زاده فيه بحث لأنه إن أراد أنه يمكن الجمع بين مسح الخف وبين غسل أعضاء الوضوء غسلا حقيقيا فهو ممنوع كيف ومن أعضاء الوضوء الرجلان فلا يتحقق غسلهما غسلا حقيقيا إلا بإسالة الماء عليهما لا بمجرد المسح على الخفين الملبوسين عليها وإن أراد أنه يمكن الجمع بين مسح الخف وبين غسل أعضاء الوضوء غسلا حقيقيا أو حكميا ومسح الخف غسل حكمي وإن لم يكن غسلا حقيقيا فهو مسلم لكن يتأدى الجمع بين المسح على الخف وبين غسل جميع البدن بهذا المعنى في صورة الجنابة أيضا فلا يتم الفرق المذكور انتهى أقول هذا ليس بوارد لأن أعضاء الوضوء مختلفة حقيقة وعرفا أما حقيقة فظاهر وأما عرفا فلأنها لا تغسل بمرة واحدة وبهذا يمكن أن يجمع بينه وبين مسح الخف ولا كذلك الغسل فإن جميع الأعضاء متحد فلا يمكن الجمع تدبر ولو قال المصنف دون المغتسل لكان أحسن لأن كلامه يشعر بجواز مسح مغتسل الجمعة ونحوه وينبغي أن لا يجوز على ما في المبسوط وهذه المسألة تشتمل على صورتين الأولى من لبس خفيه وهو على وضوء ثم أجنب في هذا المسح ينزع خفيه ويغسل رجليه إذا توضأ وليس له أن يمسح عليهما والثانية من توضأ ولبس خفيه ثم أجنب فليس له أن يربط خفيه بحيث لا يدخل الماء فيهما ويغسل سائر جسده ويمسح خفيه ومن اقتصر على إحداهما كان مقصرا إن كانا ملبوسين على طهر تام وقت الحدث فلو توضأ وضوء غير مرتب فغسل رجليه ولبس الخفين ثم غسل باقي الأعضاء ثم أحدث أو توضأ وضوء مرتبا فغسل رجله اليمنى وأدخلها الخف ثم غسل رجله اليسرى
____________________
(1/69)
وأدخلها الخف ثم أحدث ليس له طهارة تامة في الصورة الأولى وقت لبس الخفين
وفي الصورة الثانية وقت لبس اليمنى لكنهما ملبوسان على طهارة كاملة وقت الحدث وفيه إشارة إلى أن التمام وقت اللبس ليس بشرط خلافا للشافعي
وقال صاحب الإصلاح في مكان على طهر على وضوء تام وعلل بقوله لئلا يشمل التيمم ولا عبرة له في هذا الباب
وقال الفاضل قاضي زاده ليس هذا بشيء لأن التيمم يخرج بقيد تام فإنه ليس بطهر تام بل طهر ناقص وقد صرح بخروج التيمم بقيد تام
وفي التبيين فلا ضير في أن يشمل الطهر التيمم لأنه يخرج بقيد التام انتهى وفيه بحث لأن معنى كون الشيء تاما أن لا يكون في ذاته نقصان وليس في ذات التيمم نقصان إذا وجد على ما اعتبره الشارع في حقيقته وماهيته فيصدق عليه أنه طهر تام تأمل وبهذا تبين فساد ما قيل إن قيد تام احتراز عن الوضوء الناقص كوضوء أصحاب الأعذار والوضوء بنبيذ التمر لأنه ليس فيهما نقصان في الأصل أيضا بل احترز به عن وضوء غير مسبغ بأن بقي من أعضائه لمعة لم يصبها الماء فإنه لو أحدث قبل الاستيعاب لا يجوز له المسح تأمل
يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر من وقت الحدث لقوله عليه الصلاة والسلام يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها وإنما كان ابتداء المدة من حين الحدث بعد اللبس لا حين اللبس ولا المسح لأن الخف إنما يعمل عمله عند الحدث وهو المنع عن حلوله بالقدم فيعتبر مدته منه وهذا مذهب العامة
وقال مالك المقيم لا يمسح والمسافر يمسحه مؤبدا في رواية عنه وفي الأخرى المقيم كالمسافر يمسحه مؤبدا
وفرضه أي المسح والمراد بالفرض ها هنا ما يفوت الجواز بفوته ولا ينجبر بجابر وهو الفرض عملا لا علما ولا يكفر جاحده قدر ثلاث أصابع من اليد من كل رجل على حدة حتى لو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين وعلى الأخرى مقدار أربع أصابع لم يجز ولو مسح بإصبع واحدة ثلاث مرات بمياه جديدة على كل رجل جاز وكذا لو
____________________
(1/70)
أصاب موضع المسح ماء المطر قدر ثلاث أصابع فمسحه جاز وكذا لو مشى في حشيش فابتل ظاهر خفيه ولو بالطل وهو الصحيح على الأعلى لا على أسفله وعقبه وساقه لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه دون باطنهما
وسنته أن يبدأ من أصابع الرجل ويمد إلى الساق مفرجا أصابعه خطوطا مرة واحدة قال صدر الشريعة فإن مسح رسول الله عليه الصلاة والسلام كان خطوطا فعلم أنه بالأصابع دون الكف وما زاد على مقدار ثلاث أصابع اليد إنما هو بماء مستعمل فلا اعتبار فبقي ثلاث أصابع
وقال بعض الفضلاء فيه بحث من وجهين أما أولا فلأن فرض المسح قدر ثلاث أصابع اليد من كل رجل وسنته مدها إلى الساق فلو كان مستعملا لزم كون السنة بالمستعمل الذي هو غير طهور بالاتفاق وأما ثانيا فلما ذكر أن الماء لا يكون مستعملا ما لم ينفصل عن العضو وفي هذه الصورة لم ينفصل فكيف يكون مستعملا انتهى لكن يمكن أن يجاب عن الأول بأن الماء يأخذ حكم الاستعمال لإقامة الفرض لا لإقامة السنة فيجوز بناء كلام صدر الشريعة على ذلك وعن الثاني بأن الماء مستعمل بمجرد الإصابة في المسح وأما عدم استعماله ما لم ينفصل عن العضو فهو يجري في الغسل دون المسح فليتأمل ويمنعه الخرق الكبير إلا أن يكون فوقه خف آخر فيجوز المسح عليه وهو ما يبدو منه قدر ثلاث أصابع الرجل لأنها الأصل في القدم وللأكثر حكم الكل أصغرها للاحتياط هذا إذا كان خرق الخف غير مقابل للأصابع وفي غير موضع العقب أما إذا كان مقابلا لها فالمعتبر ظهور ثلاث أصابع مما وقعت في مقابلة الخرق لأن كل أصبع أصل في موضعها وإذا كان في موضع العقب لا يمنع ما لم يظهر أكثره
وفي هذه المسألة أربعة أقوال شمول المنع للقليل والكثير وهو مذهب زفر والشافعي وشمول الجواز فيهما وهو مذهب سفيان الثوري وقد روي عن مالك والفصل بينهما وهو مذهب عامة علمائنا والقول بغسل ما ظهر من القدم ومسح ما لم يظهر وهو قول الأوزاعي وجه الأول القياس لأن الكثير لما كان مانعا كان اليسير كذلك كالحدث ووجه الثاني أن الخف يمنع سراية الحدث إلى القدم فما دام يطلق عليه اسم الخف جاز المسح عليه ووجه الثالث وهو الاستحسان أن
____________________
(1/71)
الخفاف لا تخلو عن الخرق القليل عادة فإن الخف وإن كان جديدا فإن آثار الدروز والأشافي خرق فيه ولهذا يدخله التراب فلحقهم الحرج في النزع فجعل عفوا ويخلو عن الكثير فلا حرج فيه ووجه الرابع أن المكشوف يسري إليه الحدث دون المستور فيغسل المكشوف دون المستور كما قال ابن كمال الوزير وتجمع الخروق في خف حتى لو بلغ مجموعها قدر ثلاث أصابع منع لأنه يمنع السفر به لا في خفين حين لو بلغ مجموع ما فيهما مقدار ثلاث أصابع لا يمنع لانتفاء المانع عن السفر والخرق المعتبر ما يدخل فيه مسلة وما دونها كالعدم بخلاف النجاسة المتفرقة في خفيه أو ثوبه أو بدنه أو مكانه أو في المجموع
والانكشاف أي انكشاف العورة المتفرقة كانكشاف شيء من صدر المرأة وشيء من ظهرها وشيء من فخذها وشيء من ساقها حيث يجمع بمنع جواز الصلاة لأن المانع في العورة انكشاف قدر المانع وفي النجاسة هو كونها حاملا بذلك القدر المانع وقد وجد فيهما
وينقضه أي المسح ناقض الوضوء لأنه بعضه ونزع الخف لسراية الحدث السابق إلى القدم وإسناد النقض إلى نزع الخف مجاز وكذا في مضي المدة وفي توحيد الخف إشارة إلى نزع أحدهما كاف في بطلان المسح فيجب نزع الآخر إذ لا يجمع الغسل والمسح في وظيفة واحدة
ومضي المدة بالأحاديث التي دلت على التوقيت وينقضه أيضا دخول الماء أحد خفيه لصيرورتها مغسولة إن لم يخف تلف رجله من البرد يعني إذا مضت مدة المسح وهو مسافر فخاف ذهاب رجله من البرد لو نزع لم يجب عليه النزع ومسح دائما من غير توقيت لأنه يلحقه الحرج بالنزع وهو مدفوع فصار كالجبيرة
وفي الخلاصة إذا انقضت مدة مسحه في الصلاة ولم يجد ماء فإنه يمضي على صلاته لأنه لو قطعها وهو عاجز عن غسل الرجلين يتيمم ولا حظ للرجلين من التيمم انتهى لكن يلزم على هذا أداء الصلاة بوضوء غير تام لسراية الحدث إلى القدمين إذا انقضت مدته ولا يجوز أداء الصلاة به ولا بد من التيمم إذا لم يجد الماء لأنه بدل الوضوء
وقال الزيلعي والأشبه الفساد فلو نزع أو مضت المدة
و الحال هو متوضئ غسل رجليه فقط لسراية الحدث السابق إليهما وإلا لزم غسل سائر أعضاء الوضوء لأنه لا معنى لغسل المغسول والموالاة ليست بشرط عندنا خلافا للشافعي وخروج أكثر القدم إلى ساق الخف
____________________
(1/72)
نزع لأن الساق ليست بمحل المسح فخروج أكثر القدم إلى الساق ناقض لأن للأكثر حكم الكل هذا قول الحسن والمروي عن أبي يوسف وهو الصحيح
وفي شرح الطحاوي روي عن الإمام إذا خرج أكثر العقب من الخف انتقض مسحه وعن محمد إذا بقي في الخف من القدم قدر ما يجوز المسح عليه جاز وإلا فلا وهذا فيما إذا قصد النزع ثم بدا له فترك أما إذا كان زوال العقب لسعة الخف فلا ينتقض المسح
وقال بعض المشايخ إن أمكن المشي به لا ينتقض وإلا ينتقض
ولو مسح مقيم فسافر قبل يوم وليلة تمم مدة المسافر أي يتحول الأولى إلى الثانية حيث يكون المجموع ثلاثة أيام ولياليها لإطلاق الخبر بخلاف ما إذا استكمل المدة سافر لأن الحدث وقد سرى إلى القدم
ولو مسح مسافر فأقام لتمام يوم وليلة نزع لأنه صار مقيما فلا يمسح أكثر منها
وإلا أي وإن لم يقم إلا قبل يوم وليلة تممها أي مدة الإقامة
والمعذور إن لبس على الانقطاع أي انقطاع عذره وقت الوضوء واللبس فكالصحيح يمسح إلى تمام مدته سواء كان في الوقت أو بعد خروجه بالاتفاق
وإلا أي وإن لم يلبس على الانقطاع بل لبس حال كون العذر موجودا مسح في الوقت أي تمام الوقت لا بعد خروجه لبطلان طهارته بخروج الوقت وقال زفر يمسح خارج الوقت إلى تمام مدة المسح
ويجوز المسح
____________________
(1/73)
على الجرموق بضم الجيم والميم ما يلبس فوق الخف إن لبسه قبل الحدث وأما إذا أحدث بعد لبس الخفين ومسح عليهما ثم لبس الجرموقين بعد ذلك لا يجوز لأن حكم المسح قد استقر على الخف وكذا لو أحدث بعد لبس الخف ثم لبس الجرموق قبل أن يمسح على الخف لا يمسح عليه أيضا
وفي المحيط ولو كان الجرموق من كرباس أو نحوه لا يجوز إلا أن يكون رقيقا يصل البلل إلى ما تحته ولو كان من أديم أو نحوه جاز المسح عليهما سواء لبسهما منفردين أو فوق الخفين وإن لبسهما قبل الحدث ومسح عليهما ثم نزعهما دون الخفين أعاد المسح على الخفين الداخلين وإن نزع أحد الجرموقين فعليه أن يعيد المسح على الجرموق الآخر
وعن أبي يوسف أنه يخلع الجرموق الآخر ويمسح الخفين ولو مسح على خف ذي طاقين ثم نزع أحد طاقيه أو مسح على خفيه فقشر جلد ظاهرهما أو كان جلد الخفين مشعرا فمسح على ظاهر الشعر ثم حلق الشعر لا يلزم المسح على ما تحته لأن المسموح متصل بما تحته فصار المسح عليه مسحا على ما تحته
وقال الشافعي في قول ومالك في إحدى الروايتين عنه لا يجوز المسح على الجرموق لأن الخف يدل عن الرجل ولو جوزنا المسح على الجرموق يصير بدلا عن الخف والبدل لا يكون له بدل في الشرع ولنا ما روي في المبسوط عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام مسح على الجرموق ثم إنه ليس ببدل عن الخف بل عن الرجل كأنه ليس عليها إلا الجرموق
وفي الكافي أن خلاف الشافعي في الخف الصالح للمسح وأما إذا كان غير صالح للمسح يجوز المسح على الجرموق الذي فوقه اتفاقا ويفهم منه أن ما يلبس من الكرباس المجرد تحت الخف لا يمنع صحة المسح على الخف لأن الخف الغير الصالح للمسح إذا لم يكن فاصلا فلأن لا يكون بالكرباس فاصلا أولى
____________________
(1/74)
و يجوز المسح على الجورب مجلدا وهو ما وضع الجلد على أعلاه وأسفله فيكون كالخف أو منعلا بالتخفيف وسكون النون ويجوز تشديد العين مع فتح النون ما وضع الجلد على أسفله كالنعل فإنه يمكن مواظبة المشي عليه فيصير كالخف
وكذا على الثخين الذي يستمسك على الساق من غير ربط في الأصح عن الإمام وهو قولهما وفي رواية أخرى عنه لا يجوز إلا إذا كانا منعلين لكن رجع إلى قولهما في آخر عمره قبل موته بتسعة أيام وقيل بثلاثة أيام وعليه الفتوى
وقال الشافعي لا يجوز المسح على الجورب وإن كان منعلا إلا إذا كان مجلدا إلى الكعبين ويجوز المسح على الجاروق إن كان يستر القدم وإلا فلا على الأصح
وفي الخلاصة وإن كان الجورب من مرعري أو صوف لا يجوز المسح عليه عندهم وإن كان من غزل وهو رقيق لا يجوز وإن كان ثخينا مستمسكا ويستر الكعبين سترا لا يبدو للناظر على هذا الخلاف وأجمعوا على أنه لو كان منعلا أو مبطنا يجوز ولو كان من الكرباس لا يجوز وإن كان من الشعر فالصحيح أنه إن كان صلبا مستمسكا يمشي معه فرسخا أو فراسخ فعلى هذا الخلاف كما في الشمني وأما المسح على الخفاف المتخذة من اللبود التركية فالصحيح أنه يجوز المسح عليها
لا يجوز المسح على عمامة بكسر العين واحد العمائم وقلنسوة بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين معروفة وبرقع بضم القاف وفتحها الخمار وقفازين بضم القاف وتشديد الفاء ما يعمل لليدين لدفع البرد أو مخلب الصقر وإنما لم يجز عليها لأن المسح لدفع الحرج ولا حرج في نزعها لكن لو مسحت على خمارها ونفذت البلة إلى رأسها حتى ابتل قدر الربع جاز
ويجوز المسح على الجبيرة وهي اليدان التي تشد على العظام المكسورة
وفي مختارات النوازل
____________________
(1/75)
وإنما يجوز المسح عليها إذا كان الماء يضر الجراحة إذا غسلها فإذا أضر يمسح على الجراحة وإن أضر يمسح على الجبيرة وإن أضر المسح على الجبيرة سقط المسح وكذا الحكم في موضع الفصد والزيادة على موضع الجراحة تبع لها
وخرقة القرحة وهي ما يوضع على القرحة ونحوها كالجرح والكي والكسر ولو انكسر ظفره فجعل عليها الدواء أو العلك ويضره نزعه عنه جاز المسح عليه ولو كان المسح على العلك يضره ذكر الكرخي أنه يجوز له ترك المسح عليه كما لو ترك المسح على الخرقة وقيل لا يجوز له تركه لأن المسح عليه لا يضره عادة لأنه لا ينشف الماء بخلاف الخرقة فإنها تنشفه فيصل إلى الجراحة
وإن وصلية شدها بلا وضوء لأن في اعتباره في تلك الحالة حرجا والأصل في ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل وأمر عليا رضي الله تعالى عنه أن يمسح على جبيرته حين انكسر إحدى زنديه يوم أحد وقيل يوم خيبر والأمر للوجوب عندهما وعند الإمام ليس بواجب لأن غسل ما تحت الجبيرة ليس بفرض وكذا المسح عليها وقيل واجب عنده كما قال وهو الصحيح
وهو كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقيا وفي المختارات رجل في إحدى رجليه جراحة فتوضأ فمسح على المجروحة وغسل الصحيحة ولبسها ثم أحدث لا يمسح على الصحيحة لأنه يحتاج إلى المسح على المجروحة وذلك كالغسل فيؤدي إلى الجمع بين المسح والغسل وذا لا يجوز في عضو واحد فيجمع معه أي مع الغسل
ولا يتوقف بمدة لا في حق المقيم ولا في حق المسافر ويمسح على كل العصابة وهي ما تشد به الخرقة لئلا تسقط مع فرجتها إن ضره حلها كان تحتها جراحة أو لا فإن لم يضره الحل حلها وغسل ما حول الجراحة ومسح عليها ومن ضرورة الحل أن لا يقدر على ربطها بنفسه ولا يجد من يربطها ويكفي مسح أكثرها وفيه اختلاف المشايخ لكن الصحيح هذا وعليه الفتوى
فإن سقطت الجبيرة والعصابة عن برء وكان في الصلاة بطل المسح واستأنفها وكذا الحكم لو برئ موضعهما ولم تسقط قال صاحب البحر وينبغي أن يقال هذا إذا كان مع ذلك لا يضره إزالتها أما إذا كان يضره لشدة لصوقها فلا
وإلا أي وإن لم تسقط عن برء فلا يبطل لقيام العذر ولو تركه أي المسح من غير عذر جاز عند الإمام خلافا لهما والخلاف في المجروح وفي المكسور يجب بالاتفاق ثم المسح على الجبيرة يستوي فيه الحدث الأصغر
____________________
(1/76)
والأكبر
وضع على شقاق رجله والصواب أن يقول على شقوق رجله لأن الشق واحد الشقوق لا الشقاق لأن الشقاق داء يكون للدواب قاله الجوهري وغيره دواء لا يصل الماء تحته يجزيه إجراء الماء على ظاهر الدواء لما في تكليف إيصال الماء تحته من الحرج وهو مدفوع
وقال صدر الشريعة وإذا كان في أعضائه شقاق فإن عجز عن غسلها يلزمه إمرار الماء عليه وإن عجز عنه يلزمه المسح ثم إن عجز عنه يغسل ما حوله ويتركه وإن كان الشقاق في يده ويعجز عن الوضوء استعان بالغير ليوضئه وإن لم يستعن وتيمم جاز خلافا لهما وإذا وضع الدواء على شقاق الرجل أمر الماء فوق الدواء فإذا أمر الماء ثم سقط الدواء وإن كان السقوط عن برء غسل الموضع وإلا فلا
ولا يفتقر إلى نية في مسح الخف والرأس لأنه بعض الوضوء خلافا للشافعي وفيه رد للعتابي من اشتراط النية في مسح الخف وكذا لا يشترط النية في مسح الجبيرة وتوابعها باتفاق الروايات
باب الحيض لما فرغ من الأحداث التي يكثر وقوعها ذكر ما هو أقل وقوعا منه ولقب بالباب لأصالته بالنظر إلى الاستحاضة فإنها تعرف بعد معرفته والحيض في اللغة عبارة عن السيلان يقال حاض الوادي أي سال فسمي حيضا لسيلانه في أوقاته
وفي الشريعة وهو دم ينفضه رحم امرأة بالغة لا داء بها واحترز بقيد الرحم عن الرعاف والدماء الخارجة عن الجراحات ودم الاستحاضة فإنها دم
____________________
(1/77)
عرق لا دم رحم وبقيد بالغة عن دم تراه الصغيرة قبل أن تبلغ تسع سنين وبقيد لا داء بها عن دم النفاس فإن النفساء مريضة في اعتبار الشرع حتى اعتبر تبرعاتها من الثلث
وقال الباقاني نقلا عن البهنسي قيد بالغة زائد لأنه لإخراج دم الاستحاضة وقد خرج بقوله رحم وقوله لا داء بها لإخراج ما كان لمرض أو نفاس ويخرج به دم الاستحاضة أيضا انتهى لكن أقول يمكن الجواب عن الأول بأن بعض المشايخ لا يطلقون على دم الصغيرة دم الاستحاضة بل دما ضائعا فزيد القيد المذكور تكميلا للتعريف على الأصلين وإخراجا له عن حيز الخلاف وعن الثاني بأن قوله لا داء بها لإخراج ما كان لمرض الرحم لا لمرض ذات الرحم ودم الاستحاضة دم عرق ولا مدخل للرحم فيه تدبر
وأقله ثلاثة أيام برفع ثلاثة على الخبرية ونصبها على الظرفية وعلى الأول يكون المعنى أقل مدة الحيض ثلاثة أيام على تقدير المضاف بلياليها يعني ثلاث ليال كما هو ظاهر الرواية وإضافة الليالي إلى الأيام لبيان اعتبار عدد الأيام فيها لا للاختصاص فلا يلزم أن يكون الليالي ليالي تلك الأيام ومن لم يتفطن على هذا قال ما قال
وعن أبي يوسف يومان وأكثر الثالث وعند الشافعي وأحمد يوم وليلة وعند مالك ساعة وأكثره عشرة أي عشرة أيام وعند الشافعي خمسة عشر يوما وبه قال أحمد ومالك في رواية وهي رواية عن أبي يوسف وأبي حنيفة أو لا رحمهما الله وعند أحمد في الأظهر سبعة عشر يوما وعن مالك لا حد لقليله ولا لكثيره والحجة عليهم ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وما نقص عن أقله أو زاد على أكثره فهو استحاضة وما تراه من الألوان في مدته سوى البياض الخالص فهو حيض اعلم أن ألوان الحيض هي الحمرة والسواد وهما حيض إجماعا وكذا الصفرة المشبعة في الأصح والخضرة والصفرة الضعيفة والكدرة والترابية عندنا والفرق بينهما أن الكدرة تضرب إلى البياض والترابية إلى السواد
وكذا الطهر المتخلل بين الدمين فيها
____________________
(1/78)
أي مدة الحيض فهذه رواية محمد عن الإمام ولا يجوز عليها البداءة بالطهر ولا الختم به ووجهها أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط إجماعا فيعتبر أولها وآخرها كالنصاب في باب الزكاة صورته مبتدأة رأت يوما دما وثمانية أيام طهرا ويوما دما فالعشرة كلها حيض لإحاطة الدم بطرفي العشرة ولو رأت يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا
وقال أبو يوسف وهو رواية عن الإمام وقيل وهو آخر أقواله إن كان الطهر أقل من خمسة عشر يوما لا يفصل لأنه طهر فاسد فصار بمنزلة الدم وكثير من المتأخرين أفتوا بهذه الرواية لأنها أيسر على المفتي والمستفتي لقلة التفاصيل التي يشق ضبطها ويجوز عليها البداءة بالطهر والختم به لكن بشرط إحاطة الدم من الجانبين كما لو رأت قبل عادتها يوما دما وعشرة أيام طهرا ويوما دما فالعشرة حيض هذا بحث طويل فليطلب من شروح الهداية وغيرها
وهو أي الحيض يمنع الصلاة والصوم للإجماع عليه وتقضيه دونها أي تقضي الصوم دون الصلاة لما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها كنا على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام نقضي صيام أيام الحيض ولا نقضي الصلاة ولأن الحيض يمنع وجوب الصلاة وصحة أدائها ولا يمنع وجوب الصوم بل يمنع صحة أدائه فقط فنفس وجوبه ثابت فيجب القضاء إذا طهرت ثم المعتبر آخر الوقت عندنا فإذا حاضت في آخر الوقت سقطت وإن طهرت فيه وجبت فإذا كانت طهارتها لعشرة وجبت الصلاة وإن كان الباقي لمحة وإن كانت لأقل منها وذلك عادتها فإن كان الباقي من الوقت مقدار ما يسع الغسل والتحريمة وجبت وإلا فلا لأنه مدة الاغتسال من الحيض والصائمة إذا حاضت في النهار
____________________
(1/79)
فإن كان في آخره بطل صومها فيجب قضاؤه إن كان صوما واجبا وإن كان نفلا لا و يمنع دخول المسجد لقوله عليه الصلاة والسلام فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب وهو بإطلاقه حجة على الشافعي في إباحته الدخول على وجه العبور والمرور
و يمنع الطواف لأن الطواف في المسجد قيل وإذا كان الطواف في المسجد يكون الحكم معلوما من قوله ودخول المسجد فلم ذكره أجيب بأن المفهوم منه عدم جواز شروع الحائض للطواف إذ يلزمها الدخول في المسجد حائضا ولا يفهم منه أنه لو حاضت بعد الشروع في الطواف لا يجوز لها الطواف إذ حينئذ لا يوجد منها الدخول في المسجد حائضا وإنما يفهم ذلك من هذه المسألة فاحتيج إلى ذكرها
و يمنع قربان ما تحت الإزار كالمباشرة والتفخيذ ويحل القبلة وملامسة ما فوق الإزار
وعند محمد قربان الفرج فقط لأن الثابت حرمته دون حرمة ما سواه وهو قول الشافعي وأحمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف ويكفر مستحل وطئها واختلف في تكفيره فقد جزم صاحب المبسوط والاختيار وفتح القدير وغيرهم بكفره لأن حرمته ثبتت بنص قطعي
وفي النوادر عن محمد أنه لا يكفر وصحح هذه الرواية صاحب الخلاصة ولو وطئها غير مستحل عالما بالحرمة عامدا مختارا لا جاهلا ولا ناسيا ولا مكرها كبيرة فليس عليه إلا التوبة والاستغفار ويستحب أن يتصدق بدينار أو نصفه وقيل بدينار وإن كان في أول الحيض وبنصفه في آخره وأما الوطء في الدبر فحرام في حالتي الحيض والطهر
وإن انقطع الحيض لتمام العشرة حل وطؤها قبل الغسل لأن الحيض لا يزيد على العشرة فلا يحتمل عود الدم بعده لكن يستحب أن لا يطأها حتى تغتسل وقال الشافعي ومالك وأحمد وزفر لا يحل وطؤها قبل الغسل
وإن انقطع لأقل من عشرة أيام وفوق الثلاث وكان ذلك على تمام عادتها لا يحل وطؤها حتى تغتسل لأن الدم يسيل تارة وينقطع أخرى فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع أو يمضي عليها أدنى وقت صلاة كاملة فحينئذ يحل وطؤها وإن لم تغتسل إقامة للوقت الذي يتمكن فيه من الاغتسال مقام حقيقة الاغتسال في حق حمل الوطء فلهذا صارت الصلاة دينا في ذمتها
وإن كان الانقطاع دون عادتها وعاد لها دون العشر لا يحل وطؤها وإن اغتسلت حتى تمضي عادتها لأن عود الدم غالب
وأقل الطهر
____________________
(1/80)
الفاصل بين الدمين خمسة عشر يوما بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولأنه مدة اللزوم فصار كمدة الإقامة ولا حد لأكثره لأنه قد يمتد إلى سنة وسنتين وقد لا يمتد وقد لا ترى الحيض أصلا فلا يمكن تقديره إلا عند نصب العادة في زمن الاستمرار يعني إذا استمر بها الدم فاحتيج إلى نصب العادة فإنه حينئذ يكون لأكثره حد لكن اختلفوا في التقدير وقيل طهرها تسعة عشر يوما لأن أكثر الحيض في كل شهر عشرة والباقي طهر وتسعة عشر بيقين لاحتمال نقصان الشهر وقيل طهرها سبعة وعشرون وحيضها ثلاثة وقيل طهرها شهر كامل وقيل شهران وعليه الفتوى لأنه أيسر على المفتي والنساء وقيل أربعة أشهر إلا ساعة وقيل ستة أشهر إلا ساعة وعليه الأكثر إذ العادة نقصان طهر غير الحامل عن طهر الحامل وأقل مدة الحمل ستة أشهر فنقصنا منه شيئا وهو الساعة صورته مبتدأة رأت عشرة أيام دما وستة أشهر طهرا ثم استمر الدم تنقضي عدتها بتسعة عشر شهرا إلا ثلاث ساعات لأنا نحتاج إلى ثلاث حيض كل حيض عشرة أيام وإلى ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر إلا ساعة وعند عامة العلماء حيضها عشرة في كل شهر من أول الاستمرار وطهرها عشرون كما لو بلغت مستحاضة وإذا زاد الدم على العادة فإن جاوز العشرة فالزائد كله استحاضة لأنه لو كان حيضا ما جاوز أكثره
وإلا فحيض أي وإن لم يجاوز العشرة فالزائد على العادة حيض على الأصح
وإن كانت مبتدأة وزاد على العشرة فالعشرة حيض والزائد استحاضة لأن الحيض لا يزيد عليها
والنفاس بكسر النون مصدر نفست المرأة بضم النون وفتحها إذا ولدت فهي نفساء وهن نفاس وليس فعلاء يجمع على فعال إلا نفساء وعشراء والولد منفوس
وفي الاصطلاح دم يعقب الولد من الفرج فلو
____________________
(1/81)
ولدت ولم تر دما لا تكون نفساء لكن يجب عليها الغسل عند الإمام وعند أبي يوسف لا
وفي السراج الوهاج بل هي نفساء عند الإمام وبه يفتي الصدر الشهيد وصحح الزيلعي قول أبي يوسف معزيا إلى المفيد وقال لكن يجب عليها الوضوء
وحكمه حكم الحيض في جميع الأحكام ولا حد لأقله وهو مذهب الأئمة الثلاثة وأكثر أهل العلم
وقال الثوري أقله ثلاثة أيام
وقال المزني أربعة أيام وقال شيخ الإسلام اتفق أصحابنا على أن أقل النفاس ما يوجد فإنها كما ولدت إذا رأت الدم ساعة ثم انقطع عنها الدم فإنها تصوم وتصلي والمراد من الساعة اللمحة لا الساعة النجومية وهو الصحيح وهذا في حق الصلاة والصوم وأما إذا احتيج إليه لانقضاء العدة فله حد مقدر بأن يقول لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فقالت بعد الولادة قد انقضت عدتي فعند الإمام أقله خمسة وعشرون يوما
وعند أبي يوسف أحد عشر يوما وعند محمد أقله ساعة وأكثره أربعون يوما
وقال الشافعي أكثره ستون يوما وهو أحد قولي مالك وقوله الآخر يرجع فيه إلى العادة وقول الأوزاعي في النفاس من الجارية كقولنا وفي الغلام خمسة وثلاثون يوما حجتنا على ذلك حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت كانت النفساء تقعد على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعين يوما
وقال الترمذي أجمع أهل العلم من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك
وما تراه الحامل حال الحمل وعند الوضع قبل خروج أكثر الولد استحاضة لأن الحيض دم وبالحبل ينسد فم الرحم فما تراه حينئذ يكون استحاضة روى خلف عن
____________________
(1/82)
الشيخين أن الدم الذي تراه بعد خروج أكثر الولد نفاس لأن للأكثر حكم الكل
وإن زاد الدم على أكثره ولها عادة فالزائد عليها أي على عادتها استحاضة وإلا أي وإن لم تكن لها عادة فالزائد على الأكثر فقط استحاضة لأن الحيض والنفاس لا يتجاوزان الأكثر
والعادة تثبت وتنتقل بمرة في الحيض والنفاس عند أبي يوسف وبه يفتى وعندهما لا بد من المعاودة وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا رأت خلاف عادتها مرة ثم استمر بها الدم في الشهر الثاني فإنها ترد إلى أيام عادتها القديمة عندهما وعند أبي يوسف ترد إلى آخر ما رأت ولو أنها رأت ذلك مرتين ثم استمر بها الدم في الشهر الثالث فإنها ترد إلى ما رأت مرتين بالإجماع
ونفاس التوأمين هما ولدان من بطن واحد بين ولادتهما أقل من ستة أشهر من الأول عندهما لأن بالولد الأول ظهر انفتاح الرحم فكان المرئي عقيبه نفاسا كذا ذكر في أكثر الكتب لكن يشكل هذا بقوله أكثر مدة النفاس أربعون يوما إلا أن يقال إن ما تراه عقيب الثاني إن كان قبل الأربعين فهو نفاس الأول لتمامها واستحاضة بعد تمامها
وفي المحيط فإن ولدت ثلاثة أولاد بين الأول والثاني أقل من ستة أشهر وبين الثاني والثالث كذلك ولكن بين الأول والثالث أكثر من ستة أشهر فالصحيح أنه يجعل كحمل واحد خلافا لمحمد وهو قول زفر لأن نفاسها من الثاني لانسداد فم الرحم بالثاني فلا يكون ما تراه عقيب الأول من الرحم بل هو استحاضة وانقضاء العدة من الولد الأخير إجماعا لأن العدة متعلقة بفراغ الرحم ولا فراغ مع بقاء الولد
والسقط مثلثة اسم للولد الساقط قبل تمامه إن ظهر بعض خلقه كشعر وأنف ويد ورجل فهو ولد تصير به أمه نفساء والأمة أم ولد إن ادعاه السيد
ويقع به الطلاق المعلق بالولادة
____________________
(1/83)
بأن قال إن ولدت فأنت طالق
وتنقضي به العدة لأنه ولد لكنه ناقص الخلقة ونقصان الخلقة لا يمنع أحكام الولادة وفي قول صاحب التبيين ولا يستبين خلقه إلى مائة وعشرين يوما نظر فليتأمل
ودم الاستحاضة كرعاف دائم لا يمنع صلاة ولا صوما ولا وطء وهذه المسألة لم تذكر في موضعها والمناسب أن تذكر في فصل المستحاضة تدبر
فصل المستحاضة ومن به سلس بول أو من به استطلاق بطن أو انفلات ريح أو رعاف دائم أو جرح لا يرقأ الاستحاضة في اللغة استمرار الدم بالمرأة بعد أيامها وسلس البول استرساله وعدم استمساكه واستطلاق البطن جريانه وانفلات الريح أن لا يستطيع جمع مقعده كل الجمع والجرح الذي لا يرقأ وهو الذي يسكن دمه يتوضئون لوقت كل صلاة ويصلون به في الوقت ما شاءوا من فرض ونفل ما دام الوقت باقيا والمراد بالنفل ما زاد على الفرض فيشمل الواجب والنذر
وقال الشافعي يتوضئون لكل صلاة فرض ويصلون به من النوافل ما شاءوا تبعا لذلك الفرض لقوله عليه الصلاة والسلام المستحاضة تتوضأ لكل صلاة أطلق صلى الله عليه وسلم الصلاة والمطلق ينصرف إلى الكامل والكامل هي المكتوبة ولنا أن اللام في لكل صلاة تستعار للوقت كما في قوله تعالى لدلوك الشمس وإلا لزم الوضوء
____________________
(1/84)
لقضاء كل صلاة لو كانت عليها صلوات وهذا حرج وهو مدفوع على أن الحفاظ اتفقوا على ضعف متمسكه على ما حكاه النووي في المذهب ويبطل الوضوء بخروجه أي بخروج الوقت فقط هذا إذا كان العذر موجودا وقت الوضوء أو بعده أما لو وجد قبله ثم انقطع واستمر الانقطاع إلى أن خرج الوقت فلا يبطل وضوءه ولهذا جاز المسح على الخفين للمستحاضة بعد خروج الوقت إذا لم يكن الدم سائلا وقت الوضوء واللبس وقال زفر بدخوله أي بدخول الوقت فقط وإضافة البطلان إلى الخروج والدخول مجاز لأنه لا تأثير للخروج والدخول في الإنقاض حقيقة
وقال أبو يوسف يبطل بأيهما كان وإلى ثمرة الخلاف أشار بقوله فالمتوضئ وقت الفجر لا يصلي به بعد الطلوع عند علمائنا الثلاثة لانتفاض طهارته بالخروج إلا عند زفر والمتوضئ بعد الطلوع قبل الزوال ولو لعيد على الصحيح يصلي به الظهر عند الطرفين لعدم خروج وقت الفرض فلا ينتقض بخروج وقت الطهر خلافا له أي لزفر لوجود دخول الوقت ولأبي يوسف لوجود أحد الناقضين وهو دخول الوقت
والمعذور من لا يمضي عليه وقت الصلاة إلا والذي ابتلي به يوجد فيه هذا تعريف المعذور في حالة البقاء وأما في حالة الابتداء فإن يستوعب استمرار العذر وقت الصلاة كاملا كالانقطاع فإنه لا يثبت ما لم يستوعب الوقت كله كذا في أكثر الكتب
وفي الكافي ما يخالفه فإنه قال إنما
____________________
(1/85)
يصير صاحب عذر إذا لم يجد في وقت صلاة زمانا يتوضأ ويصلي فيه خاليا عن الحدث انتهى وقد وفق صاحب الدرر بينهما بحمل استيعاب المذكور في أكثر الكتب على ما يعم الحكمي وقال الباقاني وفيه نظر لأن الثبوت مثل الانقطاع في الشرط المذكور وذلك على تقدير أن يكون المراد من الاستيعاب الاستيعاب الحقيقي انتهى أقول وفيه كلام لأنا لا نسلم استلزام الاستيعاب الحقيقي من الانقطاع للاستيعاب الحقيقي من الثبوت لأن ما يستمر كمال الوقت بحيث لا ينقطع لحظة نادر فيؤدي إلى نفي تحقق العذر إلا في الإمكان بخلاف جانب الصحة منه فإنه يدوم انقطاعه وقتا كاملا وهو ما يتحقق ولا يلزم اعتبار كل ما في المشبه به في المشبه بل يكفي أن يكون باعتبار بعض ما فيه وما في الكافي يصلح تفسيرا لما في غيره ولهذا قال صاحب الدرر ولو حكما لأن الانقطاع اليسير ملحق بالعدم فليتأمل
وفي النوازل وإذا كان به جرح سائل وشد عليه خرقة فأصابه الدم أكثر من قدر الدرهم أو أصاب ثوبا فصلى ولم يغسله إن كان غسله ينجس ثانيا قبل الفراغ جاز أن لا يغسله وإلا هو المختار ولو كانت به دماميل أو جدري فتوضأ وبعضها سائل ثم سال الذي لم يكن انتقض وضوءه لأن هذا حدث جديد كما إذا سال أحد منخريه فتوضأ مع سيلانه وصلى ثم سال المنخر الآخر في الوقت انتقض وضوءه
باب الأنجاس إضافة الباب إلى الأنجاس باعتبار أن بيانها فيه فالإضافة لأدنى ملابسة ولا يقتضي تقدير البيان كما سبق إلى بعض الأذهان وما في صيغة الجمع من الإشارة إلى تعدد الأنواع يعني على تقدير الأنواع مضافا إلى الأنجاس فمن قال تقدير الكلام باب بيان أنواع الأنجاس فقد زاده والأنجاس جمع نجس بفتح النون وكسر الجيم وفتحها وسكونها مع فتح النون وبكسر النون مع كسر الجيم كلها مستعملة في اللغة والنجس كل مستقذر في الأصل مصدر استعمل اسما يطلق على الحقيقي وهو الخبث وعلى الحكمي وهو الحدث والمراد ها هنا
____________________
(1/86)
الأول ولما فرغ من بيان النجاسة الحكمية وتطهيرها شرع في بيان النجاسة الحقيقية وتطهيرها وإنما أخرها عنها لأنها أقوى يدل على ذلك أن قليلها يمنع الجواز اتفاقا بخلاف الحقيقة فإن قليلها معفو عند الشافعي وعندنا قدر الدرهم وما دونه من المغلظة وما دون ربع الثوب من المخففة يطهر بدن المصلي وثوبه وكذا مكانه يعني لما وجب التطهير في الثوب بعبارة النص وجب في البدن والمكان بدلالته لأن الاستعمال في حالة الصلاة يشمل الكل
وفي الآخرين أولى باعتبار أنه لا يخلو عنهما وقد يخلو عن الثوب ولم يذكر ها هنا المكان لأنه أنواع ولكل منها حكم خاص على ما ستقف عليه ثم المعتبر في طهارة المكان تحت قدم المصلي حتى لو افتتح الصلاة وتحت قدميه أكثر من قدر الدرهم من النجاسة فصلاته فاسدة لأنه لا بد من القيام وذلك يكون بالقدم وأما في موضع السجود ففي رواية أبي يوسف عنه أنه يجوز من النجس الحقيقي بالماء ولو مستعملا على قول محمد وروايته عن الإمام وأما عند أبي يوسف فنجس نجاسة خفيفة لا يفيد الطهارة إلا أنه إن أزيلت به نجاسة غليظة زالت وتبقى نجاسة الماء وبكل مائع طاهر احتراز عن بول ما يؤكل لحمه مزيل أي من شأنه إزالة النجاسة بأن ينعصر إذا عصر كالخل وماء الورد لا الدهن لأنه بدسومته لا تزيل غيره وكذا اللبن ونحوه
وعند محمد لا يطهر إلا بالماء لأنه يتنجس بأول الملاقاة والنجس لا يفيد الطهارة إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة وهو مذهب الشافعي وزفر ولهما أن النجاسة الحقيقة ترتفع بالماء اتفاقا لقلعه النجاسة عن محلها فكذا يرفعها المائع لمشاركته الماء في هذا المعنى ولا فرق بين الثوب والبدن في طهارتهما بالمائع عند الإمام وأبي يوسف في رواية وفي رواية أخرى عنه لا يطهر البدن إلا بالماء
و يطهر الخف إن تنجس بنجس له جرم بالدلك المبالغ إن جف إنما خص الخف بالذكر لأن الثوب لا يطهر إلا بالغسل
____________________
(1/87)
إلا في المني كما سيأتي إن شاء الله تعالى وإنما قيد بالجرم لأن ما لا جرم له إذا أصاب الخف لا بالدلك وإن جف إلا إذا التصق به من التراب فجف بعد ذلك فمسحه يطهر هو الصحيح وإنما قيد بالجفاف لأن ما له جرم من النجس إذا أصاب الخف ولم يجف لا يطهر بالدلك عند الطرفين وإنما قيد بالدلك لأنه بالغسل يطهر اتفاقا ثم الفاصل بين ما له جرم وما لا جرم له هو أن كل ما يرى بعد الجفاف على ظاهر الخف كالعذرة والدم ونحوه فهو ذو جرم وما لا يرى بعد الجفاف ليس بذي جرم وإنما قيد بالمبالغ وإن لم يكن في سائر المتون احتياطا لأن المقام مقام الاحتياط خلافا لمحمد فإن عنده لا يطهر بالدلك أصلا وهو قول زفر
وكذا إن لم يجف عند أبي يوسف وبه يفتي أي جواز الدلك في رطب ذي جرم فإنه لا يشترط الجفاف ولكن يشترط ذهاب الرائحة وعليه أكثر المشايخ لعموم البلوى
وإن تنجس بمائع فلا بد من الغسل لأن أجزاء النجاسة تتشرب في الخف فلا يخرج منه إلا بالغسل
والمني نجس عندنا خلافا للشافعي ويطهر إن يبس بالفرك وإلا يغسل وإنما قيد باليبس لأن الرطب لا يطهر إلا بالغسل
وفي الجامع الصغير أنه إن حته أو حكه بعدما يبس يطهر وطهارته مشروطة بطهارة رأس الحشفة وإلا يجب الغسل ولا يضر المجاورة في مجرى البول لأنهم لم يعتبروا النجاسة الباطنة
وقال شمس الأئمة مسألة المني مشكلة لأن الفحل يمذي ثم يمني والمذي لا يطهر بالفرك إلا أن يقال إنه مغلوب بالمني فيجعله تبعا له ولا فرق بين مني المرأة والرجل وهو الصحيح والمصنف كأنه اختاره فأطلقه وكذا لا فرق بين البدن والثوب لأن البلوى في البدن أشد لكن لا بد من المبالغة في الدلك وبقاء أثر المني بعد الفرك لا يضر كبقائه بعد الغسل ولو أصاب المني شيئا له بطانة فنفذ إليها يطهر بالفرك هو الصحيح ثم إذا فرك يحكم بطهارته عندهما
وفي أظهر الروايتين عن الإمام أنه يقل النجاسة بالفرك ولا يحكم بطهارته حتى لو أصابه ماء عاد نجسا عنده قياسا ولا يعود عندهما استحسانا وكذا الخف إذا أصابه نجس فدلكه ثم وصل إليه الماء
و يطهر السيف الصقيل وإنما قيدنا بالصقيل لأنه إن كان منقوشا لا يطهر إلا بالغسل ونحوه كالمرآة والسكين
____________________
(1/88)
بالمسح مطلقا وبه قال مالك
وقال زفر والشافعي وأحمد لا يطهر إلا بالغسل وهو القياس وقال الزاهدي في شرح المختصر سيف أو سكين أصابه البول والدم في الأصل أنه لا يطهر إلا بالغسل والعذرة أي الرطبة واليابسة تطهر بالحت عند الشيخين وعند محمد لا يطهر إلا بالغسل
وفي مختصر الكرخي السيف يطهر بالمسح من غير فصل بين الرطب واليابس والبول والعذرة والإمام القدوري اختار ما ذكره الكرخي وكذا المصنف لأنه أطلقه ولم يذكر خلاف محمد وهو المختار للفتوى لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يقتلون الكفار بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون معها
و تطهر الأرض النجسة بالجفاف وذهاب الأثر للصلاة وهو اللون والرائحة والطعم ومن قصر على الأولين فقد قصر كما في بحر الرواية فتجوز الصلاة عليها لقوله عليه الصلاة والسلام ذكاة الأرض يبسها أي طهارتها جفافها إطلاقا لاسم السبب على المسبب لأن الذكاة وهي الذبح سبب الطهارة في الذبيحة خلافا لزفر والشافعي لا للتيمم لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطا للتيمم لقوله تعالى طيبا أي طاهرا فلا يتأدى التيمم بما ثبتت طهارته بخبر الواحد كما لم يجز التوجه إلى الحطيم ولو ثبت أنه من البيت بقوله عليه الصلاة والسلام الحطيم من البيت وإنما قيد بالجفاف لأنها لو لم تجف لا تطهر إلا إذا صب عليها ماء بحيث لم يبق للنجاسة أثر فتطهر وإنما قال بالجفاف ولم يقل باليبس لأنهم يفرقون بينه وبين الجفاف والمعتبر ها هنا الجفاف
وكذا الآجر المفروش احتراز عن الموضوع على الأرض والخص المنصوب بضم الخاء المعجمة والصاد المهملة البيت من قصب والمراد ها هنا السترة التي يكون على السطوح من القصب وتقييد الخص بالمنصوب كتقييد الآجر بالمفروش
والشجر والكلأ غير المقطوع هو المختار راجع إلى الآخرين باعتبار كونهما مقيدين بقيد غير المقطوع ولا يخالفه ما في
____________________
(1/89)
الإصلاح والخانية كما توهم البعض
والمنفصل من الأولين والمقطوع من الأخيرين لا بد من غسله
وفي الخلاصة الجص بالجيم حكمه حكم الأرض بخلاف اللبن الموضوع على الأرض
وطهارة المرئي بزوال عينه النجاسة على ضربين مرئية وغير مرئية وطهارة الأولى بزوال عينها لأن تنجس ذلك الشيء باتصال النجاسة به فإزالتها ولو بغسلة واحدة تطهير له
وقال أبو جعفر لا يطهر ما لم يغسله مرتين أخريين بعد ذلك لا لأنه لما زالت عين النجاسة صارت كنجاسة غير مرئية غسلت مرة بل لأن المرئي لا يخلو عن غير المرئي فإن الرطوبة التي اتصلت بالثوب لا تكون مرئية وغير المرئي لا يطهر إلا بالغسل ثلاثا ذكر صاحب الذخيرة وهذا أحوط والأول أوفق
ويعفى أثر شق زواله بأن يحتاج في إخراجه إلى نحو الصابون
و يطهر غير المرئي بالغسل ثلاثا
وفي الهداية وما ليس بمرئي فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر لأن التكرار لا بد منه للاستخراج ولا يقطع بزواله فاعتبر غالب الظن كما في أمر القبلة وإنما اعتبروا بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده فأقيم السبب الظاهر مقامه تيسيرا
وفي المطلب وإنما قدر بالثلاث لأن غلبة الظن تحصل عنده غالبا ولحديث المستيقظ انتهى وفيه كلام لأنه لا وجه للاستدلال بهذا الحديث لأنه يدل على اشتراط الغسل ثلاثا عند توهم النجاسة فعند التحقق ينبغي الزيادة احتياطا على أن المذكور في الحديث تنزيهي لا تحريمي بدلالة التعليل ولذلك قيل إنه سنة لا واجب وإزالة النجاسة واجبة للمصلي أو سبعا هذا عبارة صاحب المختار وعلله صاحب الاختيار لقطع الوسوسة وبهذا يظهر ضعف ما قيل ذكر السبع بعد الثلاث لا فائدة فيه
____________________
(1/90)
والعصر كل مرة إن أمكن عصره ويبالغ في الثالث إلى أن ينقطع القطر والمعتبر عصر الغاسل وعن محمد في غير رواية الأصول أنه إذا غسل ثلاث مرات وعصر في المرة الثالثة يطهر
وقال الشافعي إنه يطهر بالغسل مرة
وإلا وإن لم يمكن العصر كالحصير ونحوه فيطهر بالتجفيف كل مرة ينقطع التقاطر ولا يشترط اليبس ولو كانت الحنطة منتفخة واللحم مغلي بالماء النجس يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة فطريقه أن تنقع الحنطة في الماء الطاهر حتى تتشرب ثم يجفف ويغلى اللحم في الماء الطاهر ويبرد يفعل ذلك ثلاث مرات وعلى هذا السكين المموه بالماء النجس بأن يموه بالماء الطاهر ثلاث مرات ولو كان الغسل نجسا يصب عليه الماء بقدره ويغلى حتى يعود إلى مكانه ثلاثا وكذا الدهن بأن يوضع في إناء مثقوب ويجعل على الماء ويحرك ثم يفتح الثقب إلى أن يذهب الماء ثلاثا ولو ألقيت دجاجة حالة الغليان في الماء قبل أن يشق بطنها ويغسل ما فيه من النجاسة للنتف لا يطهر أبدا وكذا الدقيق إذا صب فيه الخمر بالاتفاق
وقال محمد بعدم طهارة غير المنعصر أبدا لأن الطهارة بالعصر وهو مما لا ينعصر والفتوى على الأول
ويطهر بساط تنجس بجري الماء عليه يوما وليلة كذا في الذخيرة والتتارخانية وقيل أكثر يوم وليلة
وفي الوقاية ليلة والتقدير لقطع الوسوسة لأنهم قالوا البساط إذا تنجس وأجري عليه الماء إلى أن يتوهم زوالها طهر لأن إجراء الماء يقوم مقام العصر كذا في المحيط والمراد منه ها هنا ما تعذر عصره أو تعسر وإلا فهو داخل فيما لم يمكن عصره
و يطهر نحو الروث والعذرة بالحرق حتى يصير رمادا عند محمد هو المختار وعليه الفتوى لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل ألا يرى أن العصير الطاهر إذا صار خمرا يتنجس وإذا صار خلا يطهر اتفاقا فعرفنا أن استحالة
____________________
(1/91)
العين يستتبعه زوال الوصف المرتب عليها وعلى هذا يحكم بطهارة صابون صنع من زيت نجس خلافا لأبي يوسف لأن أجزاء ذلك النجس باقية من وجه
وكذا يطهر حمار وقع في المملحة فصار ملحا لانقلاب العين وهو من المطهرات فإن كان من الخمر فلا خلاف في الطهارة وإن كان من غيرها كالخنزير يطهر عند محمد خلافا لأبي يوسف
وفي الظهيرية العذرات إذا دفنت في موضع حتى صارت ترابا قيل تطهر
وعفي قدر الدرهم مساحة كعرض الكف في الرقيق ووزنا بقدر مثقال في الكثيف والمراد بعرض الكف ما وراء مفاصل الأصابع أصل هذه المسألة أن الرواية عن محمد اختلف في الدرهم فإنه اعتبره بالمساحة في رواية النوادر وبالوزن في كتاب الصلاة والدرهم هو الكبير الذي بلغ وزنه مثقالا وقيل درهم زمانه ووفق الهندواني بينهما بأن رواية المساحة في الرقيق كالبول ورواية الوزن في الثخين كالعذرة واختاره كثير من المشايخ وهو الصحيح والنجاسة التي يمكن الاحتراز عنها مانعة عند زفر والشافعي قليلة كانت أو كثيرة مغلظة كانت أو مخففة لأن النص الموجب للتطهير لم يفصل بين القليل والكثير ولنا أن التحرز عن القليل حرج وهو مدفوع فقدرناه بالدرهم لأن موضع الاستنجاء لم يطهر بالكلية بإمرار الحجر عليه ولهذا لو دخل المستنجي في الماء القليل نجسه فإذا صار موضع الاستنجاء معفوا في حق الصلاة علم أن قليلها في الشرع معفو لأن المحال مستوية فعبروا عن المقعد بالدرهم لاستقباحهم ذكرها في محافلهم من نجس مغلظ كالدم السائل إلا دم الشهيد في حقه وإنما قيدنا بالسائل لأن ما بقي منه في اللحم والعروق ليس بنجس والبول ولو من صغير لم يأكل لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم استنزهوا عن البول الحديث وكل ما يخرج من بدن الآدمي معطوف على قوله كالدم موجبا للتطهير احترز به عن العرق والبزاق ونحوهما
والخمر وخرء الدجاج ونحوه كالبط الأهلي والإوز وبول الحمار والهرة والفأرة واعترض بعض شراح الوقاية ها هنا أن المراد من قوله وبول الحمار والهرة والفأرة بول ما لا يؤكل لحمه فلو طرح قوله والبول لكان أحسن انتهى وفيه كلام وهو أنه
____________________
(1/92)
فرق بين ما لا يؤكل لحمه للكرامة وبين ما لا يؤكل لحمه للنجاسة كما صرحوا به ولهذا وقع في الكتب التصريح بحكم كل منهما على حدة كذا قال المحشي يعقوب باشا ولم يتفطن بعض شراح هذا الكتاب لهذه الدقيقة فقال في تفسير قوله والبول أي من حيوان لم يؤكل وإنسان وقوله بول الحمار نص عليه لئلا يتوهم أنه يخالف حكم غيره من غير المأكول في البول كما خالفه في السؤر والعرق ولم يقدر التدارك في قوله الهرة والفأرة فسكت مع أنه يمكن التدارك لأنه اختلف المشايخ فيهما فقال بعضهم بول الهرة والفأرة وخرؤهما نجس في أظهر الروايتين يفسد الماء والثوب
وقال بعضهم بول الخفاش ليس بنجس للضرورة وكذا بول الفأرة والهرة إذا أصاب الثوب لا يفسد لأنه لا يمكن التحرز وعلى هذا تخصيص ذكرهما لكونهما محل الاختلاف فليتأمل
وكذا الروث والخنثى عند الإمام لأن النجاسة عنده ما ورد النص على نجاسته ولم يعارضه نص آخر في طهارته سواء اتفق العلماء فيه أو اختلفوا فإن اختلافهم بناء على الاجتهاد وليس بحجة في مقابلة النص فلا يصلح معارضا له وقد ورد في نجاستهما نص وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى بالروثة
____________________
(1/93)
وقال هذا رجس أو ركس
ولم يعارضه غيره فتغلظ خلافا لهما أي عندهما مخففة لاختلاف العلماء إذ اختلاف العلماء يورث التخفيف عندهما فإن مالكا يرى طهارته لعموم البلوى بخلاف بول الحمار فإنه نجس مغلظ إذ لا ضرورة فيه فإن الأرض تنشفه
وما دون ربع الثوب من مخفف قال صاحب التحفة وأما حد الكثير في النجاسة الخفيفة فهو الكثير الفاحش ولم يذكر حده في ظاهر الرواية واختلفت الروايات عن الإمام روي عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة رحمه الله عن الكثير الفاحش فكره أن يحد فيه حدا وقال الكثير الفاحش ما يستفحشه الناس ويستكثرونه وروى الحسن عنه أنه قال شبر في شبر وذكر الحاكم في مختصره عن الطرفين الربع وهو الأصح لأن الربع له حكم الكل واختلف المشايخ في تفسير الربع قال بعضهم هو ربع جميع الثوب والبدن وقيل ربع كل عضو وطرف أصابته النجاسة من اليد والرجل والكم هو الأصح كبول الفرس وما يؤكل لحمه وإنما خص ذكر الفرس لاختلاف الرواية في كراهة لحمها تنزيها أو تحريما هذا مثال للنجس الخفيف عند الشيخين وعند محمد بول الفرس وما يؤكل لحمه طاهر
وخرج طير لا يؤكل هذا قول الإمام لأنها تذرق في الهواء والتحامي عنها متعذر وعندهما مغلظة في رواية الهندواني وهو الصحيح ومخففة في رواية الكرخي عند الشيخين وعند محمد نجس نجاسة غليظة
وقال شمس الأئمة السرخسي إن خرء ما يؤكل لحمه طاهر عند الشيخين إذ لا فرق بين مأكول اللحم وغيره في الخرء انتهى وهذا مشكل على قولهما لما عرفت من مذهبهما أن اختلاف العلماء يورث التخفيف وقد يتحقق فيه الاختلاف على هذا ينبغي أن لا يكون الخرء نجاسة غليظة عندهما إلا أن يقال بأن الرواية القائلة بالطهارة ضعيفة فلم تعد اختلافا تدبر
وبول انتضح مثل رءوس الإبر جمع إبرة وهو المخيط ولو كان مقدار عرض
____________________
(1/94)
الكف أو أكثر إذا جمع قيل التقييد بالرءوس إشارة إلى أنه إذا كان قدر جانبها الآخر الأكبر لم يعف لعدم الضرورة وليس كذلك لأن غير الرأس كالرأس والمراد من رءوس الإبر ها هنا تمثيل للتقليل عفو لأنه لا يمكن التحرز عنه وعن أبي يوسف يجب غسله لأنه نجس وعند الشافعي لا يعفى فيما يمكن إزالته وفي النوازل رجل رمى بعذرة في نهر فانتضح الماء من وقوعها فأصاب ثوب إنسان أو حمار بال في الماء فأصاب من ذلك الرش ثوب إنسان لا يضره إلا أن يظهر فيه لون النجاسة لأن في إصابة النجاسة شكا
ودم السمك وخرء طيور مأكولة طاهر لأن دم السمك ليس بدم حقيقة وكذا دم البق والقمل والبرغوث والذباب طاهر كما في الخانية إلا الدجاج والبط ونحوهما
وفي شرح الطحاوي أن خرء الدجاجة والبط ونحو ذلك من الطيور الكبار التي لخرئه رائحة خبيثة نجس نجاسة غليظة بالاتفاق ولعاب البغل والحمار طاهر عندهما أي لا يتنجس الشيء الطاهر به لأنه مشكوك والطاهر لا يزول طهارته بالشك وعند أبي يوسف نجس مخفف حتى إذا فحش يمنع جواز الصلاة لأنه يتولد من اللحم النجس وإنما قدر بالكثير الفاحش للضرورة
وماء قليل ورد على نجس نجس نجاسة غليظة حتى لو أصاب ثوبا لا يطهر إلا بالغسل ثلاثا
وقال الشافعي الماء طاهر لغلبته كعكسه أي كنجس ورد على ماء قليل فإنه نجس اتفاقا
ولو لف ثوب طاهر في رطب نجس فظهرت فيه رطوبته إن كان بحيث لو عصر قطر تنجس فلا تجوز الصلاة فيه لاتصال النجاسة به وإلا فلا هو الأصح كما لو وضع الثوب حال كونه رطبا على مطين بطين نجس جاف بتشديد الفاء
____________________
(1/95)
من جف لأن الجفاف يجذب رطوبة الثوب فلا يتنجس وأما إذا كان رطبا فيتنجس
ولو تنجس طرف من الثوب فنسيه أي نسي المحل المصاب بالنجاسة وإنما قيد به لأنه إذا علم المحل المصاب تعين غسله
وغسل طرفا أي طرف بلا نحر فعلم من هذا أن التحري ليس بشرط وقال الإسبيجابي إنه شرط حكم بطهارته على المختار كما في الخلاصة وفي متفرقات ركن الإسلام أنه لا يطهر وإن تحرى وكذا في شرح الطحاوي إذا خفي موضع النجاسة يغسل جميع الثوب فلو صلى مع هذا الثوب صلاة ثم ظهر أن النجاسة في الطرف الآخر يعيد هذه الصلاة كحنطة بالت عليها حمر بضمتين والسكون جمع حمار وإنما ذكرها لأن بولها نجاسة مغلظة فيعلم الحكم في غيرها بالدلالة تدوسها أي تطأ بقوائمها تلك الحنطة فتخلط بغيرها فغسل بعضها أو ذهب بعضها طهر كلها قال صدر الشريعة اعلم أنه إذا ذهب بعضها أو قسمت الحنطة يكون كل واحد من القسمين طاهرا إذ يحتمل أن كل واحد من القسمين يحتمل أن يكون النجاسة في القسم الآخر فاعتبر هذا الاحتمال في الطهارة لمكان الضرورة انتهى فيه كلام إذ لا ضرورة في التحري في المسألتين كذا في الإصلاح
وإنفحة الميتة ولبنها طاهر قال ابن ملك إنفحة الميتة بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة كرش الجدي أو الحمل الصغير لم يؤكل بعد يقال لها بالفارسية ينيرمايه يعني إنفحة الميتة جامدة كانت أو مائعة طاهرة عند الإمام وكذا لبنها أما الإنفحة الجامدة فإن الحياة لم تحل فيها وأما المائعة واللبن فلأن نجاسة محلها لم يكن مؤثرة فيهما قبل الموت ولهذا كان اللبن الخارج بين فرث ودم طاهرا فلا تكون مؤثرة بعد الموت انتهى أقول هذا يشكل بالقيء لأن القيء إذا كان ملء الفم غير البلغم نجس بالاتفاق بمجاورته وبهذا ثبت تأثير نجاسة المحل
____________________
(1/96)
وأما عدم تأثيرها قبل الموت فللضرورة ولا ضرورة بعد الموت فليتأمل خلافا لهما فإنهما قالا إنفحة الميتة مطلقا نجسة ولبنها نجس لأن تنجس المحل يوجب تنجس ما فيه
والاستنجاء إنما ذكره في باب الأنجاس وتطهيرها لأنه من جنس تطهير البدن من النجاسة وهو مسح موضع النجو والنجو ما يخرج من البدن يقال نجا وأنجا إذا أحدث والسين للطلب كأنه طلب النجو وفي الأصل أعم منه لكونه بالماء تارة وبالأحجار أخرى سنة لمواظبة النبي عليه الصلاة والسلام كذا في الهداية واعتراض بعض الفضلاء بأن المواظبة من غير ترك دليل الوجوب ودفعه بتقييده مع الترك ليس بسديد لأن الحكم يثبت بقدر دليله ومواظبته عليه الصلاة والسلام ليست دليلا على الوجوب وهو المختار والقائل بدلالتها على الوجوب إنما يقول عند سلامتها عن معارض وقد وقع المعارض ها هنا وهو قوله عليه الصلاة والسلام من استجمر فليوتر ومن فعل هذا فقد أحسن ومن لا فلا حرج لأنه كان واجبا لما انتفى الحرج عن تاركه فعلم أنه ليس بواجب فثبت بالمواظبة سنيته تدبر
وقال الشافعي هو فرض فلا تجوز الصلاة إلا به مما يخرج من أحد السبيلين غير الريح ونحوه مما هو غير الخارج المذكور كالنوم والإغماء والفصد والخارج من قرح السبيلين وإنما استثنى ذلك وهو غير محتاج إليه للمبالغة في المنع عن ذلك فإن الاستنجاء فيها بدعة
وما سن فيه عدد أي لم يسن في استنجاء الأحجار عدد عندنا خلافا للشافعي فإن عنده لا بد من التثليث بل يمسحه بنحو حجر ومدر وطين يابس وتراب وخشب وقطن وخرقة وغيرها طاهرة وفي النظم ينبغي أن يستنجي بثلاثة أمدار فإن لم يجد فبالأحجار فإن لم يجدها كفى التراب ولا يستنجي بما سوى الثلاثة لأنه يورث الفقر حتى ينقيه أي يطهر بنحو حجر موضع النجو لأن الإنقاء هو المقصود فلا يكون دونه سنة يدبر بالحجر الأول ويقبل بالثاني
____________________
(1/97)
الإدبار الذهاب إلى جانب الدبر والإقبال ضده
ويدبر بالثالث في الصيف لأن خصيتيه تتدلى في الصيف فيخشى تلوثها واعترض عليه بأن قوله وما سن فيه عدد يقتضي نفي العدد وقوله يدبر بالحجر الأول إلى آخره يقتضي العدد فآخر كلامه ينافي أوله انتهى لكن يمكن الجواب بأن هذا ليس بمناف لأنه أراد بيان كيفيته التي تحصل بها زيادة الإنقاء وهو المقصود دون كميته فتختار تلك الكيفية لكونها أبلغ وأسلم عن زيادة التلويث ويقبل الرجل بالأول إنما قيد به لأن المرأة تدبر بالأول في كل حال لئلا يتلوث فرجها
وفي الشمني والمرأة تفعل في الأوقات كلها كالرجل في الشتاء لئلا يتلوث الحجر من فرجها قبل الوصول إلى مخرجها ويدبر بالثاني والثالث في الشتاء لأن خصيتيه غير مدلاة فيؤمن من التلويث
وغسله أي الموضع بالماء بعد الحجر أفضل إن أمكنه ذلك من غير كشف العورة وإلا
____________________
(1/98)
يكفي الاستنجاء بالحجر لأنهم قالوا من كشف العورة للاستنجاء يصير فاسقا
وفي البزازية ومن لم يجد سترة تركه ولو على شط نهر لأن النهي راجح على الأمر حتى استوعب النهي الأزمان ولم يقتض الأمر التكرار واختلف فيه فقيل مستحب وقيل الجمع سنة في زماننا لأن أهل الزمان الأول يبعرون بعرا لأنهم يأكلون قليلا وأهل زماننا يأكلون كثيرا فيثلطون ثلطا وقيل سنة على الإطلاق وهو الصحيح وعليه الفتوى كما هو في الجوهرة
وفي المفيد ولا يستنجي في حياض على طريق المسلمين لأنها تبنى للشرب لكن يتوضأ ويغتسل فيها يغسل يديه أولا ثم المخرج ببطن إصبع واحدة إن حصل به الإنقاء
وإصبعين إن احتيج إلى الزيادة أو ثلاث إن احتيج إلى أزيد من يده اليسرى فلا يغسل بظهور الأصابع ولا برءوسها لأنه يورث الباسور
وفي الشمني يصعد بطن الوسطى فيغسل ملاقيها ثم البنصر وكذلك ثم الخنصر ثم السبابة حتى يغلب على ظنه الطهارة ولا يقدر ذلك بعدد لأن النجاسة غير مرئية إلا لقطع الوسوسة فيقدر بالثلاث وقيل بالسبع والمرأة تصعد البنصر والوسطى جميعا معا ثم تفعل بعد ذلك كما يفعل الرجل على ما وصفنا لأنها لو بدأت بإصبع واحدة كالرجل عسى يقع في موضعها فتتلذذ فيجب عليه الغسل وهي لا تشعر به
ويرخى مبالغة أي يرخى كل الإرخاء حتى يطهر ما يداخل فيه من النجاسة إن لم يكن صائما إنما قيد به لأنه إذا كان صائما يفسد في رواية ولهذا نهى عن التنفس والقيام بلا نشف بخرقة
ويجب الغسل بالماء وإنما فسرنا فاعل يجب بالغسل لأن غسل ما عدا المخرج لا يسمى استنجاء إن جاوز النجس المخرج أكثر من درهم لأن للبدن حرارة جاذبة أجزاء النجاسة فلا يزيلها المسح بالحجر وهو القياس في محل الاستنجاء إلا أنه ترك القياس للنص على خلاف القياس فلا
____________________
(1/99)
يتعداه والمراد بالماء ها هنا كل مائع طاهر مزيل
ويعتبر ذلك وراء موضع الاستنجاء أي ويعتبر في منع صحة الصلاة أن تكون النجاسة أكثر قدر الدرهم مع سقوط موضع الاستنجاء بناء على أن ما يخر على المخرج في حكم الباطن عندهما وعند محمد المخرج كالخارج فإن كان ما فيه زائدا على الدراهم يمنع وإن كان أقل وكان في موضع آخر من بدنه نجاسة تجمع فإن كان المجموع أكثر من قدر الدرهم يمنع
وفي القنية إذا أصاب المخرج نجاسة من خارج أكثر من قدر الدرهم فالصحيح أنه لا يطهر إلا بالغسل
ولا يستنجي بعظم وروث وطعام لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك وكذا لا يستنجي بعلف الحيوان مثل الحشيش وغيره وكذا بخزف وآجر وفحم وزجاج ومحترم كخرقة الديباج ونحوها فلو استنجى بهذه الأشياء جاز مع الكراهة فلا يكون مقيما للسنة
وبيمينه أي لا يستنجي باليمين لقوله عليه الصلاة والسلام اليمين للوجه واليسار للمقعد إلا في ضرورة بأن تكون يسراه مقطوعة أو بها جراحة فلو شلتا سقط الاستنجاء
وكره استقبال القبلة واستدبارها لبول ونحوه ولكن لقوله عليه الصلاة والسلام إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا ولهذا كان الأصح من الروايتين كراهة الاستدبار كالاستقبال والكراهة تحريمية
وفي فتح القدير ولو نسي فجلس مستقبلا فذكر يستحب له الانحراف بقدر ما يمكنه ويكره أن يمد رجليه في النوم وغيره نحو القبلة أو المصحف أو كتب الفقه إلا أن يكون على مكان مرتفع عن المحاذاة
وفي النهاية ويكره للمرأة أن تمسك ولدها نحو القبلة ليبول وكذا استقبال الشمس والقمر بالبول والغائط لأنهما من آيات الله الباهرة
ولو في الخلاء وهو بالمد بيت التغوط
____________________
(1/100)
وأما بالقصر فهو البيت لأن الدليل لم يفرق خلافا للشافعي وكذا يكره التغوط والتبول في ماء ولو كان جاريا وعلى طرف نهر أو بئر أو حوض أو عين أو تحت شجرة مثمرة أو في زرع أو ظل أو بجنب مسجد أو مصلى أو عيد أو في المقابر وبين دواب وفي طريق ومهب ريح وجحر فأرة أو حية أو نملة وكذا كره الكلام عليهما والبول قائما أو مضطجعا أو متجردا من ثوبه بلا عذر أو في موضع يتوضأ أو يغتسل فيه ولا يقرأ القرآن ولا يدخل فيه وفي كمه مصحف إلا إذا اضطر كما في المنية ويجب الاستبراء والتنحنح وقيل يكفي بمسح الذكر واجتذابه ثلاث مرات والصحيح أن طباع الناس وعاداتهم مختلفة فمن غلبه أنه صار طاهرا جاز له أن يستنجي لأن كل أحد أعلم بحاله والله تعالى أعلم
____________________
(1/101)
كتاب الصلاة لما فرغ من الطهارة شرع في الصلاة لأنها المقصود وقدم الأوقات لأنها الأسباب وهي متقدمة على المسببات كذا في غاية البيان قال صاحب الفرائد نقلا عن قاضي زاده ولقائل أن يقول كون الأسباب متقدمة على المسببات إنما يقتضي تقديم الأوقات على نفس الصلاة التي بينت في باب صفة الصلاة لا على شروط الصلاة التي ذكرت في باب شروط الصلاة لأن الشروط أيضا متقدمة على المشروطات وليست من مسببات أسباب المشروطات ولا يتم التقريب والأظهر ما ذكر في العناية حيث قال وإنما ابتدأ ببيان الوقت لأنه سبب للوجوب وشرط للأداء فكانت له جهتان في التقديم انتهى أقول وفيه كلام لا خفاء في أن تقدم السبب على المسبب في الوجود يقتضي تقدمه على شروطه التي لا يعتبر وجودها إلا بعد وجود سبب مشروطها لتوقفها عليه شرعا فيتم التقريب
وقال الزيلعي الصلاة في اللغة الدعاء قال الله تعالى وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم أي ادع لهم
____________________
(1/102)
وإنما عدى بعلى باعتبار لفظ الصلاة وفي الشريعة عبارة عن الأفعال المخصوصة المعهودة وفيها زيادة مع بقاء معنى اللغة فيكون تغييرا لا نقلا على ما قالوا من أن الفرق بين النقل والتغيير أن في النقل لم يبق معنى الموضوع له مرعيا وفي التغيير يكون باقيا لكن زيد عليه شيء آخر
وفي الغاية الظاهر أنها منقولة لوجودها بدونه في الأمي ولو قال في الأخرس لكان أولى إلى هنا كلامه وقال صاحب الفرائد نقلا عنه أيضا لا نسلم أنه لو ذكر الأخرس بدل الأمي كان أولى فإن للأخرس إشارات مقبولة معهودة عند الشروع في أكثر الأحكام فله إشارة معهودة في أمر الدعاء أيضا فخرسه لا يستدعي وجود الصلاة الشرعي فيه بدون الدعاء بخلاف الأمي فإن جهله يستدعي وجودها فيه بدونه كما لا يخفى انتهى أقول هذا ليس بسديد لأن وجود الصلاة بدون الدعاء في صلاة الأخرس أظهر فذكره أولى لأن الأمي يقدر على بعض الأدعية دون الأخرس ولهذا لا تجوز إمامة الأخرس إذا اقتدى به الأمي لأن الأمي يقدر على إيجاد التحريمة دون الأخرس والصلاة لا تصح بدونها في الأصل وقد سقط في الأخرس للعذر ولا عذر في حق الأمي فبقيت تحريمة الإمام شرطا في حقه ولم توجد فصار كما لو انعدم شرط من سائر الشروط كذا في المحيط قال صاحب الغاية هي فريضة قائمة ثابتة عرفت فرضيتها بالكتاب وهو قوله تعالى وأقيموا الصلاة وقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فإن الآية الأولى تدل على فرضيتها والثانية على فرضيتها وعلى كونها خمسا لأنه أمر بحفظ جمع من الصلوات وعطف عليها الصلاة الوسطى وأقل جمع يتصور معه وسطى هو الثلاثة وبالسنة وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله تعالى فرض على كل مسلم ومسلمة في كل يوم وليلة خمس صلوات وهو من المشاهير وبالإجماع فقد أجمع الأمة من لدن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى يومنا هذا على فرضيتها من غير نكير منكر ولا رد راد فمن أنكر شرعيتها كفر بلا خلاف
وقال صاحب الفرائد وفيه بحث لأن دلالة قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى على كون الصلوات المفروضات خمسا غير
____________________
(1/103)
ظاهرة لاحتمال أن يكون المراد بالوسطى الفضلى فعلى تقدير أن يكون المراد بالوسطى في هذه الآية معنى الفضلى لا تكون الآية دالة على كون الصلوات المأمور بمحافظتها خمسا حتى تثبت به فرضية الخمس انتهى أقول هذا ليس بشيء لأن مجرد ذلك الاحتمال لا يقدح في ظهور دلالة الكلام بصيغته على ما هو المعنى الحقيقي ولا محذور فيما أجرى النظم على أصله ولا قرينة تصرفه عنه ولئن سلم أن هذا اللفظ متعارف في المعنى المجازي بوجود القرينة لكن الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف عند الإمام لأن المستعار لا يزاحم الأصل فتكون الآية قطعية الدلالة لا محالة فليتأمل
وقت الفجر أي وقت صلاة الصبح فالفجر مجاز مرسل فإنه ضوء الصبح ثم سمي به الوقت كذا قال المطرزي بدأ به لأنه لا خلاف في أوله وآخره كذا في أكثر الكتب أقول فيه كلام لأن الخلاف واقع فيهما أو لأنه أول النهار أو لأن أول من صلاها آدم عليه الصلاة والسلام حين أهبط من الجنة وبدأ محمد في الأصل بوقت الظهر لأن جبريل عليه الصلاة والسلام في بيان الأوقات بدأ به من طلوع الفجر الثاني أي الصادق
وهو البياض المعترض أي المنتشر في الأفق يمنة ويسرة وهو المستضيء المسمى بالصبح الصادق لأنه أصدق ظهورا واحترز به عن المستطيل وهو الذي يبدو في ناحية من السماء كذنب السرطان طولا ثم ينكتم فسمي فجرا كاذبا لأنه يبدو نوره ثم يخفى ويعقبه الظلام ولا اعتبار به لقوله عليه الصلاة والسلام لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل إنما المعتبر الفجر المستطير إلى طلوع الشمس أي إلى وقت طلوع شيء من جرم
____________________
(1/104)
الشمس
وفي النظم إلى أن يرى الرائي موضع نبله لما روي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أم برسول الله عليه الصلاة والسلام فيها حين طلع الفجر في اليوم الأول وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا وكادت الشمس تطلع ثم قال في آخر الحديث ما بين هذين الوقتين وقت لك ولأمتك
ووقت الظهر من زوالها أي زوال الشمس عن المحل الذي تم فيه ارتفاعها وتوجه إلى الانحطاط ولا خلاف فيه من المجتهدين وفي معرفة الزوال روايات أصحها كما في المحيط أن تغرز خشبة مستوية في أرض مستوية فما دام ظلها على النقصان لم تزل فإذا وقفت بأن لم تنقص ولم تزد فهو قيام الظهيرة لا تجوز فيه الصورة فإذا أخذ الظل في الزيادة فقد زالت عن الوقوف فخط على موضع الزيادة خطا فيكون من رأس الخط إلى العود فيء الزوال وهذا إذا لم تكن الشمس في سمت الرأس كما في خط الاستواء ثم إن الفيء يختلف باختلاف الأمكنة بحسب العروض والأزمنة بحسب الفصول كما حقق في موضعه فليراجع والفيء كالشيء وهو نسخ الشمس قال ابن ملك في إضافة الفيء إلى الزوال تسامح لأنه أراد به فيء قبيل الزوال
وفي الدرر وإضافته إلى الزوال لأدنى ملابسة لحصوله عند الزوال فلا يعد تسامحا انتهى لكن يرد أن حقيقة الإضافة كمال الاختصاص مثل التمليك واستعمالها في غير هذا يكون إما تجوزا إن لوحظت العلاقة وإلا يكون تسامحا والأيسر منه ما روي عن محمد أن يقوم الرجل مستقبل القبلة فما دامت الشمس على حاجبه الأيسر فالشمس لم تزل وإذا صارت على حاجبه الأيمن علم أنها قد زالت إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال وهو رواية محمد عن الإمام وبه أخذ الإمام
وقالا إلى أن يصير مثلا وهو رواية الحسن عن الإمام وبه أخذ زفر والشافعي وروى أسد بن عمرو عن الإمام إذا صار ظل كل شيء مثله سوى
____________________
(1/105)
فيء الزوال خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فيكون بين وقت الظهر والعصر وقت مهمل قيل الأفضل أن يصلي صلاة الظهر إلى بلوغ الظل إلى المثل ولا يشرع في العصر إلا بعد بلوغ الظل إلى المثلين ولا يصلي قبله جمعا بين الروايات
ووقت العصر من انتهاء وقت الظهر على اختلاف القولين إلى غروب الشمس أي جرمها بالكلية على الأفق الحسي لا الحقيقي فإنه لا يمكن تحقيقه إلا للأفراد
وقال الحسن إذا اصفرت الشمس خرج وقت العصر وأظن أن مراده خرج الوقت المختار وإلا يلزم أن يوجد وقت مهمل بينه وبين المغرب ولم يوجد في الروايات
ووقت المغرب من غروبها إلى مغيب الشفق وهو البياض الكائن في الأفق بعد الحمرة لقوله عليه الصلاة والسلام وآخر وقتها إذا اسود الأفق
وقالا هو الحمرة وهو رواية أسد عن الإمام لكن خلاف ظاهر الرواية عنه وبه أخذ الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام الشفق هو الحمرة
وفي المبسوط قول الإمام أحوط وقولهما أوسع أي أرفق للناس قيل وبه يفتى قال ابن النجيم إن الصحيح المفتى به قول صاحب المذهب لا قول صاحبيه واستفيد منه أنه لا يفتى ولا يعمل إلا بقول الإمام ولا يعدل عنه إلى قولهما إلا لموجب من ضعف أو ضرورة تعامل واستفيد منه أيضا أن بعض المشايخ وإن قال الفتوى على قولهما وكان دليل الإمام واضحا ومذهبه ثابتا لا يلتفت إلى فتواه فإذا ظهر لنا مذهب الإمام في هذين الوقتين أي وقت العصر والعشاء وظهر أيضا دليله وصحته وأنه أقوى من دليلهما وجب علينا اتباعه والعمل به وهذا بحث طويل فليطلب من رسالته وقال بعض المشايخ ينبغي أن يؤخذ بقولهما في الصيف وبقوله في الشتاء
ووقت العشاء والوتر من انتهاء وقت المغرب على اختلاف القولين إلى الفجر الثاني أي الصادق وللشافعي قولان في قول حتى يمضي ثلث الليل وفي قول حتى يمضي النصف وكون وقتهما واحدا مذهب الإمام وعندهما وقت الوتر بعد صلاة العشاء وهذا الخلاف مبني على أن الوتر فرض عنده وسنة عندهما
____________________
(1/106)
ولا يقدم الوتر عليها للترتيب أي ولا يقدم الوتر على صلاة العشاء لوجوب الترتيب بينهما لأنهما فرضان عنده وإن كان أحدهما اعتقادا والآخر عملا وفائدة الخلاف تظهر في موضعين أحدهما أنه لو صلى الوتر قبل العشاء ناسيا أو صلاهما فظهر فساد العشاء لا الوتر فإنه يصح ويعيد العشاء وحدها عنده لأن الترتيب يسقط بمثل هذا العذر وعندهما يعيد الوتر أيضا لأنه تابع لها فلا يصح قبلها والثاني أن الترتيب واجب بينه وبين غيره من الفرائض حتى لا تجوز صلاة الفجر ما لم يصل الوتر عنده وعندهما تجوز إذ لا ترتيب بين الفرائض والسنن كذا في الدرر
ومن لم يجد وقتهما لا يجبان عليه قال الزيلعي من لم يجد وقت العشاء والوتر بأن كان في موضع يطلع الفجر فيه كما تغرب الشمس أو قبل أن يغيب الشفق لم يجبا عليه وذكر المرغيناني أن برهان الدين الكبير أفتى بأن عليه صلاة العشاء ثم إنه لا ينوي القضاء في الصحيح وفيه نظر لأن الوجوب بدون السبب لا يعقل وكذا إذا لم ينو القضاء يكون أداء ضرورة وهو فرض الوقت ولم يقل به أحد انتهى أقول ما ذكره واضح ولكن يمكن التوجيه بأن انتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر وهو أن الله تعالى كتب على عبده كل يوم صلوات خمسا ولا بد أن يصلي العشاء حتى يوجد الامتثال لأمره تعالى ولا ينوي القضاء لأنه مشروط بدخول الوقت وعدم الأداء فيه ولم يوجد الوقت حتى ينوي القضاء تدبر
ويستحب الإسفار بالفجر لقوله عليه الصلاة والسلام أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر قال المطرزي أسفر الصبح إذا أضاء ومنه أسفر بالصلاة إذا صلاها في الإسفار والباء للتعدية وإطلاقه يدل على أن البدء والختم بالإسفار هو المستحب وهو ظاهر الرواية قال الطحاوي
____________________
(1/107)
يبدأ بالتغليس ويختم بالإسفار ويجمع بينهما بتطويل القراءة والإسفار مستحب إلا بمزدلفة والإسفار المستحب بحيث يمكن أداؤه بترتيل أربعين آية أو أكثر سوى الفاتحة ثم إن ظهر فساد الطهارة يمكنه الوضوء أو الغسل ولو قال يمكنه الطهارة لكان أشمل
وإعادته على الوجه المذكور هذا هو المختار وقيل حده أن لا يقع به شك في طلوع الشمس واعتبر الشافعي التغليس والمراد منه السواد المخلوط بالبياض قبل الإسفار
وفي المبتغي الأفضل للمرأة في الفجر الغلس وفي غيره الانتظار إلى فراغ الرجال عن الجماعة
و يستحب الإبراد بظهر الصيف لقوله عليه الصلاة والسلام أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم أي من شدة حرها
وقال صاحب البحر أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يصلي بجماعة أو لا ولا بين كونه في بلاد حارة أو لا ولا بين كونه في شدة الحر أو لا ولهذا قال في المجمع ونفضل الإبراد بالظهر مطلقا فما في السراج الوهاج من أنه إنما يستحب الإبراد بثلاثة شروط فيه نظر بل هو مذهب الشافعي والجمعة كالظهر أصلا واستحبابا في الزمانين
و يستحب تأخير العصر ما لم تتغير الشمس في كل زمان لأنه عليه الصلاة والسلام كان يأمر بتأخير العصر لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعد الأداء والعبرة لتغير القرص بحيث لا تحار فيه الأعين على الصحيح لا لتغير الضوء لأن ذا يحصل بعد الزوال
و يستحب تأخير العشاء إلى ثلث الليل
وفي رواية إلى ما قبله ثلث الليل ووفق بينها بأن التأخير إلى الثلث في الشتاء لطول
____________________
(1/108)
ليله وإلى ما قبل الثلث في الصيف لقصر ليله لئلا يفضي إلى تفويت فرض الصبح عن وقته وفي القنية تأخير العشاء إلى ما زاد على نصف الليل والعصر إلى وقت اصفرار الشمس والمغرب إلى اشتباك النجوم يكره كراهة التحريم ويكره النوم قبل صلاة العشاء والتكلم بكلام الدنيا بعد أن صلى العشاء إلا إذا كان لمذاكرة الفقه ونحوه أو لأمر مهم
و يستحب تأخير الوتر إلى آخره أي آخر الليل لمن يثق بالانتباه وإلا فقبل النوم أي وإن لم يثق به أوتر قبل النوم لقوله عليه الصلاة والسلام من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره
و يستحب تعجيل ظهر الشتاء أي أداؤه في أول الوقت لرواية أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال كان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا كان في الشتاء بكر بالظهر وإذا كان في الصيف أبرد بها
وفي البحر ولم أر من تكلم على صلاة الظهر في الربيع والخريف والذي يظهر أن الربيع ملحق بالشتاء والخريف بالصيف انتهى أقول وفيه كلام فليتأمل
و يستحب تعجيل المغرب في الفصول كلها لقوله عليه الصلاة والسلام بادروا بالمغرب قبل اشتباك النجوم أي كثرتها
و يستحب تعجيل العصر والعشاء يوم الغيم لأن في تأخير العصر توهم الوقوع في الوقت المكروه وفي تأخير العشاء تقليل الجماعة على اعتبار المطر
و يستحب في يوم الغيم تأخير غيرهما وهو الفجر والظهر والمغرب لأن الفجر والظهر لا كراهة في وقتهما فلا يضر التأخير والمغرب يخاف وقوعها قبل الغروب لشدة الالتباس
وفي التحفة وكل صلاة في أول اسمها عين يعجل وما لم يكن في أول اسمها عين يؤخر
ومنع عن الصلاة في الأوقات التي ستذكر لحديث عقبة رضي الله تعالى عنه وهو في ثلاثة أوقات نهانا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن نصلي وأن نقبر فيها موتانا والمراد بقوله بأن نقبر صلاة الجنازة عند طلوع الشمس حتى ترتفع وعند استوائها حتى تزول وحين تضيف أي قبل الغروب حتى تغرب فرضا كانت أو نفلا كذا في أكثر الكتب
وقال الإسبيجابي ولو صلى
____________________
(1/109)
التطوع في هذه الأوقات جاز مع الكراهة انتهى لكن يمكن توجيه كلام المصنف على هذا بأن يراد من الصلاة أنواعها الكاملة وهي الفرائض والواجبات والمنذورات دون جنسها لأن المطلق ينصرف إلى الكامل حتى لو صلى النوافل في هذه الأوقات الثلاثة جازت لأنه أداها ناقصة كما وجبت لأن النافلة تجب بالشروع وشروعه حصل في الوقت المكروه فيتأدى بصفة النقصان كما وجبت ناقصة وقال الكرخي والأفضل له أن يقطعها ويقضيها في الوقت المباح
وقال الشافعي يجوز الفرض في هذه الأوقات في جميع البلدان ويجوز النفل بمكة بلا كراهة
وسجدة التلاوة التي وجبت قبلها وأما إذا وجبت بالتلاوة في هذه الأوقات جاز أداؤها من غير كراهة لكن الأفضل تأخيرها ليؤديها في الوقت الصحيح
وفي القنية لا يكره سجدة الشكر
وفي المحيط وسجدة السهو كسجدة التلاوة حتى لو دخل وقت الكراهة بعد السلام وعليه سهو فإنه لا يسجد للسهو ويسقط عن ذمته انتهى ولهذا لو أطلق المصنف السجدة واستثنى سجدة الشكر لكان أحسن
وصلاة الجنازة حضرت في غير هذه الأوقات لأنها لو حضرت فيها جازت من غير كراهة كذا في أكثر الكتب
وفي التحفة وغيرها وأما لو تلا آية السجدة في وقت مكروه وسجدها فيها أو حضرت جنازة فيها وصلاها تجوز مع الكراهة انتهى هذا مخالف لما ذكرناه في المسألتين إلا أن يحمل على الروايتين عند الطلوع أي ظهور شيء من جرم الشمس من الأفق وذكر في الأصل ما لم ترتفع الشمس قدر الرمح فهي في حكم الطلوع وقيل إن الإنسان ما دام يقدر على النظر في قرص الشمس في الطلوع فلا تحل الصلاة
والاستواء أي وقت وقوف الشمس في نصف النهار والغروب
____________________
(1/110)
أي عند أفول الشمس إلى أن يغيب جرمها وقيل من وقت التغير إلى أن يغيب جرمها إلا عصر يومه والاستثناء متصل على تقدير إرادة مطلق الصلاة وكذا على إرادة نوع الفرائض لأن فرض العصر منه وإنما جاز عصر يومه لأنه أداها كما وجبت لأن سبب الوجوب الجزء القائم من الوقت أي الذي يليه الشروع إذ لا يمكن أن يكون كل الوقت سببا لأنه لو كان كله سببا لوقع الأداء بعده لوجوب تقدم السبب بجميع أجزائه على المسبب فلا يكون أداء ولا دليل يدل على قدر معين منه فوجب أن يجعل بعض منه سببا وأقل ما يصلح لذلك الجزء الذي لا يتجزأ والجزء السابق لعدم ما يزاحمه أولى فإن اتصل به الأداء تعين لحصول المقصود وهو الأداء وإن لم يتصل به ينتقل إلى الجزء الذي يليه ثم وثم إلى أن يتضيق الوقت ولم يتقرر على الجزء الماضي لأنه لو تقرر عليه كانت الصلاة في آخر الوقت قضاء وليس كذلك فكان الجزء الذي يليه الأداء هو السبب أو الجزء المضيق أو كل الوقت إن لم يقع الأداء في جزء منه لأن الانتقال من الكل إلى الجزء كان لضرورة وقوع الأداء خارج الوقت على تقدير سببية الكل وقد زالت فيعود كل الوقت سببا ثم الجزء الذي يتعين يصير سببا لتغير صفته من الصحة والفساد فإن كان صحيحا فلا يتأدى بصفة النقصان وإن كان ناقصا يجوز أن يتأدى بصفة النقصان وفيه يعتبر حال المكلف إسلاما وعقلا وبلوغا وطهرا وحيضا وسفرا وإقامة إذا تقرر هذا نقول إن لم يتصل الأداء بالجزء الأخير في العصر وانتقلت السببية إلى كل الوقت وجبت كاملا فلا يتأدى بصفة النقصان حتى لو أراد أن يقضي عصر أمسه بعد الاصفرار لا يجوز بخلاف عصر يومه كذا في المطلب
و منع عن التنفل وركعتي الطواف بعد صلاة الفجر والعصر لما ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الصلاة في هذين الوقتين لا عن قضاء فائتة وسجدة تلاوة وصلاة جنازة لأن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول لفرضه لا لمعنى في الوقت والفرض التقديري أقوى من النفل ثوابا فمنع ولم يمنع نحو قضاء الفرائض إذ الفرض الحقيقي أقوى من الفرض التقديري
و منع عن النفل فقط بعد طلوع الفجر الصادق بأكثر من سنته ظاهر العبارة يوهم جواز التنفل بمقدار سنة ما عدا ركعتي الفجر وليس كذلك بل المراد سنة الفجر فقط
____________________
(1/111)
لا غير لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال إذا طلع الفجر فلا تصلوا إلا ركعتي الفجر
وفي القنية عن الإمام أنه يصلي تحية المسجد بعد الصبح وما رويناه حجة عليه تدبر
وفي التجنيس المتنفل إذا صلى ركعة فطلع الفجر كان الإتمام أفضل لأنه وقع في صلاة التطوع بعد الفجر لا عن قصد
و منع عن النفل فقط بعد الغروب قبل صلاة المغرب لما فيه من تأخير المغرب
و منع عن النفل فقط وقت الخطبة أيا كانت سواء كانت في الجمعة أو العيد أو في الحج أو غيرها أي لا يجوز الشروع في صلاة النفل وقت الخروج أما لو شرع قبل خروج الإمام للخطبة ثم خرج الإمام فلا يقطعها بل يتمها ركعتين إن كانت نفلا وإن كانت سنة الجمعة قيل يقطع على رأس الركعتين وقيل يتمها أربعا وإنما يمنع لما فيه من الاشتغال عن استماع الخطبة وقبل صلاة العيد في المصلى وغيره وكذا بعدها في المصلى
و منع عن الجمع بين صلاتين في وقت لعذر خلافا للشافعي فإنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بعذر المطر والمرض والسفر إلا بعرفة فإن الحاج يجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر ومزدلفة فإنه يجمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء
ومن طهرت في وقت عصر أو عشاء صلتهما فقط خلافا للشافعي فإنه يقول إن وقت العصر وقت للظهر ووقت العشاء وقت للمغرب لا إن وقت
____________________
(1/112)
الظهر والعصر وقت واحد وكذا وقت المغرب والعشاء وإلا لكفى عنده وجود الحدث في أحد الوقتين في حق صاحب العذر كما في الإصلاح
ومن هو أهل فرض في آخر وقت بأن بلغ أو أسلم آخر الوقت أو طهرت لأكثر الحيض أو النفاس وقد بقي قدر التحريمة أو طهرت لأقل من أكثره وقد بقي قدر التحريمة والغسل يقضيه ذلك الفرض فقط لا الفرض المقدم واحترز به عما قاله الشافعي فإن عنده إذا وجب العصر وجب الظهر أيضا كالعشاءين لا تقضي بالإجماع من حاضت أو نفست أو جن مثلا فيه أي في آخر الوقت عند عدم الأداء في الأول لأن الاعتبار في السببية آخر الوقت
وفي التتارخانية ولو شرعت في صلاة التطوع أو الصوم فحاضت تقضي وفي الفرض لا والله أعلم
باب الأذان هو لغة الإعلام مطلقا وشرعا إعلام دخول وقت الصلاة بوجه مخصوص ويطلق على الألفاظ المخصوصة والترتيب بينهما مسنون فلو غير الترتيب كانت الإعادة أفضل وسببه ابتداء أذان ملك ليلة الإسراء وإقامته حين صلى النبي عليه الصلاة والسلام إماما بالملائكة وأرواح الأنبياء والأشهر أن السبب رؤيا من الصحابة في ليلة واحدة وهو مشهور وقيل نزول جبريل عليه الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا منافاة بين هذه الأسباب لإمكان ثبوته بمجموعها سن سنة مؤكدة هو الصحيح وقال بعض مشايخنا واجب وقال محمد بمقاتلة أهل بلدة اجتمعوا على تركه وأبو يوسف يحبسون ويضربون ولا يقاتلون للفرائض أي فرائض الرجال وهي الرواتب الخمس وقضائها والجمعة دون غيرها أي لا يسن لصلاة الجنازة والتطوع وصلاة العيدين والوتر وغيرها
ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها لأنه شرع للإعلام بالوقت وفي ذلك تضليل ولم يتعرض للإقامة لأن منعه
____________________
(1/113)
بالأولوية فإنها بعد الأذان
ولو أقام ولم يصل على الفور قالوا إن طال الفصل يعاد وإلا لا
ويعاد فيه لو فعل أي لو أذن قبل الوقت يعاد في دخول الوقت خلافا لأبي يوسف في الفجر فإن عنده يجوز الأذان للفجر قبل وقته في النصف الأخير من الليل وهو قول الشافعي في رواية وأخرى عنه في جميع الليل والحجة عليهما ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال يا بلال لا تؤذن حتى يطلع الفجر
ويؤذن للفائتة الواحدة ويقيم لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى الفجر بآذان وإقامة غداة ليلة التعريس وهو حجة على الشافعي في اكتفائه بالإقامة فقط
وكذا يؤذن ويقيم لأولى الفوائت وخير فيه للبواقي إن شاء أذن وأقام وإن شاء أقام فقط هذا إذا كان في مجلس واحد وأما إذا كان في مجالس فإنه يشترط كلاهما كما في المستصفى
وفي التبيين إن كل فرض أداء وقضاء يؤذن له ويقيم سواء أداه منفردا أو بجماعة إلا الظهر يوم الجمعة في المصر فإن أداه بأذان وإقامة يكره
وكره تركهما معا للمسافر ولو منفردا لقوله عليه الصلاة والسلام لابني أبي مليكة إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما سنا وإنما قيدنا بقولنا معا لأن ترك أحدهما وهو أذان المنفرد لا يكره وأما أذان الجماعة ففيه خلاف لا يكره تركهما معا لمصل في بيته في المصر إذا وجد
____________________
(1/114)
في مسجد المحلة لقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في رواية يكفينا أذان الحي وإقامته
وندبا أي الأذان والإقامة معا لهما أي المسافر والمصلي في بيته وإنما قيدنا بقولنا معا لدفع ما يتوهم أن قوله وندبا لهما يخالف لما قبله وهو قوله وكره تركهما لأنه لا كراهة في ترك المندوب فليتأمل لا للنساء لأنهما من سنن الجماعة المستحبة
وصفة الأذان معروفة لا يحتاج إلى ذكرها إلا عند مالك يكبر في أوله مرتين وهو رواية عن أبي يوسف
ويزاد بعد فلاح أذان الفجر الصلاة خير من النوم مرتين روي عن الإمام أن قوله الصلاة خير من النوم بعد الأذان لا فيه لأن إدخال كلمة أخرى بين كلمات الأذان لا يليق والإقامة مثله أي مثل الأذان خلافا للشافعي فإن الإقامة عنده فرادى فرادى إلا قد قامت الصلاة
ويزاد بعد فلاحها قد قامت الصلاة مرتين هكذا فعل الملك النازل من السماء وهو المشهور
ويترسل فيه أي يتمهل في الأذان بأن يفصل بين كلمتين ولا يجمع بينهما فإنه سنة كما في شرح الطحاوي
وفي القنية وينبغي أن يفصل قليلا وإلا فالإعادة ويحدر فيها أي يسرع في الإقامة ويكون صوته فيها أخفض من صوته في الأذان
ويكره الترجيع الترجيع ليس من سنة الأذان عندنا خلافا للشافعي وهو أن يخفض صوته بالشهادتين ثم يرجع ويرفع صوته
و يكره التلحين والمراد به التطريب يقال لحن في قراءته إذا طرب بها أي يكره تغيير الكلمة عن وضعها بزيادة حرف أو حركة أو مد أو غيرها سواء في الأوائل أو في الأواخر وكذلك في قراءة القرآن ولا يحل الاستماع ولا بد أن يقوم من المجلس إذا قرئ باللحن وأما تحسين الصوت لا بأس به إذا كان من غير تغن قيل لا يحل سماع المؤذن إذا لحن
وقال شمس الأئمة الحلواني إنما يكره ذلك فيما كان من الأذكار أما في قوله حي على الصلاة حي على الفلاح لا بأس فيه بإدخال مد ونحوه
ويستقبل بهما القبلة لأن الملك فعل كذا ولو ترك جاز مع
____________________
(1/115)
الكراهة
ويحول وجهه لأنه خطاب للقوم أي لا صدره يمنة ويسرة عند حي على الصلاة وحي على الفلاح وقال الحلواني إذا أذن لنفسه لا يحول والصحيح أنه يحول فيواجههم به وكيفيته أن تكون الصلاة في اليمين والفلاح في الشمال وفيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يجيب المستمع ويقول مثل ما قال المؤذن إلا في الحيعلتين والصلاة خير من النوم بل يقول في الأول لا حول ولا قوة إلا بالله أو ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وما قدر سيكون وفي الثاني صدقت وبالحق نطقت
وفي الجواهر أن إجابة المؤذن سنة هكذا يجيب في الإقامة أيضا إلى أن ينتهي إلى قوله قد قامت الصلاة فحينئذ يجيب بالفعل دون القول
وقال بعضهم بالقول فيقول أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض فإذا فرغ المؤذن من الأذان يقول المستمع اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد ويقطع قراءة القرآن لو بمنزله ويجيب ولو بمسجد لا لأنه أجاب بالحضور
ويستدبر في صومعته إن لم يقدر التحويل واقفا للإعلام لاتساع الصومعة قال صاحب الدرر ويلتفت في الحيعلتين يمينا ويسارا إن أمكن الإسماع بالثبات في مكانه وإلا استدار في صومعته يعني إذا كانت مئذنة بحيث لو حول وجهه مع ثبات قدميه لا يحصل الإعلام استدار فيها فيخرج رأسه من الكوة اليمنى ويقول ما قاله ثم يذهب إلى الكوة اليسرى فيفعل فيه ما فعل وقال صاحب الفرائد ووقع في كلام صاحب الوقاية ويستدير في صومعته إن لم يمكن التحويل مع الثبات في مكانه ثم فسره صدر الشريعة بقوله المراد أنه إن كانت المئذنة بحيث لو حول وجهه مع ثبات قدميه لا يحصل الإعلام فحينئذ يستدير فيها دفعا لما يرد على كلام صاحب الوقاية من أنه كيف لا يمكن التحويل فالمناسب تحويل التحويل إلى الإعلام فيكون مراد صاحب الوقاية إن لم يمكن التحويل المؤدي إلى الإعلام مع الثبات في مكانه لكنه بعيد ولهذا غير صاحب الإصلاح وقال إن لم يمكن الإعلام انتهى هذا مسلم إن كان المراد الإعلام فقط بدون التحويل وليس كذلك لأن التحويل صار سنة الأذان حتى قالوا في الذي يؤذن للمولود ينبغي أن يحول وجهه يمنة ويسرة عند هاتين الكلمتين فلا يتم التقريب تدبر
ويجعل
____________________
(1/116)
المؤذن أصبعيه في صماخ أذنيه لأنه أبلغ في الإعلام وجاز وضع يديه أيضا كما في الدرر ولا يتكلم في أثنائهما أي في أثناء الأذان والإقامة أي تكلم حتى لو تكلم لأعاد لأنه يخل بالتعظيم ويغير النظم
ويجلس بينهما أي بين الأذان والإقامة بالإجماع لأن وصل الأذان بالإقامة مكروه وأما ما قدر بعض الفضلاء في الفجر وغيره فغير لازم بل يفصل مقدار ما يحضر أكثر القوم مع مراعاة الوقت المستحب إلا في المغرب فيفصل بسكتة عند الإمام فلا يسن الجلوس بل السكوت مقدار ثلاث آيات أو مقدار ثلاث خطوات وقالا يفصل بجلسة خفيفة قدر جلوس الخطيب بين الخطبتين وقال الحلواني الخلاف في الأفضلية حتى لو جلس جاز عند الإمام
واستحسن المتأخرون التثويب في كل الصلوات هو الإعلام بعد الإعلام بحسب ما تعارفه أهل كل بلدة بين الأذانين
وقال أصحابنا المتقدمون إنه مكروه في غير الفجر إلا عند الشافعي في القول الجديد يكره في الفجر أيضا لكن جوزه أبو يوسف في حق أمراء زمانه لاشتغالهم بأمور بالمسلمين ولا كذلك أمراء زماننا فإنهم غير مشغولين بها
ويؤذن ويقيم على طهر لأنه ذكر فيستحب فيه الطهارة كالقرآن كما في الاختيار والمراد من الطهارة الطهارة من الحدث سواء كان الأصغر أو الأكبر لا أكبر فقط كما توهم البعض
وجاز أذان المحدث لحصول المقصود ولا يكره في الصحيح وقيل يكره لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب بنفسه وداخلا تحت قوله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم كما في الفرائد أقول وفيه كلام لأن الوضوء للأذان مندوب كما تقرر آنفا فحينئذ ينبغي أن لا يكون
____________________
(1/117)
تركه مكروها ولا نسلم عدم الإجابة لأنه يمكن الوضوء بعده فيكون مجيبا حكما
وكره إقامته وفي رواية لا يكره لأن كلاهما ذكر كما في الباقاني لكن أقول إنما كرهت الإقامة مع الحدث لأنه لا يمكنه الشروع في الصلاة متصلا إلا باعتبار أنه ذكر ولا كذلك الأذان كما في المستصفى
و كره أذان الجنب لأن له شبها بالصلاة حتى يشترط له دخول الوقت واستقبال القبلة والشروع بالتكبير والترتيب فاشترط له الطهارة عن أغلظ الحدثين دون أخفهما عملا بالشبهين
ويعاد أذانه لأن تكراره مشروع في الجملة كما في الجمعة إلا في رواية كأذان المرأة والمجنون والسكران فإن أذان هؤلاء يعاد كما في الخلاصة لأن المرأة إن رفعت صوتها فقد باشرت منكرا لأن صوتها عورة وإن لم ترفع فقد أخلت بالإعلام فيعاد أذانها ندبا والمجنون والسكران لا يعلمان ما يقولانه كما في الفرائد أقول وفيه كلام لأن صوتها مطلقا ليس بعورة وإلا يستلزم أن يكره تكلمها مع الأجنبي وليس كذلك بل يكره رفع صوتها تدبر ولا تعاد الإقامة لعدم مشروعية تكريرها
و يستحب كون المؤذن عالما بالسنة والأوقات لأن للأذان سننا وآدابا فلا بد من العلم بها لينال الثواب الذي وعد للمؤذنين
وكره أذان الفاسق لعدم الاعتماد ولكن لا يعاد والصبي لأنه دعاء إلى الصلاة والصبي ليس بأهل لها حتى يدعو غيره فيعاد والقاعد لترك سنة الأذان من القيام ولأن القائم أبلغ ولا بأس بأن يؤذن لنفسه قاعدا مراعيا لسنة الأذان
لا يكره أذان العبد والأعمى والأعرابي وولد الزنا لحصول المقصود وهو الإعلام
وإذا قال المؤذن في الإقامة حي على الصلاة قام الإمام والجماعة عند علمائنا الثلاثة للإجابة
وقال الحسن وزفر إذا قال قد قامت قاموا إلى
____________________
(1/118)
الصف وإذا قال مرة ثانية كبروا والصحيح قول علمائنا الثلاثة
وفي الوقاية ويقوم الإمام والقوم عند حي على الصلاة أي قبيله
وإذا قال قد قامت الصلاة شرعوا
وفي الوقاية عند قد قامت الصلاة أي قبيله
وفي الأصل بعده والأول قول الطرفين والثاني قول أبي يوسف في الخلاف والأفضلية والصحيح الأول كما في المحيط والأصح الثاني كما في القهستاني
وإن كان الإمام غائبا أو هو المؤذن لا يقومون حتى يحضر لأنه لا فائدة في القيام وفي القهستاني نقلا عن المحيط لو كان الإمام مؤذنا لم يقم القوم إلا عند الفراغ انتهى فعلى هذا يقتضي أن يكون ضمير هو راجعا إلى الإمام
باب شروط الصلاة جمع شرط بالتسكين والشريطة في معناه وجمعها شرائط والشرط بالتحريك العلامة والجمع أشراط ومنه أشراط الساعة أي علاماتها والمستعمل في كلام الفقهاء الشروط لا الأشراط وإنما قدم شروط الصلاة لأن شرط الشيء ما يتوقف وجود ذلك الشيء عليه سواء كان في العلة أو في الحكم فإن علة وجوب الصلاة كما تتوقف على شرائطها من العقل والبلوغ فكذلك الصلاة وهي الحكم يتوقف على وجود شرائطها من الطهارة والاستقبال وغيرهما فالمشروط يضاف إلى شرطه وجودا عنده والمعلول يضاف إلى علته وجوبا والفرق بين الركن والشرط أن الركن داخل في الماهية والشرط خارجها ويفترقان افتراق العام والخاص فكل ركن شرط ولا ينعكس بمعنى أنه يلزم من وجود العام عدم الخاص والأعم والأخص على العكس فإنه لا يلزم من وجود الأعم وجود الأخص ويلزم من عدم الأعم عدم الأخص
ثم قدم الطهارة على سائر الشروط لأنها أهم من غيرها إذ لا تسقط بحال بخلاف غيرها ثم قدم
____________________
(1/119)
الوقت لأنه كما هو شرط فهو علة الوجوب أيضا فكان لهما زيادة قوة على سائر الشروط كذا في شرح المجمع
وفي الدرر لم يقل التي تتقدمها لأن من قاله جعله صفة كاشفة لا مميزة إذ ليس من الشروط ما لا يكون مقدما حتى يكون احترازا عنه
وقال بعض الفضلاء لا بد من هذا القيد احترازا عن الشروط التي تتقدمها بل يقارنها أو يتأخر عنها وهي التي تذكر في باب صفة الصلاة كالتحريمة والترتيب والخروج بصنعه والمراد شرط الصحة لا شرط الوجود ولذلك صح تنوعه إلى النوعين المذكورين انتهى أقول فيه كلام لأنه قال ابن الهمام وشرط الخروج والبقاء على الصحة ليسا بشرطين للصلاة بل لأمر آخر وهو الخروج والبقاء وإنما يسوغ أن يقال شرط الصلاة نوعان من التجوز إطلاقا لاسم الكل على الجزء وعلى الوصف المجاور تأمل فإنه من مزالق الأقدام هي طهارة بدن المصلي من حدث أصغر أو أكبر لقوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا ولآية الوضوء وخبث لقوله عليه الصلاة والسلام استنزهوا عن البول الحديث وقدم الحدث على الخبث لقوته لأن قليله مانع بخلاف قليل الخبث قال الأتقاني وفيه نظر عندي لأن القطرة من الخرء ونحوه ينجس البئر والمحدث أو الجنب إذا أدخل يده في الإناء لا ينجس والأولى أن يقال ليس فيه تقديم لأن الواو لمطلق الجمع انتهى أقول فيه كلام لأن تقديم الصوري لا يقتضي وجها فيلزم بيانه وإن كان الواو لمطلق الجمع وأما قياس تنجس البئر والماء بالنجاسة القليلة فليس بمحله لأن ما نحن فيه طهارة بدن المصلي فلا مدخل في تنجسهما وثوبه ومكانه من خبث لقوله تعالى وثيابك فطهر والمكان بمعناه وإنما قيدنا بقولنا من خبث لأن ظاهر عبارته يوهم طهارتهما عن الحدث أيضا وليس كذلك ولم يقيد المصنف اعتمادا على ظهوره
وستر عورته لقوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد أي ما يواري عورتكم لأن أخذ الزينة عنها لا يمكن فيكون المراد محلها إطلاقا لاسم الحال على المحل وأريد بالمسجد الصلاة إطلاقا لاسم المحل على الحال فإن قيل الآية
____________________
(1/120)
وردت في شأن الطواف لا في حق الصلاة كذا روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قلنا العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وهنا عموم في اللفظ لأنه قال عند كل مسجد فقد أمر بأخذه الزينة عند كل مسجد وهذا مما يمنع القصر على المسجد الحرام كذا في شروح الهداية قال صاحب الفرائد كلامهم يوهم كون المسجد على حقيقته وقد قالوا قبيله فيه إطلاق اسم المحل على الحال لأنه يكون المعنى الحقيقي متروكا بالكلية في الاستعارة انتهى أقول فيه كلام لأنه نسلم الإيهام لأن السائل والمجيب يسلمان كون المسجد هنا مجازا من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال إلا أن السائل يخصص المسجد بالمسجد الحرام ويريد الطواف والمجيب يعمم ويريد الصلاة أيضا على أنه مجاز مرسل لا استعارة لأنها لا بد لها من التشبيه تدبر ثم إن ستر العورة عن الغير شرط بلا خلاف وأما الستر عن نفسه ففيه خلاف المشايخ فقال بعضهم عن نفسه أيضا حتى لو صلى في قميص يرى عورته من الجيب لا يجوز عندهم وعامتهم على خلافه والأفضل أن يصلي في ثوبين حتى يحصل الستر التام وبعض الفقهاء قالوا المستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب قميص وإزار وعمامة
واستقبال القبلة عند القدرة وليس السين للطلب لأن المقصود بالذات المقابلة لا طلبها والقبلة في الأصل الحالة التي يقابل الشيء عليها كالجلسة للحالة التي يجلس عليها وسميت بذلك لأن الناس يقابلونها في صلاتهم وتقابلهم وهي شرط لقوله تعالى فولوا وجوهكم شطره ووجه الاستدلال أن الله تعالى قال فلنولينك قبلة ترضاها ثم أمر بالتوجه إلى شطر المسجد الحرام ومضى على ذلك الصحابة والتابعون فكان إجماعا على ذلك
والنية أي نية الصلاة لا الكعبة فإنها لا تشترط على الصحيح لقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ولقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات أي حكم الأعمال وثوابها ملصق بها
____________________
(1/121)
ثم أشار إلى تفصيل ما يحتاج إليه منها فقال
وعورة الرجل من تحت سرته إلى تحت ركبته فالسرة ليست من العورة خلافا للشافعي بخلاف الركبة
وقال الشافعي الركبة ليست من العورة كما في أكثر الكتب في التبيين الركبة عورة عند الشافعي وقال زفر كلاهما من العورة
وفي المبسوط نقلا عن أبي عصمة المروزي أن السرة إحدى حد العورة فتكون من العورة بل أولى لأنها في معنى الاشتهاء فوق الركبة
وقال مالك وأحمد العورة القبل والدبر فقط فالحجة عليهم قوله عليه الصلاة والسلام عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبتيه ويروى ما دون سرته حتى يجاوز ركبتيه وكلمة إلى بمعنى مع عملا بكلمة حتى
و عورة الأمة قنا كانت أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة وكذا المستسعاة عند الإمام مثله أي مثل الرجل في كون ما دون سرتها إلى ركبتيها عورة مع زيادة بطنها وظهرها لأنه موضع مشتهى فأشبه ما بين السرة والركبة وعن محمد بن مقاتل أنها كالرجل
وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها لقوله عليه الصلاة والسلام بدن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها والكف من الرسغ إلى الأصابع وإنما عبر بالكف دون اليد للإشارة إلى أن ظهره عورة لأن الكف عند الإطلاق البطن لا الظهر
وفي البحر أن ظاهر الكف وباطنه ليسا بعورة
وفي المنتقى تمنع الشابة عن كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة وفي زماننا المنع واجب بل فرض لغلبة الفساد
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها جميع بدن الحرة عورة إلا إحدى عينيها فحسب لاندفاع الضرورة وقدميها في رواية أي في رواية الحسن عن الإمام وهي الأصح لأن المرأة مبتلاة بإبداء قدميها في مشيها إذ ربما لا تجد الخف وفي رواية أنها عورة
وفي الاختيار أنها ليست بعورة في الصلاة وعورة خارج الصلاة ولو انكشف ذراعها جازت صلاتها لأنها تحتاج إلى كشفه في الخدمة وستره أفضل
وكشف ربع عضو هو عورة من الرجل والمرأة غليظة أو خفيفة والعورة الغليظة قبل
____________________
(1/122)
ودبر وما حولهما والخفيفة ما عدا ذلك يمنع صحة الصلاة عند الطرفين وهو الصحيح لأن للربع حكم الكل واعلم أن انكشاف ما دون الربع عفو إذا كان في عضو واحد وإذا كان عضوين أو أكثر وجمع وبلغ ربع أدنى عضو منها يمنع كما لو انكشف شيء عن شعرها وبعض عن فخذها وبعض عن أذنها لو جمع وبلغ ربع الأذن يكون مانعا كما في شرح الزيادات كالبطن والفخذ فإنه عضو تام بنفسه عند بعض المشايخ أو مع الركبة عند البعض
والساق من أسفل الركبة إلى أعلى الكعب وشعرها النازل من الرأس وإنما قيد بالنازل احترازا عما قيل المراد من الشعر ما على الرأس فإنه عورة كرأسها وأما النازل فليس في حكم الرأس فلا يكون عورة
وذكره بمفرده والأنثيين وحدهما وهو الصحيح كما في الدية وإنما قيده بمفرده والأنثيين بوحدهما احترازا عما قيل إنه عضو واحد مع الخصيتين وحلقة الدبر بمفردها احترز به عما قيل الدبر عضو مع الأليتين وعند أبي يوسف إنما يمنع صحة الصلاة انكشاف الأكثر أي أكثر العضو وفي النصف عنه روايتان في رواية يمنع وفي أخرى لا وعند الشافعي وأحمد كشف شيء منها يمنع الصلاة ولو كان قليلا واعلم أن الانكشاف الكثير في الزمن القليل لا يمنع حتى لو انكشف كلها وغطاها في الحال لا تفسد صلاته والقليل مقدر بما لا يؤدى فيه الركن
وعادم ما يزيل به النجاسة الحقيقية عن ثوبه حقيقة أو حكما بأن يجد المزيل لكنه لم يقدر على استعمال لمانع كالعطش والعدو يصلي معها أي مع النجاسة وإن كان أكثر من قدر الدرهم
ولا يعيد الصلاة إذا وجد المزيل وإن بقي الوقت لأنه فعل ما في وسعه هذا في حق المسافر لأن للمقيم اشتراط ما يستر به العورة وإن لم يملكه كما في القهستاني
ولو وجد ثوبا ربعه طاهر وصلى عاريا لا يجزيه لأن ربع الشيء يقوم مقام كله فيجعل كأن كله طاهر في موضع الضرورة فتفرض عليه الصلاة فيه وفي أقل من
____________________
(1/123)
ربعه يخير بين أن يصلي عريانا وبين أن يصلي فيه وحكم ما كله نجس كحكم ما أقل من ربعه طاهر كما في عامة المعتبرات وعلى هذا لو قال المصنف وفي ما كله نجس يخير لكان أولى لأنه يعرف به حكم الأقل بخلاف ما قاله المصنف فإنه غير واف كما لا يخفى
والأفضل الصلاة به أي بالثوب لأن فرض الستر عام لا يختص بالصلاة وفرض الطهارة مختص بها وعند محمد تلزم الصلاة فيه لأن فيها ترك فرض واحد وفي الصلاة عريانا ترك فروض وهو أحد قولي الشافعي
وإن لم يجد ما يستر عورته فصلى قائما بركوع وسجود جاز
وفي الهداية ومن لم يجد ثوبا صلى عريانا قاعدا يومي بالركوع والسجود هكذا فعله أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن صلى قائما أجزأه لأن في القعود ستر العورة الغليظة وفي القيام أداء هذه الأركان فيميل إلى أيهما شاء
وفي ملتقى البحار إن شاء صلى عريانا بالركوع والسجود أو موميا بها إما قاعدا أو قائما قال الزيلعي وهذا نص على جواز الإيماء قائما انتهى أقول هذا مخالف لما في الهداية وغيرها لأن الإيماء لو كان جائزا حالة القيام لما استقام هذا الكلام تدبر والأفضل أن يصلي قاعدا بإيماء لأن الستر وجب لحق الصلاة وحق الناس والركوع والسجود لم يجبا إلا لحق الصلاة وكيفية القعود أن يقعد مادا رجليه إلى القبلة ليكون أستر هذا كله إذا لم يجد قدر ما يستر به العورة من الحشيش والنبات فإن وجد وجب الستر
وعن الحسن المروزي أنه إذا وجد طينا يلطخ عورته
وفي المبسوط والعراة يصلون وحدانا متباعدين يومون إيماء وإن صلوا بجماعة يتوسطهم الإمام والأفضل أنهم يصلون فرادى وقال بعض المشايخ والعاري يصلي قائما في ظلمة الليل لأن ظلمتها تستر عورته
وفي الذخيرة وهذا ليس بمرضي لأن الستر الذي يحصل في ظلمة لا عبرة به انتهى أقول هذا مسلم في حالة الاختيار
____________________
(1/124)
أما في حالة الاضطرار فيكتفى بها
وقبلة من بمكة عين الكعبة للقدرة على التعيين وإطلاقه شامل ما كان بمعاينتها من المجاورين وما لم يكن حتى لو صلى مكي في بيته ينبغي أن يصلي بحيث لو أزيلت الجدران يقع استقباله على عين الكعبة كما في الكافي
وفي الدراية من كان بينه وبين الكعبة حائل الأصح أنه كالغائب ولو كان الحائل أصليا كالجبل كان له أن يجتهد والأولى أن يصعده ليصلي على التعيين
وفي الفتح أن في جواز التحري مع إمكان صعوده إشكالا لأن المصير إلى الدليل الظني وترك القاطع مع إمكانه لا يجوز و قبلة من بعد جهتها هي الجانب الذي إذا توجه إليه الإنسان يكون مسامتا للكعبة أو لهوائها تحقيقا أو تقريبا ومعنى التحقيق أنه لو فرض خط من جبينه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارا على الكعبة أو لهوائها ومعنى التقريب أن يكون ذلك منحرفا عنها أو هوائها انحرافا لا تزول به المقابلة بالكلية ثم إن مكة لما بعدت عن ديارنا بعدا مفرطا يتحقق المقابلة إليها في مسافة بعيدة على نسق واحد فإنا لو فرضنا خطا من جبين من استقبل القبلة على التحقيق في ديارنا ثم فرضنا خطا آخر يقطع ذلك الخط على زاويتين قائمتين عن يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين والشمال على الخط الثاني بفراسخ كثيرة فلذلك وضع العلماء القبلة في البلاد المتقاربة على سمت واحد
وقال الجرجاني يجب على الآفاقي استقبال عينها أيضا وفائدة الخلاف تظهر في اشتراط نية عين الكعبة فعنده تشترط وعند غيره لا تشترط وبعض المشايخ يقول إن كان يصلي في المحراب لا تشترط وإن كان في الصحراء تشترط والمختار أنها لا تشترط
وفي النظم أن الكعبة قبلة لمن في المسجد الحرام وهو قبلة لمن في مكة ومكة قبلة لمن في الحرم والحرم قبلة العالم
وقال بعض العارفين قبلة البشر الكعبة وقبلة أهل السماء البيت المعمور وقبلة الكروبيين الكرسي وقبلة حملة العرش العرش ومطلوب الكل وجه الله تعالى عز وجل
فإن جهلها أي جهة القبلة ولم يجد من يسأله عنها من أهل المكان وهو يعلم جهة القبلة
____________________
(1/125)
وأما إذا كان لا يعلم فهو والمتحري سواء كما في أكثر الكتب فعلى هذا لو قال من يعلمها لكان أولى تدبر وإنما قيدنا من أهل المكان لأنه لو كان مسافرا لا يلتفت إلى قوله لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا آخر تحرى وصلى والتحري طلب أحرى الأمرين
وفي الخلاصة إذا لم يسأله وتحرى وصلى فإن أصاب القبلة جاز وإلا فلا ولو سأله ولم يخبره وتحرى وصلى ثم أخبره بأنه لم يصب لا إعادة عليه ولو اكتفى الآخر بتحري الأول لا يجوز ولا يجوز الاقتداء إذا تحريا مختلفا
وفي التحفة لو كان يعرف الاستدلال بالنجوم على القبلة لا يجوز التحري لأنه فوقه ولو كان في مفازة وأخبره رجلان إلى جانب آخر أخذ بقولهما إن كانا من أهل ذلك الموضع وإلا لا وكذا إن أخبره مسلم واحد عدل لأن استقبال القبلة من الديانات فيقبل خبر الواحد العدل
وفي الظهيرية رجل صلى بالتحري إلى جهة في المفازة والسماء مضحية لكنه لا يعرف النجوم فتبين أنه أخطأ القبلة هل يجوز قال ظهير الدين المرغيناني يجوز
وقال غيره لا يجوز لأنه لا عذر لأحد في الجهل بالأدلة الظاهرة المعتادة نحو الشمس والقمر وغير ذلك أما دقائق علم الهيئة وصور النجوم الثوابت فهو معذور في الجهل بها وذكر في الخانية أنه إذا اشتبه على المصلي استواء القبلة فالتيامن أولى من التياسر تدبر فإن علم بخطئه بعدها أي بعد الصلاة لا يعيد لأنه أتى بالواجب في حقه وهو الصلاة إلى جهة تحريه وعند الشافعي تلزمه الإعادة إذا كان مستدبر الكعبة
وإن علم به أي بخطئه فيها أي في الصلاة استدار وبنى لأن أهل قباء لما سمعوا بتحويل القبلة استداروا كهيئتهم واستحسنه النبي عليه الصلاة والسلام قال صاحب الفرائد بين ما نحن فيه وبين قصة أهل قباء فرق جلي فأنى يستدل بها عليه لكن أقول هذا الاستدلال ظاهر لا خفاء وعدم فهم هذا القائل جلي يظهر للمتأمل بأدنى التأمل
وكذا الحكم إن تحول رأيه إلى جهة أخرى فيها يتوجه إليها لأن العمل بالاجتهاد واجب إذا لم يوجد دليل أقوى ولأن دليل الاجتهاد بمنزلة دليل النسخ وأثر النسخ يظهر في المستقبل لا في الماضي فكذا الاجتهاد
وإن شرع بلا تحر لا تجوز صلاته عند الطرفين
وإن وصلية أصاب القبلة حتى روي عن الإمام من صلى بدون الاجتهاد يكفر لاستخفافه بالدين وعند أبي يوسف إن أصاب القبلة جازت صلاته لأنه لو قطع لم يستأنف إلى غيره هذه الجهة فلا يفيد لهما أن بناء القوي على الضعيف فاسد وحاله بعد أقوى من حاله قبله وهذا في أثناء الصلاة
____________________
(1/126)
وأما إذا تبين بعد الفراغ فجائزة بالاتفاق لحصول المقصود
وإن تحرى قوم جهات في ليلة مظلمة أو ما أشبهها وجهلوا حال إمامهم جازت صلاة من لم يتقدمه إلى أي جهة كانت لوجود التوجه إلى جهة التحري وهذه المخالفة غير مانعة كما في جوف الكعبة بخلاف من تقدمه فإنه تفسد صلاته لتركه فرض المقام أو علم وخالفه فإنه تفسد أيضا لاعتقاده أن إمامه على الخطأ هذا في أثناء الصلاة وأما بعد الأداء فلا يضر
وقبلة الخائف من عدو أو غيره جهة قدرته لتحقق عجزه عن الاستقبال ولو قال وقبلة نحو الخائف لكان أشمل لأن المريض الذي لا يجد من يحوله إلى القبلة والأسير إذا لم يقدر على استقباله جاز استقباله إلى أي جهة قدر وهو عاجز لا خائف تدبر
ويصل قصد قلبه وهو النية الصلاة بتحريمتها أي ويقصد المصلى بقلبه صلاته متصلا ذلك القصد بتكبيرة الافتتاح فلا تجوز بنية متأخرة عنها لأن أول جزء من القيام لا يخلو عن النية
وقال الكرخي تصح النية ما دام الثناء وقيل تصح إذا تقدمت على الركوع وقيل إلى الركوع وقيل إلى القعود ولا يصح تقديم نية اقتدائه على تحريمة الإمام ويفرض أن تكون بعيدها وقيل ينوي بعد قول الإمام الله قبل قوله أكبر
وقال عامة العلماء إنه ينوي حين وقف الإمام موقف الإمامة وهذا أجود والأول هو الصحيح وجاز تقديم النية على التكبير ولو قبل دخول الوقت ما لم يوجد قاطع النية من عمل غير لائق بصلاة كأكل وشرب وكلام لأن هذه الأفعال تبطل الصلاة فتبطل النية بخلاف المشي والوضوء فإنه لا يقطعها
وعن أبي يوسف لا يجوز تقديمها إلا في الصوم
وفي البحر أن الأحوط أن ينوي مقارنا للتكبير ومخالطا له كما هو مذهب الشافعي وبه قال الطحاوي لكن عندنا هذا الاحتياط مستحب وليس بشرط
وعند الشافعي شرط وبهذا التحقيق يظهر فساد اعتراض صاحب الفرائد على صاحب الإصلاح لأن مراد صاحب الإصلاح بقوله وندب أن يصل إلى آخره إن قرنت النية للتكبير فهو مندوب وإن لم تقرن بل تقدم عليه فهو جائز لا ما فهم هذا الراد تدبر
وضم التلفظ إلى القصد أفضل لما فيه م
____________________
(1/127)
ن استحضار القلب لاجتماع العزيمة به قال محمد بن الحسن النية بالقلب فرض وذكرها باللسان سنة والجمع بينهما أفضل
وفي القنية أنها بدعة إلا إذا كان لا يمكنه إقامتها في القلب إلا بإجرائها على اللسان فحينئذ تباح وكيفية التلفظ أن يقول اللهم إني أريد أداء صلاة ظهر اليوم أو فرض الوقت مستقبل القبلة فيسرها لي وتقبلها مني وعلى هذا سائر العبادات والإمام ينوي مثل المنفرد إلا أنه ينوي للنساء التي خلفه فإنه لا تصح إمامته لهن إلا بالنية
ويكفي مطلق النية بأن يقول اللهم إني أريد الصلاة للنفل بالاتفاق لأن مطلق اسم الصلاة منصرف إلى النفل لأنه الأدنى فهو متيقن والسنة المؤكدة
والتراويح في الصحيح كذا في الهداية لأنها نوافل في الأصل فيكفي مطلق النية لكن صحح قاضي خان عدم جواز أداء السنن بنية الصلاة وبنية التطوع فقال لأنها صلاة مخصوصة فتجب مراعاة الصفة للخروج عن العهدة وذلك بأن ينوي السنة أو متابعة النبي عليه الصلاة والسلام كما في المكتوبة ولهذا الأحوط التصريح
وللفرض شرط تعيينه كالعصر مثلا لاختلاف الفروض فلا بد من التمييز ولو نوى ولم يقل ظهر الوقت لا يجزيه لأنه ربما كان عليه ظهر آخر فلا يتعين ومنهم من يقول يجزيه لأن مطلق النية ينصرف إلى ظهر الوقت لأنه أصلي والفائت عارض والمطلق ينصرف إلى الأصلي دون العارضي ولو نوى فرض الوقت يجوز إلا في الجمعة لأن العلماء اختلفوا في كونها فرض الوقت والأولى أن يقول ظهر اليوم لأنه لو قال ظهر الوقت وكان خارجا وهو لا يعلمه لا يجزيه بخلاف ظهر اليوم
والمقتدي ينوي المتابعة أيضا بأن يقول اللهم إني أريد عصر هذا اليوم مقتديا بهذا الإمام أو بمن هو إمامي ولو
____________________
(1/128)
اقتدى بالإمام ولم يخطر بباله من هو أو هو زيد فإذا هو عمرو جاز
وفي التبيين ولو نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو لم يجز لأنه نوى الاقتداء بالغائب انتهى لكن بين المسألتين تناقض في الظاهر فلا بد من الفرق بينهما فنقول إن في الأولى شخص الإمام معلوم غايته أن الخطأ في تعيين اسمه
وفي الثانية يعرف أنه زيد أو عمرو فاقتدى بزيد معلوم فإذا هو عمرو معلوم لم يجز فإنه يبطل الاقتداء
وللجنازة ينوي الصلاة لله تعالى والدعاء للميت بأن يقول اللهم إني أريد أن أصلي لك وأدعو لهذا الميت فيسرها لي وتقبلها مني ولو لم يعرف الجنازة ذكرا أو أنثى يقول أصلي مع الإمام على الميت الذي يصلى عليه
ولا تشترط نية عدد الركعات فإن نية عدد ركعاتها ليست بشرط في الفرض والواجب لأن قصد التعيين يغني عنه ولو نوى الفجر أربعا جاز وينبغي أن تكون النية بلفظ الماضي ولو فارسيا لأنه الأغلب في الإنشاءات وتصح بلفظ الحال والله تعالى أعلم
باب صفة الصلاة أي ماهية الصلاة وهذا شروع في المقصود بعد الفراغ من مقدماته قيل الصفة والوصف واحد في اللغة وفي عرف المتكلمين أن الوصف ذكر ما يوصف به والصفة هي المعنى القائم بذات الموصوف فقول القائل زيد عالم وصف لزيد لا صفة له والعلم القائم به صفته لا وصفه ثم المراد هنا بصفة الصلاة الأوصاف النفسية لها وهي الأجزاء العقلية الصادقة على الخارجية التي هي أجزاء الهوية من القيام الجزئي والركوع والسجود كما في فتح القدير وبهذا التحقيق ظهر عدم قيام العرض بالعرض وإضافة الشيء إلى نفسه كما توهم واعلم أنه يشترط لثبوت الشيء ستة أشياء العين وهي ماهية الشيء والعين هنا الصلاة
____________________
(1/129)
والركن وهو جزء الماهية كالقيام والحكم وهو الأمر الثابت بالشيء كجوازه وفساده وثوابه ومحل ذلك الشيء وهو الآدمي المكلف وشرطه كالطهارة والسبب كالوقت فرضها يعني ما لا تجوز الصلاة بدونه التحريمة وهو جعل الأشياء المباحة قبلها حراما بها والتاء للمبالغة
وهي شرط عندهما وفرض عند محمد وفائدته فيما إذا فسدت الفريضة تنقلب نفلا عندهما وعنده لا
وعند الشافعي وبعض أصحابنا ركن ولهذا قال فرض الصلاة ليشمل الركن والشرط فإن الفرض أعم منهما والقيام أي قيام واحد في كل ركعة من الفرض دون النفل فاللام للعهد والقراءة للقادر عليها قدر ما تجوز به الصلاة لقوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن فإنها نزلت في حق الصلاة والأمر للوجوب واختلف في ركنيتها فذهب صاحب الحاوي إلى أنها ليست بركن والجمهور أنها ركن زائد وهو ما يسقط في بعض الصور كالمقتدي لا أصلي وهو ما لا يسقط إلا لضرورة
وفي التلويح أن معنى الركن الزائد هو الجزء الذي إذا انتفى كان الحكم المركب باقيا بحسب اعتبار الشرع وهذا قد يكون باعتبار الكيفية كالإقرار في الإيمان أو باعتبار الكمية كالأقل في المركب من الأكثر حيث يقال للأكثر حكم الكل وبهذا تبين مخالفة ابن الملك الجمهور بجعل القراءة ركنا أصليا والركوع وهو الانحناء والميل والسجود وهو وضع الجبهة أو الأنف على الأرض بطريق الخضوع لقوله تعالى اركعوا واسجدوا والمراد بالسجود السجدتان لأن اسم الجنس يدل على العدد عن أئمة العربية إلا أنه خلاف ما عليه علماؤنا كذا في القهستاني
وقال المحققون من مشايخنا هو أمر تعبدي لم يعقل له معنى
والقعود الأخير قدر ما يقرأ فيه التشهد لقوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله إذا رفعت رأسك من السجدة الأخيرة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك علق تمام الصلاة بها قرأ التشهد أو لا
____________________
(1/130)
وقيل مقدار الشهادتين وقيل أدنى ما يطلق عليه الاسم كالركوع والأول هو الصحيح وهي أي هذه الأفعال ما عدا التحريمة أركان ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء وفي أكثر الكتب أن القعدة الأخيرة فرض لا ركن لعدم توقف الماهية عليها شرعا لأن من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود بدون توقف على القعدة انتهى لكن أقول يمكن توجيه كلام المصنف بأن يراد من الركن الركن الزائد لا الأصلي كما تقرر آنفا وبهذا تبين قصور ما قيل إن هذه الأركان أصلية
والخروج من الصلاة أو التحريمة بصنعه أي بفعله الاختياري المنافي لصلاته فرض عند الإمام على ما ذكره البردعي أخذه من اثني عشرية الآتية خلافا لهما لأن الخروج قد يكون بمعصية فلا يجوز وصفه بالفرضية وقال الكرخي إنه ليس بفرض عندهم وهو الصحيح
وواجبها أي واجب الصلاة الذي لا يلزم فسادها بتركه وإنما يلزم الإثم إن كان عمدا وسجدتي السهو إن كان خطأ قراءة الفاتحة فلا تفسد الصلاة بتركها عندنا
وعند الأئمة الثلاثة أنها فرض لقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ولنا قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن والزيادة بخبر الواحد لا تجوز ولكنه يوجب العمل فعملنا بوجوبها وما رووهم محمول على نفي الفضيلة
وفي المجتبى إذا ترك الفاتحة يؤمر بإعادة الصلاة والظاهر أنه خلاف المذهب فلذلك قال يؤمر ولم يقل يبطل
وضم مقدار سورة من آية طويلة أو ثلاث آيات قصار إلى الفاتحة فلا تفسد الصلاة بتركها بل يجب سجود السهو إن تركها ساهيا كما تقرر آنفا وفيه إشعار بأن الواجب تقديم الفاتحة على السورة
وعند الأئمة الثلاثة الضم سنة وعن الشافعي مستحب
وعن مالك فرض كما في عيون المذاهب فلا وجه لاعتراض بعض الفضلاء بأنه لم يقل به أحد فمن أين علم هذا
وتعيين القراءة في الأوليين في الرباعية والثلاثية وعند
____________________
(1/131)
الشافعي في كل الركعات وعند مالك في ثلاث ركعات من الرباعي والاثنين من الثلاثي إقامة للأكثر مقام الكل
وقال زفر فرض في الواحدة لأن الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار
ورعاية الترتيب في فعل مكرر قال صاحب الإصلاح لا بد من قيد التكرار احترازا عن الترتيب بين ما لا يتكرر فإنه فرض كالترتيب بين الركوع والسجود وبين السجود والقعدة قال في الكافي إن الترتيب فرض فيما اتحدت شرعيته في كل ركعة كالقيام والركوع وليس بفرض فيما تعددت في كل ركعة كالسجدة فلو ركع قبل القيام أو سجد قبل الركوع لم يجز وبما قررناه تبين أن المراد من التكرر التكرر في كل ركعة لا في الصلاة انتهى قال صاحب المحيط والذخيرة وصاحب الكافي في باب سجود السهو إن تقديم القراءة على الركوع والركوع على السجود واجب عند علمائنا الثلاثة انتهى أقول هذا مخالف لما نقلناه آنفا فلا بد من التوفيق بأن يحمل على اختلاف الروايات وبهذا اندفع الاعتراض على صدر الشريعة فليتأمل
وتعديل الأركان أي تسكين الجوارح في الركوع والسجود حتى تطمئن مفاصلها واجب عند الطرفين وأدناه مقدار تسبيحة وهو تخريج الكرخي
وفي تخريج الجرجاني سنة لأنه شرع لتكميل الأركان وليس بمقصود لذاته أما الاطمئنان في القومة والجلسة فسنة على تخريجهما جميعا كما في أكثر الكتب وبهذا ظهر ضعف ما في القنية قال صدر الإسلام إنه في الكل واجب عند الطرفين فبالترك سهوا يسجد وعمدا يكره أشد الكراهة وتلزم الإعادة
وعند أبي يوسف والأئمة الثلاثة هو أي التعديل فرض في الكل وهو المختار كما في رمز الحقائق لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لرجل ترك التعديل في صلاته قم فصل فإنك لم تصل لهما قوله تعالى اركعوا واسجدوا أمر بالركوع وهو الانحناء لغة وبالسجود وهو الانخفاض لغة فتتعلق الركنية بالأدنى منهما وفي آخر ما روي سماه صلاة فقال إذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وما نقصت من هذا شيئا فقد نقصت من صلاتك ولم يذهب كلها كما في التبيين
والقعود الأول يعني إذا كان لها قعود ثان كما في غير الثنائية وهو قول الجمهور هو الصحيح
وقال الطحاوي والكرخي هو سنة وهو قول الأئمة الثلاثة
وقال محمد وزفر
____________________
(1/132)
والشافعي إن القعدة الأولى من النفل فرض
والتشهدان أي التشهد في القعدتين عند عامة المشايخ كما في التحفة وعليه المحققون من أصحابنا وهو الأصح كما في المحيط وصرح به صاحب الهداية في باب سجود السهو وإن كان سكت عنه في صفة الصلاة لأن مقصوده ليس ذكر جميع الواجبات بل بيان أن ما سوى المذكور ليس بمنحصر في السنة ولذا أتى بكاف التشبيه المشعرة بعدم الحصر وبهذا ظهر فساد ما قيل إن صاحب الهداية جعله سنة تدبر
ولفظ السلام عندنا وعند الثلاثة هو فرض والحجة عليهم عدم تعليمه عليه الصلاة والسلام الأعرابي حين علمه الصلاة ولو كان فرضا لعلمه وفيه إشارة إلى أن الواجب السلام فقط دون عليكم وإلى أن لفظا آخر لا يقوم مقامه ولو كان بمعناه وإلى أن المراد السلام الأول لأنه يخرج عن الصلاة بتسليمة عند عامة العلماء وقيل بتسليمتين وإلى أن الالتفات يمينا ويسارا غير واجب بل هو سنة
وقنوت الوتر وهو الطاعة والقيام والدعاء والمشهور الأخير وقولهم دعاء القنوت إضافة بيانية وظاهر كلام المصنف أنه واجب عنده وعندهما
وفي شرح الكنز أنه سنة عندهما كنفس الصلاة وعند الثلاثة سنة إلا في النصف الأخير من رمضان فإنه واجب عند الشافعي فقط
وتكبيرات صلاة العيدين وهي المسماة بالزوائد وهي واجبة هو الصحيح من مذهبنا وفيه إشعار بأنه لا يجب لفظ التكبير في الافتتاح ولا تكبير الركوع فيها
وقال بعضهم إنهما
____________________
(1/133)
واجبان
وعند أبي يوسف في رواية والأئمة الثلاثة هي سنة
والجهر في محله أي جهر الإمام في محل الجهر والإسرار في محله وقيل سنتان لأن المقصود القراءة وهي قول الأئمة الثلاثة إلا في رواية عن مالك فإنها تفسد بالتعمد عنده
وسنتها رفع اليدين للتحريمة ونشر أصابعه لما روي أنه عليه الصلاة والسلام إذا كبر رفع يديه ناشرا أصابعه وكيفيته أن لا يضم كل الضم ولا يفرج كل التفريج بل يتركها على حالها منشورة كما في أكثر الكتب وبهذا ينبغي للمصنف أن يقول والأصابع بحالها لا مضمومة ولا منفرجة لأن ظاهر كلامه يشعر بأن يكون النشر كاملا وليس بمراد والمراد به النشر دون الضم ولا التفريج كذا قاله الهندواني
وجهر الإمام بالتكبير لحاجته إلى الإعلام بالدخول والاستقبال قيد بالإمام لأن المأموم والمنفرد لا يسن لهما الجهر به
والثناء أي قراءة سبحانك اللهم إلى آخره بعد التكبيرة الأولى والتعوذ في أول القراءة لأجلها والمختار فيه أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وفي الهداية وغيرها والأولى أن يقول أستعيذ بالله ليوافق القرآن انتهى لكن أقول المذكور في القرآن العظيم فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله الآية قال القاضي في تفسير فاستعذ أي فاسأل الله تعالى أن يعيذك من وساوسه ومقتضاه أعوذ بالله ففي قوله ليوافق القرآن نظر
والتسمية والتأمين بعد الفاتحة سرا أي خفية سواء كان في النفل أو في الفرض وسواء
____________________
(1/134)
كانت جهرية أو غيرها وقوله سرا راجع إلى هذه الأربع منصوب على المصدرية أي تسر هذه الأربعة سرا أو يسرها المصلي سرا
ووضع يمينه على يساره تحت سرته لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام وضع يده اليمنى على اليسرى هذا حجة على قول مالك بالإرسال
وتكبير الركوع وقيل واجب وإضافة التكبير إلى الركوع معنوية لأن الركوع ليس هو معمول التكبير إنما أريد به تكبير هذا الخضوع وتسبيحه أي الركوع ثلاثا ومعنى التسبيح التقديس والتنزيه ويكون بمعنى الذكر والصلاة
وقال أبو المطيع تسبيح الركوع والسجود واجب وقال مالك لا تسبيح في الركوع أصلا
والرفع منه أي من الركوع وعند الشافعي وفي رواية عن الإمام فرض وهو قول محمد
وأخذ ركبتيه بيديه أي وضع الكفين على الركبتين في الركوع وتفريج أصابعه لحديث أنس رضي الله تعالى عنه إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك
وتكبير السجود وتسبيحه ثلاثا وقال مالك إنه فرض
ووضع يديه وركبتيه على الأرض حالة السجود لقوله عليه الصلاة والسلام أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء وعد منها اليدين والركبتين وهو سنة عندنا لتحقق السجود بدون وضعهما وأما وضع القدمين فقد ذكر القدوري أنه فرض في السجود كما في التبيين
وافتراش رجله اليسرى ونصب اليمنى في حالة القعود للتشهد لأنه عليه الصلاة والسلام فعل كذلك
والقومة من الركوع والجلسة بين السجدتين وقد عرفت الاختلاف فيهما
والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد التشهد
____________________
(1/135)
الأخير وقال الشافعي فرض
والدعاء يعني بعد التشهد في القعدة الأخيرة لنفسه ولوالديه إن كانا مؤمنين ولجميع المؤمنين والمؤمنات لقوله عليه الصلاة والسلام إذا صلى أحدكم فليبدأ بالثناء على الله تعالى ثم بالصلاة ثم بالدعاء
وآدابها أي آداب الصلاة نظره إلى موضع سجوده حال قيامه وإلى ظهر قدميه حال ركوعه وإلى أرنبة أنفه حال سجوده وإلى حجره حال قعوده وإلى منكبه الأيمن والأيسر عند التسليمة الأولى والثانية لأن المقصود الخضوع وفي إطلاقه إشعار بأن النظر إلى موضع السجود فقط في الكل
وكظم فمه أي إمساكه عند التثاؤب لقوله عليه الصلاة والسلام التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع وفي الظهيرية فإن لم يقدر غطاه بيده أو كمه
وإخراج كفيه من كميه عند التكبير لأنه أقرب إلى التواضع وأبعد من التشبه بالجبابرة وأمكن من نشر الأصابع إلا لضرورة البرد ونحوه قيد بدر الدين العيني بالأول فقال عند التكبير الأول لكن المصنف أطلقه وفيه إشعار بأنه يجوز إدخالهما في الكمين في غير حال التكبير لكن الأولى إخراجهما في جميع الأحوال هذا في الرجال وأما النساء فتجعل يديها في كميها
ودفع السعال ما استطاع لأنه ليس من أفعال الصلاة ولهذا لو كان بغير عذر وحصلت منه حروف تفسد صلاته
والقيام أي قيام الإمام
____________________
(1/136)
والقوم إلى الصلاة عند حي على الصلاة وقيل عند حي على الفلاح أي حين يقول المؤذن ذلك لأنه أمر به فتستحب المسارعة إليه إن كان الإمام بقرب المحراب وإلا فيقوم كل صف ينتهي إليه الإمام على الأظهر
والشروع عند قد قامت الصلاة أي شروع الإمام عند ما قال المؤذن قد قامت الصلاة الأول عند الطرفين لئلا يكذب المؤذن وفيه مسارعة للمناجاة وقد تابع المؤذن في الأكثر فيقوم مقام الكل
وقال أبو يوسف لا يشرع ما لم يفرغ المؤذن من الإقامة محافظة على تحصيل فضيلة متابعة المؤذن وإعانة له على الشروع معه وهو قول الشافعي وقال مالك يشرع إذا أقيم
وفي الظهيرية ولو أخر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة لا بأس به في قولهم جميعا
فصل لما فرغ من بيان أركان الصلاة وشرائطها وواجباتها وسننها وآدابها شرع في بيان صفة الشروع فقال ينبغي للمصلي الخشوع في الصلاة لقوله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون
وإذا أراد المصلي الدخول أي الشروع فيها أي في الصلاة المطلقة كبر أي يقول الله أكبر وإنما يصير شارعا في التكبير في حال القيام أو فيما هو أقرب إليه من الركوع أما لو كبر قاعدا ثم قام فلا يصير شارعا ولو كان أخرس أو أميا لا يحسن شيئا فيكون شارعا بالنية فلا يلزمه تحريك اللسان وكذا العاجز عن النطق على الصحيح حاذفا وهو أن لا يأتي بالمد في همزة الله ولا في باء أكبر فإن أتى به إن كان في الهمزة فهو مفسد لأنه استفهام وإن تعمد كفر كما في أكثر الكتب أقول فيه كلام لأن الهمزة يجوز أن تكون للتقرير فلا كفر تدبر وإن أتى به في باء أكبر فقط قيل تفسد لأن أكبار جمع فكان فيه إثبات الشركة وقيل أكبار اسم الشيطان فتفسد الصلاة وقيل لا تفسد
____________________
(1/137)
وأما مد الألف في آخر الجلالة فلا يضر لكن حذفه أولى ويرفع الجلالة ولا يجزم ويجزم الراء في التكبير لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال الأذان جزم والإقامة والتكبير جزم وبهذا ظهر ضعف ما قيل ولا يجزم أكبر ويجوز فيه الجزم والأحسن أن يقول والأولى فيه الجزم موافقة للحديث تدبر بعد رفع يديه وهو الأصح لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله تعالى والنفي مقدم محاذيا أي مقابلا بإبهاميه شحمتي أذنيه لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا كبر يرفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبا من شحمتي أذنيه وقيل قائله صاحب الوقاية ماسا بإبهاميه شحمتي أذنيه كما في الخانية وتعليل صاحب النقاية ليتيقن محاذاة يديه لأذنيه ليس بشيء تدبر
وقال الشافعي حذاء منكبيه لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه قلنا هذا محمول على حالة العذر والأخذ بما روينا أولى لما فيه من إثبات الزيادة ولما فيه من العمل بالروايات لأن بمحاذاة الإبهامين الشحمتين يكون أصل الكف إلى المنكبين وأصول الأصابع إلى الرأس وبهذا تبين ضعف ما قيل يرفع يديه فوق الرأس فلو لم يقدر على الرفع المسنون أو قدر على رفع يد دون أخرى رفع ما قدر عليه
وعند أبي يوسف يرفع مع التكبير لا قبله وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال الأول هذا وهو المروي عن أبي يوسف قولا والمحكي عن الطحاوي فعلا واختاره شيخ الإسلام وقاضي خان وصاحب الخلاصة وجماعة حتى قال البقالي هذا قول أصحابنا جميعا الثاني يرفع قبل التكبير ونسبه في المجمع إلى محمد وفي الغاية إلى عامة علمائنا
وقال شمس الأئمة وعليه مشايخنا وهو اختيار النسفي وصححه صاحب الهداية الثالث بعد التكبير فيكبر أولا ثم يرفع يديه
والمرأة ترفع حذاء منكبيها هو الصحيح لأن هذا أستر لها وعن الإمام في رواية أنها كالرجل
ومقارنة تكبير المؤتم تكبير الإمام أفضل عند الإمام لأنه شريكه
____________________
(1/138)
في الصلاة وحقيقة المشاركة في المقارنة خلافا لهما أي وعندهما الأفضل أن يكبر بعده لأنه تبع للإمام وأظن أن ما قالاه يلزم فيما احتاج المقتدي إلى السماع ولو قال المؤتم قبل الإمام الله أكبر الأصح أنه لا يكون شارعا فيها وأجمعوا على أنه لو فرغ من قوله أكبر قبل فراغ الإمام لا يكون شارعا كما في الدرر
ولو قال بدل التكبير الله أجل أو الله أعظم أو الرحمن أكبر أو لا إله إلا الله أو غيره من أسماء الله تعالى أو كبر بالفارسية بأن يقول خذا بزركست أو نام خذا بزركست صح مطلقا سواء كان يحسن العربية أو لا عند الإمام وعندهما لا إلا أن لا يحسن العربية والأصح رجوع الإمام إلى قولهما اعلم أن المشايخ اختلفوا في الذكر الذي يصير به شارعا في الصلاة فقال مالك لا يجوز إلا بقوله الله أكبر
وقال الشافعي لا يجوز إلا بالله أكبر أو الله أكبر
وقال أبو يوسف لا يجوز إلا بالله أكبر أو الله الأكبر والله كبير أو الله الكبير معرفا أو منكرا وعندهما يصح الشروع في الصلاة بكل ذكر وهو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير نحو الله إله أو سبحان الله أو لا إله غيره وما كان خبرا كقوله لا حول ولا قوة إلا بالله أو ما شاء الله كان لا يصير شارعا
وفي الذخيرة ولو افتتح بقوله الرحمن يصير شارعا لأنه ليس من الأسماء المشتركة ولو افتتح بالتعوذ أو بالبسملة لا يصير شارعا عندهما ولو افتتح باللهم يصير شارعا عند البصريين لأن الميم بدل من حرف النداء وهو الأصح وعند الكوفيين لا ولو ذكر الاسم دون الصفة بأن قال الله أو الرب أو الكبير أو أكبر ولم يزد عليه يصير شارعا عند الإمام ولا يصير شارعا عند محمد إلا بالاسم والصفة ومراده المبتدأ والخبر ولو قال أجل أو أعظم لا يصير شارعا إجماعا
وكذا لو قرأ بها أي بالفارسية عاجزا عن العربية التقييد بالعجز بناء على
____________________
(1/139)
قولهما لأن القراءة بالفارسية في الصلاة جائزة عند الإمام وإن كان يحسن العربية لأن القرآن هو المعنى والفارسية تدل على المعنى فيكون جائزا في حق الصلاة خاصة وروي أنه رجع إلى قولهما وهو الصحيح وعليه الاعتماد والمصنف اختار رجوعه إلى قولهما ولهذا ساق هذه المسألة في صورة الاتفاق أو ذبح وسمى بها أي بالفارسية وهو جائز بالاتفاق لأن الشرط فيه الذكر وهو حاصل بأي لغة كان
وغير الفارسية من الألسن مثلها أي مثل الفارسية في الصحيح لأن المعنى لا يختلف باختلاف اللغات قال أبو سعيد البردعي لم يجز بغير الفارسية لمزيتها على غيرها للحديث المروي وهو قوله عليه الصلاة والسلام لسان أهل الجنة العربية والفارسية الدرية وفيه نظر
ولو شرع ب اللهم اغفر لي لا يجوز لأنه مشوب بحاجته فلم يكن تعظيما خالصا وقال أبو يوسف إن كان يحسن التكبير لا يجوز إلا به وقد بيناه آنفا
ثم يعتمد بيمينه على رسغ يساره تحت سرته وعند الشافعي تحت الصدر كما في وضع المرأة عندنا وقد اختلف في
____________________
(1/140)
كيفية الوضع فقيل يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى ويحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ
وعن الإمام أنه يضع رسغه اليسرى في وسط كفه اليمنى قابضا عليها وعنهما يضع باطن أصابع يده اليمنى على الرسغ طولا ولا يقبض
وفي النوادر ذكر الخلاف بينهما فقال قول أبي يوسف يقبض بيده اليمنى رسغ يده اليسرى وقول محمد يضع واختار الهندواني قول أبي يوسف وفي المفيد والمزيد يأخذ رسغها بالخنصر والإبهام وهو المختار في كل قيام سن فيه ذكر لأن الوضع شرع للخضوع وهو مطلوب في حالة الذكر قال شمس الأئمة الحلواني إن كل قيام ليس فيه ذكر مسنون فالسنة فيه الإرسال وكل قيام فيه ذكر مسنون فالسنة فيه الوضع وبه كان يفتي شمس الأئمة السرخسي والصدر الكبير برهان الأئمة والصدر الشهيد والمراد من القيام ما هو الأعم لأن القاعد يفعل كذلك
وعند محمد يعتمد في كل قيام شرع فيه قراءة لأن الوضع إنما شرع مخافة اجتماع الدم في رءوس الأصابع وإنما يخاف حالة القراءة لأن السنة تطويلها فيضع في القنوت وصلاة الجنازة تفريع على قوله في كل قيام سن فيه ذكر أي يضع يديه في القنوت وصلاة الجنازة عندهما لأن فيهما ذكرا مسنونا خلافا له أي لمحمد فيرسل فيهما عنده لعدم القراءة ويرسل في قومة الركوع وبين تكبيرات العيد اتفاقا لأنه ليس فيهما ذكر مسنون ممتد وقراءة
ثم يقرأ سبحانك الله إلى آخره أي سبحتك بجميع آلائك يا الله تسبيحا واشتغلت بحمدك فإنه روي سبحانك الله بحمدك ولا ينبغي أن يقول بزيادة الواو لأنها ليست بقياس وتبارك اسمك أي دام خيرك وتعالى جدك أي تجاوز عظمتك عن درك أفهامنا ولم ينقل في المشاهير وجل ثناؤك فلا يأتي به في الفرائض ولا إله غيرك بفتحهما ورفعهما وفتح الأول ورفع الثاني وبالعكس كما في القهستاني وإنما أتى بثم للتفاوت بين المعطوفين لا للتراخي وفيه إشارة إلى أنه يأتي به كل مصل
____________________
(1/141)
إماما كان أو مأموما أو منفردا إلا إذا كان مسبوقا وإمامه يجهر بالقراءة فإنه لا يأتي به وصححه في الذخيرة وعليه الفتوى كما في المضمرات ولو أدرك الإمام في الركوع ترك الثناء ولو أدركه في السجود يكبر ويأتي بالثناء ثم يكبر ويسجد
ولا يضم وجهت وجهي إلى آخره أي إلى آخر الذكر وهو وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين قبل الشروع ولا بعده وهو الصحيح المعتمد خلافا لأبي يوسف فإن عنده يجمع بينهما ويبدأ بأيهما شاء في رواية عنه وأخرى أن البداءة بالتسبيح أولى لما روى جابر رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يجمع بينهما
وقال الشافعي يأتي بالتوجيه فقط لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي إلى آخره ولهما ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم إلى آخره رواه الجماعة وهو مذهب أبي بكر الصديق وعمر وابن مسعود
____________________
(1/142)
وجمهور التابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فيكون حجة عليهما ورواية جابر محمول على التهجد وما رواه الشافعي كان في الابتداء ثم نسخ وعند مالك يقول إني وجهت وجهي إلى آخره قبل التكبير وهو اختيار بعض المتأخرين منا والمراد أنه يقول قبل الشروع في الصلاة ذلك وفي الهداية والأولى أن لا يأتي بالتوجيه قبل التكبير ليتصل النية به وهو الصحيح
ثم يتعوذ سرا للقراءة في الركعة الأولى لقوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله والأمر بالاستعاذة متعلق بإرادة قراءة القرآن والمعلق بالشرط لا يوجد قبل وجوده وهذا حجة على مالك فإنه لا يرى ذلك فيأتي به المسبوق عند قضاء ما سبق لأنه يقرأ فيتعوذ لا المقتدي أي لا يأتي به المقتدي لأنه يثني ولا يقرأ فلا يتعوذ ويؤخر عن تكبيرات العيد لأنه يقرأ بعدها لا قبلها والتعوذ تبع للقراءة عند الطرفين
وعند أبي يوسف وفي رواية عن الإمام هو أي التعوذ تبع للثناء وهو للصلاة عنده فإن التعوذ ورد به النص صيانة للعبادة عن الخلل الواقع فيها بسبب وسوسة الشيطان والصلاة تشتمل على القراءة والأذكار والأفعال فكانت أولى فيأتي به المقتدي ويقدم على تكبيرات العيد ولم يذكر ولا يأتي به المسبوق مع أنه لازم الذكر لأنه لا يأتي عنده بناء على ظهوره
ويسمي سرا إلا عند الشافعي جهرا فيما يجهر بالقراءة أول كل ركعة عندهما
وعند الإمام في رواية أخرى عنه في الركعة الأولى فقط والأول أحوط وعليه الفتوى لا يسمي بين الفاتحة والسورة خلافا لمحمد في صلاة المخافتة فإنه يأتي بها بينهما في المخافتة عنده ولا يأتي بها في الجهرية لئلا يلزم الإخفاء بين الجهرين وهو شنيع
وهي أي البسملة آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور ليست من الفاتحة ولا من كل سورة بيان للأصح من الأقوال وفيه رد على من يقول إنها ليست بآية في غير سورة النمل وهو مالك والأوزاعي ورد على قول من يقول إنها آية من الفاتحة ومن
____________________
(1/143)
أول كل سورة وهو الشافعي وذكر أبو بكر أن الأصح أنها آية في حرمة المس لا في جواز الصلاة ولم يكفر جاحدها لشبهة فيها
ثم يقرأ الفاتحة لقوله عليه الصلاة والسلام كل صلاة لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب فهي خداج أي ناقصة وسورة أخرى بعدها أو ثلاث آيات من أي سورة شاء لمواظبته عليه الصلاة والسلام على ذلك من غير ترك
وفي المنية إذا قرأ آية وآيتين لم يخرج عن حد الكراهة وإن قرأ ثلاث آيات يخرج لكن لم يدخل في حد الاستحباب
وإذا قال الإمام ولا الضالين أمن هو أي يقول الإمام آمين بالمد والقصر مع تخفيف الميم والأول أفصح وأشهر من التشديد كما قاله الواحدي قيل لو قال آمين بالتشديد تفسد وقيل لا تفسد وعليه الفتوى قال الزمخشري هو اسم فعل معناه استجب وهو تعريب همين
وفي الرضي أنه سرياني كقابيل مبني على الفتح
و أمن المؤتم أيضا لقول عليه الصلاة والسلام إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وهو حجة على مالك بعد إتيان الإمام وعلى رواية الحسن عن الإمام ذلك سرا خلافا للشافعي في الجهرية
ثم يكبر راكعا فيه إشارة إلى أن التكبير ينبغي أن يكون مع الانحطاط كما في الجامع الصغير وقالوا وهو الأصح لأنه عليه الصلاة والسلام فعل كذا
وفي القدوري
____________________
(1/144)
ثم يكبر ويركع وفيه احتمال للمقارنة وضدها ولأنه لا دلالة للواو على الترتيب ولا يقتضي المقارنة فلا يلزم أن يكون من محض القيام كما توهم
ويعتمد بيديه الباء للتعدية أي يتكئ بيديه على ركبتيه ويفرج أصابعه لأنه أمكن من الأخذ بالركب فإن الأخذ والتفريج والوضع سنة باسطا ظهره بحيث يستقر عليه قدح ماء لكن يشترط أن يكون النصف الأسفل مستويا غير رافع رأسه ولا منكس له من نكسه أي جعله مقلوبا على رأسه معناه يستوي رأسه بعجزه ولو قال ولا خافض لكان أولى لأنه لو خفض رأسه قليلا كان خلافا للسنة
ويقول أي المصلي في ركوعه مرات ثلاثا سبحان ربي العظيم لقوله عليه الصلاة والسلام من قال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه وذلك أدناه ولم يرد به أدنى الجواز وإنما أريد به أدنى الكمال لجواز الركوع بتوقف قدر التسبيحة بل أقل ولو بلا ذكر وهو أدناه أي أدنى التسبيح المسنون من الخمس والسبع والتسع ولا يرد إشكال على أصل الفعل بالنسبة إلى التسع لأنه على التغليب وعلى إفراد المضاف إليه المعرف لاسم التفضيل كونه كناية عن اسم الجنس كما في القهستاني
وتستحب الزيادة مع الإيتار للمنفرد وإن كان إماما فلا يزيد على وجه يمل القوم وقالوا ينبغي للإمام أن يقول خمسا ليتمكن القوم من الثلاث ولا يطول لإدراك الجائي فإنه مكروه وقيل مفسد وكفر وقيل جائز إن كان الجائي فقيرا وقيل مأجور إن أراد القربة
ثم يرفع الإمام رأسه من الركوع قائلا سمع الله لمن
____________________
(1/145)
حمده هذا مجاز عن الإجابة يقال سمع الأميري أي أجاب ومنه يقال سمع القاضي بينته أي تلقاه بالقبول واللام لعود المنفعة وقيل بمعنى من والهاء للكناية كقوله تعالى واشكروا له وقيل للسكتة وهو المنقول عن الثقات ومعناه قيل ثناء من أثنى عليه وأجاب
ويكتفي الإمام به أي بالتسميع فقط عند الإمام
وقالا يضم إليه ربنا لك الحمد سرا ويكتفي المقتدى بالتحميد واختلفت الأخبار في لفظ التحميد ففي بعضها اللهم ربنا لك الحمد وفي بعضها ربنا لك الحمد وفي بعضها ربنا استجب ولك الحمد وفي بعضها الله ربنا ولك الحمد والأول أفضل والثاني المشهور في كتب الحديث وهو الصحيح اتفاقا من علمائنا وقال الشافعي يجمع الإمام والمأموم بين الذكرين والمنفرد يجمع بينهما ويأتي بالتسميع حال الارتفاع وبالتحميد حال الانحطاط وقيل حال الاستواء في الأصح أي أصح الروايتين عن الإمام
وقيل كالمقتدي أي يأتي بالتحميد لا غير وصححه في الكافي وقال في المبسوط هو الأصح وعليه أكثر المشايخ
وفي المحيط والهداية الأصح الجمع وقال صدر الشهيد وعليه الاعتماد ولهذا اختاره المصنف واحترز بقوله في الأصح عنه وعما روي أن المنفرد يأتي بالتسميع فقط لأنه مستقل بنفسه كالإمام
ثم يكبر خافضا ويسجد مجاز أي يميل إلى السجدة فيضع على الأرض ركبتيه ويقدم اليمنى على اليسرى والفاء لعطف المفصل على المجمل ثم يديه أي يضع يده اليمنى ثم اليسرى ثم يضع
وجهه بين كفيه ضاما أصابع يديه فإن الأصابع تترك على العادة فيما عدا الركوع والسجود محاذية أذنيه يجوز بالتنوين والإضافة
وقال الشافعي حذاء منكبيه وفيه دلالة على أن الترتيب سنة
وقال الشافعي ومالك الأولى أن يضع يديه ثم ركبتيه ويبدئ بالهمزة من الإبداء وهو الإظهار وبغير الهمزة مشددة الدال أي يبد من الإبداد وهو الإبعاد ضبعيه بفتح الضاد المعجمة وسكون الباء هو العضد وقيل وسطه وباطنه أي يجافي مرفقيه عن جنبيه إلا إذا كان المصلي في الصف فإنه لا يبدي عضديه كي لا يؤذي أحدا
ويجافي أي يباعد بطنه عن فخذيه ويوجه أصابع رجليه
____________________
(1/146)
أي رءوس أصابعهما بأن يضع صدر القدم مع بطون الأصابع على الأرض نحو القبلة لقوله عليه الصلاة والسلام إذا سجد المؤمن يسجد كل عضو معه فليوجه من أعضائه القبلة ما استطاع
وفي خزانة المفتين أن انحراف أصابعهما عن القبلة مكروه
والمرأة تنخفض وتلزق من الإلزاق وهو الإلصاق بطنها بفخذيها لأنه أستر لها ويقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا لقوله عليه الصلاة والسلام وإذا سجد أحدكم فليقل في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا وهو أدناه أي أدنى الكمال لا الجواز
ويسجد بأنفه وجبهته
وفي التحفة يضع الجبهة ثم الأنف وقيل يضعهما معا فإن اقتصر في سجوده على أحدهما أي على الجبهة أو الأنف أو على كور عمامته أي دورها جاز مع الكراهة عند الإمام وعند الشافعي لا تجوز السجدة عليه والخلاف فيما إذا وجد حجم الأرض أما بدونه فلا إجماعا وفي شرح المجمع السجود على الجبهة جائز اتفاقا ولكنه يكره إن لم يكن على الأنف عذر وعليه رواية الكنز وكره بأحدهما وما قاله في الكنز حكاه الزيلعي أيضا عن المفيد والمزيد لكن في البدائع والتحفة والاختيار عدم الكراهة بترك السجود على الأنف وما في الكتاب يخالفه ما في البدائع وغيره واختار ما في الكنز إرادة أن في الاقتصار على الجبهة من غير عذر ترك الأحوط في أمر العبادة كما في الاقتصار على الأنف
وقالا لا يجوز الاقتصار على الأنف من غير عذر وهو مذهب الأئمة الثلاثة ورواية عن الإمام وعليه الفتوى لقوله عليه الصلاة والسلام أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وعد منها الجبهة
____________________
(1/147)
فيجب أن لا يتأدى بوضع الأنف مجردا كما لا يتأدى بوضع الخد والذقن وللإمام أن المشهور في الخبر الوجه لا الجبهة لكن كل الوجه غير مراد بالإجماع فيراد بعضه والخد والذقن خرجا عنه بالإجماع لأن التعظيم لم يشرع بوضعهما فبقي الجبهة والأنف فكما جاز الاكتفاء بالجبهة يجوز بالأنف كما في شرح المجمع
ويجوز أي السجود على فاضل ثوبه ككمه وذيله إن كان المكان طاهرا أما لو بسط كمه على نجاسة فالأصح عدم الجواز وصحح الشمني والزيلعي الجواز
وعلى شيء يجد الساجد حجمه وتستقر جبهته عليه لا على ما لا تستقر وحد الاستقرار أن الساجد إن بالغ لا ينزل رأسه أسفل من ذلك فعلى هذا لا تجوز السجدة على الثلج بأن غاب وجهه فيه وإن استقر ووجد حجمه بأن تلبد الثلج تجوز وعلى هذا التفصيل التراب ونحوه
وإن سجد للزحمة على ظهر من هو معه في صلاته يعني لو سجد للزحام على ظهر من يصلي صلاته جاز للضرورة ولا تجوز لو سجد على ظهر من لا يصلي أو يصلي ولكن لا يصلي صلاته لعدم الضرورة وهذا إذا كان ركبتاه على الأرض وإلا فلا يجزيه وقيل لا يجزيه إلا إذا سجد الثاني على الأرض
وهي أي السجدة ثم بالرفع أي برفع الجبهة عند محمد وهو المختار للفتوى ذكره فخر الإسلام في الجامع
وعند أبي يوسف بالوضع أي بوضع
____________________
(1/148)
الجبهة وفائدة الخلاف تظهر فيمن صلى الظهر خمسا ولم يقعد في الرابعة فسبقه الحدث في السجدة من الخامسة فرفع رأسه للتوضؤ والبناء جاز عند محمد خلافا لأبي يوسف
ثم يرفع المصلي رأسه من السجود مكبرا الرفع فرض والتكبير سنة كذا في أكثر الكتب لكن الصحيح من مذهب الإمام أن الانتقال فرض والرفع سنة كما في المطلب
ويجلس بين السجدتين مطمئنا أي ساكنا بقدر تسبيحة وليس بين السجدتين ذكر مسنون عندنا وكذا بعد رفعه وما ورد فيهما من الدعاء فمحمول على التهجد واختلفوا في مقدار الرفع فروي عن الإمام أنه إن كان إلى القعود أقرب جاز لأنه يعد قاعدا وإن كان إلى الأرض أقرب لا يجوز لأنه يعد ساجدا
وقال صاحب الهداية هو الأصح وقال محمد بن سلمة إذا رفع رأسه بحيث لا يشكل على الناظر أنه قد رفع يجوز وروى أبو يوسف عن الإمام إذا رفع رأسه مقدار ما يسمي رافعا جاز لوجود الفصل بين السجدتين قال صاحب المحيط هو الأصح وروي عنه إذا رفع رأسه مقدار ما تمر الريح بينه وبين الأرض جاز
ويكبر للسجدة الثانية خافضا ويسجد مطمئنا قيل الحكمة في تكرار السجدة أن الأولى لامتثال الأمر والثانية لترغيم إبليس فإنه أمر بالسجود فلم يفعل فنحن أمرنا به فنسجد مرتين ترغيما له كما في أكثر الكتب وفيه نظر فإن إبليس سجد لله تعالى كثيرا وما امتنع عن ذلك وإنما امتناعه من السجود لآدم عليه السلام كما قال السروجي في غايته وقيل الأولى إشارة إلى أنه خلق من تراب والثانية إلى أنه يعود إليه والأحسن أن يقال إنهما أمر تعبدي فلا يطلب فيه المعنى كأعداد الركعات
ثم يكبر للنهوض فيرفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه على عكس السجود
وفي التبيين ويكره تقديم إحدى الرجلين عند النهوض ويستحب الهبوط باليمنى والنهوض بالشمال
وينهض قائما بعد السجدة الثانية قال صاحب الفرائد النهوض
____________________
(1/149)
القيام فيكون المعنى ويقوم قائما ولا معنى له إلا أن يحمل على التجريد ويجعل بمعنى يستوي وهو بعيد وفيه كلام لأن النهوض قد يكون بمعنى الاستواء وقد يكون بمعنى التوجه كما في الصحاح وغيره وكلاهما موافق لهذا المقام فلم يتفطن هذا الراد فقال ما قال من غير قعود ولا اعتماد بيديه على الأرض أما الاعتماد على فخذيه أو ركبتيه فلا بأس به اتفاقا
وقال الشافعي يجلس بعدها جلسة خفيفة وتسمى جلسة الاستراحة ويقوم معتمدا لأنه عليه الصلاة والسلام فعل كذا ولنا أنه عليه الصلاة والسلام كان ينهض في الصلاة على صدر قدميه ولأن الصلاة ما وضعت للاستراحة وما رواه محمول على حالة الضعف والكبر
وفي المجتبى قال الطحاوي لا بأس بأن يعتمد بيديه على الأرض شيخا كان أو شابا وهو قول عامة العلماء
والثانية أي الركعة الثانية كالأولى أي يفعل فيها ما يفعل في الأولى إلا أنه لا يثني لأنه شرع في أول العبادة دون أثنائها
ولا يتعوذ لأنه شرع في أول القراءة لدفع الوسوسة ولا يرفع يديه إلا في فقعس صمعج لقوله عليه الصلاة والسلام لا ترفع الأيدي إلا في ثمانية مواطن عند افتتاح الصلاة وقنوت الوتر وتكبيرات العيد وعند استلام الحجر وعند الصفا والمروة وعند الموقفين وعند الجمرتين فلكل حرف من هذه الحروف إشارة إلى كل واحد منها على الترتيب وقال الشافعي يرفع في الركوع وفي الرفع منه
فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الثانية افترش أي بسط على الأرض رجله اليسرى فجلس عليها أي على الرجل
ونصب يمناه من الرجل نصبا ووجه أصابعها نحو القبلة بقدر ما استطاع لما روت عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام كان يقعد
____________________
(1/150)
القعدتين على هذا
ووضع يديه على فخذيه بحيث تكون أطراف الأصابع عند الركبة وبسط أصابعه موجهة نحو القبلة وفيه خلاف الشافعي فإن السنة عنده أن يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى والإبهام ويشير بالسبابة عند التلفظ بالشهادتين ومثل هذا جاء عن علمائنا أيضا
وقرأ أي المصلي تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وهو أولى من تشهد غيره من وجوه تذكر في المطولات فليطلب منها وهو التحيات أي العبادات القولية لله والصلوات أي العبادات الفعلية لله والطيبات أي العبادات المالية لله تعالى السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته قيل لما أثنى النبي عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج بهذه الأشياء رد الله عليه عليه الصلاة والسلام بمقابلة التحيات السلام والرحمة بمقابلة الصلوات والبركات أي النماء والزيادة بمقابلة الطيبات السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وهذا السلام مقول النبي عليه الصلاة والسلام في تلك الليلة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أي أعلم وأتيقن ألوهية الله تعالى وعبودية محمد عليه الصلاة والسلام ورسالته
ولا يزيد شيئا عليه أي على التشهد ولا ينقص منه وهذا في الفرائض
____________________
(1/151)
وأما في التطوع فتجوز الزيادة كما في المبسوط في القعدة الأولى لأنه عليه الصلاة والسلام كان لا يزيد عليه فيها
ويقرأ فيما بعد الركعتين الأوليين وإنما لم يقل في الأخريين ليدخل فيه الفرد الثالث من المغرب الفاتحة خاصة أي لا يضم معها السورة ولو ضم فلا سهو عليه على المختار ولم يذكر التسمية والتأمين اعتمادا على تبعية الفاتحة
وهي أي قراءة الفاتحة أفضل وإن سبح بقدرها أو ثلاث تسبيحات أو سكت بقدرها أو بقدر ثلاث تسبيحات جاز وقيل إن القراءة فيهما واجبة حتى لو تركها عمدا كان مسيئا ولو ساهيا سجد للسهو
والقعود الثاني كالأول في افتراش رجله اليسرى ونصب اليمنى وهو احتراز عن قول مالك والشافعي من أنه يتورك فيها فالتشبيه في الكيفية لا في الحكم لأن هذا القعود فرض والأول واجب أو سنة ولو قال والقعود في الأخير كالقعود في الأول لكان أحسن ليتناول القعود في الفجر وقعود المسافر كما في المطلب والمرأة تتورك فيهما أي في القعدتين وهو أي التورك أن تجلس على أليتها بالفتح
____________________
(1/152)
اليسرى وتخرج كلتا رجليها من الجانب الأيمن لأنه أستر لها وتضم فخذيها وتجعل الساق اليمنى على الساق اليسرى كذا في الجوهرة
فإذا أتم المصلي التشهد فيه أي في القعود الثاني صلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهي سنة عندنا وفرض عند الشافعي
وقال الكرخي الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام واجبة على الإنسان مرة إن شاء جعلها في الصلاة أو في غيرها
وعن الطحاوي أنه تجب عليه الصلاة كلما ذكر قال شمس الأئمة السرخسي وما ذكره الطحاوي مخالف للإجماع فعامة العلماء على أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام كلما ذكر مستحبة وليست بواجبة كذا في المحيط وكيفية الصلاة أن يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وكره بعضهم أن يقال وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم لأنه يوهم تقصيرا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذ الرحمة تكون بإتيان ما يلام عليه والصحيح أن لا يكره كذا قاله الزيلعي
ودعا بعد الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لنفسه ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن نحو ربنا اغفر لنا ولإخواننا الآية و ربنا ظلمنا أنفسنا الآية و ربنا إنك من تدخل النار الآية
والأدعية المأثورة يجوز بالنصب عطفا على ألفاظ وبالجر عطفا على القرآن كما في العناية نحو اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ونحو اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم لا يدعو بما يشبه
____________________
(1/153)
كلام الناس نحو اللهم ارزقني مالا واللهم زوجني فلانة واللهم اقض ديني الأصل فيه أن كل ما يستحيل السؤال من الناس فليس بكلامهم وما لا يستحيل منهم فهو كلامهم فيفسد الصلاة
وقال الشافعي يجوز أن يدعو في الصلاة بكل ما جاز خارجها ولو قال لا بما يشبه كلام الناس لكان مناسبا لما قبله تدبر
ثم يسلم المصلي عن يمينه مع الإمام كما في التحريمة وعندهما بعده وهو رواية عن الإمام فيقول السلام عليكم ورحمة الله إلى جانبيه والسنة أن تكون الثانية أخفض من الأولى ولا يقول وبركاته
و يسلم عن يساره كذلك خلافا لمالك فإنه يسلم مرة تلقاء وجهه لما روي أنه عليه الصلاة والسلام يسلم تلقاء وجهه ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام سلم عن يمينه وشماله حتى يرى بياض خديه ولو سلم تلقاء وجهه يصرف ذلك عندنا إلى اليمين فيعيده عن يساره
وينوي الإمام به أي بالتسليم من عن يمينه ويساره من الحفظة واختلف في هذه النية فقال بعضهم ينوي الكرام الكاتبين وهما اثنان واحد عن يمينه وواحد عن شماله والصحيح أن ينوي الحفظة ولا ينوي عددا لأن ذلك لا يعرف بطريق الإحاطة لأن الآثار قد اختلفت فقيل مع كل ملكان وهو الصحيح وقيل خمسة وقيل ستون وقيل مائة وستون والناس الذين كانوا معه في الصلاة فلا ينوي من لا شركة له في صلاته وهذا قول أكثر المشايخ وهو الصحيح وقيل ينوي جميع الرجال والنساء وقيل لا ينوي النساء في زماننا لعدم حضورهن الجماعة ولو قدم البشر على الملك
____________________
(1/154)
لكان أحسن لأن خواص البشر وأوساطه أفضل من خواص الملك وأوساطه عند أكثر المشايخ إلا أن يقال الواو لمطلق الجمع فلا دلالة على أفضلية المقدم
والمقتدي كذلك أي ينوي في جهتيه الحفظة والناس الذين كانوا معه في الصلاة وينوي المقتدي أيضا إمامه في الجانب الذي هو أي الإمام فيه أي ذلك الجانب يعني إن كان الإمام عن يمينه نواه في التسليم الأول وإن كان في شماله نواه في الثاني وإنما خص الإمام بالنية مع دخوله في الحاضرين لأنه أحسن إليه بالتزام صلاته صحة وفسادا
وفيهما إن حاذاه أي إن كان المأموم محاذيا للإمام نواه في التسليمتين عند محمد وهو رواية عن الإمام لأن للإمام حظا من الجانبين
وقال أبو يوسف نواه في الأولى فقط و ينوي المنفرد الحفظة في الجانبين فقط إذ ليس معه سواهم لا يصح خطاب الغائب
وفي الجامع الأصغر ينوي رجال العالم ونساءه وقال أبو القاسم ينبغي للمصلي أن ينوي للتسليمتين جميع أهل التوحيد والله تعالى أعلم
فصل لما فرغ من بيان صفة الصلاة وكيفيتها وأركانها وفرائضها وواجباتها وسنتها شرع في بيان أحكام القراءة في فصل على حدة لزيادة أحكام تعلقت بها دون سائر الأركان وابتدأ بذكر الجهر والإخفاء دون ذكر القدر لأن الجهر والإسرار واجب على الإمام والمقدار الزائد على الركن سنة يجهر الإمام بالقراءة في الجمعة والعيدين والفجر وأوليي العشاءين يعني المغرب والعشاء تغليبا أداء وقضاء هو قيد للثلاث الأخيرة فلا يجهر في الظهر والعصر وإن كان
____________________
(1/155)
بعرفات لأنه هو المأثور المتوارث من لدن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى هذا الزمان خلافا لمالك فيها
وقال صاحب المنح ويجهر في تراويح ووتر بعدها وقيدنا الوتر بكونه بعد التراويح لأنه إنما يجهر في الوتر إذا كان في رمضان لا في غيره كما أفاده ابن النجيم في بحره وهو وارد على إطلاق الزيلعي الجهر في الوتر إذا كان إماما انتهى وفيه كلام لأن الإمام إذا صلى الوتر في رمضان يجهر سواء كان صلى التراويح أو لم يصل وهو الصحيح ففي تقييده ببعدها وإيراده على إيراد الزيلعي نظر لأن أداء الوتر بالجماعة لا يجوز في غير رمضان إلا مع الكراهة على الصحيح والإمامة لا تتصور بغير الجماعة فيتعين كونه فيه فالإطلاق يكون في محله تدبر
وخير المنفرد بين الجهر والإخفاء في نفل الليل لأن النوافل أتباع الفرائض لكونها مكملات لها فيخير فيها كما يخير في الفرائض وإن كان إماما جهر لما ذكر من أنها أتباع الفرائض ولهذا يخفي في نوافل النهار ولو كان إماما
وفي الفرض الجهري إن كان في وقته أي إذا أراد المنفرد أداء الجهري خير إن شاء جهر لكونه إمام نفسه وإن شاء خافت إذ ليس خلفه من يسمعه
وفضل الجهر ليكون الأداء على هيئة الجماعة وروي أن من صلى على تلك الهيئة صلت بصلاته صفوف من الملائكة
وقال صاحب الفرائد وقيد بالجهري لأنه لا يخير في غيره بل يخافت حتما وقيد بقوله إن كان في وقته لأن المنفرد إذا قضى الجهر يخافت ولا يتخير حتى قال صاحب الهداية ومن فاتته صلاة العشاء فصلاها بعد طلوع الشمس إن أم فيها جهر وإن كان وحده خافت ولا يتخير هو الصحيح لأن الجهر يختص إما بالجماعة حتما أو بالوقت في حق المنفرد على وجه التخيير ولم يوجد أحدهما انتهى لكن هذا الحصر ممنوع لجواز أن يكون للجهر سبب آخر وهو موافقة الأداء كما اختاره شمس الأئمة وفخر الإسلام وجماعة من المتأخرين وفي الخانية هو الصحيح
وفي الذخيرة هو الأصح
ويخفيان أي الإمام والمنفرد حتما
____________________
(1/156)
أي وجوبا فيما سوى ذلك أي فيما سوى المذكورة وإنما لم يذكر التراويح والوتر لعدم التفاته إلى ما سوى الفرائض والواجبات المستقلة
وأدنى الجهر في حق الإمام إسماع غيره أي أحدا سواه فإن الغير بمعنى المغايرة كما في القهستاني وأعلاه أن يسمع الكل لكن الأولى أن لا يجتهد نفسه بالجهر فإن سماع بعض القوم يكفي كما في أكثر الكتب وما في الخلاصة وغيره من أنه إسماع الكل فلو سمع رجلان في المخافتة لم يكن جهرا لا يخلو عن شيء لأن القوم لو كانوا كثيرا ولم يمكن أن يسمع الكل يلزم أن يكون مخافتة
وأدنى المخافتة إسماع نفسه فقط وهو قول الهندواني وعلى أكثر المشايخ في الصحيح احتراز عما قيل إن أدنى الجهر إسماع نفسه وأدنى المخافتة تصحيح الحروف وهو قول الكرخي وصححه في البدائع وقال هو الأقيس وفي قوله أدنى إشارة إلى أن هذا القول غير ساقط عن حيز الاعتبار أصلا لأنه يشعر بأن أعلى المخافتة تصحيح الحروف كما في القهستاني
وكذا كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق والعتاق والاستثناء وغيرها من البيع والنكاح والإيلاء واليمين أي أدنى المخافتة في هذه الأشياء إسماع نفسه حتى لو طلق بحيث صحح الحروف ولكن لم يسمع نفسه لا يقع ولو طلق جهرا ووصل به إن شاء الله بحيث لم يسمع نفسه يقع الطلاق ولا يصح الاستثناء عن الهندواني خلافا للكرخي
ولو ترك سورة أوليي العشاء بأن قرأ الفاتحة فقط قضاها أي السورة في الأخريين مع الفاتحة أي مقارنا بفاتحة الأخريين وجهر بهما وهو الصحيح لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع
ولو ترك فاتحتهما أي فاتحة الأوليين لا يقضيها في الأخريين لأنه لو قرأها فيهما يلزم تكرار الفاتحة في ركعة واحدة وذا غير مشروع هذا عند الطرفين
وقال أبو يوسف لا يقضي واحدة منهما لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل ثم المذكور في الجامع الصغير يدل على الوجوب وهو قوله قرأها
وفي الأصل بلفظ الاستحباب فقال أحب إلي أن يقضيها
وفرض القراءة آية يعني ما يؤدى به فرض القراءة آية عند الإمام سواء كانت من الفاتحة أو غيرها ولو
____________________
(1/157)
كانت تلك الآية قصيرة هي كلمتان أو كلمات فتجوز بلا خلاف بين المشايخ وأما ما هي كلمة واحدة كمدهامتان أو حرف كص كما في أوائل السور فالأصح أنه لا يجوز لأنه يسمى عادا لا قارئا وفي الفتح كون ص حرفا غلط بل الحرف مسمى ذلك وهو ليس المقروء بل المقروء هو الاسم أعني ص كلمة انتهى وفيه كلام لأن القرآن ما هو المكتوب في المصاحف ولا شك أنه حرف غايته أن لا يتصور التعبير عنه إلا بالاسم ولو قرأ نصف آية طويلة في ركعة ونصفها في أخرى قال بعضهم لا يجوز والأكثرون على أنه يجوز لأن نصف الطويل يعدل ثلاث آيات قصار فلا يكون أدنى من آية
ولو قرأ نصف آية مرتين أو كلمة واحدة مرارا حتى يبلغ قدر آية تامة لا يجوز وقالا ثلاث آيات قصار أو آية طويلة تعدلها وهو رواية عن الإمام لأنه مأمور بالقراءة وبما دون هذا القدر لا يسمى قارئا عرفا فأشبه بما دون الآية وله قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن من غير فصل إلا أن ما دون الآية خارج إجماعا فيكون الآية مرادة وهذا الخلاف راجع إلى أصل مختلف فيه وهو أن الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف عنده والعكس أولى عندهما
وسنتها أي القراءة في السفر عجلة بفتحتين منصوب على الظرفية أي وقت العجلة وقيل على الحالية من فاعل السفر وفيه أن المصدر لا يقع حالا بلا تأويل الفاتحة وأي سورة شاء من القصار لأنه قد قرأ النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الفجر المعوذتين
وأمنة بالفتحات أي وقت الأمن نحو البروج وانشقت بعد الفاتحة في الفجر لإمكان مراعاة السنة بذلك مع التخفيف وكذا في الظهر
وفي المبسوط يقرأ في الفجر والظهر والعشاء نحو الطارق والشمس وفيما عداهما نحو الإخلاص
وفي الحضر حال السعة أربعون آية أو خمسون سوى الفاتحة في ركعتي الفجر لا في كل ركعة ويروى من
____________________
(1/158)
أربعين إلى ستين ومن ستين إلى مائة للأثر في كل ذلك ووفقوا بين الروايات فقيل أربعون للكسالى وإلى ستين للأوساط وإلى مائة للراغبين وقيل ينظر إلى طول الليالي وقصرها وقيل إلى طول الآيات وقصرها وقيل إلى قلة الاشتغال وكثرتها وقيل إلى خفة النفس وثقلها وقيل إلى حسن الصوت وقبحه والحاصل أنه يحترز عما ينفر القوم كي لا يؤدي إلى تقليل الجماعة واستحسنوا طوال المفصل فيها أي في الفجر
وفي الظهر لاستوائهما في سعة الوقت وقيل في الظهر دون الفجر لأنه وقت شغل تحرزا عن الملال وطوال جمع طويلة والمفصل السبع الأخير من القرآن سمي به لكثرة الفصل بين السور بالبسملة وقيل لقلة المنسوخ
وأوساطه في العصر والعشاء وقصاره في المغرب هكذا كتب عمر رضي الله تعالى عنه إلى أبي موسى الأشعري ولا تعرف المقادير إلا سماعا ثم أشار إلى بيان المفصل مع أقسامه بقوله
ومن الحجرات إلى البروج طوال قال ذلك الحلواني وغيره من أصحابنا وقيل من سورة القتال وقيل من ق وقيل من الجاثية ومنها أي من البروج إلى لم يكن أوساط ومنها أي ومن لم يكن إلى الآخر أي آخر القرآن قصار
وفي النهاية من الحجرات إلى عبس ثم التكوير إلى والضحى ثم الانشراح إلى الآخر وفي الضرورة بقدر الحال يعني يقرأ بقدر ما اقتضاه الحال إذا اضطر إلى التعجيل
وتطال الأولى على الثانية في الفجر فقط
____________________
(1/159)
بيان للسنة وهذا يعني إطالة القراءة في الركعة الأولى على الثانية في الفجر متفق عليه للتوارث ولما فيه من إعانة المؤمنين على إدراك فضيلة الجماعة لأنه وقت نوم وغفلة وفي قوله فقط دلالة على أنه لا تطويل في غير الفجر عند الشيخين
وعند محمد في الكل لأن التطويل في الفجر للإعانة على إدراك الناس الجماعة وهذا المعنى موجود في سائر الصلوات لكن هذا في حال اليقظة فلا يقاس على الفجر لوجود الفارق قال المرغيناني تعتبر الآي إن كانت متقاربة في الطول والقصر وإن كانت متفاوتة تعتبر الكلمات والحروف ولا يعتبر بما دون ثلاثة آيات وقيل ينبغي أن يكون التفاوت بالثلث والثلثين الثلثان في الأولى والثلث في الثانية وهذا بيان الاستحباب وأما بيان الحكم فلا بأس به وإن كان فاحشا سواء في الأولى أو في الثانية ولا بأس بأن يقرأ سورة في الأولى ويعيدها في الثانية
ولا يتعين شيء من القرآن لصلاة بحيث لا يجوز غيره احتراز عن مذهب الشافعي فإنه عين الفاتحة لجواز الصلاة حتى لا يجوز إذا لم يقرأها لحديث لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب والحجة عليه قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن فلا تثبت الزيادة بخبر الواحد والمقصود التعظيم
وكره التعيين أي تعيين سورة للصلاة مثل أن يقرأ الم تنزيل السجدة وهل أتى في الفجر يوم الجمعة قالوا هذا إذا رآه حتما إما لو فعلها لأجل التبرك أو لبعض الخصائص فلا بأس به ولكن يتركها أحيانا ويقرأ غيرها وهذا كتعيين مكان مخصوص في مسجد كما في أكثر الكتب لكن الظاهر أن المداومة مكروهة مطلقا لأن دليل الكراهة لم يفصل وهو إيهام التفضيل وهجر الباقي وعند الشافعي لا يكره بل يستحب
ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام في السرية والجهرية بل يستمع وينصت من الإنصات بمعنى السكوت خلافا للشافعي فإنه يقول يجب على المؤتم قراءة الفاتحة بعد قراءة الإمام في الجهرية ومع الإمام في السرية لأن القراءة ركن من الأركان فيشتركان ولنا قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه كانوا يقرءون خلف الإمام فنزلت
وقال أحمد أجمع الناس على أن هذه الآية نزلت في الصلاة وقوله عليه الصلاة والسلام من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة وعليه إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهو ركن مشترك بينهما لكن حظ المقتدي الإنصات والاستماع وهو حجة على ما يروى عن محمد أنه استحسن فيما لا يجهر احتياطا وإن وصلية قرأ إمامه آية الترغيب والترهيب لأن الاستماع فرض بالنص وسؤال الجنة والتعوذ من النار كل ذلك مخل به أو خطب معطوف على قرأ لما كانت الخطبة قائمة مقام ركعتي الظهر نزل من حضرها منزل
____________________
(1/160)
المؤتم كما في الإصلاح ثم إن الخطبة التي يجب استماعها فهي ذكر الله ورسوله والخلفاء والأتقياء والمواعظ وأما ما عداها من ذكر الظلمة فخارج عنها
وفي المحيط أن التباعد من الإمام أولى عند كثير من العلماء كي لا يسمع مدح الظلمة أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم لفرضية الاستماع إلا إذا قرأ قوله تعالى صلوا عليه الآية فيصلي سرا كما في أكثر الكتب والنائي أي البعيد الذي لا يسمع الخطبة والداني أي القريب سواء في وجوب الاستماع والإنصات امتثالا للأمر
فصل الجماعة سنة مؤكدة أي قريبة من الواجب حتى لو تركها أهل مصر لقوتلوا وإذا ترك واحد ضرب وحبس ولا يرخص لأحد تركها إلا لعذر منه المطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة وعند الشافعي أنها فريضة ثم اختلف فيها في قول عنه فرض كفاية وهو أيضا رواية عنهما
وعند مالك وأحمد فرض عين وهو أيضا رواية عن بعض مشايخنا ولكن غير شرط لجوازها فإنها لا تبطل صلاة من صلى بغير جماعة ولكن يأثم فيؤول إلى كون المراد به الوجوب
وفي المفيد أنها واجبة وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة لكن إن فاتته جماعة لا يجب عليه الطلب في مسجد آخر كما في أكثر الكتب
وفي الجوهرة لو صلى في بيته بزوجته أو ولده فقد أتى بفضيلة الجماعة
وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة أي بما يصلح الصلاة ويفسدها وقيد في السراج الوهاج تقديم الأعلم بغير الإمام الراتب
____________________
(1/161)
وأما الراتب فهو أحق من غيره وإن كان غيره أفقه منه ويمكن أن يقال الكلام في أن يكون هذا في نصب الإمام الراتب
وفي الحاوي القدسي وصاحب البيت أولى وكذا إمام الحي إلا إذا كان الضعيف ذا سلطان ثم أي بعد الاستواء في العلم أقرؤهم أي أعلمهم بالتجويد والمراعي له ويمكن أن يكون المراد أحفظهم للقرآن وهو المتبادر
وعند أبي يوسف بالعكس فإنه يقول الأولى أقرؤهم لقوله عليه الصلاة والسلام يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى لهما أن الحاجة إلى العلم أشد حتى إذا عرض له عارض أمكنه إصلاح صلاته فكان أولى
وفي الصدر الأول كانوا يتلقون القرآن بأحكامه فكان أقرؤهم أعلمهم
وفي زماننا أنه أكثر من يحسن القراءة لا حظ له من العلم فالأعلم أولى لكن هذا بعدما يحسن من القراءة قدر ما تقوم به سنة القراءة ولم يطعن في دينه ثم أورعهم أي أشدهم اجتنابا عن الشبهات لقوله عليه الصلاة والسلام من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي ثم أسنهم أي أكبرهم سنا لأن في تقديم الأسن تكثير الجماعة لأنه أخشع من غيره وقيل المراد به الأقدم إسلاما فعلى هذا لا يقدم شيخ أسلم على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله لكن في المحيط ما يخالفه فإنه قال وإن كان أحدهما أكبر والآخر أورع فالأكبر أولى إذا لم يكن فيه فسق ظاهر ثم أحسنهم خلقا أي أحسنهم في المعاشرة مع إخوانه
وفي المعراج ثم أحسنهم وجها أي أكثرهم صلاة بالليل للحديث الشريف من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار لكن لا حاجة إلى هذا التكلف بل يبقى على ظاهره لأن سماحة الوجه سبب لكثرة الجماعة خلفه ثم أشرفهم نسبا ثم أنظفهم ثوبا لأن في هذه الصفات تكثير الجماعة وإن استووا يقرع أو الخيار إلى القوم
وتكره إمامة العبد سواء كان معتقا أو غيره كما في القهستاني نقلا عن الخلاصة لأنه
____________________
(1/162)
لا يتفرغ للتعلم والأعرابي وهو الذي يسكن البادية عربيا كان أو عجميا لأن الغالب عليه الجهل إلا أن يكون أعلم القوم وفيه إشعار بأنه لا تكره إمامة العربي البلدي لكن في الكرماني أنه تكره كما في القهستاني والأعمى لأنه لا يتوقى النجاسة ولا يهتدي إلى القبلة بنفسه ولا يقدر على استيعاب الوضوء غالبا كما في الدرر وإنما قيده بقوله غالبا لأنه يلزم بعدم التقييد أن لا تجوز الصلاة أصلا لنقصان الوضوء
وفي البرهان لو لم يوجد بصير أفضل منه يكون هو أولى لاستخلاف النبي عليه الصلاة والسلام ابن أم مكتوم على المدينة حين خرج إلى تبوك وكان أعمى
والفاسق أي الخارج عن طاعة الله تعالى بارتكاب كبيرة لأنه لا يهم بأمر دينه وكذا إمامة النمام والمرائي والمتصنع وشارب الخمر والمبتدع أي صاحب هوى لا يكفر به صاحبه حتى إذا كفر به لم تجز أصلا قال المرغيناني تجوز الصلاة خلف صاحب هوى إلا أنه لا تجوز خلف الرافضي والجهني والقدري والمشبهة ومن يقول بخلق القرآن والرافضي إن فضل عليا فهو مبتدع وإن أنكر خلافة الصديق فهو كافر
وولد الزنا أي ليس له أب يؤدبه فيغلب عليه الجهل كما في الدرر لكن هذا يقتضي عدم الكراهة إذا كان أعلم زمانه بلى الأوجه تنفر الطبع عنه فيلزم تقليل الجماعة واختلف في اقتداء الشافعي وفي وتر النهاية أنه غير جائز
وفي الجواهر فالأحوط أن لا يصلي خلفه هذا إذا لم يعلم وأما إذا علم أنه يتعصب ولم يتوضأ من فصده ونحوه أو لم يغسل ثوبه من المني أو لم يفركه أو توضأ من ماء مستعمل أو نجس أو أشباهها مما يفسد الصلاة عندنا لا يجوز اقتداؤه فإن تقدموا جاز لقوله عليه الصلاة والسلام صلوا خلف كل بر وفاجر والفاسق إذا تعذر منعه تصلى الجمعة خلفه وفي غيرها ينتقل إلى مسجد آخر وكان ابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنهما يصليان الجمعة خلف الحجاج مع أنه كان أفسق أهل زمانه كما في التبيين
ويكره تطويل الإمام عن القدر المسنون الصلاة بالإجماع
____________________
(1/163)
وأما إذا صلى وحده فليصل كيف شاء
وكذا يكره جماعة النساء وحدهن لأنه يلزمهن إحدى المحظورين إما قيام الإمام وسط الصف أو تقدمه وهما مكروهان في حقهن كراهة تحريم إلا في صلاة الجنازة فإنها لا تكره فيها لأنها فريضة ولا تترك بالمحظور فإن فعلن أي إن صلين جماعة وارتكبن الكراهة يقف الإمام الإمام من يؤتم به أي يقتدى به ذكرا كان أو أنثى فلهذا لم يدخل تاء التأنيث وسطهن لأن عائشة رضي الله عنها فعلت كذا حين كانت جماعتهن مستحبة ثم نسخ الاستحباب
وفي السراج وإنما أرشد إلى التوسط لأنه أقل كراهة من التقدم لكن لا بد أن يتقدم عقبها عن عقب من خلفها ليصح الاقتداء حتى لو تأخر لم يصح والوسط بالتحريك اسم ما بين طرفي الشيء كمركز الدائرة وبالسكون اسم لداخلها وكلاهما محتمل ها هنا بل الأول أولى كما في القهستاني لأن كلا منهما يقع موقع الآخر قال الجزري وهو الأشبه كما في الراموز وبهذا ظهر ضعف ما قيل ولا يجوز فتحها فليتأمل كالعراة التشبيه راجع إلى الحكم والكيفية لا من كل الوجوه لأن صلاة العراة قعودا أفضل دون النساء
ولا يحضرن الجماعات في كل الصلاة نهارية أو ليلية لقوله عليه الصلاة والسلام صلاتها في قعر بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في مسجدها وبيوتهن خير لهن ولأنه لا تؤمن الفتنة من خروجهن إلا العجوز في الفجر والمغرب والعشاء وكذا العيدين لنوم الفساق في الفجر والعشاء واشتغالهم بالأكل في المغرب واتساع الجبانة في العيدين فيمكنها الاعتزال عن الرجال هذا عند الإمام وقيل المغرب كالظهر والجمعة كالعيدين وجوزا أي أبو
____________________
(1/164)
يوسف ومحمد حضورها أي العجوز في الكل لانعدام الفتنة لقلة الرغبة فيهن لكن هذا الخلاف في زمانهم وأما في زماننا فيمنعن عن حضور الجماعات وعليه الفتوى وقيد بالعجوز لأن الشابة ليس لها الحضور اتفاقا الشابة من خمس عشرة إلى تسع وعشرين والعجوز من خمسين إلى آخر العمر
ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه أي يقف المؤتم الواحد رجلا أو صبيا في جانبه الأيمن مساويا له ولا يتأخر في ظاهر الرواية وعن محمد يضع أصابعه عند عقب الإمام ولو قام عن يساره جاز ويكره
وفي كراهة القيام خلفه اختلف المشايخ والصحيح أنه يكره ولو كان معه رجل وامرأة فإنه يقيم الرجل عن يمينه والمرأة خلفهما
ويتقدم أي الإمام على الاثنين فصاعدا لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك
وعن أبي يوسف أنه يتوسط بين الاثنين وفيه إشارة إلى أن الأولى للإمام أن يتقدم إذا كان المؤتم متعددا لا أن يأمرهم بالتأخير كما في الإصلاح
ويصف الرجال في الاقتداء بالإمام لقوله عليه الصلاة والسلام ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الصبيان ثم الخناثى بفتح الخاء جمع الخنثى وهو معروف والمراد منه من يكون حاله مشكلا فإن تبين حاله يعد منه
____________________
(1/165)
وإنما أورد صيغ الجمع في بيان الصفوف لأن الصف لا يطلق إلا على الجماعة ثم النساء
وفي البحر قيل وليس هذا الترتيب بحاصر بجملة الأقسام الممكنة فإنها تنتهي إلى اثني عشر قسما والترتيب الحاصر لها أن يقدم الأحرار البالغون ثم الأحرار الصبيان ثم العبيد البالغون ثم العبيد الصبيان ثم الأحرار الخناثى الكبار ثم الأحرار الخناثى الصغار ثم الأرقاء الخناثى الكبار ثم الأرقاء الخناثى الصغار ثم الحرائر الكبار ثم الحرائر الصغار ثم الإماء الكبار ثم الإماء الصغار
فإن حاذته أي حاذت المرأة الرجل وحد المحاذاة أن يحاذي عضو منها عضوا من الرجل حتى لو كانت المرأة على الظلة والرجل بحذائها أسفل منها إن كان يحاذي الرجل منها تفسد صلاته
وقال الزيلعي المعتبر في المحاذاة الكعب والساق على الصحيح وفي إطلاقه إشعار بأن قليل المحاذاة مفسد كما قال أبو يوسف وأما عند محمد فيشترط مقدار ركن حتى لو تحرمت في صف وركعت في آخر وسجدت في ثالث فسدت صلاة من عن يمينها أو يسارها وخلفها من كل صف مشتهاة أي امرأة عاقلة مشتهاة في الحال وفي الماضي محرما كانت أو أجنبية فيدخل فيها العجوز وتخرج عنها الصبية التي لا تشتهى وإنما قيدنا بالعاقلة لأن المجنونة لا تفسد لأن صلاتها ليست بصلاة كما في النهاية ولا يخفى أن المجنونة لا تخرج بالمشتهاة كما توهم لأنها من أهل الشهوة في الجملة بل لا بد من هذا القيد فليتأمل في صلاة مطلقة وهي التي لها ركوع وسجود ولو بالإيماء واحترز بها عن صلاة الجنازة مشتركة لأن محاذاتها لمصل ليس في صلاتها لا تفسد لكنه مكروه كما في فتح القدير تحريمة بأن يبني أحدهما تحريمته على تحريمة الآخر أو بنيا تحريمتهما على تحريمة ثالثة وأداء بأن يكون أحدهما إماما للآخر أو يكون لهما إماما فيما يؤديانه حقيقة كالمدرك وهو الذي أتى الصلاة جميعها مع الإمام بأن تكون تحريمته على تحريمة الإمام وأداؤه على أدائه أو تقديرا كاللاحق وهو الذي فاته من آخر الصلاة بسبب نوم أو سبق حدث بأن يكون تحريمته على تحريمة الإمام حقيقة وأداؤه فيما يقضيه على أدائه تقديرا لأنه التزم متابعته في أول الصلاة بالتحريمة ولهذا لا يقرأ فيما يقضيه ولا يسجد لسهوه وتبطل صلاته بتبدل اجتهاده في القبلة ولا ينقلب فرضه أربعا إذا نوى الإقامة وإنما قيد الاشتراك بالأداء لأن الاشتراك لو ثبت في التحريمة دون الأداء كما إذا كانا مسبوقين وقاما لقضاء ما فاتهما لا تفسد محاذاتهما لأنهما ليسا بمشتركين أداء بل هما في
____________________
(1/166)
حكم المنفردين فيما يقضيانه بدليل وجوب القراءة عليهما والسجود لسهوهما وينقلب الفرض أربعا إذا نوى الإقامة قال بعض الفضلاء إن ذكر الاشتراك في الأداء مغن عن ذكر الاشتراك في التحريمة ولقائل أن يقول باستدراك الأداء أيضا فإن المشتركة على ما في الينابيع أن تقتدي المرأة وحدها أو مع الرجال من أول صلاة الإمام انتهى لكن المصنف أورد كلا منهما بالذكر تفصيلا بمحل الخلاف عن محل الوفاق كما هو دأب المؤلفين وذلك أن الاشتراك تحريمة شرط اتفاقا والاشتراك أداء شرط على الأصح ذكره في شرح التلخيص كما في الإصلاح في مكان متحد بلا حائل وأدناه قدر مؤخرة الرجل وغلظه غلظ الأصبع والفرجة تقوم مقامه وأدناها قدر ما يقوم الرجل فسدت صلاته أي صلاة الرجل استحسانا دون صلاتها لتركه فرض المقام لأنه مأمور بالتأخير لقوله عليه الصلاة والسلام أخروهن من حيث أخرهن الله وأنه من المشاهير وهو المخاطب دونها والقياس أن لا تفسد وهو قول الشافعي اعتبارا بصلاتها إن نويت إمامتها أي إن نوى الإمام إمامتها بعينها أو إمامة النساء وقت الشروع لا بعده
وفي البحر لا حاجة إلى هذا القيد لأنه علم من قيد الاشتراك لأنه لا اشتراك إلا بنية إمامتها إذ لو لم ينو إمامتها لم يصح اقتداؤها
ولا تدخل في صلاته بلا نيته إياها أي لا تدخل المرأة في صلاة الرجل إلا أن ينويها الإمام
وقال زفر تدخل بغير نية كالرجل ولنا أنه يلحقه من جهتها ضرر على سبيل الاحتمال بأن تقف في جنبه فتفسد صلاته فكان له أن يحترز عن ذلك بترك السنة وهذه المسألة كالتعليل لما قبلها
وفسد اقتداء رجل بامرأة لما روينا
وفي الخلاصة وإمامة الخنثى المشكل للنساء جائزة وللرجال والخنثى مثله لا يجوز أو صبي أي فسد اقتداء رجل وامرأة بصبي في فرض قضاء وأداء بالاتفاق إلا عند الشافعي وأحمد
وفي رواية عنه يجوز وفي النفل روايتان عنا قيل يجوز وقيل لا يجوز وهو المختار لأن
____________________
(1/167)
نفل الصبي دون نفل البالغ حيث لا يلزمه القضاء بالإفساد ولا يبنى القوي على الضعيف وفيه إشارة إلى أنه لا يقتدى به في صلاة الجنازة وإلى أنه يقتدي الصبي بالصبي كما في الخلاصة وطاهر أي صحيح والمراد به من لا عذر له بمعذور أي بمن به عذر وهو كسلس البول ونحوه لأنه يصلي مع الحدث حقيقة وإنما جعل حدثه كالعدم للحاجة إلى الأداء فكان أضعف حالا من الطاهر وفيه إشارة إلى جواز اقتداء المعذور بمثله إن اتحد عذرهما وإلا فلا كما في التبيين
وفي المجتبى واقتداء المستحاضة بالمستحاضة والضالة بالضالة لا يجوز قال بعض الفضلاء لعله لجواز أن يكون الإمام حائضا أما إذا انتفى الاحتمال فينبغي الجواز لأنه من قبيل المتحد وقارئ بأمي والأمي في الأصل من لا يكتب ولا يقرأ أو من لا يحسن الخط منسوب إلى الأمة فحذفت التاء فهو كالعامي أو عادة العامة وفيه إشارة إلى اقتداء أخرس بأخرس أو أمي بأمي كما في المحيط
وفي إمامة الأخرس بالأمي اختلاف المشايخ والمختار أنها لا تجوز لأن الأمي أقوى حالا منه لقدرته على التحريمة ومكتس أي لابس
ولو قال ومستور بعار لكان أولى لأن من ستر عورته بالسراويل لا يسمى مكتسيا في العرف مع أنه تصح صلاة المكتسي خلفه كما أفاده صاحب السراج بعار وغير موم بموم خلافا لزفر والشافعي في قوله فيهما ومفترض
ولو كان ذلك الفرض من قبل نفسه كما إذا نذر بمتنفل لأنه أضعف حالا منه أو بمفترض فرضا آخر كمصلي الظهر اقتدى بمصلي العصر لانتفاء الشركة ولا يخفى أنه يكون واحد منهما قضاء وعند الشافعي يجوز فيهما وكذا لا يجوز اقتداء الناذر بالناذر إلا إذا نذر أحدهما عين ما نذره الآخر ويجوز اقتداء الحالف بالحالف ولا يجوز اقتداء الناذر بالحالف وبالعكس يجوز
وفي النوادر رجلان افتتحا الصلاة
____________________
(1/168)
ونوى كل واحد منهما أن يكون إماما لصاحبه فصلاتهما تامة لأن الإمامة تصح من غير نية فلغت النية وصار كل واحد شارعا في صلاة نفسه وإن نوى كل واحد أن يأتم بصاحبه فصلاتهما فاسدة لأن كل واحد قصد الاشتراك ولم تصح لاستحالة كون كل واحد إماما ومؤتما
ويجوز اقتداء غاسل بماسح لاستواء حالهما لأن الخف مانع من سراية الحدث إلى القدم وما حل بالخف يزيله المسح والماسح على الجبيرة كالماسح على الخفين بل هو أولى لأنه كالغسل لما تحته
ومتنفل بمفترض لأن الفرض أقوى إذ الحاجة في حق المتنفل إلى أصل الصلاة وهو موجود في الفرض وزيادة صفة الفرضية ولا يقال إن القراءة في الأخيرين فرض في حق المتنفل وفي الفرض ليس كذلك لأن صلاة المقتدي أخذت حكم صلاة الإمام بسبب الاقتداء وموم بمثله سواء كانا قائمين أو قاعدين أو مستلقيين أو مضطجعين واختلف في المومي قاعدا بالمومي مضطجعا وكلام المصنف يشعر عدم الجواز كما في الدرر وغيره لأنه قال بمثله ولم يقل بموم لكن في النهاية الأصح الجواز وقائم بأحدب أي المنحني سواء كان أحدب أو أقعس لاستواء النصف الأسفل وكذا الأعرج وما أشبه ذلك
وفي الظهيرية خلافه لأنه قال ولا تصح إمامة الأحدب للقائم وقيل تجوز والأول أصح
وكذا يجوز اقتداء المتوضئ بالمتيمم عند الشيخين لأن التراب خلف عن الماء عندهما فيكون شرط الصلاة موجودا في كل واحد منهما كما في الغاسل والماسح ولا يقتدي بالمتيمم متوضئ معه ماء كما في أكثر الكتب والقائم بالقاعد لأنه عليه الصلاة والسلام صلى آخر صلاته قاعدا والقوم خلفه قيام خلافا لمحمد فيهما أي في المسألتين الأخيرتين لأنه قال في أول التيمم خلف عن الوضوء فلا يصح الاقتداء إذ ليس لصاحب الأصل أن يبني صلاته على صلاة صاحب الخلف والثانية أن حال القائم أولى لأنه كامل فلا يجوز اقتداؤه بالناقص وهو القياس
وإن علم المأموم بعد فراغ الإمام أن إمامه كان محدثا حين صلى أعاد لقوله عليه الصلاة والسلام من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا وفيه خلاف الشافعي بناء على أن الاقتداء عنده أداء على سبيل الموافقة لا في الصحة والفساد
وفي التنوير إذا ظهر حدث إمامه بطلت فيلزم إعادتها وهذا أولى من عبارة الكنز حيث قال أعاد أي على سبيل الفرض ومراده بالإعادة الإتيان بالفرض لا الإعادة في اصطلاح الأصوليين الجابرة للنقص في المؤدى انتهى وفيه كلام لأن عبارة الكنز موافقة للحديث
____________________
(1/169)
والموافقة أولى فلهذا اختاره فليتأمل
وإن اقتدى أمي وقارئ بأمي فسدت صلاة الكل عند الإمام سواء علم الإمام أن في خلفه قارئا أو لم يعلم في ظاهر الرواية وقالا صلاة القارئ فقط لأن المأموم الأمي معذور مثل الإمام كما إذا أم العاري عاريا وكاسيا والجريح جريحا وصحيحا وله أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها فتفسد صلاته وهذا لأنه لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته قراءة له بخلاف تلك المسألة وأمثالها لأن الموجود في حق الإمام لا يكون موجودا في حق المقتدي ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده جاز وهو الصحيح لأنه لم تظهر منهما رغبة في الجماعة كما في الهداية
وفي النهاية لو اقتدى الأمي أميا ثم حضر القارئ ففيه قولان ولو حضر الأمي بعد افتتاح القارئ فلم يقتد به وصلى منفردا فالأصح أن صلاته فاسدة انتهى ففيه مخالفة لما في الهداية تدبر
ولو استخلف الإمام القارئ أميا في الأخريين بعد ما قرأ في الأوليين فسدت لأن كل ركعة صلاة فلا يجوز خلوها عن القراءة تحقيقا أو تقديرا ولا تقدير في حق الأمي لعدم الأهلية
وقال زفر لا تفسد لتأدي فرض القراءة هذا إذا قدمه في التشهد قبل الفراغ أما لو استخلفه بعده فهو صحيح بالإجماع لخروجه عن الصلاة بصنعه وقيل تفسد صلاتهم عنده لا عندهما والصحيح الأول كما في الغاية
____________________
(1/170)
باب الحدث في الصلاة لما فرغ من بيان أحكام الصلاة السالمة في حالة الانفراد والجماعة شرع في بيان ما يلحقها من العوارض المانعة من المضي فيها من سبقه أي عرض له بلا اختيار حدث غير مانع للبناء كالجنابة وغيرها في الصلاة توضأ بلا مكث وإنما قيدنا بلا مكث لأن جواز البناء شرطه أن ينصرف من ساعته حتى لو أدى ركنا مع حدث أو مكث مكانه قدر ما يؤدي ركنا فسدت صلاته كما في أكثر الكتب لكن ليس بإطلاقه لأنه إذا أحدث بالنوم ومكث ساعة ثم انتبه فإنه يبني كما في التبيين وبنى خلافا للشافعي فإن عنده لا يجوز البناء بل يستقبل لأن الحدث ينافي الصلاة إذ لا وجود للشيء مع منافيه وهو القياس لكن تركناه بقوله عليه الصلاة والسلام من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم والاستئناف أفضل تحرزا عن شبهة الخلاف وقيل إن المنفرد يستأنف والإمام والمقتدي يبنيان لفضيلة الجماعة
وإن كان المحدث إماما جر بأخذ الثوب أو الإشارة آخر ممن يصلح للإمامة والمدرك أولى من اللاحق والمسبوق إلى مكانه واضعا يده على فمه موهما أنه رعف هكذا روي عن النبي عليه الصلاة والسلام ولو أحدث في ركوعه أو سجوده يتأخر محدودبا ثم ينصرف ولا يرتفع مستويا فتفسد صلاته ويشير إليه بوضع اليد على الركبة لترك الركوع وعلى الجبهة للسجود وعلى الفم للقراءة ويشير بأصبع إلى ركعة وبأصبعين إلى ركعتين هذا إذا لم يعلم الخليفة ذلك
____________________
(1/171)
أما إذا علم فلا حاجة إلى ذلك فإذا توضأ الإمام عاد وأتم في مكانه حتما إن كان إمامه أي الذي استخلفه فإنه إمام له وللقوم لم يفرغ عن الصلاة وكذا المقتدي إذا سبقه حدث حتى لو صلى في مكان آخر لم يصح اقتداؤه فسدت صلاته لأن الاقتداء واجب عليه وقد بنى في موضع لا يصح اقتداؤه فيه ولا يجوز انفراده لأن الانفراد في موضع الاقتداء مفسد
وفي شرح الطحاوي يشتغل أولا بقضاء ما سبقه الإمام بغير قراءة لأنه لاحق ثم يقضي آخر صلاته ولو تابع الإمام أولا جاز ويقضي ما فاته لأن ترتيب أفعال الصلاة ليس بشرط عندنا خلافا لزفر
وإلا أي وإن كان إمامه قد فرغ منها فهو مخير بين العود وبين الإتمام حيث أي في مكان توضأ وإنما خير لأن في الأول أداء الصلاة في مكان واحد وهو اختيار شيخ الإسلام والإمام السرخسي وهو أفضل كما في الكافي وفي الثاني قلة المشي وهو اختيار البعض كالمنفرد أي كما هو مخير بينهما
ولو أحدث المصلي عمدا أي باختياره وقصده استأنف لأن البناء ثبت على خلاف القياس فاقتصر على مورده فلم يجز البناء في العمد
وكذا لو جن هو من أفعال لم يستعمل إلا مجهولا أو أغمي عليه أو احتلم بأن نام في الصلاة نوما لا ينتقض وضوءه أو وجب عليه غسل فيشمل ما إذا حاضت أو أنزل بالنظر أو غيره أو قهقه ناسيا أو عامدا لأنه كالكلام وفيه إشعار بأن الضحك غير مانع كما في المحيط أو أصابته نجاسة مانعة من الصلاة من غير حدث سواء كانت من بدنه أو غيره كما في المنح
وفي القهستاني أن المانع من البناء نجاسة الغير لا نجاسته وهذا يخالف ما في المنح تدبر
أو شج فسال دمه وقال ابن ملك
وفي المحيط لو وقع على رأسه الكمثرى من الشجرة في صلاته فشجه يبني عند أبي يوسف لأنه لا صنع له فيه فصار كالسماوي وعندهما لا يبني لأن إنبات الشجرة كان بصنع العباد فلا يكون كالسماوي انتهى
وقال صاحب الفرائد نعم إنبات الشجرة كان بصنع العباد لكن ليس بصنع المصلي
____________________
(1/172)
انتهى وفيه كلام لأنه يحتمل أن يكون بصنع المصلي وهذا يكفي أن لا يكون كالسماوي فليتأمل
أو ظن أنه أحدث فخرج من المسجد أو جاوز الصفوف خارجه حال كونه خارج المسجد فإن مكان الصفوف في الصحراء له حكم المسجد إن مشى يمنة أو يسرة أو خلفا وإن مشى أمامه أو ليس بين يديه سترة فالصحيح هو التقدير بموضع السجود
وفي المحيط أن المنفرد تفسد صلاته في المسجد أو الصحراء بالخروج عن موضع سجوده عن الجوانب الأربع ثم ظهر أنه لم يحدث يستأنف في هذه الحوادث كما لو أحدث عمدا لأن وجود هذه الأشياء نادر فلا يقاس على مورد الشرع ولو لم يخرج أي الإمام أو المقتدي من المسجد أو لم يجاوز الصفوف خارجه بنى في الصورتين استحسانا لأن غرضه الإصلاح فألحق غرضه بحقيقة الإصلاح ما لم يختلف المكان والقياس الاستئناف وهو مروي عن محمد لوجود الانصراف من غير عذر وإنما صرح بهذه المسألة مع كونها مستفادة من المفهوم تفصيلا لمحل الخلاف كما بين
ولو سبقه الحدث بعد ما قعد قدر التشهد في آخر الصلاة توضأ بلا توقف وسلم لأنه لم يبق عليه سوى السلام ولأن التسليم واجب فيتوضأ ليأتي به وإن تعمده أي الحدث في هذه الحالة أي بعدما قعد قدر التشهد أو عمل ما ينافيها أي الصلاة تمت صلاته لوجود الخروج بصنعه وقد وجدت أركانها
وتبطل عند الإمام إن رأى المصلي في هذه الحالة أي بعدما قعد قدر التشهد وهو متيمم ماء مفعول رأى والمراد بالرؤية القدرة على الاستعمال ولو قال إن قدر على الماء لكان أحسن
وفي الدرر تفصيل فليراجع أو تمت مدة مسح الماسح وهو واجد للماء على الأصح أو نزع خفيه بعمل قليل لأن العمل الكثير يخرج به عن الصلاة فتتم صلاته اتفاقا ولو قال أو نزع خفه لكان أولى لأن الحكم في الخف الواحد
____________________
(1/173)
كذلك أو تعلم الأمي سورة أي تذكر بعد النسيان وقيل حفظه بالسماع من غيره بلا اشتغال بالتعلم وإلا تمت صلاته ولو قال آية لكان أحسن لأن عند الإمام الآية تكفي
أو وجد العاري ثوبا تجوز به الصلاة أو قدر المومي على الأركان لأن آخر صلاته أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف
أو تذكر صاحب الترتيب صلاة فائتة وفي الوقت سعة
وفي السراج ثم هذه الصلاة لا تبطل مطلقا عند الإمام بل تبقى موقوفة إن صلى بعد خمس صلوات وهو يذكر الفائتة فإنها تنقلب جائزة وإنما ذكرها على الإطلاق تبعا لما في الكنز وغيره
أو استخلف الإمام القارئ أميا
وفي البحر واختار فخر الإسلام أنه لا فساد بالاستخلاف بعد التشهد بالإجماع وصححه في الكافي وغاية البيان لأن استخلاف الأمي فعل مناف للصلاة فيكون مخرجا منها
أو طلعت الشمس في الفجر أو دخل وقت العصر في الجمعة هذه المسألة لا تتصور إلا على رواية الحسن عن الإمام إن آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله كما هو قولهما كما في الينابيع وغيره قال صاحب الفرائد نعم يتحقق الخروج لكن قيل أو دخل وقت العصر وإذا كان بينهما وقت مهمل عنده لم يدخل وقت العصر بل يخرج وقت الجمعة انتهى هذا مخالف لما قاله في أول كتاب الصلاة فإنه قال وروى حسن بن زياد عنه إذا صار كل شيء مثله سوى فيء الزوال خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر وبه أخذ أبو يوسف ومحمد وروى أسد بن عمر عنه إذا صار ظل كل شيء مثله سواء خرج وقت الظهر ولم يدخل وقت العصر وعلى هذه الرواية بين الظهر والعصر وقت مهمل لا على رواية الحسن فافهم
وفي الكافي وغيره هذا على اختلاف القولين وفي المعراجية قيل تخصيص الجمعة اتفاقي لأن الحكم في الظهر كذلك
أو زال عذر المعذور والمراد بالزوال أن يستوعب الانقطاع وقتا
____________________
(1/174)
كاملا فلو انقطع العذر بعد التشهد وسال في وقت صلاة أخرى فالصلاة الأولى جائزة عند الإمام وإن لم يسل فهي باطلة لتحقيق الانقطاع بعد التشهد
أو سقطت الجبيرة عن برء لأن سقوطها بغير صنعه فيكون مبطلا لأن الخروج من الصلاة بصنعه فرض عند الإمام في رواية كما بين آنفا لا عندهما وهذه المسائل تسمى اثني عشرية في الرواية المشهورة قيل هي خطأ من حيث العربية لأنه لا تجوز النسبة إلى اثني عشر وغيره من العدد المركب إلا إذا كان علما فحينئذ ينسب إلى صدره يقال خمسي في خمسة عشر وبعلي في بعلبك كما في المفصل وإنما قال الإمام ببطلان الصلاة في هذه المسائل لأن ما يغير الصلاة في أثنائها يغيرها في آخرها كنية الإقامة واقتداء المسافر بالمقيم
ولو استخلف الإمام مسبوقا وهو الذي لم يدرك أول صلاة الإمام صح استخلافه لوجود المشاركة في التحريمة وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم ولو تقدم جاز وكذا لو كان الإمام مسافرا ينبغي أن لا يتقدم مقيما فإذا أتم المسبوق المستخلف صلاة الإمام بأن انتهى إلى السلام يقدم مدركا أي يستخلفه ويجر مكانه ليسلم بهم أي القوم لأنه عاجز عن التسليم ويقوم هو إلى قضاء ما سبق تم لو فعل ذلك المسبوق منافيا أي ما ينافي الصلاة بعده أي بعد تمام صلاة الإمام يضره أي المسبوق
والأول بالنصب أي يضره ذلك المنافي ويضر الإمام الأول لأنه وجد في خلال صلاتهما إن لم يكن الإمام الأول فرغ من صلاته
ولا يضر من فرغ بأن توضأ وأدرك خليفته بحيث لم يسبقه شيء وأتم صلاته خلف خليفته فحينئذ لم تفسد صلاته لأن فعل المسبوق المستخلف منافي الصلاة بعد الإتمام في حقه وكذا لم يضر القوم إذ قد تمت صلاتهم
ولو قهقه الإمام عند الاختتام أي بعدما قعد قدر التشهد أو أحدث عمدا في ذلك الحين وإنما قيد عند الاختتام لأنه قبله أفسد صلاة الجميع بالاتفاق فسدت صلاة من كان
____________________
(1/175)
مسبوقا قيد بالمسبوق لأن صلاة المدرك لا تفسد وفي صلاة اللاحق روايتان لا إن تكلم أو خرج من المسجد أي لا تفسد صلاة المسبوق بخروج إمامه وكلامه بعد القعود ولا خلاف في الثاني وخالفا في الأول قياسا للثاني لأن صلاة المقتدي مبنية على صلاة الإمام صحة وفسادا ولم تفسد صلاة الإمام اتفاقا في الكل فكذا المقتدي وفرق الإمام بأن الحدث مفسد للجزء الذي يلاقيه من صلاة الإمام فيفسد مثله من صلاة المقتدي غير أن الإمام لا يحتاج إلى البناء والمسبوق محتاج إليه والبناء على الفاسد فاسد بخلاف السلام لأنه منه والكلام في معناه ولهذا لا يخرج المقتدي منها بسلام الإمام وكلامه فيسلم ويخرج بحدثه عمدا فلا يسلم بعده كما في المنح والمصنف لم يذكر في هذه المسألة خلافا وهو مذكور في أكثر الكتب أخذا بقول الإمام
ومن سبقه الحدث في ركوع أو سجود أعادهما بعد التوضؤ حتما إن بنى لأن تمام الركن بالانتقال ومع الحدث لا يتحقق فلا بد من الإعادة
ومن تذكر سجدة نسيها في هذه الصلاة في ركوع أو سجود فسجدها أي قضاها في ذلك الركوع والسجود ندب إعادتهما لتقع الأفعال مرتبة بالقدر الممكن ولا تجب عليه إعادتهما خلافا لأبي يوسف لأن القومة التي بين الركوع والسجود عنده فرض
ومن أم فردا فأحدث فإن كان المأموم رجلا صالحا للاستخلاف تعين للاستخلاف وإن وصلية لم يستخلفه لما فيه من صيانة الصلاة إذ خلو مكان الإمامة عن الإمام يفسد صلاة المقتدي حتى لو أحدث الإمام فلم يقدم أحدا حتى خرج من المسجد تفسد صلاة القوم وتعيين الإمام لقطع المزاحمة عند كثرة القوم وهو متعين للاستخلاف بلا مزاحم فلا حاجة إلى الاستخلاف
وإلا
____________________
(1/176)
أي وإن لم يصلح المأموم للإمامة مثل المرأة والصبي والخنثى فقيل يتعين ذلك الفرد فتفسد صلاتهما وجه فساد صلاة الإمام استخلافه من لا يصلح للإمامة وعلة فساد صلاة المأموم خلو مكان الإمامة عن الإمام والأصح أنه لا يتعين فتفسد صلاته أي صلاة المأموم فقط دون صلاة الإمام لأن الإمام منفرد فلا تبطل صلاته بالخروج عن المسجد عند الحدث والمقتدي يكون مقتديا بمن هو خارج المسجد فتبطل صلاته
ولو حصر الإمام عن القراءة جاز له الاستخلاف عند الإمام خلافا لهما والخلاف فيما إذا لم يقرأ ما تجوز به الصلاة أما إذا قرأ فعليه أن يركع ولا يجوز الاستخلاف إجماعا
باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها لما فرغ من العوارض الجبرية المسماة بالسماوية شرع في بيان العوارض الاختيارية المسماة بالكسبية وقدم السماوية لأصالتها يفسدها الكلام ولو سهوا واقتصر المصنف على قوله سهوا مع أن الخطأ والنسيان داخلان في الحكم لعدم التفرقة بينهما شرعا كما لم يفرق صاحب الهداية أو في نوم وهو قول كثير من المشايخ وهو المختار
وفي المنح واختار فخر
____________________
(1/177)
الإسلام وغيره أنها لا تفسد وقال الشافعي لا تفسد في الخطأ والنسيان إذا كان التكلم قليلا وكذا أي تفسدها الدعاء بما يشبه كلام الناس وهو ما يمكن طلبه منهم خلافا للشافعي ووجهه بين في صفة الصلاة والأنين صوت المتوجع قيل هو أن يقول آه بالمد وكسر الهاء والتأوه أن يقول أوه بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر الهاء والتأفيف أن يقول أف بضم الهمزة وكسر الفاء المشددة بالتنوين وبدونه ولغاته أكثر من العشرة كما في الرضا
ولو كانت بحرفين أي يفسدها ولو كانت بحرفين خلافا لأبي يوسف وفي المجتبى الصحيح أن خلافه إنما هو في المخفف وفي المشدد تفسد عندهم انتهى
وفي الخلاصة أن الأصل عنده أن في الحرفين لا تفسد صلاته وفي أربعة أحرف تفسد وفي ثلاثة أحرف اختلف المشايخ فيها و الأصح أنها لا تفسد هذا يخالف ما في المجتبى تدبر
والبكاء بصوت ويحصل به حرف وفيه إشعار بأنه لو خرج الدمع بلا صوت لم تفسد وهذه الأربعة تفسدها إن كانت لوجع أو مصيبة فصار كأنه يقول أنا مصاب فعزوني ولو صرح به تفسد الصلاة لكونه من
____________________
(1/178)
كلام الناس لا أي هذه المذكورات لا تفسدها إن كانت لذكر جنة أو نار فصار كأنه يقول اللهم أني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار ولو صرح به لا تفسد لكونه دعاء لا يمكن طلبه من الناس
و يفسدها التنحنح بلا عذر هو أن يقول أح أح بالفتح والضم وإنما يفسد لأنه حصل منه الحروف بلا عذر ولا غرض صحيح خلافا لأبي يوسف في الحرفين وإنما قيد بلا عذر لأنه بعذر كمن له سعال لا يبطل الصلاة بلا خلاف وإن حصل به حروف ولو قال بلا عذر أو غرض صحيح لكان أولى لأنه إن كان لغرض صحيح كتحسين صوته للقراءة أو للإعلام أنه في الصلاة أو ليهتدي إمامه عند خطئه فالصحيح عدم الفساد كما في التبيين وغيره وقيل عدم الفساد مطلقا لأنه ليس بكلام
وتشميت عاطس التسميت بالمهملة عند أبي العباس مأخوذ من السمت وهو القصد وبالمعجمة عند أبي عبيدة وهو أفصح لأنه أعلى في كلامهم وأكثر وهو أن يقول المصلي للعاطس يرحمك الله ولو قال لنفسه لا تفسد لأنه بمنزلة يرحمني الله كما في الظهيرية وأما إذا قال أحدهما الحمد لله لا تفسد عند الأكثر وقصد الجواب بالحمدلة أو الهيللة أو السبحلة أو الاسترجاع أو الحوقلة صورته رجل أخبر المصلي بما يسره أو قال هل مع الله آلهة أخرى أو أخبر بما يتعجب منه أو أخبر بموت رجل أو أخبر بما يسوءه فقال المصلي الحمد لله أو قال لا إله إلا الله أو سبحان الله أو إنا لله وإنا إليه راجعون أو لا حول ولا قوة إلا بالله مريدا به جوابه تفسد صلاته عند الطرفين لأنه أخرجه جوابا له وهو صالح له لأنه يستعمل في موضعه عرفا خلافا لأبي يوسف لأن هذه الألفاظ ثناء بأصله فلا
____________________
(1/179)
يخرج بإرادة الجواب عن الثناء كما لا يصير كلام الناس بالقصد ثناء لكن الصحيح قولهما
ولو أراد المصلي بذلك أي بأحد المذكورات إعلامه أنه في الصلاة لا تفسد اتفاقا لقوله عليه الصلاة والسلام إذا نابت أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح
ولو فتح المصلي على غير إمامه فسدت صلاة نفسه سواء كان ذلك الغير في صلاة أو لا لأنه تعليم وتعلم فكان من كلام الناس إلا أن ينوي التلاوة دون التعليم وفيه إشارة إلى أن صلاة المفتوح عليه لم تفسد بالأخذ وإلى أنه لا يشترط تكرار الفتح للفساد
وفي الأصل أنه يشترط والأول الصحيح كما في التبيين لا أي لا تفسد إن فتح على إمامه مطلقا سواء كان قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة أو لم يقرأ أو تحول إلى آية أخرى أو لم يتحول والأصح وعليه الفتوى احتراز عن قول بعض المشايخ أنه إذا قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة أو انتقل إلى آية أخرى ففتح تفسد صلاة الفاتح وإن أخذ الإمام منه تفسد صلاة الإمام أيضا لأن هذا الفتح لم يكن كلاما استحسانا لأنه مضطر إلى إصلاح صلاته فكان هذا من أعمال صلاته معنى لكن ينبغي للمقتدي أن لا يعجل الفتح وللإمام أن لا يلجئهم إليه بل يركع إذا قرأ مقدار ما يسقط به الفرض وإلا انتقل إلى آية أخرى
و يفسدها السلام عمدا وإن لم يقل عليكم وإنما قيد بالعمد لأن السلام سهوا غير مفسد لكن ليس على إطلاقه بل للخروج عن
____________________
(1/180)
الصلاة ساهيا قبل إتمامها والمعنى أنه يظن أنه أكمل لا السلام على إنسان سهوا إذ قد صرحوا أنه إذا سلم سهوا على إنسان فقال السلام ثم علم فسكت تفسد صلاته كما قاله الكمال في مقدمته فهذا التحقيق يندفع ما قيل إن إطلاق صاحب الكافي وصاحب الكنز شامل للسهو والعمد فتلزم المخالفة انتهى لأن شمول إطلاقهما للسهو يمكن بحمل السلام على إنسان هاهنا فلا حكم بالمخالفة تدبر ورده أي يفسدها رد السلام سواء كان ساهيا أو عامدا لأنه ليس من الأذكار بل هو كلام ولو قيده بلسانه لكان أولى لأن رده بيده أو برأسه أو بأصبعه لا يفسد صلاته وهو الصحيح على أنه ذكر في فصل الكراهة عدم الفساد بالإشارة باليد
و تفسدها قراءته من مصحف عند الإمام قليلا أو كثيرا كما في الجامع وقيل إن قرأ آية وقيل إن قرأ قدر الفاتحة لأن حمل المصحف ووضعه عند الركوع ورفعه عند القيام وتقليب أوراقه عمل كثير وأن التلقي من المصحف شبيه بالتلقي من المعلم فعلى التعليل الأول تجوز الصلاة بالقرآن من الموضوع على شيء وعلى الثاني لا تجوز وعندهما تجوز صلاة من يحفظ القرآن إذا قرأ من مصحف من غير حمل كذا في الشمني وغيره لكن إطلاق المصنف مشير إلى أن الحافظ وغيره سواء خلافا لهما أي لا تفسد قراءة المصلي من المصحف عندهما والشافعي لأن القراءة عبادة والنظر في المصحف عبادة أخرى والعبادة الواحدة غير مفسدة فكيف إذا انضمت إلى أخرى إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع الكفار كما في أكثر الكتب وفيه كلام لأن التشبيه مطلقا لا يكره لأنا نأكل كما يأكلون بل إنما هو التشبيه فيما كان مذموما وفيما يقصد به التشبيه فعلى هذا لو لم يقصد لم يكره عندهما كما في البحر
وأكله وشربه يفسدانها مطلقا عامدا كان المصلي أو ناسيا فرضا كانت الصلاة أو نفلا وقيل يجوز الشرب في النفل قيل ينبغي أن يكون النسيان عفوا كما في الصوم أجيب بأنها ليست كالصوم لأن حالتها مذكرة دون حالته ولو أكل سمسمة من خارج فسدت صلاته وكذا لو وقعت في فمه مطر فابتلعها
وسجوده على نجس أي يفسدها عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فيما إذا أعاده على طاهر يعني يقول إذا سجد على نجس يفسد السجدة لا الصلاة حتى لو أعادها على موضع طاهر صحت السجدة أيضا لأن أداءها على
____________________
(1/181)
النجاسة كالعدم كما لو ترك سجدة فأداها بعد فراغه جازت صلاته ولهما فساد الكل لفساد جزئه بخلاف تركها فإن الجزء لم يفسد بل ترك
والعمل الكثير واختلف في حده قيل هو ما يحتاج إلى اليدين وقيل ما يشك الناظر أن عامله في الصلاة أو لا وهو اختيار العامة وقيل ما يكون ثلاثا متواليا حتى لو روح على نفسه بمروحة ثلاثا أو حك موضعا من جسده ثلاثا تفسدان على الولاء وقيل ما يكون مقصودا للفاعل بأن يفرد له مجلس على حدة كما إذا مس زوجته بشهوة فإنه مفسد وقيل ما يستكثره المصلي قال السرخسي هذا أقرب إلى مذهب الإمام فإن دأبه في مثله التفويض إلى رأي المبتلى به
وشروعه في غيرها أي يفسدها شروع المصلي في صلاة غير ما صلى صورتها صلى ركعة من الظهر مثلا ثم افتتح العصر أو التطوع فقد نقض الظهر لأنه صح شروعه في غير ما هو فيه فيخرج عما هو فيه فيتم الثاني ولا تحسب منها الركعة التي صلاها قبلها لا شروعه فيها ثانيا أي لا يفسدها افتتاح الظهر بعدما صلى من الظهر ركعة بل يبقى على ما كان عليه حتى يجزئ بتلك الركعة حتى إذا لم يقعد في الرابعة التي ثالثة عنده فسدت صلاته لأنه نوى الشروع في عين ما هو فيه إلا إذا كبر ينوي إمامة النساء أو الاقتداء بالإمام أو كان مقتديا ينوي الانفراد فحينئذ يصير شارعا فيما كبر ويبطل ما مضى من صلاته للتغاير ولو قيد إذا لم يتلفظ بلسانه لكان أولى لأنه إن نوى بقلبه وتلفظ بلسانه فسدت الأولى وصار مستأنفا للمنوي ثانيا مطلقا لأن الكلام مفسد
ولا إن نظر إلى مكتوب وفهمه يعني إذا كان قدام المصلي شيء مكتوب على الجدار أو كتاب منشور أو غير ذلك فنظر فيه وفهم معناه فالصحيح أنه لا يفسد صلاته بالإجماع بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم عند محمد لأن المقصود هناك الفهم أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير كما في الهداية
أو أكل ما بين أسنانه دون الحمصة لعدم
____________________
(1/182)
إمكان الاحتراز عنه فيتبع لريقه ضرورة ولهذا لا يفسد الصوم وقيل ما دون ملء الفم حتى لو ابتلع شيئا بين أسنانه قدر الحمصة لا تفسد كما في المحيط وكذا لو ابتلع عينا من السكر قبل الشروع ثم ابتلع حلاوته لم تفسد وتفسد في قدرها أي الحمصة لأنه بمنزلة ما يؤكل من الخارج
وإن مر مار في موضع سجوده إذا كان على الأرض أو حاذى الأعضاء الأعضاء إذا كان على الدكان أثم المار ولا تفسد يعني شرط في كون المار آثما أن يمر في موضع سجوده إذا كان المصلي قائما على الأرض أو أن يحاذي جميع أعضائه أعضاء المصلي كلها عند البعض أو أكثرها عند الآخر إذا كان المصلي قائما على مكان مرتفع دون قامة حتى لو كان المكان بقدر قامة الرجل فلا يأثم وفي تفسير موضع السجود تفصيل فاعلم أن الصلاة إن كانت في المسجد الصغير هو أقل من ستين ذراعا وقيل من أربعين فالمرور أمام المصلي حيث كان يوجب الإثم لأن المسجد الصغير مكان واحد فأمام المصلي حيث كان في حكم موضع سجوده وإن كانت في المسجد الكبير أو في الصحراء فعند بعض المشايخ إن مر في موضع السجود يأثم وإلا فلا وعند البعض الموضع الذي يقع عليه النظر إذا كان المصلي ناظرا في موضع سجوده في حكم موضع السجود فيأثم بالمرور في ذلك الموضع كما في شرح الوقاية وقيل في الصحراء إنه يأثم في مقدار صفين أو ثلاثة وقيل ثلاثة أذرع وقيل خمسة وقيل أربعين وقيل خمسين وينبغي للمصلي أن يغرز أمامه في الصحراء سترة لقوله عليه الصلاة والسلام ليستتر أحدكم ولو بسهم طول ذراع وغلظ أصبع لأن ما دونه لا يبدو للناظر من بعيد فلا يحصل المقصود ويقرب منها أي ينبغي أن يكون المصلي قريبا من السترة ويجعلها على أحد حاجبيه أي الأيسر والأيمن وهو أفضل لأن الأثر ورد به ولا يكفي الوضع
____________________
(1/183)
أي لا يكفي وضع السترة على الأرض بدلا عن الغرز
ولا يكفي الخط بأن يرسم على الأرض هذا إذا كانت الأرض بحيث يغرز فيها وإن كانت صلبة اختلفوا فيه فقيل توضع وقيل لا وأما الخط فقد اختلفوا فيه حسب اختلافهم في الوضع إذا لم يكن معه ما يغرزه أو يضعه فالمانع يقول لا يحصل المقصود به إذ لا يظهر من بعيد والمجيز يقول ورد الأثر به وهو ما في أبي داود إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا وإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ولا يضره ما مر أمامه واختار المصنف خلاف هذا لكن الأولى اتباع الأثر مع أنه يظهر في الجملة إذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كي لا ينشر قال أبو داود قالوا الخط بالطول وقالوا بالعرض كما في الفتح
ويدرأ أي يدفع المصلي المار بين يديه بالإشارة بالرأس أو العين أو اليد كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بولد أم سلمة أو التسبيح للحديث الذي ذكرناه آنفا لا بهما أي لا يجمع بينهما فإنه مكروه وكذا لا يدرأ بأخذ الثوب ولا بالضرب الوجيع إن عدمت السترة أو قصد المار المرور بينه أي بين المصلي وبينها أي بين السترة
وجاز تركها أي السترة إذا عدم الداعي إليها وذلك عند أمن المرور لأن اتخاذ السترة للحجاب على المار ولا حاجة عند عدم المار لكن الأولى اتخاذها لمقصود آخر وهو كف بصره عما وراءها وجمع خاطره بربط الخيال بها وسترة الإمام مجزئة أي كافية عن القوم وإن كان مسبوقا كما هو ظاهر الأحاديث الثابتة في الصحيحين من الاقتصار على سترته عليه الصلاة والسلام وهي سترة للقوم
ولو صلى على ثوب بطانته نجسة صح ما صلى إن لم يكن الثوب مضربا أي مخيطا ما بين جانبيه بخيوط أما لو كانت جوانبه مخيطة ولم يكن وسطه مخيطا فلا لكونه في حكم ثوبين كما في
____________________
(1/184)
شرح المجمع
وكذا لو صلى على الطرف الطاهر من بساط طرف منه نجس أي لو كان طرف منه طاهرا وطرف آخر نجسا فصلى على الطرف الطاهر صحت صلاته لطهارة مكانها سواء تحرك أحدهما أي أحد طرفيه بحركة الآخر أم لا
وفي الخلاصة لو صلى على خشب وفي جانبه الآخر نجاسة إن كان غلظ الخشب بحيث يقبل القطع تجوز وإلا فلا
فصل لما فرغ عن بيان ما يفسد الصلاة شرع في بيان ما يكره فيها لأن كلا منهما من العوارض إلا أنه قدم المفسد لقوته وكره عبثه أي لعبه والضمير راجع إلى المصلي بقرينة المحل بثوبه أو بدله لقوله عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى كره لكم ثلاثا متواليا وذكر منها العبث في الصلاة لأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك فيها وكراهته تحريمية حتى لو كثر فسدت صلاته لكونه عملا كثيرا قيل العبث الفعل الذي فيه غرض لكنه ليس بشرعي والسفه ما لا غرض فيه أصلا وقيل العبث عمل ليس فيه غرض صحيح ولا منازعة في الاصطلاح وقلب الحصى إلا مرة ليمكنه السجود للنهي عنه أيضا والرخصة في المرة قال عليه الصلاة والسلام يا أبا ذر مرة أو ذر ولأن فيه إصلاح صلاته وفرقعة الأصابع هي أن يغمرها أو يمدها حتى تصوت وكذا يكره تشبيكها هو أن يدخل أصابع إحدى يديه بين أصابع الأخرى في الصلاة والتخصر هو وضع اليد على الخاصرة وهو الصحيح وبه قال الجمهور وقيل هو التوكؤ على العصا وقيل هو أن لا يتم صلاته في ركوعها وسجودها أو حدودها وقيل أن يختصر السورة فيقرأ آخرها والالتفات بأن يلوي عنقه حتى لم يبق وجهه مستقبل القبلة
____________________
(1/185)
وأما النظر بمؤخرة عينيه يمنة ويسرة من غير أن يلوي عنقه فلا بأس به كما في أكثر الكتب
وفي الخلاصة خلاف هذا وعبارته ولو حول وجهه عن القبلة من غير عذر فسدت وجعل فيها الالتفات المكروه أن يحول بعض وجهه عن القبلة انتهى لكن الأشبه ما في أكثر الكتب من أن الالتفات المكروه أعم من تحويل جميع الوجه أو بعضه فلا تفسد بل تفسد بتحويل صدره والإقعاء وهو عند الطحاوي أن يقعد على أليتيه وينصب فخذيه ويضم ركبتيه إلى صدره ويضع يديه على الأرض
وعند الكرخي أن ينصب قدميه ويقعد على عقبه واضعا يديه على الأرض قال الزيلعي والأول هو الأصح لكن كلاهما مكروهان كما قال بعض الفضلاء
وافتراش ذراعيه بلا عذر ومعه لا يكره لقول أبي ذر نهاني خليلي عن ثلاث أن أنقر نقر الديك وأن أقعى إقعاء الكلب وأن أفترش افتراش الثعلب وهو بسط ذراعيه على الأرض
ورد السلام بيده
وفي المجمع خلافه لأنه قال أو رد السلام بلسانه أو يده فسدت لكن الأصح ما قاله المصنف وفي الرأس روايتان في رواية يكره وفي رواية لا وهو قول الشافعي والتربع بلا عذر لترك السنة في الصلاة لا لما قيل من أنه يجوز لتربعه عليه الصلاة والسلام خارج الصلاة مع أصحابه في بعض أحواله وقيد بلا عذر لأنه بعذر لا يكره وكف ثوبه وهو رفعه من بين يديه أو من خلفه إذا أراد أن يسجد لأن فيه ترك السنة سواء كان يقصد رفعه عن التراب أو لا وقيل لا بأس بصونه عن التراب وسدله وهو أن يجعل ثوبه على رأسه أو كتفيه ويرسل جوانبه ومنه أن يجعل القباء على كتفيه ولم يدخل يديه في كميه حتى إذا أدخل يديه في كميه لا يكره
وفي الخلاصة إذا لم يدخل اليد في كم الفرجي المختار أنه لا يكره وقيل ما ذكر أولا في الطيلسان لأنه فعل أهل الكتاب والتثاؤب وهو حالة تعرض على الإنسان عند الكسل والتمطي أي التمدد وهو مد يديه وإبداء صدره لأنه من سوء الأدب وتغميض عينيه للنهي عنه إلا إذا قصد قطع النظر عن الأغيار والتوجه إلى جناب الملك الستار قال صاحب الفرائد ليت شعري لم نهي عنه وله في جمع الخاطر في الصلاة مدخل عظيم تدل عليه التجربة ونحن مأمورون بجمع الخاطر فرحم الله امرأ بين سر وجه النهي عنه انتهى وسره أن من السنة أن يرمي بصره إلى موضع السجود وفي التغميض ترك هذه السنة لأن كل عضو وطرف ذو حظ من هذه العبادة وكذا العين تفكر وفي التغميض ترك هذه السنة لأنه مخل للأدب تدبر
والصلاة حال كونه
____________________
(1/186)
معقوص الشعر وهو أن يجمعه على الرأس ثم يشده بشيء حتى لا ينحل وهذا في الصلاة للنهي عنه
وقال العلماء وحكمة النهي عنه أن الشعر يسجد معه وحاسر الرأس أي كاشفا إياه وهذا إذا كان للتكاسل وقلة رعايتها لا الإهانة بها لأنها كفر لا تذللا أي لا يكره إذا كان للتذلل
وفي ثياب البذلة عطف على حاسر لأن في الحال معنى الظرفية وهي ما يلبس في البيت ولا يذهب به إلى الأكابر لأنها لا تخلو عن النجاسة القليلة وعن الأوساخ الكريهة ومسح جبهته فيها أي الصلاة من التراب لأنه اشتغال بعمل غير لائق للصلاة وإزالة لأثر السجدة المشعرة بقرب الله تعالى وذكر في الخلاصة عدم الكراهة لكن الصحيح ما في المتن ونظره إلى السماء لأنه تشبه بالمجسمة وعبدة الكواكب والتفات إلى غير موضع نظر المصلي وعد الآي جمع آية
و عد التسبيح بيده عند الإمام لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة خلافا لهما فإنهما قالا لا بأس به لأن المصلي يضطر إلى ذلك لمراعاة سنة القراءة والعمل بما جاءت به السنة في صلاة التسبيح قلنا يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع فيستغنى عن العد بعده وأما في صلاة التسبيح فلا ضرورة أيضا إلى العد باليد لأنه يحصل بغمز رءوس الأصابع وأفاد إطلاقه الشمول للفرائض والنوافل جميعا باتفاق أصحابنا في ظاهر الرواية كما في المنح قيل الخلاف في المكتوبة وقيل في التطوع وقال أبو جعفر عن أصحابنا إنه يكره فيهما وقيد باليد لأن العد بالقلب لا يكره اتفاقا والعد باللسان يفسد اتفاقا
وقيام الإمام في طاق المسجد أي محرابه ممتازا عن القوم لما فيه من التشبه بأهل الكتاب كما في أكثر الكتب ولا يخفى أن امتياز الإمام مقرر مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه وغاية ما هناك كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك فإنه بني في المساجد المحاريب من لدن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولو لم تبن كانت السنة أن يتقدم في محاذاة ذلك المكان لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع على ما قيل فلا تشبه كما في فتح القدير وذهب أبو
____________________
(1/187)
جعفر إلى أن فيه اشتباه الحال على من على يمينه ويساره والتقدم شرع للتيسير على القوم ليظهر حاله لهم فإذا أفضى إلى خلاف موضوعه كره فعلى هذا لا يكره عند عدم الاشتباه لكن مقتضى ظاهر الرواية كراهة قيامه مطلقا سواء اشتبه حاله أم لا فاللائق لنا أن نجتنب عنها وعند الأئمة الثلاثة لا يكره قيامه وانفراده على الدكان وهو المكان المرتفع والقوم على الأرض ثم قدر الارتفاع قامة الرجل ولا بأس بما دونها لكن إطلاقه شامل لما دونها وهو ظاهر الرواية لإطلاق النهي وقيل مقدار ذراع وعليه الاعتماد
وفي الغاية هو الصحيح
وفي فتح القدير هو المختار أو الأرض أي انفراده على الأرض والقوم على الدكان لأنه ازدراء بالإمام وإن كان مع الإمام بعض القوم لا يكره فيهما في الصحيح
والقيام خلف صف فيه أي في ذلك الصف فرجة فإن لم يكن فيه فرجة لم يكره كما في التحفة هذا إذا كان هو في الصف الآخر وإن كان منفردا يكره وإن لم يجد فرجة أمامه فحينئذ ينبغي أن يجذب أحدا من الصف أولا ثم يكبر كما في الاصطلاح والأصح أن ينتظر إلى الركوع فإن جاء رجل وإلا جذب رجلا لكن الأولى في زماننا القيام وحده لغلبة الجهل فإنه إذا جذب أحدا ربما أفسد صلاته
وقال الزاهدي دخل فرجة الصف أحد فتجانب المصلي توسعة له فسدت صلاته لأنه امتثال لغير الله تعالى في الصلاة
ولبس ثوب فيه تصاوير وهو في نفسه مكروه لأنه يشبه حامل الصنم فكيف في الصلاة
وأن تكون فوق رأسه أي في السقف أو بين يديه بأن تكون معلقة أو موضوعة في حائط القبلة أو بحذائه أي على أحد جانبيه صورة واختلف فيما إذا كان خلفه والأظهر الكراهة لأن تنزيه مكان الصلاة عما يمنع دخول الملائكة مستحب فعلى هذا ينبغي أن يكون البساط المصور في البيت مكروها وإن كان تحت القدم كما في التسهيل أقول فيه كلام إنه لا كراهة في ترك المستحب والوجه أن يقال لما فيه من التعظيم لها والتشبه بعبادتها فلهذا قالوا وأشدها كراهة أن تكون أمام المصلي ثم فوق رأسه ثم عن يمينه ثم عن يساره ثم خلفه فلا يكره إن كانت تحت قدميه لعدم التعظيم تأمل إلا أن تكون صغيرة جدا بحيث لا تبدو للناظر إليها
____________________
(1/188)
إلا بعد تدقيق أو لغير ذي روح مثل الأشجار والأزهار أو مقطوعة الرأس أي ممحوة فإنها إذا كانت كذلك لا تعبد فلا تكره ولو قطع يداها أو رجلاها لا ترفع الكراهة وكذا لو أزيل الحاجبان والعينان واعلم أن الصلاة التي أديت مع الكراهة التحريمية تعاد على وجه غير مكروه
وفي المضمرات إذا دخل فيه نقصان أو كراهة فالأولى الإعادة وقال الوبري إذا لم يتم ركوعه وسجوده يؤمر بالإعادة في الوقت لا بعده
وقال أبو يوسف الترجماني إن الإعادة أولى في الحالين وقال بعض الفضلاء إن الكراهة إذا كانت في ركن فالإعادة مستحبة وفي جميع الأركان واجبة وهذا حسن جدا
لا أي لا يكره قتل الحية والعقرب في الصلاة سواء كانت جنية وهي بيضاء لها ضفيرتان تمشي مستوية أو غير جنية وهي سوداء تمشي ملتوية لقوله عليه الصلاة والسلام اقتلوا الأسودين أي العقرب والحية ولا يخفى أنه يدل على إباحة قتل الجنية وغيرها وقيل لا يحل قتل الجنية كما في غيرها إلا إذا قيل خلي طريق المسلمين فإن أبت فحينئذ تقتل والطحاوي يقول إنه فاسد من حيث أن النبي عليه الصلاة والسلام عاهد الجن بأن لا يظهروا لأمته في صورة الجن ولا يدخلوا بيوتهم فإذا نقضوا العهد يباح قتلها وذكر صدر الإسلام الصحيح أن يحتاط في قتلها حتى لا يقتل جنيا فإنهم يؤذونه إيذاء كثيرا وإن واحدا من إخواني أكبر سنا مني قتل حية كبيرة بسيف في دار لنا فضربه الجن حتى جعلوه بحيث لا يتحرك رجلاه قريبا من الشهر ثم عالجناه بإرضاء الجن حتى تركوه فزال ما به وهذا مما عاينته كما في النهاية هذا إذا خشي أن تؤذيه وإلا فيكره قتلها
وقيام الإمام في المسجد ساجدا في طاقه فإنه لا يكره لأن العبرة للقدم
والصلاة متوجها إلى ظهر قاعد يتحدث هذا رد لمن قال كره ذلك لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أن يصلي وعنده قوم يتحدثون وتأويل ذلك عندنا إذا رفعوا أصواتهم على وجه يخاف وقوع الغلط في الصلاة وإلا
____________________
(1/189)
فالأصحاب رضي الله تعالى عنهم كان بعضهم يصلون وبعضهم يقرءون القرآن وبعضهم يتعلمون القرآن والفقه ولم يمنع عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام كما في البيانية وقيد بالظهر لأن الصلاة بالوجه مكروه
وإلى مصحف أو سيف معلق أي لا يكره أن يصلي وأمامه مصحف أو سيف سواء كانا معلقين أو بين يديه لأنهما لا يعبدان والكراهة باعتبارها هذا رد لمن قال كره ذلك وعلل بأن السيف آية الحرب وفيه بأس شديد فلا يليق تقديمه في مقام الابتهال وفي استقبال المصحف معلقا تشبه بأهل الكتاب والجواب أن استقبالهم إياه للقراءة منه لا لأنه من أفعال تلك العبادة وهو مكروه عندنا بل مفسد والتقييد بالمعلق لبيان محل الخلاف لا لما توهم البعض فإنه قال وذكر التعليق باعتبار العادة تدبر أو إلى شمع أو سراج إذ لا يعبدان لأن المجوس يعبدون الجمر لا اللهب وقيل يكره
وعلى بساط ذي تصاوير إن لم يسجد عليها إذ الأداء عليه إهانة ولا يكره كما في التسهيل لكن بين هذا وبين قوله ينبغي أن يكون البساط المصورة في البيت مكروها وإن كانت تحت القدم تناقض فليتأمل
وكره البول والتخلي أي التغوط والوطء فوق مسجد لأن سطح المسجد له حكم المسجد حتى يصح الاقتداء لمن تحته والمراد كراهة التحريم وإنما ذكر هذه مع أنها تتعلق بالمسجد استطرادا
وغلق بابه أي باب المسجد لأنه شبه المنع عن الصلاة وهو حرام والغلق بالسكون اسم من الإغلاق كما في الصحاح وبضمتين بمعنى المغلق وأما بفتحتين بمعنى ما يغلق به الباب ويفتح بالمفاتيح فمجاز كما في القهستاني والأصح جوازه عند الخوف على متاعه
وفي العيني ولا يكره وعليه الفتوى لكثرة
____________________
(1/190)
اللصوص في هذا الزمان والحكم قد يختلف باختلاف الزمان وقيل إذا تقارب الوقتان كالمغرب والعشاء لا يغلق وإذا تباعد كالعشاء والفجر يغلق
ويجوز نقشه بالجص وماء الذهب وغير ذلك إلا أنه لا ينبغي أن يتكلف لدقائق النقش في المحراب والجدار الذي قدام المصلي
وفي الفتح دقائق النقوش ونحوها مكروه خصوصا في المحراب وفيه إشارة إلى أنه لا يثاب ويكفيه أن ينجو رأسا برأس كما قال السرخسي وقيل يكره لقوله عليه السلام من أشراط الساعة تزيين المساجد وقيل يثاب لما فيه من تكثير الجماعة إلا أنه لو لم يكن من طيب ماله يلوث بيته تعالى هذا إذا فعل من مال نفسه وأما إذا فعله من مال الوقف يضمن إلا أن يشترط الواقف هذا في زمانهم وأما في زماننا لو صرف ما يفضل من العمارة إلى النقش يجوز لأن الظلمة يأخذون ذلك كما في النهاية وليس بمستحسن كتابة القرآن على المحاريب والجدران لما يخاف من سقوط الكتابة وأن توطأ
و يجوز البول ونحوه فوق بيت فيه مسجد وهو مكان في البيت أعد للصلاة فإنه لم يأخذ حكم المسجد ولهذا لا يصح الاعتكاف فيه إلا للنساء ولا يخفى أن الفوق هاهنا اتفاقي فلا يكره في العرصة والفناء والبناء له
وفي المحيط والصحيح أن مصلى الجنائز ليس بمسجد لأنه ما أعد للصلاة حقيقة واختلفوا أيضا في مصلى العيد والصحيح أنه مسجد في حق جواز الاقتداء وإن انفصل الصفوف لأنه أعد للصلاة حقيقة
باب الوتر والنوافل لما فرغ من بيان الفرائض وما يتعلق بها شرع فيما يليها في الرتبة وهو الوتر ثم فيما يليه وهو النفل والوتر بالكسر الفرد وبالفتح العدد ويقال الكسر لغة الحجاز والفتح لغة غيرهم والنافلة عطية التطوع من حيث لا يجب ومنه نافلة الصلاة الوتر واجب عند الإمام وهو آخر أقواله لقوله عليه الصلاة والسلام أن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر فأدوها بين العشاء الأخيرة وطلوع الفجر والزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد عليه والأمر بالأداء دليل الوجوب إلا أنه خبر واحد فلم يفد الفرضية على ما وجب العمل فلهذا وجب قضاؤه وإنما لا يكفر جاحده أي لا ينسب إلى الكفر لأنه أدون درجة من الفريضة كما في بعض المعتبرات
وفي المحيط وهو الصحيح
وفي الخانية هو والأصح
وفي النهاية ليس في الوتر رواية منصوص عليها في الظاهر وذكر فيه ثلاث روايات أي في غير الظاهر فرض وبه أخذ
____________________
(1/191)
زفر
وفي التحفة ثم رجع وواجب وسنة ووفق المشايخ بينها بما هو فرض عملا وواجب اعتقادا وسنة ثبوتا وقالا سنة وهو قول الشافعي لقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والوسطى هو الفرض المتخلل بين العددين المتساويين ولو كان الوتر فرضا لكانت الفرائض ستا والست لا وسطى لها ولقوله عليه الصلاة والسلام ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم وهي لكم سنة الوتر والضحى والأضحى كما في التسهيل لكن الآية تدل على عدم الفرض القطعي لا على عدم الواجب فلا يتم التقريب بها وهو ثلاث ركعات بسلام واحد لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن رواه أبي بن كعب وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعند الشافعي وأحمد أدناها ركعة واحدة وأكثرها إحدى عشر أو ثلاث عشرة على ما ذكره الزيلعي وأدنى الكمال عند الشافعي بتسليمتين واحدة بعد الأوليين وثانية بعد الثالثة
يقرأ المصلي في كل ركعة منه أي من الوتر الفاتحة وسورة بلا تعيين
وفي الكرماني أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد
وفي التجنيس لو ترك القراءة في الركعة الثالثة منه لم يجز في قولهم جميعا
ويقنت في ثالثته دائما في كل السنة هذا احتراز عن قول الشافعي ومالك فإنهما قالا ولا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان قبل الركوع
وقال الشافعي بعده لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قنت في آخر الوتر وهو بعد الركوع ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قنت في آخر الوتر قبل الركوع وما زاد على نصف شيء أخره بعدما كبر ورفع يديه يعني إذا فرغ من القراءة في الركعة الثانية يكبر رافعا يديه ثم يقرأ دعاء القنوت والقنوت عندنا اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونستهديك ونؤمن بك ونتوب إليك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق والمعنى يا الله نطلب منك العون على الطاعة ونطلب منك المغفرة لذنوبنا ونطلب منك الهداية ونؤمن بك أي بجميع تفاصيله ونتوكل عليك حق التوكل ونثني من الثناء وهو المدح وانتصاب الخير على المصدر فيكون تأكيدا للثناء لأن الثناء قد يستعمل في الشر كقولهم أثنى علي شرا ولا
____________________
(1/192)
نكفرك أي لا نكفرك نعمتك ونخلع أي نطرح ونترك ويتوجه الفعلان إلى الموصول من يفجرك أي يخالفك ونسعى من السعي وهو الإسراع في المشي وهو التوجه التام ونحفد بالكسر أي نعمل لك بطاعتك وملحق بالكسر أي لاحق وقيل المراد ملحق بالكفار قال المطرزي وهو الصحيح لكن الأول أولى ومن لا يقدر على هذا يقول اللهم اغفر لي ثلاثا وهو اختيار الإمام أبي الليث أو يقول اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار كما في معراج الدراية
وقال أبو يوسف يقرأ معه اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت وقنا يا ربنا شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك فإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت ونستغفرك اللهم ونتوب إليك وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين
ولا يقنت في صلاة غيرها أي غير صلاة الوتر عندنا قال الإمام القنوت في الفجر بدعة خلافا للشافعي فإن القنوت في صلاة الفجر في الركعة الثانية بعد الركوع مسنون عنده في جميع السنة لرواية أنس رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام كان يقنت في صلاة الفجر إلى أن فارق الدنيا ولنا حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قنت شهرا ثم تركه والترك دليل النسخ
ويتبع المؤتم الحنفي في القنوت إماما شافعيا قانت الوتر ولو بعد الركوع وكذا يتبع الساجد قبل السلام وفيه إشعار بأنه لا يتابعه في السلام إذا سلم على الركعتين بل يتم صلاته كما في القنية ولا يتبع المؤتم الحنفي شافعيا قانت الفجر عند الطرفين لأنه منسوخ ولا اتباع في المنسوخ بل الأولى أن لا يقتدي به فيها كما في القهستاني خلافا لأبي يوسف فإنه يقول يتابعه لأن الأصل المتابعة والقنوت مجتهد فيه فلا يترك الأصل بالشك فصار كتكبيرات العيدين وفي هذه المسألة دلالة على جواز اقتداء الحنفي بالشافعي إذا كان الإمام يحتاط في موضع الخلاف كما بين في فصل الجماعة بل يقف متصل بقوله ولا يتبع ساكتا في القول الأظهر لأن فعل الإمام كان مشتملا على مشروع وهو القيام وعلى غير مشروع وهو القنوت في الفجر فما كان مشروعا يتابعه فيه وما كان غير مشروع لا وقيد الأظهر احتراز عن قول من قال يقعد تحقيقا للمخالفة
والسنة قبل فرض الفجر لما بين أحكام الوتر شرع في النوافل والنفل أعم من السنة مؤكدة وغير مؤكدة وابتدأ بسنة الفجر
____________________
(1/193)
لأنها أقوى السنن حتى روى الحسن عن الإمام لو صلاها قاعدا من غير عذر لا تجوز
وفي لفظ مسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها قالوا العالم إذا صار مرجعا للفتوى يجوز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلا سنة الفجر وتقضى إذا فاتت معه بخلاف سائر السنن وفي البحر من أنكر سنة الفجر يخشى عليه الكفر
وفي المبسوط ابتدأ بسنة الظهر لأنها أول صلاة في الوجود لأن السنة تبع للفرض
وبعد فرض الظهر و بعد فرض المغرب فالأفضل ما للظهر ثم المغرب وذهب الحلواني إلى العكس فإنه عليه الصلاة والسلام لم يدع سنة المغرب في سفر ولا حضر و بعد فرض العشاء تأخيرها يدل على انحطاطها عنهما ركعتان خبر السنة
و السنة قبل فرض الظهر وفيه إشارة إلى أنها دون العشاء كما قال الحلواني وقيل آكد من غيرها بعد سنة الفجر وقيل هو الأصح لأن فيها وعيدا معروفا وهو قوله عليه الصلاة والسلام من ترك أربعا قبل الظهر لم تنله شفاعتي ولذا قيل أن الاشتغال بها أفضل من التعلم
وفي التجنيس وغيره رجل ترك سنن الصلوات الخمس إن لم ير السنن حقا فقد كفر لأنه استخفاف وإن رأى حقا فالصحيح أنه يأثم لأنه جاء الوعيد بالترك
و قبل الجمعة أربع بلا خلاف وبعدها أربع بتسليمة فلو صلى بتسليمتين لم يعد من السنة لأنه عليه الصلاة والسلام سئل عن هذه الأربع بتسليمة أم بتسليمتين فقال بتسليمة واحدة من غير فصل بين الظهر والجمعة وفيه خلاف الشافعي
وفي الشمني أن كل صلاة بعدها سنة يكره له القعود بعدها بل يشتغل بالسنة لكن يشكل بما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سلم يمكث مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام وبما نقل عن الحلواني أنه قال لا بأس
____________________
(1/194)
بأن يقرأ بين الفريضة والسنة أوراده إلا أن يقال أن ما في الشمني محمول على القعود الذي لا قراءة فيه ولا ذكر تدبر
وفي القنية الكلام بعد الفرض لا يسقط السنة ولكن ينقص ثوابه وكل عمل ينافي التحريمة أيضا وهو الأصح
وفي الخلاصة لو صلى ركعتي الفجر أو الأربع قبل الظهر واشتغل بالبيع والشراء أو الأكل يعيد السنة أما بأكل لقمة أو شربة فلا
وعند أبي يوسف بعد الجمعة ست يصلي أربعا وبعده ركعتين بتسليمتين وبه أخذ الطحاوي وأكثر المشايخ منا وبه يعمل اليوم
وفي الاختيار بتسليمة وروي عن بعض المشايخ الأفضل أن يصلي مرة أربعا ومرة ستا جمعا بينهما
وندب أي حبب الأربع قبل العصر أو ركعتان لاختلاف الآثار والأخبار لكن أفضلية الأربع أظهر
والست بعد المغرب تسمى صلاة الأوابين قال عليه الصلاة والسلام من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بشيء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة هذا يدل على أن ركعتي المغرب محسوبة من الست لكن في الأشباه خلافه تتبع
والأربع قبل العشاء وبعدها أي بعد صلاة العشاء وهو أفضل وقيل أربعا عنده وركعتين عندهما كما في النهاية
وفي المضمرات الأحسن أن يصلي ستا أو أربعا ثم ركعتين والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام من ثابر أي داوم على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين قبل الفجر وأربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وهذه مؤكدات لا ينبغي تركها ولم يذكر في هذا الحديث الأربع قبل العصر وقبل العشاء وبعدها لهذا أطلق عليها اسم الندب لاختلاف الآثار فيها
وكره الزيادة على أربع ركعات بتسليمة في نفل النهار لا أي لا تكره في نفل الليل إلى ثمان ركعات عند الإمام لأن السنة وردت في صلاة النهار إلى أربع وصلاة الليل إلى ثمان لأن النبي عليه الصلاة والسلام
____________________
(1/195)
فعل في تهجده
وفي المبسوط والأصح أن الزيادة لا تكره لما فيها من وصل العبادة وهو أفضل
وفي البدائع وهذا يشكل بالزيادة على الأربع في النهار فإنها مكروهة بالإجماع ثم قال والصحيح الكراهة لأنها لم ترو عن النبي عليه الصلاة والسلام وعليه عامة المشايخ خلافا لهما ظاهر العبارة يقتضي أن تكون الثمان في الليل مكروهة عندهما كما في النهار كما في الهداية والتبيين وليس كذلك وذلك لأن النافلة في الليل بتسليمة إلى ثمان جائزة بغير كراهة اتفاقا في عامة الروايات في الكتب كما في النهاية وغيرها بل المراد أنهما قالا لا يزيد بالليل على ركعتين من حيث الأفضلية نعم يمكن أن يوجه ما في الهداية والتبيين بهذا لكن لا يمكن ما في هذا الكتاب لأنه يمنع سياقه وهو قوله وقالا في الليل المثنى أفضل تتبع ولا تزاد على الثمان في الليل والأفضل فيهما أي في الليل والنهار رباع عند الإمام لما رويت عائشة رضي الله تعالى عنها أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بعد العشاء أربعا وكان يواظب على الأربع في الضحى وقالا في نفل الليل المثنى أفضل لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى وعند الشافعي الركعتان أفضل فيهما لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى لكن ما رواه محمول على معنى قوله مثنى شفع لا وتر ولفظ النهار في الحديث غريب فلا يعمل به كما في أكثر الكتب
وطول القيام أفضل من كثرة الركعات لقوله عليه الصلاة والسلام أفضل الصلاة طول القنوت كما في أكثر الكتب ولا يخفى أنه يجوز أن يكون أفضلية الطول بالنسبة إلى القصر فلا يفيد ما ادعاه
وفي المجتبى أن كثرة الركوع والسجود أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام عليك بكثرة السجود وقوله عليه الصلاة والسلام أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ولأن السجود غاية التواضع والعبودية
____________________
(1/196)
وفي البحر أن كثرة الركعات أفضل من طول القيام وذكر وجهه ولكل وجهة
والقراءة فرض في ركعتي الفرض حتى لو لم يقرأ في الكل أو قرأ في ركعة واحدة فسدت صلاته ولم يقيد الركعتين بالأوليين لأن تعيينهما للقراءة ليس بفرض بل هو واجب على المشهور في المذهب حتى لو تركها فيهما وقرأ في الأخريين جازت عليه سجود السهو إن سها ويأثم إن عمد
وقال يعقوب باشا ولا يخفى أنه لا حاجة إلى ذكرها ههنا لأنه قد ذكر من قبل على أن الباب باب النوافل فلا وجه لذكر الفرض لكن يمكن أن يقال إن ذكره توطئة لقوله وكل النفل والوتر تدبر وعند الشافعي تفرض القراءة في جميع الركعات وكل النفل والوتر أي القراءة تفرض في جميع ركعات النفل والوتر أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة ولهذا لا يجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا ولهذا قالوا يستفتح في ثلاثة وأما الوتر فللاحتياط كما في الهداية وزاد في الفتح ويصلي في كل قعدة قياسه أن يتعوذ في كل شفع انتهى لكن فيه كلام لأنه لا يشمل السنة الرباعية المؤكدة كسنة الظهر فإن القراءة فرض في جميع ركعاتها مع أن القيام إلى الثالثة ليس بتحريمة مبتدأة بل هي صلاة واحدة ولهذا لا يستفتح في الشفع الثاني ولا يصلي في القعدة الأولى وإن أريد بالنفل ما ليس بسنة مؤكدة لم يتم أيضا لخلوه عن إفادة حكم القراءة في السنة المؤكدة كما في شرح التنوير
ويلزم إتمام نفل شرع فيه قصدا حتى لو نقضه يجب قضاؤه
ولو شرع عند الطلوع والغروب والاستواء كما ذكر في أكثر المتون وهو ظاهر الرواية عن الإمام
وعند الشافعي وفي غير ظاهر الرواية لا يلزم بالشروع فلا يقضي لأنه متبرع فيه ولا لزوم على المتبرع لكن يستحب عنده الإتمام إذا كان في وقت غير مكروه ولنا أن المؤدى وقع قربة فلزمه الإتمام صونا عن البطلان
____________________
(1/197)
لقوله تعالى لا تبطلوا أعمالكم لا إن شرع ظانا أنه أي الشروع واجب عليه كما إذا شرع في الظهر مثلا يظن أنه لم يصل فتذكر أنه صلاها فإنه لا يلزمه الإتمام ولا القضاء عند الفساد هذه المسألة وإن فهمت مما سبق وهو قوله ويلزم نفل شرع فيه قصدا فهاهنا صرح بها كما في شرح الوقاية لكن قوله قصدا يحتمل أن يكون احترازا عن الشروع سهوا كما إذا قام إلى الخامسة في الفرض الرباعي فعلى هذا الاحتمال لا يلزم التكرار والتوجيه بالتصريح تأمل
ولو نوى أربعا أي إذا شرع في أربع ركعات من النفل وأفسد في الشفع الثاني بعد القعود الأول أو قبله أي أفسدها في الشفع الأول قبل القعود قضى ركعتين فقط عند الطرفين
وقال أبو يوسف يقضي أربعا لو أفسد قبله أي قبل القعود لأن الشروع ملزم كالنذر وعنه روايتان فيما إذا نوى ستا أو ثمانيا ثم أفسدها في رواية يقضي أربعا
وفي رواية يقضي جميع ما نوى
وفي الشمني نقلا عن المنتقى قول أبي يوسف فيما أفسدها بما لا يوجب الخروج من التحريمة كترك القراءة وأما إذا أفسدها بالكلام ونحوه فلا يلزم عنده إلا ركعتان ولهما أنه لم يوجد الشروع في الشفع الثاني لا حقيقة ولا حكما لأن كل شفع من النفل صلاة على حدة ولا تعلق لأحد الشفعين بالآخر بخلاف النذر لأنه ملزم لذاته وعلى هذا سنة الظهر لأنها نافلة وقيل يقضي أربعا احتياطا
وكذا الخلاف لو جرد الأربع عن القراءة أي يقضي ركعتين عندهما لأن أفعال الصلاة لما فسدت بترك القراءة بطلت التحريمة لأنها إنما انعقدت لأجلها فلم يصح شروعه في الشفع الثاني فيلزم قضاء الشفع الأول فقط وعند أبي يوسف ترك القراءة لا يوجب بطلان التحريمة لجواز صلاة الأمي بلا قراءة فيصح شروعه في الأربع فيلزم قضاء الأربع لإفسادها بترك القراءة أو قرأ في إحدى الأخريين فحسب أي يلزمه قضاء ركعتين عندهما وقضاء أربع عنده على قياس ما سبق
ولو قرأ في
____________________
(1/198)
الأوليين أو الأخريين فقط أو تركها أي القراءة في إحدى الأوليين فقط أو إحدى الأخريين فقط قضى ركعتين اتفاقا أما في المسألة الأولى فإنه يقضي الأخريين بالإجماع لأن التحريمة لم تبطل عندهم أصلا فصح الشروع في الشفع الثاني ثم فساد الثاني بترك القراءة فيه لا يوجب فساد الأول وأما في الثانية فإن ترك القراءة في الأوليين يبطل التحريمة عندهما كما بين فيلزم أن يقضي الأوليين فقط وعند أبي يوسف وإن لم يبطل التحريمة لكن أفسد الركعتين فقط بترك القراءة فعليه قضاؤهما وأما في الثانية والرابعة فإنه يكون قاضيا للتي لم يقرأ إلا في واحدة منهما فيكون المقضي ركعتين فقط على قياس ما سبق
ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير أو إحدى الأوليين وإحدى الأخريين قضى أربعا عند الشيخين لبقاء التحريمة لأن ترك القراءة في ركعة من الشفع الأول لا يبطل التحريمة عند الإمام وعند أبي يوسف لا يبطل التحريمة أصلا بالترك وقد أفسد الشفعين بترك القراءة فيقضي أربعا
وقال محمد يقضي ركعتين لأنه ترك القراءة في إحدى الركعتين يوجب فساد التحريمة عنده فلم يصح الشروع في الثاني فيجب عليه قضاء الأوليين فقط
ولو ترك القعدة الأولى فيه أي في النفل يعني إذا صلى أربع ركعات من النفل ولم يقعد في وسطها لا تبطل عند الشيخين خلافا لمحمد لأن كل شفع عنده من النفل صلاة على حدة فتكون القعدة على رأس الركعتين بمنزلة القعدة الأخيرة في الفرض فتفسد وهو القياس وفي الاستحسان لا تفسد وهو قولهما لأنه لما قام إلى الثالثة قبل القعدة فقد جعلها صلاة واحدة فصارت القعدة الأولى فاصلة كما في الفرض فتكون واجبة والخاتمة هي الفرضية ولذا لو صلى ألف ركعة من النفل غير قاعد إلا في الأخيرة لم تفسد عندهما كما في
____________________
(1/199)
الكافي
ولو نذر صلاة في مكان مثلا في المسجد الحرام فأداها أي الصلاة المنذورة في مكان أدنى شرفا منه أي من ذلك المكان الذي نذر فيه جاز ما أداه على الصفة المذكورة عندنا لأن المقصود منها القربة فيبطل التعيين ولزمته القربة
وقال زفر لا يجوز إلا فيما عين من المكان أو في مكان أعلى منه لأنه التزم هكذا فيلزم كما التزم
ولو نذرت امرأة صلاة أو صوما في غد فحاضت فيه أي في الغد لزمها القضاء عندنا خلافا لزفر لأن الصلاة والصوم غير مشروعة في يوم الحيض ولنا أن العبادة تلزمها بالنذر والحيض يمنع الأداء لا الوجوب كصوم رمضان وقيد بالغد لأنها لو قالت علي أن أصلي كذا يوم حيضي لا يلزمها شيء اتفاقا لأنه نذر بمعصية مقصودة
ولا يصلي بعد صلاة مثلها قال محمد في الجامع الصغير هذا حديث خص منه البعض لأن الرجل يصلي سنة الفجر ثم الفرض وهما مثلان وكذا يصلي سنة الظهر أربعا ثم الفرض أربعا وهما مثلان وكذا يصلي فرض الظهر ركعتين في السفر ثم يصلي السنة ركعتين فلما لم يكن إجراؤه على العموم وجب حمله على أخص الخصوص كما هو الحكم في العام الذي لم يمكن العمل بعمومه فقال المراد أن لا يصلي بعد أداء الظهر نافلة ركعتان بقراءة وركعتان بغير قراءة بل يقرأ في جميع الركعات حتى لا يكون مثلا للفرض فيكون في الحديث بيان فرضية القراءة في جميع ركعات النفل كذا في أكثر الكتب لكن هذا مشكل لأنه خبر الواحد فكيف يقتضي الفرضية ولئن كان مشهورا فهو مؤول كما ذكرناه فلا يوجب العلم وقيل المراد به النهي عن تكرار الجماعة في المساجد قال فخر الإسلام هذا تأويل حسن وقيل لا يقضي ما أدى من الفرائض بوسوسة
وقال بعضهم هو ليس بثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بل هو كلام عمر رضي الله تعالى عنه حتى ذكره الطحاوي بإسناده إلى عمر رضي الله تعالى عنه لكن يجوز أن يحمل على أنه سمعه من النبي عليه السلام
وصح النفل قاعدا مع القدرة على القيام بلا كراهة لما روي أنه عليه السلام كان يصلي ركعتين قاعدا بغير عذر وفيه إشارة إلى أنه لا تجوز المكتوبة والواجبة والمنذورة وسنة الفجر
____________________
(1/200)
والتراويح بلا عذر والصحيح أن التراويح تجوز واختلفوا في كيفية القعود حالة القراءة روي عن الإمام أنه يقعد كيف شاء لأنه لما جاز له ترك أصل القيام فترك صفة القعود أولى جوازا وعن محمد أنه يتربع لأنه أعدل وعن أبي يوسف أنه يحتبي لأن عامة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام في آخر عمره كانت بالاحتباء وعن زفر أنه يقعد في التشهد وهو المختار وعليه الفتوى لأنه عهد مشرعا في الصلاة
ولو قعد بعدما افتتحه قائما جاز عند الإمام استحسانا لأنه أسهل من الابتداء
ويكره لو بلا عذر عنده وقالا لا يجوز إلا بعذر قياسا لأن الشروع ملزم كالنذر ولو نذر أن يصلي قائما لم يجز أن يصلي قاعدا فكذا هذا
ويتنفل أي يجوز النفل من غير عذر فيه إشارة إلى أنه لا يجوز غير النافلة إلا من عذر راكبا والدابة تسير بنفسها فإن سيرها الراكب لا لأنه داخل في العمل الكثير خارج المصر أي في خارجه وفيه إشارة إلى أنه يتنفل بمجرد المجاورة عن العمران وهو الصحيح وقيل قدر فرسخين وقيل قدر ميل وإلى أنه لا يختص بالمسافر وهو الصحيح وعن الشيخين أنه مخصوص به وإلى أنه لا يجوز في المصر وعن أبي يوسف أنه يجوز في المصر وهو مذهب الشافعي وعن محمد أنه يجوز مع الكراهة موميا أي يجعل السجود أخفض من الركوع إلى أي جهة توجهت دابته لما روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر يومئ إيماء فلا يشترط الاستقبال في الابتداء والبقاء ومن الناس من اشترط في الابتداء وأصحابنا لم يأخذوا به لإطلاق المروي ولو افتتح خارج المصر ثم دخل قبل الفراغ أتمها راكبا ما لم يبلغ منزله وقيل أتمها نازلا ولم يشترط المصنف طهارة الدابة لأنها ليست بشرط على قول الأكثر سواء كان على السرج أو على الركابين أو الدابة لأن فيها ضرورة فسقط اعتبارها
وبنى بنزوله يعني إذا افتتح راكبا ثم نزل يبني أي يوصل ما بقي إلى ما صلى بركوع وسجود وهذا في رواية الأصل خلافا لأبي يوسف فإن عنده يستقبل إذا نزل وبركوبه لا يبني يعني إذا افتتح نازلا ثم ركب استقبل ووجه الفرق أن الأول أدى أكمل مما وجب عليه
____________________
(1/201)
لأن تحريمته غير موجبة للركوع والسجود والثاني أدى أنقص مما وجب عليه لأن تحريمته موجبة للركوع والسجود
فصل التراويح جمع ترويحة وهي في الأصل مصدر بمعنى إيصال الراحة ثم سميت الركعات التي آخرها الترويحة بها كما أطلقوا اسم الركوع على الوظيفة التي تقرأ في القيام لأنه متصل بالركوع سنة مؤكدة للرجال والنساء جميعا بإجماع الصحابة ومن بعدهم من الأئمة منكرها مبتدع ضال مردود الشهادة كما في المضمرات
وقال عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى سن لكم قيامه وقال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وصلى مع الصحابة ليلتين أو أربع ليالي كما في البخاري وبين العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا وصلوا بعده فرادى إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ثم أقامها عمر رضي الله عنه في زمانه حيث أمر أبي بن كعب أن يصلي بالناس والصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك بلا نكير من أحد وقد أثنى علي كرم الله وجهه على عمر رضي الله تعالى عنه حيث قال نور الله مضجع عمر كما نور مساجدنا وقيل هي مستحبة والأول هو الصحيح من المذهب يعني القول بالسنية
في كل ليلة من رمضان بعد العشاء أي وقت التراويح بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل لأنها تبع للعشاء دون الوتر حتى لو ظهر أن العشاء صليت بلا طهارة والتراويح بطهارة أعيدت التراويح مع العشاء لا الوتر عند الإمام وذهب جماعة من أئمة بخارى إلى أن الليل كله وقت لها قبل العشاء وبعده لا أنها سميت قيام الليل والأول هو الأصح قبل الوتر وبعده والمستحب فعلها إلى ثلث الليل وقيل بعد العشاء قبل الوتر وهو قول عامة المشايخ لأنها إنما عرفت بفعل الصحابة فكان وقتها ما صلوها فيه وهو صلوها بعد العشاء قبل الوتر فإن صلاها قبل العشاء وبعد الوتر لا يكون من التراويح ولهذا عمل الناس إلى اليوم على هذا لأنه وجدت فيه الأقوال كلها فينبغي للمصنف اختيار هذا لا ذاك تتبع
بجماعة أي إقامتها بالجماعة سنة فمن ترك التراويح بالجماعة وصلاها في البيت فقد أساء عند بعضهم فالصحيح
____________________
(1/202)
أن إقامتها بالجماعة سنة على وجه الكفاية حتى لو ترك أهل المسجد كلهم الجماعة أساءوا وأثموا ولو أقامها البعض فالمتخلف عنها تارك الفضيلة وإن صلاها بالجماعة في البيت فقد حاز إحدى الفضيلتين وهي فضيلة الجماعة دون فضيلة الجماعة في المسجد
عشرون ركعة سوى الوتر وعند مالك ستة وثلاثون ركعة بعشر تسليمات فكل شفع بتسليمة فلو صلى أربعا بتسليمة ولم يقعد في وسط كل أربع لا يجوز إلا عن تسليمة وهو الصحيح وعليه الفتوى ولو قعد على رأس الركعتين الصحيح أنه يجوز عن تسليمتين
وفي المحيط لو صلى كلها بتسليمة وقد قعد على رأس كل ركعتين فالأصح أنه يجوز عن الكل لأنه أكمل الصلاة ولم يخل شيئا من الأركان
وقال صاحب البحر لا يخفى ما فيه من مخالفة التوارث مع التصريح بكراهة الزيادة على ثمان في مطلق التطوع ليلا فلأن يكره هنا أولى انتهى وفيه كلام لأن بعض الفقهاء صحح عدم الكراهة الزيادة على ثمان في الليل كما بين آنفا وجاز أن يكون صاحب المحيط منهم فلا تلزم المخالفة تدبر وجلسة بعد كل أربع بقدرها أي بقدر أربعة من ركعاتها ولو قال وانتظار بقدرها لكان أولى فإن بعض أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين وأهل المدينة يصلون بدل ذلك أربع ركعات وأهل كل بلدة بالخيار يسبحون أو يهللون أو ينتظرون سكوتا وإنما يستحب الانتظار لأن التراويح مأخوذ من الراحة فيفعل ما قلنا تحقيقا للمسمى
والسنة فيها أي في التراويح من حيث القراءة الختم مرة فيقرأ في كل ركعة عشر آيات قال الزيلعي وهو الصحيح لأن السنة وهو الختم يحصل بذلك مع التخفيف لأن عدد الركعات في شهر ستمائة وعدد آي القرآن ستة آلاف وشيء ولا بد أن يكون المراد من الختم مقداره وهو يحصل ولو كان أيام الشهر تسعة وعشرين فإن القريب للشيء يعطى له حكمه ومن المشايخ من استحب الختم الحقيقي في الليلة السابعة والعشرين رجاء لنيل القدر عند اختتامه لكثرة الأخبار أنها ليلة القدر ولو ختم في التراويح في ليلة ثم لم يصل التراويح جاز بلا كراهة
____________________
(1/203)
لأنه ما شرعت التراويح إلا للقراءة وقيل الأفضل أن يقرأ فيها مقدار ما يقرأ في المغرب وقيل آيتين متوسطتين وقيل آية طويلة أو ثلاث آيات قصار وهذا أحسن وبهذا أفتى المتأخرون لأن الحسن روى عن الإمام أنه إذا قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ هذا في المكتوبة فما ظنك في غيرها وقيل سورة الإخلاص وقيل من سورة الفيل إلى الآخر مرتين وهو الأحسن عند أكثر المشايخ
وفي أكثر المعتبرات الأفضل في زماننا أن يقرأ بما لا يؤدي إلى تنفير القوم عن الجماعة لأن تكثير الجماعة أفضل من تطويل القراءة وبه يفتى فلا يترك الختم لكسل القوم فترك لغير الكسل وهو التثاقل عما لا ينبغي أن يتثاقل عنه ولذا كان مذموما كما في القهستاني ولا يزيد الإمام على قدر التشهد إن علم أنه يثقل على القوم لأن الدعوات ليست بسنة وإن علم أنه لا يثقل عليهم يزيد كما في أكثر الكتب لكن المختار أن لا يترك الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام لأنها فرض عند الشافعي وسنة عندنا ولا يترك السنن للجماعة كالتسبيحات كما في شرح المنظومة الوهبانية ويأتي الإمام والقوم بالثناء في كل تكبيرة الافتتاح منها
وتكره قاعدا مع القدرة على القيام لزيادة تأكدها
وفي الخانية أداء التراويح قاعدا اتفقوا أنه لا يستحب بغير عذر واختلفوا في الجواز قال بعضهم لا يجوز بغير عذر اعتبارا بسنة الفجر
وقال بعضهم يجوز وهو الصحيح بخلاف سنة الفجر فإنه قد قيل إنها واجبة إلا أن ثوابه يكون على النصف من صلاة القائم
ويوتر أي يصلي الوتر بجماعة في رمضان فقط لانعقاد الإجماع عليه كما في الهداية وفيه إشارة إلى أنه لا يوتر بجماعة في غير شهر رمضان لأنه نفل من وجه والجماعة في النفل في غير رمضان مكروه فالاحتياط تركها قال بعضهم لو صلى الوتر بجماعة في غير رمضان له ذلك وعدم الجماعة في الوتر في غير رمضان لا لأنه غير مشروع بل باعتبار أنه يستحب تأخيرها إلى وقت تتعذر فيه الجماعة فإن صح هذا قدح في نقل الإجماع كما في الفتح واختلفوا في الأفضل في وتر رمضان فقال بعضهم الجماعة كما في الخانية وقال بعضهم الانفراد في المنزل كما في النهاية وذكر صاحب الفتح ما يرجح الأول فينبغي اتباعه لأنه أدق
والأفضل في السنن المنزل أي أن يصلي فيه لبعده عن الرياء لقوله عليه الصلاة والسلام أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة إلا التراويح لأنها شرعت في الجماعة ولو تركوا الجماعة في الفرض لم يصلوا
____________________
(1/204)
التراويح بجماعة ولو لم يصلها مع الإمام صلى الوتر به لأنه تابع لرمضان وعند البعض لا لأنه تابع للتراويح عنده
وفي القهستاني ويجوز أن يصلي الوتر بالجماعة وإن لم يصل شيئا من التراويح مع الإمام أو صلاها مع غيره وهو الصحيح
فصل في صلاة الكسوف أي كسوف الشمس فإن للقمر الخسوف كما قال الجوهري وهو أجود الكلام وما وقع في الحديث من كسوفها وخسوفها يحمل على التغليب وإنما أورده في خبر النوافل تنبيها على أنها منها وجعلها في فصل على حدة إشعارا بأنها ممتازة عن النوافل بعروض أسباب سماوية نادرة يصلي في الجامع أو مصلى العيد أو مسجد آخر والأول أفضل كما في التحفة أمام الجمعة بالناس أي إمام له دخل في إقامته صلاة الجمعة مثل السلطان أو مأموره ممن له إقامة نحو الجمعة لأنه اجتماع فيشترط هذا تحرزا عن الفتنة كالجمعة عند كسوف الشمس لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى في كسوف الشمس بالناس ودعا حتى انجلت وقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة أو إلى الدعاء
وفي بعض الروايات إن ذلك كان يوم مات إبراهيم بن سيدنا محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال الناس
____________________
(1/205)
إنما انكسفت لموته وقال النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث ردا لكلامهم لأن كسوفها من أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار فيخلق النور والظلمة متى شاء بلا سبب وفيه رد لقول أهل الهيئة أن الكسوف حيلولة القمر بينها وبين الأرض وأمر عاد لا يتقدم ولا يتأخر ورد هذا الرد لأن الحيلولة بإرادة الله تعالى وقدرته لأن الله تعالى ربط الأشياء بالأسباب وهو من هذه الأنواع ركعتين كهيئة النافلة من غير أذان وإقامة وتؤدى في الوقت المستحبة لا المكروهة في كل ركعة ركوع واحد عندنا لرواية ابن عمر رضي الله عنهما وعند الشافعي في كل ركعة ركوعان لرواية عائشة رضي الله عنها ورجحنا حديث ابن عمر إذ الحال أكشف للرجال من النساء لقربهم
ويطيل القراءة يعني الأفضل أن يطيل القراءة فيقرأ في كل ركعة مقدار مائة آية ويمكث في ركوعه كذلك فإذا خففت القراءة طول الدعاء لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة ويخفيها أي القراءة عند الإمام لرواية ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
وقالا يجهر لرواية عائشة رضي الله تعالى عنها والترجيح قد مر
وفي التحفة عن محمد فيه روايتان والأول الصحيح ثم يدعو الإمام جالسا أو قائما مستقبل القبلة أو مستقبل القوم بوجهه ولو قام معتمدا على عصا أو قوس لكان حسنا بعدهما حتى تنجلي الشمس لما رويناه آنفا والسنة تأخير الأدعية من الصلاة
ولا يخطب وقال الشافعي يخطب بعد الصلاة خطبتين كما في العيد لرواية عائشة رضي الله تعالى عنها ولنا أنها لم تنقل عن غيرها وإن صح فتأويله أن خطبته عليه الصلاة والسلام إنما كانت لرد قول من قال الشمس كسفت لموت إبراهيم بن النبي عليه الصلاة والسلام فإن لم يحضر الإمام صلوا في مساجدهم فرادى منونا أو غير منون جمع فرد على خلاف القياس ركعتين أو أربعا كالخسوف كما يصلون في خسوف القمر فرادى بلا جماعة لتعذر الاجتماع بالليل أو لخوف الفتنة
وفي التحفة يصلون في منازلهم وقيل الجماعة جائزة فيه عندنا لكنها ليست بسنة ولا خطبة فيها بالإجماع
وقال الشافعي تسن الجماعة للخسوف كما في الكسوف والظلمة والريح والفزع والزلازل والصواعق وانتشار الكواكب
____________________
(1/206)
والأمطار الدائمة وعموم الأمراض ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال لأن ذلك كله من الآيات المخوفة والله يخوف عباده ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعته التي فيها فوزهم وخلاصهم وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه الصلاة
فصل في الاستسقاء هو من طلب السقي من الله تعالى عند طول انقطاعه بالثناء عليه والفزع إليه والاستغفار وقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع لا صلاة بجماعة في الاستسقاء أي ليس فيه صلاة مسنونة في جماعة عند الإمام لأنه عليه الصلاة والسلام استسقى ولم يرو عنه الصلاة كما في الهداية بل هو دعاء واستغفار لقوله تعالى استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا فعلق نزول الغيث بالاستغفار فإن صلوا فرادى جاز عنده
وقالا يصلي الإمام بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة اعتبارا بصلاة العيد حتى روي عن محمد أنه يكبر كتكبيرات العيد وعن أبي يوسف لا وهو المشهور
وفي المبسوط قول أبي يوسف مع الإمام
وفي الخجندي مع محمد وهو الأصح لما روي أنه عليه الصلاة والسلام صلى فيه ركعتين كصلاة العيد رواه ابن عباس رضي الله تعالى عنه فقلنا فعله عليه الصلاة والسلام مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة كما في الهداية فإن قيل بين دليله ودليلهما تناقض لأنه قال في دليله لم يرو عنه الصلاة وفي دليلهما روي عنه الصلاة فالجواب أن المروي كان شاذا كأنه غير مروي فلا تناقض
ويخطب بعدهما خطبتين كالعيد عند محمد وعند أبي يوسف خطبة واحدة ولا خطبة عند الإمام لأنها تبع للجماعة ولا جماعة عنده
ولا يقلب القوم أرديتهم لأن التقليب ليس بسنة فلو قلب جعل الجانب الأيمن منه على الأيسر والأيسر منه على الأيمن وهذا في المدور
____________________
(1/207)
وأما في المربع فجعل أعلاه أسفله ليقلب الحال من الجدب إلى الخصب ومن العسر إلى اليسر ويقلب بالتخفيف والتشديد الإمام عند محمد
وفي الجوهرة عندهما ويخرجون ثلاثة أيام متتابعات فقط لأنه لم ينقل أكثر منها ويخرجون مشاة لابسين ثيابا خلقة أو مرقعة متذللين خاشعين لله ناكسي رءوسهم ويقدمون الصدقة كل يوم ويجددون التوبة ويستغفرون للمسلمين ويتراضون بينهم ويستسقون بالضعفة والشيوخ والصبيان
وفي الحديث لولا صبيان رضع وبهائم رتع وعباد الله الركع لصب عليكم العذاب صبا
ولا يحضره أهل الذمة لقوله تعالى وما دعاء الكافرين إلا في ضلال هذا رد لقول مالك لأهل الذمة أن يحضروا الاستسقاء لأن دعاءهم قد يستجاب في أحوال الدنيا ولنا أن الكفار أهل السخط فلا يصلح حضورهم وقت طلب الرحمة
باب إدراك الفريضة لما فرغ من بيان أنواع الصلوات فرضها وواجبها ونفلها شرع في بيان أداء الفرض الكامل وهو الأداء بالجماعة والأصل فيه أن نقض العبادة قصدا وبلا عذر حرام وأما إذا كان لأمر شرعي مثل الإكمال فيجوز وإن كان نقضا صورة فهو إكمال معنى كهدم المسجد لتجديده ولا شك أن للجماعة فضيلة على الانفراد بسبع وعشرين درجة من شرع في فرض فأقيم ذلك الفرض ووقع في الوقاية فأقيمت
وقال صدر الشريعة في تفسيره والضمير في أقيمت يرجع إلى الإقامة كما يقال ضرب الضرب وأراد بالإقامة إقامة المؤذن
____________________
(1/208)
وليس كذلك بل المراد بها شروع الإمام في الصلاة لا إقامة المؤذن لأنه لو أخذ المؤذن في الإقامة والرجل لم يقيد الركعة الأولى بالسجدة يتم ركعتين بلا خلاف كما في أكثر الكتب
وفي القهستاني وليس في إقامة ضمير الإقامة مقام الفاعل بدون الوصف إشكال فإنها مفعول به إذ هي اسم للكلمات المعروفة على أن سيبويه أجاز إسناد الفعل إلى المصدر المدلول عليه بلا وصف انتهى أقول فيه كلام لأنه قال ابن الخروف شارح كتاب سيبويه وادعاء الزجاج أنه مذهب سيبويه فاسد لأن سيبويه لا يجيز إضمار المصدر المؤكد إذ لا فائدة في الإسناد إليه والذي أجازه سيبويه هو إضمار المصدر المعهود المقصود مثل أن يقال لمن ينتظر القعود قد قعد بناء على قرينة التوقع أي قعد القعود المتوقع تتبع إن لم يسجد الشارع للأولى يقطع بالسلام أو غيره ولو راكعا وهو الصحيح
ويقتدي بالإمام فلو افتتح في منزله ثم سمع الإقامة في المسجد لا يقطع وكذا الشارع في المنذورة وقضاء الفوائت ولا يقطع في النفل على المختار سجد أو لا إلا إذا أتم فيه الشفع
وإن سجد للأولى وهو في الفرض الرباعي يتم شفعا بأن يضم إليها ركعة أخرى ويسلم بعد التشهد حتى يصير الركعتان نافلة
ولو سجد للثالثة يتم لأنه قد أدى الأكثر وللأكثر حكم الكل وفيه إشارة إلى أنه لو قام إلى الثالثة بلا تقييدها بالسجدة قطع غير أنه يتخير إن شاء عاد وقعد وسلم وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام
وفي المحيط الأصح أنه يقطع قائما بتسليمة وكذا صححه صاحب العناية كما في البحر ويقتدي متطوعا المتبادر من هذا التعبير وجوب الاقتداء للنفل ولا إلزام في النوافل أصلا ولكن الأفضل الاقتداء لأنه يدرك به فضيلة الجماعة إلا في العصر لأن النفل بعدها مكروه فهو استثناء من قوله ويقتدي متطوعا
ولو شرع في الفجر أو المغرب ثم أقيم يقطع الشارع
ويقتدي بالإمام ما لم يقيد الركعة الثانية بسجدة لأنه لو أضاف أخرى لفاتته الجماعة لوجود الفراغ في الفجر حقيقة وفي المغرب حكما إذ للأكثر حكم الكل فإن قيد الثانية بها يتم ولا يقتدي لكراهة النفل بعد الفجر وكذا بعد المغرب في ظاهر الرواية لأن التنفل بالثلاث مكروه وفي جعلها أربعا مخالفة أمامه وعن أبي يوسف أنه يقتدي في المغرب ويسلم معه وعليه أن يضم رابعة بعد
____________________
(1/209)
فراغ الإمام وهو الأحسن عنده وعندنا ولو اقتدى فيه لفعل كما قال أبو يوسف في الرواية الأولى كما في الكفاية
ولو كان في سنة الظهر أو سنة الجمعة فأقيم للظهر أو خطب في الجمعة يقطع على شفع لتمكنه من القضاء بعد الفرض ولا إبطال في التسليم على رأس الركعتين فلا يفوت فرض الاستماع والأداء على الوجه الأكمل بلا سبب يروى ذلك عن أبي يوسف كما في الهداية وغيرها
وقيل إنه يتمها أربعا وصححه أكثر المشايخ لأنها صلاة واحدة وليس القطع للإكمال بل للإبطال صورة ومعنى ويشهد لهم إثبات أحكام الصلاة الواحدة للأربع من عدم الاستفتاح والتعوذ في الشفع الثاني إلى غير ذلك
وكره خروجه أي خروج من لم يصل وهو متوضئ وإن كان على غير طهارة يجوز له الخروج لأجل الطهارة بنية العود من مسجد أذن فيه أي في ذلك المسجد قبل أن يصلي ما أذن لها لحديث ابن ماجه من أدرك الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق إلا خروج من تقام به جماعة أخرى بأن يكون مؤذنا أو إماما أو الذي تتفرق جماعته بغيبته أو تقل لأنه ترك صورة تكميل معنى والعبرة للمعنى
وفي النهاية إن خرج ليصلي في مسجد حيه مع الجماعة فلا بأس به
وإن صلى مرة لا يكره إلا في الظهر والعشاء إن شرع المؤذن في الإقامة فإنه يكره الخروج بعد الإقامة لجواز الاقتداء فيهما نفلا لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا بلا عذر وفي غيرهما يخرج وإن أقيمت لأنه إن صلى يكون نفلا والنفل بعد الفجر والعصر مكروه مطلقا وأما في المغرب فإن النافلة لم تشرع ثلاث ركعات كما بين آنفا
ومن خاف فوت الفجر بجماعة إن أدى سنته يتركها أي السنة ويقتدي لأن ثواب الجماعة أعظم من ثواب السنة
____________________
(1/210)
وما قيل إنه يشرع فيها أي في السنة عند خوف الفوات ثم يقطعها فيجب القضاء بعد الصلاة مدفوع ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة كما في الفتح
وإن رجا إدراك ركعة من الفرض مع الإمام لا يترك السنة بل يصليها أي السنة لأنه أمكن الجمع بين فضيلتي السنة والجماعة لكن يصلي السنة عند باب المسجد وإن لم يمكنه صلاها في الشتوي إذا كان الإمام في الصيفي وبالعكس في العكس وكره خلف الصف بلا حائل وأشدها كراهة أن يصلي في الصف مخالفا للجماعة ويقتدي بعد ذلك بالإمام
ولا تقضى سنة الفجر عند الشيخين إلا حال كونه تبعا للفرض بعد الطلوع قبل الزوال وفيما بعد الزوال اختلاف مشايخ ما وراء النهر قال بعضهم يقضيها تبعا ولا يقضيها مقصودة وقال بعضهم لا يقضيها لا تبعا ولا مقصودة قيل وهو الصحيح
وعند محمد تقضى إذا فاتت بلا فرض بعد الطلوع إلى الزوال استحسانا لأن النبي عليه الصلاة والسلام قضاها مع الفرض بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس ولهما أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب والحديث ورد في قضائها تبعا للفرض فيبقى ما ورائه على الأصل وقيد بعد الطلوع إلى الزوال لأنها لا تقضى قبل الطلوع وبعد الزوال بالاتفاق وقيل لا خلاف فيه فإن عنده لو لم يقض فلا شيء عليه وأما عندهما فلو قضى لكان حسنا وقيل الخلاف في أنه لو قضى كان نفلا عندهما سنة عنده كما في القهستاني
ويترك سنة الظهر في الحالين أي حال إدراك الظهر وعدمه إذا أداها لأنه يمكن أداؤها بعد الفرض هو الصحيح كما في الهداية هذا احتراز عن قول بعضهم لا يقضيها ويقضيها أي سنة الظهر في وقته قبل شفعه أي قبل الركعتين اللتين بعد الفرض قيل هذا عند أبي يوسف بناء على أن الابتداء بالفائتة أولى
وفي المحيط ذكر الإمام الأعظم معه وقال محمد بعدهما بناء على أن الأولى فاتت عن محلها ضرورة فلا معنى لتفويت الثانية أيضا اختيارا وقيل الاختلاف على العكس وحكم صاحب المجمع بكونه أصح وفيه إشارة إلى أنه ينوي القضاء كما قيل لكن الأولى أن ينوي السنة كما في الحقائق وإلى أنه لا يقضي بعد
____________________
(1/211)
الوقت لا تبعا ولا مقصودة وهو الصحيح
وفي البحر وحكم الأربع قبل الجمعة كالتي قبل الظهر كما لا يخفى
وغيرهما أي غير سنة الفجر والظهر من السنن وغير الفرائض الخمس والوتر لا يقضى أصلا أي لا في الوقت ولا بعده ولا وحدها بالاتفاق ولا بتبعية فرائضها إلا عند بعض المشايخ فإنهم قالوا يقضيها تبعا لقضاء فرائضها لكن الأول هو الأصح كما في الدرر
ومن أدرك ركعة واحدة من الظهر بجماعة لم يصله بجماعة فلا يحنث في يمينه لا يصلي الظهر بجماعة فلو كان صلى معا ثلاثا فعلى ظاهر الجواب لا يحنث أيضا لأنه لم يصلها بل بعضها بجماعة وبعض الشيء ليس بذلك الشيء واختار شمس الأئمة أنه لا يحنث لأن للأكثر حكم الكل والظاهر الأول كما في الفتح بل أدرك فضلها
وفي الفتح وقال محمد قد أدرك فضيلة الجماعة وأحرز ثوابها وفاقا لصاحبيه لا كما ظن بعضهم من أنه يحرز فضلها عند محمد وسبب تخصيص قول محمد التنبيه على بطلان ذلك الزعم
وفي التبيين ومن المتأخرين من قال إن المسبوق لا يكون مدركا فضيلة الجماعة على قول محمد وفيه نظر فإن صلاة الخوف لم تشرع إلا لينال كل واحد من الطائفتين فضيلة الجماعة انتهى أقول فيه كلام لأن صلاة الخوف أمر ضروري ولهذا ارتكب فيه ما لا يجوز في غير الخوف فكأنه صلى المقتدي جميع الركعات مع الإمام
ومن أتى مسجدا صلى فيه ولم يدرك جماعة يتطوع قبل الفرض ما شاء ما لم يخف فوته فإن خاف لا يتطوع قبله بالإجماع وفيه تفصيل فإن المصلي إما أن يؤدي الفرض بجماعة أو منفردا ففي الأول يصلي الرواتب ولا يتخير فيها مع الإمكان
وفي الثاني الجواب كذلك في رواية وقيل يتخير والأول أجود وأصح فإن النبي عليه
____________________
(1/212)
الصلاة والسلام واظب عليها وإن فاتته الجماعة لكن إذا ضاق الوقت يترك السنة ويؤدي الفرض حذرا عن التفويت وأما ما زاد على الرواتب وهو غير المؤكدة يتخير فيه مطلقا كما في أكثر الكتب
ومن أدرك الإمام حال كونه راكعا فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه لم يدرك تلك الركعة وكذا لو لم يقف بل انحط فرفع الإمام منه قبل ركوع المقتدي لا يصير مدركا لفوت المشاركة فيه المستلزم لفوت الركعة خلافا لزفر والشافعي فإنهما يقولان إنه أدرك الإمام فيما له حكم القيام والحجة عليهما قوله عليه الصلاة والسلام من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة فظاهره أنه ركع معه ومن ركع قبل إمامه ولم يرفع رأسه فأدرك إمامه فيه أي الركوع صح ركوعه لأن الشرط المشاركة في جزء من الركن وقد وجد لكن كره لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا تبادروني بالركوع والسجود وقوله عليه السلام أما يخشى الذي يركع قبل الإمام ويرفع أن يحول الله رأسه برأس الحمار
وقال زفر لا يصح أن يعد الركوع لأن ما أتي قبل الإمام لا يعتد به فكذا ما بني عليه
____________________
(1/213)
باب قضاء الفوائت لا يخفى عليك حسن تأخير القضاء عن الأداء لأنه فرعه قيل الأداء اسم لتسليم نفس الواجب بالأمر والقضاء اسم لتسليم مثل الواجب به وقد يستعمل إحدى العبارتين مقام الأخرى وقيل يجب القضاء بما يجب به الأداء وقيل بسبب جديد وفيه بحث قد عرف في موضعه الترتيب عند أئمتنا الثلاثة ولو كان جاهلا وعن الحسن عند الإمام إن لم يعلم به لم يجب وبه أخذ الأكثرون بين الفائتة فرضا أو واجبا
والوقتية وكذا بين الفوائت شرط وعند الشافعي ليس بشرط أصلا لا بين الفوائت ولا بين الفائتة والوقتية وإنما الترتيب مستحب لأن كل فرض أصل بنفسه ولا يتوقف جوازه على جواز غيره ولنا قوله عليه الصلاة والسلام من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكر إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام فإن قيل الكلام في فرضية الترتيب والحديث من أخبار الآحاد فلا يصح التمسك به قلنا هو ليس بفرض اعتقادا حتى لا يكفر جاحده ولكنه واجب في قوة الفرض في حق العمل ومثله يثبت بخبر الواحد كصدقة الفطر وعن جابر أنه عليه الصلاة والسلام صلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعدها يوم الخندق وفيه دليل على أن الترتيب واجب ولو كان مستحبا لما أخر المغرب التي يكره تأخيرها لأمر مستحب وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام شغل عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن له ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء فلو صلى تفريع على
____________________
(1/214)
ما قبله فرضا حال كونه ذاكرا فائتة فسد فرضه موقوفا عنده لا يحكم بصحته وفساده حتى لو صلى بعده ست صلوات أو أكثر ولم يقض الفائتة انقلب الكل جائزا عند الإمام ولو قضى الفائتة قبل أن يمضي ستة أوقات بطل وصف الفرضية وانقلب نفلا وعندهما فسد فرضه فسادا باتا أي قطعيا لكن عند أبي يوسف فسد وصف الفرضية وانقلب نفلا وعن محمد أصل الصلاة
فلو قضاها أي الفائتة قبل أداء ست من الصلوات بطلت فرضية ما صلى بالاتفاق لكن عند الشيخين تصير نفلا وعنده يبطل أصلها كما بين آنفا
وإلا أي وإن لم يقض الفائتة حتى أدى سادسا صحت عنده لأن الكثرة صفة لهذه الجملة من الصلوات فإذا ثبتت صفة استندت إلى أولها بحكمها وهو سقوط الترتيب فسقط الترتيب في آحادها كما سقط في أعيانها وهذا كمرض الموت لما ثبت له هذا الوصف باتصاله بالموت استند إلى أوله بحكمه
وفي المحيط أن عدم وجوب الإعادة عند الإمام إذا لم يعلم من فاتته وجوب الترتيب وفساد صلاته بدونه أما إذا علم فعليه إعادة الكل اتفاقا لأن العبد يكلف بما عنده لا عندهما لأن سقوط الترتيب حكم الكثرة وكل ما هو حكم العلة يتأخر عن علته فسقوط الترتيب إنما يكون فيما يقع من الصلوات بعد الكثرة لا فيما قبلها وهو القياس
وقال صاحب منح الغفار وعبارة الهداية ثم العصر يفسد فسادا موقوفا أي لترك الظهر حتى لو صلى ست صلوات ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزا والصواب أن يقال حتى لو صلى خمس صلوات ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزا لأن كثرة المسقطة بصيرورة الفوائت ستا وإذا صلى خمسا وخرج وقت الخمسة صارت الصلوات ستا بالفائتة المتروكة أولا وعلى ما صوره يقتضي أن تصير الصلوات سبعا وليس بصحيح انتهى أقول فيه كلام لأن مراد صاحب الهداية بقوله حتى لو صلى ست صلوات تأكيد خروج وقت الخامسة من المؤديات لا أداء السادسة ويؤيده سياق كلامه وهو قوله ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء إلا أن تزيد على ست فقد قيد
____________________
(1/215)
سقوط الترتيب بالزيادة على ست مع أنه غير مراد وكذا بعده وهو قوله وحد الكثر أن تصير الفوائت ستا بخروج وقت الصلاة السادسة ولهذا قال صاحب الفتح إن الوقتية المؤداة مع تذكر الفائتة تفسد فسادا موقوفا إلى أن يصلي إكمال خمس وقتيات فإن لم يعد شيئا منها حتى دخل وقت السادسة صارت كلها صحيحة تدبر والوتر كالفرض عملا فذكره مفسد عند الإمام خلافا لهما ومبنى الخلاف على أن الوتر واجب عنده وسنة عندهما ولا ترتيب بين الفرائض والسنن
ولو صلى العشاء بلا وضوء حال كونه ناسيا ثم صلى السنة والوتر به أي بالوضوء يعيد السنة لإعادة العشاء إذ لم يصح أداء السنة قبل الفرض مع أنها أديت بالوضوء لأنها تبع الفرض
ولا يعيد الوتر لأنه واجب عند الإمام وقد أداه في وقته بطهارة إذ وقته وقت العشاء لا بعده وقد سقط الترتيب بعذر النسيان خلافا لهما فإنه يعيد أيضا بناء على أنه سنة عندهما
وببطلان الفرضية لا يبطل أصل الصلاة عند الشيخين خلافا لمحمد لأن التحريمة عقدت للفرض فإذا بطلت الفرضية بطلت أصلا ولهما أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل
ويسقط الترتيب بضيق الوقت عن الأداء والقضاء بحيث لا يسع الوقت الوقتية والفائتة جميعا وإن كان الباقي من الوقت يسع فيه أحدهما فقط تقدم الوقتية لأن الباقي وقت للوقتية بالكتاب ووقت للفائتة بأخبار الآحاد فلو قلنا بوجوب تقديم الفائتة يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة يمكن العمل بالأدلة جميعا ولا يلزم النسخ وفيه إشارة إلى أنه لو شرع في الوقتية وفي الوقت سعة وأطال القراءة حتى ضاق لا تجوز صلاته فيجب عليه أن يقطعها ويشرع فيها ثانيا في ضيق الوقت كما في النهاية وإلى أنه لو ظن سعة الوقت ثم تبين خلافه لم تجز الوقتية وقيل جاز وإلى أنه لو شرع في الوقتية عند الضيق ثم خرج الوقت في خلالها لم تفسد وهو الأصح وإلى أن العبرة لأصل الوقت وقيل للوقت المستحب الذي لا
____________________
(1/216)
كراهية فيه والأول قياس قولهما والثاني قياس قول محمد حتى أن من فاته الظهر وأمكن أداؤه قبل تغير الشمس ولكن يقع كل العصر أو بعضه بعد التغيير لا يلزمه الترتيب عنده ويلزم عندهما وبالنسيان توسعوا في عبارة النسيان هنا حيث أرادوا به ما يعم الجهل المستمر حتى قال جماعة من أئمة بلخي إن من جهل فرضية الترتيب لا يجب عليه كالناسي كما في الإصلاح لكن في الأصل لم يفصل بين ما إذا كان عالما أو جاهلا وبصيرورة الفوائت ستا لدخولها في حد الكثرة المقتضية للحرج والكثرة تحصل بالدخول في حد التكرار والدخول في حد التكرار يحصل بكون الفوائت ستا وذا يحصل بخروج وقت السادسة وهو ظاهر الرواية عن أئمتنا الثلاثة واكتفى محمد بدخول وقت السادسة في رواية عنه والأول الصحيح كذا في أكثر الكتب حديثة أو قديمة الحديثة تسقط الترتيب اتفاقا وفي القديمة اختلاف المشايخ وذلك كمن فاتته صلاة شهر ثم أقبل على الوقتيات قبل قضائها ففاتت صلاة منها ثم صلى أخرى ذاكرا للفائتة آنفا قيل تجوز الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة الفوائت وقيل لا تجوز وتجعل القديمة كأن لم تكن زجرا له عن التهاون قال صدر الشهيد الصحيح هو الأول
وفي شرح الجامع الصغير للتمرتاشي الأول أصح والثاني أحوط وقال بعض المشايخ والإفتاء بالأول أولى لأن التهاون في العبادات فاش بين العباد
وقال صاحب الهداية في التجنيس الأول أقيس والفتوى على الثاني ولا يعود الترتيب بعودها أي بعود الفوائت إلى القلة يعني لو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي لا يعود الترتيب هذا مختار الإمام السرخسي
وقال صاحب المحيط وعليه الفتوى وقال صاحب الهداية يعود الترتيب عند البعض وهو الأظهر
وفي النهاية والفتوى على ما اختاره الإمام السرخسي وهو أولى لأنه يوافق إطلاق المتون
فمن ترك ستا أو أكثر وشرع يؤدي الوقتيات مع بقاء الفوائت ثم فاته فرض جديد فصلى وقتية بعده أي بعد فرض جديد ذاكرا له أي لهذا الفرض الجديد صحت وقتيته تفريع على قوله حديثة أو قديمة كما بين آنفا
وكذا لو قضى تلك
____________________
(1/217)
الفوائت إلا فرضا أو فرضين فصلى وقتية ذاكرا ما عليه من الفوائت القليلة هذا تفريع على قوله ولا يعود بعودها إلى القلة
ولا يقتل تارك الصلاة عمدا ما لم يجحد لكن منكرها كافر لثبوتها بالأدلة القطعية التي لا احتمال فيها للريب فحكمه حكم المرتد وتاركها عمدا تكاسلا فاسق يحبس حتى يصلي وقيل يضرب حتى يسيل منه الدم مبالغة في الزجر ولو كان التارك صبيا وسنه عشر سنين لوجب الضرب على تركها لقوله عليه السلام مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ويحكم بإسلام فاعلها بالجماعة ولا تجزي فيها النيابة أصلا
ولو ارتد والعياذ بالله تعالى عقيب فرض صلاة ثم أسلم في الوقت لزمه إعادته عندنا خلافا للشافعي
ولا يلزم قضاء ما فاته زمان الردة يعني إذا مضت المدة على ردته ثم أسلم لا يجب عليه قضاء ما فاته فيها من الفرائض عندنا ويجب عند الشافعي
ولا يلزم قضاء ما فاته بعد إسلامه في دار الحرب إن جهل فرضيته يعني إذا أسلم حربي بدار الحرب ولم يعلم وجوب الصلاة ونحوها ومكث زمانا ثم علم به لا يلزم قضاؤه عندنا أما لو أسلم في دار الإسلام ولم يعلم بالشرائع فيجب عليه لأنها دار العلم وشيوع الأحكام فلا يكون معذورا في ترك العلم وقال زفر يلزمه في كلا الأمرين
____________________
(1/218)
باب سجود السهو إضافته إلى السبب وهي الأصل والسهو غفلة القلب عن الشيء المعلوم فيتنبه له بأدنى تنبيه بخلاف النسيان فإنه زوال المعلوم فيستأنف تحصيله لكن الفقهاء لا يفرقون بينهما وكذا لا يفرقون بينه وبين الشك والأدباء عرفوا الشك بأنه تساوي الأمرين لا مزية لأحدهما على الآخر والظن تساويهما وجهة الصواب أرجح والوهم تساويهما وجهة الخطأ أرجح إذا سها المصلي بزيادة أو نقصان سجد للسهو سجدتين هذا مقيد بما إذا كان الوقت صالحا حتى أن من عليه السهو في صلاة الفجر إذا لم يسجد حتى طلعت الشمس بعد السلام الأول سقط السجود بعد التسليمتين بيان لمحله عندنا وعند الشافعي قبل السلام
وفي التبيين وهذا الخلاف في الأولوية ولا خلاف في الجواز قبل السلام وبعده لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام مثل المذهبين قولا وفعلا لكن ذكر المقدسي كراهته قبله تنزيها
وقيل بعد تسليمة واحدة كما هو مختار فخر الإسلام وصاحب الإيضاح وصاحب الكافي وشيخ الإسلام
وفي المجتبى وهو الأصح وفي المحيط على قول عامة المشايخ يكتفى بتسليمة واحدة لكن المصنف اختار الأول لأنه قال عليه الصلاة والسلام لكل سهو سجدتان بعد السلام والمتعارف منه ما يكون من الجانبين فيحمل عليه
وفي الهداية وقال شمس الأئمة وهو الأصح لأنه قول كبار الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم والأخذ برواية أصحاب كانوا قريبين فيها من رسول الله عليه الصلاة والسلام أولى والرواية الأخرى عن عائشة وكانت من صف النساء وسهل بن سعد وكان من الصبيان فيحمل على أنهما لم يسمعا وسوق كلام الفريقين يدل على أن القولين للإمام
وفي المجمع نسب الثاني إلى محمد والأول إليهما كما في الدرر وقيل للمنفرد تسليمتان وللإمام تسليمة لأنه إذا سلم ربما اشتغل بعض الجماعة بما ينافي في الصلاة وعمل الناس اليوم على هذا التراعي الروايتان وتشهد وسلم ويأتي بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام
____________________
(1/219)
والدعاء في قعدة السهو هو الصحيح لأن موضعهما آخر الصلاة هذا احتراز عما قال الطحاوي في القعدتين لأن كلا منهما آخر وقيل قبل السجود عند الشيخين وعند محمد بعده لأن سلام من عليه السهو يخرجه عندهما خلافا له وذكر قاضي خان وظهير الدين أنه أي قول الطحاوي أحوط
وفي الظهيرية والسهو في الجمعة والعيدين والمكتوبة واحد ومن المشايخ من قال لا يسجد للسهو في العيدين والجمعة لئلا يقع الناس في فتنة
ويجب في ظاهر الرواية وهو الصحيح لأنه شرع لرفع نقص تمكن في الصلاة ورفع ذلك واجب
وفي المحيط أنه عند الكرخي ويسن عند غيره إن قرأ آية في ركوع أو قعود أو سجود أو قومة لأن كلا منها ليس بمحل القراءة فيكون فعل من أفعال الصلاة غير واقع في محله فيجب أو قدم ركنا على محله وركن الشيء جزء ماهيته فركن الصلاة القيام والقراءة والركوع والسجود وأما القعدة فشرط لصحة الخروج أو أخره عن محله أو كرره أي الركن وفيه إشعار بأنه لو كرر واجبا لم يجب السهو لكن في الخزانة وغيره أن تكرار الفاتحة في الأوليين يوجب السهو ويمكن أن يقال إن التكرار لم يوجب بل ترك السورة فإنها تجب أن تلي الفاتحة وينبغي أن يقيد ذلك بالفرائض لأن تكرار الفاتحة في النوافل لم يكره كما في القهستاني أو غير واجبا أو تركه رأسا ساهيا وقيدنا بساهيا لأنه لو تركه عامدا قيل يأثم لأنه ذنب عظيم لا ترفعه السجدتان وقيل تفسد صلاته ويستثنى من ذلك مسألتان ترك القعدة الأولى والفكر في بعض الأفعال بعد الشك حتى شغله عن ركن فإنهما مع العمد يوجبان سجدة العذر كما في القهستاني
وفي الينابيع نقلا عن الناطفي لا سهو في العمد إلا في الموضعين الأول تأخير إحدى سجدتي الركعة الأولى إلى آخر الصلاة والثاني ترك القعدة الأولى انتهى فعلى هذا يكون في ثلاثة مواضع لا في وضعين فتأمل ثم أشار إلى أمثلة ما تقدم على الترتيب فقال كركوع قبل القراءة فإن تقديمها على الركوع واجب لا فرض خلافا لزفر
____________________
(1/220)
وأما تقديم القيام على الركوع والركوع على السجود فرض كما في الدرر وتأخير القيام إلى الثلاثة بزيادة على التشهد واختلفوا في قدر الزيادة فقال بعضهم بزيادة حرف وكلام المصنف يشير إلى هذا
وقال بعضهم بقدر ركن وهو الصحيح كما في أكثر الكتب
وقال بعضهم بقوله اللهم صل على محمد وقال بعضهم لا يجب حتى يقول وعلى آل محمد والأول أصح
وفي الزاهدي وعندهما لا سهو عليه أصلا وبه أفتى بعض أهل زماننا
وفي المحيط واستقبح محمد السهو لأجل الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم
وركوعين فإن الاقتصار واجب ففي الزيادة عليه تركه والجهر فيما يخفى وكذا المخافتة فيما يجهر
وفي الهداية واختلفت الرواية في المقدار والأصح قدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه وعن الكثير ممكن وما تصح به الصلاة كثير غير أن ذلك عنده آية واحدة وعندهما ثلاث آيات لكن هذا على رواية النوادر وأما في ظاهر الرواية فيجب سجود السهو بهما مطلقا أي قل أو كثر كما في أكثر المعتبرات
وفي الخلاصة وعليه الاعتماد تتبع وهذا في حق الإمام دون المنفرد لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة في ظاهر الرواية
وترك القعود الأول دون الثاني فإنه مفسد وقيل قائله صدر الإسلام كله أي كل ما ذكر تقديم الركن وتأخيره وتكريره وتغيير الواجب وتركه يئول أي يرجع إلى ترك الواجب لأن الواجب عليه أن لا يفعل كذلك فإذا فعل فقد ترك الواجب فصار ترك الواجب شاملا للكل
وفي التبيين والصحيح أنه يجب بترك الواجب لا غير
وإن تشهد في القيام أو الركوع أو السجود لا يجب لأنه ثناء وهذه المواضع محل للثناء وعن محمد لو تشهد في قيامه قبل قراءة الفاتحة فلا سهو عليه وبعدها يلزمه سجود السهو وهو الأصح كما في التبيين
وإن سها مرارا يكفيه سجدتان لقوله عليه الصلاة والسلام سجدتان بعد السلام تجزيان عن كل زيادة ونقصان
ويلزم سجود السهو المقتدي أي المؤتم الحقيقي والحكمي كاللاحق بسهو إمامه إن سجد وإن لم يسجد الإمام لسهوه لا يسجد المؤتم لأنه تبع لإمامه وبسجوده
____________________
(1/221)
بدونه يصير مخالفا لإمامه ولا فرق في ذلك بين السهو من الإمام حالة الاقتداء به أو قبلها لأن السبب الموجب إذا تقرر في حق الأصل يتقرر على التبع حسب تقرره على الأصل ولهذا يلزم الأربع باقتدائه بالمقيم أو بنية إمامه الإقامة لا بسهوه أي لا يلزم سجود السهو بسهو المقتدي لا عليه ولا على إمامه لأنه إن سجد وحده خالف إمامه وإن سجد الإمام معه انقلب المتبوع تابعا والتابع متبوعا وهو قلب الموضوع ونقض المشروع والمسبوق يسجد مع إمامه تبعا له ولا يسلم ثم يقضي ما فاته ولهذا قيل الأولى أن لا يقوم قبل سلام الإمام ولو قام قبله فقرأ وركع ولم يسجد فسجد الإمام لسهوه يتابعه فيه لعدم تأكد انفراده ويقعد معه قدر التشهد الأول ثم يعيد القيام والركوع لارتفاضهما بمتابعته وإن لم يتابعه وقيد ركعته بالسجدة فسدت صلاته وإن سجد قبل سجود إمامه لا يتابعه لتأكد انفراده ويسجد في آخر صلاته لسهو الإمام استحسانا لالتزامه أن يفعل مثله كما في البرهان
وفي البدائع خلافه فلا تفسد بترك المتابعة ولو سها فيما يقضي سجد ثانيا إن كان تابع الإمام وإن لم يكن كفاه سجدتان وتنتظم الثانية بالأولى ولو سلم مع الإمام أو قبله فلا سهو ولو بعده لزمه وقيل يلزمه في التسليمة الثانية دون الأولى
سها المصلي عن القعود الأول في ذوات الأربع أو الثلاث مقدار التشهد وهو أي المصلي إليه أي القعود أقرب من القيام إليه بأن لم يرفع ركبتيه وعليه الاعتماد كما في المضمرات وقيل بأن لم يكن مستوى النصف الأول سواء كان رافع الألية والركبة أو أحداهما وقيل بأن لم يستو قائما وهو ظاهر الرواية
وفي التبيين وهو الأصح قدم مفعول أفعل التفضيل توسعا عاد إلى القعود وتشهد لأن ما يقرب إلى الشيء يأخذ حكمه وتجب عليه سجدة السهو وهو الصحيح وقيل تجب لأن بالقيام وإن قل يؤخر القعدة الواجبة وإلا أي وإن لم يكن إليه أقرب بأن رفع ركبتيه أو بأن كان مستوى النصف الأسفل دون الأعلى أو بأن استوى قائما لا أي لا يعود لأنه قائم معنى فكان كالقائم حقيقة ولو عاد فسدت صلاته على الصحيح لأنه رفض فرضا بعد الشروع لما ليس بفرض
وفي المنح وأما المأموم إذا قام ساهيا فإنه يعود ويقعد لأن القعود فرض عليه بحكم المتابعة ويسجد
____________________
(1/222)
للسهو لتركه الواجب وهو القعود الأول
وإن سها عن القعود الأخير حتى قام لركعة أخرى عاد إلى القعود لإصلاح صلاته ما لم يسجد وسجد للسهو لتأخيره فرضا وأراد بالأخير القعود المفروض ليشمل الثاني والثنائي ويمكن أن يقال سمي أخيرا باعتبار أنه آخر الصلاة أو باعتبار المشاكلة فإن سجد سجدة تامة بطل فرضه عندنا ثم الفساد برفعه أي الرأس من السجود عند محمد لأن تمام الشيء بآخره وهو الرفع وعليه الفتوى لأنه أقيس وأوفق وبوضعه عند أبي يوسف لأنه سجود كامل فإذا أحدث فيه لا يبني عنده ويبني عند محمد كما بين في محله وهذه المسألة تسمى بمسألة زه بالزاي المكسورة الخالصة وهي كلمة تقول الأعاجم عند استحسان شيء وقد يستعمل في التهكم ومنه قول أبي يوسف عند بلوغ قول محمد زه صلاة فسدت يصلحها الحدث وصارت أي انقلبت صلاته نفلا عند الشيخين لأن فساد وصف الفرضية لا يبطل أصل الصلاة خلافا لمحمد فيضم سادسة إن شاء فلو لم يضم صار الشفع الأول نفلا وبطل الثاني ولا يلزم قضاؤه لأنه مظنون والمظنون غير مضمون عندنا خلافا لزفر كما في التسهيل
وفي الدرر ويضم في الرباعي ركعة سادسة إن شاء وفي الثلاثي الصائر أربعا لا يحتاج الضم إذ الركعات الثلاث بضم الرابعة إليها تحولت إلى النفل فحصلت الصلاة التامة وفي الثنائي الصائر ثلاثا وهو الفجر لا يضم رابعة ليكون الكل نفلا لأن النفل بعد طلوع الفجر أكثر من سنة الفجر مكروه انتهى
وفي النهاية وفي صلاة الفجر يقطع سواء قعد على رأس الثانية أو لم يقعد لأن التنفل قبل الفجر وبعده مكروه سوى ركعتيها
وقال صاحب الفرائد فيه بحث وهو أنه إذا قطع في صلاة الفجر ولم يضم إليه ركعة هل يكون نفلا عندهما كما في غيره أو يبطل أصلا إن قيل يبطل أصلا يكون مخالفا لأصلهما وإن قيل يكون نفلا يلزم التنفل بعد الصبح بثلاث ركعات وهو لا يجوز انتهى أقول فيه كلام لأنا لا نسلم عدم الجواز لأن عدم جواز التنفل بالوتر إنما هو عند القصد
____________________
(1/223)
وأما عند عدمه فلا ولهذا لا يلزمه شيء لو قطعه على أنه في صورة القعود على رأس الثانية في الفجر تتم صلاة الفجر وتبطل الركعة عند القطع أما في صورة عدم القعود فيبطل أصلا بترك القعود فلا مخالفة لأصلهما لأنه مقيد بالقعود الأخير فافترقا تأمل
وإن قعد قدر التشهد في الركعة الرابعة ثم قام سهوا عاد إلى القعود وسلم لأن التسليم حال القيام غير مشروع ما لم يسجد في الخامسة
وإن سجد تم فرضه لأن الفائتة عنه إصابة لفظ السلام في الأخيرة وهو ليس بفرض عندنا ويسجد للسهو راجع إلى كل من المسألتين أما في الأولى وهي ما إذا عاد وسلم فظاهر لأنه أخر الواجب وهو السلام وأما في الثانية ففيه ثلاثة أقوال فعند أبي يوسف لجبر نقصان النفل بالدخول فيه على غير الوجه المسنون وعند محمد لنقصان الفرض بترك السلام منه
وقال الماتريدي الأصح أن يجعل السجود جبرا للنقص المتمكن في الإحرام فينجبر النقص المتمكن في الفرض والنفل جميعا
ويضم سادسة هذا الضم آكد من الأول ولذلك لم يقل إن شاء والركعتان نفل إن كان الفرض رباعيا لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن البتيراء ولا عهدة لو قطع أي لا يلزمه شيء لأنه ظان فيها لكن في الجامع الصغير وعليه أن يضيف سادسة وكلمة على للإيجاب إلا أن يقال كلمة على تستعمل هاهنا بمعنى الآكدية لا للإيجاب ولكن خلاف الظاهر تدبر ولا تنوبان عن سنة الظهر على الصحيح لأن المواظبة على السنة
____________________
(1/224)
إنما كانت بتحريمة مبتدأة ومن اقتدى به أي بالساهي فيهما أي في إحدى هاتين الركعتين صلاهما فقط عند أبي يوسف لكن في الهداية هذا قول الشيخين لأن الإمام لما استحكم خروجه عن الفرض فصار كتحريمة مبتدأة
ولو أفسد المقتدي إياهما قضاهما عند أبي يوسف لأن السقوط بعارض يخص الإمام كما في الهداية وفيه دلالة على أن لا نص عن الإمام لكن في التبيين وغيره أن هذا قول الشيخين وهو الصحيح وعليه الفتوى كما في الجوهرة
وعند محمد يصلي ستا وهو أقيس وعليه الفتوى كما في الكافي لأنه لما شرع في تحريمة الإمام لزمه ما أدى به الإمام وقد أدى ستا ولا قضاء على المقتدي عند محمد لو أفسد اعتبارا بالإمام
ولو سجد للسهو في شفع التطوع لا يبني شفعا آخر عليه كي لا يقع سجوده في وسط الصلاة إذ السجدة في خلال الصلاة لم تشرع
ولو بنى صح لبقاء التحريمة ويعيد سجود السهو في المختار وفي السرخسي أنه لا يصح البناء
وسلام من عليه السهو يخرجه من الصلاة خروجا موقوفا عند الشيخين إن سجد للسهو عاد إليها أي إلى الصلاة
وإلا أي وإن لم يسجد للسهو لا أي لا يعود إليها لأن السلام محلل والحاجة إلى أداء السجود مانعة عن التحليل فإذا لم يكن سجود عمل السلام عمله فيصح اقتداء من اقتدى به بعد سلامه الأول قبل سجود السهو لبقاء التحريمة عندهما
وقال بعض المشايخ يخرج من الصلاة من حين سلم وتنقطع به التحريمة من غير توقف على قولهما كما في التبيين ويصير فرضه أي فرض المسافر أربعا بنية الإقامة في هذه الحالة
ويبطل وضوءه بقهقهة في هذه الحالة إن سجد للسهو وإلا أي وإن لم يسجد للسهو فلا أقول فيه كلام لأن الظاهر أن هذا قيد للجميع من قوله فيصح إلى هنا وليس كذلك لأن المسافر لو نوى الإقامة بعد السلام
____________________
(1/225)
لا يسجد للسهو لأن السجدة للسهو في خلال الصلاة لم تشرع كما بين آنفا فلا يتغير فرضه أربعا بنية الإقامة عندهما كما في أكثر المعتبرات وكذا لا يبطل وضوءه بقهقهة عندهما لأنها لم تصادف حرمة الصلاة إذ القهقهة قاطعة للتحريمة لأنها كلام فيتحقق خروجه عن الصلاة فكيف يسجد للسهو بل قيد لقوله فيصح اقتداء من اقتدى به بعد سلامه فقط لكن عبارة المصنف لم تساعده بل هو سهو تتبع فإنه من مزالق الأقدام
وعند محمد وزفر لا يخرجه أصلا لأن السجود وجب لجبر النقصان فلا بد أن يكون في إحرام الصلاة ليتحقق الجبر فتثبت الأحكام المذكورة من صحة الاقتداء وصيرورة فرضه أربعا وبطلان وضوئه بقهقهة سجد أو لا أي سواء سجد للسهو أو لا لكن لا يسجد للسهو بعد نية الإقامة بل يتركه ويقوم لأنه لو سجد لبطل سجوده لوقوعه في وسط الصلاة
ولو سلم من عليه السهو بنية أن لا يسجد بطلت نيته لأنها غير المشروع فلغت كنية الظهر ستا وله أن يسجد للسهو لبقاء التحريمة ما لم يفعل ما ينافي الصلاة
وإن شك في صلاته أنه كم صلى إن كان أول ما عرض له في تلك الصلاة كما قال فخر الإسلام واختاره ابن الفضل
وقال أكثر المشايخ إن كان أول ما وقع له في عمره
وقال شمس الأئمة السرخسي إن كان السهو ليس بعادة له وهو أشبه كما في المحيط استقبل ثم الاستقبال لا يتصور إلا بالخروج عن الأولى وذلك بالسلام أو الكلام أو عمل آخر مما ينافي الصلاة لكن السلام قاعدا أولى ومجرد النية لم تكف في القطع
وإلا أي وإن لم تكن أول ما عرض له بل يعرض كثيرا تحرى وعمل بغلبة ظنه دفعا للحرج وسجد للسهو حتى لو ظن أنها أربعة مثلا فأتم وقعد وضم إليها أخرى وقعد احتياطا كان مسيئا كما في المنية
____________________
(1/226)
فإن لم يكن له ظن بنى على الأقل المتيقن وقعد في كل موضع احتمل أنه موضع القعود فلو شك مثلا في ذوات الأربع أنه يصلي ركعة أو ركعتين أو ثلاثا أو أربعا أو لم يصل شيئا فقعد قدر التشهد لاحتمال أنه صلى أربعا ثم صلى أربع ركعات يقعد في كل ركعة قدر التشهد لأنه يمكن أن يكون آخر صلاته والقعدة الأخيرة فرض فلو شك في الوتر وهو قائم أنها ثانية أو ثالثة يتم تلك الركعة ويقنت فيها ويقعد ثم يقوم ويصلي أخرى ويقنت فيها أيضا
ولو شك أنه صلى أو لا فإن كان في الوقت فالظاهر أنه لم يصلها وإن كان بعده فالظاهر أنه صلاها
ولو شك أنه ركع في صلاته أو لا إن كان في الصلاة يأتي به وإن لم يكن فيها فالظاهر أنه فعله كما في الشمني
توهم مصلي الظهر أنه أتمها فسلم ثم علم أنه صلى ركعتين وهو على مكانه أتمها وسجد للسهو لما روي أنه عليه الصلاة والسلام فعل كذلك ولأن السلام ساهيا لا يبطل صلاته لكونه دعاء من وجه بخلاف ما لو سلم على ظن أن فرض الظهر ركعتان أو كان في صلاة العشاء فظن أنها التراويح فسلم فإنها تبطل وكذا لو سلم على ظن أنه مسافر أو على ظن أنها الجمعة أو سلم ذاكرا أن عليه ركنا فإن صلاته تبطل
باب صلاة المريض وجه مناسبة هذا الباب بما قبله أن كلا منهما من العوارض السماوية غير أن الأول أعم موقعا لأنه يقع في صلاة الصحيح والمريض فقدمه لشدة مساس الحاجة إلى بيانه ثم إضافته إضافة الفعل إلى فاعله كقيام زيد عجز عن القيام بأن لا يقوم أصلا لا بقوة نفسه ولا بالاعتماد على شيء وإلا فلا يجزيه إلا ذلك أو خاف زيادة المرض أو بطأه أو يجد ألما شديدا بسببه
____________________
(1/227)
أي القيام صلى قاعدا كيف شاء
وقال زفر يقعد قعود التشهد وعليه الفتوى لأن ذلك أيسر على المريض كما في الخلاصة وغيره ولا يخفى أن الأيسر عدم التقييد بكيفية من الكيفيات لأن عذر المرض أسقط عنه الأركان فلأن تسقط عنه الهيئات أولى ولو قدر على بعض القيام بأن قدر على التكبير قائما يقوم بما قدر عليه ثم يقعد يركع ويسجد إن قدر ولا يتركهما بترك القيام
وإن تعذر الركوع أو السجود أومأ برأسه أي يشير إلى الركوع والسجود قاعدا إن قدر على القعود لأنه وسعه وجعل سجوده بالإيماء أخفض من ركوعه لأن نفس السجود أخفض من الركوع فكذا الإيماء به ولا يرفع إلى وجهه شيئا للسجود روي أن النبي عليه الصلاة والسلام عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها وأخذ عودا ليصلي عليه فأخذه فرمى به وقال صل على الأرض إن استطعت وإلا فأوم واجعل سجودك أخفض من ركوعك فإن فعل ذلك وهو يخفض رأسه صح إيماؤه لوجود الإيماء وإلا أي وإن لم يخفضه فلا يصح لعدم الإيماء
وفي الشمني لو كان المريض يصلي بركوع وسجود فرفع إليه شيء فسجد عليه قالوا إن كان إلى السجود أقرب منه إلى القعود جاز وإلا فلا
وفي القهستاني لو سجد على شيء مرفوع موضوع على الأرض لم يكره ولو سجد على دكان دون صدره يجوز كالصحيح لكن لو زاد يومئ ولا يسجد عليه
وإن تعذر القعود أومأ بالركوع والسجود مستلقيا على ظهره ووضع وسادة تحت رأسه حتى
____________________
(1/228)
يكون شبه القاعد ليتمكن من الإيماء ورجلاه إلى القبلة أو أومأ مضطجعا ووجهه إليها أي إلى القبلة ورجلاه نحوه يسارها أو يمناها والأول أولى خلافا للشافعي
وفي المنية الأظهر أن الاضطجاع لا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام يصلي المريض قائما فإن لم يستطع فقاعدا وإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء وإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه
وإن تعذر الإيماء برأسه أخرت الصلاة فلا سقط عنه بل يقضيها إذا قدر عليها ولو كانت أكثر من صلاة يوم وليلة إذا كان مضيقا وهو الصحيح كما في الهداية
وفي الخانية الأصح أنه لا يقضي أكثر من يوم وليلة كالمغمى عليه وهو ظاهر الرواية وهذا اختيار فخر الإسلام وشيخ الإسلام
وفي الخلاصة وهو المختار لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب
وفي التنوير وعليه الفتوى فإن مات بلا قضاء فلا شيء عليه كما في الشمني ولا يومئ بعينيه ولا بحاجبيه ولا بقلبه لما روينا وفيه خلاف زفر
وإن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود يومئ قاعدا لأن ركنية القيام لكونه وسيلة إلى السجود الذي هو نهاية التعظيم فيسقط الوسيلة لسقوط الأصل
وهو أي الإيماء قاعدا أفضل من الإيماء قائما لكون رأسه فيه أقرب إلى الأرض قال شيخ الإسلام يومئ للركوع قائما والسجود قاعدا
وقال زفر والشافعي يصلي قائما بالإيماء كما في التبيين
ولو مرض في أثناء الصلاة بنى ما قدر يعني لو شرع في الصلاة صحيحا قائما فحدث به مرض يمنعه عن القيام صلى ما بقي قاعدا يركع ويسجد أو موميا قاعدا إن لم يقدر أو مستلقيا إن لم يقدر لأن بناء الأدنى على الأعلى كاقتداء المومئ بالصحيح
ولو افتتحها قاعدا للعجز يركع أو يسجد فقدر على القيام بنى قائما عند الشيخين
وقال محمد يستأنف لأن اقتداء القائم بالقاعد جائز عندهما فجاز البناء وغير جائز عنده فلم يجز البناء
وإن افتتحها بإيماء للعجز فقدر على الركوع والسجود استأنف لأن اقتداء الراكع والساجد بالمومئ لم يجز فكذا البناء ولو كان يومئ مستلقيا ثم قدر على القعود ولم يقدر على الركوع والسجود استأنف
____________________
(1/229)
على المختار ولو افتتحها بالإيماء ثم قدر قبل أن يركع ويسجد جاز له أن يتمها بخلاف ما بعد الركوع والسجود كما في جوامع الفقه
وللمتطوع أن يتكئ على شيء إن أعيي أي أتعب وأطلق الشيء فشمل العصا والحائط لكن الاتكاء بعذر غير مكروه إجماعا وبغير عذر كذلك عند الإمام وعندهما يكره
ولو صلى فرضا في فلك جار قاعدا بلا عذر صح عند الإمام لأن الغالب فيها دوران الرأس وهو كالمتحقق إلا أن القيام أفضل وأفضل من القيام الخروج إلى الشط إن أمكن لأنه أسكن للقلب خلافا لهما لأن القيام مقدور عليه فلا يترك
وفي المربوط لا يجوز بلا عذر أي القعود بلا عذر إجماعا هذا إن كان مربوطا على الشط وأما إن كان مربوطا في البحر وهو يضطرب اضطرابا شديدا فهو كالسائر في الحكم وإن كان يسيرا فكالواقف
وفي الإيضاح إن كان مربوطا يمكنه الخروج إلى البر لم يجز الفرض أصلا إذا لم يستقر على الأرض وإن كان غير مربوط جازت الصلاة فيه
ومن أغمي عليه أو جن يوما وليلة قضى ما فات وهذا استحسان والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب وقت صلاة كاملة لتحقق العجز وبه أخذ الشافعي وجه الاستحسان أن المدة إذا طالت كثرت الفوائت فيلزم الحرج وإذا قصرت قلت فلا حرج والكثير أن يزيد على يوم وليلة لأنه يدخل في حد التكرار ولهذا قال
وإن زاد الجنون والإغماء عليهما ساعة روي بالنصب على الظرف أي في جزء من الزمان ويجوز الرفع على الفاعلية والمعنى زاد عليهما ساعة لا يقضي ما فات من الصلوات الخمس بزيادة ساعة من وقت صلاة أخرى
وعند محمد يقضي ما لم يدخل وقت صلاة كاملة سادسة لأن التكرار يتحقق به وهو الأصح
____________________
(1/230)
وإنما فسرنا بالصلاة الكاملة لأنه لا تسقط عنه عند محمد ما لم يستوعب الإغماء أوقات ست صلوات كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا لو قال ما لم يمض مكان ما لم يدخل لكان أولى تأمل
وفي المحيط لو حصل الإغماء بما هو معصية كشرب الخمر أكثر من يوم وليلة لا يسقط عنه القضاء اتفاقا ولو حصل بالبنج قال محمد يسقط وقال الإمام لا يسقط
باب سجود التلاوة لا يخفى أن المناسب أن يقترن بسجود السهو لأن كلا منهما سجدة لكن لما كان صلاة المريض بعارض سماوي كالسهو ذكر عقيبه لشدة المناسبة فتأخر هذا الباب ضرورة وهو من قبيل إضافة الحكم إلى سببه وإنما لم يقل سجود التلاوة والسماع بيانا للسببين مع أن السماع سبب أيضا لأن التلاوة لما كانت سببا للسماع كان ذكرها مشتملا على السماع من وجه فاكتفى به
وفي بعض المعتبرات أن السبب في حق السامع التلاوة في الأصح بشرط السماع فلا إشكال عليه لأنه يكون من إضافة المسبب إلى السبب الخاص يجب أي سجود التلاوة عندنا
وقال الشافعي هو سنة لأنه عليه الصلاة والسلام قرأ ولم يسجد ولنا قوله عليه الصلاة والسلام السجدة على من سمعها أو على من تلاها وكلمة على للوجوب وما رواه محمول على تأخير الأداء جمعا بين الحديثين على من تلا آية تامة أو أكثرها أو نصفها مع كلمة السجدة على الخلاف ولو قرأها وحدها فلا تجب بكتابة ولا بقراءة هجاء من أربع عشر آية في آخر الأعراف
____________________
(1/231)
وإنما قيد بالآخر لأن ما في أوله غير موجب للسجدة اتفاقا والآخر بمعنى النصف الآخر فلا يكون الشيء ظرفا لنفسه والأعراف علم للسورة ظاهرا وقد جوزه سيبويه كما جوز هو وغيره أن العلم سورة الأعراف وحذف الجزء جائز بلا التباس وعلى هذا قياس باقي السور كما في القهستاني والرعد والنحل والأسرى ومريم والحج أولا أي أول ما ذكر فيه السجود لأن ما في الثانية للصلاة عندنا خلافا للشافعي فإنه قال في سورة الحج سجدتان والفرقان والنمل والم تنزيل وص
وقال الشافعي ليس في سورة ص سجدة وفصلت واختلف في موضع السجدة به فعند علي رضي الله تعالى عنه هو قوله إن كنتم إياه تعبدون وبه أخذ الشافعي وعند عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما قوله لا يسأمون فأخذنا به احتياطا فإن تأخير السجدة جائز لا تقديمها والنجم والانشقاق والعلق وقال مالك سورة النجم وما بعدها ليست من مواضع السجود
و تجب على من سمع ولو غير قاصد سواء كانت القراءة بالعربية أو بالفارسية فهم أو لا لكن في العربية عليه السجود بكل حال وفي الفارسية كذلك عند الإمام وعندهما أن السامع إن علم أنه قرآن فعليه السجود وإلا فلا ولا بد أن يكون السامع أهلا لوجوب صلاة عليه حتى تجب على جنب إذا سمع هو دون الحائض والنفساء والمجنون والصبي والكافر كما في بعض المعتبرات
وفي المحيط ولو سمع من كافر أو صبي عاقل أو حائض أو نفساء أو جنب وجبت ولو سمعها من مجنون أو نائم لا لأن التلاوة صدرت من غير معرفة ولا تمييز ولو قرأها سكران وجبت عليه وعلى من سمعها منه
وفي الفتاوى إذا سمعها من مجنون تجب وكذا من النائم الأصح الوجوب أيضا انتهى هذا مخالف لما في المحيط فلا بد من التوفيق بينهما بأن يحمل على اختلاف الروايتين
وعلى المؤتم بتلاوة إمامه وإن لم يسمعها بأن قرأها الإمام سرا أو جهرا والمأموم بعيد عنه أو اقتدى به بعد قراءتها لأنه لو لم يسجد معه يلزم المخالفة بين الأصل والتبع فلا تجوز
ولا يجب السجود
____________________
(1/232)
على الإمام والمؤتم القارئ ولا المؤتم الذي هو غير ذلك المؤتم بتلاوته أي بتلاوة المؤتم أصلا لا في الصلاة ولا بعدها هذا عند الشيخين
وقال محمد يسجدونها إذ فرغوا وأما ما قال صاحب الفرائد في تفسير قوله أصلا لا في الصلاة ولا بعدها لا على المؤتم ولا على الإمام فلا يخلو عن قصور تدبر إلا على سامع ليس معه في الصلاة فيسجد بالاتفاق على الصحيح لأن الحجر من السجدة عند تلاوة المؤتم إنما ثبت في حق الإمام والمقتدي فلا يعدوهما
ولو سمعها المصلي ممن ليس معه في الصلاة لا يسجد في الصلاة لأنها ليست بصلاتية لأن سماعه هذه القراءة ليس من أفعال الصلاة
ويسجد بعدها لتحقق سببها وهو السماع لتلاوة صحيحة فإن سجد فيها لا تجوز فيعيدها لأن فعلها في الصلاة وقع ناقصا لكونه في غير محله ولا تبطل الصلاة وهو الأصح لأنها عبادة زيدت في الصلاة كزيادة سجدة تطوعا وهو ظاهر الرواية
وفي النوادر تفسد لأنه اشتغل فيها بما يفعل بعدها
ولو سمعها من إمام قبل الاقتداء فاقتدى به قبل أن يسجد للتلاوة سجد معه لأنه لو لم يسمعها يسجد معه تبعا له فهاهنا أولى
وإن اقتدى بعد ما سجد الإمام فإن كان في تلك الركعة التي تليت فيها آية السجدة لا يسجد أصلا ولا في الصلاة ولا بعدها لأنه صار مدركا للسجدة بإدراك الركعة فيصير مؤديا لها
وفي الخلاصة من سمع قبل الاقتداء سجد بعد الصلاة مطلقا
وإن في غيرها أي غير تلك الركعة التي تليت فيها آية السجدة سجدها خارج الصلاة لتحقق السبب وهو السماع لتلاوة صحيحة
____________________
(1/233)
كما لو لم يقتد بالإمام بعدما سمعها فإنه يسجدها لتقرر السبب في حقه وعدم المانع
ولا تقتضي الصلاتية لحن والصواب الصلوية برد ألفه واوا وحذف التاء لكن في العناية أنه خطأ مستعمل وهو عند الفقهاء خير من صواب نادر خارجها لأن قراءة القرآن في الصلاة أفضل فلم يجز أداؤها خارج الصلاة لأن الكامل لا يتأدى بالناقص إلا إذا فسدت الصلاة فيسجد خارجها وفيه إشارة إلى أن وجوب السجدة في الصلاة على الفور لأنه لا يجوز أن تقتضى فأساء بتركها
وفي الخزانة إن تلا آية سجدة في الصلاة فإن كان في وسط القراءة فالأفضل أن يركع أو يسجد للتلاوة في الحال غير ركوع الصلاة وغير سجودها ثم يقوم ويقرأ ويتم صلاته وأما إن قرأ بعدها آيتين أو ثلاث آيات ثم ركع وسجد لصلاته جاز وسقطت سجدة التلاوة عنه لأن هذا القدر لا يقطع الفور ولو ركع لصلاته على الفور وسجد تسقط عنه السجدة نوى في السجدة التلاوة أو لم ينو وأجمعوا على أن سجدة التلاوة تتأدى بسجدة الصلاة وإن لم ينو للتلاوة واختلفوا في الركوع قال شيخ الإسلام لا بد للركوع من النية حتى ينوب عن السجدة نص عليه محمد وإن قرأ بعد السجدة ثلاث آيات وركع لسجدة التلاوة لا ينوب الركوع عن السجدة لأن هذا القدر يقطع الفور
وقال شمس الأئمة لا يقطع تلاها أي آية السجدة ولم يسجد ثم دخل في الصلاة وأعادها أي أعاد تلاوة تلك الآية وسجد كفته عن التلاوتين لأن غير الصلاتية صارت تبعا للصلاتية حتى لو لم يسجد فيها سقطت وينبغي أن تكون الإعادة في الركعة الأولى حتى يصير وفاقيا وإلا ينبغي أن يتداخل عند محمد كما في التسهيل
وفي النوادر يسجد أخرى بعد الفراغ من الصلاة لأن للأولى قوة السبق فاستوتا قلنا للثانية قوة اتصال المقصود فترجحت كما في الهداية
وإن سجد للأولى ثم شرع في الصلاة وأعادها في الصلاة يسجد مرة أخرى لأن الصلاتية أقوى فلا يكون تبعا للأضعف
ولو كرر تلاوة آية واحدة أو سمعها من واحد أو متعدد في مجلس واحد كفته سجدة واحدة لأن مبنى السجود على التداخل ما أمكن وإمكانه على اتحاد المجلس
____________________
(1/234)
لكونه جامعا للمتفرقات فيما يتكرر للحاجة كما في الإيجاب والقبول وغيره والقارئ محتاج إلى التكرار للحفظ والتعليم والاعتبار فإلزام التكرار في السجدة مفض إلى الحرج لا محالة وهو مدفوع والتداخل قد يكون في الأسباب بأن ينوب واحد منهما عما قبله وما بعده وهو أليق بالعبادة لأن تركها مع وجود سببها شنيع وقد يكون في الأحكام وهو أليق بالعقوبات لأنها شرعت للزجر فهو ينزجر بواحدة فيحصل المقصود فلا حاجة إلى الثانية
وإن بدلها أي آية السجدة أو المجلس لا أي لا تكفيه سجدة واحدة ثم المجلس لا يختلف بمجرد القيام ولا بخطوة أو خطوتين ولا بالانتقال من زاوية إلى زاوية إلا أن يكون كبيرا كالمسجد الحرام وقيل خلافه ولا يأكل لقمة ولا يشرب شربة فلا يلزم تكرار السجدة بتكرارها وأما إذا تلا فأكل أو شرب أو نام مضطجعا أو عمل كثيرا أو أخذ في عقد بيع ثم تلا فتلزمه سجدة أخرى استحسانا وتسدية الثوب أي تسوية سداه يغرز في الأرض خشبات ثم يجيء ويذهب مع الغزل ليسوي السدى والدياسة والانتقال من غصن شجرة إلى غصن آخر سواء كان قريبا أو بعيدا تبديل فلا تكفي سجدة واحدة لأن المكان تبدل حقيقة وقيل تكفيه في الانتقال من غصن إلى غصن آخر سجدة واحدة لأن العبرة لأصل الشجر وهو واحد والصحيح الأول وعلى هذا الخلاف السباحة في الماء ولو كررها على الدابة وهي تسير في غير الصلاة تتكرر السجدة لأن سير الدابة يضاف إلى راكبها ولا يتكرر بتكرارها في السفينة لأن سير السفينة غير مضاف إلى راكبها وإنما جريانها بالماء والريح فصار عين السفينة مكان راكبها وأنه متحد
ولو كرر المصلي في ركعة كفته سجدة قياسا واستحسانا لاتحاد المجلس ولو في ركعتين فكذلك عند أبي يوسف
ولو تبدل مجلس السامع تكرر الوجوب عليه وإن اتحد مجلس التالي باتفاق
____________________
(1/235)
المشايخ لأن السبب في حقه السماع على ما قيل ومجلسه متعدد
وإن تبدل مجلس التالي واتحد مجلسه لا أي لا يتكرر الوجوب عليه على الأصح
وفي السراجية وعليه الفتوى لكن هذا على أن السبب في حق السامع هو السماع لا التلاوة وأما على القول بأن السبب في حق السامع التلاوة أيضا والسماع شرط فينبغي أن يعتبر في التكرار وعدمه تبدل مجلس التالي وعدمه كما في المنح
وكيفيته أي سجود التلاوة أن يسجد بشرائط الصلاة اعتبارا بسجدة الصلاة خلافا لابن عمر رضي الله تعالى عنهما فإنه يسجد على غير وضوء كما في الشمني بين تكبيرتين واحدة عند الوضع وأخرى عند الرفع من غير رفع يد خلافا للشافعي فإنه يرفع يديه ويقول إنها عبادة قائمة بنفسها فاعتبر لها ما اعتبر في الصلاة من الدخول والخروج ونحن نقول إن المأمور به هو السجود فلا يزاد عليها بالرأي ولا تشهد لأنه لم يشرع إلا في القعود ولا قعود عليه
ولا سلام لأنه للتحليل وهو يقتضي سبق التحريمة وهي منعدمة فإذا أراد السجود يستحب له أن يقوم فيسجد لأنه مأثور
وكره أن يقرأ سورة ويدع آية السجدة لأنه يشبه الاستنكاف عنها وذا ليس من أخلاق المؤمنين لا عكسه وهو أن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها لأنه مبادر إليها حتى قيل من قرأ آي السجدة كلها في مجلس سجد لكل كفاه الله تعالى ما أهمه
وندب أن يضم إليها آية أو آيتين قبلها لئلا يؤدي إلى إيهام تفضيل آية وإنما قيد بقبلها لموافقة عبارة محمد فإنه قال أحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين
وفي الخانية إن قرأ معها آية أو آيتين فهو أحب هذا أشمل من عبارة محمد لتناولها لما قبلها وما بعدها
واستحسن في الصلاة وغيرها إخفاؤها عن السامعين شفقة عليهم لأن السامع
____________________
(1/236)
ربما لا يؤديها في الحال لمانع فلا يؤديها بعد ذلك بسبب النسيان فيبقى عليه الوجوب فيأثم فلو كان السامع بخلاف ذلك بل متهيئا للسجود ينبغي أن يجهر حثا على الطاعة
وتقتضى لأنها واجبة وفي التنوير لو سمع آية سجدة من كل واحد حرفا لم يسجد فبهذا علم أن اتحاد الثاني شرط
وفي الكافي تلا عند طلوع الشمس وسجد عند الزوال والغروب أو راكبا فنزل ثم ركب وأومأ لها صح خلافا لزفر
ولو تلا على الأرض وسجد راكبا لا يجوز وعند الشافعي يجوز
أي باب صلاة المسافر لما كان السفر من العوارض المكتسبة ناسب أن يذكر مع سجدة التلاوة
____________________
(1/237)
وإنما قدم سجدة التلاوة لأن سبب سجود التلاوة التلاوة وهي عبادة وسبب قصر الصلاة السفر وهو ليس بعبادة وهو مباح والعبادة مقدمة والإضافة من باب إضافة الشيء إلى شرطه أو إلى فاعله والسفر في اللغة قطع المسافة والمراد هنا قطع خاص يتغير به الأحكام وهو لا يتيسر إلا بالقصد فلهذا قال مريدا لأنه لو طاف جميع العالم بلا قصد سير ثلاثة أيام لا يصير مسافرا ولو قصد ولم يظهر ذلك بالفعل فكذلك فكان المعتبر في حق تغيير الأحكام اجتماعهما من جاوز بيوت مصره ولم يذكر القرية لأنها تابعة في الحكم وليس بتغليب كما ظن وهي جمع بيت مأوى الإنسان من نحو حجر أو خشب أو صوف ويدخل ما كان من محله منفصلة وفي القديم كانت متصلة وتدخل في بيوت المصر رابضة لقول علي رضي الله تعالى عنه لو جاوزنا هذا الخوص لقصرنا كما في الفتح وأما فناء المصر فظاهر كلام المصنف كالهداية أنه لا يشترط مجاوزته وقد فصل قاضي خان فقال إن كان بين المصر وفنائه أقل من قدر غلوة ولم تكن بينهما مزرعة تعتبر مجاوزة الفناء أيضا وإن كانت بينهما مزرعة أو كانت المسافة بين المصر وفنائه قدر غلوة تعتبر مجاوزة عمران المصر وكذا إذا كان الانفصال بين القريتين أو بين قرية ومصر وإن كانت القرى متصلة بربض المصر فالمعتبر مجاوزة القرى هو الصحيح وإن كان متصلة بفناء المصر لا يربض المصر يعتبر مجاوزة الفناء ولا يعتبر مجاوزة القرى
وقال صاحب الفتح بعدما نقله والحاصل أنه قد صدق مفارقة بيوت المصر مع عدم جواز القصر ففي عبارة الهداية إرسال غير واقع ولو ادعينا أن بيوت تلك القرى داخلة في مسمى بيوت المصر اندفع هذا لكنه تعسف ظاهر من جانب خروجه وإن كانت بحذائه من جانب آخر أبنية مريدا حال من الفاعل سيرا وسطا ثلاثة أيام أي مسيرة ثلاثة أيام ولياليها الأيام للمشي والليالي للاستراحة ولهذا تركت لكن قدر السير من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في زمان الاعتدال مع الاستراحات التي تكون في خلال ذلك لأن المسافر لا يمكنه أن يمشي دائما بل يمشي في بعض الأوقات ويستريح في بعضها ويأكل ويشرب وقدره أبو يوسف بيومين وأكثر اليوم الثالث والشافعي بيومين
____________________
(1/238)
وهو ستة عشر فرسخا وفي قوله له بيومين وليلة قصر الفرض الرباعي وصار فرضه فيه ركعتين فإن الصلاة فرضت في الأصل ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت على أصلها في السفر كما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال لا تقولوا قصرا فإن الذي فرضها في الحضر أربعا فرضها في السفر ركعتين كما في شرح الطحاوي وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من صلى في السفر أربعا كان كمن صلى في الحضر ركعتين وعنه أن صلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم فعلم بهذا أن القصر عزيمة عندنا ومن حكى خلافا بين الشارحين في أن القصر عندنا عزيمة أو رخصة فقد غلط لأن من قال رخصة عنى رخصة الإسقاط وهي العزيمة وتسميتها رخصة مجاز كما في الفتح
وقال الشافعي فرضه الأربع والقصر رخصة إسقاط والحجة عليه ما رويناه وفيه إشارة إلى أن لا قصر في الثلاثي والثنائي وكذا في الوتر والسنن واختلفوا في ترك السنن فقيل الأفضل هو الترك ترخصا وقيل الفعل تقربا وقيل الفعل نزولا والترك سيرا والمختار الفعل أمنا والترك خوفا لأنها شرعت لإكمال الفرض والمسافر محتاج إليه وتستثنى منه سنة الفجر عند البعض وقيل سنة المغرب
واعتبر في الوسط في السهل نقيض الجبل سير الإبل ومشي الأقدام بالسير المعتدل وهو سير القافلة
وفي البحر اعتدال الريح وفي الجبل ما يليق به فإنه تعتبر مسيرة ثلاثة أيام وإن كان مثل تلك المسافة في السهل تقطع بما دونها فلو كان لموضع طريقان أحدهما مسيرة ثلاثة أيام والآخر أقل منها ففي الطريق الأول يقصر وفي الثاني لا وكلامه مشعر بأن لا عبرة بالفراسخ وهو الصحيح وقد اعتبر الأكثرون بأحد وعشرين فرسخا كأنهم قدروا كل يوم بمرحلة سبعة فراسخ وقيل خمسة عشر لأنه قدر بخمسة وقيل ثمانية عشر لأنه المتوسط بين الأكثر والأقل وهو المختار لكن هذا مخالف لمذهب الإمام والنص الصريح
فلو أتم المسافر الرباعي بأن يأتي جميع أفعاله وأقواله كالقراءة هذا تفريع على كون فرضه فيه ركعتين إن قعد في الثانية قدر التشهد صحت
____________________
(1/239)
لأن فرضه ثنتان والقعدة الأولى فرض عليه لأنها آخر صلاته فإذا وجدت يتم فرضه
و لكنه أساء لتأخير السلام وما زاد على الركعتين نفل وإلا أي وإن لم يقعد في الثانية فلا تصح لأنه خلط النفل بالفرض قبل إكماله فانقلب الكل نفلا إذا اقتدى بمقيم كما سيأتي أو نوى الإقامة في القومة الثالثة فإنه يصير مقيما وينقلب فرضه أربعا وإنما صرح بهذه المسألة مع كونها مستفادة من المفهوم تفصيلا لمحل الخلاف لأنه تبطل الصلاة أصلا عند محمد كما بين آنفا
ولا يزال أي المسافر عن أن يكون على حكم السفر حتى يدخل وطنه هذا إن أكمل في ذهابه ثلاثة أيام وأما إن لم يكملها فيتم بمجرد رجوعه لأنه نقض السفر قبل استحكامه أو ينوي مدة الإقامة ببلد آخر أو قرية لأن الإقامة لا تعتبر إلا في موضع صالح لها وغير البلد والقرية لا تصلح للإقامة هذا إذا سار ثلاثة أيام وأما إذا سار دونها فيتم إذا نوى الإقامة ولو في المفازة وقلل الجبال وهي أي مدة الإقامة خمسة عشر يوما أو أكثر لما روي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما وهذا حجة على الشافعي فإنه قال أربعة أيام لكن المختار في مذهبه أن تكون هذه الأربعة غير يوم الدخول والخروج ولو ترك قوله أو أكثر لكان أخصر لأنه بيان أقل المدة فقد حصل بدونه
ولو نواها أي الإقامة بموضعين كمكة ومنى لا يصير مقيما إلا أن يبيت بأحدهما لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته هذا إذا كان كل من الموضعين أصلا بنفسه وإن كان أحدهما تبعا لآخر قريبا من المصر بحيث تجب الجمعة على ساكنه
____________________
(1/240)
فإنه يصير مقيما فيهما بدخول أحدهما أيهما كان لأنهما في الحكم كموطن واحد كما في التبيين
وفي السراجية رجل قدم مكة حاجا في عشر الأضحى وهو يريد أن يقيم بها سنة فإنه يصلي ركعتين حتى يرجع من منى لأن نية الإقامة للحال لا معتبر بها لأنه يحتاج إلى أن يخرج إلى منى لقضاء المناسك فصار بمنزلة نية الإقامة في غير موضعها وإذا خرج إلى منى يصلي أربعا إلا إذا كان لاحقا
وقصر إن نوى الإقامة أقل منها أي المدة المذكورة وهي نصف الشهر أو لم ينو شيئا على عزم أن يخرج غدا أو بعد غد
ولو بقي سنين لأنه لا تعتبر الإقامة بدون عزيمته
وفي المحيط ولو وصل الحاج إلى الشام وعلم أن القافلة إنما تخرج بعد خمسة عشر يوما وعزم أن لا يخرج إلا معهم لا يقصر لأنه كناوي الإقامة
وكذا يقصر عسكر نواها أي الإقامة بأرض الحرب أو حاصروا مصرا فيها أي في أرض الحرب لأنها ليست موضع الإقامة لأنهم بين القرار والفرار لكن من دخل فيها بأمان ونوى الإقامة صحت كما في الخانية أو حاصروا أهل البغي في دارنا في غيره أي المصر وكذلك إن حاصروا في البحر فإنهم أيضا يقصرون ولا تجوز إقامتهم وعند أبي يوسف تصح إقامتهم إذا كانوا في بيوت المدر
ويتم أهل الأخبية كالأعراب والأتراك جمع خباء وهو بيت من وبر أو صوف لو نووها أي الإقامة في موضع خمسة عشر يوما في الأصح احتراز عما قيل لا تجوز إقامتهم بل يقصرون لأنها لا تصح إلا في الأمصار والقرى
وقال السرخسي والصحيح أنهم مقيمون لأن الإقامة أصل والسفر عارض وهم لا ينوون السفر قط إنما ينتقلون من ماء إلى ماء ومن مرعى إلى مرعى فكانوا مقيمين باعتبار الأصل إلا إذا
____________________
(1/241)
ارتحلوا عن موضع إقامتهم في الصيف وقصدوا موضع إقامتهم في الشتاء وبينهما مسيرة ثلاثة أيام فإنهم يصيرون مسافرين في الطريق وقيد بأهل الأخبية لأن غير أهلها من المسافرين لو نوى الإقامة لا تصح عند الإمام وهو الصحيح لأن الصحراء ليست بمحل الإقامة في حق غير أهلها وحاصل الكلام أن الإتمام يتوقف على ستة شروط النية واستقلال الرأي والمدة وترك السير واتحاد الموضع وصلاحيته
ولو اقتدى المسافر في الرباعي ولو قبل السلام بالمقيم في الوقت ولو قدر التحريمة على الأصح صح اقتداؤه
ويتم ما شرع فيه أربعا بالتبعية حتى لو أفسدها هو أو إمامه قضى ركعتين فقط وبعده أي بعد خروج الوقت لا يصح لأن فرض المسافر لا يتغير بعد الوقت لانفصال سببه وهو الوقت كما لا يتغير بعده بنية الإقامة
واقتداء المقيم به أي بالمسافر صحيح فيهما أي في الوقت وبعده لأن صلاة المسافر في الحالين واحدة والقعدة فرض في حقه غير فرض في حق المقتدي وبناء الضعيف على القوي جائز
ويقصر هو ويتم المقيم لأنه التزم الموافقة في الركعتين فينفرد في الباقي بلا قراءة في الأصح لأنه فيهما كأنه مؤتم فلا قراءة للمؤتم
وفي الخانية لا قراءة عليهم فيما يقضون ولا سهو عليهم إذا سهوا ويستحب له أي للإمام المسافر أن يقول لهم أي للمقيمين أتموا صلاتكم فإني مسافر هكذا نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام وهذا يدل على أن يقول بعد الفراغ
وفي شرح الإرشاد وينبغي أن يخبر الإمام القوم قبل شروعه أنه مسافر فإذا لم يخبر أخبر بعد السلام
وقال صاحب الفتح معللا للاستحباب لاحتمال أن يكون خلفه من لا يعرف ولا يتيسر له الاجتماع بالإمام قبل ذهابه فيحكم بفساد صلاة نفسه بناء على ظن إقامة الإمام ثم إفساده بسلامه على رأس الركعتين وهذا مجمل ما في الفتاوى إذا اقتدى بإمام لا يدري أمسافر هو أم مقيم لا يصح لأن العلم بحال الإمام شرط الأداء بجماعة انتهى لأنه شرط في الابتداء
ويبطل الوطن الأصلي
____________________
(1/242)
وهو البلدة أو القرية التي ولد بها أو تأهل فيها بمثله ألا يرى أنه عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة عد نفسه بمكة من المسافرين حتى قصر
وفي محيط السرخسي لو كان له أهل بالكوفة وأهل بالبصرة فمات أهله بالبصرة وبقي له دور وعقار بالبصرة قيل البصرة لا تبقى وطنا له لأنه إنما كانت وطنا له بالأهل لا بالعقار ألا ترى أنه لو تأهل ببلدة ولم يكن عقار صارت وطنا له وقيل تبقى وطنا له لأنه كانت وطنا له بالأهل والدار جميعا فبزوال أحدهما لا يرتفع الوطن كموطن الإقامة يبقى ببقاء الثقل لا بالسفر أي لا يبطل الوطن الأصلي بالسفر بل بمجرد دخول المسافر إلى وطنه الأصلي يصير مقيما ولا يفتقر إلى نية الإقامة
و يبطل وطن الإقامة وهو البلدة أو القرية التي ليس للمسافر فيها أهل ونوى أن يقيم فيها خمسة عشر يوما بمثله لأن الشيء يرتفض بمثله حتى لو نوى الإقامة في بلد ثم راح منه وأقام في بلد آخر وأتى البلد الأول قصر ما لم ينو الإقامة ثانيا والسفر أي يبطل وطن الإقامة به لأنه ضد الإقامة فلا يبقى معه حتى لو نوى الإقامة في بلد ثم سافر ثم أتى ذلك البلد قصر ما لم ينوها
والأصلي أي يبطل وطن الإقامة به لأنه أقوى من وطن الإقامة حتى لو نوى الإقامة في بلد ثم دخل وطنه الأصلي ثم دخل ذلك البلد قصر ما لم ينوها ولم يذكر وطن السكنى وهو البلد الذي ينوي الإقامة فيه أقل من خمسة عشر يوما لأنه لم يثبت فيه حكم الإقامة بل حكم السفر فيه باق كذا في أكثر المعتبرات لكن في الظهيرية خلافه فليراجع
وفائتة السفر تقضى في الحضر ركعتين وفائتة الحضر رباعية تقضى في السفر أربعا لأن القضاء على حسب الأداء
والمعتبر في ذلك أي وجوب الأربع أو ركعتين آخر الوقت لأن الوجوب يتعلق بآخر الوقت حتى لو سافر آخر الوقت قصر وإن أقام المسافر آخر الوقت تمم كما في الاختيار
و المسافر
____________________
(1/243)
العاصي في سفره كإباق العبد والخروج على الإمام وحج المرأة من غير محرم كغيره أي كسفر المطيع في الترخص كاستكمال مدة المسح وسقوط العيد والجمعة لإطلاق النصوص الواردة في القصر وعند الأئمة الثلاثة لا يترخص العاصي فلا يجوز عندهم قصر الصلاة وترك الصوم لهم
ونية الإقامة والسفر تعتبر من الأصل دون التبع يعني إذا نوى الأصل السفر أو الإقامة يكون التبع كذلك ولا يحتاج إلى النية استقلالا كالعبد مع مولاه
والمرأة مع زوجها فإنها تكون تبعا له إذا كانت مستوفية لمهرها وإلا تعتبر نيتها والجندي مع الأمير الذي يلي عليه ورزقه منه ومثله الأمير مع الخليفة وهو إنما يكون تبعا له إذا كان رزقهم منه
وقال صاحب البحر ليس مراد المصنف قصر التبع على هؤلاء الثلاثة بل هو كل من كان تبعا له وتلزمه طاعته
وفي الدرر السلطان إذا سافر قصر إلا إذا طاف في ولايته من غير أن يقصد ما يصل إليه في مدة السفر فإنه حينئذ لا يكون مسافرا أو طلب العدو ولم يعلم أين يدركه فإنه أيضا لا يكون حينئذ مسافرا وفي الرجوع يقصر إن كان بينه وبين منزله مسيرة سفر
باب صلاة الجمعة المناسبة بين هذا وبين ما قبله تنصيف الصلاة لعارض إلا أن التنصيف هنا في خاص من
____________________
(1/244)
الصلاة وهو الظهر وفيما قبله وفي كل رباعية وتقديم العام هو الوجه وهي بضم الميم وإسكانها وفتحها حكى ذلك الفراء والواحدي من الاجتماع وهي فريضة محكمة لا يسع تركها ويكفر جاحدها وهي فرض عين إلا عند ابن كج من أصحاب الشافعي فإنه يقول فرض كفاية وهو غلط كما في شرح الوجيز
وقال الكاكي أضيف إليها اليوم والصلاة ثم كثر استعماله حتى حذف منها المضاف لا تصح الجمعة إلا بستة شروط هذه الشروط للأداء وإنما قدمها على شروط الوجوب لأن الوجوب عند وجود الأسباب المصر أو فناؤه حتى لا تجوز في المفاوز ولا في القرى والحكم غير مقصور على المصلى بل تجوز في أفنية المصر وعند الشافعي تجوز في قرية يستوطن فيها أربعون حرا ذكرا بالغا والحجة عليه قول علي رضي الله تعالى عنه لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع كما في أكثر الكتب لكن هذا مشكل جدا لأن الشرط الذي هو فرض لا يثبت إلا بقطعي كما في شرح التنوير
والسلطان أي الوالي الذي لا والي فوقه أو نائبه وهو الأمير أو القاضي أو الخطباء وإنما كان شرطا للصحة لأنها لا تقام بجمع عظيم وقد تقع المنازعة في التقديم والتقدم وقد تقع في غيره فلا بد منه تتميما لأمره واختلف في الخطيب المقرر من جهة السلطان أو نائبه هل يملك الاستنابة في الخطبة فقال صاحب الدرر ليس له الاستنابة أصلا ولا للصلاة ابتداء إلا أن يفوض إليه ذلك والناس عنه غافلون ورد عليه المولى الفاضل ابن الكمال في رسالة خاصة له في هذه المسألة برهن فيها على الجواز من غير شرط وأطنب فيها وأبدع
____________________
(1/245)
ولكثير من الفوائد أودع ولكن ذلك إن كان لضرورة تشغله عن إقامة الجمعة وفي وقتها وإلا فلا فليراجع أقول إن الاستخلاف جائز مطلقا في زماننا لأنه وقع في تاريخ خمس وأربعين وتسعمائة إذن عام وعليه الفتوى
وقال الشافعي ليس ذلك شرطا اعتبارا بسائر الصلوات ولنا قوله عليه الصلاة والسلام من ترك الجمعة وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله شمله الحديث شرط فيه أن يكون له إمام وقت الظهر أي شرط أدائها وقت الظهر لكن الوقت سبب لا شرط إلا أن يصار إلى المجاز فلا تجوز قبله ولا بعده لأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس وكذلك الخلفاء الراشدون هذا حجة على قول أحمد فإنه قال تصح قبل الزوال أيضا وقول مالك فإنه قال تصح بعده ممتدا إلى المغرب بناء على أن وقت الظهر والعصر واحد عنده
والخطبة قبلها أي قبل الجمعة فلو صلى ثم خطب لا تصح لأنها شرط وشرط الشيء سابق عليه في وقتها أي في وقت صلاة الظهر فلو خطب قبله وصلى في الوقت لم تصح
والجماعة بالإجماع
والإذن العام وهو أن يفتح أبواب الجامع للواردين قالوا السلطان إذا أراد أن يصلي بحشمه في داره فإن فتح الباب وأذن إذنا عاما جازت الصلاة ولكن يكره وإلا لم يجز كما في الكافي وما لا يقع في بعض القلاع من غلق أبوابه خوفا من الأعداء أو كانت له عادة قديمة عند حضور الوقت فلا بأس به لأن إذن العام مقرر لأهله ولكن لو لم يكن لكان أحسن كما في شرح عيون المذاهب
وفي البحر والمنح خلافه لكن ما قررناه أولى لأن الإذن العام يحصل بفتح باب الجامع وعدم المنع ولا مدخل في غلق باب القلعة وفتحه ولأن غلق بابها لمنع العدو لا لمنع غيره تدبر وعند الأئمة الثلاثة لا يشترط الإذن العام والمصر كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود هذا عند أبي يوسف في رواية وهو ظاهر المذهب على ما نص عليه السرخسي وهو اختيار الكرخي والقدوري
وفي الغاية وإنما قال ويقيم الحدود بعد قوله ينفذ الأحكام لأن تنفيذ الأحكام لا تستلزم إقامة الحدود فإن المرأة إذا كانت قاضية تنفذ الأحكام وليس لها أن تقيم الحدود وكذلك المحكم انتهى أقول ظاهره أن البلدة إذا كان قاضيها أو أميرها امرأة لا تكون مصرا فلا تصح الجمعة فيها ولكن في البحر خلافه
وفي البدائع السلطان إذا كان امرأة فأمرت رجلا
____________________
(1/246)
صالحا للإمامة حتى يصلي بهم الجمعة جاز لأن المرأة تصلح سلطانة أو قاضية في الجمعة فتصح إنابتها تدبر وقيل قائله صاحب الوقاية وصدر الشريعة وغيرهما ما لو اجتمع أهله في أكبر مساجده لا يسعهم هذا رواية أخرى عن أبي يوسف وهو اختيار الثلجي وإنما أورد بصيغة التمريض لأنهم قالوا إن هذا الحد غير صحيح عند المحققين مع أن الأول لا يكون ملائما بشرط وجود السلطان ونائبه ومناسبا لما قاله الإمام رحمه الله المصر كل بلدة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق ووال لدفع المظالم وعالم يرجع إليه في الحوادث
وفي الغاية هو الصحيح وكذا روي عن أبي يوسف في غير هاتين الروايتين أنه كل موضع لا يكون فيه كل محترف ويوجد فيه ما يحتاج الناس إليه في معاشهم وفيه فقيه يفتي وقاض يقيم الحدود وعن محمد أن كل موضع مصره الإمام فهو مصر حتى لو بعث إلى قرية نائبا لإقامة الحدود والقصاص تصير مصرا فإذا عزله يلتحق بالقرى وفناؤه أي المصر ما اتصل به أي بالمصر معدا لمصالحه يعني لحوائج أهله من دفن الموتى وركض الخيل ورمي السهم ونحو ذلك وإنما قيد بالاتصال لأنه لو كان منفصلا بينه وبين المصر بالمزارع والمراعي لا يكون فناء له كما بين في باب المسافر عن الخانية لكن قد خطأه صاحب الذخيرة حيث قال فعلى قول هذا القائل لا تجوز إقامة الجمعة ببخارى في مصلى العيد لأن بين المصر وبين المصلى مزارع وقعت هذه المسألة مرة وأفتى بعض مشايخ زماننا بعدم الجواز ولكن هذا ليس بصواب فإن أحدا لم ينكر جواز صلاة العيد في مصلى العيد ببخارى لا من المتقدمين ولا من المتأخرين وكما أن المصر أو فناءه شرط جواز الجمعة فهو شرط جواز العيد كما في الإصلاح
وتصح في مصر واحد في مواضع هو الصحيح وهو قول الطرفين نقلا عن الفتح
وفي المنح الأصح الجواز مطلقا خصوصا إذا كان مصرا كبيرا فإن في اتحاد الموضع
____________________
(1/247)
حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على الأكثر
وفي كلامه إشعار بأنه لو كان المصر صغيرا لا مشقة في اجتماع أهله في موضع واحد لا تجوز فيه الزيادة على واحد
وعن الإمام لا تجوز إلا في موضع فقط لأنها من أعلام الدين فلا يجوز تقليل جماعتها
وفي جوازها في مكانين تقليلها فإن أديت في موضعين أو أكثر فالجمعة للأول تحريمة فإن وقعتا معا بطلتا لعدم المرجح وقيل فراغا وقيل فيهما جميعا وقيل تجوز في موضعين ولا تجوز في أكثر وهو رواية عن أبي يوسف ومحمد ورواية عن الإمام ولكن في الخانية لم يذكر قول الإمام وإنما ذكر ما بين أبي يوسف و محمد
وعند أبي يوسف تجوز في موضعين إن حال بينهما نهر كبير كبغداد أو كان المصر كبيرا كما في الشمني وروى عنه أنه لا تجوز إذا كان عليه جسر وعنه أنه كان يأمر برفع الجسر في بغداد وقت الصلاة ليكون كمصرين ثم كل موضع وقع الشك في جواز الجمعة بتفويت شرطها ينبغي أن يصلي أربع ركعات وينوي بها الظهر ليخرجوا عن فرض الوقت بيقين لو لم تقع الجمعة موقعها كما في الكافي
وفي القنية عن بعض المشايخ لما ابتلي أهل مرو بإقامة جمعتين مع اختلاف العلماء في جوازها أمرهم أئمتهم بأداء الأربع بعد الظهر حتما احتياطا ثم اختلفوا في نيتها فالأحسن والأحوط أن يقول اللهم إني أريد آخر ظهر أدركت وقته ولم أصله بعد لأن ظهر يومه إنما يجب عليه بآخر الوقت كما في المطلب
ومنى مصر في الموسم تصح الجمعة فيها عند الشيخين لتمصرها في أيام الموسم لاجتماع شرائط المصر وبقاؤها مصرا ليس بشرط لأن الدنيا على شرف الزوال خلافا لمحمد لأنها قرية أو هو منزل من منازل الحاج ولهذا لا يصلون فيها صلاة العيد لهما عدم التعييد بمنى للتخفيف لاشتغال الحاج بالمناسك لا لعدم المصرية للخليفة أو أمير الحجاز وهو أمير مكة أو
____________________
(1/248)
المأذون من جهتهم لا لأمير الموسم وهو المسمى بأمير الحاج وإن كان مقيما لأنه غير مأمور بإقامة الجمعة إلا إذا كان مأذونا من جهة من له الإذن وقيل إن كان مقيما تجوز وإن كان مسافرا لا تجوز والأول الصحيح كما في البدائع
ولا تصح الجمعة بعرفات لأنها لا تتمصر باجتماع الناس وحضرة السلطان لأنها من البراري القفار
وفرض الخطبة عند الإمام تسبيحة أو نحوها من تهليلة وتحميدة وتكبيرة على قصد الخطبة وعندهما لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة عرفا وهو مقدار ثلاث آيات عند الكرخي وقيل مقدار التشهد وعند الأئمة الثلاثة تجب في الخطبة تحميدة وتصلية وقراءة آية وموعظة فإن خلت عن واحدة منها تتم الخطبة عندهم
وسنتها أي الخطبة أن يخطب قائما قيد بقائما لأنه لو خطب قاعدا يكره لمخالفته المتوارث على طهارة فإن خطب على غير طهارة جاز ولكنه يكره خطبتين خفيفتين بقدر سورة من طوال المفصل وزيادة التطويل مكروهة مستقبلا للقوم بوجهه فيهما ويجهر فيهما لكن في الثانية لا كالأولى ويبدأ بالتعوذ سرا يفصل بينهما بجلسة مقدار قراءة ثلاث آيات في الظاهر وتاركها مسيء على الأصح مشتملتين صفة خطبتين على تلاوة آية والإيصاء بالتقوى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المتوارث فيكره ترك ذلك لمخالفته المتوارث
وأقل الجماعة ثلاثة سوى الإمام عند الطرفين لأنها أقل الجمع والخطاب ورد للجمع وهو قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله فإنه يقضي ثلاثا سوى الخطيب الذاكر
وعند أبي يوسف اثنان سوى الإمام لأن للمثنى حكم الجماعة حتى أن الإمام يتقدم عليهما
____________________
(1/249)
كما يتقدم على الثلاثة ولأن في الجماعة معنى الاجتماع
وقيل محمد معه أي مع أبي يوسف لكن الصحيح أنه مع الإمام وقال الشافعي لا بد من أربعين رجلا حرا مقيما سوى الإمام
فلو نفروا أي تفرق الجماعة قبل سجوده أي الإمام ولو نفروا بعد سجوده أتمها خلافا لزفر فعنده إذا نفروا قبل القعدة بطلت لأن الجماعة شرط فلا بد من دوامها كالوقت يستأنف الظهر عند الإمام لأن الانعقاد بالشروع في الصلاة ولا يتم ذلك إلا بتمام الركعة إذ ما دونها ليس بصلاة ولا عبرة ببقاء النسوان والصبيان ولا بما دون الثلاثة من الرجال لأن الجمعة لا تنعقد بهم
وفي النوادر لو خطب الإمام يوم الجمعة فنفر الناس وجاء آخرون فيصلي بهم الجمعة أجزأهم لأنه خطب والقوم حضور وصلى والقوم حضور فيتحقق الشرط وعندهما لا يستأنفها أي صلاة الظهر لأن الجماعة شرط الانعقاد وقد انعقدت فلا يشترط دوامها كالخطبة إلا إن نفروا قبل شروعه فحينئذ يستأنف الظهر اتفاقا
وتبطل الجمعة بخروج وقت الظهر فيقضى الظهر ولا تقام الجمعة
وشرط وجوبها أي الجمعة ستة الإقامة بمصر فلا تجب على المسافر وإن عزم أن يمكث فيه يوم الجمعة بخلاف القروي العازم فيه فإنه كأهل المصر والذكورة فلا تجب على المرأة للنهي عن الخروج سيما إلى مجمع الرجال والصحة فلا تجب على المريض ومثله الشيخ الكبير الضعيف والحرية فلا تجب على العبد لأنه مشغول بخدمة المولى واختلفوا في العبد المأذون و المكاتب ومعتق البعض والعبد الذي حضر باب الجامع ليحفظ دابته قيل تجب عليهم وقيل لا تجب
وسلامة العينين والرجلين ظاهر العبارة يقتضي أن إحداهما لو لم تسلم فإنه لا
____________________
(1/250)
تجب عليه صلاة الجمعة وليس كذلك لأنه ليس بأعمى ولا بمقعد إلا أن يقال إن الألف واللام إذا دخلت على المثنى أبطلت معنى التثنية كالجمع فصار بمنزلة المفرد وإنما اقتصر على ما ذكر لأن المراد بيان شرائطه المخصوصة ومن رام ذكر مطلقها فعليه أن يذكر العقل والبلوغ والإسلام أيضا وكذا لا يخاطب بها المحبوس والخائف من السلطان أو اللصوص وكذا من حال بينه وبينها مطر شديد أو الثلج أو الوحل أو نحوها فلا تجب على الأعمى تفريع على قوله وسلامة العينين
وإن وصلية وجد قائدا عند الإمام لأنه عاجز بنفسه فلا يعتبر قادرا بغيره خلافا لهما لأن الأعمى بواسطة القائد قادر على السعي وكذا عند الأئمة الثلاثة
وكذا الخلاف في الحج لكن قال أبو الليث في العيون روى الحسن عن الإمام أن على الأعمى الجمعة والحج إذا كان له قائد أو له مال يبلغ به الحج ومن يحج معه
وفي الخانية الأعمى إذا وجد قائدا يلزمه الجمعة كالصحيح الضال إذا وجد دالا
ومن هو خارج المصر منفصلا عنه إن كان يسمع النداء من المنادي بأعلى صوت تجب عليه الجمعة عند محمد وبه يفتي فيه مخالفة لأنه صرح صاحب الفتح وغيره بأن هذا رواية عن أبي يوسف إلا أن يحمل على اختلاف الروايتين وعن أبي يوسف أنها تجب في ثلاثة فراسخ
وقال بعضهم قدر ميل وقيل قدر ميلين وقيل ستة
وفي الولوالجي أن المختار للفتوى قدر الفرسخ لأنه أسهل على العامة وهو ثلاثة أميال وقيل إن أمكنه أن يحضر الجمعة ويبيت بأهله من غير تكلف تجب عليه الجمعة وإلا فلا قال في البدائع وهو أحسن
وفي البحر وكان أولى لأنه الأحوط
ومن لا جمعة عليه إن أداها أجزأته عن فرض الوقت لأن السقوط للتخفيف فصار كالمسافر إذا صام لكن في هذا القول نوع خلل لأنه يدخل تحته الصبي والمجنون والحكم فيهما ليس كذلك كما لا يخفى والأولى أن يقيد بالمكلف فلا يلزم المحذور تدبر
والمسافر والمريض والعبد أن يؤم فيها أي الجمعة لأن عذر الحرج لما زال بحضورهم وقعت جمعتهم فرضا فتصح الاقتداء بهم
____________________
(1/251)
لكونهم أهلا للإمامة خلافا لزفر وتنعقد الجمعة بهم أي بحضورهم فحسب خلافا للشافعي
ومن لا عذر له لو صلى الظهر قبلها يعني إذا صلى غير المعذور الظهر في منزله قبل أداء الناس الجمعة جاز الظهر لأنه أدى فرض الوقت فوقع موقعه
وقال زفر لا يجوز لأن الفرض عليه هي الجمعة والظهر خلف عنها ولا صحة للخلف مع قدرة الأصل مع الكراهة
وفي الفتح لا بد من كون المراد حرم عليه ذلك وصحت الظهر لأنه ترك الفرض القطعي باتفاقهم الذي هو آكد من الظهر فكيف لا يكون مرتكبا محرما غير أن الظهر تقع صحيحة انتهى لكن فيه أن يقال الحرام إنما هو تفويت الجمعة لا صلاة الظهر قبلها فإنه ليس منه التفويت لكن لما كان سببا للتفويت باعتبار اعتماده عليها كره ولم يقل أحد إن ترك الجمعة بغير عذر مكروه حتى يلزم ما ذكر ثم أي بعد أداء الظهر إذا سعى إليها الجمعة والإمام فيها أي في الصلاة تبطل صلاة ظهره بمجرد سعيه إليها عند الإمام سواء أدركها أو لا لأن السعي من فرائض الجمعة وخصائصها للأمر والاشتغال بفرائض الجمعة المختصة بها يبطل الظهر كالتحريمة والمعتبر في السعي الانفصال عن داره فلا تبطل قبله على المختار قال في الحقائق والمعذور كالعبد والمسافر والمريض والمقعد سواء كما في الإصلاح وقالا لا تبطل ما لم يدرك الجمعة ويشرع فيها لأن السعي دون الظهر فلا تنقضه بعد تمامه والجمعة فوقه فتنقضه فصار كالمتوجه بعد فراغ الإمام وإنما قيد بقوله ويشرع فيها لأن الإدراك بدون الشروع لم يبطل عندهما ولهذا لو قال ما لم يشرع لكان أخصر
وكره للمعذور والمسجون أداء الظهر بجماعة في المصر يومها أي الجمعة سواء قبل فراغ الإمام أو بعده لما فيه من الإخلال بالجمعة لأنها جامعة للجماعات قيد بالمصر لأن الجماعة غير مكروهة في حق أهل السواد وتخصيصها بالذكر ليس للاحتراز بل ليعلم منه الحكم في غيرهما بالطريق الأولى كما في الإصلاح
ومن أدركها
____________________
(1/252)
أي الجمعة في التشهد أو سجود السهو يتم جمعة عند الشيخين
وقال محمد يتم ظهرا إن لم يدرك أكثر الثانية بأن أدركه بعدما رفع رأسه الإمام من الركوع في الركعة الثانية لأنه جمعة من وجه لأنه نوى الجمعة لا إدراك جزء منها وظهر من وجه لانعدام شرط الجمعة فيما يقضيه فباعتبار الجمعة تفترض القعدة على رأس الثانية والقراءة في الشفع الثاني لأنه تطوع وباعتبار الظهر لا تفترض فوجبت القعدة والقراءة في الكل احتياطا ولقوله عليه الصلاة والسلام من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدركها ومن أدركهم قعودا صلى أربعا ولهما قوله عليه الصلاة والسلام من أدرك الإمام في التشهد يوم الجمعة فقد أدرك الجمعة والمراد من القعدة فيما رواه قعود بعد الصلاة لأنه لم يقل قعودا في الصلاة والجمعة والظهر مختلفان فلا يبني أحدهما على تحريمة الآخر
وإذا خرج الإمام أي صعد على المنبر لأجل الخطبة فلا صلاة فمن كان في صلاة فإن كانت سنة الجمعة فالصحيح أنه يتم ولا يقطع لأنها بمنزلة صلاة واحدة كما في الولوالجي
ولا كلام حتى يفرغ من خطبته عند الإمام وقالا يباح الكلام بعد خروجه ما لم يشرع في الخطبة لأن الكراهة للإخلال بفرض الاستماع ولا استماع هنا بخلاف الصلاة لأنها تمتد فتفضي إلى الإخلال وهذا يدل على إباحة الكلام إذا نزل حتى يكبر كما في الهداية
وفي الفتح أنه لا يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام عند ذكره في الخطبة عند الإمام وعند أبي يوسف ينبغي أن يصلي في نفسه لأن ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة وكان إحرازا بفضيلتين وهو الصواب
ويجب السعي وترك البيع بالأذان الأول والواقع عقيب الزوال لقوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر
____________________
(1/253)
الله وذروا البيع وقيل بالأذان الثاني لكن الأول هو الأصح وهو مختار شمس الأئمة لأنه لو انتظر الأذان عند المنبر يفوته أداء السنة وسماع الخطبة وربما يفوت الجمعة إذا كان بيته بعيدا من الجامع
فإذا جلس على المنبر أذن بين يديه ثانيا وبذلك جرى التوارث واستقبلوه مستمعين منصتين سواء كانوا قريبين أو بعيدين في الأصح فلا يشمتون عاطسا ولا يردون سلاما ولا يقرءون قرآنا وعن أبي يوسف يردون السلام ويشمتون في أنفسهم كما في المحيط
وفي الظهيرية ما دام الخطيب في حمد الله تعالى والثناء عليه والمواعظ فعليهم الاستماع فإذا أخذ في مدح الظلمة والثناء عليهم فلا بأس بالكلام
فإذا أتم الخطيب الخطبة أقيمت وصلى بالناس ركعتين ولا ينبغي أن يصلي غير الخطيب لأن الجمعة مع الخطبة كشيء واحد فإن فعل بأن خطب صبي بإذن السلطان وصلى بالغ جاز ولا بأس بالسفر يومها إذا خرج من عمران البلد قبل خروج وقت الظهر لأن الجمعة إنما تجب في آخر الوقت وهو مسافر فيه ويخطب بسيف في بلدة فتحت بالسيف وإلا لا
باب صلاة العيدين ومتعلقهما وسمي يوم العيد بالعيد لأن لله فيه عوائد الإحسان إلى عباده أو لأنه يعود ويتكرر أو لأنه يعود بالفرح والسرور وهو من الأسماء الغالبة على يوم الفطر والأضحى جمعه أعياد والقياس أن يقال أعواد لأنه من العود لكن جمع بالياء ليكون فرقا بينه وبين العود أي الخشب وكانت صلاة عيد الفطر في السنة الأولى من الهجرة ووجه المناسبة لصلاة الجمعة ووجه تقديمها غير خفي تجب صلاة العيد وهو رواية عن الإمام وهو الأصح
____________________
(1/254)
لقوله تعالى ولتكبروا الله على ما هداكم قيل المراد بها صلاة العيد وكذا المراد بقوله تعالى فصل لربك وانحر ولمواظبته عليه الصلاة والسلام من غير ترك وذا دليل الوجوب كذا في أكثر الكتب أقول في الاستدلال بالمواظبة كلام لأن مطلق المواظبة لا يفيد الوجوب ذكرناه في بحث الاستنجاء وقيل سنة مؤكدة وصححه في المجتبى ولا خلاف في الحقيقة لأن السنة المؤكدة بمنزلة الواجب ولهذا كان الأصح أنه يأثم بترك المؤكدة كالواجب كما في البحر وقال أبو يوسف إنها فرض كفاية
وشرائطها كشرائط الجمعة وجوبا وأداء تمييز أي كشرائط وجوب الجمعة ووجوب أدائها من نحو الإقامة والمصر فلا يصلي أهل القرى والبوادي سوى الخطبة فإنها تجب في الجمعة لا في العيد فالجمعة بدون الخطبة لا تجوز بخلاف صلاة العيد ولكن أساء بتركها لمخالفته السنة وتقدم الخطبة في الجمعة وتؤخر في العيد
ولو قدمت في العيد جاز مع الكراهة ولا تعاد بعد الصلاة وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة إذا اجتمعتا لكن تقدم على خطبة العيد
وندب أي استحب في الفطر أن يأكل شيئا قبل صلاته ويستحب أن يأكل حلوا
وفي حديث أنس يأكل تمرات وترا فلو لم يأكل قبلها لا يأثم لكن بالترك في اليوم يعاقب
ويستاك ويغتسل وهما سنتان على الصحيح ذكرهما في أول الكتاب إلا أن يقال سماهما مستحبا لاشتمال السنة على المستحب ويتطيب لأنه يوم اجتماع لئلا يقع التأذي بالرائحة الكريهة
ويلبس أحسن ثيابه جديدا كان أو مغسولا لما روى الطبراني في الأوسط كان النبي عليه الصلاة والسلام يلبس يوم العيد حلة حمراء
وفي الفتح أن الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيهما خطوط حمر وخضر لا أنه أحمر بحت ويؤدي فطرته التي وجبت عليه قبل خروج الناس إلى الصلاة لأن لصدقة الفطر أحوالا أحدها قبل دخول يوم الفطر وهو جائز ثانيها يومه قبل الخروج وهو مستحب لقوله عليه الصلاة والسلام من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ثالثها يومه بعد الصلاة وهو جائز لما رويناه رابعها بعد يوم الفطر وهو
____________________
(1/255)
صحيح ويأثم بالتأخير إلا أنه يرتفع بالأداء كمن أخر الحج بعد القدرة ويتوجه إلى المصلى والمستحب الخروج ماشيا إلا بعذر والرجوع من طريق آخر على الوقار مع غض البصر عما لا ينبغي والتهنئة بتقبل الله منا ومنكم لا تنكر كما في البحر وكذا المصافحة بل هي سنة عقيب الصلاة كلها وعند الملاقاة كما قال بعض الفضلاء وتجوز صلاة العيد في مصر في موضعين وعند محمد في ثلاثة مواضع كما في الفتح لكن قد كان جواز الجمعة في المصر الكبير في مواضع كثيرة لدفع الحرج لأن في اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على الأكثر كما بين آنفا وهذه العلة تجري في العيد على أنه صرح في بعض المعتبرات جوازه اتفاقا وبهذا عمل الناس اليوم
ولا يجهر بالتكبير في طريقه عند الإمام خلافا لهما أي يجهر اعتبارا بالأضحى وله أن الأصل في الذكر الإخفاء قال الله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر وقد ورد الجهر به في الأضحى لكونه يوم تكبير فيقتصر عليه
وفي التبيين قال أبو جعفر لا ينبغي أن يمنع العامة عن ذلك لقلة رغبتهم في الخيرات
وفي الخلاصة ما يفيد أن الخلاف في أصل التكبير ليس بشيء إذ لا يمنع من ذكر الله بسائر الألفاظ في شيء من الأوقات كما في الفتح بل التكبير سرا في طريقه مستحب عند الإمام
ولا يتنفل قبلها في المصلى وغيره وهو المختار
وفي التبيين وعامة المشايخ على كراهة التنفل قبلها مطلقا وبعدها في المصلى لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين لكن هذا لا يقتضي الكراهة بل إنه ليس بمسنون كما في الجوهرة واعلم أن صلاة العيد قائمة مقام الضحى فإذا فاتت بعذر يستحب أن يصلي ركعتين أو أربعا وهو أفضل ويقرأ فيها سورة الأعلى والشمس والليل والضحى كما في المحيط
وفي رواية من قرأ سورة الإخلاص ثلاثة مرات أعطي له ثواب بعدد كل ما نبت في هذه السنة كما في المسعودية
ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح أو رمحين إلى زوالها أي إلى ما قبل زوال الشمس والغاية غير داخلة في المغيا بقرينة ما مر أن الصلاة الواجبة لم تجز عند قيامها روي أن قوما شهدوا برؤية الهلال بعد الزوال فأمر عليه الصلاة والسلام بالخروج إلى المصلى من الغد ولو جاز الأداء بعد الزوال لما أخرجها
وصفتها أن يصلي
____________________
(1/256)
ركعتين يكبر تكبيرة الإحرام فيربط يديه كما في حالة القراءة وإنما خصها بالذكر مع أنه معلوم لا بد منها لأن مراعاة لفظ التكبير في العيد واجب حتى لو قال الله أجل أو أعظم ساهيا وجب عليه سجود السهو كما في الجوهرة ثم يثني أي يقرأ سبحانك اللهم إلى آخره ويتعوذ عند أبي يوسف وعند محمد يتعوذ بعد التكبيرات قبل القراءة ثم يكبر ثلاثا من تكبيرات الزوائد وهو المختار وليس بين التكبيرات ذكر مسنون ولا مستحب لكن يستحب المكث بين كل تكبيرتين مقدار ثلاث تسبيحات
وفي المبسوط ليس هذا القدر بلازم بل يختلف ذلك بكثرة الزحام وقلته ثم يقرءوا الفاتحة وسورة أية سورة شاء لكن المستحب يقرأ الأعلى في الأولى والغاشية في الثانية ثم يركع ويسجد ويبدأ في الركعة الثانية بالقراءة يعني يقرأ الفاتحة وسورة أولا ثم يكبر ثلاثا أخرى ثم أخرى للركوع وعند الشافعي يكبر سبعا في الأول غير تكبيرة الإحرام وخمسا في الثانية قبل القراءة ويذكر الله بينهن وهو مذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقولنا مذهب ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ويرفع يديه في الزوائد ثم يرسلهما وعن أبي يوسف لا يرفع يديه فيها وهو ضعيف مخالف للحديث ولو قيده بإلا إذا كبر راكعا لكان أولى لأنه يرفع يديه لو ترك تكبيرات الزوائد سهوا فذكرها في الركوع قضاها فيه ولم يسجد للسهو ويخطب بعدها أي بعد صلاة العيد خطبتين ويبدأ بالتكبيرات في خطبة العيدين
وفي البحر ويستحب أن يستفتح خطبة الأولى بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع قال عبد الله هو من السنة ويكبر قبل نزوله من المنبر أربع عشرة كما في المجتبى يعلم الناس أحكام الفطرة لأنها شرعت لأجلها
ولا تقضى صلاة العيد إن فاتت مع الإمام كلمة مع متعلقة بالضمير المستتر في فاتت لا بفاتت والمعنى أن الإمام لو صلاها مع جماعة وفاتت
____________________
(1/257)
عنه الصلاة بالجماعة لا يقضيها من فاتته وعند الأئمة الثلاثة تقضى
وإن منع عذر بأن غم الهلال وشهدوا برؤيته بعد الزوال كذا في أكثر الكتب لكن التقييد بالهلال ليس بشرط لأنه لو حصل عذر مانع كالمطر الشديد وشبهه فإنه يصليها من الغد لأنه تأخير للعذر كما في الجوهرة عنها أي صلاة العيد في اليوم الأول صلوها في اليوم الثاني من ارتفاع الشمس إلى زوالها وفيه إشارة إلى أنها لا تؤخر إلى الغد بغير عذر حتى لو تركت سقطت
ولا تصلى بعده ولو بعذر لأن الأصل فيها أن لا تقضى لكن ورد الحديث بتأخيرها إلى الغد للعذر فيبقى ما عداه على الأصل
والأضحى كالفطر في الكل إلا في بعض أحكامه نبه عليه بقوله لكن يستحب قيل يسن مطلقا وقيل يسن لمن يضحي دون غيره ليأكل من أضحيته أولا تأخير الأكل فيها إلى أن يصلي لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يطعم في يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته وفيه إشارة إلى أن هذا الإمساك ليس بصوم ولذا لم يشترط النية هذا في حق المصري أما القروي فإنه يذوق من حين أصبح ولا يمسك
ولا يكره الأكل قبلها أي الصلاة في المختار احتراز عن قول من قال الأكل قبل الصلاة مكروه
ويجهر بالتكبير في طريق المصلى
وفي أكثر الكتب والجهر سنة فيه اتفاقا وفيه إشارة إلى أنه يقطع التكبير عند انتهائه إلى المصلى لأن إطلاقه يدل على عدم الاستحباب في البيت وفي المصلى وهو رواية وفي رواية حتى يشرع الإمام في الصلاة كما في الكافي
ويعلم في الخطبة تكبير التشريق والأضحية لأنها شرعت لتعليم أحكام الوقت هكذا ذكروا مع أن تكبير التشريق يحتاج إلى تعليمه قبل يوم عرفة للإتيان به فيه فينبغي أن يعلم في خطبة الجمعة التي يليها العيد ولم أره منقولا والعلم أمانة في أعناق العلماء كما في البحر
ويجوز تأخيرها أي صلاة الأضحى إلى الثاني والثالث بعذر وبغير عذر ولا يصلي بعد ذلك لأنها مؤقتة بوقت الأضحية وهو ثلاثة أيام لكنه يسيء بالتأخير من غير عذر لما فيه تأخير الواجب بلا ضرورة عند القائل بالوجوب فالعذر في الأضحى لنفي الكراهة وفي الفطر للجواز
والاجتماع يوم عرفة في بعض المواضع تشبها بالواقفين بعرفات ليس بشيء قال في الفتح مثل هذا
____________________
(1/258)
اللفظ أنه مطلوب الاجتناب
وقال في النهاية أي ليس بشيء يتعلق به الثواب وهو يصدق على الإباحة ثم قال وعن أبي يوسف ومحمد في غير رواية الأصول إنه لا يكره لما روي عن ابن عباس فعل ذلك بالبصرة وهذه المقاسمة تفيد أن مقابله من رواية الأصول الكراهة وهو الذي يفيده التعليل بأن الوقوف عهد قربة في مكان مخصوص فلا يكون قربة في غيره انتهى أقول إن هذا التعليل لا يستلزم الكراهة بل أن لا يكون قربة فلا يتم التقريب فينبغي أن يعلل بما في الكافي من قوله بعدما ذكر ولا يجوز الاختراع في الدين وما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما محمول على الوعظ والتذكير لا على التشبيه
ويجب تكبير التشريق وقيل يسن والأول أصح للأمر في قوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات على القول بأن المراد أيام التشريق لكن لما وقع الخلاف في المراد بالأيام المعدودات لم يكن قطعي الدلالة وإن كان قطعي الثبوت وهو يفيد الوجوب لا الافتراض
وفي الفتح والإضافة بيانية أي التكبير الذي هو التشريق فإن التكبير لا يسمى تشريقا إلا إذا كان بتلك الألفاظ في شيء من الأيام المخصوصة فهو حينئذ متفرع على قول الكل وفصل كل التفصيل فليراجع من فجر يوم عرفة لاتفاق كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبه أخذ علماؤنا في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف من ظهر النحر وهو قول ابن عمر وزيد بن ثابت وهو مذهب مالك والشافعي في القول الأشهر إلى عصر يوم العيد عند الإمام وهو قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فيكون التكبير عقيب ثمان صلوات على المقيم بالمصر فلا يجب على المسافر والقروي عقيب كل فرض بلا فصل يمنع البناء فلا يكبر بعد الواجبة والمسنونة والمندوبة
وقال بعضهم يكبر بعدها والبلخيون يكبرون بعد العيد لأنه كالجمعة كما في القهستاني لكن إطلاق المصنف يقتضي عدمه أدي بصيغة المجهول صفة فرض وفيه إشارة إلى أنه لا يكبر في القضاء مطلقا وليس كذلك لأنه يكبر فور فائتة هذه الأيام إذا قضاها فيها وإن قضى فائتتها فيها من العام القابل الصحيح أنه لا يكبر
وقال أبو يوسف يكبر وإن قضاها في غيرها لا يكبر كما لو قضى فائتة غيرها فيها وعن أبي يوسف أنه يكبر كما في المحيط
ولو قال أو قضى فيها في تلك السنة لكان أولى بجماعة فلا يكبر المنفرد مستحبة أي غير مكروهة فلا تكبر النساء المصليات وحدهن بجماعة وكذا
____________________
(1/259)
جماعة العراة كما في البحر وبالاقتداء بمن يجب عليه التكبير يجب على المرأة بلا رفع الصوت لأن صوتها عورة والمسافر بطريق التبعية وأما المسافرون إذا صلوا بجماعة في مصر ففيهم روايتان وعندهما إلى عصر آخر أيام التشريق فيكون التكبير عقيب ثلاثة وعشرين صلاة وهو قول علي كرم الله تعالى وجهه وأحد الروايتين عن الإمام وبه أخذ الشافعي على من يصلي الفرض على أي وجه كان سواء أدى بجماعة أو لا وسواء كان المصلي رجلا أو امرأة أو مسافرا أو مقيما أو أهل قرية لأنه تبع للمكتوبة
وعليه أي على ما قاله صاحباه العمل أي عمل الناس احتياطا في العبارات وعليه الفتوى كما في المجتبى وغيره
وصفته أي صفة التكبير أن يقول مرة حتى لو زاد لقد خالف السنة وعند الشافعي يقول الله أكبر ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو تسعا متصلا ولا يذكر فيه التهليل والتحميد الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهو المأثور عن الخليل صلوات الله على نبينا وعليه ويتركه المؤتم إن تركه إمامه
وفي الهداية قال أبو يوسف صليت بهم المغرب أي يوم عرفة فسهوت أن أكبر فكبر أبو حنيفة رحمه الله دل قول أبي يوسف على أن الإمام وإن ترك التكبير لا يدعه المقتدي وهذا لأنه لا يؤدى في حرمة الصلاة فلم يكن الإمام فيه حتما وإنما هو مستحب وينبغي للمأموم أن ينتظر الإمام إلى أن يأتي بشيء يقطع التكبير كالخروج من المسجد والحدث العمد والكلام
وفي المحيط ولو تكلم عامدا أو ساهيا أو أحدث عامدا يكبر وإن أحدث غير عامد يكبر وإن لم يتطهر لأنه يؤدى في غير حرمة الصلاة فلا تشترط الطهارة لإتيانه لكن الصحيح أن يتوضأ ويكبر كما في أكثر الكتب
وفي التنوير ويجب على المسبوق فيكبر عقيب القضاء ويبدأ الإمام بسجدة السهو ثم بالتكبير ثم بالتلبية لو محرما
____________________
(1/260)
261 باب صلاة الخوف إن اشتد الخوف وفي أكثر الكتب ليس الاشتداد شرطا عند عامة مشايخنا قال في التحفة سبب جواز صلاة الخوف نفس قرب العدو من غير ذكر الخوف والاشتداد لكن يمكن الجواب بأن يقال إن الخوف مقرر عند حضرة العدو والاشتداد عبارة عن المقابلة تدبر من عدو سواء كان مسلما باغيا أو كافرا طاغيا والعدو يقع على الواحد والجمع أو سبع وما أشبهه ودخل وقت الصلاة وحان خروجه جعل الإمام أي الخليفة أو السلطان أو نائبه الناس طائفتين طائفة بإزاء العدو بحيث لا يلحقهم أذاهم وضررهم
وصلى بطائفة أخرى ركعة إن كان الإمام مسافرا أو في صلاة الفجر أو الجمعة أو العيدين
و صلى ركعتين في الرباعي إن كان مقيما أو في صلاة المغرب فإن حكمها كحكم الرباعي ومضت أي ذهبت هذه الطائفة التي صلت مع الإمام بعد السجدة الثانية في الثنائي وبعد التشهد في غيره إلى جانب العدو وجاءت تلك الطائفة الواقعة بإزاء العدو
وصلى أي الإمام بهم ما بقي وهي ركعة في الثنائي والمغرب وركعتان في غيرهما وسلم أي الإمام وحده بعد التشهد ولا يسلمون وذهبوا إلى وجه العدو ولو أتموا في مكانهم ثم انصرفوا جاز لكن الأفضل ما ذكره كما في المحيط وجاءت الطائفة الأولى وأتموا ما بقي من صلاتهم بلا قراءة لأنهم لاحقون ولذا لو حاذتهم امرأة فسدت صلاتهم فيتشهدون ويسلمون ويمضون إلى وجه العدو ثم جاءت الطائفة الأخرى وأتموا
____________________
(1/261)
صلاتهم بقراءة لأنهم مسبوقون والمسبوق في حكم المنفرد فيتشهدون ويسلمون لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الخوف هكذا ولا يخفى أن هذا إذا كان الكل مسافرين أو مقيمين أو الإمام مقيما وأما إذا كان الإمام مسافرا والقوم أو بعضهم مقيمين ففي الثنائي يصلي الإمام ركعة بكل أمة فإذا سلم الإمام جاءت الأولى فصلى المسافر ركعة بلا قراءة والمقيم ثلاث ركعات بغيرها في ظاهر الرواية
وفي رواية الحسن بقراءة في الأخريين الفاتحة وأما الأمة الثانية فتصلي بقراءة المسافر ركعة والمقيم ثلاثا لأنهم مسبوقون كما في القهستاني واعلم أن صلاة الخوف على الصفة المذكورة إنما تلزم إذا تنازع القوم في الصلاة خلف الإمام وأما إذا لم يتنازعوا فالأفضل أن يصلي بإحدى الطائفتين تمام الصلاة ويصلي بالأخرى إمام آخر وهناك كيفيات أخرى معلومة في الخلافيات وذكر في المجتبى أن الكل جائز وإنما الخلاف في الأولى كما في البحر
ويبطلها أي صلاة الخوف المشي هاربا عن العدو لا المشي نحوه والرجوع والركوب والمقاتلة لأنه عمل كثير وإنما جوز المشي ونحوه للضرورة كما في أكثر الكتب
وفي الإصلاح والإيضاح ويفسدها الركوب مطلقا قال في البدائع ومنها يعني من شرائط الجواز أن ينصرف ماشيا ولا يركب عند انصرافه إلى وجه العدو ولو ركب فسدت صلاته عندنا لأن الركوب عمل كثير وهو مما لا يحتاج إليه بخلاف المشي فإنه أمر لا بد منه حتى يصطفوا بإزاء العدو ولا يجوز المشي والقتال مصليا قال في الذخيرة ولا يصلون وهم يمشون كما لا يصلون وهم يقاتلون ومن المنقولين اتضح أن من لم يفرق بينهما وبين الركوب لم يصب انتهى
وإن اشتد الخوف بحيث لم يتيسر لهم النزول عن الدواب وعجزوا عن الصلاة بهذه الصفة التي مر ذكرها صلوا وحدانا فلا تجوز الجماعة إلا إذا كان المقتدي على دابة مع الإمام وهذا ظاهر الرواية وعن محمد أن الجماعة جائزة كما في شرح الطحاوي لكن في الهداية ليس بصحيح لانعدام الاتحاد في المكان ركبانا جمع راكب هذا في غير المصر إذ التنفل في المصر راكبا غير صحيح فالفرض أولى يومئون
____________________
(1/262)
أي بإيماء الركوع والسجود إلى أي جهة قدروا إن عجزوا عن التوجه إلى القبلة لأنه يسقط للضرورة
ولا تجوز صلاة الخوف بلا حضور عدو لعدم الضرورة حتى لو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا للخوف ثم بان خلافه تجب الإعادة بالإجماع إلا في قول الشافعي وأبو يوسف لا يجيزها أي صلاة الخوف بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأنها مخالفة للأصول ولقوله تعالى إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية وجوابه الصحابة رضي الله تعالى عنهم صلوها بطبرستان وهم متوافرون من غير نكير من أحد فكان إجماعا كما في الاختيار
باب صلاة الجنائز جمع جنازة بالفتح الميت وهو المراد هنا وبالكسر النعش الذي يوضع عليه الميت للغسل أو الحمل وقيل بالعكس وقيل هما لغتان وعن الأصمعي لا يقال إلا بالفتح لما فرغ من بيان حال الحياة شرع في بيان حال الممات وأخر الصلاة في الكعبة ليكون ختم كتاب الصلاة بما يتبرك به حالا ومكانا يوجه المحتضر بفتح الضاد من حضره الموت وظهر عليه أماراته وأما ما قيل من حضرته ملائكة الموت فليس بسديد كما لا يخفى وعلامة الاحتضار أن يسترخي قدماه ويتعوج أنفه وينخسف صدغاه وتمتد جلدة الخصية إلى القبلة مضطجعا على شقه الأيمن لأنه السنة المنقولة هذا إذا لم يشق عليه وإلا ترك على حاله وجعل رجلاه إلى القبلة والمرجوم لا يوجه ويستحب لآبائه وجيرانه أن يدخلوا عليه ويتلوا سورة يس واستحسن بعض المتأخرين قراءة سورة الرعد ويضعوا عنده الطيب واختير الاستلقاء قال في التبيين والمختار في زماننا أن يلقى على قفاه وقدماه إلى القبلة قالوا هو أيسر لخروج
____________________
(1/263)
الروح ويرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء لكن لم يذكر وجه ذلك ولا يمكن معرفته إلا نقلا مع أن الأول هو السنة تفكر ويلقن الشهادة فيجب على إخوانه وأصدقائه أن يقولوا عنده كلمتي الشهادة ولا يقولوا له قل كي لا يأبى عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة اللهم يسرها لنا ولإخواننا أجمعين فإذا قالها مرة كفاه ولا يكثر عليه ما لم يتكلم بعد ذلك كما في المجتبى واختلفوا في تلقينه بعد الموت عند الوضع في القبر فقيل يلقن لأنه يعاد روحه وعقله ويفهم ما يلقن وبه قال الشافعي وصفته أن يقول يا فلان ابن فلان اذكر دينك الذي كنت عليه وقل رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبيا وقيل لا يؤمر به ولا ينهى
وقال أكثر الأئمة والمشايخ لا يجوز لكن قال محمد الكرماني ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله تعالى حسن فالأحسن تلقينه
فإذا مات شدوا لحييه وهو منبت اللحية وغمضوا بالتشديد عينيه للتوارث ويقول مغمضه بسم الله وعلى ملة رسول الله اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه ثم تمد أعضاؤه ويوضع سيف على بطنه لئلا ينتفخ ولا يقرأ عنده القرآن إلى أن يرفع إلى الغسل كما في القهستاني نقلا عن النتف لكن في النتف وقع إلى أن يرفع فقط وفسروه إلى أن يرفع الروح لأن قراءة القرآن مكروه عنده حتى يغسل والعجب أن القهستاني قيد بقوله إلى الغسل وخالف أكثر المعتبرات تدبر
ويستحب تعجيل دفنه لقوله عليه الصلاة والسلام عجلوا دفن موتاكم فإن كان خيرا قدمتموه إليه وإن كان شرا فبعدوا أهل النار ولا بأس بإعلام الناس لأن فيه تكثير المصلين عليه والمستغفرين له
وإذا أرادوا غسله وهو فرض كفاية على الأحياء وضع على سرير ليصب الماء من مجمر وترا بأن يدار المجمر حول السرير مرة أو ثلاثة أو خمسا ولا يزاد عليها لما فيه من تعظيم الميت والوتر أحب إلى الله تعالى من غيره وتستر عورته أي يشد الإزار عليها لأن النظر إليها حرام كعورة الحي ويكتفى بستر العورة الغليظة هو الصحيح تيسيرا لكن يغسلها بخرقة في يده كذا في أكثر
____________________
(1/264)
الكتب لكن وقع في التبيين والغاية خلافه لأنهما قالا ويستر ما بين سرته إلى ركبتيه وهو الصحيح
وقال الشافعي يغسل في قميصه إذا كان كم القميص واسعا بحيث يدخل الغاسل يده فإن كان ضيقا يجرد ويغسل ويوضع على السرير كما تيسر وقيل يوضع طولا وقيل عرضا والأول أصح فلا يغسل الكافر في الأصح ويجرد عن ثيابه ليمكن التنظيف قالوا يجرد كما مات لأن الثياب يحمي فيسرع التغيير ويوضأ بلا مضمضة واستنشاق لأن الوضوء سنة الاغتسال غير أن إخراج الماء متعذر فيتركان خلافا للشافعي وفي اقتصار النفي عليهما إشارة إلى أن وجوب غسل اليدين والمسح على الرأس يراعى وهو الصحيح كما في المجتبى وغيره
وفي رواية لا وأطلقه فيشمل البالغ والصبي إلا أن الصبي الذي لا يعقل الصلاة لا يوضأ ويغسل بماء مغلي بسدر وهو شجر بالبادية والمراد ورقه أو حرض بضم الحاء وسكون الراء وهو الأشنان إن وجد مبالغة في التنظيف
وإلا أي وإن لم يوجد الماء المغلي بهما فالقراح بفتح القاف أي الماء الذي لا يشوبه شيء والمسخن أبلغ في التنظيف وعند الشافعي الغسل بالماء البارد أفضل وغسل رأسه ولحيته بالخطمي بكسر الخاء المعجمة ويجوز فتحها وهو نبت مشهور لأنه أبلغ في استخراج الوسخ والمراد خطمي العراق وهو مثل الصابون في التنظيف إن وجد وإلا فبصابون ونحوه هذا إذا كان في رأسه شعر اعتبارا بحالة الحياة وأضجع على يساره للبداية باليمين فيغسل حتى يصل الماء إلى ما يلي التحت منه أي من يساره ثم أضجع على يمينه كذلك أي ويغسل حتى يصل الماء إلى ما يلي التحت منه ثم يجلس حال كونه مستندا ويمسح بطنه برفق ليسيل ما بقي في المخرج حتى لا يتلوث الكفن فإن خرج منه شيء غسله أي ذلك الموضع تنظيفا له ولا يعيد غسله بضم الغين وفتحها ولا يعيد وضوءه قال صاحب العناية لأن الخارج إن كان حدثا فالموت أيضا حدث وهو لا يوجب الوضوء فكذا هذا الحدث واعترض عليه المولى سعدي أفندي بأنه لو لم يوجب لم يوضأ غايته أنه يكون مثل المعذور لا يوضأ مرة أخرى لهذا الحدث القائم وأما عدم التوضؤ لحدث آخر فلا يدل ما ذكره عليه فإن المعذور إذا أحدث بحدث آخر
____________________
(1/265)
يجب عليه الوضوء انتهى لكن التمثيل بالمعذور لا يجوز لأنه ثبت على خلاف القياس وانتقاض وضوئه عند خروج الوقت ولا وقت له بل أمر تعبدي تأمل وعند الشافعي يعيد الوضوء وينشفه بثوب نظيف حتى يجف كي لا تبتل أكفانه
ويجعل الحنوط بفتح الحاء وهو عطر مركب من أشياء طيبة ولا بأس بسائر أنواع الطيب غير زعفران وورس اعتبارا بالحياة على رأسه ولحيته لأن التطيب سنة
والكافور على مساجده أي مواضع سجوده من جبهته وأنفه وركبتيه وقدميه ولا يسرح شعره ولحيته التسريح عبارة عن تخليص بعضه عن بعض وقيل تخليله بالمشط وأما ما قيل ولحيته تكرار فإن قوله وشعره يغني عنه ليس بسديد لأن الشعر في العرف لا يطلق على اللحية فالأنسب ذكرها
ولا يقص ظفره وشعره لأنها للزينة وقد استغنى عنها وعند الشيخين إذا كان الظفر منكسرا فلا بأس بأخذه وفي العتابي لو قطع ظفره أو شعره أدرج معه في الكفن وقال الشافعي يسرح بمشط واسع ويقص ظفره وشعره
ولا يختن لأن الختان سنة في حق الأحياء دون الأموات
ثم يكفنه تكفين الميت لفه بالكفن وهو واجب يدل عليه تقديمه على الدين والإرث والوصية وفي المحيط أنه فرض كفاية
وفي التحفة أنه سنة فالمراد ما ثبت بها فإن كفنه من ماله وإلا فعلى من عليه نفقته وإلا فعلى بيت المال
وسنة كفن الرجل ثلاثة أثواب أحدها قميص وهو من المنكب إلى القدم بلا جيب ولا دخريص ولا كمين
و ثانيها إزار و ثالثها لفافة بالكسر وهما من القرن أي من الرأس إلى القدم وعند الشافعي إزار ولفافتان
واستحسن بعض المتأخرين
____________________
(1/266)
العمامة بالكسر لحديث ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما أنه كان يعمم الميت ويجعل ذنب العمامة على وجهه هذا إذا كان عالما معروفا أو من الأشراف وأما من الأوساط فلا يعمم كما في المعراج وقيل إذا لم يكن في الورثة صغار والأصح أنها تكره كما في المجتبى وكفايته أي كفاية كفن الرجل بحيث لا يمكن النقص عنه ولو كان مديونا إزار ولفافة قيل قميص ولفافة والأول أصح
وسنة كفن المرأة خمسة أحدها درع أي قميصها
و ثانيها إزار و ثالثها خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها
و رابعها لفافة و خامسها خرقة تربط على ثدييها وكفايتها إزار وخمار ولفافة فإن كانت بالمال كثرة وبالورثة قلة فكفن السنة أولى وإن كان على العكس فكفن الكفاية أولى كما في الخانية
وعند الضرورة يكفي الواحد ولا يقتصر عليه أي على الواحد بلا ضرورة فإنه مكروه بلا ضرورة ولا بأس بكفن الصغير في ثوب والصغيرة في ثوبين لكن الأحسن أن يكفن فيما يكفن فيه البالغ والمراهق بمنزلة البالغ
ويستحب الأبيض لأنه أمارة أهل الإيمان
ولا يكفن الرجل إلا فيما يجوز له أي للميت لبسه حال حياته فلا يجوز الحرير ونحوه اعتبارا بحالة الحياة إلا للضرورة لكن لا يزاد على ثوب ويجوز للنساء الحرير والمزعفر والمعصفر اعتبارا بحالة الحياة كما في الفتح
وتجمر الأكفان وترا بأن يدار المجمر ثلاثا أو خمسا أو سبعا قبل أن يدرج الميت فيها أي الأكفان والإجمار هو التطييب
وتبسط اللفافة أولا ثم الإزار عليها ثم يقمص ويوضع على الإزار تقميصا ثم يلف الإزار من قبل يساره ثم من يمينه ليكون الأيمن على الأيسر كما في حال الحياة فإن كان الإزار طويلا
____________________
(1/267)
حتى يعطف على رأسه وسائر جسده فهو أولا ثم يلف اللفافة كذلك والمرأة تلبس الدرع أولا
ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوقه أي فوق الدرع
وقال الشافعي يجعل ثلاث ضفائر ويلقى خلف ظهرها ثم الخمار فوق ذلك تحت اللفافة ثم يعطف الإزار ثم اللفافة كما في الرجل ثم الخرقة فوق الأكفان لئلا ينتشر الأكفان وعرضها ما بين الثدي إلى السرة
ويعقد الكفن إن خيف أن ينتشر صيانة عن الكشف
وفي شرح المنية والأمة كالحرة الغسيل والجديد في الكفن سواء
فصل في الصلاة على الميت الصلاة عليه فرض كفاية بالإجماع حيث يسقط عن الآخرين بأداء البعض وإلا يأثم الكل وقد صرح البعض بكفر من أنكر فرضيتها لأنه أنكر الإجماع وقيل سنة
وشرطها أي شرط جواز الصلاة عليه إسلام الميت فلا تصح على الكافر لقوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا وطهارته فلا تصح على من لا يغسل لأن له حكم الإمام حتى لو صلوا على ميت قبل أن يغسل تعاد الصلاة بعد الغسل
وأولى الناس بالتقدم فيها أي صلاة الجنازة السلطان إن حضر لأن في التقدم عليه استخفافا به
____________________
(1/268)
وعن أبي يوسف أن الولي أولى وبه أخذ الشافعي ثم القاضي لأن له ولاية عامة ثم إمام الحي أي الجماعة لأنه اختاره حال حياته وفي الجوامع إمام المسجد الجامع أولى من إمام الحي
وفي الإصلاح تقديم السلطان واجب إذا حضر وتقديم الباقي بطريق الأفضلية ذكره في التحفة
وفي الفتح الخليفة أولى إن حضر ثم إمام المصر وهو سلطانه ثم القاضي ثم صاحب الشرط ثم خليفة الوالي ثم خليفة القاضي ثم إمام الحي انتهى وفي ظاهر كلامه يفهم أن صاحب الشرط غير أمير البلد لكن في المعراج الشرط بالسكون والحركة خيار الجند أو المراد أمير البلد كأمير بخارى فافهم وإنما يستحب تقدم إمام مسجد حيه على الولي إذا كان أفضل من الولي كما في العتابي وغيره ثم الولي الأقرب فالأقرب على ترتيبهم في العصبات في ولاية الإنكاح إلا الأب فإنه يقدم على الابن إذا اجتمعا عند الكل على الأصح وإن كان الابن يقدم على الأب في ولاية الإنكاح عند الشيخين لأن للأب فضيلة على الابن والفضيلة تعتبر ترجيحا في الاستحقاق كما في سائر الصلوات
ولو مات العبد فالولي أولى بها على الأصح والجيران أولى من غيرهم كما في المجتبى وللولي أن يأذن لغيره لأنه حقه فيملك إبطاله إلا إذا كان هناك من يساويه فله المنع فإن صلى غير من ذكر من السلطان والقاضي وغيرهما بلا إذن أي لم يأذن له الولي الأحق ولم يتابعه أعاد الولي أي الأحق بالصلاة فالسلطان إذا
____________________
(1/269)
صلى بلا إذن الخليفة يعيد الخليفة كما في النهاية إن شاء لتصرف الغير في حقه لكن إذا أعاد ليس لمن صلى عليها أن يصلي مع الولي مرة أخرى
ولا يصلي أي لا يجوز أن يصلي غير الولي الأحق بعد صلاته أي الولي الأحق لأن الفرض تؤدى بالأولى والتنفل بها غير مشروع خلافا للشافعي واعلم أن الأفضل أن تكون الصفوف ثلاثة لقوله عليه الصلاة والسلام من اصطف عليه ثلاثة صفوف من المسلمين غفر له وأفضلها في الجنازة الصف الأخير
وإن دفن بعد غسله بلا صلاة صلي على قبره لأنه عليه الصلاة والسلام صلى على قبر امرأة من الأنصار ما لم يظن تفسخه أي تفرق أجزائه والمعتبر في ذلك أكبر الرأي على الصحيح لاختلاف الحال والزمان والمكان وإنما قيدنا بعد غسله لأن الصلاة بدون الغسل ليست بمشروعة ولا يؤمر بالغسل لتضمنه أمرا حراما وهو نبش القبر فسقطت الصلاة كذا في الغاية لكن إطلاق المصنف يشمل ما إذا كان مدفونا بعد الغسل أو قبله وعن محمد أنه أخرج من القبر فغسل إن لم يغسل ثم صلى عليه ما لم يهيلوا التراب عليه لأنه ليس بنبش
ويقوم الإمام حذاء الصدر للرجل والمرأة لأنه محل العلم وموضع النور والإيمان وهذا ظاهر الرواية وعن الإمام يقوم بحذاء وسطهما وعن أبي يوسف بحذاء وسط المرأة ورأس الرجل لأنه معدن العقل لكن الأول هو المختار
ويكبر تكبيرة الافتتاح ثم يثني عقيبها أي يقول الإمام والمنفرد سبحانك اللهم إلى آخره وظاهر الرواية أنه يحمد الله كما في المحيط وغيره والأول رواية الحسن عن الإمام ثم يكبر تكبيرة ثانية ويصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعدها كما يصلي في قعدة الفريضة وقد مر وهو الأولى لأن الثناء والصلاة سنة الدعاء لأنه أرجى للقبول ثم يكبر تكبيرة ثالثة يدعو لنفسه وللميت وللمسلمين والمسلمات بعدها وصفته أن يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا
____________________
(1/270)
وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان وخص هذا الميت بالروح والراحة والرحمة والمغفرة والرضوان اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه الأمن والبشرى والكرامة والزلفى اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنان ولا تجعل قبره حفرة من حفر النيران رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين ويجوز غيره من الأدعية إذ ليس فيه دعاء موقت هذا إذا كان الميت مذكرا وأما إذا كان مؤنثا فيلزم تأنيث الضمائر الراجعة إلى المؤنث بعد قوله وخص إلى آخره لا ما قبله ثم يكبر تكبيرة رابعة ويسلم تسليمتين غير رافع بهما صوته ينوي فيهما ما ينوي في تسليمتي الصلاة وينوي الميت بدل الإمام عقيبها أي ليس بعد التكبيرة الرابعة سوى السلام في ظاهر الرواية واختار بعضهم أن يقول ربنا آتنا الآية وبعضهم أن يقول ربنا لا تزغ قلوبنا الآية وبعضهم أن يقول سبحان ربك رب العزة الآية فإن كبر خمسا لا يتابع المأموم لأنه منسوخ خلافا لزفر لكن ينتظر إلى تسليم الإمام ويسلم معه في الأصح
ولا قراءة فيها أي في صلاة الجنازة وعند الشافعي يقرأ الفاتحة فيها
ولا تشهد ولا رفع يد إلا في الأولى ومن المشايخ من اختار الرفع في كل تكبيرة وهو مذهب الشافعي
ولا يستغفر لصبي ولا مجنون لأنه لا ذنب لهما
ويقول بعد الثالثة وفي شرح منية المصلي يقول بعد تمام قوله ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم اجعله لنا فرطا بفتحتين أجرا يتقدمنا قال الأصمعي الفارط والفرط المتقدم في طلب الماء والمراد هنا المتقدم في أمر الآخرة اللهم اجعله لنا أجرا وذخرا أي خيرا باقيا لآخرتنا واجعله لنا شافعا ومشفعا بفتح
____________________
(1/271)
الفاء أي مقبول الشفاعة
ومن أتى بعد تكبير الإمام لا يكبر حتى يكبر الإمام أخرى فيكبر معه صورته رجل أتى والإمام في صلاة الجنازة لا يكبر بين تكبيرتي الإمام بل ينتظر حتى يكبر الإمام وأخرى يكبر معه عند الطرفين فإذا سلم الإمام قضى المقتدي ما عليه من التكبير بغير دعاء قبل رفع الجنازة
وقال أبو يوسف يكبر حين حضر ولا ينتظر كمن كان حاضرا حال التحريمة ولهما أن كل تكبيرة في صلاة الجنازة كركعة في غيرها والمسبوق بركعة لا يبتدئ بها وإنما لا ينتظر الحاضر لأنه بمنزلة المدرك وثمرة الخلاف فيمن جاء بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام فعندهما لا يدخل مع الإمام وقد فاتته الصلاة وعنده يدخل كما في الشمني
ولا تجوز راكبا أو قاعدا إلا بعذر استحسانا لأنها صلاة من وجه لوجود التحريمة فلا يترك من غير عذر احتياطا والقياس الجواز لأنها دعاء
وتكره في مسجد جماعة إن كان الميت فيه أي في المسجد خلافا للشافعي وإن كان الميت خارجه أي المسجد وقام الإمام خارج المسجد ومعه صف والباقي في المسجد كذا في أكثر الكتب لكن في الإصلاح ولو كانت الجنازة والإمام وبعض القوم خارج المسجد وباقي القوم في المسجد كما هو المعهود في جوامعنا لا يكره باتفاق أصحابنا وإنما الاختلاف لو كانت الجنازة وحدها خارج المسجد والإمام والقوم في المسجد وكلام المصنف لا يدل على هذا تدبر اختلف المشايخ فقيل لا يكره وهو رواية النوادر عن أبي يوسف لأنه ليس فيه احتمال تلويث المسجد وقيل يكره لأن المسجد أعد لأداء المكتوبات فلا يقام فيه غيرها إلا لعذر
ولا يصلى على عضو أي عضو كان هذا إذا وجد
____________________
(1/272)
الأقل ولو مع الرأس خلافا للشافعي أما إذا وجد الأكثر أو النصف مع الرأس فيغسل ويصلى عليه بالاتفاق
ولا على غائب خلافا للشافعي
وفي شرح المجمع محل الخلاف في الغائب عن البلد إذ لو كان في البلد لم يجز أن يصلى عليه حتى يحضر عنده اتفاقا لعدم المشقة في الحضور
ومن استهل على البناء للفاعل وهو أن يوجد من الصبي ما يدل على حياته من رفع صوت أو حركة عضو بعد الولادة غسل وسمي وصلي عليه لأن الاستهلال دليل الحياة ولهذا يرث ويورث والمعتبر في ذلك خروج الأكثر قبل الموت
وإلا غسل في المختار
وعن محمد أنه لا يغسل ولا يسمى وهو ظاهر الرواية لكن المختار هو الأول لأنه نفس من وجه
وفي الدرر غسل في ظاهر رواية لكن ظاهر الرواية غير ظاهر تدبر وأدرج في خرقة كرامة لبني آدم ودفن ولا يصلى عليه إلحاقا له بالجزء ولهذا لم يرث
ولو سبي صبي مع أحد أبويه فمات لا يصلى عليه لأنه تبع لهما لحديث كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى يكون لسانه يعرب عنه إما شاكرا وإما كفورا إلا إن أسلم أحدهما أي أحد الأبوين فيصلى على الصبي حينئذ لأنه يصير مسلما حكما تبعا لقوله عليه السلام الولد يتبع خير الأبوين دينا أو أسلم هو عاقلا أي مميزا لأن إسلام المميز صحيح أو لم يسب أحدهما معه أي بل سبي الصبي فقط فإنه يكون تبعا للسابي أو للدار فيصلى عليه والمراد من التبعية التبعية في أحكام الدنيا لا في العقبى فلا يحكم بأن أطفالهم في النار ألبتة بل فيهم خلاف قيل يكونون خدم أهل الجنة وقيل إن كانوا قالوا بلى يوم أخذ العهد عن اعتقاد ففي الجنة وإلا ففي النار وعن محمد أنه قال فيهم إني أعلم أن الله تعالى لا يعذب أحدا بغير ذنب وتوقف الإمام فيهم كما في الفتح
ولو مات لمسلم قريب كافر فاعل مات غسله أي ذلك المسلم غسل النجاسة
____________________
(1/273)
ولفه في خرقة وألقاه في حفرة عند الاحتياج من غير مراعاة السنة أو دفعه إلى أهل دينه إن وجد
وسن في حمل الجنازة أربعة من الرجال فيكره أن يكون الحامل أقل من ذلك وأن يحمل على الدابة والظهر لعدم الإكرام واللام للعهد أي جنازة الكبير فلو كان صغيرا جاز حمل الواحد
وأن يبدأ الحامل فيضع مقدمها أي مقدم الجنازة على يمينه ثم يضع مؤخرها على يمينه ثم يضع مقدمها على يساره ثم مؤخرها على يساره فيتم الحمل من الجوانب الأربع وينبغي أن يحملها من كل جانب عشر خطوات لقوله عليه الصلاة والسلام من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت عنه أربعين كبيرة
ويسرعوا به أي بالميت بلا خبب بفتحتين وهو أول عدو الفرس وحد التعجيل المسنون أن لا يضطرب الميت على الجنازة
والمشي خلفها أي الجنازة أفضل من المشي قدامها إلا أنه لا بأس أن يتقدمها نفيا للزحام
وقال الشافعي المشي أمامها أفضل
وقال أبو يوسف رأيت أبا حنيفة رحمه الله يتقدم الجنازة وهو راكب ثم يقف حتى يؤتى بها وهذا دليل على أنه لا بأس بالركوب لكن كره عند أبي يوسف أن يتقدمها منقطعا عن القوم وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فضل المشي خلف الجنازة على أمامها كفضل المكتوبة على النافلة
وفي القهستاني والاكتفاء مشعر بأنه لا بأس لمشيع الجنازة بالجهر بالقرآن والذكر وقيل إنه مكروه كراهة التحريم وكذا لا بأس بمرثية الميت شعرا أو غيره
وإذا وصلوا إلى قبره كره
____________________
(1/274)
الجلوس قبل وضعه أي الميت عن الأعناق وفي القهستاني أن القيام يستحب حتى يدفن
وفي الخلاصة ولو كان القوم في المصلى فجيء بالجنازة فالصحيح أنهم لا يقومون قبل أن توضع
ويحفر القبر وهو مقر الميت طوله على قدر طول الميت وعرضه على قدر نصف طوله وعمقه إلى السرة وقيل إلى الصدر وإن زاد عليه فهو أفضل فلو كان على قدر قامته فهو أحسن ويلحد القبر من لحده أو ألحده أي حفر في جانب القبلة من القبر حفيرة يوضع فيها الميت ويجعل كالبيت المسقف لقوله عليه الصلاة والسلام اللحد لنا والشق لغيرنا والشق أن يحفر حفيرة في وسط القبر فيوضع فيها الميت وفي التبيين وإن كانت الأرض رخوة فلا بأس بالشق واتخاذ التابوت ولو من حديد ولكن السنة أن يفترش فيه التراب ويدخل الميت فيه أي القبر من جهة القبلة ويقول واضعه بسم الله أي وضعناك ملتبسين باسم الله وعلى ملة رسول الله أي سلمناك على ملته عليه الصلاة والسلام كما في الدرر
ويسجى أي يستر قبر المرأة بثوب حتى يسوى اللبن لأن مبنى حالهن على الاستتار لا قبر الرجل وقال الشافعي يسجى قبر الرجل أيضا
ويوجه إلى القبلة إذ به أمر النبي عليه الصلاة والسلام وتحل العقدة التي كانت على الكفن لخوف الانتشار ويسوى عليه اللبن بالفتح والكسر بالفارسي خشت أو القصب غير المعمول فإن المعمول مكروه عند بعضهم
ويكره الآجر والخشب أي كره ستر اللحد بهما وبالحجارة والجص لكن لو كانت الأرض رخوة جاز استعمال ما ذكر
ويهال أي يرسل التراب عليه للتوارث ويسنم أي يرفع القبر استحبابا غير مسطح قدر شبر في ظاهر الرواية وفيه إباحة الزيادة
ولا يربع خلافا للشافعي
ويكره بناؤه أي القبر بالجص والآجر والخشب لقوله عليه الصلاة
____________________
(1/275)
والسلام صفق الرياح وقطر الأمطار على قبر المؤمن كفارة لذنوبه لكن المختار أن التطيين غير مكروه وكان عصام بن يوسف يطوف حول المدينة ويعمر القبور الخربة كما في القهستاني
وفي الخزانة لا بأس بأن يوضع حجارة على رأس القبر ويكتب عليه شيء
وفي النتف كره أن يكتب عليه اسم صاحبه
ولا يدفن اثنان في قبر واحد إلا لضرورة ويجعل بينهما تراب
ولا يخرج من القبر إلا أن تكون الأرض مغصوبة وأراد صاحب الأرض إخراجه كما إذا سقط فيها متاع الغير وكفن بثوب مغصوب فإنه يجوز نبشه
وفي الدرر مات في السفينة يغسل ويكفن ويصلى عليه ويرمى به في البحر ماتت حامل وولدها حي يشق بطنها من جنبها الأيسر ويخرج ولدها ويستحب في القتيل والميت دفنه في المكان الذي ماتت في مقابر أولئك المسلمين وإن نقل قبل الدفن إلى قدر ميل أو ميلين فلا بأس به وكذا لو مات في غير بلده يستحب تركه فإن نقل إلى مصر آخر فلا بأس به
ويكره وطء القبر والجلوس والنوم عليه والصلاة عنده لأنه نهى النبي عليه الصلاة
____________________
(1/276)
والسلام
عن ذلك وقيل لا بأس بأن يطأ القبور وهو يقرأ القرآن أو يسبح أو يدعو لهم وقيل الدعاء قائما أولى فيقوم بحذاء وجهه
وفي المنية ماتت نصرانية وفي بطنها ولد مسلم قيل تدفن في مقابر المسلمين لحرمة ولدها وقيل في مقابرهم
____________________
(1/277)
باب الشهيد إنما خص الشهيد بباب على حدة مع أن المقتول ميت بأجله لاختصاصه بالفضيلة وكان إخراجه من باب الميت كإخراج جبرائيل من الملائكة فالشهيد فعيل وهو يأتي بمعنى الفاعل فيكون المراد أنه شاهد أي حي حاضر عند ربه أو بمعنى مفعول فيكون المراد أن الملائكة يشهدون موته فكان مشهودا أو لأنه شهد له بالجنة ولما أطلق الشهيد بطريق الاتساع على الغريق والحريق والمبطون وطالب العلم والمطعون والغريب وذات الطلق وذي ذات الجنب وغيرهم مما كان لهم ثواب المقتولين كما أشير إليه في المبسوط وغيره بين الشهيد الحقيقي شرعا وهو الشهيد في أحكام الدنيا فقال هو من قتله أهل الحرب أو أهل البغي أو قطاع الطريق ولو بغير آلة جارحة فإن مقتولهم شهيد بأي آلة قتلوه لأن الأصل فيه شهداء أحد كما هو معلوم ولم يكن كلهم قيل السيف والسلاح بل فيهم من دمغ رأسه بالحجر ومنهم من قتل بالعصا وقد عمهم النبي عليه الصلاة والسلام في الأمر بترك الغسل أو وجد ميتا في المعركة أي في معركة هؤلاء وبه أثر أي جراحة ظاهرة أو باطنة كخروج الدم من موضع غير معتاد كالعين والأذن ليعلم أنه غير ميت حتف أنفه أو قتله مسلم جنس فلا يحترز به عن شيء وقيل احتراز عن كافر فيغسل كما في القهستاني ظلما احتراز عن القتل حدا أو قصاصا ولم تجب بقتله دية احتراز عن قتل وجب به مال كالقتل خطأ أو قتله مسلم أو ذمي بغير محدد فإن الواجب فيه الدية عند الإمام فيكفن الشهيد ويصلى عليه
وقال الشافعي لا يصلى عليه لأن السيف محاه الذنوب فأغنى عن الشفاعة قلنا الصلاة عليه لإظهار كرامته
____________________
(1/278)
والشهيد أولى
ولا يغسل ويدفن بدمه وثيابه لأنه في معنى شهداء أحد وقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم زملوهم بكلومهم ودمائهم ولا تغسلوهم إلا ما ليس من جنس الكفن فينزع عنه كالفرو والحشو والقلنسوة والخف والسلاح لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بنزع ذلك
وقال الشافعي ولا ينزع عنه شيء ويزاد على ما عليه من الثياب إن نقص عن كفن السنة حتى يتم وينقص إن زاد حتى ينتهي إلى كفن السنة مراعاة لكفن السنة في الوجهين
وإن كان القتيل صبيا أو جنبا أو مجنونا أو حائضا أو نفساء يغسل عند الإمام خلافا لهما لأن سقوط الغسل عن الشهيد لإبقاء أثر مظلوميته في القتل إكراما له والمظلومية في حق الصبي والمجنون أشد فكانا أولى بهذه الكرامة وأما في الجنب فلأن غسل الجنابة سقط بالموت وما يجب بالموت منعدم في حقه لأن الشهادة مطهرة وكذا الحائض والنفساء وله أن حنظلة بن عامر رضي الله عنه قتل جنبا فغسلته الملائكة فكان تعليما والحائض والنفساء مثله إذا طهرتا وكذا قبل الانقطاع في الصحيح من الرواية وأما الصبي فلأن الأصل في موتى بني آدم الغسل إلا أنا تركناه بشهادة تكفير الذنب ليبقى أثرها به وهذا المعنى معدوم في الصبي فيبقى على الأصل وكذا المجنون
وفي المحيط أن الغسل ساقط عن البالغ لأنه يخاصم من قتله ويبقى عليه أثره ليكون شاهدا له بخلاف الصبي فإنه لا يخاصم بنفسه بل الله تعالى يخاصم عنه من قتله فلا حاجة إلى إبقاء الأثر
ويغسل إن قتل في المصر احتراز عن المفازة التي ليس بقربها عمران وإن لم يعلم قاتله فإنه لا يغسل ولم يعلم أنه قتل عمدا ظلما فإن علم لم يغسل وإذا علم أنه قتل عمدا ظلما لكن لم يعلم قاتله يغسل لما أن الواجب هناك الدية والقسامة وهذا لم يخالف ما في الهداية من قتل بحديدة ظلما لم يغسل فإن قوله ظلما معناه وقد علم قاتله إذ لو لم يعلم جاز أن يكون متعديا
____________________
(1/279)
فلا يكون القتل ظلما
وفي البحر لو نزل اللصوص عليه ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غيره فهو شهيد كما لو قتله قطاع الطريق فليحفظ هذا فإن الناس عنه غافلون
وكذا إن ارتث على البناء للمفعول والارتثاث في اللغة من الإرث وهو الشيء البالي وسمي به مرتثا لأنه قد صار خلفا في حكم الشهادة وقيل مأخوذ من الترثيث وهو الجرح وفي بعض كتب اللغة ارتث فلان أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وحاصله في الشرع أن يثبت له حكم من أحكام الحياة أو يرتفق بشيء من مرافقها فبطلت شهادته في حكم الدنيا فيغسل وهو شهيد في حكم الآخرة فينال الثواب الموعود للشهداء
وفي المنح أن المرتث في الشرع من خرج عن صفة القتلى وصار إلى حالة الدنيا بأن جرى عليه شيء من أحكامها أو وصل إليه شيء من منافعها وهو أضبط مما تقدم بأن أكل أو شرب أو عولج بدواء وفي إطلاق الأكل والشرب والتداوي إشارة إلى أن يشمل القليل والكثير وكذا إن نام أو تكلم بكلام كثير أو باع أو اشترى أو عاش أكثر من يوم وليلة عند أبي يوسف بشرط أن يعقل خلافا لمحمد فإنه شرط الكمال إذ لا خلو عن قليل الحياة بعد الجرح فقدر نهار كامل أو ليل كامل ولأبي يوسف أن للأكثر حكم الكل فيعتبر حياته عاقلا في الأكثر في حق الانتفاع بها
أو مضى عليه وقت صلاة كاملة وهو يعقل إذ الصلاة وجبت عليه والوجود من أحكام الدنيا فارتفق بالحياة وكان مرتثا وهذه المسألة تأتي على صورة الاتفاق لكن قال صاحب الهداية وهذا مروي عن أبي يوسف تتبع
أو آوته أي بنيت عليه خيمة لأنه نال بعض مرافق الحياة أو نقل من المعركة حيا ليمرض في خيمته أو في بيته وأما إذا جر برجله من بين الصفين لئلا تطأه الخيول فهو ليس بمرتث لأنه ما نال شيئا من الراحة وأما نظر الأتقاني وغيره في هذا المحل فهو ليس بسديد تتبع
أو أوصى بشيء مطلقا أي دنيويا أو أخرويا عند أبي يوسف لأنه ارتفاق
وقال محمد إن أوصى بأمر أخروي لا
____________________
(1/280)
يغسل لأنه عمل من أشرف على الموت فله حكم الموت ولا يرتفق بالحياة قيل قول أبي يوسف في الإيصاء بالأمر الدنيوي وقول محمد في الإيصاء بالأخروي فلا خلاف وقيل اختلفا في الأخروي لا الدنيوي أي يغسل في الدنيوي وفاقا وقيل اختلفا في الدنيوي لا الأخروي أي لا يغسل في الأخروي وفاقا كما في التسهيل
وفي الخانية الوصية بكلمتين لا تبطل الشهادة
وفي التبيين هذا كله إذا وجد بعد انقضاء الحرب وأما قبل انقضائها فلا يكون مرتثا بشيء مما ذكر لكن إذا مضى عليه يوم وليلة حال القتال وهو يعقل يكون مرتثا كما في شرح المنظومة
ومن قتل بحد أو قصاص غسل وصلي عليه لإسلامه
ومن قتل لبغي أو قطع طريق غسل للفرق بينه وبين الشهيد
ولا يصلى عليه في ظاهر الرواية لأنه ساع بالفساد عن الإمام لا يصلى عليه وقت الحرب ويصلى بعده لأن قتل قاطع الطريق حينئذ للحد أو القصاص وقتل الباغي للسياسة وكسر الشوكة وقيل لا يغسل أيضا إهانة له لأن عليا رضي الله تعالى عنه لم يغسل الخوارج ولم يصل عليهم
ويصلى على قاتل نفسه عند الطرفين لأن بغيه على نفسه خلافا لأبي يوسف زجرا له كالباغي هذا إذا كان عمدا ولو كان خطأ يغسل ويصلى عليه بلا خلاف
باب الصلاة في داخل الكعبة أي البيت الحرام شرفها الله تعالى سمي بها
____________________
(1/281)
إما لارتفاعها أو لتربيعها أو لكونها بناء منفردا أو لأن طولها كعب الثلاثة وهو سبعة وعشرون ولعل ذلك من الأعلام الغالبة ولذلك يعرف باللام كما في القهستاني صح فيها الفرض والنفل لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى في جوف الكعبة يوم الفتح خلافا للشافعي فيهما ولمالك في الفرض كما في الإصلاح وغيره لكن الصحيح من مذهب الشافعي جوازهما غير أنه قال بعدم الجواز فيما إذا كان توجه المصلي إلى الباب وهو مفتوح وليست العتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرجل كما في أكثر المعتبرات
ومن جعل فيها ظهره إلى ظهر إمامه جاز لأنه متوجه إلى القبلة وليس بمتقدم على إمامه ولا يعتقد إمامه على الخطأ بخلاف مسألة التحري وكذا لو جعل وجهه إلى يمين الإمام أو إلى يساره لأن هذا ليس بمتقدم
ولو جعل ظهره إلى وجهه أي الإمام لا يجوز لتقدمه
وكره أن يجعل وجهه إلى وجهه لما فيه من استقبال الصورة وينبغي أن يجعل بينه وبين الإمام سترة بأن يعلق نطفا أو ثوبا وإنما جاز مع الكراهة لوجود شرائطها وانتفاء المانع وهو التقدم على الإمام
ولو تحلقوا حولها أي الكعبة من المسجد الحرام وهو أي الإمام فيها أي في داخل الكعبة جاز إن كان الباب مفتوحا لأنه كقيامه في المحراب في سائر المساجد كما في أكثر الكتب لكن فيه كلام على ما بين في مكروهات الصلاة تدبر
وإن كان الإمام خارجها أي الكعبة من المسجد الحرام جازت صلاة من هو أقرب إليها أي الكعبة منه أي الإمام إن لم يكن الأقرب في جانبه أي الإمام لأنه خلف الإمام حكما فلا يضر القرب إليها ولأن التقدم والتأخر من الأسماء الإضافية فيكون من شرط اتحاد الجهة فإذا لم تتحد لم يقع التقدم والتأخر وتجوز الصلاة لوجود المجوز كما في شرح المستصفى كما إذا كان الإمام في الجانب الشمالي والمقتدي الأقرب إلى الكعبة في الجانب الغربي
وتجوز الصلاة فوقها لأن القبلة هي الكعبة وهي العرصة والهواء إلى عنان السماء
وقال الشافعي لا تجوز إلا أن يكون بين يديه سترة بناء على المعتبر في جواز التوجه إليها للصلاة البناء عنده لكن يرد عليه أن البناء قد رفع في عهد ابن الزبير والحجاج وكان تجوز الصلاة للناس
وتكره لما فيه ومن
____________________
(1/282)
ترك التعظيم وقد ورد النهي عن الصلاة في سبع مواطن المجزرة والمزبلة والمقبرة والحمام وقوارع الطريق ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله الحرام والله تعالى أعلم
____________________
(1/283)
284 كتاب الزكاة قال شمس الأئمة السرخسي الزكاة ثلث الإيمان قال الله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فبهذا علم وجه التقديم على الصوم والتأخير عن الصلاة وهي في اللغة الطهارة قال الله تعالى قد أفلح من تزكى والنماء يقال زكى الزرع إذا نما كما في أكثر الكتب لكن في الاستشهاد كلام لأنه ثبت الزكاء بالهمزة بمعنى النماء يقال زكى زكاء أي نما فيجوز كون الفعل المذكور منه لا من الزكاة بل كونه منها يتوقف على ثبوت عين لفظ الزكاة في معنى النماء كما في الفتح وهي فريضة محكمة لا يسع تركها ويكفر جاحدها ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة
وقال محمد لا تقبل شهادة من لم يؤد زكاته وهذا يدل على الفور كما قال الكرخي وعليه الفتوى وذكر أبو شجاع عن أصحابنا أنها على التراخي وهو مروي عن أبي يوسف ومعنى يجب على الفور أنه يجب تعجيل الفعل في أول أوقات الإمكان ومعنى يجب على التراخي أنه يجوز تأخيره عن أول أوقات الإمكان لا أنه يجب تأخيره عنه بحيث لو أتى به فيه لا يعتد به لأنه ليس هذا مذهبا لأحد كما في الشمني وفي الشرع هي أي الزكاة تمليك جزء من
____________________
(1/284)
المال أي من حيث إنه جزء فخرج الكفارة معين صفة جزء شرعا من فقير متعلق بالتمليك مسلم غير هاشمي لشرفهم ولا مولاه فلا يجوز تمليكه من الغني والكافر والهاشمي ومولاه عند العلم بحالهم كما سيأتي كما قال بعض المتأخرين
وفي الكنز هي تمليك المال من فقير مسلم غير هاشمي إلى آخره أقول هذا التعريف يتناول مطلق الصدقة ولا مخصص له بالزكاة بخلاف ما اختير هاهنا فإن قوله عينه الشارع يفيد التخصيص إذ لا تعيين في الصدقة انتهى لكن فيه كلام لأن صاحب الكنز قيده بقوله غير هاشمي فتخرج به الصدقة فلا وجه لقوله ولا مخصص له بالزكاة أو نقول المراد من المال المال الذي أوجبه الشرع وعينه فيكون اللام للعهد على ما هو المفهوم تدبر مع قطع المنفعة عن المملك بكسر اللام وهو الدافع من كل وجه احترز به عن الدفع إلى فروعه وإن سفلوا وإلى أصوله وإن علوا وإلى مكاتبه ودفع أحد الزوجين إلى الآخر كما سيأتي لله تعالى متعلق بالتمليك لأن الزكاة عبادة فلا بد فيها من الإخلاص قال صاحب الفرائد وهذا القيد لا بد منه في جميع العبادات غير مختص بها فكان المناسب أن يذكره في جميعها اللهم إلا أن يقال ذكر هاهنا لغلبة الأغراض فيها لكنه بعيد انتهى وفيه كلام لأن ترك هذا القيد في سائر العبادات وقع اعتمادا لعدم المجانس وكونه لله تعالى معلوم فلا حاجة للقيد بخلاف الزكاة فإن لها مجانسا من غيرها كالهبة فلا بد منه تأمل
وشرط وجوبها وإنما وصفها بالوجوب دون الفرضية لأن بعض شرائطها ثبت بطريق الآحاد وإن كان أصلها ثابتا بدليل قطعي ومن غفل عن هذا قال والمراد بالواجب الفرض لأنه لا شبهة فيه كما في الإصلاح العقل والبلوغ إذ لا تكليف بدونها والإسلام لأنه شرط لصحة العبادات والحرية ليحقق التمليك لأن الرقيق لا يملك ليملك وظاهره أن الحرية والإسلام كما هو شرط الوجوب فهو شرط البقاء أيضا حتى لو ارتد عياذا بالله تعالى سقطت الزكاة الواجبة عنه كما في القهستاني وملك نصاب عده شرطا موافقة للكنز وإن عد في الكتب الأصولية سببا والنصاب في اللغة الأصل وفي الشريعة ما لا تجب فيما دونه زكاة من المال وفيه إشكال فإنه لم يصدق على ما فوق مائتي درهم مثلا والمتبادر أن يكون النصاب مالا حلالا فإن كان حراما وكان له خصم حاضر فواجب الرد وإلا فواجب التصدق إلى الفقير ولا يحل له
____________________
(1/285)
منه شيء فلا زكاة في المغصوب والمملوك شراء فاسدا كما في القهستاني ثم النصاب إنما تجب فيه الزكاة إذا تحقق فيه أوصاف أربعة أشار إلى الأول بقوله حولي وهو أن يتم الحول عليه وهو في ملكه لقوله عليه الصلاة والسلام لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول سمي حولا لأن الأحوال تحول فيه وإلى الثاني بقوله فارغ صفة نصاب عن الدين والمراد دين له مطالب من جهة العباد سواء كان الدين لهم أو لله تعالى وسواء كانت المطالبة بالفعل أو بعد زمان فينتظم الدين المؤجل ولو صداق زوجته المؤجل إلى الطلاق أو الموت وقيل لا يمنع لأنه غير مطالب به عادة بخلاف المعجل وقيل إن كان الزوج على عزم الأداء منع وإلا فلا لأنه يعد دينا وأما الدين الذي لا مطالب له من جهة العباد كالنذر وصدقة الفطر ونحوهما فلا يمنع لأنه لا يطالب بها في الدنيا فصار كالمعدوم في أحكامها ودين الزكاة يمنع في السائمة وكذا في غيرها عند الطرفين سواء كان ذلك في العين بأن كان قائما أو في الذمة بأن كان مستهلكا وعند أبي يوسف في العين يمنع لا في غيره وعند زفر لا يمنع أصلا وإلى الثالث بقوله
و فارغ عن حاجته الأصلية أي عما يدفع عنه الهلاك تحقيقا أو تقديرا كطعامه وطعام أهله وكسوتهما والمسكن والخادم والمركب وآلة الحرف لأهلها وكتب العلم لأهلها وغير ذلك مما لا بد منه في معاشه فإن هذه الأشياء ليست بنامية فلا يجب فيها شيء وإلى الرابع بقوله نام صفة ثانية لقوله نصاب
ولو تقديرا النماء إما تحقيقا يكون بالتوالد والتناسل والتجارات أو تقديري يكون بالتمكن من الاستنماء بأن يكون في يده أو يد نائبه لأن السبب هو المال النامي فلا بد منه تحقيقا أو تقديرا فإن لم يتمكن من الاستنماء لا زكاة عليه لفقد شرطه كما في المنح ملكا تاما بأن لا يكون يدا فقط كما في مال المكاتب فإنه ملك المولى حقيقة كما في الدرر ويفهم منه أنه احترز عن مال
____________________
(1/286)
المكاتب لكن خرج بالحرية فيخرج مرتين وكذا يخرج بقوله ملكا الرق لأن الرقيق لا يملك ولو ترك الحرية لكان أوجز وأولى
فلا تجب تفريع على الشروط المذكورة على مجنون لم يفق يوما أي جزءا من الحول حتى إذا أفاق يوما من أوله إلى آخره تجب عليه الزكاة وهذا في الجنون العارض بعد البلوغ أما من بلغ مجنونا فعند الإمام يعتبر ابتداء الحول من وقت الإفاقة ولا صبي خلافا للشافعي فيهما
ولا مكاتب لأن المكاتب ليس له ملك تام
ولا مديون مطالب ولو بالجبر والحبس طلبا واقعا من العباد وهو إما الإمام في الأموال الظاهرة أي السوائم أو الملاك في الأموال الباطنة فإن الملاك نوابه لأن حق الأخذ كان للإمام في الأموال الظاهرة والباطنة إلى زمن عثمان رضي الله تعالى عنه ففوض الأموال الباطنة إلى أربابها خوفا عليهم من السعاة السوء أو الدين في دين العبد لأن المال مع الدين مشغول بالحاجة الأصلية وهي رفع الحبس عن المديون خلافا للشافعي في قدر دينه متعلق بقوله فلا تجب فإنه إذا كان له أربعمائة درهم مثلا وعليه دين كذلك لا تجب عليه الزكاة ولو كان دينه مائتين تجب زكاة مائتين
ولا في مال ضمار بالكسر مخفي وشرعا مال زائل اليد غير مرجو الوصول غالبا وإنما لا تجب الزكاة عندهم لأن كلا من الملك والنماء فيه مفقود خلافا لزفر والشافعي حيث قالا تجب فيه الزكاة للسنين الماضية إذا وصلت يده إليه لأن السبب قد تحقق وفوات اليد غير مخل بالوجوب كمال ابن السبيل والحجة عليهما قول علي رضي الله تعالى عنه لا زكاة في مال الضمار وأما ابن السبيل فقادر بنائبه
وهو المفقود أي كعبد مفقود وآبق وضال وجده بعد مضي الحول والساقط في البحر ثم استخرجه بعد مضي الحول والمغصوب الذي لا بينة عليه أي على من غصبه ومدفون في برية نسي مكانه ثم تذكر بعده خلافا للشافعي قال في شرح الطحاوي لو دفن ماله ثم نسي مكانه وتذكر بعد مضي الحول فإنه ينظر إن دفنه في حرزه كالبيت والحانوت تجب وإلا فلا
وما أخذ مصادرة
____________________
(1/287)
أي مال أخذه السلطان أو غيره ظلما ووصل إليه بعده ودين كان قد جحد المديون سنين علانية لا سرا ولا بينة عليه ثم أقر بعده عند قوم وفي البحر فجميع ما ذكر من جملة المال الضمار بخلاف دين على مقر ملي أي غني أو معسر لأن الدين على المعسر ليس كالهالك لإمكان الوصول بواسطة التحصيل
أو مفلس بتشديد اللام وفتحها من فلسه القاضي أي نادى في الناس بأنه مفلس لأن التفليس غير صحيح عند الإمام فكان وجوده كعدمه لأن المال غاد ورائح فلا يكون كالهالك أو جاحد عليه بينة هذا على قول أكثر المشايخ وعن محمد لا تجب الزكاة إذ ليس كل قاض يعدل ولا كل بينة تعدل
وقال شمس الأئمة هو الصحيح كما في الخانية والتحفة أو علم به قاض لكن المفتى به عدم القضاء بعلم القاضي الآن خلافا لمحمد في المفلس لتحقق الإفلاس بالتفليس عنده وأبو يوسف مع محمد في تحقق الإفلاس حتى تسقط المطالبة إلى وقت اليسار ومع الإمام في حكم الزكاة فتجب لما مضى إذا قبض عندهما رعاية لجانب الفقراء كما في العناية وغيرها وبخلاف ما دفن في البيت ونسي مكانه لإمكان التوصل إليه بحفره والمراد بالبيت ما يكون في حرزه كما بين آنفا ولو قال في الحرز لكان أولى
وفي المدفون في الأرض المملوكة أو الكرم اختلاف المشايخ وجه من قال بالوجوب إن حفر جميع الأرض والكرم ممكن فلا يتعذر الوصول إليه كما في البيت ووجه من قال بعدم الوجوب أن في حفر جميعها تعسرا أو حرجا وهو موضوع حتى لو كانت دارا عظيمة فالمدفون فيها يكون ضمارا كما في تاج الشريعة
ويزكى الدين أي ما قبض من الدين
____________________
(1/288)
عند قبضه فنحو بدل مال التجارة عند قبض أربعين ويدل ما ليس كذلك عند قبض نصاب وبدل ما ليس بمال عند قبض نصاب وحولان حول وتوضيحها موقوف على تفصيل الديون وبيان مراتبها اعلم أن الدين على ثلاثة أنواع دين قوي ودين وسط ودين ضعيف فالدين القوي هو الذي ملكه بدلا عما هو مال الزكاة كالدراهم والدنانير وأموال التجارة وكذا غلة مال التجارة من العبيد والدور ونحوها والحكم فيه عند الإمام أنه إذا كان نصابا وتم الحول عليه تجب الزكاة لكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض أربعين درهما فإذا قبض أربعين درهما زكى درهما فإن قبض أقل من ذلك لا وأما الدين الوسط فهو الذي وجب بدل مال لو بقي عنده حولا لم تجب فيه الزكاة مثل عبيد الخدمة وثياب البذلة وغلة مال الخدمة والحكم فيه أن عند الإمام فيه روايتان ذكر في الأصل وقال تجب فيه الزكاة ولا يخاطب بالأداء ما لم يقبض مائتي درهم فإذا قبض المائتين يزكي لما قبض كما وقع في الكتاب وروى ابن سماعة عنه أنه لا زكاة فيه حتى يقبض ويحول عليه الحول بعد ذلك
وقال في التحفة وهو الصحيح عنده وأما الدين الضعيف فهو ما وجب وملك لا بدلا عن شيء وهو دين إما بغير فعله كالميراث أو بفعله كالوصية أو وجب بدلا عما ليس بمال دينا كالدية على العاقلة والمهر وبدل الخلع أو الصلح عن دم العمد وبدل الكتابة والحكم فيه أن لا تجب فيه الزكاة حتى يقبض المائتين ويحول عليه الحول عنده وقالا يزكي ما قبض منه مطلقا إلا الدية والأرش وبدل الكتابة فعند قبض نصاب وحولان حول لأن الديون عندهما على ضربين ديون مطلقة وديون ناقصة والناقص هو بدل الكتابة والدية على العاقلة وما سواهما فديون مطلقة فالحكم فيها أنه تجب الزكاة في الدين المطلق فلا يجب الأداء ما لم يقبض فإذا قبض
____________________
(1/289)
منها شيئا قل أو كثر يؤدي بقدر ما قبض وفي الدين الناقص لا يجب ما لم يقبض النصاب ويحول عليه الحول وأما دين السعاية فذكر في النوادر الاختلاف فقال عند الإمام هو دين ضعيف وعندهما دين مطلق وعند الشافعي الديون كلها سواء تجب الزكاة فيها ويجب الأداء وإن لم يقبض كما في التحفة
وفي المحيط الخلاف فيما إذا لم يكن له مال غير الديون فإن كان فيضم ما قبضه إلى ما عنده اتفاقا
وشرط صحة أدائها أي كونها مؤداة نية لأنها عبادة مقصودة فلا تصح بدونها مقارنة للأداء المراد أن تكون مقارنة للأداء للفقير أو الوكيل ولو مقارنة حكمية كما إذا دفع بلا نية ثم حضرته النية والمال قائم في يد الفقير فإنه يجزيه بخلاف ما إذا نوى بعد هلاكه ولا يشترط علم الفقير بأنها زكاة على الأصح لما في البحر عن القنية والمجتبى الأصح أن من أعطى مسكينا دراهم وسماها هبة أو قرضا ونوى الزكاة فإنها تجزيه لأن العبرة لنية الدافع لا لعلم المدفوع إليه إلا على قول أبي جعفر
أو لعزل المقدار الواجب فإنه إذا عزل من النصاب قدر الواجب ناويا للزكاة وتصدق إلى الفقير بلا نية سقطت زكاته قال المحشي يعقوب باشا يفهم من هذا أن عزل بعض المال الناقص عن قدر الواجب مثل عزل من عليه زكاة النصابين زكاة نصاب واحد لا يجزئ انتهى لكن يمكن التوجيه بالتخصيص لكونه أكثر وقوعا لا للاحتراز عن غيره
ولو تصدق احترز به عما لو دفعه بنية واجب آخر فإنه يضمن الزكاة كما في الجوهرة بالكل ولم ينوها سقطت الزكاة لدخول الجزء الواجب فيه فلا حاجة إلى التعيين استحسانا والقياس أن لا تسقط قيل وهو قول زفر لأن النفل والفرض كلاهما مشروعان فلا بد من التعيين كالصلاة
ولو تصدق بالبعض لا تسقط حصته عند أبي يوسف لأن البعض المؤدى غير متعين في الباقي لكون الباقي محلا للواجب خلافا لمحمد لأن الواجب شائع في الكل
وتكره الحيلة لإسقاطها أي الزكاة عند محمد لأن الزكاة لنفع الفقراء وفي الحيلة إضرار بهم وهو المختار عند المصنف لأنه قدمه وعليه الفتوى خلافا لأبي يوسف لأنها امتناع عن الوجوب لا إبطال لحق الغير لأنه ربما يخاف أن لا
____________________
(1/290)
يمتثل الأمر فيكون عاصيا والفرار من المعصية طاعة قيل وهذا أصح
ولو اشترى عبدا أي مما تصح فيه نية التجارة فخرج الأرض الخراجية والعشرية للتجارة فنوى عند القبول استخدامه بطل كونه للتجارة لاتصال النية بالإمساك للاستخدام لأن الاستخدام ترك الفعل فيتم بمجرد النية كنية الإقامة وما نوى للخدمة لا يصير للتجارة بالنية ما لم يبعه فتكون في ثمنه زكاة إن كان من جنس ما تجب فيه الزكاة لأن التجارة فعل وعمل فلا يتم بمجرد النية كنية السفر والإسلام والإفطار حيث لا يحصل واحد منها بمجرد النية
وكذا لا يصير للتجارة بمجرد النية ما ورث لأن النية تجردت عن العمل لما أن الميراث يدخل في ملكه بغير علمه وصنعه حتى أن الجنين يرث وإن لم يكن منه فعل إلا إذا كان الموروث من جنس ما تجب فيه الزكاة
وإن نوى التجارة فيما ملكه بهبة أو وصية أو نكاح أو خلع أو صلح عن قود كان لها أي للتجارة عند أبي يوسف خلافا لمحمد وذلك أن السبب لا يجب أن يكون شراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد
وقيل الخلاف بالعكس يعني ما نقل الإسبيجابي في شرح الطحاوي عن القاضي الشهيد أنه ذكر في مختلفه هذا الاختلاف على عكسه وهو أنه في قول الشيخين لا يكون للتجارة وفي قول محمد يكون لها كما في العناية
ولغا تعيين الناذر للتصدق اليوم والدرهم والفقير يعني إذا قال الناذر علي أن أتصدق اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا درهما آخر على غير هذا الفقير يجزيه عندنا خلافا لزفر
____________________
(1/291)
باب زكاة السوائم بدأ ببيان السوائم اقتداء بكتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى أعماله فإنها كانت مفتحة بها ولكونها أعز أموال العرب والسوائم جمع سائمة من ساومت الماشية أي رعيت سوما وأسامها صاحبها إسامة كما في المغرب
وقال الأصمعي هي كل إبل ترسل وترعى ولا تعلف في الأهل والمراد بالسائمة التي تسام للدر والنسل وللزيادة في السن والسمن كما في أكثر الكتب ولكن في البدائع لو أسامها للحم لا زكاة فيها فإن أسامها للحمل والركوب فلا زكاة فيها وإن أسامها للبيع والتجارة ففيها زكاة التجارة لا زكاة السائمة لأنهما مختلفان قدرا وسببا فلا يجعل أحدهما من الآخر ولا يبنى حول أحدهما على حول الآخر السائمة التي تكتفي بالرعي الرعي بالكسر الكلاء وبالفتح مصدر كما في أكثر الكتب قيل الكسر هاهنا أنسب أقول بالفتح أولى لأن الاكتفاء بالكلاء إما أن يكون في المراعي أو في البيت فعلى الأول فمسلم وعلى الثاني فلا يكون سائمة تدبر في أكثر الحول فإن علفها نصف الحول أو أكثر فليست بسائمة لأن أربابها لا بد لهم من العلف أيام الثلج والشتاء فاعتبر الأكثر ليكون غالبا
وليس في أقل من خمس بالفتح من الإبل السائمة زكاة لأن نصابها خمس فإذا كانت خمسا سائمة ففيها شاة متوسط إلى تسع لأن المأمور به ربع العشر قال عليه الصلاة والسلام هاتوا ربع عشر أموالكم والشاة تقرب ربع عشر الإبل فإن الشاة تقوم بخمسة وبنت مخاض بأربعين فإيجاب الشاة من خمس كإيجاب الخمس في أربعين والإطلاق دال على أن العجفاء والمريضة سواء فيدخل فيه العمياء كما في الظاهر وكذا العرجاء لا مقطوع القوائم وكذا الذكور والإناث ولا ينافي تجرد الخمس عن التاء كما ظن فإن ما فوق الاثنين لم يستعمل بالتاء أصلا إذا كان تمييزه اسم جنس كالإبل كما في القهستاني
و تجب في العشر إبلا شاتان إلى أربع عشرة
و تجب في خمس
____________________
(1/292)
عشرة إبلا ثلاث شياه إلى تسع عشرة
و تجب في عشرين إبلا أربع شياه إلى أربع وعشرين
وفي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض وهي التي طعنت أي دخلت في السنة الثانية سميت بذلك لأن أمها في الغالب تصير ذات مخاض أي حامل بأخرى والمخاض أيضا وجع الولادة والنوق الحوامل واحدتها حقة كلمة وفي الأساس كلها مجاز والحقيقة اضطراب شيء مائع في وعائه وعلى هذا اتفقت الآثار وأجمع العلماء إلا ما قال أبو مطيع البلخي إن في خمس وعشرين خمس شياه فإذا صارت ستا وعشرين ففيها بنت مخاض كما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه لكن هذه رواية شاذة
و تجب في ست وثلاثين إلى خمس وأربعين بنت لبون وهي التي طعنت في الثالثة سميت بذلك لأن أمها في الغالب تكون ذات لبن من أخرى
و تجب في ست وأربعين إلى ستين حقة بالكسر وهي التي طعنت في الرابعة سميت بذلك لأنها استحقت الحمل والركوب
و تجب في إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة بتحريك الذال وهي التي طعنت في الخامسة سميت بذلك لمعنى في أسنانها يعرفه أهل اللغة وهي أقصى سن يدخل في باب زكاة الإبل وفي تأنيث هذه الأسامي إشعار بأن من صفات الواجب في الإبل الأنوثة حتى لا يجوز فيها سوى الإناث إلا بطريق القيمة كما في التحفة وعن أبي يوسف إن لم يوجد بنت مخاض فابن لبون كما في شرح الطحاوي
و تجب في ست وسبعين إلى تسعين بنتا لبون و تجب في إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين وبهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم إذا زادت على مائة وعشرين تستأنف الفريضة عندنا فتجب في كل خمس شاة مع الحقتين إلى مائة وخمس وأربعين ففيها أي ففي مائة وخمس وأربعين حقتان وبنت مخاض إلى مائة وخمسين ففيها أي ففي المائة وخمسين ثلاث حقاق ثم تستأنف الفريضة ثانيا فتجب في كل خمس زاد على مائة
____________________
(1/293)
وخمسين شاة مع ثلاث حقاق إلى مائة وخمس وسبعين ففيها أي ففي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض إلى مائة وست وثمانين ففيها أي ففي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مائة وست وتسعين ففيها أي ففي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين وما بين النصابين معفو ثم يفعل في كل خمسين حتى تجب في كل خمسين حقة كما فعل في الخمسين التي بعد المائة والخمسين احترز بالقيد المذكور عن الاستئناف الذي بعد المائة والعشرين إذ لا يكون فيه إيجاب بنت لبون ولا إيجاب أربع حقاق لعدم نصابها فإنه لما زاد خمس وعشرون على المائة والعشرين صار كل النصاب مائة وخمسة وأربعين فهو نصاب بنت مخاض مع الحقتين ولما زادت عليها خمس وصارت مائة وخمسين وجبت ثلاث حقاق لأن في كل خمسين حقة ولا تستأنف الفريضة بل يجعل بعد ذلك كل عشرة عفوا فيجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة على وجه التخيير والبخت والعراب سواء لأن مطلق اسم الإبل ينتظمهما
فصل في زكاة البقر هو اسم جنس يقع على الذكر والأنثى فالتاء في البقرة للإفراد لا للتأنيث والباقر جماعة البقر مع رعاتها كما في أكثر المعتبرات وليس في أقل من ثلاثين من البقر زكاة
____________________
(1/294)
فإذا كانت أي البقر ثلاثين سائمة صحيحة أو مريضة ففيها أي ففي ثلاثين يجب تبيع وهو ما طعن أي دخل في السنة الثانية سمي به لأنه يتبع أمه بعد أو تبيعة وهي أنثاه نص على أنه بالخيار في أحدهما وإنما لم تتعين الأنوثة في هذا ولا في الغنم لأن الأنوثة لا تعد فضلا فيهما والمتبادر منه البقر الأهلي فالوحشي والمتولد بينه وبين الأهلي لا يعتبر في النصاب كما في الزاهدي لكن في المحيط الاعتبار فيه للأم فإن كانت أهلية يزكي وإلا فلا
إلى أربعين بقرا ففيها أي ففي أربعين يجب مسن وهو ما طعن في السنة الثالثة أو مسنة وهي أنثاه هكذا روي عن النبي عليه الصلاة والسلام
ولا شيء فيما زاد على أربعين إلى أن يبلغ ستين عندهما وهو رواية عن الإمام
وفي جوامع الفقه هو المختار وذكر الإسبيجابي أن الفتوى على قولهما
وعند الإمام فيه أي فيما زاد على أربعين بحسابه ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة وفي الاثنين نصف عشر مسنة وهذا رواية الأصل عن الإمام وروى الحسن عنه أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى يبلغ خمسين ثم فيها مسنة وربع مسنة أو ثلاث تبيع
و يجب في الستين تبيعان وفي سبعين مسنة وتبيع وهكذا يحسب كلما زاد عشر ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة يعني يتغير الفرض هكذا في كل عشر يعني إذا صار ثمانين تجب مسنتان وفي تسعين ثلاثة أتبعة وفي مائة تبيعان ومسنة وفي مائة وعشرة تبيع ومسنتان إلا إذا تداخلا كما في مائة وعشرين فيخير بين أربع أتبعة وثلاث مسنات فعلى ما ذكره مدار الحساب على الثلاثيات والأربعيات والجواميس كالبقر وفيه إيهام إلى أن الجاموس غير البقر وهو نوع منه وفي ذكره بصيغة الجمع عدول عن الأصل بلا فائدة ولا يرد عليه ما إذا حلف لا يأكل لحم بقر فأكل
____________________
(1/295)
الجاموس لا يحنث كما قاله صاحب الهداية معللا له بأن أوهام الناس لا تسبق إليه في ديارنا لقلته وإلا فإنه يحنث كما في المحيط
فصل في زكاة الغنم وهو اسم جنس تقع على القليل والكثير والذكر والأنثى وسميت به لأنه ليس لها آلة الدفاع فكانت غنيمة لكل طالب كما في الفتح وليس في أقل من أربعين من الغنم زكاة فإذا كانت الغنم أربعين سائمة ففيها أي ففي أربعين شاة اسم جنس تاؤها للإفراد تقع على الضأن والمعز إلا أن العرف يخصها بالضأن كما في المنح وغيره
إلى مائة وإحدى وعشرين ففيها أي ففي مائة وإحدى وعشرين شاتان إلى مائتين وواحدة ففيها أي ففي مائتين وواحدة ثلاث شياه بالكسر جمع شاة فإن أصلها شوهة قلبت الواو ألفا وحذف الهاء شذوذا
إلى أربعمائة ففيها أي ففي أربعمائة أربع شياه ثم في كل مائة شاة وما بين النصابين معفو هكذا روي عن النبي عليه الصلاة والسلام وعليه انعقد الإجماع والضأن والمعز الضأن جمع ضائن ينتظم الكبش والنعجة والمعز جمع ماعز ينتظم التيس والمعز سواء التسوية التي يفهم من تخيير المصنف إنما هي في تكميل النصاب لا في أداء الواجب حتى أن الجذع من المعز اتفاقا ومن الضأن أيضا في ظاهر الرواية مع أن الجذع لا يؤخذ
وأدنى مبتدأ خبره الثني الآتي ما تتعلق به الزكاة ويؤخذ في الصدقة الثني وهو ما تمت له سنة منها لا الجذع وهو ما أتى عليه أكثر السنة هذا على تفسير الفقهاء وعند أهل اللغة الجذع ما تمت له سنة وطعنت في الثانية
____________________
(1/296)
والثني ما تمت له سنتان وطعن في الثالثة وعن الإمام روى الحسن أنه لا يؤخذ من المعز إلا الثني وأما في الضأن فتؤخذ الجذعة أيضا وهو قولهما والأول ظاهر الرواية وهو الصحيح كما في الاختيار
فصل في زكاة الخيل إذا كانت الخيل سائمة للنسل ذكورا وإناثا منصوبان على الحالية ففيها الزكاة عند الإمام في رواية وهو الصحيح كما في التحفة ورجحه صاحب الهداية والسرخسي وصاحب البدائع والقدوري في التجريد لقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة من غير تفصيل وإنما قلنا للنسل لأنها إن كانت سائمة للركوب أو الحمل أو الجهاد فلا يجب شيء فيها وإن للتجارة تجب فيها زكاة التجارة بالإجماع سواء كانت سائمة أو غير سائمة لأن الزكاة حينئذ تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة وفي إطلاقه إشارة إلى أنه لا نصاب وهو الصحيح كما في أكثر المعتبرات لكن يشكل اشتراط النصاب في وجوب الزكاة مطلقا وقيل ثلاث وقيل خمس كما في الكافي خلافا لهما وهو قول الشافعي وعليه الفتوى كما في أكثر المعتبرات لقوله عليه الصلاة والسلام ليس على المسلم صدقة في فرسه ولا في غلامه وأوله من ذهب إلى وجوب الزكاة بفرس الغازي لتعارض الدليل وهو قوله عليه الصلاة والسلام في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم
وفي الأسرار أن إطلاق النفي كان لاتفاق العادة فإنه لم يكن في زمنه فرس لغير الغزو بين المسلمين وعلى هذا لا تأويل فإن شاء المزكي أعطى من كل فرس اسم جنس يقع على الذكر والأنثى ويعم العربي وغيره دينارا وإن شاء قومها وأعطى من قيمتها ربع العشر إن بلغت قيمتها نصابا والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن
____________________
(1/297)
عمر رضي الله تعالى عنه كما في العناية لكن هذا مروي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ومأثور عن زيد بن ثابت أيضا قيل هذا في أفراس العرب لتقاربها في القيمة وأما في أفراسنا فتعين التقويم من غير خيار وفيه نظر لأن أفراس العرب أعلى قيمة من أفراسنا فإذا كان التخيير جائزا فيها مع أنها أعلى قيمة فلم لا يجوز في أفراسنا وقيل هذا في الأفراس المتساوية وأما في المتفاوتة قيمة فالزكاة باعتبار القيمة ألبتة
وليس في الذكور الخلص شيء اتفاقا وفي الإناث الخلص عن الإمام روايتان لكن في الفتح في كل من الذكور المنفردة والإناث المنفردة روايتان والأرجح في الذكور عدم الوجوب لأنها لا تتناسل وفي الإناث الوجوب لأنها تتناسل بالفحل المستعار
ولا شيء في البغال والحمير ما لم تكن للتجارة لقوله عليه الصلاة والسلام ليس في الكسعة صدقة الكسعة الحمير فإذا لم تجب في الحمير لا تجب في البغال لأنها من نسلها إلا أن تكون للتجارة فتجب زكاة التجارة وكذا الفصلان بالضم أو الكسر جمع الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن أمه والحملان بالضم والكسر جمع الحمل محركة وهو الخروف أو الجذع من أولاد الضأن مما دونه وإنما قدمها على العجاجيل مع أنها أحق به نظرا إلى ترتيب الفصول السابقة التأخر عنها لأنها تناسب الفصلان صيغة والعجاجيل جمع عجول بكسر العين وتشديد الجيم المفتوحة بمعنى عجل ولد البقر حين تضعه أمه إلى شهر يعني ليس في جمع هذه المذكورات زكاة عند الطرفين هذا آخر أقوال الإمام روي عن أبي يوسف أنه قال دخلت على الإمام فقلت له
____________________
(1/298)
أما تقول فيمن يملك أربعين حملا فقال فيها شاة مسنة فقلت ربما يأتي قيمة الشاة فيها على أكثرها أو على جميعها فتأمل ساعة
ثم قال ولكن تؤخذ واحدة منها فقلت أو يؤخذ الحمل في الزكاة فتأمل ساعة ثم قال لا إذ لا يجب فيها شيء فعد هذا من مناقب الإمام حيث أخذ بكل قول من أقاويله مجتهد ولم يضع منها شيء ومن المشايخ من رد ما نقل عن الإمام وقال إن مثل هذا من الصبيان محال فما ظنك بأبي حنيفة رحمه الله وقال بعضهم لا معنى لرده لأنه مشهور فوجب أن يؤول على ما يليق بحاله فيقال إنه يمتحن أبا يوسف هل يهتدي إلى طريق المناظرة فلما عرفه أنه يهتدي قال قولا عول عليه لكن بقي هاهنا شيء وهو أن أخذ أبي يوسف قوله الثاني يأبى عن رده إياه عند المناظرة وكان يقول أولا يجب فيها ما يجب في المسان وهو قول زفر ومالك كما قال الفاضل ابن كمال الوزير لكن استصعب على بعض الفضلاء تصويرها بناء على أن وجوب الزكاة دائر على حولان الحول وبعد الحولان لا يبقى اسم الحمل والفصيل والعجول فقيل الاختلاف في انعقاد النصاب كما لو ملك بالشراء أو الهبة أو غيرهما خمسة وعشرين فصيلا أو ثلاثين عجلا أو أربعين حملا هل ينعقد عليه الحول أم لا ينعقد عند الطرفين بل يعتبر أن انعقاد الحول من حين الكبر وعند غيرهما ينعقد حتى لو حال عليها الحول من حين ملكها وجبت وقيل في بقائه كما لو ولدت السوائم قبل الحول فهلكت السوائم فتم الحول عليها هل يبقى حول الأصول على الأولاد ففي قولهما لا يبقى وفي الباقين يبقى إلا أن يكون معها كبير أي الكبير من السائمة التامة الحول فيجعلون الصغار تابعة للكبار في انعقاد النصاب دون تأدية الزكاة فتجب الزكاة فيها بالإجماع حتى لو كانت مع تسع وثلاثين حملا مسنة واحدة تجب شاة وسط وتؤخذ المسنة إلا إذا هلكت فإن الزكاة سقطت عن الباقي عندهما إذ الوجوب باعتبارها
وعند أبي يوسف وجب جزء من أربعين جزء من مسنة
وعند أبي يوسف فيها واحدة منها وهو الرواية الثانية عن الإمام وبها أخذ الشافعي أيضا وجه قوله الأول أن الاسم المذكور من الخطاب ينتظم الصغار والكبار ووجه الثاني تحقيق النظر للجانبين وذلك أن إيجاب المسنة إضرار بأرباب النصب وفي إخلائه عن الإيجاب إضرار بالفقراء فقلنا بإيجاب واحدة منها رفقا بالجانبين ووجه الأخير أن النص أوجب للزكاة أسنانا مرتبة ولا مدخل للقياس في ذلك وهو مفقود في الصغار وهو الصحيح كما في التحفة
ولا شيء في الحوامل هي ما أعدت لحمل الأثقال والعوامل هي ما أعدت للعمل والعلوفة بفتح
____________________
(1/299)
العين ما يعلف من الغنم وغيرها الواحد والجمع سواء وبالضم جمع علف لأن النماء منعدم فيها لأن المؤنة تتضاعف بالعلف فينعدم النماء معنى والسبب المال النامي
وكذا لا شيء في السائمة المشتركة لأنها إنما تجب باعتبار الغنى ولا غناء إلا بالملك لا بملك شريكه إلا أن يبلغ نصيب كل منهما نصابا هذا إذا كانت مشتركة بالنصف فلو تفاوتت وبلغت حصة أحدهما نصابا وجبت عليه ولو كانت بين صبي وبالغ وجبت الزكاة على البالغ
ومن وجب عليه سن ذكر السن وأراد ذات السن وهذا لأن عمر الدواب يعرف بالسن ولم يوجد عنده أي المالك هذه العبارة وقعت بناء على الغالب المعتاد حتى لو دفع الأعلى أو الأدنى أو القيمة مع وجود السن جاز دفع أدنى منه مع الفضل أو أعلى منه وأخذ المالك الفضل أو دفع القيمة والمراد أن المتصدق مخير بين الأمور الثلاثة ثم يجبر الساعي على القبول إلا إذا دفع الأعلى وطلب الفضل حيث لا يجبر فيه الساعي عليه لأن فيه البيع الضمني فلا جبر فيه وله أن يطلب قدر الواجب أو قيمته وذكر صاحب البدائع أن المصدق لا خيار له إلا إذا أعطاه بعض العين لأجل الواجب بأن كان الواجب مثلا بنت لبون فأراد صاحب المال أن يدفع بعض الحقة بطريق القيمة فإن له أن لا يقبل لما فيه من عيب التنقيص
وقال الزيلعي وهذا غير مستقيم لوجهين أحدهما أنه مع العيب يساوي قدر الواجب وهو المعتبر في الباب والثاني أن فيه إجبار المصدق على شراء الزائد انتهى لكن فيه بحث فإن قوله فيه إجبار المصدق على شراء الزائد ليس بسديد فإنه لا يجبر عليه وهو أيضا مخير غايته أن المصدق يعرض على الآخذ هذا فإن قبله فبها وإلا يتوجه إلى آخر وبالجملة أنه لا يجبر في واحد منهما على شيء إذا دفع الأعلى وقيل الخيار للساعي والأولى ما قررناه آنفا والساعي من نصبه الإمام لأخذ الصدقات
ويجوز دفع القيم في الزكاة حتى لو أدى ثلاثة شياه سمان عن أربع وسط جاز بخلاف ما لو كان المنصوص عليه
____________________
(1/300)
مثليا بأن أدى أربعة أقفزة جيدة عن خمسة وسط وهي تساويها لا يجوز أو كسوة بأن أدى ثوبا يعدل ثوبين لم يجز إلا عن ثوب واحد ولا يجوز دفعها في الضحايا والعتق لكن في البحر ولا يخفى أنه في الأضحية مقيد ببقاء أيام النحر وأما بعدها فيجوز والعشر والخراج والكفارات والنذر هو بأن نذر التصدق بهذا الخبز فتصدق بقيمته أو بشاتين وسطين فتصدق بشاة تعدلهما جاز أما لو نذر أن يهدي شاتين وسطين أو يعتق عبدين فأهدى شاة أو أعتق عبدا يساوي قيمة كل منهما وسطين فإنه لا يجوز وصدقة الفطر يعني أداء القيمة مكان المنصوص عليه فيما ذكر جائز عندنا خلافا للشافعي له النصوص والقياس على الهدي والأضحية ولنا تجويزه عليه الصلاة والسلام لأمير اليمن أن يأخذ الثياب بدل الذهب والفضة وقال فإنه أيسر على الناس ونفع للمهاجرين بالمدينة وليس أن القيمة بدل عن الواجب لأن المصير إلى البدل إنما يجوز عند عدم الأصل وأداء القيمة مع وجود عين المنصوص عليه في ملكه جائز فكان الواجب عندنا أحدهما إما العين أو القيمة
وتسقط الزكاة بهلاك المال بعد الحول وإن تمكن من الأداء سواء كان من الأموال الباطنة أو الظاهرة قبل طلب الساعي عندنا اتفاقا وبعد الطلب قيل تسقط ولا يضمن هو الصحيح وقيل يضمن وعلى هذا العشر والخراج
وقال الشافعي إذا هلكت الباطنة بعد التمكن لا تسقط قيد بهلاكه لأنها لا تسقط باستهلاك النصاب وكذا إذا لحقه الدين بعد وجوب الزكاة
وإن هلك بعضه سقطت حصته لبقاء جزء يصلح لها فلو هلك من ثلاثين ومائة من الغنم ما سوى الأربعين لكان الواجب شاة
ولو هلك قبل الحول ثم وجد مثله استؤنف منه الحول ويصرف الهالك إلى العفو أولا وهو ما فوق النصاب فإن لم يجاوز الهالك العفو فالواجب على حاله كما إذا كان له تسع من الإبل وحال عليه الحول يكون الواجب فيها شاة ويكون الواجب في خمس من التسع
____________________
(1/301)
حتى لو هلك الأربع لا يسقط شيء من الشاة ثم إلى نصاب يليه فإن جاوز الهالك العفو يصرف إلى نصاب يليه كما لو هلك خمسة عشر من أربعين بعيرا فالأربعة تصرف إلى العفو ثم أحد عشر إلى النصاب الذي يليه وهو ما بين خمسة وعشرين إلى ست وثلاثين حتى تجب بنت مخاض ثم وثم إلى أن ينتهي عند الإمام كما لو هلك عشرون منها ففي الباقي أربع شياه ولو هلك خمسة وعشرون ففي الباقي ثلاثة شياه ولو هلك ثلاثون ففي الباقي شاتان ولو هلك خمسة وثلاثون ففي الباقي شاة
وعند أبي يوسف يصرف الهالك بعد العفو الأول إلى النصب أي إلى كل النصاب حال كونه شائعا كما لو هلك خمسة عشر منها فتجب في الباقي خمسة وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من بنت لبون عنده كانت الأربعة الزائدة عفوا فيصرف الهالك إلى الأربعة أولا ثم الهلاك يشيع في الكل فيسقط بقدر الهالك والزكاة تتعلق بالنصاب دون العفو عند الشيخين
وعند محمد وزفر بهما أي بالنصاب والعفو لأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال والكل نعمة وللشيخين قوله عليه الصلاة والسلام في خمس من الإبل شاة وليس في الزيادة شيء حتى تبلغ عشرا وهكذا قال في كل نصاب نفى الوجوب عن العفو وفرع على هذا الأصل فقال فلو هلك بعد الحول أربعون من ثمانين شاة تجب شاة كاملة وعند محمد نصف شاة لأن الهلاك يصرف إلى العفو فقط عند الإمام وعند محمد يصرف إليهما
ولو هلك خمسة عشر من أربعين بعيرا تجب بنت مخاض لما قررناه آنفا
وعند أبي يوسف خمسة وعشرون جزءا من ستة وثلاثين من بنت لبون لما قدمناه آنفا
وعند محمد نصف بنت لبون وثمنها لأن الهلاك يصرف إليهما جميعا فإذا هلك خمسة عشر من أربعين بقي خمسة وعشرون فيجب نصف وثمن من بنت لبون اعلم أن صرف الهلاك إلى العفو يتصور في جميع الأموال عند الإمام وعندهما فلا إلا في السوائم
____________________
(1/302)
ويأخذ الساعي الوسط رعاية للجانبين بلا جبر لا الأعلى ولا الأدنى حتى لو وجبت بنت لبون مثلا لا يأخذ خيار بنت لبون ولا أردأها وإنما يأخذ وسط بنت لبون
ولو أخذ البغاة الأخذ ليس قيدا احترازيا حتى لو لم يأخذوا منه الخراج وغيره سنين وهو عندهم لم يؤخذ منه شيء أيضا كما في التبيين زكاة السوائم أو العشر أو الخراج يفتى أربابها أن يعيدوها خفية أي يؤدونها إلى مستحقيها فيما بينهم وبين الله تعالى إخفاء وسرا إن لم يصرفوها في حقها إلا الخراج لأن الخراج يصرف إلى المقاتلة وهم منهم إذ أهل البغي يقاتلون أهل الحرب والزكاة مصرفها الفقراء ولا يصرفونها إليهم وقيل إذا نوى بالدفع التصدق عليهم تسقط الزكاة عنه وكذا الدفع إلى كل جائر لأنهم بما عليهم من التبعات فقراء والأول أحوط كما في الهداية
وفي البزازية السلطان الجائر إذا أخذ صدقات الأموال الظاهرة تجوز وتسقط في الصحيح ولا يؤمر ثانيا
باب زكاة الذهب والفضة والعروض بالضم جمع عرض بفتحتين حطام الدنيا أي متاعها سوى النقدين كما في العناية وكذا
____________________
(1/303)
سكون الراء وفتح العين مثل فلس وفلوس كما في الديوان
وقال أبو عبيد الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا يكون حيوانا ولا عقارا والمراد هاهنا الثاني لعموم الأول كما في أكثر الكتب لكن لا يستقيم فيما إذا كانت التجارة بالحيوانات من الغنم والبقر والجمل فإن الزكاة فيما ذكر زكاة التجارة لا السوائم لكن يلزم من هذا استثناء السوائم إلا أن يقال إن اللام للعهد نصاب الذهب أي الحجر الأصفر الرزين مضروبا كان أو غيره وإنما سمي به لكونه ذاهبا بلا بقاء كما في القهستاني عشرون أي مقدر بعشرين مثقالا هو لغة ما يوزن به قليلا كان أو كثيرا وعرفا ما يكون موزونه قطعة ذهب مقدر بعشرين قيراطا والقيراط خمس شعيرات متواسطة غير مقشورة مقطوعة ما امتد من طرفها فالمثقال مائة شعيرة وهذا على رأي المتأخرين وأما على رأي المتقدمين فالمثقال ستة دوانق والدوانق أربع طسوجات والطسوج حبتان والحبة شعيرتان فالمثقال شعيرة وتسعة عشر قيراطا فالتفاوت بين القولين أربع شعيرات كما في القهستاني
ونصاب الفضة أي الحجر الأبيض الرزين ولو غير مضروب وإنما سمي بها لإزالة الكربة عن مالكها من الفض وهو التفريق مائتا درهم وفيهما ربع العشر وهو نصف مثقال في نصاب الذهب وخمسة دراهم في الفضة هكذا روي عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم في كل أربعة مثاقيل وأربعين درهما بحسابه ففي أربعين درهما زادت على المائتين درهم وفي أربعة مثاقيل زادت على العشرين حصتها ولا شيء فيما دون ذلك عن الإمام وهو الصحيح كما في التحفة لقوله عليه الصلاة والسلام ليس فيما دون الأربعين صدقة وقالا ما زاد بحسابه وإن وصلية قل وهو قول الشافعي فلو زاد دينار وجب جزء واحد من عشرين جزءا من نصف دينار ولو زاد درهم وجب جزء من أربعين جزءا من درهم وهكذا لقوله عليه الصلاة والسلام وما زاد على المائتين فبحسابه لكن يمكن أن يحمل زائد على المائتين في هذا على الأربعينيات توفيقا والمعتبر بعد بلوغ النصاب فيهما الوزن وجوبا وأداء عند الشيخين
وقال زفر تعتبر القيمة وقال محمد يعتبر الأنفع للفقراء حتى لو أدى عن خمسة دراهم جياد خمسة زيوفا قيمتها أربعة جياد جاز عند الشيخين خلافا لمحمد
____________________
(1/304)
وزفر
ولو أدى أربعة جيدة قيمتها خمسة رديئة عن خمسة رديئة لا تجوز إلا عند زفر
ولو كان نقصان السعر لنقص في العين بأن ابتلت الحنطة اعتبر يوم الأداء اتفاقا لأن هلاك بعض النصاب بعد الحول أو كانت الزيادة لزيادتها اعتبر يوم الوجوب اتفاقا لأن الزيادة بعد الحول لا تضم كما في الفتح وإنما قلنا بعد بلوغ النصاب لأن من له إبريق فضة وزنها مائة وخمسون وقيمتها مائتان فلا زكاة بالإجماع ولو أدى من خلاف جنسه تعتبر القيمة بالإجماع
و المعتبر في الدراهم وزن سبعة وهو أن تكون العشرة منها أي من الدراهم وزن سبعة مثاقيل واعلم أن الدراهم مختلفة على عهده عليه الصلاة والسلام فمنها عشرة دراهم على وزن عشرة مثاقيل وعشرة على ستة مثاقيل وعشرة على خمسة مثاقيل فأخذ عمر رضي الله عنه من كل نوع ثلثا كي لا تظهر الخصومة في الأخذ والإعطاء فصار المجموع إحدى وعشرين مثقالا فثلثه سبعة مثاقيل وهذا يجزي في كل شيء من الزكاة ونصاب السرقة والمهر وتقدير الديات
وفي النوازل أن المعتبر وزن كل بلد
وما غلب ذهبه أو فضته فحكمه حكم الذهب والفضة
____________________
(1/305)
الخالصين وفيه إشعار بعدم الوجوب إذا تساوى أحدهما الغش وقيل تجب الزكاة احتياطا اختاره في الخانية والخلاصة وقيل فيه خمسة دراهم وقيل درهمان ونصف
وما غلب غشه كالستوقة لأن الغالب عليها الغش تعتبر قيمته إذا كانت رائجة أو نوى التجارة لا وزنه وتشترط نية التجارة فيه أي فيما غلب غشه فإن لم تكن أثمانا رائجة ولا منوية للتجارة فلا زكاة فيها إلا أن يكون ما فيها من الفضة يبلغ النصاب بأن كانت كثيرة وتتخلص من الغش فإن كان ما فيها لا يتخلص فلا لأن الفضة فيها قد هلكت كما في أكثر الكتب لكن في الغاية الظاهر أن خلوص الفضة من الدراهم ليس بشرط بل المعتبر أن يكون في الدراهم فضة بقدر النصاب كالعروض ليكون ناميا
ويجب في تبرهما بالكسر وهو ما يكون غير مضروب من الفضة والذهب وقد يطلق على غيرهما من المعدنيات كالنحاس والحديد إلا أنه بالذهب أكثر اختصاصا وقيل فيه حقيقة وفي غيره مجاز وحليهما سواء كان للنساء أو لا أو قدر الحاجة أو فوقها أو يمسكها للتجارة أو للنفقة أو للتجمل أو لم ينو شيئا
وقال مالك المباح الاستعمال لا زكاة فيه وهو أظهر القولين عن الشافعي لأنه مبتذل ومباح فشابه ثياب البذلة ولنا أن السبب كونهما مال نام والنماء موجود وهو الإعداد للتجارة خلقة والدليل هو المعتبر بخلاف الثياب وحلي المرأة معروف جمعه حلي بالضم والكسر ولا يدخل الجواهر واللؤلؤ وبخلافه في بحث الإيمان وآنيتهما جمع إناء
و تجب الزكاة أيضا في عروض تجارة بلغت قيمتها نصابا من أحدهما أي الذهب والفضة تقوم أي عروض التجارة بما هو أنفع للفقراء أيهما كان لقوله عليه الصلاة والسلام يقومها فيؤدي من كل مائتي درهم خمسة دراهم وهذا عند الإمام يعني نقوم بما يبلغ نصابا إن كان يبلغ بأحدهما دون الآخر احتياطا في حق الفقراء كما في التبيين ويحتمل أن يراد أنها تقوم بالأنفع إن كانت تبلغ بهما فإن كان التقويم بالدراهم أنفع قومت بها
____________________
(1/306)
وإن بالدنانير قومت بها وإن بلغت بكل منهما تقوم بالأروج ولو استويا رواجا يخير المالك وتقوم في المصر الذي هو فيه أو في مفازته القريبة وإن كان له عبد في بلد آخر يقوم في ذلك البلد الذي هو فيه ويقوم بالمضروبة وعند أبي يوسف إن كان ثمنها من النقود قومت بما اشتريت به وإن كان من غيرها قومت بالنقد الغالب وعند محمد قومت بالنقد الغالب على كل حال وتضم قيمتها أي العروض التي للتجارة إليهما أي الذهب والفضة ليتم النصاب فيزكي عن قفيز حنطة للتجارة وخمسة مثاقيل من ذهب قيمة كل مائتي درهم عند الإمام لأن الوجوب في الكل باعتبار التجارة وإن افترقت جهة الإعداد وعندهما لا شيء فيه
ويضم أحدهما أي النقدين إلى الآخر بالقيمة عند الإمام للمجانسة من حيث الثمنية وعندهما بالأجزاء أي بالقدر فيزكي لو كانت له مائة درهم وخمسة دنانير قيمتها تبلغ مائة درهم عنده خلافا لهما ولو كانت له مائة درهم وعشرة دنانير قيمتها لا تبلغ مائة درهم تجب الزكاة عندهما وعنده لا وعند الشافعي لا يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب واعلم أن السوائم المختلفة الجنس كالإبل والبقر والغنم لا يضم بعضها إلى بعض بالإجماع
ويضم مستفاد من جنس نصاب إليه أي إلى النصاب في حوله وحكمه أي في حكم المستفاد والحول وحكم الحول وجوب الزكاة أيضا فمن ملك مائتي درهم وحال الحول وقد حصلت في أثنائه أو في وسطه مائة درهم يضمها إليه ويزكي عن الكل وإنما قيد بمن جنسه لأن خلاف جنسه لا يضم بالاتفاق والمستفاد من جنسه لا يخلو من أن يكون حاصلا بسبب الأصل كالأولاد والأرباح أو بسبب مقصود في نفسه فإن كان الأول يضم بالإجماع وإن كان الثاني مثل أن يكون عند رجل مقدار ما يجب فيه الزكاة من سائمة فاستفاد من ذلك الجنس في أثناء الحول بشراء أو هبة أو غيرهما ضمها وزكى كلها عند تمام الحول عندنا خلافا للشافعي
ونقصان النصاب أطلقه ليتناول كل نصاب تجب فيه الزكاة كالنقدين وعروض التجارة والسوائم في أثناء الحول لا يضر إن كمل في طرفيه
____________________
(1/307)
لأن في اعتبار كمال النصاب في جميع الحول حرجا فاعتبر وجود النصاب في أول الحول للانعقاد
وفي آخره للوجوب وفيه إشارة إلى أنه لا بد من بقاء شيء من النصاب حتى لو هلك كله في أثناء الحول لا تجب وإن تم آخر الحول على النصاب فلو كان له عصير فتخمر ثم تخلل في آخره والخل أيضا يساويه يستأنف للخل ويبطل الحول الأول وإلى أن الدين في الحول لا يقطع حكم الحول وإن استغرق خلافا لزفر وكذا إذا جعل السائمة علوفة لأن العلوفة ليست من مال الزكاة وذلك لأن فوات وصفه كهلاك كل النصاب ولو كان له أربعون شاة ماتت في الحول ففيه الزكاة إذا كان صوفها مائتي درهم وعند الشافعي يشترط الكمال في كل الحول في سائمة ونقد وفي آخر الحول في عروض
ولو عجل أي قدم ذو نصاب لسنين أي صح لمالك النصاب أو أكثر أن يؤدي زكاة سنين قبل أن تجيء تلك السنين حتى إذا ملك في كل منها نصابا أجزأه ما أدى من قبل لأن السبب المال النامي وقد وجد أو عجل لنصب صح أي صح لمالك نصاب واحد أن يؤدي زكاة نصب كثيرة حتى إذا ملك النصب أثناء الحول فبعد ما تم الحول أجزأه ما أدى خلافا لزفر وفيه أنه لا يجوز التقديم لكل منهما بلا نصاب إجماعا فلو عجل فإن كان في يد الفقير لم يأخذه وفي يد الإمام أخذه لكن إذا هلك لم يضمنه
ولا شيء في مال الصبي التغلبي وعلى المرأة منهم ما على الرجل بنو تغلب بكسر اللام قوم من نصارى العرب طالبهم عمر رضي الله تعالى عنه بالجزية فأبوا فقالوا نعطي الصدقة مضاعفة فصولحوا على ذلك فقال عمر رضي الله تعالى عنه هذا جزيتكم فسموها ما شئتم فلما جرى الصلح على ضعف زكاة المسلمين لا تؤخذ من صبيانهم وتؤخذ من نسوانهم كالمسلمين مع أن الجزية لا توضع على النساء هذا ظاهر الرواية وروى الحسن عن الإمام أنها لا تؤخذ من نسائهم أيضا لأنها بدل الجزية وجزية على النساء
____________________
(1/308)
باب العاشر أخر هذا الباب عما قبله لتمحض ما قبله في العبادة وهذا يشمل غير الزكاة كالمأخوذ من الذمي والحربي ولما كان فيه عبادة وهو ما يؤخذ من المسلم قدمه على الخمس من الركاز والعاشر فاعل من عشرت القوم أعشرهم عشرا بالضم فيهما إذا أخذت عشر أموالهم لكن المأخوذ هو ربع العشر لا العشر إلا في الحربي إلا أن يقال أطلق العشر وأراد به ربعه مجازا من باب ذكر الكل وإرادة جزئه أو يقال العشر صار علما لما يأخذه العاشر سواء كان المأخوذ عشرا لغويا أو ربعه أو نصفه فلا حاجة إلى أن يقال العاشر هو تسمية الشيء باعتبار بعض أحواله هو من نصب أي نصبه الإمام على الطريق احتراز عن الساعي وهو الذي يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في أماكنها فلا يصح أن يكون عبدا ولا كافرا لعدم الولاية فيهما ولا هاشميا لما فيه من شبهة الزكاة وبه يعلم حكم تولية الكافر في زماننا على بعض الأعمال ولا شك في حرمة ذلك ليأخذ صدقات التجار المارين بأموالهم عليه فيأخذ من الأموال الظاهرة والباطنة وهذا بأن لا يكون في المصر ولا في القرى بل في المفازة قالوا إنما ينصب ليأمن التجار من اللصوص ويحميهم منهم فيستفاد منه أنه لا بد أن يكون قادرا على الحماية لأن الجباية بالحماية وإنما سمي بالصدقة تغليبا لاسم الصدقة على غيرها يأخذ من المسلم ربع العشر لأن الزكاة بعينها
ومن الذمي نصفه لأن حاجة الذمي إلى الحماية أكثر من حاجة المسلم ومن الحربي تمامه لأن احتياجه إليها أشد لكثرة طمع اللصوص في أمواله إن بلغ ماله أي بشرط أن يبلغ مال الحربي نصابا و بشرط إن لم يعلم قدر ما يأخذون منا أي مقدار ما يأخذ أهل الحرب من المسلمين وإن علم نفس الأخذ منهم كما في القهستاني لكن في العناية إذا اشتبه الحال بأن لم يعلم العاشر ما يأخذون من تجارنا يؤخذ منه العشر
وإن علم ما أخذوه منا أخذ مثله قليلا أو كثيرا تحقيقا للمجازاة هذا هو الأصل لأن عمر رضي الله تعالى عنه أمر بذلك
____________________
(1/309)
لكن إن أخذوا الكل لا يأخذه أي العاشر الكل لأنه غدر بل يترك قدر ما يبلغه مأمنه أي موضع أمنه في الصحيح لأن الإيصال علينا فلا فائدة في أخذ الكل وقيل يأخذ الكل زجرا لهم
وإن كانوا لا يأخذون منا شيئا لا يأخذ العاشر منهم شيئا لأنه أقرب إلى مقصود الأمان
ولا يأخذ من القليل وإن وصلية أقر بأن في بيته ما يكمل النصاب لما كان مظنته أن يتوهم أن الشرط هو ملك النصاب مطلقا لا نصاب المرور دفعه بقوله ولا من القليل وإن أقر إلى آخره وبهذا يظهر بطلان اعتراض بعض الشراح بزيادته لكن في الهداية وغيرها وإن مر حربي بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا يأخذون منا من مثلها لأن الأخذ منهم بطريق المجازاة وهذا في الجامع الصغير
وفي كتاب الزكاة لا يأخذ من القليل وإن كانوا يأخذون منه لأن القليل لم يزل عفوا ولأنه لا يحتاج إلى الحماية انتهى فعلى هذا يلزم على المصنف تفصيل تدبر
ويقبل قول من أنكر من التجار الذين يمرون عليه تمام الحول ولو حكما كما في المستفاد وسط الحول أو الفراغ من الدين أي أنكر فراغ الذمة من الدين المطالب من العبد
وفي البحر أطلق من الدين فشمل المستغرق للمال والمنقص للنصاب وهو الحق وبه اندفع ما في العناية من التقييد بالمحيط بماله واندفع ما في الخبازية من أن العاشر يسأله عن قدر الدين على الأصح فإن أخبره بما يستغرق النصاب يصدقه وإلا لا انتهى
لكن إن هذا ليس بتام لأن الدين يشمل ما لا يكون منقصا للنصاب كما يشملهما فالحق التقييد كما لا يخفى تدبر أو ادعى الأداء بنفسه إلى الفقراء في المصر لأن الأداء كان مفوضا إليه فيه وولاية الأخذ بالمرور لدخوله تحت الحماية وإنما قال في المصر لأنه لو ادعى الدفع إليهم بعد الخروج من المصر لا يقبل في غير السوائم لأن حق الأخذ في السوائم للإمام في المصر وغيره ثم إذا لم يجز الإمام دفعه يضمن عندنا قيل الزكاة هو الأول والثاني سياسة وقيل هو الثاني والأول ينقلب نفلا هو الصحيح أو ادعى الأداء إلى عاشر آخر إن وجد عاشر آخر في تلك السنة أو نصب آخر في غير هذا المحل قيد به لظهور كذبه إذا لم يعلم وجود عاشر آخر لأن الأمين يصدق بما أخبر إلا
____________________
(1/310)
بما هو كذب بيقين مع يمينه أي صدق في دعوى هذه الأمور بيمينه وهو ظاهر الرواية والعبادات وإن كانت يصدق فيها بلا تحليف لكن تعلق هاهنا حق العبد وهو العاشر في الأخذ فهو مدعى عليه معنى لو أقر به لزمه فيحلف لرجاء النكول وعن أبي يوسف لا يمين عليه كما في سائر العبادات
ولا يشترط إخراج البراءة أي العلامة بالدفع لعاشر آخر في الأصح لأنه قد يصنع إذ الخط يشبه الخط فلو جاء البراءة بلا حلف لم يصدق عند الإمام ويصدق عندهما على قياس الشهادة بالخط
ولا يقبل في أدائه بنفسه خارج مصر أي إذا ادعى الأداء من الأموال الظاهرة أو من الأموال الباطنة بعد الإخراج إلى السفر فإنه لا يقبل ويضمن عندنا خلافا للشافعي
ولا يقبل في السوائم ولو في المصر هاتان المسألتان وإن فهمتا عما سبق فهاهنا صرح بهما
وما قبل من المسلم قبل من الذمي هذا ليس بجار على عمومه لأن الذمي لو قال أديتها إلى الفقراء في المصر لا يصدق كما يصدق المسلم لأن ما يؤخذ منه جزية ومصرفها مصالح المسلمين وليس له ولاية الصرف على الفقراء كما في التبيين وغيره فلو زاد إلا في ادعاء الأداء بنفسه إلى الفقير لكان أولى لا يقبل من الحربي أي جميع ذلك إلا قوله لأمته هي أم ولدي فيقبل لأن كونه حربيا لا ينافي الاستيلاد وإقراره بنسب من في يده صحيح إذا كان يولد مثله لمثله وأمومية الولد تبع للنسب ولو كان لا يولد مثله لمثله فإنه يعتق عليه عند الإمام رحمه الله تعالى ويعشر لأنه إقرار بالعتق فلا يصدق في حق غيره
وإن مر الحربي ثانيا قبل مضي الحول بعد التعشير فإن مر بعد عوده إلى داره عشر ثانيا ولو في يوم واحد لقرب الدارين كما في جزيرة أندلس لأن ما يؤخذ منه بطريق الأمان وقد استفاده في كل مرة
وإلا فلا يعشر ثانيا لأن الأخذ في كل مرة يؤدي إلى الاستيصال حتى يحول الحول قال ابن كمال الوزير وما قيل إذا قال أديت إلى عاشر آخر وفي تلك السنة عاشر آخر ينبغي أن يصدق فيه وإلا يؤدي إلى الاستيصال وهو لا يجوز مردود رواية ودراية
____________________
(1/311)
أما الأول فلأن المسألة في التحفة وشروح الهداية على خلاف ما ذكره وأما الثاني فلأن المأخوذ منهم أجرة الحماية وقد وجدت من هذا العاشر الآخر كما وجدت من العاشر الأول ولا يسقط حق أحدهما بأخذ الآخر حقه والاستيصال لا يلزم به كما لا يلزم بالتعشير في يوم واحد مرتين إذا تخلل بينهما الرجوع إلى دار الحرب انتهى
لكن هذا الدليل جار في حق الذمي لأن المأخوذ منه أجرة الحماية أيضا كما قررناه آنفا فيلزم أن لا يصدق وليس الأمر كذلك تدبر
وتعشر قيمة الخمر ولو قال قيمة خمر كافر للتجارة لكان أولى لأن العاشر لا يأخذ من المسلم إذا مر بالخمر اتفاقا وكذا لا يأخذ إذا لم يكن للتجارة وجلود الميتة كالخمر كما في المنح لا قيمة الخنزير أي لو مر بهما على العاشر عشر الخمر أي من قيمتها دون الخنزير وكذا إن مر بها لا إن مر به لأن الخنزير من ذوات القيم عندهم فأخذ قيمته كأخذ عينه والخمر من ذوات الأمثال فأخذ قيمتها لا يكون كأخذها وطريق معرفته الرجوع إلى أهل الذمة كما في البحر
وفي العناية يعرف بقول الفاسقين تابا أو ذميين أسلما انتهى
لكن إن القيم تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة ووجود فاسقين تابا أو ذميين أسلما حين صدور الدعوى نادر تدبر
وعند أبي يوسف إن مر بهما معا يعشرهما كأنه جعل الخنزير تابعا وعشر الخمر دون الخنزير إن مر بهما على الانفراد
وقال الشافعي لا يعشر واحد منهما وقال زفر يعشرهما مطلقا
ولا يعشر مال ترك في المصر لما تقرر من أن شرطه بروزه بالمال عليه فتلزمه الزكاة فيما بينه وبين الله ولا يعشر مال بضاعة وهي مال يكون ربحه لغيره لأنه غير مأذون بأداء زكاته ولا يعشر مال مضاربة
وفي الإيضاح هذا في حق المسلم والذمي دون الحربي قال في التحفة ولو قال الحربي هذا المال بضاعة لا يقبل قوله
ولا يعشر كسب مأذون لأنه لا ملك لهما ولا نيابة من المالك وهذا هو الصحيح من أئمتنا الثلاثة ولو كان في المضاربة ربح عشرت حصة المضارب إن بلغت نصابا إلا إن كان لا دين عليه
____________________
(1/312)
أي المأذون ومعه مولاه فإنه يأخذه منه لأن الملك له وإن كان عليه دين يحيط بماله فلا يأخذه لانعدام الملك على أصل الإمام وللشغل على أصلهما وكذا لا يأخذه إذا لم يكن معه مولاه
ومن مر بالخوارج فعشروه عشر ثانيا إذا مر على عاشر مصر أو قرية أو أهل العدل لأن التقصير جاء من جهته حيث مر عليهم بخلاف ما لو ظهروا على مصر أو قرية لأن التقصير ثمة جاء من قبل الإمام ولا يؤخذ العشر من مال صبي حربي إلا أن يكونوا يأخذون من أموال صبياننا شيئا كما في البحر
باب الركاز بكسر الراء دفين أهل الجاهلية كأنه ركز في الأرض وأركز الرجل وجد الركاز كما في المختار
وفي المغرب هو المعدن والكنز لأن كلا منهما مركوز في الأرض وإن اختلف الراكز وشيء راكز ثابت
وفي الفتح ويطلق الركاز عليهما حقيقة مشتركا معنويا وليس خاصا بالدفين ولو دار الأمر فيه بين كونه مجازا فيه أو متواطئا إذ لا شك في صحة إطلاقه على المعدن كان التواطؤ متعينا وبه اندفع ما في العناية والبداية أن من الركاز حقيقة في المعدن لأنه خلق فيها مركبا
وفي الكنز مجاز بالمجاورة وقال سعدي أفندي وما في العناية من أن المعدن اسم لما خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقت الأرض غير معلوم والأولى ترك هذه الزيادة انتهى
وفيه كلام لأنه معلوم بالرواية لما روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في الركاز الخمس قيل وما الركاز يا رسول الله قال الذهب والفضة الذي خلقه الله تعالى في
____________________
(1/313)
الأرض يوم خلقت الأرض كما في الشمني لكن هذا الحديث يدل على أن الركاز يطلق على معدنهما فقط لا على غيرهما إلا أن يقال إنه موضوع
تدبر وعندنا ما يؤخذ من الركاز ليس بزكاة بل يصرف مصرف الغنيمة فموضعه المناسب كتاب السير إلا أن يقال لما كان زكاته زكاة مقصودة بالنفي على ما ذهب إليه الشافعي أورده هاهنا بهذه العلاقة مسلم أو ذمي وجد معدن بكسر الدال ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص أو نحاس أو نحوها مما ينطبع بالنار ويذاب كالصفر وقيدنا به احترازا عن المائعات كالقار ونحوه وعن الجامد الذي لا ينطبع كالجص في أرض عشر أو خراج احتراز عما وجد المعدن في الدار أخذ منه أي من الموجود أو من الواجد خمسه والباقي له أي للواجد سواء كان مسلما أو ذميا حرا أو عبدا صبيا أو بالغا رجلا أو امرأة لا حربيا لأن استحقاق هذا المال كاستحقاق الغنيمة وجميع من ذكرنا له حق في الغنيمة بخلاف الحربي فإنه لا حظ له في الغنيمة وإن قاتل بإذن الإمام كما في العناية لكن في المنح أن الحربي والمستأمن إذا عمل بغير إذن الإمام لم يكن له شيء وإن عمل بإذنه فله ما شرط لأنه استعمله فيه وإذا عمل الرجلان في طلب الركاز وأصابه أحدهما يكون للواجد وإذا استأجر وألحق للعمل في المعدن فالمصاب للمستأجر لأنهم يعملون له إن لم تكن الأرض مملوكة وإلا أي وإن كانت مملوكة وألحق أي الباقي بعد الخمس لمالك الأرض لأن اليد له ظاهرا وباطنا
وما أي المعدن الذي وجده الحربي في دارنا فكله فيء كما قررناه آنفا
وإن وجده أي المسلم أو الذمي المعدن ولو قدمها على مسألة الحربي لكان مناسبا في داره وما في حكمها كالمنزل والحانوت لا يخمس عند الإمام خلافا لهما لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام وفي الركاز الخمس كالكنز
وفي أرضه المملوكة قيدنا بها لأن في الأرض المباحة تجب اتفاقا
وقال الشافعي لا شيء في غير الذهب والفضة وفيهما تجب الزكاة ولا يشترط الحول في قول روايتان ففي الأصل لا شيء فيه
وفي الجامع خمس والفرق على هذه الرواية بين الأرض والدار أن الأرض لم تملك خالية عن المؤن بل فيها الخراج والعشر والخمس من المؤن بخلاف الدار فإنها تملك خالية عنها
وإن وجد كنزا فيه علامة
____________________
(1/314)
الإسلام مثل آية من القرآن أو كلمة الشهادة أو اسم الملك الإسلامي فهو كاللقطة وسيأتي حكمها في موضعها إن شاء الله تعالى
وما فيه علامة الكفر مثل الصنم أو أسامي ملوكهم المعروفين خمس يقال خمس القوم إذا أخذ خمس أموالهم من باب طلب والخمس بضمتين وقد تسكن الميم وهاهنا بتخفيف الميم لأنه متعد فجاز بناء المفعول منه وباقيه له أي للواجد سوى الحربي المستأمن إن كانت أرضه أي الأرض التي وجد فيها الكنز غير مملوكة كالجبل والمفازة وغيرهما
وإن كانت مملوكة فكذلك عند أبي يوسف أي الخمس فيء وباقيه للواجد لأن الاستحقاق بتمام الحيازة وهو من الواجد اختار المصنف قول أبي يوسف لكن في مختصر الوقاية وغيره خلافه تتبع وعندهما باقيه لمن ملكها أول الفتح أي حين فتح أهل الإسلام تلك البلدة إن علم وإن لم يوجد فلورثته ثم وثم إلى أن عرفوا لأن المختط له ملك الأرض بالحيازة فيملك ظاهرها وباطنها والمشتري ملكها بالعقد فيملك الظاهر دون الباطن فبقي الكنز على ملك صاحب الخطة وإلا أي وإن لم يعلم فلأقصى مالك عرف لها في الإسلام وهو اختيار شمس الأئمة
وقال أبو الليث يوضع في بيت المال وهو الأوجه وهذا إذا تصادقا أنه كنز فلو قال صاحبه أنا وضعته فالقول له لأنه في يده كما في الزاهدي
وما اشتبه ضربه عليهم بأن خلا عن العلامة يجعل كافريا في ظاهر المذهب لأنه الأصل وقيل إسلاميا في زماننا لتقادم العهد
ومن دخل دار الحرب بأمان فوجد في صحرائها ركازا أي معدن ذهب ونحوه في أرض غير مملوكة لأحد كالمفازة فإن الركاز اسم للمعدن حقيقة وللكنز مجازا فلا ينبغي أن يراد به الكنز كما في القهستاني لكن يدفعه ما نقلناه آنفا عن الفتح تدبر فكله له أي للمستأمن لأنه ليس في يد أحد فلا يكون غدرا وفيه إشعار أنه لو
____________________
(1/315)
دخل متلصص دارهم ووجد في صحرائهم ركازا فهو له بالطريق الأولى لأنه غير مجاهر ولم يأخذه قهرا وغلبة
وإن وجده أي وجد ذلك المستأمن الركاز في دار منها أي من دار الحرب رده على مالكها أي الدار وكذا في أرض مملوكة في دار الحرب حذرا عن الغدر والخيانة ولو لم يرده وأخرجه إلى دارنا كان ملكا له ملكا خبيثا كما في التحفة وهذا قول الطرفين وأما عند أبي يوسف فيخمس وإنما أسند الواجد إلى المستأمن لأنه لو وجده ملتصص فهو له
وإن وجد مبني للمفعول ولا يرجع ضميره للمستأمن من المذكور ركاز متاعهم أي دخل رجل ذو منعة دار الحرب ووجد ركاز متاعهم أي ما يتمتع وينتفع به قيل الأواني وقيل الثياب في أرض منها أي من دار الحرب غير مملوكة قيده ليفيد الحكم بالأولوية في المملوكة لكون المأخوذ غنيمة خمس وباقيه له وبهذا التحقيق اندفع ما قاله صاحب الدرر على الوقاية وصاحب الفوائد على المصنف وكذا ظهر فساد ما قيل وهذه المسألة وإن فهمت مما سبق إلا أنه ذكرها تبعا للهداية وأما قول الباقاني إرجاع ضمير منها على أرض خراجية وعشرية في أرضنا فبعيد غاية البعد على أن هذه المسألة تبقى في هذه الصورة تتبع
فإنه من مزالق الأقدام
ولا خمس في نحو فيروزج وهو معرب بيروزه وزبرجد وكذا في الياقوت والزمرد وغيرهما لقوله عليه الصلاة والسلام لا خمس في الحجر وجد في الجبل قيده بالجبل لأنه يخمس ما وجد في خزائن الكفار
ويخمس زئبق عند قول الإمام أخر الزئبق بكسر الباء بعد همزة ساكنة وهو معرب زيوه بالفارسي و لا يخمس لؤلؤ هو جوهر مضيء يخلقه الله تعالى من مطر الربيع الواقع في الصدف قيل إنه حيوان من جنس السمك يخلق الله تعالى اللؤلؤ فيه وعنبر عند الطرفين
____________________
(1/316)
وعند محمد أنه في البحر بمنزلة الحشيش في البر وقيل صمغ شجر وقيل زبد البحر وقيل خثي البقر البحري وقيل روث غيره وقيل دابة قال ابن سيناء الكل بعيد والحق أنه ما يخرج من عين في البحر ويطفو ويرمى بالساحل كما في القهستاني وكذا لا شيء فيما استخرج من البحر ولو ذهبا أو فضة لأن قعر البحر لم يرد عليه القهر فلا يكون المأخوذ منه غنيمة فلا يكون فيه الخمس وعند أبي يوسف بالعكس أي لا يخمس زئبق ويخمس لؤلؤ وعنبر عنده في الأصح
باب زكاة الخارج وجه تأخيره أن الزكاة عبادة محضة والعشر مؤنة فيها معنى العبادة والعبادة المحضة مقدمة وسمي بالزكاة مع أن المأخوذ ليس بمقدار الزكاة بل العشر إلا أن المأخوذ يصرف مصارف الزكاة فسمي بها وبهذا لا حاجة إلى ما قيل تسميته زكاة على قولهما لاشتراطهما النصاب والبقاء بخلاف قوله
تدبر فيما سقته السماء أي المطر أو سقي سيحا السيح بفتح السين وسكون الياء الماء الجاري كالأنهار والأودية في أكثر السنة فإن سقاه في النصف أو الأقل ففي الخارج نصف العشر كما في الاختيار أو ما أخذ من ثمر جبل العشر مبتدأ والظرف المقدم خبره إن حماه الإمام لأنه مال مقصود وعن أبي يوسف لا شيء فيه لأنه باق على الإباحة وإن لم يحمه الإمام فلا شيء فيه كالصيد كما في الجامع الصغير قل أو كثر بلا شرط نصاب و لا شرط بقاء حتى تجب في الخضراوات عند الإمام وعندهما إنما يجب العشر فيما يبقى سنة بلا معالجة كثيرة فلا شيء في مثل الخوخ والكمثرى والتفاح والمشمش والثوم والبصل وإن كان مما يبقى فإن كان مما يوسق كالتمر والزبيب والعناب والتين والحنطة والشعير وغيرها فلا شيء فيه إلا إذا بلغ خمسة أوسق فصار الخلاف في موضعين لهما في الأول قوله عليه الصلاة
____________________
(1/317)
والسلام ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
وفي الثاني ليس في الخضراوات صدقة وله عموم قوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض والحديث فيما سقته السماء العشر وتأويل مرويهما أن المنفي زكاة التجارة لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق وقيمة الوسق كانت يومئذ أربعين درهما ولهذا لم يقل ليس فيما دون خمسة أوسق عشر وحديث الخضراوات إسناده ليس بصحيح كما قاله الترمذي عند استحكامه والوسق بفتح الواو ويروى بكسرها حمل البعير ستون صاعا بصاع رسول الله عليه الصلاة والسلام فخمسة أوسق ألف ومائتا من لأن كل صاع أربعة أمناء قال شمس الأئمة الحلواني هذا قول أهل الكوفة
وقال أهل البصرة الوسق ثلاثمائة من كما في العناية
و إن كان مما يبقى ما لا يوسق كالقطن والزعفران والسكر فإذا بلغت قيمته أي قيمة ما لا يوسق خمسة أوسق من أدنى ما يوسق من نحو الدخن يجب العشر عند أبي يوسف لأنه لما لم يكن فيه التقدير الشرعي اعتبر بالقيمة كما في عروض التجارة واعتبر أدناه لنفع الفقير
وعند محمد يجب العشر فيما لا يوسق إذا بلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه
____________________
(1/318)
لأن التقدير بالوسق فيما يوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به نوعه لأنه يقدر أولا بالصاع ثم بالكيل ثم بالوسق فكان الوسق أقصى ما يقدر من معياره كما في العناية فاعتبر في القطن خمسة أحمال وفي الزعفران خمسة أمناء لأن ذلك أعلى ما يقدر به كل منهما لأن أقصى ما يقدر به في القطن الحمل لأنه يقدر أولا بالأساتير ثم بالأمناء ثم بالحمل وفي الزعفران المن لأنه يقدر أولا بالسنجات ثم بالأساتير ثم بالأمناء والحمل ثلاثمائة من والمن رطلان والرطل مائة وثلاثون درهما وهي عشرون إستارا بكسر الهمزة ستة دراهم ونصف وإذا لم يبلغ كل نوع من الحبوب خمسة أوسق لا يضم عند محمد ويضم عند أبي يوسف وإذا بلغ خمسة أوسق يجب العشر فيؤدي من كل نوع حصته وعنه إن ما أدرك في وقت واحد كالحنطة والشعير يضم وإلا فلا كما في المحيط
ولا شيء في حطب وقصب فارسي وحشيش لأنه لا تقصد بهما استغلال الأرض غالبا فلو اتخذها مشجرة أو مقصبة أو منبتا للحشيش ففيه العشر وقيد بالفارسي لأن قصب السكر وقصب الذريرة فيهما العشر وسمي بالذريرة لأنها تجعل ذرة ذرة وتلقى في الدواء وأجوده ياقوتي اللون وهو من أفضل الأدوية لحرق النار مع دهن ورد وخل وينفع من أورام المعدة والكبد مع العسل ومن الاستسقاء ضمادا
و لا شيء في تبن وسعف بفتحتين ورق نخل وكذا كل حب لا يصلح للزراعة كبذر البطيخ والقثاء وكذا كل ما يخرج من الشجر كالصمغ والقطران لأنه لا يقصد به الاستغلال ويجب في الزيتون والعصفر والكتان وبذره ولا شيء في الأشنان والخطمي وبذره
و يجب فيما سقى الخارج أكثر الحول أو نصفه نظرا للفقراء عند الإمام كما في أكثر الكتب لكن قال
____________________
(1/319)
شمس الأئمة السرخسي هذا ليس بقوي لأن الشرع أوجب الخمس في الغنائم والمؤنة فيها أكثر منها في الزراعة ولكن هذا تقدير شرعي
وفي العناية وجوب ثلاثة أرباع العشر وعندهما لا بد أن يكون المسقي بغرب أو دالية مما يبقى سنة ويكون خمسة أوسق بغرب بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة الدلو العظيم يديره البقر أو دالية دولاب يديره البقر
وفي المغرب ما يديره البقر من جذع طويل يركب تركيب مداق الأرز وفي رأسه مغرفة كبيرة أو سانية هي الناقة التي يستقى عليها نصف العشر قبل رفع مؤن الزرع بضم الميم وفتح الهمزة جمع المؤنة وهي الثقل والمعنى بلا إخراج ما صرف له من نفقة العمال والبقر وكري الأنهار وغيرها مما يحتاج إليه في الزرع لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام فيما سقته السماء العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر ولأنه عليه الصلاة والسلام حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤن فلا معنى لرفعها هذا قيد لمجموع العشر ونصفه كما لا يخفى
وفي الخلاصة ولو جعل السلطان العشر لصاحب الأرض لا يجوز ولو جعل الخراج له جاز عند أبي يوسف وعليه الفتوى إذا كان من أهل الخراج وقال محمد لا يجوز
و يجب في العسل العشر قل أو كثر عند الإمام خلافا للشافعي في قوله الجديد ومالك قاساه على الإبريسم قلنا العسل منصوص ولأنه يتناول الثمار والأنوار وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منهما بخلاف دود القز لأنه يتناول الأوراق ولا عشر فيها كما في أكثر الكتب لكن في قوله وفيهما العشر كلام لأنه لا عشر في الأنوار وكذا في قوله يتولد منهما نظر تدبر إذا أخذ من جبل عشري احتراز عما في الخزانة أن لا شيء من جبل في رواية أو أرض عشرية لا خراجية إذا لا شيء فيها لئلا يجتمع العشر
____________________
(1/320)
والخراج في أرض واحدة
وعند محمد إذا بلغ خمسة أفراق يجب العشر لأن أعلى ما يقدر به العسل الفرق والفرق ستة وثلاثون رطلا قال المطرزي الفرق بفتحتين إناء يأخذ ستة عشر رطلا
وقال الأزهري والمحدثون على السكون وكلام العرب على التحريك
وعند أبي يوسف إذا بلغ عشر قرب كل قربة خمسون منا لقوله عليه الصلاة والسلام من كل عشر قرب قربة وعنه أنه تعتبر القيمة كما هو أصله وعنه خمسة أمناء كما في الهداية
ويؤخذ عشران من أرض عشرية لتغلبي عند الشيخين
وعند محمد عشر واحد إن كان اشتراها من مسلم لأن وظيفة الأرض لا تتغير بتغير المالك عنده
ولو اشتراها منه أي من التغلبي ذمي أخذ منه أي من الذمي العشران أصليا كان التضعيف أو حادثا بأن اشتراها من مسلم اشترى من تغلبي
وكذا لو اشتراها منه مسلم أو أسلم هو أي التغلبي فإنه يؤخذ منه العشران لأن التضعيف صار وظيفة الأرض فيبقى بعد إسلامه كالخراج خلافا لأبي يوسف أي رد الواجب في المسألتين إلى عشر واحد لزوال الداعي إلى التضعيف وهو الكفر
وقيل محمد معه والأصح أنه مع الإمام في بقاء التضعيف الأصلي لأن التضعيف الحادث لا يتصور عند محمد في الصحيح كما في الكافي وعلى المرأة والصبي منهم أي من بني تغلب ما على الرجل منهم وهو العشر المضاعف في العشرية والخراج في الخراجية
ولو اشترى ذمي غير تغلبي عشرية مسلم وقبضها بلا مانع كما في الهداية فعليه الخراج عند الإمام لأن في العشر معنى العبادة والكفر ينافيها ولا وجه إلى التضعيف بخلاف الخراج لأنه عقوبة وعند
____________________
(1/321)
أبي يوسف يؤخذ العشر مضاعفا ويصرف مصرف الخراج
وعند محمد تبقى على حالها لأنه صار مؤنة لها فلا يتبدل كالخراج ثم في رواية يصرف مصارف الصدقات وفي رواية مصارف الخراج كما في الهداية
وإن أخذها أي الأرض منه أي من الذمي مسلم بشفعة أو ردت على البائع لفساد البيع عاد العشر قال صاحب الدرر والغرر ويجب العشر على مسلم أخذها منه شفعة أو ردت عليه لفساد البيع أو خيار الشرط أو الرؤية أو العيب بقضاء متعلق بقول ردت يعني إذا اشترى ذمي من مسلم عشرية ثم أخذها مسلم بالشفعة أو ردت عليه لفساد البيع أو بخيار ما عادت عشرية كما كانت انتهى
لكن الأولى أن يقول متعلق بقوله أو العيب لأنه يستلزم اشتراط القضاء بجميعها ولا يشترط إلا في العيب لأن الرد بالعيب كان فسخا إذا كان بالقضاء لأن للقاضي ولاية الفسخ فإذا كان بغير قضاء كان إقالة وهو بيع في حق غيرهما فصار شراء من الذمي فتنقل إليه بما فيها من الوظيفة
وفي دار جعلت بستانا البستان كل أرض يحوطها حائط وفيها نخيل متفرقة وأشجار ولو لم يجعلها بستانا بل أبقاها دارا ولكن فيها نخيل لا شيء فيها سواء كان مسلما أو ذميا خراج إن كانت الدار لذمي سواء سقاه بماء الخراج أو العشر لأن الخراج أليق بالذمي وعلى قياس قولهما يجب العشر في الماء العشري إلا أن عند محمد عشرا واحدا وعند أبي يوسف عشرين كما في الهداية أو لمسلم سقاها بمائه أي الخراج ففيه الخراج
وإن سقاها بماء العشر فعشر ولو أن المسلم أو الذمي سقاه مرة بماء العشر ومرة بماء الخراج فالمسلم أحق بالعشر والذمي أحق بالخراج كما في المعراج واستشكل في إيجاب الخراج على المسلم ابتداء حتى قال السرخسي إن عليه العشر بكل حال لكن يمكن أن
____________________
(1/322)
يجاب بأن الممنوع وضع الخراج عليه جبرا أما باختياره فيجوز وقد اختاره هنا حيث سقاه بماء الخراج كما في البحر
ولا شيء في الدار ولو لذمي لأن عمر رضي الله تعالى عنه قال المساكن عفو
وماء السماء أي ماء الأنهار والبحار الواقعة في أرض عشرية و ماء البئر المحفورة فيها والعين الواقعة فيها عشري أي منسوب إلى العشر فإنه حصل منه فما كان منها في الأرض خراجية فخراجي فلو انقطع عن الأرض الخراجية ماء الخراج ثم سقيت بماء العشر صارت عشرية ولو انعكس صارت خراجية كما في القهستاني
وماء أنهار جمع نهر بالسكون أو الفتح مجرى الماء حفرها من مال الخراج العجم أي اسم جمع واللام للعهد أي بعض ملوكهم كشداديان وكيانيان وإشكانيان وساسانيان وآخرهم بيزدجرد خراجي أي منسوب إلى الخراج وإن كان أصل بعضها من ماء فيه خلاف كنهر الملك وكذا ماء بئر حفرت فيها وعين تظهر فيها وكذا أي خراجي ماء سيحون نهر خجند أو الترك أو الهند
و ماء جيحون نهر بلخ أو ترمذ
و ماء دجلة نهر بغداد والفرات نهر الكوفة أو العراق وكذا النيل وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة عند أبي يوسف لأنه تتخذ عليها القناطر من السفن وهو يدل عليها خلافا لمحمد فإن هذه الأنهار عشرية عنده لأنه لا يحميها أحد واتخاذ القناطر عليها نادر فصارت كالبحار والحاصل أن الماء الخراجي هو الماء الذي كان في أيدي الكفرة ثم صارت في أيدي المسلمين سواء أقر أهله عليه أو لا والعشري ما عدا ذلك
وليس في عين قير وهو الزفت والقار لغة فيه أو نفط بالفتح والكسر وهو أفصح دهن يعلو الماء وكذا الملح في أرض عشر شيء مطلقا سواء كانت العين في أرض عشرية أو خراجية لأنهما ليسا من أنزال الأرض
____________________
(1/323)
وإنما هما عينان فوارتان كعين الماء
وإن كانت عين قير أو نفط في أرض خراج ففي حريمها الصالح للزراعة الخراج قيد بكون الحريم الصالح للزراعة من أرض الخراج لأن الخراج يتعلق بالتمكن من الزراعة حتى لو كان الحريم عشريا وزرعه وجب العشر فيما يخرج وإن لم يزرعه لا شيء عليه لا فيها أي عين قير أو نفط هذا احتراز عما قيل في هاتين العينين أيضا خراج بأن يمسح العين أيضا تبعا إذا كان حريمها يصلح للزراعة وهو اختيار بعض المشايخ وبهذا ظهر ضعف ما قيل وفي بعض نسخ المتن لم يذكر قوله لا فيها وهو أنسب إذ لا حاجة إليه
ولا يجتمع عشر وخراج في أرض واحدة لقوله عليه الصلاة والسلام لا يجتمع في أرض مسلم عشر وخراج وعند الشافعي يجتمع فيؤخذ من الخراج عشر ومن الأرض خراج
وفي المحيط يؤخذ العشر عند ظهور التمر عند الإمام وعند أبي يوسف وقت الإدراك وعند محمد عند استحكامه وثمرة الخلاف في وجوب الضمان بالإتلاف ولا يحل لصاحب الأرض أكل غلتها قبل أداء خراجها كما في الخانية
وفي موضع آخر فيها ولا يأكل من طعام العشر حتى يؤدي العشر وإن أكل ضمن ومن عليه عشر أو خراج ومات أخذ من تركته
وفي رواية عن الإمام يسقط ذلك بالموت ومن عليه الخراج إذا منع منه الخراج سنين لا يؤخذ لما مضى في قول الإمام لكن الفتوى اليوم خلافه إذا أدركت الغلة كان للسلطان حبسها حتى يستوفي الخراج
باب في بيان أحكام المصرف لما ذكر أبواب الزكاة على تعدادها فلا بد لها من المصارف والمصرف في اللغة المعدل
____________________
(1/324)
أطلقه ليتناول الزكاة والعشر والأصل في هذا قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء الآية إنما لحصر الشيء في الحكم كقولك إنما زيد لمنطلق ولحصر الحكم في الشيء كقولك إنما المنطلق زيد لأن كلمة إن للإثبات وما للنفي فيقتضي قصر جنس الصدقات على الأصناف المعدودة وأنها هي مختصة بها لا يتجاوز إلى غيرها كأنه قيل إنما هي لهم لا لغيرهم وعدل عن اللام إلى في في الأربعة الأخيرة ليؤذن أنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليه ممن سبق ذكره لأن في للوعاء وتكرير في قوله تعالى وفي سبيل الله وابن السبيل يؤذن بفضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين كما في الكشاف ثم المذكور ثمانية أصناف وقد سقطت منهم المؤلفة قلوبهم وجه السقوط بين في المطولات فليراجع هو أي المصرف الفقير وهو من له شيء دون نصاب فيجوز الدفع له ولو كان صحيحا مكتسبا كما في العناية
وقال الشافعي لا يجوز دفع الزكاة إلى الفقير الكسوب وما في المعراج من أنه لا يطيب الأخذ لأنه لا يلزم من جواز الدفع جواز الأخذ كظن الغني فقيرا ليس بسديد لأن في أكثر المعتبرات جواز أخذها لمن ملك أقل من النصاب كما يجوز دفعها لكن عدم الأخذ أولى لمن له سداد من عيش كما في البحر
والمسكين مفعيل بكسر الميم وفتحها في لغة بني أسد من السكون لأنه يسكن قلبه على الناس ثم فسر معناه الشرعي والعرفي فقال من لا شيء له وهو أسوء حالا من الفقير عندنا قال الشاعر أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد
سماه فقيرا وله حلوبة وقيل بالعكس يعني الفقير من لا شيء له والمسكين هو من له شيء دون نصاب وهو مذهب الشافعي ورواية عن الإمام ولكل وجه لكن الأول هو الأصح وهو المذهب ولا خلاف في أنهما صنفان هو الصحيح لأن العطف في الآية يقتضي المغايرة وعن أبي يوسف أنهما صنف واحد وتظهر ثمرته في الوقف والوصية لا في الزكاة
والعامل هو الذي يبعثه الإمام بجباية الصدقات عبر بالعامل دون العاشر ليشمل الساعي يعطى
____________________
(1/325)
بقدر عمله ما يكفيه وأعوانه بالوسط مدة ذهابهم وإيابهم غير مقدر بالثمن فإن استغرقت كفايته الزكاة فلا يزاد على النصف لأن التنصيف عين الإنصاف ولو هلك ما جمعه يستحق شيئا وقال الشافعي وهو مقدر بالثمن
ولو كان غنيا لا هاشميا لما فيه من شبهة الصدقة والأجرة ولو استعمل فيها الهاشمي ورزق من غير الزكاة لا بأس به وجوز الطحاوي أن يكون الهاشمي عاملا وإنما حلت للغني مع حرمة الصدقة عليه أنه فرغ نفسه لهذا العمل فيستحق كفايته في مالهم وهذا التعليل يقوي ما نسب إلى بعض الفتاوى من أن طالب العلم يجوز له أن يأخذ مال الزكاة وإن كان غنيا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لكونه عاجزا عن الكسب والحاجة داعية إلى ما لا بد منه كالقاضي والمفتي ويعمل للفقراء من وجه لأن يده كأيديهم بعد الوجوب فاستوجب أجرا عليهم فصار ما استحقه صدقة من وجه أجرة من وجه
والمكاتب عطف على الفقير أي مكاتب غيره ولو مولاه غنيا هو الصحيح وقالوا لا يجوز دفعها إلى مكاتب هاشمي كما في الاختيار يعان في فك رقبته يعني به معاونة المكاتب على أداء بدل الكتاب وهو المراد بقوله تعالى وفي الرقاب
ومديون والمراد من عليه الدين من أي جهة كان ولا يجد قضاء وتقديمه على الفقير أولى من حيث إنه أولى منه بالدفع كما في القهستاني لكن وجه التقديم موافقته للنظم الكريم تدبر وهو المراد بالغارمين والغرامة في أصل اللغة اللزوم
وقال الشافعي الغارم من تحمل غرامة في إصلاح ذات البين لا يملك نصابا فاضلا عن دينه أي عما يحتاج إليه فيدخل فيه من هو مصرف بلا خلاف من مديون ملك
____________________
(1/326)
قوت شهر يساوي قيمته نصابا فاضلا عن دينه كما في القهستاني
وفي الإصلاح لم يقل فاضلا عن دينه لأن ملك النصاب لا يكون إلا كذلك لكن النصاب مائتا درهم مطلقا ولهذا قيده تدبر
ومنقطع الغزاة الذين عجزوا عن اللحوق بجيش الإسلام لفقرهم فتحل لهم الصدقة وإن كانوا كاسبين إذ الكسب يقعدهم عن الجهاد كما في القهستاني عند أبي يوسف
وفي رواية عن محمد وهو الصحيح وهو المراد في سبيل الله
و منقطع الحج عند محمد إن كان المنقطع فقيرا فإن قيل هذا مكرر لأنه إما أن يكون له في وطنه مال أو لا فإن كان فهو ابن السبيل وإن لم يكن فهو فقير أجيب بأنه فقير إلا أنه زاد عليه بالانقطاع في عبادة الله تعالى فكان مغايرا للفقير المطلق الخالي عن هذا القيد
وفي الفتح ولا يشكل أن الخلاف فيه لا يوجب خلافا في الحكم للاتفاق على أنه إنما يعطي الأصناف كلهم سوى العامل بشرط الفقر فمنقطع الحاج يعطى اتفاقا
ومن له مال في وطنه لا معه وهو المراد من ابن السبيل فكل من يكون مسافرا على الطريق يسمى ابن السبيل كما يسمى ابن الفقير للفقير كما في المبسوط والأولى أن يستقرض إن قدر عليه للأداء في بلده وألحق به كل من هو غائب عن ماله وإن كان في بلده ولا يلزم أن يتصدق بما فضل في يده عند قدرته على ماله كالفقير إذا استغنى والمكاتب إذا عجز كما في الفتح
ويجوز دفعها أي الزكاة إلى كلهم أي إلى جميع الأصناف السبعة وإلى بعضهم ولو شخصا واحدا من أي صنف كان عندنا لأن المراد من الآية بيان الأصناف التي يجوز الدفع إليهم لا تعيين الدفع لهم كما في عامة المعتبرات وبهذا ظهر خلل عبارة الكنز لأنه قال فيدفع إلى كلهم أو إلى صنف
تدبر
وقال الشافعي لا يجوز إلا أن تصرف إلى ثلاثة من كل صنف لأن
____________________
(1/327)
الإضافة بحرف اللام للاستحقاق وأقل الجمع ثلاثة وإن كان محلى باللام لأن الجنس هنا غير ممكن ففيه الاستغراق فتبقى الجمعية على حالها قلنا حقيقة اللام الاختصاص الذي هو المعنى الكلي الثابت في ضمن الخصوصيات من الملك والاستحقاق وقد يكون مجردا فحاصل التركيب إضافة الصدقات العام الشامل لكل صدقة تصدق إلى الأصناف العام كل منها الشامل لكل فرد بمعنى أنهم أجمعون أخص بها كلها وهذا لا يقتضي لزوم كون كل صدقة واحدة تنقسم على أفراد كل صنف غير أنه استحال ذلك فلزم أقل الجمع منه بل إن الصدقات كلها للجميع أعم من كون كل صدقة صدقة لكل فرد فرد لو أمكن أو كل صدقة جزئية لطائفة أو لواحد كما في الفتح قال صدر الشريعة ونحن نقول إذا دخل اللام على الجمع ولا يمكن حملها على المعهود ولا على الاستغراق يراد بها الجنس وتبطل الجمعية كما في قوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد وهنا لا يراد العهد لأنه لا قرينة للعهد في الآية والاستغراق لأنه لو أريد هذا فلا بد أن يراد أن جميع الصدقات التي في الدنيا لجميع الفقراء إلى آخره فلا يجوز أن يحرم واحد وليس هذا في وسع أحد انتهى
واعترض صاحب الفرائد فقال لا يجب أن يحمل مثله على الاستغراق الحقيقي بل على الاستغراق العرفي على طريقة جمع الأمير الصاغة أي صاغة بلده وعدم كونه في وسع أحد غير مسلم انتهى
أقول إن تقدير الكلام أن جميع الصدقات التي في البلد لجميع الفقراء فيها أيضا فيلزم هذا المحذور خصوصا في البلد الكبير
تدبر
ولا تدفع الزكاة لبناء مسجد لأن التمليك شرط فيها ولم يوجد وكذا بناء القناطير وإصلاح الطرقات وكري الأنهار والحج والجهاد وكل ما لا يتملك فيه وإن أريد الصرف إلى هذه الوجوه صرف إلى فقير ثم يأمر بالصرف إليها فيثاب المزكي والفقير ولا يصرف إلى مجنون وصبي غير مراهق إلا إذا قبض لهما من يجوز له قبضه كالأب والوصي ويصرف إلى مراهق يعقل الأخذ كما في المحيط ولو أكل من في عياله ناويا للزكاة أو الفطرة جاز عند أبي يوسف خلافا لمحمد وعليه الفتوى كما في القهستاني أو تكفين ميت لعدم التمليك أو قضاء دينه أي الميت الفقير بأمره أو بغير أمره لأن قضاء دين الغير لا يقتضي التمليك منه بخلاف دين الحي بأمره إن كان فقيرا كأنه تصدق على الغريم فيكون القابض كالوكيل في قبض الصدقة أو ثمن قن يعتق أي لا يشترى بها رقبة تعتق لانعدام التمليك
ولا تدفع إلى ذمي لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله تعالى
____________________
(1/328)
عنه خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم وضمير الجمع للمسلمين لوجوب الزكاة عليهم ولا يلزم زيادة على النص وهو قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء بخبر الواحد لأن هذا الحديث مشهور ولئن كان خبرا واحدا فالعام خص منه الحربي الفقير بالإجماع مستندين بقوله تعالى إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين فجاز تخصيصه بعد بخبر الواحد كما حقق في موضعه وكذا لا يصرف إلى المرتد وينبغي أن لا يصرف إلى من لا يكفر من المبتدعة كما في القهستاني
وقال زفر الإسلام ليس بشرط وصح غيرها من قبيل الاستخدام أي غير الزكاة من الفطرة والكفارة والنذر والتطوع إلى الذمي
وقال الشافعي لا يجوز وهو رواية عن أبي يوسف ولو قال وغير العشر والخراج لكان أولى لأنهما لا يدفعان إليه أيضا
تدبر
ولا تدفع إلى غني خلافا للشافعي في أغنياء الغزاة إذا لم يكن لهم شيء في الديوان ولم يأخذوا من الفيء يملك نصابا من أي مال كان سواء كان من النقود أو السوائم أو العروض وهو فاضل عن حوائجه الأصلية كالدين في النقود والاحتياج في الاستعمال في أمر المعاش في غيرها بلا اشتراط النماء حتى لو كان له كتاب مكرر يحسب أحدهما من النصاب ولو كان له داران يسكن في إحداهما ولا يسكن في الأخرى تعتبر قيمة الثانية سواء يؤجرها أو لا
وقال محمد إن كان يصرف أجرتها إلى قوته وقوت عياله لا يعتبر قيمتها كما في العناية وابن الملك والظاهر أن من ملك نصاب سائمة كخمس من الإبل لا يجوز دفع الزكاة له سواء كانت تساوي مائتي درهم أو لا كما في البحر والمنح لكن ليس الأمر كما قالا لأن قول العناية سواء كان إلى آخره مفيد تقرير النصاب بالقيمة سواء كان من العروض أو السوائم لما أن العروض ليس
____________________
(1/329)
نصابها إلا ما تبلغ قيمتها مائتي درهم وقد قال المرغيناني إذا كان له خمس من الإبل سائمة قيمتها أقل من مائتي درهم تحل له الزكاة وتجب عليه شاة
وفي الجوهرة الغني هو من يملك نصابا من النقدين أو ما قيمته نصاب
وفي القهستاني الفقير من له دون النصاب أي غير ما يبلغ نصابا قدر مائتي درهم أو قيمتها وبهذا ظهر أن المعتبر نصاب النقدين من أي مال كان بلغ نصابا أي من جنسه أو لم يبلغه كما في نظم الوهبانية وشرحه له وفي شرحه لابن الشحنة
وفي السراج الوهاج وقد نص على اعتبار القيمة في أكثر المعتبرات لقوله عليه الصلاة والسلام لا تحل الصدقة لغني
قيل وما الغني يا رسول الله قال له مائتا درهم والعجب أن صاحب البحر ذكر في الأشباه خلافه فليتأمل
وفي المحيط الغنى ثلاثة أنواع غنى يوجب الزكاة وهو من ملك نصاب حولي نام وغنى يحرم الصدقة ويوجب صدقة الفطر والأضحية وهو من ملك ما يبلغ قيمة نصاب وغنى يحرم السؤال دون الصدقة وهو أن يكون له قوت يومه وما يستر عورته
وعبده أي الغني لأن الملك يقع لمولاه وكذا للمدبر وأم الولد والمراد بالعبد الغير المديون المستغرق لما في يده ورقبته ولو كان جاز دفعها عند الإمام خلافا لهما وطفله لأنه يعد غنيا بغناء أبيه عرفا ولا يخفى أن في الإضافة إشارة إلى جواز الصرف إلى طفل الفقير بخلاف ولده الكبير وإن كانت نفقته على الأب الغني لأنه لا يعد غنيا بغنائه
وامرأته إن كانا فقيرين فيجوز الدفع لهما وهو ظاهر الرواية وعن أبي يوسف لا يجوز دفعها إلى امرأته الغني كابنه
ولا تدفع إلى هاشمي من آل علي أو عباس أو جعفر أو عقيل بفتح العين أو الحارث بن عبد المطلب ولو كان عاملا عليها أي على الزكاة
____________________
(1/330)
لقوله عليه الصلاة والسلام إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا آل محمد والعباس والحارث ابنا عبد المطلب وعلي وجعفر وعقيل أولاد أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وفائدة التخصيص بهؤلاء أنه يجوز الدفع إلى من عداهم من بني هاشم كذرية أبي لهب كما في الجوهرة وهو ظاهر الرواية وروى أبو عصمة عن الإمام أنه يجوز الدفع لبني هاشم في زمانه لأن لهم في عوضها خمس الخمس ولم يصل إليهم وروي أن الهاشمي يجوز له دفع زكاته إلى هاشمي مثله قيل بخلاف التطوع يعني اختلفوا فيما يمنع قال بعضهم من الصدقات الواجبة كالزكاة والنذور والكفارات وأما التطوعات فيجوز صرفها إليهم
وفي النهاية نقلا عن العتابية أما جواز النفل فبالإجماع وتبعه صاحب المعراج واختاره في المحيط مقتصرا وعزاه إلى النوادر ومشى عليه الأقطع واختاره في غاية البيان وكان هو المذهب كما في البحر وجزم به صاحب الدرر ولم يحك خلافا ولم يشعر به لكن أثبت الشارح الزيلعي الخلاف في التطوع على وجه يشعر بترجيح الحرمة وقواه المحقق في الفتح من جهة الدليل لإطلاقه ولهذا أورد المصنف بصيغة التمريض وعن الإمام لا بأس في صرف الكل إليهم
وعنه جواز دفع الزكاة إليهم وفي الآثار وعن الإمام روايتان وبالجواز نأخذ لأن الحرمة مخصوصة بزمانه عليه الصلاة والسلام وقد سوى صاحب الكافي بين التطوع والوقف وقيده في بعض المعتبرات بما إذا سماهم في الوقف يجوز أما إذا لم يسمهم فلا فإنها صدقة واجبة ومواليهم أي معتق بني هاشم مثلهم أي مثل بني هاشم في عدم جواز دفعها إليهم لقوله عليه الصلاة والسلام موالي القوم منهم
ولا يدفع المزكي زكاته إلى أصله وإن علا أو فرعه وإن سفل سواء كان بالنكاح أو السفاح لأن المنافع بينهم متصلة فلا يتحقق التمليك على الكمال أو إلى زوجته بالاتفاق
وكذا لا
____________________
(1/331)
تدفع المرأة إلى زوجها ولو معتدته من بائن أو ثلاث عند الإمام خلافا لهما لقوله عليه الصلاة والسلام لك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة قاله لامرأة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وقد سألته عن التصدق قلنا هو محمول على النافلة للاشتراك في المنافع
ولا إلى عبده أو مكاتبه أو مدبره أو أم ولده لأن كسبهم للسيد وله حق في كسب مكاتبه حتى إنه لو تزوج جارية مكاتبه لم يجز كما لو تزوج جارية نفسه كما في الجوهرة
وكذا عبده المعتق بعضه لأنه بمنزلة المكاتب لوجوب السعاية عليه فيما لم يعتق لتجزؤ الإعتاق عند الإمام خلافا لهما لعدم تجزؤ الإعتاق عندهما فإعتاق بعضه إعتاق كله فيصير حرا فيجوز الدفع إليه هذا إذا كان العبد كله لمعتق البعض فلو بين اثنين فأعتق أحدهما حصته وهو معسر واختار الساكت الاستسعاء فللمعتق الدفع لأنه مكاتب لشريكه وليس للساكت الدفع لأنه مكاتبه وإن كان المعتق موسرا واختار الساكت تضمينه فللساكت الدفع لأنه أجنبي عنه وليس للمعتق الدفع إذا اختار استسعاءه لأنه مكاتبه لما أنه بالضمان مخير بين إعتاق الباقي أو الاستسعاء كما في المنح
ولو دفع المزكي إلى من ظنه مصرفا فبان أنه غني أو هاشمي على الصحيح عند الإمام أو كافر المراد بالكافر ما كان ذميا أما لو ظهر حربيا أو مستأمنا لا يجوز كما في الجوهرة والبحر أو أبوه أو ابنه أجزأه عند الطرفين خلافا لأبي يوسف لأن خطأه ظهر بيقين فصار كمن توضأ بماء ثم تبين أنه كان نجسا يعيد صلاته ولهما أنه أداها باجتهاده فيصح وإن أخطأ كالصلاة عند اشتباه القبلة وهذا إذا تحرى أما إذا شك فلم يتحر أو تحرى فظن أنه ليس بمصرف فلم يجزه ولو علم أنه فقير أجزأه على الصحيح
ولو بان أنه عبده أو مكاتبه لا يجزئ لأنه لم يخرج عن ملكه خروجا
____________________
(1/332)
صحيحا وهذا بالإجماع كما في الاختيار
وندب دفع مقدار ما يغني المدفوع إليه عن السؤال يومه أي يوم الدفع ولو أطلق لكان أحصر لأن في ذلك صيانته عن ذل السؤال لكن قيده به لأن الإغناء مطلقا مكروه
وكره دفع نصاب أو أكثر ولو ترك أو أكثر لكان أخصر لأنه قد حصلت بدونه الكراهة إلى فقير غير مديون فإن كان عليه دين يجوز أن يعطيه قدر ما يقضي دينه وزيادة دون مائتين وكذا إذا كان له عيال فلا بأس بأن يعطي قدر ما لو قسم ما دفع إليه تصيب الواحد أقل من النصاب
وفي الفتح والأوجه أن ينظر إلى ما يقتضيه الحال في كل فقير عن عياله وحاجة أخرى كدهن وثوب وكراء منزل وغير ذلك قال عليه الصلاة والسلام إذا تصدقتم فأغنوهم ولهذا قالوا من أراد أن يتصدق بدرهم فاشترى به فلوسا ففرقها فقد قصر في أمر الصدقة
و كره نقلها أي الزكاة بعد تمام الحول من بلد إلى بلد آخر غير البلد الذي فيه المال وإن كان المزكي في بلد والملك في بلد آخر فالمعتبر مكان الملك لا المالك بخلاف صدقة الفطر حيث يعتبر عنه محمد مكان المؤدي وهو الأصح خلافا لأبي يوسف إلا أن ينقلها إلى قريبه أي المزكي فلا يكره لما فيه من الصلة قال أبو حفص الكبير لا تقبل صدقته وقرابته محاويج حتى يبدأ بهم قالوا الأفضل صرف الصدقة إلى أخواته ذكورا أو إناثا ثم إلى أولادهم ثم إلى أعمامه ثم إلى أولادهم نازلين ثم إلى أخواله ثم إلى ذوي الأرحام ثم إلى جيرانه ثم إلى أهل سكنه ثم إلى أهل مصره والمراد من ذوي الأرحام بعد ذكر أخواله ذو رحم أبعد مما ذكر قبله أو شخص أحوج من أهل بلده لدفع شدة الحاجة هذا إذا لم يكن فقراء غير البلدة أورع أو أنفع بتعليم الشرائع وتعلمها وإلا فلا يكره ولو مكث مسلم في دار الحرب سنين بأمان فعليه الزكاة في ماله يفتى بأدائها إلى من يسكن في دار الإسلام وإن وجد مصرفا في دار الحرب
ولا يسأل من له قوت يومه من الغداء والعشاء ويجوز معه سؤال الجبة والكساء عند الاحتياج
____________________
(1/333)
باب صدقة الفطر من قبيل إضافة الحكم إلى شرطه كما في حجة الإسلام وهي مجاز والحقيقة إضافة الحكم إلى سببه كما في حج البيت ومناسبتها للزكاة لأنها عبادة مالية والتقديم على الصوم جائز والمقصود هو المضاف لا المضاف إليه إلا أن الزكاة أرفع درجة منها لثبوتها بالنص القاطع فقدمت عليها وذكر في المبسوط عقيب الصوم على اعتبار الترتيب الطبيعي إذ هي بعد الصوم طبعا كما في الجوهرة والفطر لفظ إسلامي اصطلح عليه الفقهاء كأنه من الفطرة التي هي الخلقة وزنا ومعنى كما في أكثر الكتب لكن يجوز أن يكون من الفطر بمعنى الإفطار لأنه تشريك هذا اليوم والصدقة تتعلق به هي واجبة وجوبا موسعا في العمر كالزكاة على الصحيح كما في البحر معللا بأن الأمر بأدائها مطلق عن الوقت فلا يضيق وقيل مضيقا في يوم الفطر عينا أراد بالوجوب المصطلح عليه عندنا وهو ما ثبت بدليل فيه شبهة حتى لا يكفر جاحده قالوا في صدقة الفطر ثلاثة أشياء قبول الصوم والفلاح والنجاة من سكرات الموت وعذاب القبر
وقال الشافعي هي فريضة على الحر المسلم فتجب على المسافر ولا تجب على العبد بل على سيده لأجله ولا على الكافر فإنه ليس من أهل العبادة المالك لنصاب فاضل عن حوائجه الأصلية فيعتبر ما زاد على الكفاية له ولعياله
وإن لم يكن النصاب ناميا وكدار لا تكون للسكنى ولا للتجارة ولو كان له دار واحدة يسكنها وفضلت عن سكناه يعتبر الفاضل إن كانت قيمته نصابا وكذا ما فضل عن الثلاثة من الثياب للشتاء والصيف وعن فرسين للغازي وفرس وحمار للغير وعن نسخة واحدة من مصنف من كتب الفقه لأهلها واثنين من التفسير والحديث الواحد من المصاحف وفي الخلاصة لو كانت له كتب إن كانت كتب الطب والنجوم والأدب يعتبر نصابا ولا يخالف ما في الزكاة لأن في هذه المسألة روايتين فمشى في
____________________
(1/334)
باب الزكاة على رواية
وفي باب الفطر على أخرى ولو كانت له دور وحوانيت للغلة وهي لا تكفي عياله فهو من الفقراء على قول محمد خلافا لأبي يوسف وعلى هذا الكرم والأرض ولا يعتبر ما قيمته نصاب من قوت شهر بلا خلاف عندنا
وقال الشافعي تجب على كل من يملك زيادة على قوت يومه لنفسه وعياله وبه أي بهذا النصاب تحرم على مالكه الصدقة أي الزكاة والعشر والفطر وغيرها وتجب الأضحية في ظاهر الرواية وكذا تجب عليه نفقة القريب عن نفسه متعلق بواجبة وإن لم يضم المانع لأن السبب هو الرأس وولده الصغير الفقير فلو زوج ابنته الصغيرة من رجل وسلمها إليه لم تجب عليه ولو كان له آباء فعلى كل فطرة كاملة عند أبي يوسف
وقال محمد عليهم صدقة واحدة ولو كان أحد الآباء موسرا دون الباقين فعليه صدقة تامة عندهما ولا تجب عليه فطرة ولد ولده في ظاهر الرواية وعبده للخدمة ولو كان العبد كافرا مأذونا أو جانيا عمدا أو خطأ وعند الشافعي لا لو كافرا
وكذا مدبره وأم ولده وكذا إذا كان في يد غيره بإجارة أو إعارة أو وديعة أو رهن لا عن زوجته عطف على نفسه خلافا للشافعي
وولده الكبير ولو في عياله في ظاهر الرواية لكن لو أدى لهما بغير أمرهما جاز ولا يؤدي لغير عياله إلا بأمره كما في المحيط ولا عن طفله الغني لانعدام المؤنة
بل تجب من مال الطفل عند الشيخين استحسانا خلافا لمحمد وزفر وهو القياس وعلى هذا الخلاف مماليكه
وفي إطلاقه إشارة إلى جواز أداء وصي الأب أو الجد عند عدمهما أو وصي القاضي ولو لم يخرجها الولي أو الوصي عنه وجب الأداء بعد بلوغه
والمجنون كالطفل فتجب على الأب إن كان فقيرا وفي ماله إن كان غنيا عند الشيخين
وقال محمد لا من ماله وعنه أن الكبير المجنون إذا بلغ مجنونا ففطرته على أبيه وإن مفيقا
____________________
(1/335)
ثم جن لا
ولا عن مكاتبه ولو عجز لعدم الولاية ولا عليه لفقره
ولا عن عبيده للتجارة للثني إذ هي تجب عليه لا عن قن لقوله عليه الصلاة والسلام أدوا عمن يمونون إذ الأمر يقتضي أن يجب على المخاطب فتجب فطرته على المولى وتجب زكاته عليه أيضا فلزم الثني وعند الشافعي تجب الفطرة على العبد ثم يتحمله مولاه فلا ثني عنده
ولا عن عبد آبق لعدم الولاية والمؤنة إلا بعد عوده لعود الولاية والمؤنة
ولا عن عبد أو عبيد مشتركة بين اثنين عند الإمام لقصور الولاية والمؤنة في حق كل منهما
وقال الباقاني ولو اكتفى بالثانية عن الأولى لكان أولى لكن المصنف أفرد بالذكر تفصيلا لمحل الخلاف كما هو دأب المؤلفين ففيه خلاف الأئمة الثلاثة لأن عندهم يخرج منهما في القدر المشترك بقدر الملك من الأنصباء
وعندهما تجب على كل واحد من الشريكين فطرة بما يخصه من الرءوس أي رءوس العبيد دون الأشقاص يعني لو كان لهما عبد واحد لا يجب شيء ولو كان اثنين تجب على كل صدقة عبد واحد ولو كانوا ثلاثة فكذا ولا يجب عن الثالث شيء ولو كانوا أربعة تجب على كل صدقة عبدين وعلى هذا وهذا بناء على أنهما يريان قسمة الرقيق والإمام لا يراها وقيل لا تجب عليهم بالإجماع والصحيح أنه على الخلاف كما في الكافي
ولو بيع عبد بخيار والمراد بالخيار خيار الشرط لأن المبيع لو رد بخيار عيب أو رؤية قبل القبض ففطرته على البائع اتفاقا وإن رد بعد القبض فعلى المشتري فعلى من يتقرر الملك له أي يتوقف وجوب صدقة فطر العبد المبيع بشرط الخيار لأحدهما أو لهما وإذا مر يوم الفطر والخيار باق تجب على من يصير العبد له فإن تم البيع فعلى المشتري وإن فسخ فعلى البائع عندنا وعند زفر على من له الخيار وعند الشافعي على من له الملك كالنفقة ولو كان البيع باتا ولم يقبضه حتى مر يوم الفطر فإن قبضه بعد ذلك فعليه صدقة وإن لم يقبضه حتى
____________________
(1/336)
هلك عند البائع لم تجب على واحد منهما اتفاقا
وتجب الفطرة بطلوع أي بعد طلوع فجر يوم الفطر أي وجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر الثاني من يوم الفطر تعلق وجوب الأداء بالشرط لا تعلقه بالسبب لأن الفطر شرط والرأس سبب والمعنى وقت الوجوب ثبت بطلوع الفجر
وقال الشافعي بغروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان
فمن مات قبل أو أسلم أو ولد بعده لا تجب فطرته عندنا لعدم تحقق شرط وجوب الأداء
وصح تقديمها على يوم الفطر لوجود السبب وهو رأس يمونه ويلي عليه والوقت شرط وجوب الأداء والتعجيل بعد سبب الوجوب جائز كما في الزكاة بلا فرق بين مدة ومدة ولو عشر سنين أو أكثر هذا هو الصحيح المختار كما في أكثر المعتبرات وقيل سنة أو سنتين على الصحيح كما في المضمرات وقيل جاز أن تؤدى في رمضان وعليه الفتوى كما في الظهيرية وقيل في نصفه وقيل لا يجوز إلا في العشر الأخير وقيل بيوم أو بيومين وقال الحسن لا يجوز تعجيلها أصلا كالأضحية
وندب إخراجها قبل صلاة العيد بعد الطلوع لقوله عليه الصلاة والسلام من أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة وإن أداها بعدها فهي صدقة من الصدقات ويجب دفع فطرة كل شخص إلى مسكين واحد حتى لو فرقها بين اثنين أو أكثر لم يجز خلافا للكرخي
وقال في المنح وهو المذهب والأفضل أن يؤدي صدقة نفسه وعياله إلى واحد ويجوز دفع ما يجب على جماعة إلى مسكين واحد ولكن شرط عدد الوصول إلى النصاب
ولا تسقط صدقة الفطر بالتأخير ولا يكره التأخير وإن طال وكان مؤديا لا قاضيا لكن فيه إساءة وعن الحسن تسقط بمضي يوم الفطر وعنه بصلاة العيد
وهي أي صدقة الفطر نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه والمراد منهما ما يتخذ من البر
____________________
(1/337)
أما دقيق الشعير أو سويقه فكالشعير والأولى أن يراعى فيهما القدر والقيمة أو صاع من تمر وشعير لقوله عليه الصلاة والسلام أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير وهذا حجة على الشافعي فإنه قال في الكل صاع والزبيب كالبر وهو رواية الجامع الصغير إذ كله يؤكل كبر وعندهما كالشعير وهو رواية الحسن عن الإمام لأنه يشبه التمر من حيث المقصود وهو التفكه قيل والفتوى على قولهما لكن الأولى أن يراعى فيه القدر والقيمة والصاع عند الطرفين ما يسع ثمانية أرطال بالعراقي كل رطل عشرون إستارا وهو ستة دراهم ونصف فيكون ألفا وأربعين درهما وكان ذلك الصاع قد فقد فأخرجه الحجاج والعراقي علم صاع كما في النهاية من نحو عدس أو مج بفتح الميم وتشديد الجيم الماش وإنما قدروه بهما لعدم التفاوت بين حباتهما تخلخلا واكتنازا وأما التفاوت صغرا وعظما فلا دخل له في التقدير وزنا كما في الإصلاح
وعند أبي يوسف خمسة أرطال وثلث رطل برطل أهل المدينة وهو ثلاثون إستارا وهو قول الشافعي
ولو دفع منوي بر صح يعني يجوز إعطاء نصف صاع وزنا لأن الصاع مقدر بالوزن وهذه رواية أبي يوسف عن الإمام خلافا لمحمد في رواية رواها ابن رستم عنه لأن الآثار جاءت بالصاع هو اسم المكيل كما في الإصلاح
ودفع البر في مكان تشترى به أي بالبر الأشياء فيه
____________________
(1/338)
أفضل لأنه أبعد عن الخلاف إذ في الدقيق والقيمة خلاف الشافعي
وعند أبي يوسف الدراهم أفضل من الدقيق لأنه أدفع لحاجة الفقير وأعجل بها والدقيق أفضل من البر قال محمد بن سلمة إن كان في زمن الشدة فالأداء من الحنطة أو دقيقه أفضل وفي زمن السعة الدراهم أفضل
وفي الظهيرية أن الفتوى على أن القيمة أفضل لكن لا خلاف بين النقلين في الحقيقة لأنهما نظرا لما هو أكثر نفعا وأدفع للحاجة والله تعالى أعلم
____________________
(1/339)
كتاب الصوم قدمه على كتاب الحج لأنه منه بمنزلة البسيط من المركب من حيث إنه عبادة بدنية محضة والحج عبادة بدنية ومالية والبسيط قبل المركب هذا ثالث أركان الإسلام بعد لا إله إلا الله محمد رسول الله شرعه سبحانه وتعالى لفوائد أعظمها كونه موجبا لشيئين أحدهما عين الآخر سكون النفس الأمارة وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج فإن به تضعف حركتها في محسوساتها ولهذا قيل إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء وإذا شبعت جاعت كلها ومنها كونه موجبا للرحمة والعطف على المساكين لذوق ألم الجوع فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في عموم الأوقات فيسارع إلى رحمتهم والرحمة حقيقتها في حق الإنسان نوع ألم باطن فيسارع لدفعه عنه بالإحسان إليهم فينال بذلك ما عند الله من حسن الجزاء ومنها كونه موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون أحيانا وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى كما في الفتح لكن في الأخريين كلام لأنهما في حق الغني فقط أما في حق الفقير فلا فلو اقتصر على الأول لكان أولى
تأمل والصوم في اللغة الإمساك مطلقا عن الكلام وغيره ثم جعل عبارة عن هذه العبادة ومنه صام الفرس إذا لم يعتلف قال النابغة خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما أي ممسكة عن العلف أو غير ممسكة وفي الشريعة هو ترك الأكل وما في حكمه فلا
____________________
(1/340)
يرد ما وصل إلى الدماغ فإنه مفطر لأن المراد إدخال شيء بطنه مأكولا أو لا فما وصل إلى الدماغ وصل إلى الجوف لما أن بين الدماغ والجوف منفذ والشرب بالحركات والوطء أي كف النفس عن هذه الأفعال قصدا فلا يشكل بما فعل نسيانا لأن فعل الناسي ليس بمعتبر شرعا والمراد بالوطء الوطء الكامل فلا يشكل بواطئ ميتة أو بهيمة بلا إنزال على أن التعريف بالأعم جائز ولو قال ترك المفطرات لزم الدور إذ هي مفسدات الصوم كما في القهستاني وكذا لا يشكل بالحائض والنفساء لانعدام شرطه وهو الطهارة عنها لكن لو قال إمساك عن إدخال شيء عمدا في بطنه أو ما له حكم الباطن لكان أوضح وذلك الإمساك ركنه من الفجر أي أول زمان الصبح الصادق عند جمهور العلماء وقيل انتشاره لكن الأول أحوط إلى الغروب الحسي بحيث تظهر الظلمة في جهة الشرق لا الحقيقي لأنه لا يمكن تحقيقه إلا للأفراد مع نية من أهله احتراز عن نية من ليس بأهل للصوم كالحائض والنفساء ونحوهما وهي شرط لصحة الأداء ليتميز بها العبادة عن العادة وأراد بمعية النية معية الوجود لا معية الاستمرار كما في شرح المجمع وهو أي الأهل مسلم احتراز عن الكافر عاقل احتراز عن المجنون طاهر من حيض ونفاس بالانقطاع فيصح صوم الجنب لكن قال في المنح ولا يشترط العقل والإفاقة للصحة لأن من نوى الصوم من الليل ثم جن في النهار أو أغمي عليه يصح صومه في ذلك اليوم وإنما لم يصح في اليوم الثاني لعدم النية لأنها من المجنون والمغمى عليه لا يتصور لا لعدم أهلية الأداء
____________________
(1/341)
وأما البلوغ فليس من شرط الصحة لصحته من الصبي العاقل وبهذا يثاب عليه
وفي الفتح وينبغي أن يزاد في الشروط العلم بالوجوب أو الكون في دار الإسلام لأن الحربي إذا أسلم في دار الحرب ولم يعلم بفرضية رمضان ثم علم ليس عليه قضاء ما مضى
وصوم شهر رمضان فإن المجموع علم في ثلاثة أشهر شهر رمضان شهر ربيع الأول شهر ربيع الآخر ورمضان محمول على الحذف للتخفيف وذلك لأنه لو كان رمضان علما لكان شهر رمضان بمنزلة إنسان زيد ولا يخفى قبحه ولهذا كثر في كلام العرب شهر رمضان ولم يسمع شهر رجب وشهر شعبان على الإضافة كما في التلويح والسر في قبحه عدم الاستعمال وإلا فهو من قبيل إضافة العام إلى الخاص وهي جائزة
تدبر وهي مشتق من رمض إذا احترق لأن الذنوب تحترق فيه فريضة لقوله تعالى كتب عليكم الصيام وعلى فرضيته انعقد الإجماع ولهذا يكفر جاحده كما في الهداية وإنما لم يقل وللإجماع كما قيل لأنه لما اتجه عليه أن يقال إنه عام خص منه البعض وهو الذي لم يجر عليه قلم التكليف من الصبي والمجنون فيكون دليلا ظنيا قاصرا عن إفادة الفرضية القطعية تداركه بقوله وعلى فرضيته انعقد الإجماع
تأمل على كل مسلم مكلف فلا يجب على الكافر والصبي والمجنون المستغرق جميع الشهر بالاتفاق اعلم أن شرطه ثلاثة أنواع شرط وجوبه كالإسلام والبلوغ والعقل وشرط وجوب أدائه كالصحة والإقامة وشرط صحة أدائه وقد مر بيانه آنفا وسبب وجوبه شهود جزء من الشهر ليلا أو نهارا وكل يوم سبب وجوب أدائه لأن الأيام متفرقة كالصلاة في الأوقات بل أشد لتخلل زمان لا يصلح للصوم أصلا وهو الليل ولا تنافي بين جمع السببين فشهود جزء من الشهر سبب لكله وكل يوم سبب لصومه غاية الأمر أنه تكرر سبب وجوب صوم اليوم باعتبار خصوصه ودخوله في ضمن غيره وحكمه سقوط الواجب وقيل ثوابه إن كان صوما لازما وإلا فالثاني كما في الفتح
وقال المولى ابن كمال الوزير إن السبب الجزء الأول في كل يوم لا كله وإلا يلزم أن يجب صوم كل يوم بعد تمام ذلك اليوم ولا الجزء المطلق وإلا لوجب صوم يوم بلغ فيه الصبي ولا وجه لأن يكون الشهر سببا باعتبار جزئه الأول أو باعتبار جزئه المطلق إذ يلزم على الأول أن لا يجب صوم ما بقي على من بلغ في أثناء الشهر ويلزم على الثاني أن يجب صوم الكل في الصورة المذكورة انتهى أقول فيه كلام لأن السبب شهود جزء من الشهر لا محالة لكن عدم وجوب صوم الكل في تلك الصورة لعدم وجدان الشرط وهو البلوغ لا لعدم وجدان السبب
____________________
(1/342)
فإذا بلغ في أثناء الشهر وجب صوم ما بقي لوجود الشرط ولا يجب صوم ما مضى لعدمه تدبر أداء لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقضاء لقوله تعالى فعدة من أيام أخر ويجب القضاء بما يجب به الأداء
وصوم المنذور معينا كما إذا قال لله علي أن أصوم يوم الخميس مثلا أو غير معين كقوله لله علي أن أصوم يوما مثلا وسببه النذر ولذا لو نذر صوم شهر بعينه فصام شهرا قبله عنه أجزأه لأنه تعجيل بعد وجود السبب ويلغو التعيين والكفارة لظهار أو قتل أو يمين أو جزاء صيد أو فدية الأذى في الإحرام والسبب الحنث والقتل واجب لم ينعقد الإجماع على فرضية واحد منهما بل على وجوبه أي ثبوته عملا لا علما ولهذا لا يكفر جاحده كما في الإصلاح لكن في الفتح الأظهر أنهما فرض للإجماع على لزومها ونص في البدائع على فرضية المنذور
وفي المواهب وفرض صوم الكفارات وكذا صوم المنذور في الأظهر
وفي التبيين الكفارة فرض والنذر واجب وقال يعقوب باشا وقول ابن مالك في شرحه ولو قال وصوم رمضان والنذر فرض وصوم الكفارات واجب لكان أولى ليس بتام لأنه لا فرق بين صوم النذر وصوم الكفارة في الواجبية أو الفرضية كما لا يخفى انتهى
على أنها يخالف ما في شرحه للمجمع تدبر
هذا بحث طويل فليطلب من شروح الهداية وغيرها وغير ذلك نفل يعني الزائد وهو أعم من السنة كصوم عاشوراء من التاسع والمندوب كصوم ثلاثة من كل شهر ويستحب كونها الأيام البيض ولم يذكر المكروه تنزيها وهو صوم عاشوراء منفردا ونحوه كما سنبين إن شاء الله تعالى
وصوم العيدين وأيام التشريق حرام لورود النهي عن الصيام في هذه الأيام
ويجوز أي يصح أداء رمضان والنذر المعين بنية واقعة من الليل وإلى ما قبل نصف النهار والنهار الشرعي من الصبح إلى المغرب فمنتصفه الضحوة الكبرى كما في أكثر الكتب لكن اللغوي كذلك كما في ديوان الأدب فحينئذ لا بد أن تكون النية موجودة في أكثر النهار ولو قال في الليل واليوم قبل نصفه لكان أولى لأن الشرط وجودها في أحد الوقتين لا ابتداؤها من أحدهما وانتهاؤها في الآخر كما في الإصلاح
وعند الشافعي لا بد من التبييت لا عنده أي نصف النهار في الأصح فلو نوى عند الضحوة أو بعدها لم يصح على الصحيح لأن الشرط عندنا اقتران النية بأكثر وقت الأداء لقيام الأكثر مقام الكل والأفضل أن ينوي مقارنا للصبح كما في التحفة وهذا خاص بالصوم لكونه ركنا واحدا بخلاف الحج
____________________
(1/343)
والصلاة فلا تجز بنية في أكثرها بل لا بد من اقترانها بالعقد على أدائها ولا فرق بين المسافر والمقيم من اشتراط الصوم بالنية وجوازها قبل نصف النهار خلافا لزفر فإنه قال بعدم اشتراطه بها في حق المقيم وبعدم جوازها إلا من الليل في حق المسافر
و يصح أداؤها بمطلق النية وهو أن يتعرض لذات الصوم دون الصفة كنويت الصوم فإن مراده بمطلق النية نية مطلق الصوم من غير تقييد بكونه نفلا أو فرضا وليس المراد أن الصوم يصح بالنية المطلقة من حيث إنها نية وهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ولو قال بنية المطلق لكان أولى وبهذا اندفع ما قاله القهستاني من أنه يصح صومه بنية نفل ويصح بنية مطلقة بإعادة النية الموصوفة بالإطلاق فإضافتها على ما في بعض النسخ مما لا ينبغي
تدبر ويشترط لكل يوم نية عندنا خلافا لمالك
وبنية النفل وقال مالك والشافعي لا يصح أداء رمضان إلا بنية على التعيين كما في الصلاة ولنا أما في النية المطلقة فلأن رمضان متعين للفرض لا يسع غيره والإطلاق في المتعين تعين كما نادى زيدا المنفرد في الدار بيا إنسان فإن فيه تعيينا له وأما في نية النفل فلأن وصفه بالنفل خطأ فيبطل ويبقى الإطلاق وهو تعيين ولو صام مقيم على غير رمضان لجهله به فوافقه فهو عنه
و يؤدى صوم رمضان بنية واجب آخر للصحيح المقيم يعني يصح أداء رمضان إذا نوى أن يكون عن واجب آخر عليه نحو كفارة قتل غير العمد أو ظهار لا يؤدى النذر المعين بنية واجب آخر بل يقع الأداء عما نواه كما
____________________
(1/344)
أن النفل لا يؤدى بنية واجب آخر بل يقع عما نوى هذا إن نوى بالليل لأنه لو نوى بعدما أصبح في يوم التعيين عن واجب آخر يكون عن نذره سواء كان مسافرا أو مقيما صحيحا أو مريضا والفرق بينهما أن التعيين إنما جعل بولاية الناذر وله حق إبطال صلاحية ما له وهو النفل لا ما عليه وهو القضاء ونحوه ورمضان متعين بتعيين الشارع
ولو نوى المريض أو المسافر فيه أي في رمضان واجبا آخر كالقضاء وكفارة القتل والظهار وقع صومه عما نوى هذه التسوية بين المريض والمسافر على رواية الحسن عن الإمام لكن فرق بينهما شمس الأئمة وفخر الإسلام في أصوليهما ووجهه أن إباحة الفطر له عند العجز عن أداء الصوم فأما عند القدرة فهو والصحيح سواء بخلاف المسافر فإن الرخصة في حقه تتعلق بعجز باطن قام السفر الظاهر مقامه وهو موجود
وفي الإيضاح أن هذا الفرق ليس بصحيح والصحيح أنهما متساويان وهو اختيار الكرخي وصاحب الهداية وغيرهما وأكثر مشايخ بخارى وبه أخذ المصنف لأن رخصته متعلقة بخوف ازدياد المرض لا بحقيقة العجز فكان كالمسافر في تعلق الرخصة لعجز مقدر وعندهما يقع عن رمضان لأن الرخصة كي لا تلزم المعذور مشقة فإذا تحملها التحق بغير المعذور ووجه قول الإمام أنهما شغلا الوقت بالأهم لتحتمه للحال وتخييرهما في صوم رمضان إلى إدراك العدة من الأيام الأخر ولو أطلق المسافر فالأصح أنه يقع عن رمضان على جميع الروايات كالمريض
والنفل كله وفي القهستاني عدم الإطلاق لأنه قال وشرط لقضاء رمضان والنذر والنفل الفاسد أن يبيت
تدبر يجوز بنية قبل نصف النهار مسافرا أو مقيما خلافا لمالك لقوله عليه الصلاة والسلام
____________________
(1/345)
بعد ما كان يصبح غير صائم إني إذن لصائم وهذا حجة على قول مالك فإنه قال لا بد من النية في الليل ويتمسك بإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام لا صيام لمن لم ينو من الليل وعند الشافعي يجوز بعده أيضا ويصير صائما حين نوى إذ هو منجز عنده لكن من شرطه الإمساك في أول النهار
والقضاء أي قضاء رمضان والنذر المطلق غير المعين كالنذر لصوم يوم أو شهر أو شبهه والكفارات أي كفارة رمضان والظهار واليمين والقتل والإحصار والصيد والحلق ومتعة الحج لا تصح إلا بنية معينة من الليل السابق ولو عند الطلوع بل هو الأصل لأن الواجب قران النية بالصوم لا تقديمها وإنما صح التقديم للعسر فلو نوى بعد الطلوع كان تطوعا وإتمامه مستحب ولا قضاء بإفطاره ولو نوى ليلا بأن يصوم غدا ثم عزم في الليل على الفطر لم يصر صائما ثم إذا أفطر لا شيء عليه إن لم يكن رمضان ولو نوى الصائم الفطر لم يفطر حتى يأكل ولو قال نويت صوم غد إن شاء الله تعالى فعن الحلواني يجوز استحسانا لأن المشيئة تبطل اللفظ والنية فعل القلب وصححه في الظهيرية
ويثبت رمضان أي دخوله وابتداؤه برؤية هلاله أو بعد شعبان أي بأن يعد شعبان ثلاثين يوما لقوله عليه الصلاة والسلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما والغيم عبارة عن عدم الظهور لعلة في السماء أو لقربه من الشمس
ولا يصام يوم الشك لقوله عليه الصلاة والسلام لا تقدموا الشهر بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم الحديث
وما رواه صاحب الهداية من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ولا يصام الذي شك فيه إلا تطوعا لا أصل له كما في التبيين لكن في الفتح خلافه تدبر إلا تطوعا أي نفلا بغير كراهة في الأصح وهو أي الصوم أحب إن
____________________
(1/346)
وافق صومه من الخواص والعوام صوما يعتاده كصوم يوم الخميس أو الاثنين أو ثلاثة من آخر شهر ولو صام يومين كره
وقال بعضهم إن كان بالسماء علة يصوم وإلا فلا وإلا أي وإن لم يوافق صوما يعتاده فيصوم الخواص أي العلماء أو الذين يعلمون نيته وهي أن يقصد التطوع بنية المطلق أو بنية النفل بلا قصد رمضان ويفطر غيرهم بعد نصف النهار نفيا لتهمة ارتكاب النهي لأن أبا يوسف أفتى الناس يوم الشك بالفطر بعد التلوم لما روي أن النبي عليه السلام أنه قال اصحوا يوم الشك مفطرين متلومين أي غير آكلين ولا صائمين قيل الأفضل الفطر وقيل الصوم وأجمعوا على أنه لا يأثم بالفطر أما في الصوم فقيل يكره ويأثم وقيل لا يأثم
وكره صومه أي صوم يوم الشك ناويا عن رمضان لتشبهه بأهل الكتاب أو عن واجب آخر لكن الثاني في الكراهة دون الأول لعدم التشبه بأهل الكتاب
وكذا يكره إن نوى مترددا بأنه إن كان يوم الشك رمضان فعنه وإلا فعن نفل أو عن واجب آخر أما في صورة ترديده بين رمضان ونفل فلأنه ناو للفرض من وجه وأما في صورة ترديده بين رمضان وواجب آخر فلترديده بين مكروهين هذا إذا كان مقيما وإن كان مسافرا يقع عن واجب آخر عند الإمام كما بين آنفا
وفي الفتح لا يكره صوم واجب آخر في يوم الشك لأن المنهي عنه رمضان لا غير ولو قال وإلا فعن غيره لكان أخصر وأوضح وصح في الكل أي من قوله وكره صومه إلى قوله واجب آخر عن رمضان إن ثبت أي إن ظهر أن ذلك اليوم من رمضان صح لوجود أصل النية
وإلا أي وإن لم يثبت رمضان فما نوى إن جزم وفي عامة المعتبرات إن ظهر أنه من شعبان فإن كان نوى رمضان يكون تطوعا وإن أفطر لا قضاء عليه لأنه ظان وإن كان نوى واجبا غير رمضان قيل
____________________
(1/347)
يكون تطوعا لأنه منهي عنه فلا يتأدى به الواجب وقيل يجزيه عن الذي نواه وهو الأصح وعلى هذا إطلاق المصنف غير صحيح إلا أن يراد بما نوى واجبا غير رمضان لكن تبقى صورة نية رمضان قطعا ولم يثبت
تدبر
و يصح عن نفل إن ردد في وصف الصوم لأن مطلق النية موجود وهو كاف في النفل ولو أفسد فلا قضاء عليه
وإن قال إن كان الغد الذي هو يوم الشك واقعا من رمضان فأنا صائم عنه وإلا فلا أصوم أصلا لا يصح ولو وصلية ثبت رمضانيته لعدم الجزم فيها فلا توجد النية ولا يصير صائما كما لو نوى أنه إن لم يجد غداء فهو صائم وإلا ففطر ولو ترك قوله ولا يصير صائما لكان أولى لأن عدم الصحة يستلزم عدم الصوم
وإذا كان بالسماء علة كغيم وغبار وغيرهما هذا شروع في بيان ثبوت رؤية الهلال ووجوب ابتداء الصوم به قبل في هلال رمضان خبر عدل واحد إذا لم يكذبه الظاهر لما صح أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قبل شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان وحقيقة العدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة وأدناها ترك الكبائر والإصرار على الصغائر فلزم أن يكون مسلما عاقلا بالغا ولو عبدا أو أنثى أو محدودا في قذف تاب وهو ظاهر الرواية وعن الإمام نفي رؤية المحدود لأنها شهادة من وجه وإنما اشترط العدالة لأن قول الفاسق في الديانات غير مقبولة وأما مستور الحال فعن الإمام قبوله وصححه البزازي وهو غير ظاهر الرواية
وفي الخانية تقبل شهادة الواحد على الواحد أطلق المصنف القبول ولم يقيد بتفسير المرئية
وقال في الذخيرة كان الشيخ أبو بكر محمد بن فضل إذا كانت السماء متغيمة إنما تقبل شهادة الواحد إذا فسر وقال رأيت الهلال خارج البلدة في الصحراء أو يقول رأيته في البلدة بين خلل السحاب في وقت يدخل في السحاب ثم ينجلي أما بدون هذا التفسير لا تقبل لمكان التهمة وعن الحسن يشترط النصاب له وهو قول مالك والشافعي في قول وأحمد في رواية
ولا يشترط لفظ الشهادة
وفي الخانية ولا
____________________
(1/348)
تشترط الدعوى ولا لفظ الشهادة في هذه الشهادة كما لا يشترط في سائر الإخبارات ولم يذكر المصنف الدعوى لأن في الفطر لم يشترط في الصحيح مع أنه تعلق به نفع العباد وهو الفطر فهنا أولى
و شرط مع العلة في ظاهر الرواية في هلال الفطر أي في شوال وذي الحجة شهادة حرين أو حر وحرتين
وفي القهستاني أنه تقبل فيه شهادة واحد بشرط العدالة والحرية وعدم الحد في القذف لما فيه من الإلزام ولفظ الشهادة لتعلق حق العباد به بخلاف رمضان لأنه حق الشرع وعن الإمام أن الأضحى كهلال رمضان لأنه من أمور الدين لكن الأظهر أنه كالفطر لنفع العباد به بالتوسع بلحوم الأضاحي مع أن فيه نفعا آخر وهو الإحلال من الحج لا الدعوى لما فيها من حق الله
وفي العدة أنه تشترط
وفي الخانية ينبغي أن يشترط فيه لفظ الشهادة وأما الدعوى فينبغي أن لا يشترط كما لا يشترط في عتق الأمة وطلاق الحرة عند الكل وعتق العبد في قولهما وفي الوقف على قول الفقيه أبي جعفر وعلى قياس قول الإمام ينبغي أن يشترط الدعوى في هلال الفطر وهلال رمضان كما في عتق العبد عنده
وإن لم يكن بالسماء علة مما ذكرنا فلا بد في الكل أي في هلال رمضان والفطر والأضحى من جمع عظيم غير مقدر في ظاهر الرواية يقع العلم بخبرهم ويحكم العقل بعدم تواطئهم على الكذب والمراد من العلم هنا ما يوجب العمل وهو غالب الظن لا العلم بمعنى اليقين نص اليقين نص عليه في المنافع والغاية لأن التفرد من بين الجمع الغفير مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع وسلامة الأبصار يوهم الغلط بخلاف ما إذا اعتل المطلع لأنه يجوز أن يتفرد بحدة نظره بأن ينشق الغيم فيتفق له النظر والمراد بالتفرد المذكور هاهنا تفرد من لم يقع العلم بخبرهم لا تفرد واحد وإلا لأفاد قبول اثنين وهو منتف ثم قيل في حد الكثير أهل المحلة وعن أبي يوسف خمسون رجلا كما في القسامة وعن خلف بن أيوب أنه قال خمسمائة ببلخ قليل فبخارى لا تكون أدنى من بلخي فلذا قال البقالي الألف ببخارى قليل وعن أبي حفص الكبير أنه يعتبر الوفاء وقيل ينبغي أن يكون من كل مسجد جماعة واحد أو اثنان وعن محمد أنه قال يفوض مقدار القلة والكثرة إلى رأي الإمام وهو الصحيح كما في التجنيس لأن ذلك يختلف باختلاف الأوقات والأماكن وكان الحكم فيه رأي الإمام
وفي
____________________
(1/349)
الفتح والحق ما روي عن محمد وأبي يوسف أيضا أن العبرة لتواتر الخبر ومجيئه من كل جانب حتى لا يتوهم تواطؤهم على الكذب
وفي الزاد وهو الصحيح
وفي رواية الحسن عن الإمام يكتفى باثنين رجلين أو رجل وامرأتين سواء كانت بالسماء علة أو لم تكن اعتبارا بسائر الحقوق
وفي البحر ولم أر من رجحها من المشايخ وينبغي العمل بها في زماننا لأن الناس تكاسلوا عن ترائي الأهلة فانتفى قولهم مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه فكان التفرد غير ظاهر في الغلط انتهى
لكن في ديارنا ليس كما قاله فعدم الترجيح أولى
تدبر
وقال الطحاوي يكتفى بواحد إن جاء من خارج البلد أو كان على مكان مرتفع قال المولى ابن كمال الوزير
وفي الذخيرة إنما لا تقبل شهادة الواحد على هلال رمضان إذا كانت السماء مصحية وإذا كان الواحد من المصر وأما إذا جاء من خارج المصر أو جاء من أعلى الأماكن في مصر ذكر الطحاوي أنه تقبل شهادته وهكذا ذكر في كتاب الاستحسان وذكر القدوري أنه لا تقبل شهادته في ظاهر الرواية وذكر الكرخي أنه تقبل
وفي الأقضية صحح رواية الطحاوي واعتمد عليها لقلة الموانع فإن هواء الصحراء أصفى فيجوز أن يراه دون أهل المصر وكذا إذا كان على مكان مرتفع في المصر لاختلاف الطلوع والغروب باختلاف المواضع في الارتفاع والانخفاض قال في خزانة الأكمل أهل إسكندرية يفطرون إذا غربت الشمس ولا يفطر من على منارتها فإنه يراها بعد حتى تغرب له هذا على رواية الطحاوي وأما في ظاهر الرواية فلا عبرة به
وفي القهستاني أن ما قال أهل التنجيم غير معتبر فمن قال إنه يرجع في ذلك إلى قولهم فقد خالف الشرع قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أتى كاهنا أو منجما فصدقه بما قال فهو كافر بما أنزل على قلب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعن الإمام في رواية إن رأى القمر قدام الشمس فلليلة الماضية وإن رآه خلفها فللمستقبلة وتفسيره أن يكون مجراه إلى المشرق والخلف إلى المغرب لأن سير
____________________
(1/350)
السيارة إلى المشرق فالقمر إذا جاوز الشمس ترى الهلال في جهة المشرق ولو رأوا الهلال قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة كما قال الإمام ومحمد وذهب أبو يوسف إلى أنه إذا رأى الهلال قبل الزوال أو بعده إلى وقت العصر فللماضية أما بعد العصر فهو لليلة المستقبلة وعن الإمام إن غاب قبل الشفق فمن هذه الليلة
وفي التجنيس والمختار قولهما
ولو صاموا ثلاثين ولم يروه حل الفطر إن صاموا أي إن كانوا ابتدءوا الصوم بشهادة اثنين عدلين والسماء متغيمة وما في القهستاني من أنه سواء تغيمت السماء في الزمانين أو لا لا يخلو عن خلل لأنه إذا لم تكن بالسماء علة يلزم الجمع الكثير ولم يقبل خبر اثنين إلا في رواية الحسن تدبر
وإنما حل الفطر فيه لوجود نصاب الشهادة على رؤية هلاله وكذا لو كانوا استكملوا عدة شعبان ثلاثين
وفي الفتح إذا صام أهل مصر رمضان على غير رؤية بل بإكمال شعبان ثمانية وعشرين ثم رأوا هلال شوال إن كانوا أكملوا عدة شعبان عن رؤية هلاله إذا لم يروا هلال رمضان قضوا يوما واحدا حملا على نقصان شعبان غير أنه اتفق أنهم لم يروا ليلة الثلاثين وإن أكملوا عدة شعبان من غير رؤية قضوا يومين احتياطا لاحتمال نقصان شعبان مع ما قبله فإنهم لو لم يروا هلال شعبان كانوا بالضرورة مكملين رجب
وإن صاموا بشهادة واحد لا يحل لهم الفطر سواء تغيمت السماء في الزمانين أو لا وقال محمد لو تغيمت السماء فيهما حل الفطر قال الحلواني لا خلاف فيه وإنما الخلاف إذا صحت
ومن رأى هلال رمضان أو الفطر وحده وشهد عند القاضي ورد قوله بدليل شرعي صام في الأول لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا قد شهده وفي الثاني لا يفطر لقوله عليه الصلاة والسلام صومكم يوم يصومون وفطركم يوم يفطرون الناس لم يفطروا في هذا اليوم فعليه موافقتهم قال أبو الليث لكن لا ينوي الصوم لأنه يوم عيد عنده وفيه إشارة إلى أنه يشهد عند حاكم والشهادة لازمة لئلا يفطر الناس إذا كان عدلا ولو متخدرة وكذا الفاسق إن علم قبول قوله وإن لم يوجد حاكم يشهد في المسجد وصاموا بقوله إذا كان عدلا ولا بأس للناس أن يفطروا إذا أخبر رجلان في هلال شوال والسماء متغيمة وليس فيه وال
ولو رأى الإمام وحده أو القاضي وحده هلال رمضان فهو بالخيار بين أن ينصب من يشهد عنده وبين أن يأمر الناس بالصوم بخلاف ما إذا رأى الإمام وحده أو القاضي وحده هلال شوال فإنه لا يخرج إلى المصلى ولا
____________________
(1/351)
يأمر الناس بالخروج
وإن أفطر من رد قوله قضى فقط بلا كفارة لأن الكفارة تندرئ بالشبهة وقد وجدت أما في هلال الصوم فلأنه صار مكذبا شرعا فأورث شبهة وأما في هلال الفطر فلأنه يوم عيد عنده
ولو أكمل ثلاثين يوما لا يفطر إلا مع الإمام للاحتياط ولو أفطر لا كفارة عليه اعتبارا للحقيقة التي عنده واختلفوا فيما أفطر قبل رد الإمام شهادته في وجوب الكفارة فمنهم من أوجبها فيهما والصحيح أنه لا كفارة عليه وأوجب الشافعي الكفارة في هلال رمضان مطلقا إن أفطر بالوقاع
ويجب على الناس وجوب كفاية التماس الهلال في التاسع والعشرين من شعبان ومن رمضان وكذا ذو القعدة لأن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وكذا يجب على الحاكم أن يأمر الناس بذلك
وإذا ثبت في موضع لزم جميع الناس ولا اعتبار باختلاف المطالع حتى قالوا لو رأى أهل المغرب هلال رمضان يجب برؤيتهم على أهل المشرق إذا ثبت عندهم بطريق موجب كما لو شهدوا عند قاض لم ير أهل بلده على أن قاضي بلد كذا شهد عنده شاهدان برؤية الهلال في ليلة كذا وقضى القاضي بشهادتهما جاز لهذا القاضي أن يقضي بشهادتهما لأن قضاء القاضي حجة وقد شهدا به وأما لو شهدا أن أهل بلدة كذا رأوا الهلال قبلكم بيوم وهذا يوم الثلاثين فلم ير الهلال في تلك الليلة والسماء مصحية فلا يباح الفطر غدا ولا يترك التراويح لأن هذه الجماعة لم يشهدوا بالرؤية ولا على شهادة غيرهم وإنما حكوا رؤية غيرهم قال الحلواني الصحيح من مذهب أصحابنا أن الخبر إذا استفاض في بلدة أخرى وتحقق يلزمهم حكم تلك البلدة وقيل
____________________
(1/352)
يختلف باختلاف المطالع
وفي التبيين والأشبه أن يعتبر هذا القول لأن كل قوم يخاطبون بما عندهم وانفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار كما أن دخول الوقت وخروجه يختلف باختلافهما
وقال في الدرر يؤيده ما مر في أول كتاب الصلاة أن صلاة العشاء والوتر لا تجب بفاقد وقتهما
وفي الاختيار وذكر في فتاوى الحسامية إذا صام أهل مصر ثلاثين يوما برؤية وأهل مصر آخر تسعة وعشرين يوما برؤية فعليهم قضاء يوم إن كان بين المصرين قرب بحيث يتحد المطلع وإن كان بعد بحيث يختلف لا يلزم أحد المصرين حكم الآخر وحده على ما في الجواهر مسيرة شهر فصاعدا اعتبارا بقصة سليمان عليه السلام فإنه انتقل كل غدو ورواح من إقليم إلى إقليم وبين كل منهما مسيرة شهر لكن يفهم من عبارة المصنف عدم الاعتبار مطلقا وهو المذهب وظاهر الرواية وعليه الفتوى كما في أكثر المعتبرات
بفتح الجيم ما يوجبه الإفساد للصوم يعني الحكم المترتب على الإفساد بالكسر ما به الفساد يعني الأسباب للفطر لما فرغ من أنواع الصوم شرع في بيان ما يجب عند إبطاله لأنه أمر عارض على الصوم فلهذا يذكر مؤخرا ثم العوارض على ثلاثة أقسام الأول ما يفسده مع القضاء والكفارة والثاني ما يوجب القضاء دون الكفارة والثالث ما يتوهم أنه مفسد وليس بمفسد وقد بين الأقسام بالترتيب فقال يجب القضاء وهو تسليم مثل الواجب استدراكا للمصلحة الفائتة والكفارة لكمال الجناية ككفارة المظاهر بأن يعتق رقبة فإن لم يستطع
____________________
(1/353)
فيصوم شهرين ولاء إذ بإفطار يوم استقبل فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وإنما ترك بيان وقت وجوب القضاء والكفارة إشعارا بأنه على التراخي كما قال محمد
وقال أبو يوسف إنه على الفور وعن الإمام روايتان وقيل بين رمضانين وبه قال الكرخي والأول أصح على من جامع من الجماع وهو إدخال الفرج في الفرج
وفي الخزانة التقاء الختانين موجب للكفارة أو جومع في أداء رمضان إذ في غير رمضان لا يوجب الكفارة عمدا أي حال كونه عامدا احتراز عن الإكراه والخطأ والنسيان
وفي فتاوى سمرقند وإن أكرهت المرأة زوجها فجامعها مكرها تجب الكفارة عليه لأن الجماع لا يتصور إلا باللذة والانتشار وذلك دليل الاختيار لكن الصحيح أنها لا تجب وهو قولهما وعليه الفتوى ولو أكرهها هو فلا كفارة عليها إجماعا في أحد السبيلين أي القبل والدبر من إنسان حي فالجماع في الدبر موجب للكفارة كما قالا وهو الصحيح من مذهب الإمام لأن الجناية كاملة
ولو جامعها ثم مرض في يومه سقطت الكفارة كما في المحيط
ولو لف ذكره بخرقة مانعة للحرارة لم يكفر كما في المنية
ولو جامع مرارا في يوم من رمضان واحد ولم يكفره كانت عليه كفارة واحدة فإذا كفر للأولى ثم جامع مرة أخرى فعليه كفارة أخرى في ظاهر الرواية
ولو جامع في رمضانين لزمت كفارتان كما روي عن محمد وقال أكثر المشايخ كفارة واحدة وهو الصحيح للتداخل أو أكل أو شرب عمدا سواء نوى من الليل أو النهار على الصحيح وشرطوا في وجوب الكفارة على من أفطر في رمضان من كون المأكول غداء هو اصطلاحا ما يقوم بدل ما يتحلل عن شيء وهو بالحقيقة الدم وباقي الأخلاط كالأبازير وعرفا وهو المراد ما من شأنه أن يصير البدل كالحنطة والخبز
وفي المحيط إذا أكل ما يؤكل عادة يكفر وما لا فلا وعند أحمد والشافعي في قول في الأكل والشرب لا يكفر ولو مضغ لقمة ناسيا فتذكر فابتلعها بعد إخراجها فلا كفارة وعليه القضاء لأنها شيء تعافه الناس وإن ابتلعها قبل إخراجها فعليه الكفارة كما في شرح المنظومة أو دواء وهو ما يؤثر في البدن بالكيفية فقط
____________________
(1/354)
كالكافور وغيره لكن في المحيط لو أكل ما يتداوى به قصدا أو تبعا لغيره يكفر وإلا فلا
وكذا أي يجب القضاء والكفارة لو احتجم الصائم أو اغتاب من الغيبة فظن أنه أي كل واحد من الاحتجام والاغتياب فطره فأكل عمدا لعدم الفطر صورة ومعنى فقوله عليه السلام الغيبة تفطر الصائم مؤول بالإجماع بذهاب الثواب ولهذا يجب عليه القضاء والكفارة إذا أكل عمدا إن ظن أنه أفطره سواء بلغه الحديث أو لم يبلغه عرف تأويله أو لم يعرف أفتاه مفت أو لم يفت لأن الفطر بالغيبة يخالف القياس بخلاف حديث الحجامة وهو قوله عليه الصلاة والسلام أفطر الحاجم والمحجوم فإن بعض العلماء أخذ بظاهره من غير تأويل مثل الأوزاعي وأحمد ولهذا إذا سمعه فأفطر اعتمادا على ظاهره لا تجب الكفارة عند محمد لأن قول الرسول لا يكون أدنى درجة من قول المفتي لكن أجاب العلماء عنه بأنه منسوخ وكذا إذا أفتاه مفت بفساد صومه فحينئذ لا كفارة عليه لأن الواجب على العامي الأخذ بفتوى المفتي فتصير الفتوى شبهة في حقه وإن كان خطأ في نفسها وعن أبي يوسف كفر العامي إذا بلغه الحديث فأكل لأن عليه استفتاء فقط لأن الحديث قد يترك ظاهره وينسخ
ولو لمس أو قبل امرأته بشهوة أو ضاجعها ولم ينزل فظن أنه أفطر فأكل عمدا كان عليه الكفارة إلا إذا تأول حديثا أو استفتى فقيها فأفطر فلا كفارة عليه
ولا كفارة بإفساد صوم غير رمضان لأنه لم يهتك حرمة الشهر فعلى هذا لا تلزم الكفارة على قضاء رمضان
ويجب القضاء فقط بغير كفارة لو أفطر خطأ كما إذا تمضمض فدخل الماء حلقه وعند أحمد والشافعي
____________________
(1/355)
في قول في الخطأ لا يفسده كالنسيان وصرح الخطأ مع ما علم من قوله عمدا تفصيلا لمحل الخلاف وبهذا ظهر فساد ما قيل ولفظ الخطأ مستدرك أو أفطر مكرها خلافا للشافعي فيما إذا صب الماء في حلقه كرها أما لو أكره على شرب فشرب هو مكرها يفطر بالإجماع أو احتقن على البناء للفاعل أي استعمل الحقنة أو استعط على البناء للفاعل وهو إيصال مائع إلى الجوف من طريق المنخرين أو أقطر في أذنيه على البناء للمفعول كما في النهاية وأراد به غير الماء ولم يقيد اعتمادا على انفهامه مما سيأتي وإنما يجب القضاء عليه في هذه الصور لقوله عليه الصلاة والسلام الفطر مما دخل ولوجود معنى الفطر وهو وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف ولا كفارة عليه لانعدام الفطر صورة أو داوى جائفة وهي الطعنة التي تبلغ الجوف أو داوى آمة بالمد والتشديد وهي الشجة التي تبلغ أم الرأس فوصل الدواء في الجائفة إلى جوفه أو دماغه أي وصل الدواء في الآمة إلى أم الرأس وهو لف ونشر مرتب هذا عند الإمام لوصول الغداء إلى جوفه وقالا لا يفطر لأنه لم يصل من المنفذ الأصلي وظاهره أن الرطب واليابس سواء كما هو رأي أكثر المشايخ فلو لم يصل الرطب إلى الجوف لم يفسد وقيل الرطب مفسد عنده خلافا لهما وإنما شرط كونه مما فيه صلاح البدن احترازا عما إذا طعن برمح فإنه غير مفسد وإن بقي الزج في جوفه لكن إذا نفذ السهم إلى جانب آخر أو دخل حجر من جائفة أو غيب حشفته في دبره يفسد كما في القهستاني لكن في الخانية عدم الفساد فيما نفذ السهم إلى جانب آخر ودخل الحجر في الجائفة وكذا إذا أدخل أصبعه فيه على المختار لكن في المنح إن كانت رطبة ففسد وإن كانت يابسة ليس بمفسد وكذا لو بالغ في الاستنجاء حتى بلغ موضع الحقنة أفطره وتذكر الصوم شرط في جميع هذه الصور لأن الناسي في جميعها ليس بمفطر اتفاقا
أو ابتلع حصاة أو حديدا أو نحوهما مما ليس فيه صلاح البدن ولم يرغب الناس في أكله وهو ذاكر لصومه سواء كان أقل من الحمصة أو أكثر لكن لو اعتاد أكل الحصاة والزجاج والطين الذي يغسل به الرأس وجبت الكفارة
وفي المنية لو ابتلع
____________________
(1/356)
الحصاة مثلا مرارا لأجل معصية كفر زجرا وعليه الفتوى
ولو أكل الطين الأرمني فعليه الكفارة في المختار لأنه يؤكل للدواء وعن أبي يوسف لا كفارة في الطين الأرمني
وفي المنح تجب الكفارة في المختار وقيل لا تجب في قليله دون كثيره ولا في النواة والقطن والكاغد والسفرجل إذا لم يدرك ولا تجب في الدقيق والأرز والعجين إلا عند محمد وتجب بأكل اللحم النيء وإن كانت ميتة منتنة إلا إن دودت فلا تجب واختلف في الشحم واختار أبو الليث الوجوب فإن كان قديدا وجبت بلا خلاف كما في الفتح
ولو أكل دما في ظاهر الرواية لا يكفر وقيل يكفر لأن بعض الناس يشربون الدم
ولو ابتلع فستقا مشقوق الرأس كفر كما في القهستاني لكن في الخانية عدم الكفارة ولو أكل الطين الذي يؤكل تفكها فعن محمد لا كفارة فيه إلا أن مشايخنا قالوا بوجوبها استحسانا وعنه أنه كفر في الطين مطلقا
أو استقاء لقوله عليه الصلاة والسلام من قاء لا قضاء ومن استقاء عمدا فعليه القضاء قيد عمدا للاحتراز عن الاستقاء ناسيا للصوم إذ حينئذ لا يفسد ومن لم يتنبه لهذا قال ذكر العمد تأكيد لأن الاستقاء استفعال من القيء وهو التكلف فيه ولا يكون التكلف إلا بالعمد ملء فمه بالإجماع وإن قل لا يفطر عند أبي يوسف
وفي المنح هو الصحيح لكن إطلاق الحديث ينتظم القليل والكثير وهو قول محمد وفي رواية عن أبي يوسف أنه يفطر إلحاقا بملء الفم لكثرة الصنع
وقال ابن كمال الوزير وضعف قول أبي يوسف لكونه تعليلا في مقابلة النص لكثرة الصنع حيث استقاء وأعاد وهذا كله إذا تقيأ مرة أو طعاما أو ماء فإن بلغما لم يفسد صومه عندهما وعند أبي يوسف يفسد إذا كان ملء الفم
أو تسحر أي أكل السحور بفتح السين اسم للمأكول في السحر وبالضم جمع سحر وهو السدس الأخير من الليل كما في الفتح
وفي الدرر في الإيمان من نصف الليل إلى الفجر بظنه أي بظن الوقت الذي تسحر فيه ليلا والفجر طالع والحال أن الفجر الصادق كان طالعا أو أفطر آخر النهار يظن على لفظ الفعل أو الظرف الغروب أي حال كونه ظانا غروب الشمس أو بظن أن
____________________
(1/357)
الشمس غربت ولم تغرب أي والحال أن الشمس لم تغرب فيجب عليه إمساك بقية يومه قضاء لحق الوقت والقضاء لأنه حق مضمون بالمثل ولا تجب الكفارة لأن الجناية قاصرة ولو شك في طلوع الفجر فالأفضل ترك السحور وروي عن الإمام أنه قال أساء بالأكل مع الشك إذا كانت ببصره علة أو كانت الليلة مقمرة أو متغيمة أو كان في مكان لا يستبين فيه الفجر وإن غلب على ظنه طلوع الفجر لا يأكل فإن أكل ينظر فإن لم يتبين له شيء فعليه قضاؤه عملا بغالب الرأي وفيه الاحتياط وعلى ظاهر الرواية لا قضاء عليه لأنه بناء الأمر على الأصل فلا يتحقق العمد به وأما إذا شك في غروب الشمس فلا يحل له الفطر لأن الأصل هو النهار فلو أكل عليه القضاء وفي الكفارة روايتان ومختار الفقيه أبي جعفر لزومها قال الكمال هذا إذا لم يتبين الحال فإن ظهر أنه أكل قبل الغروب فعليه الكفارة لا أعلم فيه خلافا ولو كان أكبر رأيه أنها لم تغرب فعليه القضاء رواية واحدة
وفي الخلاصة والخانية عليه الكفارة لأن النهار كان ثابتا وقد انضم إليه أكبر رأيه فصار بمنزلة اليقين
وفي القهستاني ويتسحر بقول عدل وكذا بضرب الطبول واختلف في الديك وأما الإفطار فلا يجوز بقول واحد بل بالمثنى ولو أفطر أهل الرستاق بصوت الطبل يوم الثلاثين ظانين أنه يوم العيد وهو لغيره لم يكفروا
وأكل ناسيا صومه فظن أنه أفطر فأكل عمدا فيجب القضاء لوصول الفطر ولا تجب الكفارة لأن صومه فسد قياسا فصار ذلك شبهة فإن كان بلغه الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وعلم أن صومه لا يفسد في النسيان روي عن الإمام أنه لا كفارة عليه وهو الصحيح خلافا لهما وكذا لو ذرعه القيء فأكل متعمدا كفر إن كان عالما في قولهم وإن جاهلا فكذلك في قول الإمام خلافا لأبي يوسف وقول محمد مضطرب ولو اغتسل فظن أن ذلك أفطره بوصول الماء إلى الجوف والدماغ من أصول الشعر
____________________
(1/358)
فأكل بعد ذلك متعمدا كفر على كل حال
ولو احتلم في نهار رمضان ثم أكل متعمدا كفر وإن جاهلا فكذلك عند الإمام في ظاهر الرواية
وعن محمد إن استفتى فقيها فأفطر لا يكفر وهو الصحيح وكذا لو اكتحل أو ادهن نفسه أو شاربه فاستفتى فقيها فأفطر لا كفارة والكل في الخانية وكذا لو وطئ ناسيا فظن الفطر ثم جامع عامدا لا كفارة عليه
أو صب في حلقه نائما أي لو كان الصائم نائما فصب أحد في فمه ماء أو سقط ماء المطر في فمه فدخل جوفه فإنه يقضي ولا كفارة عليه أو جومعت نائمة
وقال زفر والشافعي لا تجب عليها القضاء في المسألتين لانعدام القصد أو مجنونة بأن جنت بعد أن نوت فجامعها رجل ثم أفاقت وعلمت بما فعل فإنها تقضي لأن الجنون لا ينافي الصوم وإنما ينافي شرطه أعني النية حتى لو وجدت النية حال الإفاقة ثم جنت ولم يطرأ عليها مفسد لا تقضي اليوم الذي نوته وبهذا اندفع ما قيل كانت في الأصل مجبورة فصحفها الكاتب مع أن استعمال المجبورة بمعنى المجبرة ضعيف لفظا كما في التبيين
أو لم ينو في رمضان صوما ولا فطرا مع الإمساك فيجب القضاء لعدم العبادة بفقد النية
وكذا لو أصبح غير ناو للصوم فأكل فيجب القضاء ولا كفارة عليه عند الإمام سواء أكل قبل الزوال أو بعده
وقال زفر عليه الكفارة لأنه يتأدى بغير النية عنده وعندهما تجب الكفارة أيضا إن أكل قبل الزوال وبعده لا لأنه تفويت إمكان التحصيل فكان قادرا على النية قبل الزوال فلزمته الكفارة وله أن تفويته إنما يستقيم فيما لا يندرئ بالشبهة إذ لا صوم بدون النية مع أنه ذهب سفيان الثوري إلى عدم تأدي الصوم بنية النهار فأورث ذلك شبهة وعلى هذا إطلاق المصنف غير صحيح ولا بد من التقييد بما إذا أكل قبل الزوال كما في الهداية وغيرها إلا أن يقال إن النية في غير وقتها في حكم العدم وبهذا اعتمد أن الاختلاف يقع قبل الزوال بدأ فأطلقه
تدبر
ولو أكل أو شرب أو جامع ناسيا لا يفطر استحسانا لقوله عليه الصلاة والسلام للذي أكل أو شرب ناسيا تم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك والجماع في معنى الأكل فثبت أيضا بدلالته والقياس أنه يفطر لوجود ما يضاد الصوم وهو قول مالك فإن قلت كيف عملتم به وهو خبر الواحد مخالفا لكتاب الله تعالى لأنه أمر فيه بالإمساك ولم يبين هناك قلت عملنا لأن اعتبار النسيان يؤدي إلى الحرج قال الله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج والأصح أن النسيان قبل النية وبعدها سواء
ولو أكل ناسيا أول النهار ثم نوى في وقته جاز وقيل لم يجز ومن رأى صائما يأكل ناسيا يخبره إذا كان شابا وإن شيخا لا
وفي الجوهرة إن رأى قوة يمكنه أن يتم
____________________
(1/359)
الصيام إلى الليل يخبره وإلا فلا وفي الواقعات والمختار أنه يخبره
وفي الخزانة والأولى أن يقضي إذا أفطر ناسيا وعن أبي يوسف رجل يأكل ناسيا فقيل له إنك صائم فأكل وهو لا يذكر صومه أفطر وهو قول الإمام لأن قول الواحد في الديانات حجة كما في المحيط وإن بدأ بالجماع ناسيا أو أولج قبل الطلوع ثم طلع الفجر والناسي تذكر إن نزع نفسه في فوره لا يفسد صومه في الصحيح وإن داوم حتى نزل ماؤه اختلف فيه قال بعضهم عليه القضاء فقط وقال بعضهم إن مكث ولم يحرك نفسه لا كفارة وإن حرك نفسه بعده كفر كما في الخانية
ولو أولج قبل الصبح فلما خشي الصبح نزع وأمنى بعد الصبح فلا شيء في الصحيح
وكذا لو نام نهارا فاحتلم لقوله عليه الصلاة والسلام ثلاثة بالتاء وبدونه رواية لا يفطرن الصوم القيء والحجامة والاحتلام أو أنزل بنظر لأنه لم يوجد منه صورة الجماع ولا معناه وهو الإنزال عن شهوة بالمباشرة كما إذا تفكر فأمنى
ولو استمنى بكفه أفطر وهو المختار أو ادهن أو اكتحل وإن وجد طعمه في حلقه لأن الداخل من المسام الغير النافذة لا ينافي كما لو اغتسل بالماء البارد ووجد برودته في كبده لكن ينبغي أن يكون مكروها على الخلاف قياسا على صب الماء على البدن كما في القهستاني أو قبل سواء في فمه أو موضع آخر من بدنه ولم ينزل لعدم المنافي لا صورة ولا معنى أو اغتاب أو احتجم لما رويناه آنفا أو غلبه القيء لو ملء الفم أو تقيأ أو تكلف في القيء قليلا لم يبلغ ملء الفم هذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد أو أصبح جنبا لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصبح أحيانا جنبا من غير احتلام وهو صائم لأن الله تعالى أباح المباشرة بالليل ومن ضرورتها وقوع الغسل بعد الصبح
أو صب في أذنيه ماء وفي الخانية وإن صب الماء في أذنه اختلفوا فيه والصحيح
____________________
(1/360)
هو الفساد لأنه وصل إلى الجوف بفعله فلا يعتبر فيه صلاح البدن
وكذا لو صب في إحليله دهن أو غيره لا يفسد عند الإمام خلافا لأبي يوسف فإنه قال يفطر وقول محمد مضطرب
وفي التبيين وغيره والأظهر مع الإمام وهذا الاختلاف مبني على أنه هل بين المثانة والجوف منفذ والأظهر أنه لا منفذ له وإنما يجتمع البول فيها بالترشيح كما يقول الأطباء هذا فيما وصل إلى المثانة فإن لم يصل بأن كان في قصبة الذكر لا يفطر اتفاقا والإفطار في أقبال النساء قالوا أيضا على هذا الاختلاف لكن الأصح يفسد بلا خلاف كما في أكثر المعتبرات
ولو وضعت قطنة فانتهت إلى الفرج الداخل وهو الرحم فسد
وإن دخل في حلقه غبار أو دخان أو ذباب وهو ذاكر لصومه لا يفطر والقياس أن يفطر لوصول المفطر إلى جوفه وإن كان لا يتغذى به وجه الاستحسان أنه لا يقدر على الامتناع عنه فإنه إذا أطبق الفم لا يستطاع الاحتراز عن الدخول من الأنف فصار كبلل تبقى في فيه بعد المضمضة وعلى هذا لو أدخل حلقه فسد صومه حتى إن من تبخر ببخور فاستشم دخانه فأدخله حلقه ذاكرا لصومه أفطر لأنهم فرقوا بين الدخول والإدخال في مواضع عديدة لأن الإدخال عمله والتحرز ممكن ويؤيده قول صاحب النهاية إذا دخل الذباب جوفه لا يفسد صومه لأنه لم يوجد ما هو ضد الصوم وهو إدخال الشيء من الخارج إلى الباطن وهذا مما يغفل عنه كثير فليتنبه له
وفي الخانية لو دخل دمعه أو عرق جبهته أو دم رعافه حلقه فسد صومه
ولو دخل حلقه مطر أو ثلج أفطر في الأصح واختلفوا في المطر والثلج
وقال بعضهم المطر يفسد والثلج لا وقال بعضهم على العكس وقال عامتهم بإفسادهما وهو الصحيح لحصول المفطر معنى ولإمكان الاحتراز عنه إذ آواه إلى خيمة أو سقف كما في العناية
وقال سعدي أفندي قال ابن العز في تعليله نظر فإنه قد لا يكون عند خيمة ولا سقف ولو علل
____________________
(1/361)
بإمكان الاحتراز عنه بضم فمه لكان أظهر ثم قال فيه تأمل انتهى
وقال صاحب الفرائد وجه التأمل إمكان الاحتراز عن الغبار والدخان والذباب بضم فمه أيضا انتهى
أقول هذا ليس بسديد لأنه لا يمكن الاحتراز عن الغبار والدخان بضم فمه لأنه إذا أطبق الفم لا يستطاع الاحتراز عن الدخول من الأنف كما بين آنفا فليتأمل
وفي الفتح ولو دخل فمه مطر كثير فابتلعه كفر
ولو خرج دم من أسنانه فدخل حلقه إن ساوى الريق فسد وإلا لا
ولو استشم المخاط من أنفه حتى أدخله فمه وابتلعه عمدا لا يفطر
ولو خرج ريقه من فمه فأدخله وابتلعه إن كان لم ينقطع من فيه بل متصل بما في فيه كالخيط فاستشربه لم يفطر وإن كان انقطع وأخذه وأعاده أفطر ولا كفارة عليه كما لو ابتلع ريق غيره
وفي الكنز لو ابتلع بزاق صديقه كفر ولو اجتمع الريق في فيه ثم ابتلعه يكره ولا يفطر
ولو تغير ريق الخياط بخيط مصبوغ وابتلعه إن صار ريقه مثل صبغ الخيط فسد وإلا لا
ولو ترطب شفتاه بالبزاق عند الكلام ونحوه فابتلعه لا يفطر
وفي المنية لو فتل خيطا ببزاقه ثم أدخله في فيه ثم أخرجه لم يفسد وإن فعله عشر مرات وكذا لو ابتلع سلكة وطرفها بيده أما لو ابتلع الكل فسد
ولو وطئ امرأة ميتة أو بهيمة حية أو وطئ حيا في غير السبيلين كالفخذ والبطن والإبط أو قبل أو لمس أي مس البشرة بلا حائل لأنه لو مسها من وراء الثوب فأنزل فسد إذا وجد حرارة أعضائهم وإلا فلا كما في المحيط إن أنزل قيد للجميع أفطر ولزمه القضاء لأن في الإنزال يوجد فيها معنى الجماع ولا كفارة لنقصان الجناية لعدم المحل المشتهى في الميتة والبهيمة ولعدم صورة الجماع في الباقي
وإلا أي وإن لم ينزل فلا يفطر لعدم موجب الإفطار ولو قبل بهيمة أو نظر فرجها فأنزل لا يفسد
وإن ابتلع الصائم ما بين أسنانه مما يؤكل فإن كان ما ابتلعه قدر الحمصة قضى وإن كان دونها لا يقضي
وقال زفر يقضي لأن الفم له حكم الظاهر ولهذا لا يفسد الصوم
____________________
(1/362)
بالمضمضة وأجيب بأن القليل يبقى عادة بين الأسنان فيكون تابعا للريق بخلاف الكثير والفاصل بينهما قدر الحمصة لكن في الفتح إن لم يمكنه الابتلاع بلا استعانة البزاق فهو علامة القلة وإلا فعلامة الكثرة
وقال وهو حسن وذكر وجهه لكن لا كفارة في قدر الحمصة عند أبي يوسف لأن الطبع يعافه خلافا لزفر
وفي الفتح والتحقيق أن المفتي في الوقائع لا بد له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس وقد عرف أن الكفارة تفتقر إلى كمال الجناية فينظر في صاحب الواقعة إن كان ممن يعاف طبعه ذلك أخذ بقول أبي يوسف وإن كان ممن لا أثر عنده لذلك أخذ بقول زفر إلا إذا أخرجه أي ذلك القليل من فيه ثم أكله فإنه يقضي فقط بلا خلاف
ولو أكل سمسمة من الخارج إن ابتلعها أفطر فتجب الكفارة على المختار كما في الخلاصة
وإن مضغها فلا لأنها تتلاشى في فمه إلا إذا وجد طعمها ففسد والقيء ملء الفم إن عاد بنفسه أو أعيد وهو ذاكر لصومه يفسد عند أبي يوسف وإن كان قليلا من ملء فمه لا يفسد وعند محمد يفسد بإعادة القليل لا يفسد بعود الكثير والحاصل أن أبا يوسف يعتبر الخروج ومحمد يعتبر الصنع وفي إعادة الكثير يفطر إجماعا وفي عوده يفطر عند أبي يوسف خلافا لمحمد وقول محمد هو الصحيح كما في الخانية وفي عود القليل لا يفطر إجماعا وفي إعادته يفطر عند محمد خلافا لأبي يوسف وقول أبي يوسف هو الصحيح كما في الخلاصة
وكره ذوق شيء مفطر من غداء أو دواء لأن فيه تعريض الصوم للفساد من غير ضرورة قيل هذا في الفرض
____________________
(1/363)
وأما التطوع فلا يكره ومضغه بلا عذر وإن كان في فيه فإن احتاج إلى المضغ فلا شيء
وفي التبيين لا بأس بأن تذوق المرأة المرقة بلسانها إذا كان زوجها أو سيدها سيئ الخلق
وفي الفتح وليس من الأعذار الذوق عند الشراء ليعرف الجيد من الرديء بل يكره لكن في المحيط عدم الكراهة خوفا للغبن في المشترى
و كره مضغ العلك قيل إذا كان أبيض ممضوغا وإلا يفطر لكن إطلاق المصنف يشعر بأن لا فرق بين علك وعلك وممضوغ وغير ممضوغ كما في ظاهر الرواية
وفي الفتح إذا فرض في بعض العلك معرفة الوصول منه عادة وجب الحكم فيه بالفساد ولأنه كالمتيقن وفي غير الصوم لا يكره وللمرأة مضغ العلك فإنه يقوم مقام السواك في حقهن ويكره للرجال إذا لم يحتج إليه
و كره القبلة إن لم يأمن الوقوع في الوقاع أو الإنزال على نفسه لا يكره إن أمن لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم رخص للشيخ وهذا حجة على محمد فإنه قال تكره القبلة مطلقا
ولا يكره الكحل أي استعمال الكحل ويجوز ضم الكاف لكن الفتح يناسب بالمقام لما روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اكتحل وهو صائم
ودهن الشارب بفتح الدال بالمعنى المصدري وبالضم اسم والاسم لا يناسب المقام لأن الإضافة إلى الشارب يأباه وإنما لا يكره إذا قصد بهما التداوي دون الزينة
و لا يكره السواك أي استعمال الخشب المخصوص سواء كان مبلولا بالماء أو لا وكره أبو يوسف بالرطب والمبلول ولو عشيا أي بعد الزوال وكره الشافعي بعد الزوال
ولا يكره مضغ طعام لا بد منه لطفل بأن لم يوجد من يمضغ له ممن هو ليس بصائم ولم يوجد ما يأكله ذلك الصبي من غير مضغ لأن الضرورة تبيح الممنوع فالأولى أن تبيح المكروه
ولا تكره الحجامة لما رويناه آنفا ويكره عند الإمام الاستنشاق للتبرد وصب الماء على رأسه
وكذا الاغتسال والتلفف بثوب مبلول لما فيه من إظهار التضجر في
____________________
(1/364)
إقامة العبادة
ولا يكره ذلك عند أبي يوسف لورود الأثر وهذه الأشياء عون على العبادة ودفع للتضجر الطبيعي وبه يفتى
وقيل تكره المضمضة لغير عذر وإنما قال لغير عذر ليشمل الوضوء ومن ابتلي باليبوسة حيث لو لم يتمضمض لا يقدر على التكلم
و تكره المباشرة والمعانقة والمصافحة في رواية عن الإمام لتعرضه للفساد
ويستحب السحور قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تسحروا فإن في السحور بركة قيل المراد بالبركة حصول التقوي على صوم الغد أو المراد زيادة الثواب
وفي الفتح ولا منافاة فليكن المراد بالبركة كلا من الأمرين
وتأخيره أي السحور إلى ما لم يشك في الفجر
وتعجيل الفطر لقوله عليه الصلاة والسلام ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الإفطار وتأخير السحور والسواك ومن السنة أن يقول حين الإفطار اللهم لك صمت وبك آمنت وعليك توكلت وعلى رزقك أفطرت ولصوم الغد من شهر رمضان نويت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت
____________________
(1/365)
فصل في بيان وجوه الأعذار المبيحة للإفطار وما يتعلق بها ولما اختلف الحكم بالعذر فلا بد من معرفة الأعذار المسقطة للإثم فلذا ذكرها في فصل على حدة يباح الفطر لمريض خاف بالاجتهاد أو بإخبار طبيب مسلم غير ظاهر الفسق وقيل عدالته شرط والمراد بالخوف غلبة الظن زيادة منصوب لنزع الخافض مرضه الكائن أو امتداده أو وجع العين أو جراحة أو صداع أو غيره ويدخل فيه خوف عود المرض ونقصان العقل والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم فهو كالمريض كما في التبيين والأمة التي تخدم إذا خافت الضعف جاز أن تفطر ثم تقضي ولها أن تمتنع من الائتمار بأمر المولى إذا كان يعجزها عن أداء الفرض والعبد كالأمة ومن له نوبة حمى فأفطر مخافة الضعف عند إصابة الحمى فلا بأس به لأن الغالب كالكائن وقال نجم الأئمة من اشتد مرضه كره صومه
وفي شرح المجمع لو برئ من المرض ولكنه ضعيف لا يفطر لأن المبيح هو المرض لا الضعف وكذا لو خاف من المرض ففيه مخالفة لما في التبيين ووفق صاحب البحر بأن يراد بالخوف في كلام شرح المجمع مجرد الوهم
وفي كلام الزيلعي غلبة الظن فلا مخالفة ولا بأس بأن يفطر من ذهب به متوكل السلطان إلى العمارة في الأيام الحارة والعمل حثيث إذا خشي الهلاك أو نقصان العقل
وفي المبتغي العطش الشديد والجوع الذي يخاف منه الهلاك يبيح الإفطار إذا لم يكن بإتعاب نفسه ومن أتعب نفسه في شيء أو عمل حتى أجهده العطش فأفطر كفر وقيل لا والغازي إذا كان بإزاء العدو ويعلم قطعا أنه يقاتل في رمضان وخاف الضعف إن لم يفطر يفطر قبل الحرب مسافرا كان أو مقيما بالصوم
وقال الشافعي لا يفطر إلا إذا خاف الهلاك أو فوات العضو وللمسافر الذي له قصر الصلاة
وفي الخانية المسافر إذا تذكر شيئا قد نسيه في منزله فدخل فأفطر ثم خرج فإنه يكفر قياسا وبه نأخذ ولو سافر من مكانه أو حضر من سفره أفطر لكنه مكروه كما في القهستاني
وصومه أي المسافر أحب أي أفضل إذا لم يفطر
____________________
(1/366)
عامة رفقائه وإلا فالإفطار أفضل إذا كانت النفقة بينهم مشتركة
وقال الشافعي الفطر أفضل وعند أصحاب الظواهر لا يجوز الصوم لقوله عليه السلام ليس من البر الصيام في السفر ولنا قوله تعالى وأن تصوموا خير لكم وما رووه محمول على حالة الجهد إن لم يضره السفر وفيه إشعار بأن الصوم مكروه إذا أجهده ولا قضاء إن ماتا على حالهما أي المريض مطلقا سواء كان الحقيقي أو الحكمي كالحامل والمرضع والحائض وغيرهن والمسافر فلا تجب عليهما الوصية بالفدية لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر فلم يوجد شرط وجوب الأداء فلم يلزم القضاء
ويجب القضاء بقدر ما فاتهما إن صح المريض ولو قال إن قدر لكان أولى لأن الشرط القدرة لا الصحة والأولى أن لا تستلزم الثانية كما في الإصلاح أو أقام المسافر بقدره أي بقدر ما فاته لوجود عدة من أيام أخر وإلا أي وإن لم يقدر المريض ولم يقم المسافر بقدر ما فاتهما بل قدر أو أقام مقدارا أنقص من مدة المرض أو السفر ثم ماتا فبقدر الصحة والإقامة وفائدة وجوب القضاء بقدرهما وجوب الفدية عليه بقدرهما وعن هذا قال مفرعا عليه فيطعم عنه وليه أراد به من له التصرف في ماله فيشمل الوصي لكل يوم كالفطرة أي وجب على الولي أن يؤدي فدية ما فاتهما من أيام الصيام كالفطرة عينا أو قيمة فلو فات بالمرض أو السفر صوم خمسة أيام مثلا وعاش بعده خمسة أيام بلا قضاء ثم مات فعليه فدية خمسة أيام ولو فات خمسة وعاش ثلاثة فعليه ثلاثة فقط ويلزم أي ويجب إطعام الوارث من الثلث إن كان له وارث وإلا فمن الكل إن أوصى المورث وفيه أن الإيصاء واجب إن كان له مال كما في المنية ولا يختص هذا
____________________
(1/367)
بالمريض والمسافر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه أو لعذر ما وكذا كل عبادة بدنية وإلا أي وإن لم يوص فلا لزوم للورثة عندنا لأنها عبادة فلا بد من أمره خلافا للشافعي
وإن تبرع الولي به أي بالإطعام من غير وصية صح ويكون له ثواب ذلك وعلى هذا الخلاف الزكاة والصلاة المكتوبة أو الواجبة كالوتر هذا على قول الإمام وعندهما الوتر مثل السنن لا تجب الوصية به كما في الجوهرة كالصوم وفدية كل صلاة كصوم يوم أي كفديته
وهو الصحيح رد لما قيل فدية صلاة يوم وليلة كصوم يومه إن كان معسرا وقال محمد بن مقاتل أو لا بلا قيد الإعسار ثم رجع والقياس أن لا يجوز الفداء عن الصلاة وإليه ذهب البلخي وفيه إشارة إلى أنه لو فرط بأدائها بإطاعة النفس وخداع الشيطان ثم ندم في آخر عمره وأوصى بالفداء لم يجزئ لكن في المستصفى دلالة على الإجزاء وإلى أنه لو لم يوص بفدائهما وتبرع وارثه جاز ولا خلاف أنه أمر مستحسن يصل إليه ثوابه وينبغي أن يفدي قبل الدفن وإن جاز بعده كما في القهستاني
ولا يصوم عنه وليه ولا يصلي لقوله عليه الصلاة والسلام لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد ولكن يطعم خلافا للشافعي
وقضاء رمضان إن شاء فرقه لإطلاق النص وإن شاء تابعه وهو أفضل مسارعة إلى إسقاط الواجب قال صاحب التحفة الصوم الشرعي أربعة عشر نوعا ثمانية منها مذكورة في كتاب الله تعالى أربعة منها متتابعة وهي صوم شهر رمضان وصوم كفارة الظهار وصوم كفارة القتل وصوم كفارة اليمين وأربعة منها صاحبها بالخيار إن شاء تابع وإن شاء فرق وهي
____________________
(1/368)
قضاء صوم رمضان وصوم المتعة وصوم جزاء الصيد وصوم كفارة الحلف وستة مذكورة في السنة وهي صوم كفارة الفطر في رمضان عمدا وصوم النذر وصوم التطوع والصوم الواجب باليمين كقول الرجل والله لأصوم من شهر وصوم اعتكاف وصوم قضاء التطوع عند الإفساد وهذا قول عامة العلماء وقد خالف الشافعي في ثلاثة مواضع أحدها قال إن صوم الكفارة ليس بمتتابع والثاني قال إن صوم الاعتكاف ليس بواجب والثالث قال لا يجب قضاء صوم التطوع فإن أخره أي القضاء حتى جاء رمضان آخر قدم الأداء على القضاء بالإجماع لأنه وقته ثم قضى ولا فدية عليه لأن وجوبه على التراخي ولهذا جاز التطوع قبله وعند الشافعي عليه الفداء إن أخره بغير عذر
والشيخ من جاوز عمره خمسين الفاني سمي به لفناء قواه أو للقرب منه أو في الزيادات الشيخ الفاني الذي يعجز عن الأداء في الحال ويزداد كل يوم عجزه إلى أن يكون مآله الموت بسبب الهرم وكذا العجوز إذا عجز عن أداء الصوم يفطر ويطعم لكل يوم مسكينا كالفطرة عبارة يطعم تنبئ عن عدم الحاجة إلى التمليك ولا بد منه على ما يشعر به لفظ الفدية فإنها تمليك ما به يتخلص عن مكروه توجه إليه لكن في التلويح أنهم قالوا إن مفعوله الثاني إذا ذكر فللتمليك وإلا فللإباحة وفي التبيين قال مالك لا تجب عليه الفدية وهو القول القديم للشافعي واختاره الطحاوي لأنه عاجز عن الصوم فأشبه المريض إذا مات قبل البرء ولنا إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم
ولو كان الشيخ الفاني مسافرا فمات قبل الإقامة ينبغي أن لا يجب عليه الإيصاء بالفدية
وفي القنية لو تصدق بالليل من صوم الغد يجزيه وإن قدر على الصوم بعد ذلك أي بعدما فدى لزمه القضاء لأنه يشترط لجواز الخلف وهو الفدية دوام العجز
وحامل أي ذات حمل بالفتح أي لها ولد في البطن والحاملة المرأة التي على
____________________
(1/369)
ظهرها أو رأسها حمل بكسر الحاء أو مرضع أي ذات الرضاع أي التي لها ولد رضيع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وضعها والمرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها للصبي كما في الكشاف وبهذا ظهر ضعف ما قيل ولا يجوز إدخال التاء كما في حائض وطالق لأن ذلك من الصفة الثابتة لا الحادثة وأما إذا أريد الحدوث يجوز إدخال التاء بأن يقال حائضة الآن أو غدا خافت كل واحدة يعلم الضرر باجتهادها أو بقول طبيب مسلم غير ظاهر الفسق على نفسها أو ولدها المخصوص بالمرضع التي هي الأم وهو الظاهر قيل المراد بالمرضع هاهنا الظئر بوجوب الإرضاع عليها بالعقد بخلاف الأم فإن الأب يستأجر غيرها لكن يرده إضافة الولد إليها لأنه لا يضاف إلى المستأجرة ولأن الإرضاع واجب على الأم ديانة لا سيما إذا لم تكن للزوج قدرة على استئجار الظئر فصارت كالظئر ولقائل أن يقول الوجوب ديانة على تقدير القدرة وكلامنا في أن الأم حالة الصوم لا تقدر على الإرضاع فلا يجب فلا عذر نعم إذا تعينت الأم للإرضاع بفقد الظئر أو بعدم قدرة الزوج على استئجارها أو بعدم أخذ الولد ثدي غير الأم يجب عليها الإرضاع لأنه إفطار بعذر لأنه مأمور بصيانة الولد وهي لا تتأتى بدون الإفطار فلا خروج عن عهدة ما في ذمته بدونه فالعذر في نفسه ولا ينافيه كونه لأجله وبهذا اندفع ما قيل نعم هو عذر لكن لا في نفس الصائم بل لأجل غيره ومثله لا يعتد به ألا يرى أنه لو أكره على شرب الخمر بقتل أبيه أو ابنه لا يحل له الشرب تفطر وتقضي بلا فدية خلافا للشافعي فيما إذا خافت على الولد هو يعتبر بالشيخ الفاني ولنا أن الفدية بخلاف القياس في الشيخ الفاني والإفطار بسبب الولد ليس في معناه لأنه عاجز بعد الوجوب وللولد لا وجوب عليه أصلا كما في الهداية لكن فيما نقلناه عن الزيلعي آنفا نوع مخالفة إلا أن يقال ما في الهداية قول جديد للشافعي تأمل
ويلزم صوم نفل شرع أي بشروع غير مظنون أنه عليه وإلا لا يلزمه كما في الصلاة كما في القهستاني فيه إلا في الأيام المنهية
____________________
(1/370)
أي المنهي الصوم فيها وهي يوما العيد وأيام التشريق فإن صومها لا يلزم بالشروع فيه فبالإفساد لا يلزمه القضاء عند الإمام خلافا لهما لأن الشروع ملزم فعليه القضاء إذا أفسده كما في أكثر المعتبرات لكن في الكشف أن هذا الخلاف وقع عن أبي يوسف فقط
ولا يباح له أي للشارع للنفل الفطر بلا عذر في رواية
وفي رواية أخرى يجوز بغير عذر وهي رواية عن أبي يوسف وفي القهستاني وعن الشيخين أنه يباح
وفي الفتح وفي رواية المبتغي وهو قوله يباح الفطر بلا عذر أوجه من ظاهر الرواية وذكر وجهه فليطالع
ويباح بعذر الضيافة ضيفا أو مضيفا على الأظهر مطلقا وقيل لا وقيل عذر قبل الزوال لا بعده إلا إذا كان في عدم الفطر بعده عقوق لأحد الوالدين لا غيرهما حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث ليفطرن لا يفطر كما في الفتح والاعتماد على أنه يفطر ولا يحنث سواء كان نفلا أو قضاء كما في البزازية
وقال أبو الليث إن كان الإفطار لسرور مسلم فمباح وإلا فلا والصحيح إن تأذى الداعي بترك الإفطار يفطر وإلا فلا
وقال الحلواني الأحسن أنه إن يثق من نفسه القضاء يفطر وإلا فلا وينبغي أن يقول إني صائم ويسأله أن لا يفطر لكن الأفضل أن يفطر ولا يقول إني صائم حتى لا يعلم الناس سره ويلزم القضاء لغير الأيام منهية إن أفطر إسقاطا لما وجب على نفسه
ولو نوى المسافر الفطر في غير رمضان بدليل قوله ويلزم ذلك إن كان في رمضان ثم نيته الإفطار ليست بشرط بل إذا قدم قبل الزوال ولا يأكل وجب عليه صوم ذلك اليوم بنية ينشئها كما في الفتح ثم أقام ونوى الصوم في وقتها أي وقت النية صح الصوم لأن المسافر أهل لا ينافي صحة الشروع ويلزم أي يجب ذلك إن كان في رمضان لزوال المرخص وقت النية ولأن السفر لا ينافي وجوب الصوم كما يلزم أي يجب ذلك الصوم مقيما سافر في يوم منه أي رمضان قال المرغيناني
____________________
(1/371)
لو أنشأ السفر بعد الصبح لم يفطر بخلاف لو مرض بعده صائما فإنه يفطر لكن لو أفطر المسافر الذي أقام والمقيم الذي سافر فلا كفارة عليهما فيهما لقيام شبهة المبيح وهو السفر في أوله أو آخره
ومن أغمي عليه أياما قضاها ولو كانت كل الشهر هذا بالإجماع إلا ما روي عن الحسن البصري وابن شريح من أصحاب الشافعي إن استوعب فلا يقضي كما في المجنون إلا يوما حدث الإغماء فيه أي في هذا اليوم أو حدث في ليلته فإنه لا يقضيه لوجود الصوم فيه إذ الظاهر أنه نوى في وقتها حملا لحال المسلم على الصلاح كما في أكثر المعتبرات ويفهم منه أنه لا قضاء عليه لو أكل وليس هذا وأن لا يقضي جميع أيام رمضان إذا نوى في أول الشهر أن يصوم كله مع أن المصرح خلافه والجواب أن كلا منهم منوط بعدم الأكل والنية في أوله يجوز إذا لم يوجد ما ينافيه والإغماء ينافيه
ولو جن بالضم أي صار مجنونا كل رمضان قبل غروب الشمس من أول الليلة لأنه لو كان مفيقا في أول الليلة ثم جن وأصبح مجنونا إلى آخر الشهر قضى كل الشهر بالاتفاق غير يوم تلك الليلة كما في الدراية لكن في المجتبى الفتوى على عدم القضاء وكذا لو أفاق في ليلة من وسطه لأن الليلة لا يصام فيها لا يقضي لكثرة الحرج في قضائه قال الحلواني المراد من قوله كله مقدار ما يمكنه ابتداء الصوم حتى لو أفاق بعد الزوال من اليوم الأخير لا يلزمه القضاء على الصحيح لأن الصوم لا يصح فيه
وإن أفاق ساعة منه فلو أفاق قبل الزوال ساعة ولو من آخر رمضان قضى ما مضى لوجود سبب وجوب الشهر كله وهو شهود بعض الشهر سواء بلغ مجنونا أو عرض له بعده في ظاهر الرواية
وعن محمد أنه فرق بين الأصلي والعارضي فألحق الأصلي بالصبي وخص القضاء بالعارضي واختاره بعض المتأخرين وهو قول الشافعي
ولو بلغ
____________________
(1/372)
صبي أو أسلم كافر أو أقام مسافر أي جاء من السفر ونوى الإقامة في محلها أو طهرت حائض أو نفساء في يوم من رمضان يعني إذا حدثت هذه الأمور في نهار رمضان لزمه إمساك بقية يومه وجوبا أو استحبابا والأول الصحيح لحق الوقت والأصل فيه أن من صار أهلا للأداء في اليوم يؤمر بالإمساك من هذا الوقت وفيه إشعار بأنه يمسك بالطريق الأولى من أفطر متعمدا أو خطأ أو مكرها أو دخل يوم الشك فظهر رمضانيته كما في الخانية
ولا يلزم الأولين أي الصبي الذي بلغ والكافر الذي أسلم قضاؤه أي قضاء ذلك اليوم ولو عند الضحوة لانعدام الأهلية في أوله بخلاف الآخرين أي المسافر الذي أقام والحائض التي طهرت لا خلاف في قضاء الحائض لأن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كنا نقضي الصوم لا الصلاة وفي القضاء على المسافر خلاف ويؤمر الصبي بالصوم إذا أطاقه وعن محمد أنه يؤدب حينئذ
وقال أبو حفص أنه يضرب ابن عشر سنين على الصوم كما على الصلاة وهو الصحيح فلو لم يصم ليس عليه القضاء كما في الزاهدي
فصل فيما يوجبه على نفسه أخره عما أوجبه الله تعالى لأنه فرعه نذر صوم يومي العيد وأيام التشريق صح لأن النذر التزام فلا يكون معصية وإنما المعصية ترك إجابة دعوة الله تعالى
____________________
(1/373)
فيصح نذره
و لكنه أفطر احترازا عن المعصية وقضى إسقاطا لما أوجبه على نفسه خلافا لزفر والشافعي وهو رواية ابن المبارك عن الإمام ورواية ابن سماعة عن أبي يوسف عن الإمام لورود النهي عن صوم هذه الأيام
وكذا لو نذر صوم السنة يعني السنة المعينة أو غير المعينة بشرط التتابع وإنما قيدنا بذلك لأنه لو نذر صوم سنة غير معينة بدون التتابع لم يجزه صوم هذه الأيام ويقضي خمسة وثلاثين يوما لأن السنة المنكرة من غير ترتيب اسم لأيام معدودة قدر السنة فلا يدخل في النذر الأيام المنهية ولا رمضان بل يلزمه من غيرها قدر السنة يفطر هذه الأيام المنهية ويقضيها ولو كانت المرأة قالته قضت مع هذه الأيام حيضها
ولو نذر صوم شهر غير معين متتابعا فأفطر يوما استقبل لأنه أخل بالوصف
ولو نذر صوم شهر بعينه وأفطر يوما لا يستقبل ويقضي حتى لا يقع كله في غير الوقت كما في الكافي
ولو قال لله علي أن أصوم السبت ثمانية أيام لزمه صوم سبتين
ولو قال لله علي أن أصوم السبت سبعة أيام لزمه سبعة أسبات لأن السبت في السبعة لا يتكرر بخلاف الثمانية وكذا التسعة وهذا إذا لم تكن له نية أما إذا وجدت لزمه ما نوى
ولو قال لله علي أن أصوم الجمعة إن أراد أيام الجمعة عليه سبعة أيام وإن أراد الجمعة لزمه ذلك كما في البزازية
ولا عهدة عليه لو صامها أي لا قضاء لأنه أداه كما التزمه فإن ما وجب ناقصا يجوز أن يتأدى ناقصا
وفي الغاية ويكره صوم عرفة بعرفات وكذا صوم يوم التروية لأنه يعجزه عن أداء أفعال الحج وإلا فصومهما مستحب وصوم السبت مفردا مكروه لما فيه من التشبه باليهود وكذا صوم النيروز والمهرجان إذا تعمده فإن وافق يوم صومه فلا بأس ولا بأس بصوم يوم الجمعة عند الطرفين خلافا لأبي يوسف وكذا صوم الوصال ومن صام يوما وأفطر يوما فحسن قيل إنه صوم داود عليه الصلاة والسلام وهو أفضل من صوم الدهر وصوم الصمت مكروه لأنه من فعل المجوس ثم إن نوى بقوله علي صوم هذه الأيام أو السنة النذر فقط أو نواه أي النذر ونوى أن يكون يمينا أو لم ينو شيئا كان نذرا فقط
____________________
(1/374)
لأنه نذر بصيغته وقد قرره بعزيمته في الأولين وأما في الأخيرة فاللفظ موضوع فلا يحتاج إلى النية
وإن نوى اليمين وأن لا يكون نذرا كان يمينا فحسب لأن اليمين محتمل كلامه وقد عينه ونفى غيره فيجب بالفطر كفارة اليمين لا القضاء لعدم الالتزام والكفارة موجبها الحنث في هذا المقام
وإن نواهما أي النذر واليمين أو نوى اليمين فقط بلا نفي النذر كان نذرا ويمينا عند الطرفين فيجب القضاء لكونه نذرا والكفارة لكونه يمينا إن أفطر وعند أبي يوسف نذر في الأول أي فيما نواهما
ويمين في الثاني أي فيما إذا نوى اليمين فقط لأن النذر فيه حقيقة واليمين مجاز حتى لا يتوقف الأول على النية ويتوقف الثاني فلا ينتظمهما ثم المجاز يتعين بنية وعند نيتهما تترجح الحقيقة ولهما أنه لا تنافي بين الجهتين لأنهما يقتضيان الوجوب إلا أن النذر يقتضيه لعينه واليمين لغيره فجمعنا بينهما عملا بالدليلين كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض كما في الهداية قال في الإصلاح إن صاحب الهداية جعل اليمين معنى مجازيا والعلاقة بين النذر واليمين أن النذر إيجاب لمباح فيدل على تحريم ضده وتحريم الحلال يمين لقوله تعالى لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وأورد عليه بأنه يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وأجيب عنه بأن الجمع بينهما في الإرادة لا يجوز وهنا ليس كذلك لأن النذر لا يثبت بإرادته بل بصيغته لأنها إنشاء للنذر سواء أراد أو لم يرد ما لم ينو أنه ليس بنذر أما إذا نوى أنه ليس بنذر يصدق فيما بينه وبين الله تعالى فإن هذا أمر لا مدخل لقضاء القاضي والمعنى المجازي يثبت بإرادته فلا جمع بينهما في الإرادة وهذا بحث طويل
____________________
(1/375)
فليطلب من الأصول والمطولات
ولا يكره إتباع الفطر بصوم ستة من شوال في المختار لأنه وقع الفصل بيوم الفطر فلا يلزم التشبه بأهل الكتاب فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة لورود الحديث في هذا الباب
والاتباع المكروه وهو أن يصوم يوم الفطر ويصوم بعده خمسة أيام وتفريقها أي صوم الستة أفضل لأنه أبعد عن الكراهة والتشبه بالنصارى في زيادة صيام أيام على صيامهم
باب الاعتكاف هو لغة اللبث من العكف أي الحبس ومنه الاعتكاف في المسجد لأنه حبس النفس ومنعها أو من العكوف أي الإقامة وجه تقديم الصوم على الاعتكاف كوجه تقديم الوضوء على الصلاة سنة مؤكدة مطلقا وقيل في العشر الأخير من رمضان لمواظبته عليه الصلاة والسلام على ذلك منذ قدم إلى المدينة حتى قبض وقضائه في شوال حين ترك وقيل مستحب وقيل سنة على الكفاية حتى لو ترك أهل بلدة بأسرهم يلحقهم الإساء وإلا فلا كالتأذين والحق أنه على ثلاثة أقسام واجب وهو المنذور وسنة مؤكدة وهو اعتكاف العشر الأخير
____________________
(1/376)
من رمضان ومستحب وهو في غيره من الأيام كما في التبيين ولهذا قال
ويجب بالنذر لأنه عبادة ألزم نفسه بها وهو أي الاعتكاف شرعا اللبث أي لبث المعتكف بضم اللام وفتحها أي قراره في مسجد جماعة صلي فيه الخمس أو لا وقيل تقوم فيه الجماعة
ولو مرة في يوم وقيل يصح في الجامع بلا جماعة والصحيح أنه يصح فيما أذن وأقيم
وفي المضمرات الأفضل في المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم المساجد التي كثر أهلها مع النية فالركن اللبث والكون في المسجد والنية شرطان للصحة
وإذا أراد إيجاب الاعتكاف ينبغي أن يذكر بلسانه ولا يكفي لإيجابه النية كما في البزازية
وفي القهستاني ويجب بمجرد قصد القلب وروى عنه الإمام أنه يجب بمجرد الشروع لكن إذا لم ينو لا يعد اعتكافا
وأقله أي أقل مدة الاعتكاف الواجب يوم عند الإمام وأكثره أي أكثر اليوم عند أبي يوسف لأن للأكثر حكم الكل عنده
و أقل مدة اعتكاف النفل ساعة عند محمد في الأصل وليس الصوم شرطا للنفل على ظاهر الرواية حتى لو دخل المسجد بنية الاعتكاف وهو معتكف عنده فلو شرع في نفله ثم قطعه لا يلزمه قضاؤه على الظاهر لأنه غير مقدر فلم يكن قطعه إبطالا
والصوم شرط في الاعتكاف الواجب رواية واحدة فأقله مقدر باليوم اتفاقا لقوله عليه الصلاة والسلام لا اعتكاف إلا بالصوم وهو حجة على الشافعي لأنه يقول الصوم ليس بشرط والمراد بالصوم أن يكون مقصودا للاعتكاف من ابتدائه فلو نذر الاعتكاف قبل الزوال في يوم
____________________
(1/377)
صامه لم يصح عنده خلافا لهما
وكذا في النفل في رواية عن الإمام فأقله يوم عند الإمام على هذه الرواية
والمرأة تعتكف بإذن زوجها في مسجد بيتها لأنه هو الموضع المعد لصلاتها فيتحقق انتظارها فيه ولا تعتكف في غير مصلاها في بيتها وإذا اعتكفت لا تخرج من مسجد بيتها كالرجل إلا لحاجة وإن لم يكن في بيتها مصلى لا تعتكف قيل ولو اعتكفت في مسجد الجماعة جاز والأول أفضل ومسجد حيها أفضل لها من المسجد الأعظم
وقال الشافعي لا يجوز لها أن تعتكف في مسجد بيتها
ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا لحاجة الإنسان كالطهارة ومقدماتها وهذا التفسير أحسن من أن يفسر بالبول والغائط تدبر ولا يتوضأ في المسجد أو عرصته خلافا لمحمد ولا بأس بأن يدخل بيته للوضوء ولا يمكث بعد الفراغ أو الجمعة لأنها من أهم حوائجه خلافا للشافعي هو يقول يمكنه الاعتكاف في الجامع فلا ضرورة في الخروج ولنا أن الاعتكاف في كل مسجد مشروع فإذا صح الشروع فالضرورة مطلقة في الخروج في وقت يدركها أي يخرج في وقت يمكنه إدراكها إن كان المعتكف بعيدا وإن كان قريبا يخرج وقت الزوال لأن الخطاب يتوجه إليه بعده مع سنتها وهي أربع قبلها
وفي رواية الحسن عنه ست ركعتان تحية وأربع سنة
ولو قال في السنن لكان أشمل لرواية الحسن ويجوز بعدها في الجامع أربعا أو ستا على حسب اختلاف الأخبار في النافلة بعد الجمعة لا على خلاف الإمامين إذ لا وجه له لاعتباره ها هنا فإنه لا مضايقة في الخروج عندهما كما في الإصلاح ولا يلبث في الجامع أكثر من ذلك فإن لبث أكثر من ذلك ولو يوما فلا فساد لأنه محل له غير أنه يوجب المخالفة لالتزامه المكث في معتكفه فكره كما في مختارات النوازل فإن خرج من المسجد ولو ناسيا ساعة بلا عذر فسد اعتكافه عند الإمام لوجود المنافي ولو قليلا وهو القياس
____________________
(1/378)
أما لو خرج بعذر شرعي كانهدام المسجد أو تفرق أهله بحيث بطلت الجماعة منه أو لإخراج ظالم له كرها أو لخوف على نفسه أو ماله من المكابرين فدخل آخر من ساعته لم يفسد اعتكافه استحسانا وفيه إشارة إلى أنه لا يخرج لعيادة المريض ومجلس العلم وصلاة الجنازة وإنجاء الغريق والحريق والجهاد ولو كان النفير عاما وأداء الشهادة فإنه يفسد ولكن لا يأثم كما في أكثر المعتبرات
وفي الجوهرة فحكم بعدم الفساد فيما إذا تعينت عليه الشهادة وعلى هذا الجنازة إذا تعينت
وعندهما لا يفسد ما لم يكن الخروج أكثر اليوم وهو الاستحسان لأن في القليل ضرورة ولا ضرورة في الكثير وقوله أقيس وقولهما أيسر للمسلمين هذا كله في الاعتكاف الواجب وأما في النفل فلا بأس بأن يخرج بعذر وبغير عذر
وأكله أي المعتكف وشربه ونومه فيه أي في المسجد فإن خرج لأجلها بطل لأنه لا ضرورة إلى الخروج حيث جازت فيه
ويجوز له أن يبيع ويبتاع أي يشتري فيه أي في المسجد بلا إحضار السلعة فإنه مكروه لأنه من إمارات السوق
وقال يعقوب باشا الظاهر من هذا الإطلاق جواز البيع والشراء مطلقا لكن في الذخيرة أن المراد به ما لا بد منه من الطعام ونحوه وأما إذا أراد أن يتخذ ذلك متجرا فيكره
وقال الزيلعي الصحيح هذا وفي بعض الشروح أن في قول صاحب الهداية لأنه يحتاج إلى ذلك بأن لا يجد من يقوم بحوائجه دلالة على هذا وفيه منع الدلالة كما لا يخفى فليتأمل
ولا يجوز البيع والشراء في المسجد وكذا كره فيه التعليم والكتابة والخياطة بأجر وكل شيء كره فيه كره في سطحه واستثنى البزازي من كراهة التعليم بأجر فيه أن يكون لضرورة
وفي الشمني أن الخياط يحفظ المسجد فلا بأس بخياطته فيه لغيره أي غير المعتكف وأما الأكل والشرب فلا يكره على الصحيح
ويحرم عليه أي المعتكف الوطء ولو خارج المسجد لقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد
____________________
(1/379)
ودواعيه أي وكذا يحرم دواعي الوطء وهو اللمس والقبلة وغيرهما لأنها مؤدية إليه
ويفسد الاعتكاف بوطئه ولو ناسيا أنزل أو لا خص الوطء بالذكر لأنه إن أكل أو شرب في النهار ناسيا لا يبطل اعتكافه والفرق أن حالة المعتكف مذكرة كحالة الإحرام والصلاة فلا يعذر بالنسيان بخلاف حال الصوم وعند الشافعي لا يبطل إذا كان ناسيا وكذا في الدواعي بلا شهوة أو في الليل لأن الليل محل الاعتكاف كالنهار
و كذا يفسد باللمس والقبلة والوطء في غير فرج أيضا إن أنزل لأن هذه الأشياء مع الإنزال في معنى الجماع وإن أمنى بالتفكر أو النظر لا يفسد وإلا أي وإن لم ينزل فلا يفسد لعدم الجماع صورة ومعنى وإن حرم
ويكره له الصمت إن اعتقد أن الصمت قربة للنهي عنه وإلا فلا يكره
و يكره الكلام إلا بخير أي مما لا إثم فيه فإن حرمة التكلم الشر في وقت الاعتكاف أشد منه في غيره
ومن نذر بلا نية الليالي اعتكاف أيام لزمته أي لزمت بلياليها لتقدمه عليها لأن ذكره أحد العددين على طريق الجمع ينتظم ما بإزائه من العدد الآخر وفيه إشعار بأن من نذر اعتكاف ليال لزمه بأيامها المتأخرة
وإن نذر الاعتكاف يومين بلا نية ليلتيهما لزماه بليلتيهما وكذا العكس في ظاهر الرواية لأن المثنى كالجمع خلافا لأبي يوسف في الليلة الأولى منهما لأن الاعتكاف لا يكون بالليل إلا تبعا لضرورة الاتصال إذ الأصل فيه الاتصال وهذه الضرورة لم توجد في الليلة الأولى
وإن نوى النهر جمع نهار يعني إن نوى في نذره اعتكاف أيام خاصة
____________________
(1/380)
أي خصت بنية النهار وانفردت من نية الليل خاصة وانفردا منها والجملة حال من النية صحت نيته في الصورتين لأنه نوى حقيقة كلامه بخلاف ما لو نوى بالأيام الليالي خاصة فإنه لا تصح نيته ولزمه الليالي والنهر لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه كما لو نذر اعتكاف شهر ونوى النهار خاصة أو نوى الليل خاصة فإنه لا تصح نيته لأن الشهر اسم لعدد مقدر مشتمل على الأيام والليالي فلا يحتمل ما دونه ويلزم التتابع وإن وصلية لم يلتزمه بخلاف الصوم والفرق أن الليالي قابلة للاعتكاف غير قابلة للصوم فيلزم الاعتكاف على التتابع حتى ينص على التفريق ولا يلزم الصوم على التفريق حتى ينص على التتابع
ويلزم الاعتكاف بالشروع يعني إذا شرع في الاعتكاف بنية النفل فقطعه قبل تمام يوم فعليه القضاء لأن أقله يوم على رواية إلا عند محمد فلا يلزمه الإتمام لأن أقله ساعة عنده
____________________
(1/381)
كتاب الحج الوجوه المذكورة في ترتيب ما تقدم من الكتب تقتضي تأخير الحج إلى هنا ووجه تقديمه على النكاح كون الحج من العبادات المحضة وليس النكاح كذلك هو لغة القصد إلى معظم لا مطلق القصد كما ظن ومنه قول القائل وأشهد من عوف حؤلا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا أي يقصدون له معظمين إياه كما في المبسوط والفتح والكسر لغة نجد والفتح لغيرهم وقيل بالفتح اسم وبالكسر مصدر وقيل بالعكس لكن قرئ في التنزيل بهما وهو نوعان الحج الأكبر حج الإسلام والأصغر العمرة كما في النتف وشرعا زيارة مكان مخصوص المراد بالزيارة الطواف والوقوف بالمكان المخصوص البيت الشريف والجبل المسمى بعرفات ولو قال قصد مكان لتضمن الشرعي اللغوي مع زيادة إلا أن يقال الزيارة تتضمن القصد وأراد بالمكان جنسه ولذا قاله في الإصلاح هو زيارة بقاع مخصوصة فيعم الركنين وغيرهما كمزدلفة ومثله في البحر في زمان مخصوص وهو أشهر الحج بفعل مخصوص وهو الطواف والسعي والوقوف محرما فرض الحج لقوله
____________________
(1/382)
تعالى ولله على الناس حج البيت الآية
وفي هذه الآية الشريفة أنواع من التأكيد منها قوله تعالى ولله على الناس يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لأن على للإلزام ومنها أنه ذكر الناس ثم أبدل منه من استطاع وفيه ضربان من التأكيد أحدهما أن الإبدال تنبيه للمراد وتكرير له والثاني أن الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين ومنها قوله تعالى ومن كفر مكان ومن لم يحج تغليظا على تارك الحج ولذا قال عليه الصلاة والسلام من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا ومنها ذكر الاستغناء وذا دليل السخط على التارك والخذلان ومنها قوله تعالى عن العالمين ولم يقل عنه لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء عنه لا محالة ولأنه يدل على الاستغناء الكامل فكان أدل على عظم السخط كما في الكشاف ولقوله عليه الصلاة والسلام بني الإسلام على خمس ومن جملتها الحج وعلى فرضيته انعقد الإجماع في العمر مرة لأن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له أيحج في كل عام أم مرة واحدة فقال لا
بل مرة فما زاد فهو تطوع ولأن سببه البيت وأنه لا يتعدد فلا يتكرر الوجوب كما في الهداية وغيرها لكن في تمام هذا التعليل كلام لأن الوجوب قد يتكرر مع عدم التعدد في السبب كما في وجوب الفطرة فإنه يتكرر بتكرر وقته مع اتحاد السبب وهو الرأس
تأمل على الفور أي على أن فعله فرض على الفور والمراد من الفور أن يتعين أشهر الحج من العام الأول للأداء عند أبي يوسف وهو ما ذكره ابن شجاع عن الإمام أنه سئل عمن له مال أيحج به أم يتزوج فقال بل يحج به فذلك دليل على أن الوجوب عنده على الفور ووجه دلالته على ذلك أن في التزويج تحصين النفس الواجب على كل حال والاشتغال بالحج يفوته ولو لم يكن وجوبه على الفور لما أمر بما يفوت الواجب مع إمكان حصوله في وقت آخر لما أن المال غاد ورائح كما في العناية وغيرها لكن إن أريد النكاح مطلقا فهو ليس بواجب فلا يتم الدليل وإن أريد النكاح حال التوقان فهو مقدم على الحج اتفاقا لأن في تركه
____________________
(1/383)
أمرين ترك الفرض والوقوع في الزنا وما روي عن الإمام في مطلق النكاح لا في النكاح حالة التوقان بل وجه دلالته على أنه لو كان وجوب الحج على التراخي لما قدمه على النكاح وهو سنة في الحال إذ في تقديمه تفويت للسنة ولا شيء في تأخيره على تقدير التراخي فحيث قدمه علم أنه فوري كما قال ابن كمال الوزير وهذا أصح الروايتين عن الإمام وهو المختار ولذا سقطت عدالته بالتأخير خلافا لمحمد والشافعي فإن عندهما يجوز التأخير لكن التعجيل أفضل لأن الحج وظيفة العمر ألا يرى أنه لو أدى في السنة الثانية أو الثالثة يكون مؤديا لا قاضيا ولو تعين الأولى لكان في السنة الثانية قاضيا لا مؤديا فكان العمر كالوقت للصلاة وتأخير الصلاة إلى آخر الوقت يجوز فكذا تأخير الحج إلى آخر العمر بشرط أن لا يفوت بالموت يجوز
وقال الكرماني على هذا القول فلو لم يحج حتى مات فهل يأثم بذلك فيه ثلاثة أوجه أحدها أنه لا يأثم بذلك لأنا جوزنا التأخير فلم يكن مرتكبا محظورا بعد ذلك والثاني أنه يأثم لأنا إنما جوزنا التأخير بشرط السلامة والأداء وهذا أصح الأقوال والثالث إن خاف الفقر والضعف والكبر فلم يحج حتى مات يأثم وإن أدركته المنية فجأة قبل خوف الفوات لم يأثم وأما إذا ظن الموت بالأمارات فيأثم بالفوت اتفاقا لأن العمل بدليل القلب واجب عند فقدان غيره
وفي المنح وينبغي أن لا يصير فاسقا مردود الشهادة على قول أبي يوسف المعتمد بل لا بد أن يتوالى عليه سنون لأن التأخير في هذه الحالة صغيرة لأنه مكروه تحريما ولا يصير فاسقا بارتكابها مرة بل لا بد من الاحتراز عليها وهذا ظاهر جدا لما تقرر أن الفورية ظنية لأن دليل الاحتياط ظني ولو حج في آخر عمره ليس عليه الإثم بالإجماع
ولو حج الفقير ثم استغنى لم يحج ثانيا لأن شرط الوجوب التمكن من الوصول إلى موضع الأداء
____________________
(1/384)
ألا ترى أن المال لا يشترط في حق المكي وفي النوادر أنه يحج ثانيا
بشرط متعلق بفرض إسلام وحرية وعقل وبلوغ فلا يفرض على الكافر والعبد ولو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مأذونا له في الحج ولو كان بمكة ولا على الصبي وكذا المجنون فإنه غير مخاطب كالصبي وهو اختيار فخر الإسلام وذهب الدبوسي إلى أنه مخاطب بالعبادات احتياطا
وصحة المراد من الصحة التي اشترطت في وجوب الحج سلامة البدن عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه في سفر الحج فلا يفرض على مقعد وزمن ومفلوج ومقطوع الرجلين ولا على المريض والشيخ الفاني الذي لا يثبت نفسه على الراحلة عند الإمام
وفي رواية عنهما وعندهما
وفي رواية عنه يفرض فيلزم الإحجاج بالمال عندهما خلافا له وظاهر كلامه أن الصحة شرط الوجوب وهو الأصح لكن الصحيح أنه شرط الأداء فعلى هذا يلزم على المريض الإيصاء لا على الأول كما في النهاية
وقدرة زاد وراحلة وهما من شروط الوجوب عند الفقهاء
وقال في الفتح إن القدرة على الزاد والراحلة شرط الوجوب لا نعلم عن أحد خلافه ومراده عن أحد من الفقهاء لأن أهل الأصول قالوا هما من شروط وجوب الأداء لا من شروط الوجوب كما حقق في موضعه
القدرة على الزاد أن يملك ما يفي النفقة وحوائج السفر ذاهبا وجائيا والقدرة على الراحلة أن يكون له ما يفي تملكها أو إجارتها وفي صورة الإباحة لا قدرة إذ للمبيح أن يمنعه عن التصرف فيه فيزول التمكن ولو كان المبيح من لا منة عليه كالقريب
وقال الشافعي إن كانت الإباحة من جهة من لا منة عليه يجب وإلا ففيه قولان وعند مالك لا يجب بلا زاد ولا راحلة بأن قدر عليه بالكسب وإذا اعتاد المشي والراحلة على ما قاله الأزهري البعير القوي على الأسفار والأحمال التام الخلق يطلق على الذكر والأنثى والتاء للمبالغة وفيه إشارة إلى أنه لو قدر على غير الراحلة من بغل وحمار لا يجب لكن في البحر ولم أره صريحا وإنما صرحوا بالكراهة ويعتبر في حق كل إنسان ما يبلغه فمن قدر على رأس زاملة وهي البعير الذي يحمل عليه المسافر طعامه ومتاعه وأمكنه السفر عليه وجب وإلا بأن كان مترفها فلا بد أن يقدر على ما يكترى به شق محمل أي نصفه لأن للمحمل جانبين ويكفي للراكب أحد جانبيه والمحمل بفتح الميم الأول وكسر الثاني أو العكس الهودج الكبير وإن أمكنه أن يكتري عقبة أي ما يتعاقبان عليه في الركوب فرسخا فرسخا أو منزلا منزلا فلا يجب لأنه غير قادر على الراحلة
____________________
(1/385)
في جميع الطريق وهو شرط ولو قادرا على المشي
واشتراط القدرة على الزاد عام في حق غير المكي وأما فيه فلا ومن حولها كأهلها لأنهم لا يلحقهم مشقة فأشبه السعي إلى الجمعة وأما إذا كان لا يستطيع المشي أصلا فلا بد منه في حق الكل
وفي السراجية الحج راكبا أفضل من الحج ماشيا وعليه الفتوى
وفي القهستاني وفيه إشارة إلى أنه لا يجب بالمال الحرام لكن لو حج به جاز لأن المعاصي لا تمنع الطاعات فإذا أتى بها لا يقال إنها غير مقبولة والمتبادر أن هذه الأمور شرط عند خروج قافلة بلده فإن ملكها قبله فلا يأثم بصرفه إلى حيث شاء
ونفقة ذهابه وإيابه عطف تفسيري لزاد ولو تركه لكان أخصر فضلت حال بتقدير قد عن حوائجه الأصلية كأثاث المنزل وآلات المحترفين وكالكتب لأهل العلم والمسكن وإن كان كبيرا يفضل عن حاجته فلا يجب بيعه والاكتفاء بدونه ببعض ثمنه والحج بالباقي لكن إن فعل وحج كان أفضل ونفقة عياله بالكسر أي من لزمه نفقته كالزوجات والأولاد الصغار والخدم إلى حين عوده إلى وطنه من ابتداء سفره فلا يشترط بقاء نفقة يوم بعد العود وقيل يشترط وعن أبي يوسف بعد عوده بشهر لأنه لا يمكنه الكسب عقيب القدوم فيقدر ذلك بشهر مع أمن الطريق لأنه لا يقدر على الوصول إلى المقصود بدونه والمعتبر غلبة السلامة في الطريق على المفتى به وفي الشمني ولو كان الطريق بحرا لا يجب الحج ولو كان نهرا كسيحون والفرات يجب
وقال الكرماني إن كان الغالب في البحر السلامة في موضع جرت العادة بركوبه يجب وظاهره أن أمن الطريق شرط الوجوب
وفي الإصلاح وهو الصحيح
____________________
(1/386)
وفي النهاية أنه شرط الأداء وهو الصحيح فيلزمه الإيصاء
و مع وجود زوج أو محرم الذي حرم عليه نكاحها أبدا بقرابة أو رضاع أو صهارة مسلما أو عبدا أو كافرا فلا ينضم الزوج ولذلك ذكره للمرأة الشابة والعجوز بعدما كانت خالية عن العدة أية عدة كانت وظاهره أن المحرم شرط الوجوب
وفي الإصلاح وهو الصحيح لكن في الجوهرة أن الصحيح أي المحرم أنه من شرائط الأداء حتى يجب الإيصاء به إن كان بينها أي بين مكان المرأة
وبين مكة مسافة سفر أي مسافة ثلاثة أيام ولياليها لأنه لو كان أقل منها يجوز بلا محرم
ولا تحج المرأة بلا أحدهما أي الزوج أو المحرم إلا عند الشافعي ومالك تحج مع النساء الثقات لحصول الأمن بالمرافقة ولنا قوله عليه الصلاة والسلام لا تحجن امرأة إلا ومعها محرم ولأن بدون المحرم يخاف عليها الفتنة وتزاد بانضمام غيرها إليها فلا يفيد كون النساء الثقات معها وهذا الحديث معلل بدفع خوف الفتنة والزوج أدفع له فيلحق بالمحرم دلالة ولا خوف فيما دون الثلاثة فلا يتناوله الحديث وبهذا اندفع ما في الفرائد وغيره فليطالع وشرط كون المحرم عاقلا بالغا لأن الصبي والمجنون عاجزان عن الصيانة غير مجوسي لأنه يستحل نكاحها
وفاسق لأنه غير أمين وإلا فلا يجب عليها كما في الخزانة ونفقته أي المحرم عليها أي على المرأة إذا لم يرافقها لا بنفقتها ويجب التزوج عليها لتحج معه هذا على قول من قال هو من شرائط الأداء
وفي شرح الطحاوي لا تجب ما لم يخرج المحرم بنفقته ولا يجب عليها التزوج هذا على قول من قال هو من شرائط الوجوب كما في أكثر الكتب لكن قال ابن كمال الوزير
وفي المبسوط ثم يشترط أن تملك قدر نفقة المحرم لأن المحرم إذا كان يخرج معها فنفقته في مالها إلا في رواية عن محمد لأنه غير مجبر على الخروج فإذا تبرع به لا يستوجب تبرعه النفقة عليها ووجه ظاهر الرواية أنها لا تتوصل إلى أداء الحج إلا به فنفقته أيضا مما لا بد منه في أدائه شرط الوجوب أو شرط الأداء انتهى وبهذا التقرير تبين أن القول بوجوب النفقة على قول من قال هو من شرائط الأداء وعدم وجوبها على قول من هو من شرائط الوجوب ليس في محله
تدبر وتحج المرأة معه أي المحرم حجة الإسلام أي الحج الفرض بغير إذن زوجها وقت خروج أهل بلدها أو قبله بيوم أو يومين وليس له منعها عن حجة الإسلام وله منعها عن كل حج سواها كما قال
____________________
(1/387)
رشيد الدين في المناسك وقال الشافعي له منعها مطلقا
فلو أحرم من ميقات هذا تفريع ما مر من الشرائط صبي أو عبد فبلغ الصبي أو عتق العبد فمضى كل منهما على إحرامه وأتم أعمال الحج لا يجوز عن فرضه لأن الإحرام انعقد للنفل فلا يتأدى به الفرض خلافا للشافعي وأما ما قيل ولو أحرم صبي عاقل فبلغ وقيدنا بالعاقل لأنه إن كان لا يعقل فأحرم عنه أبوه صار محرما وقد أخل بهذا القيد في الكنز فليس بسديد
تدبر فإن جدد الصبي بعد البلوغ قبل الطواف والوقوف إحرامه بأن يرجع إلى ميقات من المواقيت ويجدد التلبية بالحج للفرض صح ذلك التجديد لأنه لعدم الأهلية لم يكن إحرامه لازما فلو رجع إلى تجديد الإحرام أدى فرضه بخلاف العبد أي لا يصح تجديد إحرام العبد المعتق لأنه لأهلية الإحرام كان إحرامه لازما فلا يخرج عنه إلا بالإتمام
وفي الفتح والكافر والمجنون كالصبي فلو حج كافر أو مجنون فأفاق وأسلم فجدد الإحرام أجزأهما
وفرضه أي فرض الحج الأعم من الركن والشرط كما في القهستاني الإحرام وهو عبارة عن مجموع النية في القلب والتلبية باللسان وفضل بعضهم ذكر النية باللسان أيضا مع ملاحظة القلب إياها وهو شرط ابتداء حتى جاز تقديمه على أشهر الحج كالطهارة للصلاة وله حكم الركن انتهاء حتى لم يجز لفائت الحج استدامته ليقضي به من العام القابل والوقوف أي الحضور ولو ساعة منذ زوال يوم عرفة إلى طلوع فجر النحر بعرفة وطواف الزيارة أي الدوران حول البيت في يوم من أيام النحر سبع مرات وهما ركنان للحج اتفاقا ويقوم أكثر طواف الزيارة مقام الكل في حق
____________________
(1/388)
الركن
وواجبه أي الحج الوقوف بمزدلفة ويسمى جمعا أيضا أي الوقوف بجمع ولو ساعة من بعد صلاة فجر النحر إلى أن يسفر جدا وإنما سميت بفعل أهلها لأن الحاج يجمع فيها بين الصلاتين أو لأن آدم عليه الصلاة والسلام اجتمع مع حواء فيها وازدلف إليها أي دنا وعند الشافعي هو ركن في أحد قوليه وفي الآخر هو سنة والسعي أي سبع مرات بين أعلى الصفا بالقصر
و أعلى المروة فيفيد أن صعودهما واجب لجوازه بعد التحلل من الإحرام ولو كان ركنا لما كان كذلك لكن في الكلام إشكال من وجهين أحدهما أنه لا يجب إلا المشي والثاني أن السعي مسنون في بطن الوادي لا غير كما سيجيء وهما جبلان شرقيان والأول مائل إلى جنوب البيت والثاني إلى شماله وما بينهما ستة وستون وسبعمائة ذراع كما في القهستاني وعند الشافعي أنه ركن ورمي الجمار أي رمي سبعين جمرة في أيام النحر والتشريق للآفاقي وغيره وهي عدة حصيات اجتمعت في المناسك وسميت جمرة لتجمرها هناك وإضافة الرمي إلى الجمار لأدنى ملابسة والمعنى رمي الحصاة إلى الجمار والمقصود الأصلي منه اتباع سنة الخليل عليه السلام لأنه لما أمر بذبح الولد جاء الشيطان يوسوسه وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يرمي الأحجار طردا له فكان نسكا وطواف الصدر بالتحريك
وفي النتف أنه سنة وهو مذهب الشافعي والمعنى طواف البيت عند الرجوع إلى مكانه للآفاقي أي الخارج من المواقيت فلم يجب على المكي إذ لا وداع عليه
وقال أبو يوسف إني أحبه للمكي قال أهل اللغة الآفاق النواحي والواحد آفق والنسبة إليه آفقي وأما الآفاقي فمنكر فإن الجمع إذا لم يسم به لا ينسب إليه وإنما ينسب إلى واحده ويمكن أن يقال إن الجمع بالاشتهار وغلبة الاستعمال يأخذ حكم التسمية به فيجوز النسبة إليه بعد ذلك كما في الإصلاح ويمكن أيضا أن يقال إن الآفاق ليس بجمع حتى وجب رده في النسبة إلى الواحد فعن سيبويه أن الأفعال للواحد
وقال بعض العرب هو إنعام كما في الفائق وغيره تدبر والحلق والتقصير هو أخذ رءوس الشعر بقدر أنملة عند الخروج عن الإحرام إلا أن الحلق أفضل وقيل إنه سنة وكل ما يجب بتركه الدم سيأتي تفصيل الكل إن شاء الله تعالى وغيرهما أي الفرائض والواجبات سنن تاركها
____________________
(1/389)
مسيء وآداب تاركها غير مسيء وسيجيء تفصيلها إن شاء الله تعالى
وأشهره أي أشهر الحج التي لا يصح شيء من أفعاله إلا فيها شوال وذو القعدة بكسر القاف والسكون ويجوز فتحها والعشر الأول من ذي الحجة بكسر الحاء وحكي فتحها لكن قال المطرزي الفتح لم يسمع وهو المراد في قوله تعالى الحج أشهر معلومات وهو مروي عن العبادلة وعبد الله بن زبير فالمراد حينئذ من الجمع شهران وبعض شهر مجازا حيث جعل بعض الشهر شهرا وما في المنح من أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد بدليل قوله تعالى فقد صغت قلوبكما فلا سؤال فيه إذا وإنما يكون موضوعا للسؤال لو قيل ثلاثة أشهر معلومات كذا في الكشاف ليس بسديد فإنه قول مرجوح لا يليق بفصاحة القرآن كما في القهستاني
ويكره كراهة التحريم الإحرام له أي الحج قبلها أي الأشهر سواء أمن على نفسه من المحظورات أو لا بخلاف تقديم الإحرام على المواقيت في الأشهر وهو الحق
وفي المحيط إن أمن من الوقوع في محظور الإحرام لا يكره
وفي النظم أنه يكره إلا عند أبي يوسف وفي القول الجديد للشافعي لا يجوز وينعقد عمرة
والعمرة سنة مؤكدة وقيل فرض كفاية وهو قول محمد بن الفضل البخاري وقيل واجبة لا فرض عين كما قال الشافعي فإن قلت ما جوابك عن قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فإنه أمر وهو يفيد الافتراض قلت الإتمام يكون بعد الشروع ولا كلام لنا فيه لأن الشروع ملزم وكلامنا فيما قبل الشروع والمراد أنها سنة في العمر مرة واحدة فمن أتى بها مرة فقد أقام السنة غير مقيد بوقت غير ما ثبت النهي عنها فيه إلا أنها في رمضان أفضل وجازت في كل السنة لكن كرهت يوم عرفة وأربعة بعدها
والمواقيت جمع الميقات وهو
____________________
(1/390)
مشترك بين الوقت المعين والمكان المعين والمراد هنا هو الثاني لأن المراد مواقيت الإحرام أي المواضع التي لا يجاوزها إلا محرما كما في أكثر المعتبرات وهي ثلاث ميقات الآفاقي وميقات أهل الحل وميقات أهل الحرم والمراد هنا هو الأول قال في الغاية لو جاوز الميقات كافر يريد الحج ثم أسلم فلا شيء عليه للمجاوزة بغير إحرام وكذا الصبي لأنه ليس بأهل ذكره في الدراية وكذلك الحطابون من أهل مكة إذا جاوزوا الميقات كان لهم دخول مكة بغير إحرام ذكره في الحقائق فالعموم المفهوم من المواضع التي لا يجاوزها إلا محرما ليس بذاك قال ابن حجر إنه عليه الصلاة والسلام وقتها لأهل الآفاق قبل الفتوح لما علم أنه ستفتح ثم قيل ميقات الحج نوعان زماني ومكاني أما الزماني فأشهر الحج كما قررناه آنفا وأما المكاني فخمسة الأول للمدنيين والمدني كالمديني منسوب إلى مدينته عليه الصلاة والسلام ذو الحليفة بضم الحاء المهملة وفتح اللام على المصغر مكان على أربعة أميال من المدينة وعلى ثلثمائة أميال من مكة فهو أبعد المواقيت إما لعظم أجور أهل المدينة وإما للرفق بسائر الآفاق فإن المدينة أقرب إلى مكة من غيرها وللشاميين وأهل مصر وغيرهما من أرض العرب جحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة سمي بها لأن قوما نزلوا فيها فأجحفهم السيل أي استأصلهم واسمها في الأصل مهيعة قال النووي بينها وبين مكة ثلاث مراحل وعلى ثماني مراحل من المدينة وهي قرية بين المغرب والشمال من مكة من طريق تبوك قيل إن الجحفة قد ذهبت أعلامها ولم يبق منها إلا رسوم خفية فلذا تركها الناس الآن إلى رابغ بالراء والهمزة والغين المعجمة وبعضهم يجعله برابض احتياطا لأنه قبل الجحفة بنصف مرحلة أو قريب من ذلك
و الثالث للعراقيين والخراساني وأهل ما وراء النهر وأهل المشرق ذات عرق بكسر العين وسكون الراء أرض سبخة على ستة وأربعين ميلا من مكة وقيل مرحلتان وإنما سمي بها لأن فيها جبلا صغيرا يسمى بالعرق
و الرابع للنجديين ومن سلك هذا الطريق قرن بسكون الراء جبل مطل على عرفات بينه وبين مكة
____________________
(1/391)
نحو مرحلتين وتسميه العرب قرن المنازل قال قائلهم ألم يسأل الربع أن ينطقا بقرن المنازل قد أخلفا وزعم الجوهري أنه بالتحريك فأخطأ وأما أويس القرني فنسبته إلى بني قرن ومن ظن أنه منسوب إلى هذا الميقات فقد سها
و الخامس لليمنيين والتهامي وغيرهما يلملم بفتح الياء واللامين وسكون الميم مكان جنوبي من مكة وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين بمكة وأصله ألملم بالهمزة وحكي يرمرم لأهلها أي المواقيت لأهل هذه الأمكنة
ولمن مر بها من خارجها فإن كان في بر أو بحر لا يمر بواحد من هذه المواقيت المذكورة قالوا عليه أن يحرم إذا حاذى آخرها ويعرف بالاجتهاد وعليه أن يجتهد فإن لم يكن بحيث يحاذي فعلى مرحلتين من مكة كما في الفتح
ويحرم تأخير الإحرام عنها أي عن هذه المواقيت لمن قصد من الآفاقي والحلي والحرمي والمكي الخارجين للتجارة أو غيرها وفيه إشارة إلى رد الشافعي فإنه خصص لزوم الإحرام بمن قصد الحج والعمرة فقط قيد بقصد الدخول لأنه لو لم يقصد ذلك ليس عليه أن يحرم كما سنبين إن شاء الله تعالى دخول مكة للحج أو العمرة أو التوطن أو غيرها فإن دخل بلا إحرام فعليه حجة أو عمرة وكذا في كل مرة ولو قال دخول الحرم لكان أولى لأنه يكفي في وجوب الإحرام عليه قصد دخوله ولا حاجة إلى قصد دخول مكة تدبر
وجاز التقديم أي تقديم الإحرام على هذه
____________________
(1/392)
المواقيت بعد دخول الأشهر وهو أفضل إذا أمن من مواقعة المحظورات وإلا فالتأخير إلى الميقات أفضل
وقال الشافعي الإحرام من الميقات أفضل لما أن الإحرام عنده من الأركان كما في العناية وغيرها لكن لو كان ركنا لما جاز تقديمه على الميقات لأن أفعال الحج لا يجوز تقديمها عليه وتقديم الإحرام على الميقات جائز بالإجماع إذا كان في أشهر الحج والخلاف في الأفضلية وعدم الجواز عنده قبل أشهر الحج
وفي القهستاني والأفضل من دويرة أهله لأن التأخير إلى الميقات بطريق الترخص
ويحل لمن هو داخلها المواقيت دخول مكة لحاجة لا للنسك غير محرم لأن في إيجاب الإحرام عليه في كل مرة حرجا لأنه يكثر دخوله لحوائجه فصار كالمكي بخلاف ما إذا دخل للحج ووقته أي وقت الإحرام لأهل داخلها للحج أو العمرة الحل بالكسر وهو ما بين المواقيت والحرم لا الحل الذي هو خارج الحرم والحرم حد في حقه كالميقات فلا يدخل الحرم إذا أراد أحدهما إلا محرما وللمكي أي الميقات لمن استقر بمكة والحرم ولو قال ولمن بالحرم لكان أولى لعدم اختصاص هذا الميقات بأهل مكة في الحج الحرم وفي العمرة الحل قالوا في العمرة التنعيم أفضل قيل مقدار الحرم من جانب المشرق ستة أميال ومن الشمال اثنا عشر لكن الأصح ثلاثة أميال تقريبا أو أربعة ومن المغرب ثمانية عشر ومن الجنوب أربعة وعشرون وحدد بعض الأفاضل فقال وللحرم التحديد من أرض طيبة ثلاثة أميال إذا شئت إتقانه وسبعة أميال عراق وطائف وجدة عشر ثم تسع جعرانة
____________________
(1/393)
فصل في بيان الإحرام هو مصدر أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تهتك والمراد الدخول في الحرمة المخصوصة بالتلبية أو ما يقوم مقامها وإذا أراد الحاج أو المعتمر الإحرام ندب أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته وينتف إبطيه هو المتوارث ثم يتوضأ أو يغتسل لتحصيل النظافة وإزالة الرائحة الكريهة حتى تؤمر به الحائض والنفساء ولهذا لا ينوب التيمم له عند العجز لأنه ملوث فلا يحصل به المقصود وهو أي الاغتسال أفضل لأنه أبلغ تنظيفا ويلبس إزارا بلا عقد حبل عليه فإنه مكروه وهو من وسط الإنسان ورداء من الكتف فيستر به الكتف ويشده فوق السرة وإن غرز طرفيه في إزاره فلا بأس به هذا إذا وجد وإلا فيشق سراويله ويتزر به أو قميصه ويتردى به جديدين أبيضين وهو أي الجديد الأبيض أفضل لقربه من الطهارة وفضل الأبيض
ولو كانا غسيلين طاهرين أو لو لبس ثوبا واحدا يستر عورته جاز لحصول المقصود لكن الأول هو السنة ويتطيب أي يسن له استعمال الطيب في بدنه قبيل الإحرام إن وجد قيدنا بالبدن إذ لا يجوز الطيب في الثوب بما يبقى أثره على الأصح وفي إطلاقه إشارة إلى شمول ما يبقى أثره كالمسك وما لا يبقى خلافا لمحمد في الأول ويصلي في موضع الإحرام ركعتين قرأ فيهما ما شاء والأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون والإخلاص تبركا بفعله عليه الصلاة والسلام ولا يصلي في الوقت المكروه ولا يقضي فإن كان مفردا من الإفراد
____________________
(1/394)
بالحج يقول عقيبهما أي الركعتين بلسانه مطابقا بجنانه اللهم إني أريد الحج فيسره لي لأني لا أقدر على هذه الأفعال إلا بتيسيرك وتقبله مني كما تقبلت من حبيبك وخليلك عليهما الصلاة والسلام حيث قال ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
وإن نوى بقلبه لا بلسانه أجزأ لحصول المقصود لكن الأول أولى ولو نوى مطلق الحج يقع عن الفرض ويشترط للأخرس أن يحرك لسانه مع النية
وفي المحيط تحريك لسانه مستحب ثم يلبي عقيب صلاته وهي أفضل عندنا وعند الشافعي الأفضل أن يلبي حينما استوى على راحلته وعند مالك على البيداء وإنما اختلفوا لاختلاف الروايات في أول تلبيته عليه الصلاة والسلام روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه الصلاة والسلام لبى دبر صلاته وابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه لبى حينما استوى على راحلته وجابر رضي الله عنه أنه لبى حينما استوى على البيداء وأصحابنا أخذوا برواية ابن عباس رضي الله عنهما لأنها محكمة في الدلالة على الأولوية وروايتهما محتملة لجواز أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يشهد أول تلبيته عليه السلام وإنما شهد تلبيته حال استوائه على راحلته فظن ذلك أول تلبيته وكذلك جابر رضي الله عنه فيقول لبيك اللهم لبيك والتثنية للتكرير وانتصابه بفعل مضمر ورد المزيد إلى الثلاثي ثم أضيف إلى ضمير الخطاب ومعناه أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب أو لزوما لطاعتك بعد لزوم من ألب بالمكان إذا قام به وهو إجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الأظهر لأنه لما فرغ من بناء البيت أمر أن يدعوهم إليه فدعاهم على أبي قبيس فأسمع الله صوته الناس في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم فمن وافق بالتلبية مرة فقد حج مرة ومن زاد فزاد ومن لم يوافق بها أصلا لم يحج أصلا وقيل الداعي هو الله أو الرسول عليه السلام لأنه دعاهم الله ورسوله إلى الحج لبيك لا شريك لك استئناف لبيك إن الحمد بكسر الهمز لا بفتحها ليكون ابتداء لا بناء وبالفتحة صفة للأول فكان المعنى أثني عليك بهذا الثناء لأن الحمد لك ولا كذلك إذا كسرت لأنه يصير استئنافا بمعنى التعليل كأنه قيل لم تقول لبيك
____________________
(1/395)
فقال لأن الحمد لك وهو اختيار محمد ولا يخفى أن تعليق الإجابة التي لا نهاية لها بالذات أولى منه باعتبار الصفة وأراد بالصفة المتعلق بالغير لا النعت النحوي والنعمة لك خبر إن أو مخبر المبتدأ تقديره إن الحمد والنعمة مثبتان لك والملك كالنعمة لا شريك لك استئناف ولا ينقص منها أي هذه الكلمات لأنها مأثورة وتجوز الزيادة مثل لبيك وسعديك والخير بيديك والرغبا إليك إله الخلق لبيك غفار الذنوب لبيك لأن المقصود من التلبية الثناء فتجوز الزيادة به خلافا للشافعي في رواية فإذا لبى لم يعتبر مفهوم المخالف على ما عليه القاعدة من اعتباره من رواية الفقهية وذلك لأنه يصير محرما بكل ثناء وتسبيح يقصد به التعظيم في ظاهر المذهب ولو بالفارسية خلافا للشافعي ناويا للحج أو العمرة فقد أحرم فلا يصير محرما بالتلبية ما لم يأت بالنية أو ما يقوم مقامها من سوق الهدي وقد صح بالنية السابقة لكن الاقتران بالتلبية أفضل فليتق أي ليجتنب المحرم الرفث وهو الجماع وقيل ذكر الجماع ودواعيه بحضرة النساء وإن لم يكن بحضرتهن فلا بأس وقيل الكلام القبيح والفسوق وهو المعاصي وهو في غير حالة الإحرام منهي عنه فكيف في الإحرام والجدال وهو الخصام مع الرفقة والخدم والمكارين وما قيل إنه مجادلة المشركين في تقديم الحج وتأخيره فليس المراد ها هنا وقتل صيد البر احتراز عن البحر فإنه جائز والإشارة إليه أي أن يشير إلى الصيد باليد ويقتضي الحضور والدلالة عليه أي أن يقول إن في مكان كذا صيدا وتقتضي الغيبة كما في أكثر الكتب لكن في تخصيص الإشارة باليد والدلالة بالقول المذكور نظر
تأمل وقتل القمل لأنه إزالة الشعث فيكون ارتفاقا والتطيب والدهن والتخضب بالحناء والرياحين والثمار الطيبة وقلم
____________________
(1/396)
أي قطع الظفر بالضم أو بضمتين وبالكسر شاذ سواء قلمه بنفسه أو غيره بأمره أو قلم ظفر غيره إلا إذا انكسر بحيث لا ينمو فلا بأس به وحلق شعر رأسه كلا أو بعضا أو بدنه والمراد بحلق بدنه إزالة شعره بأي شيء من الحلق والقص والنتف والتنوير والإحراق من أي محمل كان من الجسد مباشرة أو تمكينا ولو قال أخذ الشعر لشمل الجميع وقص لحيته أي قطعها كلا أو بعضا وستر رأسه أو وجهه
وقال الشافعي يجوز للرجل ستر الوجه وغسل رأسه أو لحيته بالخطمي لأنه نوع طيب فيجب الدم عند الإمام إن فعل وعندهما عليه صدقة لأنه ليس بطيب ولكنه يقتل الهوام وعن أبي يوسف روايتان أخريان أحدهما أنه لا شيء عليه وأخرى أنه يجب عليه دمان ولبس قميص أو سراويل أو قباء لبسا معتادا كما إذا أدخل اليد في كم القباء والقميص لنهيه عليه الصلاة والسلام عن لبس المخيط أما إذا ألقى على كتفيه قباء فجاز أو عمامة أو قلنسوة لما فيهما من تغطية الرأس والظاهر أن ذكر ستر الرأس يغني عن ذكرهما أو خفين إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما من أسفل الكعبين أعني المفصلين اللذين وسط القدمين عند مقعد الشراك
و ليجتنب لبس ثوب صبغ بزعفران أو ورس أو عصفر خلافا للشافعي في المعصفر إلا ما غسل حتى لا ينفض واختلف الشراح في شرحه فقيل لا يفوح وقيل لا يتناثر والثاني غير صحيح لأن العبرة للطيب لا للتناثر ألا ترى أنه لو كان مصبوغا له رائحة طيبة ولا يتناثر منه شيء فإن المحرم
____________________
(1/397)
يمنع عنه كما في المستصفى وعلى هذا لو قال ولبس ثوب صبغ بما له طيب إلا بعد زواله كما في الإصلاح لكان أخصر وأولى ويجوز له أي للمحرم الاغتسال ودخول الحمام بحيث لا يزيل الوسخ ولو قال الاستحمام لكان أشمل وأخصر
والاستظلال بالبيت والمحمل لأن عمر رضي الله تعالى عنه اغتسل وألقى على شجرة ثوبا واستظل وهو محرم لكن لم يصب رأسه ووجهه فلو أصاب أحدهما كره وشد الهميان بالكسر ما يجعل فيه الدراهم ويشد في وسطه
وقال مالك يكره ذلك إذا كان فيه نفقة غيره وكذا يجوز السيف والسلاح والمنطقة والتختم والاكتحال
وفي السراجية لو اكتحل بكحل فيه طيب مرة أو مرتين فعليه صدقة وإن أكثر فعليه دم ومقاتلة عدوه دفعا للضرر ويكثر التلبية ما استطاع فإنها سنة حال كونه رافعا بها صوته عقيب الصلوات وكلما علا شرفا بفتحتين أي مكانا مرتفعا أو هبط نزل
واديا أي حضيضا وإن كان في الأصل مسيلا فيه الماء أو لقي ركبا بالفتح والسكون هم أصحاب الإبل في السفر دون غيرها من الدواب ولا يطلق على ما دون العشرة وليس بجمع راكب كما توهم وإنما ذكر الركب إخراجا للكلام مخرج العادة لا للاحتراز
و يكثر المحرم التلبية بالأسحار ولو قال أو أسحر أي دخل وقت السحر لكان أولى وهو سدس آخر الليل وهو المأثور والأصل في ذلك أن التلبية كالتكبير في الصلاة فيؤتى بها عند الانتقال من حال إلى حال ووقت الاستيقاظ
____________________
(1/398)
399 فصل فإذا دخل مكة ليلا أو نهارا لكن النهار مستحب ابتدأ منها بالمسجد الحرام من جانب الشرقي من باب بني شيبة متواضعا خاشعا ملبيا ملاحظا جلالة البقعة مع التلطف بالمزاحم لما روي أن أول شيء بدأ به النبي عليه الصلاة والسلام حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت ومن هنا تبين أن الابتداء بالمسجد لا ينافيه تقديم ما لا بد منه في الدخول في المسجد والمراد من دخوله عليه الصلاة والسلام المسجد على الفور المستفاد من عبارة الراوي كما دخل مكة الدخول قبل الشروع بعمل آخر ويقدم في دخوله رجله اليمنى ويقول بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها واغلق عني أبواب معاصيك واجنبني العمل بها فإذا عاين المناسب بالواو البيت الحرام الواقع في وسط المسجد هو علم اتفاق لهذا المكان الشريف زاده الله تعالى شرفا اللهم يسر لي بتقبيل عتبته العلية بحرمة سيد الأنبياء والمرسلين وبحرمة جميع الزائرين آمين يا رب العالمين كبر أي يقول الله أكبر يعني من البيت وغيرها وهلل أي قال لا إله إلا الله تحرزا عن الوقوع في نوع شرك لعظمته ثم يرفع يديه بالدعاء ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا بفضلك دارك دار السلام تباركت ربنا وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام اللهم زد بيتك هذا تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وزد من عظمه وشرفه ومن حجه واعتمره تعظيما وتكريما وتشريفا وإيمانا ثم يسأل الله تعالى حاجته لأنه يستجاب إذا رآه ومن أهم الأدعية طلب الجنة بلا حساب ومن أهم الأذكار هنا الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ولم يوقت محمد في المبسوط لمشاهد الحج شيئا من الدعوات فإن التعيين يذهب رقة القلب وإن تبرك بالمنقول منها فحسن وروي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا لقي البيت أعوذ برب البيت من الدين والفقر وضيق الصدر
____________________
(1/399)
وعذاب القبر وابتدأ بالحجر الأسود الذي كان أبيض مضيئا ما بين المشرق والمغرب ثم صار أسود ليحتجب أهل الدنيا عن زينة العقبى والمرئي منه قدر شبر أربعة أصابع كما في القهستاني فاستقبله استحبابا هذا ما لم يكن عليه فائتة ولم يخف فوت المكتوبة أو الوتر أو السنة الراتبة أو الجماعة فإذا خشي قدم الصلاة على الطواف وكبر وهلل حال كونه رافعا يديه كالصلاة أي كما يرفع اليدين لها ثم يرسلهما وفي شرح الطحاوي أنه يجعل بطن كفيه نحو الحجر رافعا لهما حذاء منكبيه
وقال أبو يوسف في الإملاء يستقبل بباطن كفيه القبلة عند افتتاح الصلاة واستلام الحجر وقنوت الوتر وتكبيرات العيدين ويستقبل كفيه إلى السماء عند رفع الأيدي على الصفا والمروة وبعرفات وعند الجمر ويقبله أي الحجر بلا تصويت إن استطاع من غير إيذاء بأحد أو يستلمه إن لم يقدر عليه غير مؤذ والاستلام عند الفقهاء أن يضع كفيه على الحجر ويقبله بفمه أو يمسه إن لم يقدر عليه باليد غير مؤذ شيئا كائنا في يده ويقبله أي ذلك الشيء أو يشير إليه أي الحجر حال كونه مستقبلا إن لم يقدر عليه باليد غير مؤذ مكبرا مهللا حامدا لله تعالى مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول بعد ذلك عند ابتداء
____________________
(1/400)
الطواف اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد عليه السلام لا إله إلا الله والله أكبر اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل دعوتي وأقل عثرتي وارحم تضرعي وجد لي بمغفرتك وأعذني من معضلات الفتن
ويطوف طواف القدوم ويقال له طواف التحية وطواف اللقاء وطواف أول عهد بالبيت وهو سنة للآفاقي لا للمكي لأنه كتحية المسجد ولا يسن للجالس فيه ويسن لأهل المواقيت وداخلها وخارجها كما في أكثر المعتبرات
وفي خزانة المفتين أنه واجب على الأصح حال كونه آخذا أي شارعا عن يمينه أي جانب يمينه أي يمين نفسه حالة استقباله الحجر وهو يمين الطائف مما يلي الباب أي باب الكعبة قال في الذخيرة ولو أخذ عن يساره يعتد بطوافه في حكم التحلل عندنا وعليه الإعادة ما دام بمكة وإن رجع قبل الإعادة فعليه دم
وقال الشافعي لا يعتد بطوافه وقد اضطبع رداءه بأن جعله أي وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وألقى طرفيه على كتفه الأيسر ويكون كتفه الأيمن مكشوفا والأيسر مغطى هو تفسير الاضطباع يقال اضطبع بثوبه وقولهم اضطبع رداءه سهو كما في المغرب وهو سنة في ظاهر الرواية
ويجعل طوافه وراء الحطيم حتى لو طاف مما بينه وبين البيت لا يجوز لكن إن استقبل
____________________
(1/401)
المصلي الحطيم لا يجوز أخذا بالاحتياط في كل من الحكمين وهو موضع من الركن العراقي إلى الشامي فيه ميزاب على ستة أذرع وشبر من البيت قريب من ربعه لأنه قد كان ثلاثين ذراعا في ثمانية عشر مأخوذ من الحطم وهو الكسر إما بمعنى مفعول لأنه ترك حين رفع البيت بالبناء أو بمعنى فاعل فإن العرب طرحوا عليه ثيابا حين طافوا بها فانحطم بالمرور كما في القهستاني ويقول إذا حاذى الملتزم وهو الجدار الذي بين الحجر الأسود والباب في أول طوافه اللهم إن لك علي حقوقا فتصدق بها علي وإذا حاذى الباب يقول اللهم إن هذا البيت بيتك وهذا الحرم حرمك وهذا الأمن أمنك وهذا مقام العائذين بك أعوذ بك من النار فأعذني منها وإذا حاذى المقام على يمينه يقول اللهم إن هذا مقام إبراهيم العائذ اللائذ بك من النار حرم لحومنا وبشرتنا على النار وإذا أتى الركن العراقي يقول اللهم إني أعوذ بك من الشرك والشك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد وإذا أتى ميزاب الرحمة يقول اللهم إني أسألك إيمانا لا يزول ويقينا لا ينفد ومرافقة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام اللهم أظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظل عرشك واسقني بكأس نبيك محمد عليه الصلاة والسلام شربة لا نظمأ بعدها أبدا وإذا أتى الركن الشامي يقول اللهم اجعل حجي مبرورا وسعيي مشكورا وذنبي مغفورا وتجارتي لن تبور يا عزيز يا غفور وإذا أتى الركن اليماني يقول اللهم إني أعوذ بك من الكفر وأعوذ بك من الفقر وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من الخزي في الدنيا والآخرة
وعند الحجر إذا بلغه يقول اللهم اغفر لي برحمتك وأعوذ برب هذا الحجر من الدين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر سبعة أشواط جمع شوط أي طوافه مفعول يطوف لو طاف ثامنا عالما بأنه ثامن اختلفوا والصحيح أنه يلزمه إتمام الأسبوع لأنه شرع فيه ملتزما بخلاف ما إذا ظن أنه سابع ثم تبين أنه ثامن فإنه لا يلزمه الإتمام لأنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما كالعبادة المظنونة كما في البحر واعلم أن مكان الطواف داخل المسجد ولو وراء السواري وزمزم لا خارج المسجد يرمل بالضم أي يسرع في المشي ويحرك منكبيه في الثلاثة الأول جمع أولى منها أي من الأشواط لما روي عن ابن عمر قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا ولو زجه الناس في الرمل وقف إلى أن يجد فرجة لأنه من سنة الطواف بخلاف استلام الحجر لأن الاستقبال إليه بدل له
وفي شرح الطحاوي أنه إن زحموا يمشي حتى يجد الرمل ويمشي في الباقي على
____________________
(1/402)
هينته بكسر الهاء أي على السكينة والوقار ولا يرمل لكن لو رمل فيها لا شيء عليه ويستلم الحجر على الوجه الذي مر كلما مر به أي الحجر إن استطاع وإلا يستقبل ويكبر ويقول في كل مرة رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ويختم طوافه بالاستلام أو ما يقوم مقامه لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك واستلام الركن اليماني من غير تقبيل ويقول عند ذلك اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويستحب الإكثار من ذلك كلما مر به حسن أي مستحب فلا يسن في ظاهر الرواية وعن محمد أنه سنة فيقبله مثل الحجر الأسود والدلائل من السنة تشهد لمحمد والسراجية أنه لا يقبله في أصح الأقاويل ولا يستلم الركن العراقي والشامي
ثم يصلي في وقت يباح فيه التطوع ركعتين عند المقام أي مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو ما ظهر فيه أثر قدميه وهو حجارة يقوم عليها عند نزوله وركوبه عند إتيان هاجر وولده وقيل مقام إبراهيم الحرم كله أو حيث أي في أي موضع تيسر له من المسجد الحرام هذا بيان الأفضلية وإلا فإن صلى في غير مسجد جاز ولو بعد الرجوع إلى أهله ما لم يرد طواف أسبوع آخر وهما أي الركعتان واجبتان عندنا بعد كل أسبوع كما في أكثر المعتبرات
وفي النظم والنتف أنهما سنة كما قال الشافعي في قول وهذا طواف القدوم وهو أي طواف
____________________
(1/403)
القدوم سنة لغير المقيم بمكة وإذا فرغ من الطواف والصلاة يقول اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات واغفر لي ذنوبي وأقنعني بما رزقتني وبارك لي فيما أعطيتني واخلف على كل غائب لي بخير ثم أي بعد الصلاة يعود إلى الحجر الأسود
ويستلم الحجر كما مر ويخرج على السكينة بعدما شرب من ماء زمزم ويقول عند ذلك اللهم إني أسألك رزقا واسعا وعلما نافعا وشفاء من كل داء من أي باب شاء لكن الأولى من باب الصفا لخروجه عليه السلام منه إلى الصفاء ويقدم رجله اليسرى في الخروج ويقول بسم الله وعلى ملة رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها وأعذني من الشيطان الرجيم فيصعد عليه حتى يشاهد البيت
ويستقبل البيت أي يتحول إليه ويمكث فيه قدر ما يقرأ سورة من المفصل لكن إن لم يمكث يجزيه ويكبر ويهلل ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون يقوله ثلاث مرات ويصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأفضل الصلوات وأكمل التحيات رافعا يديه للدعاء ويدعو لربه بحاجته الأخروية والدنيوية إذا كانت نافعة بما شاء
ولو قال ويحمد الله ويصلي عليه ويكبر ويهلل لكان أولى كما في المحيط ثم ينحط أي ينزل من الصفا قاصدا نحو المروة ويمشي على مهل أي على سكينة وفيه إشعار بأنه لا يركب في هذا الطريق ولا يحمل كما في الطواف فإذا بلغ بطن الوادي بين الميلين وهما علامتان للسعي منحوتتان عن جدار المسجد متصلا به الأخضرين على التغليب فإن أحدهما أحمر كما في النهاية أو أصفر كما في المضمرات سعى سعيا شديدا بقدر ما يقرأ خمس وعشرون آية من البقرة حتى يجاوزهما وفيه رمز إلى أنه مشى على السكينة في جانبي
____________________
(1/404)
الميلين كما في القهستاني ويقول في مشيه اللهم استعملني في سنتك وسنة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام وتوفني على ملته وأعذني من معضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين ويفعل على المروة إذا وصل إليها كفعله على الصفا من الاستقبال والذكر وغيرهما وهذا شوط واحد فيسعى بينهما أي بين الصفا والمروة سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة يعني أن السعي من الصفا إلى المروة شوط ثم من المروة إلى الصفا شوط آخر فيكون بداية السعي من الصفا وختمه وهو السابع على المروة على الصحيح فلو بدأ بالمروة لا يعتد بالشوط الأول في الصحيح
وقال أبو جعفر الطحاوي يفعل ذلك سبع مرات يبتدئ في كل مرة بالصفا ويختم بالمروة وقوله ويختم بالمروة صريح في أن الرجوع هو معتبر عنده ولا يجعله شوطا آخر كما لا يجعله جزء شوط فما قيل في رواية الطحاوي السعي من الصفا إلى المروة ثم منها إلى الصفا شوط واحد فيكون أربعة عشر شوطا فيقع الختم على الصفا ليس بذاك كما في الإصلاح وغيره
ثم يقيم بمكة إن قدم أيام الحج محرما أي من غير تحلل لأنه محرم بالحج فلا يتحلل منه حتى يأتي بأفعاله واحترز به عما نسخ من قول ابن عباس أنه حلق وحل ويطوف بالبيت نفلا ما أراد لأنه عبادة وهو أفضل من الصلاة للغرباء ويصلي بعد كل أسبوع ولا يسعى بين الصفا والمروة عقيب الطواف لأنه لا يجب إلا مرة والتنفل بالسعي غير مشروع ولا يرمل لأنه لا يكون إلا مع السعي
فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة خطب الإمام أي الخليفة أو نائبه خطبة بلا جلسة في وسطها بعد صلاة الظهر يعلم الناس فيها المناسك وهي أفعال الحج من الخروج إلى منى وإلى عرفات والصلاة والوقوف فيها والإفاضة والمناسك جمع المنسك بفتح السين وكسرها في الأصل المتعبد ويقع على المصدر والزمان والمكان
وفي المغرب أنه بمعنى الذبح ثم استعمل في
____________________
(1/405)
كل عبادة
وكذا يخطب الإمام خطبتين بينهما جلسة معلما للمناسك التي من زوال عرفة إلى زوال يوم التشريق وهي الوقوف بعرفات والمزدلفة ورمي الجمار والنحر وغير ذلك في اليوم التاسع من ذي الحجة قبل الظهر بعرفات بالكسر والتنوين فإنها منصرفة بالإجماع ويجوز منع صرفه للعلمية والتأنيث لأن تنوين الجمع تنوين المقابلة لا التمكن فصار اسما لموضع واحد يقال له عرفة وقيل أنها من الأسماء المرتجلة فإن عرفة لا تعرف في أسماء الأجناس كما في القهستاني
و يخطب خطبة واحدة بلا جلسة بعد الظهر معلما لباقي المناسك الذي هو رمي الجمار والنزول بالمحصب وغيره ولو قال ثم بمكان الواو فيهما لكان أولى
في اليوم الحادي عشر بمنى يفصل بين خطبتين بيوم
وقال زفر يخطب في ثلاث متواليات أولها يوم التروية وآخرها يوم النحر وأجيب بأن يوم التروية ويوم النحر يوما اشتغال فإذا صلى الفجر يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة وإنما سمي بها لأن الخليل عليه الصلاة والسلام رأى ليلة كأن قائلا يقول إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روى أي تفكر في ذلك الأمر أنه من الله أم لا فسمي يوم التروية ثم عرف في اليوم التاسع أنه منه تعالى فسمي عرفة ثم رآه في الليلة العاشرة فهم بنحر ولده فسمي يوم النحر خرج من مكة إلى منى
وفي المفيد والمزيد يستحب أن يتوجه إلى منى بعد الزوال وهو أحد قولي الشافعي والصحيح هو الأول فإذا دخل منى يقول اللهم هذا مني وهذا مما دللتنا عليه من المناسك فمن علينا بجوامع الخيرات وبما مننت على إبراهيم خليلك ومحمد حبيبك وبما مننت على أوليائك وأهل طاعتك فإني عبدك وناصيتي بيدك جئت طالبا لمرضاتك
ويستحب أن ينزل مسجد الخيف فيقيم بها أي بمنى إلى صلاة فجر يوم عرفة ويمكث إلى طلوع الشمس وهذا سنة ثم يتوجه إلى عرفات فيقيم بها وهي على ستة أميال من منى تقريبا ويقول عند التوجه اللهم إليك توجهت وعليك توكلت وجهة جبل الرحمة أردت فاجعل ذنبي مغفورا وحجي مبرورا
____________________
(1/406)
وارحمني ولا تخيبني وبارك لي في سفري واقض بعرفات حاجتي بذلك فإنك على كل شيء قدير ويلبي ويكبر وإذا قرب من عرفات ووقع بصره على جبل الرحمة وعاينه يدعو ويقول اللهم إليك توجهت وعليك توكلت ووجهك أردت اللهم اغفر لي وتب علي واعطني سؤالي ووجه لي الخير أينما توجهت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإذا زالت الشمس من يوم عرفة قبل صلاة الظهر خطب الإمام خطبتين بينهما جلسة فإن ترك الخطبة أو خطب قبل الزوال أجزأه وقد أساء ولا يخالفه قول الزيلعي لو خطب قبل الزوال جاز ويراد بالجواز الصحة مع الكراهة كالجمعة وعلم فيهما المناسك وصلى بعد الخطبة أي عقيبها بالناس الظهر والعصر معا بأذان واحد أي بعد صعود المنبر في ظاهر الرواية قيل يراه أبو يوسف قبل الصعود في رواية
وفي أخرى بعد الخطبة وإقامتين في وقت الظهر لما في حديث جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ينفل فإن فعل يثني الأذان للعصر في ظاهر الرواية وعن محمد أنه لا يعاد لأن الوقت قد جمعهما
وفي البحر لا يصلي سنة الظهر البعدية وهو الصحيح فالأولى أن لا ينتفل بينهما فلو فعل كره وأعاد الأذان للعصر لكن في المحيط وغيره لو تنفل سوى سنة الظهر يثني الأذان لعصر إلا في رواية شاذة عن محمد لأن هذا ينافي حديث جابر وأكثر إطلاق المشايخ تأمل
وشرط الجمع أي لجواز الجمع بين الصلاتين صلاتهما مع الإمام أي الخليفة أو نائبه فلو صلى الظهر وحده أو بجماعة بدون الإمام الأكبر أو كان غير محرم فيها ثم أحرم وصلى العصر بجماعة في وقت الظهر لا يجوز خلافا لهما أي لا يشترط عندهما الجماعة لا فيهما ولا في واحدة منهما ولكن يشترط إحرام الحج في العصر وحدها كما في التبيين
و شرط كونه محرما للحج قبل الزوال في رواية وقبل الصلاة في أخرى فيهما
____________________
(1/407)
أي في الظهر والعصر وقال زفر الإمام والإحرام شرط في العصر خاصة ثم أي بعد أداء العصر يقف الموقف الأعظم راكبا مع الإمام وهو أفضل بوضوء أو غسل وهو أي الغسل السنة قرب جبل الرحمة على أربعة فراسخ من مكة وإنما سمي جبل الرحمة لأنه منزلة الرحمة على الحجاج خصوصا إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة قال سعدي أفندي وقع في غاية السروجي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة من غير جمعة ذكره في تجريد الصحاح بعلامة الموطأ وأفضل المواقف موقف رسول الله عليه الصلاة والسلام عند الصخرات الكبار المفروشات في طرق جبيلات الصغار التي كأنها الروابي الصغار عند الجبل المعروف بجبل الرحمة وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة بضم العين المهملة وفتح الراء بحذاء عرفات عن يسار الموقف فالاستثناء منقطع وجه النهي أن النبي عليه الصلاة والسلام قد رأى الشيطان فيها وأمر أن لا يقف في ذلك المكان احترازا عنه
ويستقبل الإمام القبلة رافعا يديه باسطا أي رفع بسط حامدا مكبرا مهللا ملبيا مصليا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم داعيا لما يجب بحاجته بجهد وهو بفتح الجيم حضور القلب لأنه عليه الصلاة والسلام اجتهد في الدعاء في هذا الموقف لأمته فاستجيب له إلا في الدماء والمظالم قيل وقد استجيب له في ذلك أيضا في المزدلفة ويقول في دعائه لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في بصري نورا وفي سمعي نورا واجعلني ممن تباهي الملائكة اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء أنا البائس الفقير المستغيث المستجير المغرور أسألك مسألة المساكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الفقير ومن خضعت لك رقبته وفاضت عيناه ورغم أنفه ولا تجعلني
____________________
(1/408)
بدعائك ربي شقيا وكن لي رءوفا رحيما يا خير مسئول ويا أكرم مأمول اللهم إني أسألك أن تغفر لي ما قدمت من ذنبي وتغفر لي ما علمت من الذنوب وما لم أعلم وتعصمني بعد هذه الساعة فيما بقي من عمري وتفتح لي أبواب طاعتك وتغلق عني أبواب معصيتك وتحفظني من بين يدي ومن خلفي ومن يميني وشمالي ومن فوقي وتحتي وتلبسني ثياب التقوى والعافية أبدا ما أبقيتني وترحمني إذا توفيتني وتجعلني ممن يكتسب المال من حله وينفقه في سبيلك يا فاطر السموات والأرض ضجت لك الأصوات بصنوف اللغات يسألونك الحاجات وحاجتي أن تغفر لي وترحمني في دار البلاء إذا نسيني الأهل والأقربون اللهم إليك خرجنا وبفنائك أنخنا وإليك قصدنا وما عندك طلبنا ولإحسانك تعرضنا ولرحمتك رجونا ومن عذابك أشفقنا وبيتك الحرام حججنا يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ما في ضمائر الصامتين اللهم إنا أضيافك ولكل ضيف قرى فاجعل قرانا منك الجنة ونعيمها ولكل سائل عطية ولكل راج ثواب ولكل متوك إليك عفو وقد وفدنا إلى بيتك الحرام وأوقفنا بهذه المشاعر العظام وشاهدنا من المشاهد الكرام رجاء لما عندك فلا تخيب رجاءنا واعف عنا واغفر لنا خطايانا وتجاوز عنا واعتق رقابنا من النار اللهم صل على محمد النبي الأمي البشير النذير السراج المنير الطيب الطاهر المبارك وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار يا عزيز يا غفار وهذا إجمال في ذكر الدعاء وليس له دعاء معين والغرض الإرشاد إلى كيفيته لا الحصر وكل دعاء يعلمه يدعو به وكل حاجة في صدره يسأل الله إياها ويجتهد على أن يقطر من عينيه قطرات من الدموع ويدعو لأبويه ولإخوانه ولأهله ولمعارفه ويلح في الدعاء مع قوة الرجاء للإجابة قال الله تعالى ادعوني استجب لكم وهي مجمع عظيم وموقف جليل يجتمع فيها خيار عباد الله الصالحين اللهم احشرنا في زمرتهم واجعلنا من جملتهم آمين ويقف الناس وراء الإمام بقربه وهو أي القرب أفضل مستقبلين إلى القبلة سامعين لقوله للتعلم بما يعلمه
وفي المحيط والليالي كلها تابعة للأيام المستقبلة إلا في الحج فإنها في حكم الأيام الماضية وليلة عرفة تابعة ليوم التروية وليلة النحر تابعة ليوم عرفة ثم يفيضون معه أي مع الإمام فلا يتقدمون عليه إلا عند الزحام فإنه جائز إذا لم يجاوزوا حدود عرفات ولا يتأخرون عنه لكن يجوز التأخير القليل للزحام والأفضل أن يمشي على هينته وإذا وجد فرجة يسرع من غير أن يؤذي أحدا ويكبر ويهلل ويثني ساعة فساعة ويقول إذا دنا وقت الغروب اللهم لا
____________________
(1/409)
تجعل هذا آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا ما أبقيتني واجعلني اليوم مفلحا منجحا مرحوما مستجاب الدعاء مغفور الذنوب واجعلني من أكرم وفدك واعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الرحمة والرضوان والتجاوز والغفران والرزق الواسع الحلال وبارك لي في جميع أموري فتبارك الله رب العالمين بعد الغروب إلى مزدلفة بضم الميم وسكون الزاي وفتح الدال وكسر اللام على ثلاثة أميال من مسجد عرفات وينزل بقرب جبل قزح بضم القاف وفتح الزاي المعجمة وبالحاء المهملة اسم جبل بالمزدلفة من قازح بمعنى ارتفع ولا ينزل على طريق كي لا يضر بالمارين ويستحب أن يقف وراء الإمام كالوقوف بعرفات ويقول عند دخول مزدلفة اللهم هذا جمع أسألك أن ترزقني فيه جوامع الخير كله فإنه لا يعطيها غيرك اللهم رب المشعر الحرام ورب الزمزم والمقام ورب البيت الحرام والبلد الحرام ورب الحل والحرم والمعجزات العظام أسألك أن تبلغ على روح محمد مني أفضل التحية والسلام وأن تصلح ديني وذريتي وتشرح لي صدري وتطهر قلبي وترزقني الخير الذي كنت سألتك وأن تقيني من جوامع الشر كله إنك ولي ذلك والقادر عليه ويكثر من الاستغفار
ويصلي المغرب والعشاء في أول وقت العشاء ويتبادر أن يقدم المغرب على العشاء فلو أخر أعاد العشاء ما لم يطلع الفجر وأن لا تتطوع بينهما ولو سنة مؤكدة على الصحيح فإنه مكروه
ولو تطوع أعاد الإقامة كما اشتغل بينهما بعمل آخر
وفي النهاية ولا يشترط الإحرام والجماعة والإمام لكن في الروضة أنه يشترط الإمام لا الجماعة عنده ويشترط الجماعة لا الإمام عندهما بأذان واحد
وإقامة واحدة وقال زفر وهو قول الأئمة الثلاثة بإقامتين واختاره الطحاوي وعنه بأذانين أيضا وإذا فرغ يقول اللهم حرم لحمي وشعري ودمي وعظمي وجميع جوارحي على النار ويسأل إرضاء الخصوم فإن الله تعالى وعد ذلك لمن طلب في هذه الليلة ومن صلى المغرب في الطريق أو بعرفات فعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر عند الطرفين فإذا طلع لا تجب الإعادة خلافا لأبي يوسف فإن عنده لا تجب الإعادة أصلا لكنه مسيء
ويبيت بمزدلفة وينبغي إحياء هذه الليلة بالعبادات من الصلوات والأدعية الصالحة والأذكار الفاتحة ويختم الكل بالفاتحة
____________________
(1/410)
فإذا طلع الفجر صلى الفجر ملتبسا بغلس بفتحتين وهو ظلمة الليل المختلطة بضوء الصبح ليحصل امتداد الوقوف ووقف بالمشعر الحرام وصنع كما في عرفة من استقبال القبلة ورفع اليد بسطا وحمده تعالى وتكبيره وتهليله والصلاة على نبيه والدعاء لحاجته بجهد ويستحب أن يقول اللهم أنت خير مطلوب وخير مرغوب إليه إلهي لكل ضعيف قوى فاجعل قواي في هذا المقام أن تتقبل توبتي وتجاوز عن خطيئتي وتجمع على الهدى أمري وتجعل اليقين من الدنيا همي اللهم ارحمني وأجرني من النار ووسع علي الرزق الحلال اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف وارزقني أبدا ما أحييتني فإني لا أريد إلا رحمتك ولا أبتغي إلا رضاك واحشرني في زمرة المخبتين والمتبعين لأمرك والعاملين بفرائضك التي جاء بها
____________________
(1/411)
كتابك وحث عليها رسولك صلى الله تعالى عليه وسلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين والحمد لله رب العالمين ومزدلفة كلها موقف إلا للاستثناء المنقطع وادي محسر بضم الميم وكسر السين المشددة موضع على يسار المزدلفة سمي بذلك لأنه لا يوقف فيه بل يمشى فيه سريعا فكأنه أتعب نفسه والتحسير الإتعاب كما في القهستاني فإذا أسفر نفر أي خرج قبل طلوع الشمس إلى منى
وفي مختصر القدوري والسراجية أنه يأتيه إذا طلعت الشمس وأوله الكافي بأن المراد إذا قربت من الطلوع فيندفع به تغليظ الهداية لعدم مخالفة السنة ويستحب له أن يقول في الدفع اللهم إليك أفضت ومن عذابك أشفقت وإليك توجهت ومنك رهبت اللهم تقبل نسكي وأعظم أجري وارحم تضرعي واستجب دعائي واقبل توبتي ويصلي على النبي عليه الصلاة والسلام ما أمكن فإذا بلغ بطن محسر أسرع ماشيا وحرك دابته إن راكبا قدر رمية حجر
فيبدأ أي الإمام بالناس فيها أي في منى برمي جمرة لا بوضع وذا لا يجوز فينبغي أن يكون بين الرامي وبين موضع السقوط خمسة أذرع لأن ما دون ذلك يكون طرحا ولو طرحها أجزأه لأنه رمى إلى قدميه إلا أنه مسيء لمخالفته السنة ولو رماها فوقعت قريبا من الجمرة أجزأه لأن ما قرب من الشيء له حكمه ولو وقعت بعيدا لا لأنه لم يرم الجمرة بل في بقعة أخرى والقرب قدر ذراع ونحوه
وفي الجوهرة حد البعيد قدر ثلاثة أذرع وما دونه قريب العقبة بفتحتين ثالثة الجمرات على حد منى من جهة مكة وليس من منى ويقال الجمرة الكبرى والجمرة الأخيرة كما في القهستاني من بطن الوادي أي من أسفله إلى أعلاه ويجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه رافعا يديه حذاء منكبيه ولو رماها من فوق العقبة أجزأه بسبع حصيات أي يرمي سبع حصيات متفرقة لأنه إن
____________________
(1/412)
رمى جملة لم يجز إلا عن واحدة فلو رمى بأكثر منها جاز لا بالأقل كحصى الخذف بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين صغار الحصى قيل مقدار النواة وقيل مقدار الحمصة وقيل مقدار الأنملة ولو رمى بأصغر أو أكبر أجزأه إلا أنه لا يرمي بالكبار خشية أن يتأذى به غيره وينبغي أن يكون المرمي مغسولا مأخوذا من غير الجمرة لأنه المردود ولو رمى بمتنجسة جاز مع الكراهة ويكره أن يلتقط حجرا واحدا فيكسره سبعين حجرا صغيرا كما يفعله كثير من الناس اليوم ويجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض إذا لم يكن منافيا للاستهانة فيجوز بالمدر ونحوه لا بالشجر واللعل والياقوت ونحوهما لأن الاستهانة لا تقع بمثلها
وفي بعض الكتب جواز نحو الياقوت لكن الأول أولى لأن الرمي به نثار وإعزاز لا إهانة
وكيفية الرمي أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه اليمنى ويستعين بالمسبحة وقيل يأخذ بطرف إبهامه وسبابته وقيل يحلق سبابته ويضعها على مفصل إبهامه وقيل يرمي رمية المعروفة لكن المختار عند مشايخ بخارى أنه يرمي كيف يشاء ولم يبين وقت هذا الرمي وله أوقات أربعة الأول الجواز وهو من طلوع الفجر يوم النحر إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني حتى لو أخره لزمه دم عند الإمام خلافا لهما
والثاني الاستحباب وهو من طلوع الشمس إلى الزوال
والثالث الإباحة وهو من الزوال إلى الغروب
والرابع الكراهة وهو قبل طلوع الشمس من يوم النحر وبعد غروبها كما في المحيط
وقال الشافعي يجوز هذا الرمي من النصف الأخير من ليلة النحر يكبر مع كل حصاة فيقول بسم الله والله أكبر رغما للشيطان وحزبه اللهم اجعل حجي مبرورا وسعيي مشكورا وذنبي مغفورا
ولو سبح مكان التكبير أجزأه لحصول الذكر هذا بيان الأفضل فلو لم يذكر الله أصلا أجزأه
ويقطع التلبية بأولها أي مع أول حصاة يرميها على الصحيح لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ولا فرق بين المفرد والمتمتع والقارن ولا يقف عندها لأن النبي عليه الصلاة
____________________
(1/413)
والسلام لم يقف عند جمرة العقبة
ثم يذبح إن أحب لأن الكلام في المفرد فليس عليه دم إلا تطوعا ثم يحلق رأسه بعد الذبح وهو أي الحلق أفضل من التقصير كما أن حلق الكل أفضل من حلق الربع أو يقصر التقصير أن يأخذ من رءوس شعره قدر أنملة ويجب إمرار الموسى على رأس الأقرع على المختار إن أمكن وإلا بأن كان برأسه قروح لا يمكن إمراره عليه سقط كما في التبيين والمراد إزالة الشعر ولو بالنار أو بالنورة ولم يعذر من لم يجد الحلاق أو الموسى فإذا مضى أيام النحر فعليه دم ويستحب له قلم الأظفار وقص شاربه والدعاء قبل الحلق وبعده مع التكبير ولا يأخذ من لحيته شيئا ولو فعل لا يجب عليه شيء وقد حل له كل شيء من محظورات الإحرام بعد أخذ هذين غير النساء أي لم يحل له جماعهن ودواعيه كالقبلة والمس بشهوة لا النظر في فرجها فلا يجب به شيء وإن أنزل وقال الشافعي ومالك في قول لا يحل له الطيب والصيد أيضا والحجة عليهما ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا حلق الحاج حل له كل شيء إلا النساء وقالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت وأما ما في الخانية الصحيح أن الطيب لا يحل له لأنه من دواعي الجماع فضعيف تدبر ثم يذهب من يومه وهو يوم النحر إن استطاع أو الغد أي غد يوم النحر أو بعده أي بعد الغد ولا يؤخر عنه كما في المحيط إلى مكة فيطوف للزيارة سبعة أشواط وهذا هو المفروض في الحج وهو ركن فيه بلا رمل بالتحريك ولا سعي بين الصفا والمروة إن كان قدمهما في طواف القدوم وإلا أي وإن لم يقدمهما في طواف القدوم رمل فيه أي طواف الزيارة
وسعى بعده والأفضل تأخير السعي إلى ما بعد طواف الزيارة وكذا الرمل ليصيرا تبعا للفرض دون السنة كما في البحر وقد حل له النساء ولو في الحقيقة بالحلق السابق لأن الحلق وإن كان بمنزلة السلام إلا أن عمله يتأخر في حقهن إلى الطواف فإذا طاف عمل الحلق عمله كالطلاق الرجعي أخر عمله إلى انقضاء العدة
ووقته أي طواف الزيارة بعد طلوع فجر النحر وهو اليوم الأول وهو أي طواف الزيارة فيه أي في أول يوم النحر لا في يوم النحر لأن ذلك واجب حتى يجب الدم بالتأخير عنه كما في الإصلاح أفضل لما
____________________
(1/414)
ورد في الحديث أفضلها أولها وكره تحريما تأخيره أي طواف الزيارة عن أيام النحر لترك الواجب ثم يعود من مكة إلى منى بعدما صلى ركعتي الطواف وينبغي للمصنف أن يصرح به كما في الهداية فيرمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني من أيام النحر بعد الزوال وهو المشهور من الرواية عن الإمام إلى الغروب استحبابا وإلى آخر الليل جوازا يبدأ في الرمي بالتي أي بالجمرة التي تلي المسجد أي مسجد الخيف بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء وهو المكان المرتفع فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عندها حامدا مهللا مكبرا مصليا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رافعا يديه حذاء منكبيه ويدعو لحاجته ويستحب الاستغفار لنفسه ولأبويه ولإخوانه وأقاربه وللمؤمنين والمؤمنات ثم بالتي تليها أي تلي الجمرة الأولى وهي الجمرة الوسطى وبينها وبين الأولى ثلاثمائة وخمسة أذرع كما في القهستاني كذلك أي سبع حصيات مكبرا مع كل حصاة ويقف عندها ويدعو ثم يبتدئ بجمرة العقبة أي يرمي من بطن الوادي وبينها وبين الوسطى أربعمائة وسبعة وثمانون ذراعا كما في القهستاني كذلك أي سبع حصيات مكبرا مع كل حصاة ويدعو إلا أنه لا يقف عندها أي عند جمرة العقبة لأنه ليس بعده رمي ثم يفعل في اليوم الثالث كذلك أي بعد الزوال إلى آخر الليل مثل ما فعل في الثاني ثم إن شاء نفر أي رجع من منى إلى مكة وله أي للحاج ذلك
____________________
(1/415)
أي النفر قبل طلوع فجر اليوم الرابع وعند الشافعي ليس له أن ينفر بعد الغروب من اليوم الثالث لا بعده أي ليس له النفر بعد طلوع فجر اليوم الرابع حتى يرمي لأنه وجب عليه رمي الجمار من طلوع الفجر وعند الشافعي من نصف الليل وإن شاء أقام بمنى فرمى كما تقدم في اليومين الأولين وهو أحب أي المكث فيه مستحب لأن النبي عليه الصلاة والسلام مكث فيه حتى رمى الجمار الثلاث
وإن رمى فيه أي في اليوم الرابع قبل الزوال جاز عند الإمام اقتداء بابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهذا استحسان خلافا لهما فإنه لا يجوز عندهما وعند الشافعي إلا بعد الزوال اعتبارا بسائر الأيام وجاز للرامي الرمي راكبا وراجلا لحصول فعل الرمي وغير راكب أفضل في غير جمرة العقبة فإن رميها راكبا أفضل باعتبار أنه ذاهب إلى مكة في هذه الساعة كما هو العادة وغالب الناس راكب فلا إيذاء في ركوبه مع تحصيله فضيلة الاتباع له عليه السلام ويبيت ليالي الرمي بمنى فيكره أن لا يبيت بمنى ليالي منى ولو بات في غيره من غير عذر لا شيء عليه عندنا وعند الشافعي في قول واجب وكره تقديم ثقله الثقل بفتحتين المتاع المحمول على الدابة والجمع أثقال إلى مكة قبل نفره لأنه يوجب شغل قلبه وهو في العبادة فيكره وفيه إشارة إلى أنه يكره ترك أمتعته بمكة والذهاب إلى عرفات بالطريق الأولى لكن عند عدم الأمن عليها بمكة أما إن أمن فلا لعدم شغل القلب في المسألتين
فإذا نفر إلى مكة نزل بالمحصب وهو بضم الميم وفتح الحاء والصاد المهملتين مع تشديد الصاد اسم موضع واد واسع بين مكة ومنى ويسمى الأبطح ولو ساعة لأن النبي عليه الصلاة والسلام نزل به ساعة يسيرة ودعا
____________________
(1/416)
فيه بنحو ما تقدم من الأدعية والنزول سنة عندنا وعند الشافعي ليس بسنة فإذا أراد الظعن أي السفر والرحيل عنها أي عن مكة طاف للصدر ويسمى طواف الوداع وطواف آخر العهد وطواف الواجب سبعة أشواط بلا رمل ولا سعي ثم صلى ركعتين فإن تشاغل بمكة بعد طواف الصدر فليس عليه طواف آخر وعن أبي يوسف والحسن لزمه إعادته وعن الإمام استحب له أن يطوف طوافا آخر كي لا يكون بين طوافه ونفره حائل ومن نفر ولم يطف للصدر فإنه يرجع فيطوفه بغير إحرام جديد ما لم يتجاوز الميقات فإن جاوزها لم يجب الرجوع ويلزمه دم فإن رجع رجع بعمرة ويبتدئ بطوافها لأنه تعين عليه بالإحرام فإذا فرغ من عمرته طاف للصدر ويسقط عنه الدم وقالوا الأولى أن لا يرجع ويريق دما إن اقتدر لأنه أنفع للفقراء وأيسر عليه لما فيه من دفع ضرر التزام الإحرام ومشقة الطريق كما في الفتح وهو أي طواف الصدر واجب لقوله عليه الصلاة والسلام من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف ولكن لا تشترط له نية معينة حتى لو طاف بعدما حل النفر ونوى التطوع أجزأه عن الصدر
وقال الشافعي إنه غير واجب إلا على المقيم بمكة هذه مستدركة لأنها ذكرت في بيان الواجبات لكن المصنف ذكره اتباعا لأكثر المتون تتبع
ثم يستقي بنفسه إن قدر من بئر زمزم ويشرب من مائه مستقبل القبلة ويتضلع منه ويتنفس فيه ثلاث
____________________
(1/417)
مرات ويرفع بصره كل مرة وينظر إلى البيت العتيق ويمسح به وجهه ورأسه وجسده ويصب عليه إن تيسر ويقول في كل مرة اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وقد شربه جماعة من العلماء لمطالب جليلة فنالوها ببركته كما في التبيين ثم يأتي الباب أي باب الكعبة ويقبل العتبة تعظيما للكعبة ويضع صدره وبطنه وخده الأيمن على الملتزم بضم الميم وفتح الزاي وهو ما بين الباب والحجر الأسود مسافة أربعة أذرع ويتشبث أي يتعلق بالأستار أي أستار الكعبة ساعة كالمتعلق بطرف ثوب لمولى جليل للاستعانة في أمر ليس له فيه سبيل ويدعو حال كونه مجتهدا فإنه موضع الإجابة ويبكي أو يتباكى متحسرا على فراق البيت قائلا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ويرجع من المسجد القهقرى رجوعا إلى خلف ناظرا إلى البيت حتى يخرج من المسجد هذا بيان للمستحب
____________________
(1/418)
وقد شرب ماء زمزم على غيره وهو المختار
وفي بعض الكتب تأخيره عن التزام الملتزم وتقبيل العتبة لكنه مخالف للرواية ويستحب أن يقول فيه هذا بيتك الذي جعلته مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم كما هديتنا كذلك فتقبله منا ولا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام وارزقني العود إليه حتى ترضى برحمتك يا أرحم الراحمين وهنا قد تم أفعال الحج مع التقصير في التقرير اللهم يسر لنا الحج الشريف مرة بعد أخرى وفلله الحمد في الآخرة والأولى
فصل المسائل التي تتعلق بالوقوف وأحوال النساء وأحوال البدن وتقليدها إن لم يدخل المحرم مكة سواء كان محرما من الميقات أو الحل وتوجه إلى عرفة ووقف بها على ما بيناه من أحكام الوقوف سقط عنه طواف القدوم حقيقة السقوط لا تكون إلا في اللازم لكن عبر به بطريق المجاز عن عدم سنية الإتيان به بعدما وقف بعرفة لأنه ما شرع إلا في ابتداء الأفعال ولا شيء عليه لتركه لأنه لا يجب بترك السنة الجابر
ومن وقف أو اجتاز أي سلك ومر بعرفة ساعة أي زمانا يسيرا لا الساعة النجومية ما بين زوال الشمس من يوم عرفة وطلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج لأنه عليه الصلاة والسلام وقف بعد الزوال وقال من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج فكان فعله بيانا لأول وقته وقوله بيانا لآخره
ولو وصلية كان الواقف نائما أو مغمى عليه أو لم يعلم أنها عرفة لأن ما هو الركن قد وجد وهو الوقوف والمشي
____________________
(1/419)
وإن أسرع لا يخلو عن قليل وقوفه وفيه إشارة إلى أن النية ليست بشرط لكل ركن إلا أن يكون ذلك الركن مما يستقل عبادة مع عدم إحرام تلك العبادة فيحتاج فيه إلى أصل النية وعن هذا وقع الفرق بين الوقوف والطواف فإنه لو طاف هاربا أو طالبا لهارب أو لا يعلم أنه البيت الذي يجب الطواف به لا يجزيه لأنه عبادة مقصودة ولهذا يتنفل به فلا بد من اشتراط أصل النية وإن كان غير محتاج إلى تعيينه حتى إن المحرم لو طاف يوم النحر ونوى به النذر يجزيه عن طواف الزيارة لا عما وجب عليه وأما الوقوف فليس بعبادة مقصودة فوجود النية في أصل العبادة وهو الإحرام يغني عن اشتراطه في الوقوف مع أن الوقوف أعظم الركنين لكن باعتبار الأمن من البطلان عند فعله لا من كل وجه ومن فاته ذلك أي الوقوف بعرفات على الوجه المشروح فقد فاته الحج فيطوف ويسعى للعمرة ويتحلل أي يخرج عن إحرام الحج وفيه إشعار ببقاء إحرامه بعد فوت الحج وهذا قول الطرفين وأما عند أبي يوسف فإحرامه انقلب بإحرام العمرة وفائدة الخلاف أنه لو أحرم بحجة أخرى بعد الفوت وجب رفضها عند الإمام لأن الجمع بين الإحرامين بدعة ولم تصح الثانية عند محمد لأنه لا يتصور أداء الحجتين معا ومضى فيها عند أبي يوسف لأنه محرم بعمرة أضاف إحرام حجة والصحيح قول الإمام كما في القهستاني نقلا عن المحيط ويقضي من عام قابل أي آت وفيه إشعار بأنه لا يقضي العمرة لأنه قد أداها في عامه ذلك ولا دم عليه لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يبينه
وقال الشافعي ومالك عليه هدي
ولو أمر رفيقه أن يحرم عنه عند إغمائه ففعل الرفيق صح الإحرام عنه إجماعا حتى إذا أفاق وأتى بأفعال الحج جاز
وكذا يصح عند الإمام إن فعل رفيقه بلا أمر لأنه أمره دلالة لأن عقد الرفقة يقتضي استعانته بالرفقاء فيما عجز عن مباشرته بنفسه والثابت دلالة كالثابت نصا خلافا لهما لأن
____________________
(1/420)
الإحرام شرط فلا يسقط إلا بفعل الحاج أو بفعل من أمر به وإنما قيد برفيقه لأنه لو أحرم غيره لم يصر محرما كما قالا وأما عنده ففيه اختلاف المشايخ وفيه إشارة إلى أن الرفيق ليس بنائب عنه في سائر المناسك إلا أن يطيف به والأصح أنه نائب عنه إلا أن الأولى أن يطيف ليكون أقرب إلى أدائه لو كان مفيقا كما في النهاية وعند الشافعي ومالك لا يصح بالإذن وعدمه
والمرأة في جميع ذلك أي في جميع أحكام الحج كالرجل لعموم الأوامر ما لم يقم دليل الخصوص إلا أنها تكشف وجهها كالرجل وإنما ذكره مع أن المرأة لا تخالف الرجل في كشف الوجه لأن المتبادر إلى الفهم أنها لا تكشفه لما أنه محل الفتنة كما قيل إنه عليه الصلاة والسلام لم يشرع للمرأة كشف الوجه في الإحرام خصوصا عند خوف الفتنة وإنما ورد النهي عن النقاب والقفازين ولا يتوهم عن عبارته اختصاصها لما تقدم أن الرجل يكشف وجهه ورأسه لا رأسها لأن رأسها عورة
ولو سدلت أي أرسلت وفي بعض النسخ أسدلت وهو لغة فليس بخطأ كما قال المطرزي على وجهها شيئا وجافته أي باعدت ذلك الشيء عن وجهها جاز ذلك السدل
وفي شرح الطحاوي الأولى كشف وجهها لكن في النهاية أن السدل أوجب ودلت المسألة على أن المرأة لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة ولا تجهر بالتلبية لما أن صوتها يؤدي إلى الفتنة على الصحيح أو عورة كما في البحر ولو قال ولا ترفع الصوت لكان أولى لأن المنهي في حقهن رفع الصوت لا الجهر والفرق ظاهر ولا ترمل في الطواف ولا تسعى بين الميلين ولا تصعد في الصفا والمروة إلا أن تجد خلوة كما في النتف وفيه إشارة إلى أنها لا تضطبع لأنه سنة الرمل ولا تحلق لأن حلق رأسها كحلق اللحية في الرجل بل تقصر وهي كالرجل فيه وتلبس المخيط تحرزا عن الكشف ولا تلبس المصبوغ إلا إذا كان غسيلا ولا تقرب الحجر الأسود إذا كان عنده رجال تحرزا عن مماسة الرجال بخلاف ما إذا لم يكن لعدم المانع والخنثى المشكل
____________________
(1/421)
كالمرأة احتياطا إلا أنه لا يخلو بامرأة لاحتمال أن يكون رجلا ولا يرجل لاحتمال أن يكون امرأة كما في الشمني
ولو حاضت عند الإحرام اغتسلت وهذا الاغتسال للإحرام لا للصلاة فيكون مقيدا للنظافة وأتت بجميع المناسك إلا الطواف قال عليه الصلاة والسلام الطواف بالبيت صلاة فتعتبر فيه الطهارة عن الحيض كما تعتبر فيها إلا أن اعتبارها فيها فرض وفيه واجب فلا يفوت الجواز بدونها كما في الإصلاح ولو حاضت يوم النحر قبل الطواف لم تنفر حتى تطهر وتطوف
وإن حاضت بعد الوقوف و طواف الزيارة سقط عنها طواف الصدر ولا شيء عليها لتركه أي ترك طواف الصدر ولم يأمرهن بإقامة شيء مقامه كما يسقط عمن أقام بمكة لأنه على من يصدر من مكة فإن أقام قبل أن يحل النفر الأول سقط عنه طواف الصدر بالاتفاق
ولو كان الإقامة بعد النفر الأول بسكون الفاء الرجوع عند أبي يوسف لأن طواف الصدر إنما يجب على الصادر وهو مستوطن إلا أن يكون عزم على الإقامة بعدما افتتح الطواف فلا يسقط
و هو عند محمد لا يسقط بالإقامة بعده أي بعد النفر الأول لأنه أدرك وقته فتأكد أداؤه عليه
وفي النهاية يروى هذا عن الإمام ويرويه البعض عن محمد
ومن قلد بدنة تطوع أو نذر أو جزاء صيد بأن قتل صيدا ووجبت قيمته فاشترى بها بدنة في سنة أخرى وقلدها وساقها إلى مكة أو نحوه من بدنة المتعة أو القران والتقليد أن يربط على عنق بدنة قطعة نعل أو لحا شجرة أو نحوه والمقصود منه الإعلام وتوجه معها أي مع البدنة إلى مكة حال كونه يريد الحج فقد أحرم أي صار محرما
وإن لم يلب لقوله عليه الصلاة والسلام من قلد بدنة فقد أحرم لأن سوق الهدي في معنى التلبية في إظهار الإجابة لأنه لا
____________________
(1/422)
يفعله إلا من يريد الحج أو العمرة فإنه كما يكون بالقول يكون بالفعل
وقال الشافعي ومالك لا تصح بلا نية فإن بعث بها أي بالبدنة ثم توجه فلا أي إن لم يسق البدنة بعد التقليد بل بعثها لا يصير محرما حتى يلحقها فإذا لحقها يصير محرما هذا على ما اختاره فخر الإسلام من عدم اعتبار السوق في كونه محرما كما في الإصلاح إلا في بدنة المتعة حيث يصير محرما حين توجه إن نوى الإحرام قبل أن يلحقها فإن جللها أي ألقى عليها الجل أو أشعرها سيأتي بيانه أو قلد شاة لا يكون محرما لأن تقليدها لا يسن ولا يتعارف إلا عند الشافعي والبدن بضمتين جمع بدنة من البقر والإبل
وقال الشافعي من الإبل فقط وقال مالك مثله إلا إن عجز عن الإبل فمن البقر
باب القران والتمتع لما فرغ من بيان أحكام المفرد بالحج شرع في بيان أحكام المركب وهو القران والتمتع والقران لغة مصدر قرن بين الحج والعمرة أي جمع بينهما فلا يظن أنه بيان الحكم قبل التعريف كما في القهستاني اعلم أن المحرمين أربعة مفرد بالحج وهو أن يحرم من الميقات في أشهر الحج ويذكر الحج بلسانه عند التلبية ويقصد بقلبه أو لم يذكر بلسانه وينوي بقلبه كما بيناه ومفرد بالعمرة وهو أن يحرم من الميقات أو قبله في أشهر الحج أو قبلها ويذكر العمرة بلسانه عند التلبية أو يقصد بقلبه أو لم يذكر بلسانه وينوي بقلبه وقارن وهو أن يجمع بين إحرام الحج والعمرة في الميقات أو قبله في أشهر الحج أو قبلها ويذكر
____________________
(1/423)
الحج والعمرة بلسانه عند التلبية أو يقصد بقلبه أو لم يذكرهما بلسانه وينويهما بقلبه ومتمتع وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج أو قبلها ثم يحج من عامه ذلك قبل أن يلم بأهله إلماما صحيحا القران أفضل من الإفراد والتمتع فحذف بقرينة قوله مطلقا والتمتع أفضل من الإفراد وهو ظاهر الرواية وروى ابن شجاع عن الإمام أن الإفراد أفضل من التمتع
وفي النظم أن القران أفضل من التمتع عند الطرفين وأنهما سواء عند أبي يوسف
وقال الشافعي الإفراد أفضل ثم التمتع ثم القران وهو قول مالك على ما اختاره أشهب
وقال أحمد التمتع أفضل ثم الإفراد ثم القران كما في التبيين والمراد بالإفراد ها هنا إفراد كل واحد من العمرة والحج بسفر على حدة أي كونهما متقارنين أفضل من كونهما منفردين وأما كون القارن أفضل من الحج وحده فمما لا خلاف فيه لأن في القران الحج وزيادة وهو أي القران شرعا أن يهل بالعمرة والحج معا أي في زمان واحد أو مجتمعين من الميقات أو قبله في أشهر الحج أو قبلها ووقع في بعض المتون أن يهل بالعمرة والحج من الميقات
وقال الزيلعي واشتراط الإهلال من الميقات وقع اتفاقا حتى لو أحرم بهما من دويرة أهله أو بعدما خرج من أهله قبل أن يصل الميقات جاز وصار قارنا وقال بعض الفضلاء ولا حاجة إلى الاعتذار لأنه يصدق على من أحرم من دويرة أهله أو بعدما خرج وأحرم قبل أن يصل إلى الميقات أنه أهل من الميقات بل الغرض بيان أنه لا يجوز من داخل الميقات وأن القارن لا يكون إلا آفاقيا لكن المتبادر أن اللام في الميقات للعهد وهو المتبادر في هذا المقام فيصرف إليه فتكون عبارة المصنف أحسن ولله دره لعدم المحذور
تدبر ويقول القارن بعد الصلاة أي بعد الشفع الذي يصلي مريد الإحرام اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني وإنما قدم ذكر الحج على العمرة مع أن تقديم العمرة على الحج في الذكر مستحب عند الإهلال لموافقة القول الفعل تبركا بقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله
____________________
(1/424)
فإذا دخل مكة ابتدأ بالعمرة فطاف للعمرة سبعة أشواط يرمل للثلاثة الأول ويصلي بعد الطواف ركعتين وسعى بين الصفا والمروة ويهرول بين الميلين الأخضرين ولا يتحلل ولو تحلل بأن حلق أو قصر كان جناية على إحرام الحج وإحرام العمرة لأن تحلل القارن من العمرة إنما هو يوم النحر ثم طاف للحج طواف القدوم وسعى كما بيناه فتقديم العمرة على أفعال الحج واجب لقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج جعل الحج غاية وهو شامل للقران والتمتع فلو طاف أولا بحجته وسعى لها ثم لعمرته وسعى لها فطوافه الأول وسعيه يكون للعمرة ونيته لغو ولا يلزمه دم لأن التقديم والتأخير في المناسك لا يوجب الدم عندهما وعند الإمام طواف التحية سنة وتركه لا يوجب الدم فتقديمه أولى فلو طاف لهما أي للعمرة والحج طوافين متواليين من غير أن يسعى بينهما وسعى سعيين لهما جاز وأساء بتأخير سعي العمرة وتقديم طواف التحية عليه ثم يحج كما مر بيانه في المفرد فإذا رمى جمرة العقبة يوم النحر أي يوما من أيام النحر ذبح دم القران شاة أو بدنة أو سبع بدنة وهذا الدم وجب شكرا لأداء النسكين وفيه إشارة إلى أن الذبح بعد الرمي لأن الذبح قبله لا يجوز لوجوب الترتيب لأنه دم عبادة لا جناية فيأكل منه والمتبادر أن يقيد الذبح بما إذا طاف للعمرة في أشهر الحج فلو طاف لها في رمضان مثلا لم يذبح وإن كان قارنا كما في المحيط
وفي الخانية والاشتراك في البقرة أفضل من الشاة والجزور أفضل من البقرة لكن يقيد بما إذا كان حصته من البقرة أكثر قيمة من الشاة كما في المنظومة الوهبانية فإن عجز عنه
____________________
(1/425)
أي عن الهدي صام القارن عشرة أيام بدلا للهدي ثلاثة أيام قبل يوم النحر والأفضل كون آخرها يوم عرفة لأن الصوم بدل عن الهدي فيستحب تأخيره إلى آخر وقته رجاء أن يقدر على الأصل وعند الشافعي ومالك آخرها إلى يوم التروية وسبعة أيام إذا فرغ أي صام سبعة أيام بعدما فرغ من أعمال الحج لأن الصوم منهي في أيام التشريق
ولو بمكة وعند الشافعي وأحمد صام سبعة إذا رجع إلى أهله ولا يجوز بمكة إلا أن ينوي المقام فيها فإن لم يصم الثلاثة قبل يوم النحر وجاء يوم النحر تعين الدم عليه بالوجوب ولا يجوز أن يصوم الثلاثة ولا السبعة بعدها وعند الشافعي في القول الجديد يصوم الثلاثة بعدها وإن وقف القارن بعرفة قبل طوافه للعمرة سواء دخل مكة أو لا فقد رفضها أي العمرة بالوقوف وإنما قلنا سواء دخل مكة أو لا لأنه لو دخل وطاف للعمرة ثلاثة أو أقل ثم وقف بعرفة انتقض القران وارتفض العمرة وعليه دم للرفض وعلى هذا عبارة المصنف أولى من عبارة الكنز وإن لم يدخل مكة ووقف بعرفة إلخ تدبر والمراد بوقوفه قبل العمرة وقوفه قبل الطواف أصلا فإنه لو طاف طوافا ما لو قصد به طواف القدوم للحج فإنه ينصرف إلى العمرة ولم يكن رافضا لها فعليه دم لرفضها ويقضيها أي العمرة للزومها عليه بالشروع وسقط عنه دم القران
وفي الإصلاح لا دم للقران لم يقل وسقط دم القران لأنه لم يجب فإن وجوبه بالجمع ولم يوجد والسقوط فرع الثبوت
والتمتع عطف على القران في أول الباب أفضل من الإفراد وقد قررناه آنفا وهو أي التمتع شرعا أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج أو يحرم بعمرة قبل أشهر الحج ويطوف لها في أشهر الحج أربعة أشواط أو أكثر لأن العمرة في التمتع أن يوجد طواف العمرة أو أكثره في أشهر الحج كما سيأتي ثم يحج من عامه ذلك في سفر واحد فيحرم بها
____________________
(1/426)
أي بالعمرة من الميقات أو قبله والأولى تركه لأن كونه من الميقات ليس بشرط كما بيناه آنفا ويطوف لها أربعة أو أكثر إلى سبعة في أشهر الحج ويسعى بين الصفا والمروة ويتحلل منها أي من العمرة إن شاء بالحلق أو بالتقصير وإن شاء بقي محرما حتى يحرم بالحج ويتحلل من الإحرامين يوم النحر إن لم يسق الهدي وإن ساق لا يتحلل حتى يوم النحر ويقطع التلبية بأول الطواف أي إذا استلم الحجر أول مرة
وقال مالك يقطعها كما وقع بصره على البيت ثم يحرم بالحج من الحرم لأنه في معنى المكي يوم التروية وقبله أي الإحرام قبل يوم التروية أفضل لما فيه من المسارعة إلى العبادة ويحج في تلك السنة ويفعل جميع ما يفعل الحاج المفرد إلا أنه يرمل في طواف الزيارة ويسعى بعده
ولو طاف ورمل وسعى بعد إحرامه بالحج وقبل رواحه إلى منى لا يرمل في طواف الزيارة ولا يسعى بعده ويذبح بعد الرمي في بعض أيام النحر شكرا لنعمة التمتع كالقارن فإن عجز عن الذبح فكحكمه أي صام كالقارن وجاز صوم الأيام الثلاثة قبل طوافها أي العمرة ولو صام في شوال بعد الإحرام بها أي بالعمرة
وقال الشافعي لا يجوز قبل الإحرام بالحج لا قبله أي لا يجوز صوم الثلاثة قبل الإحرام والأفضل تأخيرها إلى آخر وقتها وهو أن يصوم ثلاثة متتابعة آخرها يوم عرفة فإن شاء المتمتع سوق الهدي وهو أي سوق الهدي أفضل من الإرسال قبله أحرم أي بالعمرة وساقه أي ثم ساق الهدي لأن الإحرام بالتلبية والنية أفضل ثم يسوق وهو أي سوق الهدي أولى من قوده إلا أن لا ينقاد فحينئذ يقوده للتعذر
وإن كان أي الهدي بدنة قلدها بمزادة أو نعل وهو أي التقليد أولى من التحليل لأنه مذكور في القرآن وهو قوله تعالى
____________________
(1/427)
والهدي والقلائد ولأنه للإعلام والتجليل للزينة والإشعار جائز أي ليس بسنة ولا مكروه عندهما وعند الشافعي سنة وهو أي الإشعار شق سنامها أي البدنة من الأيسر وهو الأشبه إلى الصواب يعني في الرواية بفعله عليه الصلاة والسلام هذا تفسير لهذا الإشعار المخصوص وتفسيره لغة الإدماء أو من الأيمن وبه أخذ الشافعي ويكره الإشعار عند الإمام لأنه تعذيب للحيوان وهو منهي عنه
وقال الطحاوي ما كره أبو حنيفة أصل الإشعار وإنما كره إشعار أهل زمانه لمبالغتهم فيه
وفي الفتح هو الأولى واختاره في الغاية ثم يعتمر كما تقدم ذكره ولا يتحلل من إحرام العمرة لأن سوق الهدي يمنعه من التحلل خلافا للشافعي ومالك ويحرم المتمتع بالحج كما مر أي من الحرم يوم التروية وقبله أفضل فإذا حلق يوم النحر حل من إحراميه أي من إحرام الحج والعمرة وهو تصريح ببقاء إحرام العمرة بعد الوقوف بعرفة إلى الحلق خلافا لما في النهاية من قول شيخ الإسلام أن إحرام العمرة انتهى بالوقوف ولم يبق إلا في حق التحلل قال شارح الكنز وهذا بعيد لأن القارن إذا جامع بعد الوقوف يجب عليه بدنة للحج وشاة للعمرة وبعد الحلق قبل الطواف شاتان كما في الفتح ولا تمتع ولا قران لأهل مكة لقوله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام خلافا للشافعي والمراد نهيه عن الفعل لا نفي الفعل لأن النهي يقتضي المشروعية فإن فعل القران صح وأساء ويجب عليه دم الجبر كما في التحفة وغيرها
وفي البحر ظاهر الكتب متونا وشروحا أنه لا يصح فكانت المخالفة بينهما انتهى
لكن يمكن الدفع بحمل ما في التحفة وغيرها على التمتع اللغوي الذي معه الإساءة وما في المتون على نفي الصحة الشرعية المثاب عليها فحصل الاتفاق على وجود التمتع من المكي وإن كان غير مباح تدبر ومن هو داخل المواقيت لأنه بمنزلة المكي فإن عاد المتمتع إلى أهله بعد العمرة أي بعد أداء أفعالها ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه لأنه ألم بأهله بين النسكين إلماما صحيحا خلافا للشافعي وقيد بالتمتع إذ القارن لا يبطل قرانه بالعود
____________________
(1/428)
وفي الجوهرة إذا رجع إلى غير بلده كان متمتعا عند الإمام وعندهما لا وعلى هذا لو قال إلى بلده لكان أولى لأنه يكون متفقا عليه
وإن كان قد ساقه لا أي لا يبطل تمتعه عند الشيخين إذ لا يجوز له التحلل فيكون عوده واجبا فإذا عاد وأحرم بالحج كان متمتعا خلافا لمحمد ومن طاف للعمرة قبل أشهر الحج أقل من أربعة أشواط وأتم بعد دخولها أي أشهر الحج وحج كان متمتعا لأن الإحرام شرط فيصح تقديمه على أشهر الحج وإنما يعتبر أداء الأفعال فيها وقد وجد الأكثر وله حكم الكل
وإن كان طاف أربعة أشواط أو أكثر قبل أشهر الحج فلا لأنه أدى الأكثر قبل أشهره
ولو اعتمر كوفي في أشهر الحج وتحلل وأقام بمكة
ولو قال وسكن بداخل الميقات لكان أولى لأن المعتبر في هذه الصورة عدم التجاوز عن الميقات لا الإقامة بمكة والحرم كما في الإصلاح وحج في عامه ذلك صح تمتعه لترفقه بنسكين في سفر واحد في أشهر الحج
وكذا يصح تمتعه لو أقام ببصرة لأن سفره باق حيث لم يعد إلى وطنه وقيل لا يصح عندهما لأن لنسكيه ميقاتين قائله أبو جعفر الطحاوي وصاحبا المختلف والمنظومة أخذا بقول الطحاوي وحققنا الخلاف لكن أنكر الخلاف أبو بكر الرازي وصوب قوله فخر الإسلام ولهذا اختاره المصنف والمراد بالكوفي الآفاقي الذي شرع له التمتع والقران وكما أن البصرة مكان لأهل التمتع والقران سواء كان مكانه البصرة أو غيرها
ولو أفسد كوفي عمرته بالجماع مثلا وأقام ببصرة وقضاها قبل أن يرجع إلى أهله وحج في عامه ذلك لا يصح تمتعه عند
____________________
(1/429)
الإمام لأن حكم السفر الأول قائم لا ينقطع ما لم يعد إلى وطنه فكأنه لم يخرج من مكة إلا أن يعود إلى أهله بعدما مضى في الفاسد وبعدما حل منه ثم يأتي بهما أي بالعمرة والحج لأن هذا إنشاء سفر لانتهاء السفر الأول بالإلمام فاجتمع النسكان في سفر واحد وعندهما وهو مذهب الشافعي ومالك يصح تمتعه
وإن وصلية لم يعد إلى أهله
وإن بقي بعد الإفساد أي إفساد عمرته بمكة وقضى عمرته وحج من غير عود لا يصح تمتعه اتفاقا لأن عمرته مكية والسفر الأول قد انتهى بالعمرة الفاسدة ولا تمتع لأهل مكة وما أفسده المتمتع من عمرته أو حجه مضى فيه يعني الكوفي إذا أحرم بعمرة ثم حج من عامه ذلك فأي النسكين أفسده مضى فيه لأنه لا يمكنه الخروج عن عهدة الإحرام إلا بأفعال الحج وسقط عنه دم التمتع وعند الشافعي ومالك عليه دم ومن تمتع فضحى لا تجزيه عن دم المتعة لأنه لم يرتفق بأداء النسكين الصحيحين في سفر واحد ولو تحلل يجب عليه دمان دم المتعة ودم التحلل قبل الذبح
باب الجنايات في الحج لما بين أحكام المحرمين شرع فيما يعتريهم وإنما جعلها باعتبار أنواعها لأن الواجب بها قد يكون دما أو دمين أو تصدقا ودما أو غير ذلك الجناية اسم لفعل محرم شرعا وفي اصطلاح الفقهاء إنما تطلق على ما يكون في النفس أو الطرف وأما الفعل في المال فغصب أو سرقة أو نحوها إن طيب أي استعمل طيبا ولو سهوا خلافا للشافعي المحرم البالغ لأن الصبي لا يجب عليه دم
وقال الشافعي يجب عليه ما يجب على البالغ عضوا كاملا كالرأس والفخذ والساق وما أشبه ذلك أو قدره في أعضاء
____________________
(1/430)
متفرقة ولو طيب كل البدن في مجلس واحد كفاه دم وفي مجالس وجب لكل دم عند الشيخين سواء كفر للأولى أو لا
وعند محمد عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأولى لزمه دم أي شاة وإنما قيدنا بها لأن سبع البدنة لا يكفي بخلاف دم الشكر كما في البحر
وكذا أي لزمه دم عند الإمام لو ادهن أي استعمل الدهن بزيت أو حل لا على وجه التداوي سواء كان مطبوخا مطيبا أو غير مطيب إذا بلغ عضوا كاملا وعندهما صدقة في غير المطيب وأما في المطيب كدهن البنفسج وغيره فيجب الدم بالاتفاق
وقال الشافعي يجب عليه الدم في الشعر وفي البدن لا شيء عليه وإنما قال بزيت لأنه لو ادهن بسمن أو شحم أو ألية لا شيء عليه بالاتفاق
ولو خضب رأسه أو لحيته بحناء هذا إذا كان مائعا وأما إذا كان متلبدا فيجب دمان دم للطيب ودم للتغطية وعند الشافعي لا شيء به أو ستره أي الرأس بما كان من جنس ما يغطى به سواء ستره بنفسه أو يلقي غيره وهو نائم يوما كاملا أو ليلة كاملة فعليه دم وإن لم يكن يوما كاملا فعليه صدقة وعن أبي يوسف أكثر من نصف يوم وليلة
وفي المحيط ولو غطى ربع رأسه يوما أو أكثر فعليه دم وفي الأقل صدقة لأنه محظور للإحرام وللربع حكم الكل وعن محمد أكثره
وكذا لزمه دم لو لبس مخيطا على وجه المعتاد يوما كاملا أو ليلة كاملة لأن الارتفاق الكامل الحاصل في اليوم حاصل في الليلة وأن ما دونها كما دونه ولو لبس المخيط ودام عليه أياما وكان ينزعه ليلا ويعاوده نهارا أو عكسه يلزمه دم واحد ما لم يعزم على الترك عند النزع فإن عزم ثم لبس تعدد الجزاء
____________________
(1/431)
كفر للأولى أو لا وفي الثانية خلاف محمد وكذا لو لبس يوما فأراق دما ثم دام على لبسه يوما آخر فعليه جزاء آخر بلا خلاف لأن للدوام فيه حكم الابتداء
ولو جمع بين اللباس من قميص وعمامة وخف بسبب واحد فعليه جزاء واحد وإلا تعدد الجزاء
أو حلق أو قصر أو تنور ربع رأسه على رواية الجامع الصغير وأما رواية الأصل فاعتبار الثلث أو ربع لحيته أو أكثر ولو مكرها لزمه الدم لتكامل الجناية بتكامل الارتفاق لأن بعض الناس يعتاده وإن أقل فعليه صدقة وعن محمد أنه إذا سقط من أحدهما عند التوضيء عشر شعرات لزمه دم وعند الشافعي لزمه دم بحلق ثلاث شعرات فصاعدا من بدنه وعند مالك حلق ما يميط الأذى أو حلق رقبته كلها أو إبطيه أو أحدهما لأن كل واحد منهما مقصود بالحلق لدفع الأذى ونيل الراحة أو عانته لما قلنا
وكذا لزمه دم عند الإمام لو حلق محاجمه المحاجم جمع المحجم بالفتح اسم موضع الحجامة وبالكسر قارورة الحجام وعندهما لزمه صدقة ولم يتعرض المصنف لحكم الشارب
وفي الفتح إن أخذ من شاربه أو أخذه كله فعليه طعام لا دم هو الصحيح
وإن قص أظافير يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم واحد
وكذا لزمه دم لو قص أظافير يد واحدة أو رجل واحدة إقامة للربع مقام الكل كما في الحلق كما في أكثر الكتب لكن فيه كلام لأن اليد عضو مستقل فلا وجه لجعلها ربعا
تدبر
وإن قص أظافير يديه ورجليه في أربع مجالس فعليه أربعة دماء عند الشيخين لأنها جنايات متعددة حقيقة لكنها متحدة معنى فعند اتحاد المجلس جعلنا الكل جناية واحدة وعند محمد يلزمه دم واحد إلا إذا تحلل بينهما كفارة فإنه لزمه كفارة أخرى فلو قص أظفار يد وذبح ثم قص أظفار يد أخرى لزمه ذبح آخر كما في المحيط
وإن طيب أقل من عضو أو ستر أو لبس المخيط أقل من يوم فعليه صدقة لتقاصر الجناية وفي بعض المعتبرات نقلا عن المنتقى أنه إذا طيب ربع العضو فعليه دم
وكذا يلزمه الصدقة لو
____________________
(1/432)
حلق أقل من ربع رأسه أو أقل من ربع لحيته أو حلق بعض رقبته أو بعض عانته أو حلق أحد إبطيه أو حلق رأس غيره بأمره أو بغير أمره فعلى الحالق صدقة وعلى المحلوق دم خلافا للشافعي بغير أمره على المحلوق
ولو قص أظافير غيره فهو كالحلق عند الإمام وعند محمد لا شيء عليه أو قص أقل من خمسة أظفار يجب بكل ظفر صدقة خلافا لزفر لأن للثلاثة حكم الكل أو قص خمسة متفرقة عند الشيخين لنقصان الجناية وعند محمد في الخمسة المتفرقة دم كما لو حلق ربع الرأس من مواضع متعددة
وإن طيب عضوا كاملا أو لبس مخيطا أو حلق رأسه لعذر خير إن شاء ذبح شاة وإن شاء تصدق بثلاثة أصوع على ستة مساكين لكل نصف صاع
ولو اختار الطعام أجزأه فيه التغذية والتعشية عند أبي يوسف اعتبارا بكفارة اليمين وعند محمد لا يجزيه لأن الصدقة تنبئ عن التمليك
وإن شاء صام ثلاثة أيام بلا شرط التتابع ولو ارتدى أي ألقى على منكبيه كالرداء ولم يلبسه أو اتشح بالقميص الاتشاح أن يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر أو اتزر أي شد على وسطه بالسراويل فلا بأس به لعدم اللبس المعتاد
وكذا لا بأس لو أدخل منكبيه في القباء ولم يدخل يديه في كميه خلافا لزفر
____________________
(1/433)
434 فصل وإن طاف للقدوم أو للصدر جنبا أي شخصا يجب الغسل فيشمل الحائض وغيرها فعليه دم فتجب الإعادة ما دام بمكة فإن أعاد قبل الذبح سقط الدم وعند محمد ليس عليه أن يعيد طواف التحية لأنه سنة وإن أعاد فهو أفضل كما في الشمني
وكذا يلزم الدم لو طاف للركن وهو طواف الزيارة محدثا
وقال الشافعي ومالك لا يعتد بذلك الطواف وفيه إشعار بأنه تجب الطهارة للطواف ولا تشترط وهو الصحيح كما في المحيط وغيره أو ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط منه لأنه ترك الواجب أو الأكثر وللأكثر حكم الكل أو ترك دون أربعة من الركن لأن النقصان يسير فأشبه النقصان بسبب الحدث فينجبر بالدم أو أفاض بحيث خرج عن حدودها من عرفة قبل الإمام أي قبل غروب الشمس أو إفاضة الإمام أما إذا غربت الشمس وأبطأ الإمام بالدفع يجوز للناس الدفع قبل الإمام لأن وقت الدفع قد دخل فإذا تأخر الإمام فقد ترك السنة فلا يجوز للناس تركها كما في مختصر الكرخي فإن عاد قبل الغروب سقط عنه الدم على الصحيح وإن عاد بعد الغروب لا في ظاهر الرواية كما في الجوهرة
وقال الشافعي لا شيء عليه في الحالين
أو ترك السعي بين الصفا والمروة لأنه من الواجبات عندنا فيلزمه بتركه الدم وحجه تام خلافا للشافعي فإنه عنده فرض فإن سعى جنبا فالسعي صحيح لأنه عبادة تؤدى في غير المسجد وكذا بعدما دخل وجامع وكذا بعد الأشهر
أو ترك الوقوف بمزدلفة لأنه من الواجبات هذا إذا كان قادرا أما إذا كان به ضعف أو علة أو امرأة تخاف الزحام فلا شيء عليه
أو ترك رمي الجمار كلها وعند الشافعي لزمه أربعة دماء وعند مالك بدنة أو ترك رمي يوم واحد لأنه نسك تام أو ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر لأنها وظيفة هذا اليوم أو ترك أكثره أي أكثر
____________________
(1/434)
رمي جمرة العقبة لأن للأكثر حكم الكل وإن ترك الأقل تصدق لكل حصاة نصف صاع يؤمر بالإعادة في الوقت فإن أعاد على الترتيب يسقط الدم
وفي التبيين أثم بتأخير رمي كل يوم إلى اليوم الثاني يجب الدم عند الإمام مع القضاء خلافا لهما وإن أخره إلى الليل ورمى قبل طلوع الفجر من اليوم الثاني فلا شيء عليه بالإجماع
ولو طاف للقدوم وهو سنة وبالشروع صار واجبا أو الصدر محدثا فعليه صدقة حطا لهما عن طواف الركن هذا هو الأصح وعن الإمام عليه شاة
وقال الشافعي لا يعتد به
وكذا يلزمه الصدقة لكل شوط منه نصف صاع لو ترك دون أربعة أشواط من الصدر أو ترك رمي إحدى الجمار الثلاث لأن الكل في هذا اليوم نسك واحد فكان المتروك أقل إلا أن يكون المتروك أكثر من النصف بأن رمى ثمان حصيات وترك ثلاث عشرة حصاة فيجب عليه الدم لترك الأكثر ولو ترك طواف الركن أو أربعة منه بقي محرما أبدا وإن رجع إلى أهله حتى يطوفها أي يقع أربعة منه بذلك الإحرام لأنه ركن فلا يجوز عنه بدل
وإن طافه أي طواف الركن جنبا بلا إعادة فعليه بدنة لأن الجنابة أغلظ من الحدث فيجب جبر نقصانها بالبدنة إظهارا للتفاوت والأفضل أن يعيده ما دام بمكة وفيه قصور لأن الأصح أن يؤمر بالإعادة في الحدث استحبابا وفي الجنابة إيجابا لفحش النقصان كما في أكثر المعتبرات ويسقط الدم إن أعاد في أيام النحر وإن بعدها وقد طافه محدثا ففيه روايتان للإمام والصحيح عدم الذبح وأما إذا أعاده وقد طافه جنبا إن أعاده في أيام النحر لا شيء عليه وإن أعاده بعدها لزمه دم عند الإمام بالتأخير وتسقط عنه البدنة كما في الجوهرة
ولو طاف للصدر طاهرا
____________________
(1/435)
ولو محدثا يلزمه دمان عند الإمام
وفي رواية دم وصدقة في آخر أيام التشريق بعدما طاف للركن محدثا فعليه دم لعدم وجوب إعادة طواف الزيارة بالحدث بل إعادته بالحدث مستحبة فلم ينتقل إلى الصدر لأنه واجب
ولو كان للصدر طاهرا بعدما طاف له أي للركن جنبا فدمان عند الإمام لأنه وجب نقل طواف الصدر إلى طواف الزيارة لوجوب إعادة الركن فيجب دم لترك طواف الصدر ودم لتأخير طواف الزيارة عن أيام النحر على ما عرف من مذهبه وعندهما دم فقط بترك طواف الصدر ولا شيء لتأخير طواف الزيارة على ما عرف من مذهبهما أيضا كما اكتفى به في المسألة السابقة آنفا
وإن طاف لعمرته وسعى محدثا يعيدهما أي الطواف للنقصان والسعي للتبعية له ما دام بمكة ولا شيء عليه فإن رجع إلى أهله ولم يعدهما فعليه دم لترك الطهارة فيه فلا يؤمر بالعود لوقوع التحلل بأداء الركن إذ النقصان يسير وشيء لو أعاد الطواف فقط هو الصحيح احترازا عما قال بعض المشايخ وعليه دم
وإن جامع المحرم في أحد السبيلين على أصح الروايتين عن الإمام كقولهما لكمال الجناية قبل الوقوف بعرفة ولو ناسيا أو مكرها فسد حجه ويمضي فيه كما يمضي من لم يفسد حجه ويقضيه من قابل سواء كانت حجة الإسلام أو لا لأنه أدى الأفعال مع وصف الفساد والمستحق عليه أداؤها
____________________
(1/436)
بوصف الصحة وعليه دم وأدناه شاة ويقوم الشركة في البدنة مقامها
وقال الشافعي تجب بدنة إن عامدا وليس عليه أن يفترق عن زوجته في القضاء لأن الجامع بينهما وهو النكاح قائم فلا معنى للافتراق لكنه مستحب إذا خاف الوقاع وعند مالك يفارقها إذا خرجا من بيتهما كما في عامة الكتب
وفي المنظومة والمفسد أن الحج بالوطء كما تعديا مصرهما تفرقا وعند زفر إذا أحرما وعند الشافعي إذا بلغا المكان الذي واقعها فيه
وإن جامع بعد الوقوف قبل الحلق لا يفسد الحج خلافا للشافعي وعليه بدنة روي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفي إطلاقه إشارة إلى شمول ما إذا جامع مرة أو مرارا إن اتحد المجلس وأما إن اختلف فبدنة للأول وشاة للثاني في قول الشيخين وعند محمد يكفيه كفارة واحدة إلا أن يكون كفر للأول
ولو جامع بعد الحلق قبل طواف الزيارة فعليه دم أي شاة لقصور الجناية لوجود الحل الأول بالحلق كما في عامة المتون ومشى عليه أصحاب الشروح
وفي المبسوط والبدائع والإسبيجابي فعليه البدنة وفي الفتح أنه الأوجه
وكذا يلزمه دم لو قبل أو لمس بشهوة وإن لم ينزل هذه رواية الأصل لأن الدواعي محرمة لأجل الإحرام مطلقا فيجب الدم مطلقا
وفي الجامع الصغير وعليه دم وكذا يلزمه دم لوجود المنافي لو جامع في عمرته قبل طواف الأكثر وفسدت عمرته وقضاها أي العمرة
____________________
(1/437)
لأنها لزمت بالإحرام كالحج
وإن جامع بعد طواف الأكثر لزم الدم أي شاة ولا تفسد العمرة لوجود الأكثر
وقال الشافعي تفسد في الوجهين وعليه بدنة اعتبارا بالحج ولا شيء إن أنزل بنظر ولو إلى فرج لأنه ليس بجماع كما لو استمنى فأنزل وعن الإمام عليه دم
وإن أخر الحلق أو طواف الزيارة بلا عذر عن أيام النحر فعليه دم عند الإمام لأنهما موقتان بأيام النحر فإذا أخرهما عن أيام النحر ترك واجبا فلزمه دم خلافا لهما فإن عندهما لا دم إلا أنه مسيء وكذا عند الشافعي
وكذا الخلاف لو أخر الرمي أو قدم نسكا بالضم والسكون أي عبادة من عباداته في الأصل مصدر بمعنى الذبح لله ثم استعير للذبيحة ثم لكل عبادة على نسك هو قبله كالحلق قبل الرمي ونحر القارن قبل الرمي والحلق قبل الذبح
وإن حلق في غير الحرم لحج أو عمرة فعليه دم عند الطرفين خلافا لأبي يوسف
وفي الهداية ذكر في الجامع الصغير قول أبي يوسف في المعتمر ولم يذكر في الحاج فقيل هو بالاتفاق والأصح أنه على الخلاف فلو عاد المعتمر إلى الحرم بعد خروجه أي من الحرم وقصر فلا دم إجماعا لأنه أتى الواجب في مكانه فلا يلزمه جابر
ولو حلق القارن قبل الذبح لزمه دمان عند الإمام أحد الدمين بمجموع التقديم والتأخير والآخر دم القران وعندهما دم واحد وهو دم القران ليس غيره لا للحلق قبل أوانه ولو وجب ذلك لزم
____________________
(1/438)
في كل تقدم نسك على نسك دمان لأنه لا ينفك عن الأمرين ولا قائل به كما في الفتح وغيره وبهذا ظهر ضعف ما قيل دم بالحلق قبل أوانه ودم لتأخير الذبح عن الحلق والدم حيث ذكر في الجنايات وجب شاة تجزئ في الأضحية والصدقة إذا ذكرت يراد بها ما تجزئ في الفطر
فصل لما كانت الجناية على الإحرام في الصيد نوعا آخر فصله عما قبله في فصل على حدة إن قتل محرم صيد بر ولو من غير الحرم وقيده بالبر لأن صيد البحر حلال للمحرم سواء كان مأكولا أو لا وهو الصحيح كما في أكثر المعتبرات وبه يظهر ضعف ما قيل من أنه لا يحل له إلا ما يؤكل لحمه خاصة والصيد الحيوان المتوحش بأصل الخلقة وهو نوعان بري يكون تولده في البر وبحري عكس ذلك ولا معتبر بالمعاش أو دل المحرم لأن الحلال إذا دل عليه لا شيء عليه
وفي الهاروني إذا دل عليه محرما عليه نصف قيمته عليه أي على صيد من قتله فعليه الجزاء وعند الشافعي ومالك لا شيء على الدال وهو القياس والدلالة المعتبرة
____________________
(1/439)
أن يكون من الدال محرما عند أخذ المدلول الصيد والمدلول غير عالم بمكانه وأن يصدق المدلول الدال في هذه الدلالة حتى إذا كذبه ولم يتبع الصيد بدلالته ودل عليه آخر فصدقه وقتل الصيد فالجزاء على الثاني وعلى هذا لو قال أو كان سببا له بالدلالة عليه كما في الإصلاح لكان أشمل وهو أي الجزاء قيمة الصيد بتقويم عدلين لهما بصارة في قيمة نفس الصيد فلا يعتبر كون البازي معلما
وفي الكافي والواحد يكفي والمثنى أحوط في موضع قتله إن كان له قيمة فيه كبلد أو في أقرب موضع منه إن لم يكن له فيه أي في موضع قتله قيمة بأن كان في الصحراء لا يباع فيه الصيد ولا بد من اعتبار الزمان والمكان في القيمة على الأصح لأنها مختلفة باعتباره كما في المحيط ثم إن علمت قيمته بتقويمهما للقاتل أو الدال الخيار فيه إن شاء اشترى بها أي بالقيمة هديا إن بلغت قيمته ثمن الهدي فذبحه بالحرم فيخرج عن العهدة بمجرد ذبحه فيه ولو ذبح في غير الحرم لا يخرج عن العهدة إلا إذا تصدق على كل مسكين قدر قيمة نصف صاع من بر
وإن شاء اشترى بها طعاما فتصدق به أي بالطعام على كل فقير نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير لا أقل مما ذكر ولو دفع أكثر متبرعا بما زاد جاز
وإن شاء صام عن طعام كل فقير أي كل نصف صاع أو صاع مأخوذ من القيمة يوما فإن فضل أقل من طعام فقير وكذا إن كان الواجب ابتداء دون طعام مسكين بأن كان قيمته أقل من نصف صاع وعلى هذا لو بلغ أكثر من هديين إن شاء ذبحهما أو تصدق بهما أو صام عنهما أو ذبح أحدهما وأدى بالآخر ولا يجوز بالهدايا إلا ما يجوز في الضحايا تصدق به أو صام عنه أي عما فضل يوما كاملا لأن الصوم لا يقبل التجزؤ وعند محمد وهو مذهب الشافعي
____________________
(1/440)
ومالك الجزاء نظير الصيد في الجثة فيما له نظير لقوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم ففي الظبي شاة وفي الضبع شاة وفي الأرنب عناق وهي الأنثى من ولد المعز وفي اليربوع جفرة وهي الأنثى من ولد المعز ما بلغت أربعة أشهر وفي النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة وما لا نظير له من الحيوان فكقولهما أي فجزاؤه قيمة الصيد بتقويم عدلين مثل العصفور والحمامة وأشباههما والعامد والناسي سواء كانا قاتلين أو دالين والعائد والمبتدئ في ذلك أي في وجوب الجزاء سواء لعدم اختلاف الموجب
وإن جرح الصيد أو قطع عضوه لو نتف شعره ضمن ما نقص من قيمته اعتبارا للجزء بالكل كما في حقوق العباد هذا إذا برئ وبقي فيه أثر الجناية وإن لم يبق فيه أثرها فلا شيء عليه عند الطرفين وعند أبي يوسف عليه صدقة لإيصال الألم وعلى هذا لو قلع سنه أو ضرب عينه فابيضت فنبتت له سن أو زال البياض ذكر في الغاية أنه لا يسقط الضمان عنه ولو مات بعدما جرحه ضمن كله لأن جرحه سبب ظاهر لموته ولو غاب ولم يدر أنه مات أو لا ضمن نقصانه لأن ضمان جميعه مشكوك فيه
وفي الاستحسان يلزمه جميع القيمة احتياطا
وإن نتف ريشه أي ريش الصيد جمع الريشة وهي الجناح أو قطع قوائمه ولا يشترط قطع كل القوائم بل إذا قطع البعض وخرج عن حيز الامتناع وجب الجزاء فخرج عن حيز الامتناع أي عن أن
____________________
(1/441)
يكون ممتنعا مما أراد فعليه قيمته كاملة لتفويت الأمن بتفويت آلة الامتناع فيضمن جزاءه وإن حلبه أي الصيد فقيمة لبنه لأن لبن الصيد جزؤه فأخذ حكم كله وعند مالك وبعض الشافعية لا ضمان للبن
وإن كسر بيضه أي بيضا غير فاسد وإلا فلا شيء عليه فقيمة البيض بالفتح واحدته بيضة وإن خرج من البيض فرخ ميت وكذا إن خرج من الصيد جنين ميت فقيمة الفرخ حيا استحسانا هذا إذا علم أن فيه فرخا حيا أو لم يعلم أما إذا علم أن فيه فرخا ميتا فلا شيء عليه كما في المحيط وغيره وعلى هذا لا يخفى ما في إطلاق المتن من المساهلة تدبر ولا شيء بقتل غراب يأكل الجيف وأما لو قتل الزاغ وهو الغراب الصغير الذي يأكل الحب وجب عليه الضمان وكذا لو قتل العقعق كما في المحيط وغيره وعلى هذا لو أتى معرفا لكان أولى وحدأة على وزن عنبة وهي طائر تأخذ الفأرة وذئب وحية ومثلها السرطان بخلاف الضب وعقرب وفأرة سواء كانت أهلية أو برية وعن الإمام أنه تجب القيمة بقتل اليربوع وكلب عقور بالفتح من العقر وهو الجرح والكلب مما يفرط شره وإيذاؤه وعن الإمام أن العقور وغيره والمستأنس وغيره سواء
وقال الشافعي المراد بالكلب العقور كل عاقر أي جارح مفترس غالبا كالسبع والنمر والذئب والفهد وبعوض أي بق وقيل صغاره ونمل مطلقا لكن لا يحل قتل ما لا يؤذي وبرغوث وزنبور وذباب وقراد بالضم يقال له بالفارسية
____________________
(1/442)
كنة وسلحفاة بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء واحدة السلاحف نوع من حيوان الماء وكذا الحكم في سائر الحشرات كالخنافس والقنافذ والضفادع لأنها ليست بصيود ولا متولدة من البدن
وإن قتل قملة من بدنه قيدنا به لأنه لو قتل قملة من الأرض لا شيء عليه أو جرادة تصدق بما شاء ولم يقدر الصدقة في ظاهر الرواية وعن الإمام أن في قملة كسرة خبز وهو مروي عن محمد وعن أبي يوسف يتصدق بكف من الطعام كما في الاختيار وفي الاثنين أو ثلاثة قبضة طعام وفي أكثر نصف صاع وتمرة خير من جرادة فإن أهل حمص جعلوا يتصدقون بكل جراد درهما فقال عمر رضي الله تعالى عنه أرى دراهمكم كثيرة تمرة خير من جرادة
وفي الفتاوى محرم وضع ثوبه في الشمس ليقتل قملته فمات القمل فعليه الجزاء ولو وضع ولم يقصد قتل القمل لا شيء عليه كما لو غسل ثوبه فمات القمل ولا يتجاوز شاة في قتل السبع وإن كان السبع أكثر منها
وقال زفر تجب عليه قيمته
وقال الشافعي لا جزاء فيما لا يؤكل ولنا أن السبع صيد وليس من الفواسق لأنه لا تبتدئ بالأذى حتى لو ابتدأ كان منها فلا يجب بقتله شيء فلهذا قال وإن صال فلا شيء بقتله خلافا لزفر اعتبارا بالجمل الصائل
وفي المنتقى أنه إذا أمكنه دفعه بغير سلاح فقتله فعليه الجزاء وأراد بالسبع كل حيوان لا يؤكل مما ليس من الفواسق والحشرات
وإن اضطر المحرم إلى قتل الصيد للأكل فقتله فعليه الجزاء لأن الإذن مقيد بالكفارة عند الضرورة وفائدته رفع الحرمة وللمحرم ذبح شاة ولو أبوها ظبيا لأن الأم هي الأصل وبقرة وبعير ودجاج وبط أهلي احترازا عن الذي يطير فإنه
____________________
(1/443)
صيد فيجب الجزاء و للمحرم صيد سمك لأنه من صيد البحر وعليه أي على المحرم الجزاء بذبح حمام مسرول بفتح الواو حمام في رجليه ريش كالسروال خلافا لمالك أو بذبح ظبي مستأنس لأنها من الصيد وإن استأنس بالمخالطة
ولو ذبح المحرم صيدا فهو ميتة لا يحل له الأكل منه لأنه فعل حرام فيكون ذكاة مبيحة بل تصير كذبيحة المجوس
ولو أكل منه أي من الصيد فعليه قيمة ما أكل مع الجزاء عند الإمام وعندهما والأئمة الثلاثة لا يضمن الذابح بأكله لأنه ميتة ويجب عليه الاستغفار بخلاف محرم آخر أكل منه فإنه لا شيء عليه عندهم جميعا غير الاستغفار
ويحل للمحرم لحم صيد صاده حلال احتراز عما صاده محرم وذبحه إن لم يدل عليه ولا أمره بصيده ولا أعانه وهو المختار وفي رواية أن الصيد لا يحرم بالدلالة
وقال مالك والشافعي إن اصطاده لأجل المحرم لا يحل تناوله ومن دخل الحرم وهو حلال وإنما قيدنا ليظهر فائدة قيد الدخول في الحرم فإن وجوب الإرسال على المحرم لا يتوقف على دخوله الحرم لأنه بمجرد الإحرام يجب عليه الإرسال كما في الإصلاح وغيره وبهذا يظهر ضعف ما قيل حلالا أو محرما وفي يده صيد فعليه إرساله ليس المراد من إرساله تسييبه لأن تسييب الدابة حرام بل يطلقه على وجه لا يضيع ولا يخرج عن ملكه حتى لو خرج إلى الحل فله أن يمسكه ولو أخذه إنسان يسترده
وقال مالك والشافعي لا يجب عليه إرساله فإن باعه أي الصيد بعدما دخل في الحرم رد البيع لفساد البيع سواء باعه في
____________________
(1/444)
الحرم أو بعدما أخرجه لأنه صار بالإدخال من صيد الحرم فلا يحل إخراجه بعد ذلك كما في التبيين إن كان باقيا في يد المشتري
وإن فات بالموت ونحوه لزمه الجزاء بالمال بتفويت الأمن الذي استحقه الصيد وكذا إذا باع المحرم من الصيد من محرم أو حلال ولو تبايع حلالان في الحرم صيدا في الحل جاز عند الإمام لأن البيع ليس بتعرض حسا خلافا لمحمد
ومن أحرم وفي بيته أو في قفصه صيد لا يلزم إرساله قبل إذا كان القفص في يده لزمه إرساله لكن على وجه لا يضيع وعند الشافعي في قول ومالك في رواية يرسله
وإن أخذ حلال صيدا ثم أحرم فأرسله من يده أحد ضمن المرسل قيمته عند الإمام لأنه ملكه بالأخذ حلالا وعندهما والشافعي في قول لا يضمن لأنه محسن يأمره بالمعروف وما على المحسنين من سبيل بخلاف ما أخذه محرم فإنه لا يضمن مرسله بالاتفاق إلا في قول الشافعي ولهذا لو أرسل بنفسه ثم حل فوجده في يد رجل لم يسترد منه كما في القهستاني
فإن قتل ما أخذه المحرم محرم آخر ضمنا لوجود الجناية منهما الآخذ بالأخذ والقاتل بالقتل فلزم كل واحد جزاء كامل إلا في قول للشافعي ورجع آخذه ما ضمن من الجزاء على قاتله خلافا لزفر ثم الرجوع على القاتل عند التكفير بالمال ولو كفر بالصوم لا كما في أكثر المعتبرات وإن كان ظاهر ما في النهاية أنه يرجع بالقيمة مطلقا
وإن قتل الحلال صيد الحرم فعليه قيمته وإن حلبه أي إن حلب الحلال صيد الحرم فقيمة لبنه ومن قطع سواء كان القاطع محرما أو حلالا حشيش الحرم واحترز عن مثل الكمأة فإنها ليست بنبات ولهذا يباح إخراجها من الحرم كحجرة وقدر يسير من ترابه للتبرك أو شجرة غير منبت على صيغة
____________________
(1/445)
اسم المفعول ولا مما ينبته الناس ضمن قيمته وقيد صاحب المنح بقوله غير مملوك فقال وإنما فسرنا قوله غير مملوك تبعا للوقاية بقولنا يعني النابت بنفسه لما ذكره شراح الهداية من أن حشيش الحرم وشجره على نوعين شجر أنبته إنسان وشجر نبت بنفسه وكل منهما على نوعين لأنه إما أن يكون من جنس ما ينبته الإنسان أو لا فالأول بنوعيه لا يوجب الجزاء والأول من الثاني كذلك وإنما الجزاء في الثاني وهو ما ينبت بنفسه وليس من جنس ما ينبته الناس ويستوي فيه أن يكون مملوكا لإنسان بأن ينبت في ملكه أو لم يكن حتى قالوا في رجل نبت في ملكه أم غيلان فقطعها إنسان فعليه قيمتها لمالكها وعليه قيمته أخرى لحق الشرع كما في كثير من المعتبرات وفيه كلام وهو أنه تقرر أن أراضي الحرم سوائب أعني أوقافا وإلا فلا سائبة في الإسلام فكيف يصح قولهم أنبت في ملكه ويمكن أن يجاب عنه بأن كونها كذلك إنما هو على قول الإمام أما على قولهما فهي مملوكة وقولهما رواية عن الإمام كما في الهداية إلا ما جف فإنه حطب يحل الانتفاع به والتصدق متعين في هذه الأربعة أي في ذبح صيد الحرم وحلبه وقطع حشيشه وشجره ولا يجزئ الصوم لكن يجوز الطعام والهدي وحرم رعي حشيشه عند الطرفين لأنه كالقطع وعنده لا بأس به لضرورة الزائرين وقطعه إلا الإذخر وقد استثناه عليه الصلاة والسلام بالتماس العباس رضي الله تعالى عنه وكل ما على المفرد به دم بسبب جنايته على إحرامه فعلى القارن به دمان للحج والعمرة لهتك حرمة إحرامين وفيه
____________________
(1/446)
خلاف الشافعي هذا إذا كان قبل الوقوف بعرفة وأما بعده ففي غير الجماع دم كما في النهاية وقيدنا بسبب جنايته على إحرامه يعني بفعل شيء من محظوراته لا مطلقا ليستقيم كليا فإن المفرد إذا ترك واجبا من واجبات الحج لزمه دم وإذا تركه القارن لا يتعدد الدم عليه لأنه ليس جناية على الإحرام إلا أن يجاوز الميقات غير محرم بالحج والعمرة فحينئذ عليه دم لترك حق الوقت وقال زفر يجب فيه دمان
وإن قتل محرمان صيدا فعلى كل واحد منهما جزاء كامل خلافا للشافعي في قول
وإن قتل حلالان صيد الحرم فعليهما جزاء واحد لأن ذلك جزاء الفعل وهو متعدد وهذا جزاء المحل وهو واحد وينبغي أن يقسم على عدد الرءوس إذا قتله جماعة ولو قتل حلال ومحرم فعلى المحرم جميع القيمة وعلى الحلال نصفها ولو قتله حلال ومفرد وقارن فعلى الحلال ثلث الجزاء وعلى المفرد جزاء وعلى القارن جزاءان كما في القهستاني ويبطل بيع المحرم الصيد وشراؤه فلو قبض فعطب في يده فعليه وعلى البائع الجزاء لأن بيعه حيا تعرض للصيد بفوات الأمن وبيعه بعدما قتله بيع ميتة
وفي مبسوط شيخ الإسلام يفسد بيعه
ومن أخرج ظبية الحرم حلالا لو محرما فولدت وماتا أي الظبية والولد ضمنهما لأنه كان واجبا عليه أن يرده إلى مأمنه وهذه صفة شرعية فتسري إلى الولد
وإن أدى جزاءها ثم ولدت لا يضمن الولد وكذا كل زيادة من سمن أو شعر إن كان قبل التكفير يضمن الزيادة والأصل وإن كان بعد التكفير لا ولو ذبح الأم والولد يحل ويكره كما في التبيين
____________________
(1/447)
باب مجاوزة الميقات بلا إحرام من جاوز الميقات قاصدا دخول مكة لأنه لو لم يقصد بل أراد بينهما وبين المواقيت كالبستان مثلا لحاجة مست إليه فله أن يدخل مكة بلا إحرام كما بين آنفا غير محرم ثم أحرم بعرفات جاز حجه و لزمه دم لارتكابه المنهي عنه فإن عاد إليه أي الميقات قبل الشروع في الأفعال حال كونه محرما بحجة أو عمرة في الطريق ملبيا سقط الدم عند الإمام وعندهما والشافعي في قول يسقط الدم بعوده محرما وإن لم يلب
وقال زفر والأئمة الثلاثة لا يسقط لبى أو لم يلب
وإن عاد إلى الميقات ولا فرق بين عوده إلى هذا الميقات وإلى ميقات آخر في الصحة وإن كان الأول أولى قبل أن يحرم فأحرم منه سقط الدم بالاتفاق
وكذا يسقط الدم لو أحرم بعمرة داخل الميقات ثم أفسدها وقضاها لأنه يقضيها كاملا بإحرام من الميقات فينجبر به ما نقص من حق الميقات بالمجاوزة عنه بغير إحرام خلافا لزفر
وإن عاد إلى الميقات بعد ما شرع في الطواف لا بعدما شرع في نسك لا يسقط الدم لكن هل العود أفضل أم تركه
وفي المحيط إن خاف فوت الحج إذا عاد لم يعد ويمضي في إحرامه وإن لم يخف فوته عاد لأن الحج فرض والإحرام من الميقات واجب وترك الواجب أهون من ترك الفرض كما في البحر
وإن دخل كوفي البستان أي بستان بني عامر ولو عمم الداخل والمدخول لكان أولى لكن قد وقع في عبارة محمد كذا فتبعه تبركا لحاجة فله دخول مكة غير محرم لأن البستان غير واجب التعظيم فلا يلزمه الإحرام بقصده
____________________
(1/448)
فإذا وصله التحق بأهله فله أن يدخل مكة بلا إحرام وينبغي أن لا يجوز هذه الحيلة للمأمور بالحج لأنه مأمور بحجة آفاقية وإذا دخل مكة بغير إحرام صارت حجته مكية فكان مخالفا كما في البحر ولا فرق بين أن ينوي الإقامة في البستان أو لم ينو وعن أبي يوسف لا بد من الإقامة وميقاته أي الكوفي الداخل في البستان البستان للحج والعمرة والمراد به جميع الحل الذي بينه وبين الحرم ومن دخل مكة بلا إحرام لمصلحة له لزمه حج أو عمرة تعظيما للبقعة المباركة فلو عاد إلى الميقات وأحرم بحجة الإسلام في عامه ذلك لا بعده سقط عنه ما لزمه بدخول مكة من الحج أو العمرة أيضا أي كما يسقط الدم والقياس أن لا يسقط اعتبارا بما لزمه بسبب النذر وصار كما إذا تحولت السنة وهو قول زفر
ولنا أن الواجب عليه أن يكون محرما عند دخول مكة تعظيما لهذه البقعة لا أن يكون إحرامه لدخوله على التعيين بخلاف ما إذا تحولت السنة لأنه صار دينا في ذمته فلا يتأدى إلا بالإحرام مقصودا ولو قال وإحرام عما عليه في عامه لشمل كل إحرام واجبا حجا أو عمرة أداء أو قضاء كما في المنح
وإن بعد عامه أي إن كان العود والإحرام من الميقات بعد عامه ذلك لا يسقط ما لزمه لأنه قد صارت دينا في ذمته بالتفويت فلا يخلص إلا بالإحرام مقصودا
وإن جاوز مكي أو متمتع الحرم يريد الحج غير محرم فهو كمن جاوز الميقات لأن إحرام المكي من الحرم والمتمتع بالعمرة المجاوز صار مكيا فإحرامه من الحرم فيجب عليهما دم لمجاوزة الميقات بلا إحرام ووقوفه أي وقوف المكي والمتمتع كطوافه أي طواف من جاوز الميقات يعني إذا جاوز مكي أو متمتع الحرم وتوجه إلى عرفات إن عاد قبل الوقوف إلى الحرم فأحرم يسقط الدم وإن عاد بعدما وقف فأحرم لم يسقط كمن جاوز الميقات فطاف وهذه المسألة مما علم حكمه مما ذكر آنفا كما علم حكم مكي أحرم من الحرم للعمرة أو حل إحرامه منه فلو اختصر لكان أخصر
____________________
(1/449)
450 باب إضافة الإحرام إلى الإحرام إضافة الإحرام إلى الإحرام مكي طاف لعمرته شوطا ولو قال أقل من أربعة لكان أولى إذ الحكم لا يختلف بالشوطين والثلاثة لكن قال محمد في الجامع الصغير هكذا وتبعه المصنف تبركا فأحرم بالحج رفضه أي الحج وعليه قضاء حج وعمرة أما الدم فلأجل الرفض
وأما الحج والعمرة فلمكان الحج الفائت هذا عند الإمام وقالا أحب إلينا أن يرفض العمرة ويقضيها ويمضي في الحج وعليه دم لأنه لا بد من رفض أحدهما وعند الأئمة الثلاثة لا يرفض وإنما قال طاف شوطا لأنه لو طاف لها الأكثر ثم أحرم بالحج رفضه بلا خلاف على ما ذكر في الهداية وفي المبسوط لا يرفض واحدا منهما لأن للأكثر حكم الكل فصار كما لو فرغ منها وعليه دم لمكان النقض بالجمع بينهما وإذا لم يطف للعمرة شيئا يرفضها اتفاقا وقيد بالمكي لأن الآفاقي إذا أهل بالعمرة أولا فطاف لها شوطا ثم أهل بالحج مضى فيهما ولا يرفض الحج فلو أتمهما أي الحج والعمرة صح لأنه أدى أفعالهما كما التزمهما غير أنه منهي عنه والنهي لا يمنع تحقق الفعل كما في الإصلاح وعليه دم لجمعه بينهما وهو دم جبر لا يجوز له أن يأكل منه بخلاف الآفاقي حيث يجوز له الأكل لأنه دم شكر ومن أحرم بحج فحج وفرغ منه ثم أحرم بآخر يوم النحر بحج آخر في العام القابل فإن كان قد حلق في الأول قبل الإحرام للثاني لزمه الثاني حتى يقضي في العام القابل لصحة الشروع فيه ولا دم عليه ولا صدقة لأن الأول قد انتهى نهايته وإلا أي وإن لم يكن حلق للأول لزمه الحج الثاني وعليه دم سواء قصر بعد إحرام الثاني أو لم يقصر عند الإمام لأنه إن قصر فقد جنى على إحرام الثاني وإن كان نسكا في إحرام الأول إن لم يقصر فقد أخر النسك
____________________
(1/450)
عن وقته
والمراد بالتقصير الحلق وإنما اختاره اتباعا للجامع الصغير أو ليصير الحكم جاريا في المرأة لأن التقصير عام في الرجل والمرأة وعندهما إن لم يقصر فلا دم عليه لأنهما يخصان الوجوب بما إذا حلق والتأخير لا يوجب شيئا وذكر فخر الإسلام أن محمدا في هذا مع الإمام وعند الشافعي لا يصح إحرامه بآخر ومن فرغ من عمرته إلا التقصير بأن أحرم وطاف وسعى ولم يقصر فأحرم بأخرى لزمه دم جبر لأنه جمع بين إحرامي العمرة وهو مكروه
ولو أحرم آفاقي بحج ثم أحرم بعمرة لزماه لأن الجمع بينهما مشروع للآفاقي كالقران لكنه أساء بمخالفة السنة بتأخير العمرة فإن وقف بعرفة قبل أفعال العمرة أو أكثرها فقد رفضها أي العمرة إذ بناء أفعالها على أفعاله مشروع وعند الأئمة الثلاثة لا يصير رافضا لا أي لا يصير رافضا لو توجه إليها ولم يقف وهو الصحيح من مذهب الإمام فإن أحرم بها أي العمرة بعد طوافه للحج طواف التحية ندب رفضها لتأكد إحرامه بطوافه بخلاف ما إذا لم يطف ويقضيها للحج لصحة الشروع فيها وعليه دم لرفضها فإن مضى عليهما أي العمرة والحج بأن يقدم أفعال العمرة على الحج صح ولزمه دم لجمعه بينهما وهو دم جبر في الصحيح وهو اختيار فخر الإسلام واحترز به عما اختاره شمس الأئمة من أنه دم شكر
وإن أهل الحاج بعمرة يوم النحر أو أيام التشريق لزمته أي لزمت العمرة الحاج لأن الجمع بين إحرامي الحج والعمرة صحيح
ولزمه رفضها أي لزم رفض العمرة الحاج كي لا يبني أفعالها على أفعاله مع كراهة العمرة في هذه الأيام
و لزمه قضاؤها تحصيلا لما فاته مع صحة الشروع
و لزمه دم للرفض فإن مضى عليها صح وعليه دم أي دم كفارة لجمعه بينهما ومن فاته الحج بفوت الوقوف فأحرم بحج أو عمرة لزمه الرفض أي رفض ما أحرم به و لزمه القضاء لصحة الشروع فيه و لزمه الدم لرفضه بالتحلل قبل أوانه
____________________
(1/451)
باب الإحصار والفوات أي فوات الحج والإحصار لغة المنع عن كل شيء وشرعا المنع عن الحج والوقوف معا أو العمرة بعد الإحرام بعذر شرعي وما في الدرر من أنه منع الخوف أو المرض ليس بسديد لأنه لا يخص بهذين تدبر وحكمه أن لا يتحلل إلا بذبح أو بأفعال العمرة إن أحصر المحرم بعدو مسلم أو كافر أو مرض زاد بالذهاب أو الركوب أو عدم محرم لمرأة بأن مات محرمها بعد الإحرام وبينها وبين مكة ثلاثة أيام وما فوقها أو ضياع نفقة
وفي التجنيس إذا سرقت نفقته وقدر على المشي فليس بمحصر وإلا فمحصر لأنه عاجز وقال مالك والشافعي لا إحصار إلا بالعدو لأن آية الإحصار وهي قوله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي نزلت في حق النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه وكانوا محصرين بالعدو ولنا أن الإحصار هو المنع والعبرة للفظ لا لخصوص السبب فله أن يبعث شاة أو قيمتها ليشتري بمكة تذبح عنه في الحرم
وإن لم يجد ما يذبح بقي محرما حتى يذبح أو يطوف ويكفيه سبع بدنة وعن أبي يوسف أنه يقوم الهدي فيطعم المساكين وإن لم يجد الطعام يصوم عن كل نصف صاع يوما وهو قول الشافعي في وقت معين لأن التحلل موقوف على الذبح فلا بد من علم زمانه حتى يقع التحلل بعده والتعين محتاج عند الإمام لا عندهما ويتحلل بعد ذبحها من غير حلق ولا تقصير عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإنه يقول عليه ذلك لكن لو لم يفعل لا شيء عليه
وإن كان المحصر قارنا يبعث دمين لحجته وعمرته وعند الشافعي يبعث دما وفيه إشارة إلى أنه لا يتحلل إلا بذبح أحدهما وإلى أنه لا يشترط تعيين أحدهما للحج والآخر للعمرة وإلى أنه لو بعث دما لم يتحلل بذبحه عن أحد الإحرامين
____________________
(1/452)
ويجوز ذبحها قبل يوم النحر أي وقت شاء عند الإمام لا في الحل
وقال الشافعي يذبح في موضع أحصر فيه وعندهما لا يجوز ذبحها قبل يوم النحر إن كان محصرا بفتح الصاد بالحج وإن كان محصرا بالعمرة يجوز ولا يتوقف بالزمان إجماعا وعلى المحصر بالحج فرضا أو نفلا إذا تحلل قضاء حج من قابل للزومه له بالشروع وعمرة لأن على فائت الحج التحلل بأفعال العمرة لكن إذا قضاه في عامه ذلك لا تجب عليه ولا يحتاج إلى نية التعيين عند الإمام فلو قضاه من قابل فهو مخير إن شاء أتى بكل واحد من الحج والعمرة على الانفراد وإن شاء قرن وعند الشافعي عليه حج لا غير وعلى المعتمر المحصر قضاء عمرة الإحصار عنها متحقق عندنا خلافا لمالك والشافعي وعلى القارن المحصر حجة وعمرتان الأولى للقران والثانية لكونها كالفائت وعند الأئمة الثلاثة حجة وعمرة لا عمرتان فإن زال الإحصار بعد بعث الدم لأنه لا يخلو إما أن يدرك الحج والهدي أو لا يدركهما أو يدرك الأول دون الثاني أو بالعكس فهذه أربعة أقسام تفصيلها قوله وأمكنه أي المحصر إدراكه أي الهدي قبل ذبحه و أمكنه إدراك الحج بالوقوف بعرفة لا يجوز التحلل ولزم المضي لزوال العجز قبل المقصود بالخلف وفيه إشارة إلى أن من لم يقدر أن يدركهما لا يجب عليه التوجه وإن أمكن إدراكه أي الهدي فقط تحلل لأنه عجز عن الأصل
وإن أمكن إدراك الحج فقط جاز التحلل
____________________
(1/453)
استحسانا وهو قول الإمام والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر وهذا القسم لا يتصور على قولهما في الحج لما مر أن دم الإحصار بالحج يتوقف بيوم النحر فإذا أدرك الحج يدرك الهدي ضرورة وفي المحصر بالعمرة يتصور فينبغي أن يكون جوابهما فيه كجوابه كما في الإصلاح ومن منع بمكة عن الركنين أي الطواف والوقوف فهو محصر سواء كان مفردا أو قارنا فيتحلل بالهدي وفي رواية عنه أن المنع بمكة ليس بإحصار بعدما صارت دار إسلام كما في المحيط
وإن قدر على أحدهما فليس بمحصر لأنه إن قدر على الوقوف يتم حجه به فلا يثبت الإحصار وإن قدر على الطواف له أن يتحلل به فلا حاجة إلى التحلل بالهدي كفائت الحج وعند الشافعي محصر بالمنع عن أحدهما ومن فاته الحج بفوات الوقوف بعرفة فليتحلل عن إحرامه بأفعال العمرة فيطوف ويسعى بلا إحرام جديد لها وعليه الحج من قابل أي في العام القابل ولا دم عليه وعند الأئمة الثلاثة عليه دم ولا فوت للعمرة بالإجماع وهي إحرام وطواف وسعي فالإحرام شرطها والطواف والسعي ركناها ويجوز العمرة في كل السنة أي في كل يوم من أيامها لأنها غير موقتة و لكن تكره العمرة يوم عرفة و يوم
____________________
(1/454)
النحر وأيام التشريق وعن أبي يوسف أنها تكره في يوم عرفة قبل الزوال وعند الشافعي لا تكره في وقت من الأوقات أصلا ويقطع التلبية بأول الطواف
باب الحج عن الغير إدخال اللازم على غير غير واقع على وجه الصحة بل هو ملزوم الإضافة ولما كان الأصل كون عمل الإنسان لنفسه لا لغيره قدم ما تقدم تجوز النيابة في العبادات المالية كالزكاة وصدقة الفطر مطلقا أي في حالة القدرة والعجز لأن المقصود يحصل بفعل النائب فالعبرة لنية الموكل لا نية الوكيل ولا تجوز في البدنية المحضة كالصلاة والصوم والاعتكاف وقراءة القرآن والأذكار بحال من الأحوال لا في حالة العجز ولا في حالة القدرة لأن المقصود وهو إتعاب النفس لا يحصل بفعل النائب وفي المركب الأولى وفي المركبة منهما أي من البدن والمال كالحج يجوز عند العجز لحصول المشقة بتنقيص المال لا تجوز عند القدرة لعدم إتعاب النفس نظرا إلى كونه بدنيا فعملنا بالشبهين بالقدر الممكن ويشترط في صحة العجز عن الغير الموت أي موت المحجوج عنه أو العجز الدائم إلى الموت إذا كان العجز يرجى زواله غالبا كالمرض والحبس وغيرهما فأحج فإن استمر العجز إلى الموت سقط الفرض عنه فلو زال عجزه صار ما أدى تطوعا للآمر وعليه الحج وعند أبي يوسف إن زال العجز بعد فراغ المأمور عن الحج يقع عن الفرض وإن زال قبله فعن النفل كما في المحيط وإن كان لا يرجى زواله كالعمى والزمانة سقط عنه الفرض ويجب عليه الإحجاج سواء استمر ذلك العذر أو لا كما في البحر وغيره فعلى هذا عبارة المصنف غير وافية بل الحق التفصيل تدبر
وإنما شرط العجز للحج الفرض لا للنفل لأن النفل يصح بلا شرط ويكون ثواب النفقة للآمر بالاتفاق
____________________
(1/455)
وأما ثواب النفل فالمأمور يجعله للآمر وقد صح عند أهل السنة كالصلاة والصوم والصدقة كما في الهداية فمن عجز عن أداء الحج فأحج أي أمر بأن يحج عنه غيره صح وفيه إشارة إلى أنه إذا أحج وهو صحيح ثم عجز واستمر لا يجزيه لفقد الشرط ويقع عنه أي عن الآمر على الصحيح وهو ظاهر المذهب لكنه تشترط أهلية المأمور بصحة الأفعال كما في أكثر المعتبرات وعن محمد يقع عن المأمور
وقال شمس الإسلام يقع عن المأمور في قول أصحابنا وللآمر ثواب النفقة لأن النيابة لا تجزئ في العبادات البدنية وينوي النائب عنه حتى لو نوى عن نفسه وقع عنه وضمن النفقة فيقول لبيك بحجة عن فلان عند الإحرام بعد الركعتين ويرد النائب ما فضل من النفقة إلى الوصي أو الورثة فيه قصور فالأولى أن يقول إلى من أحج ليشمل من عجز فأحج تدبر ويجوز إحجاج الصرورة بالصاد المهملة الذي لم يحج ويقال صرورة وصرارة وصارورة وصارور وصروري صنوصاروراء كما في القاموس ولكن يجب عليه عند رؤية الكعبة الحج لنفسه وعليه أن يتوقف إلى عام قابل ويحج لنفسه أو أن يحج بعد عوده إلى أهله بماله وإن فقيرا فليحفظ والناس عنها غافلون والمرأة والعبد المأذون لوجود أفعال الحج وغيرهم أولى ليقع حجه على أكمل الوجوه
____________________
(1/456)
وليكون أبعد عن الخلاف
وفي الشمني ويكره إحجاج الأنثى والعبد ومن لم يحج عن نفسه
ومن أمره رجلان فأحرم بحجة عنهما ضمن نفقتهما إن أنفق لأن كل واحد منهما أمره أن يخلص له الحج وأن ينويه عند الإحرام فإن لم يفعل صار مخالفا ولا يكون عن أحدهما إذ ليس أحدهما أولى من الآخر والحجة له أي للحاج
وإن أبهم الإحرام بأن نوى أحدهما غير معين ثم عين أحدهما قبل المضي صح عند الطرفين استحسانا لأن الإحرام شرع وسيلة والمبهم يصلح وسيلة بواسطة التعيين خلافا لأبي يوسف فإنه قال إنه يقع عنه وضمن لأنه مأمور بالتعيين والإبهام يخالفه وهو القياس كما إذا أمر أحد بالحج وآخر بالعمرة فقرن بينهما إلا إذا أذنا بالجمع وبعده أي بعد المضي لا يصح تعيينه اتفاقا ودم المتعة والقران على المأمور لأنه موقوف لأداء النسكين والمأمور مختص بهذه النعمة لأن حقيقة الفعل منه وإن كان الحج يقع على الآمر لأنه وقوع شرعي ووجوب دم الشكر سبب عن الفعل الحقيقي الصادر عن المأمور فعلى هذا لا يلزم بهذه المسألة صحة المروي عن محمد أن الحج يقع عن المأمور كما في الهداية
وكذا يجب على المأمور دم الجناية لأنه هو الجاني وأطلق في دم الجناية فشمل دم الجماع ودم جزاء الصيد ودم الحلق ودم لبس المخيط والتطيب ودم مجاوزة الميقات بغير إحرام لكن لما كان في دم الجناية تفصيل ذكره ودم الإحصار على الآمر عند الطرفين لدخوله في العهدة بأمره فعليه تخليصه خلافا لأبي يوسف وإن كان المحجوج عنه ميتا ففي ماله يعني إذا أوصى ومات فإن دم الإحصار واجب في ثلث المال وقيل في كله عندهما وفي مال المأمور عنده ولو قال ودم الإحصار على الآمر من ماله ولو ميتا لكان أخصر وأولى
وإن جامع المأمور قبل الوقوف ضمن النفقة لأنه صار مخالفا بالإفساد
وإن مات المأمور وكذا لو مات الحاج بنفسه
____________________
(1/457)
فأوصى بالحج في الطريق بعدما أنفق بعض النفقة يحج عن منزل آمره أي الموصي أو الوصي والوارث قياسا عند الإمام إذا اتحد مكانهما فإن اختلف مكانهما فإن كان أحدهما أقرب من مكة يحج عنه والمال واف به فإن لم يكن وافيا به يحج من حيث يمكن بثلث ما بقي من مجموع ماله عند الإمام فإن كانت التركة مثلا ثلاثة آلاف درهم فدفع الألف فسرق يحج عنه بثلث الألفين ستمائة وستة وستين وثلاثين وعندهما يحج من حيث مات المأمور بالحج لكن عند أبي يوسف يحج عنه بما بقي من الثلث الأول فإن كانت التركة مثلا أربعة آلاف فدفع الألف فسرق يحج بثلاثمائة وثلاثين وثلث وإن كانت ثلاثة آلاف فدفع الألف فسرق بطلت الوصية عنده وعند محمد يحج عنه بما بقي من المال المدفوع إليه فإن لم يبق في يده شيء بطلت الوصية عنده ومن أهل بحجة عن أبويه أو غيرهما ثم عين أحدهما جاز لأنه غير مأمور بالحج عنهما ومن حج عن غيره بغير أمره لا يكون حاجا عنه بل يكون جاعلا ثواب حجه له ونيته عنهما لغو وللإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره في جميع العبادات هذا وقع في معرض العلة لما قبله
____________________
(1/458)
459 باب الهدي هو اسم ما يهدى من النعم إلى الحرم ليتقربه من إبل أو بقر أو غنم وهو متفق عليه وأقله شاة ولا يجب تعريفه أي الهدي وقد بيناه آنفا ويجزئ فيه ما يجزئ في الأضحية لأنه قربة تعلقت بإراقة الدم كالأضحية وتجزئ الشاة في كل موضع والأولى أن يقول في الكل أي الجنايات وغيرها إلا إذا طاف للزيادة أي حال كونه جنبا أو جامع بعد وقوف عرفة قبل الحلق فلا يجزئ فيهما إلا البدنة وليس مراده التعميم فإن من نذر بدنة أو جزورا لا تجزيه الشاة ويأكل استحبابا من هدي التطوع إذا بلغ محله والمتعة والقران إلا عند الشافعي من دم المتعة والقران لا يأكل من غيرها لأنها دماء كفارات خلافا لمالك وخص ذبح هدي المتعة والقران بأيام النحر دون غيرهما أي يجوز ذبح بقية الهدايا في أي وقت شاء خلافا للشافعي
و خص الكل بالحرم قال الزيلعي واعلم أن الدماء على أربعة أوجه ما يختص بالزمان والمكان وهو دم القران ودم التطوع في رواية القدوري ودم الإحصار عندهما وما يختص بالمكان دون الزمان وهو دم الجنايات ودم الإحصار عنده والتطوع في رواية الأصل وما كان عكسه وهو دم الأضحية وما لا يختص
____________________
(1/459)
بهما وهو دم النذور وعند الطرفين وعند أبي يوسف يتعين بالمكان ويجوز أن يتصدق به أي الهدي على فقير الحرم وغيره من الفقراء المستحقين
وقال الشافعي يختص به ويتصدق بجله وهو بالضم ما يطرح على ظهر الدابة وحطامه بالكسر وهو حبل يجعل في عنق البعير ولا يعطي أجر الجزار أي الذابح منه أي من الهدي ولكن لو تصدق شيئا عليه سوى أجرته جاز إذا كان ممن يستحقه ولا يركبه أي الهدي إلا عند الضرورة وعند الأئمة الثلاثة يجوز أن يركبه بغيرها إلا أن يهزله فحينئذ لا يجوز فإن نقص بركوبه شيء منه ضمنه أي النقصان ولا يحلبه أي الهدي إذا كان له لبن لأنه جزء منه فإن حلبه وانتفع به أو دفعه إلى الغني لوجود التعدي منه كما لو فعل ذلك بوبره أو صوفه تصدق به أي باللبن وينضح ضرعه بالماء البارد لينقطع لبنه قالوا هذا إذا قرب من وقت الذبح وأما إذا أبعد عنه فيحلب دفعا للضرر ويتصدق بمثله أو قيمته إلا إذا استهلك فإنه بالقيمة ولو ولد الهدي ذبح مع الولد وإن شاء تصدق به فإن عطب بالكسر أي هلك الهدي الواجب أو تعيب عيبا فاحشا يمنع جواز الأضحية أقام غيره مقامه لأنه واجب في ذمته والعيب لا يصلح لذلك وصنع بالمعيب ما شاء لأنه التحق بملكه وإن عطب أي قرب إلى العطب وإنما فسرناه لأن النحر بعد حقيقة العطب لا يتصور التطوع نحره وصبغ نعله أي قلادته بدمه وضرب به أي بنعله صفحته أي صفحة سنامه ولا يأكل منه هو ولا غني لعدم تمام القربة وفائدة الفعل أن يعلم الناس أنه هدي فيأكل منه الفقراء لأن التصدق على الفقراء
____________________
(1/460)
أفضل من أن يترك لحما للسباع وليس عليه غيره لأنه تطوع وتقلد بدنة التطوع والمتعة والقران لأنها دماء نسك لا يقلد غيرها كدماء الجنايات والكفارات والإحصار لأن سببها الجناية والستر أليق لو قلد دم الإحصار لا يضر كما في المبسوط
وفي المحيط يقلد دم النذر
مسائل منثورة جرت عادة المصنفين أن يذكروا في آخر الكتاب ما شذ وندر من المسائل في الأبواب السالفة في فصل على حدة تكثيرا للفائدة ويترجموا عنه بمسائل منثورة أو مسائل متفرقة أو مسائل شتى أو مسائل لم تدخل في الأبواب شهدوا أن هذا اليوم الذي وقف فيه يوم النحر بطلت هذه الشهادة والحج صحيح استحسانا لأن هذه الشهادة قامت على النفي وعلى أمر لا يدخل تحت الحكم لأن غرضهم نفي حجهم والحج لا يدخل تحت الحكم لأن الحج عبادة لا يجبر عليها ولا يدخل تحت الحكم ولأن فيه بلوى عاما لتعذر الاحتراز عنه والتدارك غير ممكن وفي الأمر بالإعادة حرج بين فوجب أن يكتفى به عند الاشتباه صيانة لجميع المسلمين كما في الكافي والقياس أن لا يصح
ولو شهدوا أنه أي اليوم الذي وقفوا فيه يوم التروية صحت هذه الشهادة لإمكان التدارك فلو شهدوا يوم التروية أن هذا اليوم يوم عرفة ينظر فإن أمكن الإمام أن يقف بالناس أو أكثرهم قبلت شهادتهم قياسا واستحسانا للتمكن من الوقوف وإن لم يقفوا عشيته فاتهم الحج وإن أمكن أن يقف معهم ليلا لا نهارا فكذلك استحسانا وإن لم يمكنه أن يقف ليلا مع أكثرهم لا تقبل شهادتهم ويأمرهم أن يقفوا من الغد استحسانا وفي لفظ الجمع إشارة إلى أنه لا تقبل فيه إلا شهادة جمع عظيم فلا تقبل شهادة عدلين وقال بعضهم تقبل شهادتهما كما في المحيط
وفي الكافي ينبغي للقاضي أن لا يقبل هذه الشهادة لأن
____________________
(1/461)
فيه تهييجا للفتنة
ومن ترك الجمرة الأولى في اليوم الثاني ورمى الوسطى والثالثة فإن شاء رماها فقط لأن الترتيب في الجمار الثلاثة ليس بشرط ولا واجب وإنما هو سنة خلافا للشافعي والأولى أن يرمي الكل رعاية للترتيب المسنون
من نذر أن يحج ماشيا يمشي من بيته حتى يطوف للزيارة على الصحيح لأنه التزم الحج على صفة الكمال لأن المشي أشق على البدن فيلزمه الإيفاء وفي المبسوط أنه مخير وعن الإمام أن مشيه مكروه وقيل من حيث يحرم لأنه أول أفعاله فإن ركب لزمه دم وإن ركب في الأقل تصدق حلال اشترى أمة محرمة بالإذن أي بإذن المولى فله أي المشتري أن يحللها والأولى تحليلها بقص شعر أو قلم ظفر قبل الجماع
ومن المهمات أن يعلم أنه اختلف في المجاورة بالحرمين الشريفين فذهب أبو يوسف ومحمد إلى استحبابها إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحظورات وذهب الإمام الأعظم والإمام مالك إلى كراهتها وهو الأحوط خصوصا في هذا الزمان فإن أكثر الناس لا يعرفون قدرهما واعلم أن حرمة الحرم خاصة بمكة المشرفة عندنا وليس للمدينة المشرفة حرم في حق الصيود والأشجار وغيرهما الحج تطوعا أفضل من الصدقة النافلة حج الفرض أولى من طاعة الوالدين بخلاف النفل لا يتزوج المقتدر المأمور بالحج إذا كان وقت خروج أهل بلده فإن كان قبله جاز حج الغني أفضل من حج الفقير مكة أفضل من المدينة عند علمائنا والشافعي
وقع الإجماع على أن موضع قبره صلى الله تعالى عليه وسلم أشرف بقاع الأرض وأن الخلاف فيما سواها ومن أحسن المندوبات بل يقرب من درجة الواجبات زيارة قبر نبينا وسيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وقد حرض عليه السلام على زيارته وبالغ في الندب إليها بمثل قوله عليه الصلاة والسلام من زار قبري
____________________
(1/462)
وجبت له شفاعتي وقوله من جاءني زائرا لا يهمه حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون شفيعا له يوم القيامة وقوله لا عذر لمن كان له سعة من أمتي ولم يزرني وقوله من صلى على قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته وقوله من حج وزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي وقوله من زارني إلى المدينة متعمدا كان في جواري إلى يوم القيامة فإن كان الحج فرضا فالأحسن أن يبدأ به إذا لم يقع في طريق الحاج المدينة المنورة ثم يثني بالزيارة فإذا نواها فلينو معها زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا توجه إليها يكثر الصلاة والسلام عليه أشرف التحيات وأفضل التسليمات وإذا وصل إلى المدينة اغتسل بظاهرها قبل أن يدخلها أو توضأ ولكن الغسل أفضل ولبس نظيف ثيابه وكل ما كان أدخل في الأدب والإجلال فعله وإذا دخلها قال رب أدخلني مدخل صدق
الآية اللهم افتح لي أبواب فضلك ورحمتك وارزقني زيارة قبر رسولك المجتبى عليه الصلاة والسلام ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك واغفر لي وارحمني يا خير مسئول وليكن متواضعا متخشعا بكمال الأدب فإذا دخل المسجد الشريف يقول بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك ويدخل من الباب المعروف بباب جبريل عليه الصلاة والسلام قاصدا الروضة الشريفة وهي ما بين المنبر والقبر الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة فيصلي عند منبره عليه الصلاة والسلام ركعتين يقف بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن ويسجد شكرا على هذه النعمة الجليلة ويدعو بما يحب ثم ينهض فيتوجه إلى القبر الشريف فيقف عند رأسه مستقبل القبلة ويدنو منه قدر ثلاثة أذرع أو أربعة ولا يدنو منه أكثر من ذلك ولا يضع يده على جدار التربة الشريفة فهو أهيب وأعظم للحرمة ويقف كما يقف في الصلاة ويقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا خير خلق الله السلام عليك يا سيد
____________________
(1/463)
ولد آدم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وكشفت الغمة فجزاك الله عنا خيرا جزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته اللهم أعط سيدنا عبدك ورسولك محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وأنزله المنزل المبارك عندك سبحانك أنت ذو الفضل العظيم ثم يسأل الله تعالى حاجته وأعظم الحاجات سؤال حسن الخاتمة وطلب المغفرة ويقول السلام عليك يا رسول الله أسألك الشفاعة الكبرى وأتوسل بك إلى الله تعالى في أن أموت مسلما على ملتك وسنتك وأن أحشر في زمرة عباد الله الصالحين ثم يتأخر عن يمينه إن كان مستقبلا قدر ذراع فيسلم على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ويقول السلام عليك يا خليفة رسول الله وثانيه في الغار ويا أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنك وجزاك الله عنا خيرا ثم يتأخر كذلك فيسلم على عمر رضي الله تعالى عنه ويقول السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق أنت الذي أعز الله بك الإسلام فجزاك الله عن أمة محمد عليه الصلاة والسلام خيرا ثم يرجع إلى حياله وجه النبي عليه الصلاة والسلام فيحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلي على نبيه بأفضل ما يمكن ويدعو لنفسه ويستشفع له ولوالديه ولجميع أهل الإيمان ثم يفعل ما شاء مما تيسر من أعمال البر ويستحب أن يخرج إلى البقيع ويزور القبور التي يتبرك بها كقبر عثمان وعباس رضي الله تعالى عنهما وقبور صاحب الأصحاب الأبرار والآل الأخيار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وسائر أموات المسلمين رحمهم الله ويقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا سابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويفعل ما يخطر بباله من الدعوات والخيرات والصدقات ويكون على هذه الحالة ما دام ساكنا فيها فإذا عزم إلى السفر يستحب له أن يودع في المسجد بصلاة وقد أخبر صلى الله تعالى عليه وسلم أن صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ويدعو بعده بما أحب وأن يأتي القبر الشريف ويدعو بما أحب له ولوالديه ولإخوانه الصالحين وأولاده وأهله وماله ويسأل الله تعالى أن يدخله دار النعيم ويوصله إلى أهله سالما غانما بخير عاقبة وحسن عافية وينبغي أن يتصدق بما يمكن على الفقراء من الجيران ثم ينصرف باكيا حزينا على فراق الحضرة النبوية ومن السنن أن يكبر على كل شرف من الأرض ويقول آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وإذا دخل بلده فيقول اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين ونسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر ما فيها اللهم اجعل لي فيها قرارا وارزقني رزقا حسنا طيبا حلالا مباركا وينبغي لمن يتوجه إلى الحج الشريف أن يتوب إلى الله تعالى مما اكتسب وما فعل من أنواع
____________________
(1/464)
الذنوب عسى ربه أن يكفر عنه سيئاته وأن يرضي خصومه ويقضي ديونه إلا ما كان مؤجلا ويرد الودائع إلى أهلها ويترك نفقة عياله إلى حين عوده ويستصحب نفقة طيبة قدر ما يكفيه ويكون على رفق مع رفقائه من العبيد والأحرار وعلى سكينة ووقار في جميع الأحوال والأطوار ويفعل ما لا يتألم منه الخلق ولا يتأذى ويتوكل على الله الملك المتعال في جميع الأقوال والأعمال إنه هو البر الرحيم فإذا توجه السفر وأراد الخروج من منزله يصلي ركعتين على أحسن ما كان ثم يسأل الله تعالى العفو والعافية والتيسير لما أراد والحفظ من شر العباد والطغاة ويتصدق بما يطيب قلبه من أطيب الأموال من ماله الحلال ويقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار واحشرنا في زمرة الصالحين الأبرار ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ثم يودع أهله وعياله وسائر من حضر ويقول أستودع الله دينكم ودنياكم وخواتيم أعمالكم ويقول له أهله عند التوديع سر في حفظ الله وكنفه زودك الله التقوى وجنبك الخبائث والردى وغفر ذنبك ووجهك للخير أينما كنت وتوجهت وإذا أراد الخروج من باب منزله يقول بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله رب العرش العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله أستغفر الله وأتوب إليه ثم قرأ إنا أنزلناه وختمها وإذا ركب دابته يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا أمة حبيبه محمد عليه الصلاة والسلام أعوذ بالله من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد اللهم اطو لنا الأرض وسيرنا فيها بطاعتك اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني وأطلب منك العون والعناية وينبغي أن يكون سفره في يوم الخميس أو يوم الاثنين أو يوم السبت قبل الظهر ويقول في نزوله في المنزل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين وإذا حط رحله يقول بسم الله توكلت على الله أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق وذرأ وبرأ سلام على نوح في العالمين اللهم اعطنا خير هذا المنزل وخير ما فيه واكفنا شره وشر ما فيه وإذا رحل قال الحمد لله الذي عافانا في منقلبنا ومثوانا اللهم كما أخرجتنا من منزلنا هذا سالمين بلغنا غيره آمنين ويكون الأمر كذا في كل منزل اللهم يسر لنا زيارة القبر الشريف بحرمة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم آمين الحمد لله على حال سوى الكفر والضلال
____________________
(1/465)
كتاب النكاح أخره عما تقدم لأنه بالنسبة إليه كالبسيط من المركب فإنه معاملة من وجه وعبادة من وجه أما معنى العبادة فيه فإن الاشتغال به أفضل من التخلي عنه لمحض العبادة ولما فيه من حفظ النفس عن الوقوع في الزنا ولما فيه من مباهاة الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولما فيه من تهذيب الأخلاق وتوسعة الباطن بالتحمل في معاشرة أبناء النوع وتربية الولد والقيام بمصالح المسلم العاجز عن القيام بها والنفقة على الأقارب والمستضعفين وإعفاف الحرم ونفسه ودفع الفتنة عنه وعنهن وأما معنى المعاملة فلما فيه من المال الذي هو عوض البضع والإيجاب والقبول والشهادة ودخوله تحت القضاء واختلف في مفهومه لغة فقيل هو مشترك بين الوطء والعقد اشتراكا لفظيا وقيل حقيقة في العقد مجاز في الوطء ونسبه الأصوليون إلى الشافعي وقيل حقيقة في الوطء ومجاز في العقد وعليه أكثر المشايخ وقيل حقيقة في الضم وبه صرح مشايخنا ولا منافاة بين كلامهم لأن الوطء من أفراد الضم والموضوع للأعم حقيقة في كل من أفراده كإنسان في زيد فهو من قبيل المشترك المعنوي وسبب شرعيته تعلق بقاء العالم به المقدر في العلم الأزلي على الوجه الأكمل وله شرط خاص به وهو سماع اثنين وشروطه التي لا تخصه الأهلية بالعقل والبلوغ وينبغي أن يراد في الولي لا في الزوج والزوجة ولا في متولي العقد فإن تزويج الصغير والصغيرة جائز وتوكيل الصبي الذي
____________________
(1/466)
يعقل العقد ويقصده جائز عندنا في البيع فصحته هنا أولى كما في الفتح وركنه الإيجاب والقبول حقيقة أو حكما كاللفظ القائم وحكمه حل استمتاع كل منهما بالآخر على الوجه المأذون فيه شرعا ووجوب المهر عليه وحرمة المصاهرة وعدم الجمع بين الأختين وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي عرف الفقهاء نقل إلى العقد فصار حقيقة عرفية ولذا أخذ في تعريفه فقال هو عقد يرد على ملك المتعة أي حل استمتاع الرجل من المرأة فالمراد بالعقد الحاصل بالمصدر وهو ارتباط أجزاء التصرف الشرعي بل الأجزاء المرتبطة دون المعنى المصدري الذي هو فعل المتكلم ولا شك أن له عللا أربعا فالعلة الفاعلية المتعاقدان والمادية الإيجاب والقبول والصورية الارتباط الذي يعتبر الشرع وجوده والغائية المصالح المتعلقة بالنكاح قصدا احترازا عما يفيد الحل ضمنا كما إذا ثبت في ضمن ملك الرقبة كشراء جارية للتسري فإنه موضوع شرعا لملك الرقبة وملك المتعة ثابت ضمنا
وإن قصده المشتري وإنما لم يكن ملك المتعة مقصودا كملك الرقبة في الشراء ونحوه لتخلفه عنه في شراء محرمه نسبا ورضاعا والأمة المجوسية
يجب عند التوقان وهو الشوق القوي والمراد بالواجب اللازم فيشمل الفرض والواجب فإنه يكون واجبا عند عدم خوف الوقوع في الزنا وإن كان بحيث لو لم يتزوج لا يحترز عنه فرضا بشرط أن يملك المهر والنفقة لأن ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به يكون فرضا وذهب جماعة من أشياخنا إلى أنه فرض كفاية وذهب آخرون إلى أنه واجب على الكفاية وقال الشافعي هو مباح لأنه من جملة المعاملات
ويكره عند خوف الجور أي عند عدم رعاية حقوق الزوجية لأن مشروعيته إنما هي لتحصين النفس وتحصيل الثواب بالولد والذي يخاف الجور يأثم ويرتكب المحرمات فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد وقضيته الحرمة إلا أن النصوص لم تنهض بها فقلنا بالكراهة
ويسن مؤكدا حالة الاعتدال وهو الأصح قال عليه الصلاة والسلام النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس
____________________
(1/467)
مني
وقال تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم وذهب داود وأتباعه من أهل الظاهر إلى أنه فرض عين على القادر على الوطء والإنفاق تمسكا بظاهر قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وقوله عليه الصلاة والسلام لعكاف بن خالد ألك امرأة قال لا قال تزوج فإنك من إخوان الشياطين وفي رواية من رهبان النصارى وفي آخره شراركم عزابكم وأراذل أمواتكم عزابكم ويحك يا عكاف والحجة عليهم عدم ذكره عليه الصلاة والسلام حين ذكر أركان الدين من الفرائض والواجبات ولو فرضا أو واجبا لذكره ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد وكونه في يوم الجمعة واختلفوا في كراهة الزفاف فيه والمختار لا يكره إذا لم يشتمل على مفسدة دينية
وينعقد أي يحصل ويتحقق النكاح في الوجود بإيجاب في مجلس والإيجاب شرعا لفظ صدر عن أحد المتعاقدين أولا رجلا أو امرأة سمي به لأنه يثبت الجواب على الآخر بنعم أو لا والباء للملابسة وقبول هو لفظ صدر عن الآخر ثانيا وفيه إشارة إلى أنه لا ينعقد بالكتابة في الحاضر فإنه لو كتب على ورقة مثلا لامرأة زوجني نفسك فكتبت تحته زوجت نفسي منك لا ينعقد وإلى أنه لا ينعقد بالتعاطي وإلى أن القبول بعد ذكر ما اتصل بالإيجاب من ذكر المهر حتى لو قبل قبله لا يصح كما في الفتح كلاهما يكونان بلفظ الماضي لأن غرض المتعاقدين لما كان الإنشاء
____________________
(1/468)
والإثبات اختير له لفظ الماضي الدال على الثبوت والوقوع وإنما أطلق ليشمل اللفظين حكما وهو الصادر من متولي الطرفين شرعا ويشمل ما ليس بعربي من الألفاظ كما سيأتي أو أحدهما يكون بلفظ الماضي كزوجني فقال زوجت قال صاحب الدرر وينعقد بإيجاب وقبول وضعا للماضي كزوجت وتزوجت وينعقد أيضا بما وضعا أي بلفظين وضع أحدهما للماضي والآخر للاستقبال يعني الأمر فإنه موضوع للاستقبال كزوجني وزوجت وإنما عطف قوله بما وضعا على إيجاب وقبول إشارة إلى أن ما وضع للاستقبال ليس من الإيجاب ولا القبول فإن صاحب الهداية قال النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول بلفظين يعبر بهما عن الماضي ثم قال وينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي وبالآخر عن المستقبل وأعاد لفظ ينعقد بلفظين تنبيها على أن اللفظين الذين أحدهما ماض والآخر مستقبل ليسا بإيجاب وقبول بل قوله زوجني توكيل وقوله زوجت إيجاب وقبول حكما فإن الواحد يتولى طرفي النكاح بخلاف البيع وصاحب الوقاية والكنز كأنهما زعما أن قول صاحب الهداية ثانيا وينعقد بلفظين غير محتاج إليه بناء على زعم أن ما وضع للماضي والمستقبل إيجاب وقبول فقصدا الاختصار فقال الأول وينعقد بإيجاب وقبول لفظهما ماض كزوجت وتزوجت أو ماض ومستقبل كزوجني فقال زوجت وقال الثاني وينعقد بإيجاب وقبول بلفظين وضعا للماضي أو أحدهما انتهى لكن فيه كلام لأن صاحب الهداية جعل الصحة باعتبار أنه توكيل والواحد يتولى طرفي النكاح فيكون تمام العقد على هذا قائما بالمجيب وصرح في الخانية والخلاصة وغيرهما أن لفظ الأمر في النكاح إيجاب وكذا في الطلاق وغيره فيكون تمام العقد قائما بالمجيب والقابل
وقال صاحب الفتح هذا أحسن لأن الإيجاب ليس إلا اللفظ المفيد قصد تحقيق المعنى أولا وهو صادق على الأمر فليكن إيجابا وقال صاحب البحر علمت اختلاف المشايخ في أن الأمر إيجاب أو توكيل فما في الكنز على القولين فعلى هذا اندفع ما في الدرر لأنه غفل عن القول الآخر مع أن الراجح كونه إيجابا فلا حاجة إلى توجيه آخر كتوجيه صاحب الفرائد مع أنه بعيد غاية البعد تتبع
وإن وصلية لم يعلما أي العاقدان معناهما هذا إذا لم يكن أحد اللفظين مستقبلا أو أمرا مرادا به الإيجاب إذ حينئذ لا بد من نية العقد وذلك لا يكون بدون العلم ثم إن فيه اختلاف المشايخ قال بعضهم ينعقد وإن لم يعلما معناهما لأن النكاح لا يشترط فيه القصد بدليل صحته مع الهزل بخلاف البيع ونحوه وعليه الفتوى كما في الإصلاح وقيل لا ينعقد
ولو قال دادي أو يذيرفتى فقال داد أو يذيرفت بلا ميم متصلة بهما صح العقد لمكان العرف فإن جواب مثل
____________________
(1/469)
هذا الكلام قد يذكر بالميم وبدونه والميم أحوط وفيه إشارة إلى أنه لا ينعقد بمجرد قولها داد بدون قوله يذيرفت إلا إذا أريد بقوله دادي التحقيق دون السوم وأما إذا قال أحدهما ده
وقال الآخر دادم أو داد فيكون نكاحا لأن ده أمر وتوكيل مثل زوجني وإلى أنه ينعقد بدون قولهما بزنى
وقال بعض المشايخ إنه لا بد منه والأولى أن يذكر لتكون المسألة متفقا عليها كبيع وشراء فإنه ينعقد بقولهما فروخت وخريد بلا ميم بعد فروختي وخريدي
ولو قالا عند الشهود جمع شاهد مع كفاية الشاهدين جريا على العادة في النكاح ولو ترك لكان أولى لأن الكلام ههنا فيما ينعقد به النكاح وما لا ينعقد به لا في شروطه مع أن الشهادة شرط الكل مازن وشويم أي نحن زوجان ولفظ زن عند الإطلاق الزوجة كما أن شوى مختص بالزوج لا ينعقد على المختار كما إذا قال هذه امرأتي وقالت هذا زوجي لا ينعقد به لأن الإقرار إظهار لما هو ثابت وليس بإنشاء وصحح في الذخيرة أن بالإقرار بمحضر الشهود صح النكاح وجعل إنشاء وإلا فلا
وفي الفتح إذا أقرا به ولم يكن بينهما نكاح لا ينعقد إلا إذا قال الشهود جعلتما هذا نكاحا فقالا نعم
وإنما يصح النكاح بعد تحقق سائر الشروط بلفظ نكاح وإنكاح وتزويج لأنهما صريحان فيه وما وضع أي يصح بلفظ هو موضوع لتمليك العين في الحال احترز به عن الوصية فإنها لتمليك العين بعد الموت وهذا عند عامة المشايخ وحكي عن الطحاوي أنه ينعقد مطلقا وعن الكرخي أنه ينعقد به إن قيدت بالحال كما إذا قال أوصيت بابنتي لك الآن ولا يخفى أنه على هذا في لفظ المصنف كلام وهو أنه ينعقد النكاح في هذه الصورة مع عدم ما وضع لتمليك العين لأن التمليك في الحال مجاز بقرينة الآن إلا أن يبني الكلام على ثبوت الوضع في المجاز ويراد من الوضع هاهنا أعم منه لكنه بعيد تأمل
وقال الشافعي وأحمد لا ينعقد في غير النكاح والتزويج كبيع وشراء على الصحيح وقيل لا ينعقد بهما وهبة فإن قيل كيف ينعقد النكاح بلفظ الهبة وهو من ألفاظ الطلاق كما إذا قال
____________________
(1/470)
الزوج لامرأته وهبت نفسك منك فلا يكون موجبا لضده قلنا وهو منقوض بما إذا قال الزوج لامرأته تزوجي إذا نوى به الطلاق تطلق مع أنه من ألفاظ النكاح فعلم من هذا أن المعنى غير مانع كما قالوا
وفي المحيط ولو طلب من امرأة زنا فقالت وهبت نفسي منك بحضرة الشهود وقبل الزوج لا يكون نكاحا لأن هذا تمكين من الزنا وليس بهبة حقيقة وصدقة وتمليك وعطية وملك وجعل وفي الانعقاد بلفظ السلم إن جعلت المرأة مسلما فيها خلاف قيل ينعقد لأنه يثبت به ملك الرقبة والسلم في الحيوان ينعقد حتى لو اتصل به القبض فإنه يفيد ملك الرقبة ملكا فاسدا وليس كل ما يفسد الحقيقي يفسد المجازي ورجحه في الفتح وقيل لا ينعقد لأن السلم في الحيوان لا يصح وأما إذا جعلت المرأة رأس مال السلم فينعقد إجماعا
وفي الصرف قولان قيل لا ينعقد به لأنه وضع لإثبات ملك ما لا يتعين من النقد والمعقود عليه هنا يتعين وقيل ينعقد به لأنه يثبت ملك العين في الجملة
وفي البحر ينبغي ترجيحه لدخوله تحت الكلية التي في المختصر وكذا ينعقد في القرض أيضا لأنه يفيد التمليك كلفظ الهبة
وفي الصيرفية هو الأصح وقيل لا ينعقد كما في الكشف والولوالجية لأن الاستقراض غير جائز في الحيوانات فلا يصير سببا لحكم النكاح انتهى وفيه كلام لأنه لا يشترط صحة المعنى في المجاز عند الإمام
وفي جامع الفقه أن النكاح ينعقد بالألفاظ الموضوعة لتمليك العين حالا إن ذكر المهر وإلا فبالنية انتهى وفيه كلام لأن النكاح لا بد فيه من الشهود ولا اطلاع لهم على النيات إلا أن يقال لا ينعقد إلا بالتصريح بالنية لكنه بعيد أو يدعي كفاية وجود النية في نفس الأمر ولا يشترط علم الشهود بها وهو خلاف الظاهر لا بإجارة أي لا ينعقد إذا قال آجرتك بنتي بكذا على الصحيح لأن الإجارة ما وضعت لتمليك منفعة البضع وإنما وضعت لتمليك المنفعة مؤقتا والنكاح لا ينعقد إلا مؤبدا حكي عن الكرخي انعقاده بلفظ الإجارة أما إذا جعلت المرأة أجرة فينعقد اتفاقا وإباحة وإعارة أي لا ينعقد بهذين اللفظين على الصحيح وكذا لا ينعقد بلفظ الفداء والإبراء والفسخ والإقالة والخلع والكتابة والتمتع والإحلال والرضى والإجازة الوديعة والشركة والصلح لأنها ليست موضوعة لتمليك العين ولا ينعقد بإضافته لجزء شائع في الصحيح
وفي الصيرفية خلافه وكذا لا ينعقد بألفاظ مصحفة كتجوزت مكان تزوجت كما يقع في بعض الديار من العوام على طريق الغلط أما لو اتفق قوم على النطق بهذه الغلطة بحيث إنهم يطلبون بها الدلالة على حل
____________________
(1/471)
الاستمتاع وتصدر عن قصد واختيار منها ففيه قول بانعقاد النكاح بها حتى أفتى به بعض المتأخرين وأما صدورها لا عن قصد إلى وضع جديد فلا اعتبار به لأن استعمال اللفظ في الموضوع له أو غيره طلب دلالته عليه وإرادته فبمجرد الذكر لا يكون الاستعمال صحيحا فلا يكون وضعا جديدا كما في التويج وعلى هذا ينعقد باللغة الأعجمية لأنها تصدر عمن تكلم بها عن قصد صحيح واستعمال رجيح بخلاف لفظ تجوزت فإنه يصدر لا عن قصد صحيح بل عن تحريف وتصحيف فلا يكون حقيقة ولا مجازا ووصية أي لا ينعقد بلفظ وصية وقد مر تفصيله
وشرط لصحة النكاح سماع كل من العاقدين سواء كانا زوجين أو غيرهما لكن يشكل الإطلاق بنكاح الفضولي وبما إذا ذكر الزوج اسم امرأة غائبة كما في القهستاني لكن فيه ما فيه تدبر
لفظ الآخر حقيقة أو حكما كما إذا كتب رجل وأشهد جماعة فأوصلوا الكتاب إلى امرأة فقرأته عندهم فقبلت عندهم ذلك التزويج ينعقد النكاح عند أبي يوسف لأن الكتاب كالخطاب خلافا لهما وهل يشترط تمييز الرجل من المرأة وقت العقد حكوا فيه اختلافا
وفي البحر في صغيرين قال أب أحدهما زوجت بنتي هذه من ابنك هذا وقبل ثم ظهرت الجارية غلاما والغلام جارية جاز ذلك وقال العتابي لا يجوز ولا يشترط معرفة الشاهدين للمرأة ولا رؤية وجهها فلو سمعا صوتها من بيت لم يكن فيه غيرها جاز وإلا فلا وكذا لو كانت متنقبة جاز وهو المختار والاحتياط حينئذ أن تكشف وجهها أو يذكر أبوها وجدها وتنسب إلى المحلة إلا إذا كانت معروفة عند الشهود وعلم الشهود أنه أراد تلك المرأة لا غير
وقال الخصاف لو غابت جاز بذكر الاسم بلا معرفتهما هو المختار ولو كان لها اسمان اسم في صغرها وآخر في كبرها تزوج بالأخير لأنها صارت معروفة به
وفي الظهيرية والأصح أن يجمع بين الاسمين ولو كانت له بنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك بنتي فاطمة وهو يريد عائشة لا ينعقد إذا لم يشر إليها وقيل ينعقد على فاطمة ولو قال بنتي فاطمة الكبرى قالوا يجب أن لا ينعقد على إحداهما كما في الفتح
و شرط أيضا حضور شاهدين فلو تزوج امرأة بشهادة الله تعالى ورسوله لا يجوز النكاح وعن قاسم الصفار وهو كفر محض لأنه اعتقد أن رسول الله عليه السلام يعلم الغيب وهذا كفر
وفي التتارخانية إنه لا يكفر لأن بعض الأشياء يعرض على روحه عليه الصلاة والسلام فيعرف ببعض الغيب قال الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من
____________________
(1/472)
ارتضى من رسول حرين عند العقد فلا يصح عند القنين والمكاتبين والمدبرين أو حر وحرتين خلافا للشافعي مكلفين على لفظ المثنى المذكر لأن الحرتين في حكم الحر فيصح عند سكرانين يعرفان النكاح وإن لم يذكرا عند الصحو لأنه نكاح بحضور الشاهدين ولا يصح عند صبيين ومجنونين ولا عند مراهقين كما في الينابيع
وقال أهل المدينة يجوز النكاح بغير شهود إذا أعلنوا ولو بحضور المجانين والصبيان وهو مذهب مالك والحجة عليهم قوله عليه الصلاة والسلام لا نكاح إلا بشهود فيجب أن لا ينعقد بلا شهود تدبر
مسلمين إن كانت الزوجة مسلمة إذ لا شهادة للكافر على المسلم وفيه إشعار بأن النكاح بين الذميين ينعقد بلا شهود كما قالوا لكن فيه كلام لأن أبا يوسف ومحمدا يلزمانهم أحكامنا في المعاملات فيجب أن لا ينعقد بلا شهود عندهما تدبر
سامعين معا لفظهما أي لفظ المتعاقدين فلا يصح إن سمعا متفرقين بأن يسمع أحدهما أولا والآخر آخرا والمجلس متحد لم يجز كما في أكثر الكتب وجاز عند بعضهم وعن أبي يوسف فيه روايتان
ولو كان العقد في مجلسين لم يجز بالاتفاق وفيه إشارة إلى رد ما قيل ينعقد بحضرة النائمين وإن صحح فهو ضعيف والمختار عدم الانعقاد إذا لم يسمعا كلامهما كما لا ينعقد بحضرة الأصمين على الصحيح كما في أكثر المعتبرات حتى لو كان أحد الشاهدين أصم فسمع الآخر ثم خرج وأسمع صاحبه لم يجز وكذا لا ينعقد عن الأخرسين إلا إذا كانا سامعين
وقال الإمام السعدي ينعقد لأن عنده الشرط حضرة الشاهدين دون السماع وإلى أنه لا يشترط فهم المعنى كذا ذكره البقالي
وفي الخلاصة إذا تزوج امرأة بالعربية والزوج والمرأة يحسنان العربية والشهود لا يعرفون العربية الأصح أنه ينعقد وفي النصاب وعليه الفتوى لكن الظاهر أنه يشترط فهم الشهود أنه نكاح وكان هو المذهب كما في الذخيرة
وفي التبيين ولو عقد بحضرة الهنديين ولم يفهما كلامهما لم يجز
وفي الجوهرة هو الصحيح وجاز كونهما فاسقين أو محدودين في قذف بلا توبة لأهليتهما تحملا لا أداء خلافا للشافعي رحمه الله
____________________
(1/473)
والأصل عندنا أن كل من ملك قبول النكاح لنفسه ينعقد النكاح بحضوره فيدخل فيه الفاسق والمحدود ويخرج الصبي والمجنون والعبد أو أعميين وللشافعي في أعميين وجهان في وجه تقبل وفي وجه لا أو ابني العاقدين وهذا ظاهر الرواية
وفي الخانية نقل عن المنتقى أنه لا يصح أو ابني أحدهما لوجود أهلية التحمل ولا يظهر ثبوت العقد عند الحكام بشهادتهما عند دعوى القريب وإنكار أحد المتعاقدين لنفع القريب فإن كان الابنان منهما لا تقبل لهما وإن كانا من أحدهما لا تقبل له وتقبل عليه ولو ترك لكان أولى لأنها مسألة الشهادة قد ذكرت في موضعها فلا يخلو عن تكرار
وصح تزوج مسلم ذمية كتابية عن ذميين كتابيين عند الشيخين لأن الشهادة شرطت في النكاح لأجل ملك المتعة لا لأجل المهر خلافا لمحمد وهو قول زفر لأنها شهادة الكافر على المسلم ولا يظهر بشهادتهما أي الذميين إن ادعت الذمية وجحد المسلم وبالعكس يظهر
ومن أمر رجلا أن يزوج صغيرته فزوجها عند رجل أو امرأتين ولو كان المأمور امرأة شرط حضور رجل وامرأة أخرى إن كان الأب حاضرا لأنه إذا كان حاضرا انتقل عبارة الوكيل إلى الأب فصار كأنه عاقد والوكيل مع ذلك الرجل شاهدان وهو المعتمد كما في المنح
وفي النهاية خلافه وهو إمكان جعل الأب شاهدا من غير نقل عبارة الوكيل إليه
وفي البحر ولم أر من نبه على ثمرة هذا الاختلاف لكن في المنح تفصيل فليراجع وإلا أي وإن لم يكن الأب حاضرا لا يصح لأنه لم يكن أن يجعل مباشرا لاختلاف المجلس
____________________
(1/474)
وكذا يصح العقد لو زوج الأب بالغة عند رجل واحد إن حضرت البالغة صح لأنه إذا حضرت صارت كأنها عاقدة والأب وذلك الرجل شاهدان وإلا فلا يصح وكذا المولى إذا زوج عبده امرأة بحضرة شاهد عند حضور العبد بخلاف ما إذا كان غائبا أو غير عاقل لأنه ليس بشاهد ولو أذن له بالتزوج وهو حاضر قيل ليس بشاهد لأنه وكيل من جهته فكأنه المزوج والصواب أنه شاهد إذ الإذن له ليس بوكالة بل فك حجر كما في الذخيرة ثم إذا وقع التجاحد بين الزوجين في هذه المسائل فللمباشر أن يشهد وتقبل شهادته إذا لم يذكر أنه عقده بل قال هذه امرأته بعقد صحيح ونحوه ولو بين لا تقبل شهادته على فعل نفسه
وفي الفتاوى بعث أقواما للخطبة فزوجها الأب بحضرتهم فالصحيح الصحة وعليه الفتوى لأنه لا ضرورة في جعل الكل خاطبين فيجعل المتكلم خاطبا فقط والباقي شهودا كما في الفتح لكن في الخلاصة المختار عدم الجواز
باب المحرمات لما كانت المحللة شرطا من شرائط النكاح احتاج أن يبين المحرمات في فصل على حدة ليمتاز بمعرفتها المحللات لأن المحرمات يمكن حصرهن ويلزم منه أن يكون ما عداه يحل
____________________
(1/475)
وأسباب حرمتهن تتنوع إلى تسعة أنواع القرابة والمصاهرة والرضاع والجمع وتقديم الحرة على الأمة وقيام حق الغير من نكاح أو عدة والشرك وملك اليمين والطلاق الثلاثة وسيأتي ذلك في المتن مفصلا يحرم على الرجل أمه وجدته وإن علت فاسدة كانت أو صحيحة وبنته وبنت ولده ذكرا أو أنثى وإن سفلت لقوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم فثبتت حرمة الجدات والبنات بالنص لأن الأم الأصل في اللغة والبنت هي الفرع ومنه يقال لمكة أم القرى وقال الله تعالى هن أم الكتاب إلا أن الأوهام تتصرف إلى الأقرب المعروف فعلى هذا يتناول النص الجدات والبنات حقيقة فيكون الاسم من قبيل المشكك أو بالإجماع واقتصر صاحب الهداية في حرمة بنات الأولاد على الإجماع لأن عنده لم يثبت إطلاق لفظ البنت على الفرع حقيقة أو بدلالة النص أو بعموم المجاز واختلف الأصوليون في إضافة التحريم إلى الأعيان فقيل مجاز من إطلاق اسم المحل على الحال ورجحوا كونه حقيقة على أن يكون من قبيل حذف المضاف أي نكاح أمه والحرمة تجوز أن تفسر بالبطلان والفساد لأنه لا فرق بينهما في باب النكاح كما في أكثر المعتبرات فما في العمادي أنهم اختلفوا في نكاح المحارم أنه باطل وفاسد لا يخلو عن إشكال
و يحرم أخته لأب وأم أو لأحدهما لقوله تعالى وأخواتكم وبنتها لقوله تعالى وبنات الأخت وابنة أخيه لأب وأم أو لأحدهما لقوله تعالى وبنات الأخ
وإن سفلن لعموم المجاز أو دلالة النص أو الإجماع كما بيناه وعمته وخالته لأب وأم أو لأحدهما لقوله تعالى وعماتكم وخالاتكم
____________________
(1/476)
وتدخل في العمات والخالات أولاد الأجداد والجدات وإن علوا وكذا عمة جده وخالته وعمة جدته وخالتها
وفي الخانية أن عمة العمة لا تحرم إن كانت عمته أختا لأبيه من الأم لأنها أجنبية منه وكذا الخالة لأب لا تحرم خالتها كبنات العم والعمة والخال والخالة وأم امرأته حرام مطلقا أي لم يقيد بشرط الدخول بالمرأة بل تحرم بنفس العقد الصحيح لقوله تعالى وأمهات نسائكم وتدخل في الأمهات جداتها من قبل أبيها أو أمها وإن علون فمن قيده بشرط الدخول فقد غير النص بلا دليل ولا يقال أن الكلمات المعطوفة بعضها على بعض إذا ذكر في آخرها شرط ينصرف إلى جميع ما تقدم وقد شرط الدخول في المعطوف في هذه الآية وهي وربائبكم لأنا نقول ما ذكر في المعطوف ليس شرطا لأن الشرط اسم المعدوم على خطر الوجود بل وصفها بصفة متحققة في الحال وهي أن تكون من نساء دخل بهن فيكون هذا تحريم شخص موصوف بصفة معطوفا على شخص غير موصوف بصفة وعطف الموصوف على غير الموصوف لا يقتضي ذكر الصفة في غير الموصوف وهذا ظاهر على أن الشرط إنما يعود إلى الجميع إذا أمكن ولم يمكن لأنه يؤدي إلى أن يصير الشيء الواحد معمولا بعاملين وذا لا يجوز وبنت امرأة دخل بها فإن لم يدخل حتى حرمت عليه حل له تزوج الربيب لقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم والدخول كناية عن الجماع وذكر الحجر في الآية أخرج مخرج العادة لا لتعلق الحكم به وتدخل في الربيبة بناتها وبنات أبنائها وإن سفلن وامرأة أبيه وإن علا أي امرأة أجداده لقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم دخل بها أو لم يدخل
وفي الشمني ولو اشترى جارية من ميراث أبيه لا يسعه أن يطأها حتى يعلم أن الأب وطئها ولو كان لرجل جارية وقال قد وطئتها لا يحل لابنه وطؤها ولو كانت في غير ملكه يحل إلا أن يصدق أباه
و امرأة ابنه وإن سفل دخل بها أو لم يدخل لقوله تعالى وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وذكر الأصلاب لإخراج ابن المتبنى فإن حليلته لا تحرم لا لإحلال حليلة الابن من الرضاع لأنها حرام
و يحرم الكل أي كل هذه المذكورات رضاعا فيكون
____________________
(1/477)
مفعولا له وفيه إشكال لأنه يحل أخت ولده وأم أخيه وأخته وجدة ولده رضاعا ويحرم نسبا كما في القهستاني فينبغي أن يستثنى لكن بعض المحققين قالوا لا حاجة إلى الاستثناء لأن المعنى الذي لأجله حرم في النسب لم يكن موجودا فيه ويحرم فرع المزنية رضاعا وكذا فرع الممسوسة والمسة والمنظور إلى فرجها الداخل بشهوة وأصلهن رضاعا
و يحرم الجمع بين الأختين ولو رضاعا نكاحا أي من جهة النكاح ويجوز نصبه على الظرفية لقوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين ولو في عدة من بائن لقيام النكاح بقيام حقوقه أو رجعي لأن قيام الحقوق فيه أظهر فيكون بالطريق الأولى ولو اقتصر بالأول لكان أخصر هذا في البينونة أما لو ماتت المرأة فتزوج بأختها بعد يوم جاز وكذا لو كان له أربع نسوة ماتت إحداهن فتزوج الخامسة بعد يوم جاز أو وطئا احترازا عن الجمع بملك يمين بدون الوطء بملك يمين سواء كانتا مملوكتين أو أحدهما منكوحة لعموم آية الجمع فلو تزوج بنكاح صحيح تفريع لما قبله أخت أمته التي وطئها صح النكاح
____________________
(1/478)
لصدور ركن التصرف من الأهل مضافا إلى المحل لكن لا يطأ واحدة منهما حتى يحرم بالتخفيف المرأة الأخرى فإن كانت منكوحة فحرمتها بالطلاق أو الخلع أو الردة مع انقضاء العدة وإن مملوكة فحرمتها بالشراء كلا أو بعضا أو بالإعتاق أو التزويج أو الكتابة مع الاستبراء وعند الأئمة الثلاثة تحل المنكوحة قبل تحريم الموقوفة لأن حرمة وطئها قد ثبتت بمجرد العقد فلا حاجة إلى اشتراط حق التحريم
ولو تزوج أختين في عقدين متعاقبين إذ لو كانا في عقد واحد أو بعقدين معا بطلا يقينا ولم تستحق واحدة منهما شيئا من المهر إلا من وطئها فلها الأقل من المسمى من مهر المثل وعليها العدة ولم تعلم الأولى لأنه لو علمت فالعقد الأول جائز والثاني فاسد فرق أي فرق القاضي والظاهر أنه طلاق حتى ينقص العدد كما في الفتح بينه وبينهما لأنه لا وجه إلى التعيين لعدم الأولية ولا للتصحيح في إحداهما لا بينهما لعدم الفائدة التي هي حل القربان للزوج لعدم ثبوته مع الجهالة وللضرر في حقهما لأن كلا منهما تبقى معلقة لا ذات زوج ولا مطلقة فتعين التفريق
وفي الدراية لو زنى بإحدى الأختين لا يقرب الأخرى حتى تحيض الأخرى بحيضة ولهما أي للأختين نصف مهر إن كان مهراهما متساويين وهو مسمى في العقد ولو كانا مختلفين يقضى لكل واحدة منهما بربع مهرهما وإن لم يكن مسمى فالواجب متعة واحدة لهما بدلا عن نصف المهر هذا إذا كانت الفرقة قبل الدخول وادعت كل واحدة منهما أنها الأولى ولا بينة لهما أما إذا قالت لا ندري أي النكاحين أول فلا شيء لهما ما لم يصطلحا على أخذ نصف المهر لأن الحق وجب لمجهولة فلا بد من الدعوى والاصطلاح ليقضى بهما وأما إذا برهنت كل واحدة على السبق فعليه نصف المهر بينهما بالاتفاق وعن أبي يوسف أنه لا شيء عليه لتعذر القضاء لجهالة المقضي له وعن محمد أنه يجب عليه مهر تام بينهما لأنه مقر بصحة نكاح إحداهما والنكاح الصحيح يوجب كمال المهر كما في الكافي لكن النكاح الصحيح إنما يوجب كمال المهر إذا دخل بها أو مات قبل التفريق والكلام فيما قبل الدخول ولذا وجب نصف المهر بينهما إذ كمال المهر في صورة الاصطلاح أو في صورة
____________________
(1/479)
ادعاء الأولية بلا بينة فالأولى أن يعلل بأن كل واحدة منهما لما برهنت واستحقت نصف المهر لزم كمال المهر بينهما نصفين
و يحرم الجمع بين امرأتين لو فرضت إحداهما ذكرا تحرم عليه الأخرى سواء كانت لنسب أو رضاع فلا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو بنت أختها أو بنت أخيها ولا بين امرأتين كل منهما عمة للأخرى ولا بين امرأتين كل منهما خالة للأخرى لقوله عليه الصلاة والسلام لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها وهذا الحديث يصلح مخصصا لعموم الكتاب وهو قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم لأن هذه الآية مخصوصة بالبنت والعمة من الرضاع وبالمشركة فيجوز تخصيصها بخبر الواحد مع أنه مشهور
وفي البحر والمراد بالحرمة المؤبدة أما المؤقتة فلا تمنع ولذا لو تزوج أمة ثم لو تزوج سيدتها جاز لأنها حرمة مؤقتة بزوال ملك اليمين وقيل لا يجوز تزوج السيدة عليها نظرا إلى مطلق الحرمة بخلاف الجمع بين امرأة وبنت زوجها فإنه يجوز لأنه لو فرضت المرأة ذكرا جاز له أن يتزوج بنت الزوج لأنها بنت رجل أجنبي أما لو فرضت بنت زوج ذكرا كان ابن الزوج فلم يجز له أن يتزوج بها لأنها موطوءة أبيه لا منها
وقال الباقاني نقلا عن البهنسي لا فائدة فيه إذ بنت الزوج لا تكون منها بل يوهم جواز الجمع إن كانت منها انتهى لكن في الإبهام بحث لأن المصنف قد ذكر حرمة الجمع بين امرأة وبنتها آنفا والمفهوم لا يعارض المنطوق تدبر
ولم يذكره على صيغة الحصر كما في الخانية لأنه يجوز الجمع بين المرأة وامرأة ابنها فإن المرأة لو فرضت ذكرا لحرم عليه التزوج
____________________
(1/480)
بامرأة ابنه ولو فرضت امرأة الابن ذكرا لجاز لأنه أجنبي عنها كما إذا جمع بين ابنتي العمين أو العمتين أو الخالين أو الخالتين قالوا ولا بأس بأن يتزوج الرجل امرأة ويتزوج ابنه أمها أو بنتها
والزنا يوجب حرمة المصاهرة حتى لو زنى بامرأة حرمت عليه أصولها وفروعها وحرمت المزنية على أصوله وفروعه ولا تحرم أصولها وفروعها على ابن الواطئ وأبيه كما في المحيط للسرخسي وعند الشافعي لا يوجبها لأن المصاهرة نعمة فلا تنال بحرام
وعن مالك روايتان لنا عموم قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ولأن كل تحريم تعلق بالوطء الحلال تعلق بالوطء الحرام ولأنه استمتاع كالحلال وفيه رمز إلى أنه لو أتاها في دبرها لم يحرم عليه فروعها على الصحيح كما في أكثر المعتبرات لكن هذا ليس بإطلاقه بل لو أتاها في دبرها فأنزل أما إذا لم ينزل فتثبت حرمة المصاهرة بالإجماع لأن اللمس بشهوة يوجبها إذا لم ينزل فالإتيان في دبرها يوجبها بطريق الأولى مع عدم الإنزال فعلى هذا لو وطئها فأفضاها لم تحرم عليه أمها لعدم تيقن كونه في الفرج إلا إذا حبلت وعلم كونه منه وعن أبي يوسف كره له الأم والبنت
وقال محمد التنزه أحب إلي وعند بعضهم يوجبها مطلقا وبه أفتى شيخ الإسلام الأوزجندي
وكذا يوجبها المس ولو بحائل ووجد حرارة الممسوس سواء كان عمدا أو سهوا أو خطأ أو كرها حتى لو أيقظ زوجته ليجامعها فوصلت يده ابنته منها فقرصها بشهوة وهي ممن تشتهى لظن أنها أمها حرمت عليه الأم حرمة مؤبدة ولك أن تصورها من جانبها بأن أيقظته هي كذلك فقرصت ابنه من غيرها وفي مس الشعر روايتان ويشترط كونها مشتهاة حالا أو ماضيا فتثبت بمس العجوز بشهوة ولا تثبت بمس صغيرة لا تشتهى خلافا لأبي يوسف والمس شامل للتفخيذ والتقبيل والمعانقة لكن ثبوت الحرمة بالمس مشروط بأن يصدقها الرجل أنه بشهوة فإنه لو كذبها وأكبر رأيه أنه بغير شهوة لم تحرم وفي التقبيل والمعانقة حرمت ما لم يظهر عدم الشهوة كما في حالة الخصومة ويستوي فيها أن يقبل الفم أو الذقن أو الخد أو الرأس وقيل إن قبل الفم يفتى بها وإن ادعى أنه بلا شهوة وإن قبل غيره لا يفتى بها إلا إذا ثبتت الشهوة بشهوة فلو مس بغير شهوة ثم اشتهى عن ذلك المس لا تحرم عليه وما ذكر في حد الشهوة من أن الصحيح أن تنتشر الآلة أو تزداد انتشارا كما في الهداية وغيرها
وفي الخلاصة وبه يفتى فكان هو المذهب وكثير من المشايخ لم يشترطوا سوى أن يميل إليها بالقلب ويشتهي أن يعانقها
وفي الغاية وعليه الاعتماد وفائدة الاختلاف تظهر في
____________________
(1/481)
الشيخ والعنين والذي ماتت شهوته فعلى الأول لا يثبت وعلى الثاني تثبت كما في الذخيرة هذا في حق الرجال وأما في حق النساء فالاشتهاء بالقلب من أحد الجانبين وفي المضمرات أن شهوة أحدهما كافية إذا كان الآخر محل الشهوة فلا يشترط أن يكونا بالغين
و كذا يوجبها نظره إلى فرجها الداخل وهو المدور وعليه الفتوى كما في أكثر المعتبرات ولو من زجاج أو ماء هي فيه بخلاف النظر إلى عكسه في المرآة والماء وقيل إلى الخارج وهو الطويل وقيل إلى العانة وهي منابت الشعر وقيل إلى الشق
وفي النظم وعليه الفتوى هذا كله إذا كانت متكئة وأما إذا كانت قاعدة مستوية أو قائمة فلم تثبت الحرمة على الصحيح و كذا يوجبها نظرها إلى ذكره بشهوة متعلق بالنظر
وقال الشافعي لا يوجبها لأن المس والنظر ليسا في معنى الدخول ولهذا لا يتعلق بهما فساد الصوم والإحرام ووجوب الاغتسال فلا يلحقان به ولنا أنهما داعيان إلى الوطء فيقومان مقامه في حق الحرمة احتياطا وما أي صغيرة دون تسع سنين غير مشتهاة وبه يفتى أما بنت تسع سنين فقد تكون مشتهاة وقد لا تكون
وقال أبو بكر محمد بن الفضل مشتهاة من غير تفصيل كما في الشمني وعليه الفتوى كما في القهستاني وبنت خمس غير مشتهاة من غير تفصيل وبنت ثمان أو سبع أو ست إن كانت ضخمة مشتهاة وإلا فلا واعلم أن حرمة المصاهرة تثبت بالإقرار وإن كان بطريق الهزل في المختار ولا يصدق في تكذيب نفسه
ولو أنزل مع المس أو النظر لا تثبت الحرمة لأنه تبين بإنزاله أنه غير داع إلى الوطء الذي هو سبب الجزئية و هو الصحيح احترازا عما قيل تثبت لأن بمجرد المس بشهوة تثبت الحرمة والإنزال لا يوجب رفعها بعد الثبوت والمختار أن لا تثبت بناء على أن الأمر موقوف حال المس إلى ظهور عاقبته إن ظهر أنه لم ينزل حرمت وإلا فلا كما في الفتح
وصح نكاح الكتابية حرة أو أمة إسرائيلية أو غيرها ذمية أو حربية إلا أنه لو نكح حربية في دار الحرب كره فقيل إنما كره إذا قصد التوطن بها وقيل إذا قصد الوطء وقيل إذا قصد استيلادها لقوله
____________________
(1/482)
تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب
وفي المستصفى وقال أهل التأويل في قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم أي ذبائحهم حل لكم ولأن الطعام عام فيتناول الكل قالوا هذا يعني الحل إذا لم يعتقد المسيح إلها أما إذا اعتقده فلا انتهى
وفي مبسوط شيخ الإسلام ويجب أن لا يأكلوا ذبائح أهل الكتاب إذا اعتقدوا أن المسيح إله وأن عزيرا إله ولا يتزوجوا نساءهم وقيل عليه الفتوى لكن بالنظر إلى الدلائل ينبغي أن يجوز الأكل والتزوج والأولى أن لا يفعل ولا يأكل ذبيحتهم إلا للضرورة كما في الفتح فعلى هذا يلزم على الحكام في ديارنا أن يمنعوهم من الذبح لأن النصارى في زماننا يصرحون بالأبنية قبحهم الله تعالى وعدم الضرورة متحقق والاحتياط واجب لأن في حل ذبيحتهم اختلاف العلماء كما بيناه فالأخذ بجانب الحرمة أولى عند عدم الضرورة
و صح نكاح الصابئية المؤمنة بنبي الصابئية من صبأ إذا خرج من الدين ثم الوصف للتوضيح والتفسير على مذهب الإمام لا للتقييد المقرة بكتاب صفة كاشفة للصابئية واختلف في تفسيرها فمن قال هم قوم من النصارى يقرءون بكتاب ويعظمون الكواكب كتعظيم المسلمين الكعبة فلا خلاف في صحة النكاح ومن قال هم قوم يعبدونها كعبادة الأوثان فلا خلاف في عدم صحته وما نقل من الخلاف بين الإمام وبينهما مبني على القولين ثم كل من يعتقد دينا سماويا وله كتاب منزل كصحف إبراهيم وشيث وزبور داود عليهم الصلاة والسلام فهو من أهل الكتاب فيجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم ما لم يشركوا خلافا للشافعي
لا يصح نكاح عابدة كوكب ولا وطؤها بملك يمين لأنها مشركة وصح نكاح
____________________
(1/483)
المحرم والمحرمة بالحج والعمرة خلافا للشافعي
و صح نكاح الأمة المسلمة والكتابية للحر إذا لم تكن تحته حرة لإطلاق قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وقوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم وقوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم ولو كان مع طول الحرة أي مع القدرة على مهرها ونفقتها وللشافعي خلاف في الأمة الكتابية بناء على مفهوم الوصف وفي الأمة المسلمة عند دخول الحرة بناء على مفهوم الشرط وكلا المفهومين ليس بحجة عندنا على أن اللازم على تقدير حجته المفهوم عدم إباحة نكاحها فيجوز أن يكون ذلك لكراهته لا لعدم صحته ونحن لا ننازع فيها كما في الإصلاح
وفي المبسوط الأولى أن لا يفعله
و صح نكاح الحرة على الأمة لقوله عليه الصلاة والسلام وتنكح الحرة على الأمة
و صح نكاح أربع نسوة فقط للحر من حرائر وإماء أو منهما بشرط تأخير الحرة لقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع والاقتصار على الأربع في موضع الحاجة إلى البيان يدل على أنه لا تجوز الزيادة عليه هذا رد على من أجاز تسعا من الحرائر أو ثماني عشرة هذا بحث طويل فليطلب من شروح الهداية وغيرها وأما الجواري فله ما شاء منهن حتى قال في الفتاوى رجل له أربع نسوة وألف جارية وأراد أن يشتري جارية أخرى فلامه رجل يخاف عليه الكفر وقالوا إذا ترك أن يتزوج كي لا
____________________
(1/484)
يدخل الغم على زوجته التي كانت عنده كان مأجورا
وللعبد قنا أو مدبرا أو مكاتبا أو ابن أم الولد ثنتان خلافا لمالك فإنه في حق النكاح بمنزلة الحرة عنده وفيه إشارة إلى أنه لا يحل له التسري ولا أن يسريه مولاه لأنه لا يملك شيئا إلا الطلاق
و صح نكاح حبلى من زنا عند الطرفين وعليه الفتوى لدخولها تحت النص وفيه إشعار بأنه لو نكح الزاني فإنه جائز بالإجماع خلافا لأبي يوسف قياسا على الحبلى من غيره ولا توطأ الحبلى من الزنا أي يحرم الوطء وكذا دواعيه ولا تجب النفقة حتى تضع الحمل اتفاقا لقوله عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره يعني إتيان الحبالى خلافا للشافعي
وفي الفوائد عن النوازل أنه يحل الوطء عند الكل وتستحق النفقة كما في النهاية
و صح نكاح موطوءة سيدها أي أمة وطئها سيدها لأنه ليست بفراش لمولاها فإنها لو جاءت بولد لا يثبت نسبه من غير دعوة فلا يلزم الجمع بين الفراشين فللزوج أن يطأها قبل استبرائها عند الشيخين لكن على المولى أن يستبرئها صيانة لمائه
وقال محمد لا أحب أن يطأها حتى يستبرئها واختاره أبو الليث ولو قال وموطوءة السيد لكان أولى أو موطوءة زان بأن رأى امرأة تزني فتزوجها جاز وللزوج أن يطأها بغير استبراء على الخلاف المذكور أما قوله تعالى الزانية لا ينكحها إلا زان فمنسوخ بقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم أو المراد بالنكاح فيه الوطء يعني الزانية لا يطؤها إلا زان في حالة الزنا وما في شرح الوهبانية من أنه لو زنت زوجته لا يقربها زوجها حتى تحيض لاحتمال علوقها فضعيف تأمل
ولو تزوج امرأتين بعقد واحد وإحداهما محرمة صح نكاح
____________________
(1/485)
الأخرى وبطل نكاح المحرمة
و المهر المسمى كله لها أي التي صح نكاحها عند الإمام لأنه ضم ما لا يحل في النكاح إلى ما يحل كضم الجدار
وفي التسهيل يشكل مذهب الإمام بمن جمع في البيع قنه ومدبره حيث صح في قنه بحصته لا بكل الثمن ولا يجاب بأن المدبر دخل في العقد فاعتبر بالحصة بخلاف المحرم فإنها لم تدخل أصلا فلم يعتبر لها الحصة لأنا نقول على هذا ينبغي أن يصح البيع بكل الثمن عند الإمام إذا جمع بينه وبين حر لأن الحر لا يدخل في المبيع أصلا فلا حصة له ولا جهالة مع أنه لا يصح عنده أصلا انتهى وفيه كلام لأن البيع يفسد بالشروط الفاسدة بخلاف النكاح فقبول المحرمة شرط فاسد غير مفسد وأما قبول الحر فشرط فاسد ومفسد فلا يصح البيع فضلا عن أن يكون بكل الثمن تدبر
وعندهما والشافعي يقسم على مهر مثلهما فما أصاب التي صح نكاحها لزمه وما أصاب الأخرى سقط عنه
وفي الزيادات ولو دخل بالتي لا تحل له يلزمه مهر مثلها ولا حد عليه مع العلم بالحرمة عند الإمام
ولا يصح تزوج أمته أي لا يترتب عليه ما يترتب على النكاح من وجوب المهر وبقاء النكاح بعد الإعتاق ووقوع الطلاق وغيرها فيصح تزوجها متنزها عن وطئها حراما لاحتمال كونها حرة أو معتقة الغير أو محلوفا عليها بعتقها وقد حنث الحالف ولهذا كان الإمام الشدادي يفعل ذلك كما في القهستاني أو سيدته لأنه لو صح لكان المملوك المحض مالكا لها وبينهما منافاة وهذا باطل بالإجماع أو مجوسية أو وثنية والأولى بالواو
____________________
(1/486)
فيهما أي ولا يصح تزوج مجوسية أو وثنية بالإجماع لأن من يعتقد أن النار أو الوثن إله يكون مشركا وقد قال الله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن والنص عام يدخل تحته جميع المشركات حتى المعطلة والزنادقة والباطنية والإباحية وكل مذهب يكفر به معتقده لأن اسم المشرك يتناولهم جميعا وكذا لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال لأنه كافر عندنا لكن الحق عدم تكفير أهل القبلة وإن وقع إلزاما في المباحث بخلاف من خالف القواطع المعلومة بالضرورة كونها من الدين مثل القائل بقدم العالم ونفي العلم بالجزئيات على ما صرح به المحققون وكذا القول بالإيجاب ونفي الاختيار كما في الفتح وكذا لا تجوز بين بني آدم وإنسان الماء والجن كما في السراجية وعن البصري ويجوز تزوج الجنية بشهادة الرجلين كما في القنية
ولا يصح تزوج خامسة في عدة رابعة أبانها وفيه خلاف الشافعي وكذا لا يصح تزوج ثالثة في عدة ثانية للعبد
ولا يصح تزوج أمة على حرة سواء كان حرا أو عبدا لقوله عليه السلام لا تنكح الأمة على الحرة وهو بإطلاقه حجة على مالك فإنه يجوزه برضاء الحرة وعلى الشافعي فإنه يجوزه إذا كان الزوج عبدا
وفي البحر ولا يجوز نكاح الأمة على الحرة ولا معها ويجوز نكاح الحرة على الأمة ومعها أو في عدتها يعني أن من أبان زوجته الحرة لا يحل له أن يتزوج في عدتها أمة عند الإمام لأن النكاح باق في العدة من وجه فالاحتياط المنع كما لم يجز نكاح أختها في عدتها خلافا لهما فيما إذا كانت عدة البائن لأن التزوج في عدتها ليس تزوجا عليها وقيد بالبائن لأن الرجعي يمنع اتفاقا
ولا يصح نكاح حامل من سبي وعن الإمام أنه يصح النكاح ولا توطأ حتى تضع حملها أو حامل ثبت نسب حملها بأن كانت مسبية أو مهاجرة ذات حمل من حربي أو مستولدة فعلى هذا لو اكتفى عليها لكان مستغن عن مقدمها ومؤخرها كما في الباقاني وغيره لكن في صحة المسألة الأولى رواية عن الإمام كما بيناه وقد صرحها احترازا عنها تدبر
ولو ثبت من سيدها يعني إن ادعى السيد حملها منه ثم زوجها من غيره وهي حامل فالنكاح باطل
ولا يصح نكاح المتعة والمؤقت الفرق بينهما أن يذكر في المؤقت لفظ في النكاح أو التزويج مع التوقيت
وفي الفتح أن معنى المتعة عقد على امرأة لا يراد به مقاصد عقد النكاح من القرار للولد وتربيته بل
____________________
(1/487)
إما إلى مدة معينة ينتهي العقد بانتهائها أو غير معينة بمعنى بقاء العقد ما دام معها إلى أن ينصرف عنها فيدخل فيه ما بمادة المتعة والنكاح المؤقت أيضا فيكون من أفراد المتعة وإن عقد بلفظ التزويج وأحضر الشهود انتهى
وقيده بالمؤقت لأنه لو تزوجها على أن يطلقها بعد شهر فإنه جائز لأن اشتراط القاطع يدل على انعقاده مؤبدا وبطل الشرط كما في القنية وعن الإمام إذا وقتا وقتا لا يعيشان إليه كمائة سنة أو أكثر يكون صحيحا كما في النهاية لكن الظاهر عدم الصحة وعنه لو قال أتزوجك متعة انعقد النكاح ولغا قوله متعة كما في الخانية
وفي البحر ولو تزوجها بنية أن يقعد معها مدة نواها فالنكاح صحيح لأن التوقيت إنما يكون بلفظ واعلم أن نكاح المتعة قد كان مباحا بين أيام خيبر وأيام فتح مكة إلا أنه صار منسوخا بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى لو قضي بجوازه لم يجز ولو أباحه صار كافرا كما في المضمرات لكن ليس فيه تعزير ولا حد ولا رجم كما في النتف فعلى هذا يلزم عدم ثبوت ما نقل من إباحته عند مالك ولا بأس بتزوج النهاريات وهو أن يتزوجها على أن يكون عندها نهارا دون الليل
باب الأولياء والأكفاء الولي من الولاية وهي تنفيذ الأمر على الغير والأكفاء جمع كفء وهو النظير والمساوي نفذ أي صح نكاح حرة احتراز عن الأمة لأن نكاحها موقوف على إذن مولاها كتوقف نكاح الصغيرة والمجنونة والمعتوهة على إذن المولى ولذا قال مكلفة بكرا كانت أو ثيبا بلا ولي أي ولو كان النكاح بلا إذن ولي وحضوره عند الشيخين في ظاهر الرواية لأنها تصرف في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة بالغة ولهذا كان لها التصرف في المال والأصل هنا أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه وكل من لا
____________________
(1/488)
يجوز لا وأطلقه فشمل الكفء وغيره وعند الأئمة الثلاثة لا ينعقد بعبارة النساء أصلا أصيلة كانت أو وكيلة إلا عند مالك في رواية لو كانت خسيسة لا شريفة صح بلا ولي والخلاف في إنشاء النكاح وأما إقرارها به فجائز اتفاقا كما في الحقائق وله أي لكل من الأولياء إذا لم يرض واحد منهم الاعتراض أي ولاية المرافعة إلى القاضي ليفسخ وليس هذا التفريق طلاقا حتى لا ينقص عدد الطلاق ولا يجب شيء من المهر قبل الدخول ولو بعده لها المسمى وكذا بعد الخلوة الصحيحة وعليها العدة ولها نفقة العدة ولا يثبت إلا بالقضاء لأنه مجتهد فيه والنكاح صحيح يتوارثان به إذا مات أحدهما قبل القضاء في غير الكفء دفعا لضرر العار فإن رضي واحد منهم ليس لمن في درجته أو أسفل اعتراض
هذا إذا لم تلد منه وأما إذا سكت حتى ولدت فليس له الاعتراض لئلا يضيع الولد كما في أكثر المعتبرات وقيل له الاعتراض وإن ولدت أولادا
وفي المحيط لو فارقته بعد رضى الولي بنكاحها ثم تزوجت منه بدون رضاه له الاعتراض لأن حق الفسخ يتجدد بتجدد النكاح وروى الحسن عن
____________________
(1/489)
الإمام وهو رواية عن أبي يوسف عدم جوازه أي عدم جواز نكاحها إذا زوجت نفسها بلا ولي في غير الكفء وبه أخذ كثير من مشايخنا لأن كم من واقع لا يرفع وعليه فتوى قاضي خان وهذا أصح وأحوط والمختار للفتوى في زماننا إذ ليس كل ولي يحسن المرافعة ولا كل قاض يعدل فسد هذا الباب أولى خصوصا إذا ورد أمر السلطان هكذا وأمر بأن يفتى به
وفي الفتح وغيره لو زوجت المطلقة ثلاثا نفسها بغير كفء ودخل بها لا تحل للأول قالوا ينبغي أن تحفظ هذه فإن المحلل في الغالب يكون غير كفء أما لو باشر الولي عقد المحلل فإنها تحل للأول هذا إذا كان لها ولي أما إذا لم يكن لها ولي فهو صحيح مطلقا اتفاقا كما في البحر وعند محمد ينعقد موقوفا على إجازة الولي
ولو وصلية من كفء ومعنى كونه موقوفا أنه لا يجوز وطؤها قبل الإجازة ولا يقع الطلاق ولا يتوارث أحدهما من الآخر ويروى رجوعه إلى قول الإمام ولهذا قال بعض الفضلاء والأولى أن يقول وعن محمد لكن في الغاية قال رجاء بن أبي رجاء سألت محمدا عن النكاح بغير ولي فقال لا يجوز قلت فإن لم يكن لها ولي قال ترفع أمرها إلى القاضي ليزوجها قلت فإن كان في موضع لا حاكم فيه قال يفعل ما قال سفيان قلت وما قال سفيان قال تولي أمرها رجلا ليزوجها انتهى
فيفهم منه عدم رجوعه فلهذا قال وعند محمد تدبر
ولا يجبر ولي بالغة على النكاح بل يجبر الصغيرة عندنا ولو ثيبا لأن ولاية الإجبار ثابتة على الصغيرة دون البالغة ولو بكرا وعند الشافعي ثابتة على البكر ولو بالغة دون الثيب ولو صغيرة ثم عندنا كل ولي فله ولاية الإجبار وعند الشافعي ليس إلا للأب والجد فإن استأذن الولي البكر البالغة فسكتت أي البكر البالغة أو ضحكت
____________________
(1/490)
بلا استهزاء فلو ضحكت مستهزئة لم يكن إذنا على ما قاله السرخسي وكذا التبسم إذن على الصحيح كما في النهاية وبكت بلا صوت فهو أي كل واحد منها إذن ومع الصوت رد وعليه الفتوى كما في أكثر الكتب ولا اعتبار للحرارة والبرودة والعذوبة والملوحة للدمع وقيل إن باردا إذن وإن حارا رد وقيل عذبا إذن وملحا رد وعن أبي يوسف فيه روايتان في رواية يكون رضى لأن البكاء قد يكون عن سرور وقد يكون عن حزن فلا يثبت بواحد منهما للمعارضة ويبقى مجرد السكوت وهو رضى
وفي رواية لا يكون رضى وهو قول محمد لأن البكاء غالبا يكون عن حزن والمعول في البكاء والضحك ظهور قرائن الأحوال الدالة على الرضا أو الرد كما في المطلب ولو اكتفى بلا صوت لكان أخصر وكذا يكون السكوت والضحك والبكاء بلا صوت رضى وإجازة
لو زوجها الولي بدون الاستئذان فبلغها الخبر أي خبر النكاح بعد التزوج لكن السنة أن يستأذن قبله
وفي البزازية وإن بلغها خبر النكاح فقالت لا أرضى ثم قالت رضيت لا يصح وعن هذا قال المشايخ المستحسن تجديد النكاح عند الزفاف لأن البكر عسى تظهر الرد عند السماع ثم لا يفيد رضاها وقال محمد بن مقاتل سكوتها عند بلوغ الخبر ليس بإجازة
وفي البدائع وعند أبي يوسف أن سكوتها بعد العقد رد وهو قول محمد ولو كان مبلغ الخبر فضوليا يشترط فيه العدد والعدالة عند الإمام خلافا لهما ولا يشترط ذلك في رسول الولي كما في الشمني
وفي البزازية وقبولها الهدية بعد التزويج لا يكون رضى وكذا كل طعامه والخدمة إن كانت تخدمه قبل ذلك وإلا فهي رضى وشرط فيهما أي في الاستئذان وبلوغ الخبر تسمية الزوج أي ذكره على وجه يقع به لها المعرفة حتى لو قال لها أريد أن أزوجك من رجل فسكتت لا يكون رضى أما لو قال من فلان أو فلان فسكتت فيكون رضى بواحد منهم ولو قال من جيراني أو بني عمي يكون رضى إن كانوا يحصون وإن كانوا لا يحصون فليس برضى ولو زوجها بحضرتها فسكتت اختلف فيه والأصح أنه رضى
ولو زوجها الولي من غير كفء فسكتت لم يكن رضى في قول محمد بن سلمة وهو قولهما قال أبو الليث وهو يوافق قولهما في الصغيرة
لا يشترط تسمية المهر هو الصحيح لأن تسميته ليس بشرط في النكاح فلا يشترط
____________________
(1/491)
في الاستئمار كما في أكثر المعتبرات
وفي شرح الوافي وقيل لا يصح بلا تسمية المهر لجواز كونها لا ترضى إلا بالزائد على مهر المثل بكمية خاصة وهو قول المتأخرين من مشايخنا كما في البحر والصحيح أنه إن كان المزوج أبا أو جدا فلا تشترط وإلا فتشترط لكن في الفتح كلام فليطالع
ولو استأذنها أي البكر البالغة غير الولي الأقرب أجنبيا أو وليا بعيدا كالجد غير الأب فلا بد من القول لأن سكوتها لقلة المبالاة بكلامه لا لرضاها به وذكر الكرخي أن سكوتها رضى لأنها تستحي منه أكثر من الأقرب والأول أصح
وكذا لا بد من القول أو ما يقوم مقامه كالتمكين من الجماع وطلب النفقة والمهر وغيرها لو استأذن الولي أو غيره الثيب الكبيرة لقوله عليه الصلاة والسلام الثيب تشاور ولأن الأصل في السكوت أن يكون رضى لكونه محتملا في نفسه وإنما أقيم مقام
____________________
(1/492)
الرضا في حق البكر لضرورة الحياء والثابت بالضرورة لا يعدو عن موضع الضرورة ولا ضرورة في الثيب لأنه قل الحياء فيها بالممارسة فلا يكتفى بسكوتها عند استئذانها وحين بلوغها العقد
ومن زالت بكارتها أي عذرتها وهي الجلدة التي على المحل وفي الظهيرية البكر اسم لامرأة لا تجامع بنكاح ولا غيره بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس من عنست الجارية إذا جاوزت وقت التزوج فلم تتزوج فهي بكر حقيقة أي حكمهن حكم الأبكار ولذا تدخل في الوصية لأبكار بني فلان لأن مصيبها أول مصيب لها منه الباكورة والبكرة لأول الثمار ولأول النهار ولا تكون عذراء
وقال بعض الشافعية هي في حكم الثيب لزوال عذرتها
وكذا لو زالت بكارتها بزنا خفي عند الإمام وفيه إشارة إلى أنها لو زنت ثم أقيم عليها الحد أو صار الزنا عادة لها أو جومعت بشبهة أو نكاح فاسد فحكمهن حكم الثيب ولو خلى بها زوجها ثم طلقها قبل الدخول بها أو فرق بينهما بعنة أو جب تزوج كالأبكار وإن وجبت عليها العدة لأنها بكر حقيقة والحياء فيها موجود كما في البحر خلافا لهما وهو قول الشافعي في الجديد لأنها ليست ببكر حقيقة لأن ما يصيبها ليس بأول مصيب لها ولذا لا تدخل في الوصية لأبكار بني فلان وله أن التفحص عن حقيقة البكارة قبيح فأدير الحكم على مظنتها وفي استنطاقها إظهار لفحاشتها وقد ندب الشارع الستر بخلاف ما إذا تكرر زناها لأنها لا تستحيي بعد ذلك عادة
ولو قال لها الزوج أي للبكر البالغة عند الدعوى سكت عند الاستئذان أو البلوغ وإنما قيدنا بالبالغة لأنها إذا كانت صغيرة وزوجها الولي ثم أدركت وادعت رد النكاح حين بلغت وكذبها الزوج كان القول قوله وقالت رددت ولا بينة له فالقول لها لأن القول للمنكر خلافا لزفر لتمسكه بالأصل وهو عدم الكلام أما لو قالت بلغني النكاح يوم كذا فرددت وقال الزوج لا بل سكت كان القول قوله
____________________
(1/493)
لأنه منكر للرد
وفي المنح بكر زوجها وليها فقالت بعد سنة إني قلت لا أرضى بالنكاح فالقول لها وتحلف عندهما وعند الثلاثة إن لم يقم الزوج البينة على سكوتها فإن أقام تقبل لأنها لم تقم على النفي بل على حالة وجودية في مجلس خاص يحاط بطرفيه أو هو نفي يحيط به علم الشاهد وإن أقاماها فبينتها أولى لإثبات الزيادة أعني الرد هذا إن ادعى السكوت أما لو ادعى إجازتها وأقاماها فبينته أولى لاستوائهما في الإثبات وزيادة بينته بإثبات اللزوم
وفي الخلاصة عن أدب القاضي للخصاف بينتها أولى فيحصل في هذه الصورة اختلاف المشايخ كما في الفتح
وقال تاج الشريعة وغيره إن السكوت أمر وجودي لأنه عبارة عن ضم شفة إلى شفة وهو أمر وجودي وعدم النطق من لوازمه انتهى
هذا مسلم إن كان السكوت عبارة عن الضم وليس كذلك بل هو عبارة عن عدم التكلم لأنه لو فتح ولم يضم ولم يتكلم يتحقق السكوت مع أنه ليس فيه الضم تدبر
لا تحلف عند الإمام والمختار للفتوى قولهما ولهذا قدمه فإن نكلت يقضى عليها بالنكول
وللولي خاصة وعند الشافعي ليس لغير الأب والجد إنكاحها وعند مالك ليس لغير الأب إنكاح المجنونة أي تزويجها والصغير والصغيرة
ولو كانت الصغيرة ثيبا خلافا للشافعي وقد مر التفصيل فيه فإن كان المزوج فيه بنفسه على الوجه المذكور وإنما قيدنا بنفسه لأنه لا يجوز توكيل الأب أن يزوج بنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها كما في القنية أبا أو جدا لزم العقد فليس لها خيار الفسخ بعد الإفاقة ولا لها بعد
____________________
(1/494)
البلوغ وإن كان المزوج غيرهما أي غير الأب والجد ولو إماما أو قاضيا على الصحيح وعليه الفتوى كما في الكافي فلهما الخيار إذا بلغا أو علما بالنكاح بعد البلوغ أي إن كان المزوج غيرهما فلكل واحد منهما خيار الفسخ سواء كانا عالمين قبل البلوغ بالعقد أو علما بعد البلوغ في أظهر الروايتين عند الإمام وهو قول محمد خلافا لأبي يوسف اعتبارا بالأب والجد
وفي الشمني وينبغي أن يكون للمعتوه والمعتوهة خيار في تزويج الابن إن أفاقا كالأب والجد لأنه مقدم على الأب في التزويج وسكوت البكر حين البلوغ والعلم بالنكاح رضى لأن سكوتها جعل رضى في ثبوت أصل النكاح فلأن يجعل في ثبوت وصف اللزوم أولى ولا يمتد خيارها أي البكر إلى آخر المجلس أي مجلس البلوغ أو العلم فاللام للعهد فخيارها على الفور حتى لو سلمت على الشهود أو سألت عن اسم الزوج والمهر بطل خيارها كما في أكثر الكتب لكن في الفتح خلافه وأظن أن ما في الفتح حق فليطالع قالوا ينبغي أن تطلب مع رؤية الدم فإن رأته ليلا تطلب بلسانها فتقول فسخت وتشهد بعد الصبح وقالت بلغت ساعة كذا واخترت نفسي وعن محمد لو قالت عند الشهود أو القاضي نقضت النكاح عند البلوغ قبل قولها مع الحلف
وفي الشمني وغيره لو اجتمع خيار البلوغ والشفعة تقول أطلب الحقين ثم تبتدئ في التفسير بخيار البلوغ ولو اختارت وأشهدت ولم تتقدم إلى القاضي شهرين فهي على خيارها
وإن وصلية جهلت أن لها الخيار لأن لها فرصة أن تتفرغ لمعرفة الأحكام والدار دار العلم فلم تعذر بالجهل وجهلها لأصل النكاح عذر لأن الولي ينفرد به بخلاف المعتقة قبل الدخول أو بعدها فإنه يلزمها الرضا بالقول أو الفعل لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفة الأحكام فتعذر بالجهل وخيار الغلام والثيب لا
____________________
(1/495)
يبطل بالسكوت اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح
و كذا لا يبطل لو قاما عن المجلس ما لم يرضيا صريحا كرضيت أو دلالة كإعطاء المهر وقبوله والتمكين وطلب النفقة دون أكل طعامه وخدمتها له والخلوة بلا مس
وشرط القضاء للفسخ في خيار البلوغ من صغير أو صغيرة فلا يبطل العقد ما لم يقض به القاضي لأن هذا العقد كان نافذا فلا يبطل بمجرد الرد ما لم يتأكد بالقضاء لأن خيار البلوغ مختلف فيه وسببه باطن وخفي وهو قصور شفقة الولي فكان الرد إبطالا لحق الآخر فلا يتفرد به وفيه إشارة إلى أنه لا يصح الفسخ بغيبة الزوج وإلا لزم القضاء على الغائب وكذا كل فرقة تحتاج إلى القضاء بخلاف خيار المخيرة فإنه لا احتياج فيه للقضاء لأنه طلاق لا يشترط في خيار العتق فإن المعتقة إذا اختارت الفرقة بخيار العتق يبطل النكاح ولا يتوقف على قضاء القاضي لأنه لدفع ضرر جلي وهو زيادة الملك عليها باستدامة النكاح ولهذا يختص بالأنثى ولا يشترط علم الزوج باختيارها لنفسها ولا حضوره وقيل لا يصح بلا حضوره فإن مات أحدهما قبل التفريق بالفسخ ورثه الآخر بلغا أو لا لأن النكاح صحيح والملك به ثابت فإذا مات أحدهما فقد انتهى النكاح سواء مات قبل البلوغ أو بعد البلوغ لأن الفرقة بينهما لا تقع إلا بقضاء القاضي فيتوارثان ويجب المهر كله وإن مات قبل الدخول كما في التبيين
وفي المحيط وإن مات أحدهما قبل التفريق ورثه الآخر لقيام الزوجية وهذه الفرقة بغير طلاق ولا مهر عليه إن لم يدخل بها وإن كان دخل بها فلها المهر المسمى انتهى
وقال المولى يعقوب باشا وبينهما مخالفة ظاهرة والأقرب ما ذكره الزيلعي لكن فيه كلام لأنه لا مخالفة بينهما لأن قول المحيط ولا مهر إن لم يدخل بها ابتداء حكم لا تعلق له بالموت تدبر
والولي في النكاح لا في التصرف في مال الصغير فإنه للأب ثم لأبيه ثم لوصيهما ثم وثم والولي لغة المالك وشرعا وارث مكلف هو العصبة بنفسه نسبا وهو ذكر يتصل بالميت بلا توسط أنثى فخرج عن العصبة العصبة بغيره أو مع
____________________
(1/496)
الغير أو سببا وهو مولى العتاقة ذكرا أو أنثى على ترتيب الإرث يعني أولاهم الجزء وإن سفل ولكن لا يتصور إلا في المعتوه والمعتوهة ثم الأصل وإن علا هذا عند الإمام خلافا لهما في المعتوه ثم جزء أصل القريب كالأخ إلا الأخ من الأم ثم بنيه وإن سفلوا ثم عم أبيه ثم بنيه وإن سفلوا ثم عم جده ثم بنيه الراجح والرجحان بقوة القرابة فيقدم الأعياني على العلاتي ثم مولى العتاقة ثم عصبته ولو قال على ترتيب الإرث والحجب لكان أولى لأنه بترتيب الإرث وحده لا يقدم الابن على الأب بل يقدم بأن يأخذ فرضه أولا ثم يأخذ الابن ما بقي منه وأما إذا اعتبر معه ترتيب الحجب يقدم الابن على الأب لأنه يحجب حجب نقصان كما في الإصلاح وابن المجنونة مقدم على أبيها عند الشيخين خلافا لمحمد
وعن أبي يوسف الولاية لهما أيهما زوج صح وعند الاجتماع يقدم الأب احتراما له
ولا ولاية لعبد ولو كان مكاتبا إلا في تزويج أمته ولا صغير ولا مجنون على أحد لأنهم لا ولاية لهم على أنفسهم فكذا على غيرهم ولا كافر على ولده المسلم دون ولده الكافر لقوله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ولهذا لا تقبل شهادته عليه ولا يتوارثان وكذا لا ولاية لمسلم على كافرة إلا أن يكون المسلم سيد أمة كافرة أو سلطانا كما في التبيين فإن لم يكن أي إن لم يوجد عصبة نسبية أو سببية فللأم مع ما عطف عليه خبر مقدم لقوله الآتي التزويج ثم للأخت لأبوين ثم للأخت لأب
وقال شيخ الإسلام إن الأخت لأبوين أو لأب أولى من الأم كما في المحيط
وفي المنية أن الأب أولى من الأم ثم لولد الأم ذكرا كان أو أنثى ثم لذوي الأرحام والرحم القرابة ليس بذي سهم وعصبة وفي الأصل وعاء الولد الأقرب أي يقدم الأقرب فالأقرب
وفي الإصلاح قاله في
____________________
(1/497)
الخلاصة نقلا عن شرع الشافي الأقرب من ذوي الأرحام الأم ثم البنت ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن ثم الأخت لأب وأم ثم لأب ثم لأم ثم أولادهن ثم العمات ثم الأخوال والخالات ثم بنات الأعمام والجد الفاسد أولى من الأخت عند الإمام فيفتى بما ذكر في الشافي لأن الأم مقدمة على الأخت ومن ههنا تبين المراد من ذي الرحم من غير المراد منه في الفرائض وإن من قال ثم الأم ثم الأخت لأب وأم لم يصب انتهى
لكن المعتبر على ما في أكثر المتون ترتيب الإرث على ما في الفرائض فكلام الخلاصة مشعر بالخلاف فلم يلزم عدم الإصابة تدبر
التزويج عند الإمام وهو استحسان لأن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة خلافا لمحمد لقوله عليه الصلاة والسلام الإنكاح إلى العصبات وأبو يوسف مع محمد في الأشهر
وفي الإصلاح وقول أبي يوسف مضطرب ذكر الطحاوي قوله مع الإمام وذكر الكرخي والقدوري قوله مع محمد والأصح أنه مع الإمام وفي القهستاني وعندهما وفي رواية عن الإمام لا ولاية لغير العصبات وعليه الفتوى كما في المضمرات لكن هو غريب لمخالفته المتون الموضوعة لبيان الفتوى كما في البحر ثم لمولى الموالاة أي من عاهد إنسانا على أنه إن جنى فأرشه عليه وإن مات فإرثه له ولو امرأتين وهذا عند الإمام وقالا إنه ليس بولي كما في القهستاني ثم لقاض كتب السلطان في منشوره أي مكتوبه ذلك أي تزويج الصغار لأنه يصير به نائبا عن السلطان وقال صلى الله تعالى عليه وسلم السلطان ولي من لا ولي له وفيه إشارة إلى ولاية السلطان قبل القاضي وليس للوصي أن يزوج مطلقا وروى هشام عن الإمام إن أوصى إليه الأب جاز لكن الأول هو الصحيح
____________________
(1/498)
أما إذا كان الموصي عين رجلا في حياته فزوجها الوصي به جاز كما لو وكل في حياته تزويجها كما في الفتح وللأبعد أي للولي الأبعد التزويج خلافا لزفر
وقال الشافعي يزوجها السلطان لا الأبعد إذا كان الأقرب غائبا غيبة حقيقية أو حكمية كما إذا عضل الولي الأقرب الصغير والصغيرة عن تزويجهما فيزوجهما القاضي لكن تزويجه هنا نيابة عن العاضل بإذن الشرع لا بغيره لأن العاضل ظالم بالمنع وللقاضي كف أيدي الظلمة
وفي الخلاصة وأجمعوا أن الولي الأقرب إذا عضل تنتقل الولاية إلى الأبعد فلذا قلنا إنه نائب بإذن الشرع كما في فيض الكركي وأراد من الغيبة المنقطعة بحيث لا ينتظر الكفء الخاطب جوابه أي جواب الأقرب فلو انتظره الخاطب لم ينكح الأبعد وهو اختيار أكثر المشايخ كما في النهاية هو أقرب إلى الفقه وهو المجتبى والمبسوط والذخيرة وهو الأصح وعليه الفتوى كما في الحقائق لأن الكفء لا يتفق كل الوقت وعن هذا قال في الخانية حتى لو كان مختفيا في البلد ولا يوقف عليه تكون غيبة منقطعة وقيل مسافة السفر أي ثلاثة أيام وهو قول أكثر المتأخرين وعليه الفتوى كما في التبيين والوالجي وقيل بحيث لا تصل القوافل إليه في السنة إلا مرة وهو اختيار القدوري واختيار أكثر المشايخ مسيرة شهر لأنه أعدل الأقاويل كما في التجنيس وهو مروي عن الإمامين وهناك أقوال أخر لكنها ضعيفة فلهذا تركها المصنف ولا يبطل تزويج الأبعد مع غيبة الأقرب بعوده أي بعود الأقرب لأن عقده صدر عن ولاية تامة خلافا لزفر
ولو زوجها وليان متساويان في المرتبة كالأخوين مثلا فالعبرة للأسبق لوجود العقد من ولي قريب بلا معارض
وإن كانا معا بطلا لتعذر الجمع وعدم
____________________
(1/499)
الأولوية وكذا لا يجوز إن كان أحدهما قبل الآخر ولا يدري السابق من اللاحق ويصح كون المرأة وكيلة في النكاح كما صح أن تكون أصيلة
فصل في الكفاءة تعتبر الكفاءة بالفتح والمد مصدر الكفء بمعنى النظير والمراد هنا المماثلة بين الزوجين في خصوص أمور وإنما اعتبر جانب الرجل لأن المرأة تعير باستفراش من دونها بخلاف الرجل لأنه مستفرش فلا يغيظه دناءة الفراش هذا عند الكل في الصحيح
وفي الظهيرية الكفاءة في النساء للرجال غير معتبرة عند الإمام خلافا لهما واعلم أن الكفاءة حق الولي لا حق المرأة فلو زوجت نفسها من رجل ولم تعلم أنه عبد أو حر فإذا هو عبد مأذون في النكاح فلا خيار لها كما في البحر
ولو زوجها الولي برضاها ولم يعلم بعدم الكفاءة ثم علم لا خيار له هذا إذا لم يشترط بالكفاءة أما إذا اشترط أو عقد على أنه حر فإذا هو عبد مأذون فله الخيار في وقت النكاح لأنه
____________________
(1/500)
لو زال بعده كفئيته لها بأن صار فاسقا مثلا لا يفسخ النكاح وإنما اعتبر الكفاءة فيه كما في الظهيرية ولهذا قدرنا الوقت ثم تعتبر في العرب نسبا أي من جهة النسب لأن به يقع التفاخر
وقال سفيان الثوري لا تعتبر الكفاءة فيه لقوله عليه الصلاة والسلام الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إنما الفضل بالتقوى فقريش هو من ولد نضر بن كنانة بعضهم أكفاء بعض ولا يعتبر الفاضل فيما بينهم ولهذا زوج النبي عليه الصلاة والسلام بنته من عثمان رضي الله تعالى عنه وهو أموي لا هاشمي وزوج علي رضي الله عنه وهو هاشمي بنته من فاطمة أم كلثوم لعمر رضي الله تعالى عنه وهو قريشي عدوي وغيرهم أي غير القريشي من العرب ليسوا كفئا لهم لأنهم أشرف العرب نسبا
وفي المضمرات ولا يكون العالم ولا الوجيه كالسلطان كفئا لعلوية وهو الأصح لكن في المحيط وغيره أن العالم كفء للعلوية إذ شرف العلم فوق النسب ولذا قيل إن عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها أفضل من فاطمة رضي الله تعالى عنها لزيادة علمها كما في القهستاني بل بعضهم أي بعض العرب أكفاء بعض لتساويهم فلا يكون العجم كفئا لهم إلا أن يكون عالما أو وجيها كما في المضمرات وبنو باهلة في الأصل اسم امرأة من همدان والتأنيث للقبيلة سواء كان في الأصل اسم رجل أو اسم امرأة ليسوا كفء غيرهم من العرب
وفي شرح الجامع الصغير وغيره والعرب بعضهم أكفاء بعض إلا بنو باهلة لخساستهم لا يكونون كفئا لعامة العرب لأنهم كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية وكانوا يأخذون عظام الميتة يطبخون بها ويأخذون دسوماتها كما قيل لكن في الفتح وهذا لا يخلو من نظر فإن النص لم يفصل مع أن النبي عليه الصلاة والسلام أعلم بقبائل العرب واختلافهم وقد أطلق وليس كل باهلي كذلك بل فيهم الأجواد وكون فضيلة منهم أو بطن صعاليك فعلوا ذلك لا يسري في حق الكل
وقال في البحر بعد نقله والحق الإطلاق تأمل وتعتبر الكفاءة في العجم أي غير العرب إسلاما أي من جهة إسلام أب وجد إذ به تفاخرهم لا بالنسب لأنهم ضيعوا أنسابهم وحرية أي من جهة
____________________
(1/501)
502 الأصل لأن الرق عيب لأنه أثر الكفر فتعتبر الحرية فمسلم أو حر تفريع لما قبله أبوه كافر صفة جرت على غير من هي له أو رقيق غير كفء لمن لها أب في الإسلام أو الحرية لعدم المساواة واتفقوا على أن الإسلام لا يكون معتبرا في حق العرب لأنهم لا يتفاخرون به وإنما يتفاخرون بالنسب
وفي المجتبى معتقة الشريف لا يكافئها معتق الوضيع
وفي التجنيس لو كان أبوها معتقا وأمها حرة الأصل لا يكافئها المعتق ثم قال معتق النبطي لا يكون كفئا لمعتقة الهاشمي ومن له أب فيه أي في الإسلام أو فيها أي في الحرية غير كفء لمن لها أبوان فيه أو فيها لأن التعريف لا يحصل إلا بذكر الجد خلافا لأبي يوسف يعني من كان له أب مسلم أو حر يكون كفئا لمن يكون أبوه وجده مسلمين أو حرين إلحاقا للواحد بالاثنين كما هو مذهبه في تعريف الشاهدين ومن له أبوان كفء لمن لها آباء لأن ما فوق الجد لا يعرف غالبا والتعريف لازم فلا يشترط وتعتبر الكفاءة ديانة أي صلاحا وحسبا وتقوى كما في أكثر الكتب
وفي الكرماني أو عدالة عند الشيخين هو الصحيح لأنه من أعلى المفاخر كما في الهداية وهو قوله هو الصحيح أي الصحيح اقتران قول الشيخين فإنه روي عن أبي حنيفة أنه مع محمد ورجحه السرخسي
وقال الصحيح من مذهب أبي حنيفة أن الكفاءة من حيث الصلاح غير معتبرة وقيل هو احتراز عن رواية أخرى عن أبي يوسف أنه لم يعتبر الكفاءة في الدين وقال إذا كان الفاسق ذا مروءة كأعونة السلطان وكذا عنه إن كان يشرب المسكر سرا ولا يخرج وهو سكران يكون كفئا وإلا لا وحينئذ الأولى أن يكون قوله هو الصحيح احترازا عما روي عن كل منهما أنه لا تعتبر والمعنى هو الصحيح من قول كل منهما كما في الفتح خلافا لمحمد لأن التقوى من أمور الآخرة فلا يفوت النكاح بفواتها إلا إذا كان مستحقا به
____________________
(1/502)
يخرج سكران ويلعب به الصبيان كما في أكثر المعتبرات لكن في الفتح
وفي حاشية المولى سعدي أفندي كلام فليطالع
وفي المحيط الفتوى على قول محمد لكن الإفتاء بما في المتون أولى كما في البحر فليس فاسق كفئا لبنت صالح هذا بناء على أن أكثر بنات الصالحين صالحات وإلا فتجوز أن يكون بنته فاسقة فتكون كفئا لفاسق كما في أكثر الكتب والعبارة الظاهرة ما اختاره ابن الساعاتي وهي أن الفاسق لا يكون كفئا للصالحة
وإن وصلية لم يعلن الفاسق في اختيار الفضلى وتعتبر الكفاءة مالا بأن يملك من المهر ما تعارفوا تعجيله لأنه بدل البضع وبأن يكسب نفقة كل يوم وما يحتاج إليه من الكسوة لأن بذلك يتمم الازدواج وقبل يعتبر أن يكون عند العقد مالكا لنفقة شهر وقيل لنفقة ستة أشهر وقيل لنفقة سنة
وفي الذخيرة ولو كانت الزوجة صغيرة لا تطيق الجماع فهو كفء وإن لم يقدر على النفقة وكذا لو كان يجد نفقتها ولا يجد نفقة نفسه يكون كفئا لها كما في الشمني
فالعاجز عن المهر المعجل والنفقة غير كفء للفقيرة فللغنية بالطريق الأولى في ظاهر الرواية لأن المهر عوض بضعها فلا بد من تسليمه والنفقة تندفع بها حاجتها فلا بد منها وعن أبي يوسف أنه لو قدر على النفقة دون المهر يكون كفئا لأن المساهلة تجري في المهر ويعد الابن قادرا بيسار أبيه والآباء يتحملون المهر عن الأبناء عادة ولا يتحملون النفقة الدارة ولو قال غير كفء لأحد لكان أشمل إلا أن يقال لدفع من توهم أنه يكون كفئا لها كما في شرح الوقاية
وفي المضمرات إن كان علويا أو عالما غير قادر على المهر المثل يكون كفئا للصغيرة الغنية والقادر عليهما أي المهر والنفقة كفء لذات أموال عظام عند أبي يوسف وهو الصحيح كما في أكثر المعتبرات لأن المال غاد ورائح فلا عبرة لكثرته مع أن الكثرة في الأصل مذموم قال صلى الله تعالى عليه وسلم هلك المكثرون إلا من قال بماله هكذا وهكذا يعني تصدق به خلافا
____________________
(1/503)
لهما لأن الناس يفخرون بالغنى ويعيرون بالفقر قالت عائشة رضي الله عنها رأيت ذا الغنى مهيبا وذا الفقر مهينا
وتعتبر الكفاءة حرفة هي اسم من الاحتراف أي الاكتساب عندهما في أظهر الروايتين وعن أبي يوسف أنها لا تعتبر إلا أن تفحش كالحجام والحائك والدباغ
وعن الإمام روايتان في رواية لا تعتبر وهو الظاهر لأن الحرفة ليست بلازمة والتحول ممكن من الدنية إلى الشريفة
وفي رواية تعتبر لأن الناس يفتخرون بشريف الصناعة ويعيرون بخسيسها فحائك أو حجام أو كناس أو دباغ أو بيطار أو حداد أو خفاف وأخس كلهم خادم الظلمة وإن كان ذا مال كثير لأنه من آكلي دماء الناس وأموالهم كما في المحيط غير كفء لعطار أو بزاز أو صراف تفريع على اعتبار الكفاءة حرفة فالعطار والبزاز كفئان وبه أي باعتبار الحرفة يفتى كما في أكثر المعتبرات
وفي القهستاني أن المرض لم يسلب الكفاءة فالمريض كفء للصحيحة والمجنون للعاقلة وكذا القروي فالقروي كفء للبلدية
ولو تزوجت المرأة غير كفء فللولي أن يفرق وهذه المسألة قد ذكرت لكن ذكر ههنا لتمهيد المسألة التي
____________________
(1/504)
تليها وهي قوله وكذا لو نقصت عن مهر مثلها له أي للولي أن يفرق إن لم يتم مهر مثلها خلافا لهما أي قالا لا اعتراض عليها لأن المهر حقها ولذا كان لها أن تهبه فلأن تنقصه أولى وله أن المهر إلى عشرة دراهم حق الشرع فلا يجوز التنقيص منه شرعا وإن مهر مثلها حق الأولياء لأنهم يعيرون بذلك فيقدرون على مخاصمتها إلى تمامه والاستيفاء حقها إن شاءت قبضته وإن شاءت وهبته وقبضه أي الولي المهر أو تجهيزه أو طلبه بالنفقة رضا دلالة فليس له الاعتراض بعده
وفي البحر وتصديق الولي بأنه كفء لا يسقط حق من أنكر لأنه ينكر سبب الوجوب وإنكار سبب وجوب الشيء لا يكون إسقاطا له لا سكوته لأن السكوت عن المطالبة محتمل فلا يجعل رضى إلا في مواضع مخصوصة وإن رضي أحد الأولياء المتساويين في القرب فليس لغيره الاعتراض
____________________
(1/505)
إلا أن يكون أقرب كما تقدم
وقال أبو يوسف للباقي الاعتراض مطلقا وقال شرف الأئمة لأحد الأولياء المستويين في الدرجة ينفرد بالاعتراض إذا سكت الباقون
فصل في تزويج الفضولي وغيره ووقف أي جعل موقوفا تزويج فضولي من أحد الجانبين وهو من لم يكن وليا ولا أصيلا ولا وكيلا أو فضوليين من الجانبين على الإجازة أي إجازة من له العقد بالقول أو الفعل فإن أجاز ينفذ وإلا لا
وعند الشافعي باطل وإن جاز ويتولى طرفي النكاح وهما الإيجاب والقبول بكلام أو كلامين واحد خلافا لزفر بأن كان وليا من الجانبين كمن زوج ابنة أخيه بابن أخ آخر أو وكيلا منهما كمن وكله رجل بالتزويج ووكلته امرأة به أيضا أو وليا وأصيلا كابن عم يزوج نفسه من بنت عمه الصغيرة أو وليا ووكيلا كابن عم يزوج بنت عمه الصغيرة من موكله ووكيلا وأصيلا كمن يزوج من موكلته بنفسه ولا يتولاهما أي طرفي النكاح فضولي ولو من جانب عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإنه يجوز عنده للواحد الفضولي أن يعقد للطرفين ويتوقف عقده على إجازتهما مثلا إذا قال زوجت فلانة من فلان فلم يقبل عن الآخر قابل أو قال الرجل تزوجت فلانة أو قالت زوجت نفسي فلانا فلم يقبل عن الآخر أحد يتم ويتوقف على إجازتهما لأن الواحد يصلح عاقدا من الجانبين إذا كان بأمره وكذا إذا كان بغير أمره إذ الواحد يصلح سفيرا عن الجانبين إذ لا يلزم التنافي لعود الحقوق إلى من عقد له ولهما أن هذا
____________________
(1/506)
شطر عقد فلم يتوقف على ما وراء المجلس كبيع إذ التوقف إنما يكون بعد تمام العقد بخلاف المأمور قيل الخلاف فيما إذا تكلم بكلام واحد أما باثنين فينعقد موقوفا بلا خلاف كما إذا كان النكاح من الفضوليين كما في النهاية وغيرها لكن في الفتح كلام فليطالع
ولو أمره أن يزوجه امرأة فزوجه أمة أي أمة غيره لأنه لو زوج أمة نفسه لا يجوز بالاتفاق لمكان التهمة ولهذا لو وكل امرأة فزوجته نفسها أو وكلت رجلا فزوجها من نفسه لا يجوز وكذا إذا زوج وكيل الرجل بنته أو بنت ولده أو بنت أخيه وهو وليها لا يجوز للتهمة والخانية ولو زوجه الوكيل أخته جاز لا يصح عندهما وعند الأئمة الثلاثة ولو كان الآمر أميرا وهو الاستحسان لأن المطلق يتقيد بالعرف وهو التزويج بالأكفاء وعند الإمام يصح لأن العرف مشترك وهو عرف عملي فلا يصح مقيدا
وفي البزازية أمره أن يزوجه سوداء فزوجه بيضاء أو على العكس لا يصح ولو عمياء فزوجه بصيرة يصح ولو أمة فزوجه حرة لا وكذا لو وكلته أن يزوجها من قبيلة فزوجها من أخرى
ولو أمره أن يزوجه امرأة فزوجه صغيرة جاز وعندهما لا إلا إذا كان لا يجامع بمثلها كالرتقاء وفيه إجماع وقيل الجواز في الصغيرة قول الكل ولو زوجه عمياء أو مقطوعة اليدين أو الرجلين أو مفلوجة أو مجنونة جاز عنده خلافا لهما ولو زوجه عوراء أو مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين جاز إجماعا
ولو وكله أن يزوجها منه غدا بعد الظهر فزوجه قبل الظهر أو بعد الغد لا وكذا لو وكل بنكاح فاسد فنكح صحيحا
ولو قال هب لفلان فقال وهبت فما لم يقل الوكيل قبلت لا يصح لأن الوكيل لا يلي التوكيل وإذا قال قبلت انعقد للموكل وإن لم يقل لفلان لأن الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فعلى هذا لو قال وليها أو وكيلها زوجت فلانة من فلان فقال وكيله أو وليه قبلت يقع للمولى والموكل وأن يضف إليهما لأن الجواب يقتضي إعادة ما في السؤال ولو زوجه امرأتين في عقدة واحدة لا يلزم واحدة منهما فلا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة ولا إلى التنفيذ في إحداهما غير عين للجهالة ولا إلى التعيين لعدم الأولوية فتعين التفريق عند عدم الإجازة
ولو قال لا ينفذ لكان أولى لأن له أن يجيز نكاحهما أو نكاح إحداهما أيتهما شاء غير أنه لا ينفذ بغير رضاه فقول صاحب الهداية فيتعين التفريق مستقيم لأن تعينه عند عدم الرضا فلا وجه لقول من قال إنه غير مستقيم تدبر ولو زوجه بعقدين فالأول صحيح دون الثاني ولو عين امرأة فزوجها مع أخرى لزمت المعينة
ولو زوج الأب أو الجد الصغير أو الصغيرة بغبن فاحش في المهر بأن زوج البنت
____________________
(1/507)
ونقص من مهرها أو زوج ابنه وزاد على مهر امرأته أو من غير كفء بأن زوج ابنه أمة أو زوج ابنته عبدا جاز عند الإمام لوجود الشفقة خلافا لهما لفوات النظر والولاية مقيدة به هذا إذا لم يعرف بسوء الاختيار أما لو كان الأب معروفا بسوء الاختيار مجانة وفسقا كان العقد باطلا اتفاقا على الصحيح كما في الفتح وليس ذلك أي تزويجهما بالغبن وغير الكفء لغير الأب والجد
وفي التلويح ولو زوجهما غير الأب والجد من غير كفء أو بغبن فاحش لم يصح أصلا فعلى هذا قال في الإصلاح ومن وهم أنه يصح لكن يثبت حق الفسخ فقد وهم انتهى
لكن في الجواهر ويصح تزويج غيرهما بغبن فاحش كما قال بعضهم
وفي الجوامع وبغير كفء على ما قال بعضهم والصحيح أنه لا يجوز وهذا يدل على وجود الرواية لا على عدمها كما لا يخفى فلا وجه لرد صاحب الإصلاح وكذا قول صاحب التلويح ولم يصح أصلا تدبر
باب المهر هو حكم العقد فإن المهر يجب بالعقد أو بالتسمية فكان حكما له فيعقبه وله أسماء المهر والنحلة والصداق والعقر والعطية والفريضة والأجرة والصدقة والعلاق يصح النكاح بلا ذكره إجماعا لأن النكاح عقد ازدواج وذلك يتم بالزوجين والمال ليس بمقصود أصلي فلا يشترط فيه ذكره
و كذا مع نفيه أي يصح النكاح مع نفي المهر ويكون النفي لغوا خلافا لمالك
وأقله عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل وإن لم تكن مسكوكة بل تبرا وإنما اشترط المسكوكة في نصاب السرقة للقطع تقليلا لوجود الحد وانتظم كلامه بالدين والعين فلو تزوجها على عشرة دين له على فلان صحت التسمية لأن الدين مال فإن شاءت أخذته من
____________________
(1/508)
الزوج أو ممن عليه الدين كما في البحر
وقال مالك ربع دينار وثلاثة دراهم وعند الشافعي كل ما يجوز أخذ العوض عنه يصلح مهرا فتعلم القرآن وطلاق امرأة أخرى والعفو عن القصاص يصلح مهرا عنده لنا قوله عليه الصلاة والسلام لا مهر أقل من عشرة دراهم وهو وإن كان ضعيفا فقد تعددت طرقه والضعيف إذا روي من طرق يصير حسنا إذا كان ضعفه بغير الفسق ولأنه حق الشرع وجوبا إظهارا لشرف المحل فيقدر بما له خطر وهو العشرة وما دل على ما دونها يحمل على المعجل
وفي الخانية لو تزوجها على ألف درهم من نقد البلد فكسدت وصار النقد غيرها كان على الزوج قيمة تلك الدراهم يوم كسدت هو المختار فلو سمى دونها أي العشرة لزمت العشرة لحق الشرع كما بيناه وعند الثلاثة لا تجب العشرة
وقال زفر التسمية فاسدة ولها مهر مثلها
وإن سماها أي العشرة أو أكثر منها لزم المسمى بالدخول لأن بالدخول يتحقق تسليم المبدل أو موت أحدهما أي الزوج والزوجة فإن الموت كالوطء في حكم المهر والعدة لا غير و لزم نصفه أي المسمى بالطلاق قبل الدخول و قبل الخلوة الصحيحة لقوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية وهذا الحكم غير مخصوص بالطلاق بل يعم الفرقة من قبل الزوج بسبب محظور كالردة والإباء عن الإسلام وتقبيل ابنتها بشهوة وإنما لم يذكر الخلوة الصحيحة في المسألة الأولى بعد قوله بالدخول لإرادة الدخول حقيقة أو حكما فعلى هذا ينبغي أن لا تذكر في الثانية
وفي الكافي قال محمد لو أذهب عذرتها دفعا ثم طلقها قبل الدخول بها والخلوة يكمل المهر لأنه يعمل عمل الوطء فيتأكد به المهر وعندهما يتنصف بالنصف لأنه طلاق قبل الدخول ولو دفعها أجنبي فزالت عذرتها وطلقت قبل الدخول والخلوة وجب نصف المسمى على الزوج وعلى الأجنبي نصف صداق مثلها كما في البحر
وإن سكت عنه أي المهر أو نفاه بأن عقد على أن لا مهر لها لزم مهر المثل بالدخول أو الموت إذا لم يتراضيا
____________________
(1/509)
على شيء ما يصلح مهرا وإلا فذلك الشيء هو الواجب لأن وجوب المهر ثبت بالشرع ولا يتوقف على التسمية وعند الشافعي في قول لا يجب مهر المثل في الموت
و لزم بالطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة متعة أي تجب متعة إذا لم يسم لها مهرا أو نفاه وحصلت الفرقة من جهة الزوج أما إذا حصلت من جهة المرأة كردتها وتقبيلها ابن الزوج بشهوة وإرضاعها زوجته الصغيرة وخيارها الفسخ بالبلوغ والإعتاق فلا معتبرة بحاله لا بحالها في الصحيح لقوله تعالى على الموسع قدره الآية كما في الهداية وغيرها احترازا عن قول الكرخي فإنه قال هذا في المتعة المستحبة أما في المتعة الواجبة يعتبر حالها لأنها خلف عن مهر المثل وفي لزوم المثل المعتبر حالهما فكذا خلفه كما في المحيط
وفي المضمرات هذا أصح وقال الخصاف يعتبر حالهما
وفي التبيين وهذا القول أشبه بالفقه كما قلنا في النفقة لأنها لو اعتبرت بحاله وحده لسوينا بين الشريفة والوضيعة في المتعة وذلك غير معروف بين الناس بل هو منكر وعليه الفتوى كما في البحر نقلا عن الولوالجي وعند الثلاثة المتعة ما يقدره الحاكم لا تنقص المتعة عن خمسة دراهم إن كان الزوج فقيرا إلا عند الشافعي تنقص كما تزاد ولا تزاد على نصف مهر المثل لو كان غنيا أي إن كانت قيمتها أكثر من نصف مهر المثل لها نصف مهر المثل إلا في قول للشافعي يزاد عليه وإن كانا سواء فالواجب المتعة لأنها الفريضة بالكتاب العزيز كما في الفتح وهي أي المتعة درع بكسر الدال وسكون الراء قميص المرأة
وفي المغرب ما تلبسه المرأة فوق القميص وخمار بكسر الخاء المعجمة ما يخمر به الرأس أي يغطى وملحفة بكسر الميم ما يلحف به من قرنها إلى قدميها وهذا التقدير مأثور عن ابن عباس
____________________
(1/510)
رضي الله تعالى عنهما قالوا هذا في ديارهم وأما في ديارنا يلبس أكثر من ثلاثة فزيد على ذلك إزار ومكعب فإن كانت من السفلة فمن الكرباس ومن الوسطى فمن القز ومن مرتفعة الحال فمن الإبريسم وفي النتف أفضل المتعة خادم
وكذا الحكم أي يجب مهر المثل أو المتعة لو تزوجها بخمر أو خنزير لأنه ليس بمال في حق المسلم كما في الهداية أو مال غير متقوم كما في البدائع فوجب مهر المثل
وفي المحيط لو سمى بها عشرة دراهم ورطلا من خمر فلها المسمى ولا يكمل مهر المثل
أو تزوجها بهذا الدن من الخل إذا هو خمر عند الإمام لأن الإشارة أبلغ في التعريف من التسمية فصار كأنه تزوجها على الخمر خلافا لهما لأنهما أوجبا مثل وزنه خلا وسطا لأنه المسمى والعقد يتعلق بالمسمى
أو تزوجها بهذا العبد فإذا هو حر يجب مهر المثل عند الإمام لما مر خلافا لأبي يوسف فإنه قال يجب فيه مثل قيمته عبدا لأنه أطمعها في مال وقد عجز عن تسليمه فتجب قيمته أو مثله كما إذا تزوجها على عبد الغير ووافق محمد الإمام في هذه المسألة وأبا يوسف في الخمر وتحقيقه في شروح الهداية وغيرها فليراجع
أو تزوجها بثوب أو بدابة أو بدار لم يبين جنسهما من القطن والكتان أو من الخيل والحمير مثلا لم يصح ويجب مهر المثل بالغا ما بلغ لأن بجهالة الجنس لا يعرف الوسط لأنه إنما يتحقق في الأفراد المتماثلة وذلك باتحاد النوع بخلاف الحيوان الذي تحته الفرس والحمار وغيرهما والثوب الذي تحته القطن والكتان والحرير واختلاف الصنعة أيضا والدار التي تحتها ما تختلف اختلافا فاحشا بالبلدان والمحال والضيق والسعة وكثرة المرافق وقلتها فتكون هذه الجهالة أفحش من جهالة مهر المثل فمهر المثل أولى وإن عينه بأن قال عبد أمة فرس حمار بيت صحت التسمية وإن لم يصفه وينصرف إلى بيت وسط من ذلك وكذا باقيها هذا في عرفهم
____________________
(1/511)
أما البيت في عرفنا فليس خاصا بما يبات فيه بل يقال لمجموع المنزل والدار فينبغي أن يجب بتسمية مهر المثل كالدار وتجبر على قبول قيمته لو أتاها بها كما في الفتح وفيه إشعار بجواز إطلاق الجنس عند الفقهاء على الأمر العام سواء كان جنسا عند الفلاسفة أو نوعا فينبغي أن لا يلتفت أهل الشرع إلى ما اصطلح الفلاسفة عليه كما في الكشف
أو تزوجها بتعليم القرآن لأنه ليس بمال أو بخدمة الزوج الحر لها سنة لأن الخدمة ليست بمال لما فيه من قلب الموضوع فيجب مهر المثل عند الشيخين وأطلق في الخدمة فشمل رعي غنمها وزراعة أرضها وهو رواية الأصل كما في الخانية
وفي المبسوط فيه روايتان
وفي المعراج أنه لا يصح رواية الأصل والصواب أن يسلمه لها إجماعا استدلالا بقصة موسى وشعيب عليهما الصلاة والسلام فإن شريعة من قبلنا شريعة لنا إذا قصها الله تعالى ورسوله بلا إنكار كما في الكافي
ولو تزوجها على خدمة حر آخر فالصحيح أنها تستحق قيمة خدمته وعند محمد لها قيمة الخدمة لأنها مال كما في العبد إلا أنه عجز عن التسليم للمناقضة فصار كالتزوج على عبد الغير
وكذا يجب مهر المثل في النكاح الشغار بكسر الشين المعجمة قيل مأخوذ من شغر البلد شغورا إذا خلا من حافظ يمنعه وهو هنا أن يزوجه بنته أو أخته للآخر على أن يزوجه الآخر بنته أو أخته معاوضة بالعقدين أي على أن يكون كل واحد من العقدين عوضا عن الآخر ولا مهر سوى ذلك وكان ذلك شائعا في الجاهلية ثم بقي حكمه في حق صحة العقد لكن التسمية فاسدة فيجب فيه مهر المثل عندنا وعند الثلاثة لا يصح النكاح فيه
ولو تزوج ها على خدمته لها سنة وهو عبد فلها الخدمة لأنه لما خدمها بإذن المولى صار كأنه يخدم مولاه حقيقة ولأن خدمة العبد لزوجته ليست بحرام إذ ليس له شرف الحرية وهذه المسألة قد فهمت مما سبق وهو قوله أو بخدمة الزوج الحر فههنا صرح بها
ولو أعتق أمته على أن يتزوجها فقبلت ولم يسم لها مهرا فعتقها صداقها عند أبي يوسف لأنه عليه الصلاة والسلام أعتق صفية ثم تزوجها وجعل صداقها عتقها وعندهما لها مهر المثل لبطلان تسمية ما ليس بمال
ولو أبت
____________________
(1/512)
أي الأمة المذكورة بعد عتقها أن تتزوجه أي المولى نفسها فعليها قيمتها له أي فعلى الأمة أن تسمي قيمة نفسها لمولاها إجماعا
وقال زفر لا سعاية عليها لأنها إنما التزمت النكاح لا المال فلا وجه لإيجاب ما لم تلزمه ولنا أنها شرطت للمولى منفعة بمقابلة عتقها فلما فاتت عنه المنفعة كان عليه أن ينقض العتق لكنه بعد وقوعه لا ينقض فوجب نقضه معنى بإلزام السعاية عليها ولا تجبر على النكاح اتفاقا لأنها حرة
وللمفوضة وهي بكسر الواو من فوضت أمرها إلى وليها وزوجها بلا مهر وبفتحها من فوضها وليها إلى الزوج بلا مهر ثم تراضيا على مقدار ما فرض لها بعد العقد إن دخل بها أو مات عنها زوجها كذا في أكثر المتون والشروح
وقال يعقوب باشا لكن الظاهر أن المسألة على حالها في موتها أيضا كما صرح به في بعض الكتب ويمكن أن يجاب عنه بكون مطمح النظر في هذا الباب بيان ما يجب لها عليه لا بيان نصيب ورثتها من مهرها تدبر
وكذا إذا فرضه الحاكم بعد العقد قام مقام فرضهما والمتعة إن طلق قبل الدخول ولا يتنصف لأن السبب مخصوص بالمفروض في العقد بالنص وهو قوله تعالى فنصف ما فرضتم والمفروض بعده ليس في معناه وعند أبي يوسف لها في قوله الأول كما صرح به في أكثر المعتبرات فالأولى أن يقول وعن أبي يوسف كما لا يخفى نصف ما فرض بعد العقد وهو قول الشافعي لأنه صار مفروضا فيتناوله النص
وإن زاد الزوج في مهرها بعد العقد لزمت أي وجبت الزيادة على الزوج لقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة وقد تراضيا بالزيادة خلافا لزفر فإنه يقول هي هبة مبتدأة إن قبضتها صحت وإلا فلا وهو قول الشافعي وتسقط أي تلك الزيادة
____________________
(1/513)
بالطلاق قبل الدخول عند الطرفين لأن كل ما لم يسم يبطله الطلاق قبل الدخول وعند أبي يوسف في قوله المرجوع إليه وهو قول الأئمة الثلاثة تتنصف الزيادة أيضا لأنها من جملة ما فرض وقد قال الله تعالى فنصف ما فرضتم
وإن حطت عنه من المهر أي إن حطت المرأة مهرها المعقود عليه بعضا أو كلا عن الزوج صح الحط لأن المهر حقها والحط يلاقي حقها وإن لم يقبل الزوج بخلاف الزيادة فإنه لا بد من قبولها في المجلس لصحتها ولكن لا يرتد حطها برده
وإذا خلا الزوج بها بلا مانع من الوطء حسا أي منعا حسيا أو شرعا أو طبعا فالمانع الحسي كمرض لأحدهما يمنع الوطء سواء كان منعه حقيقة أو حكما كما إذا كان يضره الوطء
وفي الخلاصة وغيرها هو الصحيح وقيل مرض الزوج مانع مطلقا وأما مرضها فإنما يمنع إذا كان يضرها
وفي التبيين وغيره هو الصحيح ورتق بفتحتين مصدر قولك رتقاء وهي التي لا يستطاع جماعها لارتقاق ذلك الموضع فيها وكذا ما إذا كان أحد الزوجين صغيرا كما في الخانية وغيرها فكان هو المعتمد وكذا إذا كان معهما أمة من جانب أحدهما أو امرأة كذلك إلا إذا كان الثالث صغيرا لا يعقل أو مغمى عليه أو مجنونا أو أعمى أو نائما كما في القهستاني لكن في الزيلعي أن الجواري مطلقا لا تمنع صحة الخلوة
وفي الخلاصة والمختار أن جاريتها لا تمنع كجاريته وعليه الفتوى كما في البحر وكذا ما إذا كان المكان غير مأمون الاطلاع كالطريق الأعظم أو المسجد أو الحمام
وقال الشداد تصح فيها في الظلمة وفي الشمني ولو خلا بها ومعها أعمى أو نائم لا تكون خلوة لأن الأعمى يحس والنائم يستيقظ ويتناوم
وفي الظهيرية ولو كان معهما نائم إن كان نهارا لا تصح وإن ليلا تصح والكلب يمنع إن كان عقورا أو للزوجة وإلا لا وفي البيت الغير المسقف تصح وكذا على سطح الدار إن كان عليه حجاب وفي محمل عليه قبة مضروبة ليلا أو نهارا وهو يقدر على الوطء فهو خلوة وفي بستان ليس عليه باب لا تصح وكذا في الجبل والمفازة من غير خيمة
و المانع الشرعي نحو صوم رمضان وإحرام فرض أو نفل لما في
____________________
(1/514)
إفساد صوم رمضان من كفارة وقضاء وفي إفساد الإحرام دم
و المانع الطبيعي حيض ونفاس من دم حقيقي أو حكمي فيشمل الطهر المتخلل ولا ينافيه كونه مانعا شرعيا أيضا فلا يرد اعتراض البعض لزمه تمام المهر إلا عند الشافعي في قوله الجديد يجب نصف المهر وشرط مالك في إيجاب الخلوة حكم الوطء طول المقام معها وحد الطول بالعام وعن أحمد الموانع لا تمنع صحة الخلوة
ولو وصلية كان الزوج خصيا هو منزوع البيضتين أو عنينا هو كون الرجل لا يقدر على الجماع أو على جماع البكر أو على جماع امرأة معينة لو جاءت بولد يثبت نسبه مطلقا
وكذا يجب المهر التام بالخلوة لو كان الزوج مجبوبا أي مقطوع الذكر والأنثيين فإنه غير مانع عند الإمام لأن تزوجه للاستمتاع لا للإيلاج وقد سلمت نفسها لذلك فتستحق كل البدل خلافا لهما لأنه أعجز من المريض وصوم القضاء غير مانع لأنه لا كفارة في إفساده في الأصح قيد به لأنه في بعض الرواية الصحيحة أنه يمنع صحة الخلوة لأنه فرض مطلقا
وكذا لا يمنع صوم النذر والكفارات في رواية وقيل يمنع والمذهب ما ذكره لعدم الوجوب بالإفساد وما وقع في الكنز وهو صوم فرض غير واقع موقعه لأن القائل بمنع الصوم يقول بمنعه مطلقا من غير تفصيل بين فرض ونفل والقائل بتخصيص صوم رمضان أداء يخرج ما عداه من الصوم المفروض كالكفارات فقول الكنز ليس على قول من الأقوال كما لا يخفى وفرض الصلاة التي شرع فيها أحدهما مانع
وفي الهداية والصلاة بمنزلة الصوم فرضها كفرضه ونفلها كنفله
وفي الاختيار والسنن الرواتب لا تمنع إلا ركعتي الفجر والأربع قبل الظهر لشدة تأكدهما بالوعيد على تركهما والعدة تجب بالخلوة ولو مع المانع أي وإن لم تكن صحيحة احتياطا استحسانا لتوهم الشغل والعدة حق الشرع والولد لأجل النسب فلا
____________________
(1/515)
تصدق في إبطال حق الغير وفي الفتح وذكر القدوري في شرحه أن المانع إن كان شرعيا تجب العدة لثبوت التمكن حقيقة وإن كان حقيقيا كالمرض والصغر لا تجب لانعدام التمكن حقيقة فكان كالطلاق قبل الدخول من حيث قيام اليقين بعدم الشغل وما قاله قال به التمرتاشي وقاضي خان ويؤيده ما ذكره العتابي إلا أن الأوجه على هذا أن يخص الصغير بغير القادر والمريض بالدنف لثبوت التمكن حقيقة في غيرهما
وفي البحر والمذهب وجوب العدة مطلقا اعلم أن أصحابنا أقاموا الخلوة الصحيحة مقام الوطء في بعض الأحكام لتأكد المهر وثبوت النسب والعدة والنفقة والسكنى في مدة العدة وحرمة نكاح أختها وأربع سواها ما دامت العدة قائمة ومراعاة وقت الطلاق في حقها وحرمة نكاح الأمة عليها في هذا العقد عن طلاق بائن على قياس قول الإمام ولم يقيموها مقام الوطء في حق الإحصان وحرمة البنات وحلها للأول والرجعة والميراث وأما في حق وقوع طلاق آخر ففيه روايتان والأقرب أن يقع
والمتعة واجبة لمطلقة قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة لم يسم لها مهر لما مر أنها قائمة مقام نصف مهر المثل ومستحبة لمطلقة بعد الدخول سواء سمى لها مهرا أو لا تعويضا عن إيحاشها بالطلاق بعد الأنس والألفة ولا تجب لأنها خلف عن المهر مستوفية له وغير مستحبة لمطلقة قبله أي قبل الدخول
وقال الشافعي تجب سمي لها مهر هذا على اختيار القدوري ويوافقه ما في التحفة إلا أنه مخالف لما في المبسوط والحصر فإنه صرح فيهما بالاستحباب وذكر في مشكلات القدوري أنها أربعة واجبة كما تقدم أراد به المتعة لمطلقة لم توطأ ولم يسم لها مهر ومستحبة وهي التي طلقها بعد الدخول ولم يسم لها مهر وسنة وهي التي طلقها بعد الدخول وقد سمي لها مهر والرابعة ليست بواجبة ولا سنة ولا مستحبة وهي التي طلقها قبل الدخول وقد سمي لها مهر لأن نصف المهر قام في حقهن مقام المتعة كما في الإصلاح
ولو سمى لها ألفا وقبضته ثم وهبته له أي للزوج ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها الزوج الموهوب له بنصفه لأنه لم يصل إليه بالهبة عين ما يستوجبه لأن الدراهم والدنانير لا تتعينان في
____________________
(1/516)
العقود والفسوخ فصار كهبة مال آخر ولهذا لو سمى لها دراهم وأشار إليها له أن يحبسها ويدفع مثلها جنسا ونوعا وقدرا وصفة ولا يلزمها رد عين ما أخذت بالطلاق قبل الدخول كما في المنح وعند الأئمة الثلاثة لا يرجع بشيء كما لا يرجع في العين
وكذا كل مكيل وموزون أي وكذا يرجع إذا كان المهر مكيلا أو موزونا أو شيئا آخر في الذمة لعدم تعينها وأما المعين منه فكالعروض وإن كان تبرا أو نقرة ذهبا أو فضة فهي كالعروض في رواية فيجبر على تسليم المعين وفي رواية كالمضروبة فلا يجبر كما في البحر
ولو قبضت النصف من المهر ثم وهبت الكل أو الباقي في ذمته لا يرجع الزوج عليها عند الإمام خلافا لهما فإنهما قالا يرجع عليها بنصف المقبوض اعتبارا للجزء بالكل وهبة البعض حط فيلتحق بأصل العقد وله أن مقصود الزوج قد حصل وهو سلامه نصف الصداق بلا عوض فلا يستوجب الرجوع عند الطلاق والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح ألا يرى أن الزيادة لا تلتحق حتى لا تتنصف كما في الهداية
ولو وهبت أقل من النصف وقبضت الباقي رجع عليها إلى تمام النصف يعني إذا تزوجها مثلا على ألف فوهبت له أربعمائة وقبضت ستمائة ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بمائة عند الإمام وعندهما بنصف المقبوض ففيما صورناه يرجع عليها بثلاثمائة ولو لم تقبض شيئا من المهر فوهبته لا يرجع أحدهما على الآخر وكذا أي لا يرجع أحدهما على الآخر استحسانا لو كان المهر عرضا أي عينا فوهبته قبل القبض أو بعده وفي القياس وهو قول زفر يرجع عليها بنصف قيمته لأن الواجب فيه رد نصف عين المهر وجه الاستحسان أن حقه عند الإطلاق سلامة نصف المقبوض من جهتها وقد وصل إليه ولهذا لم يكن لها دفع شيء آخر مكانه بخلاف ما إذا كان المهر دينا وبخلاف ما إذا باعت من زوجها لأنه وصل إليه ببدل كما في الهداية وغيرها لكن ذكر في الجامع البرهاني أنها إن وهبت قبل القبض لا يرجع بلا خلاف وبعد القبض فيه خلاف زفر فعلى هذا يكون قوله قبل القبض مستدركا إلا أن يحمل على اختلاف الروايتين لكنه بعيد ههنا تأمل
____________________
(1/517)
وقال في شرح عيون المذاهب ويرد على كلام زفر على ما اختاره المصنف وغيره أن القبض شرط في الهبة ففي صورة عدم القبض لا يتحقق الهبة فكيف يرجع انتهى
لكن هذا ليس بوارد لأن هبة المهر قبل القبض إسقاط والإسقاط لا يحتاج إلى القبض مع أن مراد المصنف عدم قبض المرأة العين لا قبض الموهوب له حتى السؤال
تدبر
وإن تزوجها بألف من الدراهم مثلا على أن لا يخرجها من البلد أي بشرط عدم الإخراج من غير ترديد أو تزوجها بألف على أن لا يتزوج عليها امرأة أخرى أو على أن يهدي لها هدية فإن وفى بما شرط فلها الألف لأن المسمى صلح للمهر وقد تم رضاها به وإلا أي وإن لم يف بما شرط فمهر المثل إذا كان مهر المثل أكثر من الألف كما في العناية لأنه سمى لها ما فيه نفع وقد فات فيجب مهر المثل لعدم رضاها إلا به
ولو تزوجها على ألف إن أقام بها أي بزوجته في بلدة معينة وعلى ألفين إن أخرجها من تلك البلدة فإن أقام بها فلها الألف وإلا أي وإن لم يقم فمهر المثل عند الإمام لكن في الثانية لا يزاد على ألفين إن زاد عليهما لأنها رضيت به ولا ينقص عن ألف إن نقص منه لأنه رضي به
وقال زفر الشرطان فاسدان فلها مهر المثل بكل حال وعندهما لها ألفان إن أخرجها لأنهما عقدان ببدلين معلومين فوجب تصحيحهما على وجه التخيير كما صح فيما إذا تزوجها على ألف إن كانت قبيحة وعلى ألفين إن كانت جميلة وله أن الشرط الأول صحيح بالاتفاق فتعلق العقد به وصحت التسمية التي معه والشرط الثاني غير صحيح لأن الجهالة نشأت منه ولأنه مناف لموجب ما صح وهو الشرط الأول لأن موجبه مهر المثل عند عدم الإيفاء ومنافي موجب ما صح غير صحيح
____________________
(1/518)
والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ومهر المثل هو الأصل فوجب الرجوع إليه والفرق بين هذه وبين المسألة المستشهدة أن الخطر في هذه دخل على التسمية الثانية لأن الزوج لا يعرف هل يخرجها أو لا ولا مخاطرة هناك لأن المرأة على صفة واحدة لكن الزوج لا يعرفها وجهالته لا توجب خطرا كما في الغاية وغيرها لكن هذا منقوض بما إذا تزوجها على أنها إن كانت حرة الأصل فعلى ألفين وإن كانت مولاة فعلى ألف أو تزوجها على ألفين إن كانت له امرأة وعلى ألف إن لم تكن امرأة لأنه لا مخاطرة فيهما ولكن لا يعرف الحال مع أنهما خلافيتان أيضا كما صرحوا به
وفي الفتح والأولى أن تجعل مسألة القبيحة والجميلة على الخلاف فقد نص في نوادر ابن سماعة عن محمد على الخلاف لكن قاله في البحر وهو ضعيف تأمل
ولو تزوجها بهذا العبد أو بهذا العبد على الإبهام وأحدهما أعلى قيمة من الآخر فلها الأعلى إن كان الأعلى مثل مهر مثلها لرضاها به أو أقل عن مهر مثلها لرضاها بالحط إلا أن ترضى المرأة بالأدنى والأدنى أي فلها الأدنى إن كان الأدنى مثله أي مهر المثل لرضاها به أو أكثر منه لرضاهما بالزيادة إلا أن يرضى الزوج بالأعلى وفيه إشعار بأن مهر المثل إن كان مساويا لأحد العبدين قيمة يجب العبد لأنه المسمى كما في الكافي ومهر مثلها إن كان مهر مثلها بينهما بأن زاد على الأقل ونقص من الأكثر عند الإمام لأن مهر
____________________
(1/519)
المثل أصل يعدل عنه بصحة التسمية بكل وجه ولم يصح التسمية هنا من وجه فلم يعدل عنه وعندهما لها الأدنى بكل حال إذ المسمى هو الأصل وبتعذره بكل وجه يعدل إلى مهر المثل ولا تعذر هنا لتعين الأقل هذا إذا لم يشترط الخيار لها لتأخذ أيا شاءت أو الخيار له على أن يعطي أيا شاء فإن شرط صح اتفاقا لانتفاء المنازعة فلو تزوجها على ألف حالة أو مؤجلة إلى سنة ومهر مثلها ألق أو أكثر فلها الحالة وإلا فالمؤجلة وعندهما المؤجلة لأنها الأقل وإن تزوجها على ألف حالة أو على ألفين إلى سنة ومهر مثلها كالأكثر فالخيار لها وإن كان كالأقل فالخيار له وإن بينهما يجب مهر المثل وعندهما الخيار له لوجوب الأقل
وإن طلقها قبل الدخول فلها نصف الأدنى إجماعا كما في أكثر الكتب لكن ليس على إطلاقه لأنه شامل لما إذا كان نصف الأدنى أقل من المتعة وليس كذلك بل إن كان نصف الأدنى أقل من المتعة تكون لها المتعة كما في الخانية
وإن تزوجها بهذين العبدين فإذا أحدهما حر فلها العبد فقط عند الإمام إن ساوى العبد أي قيمته عشرة من الدراهم وإن لم يساو فيكمل العشرة لأن الإشارة معتبرة عنده فصار كأنه قال تزوجتك على هذا الحر وعلى هذا العبد والباقي صلح مهرا لكونه مالا فيجب المسمى وإن قل لأن المسمى يمنع وجوب مهر المثل وعند أبي يوسف والشافعي في قول له العبد مع قيمة الحر لو كان عبدا لأنه أطعمها سلامة العبدين وعجز عن تسليم أحدهما فتجب قيمته وعند محمد لها العبد وتمام مثل المهر إن هو أي العبد أقل منه أي
____________________
(1/520)
من مهر المثل وهو رواية عن الإمام لأنهما لو كانا حرين يجب تمام مهر المثل عنده فكذا إذا كان أحدهما حرا وقيد بأن يكون أحدهما حرا إذ لو استحق أحدهما فلها الباقي وقيمة المستحق ولو استحقا جميعا فلها قيمتهما بالإجماع كما في البحر بخلاف ما إذا استحق نصف الدار الممهورة فإن لها الخيار إن شاءت أخذت الباقي ونصف القيمة وإن شاءت أخذت كل القيمة فإن طلقها قبل الدخول بها فليس لها إلا النصف الباقي كما في المنح والتنوير
وإن تزوجها على فرس وقد حققناه آنفا أو ثوب هروي بالغ في وصفه أو لا بأن يبين طوله وعرضه خير الزوج بين دفع الوسط أو قيمته أي الوسط فتجبر المرأة على القبول هذا إذا ذكر الثوب الموصوف مطلقا أما إذا عين ثم أتى بالقيمة لا تخير وكذا إذا ذكره مضافا إلى نفسه بأن قال تزوجتك على ثوب كذا ليس له أن يعطي القيمة لأن الإضافة كالإشارة كما في المحيط
وقال زفر إذا بالغ في وصفه يرتفع الخيار ويجبر الزوج على تسليم الوسط وهو رواية عن الإمام
وقال الشافعي لها مهر مثلها وكذا خير الزوج بين تسليمه وتسليم قيمته
لو تزوجها على مكيل أو موزون غير الدراهم والدنانير بين جنسه أي نوعه لا صفته بأن تزوجها على حنطة أو شعير كذا ولم يزد عليه
وإن بين صفته أيضا كما بين جنسه وجب هو أي المسمى لا قيمته فيجبر على تسليمه لأن موصوفه يجب في الذمة ثبوتا صحيحا حالا أو مؤجلا وقيل الثوب مثله أي مثل المكيل إن بولغ في وصفه وهو قول زفر كما بيناه آنفا
وإن شرط في النكاح البكارة بلا زيادة شيء لها فوجدها ثيبا لزمه كل المهر أي جميع مهر المثل بلا تسمية أو المسمى بلا نقصان ولا عبرة بالشرط لأن المهر إنما شرع لمجرد الاستمتاع دون البكارة وكذا إن شرط أنها شابة فوجدها عجوزا
وإن اتفقا أي الزوجان على قدر من المهر
____________________
(1/521)
في السر بشهادة شاهدين وأعلنا غيره أي غير المتفق عليه عند العقد فالمعتبر ما أعلناه عند الطرفين وعند أبي يوسف ما أسراه يعني من تزوج امرأة بمهر في السر ثم تزوجها ثانيا بأكثر منه رياء وسمعة لها مهر السر عنده لأن النكاح لا يحتمل الفسخ فلا يعتبر العقد الثاني لأنه ليس بعقد حقيقة وقالا لها مهر العلانية لأن العقد الثاني وإن لم يعتبر استئنافا لكن فيه زيادة المهر وهي صحيحة فيعتبر من تلك الجهة هذا إذا لم يشهد على أن ما في العلانية هزل وإن أشهد لم تجب الزيادة اتفاقا وإنما قيدنا بالتزويج لأنهما لو أظهرا أكثر مما في السر بلا عقد آخر لم يعتبر الظاهر اتفاقا وقيدنا التزوج بأن يكون بأكثر لأنه لو تزوجها علانية على أن لا مهر لها فمهر السر اتفاقا وهذا إذا تعاقدا بجنس ما تواضعا ولو تعاقدا بخلاف جنسه كما إذا تعاقدا في السر على ألف درهم وتعاقدا في العلانية بمائة دينار فلها مهر المثل اتفاقا في الأصح كما في شرح المجمع وغيره فعلى هذا يلزم أن يكون العقد مرتين عقد في السر وعقد في العلانية لكن عبارة المصنف تقتضي أن يكون عدم العقد في السر بل تقاولا في المهر ويستقر رأيهما على قدر لأنه قال لو اتفقا ولم يقل لو تعاقدا تتبع
فصل ولا يجب شيء من المسمى ومهر المثل والمتعة والعدة والنفقة بلا وطء في عقد فاسد كالنكاح للمحارم المؤبدة أو المؤقتة أو بإكراه من جهتها أو بغير شهود أو للأمة على الحرة أو في العدة أو غيرها
وإن وصلية خلا بها إذ لا يثبت لها التمكن فصار كخلوة
____________________
(1/522)
الحائض ولهذا قالوا الصحيحة في الفاسدة كالفاسدة في الصحيحة فإن وطئ وجب مهر المثل لا يزاد على المسمى أي إن زاد مهر مثلها على المسمى لا يزاد عليه لأنها أسقطت حقها في الزيادة لرضاها بما دونها وعند الثلاثة وزفر يزاد عليه بالغا ما بلغ وكذا لو كان مهر المثل أقل من المسمى يجب مهر المثل لعدم صحة التسمية ولو لم يكن المهر مسمى أو كان مجهولا يجب بالغا ما بلغ بالإجماع
وفي العناية أن المعتبر الجماع في القبل حتى يصير مستوفيا للمعقود عليه وهاهنا كلام وهو أنه ينبغي أن يذكر وجوب العدة عليها كما ذكر في أكثر المتون تدبر واعلم أنه إذا وطئ في العقد الفاسد مرارا فعليه مهر واحد وكذا لو وطئ مكاتبته أو جارية ابنه مرارا أما لو وطئ الابن جارية أبيه بشبهة يجب لكل وطأة مهر ولو وطئ أحد الشريكين الجارية المشتركة فعليه لكل وطأة نصف مهر وعليها العدة بعد الوطء لا الخلوة فلو فرق بحكم فساد النكاح بعد الدخول ثم تزوجها صحيحا في عدته ثم طلقها قبل الدخول فلها المهر كاملا ولها عدة مستقلة وعند محمد نصف المهر وإتمام العدة الأولى وكذا الخلاف في النكاحين الصحيحين و يعتبر ابتداؤها أي ابتداء العدة من حين التفريق لا من آخر الوطآت
وقال زفر من آخر الوطآت واختاره أبو القاسم الصفار هو الصحيح لأن العدة تجب باعتبار شبهة النكاح ورفعها بالتفريق كما في الهداية
وفي المنح والتفريق في هذا إما بتفريق القاضي أو بمتاركة الزوج ولا يتحقق الطلاق في النكاح الفاسد بل هو متاركة فيه ولا يتحقق المتاركة إلا بالقول في المدخول بها وأما في غير المدخول بها فيتحقق المتاركة بالقول وبالترك عند بعضهم وعند البعض لا إلا بالقول فيهما فعلم أن المتاركة لا تكون من المرأة أصلا كما قيده الزيلعي بالزوج لكن في الفتح وغيره ولكل منهما فسخ الفاسد بغير حضور الآخر وقيل بعد الدخول ليس له ذلك إلا بحضور الآخر فعلى هذا أن للمرأة فسخه بمحضر الزوج اتفاقا ولا شك أن الفسخ متاركة فيلزم التوجيه بأن يفرق بينهما وهو بعيد تأمل
ويثبت فيه أي في النكاح الفاسد النسب منه لو جاءت بولد لستة أشهر إن اعترف بالوطء لأنه إذا خلا بها ثم جاءت بولد لستة أشهر
____________________
(1/523)
فأنكر الوطء لم يثبت النسب منه ومدته أي مدة النسب من حين الدخول عند محمد وبه يفتى وعندهما من وقت النكاح
وقال الزيلعي وهو أبعد لأن النكاح الفاسد ليس بداع إلى الوطء لحرمته ولهذا لا يثبت به حرمة المصاهرة بمجرد العقد بدون الوطء أو اللمس أو التقبيل واعلم أن حكم الدخول في النكاح الموقوف كالدخول في الفاسد فيسقط الحد ويثبت النسب ويجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل كما في أكثر الكتب وما في الاختيار من أنه لا تجب العدة ولا يثبت النسب في النكاح الموقوف قبل الإجازة غير صحيح تدبر
ومهر مثلها يعتبر بقوم أبيها في وقت العقد والأولى من قريب أبيها لأن القوم مختص بالرجال عند المحققين كالأخوات والعمات وبناتهن لأن الإنسان من جنس أبيه وإنما تعرف بالنظر إلى قيمة جنسه ولهذا صحت خلافة ابن الأمة إذا كان أبوه قريشيا إن تساويا سنا أي في السن وثبوته بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولفظ الشهادة فإن لم يوجد فالقول له مع اليمين وهكذا في البواقي كما في أكثر الكتب وجمالا وحسنا وقيل لا يعتبر الجمال في الحسب والشرف بل في أوساط الناس وهذا جيد كما في الفتح وغيره ومالا وعقلا هو قوة مميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة أو قوة يحصل الإدراك للقلب بإشراقها كما للبصر بالشمس أو هيئة محمودة للإنسان في مثل حركاته وسكناته كما في كتب الأصول وهو بهذا المعنى شامل لما شرط في النتف من العلم والأدب والتقوى والعفة وكمال الخلق فعلى هذا لا
____________________
(1/524)
حاجة إلى قوله ودينا أي ديانة وصلاحا كما في القهستاني وبلدا وعصرا وبكارة وثيابة بالفتح مصدر ثيب ليس من كلامهم كما في المغرب فلو قال وضدها لكان أصوب تدبر وإنما اشترط الاستواء في هذه الأوصاف لأن المهر يختلف باختلافها لاختلاف الرغبات فيها فإن لم يوجد مثلها في تلك الأوصاف منهم أي من قوم أبيها فمن الأجانب فيعتبر مهر مثلها في تلك الأوصاف من الأجانب من قبيلة هي مثل قبيلة أبيها وعن الإمام أنه لا يعتبر بالأجانب
وفي البحر نقلا عن الفتح ويجب حاله على ما إذا كان لها أقارب وإلا امتنع القضاء بمهر المثل وقد قدمنا أن في القضاء بمهر المثل لم ينحصر في النظر إلى من يماثلها من القبائل فلو فرض لها شيئا من غير ذلك صح
وإن لم يوجد جميع ذلك من هذه الأوصاف فيما يوجد منه أي من الجميع لأنه يتعذر اجتماع هذه الأوصاف في امرأتين فتعتبر بالموجود منها لأمها مثلها كما في الاختيار ولا يعتبر مثلها بأمها وخالتها لقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لها مهر مثل نسائها وهن أقارب الأب وقال ابن أبي ليلى يعتبر بأمها وقوم أمها إن لم تكونا من قوم أبيها فإن كانت منهم بأن تكون بنت عم أبيها فيعتبر مهرها لما أنها من قوم أبيها هذا كله بيان مهر المثل للحرة وأما مهر مثل الأمة فهو قدر الرغبة فيها وعن الأوزاعي ثلث قيمتها وصح ضمان وليها بنفسه أو رسوله مهرها هذا يتناول ولي الصغير بأن يزوج ابنه الصغير امرأة وضمن عنه مهرها صح ضمانه ويتناول أيضا ولي الصغيرة والكبيرة بأن يزوج ابنته الصغيرة أو الكبيرة وهي بكر أو مجنونة ثم ضمن عن الزوج مهرها صح من أهل الالتزام وقد أضاف الضمان إلى
____________________
(1/525)
ما يقبله وهو المهر فيصح وهذا في صحة الولي وأما في مرض الموت فلا لأنه تبرع لوارثه في مرض الموت وإن لم يكن وارثا له فالضمان في مرض الموت من الثلث وتطالب المرأة من شاءت منه أي من الولي الضامن ومن الزوج اعتبارا بسائر الكفالات ويرجع الولي على الزوج إذا أدى إن ضمن بأمره هذا في الكبير أما في الصغير فلا يعتبر أمره لكن في الذخيرة إن شرط الرجوع في أصل الضمان فله الرجوع وكان كالإذن من البالغ في الكفالة
وفي الولوالجية لا رجوع له إلا إذا أشهد عند الأداء أنه يؤدي ليرجع عليه فعلم أن الإشهاد يقوم مقام الأمر في حقه وإلا أي وإن لم يضمن بأمره فلا يرجع وهذه المسألة ليست في محلها لأنها من مسائل الكفالة ولو تركها لكان أخصر تدبر
وللمرأة منع نفسها من الوطء والسفر إذا أراد الزوج أن يطأها أو يسافر بها والصواب أن يقول والإخراج مكان السفر لأنه ربما يوهم أنه ينقلها لمحل آخر من بلدتها وليس له ذلك قبل الإيفاء تدبر حتى يوفيها قدر ما بين تعجيله من مهرها كلا أو بعضا لأن حقه قد تعين في المبدل فوجب أن يتعين حقها في البدل تسوية بينهما كما في أكثر الكتب ولها أي لتلك المرأة السفر والخروج من المنزل أي منزل زوجها للحاجة وزيارة أهلها بلا إذن الزوج
____________________
(1/526)
أيضا أي كما جاز منع نفسها من الوطء لأن حق الحبس لاستيفاء المستحق وليس له حق الاستيفاء قبل الإيفاء ولها النفقة أي الطعام أو هو مع الكسوة أو هما مع السكنى على الخلاف في مفهوم النفقة لو منعت المرأة نفسها من الوطء لذلك أي لاستيفاء مهرها المعجل فلا تكون ناشزة لأن المنع بحق وهذا أي المنع والقدرة على الخروج بلا إذن قبل الدخول والوطء حقيقة أو حكما كالخلوة الصحيحة
وكذا بعده أي بعد الدخول عند الإمام لأن المهر مقابل بجميع الوطآت الموجودة في الملك فإذا سلمت بعض المعقود عليه لا يسقط حقها في حبس الباقي كما لو سلم البائع بعض المبيع خلافا لهما فيما لو كان الدخول برضاها
وفي الإيضاح أنه قول الإمام أولا لأن تسليم المعقود عليه يحصل بالوطأة الأولى فيسقط حق امتناعها كما يسقط حق البائع في حبس المبيع بعد تسليمه قيد برضاها لأنها لو كانت مكرهة فلها الامتناع اتفاقا والمراد بالرضى الرضى المعتبر شرعا فلا حاجة إلى قوله غير صبية ولا مجنونة تأمل وإن لم يبين قدر المعجل أي إن لم يبين مقدارهما معينا أو سكت عن التعجيل والتأجيل مطلقا فقدر ما يعجل من مثله عرفا أي لها المنع حتى يوفيها قدر ما يعجل من مثل ذلك المهر عرفا أي ما حكم به العرف يعني ينظر إلى المسمى والمرأة فإن حكم بتعجيل بعض لها وتأجيل بعض فذاك وهو الصحيح لأن المعروف كالمشروط بخلاف ما إذا شرطا تعجيل الكل إذ لا عبرة بالعرف
وفي الإسبيجابي أن المهر معجلا أو مسكوتا عنه فإنه يجب حالا لأن النكاح عقد معاوضة وقد تعين حقه في الزوجة فوجب أن يتعين حقها وذلك بالتسليم
وفي العناية مثل هذا لكن مخالف لسائر الكتب غير مقدر بربع ونحوه
وفي
____________________
(1/527)
الصيرفية الفتوى على اعتبار عرف بلدهما من غير اعتبار الثلث أو النصف وليس لها ذلك المنع لو أجل كله أي المهر وكذا لو أجلته بعد العقد مدة معلومة لإسقاطها حقها بالتأجيل وفيه إشارة إلى أن تأجيل الكل إلى غاية مجهولة صحيح لأن الغاية معلومة في نفسها وهو الطلاق أو الموت وقال بعض المشايخ إنه غير صحيح والصحيح هو الأول وأما لو كان الأجل مبهما كهبوب الريح فحينئذ يكون المهر حالا بخلاف قليلة الجهالة كالحصاد ونحوه خلافا لأبي يوسف أي قال لها أن تمنع نفسها إذا كان مؤجلا استحسانا لأنه لما طلب تأجيله كله فقد رضي بإسقاط حقه في الاستمتاع
وقال الولوالجي وبه يفتى وقال صدر الشهيد هذا أحسن وبه يفتى لكن في الخلاصة وغيرها الفتوى على الأول فاختار ما في الخلاصة تتبع وإذا أوفاها أي المرأة ذلك فله أي للزوج نقلها حيث شاء ما دون مدة السفر من المصر إلى القرية وبالعكس كما في الخانية
وفي الكافي وعليه الفتوى وقيده في التتارخانية بما إذا كانت القرية قريبة يمكنه أن يرجع قبل الليل إلى وطنه لأنها ليست بقرية وذكر في القنية اختلافا في نقلها من المصر إلى الرستاق لكن في زماننا ينبغي العمل بالقول بعدم نقلها من المصر إلى القرية لفساد الزمان وقيل له أي للزوج السفر بها في ظاهر الرواية وبه أفتى صاحب ملتقى البحار إذا كان الزوج مأمونا عليها وأوفاها كل المهر والفتوى على الأول وبه أفتى الفقيه أبو الليث لفساد الزمان وإضرار الغريب لأنها لا تأمن على نفسها في منزلها فكيف إذا أخرجت وقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم مقيد بعدم الإضرار كما دل عليه سياقه فلا ينبغي ما قال المرغيناني أن الأخذ بقوله تعالى أولى من الأخذ بقول الفقيه كما في أكثر المعتبرات
وإن اختلفا أي الزوجان حال قيام النكاح في قدر المهر بأن ادعى أنه تزوجها على ألف وادعت أنه بألفين فالقول لها إن كان مهر مثلها كما
____________________
(1/528)
قالت أو أكثر إن كان مهر مثلها مساويا لما تدعيه المرأة أو أكثر فالقول لها مع يمينها
و القول له أي للزوج إن كان مهر مثلها كما قال أو أقل أي إن كان مهر المثل مساويا لما يدعيه الزوج أو أقل منه فالقول له مع يمينه وإن كان مهر مثلها بينهما أي بين ما قال الزوج والمرأة تحالفا ويجب أن يقرع في البداءة بالتحليف لعدم الرجحان لأحدهما
وقال القدوري في شرح الاستحلاف يبتدأ بيمين الزوج وأيهما نكل يلزم ما قال الآخر
و إن حلفا لزم مهر المثل فيدفع منه قدر ما أقر به تسمية فلا يتخير فيه والزائد يخير فيه بين الدراهم والدنانير هذا تخريج الرازي وصححه في النهاية
وقال الكرخي يتحالفان في الفصول الثلاثة ثم يحكم مهر المثل بعد ذلك وفي شرح تاج الشريعة وهو الأصح وفي الطلاق أي إن اختلف الزوجان حال الطلاق قبل الدخول القول لها إن كانت متعة المثل كنصف ما قالت المرأة أو أكثر أي إن كانت متعة المثل مساوية لنصف ما تدعيه أو أكثر فالقول لها مع اليمين وله إن كانت كنصف ما قال أو أقل أي إن كانت متعة المثل مساوية لنصف ما يدعيه أو أقل منه فالقول له مع اليمين
وإن كانت متعة المثل بينهما تحالفا كما مر
و إن حلفا لزمت المتعة أي متعة المثل عند الطرفين على ما ذكر في الجامع الكبير وأما في رواية الجامع الصغير والأصل لا تحكم المتعة بل يكون القول قوله في نصف المهر عندهما ووفق صاحب الهداية بينهما فليطالع وعند أبي يوسف القول له قبل الدخول وبعده والظاهر أن مراده القول له في الطلاق قبل الدخول وبعده لكن في الهداية القول قوله بعد الطلاق وقبله عنده
وفي الخانية القول له في الوجوه كلها عنده فيكون مخالفا إلا أن يقال القول له قبل الدخول وبعده قام النكاح أو لا فيكون قول المصنف مشتملا على أربع صور
____________________
(1/529)
الأولى اختلافهما قبل الدخول حال قيام النكاح والثانية اختلافهما بعد الدخول حال قيام النكاح أيضا والثالثة اختلافهما قبل الدخول بعد زوال النكاح والرابعة اختلافهما بعد الدخول بعد زوال النكاح أيضا فعند أبي يوسف القول له في هذه الصور كلها كما في الخانية وعندهما تحكم مهر المثل في الأول والثانية والرابعة وتحكم متعة المثل في الثالثة على رواية الجامع الكبير ويعتبر قول الزوج في نصف المهر على رواية الجامع الصغير تتبع إلا أن يذكر ما لا يتعارف مهرا لها هو الصحيح وقيل لا يصلح مهرا شرعا بأن قل عن عشرة دراهم لأنه مستنكر شرعا قال الوبري هذا أشبه بالصواب وأيهما من الزوجين برهن على ما ادعاه قبل برهانه في جميع هذه الوجوه
وإن برهنا فبينته أولى حيث يكون القول لها وبينتها أولى حيث يكون القول له لأن بينة من لم يشهد له الظاهر أولى لأنها تثبت الحط والزيادة لكن بقي فيه صورتان وهي أن تكون مهر المثل بينهما أو متعة المثل بينهما إن أقاما كيف يكون الحال قلنا المفهوم من العناية يقضى بما بينهما في الصورتين
وفي الدرر وغيره يحكم بمهر المثل لكن ينبغي أن تقبل بينتها لأنها تثبت الزيادة ولم يشهد لها مهر المثل كما نص محمد في هذا
تدبر
وإن اختلفا أي الزوجان في أصله أي المسمى بأن قال أحدهما لم يسم مهر والآخر يدعي التسمية وجب مهر المثل بالإجماع المركب لأنه هو الأصل عند الطرفين وأما عنده فلأنه تعذر القضاء بالمسمى لعدم ثبوت التسمية للاختلاف فيجب مهر المثل
وفي شرح الوقاية وإن أقام البينة لا شك في قبولها وإن لم يقم فعندهما يحلف فإن نكل ثبت دعوى التسمية وإن حلف يجب مهر المثل وأما عند الإمام ينبغي أن لا يحلف في النكاح فيجب مهر المثل انتهى لكن الكلام في المهر دون النكاح ويجري الحلف في المال اتفاقا وقد ذكرها هو بنفسه في كتاب الدعوى تدبر وموت أحدهما كحياتهما في الحكم أي الجواب فيه كالجواب في حال حياتهما حال قيام النكاح في الأصل والقدر لأن مهر المثل لا يسقط اعتباره بموت أحدهما ولهذا يجب في المفوضة مهر المثل بعد موت أحدهما بالاتفاق وفي موتهما إن اختلفت الورثة في قدره أي
____________________
(1/530)
المسمى فالقول مع اليمين لورثة الزوج عند الإمام كأبي يوسف حال الحياة إلا أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال القول لورثة الزوج وإن ادعوا شيئا قليلا فلذا قال ولا يستثنى القليل المستنكر لأن اعتباره يسقط عنده بعد موتهما وعند محمد كالحياة أي يحكم مهر المثل وإن اختلفوا أي الورثة في أصله أي المسمى يجب مهر المثل عندهما كما في حالة الحياة لأن مهر المثل صار دينا في ذمته كالمسمى فلا يسقط بالموت كما إذا مات أحدهما وبه يفتى كما في أكثر المعتبرات وعند الإمام القول لمنكر التسمية ولا يجب شيء لأن التقادم دليل انقراض الأقران فلا يمكن تقدير مهر المثل كما في أكثر الكتب لكن لم لا يجوز أن يعرف ذلك بالبينة أو بتصادق الورثة كما في الفتح
وفي السرخسي هذا إذا تقادم العهد وانقرض العصر أما إذا لم يتقادم العهد يقضى بمهر المثل عنده أيضا وهذا إذا لم تسلم نفسها فإن سلمتها ووقع الاختلاف في الحالتين لا يحكم بمهر المثل بل يقال لها لا بد أن تقري بما تعجلت وإلا حكمنا عليك بالمتعارف في المعجل ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا لأن المرأة لا تسلم نفسها إلا بعد قبض شيء من المهر عادة كما في أكثر الكتب لكن في البحر ولا يخفى أن محله فيما ادعى الزوج إيصال الشيء إليها أما لو لم يدع فلا ينبغي ذلك لكن لا يخفى ما فيه تأمل
وإن بعث الزوج إليها شيئا لم يذكر جهة عند الدفع غير جهة المهر لأنه لو ذكر جهة أخرى لا يقبل قوله بعد ذلك كما في القنية فقالت المرأة هو أي المبعوث هدية أي شيء يعطى للمودة وقال الزوج مهر أي لأجل المهر أو من المهر فالقول له أي للزوج مع يمينه إن لم يكن لها بينة لأنه المملك فالقول له في كيفية التمليك ولأن الظاهر يشهد أنه يسعى في إسقاط الوجوب عن ذمته في غير ما هيئ للأكل لأن الظاهر يتخلف عنه فيه والقول إنما هو لمن يشهد له الظاهر والظاهر في
____________________
(1/531)
مثله المتعارف أن يبعثه هدية والمراد منه ما يفسد ولا يبقى كاللحم والطعام المطبوخ فإن القول لها في ذلك استحسانا وأما فيما يبقى كالحنطة والدقيق والسمن والعسل فالقول له كما في أكثر الكتب
وفي المحيط المختار عند الفقيه أنه إن كان مما يجب على الزوج كالخمار والدرع ومتاع البيت فهدية وإلا فالقول له كالخف والملاءة
وفي الفتح والذي يجب اعتباره في ديارنا أن جميع ما ذكر من الحنطة وغيرها يكون القول فيه قولها لأن المتعارف في ذلك كله إرساله هدية فالظاهر مع المرأة لا معه ولا يكون القول له إلا في الثياب والجارية ثم إذا كان القول له فالمتاع ترده عليه إن كان قائما أو ترجع بمهرها وإن كان هالكا لا ترجع بالمهر بل بما بقي إن كان يبقى بعد قيمته شيء
وفي التنوير خطب بنت رجل وبعث إليها أشياء ولم يزوجها أبوها فما بعث للمهر يسترد عينه قائما وإن تغير بالاستعمال أو قيمته هالكا وكذا ما بعث هدية وهو قائم دون الهالك والمستهلك لأن فيه معنى الهبة ولو ادعت أن المبعوث من المهر
وقال هو وديعة فإن كان من جنس المهر فالقول لها وإن كان المبعوث من خلاف الجنس فالقول له ولو أنفق على معتدة الغير بشرط أن يتزوجها إن زوجته لا رجوع مطلقا وإن أبت فله الرجوع إن كان دفع لها وإن أكلت معه فلا مطلقا كما في فصول العمادي
وإن نكح ذمي ذمية أو
____________________
(1/532)
حربي حربية ثمة أي في دار الحرب على ميتة أو بلا مهر بأن سكتا عنه أو نفياه وذلك أي والحال أن النكاح جائز في دينهم وإنما قيد لأنه إن لم يجز هذا في دينهم أو يجب المهر عندهم لا يكون الحكم عدم الوجوب فلا شيء لها عند الإمام وإن أسلما إذ أمرنا بتركهم وما يدينون وكذا عندهما في الحربيين لأن أهل الحرب غير ملتزمين أحكام الإسلام وولاية الإلزام منقطعة لتباين الدار خلافا لهما والأئمة الثلاثة في الذميين سواء وطئت أو طلقت قبله أي الوطء أو مات أحدهما قبله وبعده لكن عبارة المصنف توجب خلاف الإمامين في الكل وليس كذلك لأن عندهما في الذميين لها مهر المثل إن دخل بها أو مات عنها زوجها والمتعة إن طلقها قبل الدخول بها لأنهم التزموا أحكامنا من الطلاق والعدة وحرمة نكاح المحارم والتوارث بالنسب وبالنكاح الصحيح وثبوت خيار البلوغ والمطلقة ثلاثا والزنا والربا وغيرها لقوله عليه الصلاة والسلام لهم ما لنا وعليهم ما علينا لكن يلزم أن لا يصح عندهما تبايعهم بالخمر والخنزير لأنه من المعاملات مع أنه جائز إجماعا تأمل
وقال زفر لها مهر مثلها في الحربيين أيضا
وإن نكحها أي ذمي ذمية بخمر أو خنزير معين ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض فلها ذلك أي المعين من الخمر أو الخنزير عند الإمام لأنها ملكته بالعقد والإسلام لا يمنع قبضه
وإن كان غير معين فقيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير عند الإمام أيضا لأن الخمر عندهم مثلي كالخل عندنا ولا يحل أخذها فإيجاب القيمة يكون إعراضا عن الخمر وأما الخنزير فمن ذوات القيمة عندهم كالشاة عندنا فإيجاب القيمة فيه لا يكون إعراضا عنه فيجب مهر المثل تحقيقا لمعنى الإعراض وعند أبي يوسف والأئمة الثلاثة لها مهر المثل في الوجهين أي في المعين وغير المعين لأنه لو كانا مسلمين وقت العقد يجب مهر
____________________
(1/533)
المثل فكذا هنا وهو قول أبي يوسف الآخر وعند محمد لها القيمة فيهما أي في المعين وغير المعين لصحة التسمية لعدم الإسلام حال العقد ثم بالإسلام تعذر قبضه فتجب قيمته وهو قول أبي يوسف الأول
وفي الطلاق قبل الدخول يجب المتعة عند من أوجب مهر المثل ونصف القيمة عند من أوجبها
وفي شرح الكنز ولو طلقها قبل الدخول ففي المعين لها نصف المعين عند الإمام وفي غير المعين ففي الخمر لها نصف القيمة وفي الخنزير لها المتعة وعند محمد لها نصف القيمة بكل حال وعند أبي يوسف لها المتعة على كل حال
____________________
(1/534)
باب نكاح الرقيق لما فرغ من بيان نكاح من له أهلية النكاح من غير توقف شرع في بيان نكاح من ليس له ذلك الرقيق في اللغة العبد ويقال للعبيد والمراد هنا المملوك من الآدمي لأنهم قالوا إن الكافر إذا أسر في دار الحرب فهو رقيق لا مملوك وإذا أخرج فهو مملوك فعلى هذا كل مملوك من الآدمي رقيق ولا عكس والفرق بينه وبين القن أن الرقيق هو المملوك كلا أو بعضا والقن هو المملوك كلا كما في المنح نكاح العبد والأمة سواء كانت قنا أو مكاتبة أو مدبرة والمدبر والمكاتب وأم الولد بلا إذن السيد موقوف خلافا لمالك في العبد مطلقا قاسه على الطلاق وهذه العبارة أولى من عبارة الكنز وهي لم تجز لأنه يلزم عدم الجواز وليس كذلك لأنه جائز لكنه موقوف فإن أجاز المولى النكاح قبل الدخول أو بعده صريحا أو دلالة نفذ النكاح لكن لو أذن بعده كره له وطؤها بلا نكاح آخر كما في القهستاني
وإن رد بطل لأنه عيب والمراد بالمولى هنا من له ولاية تزويج الرقيق ولو غير مالك له ولهذا كان للأب والجد والقاضي والوصي تزويج أمة اليتيم وليس لهم تزويج العبد لما فيه من عدم المصلحة وقوله أي السيد طلقها رجعية إجازة لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا بعد سبق النكاح الصحيح فيدل على إذن لا أي لا يكون إجازة لو قال له طلقها أو فارقها لأنه يحتمل الرد وهو الظاهر هنا حيث تزوج بغير أمره فيحمل عليه وفيه إشارة بأن سكوته بعد العلم ليس
____________________
(1/535)
بإجازة كما في القنية فإن نكحوا بإذنه أي بإذن السيد فالمهر عليهم أي على المذكورين فلو طلبت يباع العبد فيه فلو بيع فلم يف ثمنه بالمهر لا يباع ثانيا ويطالب بالباقي بعد العتق بخلاف النفقة حيث يباع مرارا لأنها تجب ساعة فساعة فلم يقع البيع بالجميع فإذا مات يسقط المهر والنفقة لفوات محل الاستيفاء وكذا الحكم في المدبر والمكاتب هذا إذا تزوج العبد بأجنبية ولو زوج المولى أمته من عبده لا يجب المهر وهو الأصح ويسعى للمهر والنفقة المدبر والمكاتب ولا يباعان لأنهما لا يحتملان النقل من ملك إلى ملك مع بقاء الكتابة والتدبير وكذا معتق البعض وابن أم الولد فيؤدي من كسبهما فإن أخرج المدبر عن ملكه كان ضامنا للجميع كما إذا عجز المكاتب فرد إلى الرق فإنه يكون الكل على المولى فإن أوفاها وإلا بيع لها كما في القهستاني وإذنه أي السيد لعبده بالنكاح مطلقا يشمل جائزه أي النكاح وفاسده عند الإمام ويصرف إلى الجائز عندهما والثلاثة وثمرة الخلاف تظهر في أمرين ذكر الأول بقوله فيباع في المهر في الحال لو نكح فاسدا فوطئ ولو لم يطأ لا شيء عليه عنده وعندهما لا يطالب إلا بعد العتق وذكر الثاني بقوله ويتم الإذن به أي بالنكاح الفاسد حتى لو نكح بعده أي لو جدد العبد نكاح هذه المرأة نكاحا جائزا أو نكح امرأة بعدها نكاحا صحيحا توقف على الإجازة لأن الإذن بالعقد حيث ينتهي عنده ولا ينتهي به عندها لأن المقصود من النكاح وهو تحصينه من الزنا إنما يحصل بالجائز دون الفاسد
وله أن الإذن مطلق فيجرى على إطلاقه ولا يتقيد بالصحيح كالإذن بالبيع وقيد بالإذن لأن
____________________
(1/536)
التوكيل بالنكاح لا يتناول الفاسد ولا ينتهي به اتفاقا وعليه الفتوى كما في المستصفى
وإن زوج السيد عبده المأذون المديون صح النكاح لأنه لا يبتنى على ملك الرقبة فيجوز تحصينا له وهي المرأة أسوة للغرماء فيباع في الكل فيقسم ثمنه بين المرأة وبين الغرماء بالحصة فتأخذ حصة مهرها إن كان المهر غير متجاوز عن مهر مثلها ولهذا قال في مهر مثلها ففي القدر المتجاوز عنه لا تزاحمهم تأخذه بعد استيفائهم حقوقهم كدين الصحة مع دين المرض ومن زوج أمته لا يلزم تبوئتها وإن شرطا وقت العقد التبوئة تفعلة يقال بوأ له منزلا وبوأه منزلة إذا هيأ له كما في المغرب ويطأ الزوج متى ظفر فليس للسيد ولاية المنع إلا قبل أخذ المعجل وليس للزوج أن يمنعه من أن يستخدمها لأن المستحق للزوج ملك الحل لا غير و لكن لا نفقة عليه أي الزوج إلا بالتبوئة لأن النفقة جزاء احتباسها فلا يوجد احتباسها إلا بتبوئتها وهي أي التبوئة أن يخلى بينها أي الأمة وبين الزوج في منزله ولا يستخدمها ولو ترك الإضافة في منزله لكان أولى لأن التبوئة أن يخلى بينهما في أي منزل كان كما فسر الخصاف فلا وجه للاختصاص بمنزل الزوج تأمل فإن بوأها ثم رجع صح رجوعه لأنه حقه لا يسقط بها كما لا يسقط بالنكاح وسقطت النفقة فلو بوأها عادت نفقتها كالحرة إذا نشزت ثم عادت
وإن خدمته أي الجارية لسيدها بعد التبوئة بلا استخدامه أي السيد لا تسقط النفقة وكذا لو استخدمها السيد نهارا وأعادها إلى بيت الزوج ليلا كما في الشمني لكن في القهستاني نقلا عن القنية كان نفقة اليوم على السيد والليل على الزوج تتبع
وإن زوج أمته ثم
____________________
(1/537)
قتلها أي الأمة قبل الدخول أي الزوج بها سقط المهر عند الإمام لأنه منع المبدل قبل التسليم فيجازى بمنع البدل كالحرة إذا ارتدت وقال عليه المهر لمولاها اعتبارا لموتها حتف أنفها لأن المقتول ميت بأجله عند أهل الحق وذكر شيخ الإسلام هذا إذا كان السيد من أهل المجازاة لأنه لو لم يكن منه بأن كان صبيا لا يسقط اتفاقا
وقال الإمام الصفار فعل الصبي معتبر في حقوق العباد فيجوز أن يكون الجواب فيه على الخلاف أيضا لكن رجح صاحب المنح وغيره الأول فعلى هذا لو قيد بالمكلف لكان أولى تدبر
وقيد بقتل السيد لأن الأمة لو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي لا يسقط اتفاقا إلا في رواية عن الإمام وقيد بالأمة لأن المولى لو قتل زوج أمته لا يسقط اتفاقا وقيد قبل الدخول لأن بعد الدخول المهر واجب اتفاقا بخلاف ما لو قتلت الحرة نفسها قبله أي قبل الدخول خلافا لزفر وفيه أن التقييد بقتل الحرة نفسها ليس احترازيا لأن وارثها لو قتلها قبله فلا يسقط أيضا وهذه المسألة ليست في محلها لكن ذكرها استطرادا
والإذن في العزل عن الأمة أي أمة الغير لأن أمته لا خلاف في جوازه بلا إذن للسيد عند الإمام وصاحبيه في ظاهر الرواية لأنه يخل بمقصود المولى وهو الولد فيعتبر رضاه عندهما في غير ظاهر الرواية الإذن لها فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يعبر بعن لا عند تدبر
وقيد بالأمة لأن الحرة لا يباح العزل فيها بلا رضاها بالإجماع وقالوا في زماننا يباح لفساد الزمان وأفاد أن العزل جائز بالإذن وهو الصحيح عند عامة العلماء ثم إذا عزل وظهر بها حبل إن لم يعد إلى وطئها أو عاد بعد البول جاز له نفيه وإلا فلا
وإن تزوجت أمة أو مكاتبة كبيرة فإنه لا خيار للصغيرة فإذا بلغت كان لها خيار العتق لا خيار البلوغ كما في البحر ولو ترك المكاتبة لكان أخصر لأن الأمة شاملة لها كأم الولد والمدبرة بالإذن أي بإذن
____________________
(1/538)
السيد ثم عتقت تلك الأمة فلها الخيار في الفسخ إلى آخر المجلس فإن اختارت نفسها قبل دخول الزوج فلا مهر لأحد لأن الفرقة من قبلها وإن اختارت زوجها فالمهر لسيدها حرا كان زوجها أو عبدا سواء كان النكاح برضاها أو لا فإن كانت تحت العبد فلها الخيار اتفاقا دفعا للعار وهو كون الحرة فراشا للعبد وإن كانت تحت الحر ففيه خلاف الشافعي
وإن تزوجت بلا إذن من سيدها فعتقت قبل إذنه وقبل وطء مولاها فإن الوطء فسخ للنكاح عند أبي يوسف خلافا لمحمد نفذ النكاح خلافا لزفر لكن فيه إشكال لأن الأمة شاملة لأم الولد وأم الولد إذا أعتقت قبل وطء الزوج بطل نكاحها لوجوب العدة عن المولى
وكذا أي وتزوجها العبد بغير إذن المولى ثم عتق نفذ لأن توقفه كان لحق السيد وقد زال وكذا لو باعه فأجاز المشتري ولا خيار لها للعتق لأن النفوذ بعد العتق وبعد النفاذ لم يزد عليها ملك فلم يوجد سبب الخيار فلا يثبت كما لو تزوجت بعد العتق والمسمى من المهر وإن زاد على مهر المثل للسيد إن وطئت المنكوحة بلا إذن قبل العتق استحسانا لاستيفاء منافع مملوكة للمولى والقياس أن يجب المهران بالعقد والوطء بشبهة وجه الاستحسان أن الجواز استند إلى أصل العقد ولو وجب مهر آخر لوجب بالعقد مهران
وقال الزيلعي يشكل بما ذكر في المهر في تعليل قول الإمام في حبس المرأة بعد الدخول برضاها حتى يوفيها مهرها لأن المهر مقابل بالكل أي بجميع وطآت توجد في النكاح حتى لا يخلو الوطء عن المهر فقضية هذا أن يكون لها شيء من المهر بمقابلة ما استوفى بعد العتق ولا يكون الكل للمولى انتهى
لكن العقد سبب للمهر ولزومه بالوطء وكلاهما واقعان في ملك المولى مع عدم الرضا فكانت الوطآت الواقعة في هذا العقد واقعة في ملك المولى بوقوع سببه فيه فيكون كل المهر له وليس كذلك ما قيس عليه تدبر
ولها أي المسمى للمنكوحة بلا إذن إن وطئت بعده أي العتق لاستيفاء منافع مملوكة لها
____________________
(1/539)
فوجب البدل لها لكن لو طلقها قبل الدخول يكون نصف المهر للمولى فيلزم أن يكون نصفه أيضا له إذا وطئها بعد العتق إلا أن يقال المهر قد تم بالوطء وهو قد وقع بعدما خرج عن ملكه فيكون كل المهر لها تدبر
ومن وطئ أمة ابنه أي قنه وكان الأب مسلما مكلفا فولدت هذه الأمة ولدا فادعاه أي الأب الولد سواء ادعى الشبهة أو لا ثبت نسبه منه أي من الأب وإن كذبه الابن صيانة لمائه عن الضياع ولنفسه عن الزنا هذا إذا كانت في ملك الابن من وقت العلوق إلى وقت الدعوة حتى إذا كانت في ملكه وقت العلوق فباعها ثم ردت بخيار أو فساد ثم ادعاه يثبت إلا إذا صدقه الابن كما في الظهيرية وإنما قيدنا بالمسلم والمكلف لأن دعوة الكافر والعبد والمجنون لا تصح وإنما فسرنا الأمة بالقنة لأن دعوة ولد مكاتبته وأم ولده ومدبرته لم تصح مع أن الأمة شاملة لهن كما قررناه آنفا ولزمه أي الأب قيمتها أي الأمة صيانة لمال الولد مع حصول مقصود الأب وعلل صدر الشريعة لئلا يكون الوطء حراما فتجب قيمتها انتهى
لكن هذا الدليل يقتضي عدم وجوب العقر فيما إذا وطئ الأب جارية ابنه غير معلق مع أنهم صرحوا بوجوب العقر وهذا ينفي الإباحة تدبر
لا مهرها أي ويلزم عقرها لأن الوطء وقع في ملكه ولا قيمة ولدها لأنه انعلق حرا لاستناد الملك إلى ما قبل الاستيلاد وتصير تلك الأمة أم ولده لثبوت النسب منه والجد الصحيح كالأب في جميع ما ذكر بعد موته أي الأب ولو حكما كما إذا كان كافرا أو رقيقا أو مجنونا ولو قال عند عدم ولايته لكان شاملا لها حقيقة تدبر
لا قبله ولا حاجة إليه لأنه يفهم من بعد موته بل هو مستدرك تدبر
وإن زوج أمة أباه والأولى وإن زوجها أبوه لشموله ما إذا كانت
____________________
(1/540)
الجارية لولده الصغير فتزوجها الأب فإن النكاح صحيح ولا تصير أم ولد له كما في الخانية جاز النكاح لأنها ملك الغير حقيقة وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم أنت ومالك لأبيك مجاز لأن ثبوت الملك للأب متروك بالإجماع كما في المستصفى وعند الثلاثة لا يصح نكاحها وعليه العقر لكن إذا لم يصح يلزم أن يكون مالكا لها بملك اليمين فلا يجب عليه العقر تأمل
وقال زفر يجوز النكاح وتصير أم ولد له إذا جاءت بولد كما في الزيلعي لكن يشكل بلزوم المنافاة بين كونها أم ولد له وصحة النكاح إذ هو يقتضي ملك يمين والنكاح غيره تدبر
وعليه أي الأب مهرها لالتزامه بالنكاح لا قيمتها لعدم ملك الرقبة فإن أتت الأمة بولد من الأب لا تصير أم ولد لأن انتقالها إلى ملك الأب لصيانة مائه وقد صار مصونا بدونه فلا حاجة إليه وهو أي الولد حر بقرابته لأنه ملك أخاه فعتق عليه كما في الهداية وغيرها والظاهر يقتضي أن الولد علق رقيقا لكن اختلف فيه فقيل يعتق قبل الانفصال وقيل بعد الانفصال
وفي الغاية الوجه هو الأول لأن الولد حدث على ملك الأخ من حين العلوق فكما ملكه عتق عليه بالقرابة تدبر
حرة قالت لسيد زوجها أي تزوج عبد حرة بإذن مولاه فقالت الزوجة للسيد أعتقه عني بألف ففعل فسد النكاح هذا إذا لم يزد على ما أمر به لأنه لو زاد عليه بأن قال بعتك بألف ثم أعتقت لم يصر مجيبا بل مبتدأ ووقع العتق عن نفسه فلا يفسد النكاح كما في البحر وكذا لو قال رجل تحته أمة لمولاها أعتقها عني بألف ففعل عتقت الأمة وفسد النكاح إلا أن في الأولى يسقط المهر وفي الثانية لا ولزمها الألف والولاء لها ويصح عن كفارتها لو نوت به أي لو نوت بهذا الإعتاق عن الكفارة
____________________
(1/541)
وعند زفر النكاح ويقع الولاء عن المأمور وأصله أنه يقع العتق عن الآمر عندنا حتى يكون الولاء له ولو نوى به الكفارة يخرج عن العهدة وعنده يقع عن المأمور لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنه وهذا محال لأنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم فلم يصح الطلب فيقع العتق عن المأمور ولنا أنه أمكن تصحيحه بتقديم الملك بطريق الاقتضاء إذ الملك شرط لصحة العتق عن الآمر فيصير قوله أعتق طلب التمليك من المولى بالألف ثم أمره بالإعتاق عند الآمر عنه وقوله أعتقت تمليكا من الآمر ثم الإعتاق عن الآمر وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الملكين كما في الهداية وإن لم تقل الحرة بألف لا يفسد النكاح والولاء له أي للسيد عند الطرفين خلافا لأبي يوسف هو يقول هذا والأول سواء فيثبت الملك هنا بطريق الهبة وتستغني الهبة عن القبض وهو شرط كما يستغني البيع عن القبول وهو ركن ولهما القبول ركن يحتمل السقوط كما في التعاطي وأما القبض فلا يحتمل السقوط في الهبة بحال
وللمولى إجبار عبده وأمته على النكاح ومعنى الإجبار أن ينفذ نكاح المولى بغير رضاهما خلافا للشافعي هذا إذا كانا كبيرين وإن كانا صغيرين يجوز الإجبار عنده أيضا دون مكاتبه ومكاتبته لأنهما التحقا بالأحرار في التصرف فيشترط رضاهما
باب نكاح الكافر والمناسبة ظاهرة بينهما لأن الرق أثر الكفر إلا أن الكافر أدنى منه والتعبير بالكافر أولى من تعبير بعضهم بنكاح أهل الشرط لأنه لا يشمل الكتابي وإذا تزوج كافر بلا شهود أو في
____________________
(1/542)
عدة كافر آخر لأنها لو كانت في عدة مسلم فسد النكاح بالإجماع
و الحال أن ذلك جائز في دينهم قيد به لأنهم لو لم يدينوا جوازه لم يقرا عليه في الإسلام ثم أسلما أقرا أي تركا عليه أي على ذلك النكاح ولم يجدد عند الإمام وهو الصحيح لأن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع لأنهم غير مخاطبين بالفروع ولاحقا للزوج لأنه لا يعتقدها خلافا لهما في العدة لأن النكاح في العدة حرام بالإجماع بخلاف النكاح بغير شهود وهم لم يلتزموا أحكامنا بجميع اختلافاتها لكن فيه كلام قد قررناه في أول كتاب النكاح تتبع
وقال زفر النكاح فاسد في الوجهين لأن أهل الذمة تبع لأهل الإسلام وهم لا يجوزون نكاحهم بغير شهود وفي عدة غيره وكذا أهل الذمة
وفي النهاية هذا إذا كانت المرافعة أو الإسلام قبل انقضاء العدة وأما بعد انقضائها فلا يفرق اتفاقا
ولو تزوج المجوسي محرمه كأمه وأخته ونحوهما من المحارم ثم أسلما معا أو أحدهما فرق بينهما بالإجماع لعدم المحلية فيستوي فيه الابتداء والبقاء فكما لا يجوز ابتداء في الإسلام فكذا لا يجوز بقاء فيه
وكذا يفرق بينهما لو ترافعا أي المحرمان إلينا أي عرضا أمرهما إلينا وهما على الكفر وفيه إشارة إلى أنها لا تبين بلا تفريق القاضي لكن في المنية تبين وبمرافعة أحدهما لا يفرق عند الإمام إذ بمرافعة أحدهما لا يبطل حق الآخر لعدم التزامه أحكام الإسلام وليس لصاحبه ولاية إلزامه بخلاف ما إذا أسلم لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه خلافا لهما أي يفرق عندهما بمرافعة أحدهما كإسلامه
وفي الجوهرة وعند أبي يوسف يفرق بينهما وجد الترافع أو لا وعند
____________________
(1/543)
محمد يفرق بينهما إن وجد الترافع
والطفل الذي لا يعقل الإسلام ولا يصفه فاللام للعهد كما في القهستاني لكن أفتى شمس الأئمة السرخسي أنه يصير مسلما بإسلام أحد أبويه وإن كان يعبر عن نفسه مسلم إن كان أحد أبويه مسلما فإن قلت كيف يصح هذا التعميم ولا وجود لنكاح المسلمة مع كافر قلنا هذا محمول على حالة البقاء بأن أسلمت المرأة فجاءت بولد قبل عرض الإسلام على الزوج أو أسلم أحدهما لأنه أنظر له وهذا إذا لم يختلف الدار بأن كانا في دار الإسلام أو في دار الحرب أو كان الصغير في دار الإسلام وأسلم الوالد في دار الحرب ولو كان الولد في دار الحرب والوالد في دار الإسلام فأسلم لا يتبعه ولده ولا يكون مسلما كما في التبيين و الطفل كتابي إن كان بين كتابي ومجوسي لأن فيه نوع نظر له حتى في الآخرة بنقصان العقاب فإن المجوسي ومثله من أهل الشرك شر من الكتابي
ولو أسلمت زوجة الكافر كتابيا أو لا أو زوج المجوسية وإنما قيد بها لأنها إن كانت كتابية فلا عرض ولا تفريق عرض الإسلام على الآخر فلو كان من يعرض عليه صغيرا لا يعقل الأديان ينتظر عقله لأن له غاية معلومة ولو كان مجنونا لا ينتظر بل يعرض على أبويه فأيهما أسلم بقي النكاح لأنه يتبع المسلم منهما كما في الفتح
وقال الشافعي لا يعرض وتبين المرأة في الحال إن كان الإسلام قبل الدخول وبعده يتوقف على مضي العدة فإن أسلم من عرض له الإسلام فهي أي المرأة المسلمة له وإلا أي وإن لم يسلم فرق بينهما أي فرق القاضي بإبائه عن الإسلام
وفي الكنز إذا أسلم أحد الزوجين بعرض الإسلام على الآخر
وقال الزيلعي هذا على إطلاقه يستقيم في المجوسيين وأما إذا كانا كتابيين فإن أسلمت فهي كذلك وإن أسلم فلا يتعرض لها وكذلك إذا كانت هي كتابية والزوج مجوسيا لكن صاحب الكنز قال بعد عدة أسطر ولو أسلم زوج
____________________
(1/544)
الكتابية بقي نكاحهما فعلم منه أن المراد هاهنا ما لا يمكن اجتماعهما بإسلام أحدهما وكفر الآخر فيستقيم الكلام تدبر
فإن أبى الزوج الكافر عن الإسلام فالفرقة طلاق ولو كان الزوج صغيرا عند الطرفين حتى ينقضي به عدد الطلاق وبه يفتى كما في المطلب وعليه النفقة والسكنى ما دامت في العدة لأن الفرقة جاءت بسبب من جهة الزوج وهو إباؤه عن الإسلام وذلك منه تفويت الإمساك بالمعروف فتعين التسريح بالإحسان والإحسان بالتسريح أن يوفيها مهرها ونفقة عدتها كما في المبسوط خلافا لأبي يوسف فإن عنده لا تكون طلاقا بل فسخا حتى لا ينتقص به عدد الطلاق لا إن أبت هي أي لا تكون الفرقة طلاقا إن أبت المجوسية لأن الطلاق لا يكون من النساء حتى ينوب القاضي منابها ولها المهر سواء كان الإباء من قبله أو من قبلها لو بعد الدخول لتأكده بالدخول وإلا أي وإن لم يكن الإباء بعد الدخول بل قبله فنصفه لو أبى الزوج لأن التفريق هنا طلاق قبل الدخول ولا شيء لو أبت وجود الفرقة من قبلها كالمطاوعة لابن زوجها
ولو كان ذلك أي إسلام زوجة الكافر أو زوج المجوسية في دارهم لا تبين حتى تحيض ثلاثا إن كانت ممن تحيض فلو كانت ممن لا تحيض لصغر أو كبر فلا تبين إلا بمضي ثلاثة أشهر ولو قال لا تبين إلا بمضي العدة أو بمضي مقدار العدة لكان أولى لأنه شامل لوضع الحمل قبل إسلام الآخر لأن الإسلام ليس سببا للفرقة وعرض الإسلام متعذر لقصور الولاية ولا بد من الفرقة رفعا للفساد فأقمنا شرطها وهو مضي الحيض مقام السبب كما في حفر البئر وهذه الحيض لا تكون عدة ولهذا يستوي فيها المدخول بها وغيرها ثم ينظر إن كانت الفرقة قبل الدخول فلا عدة عليها وإن بعده فكذا عند الإمام وعندهما تجب عليها العدة وإن أسلم زوج الكتابية
____________________
(1/545)
بقي نكاحها لأنه يجوز له التزوج بها ابتداء فالبقاء أولى وتباين الدارين سبب الفرقة لأن منع التباين حقيقة وحكما لانتظام مصالح النكاح ومن التباين لا ينتظم فشابه المحرمية
وقال الشافعي رحمه الله تعالى سبب الفرقة السبي دون التباين لا السبي فلو تفريع لقوله وتباين الدارين خرج أحدهما إلينا مسلما أو ذميا أو أسلم أو عقد الذمة في دار الإسلام أو أخرج أحدهما إلينا مسبيا بانت زوجته لتباين الدارين
وإن سبيا معا تفريع لقوله لا السبي لا تبين عندنا لعدم تباين الدارين خلافا للشافعي
ومن هاجرت إلينا مسلمة أو ذمية أي تركت أرض الحرب وهاجرت إلى أرض الإسلام بانت من زوجها ولا عدة عليها عند الإمام إذا لم تكن حاملا وإن كانت حاملا لا تنكح قبل الوضع وهو الصحيح وعنه أنه يجوز النكاح ولا يقربها الزوج حتى تضع حملها خلافا لهما لأن الفرقة وقعت بالدخول في دار الإسلام فيلزم حكم الإسلام وله أن العدة لحرمة ملك النكاح وبتباين الدارين لم يبق النكاح فلا تجب العدة وثمرة الخلاف تظهر في أن الحربية إذا دخلت دار الإسلام لم يلزم الحربي ولدها لعدم العدة عنده إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر وعندهما يلزم إلى سنتين لقيام العدة لكن المعول عليه في عدم وجوب العدة كونها تحت كافر لا غير كما في الكافي قيد بالمهاجرة لأنه لو هاجر زوجها لا تجب العدة عليها اتفاقا
وارتداد أحد الزوجين أي تبدل اعتقاد الإسلام بالكفر حقيقة على أحدهما كما إذا تمجس أو تنصر أو حكما كما إذا قال بالاختيار ما هو كفر
____________________
(1/546)
بالاتفاق فسخ أي رفع لفقد النكاح حتى لا ينتقص به عدد الطلاق سواء كانت موطوءة أو غيرها في الحال بدون القضاء عند الشيخين
وقال الشافعي إن كانت الردة بعد الدخول لا تبين منه حتى تمضي ثلاثة قروء وإن قبل الدخول تبين في الحال وعند محمد ارتداد الرجل طلاق وهو يعتبره بالإباء وأبو يوسف مرة على أصله في الإباء وهو أن إباء الزوج ليس بطلاق فكذا الردة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى فرق بينهما ووجهه أن الردة منافية للنكاح والطلاق رافع فتعذرت الردة أن يجعل طلاقا بخلاف الإباء قيد بردته لأن ردتها فسخ اتفاقا لأن بعض مشايخ بلخي وسمرقند كانوا يفتون بعدم وقوع الفرقة حسما لباب المعصية وعامتهم يقولون يقع الفسخ ولكن يجبر على النكاح لزوجها الأول بعد الإسلام وهو ظاهر الرواية وهو الصحيح لأن المقصود يحصل بذلك ومشايخ بخارى كانوا على هذا
وفي الجوهرة وتجبر على الإسلام وتعزر بضرب خمسة وسبعين سوطا وليس لها أن تتزوج إلا بزوجها الأول ولكل قاض أن يجدد بينهما بمهر يسير ولو دينارا رضيت أو أبت كما في المنية لكن إن ارتد الزوج لا تجبر على النكاح بعد إسلامه
وفي القهستاني لا ردة للطفل إذ لا اعتقاد له بخلاف آبائه
وقال بعض المشايخ إن ردته صحيحة كإبائه وللموطوءة المهر أي كل المهر من المسمى ومهر المثل سواء ارتد أو ارتدت لأنه تأكيد بالدخول فلا يتصور سقوطه ولغيرها أي الموطوءة المذكورة نصفه أي المهر إن ارتد الزوج لأن الفرقة من جهته قبل الدخول توجب نصف المهر هذا إذا كان مسمى وإلا فعليه المتعة ولا شيء لها من المهر والنفقة سوى السكنى إن ارتدت الزوجة
لأن الفرقة من قبلها وإن ارتدا معا وأسلما معا يعني لم يعلم أن أيهما أول ارتدادا أو إسلاما لا تبين وهما على نكاحهما استحسانا لما روي أن بني حنيفة ارتدوا في زمن أبي بكر رضي الله تعالى عنه ثم أسلموا فلم يأمرهم بتجديد النكاح
وقال زفر والثلاثة تبين منه قياسا لأن الردة تنافي النكاح وردة أحدهما توجب الفرقة
____________________
(1/547)
فردتهما أولى
وإن أسلما متعاقبا بانت فإن إسلام أحدهما إذا تقدم بقي الآخر على ردته فيتحقق الاختلاف وعند الثلاثة تبين بإسلامها قبل إسلامه وفي عكسه لا ولا يصح تزوج المرتد ولا المرتدة أحدا من المسلمين لإجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين
باب القسم وهو بفتح القاف وسكون السين لغة قسمة المال بين الشركاء وتعيين أنصبائهم وشرعا تسوية الزوج بين الزوجات في المأكول والمشروب والملبوس والبيتوتة لا في المحبة والوطء ولهذا قال يجب على الزوج ولو مريضا أو مجبوبا أو خصيا أو عنينا أو غيرهم العدل فيه أي في القسم بيتوتة وكذا في المأكول والمشروب والملبوس والمراد بقوله يجب العدل عدم الجور لا التسوية فإنها ليست بواجبة بين الحرة والأمة كما سيأتي لا وطئا لأنه يبتني على النشاط وهو نظير المحبة فلا يقدر على اعتبار المساواة فيه قال بعض أهل العلم إن تركه لعدم الداعية فهو عذر وإن تركه مع الداعي إليه لكن داعيته إلى الضرة أقوى فهو مما يدخل تحت قدرته وإن أدى الواجب منه لم يبق لها حق ولم تلزمه التسوية
واعلم أن ترك جماعها مطلقا لا يحل له وقد صرحوا بأن جماعها أحيانا واجب لكن لا تدخل تحت القضاء والإلزام إلا الوطأة الأولى
والبكر والثيب والجديدة والقديمة والمسلمة والكتابية
____________________
(1/548)
فيه أي القسم سواء وكذا المريضة والصحيحة والحائض والنفساء والحامل والحائل والرتقاء والمجنونة التي لا يخاف منها والصغيرة التي يمكن وطؤها والمحرمة والمولى منها والمظاهر منها وعند الأئمة الثلاثة يقيم عند البكر الجديدة في أولها سبع ليال وعند الثيب الجديدة ثلاثا ثم يدور بالتسوية بعد ذلك والحجة عليهم قوله عليه الصلاة والسلام من كانت له امرأتان فمال لإحداهما في القسم جاء يوم القيامة وشقه مائل أي مفلوج وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل في القسم بين نسائه وكان يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك يعني زيادة المحبة
وفي المنح وغيره ولو أقام عند واحدة شهرا في غير سفر ثم خاصمته الأخرى يؤمر بالعدل بينهما في المستقبل وهدر ما مضى وإن أثم به وإن عاد إلى الجور بعد نهي القاضي إياه عزر لكن بالضرب لا بالحبس
وفي البحر القسم عند تعدد الزوجات فمن له امرأة واحدة لا يتعين حقها في يوم من كل أربعة في ظاهر الرواية يأمر بأن يصحبها أحيانا على الصحيح ولو كانت له مستولدات وإماء فلا قسم ويستحب أن لا يعطلهن وأن يسوي بينهن في المصاحبة
وللأمة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد نصف الحرة فللحرة الثلثان من القسم وللأمة وغيرها الثلث وبذلك ورد الأثر هذا في البيتوتة بخلاف النفقة والكسوة والسكنى فإن الأئمة اتفقوا على التسوية بينهما فيها
وقال الزيلعي وفيه نظر فإنهم صرحوا بأن في النفقة يعتبر حالهما على المختار فكيف يدعي الاتفاق على التسوية فيها انتهى
لكن مرادهم التسوية في نفس الإنفاق لا التسوية في الكيفية والكمية فإنه كما يعطى للحرة نفقة مرتين في يوم كذلك الأمة وكما يعطى لها خبر واحد كذلك للأمة غايته أنه يجوز التفرقة بينهما بالمتخذ من الحنطة أو الشعير وهو أمر ظاهر وعلى هذا حال الكسوة تأمل ولو اختصر بالأمة لكان أخصر لأن الأمة شاملة لهن كما قررناه
ولا قسم في السفر فيسافر الزوج بمن شاء منهن والقرعة
____________________
(1/549)
أحب تطييبا لقلوبهن وعند الشافعي القرعة واجبة
وإن وهبت قسمها لضرتها صح والهبة هنا مجاز عن العطية ولها أي للواهبة أن ترجع عن هبتها في المستقبل لأنها أسقطت حقا لم يجب بعد فلا يسقط وفيه إشعار بأنها لو جعلت لزوجها مالا أو حطته من مهرها ليزيد قسمها كان لها الرجوع بما أعطته وكذا لو زاد الزوج في مهرها ليجعل يومها لغيرها لأنه رشوة وهي حرام كما في العناية
____________________
(1/550)
كتاب الرضاع أخره عن النكاح لأنه كالفصل من بعضه وهو كالرضاعة بفتح الراء وكسرها وأنكر الأصمعي الكسر مع الهاء لغة شرب اللبن من الضرع أو الثدي وشرعا هو مص الرضيع حقيقة أو حكما للبن خالص أو مختلط غالبا تعبيره بالمص جري على الغالب فإن المراد وصول اللبن إلى جوفه من فمه أو أنفه فلا فرق بين المص والصب والسعوط هذا إذا علم أن اللبن وصل إليه وإلا لم تثبت الحرمة لأن في المانع شكا كما في أكثر الكتب من ثدي الآدمية لا حاجة إليها لأن الثدي مختص بآدمية في وقت مخصوص واحترز بمص الرضيع عن مص غيره كما إذا وقع بعد الفطام وبقوله من ثدي الآدمية عما إذا مص من غيره وأراد بقوله في وقت مخصوص احترازا عن المص في غيره فإنه لا تحرم ولا يخفى أن هذا قد حصل من قوله مص الرضيع إلا أن يقال إن أمثال ذلك قد يذكر تحقيقا وتوضيحا لما علم ضمنا تدبر
ويثبت حكمه أي الرضاع وهو حل النظر وحرمة المناكحة بقليله ولو قطرة وكثيره
____________________
(1/551)
وهو مذهب جمهور العلماء لإطلاق النص والأحاديث وهذا حجة على الشافعي فإنه شرط خمس رضعات مشبعات فلا يتحقق عنده في أقلها وما رواه وهو لا تحرم المصة ولا المصتان مردود بالكتاب أو منسوخ به في مدته أي الرضاع لا بعدها أي المدة وهي أي مدته حولان ونصف أي ثلاثون شهرا من وقت الولادة عند الإمام فإن كانت الولادة في أول شهر يعتبر بالأهلة وإن كانت في أثنائها يعتبر كل شهر ثلاثون يوما وقيل يثبت الرضاع إلى خمس عشرة سنة وقيل إلى أربعين سنة وقيل إلى جميع العمر وعند زفر ثلاثة أحوال وعندهما حولان وهو قول الشافعي وعليه الفتوى كما في المواهب وبه أخذ الطحاوي
وفي الحاوي إن خالفاه قال بعضهم يؤخذ بقوله وقيل يخير المفتي والأصح أن العبرة لقوة الدليل ولا يخفى قوة دليلهما كما حق في المطولات لكن المصنف اختار الأول لأن الاحتياط أولى خصوصا قبل التزوج ثم مدة الرضاع إذا مضت لم يتعلق به تحريم لقوله صلى الله عليه وسلم لا رضاع بعد الفصال ولا يعتبر الفطام قبل المدة إلا في رواية عن الإمام إذا استغنى عنه وذكر الخصاف إذا فطم قبل مضي المدة واستغنى بالطعام لم يكن رضاعا وإن لم يستغن تثبت به الحرمة وهو رواية عن الإمام وعليه الفتوى كما في التبيين لكن في الفتح وغيره الفتوى على ظاهر الرواية وهو ثبوت الحرمة مطلقا فطم أو لا وترجيح ظاهر الرواية وهو المذهب أولى خصوصا في مقام الاحتياط
وفي شرح المنظومة الإرضاع بعد مدته حرام لأنه جزء الآدمي والانتفاع به غير ضرورة حرام على الصحيح وأجاز البعض التداوي به لأنه عند الضرورة لم يبق حراما
فيحرم به أي بالرضاع ما يحرم من النسب لقوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا جدة ولده وإن علت لأن
____________________
(1/552)
جدة ولده نسبا أم موطوءته ولا كذلك من الرضاع
وفي الإصلاح لا حاجة إلى الاستثناء بل له وجه له لأن ما لا يحرم من الرضاع في الصور المستثناة لا يحرم من النسب أيضا والحرمة الموجودة فيها إنما هي من جهة المصاهرة لا من جهة النسب ولذلك تلك الكلية في الحديث بلا استثناء وقد قررناه في النكاح تأمل وهذا أولى من عبارة الوقاية وغيرها وهي جدة ابنه لأن الولد يشمل الذكر والأنثى مع أن الحكم في كليهما واحد وأخت ولده فإن أخت الولد من النسب إما البنت أو الربيبة وقد وطئت أمها ولا كذلك من الرضاع قيل لا حصر فيه لأنه إذا ثبت النسب من اثنين كما في دعوة الشريكين ولد الأمة المشتركة وكان لكل واحد منهما بنت من امرأة أخرى كانت تلك البنت أخت الابن نسبا مع أنها ليست بنته ولا ربيبته حتى جاز لكل واحد منهما أن يتزوج بنت الآخر كما في الباقاني وغيره لكن المراد بأخت الولد هي أخت الولد الذي اختص بأب واحد غير مشترك بين اثنين كما هو المتبادر عند الإطلاق لأنه الكامل فلا يتوجه المنع على الحصر الناظر إلى الأفراد الكاملة المشهورة بالفرد الناقص النادر تأمل وعمة ولده لأن عمة ولده نسبا أخته ولا كذلك من الرضاع وأم أخيه وأخته فإن أم الأخ والأخت من النسب هي الأم أو موطوءة الأب وكل منهما حرام ولا كذلك من الرضاع وهي شاملة لثلاث صور الأولى الأم رضاعا للأخت أو الأخ نسبا كأن يكون لرجل أخت من النسب ولها أم من الرضاعة حيث لا يجوز له أن يتزوج أم أخته من الرضاع والثانية الأم نسبا للأخت أو الأخ رضاعا كأن يكون له أخت من الرضاعة ولها أم من النسب حيث لا يجوز له أن يتزوج أم أخته من النسب والثالثة الأم رضاعا للأخت أو لأخ رضاعا كأن يجتمع الصبي والصبية الأجنبيان على ثدي امرأة أجنبية والصبية أم أخرى من الرضاعة فإنه يجوز لذلك أن يتزوج أم أخته من الرضاعة كما في الدرر وأم عمه أو عمته أو خاله أو خالته فإن أم الأوليين
____________________
(1/553)
من موطوءة الجد الصحيح وأم الآخر بين موطوءة الجد الفاسد ولا كذلك من الرضاع ولا تنس الصور الثلاث التي ذكرها صاحب الدرر في جميع ما ذكر وإلا أخا ابن المرأة لها أي لا يحرم أخ ابن المرأة لها إذا كان من الرضاع
وفي شرح الوقاية أن هذا مكرر لأنه ذكر أم الأخ ولما كانت المرأة أم أخ الرجل كان الرجل أخا ابن تلك المرأة تأمل وقس عليه باقي الصور التي يمكن استثناؤها
وتحل أخت الأخ لها رضاعا أي من حيث الرضاع ونسبا يشمل أربع صور لأن كلا من الأخت والأخ إما أن يكون رضاعا أو نسبا أو بالعكس والكل حلال فمثل بقوله كأخ من الأب له أخت من أمه تحل هذه الأخت لأخيه من أبيه صورة نسبية لأنها إذا كانت حلالا كان حل أخت الأخ رضاعا أولى هذا قد علم مما سبق من قوله فيحرم منه ما يحرم من النسب إلا أنه ذكر توطئة لما بعده ولا حل بين رضيعي ثدي أي بين من اجتمعا على الارتضاع من ثدي في وقت مخصوص لأنهما أخوان من الرضاع وإن كان اللبن من الزوجين فهما أخوان لأم أو أختان لأم وإن كان لرجل واحد فأخوان لأب وأم أو أختان لهما وأراد بالرضيعين الصبي والصبية فغلب المذكر على المؤنث في التثنية كالقمرين
وإن وصلية اختلف زمانهما أي سواء أرضعتهما في زمان واحد أو في أزمنة متباعدة لأن أمهما واحدة ولا حل بين رضيع وولد مرضعته بكسر الضاد ويقال امرأة مرضع ومرضعة
وإن وصلية سفل لأنه أخوه والسافل ولد أختها من الرضاع و لا حل بين رضيع وولد زوج لبنها أي لبن المرضعة منه
____________________
(1/554)
أي من الزوج بأن نزل بوطئه فهو أي ذلك الزوج أب للرضيع وابنه أي ابن زوج المرضعة أخ للرضيع وإن كان من امرأة أخرى وبنته أخت للرضيع وإن كانت من امرأة أخرى وأبوه جد وأمه جدة وأخوه عم له وأخته عمة له هذه مسألة لبن الفحل يتعلق به التحريم قاله عامة العلماء إلا نفرا يسيرا وهو أحد قولي الشافعي وصورته أن ترضع المرأة صبية فتحرم هذه الصبية على زوجها صاحب اللبن وعلى آبائه وأبنائه كما في النسب حتى لو كان لرجل امرأتان وولدتا منه فأرضعت كل واحدة منهما صغيرا صارا أخوين لأب فإن كان أحدهما أنثى لا يحل مناكحته الآخر وإن كانا أنثيين لا يحل الجمع بينهما ولا يحل لهذا المرضع امرأة وطئها الزوج ولا للزوج امرأة وطئها الرضيع واعلم أن المذكور وإن علم مما سبق كما قررناه آنفا إلا أنه ذكره هاهنا اهتماما لزيادة ضبطه
وفي المطلب ولبن الزنا كالحلال فإذا أرضعت به بنتا حرمت على الزاني وآبائه وأبنائه وأبناء أبنائهم وإن سفلوا
ولا حرمة لو رضعا أي الرضيعان من شاة وما في معناها لأن حرمة الرضاع مختصة بلبن الإنسان بطريق الكرامة أو رضعا من رجل فإنه ليس بلبن حقيقة لأنه لا يتولد ممن لا يتصور منه الولادة ولبن الخنثى إن كان واضحا فواضح وإن أشكل فإن قالت النساء أنه لا يكون على غزارته إلا لامرأة تعلق به التحريم احتياطا وإن لم يقلن ذلك لم يتعلق به التحريم كما في الجوهرة ولا حرمة في الاحتقان بلبن المرأة في ظاهر الرواية لأنه
____________________
(1/555)
ليس مما يتغذى به وعن محمد أنه ثبت به الحرمة
ولبن البكر وهي بنت تسع سنين فصاعدا و لبن الميتة محرم بكسر الراء حتى أنه لو حلب بعد الموت وشربه صبي أو ارتضع من ثديها حرم لأنه لبن حقيقة فيتناوله النص
وقال الشافعي لا يحرم لأن الأصل في حرمة الرضاع ذات اللبن وبالموت لم تصر محلا لها ولهذا لا تجب بوطئها حرمة المصاهرة
وكذا الاستعاط والوجور لأن بهما يصل اللبن إلى الجوف على وجه يحصل به الغذاء السعوط بالفتح الدواء يصب في الأنف والوجور الدواء الذي يوجر في وسط الفم وأما إقطار اللبن في الأذن والإحليل والجائفة والآمة فغير محرم واللبن المخلوط بالطعام لا يحرم مطلقا عند الإمام لأن الطعام يسلب قوة اللبن ولا يكتفي الصبي بشربه والتغذي يحصل بالطعام إذ هو الأصل فكان اللبن تبعا له وإن كان غالبا قيل قول الإمام إذا لم يتقاطر اللبن فإذا تقاطر تثبت به الحرمة عنده
وفي الخانية هذا إذا أكل الطعام لقمة لقمة وإن حساه حسوا تثبت به الحرمة عنده وقيل تثبت بكل حال وإليه مال السرخسي وهو الصحيح كما في أكثر الكتب خلافا لهما عند غلبة اللبن اعتبارا للغالب لأن المغلوب كالمعدوم هذا إذا كان غير المطبوخ وأما في المطبوخ فغير محرم بالإجماع وكذا إن لم يكن غالبا ويعتبر الغالب لو خلط اللبن بماء أو دواء أو لبن شاة لأن المغلوب لا يظهر حكمه في مقابلة الغالب والحكم فيه الحرمة عند تساويهما احتياطا كما في الغاية وفيه خلاف الشافعي فيما اختلط بالماء وكذا يتعلق التحريم بالغلبة لو خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى عند أبي يوسف والغلبة في جنس الأجزاء وفي غيره إن لم يغير الدواء اللبن تثبت الحرمة عند محمد وإن غير لا
وقال أبو يوسف إن غير طعم اللبن ولونه لا يكون رضاعا وإن غير أحدهما دون الآخر يكون رضاعا كما في الكفاية وعند محمد تتعلق الحرمة بهما
____________________
(1/556)
لأن الجنس لا يغلب الجنس وعن الإمام روايتان في رواية اعتبر الغالب كما هو قول أبي يوسف وبه قال الشافعي
وفي رواية تثبت الحرمة منهما كما هو قول محمد وزفر ورجح بعض المشايخ قول محمد
وفي الغاية هو أظهر وأحوط وقيل إنه الأصح
وإن أرضعت امرأة رجل ضرتها حال كونها رضيعة حرمتا على ذلك الرجل لأنه يصير جامعا بين الأم والبنت رضاعا وفيه إشعار بأنه لو تزوج صبيتين ثم أرضعتهما امرأة أجنبية معا أو واحدة بعد أخرى حرمتا عليه ولو تزوج صغيرة ثم طلقها وتزوج كبيرة ثم أرضعتها بلبنه أو لبن غيره حرمت عليه مؤبدة لأنه صارت أم امرأته كما في المحيط ولا مهر للكبيرة إن لم توطأ لمجيء الفرقة من قبلها بلا تأكد المهر وله أن يتزوج الصغيرة حينئذ ثانيا لانتفاء أبوته بلا دخول بالأم وفيه إشعار بأن بعد الوطء لها كمال المهر مطلقا ولا يتزوج الصغيرة حينئذ
وفي الاختيار لو أرضعت زوجة الأب امرأة أبيه تحرم عليه لأنها صارت أخته من الأب وللصغيرة نصفه أي المهر إن كان لها مسمى أو نصف المتعة إن لم يكن مسمى لأن الفرقة ليست من قبلها ولا اعتبار باختيارها الارتضاع لأنها مجبولة عليه طبعا ويرجع الزوج به أي بنصف المهر الذي أعطاه للصغيرة على الكبيرة إن علمت بالنكاح وقصدت الفساد من غير حاجة لأنها مسببة للفرقة والمسبب لا يضمن إلا بالتعدي كحافر البئر لا يرجع إن لم تعلم به أي بالنكاح أو قصدت دفع الجوع والهلاك عنها لأنها مأمورة بذلك أو لم تعلم أنه أي إرضاع الصغيرة مفسد لعدم التعدي واعتبر الجهل لدفع قصد الفساد لا لدفع الحكم وفيه إشعار بأن الكبيرة لو كانت مكرهة أو نائمة أو معتوهة أو مجنونة لم يرجع الزوج على الكبيرة وكذا لو أخذ رجل من لبنها وصب في فم الصغيرة لم يرجع عليها بل عليه إن قصد الفساد كما في المحيط وقال الشافعي
____________________
(1/557)
يرجع عليها مطلقا
وفي الدرر امرأة لها لبن من الزوج فطلقها وتزوجت بآخر فحبلت منه ونزل اللبن فأرضعت فهو من الأول حق تلد منه عند الإمام فإذا ولدت فاللبن يكون من الثاني وفيه إشعار بأنه إذا لم تلد زوجته قط أو يبس لبنها ثم نزل لا يحرم رضيعها على ولده من غيرها والقول قولها مع يمينها فيه أي في عدم قصد الفساد
وإنما يثبت الرضاع بما يثبت به المال أي بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأن في إثباته زوال ملك النكاح فلا يقبل إلا بالبينة أو بالتصادق
وقال الشافعي يقبل بشهادة أربع من النساء وقال مالك بامرأة موصوفة بالعدالة
وفي التنوير هل يتوقف ثبوت الرضاع على دعوى المرأة الظاهر أنه لا يتوقف على الدعوى كما في الشهادة بطلاقها
ولو قال الزوج مشيرا إلى زوجته سواء كان قبل النكاح أو بعده هذه أختي أو أمي
____________________
(1/558)
أو بنتي من الرضاع ثم ادعى الخطأ صدق الزوج في دعواه لأنه أقر بما يجري فيه الغلط فكان معذورا
وقال الشافعي لا يصدق بل يفرق بينهما هذا إذا لم يصر أما لو ثبت على قوله وقال هو حق كما قلت ثم تزوجها فرق بينهما وإن أقرت ثم أكذبت نفسها وقالت أخطأت وتزوجها جاز كما لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها لأن الحرمة ليست إليها ولو أقرا جميعا ثم أكذبا نفسهما وقالا أخطأنا ثم تزوجها جاز وكذا في النسب كما في الخانية
____________________
(1/559)
كتاب الطلاق لما كان الطلاق متأخرا عن النكاح طبعا أخره وضعا ليوافق الوضع الطبع وإنما ذكر كتاب الرضاع بينهما لمناسبة بين الرضاع والطلاق من جهة أن كلا منهما يوجب الحرمة إلا أن ما بالرضاع يوجب حرمة مؤبدة فقدمه على ما يوجب حرمة ليست بمؤبدة بل مغياة بغاية معلومة والطلاق اسم بمعنى المصدر من طلق الرجل امرأته تطليقا كالسراح والسلام من التسريح والتسليم أو مصدر طلقت بضم اللام وفتحها طلاقا
وعن الأخفش نفي الضم
وفي ديوان الأدب أنه لغة وسببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق وشرطه كون الزوج مكلفا والمرأة منكوحة أو في عدة تصلح معها محلا للطلاق وحكمه وقوع الفرقة مؤجلا بانقضاء العدة في الرجعي وبدونه في البائن وركنه نفس اللفظ ومحاسنه منها ثبوت التخلص به من المكاره الدينية والدنيوية ومنها جعله بيد الرجال لا النساء وشرعه ثلاثا وأما وضعه فالأصح حظره إلا لحاجة كما في الفتح وهو في اللغة عبارة عن رفع القيد مطلقا يقال أطلق الفرس والأسير ولكن استعمل في النكاح بالتفعيل وفي غيره بالأفعال ولهذا في قوله لامرأته أنت مطلقة بالتشديد لا يحتاج فيه إلى النية وبتخفيفها يحتاج كما في التبيين
وفي الشريعة هو أي الطلاق رفع القيد الثابت شرعا خرج به القيد
____________________
(2/3)
الثابت حسا كحل الوثاق بالنكاح خرج به رفع قيد غيره كرفع قيد الملك بالعتاق وكذلك خرج به القيد الثابت حسا ولا حاجة بقوله شرعا تدبر
واعلم أن هذا التعريف منقوض طردا وعكسا أما طردا فبالفسوخ لأنها ليست بطلاق فقد وجد الحد ولم يوجد المحدود وأما عكسا فبالطلاق الرجعي فإنه ليس فيه رفع القيد فقد انتفى الحد ولم ينتف المحدود والأولى أن يقول رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص كما في الفتح لأنه ما اشتمل على مادة طالق صريحا ولو كان رجعيا لأنه طلاق في المآل أو كناية كمطلقة بالتخفيف وخرج ما عداهما فقول بعضهم رفع قيد النكاح من أهله في محله غير مطرد أيضا لصدقه على الفسوخ واشتماله على ما لا حاجة إليه فإن كونه من الأهل في المحل من شرط وجوده لا دخل له في حقيقته والتعريف لمجردها ثم اعلم أن الطلاق على قسمين سني وبدعي والسني نوعان سني من حيث الوقت وسني من حيث العدد وهو أحسن وحسن والبدعي بدعي من حيث الوقت وبدعي من حيث العدد وبدأ بالأحسن لشرفه فقال أحسنه أي أحسن الطلاق بالنسبة إلى البعض الآخر لا أنه في نفسه حسن تطليقها واحدة في طهر لا جماع فيه وتركها حتى تمضي عدتها لما روي أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يستحبونه لكونه أبعد من الندم وأقل ضررا بالمرأة ولم يقل أحد إنه مكروه إذا كان لحاجة ومن الناس من قال لا يباح إلا لضرورة لقوله عليه الصلاة والسلام إن أبغض المباحات عند الله تعالى الطلاق لكن فيه كلام لأن كون الطلاق مبغوضا لا يستلزم ترتب لازم المكروه الشرعي إلا لو كان مكروها بالمعنى الاصطلاحي ولا يلزم من وصفه بالبغض الكراهة إلا إذا لم يصفه بالإباحة وقد وصفه بها لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه وغاية ما فيه أنه مبغوض إليه سبحانه ولم يرتب عليه ما رتب على المكروه كما في الفتح ودليل نفي الكراهة قوله تعالى لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن وطلاقه عليه الصلاة والسلام حفصة ثم أمره سبحانه وتعالى أن يراجعها فإنها صوامة قوامة وبه يبطل قول بعض لا يباح إلا لكبر كطلاق سودة وأما ما روي لعن الله كل ذواق مطلاق وأشباهه فمحمول على الطلاق لغير حاجة بدليل ما روي من قوله عليه الصلاة والسلام أيما امرأة اختلعت من زوجها بغير نشوز فعليها لعنة الله
____________________
(2/4)
والملائكة والناس أجمعين وحسنه وهو سني أي ثابت بالسنة كما في الاصطلاح ولا وجه لتخصيصه لأن أحسن الطلاق سني أيضا كما في الفتح وغيره لكن لأن الأحسن سني بالإجماع لم يحتج إلى التصريح وصرح بكون الحسن سنيا احترازا عن قول مالك إنه ليس بسني لا لأنه عندنا سني دون الأول تأمل تطليقها ثلاثا في ثلاثة أطهار لا جماع فيها إن كانت مدخولا بها لقوله تعالى فطلقوهن وأمره عليه الصلاة والسلام ابن عمر بأن يراجع ويطلق لكل قرء واحدة ولا بدعة فيما أمر هذا حجة على قول مالك إنه بدعة ولا يباح إلا واحدة ولغيرها أي لغير المدخول بها طلقة ولو كانت الطلقة في الحيضة وهو سني من حيث العدد ومن حيث الوقت أيضا ولا يمنع كونه في الحيض كونه سنيا لأن السني من حيث الوقت طلقة في طهر لا وطء فيه مخصوص بالمدخول بها وفي غيرها لا يضر كونه في الحيض لأن غير المدخول بها لا تقل الرغبة فيها بالحيض لأن الإنسان شديد الرغبة في امرأة لم ينل منها فلا يكون إقدامه على طلاقها إلا لحاجة بخلاف المدخول بها فإن الرغبة فيها تقل بالحيض فلم يوجد دليل الحاجة إلى طلاقها
وقال زفر يضر ويكره في الحيض قياسا على المدخول بها
وفي الهداية وغيرها ويستوي من حيث العدد المدخول بها وغير المدخول بها
انتهى لكن الاستواء بينهما مطلقا متعذر فإن السني من حيث العدد في المدخول بها يثبت بقسمين أن يطلقها واحدة وأن يلحقها بأخريين عند الطهرين ولا يتصور ذلك في غير المدخول بها إذ لا
____________________
(2/5)
عدة لها كما يأتي تأمل
والآيسة والصغيرة والحامل يطلقن للسنة عند كل شهر واحدة لأن الأشهر قائمة مقام الحيض في الأصح وينبغي أن يطلقها في غرة الشهر حتى يفصل بين كل تطليقتين بشهر بالاتفاق وعند محمد وزفر لا تطلق الحامل للسنة إلا واحدة لأن مدة حملها طهر واحد فلا يصلح للتفريق كالطهر الممتد ولهما أن الحامل لا تحيض مدة حملها فصارت كالآيسة بخلاف الممتد طهرها وجاز طلاقهن أي الآيسة والصغيرة والحامل عقيب الجماع لأن الكراهة في ذوات الحيض لتوهم الحبل وهو مفقود هنا
واعلم أن البدعي على نوعين بدعي لمعنى يعود إلى العدد وبدعي يعود إلى الوقت وقد بدأ بالأول فقال وبدعيه أي بدعي الطلاق عددا تطليقها ثلاثا أو ثنتين بكلمة واحدة مثل أن يقول أنت طالق ثلاثا أو ثنتين وهو حرام حرمة غليظة وكان عاصيا لكن إذا فعل بانت منه وعند الشافعي هو مباح واعلم أن في صدر الأول إذا أرسل الثلاث جملة لم يحكم إلا بوقوع واحدة إلى زمن عمر رضي الله تعالى عنه ثم حكم بوقوع الثلاث لكثرته بين الناس تهديدا أو في طهر واحد لا رجعة فيه إن كانت مدخولا بها وقيد بقوله لا رجعة لأنه إن تخللت الرجعة فلا يكره عند الإمام وهو قول زفر وعندهما يكره وإن تخلل التزوج بينهما فلا يكره بالإجماع وقيد المدخول بها لأنها إن لم تكن فطلقها ثانيا في طهر لا يقع لأنها لا تبقى محلا للطلاق لعدم العدة عليها أو في طهر جامعها فيه هذا بدعي الطلاق وقتا وهو تطليقها واحدة في طهر جامعها فيه لكن عبارته قاصرة عن هذا وفي عطفه على ما سبق صعوبة تدبر
وكذا بدعيه وقتا تطليقها في الحيض لو كان مدخولا بها
____________________
(2/6)
أما كون الأول بدعيا فلأنه خلاف السنة وأما الثاني فلقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قد أخطأ السنة وتجب مراجعتها إن طلق المدخولة في الحيض ولو زاد فيه لكان أولى لأنه لو لم يراجعها فيه حتى طهرت تقررت المعصية كما في الفتح في الأصح عملا بحقيقة الأمر ورفعا للمعصية بالقدر الممكن برفع أثرها وهو العدة وقيل تستحب كما في القدوري لأن النكاح مندوب ولا تكون الرجعة واجبة فإذا طهرت المراجع بها عن هذه الحيض ثم حاضت ثم طهرت طلقها إن شاء وإن شاء أمسكها هكذا ذكر في الأصل وهو ظاهر الرواية عن الإمام وهو قولهما لأن حكم الطلاق الأول لم يضمحل من كل وجه ألا ترى أنه يجعل هذا طلاقا باينا فيكون جمعا بين طلاقين في فصل واحد وهو مكروه وقيل قائله الطحاوي يجوز أن يطلقها في الطهر الذي يلي تلك الحيضة
وفي التحفة قال الكرخي ما ذكره الطحاوي قول الإمام وما ذكر في الأصل قولهما وما قال الإمام هو القياس لأنه طهر لم يجامعها فيه
وقال الإسبيجابي الأولى قول الإمام وزفر والثانية قول أبي يوسف وقول محمد مضطرب
وفي الفتح والظاهر أن ما في الأصل قول الكل لأنه موضوع لإثبات مذهب الإمام إلا أن يحكي الخلاف ولم يحك خلافا فيه فلذا قلنا هو ظاهر الرواية عن الإمام وبه قال الشافعي في المشهور ومالك وأحمد على ما ذكره الطحاوي رواية عنه
ولو قال للموطوءة وهي من ذوات الحيض أنت طالق ثلاثا للسنة ولا نية له وقع عند كل طهر طلقة واحدة لأن اللام
____________________
(2/7)
للاختصاص فالمعنى الطلاق المختص بالسنة والسنة مطلق فيصرف إلى الكامل وهو السني عددا ووقتا فوجب جعل الثلاث مفرقا على الأطهار لتقع واحدة في كل طهر كما في الفتح قيد بالموطوءة لأن في غيرها وإن كانت حائضا وقعت في الحال طلقة ثم لا يقع عليها شيء ما لم يتزوج ثانيا فإن تزوجها ثانيا تقع طلقة ثانية وإن تزوجها ثالثا تقع طلقة ثالثة كما في أكثر المعتبرات فما في المعراج من وقوع الثلاث للحال بالإجماع سهو ظاهر كما في البحر وإنما قيدنا من ذوات الحيض لأنها لو كانت من ذوات الأشهر تقع للحال طلقة وبعد شهر أخرى وكذا الحامل
وعند الشافعي يقع الثلاث للحال لأنه لا بدعة عنده ولا سنة في العدد
وإن نوى الوقوع جملة أي وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة أو عند كل شهر واحد صحت نيته خلافا لزفر لأن الجمع بدعة فلا يكون سنة ولنا أنه سني وقوعا لا إيقاعا لأنا إنما عرفنا وقوع الثلاث بالسنة فكان محتمل كلامه فينتظمه عند النية دون الطلاق كما في الاختيار
وألفاظ طلاق السنة على ما روي عن أبي يوسف للسنة وفي السنة ومع السنة وعلى السنة وطلاق السنة والعدة وطلاق عدة وطلاق العدل وطلاقا عدلا وطلاق الدين والإسلام وأحسن الطلاق وأجمله أو طلاق الحق أو القرآن أو الكتاب وكل هذه تحمل على أوقات السنة بلا نية لأن كل ذلك لا يكون إلا في المأمور به كما في الفتح
ويقع طلاق كل زوج عاقل بالغ حر أو عبد ولو كان الزوج مكرها فإن طلاقه صحيح لا إقراره بالطلاق لأن الإقرار خبر محتمل للصدق والكذب وقيام آلة الإكراه على رأسه يرجح جانب الكذب وكذا اللاعب والهازل بالطلاق لقوله عليه الصلاة والسلام ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق أو كان الزوج سكران زائل العقل فإن طلاقه واقع كذا حلفه
____________________
(2/8)
وإعتاقه خلافا للشافعي يعني لا يقع في أحد قوليه وهو اختيار الكرخي والطحاوي لأن الإيقاع بالقصد الصحيح وليس فيه ذلك كالنائم وهذا لأن شرط صحة التصرف العقل وقد زال فصار كزواله بالبنج والدواء ولنا أن العقل زال بسبب وهو معصية فيجعل باقيا زجرا له حتى لو شرب فصدع رأسه وزال عقله بالصداع لا يقع واختلفوا فيما إذا شرب الخمر مكرها أو شرب لضرورة فسكر وطلق
وفي الخانية الصحيح عدم الوقوع كما لا يحد ولو سكر من الأنبذة المتخذة من الحبوب أو العسل لا يقع عند الشيخين وهو الصحيح كما في الخانية وعن محمد يقع
وفي الأشباه الفتوى أنه إن سكر من محرم ويقع ولو زال بالبنج ولبن الرماك لا يقع وعن الإمام أنه إن كان يعلم حين شرب أنه بنج يقع وإلا لا وعنهما لا يقع من غير فصل وهو الصحيح كما في البحر
وفي الجوهرة ولو سكر من البنج وطلق امرأته تطلق زجرا وعليه الفتوى
انتهى لكن صحح صاحب البحر وغيره عدم الوقوع كما مر فالأولى أن يتأمل عند الفتوى لأنه من باب الديانات أو كان الزوج أخرس يقع بإشارته المعهودة فإنه إذا كانت له إشارة تعرف في نكاحه وغيره من
____________________
(2/9)
التصرفات فهي كالعبارة من الناطق استحسانا هذا إذا ولد أخرس أو طرأ عليه ودام وإن لم يدم لا يقع كما في التبيين ونقل عن المنتقى المريض الذي اعتقل لسانه لا يكون كالأخرس
لا يقع طلاق صبي ولو مراهقا لفقد أهلية التصرف ومجنون لقوله عليه الصلاة والسلام كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون وهذا ذكر ما علم بطريق المفهوم وإن كان معتبرا في الروايات لكنه في ذكره صريحا قوة ظاهرة
وفي التنوير لو طلق الصبي ثم بلغ وقال أجزت ذلك الطلاق لا يقع بخلاف ما قال أوقعته فإنه يقع ونائم إنما لم يقع لانعدام الاختيار فيه وكذا المغمى عليه والمبرسم والمدهوش والمعتوه وهو اختلال العقل بحيث يختلط كلامه فيشبه مرة كلام العقلاء ومرة كلام المجانين
و لا يقع طلاق سيد على زوجة عبده لأنه ليس بزوج واعتباره أي اعتبار عدد الطلاق بالنساء لا بالرجال وعند الثلاثة اعتباره بالرجال فطلاق الحرة ثلاث ولو كانت تحت عبد وطلاق الأمة ثنتان ولو تحت حر لقوله عليه الصلاة والسلام طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان هذا بحث طويل فليطالع في شروح الهداية
____________________
(2/10)
باب إيقاع الطلاق لما ذكر أصل الطلاق ووصفه شرع في بيان تنويعه من حيث الإيقاع لأنه لا يخلو إما أن يكون بالصريح وإما أن يكون بالكناية والصريح ما كان ظاهر المراد لغلبة الاستعمال والكناية ما كان مستتر المراد فيحتاج فيه إلى النية فقال صريحه أي الطلاق ما استعمل فيه أي الطلاق خاصة أي حال كونه مخصوصا بالطلاق بين الألفاظ ولا يحتاج إلى نية لأن الصريح موضوع للطلاق شرعا فكان حقيقة فيه فاستغنى عن النية حتى لو نوى بشيء من ذلك الطلاق من القيد لا يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر ويصدق ديانة لاحتمال كلامه ذلك بخلاف ما إذا صرح وقال أنت طالق من وثاق فلا يقع عليها شيء في القضاء لأنه صريح بما يحتمله اللفظ ولو نوى الطلاق عن العمل لا يصدق قضاء ولا ديانة لعدم استعمال الطلاق فيه لا حقيقة ولا مجازا ولو قال أنت طالق من هذا العمل يقع الطلاق قضاء لا ديانة وهو أي صريح الطلاق أنت طالق ومطلقة وطلقتك بتشديد اللام فيهما وهذا يدل على أن لا صريح سوى ذلك وليس بمراد والأولى أن يقول كانت طالق كما في الكنز لإشعار الكاف بعدم الحصر تدبر
وفي القهستاني
وفي المنية يدخل نحو وسوبيا طلاغ أو تلاع أو تلاغ أو طلاك بلا فرق بين الجاهل والعالم على ما قال الفضلي وإن قال تعمدته تخويفها لا يصدق قضاء إلا بالإشهاد عليه وكذا أنت ط ل ا ق أو طلاق باش أو طلاق شو كما في الخلاصة ولم يشترط علم الزوج معناه فلو لقنه الطلاق بالعربية فطلقها بلا علم به وقع قضاء كما في الظهيرية والمنية
وفي الفتح لو طلق النبطي بالفارسية يقع ولو تكلم به العربي ولا يدريه لا يقع وفيه نوع مخالفة لما قبلها إلا أن في الأولى يريد الزوج الطلاق بهذا اللفظ وإن لم
____________________
(2/11)
يعلم معناه بخلاف الثانية فلا مخالفة تدبر
وتقع بكل منها أو من هذه الألفاظ وما في معناها من ألفاظ الصريح طلقة واحدة رجعية لأنها مستعملة في الطلاق لا في غيره فكانت صريحة يعقب الرجعة بالنص وهو قوله تعالى الطلاق مرتان فإمساك بمعروف الآية فقوله إمساك هو الرجعة فالتعبير بالإمساك يدل على بقاء النكاح ما دامت العدة باقية لأن الإمساك استدامة القائم لا إعادة الزائل
وفي المحيط قال أنت طال بترخيم القاف حالة الرضا لا يقع ما لم ينو لأنه كالكناية ولو قال يا طال يقع وإن لم ينو لأن الترخيم يجري كثيرا في المنادى فصار كأنه أفصح بالقاف
وإن وصلية نوى أكثر من واحدة لأن الطلاق لم يذكر بل ثبوته بطريق الاقتضاء والمقتضى يثبت بقدر الضرورة ولا ضرورة في الأكثر بل تندفع بالأقل المتيقن
وقال زفر والأئمة الثلاثة يقع ما نوى وهو قول الإمام أولا ثم رجع عنه لأن الأكثر محتمل لفظه لأن ذكر الطالق ذكر للطلاق لغة كذكر العالم ذكر للعلم وفيه أجوبة وأسئلة في الأصول وشروح الهداية فليطالع أو نوى واحدة بائنة لأنه خالف الشرع حيث قصد بنيتها تنجيز ما علقه الشارع فيلغو قصده وقوله معطوف على قوله طلقتك أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقا وكذا أنت مطلقة أو تطليقة أو طلقتك طلاقا أو بالفارسية تو طلاقي أو وسوبيا طلاق طلاق أو تو طلاق داده أو
____________________
(2/12)
دادمت طلاق كما في القهستاني يقع بكل منها واحدة رجعية وإن وصلية نوى بالمصدر ثنتين أو بائنة أما وقوع الطلاق باللفظة الأولى فلأن المصدر يذكر ويراد به الاسم يقال رجل عدل أي عادل ويكون المعنى أنت ذات الطلاق وأما بالثانية والثالثة فظاهر لأن بذكر النعت وحده وهو طالق يقع فبذكر المصدر معه معرفا أو منكرا أولى فلا يحتاج فيه إلى النية لأنه صريح فيه ويكون رجعيا ولا تصح نية الثنتين لأن جنس الطلاق ليس بمثنى إلا في الأمة فلو نوى به الثنتين في تطليق الأمة يقع ثنتان وقال زفر والشافعي يقع ما نوى من الأعداد وزاد في بعض النسخ الغير المعول عليها قوله وإن نوى بانت طالق واحدة وبطلاق أخرى وقعتا لأن كل واحد منهما يصلح للإيقاع بإضمار أنت فصار أنت طالق أنت طالق فيقع رجعيتان إذا كانت مدخولا بها وإلا لغا الثاني كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا ليست هذه المسألة أن تكون في النسخة المعول عليها إلا أن هذا منقول عن أبي يوسف وأبي جعفر ومنعه فخر الإسلام فتركها لتردده تدبر
وإن نوى الثلاث وقعن لأن اللفظ مفرد فلا بد من مراعاته غير أن الفرد نوعان فرد حقيقي وهو أدنى الجنس وفرد حكمي وهو جميع الجنس فأيهما نوى صحت نيته لأن اللفظ يحتمله ولا كذلك التثنية كما بيناه
وفي المبسوط إذا قال لآخر أخبر امرأتي بطلاقها فهي طالق سواء أخبرها به أو لا لأن حرف الباء للإلصاق فيكون معناه أخبرها بما أوقعت عليها من الطلاق موصولا بالإيقاع وذلك يقتضي إيقاعا سابقا وكذا لو قال احمل إليها طلاقها أو بشرها بطلاقها فهي طلاق بلغها أو لا وكذا لو قال أخبرها أنها طالق أو قل لها إنها طالق
ويقع الطلاق بإضافته أي الطلاق الإضافة بطريق الوضع في أنت طالق ونحوه وبالتجوز فيما تعبر به عن الجملة إلى جملتها أي المرأة كما مر من قوله أنت طالق ونحوه وإنما ذكر تمهيدا
____________________
(2/13)
لذكر ما بعده
وفي القهستاني وصح إضافة الطلاق إلى كلها نحو كلك أو جميعك أو جملتك طالق وبطل دعوى الاستيفاء عنه بقوله أنت طالق فعلى هذا لو ترك قوله كما مر لكان أولى أو إلى ما أي جزء يعبر به كالرقبة لقوله تعالى فتحرير رقبة والعنق لقوله تعالى فظلت أعناقهم لها خاضعين أي ذواتهم ولهذا لم يقل خاضعة والرأس يقال أمري حسن ما دام رأسك أي ما دمت باقيا لكن هذا فيما يلفظ بالإضافة إلى الرأس أما إذا قال الرأس منك طالق وأراد الرأس فقط أو وضع يده على رأسها فقال هذا العضو منك طالق لا يقع شيء بخلاف ما إذا لم يضع
____________________
(2/14)
يده بل قال هذا الرأس طالق وأشار إلى رأس المرأة الصحيح أنه يقع كما في الخانية والوجه لقوله تعالى ويبقى وجه ربك أي ذاته الكريم والروح في قولهم هلكت روحه أي نفسه والبدن والجسد في قولهم جسد فلان يخلص من ذل الرق أي نفسه والفرق بينهما أن الأطراف داخل في الجسد دون البدن وكذا شخصك ونفسك وجسمك وصورتك وفي الاست والدم خلاف والفرج لقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله الفروج على السروج قد قالوه وإن عد الحديث غريبا
وفي الفتح يطلق على المرأة إطلاق البعض على الكل أو بإضافته إلى جزء شائع منها أي من المرأة كنصفها وثلثها لأن الطلاق يقع في ذلك الجزء ثم يسري إلى الكل لشيوعه فيقع في الكل كما إذا أعتق بعض جاريته ولأن المرأة لا تتحمل التجزؤ في حكم الطلاق وذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله لا بإضافته إلى يدها أو رجلها أي لا يقع بإضافة الطلاق إلى جزء غير شائع لا يعبر به عن الكل كاليد فإن قيل اليد يعبر بها عن الكل قال الله تعالى تبت يدا أبي لهب ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة لأن المراد النفس كما صرح في التفاسير أجيب بأن مجرد الاستعمال لا يكفي بل لا بد من شيوع ذلك الاستعمال وكونه عرفا واستعمال اليد في الكل نادر حتى إذا كان عند قوم يعبرون به بل بأي عضو كان عن الجملة يقع الطلاق لا في عرفهم ولا يقع في عرف غيرهم كما في أكثر المعتبرات أو ظهرها أو بطنها والأصح أنه لا يقع وكذا في البضع كما في الزيلعي مع تصريحهم بالوقوع في الفرج بلا خلاف فلا بد من الفرق بينهما وعند الأئمة الثلاثة وزفر يقع أيضا وكذا الخلاف في كل جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن كالأصابع والعين والأنف والصدر والأذن والدبر
____________________
(2/15)
وأما بالإضافة إلى الشعر والظفر والسن والريق والعرق فلا يقع بالإجماع وفي الفتح تفصيل فليطالع
ولو طلقها نصف تطليقة أو سدسها أو ربعها طلقت واحدة وكذا الجواب في كل جزء سماه كالثمن أو قال جزء من ألف جزء من تطليقة لأن الشرع ناظر إلى صون كلام العاقل وصرفه ما أمكن عن الإلغاء ولذا اعتبر العفو عن القصاص عفوا فلما لم يكن للطلاق جزء كان كذكر كلها تصحيحا كالعفو فعلى هذا لو قال وجزء الطلقة تطليقة لكان أخصر وأشمل
وفي المحيط هذا إذا لم يتجاوز من المجموع أجزاء تطليقة كقوله نصف تطليقة وسدسها وربعها فإنه تقع واحدة لأن الاسم إذا أعيد معرفة كان عين الأول وإن جاوز كما إذا قال نصف تطليقة وثلثها وربعها فالمختار أنه تقع ثنتان لأنه زاد على أجزاء تطليقة فلا بد وأن يكون الزيادة من تطليقة أخرى فتتكامل وهذا إذا أضيف الأجزاء إلى تطليقة واحدة ولو قال أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وسدس تطليقة يقع ثلاثا لأنه أضاف كل جزء إلى تطليقة منكرة فاقتضى كل جزء تطليقة على حدة لأن الاسم إذا أعيد نكرة كان غير الأول
وفي الفتح إخراج بعض التطليق لغو بخلاف إيقاعه فلو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف تطليقة وقع الثلاث وهو قول محمد وهو المختار
و يقع في قوله أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاث على الصحيح لأن نصف التطليقتين طلقة واحدة وإذا جمع بين ثلاثة أنصاف تكون ثلاثة تطليقات ضرورة في ثلاثة أنصاف تطليقة ثنتان لأن ثلاثة أنصاف تطليقة يكون طلقة ونصفا فيتكامل النصف فيحصل طلقتان وقيل ثلاث لأن كل نصف يكون طلقة لأنه لا يقبل التجزئة فيصير
____________________
(2/16)
ثلاثة أنصاف تطليقة ثلاث طلقات
وفي الشمني لو قال أنت طالق نصف طلقة تقع واحدة ولو قال لأربع نسوة بينكن طلقة طلقت كل واحدة منهن واحدة وكذا لو قال بينكن طلقتان أو ثلاث أو أربع إلا إذا نوى أن كل طلقة بينهن جميعا فتقع على كل واحدة منهن ثلاث إلا في التطليقتين فتقع على كل واحدة منهن ثنتان ولو قال بينكن خمس تطليقات ولا نية له طلقت كل واحدة منهن طلقتين وكذا ما زاد إلى ثمان تطليقات فإن زاد على الثمان فكل واحدة منهن طالق ثلاثا ولو قال فلانة طالق ثلاثا وفلانة معها أو قال أشركت فلانة معها في الطلاق طلقتا ثلاثا ثلاثا ولو قال لأربع أنتن طوالق ثلاث طلقت كل واحدة ثلاثا كما في الاختيار
وفي المنح ولو قال امرأتي طالق وله امرأتان أو ثلاث تطلق واحدة وله خيار التعيين ولو قال امرأتي طالق منهما امرأتي طالق امرأتي طالق ثم قال أردت واحدة لا يصدق ولو مدخولتين فله إيقاع الطلاق على إحداهما ولو قال امرأته طالق ولم يسم وله امرأة طلقت امرأته ولو كان له امرأتان كلتاهما معروفة صرفه إلى أيتهما شاء
و تقع في قوله أنت طالق من واحدة إلى ثنتين أو ما بين واحدة إلى ثنتين طلقة واحدة عند الإمام وعندهما طلقتان ثنتان و تقع في قوله أنت طالق من واحدة إلى ثلاث أو ما بين واحدة إلى ثلاث ثنتان عند الإمام لأن الغاية الأولى عنده تدخل تحت المغيا لا الثانية لقولهم عمري من ستين إلى سبعين وعندهما تدخل الغايات استحسانا حتى يقع في الأولى ثنتان
وفي الثانية ثلاث لقولهم خذ من ما لي من درهم إلى العشرة فإن له أخذ عشرة
وعند زفر لا تدخل الغايتان كقولهم بعت من هذا الحائط إلى هذا الحائط فإن المبيع ما بينهما حتى لا يقع في الأولى شيء وفي الثانية تقع واحدة وهو
____________________
(2/17)
قياس روي أن الإمام أو الأصمعي قد حاج زفر وقال كم سنك فقال ما بين ستين وسبعين فقال أنت إذن ابن تسع وستين فتحير زفر لكن هذا يستعمل عرفا في إرادة الأقل من الأكثر والأكثر من الأقل ولا عرف في الطلاق إذا لم يتعارف التطليق بهذا اللفظ فبقي على ظاهره تأمل
وفي قوله أنت طالق واحدة بالنصب في ثنتين تقع واحدة إن لم ينو شيئا لكونه صريحا أو نوى الضرب والحساب وكان عارفا يعرف الحساب
وقال زفر والحسن تقع ثنتان وهو قول الأئمة الثلاثة لأن هذا شيء معروف عند أهل الحساب أن واحدا إذا ضرب في اثنين يكون اثنين فيحمل كلامه عليه بيانه أن الضرب يضعف أحد العددين بعدد الآخر فقوله واحدة في ثنتين كقوله واحدة مرتين ولنا أن عمل الضرب في تكثير الأجزاء لا في زيادة عدد المضروب لأن الغرض منه إزالة كسر يقع عند القسمة فمعنى واحدة في ثنتين واحدة ذات جزأين وتكثير أجزاء الطلقة لا يوجب تعددها كما بينا في قوله نصف تطليقة وسدسها وربعها ورجح في الفتح قول زفر بأن الكلام في عرف الحساب في التركيب اللفظي كون أحد العددين مضعفا بقدر الآخر والعرف لا يمنع والغرض أنه تكلم بعرفهم وأراده فصار كما لو أوقع بلغة أخرى فارسية أو غيرها وهو يدريها هكذا في التحرير والغاية لكن إن أثر عمل الضرب عند أهل الحساب إنما يكون في الممسوحات الحسية لا في المعاني الشرعية والطلاق من المعاني الشرعية فلا يفيد قصده تأمل
وإن نوى واحدة وثنتين أو مع ثنتين فثلاث أما نية الواو فلأنه محتمله فإن حرف الواو للجمع والظرف يجمع المظروف ويقارنه ويتصل به فصح أن يراد به معنى الواو وأما مع فلان في يجيء بمعنى مع كما في قوله تعالى فادخلي في عبادي أي مع عبادي
وفي الكشاف أن المراد في جملة عبادي وقيل في أجساد عبادي ويؤيده قراءة في عبدي وعلى هذا فهي على حقيقتها ولا يخفى أن تأويلها مع عبادي ينبئ عنه وادخلي جنتي فإن دخولها معهم ليس إلا إلى الجنة فالأوجه أن يستشهد على ذلك بنحو قوله تعالى نتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة كما في الفتح هذا في الموطوءة وفي غير الموطوءة أي إذا قال لغير الموطوءة أنت طالق واحدة في ثنتين ونوى واحدة وثنتين تقع واحدة مثل واحدة وثنتين أي كما إذا قال لغير الموطوءة ابتداء أنت طالق واحدة وثنتين حيث تقع واحدة ولا يبقى للثنتين محل كما بيناه
وإن نوى مع ثنتين فثلاث فيها أي في غير الموطوءة أيضا
____________________
(2/18)
كما يقع ثلاث في الموطوءة لأن واحدة مع ثنتين يقعان معا فلا يخل كونها غير موطوءة وقوعهما معا وفي ثنتين في ثنتين تقع ثنتان وإن نوى الضرب لما عرف أنه لا يزيد في المضروب عندنا خلافا لزفر والأئمة الثلاثة كما بيناه هذا إذا لم يكن له نية وإن نوى معنى الواو أو معنى مع وهي مدخول بها فهي ثلاث وفي غيرها ثنتان في الأول وثلاث في الثاني
وفي قوله أنت طالق من هنا إلى الشام تقع واحدة رجعية
وقال زفر بائنة لأنه وصفه بالطول ولا ينتقض بإيقاعه الرجعي فيما لو صرح بالطول لأن الكناية أقوى من الصريح ولنا أنه وصفه بالقصر لأن الطلاق متى وقع وقع في الأماكن كلها ونفسه لا يحتمل القصر لأنه ليس بجسم وقصر حكمه لكونه رجعيا وذكر بعضهم أن قوله إلى الشام للمرأة دون الطلاق حتى لو قال تطليقة إلى الشام يكون بائنا كما في التبيين وفي قوله أنت طالق بمكة أو في مكة أو في ثوب كذا وهي لابسة غيره أو في الشمس أو في الظل أو أنت طالق مريضة أو مصلية تطلق للحال حيث كانت المرأة لأن الطلاق لا اختصاص له بمكان أو ظرف دون آخر ولو قال أردت في دخولك مكة صدق ديانة لا قضاء لأنه خلاف الظاهر بخلاف الإضافة إلى الزمان المستقبل حيث لا تقع في الحال لأنه كالتعليق كما إذا قال الشتاء أو إلى رأس الشهر ونحوه خلافا لزفر كما في أكثر المعتبرات لكن في الشمني يقع في الحال عند أبي يوسف وفي انتهاء الشتاء أو الشهر عندهما وإن نوى التنجيز يقع في الحال اتفاقا
ولو قال أنت طالق إذا دخلت مكة أو دخولك فيها لا يقع الطلاق ما لم تدخلها لأنه علقه بالدخول في الأول وكذا في الثاني كما لو صرح بالشرط لصحة استعارة الظرف لأداة الشرط المقارنة بين معنى الشرط والظرف من حيث إن المظروف لا يوجد بدون الظرف كالمشروط لا يوجد بدون الشرط فيحمل عليه عند تعدد معناه أعني الظرف وكذا إذا قال في لبسك أو ذهابك ولا فرق بين كون ما يقوم بها فعلا اختياريا أو غيره حتى لو قال في مرضك أو وجعك أو صلاتك لم تطلق حتى تمرض أو تصلي كما في الفتح
وكذا الدار في الصور كلها
____________________
(2/19)
أما لو قال أنت طالق لدخولك الدار أو لحيضك فتطلق للحال
فصل يعني في إضافة الطلاق إلى الزمان اعلم أن كتاب الطلاق صنف من هذا العلم وما تحته صنف مترجم بالباب والباب تحته صنف مسمى بالفصل والكل تحت الصنف الذي هو نفس العلم المدون فإنه صنف عال والعلم مطلقا بمعنى الإدراك جنس وتحته من اليقين والظن نوع كما في المطلب قال لامرأته أنت طالق غدا أو في غد يقع الطلاق عند الصبح لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد في الأول لأن جميعه هو مسمى الغد فتعين الجزء الأول لعدم المزاحم وفي الثاني وصفها في جزء منه وأفاد أنه إذا أضافه إلى وقت فإنه لا يقع للحال وهو قول الشافعي وأحمد خلافا لمالك فإنه قال يقع في الحال وهو منقوض بالتدبر
وإن نوى الوقوع وقت العصر في قوله غدا صحت ديانة لا قضاء لأنه أضاف الطلاق إلى الغد والغد اسم لجميع أجزاء اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فإذا عنى الوقوع في بعض أجزاء اليوم دون الجميع كان خلاف الظاهر لإرادة التخصيص من العموم فلا يصدق ولكن يصدق ديانة لاحتمال كلامه ذلك لأن العام يحتمل الخصوص وهو آخر النهار فإن قيل العام ما يتناول أفرادا متفقة الحدود ولفظ غدا ليس كذلك فإنه نكرة في موضع الإثبات فلا يكون من صيغ العموم أجيب بأن هذا من باب تنزيل الأجزاء منزلة الأفراد مجازا كما في المطلب
و إن نوى الوقوع وقت العصر في الثاني
____________________
(2/20)
أي في غد يصدق قضاء أيضا أي كما يصدق ديانة عند الإمام لأنه حقيقة كلامه لأن الظرف لا يوجب استيعاب المظروف وإنما يتعين الجزء الأول عند عدم النية لعدم المزاحمة خلافا لهما فإن عندهما هو والأول سواء لأن المراد منهما الظرفية فإن نصب غدا على الظرفية فلا فرق وجوابه أن قوله غدا للاستيعاب لأنه شابه المفعول به ونظيره قوله لا أكلمك شهرا وفي الشهر ودهرا وفي الدهر وإن كان للاستيعاب فإذا نوى البعض فقد نوى التخصيص وهو خلاف الظاهر كما بيناه أما إذا عين آخر النهار فكان التعيين القصدي أولى من الضروري وعلى هذا الخلاف أنت طالق في رمضان ونوى آخره
وفي المنح ومما يتفرع على حذف في وإثباتها لو قال أنت طالق كل يوم تقع واحدة وعند زفر ثلاثا في ثلاثة أيام ولو قال في كل يوم طلقت ثلاثا في كل يوم واحدة إجماعا كما لو قال عند كل يوم أو كلما مضى يوم
وفي الخلاصة أنت طالق مع كل يوم تطليقة فإنها تطلق ثلاثا ساعة حلف ولو قال أنت طالق اليوم غدا أو غدا اليوم يعتبر الأول ذكرا حتى يقع في الأول في اليوم وفي الثاني في غد لأنه حين ذكره ثبت حكمه تنجيزا أو تعليقا فلا يحتمل التغيير بذكر الثاني لأن المعلق لا يقبل التنجيز ولا المنجز التعليق بخلاف ما إذا قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد حيث لا يقع قبل غد لأنه تعليق لمجيء غد فلا يقع قبله وذكر اليوم لبيان وقت التعليق لكن فيه أسئلة وأجوبة فليطالع في الفتح وغيره هذا إذا لم يعطف بالواو ولو عطف بها بأن قال أنت طالق اليوم وغدا أو أنت طالق غدا واليوم تقع واحدة في الأولى وفي الثانية ثنتان
وقال زفر تقع واحدة ولو كرر الشرط بأن قال إذا جاء غد وإذا جاء غد يقع بكل واحدة منهما والتفصيل في التسهيل فليطالع
وفي التبيين لو قال أنت طالق آخر النهار وأوله تطلق ثنتين ولو عكس تطلق واحدة
ولو قال لأجنبية أنت طالق قبل أن أتزوجك
____________________
(2/21)
فهو لغو وكذا أنت طالق أمس وقد نكحها اليوم لأنه أسنده إلى حالة معهودة منافية لملكية الطلاق فيلغو كما إذا قال أنت طالق إن أخلق أو إن تخلقي ولو قال طلقتك وأنا صبي أو نائم أو مجنون وكان جنونه معهودا فإنه يكون لغوا أيضا لأنه أضاف إلى حالة معهودة تنافي صحة الإيقاع فكان منكرا لا مقرا به
وإن كان نكحها قبل أمس وقع الآن لأنه أسند إلى حالة منافية ولا يمكن تصحيحه إخبارا أيضا فكان إنشاء والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال
ولو قال أنت طالق ثلاثا ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى لم أطلقك وسكت طلقت للحال لإضافته إلى زمان خال عن التطليق وقد وجد بسكوته لأن متى للزمان وما يستعمل فيه وكذا لو قال حين لم أطلقك أو زمان لم أطلقك أو حيث لم أطلقك أو يوم لم أطلقك وسكت يقع حالا ولو قال زمان لا أطلقك أو حين لا أطلقك لم تطلق حتى تمضي ستة أشهر لأن لم موضوع لقلب المضارع ماضيا ونفيه فإذا سكت وجد زمان لم يطلقها فيه وحيث للمكان وكم من مكان لم يطلقها فيه وجد شرط الطلاق وكلمة لا للاستقبال فإن لم يكن له نية لا يقع للحال حتى لو علق الثلاث بأن قال أنت طالق ثلاثا ما لم أطلقك ونحوه
____________________
(2/22)
وقعن بسكوته لما تقدم
وإن وصل أي وإن لم يسكت بل قال أنت طالق موصولا بقوله أنت طالق متى لم أطلقك وقع واحدة لأنه لا يقع بقوله أنت طالق متى لم أطلقك شيء وإنما يقع بالموصول به وهو أنت طالق خلافا لزفر فإن عنده في هذه الصورة تقع تطليقتان وفيما لو قال أنت طالق ثلاثا ما لم أطلقك أنت طالق تقع واحدة عندنا وثلاث عنده ولو قال أنت طالق كلما لم أكلمك وسكت وقع الثلاث متتابعا لا جملة لأنها لا تقتضي عموم الانفراد لا عموم الاجتماع فإن لم تكن مدخولا بها بانت بواحدة فقط كما في الفتح
وفي المحيط لو قال إن لم أطلقك اليوم ثلاثا فأنت طالق فحيلته أن يقول لها أنت طالق ثلاثا على ألف درهم فإذا قال لها ذلك تقول المرأة لا أقبل فإن مضى اليوم لا يقع الثلاث في قياس ظاهر الرواية وروي عن الإمام لا تطلق وعليه الفتوى كما في أكثر المعتبرات لأنه أتى بالتطليق إلا أن هذا التطليق مقيد لأنه تطليق بعوض والمقيد يدخل تحت المطلق فيتقدم شرط الحنث
ولو قال إن لم أطلقك فأنت طالق لا يقع الطلاق ما لم يمت أحدهما قبل أن تطلق فيقع قبيل الموت لأن الشرط حينئذ يتحقق فإن مات أو ماتت قبل الدخول فلا ميراث وإن دخل فلها الميراث بحكم الفرار ولا ميراث له منها
وفي النوادر لا يقع بموتها والصحيح أن موتها كموته
وإذا أي لفظ إذا وإذا ما بلا نية مثل إن عند الإمام
____________________
(2/23)
لأنه مشترك بين الشرط والوقت عند الكوفية ولاشتراكه وقع الشك في وقوعه فلم يقع حالا وعندهما والأئمة الثلاثة مثل متى لأنه يستعمل للشرط مع الوقت كما ذهبت إليه البصرية فتطلق حالا ومع نية الشرط أو الوقت فما نوى أي يفوض إلى نيته فإن نوى الأول يقع آخر العمر وإن نوى الثاني يقع حالا بلا خلاف واليوم موضوع للوقت ليلا أو غيره قليلا وعرفا من طلوع الشمس إلى غروبها وشرعا من طلوع الفجر إلى الغروب كما في الكواشي وغيره لكن في المحيط أنه للمعنى العرفي وفي الوقت مجاز للنهار أي في النهار وهو لغة ضوء ممتد من طلوع الشمس إلى الغروب وعرفا وشرعا كاليوم والعرف مراد مع فعل أي إذا كان اليوم تابعا للفعل ومتعلقا به لأن يكون مضافا إليه كما دل عليه كلمة مع كما في القهستاني ممتد يصح تقديره بمدة مثل لبست الثوب يومين بخلاف غير الممتد فإنه لا يقال دخلت يوما والمراد بالممتد ما يستوعب مثل النهار لا مطلق الامتداد لأنهم جعلوا التكلم من قبيل غير الممتد ولا شك أن التكلم يمتد زمانا طويلا لكن لا يمتد بحيث يستوعب النهار وبهذا اندفع ما قيل من أن التكلم مما لا يقبل التقدير بالمدة فكيف جعلوه غير ممتد ولا نسلم أن يقدر بمدة النهار عرفا على أنه ممتد عند بعض المشايخ والأفصح في تفسير الممتد ما يتجدد من المرات المماثلة من كل وجه حسا كما في القهستاني ولمطلق الوقت في جزء من الزمان ولو ليلا مع فعل لا يمتد والفرق مبني على قاعدة هي أن مظروف اليوم إذا كان غير ممتد يصرف اليوم عن حقيقته وهو بياض النهار إلى مجازه وهو مطلق الوقت لأن ضرب المدة لغو إذ لا يحتمله وإن ممتدا تكون باقيا على حقيقته والمراد بما يمتد ما يصح ضرب المدة له كالسير والركوب والصوم وتخيير المرأة وتفويض الطلاق وبما ما لا يمتد لا يصح ضرب مدة له كالطلاق والتزوج والسلام والعتاق والدخول والخروج فلو قال تفريع لما قبله أمرك بيدك يوم يقدم زيد فقدم ليلا لا تتخير فإن كون الأمر باليد يقدر بالمدة المستوعبة للنهار فيكون فعلا ممتدا فاليوم فيه للنهار العرفي فلو قدم ليلا لم يكن لها خيار كما لو قدم نهارا بلا
____________________
(2/24)
علمها حتى مضى كما في الكافي فيشترط علمها
وإن قال يوم أتزوجك فأنت طالق فنكحها ليلا وقع الطلاق لأن التزويج فعل لا يقدر بالمدة المستوعبة فتطلق ولو ليلا خلافا للشافعي ثم الامتداد وعدمه إنما يعتبران في جانب العامل لا المضاف إليه عند المحققين سواء كانا متفقين أو مختلفين وذا بلا خلاف ومن المشايخ من تسامح فاعتبر المضاف إليه فيما يختلف فيه الجواب نظرا إلى حصول المقصود وهو استقامة الجواب حيث صرحوا في قوله يوم أكلم فلانا فامرأته طالق بأن المقرون هو الكلام والكلام مما يمتد وفي قوله يوم أتزوجك فأنت طالق فتزوجها ليلا طلقت لأن التزويج مما لا يمتد فعلى هذا قول الزيلعي الأوجه أن يعتبر الممتد منهما ليس بأوجه وقول صدر الشريعة وإن كان الفعل الذي تعلق به اليوم غير ممتد والفعل الذي أضيف اليوم ممتد نحو أنت طالق يوم أسكن هذه الدار وبالعكس نحو أمرك بيدك يوم يقدم زيد فينبغي أن يراد باليوم النهار ترجيحا لجانب الحقيقة ليس مما ينبغي لأن المصرح فيها عدم اعتبار المضاف إليه أصلا تأمل وهذا كله عند عدم القرينة وإلا فانعكس الحكم بنحو أنت طالق يوم يصوم زيد وأنت حر يوم تنكسف الشمس وإن نوى النهار في غير الممتد صدق قضاء وعن أبي يوسف رحمه الله لا
ولو قال لامرأته أنا منك طالق فهو لغو لا يعبأ به
وإن وصلية نوى به الطلاق لأن الطلاق شرع مضافا إلى المرأة فإذا طلق الزوج نفسه فقد غير المشروع
وقال الشافعي ومالك يقع إذا نوى ولو قال أنا منك بائن أو عليك حرام بانت إن نوى الطلاق تطلق بطريق الكناية لأن الإبانة لإزالة الوصلة والتحريم لإزالة الحل وهما مشتركان فيهما فتصح الإضافة ولو قال أنا بائن ولم يقل منك أو قال حرام ولم يقل عليك لم تطلق بخلاف ما إذا قال أنت بائن أو حرام ولم يزد عليه حيث تطلق إذا نوى والفرق أن البينونة أو الحرام إذا كان مضافا إليها تعين لإزالة ما بينهما من الوصلة والحل وإذا أضافه إليه لا يتعين لجواز أن يكون له امرأة أخرى فيريد بقوله أنا بائن منها أو حرام عليها
ولو قال
____________________
(2/25)
أنت طالق مع موتي أو مع موتك فهو لغو لأن مع للقران وحال موت أحدهما حال ارتفاع النكاح أو للشرط كقوله مع دخولك فلزم الوقوع بعد الموت وهو محال وكذا يكون لغوا لو قال أنت طالق واحدة أو لا عند الشيخين خلافا لمحمد في رواية وهو قول أبي يوسف أو لا وهو رواية الطلاق من المبسوط
وفي الهداية ولو كان المذكور في الجامع الصغير قول الكل فعن محمد روايتان له أنه أدخل الشك في الواحدة لدخول حرفه بينهما وبين النفي فيسقط اعتبار الوحدة للشك ويبقى قوله أنت طالق سالما عن الشك بخلاف أنت طالق أو لا لأنه أدخل الشك في أصل الإيقاع فلا يقع ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بذكر العدد لا بالوصف فكان الشك داخلا في الإيقاع فلا يقع ولهذا لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا وقعن ولو كان الوقوع بالوصف لما وقعن لكونها أجنبية
وإن ملك الزوج امرأته بأن كانت أمة الغير فملكها كلها أو شقصها أي بعضها أو ملكته أي المرأة كل الزوج أو شقصه بطل العقد أما في الأول فلأن ملك النكاح ضروري وقد استغنى عنه بالأقوى منه وهو ملك الرقبة وأما في الثاني فللاجتماع بين المالكية والمملوكية ولا يرد عليه أن المكاتب إذا اشترى زوجته الرقيقة حيث لا يبطل النكاح لأن للمكاتب حق الملك لا الملك الحقيقي فإنه لا يكون مالكا إذا كان مملوكا فلو طلقها بعد ذلك لغا لأن وقوع الطلاق يستدعي قيام النكاح من
____________________
(2/26)
كل وجه أو من وجه ولم يوجد وكذا إذ ملكته أو شقصا منه لا يقع لما قلنا وعن محمد أنه يقع
ولو قال لها وهي أمة لغيره أنت طالق ثنتين مع إعتاق سيدك إياك فأعتقها السيد ملك الزوج الرجعة لأنه علق الثنتين بالإعتاق والمعلق يوجد بعد الشرط وهي حرة والحرة لا تحرم بالثنتين حرمة غليظة وعند الثلاثة لا تصح الرجعة لا يقال كلمة مع للقران لأنا نقول إنها قد تجيء للتأخر كقوله تعالى إن مع العسر يسرا
وفي شرح الطحاوي أن كلمة مع إذا أقحم بين جنسين مختلفين يحل محل الشرط
وإن علق طلقتيها في المسألة بمجيء الغد وعلق مولاها عتقها به أي بمجيء الغد أي قال المولى لأمته إذا جاء الغد فأنت حرة وقال الزوج إذا جاء الغد فأنت طالق ثنتين فجاء الغد لا تحل الأمة له أي الزوج إلا بعد تزوج زوج آخر لأن وقوع الطلاق مقارن لوقوع العتق فيقع الطلاق وهي أمة والأمة تحرم حرمة غليظة بتطليقتين بخلاف المسألة الأولى فإن العتق هناك مقدم رتبة هذا عند الشيخين وعند محمد يملك الزوج الرجعة برواية أبي حفص الكبير لأن العتق أسرع وقوعا لأنه رجوع إلى الحالة الأصلية وهو أمر مستحسن بخلاف الطلاق فإنه أبغض المباحات فيكون في وقوعه بطئا لأن في الطلاق أيضا رجوعا إليها وبطؤه في غير المستحسن أمر تخييلي بل لأن قوله أنت حرة أوجز من قوله أنت طالق ثنتين والمعلق كالمرسل عند الشرط فيكون كأن المولى والزوج أرسلا في ذلك الوقت فيقع أوجز القولين أولا وهو العتق كما في الإصلاح وتعتد كالحرة إجماعا يعني في المسألتين أخذا بالاحتياط وصيانة عن الاشتباه ولو كان الزوج مريضا لا ترث منه لأنه حين تكلم الطلاق لم يقصد الفرار إذا لم يكن لها حق في ماله لأن العتق والطلاق يقعان معا ثم الطلاق يصادفها وهي رقيقة فلا ميراث لها
____________________
(2/27)
28 فصل في شبه الطلاق ووصفه ذكره بعد أصله وتنويعه لكونه تابعا لو قال لها أنت طالق هكذا حال كونه مشيرا بأصابعه المنشورة بقدر الطلاق وقع بعددها فبالأصبع الواحدة واحدة وبالاثنين اثنتان وبالثلاث ثلاث والأصبع يذكر ويؤنث لأن الإشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد المبهم قال عليه الصلاة والسلام الشهر هكذا وخنس إبهامه وأراد في النوبة الثالثة التسعة وعليه العرف
وفي المحيط أنه لو أشير بلا ذكر العدد المبهم لم يقع إلا واحدة فإن أشار ببطونها بأن يجعل باطن الكف إليها تعتبر عدد الأصابع المنشورة و إن أشار بظهورها بأن يجعل باطن الكف إلى نفسه تعتبر المضمومة صرح به مع أنه علم ضمنا لأنه قال تعتبر المنشورة مطلقا احترازا عنه ولو نوى الإشارة بالمضمومتين صدق ديانة لا قضاء وكذا لو نوى الإشارة في الكف والإشارة بالكف أن تقع الأصابع كلها منشورة وهذا هو المعتمد
وفي الإصلاح بقي هاهنا احتمال وهو أن يكون رءوس الأصابع نحو المخاطب فالوجه الشامل ما قيل إن كان نشرا عن ضم فالعبرة للنشر وإن كان ضما عن نشر فالعبرة للضم وقيل إن كان بطن كفه إلى السماء فالمنشور وإن كان إلى الأرض فالمضموم
ولو وصف الطلاق بضرب من الشدة والزيادة بأن قال أنت طالق بائن أو
____________________
(2/28)
ألبتة
وقال الشافعي يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول لأن صريح الطلاق معقب للرجعة بالإجماع ووصفه بالبائن وألبتة خلاف المشروع فلا يصح كما في أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك وأجيب بمنع مسألة الرجعة وبأنه وصفه بما يحتمله فلا يكون تعبيرا له تبيينا أو قال أفحش الطلاق أو أخبثه أو أشده أو أسوأه وتوصيف الطلاق بهذه الأوصاف إنما يكون باعتبارها أثر وهو البينونة في الحال ولا يرد عليه أن الشديد والفاحش والخبيث هو البائن فينبغي أن يكون الواقع بأفعل التفضيل الثلاث نوى أو لم ينو لأن أفعل التفضيل قد يكون لإثبات أصل الوصف من غير زيادة كقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن أو طلاق الشيطان كقوله أنت طالق طلاق الشيطان أو البدعة وكل من هذين الوصفين ينبئ عن البينونة لأن السني هو الرجعي فيكون البدعي في غير حالة الحيض بائنا وعن أبي يوسف في قوله أنت طالق للبدعة أنه لا يكون بائنا إلا بالنية وعن محمد يكون رجعيا وكذا طلاق الشيطان عنده أو كالجبل وغيره قال أبو يوسف إذا قال كالجبل أو مثل الجبل يكون رجعيا لأن الجبل شيء واحد فكان تشبيها له في توحده ولو قال مثل عظم الجبل تقع واحدة بائنة بالاتفاق كما في الغاية ولا يفرق بعض بين قوله مثل الجبل ومثل عظم الجبل فقال ما قال تتبع
أو كألف
وعن محمد أنه يقع الثلاث عند عدم النية لأنه عدد فيراد به التشبيه في العدد ظاهرا فصار كقوله كعدد ألف أو قدر عدد ألف وفيه يقع الثلاث اتفاقا وعنه لو قال أنت طالق كالنجوم تقع واحدة لأنه يحتمل التشبيه في الضياء والنور ولو قال كعدد النجوم
____________________
(2/29)
يقع ثلاثا عنده ولو قال مثل التراب تقع واحدة رجعية عنده ولو قال عدد التراب يقع ثلاثا عنده خلافا لأبي يوسف هو يقول لا عدد للتراب ولو قال أنت طالق كثلاث فهي واحدة بائنة عند أبي يوسف وثلاث عند محمد كما لو قال كعدد ثلاث ولو قال عدد الرمل فهي ثلاث إجماعا والأصل في هذا أن الطلاق متى شبه بشيء يقع بائنا عند الإمام سواء كان المشبه به صغيرا أو كبيرا أو ذكر مع المشبه به العظم أو لا وعند أبي يوسف إن ذكر العظم يكون بائنا وإلا فلا وعند زفر إن وصف المشبه به بالشدة أو بالعظم كان بائنا وإلا فهو رجعي وقيل محمد مع الإمام وقيل مع أبي يوسف قيدنا بضرب من الزيادة لأنه لو وصفه بما لا ينبئ عن زيادة كقوله أحسن الطلاق أو أسنه أو أعدله له يقع رجعيا اتفاقا ولو أضافه إلى عدد معلوم النفي كعدد شعر بطن كفي أو مجهول النفي والإثبات كعدد شعر إبليس ونحوه تقع واحدة أو من شأنه الثبوت لكنه زائل وقت الحلف بعارض كعدد شعر ساقي أو ساقك وقد تنورا لا يقع شيء لعدم الشرط ولو قال عدد ما في الحوض من سمك وليس في الحوض سمك تقع واحدة
وفي شرح الكنز كالثلج بائن عند الإمام وعندهما إن أراد بياضه فرجعي وإن أراد به برده فبائن وهذا يقتضي أن أبا يوسف لا يقتصر البينونة في التشبيه على ذكر العظم بل يقع بدونه عند قصد الزيادة كما في الفتح ولو قال أنت طالق لا قليل ولا كثير يقع ثلاثا ولو قال لا كثير ولا قليل تقع واحدة فيثبت ما نفاه أولا لأنه يثبت بالنفي ضد المنفي فلا يرتفع أو ملء البيت أو تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة وقع واحدة بائنة إن لم يكن له نية أو نوى واحدة
وكذا إن نوى الثنتين في غير الأمة كانت واحدة بائنة لما مر من أن الجنس لا يحتمل العدد إلا إذا نوى بقوله طالق واحدة وبقوله بائن أو ألبتة طلقة أخرى
____________________
(2/30)
فيقع بائنان لأنه نوى محتمل كلامه لأن بائن في هذا خبر بعد خبر فصار كما لو قال أنت طالق أنت بائن فإن قيل ينبغي أن تقع طلقتان إحداهما رجعية لأن أنت طالق يقتضي الرجعية أجيب بأن الثاني لما كان بائنا لم يفد بقاء الأول رجعيا فكان بائنا بحكم الضرورة وصحت نية الثلاث في الكل لأن البينونة على نوعين خفيفة وغليظة فإذا نوى الثلاث فقد نوى أغلظ النوعين وأعلاهما فصحت نيته
وقال العتابي الصحيح أنه لا تصح نية الثلاث في أنت طالق تطليقة شديدة أو عريضة أو طويلة لأنه نص على التطليقة وأنها تتناول الواحدة ونسبه إلى شمس الأئمة ورجح بأن النية إنما تعمل في المحتمل وتطليقة بتاء الوحدة لا يحتمل الثلاث كما في الفتح لكن لم لا يجوز أن تكون التاء لمعنى آخر تدبر
فصل في طلاق غير المدخول بها طلق غير المدخول بها بأن قال أنت طالق ثلاثا وقعن لأن الواقع عند ذكر العدد مصدر محذوف موصوف بالعدد أي تطليقا ثلاثا فيقعن جملة وقيل تقع واحدة لأنها تبين بقوله أنت طالق لا إلى عدة فقوله ثلاثا يصادفها وهي أجنبية فصار كما لو عطف والجمهور على خلافه ونص محمد وقال بلغنا ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وعن علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ولا ينافي قول الإنشاء أن يكون عند ذكر العدد بتوقف الوقوع وكونه وصفا لمحذوف أما لو قال أوقعت عليك ثلاث تطليقات فإنه يقع الثلاث عند الكل
وفي الدرر أن ما نقل عن المشكلات أنه طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول لا تقع لأن الآية نزلت في حق الموطوءة بأصل منشؤه الغفلة عن القاعدة المقررة في الأصول أن خصوص سبب النزول غير معتبر عندنا خلافا للشافعي انتهى
فعلى هذا لو قال أنت طالق ثلاثا لكان أولى لأن فيها إشارة إلى الخلاف
____________________
(2/31)
بخلاف ما قال تأمل
وإن فرق الزوج الطلاق بأن قال لغير المدخول بها أنت طالق طالق طالق أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق بانت المرأة با التطليقة الأولى لا إلى عدة ولا تقع الثانية لانتفاء الحمل
ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة وقع واحدة لعدم توقف هذا الكلام على آخره عند عدم المغير ولا يرد ما قيل من أنه لو قال أنت طالق واحدة ونصفا أو واحدة وأخرى أو وواحدة وعشرين بضم العين وفتح الراء فإنه تقع واحدة في الأول والثاني ثنتان والثالث ثلاث مع أنه ذكر بالواو العاطفة وليس في آخر كلامه ما يغير أوله لأن الأول والثالث ليس لهما عبارة أخصر منهما فكان فيهما ضرورة بخلاف واحدة وواحدة فإنه يمكنه تثنيته وجمعه وأما الثاني فلعدم استعمال أخرى ابتداء واستقلالا كما في التبيين
وفي البحر لو قال أنت طالق وهذه وهذه طلقت الأولى والثانية واحدة والثالثة ثلاثا لأن العدد صار ملحقا بالإيقاع الثاني دون الأول
وفي التبيين وقال مالك وأحمد تطلق ثلاثا إذا كان بعطف وهو قول ابن أبي ليلى وربيعة وقول الشافعي في القديم
وكذا تقع واحدة لو قال واحدة قبل واحدة أو بعدها وقع واحدة لأنه إنشاء طلاق سابق بآخر فبانت بالأول فلا تبقى محلا لغيره
ولو قال أنت طالق بعد واحدة أو قبلها واحدة خلافا للشافعي وعنه أنه لا يقع شيء أو مع واحد واحدة أو معها واحدة فثنتان أي في تلك الصور الأربع لأنه إنشاء طلاق سبق عليه طلاق
____________________
(2/32)
آخر فكأنه أنشأ طلقتين بعبارة واحدة فيقع اثنان ولو غير موطوءة وعن أبي يوسف في قوله معها واحدة تقع واحدة لأن الكناية تقتضي سبق المكنى عنه وجودا وفي الموطوءة تقع ثنتان في الكل لقيام المحلية بعد وقوع الأولى
ولو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة أو فواحدة فدخلت الدار تقع واحدة عند الإمام لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وقوعه وفي المنجز تقع واحدة إذ لا يبقى للثاني محل وكذا هنا وعندهما والأئمة الثلاثة تقع ثنتان لوقوعه جملة عند الشرط بلا تقدم وتأخر ولا فرق بين صورتي العطف بالواو والعطف بالفاء فيما ذكره الكرخي وذكر الفقيه أبو الليث أنه تقع واحدة بالاتفاق في الثاني وهو الأصح
ولو أخر الشرط بأن قال لغير الموطوءة أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار فثنتان اتفاقا لأن الجزأين يتعلقان بالشرط دفعة فيقعان ولو عطف الثلاث بثم فإن كان الشرط مقدما ففي المدخول بها تعلقت الأولى والباقية تنجز عند الإمام وفي غيرها تعلقت الأولى ووقعت الثانية ولغت الثالثة ولو أخره ففي المدخول بها تعلقت الثالثة والباقي تنجز وفي غيرها وقعت الأولى في الحال ولغا ما سواها إذ التراخي كالاستئناف عند الإمام وقالا يتعلق الكل سواء قدم الشرط أو أخر دخل بها أو لا لأن التراخي في الحكم كالتكلم اختلفوا في أثر التراخي فقال الإمام هو بمعنى الإيقاع كأنه سكت ثم استأنف قولا بعد الأول اعتبارا لكمال التراخي وقالا التراخي راجع إلى الوجود والحكم
____________________
(2/33)
وأما في التكلم فمتصل
ويقع الطلاق بعدد قرن على صيغة المفعول بالطلاق لا به أي الطلاق فلو ماتت المرأة مدخولة أو غير مدخولة قبل ذكر العدد في قوله أنت طالق واحدة لا تطلق لأنه قرن الوصف بالعدد وكان الواقع هو العدد فإذا ماتت قبل ذكر العدد فات المحل قبل الإيقاع فيبطل وإنما خص موتها بالذكر لأنه لو مات الزوج بعد قوله طالق قبل قوله ثلاثا تقع واحدة لأن لفظ الطلاق لم يتصل بذكر العدد فبقي قوله أنت طالق وهو عامل بنفسه فيقع ألا يرى أنه لو قال لامرأته أنت طالق مريدا تعقيبه بثلاث فأمسك شخص فاه تقع واحدة رجعية لأن الوقوع بلفظه لا بقصده كما في أكثر الكتب
فصل في الكنايات وكنايته أي الطلاق عطف على ما ذكر من الصريح وهو في اللغة مصدر كنى أو كناية عن كذا يكنى أو يكنو إذا تكلم بشيء يستدل به على غيره أو يراد به غيره وفي علم البيان لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعنى منه وقيل لفظ يقصد بمعناه معنى ثان ملزوم له وفي الشريعة ما استتر في نفسه معناه الحقيقي أو المجازي فإن الحقيقة المهجورة كناية كالمجاز غير الغالب وكناية الطلاق ما أي لفظ احتمله أي الطلاق وغيره فيستتر المراد منه في نفسه فإن البائن مثلا يراد منه المنفصل عن وصلة النكاح وفي الدلالة عليه خفاء زال بقرينة ولا يقع بها أي ولهذا لا يقع الطلاق بالكنايات قضاء إلا بنية أي بنية الزوج أو الطلاق مضافا إلى الفاعل أو المفعول أو دلالة حال لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعم منه والمراد بدلالة الحال الحالة الظاهرة المفيدة
____________________
(2/34)
لمقصوده وفيه إشارة إلى أن الكنايات غير مؤثرة بدون النية ودلالة الحال
وقال الشافعي لا اعتبار بالدلالة بل لا بد من النية لأنه لا يبعد أن يضمر خلاف الظاهر ولنا أن الحال أقوى دلالة من النية لأنها ظاهرة والنية باطنة كما في التبيين ثم الكناية على قسمين ذكر الأول بقوله فمنها أي من الكنايات اعتدي فإنها تحتمل الاعتداد عن النكاح والاعتداد بنعم الله تعالى فإن نوى الأول تعين ويقتضي طلاقا سابقا والطلاق يعقب الرجعة ولا يخفى أن القول بالاقتضاء وثبوت الرجعة فيما قاله بعد الدخول أما قبله فهو مجاز عن كوني طالقا باسم الحكم عن العلة لا المسبب عن السبب كما قال الزيلعي ليرد عليه أن شرطه اختصاص المسبب بالسبب والعدة لا تختص بالطلاق لثبوتها في أم الولد إذا أعتقت وما أجيب به من أن ثبوتها فيما ذكر لوجود سبب ثبوتها في الطلاق وهو الاستبراء لا بالأصالة فغير دافع سؤال عدم الاختصاص كما في الفتح واستبرئي بكسر الهمزة قبل الياء رحمك لأنه تصريح بما هو المقصود من العدة وهو تعرف براءة الرحم فاحتمل استبراءه لأني طلقتك أو لأطلقك يعني إذا علمت خلوه عن الولد وعلى الأول يقع وعلى الثاني لا فلا بد من النية ولا يخفى أنها قبل الدخول مجاز عن كوني طالقا كاعتدي وكذا في الآيسة والصغيرة المدخول بها كما في الفتح وأنت واحدة عند قومك أو منفردة عندي ليس لي معك غيرك ويحتمل أن يكون نعتا لمصدر محذوف ولا عبرة بإعراب واحدة عند عامة المشايخ وهو الصحيح لأن عوام الأعراب لا يفرقون بين وجوه الإعراب لكن فيه دلالة على أن الخواص الذين يفرقون بين وجوهه يعتبرون فيه التفصيل المذكور تدبر وقيل إنما يقع بالسكون وأما إذا أعربت فإن رفعت لم يقع وإن نوى وإن نصبت وقع وإن لم ينو يقع بكل منها أي من الألفاظ الثلاثة واحدة رجعية وإن نوى ثنتين أو ثلاثا ولم يذكر المصدر لأنه قد ظهر أن الطلاق في هذه مقتضى ولو كان مظهرا لا تقع به إلا واحدة رجعية فإذا كان
____________________
(2/35)
مضمرا وأنه أضعف منه أولى أن لا يقع إلا واحدة رجعية وما سواها أي الألفاظ الثلاثة يقع بها واحدة بائنة وعند الشافعي الكنايات كلها رواجع إلا أن ينوي ثلاثا فيقعن لأنها من نوعي البينونة عليها وفي هذا الإطلاق نظر بل قد يقع رجعيا ببعض الكنايات ففي قوله أنا بريء من طلاقك يقع رجعيا إذا نوى بخلاف ما إذا قال من نكاحك وكذا في وهبتك طلاقك إذا نوى يقع رجعيا وكذا في خذي طلاقك أو أقرضتك وفي قد شاء الله طلاقك أو قضاه أو شئت يقع بالنية رجعيا كما في الفتح تأمل ولا تصح نية الثنتين لأنه نية العدد فلا تصح في الجنس خلافا لزفر ولذا لو كانت أمة صحت وقد قررناه وهي أي ألفاظ الكناية ما سوى الثلاثة بائن وهو نعت للمرأة من البين والبينونة وهي الفرقة فيحتمل أن يكون عن الطلاق وعن المعاصي وعن الخيرات وغيرها كما في أكثر الكتب لكن هذا الاحتمال بلفظ البينونة متعين وأما في بائن بعدم التاء لا يحتمل بل تعين الطلاق إذ هو من الألفاظ المخصوصة بهن فلا بد فيه من التاء إلا أن يقال أمر التذكير والتأنيث فيه سواء بتة بالتشديد القطع عن النكاح أو عن الخيرات أو عن الأقارب بتلة كالبتة حرام وله معان كثيرة فيحتمل ما يحتمله ألبتة خلية بضم الخاء من الخلو أي خالية عن النكاح أو الحسن برية
____________________
(2/36)
مثل خلية حبلك على غاربك تمثيل لأنه تشبيه بالصورة المنتزعة من أشياء وهي هيئة الناقة إذا أريد إطلاقها للرعي وهي ذات رسن فألقي الحبل على غاربها وهو ما بين السنام والعنق فشبه بهذه الهيئة الإطلاقية انطلاق المرأة من قيد النكاح أو العمل أو التصرف وصار كناية في الطلاق لتعدد صور الإطلاق الحقي بأهلك يحتمل بمعنى اذهبي حيث شئت لأني طلقتك أو سيري بسيرة أهلك وهبتك لأهلك أي عفوت عنك لأجل أهلك أو وهبتك لهم لأني طلقتك سرحتك فارقتك يحتمل التسريح والمفارقة بالطلاق أو بغيره وعند الشافعي هما صريحان في الطلاق أمرك بيدك أي عملك فيحتمل أن يكون تفويضا منه الطلاق إليها وأن يكون إذنا في حق التصرف اختاري أي نفسك بالفراق في النكاح أو اختاري نفسك في أمر آخر وفي هذين اللفظين لا تطلق حتى تختار نفسها لأنهما كناية عن التفويض فعلى هذا الأنسب أن لا يذكر في هذا المقام لأنه زعم بعض المفتين أنه يقع به الطلاق وأفتى به فضل وأضل أنت حرة عن رق النكاح أو غيره تقنعي أي اتخذي قناعك لأنك بنت أو كنت من الأجنبي تخمري استتري ولو اكتفى به عن الأولين لفهم الحكم اغربي أي ابعدي عني
____________________
(2/37)
لأني طلقتك أو لزيارة أهلك ويروى اعزبي من العزوبة وهي التجرد عن الزوج اخرجي اذهبي مثل اغربي قومي ولو اكتفى به عن الأولين لفهم بالطريق الأولى ابتغي الأزواج لأني طلقتك أو الأزواج من النساء للمعاشرة لو أنكر الزوج النية بأن قال لم أنو طلاقا صدق مطلقا أي ديانة وقضاء في جميعها حالة الرضاء للاحتمال وعدم دلالة الحال والقول قوله مع يمينه في عدم النية
وفي المجتبى فعليه اليمين إن ادعت الطلاق وإن لم تدع أيضا يحلف حقا لله تعالى قال ابن سلمة ينبغي تحليفها إياه فإذا حلفته فحلف فهي امرأته وإلا رافعته إلى القاضي فإن نكل عن اليمين عنده فرق بينهما ولا يصدق قضاء عند مذاكرة الطلاق بأن سألت الطلاق أو سأله أجنبي وفي تلك الحال لا يصدق قوله فيما يصلح للجواب دون الرد لأن الظاهر أن مراده الطلاق عند سؤال الطلاق والحاكم يتبع الظاهر ولا يصدق قضاء في إنكاره أيضا عند الغضب فيما يصلح للطلاق دون الرد والشتم فيقع بما يصلح له دونهما الحاصل أن أحوال التكلم ثلاثة حالة الرضاء وحالة الغضب وحالة مذاكرة الطلاق والكنايات ثلاثة أقسام ما يصلح ردا جوابا ولا يصلح ردا ولا شتما وهو اعتدي وأمرك بيدك واختاري وقد بينا أن اختاري وأمرك بيدك كنايتان عن التفويض لا يقع بهما الطلاق إلا بإيقاعها بعده حتى لا يدخل الأمر في يدها إلا بالنية وما يصلح جوابا وشتما ولا يصلح ردا وهو خلية برية بتة بائن حرام ومرادفها من أي لغة كان وما يصلح جوابا وردا ولا يصلح سبا وشتيمة وهو اخرجي اذهبي قومي اغربي تقنعي ومرادفها من أي لغة كان ولم يذكر حكم ما يصلح جوابا وردا
وفي الهداية ويصدق لأنه احتمل الرد وهو الأدنى فحمل عليه ويصدق ديانة في الكل أي كل الكنايات مع اختلاف الحالات لأن الله تعالى
____________________
(2/38)
مطلع على النيات
ولو قال ثلاث مرات اعتدي ونوى بالأولى من المكرر طلاقا وبالباقي حيضا صدق لأنه نوى حقيقة كلامه مع شهادة الظاهر له إذ الزوج يأمر زوجته بعد الطلاق بالاعتداد
وإن لم ينو أي قال لم أنو بالباقي شيئا لا طلاقا ولا حيضا وقع الثلاث لأنه نوى بالأول الطلاق صار الحال حال مذاكرة الطلاق فتعين الباقيان له فلا يصدق بخلاف ما إذا
____________________
(2/39)
قال لم أنو بالكل شيئا لا يقع شيء لأن الظاهر لا يكذبه ولو قال نويت بالثلاثة الطلاق دون الأوليين لا تقع إلا واحدة لأن الحال عند الأوليين لم يكن حال مذاكرته
وعلى هذا إذا نوى بالثانية الطلاق دون الأولى والثالثة تقع ثنتان وهذه على اثني عشر وجها مذكورة في التبيين
وفي العيون والمرأة لا يحل لها أن تمكنه إذا سمعت ذلك أو علمته وتطلق أي المرأة بلست لي بامرأة أو لست لك بزوج إن نوى الطلاق عند الإمام لأن هذا يصلح إنكارا للنكاح ويصلح إنشاء للطلاق وكذا قوله ما أنت لي بامرأة وما أنا لك بزوج وقالا لا لأنه نفى النكاح وهو كذب فصار كما لو قال لم أتزوجك أو قال والله ما أنت لي بامرأة أو سئل هل لك امرأة فقال لا ونوى الطلاق فإنه لا يقع شيء وإن نوى فكذا هنا
وفي الجوهرة خلاف في مسألة السؤال تتبع
وإنما قيد بأن نوى لأنه إن لم ينو لا يقع شيء بالاتفاق والصريح يلحق الطلاق الصريح سواء كان صريحا بائنا مثل أن يقال للمدخول بها أنت طالق بائن وطالق أو طالق بائن أو صريحا غير بائن مثل أن يقال أنت طالق وطالق وهي في العدة تطلق ثنتين لتعذر جعله إخبارا لتعينه إنشاء شرعا وكذا لا يصدق لو قال أردت الإخبار و يلحق الصريح البائن يعني إذا أبانها أو خالعها على مال ثم قال لها أنت طالق أو هذه طالق في العدة يقع عندنا لحديث الخدري مسندا المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة خلافا للشافعي في الخلع لأنه لم يصادف محله
والبائن أي غير الصريح يلحق الصريح كما إذا قال للمدخول
____________________
(2/40)
بها أنت طالق ثم قال لها أنت بائن في العدة فشمل ما إذا خالعها أو طلقها على مال بعد الطلاق الرجعي فيصح ويجب المال ويشكل عليه ما في القنية من أنه لو طلقها على ألف فقبلت ثم قال في عدتها أنت بائن لا يقع
انتهى فإنه من قبيل البائن اللاحق للصريح وإن كان بائنا فإنهم جعلوا الطلاق على مال من قبيل الصريح فينبغي الوقوع واعلم أن الطلاق الثلاث من قبيل الصريح اللاحق لصريح وبائن وكذا الطلاق على مال بعد البائن فإنه واقع فلا يلزم المال فالمعتبر فيه اللفظ لا المعنى والكنايات التي هي بوائن لا تلحق المختلعة فأما الكنايات التي تقع رجعية فإنها تلحق المختلعة كقوله بعد الخلع أنت واحدة ثم نقل عن الجواهر لو قال للمختلعة التي هي مطلقة بتطليقتين أنت طالق يقع الطلاق بكونه صريحا وإن كان يصير ثلاثا وهو بائن وهذا ظاهر في اعتبار اللفظ لا المعنى والتفصيل في المنح فليطالع
لا يلحق البائن البائن بأن قال للمدخول بها أنت بائن ثم قال في العدة أنت بائن لا تقع الثانية لإمكان جعله خبرا عن الأول فلا حاجة إلى جعله إنشاء لأنه اقتضاء ضروري حتى لو قال عنيت به البينونة الغليظة ينبغي أن يعتبر وتثبت به الحرمة الغليظة كما في أكثر الكتب والمفهوم من هذا أن قولهم البائن لا يلحق البائن ليس على إطلاقه بل إذا لم يكن المراد بالثاني البينونة الغليظة وأما إذا كان فيلحق وكذا قولهم والبائن يلحق الصريح ينبغي أن لا يكون على إطلاقه لأنه يلحق الصريح البائن لاحتمال الخبرية عن الأول أنه يدعي الفرق بين البائنين فلا تصح الخبرية بأحدهما عن الآخر تأمل إلا إذا كان البائن معلقا بالشرط قبل المنجز البائن
____________________
(2/41)
فإنه حينئذ يلحقه البائن يعني لو قال إن دخلت الدار فأنت بائن ينوي به الطلاق ثم أبانها فدخلت الدار وهي في العدة وقع عليها طلاق آخر عندنا لأنه لا يمكنه جعله خبرا لصحة التعليق قبله وعند وجود الشرط هي محل للطلاق فيقع
وقال زفر لا يقع فإنه قاس المعلق على المنجز وإنما قيدنا قبل المنجز لأنه لو علق البائن بعد البائن المنجز لم يصح التعليق كالتنجيز كما في البدائع فلا يخلو عبارة المصنف عن قصور تدبر وفي التنوير كل فرقة هي فسخ من كل وجه لا يقع الطلاق في عدتها وكل فرقة هي طلاق يقع في عدتها
____________________
(2/42)
باب التفويض أي تفويض الزوج تطليق زوجته إليها لما فرغ من بيان الطلاق بولاية المطلق نفسه شرع في بيانه بولاية مستفادة من غيره وإذا قال الزوج لها أي للزوجة اختاري حال كونه ينوي به الطلاق سواء كانت النية حقيقية أو حكمية كما إذا قال حالة الغضب أو المذاكرة فلا يرد أنه ليس على إطلاقه إذ قد مر أن في الصورتين لا حاجة إلى النية فاختارت المرأة نفسها في مجلسها الذي علمت به أي بقوله اختاري بسماع أو خبر وفيه إشعار بأنه لا بد من عملها فلو خيرها ولم تعلم به فاختارت نفسها لم تطلق عندنا خلافا لزفر فيه أي في هذا المجلس وإن امتد كما سيجيء بانت بواحدة لأن المخيرة لها خيار المجلس بإجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إجماعا سكوتيا وما نقل عن خلاف علي رضي الله تعالى عنه لم يثبت وتمامه في شروح الهداية
ولا تصح نية الثلاث لأنه لا عموم للمقتضي ولا رجعية وإن نوى لأن اختيار النفس في البائن وعند الشافعي تصح نيتها وإن لم ينو بانت برجعية وعند مالك وأحمد يقع الثلاث بلا نية
وإن قامت المرأة المخيرة ولو
____________________
(2/43)
كرها منه من المجلس أو أخذت أي شرعت في عمل آخر يخالفه بطل خيارها لأن ذلك دليل الإعراض ولا بد من ذكر النفس أو الاختيارة في أحد كلاميهما لأن الوقوع عرف سماعا فيتقيد به إجماعا فلو قال لها اختاري فقالت اخترت بطل إلا أن يتصادقا على اختيار النفس كما في الدرر لكن في الفتح عدم الاكتفاء بالتصادق تأمل
وإن قال لها اختاري فقالت أنا أختار نفسي بلفظ المضارع أو اخترت نفسي بلفظ الماضي تطلق إذا نوى الزوج فالقياس أن لا يقع شيء وهو قول الأئمة الثلاثة أن هذا مجرد وعد
وفي الاستحسان يقع ووجهه مذكور في شروح الهداية فليطالع
وإن قال لها ثلاث مرات اختاري فقالت
____________________
(2/44)
اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة ولا فرق بين أن يذكر الأخيرين بعطف من واو أو فاء أو ثم أو لم يذكر من حروف العطف يقع الثلاث عند الإمام لأنه اجتمع في ملكها الطلقات الثلاث بلا ترتيب كالمجتمع في الإمكان فإذا بطل الأولية والأوسطية والآخرية بقي مطلق الاختيار فصار كما لو قال اخترت وهو يصلح جوابا للكل فيقع الثلاث بلا نية من الزوج وبلا ذكر النفس وإنما لا يحتاج إلى النية وإن كانت من الكنايات لأن في كلام الزوج ما يدل على إرادة الطلاق وهو تكرير اختاري فلا يحتاج إلى ذكر النفس أيضا لزوال الإبهام كما في أكثر الكتب لكن قال النسفي
وفي الخانية والبدائع والمحيط إن النية شرط فيها لأن التكرار لا يزيل الإبهام وفي الفتح وهو الوجه
وفي التبيين ينبغي أن يكون حذف النية فيها لشهرتها لا لأنها ليست بشرط
وفي البحر بعد نقل الخلاف والحاصل أن المعتمد رواية ودراية اشتراطها دون اشتراط النفس تتبع وعندهما تقع واحدة بائنة لأن هذا اللفظ يفيد الإفراد والترتيب لأن الأولى اسم لفرد سابق والوسطى اسم لفرد بين شيئين متساويين والأخيرة اسم لفرد لاحق والترتيب بطل لاستحالته في المجتمع في الملك وإنما الترتيب في أفعال الأعيان فيعتبر فيما يفيد وهو الإفراد فصارت كأنها قالت اخترت الطلقة
ولو قالت اخترت اختيارة أو الاختيارة أو مرة أو بمرة أو دفعة أو بدفعة أو بواحدة أو اختيارة واحدة وقع الثلاث اتفاقا لأنه جواب الكل حتى لو كان بمال لزم كله
ولو قالت بعد قوله اختاري ثلاثا طلقت نفسي تطليقة أو اخترت نفسي بتطليقة بانت بواحدة في الأصح كما في أكثر المعتبرات لأنه لا عبرة لإيقاعها بل لتفويض الزوج وقيل قائله صاحب الهداية طلقت واحدة يملك الرجعة لأن في التصريح تقع رجعية والمفوض إليها صريح الطلاق وقد وقع في بعض نسخ الجامع على ما في الهداية
وقال الصدر الشهيد وغيره هذا غلط من الكاتب لكن تعليل
____________________
(2/45)
صاحب الهداية يأبى عنه فالحمل على الرواية أولى تأمل
ولو قال أمرك بيدك أو كفك أو يمينك أو شمالك أو فمك أو لسانك أو غيرها في تطليقة أو قال اختاري تطليقة فاختارت نفسها فالفاء عاطفة أي فقالت اخترت نفسي وقعت واحدة رجعية لعدم الكناية بالصريح ولأن العبرة للآمر فيحمل الاختيار عليه
وفي المبسوط لو قال لها طلقي نفسك فقالت قد اخترت نفسي كان باطلا لأن لفظ الاختيار أضعف من لفظ الطلاق ألا يرى أن الزوج يملك الإيقاع لفظ الطلاق دون الاختيار فالأضعف لا يصلح جوابا للأقوى والأقوى يصلح جوابا للأضعف
وفي الاختيار ولو خيرها فقالت اخترت نفسي لا بل زوجي لا يقع لأنه للإضراب عن الأول فلا يقع لكنه مخالف لعامة المعتبرات بل هو سهو تتبع
ولو قال أمرك بيدك حال كونه ينوي به ثلاثا فقالت اخترت نفسي بواحدة أو بمرة واحدة وقع الثلاث لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد على الأصح المختار لأنه أبلغ في التفويض إليها من الأمر باليد وأراد بنية الثلاث نية تفويضها وإنما صح نية الثلاث لأنه جنس يحتمل العموم
____________________
(2/46)
والخصوص فأيهما نوى صحت نيته وإن لم ينو شيئا ثبت الأقل وكذا إذا نوى ثنتين وذكر النفس خرج مخرج الشرط حتى لو لم يذكرها لا يقع وفيها تفصيل في الفتح فليراجع
وإن قالت في الجواب أمرك بيدك طلقت نفسي واحدة أو اخترت نفسي بتطليقة فواحدة بائنة إذ الواحدة صفة لا بد لها من موصوف فيجب تفسير ما يدل عليه المذكور السابق والسابق فيه هنا قولها طلقت فيجب تقدير التطليقة فوقعت واحدة
فصل ولو قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد لا يدخل الليل فيه حتى لا يكون لها الخيار بالليل لأن كل واحد من اليومين ذكر مفردا واليوم المفرد لا يتناول الليل ولا يمكن أن يجعل أمرا واحدا لتخلل ما يوجب الفصل بين الوقتين فكانا أمرين ضرورة
وإن ردته أي المخيرة الأمر في اليوم في هذه المسألة لا يرتد الأمر بعد غد لأنه لما ثبت أنهما أمران لانفصال وقتهما ثبت لها الخيار في كل واحد من الوقتين على حدة فبرد أحدهما لا يرتد الآخر وفيه خلاف زفر
وإن قال أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل الليل لأنه لم يتخلل بين الوقتين
____________________
(2/47)
المذكورين وقت من جنسهما لم يتناوله الأمر وكان أمرا واحدا وهذا لأن تخلل الليلة لا يفصلها لأن القوم قد يجلسون للمشورة فيهجم الليل ولا تنقطع مشورتهم ومجلسهم كما في الهداية وغيرها لكن في الفتح الاعتبار به تعليلا لدخول الليل في التمليك المضاف إلى اليوم وغده لأنه يقتضي دخول الليل في اليوم المفرد لذلك المعنى وهو هجوم الليل ومجلس المشورة لم ينقطع تتبع
وإن ردته اليوم لا يبقى الأمر في يدها غدا كما لا يبقى في النهار إذا قال أمرك بيدك اليوم وردت في أوله ولو قال أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك غدا فهما أمران حتى إن ردت الأمر في اليوم كان لها أن تختار في الغد وهو مروي عن أبي يوسف قال شمس الأئمة وهذا صحيح لاستقلال كل واحد من الكلامين فلا حاجة إلى ارتباطه بما قبله وذكر في الخانية هذه ولم يذكر فيها خلافا
ولو مكثت الزوجة بعد التفويض في مجلس التفويض وبلوغ الخبر يوما أو أكثر منه ولم تقم هي من المجلس ولم تأخذ في عمل آخر قيد به لأنه لو خيرها ثم قام هو لم يبطل لو كانت قائمة فجلست لأن الجلوس أجمع للرأي وكذا لا يبطل لو مشت من جانب بيت إلى جانب آخر بخلاف ما لو ذهبت إلى مجلس آخر
____________________
(2/48)
يغايره عرفا أو كانت جالسة فاتكأت هذه رواية الجامع الصغير وذكر في غيره أنها إذا كانت قاعدة فاتكأت لا خيار لها لأن ذلك دليل التهاون فكان إعراضا والأول أصح أو كانت متكئة فقعدت ولو كانت قاعدة فاضطجعت فيه روايتان عن أبي يوسف أو كانت على دابة سائرة فوقفت أو نزلت أو دعت أباها أو غيره للمشورة أو دعت شهودا للإشهاد كما في أكثر المعتبرات
لكن في القهستاني خلاف تتبع لا يبطل خيارها لأن كلا منها لجمع الرأي فيتعلق بما مضى ولا يكون دليلا على الإعراض إلا أن تقوم قرينة على الإعراض وكذا لا يبطل لو سبحت أو قرأت أو أتمت المكتوبة أو أكلت شيئا يسيرا أو شربت أو لبست ثيابها من غير قيام بخلاف ما لو اشتغلت بنوم أو اغتسال أو امتشاط أو اختضاب أو تمكن من الزوج فيبطل
وإن سارت دابتها بعد التفويض والدابة واقفة بطل خيارها لأن سيرها ووقوفها تضافان إليها لا بسير فلك هي أي المرأة فيه أي في الفلك لأن سيره غير مضاف إلى راكبه لعدم قدرته على الإيقاف
فصل ولو قال لها طلقي نفسك ولم ينو به طلاقا أو نوى واحدة فطلقت أي فقالت طلقت نفسي وقعت طلقة رجعية لأنها صريحة
وكذا تقع رجعية لو قالت في جوابه أبنت نفسي
____________________
(2/49)
أما وقوع الطلاق فلأن الإبانة من ألفاظه بدليل الوقوع بأبنتك فصلحت جوابا لطلقي نفسك وأما كونه رجعيا فلأن المفوض إليها هو الرجعي وقد أتت بزيادة وصف وهو البينونة فيلغو ذلك والمخالفة في الوصف لا تعدم الأصل فلا تعد خلافا لكونه تبعا وعن الإمام لا يقع شيء لأنها أتت بغير ما فوض إليها كما في الاختيار
وإن طلقت ثلاثا جملة أو متفرقة بعدما قال الزوج طلقي نفسك بخلاف ما لو قال طلقي نصف تطليقة فطلقت واحدة أو قال ثلاثا فطلقت ألفا حيث لا يقع شيء لأن المخالفة في الأصل ونواه أي الزوج وقعن أي الثلاث لأنه مختصر من افعلي فعل الطلاق الدال على الواحد الحقيقي والحكمي
ولغت نية الثنتين في الحرة وتقع واحدة كما بيناه آنفا
ولو قالت في جوابه اخترت نفسي لا تطلق لأنه ليس من ألفاظه لا صريحا ولا كناية بدليل عدم الوقوع باختاري ولا يملك الزوج الرجوع بعد قوله طلقي نفسك لما فيه من معنى التعليق ويتقيد بالمجلس فلو قامت من مجلسها بطل خيارها لأنه تمليك الطلاق إلا إذا قال مع قوله طلقي نفسك متى شئت فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده لعموم متى في الأوقات فدخل إذا وإذا ما ولا يرد على قول الإمام في إذا أنها بمنزلة إن عنده فلا يقتضي بقاء الأمر في يدها لأنها يمكن أن تعمل شرطا فيتقيد وأن تعمل ظرفا فلا يتقيد والأمر صار في يدها فلا يخرج بالشك
وفي البحر وحين بمنزلة إذا وكلما كمتى في عدم التقييد بالمجلس مع اختصاصها بإفادة التكرار إلى الثلاث
____________________
(2/50)
بخلاف أن وكيف وحيث وكم وأين وأينما فإنها تتقيد بالمجلس
قال لها طلقي ضرتك أو قال لآخر طلق امرأتي يملك الرجوع قبل تصرفه ولا يتقيد بالمجلس لأنه توكيل إلا إذا زاد إن شئت لأنه علق بمشيئته فصار تمليكا لا توكيلا فيتقيد بالمجلس ولا يرجع عنه واعترض عليه في العناية بأن كونه عاملا لنفسه لازم من لوازم التمليك وقد انتفى في هذه الصورة ويمكن الجواب بأن يقال المفهوم من هذا أن العامل لنفسه لا يكون مالكا وهذا كاف فيما هو المقصود لا لكون المالك كذلك ألبتة كما فهمه وأورد الاعتراض بناء عليه بل المالك من يتصرف برأي نفسه أو غيره كما قال يعقوب باشا في حاشيته وعند الشافعي وأحمد وزفر لا تتقيد بالمجلس هنا أيضا
ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة وقع واحدة لأنها في ضمن تمليك الثلاث وفي عكسه يعني لو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا لا يقع شيء عند الإمام لأنه فوض إليها بإيقاع الطلاق الواحد قصدا لا في ضمن الثلاث كما في شرح الوقاية وفيه كلام وهو أنه إذا ثبت المخالفة على القصد وعدمه ينبغي أن لا تقع الواحدة أيضا في المسألة الأولى لأن المفوض إليها الواحدة في ضمن الثلاث لا الواحدة قصدا كما لا يخفى والأولى أن يقال على أن الثلاث غير الواحدة لوجود التركيب فيه دونها ولم يثبت الواحدة من الثلاث أيضا لأنها قائمة لهذه الجملة ولم تثبت الجملة فكيف ثبت ما يقوم بها لأن المتضمن متى لم يثبت لا يثبت ما في ضمنه كما في أكثر الشروح تأمل وعندهما يقع واحدة للغو الزيادة
____________________
(2/51)
أما لو قال أمرك بيدك ونوى واحدة فطلقت نفسها ثلاثا قال في المبسوط وقعت واحدة اتفاقا
وفي طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فطلقت واحدة لا يقع شيء لأن معناه إن شئت الثلاث فكان تفويض الثلاث معلقا بشرط وهو مشيئتها إياها ولم يوجد الشرط لأنها لم تشأ إلا واحدة ولا فرق بين المدخول بها وغيرها
وكذا في عكسه يعني لو قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت وطلقت ثلاثا لا يقع عند الإمام لأن مشيئة الثلاث ليست مشيئة الواحدة كإيقاعها فلم يوجد الشرط وعندهما تقع واحدة لأن مشيئة الثلاث تتضمن مشيئة الواحدة كما أن إيقاعها يتضمن إيقاع الواحدة فوجد الشرط
وفي الخانية ولو قال لها طلقي نفسك عشرا إن شئت فقالت طلقت نفسي ثلاثا لا يقع وكذا لا يقع لو قال لها أنت طالق واحدة إن شئت فقالت شئت نصف واحدة
ولو أمرها بالبائن بأن قال طلقي نفسك بائنة واحدة أو الرجعي بأن قال طلقي نفسك واحدة رجعية فعكست المرأة بأن قالت طلقت نفسي واحدة رجعية في الأولى أو بائنة في الثانية وقع ما أمر به الزوج فوقع في الأولى البائن وفي الثانية الرجعي لأنها أتت بالأصل وزيادة وصف فيلغو الوصف ويبقى الأصل
ولو قال لها أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال الزوج شئت حال كونه ينوي الطلاق لا يقع شيء لأنه علق طلاقها بالمشيئة بالمرسلة وهي أتت بالمعلقة فيخرج الأمر من يدها بالاشتغال بما لم يفوض إليها من الشرط وإن نوى الطلاق إذ ليس في كلامه ولا في كلامها ذكر الطلاق فبقي قوله شئت مبهما والنية لا تعمل في غير المذكور أما لو قالت شئت طلاقي فقال شئت ناويا الطلاق وقع لأن المشيئة تنبئ عن الوجود لأنها من الشيء وهو الوجود بخلاف ما لو قال أردت طلاقك لأنه لا ينبئ عن الوجود بل
____________________
(2/52)
هي طلب لنفس الوجود عن ميل ولا يلزمنا أن الإرادة والمشيئة سيان عند المتكلمين من أهل السنة لأن ذلك من صفات الباري جلت قدرته وكلامنا في إرادة العباد وجاز أن تكون بينهما تفرقة بالنظر إلينا وتسوية بالنظر إليه تعالى لأن ما أراده يكون لا محالة وكذا سائر صفاته تعالى مخالف لصفاتنا وتمامه في الفتح
وكذا لو علقت المشيئة بمعدوم يعني إذا قال أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن كان كذا الأمر لم يجئ بعد لم يقع شيء
وفي المبسوط لو قال إذا طلقت امرأتي فهي طالق ثلاثا قبله لا تطلق إذا قال أنت طالق لأن الجزاء واقع عند تحقق الشرط وإذا تحقق الجزاء وهو لثلاث لا يتحقق الشرط فلا يقع ويسمى طلاقا دوريا لأن تحقق الثلاث موقوف على تحقق الطلاق الواحدة وتحقق الواحد موقوف على عدم وقوع الثلاث وأما اعتراض ابن الملك عليه وتنظيره بقوله أنت طالق أمس فليس بشيء لظهور الفرق تتبع
وإن علق بموجود أي لو قالت شئت إن كان فلان قد جاء وقد جاء وقع الطلاق لأن التعليق بأمر كائن تنجيز واعترض عليه بأنه لا يكفر من قال أنا يهودي إن فعل كذا وهو يعلم أنه قد فعله فإنه يقتضي على هذا الكفر وأجيب بمنع عدم الكفر وبعد التسليم نقول هذه الألفاظ كناية عن اليمين إذا حصل التعليق بها بفعل مستقبل فكذا إذا كان ماضيا تحاميا عن تكفير المسلم ثم الأصل فيه أنه متى علقه بمشيئتها أو إرادتها أو رضاها أو هواها أو حبها يكون تمليكا فيه معنى التعليق فيقتصر على المجلس لما فيه من معنى التنجيز فصار كالأمر باليد بخلاف ما علقه بشيء آخر من أفعالها كأكلها وشربها ونحو ذلك حيث لا يقتصر على المجلس لأنه تعليق محض وليس فيه معنى التمليك كما في التبيين وغيره
ولو قال أنت طالق أو متى شئت أو إذا شئت أو إذا ما شئت فردت الأمر بأن قالت لا أشاء لا يرتد ولا يقتصر على المجلس فلها إيقاع الطلاق في أي وقت شاءت لأنه ملكها الطلاق وقت مشيئتها لا قبله فلا يرتد ولها أن تطلق نفسها واحدة متى شاءت ولا تريد لأن هذه الألفاظ للزمان
____________________
(2/53)
وإن استعملت إذا ونحوها للشرط عند الإمام فلا تخرج عن موضوعها بالشك ولا يجب حملها على الشرط لصدور التعليق من غير من له المراد فلا تناقض فتملك التطليق في كل زمان ولا تملك تطليقا بعد تطليق
ولو قال لها أنت طالق كلما شئت فلها أن تطلق ثلاثا متفرقا أي في ثلاثة مجالس فلا تطلق نفسها في كل مجلس أكثر من واحدة لأن كلما لعموم الانفراد لا عموم الاجتماع ولهذا قال لا مجموعا أي فلو طلقت نفسها ثلاثا مجموعا لم يقع شيء عند الإمام وعندهما تطلق واحدة ولا يرتد بالرد
وفي المنح كلمة كل تستعمل بمعنى الاستغراق بحسب المقام وقد تستعمل بمعنى الكثير كقوله تعالى تدمر كل شيء بأمر ربها أي كثيرا ويفيد التكرار بدخول ما عليها دون غيرها من أدوات الشرط ولا تملك الإيقاع إن عادت إليه بعد زوج آخر لأن التفويض قد انتهى بالتثليث وفيه خلاف زفر والشافعي في قول ولو قال بعد التحليل مكان زوج آخر لكان أظهر
ولو قال أنت طالق حيث شئت أو أين شئت لا تطلق ما لم تشأ الطلاق في مجلسها وإن قامت من مجلسها فلا مشيئة لها لأنهما اسمان للمكان والطلاق لا تعلق له بالمكان فيلغو ذكرهما لكن فيهما معنى التأخير وحروف الشرط كذلك فيجعلان مجازا عن حروف الشرط ثم الأصل في حروف الشرط المتمحضة للشرطية إن دون متى وما في معناها والاعتبار بالأصل فيقيد بالمجلس وبما قررنا اندفع سؤالان أحدهما إذا لغا ذكر المكان ينبغي أن يتخبر وثانيهما أنه إذا كان مجازا عن الشرط فلم حمل على إن دون متى
ولو قال أنت طالق كيف شئت فإن شاءت موافقة
____________________
(2/54)
لنيته رجعية أو بائنة أو ثلاثا وقع كذلك أي ما شاءت موافقا لنيته لثبوت المطابقة بين مشيئتها وإرادته
وإن تخالفا أي أرادت المرأة ثلاثا والزوج واحدة بائنة أو بالعكس تقع طلقة رجعية لأنه لغت مشيئتها لعدم الموافقة فبقي إيقاع الزوج بالصريح ونيته لا تعمل في جعله بائنا ولا ثلاثا وكذا يقع رجعية إن لم تشأ لوجود أصل الطلاق لأن المفوض إليها هو الكيف والوصف وعندهما والأئمة الثلاثة لا يقع شيء لأن هذا تفويض الطلاق لها على أي وصف شاءت وإنما يكون كذلك إذا تعلق أصل الطلاق بمشيئتها فإذا لم تشأ لا يقع لكن رجح قول الإمام لأن كيف للاستفهام عن الشيء ولا يتصور تمكن ذلك إلا بعد وجود الأصل وفيما قالا تعليق الأصل وإبطاله لأجل الوصف وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذ قامت عن المجلس قبل المشيئة فعنده يقع طلقة رجعية وفيما إذا كان ذلك قبل الدخول فإنه تقع عنده طلقة وعندهما لا يقع شيء في الصورتين والرد كالقيام كما في التبيين وغيره
وإن لم تكن له نية يقع ما شاءت بالاتفاق على اختلاف الأصلين أما على أصله فلأنه أقامها مقام نفسه في إثبات الوصف لأن كيف للحال والزوج ولو أوقع رجعيا يملك جعله بائنا وثلاثا عند الإمام فكذا المرأة عند هذا لتفويض تملك جعل ما وقع كذلك وأما عندهما فكذا يملك إيقاع البائن والثلاث لأنه تفويض أصل الطلاق إليها على أي وصف شاءت كما في الفتح
ولو قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت طلقت ما شاءت واحدة وأكثر لأن كم اسم العدد وما عام فتناول الكل في المجلس لا بعده فإن قامت بطل خيارها لأنه أمر واحد وهو تمليك في الحال وليس فيه ذكر الوقت فاقتضى جوابا في المجلس وإن ردته كان ردا
وإن قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها أن تطلق ما
____________________
(2/55)
دون الثلاث بالإجماع لا الثلاث عند الإمام خلافا لهما نظرا إلى أن ما للعموم ومن للبيان وله أن من للتبعيض ورجحه ابن الكمال في تحريره بأن تقدر على البيان ما شئت مما هو الثلاث وطلقي ما شئت وف به فالتبعيض مع زيادة الثلاث أظهر
وفي المنح ومثله اختاري من الثلاث ما شئت
باب التعليق أي تعليق الطلاق بشيء لما فرغ من بيان أبحاث المنجز شرع في المعلق والتعليق من علقه تعليقا جعله معلقا
وفي الاصطلاح هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى إنما يصح التعليق حال كونه في الملك أي القدرة على التصرف في الزوجية بوصف الاختصاص وذلك عند وجود النكاح أو العدة مع حل العقد فإنه لو وجد أحدهما والمرأة مدخولة محرمة بالمصاهرة لم يصح التعليق فيه فمن بعض الظن تأويل الملك بوجود النكاح والمتبادر أن الملك لم يشترط لصحة التنجيز وليس ذلك وبقاء الملك في عدة الرجعي مما لا خلاف فيه وأما في عدة البائن ففيه خلاف كما في القهستاني كقوله لمنكوحته أو لمعتدته إن
____________________
(2/56)
زرت فأنت طالق فيقع بعد وجود الشرط وهو الزيارة ولو كان المعلق عاقلا وقت التعليق ثم جن عند الشرط لأنه هو إيقاع حكما
ألا يرى أنه لو كان عنينا أو مجنونا يفرق بينهما ويجعل طلاقا أو مضافا إلى الملك بأن يعلق على نفس الملك نحو إن ملكت طلاقك فأنت طالق أو على سببه كقوله لأجنبية إن نكحتك أي تزوجتك فأنت طالق فإن النكاح سبب للملك فاستعير السبب للمسبب أي ملكتك بالنكاح فيقع إن نكحها لوجود الشرط
وفي الزاهدي قد ظفرت برواية عن محمد أنه لو أضاف إلى سبب الملك لم يصح التعليق كما قال بشر المريسي لأن الملك يثبت عقيب سببه والجزاء يقع عقيب شرطه فلو صح تعليقه به لكان الطلاق مقارنا لثبوت الملك والطلاق المقارن لثبوت الملك أو لزواله لم يقع كما لو قال أنت طالق مع نكاحك أو في نكاحك أو مع موتي أو مع موتك وتمامه في التبيين فليطالع
ولا فرق بين ما إذا خصص أو عم كقوله كل امرأة خلافا لمالك فإنه قال إذا لم يسم امرأة بعينها أو قبيلة أو أرضا أو نحو هذا فلا يلزمه ذلك
وقال الشافعي لا يصح التعليق المضاف إلى الملك
____________________
(2/57)
وتفصيل دليلنا ودليلهما مذكور في المطولات فليطالع
ثم التعليق قد يكون بصريح الشرط وهو ظاهر وقد يكون بمعناه ويشترط حينئذ أن تكون المرأة غير معينة مثل أن يقول المرأة التي أتزوجها طالق بخلاف هذه المرأة التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق لأنها لما تعرفت بالإشارة لم يراع فيها صفة التزوج بل الصفة فيها لغو فبقي قوله هذه طالق
ولو قال الظاهر بالفاء لكونه تفريعا لما قبله للأجنبية إن زرت فأنت طالق فنكحها فزارت لا تطلق لعدم الملك ولا الإضافة إليه خلافا لابن أبي ليلى
وفي شرح المجمع نقلا عن المحيط ولو قال كل امرأة أجتمع بها في فراشي فهي طالق فتزوج امرأة لا تطلق وكذا لو قال كل جارية أطؤها فهي حرة واشترى جارية فوطئها لم تعتق لأن العتق غير مضاف إلى الملك
وألفاظ الشرط إن وهي أصل فيه لوضعها له وما وراءها ملحق بها وإذا وإذا ما وكل وكلمة كل ليست بشرط حقيقة لأن ما يليها اسم
____________________
(2/58)
والشرط ما يتعلق به الجزاء والأجزئية تتعلق بالأفعال لكنه ألحق بالشرط لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها كقوله كل امرأة أتزوجها فكذا وكلما ومتى ومتى ما ومن جملتها لو ومن وأي وأيان وأين أنى
ثم متى تقدم الجزاء على الشرط امتنع أن يرتبط بحرف الفاء ومتى تأخر عنه وجب أن يرتبط به إذا كان واحدا من سبع وجمعها قول الشاعر وهو طلبية واسمية وبجامد وبما وقد وبلن وبالتنفيس فلو قال إن دخلت الدار أنت طالق يتنجز عند محمد وإن نوى التعليق وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لعدم ما به التعليق وهو الفاء ولا يتنجز عند أبي يوسف وهو قول أحمد وبعض أصحاب الشافعي لأن ذكر هذا الكلام لإرادة التعليق ولو قال أنت طالق وإن دخلت الدار يتنجز لأن معناه في كل حال وكذا لو قال أنت طالق أن دخلت الدار بفتح الهمزة لأن أن للتعليق ولا يشترط وجود العلة وتمامه في الفتح فليطالع ففي جميعها أي جميع الألفاظ إذا وجد الشرط انتهت اليمين لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار لغة فبوجود الفعل مرة يتم الشرط وإذا تم وقع الحنث فلا يتصور الحنث مرة أخرى إلا بيمين أخرى أو بعموم تلك اليمين وليس فليس
وفي الفتح وإن مع لفظ أبدا مؤد لفظ متى بانفراد فإذا قال إن تزوجت فلانة أبدا فهي طالق فتزوجها فطلقت ثم تزوجها ثانيا لا تطلق ومن غرائب المسائل ما في الغاية من
____________________
(2/59)
قال لنسوة له من دخل منكن فهي طالق فدخلت واحدة منهن مرارا طلقت بكل مرة لأن الفعل وهو الدخول أضيف إلى جماعة فيراد به عمومه عرفا مرة بعد أخرى
وفي المحيط لو قال أي امرأة أتزوجها فهي طالق فهو على امرأة واحدة بخلاف كل امرأة أتزوجها حيث يعم بعموم الصفة فإذا تزوج امرأة حنث وانحلت اليمين في حقها وبقيت في حق غيرها فإذا تزوجها بعد ذلك لم يقع شيء لعدم تجدد الاسم وإذا تزوج غيرها حنث لبقاء اليمين في حقها واستشكل حيث لم تعم أي امرأة أتزوجها بعموم الصفة كما في أكثر المعتبرات إلا في كلمة كلما فإنها تنتهي اليمين فيها بعد الثلاث في الحرة والثنتين في الأمة هذا استثناء من انتهت يعني إن وجد الشرط المذكور انتهت اليمين إلا في كلمة كلما لأنها تقتضي عموم الأفعال فإذا وجد فعل فقد وجد المحلوف عليه وانحلت اليمين في حقه ويبقى في حق غيره فيحنث إذا وجد غير أن المحلوف عليه طلقات هذا الملك وهي متناهية فتنتهي اليمين بانتهائها ما لم تدخل تلك الكلمة على صيغة التزوج لدخولها على سبب الملك فلو قال تفريع لما قبله كلما تزوجت امرأة فهي طالق تطلق بكل تزوج ولو وصلية بعد زوج آخر لأن صحة هذا اليمين باعتبار ما سيحدث من الملك وهو غير متناه
وعن أبي يوسف أنه لو دخل على المنكر فهو بمنزلة كل وتمامه في المطولات والحيلة فيه عقد الفضولي أو فسخ القاضي الشافعي وكيفية عقد الفضولي أن يزوجه فضولي فأجاز بالفعل بأن ساق المهر ونحوه لا بالقول فلا تطلق بخلاف ما إذا وكل به لانتقال العبارة إليه وكيفية الفسخ أن يزوج الحالف امرأة فيرفعان الأمر إلى القاضي فيدعي أنه زوجها قد تمردت عليه وزعمت أنها بالحلف صارت مطلقة فيلتمس من القاضي فسخ اليمين فيقول فسخت هذه
____________________
(2/60)
اليمين وأبطلتها وجوزت النكاح فإن أمضاه قاض حنفي بعد ذلك كان أجود وعقد الفضولي أولى في زماننا من الفسخ لكن في الجواهر أن الفسخ أولى لكونه متفقا عليه إلا في رواية عن أبي يوسف ثم إن كان الحالف شابا فإقدامه عليه أفضل من العزوبة وإن كان شيخا فالعزوبة أولى كما في القهستاني
وفي الفتح وغيره ومن لطيف مسائلها إذا قال لامرأته وقد دخل بها كلما طلقتك فأنت طالق فطلقها تقع طلقتان ولو قال كلما وقع طلاقي عليك فأنت طالق فطلقها واحدة وقع الثلاث
وإن قال كلما دخلت الدار فأنت طالق لا تطلق بعد الثلاث و بعد زوج آخر أي بعد العود عن زوج آخر لأنه لا يملك في هذا النكاح إلا الثلاث وقد استوفاه
وقال زفر يقع وهو بناه على أن التنجيز مبطل للطلاق عندنا خلافا له
وفي القهستاني أن دوام الفعل بمنزلة إنشائه فلو قال كلما قعدت عندك فأنت طالق فقعد عندها ساعة طلقت ثلاثا ولا يلزم التكرار أن يكون في الزمانين فلو قال كلما ضربتك فأنت طالق فضربها بيديه طلقت ثنتين لأن الضرب بكل يد كالضرب بضغث
وزوال الملك بعد اليمين لا يبطل اليمين
____________________
(2/61)
لأنه لم يوجد الشرط والجزاء باق لبقاء اليمين فيبقى اليمين والمراد زواله بطلقة أو طلقتين أما إذا زال بثلاث طلقات فإنه يزيلها إلا إذا كانت مضافة إلى سبب الملك فحينئذ لا يبطل بالثلاث أيضا كما مر بيانه ثم قيده بشرط بقوله والملك شرط لوقوع الطلاق المعلق لا شرط لانحلال اليمين فإنها تنحل بوجود الشرط في الملك وبوجوده في غير الملك ثم بين ما يفرع عليه بالفاء بقوله فإن وجد الشرط فيه أي في الملك بأن كان النكاح قائما أو كان في العدة انحلت اليمين ووقع الطلاق وإلا أي وإن لم يوجد الشرط في الملك بأن وجد في غيره انحلت اليمين لوجود الشرط حقيقة ولا يقع شيء لعدم المحلية فإن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فأراد أن يدخلها من غير أن يقع الثلاث فحيلته أن يطلقها واحدة ثم يدخلها بعد انقضاء العدة ثم يتزوجها فإن دخلها بعد ذلك لا يقع شيء لانحلال اليمين
وإن اختلفا أي الزوجان في وجود الشرط فقالت وجد الشرط في الملك فوقع الطلاق وقال بخلافه فالقول له مع يمينه لأنه المنكر
اعلم أن ظاهر المتون يقتضي أنه لو علق طلاقها بعدم وصول المال فالقول له لكن في العمادي وغيره لو جعل أمرها بيدها إن لم تصل النفقة في وقت كذا ثم اختلفا في وصولها
____________________
(2/62)
فالقول لها على الأصح
وفي المنح وجزم شيخنا في فتواه بما يقتضيه كلام أصحاب المتون والشروح لأنها الكتب الموضوعة لنقل المذهب تتبع
إلا إذا برهنت أي أقامت المرأة البينة على وجود الشرط لأنها أثبتت أمرا حادثا وإن كان الشرط عدميا فإن برهانها عليه مقبول فلو حلف إن لم تجئ صهرتي هذه الليلة فامرأتي كذا فشهد أنه حلف كذا ولم تجئ صهرته في تلك الليلة وطلقت امرأته تقبل لأنها على النفي صورة وعلى إثبات الطلاق حقيقة والعبرة للمقاصد لا للصور وفيما أي شيء علق بشرط لا يعلم وجود ذلك الشرط إلا منها كالحيض القول لها أي للمرأة في حق نفسها خاصة استحسانا لأنها أمينة في حق نفسها إذ
____________________
(2/63)
لا يعلم ذلك إلا من جهتها فيقبل قولها في العدة إذا أخبرت بانقضائها ويحرم وطؤها إذا أخبرت برؤية الدم ولا تحل إذا أخبرت انقطاعه والقياس أن لا تصدق في حق نفسها أيضا لأنه شرط فلا تصدق فيه كما في الدخول وفيه أسئلة وأجوبة في شروح الهداية وغيرها فليطالع لا في حق غيرها لأنها شاهدة في حق ضرتها بل هي متهمة فلا تقبل قولها في حقها وهو تصريح بما علم ضمنا فلا حاجة إليه إلا أنه ذكره توطئة لما بعده وهو قوله
فلو قال إن حضت فأنت طالق وفلانة فقالت حضت طلقت هي لا تطلق فلانة لما ذكر
وفي النهاية وغيرها هذا إذا كذبها الزوج في قولها وأما إذا صدقها طلقت فلانة أيضا لكن فيه كلام وهو أن الكلام في صورة الاختلاف في وجود الشرط تأمل
وفي التبيين إنما يقبل قولها إذا أخبرت والحيض قائم فإذا انقطع لا
____________________
(2/64)
يقبل قولها لأنه ضروري فشرط فيه قيام الشرط وكذا يقبل قولها في حق نفسها لا في غيرها
لو قال إن كنت تحبين عذاب الله فأنت طالق وعبدي حر فقالت أحب طلقت المرأة ولا يعتق العبد فإن قيل تيقنا بكذبها حين قالت أحب عذاب الله فلم تطلق أجيب بمنع التيقن فإن الإنسان قد يبلغ به ضيق الصدر وعدم الصبر وسوء الحال إلى درجة يحب الموت فيها فجاز أن يحملها شدة بغضها مع غلبة الجهل وعدم الذوق للعذاب في الحال على تمني الخلاص منه بالعذاب ولو قال لها إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق فقالت أحبك كاذبة طلقت قضاء وديانة عند الشيخين لأن المحبة بالقلب فذكره وعدمه سواء
وقال محمد لا تطلق ديانة إلا إذا صدقت لأن الأصل في المحبة هو القلب واللسان خلف عنه والتقييد بالأصل يبطل الخلفية
واعلم أن التعليق بالمحبة كالتعليق بالحيض إلا في شيئين أحدهما أن التعليق بالمحبة يقتصر على المجلس لكونه تخييرا حتى لو قامت وقالت أحبه لا تطلق والتعليق بالحيض لا يبطل بالقيام كسائر التعليقات
والثاني أنها إذا كانت كاذبة في الأخبار تطلق في التعليق بالمحبة لما قلنا وفي التعليق بالحيض لا تطلق ديانة كما في أكثر الكتب
وفي الفتح وقال أبو جعفر إذا قالت المرأة لزوجها شيئا من السب نحو قرطبان وسفلة فقال إن كنت كما قلت فأنت طالق طلقت سواء كان الزوج كما قالت أو لم يكن
ولا يقع الطلاق في قوله إن حضت ما لم يستمر الدم ثلاثا أي ثلاثة
____________________
(2/65)
أيام لأنه يحتمل أن يكون مستحاضة فإذا استمر الدم ثلاثة أيام وقع الطلاق من ابتدائه أي من حين رأت الدم لأنه بالامتداد ظهر أنه من الرحم حتى لو كانت غير مدخول بها وتزوجت عند رؤية الدم صح نكاحها ولو كان المعلق بحيضها عتق عبد فجنى أو جني عليه عند رؤية الدم فهو في الجناية كالأحرار
ولو قال إن حضت حيضة يقع الطلاق إذا طهرت من حيضها وذلك إما بمضي العشرة مطلقا أو بانقطاع الدم مع أخذ شيء من أحكام الطاهرات إذا انقطع لأقل منها وكذا إذا قال إن حضت نصف حيضة لأن الحيضة اسم للكامل وهي لا تتجزأ ولو قال لحائض إذا حضت أنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض ولو قال لطاهر إذا طهرت فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر كما في الشمني وقال زفر إذا مضى لحيضها خمسة أيام يقع
ولو قال إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق ثنتين فولدتهما أي ذكرا وأنثى
و الحال أنه لم يدر الأول منهما تطلق واحدة قضاء لتيقنها وثنتين تنزها أي تباعدا عن الحرمة حتى أنه إذا كان طلقها قبل هذا واحدة فلا ينبغي له أن يتزوجها إلا بعد زوج آخر وتنقضي العدة بيقين لأن الحامل تنقضي عدتها بوضع حملها
____________________
(2/66)
فإن ولدت الذكر أولا انقضت عدتها بوضع الأنثى وإن ولدت الأنثى انقضت عدتها بوضع الذكر هذا إذا لم يعلما وأما إذا علما الأول فلا إشكال وإن اختلفا في الأول فالقول قول الزوج وإن ولدت غلاما وجاريتين ولا يدري الأول يقع ثنتان قضاء وثلاث تنزها وإن ولدت غلامين وجارية لزمه واحدة قضاء وثلاث تنزها ولو قال إن كان حملك غلاما فأنت طالق واحدة أو جارية فثنتين فولدتهما لم تطلق لأن الحمل اسم للكل فيما لم يكن جارية أو غلاما لم تطلق كما في قوله إن كان ما في بطنك غلاما والمسألة بحالها لأن كلمة ما عامة وكذا لو قال إن كان ما في هذا العدل حنطة فهي طالق أو دقيقا فطالق فإذا فيه حنطة ودقيق لا تطلق ولو قال إن كان في بطنك والمسألة بحالها وقعت ثلاثا ولو قال إن ولدا فأنت طالق فإن كان الذي تلدينه أنثى فأنت طالق ثنتين فولدت غلاما يقع الثلاث لوجود الشرطين لأن المطلق موجود في ضمن المقيد وهو قول مالك والشافعي كما في أكثر الكتب
ولو علق طلاقا أو عتقا بشرطين بأن قال لها إن دخلت دار زيد ودار عمرو أو قال لها إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فأنت طالق شرط للوقوع وجود الملك عند آخرهما حتى لو طلقها بعد ما علق طلاقها بشرطين فانقضت عدتها ثم وجد أحد الشرطين وهي مبانة ثم تزوجها فوجد الشرط الآخر وقع عليها الطلاق المعلق عندنا خلافا لزفر ووقع في الدرر علق الثلاث بشيئين وعدل عن قول الكنز وهو الملك يشترط لآخر الشرطين لما قال في الفتح وجعله في الكنز مسألة الكتاب من أن تعدد الشرط ليس بذلك لأن تعدد الشرط بتعدد فعل الشرط ولا تعدد في الفعل هنا بل في متعلقه ولا يستلزم تعدده تعدده فإنها لو كلمتهما معا وقع الطلاق لوجود الشرط وغايته عدد بالقوة انتهى
لكن قوله في جعله مسألة الكتاب من تعدد الشرط سهو لأنه إنما جعله من قبيل الشرط
____________________
(2/67)
المشتمل على وصفين وعليه حمل عبارته لا من قبيل تعدد الشرط كما في البحر فإن وجدا أي الشرطان أو آخرهما فيه أي في الملك وقع الطلاق
وإن وجدا أو آخرهما لا فيه لا يقع لاشتراط الملك حالة الحنث
وقال الزيلعي وهذه المسألة على أربعة أوجه إما أن يوجد الشرطان في الملك فيقع بالاتفاق أو يوجدان في غير الملك أو يوجد الأول في الملك والثاني في غيره فلا يقع أيضا أو يوجد الأول في غيره والثاني فيه فيقع عندنا خلافا لزفر ويبطل تنجيز الثلاث تعليقه وإنما لم يقل والتنجيز يبطل التعليق لأن تنجيز ما دون الثلاث لا يبطل التعليق فلا حاجة إلى قوله لا تنجيز ما دونها كما قيل بل هو مستدرك فلو علقها أي الثلاث بشرط ثم نجزها أي الثلاث قبل وجوده أي الشرط ثم تزوجها بعد التحليل فوجد الشرط لا يقع شيء يعني إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم نجزها وقال أنت طالق ثلاثا فتزوجت بزوج آخر ثم عادت إليه فدخلت الدار لم تطلق عندنا خلافا لزفر والشافعي في قول أما لو أبانها بثنتين قبل أن تدخل الدار والمسألة بحالها ثم تزوجها بعد زوج آخر ثم دخلت الدار طلقت ثلاثا عند الشيخين وأصله أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث عندهما فتعود إليه بالثلاث ثم بدخولها الدار طلقت ثلاثا وعند محمد وزفر والأئمة الثلاثة لا يهدم الزوج ما دونها فتعود إليه بما بقي كما في الهداية
وفي الهداية وفي الفتح وثمرته لا يظهر في هذه الصورة للاتفاق فيها على وقوع الثلاث بل فيما إذا علق الطلقة الواحدة بدخول الدار مثلا ثم طلقها طلقتين ثم عادت إلى الأول بعد زوج آخر فدخلت ثبتت الحرمة الغليظة عند
____________________
(2/68)
محمد لعدم الهدم ولا تثبت عندهما لتحققه
ولو علق الثلاث أو العتق بالوطء بأن قال لامرأته إن جامعتك فأنت طالق ثلاثا فجامعها وقع الطلاق بالتقاء الختانين لا يجب العقر باللبث أي بالمكث بعد الإيلاج إذ بالتقاء الختانين طلقت الزوجة واللبث ليس بوطء بعده وكذا الحال في تعليق العتق ولا يصير به أي باللبث بعد الإيلاج مراجعا في الطلاق الرجعي أي إذا كان الطلاق المعلق رجعيا ما لم ينزع ثم يولج ثانيا فحينئذ يصير مراجعا ووجب عليه العقر في المسألتين وهذا عند محمد وهو مختار أصحاب المتون لأن الدوام ليس بتعرض للبضع على ما تقرر من أصله بخلاف ما إذا أخرج ثم أولج لأنه وجد الإدخال بعد الإخراج إلا أنه لا يجب الحد لشبهة الاتحاد وهو قضاء الشهوة في المجلس الواحد وقد كان أوله غير موجب للحد فلا يكون آخره موجبا له خلافا لأبي يوسف فإنه قال يجب العقر ويصير مراجعا لوجود المساس بشهوة وهو القياس لكن في قول محمد كلام لأن الرجعة عندنا وقاد بدواعي الوطء كقبلة ولمس بشهوة وهاهنا اللمس بشهوة موجود فينبغي أن تثبت الرجعة عنده أيضا تدبر
وعن محمد لو أن رجلا زنى بامرأة ثم تزوجها في تلك الحالة فإن لبث على ذلك ولم ينزع وجب عليه مهران مهر بالوطء ومهر بالعقد وإن لم يكن يستأنف لأن دوامه على ذلك الفعل فوق الخلوة بعد العقد
ولو قال للتي تحته إن نكحتها أي فلانة عليك فهي طالق فنكحها عليها في عدة البائن لا تطلق زوجته الجديدة لأن الشرط لم يوجد لأن التزوج عليها أن يدخل عليها من ينازعها في الفراش ويزاحمها في القسم
____________________
(2/69)
ولم يوجد وقيد بالبائن لأنه لو وجد ذلك في الرجعي طلقت
وإن وصل الزوج وصلا متعارفا مسموعا فلا يضر لو سكت قدر ما يتنفس أو عطس أو تجشأ أو كان في لسانه ثقل فطال تردده وكذا لو أراد فأمسك الغير فمه بقوله أنت طالق قوله إن يشأ الله أو إن لم يشأ الله أو ما شاء الله أو ما لم يشأ الله وما هذه موصولة أو إلا أن يشاء الله وإن شاء الملك أو الجن أو الشجر أو الحائط أو غيره مما تعلم مشيئته لا تطلق لقوله عليه السلام من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث وهذا حجة على مالك فإنه قال لا يبطل
واعلم أن الاستثناء إبطال وإعدام للحكم كما قال أبو يوسف وعليه الفتوى كما في القهستاني لا تعليق كما ذهب إليه محمد فلو قال إن شاء الله تعالى أنت طالق وقع عنده لأنه لم يذكر فاء التعليق ولم يقع عند أبي يوسف لأنه أبطله ولو مقدما كما في النهاية والكلام يمين عنده خلافا لمحمد فلو قال إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله تعالى لم يحنث عنده خلافا لأبي يوسف ولم يقع الطلاق عندهما وكذا لا تطلق بقوله أنت لو ماتت المرأة قبل قوله إن شاء الله لأن الكلام خرج بالإنشاء عن أن يكون إيجابا والموت ينافي الوجوب لا
____________________
(2/70)
المبطل
وإن مات هو قبل قوله إن شاء الله يقع الطلاق لأنه لم يتصل به الاستثناء ولا يشترط فيه أن يأتي بالمشيئة عن قصد أو عن عمله بمعناه حتى لو أتى بها عن غير قصد جاهلا بها لا يقع الطلاق فلو شهدوا أنه استثنى متصلا وهو لا يذكره قالوا إن كان حال لا يدري ما يجري على لسانه لغضب جاز الاعتماد على قول الشهود وإلا لا كما في البحر ويقبل قول الزوج في ظاهر الرواية وذكره في النوادر خلافا بين أبي يوسف ومحمد فقال على قول أبي يوسف يقبل قوله ولا يقع الطلاق وعلى قول محمد يقع الطلاق ولا يقبل قوله وعليه الاعتماد والفتوى احتياطا لأمر الفروج في زمان غلب على الناس الفساد ولا يرد ما قيل أن الاحتياط لأمر الفروج منظور فيه لأنا لو احتطنا كما قال يكون قد تركنا الاحتياط في حل التزوج بها بعد العدة فإن الحاكم إذا لم يقبل قوله وحكم بالفرقة نفذ حكمه ظاهرا وباطنا وحل التزوج بها بعد الفرقة بخلاف ما لو حكم ببقاء الخلاف بمجرد قوله فإن كان كاذبا والزوج يعلم ذلك لا يحل له أن يطأها
وفي أنت طالق ثلاثا إلا واحدة متصلا يقع ثنتان لأن
____________________
(2/71)
استثناء الواحدة من الثلاث استثناء الأقل من الأكثر فيصح ويقع ثنتان وفي أنت طالق ثلاثا الاثنتين يقع واحدة وفيه إشارة إلى جواز استثناء الأكثر وهو مذهب الكوفيين إلا الفراء منهم وعن أبي يوسف لا يجوز استثناء الأكثر
وفي ظاهر الرواية يجوز لما وقع في كتاب الله أكثر من أن يحصى ولأن الاستثناء لما صار عبارة عن الباقي يشترط لصحته أن يبقى شيء يصير به متكلما بعد الثنيا ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير وفي قوله أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا يقع ثلاث بالإجماع لعدم بقاء ما يصير به متكلما بعد الثنيا واختلفوا في استثناء الكل قال بعضهم هو رجوع وقال بعضهم هو استثناء فاسد وليس برجوع وهو الصحيح وقد قالوا إنما يجوز استثناء الكل من الكل إذا كانه بعين ذلك اللفظ وأما إذا استثنى بغيره كما إذا قال كل نسائي طوالق إلا فاطمة وزينب وهند فيجوز ولا تطلق واحدة منهن
باب طلاق المريض وفي البعض الفار ورجحه بأن قال الحكم غير مختص بالمرض لكن من نظر إلى أصالة المرض عنون به والباقي تبع له ووجه تأخيره ليس بخفي الحالة التي يصير بها الرجل
____________________
(2/72)
فارا بالطلاق ولا ينفذ تبرعه فيها أي في هذه الحالة إلا من الثلث ما يغلب فيها الهلاك أي خوفه وهذا حد للمريض مرض الموت شرعا وهو شامل للرجل والمرأة ثم ذكر لتوضيحه ما يختص بالرجل من حد آخر فقال كمرض يمنعه عن إقامة مصالحه أو عن الذهاب إلى حوائجه خارج البيت
وفي الذخيرة لا عبرة للقدرة في البيت وهذا هو الصحيح وقيل لا يصلي قائما وقيل لا يمشي وقيل يزداد مرضه وقيل المعتبر في حق الفقيه أن لا يقدر على الخروج إلى المسجد وفي السوقي أن لا يقدر على الخروج إلى الدكان
وفي التسهيل قال أبو الليث لا يشترط كونه صاحب فراش بل العبرة للغلبة يعني إن كان الغالب من ذلك المرض هو الموت وهو مرض الموت وإن كان يخرج من البيت هذا في حق الرجل فأما المرأة لا تحتاج إلى الخروج من البيت في حوائجها فلا يعتبر هذا الحد في حقها ولكن إذا كانت بحيث لا يمكنها الصعود إلى السطح فهي مريضة كما سيأتي والحامل كالصحيحة إلا إذا أخذها الوجع الذي يكون آخره انفصال الولد فهي كالمريضة أما إذا أخذها ثم سكن فغير معتبر والمسلول والمقعد والمفلوج والمدقوق ما دام يزداد به فهو مريض كما في المحيط ومبارزته رجلا أي محاربته عطف على قوله مرض وتقديمه ليقتل في قصاص عند بعضهم وهو الصحيح وعليه الاعتماد أو رجم على المختار ويدخل فيه من قدمه ظالم ليقتله وكمن أخذه السبع بفيه أو انكسرت السفينة وبقي
____________________
(2/73)
على لوح فلو أبان واحدة أو أكثر امرأته بغير رضاها وهي ممن ترثه وهو بتلك الحالة ثم مات عليها أي على تلك الحالة بذلك السبب أو بغيره كما إذا قتل المريض أو مات ذلك المبارز بمرض وهي امرأته في العدة وفيه إشارة إلى أن المرأة إن كانت غير مدخول بها لا ترث لأنها لا عدة عليها وإلى أنه لو مات بعد العدة لا ترث عندنا خلافا لابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق وأبي عبيد فإنها ترث عندهم بعد العدة ما لم تتزوج بآخر وعن مالك والليث وإن تزوجت بأزواج ورثت جواب لو لأنه قصد إبطال إرثها فرد عليه خلافا للشافعي
وفي المنح ولا يشترط علم الزوج بأهليتها للميراث فلو طلقها بائنا في مرضه وقد كان سيدها أعتقها قبله ولم يعلم به كان فارا فترث به بخلاف ما لو قال لأمته أنت حرة غدا وقال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد غد إن علم بكلام المولى كان فارا وإلا لا وكذا ترث لو طلبت رجعية فطلقها ثلاثا أو بائنا لأن الرجعي لا يزيل النكاح ولهذا يحل له وطؤها فلم تكن بسؤالها إياه
____________________
(2/74)
راضية ببطلان حقها
و كذا ترث مبانة قبلت ابنه أي ابن الزوج بشهوة لأن البينونة وقعت قبل تقبيلها بإبانة الزوج فكان فارا ولم تكن الفرقة من قبلها أولا بخلاف ما إذا قبلت ابن المريض أو جامعها ولو مكرهة حال قيام النكاح أو بعد الطلاق الرجعي فإنها لا ترث لوقوع الفرقة من جهتها
ولو أبانها وهو محصور في حصن أو أبانها في صف القتال أي غير مبارز أو أبانها وهو محبوس لقصاص أو رجم أو يقدر على القيام بمصالحه خارج البيت لكنه مشتك من ألم أو محموم أو راكب سفينة أو نازل في مكان مخوف أو مختف من عدو لا ترث يعني لو أبانها في حال من الأحوال ومات بذلك السبب وهي في العدة لا ترث لأنه لا يغلب في مثل هذا الهلاك وكذا لا ترث المختلعة بسؤالها ومخيرة اختارت نفسها لوقوع الفرقة من جهتها و كذا لا ترث امرأة من طلقت على صيغة المفعول ثلاثا أو بائنا في مرضه بأمرها أو بغير أمرها لكن صح من مرضه ثم مات في العدة لعدم الفرار في الأول والصحة في الثانية بخلاف ما لو طلقت نفسها بائنا فأجاز فإنها ترث لأن المبطل للإرث إجازته كما في القنية
وفي المنح قال صحيح لامرأتيه إحداكما طالق ثم بين في مرضه إحداهما صار الزوج فارا بالبيان فترث منه
و كذا لا ترث من ارتدت عياذا بالله تعالى بعدما أبانها الزوج ثم أسلمت في العدة لبطلان أهلية الإرث بالردة ولم يعد السبب بعد الإسلام وكذا لا ترث
____________________
(2/75)
مفرقة بسبب الجب أو العنة
وفي الاختيار خلاف في المسألتين أو خيار البلوغ أو خيار العتق لرضاها
ولو فعلت ذلك وهي أي والحال أنها مريضة لا تقدر على القيام بمصالح بيتها صفة كاشفة للمرض الذي تصير به فارة ثم ماتت في الحال المذكورة وهي في العدة ورثها يعني أن المرأة كالرجل تكون فارة حتى لو باشرت سبب الفرقة من الخيارات وغيرها بعدما حصل لها المرض فإنه يرث منها لفرارها من إرثه ظاهرا
ولو أبانها بأمرها في مرضه ومات والعدة باقية أو تصادقا أي الزوجان في المرض أنها أي الإبانة كانت حصلت في صحته ومضت العدة أي إذا طلقها بائنا أو ثلاثا في مرضه بسؤالها أو قال لها في مرضه كنت طلقتك وأنا صحيح فانقضت عدتك فصدقته كما في أكثر الكتب فعلى هذا لو قال أو صدقته في مرضه على طلاقها وعدتها لكان أحسن
تدبر
ثم أي بعد الإبانة أو التصادق أوصى الزوج لها بوصية أو أقر بدين لها عليه في المسألتين فلها أي فقد كان لها عنده الأقل من إرثها ومما أوصى أو أقر
وفي القهستاني أو فلها الأقل أي أقلهما حال كونهما من إرثها ومما أوصى أو أقر فعلى الأول الأقل معمول الظرف لكن على ما قاله الأخفش وعلى الثاني مبتدأ و من بيان لما دل عليه اللام من المفضل عليه ولا ينبغي أن يقال أن من لبيان الأقل والواو بمعنى أو فإنه شاذ وإنما قلنا عنده لأن عندهما والأئمة الثلاثة جاز الإقرار والوصية لها في صورة التصادق إذ النكاح قد زال انتهى
وقال زفر لها جميع ما أقر أو أوصى به في المسألتين
وفي التبيين وأبو يوسف ومحمد مع الإمام في الثانية ومع زفر في الأولى لكن حق التعبير وأبو يوسف ومحمد مع زفر في الأولى ومع الإمام في الثانية فانظر في تعليلهما في المسألتين ثمة يظهر لك الحق تأمل
وإن علق الزوج الطلاق بفعل
____________________
(2/76)
أجنبي أو بمجيء الوقت بأن قال إن دخل فلان الدار وإذا جاء رأس الشهر فأنت طالق فوجد المعلق به فإن كان التعلق والشرط في مرضه ورثت أي الزوجة منه لتحقق الفرار
وإن كان أحدهما في الصحة لا ترث يعني إن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لا ترث خلافا لزفر وفي عكسه لا ترث اتفاقا وإنما صرح هذه مع كونها مستفادة من المفهوم تفصيلا لمحل الخلاف تدبر
وإن علق طلاقها بفعل نفسه سواء كان له بد منه كدخول الدار أو لا بد منه كالتنفس والصلاة والأكل وكلام الأبوين وطلب الحق من الخصم وغيرها وهما أي التعليق والشرط في المرض أو الشرط فيه فقط والتعليق في الصحة ورثت لأنه فار لقصده بطلان إرثها بوجود الشرط فيه
وكذا ترث لو علق طلاقها بفعلها أي بفعل زوجته ولا بد لها منه كالتنفس وغيره وهما أي والحال أن التعليق والشرط في مرضه لأنها مضطرة في الفعل
وكذا ترث لو كان الشرط فقط لا التعليق فيه أي في المرض عند الشيخين لأن باضطرارها صارت مكرهة فينتقل فعلها
____________________
(2/77)
إلى الزوج فصار كالتعليق بفعل نفسه خلافا لمحمد فإنه يقول إذا كان التعليق في الصحة فلا ميراث لها لأن فعل الطلاق لم يوجد في حال تعلق حقها فلا يكون فارا قال فخر الإسلام وهو الصحيح لكن مختار أصحاب المتون هو الأول
وإن كان لا بد لا ترث على كل حال
واعلم أن أصل هذه المسألة على أربعة أوجه لكن ترتقي إلى ستة عشر وجها لأن التعليق إما بمجيء الوقت أو بفعل أجنبي أو بفعله أو بفعلها وكل وجه على أربعة أوجه لأن التعليق والشرط إما أن يوجدا في الصحة أو في المرض أو يوجد أحدهما دون الآخر
وإن قذفها مطلقا أو لاعن وهو مريض ورثت لأن الفرقة بسبب قذف وجد منه فكان فارا
وكذا ترث لو كان القذف في الصحة واللعان في المرض عند الشيخين خلافا لمحمد وإن آلى منها أي إن حلف أن لا يقربها أربعة أشهر فلم يقربها حتى مضت المدة وبانت به أي بمضي الزمان فإن كانا أي الإيلاء والبينونة في المرض ورثت لأنه تعليق الطلاق بمضي الزمان
وإن كان الإيلاء في الصحة لا ترث وفي الطلاق الرجعي ترث في جميع الوجوه أي سواء كان في المرض أو في الصحة أو أحدهما في الصحة والآخر في المرض بفعلها أو بفعله أو بفعل أجنبي وسواء كان الفعل مما له منه بد أو لم يكن إن مات وهي في العدة لما بينا أن الطلاق الرجعي لا
____________________
(2/78)
يزيل النكاح ولا يحرم الوطء وإلا أي وإن لم يكن موته في عدتها بل بعد انقضائها لا ترث
باب الرجعة وجه المناسبة في أعقاب الطلاق بالرجعة ظاهر الرجعة بالكسر والفتح أفصح لغة الإعادة وشرعا هي استدامة النكاح القائم أي طلب دوام النكاح القائم على ما كان ما دامت في العدة لأن الملك باق في العدة زائل بعد انقضائها وقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن أي برجعتهن يدل على جميع ما ادعى من شرعية الرجعة وشرطية العدة وعدم شرطية رضاها ومن أحكامها أن تصح إضافتها إلى أي وقت في المستقبل لا تعليقها بالشرط ثم الرجعة قد تكون بالأقوال
____________________
(2/79)
صريحا وكناية وقد تكون بالأفعال وأشار إلى الأول وفرع عليه بقوله فمن طلق امرأته ما دون ثلاث بصريح الطلاق أو بالثلاث الأول من كناياته وهي اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة لكن في تقييده بالثلاث كلام وقد بيناه في الكنايات تأمل ولم يصفه أي الطلاق الصريح بضرب من الشدة وقد تقدم ذكره ولم يكن بمقابلة مال فله أي للزوج أن يراجع وإن وصلية أبت المرأة عن رجوعه لأن الأمر بالإمساك مطلق في التقديرين ما دامت في العدة قيل ولا بد من ذكر الزوجة مدخولا بها لأن العدة قد تجب بالخلوة الصحيحة بلا دخول ولا تصح فيها الرجعة أجيب بأنه يفهم ضمنا إذ لا عدة لغير المدخول بها فلا يلزم ذكر المدخول بها
تأمل
والحاصل أن للرجعة شروطا منها كون الطلاق بغير ثلاث في الحرة وبغير ثنتين في الأمة ومنها كونه صريحا لفظا أو اقتضاء إذ فيما يفيد البينونة كالموصوف بالشدة والمقابل بالمال لا مراجعة ومنها كون المرأة في العدة ولهذا لم تشرع الرجعية قبل الدخول بقوله متعلق بقوله أن يراجع راجعتك في الحضرة أو راجعت امرأتي في الحضرة والغيبة وما وقع في القهستاني وغيره من اشتراط الإعلام مخالف لما بعده وهو قوله وندب إعلام الزوج قولا وفعلا
تأمل
ومن الصريح ارتجعتك وراجعتك ورددتك وأمسكتك ومسكتك فبهذه يصير مراجعا بلا نية وفي بعض المواضع يشترط في رددتك ذكر الصلة كإلي أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي ولا يشترط في الارتجاع والمراجعة وهو أحسن كما في الفتح وفي أنت عندي كما كنت أو أنت امرأتي لا يصير مراجعا إلا بالنية والإطلاق مشير إلى أنها تصح عن وكيله كما في القهستاني واختلفوا في الإمساك والنكاح والتزوج فلو تزوجها في العدة لا يكون رجعة عند الإمام وعند محمد هو رجعة
وفي الينابيع وعليه الفتوى وعن أبي
____________________
(2/80)
يوسف روايتان أو بفعل ما يوجب حرمة المصاهرة هذا هو الثاني من قسمي الرجعة أي له أن يراجع بفعل ما يوجب حرمتها من وطء في فرجها أو في دبرها على الصحيح وعليه الفتوى
وقال الشافعي لا تصح الرجعة إلا بالقول عند القدرة عليه بأن لا يكون أخرس أو معتقل اللسان فلا يجوز عنده الوطء قبل الرجعة بالقول ومس بشهوة ونحوه كالقبلة والنظر إلى داخل فرجها من أحد الجانبين فلو لمست زوجها بشهوة أو نظرت إلى فرجه بشهوة وعلم الزوج بذلك وتركها فهو رجعة سواء كان بتمكينه أو فعلته اختلاسا أو كان نائما أو مكرها أو معتوها
وفي السرخسي قال شيخ الإسلام أنه رجعة عند الطرفين اعتبارا بالمصاهرة كما لو إذا أدخلت ذكره في فرجها وهو نائم وليس برجعة عند أبي يوسف هو يقول الرجعة قولا منه لا منها فكذا فعلا
وفي التبيين وعن أبي يوسف ومحمد لا يكون رجعة ويعلم من هذا أن محمدا مع أبي يوسف لكن يمكن أن يحمل على الروايتين هذا إذا صدقها الزوج أنها فعلت بشهوة أما لو أنكر فلا تثبت الرجعة وإن شهدوا بها لأن الشهوة لا يمكن إثباتها بالبينة
وفي
____________________
(2/81)
الجوهرة ولو صدقها الورثة بعد موته أنها فعلته بشهوة كان ذلك رجعة
وندب الإشهاد عليها بأن يقول لاثنين من المسلمين اشهدا أني قد راجعت امرأتي كي لا يقع التجاحد بينهما كالإشهاد بالبيع ولو لم يشهد عليها صحت إلا عند الشافعي في قول فإنه قال يجب الإشهاد وهو قول مالك وهذا أعجب من مالك لأنه لا يوجب الإشهاد على ابتداء النكاح ويجعله شرطا على الرجعة كما في أكثر المعتبرات لكن لا عجب فيه فإن الرجعة محتاجة إلى الإشهاد لكونها صادرة عن الزوج فقط بخلاف النكاح فإنه عقد صادر منهما مع شرط الإعلان فليس هذا محل الإنكار بخلاف الرجعة لكن بقي هاهنا كلام فإن الرجعة عنده لا يكون إلا بالجماع والإشهاد عليه بعيد تدبر
و ندب أيضا إعلامها بها كي لا تقع في المعصية بالتزويج بغيره كما في الهداية
وفي الفتح قيل لا معصية بدون علمها بالرجعة ودفع بأنها إذا تزوجت بغير سؤال تقع في المعصية لتقصيرها في الأمر واستشكل من حيث إن هذا إيجاب للسؤال عليها وإثبات المعصية بالعمل بما ظهر عندها وليس السؤال إلا لدفع ما هو متوهم الوجود بعد تحقق عدمه فهو وزان إعلامه إياها إذ هو أيضا لمثل ذلك فإذا كان إعلامه مستحبا لأنه تصرف خالص حقه فكذا سؤالها يكون مستحبا لأنها في النكاح كذلك انتهى
ويمكن التوجيه بوجه آخر وهو أن الوقوع في المعصية لا يوجب العصيان فإنه يجوز أن تقع في المعصية ولا تكون عاصية لعدم علمها بها واستحقاق الفاعل بالعذاب مشروط بالعلم ويؤيده قوله كي لا تقع في المعصية دون أن يقول كي لا تكون عاصية وأما احتمال أن يكون الرواية في يقع بالتحتانية كما ذهب إليه بعض الفضلاء فبعيد لا يلائم المساق مع أنه يوجب الوجوب لا الاستحباب لأن ترك المستحب لا يوجب المعصية تدبر
ولو قال الزوج بعد انقضاء العدة كنت راجعتك فيها أي في العدة فصدقته المرأة صحت الرجعة لأن النكاح يثبت بتصادقهما فالرجعة أولى وإلا أي وإن لم تصدقه
____________________
(2/82)
فلا تصح الرجعة لأنه يدعي ولا بينة له ولا يملك الإنشاء في الحال وهي منكرة فالقول قول المنكر ولا يمين عليها على قول الإمام لأن الرجعة من الأشياء الستة التي لا يمين فيها عنده خلافا لهما فلو أقام بعد العدة أنه قال في عدتها قد راجعتها أو أنه قال قد جامعتها كانت رجعة كما لو قال فيها كنت راجعتك أمس وإن كذبته
وفي المنح وهذا من أعجب المسائل فإنه يثبت إقرار نفسه بالبينة بما لو أقر به في الحال لم يكن مقبولا
ولو قال راجعتك يريد به الإنشاء فقالت من غير فصل إذ الفاء تدل على التعقيب حال كونها مجيبة له انقضت عدتي فالقول لها ولا تصح الرجعة عند الإمام لأنها أمينة في الإخبار عن الانقضاء وإنما قيدنا من غير فصل لأنها لو سكتت ساعة ثم أجابت لا تصدق وتصح الرجعة إجماعا خلافا لهما لأنها صادفت وقت العدة إذ هي باقية ظاهرة
وفي التبيين وتستحلف المرأة بالإجماع والفرق لأبي حنيفة بين هذه وبين الرجعة أن اليمين فائدتها النكول وهو بذل عنده وبذل الامتناع من التزوج والاحتباس في منزل الزوج جائز بخلاف الرجعة وغيرها من الأشياء الستة فإن بذلها لا يجوز فيها ثم إذا نكلت تثبت الرجعة بناء على ثبوت العدة لكونها ضرورة بمنزلة ثبوت النسب بشهادة القابلة بناء على شهادتها بالولادة انتهى لكن في قوله وتستحلف المرأة هاهنا بالإجماع كلام لأن عندهما تصح الرجعة والقول قوله ولا اعتبار بقول المرأة مع يمينها كما تقدم
وإن قال زوج الأمة بعد مضي العدة كنت راجعت فيها أي في العدة فصدقه سيدها وكذبته المرأة فالقول لها عند الإمام لأن الرجعة تبتنى على قيام العدة والقول فيها قولها وعندهما القول للسيد لأن البضع حقه كإقراره عليها بالنكاح وفي عكسه أي فيما صدقته الأمة وكذبه المولى القول للسيد اتفاقا في الصحيح احتراز عما قيل أنها على الخلاف وقيل لا يقضي بشيء ما لم يتفق المولى والأمة
وإن قال راجعتك فقالت مضت عدتي وأنكرا أي أنكر الزوج والمولى انقضاءها
____________________
(2/83)
فالقول لها لأنها أعرف بحالها وهي أمينة فيه
وفي الشمني لو قالت انقضت عدتي ثم قالت لم تنقض له رجعتها لأنها أقرت بكذبها فيما يثبت به الحق عليها
وإذا طهرت المعتدة حقيقة أو حكما ولا عادة لها وهذا أشمل من قول الوقاية وإن انقطع من حيض الأخير أي من الحيضة الأخيرة التي تنقضي العدة بها وهي الحيضة الثالثة إن كانت حرة والثانية إن كانت أمة ومن اقتصر بالثالثة فقد قصر تدبر لعشرة أيام انقطعت الرجعة
وإن وصلية لم تغتسل لأن الحيض لا يزيد على العشرة وليس المراد من الطهارة هاهنا الانقطاع لأنها بمضي العشرة خرجت من الحيض وإن لم ينقطع
وإن انقطع لأقل من عشرة لا أي لا تنقطع الرجعة ما لم تغتسل أو أي إلا أن يمضي عليها وقت صلاة لأنها لا تنقطع بمجرد انقطاعه لاحتمال عوده بل لا بد من أن يتأكد الانقطاع بأحد أحكام الطاهرات كالاغتسال أو يمضي عليها أدنى وقت صلاة إذ بمضي وقتها صارت الصلاة دينا في ذمتها وهو قدر ما يقدر على الاغتسال والتحريمة وما دون ذلك ملحق بمدة الحيض خلافا لزفر أو تتيمم وتصلي يعني إذا لم تجد الماء فتيممت وصلت مكتوبة أو نافلة انقطعت الرجعة عند الشيخين وقيل تنقطع بالشروع فيها عندهما لأنها في حكم الطاهر والصحيح أنها لا تنقطع إلا بعد الفراغ ولو مست المصحف أو قرأت القرآن أو دخلت المسجد قال الكرخي تنقطع
وقال الرازي لا وعند محمد تنقطع بالتيمم وإن وصلية لم تصل لأن التيمم نزل منزلة الاغتسال في التطهير وبه قال زفر ولهما أنه ملوث غير مطهر وإنما اعتبر طهارة ضرورة أن لا يتضاعف عليها
____________________
(2/84)
الواجبات والضرورة تتحقق حال أداء الصلاة لا فيما قبلها من الأوقات وفي الفتح كلام فليراجع
وفي الكتابية بمجرد الانقطاع تنقطع الرجعة اتفاقا وإن كانت لأقل من العشرة لأنه لا يتوقع في حقها أمارة زائدة لأنها لا تخاطب بالشرائع فيكتفى بمجرد الانقطاع ولو اغتسلت ونسيت أقل من عضو نحو أصبع انقطعت الرجعة ولا تحل للأزواج وإن نسيت عضوا تاما لا أي لا تنقطع الرجعة استحسانا لأنه كثير لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة بخلاف القليل من العضو فافترقا فقلنا بانقطاع الرجعة وعدم حل التزوج أخذا بالاحتياط كما في الاختيار وإنما قال نسيت لأنها لو تعمدت إبقاء ما دون العضو لا تنقطع وكل من المضمضة والاستنشاق والواو بمعنى أو كالأقل وهو رواية الكرخي عن محمد لوقوع الاختلاف في فرضيتهما فتنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج احتياطا وفي رواية عن أبي يوسف كتمام العضو وهو رواية هشام عنه
وفي الهداية وهو قول محمد لأن الحدث باق في عضو
ولو طلق حاملا وجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من يوم التزويج أو من حين ولدت منه وأنكر وطأها له أن يراجع
وقال في الإصلاح لو طلق امرأته وهي حامل أو بعدما ولدت في عصمته وقال لم أجامعها سواء كان هذا القول منه حال التطليق أو بعده فله الرجعة
قد مر أن الرجعة في قوله فله الرجعة الواقعة قبل وضع الحمل في المسألة الأولى ومعنى كون الرجعة له أنه لو راجعها تصح إلا أن صحتها إنما تظهر إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق وتوقف ظهور صحتها على وضع الحمل لا ينافي صحتها قبله فلا مسامحة في الكلام كما سبق إلى بعض الأوهام وإنما تصح الرجعة فيما ذكر من المسألتين مع إنكاره الوطء لأن الشرع كذبه في إنكاره الوطء حيث أثبت النسب منه
وإن طلق من خلا بها
____________________
(2/85)
خلوة صحيحة وأنكر وطأها فليس له أن يراجع إذ حينئذ لا يكذبه الشرع في إنكاره فيكون إنكاره حجة عليه وإنما قال وأنكر لأنه لو قال جامعتها وأنكرت المرأة فله الرجعة كما في البحر
وإن راجعها أي بعدما خلا بها وأنكر وطأها ثم ولدت بعد الرجعة لأقل من عامين من وقت الطلاق صحت الرجعة السابقة لأنه يثبت النسب منه إذ هي لم تقر بانقضاء العدة والولد يبقى في البطن هذه المدة فينزل واطئا قبل الطلاق لا بعده لأنه لو لم يطأ قبله يزول الملك بنفس الطلاق فيكون الوطء بعد الطلاق حراما ويجب صيانة المسلم عنه فإذا جعل واطئا قبل الطلاق تصح الرجعة
ولو قال لامرأته إن ولدت فأنت طالق فولدت ولدا ثم ولدت ولدا آخر من بطن آخر بأن يكون بين الولادتين ستة أشهر أو أكثر ولو بعد سنتين ما لم تقر بانقضاء العدة فهو الذي جاءت به بعد ستة أشهر رجعة لأنها طلقت بالولادة الأولى ثم الولادة الثانية دلت على أنه راجعها بعد الولادة الأولى ليكون الوطء حلالا بخلاف ما إذا كان أقل حيث تكون ببطن واحد فلا تثبت الرجعة لأن علوق الولد الثاني كان قبل الولادة الأولى
وإن قال لامرأته كلما ولدت فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة بين كل ولدين ستة أشهر فصاعدا فالثاني والثالث رجعة لأنها لما ولدت الأول وقع الطلاق وهو رجعي وصارت معتدة فلما ولدت الثاني من بطن آخر علم أنه صار مراجعا بوطء حادث في العدة فبولادة الثاني وقع طلاق ثان لأن اليمين معقودة بكلمة كلما والشرط وجد في الملك لأنه تثبت رجعيته ثم لما ولدت الثالث من بطن آخر علم أنه كان من علوق حادث بعد وقوع الطلاق الثاني فصار مراجعا به وتتم الطلقات الثلاث بولادة الولد الثالث
____________________
(2/86)
فتحتاج إلى زوج آخر وعليها العدة بالأقراء لأنها حامل من ذوات الحيض حين وقع الطلاق
والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين التشوف خاص بالوجه والتزين عام من شفت الشيء جلوته ودينار مشوف أي مجلو وهو أن تجلي وجهها وتصقله هذا إذا كانت الرجعة مرجوة فإن كانت لا ترجوها لشدة بغضه لها فإنها لا تفعل كما في الكافي وغيره لكن في المبسوط والتزين مندوب مطلقا وندب أن لا يدخل عليها حتى يعلمها بالتنحنح وما يشبهه إن لم يقصد رجعتها كي لا يقع بصره على موضع يصير به مراجعا فيحتاج إلى طلاقها فتطول عليها العدة فيلزم الضرر بذلك وفيه إشارة إلى أن دخوله عليها ليس بحرام
وليس له أي للزوج أن يسافر بها حتى يراجعها أي ما لم يشهد على رجعتها لقوله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن فالمراد من المسافرة بها إخراجها من بيتها لا السفر الشرعي لأن إطلاق هذه الآية يشمل ما دون السفر فعلى هذا لو قال ليس له أن يخرجها من بيتها لكان أولى
هذا إذا كان يصرح بعدم رجعتها أما إذا لم يصرح كانت رجعة دلالة إذا كان السفر الشرعي وإلا لا تكون رجعة دلالة
وقال زفر له أن يسافر بها بدون ذلك وإذا سافر بها فقد راجعها
والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء لأن الوطء يصير رجعة لا عقر عليه عندنا خلافا للشافعي ومالك كما حققناه ثم شرع في بيان ما على المطلقة فقال وله أن يتزوج مبانته بما دون الثلاث في الحرة وبما دون
____________________
(2/87)
الثنتين في الأمة في العدة وبعدها لأن حل المحلية باق لأن زوال الحل معلق بالطلقة الثالثة فينعدم الزوال قبله ومنع الغير لاشتباه النسب ولا اشتباه في طلاقه كما في الهداية وغيرها
وقال في الفتح هذا تركيب غير صحيح والصحيح أن يقال لأن حل المحل باق أو لأن المحلية باقية وهذا لأن المحلية هي كون الشيء محلا ولا معنى لنسبة الحل إليها إذ لا معنى لحل كونها محلا انتهى
لكن لما لا تصح أن تكون الإضافة بيانية تأمل
ولا تحل الحرة بعد الطلقات الثلاث لمطلقها لقوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد الآية ولا الأمة بعد الثنتين لما تقرر أن الرق منصف والطلقة لا تتجزأ إلا بعد وطء زوج آخر سواء كان حرا أو عبدا زوج بإذن المولى عاقلا أو مجنونا إذا كان يجامع مثله مسلما أو ذميا في الذمية حتى يحلها لزوجها المسلم بنكاح صحيح فيخرج الفاسد ونكاح غير الكفؤ إذا كان لها ولي على ما عليه الفتوى والنكاح الموقوف ومضي عدته أي عدة النكاح الصحيح بعد زواله بالطلاق في الزوج الثاني لكن الظاهر أن الضمير راجع إلى الزوج على سبيل المجاز لكونه سببا لها قال العيني والأول أقرب والثاني أظهر وشرط وطء الزوج الثاني بالكتاب وهو قوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره والمراد منه الوطء حملا للكلام على الإفادة دون الإعادة فإن العقد استفيد بإطلاق اسم الزوج في النظم لكن فيه مناقشة ووجه آخر في شروح الهداية فليطلب أو بالأحاديث المشهورة لأنها تجوز بها الزيادة على النص إن كان المراد العقد وإن كان الوطء
____________________
(2/88)
فلا إشكال ولم يخالف في ذلك إلا سعيد بن المسيب
وفي المبسوط هذا قول غير معتبر ولو قضى به قاض لا ينفذ قضاؤه
وفي المنية أن سعيدا رجع عنه إلى قول الجمهور فمن عمل به اسود وجهه ويبعد ومن أفتى به يعذر
وفي الخلاصة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا فرق في ذلك بين كون المطلقة مدخولا بها أو غير مدخول بها لصريح إطلاق النص وما في المشكلات من أن غير المدخولة تحل بمجرد النكاح وأما قوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ففي حق المدخول ليس بشيء لأنه لم يوجد في التفاسير والخلافيات
وفي الفتح وهو زلة عظيمة مصادمة للنص والإجماع لكن يمكن توجيه ما في المشكلات بأن معناه أنه طلقها ثلاثا متفرقة فلا تقع إلا الأولى لا الثلاث بكلمة واحدة تدبر
وفي الكفاية طلقها أزواج كل زوج ثلاثا قبل الدخول بها فتزوجت بآخر ودخل بها تحل للكل
ولا يحل المطلقة له أي للزوج الأول
____________________
(2/89)
بملك يمين بأن كانت تحته أمة فطلقها ثنتين ثم اشتراها أو كانت تحته حرة فطلقها ثم ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم استرقها لا تحل له حتى تتزوج آخر ويطأها لإطلاق النص كما في الشمني ويحلها وطء المراهق أي متقارب للحلم ومثله يجامع وقيل الذي تتحرك آلته ويشتهي الجماع وقدر شمس الأئمة بعشر سنين وفيه إشارة إلى أن المرأة لا بد أن توطأ مثلها فإن كانت لا توطأ مثلها لا تحل للأولى بهذا الوطء كما في البزازية لا وطء السيد لأنه ليس بزوج والشرط في الحل للزوج الأول الإيلاج أي إدخال الثاني حشفته دون الإنزال لأنه كمال الجماع خلافا للحسن البصري
وفي المطلب وغيره الشيخ الذي لا يقدر على الجماع لو أولج ذكره بمساعدة يده لا يحلها إلا إذا انتعش وعمل
وفي القهستاني خلاف
وفي التبيين والخصي الذي يجامع مثله يحلها للأول ولو كان مجبوبا لم يحل فإن حبلت وولدت حلت للأول عند أبي يوسف خلافا لمحمد ويشترط كونه في المحل بيقين حتى لو جامعها وهي مفضاة لا يحل ما لم تحبل
وفي النهاية لو ادعت دخول المحلل صدقت وإن أنكر هو وهذا على العكس فإن تزوجها الزوج الثاني والظاهر بالواو لأنه لا معنى
____________________
(2/90)
للتفريع بشرط التحليل كره أي يكره التزوج بشرط التحليل بالقول بأن قال تزوجتك على أن أحللك له أو قالت المرأة ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله المحلل والمحلل له أما لو نويا ذلك بقلبهما ولم يشترطا بقولهما فلا عبرة به وقيل الرجل مأجور بذلك وتأويل اللعن إذا شرط الأجر وتحل المرأة للأول لوجود الدخول بنكاح صحيح إذ النكاح لا يبطل بالشرط وعن أبي يوسف وهو قول مالك وأحمد والشافعي في القديم أن النكاح فاسد ولا تحل للأول لأن شرط التحليل في معنى التوقيت في النكاح والنكاح الموقت فاسد وكذا هذا وعن محمد أنه أي النكاح بشرط التحليل صحيح ولا تحل للأول إذ فيه استعجال في تحليل الحل مع ما أخره الشرع فيجازى بالحرمان كما في قتل المورث ولو خافت المرأة أن لا يطلقها المحلل فقالت زوجتك نفسي على أن أمري بيدي وقبل الزوج جاز النكاح وصار الأمر بيدها أو يقول المحلل إن تزوجتك وأمسكتك فوق ثلاثة أيام مثلا فأنت طالق فإنها تطلق بمضي المدة ومن لطائف الحيل فيه أن تزوج المطلقة من عبد صغير تتحرك آلته ثم تملكه بسبب من الأسباب بعد وطئها فيفسخ النكاح بينهما كما في التبيين وغيره لكن يشكل بما يروى عن الإمام من اشتراط كون الزوج حرا والزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث
____________________
(2/91)
أي حكمه أيضا أي كما يهدم حكم الثلاث عند الشيخين خلافا لمحمد وبه قال زفر والأئمة الثلاثة فإن عندهم لا يهدم ما دون الثلاث ومرادهم إن دخل بها ولو لم يدخل بها لا يهدم اتفاقا فعلى هذا لو قيد بالدخول لكان أولى تدبر
وتظهر ثمرة الخلاف فيما فرعه بقوله فمن طلقت دونها أي دون ثلاث عادت إليه أي إلى الزوج الأول بعد زوج آخر عادت إلى الأول بثلاث طلقات مستقلات إن كانت حرة وثنتين إن كانت أمة عندهما وعنده وزفر والثلاث بما بقي أي عادت بالثنتين إن طلقت أو لا واحدة في الحرة وبالواحدة في الأمة وبالواحدة إن طلقت أو لاثنتين في الحرة ولا يتحقق في الأمة إلا هدم طلقة واحدة
وفي الفتح تفصيل وترجيح قول محمد لأنه قال فظهر أن القول ما قاله محمد وباقي الأئمة تتبع
____________________
(2/92)
ولو قالت مطلقة الثلاث انقضت عدتي منك وتحللت أو تزوجت بآخر ودخل بي وطلقني وانقضت عدتي منه والمدة تحتمل ذلك لأنها لو لم تحتمله فإنه لا يصدقها واحتماله أن يذكر لكل عدة من العدتين في هذه المسألة ما يمكن وهو شهران عند الإمام وتسعة وثلاثون يوما عندهما فله أي للزوج تصديقها إن غلب على ظنه صدقها لأنها معاملة وأمر ديني لتعلق الحل به وقول الواحد فيهما مقبول وهو غير مستنكر إذا كانت المدة تحتمله
وفي البزازية ولو قالت طلقني ثلاثا ثم أرادت تزويج نفسها منه من غير تحليل ليس لها ذلك أصرت عليه أم كذبت نفسها
وفي المنح قال الزوج بعد الطلاق الثلاث كان قبل طلقات الثلاث طلقت واحدة وانقضت عدتها وصدقته المرأة في ذلك لا يصدقان على المذهب وعليه الفتوى كما في البزدوي
وفي التتارخانية وغيرها سمعت المرأة من زوجها أنه طلقها ولا تقدر على منعه من نفسها إلا بقتله لها قتله بالدواء ولا تقتل نفسها وقيل لا تقتله وبه يفتى وترفع الأمر إلى القاضي فإن لم تكن لها بينة تحلفه فإن حلف فالإثم عليه لكن إن قتلته فلا شيء عليها
____________________
(2/93)
94 باب الإيلاء هو لغة مصدر آليت على كذا إذا حلفت عليه فأبدلت الهمزة ياء والياء ألفا ثم همزة والاسم منه آلية وتعديته بمن في القسم على قربان المرأة لتضمين معنى التباعد وشرعا الحلف بكسر اللام مصدر أو اسم على ترك وطء الزوجة مدته أي الإيلاء ولا يرد ما في التبيين وغيره من أن هذا التعريف ينقض بقول الزوج لها إن قربتك فلله علي أن أصلي ركعتين أو أغزو فإنه شامل له وليس من أسباب الإيلاء عند الشيخين فالأولى أن يقال الإيلاء في الشرع عبارة عن منع النفس عن قربان المنكوحة أربعة أشهر فصاعدا منعا مؤكدا بشيء يلزمه وهو يشق عليه لأن المشقة معتبر في ماهية الإيلاء وإن ما لا مشقة فيها فلا إيلاء تأمل وهي أي مدته أربعة أشهر متوالية هلالية أو يومية وعند الأئمة الثلاثة لا بد من أكثر للحرة لقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر الآية وشهران للأمة لما مر أن الرق منصف خلافا للشافعي وأحمد في الأظهر فلا إيلاء لو حلف على أقل منها بل يمين وإنما صرح مع أنه علم ضمنا ردا لابن أبي ليلى فإنه قال هو مول فإن تركها
____________________
(2/94)
أربعة أشهر بانت بتطليقة وهو قول الإمام أولا ثم رجع عنه والتصريح في محل الخلاف دأب المؤلفين ومن لم يعرف فقال ما قال تأمل
وحكمه أي الإيلاء وقوع طلقة بائنة إن بر أي حفظ اليمين بأن لم يطأها في المدة ولم يبين ركنه نصا وهو والله لا أقربك ونحوه وشرطه المحل والأهل هو أن تكون المرأة منكوحة وقت تنجيز الإيلاء والحالف أهلا للطلاق عند الإمام وأهلا للكفارة عندهما فصح إيلاء الذمي عنده لا عندهما أما لو آلى بما هو قربة كالحج لا يصح اتفاقا وبما لا يلزم قربة كالعتق فإنه يصح اتفاقا
ولزوم الكفارة أي كفارة اليمين إذا قال والله لا أقربك أربعة أشهر أو لزوم الجزاء إذا قال إن قربتك فعلي كذا إن حنث لأن كفارة اليمين أو الجزاء موجب الحنث خلافا للشافعي فلو قال لزوجته والله لا أقربك من غير تعيين مدة أو والله لا أقربك أربعة أشهر بتعيين المدة كان موليا لوجود الحلف على ترك القربان أربعة أشهر ضمنا في الأولى وصريحا في الثانية
وفي التبيين الشائع في صريح الإيلاء المجامعة وأما الكنايات فعلى قسمين قسم يجري مجرى الصريح ولا حاجة إلى النية كالقربان فإن كثرة استعماله في الوطء تبلغ حدا يكاد أن يلحقه بالصريح وقسم لا يجري مجراه كالدنو والمس والإتيان ونحوها لا يكون موليا إلا بالنية
وفي البحر حلف لا يقربها وهي حائض لم
____________________
(2/95)
يكن موليا لأن الزوج ممنوع عن الوطء بالحيض فلا يصير المنع مضافا إلى اليمين وبه علم أن الصريح وإن كان لا يحتاج إلى النية لا يقع به لوجود صارف وكذا يكون موليا لو قال إن قربتك فعلي حج أو صوم أو صدقة وعين قدرا يلزمه أو قال فأنت طالق أو عبده حر
وفي عتق العبد المعين خلاف لأبي يوسف هو يقول يمكنه البيع ثم القربان وهما يقولان البيع موهوم فلا يمنع المانعية فيه كما في الهداية وعلى هذا يشكل ما ذكره من أن المولي من لا يمكنه القربان أربعة أشهر إلا بشيء يلزمه كما في الإصلاح ثم بين حكم الإيلاء بالفاء التفسيرية بقوله فإن قربها بالكسر من القربان وهو الدنو ثم استعير للمجامعة كما في القهستاني في المدة المذكورة حنث في يمينه إن نقضها ولزمه ما لزم نفسه ولا فرق بين الفاعل وغيره في الحنث وسقط الإيلاء بالإجماع يعني لو مضت أربعة أشهر لا يقع الطلاق لأن اليمين ترفع بالحنث وإلا أي وإن لم يقربها في المدة بانت بمضيها أي المدة ولا يحتاج إلى تفريق الحاكم عندنا خلافا للأئمة الثلاثة وسقط اليمين إن حلف على أربعة أشهر في الحرة لأنها كانت مؤقتة بها فزالت بانقضائها وبقيت اليمين إن أطلق وفرع عليه بقوله فلو نكحها ثانيا عاد الإيلاء لأن اليمين باقية فإن مضت بعد نكاح ثان مدة أخرى أي أربعة أشهر في الحرة وشهران في الأمة بلا وطء متعلق بمضت بانت بأخرى فيعتبر ابتداء هذا الإيلاء من حين التزويج سواء كان النكاح قبل مضي العدة أو بعده وهو الأصح والأولى كما في أكثر المعتبرات
وفي النهاية أن ابتداء الثانية من وقت الطلاق إن كان قبله وهذا لا يستقيم إلا على قول من قال إن الطلاق يتكرر
____________________
(2/96)
قبل التزوج وهو ضعيف بل لا يتكرر قبله لأنه لا حق في الجماع بخلاف ما لو أبانها بتنجيز الطلاق ثم مضت مدته وهي في العدة حيث يقع أخرى بالإيلاء لأنه بمنزلة التعليق بمضي الزمان والمعلق لا يبطل بتنجيز ما دون الثلاث كما في البحر فإن نكحها أي نكحها المولي نكاحا ثالثا ومضت مدته بلا فيء أي بلا قربان فكذلك أي تبين أخرى لأن اليمين باقية ما لم يحنث فيها فتحتاج إذا آلى زوج آخر لثبوت الحرمة الغليظة بالثلاثة وفيه إشارة إلى أن الإيلاء لا ينعقد البينونة بلا نكاح فلو كانت المبانة ممتدة الطهر ومضى أربعة أشهر لم تبن بشيء وهو الأصح كما في القهستاني فإن زوجها بعد زوج آخر فلا إيلاء لأنه مقيد بطلاق هذا الملك وقد انتهى بالثلاث سواء وقعت متفرقة بسبب الإيلاء المؤبد أو تنجيزها بعد الإيلاء قبل مضي مدته ثم عادت إليه بعد زوج آخر لبطلان الإيلاء فلا يعود بالتزوج كما في المنح
واليمين باقية لعدم الحنث فإن وطئ أي إن وطئها بعدما عادت إليه بعد التحليل لزم الكفارة أو الجزاء لبقاء اليمين ووجود الحنث
ولا تبين بمضي المدة وإن وصلية لم يطأ لأنه لا إيلاء كما مر وكذا لا إيلاء لو آلى من أجنبية لأن النص مقيد بالنساء لكن لو تزوجها وقربها حنث وتجب الكفارة أو من مبانة لعدم حل الوطء أما المطلقة الرجعية فكالزوجة أي لو آلى من مطلقة رجعية فهو مول لأن الزوجية باقية بينهما ويسقط الإيلاء لو انقضت عدتها قبل مضي مدته
ولا إيلاء فيما دون أربعة أشهر
____________________
(2/97)
كرره ليفرع عليه ما بعده وهو قوله فلو قال والله لا أقربك شهرين وشهرين بعدهما كان إيلاء والأصل في جنس هذه المسائل أنه متى عطف من غير إعادة حرف النفي ولا تكرار اسم الله يكون يمينا واحدا ولو أعاد حرف النفي لو كرر اسم الله يكونان يمينين وتتداخل مدتهما فلو قال والله لا أقربك شهرين ولا شهرين أو قال والله لا أقربك شهرين والله لا أقربك شهرين لا يكون موليا وتتداخل اليمينان حتى لو قربها قبل مضي شهرين تجب عليه كفارتان ولو قربها بعد مضيهما لا يجب عليه شيء لانقضاء مدتهما كما في التبيين وقوله بعدهما اتفاقي لا يختلف الحكم لو لم يذكر فلو مكث يوما أي قال والله لا أقربك شهرين فمكث يوما أو ساعة ثم قال لا أقربك شهرين بعد الشهرين الأولين فليس بإيلاء لأن الثاني إيجاب مبتدأ وقد صار ممنوعا بعد اليمين الأولى وبعد الثانية أربعة أشهر إلا يوما مكث فيه فلم تتكامل المدة وقوله بعد الشهرين هنا تقييد لتعيين مدة اليمين الثانية لأنه لو لم يقل بعد الشهرين كانت مدتهما واحدة لما ذكرنا
وكذا لا يكون موليا لو قال والله لا أقربك سنة إلا يوما لأنه استثنى يوما منكرا فله جعل ذلك اليوم أي يوم شاء خلافا لزفر وهو يصرف اليوم إلى آخر السنة اعتبارا بالإجارة وبما إذا قال سنة إلا نقصان يوم وبما إذا أجل الدين إلى سنة إلا يوما وجوابه في التبيين فليطالع فإن قربها وقد بقي من السنة أربعة أشهر أو أكثر صار إيلاء لسقوط الاستثناء وبقاء المدة ولو أطلق بأن قال لا أقربك إلا يوما لا يكون موليا حتى يقربها فإذا قربها صار موليا ولو قال سنة إلا يوما أقربك فيه فيكون موليا أبدا لأنه استثنى كل يوم يقربها فيه فلا يكون ممنوعا أبدا وكذا لو أطلق مع هذا الاستثناء وإذا قال سنة فمضت
____________________
(2/98)
أربعة أشهر ولم يقربها فيها فوقعت طلقة ثم تزوجها ومضت أربعة أخرى لم يقربها فيها وقعت أخرى فإذا تزوجها فمضت أربعة أشهر لا يقع لأن الباقي بالضرورة أقل من أربعة أشهر كما في الفتح
ولو قال لا أدخل بصرة و الحال أن امرأته فيها لا يكون موليا لإمكان قربانه بلا لزوم شيء بأن يخرجها من البصرة
وإن عجز المولي عن وطئها بمرضه الباء للسببية أو مرضها أو رتقها أو صغرها أو جبه أو كان أسيرا في دار الحرب أو لكونها ممتنعة أو كانت في مكان لا يعرفه وهي ناشزة أو أجل القاضي بينهما بشهادة الطلاق الثلاثة للتزكية أو لأن بينها وبينه مسافة أربعة أشهر لا يقدر على قطعها في مدة الإيلاء فإن قدر لا يصح فيؤه باللسان ففيؤه أي رجوع الزوج عن الإيلاء أن يقول فئت إليها أو رجعت عما قلت أو راجعتها أو ارتجعتها أو أبطلت إيلاءها وعند الشافعي لا يصح فيه الفيء إلا بالجماع وإليه ذهب الطحاوي من أصحابنا إن استمر العذر من وقت الحلف إلى آخر المدة فلو آلى منها قادرا ثم عجزا وكان عاجزا حين آلى وزال العجز في المدة لا يصح فيؤه باللسان لاشتراط العجز المستوعب للمدة في الاكتفاء بالحلف ولو قربها بعد الفيء باللسان لزمته الكفارة لبقاء اليمين في حق الحنث وإن بطلت في حق الطلاق قال المرغيناني ولا يكون الفيء بالقلب وذكر الجرجاني أنه لو فاء بقلبه ولم يتكلم بلسانه فانقضت المدة إن صدقته كان فيئا فلو زال العجز في المدة أي مدة الإيلاء تعين الفيء بالوطء لكونه خلفا عنه فإذا قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل كالمتيمم إذا قدر على الماء خلال الصلاة وقيد بالمدة لأنه لو قدر عليه بعدها لا يبطل
وإن
____________________
(2/99)
قال لها في غير مذاكرة الطلاق أو غير حال الغضب أنت علي حرام فهو على وجوه الأول كان موليا إن نوى التحريم أو لم ينو شيئا لأن تحريم الحلال يمين
و الثاني إن نوى ظهارا فظهار عند الشيخين لأن هذا اللفظ يحتمل الظهار لما فيه من معنى الحرمة وعند محمد لا يكون ظهارا لعدم ركنه وهو التشبيه بالحرمة على التأييد
و الثالث إن نوى الكذب فكذب لأنه وصف المحلية بالحرمة فكان كذبا حقيقة فإذا نواه صدق
و الرابع إن نوى الطلاق سواء كان بائنا أو ثنتين فبائن و الخامس إن نوى الثلاث فثلاث لأن الحرام من الكنايات وهذا حكمها والفتوى اليوم على وقوع الطلاق به أي بقوله أنت علي حرام
وإن لم ينو وهو قول المتأخرين لغلبة الاستعمال بالعرف وعليه الفتوى كما في أكثر المعتبرات ولهذا لا يحلف به إلا الرجال ولو نوى غيره لا يصدق قضاء
وكذا الفتوى على وقوع الطلاق بقوله كل حلال علي حرام أو هرجه بدست راست كيرم بروى حرام يقع الطلاق بائنا وإن لم ينو للعرف وقيل أنه يصرف إلى المأكول والملبوس لكن الاحتياط في صورة عدم النية أن يتوقف المرء فيه ولا يخالف المتقدمين وعن محمد لو نوى الطلاق في نسائه واليمين في نعم الله فطلاق ويمين كما في المحيط ولو حلف بالحل والحرمة من لا زوجة له فيمين عند أبي بكر وتعليق عند أبي جعفر ولو كان له أربع نسوة وقع بقوله كل حلال علي حرام على كل واحدة طلقة بائنة وقيل وقع على واحدة والبيان إليه وهو الأشبه كما في أكثر الكتب لكن الأشبه الأول لأن قوله حلال الله أو حلال المسلمين يعم كل زوجة فإذا كان فيه عرف في الطلاق يكون بمنزلة قوله هن طوالق لأن حلال الله تعالى شملهن على سبيل الاستغراق لا على سبيل البدل كما في قوله إحداكن طالق كما في الفتح
وفي المحيط لو قال أنتما علي حرام يكون موليا من كل واحدة منهما ويحنث بوطء كل واحدة منهما ولو قال والله لا أقربكما لا يحنث إلا بوطئهما
____________________
(2/100)
باب الخلع المناسبة الخاصة بين الخلع والإيلاء النشوز لأن الإيلاء نشوز من قبل الزوج والخلع نشوز من قبل المرأة هو لغة النزع وهو من باب الترشيح قال الله تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن فكأنهما إذا فعلا ذلك نزعا لباسهما والظاهر أنه بالفتح والمذكور هنا بالضم إلا أنه مأخوذ منه وشرطه شرط الطلاق وحكمه وقوع الطلاق البائن وصفته أنه يمين من جهة الزوج ومعارضة من جهة المرأة عند الإمام ويمين عند الجانبين عندهما كما في الشمني وألفاظه الخلع والمبارأة والتطليق
____________________
(2/101)
والمباينة والبيع والشراء وصورته أن تقول الزوجة خالعت نفسي منك بكذا وقال خلعت وشرعا وهو الفصل عن النكاح المراد به الصحيح فخرج به الفاسد وما بعد الردة فإنه لغو لا ملك فيه وهذا التعريف اختيار صاحب الكنز لكنه منقوض بالطلاق على مال فإنه فصل عن النكاح وليس بخلع ولهذا قال بعض الشراح هذا تفسير لا تعريف لكنه بعيد تأمل وقيل قائله صاحب المختار أن تفتدي المرأة نفسها بمال ليخلعها به أي بالمال وكذا منقوض بما إذا عري عن البدل كما سنقرره وفي الفتح وفي الشرع أخذ المال بإزاء ملك النكاح والأولى قول بعضهم إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع لاتحاد جنسه مع المفهوم اللغوي والفرق بخصوص المتعلق والقيد الزائد وقول بعضهم إزالة ملك النكاح ببدل ولا بد من زيادة قولنا بلفظ الخلع فيه وببدل فيما يليه فالصحيح إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع فإن الطلاق على مال ليس هو الخلع بل في حكمه من وقوع البينونة لا مطلقا انتهى لكن يرد عليه ما إذا عري عن البدل كما إذا قال خالعتك ولم يسم شيئا فقبلت فإنه خلع مسقط للحقوق كما في الخلاصة والأولى ما في البحر وهو إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبولها بلفظ الخلع أو في معناه تأمل ولا بأس به أي بالخلع عند الحاجة بل هو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة عند ضرورة عدم قبول الصلح وفي شرح الطحاوي إذا وقع بينهما اختلاف فالسنة أن يجتمع أهل الرجل والمرأة ليصلحا بينهما فإن لم يصلحا جاز له الطلاق والخلع وفيه إشارة إلى أن عدم الخلع أولى وكره تحريما وقيل تنزيها له أي للزوج أخذ شيء من المهر وإن قل لقوله تعالى فلا تأخذوا منه شيئا إن نشز الزوج أي كرهها وباشر أنواع الأذى
و كره أخذ أكثر مما أعطاها من المهر إن نشزت المرأة فلا يكره أخذ ما قبضته منه هذا على رواية الأصل وعلى رواية الجامع لم يكره أن يأخذ أكثر مما أعطاها لكن اللائق بحال المسلم أن يأخذ ناقصا من المهر حتى لا يخلو الوطء عن المال والواقع به أي بالخلع وبالطلاق على مال بأن يقول
____________________
(2/102)
الزوج طلقتك أو أنت طالق على مال كذا أو تقول المرأة طلقني على كذا ويقول هو طلقتك عليه بائن إذا كان بعوض لا رجعي لأنه من جملة الكنايات فيشترط النية في ظاهر الرواية إلا أن المشايخ قالوا إنها لا تشترط هنا لأنه بحكم غلبة الاستعمال صار كالصريح ولو قال لم أرد به طلاقا لا يسمع قضاء لأن ذكر المال دليل على قصده ولو لم يذكره لا يصدق في لفظ الخلع والمبارأة ولا يصدق في لفظ الطلاق والبيع
وقال الشافعي إن الخلع رجعي وعنه في قول القديم وعن أحمد أنه فسخ بالنكاح ويلزم المال المسمى فيهما لأنه لم يرض بخروج البضع عن ملكه إلا به وما صلح أن يكون مهرا صلح أن يكون بدلا للخلع سواء كان معينا فيأخذه لا غير أو غير معين معلوم فيأخذه وسطا أو مجهولا فيرجع عليها بمهرها كما في القهستاني وهذا الأصل لا ينافي العكس حتى جاز ما لا يصلح مهرا كالأقل من العشرة وكذا ما في يدها وبطون غنمها أو جاريتها من الولد أو ضروع غنمها من اللبن أو نخيلها من الثمار لأن المراد منه بيان الجنس لا بيان القدر فلا يضر
وإن بطل العوض فيه أي في الخلع يقع بائنا لكونه كناية وفي الطلاق الصريح يقع رجعيا بلا شيء
____________________
(2/103)
أي لا شيء للزوج على المرأة فيهما كما إذا خالعها أو طلقها وهو مسلم على خمر أو خنزير أو ميتة أو غيرها مما لا قيمة له أصلا لأن ملك البضع غير متقوم حالة الخروج فلم يجب شيء بمقابلته بخلاف النكاح والكتابة بالخمر لأن ملك المولى متقوم وكذا البضع في حالة الدخول
وفي المنح خالعني على هذا الخل فإذا هو خمر فعليها أن ترد المهر المأخوذ إن لم يعلم الزوج بكونه خمرا لأنها قد سمت مالا متقوما فتصير غارة له وإن علم به فلا شيء
أو قالت خالعني على ما في يدي و الحال لا شيء في يدها لأن كلمة ما عامة
____________________
(2/104)
تشمل ماله قيمة وما ليس له قيمة فإذا كان كذلك لم يلزمها شيء لأنها لا تغره بذكره ما له قيمة والرجوع عليها إنما هو بحكم الغرور والمراد من اليد الحسية وكذا إذا قالت خالعني على ما في هذا البيت أو ما في بطون غنمي أو ما في شجري أو نخلي ولم يكن ثمة شيء في تلك الساعة لا يلزمها شيء فإن كان فيه شيء حال قولها فهو له كله
وإن قالت خالعني على ما في يدي من دراهم و الحال لا شيء في يدها لزمها ثلاثة دراهم وإن كان في يدها درهم تؤمر بإتمام ثلاثة دراهم وإن كان أكثر فله ذلك لا يقال يجب أن لا يكون له الثلاث لأن من للتبعيض كما قال في الجامع إن كان في يدي من الدراهم ثلاثة فعبده حر وفي يده أربعة دراهم كان حانثا لأن من قد تكون للتبعيض وقد تكون صلة كما في قوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان ففي كل موضع يصح الكلام بدونه كان للتبعيض كما في مسألة الجامع وفي كل موضع لا يصح بدونه كان صلة كما في مسألة الخلع فإنها لو قالت خالعني على ما في يدي دراهم كان الكلام مختلا فإن قيل ينبغي أن يجب درهم واحد بمنزلة ما إذا قال لا أشتري الصيد قيل إنما يحمل الكلام على الجنس إذا كان احتمال كل الجنس فيه متصورا ولا تصور هنا لاستحالة أن يكون في يدها وقيل الألف واللام هنا زائدة كما في المستصفى
وإن قالت خالعني على ما في يدي من مال أو على ما في بيتي من متاع والحال لا شيء فيهما لزمها رد مهرها إن كان مقبوضا أما لو لم يكن مقبوضا فلا شيء عليها وكذا لو كانت قد أبرأته منه كما في البحر والأصل في ذلك أنها متى أطعمته في مال متقوم فلم تسلم له لفقده وعدمه رجع عليها بالمهر لأنها غرته حيث أطعمته في مال والمغرور يرجع على الغار بالبدل فإذا فات الشروط المطمع فيه زال ملكه مجانا فيلزمها أداء المبدل وهو ملك البضع وقد
____________________
(2/105)
عجزت عن رده فيلزمها رد قيمته وهو المهر ولو خالعها بمالها من المهر ولم يبق لها عليه شيء من المهر لزمه رد المهر وإن علم الزوج أن لا مهر لها عليه ولا متاع لها في البيت لا يلزمها شيء كما في الاختيار
وإن خالعها على عبدها الآبق صفة العبد على أنها بريئة من ضمانه أي على أنه إن وجد العبد يسلم إليه وإن لم يوجد فلا شيء عليها لا تبرأ المرأة من ضمانه بخلاف البراءة من عيبه فإنها صحيحة ولزمها تسليمه أي العبد إن أمكن التسليم وإلا أي وإن لم يمكن تسليمه فقيمته لأن الخلع عقد معاوضة فيقضي سلامة العوض واشتراط البراءة عنه شرط فاسد فيبطل إلا أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة ولذا لو خالعها على أن يمسك الولد عنده صح الخلع وبطل الشرط كما في العمادية
ولو قالت طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة فله ثلث الألف فتجعل الألف ثلاثا كل ثلث بمقابلة واحدة هذا إذا لم يكن طلقها قبل ذلك ثنتين فإن كان طلقها واحدة لزمها الألف لأنها التزمتها بإزاء الحرمة الغليظة وقد حصلت كما لو طلقها ثلاثا دفعة أو متفرقة في مجلس واحد وبانت لوجوب المال وفي على ألف يقع رجعيا بلا شيء أي مجانا عند الإمام وعندهما والشافعي كلمة على كالباء في المعاوضات حتى أن قولهم احمل هذا الطعام بدرهم أو على درهم سواء له كلمة على للشرط والمشروط لا يوزع على أجزاء الشرط بخلاف الباء لأنها للعوض وإذا لم يجب المال
____________________
(2/106)
كان مبتدأ فوقع فيملك الرجعة
ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لا يقع شيء لأن الشرط لا ينقسم على المشروط والزوج لم يرض بالبينونة إلا بسلامة الألف بخلاف قولها له طلقني ثلاثا بألف لأنها لما رضيت بالبينونة بألف فلأن ترضى ببعضها كان أولى
ولو قال أنت طالق بألف أو على ألف فقبلت في المجلس بانت ولزمها المال للقبول وهذا مستدرك لأنه علم من قوله الواقع به وبالطلاق على مال بائن ولو ترك هاهنا وذكر لزوم المال والقبول ثمة لكان أخصر وأولى تأمل
وفي المنح ولو قال أنت طالق واحدة بألف فقالت قبلت نصف هذه التطليقة طلقت واحدة بالألف بلا خلاف ولو قالت قبلت نصفها بخمسمائة كان باطلا
ولو قال أنت طالق وعليك ألف أو قال لعبده أنت حر وعليك ألف طلقت المرأة في الأولى وعتق العبد في الثانية حال كونهما مجانا وإن وصلية لم يقبلا عند الإمام وعندهما والأئمة الثلاثة وزفر لا تطلق ولا يعتق ما لم يقبلا الألف وإذا قبلا لزم المال ووقع الطلاق والعتاق وعلى هذا الخلاف لو قالت طلقني ولك الألف أو قال العبد أعتقني ولك ألف ففعل
وفي البحر لو قالت طلقني ولك ألف فقال طلقتك على الألف التي سميتها إن قبلت يقع الطلاق ويجب المال وإن لم تقبل
____________________
(2/107)
لا يقع ولم يجب المال عنده وعندهما يجب ويقع ولو قالت طلقني واحدة بألف أو على ألف فطلقها ثلاثا ولم يذكر الألف طلقت ثلاثا مجانا عنده للمخالفة وعندهما طلقت ثلاثا وعليها الألف بإزاء الواحدة لأنه مجيب بالواحدة مبتدئ بالباقي وإن ذكر الألف لا يقع شيء عنده ما لم تقبل المرأة وإذا قبلت الكل وقع الثلاث بالألف وعندهما إن لم تقبل فهي طالق واحدة فقط وإن قبلت طلقت ثلاثا واحدة بألف وثنتان بغير شيء كما في الخانية
والخلع كالطلاق بمال معاوضة في حقها أي المرأة لأنها تبذل مالا لتسلم نفسها وفرع بقوله فيصح رجوعها عن إيجابها قبل قبوله أي الزوج بعدما أوجبت بأن قالت اختلعت نفسي منك بكذا أو اختلعني على كذا وكذا فرجعت عنه قبل قبوله بطل الإيجاب
و يصح شرط الخيار لها أي شرط الزوج الخيار للمرأة فلو قال خالعتك أو طلقتك على كذا على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت جاز وبطل الخيار إن ردت في الثلاث وطلقت إن لم ترد فيه ولزم البدل وهذا عند الإمام وعندهما والأئمة الثلاثة لا يصح الخيار فوقع الطلاق ولزم البدل
ويبطل الخلع بالقيام عن المجلس قبل قبوله عند الإمام كما هي أحكام المعاوضة ولا يصح إضافته وتعليقه بالشرط ويتوقف على حضور الزوج حتى لو غاب وبلغه وأجاز لم يجز
و الخلع يمين في حقه أي الزوج لأنه تعليق الطلاق بشرط قبولها المال فلا يرجع بعدما أوجب قبل قبولها كما لا يصح الرجوع عن اليمين ولا يصح شرط الخيار له أي لا يصح خياره لنفسه إجماعا كما لا يصح في اليمين ولا يبطل بالقيام عن المجلس قبل قبولها بل يصح إن قبلت كما لا يبطل اليمين ولا يتوقف على حضورها
____________________
(2/108)
بل يجوز إذا كانت غائبة ويصح منه التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت
وجانب العبد في العتق على مال كجانبها فيكون معاوضة من جانبه فتعتبر أحكامها ويمينا من جانب المولى فيعتبر أحكام اليمين حتى أنه إذا قال العبد للمولى اشتريت نفسي منك بكذا كان له الرجوع قبل قبول المولى فإذا قال المولى له بعت نفسك بكذا ليس له الرجوع وقس عليه شرط الخيار وغيره
ولو قال لها طلقتك أمس بألف فلم تقبلي فقالت بل قبلت فالقول له أي للزوج مع اليمين لأن الطلاق بمال يمين من جانبه وقبولها شرط الحنث فيتم اليمين بلا قبول فلا يكون الإقرار باليمين إقرارا بالحنث لصحتها بدونه بل هي ضده ولهذا ينتقض به فيكون القول في الحنث قوله لأنه منكر وجود الشرط
ولو قال البائع كذلك يعني من قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف أمس فلم تقبل فقال بل قبلت فالقول للمشتري لأن الإقرار بالبيع يكون إقرارا بالشراء لأنه لا يتم إلا به فإنكاره يكون رجوعا فيه فلا يسمع
وفي التنوير ولو ادعى الخلع على مال وهي تنكر يقع الطلاق والدعوى في المال بحالها وعكسه لا
والمبارأة بفتح الهمزة جعل كل منهما بريئا للآخر من الدعوى وترك الهمزة خطأ كما في المغرب كالخلع ويسقط كل منهما أي من الخلع والمبارأة كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح الصحيح فإن الخلع في الفاسد لا يسقط المهر وقيده به لأنهما لا يسقطان ما لا يتعلق بالنكاح من الديون ثم فرع فقال فلا تطالب هي بمهر ولا نفقة ماضية مفروضة بالقضاء
____________________
(2/109)
وأما نفقة الولد والعدة فلا تسقط إلا بالذكر والسكنى لا تسقط مطلقا إلا إن أبرأته عن مؤنة السكنى بأن كانت ساكنة في بيت نفسها أو تعطي الأجرة من مالها فيصح إلزامها ذلك وأما إذا شرطا البراءة من نفقة الولد وهي مؤنة الرضاع إن وقتا لذلك وقتا كسنة مثلا صح ولزم وإلا لا
وفي البحر إن كان الولد رضيعا صح وإن لم يبين المدة ترضعه حولين بخلاف الفطيم كما في الفتح
وفي البحر ولو خالعته على نفقة ولده شهرا وهي معسرة فطالبته بالنفقة يجبر عليها وعليه الاعتماد لا على ما أفتى به بعضهم من سقوط النفقة ولو اختلعت على أن تمسكه إلى وقت البلوغ صح في الأنثى لا الغلام ولا يطالب هو بنفقة عجلها ولم تمض مدتها
____________________
(2/110)
أي مدة النفقة المعجلة ولا بمهر سلمه إليها وخلع قبل الدخول لأن جميعها مما يتعلق بالنكاح فإنهما يسقطانها جميعا عند الإمام وعند محمد والأئمة الثلاثة لا يسقط إلا ما سمياه فيهما أي الخلع والمبارأة وأبو يوسف مع الإمام في المبارأة ومع محمد في الخلع وهذه المسألة على وجوه فليطالب من المطولات
ولو خلع الأب صغيرته من زوجها بمالها أو على مهرها لا يلزم المال ولا يسقط مهرها وطلقت في الأصح كما لو خلعت المرأة بمالها أو مهرها وهي غير رشيدة فإنه لا يلزمها المال ويقع الطلاق والمراد بالطلاق البائن إذ الفرقة إذا كانت بلفظ الخلع فبائن وبالطلاق رجعي وهذه العبارة أولى من عبارة الكنز وهو لم يجز عليها لأن الجواز في كلامه يحتاج إلى حمله على عدم لزوم المال لأن الصحيح وقوع الطلاق وفيه إشعار بأن الطلاق لا يتوقف على إجازتها وقيل يتوقف والأول الصحيح وقيد بالأنثى لأنه لو خلع ابنه الصغير لا يصح ولا يتوقف خلع الصغير على إجازة الولي وفي الكبيرة يتوقف الخلع على قبولها لأنه لا ولاية له عليها فصار كالفضولي
ولو خلع الأب على أنه ضامن لبدل الخلع صح و لزمه
____________________
(2/111)
أي الأب المال وطلقت لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح فعلى الأب أولى
ولو شرط الزوج المال عليها أي الصغيرة طلقت بلا شيء إن قبلت الصغيرة وهي من أهل القبول بأن كانت تعقل أن النكاح جالب والخلع سالب أما وقوع الطلاق فلوجود الشرط وأما عدم لزومها المال فلأنها ليست من أهل الغرامة وإلا أي وإن لم تقبل أو لم تكن من أهل القبول أو كان المخالع أجنبيا ولم يضمن فلا تطلق اتفاقا كما في البحر ولو قال خالعتك بدون ذكر شيء فقبلت طلقت وبرئ عن المهر المؤجل لو كان عليه وإن لم يكن ردت المرأة على الزوج ما ساق إليها من المعجل كما في أكثر الكتب
و لو خلع المريضة مرض الموت يعتبر من الثلث لكونه تبرعا لأن البضع متقوم حال الخروج
____________________
(2/112)
فارغة
____________________
(2/113)
باب الظهار وهو في اللغة مصدر ظاهر الرجل أي قال لزوجته أنت علي كظهر أمي أي أنت علي حرام كبطن أمي فكنى عن البطن بالظهر الذي هو عمود البطن لئلا يذكر ما يقارب الفرج ثم قيل ظاهر من امرأته فعدي بمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الجاهلية عن المرأة المظاهر منها إذ الظهار طلاق عندهم كما في القهستاني
وشرعا هو تشبيه مسلم عاقل بالغ ولم يصرح لشهرته فلا يصح ظهار الذمي والمجنون والصبي وهذا شرطه زوجته وفي إطلاقه إشارة إلى أن المدخولة
____________________
(2/114)
وغيرها والكبيرة والصغيرة والرتقاء وغيرها والعاقلة والمجنونة والمسلمة والكتابية سواء أو تشبيه عضو منها يعبر به عن جملتها مثل الرقبة والعنق والروح والبدن والجسد والوجه وغيرها أو تشبيه جزء شائع منها كنصفها وثلثها بعضو يحرم عليه أي على المظاهر النظر إليه من أعضاء محارمه أي يحرم نكاحه أبدا فلو شبهها بأخت امرأته لا يكون مظاهرا لأن حرمتها موقتة بكون امرأته في عصمته
ولو رضاعا أو صهرية وإنما ترك قوله تأبيدا لأن الحرمة بأحد هذه الوجوه لا تكون إلا مؤبدة ومن لم يعرف فقال ما قال تدبر فالتشبيه مخرج لنحو أنت أمي أو أختي أو بنتي فإنه ليس بظهار كما في المبسوط فلو قال إن فعلت كذا فأنت أمي وفعله فهو
____________________
(2/115)
باطل وإن نوى التحريم وإضافته مخرجة لما قالت لزوجها أنت علي كظهر أمي فإنه لغو في الصحيح
وفي الجوهرة هذا قول محمد وعليه الفتوى وعن أبي يوسف أنه ظهار
وقال الحسن إنه يمين فيلزمها كفارة يمين ورجحه ابن الشحنة والمحرم مخرج لما إذا شبه بمزنية الأب أو الابن فإن حرمتها لا تكون مؤبدة ولذا لو حكم بجواز نكاحها نفذ وهذا عند محمد خلافا لأبي يوسف كما في القهستاني
وفي البحر لو قال إذا تزوجتك فأنت طالق ثم قال إذا تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فتزوجها يقع الطلاق ولا يلزم الظهار في قول الإمام وفي قولهما لزمه جميعا ولو قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مائة مرة فعليه لكل مرة كفارة فعلم من هذا أن إضافة الظهار إلى ملك أو سببه صحيحة فلو قال لها أنت علي كظهر أمي نظير تشبيه زوجته أو رأسك ونحوه نظير تشبيه عضو منها يعبر به عن الجملة أو نصفك وشبهه نظير تشبيه الجزء الشائع أو كبطنها عطف على قوله كظهر أمي نظير تشبيه للعضو والمشبه به الذي يحرم عليه النظر إليه من محارمه أو فخذها أو كظهر أختي أو عمتي ونحوهما من محارمه على التأبيد حرم جواب لو عليه أي الزوج وطؤها ودواعيه كالتقبيل والمس بشهوة
وفي الظهيرية إن النظر إلى ظهرها وبطنها لم يحرم وفيه خلاف الشافعي في القول الجديد وأحمد في رواية حتى يكفر وهذا حكمه
____________________
(2/116)
أما حرمة الوطء فبالكتاب والسنة وأما حرمة الدواعي فلدخولها تحت النص المفيد لحرمة الوطء وهو قوله تعالى من قبل أن يتماسا لأنه لا موجب فيه للحمل على المجاز وهو الوطء لإمكان الحقيقة ويحرم الجماع لأنه من أفراد التماس فيحرم الكل بالنص كما في الفتح لكن في البحر كلام فليطالع
فلو وطئ المظاهر قبل التكفير فليس عليه أي المظاهر غير الاستغفار للوطء الحرام والكفارة الأولى أي غير الكفارة الواجبة بالظهار على الترتيب المنصوص بالإجماع إلا سعيد بن جبير فإنه قال تجب عليه كفارتان
وقال النخعي ثلاث كفارات ولا يعود إلى وطئها ثانيا حتى يكفر والعود أي عود المظاهر المذكور في قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا الموجب للكفارة هو عزمه على وطئها وقد اختلفت أصحابنا في سبب وجوب الكفارة
وفي البحر فالعامة مجموع الظهار والعود
وفصل كل التفصيل فليراجع
وفي الإصلاح العود شرط لوجوب الكفارة في الظهار إجماعا غير أن العود عندنا عزمه على وطء المظاهر منها وعند الشافعي سكوته عن طلاقها في زمان يمكنه أن يطلقها وعند مالك الوطء نفسه واللام في قوله تعالى لما قالوا بمعنى إلى وقيل بمعنى في
وقال الفراء بمعنى عن أي يرجعون عما قالوا يريدون الوطء والعود الرجوع حتى لو أبانها ولم يعزم على وطئها لم يجب عليه وكذا لو مات أحدهما وينبغي لها أي يجب لها
____________________
(2/117)
أن تمنع نفسها منه إلى أن يكفر وتطالبه بالكفارة ويجبره القاضي عليها بالحبس ثم بالضرب إن أبى دفعا للضرر عنها والقول قوله فيه ما لم يكن معروفا بالكذب وفيه إشعار بأن النكاح باق وإن هذه الحرمة لا تزول إلا بالتكفير ولهذا لو طلقها ثم تزوجها بعد العدة أو بعد زوج آخر حرم وطؤها قبل التكفير كما في النهاية واللفظ المذكور وهو قوله أنت علي كظهر أمي وما يماثله لا يحتمل غير الظهار سواء نواه أو نوى طلاقا أو إيلاء أو لم ينو شيئا لأنه صريح فيه فلا يكون طلاقا ولا إيلاء
ولو قال أنت علي مثل أمي أو كأمي فإن نوى الكرامة صدق أو نوى الظهار فظهار أو نوى الطلاق فبائن لأن اللفظ يحتمل كلا منها فما ترجح بالنية تعين
وإن لم ينو شيئا فليس بشيء عند الشيخين لتعارض المعاني وعدم المرجح وعند محمد هو ظهار وعن أبي يوسف مثله إذا كان في حال الغضب
وعنه أن يكون إيلاء ولو قال أنت علي حرام كأمي ونوى ظهارا أو طلاقا فكما نوى لأن اللفظ يحتملهما وإن لم ينو فعلى قول أبي يوسف إيلاء أيضا وعلى قول محمد ظهار وروي أيضا عن الإمام وهو الصحيح
ولو قال أنت علي حرام كظهر أمي ونوى طلاقا أو إيلاء فهو ظهار عند الإمام وعندهما والشافعي في قول يقع ما نوى إلا أن عند محمد إذا نوى الطلاق لا يكون ظهارا وعند أبي يوسف يكونان معا الظهار بلفظه
____________________
(2/118)
والطلاق بنيته وقيد بقوله ونوى لأنه إن لم ينو شيئا أو نوى ظهارا فهو ظهار اتفاقا ولا ظهار إلا من الزوجة ابتداء سواء كانت حرة أو أمة أو كتابية قيدنا بالابتداء لأنه في البقاء لا يحتاج إلى كونها زوجة فلو ظاهر من زوجته الأمة ثم ملكها بقي الظهار فلا ظهار من أمته وإنما شرح هذه المسألة مع أنها علمت ضمنا في قوله هو تشبيه زوجته ردا لقول مالك لأنه قال يصح الظهار على الأمة أيضا ولا ظهار ممن نكحها بلا أمرها فظاهر منها فأجازت النكاح بعده لأنها أجنبية وقت الظهار
ولو قال لنسائه أنتن علي أو مني أو عندي أو معي كظهر أمي كان مظاهرا منهن جميعا وعليه لكل واحدة منهن كفارة لأنها للحرمة فتعدد بتعددها خلافا لمالك
وإن ظاهر من واحدة مرارا في مجلس أو في مجالس فعليه لكل ظهار كفارة وإن لم يتكرر العزم إلا إذا عنى بما بعد الأولى تأكيدا فيصدق قضاء
وفي السراج هذا إذا قال في مجلس لا في مجالس لكن المعتمد الإطلاق كما في البحر وهي أي الكفارة عتق رقبة أي إعتاقها كما في المغرب والرقبة ذات مرقوق والمتبادر أن يكون
____________________
(2/119)
الإعتاق مقرونا بالنية فلو نوى بعد العتق أو لم ينو لم يجز والنكرة في الإثبات قد تعم على أنه في معنى نكرة موصوفة فالمعنى إعتاق كل مملوك كما في القهستاني فلهذا قال يجوز فيها المسلم والكافر وعند الثلاثة خلاف في الكافر والذكر والأنثى والصغير والكبير لإطلاق النص والأعور أي من ذهب إحدى عينيه والأصم الذي إذا صيح يسمع والقياس أن لا يجوز وهو رواية النوادر ومقطوع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف لأنه ما فات من الأعور والأصم المذكور والمقطوع المذكور جنس المنفعة بل اختلت
و يجوز مكاتب لم يؤد شيئا من بدل الكتابة لقيام الرق من كل وجه وكذا العاجز بعدما أدى شيئا خلافا لزفر والشافعي فيهما وكذا يجوز الخصي والعنين والمجبوب خلافا لزفر ومقطوع الأذنين والمذاكير والرتقاء والقرناء والبرصاء والرمداء والخنثى وذاهب الحاجبين وشعر اللحية والرأس ومقطوع الأنف والشفتين إذا كان يقدر على الأكل كما في البحر ولا يجوز الأعمى والأصم الذي لا يسمع أصلا والأخرس ومقطوع اليدين أو إبهاميهما وتخصيص الإبهامين إشارة إلى أنه إذا كان غيرهما يجوز
وفي الاختيار وثلاثة أصابع من اليد لها حكم الكل فعلم من هذا أن الجواز إذا كان أقل أو الرجلين أو يد ورجل من جانب واحد لفوات منفعة السمع والبطش وقوته والمشي فيصير هالكا حكما و لا يجوز مجنون مطبق وكذا المعتوه المغلوب قيده بمطبق لأنه إذا كان يجن ويفيق فإنه يجزئ عتقه في حال إفاقته ومدبر خلافا للشافعي وأم ولد ومكاتب أدى بعضها وإنما صرح مع أنه علم
____________________
(2/120)
ضمنا في قوله ومكاتب لم يؤد شيئا ردا لرواية الحسن عن الإمام فإنه يجوز ومعتق بعضه لأنه ليس برقبة كاملة ولو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بالشراء وهو ذو رحم محرم بنيتها أي الكفارة صحح العتق عنها خلافا للأئمة الثلاثة وزفر وفيه إشارة إلى أنه لو دخل في ملكه بلا صنعه كالميراث ونوى به الكفارة لا يجوز اتفاقا كما في شرح المجمع
وكذا صح لو حرر نصف عبده عنها أي الكفارة ثم باقيه قبل وطء من ظاهر منها استحسانا عند الإمام لأنه أعتقه بكلامين والنقصان متمكن على ملكه بسبب عتاق بجهة الكفارة وذلك لا يمنع الجواز بخلاف المسألة التي بعد هذه لأن النقصان هناك تمكن على ملك الشريك خلافا لهما وقيد النصف اتفاقي إذ الخلاف في بعضه مطلقا ولو حرر موسر نصف عبد مشترك قبل الوطء وضمن باقيه لا يجوز عند الإمام لأن الإعتاق منجز عنده خلافا لهما لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما فبإعتاق الموسر نصيبه عتق كله فلزمه ضمان نصيب شريكه وكان معتقا كل العبد عن الكفارة بلا عوض بخلاف ما لو كان معسرا لأن السعاية تكون واجبة على العبد في نصيب شريكه وكان إعتاقا بعوض فلم يجز وذا بلا خلاف
وكذا أي
____________________
(2/121)
على هذا الخلاف لو حرر نصف عبده ثم جامع المظاهر منها ثم حرر باقيه فإنه لا يجوز عنده لأن عتق باقي العبد وقع بعد المسيس والمأمور به هو العتق قبل المسيس فالعتق يتجزأ عنده خلافا لهما والأئمة الثلاثة وما ذكر من التحرير إذا وجد فإن لم يجد أي إن لم يستطع المظاهر ما يعتق عن الكفارة صام
وفي الخزانة لا يصوم من له خادم بخلاف المسكين
وفي الجوهرة إلا أن يكون زمنا فيجوز شهرين متتابعين بلا إفطار يوم بلا جماع في خلالهما لقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فلو صام شهرين فقدر على الإعتاق في اليوم الأخير قبل الغروب وجب عليه الإعتاق وصار صومه تطوعا وكذا لو قدر على الصوم في آخر الإطعام لزمه الصوم وانقلب الإطعام نفلا ثم إن صام شهرين بالأهلة أجزأه ولو كانا ناقصين وإلا فلا يجزيه إلا ستون يوما كما في المحيط أو لو صام تسعة وعشرين يوما بالهلال وثلاثين بالأيام جاز ليس فيهما شهر رمضان لأن تتابع الشهرين لم يوجد وصوم آخر غير مشروع فيه لتعينه إلا إذا كان مسافرا فصام شعبان ورمضان بنية الكفارة أجزأه عند الإمام خلافا لهما كما في الغاية ولا شيء من الأيام المنهية مجاز
____________________
(2/122)
حكمي أي المنهي الصوم فيها وليس من قبيل الحذف والإيصال في شيء لأنه سماعي وهي يوما العيد وأيام التشريق لأن الصوم حرام فيها فكان ناقصا فلا يتأدى به الواجب فإن وطئها أي وطئ المظاهر التي ظاهر منها لأنه إذا جامع غيرها فإن كان يفسد الصوم كالجماع بالنهار عامدا قطع التتابع فيلزمه الاستئناف بالاتفاق وإن لم يفسده بأن وطئها بالنهار ناسيا وبالليل كيف ما كان لم يقطع التتابع فلا يلزمه الاستئناف بالاتفاق فيهما ليلا عمدا هكذا في أكثر المعتبرات وذكر في العناية وغيرها إن قيد عمدا اتفاقي لا احترازي لأن العمد والنسيان في الوطء بالليل سواء ولا خلاف فيه
وفي القهستاني خلاف لكن الحق ما في العناية وغيرها تتبع أو نهارا أراد النهار الشرعي فيدخل فيه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ناسيا استأنف الصوم لا الإطعام خلافا لأبي يوسف أي قال الشرط عدم فساد الصوم فلو وطئها ليلا أو نهارا ناسيا لا يستأنف والصحيح قولهما لأن المأمور به صيام شهرين متتابعين لا مسيس فيهما كما بينا قيده بقوله ناسيا لأنه إذا جامعها في النهار عامدا يستأنف بالاتفاق
وإن أفطر المظاهر يوما بعذر كسفر أو مرض أو بغير عذر استأنف إجماعا لانقطاع التتابع بالفطر وهو عذر يمكن الاحتراز عنه بخلاف ما لو أفطرت المرأة للحيض في كفارة القتل أو الفطر في رمضان حيث لا تستأنف وتصل قضاءها بعد الحيض بخلاف ما لو نفست
فإن لم يستطع المظاهر الصوم لمرض لا يرجى زواله أو كبر أطعم هو أي المظاهر أو نائبه بأن
____________________
(2/123)
أمر غيره أن يطعم عنه عن ظهاره من ماله ففعل أجزأه وإنما فسرنا بالأمر إذ بغيره لم يجزيه ستين مسكينا وقيد المسكين اتفاقي لجواز صرفه إلى غيره من مصارف الزكاة لكن لا بد أن يكون كل منهم جائعا وبالغا أو مراهقا كل مسكين كالفطرة أي من بر أو زبيب نصف صاع ومن تمر وشعير صاع أو أطعم قيمة ذلك أي أعطى كلا قدر قيمة الفطرة مطعما فلا إشكال في عطفه كما قيل وعن الشافعي لا يجوز دفع القيمة وأفاد بعطف القيمة أنه لا بد أن يكون من غير المنصوص عليه ولو دفع منصوصا عن منصوص آخر بطريق القيمة لم يجز إلا أن يبلغ المدفوع الكمية المقدرة شرعا فلو دفع نصف صاع تمر تبلغ قيمته نصف صاع بر لا يجوز كما في المنح ويصح إعطاء من بر الأفصح منا بر مع منوي شعير أو تمر لحصول الإطعام فكان تكميلا بالأجزاء لا بالقيمة وفيه روايتان
وفي الأصل أنه لا يجوز كما في القهستاني
وتصح الإباحة في الكفارات ككفارة الظهار والإفطار واليمين وجزاء الصيد والفدية حتى لو عشاهم وغداهم جاز لوجود الإباحة
وقال الشافعي لا تجوز الإباحة في الكفارات والفدية إلا التمليك دون الصدقات كالزكاة وصدقة الفطر والعشر ففيهما التمليك شرط والضابط أن ما شرع بلفظ الإطعام والطعام يجوز فيه التمليك والإباحة وما شرع بلفظ الإيتاء أو الأداء يشترط فيه التمليك فلو غداهم وعشاهم أي أعطى الستين الغداء وهو الطعام قبل نصف النهار والعشاء وهو الطعام بعد نصف النهار أي طعام الغداء والعشاء وفي كلمة الواو إشارة إلى أنه لا يجوز الغداء بدون العشاء ولا بالعكس
____________________
(2/124)
فالمعتبر كلاهما أو غداهم غداءين أو عشاهم عشاءين وأشبعهم جاز لأن المعتبر دفع حاجة الفقير مرتين
وفي التبيين ويشترط فيه اتحاد الفقراء فيهما إذ لو غدى ستين وعشى ستين آخرين لم يجز إلا أن يعيد على أحد الستينين منهم غداء أو عشاء وكذا يشترط اتحادهم في الغداءين أو العشاءين كما في الفتح ولو غداهم يوما وعشاهم يوما جاز
وإن قل ما أكلوا يعني أن المعتبر هو الشبع لا المقدار ولا بد من الإدام في خبز الشعير والذرة ليمكنه الاستيفاء إلى الشبع دون الحنطة ولو أطعم فقيرا واحدا ستين يوما أجزأه لأن المعتبر دفع حاجة المسكين وأنها تتجدد بتجدد اليوم
وإن أعطاه طعام الشهرين في يوم واحد لا يجزئ إلا عن يوم واحد لاندفاع الحاجة بالمرة الأولى وهذا لا خلاف فيه في الإباحة فأما التمليك في يوم واحد في دفعات قيل لا يجزيه وقيل يجزيه لأن الحاجة إلى التمليك تتجدد في اليوم مرات بخلاف ما إذا دفع الكل إليه مرة واحدة لأن التفريق واجب بالنص فإن جامعها في خلال الإطعام لا يستأنف لإطلاق نص الإطعام إلا أنا أوجبنا قبل المسيس لاحتمال القدرة على الإعتاق أو الصوم فتقعان بعده والمنع لمعنى لا ينافي المشروعية
ولو أطعم ستين فقيرا لكل فقير صاعا من بر عن ظهارين لا يصح إلا عن واحد عند الشيخين
وقال محمد يجزيه عنهما وكذا في كفارة اليمين ولو أطعم عن ظهار وإفطار صح عنهما اتفاقا لاختلاف الجنس
وكذا لو حرر عبدين عن ظهارين أو صام عنهما أربعة أشهر أو أطعم مائة وعشرين فقيرا صح عنهما أي
____________________
(2/125)
الظهارين
وإن وصلية لم يعين بأن نوى الأول للأول لأن الجنس متحد فلا حاجة إلى التعيين
وقال الشافعي ومالك لا يصح بلا تعيين
وإن حرر عنهما أي عن الظهارين رقبة واحدة أو صام شهرين أو أطعم ستين مسكينا ثم عين عن أحدهما صح عما عين والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي ومالك
ولو عن ظهار وقتل لا يصح عن واحد منهما
____________________
(2/126)
بالإجماع وإن كانت كافرة تعين للظهار استحسانا
وقال زفر لا يجزيه كالأول في كفارتي ظهار وقتل
وقال الشافعي له أن يجعل عن إحداهما في الفصلين
ولو ظاهر العبد لا يجزيه إلا الصوم وإن وصلية أعتق عنه سيده أو أطعم لأنه ليس من أهل الملك فلا يصير مالكا بتمليكه والكفارة عبادة ففعل الآخر لا يكون فعله
باب اللعان هو مصدر لاعن يلاعن ملاعنة ولعانا ولاعن امرأته ملاعنة ولعانا ولعنه طرده وأبعده وهو لعين وملعون سمي به لما في الخامسة من لعن الرجل نفسه وهي من تسمية الكل باسم البعض كالتشهد كما في التبيين
وفي النهر ولم يسم بالغضب وإن كان موجودا فيه لما في
____________________
(2/127)
جانبها لأن لعنه أسبق والسبق من أسباب الترجيح أو سمي به تغليبا أو لأن الغضب قائم مقام اللعن وسببه قذف الرجل زوجته قذفا يوجب الحد في الأجنبية وركنه شهادات مؤكدات باللعن واليمين وأهله أهل الشهادة وشرطه قيام النكاح وحكمه حرمة الوطء بعده ولو قبل التفريق بينهما هو أي اللعان في الشرع شهادات يأتي صفتها والكلام عليها مؤكدة بالأيمان كل واحد بيمين وعند الثلاثة أيمان مؤكدات بالشهادات فمن كان أهلا لليمين كان أهلا للعان فيلاعن الذمي والعبد والمحدود في قذف لكونهم من أهل اليمين مقرونة تلك الشهادات باللعن قائمة مقام حد القذف في حق الزوج بالنسبة إلى كل زوجة على حدة لا مطلقا ألا يرى أنه لو قذف بكلمة أو كلمات أربع زوجات له بالزنا لا يجزئه لعان واحد لهن بل لا بد من أن يلاعن كلا منهن على حدة بخلاف الحد ومقام حد الزنا في حقها بمعنى أنهما إذا تلاعنا سقط عنهما حد القذف وحد الزنا والدليل على أنه حد القذف في حقه فعل النبي عليه الصلاة والسلام كما هو معروف في قصة هلال بن أمية والأصل فيه قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم الآية وتمامه في المطولات فلو قذف زوجته بنكاح صحيح سواء دخل بها أو لا فلا لعان بقذف الأجنبية لكن يحد وكذا المبانة والميتة وبعد العدة من الرجعي وكذا إذا تزوجها بعد هذا الطلاق لأن الساقط لا يعود وهذا حيلة اللعان كما لا يخفى وإنما قيدنا بعد العدة من الرجعي لأن في العدة لم يسقط اللعان بالزنا الصريح بأن قال أنت زانية أو زنيت لا بكناية ولا بغيره وكل منهما أهل للشهادة أي لأدائها على المسلم لا للتحمل فلا لعان بين كافرين وإن قبلت شهادة بعضهم بعضا عندنا لأنه لا بد معها من أهلية اليمين والكافر ليس من أهل اليمين ولا بين كافرة ومسلم ولا بين مملوكين ولا إذا كان
____________________
(2/128)
أحدهما مملوكا أو صبيا أو مجنونا أو محدودا في قذف وأورد أنه يجري بين الأعميين والفاسقين مع أنهما لا تقبل شهادتهما ودفع بأنهما من أهلها إلا أنها لا تقبل للفسق ولعدم تمييز الأعمى بين المشهود له وعليه وهاهنا يقدر على أن يفصل بين نفسه وامرأته كما في أكثر الكتب وبهذا ظهر فساد ما قبل يبطل هذا بلعان الأعمى فإنه ليس من أهل الأداء تأمل وروي عن الإمام أن الأعمى لا يلاعن وهي ممن يحد قاذفها فإن كانت لا يحد قاذفها بأن تزوجت بنكاح فاسد أو كان لها ولد وليس له أب معروف ووجوده معها ليس بشرط أو زنت في عمرها ولو مرة أو وطئت وطئا حراما بشبهة ولو مرة لا يجري اللعان
وفي البحر لو قذفها فتزوجت غيره فادعى الأول الولد لزمه وحد للقذف وإن ولدت من الثاني لا شيء عليه إن كان قبل إكذاب الأول وإن بعد الإكذاب لاعن وإنما اكتفى بذكر الشرط المذكور في حقها مع أنه مشروط في حقه أيضا لأن المرأة هي المقذوفة دونه فاختصت باشتراط كونها ممن يحد قاذفها بعد اشتراط أهلية الشهادة بخلافه لأنه ليس بمقذوف بل هو شاهد فاشترطت أهلية الشهادة دون كونه ممن يحد قاذفه كما في الفتح ثم الإحصان يعتبر عند القذف حتى لو قذفها وهي أمة أو كافرة ثم أعتقت أو أسلمت لا يجب
____________________
(2/129)
الحد واللعان وكذا بردتها ولا يعود لو أسلمت بعده ويسقط بموت شاهد القذف وغيبته لا لو عمي الشاهد أو فسق أو ارتد
وفي التنوير لو قال زنيت وأنت صبية أو مجنونة وهو أي الجنون معهود فلا لعان بخلاف ما لو قال زنيت وأنت ذمية أو أمة أو منذ أربعين سنة وعمرها أقل أو نفى عطف على قذف أو بالزنا أي بعد الزواج منه بأن يقول ليس مني نسب ولدها هو أعم من كونه ولده منها أو ولدها من غيره ولا فرق بين ما صرح معه بالزنا أو لم يصرح على مختار أكثر المعتبرات خلافا لما في المحيط وطالبته أي الزوجة بموجبه أي القذف وهو الحد فإنه حقها فلا بد من طلبها كسائر حقوقها ولأنه من شرط اللعان وإذا لم تكن عفيفة ليس لها المطالبة لفوات شرطه وفيه إشارة إلى أنها لو لم تطلب حقها لم يبطل وإن طالت المدة لكن لو سكتت ولم ترفع إلى الحاكم لكان أفضل وينبغي للحاكم أن يقول لها اتركي وأعرضي عن هذا وجب عليه اللعان إن اعترف بالقذف أو أقامت عدلين مع إنكاره وإن أقامت رجلا وامرأتين لا تقبل وإن لم تجد لا تحلف اتفاقا فإن أبى أي امتنع زوج عن اللعان حبس أي حبسه الحاكم حتى يلاعن أو يكذب نفسه
وفي الإصلاح هاهنا غاية أخرى ينتهي الحبس عندها وهي أن تبين منه بطلاق أو غيره فيحد ولا يجوز العفو والإبراء ولا الصلح
فإن لاعن الزوج وجب اللعان عليها بالنص فإن أبت المرأة عن اللعان حبست عندنا حتى تلاعن أو تصدقه ولم يقل فتحد كما في بعض نسخ القدوري لكونه غلطا لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة فكيف يجب بالتصديق وفي التبيين وغيره ولو صدقته في نفي الولد فلا حد ولا لعان وهو ولدهما لأن النسب إنما ينقطع حكما باللعان ولم يوجد وهو حق الولد فلا يصدقان في إبطاله وبهذا ظهر فساد ما قيل فينفي نسب ولدها عنه لكن لا
____________________
(2/130)
يجب عليها الحد بهذا التصديق تأمل
فإن لم يكن الزوج من أهل الشهادة بأن كان عبدا أو كافرا صورته أن يكونا كافرين وأسلمت المرأة فقذفها زوجها قبل أن يعرض عليه الإسلام أو محدودا في قذف كما حققناه آنفا وهي أي المرأة من أهلها أي الشهادة حد لأنه ليس من أهل اللعان لعدم أهليته للشهادة وإن كان الزوج أهلا وهي أي المرأة صغيرة أو أمة أو مجنونة أو محدودة في قذف أو كافرة أو ممن لا يحد قاذفها كما بيناه آنفا ولو اكتفى فقال وهي ممن لا يحد قاذفها لكان أخصر وأولى لأن الإمائية وغيرها أسباب لكونها ممن لا يحد قاذفها تأمل
فلا حد عليه ولا لعان أما عدم الحد فلامتناع اللعان من جهتها على ما صرح في الهداية وذلك أن موجب القذف في حق الزوج عندنا باللعان وإنما يصار إلى الحد عند تعذر اللعان من جهتها وأما عدم اللعان فلعدم أهليتها للشهادة وعدم عفتها ولكنه يعزر لإلحاقه الشين بها وصفته أي اللعان ما نطق به النص القرآني والمراد بالصفة الركن لأن صفته على ما سيأتي لم ينطق به النص القرآني وإنما ورد في السنة أن يبتدئ القاضي بالزوج بعد أن أوقفه مع المرأة متقابلين لأنه هو المدعي أولا لأن النبي عليه السلام بدأ به فيه فلو أخطأ القاضي فبدأ بالمرأة ينبغي أن يعيده ولو فرق قبل الإعادة جاز وقد أخطأ السنة
وفي الفتح وهو الوجه فيقول الزوج بأمر القاضي بعدما ضمهما بين يديه قائما أربع مرات لأنه شاهد لنفسه وشهود الزنا أربعة أشهد أي مقسما أو أقسم بالله الذي لا إله إلا هو كما في القهستاني إني أي بأني
____________________
(2/131)
صادق فيما رميتها به من الزنا ثم يقول القاضي اتق الله فإنها موجبة يعني لعنة وفرقة وعقوبة فإن لم يسمع كلامه يتم الأمر كما في القهستاني
و يقول في المرة الخامسة إن لعنة الله بتاء الموحدة عليه وإنما آثر الغيبة على التكلم لأنه لا يخلو عن شناعة كما لا يخفى إن كان كاذبا فيما رميتها به هكذا في الهداية وغيرها وهو ظاهر الرواية وروى الحسن عن الإمام بالخطاب فيهما نظرا إلى أنه أقطع للاحتمال ووجه الظاهر إن كل واحد منهما يشير إلى صاحبه والإشارة أبلغ أسباب التعريف من الزنا يشير إليها أي المرأة في جميع ذلك ثم يقعد الرجل و تقول هي أي المرأة قائمة أربع مرات أشهد بالله أنه كاذب فيما رماني به من الزنا ثم يقول القاضي كما مر و تقول في المرة الخامسة إن غضب الله عليها إن كان صادقا فيما رماني به من الزنا تشير إليه أي الزوج في جميع ذلك وإنما خص الغضب في جانبها لأنها تتجاسر باللعن على نفسها كاذبة لأن النساء تستعملن اللعن كثيرا كما في الحديث فاختير الغضب لتتقي ولا تقدم عليه فإن كان القذف بنفي الولد ذكراه أي الزوج والمرأة نفي الولد عوض ذكر الزنا يعني يقول الزوج أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتك به من نفي الولد وتقول المرأة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من نفي الولد
وإن كان القذف بالزنا ونفي الولد جميعا ذكراهما أي ذكر الزوج والمرأة الزنا ونفي الولد جميعا وإذا تلاعنا فرق الحاكم بينهما فلا تفريق بمجرد اللعان حتى لو لم يفرق
____________________
(2/132)
حتى عزل أو مات فالحاكم الثاني يستقبل عندهما خلافا لمحمد فيجوز الظهار والإيلاء ويجري التوارث بينهما وفيه إشارة إلى أن التفريق قبل أكثر اللعان غير موجب للفرقة وإلى أن القاضي لو فرق بينهما بعد وجود أكثر اللعان من كل واحد منهما وقعت الفرقة وإلى أن القاضي يفرق بينهما ولو لم يرضيا
وقال زفر يقع بتلاعنهما ولا حاجة إلى تفريق الحاكم وقال الشافعي يقع بلعان الرجل قبل لعان المرأة
وهو أي التفريق طلقة بائنة على الصحيح فيجب العدة مع النفقة والسكنى هذا عند الطرفين وأما عنده فيحرم حرمة مؤبدة كالرضاع وهو قول زفر والحسن
وفي شرح الأقطع وقول الشافعي مثله وقد جمع بعض الفضلاء فرق الطلاق والفسخ وما يحتاج منها إلى القضاء في قوله في خيار البلوغ والإعتاق فرقة حكما بغير طلاق فقد كفؤ كذا ونقصان مهر ونكاح فساده باتفاق ملك أحد الزوجين أو بعض زوج وارتداد على الإطلاق ثم جب وعنة ولعان وإباء الزوج فرقة بطلاق وقضاء القاضي في الكل شرط غير ملك وردة وعتاق وينفي الحاكم نسب الولد عن الزوج إن كان القذف به أي بنفي الولد ويلحقه بأمه أي يثبت نفي الولد ضمنا للقضاء بالتفريق وعن أبي يوسف يفرق القاضي ويقول قد ألزمته أمه وأخرجته من نسب الأب ولو لم يقل ذلك لا ينتفي النسب عنه لأنه ليس من ضرورة التفريق باللعان نفي النسب كما بعد موت الولد فإنه يفرق باللعان ولا ينتفي نسبه عنه
وفي شرح الطحاوي ثم ولد الملاعنة بعدما قطع نسبه فجميع أحكام نسبه باق سوى الميراث والنفقة
فإن أكذب نفسه بعد ذلك أي اللعان حد حد القذف لإقراره بوجوب الحد كما
____________________
(2/133)
سيأتي في حد القذف فإن أكذب قبله ينظر فإن لم يطلقها قبل الإكذاب فكذلك وإن أبانها ثم أكذب نفسه فلا حد ولا لعان أطلقه فشمل ما إذا اعترف به وما إذا أقيمت عليه بينة أنه أكذب نفسه وشمل الإكذاب صريحا وضمنا ولهذا لو مات الولد المنفي عن مال فادعى الملاعن لا يثبت نسبه ويحد كما في البحر وحل له أي الزوج المحدود أن يتزوجها أي الزوجة الملاعنة بعد الإكذاب لارتفاع حكم اللعان بتكذيب نفسه وإطلاقه يشمل ما إذا حد أو لم يحد فتقييد الزيلعي الحل بالحد اتفاقي وكذا إذا كذبت نفسها فصدقته خلافا لأبي يوسف وزفر والأئمة الثلاثة لقوله عليه الصلاة والسلام المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وجوابه ما داما متلاعنين كما يقال المصلي لا يتكلم أي ما دام مصليا
وكذا يحل له أن يتزوجها إن قذف غيرها رجلا أو امرأة فحد حدا واحدا لأن الحد يتداخل فبحد قذف غيرها سقط حد قذفها أو زنت فحدت أي زنت بعد التلاعن فحدت بأن كان التلاعن قبل الدخول فزنت بعد اللعان
____________________
(2/134)
فكان حدها بالجلد دون الرجم لأنها ليست بمحصنة لأن من شرط إحصان الرجل الدخول بعد النكاح الصحيح ولم يوجد النكاح الصحيح قاله يعقوب باشا
وقال الزيلعي قوله فحدت وقع اتفاقا لأن زناها من غير حد يسقط إحصانها فلا حاجة إلى ذكره قال الفقيه المكي زنت بالتشديد أي نسبت غيرها إلى الزنا وهو القذف فعلى هذا يكون ذكر الحد فيه شرطا فيزول الإشكال انتهى
لكن بعيد عن هذا المقام جدا لمخالفته للرواية فإنها بالتخفيف تأمل
ولا لعان ولا حد بقذف الأخرس سواء كان الخرس في جانب القاذف أو المقذوف ولو قال ولا لعان إذا كانا أخرسين لو أحدهما لكان أشمل وفيه إشارة إلى أنه لا يثبت بالكتابة كما لا يثبت بإشارة الأخرس وإلى أنه لو طرأ أحدهما بعد اللعان قبل التفريق فلا تفريق ولا حد كما في البحر وعند الأئمة الثلاثة يجب إن كان إشارته معلومة ولا لعان بنفي الحمل قبل وضعه بأن قال لامرأته ليس حملك مني عند الإمام وزفر لأن قيامه عند الحمل غير معلوم لاحتمال كونه انتفاخا وعندهما يلاعن إن أتت به أي بالحمل لأقل من ستة أشهر للتيقن بقيامه قلنا إذا لم يكن قذفا في الحال يصير كالمعلق بالشرط كأنه قال إن كان بك حمل فليس مني والقذف لا يصح تعليقه بالشرط
ولو قال زنيت وهذا الحمل منه أي من الزنا تلاعنا اتفاقا لوجود القذف صريحا بقوله زنيت ولا ينفي القاضي الحمل
وقال الشافعي ينفيه لأنه عليه السلام نفى الولد عن هلال وقد قذفها حاملا ولنا أن الأحكام لا تترتب عليه قبل الولادة ولئن صح نفيه عن هلال فنقول إن النبي عليه الصلاة والسلام عرف قيام الحمل وقت القذف وحيا وإن هلالا صرح بزنا امرأته ولو نفى الولد عند التهنئة والاستبشار بالولد أو ابتياع آلة الولادة بلا توقيت وقت معين
وفي رواية في ثلاثة
____________________
(2/135)
أيام
وفي آخر في سبعة اعتبارا بالعقيقة صح نفيه ولاعن وإن نفى بعد ذلك لاعن لوجود القذف بنفي الولد ولا ينتفي نسب الولد لأن قبوله التهنئة أو سكوته عندها أو شراء آلة الولادة أو سكوته عن النفي إلى أن يمضي ذلك الوقت إقرار بأن الولد منه فيجب اللعان ولا يصح نفيه وعندهما يصح النفي في مدة النفاس إذا كان حاضرا لأنه أثر الولادة قلنا لا معنى للتقدير لأن الزمان للتأمل وأحوال الناس فيه مختلفة فاعتبرنا ما يدل عليه وهو ما تقدم
وإن كان لزوج غائبا لا يعلم بالولادة فحال علمه كحال ولادتها فله نفيه في مدة قدر التهنئة عنده وعندهما قدر مدة النفاس بعد العلم
وإن نفى أول توأمين أي ولدين من بطن واحد بين ولادتهما أقل من ستة أشهر وأقر بالآخر حد لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني
وإن عكس بأن أقر بالأول ونفى الثاني لاعن لأنه قاذف بنفي الثاني إذا لم يرجع عنه ويثبت نسبهما أي التوأمين فيهما أي في الصورتين لأنهما خلقا من ماء واحد كما لو لاعن امرأته بالولد وقطع النسب ثم جاءت بولد آخر من الغد يثبت نسبهما ولو نفاهما ثم مات أحدهما قبل اللعان لزماه ولو جاءت بثلاثة في بطن واحد فنفى الثالث وأقر بالثاني يحد وهم بنوه
مات ولد اللعان وله ولد فادعاه الملاعن أن ولد اللعان ذكرا يثبت نسبه إجماعا وإن أنثى لا عند الإمام وقالا يثبت كما في التنوير
____________________
(2/136)
باب العنين وغيره قال صاحب المنيرة رجل عنين لا يقدر على إتيان النساء ولا يشتهي النساء وامرأة عنينة لا تشتهي الرجال وهو فعيل بمعنى مفعول وشرعا هو من لا يقدر على الجماع مطلقا مع وجود الآلة أو يقدر على الثيب دون البكر أو يقدر على بعض النساء دون بعض لمرض به أو لضعف طبيعته أو لكبر سنه أو لسحر أو لغير ذلك فهو عنين في حق من لا يصل إليها لفوات المقصود في حقها سواء كانت آلته تقوم أو لا ولذا قال في شرح المنظومة الشكاز بفتح المعجمة وكاف مشددة وبعد الألف زاي هو الذي إذا جذب المرأة أنزل ثم لا تنشر آلته بعد ذلك لجماعها وهو من قبيل العنين ويلحق بالعنين من كان ذكره صغيرا كالزر إلا من كانت آلته قصيرة لا يمكن إدخالها داخل الفرج فإنه لا محق لها في المطالبة بالتفريق كما في المحيط
وفي البحر إذا ولج الحشفة فقط ليس بعنين وإن كان مقطوعها فلا بد من إيلاج بقية الذكر وينبغي أن يقال الإيلاج
____________________
(2/137)
بقدر الحشفة من مقطوعها
وفي الخانية إن كان الزوج عنينا والمرأة رتقاء لم يكن لها حق الفرقة لوجود المانع من قبلها فلو أقر الزوج أنه لم يصل إلى زوجته يؤجله الحاكم وقت الخصومة ولا عبرة لتأجيل غير الحاكم كائنا من كان ولو عزل هذا الحاكم بعد التأجيل بنى الثاني على الأول وهذا إذا لم تعلم وقت النكاح أنه عنين سنة قمرية بالأهلة فإن المطلقة تنصرف إليها وذا ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما إذا كان نصفها كل شهر ثلاثين يوما ونصفها تسعة وعشرين وزاد يوم إذا كان سبعة منها ثلاثين ونقص يوم إذا كان خمسة منها ثلاثين والباقي تسعة وعشرين وهو الصحيح وهو ظاهر الرواية كما في الهداية وغيرها فكان هو المعتمد وفيه إشارة إلى أنه لم تعتبر القمرية بالحساب وذا ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة وهي من اجتماع القمر والشمس فيها اثنتي عشر مرة كما في القهستاني
وفي المحيط أن الاعتبار للشمسية وهي مدة مفارقة الشمس من نقطة من الفلك الثامن إلى العود إليها وذا في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وخمس ساعات وخمس وخمسين دقيقة واثنتي عشرة ثانية برصد بطليموس قال في الخلاصة وعليه الفتوى
وفي البحر إذا كان التأجيل في أثناء الشهر يعتبر بالأيام إجماعا ويحتسب منها أي من سنة التأجيل
____________________
(2/138)
رمضان وأيام حيضها وكذا حجه وغيبته لا لو حجت هي أو غابت لأن العجز من قبلها فكان عذرا لا يحتسب منها مدة مرضه أو مرضها وعليه الفتوى لأن السنة قد تخلو عنه
وفي المحيط أصح الروايات عن أبي يوسف أن نصف الشهر وما دونه يحتسب وما زاد لا ولو حبس وامتنعت من المجيء لم يحتسب وإن لم تمتنع وكان في الحبس موضع خلوة احتسب والمريض لا يؤجل إلا بعد الصحة وإن طال المرض وكذا المحرم فإن أقر أنه لم يصل فيها أي في سنة أجل فرق بينهما أي قال الحاكم فرقت بينكما إن أبى الزوج عن تطليقها فيشترط للفرقة حضور الزوجين والقضاء وعنهما أنها كما اختارت نفسها تقع الفرقة بينهما اعتبارا بالمخيرة بتخيير الزوج أو بتخيير الشرع إن طلبته أي الزوجة طلبا ثانيا فالأول للتأجيل والثاني للتفريق لأنه خالص حقها وفي البحر قوله إن طلبت متعلق بالجميع وهو حسن وطلب وكيلها عند غيبتها كطلبها على خلاف فيه وفيه إشعار بأن حقها لم يبطل بتأخير الطلب أولا وثانيا وكذا لو خاصمته ثم تركت مدة فلها المطالبة ولو طاوعته في المضاجعة تلك الأيام ولو تزوجها بعد التفريق لم يكن لها الخيار لرضاها بحاله وهو أي التفريق طلقة بائنة ولها كمال المهر إن خلا بها وعليها العدة إلا عند الشافعي وأحمد الفرقة بها فسخ فلو قال الزوج وطئت وأنكرت أي الزوجة الوطء إن كان الاختلاف قبل التأجيل فلا يخلو من أن تكون ثيبا أو بكرا فإن كانت حين تزوجها ثيبا أو بكرا فقال وطئت وأنكرت فنظرن أي النساء إليها بأن يمتحن بصب بيضة الحمامة المطبوخة المقشرة فإن مرت بغير علاج فثيب وقيل بالبول على الجدار فإن سال على الفخذ فثيب وفيه تردد فإن موضع البكارة غير المبال والأحسن المرأة العدل فإنها كافية والاثنتان أحوط
وفي البدائع أوثق واشترط في الكافي عدالتها فعلى هذا لو قال فنظرت امرأة ثقة لكان أولى تدبر
فقلن بعد النظر والأولى أن يقول قالت لما بيناه آنفا وكذا ما سيأتي هي ثيب فالقول له أي للزوج مع يمينه وإن نظرن و قلن هي بكر أجل سنة أما في أول فلأن المرأة تدعي استحقاق الفرقة عليه وهو ينكرها ولأنه متمسك بالأصل وهو السلامة فيكون القول قوله مع يمينه
____________________
(2/139)
وأما الثانية فلإمكان زوال بكارتها بشيء آخر فيشترط اليمين مع شهادة العدل ليكون حجة فإن حلف في المسألتين بطل حقها
وكذا أي أجل إن نكل أي امتنع الزوج عن الحلف في المسألتين
وإن كان الاختلاف بعد التأجيل وهي ثيب في الأصل أو بكر فنظرن وقلن ثيب فالقول له مع يمينه وإن قلن بكر خيرت لأن شهادة العدل تأيدت بأصل البكارة
وكذا خيرت إن نكل لتأيدها بالنكول ومتى اختارته بطل خيارها لأنها رضيت به أطلقه فشمل الاختيار حقيقة أو حكما كما إذا قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي أو أقام القاضي قبل أن تختار شيئا وعليه الفتوى كما في البحر والخصي الذي نزع خصيتاه كالعنين يعني إذا لم تنتشر آلته لأن وطأه مرجو وإن كان بحيث تنتشر آلته ويصل إلى النساء فلا خيار لها كما صرحوا به والمجبوب الذي قطع ذكره وخصيتاه يفرق بينهما للحال إن طلبت لعدم الفائدة في التأجيل فلو جب بعد وصوله إليها مرة أو صار عنينا بعده لا يفرق ولو جاءت امرأة المجبوب بولد بعد التفريق إلى سنتين يثبت نسبه والتفريق بحاله بخلاف العنين حيث يبطل التفريق لأنه لما ثبت نسبه لم يبق عنينا ذكره في الغاية
وقال الزيلعي وفيه نظر لأنه وقع الطلاق بتفريقه وهو بائن فكيف يبطل ألا ترى أنها لو
____________________
(2/140)
أقرت بعد التفريق بالوصل إليها لا يبطل انتهى
لكن وقوع الطلاق غير مسلم لأنه لم يصادف محله تدبر
وحق التفريق في الأمة للمولى عند الإمام لأن الولد له ولها عند أبي يوسف لأن الوطء حقها
وفي شرح التنوير ما يخالف حيث قال ولو أمة فالخيار لمولاها عند الشيخين وقال زفر الخيار لها إلا أن يحمل على روايتين تأمل
ولا خيار لها إن وجدت المرأة به أي بالزوج جنونا أو جذاما أو برصا عند الشيخين خلافا لمحمد ولا خيار له أي للزوج لو وجد بها أي بالمرأة ذلك أي المذكور من الجنون والجذام والبرص أو رتقا أو قرنا وعند الأئمة الثلاثة يخير الزوج بعيوب خمسة فيها والدلائل بينت في المطولات فليراجع
____________________
(2/141)
142 باب العدة لما كان ترتيب الوجود على الفرقة بجميع أنواعها أو ردها عقيب الكل هي لغة الإحصاء وشرعا تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته وسبب وجوبها النكاح المتأكد بالتسليم وما جرى مجراه من الخلوة والموت وشرطه الفرقة وركنها حرمات ثابتة بها وصحة الطلاق في العدة ولا يرد عليه العدة الصغيرة إذ لا لزوم في حقها ولا تربص لأنها ليس هي المخاطبة بل الولي هو المخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة قيد بقوله تلزم المرأة لأن ما يلزم الرجل من التربص عن الزواج إلى مضي عدة امرأته في نكاح أختها ونحوه لا يسمى عدة اصطلاحا وإن وجد معنى العدة ويجوز إطلاق العدة عليه شرعا وعلى هذا ما في الكتاب معناها الاصطلاحي وأما في الشريعة فهي تربص يلزم المرأة والرجل عند وجود سببه كما في البحر عدة الحرة المدخولة التي تحيض للطلاق والفسخ أو الرفع قيدنا به لأن النكاح بعد تمامه لا يحتمل الفسخ عندنا فكل فرقة بغير طلاق قبل تمام النكاح كالفرقة بخيار العتق والفرقة بخيار العتق والفرقة لعدم الكفاءة فسخ وكل فرقة بغير طلاق بعد تمام النكاح كالفرقة بملك أحد الزوجين للآخر والفرقة بتقبيل ابن الزوج ونحوه رفع كما في الإصلاح فعلى هذا لو قال عدة الحرة والفرقة لكان أخصر وأشمل تأمل
ثلاثة قروء أي حيض لقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولهذا أتى بلفظ القروء ثم فسره بالحيض
وقال الشافعي ومالك طهر وبه كان يقول ابن حنبل ثم رجع والدلائل بينت في
____________________
(2/142)
الأصول فليراجع
وكذا من وطئت بشبهة بملك النكاح كمن استأجرته فإنه تجب العدة عنده خلافا لهما وكمن زفت إليه غير امرأته وهو لا يعرف أو بملك اليمين كجارية ابنه وأبيه وأمه وامرأته وقال أظن أنها تحل لي كما في القهستاني أو ب سبب نكاح فاسد كالمتعة والمؤقت وبلا شهود ونكاح الأخت في عدة أختها ونكاح الخامسة في عدة الرابعة وفيه إشارة إلى أنه لا عدة على الموطوءة بالزنا ولا على المخلو بها بالشبهة وفرق سواء بالقضاء أو غيره أو مات عنها زوجها وهما متعلقان بالموطوءة بهما لا بد للتعرف فإن قيل التعرف يحصل بحيضة واحدة كما في الاستبراء قلنا إنما وجب الثلاثة في النكاح الصحيح لجواز أن تحيض الحامل إذ هو مجتهد فيه فلا يتبين الفراغ بحيضة فقدر بالثلاث ليعلم فراغ الرحم لأنه عدد معتبر في الشرع والفاسد ملحق بالصحيح في حق ثبوت النسب فيقدر بالأقراء الثلاثة صيانة للماء عن الاختلاط والأنساب عن الاشتباه كما قدر الصحيح بها والغرض من الأمة قضاء الشهوة لا الولد فلم يكن أمرها مهما فاكتفي باستبرائها بحيضة بخلاف أم الولد
و كذا أم ولد أعتقت أو مات عنها مولاها فإن عدتها أيضا إذا كانت ممن تحيض ثلاث حيض كوامل لزوال الفراش كمنكوحة بخلاف غيرها من الإماء وعند الأئمة الثلاثة حيضة لزوال ملك اليمين كالاستبراء هذا إذا لم تكن مزوجة أو معتدة وإلا لا يجب عليها العدة بموت المولى ولا بالإعتاق ولا يحتسب من العدة حيض طلقت فيه لأن ما وجد منها قبل الطلاق لا يحتسب من العدة فلا يحتسب ما بقي لأن الحيضة لا تتجزأ ولو قال حيض وقعت الفرقة لكان شاملا للفسخ والرفع تدبر
وإن كانت الحرة مطلقة أو مفسوخا عنها أو مرفوعا لا تحيض لكبر أو صغر أو بلغت بالسن أي وصلت إلى خمسة عشر سنة على المفتى به ولم تحض فإنها لو حاضت ثم ارتفع حيضها فإن عدتها بالحيض إلى أن تبلغ حد الإياس فثلاثة أشهر أي فعدتها ثلاثة أشهر بالأيام إن وطئت حقيقة أو حكما حتى تجب على مطلقة بعد الخلوة ولو فاسدة
و عدة الحرة مؤمنة أو كافرة تحت مسلم صغيرة أو كبيرة ولو
____________________
(2/143)
غير مخلو بها للموت في نكاح صحيح أربعة أشهر وعشرة أيام وعن الأوزاعي أن المقدر فيه عشر ليال فيجوز لها أن تتزوج في اليوم العاشر لكن الأحوط ما في الكافي أن الأيام تابعة لليالي ومن الظن ترجيح قول الأوزاعي بتذكير عشر في قوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإن المميز إذا حذف جاز تذكير العدد
وعدة الأمة التي تحيض للطلاق أو الفسخ والوطء بشبهة أو نكاح فاسد للموت أو الفرقة سواء كانت قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة أو معتقة البعض عند الإمام حيضتان كاملتان لقوله عليه الصلاة والسلام طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان وقد تلقته الأمة بالقبول فجاز تخصيص العمومات به ولأن الرق منصف والحيضة لا تتجزأ وكملت فصارت حيضتان وفي الموت وعدم الحيض نصف ما للحرة فللتي لم تحض لصغر أو لكبر أو بلوغ بالسن شهر ونصف وللتي مات عنها زوجها شهران وخمسة أيام لقبول التنصيف فيهما
وعدة الحامل وضع الحمل مطلقا وإن كان الموضوع سقطا استبان بعض خلقه لقوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وهو بإطلاقه شامل للحرة والأمة المسلمة
____________________
(2/144)
والكتابية مطلقة أو متاركة في النكاح الفاسد أو وطئت بشبهة والمتوفى عنها زوجها
وفي البحر تفصيل فليراجع
ولو وصلية مات عنها زوج صبي لم يبلغ اثني عشر سنة وولدت بعد موته لأقل من ستة أشهر عند الطرفين ويجوز لها أن تتزوج قبل أن تطهر من نفاسها إلا أنه لا يقر بها قبله كما في الحيض وعند أبي يوسف والأئمة الثلاثة إن مات عنها صبي فعدتها بالأشهر أي بأن تعتد أربعة أشهر وعشرا كحادث بعد موت الصغير لتيقن البراءة عن ماء الصغير ولهما أن العدة شرعت لقضاء حق النكاح لا لبراءة الرحم وهذا المعنى متحقق في الصبي لإطلاق النص من غير فصل بين أن يكون منه أو من غيره بخلاف الحمل الحادث لأنه لم يثبت وجوده وقت الموت فوجبت العدة بالأشهر فلا يتغير بحدوثه بعد ذلك فلهذا قال
وإن حملت بعد موت الصبي بأن ولدت بعد موته لستة أشهر فصاعدا على ما هو الأصح فعدتها بالأشهر إجماعا ولا نسب في الوجهين أي فيما إذا حبلت قبل موت الصبي أو بعده لأن الصبي لا ماء له فلا يتصور العلوق وفيه إشعار بأنه ثبت من غير الصبي في الوجهين إلا إذا ولدت لأكثر من سنتين فيحكم بانقضائها قبل الوضع بستة أشهر كما في القهستاني
وفي المنح إن الحامل من الزنا إذا تزوجت ثم مات عنها زوجها فعدتها بوضع الحمل وإنما قلنا هذا لأن الحامل من الزنا لا عدة عليها عند الطرفين ولهذا صححنا نكاحها لغير الزاني وإن حرم الوطء ومن طلقت في مرض موت رجعيا كالزوجة يعني تعتد عدة الوفاة إجماعا
وإن كان الطلاق في مرض الموت بائنا أو ثلاثا تعتد بأبعد الأجلين أي العدتين ثلاث حيض وأربعة أشهر وعشرا حتى إذا أبانها ثم مات بعد شهر فتم لها أربعة أشهر وعشرة أيام من وقت الطلاق ولم تر في هذه المدة إلا حيضة واحدة فعليها حيضتان أخريان لتستكمل في
____________________
(2/145)
العدة ثلاث حيض وهذا عند الطرفين لأن النكاح بقي في حق الإرث فلأن يبقى في حق العدة أولى لأن العدة مما يحتاط فيها فيجب أبعد الأجلين وعند أبي يوسف كالرجعي لأن النكاح انقطع بالطلاق ولزمها العدة بثلاث حيض إلا أنه بقي أثره في الإرث لا في تغيير العدة بخلاف الرجعي لأن النكاح باق من كل وجه كما في عامة المعتبرات فعلى هذا قول المصنف كالرجعي سهو من قلم الناسخ والصواب ثلاث حيض تأمل
ومن عتقت في عدة طلاق رجعي تتم عدتها كالحرة أي انتقلت عدتها إلى عدة الحرائر لقيام النكاح من كل وجه وإن عتقت في عدة بائن أو ثلاث أو في عدة موت ف تتم كالأمة فيهما ولم تنتقل عدتها لزوال النكاح بالبينونة والموت
وإن اعتدت الآيسة أي البالغة إلى خمس وخمسين سنة وعليه الفتوى أو خمسين سنة وبه يفتى اليوم أو ستين سنة أو ثلاث وستين وعنه أنه مفوض إلى مجتهد الزمان وقدر بعض بعدم رؤية الدم مرة وقيل مرتين وقيل ثلاث مرات وقيل بستة أشهر فتنقضي العدة بعد ذلك بثلاثة أشهر وإليه ذهب مالك فلو قضى به قاض نفذ وكذا في ممتدة الطهر وهذا مما يجب حفظه
وفي الزاهدي أنه لو ارتفع حيضها تنتظر تسعة أشهر إن كان بها حبل وإلا اعتدت بثلاثة أشهر بعدها وبه أخذ مالك ويفتي به بعض أصحابنا كما في القهستاني بالأشهر كما هي عادتها ثم عاد دمها على عادتها المعروفة من ألوان الحيض بطلت عدتها وتستأنف بالحيض لأن عودها يبطل اليأس هو الصحيح فيظهر أنه لم يكن
____________________
(2/146)
خلفا لأن شرط الخلفية تحقق اليأس وذلك باستدامة العجز إلى الممات كالفدية في حق الشيخ الفاني فعلم من هذا التقرير أن ما وقع في عبارة صدر الشريعة من قوله فقبل انقضائها كأنه سهو من قلم الناسخ والصواب بعد انقضائها كما في الدرر وفيه كلام لأنه قال صاحب الكفاية وغيره وكان صدر الشهيد يفتي ببطلان الاعتداد بالأشهر إن رأته قبل تمام الأشهر وإن كان بعدها فلا
وفي المجتبى وهو الصحيح المختار للفتوى فعلى هذا عبارة صدر الشريعة تكون في محله لأنه اختار هذا ويكون مراد تاج الشريعة من قوله بعد عدة الأشهر بعد الشروع في عدة الأشهر فلا سهو تدبر
وفي البحر تفصيل فليطالع وكذا تستأنف الصغيرة إذا حاضت في خلال الأشهر تحرزا عن الجمع بين الأصل والبدل فلا تستأنف إذا حاضت بعد انقضاء عدتها بالأشهر ومن اعتدت البعض أي بعض العدة بالحيض ثم آيست تعتد بالأشهر وفي الإصلاح
وقال في المبسوط لو حاضت حيضة ثم آيست اعتدت بالشهور ثلاثة أشهر بعد الحيضة لأن إكمال الأصل في البدل غير ممكن فلا بد من الاستئناف ولا مجال لاحتساب وقت الحيضة من العدة من حيث إنه وقت لأن الاعتداد بالأشهر للآيسة وهي ليست بآيسة وقتئذ وإذا وطئت المعتدة للطلاق أو الفسخ وغيرهما بشبهة من قبل الزوج أو الأجنبي وجبت عليها عدة أخرى للوطء لتجدد السبب وفيه إشارة لي أنه لو وطئها مبتوتة مقرا بالطلاق لم تستأنف العدة وإن لم يقر به تستأنف كما في القهستاني وتداخلتا أي تشارك العدتان في دخول بعض من كل منهما في الآخر وكان السبب الأول والثاني وقعا معا في الوقت الثاني فتعتد منه وما تراه المرأة من الحيض بعد الوطء بشبهة يحتسب منهما أي من العدتين جميعا فتتم العدة الثانية إن تمت العدة الأولى قبل تمامها فلو
____________________
(2/147)
وطئت قبل حدوث الحيض كان ما رأت من الحيض الثلاث محسوبة عنهما فتنوب عن ست حيض وإن وطئت بعد حيضة فهي من العدة الأولى وحيضتان بعدها تحسبان من العدتين وعليها حيضة أخرى للعدة الثانية ولا نفقة فيها لأنها عدة الوطء لا عدة النكاح وإن وطئت بشبهة في عدة الوفاة تعتد بالأشهر ويحتسب ما تراه من الحيض فيها من العدة الثانية تحقيقا للتداخل بقدر الإمكان وهذا عندنا لأن المقصود التعرف عن فراغ الرحم وقد حصل بالواحدة فتداخلان يعني أن المقصود الأصلي تعرف الفراغ وهو وإن حصل بالحيضة لكن عدم الاكتفاء لأن الواحدة للتعرف والثانية لحرمة النكاح والثالثة لفضيلة الحرمة ولو اكتفى بالواحدة لم تحصل هذه المقاصد فلا يرد نظر العناية بأنه لو جاز التداخل لجاز التداخل في أوان
____________________
(2/148)
عدة واحدة لحصول المقصود وبقي ضرر تطويل العدة عنها تدبر
وقال الشافعي لا تتداخلان ومحل الخلاف العدتان من رجلين إذ لو كانتا من واحد تنقضيان بمدة في أحد قوليه وفي قوله الآخر لا تجب العدة بالسبب الثاني أصلا فلا تتصور الخلاف كما في الإصلاح
وابتداء العدة في الطلاق والموت عقيبهما لإطلاق النص وما وقع في بعض الشروح من أن كلا منهما سبب فيعتبر المسبب من حين وجوب السبب ضعيف لأن السبب نكاح متأكد بالدخول وما يقوم مقامه كما في أكثر المعتبرات تدبر
وإن وصلية لم تعلم المرأة بهما أي الطلاق والموت حتى أن الزوج إذا كان غائبا عنها وبلغها خبر تطليقه إياها بعدما
____________________
(2/149)
رأت ثلاث حيض أو موته بعد مضي أربعة أشهر وعشر أكانت عدتها منقضية وفي الغاية إذا أتاها خبر موت زوجها وشكت في وقت الموت تعتد من الوقت الذي تستيقن فيه بموته لأن العدة يؤخذ فيها بالاحتياط
و ابتداء العدة في النكاح الفاسد عقيب التفريق من القاضي بينهما أو إظهار العزم من الزوج على ترك الوطء بأن يقول تركتك أو خليت سبيلك ونحو ذلك لا مجرد العزم
وقال زفر من آخر الوطآت حتى لو حاضت بعد الوطء قبل التفريق ثلاث حيض انقضت إذ المؤثر في إيجابها الوطء لا العقد ولنا أن سبب العدة شبهة النكاح ورفع هذه بالتفريق ألا ترى أنه لو وطئها قبل المتاركة لا يحد وبعده يحد كما في التبيين ومن قالت انقضت عدتي بالحيض وكذبها الزوج في إخبارها بانقضاء العدة فالقول لها مع اليمين لأنها أمينة فيما تخبر فالقول قول الأمين مع اليمين كالمودع إذا ادعى رد الوديعة أو هلاكها إن مضى عليها ستون يوما عند الإمام كل حيض عشرة وكل طهر خمسة عشر هو المختار كما في الخانية وعندهما إن مضى تسعة وثلاثون يوما وثلاث ساعات كل حيض ثلاثة وكل طهر خمسة عشر
وإن نكح معتدته من طلاق بائن ثم طلقها قبل الدخول لزم مهر كامل وعدة مستأنفة عند الشيخين لأنها مقبوضة في يده بالوطأة الأولى لبقاء أثره وهو العدة فإذا عقد عليها ثانيا ناب ذلك عن القبض الثاني كالغاصب إذا اشترى المغصوب وهو في يده يصير قابضا بمجرد العقد فيكون طلاقا بعد الدخول وعند محمد يجب نصف مهر وإتمام العدة الأولى وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد وقال زفر لها نصف المهر أو المتعة ولا عدة
____________________
(2/150)
عليها عند زفر وهو القياس لأن العدة الأولى بطلت بالتزوج ولا تجب العدة بعد الطلاق الثاني لإكمال المهر لأنه قبل الدخول ومحمد يقول كذلك غير أن إكمال العدة وجب بالطلاق الأول لكنه لم يظهر حكمه حال التزوج لبقاء أثره وهو العدة فإذا عقد عليها ثانيا ناب القبض الأول عن القبض المستحق بالثاني هذا إذا كان النكاح الثاني صحيحا أما لو كان فاسدا فلا يجب عليه المهر ولا استقبال العدة عليها ويجب عليها إتمام العدة الأولى بالإجماع ولو كان على القلب بأن كان الأول فاسدا والثاني صحيحا فهو كما كان صحيحا ولا عدة في طلاق قبل الدخول لقوله تعالى فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ولا عدة على ذمية أو كتابية طلقها أو مات عنها ذمي عند الإمام إذا اعتقدوا عدم وجوب الاعتداد لأنا أمرنا أن نتركهم وما يعتقدون وعنه أنه لا يطأ حتى تستبرأ بحيضة وعنه لا يتزوجها إلا بعد الاستبراء وإنما قال ذمي لأنه لو طلقها مسلم فعليها العدة أو حربية خرجت إلينا مسلمة أو ذمية أو مستأمنة ثم أسلمت أو صارت ذمية خلافا لهما أي قالا عليها العدة في المسألتين فالاختلاف في الذمية مبني على أن الكفار غير مخاطبين بالأحكام عنده ومخاطبون عندهما وأما المهاجرة فوجه قولهما أن الفرقة لو وقعت بسبب آخر نحو الموت ومطاوعة ابن
____________________
(2/151)
الزوج وجبت العدة فكذا بسبب التباين بخلاف ما إذا هاجر الرجل وتركها لعدم التبليغ وله قوله تعالى ولا جناح عليكم أن تنكحوهن ولأن العدة حيث وجبت كان فيها حق بني آدم والحربي ملحق بالجماد حتى كان محلا للتمليك إلا أن تكون حاملا لأن في بطنها ولدا ثابت النسب وعنه جواز نكاح الحربية ولا توطأ حتى تضع الحمل وهو اختيار الكرخي والأول أصح كما في الهداية
فصل في الإحداد تحد أي تتأسف وجوبا على فوت نعمة النكاح من أحدت الزوجة إحدادا فهي محدة أو من يحد بالضم أو الكسر حدادا فهي حادة أي امتنعت من الزينة بعد وفاة زوجها كما في الإصلاح معتدة البائن بالطلاق أو الخلع أو الإيلاء أو اللعان أو بفرقة أخرى فلا يجب على المطلقة قبل الدخول والمطلقة الرجعية بل يستحب لها للطلاق الرجعي التزين لترغيب الزوج
و معتدة الموت إن كانت مكلفة مسلمة حرة أو أمة فلا يجب على المجنونة والصغيرة والكتابية لأنها عبادة فلا تجب إلا على من يخاطب
____________________
(2/152)
بها وقال محمد لا يحل الإحداد على غير الزوج كالولد والأبوين وسائر الأقارب قيل أراد بذلك فيما زاد على الثلاث لما في الحديث من إباحته للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام وعند الأئمة الثلاثة الإحداد في الموت فقط ولو صغيرة أو كافرة تحت مسلم بترك الزينة ظرف تحد والزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل كما في الكشاف فقد استدرك ما بعده كما في القهستاني
و ترك لبس الثوب المزعفر والمعصفر أي المصبوغ بالزعفران والعصفر بالضم إذ يفوح منهما رائحة الطيب هذا إذا كان الثوب جديدا تقع به الزينة أما إذا كان خلقا لا تحصل به الزينة فلا بأس بلبسه
و ترك الطيب أي استعماله في البدن والثوب بأنواعه ولو للتجربة والدهن مطلقا ولو غير مطيب والدهن بالفتح مصدر من دهن يدهن وبالضم الاسم والكحل بالضم والفتح أي الاكتحال به والحناء أي الاختضاب به إلا من عذر متعلق بالجميع أي بأن كانت فقيرة لا تجد إلا أحد هذه الأثواب أو بها حكة أو مرض أو قمل فتلبس الحرير لأجلها أو اشتكت رأسها أو عينها أو اعتادت الدهن أو اكتحلت للمعالجة ولا تمتشط بمشط أسنانه ضيقة لأنه لتحسين الشعر لا لدفع الأذى بخلاف الواسعة وعند الأئمة الثلاثة تمتشط به لا تحد معتدة العتق بأن أعتق أم ولده أو مات عنها
و لا معتدة النكاح الفاسد ولا في
____________________
(2/153)
عدة الموطوءة بشبهة لأن الإحداد لإظهار التأسف على فوات نعمة النكاح ولم يفتها ذلك ولا تخطب بالضم من خطب المرء في النكاح خطبة بالكسر لا من خطب على المنبر خطبة بالضم المعتدة ولا بأس بالتعريض وهو أن يذكر شيئا يدل على شيء لم يذكره وهو هاهنا أن يقول إنك لجميلة وإنك لصالحة ومن غرضي أن أتزوج ونحو ذلك مما يدل على إرادة التزوج ولا يجوز التصريح مثل أن يقول إني أريد أن أنكحك هذا في معتدة الوفاة وأما في معتدة الطلاق فلا يجوز التعريض سواء كان رجعيا أو بائنا أما الرجعي فلأن الزوجية قائمة وأما في البينونة فلأن تعريضها يورث العداوة بينها وبين الزوج وكذا بينه وبين المخاطب كما في التبيين فعلى هذا لو قيد المصنف بمعتدة الوفاة لكان أولى تدبر
ولا تخرج معتدة الطلاق رجعيا أو بائنا من بيتها أصلا يعني لا ليلا ولا نهارا ومعتدة الموت تخرج نهارا وبعض الليل إذ نفقتها عليها فتضطر إلى الخروج لإصلاح معاشها وربما امتد ذلك إلى
____________________
(2/154)
الليل والمطلقة ليست كذلك لأن نفقتها على الزوج فلا حاجة لها إلى الخروج حتى لو اختلعت عن نفقتها يباح لها الخروج في رواية لضرورة معاشها وقيل لا وهو الأصح لأنها هي التي اختارت إسقاط نفقتها فلا تؤثر في إبطال حق واجب عليها ولا تبيت في غير منزلها إذ لا ضرورة فيها والأمة المعتدة تخرج في حاجة المولى في العدتين لوجوب خدمتها عليه وإن كان المولى بوأها لم تخرج ما دامت على ذلك إلا أن يخرجها المولى كما في الاختيار وتعتد المعتدة في منزل يضاف إليها بالسكنى وقت وقوع الفرقة والموت لقوله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن وإضافة البيوت إليهن لاختصاصهن بها من حيث السكنى حتى لو طلقت غائبة عادت إلى منزلها فورا وتبيت في أي بيت شاءت إلا أن تكون في الدار منازل لغيره فلا تخرج إلى تلك المنازل ولا إلا صحن دار فيها منازل لأنه حينئذ بمنزل له السكة إلا أن تخرج جبرا بأن كان المنزل عارية أو مؤجرا مشاهرا وأما إن كان مدة طويلة فلا تخرج أو خافت على مالها في ذلك المنزل من السارق أو غيره أو خافت انهدام المنزل وفيه إشعار بأنه إن خافت بالقلب من أمر المبيت خوفا شديدا فلها أن تخرج كما في الخانية أو لم تقدر المرأة على كرائه نحو ذلك من أنواع
____________________
(2/155)