بينهما نصفين وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع شريكه بما ضمن على العبد ويكون الولاء للمعتق الأول ولو كان المعتق الأول فقيرا كان شريكه بالخيار إن شاء أعتق كما أعتق وإن شاء استسعى والولاء بينهما نصفان وقال ابو يوسف ومحمد الولاء كله للأول معسرا كان أو موسرا فان كان موسرا ضمن نصف قيمته لشريكه ولا يخير الشريك فان كان فقيرا سعى العبد لشيريكه وكان الولاء للأول وكذلك لو كان عتق الأول بجعل أو بغير جعل أو بكفارة أو ببمين وكذلك لو كانت أمة فهي في ذلك بمنزلة العبد وكذلك لو كان الموليان امرأة ورجلا أو امرأتين وقال أبو حنيفة إذا كانت أمة بين اثنين فدبرها أحدهما فان الآخر بالخيار إن شاء دبر كما دبر صاحبه والولاء بينهما إذا ماتا وإن شاء استسعاها في نصف قيمتها ويسعى الآخر في نصف قيمتها والولاء بينهما وإن شاء ضمن الشريك إن كان غنيا فاذا مات الشريك عتق نصفها من الثلث وسعت في نصف قيمتها والولاء له وقال أبو يوسف ومحمد إذا أعتقها أحدهما عن دبر فهي مدبرة كلها وعتق الثاني فيها باطل والمدبر ضامن لنصف قيمتها غنيا كان أو فقيرا وإذا مات عتق من ثلثه والولاء كله له وإذا كانت أمة بين رجلين فولدت فادعى أحدهما الولد فهو ابنة(2/287)
وهو ضامن لنصف قيمتها ونصف العقر فقيرا كان أو غنيا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وولاؤها إذا أعتقت لمولاها أب الولد فأما الولد فلا يكون له ولاء وهو بمنزلة أبيه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولو كانت مدبرة بين رجلين ولدت فادعى أحدهما الولد فهو ابنه وهو ضامن لنصف عقرها ونصف قيمتها لشريكه ونصف ولاء الولد لشريكه والنصف الآخر بمنزلة الأب وللشريك في قول أبي حنيفة أن يستسعى الولد في نصف قيمته وكذلك أم ولد بين رجلين ولدت ولدا فادعياه جميعا ثم ولدت آخر فادعاه أحدهما فهو ابنه وهو ضامن لنصف قيمته إن كان غنيا ونصف العقر ونصف ولائه لشريكه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وإذا أعتق رجلان عبدا بينهما البتة ثم مات أحدهما وترك ابنا ومات الآخر وترك ابنين ثم مات المولى فان نصف ولائه للباقي ونصفه للابنين ولو لم يكن لأحدهما ولد وكان له أخ كان ميراث نصيبه لأخيه ولو كان لأحدهما جد أبو اب كان ميراث نصيبه له وكذلك لو كان له مولى يحرز ميراثه لا وارث له غيره وكان(2/288)
ولاء نصيبه له يرث نصيب كل واحد منهما عصبته من الرجال ولا يرث النساء من ذلك شيئا وكذلك لو كان عبد بين ورثة نساء ورجال فأعتقوا جميعا كان الولاء بينهم على قدر سهامهم فيه فان مات أحدهم فانه يرث نصيبه من الولاء ورثته الرجال دون النساء وكذلك لو كان العتق وقع بمكاتبة أو بيمين وكذلك رجلان عربي ومولى أعتقا جميعا عبدا بينهما فان نصف ولائه لكل واحد منهما وكذلك امرأة ورجل وكذلك لو كان أحدهما ذميا والآخر مسلما فأعتقاه جميعا فان الولاء بينهما فان كان المعتق مسلما ثم مات المولى بعد مواليه فان ميراثه حصة المسلم لعصبة المسلم وحصة الكافر منهما إن لم يكن له عصبة مسلمين لبيت المال وإذا كان العبد بين اثنين أحدهما صغير والآخر كبير فأعتق الكبير وضمن للصغير حصته فان الولاء كله للكبير وإذا كان العبد ذميا وهو بين اثنين مسلم وكافر فأعتقاه جميعا ثم ماتا ثم مات المولى فان ميراث الذمي منهما لأوليائه من أهل الذمة وحصة المسلم من الميراث لبيت المال
باب الولاء الموقوف:
وإذا اشترى الرجل عبدا وقبضه ونقد الثمن ثم شهد أن مولاه الذي باعه قد كان أعتقه قبل أن يبيعه فانه حر وولاؤه موقوف إذا جحد(2/289)
البائع ذلك ولا يرثه واحد منهما ولا يعقل عنه وكذلك لو كان المولى الذي اشتراه ذميا اشتراه من مسلم أو مسلم اشتراه من ذمي وكذلك لو كان اشتراه من امرأة أو امرأة اشترته من رجل أو حر اشتراه من مكاتب فزعم أنه كاتبه قبل أن يبيعه وقبض مكاتبته فأعتقه فانه حر ولا سبيل لواحد منهما عليه وولاؤه موقوف وإن كان عبد بين اثنين فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتقه فان أبا حنيفة قال يسعى لكل واحد منهما في نصف قيمته فقيرين كانا أو غنيين والولاء بينهما وقال أبو يوسف ومحمد إذا كانا غنيين فلا سعاية لواحد منهما عليه والولاء موقوف وإن كانا فقيرين سعى لكل واحد منهما في نصف قيمته وإن كان غني وفقير سعى للغني في نصف قيمته ولا يسعى للفقير في شيء والولاء موقوف في جميع ذلك لا يرثونه ولا يعقلون عنه وإذا كانت أمة فشهد كل واحد منهما أنها ولدت من صاحبه وصاحبه ينكر فان أبا حنيفة قال يوقف وإذا مات أحدهما عتقت وولاؤها موقوف لا يكون لواحد منهما وكذلك قال أبو يوسف ومحمد وإذا كانت أمة لرجل معروفة أنها له فولدت من آخر فقال رب الأمة بعتكها بألف وقال الآخر بل زوجتنيها بمائة فان الولد حر وولاؤه موقوف والجارية بمنزلة أم الولد لا بطأها واحد منهما(2/290)
ولا يستخدمها ولا يستغلها فاذا مات أبو الولد عتقت وولاؤها موقوف ويأخذ البائع العقر قضاء من الثمن وإذا أقر الرجل أن اباه أعتق عبده هذا في مرضه أو في صحته ولا وارث له غيره فان ولاء هذا موقوف في القياس ولا يصدق الابن على الأب ولكني أدع القياس للأب ولاؤه أستحسن ذلك إذا كان عصبتها واحد وقومهما من حي واحدة فان كان الأب أعتقه قوم والابن أعتقه قوم آخرون فالولاء موقوف ولو كان معه وارث غيره فكذبه فاستسعى العبد في حصته فان ولاء حصته للذي استسعاه في قول ابي حنيفة وولاء حصة الآخر للميت وأما في قول ابي يوسف فولاء الذي استسعاه موقوف وهو قول محمد وإذا ورث رجلان عبدا عن ابيهما فقال أحدهما أعتقه في صحته وكذبه الآخر فان العبد يسعى للذي كذبه في نصف قيمته ويكون ولاؤه نصفه للميت في قول ابي حنيفة وللذي استسعاه نصفه وفي قول أبي يوسف ومحمد للميت نصفه ونصفه موقوف(2/291)
وإذا كان العبد بين ورثة رجال ونساء فأقرت امرأة منهم أن الميت أعتقه وكذبها الآخرون فهو مثل باب الأول وإذا كان العبد بين رجلين فقال أحدهما إن لم يكن دخل المسجد امس فهو حر وقال الآخر إن كان دخل أمس فهو حر وهما معسران فانه يعتق ويسعى في نصف قيمته بينهما والولاء بينهما في قول ابي حنيفة وأما في قول أبي يوسف فان الولاء موقوف وقال محمد يسعى في قيمته كاملة بينهما نصفين والولاء موقوف لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه هو الذي حنث فلا يلزم واحدا منهما الحنث حتى يعلم وإذا اشترى الرجل العبد من رجل وقبضه ونقد المال ثم أقر المشتري أن البائع أعتقه قبل أن يبيعه وكذبه البائع فانه يعتق ويوقف ولاؤه فان صدقه البائع بعد ذلك رد الثمن ولزمه الولاء وكذلك إن صدقته ورثته بعد موته وكذلك لو أقر المشتري أن البائع كان دبره أو أنها كانت أمة فولدت منه فلا سبيل للمشتري عليها وإن جحد البائع ذلك فولاؤها موقوف فان مات البائع عتقت وولاؤها موقوف وإن صدق ورثة البائع المشتري لزم الولاء للبائع ورد الثمن أستحسن ذلك وأدع القياس فيه ولو أن رجلا في يديه عبد زعم أنه قد باعه من فلان وأن فلانا قد أعتقه وكذبه فلان فانه حر والولاء موقوف وإن صدقه فلان(2/292)
على الشري والعتق لزمه الثمن ولاولاء ولو أن رجلا مات وترك عبدا فأقر الورثة وهم كبار أن الميت أعتقه أجزت ذلك وألزمت الميت الولاء وكل ولاء موقوف فان ميراثه يوقف في بيت المال وجنايته عليه ولا يعقل عنه بيت المال وهذا قول أبي حنيفة وابي يوسف ومحمد رحمهم الله أجمعين باب ولاء اللقيط:
وإذا كان الرجل لقيطا أو المرأة أو الصبي التقطه رجل أو امرأة فهو حر وولاؤه لبيت المال وهو يعقل عنه ويرثه ولا يشبه هذا الولاء الموقوف الذي سمينا قبله لأن هذا لا يعرف له مولى نعمة وذلك قد ينسب إلى معتق وكذلك الرجل من أهل الذمة يسلم ولا يوالي أحدا فان ولاءه لبيت المال وميراثه له وعقله عليه وكذلك لو أعتق هذا المسلم عبدا أو أمة وكذلك اللقيط يعتق عبدا أو أمة فان جناية هؤلاء على بيت المال وميراثهم للذي أعتقهم فان كان قد مات ولا وارث لهم فميراثهم لبيت المال وكذلك مكاتبته إذا أدى فعتق وكذلك رجل يسلم على يدي اللقيط ويواليه وكذلك الرجل(2/293)
من أهل الذمة يسلم على يدي هذا الرجل المسلم قبله فان جنايته على بيت المال وميراثه له إن كان مولاه قد مات قبله ولم يترك وارثا غيره وكذلك عبد بين اللقيط وبين الرجل المعروف أعتقاه جميعا فان نصف ولائه للقيط ونصفه للرجل ونصف عقله على بيت المال ونصفه على عاقلة الرجل وكذلك هذا المسلم من أهل الذمة يعتق هو ورجل من العرب عبدا فللقيط أن يوالي من شاء فيعقل عنه ويرثه وهو في ذلك بمنزلة المسلم ولا يكون ولاء اللقيط للذي التقطه إلا أن يواليه ولو أن امرأة لقيطة تزوجت رجلا لقيطا قد والى الرجل رجلا ولم توال المرأة أحدا ثم ولدت فان ولاء ولدها لموالي ابيه وكذلك لو كان أبوه من أهل الذمة فأسلم على يدي رجل ووالاه ولو أن رجلين أحدهما لقيط والآخر من العرب تنازعا صبيا فأقام كل واحد منهما البينة أنه ابنه قضيت به لهما جميعا وجعلته عربيا لقيطا فان جنى جناية فعلى بيت المال نصفها ونصفها على عاقلة العربي ولو أن رجلا من أهل الذمة اسلم على يدي رجل ولم يواله كان ولاؤه لبيت المال وعقله عليه وميراثه له في قول ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد ولا يكون مولى للذي أسلم على يديه ولم يواله ولو أن لقيطا من أهل الذمة أسلم كان ولاؤه لبيت المال وعقله عليه وميراثه له(2/294)
باب الرجل من أهل الذمة يعتق مسلما أو ذميا وإذا أعتق الرجل من أهل الذمة عبدا أو أمة كان ولاؤه له فان مات المعتق ولا وارث له غير المعتق هذا الورارث وهو في ذلك بمنزلة أهل الإسلام ولو كان المعتق يهوديا والمعتق نصرانيا أو كان المعتق مجوسيا كان وراثه لأن الكفر كله ملة واحدة يتوارثون ولا يرثون المسلمين ولا يورثونهم ولو أن هذا المعتق أسلم كان ميراثه لبيت المال وعقله على نفسه إلا أن يكون له أو لمواليه وارث مسلم ولو كان لمواليه أخ مسلم كان هو وارثه وعقله على نفسه وكذلك لو كان لمواليه ابن عم مسلم قد والى رجلا وأسلم على يديه كان هو وارثه وعقله على نفسه ولو أن هذا المعتق والى رجلا واسلم على يديه لم يكن مولاه ولا يعقل عنه ولا يرثه ولو أن مولى هذا الذمي المعتق أسلم بعد ذلك أو قبل ذلك كان سواء وكان هذا المعتق هو وارثه ومولاه وأهل الذمة في هذا مثل العرب ألا ترى أن المعتق لو والى رجلا لم يكن مولاه ولو أسلم المعتق بعد ثم والى آخر كان مولاه(2/295)
ولو أن نصرانيا من نصارى العرب أعتق عبدا له كان مولاه وإن كان العبد نصرانيا فأسلم على يدي رجل ووالاه فانه لا يكون مولاه ولكنه مولى قبيلة مولاه الذي أعتقه وإن كان الذي أعتقه من بني تغلب فهو تغلبي وكذلك نصراني من بني تغلب أعتق عبدا مسلما فالمعتق من بني تغلب ينسب إليهم وهم مواليه ويعقلون عنه ويرثه المسلمون منهم أقرب الناس منهم إلى مواليه وإن والى غيرهم لم يجز ذلك له ولو أن رجلا من أهل الذمة أعتق عبدا من أهل الذمة ثم أسلم عبده على يدي رجل ووالاه فهو مولى للذي أعتق هذا المعتق ولو كان المعتق أمة فهي مولاته فان تحول بولائها إلى رجل آخر فليس لها ذلك ولا تجوز الموالاة في هذا وليس له أن يتحول إلى غيرهم ولو كان أعتقها قبل أن تسلم لم يكن لها أن تتحول إلى غيره ولو أن رجلا من أهل الذمة أعتق أمة كافرة ثم اسلما جيمعا ووالت الأمة رجلا ثم إن الأمة ماتت ولا وارث لها فان ميراثها للذي أعتقها ولا يكون للذي والاها ولو كان لمولاها الذي أعتقها أب مسلم حر أو ابن مسلم حر أو كافر حر كان هو الوارث وأيهما أسلم قبل
فهو سواء ولو لم يكن نصراينا من بني تغلب أعتق أمة نصرانية ثم اسلما جميعا ووالت الأمة رجلا ثم ماتت فان ميراثها لمولاها التغلبي والعرب والعجم في هذا سواء وليس لهذه الأمة أن توالي غير بني تغلب وكذلك مولاها لو والى أحدا من العرب لم يجز ذلك ولا يكون مولى لها وهو عربي وكذلك الذي اعتق رجلا ذميا أو مسلما فليس للمعتق أن يوالي أحدا ابدا لأنه قد جرى فيه عتق ولا يشبه العتق في هذا غيره باب المسلم يعتق الذمي محمد عن ابي يوسف عن الحجاج بن أرطاة عن أبي هلال الطائي
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعتق عبدا له نصرانيا يدعى نحنس وقال لو كانت على ديننا لا ستعنا بك على عملنا(2/296)
محمد عن أبي يوسف عن يحيى بن سعيد عن إسمعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز أنه أعتق عبدا له نصرانيا فمات العبد وترك مالا قال فأمرني عمر بن عبد العزيز فأدخلت ماله في بيت المال وكذلك قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأخبرنا محمد عن ابي يوسف عن إسمعيل بن ابي خالد عن عامر الشعبي أنه قال في الرجل يعتق الرجل الكافر ذمته ذمة مواليه لا يؤخذ منه الخراج وقال أبو حنيفة يوضع عليه الخراج
ولا نترك رجلا من أهل الذمة مقيما في دار الإسلام ليس به زمانة لا يؤخذ منه الخراج وكذلك قال أبو يوسف ومحمد ولو أن مسلما أعتق كافرا ثم إن الكافر اسلم على يدي رجل ووالاه كانت موالاته باطلة وهو مولى للذي أعتقه لا يزول أبدا وإن كان الذي أعتقه رجلا من أهل الأرض أسلم والمسلم والذمي في هذا سواء إذا أعتقه في حكم الإسلام لم يتحول عنه ولاؤه ابدا وإن والى المعتق رجلا فهو مولاه ومولى مولاه وله أن يتحول بولائه ما لم يعقل عنه وليس لمولاه أن يتحول ولو أن مولاه المعتق رجع عن الإسلام ولحق بالدار كافرا كان مولاه المعتق مولى لمواليه الذي كان والاهم ولا يزول أبدا ولا يتحول ولو أن عبدا كافرا بين مسلم وكافرا أعتقاه جميعا فاسلم على يد رجل ووالاه فان نصف ولائه للكافر لا يتحول وحصة المسلم للمسلم ولو أن مسلما أعتق أمة مسلمة ثم رجعت عن الإسلام ولحقت بالدار فسبيت فاشتراها رجل فأعتقها كانت مولاة له وانتقض الولاء الأول للرق الذي حدث فيها(2/297)
وإذا أسلم الرجل الذمي ثم أعتق عبدا مسلما أو ذميا أو أعتقه قبل إسلامه ثم أسلم العبد ووالى رجلا فان موالاته باطل لا يجوز أن يوالي سوى الذي أعتقه ذميا كان أو مسلما عربيا كان أو أعجميا فان جنى جناية قبل إسلام مولاه فانها عليه في ماله وإن مات كان ميراثه للمولى الذي أعتقه فان كانا مسلمين جميعا وكذلك لو كان مولاه كافرا وله ابن مسلم أو أخ فانه يرثه ولا يرثه الذي والاه وكل عتق في دار الإسلام وحكم الإسلام فليس للمعتق أن يتحول بولائه إلى أحد وأهل الذمة في ذلك والعربي والعجمي سواء ولا يجوز بيع ولاء أهل الذمة ولا شراؤه ولا هبته من عتق كان أو من موالاه
باب العتق في دار الحرب:
وإذا أعتق الرجل من أهل الحرب من أهل الكفر عبدا في دار الحرب ثم إن عبده أسر فاشتراه رجل في دار الإسلام فأعتقه فان ولاءه للذي أعتقه في دار الإسلام وميراثه له إذا أسلم ولم يكن له وارث وعقله عليه والعتق الأول في دار الحرب باطل لا يلزمه به ولاء لأنه قد سبي وحرى عليه الرق بعد ذلك وقد بطل الأول(2/298)
وكذلك لو كانت امرأة وكذلك لو كان الذي أعتقه رجل من العرب من قبيلة من قبائل العرب والعرب والعجم في هذا سواء إذا وقع الرق والسبي بطل العتق الأول وكذلك لو كانت أمرأة أعتقته وكذلك لو كان المعتق امرأة أو صبيا فهو سواء كله وكذلك لو كان دبره في دار الحرب أو كانت أمة وقد ولدت لرجل من أهل الحرب ألا ترى أني أسبي أهل الحرب وأجعلهم رقيقا فكيف أجيز عتاقهم وإذا أعتق الرجل من أهل الحرب عبدا ثم خرجا مسلمين فان للعبد أن يوالي من شاء ولا يكون للذي أعتقه موالاة لأنه أعتقه في دار الحرب ألا ترى أنه لو كان سبي كان عبدا فالعتق في دار الحرب باطل ولو أن المعتق والى رجلا كان مولاه ولكل واحد منهما أن يتحول بولائه ما لم يعقل عنه ولو أن عبدا أسلم في دار الحرب ثم خرج مسلما في دار الإسلام فهو حر وله أن يوالي من شاء هو بمنزلة حر من أهل الحرب جاء مسلما فله أن يوالي من شاء ولو أن رجلا من اهل الحرب خرج إلى دار اسلام بأمان واشترى عبدا في دار الإسلام وأعتقه ثم رجع المولى إلى دار الحرب(2/299)
وأسر وجرى عليه الرق فانه يكون عبدا وأما المعتق فهو مولى للمعتق أبدا لا يتحول إلى غيره فاذا سبي مولاه ثم مات المعتق فان ميراثه لبيت المال وعقله على نفسه ولا يعقل عنه بيت المال لأن المعتق يعرف الذي أعتقه ولو جاء الذي أعتقه مسلما لأن العتق في دار الحرب باطل ألا ترى أن العبد لو قهر مولاه وخرج به كان عبدا له فكيف يكون الآخر مولاه والعرب والعجم والنساء في هذا سواء ألا ترى أنه لو دبر عبدا في دار الحرب ثم مات المولى كان تدبيره باطلا فان خرج العبد إلينا مسلما كان حرا بالإسلام والخروج الا ترى أن المعتق لو سبي واسلم كان عبدا وأن عتق المولى لا ينفعه وكذلك أم ولد رجل من أهل الحرب مات مولاها ثم سبيت أو جائتنا مسلمة وذا دخل رجل من أهل الحرب بأمان معه عبد فأعتقه في دار الإسلام واشترى عبدا في دار الإسلام وأعتقه فان هذا جائز وهو مولاه لا يتحول أبدا إلى غيره وليس للمعتق أن يوالي غيره وهذا بمنزلة أهل الذمة فان رجع المولى إلى دار الحرب فان هذا المولى على حاله ليس له أن يوالي أحدا ولو كان لهذا الحربي عشيرة مسلمون كانوا هم يرثون مولاه ويعقلون عنه وإذا جاء الحربي مسلما فان ولاءه له وهو يرثه وإن سبي(2/300)
الحربي فجرى عليه الرق ثم اعتقه مولاه الذي وقع في ملكه فان ولاء المعتق الأول على حاله ولو كان رجل من أهل الروم لا عشيرة له دخل بأمان فاشترى عبدا ثم رجع إلى دار الحرب فأسر ثم أعتق فانه مولى للذي أعتقه ومولاه مولى له على حاله ولو لم يعتق لم يكن لمولاه أن يوالي أحدا ولو أن رجلا مسلما دخل دار الحرب بأمان أو حربي فأسلم في دار الحرب ثم أعتق عبدا اشتراه في دار الحرب ثم اسلم عبده فانه في القياس لا يكون مولاه وله أن يوالي من شاء وقال أبو حنيفة لا يكون مولاه وهو قول محمد وقال أبو يوسف أجعله مولاه استحسن ذلك وأدع القياس فيه ولو أن العبد المعتق لم يأت مسلما ولكنه سبي فأعتق في دار الإسلام كان عتقه الآخر ينقض عتقه الأول وكان مولى للمعتق الآخر يرثه ويعقل عنه وحدثنا محمد عن ابي يوسف عن هشام بن عروة عن ابيه أن ابا بكر الصديق رضي الله عنه أعتق سبعة ممن كان يعذب في الله صهيب وبلال وسماهم لنا فهذا جائز وولاؤهم لأبي بكر رضوان الله عليه
قال أبو حنيفة ولاؤهم لأبي بكر رضي الله عنه لأنه أعتقهم قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال وقبل أن تكون مكة دار حرب وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعتق زيد بن حارثة رضي الله عنه فصار مولاه وهذا قبل الهجرة وقبل فريضة الله تعالى(2/301)
القتال فهذا جائز فكذلك كل عتق كان في الجاهلية قبل الإسلام وكان بمكة قبل الهجرة وقبل أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال وإنه جائز وإنما افترق أمر دار الحرب في دار الإسلام حيث هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالقتال وجرى حكم الإسلام في دار الإسلام فصار عتق أهل الشرك وتدبيرهم باطلا لا يجوز وإذا دخل رجل من دار الحرب بأمان إلى دار الإسلام فاشترى عبدا وأعتقه ثم رجع الحربي إلى دار الإسلارم فسبي فاشتراه العبد فأعتقه فان ولاء المعتق الأول للمعتق الآخر وولاء الآخر للأول من قبل أنه ليس له هاهنا عشيرة يرجع ولاء مولاه إليهم حتى لحق بالدار فصار ولاء مولاه له فلما عتق كان له على حاله وإذا أسر أهل الحرب عبدا مسلما فدخلوا به دار الحرب فاشتراه رجل منهم فاعتقه فان ابا حنيفة قال عتقه جائز وهو حر فان خرج العبد إلى دار الإسلام فهو مولى لذلك الحربي وإن اسر الحربي فاشتراه العبد فأعتقه فهو جائز والولاء لصاحبه والأول مولى للآخر على حاله(2/302)
والآخر مولى للأول وإيهما مات ولا وارث له ورثه صاحبه وقال أبو حنيفة إذا أبق إليهم العبد فأحرزوه فباعوه واشتراه رجل فأعتقه فان عتقه باطل ولا يكون الآبق كالأسير وقال أبو يوسف ومحمد هما عندنا سواء وإذا دخل الحربي إلينا بأمان فاشترى عبدا مسلما فادخله دار الحرب فان ابا حنيفة قال هو حر ولا يكون ولاؤه للذي أدخله وقال أبو يوسف ومحمد لا يكون حرا فان أعتقه الذي ادخله فهو حر وولاؤه له وإن باعه من رجل من أهل الإسلام فهو عبده وقال ابو حنيفة لا يحوز بيعه من قبل أن العبد قد حل له قتل مولاه وأخذ ماله صار حرا لذلك ولو أصابه المسلمون في غنيمة فان ابا حنيفة قال هو حر ولا تجري عليه السهام وكذلك قال أبو يوسف ومحمد وقال ابو حنيفة إذا اسلم عبد رجل من أهل الحرب فان باعه من مسلم عتق وإن اصابه المسلمون في غنيمة عتق وفي قياس قوله إن باعه من حربي مثله عتق وفي قياس قوله لا يكون له ولاؤه ولا يوالي من شاء وقال أبو يوسف ومحمد لا يعتق في شيء من ذلك
إلا أن يصيبه المسلمون في غنيمة فيعتق ويوالي من شاء أو يخرج إلى دار الإسلام مراغما لمولاه وقال أبو حنيفة إن أسلم مولاه قبل أن يبيعه فهو عبده على حاله وإن أعتقه وهما مسلمان جميعا في دار الحرب فان عتقه جائز لأنهما مسلمان لا يجري على واحد منهما السبي وليس هذان كمن وصفنا قبلهما وإذا خرج عبد من أهل الحرب مسلما إلى دار الإسلام فانه يعتق ويوالي من شاء حدثنا محمد عن ابي يوسف عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن عبدين خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحاصر أهل الطائف فأعتقهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا محمد عن أبي يوسف عن محمد بن إسحاق عن عبدالله بن
ابي بكر أن عبيدا من أهل الطائف خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فلما أسلم أهل الطائف كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك عتقاء الله(2/303)
ولو أن عبدا من أهل الحرب خرج بأمان في تجارة لمولاه فأسلم في دار المسلمين فان الإمام يبيعه ويمسك الثمن على مولاه ولو كان اسلم في دار الحرب ثم خرج في تجارة لمولاه وهو مسلم فهو مثل الأول فان خرج مراغما لمولاه فهو حر ويوالي من شاء فان جني قبل أن يوالي عقل عنه بيت المال وميراثه لبيت المال وإن عقل عنه بيت المال ثم أراد أن يوالي أحدا بعد العقل فليس له ذلك ولكن له أن يتحول ما لم يعقل عنه ولو أن رجلا من أهل الذمة أعتق عبدا فأسلم عنده ثم إن الذمي نقض العهد ولحق بدار الحرب وأخذ أسيرا فصار عبدا لرجل وأراد مولاه أن يوالي رجلا لم يكن له ذلك لأنه مولى عتاقة في دار الإسلام فليس له أن يتحول عنها وإن جنى جناية فهو يعقل عن نفسه وإن مات ولا وارث له ورثة بيت المال فان عتق مولاه يوما فانه يرثه
إن مات وهو مسلم لأنه مولاه وإن جنى جناية بعد ذلك فانه يعقل عنه مولاه وهو وارثه إن مات.
باب ولاء المرتد:
إذا ارتد الرجل عن الإسلام ثم أعتق عبدا فان أبا حنيفة قال إذا أسلم فعتقه جائز والولاء له وقال إن قتل على ردته أو لحق بدار الحرب على ردته فعتقه باطل ويقسم العبد بين الورثة مع ميراثه وقال أبو يوسف ومحمد عتقه جائز على كل حال والولاء له فان قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فان الولاء للرجال من ورثته وقال أبو حنيفة إذا ارتدت المرأة عن الإسلام ثم اعتقت فان عتقها جائز والولاء لها لأن المرأة لا تقتل وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا لحق المرتد وقسم ميراثه بين الورثة ثم مات مولى له قد كان المرتد أعتقه قبل ردته فورثه الرجال من ورثته دون النساء ثم جاء المرتد تائبا فانه يأخذ ما وجد من ميراثه في يدي ورثته قائم بعينه في قول ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد ولا يأخذ ما وجد من ميراث مولاه وإذا دبر المرتد عبدا ثم مات أو قتل أو لحق بدار الحرب فان(2/304)
أبا حنيفة قال تدبيره باطل لا يجوز وقال أبو يوسف ومحمد إذا قتل أو مات والعبد حر والولاء للرجال من ورثته وإذا لحق بالدار وقضي بلحاقه فالعبد حر إذا أعتقه القاضي والولاء للرجال من ورثته وهذا قول ابي حنيفة إذا دبره قبل الردة وقال أبو حنيفة إذا ولدت أمة المرتد فهي أم ولده فان مات أو قتل أو لحق بالدار فرفعت إلى السلطان أعتقها وولاؤها للرجال من ورثته استحسن في أم الولد وقال أبو حنيفة إذا لحق المرتد بدار الحرب فرفع ميراثه إلى الحاكم وله أمهات أولاد ومدبرون فان الحاكم بعتق أمهات اولاده الذين كن في الردة وقبلها ويعتق مدبريه الذي كانوا قبل الردة ولا يعتق مدبريه الذي دبرهم في الردة وولاء أولئك المعتقين للرجال من ورثته فان كان له مكاتب كاتبه قبل الردة فانقضي بمكاتبته بين الورثة فإذا أداها عتق وكان ولاؤه للرجال دون النساء وقال أبو حنيفة إن كان مكاتبا كاتبه في الردة رددته رقيقا بين الورثة وقال ابو حنيفة إن رجع المرتد بعد قسمة الميراث أو بعد عتاق من ذكرنا فان ذلك كله ماض عليه إلا ما وجد من الميراث قائما بعينه فانه يأخذه وولاء المعتقين له وميراثهم له إن ماتوا بعد خروجه(2/305)
وقال أبو حنيفة إن رجع المرتد تائبا قبل قسمة ميراثه وقبل عتق أمهات أولاده ومدبريه فانه لا يعتق واحد منهم وهم رقيق على حالهم ولا يقسم ميراثه ويدفع ذلك كله إليه وإذا مات المولى وقد كان المرتد أعتقه قبل الردة والمرتد مقيم على حاله في الدار فانه يرثه الرجال من عصبة المرتد دون النساء ولا يرثه المرتد لأنه لا يرث كافر من مسلم وإن أسلم المرتد بعد ذلك لم يأخذ من ميراثه شيئا فان كان للمولى ابنة قد ورثت أباها مع العصبة ثم ماتت الابنة بعد إسلام المرتد كان المرتد يرثها دون الرجال من ورثته وهو مولاها دونهم وإذا أعتقت امرأة عبدا ثم إن المرأة ارتدت عن الاسلام أو أعتقته في ردتها ثم لحقت بدار الحرب مرتدة على حالها فسيت فاشتراها العبد فانها أمة له وتجبر على الاسلام وولاء العبد لقومها على حاله فان أعتقها العبد كانت مولاة له يرثها إن ماتت ولا وارث لها وإن مات العبد ولا وارث له فان المرأة ترثه لأنها أعتقته ويعقل عنه قومها الأولون ولو كان اشتراها غير العبد فأعتقها وكان(2/306)
قومها بني أسد فأعتقها رجل من همدان فانه يعقل عن العبد بنو أسد لا يتحول أبدا وترثه المرأة إن لم يكن له وارث رجع يعقوب عن هذا وقال يعقل عنه همدان ويتحول إليها ولاؤه حيث ما تحولت وهذا قول محمد وإذا كانت المرأة من العجم أسلمت ولا أهل لها ولا قرابة فأعتقت عبدا بعدما ارتدت عن الإسلام ثم لحقت بالدار فسبيت فاشتراها رجل فأعتقها ثم مات المولى فانها ترثه فان جنى المولى جناية فانه يعقل عنه قومها الذين صارت مولاة لهم ألا ترى أنها لو لم ترتد عن الإسلام وكانت على حالها فسبي أبوها فاشتراه رجل فأعتقه أن ولاء المرأة وولاء مولاها يكون للذي أعتق الأب يعقل قومه عنهم ويرث مولاها إن لم يكن له وارث غيره ولو أن امرأة سبيت فاشتراها رجل فأعتقها ثم اشترت عبدا فأعتقته ثم رجعت عن الإسلام ولحقت بالدار فسبيت فاشتراها رجل فأعتقها فان ولاءها له وقد انتقض الولاء الأول وصارت مولاة لهذا الآخر ولو كان مولاها مات في ردتها ورثه مولاها الأول إن لم يكن له وارث غيره فان مات بعد ما يعتق أو يسلم فانها ترثه ويتحول ولاؤه عن مولاها الأول وقومها الأولين يعقلون عنه وهي ترثه دونهم لأنها هي المعتقة ألا ترى أنه لو كان لها ابن وهي ميتة كانت ترث مولاها(2/307)
هذا وإن كان ابنها من قوم آخرين وعقل مولاها على قوم آخرين وكذلك ترثه بولائه ثم رجع يعقوب عن هذا وقال يتحول العقل إلى قومها الآخرين وهذا قول محمد ولو أن رجلا من أهل الذمة أعتق عبدا فأسلم العبد ثم نقض الذمي العهد ولحق بدار الحرب فأراد العبد أن يوالي رجلا فليس له ذلك لأنه معتق ولا يتحول ولاؤه فان جنى جناية لم يعقل عنه بيت المال وكانت الجناية عليه في ماله فان مات وترك مالا ورثه بيت المال لأنه لا وارث له فان سبي مولاه فاشتراه رجل فأسلم عنده ثم أعتقه فان ولاءه للذي أعتقه وولاء العبد الأول للذمي الذي أعتقه إن مات ورثه وإن جني جناية عقل عنه قوم مولاه يتحول إليهم عن بيت المال لأنه لم يكن لبيت المال ولاء وإنما يرث بيت المال عمن لا ولاء له ويعقل عمن لا عشيرة له من المسلمين وليس من قبل أنه مولى له ولكن من قبل أنه لا عشيرة له ولا يرثه فاذا أعتق الذي أعتقه جر الولاء وإذا أسلمت امرأة من أهل الذمة ثم أعتقت عبدا ثم رجعت عن الإسلام ولحق بدار الحرب ثم سبي أبوها من دار الحرب كافرا(2/308)
فاشتراه رجل فأعتقه فأنه مولاه ولا يجر ولاء مولاها فان كان مولاها الذي أعتقته مسلما فجني جناية فعقله على بيت المال وإن مات ولا وارث له ورثه أبوها وإن كان لها ابن مسلم ورثه ابنها وإن سبيت هي فاشتراها رجل فأعتقها وأسلمت ثم مات العبد المعتق فانها ترثه ويرجع ولاؤه إليها ويعقل عنه قومها الذين أعتقوه إن جنى جناية وإن ماتت هي ثم مات المولى ولها ابن حر وأب حر ومولاها الذي أعتقها فانه يرثه ابنها ولا يرثه مولاها وإذا أعتق رجل من أهل الذمة عبدا مسلما ثم لحق الذمي بالدار ناقض للعهد وترك في دار الإسلام بني عم له من أهل الذمة ثم مات المولى فانه يرثه بيت المال ويعقل عن نفسه إن جنى جناية ولو اسلم ابن عم لمولاه قبل أن يموت العبد كان هو وارث العبد دون بيت المال ولو سبي الذي أعتقه فاشتراه رجل فأعتقه وأسلم فانه يرجع ولاء العبد إليه ويعقل عنه قومه الذين أعتقوه ألا ترى أنه لو جاء مسلما فوالي رجلا كان مولاه وكان قومه يعقلون عن العبد إن جنى جناية فكذلك إذا أعتق فهو أجود في جر الولاء ولو أن رجلا أسلم في دار الحرب وكان من أهل الحرب أو كان مرتدا فأسلم ثم أعتق عبدا مسلما ثم رجعوا عن الإسلام جميعا فأسرا ثم(2/309)
أسلم العبد وأبي المولى أن يسلم فقتل فان ولاء العبد للمولى ولا يتحول أبدا وإن كانت له عشيرة كان عقله عليهم وميراثه لعصبة المولى منهم وإن لم يكن له عشيرة فميراثه لبيت المال وعقله عليه باب الإقرار بالولاء:
وإذا كان الرجل مولى فأقر أنه مولى لفلان مولى عتاقة وجاء آخر يدعيه أنه مولاه مولى عتاقه ولا بينة لواحد منهما فانه يكون مولى للذي أقر له في قول ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد ويرثه إن اقر المولى بذلك ويعقل عنه قومه وكذلك لو أقر أنه مولاه مولى موالاة والعربي يقر بذلك فان كان للمولى ولد كبار فجحدوا ذلك وقالوا أبونا مولى لفلان مولى عتاقة فان اباهم يصدق على نفسه ويكون مولى للآخر إذا ادعى ذلك العربي المقر له وكذلك البنت هي في هذه بمنزلة الابن والعتاقة في هذا والموالاة سواء ولو كان الولد صغارا كان أبوهم مصدقا عليهم وكانوا موالي لمواليه فان كان لهم أم فقالت أنا مولاة فلان عتاقة وقال الأب لست مولى لذلك وقال الأب أنا مولى فلان مولى عتاقة ومولى الأم(2/310)
يصدقها ومولى الأب يصدقه فان الولد مولى لموالي الأب ولا تصدق الأم وكذلك لو قالت الأم أنت عبد فلان وقال الأب بل كنت عبد فلان فأعتقني وصدقه فلان فان القول في ذلك قول الأب والولد مولى لمولاه ولو قالت المرأة الولد ولدي من زوج غيرك وكان زوجي مولى لمولاي وقال الزوج بل هو ولدي منك فان القول قول الزوج وهو مولي لموالي الزوج ولا تصدق المرأة ولو أن امرأة مولاة عتاقة معروفة لها زوج مولى عتاقة ولدت المرأة ولدا فقالت ولدته بعد عتقي بخمسة أشهر فهو مولي لموالي وقال الزوج ولدتيه بعد عتقك لسنة فهو مولي لموالي فان القول في هذا قول الزوج من قبل أن المرأة قد أقرت بأنها ولدته وهي حرة فلا تصدق على جر الولاء وإذا كان الرجل من العرب وله زوجة لا تعرف ولدت منه أولادا ثم أقرت أنها مولاة لرجل وادعى ذلك الرجل فهي مصدقة على نفسها فأما الولد فيلحق نسبهم بالأب وإن قالت المرأة أعتقني هذا الرجل وكذبها وقال هي أمة لي فهي أمة له وهذا منها إقرار بالرق دعواها للرق من قبله إقرار
له بالرق ولا يصدق على ولدها فان كان في بطنها ولد فهو حر وما حملت به بعد ذلك فهو رقيق في قول ابي يوسف ولا يصدقها على إفساد النكاح ولو أقرت الأمة بعد أن يكذبها الزوج وإن كانت المرأة في يديها ولد ولا يعرف ابوه فأقرت أنها مولاة رجل مولى عتاقة وصدقها فانها لا تصدق على الابن في قول أبي يوسف ومحمد وإن قالت إن زوجي كان عبدا أو كان رجلا من أهل الأرض أسلم فانها مصدقة على الولد في قول أبي حنيفة ويتبع الولد أمه ولا تصدق في قول أبي يوسف وإذا أقر الرجل عند موته أنه مولى لفلان ووالاه وأسلم على يديه وصدقه فلان فانه يرثه إن لم يكن له وارث وكذلك لو قال كنت عبدا له فأعتقني أو لأخيه فلان فأعتقني أو لابن عمه فلان فأعتقني أو أسلمت على يدي ابن عمه وواليته وهذا وارثه ولا وارث له غيره وصدقه الرجل وادعى ذلك فانه يرثه وإن برأ من ذلك المرض فجني جناية عقل عنه قومه(2/311)
وإذا أعتق رجل عبدا ثم مات العبد فأقر رجل أن ذلك العبد أعتقه وصدقه المولى فانه وارثه ومولاه يعقل عنه وكذلك لو قال أسلمت على يديه وواليته فهو سواء وإذا اقر الرجل أن فلانا مولى لي فقال فلان أنا أعتقتك وقال الآخر بل أنا أعتقتك فانه لا يلزم واحدا منهما شيء ولا يصدق واحد منهما على صاحبه ولا يمين على واحد منهما لأن هذا بمنزلة النسب في قياس قول أبي حنيفة وإذا أقر الرجل فقال أنا مولى لفلان وفلان أعتقاني جميعا وأقر أحدهما بذلك وأنكر الآخر فان هذا المنكر المولى بالخيار إن شاء استسعى العبد في نصف قيمته وإن شاء أعتقه وكان الولاء بينهما نصفين وإن شاء ضمن صاحبه إن كان غنيا وكان الولاء كله لصاحبه وإذا أقر الرجل أن فلانا مولاه أعتقه ثم قال لا بل فلان أعتقني وادعياه جميعا فهو مولى للأول منهما وإذا قال أعتقني فلان أو فلان وادعى كل واحد منهما أنه هو المعتق فان هذا الإقرار باطل لا يلزم العبد منه شيء ولكن(2/312)
يقر لأيهما شاء أو لغيرهما بأنه مولاه فيجوز ذلك إذا صدقه ذلك المولى وكذلك لو أقر بذلك في موالاة بغير عتاق وإذا أقر الرجل أنه مولى لامرأة أعتقته فهو جائز إذا صدقته وإذا قالت لم أعتقك ولكنك أسلمت على يدي وواليتني فهو مولى لها فان أراد التحول إلى غيرها لم يكن له ذلك لأنه أقر أنه مولى عتاقة في قول ابي حنيفة وله أن يتحول في قول أبي يوسف ومحمد وإذا أقر الرجل أنه اسلم على يديها ووالاها وقالت هي بل أعتقتك فهو مولاها وله أن يتحول عنها ما لم يعقل عنه قومها وهي وارثته إن لم يكن له وارث وإذا أقر الرجل أن فلانا أعتقه وقال فلان ما أعتقتك ولا أعرفك ولا أنت مولى لي فاقر لآخر أنه مولاه فلا يجوز ذلك في قياس قول ابي حنيفة لأن الولاء بمنزلة النسب أرأيت لو قال أنا ابن فلان ثم اراد بعد ذلك أن ينسب إلى آخر أكنت أقبل منه ذلك أرايت لو شهد شاهدان أن فلانا أعتقه فأعتقه القاضي بشهادتهما ثم ادعى أحدهما أنه أعتقه وأنه مولاه واقر له العبد بذلك ألم يكن هذا باطلا لا يجوز أرأيت لو قال العبد أنت مولاي الذي أعتقتني وجاء بشاهدين على ذلك وقال الرجل ما أنت مولاى ولا أعرفك وما كنت عبدا لي(2/313)
قط فلم يزك الشاهدين ثم ادعى أن آخر أعتقه وصدقه الآخر أكنت أقبل ذلك منه وإن لم يصدقه الآخر وأقام على ذلك شهودا أكنت أقبل شهوده لست أقبل شيئا من هذا بعد الدعوى الأولى في قول ابي حنيفة وفي قول ابي يوسف ومحمد يتحول إلى غيره إذا صدقه بالدعوى الذي تحول إليه وقد أنكر ذلك الأول وإذا مات رجل من الموالي وترك ابنا وابنة فادعى رجل من العرب أن أباه أعتق الميت وهو يملكه وصدقه الابن وادعى رجل آخر من العرب أن اباه أعتقه وهو يملكه وصدقته الابنة فكل واحد منهما مولى للذي أقر أنه مولاه ولو كان ابنان أقرا بذلك كان سواء ولو كن بنات فأقررن جميعا بمثل ما أقرت به الابنتا إلا واحدة أقرت لهذا الآخر فكل فريق منهم موال للذي أقروا له يعقل عنهم ويرثهم إن لم يكن له وارث.
باب عتق الحمل:
وإذا أعتق الرجل ما في بطن أمته فان ابا حنيفة قال إن ولدت ولدا بعد قوله بخمسة أشهر أو ستة أشهر إلا يوم فانه حر والولاء له(2/314)
فان ولدت بعد القول لستة أشهر فصاعدا فانه لا يعتق وهو رقيق وإذا قال الرجل لأمته ما حملت به من حبل فهو حر فولدت بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر فانها لا تعتق لأنها كانت حاملا له يوم تكلم بالعتق وإنما يعتق ما حملت به بعد الكلام وإن ولدت بعد الكلام لسنة أو لسنتين إلا يوم فانه لا يعتق لأن الحبل لا يعلم أنه كان بعد الكلام أو لم يكن ولو قال ما في بطنك حر ثم قال إن حبلت فسالم غلامي حر فولدت بعد القول لسنة كان القول قوله فان أقر أنها كانت حبلى عتق ما في بطنها وإذا أقر أنه حبل مستقبل عتق سالم ولو جائت به لأكثر من سنتين منذ يوم قال هذا القول عتق سالم لأنه حبل مستبقبل وإذا أوصى الرجل بما في بطن أمته فلانه فأعتقه الموصى له بعد موته فان عتقه جائز وهو مولاه وإن ضرب إنسان بطنها فألقته ميتا فان فيه ما في جنين الحر وهو ميراث لمولاه الذي أعتقه وإذا أوصى رجل عند موته بما في بطن أمته فلانه لفلان فأعتقه الموصى له به وأعتق الوارث الخادم وأعتق مولى الزوج زوج هذه(2/315)
الأمة فان ولاء الزوج للذي أعتقه ولا يجر ولاء الخادم ولا ولاء ولدها وولاء الخادم للذي أعتقها وولاء ولدها للذي أعتقه فان ضرب إنسان بطنها فألقته ميتا فان فيه ما في جنين الحرة وذلك ميراث لأبيه وأمه لأنهما حران فان كان عتقهما بعد الضربة وقبل أن تسقط فان الغرة لمولاه الذي أعتقه وإن كانا أعتقا بعد ما سقط فهو كذلك أيضا لأن الغرة قد وجبت للمولى قبل أن يعتقها ولو أن رجلا أعتق أمة له وزوجها مولى عتاقة فولدت بعد العتق لأقل من ستة أشهر فان ولاء الولد لموالي الأم لأن الحبل قد كان في الرق ولو ولدت بعد الرق لستة أشهر فصاعدا فان الولاء لموالي الأب لأن الحبل قد كان بعد العتق ولو أن الزوج مات عنها أو طلقها اثنتين ثم أعتقها المولى بعد ذلك ثم جاءت بولد لتمام سنتين والآخر بعد ذلك بيوم كان كذلك أيضا ولو طلقها واحدة يملك الرجعة ثم أعتقها مولاه ثم جاءت ولد لتمام سنتين منذ يوم طلقها الزوج انقضت به العدة وكان الولاء لموالي الأم لأن العتق وقع عليها وهي حامل ولو جاءت به(2/316)
لأكثر من سنتين بيوم كانت هذه رجعة من الزوج وكان الولاء لموالي الأب لأن العتق عليها كان وكان هذا الحبل حادث بعد العتق والطلاق وإذا أعتق الرجل ما في بطن أمته فولدت لتسعة أشهر فقالت للمولى قد أقررت أني حامل بقولك ما في بطنك فقال المولي هذا جبل حادث فالقول قول المولى ولا يعتق ولو قال المولى لأمته ما في بطنك فقال المولى هذا حبل حادث فالقول قول المولى ولا يعتق ولو قال المولى لأمته ما في بطنك حر ثم باعها فولدت لأقل من ستة أشهر بعد هذا القول فان البيع فاسد لا يجوز وعتق ما في البطن ماض جائز ولو ولدته لأكثر من ستة أشهر جاز البيع ولم يعتق وإذا أوصى رجل بما في بطن أمته لرجل فأعتق الوارث الأمة وهي حامل فانه جائز وولاؤها وولاء ما في بطنها له وهو ضامن لقيمة ما في بطنها يوم تلد.
باب اليمين في الولاء:
وإذا ادعى رجل على رجل فقال كنت عبدا لك فأعتقني فأنا مولاك فأنكر المولى ذلك وقال أنت عبدي على حالك فانه يحلف فان حلف فهو عبد وإن نكل عن اليمين فهو حر والولاء له وكذلك لو ادعى عتقا على مال فهو مثل ذلك غير أن المال(2/317)
يلزمه وكذلك لو ادعى مكاتبة فهو مثل ذلك وإذا نكل عن اليمن ثم أدى المكاتبة عتق وكان الولاء له وإن ادعى حر ولاء على رجل من العرب فقال أنت مولاي كنت عبدا لك فأعتقتني فقال العربي ما كنت عبدا لي ولا أعتقتك فقال احلف فانه لا يحلف في قياس قول أبي حنيفة لأن الولاء بمنزلة النسب وكان أبو حنيفة يقول لا يحلف على نسب وقال أبو يوسف ومحمد يحلف في ذلك كله وإذا ادعى العربي أنه هو الذي أعتقه وجحد المولى الولاء فأراد العربي أن يستحلف المولى فهو مثل ذلك ولا يمين عليه في قياس قول أبي حنيفة وإذا ادعى رجل من الموالي على رجل من العرب أنه أسلم على يديه ووالاه وجحد العربي فهو مثل ذلك فان أراد أن يستحلفه لم يكن له ذلك وكذلك لو ادعى المولى وجحد العربي فهو مثل ذلك ولا يمين في ذلك والمرأة والرجل في ذلك سواء وكذلك لو ادعى على ورثة ميت قد مات وترك ابنة وترك مالا
فقال العربي أنا مولى ابيك الذي أعتقته ولي نصف ميراثه معك فأراد يمينها فليس عليها يمين في الولاء ولا في العتق ولكنها تحلف ما تعلم له في ميراث أبيها حق ولا ميراث فان حلفت برئت من ذلك وإن نكلت عن اليمين لزمها ذلك في نصيبها وكان له نصف نصيبها فان لم يعلم له وارثا غيرها كان المال بينهما نصفين وإذا ادعى رجل من الموالي على رجل من العرب أنه مولاه الذي اعتقه والعربي غائب ثم بدا للمولى وادعى ذلك على رجل آخر وأراد استحلافة فانه لا يستحلف له في قياس قول ابي حنيفة من قبل وجهين أنه في الولاء وأنه قد ادعى ذلك على غيره وإذا أقر العربي الآخر بذلك وقال أنت مولاي فانه لا يكون مولاه في قياس قول ابي حنيفة من قبل أنه أقر بذلك للغائب فقال أنت مولاي أليس هو أولاهما وقال أبو يوسف ومحمد إن قدم الغائب فانكر الولاء فهو للآخر فان ادعى الولاء فهو أحق به(2/318)
وإذا ادعى رجل من العرب على رجل مسلم من أهل الأرض أنه والاه وجحد المسلم فأراد استحلافه وليس له ذلك في قياس قول أبي حنيفة فان أقر المسلم بعد ذلك أنه قد كان والاه فهو مولاه ولا يكون جحوده ذلك نقضا للولاء ولا رجوعا عنه وكذلك لو كان المولى هو الذي ادعى وجحد العربي ثم أقر وكذلك المرأة في هذا ولو أن رجلا مولى قتل رجلا خطأ فجاء ورثة المقتول فادعوا على قتيله أنهم مواليه وادعوا على رجل منهم أنه أعتقه قبل القتل فجحد ذلك فارادوا استحلافه فليس لهم ذلك ولا ضمان على المولى ولا على العاقلة وإن أقر المعتق بذلك لم يصدق على العاقلة إذا جحدوا وكانت الدية على القاتل في ماله وإذا قتل رجلا رجلا خطأ فجاء رجل فادعاه أنه ولى المقتول وأنه أعتقه قبل القتل وأنه لا وارث له غيره وأراد استحلاف القاتل على ذلك والقاتل مقر بالقتل وهو ينكر أن يكون هذا مولاه ووارثه فانه لا يستحلف على الولاء ولكنه يستحلفه ما يعلم لهذا في دية فلان التي عليك حقا فان حلف بريء من ذلك وإن نكل عن اليمين لزمه ذلك(2/319)
باب اللعان في الولاء:
وإذا لاعن الرجل بولد فقضي القاضي باللعان وألزم الولد أمه وكبر الولد فان كان من العرب فعقله على عاقلة أمه وإن كان من الموالي فعقله على موالي أمه وولاؤه لهم وهم يرثون إن لم يكن له وارث فان أعتق ابن الملاعنة عبدا أو أمه فان عقل هذا العبد أو الأمة إن جني جناية على عاقلة الأم وإن مات العبد ولا وارث له ورثه أقرب الناس من الأم إذا كان الذي أعتقه قد مات وأمه قد ماتت وإن كان للأم ابن ثم مات المولى ولا وارث له غير ابن الأم وهو أخو المعتق لأمه فانه يرثه المولى كأنه أخو المعتق لأبيه وأمه وإن كان له أخ وأخت كان ميراث المولى للأخ دون الأخت لا يرث النساء من ذلك شيئا وإن لم يكن له وارث غير أمه الملاعنة لم يكن لها من الميراث شيء وكان الميراث لأقرب الناس منها من الذكور لأنها امرأة ولا ترث من الولاء إلا ما أعتقت فان كان لها مولى هو الذي أعتقها فانه يرثه
ولو أن أب الملاعن ادعى الولد بعد اللعان وهو حي فيثبت نسبه منه رجع ولاء المولى إلى عاقلة الأب فان كان عاقلة الأم عقلوا عنه رجعوا بذلك على عاقلة الأب وإن كان للابن مولى أسلم على يديه ووالاه رجع ولاؤه إلى عاقلة الأب وإن كان عاقلة الأم قد عقلوا عنه رجعوا بذلك على عاقلة الأب ويتحول إلى عاقلة الأب إذا كان الابن حيا يوم يدعيه الأب ويضرب الأب مع ذلك الحد فان لم يكن الابن حيا لم يجز دعوة الأب ولا يجر شيئا من هذا الولاء فان كان الولد ابن حي فان الولاء يرجع إلى موالي الأب في ذلك كله لأن هاهنا ولدا يثبت نسبه ولو كان الولد الذي لاعن به ابنة فادعاها وهي حية ثبت نسبها منه ورجع ولاء مواليها إليه وإن كان قوم أمها قد عقلوا عنها رجعوا بذلك على عاقلة الأب فان كانت(2/320)
قد ماتت وتركت ابنا فهو مثل ذلك أيضا لأن هاهنا ولدا منها يكون الملاعن جده في قول يعقوب ومحمد وأما في قول أبي حنيفة فلا يثبت النسب وهو بمنزلة ابن الملاعنة إذا مات ولا ولد له وإذا أعتق ولد الملاعنة عبدا ثم مات ثم ادعاه الأب الذي لا عن به فانه لا يصدق ولا يكون ابنة ولا يتحول ولاء العبد إلى موالي الأب لأنه ليس هاهنا ولد يثبت نسبه من الأب وإذا لاعن بولدين يوما وألزم الولدان الأم فأعتق أحدهما عبدا ثم مات ثم ادعى الأب الولدين جميعا وأحدهما حي فان نسبهما جميعا ثابت منه لأن أحدهما حي ويتحول ولاء العبد إلى عاقلة الأب وإن كان موالي الأم عقلوا عنه رجعوا بذلك على عاقلة الأب ولو كانت أمهم مولاة عتاقة وأبوهم رجل أسلم من أهل الأرض فلاعنها ثم ادعاهم بعد اللعان فان هذا في قول أبي حنيفة ومحمد لا يتحول ولاؤهم إلى موالي الأب لأن الأم مولاة عتاقة وما أعتق الولد من
عبد أو أمة فانهم موالي موالي الأم وهم يعقلون عنه ويرثونهم إذا لم يكن لهم وارث غيرهم وإن كان الأب حيا كان هو وارث المولى إذا لم يكن لهم وارث غيرهم وإن كان ابنه الذي أعتقهم قد مات قبل ذلك لأنه أقرب إلى الابن من عصبة الأم ويعقل عنه قوم الأم في قول أبي حنيفة ومحمد وأما في قول ابي يوسف فهم موال لموالي الأب إن كان والى أحدا كتاب القوم من العرب على قوم من الدهاقين يواليهم عن أنفسهم وعن غيرهم ويوالي العرب الدهاقين لأنفسهم ولغيرهم بوكالة منهم هذا كتاب لفلان وفلان من فلان وفلان وفلان من الدهاقين أنا وفلان وكلوا أن نوالي قوما من العرب ونعاقدهم ونعاهدهم على الولاء لأنفسهم ولنا وإن فلانا وفلانا وكلوكم بأن توالوا لأنفسكم ولهم من أراد الموالاة من أهل الإسلام ممن لا عشيرة له ولا ولاء فصدقناكم بهذه الوكالة وصدقتمونا بما ذكرنا من وكالة فلان(2/321)
وفلان وفلان وإنا واليناكم وعاقدناكم وعاهدناكم وجعلتم لنا عهد الله وميثاقه بالوفاء بذلك فنحن وفلان وفلان مواليكم وموالي فلان وفلان يجري لكم علينا ما يجري للمولى على مولاه من النصرة والحياطة والمعونة والعقل والعرض في الديوان والعداد والحرم الذي يجري بينهم وبين مواليهم ويجري لكم علينا ما يجري للموالي على مواليهم مما سمينا في كتابنا هذا من المواريث وجعل كل فريق منا لأصحابه الوفاء بذلك وشهد فلان وفلان وفلان وكتبوا شهادتهم جميعا وختموا في شهر كذا من سنة كذا آ خر كتاب الولاء كتبه أبو بكر بن أحمد بن محمد الطلحي الأصفهاني في شهر الله المحرم سنة تسع وثلاثين وستمائة والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أجمعين
الحمد لله الواحد العدل
كتاب الجنايات:
باب جناية المدبر محمد بن الحسن قال حدثنا ابن ابي ذئب عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن السلولى عن معاذ بن جبل أن ابا عبيدة بن الجراح جعل جناية المدبر على سيده محمد عن أبن ابي ذئب عن بشير معلم الكتاب أن عمر بن عبد العزيز جعل جناية المدبر على سيده قال وبلغنا عن إبراهيم وعامر أنهما قالا جناية المدبر على مولاه(2/322)
قلت أرأيت المدبر إذا جني جناية فقتل رجلا خطأ مال القول في ذلك قال يكون على المولى قيمة العبد إلا أن تكون قيمته أكثر من عشرة آلاف فان كان أكثر من عشرة آلاف ضمن المولى عشرة آلاف إلا عشرة دراهم قلت لم لا يضمن جميع قيمته قال لأن المولى يضمن الأقل من الجناية والقيمة يعني إن كانت القيمة يوم جنى أقل من الجناية قضي بالقيمة وإن كانت الجناية أقل من القيمة قضى بالجناية قلت فلم ضمنته عشرلاة آلاف إلا عشرة دراهم قال لأن المدبر لو قتل لم يضمن قاتله إلا ذلك إذا كانت قيمته أكثر من عشرة آلاف درهم فكذلك إذا قتل هو لم يضمن مولاه أكثر من ذلك قلت وإنما يضمن المولى ما كان يضمن قاتله قال نعم قلت أرايت هذا الذي ضمنت المولى في ماله أم على عاقلته قال بل في ماله قلت لم قال لأنه عبد فلا تضمن العاقلة جناية العبد قلت فلم لا يكون جناية المدبر في عنقه قال لأن العبد لا يلزمه جنايته(2/323)
في عنقه إذا دبره مولاه بعد الجناية أو أعتقه وهو لا يعلم بالجناية فكذلك إذا جنى وهو مدبر لأن المولى حال بينه وبين الدفع قلت وكذلك المدبر لو جنى جناية خطأ دون النفس فقطع يدا أو نحو ذلك أو جراحة قال نعم قلت وإنما يضمن السيد الأقل من الجناية والقيمة قال نعم قلت أرأيت مدبرا جنى جناية فقتل رجلا خطأ وقيمته ألف ثم زادت قيمته حتى صارت ألفين ثم جاء ولي المجني عليه فخاصم ما القول في ذلك قال يضمن السيد قيمته يوم جنى قلت وكذلك إن كانت قيمته نقصت بعد الجناية قال نعم قلت ولا يلتفت إلى الزيادة في قيمته والنقصان ويقضي بالقيمة يوم جنى وينظر فان كانت القيمة يوم جنى أقل من الجناية قضيت بها وإن كانت الجناية أقل قضيت بالجناية قال نعم قلت أرأيت المدبر إذا جنى جناية خطأ ثم مات المدبر قال الجناية على السيد كما ذكرت لك ولا ألتفت إلى موت المدبر ولا حياته قلت ولم ذلك قال لأن ذلك ليس في عنقه وإنما هو دين على المولى قلت أرأيت إن اختلف المولى وصاحب الجناية في العبد(2/324)
فقال المولى كانت قيمته مائة درهم وقال صاحب الجناية كانت قيمته ألفا قال القول قوله إلا أن يدعى المولى الأقل من قيمته يوم يظهر أمرهما في الجناية وقال أبو حنيفة ويعقوب ومحمد إذا قتل العبد خطأ وقيمته عشرة آلاف أو أكثر ففيه خمسة آلاف إلا عشرة ما يقطع فيه السارق وينقص ذلك من دية الرجل والمرأة ويقضي بهما جميعا وبطل من كل قيمته عشرة دراهم في النفس وقال يعقوب لو قطعت يد العبد فصالح على عشرة آلاف درهم فاني أرد من الصلح أحد عشر درهما وقال في الأمة إذا قطعت يدها خطأ فصالح المولى على خمسة آلاف جاز من ذلك خمسة آلاف إلا أحد عشر درهما وقال محمد في العبد أعطي مولاه بالجناية في يد العبد خمسة آلاف إلا خمسة دراهم وأعطيه في الألفين وخمسمائة إلا خمسة دراهم لا أجعل دية العبد أكثر من دية الحر يد الحر والأمة كذلك إلا أني أنقص درهما في الألف من دية العبد وأنقص درهما في الألف من أرش دية الأمة(2/325)
قلت أرأيت إن اختلفا المولى وصاحب الجناية في العبد فقال المولى كانت قيمته مائة درهم وقال صاحب الجناية كانت قيمته ألفا قال القول قول المولى والبينة على صاحب الجناية قلت ولم قال لأن الجناية على السيد وصاحب الجناية هو المدعي فالقول قول المولى قلت وكذلك إن كان المدبر جنى وقد كان أقر صاحب الجناية أنه جنى عليه منذ سنة وادعى أن قيمته يوم جنى كانت ألفين وقيمته اليوم ألف قال نعم ولا يصدق صاحب الجناية والقول قول المولى إذا كان الأمر على ما ذكرت قلت أرأيت إن قال صاحب الجناية لم تزل قيمته الفا حتى الساعة وقال السيد كانت قيمته يوم جنى أقل ولا يعلم متى كانت الجناية قال لا يصدق السيد ويلزمه القيمة على ما قال اليوم قلت ولم قال لأن القيمة قد لزمت المولى فلا يصدق إلا أن يقيم البينة قلت فان أقام البينة أخذت ببينته قال نعم وفيها قول آخر قول محمد أن المجني عليه إذا أقر أن الجناية كانت قبل اليوم في وقت لا يدري كم كانت قيمته يومئذ فالقول قول السيد لأن الجناية(2/326)
إنما تلحق السيد فيها قيمة المدبر يوم جنى وليس يلزمه قيمته يوم يختصمون فالقول قول المولى في قيمته في اليوم الذي كانت فيه الجناية لأن المدبر قد تزيد قيمته وقد تنقص وهذا قول ابي يوسف الآخر رجع إليه وترك قوله الأول قلت أرايت مدبر جنى جناية فقتل رجلا خطأ فأدى مولاه قيمته بقضاء قاض ثم جنى جناية أخرى بعد ذلك وهي مثل الجناية الأولى ما القول في ذلك قال ليس على المولى شيء ويتبع صاحب الجناية الآخرة الأول الذي أخذ القيمة فيشركه فيها فيما أخذ منها فتكون بينهما نصفان قلت ولم لا يكون على المولى شيء قال لأنه لا يلزمه بعد القيمة الأولى شيء إذا أداها لأن دفعه القيمة بمنزلة دفعه العبد لو كان يقدر على دفعه قلت أرأيت إن لم يقدر على الذي أخذ القيمة منه أيكون على المولى شيء قال لا قلت فمتى قدر على الذي أخذ القيمة شركه فيما أخذ منه قال نعم قلت فان مات وترك مالا أيكون نصف القيمة دينا عليه في ماله قال نعم(2/327)
قلت أرأيت إن جنى المدبر بعد ذلك جناية أخرى أيكون على السيد شيء قال لا ولكن يتبع الذين أخذا القيمة فيشركهما في ما في أيديهما فتكون القيمة بينهم على قدر الجناية قلت وكذلك ما جنى المدبر بعد ذلك فانما يتبع الذين أخذوا القيمة وإن كثر ذلك قال نعم قلت وإنما تقسم القيمة بينهم على قدر الجناية فيعطى كل إنسان بحصته قال نعم قلت فان جنى على إنسان وأخذ جنايتين أو جنايات وجنى على آخر أيضرب صاحب الجنايات في القيمة بجيمع الجنايات قال نعم قلت أرايت إن كانت قيمة المدبر عشرة آلاف أو أكثر فغرم المولى عشرة آلاف إلا عشرة دراهم بكم يضرب ولى القتيل وصاحب الجراحة فيها قال يضرب صاحب الدية بجميع الدية ويضرب صاحب الجراحة بالجراحة قلت وكذلك لو كانت لواحد جراحات أو ديات ضرب بجميعها قال نعم قلت أرأيت مدبرا قتل لارجلا خطأ وقيمته ألف درهم فزادت قيمته حتى صارت الفين ثم قتل آخر بعد ذلك خطأ ما القول في ذلك قال يغرم المولى ألفين فيكون ألفا منها لولى القتيل الآخر خاصة وتكون الألف الأخرى يضرب فيها الأول بعشرة آلاف ويضرب(2/328)
فيها الآخر بتسعة آلاف قلت ولم صار هذا هكذا قال لأنه جنى على الأول وقيمته ألف وجنى على الآخر وقيمته الفان فالفضل للآخر وصارت القيمة الأولى بينهما على ما ذكرت لك قلت أرايت إن نقصت قيمته حتى صارت خمسمائة ثم جنى الثاني ما القول في ذلك قال يضمن المولى ألفا فيكون خمسمائة منها للأول ويكون الخمسمائة الباقية بينهما يضرب فيها الأول بعشرة آلاف إلا خمسمائة ويضرب فيها الآخر بعشرة آلاف كلها قلت ويكون فضل القيمة إذا زادت للآخر وإذا نقصت كان الفضل للأول وقسمت ما بقي على ما ذكرت لك قال نعم قلت وكذلك إذا زادت القيمة أو نقصت ثم جنى أخرى كان الأمر على هذا النحو قال نعم قلت أرأيت مدبرا قتل رجلا خطأ فأدى مولاه قيمته وهي ألف درهم ثم زادت قيمته ألفا ثم قتل آخر ما القول في ذلك قال يغرم المولى ألفا للأخر ويتبع الآخر الأول فيكون ما في يديه بينهما على ما ذكرت لك في الباب الأول قلت أرأيت إن كانت قيمته نقصت ثم قتل الثاني قال لا شيء على المولى في هذا الوجه ويتبع الآخر الأول فينظر إلى فضل القيمة يوم جنى على الأول والقيمة اليوم فيكون ذلك للأول خاصة ولهما ما بقي بينهما يضرب فيها الآخر(2/329)
بعشرة آلاف والأول بعشرة آلاف إلا فضل ما أخذ من القيمة قلت وكذلك إن قتل آخر فهو على هذا النحو قال نعم قلت أرأيت مدبرا قتل رجلا خطأ وقيمته ألف فأعطى المولى ألفا بغير أمر القاضي ثم قتل المدبر آخر بعد ذلك ما القول فيه قال يغرم السيد خمسمائة ويرجع السيد بذلك على الأول قلت ولم قال لأن السيد قد دفع القيمة بغير أمر قاض وقد كان وجب فيها لهذا حق قلت فهل للآخر أن يتبع الأول ويدع السيد قال نعم يتبع أيهما شاء قلت أرايت إذا فعلوا ذلك بغير قضاء قاض ثم قتل آخر بعد ذلك اليوم قال يغرم السيد ثلث قيمته لهذا الآخر ويرجع بها على الأولين قلت وكذلك إن جنى على آخر ضمن حصته من القيمة ثم يرجع بها عليهم قال نعم قلت أرايت إن دفع السيد القيمة إلى الأول بغير أمر القاضي ثم جاء الثاني فغرم نصف القيمة بأمر القاضي ثم قتل آخر بعد ذلك ما القول فيه قال تكون القيمة بينهم أثلاثا ويتبع الآخر الأولين بثلث القيمة كل واحد بنصف ذلك وهو بالخيار في ذلك الذي يتبع به الأول من ذلك إن شاء أخذ منه وإن شاء أخذ من المولى فان أخذ من المولى رجع به المولى على الأول قلت ولم قال لأنه كان دفع ذلك إلى الأول بغير أمر القاضي قلت وكذلك إن جنى بعد ذلك كان على(2/330)
هذا النحو قال نعم قلت أرأيت إن قتل رابعا يضمن المولى ثلث ربع القيمة ويرجع بذلك على الأول قال نعم قلت ولا يضمن حصة الآخرين قال لا قلت لم قال لأن القاضي قد قضي بذلك عليه وأما الأول فانه يضمن حصته مما يصيب الآخر لأنه كان دفع إليه بغير أمر القاضي وكل شيء جنى بعد ذلك فهو على هذا النحو قلت أرأيت مدبرا قتل رجلا خطأ وقيمته ألف فأعتق السيد العبد وهو يعلم بالجناية هل يضمن الدية قال لا والعتق وغيره في هذا سواء والأمر كما ذكرت لك قلت أرأيت مدبرا قتل رجلا خطأ وفقا عين آخر فضمن المولى القيمة كيف القيمة بينهما قال على ثلاثة أسهم الثلثان من ذلك لصاحب النفس والثلث لصاحب العين وهذا قول ابي حنيفة في الدفع بغير قضاء قاض أنه يخير صاحب الجناية فان شاء ضمن المولى وإن شاء ضمن القابض وقال أبو يوسف إذا دفع المولى القيمة بأمر القاضي أو بغير أمره فهو سواء ولا ضمان عليه في شيء من ذلك لأنه إنما دفع حقا لازما قد وجب يوم دفعه ولم يجب للثاني يومئذ فيه حق وكذلك قول محمد ابن الحسن باب ما يحدث المدبر في الطريق قلت أرأيت مدبرا حفر بئرا في الطريق فوقع في البئر رجل(2/331)
فمات ما القول في ذلك قال يضمن مولاه قيمته قلت ولم قال لأن هذا بمنزلة ما جنى بيده قلت والأمر في هذا مثل ما ذكرت في القتل إذا قتل خطأ قال نعم قلت أرأيت إذا أدى المولى قيمته ثم وقع فيها آخر بعد ذلك ما القول فيه قال تكون القيمة التي أخذ الأول بينه وبين الآخر نصفين وإن شاء دفع لغيره لأنه قد هلكت القيمة التي أخذ وإن شاء دفع مما في يده أو من غيره والنصف الذي وهب للمولى كأنه وهب له فمن مال ليس من القيمة قلت ولم قال لأن المولى لا يغرم أكثر من قيمته قلت فان وقع فيها آخر بعد ذلك قال يشرك الأولين في القيمة فتكون بينهم أثلاثا قلت وكل من وقع فيها بعد ذلك اشتركوا في تلك القيمة قال نعم قلت والأمر مثل ما ذكرت لي في باب القتل في جميع ذلك قال نعم قلت أرأيت إذا وقع في البئر رجل ومات فدفع المولى القيمة إلى وليه بقضاء قاض فوهب ولي الميت نصف قيمة العبد للمولى ثم وقع فيها آخر فمات قال يدفع النصف الذي في يديه إلى شريكه كله قلت ولم قال لأنه إنما وجب له نصف القيمة وكان هذان شريكين جميعا فوهب له أحدهما نصيبه ألا ترى أن الجنايتين جميعا في عنقه والقيمة بينهما قلت أرأيت إن وقع فيها ثالث وقد غرم الواهب نصف القيمة(2/332)
للثاني بأمر القاضي قال على الواهب للمولى سدس القيمة ويتبع الذي أخذ نصف القيمة فيأخذ منه ثلث ما في يده قلت ولم قال لأن القيمة بينهم أثلاثا وقد وهب له الأول نصيبه وقد أدى المولى إلى الثاني نصيبه وفضل نصيب الآخر قلت وكذلك إن وقع فيها رابع بعد ذلك كان على هذا النحو قال نعم قلت أرأيت مدبرا حفر بئرا في الطريق وقع فيها رجل فمات ثم كاتب المولى المدبر ثم جاء ولي الميت وأخذ من المولى قيمته بأمر القاضي ثم وقع فيها آخر بعد ذلك ما القول فيه قال يتبع الأول في القيمة فتكون القيمة بينهما نصفين قلت ولم وإنما وقع الثاني وهو مكاتب قال لأن الجناية إنما وقعت يوم احتفر البئر قلت وكذلك كل من وقع فيها بعد ذلك اشتركوا في القيمة قال نعم قلت أرأيت إذا أدى فعتق أو أعتقه المولى أهون بهذه المنزلة قال نعم قلت وإن وقع فيها إنسان بعد ذلك أيكون على عاقلة المولى قال لا ولكن يكون في القيمة التي أخذها الأول قلت أرأيت مدبرا احتفر بئرا ثم أعتقه مولاه فوقع في البئر رجل فمات قال يضمن المولى القيمة قلت وكذلك إن مات المدبر ووقع فيها رجل فمات كانت القيمة على المولى قال نعم قلت وموت العبد وحياته وعتقه في هذا كله سواء قال نعم قلت ولم قال(2/333)
لأن الجنابة وقعت يوم احتفر البئر قلت أرأيت مدبرا احتفر بئرا وقيمته ألف درهم ثم وقع فيها رجل وقيمته ألفان ما القول في ذلك قال على المولى قيمته ألف درهم يوم احتفر قلت ولم وقد قلت إذا قتل فعليه قيمته يوم قبل قال إنما تقع الجناية يوم حفر البئر وذلك كأنه قبل يوم حفر ألا ترى أن كل من وقع فيها أشركه في القيمة وإن وقع بعد العتق والموت وقبل ذلك فهو سواء ولو كانت الجناية لا تقع يوم حفر البئر لكان إذا وقع فيها إنسان بعد الموت لم يكن عليه شيء وليس هذا بشيء وإنما تقع الجناية يوم يحفر قلت أرأيت مدبرا حفر بئرا ثم أعتقه مولاه ثم وقع مولاه في البئر قال دمه هدر قلت ولم قال لأن عبده حفرها ألا ترى أن كل من وقع فيها كان ذلك على المولى قلت وكذلك لو وقع عبد لمولاه أو مكاتب والمولى وارثه أو ابنه والأب وارثه أو غير هؤلاء ممن لا يرثه إلا المولى قال نعم إلا المكاتب فان على المولى قيمته إن كانت قيمته أقل من قيمة المدبر يؤدي مكاتبته من ذلك وما بقي فهو ميراث قلت أرأيت إن كان للمكاتب ولد أحرار ما القول في ذلك(2/334)
وقد حفر المدبر البئر بعد ما كاتب المولى المكاتب قال ينظر إلى الأقل من قيمة المكاتب ومن قيمة العبد المدبر يوم حفر البئر فيكون على المولى الأقل من ذلك قلت أرأيت إن كانت قيمة المكاتب يوم حفر العبد البئر أقل من قيمة العبد يوم حفر أيكون على المولى الأقل قال ينظر إلى قيمة المكاتب يوم وقع وإلى قيمة العبد يوم حفر فان كانت قيمة العبد أقل كان ذلك على المولى قلت وكذلك لو قع فيها عبد غيره أو مكاتب غيره أو عبد قد أعتق بعضه وهو يسعى في نصف قيمته فهو سواء قال نعم قلت أرأيت إن كان المدبر قد حفر البئر قبل أن يكاتب السيد العبد ثم كاتبه بعد ذلك ثم وقع في البئر فمات وله ورثة سوى المولى هل على المولى شيء قال نعم هذا والأول سواء وعلى المولى الأقل من قيمة المدبر والمكاتب يؤدي من ذلك بمكاتبته وما بقي فهو ميراث قلت أرأيت إن وقع فيها ابن المولى أو غيره ممن يرثه المولى وغيره قال يضمن المولى حصة من يرث معه من قيمة العبد ويسقط حصته من ذلك قلت ولم قال لأن على المولى قيمة العبد(2/335)
فما كان له من ذلك فهو باطل وما كان لغيره فهو عليه قلت أرأيت مدبرا وضع حجرا في الطريق فعطب به إنسان فمات ما القول في ذلك قال يضمن المولى قيمته قلت وكذلك لو صب ماء فعطب به إنسان فمات قال نعم قلت وكذلك لو كان يسوق دابة فأصاب إنسانا أو كان يقودها أو كان راكبا قال نعم قلت وكذلك لو أشرع كنيفا أو ميزابا فأصاب إنسانا قال نعم قلت وكذلك ما وضع الحر من هذا النحو فضمنته فيه ضمنت مولى المدبر الأقل من الجناية ومن القيمة إذا فعل ذلك المدبر قال نعم قلت وكل هذا عندك بمنزلة ما جنى بيده قال نعم قلت أرأيت مدبرا حفر بئرا فأعتقه مولاه ثم مات المولى بعد ذلك ثم وقع في البئر إنسان فمات ما القول في ذلك قال تكون قيمة المدبر يوم حفر البئر دينا في مال المولى قلت لم قال لأن الجناية قد لزمت المولى قبل موته يوم حفر العبد البئر ألا ترى أني إنما ضمنته قيمته يوم حفر البئر قلت أرأيت إن لم يكن المولى ترك شيئا هل يضمن ورثته شيئا قال لا قلت ولم قال لأن ذلك إنما هو على المولى قلت أرأيت إن كان المولى ترك مالا وعليه دين يحيط بماله أيضرب فيه صاحب الجناية بقيمة العبد مع الغرماء قال نعم(2/336)
قلت فان وقع فيها آخر بعد ذلك دخل في القيمة فيضرب فيها بنصفها مع الغرماء والأول قال نعم قلت وكذلك كل من وقع فيها بعد ذلك قال نعم قلت أرأيت إن لم يقدر على الغرماء وقدر على الأول الذي ضرب مع الغرماء بالقيمة قال يكون بما في يديه بينهما جميعا لأن حقهما في القيمة واحد.
باب غصب المدبر:
قلت أرايت مدبرا غصب من رجل دابة فقتلها ما القول في ذلك قال تكون قيمة الدابة في عنق المدبر يسعى فيها قلت وكذلك إن ماتت في يديه قال نعم قلت فهل على المولى من ذلك شيء قال لا قلت لم قال لأن ذلك دين في عنق العبد ولأن هذا ليس بجناية العبد ولا يشبه هذا الجناية في الناس قلت لم ومن أين اختلفا قال الجناية يدفع بها العبد إذا جنى وأما ما كان من غير الجناية فان ذلك دين عليه في عنقه يباع فيه أو يؤدي عنه مولاه ولو اغتصب متاعا فأهلكه كان ذلك دينا في عنقه فكذلك
المدبر تكون الجناية دينا على المولى لأنه لا يقدر على دفعه ويكون ما سوى تلك الجناية دينا في عنقه قلت وكذلك لو أن مدبرا اغتصب رجلا متاعا أو عرضا غير ذلك أو هدم دارا لرجل أو حرق له ثوبا أو فعل نحو هذا كان ذلك دينا في عنقه قال نعم قلت أرأيت إن كان الذي اغتصب من ذلك أكثر من قيمة رقبته ما القول في ذلك قال يلزمه جميع قيمة ما أصاب بالغا ما بلغ وإن كان ذلك أكثر من قيمته أضعافا قلت أرأيت إن اغتصب دابة لرجل أو خرق ثوبا لآخر كيف يكون ذلك في رقبته قال يكون ذلك كله دينا في عنقه يسعى فيه فما سعى فيه من شيء فهو بينهما على قدر قيمة الثوب والدابة قلت وكل ما أصاب فهو على هذا النحو قال نعم قلت أرأيت إن سعى لأحدهما دون الآخر وقد قضي القاضي لهما جميعا أيرجع الذي لم يأخذ على صاحبه بحصته من ذلك قال نعم قلت لم قال لأن ما سعى فيه من شيء فهو لهما ألا ترى لو أن عبدا محجورا عليه كان عليه دين لقوم فأخذ بعضهم من ماله شيئا شاركه الآخرون فيه فكذلك هذا(2/337)
قلت أرأيت مدبرا اغتصب شيئا مما ذكرت لك ثم مات المدبر ولم يدع مالا أيكون على المولى شيء من ذلك قال لا لأن ملكه ذلك دين في عنق العبد فلما مات بطل قلت فان أعتق المولى المدبر بعد ما أصاب ما ذكرت لك هل عليه شيء قال لا ولكن ذلك على المدبر على حاله قلت وسواء إن كان المولى يعلم بذلك أو لا يعلم قال نعم قلت ولم قال لأن المولى لم يفسد عليهم شيئا وإنما كان لهم في عنقه السعاية قلت أرأيت إن اشترى المدبر وباع بعد ما أصاب الذي أصاب هل يجوز بيعه وشراؤه قال لا قلت ولم قال لأن المدبر ليس بمأذون له في التجارة قلت أرأيت إن اكتسب مالا أيكون لأصحاب الغصب قال نعم قلت أرايت إن وهب له مال أو تصدق به عليه لمن يكون قال لأصحاب الغصب حتى يستوفوا حقهم لأن ذلك دين في عنقه قلت ولا يلحق المولى من ذلك شيء قال نعم باب جناية المدبر على مولاه قلت أرايت مدبرا قتل سيده خطأ ولا مال له غيره ما القول في ذلك قال يسعى المدبر في قيمته كلها لورثة الميت قلت ولم وأنت تزعم أن المدبر من الثلث قال لأنه قتل مولاه ولا وصية له(2/338)
لأنه قاتل ألا ترى أني أجيز وصية لقاتل فقد أوصى له الميت بقيمته حيث دبره فلا أجيز له من ذلك شيئا قلت أرأيت إن كان للميت مال كثير يخرج المدبر من ثلثه قال يسعى أيضا في جميع قيمته وسواء أكان ترك الميت مالا أو لم يترك لأنه لا وصية له قلت وكذلك لو أن رجلا حضره الموت فأعتق عبدا له في مرضه ولا مال له غيره أو له مال يخرج العبد من الثلث ثم إن العبد قتل سيده خطأ قال نعم هذا والمدبر سواء في الوصية وهو على ما ذكرت لك إلا أن هذا يكون عليه قيمة أخرى من قبل الجناية قلت أرأيت إن رمى المدبر رجلا أو شيئا فأصاب مولاه فقتله أو على نحو ما ذكرت لك قال نعم احتفر بئرا أو وضع حجرا في الطريق أو صب ماء أو أخرج شيئا إلى الطريق فأصاب ذلك سيده أو زلق بالماء فمات ما القول في ذلك قال يعتق المدبر في جميع هذه الوجوه من الثلث ويكون كأنه مات موتا قلت ولم قال لأن هذا لا يشبه الباب الأول ولأن هذا ليس بقاتل بيده ألا ترى لو أن حرا فعل شيئا من هذا فأصاب رجلا وهو وارثه فمات ورثه لأن هذا ليس بقتل بيده وكذلك المدبر ولا تبطل وصيته(2/339)
قلت وكذلك ما أصاب الحر من ذلك فلم نورثه في ذلك من الذي قبله فانا نبطل فيه وصية المدبر قال نعم قلت وكل ما لا يبطل فيه وصية المدبر فانك تورث الحر فيه قال نعم قلت وتفسير هذين الوجهين على ما ذكرت لي في الباب الأول قال نعم قلت أرأيت مدبرا قتل سيده عمدا ما القول في ذلك قال ذلك إلى الورثة إن شاؤا قتلوا وإن شاؤا عفوا ولهم أن يستسعوه في قيمته قبل أن يقتلوه قلت أرايت إن استسعوه في قيمته هل لهم أن يقتلوه بعد ذلك قال نعم قلت ولا يكون هذا عفوا منهم قال لا قلت لم قال لأن هذا حق لازم للعبد يسعى فيه قلت ولم يكون لهم أن يستسعوه ثم يقتلوه قال لأنه لا وصية له لأنه قاتل لهم أن يقتلوه لأنه قتله عمدا قلت أرايت إن كان للميت ابنان فعفا أحدهما ما القول في ذلك قال يسعى في قيمته لهما جميعا ويسعى أيضا في نصف قيمته خاصة للذي لم يعف قلت لم قال لأنه لا وصية له فعليه أن يسعى في قيمته فلما عفا أحدهما لزمه نصف قيمة أخرى الذي لم يعف على ما ذكرت لك لأن الدم والقصاص قد وجب عليه بعد موت المولى(2/340)
قلت أرأيت عبدا جرح مولاه فأعتقه البتة ثم إن مولاه مات من تلك الجراحة ما القول في ذلك قال إن كان المولى صاحب فراش مريضا سعى العبد في قيمته لورثته وإن كان يخرج ويذهب ويجيء فالعبد حر ولا سبيل عليه قلت وكذلك لو أن عبدا جرح مولاه جراحة ثم أعتقه مولاه قال نعم إن أعتقه مولاه وهو صاحب فراش سعى في قيمته وإن كان يخرج فلا شيء عليه قلت لم قال لأنه قاتل فاذا أعتقه في حال مرضه وهو فيه صاحب فراش فلا وصية له وأما أذا أعتقه وهو صحيح يخرج فهو جائز ألا ترى لو أن رجلا جرح رجلا جراحة فأقر له بدين وهو يخرج ويذهب ويجيء جاز ذلك عليه وإن كان صاحب فراش لم يجز إقراره وكذلك الأول قلت أرأيت مدبرة قتلت مولاها خطأ وهي حبلى ثم ولدت بعد موته هل على ولدها سعاية في شيء من رقبته قال لا قلت أرأيت إن جرحت سيدها جراحة ثم ولدت ولدا ثم مات سيدها من ذلك الجرح ما حالها وحال ولدها قال أما المدبرة نفسها فانها تسعى في قيمتها وأما الولد فانه يعتق من الثلث قلت ولم لا يكون الولد بمنزلة الأم قال لأن الأم هي التي قتلت فلا وصية لها قلت أرأيت مدبرا قتل مولاه هو ورجل آخر ما القول في(2/341)
ذلك قال يسعى المدبر في جميع قيمته كأنه قتله وحده قلت ولم قال لأنه قاتل فلا وصية له قلت أرأيت مدبرا قتل سيده خطأ وعلى المولى دين يحيط برقبته ما القول في ذلك قال يسعى المدبر في قيمة واحدة لأصحاب الدين قلت أرأيت المدبر إن كان مأذونا له في التجارة فصار عليه دين ثم قتل مولاه خطأ ما القول فيه قال يسعى لغرمائه في قيمته قلت ولم قال لأن الدين عليه دون مولاه ألا ترى أن مولاه لو أعتقه في حياته لم يكن عليه ضمان لأنه لم يفسد عليهم شيئا والقيمة التي يسعى فيها العبد قيمة رقبته فغرماؤه أولى بها ألا ترى أن المدبر لو قتل في حياة مولاه كانت قيمته لغرمائه فكذلك إذا سعى في قيمة رقبته بعد الموت قلت أرايت إن كان عبدا مأذونا له في التجارة فاستدان دينا ثم جرح مولاه جرحا ثم أعتقه مولاه وهو صاحب فراش ثم مات المولى من ذلك الجرح ولا مال له غيره قال يسعى لأصحاب دينه ولا يسعى لورثة الميت في شيء وإن كان الدين مثل القيمة أو أكثر يسعى فيه وإن كان أقل سعى في الدين وفيما بقي من قيمته لورثته قلت أرايت إن كان المولى أعتقه وهو يخرج ويذهب ويجيء ثم مات بعد ذلك من تلك الجراحة قال إن كان المولى ترك شيئا فأصحاب الدين(2/342)
بالخيار إن شاؤا ضمنوه قيمة العبد فكان ذلك فيما ترك وأخذوا ما بقي من العبد وإن شاؤا اتبعوا العبد بالدين كله ولا سعاية على العبد لورثة مولاه قلت أرأيت رجلا حضره الموت وله عبد لا مال له غيره فأعتقه ثم إن العبد قتل المولى خطأ ما القول في ذلك قال يسعى العبد في قيمتين لورثة الميت قيمة لأنه لا وصية له لأنه قاتل وقيمة أخرى بالقتل لأنه قتله بعد ما أعتقه ألا ترى أنه لو قتل غير المولى سعى في ثلثي قيمته للورثة ويسعى في قيمته للأول هذا قول أبي حنيفة في الجناية أن العبد تكون جنايته في عنقه يسعى فيها ما دامت عليه سعاية من رقبته لأنه بمنزلة المكاتب وقال أبو يوسف ومحمد ذلك على عاقلة المولى لأنهم عاقلة المعتق ولا يكون على المعتق سعاية لأنه حر وإن كان يسعى في شيئ من قيمته قلت أرأيت إن كان مال كثير يخرج من الثلث قال فان كان كذلك فان كان قتل مولاه فالأمر كما وصفت لك وإن قتل غيره خطأ فالدية على عاقلة مولاه قلت ولم قال لأنه إذا قتل مولاه فلا وصية له وإذا قتل غيره وهو يخرج من الثلث وهو رجل حر فالدية على العاقلة قلت أرايت مدبرا قتل مولاه ورجلا آخر بدأ المدبر فضرب مولاه ثم ضرب الآخر وكل ذلك خطأ ثم ماتا جميعا ما القول في ذلك وقد مات(2/343)
الرجل قبل المولى قال تكون في مال المولى قيمته ويسعى المدبر في قيمته للورثة قلت وكذلك إن كان بدأ فضرب مولاه قبل ثم مات الرجل قبل المولى قال نعم قلت أرأيت إن مات السيد قبل ثم مات الآخر ما القول في ذلك قال تكون القيمة دينا في مال المولى ويسعى المدبر في قيمته للورثة قلت وكذلك إن كان بدأ فضرب الرجل قال نعم قلت ولم تكون القيمة على السيد وقد مات الرجل قال لأن المدبر ضرب الرجل والمولى حي ألا ترى لو أن مدبرا ضرب رجلا فجرحه جراحة ثم مات المولى ثم مات الرجل بعد ذلك كانت القيمة في مال المولى قلت أرأيت إن لم يكن للمولى في الباب الأول مال ما القول فيه قال يسعى المدبر في قيمة رقبته لأصحاب الجناية ولا يسعى للورثة في شيء قلت ولم قال لأن القيمة دين على مولاه ألا ترى أنه لو كان على المولى دين سعى فيه فكذلك الباب الأول قلت أرأيت مدبرا ضرب رجلا فجرحه وضرب مولاه فجرحه ثم ماتا جميعا لا يدري أيهما مات أول ما القول في ذلك قال هذا على نحو ما ذكرت لك في الباب الأول قلت ولم قال لأنه ضرب الرجل والسيد حي ألا ترى أنه إن كان السيد مات بعد فالقيمة عليه وإن مات قبل فالقيمة عليه أيضا لأنه ضرب الرجل والسيد حي فاذا مات من تلك الضربة فالقيمة على السيد على كل حال(2/344)
باب جناية المدبرين أحدهما على صاحبه قلت أرايت رجلين لكل واحد منهما مدبر فقطع كل واحد منهما يد صاحبه فبرئا جميعا قال يضمن سيد كل واحد منهما نصف قيمة مدبر صاحبه مدبرا إلا أن يكون قيمة مدبره أقل من ذلك فيكون عليه الأقل قلت وكذلك كل ما جنى أحدهما على صاحبه قال نعم يكون على سيد كل واحد منهما الأقل من الجناية ومن القيمة قلت ولا ينظر إلى أيهما بدأ بالجناية قال لا لأن المولى إنما يغرم الأقل من الجناية ومن القيمة يوم جنى إن كان صحيحا أو مقطوع اليد قلت أرأيت إن ماتا جميعا قال يضمن كل واحد منهما قيمة مدبره إلا أن يكون قيمة المدبر الآخر أقل فيكون ذلك عليه قلت وسواء إن كان أحدهما بدأ بالضربة أو ضربا جميع قال نعم قلت أرأيت إن مات أحدهما وبقي الآخر ما القول في ذلك قال يكون على مولى العبد الباقي قيمة مدبره إلا أن يكون قيمة الميت أقل فيكون عليه الأقل ويضمن مولى الميت الأقل من جناية الحي ومن قيمة الميت قلت وكذلك إن أعتقهما مولياهما جميعا بعد الجناية كان جناية كل واحد منهما على صاحبه على نحو ما ذكرت قال نعم على كل واحد منهما الأقل من قيمة عبده وأرض جنايته على صاحبه إلى يوم أعتق الآخر سيده ولا يضمن الفضل الذي حدث في الجناية بعد العتق قلت وجناية(2/345)
كل واحد منهما على صاحبه مثل جنايتهما على غيرهما والحكم فيه على ما ذكرت في هذا الباب قال نعم باب جناية المدبر بين اثنين قلت أرأيت مدبرا بين رجلين جنى جناية ما القول فيه قال على الرجلين الأقل من قيمته ومن أرش الجناية وهو سواء إن كان لواحد أو اثنين قلت أرأيت إن كان لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثان فكيف تكون الجناية عليهما قال يكون ثلثاها على صاحب الثلثين وثلثها على صاحب الثلث على قدر ما لهما في العبد قلت أرأيت إ كان أحدهما قد دبر نصيبه من العبد ولم يدبر الآخر ورضي الآخر أن لا يضمنه وترك العبد على حاله ثم جنى العبد جناية ما القول فيه قال الآمر فيه كما ذكرت لك في الباب الأول قلت ولم لا يدفع الذي لم يدبر نصيبه قال لأن نصيب شريكه مدبر فلا يقدر على دفعه ألا ترى أنه لا يقدر عل بيعه قلت أرأيت إن جنى جناية فغرما قيمة ثم جنى أخرى بعد ذلك وقد دفعا القيمة بقضاء قاض هل عليهما شيء بعد ذلك قال لا قلت لم قال لأنهما غرما قيمته فلا يكون عليهما شيء بعدها(2/346)
قلت فهل يتبع صاحب الجناية الآخر الأول فيشاركه فيما أخذ قال نعم وهذا قول أبي حنيفة في الذي دبر نصفه ولم يدبر الآخر وقال أبو يوسف ومحمد إذا كان العبد بين رجلين فدبره أحدهما فهو مدبر كله فان جنى بعد ذلك جناية فهي كلها على الذي دبره ويغرم الذي دبره نصف قيمته عبدا لشريكه موسرا كان أو معسرا قلت أرأيت مدبرا بين اثنين جنى على أحدهما ما القول في ذلك وقيمة المدبر مائة درهم وأرش الجناية ألف درهم قال يكون على الآخر نصف قيمة المدبر وتبطل نصفها لأن ذلك في حصته قلت أرأيت إن أدى ذلك إليه الآخر بأمر القاضي ثم جنى جناية أخرى على رجل وأرشها ألف درهم ما القول في ذلك قال نصف قيمة المدبر على المولى الذي كان جنى المدبر عليه ويكون النصف الباقي فيما أخذ المولى فيقتسمانه على قدر أنصاف جنايتهما ولا يضمن المولى الذي لم يجن عليه شيئا بعد ذلك غير النصف الأول قلت ولم قال لأنه قد غرم نصف قيمته مرة فلا يغرم أكثر من ذلك قلت أرأيت إن جنى جناية أخرى بعد ذلك وهي ألف قال لا يكون عليهما من هذه الجناية شيء ولكن يتبع الاخر الأول والمولى بذلك فيكون ما أخذ المولى والمجني عليه الأول بينهما وبين الآخر يضرب فيه المولى بنصف حقه ويضرب فيه الاخر بنصف حقه ويضرب فيه الأول بنصف حقه ويكون ما أخذه المجني عليه الأول بينه وبين(2/347)
هذا الآخر يضرب فيه الآخر بنصف الجناية ويضرب فيه الأول بنصف الجناية قلت ولم قال لن نصف جناية كل واحد منهما في نصف قيمة العبد قلت أرأيت إن جنى المدبر جناية أخرى لا بعد ذلك وهي مثل جناية الأول بعد ذلك قال لا يكون عليهما من هاتين الجنايتين شيء ولكن الآخر يتبع الأول والمولى والثالث بذلك فيكون ما أخذ المولى المجني عليه وما أخذ الآخران بينهم فيضرب فيه المولى بنصف حقه ويضرب فيه الآخر بنصف حقه ويضرب فيه الأول بنصف حقه ويضربق في الثالث بنصف حقه ويكون ما أخذ المجني عليه الأول والثالث بينهما وبين هذا الآخر يضرب فيها الآخر بنصف الجناية ويضرب فيه الأول بنصف الجناية ويضرب فيه الأول ويضرب في الثالث بنصف الجناية قلت ولم قال لأن صنف جناية كل واحد منهما في نصف قيمة العبد قلت أرأيت مدبرا بين رجلين جنى علي أحدهما جناية فكانت أكثر من قيمته فغرم المولى الآخر نصف قيمته بأمر القاضي ثم جنى على مولاه الآخر جناية تبلغ قيمته فغرم مولاه الآخر نصف القيمة بأمر القاضي ثم إن المدبر جنى جناية على رجل تبلغ قيمته ما القول في(2/348)
ذلك قال يشرك المجني عليه السيد فيما أخذ كل واحد منهما من صاحبه من نصف القيمة فيضرب مع كل واحد منهما في نصف القيمة التي أخذ من شريكه بنصف الجناية ويضرب كل واحد منهما معه في ذلك بنصف جنايته قلت ولم قال لأن كل واحد من السيدين قد غرم نصف قيمة العبد لصاحبه فلا يكون عليه شيء سوى ذلك وحق صاحب الجناية عليهما لو لم يكن جنى العبد عليهما كان على كل واحد منهما نصف القيمة فقد غرما ذلك فلا يغرمان أكثر منه وصاحب الجناية يكون حقه في ذلك ألا ترى أن المدبر لو جنى جناية فغرما قيمته ثم جنى جناية أخرى لم يكن عليهما شيء وأتبع الثاني الأول فشركه فكذلك إذا غرم كل واحد منهما لصاحيه نصف القيمة باب جناية المدبر بعد موت سيده قلت أرأيت رجلا مات وترك مدبرا ليس له مال غيره فجنى المدبر بعد موت سيده ما القول في ذلك قال يسعى المدبر في الأقل من الجناية ومن قيمته ويسعى للورثة في ثلثي قيمته قلت ولم وقد صار حرا حيث مات مولاه قال لأنه بمنزلة العبد ما دام يسعى في شيء من رقبته قلت وكذلك إن كان عليه دين يحيط بماله فانه(2/349)
يسعى في قيمته للغرماء ويسعى في الأقل من قيمته ومن الجناية قال نعم قلت وكذلك لو كان أعتقه في مرضه ولا مال له غيره قال نعم قلت فما دام المدبر يسعى في شيء من قيمته فهو بمنزلة المملوك قال نعم قلت أرأيت إذا جنى المدبر جناية بعد موت مولاه ولم يدع المولى مالا يوم مات غيره فقضي القاضي عليه بالقيمة ثم جنى جناية أخرى أيقضي عليه أيضا بالقيمة قال نعم قلت أرأيت إن كان القاضي لم يقض عليه بالجناية الأولى حتى جنى الجناية الثانية ما القول في ذلك قال يسعى في قيمته بينهما إذا كانت الجنايتان سواء قلت ولم قال لأنه إذا قضي عليه ثم جنى فلا بد من قيمة أخرى بمنزلة المكاتب وإذا لم يقض عليه فانما عليه قيمة واحدة قلت وهذا عندك بمنزلة المكاتب قال نعم قلت وكل شيء جنى بعد القضاء فعليه ذلك قال نعم قلت أرأيت هذا المدبر إذا جنى جناية بعد موت مولاه فلم يقض بها عليه حتى مات وقد ترك مالا ولم يسع فيما عليه مال القول في ذلك قال يكون عليه الأقل من الجناية ومن القيمة يوم جنى دينا فيما ترك فيدفع ذلك إلى أصحاب الجناية قبل أن تعطي الورثة من السعاية فان(2/350)
فضل شيء أخذ منه الورثة ثلثي القيمة وكان ما بقي ميراثا قلت أرأيت إن لم يدعر إلا قدر الجناية ما القول في ذلك قال يكون ذلك لأصحاب الجناية قلت ولم قال لأنه دين عليه فلا يكون للورثة شيء حتى يأخذ أصحاب الدين دينهم ألا ترى أنه لوكان عليه دين كان كذلك قلت وكذلك إن مات بعد ما قضي القاضي عليه بالسعاية قال نعم قلت أرأيت إن كان عليه دين وجنى ما القول في ذلك قال يكون ما ترك بين أصحاب الدين والجناية بالحصص قلت ولا يبدأ بالدين قال لا قلت ولم قال لأن الجناية دين عليه قلت ولا يشبه هذا المكاتب في هذا الوجه قال لا قلت وسواء إن كان القاضي قد قضى بالجناية أو لم يقض بها قال نعم قلت فان كان قد ترك هذا المدبر ولدا قد ولد له من أمة له ولم يدع شيئا غيرهما ولم يكن سعى في شيء مما عليه من السعاية قال يكون على الولد من ذلك ما كان على أبيه يسعى فيه من ثلثي قيمة الأب والأقل من القيمة والجناية قلت ولم قال لأنه بمنزلة أبيه ألا ترى لو كان على أبيه دين كان عليه أن يسعى فيه قلت أرأيت الأب إن كان قد سعي فيما عليه من السعاية للورثة ولم يقض على الأب بشيء من الجناية حتى مات هل يسعى الابن في شيء(2/351)
من جناية أبيه التي كان جنى قبل أن يؤدي السعاية يؤدي السعاية قال لا قلت لم قال لأنه قد عتق أبوه قبل أن يموت وعتق الابن أيضا مع أبيه فلا يتبعه شيء من دين أبيه بعد العتق قلت وكذلك المكاتب في جميع ما ذكرت قال نعم وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد جناية المدبر بعد موت سيده كانت عليه سعاية أو لم تكن بمنزلة جناية الحر ما كان منها خطأ فهو على العاقلة عاقلة المولى وما كان عمدا ففيه القصاص فان لم يكن يستطاع فيه القصاص فأرش ذلك في ماله باب العبد يوصي بعتقه ثم يجني جناية قلت أرأيت رجلا أوصى بعتق عبد له وهو يخرج من الثلث ثم إن العبد جنى جناية بعد موت المولى وقبل العتق ما القول في ذلك قال ذلك إلى الورثة فان شاؤا دفعوا وإن شاؤا فدوا فان دفعوه بطلت وصيته في العتق وصار للمجني عليه وإن فدوه فالفداء منهم تطوع ويعتقونه عن الميت قلت أرأيت إن أوصى بعتقه وليس له غيره هل هو بهذه المنزلة إذا جنى جناية فدفع قال نعم قلت أرأيت إن فدى قال يعتق ويسعى في ثلثي قيمته(2/352)
قلت أرأيت إن كانت أمة أوصى بعتقها أهي بهذه المنزلة قال نعم قلت أرأيت إن كان الميت عجل عتقها في مرضه وليس له مال غيرها فجنت جناية قبل الموت أو بعد الموت وقد مات المولى في ذلك المرض أهو سواء قال نعم قلت فما يلزمها من الجناية قال الأقل من القيمة والجناية تسعى فيه قلت وتسعى مع ذلك في ثلثي القيمة للورثة قال نعم قلت أرأيت إن كان للميت مال كثير يخرج العبد من الثلث ما القول في ذلك قال تكون الجناية على عاقلة السيد إذا كانت خطأ قلت ولم قال لأنه حر حيث جنى ألا ترى أنه لا يتبعه شيء من السعاية وجنايته جناية حر قلت أرأيت إن أعتقه وليس له مال غيره فجني العبد في مرض سيده ثم برأ السيد من ذلك المرض ما القول في ذلك قال الجناية على عاقلة السيد قلت ولم قال لأنه إذا برأ فقد صار حرا ولا سعاية عليه لأنه جنى حيث جنى وهو حر قلت فاذا مات كان ذلك على العبد يسعى فيه وفي ثلثي قيمته قال نعم قلت وإذا كان يخرج من الثلث كان ذلك ايضا على العاقلة قال نعم إذا كان يجب عليه سعاية فجنايته جناية مملوك في رقبته وإذا صار(2/353)
لا يجب عليه سعاية فالجناية على العاقلة وجنايته موقوفة حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمره فان صار يجب عليه السعاية فالأمر على ما ذكرت لك وإن صار لا يجب عليه السعاية فتلك على العاقلة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فجنايته جناية حر وذلك على العاقلة كانت عليه سعاية أو لم تكن باب جناية مدبر الذمي:
قلت أرأيت مدبرا لرجل من أهل الذمة جنى جناية ما القول في ذلك قال على السيد الأقل من جنايته ومن القيمة قلت وهو في ذلك بمنزلة المسلم يكون له المدبر في جميع ما ذكرت لي من أمر مدبر المسلم وجنايته قال نعم قلت أرأيت إن كان المدبر ذميا فأسلم بعد ما جنى الجناية أهو سواء ويكون ذلك على السيد قال نعم قلت أربأيت إن جنى جناية أخرى بعد ما أسلم قبل أن يقضي على المولى بشيء والجنايتان سواء ما القول في ذلك قال على المولى الأقل من الجنايتين جميعا ومن قيمة المدبر فيكون ذلك بينهما قلت أرأيت إن كانت أحدى الجنايتين أكثر من الأخرى وهما يأتيان على القيمة قال على المولى قيمة العبد لهما يقتسمانها على جنايتهما(2/354)
قلت وكذلك كل ماجنى بعد ما أسلم قبل أن يقضي على المولى بشيء قال نعم قلت أرأيت إن كان قد قضي على المولى بالجناية الأولى وقد كانت أتت على جميع قيمته قال يتبع أصحاب الجناية الأخيرة أصحاب الجناية الأولى فيشركون فيها في القيمة على قدر جنايتهم قلت أرأيت إن أعتقه المولى بعد ماجنى ومات قبل أن يقضي عليه بشيء قال وهو سواء أعتقه أو لم يعتقه أو مات وعليه ما ذكرت لك فاذا مات المولى كان ذلك دينا في ماله قلت أرأيت مدبرا لذمي أسلم ما حال المدبر قال يقضي عليه بالسعاية في قيمته ويعتق إذا أداها قلت أرأيت إذا جنى جناية بعد ما أسلم قبل أن يرفع إلى القاضي وقبل أن يقضي عليه بشيء أهو على ما ذكرت لي في الباب الأول أنه على السيد قال نعم قلت أرأيت إذا رفع إلى القاضي فقضي عليه أن يسعى في قيمته أيصير حرا وتصير جنايته جناية حر قال لا ولكنه بمنزلة العبد يؤدي ما عليه ولكن ليس للسيد عليه سبيل إلا في السعاية قلت أرأيت إن مات السيد بعد ما قضي القاضي عليه وبالسعاية هل يصير حرا قال إن كان يخرج من الثلث فهو حر وتبطل عنه السعاية وإن كان لا مال له غيره سعى في ثلثي قيمته التي قضي بها عليه(2/355)
قلت أرايت إن قضي القاضي عليه بالسعاية بعد ما أسلم ثم جنى جناية ما القول في ذلك قال الجناية عليه دون مولاه يسعى في الأقل منها ومن قيمته قلت وهو في ذلك بمنزلة المكاتب في جميع ما ذكرت لي من أمر جناية المكاتب إذا جنى ثم قضي عليه ثم جنى بعد ذلك أو جنى جناية قبل أن يقضي عليه قال نعم هو يمنزلة المكاتب في جميع ذلك ما لم يؤد
باب جناية الحربي إذا دخل دار الإسلام بامان:
قلت أرأيت حربيا دخل دار الإسلام بأمان ومعه عبد له فدبره في دار الإسلام ثم إن العبد جنى جناية ما القول في ذلك قال يقضي على الحربي بالأقل من الجناية ومن قيمة العبد قلت وهو في جميع حياته ما دام في دار الإسلام بمنزلة مدبر الذمي قال نعم قلت وكذلك لو كانت معه أم ولد له قال نعم قلت أرأيت إن أسلم المدبر بعد ما دبره الحربي أهو بمنزلة ما ذكرت لي من أمر مدبر الذمي أنه يقضي عليه بقيمته ويعتق إذا أداها قال نعم قلت أرأيت إذا لحق الحربي بدار الحرب بعد ما دبره والعبد عندنا في دار الإسلام فجنى جناية هل على المدبر شيء من تلك الجناية قال لا قلت ولم قال لأن ذلك إنما هو على الحربي قلت أرأيت إن رجع الحربي إلى دار الإسلام بأمان هل يقضي عليه بتلك الجناية قال نعم قلت وكذلك إن أسلم أهل الدار وأتى مسلما قال نعم(2/356)
قلت أرأيت إن سبي الحربي ما حال المدبر وحال جنايته قال الحربي فيء والمدبر حر والجناية باطلة لا يلزمه منها شيء قلت ولم تبطل الجناية عنه قال لأن مولاه صار فيئا فلا يلزمه شيء من تلك الجناية وهو فيء قلت أرأيت المدبر ما حاله قال هو حر قلت أرأيت إذا قتل المولى ولم يسب هل يعتق المدبر قال نعم قلت ولم قال لأن الحربي قد قتل قلت أرأيت إذا مات الحربي هل يسعى المدبر في شيء للمسلمين قال لا وهو حر كله قلت أرأيت حربيا دخل دار الإسلام بأمان ومعه مملوك له قد كان دبره في دار الحرب فجني المدبر جناية ما القول في ذلك قال يدفع أو يفدي قلت ولا يشبه هذا ما دبر في دار الاسلام قال لا قلت ولم قال لأن تدبيره في دار الحرب باطل ألا ترى أنه لو باعه جاز بيعه باب جناية المدبر والمدبرة والجناية عليهما قلت أرأيت رجلا جنى على مدبر فقتله خطأ ما القول فيه(2/357)
قال على عاقلة الرجل قيمة المدبر قلت وكذلك المدبرة قال نعم قلت أرأيت إن قطع يده خطأ أو عمدا أتراه سواء قال نعم قلت وما يجب عليه في ذلك قال نصف قيمة المدبر في ماله قلت وكذلك إن فقأ عينه أو قطع رجله قال نعم قلت وما له لا يكون على عاقلته إذا كان خطأ قال لأن المدبر بمنزلة العبد ولا يعقل العاقلة من المدبر ولا من العبد ما دون النفس قلت أرأيت إذا قطع رجل يدي المدبر أو فقأ عينيه ماالقول في ذلك قال على الفاعل ما نقصه من قيمته قلت وكذلك لو قطع رجليه أو قطع أذنيه قال نعم قلت ولم لا يكون عليه جميع قيمته وقد قطع يديه قال لأنه مدبر ولا يستطاع دفعه ألا ترى أنه لو فعل هذا بعبد خير مولاه قان شاء دفعه وأخذ القيمة وإن شاء أمسكه ولا شيء له على القاطع ولا يكون في المدبر إلا ما ينقصه قلت وكذلك المدبر وأم الولد والمكاتب قال نعم قلت وكذلك الذي قد عتق نصفه وهو يسعى في نصف قيمته قال نعم قلت أرأيت المدبر إذا جنى عليه رجل جناية فجرحه في جسده جراحة ليس فيها أرش معلوم ما القول فيه قال على الفاعل به ذلك ما نقصه من قيمته مدبرا وقال أبو يوسف ومحمد في العبد يعتق بعضه(2/358)
وهو يسعى في بعض قيمته والجناية عليه إنه حر كله والجناية عليه كالجناية على الحر من دينه وقال أبو يوسف ومحمد في العبد يفقأ عينه أو يقطع يديه وهو غير مدبر إن مولاه بالخيار إن شاء أخذ ما نقصه وأمسكه وإن شاء دفعه وأخذ قيمته باب جناية المدبر إذا اغتصبه رجل من سيده قلت أرأيت مدبرا أغتصبه رجل فجني المدبر عند الغاصب فقتل رجلا خطأ ما القول فيه قال على المولى قيمته ويرجع بذلك المولى على الغاصب قلت ولم قال لأن ذلك كان عند الغاصب ألا ترى لو أن رجلا اغتصب رجلا فجنى عند الغاصب جناية كانت في عنق العبد فان فداه مولاه أو دفعه رجع على الغاصب بالأقل من جنايته ومن القيمة فكذلك المدبر قلت فاذا قتل رجلا عمدا عند الغاصب فقتل هل يرجع المولى على الغاصب بقيمته قال نعم لأنه أتلفه قلت أرأيت إن جنى جناية أخرى بعد الجناية الأولى في الخطأ عند الغاصب وقد قضي على المولى بالجناية الأولى هل يتبع الغاصب بشيء من ذلك أو المولى قال لا ولكن يتبع المجني عليه الثاني الأول فيشركان في القيمة ويرجع المولى بالقيمة على الغاصب وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد قلت وكذلك كل ما جنى المدبر بعد ذلك قال نعم لأن المولى قد أدى قيمته مرة(2/359)
قلت فان كان غصبه إنسان بعد الأول فجني عنده جناية ولم يكن جنى عند الغاصب الأول إلا جناية واحدة قال وليس على المولى ولا على الغاصب الذي غرم أول مرة قيمة ويرجع المولى على الغاصب الآخر بنصف القيمة من الجناية الاخرة فيدفعه إلى المجني عليه الأول والأمر كما ذكرت قلت أرأيت رجلا اغتصب رجلا مدبرا فقتل عنده رجلا خطأ ثم رده على المولى بعد ذلك فقتل عند المولى آخر ما القول فيه وذلك كله قبل أن يقضي على المولى بقيمته قال على المولى قيمته ويرجع المولى على الغاصب بنصف القيمة فيدفعها إلى الأول ثم يرجع على الغاصب بمثلها قلت ولم قال لأن إحدى الجنايتين كانت عند الغاصب وهذا قول أبي حنيفة وابي يوسف وقال محمد إنه يدفع المولى قيمته من عنده إلى الجنايتين ثم يرجع بنصف قيمته فيسلم للمولى ولا يدفعها إلى أحد ولا يرجع على أحد بشيء غير ذلك لأن الأول قد أخذها فلا يأخذها أيضا فيصير قد أخذ نصفا واحدا من وجهين وقد استوفي جنايته كلها بحيث أخذ نصف القيمة قلت أرأيت إن كان جنى عند المولى جناية ثم غصبه رجل فجني عنده جناية أخرى أهو بهذه المنزلة قال يدفع المولى قيمته(2/360)
ويرجع على الغاصب بنصف قيمته فيدفعها إلى الأول ولا يرجع على الغاصب بشيء قلت أرأيت رجلا اغتصب من رجل مدبرا فجني المدبر على الغاصب جناية وهو في يديه ما القول فيه قال ليس على السيد شيء وجنايته باطل قلت ولم قال لأن الجناية كانت عنده ألا ترى أنه إذا أخذها من السيد رجع بها السيد عليه قلت وكذلك إن جنى على عبد الغاصب أو قتل رجلا والغاصب وراثه قال نعم قلت أرأيت رجلا اغتصب مدبرا من رجل فجني المدبر على مولاه جناية وهو عند الغاصب هل على الغاصب شيء قال لا قلت وكذلك لو جنى على عبد للمولى قال نعم قلت ولم قال لأنه عبده ولا يكون للمولى على عبده شيء كأنه جنى وهو في يديه في قول يعقوب ومحمد وأما في قياس قول أبي حنيفة فجنايته على مولاه لازمة للغاصب لأنه بمنزلة إذا اغتصبه فهو ضامن للأولى مما جنى عليه مما استهلك ومن قيمة العبد.
باب جناية أم الولد والجناية عليها:
قلت أرأيت أم ولد جنت جناية فقتلت رجلا خطأ ما القول في ذلك قال على المولى قيمتها قلت وهي في ذلك بمنزلة المدبر والمدبرة قال نعم قلت وهو على نحو ما وصفت لي في جميع جناية
المدبر قال نعم قلت أرأيت أم ولد جنت جناية في مرض سيدها ثم مات سيدها في ذلك المرض قال على السيد الأقل من قيمتها ومن الجناية دين في ماله قلت أرأيت إن هي جنت بعد موت سيدها قال جنايتها يمنزلة جناية الحرة قلت فان كان سيدها لم يدع مالا غيرها قال وإن كان قلت أرأيت أم الولد إذا جنى عليها رجل جناية فقطع يديها أو فقأ عينها ما القول فيه قال على الفاعل بها ذلك نصف قيمتها قلت أرأيت إن كان فقأ عينيها أو قطع يديها قال عليه ما نقصها قلت وهي في جميع جنايتها والجناية عليها بمنزلة الجناية على المدبر قال نعم قلت أرأيت أمة بين رجلين ولدت ولدا فادعياه جميعا أيثبت نسبه منهما قال نعم قلت وتكون الأمة أم ولد لهما جميعا قال نعم قلت أرأيت إذا مات أحدهما قبل الآخر أو ماتا جميعا وقد تركا(2/361)
مالا كثيرا أو لم يتركا قال هي حرة في جيمع ما ذكرت قلت ولم قال لأنها بمنزلة أم الولد وأم الولد لا سعاية عليها وهذا قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فاذا ماتا جميعا فهو كما قال أبو حنيفة وأما إذا مات أحدهما قبل صاحبه سعت للباقي في نصف قيمتها قلت أرأيت إن جنت جناية ما حالها قال الجناية على السيدين جميعا نصفين قلت وجنايتها في هذا الحال بمنزلة جناية المدبر يكون بين رجلين في جميع ما ذكرت قال نعم قلت أرأيت أمة بين رجلين دبرها أحدهما ثم وطئها الآخر فجاءت بولد فادعاه الواطيء هل يثبت نسبه منه قال نعم وعليه نصف قيمته ونصف عقر الأم قلت ولم كان عليه نصف قيمة الولد قال لأن ولاء الأم قد كان يثبت للآخر ألا ترى أنها لا تصير أم ولد له قلت أرأيت إن جنت جناية ما القول في ذلك قال هو على السيد جميعا قلت وجنايتهما بمنزلة جناية المدبر بين اثنين قال نعم قلت أرأيت إن مات الواطيء منهما وليس له مال غيرها قال نصيبه منها حر وتسعى للآخر في نصف قيمتها مدبرة قلت أرأيت إن جنت جناية وهي في هذه الحال قال عليها الأقل من جنايتها ومن القيمة قلت ولا يكون على السيد من ذلك شيء قال لا(2/362)
قلت إن كان الذي مات منهما المدبر ما القول في ذلك قال إن كان ترك مالا يخرج نصيبه من الثلث عتقت كلها ولا سعاية عليها وإن لم تكن تخرج من الثث عتق نصيب الآخر وسعت للورثة ورثة الميت فيما زاد على الثلث وهذا قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فاذا دبرها الأول فقد صارت مدبرة كلها له فان وطئها الآخر بعد ذلك لم يثبت نسب ولدها منه وكانت هي وولدها مدبرين للذي دبرها وتغرم نصف قيمتها ويغرم الذي وطئها جميع عقرها للذي دبرها باب جناية أم ولد الذمي:
قلت أرأيت أم ولد الذمي إذا جنت جناية ما القول في ذلك قال على سيدها الأقل من الجناية ومن قيمتها قلت فهي في جنايتها والجناية عليها بمنزلة جناية أم ولد الذمي ثم جنت جناية ما القول في ذلك قال هو على المولى على ما ذكرت لك قلت وهي في ذلك بمنزلة جناية مدبر الذمي إذا أسلم قبل أن يقضي عليه بالسعاية في جيمع ما ذكرت لي قال نعم قلت أرأيت إن كان القاضي قضي عليها بالسعاية في قيمتها(2/363)
ما القول فيها قال إذا جنت جناية بعد ما قضي القاضي عليها بالسعاية قال عليها أن تسعى في الأقل من قيمتها ومن الجناية قلت وهي في ذلك بمنزلة مدبر الذمي قد قضي عليه بالسعاية في جميع ما ذكرت لي قال نعم قلت أرأيت إذا جنت جناية بعد ما قضي القاضي عليها بالسعاية في قيمتها ثم مات السيد قبل أن يقضي عليها بالجناية أو بعد ما قضي عليها ما القول في ذلك قال هي حرة وتسعى في الأقل من الجناية ومن القيمة يوم جنت قلت وكذلك لو أن سيدها عجل عتقها قبل أن يموت قال نعم قلت ولم قال لأن ذلك قد كان لزمها قبل العتق قلت أرأيت ما أفسدت أم ولد الذمي أو أم ولد المسلم من ثوب استهلكته أو دابة قتلتها أو دار هدمتها لرجل ما القول في ذلك قال كل ذلك لازم لها في عنقها تسعى فيه بالغا ما بلغ قلت ولا يكون على السيد من ذلك شيء قال لا قلت ولا يشبه هذا الجنايات في الناس قال لا لأن هذا بمنزلة الدين في عنقها باب جناية العبد يعتق بعضه أو الأمة وهي تسعى في بقية قيمتها قلت أرأيت رجلا أعتق نصف عبده ثم جنى جناية بعد ذلك خطأ قبل أن يقضي القاضي عليه بالسعاية أهو سواء قال نعم قلت(2/364)
فماذا يلزمه من جنايته قال الأقل من الجناية والقيمة يسعى فيا قلت وهو عندك في ذلك بمنزلة المكاتب في جنايته قال نعم قلت أرأيت الجناية عليه ما القول فيها قال بمنزلة الجناية على المكاتب في عينه نصف قيمته وفي يده نصف قيمته قلت أرأيت إن قطعت يداه أو فقئت عيناه ما على فاعل ذلك قال ما نقص من قيمته قلت وهو عندك بمنزلة العبد ما لم يؤد ما عليه من السعاية قال نعم قلت أرأيت إن جنى جناية فلم يقض عليه بشيء حتى جنى جناية أخرى أو جنى جنايات ما القول في ذلك قال يقضي القاضي عليه أن يسعى في قيمته لأصحاب الجنايات فيقضي عليه بذلك فيكون بينهم على قدر جناياتهم قلت أرأيت إن جنى جناية فقضي القاضي عليه بقيمته ثم جنى جناية أخرى بعد ذلك ما القول فيه قال يقضي عليه بقيمة أخرى قلت وحاله في هذا كحال المكاتب قال نعم قلت أرأيت إن ولد له في سعايته ولد من أم ولد له ثم مات هل على ولده أن يسعى فيما على أبيه من السعاية قال نعم قلت(2/365)
ويسعى أيضا في الأقل من الجناية ومن قيمة ابيه قال نعم قلت وكذلك لو كانت مملوكة قال نعم قلت وحالها في هذا كحال ولد المكاتب قال نعم قلت أرأيت إن جنى على مولاه جناية أو جنى المولى عليه أيكون المولى في ذلك بمنزلة غيره قال نعم قلت وحاله في جميع أمره كحال المكاتب إلا أن لا يرد في الرق أبدا قال نعم وهذا كله قول ابي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد في ذلك كله إذا أعتق المولى بعضه عتق كله وصار حرا وجنايته كجناية الحر والجناية عليه كالجناية على الحر باب جناية المكاتب إذا جنى وهو مكاتب ثم عجز قبل أن يقضي عليه قلت أرأيت مكاتبا قتل رجلا خطأ ثم عجز قبل أن يقضي عليه ما القول في ذلك قال يخير المولى فان شاء دفعه وإن شاء فداه قلت ولم وقد جنى وهو مكاتب قال لأنه قد عجز فرد في الرق قبل أن يقضي عليه فرد في الرق وهي جناية في عنقه وهذا قول ابي حنيفة وقال أبو يوسف أماأنا فأراه إذا جنى وهو مكاتب فقضي عليه أو لم يقض عليه فهو دين عليه الأقل من الجناية ومن(2/366)
قيمته لأنه قد وجب عليه ذلك وهو مكاتب فلا أبالي أخوصم فيه إلى القاضي أو لم يخاصم ألا ترى أنه لو خاصمه المجني عليه وهو مكاتب لم يقض عليه إلا بما ذكرت لك بالأقل من الجناية ومن القيمة ثم رجع أبو يوسف بعد ذلك إلى قول أبي حنيفة وهو قول محمد لأنه دخل عليه فيه ألا ترى لو أن رجلا جنى عنده جناية فكاتبه وهو لا يعلم ثم عجز ثم جاء ولى المجنى عليه دفع عليه ألا ترى أن هذا لم يمنع عنده قط من أن يدفعه إليه لأنه جنى وهو عبد وطلبت الجناية قبله وهو كذلك فيدفعه إليه ولا يستقيم أن يكون عليه قيمة عبده وهو عبده على حاله يقدر على دفعه بجنايته ولم يخرج من ملكه ألا ترى أنه لو خاصمه المجني عليه وهو مكاتب لم يقض عليه إلا بما ذكرت لك من الجناية أو من القيمة قلت أرأيت المكاتب إذا قتل رجلا خطأ أو رجلين أو ثلاثة أو جنى جنايات كثيرة وهو مكاتب ثم عجز قبل أن يقضي عليه بشيء من تلك الجنايات ما القول في ذلك قال مولاه بالخيار إن شاء دفع المكاتب وإن شاء فداه في ذلك كله كأنه جنى وهو عبد فان دفعه كان العبد بينهم على قدر جناياتهم وإن فداه أدى كل رجل منهم أرش جنايته(2/367)
قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية أو جنايات كثيرة فأعتقه سيده قبل أن يعجز ما القول في ذلك قال عتقه جائز وينظر إلى الجنايات يوم جنى وإلى قيمته يومئذ فيكون على المكاتب من ذلك دينا عليه قلت ولم قال لأنه قد وجب عليه ذلك يوم جنى ألا ترى أنه لو خاصمه إلى القاضي على تلك الجال قضي عليه بالأقل من الجنايات ومن قيمته قلت أرأيت إن كانت قيمته أقل من الجنايات يقضي القاضي عليه بالقيمة بعد ما أعتقه المولى كيف تكون القيمة بينهم قال تقسم القيمة بينهم على جميع أرش جناياتهم فيكون لكل إنسان بقدر حصته من ذلك فما أصاب كل إنسان بحصته من تلك القيمة كان دينا على المكاتب يؤديه إليه قلت لو أدى إلى بعضهم هل يشركه الآخرون قال لا قلت ولم قال لأنه بمنزلة مكاتب عتق وعليه دين لقوم شتى فاذا أدى إلى بعضهم شيئا سلم دون الآخرين فكذلك الجناية لأنها قد صارت دينا عليه حيث قضي عليه بها قلت وكذلك لو كان قضي عليه وهو مكاتب قال نعم قلت وكذلك إذا قضي عليه وهو مكاتب فلم يعتق ولكنه على مكاتبته بعد قال نعم هذا كله سواء وهو بمنزلة الدين يكون عليه(2/368)
قلت أرأيت المكاتب إذا جنى جناية ثم عجز فأعتقه المولى وهو يعلم بالجناية أو لا يعلم بها قال إن أعتقه وهو يعلم بالجناية فهو ضامن لجميع أرش الجناية بالغا ما بلغ وإن كان أكثر من القيمة وإن كان لا يعلم ضمن القيمة إلا أن تكون الجناية أقل قلت ولم وقد جنى وهو مكاتب قال لأنه إذا عجز قبل أن يقضي عليه فكأنه عبد جنى فأعتقه مولاه فان كان يعلم فعليه جميع الجناية وإن كان أكثرمن القيمة وإذا لم يعلم فعليه الأقل من الجناية ومن القيمة قلت أرأيت المكاتب إذا عجز قبل أن يقضي عليه وقد جنى جناية في المكاتبة ثم جنى جناية أخرى بعد ما رد في الرق ما القول في ذلك قال المولى بالخيار إن شاء دفع العبد إليهما جميعا وإن شاء فداه فان دفعه إليهما فهو بينهما على قدر جنايتهما وإن فداه أعطى كل إنسان أرش جنايته قلت ولم وقد جنى على أحدهما وهو مكاتب قال لأنه قد عجز قبل أن يقضي عليه فكأنه جناهما جميعا بعد ما عجز قلت أرأيت مكاتبة جنت جناية وهي مكاتبة ثم إنها ولدت ولدا في مكاتبتها بعد الجناية ثم عجزت قبل أن يقضي عليها بالجناية ما القول في ذلك قال الجناية في عنقها والولد للمولى فان شاء المولى فداها وإن شاء دفعها قلت ولم لا يكون الولد معها قال لأن الولد(2/369)
ليس من الجناية في شيء ألا ترى لو أن أمة جنت جناية ثم ولدت ولدا ثم جاء المجني عليه يخاصم بعد ذلك كانت الجناية في رقبة الأم وكان الولد للمولى فكذلك المكاتبة إذا عجزت قلت أرأيت مكاتبة جنت جناية ثم جنى عليها بعد ذلك ثم عجزت قبل أن يقضي لها وعليها ما القول في ذلك قال المولى بالخيار إن شاء دفعها بالجناية وإن شاء فداءها اتبع المولى الذي جنى عليها وأخذ منه أرشها إن كان ذلك لم يأت على جميع قيمتها فان أتى على جميع قيمتها من نحو ففيء العين أو قطع اليدين أو جدع الأنف وقد برأت من ذلك فان المولى بالخيار إن شاء دفعها إلى الذي جنى عليها وأخذ قيمتها منه وإن شاء أمسكها فان أمسكها فلا شيء له وإن دفعها إلى المجني عليه كان أرش الجناية التي جنت عليها للمجني عليه ويكون في ذلك بمنزلة المولى فيرجع عليه بالجناية فيأخذها منه فان كانت الجناية أتت على جميع القيمة فان شاء دفعها إليه وأخذ قيمتها وإن شاء أمسكها ولا شيء له قلت ولم كان هذا هكذا قال ألا ترى لو أن عبدا جنى على رجل جناية ثم جنى عليه بعد ذلك ثم خوصم المولى فيه كان بالخيار إن شاء دفعه وإن شاء فداه فان فداءه كانت الجناية له وإن دفعه كانت الجناية للمدفعوع إليه العبد(2/370)
باب المكاتب يجني فيقضي عليه بذلك ثم يعجز قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقضي عليه بذلك ثم عجز قال يكون ما قضي به عليه دينا فان أدى عنه مولاه ذلك وإلا بيع فيه قلت وأي شيء يقضي عليه قال بالأقل من الجناية ومن قيمته إن كانت قيمته أقل قضي عليه بقيمته وإن كانت قيمته أكثر قضي عليه الجناية وكان ذلك دينا عليه فاذا عجز بعد ما قضي بذلك عليه بيع فيه إلا أن يؤدي عنه مولاه قلت أرأيت إن قتل رجلا خطأ وهو مكاتب وقيمته أكثر من عشرة آلاف درهم ما الذي يلزمه من ذلك قال عليه عشرة آلاف إلا عشرة دراهم قلت ولم لا يكون عليه قيمته وقيمته أكثر من عشرة آلاف قال لأنه إن قتل رجلا خطأ لم يكن على عاقلته إلا عشرة آلاف وينقص من ذلك عشرة دراهم وإنما أجعل عليه مثل ما أجعل له في ذلك قلت وكذلك لو جنى جنايات كثيرة تبلغ عشرة آلاف درهم أو أكثر وقسيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر قال نعم عليه عشرة آلاف درهم إلا عشرة دراهم لأصحاب الجنايات على قدر جناياتهم لكل إنسان منهم بقدر حصته قلت أرأيت المكاتب إذا جنى جناية فقضي عليه بها ثم جنى جناية أخرى بعد ذلك ما القول فيه قال يقضي عليه أيضا في الجناية(2/371)
الثانية بالأقل من قيمته ومن الجناية قلت فان جنى بعد ذلك جناية أخرى قال يقضي عليه أيضا في الثالثة بالأقل من قيمته ومن الجناية قلت فان جنى جناية أخرى بعد ذلك قال يقضي عليه أيضا في الجناية الرابعة بالأقل من الجناية ومن قيمته قلت وكذلك إن جنى بعد ذلك أخرى قال نعم قلت فان كانت الجناية قتل خطأ أو جراحة فلم يقض عليه بشيء حتى جنى جناية أخرى أو جنايات كثيرة قبل أن يقضي عليه بشيء ثم خاصمه أصحاب الجنايات جميعا ما القول في ذلك قال يقضي عليه بالأقل من قيمته ومن الجنايات وينظر فان كانت الجنايات أقل قضي عليه بها فيكون عليه لكل إنسان أرش جنايته وإن كانت القيمة أقل قضي عليه بها فيكون عليه لكل إنسان منهم بقدر حصته من ذلك لأن القيمة تقسم على الجنايات قلت أرأيت إن كانت الجنايات كلها أكثر من قيمته وقيمته أكثر من عشرة آلاف أو عشرة آلاف قال يقضي عليه بعشرة آلاف إلا عشرة دراهم قلت ولم قال لأنه لو قتل لم يكن على عاقلته إلا ذلك فكذلك جنايته قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقتل رجلا خطأ وقيمته ألف درهم يوم قتله فلم يقض عليه بشيء حتى قتل آخر خطأ وقيمته يوم(2/372)
قتل الثاني ألفان ثم دفعاه جميعا إلى القاضي ما القول في ذلك قال يقضي القاضي على المكاتب أن يسعى في ألفين في قيمته يوم جنى الجناية الآخرة فيكون إحدى ة الألفين للثاني وأما الألف الأخرى فهي بينهما يضرب فيها الآخرة بتسعة آلاف ويضرب فيها الأول بعشرة آلاف فما خرج من السعاية قبل أن يستكمل الآداء فهو بينهما على هذا قلت ولم قال لأنه قتل الأول وقيمته ألف فانما يجب عليه قيمته يوم قتل وقتل الثاني وقيمته ألفان فصارت القيمة الأولى بين الثاني وبين الأول لأنه لم يقضى عليه حتى جنى الجناية الثانية وصار الفضل من قيمته للثاني خاصة ألا ترى أنه لو كان على حاله يوم جنى على الثاني كانت القيمة بينهما نصفين فلذلك صار الفضل للثاني قلت أرأيت ما خرج من سعايته كيف يقسم بينهما قال للآخر نصفها ونصفها بينهما على تسعة آلاف وعلى عشرة آلاف حتى يستكملا قلت ولم قال لأن إحدى الألفين للأول والآخرى بينهما على ذلك قلت أرأيت مكاتبا قتل قتيلا خطأ ثم اعور المكاتب بعد ذلك أو عمي أو أصابه عيب ينقصه من قيمته ثم إن المجني عليه خاصمه ما القول في ذلك قال ينظر إلى قيمته يوم جنى ولا ينظر إلى ما نقصه بعد ذلك فان كانت الجناية أقل قضي عليه بالقيمة قلت أرأيت إن زادت قيمته بعدما جنى ثم خاصمه ما القول في ذلك قال لا ألتفت إلى الزيادة(2/373)
في قيمته ولا إلى النقصان وإنما أنظر إلى قيمته يوم جنى فيقضي عليه بالأقل من قيمته يوم جنى والجناية قلت وإنما تلزمه الجناية يوم جنى ولا يلتفت إلى زيادته ولا نقصانه قال لا قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقضي عليه بها ثم إنه عجز وعليه دين ما القول في ذلك قال يؤدي عنه مولاه ما عليه مما كان قضي به عليه لأصحاب الجناية والدين فان لم يفعل بيع العبد فيه لهما جميعا فكان الثمن بين أصحاب الدين وأصحاب الجناية بالحصص قلت ولم قال لأنه إذا قضي على المكاتب بالجناية فقد صار ذلك دينا عليه وصار مالا في عنقه بمنزلة ما استجدان فاذا عجز صار ذلك دينا يباع فيه فيكون الثمن بينهم بالحصص فان فضل شيء عن دينهم كان للمولى وإن نقص لم يكن على المولى شيء قلت أرأيت المكاتب إذا جنى جناية فلم يقض عليه بها حتى عجز فرد في الرق وعليه دين ما القول في ذلك قال المولى بالخيار إن شاء دفعه بالجناية وإن شاء فداه فان فداه كان الدين في عنقه فان أدى الدين إلى أصحاب الدين وإلا بيع لهم وإن دفعه إلى اصحاب(2/374)
الجناية أتبعه أصحاب الدين وكان الدين في عنقه فان أدى المدفعوع اليه العبد الدين إلى الغرماء وإلا بيع لهم في دينهم فان كان فيه فضل عن الدين كان له وإن نقص لم يكن عليه شيء قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقضي عليه بها ثم جنى جناية أخرى فلم يقض بها عليه حتى عجز فرد في الرق ما القول فيه قال أما الجناية التي قضي عليه بها فذلك دين في عنقه وأما الجناية التي لم يقض بها عليه فهي جناية في عنقه ويخير المولى فان شاء دفعه بالجناية وإن شاء فداه وهذا بمنزلة الباب الأول الذي ذكرت لك الذي عجز وقد جنى جناية ولم يقض بها عليه حتى عجز وعليه دين قلت وكذلك لو جنى جناية فقضي عليه بها ثم عجز ثم جنى جناية أخرى قبل أن يخاصم في العبد قال نعم هذا أيضا بمنزلة الباب الأول قلت أرأيت المكاتب إذا جنى جناية فقضي عليه بها ثم جنى جناية أخرى فقضي بها عليه أيضا ثم عجز ما القول في ذلك قال ذلك دين عليه يباع فيه أو يؤدي عنه مولاه قلت أرأيت إذا جنى جناية أو جنايات فقضي عليه بها ثم عجز كان ذلك بمنزلة الدين عليه قال نعم قلت فان لم يقض بها عليه حتى عجز كان ذلك جناية في عنقه وكان كأنه جنى وهو عبد فان شاء مولاه فداه وإن شاء دفعه قال نعم(2/375)
باب المكاتب يجني جناية ثم يموت قبل أن يقضي عليه أو بعد ما قضي عليه قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فلم يقض بها عليه حتى مات ولم يدع شيئا ما القول في ذلك قال الجناية باطل قلت وكذلك إن قضي عليه قال نعم قلت ولم قال لأن ذلك كأن في رقبته وفيما يترك فاذا مات ولم يدع شيئا بطل ذلك قلت فان كان قد ترك مالا قال ينظر إلى قيمته يوم جنى وإلى الجناية فيقضي عليه بالأقل من ذلك فيؤخذ ذلك من ماله ثم يؤدي إلى المولى ما بقي من المكاتبة فان فضل شيء فكان له ورثة أحرار سوى المولى كان لهم وإلا كان للمولى ويعتق المكاتب قلت أرأيت إن كان قضي عليه بالجناية وقد مات وترك مالا قال يؤخذ ذلك من ماله ثم يؤدي إلى المولى ما بقي من المكاتبة وما بقي فهو ميراث لورثته قلت فهل يصل المولى إلى شيء من ماله أو يعطي ما بقي من المكاتبة حتى يؤدي إلى اصحاب الجناية حقهم قال لا قلت وسواء إن كان قضي عليه بها أو لم يقض قال نعم قلت ولم قال لأن ذلك دين في عنقه على المكاتب فيبدأ بالدين قبل المكاتبة(2/376)
قلت أرأيت المكاتب إذا جنى جناية ثم مات قبل أن يقضي عليه بذلك وعليه دين وقد ترك مالا كثيرا ما القول في ذلك قال يبدأ بالدين فيؤدي إلى اصحاب الدين فان فضل شيء نظر إلى قيمة العبد يوم جنى الجناية فيؤخذ ما بقي الأقل من ذلك ثم يؤدي إلى المولى ما بقي من المكاتبة ويكون ما بقي ميراثا بين ورثته قلت أرأيت إن لم يكن فيما بقي وفاء ما القول في ذلك قال يبدأ فيؤدي الدين قبل الجناية فان فضل شيء كان لصاحب الجناية وإن لم يفضل شيء فلا شيء له قلت ولا يحاص صاحب الجناية صاحب الدين قال لا قلت ولم قال لأن المكاتب قد مات قبل أن يقضي عليه بالجناية وقبل أن تصير الجناية دينا عليه قلت أرأيت إن كان قضي عليه بالأقل من الجناية أو من القيمة قبل أن يموت ثم مات وعليه دين وقد ترك مالا ما القول في ذلك قال يكون ما ترك بين أصحاب الدين واضحا الجناية بالحصص قلت ومن أين اختلف هذا والأول قال لأنه قد قضي عليه بالجناية فقد صار دينا عليه وهو أسوة للغرماء فيما ترك قلت أرأيت المكاتب إذا جنى جناية ثم مات قبل أن يقضي عليه بذلك أو بعد ما قضي عليه وقد ترك مالا وللمولى عليه دين ما القول في ذلك قال يبدأ بالجناية فيعطي أهل الجناية فان فضل شيء أخذ المولى دينه ثم أخذ بعد ذلك ما بقي من المكاتبة ويعتق العبد قلت(2/377)
وسواء إن كان قضي عليه بالجناية أو لم يقض عليه قال نعم قلت ولم قال لأن دين غير المولى أحق من دين المولى فلا يكون للمولى شيء حتى يؤدي ما عليه من الجناية أو دين قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية ثم مات ولم يدع مالا إلا مائة درهم ولم يقض عليه بالجناية والمكاتبة أكثر مما ترك ما القول في ذلك قال يكون ما ترك للمولى قلت ولم قال لأنه قد مات عبدا ولم يترك وفاء ألا ترى أنه لو كان جنى فعجز قيل للمولى افده أو ادفعه قلت أرأيت إن ترك وفاء بالجناية والمكاتبة ما القول فيه قال الأمر فيه كما ذكرت لك في الباب الأول قلت أرايت إن ترك وفاء بالمكاتبة ولم يترك وفاء بالجناية وقد مات قبل أن يقضي عليه بشيء ما القول في ذلك قال يبدأ بالجناية قبل المكاتبة قلت ولم قال لأن المولى إذا قبض المكاتبة فقد صار حرا كله فأكره أن أدفع ذلك إلى المولى وعليه الجناية قلت فان لم يكن فيما ترك وفاء بالمكاتبة كان جميع ما ترك للمولى وبطلت الجناية قال نعم لأنه قد مات عبدا قلت أرأيت مكاتبا مات وترك ابنا ولد له في المكاتبة من أمة له وعليه دين وجناية وقد كان قضي عليه بها أو لم يقض عليه بها(2/378)
ما القول في ذلك قال يسعى في الدين ويسعى في الأقل من قيمة المكاتب يوم جنى وأرش الجناية ويسعى في المكاتبة ولا يجبر على أن يبدأ من ذلك بشيء قبل شيء غير أنه إن عجز عن شيء من النجوم أو أخره عن محله ولم يكن عنده وفاء بذلك حاضر رد في الرق فان رد في الرق بعد ما قضي عليه بالجناية فانه يباع ويكون الثمن بين الغرماء واصحاب الجنايات بالحصص وإن لم يقض عليه بالجناية حتى عجز فان الجناية باطل لا تلزمه من قبل أن المكاتب الأول مات عاجزا والجناية كانت في عنقه دون عنق الابن وصارت الجناية جناية عبد فلما مات عبدا بطل فلا يلزم الابن منها شيء لأن عجز الابن هو عجز الأب ألا ترى لو أن الابن أدى عتق أبوه أولا ترى لو أن المكاتب كان جنى فعجز فرد في الرق ثم مات لم يكن في عنق الابن شيء من جنايته قلت أرأيت مكاتبا مات وقد جنى جناية وترك ابنا قد ولد في مكاتبته من أمة له وهي حية مع ابنها ما القول في ذلك قال يقضي عليهما أن يسعيا في المكاتبة وفي الأقل من قيمة المكاتب يوم جنى وأرش الجناية قلت أرأيت إن كان قد قضي بها على المكاتب قال هي لازمة لهما يسعيان فيها وإن لم يكن قضي بها عليه حتى مات فرفعهما الأولياء إلى القاضي فقضي بها عليهما سعيا فيها أيضا(2/379)
قلت أرأيت إن قضي القاضي عليهما بذلك فقتلت الأم قتيلا خطأ ما القول في ذلك قال يقضي عليها بالسعاية أن تسعى في قيمتها لأولياء القتيل ويسعيان فيما كان من جناية الأول قلت فان جنى الابن جناية أخرى فقتل قتيلا خطأ قال يقضي عليه أن يسعى في قيمته لأولياء القتيل ويسعيان فيما كان من جناية الأول قلت أرأيت إن كانت جنايتهما قبل يقضي عليهما بالجناية الأولى مع ذلك قلت ولم قال لأنه دين لحقهما من قبل الأب قلت أرايت إن عجزا فردا في الرق ما القول في ذلك قال يباع الابن في جنايته خاصة وتباع الأم في جنايتها خاصة إلا أن يؤدي عنهما المولى ما عليهما من ذلك فان فضل شيء من اثمانهما كان في جناية الأب وإن لم يفضل شيء من أثمانهما فلا شيء لصاحب جناية الأب قلت ولم قال لأن دينهما أحق أن يقضي من دين الأب ألا ترى لو مات الأب وعليه دين واستدان الابن دينا بعد ذلك ثم عجز بيع في دينه دون دين أبيه فكذلك الأول قلت أرايت المكاتبة إذا ماتت وتركت مائة درهم وتركت ابنا قد ولدته في مكاتبتها وعليها دين وقد قتلت قتيلا خطأ فقضي عليها أو لم يقض عليها ما القول في ذلك قال يقضي على الابن أن يسعى(2/380)
في المكاتبة وأن يسعى في الدين وفي الأقل من الجناية ومن قيمة الأم ويسعى فيما وصفت لك والمائة بين أهل الجناية وأهل الدين بالحصص قلت أرأيت إن كان قضي عليها بالجناية أو لم يقض فهو سواء قال نعم قلت ولم قال لأن المكاتبة تركت ابنا يسعى في مكاتبتها وكأنها حية تسعى ألا ترى أنها لم تعجز حين كان بعدها من يسعى في المكاتبة قلت أرأيت لو أن الابن استدان دينا وجنى جناية فقضي علبيه بذلك مع ما قضي عليه من دين أمه ومن جنايتها كان عليه أن يسعى في ذلك كله فان عجز فرد في الرق بيع في دينه وجنايته خاصة دون دين أمه وجنايتها فان فضل شيء من ثمنه كان في دين أمه وجنايتها بالحصص وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال نعم قلت فان كان إنما عجز قبل أن يقضي عليه بالجناية قال يخير مولاه فان شاء فداه وإن شاء دفعه ويتبعه دينه عند أهل الجناية فيباع في دينه خاصة دون دين أمه وجنايتها فان فضل شيء بعد دينه لم يكن ذلك في دينه أمه وجنايتها قلت ولم وقد كان دينا في عنقه قبل أن يدفع إلى أصحاب الجناية قال لأن جنايته أولى من جناية أمه ودينها ألا ترى لو أن رجلا مات وترك عبدا وترك دينا كثيرا بيع العبد في دينه حتى يقضي فان جنى العبد جناية قيل للورثة وللغرماء ادفعوا أو افدوا فان فدوه كانوا متطوعين وبيع في دين مولاه الميت وإن فدعوه لم يتبعوه دين مولاه لأن جنايته أحق به من دين مولاه فكذلك ولد المكاتبة جنايته(2/381)
إذا دفع بها أحق من دين المكاتبة لأنه دين كان على غيره وهذه الجناية عليه خاصة فهي أحق بالعبد من دين المكاتبة قلت أرأيت إن أمسكه المولى بعد ما قضي عليه بالجناية فأدى جنايته ودينه الذي كان في عنقه ما حال ما كان قضي به عليه من جناية أمه قال يباع في ذلك أو يؤدى عنه مولاه قلت ولم قال لأنه من الأم فديتها في رقبته قلت أرأيت المكاتب إذا جنى جناية ثم مات قبل أن يقضي عليه بشيء وترك رقيقا وعليه دين ما القول في ذلك قال يباع رقيقه في دينه ويبدأ به قبل الجنابة قلت ولم قال لأنه مات قبل أن يقضي عليه قلت أرأيت إن كان بقي عليه شيء هل يكون لصاحب الجناية قال نعم إن بقي شيء من تركته كان لهم حتى يستوفوا الأقل من قيمته من أرش الجناية وإن لم يبق شيء لم يكن لهم شيء فان بقي شيء بعد ذلك أدبت المكاتبة وما بقي فهو ميراث وإن كان الذي بقي بعد الدين أقل من المكاتبة التي بقيت بطلت الجناية وكان ذلك المال للمولى قلت أرأيت إن كان هذا المكاتب الذي ترك رقيقا منهم من قد أذن له في التجارة فاستدان دينا وقد مات المكاتب وعليه دين وعلى مملوكه هذا دين ما القول في ذلك قال يباع مملوكه هذا في دينه خاصة دون دين المكاتب فان بقي شيء من ثمنه كان في دين المكاتب قلت ولم قال لأن دينه أحق من دين سيده(2/382)
قلت أرأيت عبدا لمكاتب قتل رجلا خطأ ثم مات المكاتب وعليه دين وبقي العبد وليس للمكاتب مال غيره ما القول في ذلك قال يخير المولى فان شاء دفعه هو والغرماء بالجناية ولا حق للغرماء فيه وإن شاء فداه بالدية ويباع في دين الغرماء قلت أرأيت إن كان على العبد دين أيضا مع جنايته ودين المكاتب قال يخير مولاه فان شاء دفعه ويتبعه دين نفسه أين ما كان ولا شيء لغرماء المكاتب فيه وإن شاء فداه ويتبعه غرماء العبد خاصة فان فضل شيء كان بين غرماء المكاتب قلت ولم قال من قبل أن المولى أمسكه وصار متطوعا في الفداء فصار الغرماء أحق به قلت أرأيت مكاتبة ولدت في مكاتبتها ولدا فجنت الأم جناية وجنى الولد جناية ثم مات الولد قبل أن يقضي بذلك أو بعد ما قضي عليه به هل يلزم الأم من جنايته شيء قال لا قلت ولم قال لأن الجناية كانت في عتق الولد فلا يلزم الأم من ذلك شيء قلت أرأيت إن ماتت الأم وبقي الولد وقد كان قضي عليها بالجناية أو لم يقض عليها أيقضي على الولد أن يسعى فيما على أمه من المكاتبة وفيما كان قضي به على الأم من الجناية ويسعى في جنايته أيضا قال نعم قلت أرأيت إن لم يكن قضي عليها قال يقضي على الولد أن يسعى في الأقل من جناية(2/383)
أمه ومن قيمتها يوم جنت وكذلك جنايته يقضي عليه بها أيضا قلت أرأيت إذا عجز الولد فرد في الرق ولم يكن قضي على أمه بالسعاية ولا عليه ما القول في ذلك قال تبطل جناية الأم ويخير السيد فان شاء دفعه بجنايته وإن شاء فداه قلت ولم أبطلت جناية الأم قال لأن الابن حيث عجز فقد ماتت الأم عاجزة فقط بطلت جنايتها وصارت جناية الولد في رقبته قلت أرايت إن كان قضي على الأم بالجناية وعلى الابن جميعا ثم عجز الولد ما القول فيه قال يباع الولد في جنايته إن لم يود عنه مولاه فان فضل شيء من الثمن كان في جناية أمه وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قلت وكذلك إن كان قضي على الولد بالجنايتين جميعا قال نعم قلت ولم قال لأنه حيث قضي على الأم والولد بالجناية فقد صار ذلك دينا عليهما يباع الولد في دينه فيبدأ بدينه قبل دين أمه قلت أرأيت مكاتبة ولدت في مكاتبتها ثم جنت جناية فقضي عليها بالجناية ثم إنها عجزت فردت في الرق ما القول في ذلك قال إن أدى المولى ما كان قضي عليها به في الجناية وإلا بيعت في الجناية لأنه قد صار دينا في رقبتها فان كان في ثمنها وفاء لذلك وإلا بيع ولدها حتى يوفي ما كان في عنقها من ذلك فان فضل شيء من ثمن الولد كان للمولى قلت ولم يباع الولد في ذلك قال لأن ذلك قد صار دينا على الأم وولدها منها قلت أرأيت إن كان على الولد دين حيث عجزت الأم فردت(2/384)
في الرق ما القول في ذلك قال تباع الأم في دينها ويباع الابن في دين نفسه فان فضل شيء من تمن الولد كان في دين الأم إن لم يكن في ثمنها وفاء.
باب جناية المكاتب على مولاه وجناية مولاه عليه:
قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية على مولاه ما القول في ذلك قال جنايته على مولاه وعلى غيره سواء ينظر إلى جنايته على مولاه وإلى قيمته يوم جنى فيقضي عليه بالأقل من ذلك قلت أرأيت إذا قضي عليه بما ذكرت ثم جنى جناية أخرى ما القول فيه قال يقضي عليه بها أيضا ويسعى في الجنايتين جميعا فتكونان عليه جميعا قلت أرأيت إن لم يقض بجنايته على مولاه حتى جنى جناية أخرى ما القول في ذلك قال ينظر إلى قيمته وإلى الجنايتين جميعا فيقضي عليه بالأقل ذلك فان كانت قيمته أقل من الجنايتين جميعا فقضي عليه بالقيمة فيكون ذلك للمولى وللآخر على قدر جنايتهما يسعى في ذلك لهما قلت أرأيت إذا قضى عليه بذلك ثم عجز بعد ذلك ما القول فيه قال تبطل جناية المولى ويكون نصف جميع قيمة العبد للأجنبى بحصته إلا أن تكون جنايته أقل من ذلك فيباع له نصف العبد بذلك أويؤدي عنه المولى ذلك قلت فلم جعلت نصف جميع قيمة العبد للأجنبي وإنما كنت قضبت عليه بنصف القيمة قبل العجز قال لأني قضيت عليه بجميع الجناية دينا في عنقه فصار ذلك دينا في نصف قيمته فلما عجز كان جميع ما قضي به عليه دينا في عنقه فبطل نصفه بنصف المولى(2/385)
قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية على مولاه وجنى جناية أخرى على أجنبي فقضي عليه بالجنايتين جميعا ثم إن المكاتب مات وترك ولدا ولد له في المكاتبة ما القول في ذلك قال يسعى فيما كان على المكاتب من ذلك ويسعى في المكاتبة قلت ولم يسعى في حصة المولى من ذلك قال لأن ذلك دين على المكاتب فولده بمنزلة قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية على مولاه فقضي عليه بها ثم جنى جناية أخرى على أجنبي فقضي عليه بها أيضا ثم إن المكاتب عجز ما القول في ذلك قال تبطل جناية المولى ويكون حق الأجنبي في عنقه يباع فيه كله أو يؤدي مولاه عنه قلت أرأيت رجلا جنى على مكاتبه جناية فقطع يده فقضي عليه بذلك والمكاتبة إلى أجل ثم إن المكاتب جنى على رجل جناية فقضي عليه بها ثم إنه عجز ما القول في ذلك قال تبطل جناية المولى على المكاتب ويباع المكاتب في جناية الأجنبي أو يؤدي مولاه عنه قلت أرأيت إن بيع في ذلك فلم يف ثمنه أقطع هل يكون على المولى شيء قال نعم قلت ولم وقد قطع يد المكاتب قبل جنايته على الأجنبي قال لأن أرش اليد كان دينا على المولى قبل أن يعجز المكاتب فلما جنى وهو مكاتب وقضي بالجناية عليه كان ذلك دينا له على مولاه فلحقه الدين(2/386)
وأرش اليد على المولى لم تبطل عنه فلما عجز كان ما لحقه من دين في ماله من مال ألا ترى لو أن مكاتبا استهلك له مولاه ألف درهم ومكاتبته إلى أجل كان الألف دينا على مولاه فان استدان المكاتب بعد ذلك دينا في بيع أو شري ثم عجز أو مات اتبع المولى بذلك المال حتى يدفعه إلى غرماء المكاتب لأنه كان دينا للمكاتب على مولاه حين عجز فغرماؤه أحق بها من مولاه أو لا ترى أن المكاتب لو كان عليه دين ألف درهم ثم استهلك له مولاه ألف درهم ومكاتبته إلى أجل ثم استبان أن المكاتبة ألف درهم ثم مات ولم يترك غير الدين الذي على مولاه أن الغرماء يتبعون المولى جميعا الأولون والآخرون بالألف التي عليه فيقتسمونها ولو كان الدين يبطل في الباب الأول عن المولى لم يكن الدين الذي على المولى في هذا الباب للغرماء الأولين قلت أرأيت لو أن المكاتب جنى على الأجنبي فقضي عليه بقيمته ثم جنى عليه مولاه جناية بعد ذلك فقضي عليه بذلك ثم إن المكاتب عجز ما القول فيه قال يباع العبد في دين الأجنبي فان وفي وإلا نظر إلى ما نقص من قيمة العبد يوم جنى المكاتب فيضمن المولى ما نقص(2/387)
من القيمة للأجنبي من أرش الجناية التي جناها على المكاتب فان كان ما نقص أكثر أو أقل ضمن الأقل من ذلك وهذا والباب الأول سواء قلت ولم صار هذا هكذا قال لأن الأجنبي قد وجب له قيمة المكاتب يوم جنى عليه فنقصت بعد ذلك من جناية السيد فهو عليه ألا ترى لو أن عبدا جنى جناية على رجل ثم جنى المولى على العبد جناية وهو لا يعلم بجنايته فاختار دفع العبد ضمن ما جنى عليه فكذلك الباب الأول قلت ولم لا تضمنه قيمته يوم جنى عليه السيد قال لأن القيمة قد كانت وجبت للمجني عليه يوم جنى عليه قلت أرأيت رجلا جنى على مكاتب له جناية ثم إن المكاتب مات وترك ولدا قد ولد له في المكاتبة ولم يدع شيئا ما القول في ذلك قال يسعى الولد فيما على المكاتب من المكاتبة وينظر إلى جناية المولى على المكاتب فيرفع عن الابن من المكاتبة بقدر ذلك فان كان في ذلك وفاء بالمكاتبة فالمكاتب والولد حران وإن كان فيه نقصان سعى الولد في الفصل على النجوم قلت أرأيت إن كان على المكات دين ما القول في ذلك قال يقضي على المولى بأرش ما كان جنى فيؤخذ ذلك منه فيؤدي إلى غرماء المكاتب فان وفي بالدين اتبع المولى ولد المكاتب بالسعاية في المكاتبة فان كان فيه فضل رفع الفضل من المكاتبة عن الولد فان لم يف بالدين سعى الولد في فضل الدين والمكاتبة قلت أرايت مكاتبة جنت على مولاها جناية ثم ولدت ولدا في(2/388)
مكاتبتها ثم ماتت المكاتبة قبل أن يقضي عليها وبقي ولدها ما القول في ذلك قال يقضي على الولد بالأقل من الجناية ومن قيمتها يوم جنت والمكاتبة أيضا تسعى في ذلك قلت أرأيت المكاتب إذا جنى على ابن مولاه جناية ما القول في ذلك قال جنايته على ابن مولاه وعلى الأجنبي سواء قلت وكذلك لو جنى على أبيه قال نعم قلت وكذلك لو جنى على كل ذمي رحم محرم منه قال نعم قلت أرأيت مكاتبا جنى على مولاه جناية فقضي عليه بقيمته والجناية أكثر من القيمة ثم إن المولى أعتق نصف المكاتب ما القول في ذلك قال ما كان قضي به عليه فهو عليه فهو على حاله كما كان ويسعى مع ذلك في الأقل من نصف قيمته ومن نصف المكاتبة قلت ولم قال لأن ذلك دين عليه قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية على عبد لمولاه هل يلزمه قال نعم عبد مولاه وعبد الأجنبي سواء قلت أرأيت مكاتبا جنى على مولاه ثم إن المكاتب ولد له ولد في المكاتبة فقضي على المكاتب بذلك ثم إن السيد أعتق المكاتب ما القول في ذلك قال يصير ذلك دينا على المكاتب قلت ولا يبطله العتق عنه قال لا ولكن العتق يزيد ذلك شدة قلت أرأيت رجلا قطع يد مكاتبه فقضي عليه بنصف قيمته ثم(2/389)
إن المكاتب قطع يد السيد بعد ذلك ما القول فيه قال يقضي على المكاتب بالأقل من قيمته يوم جنى ومن الجناية باب العبد يجني ثم يكاتب قلت أرايت عبدا جنى جناية فقتل رجلا خطأ ثم إن سيده كاتبه وهو يعلم بالجناية أو لا يعلم هل تجوز المكاتبة قال نعم المكاتبة جائزة وإن كان كاتبه وهو يعلم بالجناية ضمن جميع الجناية وإن كانت أكثر من القيمة قلت ولم قال لأنه قد اختار العبد حيث كاتبه فان كان لا يعلم ضمن القيمة قلت وهل لأصحاب الجناية أن يردوا المكاتبة قال لال قلت ولم قال لأن ما صنع المولى فيه فهو جائز من مكاتبة وغيرها ألا ترى أنه لو باعه جاز بيعه فكذلك إذا كاتبه قلت أرايت إن كاتبه بعد ما قضي به لأصحاب الجناية قبل أن يقبضوه قال مكاتبته باطل قلت ولم قال لأنه كاتب ما لا يملك ألا ترى أنه لو أعتقه لم يجز عتقه ولو باعه لم يجز بيعه قلت أرأيت عبدا جنى جناية فكاتبه السيد وهو لا يعلم بالجناية ثم إن العبد عجز فرد في الرق قبل أن يجيء أصحاب الجناية ما القول في ذلك قال يخير المولى فان شاء دفعه وإن شاء فداه قلت ولا يلزمه القيمة(2/390)
ويصير العبد عبده قال لا قلت ولم وقد أخذت المكاتبة ولو جاء أصحاب الجناية والمكاتب لم يعجز قضيت على المولى بالقيمة قال لأن العبد عجز قبل أن يجيء اصحاب الجناية فكانت الجناية في عنقه كأنه لم يكاتب قلت إن علم السيد بالجناية بعد ما كاتبه أهو بهذه المنزلة قال نعم قلت ولم قال لأن علمه بعد ذلك ليس بشيء ألا ترى أنه لا يقدر أن يرده بعد ذلك في الرق حتى يعجز قلت أرأيت إن مات المكاتب بعد ما عجز هل يضمن السيد لأصحاب الجناية شيئا قال لا قلت ولم قال لأن الجناية كانت في عنقه وقد بطلت حيث مات قلت أرأيت المكاتب إن مات قبل أن يعجز ولم يدع شيئا أهو بهذه المنزلة قال نعم قلت أرأيت إن مات وقد ترك وفاء بالمكاتبة أهو بهذه المنزلة قال لا ويضمن السيد هاهنا القيمة لأنه قد مات وترك وفاء فصارت الجناية على السيد قلت أرأيت إن مات وترك ولدا ولد في المكاتبة ما القول في ذلك قال يسعى الولد فيما على المكاتب من المكاتبة ويضمن السيد القيمة قلت ولم قال لأن ولد المكاتب بمنزلته ألا ترى أنه إذا أدى عتق وعتق المكاتب معه قلت أرأيت إن عجز الولد(2/391)
فرد في الرق ما القول في ذلك قال لا تبطل القيمة عن السيد لأني ألزمتها إياه ولا يكون في عنق الولد منها شيء قلت أرأيت إن عجز الابن قبل القضاء بالقية قال قد مات الأب عبدا وبطلت الجناية قلت أرأيت إن كان المولى قد أدى القيمة إليهم هل يرجع فيها فيأخذها قال لا لأني قد قضيت بها عليه قلت أرأيت عبدا بين رجلين جنى جناية فكاتبه أحدهما بغير إذن شريكه فأدى إليه المكاتبة ثم جاء أصحاب الجناية ما القول في ذلك قال إن كان الذي كاتب علم بالجناية فهو ضامن لنصف الجناية بالغة ما بلغت وإن كان لم يعلم فهو ضامن لنصف قيمة العبد إلا أن يكون نصف الجناية أقل وأما الذي لم يكاتب فلا شيء عليه وينظر إلى نصف الجناية وإلى نصف قيمة العبد فيكون في حصته من العبد الأقل من صنف الجناية ومن نصف القيمة فان كان الذي كاتب موسرا فالأخر بالخيار إن شاء ضمنه وإن شاء أعتق وإن شاء استسعى فان هو ضمنه أعطى ما أخذ منه من نصف القيمة لأصحاب الجناية وكذلك إن استسعى وإن هو أعتقه ضمن لأصحاب الجناية نصف القيمة قلت ولم لا يضمن جميع نصف الجناية وهو يعلم وقد أعتقه قال من قبل أنه لم يفسد عليهم شيئا وإنما أفسد عليهم الأول(2/392)
قلت أرأيت الذي لم يكاتب هل يرجع بنصف ما أخذ الذي كاتب من المكاتبة قال نعم قلت فهل يكون لأصحاب الجناية شيء من ذلك قال لا قلت ولم قال لأنه بمنزلة الغلة فليس لأصحاب الجناية منه شيء ألا ترى لو أن عبدا جنى جناية فاستغله سيده لم يكن لأصحاب الجناية في الغلة شيء فكذلك الباب الأول قلت أرأيت إن كاتب أحدهما نصيبه باذن شريكه معه وهما يعلمان بالجناية أهو بهذه المنزلة أيضا قال نعم قلت أرأيت إن كاتب كل واحد منهما نصيبه باذن شريكه معه وهما يعلمان بالجناية هل يكون هذا اختيار منهما جميعا للجناية قال نعم قلت ولم قال لأنهما قد حالا بين أصحاب الجناية وبين قبض العبد فكذلك كان هذا منهما اختيار قلت أرأيت رجلا كاتب عبده وقد جنى جناية ثم إن العبد جنى جناية أخرى وهو مكاتب وقد كاتبه المولى وهو لا يعلم بالجناية الأولى فقضي عليه بالجناية الثانية ثم عجز العبد ثم جاء أصحاب الجناية الأولى يخاصمون ما القول في ذلك قال المولى بالخيار فان شاء دفعه إليهم وإن شاء فداه فان دفعه تبعه المقضي له بالجناية وهو مكاتب فيكون ذلك دينا في رقبته فان أدى عنه المقضي له بذلك وإلا بيع في دينه(2/393)
قلت أرأيت إن عجز العبد قبل أن يقضي عليه بالجناية الثانية ما القول في ذلك قال المولى بالخيار إن شاء فداه بجميع الجنايتين وإن شاء دفعه إليهم باب المكاتب يجني جنايات فيقضي عليه ببعضها ولا يقضي عليه ببعض حتى يعجز قلت أرأيت المكاتب يجني جناية فيقتل رجلا خطأ ثم يقتل بعد ذلك رجلا خطأ قبل أن يقضي عليه بالجناية الأولى ثم جاء ولى أحدهما فقضي له بقيمة العبد ولا يعلم بالجناية الأخرى ثم عجز المكاتب بعد ذلك ما القول فيه وقد جاء الآخر بعد ذلك فخاصم قال يكون نصف قيمة العبد للمقضي له دينا في نصف العبد ويكون جناية الآخر في نصف العبد الباقي فان شاء مولاه فداه وإن شاء دفع نصفه فان أدى إلى المقضي له نصف قيمة العبد وإلا بيع نصف العبد له قلت ولم صار هذا هكذا قال لأنه قد صار للمقضي له في عنق العبد دين وأما الذي لم يقض له فجنايته على حالها في نصف رقبة العبد قلت ولم لا يكون جنايته في جميع رقبة العبد قال لأنه قد كان جنى قبل أن يقضي عليه للأول فكانت القيمة بينهما نصفين ألا ترى أنهما لو خاصما جميعا في مكاتبته قضي لهما عليه بالقيمة وجناية كل واحد منهما في نصف قيمته قلت ويصير جميع جنايته الذي لم يقض له في نصف العبد(2/394)
قال نعم قلت ويصير للآخر الدين في نصف العبد قال نعم قلت وسواء أن كان قضي بالعبد لولى الأول أو لولى الآخر قال نعم قلت أرأيت مكاتبا قتل ثلاثة نفر خطأ فقضي عليه لأحدهم ثم إن العبد عجز ما القول في ذلك قال يكون للمقضي له في ثلث رقبة العبد ثلث قيمته دينا عليه وتكون جناية الآخرين في ثلثي رقبة العبد فان شاء المولى فدى ثلثه بجميع الجنايتين وإن شاء دفعه قلت أرأيت مكاتبا قتل رجلين خطأ فقضي لأحهما بقيمة ولال يعلم بجناية اخر ثم جاء الآخر ما القول في ذلك قال يقضي للآخر على المكاتب بنصف القيمة فيكون له ويرجع المكاتب على الأول بنصف القيمة قلت أرأيت إن خاصمه ولى أحدهما وقد علم بالجناية الأخرى بكم يقضي لهذا بنصف القيمة أو بجميعها قال بل بنصف القيمة قلت ولم قال لأن الجنايتين جميعا في عنقه وإنما حق هذا في نصف القيمة قلت أرأيت مكاتبا قبل رجلا خطأ ثم قتل بعد ذلك آخر خطأ فقضي عليه باحدى الجنايتين ثم قتل آخر خطأ ثم جاء الآخران يطلبان بعد ذلك ما القول في ذلك قال يكون للمقضي له الأول نصف القيمة قيمة العبد التي كان قضي له بها ويقضي للمجني عليه الثالث بنصف قيمة العبد أيضا خاصة ويقضي له أيضا وللآخر الذي كان مع الأول بنصف القيمة فيكون بينهما على ثلاثة يضرب فيها الثالث بخمسة آلاف(2/395)
ويضرب فيها الآخر بعشرة آلاف قلت ولم قال لأن الأول قد كان قضي له بنصف القيمة فصار حقه دينا في عنق العبد وبقي جناية الآخر في نصف العبد فلما جنى الجناية الثالثة صار في النصف الذي كان قضي به للأول فقضي عليه أيضا بنصف القيمة ثانية وصار النصف في النصف الباقي فصار نصف جناية الثالث والجناية الأولى جناية كلها في نصف العبد ألا ترى لو أن مكاتبا جنى جناية فقضي عليه بها ثم جنى جناية أخرى بعد ذلك فقضي عليه بها أيضا كان يسعى في الجنايتين جميعا ولو لم يقض عليه قضي لهما بقيمة واحدة فمن ثم قضي الثالث بنصف جنايته أيضا خاصة في نصف العبد لأن نصف العبد قد قضي به للأول فصار حقه دينا عليه وبقي للآخر حق جنايته فمن ثم صار هذا هكذا قلت أرأيت إن كان العبد قد عجز بعد ما جنى على الثالث وقد قضي لأحد الأولين بجنايته ولم يقض للآخر ما القول في ذلك قال يكون للمقضي عليه نصف قيمة العبد دينا في نصف رقبته ويصير نصف جناية الثالث في ذلك النصف ويصير نصف جنايته وجناية الآخر الذي لم يقض عليه في النصف الباقي فان دفع المولى العبد إليهم صار نصف العبد بين الأول والثالث الذي لم يقض له على ثلاثة فيضرب فيه الثالث بخمسة آلاف والأول بعشرة آلاف ويصير النصف الباقي(2/396)
لولى المجنى عليه الثالث خاصة ويصير حق المقضي له في هذا النصف دينا فان أدى غليه نصف القيمة وإلا بيع له بدينه قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقتل رجلا خطأ ثم قتل آخر خطأ بعد ذلك قبل أن يقضي عليه بالجناية الأولى ثم إن أحدهما خاصم في حقه فقضي له بنصف قيمة العبد فأداها إليه ثم جاء الآخر بعد ذلك يطلب ما القول فيه قال يقضي له على العبد بنصف قيمته يسعى فيها قلت فهل يتبع الذي أخذ من العبد نصف قيمته فيأخذ منه نصف ما أخذ قال لا قلت ولم قال لأن حقه إنما كانت جناية في عنق المكاتب حتى قضي له بها فصار نصف قيمته دينا عليه ألا ترى لو أن العبد عجز قبل أن يقضي له صارت جنايته في نصف عنق العبد فان شاء مولاه دفعه وإن شاء فداه قلت أرأيت إن مات المكاتب بعد ما استوفي المقضي له نصف قيمته قبل أن يقضي للآخر بشيء ولم يدع المكاتب شيئا هل يتبع الذي أخذ نصف القيمة بشيء قال لا قلت وكذلك لو أن المكاتب عجز فمات بعد ما عجز قال نعم قلت ولم قال لأن حقه إنما كان جناية في عنق العبد فلما مات بطلت قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقتل رجلا خطأ ثم قتل رجلا آخر بعد ذلك خطأ فقضي لأحدهما بنصف القيمة ثم إن العبد عجز فقتل بعد ما عجز رجلا آخر خطأ ما القول في ذلك قال أما المقضي له فحقه دين في نصف العبد لأنه قد كان قضي له به على المكاتب(2/397)
قبل أن يعجز فصار نصف قيمة رقبته دينا في نصف العبد ويخير المولى فان شاء دفع العبد إلى ولي الثاني والثالث أو يفديه بجميع الجنايتين فان هو فداه بيع العبد للمقضي له بحقه أو يؤدي عنه المولى نصف القيمة فان دفع إليهما العبد كان نصف العبد لولي المجني عليه الثالث والنصف الآخر بين الثالث والثاني الذي لم يقض له على ثلاثة أسهم ويباع النصف الذي أخذ الثالث خاصة في دين صاحب الجناية التي قضي بها قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقتل رجلا خطأ ثم جنى جناية أخرى بعد ذلك ففقأ عين رجل خطأ ثم جاء المفقوءة عينه يخاصم المكاتب ما القول في ذلك قال يقضي له عليه بثلث قيمته يسعى فيه قلت ولم قال لأن المكاتب قد قتل وفقأ عينا فتصير قيمته بينهم على ثلاثة أسهم فيصير لولي المقتول ثلثا قيمته وللمفقوءة عينه ثلث قيمته ألا ترى أنهما لو خاصما المكاتب جميعا قضي لهما بقيمته جميعا عليه فيسعى فيها فيصير ثلثاها لولي المقتول وثلثها للمفقوءة عينه فكذلك إذا خاصم أحدهما قلت أرأيت إن عجز بعد ما قضي للمفقوءة عينه بثلث قيمته ما القول في ذلك قال يصير دية المقتول في ثلثي رقبة العبد فيخير المولى فان شاء فدى ذلك بجميع الجناية بالدية وإن شاء دفعه ويباع الثلث الباقي في دين المقضي له أو يؤدي عنه مولاه(2/398)
قلت أرأيت المكاتب إذا جنى جناية بعد ما قضي بفقيء العين وهو مكاتب ثم عجز بعد ذلك ما القول فيه قال أما المقضي له فله ثلث قيمة العبد دينا في ثلث العبد ويصير لولي المجني عليه الثلث ثلث دية المقتول في ثلث العبد الذي فيه هذا الدين ويصير الثلثان من هذه الدية ودية الأول في هذين الثلثين الباقيين أيضا فيخير المولى مولى العبد فان شاء دفع العبد إليهما وإن شاء فداه بجميع الجنايتين فان فداه بيع ثلث العبد في دين المقضي له أو يؤدي عنه مولاه وإن دفعه كان ثلث العبد لولي المجني عليه الثالث خاصة ويصير حق المقضي له في ذلك الثلث إما أن يؤديه إليه وإما أن يباع في دينه ويصير الثلثان بينهما يضرب فيه ولي المجني عليه الآخر بثلثي الدية والذي لم يقض له بجميع الدية قلت ولم قال لأنه قد أخذ ثلث العبد بثلث الدية وإنما كان حق الأول الذي لم يقض له في ثلثي العبد لأن رقبته قد كانت وجبت له وللمفقوءة عينه فكان حقه في ثلثي رقبة العبد قلت أرأيت مكاتبة جنت جناية فقتلت رجلا خطأ ثم فقأت عين آخر بعد ذلك ثم ولدت ولدا ثم إن المفقوءة عينه خاصم المكاتبة فقضي له بثلث قيمتها هل يقضي له في الولد بشيء قال لا قلت(2/399)
أرأيت إن عجزت المكاتبة بعد ذلك ثم جاء ولي المقتول يخاصم وقد ردت في الرق ما القول في ذلك قال تكون دية المقتول في ثلثي رقبة الأم فان شاء المولى فدى ذلك بجميع الدية وإن شاء دفعه فان فداه بيع ثلث المكاتبة في دين المقضي له أو يؤدي عنها مولاها وكذلك إن دفع الثلثين قلت أرأيت إن بيع ثلث المكاتبة فلم يف بما كان قضي للمقضي عليه هل له في الولد شيء والولد حي قال نعم يباع ثلث الولد فيما بقي من حقه أويؤدي ذلك المولى قلت ولم قال لأن حقه دين في ثلث رقبة الأم فولدها منها ألا ترى لو أن مكاتبة عجزت وعليهغا دين وقد كانت ولدت ولدا في مكاتبتها فبيعت في الدين فلم يف ثمنها بالدين بيع معها ولدها فيما بقي من الدين وكذلك الباب الأول يكون ذلك في ثلث رقبة الأم والولد إذا لم يف قلت أرأيت إن كان إنما قضي لولى المقتول على المكاتبة فقضي عليها أن تسعى في ثلثي قيمتها ولم يقض للغمفقوءة عينه بشيء حتى عجزت وقد ولدت ولدا في كتابتها ما القول في ذلك قال تصير دية عين المفقوءة عينه في ثلث رقبتها فان شاء المولى فدى وإن شاء دفع ويباع ثلثاها للمقضي له فان وفي وإلا بيع ثلثا الولد أو يؤدي المولى الدين(2/400)
قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقتل رجلا خطأ ثم قتل رجلين بعد ذلك خطأ فقضي لأحدهما بثلث القيمة ثم إن المكاتب عجز فقتل رجلا آخر بعد ما عجز خطأ ما القول في ذلك قال يكون للمقضي له ثلث قيمته دينا في ثلث رقبته ويخير المولى فان شاء دفع العبد إلى أولياء أصحاب الجناية وإن شاء فداه فان دفعه إليهم كان ثلث العبد لولي المقتول خاصة ويصير للمقضي له في ذلك الثلث ثلث القيمة دينا في رقبة العبد ويصير الثلثان بينهم يضرب فيه الأولون بجميع الدية ويضرب فيه الآخر بثلثي الدية قلت أرأيت مكاتبا جنى جناية فقضى عليه بتلك الجناية ثم جنى جنايتين بعد ذلك فقضي عليه بأحدهما وقد قضي عليه في الجناية الأولى بجميع قيمته ثم عجز فرد في الرق ما القول في ذلك قال أما المقضي له الأول فجيمع ما كان قضي له من قيمة العبد في رقبة العبد وينظر إلى الجنايتين الأخراوين فان كانتا سواء كان نصف قيمة العبد دينا للمقضي له في نصف رقبة العبد ويصير جناية الباقي في نصف العبد فان شاء مولاه فداه وإن شاء دفعه فان فداه بيع العبد وكان نصف ثمنه خاصة للمقضي له الأول وكان النصف الباقي بينهما يضرب فيه الأول بما بقي من دينه ويضرب فيه الباقي بجميع دينه قلت ولم قال لأن الأول جميع دينه في جميع رقبة العبد ودين الباقي نصف العبد(2/401)
قلت أرأيت إن كان السيد دفع نصف العبد بالجناية ما القول في ذلك قال يباع النصف الباقي لهما في دينهما فيقتسمانه نصفين ويكون ما بقي من دين الأول وهو نصف الدين في النصف الذي وقع إلى صاحب الجناية وإن أدى عنه مولاه وإلى بيع له في دينه قلت ولم صار هذا هكذا قال لأن دين الأول كان في جميع رقبة العبد ودين الثاني كان في نصف رقبة العبد فصار هذا النصف الذي صار للمقضي له الثاني بينه وبين الأول وصار النصف الذي صار لصاحب الجناية الأول خاصة يباع له في دينه قلت أرأيت إن قضي للآخرين جميعا بقيمة العبد بعد ما كان جنى على الأول وقضي له وقد كانت جنايتهما بعد ما قضي للأول بجنايته ما القول في ذلك وقد عجز العبد فرد في الرق قال يصير حقهم دينا في رقبة العبد فان أدى المولى جميع دينهم وإلا بيع العبد لهم فكان الثمن نصفه للأول ونصفه للآخرين قلت ولم صار هذا هكذا قال لأن الأول يضرب في الثمن بجميع القيمة لأن جميع القيمة دين في رقبته ويضرب الآخرين بقيمة رقبته أيضا فيصير لهما النصف ويصير للأول النصف قلت أرأيت مكاتبا جنى ثلاث جنايات فأتى على رقبته والجنايات سواء فقضي لواحد منهن بثلث رقبة العبد ثم إن أحد الباقيين وهب جنايته للمكاتب ثم إن المكاتب عجز فرد في الرق ما القول في ذلك قال يصير حق المقضي له في ثلث العبد إما أن يؤدي عنه مولاه(2/402)
ثلث قيمته أو يباع ذلك الثلث له ويخير المولى فان شاء دفع إلى الباقي ثلث العبد وإن شاء فداه بالدية ويصير الثلث الباقي من العبد لمولاه لاحق لهما فيه قلت ولم قال لأن رقبته قد كانت وجبت لهم جميعا فلما عفا أحدهم رجعت حصته من ذلك إلى السيد ألا ترى لو أن عبدا جنى جنايتين فعفا أحدهما عن جنايته قال نصفه للسيد وجناية الآخر في النصف الباقي فكذلك الأول قلت أرأيت مكاتبا جنى جنايتين فعفا أحدهما عنه وقضي للآخر بحقه ثم عجز فرد في الرق كم يباع للآخر من العبد قال نصفه أو يؤدي عنه مولاه ويصير النصف الباقي للمولى قلت أرأيت مكاتبا جنى جنايتين خطأتين على رقبته فقضي لأحدهما بنصف رقبة المكاتب يسعى فيها ثم إن المكاتب عجز فرد في الرق وفي يده مال كثير لا يفي بمكاتبته ما القول في ذلك قال يؤدي إلى المقضي له نصف قيمة العبد من ذلك ويخير المولى فان شاء دفع نصف العبد إلى الباقي وإن شاء فداه بالدية قلت أرأيت إن كان ما في يد المكاتب من المال حيث عجز قدر نصف قيمته أيؤدي ذلك كله إلى المقضي له قال نعم قلت ولم قال لأن ذلك دين في نصفه قلت أرأيت إن كان المال أقل من نصف القيمة أيباع(2/403)
نصف العبد فيما بقي أو يؤدي عنه المولى قال نعم قلت ولا يكون للمقضي له نصف ذلك المال وإنما دينه في نصف رقبة العبد قال لأن المولى لا يصل إليه من ماله شيء حتى يؤدي ما عليه من دين وإن كان في نصف رقبته قلت أرأيت إن كان على العبد دين سوى ذلك قدر قيمة رقبته ما القول في ذلك قال يضرب فيه المقضي له بنصف القيمة ويضرب فيه الآخر بالدين فيقتسمانه على ذلك وينظر إلى ما بقي من دين صاحب الدين فيكون نصفه في حصة المجني عليه يباع فيها أو يؤدي عنه مولاه إلى المجني عليه إن دفع العبد ويكون ما بقي من دينه ودين الآخر في النصف الباقي يباع لهما أو يؤدي إليهما المولي دينهما قلت ولم لا يصير ما في يدي المكاتب من المال لصاحب الدين خاصة قال لأن ما في يديه من مال فهو بينهما بالحصص لأن مالهم دين عليه كله(2/404)
باب جناية ولد المكاتب والجناية عليه:
قلت أرأيت مكاتبا ولد له ولد في مكاتبته من أمة له فقتله رجل خطأ لمن يكون قيمته قال للمكاتب قلت وكذلك إن جرح جراحة كان أرش ذلك للمكاتب قال نعم قلت وكذلك لو كان اشترى ابنه في مكاتبته قال نعم قلت وكذلك لو اشترى أباه قال نعم قلت وكذلك لو كان اشترى ابن ابنه قال نعم قلت وكذلك المكاتبة إذا ولدت ولدا في مكاتبتها أو اشترته قال نعم قلت ولم قال لأن ولدها منها بمنزلة كسبها قلت وكذلك لو أن مكاتبة ولدت ولدا في كتابتها وولد لولدها ولد فالولد هاهنا من كسبها قال نعم قلت فان جنى على ولدها وولد ولدها فهو لها قال نعم قلت أرأيت كسب ولدها وولد ولدها لمن يكون قال لها قلت وكذلك كسب ولد المكاتب إذا ولد له في مكاتبته أو اشتراه قال نعم قلت أرأيت إن جنى على ولد المكاتب جناية فلم يخاصم في الجناية حتى أدت وعتقت لمن يكون أرش تلك الجناية قال للأم قلت ولم لا يكون للولد قال لأن ذلك بمنزلة كسبه وقد كان وجب للأم قبل أن تعتق ألا ترى أنه لو كان في يديه مال قد اكتسبه قبل أداء المكاتبة فانه للأم وللأب دونه وكذلك الجناية عليه قلت أرأيت ولد المكاتبة إذا قتل رجلا خطأ أو جنى جناية(2/405)
ما القول في ذلك قال يقضي عليه بالأقل من الجناية ومن قيمة رقبته ويسعى في الأقل من ذلك قلت فهل يلحق الأم من جناية الولد شيء قال لا قلت وإن مات الولد قبل أن يقضي عليه أو بعد ما قضي عليه قال وإن قلت أرأيت إن عجزت الأم قبل أن يقضي على الولد بشيء من الجناية ما القول في ذلك قال المولى بالخيار إن شاء دفع الولد وإن شاء فداه بالجناية قلت أرأيت إن كان قضي عليه بالجناية ثم عجزت الأم فردت في الرق ما القول في ذلك قال ذلك دين في عنقه يباع فيه أو يؤدي عنه مولاه قلت أرأيت إن لم يكن في قيمته وفاء هل يكون في عنق الأم من ذلك شيء قال لا قلت أرأيت إن كان قد قضي على الابن بالجناية ثم إن الأم عجزت فردت في الرق وعليها دين كثير ما القول في ذلك قال تباع الأم في دينها ويباع الولد فيما كان قضي به عليه من ذلك قلت أرأيت إن لم يبق شيء من ثمن الأم عن دينها هل يشرك غرماء الأم ببقية دينهم غرماء الولد في ثمنه قال لا قلت ولم قال لأن دين الابن أحق أن يقضي من ثمنه من دين الأم قلت أرأيت إن فضل من ثمنه شيء عن دينه هل يكون في بقية دين الأم قال نعم قلت ولم قال لأن الولد بمنزلة الأم ألا ترى أنه(2/406)
لو لم يكن على الولد دين بيع في دين أمه فكذلك إذا فضل من ثمنه شيء عن دينه قلت أرأيت رجلا قتل ولد مكاتبة له ما القول في ذلك قال قيمته للأم قلت ولم قال لأنه منها ألا ترى أنه لو قتله غير المولى كان عليه قيمته لها فكذلك المولى قلت أرأيت مكاتبة ولدت ولدا في مكاتبتها فجنى الولد جناية فقضي عليه بالأقل من قيمته ومن الجناية ثم إن الأم ضمنت ذلك عن ولدها لصاحب الجناية هل يجوز ذلك قال لا قلت ولم قال لأنه ليس عليها في هذه الجناية شيء وإنما هي على الولد قلت أرأيت إن أدت الأم فعتقت هل يجوز ذلك الضمان قال نعم قلت فان عجزت فردت في الرق قال لا يجوز ويكون ما كان من ذلك على الولد ولا يكون على الأم من ذلك الضمان شيء والضمان باطل قلت وكذلك لو كان على الولد دين فضمنته الأم قال نعم قلت ولم صار هذا هكذا قال لأن على الولد ما كان من ذلك فهو عليه وليس بمنزلة المملوك لها ألا ترى أنها إذا أدت فعتقت كان ذلك الدين على الولد دونها وإن عجزت فردت في الرق كان ذلك على الولد في عنقه دونها قلت أرأيت رجلا كاتب عبدا له وامرأته مكاتبة وأحدة وجعل نجومها واحدة ثم إن المكاتبة ولدت ولدا في كتابتها في جنى على الولد جناية أو قتل خطأ لمن يكون أرش جنايته وقيمته قال(2/407)
يكون ذلك كله للأم دون الأب قلت ولم قال لأنه من الأم وهو بمنزلة كسبها ألا ترى أن ما اكتسب الابن كان للأم دون الأب فكذلك الجناية عليه قلت أرايت إن أديا فعتقا لمن يكون ما كان جنى على الولد قال للأم دون الأب قلت ولم قال لأن هذا قد كان لها قبل أن يعتقا قلت أرأيت إن قتل الأب ابنه خطأ أيلزمه من ذلك شيء قال نعم يسعى في الأقل من قيمته وقيمة ابنه والولد للأم إلا أن تكون قيمة الأب أقل من قيمة الأم فيسعى في الأقل قلت أرأيت إن أديا بعد ذلك فعتقا هل تكون تلك القيمة دينا للم عليه قال نعم قلت والأب في الجناية على الولد بمنزلة الأجنبي قال نعم قلت أرأيت إن قتل الولد الأم هل يلزمه شيء قال لا قلت ولم قال لأنه منها قلت وكذلك لو قتلت هي ولدها قال نعم لا يكون من جناية واحدة منهما على صاحبه شيء لأنه كان جنى على نفسه قلت أرأيت إن جنى الولد على الأب هل تلزمه تلك الجناية
قال نعم يلزمه الأقل من قيمته ومن الجناية وإن أديا فعتقا كان ذلك دينا عليه قلت أرأيت إن قتل الولد الأب أيلزمه من ذلك شيء قال نعم يلزمه الأقل من قيمته ومن قيمة ابيه يسعى فيها قلت فهل يلزمه من المكاتبة شيء قال لا قلت ولم قال لأن أمه حية تسعى في المكاتبة قلت وكذلك إن كان الولد قتل الأم وبقي الأب لم يلزمه شيء من المكاتبة ما دام الأب حيا قال لا أما هذا فيلزمه لأنه بمنزلة أمه قلت أرأيت إن قتل أباه خطأ ثم أدت الأم جميع المكاتبة فعتقت هل يعتق معها ولدها قال نعم هما حران جميعا قلت فلمن تكون السعاية التي سعى فيها الولد من قيمة الأب قال تأخذ الأم حصته مما أدعت عنه فتأخذ ذلك من الولد وما بقي من ذلك كان لورثة الأب ولا يرث القاتل إلا أن يكون صغيرا لأن قيمته على الابن كأنه مال تركه فتأخذ الأم من ذلك نصيبها الذي أدت عنهما وما بقي فهو على ما وصفت لك قلت فلمن يكون ما بقي من ذلك قال لورثة المكاتب إن كان له ورثة أحرار وإلا فهو للمولى قلت ولا ترث(2/408)
المرأة من ذلك شيئا قال لا قلت ولم قال لأنه قد مات وهو مكاتب فعتقا جميعا حيث أدت قلت فهل يرث الولد من ذلك شيئا قال لا إلا أن يكون قتله وهو صغير قلت أرأيت رجلا كاتب عبدين له مكاتبة واحدة وجعل نجومهما واحدة فولد لأحدهما ولد في مكاتبته من أمة له ثم إن الأب جنى على الولد أو الولد جنى على الأب فهل يلزم أحدهما من جناية صاحبه شيء قال لا قلت ولم قال لأن جناية ولده عليه وجنايته على ولده كأنه جناها على نفسه قلت أفرأيت إن قتل المكاتب الآخر الولد ما عليه من ذلك قال عليه الأقل من قيمته ومن قيمة الولد قلت ولمن يكون ذلك قال للأب قلت وكذلك إن أديا فعتقا كان ذلك دينا عليه للأب قال نعم قلت وكذلك كل جناية جنيت على الولد كان ذلك للأب قال نعم
باب إقرار المكاتب بالجناية قلت أرأيت مكاتبا أقر أنه قتل رجلا خطأ أو قطع يده هل يجوز(2/409)
إقراره قال نعم ويقضي عليه بالأقل من قيمته ومن الجناية يسعى فيها ويلزمه ذلك ما دام مكاتبا قلت أرأيت إذا أدى فعتق هل يلزمه ذلك قال نعم وذلك دين عليه قلت أرأيت إن لم يقض عليه حتى عتق هل يلزمه ذلك الإقرار قال نعم قلت أرأيت إن كان عجز وقد كان أقر بالجناية ولم يقض عليه بها حتى عجز هل يلزمه شيء من ذلك قال لا قلت ولم قال لأنه قد صار عبدا فلا يلزمه إقراره بالجناية لأن ذلك ليس بدين عليه وإنما يقضي عليه إذا كان مكاتبا فأما إذا عجز ولم يقض عليه بذلك فان إقراره باطل قلت أرأيت إن كان قد قضي عليه بالجناية ثم عجز هل يلزمه شيء من ذلك قال لا قلت ولم قال لأنه إذا عجز فرد في الرق بطل إقراره لأن أصل ذلك جناية باقراره فلا يؤخذ به إذا عجز قلت أرأيت إن كان هذا قد أدى إليه ما كان قضى له به ثم عجز هل يرجع المولى فيأخذ منه ذلك قال لا قلت أرأيت إن كان قد أدى إليه نصفه وبقي نصفه ثم عجز هل يبطل عن المكاتب ما كان بقي عليه من ذلك قال نعم قلت فهل يرجع السيد بشيء مما كان أدى إليه من ذلك قال لا وهذا كله قول أبي حنيفة وهو(2/410)
قول أبي يوسف ومحمد إلافي خصلة واحدة إذا قضي عليه بالجناية فلم يؤدها حتى عجز صارت دينا عليه في عتقه يباع فيها إلا أن يفديه مولاه لأنها حين قضي بها صارت دينا وتحولت عن حال الجناية قبل العجز ولو لم يؤخذ بها في حال المكاتبة قلت أرأيت مكاتبا أقر بأنه قتل رجلا عمدا ثم صالح ولي المقتول من دمه على مال هل يجوز ذلك ويقضي عليه به قال نعم قلت أرأيت إن عجز المكاتب بعد ذلك فرد في الرق هل يلزمه ذلك بعد العجز ويكون ذلك في رقبته قال لا قلت ولم قال لأنه قد صار عبدا وبطل عنه القصاص حيث صالحه فصار كأنه أقر بقتل خطأ فلا يجوز ذلك حيث عجز قلت أرأيت إن كان قد أدى إليه ما كان صالحه هل يرجع بذلك عليه فيأخذ منه قال لا وهذا قول أبي حنيفة رحمة الله عليه وقال أبو يوسف ومحمد المال الذي صالح عليه لازم له وإن عجز قبل أن يدفعه إليه لأنه دين عليه وهو بمنزلة ما قضي به عليه من الإقرار بالجناية قلت أرأيت مكاتبة ولدت ولدا في مكاتبتها ثم أقرت المكاتبة(2/411)
أن ولدها قد جنى جناية على رجل هل يجوز إقرارها عليه قال لا قلت ولم قال لأن ذلك إنما يلزم الولد فلا يجوز إقرارها عليه قلت وإن أدت بعد ذلك فعتقت قال وإن قلت أرأيت إن مات الولد وترك مالا هل يأخذ المقر له بالجناية من ذلك المال شيئا لأن المكاتبة قد أقرت له بالجناية قال نعم له الأقل من قيمة الولد ومن أرش الجناية قلت ولم قال لأن ذلك المال لها وإقرارها على الولد بالجناية جائز فيما ترك قلت أرأيت إن أقرت بدين على الولد هل يلزمه والولد يجحد ذلك قال لا قلت أرأيت إن كان الولد مات وترك مالا فأقرت بذلك هل يجوز ذلك في ذلك المال قال نعم قلت ولم قال لأنها قد أقرت بأن عليه دينا فلا تأخذ من ذلك المال شيئا حتى يؤدي ما عليه من الدين باقرارها ألا ترى أنه لو كان على الدين ثبت ما كان بقي في يديه مما اكتسب للغرماء قلت ولم وأنت تجعل ما اكتسب لولدها قال لأنه في هذا بمنزلة عبدها ألا ترى أنها لو أذنت لعبدها في التجارة فاستدان دينا كان ما اكتسب العبد للغرماء وما بيده من شرى أو بيع أو مال للغرماء فكذلك ولدها قلت أرأيت إن أقر الولد بأن الأم قد جنت جناية هل يلزمه(2/412)
من ذلك شيء قال لا قلت ولم قال لأنه لا يلزمه ما أقر على أمه من جناية لأن ذلك لو جاز كان على الأم دونه قلت فان ماتت الأم وقد تركت مالا كثيرا ما القول في ذلك قال يؤدي إلى المولى ما بقي من المكاتبة وما بقي فهو ميراث للولد ويقضي في ذلك المال الذي بقي بعد المكاتبة على الولد بالأقل من الجناية ومن قيمة الأم قلت ولم قال لأن الولد أقر بجناية الأم فقد أقر بأنه لزمها الأقل من قيمتها ومن الجناية ألا ترى أنه لو أقر بدين على الأم في هذه الحال لزمه ذلك فيما ورث من الأم لأنه ليس له ميراث حتى يقضي الدين والجناية عليها دين فهي في هذا الوجه بمنزلة الدين قلت أرأيت إن كان على الأم دين ببينة هل يجوز إقراره بالجناية على الأم أو بالدين قال لا حتى يقضي الدين الذي ببينة فان بقي شيء في يديه بعد ذلك قضى به الذي أقر له به قلت أرأيت إن كانت الأم لم تدع شيئا فقضي القاضي أن يسعى فيما على الأم هل يجوز إقراره الذي كان أقر به من جناية الأم وهو مقربه اليوم قال نعم يقضي عليه القاضي أن يسعى في الأقل من الجناية ومن القيمة قيمة الأم قلت أرأيت إن عجز بعد ذلك هل يلزمه ذلك في رقبته قال لا قلت أرأيت إن كان قد أدى ثم عجز فرد في الرق هل يؤخذ ذلك من الذي أداه إليه قال لا قلت أرأيت مكاتبة ولدت ولدا في مكاتبتها ثم أقرت الأم بدين(2/413)
على الولد ببينة وفي يديه مال قد كسبه هل يجوز إقرارها قال لا ويكون ذلك المال الذي في يدي الولد للغرماء الذين لهم البينة فان فضل شيء كان للذي أقرت له الأم وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم إلا أن يكتسب الولد مالا بعد ذلك فيكون ذلك المال في ذلك قلت ولم والولد يجحد قال لأن ما اكتسبه الولد فانما هو للأم فالأم تقول لا حق لي في هذا حتى يقضي الدين لأن ولدها بمنزلة عبدها وكسبه لها وإقرارها فيما في يديه جائز فان أدت عتقت وعتق وبطل إقرارها ذلك وكذلك إن عجزت فردت في الرق لم يكن في رقبة الولد من ذلك شيء وإنما يقضي بذلك ما دامت مكاتبة فيما في يدي الولد لأنه مالها قلت أرأيت مكاتبة ولدت في مكاتبتها ولدا ثم أقرت الأم بأن الولد قد جنى جناية والولد يجحد ذلك ثم إن الولد قتل خطأ لمن تكون قيمته قال للأم قلت فهل يكون للمقر له شيء من أرش الجناية في تلك القيمة التي أقرت بها الأم قال نعم يقضي عليها في ذلك بالأقل من الجناية ومن القيمة قلت ولم قال لأن القيمة قد صارت مالا لها وقد أقرت بالجناية فكأنها أقرت بدين على الولد ألا ترى أنها لو كانت أقرت بدين كان في هذه القيمة فكذلك الجناية(2/414)
قلت أرأيت إن كانت قد عجزت فردت في الرق بعد ما قتل الولد هل تكون تلك القيمة للذي أقرت له الأم بالجناية قال لا قلت ولم قال لأن ذلك قد صار مالا للمولى وقد بطل إقرارها حيث عجزت قلت وكذلك لو كانت أقرت على الابن بدين قال نعم قلت أرأيت لو كان قد قضي عليها بتلك القيمة قبل أن تعجز ودفع ذلك إلى المقضي له ثم إنها عجزت بعد ذلك هل يرجع المولى في تلك القيمة فيأخذها من المقر له قال لا قلت أرأيت مكاتبة ولدت في مكاتبتها وإذا ثم إنها أقرت بدين على الولد ثم إنها عجزت فردت في الرق أما يلزم الولد ذلك الدين في عنقه قال لا قلت ولم قال لأن الولد قد صار عبدا للسيد فلا يجوز إقرارها في ذلك قلت فان كانت قد أقرت بأن الولد قد جنى جناية ثم عجزت فردت في الرق هل يجوز ذلك قدار ويلزم الولد قال لا قلت ولم قال لأن إقرارها فيما ذكرت على الولد باطل
باب المكاتب يوجد في داره قتيل أو أشرع شيئا من داره فيصيب إنسانا أو يضع حجرا في الطريق أو يحفر بئرا أو يحدث شيئا في غير ملكه قلت أرأيت مكاتبا وجد في داره قتيل ما القول في ذلك قال يقضي على المكاتب بقيمته يسعى فيها قلت أرأيت إن كانت قيمته عشرة آلاف أو أكثر مال القول في ذلك قال يقضي عليه بعشرة آلاف إلا عشرة دراهم قلت ولم قضيت عليه بما وجدت في داره قال لأن ذلك بمنزلة جنايته ألا ترى أنه لو وجد قتيل في دار حر كان على عاقلته قلت أرأيت مكاتبا وجد نفسه قتيلا في داره ما القول في ذلك قال ليس على أحد شيء قلت ولم قال لأنه وجد قتيلا في دار نفسه فلا يقضي عليه بقيمته فيما ترك ولا يكون في ذلك بمنزلة الحر قلت والحر إذا وجد قتيلا في داره هل يكون ديته على عاقلته قال نعم وهذا قول ابي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا ترى في الحر أيضا دية ولا قسامة إذا أصيب قتيلا في دار نفسه قلت أرأيت مكاتبا وجد قتيلا في دار مولاه ما القول في ذلك قال على المولي قيمة المكاتب في ماله قلت ولم قال لأن دار(2/415)
المولى وغير المولى سواء وهذا عندي كالمولى لو قتله قلت أرأيت إن كان المكاتب لم يدع شيئا سوى قيمته وليس في قيمة المكاتب وفاء بالمكاتبة هل على المولى شيء قال لا قلت ولم قال لأنه قتل عنده قلت فمتى يجعل عليه القيمة قال إذا ترك المكاتب وفاء وكان في قيمته وفاء لأنه يقضي عليه القيمة قال إذا ترك المكاتب وفاء وكان في قيمته وفاء لأنه يقضي عليه بالقيمة ويكون المولى يأخذ مكاتبته من ذلك ويكون ما بقي ميراثا لورثة المكاتب إن كان له ورثة أحرار قلت أرأيت إن لم يكن له وارث غير المولى وقد قتله هل يرثه قال لا ويكون ميراثه لأقرب الناس من المولى قلت ولم لا يرثه قال لأنه قاتل قلت أرأيت إذا وجد قتيلا في دار مولاه فقضي عليه بالقيمة وقد ترك مالا كثيرا وليس له وارث غير المولى هل يرثه المولى بعد ما يستوفي المكاتبة قال نعم قلت ولم وقد قضيت عليه بالقيمة قال لأن هذا ليس بمنزلة جنايته بيده ألا ترى لو أن رجلا وجد قتيلا في دار ابيه ورثه الأب وكانت الدية على عاقلته فكذلك المكاتب وإنما يحرم القاتل الميراث إذا كان قاتلا بيده قلت أرأيت مكاتبا وجد في داره قتيل فقضي عليه بالقيمة ثم عجز ما القول في ذلك قال يكون ذلك دينا في عتقه فان أدى عنه مولاه وإلا بيع قلت ولم قال لأنه إذا قضي عليه بالجناية فقد صار ذلك دينا وإن لم يقض عليه فهي جناية على حالها في عتقه(2/416)
يدفع بها أو يفدي قلت أرأيت مكاتبا حفر بئرا في طريق فوقع فيها إنسان فمات ما القول في ذلك قال يقضي عليه بقيمته يسعى فيها قلت وكذلك إذا وضع حجرا في طريق فعثر به إنسان فمات قال نعم قلت وكذلك إن صب ماء في الطريق فزلق به إنسان فمات قال نعم قلت وكذلك إذا شرع كنيفا أو ميزابا أو حجرا من داره فأصاب إنسانا فقتله قال نعم قلت وكذلك إن كان سائقا أو قائدا فأوطأ إنسانا فقتله قال نعم يكون جميع ذلك جناية في عنقه فيقضي عليه بالأقل من قيمته ومن الجناية قلت أرأيت مكاتبا احتفر بئرا في طريق ثم أدى المكاتبة فعتق ثم سقط في البئر إنسان حر فمات ما القول في ذلك قال يقضي عليه بقيمته يوم احتفر البئر قلت أرأيت إن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر قال يقضي عليه بعشرة آلاف درهم إلا عشرة دراهم قلت أرأيت إن وقع فيها عبد فمات أو حر فانكسرت يده أو جرحته جراحة ما القول في ذلك قال يقضي عليه بالأقل من قيمته ومن قيمة العبد الواقع في البئر ومن أرش الجناية قلت وبأي القيمتين يقضي على المكاتب بقيمته يوم وقع فيها أو بقيمته يوم احتفر البئر(2/417)
قال ينظر إلى قيمته يوم احتفر البئر وإلى الجناية فيقضي عليه بالأقل من ذلك قلت وكذلك لو وقع فيها إنسان وهو مكاتب قال نعم قلت أرأيت مكاتبا احتفر بئرا في طريق وقيمته ألف درهم فزادت القيمة حتى صارت ألفين ثم وقع في البئر رجل فمات ما القول في ذلك قال يقضي على المكاتب بألف درهم يسعى فيها ويقضي عليه بالجناية بقيمته يوم احتفر البئر قلت ولم قضيت عليه بالقيمة يوم احتفر البئر وإنما وقعت الجناية بعد ذلك قال لأن الجناية كانت وقعت يوم احتفر البئر ألا ترى لو أن عبدا احتفر بئرا ثم أعتقه مولاه ثم سقط فيها رجل كان على المولى قيمته ولو لم يكن هذا هكذا كانت الدية على عاقلة المولى ومن جعل الجناية يوم وقع فيها الرجل فينبغي له أن يقضي بذلك على العاقلة قلت وكذلك لو كان مكاتب وضع حجرا في طريق وقيمته ألف درهم فزادت قيمته حتى صارت ألفين ثم عثر بالحجر رجل فمات قال نعم يقضي عليه بقيمته يوم وضع الحجر قلت وكذلك لو صب ماء فزلق به إنسان فقتله قال نعم يقضي عليه في جميع هذا بقيمته يوم فعل ذلك الشيء ولا ينظر إلى قيمته يوم وقعت الجناية لأنه بمنزلة الجناية عندنا يوم فعل ذلك ولو لم يكن هذا هكذا كان(2/418)
إذا أصاب شيئا بعد ما يعتق المكاتب كان على عاقلة سيده فهذا خطأ وينظر إلى قيمته يوم احتفر البئر ووضع الحجر قلت أرأيت مكاتبا وجد في داره قتيل فعلم بالقتيل يوم علم وقيمة المكاتب ألف درهم بأي شيء يقضي عليه قال بقيمته يوم وجد القتيل في داره قلت أرأيت إن أقام المكاتب البينة أنه كان في داره هذه منه سنة وقيمته يومئذ ألف درهم أو علم بذلك قال يقضي عليه بقيمته بما قامت عليه البينة ألف درهم قلت ولم قال لأن ذلك بمنزلة جنايته وبمنزلة ما ذكرت لك من حفر البئر ووضع الحجر وغيره قلت أرأيت المكاتب إذا احتفر بئرا في طريق ثم إن المكاتب جنى جناية بعد ذلك فقتل رجلا خطأ فجاء ولي المقتول يخاصمه فقضي على المكاتب بقيمته فأداها إليه ثم وقع إنسان في البئر فمات ما القول في ذلك قال يشرك الواقع في البءئ الذي أخذ القيمة فتكون بينهما نصفين إن كانت قيمته يوم احتفر البئر ويوم جنى على الثاني سواء قلت ولم يشاركه قال لأن المكاتب قد كان جنى يوم احتفر البئر وهو عندي بمنزلة مكاتب قتل قتيلين قلت أرايت إن كانت قيمته يوم احتفر البئر ألف درهم وقيمته يوم قتل ألفا ن ما القول في ذلك وقد أخذ ولي المقتول ألفين قال يسلم له ألف منها خاصة والألف الباقية يضرب فيها ولي المقتول بتسعة الآف ويضرب فيها ولي الواقع بعشرة آلاف قلت ولم صار هذا هكذا قال لأنه بمنزلة مكاتب قتل قتيلا وقيمته ألف فلم يقض عليه(2/419)
بشيء حتى قتل آخر وقيمته ألفان فيكون الأف لولى الثاني خاصة والألف الباقية بينهما على ما وصفت لك قلت أرأيت المكاتب إذا احتفر بئرا وقيمته ألف ثم زادت قيمته حتى صارت ألفين ثم وقع في البئر رجل فمات ما يلزم المكاتب قال قيمته يوم احتفر البئر قلت أرأيت إن وقع فيها إنسان بعد ذلك وقد غرم القيمة للأول قال يشتركان في تلك القيمة فيقتسمانها نصفين وليس على المكاتب شيء بعد القيمة الأولى قلت وكذلك إن وقع فيها إنسان بعد ذلك آخر قال نعم يشتركون في القيمة الأولى ولا يلزم المكاتب شيء بعد ذلك ابدا ممن وقع في البئر سوى القيمة الأولى قلت ولم لا يلزم المكاتب قيمة بعد القيمة الأولى وأنت تقول لو أن مكاتبا قتل قتيلا فقضي عليه بالقيمة ثم قتل آخر بعد ذلك قضي عليه بقيمة أخرى قال لأنه جان يوم احتفر البئر فصار كل من وقع فيها بعد ذلك كأنه جنى عليهم يومئذ ألا ترى أني أقضي عليه في البئر بقيمته يوم احتفر البئر فصار كل من وقع فيها بعد ذلك كأنه جنى عليه يومئذ وأجعل ذلك كأنه جنى عليهم جميعا ولو لم يكن هذا هكذا لم أقض عليه بقيمته يوم احتفر البئر وقضيت عليه بقيمته يوم وقع فيها فلا ينبغي أن يجعل عليه شيء في قول من لا يجعل الجناية يوم احتفر البئر جناية فلا يكون جناية بعد ذلك(2/420)
قلت أرأيت مكاتبا مال حائط له فتقدم إليه فيه فسقط الحائط على إنسان قبل أن يهدمه فقتله ما القول في ذلك قال يلزم ذلك المكاتب في عنقه يقضي عليه بأن يسعى فيه قلت وهذا بمنزلة البئر يحفرها أوالحجر يضعه في الطريق قال نعم قلت أرأيت مكاتبا أشرع كنيفا إلى الطريق فوقع الكنيف على إنسان فقتله ما القول في ذلك قال يضمن المكاتب قيمته قلت ولم قال لأن هذا مما أحدث المكاتب فاذا أصاب إنسانا فعليه الضمان
باب ما يغصب المكاتب أو يفسد أو يستهلك من الأموال قلت أرأيت مكاتبا اغتصب رجلا عبدا فمات العبد في يديه وقيمة العبد أكثر من قيمة المكاتب ما القول في ذلك قال المكاتب ضامن لقيمة العبد بالغة ما بلغت ويكون ذلك دينا في عنقه قلت ولم قال لأن هذا ليس بجناية وإنما هذا غصب قلت وكذلك لو استهلك مالا لرجل أو دابة أو ثوبا إو غير ذلك قال نعم هو ضامن لجميع ما استهلك من هذا بالغا ما بلغ قلت أرأيت مكاتبا اغتصب دابة فقلتها ما القول في ذلك قال على المكاتب قيمتها بالغة ما بلغت قلت ولم قال لأن هذا ليس بمنزلة الجناية وإنما هذا بمنزلة ما استهلك من الأموال(2/421)
قلت أرأيت مكاتبا اغتصب رجلا عبدا وقيمته ألف درهم ثم زادت قيمته حتى صارت تساوي ألفين والمكاتب يساوي ألفين ثم إن المكاتب قتل العبد ما القول في ذلك قال مولى العبد بالخيار إن شاء أن يضمنه قيمته يوم اغتصبه ضمنه وإن شاء أن يضمنه قيمته يوم قتله ضمنه قلت ولم قال لأنه هو جنى عليه في هذا الوجه وقتله فهو ضامن لقيمته يوم قتله إلا أن تكون قيمته أقل من ذلك فيكون عليه الأقل قلت أرأيت إن مات وقيمته ألفان أهو بهذه المنزلة قال أما هذا فيضمن قيمته يوم اغتصبه وليس هذا كالجناية إذا جنى هو عليه قلت أرأيت إذا اغتصب المكاتب عبدا وقيمته ألف فزادت قيمة العبد حتى صارت ألفين ثم إن الماتب قتل العبد ثم قتل رجلا آخر بعد ذلك خطأ قبل أن يقضي عليه بقيمة العبد ما القول في ذلك قال مولى العبد بالخيار إن شاء ضمنه قيمة العبد يوم قتله فيقضي على المكاتب بقيمته يسعى فيها لولي المقتول ولمولى العبد يقتسمانها على دية المقتول وعلى قيمة العبد قلت ولم قال لأن المكاتب قد جنى جنايتين تزيدان على قيمته فقسمت قيمته بينهما على قدر الجناية قلت أرأيت إن اختار المولى أن يضمنه قيمته يوم اغتصبه وكانت أكثر القيمتين ما القول في ذلك قال إذا اختار المولى أن يضمنه قيمته يوم اغتصبه قضي على المكاتب بقيمة العبد يوم اغتصبه بالغة ما بلغت فيكون(2/422)
ذلك دينا في عنقه يقضي لولي المقتول على المكاتب بقيمة رقبته فيسعى فيها قلت ولم وقد قلت في الباب الأول يشتركان فيها على قيمة العبد وعلى الدية قال لأن السيد إذا ضمنه قيمة العبد يوم قتله فقد صار ذلك جناية ولا يضمن في الجناية إلا قدر قيمته ألا ترى لو أن مكاتبا جنى جنايتين تزيدان على قيمته لم يقض عليه إلا بقيمته فأما إذا ضمنه قيمته يوم اغتصبه فذلك بمنزلة مال اغتصبه فصار ذلك دينا عليه فلا يشرك صاحب الجناية في قيمته ألا ترى لو أن مكاتبا قتل قتيلا خطأ وعليه دين أو اغتصبه مالا ثم جنى جناية كان يقضي على المكاتب لصاحب الجناية بقيمته ويكون الدين في عنقه يسعى فيه قلت أرأيت رجلا كاتب نصف عبد له فاستهلك العبد مالا لرجل أو اغتصبه شيئا فاستهلكه ما القول في ذلك قال يكون ذلك دينا في عنقه يسعى فيه قلت ولم لا يباع النصف الذي لم يكاتب في نصف الدين قال لأن نصفه مكاتب ولا يجوز بيع النصف الذي لم يكاتب قلت ولم قال لأنه قد جرى فيه عتق غيره قلت أرأيت مكاتبة ولدت في مكاتبتها ثم إن المكاتبة اغتصبت مالا أو دابة فاستهلكتها ثم إنها ماتت ما القول في ذلك قال يلزم ولدها ما كانت الأم اغتصبت فيقضي على الولد أن يسعى في مكاتبته(2/423)
وفي ذلك الدين قلت ولم قال لأن ذلك دين على الأم ألا ترى أنه لو كان على الأم دين يقضي على الولد أن يسعى فيه قلت أرأيت جميع ما استهلك المكاتب من الأموال والدواب والعروض أيكون ذلك بمنزلة الدين في عنقه قال نعم بالغا ما بلغ ولا يشبه هذا الجناية في الأنفس والجراحات قلت أرأيت مكاتبا قطع يد عبد ونصف قيمة المقطوعة يده أكثر من قيمة المكاتب بأي شيء يقضي عليه قال بقيمته قلت ولم قال لأن هذا جناية وما جنى العبد من جناية خطأ في نفس أو غيرها حرا كان أو مملوكا فانه يقضي على المكاتب بالأقل من الجناية ومن قيمته قلت أرأيت مكاتبا استودعه رجل عبدا له فقتل المكاتب العبد خطأ ما القول في ذلك قال يقضي عليه بالأقل من قيمته ومن قيمة العبد قلت أرأيت إن استودعه رجلا مالا فاستهلكه قال يضمن جميع ذلك ويكون دينا في عنقه.
باب الجناية على المكاتب:
قلت أرأيت مكاتبا قتل عمدا وله ورثة أحرار أو ليس له(2/424)
وارث غير المولى ولم يترك وفاء وفي قيمته وفاء بالمكاتبة قال لا يكون في هذا قصاص وعلى القاتل القيمة يؤديها فيستوفي منها المولى بقية مكاتبته وما بقي فهو ميراث لورثته إذا كان له ورثة سوى المولى فان لم يكن له وارث غير المولى ففيه القصاص قلت أرأيت رجلا قتل مكاتبا عمدا وقد ترك المكاتب وفاء وولدا أحرار ما القول في ذلك قال يضمن القاتل قيمته في ماله ولا قصاص عليه قلت ولم وقد قتله عمدا قال لأني لا أدري لمن أجعل القصاص ألا ترى أن المولى يأخذ من تركته مكاتبته وما بقي فهو ميراث لورثته وإنما لحق العتق بعد الموت فلا أجعل فيه القصاص للمولى ولا لورثته قلت أرأيت إن اجتمعوا جميعا على قتله الورثة والمولى هل يقتل ذلك قال لا ولكن عليه قيمته في ماله قلت أرأيت إن لم يدع المكاتب شيئا ما القول في ذلك قال القصاص في هذا الوجه للمولى قلت ولم قال لأنه قد قتل عمدا قلت أرأيت إن كان قد ترك وفاء ولا وارث له غير المولى ما القول في ذلك قال القصاص في هذا الوجه للمولى قلت ولم قال لأنه قد قتل عمدا قلت ولم وقد زعمت أنه إذا كان له ولد أحرار فليس على قاتله قصاص قال لأن المولى هو وارثه في هذا الوجه عبدا كان أو حرا وهو ولي الدم وهذا قول ابي حنيفة(2/425)
وابي يوسف وقال محمد لا قود فيه ولا قصاص على قاتله لأن الحق إنما ورثه المولى من المكاتب والمكاتب لم يكن له قصاص فلذلك لا يكون لوراثه قصاص قلت أرأيت مكاتبا قتل عمدا وله ورثة أحرار أو ليس له وارث غير المولى ولم يبق له وفاء وفي قيمته وفاء بالمكاتبة قال لا يجوز في هذا قصاص وعلى العاقلة القيمة يستوفي منها بقية مكاتبته وما بقي فهو ميراث لورثته قلت أرأيت رجلا قتل مكاتبا خطأ ان يكون ذلك على عاقلته قال نعم قلت أرأيت إن قطع يده أو فقأ عينه أو جرحه جرحا ما على الجاني قال يضمن الجاني نصف قيمته إذا قطع يده أو فقأ عينه وكذلك جميع ما جنى عليه في جوارحه قلت أرأيت إن كان ذلك خطأ أيكون ذلك على عاقلة الجاني قال لا ولكن يكون عليه في ماله قلت ولم قال لأن المكاتب بمنزلة العبد ولأن العاقلة لا يضمن من العبد والمكاتب مأدون النفس قلت أرأيت عبدا قطع يد مكاتب أو جرحه جرحا ما القول في ذلك قال يكون ارش جنايته في عنق العبد فان شاء مولاه فداه وإن شاء دفعه قلت أرأيت إن اختار المولى دفع العبد وقضي القاضي بذلك عليه ثم إن المكاتب عجز فرد في الرق قبل أن يقتص من العبد ما القول(2/426)
في ذلك قال العبد لمولى المكاتب قلت أرأيت رجلا قطع يد مكاتب خطأ أو فقأ عينه ما القول في ذلك قال على القاطع ما نقص من قيمته قلت ولم وقد قطعت يده قال لأن المكاتب ليس بمنزلة العبد ولا يقدر على دفعه فلا يضمن القاطع الا ما نقصه وهو في ذلك بمنزلة المدبر وأم الولد ألا ترى لو أن رجلا قطع يد مدبر أو فقأ عينه كان عليه ما نقصه فكذلك المكاتب قلت أرأيت رجلا جنى على مكاتب جناية قطع يده أو فقأ عينه ثم إن المكاتب جنى على ذلك الرجل جناية ثم إن المكاتب عجز قبل أن يقضي عليه ما القول في ذلك قال يضمن الرجل أرش ما جنى على المكاتب للمولى ويخير المولى فان شاء دفع العبد بما كان جنى على الحر وإن شاء فداه قلت ولم جعلت على الحر أرش الجناية ة وقد جنى العبد عليه قال لأن ذلك قد كان وجب عليه قبل أن يجني المكاتب عليه قلت أرأيت إن كان جنى المكاتب على الحر ثم جنى الحر عليه ثم عجز قبل أن يقضي عليه ما القول في ذلك قال يخير المولى فان شاء دفعه وإن شاء فداه فان دفعه بطلت جنايه الحر عليه وإن فداه رجع المولى على الحر فأخذ منه أرش الجناية قلت ولم قال لأن المكاتب كان بدأ بالجناية فلما دفع إلى الحر صار ما كان جنى الحر عليه كأنما جنى على عبده وإذا فداه صار الأرش للمولى على الجاني قلت أرأيت رجلا كاتب نصف عبده ثم إن رجلا جنى على(2/427)
المكاتب جناية ما القول في ذلك قال يضمن أرش الجناية فيكون نصف المال للمكاتب ونصفه للمولى قلت أرأيت إن قطع رجل يد المكاتب ما القول في ذلك قال يضمن ما نقصه فيكون نصف ذلك للمكاتب ونصفه للمولى قلت ولم قال لأن نصفه عبد له لم يكاتبه ولا يكون هذا بمنزلة لو كان مكاتبا كله وهذا قول ابي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إذا كاتب نصف عبده فهو مكاتب كله وما جنى عليه فهو له
باب عبد المكاتب يجني:
قلت أرأيت عبد المكاتب جنى جناية فقتل رجلا خطأ أو جرحه جرحا ما القول في ذلك قال ذلك في عنقه إن شاء المكاتب دفعه وإتن اشاء فداه قلت فان فداه بجميع الدية هل يجوز ذلك قال نعم قلت أرأيت إن قضي القاضي على المكاتب بالدية واختار المكاتب إمساك عبده هل تكون الدية دينا عليه قال نعم قلت أرأيت إن عجز المكاتب بعد ذلك فرد في الرق ما القول في ذلك قال يكون ذلك دينا في عنقه فان أدى عنه المولى وإلا بيع قلت أرأيت عبد المكاتب جنى جناية على مولى المكاتب ما القول في ذلك قال جنايته على مولى المكاتب وعلى غيره سواء ويخير المكاتب فان شاء دفعه وإن شاء فداه قلت أرأيت مكاتبا أقر على عبد له أنه جنى جناية فقتل رجلا خطأ أو جرحه هل يجوز ذلك قال نعم ويقضي به القاضي(2/428)
ويخير المكاتب فان شاء فداه وإن شاء دفعه قلت ولم جاز هذا قال لأنه عبده فاقراره عليه جائز قلت أرأيت عبد المكاتب إذا قتل رجلا عمدا فصالح المكاتب ولى المقتول من ذلك على صلح هل يجوز ذلك قال نعم قلت ويصير ذلك دينا على المكاتب قال نعم قلت ولم قال لأنه حق قد لزم عبده فصلحه عنه جائز قلت أرأيت إن عجز المكاتب بعد ذلك هل يكون ذلك الصلح دينا في عنق المكاتب قال نعم قلت أرأيت عبد المكاتب جنى جناية ثم إن المكاتب باعه وهو يعلم أولا يعلم ما القول في ذلك قال بيعه جائز علم أو لم يعلم ويضمن المكاتب قيمة العبد إن كان باعه وهو يعلم بالجناية فهو ضامن لجميع الجناية قلت ولم ضمنته جميع الجناية قال لأنه قد اختار العبد حيث باعه ألا ترى أنه لو خاصمه المجني عليه قبل أن يبيعه كان بالخيار إن شاء فداه وإن شاء دفعه قلت أرأيت عبد المكاتب جنى جناية ثم كاتب المكاتب بعد ذلك العبد هل تجوز مكاتبته قال نعم قلت ولم قال لأنه لو باعه جاز بيعه فكذلك مكاتبته قلت أرايت عبد المكاتب جنى جناية فقتل رجلا خطأ ثم إن العبد مات هل لصاحب الجناية على المكاتب شيء قال لا قلت ولم قال لأن الجناية كانت في عنق العبد(2/429)
قلت أرأيت عبد المكاتب لو فقأ عينيه أو قطع يديه أو جدع أنفه فبريء ما القول في ذلك قال يخير المكاتب فان شاء دفع العبد وأخذ قيمته وإن ابي أن يدفع فلا شيء له والمكاتب في ذلك بمنزلة الحر قلت أرأيت إن باع المكاتب العبد بعد ذلك أو كاتبه وقد بريء العبد من ذلك هل له على الجاني شيء قال لا قلت ولم قال لأن هذا اختيار منه وهذا قول ابي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد له على الجاني مانقصه باب الرجل يكاتب نصف عبد له ثم يجني جناية قلت أرأيت رجلا كاتب نصف عبد له هل يجوز المكاتبة قال نعم قلت أرأيت إن جنى المكاتب جناية فقتل رجلا خطأ ما القول في ذلك قال يسعى المكاتب في نصف قيمته لولى المقتول ويضمن له المولى نصف قيمته قلت ولم قال لأن نتصفه مكاتب ونصفه رقيق فما كان في عنقه من ذلك فنصفه على السيد ونصفه على المكاتب يسعى فيه قلت ولم لا يدفع السيد النصف الذي لم يكاتب إلى مولى المقتول قال لأن نصفه مكاتب فلا يقدر على دفع النصف الباقي ألا ترى أنه لو باعه لم يجز بيعه فكذلك لا يقدر على دفعه قلت أرأيت إن جنى جناية دون النفس أو قتل خطأ قال(2/430)
ينظر إلى جنايته وإلى قيمته فيلزمه الأقل من ذلك فيكون نصف ذلك على السيد ونصفه على المكاتب يسعى فيه قلت أرأيت إتن جنى هذا المكاتب جناية فقتل رجلا خطأ فقضي على السيد بنصف القيمة والنصف على العبد ثم إن المكاتب عجز فرد في الرق ما القول في ذلك قال يصير نصف القيمة في نصف العبد الذي كان قضي بها على المكاتب دينا فان أدى عنه مولاه وإلا بيع فيه نصف العبد والنصف الباقي دين على المولى قلت لم قال لأن القاضي قد قضي بذلك قبل أن يعجز فصار ذلك دينا له على السيد في نصف العبد فلا يتحول ذلك عن حاله قلت أرأيت رجلا كاتب نصف عبده ثم إن العبد جنى جناية فقتل رجلا خطأ فقضي القاضي عليه بما ذكرت لي وعلى المولى ثم إنه قتل آخر خطأ ما القول في ذلك قال يقضي أيضا ما ذكرت في رقبة المكاتب وعلى المولى ما وصفت لك إلا أن الآخر يبيع الأول في حصة المولى ولا يضمن المولى إلا نصف قيمته قلت أرأيت إن عجز بعد ما قضي عليه بالجناية للأول قبل أن يقضي عليه للآخر ما القول في ذلك قال للمقضي له نصف القيمة في نصف العبدين ونصفه على السيد ويخير السيد فان شاء دفع العبد إلى المجني عليه الثاني وإن شاء فداه فان دفعه كان للأول نصف قيمته دينا في نصف العبد يباع له ذلك النصف أو يؤديه إليه المدفوع إليه العبد ونصف القيمة(2/431)
قلت أرأيت رجلا كاتب نصف أمة له ثم إنها ولدت ولدا ما حال ولدها قال ولدها بمنزلتها قلت أرايت إن جنى ولدها جناية ما القول في ذلك قال ينظر إلى الجناية وإلى القيمة فيقضي على الولد بالأقل من ذلك فيكون نصف ذلك عليه يسعى فيه ونصفه على المولى قلت ولم يلزم ذلك النصف المولى قال لأن الولد بمنزلة أمه ونصفها للمولى قلت أرأيت إن أعتق السيد الأم بعد ما جنى الولد جناية ما القول في ذلك قال الأم كلها حرة ويعتق نصف الولد ويسعى الولد في نصف قيمته للمولى قلت ولم قال لأن الولد يعتق منه بمقدار ما كان كوتب من الأم لو كانت أدت المكاتبة فعتق نصفها ونصف ولدها فكذلك عتق السيد الأم قلت أرأيت الجناية التي جناها الولد ما حالها قال نصف الجناية على الولد يسعى فيه ونصفها على المولى قلت ولم قال لأن نصف ذلك قد لزم المولى يوم جنى الولد ويستسعى العبد المولى في نصف قيمته قلت أرأيت إن كان المولى إنما أعتق الولد وقد جنى جناية ولم يعتق الأم ما القول في ذلك قال الولد حر وينظر إلى الجناية وإلى قيمة الولد فيقضي عليه بالأقل من ذلك ويكون نصفه دينا على الولد(2/432)
يسعى فيه ونصفه على المولى في ماله قلت ولم قال لأن الجناية يوم جنى الولد كان وجب نصف ذلك عليه ونصفه على المولى قلت أرأيت رجلا كاتب نصف أمة له فولدت ولدا بعد ذلك ثم إن الولد جنى على أمه جناية أو جنت الأم على ولدها جناية هل يلزم واحدا منهما من جناية الآخر شيء قال نعم يلزم كل واحد منهما من جنايته على صاحبه الأقل من جميع قيمته ومن نصف الجناية فيكون نصف ذلك على المولى ونصفه للجاني على المولى قلت أرأيت إن جنت الأم جناية ثم إن الأم ماتت قبل أن يقضي عليها ولم تدع شيئا ما القول في ذلك قال ولدها بمنزلتها وينظر إلى الجناية وإلى قيمة الأم فيكون نصف الأقل من ذلك على الولد ونصف ذلك على المولى يسعى الولد فيما عليه من ذلك ويسعى فيما على أمه من مكاتبتها قلت وكذلك إن كان قضي على الأم قال نعم قلت أرأيت إن جنى الولد بعد ذلك جناية ثم إنه عجز فرد في الرق وقد كان قضي عليه بجناية أمه قال يصير ما كان قضي عليه من جناية أمه دينا في نصفه ويخير المولى فان شاء فداه وإن شاء دفعه إلى صاحب جنايته ولا يبيع المقضي له بنصفه نصف القيمة لأن الدين دين أمه(2/433)
فاذا دفع بجناية نفسه فهو أحق من دين أمه ألا ترى أن دينه أحق من دين أمه فكذلك جنايته أحق من دين أمه قلت أرأيت الرجل إذا كاتب نصف عبد له ثم إن العبد جنى جناية فأعتق السيد العبد ما القول في ذلك قال ينظر إلى الجناية وإلى قيمة العبد فيكون نصف الأقل من ذلك على المولى ونصفه على العبد يسعى فيه لأنه قد كان لزمه ذلك قبل أن يعتقه قلت أرأيت إذا كاتب الرجل نصف عبده فجنى جناية ثم كاتب النصف الباقي بعد ذلك فجنى جناية أخرى ما القول في ذلك ولم يكن قضي للأول بشيء قال ينظر إلى الجناية الأولى وإلى قيمة العبد فيكون نصف الأقل من ذلك على السيد وينظر إلى نصف جناية الأول وجناية الآخر وإلى قيمة العبد فيقضي عليه بالأقل من ذلك فيكون ذلك بينهما على نصف جناية الآخر في نصف القيمة خاصة والنصف الباقي على قدر جنايتهما بينهما قلت ولم قال لأن المجني عليه الأول قد كان وجب له نصف ذلك على المولى ونصفه على المكاتب فما كان على المولى فهو دين عليه ونصف الجناية في نصفه فيقسم نصف قيمته على نصف الجناية الأولى وعلى نصف الجناية الآخرة فتصير بينهما على ذلك قلت أرأيت إذا كاتب الرجل نصف عبد له فجنى جناية فلم يقض بها عليه حتى كاتب السيد النصف الباقي ثم إنه جنى جناية أخرى ثم إنه(2/434)
عجز فرد في الرق ما القول في ذلك قال السيد بالخيار إن شاء دفع العبد إليهم وإن شاء فداه قلت ولم قال لأن العبد قد عجز قبل أن يقضي عليه بشيء فكأن الجنايتين كانتا بعد العجز قلت أرأيت إن كان قضي عليه بالجناية قبل أن يجني الثانية ولم يقض عليه بالثانية ثم عجز فرد في الرق ما القول في ذلك قال يكون للمقضي له نصف ما كان قضي به على السيد ونصفه دين في نصف العبد ويخير السيد فان شاء دفع العبد إلى الثاني وإن شاء فداه فان دفعه إليه تبعه الأول بنصف ما كان قضي به عليه في نصفه فان أدى عنه المدفعوع إليه وإلا بيع نصفه في ذلك قلت أرأيت رجلا كاتب نصف عبده فجنى جناية ثم كاتب السيد الباقي بعد ذلك فجني جناية أخرى ثم عجز عن المكاتبة الأولى هل يرد ذلك النصف الأول في الرق ويكون النصف الباقي على المكاتبة قال نعم قلت فما حال الجناية قال ينظر إلى الجنايتين وإلى قيمة العبد فيقضي على المولى بالأقل من قيمته ومن جميع جناية الأول ونصف جناية الآخر فيكون نصف جناية الأول في نصف قيمتة ألعبد على المولى خاصة ونصف جناية الأول ونصف جناية الآخر في نصف قيمة العبد فيقتسمانه على قدر جنايتهما وعلى المكاتب لصاحب الجناية الأخرى الأقل من النصف نصف جنايته ومن نصف قيمته قلت ولم قال لأنه لم يقض عليه بشيء من الجنايتين حتى عجز فكأنه جناهما في الحال التي خوصم فيها قلت وكذلك إن عجز عن المكاتبة(2/435)
الثانية ولم يعجز عن الأولى قال نعم إلا أن المولى لا يغرم هاهنا إلا الأقل من نصف قيمته ومن نصف جناية الأول ونصف جناية الآخر فيقتسمان ذلك على قدر نصف جنايتهما ويقضي على المكاتب وفي النصف الذي كوتب أولا للآخر والأول بالأقل من نصف جنايتهما ومن نصف قيمته وهذا كله قياس قول ابي حنيفة وأما في قول ابي يوسف ومحمد فاذا كاتب الرجل نصف عبده فهو مكاتب كله والحكم فيه كالحكم في المكاتب باب الرجل يكاتب عبدين له مكاتبة واحدة فيجني أحدهما على صاحبه أو على غيره قلت أرايت رجلا كاتب عبدين له مكاتبة واحدة وجعل نجومهما واحدة إن أديا عتقا وإن عجزا ردا ثم إن أحد المكاتبين جنى جناية هل يلزم صاحبه من ذلك شيء قال لا قلت وكذلك ما استدان أحدهما قال نعم لا يلزم واحدا منهما من جناية صاحبه شيء ولا من دينه قلت أرأيت إذا جنى أحدهما جناية ما القول في ذلك قال ينظر إلى الجناية وإلى القيمة فيقضي عليه بالأقل من ذلك يسعى فيه قلت أرأيت إن مات الجاني قبل أن يقضي عليه أو بعد ما قضي عليه هل يلزم المكاتب الباقي شيء من جنايته قال لا قلت ولا شيء من دينه الذي كان عليه قال لا قلت ولم قال(2/436)
لأنه ليس يلزمه من دين الآخر شيء ولا من جنايته وإنما ذلك على الميت وإنما تلزمه المكاتبة خاصة قلت أرأيت رجلا كاتب عبدين له مكاتبة واحدة وجعل نجومهما واحدة ثم إن أحدهما قتل صاحبه خطأ وقيمتهما سواء ما القول في ذلك قال يلزم الجاني قيمة المقتول منهما يسعى فيها ويسعى في جميع المكاتبة مع ذلك قلت أرأيت إن أدى جميع المكاتبة إلى المولى وللمقتول ولد أحرار هل يعتقان جميعا قال نعم قلت فما حال ما أدى قال ينظر إلى قيمة المقتول وإلى نصف المكاتبة فان كانتا سواء فهو قصاص بما عليه قلت ولم قال لأن المكاتب الحي حين أدى جميع المكاتبة فانه يرجع على المقتول بنصف ما أدى لأنه أدى عنه وقد لزمه قيمة المقتول فصارت قصاصا قلت أرأيت إن كانت قيمته أكثر من نصف المكاتبة ما القول في ذلك قال يكون نصف المكاتبة التي أداها عليه من نصف القيمة قصاصا ويكون الفضل لورثة المقتول فان لم يكن له ورثة سوى المولى كان ذلك للمولى قلت أرايت رجلا كاتب أمتين له مكاتبة واحدة وجعل نجومهما واحدة إن أدتا عتقتا وإن عجزتا ردتا في الرق ثم ولدت إحداهما ولدا(2/437)
ثم جنى الولد جناية على الآخرى قطع يدها أو فقأ عينها ما القول في ذلك قال ينظر إلى قيمة الولد وغلى الجناية فيقضي على الولد بالأقل من ذلك يسعى فيه قلت أرايت إذا جنى الولد جناية على الآخرى فقطع يدها ثم إن أم الولد أدت جميع المكاتبة فعتقتا جميعا ما حال الجناية قال ينظر إلى الجناية وغلى قيمة الولد يوم جنى فيكون على الولد الأقل من ذلك دينا عليه يسعى فيه وترجع التي أدت عليها بحصتها من المكاتبة قلت أرأيت إذا جنى الولد جناية على الآخرى فقضي عليه بالأقل من الجناية ومن قيمته ثم أدتا فعتقتا هل يلزم الولد ما كان قضي به عليه قال نعم قلت ولا يكون على الأم شيء من ذلك قال لا قلت أرأيت إذا جنى الولد جناية فقضي عليه بها أو لم يقض عليه حتى أدتا فعتقتا وفي يدي الولد مال ما القول في ذلك قال إن كان قضي على الولد بالجناية قبل أن تعتقا فقد صار ذلك دينا عليه يؤمئذ فما كان في يديه من مال قد أصابه فانه يقضي منه ذلك فان فضل شيء فهو للأم دون الولد وإن لم يفضل فان الفضل على الولد يسعى فيه قلت ولم يكون على الولد ما قضي في ذلك المال قال لأن ذلك دين على الولد لا يكون للأم شيء من ذلك حتى يقضي الدين قلت وكذلك لو أن الولد استدان دينا ثم عتقتا وفي يديه مال قال يكون ذلك المال للغرماء حتى تستوفيه فان فضل شيء فهو للأم(2/438)
قلت أرأيت إن لم يقض على الولد بالجناية حتى أدت الأم فعتقت وعتق ولدها معها ما القول في ذلك قال ينظر إلى الجناية وإلى قيمة الولد يوم جنى فيكون الأقل من ذلك دينا على الولد قلت أرأيت ما كان في يدي الولد من مال لمن يكون قال للأم قلت ولا يكون لأصحاب الجناية شيء قال لا قلت ولم قال لأن ذلك المال كان للأم ولم تصر الجناية دينا على الولد حتى قضي بها عليه وقد عتق وهي جناية في عنقه ألا ترى لو أن الأم عجزت فردت في الرق قبل أن يقضي على الولد كان ما في يديه من مال للمولى ويكون الجناية في عنقه ولو كان قضي عليه قبل العجز كان ما في يده من مال للغرماء لأنه قد صار دينا عليه فكذلك الباب الأول قلت أرايت رجلا كاتب أمتين له مكاتبة واحدة وجعل نجومهما واحدة ثم إن إحداهما ولدت ولدا ثم إن الأخرى جنت على الولد جناية ما القول في ذلك قال يقضي عليها بالأقل من قيمتها ومن الجناية فيكون ذلك للأم دون الولد قلت أرأيت إن لم يقض عليها بشيء حتى أدتا وعتق الولد لمن تكون الجناية قال للأم دون الولد لأنه وجب لها قبل أن يعتق قلت أرأيت إن أدت الأخرى جميع المكاتبة دون أم الولد وقد جنت الأخرى على الولد جناية تبلغ قدر حصتها من المكاتبة أيكون ذلك قصاصا بما يرجع عليها به مما أدت عنها قال نعم قلت ولم ذلك قال لأن ذلك دين للأم عليها فصار قصاصا(2/439)
قلت أرأيت إذا كاتب الرجل عبدين له مكاتبة واحدة وجعل نجومهما واحدة ثم إن أحدهما قتل صاحبه خطأ وقد ترك المقتول وفاء بالمكاتبة ما القول في ذلك قال يأخذ المولى من مال المقتول جميع المكاتبة ويكون ما بقي ميراثا لورثة المقتول إن كان له ورثة سوى المولى وإلا كان ذلك للمولى ويرجع الورثة على القاتل بحصته من المكاتبة التي أداها الميت بالأقل من قيمته ومن قيمة المقتل يوم قتله قلت ولم قال لأن المقتول قد أدعى عنه المكاتبة فلا بد من أن ترجع عليه بذلك وبقيمة المقتول.
باب جناية المكاتب بين اثنين:
قلت أرأيت عبدا بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه بغير أمر صاحبه ثم جنى جناية ثم أدى المكاتبة ثم خاصمهم صاحب الجناية بعد ذلك ما القول فيه قال يقضي على المكاتب بالأقل من نصف قيمته ونصف أرش الجناية وأما الشريك الذي لم يكاتب فانه يأخذ من شريكه نصف ما أخذ من المكاتبة ويرجع به الشريك على المكاتب والشريك الذي لم يكاتب بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى وإن شاء ضمن إن كان غنيا فان أعتق أو استسعى فالولاء بينهما نصفان فان فعل الشريك ذلك وقبض فهو ضامن للأقل من نصف قيمة المكاتب ومن أرش الجناية قلت وكذلك إن كاتبه الشريك باذن صاحبه قال نعم إلا أنه لا ضمان فيه قلت أرأيت إن عجز المكاتب فرد رقيقا وقد كان قضي عليه(2/440)
بما ذكرت فالقول فيه قال يباع نصف العبد بما قضي عليه به وهو نصف الذي كاتب بنصف الأرش ويقال للذي لم يكاتب ادفع نصيبك بنصف الجناية أو افده بنصف الأرش قلت أرأيت إن كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه ثم اشترى المكاتب عبدا فجنى العبد جناية عنده ثم إن المكاتب أدى ما القول في ذلك قال يخير المكاتب والذي لم يكاتب فان شاءا دفعاه وإن شاءا فدياه بالدية قلت ولم قال لأن نصف العبد للذي لم يكاتب ونصفه للمكاتب قلت أرأيت عبدا بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه ثم إن العبد ولد له من أمة له ولد في المكاتبة فجنى الولد جناية على الأب وجنى الأب على الولد بعد ذلك ما القول في ذلك وقد أدى الأب فعتق قال يكون في عنق الابن نصف قيمة نفسه ويسعى فيها للمولى الذي لم يكاتب لأنه عتق بأداء المكاتب والذي لم يكاتب بالخيار في المكاتب على ما وصفت لك وأما أم ولد المكاتب فان المكاتب ضامن لنصف قيمتها للذي لم يكاتب قلت ولم قال لأنها أم ولد ولا سعاية على أم الولد في حال وأما جناية الابن على الأب فقد جنى ونصفه مكاتب مع ابيه ونصفه رقيق والأب على تلك الحال فما كان في الابن من حصة الذي لم يكاتب فهو في عنق الابن يبطل من ذلك نصفه ويثبت نصفه في النصف وهو ربع قيمته ويثبت للابن مثل ذلك في نصف(2/441)
الأب في حصة المولى الذي لم يكاتب فيكون قصاصا ولا يكون لأحد على أحد شيء قلت أرأيت إذا كاتب أمة بينه وبين رجل آخر فكاتب حصته منها ثم إنها ولدت ولدا فازدادت خيرا أو نقصت من غير عيب ثم أدت فعتقت فاختار الشريك أن يضمن الذي كاتب وهو موسر وقد كان كاتبها بغير إذن شريكه فانه يضمنه نصف قيمتها يوم عتقت ولا يلتفت إلى زيادتها ولا إلى نقصانها ألا ترى أني أجعل له نصف كسبها ونصف ولدها ونصف ما جنى عليها ولو كان الضمان إنما يجب له يوم كاتب لم يكن للشريك من ذلك شيء قلت أرأيت أمة بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه منها ثم إنها ولدت ولدا فكاتب الآخر نصيبه من الولد ثم إن الولد جنى على أمه وجنت الأم عليه جناية لا تبلغ النفس ثم أديا فعتقا والموليان موسران ما القول في ذلك قال الذي كاتب الآم لا ضمان له على شريكه في الولد من قبل أن مكاتبة الأم مكاتبة للولد لأنها ولدت وهي مكاتبة وللذي كاتب الولد أن يضمن الذي كاتب الأم نصف قيمة الأم إن كان موسرا فان شاء استسعاها وإن شاء أعتقها فان أعتقها أو استسعاها كان ولاؤها وولاء ولدها بينهما فان ضمن مولى الأم الذي كان كاتبها فولاء الولد بينهما وولاء الأم للذي ضمن وجناية الولد على أمه وجناية(2/442)
الأم عليه على ما وصفت لك في العبد وابنه إلا أن الذي يلحق كل واحد منهما لصاحبه في هذا الوجه ثلاثة أرباع قيمته فيكون قصاصا قلت أرأيت العبد يكون بين الرجلين فيفقأ عين أحدهما ثم إن الذي فقي عينه كاتبه ثم إنه جرحه جرحا ثم أدى فعتق وقد مات المولى من الجنايتين جميعا ما القول في ذلك قال الذي لم يكاتب بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن الذي كاتب إن كان موسرا وإن شاء استسعى إذا كان معسرا فاذا فعل أحد هذه الخصال دفع نصف قيمة العبد إلى ورثة الميت بجنايته ويقال للعبد عليك أن تسعى في الأقل من قيمتك ومن ربع الجناية بين ورثة الميت قلت أرأيت عبدا بين رجلين جنى على أحدهما جناية فقيء عينه او قطع يده ثم إن الآخر باع نصف نصيبه من شريكه وهو يعلم بالجناية ثم إن العبد أيضا جنى عليه جناية أخرى ثم إن المولى الذي باع ربعه اشترى ذلك الربع من صاحب الجناية ثم كاتبه الذي جنى عليه على نصيبه ثم جنى عليه جناية أخرى ثم أدى فعتق ثم مات المولى من الجنايات كلها ما القول في ذلك قال يكون على المكاتب نصف قيمته بجنايته وهو مكاتب إلا أن يكون ربع الدية اقل من ذلك ويكون على الشريك الذي لم يكاتب سدس دية وربع سدس دية صاحبه ونصف قيمة العبد ولا يؤدي نصف القيمة حتى يعتق أو يستسعى أو يضمن قلت أرأيت إن كان العبد بين رجلين فقطع يد رجل ثم باعه أحدهما من صاحبه وهو يعلم بالجناية ثم اشتراه فقطع يد آخر وفقأ(2/443)
عين الأول ثم ماتا جميعا من ذلك ما القول فيه قال يقال للشريك الأول الذي كان اشتراه ادفع نصيبك الذي كان في يديك إلى أولياء القتيلين فيكون بينهم نصفين أو افده بعشرة آلاف لكل واحد خمسة آلاف ويقال للشريك البائع الأول ادفع إلى الأول ألفين وخمسمائة واجبة عليك أو افده بألفين وخمسمائة فادفعها إلى ولي القتيل الأول وافده بخمسة آلاف من الآخر وادفع النصف الذي في يديك إليهما فيقتسمانه اثلاثا ثلث لصاحب الجناية الأولى وثلثان لصاحب الجناية الآخرة قلت أرأيت إذا كان العبد بين رجلين قيمته ألف درهم فجنى جناية على رجل فكاتب أحدهما نصيبه وهو يعلم ثم جنى على ذلك الرجل جناية أخرى ثم كاتبه الآخر وهو لا يعلم ثم جنى عليه الثالثة ثم مات المجني عليه من ذلك وهو مكاتب لهما جميعا ما القول فيه قال على المولى الأول ربع الدية وعلى المولى الثاني الأقل من ربع الدية ومن نصف قيمته وعلى المكاتب أن يسعى في الأقل من جميع قيمته ومن نصف الدية قلت أرأيت عبدا بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه باذن شريكه ثم إن العبد جنى جناية فقتل رجلا خطأ ثم إن المكاتب اشترى جارية فولدت له ولدا في مكاتبته ثم إن العبد مات ولم يقض عليه بالجناية وقد ترك مالا كثيرا ما القول في ذلك قال يكون نصف ما ترك للسيد الذي لم يكاتب ويأخذ الذي كاتب المكاتبة مما بقي من مال العبد(2/444)
ويأخذ الذي لم يكاتب نصف قيمة العبد مما بقي من مال العبد إن كان الذي كاتب موسرا أو معسرا والولاء بينهما نصفان ولا ضمان على الذي كاتب وينظر إلى الجناية وإلى القيمة فيقضي بنصف الأقل من ذلك فيما ترك والنصف على الذي لم يكاتب وما بقي فهو ميراث إلا أنك تبدأ بالجناية فتقضي بها قلت ولم قال لأن نصيب الذي كاتب الجناية على العبد والنصف الباقي على الذي لم يكاتب ألا ترى أن العبد لو كان حيا فأدى المكاتبة لم يكن على المكاتب ضمان لأنه كاتب باذن شريكه والآخر بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى ويقضي في الجناية بنصف الأقل منها ومن نصف القيمة على الذي لم يكاتب في ماله قبل أن يؤدي السعاية لأنه اذن في المكاتبة فكذلك إذا مات وولده حي يسعى فيما عليه فان كان الولد مات قبله ثم مات المكاتب بعد ذلك فقبض المولى نصف السعاية من ماله ضمن المولى نصف الأقل من الأرش ونصف القيمة لصاحب الجناية قلت أرأيت إن لم يدع المكاتب شيئا وترك ولده الذي ولد له في المكاتبة وقد ماتت الأم ما القول في ذلك قال الولد بمنزلة ابيه يسعى فيما على أبيه من المكاتبة ويقضي عليه بالأقل من نصف الجناية ومن نصف قيمة ابيه فاذا أدى ما على أبيه من المكاتبة عتق ويصير نصف ما اكتسب الولد للذي لم يكاتب إلى يوم عتق ويرجع السيد على الذي كاتب بنصف ما أخذ من الولد من المكاتبة ويرجع(2/445)
الذي كاتب بذلك على الولد والشريك الذي لم يكاتب بالخيار إن شاء أعتق نصيبه من الولد وإن شاء استسعى فان استسعى أو قبض أو أعتقه ضمن نصف الأقل من الجناية ومن نصف قيمة الأب لأنه كان ذلك في عنق الأب فولده بمنزلته ولو لم يقبض من الولد شيئا ضمن أيضا الأقل من نصف الجناية ونصف قيمة الأب في الوجهين جميعا وهذا الباب كله على قياس قول ابي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إذا كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه باذن شريكه فهو مكاتب كله بالمال الذي كاتبه عليه وأما إذا كان بينهما نصفين فاذا أدى جميع المكاتبة إليهما عتق وجنايته وهو مكاتب بمنزلة جناية الذي كوتب جميعه.
باب جناية العبد على الحر واحدهما على صاحبه:
قلت أرأيت عبدا جنى على حر جناية فقطع يده أو فقأ عينه وذلك كله خطأ فبرىء الحر ثم إن رجلا حرا جنى على العبد فقطع رجله خطأ أو يده أون فقأ عينه خطأ فبرىء العبد ولا يعلم أي الجنايتين كان قبل جناية الحر على العبد أو جناية العبد على الحر ثم جاء الحر المجني عليه يخاصم مولى العبد وجاء مولى العبد يخاصم الجاني على العبد فقال المولى للمجني عليه إنما جنى على عبدي قبل أن يجني عليك وقال المجني عليه إنما جنى على قبل أن يجني عليه ما القول في ذلك قال القول قول المولى إذا حلف إلا أن يكون للمجني عليه بينة على ما ادعى فان لم يكن له بينة كان للمولى على الجاني على العبد نصف قيمة العبد ويخير المولى فان شاء دفع العبد إلى المجني عليه وإن شاء فداه بجميع الجناية ولا يكون للمجني عليه من نصف قيمة العبد الذي أخذ المولى شيء لأن ذلك للمولى حتى يعلم أن جناية العبد على الحر قبل قلت وكذلك إن جنى عبد على حر فقطع يده أو فقأ عينه خطأ ثم جنى ذلك الحر على العبد فقطع يده أو فقأ عينه ثم برئا جميعا قال نعم هذا والأول سواء إذا كان لم يعلم أي الجنايتين كانت قبل قلت فلم صار هذا هكذا قال لأن أرش الجناية على العبد للمولى(2/446)
حتى يعلم أن جناية العبد على الحر قبل ألا ترى لو أن عبدا فقأ عين حر أو قطع يده ثم إن المولى جرح عبده جراحة ولا يعلم أي ذلك قبل فقال المولى فعلت ذلك بعبدي قبل أن يجني عليك كان القول قول السيد والسيد بالخيار إن شاء دفع العبد وإن شاء فداه قلت أرأيت عبدا وحرا التقيا ومع كل واحد منهما عصا فاضطريا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرئا جميعا ولا يدري أيهما بدأ بالضربة فقال المولى للحر أنت بدأت بالضربة وقال الحر بل العبد بدأ بها ما القول في ذلك قال القول قول المولى وعلى الحر نصف عشرة قيمة العبد للمولى والمولى بالخيار إن شاء دفع العبد إليه وإن شاء فداه بأرش الموضحة بخمسمائة قلت ولم قال لأن ارش موضحة العبد قد وجب للسيد على الحر قلت أرأيت إن كان مع العبد موقف ومع الحر عصا فالتقيا فاضطربا فجرح كل واحد منهما صاحبه جراحة فمات العبد وبريء الحر فقال المولى للحر أنت بدأت بالضربة وقال الحر بل العبد بدأ بي ما القول في ذلك قال القول قول السيد ويكون جميع قيمة العبد على عاقلة الحر وينظر إلى قيمة العبد مجروحا يوم جرحه الحر وإلى قيمته صحيحا فيكون ما نقص العبد من ضربة الحر إلى يوم ضرب العبد الحر للسيد وينظر إلى ما بقي فيكون أرش جناية جراحة الحر فيه فان كان في ذلك فضل كان للسيد وإن كان فيه نقصان لم يكن على السيد شيء قلت ولم صار هذا هكذا قال لأن الحر حيث ضرب(2/447)
العبد وجب أرش ذلك عليه للمولى فلما ضرب العبد الحر كان أرش جراحة الحر في عنق العبد مجروحا وإنما يصير له قيمته في الحال التي ضربه فيها العبد قلت وسواء إن كان مع العبد في هذا الوجه سيف أو عصا إذا برئ الحر قال نعم قلت ولم قال لأنه إذا برئ فليس بينهما قصاص والسيف والعصا في ذلك سواء بمنزلة ألا ترى أن عبدا لو جرح حرا جراحة بسيف أو عصا فبرىء لم يكن بينهما قصاص قلت أرأيت إن التقي حر وعبد ومع الحر سيف ومع العبد عصا فاضطربا فجرح كل واحد منهما صاحبه ولا يدري أيهما بدأ وقد مات العبد وبرئ الحر وأرش جراحة الحر أكثر من قيمة العبد فقال المولى للحر أنت بدأت فضربت عبدي وقال الحر بل العبد بدأ فضربني ما القول في ذلك قال القول قول السيد إن شاء السيد قتل الحر وإن شاء عفا عنه لأن القصاص قد وجب على الحر إلا أن يقيم بينة على ما ادعى ويبطل حق الحر قلت ولم قال لأن الحر ضرب العبد بالسيف فمات من ضربته وقد وجب عليه القصاص فكان حق الحر في عنق العبد وقد بطل لأن العبد مات قلت فان أقام الحر البينة على أن العبد بدأ بالضربة ما القول في ذلك قال هذا مثل الأول قلت أرأيت إن كانت قيمة العبد عشرة آلاف أو أكثر وإنما شج الحر العبد موضحة ما القول في ذلك قال هذا والأول سواء قلت أرأيت عبدا وحرا التقيا ومع كل واحد منهما عصا فاضطربا(2/448)
فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرئا جميعا ولا يعلم أيهما بدأ وقال السيد للحر لا أدري أيكما بدأ وأقر بذلك الحر أيضا ما القول في ذلك قال يخير السيد فان شاء فدى العبد وإن شاء دفعه فان دفعه إليه رجع السيد على الحر بنصف أرش جناية الحر على العبد قلت ولم يرجع السيد على الحر بنصف أرش الجناية قال لأن الحر إن كان بدأ بالضربة فقد وجب أرشها على الحر السيد وإن كان العبد هو الذي بدأ فلا يقضي للسيد على الحر حين دفعه إليه فاذا لم يعلم كان نصف ذلك على الحر للسيد لأنه لا يجب عليه في حال ويجب عليه في حال قلت أرأيت إن قال السيد أنا أفديه بكم يفديه قال يفديه بجميع أرش الجناية كلها ألا ترى لو علم أيهما بدأ فاختار السيد إمساك العبد في الوجهين جميعا كان عليه أن يفديه وكذلك إذا لم يعلم إذا اختار فداه قلت أرأيت إذا فداءه هل يرجع على السيد الحر بشيء قال نعم بجميع أرش الجناية قلت ولم قال لأنه لو علم أيهما بدأ فكان الحر الذي بدأ قبل ثم فداه السيد رجع على الحر بأرش جراحة العبد ولو كان العبد الذي بدأ واختار أن يفديه رجع على الحر بأرش جراحته كلها فكذلك إذا لم يعلم قلت أرأيت عبدين التقيا ومع كل واحد منهما عصا فاضطربا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة والسيدان مقران بالجراحتين جميعا وقد برئا جميعا ما القول في ذلك قال يخير كل واحد منهما فان شاءا(2/449)
دفعاه وإن شاءا فدياه فان اختارا جميعا الدفع صار عبد هذا لهذا وعبد هذا لهذا ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء سوى ذلك قلت أرأيت إن اختارا جميعا الفداء ما القول فيه قال يفدي كل واحد منهما عبده بأرش جنايته عند صاحبه تاما ويصير عبد كل واحد منهما له قلت ولم قال لأن كل واحد منهما إذا فدى عبده رجع على صاحبه بما جنى على عبده فاذا دفع كل واحد منهما عبده لم يكن عليه شيء بعد ذلك لأن جناية كل واحد منهما في عنق صاحبه قلت أرأيت إن علم إيهما بدأ بالضربة وقد شج كل واحد منهما صاحبه موضحة ما القول في ذلك قال يخير مولى العبد الضارب الذي كان بدأ بالضربة فان شاء فداه وإن شاء دفعه فان دفعه صار العبدان جميعا للمدفوع إليه ولا يرجع الدافع عليه لأن عبده هو الذي بدأ بالضربة فوجبت الجنابة في عنق عبده فلما جنى عليه فدفعه لم يكن له على الآخر شيء لأن العبد قد كان وجب لمولى المضروب يومئذ فان فداه رجع على الآخر بأرش جراحة عبده فيخير الآخر فان شاء دفع عبده وإن شاء فداه قلت أرأيت إن مات الذي بدأ بالضربة وبرئ الآخر وقيمة الميت خمسة آلاف وقيمة الباقي خمسة آلاف وقد شج الميت الباقي موضحة ما القول في ذلك قال يكون قيمة الميت منهما في عنق هذا الباقي فان شاء مولى الباقي فداه وإن شاء دفعه فان فداه بقيمة الميت رجع في القيمة فأخذ منهما أرش جراحة عبده ويكون الفضل للمولى وإن دفعه رجع(2/450)
بأرش الشجة في عنق عبده الذي دفع ويخير الموضع إليه فان شاء فداه بأرش الجراحة وإن شاء دفعه إليه أيضا قلت ولم قال لأن أرش هذه الجراحة كانت في عنق العبد الأول فلما دفع إلى مولى الأول والعبد وقيمته صار أرش جراحة الباقي في ذلك ألا ترى لو أن عبدا شج عبدا موضحة ثم إن عبدا آخر قتل العبد الشاج خطأ خير مولاه فان شاء فداه وإن شاء دفعه إلى مولى العبد الميت فان فداه كان أرش جراحة المشجوج في ذلك فان كان في الأرش فضل كان للمولى وإن كان نقصان لم يكن عليه شيء وإن دفع العبد إلى مولى الميت خير مولى العبد الميت فان شاء دفع هذا العبد إلى مولى العبد الذي جرحه الميت وكذلك الباب الأول لأن قيمته بمنزلته وإن شاء فداه بأرش الجراحة قلت أرأيت عبدين التقيا مع كل واحد منهما عصا فاضطربا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرئ كل واحد منهما والذي بدأ بالضربة معروف ثم إن عبدا لرجل قتل العبد الذي بدأ بالضربة خطأ ما القول في ذلك قال يكون قيمته في عنق العبد القاتل ويخير مولاه فان شاء فداه وإن شاء دفعه فان فداه نظر إلى قيمته وإلى أرش جراحة العبد الباقي فان كان في قيمته فضل كان الفضل للمولى ويكون ما بقي لمولى العبد الباقي قلت ولم قال لأن أرش جراحة عبده في هذه القيمة ثم يرجع مولى العبد المقتول بأرش جناية عبده فيكون في عنق العبد الباقي فان شاء مولاه فداه وإن شاء دفعه قلت ولم قال لأن(2/451)
أرش تلك الجراحة كانت في عنق هذا الباقي ألا ترى لو أن ذلك العيد قتل فخير المولى مولى القاتل فاختار الفداء رجع مولى الآخر الباقي بأرش جناية عبده في ذلك الفداء فكذلك الباب الأول لأنه قد أخذ أرش جناية عبده من قيمة العبد المقتول قلت أرايت إن كان مولى العبد القاتل اختار دفع العبد إلى مولى المقتول فدفعه إليه ما القول في ذلك قال يكون بمنزلة المقتول فيخير مولى المقتول فان شاء دفع بهذا العبد وإن شاء فداه فان دفعه صارا جميعا للمدفوع إليه ولا يكون له على المدفوع إليه شيء من أرش جناية عبده قلت ولم قال لأن الأول لو كان حيا فدفعه لم يكن له شيء لأن عبده الذي كان بدأ فكذلك هذا العبد القاتل لأن هذا بمنزلة الأول ألا ترى أنه دفع مكانه فصار بمنزلته قلت أرايت إن فداه هل يرجع بأرش جناية المقتول في عنق العبد الباقي قال نعم قلت أرأيت إذا التقي العبدان ومع كل واحد منهما عصا فضرب كل واحد منهما صاحبه فشجه موضحة والأول منهما يعلم فبرئا جميعا ثم إن عبدا لرجل آخرلا قتل الآخر منهما ما القول في ذلك قال يخير مولى القاتل فان شاء فداه وإن شاء دفعه فان دفعه كان بمنزلة المقتول ويخير مولى العبد الضارب الأول فان شاء دفع عبده وإن شاء فداه ويكون الأمر في هذا بمنزلة ما ذكرت لك من الباب الأول(2/452)
قلت أرايت إن فدى مولى القاتل بقيمة المقتول ما القول في ذلك قال يخير مولى العبد الأول فان شاء دفع عبده إلى مولى المقتول وإن شاء فداه فان دفعه إلى مولى المقتول فلا شيء له على مولى المقتول ولا في قيمة المقتول فان فداه رجع في قيمة المقتول بأرش جراحة عبده فيأخذ أرش ذلك من قيمة المقتل فان كان في قيمة المقتول فضل كان لمولاه وإن كان نقصان لم يكن على مولى المقتول شيء قلت أرأيت إن مات العبد القاتل ما القول في ذلك قال يخير مولى العبد الباقي فان شاء دفع أرش شجة المقتول وأمسك عبده وإن شاء دفع عبده فان دفعه أو فداه بطل حقه قلت ولم قال لأن عبده الذي بدأ فقد وجب في عنق عبده أرش جراحة ذلك العبد فكان أرش جراحة عبده في عنق الآخر مجروحا وقد قتل العبد وإنما حقه في قيمته فقد بطلت قيمته حين مات العبد الذي قتله قلت ولم أبطلت حقه إذا فداه قال لأن حقه إنما وجب في عنق العبد الميت بعد ما صار أرش جراحة الميت للمولى ألا ترى أن ذلك العبد إنما ضرب عبده بعد ما ضربه الأول ولو كان حيا لم يمت ففداه كان أرش جراحة عبده في عنق العبد ويكون الأرش الذي أخذ صاحب العبد الباقي له خاصة وإنما يكون حق مولى العبد الأول في عنق الباقي مجروحا قلت أرأيت إن مات الضارب الأول من غير ذلك وبقي الآخر(2/453)
بعدما برئا جميعا ما القول في ذلك قال مولى الأول بالخيار فان شاء دفع إلى مولى العبد الحي أرش جناية العبد فان دفع الأرش إليه اتبع مولى العبد الميت مولى العبد الحي بأرش جناية عبده فيخير مولى الآخر فان شاء دفعه بذلك وإن شاء فداه فان ابي أن يدفع الأرش فلا شيء له في عنق ذلك العبد الحي قلت ولم قال لأن العبد الميت بدأ فشج الحي ثم شج الحي الميت فكانت جناية الحي في عنق الميت قبل أن يجب أرش جناية الميت في عنق الحي ألا ترى أن الأول لو كان حيا كان مولاه بالخيار إن شاء دفعه وإن شاء فداه فان فداه اتبع جناية عبده الآخر فاما أن يفديه مولاه وإما أن يدفعه فان دفعه فلا شيء له ويصيران جميعا للمدفوع إليه الذي فدى العبد الأول قلت أرأيت إن كان العبد الأول الضارب قتله عبد لرجل خطأ بعدما برئا جميعا ما القول في ذلك قال يخير مولى القاتل فان شاء فداه وإن شاء دفعه فان فداه كان أرش جناية العبد الحي في قيمة هذا المقتول فيأخذ مولى الحي أرش ذلك من هذه القيمة فان فضل شيء من القيمة كان للمولى وإن لم يفضل لم يكن عليه شيء ويبيع المولى بعد ذلك العبد الحي بأرش جناية عبده فيخير مولاه فان شاء فداه وإن شاء دفعه فان كان مولى العبد القاتل اختار دفع عبده فدفعه خير مولى العبد الضارب الول فان شاء دفع هذا العبد وإن شاء فداه فان دفعه فلا شيء له في عنق الآخر من أرش جناية عبده وإن فداه(2/454)
اتبعه بأرش جناية عبده فان شاء مولى العبد الحي فداه بأرش الجناية وإن شاء دفعه قلت أرأيت عبدين التقيا مع كل واحد منهما عصا فضرب كل واحد منهما صاحبه فشجه موضحة فمات الضارب الأول منهما من الضربة وبرئ الآخر ما القول في ذلك قال مولى العبد الميت بالخيار فان شاء دفع أرش جناية العبد الحي وكانت قيمة عبده في عنق الباقي ويخير مولاه فان شاء فداه وإن شاء دفعه وإن أبى أن يدفع أرش جناية الحي فلا شيء له في عنق الحي قلت ولم صار هذا هكذا قال لأن العبد الميت هو الذي كان بدأ بالضربة فلا يكون له شيء في عنق الحي حتى يؤدي أرش جناية الحي ألا ترى لو أن العبد كان حيا في يدي مولاه فقيل له ادفع عبدك أو افده فلا يكون له شيء حتى يدفع أو يفدي فان فداه كان له العبد الآخر إلا أن يفديه مولاه قلت أرأيت إن بدأ الضارب الأول منهما ومات الآخر من الجناية ما القول في ذلك قال يخير مولى العبد الأول فان شاء دفع عبده إلى مولى الميت وإن شاء فداه بقيمة الآخر فان فداه كان أرش جراحة عبده في الفداء بعد ما يرفع منه أرش موضحة العبد الآخر فيأخذ الأرش من ذلك وما بقي فهو لمولى المقتول وإن لم يكن فيه وفاء فلا شيء له سوى ذلك وإن دفع عبده فلا شيء له قلت أرأيت إن برئا جميعا ثم إن عبدا لرجل قتل الآخر منهما(2/455)
خطأ ما القول في ذلك قال يخير مولى العبد القاتل فان شاء فداه وإن شاء دفعه فان دفعه كان هذا مكان العبد المقتول ويخير مولى الباقي فان شاء دفع عبده وإن شاء فداه فان فداه اتبع بذلك العبد القاتل فكان أرش جراحة عبده في عنق ذلك العبد فان شاء مولاه فداه وإن شاء دفعه قلت وكذلك إن كان قتل الأول وبقي الآخر قال نعم قلت أرأيت عبدين اضطربا فضرب كل واحد منهما صاحبه ومع كل واحد منهما عصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرئا جميعا ثم إن الضارب منهما الأول قتل الآخر منهما بعد ذلك خطأ ما القول في ذلك قال صار في عنق هذا العبد أرش هذه الشجة وقيمة العبد فيخير مولى العبد الباقي فان شاء دفعه وإن شاء فداه بأرش الشجة والقيمة فان دفعه فلا شيء له لأن عبده هو الأول وإن فداه كان أرش الشجة المقتول لمولاه خاصة وكان أرش شجة هذا الباقي قيمة المقتول الذي قبض مولاه فيأخذ مولى هذا الحي أرش شجة عبده من تلك القيمة قلت ولم قال لأن هذا العبد الأول قد صار في عنقه أرش شجة المقتول وقيمته لأنه هو الذي بدأ بالضربة قلت أرأيت إن كان هذا الجاني الآخر هو الذي قتل الأول خطأ ما القول في ذلك قال يخير مولى هذا العبد المقتول فان شاء أبطل جنايته ولا يكون لواحد منهما على صاحبه شيء وإن شاء فداه بموضحة العبد الحي فان فداه بموضحة العبد الحي خير مولى الباقي فان شاء(2/456)
دفع هذا العبد وإن شاء فداه بقيمة المقتول فان فداه بقيمته سلمت تلك القيمة لمولى العبد المقتول وكذلك إن دفعه سلم له قلت ولم قال لأن مولى المقتول حين دفع أرش شجة الآخر سلمت له قيمة عبده وكأن عبده كان حيا فدفع ذلك إليه قلت أرأيت إن كان اختار مولى العبد الآخر دفع عبده فدفعه ما القول في ذلك قال يصير أرش شجة الذي كان شجه الأول في عنقه فان شاء المدفوع أليه فداه وإن شاء دفعه فان دفعه لم يكن للأول شيء وكذلك إن فداه قلت أرأيت عبدين التقيا مع كل واحد منهما عصا فاضطربا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة ولا يعلم الضارب الأول منهما فبرئا جميعا ثم إن أحدهما قتل صاحبه بعد ذلك خطأ ما القول في ذلك قال يخير مولى هذا القاتل فان شاء دفع عبده وإن شاء فداه بقيمة المقتول المشجوج صحيحا فان دفعه كان له نصف أرش شجته في عنقه إن شاء المدفوع إليه فداه بذلك وإن شاء فدع منه حصة النفس يقسم العبد المدفوع على نصف أرش شجه المقتول وعلى قيمته مشجوجا فيأخذ الذي دفعه منه حصة قيمة العبد المقتول مشجوجا من العبد الذي دفع به وإن فداه بالقيمة رجع عليه بأرش الشجة في الفداء بعد ما يرفع المولى نصف أرش شجته قلت أرأيت عبدين التقيا فاضطربا فقطع كل واحد منهما يدي صاحبه معا جميعا فبرئا جميعا ما القول في ذلك قال يخير مولى كل(2/457)
واحد منهما فان شاء دفع عبده وأخذ عبد صاحبه وإن أبيا فلا شيء لهما في قول أبي حنيفة قلت ولم قال لأن كل واحد منهما قد قطعت يداه فلا يكون لمولاه شيء إن أبي أن يدفعه قلت أرأيت أمة قطعت يد رجل خطأ ثم إنها ولدت ولدا ثم إن ولدها قتلها خطأ ما القول في ذلك قال يخير المولى فان شاء دفع الولد إلى المقطوعة يده وإن شاء فداه بالأقل من دية اليد ومن قيمة المقتول قلت ولم قال لأن دية يده كانت في رقبة الأم فلما قتل الولد الأم كان في رقبته قلت أرأيت عبدا قتل رجلا خطأ ثم إن عبدا لرجل قطع يد ذلك العبد خطأ فبرىء من قطع يده ما القول في ذلك قال يخير مولى القاطع فان شاء دفع عبده وإن شاء فداه فان دفع عبده إلى ورثة الحر دفع ما أخذ من أرش جنايته معه قلت أرأيت إن دفع مولى العبد القاطع عبده إلى صاحبه العبد المقطوعة يده أيكون العبدان جميعا لورثة الحر إن اختار مولى العبد الدفع قال نعم قلت ولم قال لأن الآخر بمنزلته لأنه أرش يده قلت أرأيت إن اعتق المولى مولى العبد الذي قتل الحر العبد المدفوع إليه ما القول في ذلك قال يكون عتقه إياه اختيارا للعبد الجاني الأول ويضمن جميع دية الحر قلت ولم صار هذا اختيارا قال لأنه لو أعتق الآخر كان اختيارا فهذا بمنزلته ألا ترى أنه أرش يده قلت ولو أن عبدين لرجلين قتلا رجلا خطأ فأعتق أحدهما(2/458)
وهو يعلم بالجناية كان اختيارا للآخر قال لا ولا يشبه هذا الأول لأنهما في الأول بمنزلة عبد واحد قلت أرأيت إن أعتق المولى القاتل الذي قتل الحر أيكون اختيارا لهما جميعا قال نعم قلت أرأيت رجلا قطع يدي عبد جميعا فأعتق السيد عبده قبل أن يبرأ وهو يعلم بقطع يدي عبده أو لا يعلم ما القول في ذلك قال لا شيء له في قول ابي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يضمن الحر ما نقص العبد قلت أرأيت إن كان إنما أعتقه بعد البرء هل للمولى على القاطع شيء قال لا شيء له في قول ابي حنيفة قلت ولم قال لأنه أعتقه بعد البرء فهذا اختيار منه وقال أبو يوسف ومحمد إذا كانت أم الولد بين الرجلين فكاتباها جميعا فقتلت أحد الموليين قال عليها الأقل من القيمة ومن الدية فان قتلت الآخر بعد ذلك كان على عاقلتها الدية وعليها الكفارة فان قتلتهما جميعا معا فعليها قيمة واحدة وقال أبو يوسف ومحمد إذا قطع الرجل يد عبد وقيمته ألف درهم فلم يبرأ حتى صارت قيمته ألفين فقطع آخر رجله من خلاف ثم مات منهما جميعا قال يصير على الأول ستمائة وخمسة وعشرون درهما ويضمن الآخر سبعمائة وخمسين درهما
آخر كتاب الجنايات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله أجميعن كتبه أبو بكر بن أحمد بن محمد الطلحي الأصفهاني في محرم سنة تسع وثلاثين وستمائة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل
كتاب الديات:
قال محمد بن الحسن رحمة الله عليه القتل على ثلاثة أوجه عمد وخطأ وشبه العمد فأما العمد فهو ما تعمدت ضربه بالسلاح ففيه القصاص إلا أن يعفوا الأولياء أو يصالحوا وأما شبه العمد فهو ما تعمدت ضربه بالعصا أو السوط أو الحجر أو البندقة ففيه الدية مغلظة على عاقلة القاتل وعلى القاتل الكفارة وأما الخطأ فهو ما أصبت مما كنت تعمدت
غيره فأخطأت به فعلى القاتل الكفارة وعلى عاقلته الدية بلغنا ذلك(2/459)
عن إبراهيم النخعي والكفارة ما قال الله تعالى في كتابه فتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وفي النفس الدية وفي الأنف الدية وفي المارن الدية والمارن كل ما دون قصبة الأنف وفي اللسان كله الدية وفي بعضه إذا منع الكلام الدية وفي الذكر الدية كاملة وفي الحشفة الدية كاملة وفي الصلب الدية كاملة إذا منع الجماع أو حدب فان
عاد إلى حاله ولم ينقصه ذلك شيء إلا أن فيه أثر الضربة ففيه حكم عدل بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى في اللسان الدية وفي
الأنف الدية وفي الرجل إذا ضرب على رأسه فذهب عقله الدية كاملة وفي الرجل إذا قطعت نصف الدية وفي اليد إذا قطعت نصف الدية وفي الأصابع عشر من الإبل وأصابع اليدين والرجلين سواء وفي العين إذا فقئت نصف الدية وفي الأذن نصف الدية وفي الذكر إذا قطع ففيه الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وفي الأسنان في كل سن خمس من الإبل والأسنان كلها سواء وفي الأليتين إذا قطعتا الدية وفي إحداهما نصف الدية بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الرأس إذا حلق فلم ينبت ففيه الدية كاملة(2/460)
وبلغنا أيضا عن علي أنه قال في اللحية إذا حلقت فلم تنبت ففيه الدية كاملة وفي العينين الدية كاملة وفي إحداهما نصف الدية إن انخسفت أو ذهب بصرها وهي قائمة أو أمضت حتى ذهب البصر فهو سواء وفي اليدين الدية كاملة وفي إحداهما نصف الدية وفي إحدى الأصابع عشر الدية والأصابع كلها سواء وإذا شلت اليد حتى لا ينتفع بها أو قطعت فهو سواء وفيها أرشها كاملا وفي الأنثيين الدية وفي إحداهما نصف الدية وهما سواء وفي الحاجبين الدية كاملة إذا لم تنبتا وفي إحداهما نصف الدية وهما سواء وفي أشفار العينين الدية كاملة إذا لم تنبت وفي كل شفر ربع الدية والأشفار كلها سواء وكذلك إذا قطعت الجفون بالأشفار وفي الشفتين الدية وفي إحداهما نصف الدية كاملة وفي ثدي المرأة دية المرأة كاملة وفي إحداهما نصف الدية والثديان سواء وفي حلتي ثدي المرأة الدية كاملة وفي(2/461)
إحداهما نصف الدية والصغيرة والكبيرة في ذلك سواء وفي الموضحة نصف عشر الدية وهي التي توضح العظم حتى يبدو وفي المنقلة عشر ونصف عشر الدية والمنقلة هي التي تخرج منها العظام وفي الهاشمة عشر الدية وهي التي تهشم العظم وفي الآمة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الدماغ فان ذهب العقل ففيه الدية كاملة وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الجوف فان نفذت ففيها ثلثا الدية وفي كل مفصل من الأصابع ثلث دية الإصبع إذا كان فيها ثلاث مفاصل وإذا كان فيها مفصلان ففي كل مفصل نصف دية الإصبع وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في النفس الدية وفي اللسان الدية وفي الحشفة الدية كاملة وفي الأنف الدية كاملة إذا اصطلم وفي العينين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي الآمة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي الأنثيين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي الأصابع في كل إصبع عشر الدية وفي الأسنان في كل سن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وفيما دون الموضحة حكومة عدل
بلغنا عن ابن مسعود أنه قال في دية الخطأ أخماسا عشرون جذعة وعشرون حقة وعشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وقال في شبه العمد أرباعا خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون ابنة مخاض وخمس وعشرون ابنة لبون وبه يأخذ أبو حنيفة وأبو يوسف
وقال محمد في الخطأ يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفي شبه العمد بقول زيد بن ثابت رضي الله عنه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة والخلفة الحامل وهو قول عمر والمغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم(2/462)
وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جعل الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الشاء ألفي شاة مسنة فتية وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وبه يأخذ
أبو يوسف ومحمد وإنما أخذ أبو حنيفة من هذا بالإبل والذهب والفضة وأما ما سوى ذلك فلا وكان أبو يوسف ومحمد يأخذان بذلك كله ويخالفان أبا حنيفة وقال أبو حنيفة إنما أخذ عمر رضي الله عنه بذلك لأنه كانت أموالهم فلما صارت الدواوين والأعطية جعل أموالهم الدراهم والدنانير والإبل وبلغنا عن على رضي الله عنه أنه قال في دية المرأة أنها على النصف من دية الرجل في النفس وفيما دون النفس وبذلك نأخذ
وفي ذكر الخصي ولسان الأخرس واليد الشلاء والرجل العرجاء والعين القائمة العوراء والسن السوداء وذكر العنين حكم عدل
بلغنا بعض ذلك عن إبراهيم النخعي
وفي الدامية من الشجاج وهي التي تدمي الرأس حكم عدل وفي الباضعة وهي التي تبضع اللحم وهي فوق الدامية حكم عدل أكثر من ذلك وفي السمحاق حكم عدل وهي أكثر من هاتين إنما بينها وبين العظم جلدة رقيقة حكم عدل أكثر من ذلك بلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال في السمحاق وفيما دونها حكم عدل وفي الضلع حكم عدل وفي الترقوة حكم عدل وفي الساعد
إذا كسر أو كسر أحد الزندين حكم عدل وفي الساق إذا كسرت حكم عدل على قدر الجراحة وفي اليد إذا قطعت من نصف الساعد دية اليد وحكم عدل فيما من الكف إلى الساعد فان كان من المرفق كان(2/463)
في الذراع بعد دية الكف حكم عدل أكثر من ذلك فاذا كسر الأنف ففيه حكم وإذا قطع من اليد ثلاث أصابع ففيها ثلاثة أخماس دية اليد فان قطعت الكف بالإصبعين السبابتين ففيها خمسا دية اليد وهذا قول أبي حنيفة ما بقي من الأصابع شيء ولو مفصل فليس في الكف أرش وفيها قول آخر أنه ينظر إلى الكف وإلى أرش ما بقي من الأصابع فان كان أرش ما بقي من الأصابع أكثر من أرش اليد فلا أرش لليد وإن كان أرش الكف أكثر من أرش ما بقي من الأصابع كان عليه أرش الكف يدخل القليل في الكثير وهو قول ابي يوسف الذي رجع إليه وقو قول محمد وكذلك لو لم يبق فيها إلا إصبع واحدة ثم قطعت اليد كان فيها خمس دية اليد وحكم عدل ثم رجع عنه أبو يوسف وقال إذا قطعت اليد وفيها إصبع أو إصبعان نظر إلى أرش اليد بغير إصبع وإلى أرش الإصبع فجعل عليه الأكثر منها وهو قول محمد فان كان بقي منها ثلاث أصابع ثم قطعت اليد ففيها ثلاثة أخماس دية اليد إذا بقي الأكثر من الأصابع لم أجعل للكف أرشا وإذا قطعت الأصابع كلها ثم قطعت الكف بعد ذلك كان فيها حكم عدل وفي ثدي الرجل حكم عدل وفي الأذن إذا يبست أو انخسفت حكم عدل بلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال لا يعقل العاقلة إلا خمسمائة درهم فصاعدا فكل شيء من الخطأ يبلغ خمسمائة درهم نصف عشر دية الرجل
ونصف عشر دية المرأة مائتين وخمسين فهذا على العاقلة وكذلك كل ما زاد عليه إلى ثلث الدية فانه يؤخذ في سنة فما زاد على الثلث فان ذلك الفضل يؤخذ في سنة أخرى إلى ما بينه وبين الثلثين فما زاد على الثلثين فان الفضل يؤخذ في سنة أخرى إلى ما بينه وبين الدية وبلغنا عن عمر رضي الله عنه أنه أول من فرض العطاء وجعل الدية في ثلاث سنين الثلث في سنة والنصف في سنتين والثلثين في سنتين ودية أهل الذمة من أهل الكتاب وغيرهم مثل دية الحر المسلم(2/464)
ودية نسائهم كدية المرأة الحرة المسلمة وكذلك جراحاتهم فيما دون النفس يعقلها العاقلة إذا أصابها مسلم خطأ كما يعقل جراحة الحر المسلم وإذا أصاب أهل الذمة بعضهم بعضا بخطأ ففي ذلك الأرش عليهم كما يكون على الحر المسلم إذا أصاب المسلم فان كانت لهم معاقل يتعاقلون ففي معاقلهم فان لم يكن لهم عواقل ففي مال الجاني
وجراحة الصبي إذا أصاب صبيا أو كبيرا خطأ أو تعمد ذلك بسلاح أو غيره فهو على العاقلة وكذلك المعتوه المجنون الذي يفيق وكذلك المجنون إذا أصاب في حال جنونه عمدا أو خطأ فذلك كله سواء تعقله العاقلة إذا بلغ خمسمائة درهم فصاعدا فان كان اقل من خمسمائة فهو في مال الصبي دين عليه وكذلك المجنون والمعتوه كذلك بلغنا أن مجنونا سعى على رجل بالسيف فضربه فدفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فجعله على عاقلته وقال عمده وخطأه سواء وإذا ضرب الرجل بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ففيه غرة عبد أو أمة يعدل ذلك خمسمائة بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل ذلك فهو على
العاقلة في سنة وإن خرج حيا ثم مات ففيه الدية كاملة وذلك كله(2/465)
على العاقلة وعلى الجاني الكفارة وإن خرج ميتا غلاما كان أو جارية فهو سواء فيه خمسمائة درهم بين ورثته على فرائض الله تعالى ولو قتلت الأم ثم خرج الجنين بعد ذلك ميتا فلا شيء في الجنين وعليه في الأم الدية وإن كان في بطنها جنينان فخرج أحدهما قبل موتها وخرج الآخر بعد موتها وهما ميتان ففي الذي خرج قبل موتها خمسمائة ولا يرث من دية أمه ولها ميراثها منه وليس في الذي خرج بعد موتها شيء وإن خرج حيا ثم مات ففيه الدية أيضا وله ميراثه من دية أمه ومما ورثت أمه من أخيه وإن لم يكن لأخيه أب حي فله ميراثه من أخيه أيضا وجنين المرأة من أهل الذمة بمنزلة جنين الحرة المسلمة وإذا أصاب الرجل ابنه خطأ أو عمدا فلا قصاص عليه فان كان عمدا ففي ماله الدية في ثلاث سنين وإن كان خطأ فعلى العاقلة وعلى القاتل الكفارة في الخطأ وكذلك ما أصاب منه دون النفس فان عليه فيه الأرش بلغنا عن عمر رضي الله عنه أنه قضي في رجل قتل ابنه عمدا بالدية في ماله
وإذا اشترك في قتل الرجل رجلان أحدهما بعضا والآخر بحديدة فليس فيها قصاص وفيه الأرش على صاحب العصا نصف الدية على عاقلته وعلى صاحب السيف نصف الدية في ماله وكذلك بلغنا عن إبراهيم وكل دية خطأ وجبت بغير صلح ففي ثلاث سنين ولو كان القتل بعضا أو بحجر أو يد أو سوط أو شبه ذلك مما ليس بسلاح فقامت به بينة كان ذلك على عاقلة الجاني في ثلاث سنين فان أقر فالدية في ماله في ثلاث سنين وإذا أقر بقتل خطأ ولم يقم بينة على ذلك فالدية في ماله خاصة في ثلاث سنين وإذا اشترك رجلان في قتل رجل أحدهما أبوه فقتلاه بسلاح فالدية عليهما نصفين في أموالهما في ثلاث سنين فان كان مكان الأب(2/466)
رجل معتوه أو صبي فهو كذلك ايضا غير أن ما أصاب الصبي والمعتوه فهو على عاقلتهما عمدهما وخطأهما سواء وإذا اشترك أربعة رهط أو عشر رهط في قتل رجل خطأ فالدية على عاقلتهم في ثلاث سنين في كل سنة ثلث وإذا اسودت السن أو ابيضت العين حتى لا يبصر بها أو شلت اليد حتى لا ينتفع بها والرجل حتى لا ينتفع بها فان عقل ذلك على الجاني في ماله إن كان عمدا وإن كان خطأ فعلى العاقلة وكل جناية عمد فيما دون النفس لا يستطاع فيها القصاص من القطع من غير مفصل والكسر وما ذكرنا مما قبل هذا من المنقلة والآمة والجائفة وأشباه ذلك فالدية في مال الجاني وإذا ضرب الرجل سن الرجل فتحركت فانه ينتظر بها حولا فان اسودت أو سقطت أو احمرت أو اخضرت ففيها أرشها كاملا بلغنا نحو من ذلك عن إبراهيم النخعي قال الضارب إنما اسودت من ضربة حدثت فيها بعد ضربته أو سقطت من ضربة بعد ضربته وكذبه المضروب فالقول في ذلك قول المضروب مع يمينه وفيها الأرش تاما إلا أن يقيم الضارب البينة على ما ادعا أستحسن في هذا لما فيه من الأثر والسنة ولو شج رجل رجلا موضحة فصارت منقلة فقال المضروب صارت منقلة من ذلك وقال الضارب بل حدث فيها من غير فعلى فالقول(2/467)
فيها قول الضارب وإنما عليه أرش الموضحة ولا يصدق المضروب وهذا والأول في القياس سواء غير أني أستحسن في السن للأثر الذي جاء فيه وإذا قلع رجل سن رجل ثم نبتت فلا شيء على القالع وكذلك إذا قلع سن الصبي فنبتت فلا شيء على القالع وكذلك إذا قلع الظفر فنبتت فلا شيء على القالع من حكومة عدل ولا أرش وإذا نبتت السن سوداء ففيها أرشها تاما وإذا نبتت الظفر اعوج أو متغيرا ففيه حكم عدل وإذا قلع الرجل سن الرجل فأخذ المقلوعة سنه فأثبتها في مكانها فثبتت وقد كان القلع خطأ فعلى القالع أرش السن كاملا وكذلك الأذن وإذا ابيضت العين من ضربة رجل ثم ذهب البياض منها فأبصر فليس على الضارب الشيء وإذا شج الرجل رجلا موضحة خطأ فسقط منها شعر راسه كله فلم ينبت فعلى عاقلته الدية تامة وتدخل الشجة في ذلك فان كان ذهب من الشعر شيء ولم يبلغ الرأس كله نظر في أرش الشعر وفي أرش الشجة فضمن الجاني الأكثر من ذلك يدخل الأقل في ذلك وكذلك إن كانت في الحاجب والموضحة في الوجه والرأس سواء وإذا شج الرجل رجلا خطأ أو عمدا فذهب سمعه أو بصره فان في ذلك كله الأرش فان كان خطأ فعلى العاقلة أرش الموضحة ودية العين والسمع وإن كان عمدا فذلك كله في ماله ولا يستطاع على علم ذهاب السمع إلا أن يتغفل فينادي فأما البصر فانه ينظر إليه أهل العلم بذلك بلغنا عن عمر رضي الله عنه أنه قضي بأربع ديات في رجل واحد(2/468)
وهو حي وإذا قطع الرجل إصبع الرجل فشلت أخرى إلى جنبها أو قطع يده اليمنى فشلت يده اليسرى فانه لا قصاص في هذا كله وفيه الأرش في مال الفاعل من قبل ما حدث فيه من الشلل فقد صار شيئا واحدا بعضه شلل وبعضه قطع ولا يقتص فيه وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر وهو قول أبي يوسف ومحمد إن القطع مفارق للشلل بأبن منه فالقطع بالقطع وأجعل في الشلل الأرش في مال الفاعل وإذا شج الرجل رجلا موضحة فصارت منقلة أو كسر بعض سنه فاسود ما بقي أو قطع الكف فشل الساعد أو قطع إصبعيه فشلت الكف أو قطع إصبعا من مفصل فشل ما بقي من الأصابع فليس في شيء من هذا قصاص لأن هذا شيء واحد وفيه الأرش من مال الجاني وإذا جنى الرجل جناية عمد بحديدة أو بعصا فيما دون النفس فما لا يستطاع فيه القصاص فعليه أرش ذلك في ماله وإن كان من أهل الإبل غلظ عليه في الأسنان فان كانت منقلة ففيه خمسة عشر من(2/469)
الإبل من كل سن أربع من الإبل أرباعا وإن كانت آمة فعليه ثلاثة وثلاثون وثلث من الإبل أرباعا من كل سن ربع هذه كلها من الجذعان ربع ومن الحقاق ربع ومن بنات اللبون ربع ومن بنات المخاض ربع والربع من ذلك ثمان من الإبل وثلث وإذا كان خطأ ففيه الأرش أخماسا من كل سن خمس والخمس من ذلك ست من الإبل وثلثان وهو في المنقلة إذا كان خطأ من كل سن ثلاث من الإبل وإذا جنى الرجل من أهل الإبل فقتل رجلا خطأ فصالح أكثر من عشرة آلاف أو أكثر من ألف دينار نسيئة أو يدا بيد فلا خير في ذلك لا أجيز أن يعطي أكثر من الدية وكذلك إن كان من أهل الورق فصالح على ألفي دينار أو على أكثر من مائة من الإبل لأن هذا مما قد فرضت فيه الدية فلا يجوز له أن يعطي أكثر من صنف منها ولو صالحه وهو من أهل الورق على خمسين من الإبل أجزت ذلك وكذلك لو صالحه على أقل من ألف دينار يدا بيد أو نسيئة أجزت ذلك من قبل أن هذا قد حط عنه ولو صالحه على أقل من ألف دينار نسيئة في ثلاث سنين قبل أن يقضى عليه بالدراهم وقال إنما صالحتك من الدم على ذلك كان جائزا إنما أكره النسيئة إذا وجبت عليه الدراهم فصالحه منها على غيرها ولو صالحه على ألف دينار من الدم ولم يسم أجلا كان ذلك جائز وكان ذلك في ثلاث سنين في كل سنة ثلث من قبل أن القتل خطأ وأن الدية إنما تجب عليه هكذا ولو صالحه على خمسة آلاف درهم(2/470)
وهو من أهل الورق أجزت ذلك وجعلتها في ثلاث سنين أثلاثا ولو كان من أهل الإبل فقضي عليه بالإبل فصالحه من ذلك على شيء من العروض أو الحيوان بعينه بعد أن لا يكون مما فرض فيه الدية كان ذلك جائزا وإن كان أكثر من الدية أضعافا وكان له أن يأخذه بذلك ليس فيه أجل لأنه صالحه على شيء بعينه وكذلك لو كان من أهل الورق أو من أهل الذهب إذا صالحه على شيء من الحيوان أو العروض يدا بيد كثيرا كان أو قليلا فهو جائز وإن ضرب لشيء من ذلك أجلا فلا خير فيه من قبل أنه اشتراه بالدية وهي دين فلا يصلح أن يشتري دينا بدين وإذا أقر الرجل أنه قتل قتيلا خطأ فادعى أولياء القتيل العمد فلهم الدية خاصة في ماله لأنه أقر لهم به وهو بمنزلة قتيل وجد في قبيلة فادعى الأولياء العمد عليهم فلا يصدقون في العمد ولا يبطل حقهم ما ادعوا من العمد فكذلك الأول وإذا أقر بعمد وادعوا الخطأ فلا شيء لهم لأنهم ادعوا المال وإنما أقر لهم بالقصاص وكذلك إذا قال قطعت يد فلان عمدا وادعى فلان الخطأ فلا شيء له ولو أقر بالخطأ وادعى فلان العمد كانت عليه دية اليد في ماله وكذلك كل جراحة فيما دون النفس أقر بها الجاني أنها خطأ وادعى صاحبها العمد فعلى الجاني الأرش في ماله وكل جراحة دون النفس أقر بها الجاني عمدا وادعى لا صاحبها الخطأ فليس عليه شيء(2/471)
وإذا كان المدعي ادعى المال فلا شيء له وإن كان يدعي القصاص فله الأرش وإذا أقر الرجل بقتل رجل خطأ فالدية في ماله في ثلاث سنين وكذلك إذا أقر أنه قتله خطأ وادعى أولياؤه أنه قتله عمدا فعليه الدية في ماله في ثلاث سنين وكل دية وجبت من غير صلح فهي في ثلاث سنين وإذا قتل النائم إنسانا فسقط عليه أو كان بيده شيء فضربه وهو نائم فهذا خطأ وعلى عاقلته الدية.
باب الشهادات في الديات:
وإذا شهد شاهد واحد على رجل بقتل خطأ وشهد آخر على إقرار القاتل بخطأ فشهادتهما باطل لا يجوز لأنهما قد اختلفا ألا ترى أن أحدهما قد شهد على قول والآخر على عمل وإذا شهدا على القتل واختلفا في اليوم الذي اصابه فيه فقال هذا في يوم كذا وقال الاخر في يوم آخر فشهادتهما باطل وكذلك لو اتفقا في يوم واحد واختلفا في المكان أو في البلدان فان ذلك كله باطل وكذلك لو اتفقا في المكان أو البلد واختلفا في الذي كان به القتل فقال أحدهما قتله بحجر وقال الآخر قتله بسوط أو قال قتله بعصا وقال الآخر قتله بيده أو قال أحدهما قتله عمدا وقال الآخر قتله خطأ أو قال أحدهما قتله بعصا وقال الآخر لا أحفظ الذي كان به القتل فان(2/472)
ذلك باطل لا يجوز فيه شهادتهما وإذا قالا جميعا لا ندري بما قتله فهو مثل الأول في القياس وينبغي أن يكون باطلا ولكني استحسنت في هذا أن أجيزه وأجعل عليه الدية في ماله ولا يجوز شهادة الأعمى في القتل خطأ كان أو عمدا على إقرار ولا على فعل وإن قال رأيت ذلك قبل أن يذهب بصري فلا يجوز في قول أبي حنيفة ومحمد وقال لا يجوز شهادة المحدود في قذف ولا شهادة النساء وحدهن فان كان معهن رجل وهما امرأتان مسلمتان فشهادتهما جائزة في قتل الخطأ وكل جراحة خطأ وكل شيء من ذلك يجب فيه الأرش بغير صلح مما لا يستطاع فيه القصاص وما كان من ذلك فيه قصاص فشهادتهن فيه باطل لا يجوز ولا يجوز شهادة النساء في القصاص وإن كان معهن رجل ولا يجوز فيه شهادة على شهادة ولا كتاب قاضي إلى قاض والنفس وما دون النفس في ذلك سواء والشهادة على الشهادة وكتاب القاضي جائز في كل ما كان فيه الأرش في النفس وما دون النفس في الخطأ والعمد الذي لا يستطاع فيه القصاص بلغنا عن شريح وإبراهيم أنهما قالا لاتجوز شهادة النساء في الحدود
ولا في القصاص ولا شهادة على شهادة(2/473)
وإذا شهد رجل على رجل بالقتل عمدا فانه لا تجوز شهادة رجل وأحد فان شهد عليه اثنان بالعمد حبس حتى يسئل عنهما فان زكيا قضي عليه بالقود ولو شهد عليه رجل واحد عدل قد عرفه القاضي فان القاضي يحبسه أياما فان جاء شاهد آخر وإلا خلى سبيله والعمد في ذلك والخطأ سواء وكذلك شبه العمد وإذا ادعى ولي القتيل بينة حاضرة بالمصر والقتل خطأ أخذ له من المدعي عليه كفيلا إلى ثلاثة أيام فان أحضر وإلا ابرأ الكفيل وإن أقر أن بينته غيب لم يؤخذ له كفيل فان شهد شاهدان على القتل عمدا لم يؤخذ كفيل في القتل بعد الشهود ولكنه يحبس فان زكى الشاهدان بالقتل عمدا قتل وإن كان خطأ شبه العمد قضي على عاقلته بالدية ويحبس القاتل يتعزير وعقوبة حتى يحدث توبة ويحدث خيرا وكذلك الجراحات فيما دون النفس بمنزلة جميع ما ذكرنا.
باب القسامة:
وإذا وجد الرجل قتيلا في محلة قوم فعليهم أن يقسم منهم خمسون رجلا بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ثم يغرمون الدية بلغنا نحو من هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم
وبلغنا عن عمر رضي الله عنه أنه قضي بالدية على عاقلتهم في ثلاث سنين(2/474)
فان لم يكمل العدد خمسين كررت عليهم الأيمان حتى يكمل خمسين يمينا ولأولياء القتيل أن يختاروا في القسامة صالحي العشيرة الذين وجد بين أظهرهم فيحلفونهم ولو اختاروا منهم أعمى أو محدودا في قذف كان ذلك لهم لأنها ليست بشهادة وإنما يعقل الدم وكل ما يلزم العاقلة فعلى المقاتلة من أهل الديوان ولا يلزم النساء ولا الذرية من ذلك شيء ولا من ليس له ديوان ولا يؤخذ من الرجل إلا ثلاثة دراهم أو أربعة فان لم يسع ديوان أولئك القوم لتلك الدية ضم إليها أقرب القبائل إليهم في النسب حتى لا يقع على الرجل إلا ثلاثة دراهم أو أربعة والقاتل والذي حلف على القسامة والذي لم يقتل ولم يشهد في ذلك كلهم سواء الدية عليهم سواء على أهل الديوان وإذا وجد القتيل بين قريتين أو سكتين فانه يقاس فالى ايهما كان أقرب كان عليهم القسامة والدية بلغنا عن عمر رضي الله عنه
أنه قضي بذلك في قريتين فان نكلوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا وإذا وجد قتيل في قرية أصلها لقوم شتى فيهم المسلم والكافر فان القسامة على أهل القرية على المسلم والكافر يكرر عليهم الأيمان حتى تكمل خمسين يمينا فان لم يكن فيها خمسون رجلا تكرر عليهم الأيمان ثم يغرم عليهم الدية فما أصاب المسلمين من ذلك فعلى عواقلهم وما أصاب أهل الذمة فان كانت لهم معاقل فعليهم وإلا ففي أموالهم وإذا وجد الرجل قتيلا في قبيلة من الكوفة وفيها سكان وفيها(2/475)
من قد اشترى من دورهم فانما القسامة والدية على أهل الخطة وليس على السكان ولا على مشتري الدور شيء ولو جعلت على السكان وعلى المشترين شيئا لا ستحلفت عشائرهم أيضا في القسامة ووزعت عليهم الدية بالحصص فيوجد القتيل في قبيلة واحدة ويعقل عنهم عشر قبائل فهذا قبيح لا يستقيم وإذا وجد القتيل في دار رجل قد اشتراها وهو من غير أهل الخطة فان أهل الخطة برآء من ذلك والقسامة على صاحب الدار وعلى قومه الدية وإذا باع أهل الخطة جميعا حتى لا يبقى فيهم أحد ثم وجد فيهم قتيل في سكة من سككهم أو في مسجد من مساجدهم فان القسامة والدية على المشترين فان وجد في دار واحد من المشترين فهو عليه خاصة على عاقلته وإذا كانت الدار بين رجلين فوجد فيها قتيل فالدية على عواقلهما نصفان وإن كان أحدهما أكثر نصيبا من الآخر وإذا بقي من الخطة دار واحدة ثم وجد قتيل في المحلة فان القسامة والدية على أهل الخطة وليس على السكان ولا على المشترين شيء ألا ترى أنه لو كان فيها ساكن عامل يعمل بيده بالنهار وينصرف بالليل إلى منزله لم أجعل عليه شيئا فكذلك السكان وإذا وجد الرجل قتيلا في دار نفسه فعلى عاقلته الدية وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء على العاقلة والقتيل عندنا كل ميت به أثر فان لم يكن به أثر فلا قسامة(2/476)
فيه ولا دية إنما هذا ميت وقال أبو حنيفة إن وجد وليس به أثر إلا أن الدم يخرج من أنفه فليس بقتيل وإن كان يخرج من أذنه فهو قتيل وفيه الدية والقسامة وهو قول ابي يوسف ومحمد وإذا ادعى أهل القتيل على بعض أهل المحلة الذي وجد بين أظهرهم فقالوا قتله فلان عمدا أو خطأ فذلك كله سواء وفيه القسامة والدية ولا يبطل دعواهم العمد حقهم ألا ترى أنهم لم يبرؤا العشيرة من القتل أرأيت لو قالوا قتلوه جميعا عمدا لم يكن عليهم الدية وقال أبو يوسف ومحمد إذا وجد قتيل في قبيلة فلم يدع أولياؤه على أهل القبيلة وادعوا على رجل من غيرهم فاني أجيز شهادة أهل القبيلة على عاقلته إذا ادعى ذلك أولياؤه وقال أبو حنيفة لا تجوز شهادتهم ولا شيء عليهم من الدية وقال أبو يوسف ومحمد إذا وجد الرجل قتيلا في دار نفسه فليس فيه الدية ولا القسامة وإذا وجد قتيل في محلة فادعى أهل المحلة أنه قتله غيرهم فان أقاموا البينة على رجل من غيرهم وشهدت شهود من غيرهم فهو جائز فان ادعى الأولياء على ذلك الرجل أخذوه بالدية وإن أبرؤه لم يكن لهم عليه ولا على أهل المحلة شيء وإذا شهد شهود من القبيلة لم يجز شهادتهم في قول ابي حنيفة لأنهم يدفعون عن أنفسهم فان ادعى الأولياء على غيرأهل المحلة فقد أبرأوا أهل المحلة ولا شيء لهم على من ادعوا عليه إلا ببينة من(2/477)
غير أهل المحلة وإذا وجد بدن القتيل في محلة فعليهم القسامة والدية فان وجد فيهم يده أو رجله أو رأسه فلا شيء عليهم وإن وجد فيهم أكثر من نصف البدن فعليهم القسامة والدية كاملة وإن وجد فيهم نصف البدن مشقوقا بالطول فلا شيء عليهم وإذا وجد فيهم أقل من نصف البدن فلا شيء عليهم فان كان الجانب الذي فيه الرأس فلا شيء عليهم فيه أيضا وإن كان نصف البدن وفيه الرأس فعليهم الدية وإذا وجد العبد قتيلا في قبيلة أو المكاتب أو المدبر أو أم الولد والذي يسعى في بعض قيمته فعليهم القسامة والقيمة في ثلاث سنين وإذا وجد فيهم دابة أو شبه ذلك فلا شيء عليهم ليست تعقل العاقلة العروض ولا البهائم فان وجد فيهم جنين أو سقط فليس عليهم فيه شيء فان كان تماما وبه أثر فهو قتيل وعليهم القسامة والدية وإذا وجد العبد قتيلا في دار مولاه فلا شيء عليه لأنه ماله وكذلك المكاتب يوجد في دار نفسه قتيلا فلا شيء فيه وإذا وجد المكاتب قتيلا في دار مولاه فالقسامة على مولاه في ماله يستوفي ما بقي من مكاتبته وما بقي فهو ميراث وإذا وجد الرجل قتيلا في دار أبيه أو ابنه أو المرأة في دار زوجها ففيه القسامة والدية على العاقلة وإذا وجد الرجل قتيلا على دابة يسوقها رجل أو يقودها أو راكبها فهو على الذي مع الدابة فان لم يكن مع الدابة أحد فهو(2/478)
على أهل المحلة الذين يوجد فيهم على الدابة وكذلك الرجل يحمل قتيلا فهو عليه وإذا وجد القتيل في السفينة فالقسامة على من في السفينة من الركاب وغيرهم من أهلها الذين هم فيها والدية عليهم وإذا وجد القتيل في نهر يجري فيه الماء فلا شيء فيه فان كان في نهر عظيم أو في للفرات يسير فيها الماء فليس فيه شيء فان كانت إلى جانب الشاطئ محتبسا فهو على أقرب القرى إليه والأرضين وعليهم القسامة والدية وإذا وجد قتيلا في فلاة من الأرض فليس فيه شيء وإذا وجد قتيل في سوق المسلمين أو في مسجد جماعتهم فهو في بيت مال المسلمين وليس فيه قسامة وإن كان في دار رجل خاصة مملكها في السوق فعلى عاقلة ذلك الرجل القسامة والدية وإذا وجد الرجل قتيلا في قرية لرجلين عواقلهما في ذلك المصر الذي منه القرية فالقسامة والدية على عواقلهما في ذلك المصر الذي فيه القرية وإذا جرح الرجل في قبيلة أو أصابه حجر لا يدري من رماه فشجه فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعلى الذين أصيب امة والدية وإن كان صحيحا يذهب ويجيء فلا شيء فيه وإذا أصيب القتيل في العسكر والعسكر بأرض فلاة فهو على القبيلة(2/479)
التي وجد في رحالهم فان كان العسكر في ملك الرجل فعلى صاحب الأرض على عاقلته القسامة والدية وإن كان العسكر بفلاة من الأرض فوجد في فسطاط رجل قتيل فعليه القسامة تكرر عليه الأيمان وعلى عاقلته الدية وإذا وجد بين قبيلتين من عسكر قتيل فعليهما جميعا إذا كان القتيل إليهم سواء القسامة والدية وإن كان أهل العسكر قد لقوا عدوهم فلا قسامة في القتيل ولا دية وإنما هذا مما أصاب العدو فان كان العسكر مختلطا فأصاب القتيل في طائفة منهم فان كان أصيب في خباء أو فسطاط فعلى صاحب الفسطاط والخباء وإن كان في غير خباء ولا فسطاط فهو على أقرب أهل الأخبية إليه وعلى من في الخباء جميعا وإذا وجد الرجل قتيلا في قبيلة فانه لا يقبل في القسامة النساء ولا الصبيان ولا عبد ولا مكاتب ولا مدبر ولا عبد قد عتق بعضه وهو يسعى في بعض قيمته في قول أبي حنيفة ويقبل فيه الأعمى والمحدود في قذف والفاسق والتخيير فيمن يحلف إلى الأولياء يختارون من القبيلة من شاؤا وليس ذلك إلى الإمام وإذا وجد الرجل قتيلا في دار امرأة في مصر ليس فيه من عشيرتها أحد فان الأيمان تكرر على المرأة حتى تكمل خمسين يمينا ثم يفرض الدية على أقرب القبائل منها وهذا قول محمد وهو قول أبي يوسف الأول ثم رجع أبو يوسف فقال يضم إليها أقرب القبائل منها فيقسمون ويعقلون وكذلك القرية إذا كانت لرجل من أهل الذمة فانه يحلف ويكون عليه الأيمان وعليه الدية(2/480)
ولو كان الذمي نازلا في قبيلة من القبائل ثم وجد فيها قتيل لم يدخل الذمي في القسامة ولا في الغرم وكذلك السكان النزال فيها من غيرهم وإذا كانت مدينة ليس فيها قبائل معروفة وجد في بعضها قتيل فعلى أهل المحلة الذين وجد القتيل بين أظهرهم القسامة والدية وإذا أبي الذين وجد القتيل فيهم أن يقسموا حبسوا حتى يقسموا خمسين يمينا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ثم يغرمون الدية وإذا وجد القتيل في دار عبد مأذون في التجارة عليه دين أو لا دين عليه فان القسامة والدية على عاقلة المولى وإذا وجد قتيل في دار مكاتب فان عليه الأقل من قيمته ومن دية القتيل فاذا وجد قتيل في قرية يتامى صغار ليس في تلك البلاد من عشيرتهم أحد فليس على اليتامي قسامة وعلى عاقلتهم الدية والقسامة وإن كان أحدهم قد أدرك فعليه القسامة تكرر عليه اليمين وعلى أقرب القبائل منهم.
باب القصاص:
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا قود إلا بالسيف وبلغنا من أصحاب عبدالله بن مسعود أنهم قالوا لا قود إلا بسلاح وكل رجل قتل قتيلا بسيف أو رمح أو رماه بسهم أو نشابة أو عمود حديد أو سكين أو ما أشبه ذلك من السلاح فان عليه فيه القصاص إلا أن يعفو أولياء القتيل أو يصالحوا على ما شاؤا وتراضوا عليه
وكل ما اصطلحوا عليه من شيء فهو جائز وإن جاوزوا بذلك الدية وإذا اجتمع رهط على قتل رجل عمدا بسلاح فعليهم فيه القصاص بلغنا عن عمر رضي الله عنه أنه قضي بذلك
وإذا قتل الحر المملوك عمدا فان عليه فيه القصاص بلغنا ذلك عن علي رضي الله عنه
وإذا قتل الرجل الصبي عمدا فان عليه فيه القصاص وكذلك إذا قتل العبد الحر عمدا فان عليه فيه القصاص وكذلك المرأة إذا قتلت الرجل عمدا أو الرجل يقتل المرأة عمدا وإذا اشترك النساء والرجال في قتل رجل عمدا أو صبي أو امرأة عمدا فان عليهم القصاص جميعا(2/481)
وإذا اقتل الرجل المسلم الرجل من أهل الذمة عمدا فان عليه فيه القصاص بلغنا عن ر سول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقاد رجلا مسلما برجل من أهل الذمة فقتل المسلم بالذمي ثم قال أنا أحق من وفي بذمته
وبلغنا عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بقتل رجل مسلم برجل من أهل الحيرة ذمي ثم بلغه أنه فارس من فرسان العرب فكتب فيه أن لا يقتل
وإذا اجتمع رجال من أهل الإسلام على رجل من أهل الذمة عمدا فان عليهم فيه القصاص وكل قطع في يد عمدا من مفصل أو إصبع فان فيه القصاص في مثل ذلك الموضع ولا يقطع اليمنى باليسرى ولا اليد بالرجل ولا الإبهام بغيرها من الأصابع ولا يقطع إصبع من يد باصبع من رجل ولا يقتص من عظم ما خلا السن بلغنا ذلك عن إبراهيم وقال لا قصاص بين العبيد والأحرار ولا فيما بين العبيد فيما دون
النفس ولا قصاص بين الرجال والنساء فيما دون النفس وبين المسلمين وأهل الذمة والقصاص واجب في النفس وفيما دونها ولا يقطع يدان بيد واحدة وليس هذا كالنفس وإذا اجتمع رجلان على قطع يد رجل عمدا كانت عليهما الدية في أموالهما وكذلك العينان والرجلان ولو لا الأثر والسنة لم يقتل اثنان بواحد فأخذنا في النفس بما جاء من الأثر والسنة وأخذنا فيما دون النفس بالقياس وإذا قطع رجل يد رجل من نصف الساعد أو قطع الرجل من نصف الساق فلا قصاص عليه في ذلك لأنه في غير مفصل وعليه في ذلك ديه اليد وحكومة عدل فيما قطع من الساعد مع الكف في ماله ذلك كله ولا يقتص الرجل من ابنه في النفس ولا فيما دونها بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من جده ولا من أمه ولا من(2/482)
جدته وكذلك كل جد أو جدة من قبل الرجال والنساء جنى على ولده أو ولد ولده في النفس أو فيما دونها عمدا فلا قصاص عليه وعليه الأرش في ذلك كله في ماله وكذلك لو كان الولد مدبرا أو عبدا أو مكاتبا ولا قصاص بين الصبيان في النفس أو فيما دونها وإذا جنى الصبي على رجل في النفس أو فيما دونها فلا قود عليه لأن عمد الصبي خطأ وكذلك المعتوه وكذلك المجنون إذا أصاب
في حال جنونه وإذا أصاب في حال إفاقته فهو والصحيح سواء وعمد الصبي والمجنون في حال جنونه والمعتوه خطأ تعقله العاقلة وإذا قطع الرجل الواحد يد الرجلين عمدا اليمنى واليسرى فانه يقطع يداه كلتاهما لهما وإذا كان إنما قطع اليمنى من كل واحد منهما قطعت يمينه لهما وغرم لهما الدية دية اليد في ماله بينهما نصفان وإذا عفا أحدهما عن القصاص قبل أن يقتص لهما كان عفوه جائزا ويقتص للباقي ولا حق للذي عفا ولو حضر أحدهما قبل صاحبه لم انتظر الغائب لأنه ليس له مع هذا شرك ويقتص منه لهذا فاذا قدم الغائب كانت له الدية في مال القاطع الأول وإذا اجتمعا جميعا فقضي لهما القاضي بالقصاص وقضي لهما بديه اليد فيديا فأخذا الدية ثم عفا أحدهما عن القصاص فان عفوه جائز ولا قصاص للباقي وله نصف دية اليد ولو لم يكونا أخذا المال و أخذا به كفيلا ثم عفا أحدهما كان عفوه جائزا وللباقي القصاص لأنه لم يقبض مالا ولم يقع الشركة بينهما ولو كانا أخذا بالمال رهنا كان هذا بمنزلة قبض المال إن عفا أحدهما كان عفوه جائزا وللباقي القصاص لأنه لم يقبض مالا ولم يقع الشركة بينهما ولو كانا أخذا بالمال رهنا كان هذا بمنزلة قبض المال إن عفا(2/483)
أحدهما بعد ذلك كان الحال في هذا كالحال وقبض المال وإنما هذا استحسان وكان ينبغي في القياس أن لا يقع بينهما شركة قبضا المال أو لم يقبضا وإذا قطع رجل إصبع رجل من مفصل ثم قطع يد الآخر أو بدأ باليد ثم قطع الإصبع وذلك كله في اليمنى ثم اجتمعا جميعا فانه يقطع إصبعه باصبع هذا ثم يخير صاحب اليد فان شاء قطع ما بقي وإن شاء أخذ دية يده من مال القاطع ولو جاء صاحب اليد قبل صاحب الإصبع قطعت له اليد فان جاء صاحب الإصبعغ بعد أخذ أرش إصبع من مال الذي قطعهما ولو قطع رجل إصبع رجل من مفصل ثم قطع إصبعا أخرى من مفصلين ثم قطع أصابع أخرى كلها وذلك كله في أصابع يد واحدة ثم اجتمعوا جميعا قطع منه المفصل الأعلى لصاحب المفصل الأعلى ثم يخير صاحب المفصلين فان شاء قطع له المفصل الأوسط بحقه كله وإن شاء أخذ ثلثي دية الإصبع من ماله ثم يخير صاحب الإصبع(2/484)
فان شاء أخذ ما بقي كله باصبعه وإن شاء أخذ دية إصبعه من مال الذي قطعها وإذا قطع كف رجل من مفصل ثم قطع يد أخرى من مرفق ثم اجتمعا جميعا فان الكف يقطع لصاحب الكف ثم يخير صاحب المرفق فان شاء أخذ قطع ما بقي بحقه كله وإن شاء أخذ الأرش من مال الجاني ولا نبالي في ذلك بأيهما بدأ قبل صاحبه وإذا شج الرجل الرجل موضحة فأخذت ما بين قرني المشجوج ولا تأخذ ما بين قرني الشاج فان المشجوج يخير فان شاء أخذ الأرش ولا قصاص له وإن شاء اقتص له فبدأ من أي الجانبين أحب حتى تبلغ مقدارها في طولها إلى حيث يبلغ ثم يكف وإذا كانت الشجة لا تأخذ ما بين قرني المشجوج وتأخذ ما بين قرني الشاج ويفضل منها فضل فانه يخير المشجوج فان شاء أخذ الأرش وإن شاء اقتص له ما بين القرنين من الشاج لا أزيده على شيء وإذا كانت الشجة في طول رأس المشجوج وهي تأخذ من رأس الشاج من جبينه إلى قفاه فانه يخير المشجوج فان شاء أخذ الأرش وإن شاء اقتصصت له مقدار شجته إلى موضعها في رأسه لا أزيده على ذلك وإن كانت من المشجوج ما بين جبينه إلى قفاه ولا يبلغ من(2/485)
رأس الشاج إلا إلى نصف ذلك خيرت المشجوج فان شاء أخذ الأرش وإن شاء اقتصصت له مقدار شجته إلى حيث يبلغ ويبدأ من أي الجانبين أحب وإذا شج رجل رجلا موضحة في وجهه أو في رأسه عمدا فهو سواء وفيه القصاص وكذلك لو شجه باضعة أو دامية فان فيه القصاص ولا يقتص في شيء من ذلك حتى يبرأ والهاشمة التي تهشم العظم وليس فيها قصاص وإذا كانت عمدا أو خطأ فأرشها ألف درهم والمنقلة التي تخرج منها العظام فلا قصاص فيها وإذا كانت عمدا أو خطأ فأرشها ألف وخمسمائة درهم والآمة التي تصل إلى الدماغ فليس فيها قصاص فان كانت عمدا أو خطأ ففيها ثلث الدية في مال الفاعل فاذا ذهب العقل منها ففيها الدية كاملة في مال الفاعل ولا قصاص في الجائفة وفيها ثلث الدية وهي التي تخلص إلى الجوف فان نفذت ففيها ثلثا الدية في مال الفاعل إذا كانت عمدا ولا قصاص في الهاشمة والمنقلة والآمة والجائفة بلغنا عن عمر رضي الله عنه أنه قال لا قصاص في عظم
وبلغنا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال لا قصاص في جائفة ولا آمة ولا منقلة ولا عظم يخاف منه عليه التلف وبلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال لا قصاص في عظم ما خلا السن وفي كل عظم كسر عمدا أو ساعد أو ساق أو ضلع أو عظم أو ترقوة أو غير ذلك ففيه حكم عدل في مال الفاعل إذا كان متعمدا لذلك وكذلك كل من قطع عظما متعمدا فلا قصاص عليه(2/486)
وإذا قطع رجل يد رجل عمدا ويد القاطع التي فيها القصاص شلاء أو مقطوعة الإصبع فانه يقال له إن شئت فاقطع يده وإن شئت فخذ الأرش لأن يده ناقصة وكذلك لو قطعها وهي صحيحة ثم اقتص منها إصبع أو نحو ذلك كان بالخيار أيضا ولو قطع منها اصبع بغير قصاص لم يكن للمقطوعة يده إلا أن يقطع ما بقي وليس له أرش ألا ترى أنها لو قطعت كلها بغير قصاص بطل حقه كله ولم يكن له أرش بمنزلة رجل كان له القصاص في نفس رجل فمات أو قتل فقد بطل حقه الأول ولا أرش له وإذا قطعت اليد في القصاص أو في السرقة وقد كان وجب عليها قطع قبل ذلك في قصاص فان للمقطوعة يده أرش يده في مال القاطع الأول وإذا اقتص الرجل من الرجل في عين أو يد أو شجة فمات المقتص منه فان ديته على عاقلة المقتص له في قول أبي حنيفة وفيها قول آخر إنه لا ضمان عليه لأنه إنما أخذ حقه وهو قول أبي يوسف ومحمد ألا ترى أنه لو قطع في سرقة فمات لم يكن على الإمام شيء فكذلك
القصاص ألا ترى أنه إنما وضع القصاص في موضعه أرأيت لو بط قرحة له أو حجمه أو قطع عرقا من عروقه أو ختنه ولم يجاوز ما أمره ثم مات أكان يضمن فالذي أخذ القصاص ولم يجاوز ذلك أليس قد أخذ ما أمره الله تعالى به من القصاص ولو أن المقتص منه قال اقتصوا مني فأمر بذلك كما أمر بالختان أو الحجامة ثم مات من ذلك أكان فيه ضمان لا ضمان في شيء من هذا ولو كان المقتص له مات كان المقتص منه يقتل به من قبل أنها قد صارت نفسا ولو أن رجلا قتل رجلا فدفع إلى وليه فقطع يده عمدا أو مثل به في غير ذلك الموضع لم يكن عليه في ذلك الأرش لأنه قد كانت له نفسه فاليد من النفس ألا ترى أن النفس يأتي على ذلك ولكنه يعزر لما أتى من المثلة ويحال بينه وبين المثلة بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المثلة(2/487)
ولو قطع يده ثم عفا عنه كانت عليه دية اليد لأنه أخذها بغير حق وهذا قول ابي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد إنه لاضمان عليه من قبل أنه كانت له النفس ألا ترى أنه لو مات منها كان أخذ حقه وإذا قطع الرجل يد الرجل اليمنى عمدا من مفصل وقطع يد آخر اليسرى من مفصل فعليه القصاص لهما جميعا وفي العين القصاص وفي الرجل وفي السن إذا قطعت أو كسر بعضها ولم يسود ما بقي فاذا فقئت العين وذهب نورها ولم ينخسف فيها القصاص تحمى المرآة ثم تقرب منها حتى يذهب نورها ويربط على عينه الآخرى وعلى وجهه قطن
وفي السمحاق والباضعة والدامية والموضحة القصاص وليس في المنقلة ولا في الآمة ولا في الجائفة قصاص وإذا أحرق الرجل الرجل بالنار فان عليه القصاص يقتله وليه بالسيف إن أراد ذلك وإذا طعن الرجل الرجل برمح لا سنان فيه فجافه فمات فعليه فيه القصاص وكذلك لو رماه بسهم ليس فيه نصل أو نشابه فهذا كله فيه القصاص وكذلك لو شق بطنه بعود أو ذبحه بقصبة ففي هذا كله القصاص لأن هذا قد وقع موقع السلاح وإن ضربه بعمود حديد أو بسنجة حديد أو ما أشبه ذلك من النحاس والحديد فعليه القصاص ولو ضربه بحجر أو بعضا حديد حتى يدفعه لم يكن فيه قصاص وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر إنه إذا جاء من هذا ما يعرف أنه مثل السلاح أو أشد ففيه القصاص وهو قول أبي يوسف ومحمد وإذا غرق الرجل رجلا فلا قصاص عليه وعلى عاقلته الدية بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضي بنحو ذلك من قبل
أنه قد ينفلت من الماء ولو منع به من ذلك ما يعرف أنه لا يخرج ولا ينفلت من الماء كان فيه الأرش أيضا ولا قصاص فيه وهذا قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد عليه القصاص إذا جاء من ذلك ما لا يعاش من مثله ولو أن رجلا خنق رجلا حتى مات أو طرحه في بئر فمات(2/488)
أو ألقاه من ظهر جبل أو من سطح فمات لم يكن عليه قصاص وكان على عاقلته الدية فان كان خناقا قد خنق غير واحد معروفا بذلك فعليه القتل ولو سقي رجل رجلا سما أو أوجره إياه إيجارا فقتله لم يكن عليه القصاص فكان على عاقلته الدية ولو كان أعطاه إياه فشربه هو لم يكن عليه فيه شيء ولا شيء على عاقلته من قبل أنه شربه هو.
باب تزويج المرأة على الجراحة:
وإذا قطعت المرأة يد الرجل عمدا أو جرحته ثم تزوجها على تلك الجراحة وعلى قطع تلك اليد أو تلك الضربة فذلك كله سواء فان برأ وصح فان مهرها أرش ذلك الجرح وتلك الضربة فان طلقها قبل أن يدخل بها كان لها نصف ذلك الأرش وترد عليه نصفه وكذلك إذا تزوجها على الجناية أو الجرح وما يحدث منها وبرأ فهو سواء وهو باب واحد فان مات من ذلك فهو مختلف أما إذا تزوجها على اليد أو على الضرب أو على الجرح فانه لا ينبغي في القياس أن يكون عليها القصاص لأنها قد صارت نفسا وصارت غير ما تزوجها عليه ولكني أدع القياس وأستحسن فأجعل عليها الدية في مالها وأجعل لها مهر مثلها ولا ميراث لها لأنها قاتلة وعليها عدة المتوفي عنها زوجها في قول أبي حنيفة(2/489)
وأما إذا تزوجها على الجناية أو على الجرح وما حدث فيها أو على الضربة وما يحدث فيها فان النكاح جائز وقد عفا عنها ولا يكون هذا مهرا لأنه قصاص ليس بمال فلها مهر مثل نسائها لا وكس ولا شطط ولا ميراث لها لأنها قاتلة ولو طلقها قبل أن يدخل بها كان لها المتعة وكان هذا عفوا وكذلك الرجل يقطع يد رجل عمدا فان عفا عن اليد أو عن الجرح أو عن الضربة ثم مات فليس هذا بعفو وعليه القصاص في القياس ولكني أدع القياس في هذا وأجعل عليه الدية في ماله ولو عفا عن الضربة وما يحدث فيها أو عن الجناية أو عن الجرح وما يحدث فيها كان هذا عفوا ولا شيء على القاتل فيه ولو كان الذي عفا مريضا وهو صاحب فراش كان عفوه جائزا لأن هذا قصاص وليس بمال في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إن تزوجها على الضربة أو الشجة أو اليد وما يحدث فيها أو لم يقل وما يحدث فيها فهو سواء وهو بمنزلة قول ابي حنيفة في الضربة وما يحدث فيها ذلك عفو عن النفس ولها مهر مثلها وكذلك قالا في الرجل يعفو عن ضرب رجل ضربه فهو عفو عن ذلك وما يحدث فيه وإن لم يقل وما يحدث فيه وإذا جرح الرجل الرجل عمدا بالسيف فأشهد المجروح على نفسه أن فلانا لم يجرحه ثم مات المجروح من ذلك فلا شيء على فلان وإن قامت البينة على الجراحة لم يجز أيضا لأن إقراره على نفسه أصدق(2/490)
من البينة ولو لم يقر بذلك المجروح ولكن أولياء المجروح عفوا عن الجناية قبل موته ثم مات فان عفوهم باطل في القياس ولكني أستحسن فأجيزه وكذلك لو عفا المجروح نفسه عن الجراحة أجزت عفوه وأخذت بالاستحسان فيهما جميعا وأدع القياس فيهما لأنه قتل ألا ترى أن المجروح نفسه إذا عفا فقد عفا قبل أن يجب القتل وكذلك إذا عفا الورثة فقد عفوا قبل أن يجب لهم القتل فعفوهم جائز وليس يدخل العمد في الثلث لأنه ليس بمال ولو كان مالا ما جاز ذلك إلا ببينة.
باب العفو عن القصاص:
وإذا عفا الرجل عن العمد وهو مريض أو غير مريض فعفوه جائز ولا يدخل ذلك في الثلث لأنه ليس بمال إنما هو دم فهو جائز ولو عفا عن أحد القاتلين كان للورثة أن يقتلوا الآخر بعد أن يموت صاحبهم من ضربتهما ولا يبطل عن الباقي القتل للعفو عن الأول ألا ترى أن القتيل لو لم يعف أو عفا الورثة بعد موته عن أحدهما على مال كان لهم أن يقتلوا الآخر وكذلك لو صالحوا أحدهما على مال كان لهم أن يقتلوا الآخر ولكل وارث في الدم وإن كان عمدا نصيب بميراثه منه يجوز فيه عفوه وصلحه
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ورث امرأة أشيم من عقل أشيم
وبلغنا عن إبراهيم أنه قال لكل وارث في الدم نصيب وبلغنا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال إذا أوصى الرجل بثلث ماله دخلت ديته في تلك الوصية وبلغنا عن علي أيضا أنه كان يقسم الدية على من أحرز الميراث وإذا كان دم العمد بين الرجلين فعفا أحدهما فلا قود على القاتل وللآخر أن يأخذ حصته من الدية في مال القاتل بلغنا عن عمر(2/491)
وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا ذلك وهو في ثلاث سنين يؤخذ في كل سنة ثلث وإذا كان دم العمد بين اثنين فشهد أحدهما على الآخر أنه عفا فأنكر ذلك المشهود عليه والقاتل فقد بطلت حصة الشاهد من الدم لأنه يجر المال إلى نفسه بشهادته ولا شيء له على القاتل وللمشهود عليه نصف الدية في مال القاتل ولو كان ادعى القاتل شهادته على صاحبه بالعفو فشهد على عفو صاحبه عن القاتل فان لهما الدية جميعا عليه ألزمته نصف الدية للشاهد من قبل أنه ادعى شهادته وزعم أنه قد وجب له نصف الدية حين زعم أن الآخر قد عفا ولم يلزمه له في الباب الأول شيء من قبل أنه أنكر شهادته له ولم يدعها فأما المشهود عليه فله نصف الدية على كل حال لأن شهادة أخيه لا يجوز عليه لأنه يجر نصف الدية إلى نفسه ولو شهد معه آخر لم يجر ولم يبطل حقه من الدية(2/492)
وإذا كان دم العمد بين اثنين فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه قد عفا والقاتل لا يدعى ذلك ولا ينكر فأيهما ما شهد أول مرة فقد بطل حقه لأنه يجر بشهادته نصف الدية إلى نفسه وقد وجب حق صاحبه بشهادته لأنها بعد شهادة الأول وإذا شهد معا لم يتقدم أحدهما صاحبه فلا حق على القاتل لواحد منهما من دية صاحبه ولا غير ذلك من قبل أن كل واحد منهما يجر بشهادته نصف الدية إلى نفسه فان صدق القاتل أحدهما وكذب الآخر أعطي الذي صدق نصف الدية وبطل حق الآخر وإن صدقهما جميعا أنهما قد عفوا فانه ينبغي في قياس هذا القول أن يضمن لهما الدية جميعا ولكني أستحسن أن لا أضمنه لهما جميعا شيئا لأنه زعم أنهما عفوا وإذا كان الدم بين ثلاثة فشهد اثنان على أحدهم أنه قد عفا فشهادتهما عليه باطل لا يجوز لأنهما يجران إلى أنفسهما الدية ولا قصاص على القاتل فان كذبهما أعطي المشهود عليه ثلث الدية ولم يكن للشاهدين عليه شيء فان صدقهما أعطاهم الدية أثلاثا بينهم جميعا وإن لم يصدق ولم يكذب فهو بمنزلة التكذيب لهما وإن شهد رجل وامرأتان من الورثة على رجل أنه قد عفا أو على امرأة وقد بقي من الورثة بقية لم يشهدوا ولم يشهد عليهم فان للذي بقي منهم وللمشهود عليه حصتهم من الدية وأما الشهود فان صدقهم القاتل أعطاهم حصتهم أيضا من الدية وإن كذبهم لم يكن لهم شيء(2/493)
وشهادة النساء إذا كانت مع الرجال إذا كانوا من غير الورثة في العفو عن القصاص جائزة من قبل أن هذا ليس بحد ولا بقصاص وكذلك لو شهدن مع رجل على صلح في القصاص في نفس كانت أو فيما دونها فهو جائز وكذلك الشهادة على الشهادة وإذا دعا القاتل العفو على بعض الورثة وليس له بينة فان له أن يستحلفه على ذلك فان حلف فالقصاص على حاله كما هو يؤخذ به وإن نكل عن اليمين بطل حقه وصار بمنزلة من قد عفا ولشركائه من الورثة حصتهم من الدية في مال القاتل وإذا شهد للقاتل أبواه أو ابناه على العفو فان شهادتهم لا يجوز ولا يدرأ عنه بشهادتهم من القصاص شيء وكذلك كل من لا يجوز شهادته له مثل امرأته أو مكاتبه أو مدبره أو شبه ذلك فأما أخواه أو شريكاه فان شهادتهم على العفو جائزة وعلى صلح لو ادعاه فان ادعى ورثة القتيل وأنكر القاتل ذلك فشهد على القاتل ابناه أو أبواه فشهادتهما عليه بذلك جائزة لأنهم يشهدون عليه إذا ادعى ذلك الولى وإذا حجد ذلك الولى وادعاه القاتل فإنما يشهدون له فلا يجوز شهادتهم ولا يجوز شهادة المحدود في قذف في عفو ولا دم ولا صلح ولا غيره وكذلك الأعمى والفاسق والعبد والمكاتب وأم الولد لا يجوز شهادة أحد مهم في عفو ولا صلح ولا دم عمد ولا غيره وإذا شهد شاهدان على القاتل أنه صالح على الدية وأنهما كفلا(2/494)
بها عنه وادعى ذلك القاتل وأنكر الولي فإن شهادتهما لا تجوز لأنهما ذكرا ان الكفالة كانت في الصلح وإن ذكرا أن الكفالة كانت بعد الصلح فشهادتهما على الصلح جائزة ويؤخذان بالكفالة بإقرارهما على أنفسهما ولا يرجعها بذلك على الذي كفلا عنه لأنهما مقران بالحق على أنفسهما إلا أن يكون أمرهما بذلك وإن ادعى الولي شهادتهما يجوز على أنفسها ولا يرجعان على القاتل بشيء من ذلك وإذا شهد شاهدان على العفو وقضي القاضي بشهادتهما ثم رجع الشاهدان على العفو فلا ضمان عليها من قبل أنهما لم يتلفا له مالا إنما أتلفا له القصاص وعليهما التعزير في قول أبي يوسف ومحمد ولا تعزير عليهما في قول أبي حنيفة ولا قصاص على القاتل في قول أبي حنيفة من قبل القضاء الذي قضى به وإذا شهدا بالعفو ولم يقض القاضي بشهادتهما حتى رجعا فإن القصاص كما هو على حاله يقضي به القاضي لأن الشهادة لم يتم وإذا شهدا أحدهما على العفو في يوم وشهد الآخر عليه في يوم آخر أو في شهرين مختلفين أو في بلدين مختلفين فإن شهادتهما جائزة اختلاف الأيام والبلدان في ذلك لأن العفو كلام وليس بعمل ألا ترى أنه لو شهد عليه شاهد باقراره بالمال في مكان وشهد عليه باقراره بذلك المال في مكان آخر كان جائزا وإذا شهد شاهدان على أحد الورثة بالعفو ولا يعرفون أيهم هو فان شهادتهم باطل لا يجوز من قبل أنهم لم يثبتوا الشهادة(2/495)
والقصاص على حاله يقضي به عليه وإذا اختلف الشاهدان في العفو فقال أحدهما عفا على ألف درهم وصالح عليها وقال الآخر عفا على غير جعل فانه لا يجوز شهادتهما من قبل أنهما قد اختلفا ألا ترى أن أحدهما لو شهد أنه طلق امرأته على ألف درهم وشهد آخر أنه طلقها على غير جعل أبطلت شهادتهما فكذلك العفو ولو شهد أنه صالحه على مال فشهد أحدهما أنه صالحه على ألف وشهد الآخر أنه صالحه على خمسمائة فان هذا وذاك في القياس سواء ألا ترى أن القاتل إذا ادعى شهادة الذي شهد بخمسمائة فقد أكذب الذي بالألف وإن ادعى شهادة الذي شهد بألف فقد أكذب الآخر ولا عفو له لأن الشاهدين قد اختلفا وإن لم يدع القاتل ذلك وادعاه ولي الدم فقد جاز العفو ولا آخذ له بشيء من المال لأن شهادتهما قد اختلفا في قياس قول ابي حنيفة وكذلك الباب الأول ألا ترى أن الشاهدين لو شهدا على صلح فشهد أحدهما أنه صالحه على عبد وشهد الآخر أنه صالحه على ألف درهم وادعى ذلك القاتل وأنكر ذلك الولي فانه باطل لأنهما قد اختلفا وعليه القصاص وإن لم يدع ذلك القاتل وادعاه ولي الدم فان العفو جائز ولا شيء له وإذا عفا الرجل عن دم لولده وهم صغار ولا حق له فيه فعفوه(2/496)
باطل وكذلك الوصي يعفو عن دم اليتيم فان صالح عليه فالصلح جائز وإن حط من الدية شيئا فلا يجوز ما حط ويبلغ به الدية وكذلك الأب والنفس في هذا وما دونها سواء وإذا قتل الرجل عمدا وليس له ولي إلا السلطان فللامام أن يقتص من قاتله إن شاء وليس له أن يعفو لأنه لا يملك ذلك فان صالحه على الدية فهو جائز وإن كان للدم وليان أحدهما غائب فادعى القاتل أن الغائب قد عفا عنه وأقام البينة على ذلك فاني أقبل ذلك وأجيز العفو على الغائب لأن هذا الشاهد خصم وللحاضر أن يأخذ حصته من الدية وإذا قدم الغائب لم يعد الشهود عليه الشهادة وإن ادعى عفو الغائب ولم يكن له بينة فأراد أن يستحلفه فانه يؤخر حتى يقدم الغائب فان نكل عن اليمين بطل حقه ولزم القاتل حق الحاضر من الدية وإن حلف فالقصاص على حاله وإن ادعى بينة على العفو حاضرة أجلته ثلاثة أيام فان جاء بالشهود أجزت ذلك وإن لم يأت بهم حتى يمضي ثلاث أو ادعى بينة غائبة فانهما سواء في القياس وينبغي في قياس قولنا هذا أن يقضي عليه ويمضي القضاء كما يمضيه في المال لو كان مالا ولكني أستعظم الدم ولا أعجل فيه القصاص حتى أتبين في ذلك وأستأن به وأؤجله ولا أعجله ولو شهد شاهدان على العفو على أحد الورثة بعينه أو شهدوا أنه أقر أن فلانا لم يقتله فهو سواء والشهادة عليه جائزة وكذلك إذا(2/497)
عفا الوارث عن القاتل عند موته أو أقر عند موته أن فلانا لم يقتل صاحبه فهو جائز عليه ولا يكون ذلك من ثلثه لأنه ليس بمال وعفو الوارث عند موته في مرضه وصحته سواء وإذا عفا المضروب عن الجراحة أو الضربة أو الشجة أو اليد ثم برأ منها وصح فعفوه جائز وإن مات منها فعفوه باطل من قبل أنها قد صارت نفسا وأنه عفا عن غير نفس وينبغي في القياس أن يقتله ولكنا ندع القياس ونستحسن فنجعل عليه الدية في ماله في قول أبي حنيفة وكذلك لو برأ من ذلك ثم انتقضت فمات كان بمنزلة من لم يبرأ حتى مات فان عفا الجراحة عن المجروح أو عن الضربة وما يحدث فيها فان عفوه جائز وكذلك إذا عفا عن الشجة وما يحدث فيها فان عفوه جائز مات أو برأ لأنه قد عفا عن جميع الجنايات وكذلك لو صالحه على مال عن الجناية أو عن الشجة وما يحدث فيها أو عن الضربة وما يحدث فيها كان الصلح فيه على ذلك جائزا وكذلك لو صالحه على الضربة أو على اليد أو على الجرح أو على الشجة ولم يقل وما يحدث فيها كان الصلح جائزا فان مات فعليه الدية كاملة في قول أبي حنيفة يحسب له من ذلك ما أخذوها في قول أبي حنيفة وإذا قضي لرجل بالقصاص في نفس فقطع يد القاتل عمدا أو خطأ ثم عفا عنه فانه ضامن لدية يده وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد إنه لا شيء عليه لأنه(2/498)
قد كانت له نفسه ولو قتله ولم يعف عنه لم يكن عليه في اليد شيء في القول الأول ولا في القول الآخر لأنه قد كانت له نفسه ولو قطع يديه أو رجليه متعمدا لذلك ثم قتله لم يكن عليه في ذلك شيء إلا أنه قد أساء في المثلة وعليه التعزير ولا يترك القاتل أن يمثل به والمثلة قد جاء فيها النهي عن النبي صلى الله عليه وإذا كان الدم بين اثنين فعفا أحدهما ثم قتله الآخر عمدا ولم يعلم بالعفو أو علم بالعفو ولم يعلم أن الدم حرم بالعفو فعليه الدية كاملة في ماله يحسب له من ذلك نصف الدية حصته من دم المقتول الأول ويؤدي النصف وكذلك لو كان قتله بعد ما علم بالعفو عمدا فان عليه الدية في ماله يحسب له من ذلك نصف الدية ولا قود عليه إلا أن يكون فقيها يعلم أنه ليس له أن يقتل بعد العفو فان كان ذلك قتل به وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وإذا وجب على الرجل القصاص فقتله ولي الدم بسيف أو بعصا أو بحجر فهو قصاص وكذلك لو وقع في بئر حفرها في الطريق أو تعثر بحجر وضعه في الطريق أو أصابه كنيف قد أخرجه في الطريق فقتله لم يكن عليه في ذلك شيء وكان هذا بمنزلة القصاص فان كان له وليان فعفا أحدهما ثم أصابه هذا الآخر بعد العفو فعلى عاقلته الدية في جميع ذلك إلا بالسيف فانه في ماله ويأخذ هو من ذلك نصف الدية إن كان ذلك في ماله وإن كان على عاقلته أخذ أولياء(2/499)
المقتول خطأ الدية من العاقلة ثم يرجع الذي قتل خطأ في ماله المقتول خطأ بنصف الدية التي وجبت له على عاقلته ولو قتله غير الولي بغير أمر الولي عمدا أو خطأ بطل دم الأول ولا حق لولي الأول ويكون على القاتل الآخر القصاص في العمد وعلى العاقلة الدية في الخطأ وإن قتله فقال الولي أن كنت أمرته ولم يكن عليه بذلك بينة فان هذا والأول سواء في القياس إلا أن يعلم أن الولي أمره فلا يكون عليه قصاص ولا دية له.
باب العفو في الخطأ:
وإذا قتل الرجل الرجل خطأ فديته بين جميع الورثة على فرائض الله تعالى تدخل في ذلك المرأة وكذلك إن كانت المرأة هي المقتولة كان لزوجها الميراث مع ورثتها من الدية بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ورث امرأة اشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم وبلغنا عن علي رضي الله عنه أنه قال لقد ظلم من منع الإخوة من الأم ميراثهم من الدية
وبلغنا عن علي أنه قال الدية يقسم على من أحرز الميراث وأنه قال أيضا تدخل الدية في الوصية فان عفا زوج المرأة فعفوه جائز وكذلك المرأة وكذلك الموصي له بالثلث وليس للموصي له بالثلث عفو في العمد لأنه ليس بمال فان صولح القاتل على مال دخل فيه وكان عفوه جائزا بعد الصلح وليس للغرماء عفو في عمد ولا خطأ من قبل أن العمد ليس بمال ومن قبل أن الخطأ مال للميت فليس لهم أن يبطلوه وإن تركوا ديتهم للميت كانت ديته للورثة وإن لم يترك الغرماء الدين أخذوه من الدية إذا قبضت(2/500)
بلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال لكل وارث نصيب من الدية وإن عفا فعفوه جائز وإذا عفا الرجل عن دمه وهو خطأ في مرضه الذي مات فيه فان عفوه جائز من ثلثه وإن لم يكن له مال غير الدية جاز منها ثلثه وبقي على عاقلة القاتل الثلثان في ثلاث سنين ميراثا بين ورثته على فرائض الله تعالى وإن أوصى بشيء غير ذلك تحاص أهل الوصية والعاقلة في الثلث فان أعتق عبدا بدأنا به من الثلث ثم تحاص أهل الوصية فيرفع عن العاقلة ما أصابهم من الوصية ويؤخذون ما بقي من الدية فان كان على الميت دين ولم يعف عن القاتل وعفا بعض الورثة وفي الدية وفاء بالدين وفضل فانه يؤخذ من العاقلة قدر الدين فيؤدي إلى الغرماء ثم يرفع عنهم حصة الذي عفا عنهم مما بقي ويؤخذون بحصة من لم يعف وذلك كله في ثلاث سنين الذي للغرماء والذي للورثة إلا أن الغرماء يبدأ بهم فيقضون ما خرج الأول فالأول ويكون ما بقي من الورثة وإن كان الدين مستغرقا للدية لم يجز عفو أحد من الورثة ولا عفو المقتول إذا كان عفا أو لم يكن له وفاء بالدين وإذا شهد شاهدان من الورثة على بعضهم أنه قد عفا عن حصته(3/1)
من الدم والقتل خطأ فشهادتهما جائزة من قبل أنهما لا يجران إلى أنفسهما من ذلك شيئا ليس هذا كالعمد الذي يتحول إذا دخل فيه العفو عن حال القصاص إلى الدية وإنما هذا مال كله لكل وارث منه حصة إن عفا أحدهم أو لم يعف وإذا شهد رجل وأمرأتان من الورثة على بعضهم أنه قد عفا كان ذلك جائزا على المشهود عليه ولو شهدوا أنه أخذ مالا وصالح على شيء منها فأخذه لم يجز شهادتهم من قبل أن لهم أن يرجعوا عليه بحصتهم مما أخذ إذا جازت شهادتهم فهم الآن يجرون إلى أنفسهم بها فلا أجيزها ولو لم يشهدوا على هذا ولكن الشاهدين أخذا طائفة من الدية ثم شهدا على الذي لم يأخذ من الدية شيئا أنه قد كان عفا أبطلت شهادتهم لأنهم يدفعون عن أنفسهم بها ألا ترى أن لهذا الوارث أن يشركهم فيما أخذوا فهم يدفعون عن أنفسهم وإذا كانت الشهادة تدفع مغرما عن صاحبها أو تجر إليه مغنما فهي مردودة ولاتجوز وإذا شهد وارثان سعلى المقتول أنه قد عفى عند موته عن القاتل فشهادتهما جائزة والعفو من ثلثه وإذا شهد شاهدان على عفو الورثة وهم كبار فأجاز القاضي ذلك فأبرأ القاتل ثم إن الشاهدين رجعا عن شهادتهما فهما ضامنان للدية التي بطلت بشهادتهما والقضاء ماض على حاله وإن رجع أحدهما(3/2)
ضمن النصف في ثلاث سنين وإن شهد رجل وامرأتان على العفو فهو جائز فان رجعوا بعد ما يمضي القاضي القضاء ضمن الرجل نصف الدية وكل امرأة ربعا وإن كان النساء عشرا والرجل واحد ثم رجعوا جميعا ضمن الرجل النصف وضمن النسوة النصف في قول أبي يوسف ومحمد فان لم يرجعوا جميعا ورجعت امرأة واحدة من العشرة فلا ضمان عليها وقال أبو حنيفة إذا شهد على العفو عشر نسوة ورجل ثم رجعوا جميعا فعلى النسوة خمسة أسداس وعلى الرجل السدس ولو رجع ثمان منهن لم يكن عليهن شيء لأنه قد بقي مما تنفذ به الشهادة شهادة رجل وامرأتين فلو رجعت واحدة بعد رجوع الثمان كان على التسع جميعا الربع فان رجع الرجل أيضا كان عليه النصف وإن رجعت العاشرة من النسوة كان عليها وعلى التسع جميعا النصف يحسب للتسع ما أخذ منهن من ذلك في قول أبي يوسف ومحمد وإذا شهد رجلان وامرأتان فقضي القاضي بذلك ثم رجع رجل وامرأة فانهما يضمنان من ذلك الربع من قبل أنه قد بقي ثلاثة أرباع الشهادة على الرجل من ذلك الربع ثلثاه وعلى المرأة ثلثه ولو رجعت المرأة الباقية كان على الرجل والمرأتين النصف على الرجل من ذلك الربع وعلى المرأتين الربع وإن رجعوا جميعا فان على كل رجل ثلثيه وعلى المرأتين الثلث(3/3)
ولو كان مكان المرأتين عشر نسوة لم يكن عليهم إلا الثلث لأن النسوة ههنا بمنزلة رجل واحد وإن كثرن ألا ترى أن ثلثا وأكثر من ذلك إنما يقطع بشهادتهن ما يقطع بامرأتين وهذا قول أبي يوسف ومحمد ولو شهد رجلان وامرأة فقضي القاضي بشهادتهم ثم رجعت المرأة فلا شيء عليها لأنا لم نقض بشهادتهم ولو رجع الرجلان ضمنا الدية لا ضمان على المرأة وإذا عفا المقتول عن الضربة أو عن الجناية أو عن الشجة أو عن الجرح أو اليد المقطوعة ثم برئ من ذلك وصح وهو خطأ كان عفوه جائزا وإن مات فعفوه باطل من قبل أنها نفس وإنما عفا عن غير النفس في قول أبي حنيفة وإن عفا عن الضربة وما يحدث منها أو عن الجناية أو عن الجرح وما يحدث فيها فان عفوه جائز من ثلثه في قول أبي حنيفة وإذا جرحت المرأة رجلا جرحا خطأ فتزوجها عليه فالنكاح جائز وإن برئ فلها أرش الجرح مهر مثلها وكذلك إذا تزوجها على الضربة أو الشجة أو اليد ثم برئ وصح فان طلقها قبل أن يدخل بها أخذ منها نصف أرش ذلك وإن مات من ذلك فالنكاح جائز ولها مهر مثلها وعلى عاقلتها الدية ولا ميراث لها منه لأنها قاتلة فان طلقها قبل أن يدخل بها ثم مات فانما لها المتعة بمنزلة من لم يسم لها مهرا وهذا(3/4)
قول أبي حنيفة وإن تزوجها وهو مريض على الضربة وما يحدث فيها أو الشجة وما يحدث فيها ثم مات من مرضه ذلك فقد تزوجها على الدية فانه يحسب لعاقلتها من ذلك مهر مثلها والثلث مما بقي وصية ويأخذ ورثته عاقلتها بالفضل ولا ميراث لها لأنها قاتلة وإن كان طلقها قبل أن يدخل بها أخذوا من عاقلتها نصف الدية وينظر إلى نصف الآخر فيحسب لهم منه نصف مهر مثلها والثلث مما بقي وصية لقاتله ويرد الفضل على الورثة وتؤخذ به عاقلتها حتى يؤدوه ولا وصيثة لها لأنها قاتلة ويكون للعاقلة وصيته لأنه أوصى لهم به ولم يجعله للمرأة وإذا عفا الرجل عن أحد القاتلين والقتل خطأ فعفوه جائز من ثلثه ونصف الدية على الآخر ولا يبطل عنه منها شيء وقال أبو يوسف ومحمد إذا عفا عن اليد أو عن الضربة أوعن الشجة أو عن الجرح ولم يقل وما يحدث فيه ثم مات فعفوه عندنا عن النفس وهو بمنزلة العفو عن ذلك وما يحدث فيه وكذلك اذا تزوج على ذلك امرأة فكأنه تزوجها على النفس فكأنه قال تزوجتك على الضربة وما يحدث فيها وعلى اليد وما يحدث فيها وكذلك العفو كأنه قال قد عفوت عن الضربة وما يحدث فيها وهو قول أبي حنيفة الذي قبل هذا.
باب شهادة الورثة بعضهم على بعض في العفو:
وإذا قتل الرجل عمدا وله وارثان فشهد أحدهما على صاحبه أنه قد عفا وأنكر الآخر فان القاتل يسأل عن ذلك فان ادعى ذلك(3/5)
فقد أقر للشاهد بنصف الدية ولا يصدق الشاهد والقاتل على إبطال حق الآخر فيغرم له أيضا نصف الدية ولا يقتل من قبل أن أحد الوارثين قد أقر فيه بعفو وإن أنكر القاتل شهادته ولم يدعها فلا حق للشاهد من قبل أنه يجر إلى نفسه بشهادته مالا وللمشهود عليه نصف الدية في مال القاتل وإذا كانت الورثة ثلاثة فشهد اثنان على واحد أنه قد عفا فشهادتهما باطل من قبل أنهما يجران إلى أنفسهما بالشهادة مالا فان ادعى ذلك القاتل غرم لهما ثلثي الدية وغرم للمشهود عليه ثلث الدية وإن لم يدع شهادتهما فلا حق للشاهدين من الدية ولا من القصاص وللمشهود عليه ثلث الدية وكذلك لو شهدا أنه صالح على مال فشهادتهما فيه باطل والأمر فيه كما وصفت لك وإذا ادعى القاتل شهادتهما كان لكل إنسان منهما ثلث الدية ولا يصدق الشاهدان إن شهدا على أحدهما أنه صالح على أقل من الثلث وإذا ادعى أحدهم الصلح وشهد بذلك الواثاله الباقيان فأنكر ذلك القاتل فلا شيء على القاتل لواحد منهم من الصلح ولا من الدية لأنهما يجران إلى أنفسهما بشهادتهما ثلثي الدية ولا يصدقان وإذا شهد شاهدان على أحد الورثة أنه عفا ولا يعرفونه بعينه فشهادتهما باطل وعليه القصاص ولو شهد شاهدان على أحد الورثة(3/6)
بعينه آجره القاتل اليوم إلى الليل على ألف درهم فان ذلك لا يكون عفوا ولا مال له فان شهدوا أنه أخذ منه ألفا على أن يعفو عنه يوما إلى الليل فهذا عفو وهذا صلح جائز ولبقية الورثة حصتهم من الدية محمد عن أبي يوسف عن سليمان عن زيد بن وهب قال وجد رجل مع امرأته رجلا فقتلها بالسيف فاستحيا بعض إخوتها مما فعلت فعفا عنه فجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن لم يعف حصته من الدية محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال لكل وارث حصته من الدية رجلا كان أو امرأة إذا عفوا في العمد أو من الخطأ أبو يوسف عن يحيى بن سعيد عن الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب فقال من يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة من عقل زوجها شيئا فقام إليه الضحاك بن سفيان الكلابي وكان على شيء كلاب فقال أتاني كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن أورث امرأة أشيم من عقل أشيم محمد عن ابي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب استشار عبدالله بن مسعود في دم عفا عنه بعض الورثة فقال عبد الله قد أحيا هذا بعض النفس فلا يستطيع بقية الورثة أن يقتلوه حتى يفبلوا ما عفا هذا عنه وللذي لم يعف حصته من الدية فقال عمر وأنا أرى ذلك وإذا كان الدم بين اثنين فشهد كل واحد منهما على صاحبه بالعفو جميعا معا وهو عمد والقاتل ينكر ذلك فلا على شيء اواحد منهما عليه وإن ادعى يالقال العفو منهما فلا دية عليه أيضا في ذلك من قبل أنه لم يقر لهما بمال فاذا شهد أحدهما على صاحبه بالعفو وصدقه المشهود له عليه فانه ينبغي في القياس أن لا يكون للشاهد شيء ولكني أدع القياس وأجعل له نصف الدية ولو شهد أحدهما على صاحبه بعفو ثم شهد الآخر على صاحبه(3/7)
بالعفو أيضا والقاتل يجحد ذلك بطل حق الشاهد الأول وكان للباقي نصف الدية إذا أكذبهما القاتل ولو أن رجلا أخذ السكين فوجأ بها رأس إنسان فأوضحت ثم جر السكين قبل أن يرفعها حتى شجه أخرى إلى جانبها فاتصلت أو لم تتصل فان هذه موضحة واحدة وعليه فيه القصاص ولو أن هذا كان خطأ كان فيه أرش موضحة واحدة ولكن لو رفع السكين ثم وجأه أخرى إلى جنبها فاتصلت أو لم تتصل فان هذه موضحة اخرى يقتص منها في العمد وعليه في الخطأ أرش الموضحتين لأنه قد رفع يده والأول لم يرفع يده فلذلك اختلف وإذا فقأ الرجل عين الرجل وفي عينه تلك بياض ينقصها فان المفقوءة عينه بالخيار إن شاء اقتص من عينه الناقصة إن شاء أخذ دية عينه وإن كانت المفقوءة هي الناقصة فليس فيها قصاص وفيها حكم عدل وإذا قطع الرجل يد الرجل وفيها ظفر مسود أو جرح لا ينقصها فان فيها القصاص لأن هذا لا ينقص وإذا قطع الرجل من كف الرجل إصبعا زائدة فلا قصاص فيها وفيها حكم عدل وإن قطع الكف كلها فكانت تلك الإصبع توهن الكف وتنقصها فلا قصاص فيها وفيها حكم عدل وإن كانت لا تنقصها ولا توهنها ففيها القصاص وإذا قطع الرجل يد الرجل من المفصل فبرأت ثم اقتص منه(3/8)
ثم برأ المقتص منه ثم قطع أحدهما ذراع صاحبه التي قطعت الكف منها فلا قصاص فيه وإن كانا سواء ليس في هذا قصاص باب القصاص في النفس مما يقتص منه ومما لا يقتص منه وإذا ضرب الرجل الرجل بالسيف فلم يزل صاحب فراش حتى مات فشهد على ذلك شاهدان فان عليه القصاص محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي بذلك ولا ينبغي للشهود أن يسألوا أمات من ذلك أم لا وكذلك بهذا في الخطأ ألا ترى أن الشهود لو شهدوا أنه مات كانوا قد شهدوا عليه بما يعلم القاضي أنهم فيه كذبة فكيف يحملهم على الكذب وهو يعلم فان شهدوا أنه قد مات من ذلك فشهادتهم جائزة إذا كانوا عدولا وإذا قالوا لم يزل صاحب فراش حتى مات فقد شهدوا بالعلم الظاهر المعروف الذي لا ينبغي للقاضي أن يكلفهم غيره ولا يحملهم على الباطل وإذا شهد شاهدان على رجل أنه ضرب رجلا بالسيف حتى مات لم يزيدا على ذلك فهذا عمد فان سألهما القاضي أتعمد ذلك فانه أوثق فان لم يسألهما فهو عمد وكذلك إذا شهدوا أنه طعنه برمح أو رماه بسهم(3/9)
أو نشابة فهو عمد كله أرأيت لو شهدوا أنه ذبحه أو شهدوا أنه شق بطنه بالسكين حتى مات أكان القاضي يسألهما أتعمد ذلك أم لا لا يسألهما عن ذلك هذا كله سواء وهو عمد وإذا شهد شاهد أنه قتله بالسيف وشهد الآخر أنه طعنه بالرمح فقد اختلفت شهادتهما وكذلك لو شهد أحدهما أنه ضرب بالسيف وشهد الآخر أنه ذبحه وكذلك لو شهد أحدهما أنه رماه بسهم وشهد الآخر أنه رماه بنشابة وكذلك لو اختلفا في البلدان فقال أحدهما بمكة وقال الآخر بالكوفة وكذلك لو اختلفا في الشهور أو في الأيام فقال هذا قتله في شهر كذا وقال الآخر قتله في شهر آخر وقال هذا في يوم كذا وقال الآخر في يوم آخر فهذا كله باطل لا تجوز شهادتهما لأنهما قد اختلفا وكذلك إذا اختلفا في موضع الضرب من جسده فقال هذا قطع يده فقتله وقال الآخر قطع رجله فهذا باطل إذا اختلف الشاهدان في الذي قتل به الرجل وفي موضع الضرب أو في الأيام أو في البلدان أو في الأماكن فشهادتهما باطل من قبل أن هذا فعل فلا يكون قاتلا في يومين رجلا واحدا ولا في بلدين ولا في ضربتين كل واحد منهما قد قتله وأتت على نفسه ولو شهد أحدهما أنه ضربه فقطع رجله فلم يزل مريضا حتى مات وشهد الآخر أنه ضربه فقطع يده ولم يزل مريضا حتى مات من ذلك كله من اليد أو من الرجل لم أقبل شهادتهما وذلك أنه إن برأ لم آخذ له بيد ولا رجل لأنه إنما شهد له على اليد الواحدة وعلى(3/10)
الرجل الواحدة ألا ترى أن أحدهما لو شهد على موضحة وشهد الآخر على يد أو رجل لم أقبل شهادتهما أرأيت لو قال أحدهما قطع يده بالسيف وقال الآخر قطع يده بالسكين أو قال الآخر شجه بعصا حديد أما كانت شهادتهما قد اختلفت ولا آخذ بقول واحد منهما وإذا شهد الشاهدان أنه قطع رجله من المفصل عمدا وشهد آخر أنه قطع يده من مفصل عمدا ثم شهدوا جميعا أنه لم يزل مريضا حتى مات والولي يدعي ذلك كله عمدا فاني أقضي على القاتل بنصف الدية في ماله من قبل أنه مات من جراحتين إحداهما قد قامت بها بينة والأخرى ليس لها بينة وكذلك لو شهد على الرجل شاهدان فلم يزكيا ولو زكى أحد شاهدي الرجل وأحد شاهدي اليد ولم يزكيا الآخران أبطلت الشهادة كلها ولم آخذ بها فان زكي الشهود جميعا قضيت عليه القصاص فان طلب الولى أن يقتص من اليد والرجل فاني لا أجعل ذلك له من قبل أن صاحبه مات من ذلك فصار القصاص في النفس ولو شهد شاهدان على رجل أنه قطع يد رجل من مفصل عمدا ثم قتله عمدا جعلت لوارثه أن يقتص من يده ويقتله وإن قال له القاضي اقتله قتله ولا يقتص من يده فذلك جزاء أيضا وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد ينبغي للقاضي أن يأمره بقتله(3/11)
ولا يجعل له القصاص في يده لأنها جناية واحدة ألا ترى أنه أبرأ من اليد حتى قتله أو لا ترى أن ذلك لو كان كله خطأ كانت فيه دية واحدة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وكذلك العمد في قول أبي يوسف ومحمد لا ينبغي أن يقتص فيه من اليد كما لا يكون في اليد أرش في الخطأ فأما أبو حنفة فقال في العمد كما وصفت لك في الباب الأول ولو شهد أنه قطع يده خطأ ثم قتله آخر عمدا قبل أن يبرأ اليد جعلت على عاقلته دية اليد وقتلته له ولو شهد شاهدان على هذا أنه قطع يده من مفصل عمدا وشهدا هما أو آخران على أنه ضرب عنقه رجل آخر جعلت لولي القتل القصاص على القاتل في النفس والقصاص على الآخر في يده وكذلك لو كان قتله الآخر خطأ جعلت لهم القصاص في اليد والدية في النفس ولا أبطل شيئا من ذلك ولو شهد شاهدان أن هذا قطع يده من المفصل من مفصل الكف ثم شهدا على آخر أنه قطع تلك اليد من المرفق ثم مات من ذلك كله والقطع عمد فان على صاحب الكف أن يقطع يده وعلى هذا الآخر القصاص في النفس لأن هذا هو القاتل من قبل أن القطع الثاني برء منه من القطع الأول وكذلك إن قطع إصبعا وقطع الآخر ما بقي من اليد
من المرفق أو من المنكب ومات من ذلك ولو كان القاطع الآخر قطع خطأ كانت عليه الدية وكان على الأول القصاص في الإصبع ولو كان قطع الأول خطأ وقطع الآخر عمدا كان على الأول أرش الإصبع على عاقلته وكان على الآخر القصاص ولو شهد شاهدان على رهط أنهم اجتمعوا على قتل رجل عمدا غير أنهم قالوا كان مع أحدهم عصا غير أنا لا نعرف صاحب العصا أبطلت شهادتهما لأنهما لا يعرفان صاحب العصا أرأيت لو كان اثنان أحدهما صاحب العصا والآخر صاحب سيف فقالا لا ندري أيهما هو ألم أبطل شهادتهما لأن نصف الدية على العاقلة ونصفها في مال صاحب السيف فلا أدري أيهما هذا من هذا(3/12)
ولو شهد شاهدان على رجل أنه قطع إصبع فلان من يده اليمنى وشهدا على آخر أنه قطع إصبعا من تلك اليد لا يدرون من صاحب هذه الإصبع ولا من صاحب هذه الإصبع والقطع عمد فان شهادتهم باطل لا يجوز من قبل أنهم لم يبينوا الشهادة أي إصبع قطع كل واحد فكذلك لو شهدوا على الخطأ أبطلت ذلك وإن كانت الدية سواء أرايت لو شهد شاهد أنه قطع إصبعه وشهد آخر أنه استهلك له ألف درهم أكنت أجيز شهادتهما وإذا شهد شاهدان أنه قطع إصبع هذا الرجل الإبهام عمدا وشهد على المقطوعة إبهامه أنه قطع كف القاطع تلك عمدا من المفصل ثم برئا جميعا فانه يخير صاحب الكف المقطوعة فان شاء قطع ما بقي من يده تلك وإن شاء أخذ دية كفه من ماله وبطلت الإصبع من قبل أن هذا حيث قطع الكف لم يكن مقتصا من الإصبع لأنه وضع السكين في غير موضعها ألا ترى أنه لو اجتمع على قطع الكف رجلان أحدهما صاحب الإبهام كانت عليهما دية الكف وبطلت الإبهام ولو أن شاهدين شهدا على رجل أنه قطع يد رجل من المفصل وشهد آخران أنه جرحه سبع أو سبعان أو أصابه حجر فشجه أو عثر فانكسرت رجله أو جرح نفسه أو جرحه عبد له ثم مات من ذلك كله فلا قصاص على قاطع اليد وعليه نصف الدية ولو قطع رجل يد رجل خطأ وجرحه سبع وجرح عبد له جرح نفسه ثم مات من ذلك كله فعلى قاطع اليد ربع الدية وكذلك(3/13)
لو خرجت به قرحة أو نهشته حية ولو اجتمع هذا كله فيه مع جراحة الرجل كان على الرجل النصف إذا لم يصبه إنسان مع ذلك وكان هذا كله مرض مع ذلك ولو أصابه رجل آخر مع ذلك كان على الرجلين ثلثا الدية لأنه قد مات من ذلك ولو أصابه حجر قد وضعه رجل أو حائط تقدم إلى أهله فيه مع جراحة رجل وجراحة سبع جعلت على الرجل الثلث وعلى صاحب الحائط الثلث وأبطلت الثلث ولا قصاص في شيء من هذا وإن كان عمدا من قبل الذي دخل فيه من الجراحة التي لا قصاص فيها ولو أن رجلا جرحه رجل عمدا وسبعان أو ثلاثة ثم مات من ذلك كله كان على الرجل نصف الدية وكذلك لو أصابه جرح من حجر أو عثرة أو خرجت به قرحة أو نهشته حية أو اجتمع هذا كله فيه مع جراحة الرجل كان على الرجل النصف إذا لم يصبه إنسان مع ذلك لأن هذا كله مرض مع ذلك.
باب الوكالة في الدم:
وإذا وكل الوارث بدم ابيه وكيلا فان وكله باقامة البينة على ذلك فأني أقبل الوكالة على ذلك ولا أقبلها في القتل فاذا اثبت الدم ووقع القصاص فلا بد من أن يحضر الوراث فيقتل أو يصالح أو يعفو ولا يقبل في ذلك وكالة وكذلك لا أقبل وكالة في قصاص فيما دون النفس ولا في حد لأني لا أدري لعل صاحب القصاص قد عفا أو صالح ولكني أقبل الوكالة باثبات البينة(3/14)
ولو وكل المطلوب وكيلا يخاصمه بذلك قبلت ذلك منه ولست أقبل وكيلا من أحد من خلق الله تعالى في شيء من الأشياء بعد أن يكون حاضرا صحيحا إلا برضا من خصمه وهذا قول أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف الأول ثم رجع فقال أقبل الوكالة من الحاضر الصحيح وفي غير القصاص والحدود وإن لم يرض خصمه وهو قول محمد فان كان غائبا أو مريضا قبلت ذلك منه وإن أبي الخصم وهو قول محمد فاذا بلغ القصاص لم يكن بد من أن يحضروا جميعا فاذا جاؤا بالوكالة سألته البينة عليها فان زكي الشهود عليها دعوتهم بالحجج وإن أقر الوكيل وهو وكيل الطالب عند القاضي أن صاحبه يطلب طلبا باطلا أجزت عليه ذلك وابطلت حق صاحبه وإن أقر وكيل المطلوب أن صاحبه هو صاحب القتل والقطع فانه ينبغي في القياس أن أجيزه عليه ولكني أدع القياس فيه ولا أقبل صاحبه بقوله إلا أن يقيم شاهدين سواه أو يكون شاهد فيشهد آخر معه فان ذلك جائز ولو كان وكيلا في غير القصاص أجزت إقراره على صاحبه ولست أقبل شهادة الوكيل وشهادة الآخر حتى يحضر صاحبه ولو وكلت امرأة بالقصاص لها مع ولد زوجها وكيلا وقعدت في بيتها في القتل لم يقبل ذلك منها ولم يكن بد من أن تخرج حتى تحضر القتل ليس ينبغي للحاكم أن يقضي في الدم إلا والورثة جميعا حضور(3/15)
لا يقبل في ذلك وكالة أرأيت إن عفا الغائب أو صالح ألم يكن هؤلاء قد قتلوا من حرم دمه وإذا ماتت المرأة قبل القصاص فورثها أخوها أو أبوها كانوا شركاء في القصاص ولا يقتل القاتل حتى يحضر جميع ورثة المرأة لأنهم قد صاورا شركاء وإن كان القاتل من ورثة المرأة بطل عنه القصاص والدية للورثة يرفع عنه بحصته من ذلك ولو كانت المرأة حية وكان القاتل أبوها لم يكن عليه القصاص وكانت عليه الدية في ماله لأنه قد صار لها حقا في دمه ولو كان القاتل أخا لها كان عليه القصاص وإن ماتت المرأة وأخوها هذا عبد أو كافر وله ابن حر مسلم فصار له ميراث من المرأة بطل القصاص عن أبيه فان كان أبوه حرا فعليه الدية وإن كان عبدا خير مولاه فان شاء دفعه وعتق منه نصيب أبيه ويسعى لبقيتهم في حصصهم من قيمته وإن شاء أمسكه وفداه.
باب الوكالة في الخطأ:
وإذا وكل الرجل بطلب دم أبيه في الخطأ وكيلا وهو غائب أو مريض فوكله بالخصومة في ذلك وقبض المال فهو جائز وكذلك إذا كانت جراحة دون النفس خطأ وكذلك إن كانت عمدا ليس فيها قصاص فالوكاة فيها جائزة وإن كان ولي الدم حاضرا صحيحا لم أقبل منه الوكالة إلا برضى(3/16)
من خصمه وكذلك لو أن المطلوب هو الذي يوكل والمرأة في ذلك والرجل سواء والبكر والثيب سواء في قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فالوكالة في ذلك مقبولة من الرجل والمرأة إن كانا صحيحين حاضرين وإن أقر وكيل الطالب أو وكيل المطلوب عند القاضي على صاحبه بذلك أجزته عليه لأنه مال وإن أقر عند غير القاضي على صاحبه فلا أجيزه في قول أبي حنيفة ومحمد من قبل أنه وكيل وإنما أجزته عند القاضي على صاحبه لأنه خصم فاذا أقر الخصم بالحق أجزت إقراره ولا يمين على الوكيل من قبل أنه ليس يدعى عليه بعينه فان كان إنما هو وكيل الطالب فانما عليه البينة وقال أبو يوسف إقراره جائز عند القاضي وعند غير القاضي وإنما عليه البينة ولو وكل القاتل وكيلين بالخصومة عنه وغاب أو مرض فحضر أحد الوكيلين وغاب الاخر كان هو الخصم ولا يلتفت إلى غيبة الغائب وكذلك لو كان الطالب بالدم وكلهما فغاب أحدهما ألا ترى أن رجلا لو أوصى إلى رجلين فغاب أحدهما جعلت الآخر خصما لكل من جاء يدعى قبل الميت دعوى فكذلك الوكالة وليس للوكيل أن يوكل غيره ألا ترى أن الذي وكله إنما رضي بخصومته فليس له أن يوكل غيره أرأيت لو وكله بطلاق أو عتاق أكان ذلك يجوز فكذلك الخصومة وإن كان وكله بالخصومة وأجاز ما صنع فيها من شيء فله أن يوكل إن مرض أو غاب لأن صاحبه قد فوض ذلك الأمر إليه وأجاز ما صنع فيه من شيء(3/17)
باب القصاص:
إذا كان بعض الورثة صغيرا وبعضهم كبيرا وإذا قتل الرجل رجلا عمدا وله ورثة صغار وكبار فان للكبار أن يقتلوا بالدم ولا ينتظرون ورثته الصغار أرأيت لو كبر الصغير وهو أخرس لا يعقل شيئا وكان فيهم كبير معتوه لا يعقل أكان ينتظر به وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف إنه ينتظر بالصغير حتى يكبر والإمام وليه إن شاء صالح له وإن شاء انتظر وليس له أن يقتل ولا يقتص وكذلك المعتوه هو بمنزلة الصبي وهذا قول أبي يوسف ولو كان الأب أوصى إلى رجل كان للوصي أن يأخذ بحق الصغير مع الورثة الكبار في القول الأول وأن يقتص له وإن قطعت يد الصغير عمدا أو شج كان للوصي أن يقتص له وإن شاء صالح على أرش ذلك فان فعل فهو جائز وليس له أن يعفو وإذا قتل عبدا ليتيم عمدا فليس للوصي أن يقتص له ولو كان له أب حتى كان له أن يقتص من عبده ويده وشجته وله أن يصالح وليس له أن يعفو فان صالح على أقل من قيمته لم يجز وكان للصغير أن يرجع بتمام القيمة فان كان ورثة الدم كبارا كلهم وبعضهم غيب فليس للشاهد أن يقتص حتى يقدم الغائب وليس هذا كالصغير في قول أبي حنيفة وإن كان ورثة الدم صغارا كلهم فأراد عمهم أن يأخذ بالدم وليس(3/18)
بوصي لهم فليس له ذلك لأن هذا لا نصيب له في الدم وليس بشريك وإذا قتل الرجل وله ابن وأخ ثم مات ابنه قبل أن يقتص والقتل عمد ولم يترك وارثا غير عمه فان الميراث للعم وله أن يقتص فان كان العم هو القاتل فلم يقتله الابن حتى مات فصار العم وآخر معه فان الدم قد بطل وصار على العم نصف الدية لشريكه لأنهما ورثا بالدم من ابن أخيهما وإذا قتل الرجل عمدا فجاء أخوه يطلب بدمه فأقام البينة أنه وارثه لا وارث له غيره وأقام القاتل البينة أن له ابنا فاني لا أعجل له بقتله حتى أنظر فيما جاء به القاتل من البينة أن له ابنا فأبلى في ذلك عذرا حتى أعلم مصداقهما قال فان أقام القاتل البينة أن له ابنا وأنه قد صالح على الدية وقبضها منه درأت القصاص حتى انظر فيما قال فان جاء الابن فأنكر ذلك كلفت القاتل أن يقيم على الابن البينة ولا أجيز البينة التي قامت على الآخ لأنه لم يكن خصما يومئذ فان كانا أخوين فجاء أحدهما يطلب بالدم فأقام القاتل البينة أنه صالح الغائب على خمسة آلاف درهم أجزت ذلك وقبلته فان قدم الغائب لم أكلفه أن يعيد الشهود من قبل أني قد قبلتهم على خصم وجعلت للباقي نصف الدية وإذا ادعى بعض الورثة دم ابيه على رجل وأخوه غائب واقام البينة على أنه قد قتل أباه عمدا فاني أقبل ذلك وأحبس القاتل فان جاء أخوه كلفته أن يعيد الشهود لأني لا أجيز للغائب بينة بغير وكالة ولا خصومة وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر وهو قول أبي يوسف ومحمد(3/19)
إني لا أكلفهم أن يعيدوا البينة وقبولي من أخيه البينة له ولأخيه جميعا ألا ترى أنه إنما طلب دم الميت وإنهما ما حضر الطلب دم الميت فهو خصم وكيف لا أجعل هذا خصما في الطلب عن أخيه وقد جعلته خصما عن أخيه في الصلح والعفو وأجزت ذلك على أخيه وهو غائب والخطأ والعمد في ذلك سواء وإذا حضر الورثة جميعا فادعوا دم أبيهم على رجلين أحدهما غائب وأقاموا جميعا البينة عليهما بالقتل عمدا فاني أقبل ذلك وأقضي بالدم على الشاهد ولا أؤخره لغيبة الغائب أرأيت لو مات الغائب أو فقد فلم يدر ما صنع أكنت ابطل حق هذا في دم هذا لغيبة ذلك لست أبطله ولا أوخره وإن كنت لا أدري لعل لذلك حجة يدر أيها القتل عن نفسه وعن صاحبه لأن هذا الحاضر يقوم بتلك الحجج ويدلي بها ولو أن أخوين أقاما شاهدين على رجل أنه قتل أباهما عمدا فقضي القاضي بدمه فقتلاه ثم إن أحدهما قال شهدت الشهود بالزور والباطل وأبونا حي غرمته نصف الدية ولم أصدقه على أخيه ولو أن أخوين أقاما البينة على رجل أنه قتل أباهما عمدا ثم إن أحدهما قتل القاتل قبل القضاء عليه أو قبل أن تقوم له البينة على ذلك فقال الآخر قد كنت عفوت أو قال كنت أريد أن أعفو عنه وقد صالحته ولا بينة له على ذلك فانه لا يصدق على أخيه ولا شيء على أخيه وإن كان قد أخذ غير حقه من قبل الشركة فان أقام ورثة المقتول بينة(3/20)
على هذا أنه قد صالح على كذا وكذا قبل أن يقتل الآخر أجزت ذلك وكذلك لو شهدوا أنه قد كان عفا أجزت ذلك وضمنت أخاه الدية أحسب له من ذلك نصف الدية ناله كان أخوه قتل بعد علمه بعفو هذا أو صالحه وقد علم أن دم هذا قد حرم عليه فان عليه القصاص وله نصف الدية في مال القاتل ولو أن أخوين أقاما البينة على رجل أنه قتل أباهما فقضي لهما بالدم فقاما جميعا ليقتلاه فقطعا يده أو رجله ثم عفوا عن الدم ضمنتهما ما قطعا في قول أبي حنيفة وفيها قول آخر وهو قول أبي يوسف ومحمد إنهما لا يضمنان ذلك من قبل أنه كان لهما نفسه ولو لم يعفوا وقتلا لم يكن عليهما شيء في ذلك غير أنهما قد أساءا في المثلة وليس ينبغي للحاكم أن يدعهما أن يمثلا به وقد جاء النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة.
باب رجوع الشهود عن شهادتهم في القتل:
وإذا شهد شاهدان على رجل أنه قتل رجلا عمدا فقتل بشهادتهما ثم رجع أحدهما فانه يضمن نصف الدية في ماله في ثلاث ولو رجعا(3/21)
جميعا ضمنا الدية في ثلاث سنين في أموالهما وكل دية أو جبتها بغير صلح فهي في ثلاث سنين ألا ترى أن رجلين لو أقرا بقتل رجل خطأ ثم هرب أحدهما أو جحد الإقرار ولم يكن عليهما بينة والآخر مقر بذلك أخذت من الآخر نصف الدية في ثلاث سنين ولو رجع الشاهدان عن شهادتهما بالقتل قبل أن يقتص منه استحسنت أن أدرأ عنه القصاص وإن كان القاضي قد قضي بالدم كان ينبغي في القياس أن يقتل لأنه بمنزلة المال ولو رجع الشاهدان بعد ما اقتص ورجع الذي اقتص أيضا وأقروا جميعا بأنه لم يقتل كان لولى المقتص منه أن يأخذ الدية إن شاء من الشاهدين وإن شاء من القاتل فمن أيهم ما أخذ لم يرجع على صاحبه بشيء في قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد أنه إن أخذها من الشاهدين رجعا على القاتل وإن اخذها من القاتل لم يرجع على الشاهدين ولو لم يرجع الشاهدان وقامت عليهما البينة بأنهما قد رجعا لم يلتفت إلى البينة عليهما بذلك إن أنكرا ذلك ولو رجع الشاهدان فقال القاتل أنا أجيء بشاهدين غير هذين الشاهدين يشهدان على هذا وقد قتل القتيل لم ألتفت إلى ذلك ولا سبيل على القاتل وليس عليه بينة وغرم هذين الدية ولا ينفع هذين شهادة من شهد لهما بعد أن يرجعا هما(3/22)
وإذا شهد أحد شاهدي الدم اللذين شهد هو وآخر على صاحبه أنه كان محدودا في قذف أو عبدا فشهادتهما جائزة وليس عليه ولا على صاحبه شيء من قبل أن هذا ليس برجوع عن الشهادة ولو شهد هو وآخران صاحبه عبد لفلان وفلان يدعي ذلك قضيت به لفلان وغرمت القاتل الدية من قبل أن أحد الشاهدين قد انتقضت شهادته وإذا شهد شاهدان على دم فاقتص منه ثم إنهما قالا أخطأنا إنما القاتل هذا لغيره فانهما لا يصدقان على هذا الثاني وعلى الشاهدين الدية بلغنا نحو من ذلك عن علي بن أبي طالب وإبراهيم النخعي وإذا شهد ثلاثة على دم فقتل ثم رجع أحدهم فلا شيء عليه لأنه قد بقي اثنان من الشهود فان رجع آخر كان على الراجعين نصف الدية لأنه قد بقي نصف الشهادة التي بها القصاص وإذا شهد رجلان وامرأتان على دم خطأ فقضي بالدية ثم رجع رجل وامرأة كان عليهما ربع الدية لأنه قد بقي ثلاثة أرباع الشهادة لأن شهادة رجل وامرأتين في شهادة الخطأ جائزة فان رجعت امرأة أخرى فعلى المرأتين والرجل الذي رجع نصف الدية على الرجل من ذلك النصف وعلى المرأتين النصف ولو رجعوا جميعا كان على كل(3/23)
رجل من ذلك النصف وعلى المرأتين النصف ولو رجعوا جميعا كان على كل رجل ثلث الدية وعلى المرأتين الثلث ولو شهد شاهدان على قطع يد فاقتص منه ثم رجعا عن شهادتهما فان عليهما دية اليد في أموالهما في سنتين الثلثان من ذلك في سنة والثلث في السنة الأخرى ولو شهدا بالشجة أو بشيء يبلغ ثلث الدية ثم رجعا عن ذلك كان أرش ذلك عليهما في أموالهما في سنة فان رجع أحدهما وبقي الآخر كان عليه نصف ذلك وإن رجع أحدهما في اليد كان عليه نصف دية اليد في ماله في سنتين الثلثان من ذلك في سنة والثلث الباقي في السنة الأخرى وإذا شهد شاهدان على دم على رجلين فقتلا بشهادتهما ثم رجع أحدهما عن الشهادة في أحد الرجلين فانه يضمن نصف دية الرجل في ثلاث سنين ولا يضمن من دية الآخر شيئا لأنه لم يرجع عن شهادته فيه ولو رجعا عن شهادتهما فيهما جميعا ضمن كل واحد منهما نصف دية كل واحد منهما ولو لم يرجعا وادعى عليه أولياء المقتص منه أنه قد رجع وسألوا القاضي أن يستحلفه فانه ليس عليه أن يستحلفه ألا ترى إنه لو أتى بشهود عليه بالرجوع لم أقبل ذلك منه فكيف أستحلفه ولست أقبل عليه البينة ولو شهد شاهدان على دم ثم رجعا عن شهادتهما فضمنا الدية وعلى الميت دين فان الدية في دين الميت هم أحق بها من الورثة(3/24)
ولو شهد شاهدان على دم ولهما على الميت دين أجزت شهادتهما فان رجعا بعد ذلك عن شهادتهما فهما ضامنان للدية ويقبضان دينهما من الثلث الأول فان كان على الميت دين سوى ذلك حاصهم فيه وإذا رجع أحد الشاهدين عن شهادته عند القاضي ثم مات فنصف الدية في ماله حال ليس له أجل من قبل أني لا أستطيع قسمة الميراث ولا أقسمه وعليه دين ألا ترى أنه لو كان دين تحاصوا فان رجع في مرضه وليس عليه دين ثم مات بدئ بنصف الدية من الميراث فان كان عليه دين في صحته بدئ بالدين الذي كان في صحته وكان هذا بمنزلة الدين الذي يقر به في مرضه باب جناية الصبي الحر والمعتوه والمغلوب وإذا جنى الصبي جناية عمدا أو خطأ فهو سواء عمد الصبي وخطأه سواء وكذلك المعتوه وأرش ذلك على العاقلة إذا بلغ خمسمائة درهم فصاعدا بلغنا ذلك عن على رضي الله عنه أن رجلا معتوها سعى على رجل بالسيف فضربه فجعله على عاقلته وقال خطأه وعمده سواء وإذا أمر الصبي الصبي فقتل إنسانا فانما الدية على عاقلة القاتل وليس على الآمر شيء من قبل أن كلامه لا يجوز على نفسه ولو أن رجلا أمر صبيا فقتل إنسانا كانت دية المقتول على عاقلة الصبي ويرجع بذلك عاقلة الصبي على عاقلة الآمر من قبل أن قول الرجل(3/25)
يجوز وينفذ على نفسه وإذا أعطى الرجل الصبي حديدة أو عصا أو سلاحا يمسكه له ولم يأمره بشيء فعطب الصبي بذلك فان الرجل ضامن لما أصاب الصبي من ذلك على عاقلة الرجل لأنه من فعله وإن قتل الصبي نفسه بذلك أو قتل به رجلا لم يضمن الرجل الذي دفع إليه من ذلك شيئا لأن الصبي أحدث عملا في ذلك ولم يأمره به الرجل وإذا اغتصب الرجل الحر الصبي فذهب به فهو ضامن له إن قتل أو أصابه حجر أو جرح فان مات ميتة نفسه لم يضمن إنما يضمن إذا أصابته جناية أو أكله سبع أو تردى من حائط أو جبل فان لم يصبه شيء من ذلك وأصابته حمى أو خراج أو مرض فمات منه فلا شيء عليه في ذلك لأن هذا مرض وذلك جناية وإذا قتل الصبي رجلا قد اغتصبه رجل لم يكن على الذي اغتصبه من ذلك شيء لأنه لم يأمره بذلك وكذلك المعتوه وإذا حمل الرجل الصبي الحر على دابة فقال له أمسكها وليس منه بسبيل فسقط عن الدابة فمات الرجل ضامن لديته على عاقلته وإن كان الصبي مثله يركب أولا يركب فهو سواء وإن سار الصبي فأوطأ إنسانا فقتله وهو يسير على الدابة مستمسك عليها فدية ذلك على عاقلة الصبي من قبل أنه أحدث السير ولم يأمره به الرجل(3/26)
وإذا وقع الصبي من الدابة وهو يسيرعليها فمات فهو ضامن لديته على عاقلته من قبل أنه أخذه فحمله فهو ضامن لما أصابه مالم يمت حتف أنفه وإن كان ممن لا يقدر أن يسير على الدابة لصغره ولا يستمسك عليها فأخذه الرجل فحمله عليها فسارت الدابة فوطئت إنسانا فمات فلا ضمان على عاقلة الصبي من قبل أن مثله لا يركب الدابة ولا يصرفها ولا ضمان على الرجل من قبل أنه ليس بقائد ولا سائق وإذا حمل الرجل معه الصبي على الدابة ومثله لا يصرف الدابة ولا يستمسك عليها فوطئت الدابة إنسانا فهو على الرجل وإن مات وهلك الإنسان فعلى عاقلته وعليه الكفارة وكذلك إن وطئت بيد أو رجل فلا شيء على الصبي وإن كدمت فالضمان على عاقلة الرجل ولا ضمان على الصبي فيه وإن نفحت برجلها وهي تسير أو ضربت بذنبها وهي تسير فلا ضمان عليه في ذلك على الرجل ولا على الصبي وإذا حمل الرجل معه صبيا مثله يصرف الدابة ويسير عليها فما أصابت الدابة فهو على عاقلتهما جميعا ولا يرجع عاقلة الصبي على عاقلة الرجل بشيء من أنه لم يأمره بالجناية وإذا حمل الرجل الصبي والرجل عبد فوقع الصبي عن الدابة فمات فديته في عنق العبد الذي حمله يدفعه مولاه بها أو يفديه وإن كان العبد معه على الدابة فسارا جميعا على الدابة فأوطئا إنسانا فمات فعلى عاقلة الصبي نصف الدية في عنق العبد والنصف الآخر يدفعه مولاه(3/27)
وإذا حمل الرجل الحر الكبير العبد الصغير على الدابة ومثله يصرفها ويستمسك عليها ثم أمره أن يسير عليها فأوطأ إنسانا فان ذلك في عنق العبد يدفعه مولاه أو يفديه ويرجع مولى العبد على الحر الذي حمله بقيمته لأن العبد مال فلما حمله الحر صار ضامنا له ولما يحدث فيه حتى يخلصه ألا ترى أن من اغتصب عبدا صغيرا فجنى جناية عنده ثم ظفر به المولى قيل له ادفعه أو افده فيكون على الغاصب الأقل من قيمته ومن الجناية وليس يكون هكذا في الحر وإذا حمل الرجل الحرلا العبد والعبد صغير على دابة ومثله لا يصرف الدابة ولا يسير عليها فأوطأت إنسانا فلا شيء عليه ولا على الذي حمله وإن كانت الدابة واقفة وحيث أوقفها الحر لم تسر حتى ضربت رجلا بيدها أو رجلها أو ذنبها أو كدمته فمات فلا ضمان على الصبي فيه لأنه بمنزلة الثوب عليه والبهيمة والضمان على الذي أوقفها على عاقلته إذا كان أوقفها في غير ملكه فان كان أوقفها في ملكه فلا ضمان عليه.
باب جناية الراكب:
وإذا سار الرجل على الداية أي الدواب كانت في طريق المسلمين فأوطأ إنسانا بيد أو رجل وهي تسير فقتله فهو ضامن على عاقلته بالدية وعليه الكفارة وهذا بمنزلة الجناية بيد الرجل فان نفحت برجلها
فقتلت وهي تسير فلا ضمان على صاحبها بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الرجل جبار فوضعنا ذلك عن النفحة وهي تسير
وكذلك الذنب عندنا وإن كدمت إنسانا فهو ضامن وإن ضربت بحافرها حصاة أو نواة أو حجرا أو شبه ذلك فأصابت إنسانا وهي تسير فلا ضمان عليه وهذا عندنا بمنزلة التراب والغبار إلا أن يكون حجرا كبيرا فيضمن ولو راثت أو بالت في المسير فعطب إنسان بذلك لم يكن عليه ضمان وكذلك اللعاب يخرج من فيها(3/28)
ولو وقع سرجها أو لجامها أو شيء يحمله عليها من أداتها او متاع الرجل الذي معه يحمله به فأصاب إنسانا وهي تسير فمات كان ضامنا ومن عطب به بعد ما كان وقع إلى الأرض عثر به أو تعقل به فهو ضامن أيضا والراكب والمرتدف والسائق والقائد في الضمان سواء بلغنا ذلك عن شريح ولا كفارة على السائق ولا على القائد فيما وطئت ليسا يشبهان الراكب في ذلك والمرتدف وإذا أوقف الرجل دابته في طريق المسلمين أو في دار لا يملكها بغير إذن أهلها فما أصابت بيد أو رجل من نفحة أو غيرها بذنب أو كدمت فهو ضامن لذلك على عاقلته ولا كفارة عليه لأن هذا ليس كالجناية منه وكل شيء جعلنا فيه الضمان في الذي يسير فان هذا له ضامن لأنه أوقف فيما لا يملك وحيث لا ينبغي له أن يوقف وصاحب المسير له أن يسير في طريق المسلمين وليس له أن يوقف وإذا أرسل الرجل دابته في طريق المسلمين فما أصابت في وجهها ذلك فهو ضامن كما يضمن الذي سار ولا كفارة عليه وإن عطفت يمينا أو شمالا فلا ضمان عليه لأنها قد تغيرت عن حالها إلا أن يكون لها طريق غير الذي أخذت فيه فيكون ضامنا لذلك على حاله(3/29)
وإن وقفت ثم سارت فقد خرج من الضمان فان ردها وراد فالذي ردها ضامن لما أصابت في فورها ذلك وإذا خلى عنها فأوقفها فسارت هي بنفسها فلا ضمان عليه وإذا اصطدم الفارسان فقتل كل واحد منهما صاحبه فدية كل واحد منهما على صاحبه بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ذلك وكذلك الرجلان يصطدمان فان كان أحدهما حرا والآخر عبدا فقيمة العبد على عاقلة الحر ثم يأخذها ورثة الحر ولا شيء لمولاه وإذا أوقف الرجل دابته في ملكه فما أصابت بيد أو رجل فلا ضمان عليه فيه من قبل أن له أن يوقفها في ملكه وإن كان الملك له ولغيره فلا ضمان عليه فيه أيضا من قبل الذي له في ذلك وإن كان قليلا ولو ضمنته في هذا لحلت بينه وبين أن يقعد فيها أو يتوضأ فيها أرأيت لو عطب إنسان بوضوئه فيها أو به إن كان قاعدا هل كنت أضمنه لست أضمنه في شيء من ذلك فكذلك الدابة
وإذا سار الرجل على دابته فضربها أو كبحها باللجام فضربت برجلها أو بذنبها لم يكن عليه شيء ولو خبطت بيد أو رجل أو كدمت أو صدمت إنسانا فقتلته كان على عاقلته في ذلك الضمان لأنه راكب وإن كان لا يملكها ولو سقط منها ثم ذهبت على وجهها حتى أصابت إنسانا فقتله لم يكن عليه الضمان لأنه غير راكب ولا قائد ولا سائق وهي الآن منفلتة جرحها جبار لأنها عجماء بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال العجماء جبار والعجماء هي المنفلتة عندنا.
باب الناخس:
قال محمد وإذا سار الرجل على دابة في الطريق فنخسها رجل أو ضربها فنفحت رجلا فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب بلغنا ذلك عن عبدالله بن مسعود وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما(3/30)
وإذا نفحت الناخس كان دمه هدر ولو ألقت صاحبها الذي عليها من تلك النخسة فقتلته كان الناخس ضامنا للدية على عاقلته ولو وثبت بنخسته على رجل فقتلته أو وطئت رجلا فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب والواقف في ذلك والذي يسير سواء ولو نخسها باذن الراكب وأمره كان هذا بمنزلة فعل الراكب وإن نفحت وهي تسير لم يكن عليه ضمان كأن الراكب هو الذي نخسها فان وطئت رجلا في مسيرها وقد نخسها هذا باذن الراكب وأمره كانت الدية عليهما جميعا إذا كانت في فورها الذي نخسها فيه لأنهما الآن راكب وسائق فان سارت ساعة وتركها من السوق فأوطأت إنسانا فهو على الراكب دون الناخس ولا يكون على الناخس شيء حتى يعلم أن الذي أصابت كان في فورها الذي نخسها فيه وإذا نخس الرجل الدابة ولها سائق بغير إذن السائق فنفحت رجلا فقتلته فالناخس ضامن وكذلك لو كان لها قائد كان على الناخس الضمان دونهما فان كان واحد منهما أمره بذلك فلا ضمان عليه ولا على واحد منهما من قبل أن الناخس الآن سائق حين ساق باذن صاحب الدابة ونفحتها جبار وإذا قاد الرجل الدابة فنخسها رجل آخر فانفلتت من القائد ثم أصابت من فورها ذلك فما اصابت في فورها ذلك فهو على الناخس(3/31)
وإذا نخس الرجل الدابة وعليها راكب فوثبت به فألقت الراكب فالناخس ضامن وإن جمحت فوثبت ولم تلقه حتى أوطأت إنسانا فالناخس ضامن لما أوطأت في فورها ذلك ألا ترى أنه يضمن الراكب فكذلك يضمن ما أصاب الدابة وإذا كان الناخس عبدا فما اصابت الدابة فهو في رقبته يدفعه مولاه أو يفديه وإذا كان الناخس صبيا حرا فهو في ذلك والرجل سواء وإذا مرت الدابة بشيء قد نصب في الطريق ذلك الشيء فنفت إنسانا قتلته فهو على الذي نصب ذلك وإذا كان الرجل يسير في الطريق فأمر عبدا لغيره فنخسها فنفحت فلا ضمان على واحد منهما وإن وطئت في فورها ذلك الذي نخسها فيه إنسانا فقتلته فعلى عاقلة الراكب نصف الدية وفي عنق العبد نصف الدية يدفعه مولاه بها أو يفديه ويرجع المولى بقيمة عبده على الذي أمره بالنخس وكذلك لو أمره بالسوق أو بقوة الدابة وإن كان الراكب عبدا فأمر هذا العبد عبدا آخر فساق دابته فأوطأت إنسانا فمات فالدية في أعناقهما نصفين يدفعان بها أو يفديان ولا شيء على الراكب مما أمر به بثإذا كان محجورا عليه ءحتى يعتق فيكون عليه قيمة العبد العبد الذي أمره بالسوق وإذا كان عبدا تاجرا فهو دين عليه في عنقه وهو عبد وكذلك إن كان مكاتبا فهو دين في عنقه يسعى فيه وإذا قاد الرجل قطارا في طريق المسلمين فما أوطأ أو القطار(3/32)
أو آخره بيد أو رجل أو صدم بعض الإبل إنسانا فمات فالقائد ضامن ولا كفارة عليه وإن كان معه سائق فالضمان عليهما ولا كفارة عليهما وإن كان معهما سائق الإبل وسط القطار فما أصاب مما خلف هذا السائق وما بين يديه من شيء فهو عليهم أثلاثا لنه قائد وسائق وإن كان يكون أحيانا وسطها وأحيانا يتأخر وأحيانا يتقدم وهو يسوقها في ذلك فهو بمنزلة السائق ولا شيء عليه في نفحة الرجل والذنب ولو أن رجلا كان راكبا على بعير وسط القطار ولا يسوق منها شيئا لم يضمن شيئا مما تصيب الإبل التي بين يديه وهو معهم في الضمان في الذي أصاب البعير الذي هو عليه والإبل التي خلفه لأنه قائد لها وعليه الكفارة إذا أصاب البعير الذي هو عليه كأنه قاتل بيده وإذا أتى الرجل ببعير فربطه إلى القطار والقائد لا يعلم وليس معها سائق فأصاب ذلك البعير إنسانا ضمن القائد ويرجع القائد على الذي ربط البعير بذلك الضمان ولو سقط شيء مما يحمل الإبل على الإنسان فقتله أو سقط في الطريق فعثر به إنسان فمات كان الضمان في ذلك على الذي يقود الإبل وإذا كان معه سائق فعليهما جميعا وإذا سار الرجل على دابته في الطريق فعثرت بحجر وضعه رجل أو بدكان بناه رجل أو بماء صبه فوقعت على إنسان فمات فالضمان على الذي وضع الحجر وبني الدكان وصب الماء ولا ضمان على الراكب هو هاهنا بمنزلة المدفوع(3/33)
وإذا سار الرجل على دابته في ملكه فأوطأت إنسانا بيد أو رجل فقتلته فعليه الدية والكفارة كأنه قتل بيده وإن كان سائقا أو قائدا فلا ضمان عليه في ذلك ولا كفارة وكذلك لو أوقفها في ملكه ثم أصابت إنسانا فقتلته فلا ضمان عليه ولا فيما كدمت وهي في ملكه إن كان داخلا من أهله أو غريبا داخلا باذن أو بغير إذن سواء لا ضمان عليه وكذلك الكلب العقور بمنزلة الدابة إذا كان في الدار مخلى عنه أو مربوطا فهو سواء وإذا دخل الرجل دار قوم باذنهم أو بغير إذنهم فعقر كلبهم فلا ضمان عليه وإذا أوقف الرجل الدابة في الطريق مربوطة أو غير مربوطة فما أصابت بيد أو رجل أو كدمت أو بذنب فهو له ضامن والنفحة في ذلك والخبطة سواء فان سارت عن ذلك المكان الذي أوقفها فلا ضمان عليه فيما أصابت لأنها قد تغيرت عن حالها وصارت بمنزلة المنفلتة وإن كانت مربوطة فجالت في رباطها من غير أن يحلها أحد
فما أصابت فهو على الذي ربطها ولا يبطل الضمان تغيرها عن حالها بعد أن يكون الرباط كما هو وكذلك كل بهيمة من سبع أو غيره أوقفه رجل على الطريق وكذلك الهوام ما طرح رجل منها على الطريق فهو ضامن لما اصاب حتى يتغير عن حاله وكذلك لو طرح بعض الهوام على رجل فلدغته ذلك فهو ضامن لذلك باب ما يحدث الرجل في الطريق وإذا وضع الرجل في الطريق حجرا أو بنى فيه بناء أو أخرج من حائطه جذعا أو صخرة شاخصة في الطريق أو أشرع كنيفا أو جناحا أو ميزابا أو ظلة أو وضع في الطريق جذعا فهو ضامن لما أصاب ذلك كله يكون الضمان في ذلك على عاقلته إذا كانت في نفس أو جراحة في بني آدم وما كان سوى ذلك فهو في ماله ولا كفارة عليه(3/34)
ولا يحرمه ذلك الميراث لأنه ليس بقاتل فان عثر رجل بذلك فوقع على رجل فماتا جميعا فالضمان في ذلك على الأول المحدث في الطريق ما أحدث ولا ضمان على الذي عثر به لأنه بمنزلة المدفوع وإذا نحى الرجل شيئا من ذلك عن موضعه فعطب به أحد فالضمان على الذي نحى وقد خرج الأول من الضمان ولو ألقي رجل في الطريق ترابا كان بمنزلة الحجر والخشبة والطين ولو أن رجلا كنس الطريق لم يكن عليه في ذلك ضمان إن عطب بموضع كنسه أحد ولو أن رجلا رش الطريق فعطب إنسان بموضع رشه كان ضامنا له على عاقلته ولا كفارة عليه وكذلك الوضوء وإذا أشرع الرجل جناحا على الطريق الأعظم ثم باع الدار فأصاب الجناح رجلا فقتله فالضمان على الأول ولا ضمان على المشتري لأنه لم يحدث شيئا إنما الضمان على الذي أحدث وكذلك الميزاب ولو سقط الميزاب فأصاب منه ما كان في الحائظ فقتل فلا ضمان عليه فيه لأن ما كان في الحائط في ملك الرجل فان اصاب ما خرج منه من الحائط فالضمان على البائع الأول وإن لم يعلم أي ذلك أصاب فينبغي في القياس أن يبطل ولكنا ندع القياس ونضمنه النصف(3/35)
وإذا أخرج رب الدار الجناح أو الظلة فاستأجر على ذلك إنسانا أشرعه له من العملة فاصاب إنسانا فقتله فلا ضمان على العملة إذا أصاب بعد فراغهم منه وإنما الضمان على رب الدار الذي استأجرهم ندع القياس في هذا ونستحسن للآثر الذي جاء في نحوه عن شريح ولو سقط من عملهم وهم يعملون به كان الضمان عليهم ولم يكن على رب الدار شيء وإذا وضع الرجل ساجة في الطريق أو خشبه ثم باعها من رجل وبرئ إليه منها فتركه المشتري حتى عطب بها عاطب فالضمان على البائع الذي وضعها لأن المشتري لم يحدث وضعها ولم يغيرها عن حالها ولا كفارة في شيء من ذلك على أحد ممن أوجبنا عليه الضمان ما خلا الفعلة الذي سقط من عملهم فان عليهم الكفارة لأنها جناية بأيديهم إذا بلغت الجناية نفسا وإذا كان جميع ما ذكرنا في ملك رجل أو في ملك قوم أشرعوا ذلك في ملك لهم فلا ضمان في شيء من ذلك وإن أشرعه بعضهم دون بعض فعليه الضمان يرفع عنه بحصة ملكه من ذلك فان توضأ أو صب ماء في ملك بينه وبين قوم فلا ضمان عليه فيه وليس هذا كالجناح يشرعه ولا كالظلة هذا بناء محدث والوضوء وأشباه ذلك لا بد منه نستحسن في ذلك وندع القياس فيه(3/36)
وإذا وضع رجل في طريق جمرا فأحرق شيئا فهو ضامن لما أحرق وإن حركته الريح فذهبت به من ذلك الموضع فلا ضمان عليه فيه من قبل أنه قد تغير عن حاله التي وضعه عليها وكذلك كل ما وضع في الطريق فتغير عن ذلك الموضع فقد برئ الأول من الضمان فيه.
باب الحائط المائل:
وإذا مال حائط رجل أو وهي في الطريق الأعظم فقتل إنسانا فلا ضمان عليه فيه من قبل أنه قد بناه في ملكه ولم يحدث في الطريق شيئا وما حدث من وهنه وسقوطه شيء من غير عمله فان كان أهل الطريق أو غيرهم تقدموا إليه في ذلك أو سألوه أن ينقضه فأخر ذلك حتى سقط فقتل إنسانا فهو ضامن لديته على عاقلته وكذلك لو كان القتيل تحته عبد فقيمته على العاقلة ولا كفارة عليه في شيء من ذلك فان قتل دابة أو أفسد متاعا فذلك كله في ماله لا تعقل العاقلة العروض وكذلك لو جرح رجلا جرحا لا يبلغ خمسمائة درهم وكذلك كل ما ذكرنا مما يحدث في الطريق وإذا أشهد على الرجل في حائطه شاهدان أو رجل وامرأتان عند سلطان أو غير سلطان فهو سواء فان لم يأخذ رب الحائط في عمله(3/37)
ونقضه عند ذلك فهو ضامن لما أصابه بلغنا عن عامر الشعبي أنه كان يمشي ومعه رجل فقال الرجل إن هذا الحائط لمائل وهو لعامر ولا يعلم الرجل أنه لعامر فقال عامر ما أنت بالذي تفارقني حتى أنقضه ثم بعث إلى العملة فنقضه وإذا شهد على الرجل في حائط له مائل فلبم ينقضه حتى باع الدار التي فيها ذلك الحائط المائل فقد خرج من الضمان وبرئ منه ولا ضمان على المشتري فان تقدم إلى المشتري وأشهد عليه بعد الشرى فهو ضامن لما أصاب وإذا كانت الدار رهنا فتقدم إلى المرتهن في حائط مائل منها فلا ضمان على المرتهن لأنه لا يملك نقض ذلك الحائط ولا ضمان على رب الدار لأنه لم يتقدم إليه فيه فان تقدم إليه فهو ضامن لما اصاب الحائط من قبل أنه ملك أن يقضي المال ونقض الحائط وإذا تقدم إلى السكان في نقض الحائط فلا ضمان على واحد منهم ولا على رب الدار من قبل أنهم لا يملكون أن ينقضوا ذلك الحائط ولأنه لم يتقدم إلى رب الدار فيه فان تقدم إلى رب الدار فعليه الضمان وإذا تقدم إلى وصي اليتيم في نقض حائطه فما اصاب الحائط فاليتيم له ضامن ولا ضمان على الوصي من قبل أن الوصي يملك أن ينقض الحائط والتقدم إليه كالتقدم إلى اليتيم لو كان كبيرا وكذلك الصبي يتقدم إلى الوالد في نقض حائط له والرجل والمرأة في الحائط سواء(3/38)
وإذا تقدم في الحائط إلى بعض الورثة دون بعض فانه ينبغي في القياس أن لا يضمن أحد منهم من قبل أن المتقدم إليه لا يستطيع نقضه دون الآخرين من قبل أن الآخرين لم يتقدم إليهم ولكنا ندع القياس ونضمن هذا الشاهد المتقدم إليه بحصة نصيبه مما اصاب الحائط وإذا تقدم إلى رجل من أهل الذمة في حائط له فهو والمسلم في الضمان سواء ألا ترى أنه لو لم يكن له عاقلة كان في ماله وإذا تقدم إلى المكاتب في حائطه فهو ضامن لما اصاب حائطه يسعى فيه ولا يجاوز ذلك قيمته إذا كان في إنسان وإذا كان في متاع أو عروض سعى في قيمته ذلك بالغا ما بلغ وإذا تقدم إلى العبد التاجر في حائطه فأصاب إنسانا فهو على عاقلة مولاه إذا كان في إنسان وإن كان في متاع أو عروض فهو في عنق العبد وكان ينبغي في قياس من القول الأول أن يكون على المولى وإن كان على العبد دين أو لم يكن فهو سواء من قبل أن هذا ليس بجناية العبد بيده فلذلك لزمت العاقلة ما كان في إنسان من ذلك وإذا وضع الرجل على حائطه شيئا فوقع ذلك الشيء فاصاب إنسانا فلا ضمان عليه فيه من قبل أنه وضعه وهو في ملكه وكذلك لو كان الحائط مائلا من قبل أن له أن يضع على حائطه متاعه وإذا تقدم الى رجل في حائط في دار فلم يهدمه حتى سقط على رجل فقتله فأنكرت العاقلة أن تكون الدار له فلا ضمان عليهم وكذلك إن قالوا لا ندري هي له أم لغيره فلا ضمان عليهم حتى تقوم البينة(3/39)
أنها له فان لم تقم بينة أنها له وزعم الرجل أنها له فانها لا يلزم العاقلة دية القتيل بقوله ولا يصدق عليهم وإذا أقرت العاقلة أن الدار له ضمنوا الدية وكذلك الجناح والميزاب يشرعه الرجل من داره في الطريق فوقع على إنسان فمات فأنكرت العاقلة أن يكون الدار له وقالوا إنما أمره رب الدار أن يخرجه فلا ضمان عليه إلا أن تقوم البينة أنها له فان أقر رب الدار أن الدار له وكذبته العاقلة فان الدية يلزمه في ماله من قبل أنه قد أقر بذلك ولو قامت به بينة ضمن ذلك العاقلة والحائط المائل وهذا ليسا بسواء في القياس من قبل أنه لم يحدث في الطريق شيئا وإنما ضمناه في الحائط بالأثر والاستحسان وجعلناه بمنزلة الكنيف بالأثر الذي جازه الاستحسان وليس يشبه الحائط الكنيف وإذا أنكرت العاقلة أن الدار له فلا ضمان عليهم وينبغي في القياس أن لا يضمنوا الرجل الذي أقر أن الدار له من قبل أنه لم يحدث في الطريق شيئا ولكنا ندع القياس هاهنا ونضمنه ونجعله بمنزلة من أحدث في الطريق شيئا ألا ترى أن البينة إذا قامت أن الحائط له ضمناه العاقلة وجعلنا الرجل بمنزلة من أحدث في الطريق شيئا فكذلك هذا إذا لم تقم البينة وإذا كان الرجل على حائط له مائل أو غير مائل فسقط به الحائط فأصاب من غير عمله إنسانا فقتله فهو ضامن في الحائط المائل إذا كان تقدم إليه في الحائط المائل فان كان لم يتقدم إليه فلا ضمان عليه لأن(3/40)
الحائط سقط به ولو كان هو سقط من الحائط من غير أن يسقط الحائط فقتل إنسانا كان ضامنا لأنه هاهنا غير مدفوع وهو في الباب الأول مدفوع ولو مات الساقط نظرت في الأسفل فان كان يمشي في الطريق فلا ضمان عليه وإن كان قائما في الطريق أو قاعدا فهو ضامن لدية الساقط عليه لأنه أحدث في الطريق القيام أو القعود وليس له ذلك وله أن يمشي وإن كان الأسفل في ملكه فلا ضمان عليه والأعلى ضامن لما اصاب الأسفل في هذه الحالات وكذلك إن تعقل فسقط أو نام فتقلب فسقط فهو ضامن لما اصاب الأسفل والحائط المائل والسقف في ذلك سواء وإذا سقط الرجل من حائط في ملكه أو في ملك غيره على رجل في الطريق فقتله فهو ضامن وسقوطه هو عندنا بمنزلة قتله بيده وعليه الكفارة والدية على عاقلته وملكه وغير ملكه في ذلك سواء وكذلك لو تردى من جبل على رجل فقتله وكذلك لو سقط في بئر احتفرها في ملكه وفيها إنسان فقتل ذلك الإنسان كان ضامنا لديته ولو كانت البئر في الطريق كان الضمان على رب البئر لما اصاب الساقط والمسقوط عليه من قبل أن الساقط بمنزلة المدفوع باب الشهادة في الحائط المائل وإذا أشهد على رجل في حائطه شاهدان فأصاب الحائط ابن أحد الشاهدين أو أباه أو عبدا له أو مكاتبا له أو جدا أو جدة أو زوجة(3/41)
أو ولد ولده من قبل النساء والرجال ولا شاهد على رب الحائط في التقدم إليه في الحائط غير هذين فشهادة الذي يجر إلى نفسه أو إلى أحد ممن ذكرنا باطل لا يجوز وإذا تقدم الى رجل في حائط له مائل فان شهد عليه رجل وامرأتان فهو ضامن وشهادة النساء في هذا مع الرجال جائزة من قبل أنه مال وليس فيه قصاص وإذا أشهد على الرجل في حائطه عبدان أو صبيان أو كافران ثم أعتق العبدان وأدرك الصبيان وأسلم الكافران ثم وقع الحائط فأصاب إنسانا فهو ضامن وإذا وقع الحائط فأصاب إنسانا قبل أن يعتقا أو قبل أن يسلما أو يدركا ثم أعتقا أو أسلما أو أدركا ثم شهدا فشهادتهما جائزة وإن كانا شهدا في تلك الحال فردهما القاضي ثم أسلما ثم شهدا جميعا أو كبرا أو أعتقا فشهدا بذلك فشهادتهما ايضا جائزة من قبل أني لم أرد شهادتهما بالتهمة إنما رددتهما بالكفر والرق والصغر وإذا شهد عليه شاهدان فاسقان أو محدودان في قذف أو أعميان فشهادتهما في ذلك لا يجوز فان تاب الفاسقان بعد أن رددت شهادتهما فشهدا بعد ذلك فان شهادتهما لا تجوز لأني رددتهما بالتهمة وكذلك لو شهد عبد أو صبي أو مكاتب أو مدبرا أو عبد قد عتق(3/42)
بعضه وهو يسعى في بعض قيمته فان ذلك لا يجوز وإذا شهدا ابنا صاحب الحائط أو شهد أبو صاحب الحائط ورجل آخر على صاحب الحائط فان ذلك جائز من قبل أنهما شهدا على مال ألا ترى أني أجيز فيه شهادة الرجل مع النساء ولو كان هذا قصاصا لم يجز فيه شهادة النساء ولا شهادة على شهادة وإذا شهد شاهدان على رجل في حائط أنه قد تقدم إليه فيه فسقط فقتل إنسانا فضمن القاضي عاقلته الدية ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما فانهما يضمنان ما غرمت العاقلة من ذلك ولا يصدقان على إبطال القضاء فكذلك كل ما قضي به بشهادتهما ثم رجعا عن ذلك وإذا تقدم إلى اللقيط في حائط له وقد وهي فلم ينقضه حتى سقط على رجل فقتله فان ديته على بيت المال يعقل بيت المال عن اللقيط وميراثه لبيت المال من قبل أنه لا يعرف له عشيرة وكذلك الرجل من أهل الكفر من أهل الذمة أو من أهل الحرب يسلم فان حاله في هذا كحال اللقيط فان كان والي رجلا وعاقده فان عاقلة ذلك الرجل يعقلون عنه وله أن يتحول عنهم مالم يعقلوا عنه فاذا تحول عنهم فوالي آخرين فهم بمنزلة الأولين يعقلون عنه ويرثون به وله أن يتحول عنهم ما لم يعقلوا عنه فاذا عقلوا عنه فليس له أن يتحول عنهم وكذلك كل ما أحدث اللقيط في الطريق وأشرع فيه من بناء وإذا وهي الحائط أو مال على دار قوم ولم يمل على الطريق(3/43)
فأشهدوا على صاحبه فانه ضامن لما أصاب ولما هدم من بيوتهم ولما أفسد من أمتعتهم ولا يضمن العاقلة من ذلك إلا ما كان في الأنفس ودون ذلك إلى الموضحة من ولد آدم ولا يضمن ما سوى ذلك وما كان من غير ذلك فهو على رب الدار في ماله وكذلك العلو إذا وهي فقدم أهل السفل إلى أهل العلو ويشهدون عليهم فيه فهم ضامنون لما أصاب العلو إذا سقط وكذلك الحائط يكون أعلاه لرجل وسفله لآخر فان مال على أهل الطريق فان تقدموا إلى صاحب العلو دون صاحب السفل أو إلى صاحب السفل دون صاحب العلو ثم سقط فاصاب إنسانا فانما يضمن الذي يقدم إليه النصف من ذلك إذا كان الحائط هو الذي اصاب كله وإذا وهي العلو وكان السفل على حاله فتقدم إلى صاحب العلو فلم ينقضه حتى سقط فقتل إنسانا فان ديته على عاقلته خاصة دون صاحب السفل لأن السفل لم يه وإذا وهيا جميعا وتقدم إليهما جميعا فما ضامنان لما أصاب الحائط كله وإذا مال حائظ الرجل فمال بعضه على دار قوم وبعضه على الطريق فتقدم إليه أهل الدار في ذلك فسقط ما في الطريق منه فهو ضامن وكذلك لو تقدم إليه أهل الطريق فسقط المائل إلى الدار على أهل الدار فهو ضامن لأنه حائط واحد قد مال بعضه وإذا أشهد على بعضه فقد أشهد على الحائط كله وإذا وهي بعض الحائط وما بقي منه صحيح غير واه فتقدم إليه في(3/44)
ذلك وأشهد عليه فسقط ما وهي منه وما لم يه فقتل الذي لم يه إنسانا فهو ضامن من قبل أنه كله حائط واحد إذا وهي بعضه وهي كله فان كان حائطا طويلا إذا وهي بعضه لم يه ما بقي منه ويعرف ذلك فانه يضمن ما اصاب الواهي منه ولا يضمن الذي لم يه وإذا تقدم الرجل في حائط له لم يه وأشهد عليه فيه فسقط فأصاب إنسانا فقتله فلا ضمان عليه من قبل أنه كان صحيحا غير واه وإنما يضمن لو كان واهيا أو مائلا مخوفا وإذا كان سفل الحائط لرجل وعلوه لآخر وقد وهي ومال فتقدم إليهما جميعا فسقط العلو فاصاب إنسانا فقتله فالضمان على صاحب العلو دون صاحب السفل وإن كان سقط من العلو طائفة فاصاب إنسانا فقتله فالضمان على صاحب العلو وإذا استأجر قوما يهدمون حائطا له فقتل الهدم من فعلهم رجلا فالضمان عليهم والكفارة ولا ضمان على رب الدار لأنهم فعلوا ذلك بأيديهم فهو بمنزلة من وضع حجرا أو دفع حجرا على رجل فقتله وإذا اشترى الرجل دارا وهو فيها بالخيار ثلاثة ايام فتقدم إليه في حائط منها ثم إنه رد الدار ولم يستوجبها فسقط الحائط فقتل إنسانا فلا ضمان على المشتري من قبل أنها خرجت من ملك المشتري ولا ضمان على البائع لأن التقدم كان إلي غيره ولم يكن في ملكه ولو تقدم غليه في تلك الحال لم يضمن من قبل أنه لا ملك له فيها(3/45)
ولو استوجبها المشتري وقد أشهد بذلك عليه كان عليه الضمان لأنه لا يقدم إليه في الحائط وهي في ملكه ثم اختار الدار كان ضامنا لما أصاب لأنها في ملكه يوم تقدم إليه ويوم أصاب ولو كان البائع بالخيار ثلاثة أيام فتقدم إليه في الحائط فان نقض البيع فوقع الحائط على إنسان فقتله فالدية على عاقلة البائع ولو أوجب البيع لم يكن عليه ولا على المشتري ضمان من قبل أنها قد خرجت من ملكه ولو تقدم إلى المشتري على ان يوجب البيع ثم أوجب البائع له البيع لم يكن عليه ضمان لا على البائع ولو تقدم إلى رجل في حائط له مائل عليه جناح شارع قد أشرعه الذي باعه فسقط الحائط والجناح فكان الحائط هو الذي طرح الجناح كان ضامنا لما أصاب ذلك لأنه بمنزلة الدافع للجناح ولو كان الجناح هو الساقط وحده كان الضمان على البائع الذي جعله.
باب البئر وما يحدث فيها:
إذا احتفر الرجل بئرا في طريق المسلمين في غير فنائه فوقع فيها عبد أو حر فمات فذلك على عاقلة الحافر ولا كفارة عليه فان كان استأجر عليها أجراء فحفروها له فلا ضمان على الأجراء والضمان(3/46)
على الآمر إن كانوا لم يعلموا أنها في غير فنائه وإن كانوا علموا فالضمان على الأجراء دون الآمر وإن كان في فنائه فلا ضمان على الأجراء والضمان على الآمر أعلمهم أو لم يعلمهم بلغنا نحو من ذلك عن شريح وإن سقطت فيها دابة فعطبت فالضمان على الآمر في ماله لا تعقل العاقلة الدواب ولا الأمتعة ولا العروض ولا الحيوان ما خلا الرقيق وإذا وقع فيها إنسان متعمدا للسقوط عليه فيها فمات فلا ضمان عليه فيه من قبل أنه تعمد ذلك وإذا أمر بها عبيدا فحفروها أو أجراء أو قوما استعان بهم فحفروها بفناء داره في الطريق الأعظم فهو سواء والضمان على الآمر وإذا استأجر الرجل أربعة رهط يحفرون بئرا فوقعت عليهم من حفرهم فقتلت إنسانا منهم فعلى كل إنسان من الثلاثة الباقين ربع دية ذلك الإنسان إذا كان حرا ولا ضمان على المستأجر من قبل أن هذا من فعلهم وكذلك لو استعان بهم وإذا كان الذي يحفر واحدا فانهارت عليه من حفرة فقتله لم يكن على الآمر ضمان في ذلك وإذا حفر الرجل بئرا في طريق المسلمين ثم جاء آخر فحفر منها طائفة في أسفلها ثم وقع فيها إنسان فمات فانه ينبغي في القياس أن يضمن
الأول من قبل أن الحافر الأعلى كأنه دافع وبه ناخذ ولو أن آخر وسع رأسها فحفرها فوقع فيها إنسان فمات كان الضمان عليهما جميعا نصفين ولو أن رجلا حفر بئرا في طريق المسلمين ثم سدها كلها بطين أو تراب أو جص فجاء آخر فاحتفرها فوقع فيها إنسان فمات كان الضمان على الذي احتفرها مرة أخرى لأن الأول قد سدها ولو سد رأسها واستوثق منها فجاء آخر فنقض ذلك كان الضمان على الأول ولو أنه جعل فيها طعاما أو متاعا أو شبه ذلك مما لا يسد به الآبار فجاء إنسان فاحتمل ذلك ثم وقع فيها إنسان كان الضمان على الأول ولو تعقل رجل بحجر فسقط في بئر قد حفرها رجل فمات كان الضمان على الذي وضع الحجر لأنه دافع فان لم يكن وضع الحجر أحد فهو على رب البئر(3/47)
وإذا وضع الرجل في بئر حجرا أو حديدا فوقع فيها إنسان فقتله الحجر أو الحديدة كان الضمان على الذي حفر البئر لأنه بمنزلة الدافع وإذا حفر الرجل بئرا في طريق فوقع فيها رجل فعطب ثم خرج منها فشجه رجلان فمرض من ذلك حتى مات فالدية عليهم أثلاثا من قبل أنهم ثلاثة ألا ترى أنه لو قطع يده رجل وشجه رلاجل فمات من ذلك كانت الدية عليهم أثلاثا ولو أن الرجلين اللذين قطعا يده شجه أحدهما أخرى فمات من ذلك كانت الدية عليهم على حالها أثلاثا ولو كان أحدهما قد جرحه جرحتين أو ثلاثة وجرحه الآخر جراحة صغيرة كانت الدية على عدد الرجال ولا يكون على عظم الجراحة ولا على صغرها ولا على عدد الجراحة فقطع اليد والشجة إذا مات في ذلك سواء وإذا وقع الرجل في بئر في الطريق فتعلق بآخر وتعلق الآخر بآخر فوقعوا جميعا فماتوا ولم يقع بعضهم على بعض فدية الأول على الذي حفرها ودية الثاني على الأول المتعلق به ودية الثالث على الثاني وإن وقع الأول فلم تضره وقعته ووقع الثاني عليه فقتله فلا ضمان على الثاني من قبل أن الأول جره على نفسه فالأسفل قاتل نفسه وإن وقع الثالث على الثاني فقتله فلا ضمان على الثالث لأن الثاني هو جره إلى نفسه فهو قاتل نفسه وإن مات الثالث من الوقعة فديته على الثاني لأنه هو جره فقتله وإن مات الأسفل من وقعته في البئر ومن وقعة الثاني والثالث عليه فثلث ديته على صاحب البئر وثلث ديته على الثاني لأنه جر الثالث عليه(3/48)
وثلث الدية هدر لأن الأسفل هو جر الثاني على نفسه وإن مات الثاني من جر الأسفل ووقعة الثالث عليه فدية الثاني على الأسفل نصفها لأنه جره ونصفها هدر لأنه جر الثالث على نفسه ودية الثالث إن مات من وقعته على الثاني كلها لأنه جره وإن كان الأول مات من وقعته في البئر ووقعة الثالث فلم يضره الثاني فان على صاحب البئر نصف الدية وعلى الثاني نصف الدية لأنه هو جر الثالث عليه فقتله وإن كان الثاني مات من وقعة الثالث فلا دية له ودية الثالث إن مات على الثاني لأنه جره وإذا وجد بعضهم على بعض في البئر موتى وقد كانت حالهم كما وصفنا من تعلق بعضهم ببعض فان صاحب البئر يضمن الأول ويضمن الأول الثاني ويضمن الثاني الثالث على عواقلهم فهذا وجه مستقيم وهو القياس وفيها قول آخر إن دية الأول أثلاث على صاحب البئر ثلثه وعلى الأوسط ثلثه لأنه جر الثالث وثلثه هدر لأن الأول هو جر الثاني عليه ودية الثاني نصفان نصف هدر ونصف على الأول ودية الثالث على الثاني كلها وإذا لم يعرف من أي ذلك ماتوا بطل نصف ذلك كله وأخذنا بالنصف وبهذا القول نأخذ وإذا وقع الرجل رجلا في بئر فمات فالدافع ضامن إن كانت البئر في ملكه أو في الطريق فهو سواء(3/49)
وإذا سقط الرجل في بئر في الطريق فقال الحافر ألقي نفسه فيها عمدا وقال ورثة الرجل كذبت فالحافر برئ من الضمان إلا أن يقيم الورثة البينة أنه وقع بغير عمد فان أقاموا على ذلك بينة فعليه الضمان وإذا أمر الرجل عبده أن يحفر بئرا في الطريق عند ميزاب له أو بفنائه أو قريب من داره حيث ينتفع به وبسيل فيها ماؤه فما عطب فيها فهو على المولى ليس على العبد منه شيء وكذلك الأجير ولو أمره أن يحفر بئرا في طريق من طرق المسلمين ليس عند داره فحفرها كان ما وقع فيها في رقبة العبد يدفعه مولاه أو يفديه وإن كان أجيرا وبين له المستأجر أنه ليس له هنالك دار ولا ملك فالضمان على الأجير دون المستأجر وإن لم يسم شيئا فلا ضمان على الأجير والضمان على المستأجر
وإذا استأجر الرجل رجلا حرا وعبدا محجورا عليه ومكاتبا يحفرون له بئرا فحفروها فوقعت عليهم من حفرهم فماتوا فلا ضمان على المستأجر في الحر ولا في المكاتب وهو ضامن لقيمة العبد المحجور عليه إن كانت أقل من الدية يؤديها إلى مولاه ثم يرجع فيها ورثة الحر بثلث دية الحر وأولياء المكاتب بثلث قيمة المكاتب فيقتسمون قيمة العبد على ذلك إلا أن يكون قيمة العبد تبلغ ذلك كله وتزيد قيمسك مواليه الفضل ويرجع مولى العبد على المستأجر بما أخذ منه ورثة الآخرين ويرجع المستأجر على عاقلة الحر بثلث قيمة العبد لأنه حين غرم قيمة العبد صار العبد له ويرجع أولياء المكاتب على عاقلة الحر بثلث قيمة المكاتب فيجمع ما أخذ أولياء المكاتب من ذلك كله وما ترك المكاتب فينظر قيمته من ذلك فيخرج فيضرب فيه أولياء الحر بثلث دية الحر ويضرب فيها المستأجر بثلث قيمة العبد وإذا استأجر الرجل حرا وعبدا يحفران له بئرا فحفراها فوقعت عليهما فماتا وللعبد موليان أحدهما قد أذن له والآخر لم يأذن له فلا ضمان على المستأجر في الحر ولا في النصيب الذي أذن للعبد(3/50)
من العبد وهو ضامن لنصف قيمة العبد نصيب الذي لم يأذن له ويرجع ورثة الحر في ذلك بربع الدية ويرجع المولى الذي لم يأذن له على المستأجر بما أخذ من ذلك النصف ويرجع المستأجر على عاقلة الحر بربع قيمة العبد فيسلم له ويرجع الذي أذن للعبد على عاقلة الحر بربع قيمة العبد ثم يرجع ورثة الحر في ذلك الربع بربع دية الحر ولو كان العبد مأذونا له كان على عاقلة الحر نصف قيمة العبد ثم يرجع بذلك ورثة الحر على أولياء العبد فيأخذونه بنصف الدية ولا شيء على المستأجر من قبل أن كل واحد منهما قد قتل نفسه هو وصاحبه فيه فيبطل النصف من ذلك وإن كان استأجر عبدين أحدهما مأذون له في التجارة والآخر محجور عليه فحفرا بئرا فوقعت عليهما فماتا فانه يضمن قيمة المحجور عليه لمولاه ويرجع مولى المأذون له بنصف قيمة المأذون له في تلك القيمة ويضمن المستأجر لمولى المحجور عليه ما أخذ منه من ذلك ويرجع المستأجر بنصف قيمة المحجور عليه فيما أخذ أولياء المأذون له حتى يستكمل من ذلك نصف قيمة المحجور عليه وإذا استأجر الرجل عبدا محجورا عليه يحفر له بئرا فهو ضامن(3/51)
لما أصابه حتى يرجع إلى مولاه وإذا احتفر الرجل بئرا في دار لا يملكها بغير إذن أهلها فهو ضامن لما وقع فيها فان أقر رب الدار أنه أمره درأت عنه الضمان ولا شيء على رب الدار وإذا احتفر الرجل بئرا في طريق مكة أو غير ذلك من الفيافي والمفاوز في غير ممر الناس فلا ضمان عليه في ذلك وليس هذا كالأمصار ولا المدائن ألا ترى أن الرجل لو ضرب هنالك فسطاطا أو اتخذ تنورا يخبز فيه حين ينزل أو شبه ذلك أو ربط هنالك ظهره أو دابته لم يضمن ما أصاب ذلك وكذلك البئر إذا احتفرها لصاحبه أو للماء غير أنه لا يكون لها حريم ولا يكون الحريم إلا لبئر احتفرت في ذلك الموضع باذن السلطان فاذا احتفر بأمر السلطان كان لها من الحريم أربعون ذراعا في قول ابي حنيفة بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح ستون ذراعا وذلك عندنا أربعون ذراعا في
جوانبها وستون ذراعا من جوانبها وخمسمائة ذراع من جوانبها وليس لأحد أن يدخل عليه في شيء وقال أبو يوسف ومحمد البئر له وله حريمها وإن كان بغير إذن السلطان وإذا احتفر بئرا في ملكه فلا ضمان عليه فيمن عطب فيها وكذلك إذا احتفر سكانه باذنه ولم يعلم ذلك إلا بقوله فلا ضمان ذلك وإن كان ذلك لا يعلم إلا بقولهم إذا صدقهم رب الدار وقد كان ينبغي في القياس أن يضمنوا إلا أن تقوم لهم في ذلك بينة ولكني أدع القياس وأصدق رب الدار إذا قال أنا أمرتهم ألا ترى أني لا أضمنهم ما أفسدوا من الدار بالحفر ولا أضمنهم من سقط فيها بعد إقرار رب الدار أنه أمرهم فكذلك لا أضمنهم ما وقع فيها(3/52)
باب النهر:
وإذا احتفر الرجل نهرا في أرضه فلا ضمان عليه فيمن عطب به وكذلك إن جعل على النهر جسرا أو قنطرة في أرضه فعطب بذلك إنسان فلا ضمان عليه فيه وكذلك القناة وما أشبه ذلك وإذا احتفر ذلك في غير ملكه فهو بمنزلة البئر يضمن ما عطب به وكذلك لو نصب جسرا أو بني قنطرة على نهر ليس في ملكه فعطب به إنسان فان مشى عليه إنسان متعمدا لذلك ولا يعلم من بناها أو علم ذلك فانخسفت به فلا ضمان عليه من قبل أن هذا تعمد المشي عليه ولو احتفر رجل نهرا في غير ملكه فانبثق من ذلك النهر ماء فغرق أرضا أو قرية كان ضامنا لما أصاب ذلك الماء لأنه سيله في غير ملكه ولو كان في ملكه لم يضمن شيئا وكذلك الرجل يصب في أرضه الماء ليسقيها أو ليصلح فيها شيئا أو يفتح فيها نهرا فخرج الماء منها إلى غيرها فأهلك شيئا أو أفسده فلا ضمان عليه وكذلك لو أحرق حشيشا له في أرض له أو حصائد له أو أجمه له
فخرجت النار إلى غير أرضه فأحرقت لم يكن عليه ضمان وكذلك النار يوقدها الرجل في داره أو في تنوره فلا ضمان عليه فيما احترق ولو احتفر نهرا في أرض له أو بئرا في دار له فنزت من ذلك إلى أرض لغيره أو حائط لغيره حتى فسد لم يكن عليه في ذلك ضمان ولا يؤمر أن يحول ذلك عن موضعه إلا أن يشاء لأنه في ملكه ولو صب الماء في ملكه صبا فخرج أثر صب ذلك إلى غير ملكه فافسد كان هذا والأول في القياس سواء غير أن هذا قبيح ألا ترى أنه لو صب ماء في ميزاب له فأفسد متاعا تحته ضمن لأنها من جنايته باب ما يحدث الرجل في السوق أو في المسجد وإذا احتفر أهل المسجد في مسجدهم بئرا لماء المطر أو وضعوا(3/53)
فيه حبا يصب فيه الماء أو طرحوا فيه حصى أو ركبوا فيه بابا أو علقوا عليه قناديل أو طرحوا فيه بواري أو ظللوه فلا ضمان عليهم فيمن عطب بذلك وكذلك من فعل به من غيرهم إذا أذنوا له في ذلك وإن لم يأذنوا له فهو ضامن في قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد إنه إذا كان في مسجد العامة فلا ضمان عليهم فيه لأن هذا مما يصلح به المسجد أستحسن ذلك إلا البناء والحفر وإذا قعد الرجل في المسجد لحديث أو نام فيه أو قام فيه في غير صلاة أو مر فيه مارا فهو ضامن لما اصاب كما يضمن في الطريق الأعظم إذا كان مسجد جماعة في قول أبي حنيفة وفيها قول آخر إنه لا ضمان عليه إلا أن يمشي فيطأ على إنسان وهو قول أبي يوسف ومحمد وإذا حفر الرجل في سوق العامة بئرا أو بني فيها بناء دكانا أو غيره بغير أمر السلطان فهو ضامن لما عطب به من شيء فان كان بأمر السلطان فلا ضمان عليه فيه وإذا مر الرجل في السوق راكبا فما وطيء أو وطئ دابته فهو له ضامن(3/54)
وإذا أوقف الرجل دابته في السوق فما أصابت دابته فهو له ضامن فان كان موقفا يقف فيه الدواب لبيع قد أذن له السلطان في ذلك فأوقف فيه الدابة لذلك فلا ضمان عليه فيما أصابت وإن لم يكن السلطان أذن في ذلك فهو ضامن إن كان أخرجه هو أو أوقفه أو أرسله وإن لم يكن أخرجه هو ولا أوقفه ولا أرسله فلا ضمان عليه في ذلك والقول في ذلك قوله مع يمينه باب جناية العبد:
ولو جنى العبد جناية خطأ فان مولاه بالخيار إن شاء دفعه بها وإن شاء فداه بالأرش وأمسك عبده ولا يقضي عليه في ذلك بشيء حتى يبرأ المجني عليه والخطأ في ذلك والعمد سواء ما لم يبلغ النفس فاذا بلغ النفس فان فيه القصاص والصغير من الجراحات والكبير والجرح للواحد والاثنين في ذلك كله سواء يدفعه مولاه بأرش ذلك كله وجناية العبد في الحر المسلم والمرأة والعبد والمكاتب والمدبر وأم الولد والذمي والصغير والكبير في ذلك سواء يدفعه مولاه بذلك أو يفديه بأرش ذلك وجنايته فيما سوى ذلك من الحيوان والعروض والأموال دين في عنقه يسعى فيه أو يباع فيه بالغا ما بلغ ولا يعقل العاقلة شيئا من جناية العبد والمدبر وأم الولد ولا جناية عبد قد عتق بعضه وهو يسعى في بعض قيمته في قول أبي حنيفة
وكذلك إن وطئ امرأة بشبهة مستكرها لها فذلك دين في عنقه يباع فيه ولا تعقل العاقلة شيئا من جراحات العبد في نفسه ما لم يبلغ النفس وإن كان خطأ وكذلك المدبر وأم الولد والمكاتب لا تعقل العاقلة مما جنى عليهم شيئا وإن كان الجاني حرا ما لم يبلغ النفس فاذا بلغت النفس عقلته العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة ثلث قيمته فان قلت القيمة في ذلك أو كثرت فهو سواء غير أنه لا يبلغ بها دية الحر بلغنا ذلك عن عبدالله بن مسعود وإبراهيم النخعي أنهما قالا لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وقال أبو حنيفة ينقص منه عشرة دراهم(3/55)
وإذا جنى العبد جناية فقتل قتيلا له وليان فعفا أحدهما فان المولى يقال له ادفع إلى الباقي نصف العبد أو افده بنصف الدية ولو قتل قتيلا خطأ وفقأ عين آخر خطأ كان مولاه بالخيار إن شاء دفعه فكان بينهما أثلاثا الثلثان لأولياء القتيل والثلث لصاحب العين وإن شاء أمسكه وفداه بخمسة عشر ألفا عشرة آلاف لأولياء القتيل وخمسة آلاف لصاحب العين وإن أعتقه المولى وهو يعلم فهذا منه اختيار للعبد فعليه خمسة عشر ألفا في ماله خاصة وكذلك لو دبره أو باعه أو كاتبه فهو اختيار ولو كانت أمة فوطئها أو زوجها أو آجرها أو رهنها فليس هذا باختيار ولا يجب فيه الأرش فان استخدم وهو يعلم فليس ذلك باختيار الخدمة كالذي ذكرنا مما تعلق فيه الرقبة وشبهه وإن ضرب العبد ضربة يلزمه من ذلك عيب فاحش أو جرحه أو قتله وهو يعلم فهذا منه اختيار أيضا وعليه في ذلك الأرش وإذا وقع العبد في بئر احتفرها المولى في الطريق أو أصابه جناح أشرعه المولى في الطريق أو شيء أحدثه فليس هذا باختيار من قبل أن هذا ليس بجناية من المولى بيده وكذلك كل ما اصابه مما أحدث المولى في الطريق ومما لا يجب على المولى فيه الكفارة فان هذا ليس باختيار(3/56)
وعلى المولى القيمة إن مات العبد من ذلك كله بينهما أثلاثا وإن أوطأه المولى وهو يسير على دابته أو وقع عليه فقتله وهو يعلم بجنايته فهذا اختيار وعليه الأرش وإذا أعتقه المولى أو كاتبه أو دبره أو باعه أو وهبه أو قتله وهو لا يعلم بالذي جنى فليس هذا منه باختيار وعليه قيمة العبد بينهم أثلاثا فان كان قد علم بأحدهما ولم يعلم بالآخر فعليه بالذي علم به الأرش كاملا وعليه للذي لم يعلم به حصته من القيمة وإذا جنى العبد جناية لم يبلغ النفس فأعتقه المولى وهو يعلم بها قبل البرء ثم انتقضت به الجراحة فمات كان هذا منه اختيارا وعليه الدية وإذا قال المولى لعبده إن ضربت فلانا بالسيف أو بعصا أو بسوط أو بيدك أو شججته أو جرحته فأنت حر ففعل به شيئا من ذلك فمات منه عتق العبد وكان هذا اختيارا من المولى وعليه فيه الدية ما خلا خصلة واحدة إن ضربه بالسيف فقتله فان على العبد فيها القصاص وليس في العمد الذي فيه القصاص اختيار من قبل أن فيه القصاص وأن العبد والحر في ذلك كله سواء لم يفسد عتق المولى من قصاصهم شيئا وإذا جرح العبد جراحة ثم خاصم المولى فخيره القاضي فاختار(3/57)
عبده وأعطى الأرش ثم انتقضت الجراحة ومات المجروح والعبد على حاله فانه كان ينبغي له في القياس أن يكون هذا منه اختيارا ولكنا ندع القياس لأنا إنما اخترنا في غير النفس ونخيره الآن خيارا مستقبلا فان شاء دفعه وأخذ ما أعطى وإن شاء فداه بتمام الدية وهذا قول ابي يوسف الأول وهو قول محمد ثم قال أبو يوسف بعد ذلك إن عليه الدية وإذا جنى العبد جناية تبلغ الدية فاختار المولى إمساك العبد وليس عنده ما يؤدي وكان ذلك عند القاضي أوعند غير القاضي فالعبد عبده والدية عليه دين وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر إنه إن أدى الدية مكانه أخذه وإلا دفع العبد إلا أن يرضى الأولياء إن منعوه بالدية على ما قال فان رضوا بذلك لم يكن لهم بعد ذلك أن يرجعوا في العبد وهذا قول أبي يوسف ومحمد وإذا جنى العبد جناية خطأ ثم أقر المجني عليه أنه حر قلا حق له في رقبة العبد لأنه يزعم أنه حر ولا حق له على المولى أيضا لأنه لم يدع عليه عتقا بعد الجناية ولو لم يقر بذلك المجني عليه حتى دفع إليه العبد بالجناية ثم أقر بعد ذلك عتق العبد بيده وكان الولاء موقوفا وإذا جنت الأمة جنتاية ثم ولدت الأمة ولدا فاختصموا في ذلك فانه يقال للمولى ادفع الأمة بالجناية أو افدها ولا يدخل في ذلك ولدها ولا كسبها(3/58)
وإن جنى عليها أحد فأخذ المولى لذلك أرشا فانه يدفعه معها وإذا كان إنما جنى عليها قبل ذلك فهو للمولى وإن لم يعلم بذلك فالقول قول المولى مع يمينه وعلى المجني عليه البينة وإن كانت الجناية عليها بعد جنايتها فأمسكها المولى أو فداها فانه يستعين بأرش تلك الجناية في الفداء فان لم يفدها ولم يخيرها حتى يستهلك ذلك الأرش أو يهبه للجاني عليها ثم بدا له أن يدفع الأمة فله أن يدفعها ان وليس هذا منه باختيار وعليه أن يغرم مثل ما استهلك فيدفعه معها وإن كان جنى عليها عبد فقبضه المولى كان على المولى أن يدفعها جميعا أو يفديهما بالدية فان أعتق العبد المدفوع إليه فهذا منه اختيار للآمة وعليه الدية وكذلك إن هو أعتق الأمة فلا يستطيع أن يدفع واحدا منهما دون صاحبه وليس هذا كالدراهم وإن أعتقه وهو لا يعلم ثم اختار دفع الأمة دفع معها قيمة العبد ألا ترى أنهما لو كانا قائمين عنده بأعيانهما قلت له ادفعهما أو افدهما ولو كان هذا العبد فقأ عين الأمة فدفع بها وأخذت الجارية فان العبد يصير مكانها يدفعه المولى أو يفديه بالدية ولو كانت الجارية قتلت خطأ فأخذ المولى قيمتها لم نقل للمولى ادفعها أو افدها ولكنه يدفع قيمتها ولو قتلها مملوك فدفع بالجناية كان بالخيار فيه إن شاء فداه وإن شاء دفعه والحيوان في هذا لا يشبه الدراهم(3/59)
وإذا قتل العبد رجلا حرا خطأ ثم إن جارية لمولى العبد قتلت العبد خطأ كان القول فيها أن يقال للمولى ادفع الجارية أو افدها بقيمة العبد لأنه إذا أعطى قيمة العبد فقط أعطى أهل الجناية حقهم وإذا قتل العبد رجلا خطأ وعليه دين فان مولاه يخير فان شاء دفعه بالجناية واتبعه أصحاب الدين عند أهل الجناية وإن شاء فداه بالدية وكان الدين عليه كما هو وإن فداه بأمر قاض أو بغير أمر قاض فهو سواء وإن دفعه إلى أهل الجناية بغير أمر قاض فهلك عندهم فانه لا يضمن لأصحاب الدين قيمته ولو دفعه إلى أهل الدين بدينهم دون أمر القاضي قبل أن يحضر أهل الجناية فعليه قيمته لأصحاب الجناية إن كان لا يعلم وإن كان يعلم فعليه الأرش كله وإذا جنى العبد جناية فقتل رجلا خطأ وقتلت أمة له رجلا خطأ وهما جميعا لرجل واحد ثم إن العبد قتل الآمة خطأ فاختار المولى أن يدفعه بذلك كله فان أهل جناية الأمة يضربون في قيمة العبد بقيمة الأمة ويضرب أهل جناية العبد بدية الحر فيكون العبد بينهم على ذلك وإن أمسكه المولى وفداه أعطى الدية أصحاب جناية العبد وأعطى قيمة الأمة أصحاب جنايتها وإذا جنى العبد جناية ففداه المولى فجنى جناية أخرى فانه يقال له أيضا ادفعه أو افده وإن لم يقض في الأول بشيء حتى يجني جناية ثانية قيل له ادفعه بهما جميعا أو افده بأرش ذلك كله(3/60)
وإذا أقر العبد بالجناية فانه لا يصدق في شيء منها نفسا كانت أو ما دونها خطأ كان أو عمدا لأنه يستغرق رقبته فلا يصدق ما خلا بابا واحدا إن أقر له بالقتل عمدا فانه عليه فيه القصاص والعبد التاجر في ذلك وغير التاجر سواء وإذا أعتق العبد ثم أقر أنه كان جنى جناية في حال الرق خطأ أو عمدا نفسا أو ما دونها فلا شيء عليه في شيء من ذلك ما خلا خصلة واحدة القتل عمدا فان عليه فيه القصاص فأما ما سواه من الخطأ فانه إذا أقر على مولاه بذلك فلا يصدق وليس عليه شيء ألا ترى أن المولى لو صدقه بذلك لزمه الأرش إن أقر أنه أعتقه وهو يعلم وإلا لزمته القيمة وإذا أعتق الرجل عبده وهو يعلم وعليه دين وفي عنقه جناية وهو يعلم بذلك فعليه الأرش لأصحاب الجناية وعليه قيمته للغرماء وإن كان لا يعلم فعليه قيمتان قيمة لأصحاب الجناية وقيمة لأصحاب الدين إلا أن يكون أرش الجناية أقل من ذلك فيكون عليه الأقل وإذا جنى العبد أو الأمة جناية فقال المولى قد كنت أعتقته قبل الجناية أو قال هو ابني أو قال لأمته هي أم ولدي أو قال قد كنت دبرتها قبل الجناية فانه لا يصدق على أهل الجناية فان كان قال هذه المقالة بعد علمه بالجناية فعليه الأرش كاملا وإن كان قال(3/61)
هذه المقالة قبل أن يعلم بالجناية فعليه القيمة إلا أن يكون الأرش أقل من ذلك فيكون عليه الأقل وإذا جنى العبد جناية فجاء إنسان فأخبر المولى بذلك فأعتق العبد ثم قال لم أصدق الذي أخبرني أو قال لم أصدقه ولم أكذبه فانما عليه القيمة ما لم يخبره بذلك رجلان أو رجل عدل يعرفه بذلك أو يقر أنه قد صدق الذي أخبره وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن إنه إذا أخبره مخبر حرا كان أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا مسلما كان أو كافرا رسولا كان لمولى الجناية أو غير رسول لمولى الجناية فأعتقه بعد الخبر ثم كان الخبر حقا فهو ضامن للأرش كله وهذا كله اختيار منه أرأيت لو جاء صاحب الجناية بنفسه يدعى ذلك فأعتقه بعد ادعاء هذا ولقائه إياه أما كان هذا اختيارا منه وإذا أعتق المولى عبدا وفي عنقه جناية وقال لم أعلم بالجناية فان عليه اليمين بالله فان حلف ضمن القيمة وإن لم يحلف ضمن الدية وكل ما ضمناه فيه القيمة فانه ينظر إلى أرش الجناية فان كان أقل من القيمة فانما عليه الأرش وإذا جنى العبد جناية فقال المولى قد كنت بعته من فلان قبل الجناية وأقر بذلك فلان أو قال هو لفلان لم يكن لي قط وأقر(3/62)
فلان بذلك فان فلانا بالخيار فان شاء دفعه وإن شاء فداه لأن المولى الذي كان في يده لم يبلغه إذا أخرجه إلى ملك رجل يفديه أو يدفعه ولو أنكر الرجل المقر له بذلك قيل للذي كان في يديه ادفعه أنت أو افده ولو أن عبدا في يدي رجل جنى جناية فقال أهل الجناية هو عبدك وقال الرجل هو عبد استودعنيه رجل غائب فان اقام على ذلك بينة أخر الأمر حتى يقدم فلان الغائب وإن لم يقم على ذلك بينة فهو الخصم فيه وكذلك لو قال هو عارية في يدي لفلان أو إجارة أو رهن فان فداه فهو جائز ومتى ما جاء فلان المقر له به كان له أن يأخذ عبده ولا يكون عليه من الفداء شيء من قبل أنه لم يأمر الذي في يديه العبد أن يفديه ويعرض عنه وإن كان الذي في يديه دفعه فمتى ما جاء المقر له فهو بالخيار إن شاء سلم الدفع وبرئ من العبد وإن شاء أخذ العبد وأعطي الأرش وإن أنكر أن يكون العبد له فما صنع الأول فيه من شيء فهو جائز وقال يعقوب ومحمد لو أن عبدا في يدي رجل والرجل مقر بأنه عبد له أو لم يقر ولم ينكر فأقر المولى على العبد بجناية خطأ ثم زعم المولى بعد ذلك أنه لرجل آخر وأنه لم يملكه قط فصدقه بذلك الرجل(3/63)
بأن العبد له وكذبه بالجناية فان كان الذي كان العبد في يديه قد كان أقر أنه عبده فعليه أرش جميع الجناية وهذا منه اختيار لأنه أتلفه باقراره وإن كان المولى لم يكن أقر أنه له حتى أقر به لهذا الرجل فالعبد للمقر له ولا يلحق العبد ولا المولى الأول ولا المولى الآخر من الجناية شيء لأن المولى لم يتلف شيئا إنما أقر على عبد غيره فلا يجوز إقراره والجناية إذا كانت ببينة لا يشبه الجناية إذا كانت باقرار المولى وإذا جنى العبد جناية ثم إنه اعور أو عمي أو أصابه بلاء من السماء فلا ضمان عليه فيه وإنما يقال له ادفعه على حاله أو افده وكذلك لو أن المولى بعثه في حاجة فعطب فيها أو استخدمه لم يكن عليه فيه ضمان لأن له أن يستخدمه ولو أذن له في التجارة بعد علمه بجنايته فلحقه دين مثل القيمة أو أكثر دفعه بالجناية واتبعه أصحاب الدين فاتبعوه في دينهم ثم ضمنوا المولى قيمته لأهل الجناية ولا يضمن الأرش من قبل أن هذا ليس باختيار منه وإذا قتل العبد قتيلا خطأ ثم فقأ رجل عينه ثم قتل آخر خطأ ثم اختار المولى أن يدفعه فانه يدفع أرش العين إلى الأول ويكون العبد بينهما يضرب فيه الأول بالدية إلا ما أخذ من أرش العين ويضرب فيه الآخر بالدية والأول أحق بأرش العين لأنه لم يجن على الآخر إلا وهو أعور وكذلك لو كان الذي فقا عينه عبدا(3/64)
فدفع به كان الأول أحق به ويضرب بالدية إلا قيمة العبد الذي أخذ في العور ويضرب الآخر بالدية وإذا قتل العبد قتيلا خطأ وللمقتول وليان فدفعه المولى إلى أحدهما بقضاء قاض ثم أنه قتل عنده آخر فجاء ولي الآخر والشريك الآخر فانه يقال للمدفوع إليه الأول ادفع نصفك إلى الآخر بنصف الدية أو افده فان دفعه برئ من نصف الدية ويرد النصف الباقي على المولى فيقال له ادفعه أو افده بعشرة آلاف وخمسة آلاف للآخر وخمسة آلاف للأوسط فان دفعه إليهما اقتسماه على ذلك يضرب فيه الآخر بخمسة آلاف ويضرب فيه الأوسط بخمسة آلاف ويضمن الأول الذي كان عنده العبد الذي جنى عنده الجناية الثانية ربع القيمة للمولى فيدفعها المولى إلى ولي القتيل الأول فيكون في يدي الأول ربع القيمة وربع عبد وإذا قتل العبد قتيلا خطأ وقتل آخر خطأ فدفعه المولى إلى أحدهما دون الآخر بغير قضاء قاض فقتل عنده قتيلا خطأ ثم اجتمعوا جميعا فاختاروا الدفع فان الأول الذي دفع العبد إليه يقال له ادفع نصف العبد إلى الآخر ورد النصف الباقي على المولى فيدفعه المولى إلى الأوسط والآخر ويضرب فيه الآخر بخمسة الآف(3/65)
والأوسط بعشرة آلاف ويضمن المولى سدس قيمة العبد للأوسط ويرجع بذلك المولى على الأول الذي كان في يديه وإذا قتل العبد قتيلا خطأ وفقأ عين آخر فدفعه المولى إلى المفقوءة عينه فقتل عنده قتيلا آخر ثم اجتمعوا فاختاروا دفعه فان صاحب العين يدفع ثلثه إلى الآخر لأنه لم يكن له إلا ثلثه ويرد الثلثين على المولى فيدفعه المولى إلى أولياء القتيلين يضرب فيه الأول بعشرة آلاف ويضرب في الآخر بثلثي الدية ويضمن المولى للأول ستة أجزاء وثلثي جزء من ستة عشر جزءا وثلثي جزء ومن ثلثي قيمة العبد وذلك خمسا ثلثي قيمة العبد لأنه أتلفه ويرجع المولى بذلك على صاحب العين من قبل أن ولى القتيل الأول كان له ثلثا العبد فيدخل عليه الآخر بستة أجزاء وثلثي جزء من ستة عشر جزءا وثلثي جزء من ثلثي قيمة العبد ويرجع بذلك على المولى لأنه أتلفه ودفعه ويرجع المولى بذلك على صاحب العين
وإذا قتلت الأمة قتيلا خطأ ثم ولدت بنتا ثم ابنتها قتلت رجلا آخر خطأ ثم إن الابنة قتلت الأم فاختار المولى دفع الابنة فان أولياء القتيل الذي قتلته الأم يضربون في الابنة بقيمة الأم ويضرب أولياء القتيل الذي قتلته الابنة بالدية فتكون الابنة بينهم على ذلك ولو اختار المولى إمساك الابنة دفع دية القتيل الذي قتلته الابنة إلى أوليائه ودفع دية الأم إلى أولياء القتيل الذي قتلته الأم ولو لم يقتل الابنة الأم ولكنها فقأت عينها فاختار المولى دفع الابنة والأم بالجناية دفعت الأم إلى أولياء القتيل الذي قتلته وتدفع الابنة فيضرب فيها أولياء القتيل الذي قتلته الابنة في الدية في الابنة ويضرب أصحاب الأم في الابنة بنصف قيمة الأم فتكون الابنة بينهم على ذلك(3/66)
ولو أن الأم أيضا فقأت عين الابنة بعد فقئ الابنة عينها وهما عند المولى الأول ثم اختار المولى دفعهما فانه يدفعه الابنة فيضرب فيها أولياء القتيل الذي قتلته بالدية ويضرب فيها أصحاب الأم بنصف قيمة الأم فيكون ذلك مع الأم ثم يدفع الأم وما أصابها من أرش عينها من الابنة فيكون ما كان من الابنة من ذلك لأولياء القتيل الذي قتلته الأم ويضربون في الأم بما بقي من الدية ويضرب فيها أصحاب الابنة بنصف قيمة الابنة فيكون بينهم على ذلك ولو اختار المولى الفداء فيهما أمسكهما جميعا وأعطي ديتين لكل قتيل دية وإذا قتلت الأمة رجلا حرا خطأ ثم إنها ولدت ابنا ثم إن ابنها قتلها فان المولى يخير فان شاء أمسكه وأعطى قيمة الأم وإن شاء دفعه ولا يدخل ولد الأمة ولا كسبها ولا غلتها في جناية جنتها فان كان الكسب والولد بعد ذلك أو قبله فهو سواء وقد يدخل ذلك في الدين الذي عليها إذا ولدت بعد الدين ولو كانت جنايتها في شيء من العروض أو الحيوان سوى الرقيق كان ذلك دينا في عنقها فان ولدت ولدا بعد ذلك أو اكتسبت مالا كانت هي ومالها وكسبها وولدها في ذلك الدين حتى يستوفي(3/67)
وإذا جنت الأمة وهي حامل ثم ولدت ولدا قبل أن يدفعها المولى فالولد للمولى فان ولدت آخر بعد الدفع فهو للمدفوعة إليه الأم وإذا جنت الأمة جناية خطأ ثم ولدت ولدا ثم إن ولدها قطع يدها فان المولى يخير فان شاء دفع الأم ونصف قيمتها إلى أهل الجناية وإن شاء دفعها وابنها وإن شاء أمسكهما جميعا وأعطي الأرش وولدها عبد لمولاها وإن كان أرش الجناية أقل من نصف قيمتها أو مثل نصف قيمتها فأعطى نصف قيمتها لم يكن عليه إلا ذلك ولو جنى عليها عبد لغيره فأخذ أرش ذلك أعطي من ذلك أرش جنايتها وأمسك ما بقي وإذا اختلف مولى الأمة وأهل الجناية في الأمة فقالوا جنت علينا وهي صحيحة ثم فقأ رجل عينها فالأرش لنا وقال المولى بل جنت عليكم وهي عوراء بعد الفقئ فان القول قول المولى مع يمينه وعلى أهل الجناية البينة وكذلك لو كان الذي جنى عليها بعض ورثة القتيل أو القتيل نفسه فاختلفوا في ذلك وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رضي الله عنهم باب جناية العبد في البئر وإذا احتفر العبد بئرا بغير إذن مولاه في الطريق ثم أعتقه المولى قبل أن يعلم بالحفر ثم وقع فيها رجل فمات كان على المولى قيمة العبد لذلك الرجل فان وقع فيها آخر اشتركا في تلك القيمة فان وقع فيها العبد فمات فانه يشترك ورثة العبد في تلك القيمة أصحابها الذين أخذوها ولو أعتقه بعد ما وقع فيها رجل وهو لا يعلم كان مثل ذلك أيضا عتقه(3/68)
قبل وقوع الرجل وبعد وقوعه بعد أن يكون لا يعلم فذلك كله سواء وإذا وقع فيها رجل فمات فأعتق المولى العبد وهو يعلم وقوع الرجل وموته كان عليه الدية لأن ذلك اختيار منه فان وقع فيها آخر فمات فانه يقاسم صاحب الدية فيضرب الآخر بقيمة العبد ويضرب الأول بالدية وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر وهو قول أبي يوسف ومحمد إن على المولى نصف قيمة أخرى لولى القتيل الآخر من قبل أن عتقه بمنزلة اختيار العبد أرأيت لو أمسك العبد ولم يعتقه وأعطي الدية أما كان عليه أن يفديه أو يدفع نصفه وإذا وقع فيها رجل فمات ووقع فيها آخر بعد فذهبت عينه والعبد قائم بعينه فانه يقال للمولى ادفعه إليهما فيكون بينهما على ثلاثة أسهم لصاحب العين الثلث ولصاحب النفس الثلثان فان أمسكه وفداه بخمسة عشر ألفا فذلك له وإن كان أعتقه قبل أن يعلم فعليه قيمته بينهم أثلاثا وإن كان يعلم ابالقتل ولا يعلم بالعتق فعليه عشرة آلاف لولى القتيل وعليه ثلث القيمة لصاحب العين لأنه مختار في القتيل وليس بمختار في العين ولو باع العبد قبل أن يقع فيها أحد ثم وقع فيها آخر بعد ذلك فمات فان على المولى قيمة العبد وكذلك لو وقع فيها العبد نفسه فمات(3/69)
كان على المولى قيمة العبد وكذلك لو وقع فيها العبد نفسه فمات كان على المولى قيمته لمولاه الآخر وإن كان قد أعتق العبد فوقع العبد فيها وهو حر فان على المولى قيمته لورثة العبد فان وقع فيها آخر شركهم في القيمة لا يغرم فيها أكثر من قيمة واحدة لأنه جناية واحدة وإذا حفر العبد بئرا في دار رجل بغير أمره فوقع فيها إنسان من أهل الدرا فمات فانه يخير مولى العبد فان شاء فداه بالدية وإن شاء دفعه وإذا حفر العبد بئرا في طريق المسلمين فوضع فيها حجرا فوقع فيها رجل على الحجر فقتله الحجر فان ديته في رقبة العبد يدفعه مولاه به أو يفديه فان كان الحر هو الذي حفر البئر ووضع العبد الحجر في البئر فان دية القتيل على عاقلة الحر لأنه إنما وقع بالحفر وإذا حفر العبد بئرا في طريق المسلمين فوقع فيها رجل فمات فقال المولى أنا كنت أمرته بذلك لكي تضمن عاقلته فانه لا يصدق على ذلك إلا أن تقوم على ذلك بينة والجناية في رقبة العبد يدفعه مولاه بها أو يفديه إذا أكذبه ولي الجناية وإذا استأجر الرجل حرا وعبدا يحفران له بئرا في الطريق فوقع عليهما فماتا والعبد محجورا عليه فان على الذي استأجر قيمته لمولاه ولورثة الحر تلك القيمة إن كانت أقل من نصف الدية ويرجع بها المولى على المستأجر وعلى عاقلة الحر نصف قيمة العبد فيكون المستأجر الآن قد غرم(3/70)
قيمة ونصف ولو كان العبد مأذونا له في العمد لم يكن على المستأجر شيء وكان على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لورثة الحر وإذا حفر العبد بئرا في طريق المسلمين بغير أمر المولى ثم قتل قتيلا خطأ فدفعه مولاه إلى ولي القتيل ثم وقع في البئر إنسان فمات فان ولى القتيل بالخيار إن شاء دفع نصف العبد إلى ولي القتيل في البئر وإن شاء فداه بعشرة آلاف ولو لم يقتل خطأ حتى وقع في البئر إنسان فمات فدفعه مولاه ثم قتل عند المدفوع إليه قتيلا خطأ فدفعه بذلك ثم وقع في البئر آخر فان ولى القتيل يدفع ثلثه إلى ولي الواقع في البئر أخيرا أو يفديه بعشرة آلاف وإنما صار يدفع ثلثه إلى ولي الواقع لأنه قد قتل اثنين في البئر وواحدا بيده فصار حصة صاحب البئر الأول الذي قتله بيده مع حصته فصار ذلك الثلثين من العبد وصار إنما يدفع الثلث أو يفديه بعشرة آلاف.
باب جناية المدبر في حفر البئر:
وإذا حفر المدبر بئرا أو أم ولد في طريق المسلمين وقيمة كل واحد منهما ألف درهم فوقع فيها إنسان فمات فعلى المولى قيمة المدبر أو أم الولد أيهما حفر البئر يؤديها إلى ولي القتيل فان وقع فيها آخر لم يكن على المولى شيء بعد القيمة الأولى ويشرك أولياء القتيل الآخر أولياء القتيل(3/71)
الأول في تلك القيمة فان كان المدبر قد زاد خيرا حتى صار يساوي ألفين فوقع الثاني ثم ازداد شرا حتى دخله عيب نقصه خمسمائة حتى صار يساوي ألف وخمسمائة ثم وقع فيها آخر فمات فانه لا شيء على المولى غير القيمة الأولى ألف درهم بينهم أثلاثا بالسوية ولو لم يقع في البئر إنسان حتى مات المدبر ثم وقع فيها إنسان فمات فان على مولى المدبر قيمته من قبل أنه مدبر وأنه لم يكن يقدر على دفعه حيث جنى ولو كانت قيمته ألفا ثم نقصت حتى صار يساوي خمسمائة فمات ثم وقع فيها رجل فمات فان على المولى ألف درهم بينهما نصفين ولو جنى المدبر جناية بيده فانه ليس على مولاه شيء ويشاركهم ولي القتيل الآخر في تلك القيمة فان كان جنى على الآخر وقيمته ألفان فان ألفا على المولى الآخر والألف الأولى بينهم يضرب فيها الآخر بتسعة آلاف والأول بعشرة آلاف وإذا استأجر الرجل أربعة رهط عبدا ومكاتبا ومدبرا وحرا يحفرون بئرا في طريق المسلمين فوقعت عليهم فماتوا من حفرهم ولم يؤذن للمدبر ولا للعبد في العمل فان على المستأجر قيمة كل واحد منهما لمولاه ولورثة الحر ربع دية الحر في رقبة كل إنسان منهم وينظر إلى ربع الدية وربع قيمة المكاتب وإلى قيمته فيأخذ ورثة الحر وورثة المكاتب(3/72)
الأقل من ذلك ويرجع مواليهما بذلك على المستأجر وللمستأجر على عاقلة الحر ربع قيمة كل واحد منهما وللمكاتب في رقبة كل واحد منهما ربع قيمته في قيمة كل واحد منهما فبعضه قصاص من بعض وإن كان في قيمة أحدهم فضل ترادا الفضل وربع قيمة المكاتب على عاقلة الحر ثم يأخذها ورثة الحر إلا أن يكون أكثر من ربع الدية فيأخذون ربع الدية ويردون الفضل على مولى المكاتب ولكل واحد من العبدين ربع قيمته في قيمة الآخر ولكن ذلك على المستأجر فهو له فان كان العبدان مأذونا لهما في التجارة فلا ضمان على المستأجر والإذن هاهنا أن يأمرهما المولى بالعمل أو يراهما يعملان فرضي بذلك أو يأمرهما بأداء الغلة فاذا كان هكذا فهما مأذون لهما وربع قيمة كل واحد منهما في عنق صاحبه وربع قيمة كل واحد منهما على عاقلة الحر وثلاثة أرباع دية الحر في أعناقهم في عنق كل واحد منهم ربع ربع فاذا عقلت عاقلة الحر ربع قيمة كل واحد منهما عزل لكل واحد منهما ربع قيمته ويؤخذ من مولى المدبر قيمة المدبر كاملة بعد أن يكون القيمة أقل مما عليه من ذلك فيقسم بينهم يضرب ورثة الحر بربع الدية ومولى العبد بربع القيمة ومولى المكاتب بربع القيمة فان كان المكاتب ترك وفاء أخذ من تركته تمام قيمته إن كانت قيمته أقل مما عليه من ذلك يضرب فيها ورثة الحر بربع الدية ومولى العبد بربع القيمة ثم يؤخذ من مولى العبد جميع ما أخذ من ذلك يضرب(3/73)
فيه ورثة الحر بربع دية الحر ومولى المدبر بربع قيمة المدبر ومولى المكاتب بربع قيمة المكاتب باب جناية الكنيف والميزاب وإذا أخرج الرجل من داره كنيفا شارعا على الطريق أو ميزابا أو جرصنا فذلك كله سواء وكذلك إن أخرج صلاية من حائطه وكذلك البقال يخرج خشبة ينصبها على الطريق فما أصاب من ذلك حشية يتزين به الحائط يبنى لإنسان فجرحه أو قتله فهو على عاقلة الذي أخرجه إذا كانت نفسا أو جراحة يبلغ خمسمائة فصاعدا وإن كان أقل من ذلك فهو في ماله أبو يوسف قال حدثنا نحو من ذلك عطاء بن السائب عن محمد بن عبيد الله عن شريح وإن وقع الكنيف أو الميزاب على رجل فقتله فديته على عاقلة الذي أمر باخراجه ولا يكون على الذي أخرجه شيء فان أصابه الذي في جوف الحائط منه فلا ضمان عليه فيه وإن اصابه الداخل والخارج فعليه نصف الدية على عاقلته(3/74)
وإذا باع رب الدار وقد أشرع منها كنيفا فأصاب رجلا فالضمان على البائع الأول لأنه هو أخرجه وكذلك الرجل يجعل ظلة على الطريق فما اصاب من شيء فهو له ضامن وكذلك الرجل وضع الخشسبة في الطريق أو يبني دكانا فما أصاب من ذلك من شيء فهو ضامن ولو وضع رجل على الطريق شيئا فيعثر به فوقع فمات كان له ضامنا فان وطئ عليه فوقع فمات كان له ضامنا إن لا يتعمد المشي عليه فان كان تعقل به عمدا فعطب فلا ضمان عليه وإذا اختلف واضع الحجر وولى القتيل في ذلك فقال واضع الحجر تعمد التعقل به وكذبه الولى فالقول قول الولى وصاحب الحجر ضامن لعاقلته ولا تضمن العاقلة حتى يشهد شاهدان أن هذا وضعه وأن هذا تعقل به ولو أقر هو أنه وضعه من غير أن يشهد الشهود عليه كان عليه خاصة في ماله دون العاقلة وهذا قول أبي يوسف الأول ثم رجع أبو يوسف عن هذا وقال القول قول واضع الحجر مع يمينه أنه تعمد التعقل به وعلى الآخر البينة لأنه مدع وهو قول محمد وإذا تعقل بحجر فوقع على حجر أيضا فمات فديته على صاحب الحجر الأول كأنه دفعه فان لم يكن للحجر الأول واضعا فديته على عاقلة صاحب الحجر الآخر أيضا ولا كفارة على واضع حجر في الطريق ولا مخرج كنيف ولا ميزاب أو جرصن ولا يحرم الميراث(3/75)
من قبل أنه لم يقتل بيده إنما أقتله عمله وشيء أحدثه في الطريق.
باب الغصب في الرقيق في الجناية:
وإذا اغتصب الرجل عبدا من رجل فقتل العبد عنده قتيلا خطأ ثم اجتمع المولى وأولياء القتيل فان العبد يرد إلى مولاه ثم يقال لمولاه ادفعه أو افده ويرجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه إياه دفع أو فداه وإن كان زاد عنده خيرا فليس عليه في الزيادة شيء وإن كان تغير منه شيء بعيب قبل الجناية فهو ضامن لذلك وإنما على المولى أن يدفع العبد بالجناية يوم يختصمون فيه أو يفديه فان كان جنى قبل النقصان ثم نقص عند الغاصب فذهب عينه فأخذ المولى العبد فدفعه فانه يرجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه إياه ويدفع إلى أولياء الجناية نصفها ويرجع بذلك النصف على الغاصب وإن كان اعور قبل الجناية كان نصف القيمة للمولى ويرجع المولى على الغاصب بقيمته أعور وإذا اغتصب الرجل عبدا فهو ضامن له ولما جنى عنده من جناية أو لحقه من دين ما بينه وبين قيمته ولا يضمن أكثر من ذلك في جميع هذا وإذا اغتصب الرجل عبدا فقتل عنده قتيلا خطأ ثم مات العبد فان عليه القيمة للمولى فيدفعها المولى إلى أهل الجناية ثم يغرم له الغاصب قيمة أخرى حتى يخلص في يدي المولى قيمته بعد الجناية ولو لم يمت العبد ولكنه ذهبت عينه بعد ما قتل عنده فدفعه إلى(3/76)
المولى أعور فقتل عنده قتيلا آخر ثم اجتمع أهل الجناتين جميعا فدفعه المولى بالجنايتين فانه يأخذ نصف قيمته من الغاصب فيدفعها إلى الولي الأول ثم يضرب الأول في العبد بالدية إلا ما أخذ ويضرب الآخر بالدية ثم يرجع المولى على الغاصب بذلك النصف القيمة التي أخذت منه وما أصاب الأول من قيمة العبد أعور ثم يرجع أولياء الجناية الأولى فيما أخذ المولى من ذلك بتمام قيمة العبد صحيحا ويرجع المولى على الغاصب بمثل ما أخذ ويكون ذلك للمولى خاصة وإذا اغتصب رجل عبدا فقتل عنده قتيلا خطأ ثم دفعه إلى المولى فقتل عنده آخر خطأ فاختار المولى دفعه بالجنايتين فانه يكون بينهما نصفين ويأخذ المولى من الغاصب نصف قيمة العبد فيدفعها إلى ولي القتيل الأول ويرجع بمثل ذلك أيضا على الغاصب فيكون للمولى خاصة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال زفر ومحمد يأخذ المولى نصف القيمة من الغاصب فيسلم له ولا يدفعه إلى ولي الجناية الأولى لأنه قد دفع هذا النصف مرة فلا يدفعه مرة أخرى وإذا اغتصب الرجل عبدا قد قتل عند مولاه قتيلا فقتل عنده آخر فدفعه الغاصب إلى المولى فاختار المولى دفعه فانه يأخذ من الغاصب نصف القيمة فيدفعها إلى الأول ويقاسمان العبد نصفين ولا يرجع المولى بذلك على الغاصب لأنه إنما أخذ منه الذي جنى عبده عليه وإذا اغتصب الرجل عبدا وجارية قيمة كل واحد منهما ألف فقتل كل واحد منهما عنده قتيلا خطأ ثم قتل العبد الجارية ثم رده(3/77)
الغاصب إلى المولى فاختار المولى دفعه فانه يدفعه يضرب فيه أولياء قتيل العبد بالدية ويضرب فيه أولياء الجارية بقيمتها ويرجع المولى على الغاصب بقيمة العبد ثم يرجع عليه بقيمة الجارية فيدفع من قيمة الجارية إلى أولياء القتيل الذي قتلته الجارية تمام قيمتها ويرجع به المولى على الغاصب ويأخذ أولياء القتيل الذي قتله العبد من قيمة العبد الذي أخذها المولى من الغاصب تمام قيمة العبد ويرجع المولى بذلك على الغاصب ولو أن المولى اختار إمساك العبد كان عليه أن يؤدي الدية إلى أولياء القتيل الذي قتل عنده صاحبهم ويؤدي قيمة الجارية إلى ولي قتيل الجارية ويرجع على الغاصب بقيمة العبد وقيمة الجارية وإذا اغتصب الرجل عبدا وجارية قيمة كل واحد منهما ألف فقتل كل واحد منهما عنده قتيلا ثم قتل العبد الجارية ثم رده الغاصب إلى المولى فانه يرد معه قيمة الجارية فيدفعها المولى إلى ولي قتيل الجارية ويرجع بها على الغاصب ثم يخير المولى في الغلام بين الدفع والفداء فان اختار الفداء فداه بالدية ورجع بقيمته على الغاصب وإن اختار الدفع دفع الغلام كله إلى ولي قتيل الغلام في قياس قول أبي حنيفة ورجع بقيمته على الغاصب وأما في قياس قول أبي يوسف وهو قول محمد فان اختار الفداء فداه بالدية لولى قتيل الغلام ولا يرجع بقيمته على الغاصب لأنه كان ينبغي له أن يفديه ايضا بقيمة الجارية يدفعها إلى الغاصب لأن الجارية صارت له ثم يرجع عليه بقيمة الغلام(3/78)
وهي مثل تلك القيمة فصار قصاصا وإن اختار الدفع دفعه إلى ولي قتيل الغلام وإلى الغاصب على أحد عشر جزأ لولي قتيل الغلام عشرة أجزاء وللغاصب جزء لأن الغاصب صار كأن الجارية كانت له ثم يرجع المولى على الغاصب بقيمة الغلام فيدفع منها جزأ من أحد عشر جزأ إلى ولي قتيل الغلام ثم يرجع به على الغاصب فيصير في يدي المولى قيمة الغلام تامة وقيمة الجارية ويصير في يدي ولي قتيل الغلام عشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من العبد وجزء من أحد عشر جزأ من قيمته ويصير في يدي الغاصب من الغلام جزء من أحد عشر جزأ ويصير في يدي ولي قتيل الجارية قيمة الجارية فان كان الغاصب معسرا ولم يقدر عليه واختار المولى الدفع وقال ولي قتيل الجارية لا أضرب بقيمة الجارية في الغلام ولكن أنظر فان خرجت قيمة الجارية أخذتها كان له ذلك ودفع الغلام كله في قياس قول أبي حنيفة إلى ولي قتيل الغلام ويرجع الأول على الغاصب بقيمته وبقيمة الجارية فيدفعها إلى ولي قتيل الجارية ثم يرجع عليه بها فيصير في يديه قيمتان وأما في قول أبي يوسف وهو قول محمد فانه يدفع من العبد عشرة أجزاء من أحد عشر جزأ إلى ولي قتيل الغلام ويترك الجزء في يديه فان خرجت قيمة الجارية أخذها ودفعها إلى ولي قتيلها ثم يرجع بها فيصير الغاصب كأن الجارية كانت له فيقال للمولى(3/79)
ادفع هذا الجزء إلى الغاصب أو افده بقيمة الجارية فان دفعه رجع عليه بقيمة الغلام فيدفع منها إلى ولي قتيل الغلام جزأ من أحد عشر جزأ ويرجع به على الغاصب وإن فداه فداه بقيمة الجارية ويرجع بقيمة الغلام فذلك قصاص ويدفع مكان ذلك الجزء إلى ولي قتيل الغلام جزأ من أحد عشر جزأ من قيمته ويرجع بمثله على الغاصب من القيمة فان قال ولي القتيل قتيل الجارية أنا أضرب في الغلام بقيمتها ودفع إليهم يضرب ولي قتيل الجارية بقيمتها ويضرب ولي قتيل الغلام بالدية فيكون بينهم على أحد عشر جزأ فان قدر على الغاصب أو أيسر أدى إلى المولى قيمة الغلام وقيمة الجارية فيدفع من قيمة الغلام إلى ولي قتيل الغلام جزأ من أحد عشر جزأ من قيمته ويرجع به على الغاصب وليس لولى قتيل الجارية إلا ما أصابه من الغلام ولا يعطي من قيمة الجارية شيئا لأن حقه كان في قيمة الجارية فصار كأنه صالح بهذا القدر من جميع حقه وقد ذكر قبل هذا أنه يرجع في قيمة الجارية بتمام حقه وإن اختار المولى الفداء فداه بعشرة آلاف وبقيمة الجارية ورجع على الغاصب بقيمة الغلام وبقيمتين في الجارية قيمة مكان القيمة التي أداها وقيمة بالغصب في قياس قول أبي حنيفة وأما في قياس قول أبي يوسف وقول محمد فان أدى الغاصب قيمة الغلام وقيمتين في الجارية صار كأن الجارية كانت له فيقال للمولى ادفع جزأ من أحد(3/80)
عشر جزأ من العبد إليه أو افده بقيمة الجارية فأيما ذلك فعل لم يرجع على الغاصب بشيء وإذا اغتصب الرجل عبدا فقتل مولاه أو قتل عبدا لمولاه وقيمته أكثر من قيمته ثم رده الغاصب على مولاه فان الغاصب ضامن لقيمة العبد الذي اغتصب ألا ترى أن العبد المغتصب لو قتل نفسه ضمنته الغاصب فكذلك قتله عبد مولاه أو مولاه وكذلك لو استهلك المولى مولاه أو عبد مولاه وكذلك لو استهلك المولى مالا أو متاعا يبلغ قيمته أو يزيد فان كان لا يبلغ قيمته فانما يضمن الغاصب الأقل من ذلك وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد إن الغاصب لا يضمن من ذلك شيئا لأن العبد لا يلحقه من هذا شيء ألا ترى أنه لا يدفع بشيء منه ولا يباع فيه وليس هذا كقتله نفسه وإذا اغتصب الرجل عبدا ثم أمره أن يقتل رجلا فقتله ثم رد إلى مولاه فقتل عنده آخر فاختار المولى أن يدفعه فانه يدفعه إليهما نصفين ويضمن الغاصب نصف قيمته فيدفعها إلى المولى ويدفعها المولى إلى أولياء القتيل الأول ثم يرجع بها المولى على الغاصب وأمر الغاصب هاهنا وغير أمره سواء من قبل أنه جنى وهو بيده وهو قول(3/81)
أبي حنيفة وأبي يوسف وأما في قول زفر ومحمد فانه يأخذ المولى من الغاصب نصف القيمة الأولى فيسلم له ولا يدفع إلى ولي الجناية الأولى من قبل أنه جنى وهو في يده ولو أن أولياء قتيل الأول عفوا عن الدم كان على المولى أن يدفع نصفه إلى أولياء قتيل الآخر ولا يرجع على الغاصب بشيء من قبل أنه لم يؤخر بسببه شيء وكذلك لو أمسك عبده وفداه فانه يدفع إلى الآخر عشرة آلاف ولا شيء للأول لأنه قد عفا ولا شيء للمولى على الغاصب الأول ولو دفع العبد إليهما قبل أن يعفو الأول ثم عفا الأول عما بقي له وأخذ المولى الغاصب بنصف القيمة لم يكن لولي قتيل الأول على ذلك النصف القيمة سبيل لأنه قد عفا ويكون للمولى على حاله ولا يرجع على الغصب بغيره من قبل أنه لم يؤخذ من يديه ولا شيء لولى القتيل الآخر من قبل أنه جنى عليه يوم جنى وفي عنقه جناية فانما يكون له نصفه وإذا اغتصب الرجل عبدا واستودع مولى العبد الغاصب أمة فقتل العبد قتيلا في يدي الغاصب ثم قتلته الأمة فانه يكون على الغاصب قيمة العبد يدفعها إلى المولى فدفعها المولى إلى أولياء القتيل ثم يدفع الغاصب قيمة أخرى إلى المولى من قبل أن القيمة الأولى لم تسلم له إنما تلفت ما كان في يدي الغاصب من الجناية ثم يقال للمولى ادفع امتك الوديعة إلى الغاصب تقتل أو افدها بقيمة العبد لأن العبد(3/82)
قد صار للغاصب حين غرم قيمته ولو أن العبد هو الذي كان قتل الأمة مع قتله الرجل الآخر كان المولى بالخيار في الدفع والإمساك فان اختار الدفع قسم العبد على دية القتيل وقيمة الأمة فيأخذ من ذلك أولياء القتيل مما أصاب الدية ويأخذ المولى ما اصاب قيمة الأمة ويضمن له الغاصب تمام قيمة الأمة ويرجع المولى على الغاصب من قيمة العبد بمثل ما أخذ أولياء القتيل من قيمة العبد وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر وهو قول أبي يوسف ومحمد إن المولى لا يضرب بشيء من قيمة الأمة في العبد لأنها أمته وعبده وإن دفعه دفعه كله إلى أولياء القتيل ورجع بقيمته على الغاصب وإذا اغتصب الرجل أمة من رجل فقتلت عنده قتيلا خطأ ثم ولدت ولدا ثم قتلها ولدها فان على الغاصب أن يرد الولد وأن يرد قيمة الأم على المولى بما اغتصبها منه ويقال للمولى ادفع هذه القيمة إلى أولياء القتيل ثم ارجع بها على الغاصب فيكون في يديك ثم يقال له ادفع الولد إلى الغاصب لأن الأمة قد صارت له حين غرم قيمتها أو افده بقيمة الأم وإذا اغتصب الرجلان من الرجال عبدا فقتل في أيديهما قتيلا خطأ ثم إنه قتل أحدهما فانه يقال للمولى ادفعه إلى أولياء القتيلين نصفين(3/83)
وترجع على الغاصبين بقيمته فيدفع نصفها إلى أولياء القتيل الأول ثم يرجع به المولى على الغاصب الأول وفي مال الغاصب القتيل فيكون له ولا يرجع فيها واحد من الغاصبين من قبل أن العبد لم يصل إليهما إلا بعد الجناية ولم يجن في يديه.
باب جناية المكاتب:
وإذا جنى المكاتب جناية خطأ فانه ينظر في أرش الجناية وفي قيمة المكاتب فيكون على المكاتب الأقل من ذلك يسعى فيه فان جنى جناية أخرى بعد ماقضي القاضي بالأولى فعليه أن يسعى في الأقل من قيمته أيضا ومن الجناية فان كان جنى جناية أو جنايتين أو ثلاثة قبل أن يقضي القاضي بشيء من ذلك عليه فانه ينظر إلى قيمته وإلى جميع أرش الجنايات فان كان الأرش كله أقل من القيمة يسعى في الأرش لهم وإن كانت القيمة أقل من الأرش سعى في القيمة بينهم على قدر جناياتهم وإن كانت الجنايات أنفسا قتلها وقيمته أكثر من ذلك فانما يسعى في عشرة آلاف إلا عشرة دراهم ولا يجاوز به ذلك من قبل أنه لو قتل كان على عاقلة قاتله ذلك فكذلك إذا جنى هو فانه لا يبلغ بقيمته أكثر مما يكون فيه إذا قتل هو وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وإذا قتل المكاتب قتيلا خطأ وقيمته ألف فلم يقض عليه بشيء حتى قتل آخر وقيمته يومئذ الفان ثم دفعه إلى القاضي فانه يقضي(3/84)
على المكاتب أن يسعى في ألفين فأما أحد الألفين فهو للآخر خاصة وأما الألف الآخر فهو بينهما يضرب فيه الأول بعشرة آلاف والآخر بتسعة الآف فما خرج من السعاية قبل أن يستكمل الأداء فهو بينهما على قدر هذا وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ ثم إنه اعور أو عمي أو اصابه عيب ينقص ذلك من قيمته ثم خوصم إلى القاضي فان على المكاتب قيمته صحيحا يوم جنى وكذلك لو لم ينقص ولكنه ازداد خيرا أو زادت قيمته ثم خوصم إلى القاضي فان عليه قيمته يوم جنى ولست أنظر في هذا إلى النقصان والزيادة إنما عليه قيمته يوم جنى وإذا جنى المكاتب فلم يقض عليه بشيء حتى عجز فرد رقيقا فان مولاه بالجناية إن شاء دفعه بالخيار وإن شاء فداه وإن أفسد المكاتب متاعا أو عقر دابة أو غصب شيئا أو استهلك شئا فهو ضامن لقيمته بالغا ما بلغ دين عليه وليس هذا كالجناية في بني آدم ولو رد المكاتب في الرق كان هذا دينا عليه يباع فيه وليس هذا كالجناية في بني آدم وإذا اغتصب المكاتب رقيقا كان ضامنا لقيمتهم بالغا ما بلغ وليس هذا كالجناية في النفس ألا ترى أنه لو باع بن عبد بيعا فاسدا كان عليه قيمته بالغا ما بلغ وكذلك الغصب(3/85)
وإذا وجد في دار المكاتب قتيل فانه يقضي عليه بأن يسعى في قيمته وكذلك لو أشرع كنيفا في الطريق أو مال حائط له فاشهد عليه أو أحدث في الطريق حدثا أو احتفر بئرا فهذا كله سواء يسعى في قيمته فان عجز المكاتب فرد رقيقا قبل أن يقضي عليه بالقيمة فانه يقال لمولاه ادفعه أو افده وجميع ما ذكرنا من الحائط والبناء والقتيل في الدار والحفر سواء وإذا قتل المكاتب قتيلين خطأ فيقضي عليه بنصف القيمة لأحدهما والآخر غائب ثم قتل آخر ثم عجز فانه يخير المولى فان اختار الدفع دفع نصفه إلى الثالث وأتبعه الأول بنصف القيمة فيباع له ذلك النصف في دينه ويدفعه النصف الآخر إلى الثالث وإلى الأوسط فيضرب فيه الأوسط الذي لم يكن قضي له بشيئ بعشرة آلاف ويضرب فيه الثالث بخمسة آلاف وإذا جنى المكاتب جناية ثم مات ولم يترك إلا مائة درهم ومكاتبته أكثر من ذلك ولم يقض عليه بالجناية فان المائة درهم للمولى من قبل أنه مات وهو عبده ألا ترى أنه لو جنى فعجز قيل لمولاه ادفعه أو افده ولو ترك وفاء بالجناية والمكاتبة والجناية لم يقض بها كان عليه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لأهل الجناية ثم يستوفي المولى بعد ذلك المكاتبة وما بقي فهو ميراث ولو كان عليه دين مع ما وصفت لك بالدين ثم كان ما بقي على ما وصفت لك(3/86)
فان كانت الجناية قد قضي بها كان ما ترك من أصحاب الدين والجناية جميعا يضربون في ذلك بالحصص إذا كانت الجناية قد قضي بها فان لم يكن قضي بها بدئ بالدين فان فضل شيء بعد ذلك فهو وفاء للمكاتبة كان لأصحاب الجناية من ذلك الأقل من قيمة المكاتب ومن الجناية وإن لم يكن فيه وفاء للمكاتبة كان ما بقي بعد الدين للمولى ولا شيء لأصحاب الجناية وإذا مات المكاتب وترك ابنا قد ولد له في مكاتبته من أمة له وعليه دين وجناية قد قضي بها عليه أو لم يقض بها عليه فان الابن يسعى في الدين ويسعى من الأقل من قيمة ابنه يوم جنى وأرش الجناية ويسعى في المكاتبة ولا يجبر على أن يبدأ من ذلك بشيء قبل شيء غير أنه عجز عن شيء من النجوم أو أخره عن محله ولم يكن عنده وفاء بذلك حاضر فانه يرد في الرق فان رد في الرق بعد ما قضي عليه القاضي بالجناية فانه يكون الثمن بين الغرماء وأصحاب الجناية بالحصص وإن لم يقض بالجناية فانه يكون الثمن بين الغرماء وأصحاب الجناية بالحصص وإن لم يقض بالجناية حتى عجز فان الجناية هاهنا باطل لا يلزمه من قبل أن المكاتب الأول مات عاجرا فصارت الجناية جناية عبد فلا يلزم الابن منها شيء وعجز الابن وعجز الأب سواء ألا ترى أن الابن إذا أدى عتق أبوه وإذا مات المكاتب وقد جنى جناية وترك ابنا قد ولد في مكاتبته(3/87)
من أمه له وهي حية مع ابنها فانه يقضي عليهما بأن يسعيان في المكاتبة وفي الأقل من قيمة المكاتب وأرش الجناية إن كان قضي بها على المكاتب فهي لهما لازمة وإن لم يقض بها عليه حتى مات فرفعهما أولياء الجناية إلى السلطان قضي بها عليهما فان قتلت الأم قتيلا خطأ قضي عليها أن تسعى في قيمتها لأولياء القتيل فان قتل الابن قتيلا خطأ قضي عليه أن يسعى في قيمته لأولياء القتيل ويسعيان فيما سوى ذلك على حاله ولو كانت هاتين الجنايتين قبل أن يقضي عليهما بالجناية الأولى لم يقض ذلك من جناية الأولى من قبل أن جناية الأب ليس بجنايتهما إنما هو دين لحقهما من قبل الأب فان عجز ورد رقيقا فانه يباع الابن في جنايته خاصة وتباع الأم في جنايتها خاصة فان فضل من أثمانهما شيء كان في جناية الأب وإن لم يفضل من اثمانهما شيء فلا شيء لأصحاب جناية الأب وإذا ماتت المكاتبة وتركت مائة درهم ابنا ولدته في مكاتبتها وعليها دين وقد قتلت قتيلا خطأ قضي عليها به أو لم يقض فانه يقضي على الابن أن يسعى في المكاتبة وأن يسعى في الدين والجناية ويسعى فيها على ما وصفت لك والمائة درهم من أهل الجناية وأهل الدين بالحصص وإنما أوجبت لأهل الجناية ذلك من قبل أن المكاتبة خلفت ابنا يسعى في مكاتبتها فكأنها حية تسعى في مكاتبتها ألا ترى(3/88)
أنها لم اتعجز حين كانت من يسعى في المكاتبة بعدها ولو أن الابن استدان دينا وجنى جناية فقضي بذلك عليه مع ما قضي به عليه من دين أمه وجنايتها كان عليه أن يسعى في ذلك كله فان عجز فرد في الرق فانه يباع في دينه وجنايته خاصة دون دين أمه وجنايتها فان فضل شيء من ثمنه كان في دين أمه وجنايتها بالحصص فان كان إنما عجز قبل أن يقضي بالجناية فانه يخير مولاه فان شاء دفعه وإن شاء فداه وتبعه دينه عند أهل الجناية فيباع في دينه خاصة دون دين أمه وجنايتها فان فضل شيء من ثمنه لم يكن في دين أمه ولا في مكاتبتها وجنايتها لأن جنايته أولى من الدين الذي لحقه من قبل أمه وإن أمسكه المولى وفداه بيع في دينه فان بقي من ثمنه شيء بعد دينه كان ذلك في دين أمه وجنايته وإن أمسكه المولى وأدى الفداء أتبعه دينه عند المولى ا وكانت حاله في ذلك كحاله على ما وصفت لك وإذا جنى المكاتب ثم مات قبل أن يقضي عليه بشيء وترك رقيقا وعليه دين فانه يباع رقيقه في دينه ويبدأ به قبل الجناية لأنه مات قبل أن يقضي عليه بشيء وإن لم يبق من تركته شيء بطلت الجناية وإن بقي شيء من تركته وفيه وفاء بالمكاتبه كان لهم أن يستوفوا الأقل من قيمته ومن أرش الجناية فان بقي شيء أديت المكاتبة بعد فان بقي شيء كان ميراثا فان كانت الجناية قد قضي بها(3/89)
في حياته فهو والدين سواء يتحاصون وإذا كان مملوك من رقيقه فد أذن له في التجارة فاستدان دينا ثم مات المكاتب ولعيه دين وعلى مملوكه دين فانه يباع مملوكه في دينه خاصة دون دين المكاتب فان بقي شيء من ثمنه كان في دين المكاتب وإذا جنى عبد المكاتب فقتل رجلا خطأ ثم مات المكاتب وعليه دين وبقي العبد وليس للمكاتب مال غيره فانه خير المولى فان شاء دفعه هو وجميع الغرماء بالجناية ولا حق للغرماء فيه وإن شاؤا فدوه بالدية ويباع في دين الغرماء وإن كان على العبد دين أيضا مع جنايته ودين المكاتب فانه يخير مولاه فان شاء دفع وأتبعه دينه إيما كان حتى يباع فيه ولا شيء لغرماء المكاتب فيه وإن شاء المولى فداه ثم يباع لغرماء العبد خاصة فان فضل شيء بعد ذلك كان بين غرماء المكاتب من قبل أن المولى قد أمسكه وصار متطوعا في الفداء وقال زفر إن جنى المكاتب جنايات معا قبل أن يقضي عليه فان عليه لكل جناية الأقل من قيمته وأرش الجناية والقضاء وغير القضاء في ذلك سواء فان جنى جناية ثم عجز قبل أن يقضي عليه بها فانه يباع في الأقل من قيمته وأرش الجناية ولا يدفع والقضاء وغير القضاء في ذلك سواء(3/90)
باب جناية المكاتب بين اثنين:
وإذا كان العبد بين اثنين فكاتبه أحدهما على نصيبه بغير أمر صاحبه ثم جنى جناية ثم ادى فعتق فانه يقضي على المكاتب بالأقل من نصف قيمته ونصف أرش الجناية فأما الشريك الذي لم يكاتب فانه يأخذ من شريكه نصف ما أخذ من المكاتب ويرجع به الشريك على المكاتب والشريك الذي لم يكاتب بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته ويكون الولاء بينهما وإن شاء ضمن شريكه الذي كاتب العبد إن كان موسرا ويرجع بذلك على العبد فاذا فعل الشريك الذي لم يكاتب إحدى هذه الخصال وقبض فهو ضامن للأقل من نصف قيمة المكاتب ونصف أرش الجناية ولو خاصم المكاتب في الجناية قبل أن يعتق فقضي عليه القاضي بنصف أرشها ثم إنه عجز عن المكاتبة ورد رقيقا فانه يباع نصفه فيما قضى به عليه وهو النصف الذي كاتب ويقال للمولى الآخر الذي لم يكاتب ادفع نصيبك بنصف الجناية أو افده بنصف أرش الجناية وإذا كان العبد بين اثنين فكاتب أدهما حصته بغير أمر شريكه ثم اشترى المكاتب عبدا فجنى عنده جناية ثم إن المكاتب أدى فعتق فانه يخير المكاتب والذي لم يكاتب فان شاءا دفعاه وإن شاءا(3/91)
فدياه بالدية ولو كان هذا العبد ابن المكاتب ولد عنده من أمة له كان عليه أن يسعى في الأقل من نصف قيمته ونصف أرش الجناية وليس على المولى الذي لم يكاتب شيء حتى يعتق أو يستسعى ثم يضمن الأقل من نصف قيمته ومن نصف أرش الجناية وإذا كان العبد بين أثنين فكاتب أحدهما حصته بغير أمر شريكه ثم إن العبد ولد له من أمة له ابن في المكاتبة فجنى ابنه جناية على الأب ثم أدى الأب فعتق فان في عتق الابن نصف قيمة نفسه يسعى فيها للمولى الذي لم يكاتب والذي لم يكاتب بالخيار في المكاتب على ما وصفت لك وأما أم ولد المكاتب فان المكاتب ضامن لنصف قيمتها للذي لم يكاتب من قبل أنها أم ولد فلا تسعى في حال وأما جناية الابن على الأب فقد جنى حين جنى ونصفه مكاتب مع أبيه ونصفه رقيق والأب على تلك الحال فما كان في الأب من حصة الذي لم يكاتب فهو في عنق الابن يبطل من ذلك النصف ويثبت نصفه وهو ربع الجناية في النصف الذي أخذه المولى من الابن ويكون على الابن الأقل من نصف قيمته ومن ربع قيمة المكاتب للمولى الذي لم يكاتب فيكون قصاصا ولا يكون لأحد على أحد شيء وإذا كاتب الرجل أمة بينه وبين رجل على حصة منها ثم إنها ولدت ولدا فازدادت خيرا أو نقصت بعيب ثم أدت فأعتقت فاختار الشريك أن يضمن الذي كاتب وهو موسر فانه يضمن نصف قيمتها يوم(3/92)
عتقت زائدة كانت أو ناقصة ألا ترى أني أجعل له نصف ما اكتسب قبل أن يعتق ونصف أرش ما جنى عليهما قبل أن يعتق ولو كان الضمان وقع في يوم كاتب لم يكن له من ذلك شيء وللمولى الذي لم يكاتب أن يستسعى الابن في نصف قيمته وإذا كاتب الرجل أمة بينه وبين رجل على نصيبه منها ثم إنها ولدت ولدا فكاتب الاخر نصيبه من الولد ثم إن الولد جنى على أمه أو جنت عليه جناية لا تبلغ النفس ثم أديا فعتقا والموليان موسران فالذي كاتب الأم لا ضمان له على شريكه في الولد من قبل أن مكاتبة الأم مكاتبة للولد لأنها ولدته وهي مكاتبة وللذي كاتب الابن أن يضمن الذي كاتب الأم نصف قيمة الأم وإن شاء استسعاها وإن شاء أعتقها فان أعتقها أو استسعاها فولاؤها وولاء ولدها بينهما نصفان وإن ضمن مولى الأم الذي كاتبها فولاء الأم له خاصة وولاء الولد بينهما وجناية الولد على أمه وجناية أمه على ما وصفت لك في العبد وابنه وإذا كان العبد بين اثنين وقيمته الف درهم ففقأ العبد عين أحدهما ثم إن الذي فقئت عينه كاتب نصيبه منه ثم إنه جرحه جرحا آخر ثم أدى فعتق ثم مات المولى بالجنايتين جميعا فان الذي لم يكاتب يأخذ من الذي كاتب نصف ما أخذ من المكاتبة ويرجع بذلك ورثة الذي كاتب على العبد وللذي لم يكاتب أن يستسعى العبد إن شاء(3/93)
وإن شاء أعتقه وإن شاء ضمن الذي كاتب في ماله إن كان ترك مالا ويقال له إذا فعل إحدى هذه الخصال عليك أن تدفع نصف قيمة العبد إلى ورثة الميت بجنايتة ويقال للعبد عليك أن تسعى في الأقل من نصف قيمتك وربع الدية لورثة المكاتب من قبل جنايتك وإذا كان العبد بين رجلين فجنى على أحدهما ففقأ عينه أو قطع يده ثم إن الآخر باع نصف نصيبه من شريكه وهو يعلم بالجناية ثم إن العبد جنى عليه أيضا جناية أخرى ثم إن المولى الذي باع ربعه اشترى ذلك الربع ثم كاتبه الذي جنى عليه على نصيبه منه ثم جنى عليه جناية أخرى ثم أدى فعتق ثم مات المولى من الجنايات كلها فان المكاتب يكون عليه نصف قيمته يجنايته وهو مكاتب إلا أن يكون ربع الدية اقل من ذلك ويكون على الشريك الذي لم يكاتب سدس دية صاحبه وربع سدس ديته ونصف قيمة العبد ولا يؤدي نصف القيمة حتى يعتق أو يسعى أو يضمن إلا أن يكون سدس الدية وربع سدس الدية اقل من نصف القيمة فيغرم الأقل من ذلك وقد بطل نصف سدس الدية بجناية الربع الذي اشترى المجني عليه في ملكه وإذا كان العبد بين اثنين فقطع يد رجل ثم باعه أحدهما من صاحبه وهو يعلم ثم اشتراه منه فقطع يد آخر وفقأ عين الأول ثم ماتا جميعا من ذلك فانه يقال للشريك الأول الذي كان اشترى ادفع نصيبك الذي كان في يديك إلى أولياء القتينلين فيكون بينهما نصفين أو افده بعشرة آلاف لكل واحد بخمسة آلاف ويقال للشريك البائع أول مرة(3/94)
ادفع ألفين وخمسمائة إلى ولي القتيل الأول وادفع إليه ثلث نصيبك أو افده بألفين وخمسمائة وادفع إلى ولي القتيل الآخر بثلثي نصيبك أو افده بخمسة آلاف وإذا كان العبد بين اثنين فجرح رجلا جرحا خطأ فكاتبه أحد الشريكين وهو يعلم بذلك ثم جرح الرجل أيضا خطأ فكاتبه الثاني وهو يعلم بذلك ثم جرح الرجل الثالث وهو مكاتب لهما على حاله ثم مات الرجل من ذلك فان على المولى الذي كاتب أولا ربع الدية وعلى المولى الذي كاتب أخيرا نصف القيمة إلا أن يكون ربع الدية أقل من ذلك وعلى المكاتب أن يسعى في قيمته إلا أن يكون نصف الدية أقل من ذلك فيكون عليه نصف الدية وهذا الباب كله قياس قول أبي حنيفة.
باب جناية المدبر:
وإذا قتل المدبر رجلا خطأ فان على مولاه قيمته يوم قتل مدبرا لأولياء القتيل ولا يكون على العبد شيء من ذلك ولا يكون على العاقلة لأنه حال بينهم وبين العبد بالتدبير فان جنى المدبر جناية فقتل رجلا آخر خطأ فانهم يشتركون في تلك القيمة الأولى لا يكون على المولى شيء سوى القيمة الأولى ودفعه القيمة الأولى بمنزلة دفعه العبد بالجناية ولو كان بين الجنايتين وبين قبض القيمة عشرون سنة أو أكثر من ذلك كان لأهل الجناية الآخرة أن يشركوهم في القيمة فان كانت الجناية الآخرة غير نفس كانت قطع يد أو فقأ عين فانهم يشتركون مع(3/95)
أصحاب الجناية الأولى فيكون لأصحاب قطع اليد ثلث القيمة ولأصحاب القتيل الأول ثلثا القيمة وإذا اكتسب المدبر مالا أو وهب له هبة فانه لا يكون لأصحاب الجناية من ذلك شيء وإذا جنى المدبر وقيمته الف درهم فقتل رجلا خطأ ثم عمى أو ذهبت إحدى عينيه فان على المولى قيمته صحيحا يوم جنى لأهل الجناية وكذلك لو كان ازداد خيرا ولم يصبه ذلك البلاء ولكنه زادت قيمته فانما يكون على المولى قيمته صحيحا يوم جناه وإذا دفع المولى القيمة يوم جنى بغير أمر القاضي ثم جنى جناية ثانية فقتل قتيلا خطأ فانهما يتبعان أهل الجناية الأولى فيأخذوا منهم نصف القيمة وإن شاءا تبعوا بذلك المولى ورجع به المولى على الذي أخذ منه القيمة وإن كان المولى دفعه بقضاء قاض فلا ضمان على المولى ولكن أهل الجناية الآخرة يتبعون أهل الجناية الأولى ولا يضمنون المولى شيئا فيأخذون منه نصف القيمة وأم الولد في جيمع ما ذكرنا من جناية المدبر بمنزلة المدبر في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد قضاء القاضي وغير قضاء القاضي سواء ولا ضمان على المولى في شيء من ذلك إذا دفع القيمة وإذا قتل المدبر قتيلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم زادت قيمته(3/96)
حتى صار يساوي ألفين ثم قتل آخر خطأ ثم نقص أو دخله عيب حتى صار يساوي خمسمائة ثم قتل آخر خطأ فان على مولاه ألفي درهم أكثر قيمته فيكون ألف درهم منها لولي القتيل الأوسط لأنه قتله وقيمته ألفان وتكون خمسمائة من الألف الباقية بين ولي القتيل الأول والأوسط فيضرب فيها الأوسط بتسعة آلاف والأول بعشرة آلاف ويكون الخمسمائة الباقية بينهما جميعا يضرب فيها الآخر بعشرة آلاف ويضرب الأول بعشرة آلاف إلا ما أخذ ويضرب الأوسط بعشرة آلاف إلا ما أخذ وإذا قتل المدبر قتيلا خطأ وقيمته ألف درهم فدفعها المولى بقضاء قاض ثم نقص المدبر أو دخله عيب فصار يساوي خمسمائة درهم ثم قتل آخر فانه لا شيء على المولى الآخر وخمسمائة مما أخذ للأول خاصة والخمسمائة الباقية يضرب فيها الآخر بعشرة آلاف والأول بعشرة آلاف إلا خمسمائة وذلك لأنه جنى على الأول وقيمته ألف فكانت خمسمائة له خالصة وجنى على الآخر وقيمته خمسمائة فلا يكون جناية الآخر في الألف كلها إنما جنايتهما في خمسمائة منها على قدر قيمة المدبر يوم جنى عليه وإذا اجتمع مدبر وأم الولد وعبد ومكاتب فقتلوا رجلا خطأ فانه يقال لمولى العبد ادفعه أو افده بربع الدية ويقال للمكاتب اسع(3/97)
في الأقل من قيمتك وربع الدية فيسعى في الأقل من ذلك وأنظر إلى ربع الدية وإلى قيمة المدبر فيكون على المولى الأقل من ذلك وكذلك أم الولد وإذا أفسد المدبر متاعا أو عقر دابة أو استهلك مالا أو هدم دارا فان ذلك كله يسعى فيه بالغا ما بلغ وليس على المولى من هذا شيء من قبل أنه لو كان غير مدبر كان على المولى أن يبيعه في هذا والجناية في الناس لا يباع فيها إنما يدفع أو يفدي فلذلك اختلفا وإذا جنى المدبر فقتل قتيلا خطأ أو استهلك مالا فان على المولى قيمته لأولياء القتيل يدفعها إلى أولياء القتيل وعلى المدبر أن يسعى فيما استهلكه من المال ولا يتبع أصحاب المال أولياء القتيل بما أخذوا ولا يشركونهم فيه من قبل أنها جناية والذي لهم دين ولم أن يستسعوا المدبر ولا يحال بينهم وبين ذلك وإذا مات المولى وترك مدبرا قد كان قتل قتيلا خطأ وأفسد متاعا ولا مال لمولاه غيره ولم يقض عليه بشيء فان على مولاه قيمته لأصحاب الجناية وعلى المدبر الذي أفسد المتاع ما أفسد من ذلك فيقال للمدبر اسع في قيمتك فيكون ذلك لهم دون أصحاب الجناية من قبل أن هذا دين في عنقك وجنايته في عنق المولى ولا يسعى للمولى في شيء من قبل أن قيمته قد استغرقت دينه فان كان دينه أقل من القيمة سعى(3/98)
لهم في بقية القيمة فيكون ذلك قضاء فيستوفي أهل الدين دينهم وما بقي كان لأهل الجناية من دين المولى وإن كان قد قضي على المولى وعلى المدبر قبل أن يموت المولى أو لم يقض فهو بمنزلة هذا وكذلك أم الولد في جميع ما ذكرنا إلا في خصلة واحدة لا تسعى لأصحاب الجناية في شيء باب جناية العبد على مولاه وإذا جنى المدبر على مولاه جناية تبلغ النفس أو لا تبلغ النفس فلا شيء على المدبر في ذلك لأنه لا يكون على عبده دين له وكذلك هذه الجناية لو كانت في عبد للمولى أو أمة فبلغت النفس أو دونها فلا شيء عليه فيه وإذا قتل المدبر مولاه خطأ فان عليه أن يسعى في قيمته من قبل أنه لا وصية له لأنه قاتل ولا شيء عليه من قبل الجناية لأنه عبده ولو كانت أم ولد وقتلت مولاها خطأ لم يكن عليها أن تسعى في شيء لأن عتقها ليس بوصية وليس عليها من الجناية شيء لأنها أمته وإذا قتل المدبر مولاه عمدا فعليه السعاية في قيمته من قبل أنه لا وصية له وعليه القصاص فان كان له ابنان لا وارث له غيرهما فعفا أحدهما عن المدبر فعلى المدبر أن يسعى في نصف قيمته للذي لم يعف مع القيمة التي عليه لهما جميعا وإذا قتلت أم الولد مولاها عمدا فان لم يكن لها منه ولد فعليها القصاص ولا سعاية عليها فان كان لها منه ولد فلا قصاص عليها(3/99)
من قبل أنه لا قصاص لولد من والد ولا والدة وقد صار لابنها القصاص وعليها أن تسعى في القيمة من قبل الجناية لأنه كان لابنها عليها القصاص فلما صار لابنها فيه حق صار بمنزلة الصلح وهذا قول أبي حنيفة وابي يوسف ومحمد وإذا قتل العبد مولاه عمدا وليس بمدبر فعليه القصاص ولا سعاية عليه ولا يعتق فان كان له وليان فعفا أحدهما عن الدم فهو عبد على حاله بينهما ولا شيء عليه للذي لم يعف في قول أبي حنيفة ومحمد وأما في قول أبي يوسف فعلى الذي عفا للذي لم يعف ربع العبد أو يفديه بربع الدية وإذا كان القتل خطأ من العبد فلا شيء عليه ولا سعاية باب جناية المدبر في البئر وغيره وعلى مولاه:
وإذا قتل المدبر مولاه خطأ فلا شيء عليه من قبل الجناية لأنه ماله وعبده فلا يلزم عبده دين عليه ولكن عليه أن يسعى في قيمته من قبل أنه لا وصية له وجنايته ما دام يسعى والجناية عليه مثل جناية العبد في قول أبي حنيفة وهو مثل جناية الحر في قول أبي يوسف ومحمد ولو قتل مولاه عمدا كان عليه القصاص وعليه قيمته من قبل أنه لا وصية له فان بدأ بالقتل فقتلوه فالقيمة دين عليه وإن بدؤا بالسعاية حتى يستوفوا المال ثم قتلوه فلهم ذلك فان كان للمولى ابنان فعفا أحدهما عن الدم كان عفوه جائزا ولا قصاص على المدبر بعد العفو وعلى المدبر أن يسعى في قيمته ونصف قيمته من ذلك(3/100)
من قبل أنه لا وصية له فقيمته بين الوارثين ونصف قيمته للذي لم يعف أوجبت له حين عفا أخوه وإنما أوجبت نصف قيمته لأن المدبر جنى وهو بمنزلة العبد في الجناية ما دام يسعى وإن كان على المولى دين فهذه القيمة والنصف للغرماء هم أحق بذلك من الورثة فان بقي منها شيء فهو بين الوارثين للذي عفا من ذلك الثلث وللذي لم يعف من ذلك الثلثان على قدر ما كان لهما إن لم يكن عليه دين وإذا أفسد المدبر متاعا لمولاه أو جنى عليه جناية لم تبلغ النفس ثم مات المولى من غير تلك الجناية فلا شيء على المدبر من ذلك لأنه عبد للمولى لا يلزمه لمولاه دين ويعتق المدبر من الثلث وإذا قتل المدبر مولاه عمدا وللمولى وارثان هما عصبة المولى واحدهما ابن المدبر فان على المدبر أن يسعى في قيمتين قيمة من قبل أنه لا وصية له وقيمة من قبل القتل لأنه كان عمدا فعليه القصاص وإنما يبطل القصاص حين ورث ابن المدبر وليس هذا كالعبد في الباب الأول وإذا احتفر المدبر بئرا في طريق أو أحدث فيه شيئا فأصاب ذلك المولى فقتله فلا شيء على المدبر من ذلك ويعتق من الثلث وإنما(3/101)
جازت الوصية من قبل أن المدبر ليس بقاتل بيده ألا ترى أنه لا كفارة عليه إنما يحرم الوصية القاتل الذي يجب عليه الكفارة.
باب جناية المدبر على غير مولاه:
وإذا قتل المدبر رجلا خطأ فعلى المولى قيمة المدبر يقضي بها القاضي عليه وليس على المدبر شيء من ذلك فان قتل آخر بعد ذلك شرك الأول في تلك القيمة الأولى كأنه دفع العبد بنفسه إليهم ولو لم يكن دفع القيمة الأولى ولم يقض به القاضي حتى قتل الثاني كانت القيمة كذلك بينهما نصفين فان كانت قيمته يوم قتل الأول ألف درهم وقيمته يوم قتل الثاني ألفان فعلى المولى ألفان يأخذ الآخر إحداهما ويقتسمان الأخرى يضرب فيها الآخر بتسعة آلاف والأول بعشرة آلاف من قبل أن الآخر أخذ ألفا فلا يضرب بأكثر من تسعة آلآف وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وفقأ عين آخر فان على المولى قيمته لولى القتيل منها الثلثان ولصاحب العين الثلث وإذا قتل آخر بعد ذلك شركهم فكان له خمسا ما أخذ كل واحد منهما ولولى القتيل الأول خمسى القيمة يأخذه منها ولصاحب العين خمسها(3/102)
وإذا قتل المدبر رجلا وقيمة المدبر ألف درهم ثم فقأ رجل عين المدبر فغرم خمسمائة درهم ثم قتل المدبر آخر فان الخمسمائة ارش العين للمولى لا شيء لواحد من أولياء الجناية فيها وعلى المولى ألف درهم خمسمائة منها للأول وخمسمائة منها يضرب فيها الأول بالدية إلا خمسمائة ويضرب فيها الآخر بالدية وإذا قتل المدبر رجلا خطأ ثم فقأ عبد عينه فدفع بذلك ثم قتل المدبر آخر فان على المولى قيمته صحيحا نصفها للأول والنصف الباقي بينهما على دية الأول إلا ما أخذ ودية الآخر والعبد الذي يأخذ في عينه للمولى ولا سبيل عليه لأولياء الجناية ألا ترى أنه لو باعه أو وهبه ولم يأخذه في الجناية لم يضمن ذلك لأصحاب الجناية وكان على المولى قيمة المدبر صحيحا وإذا جنى المدبر جناية في دابة أو متاع أو مال فليس على مولاه من ذلك شيء وهو على المدبر دين في عنقه بالغا ما بلغ فان أعتقه المولى لم يضمن المولى من ذلك شيئا وكان ذلك دينا على المدبر يتبع به وليس هذا كالجناية في الناس لأن الجناية في الناس يدفع العبد بها وما سوى ذلك لا يدفع به وإذا قتل المدبر رجلا خطأ واستهلك لرجل ألف درهم فان على المولى قيمته لأهل الجناية وعلى المدبر أن يسعى في ألف درهم لأصحاب الدين فان لم يقض القاضي في شيء من ذلك حتى مان المولى(3/103)
ولا مال له غير المدبر وقيمته ألف درهم فان على المدبر أن يسعى لأصحاب الدين في الألف ولا شيء لأصحاب الجناية من قبل أن دين أصحاب الجناية على المولى ودين أصحاب المدبر في الألف على المدبر فهم أولى بسعايته وكذلك لو أن رجلا قتل المدبر فغرم قيمته كان لأصحاب الدين دون أصحاب الجناية وكذلك لو كان المدبر جنى وإذا قتل المدبر رجلا خطأ فدفع المولى قيمته بغير قضاء قاض ثم قتل آخر فانه يتبع الثاني الأول بنصف القيمة ولا شيء على المولى من قبل أنه دفع ذلك يوم دفعه وهو للأول في قول أبي يوسف ومحمد وأما في قول ابي حنيفة فان الآخر بالخيار إن شاء ضمن المولى نصف القيمة وإن شاء ابتع الأول يأخذ نصف ما في يديه فان هو ضمن نصف القيمة رجع المولى بها على الأول ولو كان المولى دفع القيمة بقضاء قاض لم يكن على المولى شيء وابتع الآخر الأول وإذا قتل المدبر عبدا خطأ فان على المولى أن يدفع الأقل من قيمة القتيل وقيمة المدبر وكذلك لو قتل مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مكاتبة وإذا قتل المدبر رجلين أحدهما عمدا والآخر خطأ فعلى المولى قيمته لأصحاب الخطأ فان عفا أحد ولي العمد فان القيمة بينهم أرباعا للذي لم يعف ربع القيمة ولصاحب الخطأ ثلاثة أرباعها(3/104)
في قول أبي يوسف ومحمد وأما في قياس قول أبي حنيفة فالقيمة بينهم أثلاثا للذي لم يعف ثلثاه والثلث لأولياء الخطأ وإذا احتفر المدبر بئرا في طريق المسلمين فوقع فيها رجل فمات فعلى المولى القيمة فان قتل المدبر آخر بيده خطأ فانهم يشتركون في تلك القيمة وكذلك إن عطب رجل بحجر وضعه المدبر في الطريق فمات فهو شريكهم في تلك القيمة وهو بينهم أثلاثا وإذا قتل المدبر رجلا عمدا ثم عفا أحد الوليين فللآخر نصف القيمة فان قتل آخر خطأ فللآخر نصف القيمة على المولى وله نصف ما أخذ الأول فيكون لولي القتيل الآخر ثلاثة أرباع القيمة وللآول ربع القيمة وليس هذا كالنفس والعين لأن العين في رقبة العبد كله ونصف الدية الذي لم يعف في نصف العبد ليس في كله في قول أبي يوسف ومحمد.
باب الغصب في المدبر:
وإذا قتل المدبر رجلا خطأ ثم إن رجلا اغتصب المدبر فقتل عنده آخر خطأ ثم رده على المولى فان على المولى قيمته لولى القتيلين بينهما سواء ويرجع المولى على المغتصب بنصف قيمته فيؤديها إلى الأول ولا يرجع بها على الغاصب وإذا اغتصب رجل مدبرا لرجل فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده إلى المولى فقتل عند المولى آخر خطأ فعلى المولى قيمته بينهما ويرجع المولى بنصف قيمته على المغتصب فيؤديها إلى الأول ثم يرجع بها على المغتصب أيضا في قول ابي حنيفة وأبي يوسف وأما في قول زفر ومحمد فان(3/105)
المولى يرجع على الغاصب بنصف قيمة المدبر فيسلم له ولا يدفع إلى ولى الجناية الأولى شيئا وإذا اغتصب رجل مدبرا فقتل عنده قتيلا ثم رده إلى المولى وقتل اثنين عند المولى خطأ فان على المولى قيمة تامة بينهم أثلاثا ويرجع المولى على المغتصب بثلث القيمة ويدفعها إلى الأول ثم يرجع بثلث القيمة فيدفعها إلى الأول أيضا ثم يرجع بمثله على المغتصب في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وإذا اغتصب الرجل مدبر فقتل عنده رجلا واغتصب مالا عنده ثم رده إلى المولى فقتل عند المولى آخر فان على المولى قيمته لولي القتيلين بينهما نصفان ويسعى لأصحاب الدين في دينهم ويتبع المولى الغاصب بنصف القيمة فيدفعها إلى الأول ويرجع عليه بمثل ذلك النصف في قول أبي حنيفة وابي يوسف ولا شيء لأصحاب الدين من ذلك إنما دينهم في عنق العبد يسعى فيه وإذا سعى المدبر في قيمته للغرماء رجع المولى بذلك على الغاصب ويسعى ويسعى العبد فيما بقي من الدين ولا يرجع به على المولى ألا ترى أن المولى لا يغرم من دينهم شيئا وإذا قتل المدبر رجلا خطأ ثم نقصت قيمة المدبر أو زادت أو كانت المدبر أمة فولدت بعد فانما على المولى قيمة المدبر يوم جنت ولا يلحقه(3/106)
من الولد ولا من الزيادة شيء وكذلك لا يحط عنه العيب الذي حدث فيها شيء وإذا قتل ولد المدبرة رجلا خطأ فان على المولى قيمته وهو في ذلك بمنزلة أمة وإذا قتل المدبر قتيلا عمدا فانه يقتل به ولا شيء على المولى لأن هذا قصاص وإن صالح المولى أحد الوليين أو عفا بغير صلح فان للآخر نصف القيمة وإذا قتل المدبر رجلا ثم اغتصبه رجل فقتل عنده رجلا عمدا ثم إنه رده إلى المولى فانه يقتل وعلى المولى قيمته لصاحب الخطأ ويرجع المولى بقيمته على الغاصب فان عفا أحد ولي العمد كانت القيمة بينهم أرباعا لصاحب الخطأ ثلاثة أرباعها ولصاحب العمد الذي لم يعف ربعها في قول أبي يوسف ومحمد ويرجع المولى على الغاصب بذلك الربع فيدفعه إلى صاحب الخطأ وإذا اغتصب الرجل مدبرا فقتل عنده رجلا عمدا ثم رده فقتل عند المولى رجلا خطأ بعد عفو أحد ولي العمد فان عليه قيمته بينهم أرباعا على ما وصفت لك في قول ابي يوسف ومحمد ثم يرجع على الغاصب بربع القيمة فيدفعها إلى صاحب الذي لم يعف ثم يرجع عليه بمثل ذلك ايضا في قياس قول ابي حنيفة وابي يوسف فيما يرجع به في الجناية في الغصب وإذا اغتصب الرجل مدبرا فأقر عنده بقتل رجل عمدا وزعم أن(3/107)
ذلك كان عند المولى أو زعم أن ذلك كان عند الغاصب ثم إن الغاصب رده على المولى فانه يقتل بذلك وعلى الغاصب القيمة في الوجهين جميعا من قبل أنه أقر عنده بشيء أتلفه ولو عفا أحد ولي العمد لم يكن للباقي شيء من قبل أن هذا كان باقرار العبد وقد صار أرشا فلا يصدق على مولاه وكذلك لو كان عبدا غير مدبر وإذا اغتصب الرجل عبدا مدبرا فأقر عنده بسرقة أو ارتد عن الإسلام ثم أنه رده فقتل في تلك الردة فعلى الغاصب قيمته فان قطع في سرقة فعلى الغاصب نصق فيمته وقياس هذا عندي البيع لو باع رجلا عبدا مرتدا عن الإسلام وكتمه ذلك فقتل عند المشتري رجع المشتري على البائع بالثمن الذي كان نقده وكذلك لو باعه وقد أقر بقتل عمد فهو سواء في قول ابي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد في البيع خاصة فانه يقوم مرتدا أو سارقا ويقوم صحيحا لا شيء به من ذلك ثم يرجع المشتري على البائع بحصة ذلك من الثمن إن كان أعطاه إياه وإذا اغتصب الرجل مدبرا فقتل عنده قتيلا خطأ أو أفسد عنده متاعا ثم إن رجلا قتل العبد خطأ فعلى القاتل قيمة العبد على عاقلته فيكون لأصحاب الدين وعلى المولى قيمة العبد لولي القتيل الذي قتله ويرجع بذلك كله على الغاصب وإذا اغتصب رجل مدبرا فقتل عنده قتيلا خطأ واستهلك عنده مالا يحيط بقيمته ثم إنه مات عنده فعلى المولى قيمته لأصحاب الجناية ويرجع بها على الغاصب ويرجع بقيمة أخرى على الغاصب بموته فيدفعها(3/108)
إلى أصحاب الدين ويرجع عليه بقيمة أخرى ولو اغتصب الرجل مدبرا أو عبدا غير مدبرا فاستهلك عنده مالا يجاوز قيمته ثم إنه رده على المولى فمات عند المولى فلا شيء لأصحاب الدين ولا شيء للمولى على الغاصب وإن مات عند الغاصب قبل أن يرده فان على الغاصب قيمته يدفعها إلى المولى فيأخذها الغرماء ثم يرجع المولى عليه بمثل ذلك فان كان رده إلى املوى فقتل عنده خطأ فقيمته لأصحاب الدين على عاقلة القاتل فاذا قبضها المولى أخذها الغرماء ويرجع المولى على الغاصب بتلك القيمة لأنه إنما استهلك بتلك القيمة عند الغاصب وإذا اغتصب المدبر مالا فاستهلكه وهو عند المولى ثم اغتصبه رجل آخر فخفر عنده بئرا في الطريق ثم إنه رده إلى المولى فقتله رجل خطأ فغرم القيمة للمولى فأخذها أصحاب الدين ثم وقعت في البئر دابة فعطبت وقيمتها والدين سواء فانهم يشاركون أصحاب القيمة فيأخذون نصفها ويرجع المولى على الغاصب بذلك ثم يدفعه إلى أصحاب الدين الأول فان وقع في البئر إنسان آخر فمات فعلى المولى قيمة المدبر ويرجع بذلك على الغاصب
باب جناية المدبر بين رجلين:
وإذا كان المدبر بين اثنين فقتل أحد مولييه ورجلا خطأ بدئ بالرجل قبل المولى فان على المولى الباقي نصف قيمته وفي مال المقتول(3/109)
نصف قيمته فيكون لمولى المقتول ربع قيمته وللآخر ثلاثة أرباع قيمته من قبل أن مولى القتيل لا حق له فيما ضمن وإنما حقه في النصف الآخر يضرب فيه بخمسة آلاف وعلى المدبر أن يسعى في قيمته وإذا قتل المدبر أحد مولييه عمدا ورجلا آخر خطأ بدئ بالرجل قبل المولى فان على مولاه الباقي وفي مال المقتول فيمته تامة لولى القتيل الخطأ ويسعى المدبر في قيمته بين الموليين ويقتل بالعمد فان عفا أحد ولي العمد سعى المدبر للذي لم يعف في نصف قيمته أيضا وإذا قتل المدبر رجلا عمدا ثم قتل أحد مولييه خطأ بعد ما عفا أحد ولي العمد فان على المولى الباقي نصف قيمته فيكون نصف ذلك النصف لولي المولى القتيل والنصف الباقي من ذلك النصف بينه وبين الذي لم يعف وعلى ورثة المولى المقتول ربع القيمة للذي لم يعف وعلى المدبر أن يسعى في قيمته تامة للذي بقي من مولاه ولورثة المولى القتيل لأنه لا وصية له لأنه قاتل وإذا قتل المدبر مولييه جميعا معا خطأ فان عليه أن يسعى في قيمته لورثتهما ولا شيء لواحد منهما على صاحبه وإذا اغتصب المدبر أحد مولييه فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده فقتل رجلا عمدا له وليان فعفا أحدهما فان عليهما قيمة تامة لصاحب الخطأ ثلاثة أرباعها ولصاحب العمد الذي لم يعف ربعها ويرجع مولى الذي لم يغصب على الغاصب بثلاثة أرباع نصف قيمة المدبر فيرد على صاحب(3/110)
الخطأ من ذلك ثمن قيمة العبد ويرجع بذلك على الغاصب وإذا قطع رجل يد المدبر وقيمته ألف فبرأ وزاد حتى صارت قيمته ألفين ثم فقأ آخر عينه ثم انتقضت اليد فمات منهما جميعا والمدبر بين اثنين فعفا أحدهما عن اليد وما يحدث فيها وعفا الآخر عن العين وما يحدث فيها فان للذي عفا عن اليد على صاحب العين سبعمائة وخمسين درهما على عاقلته إن كان ذلك كله خطأ وإن كان عمدا ففي ماله وللذي عفا عن العين على صاحب اليد ثلاثمائة واثنا عشر درهما ونصف درهم على عاقلته إن كان خطأ وفي ماله إن كان عمدا من قبل أن القاطع قطع يده وقيمته ألف فكان عليه نصف قيمته خمسمائة فلما فقأ الاخر عينه وقيمته الفان صار عليه نصف الألف فلما مات من الجنايتين جميعا صار صاحب اليد ضامنا للآلف والخمسمائة من قيمته لأنه ثلاثة أرباع الجناية وإنما ضمنت القاطع مائة وخمسة وعشرين مع الخمسمائة التي عليه من قبل اليد لأن الفاقئ كأنه فقأ عينه وقيمته خمسمائة فعليه نصف قيمته خمسين ومائتي درهم فيبقي من النفس مائتان وخمسون فلما مات من جنايتهما صار على كل واحد منهم نصف ذلك وهو مائة وخمسة وعشرون فلما عفا أحد الموليين عن صاحب اليد سقط عنه نصف أرش الجناية وكذلك صاحب العين(3/111)
وجناية أم الولد في جميع ما ذكرنا مثل جناية المدبر إذا كان على غير المولى
باب جناية أم الولد في البئر وغيرها:
وإذا جنت أم الولد فقتلت مولاها فلا شيء عليها من قبل أن عتقها ليس من الثلث وليس بوصية فتبطل الوصية ولا جناية عليها لمولاها إنما جنت عليه ونهي مملوكة له لا يجب عليها دين وإذا قتلت أم الولد مولاها عمدا وليس له منها ولد فعليها القصاص ولا سعاية عليها فان كان للمولى ابنان فعفا أحدهما سعت للآخر في نصف قيمتها لأن الجناية كانت وهي أمة فلا يلزمها أكثر من ذلك وكذلك عبد قتل رجلا عمدا فأعتقه المولى ثم عفا أحد ولي الدم وإذا قتلت أم الولد مولاها عمدا وله ابنان أحدهما منها والآخر ليس منها فان عليها أن تسعى في قيمتها تامة بينهما نصفان لأن القتل كان عمدا فلما صار إلى ابنها بطل القصاص وصار مالا عليها تسعى فيه وليس هذا كالخطأ وهي حرة في جميع أمورها وليس سعايتها هذه كالسعاية في شيء من الرقبة وهو بمنزلة الحرة وإذا كاتب الرجل أم ولده أو مدبرة له ثم إنها قتلت مولاها خطأ فأما أم الولد فانها تسعى في قيمتها من قبل الجناية وتبطل عنها المكاتبة من قبل أنها قد عتقت حين مات مولاها وإنما وجبت عليها أن تسعى في قيمتها بالجناية لأنها جنت وهي مكاتبة ألا ترى أنها(3/112)
لو أفسدت له متاعا أو استقرضت مالا ثم مات المولى بطلت عنها المكاتبة وعتقت ولزمها الدين وأما المدبرة فان عليها أن تسعى في قيمتها من قبل الجناية لأن عتقها وصية ولا وصية لها لأنها قاتلة وإن كانت مكاتبتها أقل من قيمتها سعت في مكاتبتها وإذا أسلمت أم ولد النصراني فاستسعاها في قيمتها فقتلته خطأ وهي تسعى فان عليها قيمتها من قبل الجناية وبطل عنها سعاية الرق وتعتق فان كان القتل عمدا فعليها القصاص مكان القيمة وإن كان لها منه ولد فلا شيء لولدها في ذلك من قبل أنه مسلم مع الأم فلا يرث الأب فان عفا بعض الورثة عن الدم بطل عنها القصاص ورفع عنها حصة من عفا وتسعى في حصة من لم يعف من القيمة وإذا قتلت أم الولد مولاها عمدا وليس لها منه ولد وهي حبلى منه فلا قصاص له عليها من قبل خصلتين من قبل ما في بطنها لعل أن يكون وارثا ومن قبل أن الحبلى لا تقتل بالقصاص فان ولدت ولدا حيا ورث أباه وصار عليها القيمة لجميع الورثة وإن ولدت ميتا كان عليها القصاص فان كان إنسان ضرب بطنها فألقته ميتا فعليه غرة ولها ميراثها من تلك الغرة وما بقي فهو لإخوة الجنين وتقتل هي(3/113)
بقتلها مولاها ويرث نصيبها من الغرة بنو مولاها لأنهم عصبة ولا يحرمون الميراث منها لأنهم قتلوها بحق
باب جناية المكاتب في الخطأ:
وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ وقيمة المكاتب ألف درهم فان على المكاتب أن يسعى في قيمته فان قتل آخر خطأ بعد ما قضي عليه بالأول فان عليه أن يسعى في قيمة أخرى فان قتل اثنين قبل أن يقضي عليه للآول فان عليه أن يسعى في قيمة واحدة لهما جميعا فان كانت الجناية كلها قتلا وقطع يد فالقيمة بينهم أثلاثا لولى القتيل ثلثاه ولصاحب اليد الثلث وإذا قتل المكاتب عبدا خطأ فان عليه أن يسعى في الأقل من قيمته ومن قيمة المقتول وكذلك لو قتل مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد فان قتل هؤلاء جميعا وقتل معهم حرا فان عليه قيمته لهم جميعا على قدر قيمتهم ودية الحر وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ ثم عجز قبل أن يقضي به قاض فانه يخير مولاه فان شاء دفعه بالخيار وإن شاء فداه بالدية وكذلك لو كانت الجناية دون النفس في عبد أو حر فان مولاه يخير فيه فان شاء دفعه وإن شاء فداه بأرش ذلك وإذا أفسد المكاتب متاعا أو عقر دابة أو استهلك مالا أو متاعا فعليه قيمة ذلك وعليه المال دينا بالغا ما بلغ وليس هذا كالجناية في الناس هذا لا يدفع به أبدا(3/114)
وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ ثم إنه قتل آخر ثم إنه قضي عليه لأحدهما بنصف القيمة والآخر غائب ثم قتل رجلا آخر خطأ ثم عجز واختار مولاه دفعه فانه يدفع نصفه إلى الآخر ويتبع المقضي له الأول بذلك النصف المدفوع إليه فيباع فيه ويدفع النصف الباقي إلى الآخر والأوسط الذي لم يقض له فيه بشيء ويضرب فيه الآخر بخمسة آلاف والأوسط بعشرة آلاف وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ وله وليان فقضى عليه القاضي لأحدهما بنصف القيمة ولم يقض للآخر بشيء ثم قتل آخر فجاء آخر فخاصم إلى القاضي وهو مكاتب بعد فانه يقضي له بثلاثة أرباع القيمة من قبل أن النصف الباقي المقضي فيه للأول لا جناية فيه فيقضي له بنصف الدية فيه فيصير له بذلك نصف القيمة والنصف الباقي يقضي له بنصفه وإن عجز المكاتب وجاء الأوسط فانه يدفع إليه ربع العبد أو يفديه مولاه بنصف الدية وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ ثم اعور فقتل آخر خطأ ثم خاصما فان عليه قيمته صحيحا نصفها للآول ونصفها بينهما يضرب فيه الآخر بالدية والأول بالدية إلا ما كان أخذ وكذلك لو كان فقأ عينه إنسان أو نقصت القيمة من سعر أو عيب حتى يذهب بعض ثمنه من أجل ذلك العيب وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ وحفر بئرا فوقع فيها إنسان فمات(3/115)
أو أحدث شيئا في الطريق فقضي عليه بالقيمة للذي وقع في البئر ولولى القتيل وسعى فيما بينهم ثم عطب بذلك الذي أحدث في الطريق إنسان فمات فانه يشاركهم في القيمة التي أخذوا لأنه أحدث ذلك في الطريق قبل أن يقضي عليه بالقيمة وكذلك لو كان وقع في البئر إنسان آخر فمات ولو حفر بئرا أخرى في الطريق بعد ما قضي عليه بالقيمة فوقع فيها إنسان فمات قضي عليه القاضي بقيمة أخرى ولو وقع في البئر الأولى فرس فعطبت أو بهيمة كان عليه قيمتها دينا في رقبته يسعى فيه بالغا ما بلغ لا يشارك أهل الجناية ولا يشركونه ألا ترى أن مكاتبا لو قتل رجلا خطأ أو استهلك مالا فقضي عليه بالقيمة في القتل وقضي عليه بالمال بالغا ما بلغ وإذا قتل ابن المكاتب من أمته قتيلا خطأ فهو بمنزلة المكاتب يسعى في ذلك وكذلك لو كان المكاتب اشتراه شراء وكذلك أبوه وأمه إذا كانوا في ملكه وكذلك أم ولده يغرم قيمتها ولا يدفع شيئا من هؤلاء ولو كان عبد له جنى جناية أو أمة كان عليه أن يدفعه أو يفديه وكذلك لو كان القتل عمدا فصالح عن عبده كان صلحه جائزا ولو قتل هو بنفسه رجلا عمدا فصالح عن نفسه فهو جائز ويلزمه المال فان عجز ولم يؤد المال بطل عنه المال في قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فالمال له لازم عجز أو لم يعجز(3/116)
وإذا أقر المكاتب بالجناية خطأ ثم عجز فاقراره باطل فان عتق كان إقراره جائزا عليه وكذلك إقراره جائز عليه ما لم يعجز وإذا أقر بقتل عمد فهو مصدق على نفسه فان عفا احد الوارثين قضي عليه بنصف القيمة للآخر وإن عجز قبل أن يؤدي بطل ذلك عنه في قول أبي حنيفة إن كان لم يؤد ولا يبطل ذلك عنه في قول أبي يوسف ومحمد إذا قضي به صار دينا عليه يباع به وكذلك كل عبد أو مكاتب أو مدبر يقر بقتل عمد أو زنى أو سرقة أو قذف فانه يقضي عليه من ذلك ما كان فيه القصاص والحد فاذا دخل العفو وصار ما بقي مالا بطل المال في الدم والسرقة إذا درئ فيها الحد إلا أن يكون عبدا تاجرا أو مكاتبا فيؤخذ بالسرقة فيكون دينا في عنقه وهذا قول أبي حنيفة وإذا قتل المكاتب رجلا عمدا له وليان فعفا أحدهما سعى للآخر في نصف القيمة فان وقع رجل في بئر أحدثها المكاتب في الطريق قبل القتل فان عليه نصف قيمة أخرى لصاحب البئر وشارك أصحاب البئر مع أصحاب القتل العمد فيأخذ منه نصف ما أخذ في قول أبي يوسف ومحمد وإذا قتل ابن المكاتب رجلا خطأ ثم إن المكاتب قتل ابنه وهو عبد وقتل آخر خطأ فان عليه قيمته يسعى فيها يضرب فيها أولياء القتيل الآخر بالدية ويضرب فيها أولياء قتيل الابن بقيمة الابن وإذا جنى المكاتب جناية ثم اختلف المكاتب وولى الجناية في قيمة المكاتب وقد علم أن قيمته قد زادت أو نقصت فقال المكاتب
كانت قيمتي ألفا يوم جنيت وقال الولي كانت قيمتك ألفين فالقول قول المكاتب وعلى ولي القتيل البينة وكذلك لو فقئت عين المكاتب فقال المكاتب جنيت الجناية بعد ما فقئت عيني وقال المولى كانت الجناية قبل أن تفقأ عينك فالقول قول المكاتب وعلى المولى البينة آخر كتاب الديات والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلم كتبه أبو بكر بن أحمد بن محمد الطلحي الأصفهاني في صفر سنة تسع وثلاثين وستمائة الهلالية(3/117)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل كتاب العقل
باب من عقل الجنايات:
متى تؤخذ وفي كم تؤخذ ويتحول أو لا يتحول قال محمد بن الحسن بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرض العقل على أهل الديوان لأنه أول من وضع الديوان فجعل فيه العقل وكان العقل قبل ذلك على عشيرة الرجل في أموالهم فالعقل على أهل الديوان من المقاتلة
محمد قال أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم في دية الخطأ وشبه العمد في النفس على العاقلة على أهل الديوان في ثلاثة أعوام في كل عام الثلث وما كان من جراحات الخطأ فعلى العاقلة على أهل الديوان إذا بلغت الجراحة ثلثي الدية ففي عامين وإن كان النصف ففي عامين وإن كان الثلث ففي عام وذلك كله على أهل الديوان وليس على الذرية والنساء ممن كان له عطاء في الديوان عقل لأنه بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة محمد قال أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال أخبرنا عمر بن عثمان ابن سليمان بن أبي حثمة عن عبدالله بن السائب بن يزيد عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة وإنما جعل العقل فيما نرى والله أعلم على عشيرة الرجل ولم يجنوا ولم يحدثوا حدثا على وجه العون لصاحبهم لأنهم أهل يد واحدة على غيرهم وأهل نصرة واحدة على غيرهم ولم يوضع ذلك على النسب لأن القوم كان يعقل معهم حليفهم وعديدهم ويعقلون عنه وليس بينه وبينهم ولاء ولا قرابة فلما صارت الدواوين صار أهل الديوان يتناصرون دون ذوي القرابات وصاروا يدا على غيرهم وصارت أموالهم الأعطية ففرض العقل على أهل الديوان لذلك فهو على أهل الديوان لذلك فهو على أهل الديوان دون القرابات لأن الأخوين أحدهما يكونن ديوانه بالكوفة والآخر ديوانه بالشام فلا يعقل واحد منهما عن صاحبه(3/118)
لأنهما وإن اجتمع نسبهما فان نصرتهما ويدهما مختلفة فانما جعل التعاقل على النصرة واليد الواحدة ألا ترى أن أهل ديوان الشام لا يعقلون عن أهل ديوان البصرة وأهل ديوان البصرة لا يعقلون عن أهل ديوان الشام وإن قربت أنسابهم لأنهم ليسوا بأهل نصرة ولا يد واحدة وإنما وضعت المعاقل على ما وصفت لك من النصرة واليد الواحدة والحيطة فجعل العقل وفدا لبعضهم من بعض وعونا لبعضهم من بعض قال محمد بن الحسن إذا قتل الرجل قتيلا خطأ قضي عليه بالدية على عاقلته في ثلاث سنين فلو مضى للقتيل سنتان أو ثلاث أو أكثر ثم رفع إلى القاضي فانه يحكم بالدية في ثلاث سنين من يوم يقضي بذلك ولا يلتفت إلى ما مضي فان كانت العاقلة أهل ديوان قضي بذلك في أعطياتهم فجعل الثلث في أول عطاء يخرج لهم بعد قضائه وإن كان ليس بين القتل وقضائه وبين خروج العطاء إلا شهر أو أقل من ذلك فالثلث الأول فيه ويجعل الثلث في العطاء الآخر إذا خرج إن أبطأ بعد الحول أو عجل قبل السنة ويجعل الثلث في العطاء الثالث فان عجل للقوم العطاء فأخرجت لهم ثلاثة أعطية بمرة واحدة وهي أعطية إنما استحقوها بعد قضاء القاضي بالدية فان الدية كلها تؤخذ من تلك الأعطية الثلاثة فيقضي بالدية على القوم حتى يصيب الرجل في عطائه من الدية كلها أربعة دراهم أو ثلاثة أو أقل من ذلك فان قلت العاقلة فكان الرجل يصيبه من الدية أكثر(3/119)
من أربعة دراهم ضم إليهم أقرب القبائل في النسب من أهل الديوان حتى يصيب الرجل في عطائه من الدية ما وصفت لك أو أقل من ذلك ولا يستحق العطاء عندنا إلا بآخر السنة فلذلك قلنا إن الرجل إذا قضي بديته على العاقلة ثم خرج العطاء بعد ذلك بشهر أو أقل من ذلك كان ذلك العطاء فيه ثلث الدية وإذا قتل رجل رجلا خطأ فلم يقض بذلك حتى مضت سنون ثلاث أو أكثر ثم قضي على العاقلة بالدية ولم يخرج للناس عطاء ثم أمر للناس بأعطياتهم الماضية لم يكن فيها من الدية قليل ولا كثير واستقبل لصاحب الدية الأعطية المستقبلة بعد القضاء بالدية ولو أن رجلا كانت عاقلته أصحاب رزق يأخذونه في كل شهر قضي على عاقلته بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة ثلث الدية فاذا قضي القاضي بذلك ثم خرجت لهم الأرزاق لأشهر ماضية كانت قبل القضاء بالدية لم يكن عليهم من الدية في تلك الأرزاق قليل ولا كثير وإنما الدية فيما تجب من الأرزاق بعد قضاء القاضي بالدية على العاقلة فان خرج رزق شهر من الشهور بعد قضاء القاضي وقد قضي القاضي بالدية في ثلاث سنين وقد بقي من ذلك الشهر يوم أو أكثر أخذ منهم من أرزاقهم التي أرزقوها لذلك الشهر لأن الرزق لا يأخذونه لا يجب إلا بكمال الشهر فان كانوا يأخذون الأرزاق في كل ستة أشهر أو في كل شهر ولم يكن لهم أعطية(3/120)
أخذ من أرزاقهم كلما خرجت على حساب ذلك فان خرجت لكل ستة أشهر أخذ من أرزاقهم في كل ستة أشهر سدس الدية وإن كانت الأرزاق تخرج لهم في كل شهر أخذ منهم في كل رزق نصف سدس ثلث الدية وإن كان قوم لهم أرزاق في كل شهر ولهم أعطية في سنة فرضت عليهم الدية في أعطياتهم ولا يعرض لأرزاقهم وإنما تفرض الدية في الأرزاق إذا لم يكن لهم أعطية ومن جنى من أهل البادية وأهل اليمن الذين لا ديوان لهم فرضت الدية على عواقلهم في أموالهم في ثلاث سنين على الأقرب فالأقرب منهم من يوم يقضي القاضي بالدية عليهم ولا ينظر القاضي إلى ما مضى من السنين بعد القتل قبل القضاء بالدية فيؤخذ الدية من أموالهم في كل سنة ثلث الدية عند رأس كل حول من يوم يقضي ويضم إليهم أقرب القبائل في النسب حتى يصيب الرجل في ماله من الدية في السنين الثلاثة ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم ومن أقر بقتل خطأ جعلت الدية عليه في ماله في ثلاث سنين فان لم يرتفعوا إلى القاضي حتى يمضي سنون ثم ارتفعوا إلى الحاكم قضي بها الحكم في ماله في ثلاث سنين مستقبلة من يوم يقضي لأن الرجل(3/121)
بما كانت عليه النفس ولم يصر مالا حتى قضي بها وكذلك العمد الذي لا قصاص فيه الوالد يقتل الولد أو العمد يخالطه الخطأ وإن اجتمعت القتلة فكانوا مائة كانت الدية على عواقلهم في ثلاث سنين والقاتل الواحد والجماعة في هذا سواء وليس يعقل أهل مصر عن أهل مصر لا يعقل أهل البصرة عن أهل الكوفة ولا يعقل أهل الشام عن أهل الكوفة لأن عاقلتهم على الديوان فالدواوين مختلفة وأهل الكوفة يعقلون عن أهل سوادهم وقراهم وأهل البصرة يعقلون عن أهل سوادهم وقراهم وكذلك أهل الشام ومن كان منزله البصرة وديوانه بالكوفة فأهل الكوفة يعقلون عنه ويعقل عنهم وإن كان أهل البصرة أقرب إليه في النسب ولو أن أخوين لأب وأم أحدهما ديوانه بالكوفة والآخر ديوانه بالبصرة لم يعقل أحدهما عن صاحبه وعقل عنه أهل ديوانه وأهل الديوان يتعاقلون على الدواوين وإن تفرقت أنسابهم ولو أن قوما من أهل خراسان أهل ديوان واحد مختلفين في(3/122)
أنسابهم ومنهم من له ولاء ومنهم من العرب ومنهم من لا ولاء له جنى بعضهم جناية عقل عنه أهل رايته وأهل قيادته وإن كان غيرهم أقرب إليه في النسب فان كان أهل رايته وقيادته قليلا ضم إليهم الإمام من رأى من أهل الديوان حتى يجعلهم عاقلة واحدة حتى يصيب الرجل في أرزاقه من الدية أربعة دراهم أو ثلاثة دراهم أو أقل من ذلك وأهل الديوان يتعاقلون دون أهل الأنساب لو كان رجل من العرب أو من الموالي معروف ديوانه مع قوم لا ولاء لهم عقل عنهم وعقلوا عنه دون بنى عمه ومواليه ومن كان لا ديوان له من أهل البادية ونحوهم فانهم يتعاقلون على الأنساب أقربهم نسبا يعقل عنه وإن كان بعيد المنزل منه وإن اختلفت الباديتان ولا يعقل أهل البادية عن أهل الأمصار الذي عواقلهم في العطاء ولا يعقل أهل العطاء عنهم وإن كانوا إخوة الأب وأم ومن جنى جناية من أهل مصر وليس في عطاء وأهل البادية أقرب إليه ومسكنه في المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر وإن لم يكن له فيهم عطاء كما أن صاحب العطاء لا يعقل عنه أهل البادية إذا كان فيهم نازلا وأصحاب الأرزاق الذي لا أعطيات لهم مثل أهل العطاء في العقل في ذلك ومن كان من أهل الذمة يتعاقلون لهم عواقل معروفة فقتل(3/123)
أحدهم قتيلا خطأ فديته على عاقلته في ثلاث سنين وهو في ذلك بمنزلة المسلم ومن لم يكن منهم له عاقلة أو لم يكونوا يتعاقلون فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي ولا يلتفت إلى ما مضى من السنين بعد القتل وإن مضى سنون كثيرة ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم ومن قتل قتيلا وهو من أهل الكوفة وله بها عطاء فلم يقض على عاقلته بالدية في ثلاث سنين حتى حول ديوانه فجعل عطاؤه واسمه في ديوان أهل البصرة ثم رجع ذلك إلى القاضي فانه يقضي بالدية على عاقلته من أهل البصرة ولو قضي القاضي بالدية على عاقلة أهل الكوفة في ثلاث سنين وأخذ منهم ثلث ب الدية لسنة أو لم يؤخذ إلا أنه قد قضي بها ثم حول اسمه عنهم فجعل في ديوان أهل البصرة كانت الدية على العاقلة الذين قضي عليهم لا ينتقل ذلك عنهم ويؤخذ منه في عطائه بالبصرة بحصته ولو قلوا بعد ما قضي القاضي عليهم بالدية في ثلاث سنين وأخذ منهم الثلث أو الثلثين ضم إليهم أقرب القبائل منهم في النسب حتى يعقلوا عنهم ولا يشبه قلة العاقلة بعد القضاء بحول الرجل بعطائه من بلد إلى بلد لأن الذين يضافون إليهم عاقلة واحدة وهذه عاقلة مستقلة(3/124)
وكذلك لو أن رجلا لم يكن له عطاء وكان مسكنه الكوفة فقتل رجلا خطأ فلم يقض القاضي على العاقلة بالدية حتى تحول عن الكوفة وأتى البصرة فاتخدها دارا وأوطنها ثم رفع إلى القاضي فان القاضي يقضي على عاقلته الذي بالبصرة بالدية في ثلاث سنين ولا يلتفت إلى عاقلته بالكوفة ولو كان قضى بالدية في الكوفة في ثلاث سنين على عاقلته بالكوفة ثم انتقل بعد ذلك قبل أن يؤخذ الدية إلى البصرة فاتخذها دارا لم تبطل الدية عن عاقلته بالكوفة وكذلك صاحب العطاء المنتقل بعطائه إلى البصرة وكذلك لو أن رجلا من أهل البادية قتل رجلا خطأ فلم يقض عليه بشيء حتى قدم مصرا من أمصار المسلمين فالتحق في الديوان والخذه مسكنا وترك البادية ثم رفع إلى القاضي فان القاضي يقضي على عاقلته بالدية من أهل المصر من أهل الديوان ولا يقضي على أهل البادية بشيء ولو كان القاضي قضي على عاقلته بالبادية بالدية في ثلاث سنين في أموالهم ثم صارت حاله إلى ما وصفت لك لم يتحول ذلك عن أهل البادية بتحويل الرجل إلى المصر لأن الجناية لم تجنها العاقلة إنما جناها الرجل فانما يكون على العاقلة إذا قضي بها عليهم ولو أن قوما من أهل البادية قضي عليهم بالدية في أموالهم في(3/125)
ثلاث سنين فأدوا الثلث لسنه والثلثين وبقيت بقية أو قضي عليهم ولم يؤدوا شيئا حتى جعلهم الإمام في العطاء صارت الدية في أعطياتهم وإن كان القاضي قد قضي بها أول مرة في أموالهم لأن العطاء من أموالهم وهو مال للمقاتلة ولكنه يقضي عليهم في أعطياتهم بما كان قضي به عليهم في البادية إن كان قضي عليهم بالإبل لم يتحول ذلك ولا يشبه هذا تحول العقل عن العاقلة إلى عاقلة أخرى بعد قضاء القاضي وعلى هذا جميع هذا الوجه وقياسه في قياس قول أبي حنيفة وقول محمد ابن الحسن
باب من الولاء المنتقل والعقل معه أو ينتقل الولاء ويبقى العقل لا ينتقل معه وقال محمد بن الحسن في رجل لا عن امرأته بولد ولزم الولد أمه فجنى الولد جناية قتل قتيلا خطأ فقضي به القاضي على عاقلة الأم في ثلاث سنين فأخذ أولياء الجناية الدية من عاقلة الأم ثم إن الأب ادعى الولد فانه يكون ابنه ويضرب الحد ويرجع عاقلة الأم على عاقلة الأب بما أدوا من الدية وهذا أيضا قول أبي حنيفة(3/126)
وقال محمد بن الحسن ترجع عاقلة الأم على عاقلة الأب بالدية في ثلاث سنين من يوم يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب بذلك ولا يلتفت إلى ما مضي من السنين منذ ادعى الأب الولد وكذلك هذا في مكاتب له امرأة حرة مولاة لبني تميم والمكاتب مكاتب لهمدان فمات المكاتب وترك وفاء وفضلا فلم يؤد مكاتبته حتى جنى ابنه جناية قتل قتيلا خطأ فقضي به القاضي على عاقلة الأم بالدية في ثلاث سنين فأخذت منهم ثم إن المكاتب أدى ما عليه فان ولاء الولد يتحول إلى مولى المكاتب ورجع عاقلة الأم على عاقلة الأب بما أدوا في ثلاث سنين من يوم يقضي القاضي ولو أن رجلا أمر صبيا أن يقتل رجلا فقتله فان القاضي يقضي على عاقلة الصبي بالدية في ثلاث سنين ورجع بها عاقلة الصبي على عاقلة الآمر في ثلاث سنين فان اجتمعت العاقلتان وأولياء الجناية جميعا عند القاضي فقضي القاضي لأولياء الجناية على عاقلة الصبي وقضي لعاقلة الصبي على عاقلة الآمر فكلما أخذ أولياء الجناية من عاقلة الصبي شيئا أخذت عاقلة الصبي من عاقة الآمر مثله فان قضي القاضي على عاقلة(3/127)
الصبي ولم يخاصموا عاقلة الآمر حتى أدوا جميع الدية ثم خاصموا عاقلة الأم بعد الأداء وبعد ما مضى بعد الأداء سنون فان القاضي يقضي لعاقلة الصبي على عاقلة الآمر الدية في ثلاث سنين منذ يوم يقضي لهم عليهم ولا يلتفت إلى ما مضى قبل ذلك من السنين ولو كان الآمر أقر أنه أمر الصبي ولم يعلم بذلك إلا بقوله قضي القاضي على الآمر في ماله لعاقلة الصبي بالدية في ثلاث سنين من يوم يقضي بالدية ولا يلتفت إلى ما مضى قبل ذلك من السنين ولو أن ابن الملاعنة جنى جناية قتل قتيلا خطأ فقضي به القاضي على عاقلة الأم في ثلاث سنين ثم أدت عاقلة الأم الثلث في أول سنة ثم إن الأب ادعى الولد فألزم الولد وضرب الحد وحضرت أولياء الجناية والعاقلتان جميعا فان القاضي يقضي لعاقلة الأم بالثلث الذي أدوا على عاقلة الأب في سنة مستقبلة من يوم يقضي ويبدأ بهم على أولياء الجناية ويبطل العقل الذي بقي عن عاقلة الأم ويقضي به القاضي على عاقلة الأب في سنين مستقبلتين بعد السنة الأولى التي قضي لعاقلة الأم فيها بثلث الدية على عاقلة الأب فيقضي بالدية مستقبلة على عاقلة الأب في ثلاث سنين الثلث الأول لعاقلة الأم والثلثان لأولياء الجناية ولا يؤخذ من أولياء الجناية ما أخذوا من عاقلة الأم ولكنه يبطل عن عاقلة الأم ما بقى به الأولياء الجناية على عاقلة الأب كما وصفت وكذلك ابن المكاتب من المرأة الحرة إذا مات المكاتب وترك(3/128)
وفاء فجنى ابنه جناية ثم أديت المكاتبة فهو بمنزلة ولد الملاعنة في جميع ما وصفت لك من هذا الوجه وإذا كانت المرأة حرة وهي مولاة لبني تميم تحت عبد لرجل من همدان فولدت له غلاما فعاقلة الغلام عاقلة أمه بنو تميم فان جنى جناية فلم يقض بها القاضي على عاقلة الأم حتى أعتق الأب فان القاضي يحول ولاء الغلام إلى مولى أبيه ويجعل عاقلته عاقلة أبيه ويقضي بالجناية التي جناها على عاقلة أمه ولا يحولها إلى عاقلة أبيه وكذلك لو كان الغلام حفر بئرا قبل أن يعتق أبوه ثم عتق أبوه فان القاضي يقضي بالدية على عاقلة الأم ولا يجعل على عاقلة الأب من ذلك شيئا والخصم في ذلك حتى تثبت الدية على عاقلة الأم الجاني إن كان قد بلغ مبلغ الرجال فان كان صغيرا فالخصم في ذلك أبوه المعتق لأنه القيم بأمره ولا يشبه هذا ابن الملاعنة ولا ابن المكاتب الذي وصفت لك لأن هذا ولاء حادث حدث بعد الجناية وابن الملاعنة وابن المكاتب لما ادعى ابن الملاعن أبوه وأديت المكاتبة حكمنا بأن الولد كان ولده يوم جنى وأن المكاتب كان حرا يوم مات يورث كما يورث الحر ولو أن رجلا من أهل الحرب أسلم ووالى رجلا من أهل الإسلام في دار الإسلام ثم جنى جناية عقلت عنه عاقلة الذي والاه فان عقلت عنه لم يقدر على أن يتحول بولائه بعد الجناية فان عقلت عنه(3/129)
العاقلة أو لم يقض به ثم إن أباه أسر من دار الحرب فاشتراه رجل فأعتقه كان ولاؤه له وجر ولاء ولده من الذي والاه حتى يصير الولد مولى لموالي ابيه ولا يرجع عاقلة المولى الذي كان والاه على عاقلة مولى الأب بشيء لأن هذا ولاء حدث جر ولاء الولد وهذا مثل الذي أعتق أبوه وأمه مولاة لقوم آخرين في جميع ما وصفت لك ولو كان الابن الذي أسلم على يدي الرجل ووالاه جنى جناية فلم يقض بها أو حفر بئرا فلم يقع فيها أحد حتى أسر أبوه فاشتراه رجل فأعتقه ثم قضي بالجناية أو وقع في البئر التي حفر رجل فمات فان القاضي يقضي بذلك على عاقلة الذي أسلم على يديه ووالاه ولا يقضي بها على عاقلة مولى ابيه والذي يلي الخصومة في ذلك الجاني إن كان قد صار مولى لقوم آخرين ولو أن رجلا من أهل الذمة أسلم فلم يوال أحدا حتى قتل قتيلا خطأ فلم يقض القاضي بذلك حتى والى رجلا من بني تميم وعاقده فجنى جناية أخرى ثم إن أولياء الجنايتين الأولى والآخرة رفعوا ذلك إلى القاضي فان القاضي يقضي بالجنايتين جميعا على بيت المال ويجعل ولاءه لجماعة المسلمين ويبطل موالاة الرجل الذي والى لأنه حين جنى أول مرة فقد وجب عقل جنايته على بيت المال فقد ثبت ولاؤه لجماعة المسلمين فليس له أن يجعله لإنسان واحد بعينه وإن مات ورثة جماعة المسلمين وجعل ميراثه في بيت مالهم(3/130)
وكذلك لو رمى بسهم أو بحجر خطأ قبل أن يوالي أحدا فلم يقع الرمية حتى والى رجلا وعاقده ثم وقعت الرمية فقتلت رجلا كان هذا والأول سواء وكانت موالاته باطلا ولو أنه حفر بئرا في طريق المسلمين فلم يقع فيها أحد حتى والى رجلا وعاقده ثم وقع في البئر رجلا ومات فان عليه في ماله دية القتيل في ثلاث سنين من يوم يقضي القاضي بذلك ويكون ولاؤه للذي والاه ولا يعقل عنه بيت المال ولا يعقل عنه عاقلة الرجل الذي والاه ولا يشبه هذا ما مضى قبله من الرمية والجناية لأن البئر ليست بجناية يجب لها أرش حتى يقع فيها الرجل فعطب فقد والى الرجل ليس في عنقه جناية فالمولاه جائزة ولا يعقل عنه عاقلة الرجل الذي والى ولا يعقل عنه بيت المال لأنه إن عقل عنه بيت المال رد ولاؤه إلى جماعة المسلمين ولم يكن وجب عليهم عقل ولا جناية قبل خروجه بولائه إلى هذا الرجل فيجعل جنايته في ماله وكذلك الرجل يسلم فيوالي رجلا ثم يجني أو يرمي أو يحفر بئرا ثم ينتقل بولائه إلى رجل فهو بمنزلة هذا فما كان يكون الولاء فيه في الأول لجماعة المسلمين فهو في هذا الرجل الآخر للمولى الأول فلا ينتقل عنه أبدا وأما حفر البئر فالجناية فيها عليه في ماله وولاؤه للآخر ألا ترى أن حافر البئر لو لم يقع في البئر أحد حتى يتحول بولائه إلى رجل آخر فوالاه وعاقده ثم جنى جنايات كثيرة كان عقلها على عاقلة المولى(3/131)
الآخر علم بحفر البئر أو لم يعلم لأن الجناية لم تجب ولم يجب بها عقل أرأيتم إن عقل عنه عاقلة المولى الآخر جنايات كثيرة وعقل هو عنهم أيضا ثم وقع في البئر رجل أيتحول ولاؤه إلى المولى الأول أو إلى بيت المال ويبطل هذا كله هذا لا يستقيم والأمر فيه على ما وصفت لك فان قال قائل فكيف لم يشبه الولاء للذي ينتقل بعتق الأب يعني الرجل الذي والى رجلا ثم يحفر بئرا ثم يحول بولائه وهذا ما لم يقض القاضي بالجناية على العاقلتين اللتين تكون إحداهما عاقلة له ثم يتحول إلى العاقلة الأخرى وقد قلت لو أن رجلا من أهل الكوفة له عطاه بالكوفة وعاقلته أهل ديوان الكوفة جنى جناية فلم يقض بها القاضي حتى حول الإمام ديوانه إلى أهل البصرة فصار معهم ثم رفعه أولياء الجناية إلى القاضي أنه يقضي بذلك على عاقلته بالبصرة فكيف لم يكن الولاء المنتقل مثل هذا قيل لهم لا يشبه هذا الولاء لأن الرجل انتقل من ولاء إلى ولاء فصارت حاله الثانية غير حالته الأولى فصارت حاله حالتين فما كان في الحال الأولى من الجناية فعلى العاقلة الأولى وما كان في الحال الثانية من الجناية فعلى العاقلة الثانية وإن صاحب العاقلتين لم يتحول حاله إنما حاله حالة واحدة وإنما تحولت عاقلته وإنما مثل الولاء المنتقل مثل امرأة مسلمة مولاة لبني تميم جنت جناية أو حفرت بئرا فلم يقض القاضي بالجناية حتى ارتدت عن الإسلام ولحقت بدار الحرب مرتدة فسبيت فصارت أمة ثم اشتراها رجل من همدان فأعتقها ثم وقع(3/132)
في البئر رجل فمات فرفع ذلك إلى القاضي فقضي بذلك وبالجناية التي كان لم يقض بها فانه يقضي بذلك على بني تميم ولا يتحول العقل عنهم بتحول ولاء المرأة إلى همدان فصارت حال المرأة حالين في الولاء الأول والولاء الثاني فكذلك الولاء هو بمنزلة هذا إذا انتقل والخصم في الجناية حتى تثبت على بني تميم المرأة أنها هي الجانية قالوا فلم لا تجعل العاقلتين هكذا منقول إذا جنى وعاقلته أهل عطاه الكوفة ثم حول إلى عطاء البصرة قبل أن يقضي فالجناية لم يتحول عن أهل الكوفة لأنه جنى وهو من أهل الكوفة قيل لهم لا يشبه هذا الولاء لأن الرجل إذا قتل القتيل وجبت عليه نفس القتيل فصارت عليه النفس ولم يجب على العاقلة حتى يقضي بها ببينة ولو كانت وجبت على العاقلة قبل أن يقضي بها عليهم ببينة لكان الرجل إذا أقر بقتل خطأ لم يجب عليه بذلك شيء لأنه إنما أقر على العاقلة إلا أن يكون له معهم ديوان فيكون عليه بالحصة فهذا ليس بشيء لأن العقل إنما يجب على العاقلة بالبينة أرأيتم لو أقر أنه قتل ولي هذا الرجل خطأ وأنه خاصم هذا الرجل إلى قاضي كورة كذا وكذا فقامت بذلك البينة فقضي به القاضي على عاقلته من أهل ديوان الكوفة فقال ولي الجناية صدقت قد كان هذا وكذب بذلك العاقلة أكان يجب على الرجل في ماله شيء ليس يجب عليه في ماله قليل ولا كثير إلا أن يكون له عطاء معهم فيكون(3/133)
عليه بحصته أفلا ترون أن الدية إنما تجب على العاقلة بقضاء القاضي بالبينة وأن الإقرار منه يختلف قبل قضاء القاضي وبعده وقد كان أبو حنيفة يقول لو أن رجلا قتل رجلا خطأ فلم يقض عليه القاضي بالدية حتى صالحه على عشرين ألف درهم أو على مائتي بعير أو على ألفين دينار أو ثلاثة آلاف شاة أو ثلاثمائة بقرة لم يجز ذلك ورد ذلك إلى الدية وكان يقول لو قضي القاضي بألف دينار فصالح على عشرين ألف درهم كان جائزا وكذلك لو صالح على مائتي بعير بأعيانها كان جائزا لأنه يقول النفس لم تصر مالا من هذه الأموال حتى يقضي بها القاضي أو لا ترون أيضا لو أن رجلا أقر عند القاضي بقتل رجل خطأ واقام ولي الجناية عليه البينة بالدية قضينا بالدية على العاقلة ولم نلتفت إلى إقرار الجاني فان قال ولي الجناية إني لا أعلم أن لي بينة فاقض لي عليه في ماله فقضيت عليه بالدية في ماله مال الجاني باقراره ثم اصاب ولي الجناية بينة وأراد أن يحول ذلك إلى العاقلة عاقلة الجاني لم يكن له ذلك لأني قضيت به في ماله فلا أحوله إلى غيره ولو أنه أقر فقال ولي الجناية للقاضي لا تعجل بالقضاء لي في ماله لعلى أجد بينه فأخره القاضي ثم وجد بينة قضي له القاضي على العاقلة ولا يشبه قضاء القاضي على العاقلة غير قضائه لأن الحق لا يلزم العاقلة(3/134)
إلا بالقضاء قالوا هذا كما تقول لا يلزم العاقلة العقل إلا بالقضاء والولاء المنتقل لا يلزم العاقلة العقل فيه إلا بالقضاء ولكنك تقضي به على الأولين فكيف لم تقض بهذا على الأولين وتجعله مثل الولاء المنتقل فأما الولاء المنتقل فقد وضح بالمرأة المرتدة فاجعل هذا بمنزلة ذلك قيل لهم هذا لا يشبه ذلك أرايتم رجلا من أهل البادية حفر بئرا في البادية ثم إن الإمام أمر بأهل البادية فنقلوا إلى الأمصار فتفرقوا فيها فصاروا أصحاب أعطية وعقلوا زمانا طويلا ثم إن رجلا وقع في تلك البئر أيعود العقل إلى أن يكون على أهل البادية كما كان على الأنساب في الأموال وتكون عليهم الإبل إن كانوا من أهل الإبل أو من أهل الغنم أو من أهل البقر دون الأعطيات وهي الدراهم والدنانير أرأيتم أن كان رجل من أهل العطاء في مصر من الأمصار فحفر بئرا ثم إن الإمام أبطل عطاء ذلك المصر وردهم إلى أنسابهم فتعاقلوا عليهم زمانا طويلا ثم وقع في البئر رجل فمات أيبطل دمه لأن تلك العاقلة قط بطلت حين ذهب الديوان أن العاقلة إنما جعلوا عونا للرجل على جنايته ولم تجن العاقلة شيئا فانما يكون ذلك عليهم يوم يجب المال الذي ينبغي لهم أن يعينوا فيه والرجل لم يخرج من نسبه ولم يتحول إلى غير ذلك إنما جعلت عاقلته قوما ثم صرفت تلك العاقلة بعينها إلى عاقلة أخرى وأنا أقول أيضا أشد من هذا لو أن أهل عطاء الكوفة جنى(3/135)
رجل منهم جناية فقضي بها على عاقلته ثم ألحق قوما من قومه من أهل البادية ومن أهل المصر لم يكن لهم عطاء في الديوان وجعلوا مع قومهم عقلوا معهم ودخلوا معهم فيما لم يقض به من الجناية وفيما قضي به فان كان الذي قضي به قد أدى بعضه دخلوا فيما بقي قالوا وكيف افترق هذا والعاقلتان المختلفان في قضاء القاضي قيل لهم لا يشبه قضاء القاضي في العاقلتين العاقلة الواحدة ألا ترى أن القاضي لو قضي بالعقل على قومه من أهل العطاء فأدوا ثلثي الدية ثم ماتوا أوقتلوا فأجحف أخذ ما بقي منهم ضم إليهم أقرب القبائل منهم في النسب ممن في العطاء حتى تعقلوا معهم وقد كانوا قبل ذلك ليسوا معهم وكذلك الذين ألحقوا في الديوان وجعلوا معهم يدخلون معهم فيما قضي به وفيما لم يقض به لأنها عاقلة واحدة وأصل هذا إذا كانت عاقلتين مختلفتين لا يعقل إحداهما عن صاحبتها أتعقل من عاقلة إلى عاقلة قبل القضاء فرفع إلى القاضي وهو من أهل هذه العاقلة الآخرة قضي على عاقلته الذي هم عاقلته يوم يقضي فان كان قد قضي على الأولين لم يحول قضاؤه على الآخرين وقد لزم الأولين وهذا بمنزلة إقرار الرجل إذا قضي عليه في ماله لم يتحول على العاقلة ببينة تقوم على ذلك وما لم يقض به(3/136)
القاضي في مال المقر فان ولي الجناية إن اقام البينة قضى بذلك القاضي على العاقلة وإذا كانت عاقلة واحدة فالقضاء فيها وغير القضاء سواء يقضي بذلك عليهم في أعطياتهم الذين ألحقوا وغيرهم ومما تبين لك أيضا من العاقلتين أن رجلا لو جنى جناية وهو وقومه من أهل البادية من أهل الإبل فلم يقض بالجناية حتى نقل الإمام الرجل وقومه فجعلوا أهل عطاء وجعل عطاءهم الدنانير ثم رفع ذلك إلى القاضي فقضي عليهم بالدية ألف دينار ولم يقض عليهم بالإبل ولا بقيمة الإبل ولو كان قضي عليهم بالإبل بمائة في ثلاث سنين ثم إن الإمام نقل الرجل وقومه ففرض لهم وجعلوا أهل عطاء وجعلت أعطياتهم الدنانير قضي القاضي عليهم بالإبل أو بقيمتها على حالها التي كانت عليه فأن لم يكن لهم غير العطاء أخذ منهم قيمة الإبل من أعطياتهم إن قلت قيمة الإبل أو كثرت ولم يحولهم إلى الدنانير وكذلك الدراهم والغنم والبقر والحلل إذا لم يقض القاضي بذلك حتى يتحولوا من مال إلى مال آخر قضي عليهم بالدية من المال الذي تحولوا إليه وإذا قضي عليهم بالدية من مال ثم تحولوا قبل أن يؤدوها حتى يصيروا أهل مال آخر لم يتحولوا إلى غير ما قضي به عليهم أفلا ترى أن النفس إنما هي على الجاني ولم يصر على العاقلة حتى يقضي بها عليهم على حالهم يوم يقضي فكذلك الأول وعلى هذا جميع هذا الوجه وقياسه في قياس قول أبي حنيفة وقول محمد بن الحسن(3/137)
هذا آخر كتاب أبي نصر زكريا بن يحيى في المعاقل وهذا الباقي زيادة في كتاب ابن سنان قال محمد بن الحسن ولو أن رجلا من أهل الذمة أسلم فوالي رجلا وعاقده كان مولاه فان جنى المولى الذي أسلم جناية خطأ ببينة فلم يقض بها القاضي على العاقلة حتى أبرأ أولياء المجني عليه الجاني من الجناية فللجاني أن يتحول بولائه عن الذي والى وإن كان للقاضي قضي على العاقلة بالدية فلم يؤدوها حتى أبرأ الأولياء العاقلة من الدية لم يكن للمولى أن يتحول بولائه عن الذي والى لأن المال لما صار على العاقلة كان أخذه منهم وهبته لهم سواء وكذلك لم يكن له أن يتحول بولائه عن الذي والى ولو أقر الجاني بالجناية إقرارا ولم يقم بينة بها فقضي بها القاضي على الجاني في ماله في ثلاث سنين فأداها ثم اراد أن يتحول بولائه عن الذي والاه فله أن يتحول لأن العاقلة لم تعقل عنه شيئا ولم يجب عليها بجنايته شيء ولو لم يجن ولكنه التحق معهم في ديوانهم فصار العاقلة معهم فجنى بضهم جناية فعقل عنهم معهم ثم أراد أن يتحول بولائه عنهم ألا ترى أن مولاه الذي والاه ليس يحوله إذا عقل عنهم فكذلك ليس له أن يتحول ألا ترى أن المولى لو عقل عنه لم يكن له أن يحوله عنه بولائه كما ليس له أن يتحول وقد كان(3/138)
لكل واحد منهما قبل العقل أن يحول الولاء عن صاحبه فاذا لم يكن لأحدهما أن يحول الولاء لم يكن للآخر أن يحوله وإذا كان لأحدهما أن يحول الولاء كان للآخر أن يحوله وقد قال أبو حنيفة إذا والى الرجل رجلا وعاقده فلكل واحد منهما أن يحول الولاء عن نفسه ما لم يعقل المولى الأسفل وكذلك قال أبو يوسف ومحمد وقالا ليس لواحد منهما أن يخرج من ولاء صاحبه إلا بمحضر منه إلا في خصلة واحدة للمولى الأسفل إن والى غير مولاه الأعلى كان خارجا من ولاء الأول وإن لم يحضر ذلك الأول وهذا مالم يعقل عن المولى الأسفل أو يعقل الأسفل عن مولاه الأعلى فاذا عقل أحدهما عن صاحبه أو معه لم يكن لواحد منهما أن يحول الولاء عن صاحبه ولكن المولى الأسفل لو اكتتب مع عاقلة الأعلى في الديوان وأخذ معهم العطاء إلا أنه لم يعقل عن أحد منهم ولاءهم أيضا عقلوا عنه فلكل واحد من الموليين أن يحول الولاء لأن العقل لم يجب على واحد منهما آخر كتاب العقل والحمد الله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد وآله كتبه إبو بكر بن محمد بن أحمد الطلحي الأصفهاني في صفر سنة تسع وثلاثين وستمائة
أرى آثاركم فأذوب شوقا وأسكب في مواطنكم دموعي وأسأل من بفرقتكم بلاني بمن على منكم بالرجوع خاتمة الطبع انتهى بحمد الله تعالى ومنه وكرمه طبع الجزء الرابع من كتاب الأصل للامام محمد بن الحسن الشيباني يوم الأثنين من ربيع الثاني من شهور سنة ه والحمد لله على ذلك وصلاته وسلامه على رسوله الكريم وعلى آله الأخيار وصحبه الأبرار
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل
كتاب البيوع
والسلم أحمد بن حفص قال أخبرنا محمد بن الحسن قال حدثنا أبو حنيفة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الذهب بالذهب مثل بمثل يد بيد والفضل ربا والفضة بالفضة مثل بمثل يد بيد والفضل ربا(3/139)
والحنطة بالحنطة مثل بمثل يد بيد والفضل ربا والتمر بالتمر مثل بمثل يد بيد والفضل ربا والملح بالملح مثل بمثل يد بيد والفضل ربا محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال أسلم ما يكال فيما يوزن وأسلم ما يوزن فيما يكال ولا تسلم ما يوزن فيما يوزن ولا ما يكال فيما يكال وإذا اختلف النوعان فيما لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يد بيد ولا بأس يه نسيئة وإن كان من نوع واحد مما لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يد بيد ولا خير فيه نسيئة وإذا أسلم الرجل في الطعام كيلا معلوما وأجلا معلوما وضربا من الطعام وسطا أو جيدا أو رديئا واشتراط المكان الذي يوفيه إياه فيه فهذا جائز وإن ترك شيئا من هذا لم يشترطه فالسلم فاسد
وإن كان رأس المال دراهم غير معلومة فالسلم فاسد لأنهما إن تتاركا لم يدر ما هو بدين عليه أو وجد فيها درهما زائفا لم يدر ما هو من الثمن في قول أبي حنيفة وإذا اشترط طعام قرية أو أرض خاصة ولا يبقى طعامها في أيدي الناس فالسلم فاسد لأنه أسلم فيما ينقطع من أيدي الناس ولا بأس بأن تأخذ بعض رأس مالك وبعض ما أسلمت فيه إذا حل الأجل محمد عن أبي حنيفة عن أبي عمر عن ابن جبير عن ابن عباس أنه قال ذلك المعروف الحسن الجميل فالسلم في جميع ما يكال وجميع ما يوزن مما لا ينقطع من أيدي الناس جائز والشعير والحنطة والسمسم والزيت والزبيب والسمن وما أشبهه من الكيل والوزن فلا بأس به(3/140)
ولا بأس بالسلم في الزعفران والمسك والعنبر وما أشبهه مما لا ينقطع من أيدي الناس إذا اشترط وزنا معلوما وضرب له أجلا معلوما وسمى صنفا معلوما فذلك جائز ولا بأس بالسلم في كل ما يكال من الحنا والورد والوسمة والرياحين اليابسة إذا اشترط كيلا معلوما وأجلا معلوما وصنفا معلوما ولا بأس بالسلم في الحديد والرصاص والصفر وما أشبهه مما يوزن إذا اشترط أجلا معلوما ووزنا معلوما وضربا معلوما ولا بأس بالسلم في القت وزنا معلوما وأجلا معلوما ولا خير في السلم في الرطبة ولا في الحطب حزما أو جرزا لأن هذا مجهول لا يعرف ألا ترى أنه لا يعرف طوله ولا عرضه ولا غلظه فإن عرف فهو جائز
ولا خير في السلم في جلود الغنم والبقر والإبل ولا في الورق ولا في الأدم لأنه مجهول فيه الصغير والكبير إلا أن يشترط من الورق والصحف والأدم ضربا معلوما والطول والجودة والعرض ولا خير في السلم في شيء من الحيوان بلغنا ذلك عن عبدالله ابن مسعود ألا ترى إنه مختلف مجهول لا يعرف وقته ولا قدره ولو اشترط جذعا أو ثنيا كان ذلك باطلا لا خير فيه من قبل أن الجذعان والثنيان مختلفة ولا بأس بالسلم بالحرير والزطى واليهودي والسابري والقوهي والمروي والبتوت والطيالسة والثياب كلها بعد أن يشترط ضربا معلوما وطولا معلوما وعرضا معلوما وأجلا معلوما وصفة معلومة(3/141)
وكل شيء من السلم له حمل ومؤنة فلا بد من أن يشترط المكان الذي يوفيه فيه فإن لم يشترط ذلك فسد السلم في قول أبي حنيفة ولا خير في السلم في كل شيء ينقطع من أيدي الناس وكل شيء ليس له حمل ولا مؤنة فلا بأس بالسلم فيه ولا يشترط المكان الذي يوفيه قال يعقوب ومحمد ما كان له حمل ومؤنة وما لم يكن له حمل ولا مؤنة سواء فهو جائز وإن لم يشترط المكان الذي يوفيه فيه وإلا فعليه أن يوفيه في المكان الذي أسلم إليه فيه وهو قول أبي حنيفة الأول ثم رجع عنه وقال لا يجوز ولا خير في السلم في الفاكهة كلها في غير حينها وإذا كان حينها الذي تكون فيه فلا بأس بالسلم فيها ضربا معلوما وكيلا معلوما وأجلا
معلوما قبل أن ينقطع فإن جعلت أجلا بعد انقطاعه فلا خير في السلم فإذا جعلت أجلا قبل انقطاعه ثم لم يجد منه ما عليه حتى ينقطع فصاحب السلم بالخيار إن شاء أخذ رأس ماله وإن شاء أخر السلم حتى يجيء حينه الذي يكون فيه فيأخذ ما أسلم فيه ولا خير في السلم في الرمان ولا في السفرجل ولا في البطيخ ولا في القثاء ولا في البقل ولا في الخيار وما أشبه ذلك مما لا يكال ولا يوزن لأنه مختلف فيه الصغير والكبير ولا بأس بالسلم في الجوز والبيض عددا ولا بأس بالجوز كيلا معروفا ولا بأس بالسلم في الفلوس عددا ولا خير في السلم في اللحم لأنه مختلف في قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد إذا أسلم في موضع منه معلوم وسمى صفة معلومة فهو جائز(3/142)
ولا خير في السلم في السمك الطري في غير حينه من قبل أنه ينقطع من أيدي الناس ولأنه مختلف وإن أسلم فيه في حينه فهو جائز وأما السمك المالح فلا بأس بالسلم فيه وزنا معلوما وضربا معلوما وأجلا معلوما وإن أ أسلمت فيه عددا فلا خير فيه وإذا أسلم الرجل في الجذوع ضربا معلوما وطولا معلوما وغلظا معلوما وأجلا معلوما فلا بأس به إن اشترط المكان الذي يوفيه فيه وكذلك الساج والصنوف من العيدان والخشب والقصب إذا اشترط طولا معلوما وغلظا معلوما ومكانا معلوما وأجلا معلوما فلا بأس بذلك إذا استصنع الرجل عند الرجل عند الرجل خفين أو قلنسوة أو تورا أو كوزا أو قمقما أو آنية من آنية النحاس واشترط من ذلك صناعة معروفة
ولم يضرب لذلك أجلا فهو بالخيار إذا فرغ الرجل من ذلك لأنه اشترى ما لم ير فإن شاء الذي استصنعه أخذه وإن شاء تركه فإن ضرب له أجلا وكانت تلك الصناعة معروفة واشترط منها وزنا معروفا من النحاس فهو بمنزلة السلم وهو جائز ليس له خيار في قول أبي حنيفة وإن كانت مجهولة فهو فاسد لا يجوز قال أبو يوسف ومحمد هو جائز وصاحبه بالخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه ولا يكون بمنزلة السلم ولا بأس بالسلم في اللبن في حينه الذي يكون فيه إذا اشترط وزنا معلوما أو كيلا معلوما وأجلا معلوما قبل انقطاعه وكذلك ألبان البقر وغيرها ولا بأس بالسلم في اللبن والآجر إذا اشترط من ذلك شيئا معروفا وجعل له أجلا معلوما ومكانا معلوما وإن كان ذلك لا يعرف فلا خير فيه ولا بأس بالسلم في الأليات إذا اشترط وزنا معلوما وأجلا معلوما ولا بأس بالسلم في شحم البطن إذا اشترط من ذلك وزنا معلوما وأجلا معلوما(3/143)
ولا بأس بالسلم في التبن إذا كان كيلا معلوما وأجلا معلوما وفيمانا معلومة وإذا كان ذلك لا يعرف له قيمة فلا خير فيه ولا خير في السلم في رؤوس الغنم والأكارع لأنها مختلفة فيها الصغيرة والكبيرة ولا خير في السلم في كل شيء يوزن أو يكال إذا اشترط بمكيال غير معروف ولو اشترط بإناء بعينه غير أن ذلك الإناء لا يعرف وزنه ولا يكون رطلا فلا خير فيه ألا ترى لو أن ذلك الإناء هلك لم يعرف ما أسلم فيه وكذلك الطعام وغيره إذا اشترط بإناء مجهول لا يعرف قدره
وإذا اشترى بذلك الإناء يدا بيد فلا بأس ما كان قائما بعينه ولا بأس بالسلم في العصير في حينه الذي يكون فيه بعد أن يكون أجله قبل انقطاعه واشترط من ذلك وزنا وكيلا معلوما وأجلا معلوما ومكانا معلوما وضربا معلوما في حينه فإن ذهب حين العصير كان صاحبه بالخيار إن شاء أخذ رأس ماله وإن شاء أخره حتى يجيء حينه فيأخذ ما أسلم فيه ولا بأس بالسلم في الخل إذا اشترط كيلا معلوما وأجلا معلوما وضربا معلوما من الخل وصنفا معلوما وإذا أسلم الرجل في تمر ولم يسم فارسيا ولا دقلا فلا خير في السلم فيه لأن الفارسي مخالف للدقل وإن كان اشترط فارسيا فلا بد من أن يقال جيدا أو وسطا أو رديئا
ولا خير في السلم في شيء من الطير ولا في لحومها ولا خير في السلم في شيء من الجواهر ولا اللؤلؤ لأنه مختلف مجهول ولا بأس بالسلم في الجص والنورة إذا اشترط من ذلك كيلا معلوما وأجلا معلوما وضربا معلوما ومكانا معلوما وكذلك ما أشبهه مما يكال أو يوزن ولا خير في السلم في الزجاج إلا أن يكون مكسورا فليشترط من ذلك وزنا معلوما وضربا معلوما وإن كانت آنية واشترط من ذلك شيئا معروفا لا يجهل فلا بأس به وإن كان هذا مجهولا فاشترط من ذلك عددا وفي ذلك الصغير والكبير فلا خير فيه وإذا أسلم الرجل ألف درهم إلى رجل في طعام خمسمائة درهم من ذلك كانت دينا عليه وخمسمائة نقدها إياه فإنه يجزئ ذلك(3/144)
من حصة النقد وهو النصف ويبطل من ذلك حصة الدين وهو النصف قال وبلغنا ذلك عن أ أبي حنيفة عن ابن عباس ألا ترى أنه أسلم دينا في دين وإذا أسلم الرجل إلى رجل مائة درهم في كر حنطة وكر شعير ولم يبين رأس مال كل واحد منهما فلا خير في ذلك وهو مردود وهذا قول أبي حنيفة قال وبلغنا ذلك عن عبدالله بن عمر وقال أبو يوسف ومحمد هو جائز وإذا أسلم الرجل الدراهم إلى رجل في طعام على أن أحدهما بالخيار فلا يجوز السلم في هذا والسلم فاسد وهو بمنزلة الصرف إلا أن يبطل صاحب الخيار قبل أن يتفرقا فيجوز ذلك وكذلك لو أسلم إليه دراهم في طعام فافترقا قبل أن يقبض الدراهم قلت وكذلك لو أسلم إليه دراهم في طعام فأعطاه إياها فلما افترقا وجدها زيوفا فإنه يردها وينتقض السلم
وإن أعلمه أنها زيوف وقبضها على ذلك فليس أن يردها والسلم جائز فإن لم يعلم ثم وجد فيها درهما زائفا فإني أستحسن أن يرده عليه ويأخذ غيره لأنه قبضه وإن كان ستوقا رده وأحصى وحط عنه بقدره في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إن كان زيوفا كلها فإنا نستحسن أن يبدلها له والسلم على حاله وإذا أسلم الرجل إلى رجل في طعام وأعطاه دراهم لا يعلم ما وزنها أو فضة أو ذهبا لا يعلم ما وزنه فإن السلم فاسد لا يجوز من قبل(3/145)
أنه لا يعلم ما رأس ماله وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف هو جائز ولو أسلم ثوبا في طعام فإن هذا جائز في قول أبي حنيفة وإن لم يعلم ما قيمة الثوب من أجل أن الثياب تختلف في الغلاء والرخص في البلدان وإنما تقوم بالظن والحرز وأما الفضة والذهب والدراهم فإنه يقدر على أن يزنه حتى يعلم ما هو فهذا مخالف لذلك وإذا أسلم الرجل إلى رجل في طعام وأخذ كفيلا ثم صالح الكفيل على رأس ماله فإن الذي عليه الطعام بالخيار فإن شاء أجاز الصلح وأعطاه رأس المال وإن شاء رد الصلح وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف أما أنا فأرى الصلح جائزا على الكفيل ولا يلزم الذي عليه الطعام من الصلح شيء إنما يكون عليه طعام مثل ذلك يرده على الكفيل وهذا بمنزلة رجل كفل لرجل بألف درهم فصالحه على خادم أو ثياب فالصلح جائز ويرجع الكفيل على المكفول عنه بألف درهم وإذا أسلم الرجلان إلى رجل في طعام فصالحه أحدهما على رأس المال وأبى الآخر أن يجيز ذلك فإن الصلح لا يجوز من قبل أنه لا يكون لأحدهما دراهم وللآخر طعام فإن رضي الشريك بذلك كان(3/146)
ما أخذ الآخر من رأس المال وما بقي من الطعام بينهما وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف أما أنا فأرى الصلح جائزا على الذي صالح وإن أبى شريكه كان للذي صالح رأس ماله وكان لشريكه طعامه على حاله فإن توى رجع على شريكه بنصف ما أخذ وهو بمنزلة رجلين لهما على رجل مائة درهم فصالحه أحدهما من حصته على ثوب وأبى الآخر أن يرضى فالمصالح الثوب وللآخر خمسون درهما على المطلوب فإن تويت فله أن يدخل مع صاحب الثوب في الثوب فيكون له نصفه إلا أن يرضى صاحب الثوب أن يرد عليه خمسة وعشرين درهما ولا يكون له من الثوب شيء والخيار في ذلك إلى صاحب الثوب وكذلك هذا في الكر السلم وإذا أسلم الرجل إلى الرجل دراهم في طعام فصالحه على رأس ماله ثم أراد أن يشتري برأس ماله منه بيعا قبل أن يقبضه فلا خير في ذلك ولا ينبغي له أن يشتري شيئا ولا يأخذ إلا سلمه بعينه أو رأس ماله بلغنا ذلك عن إبراهيم النخعي
وإذا أسلم الرجل إلى الرجل دراهم في طعام ودنانير في طعام قد علم وزن الذهب ولم يعلم وزن الدراهم فلا خير في هذا حتى يعلم وزنهما جميعا وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد هو جائز وإذا أسلم الرجل إلى الرجل عشرة دراهم في ثوبين يهوديين إلى أجل معلوم واشترط طولا معلوما وعرضا معلوما ورقعة معلومة فهو جائز ولا يضره أن لا يسمي رأس مال كل واحد منهما على حدة وأكره له أن يبيع واحدا منهما مرابحة على خمسة دراهم لأنه إنما يقومها بالظن والحزر ولا بأس أن يبيعهما جميعا مرابحة على عشرة دراهم وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا بأس بأن يبيع أحدهما مرابحة على خمسة دراهم(3/147)
وإذا أسلم الرجل عشرة دراهم في ثوب يهودي وثوب سابري ولم يسم رأس مال كل واحد منهما فالسلم فاسد وليس هذا كالثوبين اليهوديين لأن هذين من صنفين مختلفين وذلك من صنف واحد وقال أبو يوسف هو جائز وإذا أسلم الرجل إلى الرجل دراهم في شيء يجوز فيه السلم ثم تفرقا قبل أن يقبض الذي أسلم إليه الدراهم فإن السلم فاسد ولا بأس بالسلم في المسوح والأكسية والعباء والكرابيس إذا اشترطت طولا معلوما وغرضا معلوما وأجلا معلوما ورقعة معلومة من صنف معروف ولا بأس بالرهن والكفيل في السلم بلغنا ذلك عن إبراهيم النخعي وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشترى من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه
وإذا أسلم الرجل في شيء من الثياب فاشترط طولا وعرضا بذراع رجل معروف فلا خير في ذلك ألا ترى أنه لو مات ذلك الرجل لم يدر صاحب السلم ما حقه وإذا اشترط كذا وكذا ذراعا فهو جائز وله ذراع وسط وإذا أسلم الرجل إلى الرجل في حرير واشترط وزنا معلوما ولم يشترط الطول والعرض فلا خير فيه ألا ترى أنه لا يدري ما أسلم فيه وإذا اشترط طولا وعرضا بفيمان غير الذراع فإن كان فيمانا معروفا من فيامين التجار فهو جائز وإن كان مجهولا فهو فاسد وإذا اشترط الرجل في سلمه ثوبا جيدا فأتاه الذي عليه الثوب بثوب ليعطيه إياه فقال رب السلم ليس هذا بجيد وقال الآخر هو جيد فإنه ينظر إلى رجلين عدلين من أهل تلك الصناعة فإن اجتمعا على أنه جيد مما يقع عليه اسم الجيد أجبره رب الثوب على أخذه وإن كان ليس بجيد لا يجبر رب السلم على أخذه وإن كان اشترط وسطا فأتاه الآخر بجيد فقال خذ هذا وزدني درهما فلا بأس بذلك إن فعله وكذلك لو أتاه بثوب أطول مما اشترط عليه أو أعرض فلا بأس بذلك إن فعله(3/148)
وإن كان شيئا مما يكال أو يوزن فأتاه بمثل ذلك الكيل الذي عليه غير أنه أجود مما اشترط فقال خذ هذا وزدني درهما لم يكن في هذا خير ولا يجوز ألا ترى أنه لا يصلح مختوم حنطة بمختوم حنطة وزيادة درهم وكذلك كل ما يكال أو يوزن فأما الثياب فلا بأس أن يأخذ ثوبا و يعطي مثله وزيادة درهم وإذا أسلم الرجل في ثوب قوهي فأتاه بثوب أطول منه على مثل رقعته أو مثل طوله غير أنه أجود منه فقال خذ هذا وزدني درهما فلا بأس بذلك لأن فضل ما بينهما درهم ولو أتاه بأنقص من ثوبه فقال خذ هذا وأرد عليك درهما من رأس مالك لم يجز هذا من قبل أنه لا يدري كم رأس مال ما أخذ وما ترك لأن الثوب مختلف وكذلك في الطعام ولو أتاه بمثل طعامه في الكيل وهو دونه فقال خذ هذا وأرد عليك درهما كان ذلك باطلا لا يجوز وإذا اختلف الرجلان في السلم فقال الطالب شرطت لي
جيدا وقال المطلوب شرطته لك وسطا من صنف قد سميناه جميعا فالقول في ذلك قول المطلوب مع يمينه ويتحالفان ويترادان البيع إلا أن تقوم للطالب البينة فيؤخذ بينته وإذا اختلف الطالب والمطلوب فقال الطالب أسلمت إليك في كر حنطة وقال المطلوب أسلمت إلي في كر شعير أو قال الطالب في ثوب قوهى وقال المطلوب في ثوب يهودي ولا بينة بينهما فإنهما يترادان السلم ويأخذ الطالب رأس ماله بعد أن يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه فالذي يبدأ به في الحلف المطلوب وهذا قول أبي يوسف الأول ثم قال بعد ذلك الذي يبدأ به باليمين الطالب وهو قول محمد وزفر فإن قامت لهما بينة جميعا على ما ادعيا أخذت بينة الطالب لأنه هو المدعي وهو قول أبي يوسف وقال محمد يأخذ بالبينتين جميعا ويجعلهما سلمين فإن كانا لم يفترقا قضى على رب السلم بثمنين وقضى على المسلم إليه بالحنطة والشعير جميعا فإن لم يختلفا في السلم ولكنهما اختلفا في المكان الذي يوفيه فيه فقال الطالب شرطت لي مكان كذا وكذا وقال المطلوب(3/149)
بل شرطت لك مكان كذا وكذا لمكان آخر وليست بينهما بينة فالقول قول المطلوب مع يمينه فإن قامت لهما بينة على ما قالا أخذت بينة الطالب لأنه يدعي ولو أنهما لم يختلفا في المكان ولكنهما اختلفا في الأجل فقال الطالب شرطت لي كذا وكذا من الأجل وقد حل الأجل وقال المطلوب بل شرطت لي كذا وكذا من الأجل أبعد من ذلك ولم يحل ذلك بعد فالقول قول الطالب مع يمينه بالله على ذلك ولو قامت لهما بينة أخذت ببينة المطلوب لأنه المدعي وقال أبو يوسف ومحمد إذا اختلفا في المكان الذي يوفيه فيه السلم فانهما يتحالفان ويترادان السلم
وإذا اختلفا في الأجل فقال الطالب أجلتك شهرا وقد مضى وقال المطلوب لم يمض بعد إنما أخذت السلم منك الساعة ولا بينة بينهما فالقول في ذلك قول المطلوب مع يمينه وعلى الطالب البينة فإن قامت لهما بينة أخذت بينة المطلوب لأن شهوده قد أكذبوا الطالب حيث ادعى أنه أجله شهرا وقد مضى ولأن المطلوب هو المدعي للفضل ههنا فالقول ههنا قوله والبينة بينته وإذا اختلفا في الأجل فقال أحدهما لم يكن له أجل وقال الآخر بلى قد كان له أجل فالقول قول الذي زعم أن له أجلا أيهما ما كان ولا يصدق الآخر لأنه يريد أن يفسد السلم فلا يصدق على إفساده وأما في القياس فإنه ينبغي أن يكون القول قول الذي قال ليس له أجل وأن يكون السلم فاسدا وعلى الذي يدعي أجلا البينة وهو قول أبي يوسف ومحمد إذا كان الذي يقول ذلك الذي له السلم وإذا قبض صاحب السلم رأس ماله وتتاركا ثم اختلفا في رأس المال فقال المطلوب إن رأس مالك خمسة دراهم وقال الطالب بل كان رأس مالي عشرة دراهم فإن القول في ذلك(3/150)
قول المطلوب مع يمينه فإن قامت للطالب بينة على ما يدعي من الفضل أخذ له بذلك وإذا تتاركا السلم فقال المطلوب كان رأس مالك هذا الثوب وقال الطالب بل كان رأس مالي عشرة دراهم أو دينار أو ثوب هو أجود من هذا فإن القول في ذلك قول المطلوب مع يمينه إلا أن يقوم للطالب بينة على ما يدعي فيؤخذ له بدعواه وإذا أسلم الرجل إلي الرجل دراهم فوجد فيها درهما زائفا بعد ما افترقا به فإنه ينبغي في القياس أن يرد الدرهم ويبطل من السلم بحساب ذلك فإن أنكر رب السلم أن يكون ذلك من دراهمه فالقول قول المطلوب المسلم إليه مع يمينه وعلى الطالب البينة إنه أعطاه جيادا في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يستبدله إذا كان زائفا إذا أقر به صاحبه ولا ينتقض وليس ينبغي أن يفترقا فإذا أسلم إليه حتى يقبض رأس المال فإن افترقا قبل أن يقبض رأس المال فالسلم فاسد لا يكون دينا
في دين إن أسلم إليه دراهم وإذا أسلم الرجل إلى رجل دراهم في شيء مما ذكرت لك إلى أجل معلوم وجعل للدراهم أجلا يعطيها إياه ثم افترقا فالسلم فاسد ولا يكون دينا في دين فإن أسلم إليه دراهم في طعام فقبض بعضا وأحال ببعض على آخر وبقي عنده بعض ثم تفرقا فإنما له من السلم بحساب ما قبض من المال فأما ما أحاله به أو بقي عنده لم ينقده إياه فلا خير فيه ويرجع رب السلم بالدراهم التي أحاله بها على المحتال عليه وإذا أسلم الرجل إلى الرجل جارية أو غلاما أو إبلا أو بقرا أو ثوبا من صنوف الثياب في شيء مما يكال أو يوزن واشترط(3/151)
ما ذكرت لك من ذلك من الكيل المعلوم والأجل المعلوم وضربا من ذلك معلوما فهو جائز وكذلك إذا أسلم ثوبا قوهيا في ثوب مروي أو ثوبا هرويا في ثوب قوهي أو ثوبا يهوديا في ثوب زطي أو بت في طيلسان أو طيلسان في بت أو كساء من صوف في ثوب أو طيلسان أو ثوب كتان في ثوب قطن واشترط من ذلك ذرعا معلوما في العرض والطول والرقعة فهو جائز وإن كان هذا قطنا كله أو كتانا فلا بأس بالسلم فيه لأن مختلف ولا بأس بالسلم في الكتان وزنا معلوما وكذلك القطن والقز والإبريسم ولا بأس في ذلك كله وإذا اشترط رب السلم أن يوفيه السلم في مدينة كذا وكذا أو في مصر كذا وكذا فقال رب السلم ادفعه إلى في ناحية كذا من المصر وقال المسلم إليه بل ادفعه إليك في ناحية أخرى ليس في تلك الناحية قال فحيث ما دفعه إليه الذي عليه السلم من ذلك المصر وتلك المدينة فذلك له وهو بريء وليس لرب السلم ما ادعى من ذلك
ولا خير في السلم في المسابق والفراء إلا أن يشترط من ذلك شيئا معروف الطول والعرض والتقطيع والصفة فإن كان يعرف شيئا من هذا فهو جائز ولا خير في السلم بالحطب أو قارا ولا أحمالا لأن هذا مجهول غير معروف فلا خير فيه وكذلك كل سلم اشترط فيه أو قارا أو أحمالا فلا خير فيه وإذا اشترط على الرجل الذي عليه السلم أن يحمل السلم إلى منزل صاحب السلم بعد ما يوفيه إياه في المكان الذي اشترط فلا خير في السلم على هذا الشرط وإذا اشترط رب السلم في سلمه أن يوفيه إياه في منزله فلا بأس به وهذا حمله في القياس سواء غير أنا نأخذ في حمله إلى منزله بالقياس ونأخذ في هذا بالاستحسان ولا خير في السلم في الحطب عددا لأنه مجهول لا يعرف فيه الصغير والكبير(3/152)
ولا بأس بالسلم في الجبن والمصل إذا اشترط من ذلك ضربا معلوما وأجلا معلوما ومكانا معلوما يوفيه فيه ولا خير في السلم في القصيل ولا في الحشيش احمالا ولا أوقارا ولا حزما وإذا اختلف الرجلان في السلم فقال الذي أسلم أسلمت إليك في ثوب يهودي وقال الذي عليه السلم بل هو زطى وليس بينهما بينة فإن الذي عليه السلم يحلف بالله ما هو يهودي فإن نكل عن اليمين لزمه ثوب يهودي وإن حلف برئ وعلى الطالب أن يحلف بالله ما هو زطى على ما ادعى الآخر فإن نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه وإن حلف برئ ورد عليه رأس ماله وإن قامت لهما بينة أخذت بينة الطالب في قول آبي يوسف وإن اتفقا أنه ثوب يهودي غير أنهما اختلفا في الصفة فقال المطلوب طوله خمسة أذرع في ثلاثة أذرع وقال الطالب بل هو ستة أذرع في ثلاثة أذرع واتفقا على ما سوى ذلك فإن هذا والأول في القياس سواء يتحالفان ويترادان السلم وبالقياس نأخذ(3/153)
وأما الاستحسان فإنه ينبغي أن يكون القول ههنا قول المطلوب مع يمينه إلا أن يقوم للطالب بينة وبالقياس نأخذ وإذا اختلفا في السلم بعينه أو في رأس المال ولم يقبض رأس المال ولم يتفرقا فقال المسلم إليه أسلمت إلى هذه الجارية في مائة مختوم حنطة وقال رب السلم بل أسلمت إليك هذا العبد في مائتي مختوم حنطة وليس بينهما بينة فإنه يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ثم يترادان السلم وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه قبله وإن قامت لهما بينة لزمته الجارية بمائة مختوم حنطة ولزمه العبد بمائتي مختوم حنطة ولا بأس بأن يسلم الحيوان في كل ما يكال أو يوزن و يذرع من الثياب إلى أجل معلوم ألا ترى أنه لا بأس ببيع الحيوان بالدراهم والدنانير إلى أجل معلوم وكذلك لو أسلمت جارية في عشرة أكرار حنطة وشعير ولو أسلمت فيها عبدا أو دابة أو ثوبا كان ذلك جائزا ولا يضرك أن لا يسمى رأس مال الحنطة من ذلك ولا رأس مال الشعير ولو أسلمت ثوبا في عشرة أكرار حنطة وشعير ولم يسم رأس
مال كل واحد منهما لم يضرك ذلك وكان ذلك جائزا وكان رأس مال كل واحد منهما على حساب قيمة ذلك لأنك لا تقدر على تقويمه إلا بالظن والحزر ولو كانت دراهم لم تصلح لأنه يقدر على وزن حصة كل واحد منهما وهذا قول أبي حنيفة وقال يعقوب هما سواء والسلم جائز وإذا باع الرجل جارية بألف مثقال فضة وذهب جياد أو دنانير ودراهم كان له من كل واحد خمسمائة مثقال وهذا جائز وإذا استأجر الرجل أرضا أو دارا أو عبدا أو ثوبا أو دابة أو أمة أو شق محمل أو شق زاملة إلى مكة بشيء مما يكال أو يوزن كيلا معلوما أو وزنا معلوما وأجلا معلوما وسمى المدينة التي استأجر إليها والأرض والدار والخادم والحمام وسمى من ذلك الكيل صنفا معروفا فإن هذا كله جائز(3/154)
وكذلك لو استأجر ذلك بثوب يهودي وبين طوله وعرضه ورقعته وأجله فهو جائز وإذا أسلم الرجل إلى الرجل عشرة دراهم في عشرين مختوم شعير أو عشرة مخاتيم حنطة ووقع السلم على هذا والشرط على هذا أن يعطيه أيهما شاء رب السلم أو المسلم إليه فلا خير في هذا لأن السلم لم يقع على شيء معلوم وكذلك إن قال إن أعطيتني إلى شهر فهو عشرة مخاتيم وإن أعطيتني إلى شهرين فهو عشرون مختوما كان هذا فاسدا لا يجوز السلم فيه وإذا أسلم الرجل إلى رجل دراهم في حنطة فقال رجل لرب السلم ولني هذا السلم فإنه لا يستطيع أن يوليه ذلك السلم ولا يجوز من قبل أن التولية بيع ولا يجوز أن يبيع ما لم يقبض وقد جاء قي الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الرجل ما لم يقبض
وإذا قال الرجل لرجل قد أسلمت الى عشرة دراهم في كر حنطة وسكت ثم قال بعد ما سكت ولكني لم أقبض الدراهم منك وقال رب السلم بلى قد قبضتها مني كان القول قول رب السلم مع يمينه من قبل أن المسلم إليه قد أقر بالقبض حيث قال أسلمت إلى فهذا منه قبض إذا قال قد أسلمت إلى فهذا مثل قوله قد أعطيتني عشرة دراهم في كر حنطة ألا ترى أنه لو قال أقرضتني عشرة دراهم قرضا برؤوسها وأسلفتني عشرة دراهم برؤوسها سلفا ثم قال بعد ذلك لم أقبض منك شيئا لم أصدقه وألزمته الدراهم وكان هذا إقرارا منه بالقبض وكذلك إذا قال أسلمت إلى ثوبا في كر حنطة فهو مثل ذلك وهو استحسان منا وليس بالقياس وكان ينبغي في القياس ألا يكون قابضا حتى يقول قد قبضت الثوب والدراهم وكذلك لو قال لفلان على ألف درهم إلى سنة أو حاله من ثمن جارية باعنيها ثم قال بعد ذلك لم أقبضها وقال الآخر قد قبضت كان المال عليه ألا ترى أن لا يلزمه المال إلا بالقبض فإقراره بالمال إقرار بالقبض وصل أو قطع وهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد القول قول المطلوب أنه لم يقبض إذا أقر(3/155)
الطالب أن ذلك من بيع وهذا قول أبي يوسف الآخر وكان يقول مرة إن وصل صدق وإن قطع لم يصدق وإذا أسلم الرجل إلى رجل في كر حنطة ثم أعطاه كرا بغير كيل ليس ينبغي له أن يبيعه ولا يأكله حتى يكيله وإن باعه المشتري فالبيع فاسد ألا ترى أنه باع ما لم يقبض ولو هلك الكر عند المشتري وهو مقر بأنه كر واف غير أنه لم يكتله فهو مستوف وإذا أسلم الرجل إلى رجل في كر حنطة فاشترى الذي عليه الكر كر حنطة من رجل آخر ثم قال اقبضه قبل أن يكتاله من المشتري فليس ينبغي لرب السلم أن يقبضه حتى يكاله المشتري ثم يكتاله رب السلم ولا يصلح له أن يأخذه بكيله حتى يأخذه بكيل مستقبل لنفسه وإذا وقع الذي عليه السلم إلى رب السلم دراهم فقال اشتر بها طعاما فاقبضه لي بكيل ثم اكتله لنفسك بكيل آخر مستقبل كان جائزا وإن قال رب السلم الذي عليه السلم كان ما لي
عليك من الطعام فاعزله في بيتك أو في غرائرك ففعل ذلك الذي عليه السلم وليس رب السلم بحاضر فلا يجوز ولا يكون هذا قبضا من رب السلم وكذلك لو كاله في غرائر لرب السلم بأمره غير أن رب السلم ليس بحاضر لم يحضر الكيل لم يكن هذا قبضا وإن وكل رب السلم يقبض ذلك غلام الذي عليه السلم أو ابنه فهو جائز وكذلك لو قال زن ما عليك من الدراهم فاعزلها لي في بيتك ففعل ذلك لم يكن هذا قبضا من الطالب وقال محمد كان أبو حنيفة يقول لو أن رجلا اشترى من رجل طعاما بعينه على أنه كر ثم دفع إليه غرائر فأمره أن يكيله فيها وليس المشتري بحاضر ففعل انه قبض وله أن يبيعه ولو لم يكن اشتراه ولكن أسلم إليه فيه فدفع إليه غرائر يكيله فيها فكاله وهو غائب عنه لم يكن قبضا ولم يجز وفرق ما بينهما وقال ألا ترى(3/156)
أنه إذا اشتراه بعينه أنه له فإذا أمره بكيله في غرائره فكأنه أمره أن يطحنه فيجوز ذلك ويكون قبضا منه لأنه شيء بعينه يملكه أحدث فيه عملا بأمره فصار قابضا والسلم دين لا يملكه بعينه فأما ما طحنه وكاله فهو من مال الذي عليه ولا يكون قابضا من حنطه دقيقا في السلم وهما مختلفان وإذا أسلم الرجل إلى الرجل في كر حنطة ثم أسلم الآخر إليه في كر حنطة وأجلهما واحد وصفتهما واحدة أو مختلفة فلا يكون شيء من ذلك قصاصا وإن تقاصا به فلا يجوز ألا ترى أنه يبيع ما لم يقبض كل واحد منهما ليس يقبض من كره كرا يأخذه إنما يأخذ به دينا عليه ولا يجوز أن يأخذ إلا رأس ماله أو الذي أسلم فيه والذي عليه ليس مما أسلم فيه ولا رأس ماله وإذا كان الأول منهما سلما والآخر قرضا فلا بأس أن يكون قصاصا إذا كان سواء وإن كان الأول قرضا والآخر سلما فلا يكون قصاصا وإن تراضيا بذلك
وكذلك هذا في الصرف إذا باع دينارا بعشرة
دراهم ثم استقرض منه يكون قصاصا لأن الدراهم والدنانير من الأثمان وإن كان للذي عليه السلم قرض على رجل أم لم يكن له(3/157)
فاستقرض من رجل كرا فقال كله لصاحب السلم فاكتاله صاحب السلم كيلا واحدا فهو قبض وهو جائز من قبل أن أصل الطعام على المطلوب وليس قرض وليس بيع ألا ترى لو أن رجلا كال كرا من الطعام فاستقرضه رجل منه على كيله كان جائزا وله أن يبيعه من قبل أن يكتاله فإن القرض لا يحتاج فيه إلى كيل فهو يأخذه قرضا ليس يكيله له إنما هو كيل للبائع لأن القرض لا يفسده أن لا يكال فإذا اشترى رجل كرا من طعام مكايلة فاكتاله فلا يبيعه حتى يكتاله وإذا كان كر سلم على رجل فاشترى من رجل كرا ووكل رب السلم أن يقبضه له ويأخذه من سلمه فلا يجزيه كيل واحد في بيع واقتضاء وإذا تتاركا السلم ورأس المال ثوب فهلك الثوب عند المطلوب قبل أن يقبض الطالب فعلى المطلوب قيمته وكذلك لو تتاركا السلم بعد هلاك الثوب كان على المطلوب قيمته والقول في ذلك قول المطلوب وعلى الطالب البينة على ما يدعي من فضل القيمة وإن لم يكن له بينة حلف المطلوب على القيمة التي أقر بها وأداها ألا ترى لو أن رجلا اشترى من رجل جارية بعبد وتقابضا فمات
أحدهما في يديه ثم تناقضا أنه جائز وهو بمنزلة الرد بالعيب ألا ترى أنه لو أصاب به عيبا بعد موت الآخر فقبله بغير قضاء قاض إنها إقالة ولو أصاب به عيبا وقد هلك الآخر أو رده بخيار رؤية فان ذلك جائز وكذلك الأول في السلم لأن السلم بيع ولا يشبه هذا الأثمان الدنانير والدراهم وكذلك هذا في الصرف ولو كان كل واحد منهما بعينه فتقايلا كان لكل واحد منهما أن يعطي غير الذي اشترى وإذا أسلم الرجل إلى رجل دراهم في كر حنطة فوجد فيها دراهم ستوقة فجاء يردها فقال الذي عليه السلم هذا نصف رأس المال فقد بطل نصف السلم وقال رب السلم بل هو ثلث رأس المال فان القول في ذلك قول الذي عليه السلم مع يمينه(3/158)
وعلى رب السلم البينة على ما يدعي لأن السلم لم يتم في الكر فالقول قول الذي عليه السلم مع يمينه فيما تم منه وإذا اختلفا في السلم فقال رب السلم أسلمت إليك ثوبا في كر حنطة وقال المسلم إليه بل أسلمت إلى في كر شعير وليس بينهما بينة فان يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ثم يترادان السلم فإن قامت لهما بينة أخذت ببينة رب السلم لأنه مدع للفضل فإن اختلفا فقال المسلم إليه أسلمت إلى هذين الثوبين في كر حنطة وقال رب السلم بل أسلمت إليك هذا الثوب بعينه في كر حنطة فإن لم يكن لهما بينة فإنهما يتحالفان ويترادان وإن كانت لهما بينة أخذت ببينة المسلم إليه وكان الثوبان جميعا بكر حنطة لأنه مدع للفضل ألا ترى أن شهودهما قد اتفقوا على كر وثوب وإن بينة المسلم إليه قد شهدوا على فضل ثوب فهو للمدعي وإذا اختلفا فقال المسلم إليه أسلمت إلى ثوبين في كر حنطة وقال رب السلم بل أسلمت إليك أحدهما وهو هذا بعينه في كر حنطة وكر شعير فأقاما جميعا البينة فإنه يقضي للمسلم إليه بالثوبين جميعا ويقضي عليه بكر حنطة وكر شعير من قبل أن بينة رب السلم
قد شهدوا على كر شعير فضل وشهدت شهود المسلم إليه بفضل ثوب وإذا أسلم الرجل فلوسا في كر طعام أو شيء مما يكال أو يوزن فهو جائز وإذا أسلم الرجل إلى الرجل عشرة دراهم في كر حنطة فأقام رب السلم بينة أنهما تفرقا قبل أن يقبض المسلم إليه رأس المال وأقام المسلم إليه البينة أنه قد قبض رأس المال قبل أن يتفرقا فالسلم جائز ويؤخذ ببينة المسلم إليه ولو كانت الدراهم في يدي رب السلم بأعيانها فقال المسلم إليه أودعتها إياه أو غصبنيها بعد قبضي إياها وقد قامت البينة بالقبض كان القول كما قال ويقضي له بالدراهم والسلم جائز وإذا أسلم الرجل إلى الرجل ثوبا أو دابة أو عبدا أو أمة أو شيئا مما يكال أو يوزن إلى أجل ثم تفرقا قبل أن يقبض رأس المال كان السلم فاسدا ولا يجوز إن أراد أن يعود إلى ذلك إلا باستقبال السلم(3/159)
ولو باع جارية أو عبدا أو ثوبا بشيء مما يكال أو يوزن إلى أجل ثم تفرقا قبل أن يقبض جاريته غير أن البائع لم يمنعه من قبض ذلك كان البيع جائزا وكان له أن يقبض متى ما شاء وهذا والسلم في القياس سواء غير أني أخذت في السلم بالاستحسان ألا ترى أنه لو باع ثوبا بحنطة كيلا مسمى وضربا مسمى ولم يجعل لذلك أجلا كان جائزا ولو أسلم هذا الثوب في كر حنطة على هذه الصفة ولم يجعل له أجلا كان فاسدا وإذا أسلم الرجل إلى الرجل في طعام فقال له رجل آخر بعد ما نقد وتفرقا أو قبل أن يتفرقا أشركني فيه فإن الشركة لا تجوز لأن الشركة بيع وهذا بيع ما لم يقبض وإذا أخذ الرجل بالسلم رهنا يكون فيه وفاء بالسلم فهلك الرهن فقد بطل السلم لأن الرهن بما فيه ولو لم يهلك الرهن حتى يموت المسلم إليه وعليه دين كان صاحب السلم أحق بالرهن يباع له في حقه يستوفي ولو كان الرهن أقل من قيمة السلم ثم هلك رجع رب السلم بالفضل وبطل من سلمة بقدر قيمة الرهن
ولو كان الرهن أكثر من السلم بطل السلم كله وكان المرتهن في فضل الرهن أمينا وهذا القول في الرهن قول أبي حنيفة محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم وبه كان يأخذ أبو حنيفة وهو قول أبي يوسف ومحمد وإذا أسلم الرجل إلى الرجل في طعام فلم يتفرقا ولم يقبض المسلم إليه الثمن حتى اختلفا فقال هذا أسلمت إلى عشرة دراهم في كر حنطة وقال رب السلم بل أسلمت إليك خمسة دراهم في كر حنطة فإنه يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ويترادان السلم فان كانت لهما بينة على ما قالا أخذت ببينة المسلم إليه وأقضى له بعشرة لأنه مدع للفضل وهذا قول أبي يوسف وقال محمد هذان سلمان مختلفان وأقضى له بخمسة عشر درهما واجعل عليه كرين كرا بعشرة دراهم وكرا بخمسة دراهم ولو كانا اختلفا في السلم فقال رب السلم أسلمت إليك خمسة دراهم في كري حنطة وقال المسلم إليه بل أسلمت إلى عشرة دراهم في كر حنطة ولا بينة بينهما حلف كل واحد منهما(3/160)
على دعوى صاحبه فان حلفا جميعا ترادا وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه وإن قامت لهما بينة أخذت ببينة المسلم إليه بالعشرة وببينة الطالب في الكرين في قول أبي يوسف وقال محمد هما سلمان اقضي بهما جميعا وإذا أسلم الرجل إلى الرجل في طعام ثم وكل رب السلم وكيلا يدفع إليه الدراهم أو عبدا له أو ابنا له أو شريكا له مفاوضا أو غير مفاوض وقام رب السلم الذي أسلم فذهب قبل أن يقبض المسلم إليه رأس المال فان السلم فاسد ألا ترى أنهما قد تفرقا قبل أن يقبض المسلم إليه وإذا وكل المسلم إليه أحدا من هؤلاء بقبض رأس المال من رب السلم ثم فارقه المسلم إليه قبل أن يقبض رأس المال فإن السلم فاسد وإذا كفل الرجل بالسلم فاستوفى الكفيل السلم من المسلم إليه على وجه الاقتضاء منه ثم باعه وربح فيه أو أكله ثم قضى رب السلم طعاما مثله وفضل في يده فضل من ذلك فهو له حلال
لأنه قبضه على وجه الاقتضاء منه ولو كان قبضه على وجه الرسالة فإنه رسول فيه حتى يدفعه إلى رب السلم فإن فعل به شيئا من ذلك كان ينبغي له أن يتصدق بالربح وكان لا يحل الفضل وإن قضى الكفيل السلم من ماله قبل أن يقبضه من المكفول عنه ثم صالح المكفول عنه على دراهم أو شعير أو على غير ذلك مما يكال أو يوزن أو على عروض أو على حيوان غير أن ذلك يد بيد فهو جائز من قبل أن الكفيل ههنا مقرض للمكفول عنه وليس بمنزلة رب السلم ألا ترى أن له قرضا على المكفول عنه فلا بأس بأن يبيع القرض ببعض ما ذكرنا وليس لرب السلم أن يبيع السلم بشيء من ذلك لا يأخذ إلا طعامه أو رأس ماله ولا ينبغي له مع ذلك ان صالح على رأس ماله أن يشتري به شيئا حتى يقبضه قال أخبرنا أبو سليمان عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم بذلك(3/161)
فإذا كفل الكفيل لرب السلم برأس ماله قبل أن يترادا فهذه الكفالة باطلة لا تجوز لأنه كفيل بغير حقه وإذا أسلم الرجل إلى الرجل في بعض الأدهان في البنفسج أو الخيرى أو غيره من السمن والعسل إذا اشترط من ذلك وزنا معلوما وكيلا معلوما وضربا معلوما وأجلا معلوما فلا بأس وكل شيء وقع عليه اسم الكيل الرطل فهو موزون وإذا أسلم النصراني في خمر بكيل معلوم وأجل معلوم وضرب معلوم فهو جائز فيما بينهما فأيهما أسلم قبل أن يقبض السلم فان السلم فاسد لا يجوز ويكون على المسلم إليه أن يرد رأس المال ألا ترى أن المسلم إن كان هو الطالب فلا ينبغي له أن يأخذها فان كان المطلوب فلا ينبغي له أن يعطي الخمر وإن كانا أسلما جميعا فكذلك أيضا وان كان قبض بعض الخمر قبل أن يسلما ثم أسلما فما قبض فهو له وما بقي فيه رأس المال بحصته
وإذا أسلم نصراني ثوبا في خمر ثم أسلما فالسلم فاسد فان اختلفا في رأس المال فان القول قول المسلم إليه فان قال المسلم إليه هو زطي وقال الآخر بل هو هروي فهو زطي كما قال المسلم إليه وعلى المطلوب يمين بالله انه زطي كما قال وان كان الثوب قد هلك فاختلفوا في القيمة فالقول قول المسلم إليه مع يمينه وان قامت لرب السلم بينة على ما يدعي أخذت ببينته وان باعه ثوبا بخمر إلى أجل وهما نصرانيان فهو جائز فان أسلما أو أسلم أحدهما فالبيع فاسد ويرد عليه رأس ماله وإن كان قد هلك فعليه قيمته وإذا أسلم النصراني إلى النصراني في خنزير إلى أجل فانه لا يجوز لأنه حيوان(3/162)
وإذا أسلم إليه في عصير في غير حينه فانه لا يجوز والنصراني والمسلم في جميع السلم سواء ما خلا الخمر فإني أجيزها بين أهل الكفار ولا أجيزها بين أهل الإسلام وإذا أسلم الرجل إلى رجل في طعام جيد من طعام العراق والشام فهو جائز لأنهما لا ينقطعان من أيدي الناس ولو أسلم إليه في طعام قرية أو أرض خاصة أو قراح كان السلم فاسدا لأنه ينقطع من أيدي الناس وكذلك إذا أسلم إليه في تمر نحل معلوم فالسلم فاسد لأنه ينقطع من أيدي الناس ولا بأس بالسلم في الصوف صنفا معلوما ووزنا معلوما إلى أجل معلوم إذا اشترط منه ضربا معلوما وان اشترط كذا وكذا جزة بغير وزن فلا خير في السلم في ذلك وإذا أسلمت في صوف غنم لرجل بعينها فلا خير فيه وكذلك إذا أسلمت في ألبانها أو في سمن من أسمانها لأن هذا لا يبقي في أيدي الناس
وكذلك إن أسلم في سمن الأرض لا يبقي منها في أيدي الناس وكذلك الزبيب وما أشبه ذلك وكذلك إذا أسلمت في سمن حديث أو حديث زيت في غير حينه فلا خير فيه ولا خير في السلم في المسوح ولا في الجوالق إلا أن يشترط من ذلك ضربا معلوما وطولا معلوما وأجلا معلوما ولا خير في السلم في الحنطة الحديثة من قبل أنك لا تدري أن يكون ذلك في تلك السنة أم لا فهي منقطعة من أيدي الناس يوم أسلمت فيها وكذلك الأشياء كلها
وإذا أسلم الرجل في حنطة هراة خاصة وهي تنقطع من أيدي الناس فلا خير فيه وإذا أسلمت في ثوب هروي فلا بأس به لأن الثوب الهروي من الثياب بمنزلة الحنطة من الحبوب ألا ترى أنك لو أسلمت في حنطة جيدة علمت ما أسلمت فيه ولو أسلمت في ثوب جيد ولم تنسبه إلى أرض لم يعلم ما أسلمت فيه والثوب الهروي لا يصنع بغير تلك البلاد وهو اسمه لا يستطيع أن يسميه بغيره ولا بأس بالسلم في البواري طولا معلوما وعرضا معلوما وصنفا معلوما وأجلا معلوما وكذلك الحصير(3/163)
ولا خير في السلم في الطلع ولا بأس بالسلم في نصول السيوف إذا كان النصل معلوم طوله وعرضه وصفته وإذا كان السلم بين رجلين فاقتسماه وهو دين فلا يجوز ولا خير فيه وكذلك كل دين لا يجوز قسمته حتى يقبض وإذا اشترط رب السلم أن يوفيه إياه في مكان كذا وكذا وقال الذي عليه السلم خذه في غير ذلك المكان وخذ مني الكراء إلى ذلك المكان فأخذه منه كان أخذه جائزا ولا يجوز له الكراء يرد الكراء إلى الذي كان عليه السلم والذي أخذ المسلم بالخيار إن شاء تم أخذه المسلم ولم يكن له غير ذلك وإن شاء رده بما اشترط من الأجر حتى يوفيه إياه بالمكان الذي اشترط له في أصل السلم فان كان قبض قد هلك في يديه فلا شيء له
ولا خير في أن يسلم العروض في تراب المعادن لأنه مجهول لا يعرف ولا بأس بأن يسلم الحنطة وكل ما يباع من الحبوب في السمن والزيت والعسل وما أشبه ذلك مما يوزن ويكال بالرطل والكيل بالرطل عندنا هو الوزن ولا بأس بأن يسلم ما يكال فيما يوزن وما يوزن فيما يكال ولا يسلم ما يكال فيما يكال ولا ما يوزن فيما يوزن وإن اختلف النوعان وتفسير ذلك أنك لا تسلم الحنطة في الشعير ولا الشعير في السمسم ولا يسلم بشيء من الحبوب في غيره مما يكال فانه لا خير في ذلك لأنه كيل فكذلك الوزن إذا أسلمت بعضه في بعض ولا بأس بأن يشتري ذلك يدا بيد واحدا بواحد واثنين بواحد وإن كان نوعا واحدا فلا خير فيه إلا مثلا بمثل ولا خير في واحد باثنين وإن كان نوعا واحدا مما يوزن سمن أو عسل فلا بأس بذلك واحدا بواحد لا فضل فيه ولا يجوز نسيئة(3/164)
ولا بأس بالبنفسج بالخيرى رطلين برطل يدا بيد وكذلك البنفسج بالزنبق والورد لأن هذين مختلفان فلا بأس به اثنين بواحد يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وكذلك ألبان البقر بألبان الغنم وكذلك ألبان الإبل وكذلك لحم البقر بلحم الغنم اثنين بواحد ولا خير فيه نسيئة ألا ترى أنه مختلف وأن هذا غير هذا ولا خير في الحنطة بالدقيق لأنه من شيء واحد ولا يعلم أيهما أكثر وكذلك السويق بالدقيق فلا خير فيه وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد السويق بالدقيق لا بأس به يدا بيد وإن كان أحدهما أكثر من صاحبه فلا بأس به من قبل أنه قد اختلف ولا يعود واحد منهما أن يكون مثل صاحبه ولا خير في الزيت بالزيتون لأنه لا يدري لعل ما في الزيتون أكثر مما أخذ من الزيت فإن كان ما في الزيتون من الزيت يعلم ذلك فلا بأس به ويكون الفضل الذي في الزيت بما بقي من ثفل الزيتون
وكذلك دهن السمسم بالسمسم وكذلك العصير بالعنب وكذلك اللبن بالسمن وكذلك الرطب بالدبس ولا خير في شيء من هذا حتى تعلم أنت ما في السمسم من الدهن وما في العنب من العصير وما في اللبن من السمن وما في الرطب من الدبس أقل مما يعطي حتى يكون ما يفضل من اللبن بعد ما يخرج من السمن منه وثفل السمسم وثفل العنب وثفل الرطب بعد ما يخرج من الدبس بالفضل الذي كان فيما أعطاه الآخر ولا خير في شيء من هذا نسيئة ولا بأس بخل الخمر بخل السكر اثنين بواحد يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وإذا اشترى الرجل شاة حية بصوف وعلى ظهرها من الصوف أكثر مما يعطي كان هذا فاسدا لا يجوز حتى يكون(3/165)
ما على ظهرها من الصوف أقل منه فإذا اشتراها بلحم أقل من لحمها فهو في القياس ينبغي أن يكون فاسدا ولكنا ندع القياس ونجيزه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد إن هذا فاسد الشاة باللحم إلا أن يكون اللحم أكثر من لحم الشاة فيكون الفضل بالصوف والجلد والسقط للأثر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان والأول قول أبي حنيفة وكذلك لو اشتراها بلبن وفي ضرعها من اللبن فيما يرى أكثر منه كان هذا فاسدا ولا بأس بأن يشتري الحديد بالنحاس اثنين بواحد والنحاس بالرصاص اثنين بواحد يدا بيد لأنهما مختلفان ولا خير في شيء من ذلك نسيئة لأنه وزن كله وإذا أسلم الرجل حنطة في شعير وزيت إلى أجل معلوم فلا يجوز ذلك في الشعير ويجوز في الزيت في قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن
ويبطل ذلك كله في قول أبي حنيفة من قبل أنه أسلم كيلا في كيل وإذا أسلم الرجل دراهم في فضة وذهب كان ذلك فاسدا وإذا أسلم الرجل شيئا من الحديد والصفر والنحاس والرصاص في شيء مما يوزن من الأدهان من الزيت والسمن والعسل وأشباه ذلك أو شيء مما يوزن فلا خير فيه لأنه وزن كله وإذا أسلم الفلوس في شيء من ذلك فلا بأس به لأن الفلوس قد خرجت من الوزن إلا الصفر وحده فإني لا أجيز أن يسلم الرجل فيه الفلوس وكذلك لو باع سيفا بشيء مما يوزن إلى أجل أو أسلم السيف في شيء مما يوزن إلى أجل كان ذلك جائزا لأن السيف قد خرج من الوزن إلا الحديد فإنه نوع واحد وكذلك كل متاع أو إناء مصوغ من حديد أو نحاس قد خرج من الوزن ولا بأس بأن يسلم فيما يوزن من السمن والزيت والعسل وأشباه ذلك من الأدهان ولا بأس بأن يبيعه نسيئة بشيء من ذلك(3/166)
ولا بأس بأن يبيع إناء مصوغا من ذلك بإناء مصوغ يدا بيد فيه أكثر مما فيه من الوزن إذا كان ذلك الإناء لا يباع وزنا وكذلك الفلوس لا بأس بأن يستبدل فلسا بفلسين أو أكثر يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وهذا قول أبي يوسف وقال محمد لا يجوز ذلك يدا بيد ولا نسيئة لأن الفلوس ثمن إن ضاع منها شيء قبل القبض وجب على صاحبه مكانه لأنه من نوعه وقال أبو يوسف إن ضاع الفلس قبل أن يدفعه فقبض الفلسين لم يجز أن يدفع أحدهما قضاء منه وكذلك الفلوس لا بأس بأن يشتري فلسا بفلسين أو أكثر يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وكذلك الخز لا بأس بأن يستبدل شقة من خز بشقة هي أكبر منها أو أكثر وزنا وكذلك الطيالسة والمسوح والأكسية والبتوت وأصناف الثياب كلها لأن هذا قد خرج من الوزن فلا بأس بأن يستبدل هذا بشيء هو أكثر وزنا منها لأن هذا لا يوزن
وكذلك الصوف بالإبريسم لا بأس به ولا خير في أن يبيع شيئا من الدهن بالزيت لأنه وزن يوزن ولا خير في أن يسلم أحدهما في صاحبه لأن هذا وزن كله ولا بأس بأن يسلم هذا فيما يكال أو أن يسلم ما يكال في هذا إذا اشترطت ذلك على ما وصفت لك وقال أبو حنيفة لا بأس بالتمر بالرطب مثلا بمثل وإن كان الرطب ينقص إذا جف وكذلك الحنطة الرطبة بالحنطة اليابسة وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا خير في الرطب بالتمر مثلا بمثل يدا بيد لأن الرطب ينقص إذا جف قال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وكذلك الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة في قول محمد(3/167)
وأجاز ذلك أبو يوسف كما قال أبو حنيفة ولا خير في الحنطة بالحنطة التي قد قليت وطحنت والحنطة بالسويق لا خير فيه مثلا بمثل ولا اثنين بواحد ولو كان مع ذلك ذهب أو فضة فلا خير فيه بلغنا نحو من ذلك عن الشعبي إلا في الخصلة الواحدة إلا أن يكون السويق بالحنطة مثلا بمثل والحنطة أكثر ومع السويق دراهم أو ذهب فتكون الدراهم والذهب بفضل الحنطة وإذا كان نوعا واحدا مما لا يكال أو يوزن فلا بأس به اثنين بواحد أو أكثر من ذلك أو أقل يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وإن صرف إلى ذلك شيئا من غير ذلك الصنف فأسلم قوهية في قوهية وهروية نسيئة فلا خير فيه كله في قياس قول أبي حنيفة
ولا خير فيه في قول أبي يوسف ومحمد في القوهية خاصة وهو جائز في الهروية إن كانت القوهية معجلة والهروية نسيئة فلا بأس به وكذلك لو أسلم ثوبا قوهيا في ثوب هروي فعجل فضل دراهم أو تعجل شيئا من المتاع سوى ما أسلم أو سوى ما أعطى هو إن تعجله أيضا من صاحبه فهذا جائز لا بأس به وكذلك لو أعطاه ثوبا في حنطة وشعير فجعل نصفه عاجلا ونصفه إلى أجل فذلك جائز ولو أعطاه ثوبا قوهيا في ثوب قوهي نسيئة فهو مردود سلما كان أو بيعا مقايضة أو قرضا فلا خير في شيء من ذلك لأنه نوع واحد فلا خير فيه وإن زاد فيه درهما مع الثوب الذي عجل أو زاد الآخر مع الثوب الآخر درهما عاجلا أو آجلا كان ذلك كله فاسدا لا يجوز لأنه نوع واحد فلا يجوز أن يزيد فيه شيئا(3/168)
وكذلك لو كانت الزيادة دنانير أو ثوبا يهوديا أو حنطة أو شيئا مما يكال أو يوزن وإذا كان الثوبان من نوعين مختلفين فأعطاه ثوبا يهوديا في ثوب زطي أو أعطاه ثوبا مرويا في ثوب هروي وزيادة درهم من عنده عاجلا أو زاده الآخر درهما عاجلا أو آجلا فذلك كله جائز بعد أن يكون الأجل معلوما والرقعة والطول والعرض من قبل أن النوعين قد اختلفا وكذلك إذا أسلم طعاما في شيء مما يوزن وزاد مع ذلك درهما أو دينارا أو ثوبا عجله فهو جائز وإن جعل الشيء من ذلك مؤجلا فلا خير فيه وإن كانت الزيادة من الذي عليه السلم أو كانت دراهم أو دنانير أو ثوبا أو شيئا مما يوزن فعجله وسمى وزن الذي عجله كان ذلك جائزا
وإذا جعل ذلك كله إلى أجل فهو جائز إذا علم ذلك ولو أسلم رجل طعاما في شيء مما يوزن أو ثياب معلومة من أصناف معلومة مختلفة وفي أشياء معلومة من صنوف الوزن واشترط كل ضرب من ذلك على حاله معلوما وزنه وذرعه وصفته وجعل لها أجلا واحدا أو آجالا مختلفة وسمى لكل صنف من ذلك رأس مال من الطعام فان ذلك جائز وان كان لم يسم رأس مال كل صنف فهو فاسد في قول أبي حنيفة وإذا أسلم الرجل شيئا مما يكال في شيء مما يوزن أو يذرع ذرعا على هذه الصفة فهو جائز وإن أدخل في ذلك شيئا من الكيل فأسلم فيه مع الوزن والذرع فسد السلم كله في قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فانه يفسد في نوع رأس المال ويجوز فيما بقي لأن رأس المال مما يكال(3/169)
ولا بأس أن يشتري الرجل الشاة الحية بالشاة المذبوحة يدا بيد من قبل أن الشاة الحية لا توزن ولا خير فيه نسيئة ولو كانتا شاتين مذبوحتين قد سلختهما اشتراهما رجل بشاة مذبوحة لم تسلخ كان ذلك جائزا يكون لحم الشاة الواحدة بلحم إحدى الشاتين وجلدها بلحم الشاة الأخرى ولو كانت الشاة ليست معها جلد كان ذلك فاسدا إلا أن يكون مثلا بمثل لأن اللحم هو وزن كله ولا بأس بكر حنطة وكر شعير بثلاثة أكرار كر حنطة وكر شعير يدا بيد فتكون حنطة هذا بشعير هذا وشعير هذا بحنطة هذا وكذلك كر حنطة وكر شعير بنصف كر حنطة ونصف كر شعير فتكون الحنطة بالشعير والشعير بالحنطة ولا خير في شيء من هذا نسيئة وإن اشترى الرجل قفيز حنطة بنصف قفيز حنطة هو أجود منه أو قفيز شعير بنصف قفيز شعير هو أجود منه فلا خير فيه
ولو أعطيت قفيزا من حنطة وقفيزا من شعير بقفيزين من تمر لم يكن بذلك بأس يدا بيد وكذلك لو كان مع التمر قفيز من حنطة فلا بأس ولا بأس بأن يشتري الكفري بما شئت من التمر يد بيد لأن الكفري ليس بتمر ولا يكال ولا خير فيه إذا كان الكفري بنسيئة من قبل أن هذا شيء مجهول لا يعرف وفيه الصغير والكبير ولا خير في التمر بالبسر اثنين بواحد وإن كان البسر لم يحمر ولم يصفر من قبل أن أصله واحد وكذلك القسب بالتمر لا خير فيه اثنين بواحد يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وكذلك كل صنف من صنوف التمر والقسب والبسر فهذا كله واحد ولا خير في بعضه ببعض إلا يدا بيد مثلا بمثل ولا خير في أن يبتاع حنطة مجازفة بحنطة مجازفة(3/170)
وكذلك كل شيء يكال أو يوزن فكذلك التمر في رؤوس النخل لا خير فيه أن يبتاعه بالتمر كيلا أو مجازفة بلغنا نحو من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الزرع إذا كان قد أدرك وبلغ وهو حنطة فلا خير في ذلك أن يبتاعه بحنطة كيلا أو مجازفة لأنك لا تدري أي ذلك أكثر ولا بأس بأن يبتاعه وهو قصيل من قبل أن يكون حنطة بكيل أو بغير كيل بعد أن يكون طعاما بعينه فإذا اشترط عليه أن يترك القصيل في أرضه حتى يدرك فلا خير في البيع
ولا بأس أن يبتاع زرع الحنطة بعد ما أدرك بدراهم أو بشيء مما يكال غير الحنطة أو بشيء مما يوزن مجازفة أو غير مجازفة من قبل أنهما نوعان مختلفان وإذا كان الشيء مما يكال أو يوزن بين رجلين فاقتسما مجازفة أخذ أحدهما أحد النوعين وأخذ الآخر النوع الآخر أو أخذ كل واحد منهما نصف نوع واصطلحا على ذلك مجازفة بغير كيل كان ذلك جائزا لأن كل نوع منهما يصير بنوع الآخر ولا خير في شراء ألبان الغنم في ضروعها كيلا ولا مجازفة بدراهم ولا غير ذلك وكذلك أولادها في بطونها وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن شراء حبل الحبلى ونهى عن بيع الغرر وهذا عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء اللبن في الضروع وشراء حبل الحبلة(3/171)
وكذلك شراء أصوافها على ظهورها لأن هذا غرر لا يعرف وكذلك كل شيء اشتريت من الثمار مما يكال وهو في الشجر بنصف غيره فلا بأس به يدا بيد إذا كان قد أدرك فإن اشترطت عليه أن يتركه في الشجر حتى يدرك فلا خير فيه وإن كان لم يدرك فهو سواء وإن لم يشترط عليه تركه فهو جائز فإذا اشتريت لتقطعه مكانك فلا بأس به وإن أذن لك بعد الشراء أن تتركه فتركته حتى يبلغ فهو جائز وإذا اشترى الرجل طعاما بطعام مثله فعجله كله وترك الذي اشترى ولم يقبضه فهو جائز لأنه حاضر وليس له أجل وإن قبضه بعد ذلك بيوم أو أكثر فلا بأس به وليس هذا كالصرف ولا كالسلم وكذلك لو أن رجلا اشترى عبدا بعبدين أو شاة بشاتين يدا بيد فقبض أحدهما ولم يقبض الآخر إلا بعد ذلك بيوم أو يومين فهو جائز ألا ترى أن الرجل يشتري الجارية أو الشاة أو الطعام أو الشيء من العروض وينقد الدراهم ولا يقبض ذلك يوما أو يومين فيكون ذلك جائزا فلا بأس به وليس هذا بنسيئة
ولو جعل فيه أجل يوم أو أكثر من ذلك كان هذا فاسدا من قبل أنه اشترى شيئا بعينه فلا يجوز فيه الأجل وإذا اشترى الرجل طعاما بطعام أو بغيره مما يكال أو يوزن واشترط عليه أن يوفيه إياه في منزله وهما في المصر الذي فيه المنزل فذلك جائز ما خلا الطعام فإنه قد أخذ طعاما بطعام وفضل فلا خير فيه وإذا اشترى طعاما بدراهم أو بعروض بعينها على أن يحملها إلى منزله فلا خير فيه وكذلك لو اشترط عليه أن يوفيه إياه في منزله كان فاسدا غير أني أستحسن في هذا خصلة واحدة إذا كان في مصر واحدة واشترط عليه أن يوفيه إياه في منزله فلا بأس به وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد هذا كله فاسد وإذا اشترى الرجل شعرا بصوف(3/172)
متفاضلا فلا بأس به يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ولا بأس بالقطن والكتان والحديد والنحاس وما أشبه ذلك أن يشتريه واحدا باثنين بعضه ببعض إذا اختلف النوعان يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ولا خير في أن يسلم في شيء من هذا في شيء مما يكال بالأرطال لأنه وزن كله وإذا اسلم الرجل ثوبا أو جارية أو شيئا من العروض أو الحيوان في نوعين من الكيل والوزن مختلفين فلا بأس بذلك وإن لم يبين رأس مال كل واحد منهما من قبل أن رأس ماله لا ينقص وليس هذا كالطعام في قول أبي حنيفة الذي ينقص ويوزن ويكال وإذا أسلم الرجل إلى الرجل في حنطة وسطا فأعطاه الآخر طعاما جيدا أو أسلم في تمرد قل فأعطاه الآخر فارسيا فلا بأس بذلك
وكذلك لو أعطاه دون شرطه فأخذه كان ذلك جائزا وقال أبو حنيفة إذا اشترى الرجل عبدين وقبضهما فمات أحدهما في يديه ثم اختلفا في الثمن فان القول في ذلك قول المشتري إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا يأخذ من ثمن الميت شيئا وفيها قول آخر قول أبي يوسف أن القول قول المشتري في حصة الميت ويتحالفان ويترادان في الحي منهما وهذا قول أبي يوسف وقال محمد يتحالفان ويترادان في الحي وفي حصة الهالك والقول في قيمة الهالك قول المشتري مع يمينه(3/173)
باب الوكالة في السلم:
وإذا وكل الرجل رجلا أن يسلم له عشرة دراهم في كر حنطة فأسلمها إلى رجل واشترط ضربا من الحنطة معلوما وأجلا معلوما في كيل مسمى والمكان الذي يوفيه فيه فهو جائز وللوكيل أن يقبض الطعام إذا حل الأجل وإن كان الوكيل نقد الدراهم من عنده ولم يدفع الذي وكل شيئا فهو جائز والطعام للذي وكله والدراهم للوكيل دين على الموكل فإذا قبض الوكيل الطعام فله أن يحبسه عنده حتى يستوفي الدراهم من الموكل وهذا بمنزلة الرجل أمر رجلا أن يشتري له خادما بعينها فاشتراها ولم يدفع إليه الثمن ونقد الوكيل الثمن من عنده وقبض الخادم فللوكيل أن يحبسها حتى يستوفي المال من الموكل فان هلكت الجارية عند الوكيل بعد ما حبسها وأبى أن يدفعها إلى الموكل حتى طلبها فهي من مال الوكيل والثمن دين على الموكل فكذلك السلم في الطعام وإذا وكل رجل رجلا بأن يسلم له في حنطة ودفع إليه دراهم فأسلمها وأخذ بها رهنا فهو جائز وكذلك لو أخذ بها كفيلا فهو جائز على الموكل
وإن حل الأجل فأخر الوكيل السلم فهو جائز عليه خاصة وهو ضامن للطعام للموكل وكذلك لو أبرأ الذي عليه الطعام أو وهبه له كان جائزا عليه وكان الوكيل ضامنا للطعام للموكل ولو لم يفعل الوكيل شيئا من ذلك ولكن احتال به على رجل وأبرأ الأول فهو جائز عليه خاصة وان كان المحتال عليه مليئا أو غير مليء فالوكيل ضامن للطعام للموكل لأنه أبرأه من طعامه بغير قبض فان اقتضى الوكيل طعاما دون شرطه وكان شرطه جيدا فاقتضى منه وسطا أو رديئا فهو جائز عليه وللموكل أن يضمنه طعاما مثل طعامه وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يجوز شيء من هذا إلا في الكفيل والرهن وإذا وكل الرجل رجلا بأن يسلم له دراهم في طعام ثم إن الوكيل تارك السلم وقبض رأس المال فهو جائز وهو ضامن للطعام مثله لرب السلم لأن الطعام قد وجب للآمر وهذا قياس قول أبي حنيفة ومحمد(3/174)
وأما في قول أبي يوسف فلا يجوز إبراء الوكيل ولا هبته ولا متاركته ولا تأخيره وللموكل أن يرجع بطعامه استحسن ذلك وادع القياس فيه وإذا وكل الرجل رجلا فأسلم له دراهم في طعامه ثم فارق الوكيل المسلم إليه وأسلم وأمر الوكيل الموكل أن يدفع إليه الدراهم فان السلم قد فسد وانتقض من قبل أن الوكيل هو الذي ولى الصفقة وفارقه قبل أن ينقده وإن نقد الموكل الدراهم رجع بها على الذي أخذها منه وكذلك لو كان الذي عليه السلم وكل وكيلا أيضا فهو سواء وإذا وكل رجل رجلا أن يسلم له عشرة دراهم في حنطة فأسلمها في قفيز حنطة فهذا جائز على الوكيل ولا يجوز على رب السلم والوكيل ضامن للدراهم للموكل ولو أسلمها في أكثر من ذلك من الحنطة أو كان حط عنه شيئا يتغابن الناس فيه كان ذلك جائزا على الموكل وإذا وكل رجل رجلا أن يسلم له دراهم في طعام فالطعام عندنا الحنطة يستحسن ذلك فان أسلم في شعير أو في تمر أو في سمسم فهو جائز على الوكيل ولا يجوز على الموكل
وإن رجع الآمر على الذي أسلم إليه بدراهمه كان له ذلك فان كان الذي أسلم إليه قد فارق صاحب السلم انتقض السلم وإن كان لم يفارقه حتى أعطاه دراهم مثلها كان ذلك جائزا مستقيما والوكيل ضامن للدراهم إن شاء أخذه ولم يتبع بها المسلم إليه وإن أسلم الدراهم في دقيق حنطة فهو جائز وإذا وكل رجل رجلا بأن يأخذ له دراهم في طعام مسمى إلى أجل فأخذ الوكيل الدراهم ثم دفعها إلى الذي وكله فان الطعام على الوكيل وإنما للوكيل على الذي وكله دراهم قرض لأن الوكيل حيث أسلم إليه في طعام صار عليه وحيث دفع الدراهم إلى الذي وكله لم يسلمها إليه في طعام فصارت قرضا عليه وقد كان للوكيل أن يمنعها إياه ألا ترى أن رب السلم ليس له على الموكل شيء وإذا وكل رجل رجلا ودفع إليه عشرة دراهم يسلمها في ثوب ولم يسم جنسه فأسلمها الوكيل في ثوب وسمى طوله وعرضه ورقعته وجنسه وأجله فهو جائز على الوكيل والوكيل ضامن للدراهم للآمر(3/175)
ولا يجوز هذا على الآمر من قبل انه لم يسم جنس الثوب ولرب الدراهم أن يضمن ماله المسلم إليه فان ضمن الدراهم المسلم إليه انتقض السلم وإن ضمنها الوكيل بقي السلم وكان للوكيل على المسلم إليه ثوب وإذا أمره أن يسلم الدراهم في الثوب اليهودي فأسلم في ثوب يهودي واشترط طوله وعرضه ورقعته وأجله فهو جائز وكذلك إذا قال أسلمها في ثوب قوهي أو مروي إذا سمى له جنسا من الثياب كان ذلك على الآمر فان خالف الوكيل فأسلم في غير ذلك فلرب الدراهم أن يضمن الوكيل الدراهم فان ضمنها إياه جاز السلم للوكيل وإن ضمنها المسلم إليه بطل السلم وإذا وكل رجل رجلا أن يسلم له دراهم في حنطة ودفعها إليه فأسلمها إليه ولم يشهد على المسلم إليه بقبض المال ولا بالاستيفاء ثم جاء المسلم إليه بدرهم يرده إليه وقال وجدته زائفا فإنه يصدق ويقضي على الوكيل ببدله ويرجع به الوكيل على الموكل وكذلك لو وجد درهمين
فإن وجد النصف زيوفا رد ذلك وبطل من السلم بحساب ذلك في قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فانه يستبدل فان كانت كلها زيوفا استبدلها وإن كان قد أشهد عليه أنه استوفى رأس المال لم يصدق المسلم إليه على الدراهم الزيوف ولم تقبل منه البينة على ذلك ولم يكن له يمين على الوكيل وإذا وكل رجل رجلا أن يسلم له عشرة دراهم من الدين الذي عليه في الطعام فأسلمها له فان هذا لا يكون سلما للآمر في قول أبي حنيفة وهو من مال الوكيل المأمور حتى يقبض الطعام ويدفعه إلى الآمر وهو في قول أبي يوسف ومحمد جائز وكذلك ألف درهم على رجل فقال اصرفها لي بدنانير أو اشتر لي بها عدلا زطيا(3/176)
وإذا وكل رجل رجلين أن يسلما له دراهم في طعام فأسلم أحدهما دون الآخر فانه لا يجوز على الآمر لأنه لم يرض برأى هذا وحده وإن أسلما جميعا الدراهم في طعام فهو جائز على الآمر وإن تارك أحدهما المسلم إليه فانه لا يجوز في قول أبي حنيفة ولا في قول أبي يوسف ومحمد والطعام على حاله دين وإذا وكل رجل رجلا أن يسلم له دراهم في طعام فأسلمها له ثم إن الآمر اقتضى الطعام وقبضه فهو جائز وكذلك لو تارك السلم وقبض رأس المال فهو جائز والذي عليه الطعام بريء ولو لم يفعل ذلك وأراد قبض الطعام وأبى الذي عليه الطعام أن يدفعه إليه فله أن يمتنع منه ولا يعطيه شيئا لأنه لم يسلم إليه في شيء وإذا وكل رجل رجلا فدفع إليه دراهم يسلمها له في الحنطة فقاول الوكيل رجلا وبايعه ولم يكن له نية في دفع دراهمه ولا في دفع
دراهم الآمر ثم دفع إليه دراهم الآمر فهو جائز وهي للآمر وإن دفع إليه دراهم لنفسه فالطعام له ودراهم الآمر عند الوكيل حتى يسلمها وهو قول يعقوب إذا لم تكن النية في ذلك لنفسه ولا للآمر وفيها قول آخر قول محمد انه لازم للوكيل إلا أن يكون نواه للآمر عند عقدة الشراء فان نوى ذلك لم يسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يأخذه لنفسه فان تكاذبا فيما قال الوكيل من نيته فالذي اشترى للذي نقد ماله أيهما كان وإذا أسلم الرجل إلى رجل دراهم في طعام ثم وكل رجلا أن يدفع إليه الدراهم وقام هو فذهب فقد انتقض السلم وبطل فإن دفع الوكيل الدراهم والرجل حاضر فهو جائز وإذا وكل المسلم إليه رجلا يقبض الدراهم من رب السلم وفارقه فذهب فقد انتقض السلم وبطل وان لم يذهب ولم يفارقه حتى قبض الوكيل الدراهم فهو جائز فالدراهم للمسلم إليه والطعام عليه لأنه ولى صفقة البيع(3/177)
وإذا وكل رجل رجلا بثوب يبيعه بدراهم فأسلمه في طعام إلى أجل فانه لا يجوز فان ضمن رب الثوب الوكيل جاز السلم وكان له وان ضمن المسلم إليه الثوب بطل السلم وهذا قول أبي يوسف ومحمد وإذا وكل رجل رجلا بثوب يبيعه ولم يسم له الثمن فأسلمه في طعام إلى أجل فهو جائز على الآمر لأن هذا بيع أرأيت لو باعه بدراهم نسيئة ألم تجزه أرأيت لو باعه بدراهم يدا بيد ألم تجزه وهذا قول أبي حنيفة وأما أبو يوسف ومحمد فانهما قالا لا يجوز إلا أن يبيع ذلك بدراهم أو دنانير وإذا وكل رجل رجلا بطعام يبيعه فباعه بزيت أو سمن فهو جائز وإن أسلمه في زيت فهو جائز على الآمر وقال يعقوب ومحمد لا يجوز إلا أن يبيعه بدراهم أو دنانير لأنهما الثمن الذي تجري عليه بياعات الناس وإذا وكل رجل رجلا بأن يسلم له دراهم إلى رجل بعينه في طعام فأسلمها إلى غيره فانه لا يجوز
فإن فعل ذلك فالطعام له ولا يجوز على الآمر وإذا وكل رجل رجلا بدراهم أن يسلمها في طعام فأسلمها وأدخل في السلم شرطا يفسده فان السلم باطل ولا يضمن الوكيل من الفساد الذي دخل فيه شيئا وإذا وكل رجل رجلا بدراهم أن يسلمها له والوكيل ذمي فإني أكره له ذلك وأجيزه على الآمر وإذا وكل الذمي المسلم أن يسلم دراهم في طعام فهو جائز وكذلك لو وكل الحر العبد بدراهم فهو جائز وإذا وكل العبد التاجر الرجل الحر بذلك فهو جائز وإذا وكل الرجل الحر المكاتب فهو جائز وإذا وكل المكاتب الحر فهو جائز وإذا وكل المضارب رجلا يسلم له في طعام فهو جائز وان كانت من دراهم المضاربة فهو جائز وإذا وكل رجل رجلا يسلم له دراهم في طعام فهو جائز وليس للوكيل أن يوكل بذلك غيره لأنه لم يفوض ذلك إليه(3/178)
فان قال الذي وكله ما صنعت في ذلك من شيء فهو جائز فله أن يوكل غيره ويجوز على الآمر وإذا وكل الذمي المسلم أن يسلم في خمر إلى ذمي ففعل المسلم ذلك فان ذلك لا يجوز من قبل أن المسلم ولى عقدة السلم وإذا وكل المسلم الذمي أن يسلم له في خمر فأسلمها إلى ذمي فهو جائز لأن الذمي ولى الصفقة والذي باع ذمي وينبغي للمسلم أن يخللها في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا يكون الخمر للمسلم على حال ولكنها للذمي وإذا كان المكاتب كافرا ومولاه مسلما فوكل المكاتب كافرا فأسلم له في خمر إلى كافر فهو جائز وكذلك العبد التاجر الكافر وإذا وكل رجل رجلا بدراهم يسلمها له فصرفها الوكيل بدراهم غيرها فان الوكيل قد خالف وهو ضامن لدراهم الآمر وإذا دفع الرجل إلى رجل دينارا فقال أسلمه لي في طعام فصرفه بدراهم ثم أسلمها في طعام فهو للوكيل
والوكيل ضامن لدينار الآمر وإذا وكل رجلان رجلا واحدا أن يسلم لهما في طعام كل واحد منهما بدراهمه على حدة فأسلم الدراهم كلها إلى رجل واحد في طعام واحد فهو جائز ولا يضمن الوكيل لأنه لم يخلط الدراهم بالدراهم والطعام بين الرجلين ما قبض منه فهو لهما وما توى منه فعليهما ولو كان الوكيل خلط الدراهم ثم أسلمها لهما كان السلم له وكان ضامنا للدراهم لهما ولو لم يخلطها ولكنه أسلم دراهم كل واحد منهما وحدها كان جائزا فان اقتضى شيئا فقال كل واحد منهما هذا من مالي فالقول في ذلك قول الذي كان عليه الطعام فان قال هو من هذا الصك فهو منه فان كان غائبا فالقول قول الوكيل فان قدم الذي عليه الطعام فاكذب الوكيل فالقول قول الذي عليه الصك(3/179)
وإذا وكل رجل رجلا بأن يسلم له دراهم في طعام فأسلمها إلى نفسه فإنه لا يجوز وكذلك لو أسلمها إلى عبده أو مكاتبه فإنه لا يجوز على الآمر فإن أسلمها إلى أبيه أو ابنه أو إلى أمه أو زوجته فإنه لا يجوز في قياس قول أبي حنيفة وهذا قول أبي يوسف ومحمد جائز فإن أسلمها إلى شريك له مفاوض لم يجز أيضا وإن أسلمها إلى شريك له عنان جاز ذلك إذا لم يكن ذلك من تجارتهما وإذا وكل رجل رجلا فأسلم له دراهم في طعام ثم إن الوكيل وكل بقبض ذلك الطعام وكيلا فقبضه وكيل الوكيل فقد برئ الذي عليه الطعام فإن كان وكيل الوكيل عبد الوكيل الأول أو ابنه في عياله أو أجيرا له فهو جائز على الآمر وإن كان أجنبيا فالوكيل الأول ضامن للطعام إن ضاع في يدي
الوكيل الثاني فإن وصل إلى الوكيل الأول برئ الوكيل الأول والثاني من الضمان وكان الطعام للآمر وإذا وكل رجل رجلا فأسلم له دراهم في الطعام إلى امرأة فهو جائز وكذلك إن كان الوكيل امرأة فهو جائز وكذلك إن كان الآمر امرأة فهو جائز
باب البيوع الفاسدة:
وإذا باع الرجل رجلا عدل زطي أو جراب هروي على أن فيه خمسين ثوبا بألف درهم فوجد فيه واحدا وخمسين ثوبا كان هذا البيع باطلا لا يجوز ألا ترى أنه لو قال ابتعت منك خمسين مما في هذا العدل وفيه أكثر من ذلك كان هذا فاسدا لأنه لا يدري ما اشترى من ذلك أرأيت لو قال المشتري آخذ جياد العدل وقال البائع بل أعطيك شرار العدل ألا ترى أن هذا فاسد وإذا اشترى الرجل عدل بز بألف درهم على أن فيه خمسين ثوبا فإذا فيه تسعة وأربعون ثوبا فإن البيع فاسد من قبل انه لا يدري بكم يقوم الثوب الذاهب منها ولو كان سمى لكل ثوب عشرة دراهم فكان في العدل واحد وخمسون ثوبا كان أيضا فاسدا لأنه لا يدري أي ثوب(3/180)
منها يرد وأيها يأخذ وإن كانت الثياب تنقص ثوبا وقد سمى لكل ثوب ثمنا فان البيع جائز والمشتري بالخيار إن شاء أخذ كل ثوب بما سمى وإن شاء ترك وإذا اشترى الرجل عبدين صفقة واحدة فإذا أحدهما حر فان البيع فاسد لا يجوز في العبد منهما لأنه صفقة واحدة أرأيت لو باعه عبدا وخنزيرا أو ميتة ألم يبطل البيع كله فكذلك الحر لا يجوز بيعه وإذا اشترى الرجل عبدين فإذا أحدهما مكاتب أو مدبر أو اشترى أمتين فإذا إحداهما أم ولد وقد قبض المشتري المبيع فإنه يرد المكاتب والمدبر وأم الولد في ذلك بحصته ويلزم الآخر بحصته من الثمن ولا يشبه هذا الحر ألا ترى أن بعض الفقهاء يجيز بيع أم الولد والمدبر وإن هؤلاء رقيق بعد لم يعتقوا وليس للمشتري خيار في الباقي منهما إذا علم بذلك يوم اشترى وإذا اشترى الرجل شاتين مذبوحتين فإذا إحداهما ذبيحة
مجوسي أو ذبيحة مسلم ترك التسمية عمدا أو ميتة فعلم بذلك قبل القبض أو بعده فالبيع فاسد في ذلك كله وكذلك دنين من خل فإذا أحدهما خمر كان البيع فاسدا باطلا لا يجوز واحد منهما والقبض في هذا وغير القبض سواء ألا ترى أن مسلما لو قال لمسلم أبيعك هذا الخمر وهذا الخل بدراهم أو أبيعك هذا اللحم وهذه الميتة بدراهم كان هذا فاسدا لا يجوز وكذلك الذي يجيز بعض هذا قد أجاز ما لم يحل بيعه لمسلم ولا شراؤه وإذا اشترى الرجل غنما أو بقرا أو إبلا أو رقيقا أو عدل زطي أو جراب هروي فقال قد أخذت كل واحد من هذا بكذا وكذا درهما ولم يسم جماعة ذلك الشيء فإن البيع في هذا فاسد لأنه إنما وقع على شيء واحد لا يدري ايما هو في قول أبي حنيفة وفيها قول آخر وهو قول أبي يوسف ومحمد أن البيع جائز كله وإن جميع ذلك الشيء عدل هذا ان كان قد رآه وإذا اشترى الرجل دارا كل ذراع منها بكذا وكذا ولم يسم جماعة الذرعان فالبيع في هذا فاسد ألا ترى أنه لا يدري ما جماعة(3/181)
الثمن وإن بعض الدار أفضل من بعض وكذلك الثوب والخشبة يشتريها الرجل كل ذراع بكذا وكذا درهما ولم يسم جماعة الذرعان فهو فاسد لأنه إنما وقع البيع على شيء واحد منها وهي مختلفة ألا ترى أنه لا يعلم جماعتها في قول أبي حنيفة وقال يعقوب ومحمد في هذا هو جائز كله إذا كان قد رآه وان لم يره فهو بالخيار ان رآه وإن ذرع ذلك كله قبل أن يتفرقا ان شاء أخذه وإن شاء تركه فهذا قول أبي حنيفة وإذا اشترى الرجل غنما أو بقرا أو إبلا أو عدل زطي كل اثنين من ذلك بعشرة دراهم فهو باطل لا يجوز من قبل أنها مختلفة ألا ترى أنها الغالي والرخيص والجيد والرديء فأي شيء يضم
مع الجيد رديئا أم جيدا أو بما يرد إذا وجد عيبا فهذا باطل لا يجوز وإذا اشترى الرجل عدل زطي أو جراب هروي بقيمته أو بحكمه فالبيع في هذا فاسد لا يجوز لأنه اشترى بما لا يعرف وإذا اشترى بألف درهم ونحلة يمينه فإن البيع في هذا فاسد لا يجوز لأن نحلة اليمين مجهولة وإذا اشترى بألف درهم إلا دينارا أو بمائة دينار إلا درهما كان البيع في هذا فاسدا وكذلك لو اشتراه بألف درهم إلا كر حنطة أو بألف درهم إلا شاة
فانه لا يجوز البيع في هذا ألا ترى أنه استثنى شيئا لا يدري كم هو ولا يدري كم هو من الثمن وإذا اشترى الرجل بيعا كر حنطة أو فرق سمن أو زيت أو ثوبا أو غير ذلك من جميع الأصناف فقال قد أخذت منك هذا بمثل ما يبيع الناس فهذا فاسد وهو ضامن لمثله ان استهلكه إن كان مما يكال ويوزن وكذلك لو قال أخذت منك هذا بمثل ما أخذ فلان من الثمن فهو فاسد وإن علم قبل أن يتفرقا فهو بمنزلة الدار إذا قال قد اشتريتها كل ذراع بدرهم في قول أبي حنيفة وهو بالخيار إذا علم ثمنها إن شاء أخذها وإن شاء تركها(3/182)
وإذا باع متاع غيره ثم اشتراه أو ورثه فإن البيع الذي كان قبل ذلك لا يجوز لأنه باع ما لا يملك وإذا باع الرجل بيعا فقال هو بالنسيئة بكذا وبالنقد بكذا كذا أو قال هو إلى أجل كذا بكذا وكذا وإلى أجل كذا بكذا وكذا فافترقا على هذا فإنه لا يجوز بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن شرطين في بيع قال محمد حدثنا بذلك أبو حنيفة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا باع الرجل بيعا قد كان اشتراه قبل أن يقبضه أو اشترك فيه أو ولاه فإن هذا مردود لا يجوز
قال محمد حدثنا بذلك أبو حنيفة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع ما لم يقبض وإذا باع الرجل عبدا آبقا ليس في يديه حين باعه فإن هذا لا يجوز لأن هذا غرر بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع الغرر وعن بيع العبد الآبق وإذا باع الرجل جارية قد كان أعتق ما في بطنها من الولد وهي حامل فإن البيع فاسد لا يجوز وكذلك إن كان لم يعتق ما في بطنها ولكن باع ما في بطنها دونها فهو فاسد وكذلك لو باعها واستثنى ما في بطنها فإن البيع فاسد في هذا كله لا يجوز لأنه باع ما لم يعرف واستثنى ما لم يعرف وإذا باع الرجل عبدا قد اغتصبه إياه رجل آخر فذهب به أو باعه المغتصب من آخر فإن البيع موقوف
فإن جحد الغاصب المولى عبده ولم يكن له بينة لم يجز البيع وإن أقر به فإن سلمه تم البيع وإن لم يسلمه حتى يتلف فقد انتقض البيع وكذلك لو كان العبد رهنا فباعه الراهن فأبى المرتهن أن يجيز البيع فيه فإنه لا يجوز البيع وهو موقوف وإذا باع سمكا محظورا في أجمة فان البيع باطل لا يجوز بلغنا نحوا من ذلك عن عمر بن الخطاب وبلغنا أيضا عن عبد الله ابن مسعود انه قال لا تبتاعوا السمك في الماء فإنه غرر وكذلك كل شيء من السمك لا يؤخذ إلا بصيد فانه لا يجوز البيع فيه وإن كان في وعاء أو جب يقدر على أخذه بغير صيد فالبيع(3/183)
جائز والمشتري بالخيار إذا رآه وليس الذي قد أحرزه صاحبه ويأخذه متى شاء ما شاء كالذي لا يأخذه إلا بصيد وإذا اشترى الرجل صوف الغنم وهو على ظهورها وألبانها وهو في ضروعها فان ذلك لا يجوز بلغنا ذلك عن عبد الله بن عباس وكذلك الأولاد ما في بطونها وكذلك شراء لحومها قبل أن تذبح وشراء التمر قبل أن يخرج وأشباهه فان هذا كله فاسد لأنه يبتاع ما لم يكن بعد أو لم يدر ما هو وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع الغرر وهذا عندنا من الغرر وكذلك شراء الزيت في الزيتون قبل أن يعصر وشراء دهن السمسم قبل أن يعصر وشراء السمن قبل أن يسلا فهذا كله فاسد لا يجوز البيع فيه
وشراء التمر كله إذا خرج والأعناب والفواكه والزروع جائز إذا اشترط على المشتري أن يأخذه ساعتئذ فإن اشترط تركه حتى يبلغ فلا خير فيه والبيع فاسد مردود وكذلك شراء الحيوان بالحيوان نسيئة فاسد لا يجوز وكذلك المروي بالمروي وكل صنف من الثياب بصفة فلا يجوز البيع فيه نسيئة مثل بمثل ولا أكثر من ذلك ولا أقل وكذلك الطعام بالطعام وكذلك كل ضرب مما يكال بصفة فلا يجوز شيء منه بشيء منه نسيئة مثل بمثل ولا أقل من ذلك ولا أكثر وكذلك كل ما يوزن وإذا اشترى الرجل فصا على أنه ياقوت فإذا هو غير ذلك فإن البيع فاسد وعلى المشتري قيمته إذا استهلكه
وكذلك لو اشترى ثوبا على أنه هروي فإذا هو من صنف آخر لأن البيع لم يقع على هذا قط ألا ترى أنه لو اشترى عبدا مملوكا فوجده جارية أو اشترى قلب فضة فإذا هو رصاص أو فص ياقوت فوجده زجاجا كان هذا باطلا لا يجوز ولا يقع في شيء منه البيع لأن البيع لم يقع قط على هذا فإن استهلكه المشتري فهو ضامن لقيمته(3/184)
باب البيوع إذا كان فيها شرط يفسدها وإذا اشترى الرجل عبدا على أن لا يبيع ولا يهب ولا يتصدق فهذا بيع فاسد ولا يجوز وكذلك لو اشترى الرجل عبدا على أن يعتقه وكذلك إذا اشترى الرجل جارية على أن يتخذها أم ولد له فهذا كله فاسد لا يجوز وإذا استهلك المشتري البيع فهو ضامن لقيمته إلا في العتق خاصة فإني أستحسن أن أجعل عليه الثمن إذا أعتقه وإذا اشترى الرجل من الرجل بيعا على أن يقرضه قرضا أو يهب له هبة أو على أن يعطيه عطية أو على أن يتصدق عليه صدقة أو على أن يبيعه كذا وكذا بكذا وكذا من الثمن فهذا كله فاسد وأيهما اشترط هذا على صاحبه فهو فاسد لا يجوز البيع في شيء من ذلك
وكل شيء فسد فيه البيع فالمشتري إذا استهلكه ضامن لقيمته بالغة ما بلغت وإذا اشترى الرجل ثوبا على أنه إن لم ينقده الثمن إلى أربعة أيام أو إلى شهر فلا بيع بينهما فالبيع في هذا فاسد لا يجوز وهذا بمنزلة الخيار إلى هذه المدة في قول أبي حنيفة وأما في قول محمد فهو جائز وكل شيء رده المشتري على البائع بهبة أو صدقة أو بيع أو بوجه من الوجوه ووقع في يدي البائع فهو متاركة للبيع وبرئ المشتري من ضمانه وإذا اشترى الرجل بيعا وشرط على البائع أن يحمله إلى منزله أو على أن يطحن الحنطة أو على أن يخيط الثوب فهذا كله فاسد لا يجوز لما دخل فيه من الشرط وكذلك لو باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا أو أقل أو أكثر فهو فاسد وإذا اشترط الرجل طعاما على أن يوفيه إياه في منزله فهو(3/185)
فاسد غير أني أستحسن فيه خصلة إذا كان في مصر أجزناه وإذا كان خارجا من المصر كان فاسدا لا يجوز البيع فيه وإذا اشترى الرجل بيعا على أن يرهنه رهنا ولم يسمه أو على أن يعطيه كفيلا بنفسه سماه أو لم يسمه فلا خير في هذا البيع لأني لا أدري أيتكفل به الكفيل أم لا غير أني أستحسن إذا كان الكفيل حاضرا عند عقدة البيع وان لم يسمه لم أجزه لأنه لا يعرف ما هو وإذا كان الكفيل غائبا عن ذلك فلا يجوز وإن سماه الراهن أجزت البيع على الراهن وان لم يسمه لم أجزه لأنه لا يعرف ما هو وإذا باع الرجل بقرة أو ناقة أو شاة أو خادما وهن حوامل واستثنى ما في بطونها فان البيع على هذا فاسد لا يجوز وإذا اشترى الرجل غنما على أن يرد منها شاة أو أكثر
من ذلك ولم يبين أيتهن هي فالبيع على هذا فاسد لا يجوز وكذلك لو كان البائع اشترط أن يأخذ منها شاة غير مسماة فهذا باطل لا يجوز وكذلك إذا باع الرجل نخلا واشترط منها نخلة أو نخلتين مجهولتين فالبيع على هذا فاسد لا يجوز وكذلك لو باع عدل بز ثم قال لي منها ثوب أو ثوبان فهذا أيضا باطل لا يجوز إذا لم يعرف الذي استثنى بعينه فالبيع على هذا فاسد لا يجوز وكذلك كل شيء مجهول في بيع فانه يفسد البيع فيه وكذلك لو اشترى شاة واشترط أنها حامل أو أنها تحلب كان البيع على هذا فاسد لأنه لا يدري لعل الشرط باطل ولو كان البائع باع الخادم وتبرأ من الحبل فكان بها حبل أو لم يكن كان هذا جائز وليس البراءة في هذا كالشرط(3/186)
وإذا اشترى الرجل من الرجل حنطة وشرط له أن يطحن له منها كذا وكذا مختوما منها دقيقا فهذا فاسد لا يجوز وكذلك لو اشترى سمسما أو زيتونا وشرط له البائع أن فيه من الدهن كذا وكذا رطلا فالبيع فاسد لا يجوز وكذلك كل شيء ما يكون على هذا وإذا اشترى الرجل جارية بجاريتين إلى أجل فأخذ الجارية فذهبت عينها عنده من عمله أو غير عمله فللبائع أن يأخذ جاريته وله أن يأخذ من المشتري نصف قيمتها ولو فقأ عينها غيره كان للبائع أن يأخذ جاريته وإن شاء اتبع الفاقئ بنصف قيمتها وإن شاء أخذ ذلك من المشتري واتبع المشتري الفاقئ ولو كانت كما هي غير أنها قد ولدت ولدين فمات أحدهما فإن للبائع أن يأخذ جاريته وولدها الباقي فإن كانت الولادة قد نقصتها فكان في الولد الباقي وفاء بالنقصان فليس له شيء غيره وإلا فعلى المشتري تمام ذلك وإن كان الولد الميت مات من عمل المشتري أو جنى عليه
فهو ضامن لقيمته يردها مع الأم فإن كان في قيمة الولد المجني عليه والباقي وفاء لنقصان الولادة فهو له وإن لم يكن وفاء ضمن المشتري تمام ذلك النقصان ولو كان الولدان حيين جميعا وماتت الأم عند المشتري من عمله أو غير عمله أخذ البائع الولدين وضمن قيمة الأم يوم قبضها وهذا القول هكذا في كل بيع فاسد ولو أعتق المشتري الجارية بعد قبضه إياها جاز عتقه وكذلك لو باعها أو وهبها وقبضها الموهوب له أو دبرها أو كاتبها أو وطئها فعلقت منه كان هذا استهلاكا منه جائز ما صنع من ذلك وعليه القيمة وليس عليه في الوطء مهر لأني قد جعلتها له وإنما جاز بيعه وعتقه لأن البائع قد سلطه على ذلك وإن وهبها فعليه قيمتها فإن لم يقبضها قبل أن يضمنه القاضي قيمتها ردها عليه وكذلك إن عجزت عن المكاتبة وكذلك إن رجع في الهبة(3/187)
أو رد عليه بعيب في البيع بقضاء قاض قبل أن يقضي القاضي بالقيمة على المشتري فإنها ترد على البائع ولو أنه أجرها فله أن ينقض الإجارة ويردها لأن هذا عذر في الإجارة وكذلك كل بيع فاسد ألا ترى أنه لو باعها إلى العطاء وقبضها المشتري فوطئها فولدت منه أو أعتقها كان ذلك جائزا وكان عليه قيمة الجارية فقبيح أن يرد ولده رقيقا وإذا اشتراها بألف درهم وهو بالخيار أربعة أيام أو اشتراها بألف درهم ونحلة اليمين ثم قبض وأعتق جاز عتقه
ولو اشتراها بخمر أو خنزير كان هذا باطلا وان اعتق جاز عتقه ألا ترى أني أجيز بيعها بالخمر والخنزير من أهل الذمة ولم يدخل في ذلك استهلاك ولا عتق ولو اشتراها بميتة أو دم أو بشيء من ذلك مما ليس له ثمن أو بحر وقبض وأعتق أبطل عتقه لأن هذا ليس له ثمن ولا يتبايع الناس له فيما بينهم والمسلمون خاصة
باب البيوع الجائزة:
وما اختلف منها في الثمن وما اختلف فيها مما قبض أو لم يقبض وإذا اشترى الرجل سمنا في زق أو عسلا أو زيتا في زق فاتزنه كله بزقه فإذا فيه مائة رطل ثم جاء بالزق ليرده وفيه عشرون رطلا فقال البائع ليس في هذا زقي وقال المشتري بل هو زقك فالقول قول المشتري مع يمينه وعلى البائع البينة لأنه مدع وإذا ابتاع الرجل عبدين فقبض أحدهما ومات الآخر في يدي البائع ومات العبد الذي قبض المشتري ثم اختلفا في ذلك فقال المشتري قبضت عبدا يساوي ألف درهم ومات عبد في يديك يساوي ألف درهم وقال البائع بل قبضت عبدا يساوي ألفين وبقي الذي مات عندي وهو يساوي خمسمائة درهم فالقول قول المشتري مع يمينه وعلى البائع البينة(3/188)
ألا ترى أنه لو اشترى كر حنطة فقبض طائفة ثم انه هلك ما بقي من الكر فقال المشتري قبضت ثلثه وقال البائع بل قبضت نصفه فالقول قول المشتري مع يمينه وكذلك كل شيء مما يكال أو يوزن وكذلك العروض والحيوان ولو كان قبض العبدين كليهما ثم مات أحد العبدين عند المشتري وجاء يرد أحدهما بعيب فاختلفا في قيمة الميت فقال البائع كانت قيمته ألف درهم وقال المشتري كانت قيمته خمسمائة فإن القول في ذلك قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة لأن الثمن قد لزم المشتري فهو يريد أن يبرأ منه فلا يصدق على البراءة بقوله ذلك وكذلك لو كان عدلا من زطي أو جراب هروي فأراد أن يرد منه ثوبا بعيب وقد هلك ما بقي فأما الذي يرده بعيب فإنه يقوم قيمة عدل وليس به عيب ويقوم الذي هلك بقول البائع مع يمينه ثم يقسم الثمن على ذلك كله فيرد الذي به العيب بما أصابه
ولو أقاما جميعا البينة على قيمة الميت أخذت ببينة البائع لأنهم شهدوا على الفضل فإما البينة ببينته أو القول قوله وإذا اختلف البائع والمشتري في الثمن والسلعة قائمة بعينها في يدي البائع أو المشتري فإن القول في ذلك قول البائع بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه اليمين بالله فإن نكل عن اليمين لزمه البيع بما ادعى المشتري فإن حلف استحلف المشتري على دعوى البائع وأيهما قامت بينته على ما ادعى أخذت ببينته وإن كانت لهما جميعا البينة أخذت ببينة البائع لأنهم شهدوا على أكثر مما شهد به الآخرون وهذا قول أبي يوسف الأول ثم رجع فقال الذي يبدأ به في اليمين المشتري وهو قول محمد وإن كان البائع قد مات فاختلف في الثمن ورثة البائع(3/189)
والمشتري فإن القول قول ورثة البائع إن كان المبيع في أيديهم والقول قول المشتري إن كان المبيع في يديه وكذلك لو مات المشتري وبقي البائع كان القول قول الذي هو في يديه منهم وهذا ليس بقياس إنما هو استحسان والقياس في هذا وفي الأول أن يكون القول قول المشتري في ذلك كله وإنما تركنا ذلك للأثر الذي جاء فيه وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد يتحالفان ويترادان القيمة وموتهما وحياتهما سواء وإذا كانت السلعة في يدي المشتري فازدادت خيرا ثم اختلفا في الثمن فإن القول قول المشتري لأنها قد زادت خيرا في يديه وتغيرت وعليه اليمين بالله وعلى البائع البينة على ما يدعي من الفضل وإذا كانت السلعة قد نقصت فاختلفا في الثمن فإن القول قول المشتري مع يمينه إلا أن يرضى البائع أن يأخذها ناقصة وإذا اختلفا وقد ولدت عند المشتري أو جنى عليها جناية فأخذ المشتري أرشها ولم تلد فالقول في الثمن قول المشتري مع يمينه وإذا كان هو الذي جنى عليها ولم تلد فالقول قول المشتري
إلا أن يرضى البائع أن يأخذها ناقصة بغير أرش وليس هذا كالباب الأول لها أرش لا يستطيع البائع أن يأخذه ولا يستقيم له أخذه والباب الآخر ليس معها أرش وإذا اختلفا في الثمن وقد خرجت السلعة من ملك المشتري فالقول قول المشتري مع يمينه وإن رجعت إليه السلعة بشراء أو هبة أو ميراث أو بوجه من الوجوه بغير الذي خرجت به من يديه ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه أيضا لأنها في ملكه بغير الملك الأول وإن كان البائع قد باع من رجلين فباع أحدهما نصيبه من شريكه ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري الذي باع مع يمينه في نصيبه ويتحالفان في حصة الآخر الذي لم يبع فإذا اختلفا في الأجل فقال البائع الأجل شهر وقال المشتري بل شهران فالقول في ذلك قول البائع مع يمينه وكذلك لو قال البائع بعتك حالا كان البيع حالا والقول قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة(3/190)
فإذا اختلفا في الأجل فقال البائع قد مضى الأجل وقال المشتري لم يمض فإن القول قول المشتري مع يمينه وعلى البائع البينة انه قد مضى وإذا اختلفا في الثمن فقال البائع بعتك بمائة دينار وقال المشتري بل اشتريت منك بخمسين دينارا وأقاما جميعا البينة أخذت ببينة البائع لأنه مدع للفضل ولو قال بعتك هذه الجارية وحدها بمائة دينار وأقام البينة وقال المشتري بعتني هذه الجارية بخمسين دينارا وأقاما جميعا البينة أخذت ببينة البائع لأنه المدعي للفضل ولو قال المشتري بعتني معها هذا الوصيف وهما جميعا بخمسين دينارا وأقام البينة وقال البائع بعتك وحدها بمائة دينار وأقام البينة فإنهما يكونان جميعا للمشتري بمائة دينار
أخذت ببينة البائع في الثمن وأخذت ببينة المشتري في المبيع وكذلك لو قال بعتك هذه الخادم بألف درهم وأقام البينة على ذلك وقال المشتري اشتريت منك هذه الخادم وهذه الأخرى معها بخمسمائة درهم وأقام على ذلك البينة فإنهما جميعا يلزمانه بالألف ولو قال البائع بعتك هذه الخادم بعبدك هذا وأقام على ذلك بينة وقال المشتري اشتريتها منك بمائة دينار وأقام البينة على ذلك لزمه البيع بالعبد وإذا اشترى الرجل عبدا بثوبين وقبض كل واحد منهما وتفرقا ثم وجد بالعبد عيبا فرده أو استحق العبد وقد هلك أحد الثوبين وبقي الآخر فإنه يأخذ الثوب الباقي وقيمة الذي هلك وكذلك لو هلكا جميعا أخذ قيمتهما والقول في ذلك قول الذي كانا في يديه وعلى الطالب البينة على ما يدعي من الفضل ولو باع عبدا بمال وقبضا جميعا ثم استحق العبد فرجع بالمال على البائع كان القول قوله مع يمينه وعلى المشتري البينة على ما يدعي من الفضل(3/191)
ولو كان الثمن جارية ولدت من غير السيد ثم استحق العبد كان لصاحب الجارية أن يأخذها ويأخذ الولد فان كانت الجارية قد دخلها عيب ينقصها عور ونحوه أخذها وأخذ ولدها وأخذ النقصان ولو كان المشتري قد أعتقها كان عتقه جائزا وكان عليه القيمة ويأخذ البائع الولد مع القيمة إن كانت قد ولدت قبل العتق وكذلك البيع الفاسد في هذا الوجه ولو كان العبد حرا فأعتق المشتري الجارية كان عتقه باطلا وكذلك لو باعها أو أمهرها أو وهبها كان ذلك باطلا كله لا يجوز من قبل أنه اشتراها بشيء ليس له ثمن وإذا اشترى الرجل عبدا بثوبين فهلك الثوبان قبل أن يقبضهما وقد كان قبض العبد فان كان قد استهلكه فعليه قيمته إذا فعل ذلك بعد هلاك الثوبين
وإن كان قد أعتقه أو وهبه الموهوب له أو باعه فهو جائز وعليه قيمته إذا فعل ذلك بعد هلاك الثوبين قبل أن يقضي القاضي بينهما بشيء ولو كان الثوبان استحقا وقضى بهما لرجل وقد أعتق الذي أخذ العبد كان عتقه جائزا من قبل أن البيع كان على غير الفساد ولو لم يستحق شيء من ذلك وقبض هذين الثوبين وقبض هذا العبد ثم إن أحد الثوبين استحق فقال الذي كانا في يديه استحق أغلاهما ثمنا وقال الذي باعهما بل استحق أرخصهما ثمنا فإن القول قول المشتري للثوبين مع يمينه لأن العبد كله لم يجب له فيصدق الذي يريد أن يرجع بالعبد إلا أن تقوم له ببينة وإذا اختلف البائع والمشتري فقال البائع بعتك هذا العبد بألف درهم وقال المشتري بل اشتريت منك هذه الجارية بخمسين دينارا وليس بينهما بينة فإن كل واحد منهما يحلف على دعوى صاحبه فإن حلفا ترادا البيع وأيهما نكل عن اليمين لزمه ما قال صاحبه(3/192)
فإن قامت لهما جميعا البينة أجزت البيع في العبد والأمة وإذا كان عبد في يدي رجل فقال ابتعته من فلان بألف درهم ونقدت الثمن وقال فلان ما بعتك هذا العبد وإنما بعتك جارية بهذه الألف وقبضت الثمن ودفعتها إليك فإنه يحلف بالله ما باعه العبد فإن حلف رد عليه العبد ثم يحلف الذي كان في يديه العبد ما اشتريت منه جارية ولا قبضتها فإن حلف رد عليه الآخر الألف وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه وإن لم يتحالفا ترك العبد في يديه على حاله كهيئته كما كان فإن قامت لهما جميعا البينة على ما ادعيا كان العبد له ولزمه ألف أخرى وإذا اشترى الرجل عدل زطي وأقر أنه زطي ولم يره وقبضه على ذلك ثم جاء به بعد ذلك يرده وقال وجدته كرابيس فإنه لا يصدق
ولكنه لو اشترى فقال لا أدري أزطي هو أم لا ولا أدري أقوهي هو أم لا ولكن آخذه على ذلك وأنظر إليه فأخذه ثم جاء بعد ذلك يرده وقال وجدته كرابيس كان مصدقا والقول قوله مع يمينه وكذلك كل شيء هو فيه بالخيار فهو مصدق في رده إن قال البائع لم أبعك بهذا ولو اشترى ثوبا فقال البائع هو هروي وقال المشتري لا أدري وقد رآه ولكني أخذته على ما يقول ثم جاء به بعد ذلك يرده فقال قد وجدته يهوديا لم يصدق لأنه لم يكن له فيه خيار ولأنه قد رآه وليس هذا كالعدل الذي لم يره وإذا نظر إلى العدل مطويا ولم ينشره ثم اشتراه فليس له أن يرده إلا من عيب وإذا اشترى الرجل خادما على أنها خراسانية فوجدها سندية كان له أن يردها وكان هذا عندي بمنزلة العيب
باب البيوع الفاسدة من قبل الأجل:
وإذا اشترى الرجل شيئا إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى جذاذ النخل أو إلى رجوع الحاج فهذا كله باطل بلغنا ذلك عن عبد الله بن عباس ولا يجوز فيه البيع والمشتري ضامن لقيمة المبيع وإن كان قد هلك عنده وكذلك البيع إلى العطاء غير أن للمشتري أن يبطل الأجل الفاسد وينقد الثمن استحسن هذا وأدع القياس فيه(3/193)
وإذا أسلم الرجل في طعام إلى أجل من هذه الآجال فالسلم فاسد مردود ويرد رأس المال وإذا اشترى الرجل بيعا إلى المهرجان أو إلى النيروز فإن هذا فاسد لا يجوز أيضا إلا أن يكون ذلك معروفا ولا يتقدم ولا يتأخر كما تعرف الأهلة فيكون ذلك جائزا وكذلك البيع إلى الميلاد أو إلى صوم النصارى وإذا باعه إلى فطر النصارى فهذا جائز إذا كان قد دخل في الصوم لأنه إذا دخل في الصوم فقد عرف الفطر وإذا كانت المبايعة قبل الصوم إلى فطر النصارى فلا يجوز ذلك إلا أن يكون يعرف أن ذلك الأجل لا يتقدم ولا يتأخر فيكون ذلك جائزا وإذا اشترى الرجل بيعا إلى أجلين وتفرقا على ذلك فلا خير في ذلك محمد حدثنا أبو حنيفة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن شرطين في بيع
وإذا اشترى الرجل بيعا إلى أجل بكذا كذا نسيئة وكذا كذا حالا فلا خير في البيع من ذلك وإن ساومه في البيع مساومة إلى أجلين ثم قاطعه على واحد من ذينك الأجلين فأمضى البيع فهو جائز وإذا باع الرجل قوهية بقوهيتين إلى أجل فالبيع فاسد وكذلك كل صنف من الثياب باعه بشيء من صنفه إلى أجل مثله أو أكثر أو أقل فلا خير فيه وإذا باع الرجل قوهية بمرويين إلى أجل فلا بأس بذلك بعد أن يشترط طولا معلوما وعرضا معلوما ورقعة معلومة وأجلا معلوما وليس هذا بنوع واحد ألا ترى أنه لو اشترى كرباسين إلى أجل بقوهية كان جائزا لأن هذا مختلف وإن كان أصله قطنا ألا ترى أنه يبيع طيلسانا ببردين إلى أجل أو بكساءين(3/194)
من صوف إلى أجل وأصل ذلك كله صوف لأنه مختلف وكذلك كساء صوف همذاني بعباءتين إلى أجل أو عباءة بكساءيين همذانيين أو أكثر من ذلك إلى أجل فإن كان كساء همذاني بكساء همذاني أو أكثر إلى أجل لم يكن فيه خير ولا بأس به يدا بيد ولا بأس بيهوديين بزطيين إلى أجل ولا بأس بثوب قطن بثوبي كتان إلى أجل ولا بأس بطيلسان كردي بطيلسان خوارزمي إلى أجل وكل شيء من هذا أجزته في النسيئة فهو إذا كان يدا بيد فهو جائز وقد يجوز يدا بيد اثنين بواحد وواحدا بواحد وإن كان نوعا واحدا وإن كان ثوب يهودي بيهوديين أو مروية بمرويتين أو قوهية بقوهيتين فلا خير في ذلك إذا كان نسيئة
ولا بأس بمسح موصلي بمسحين قشاساريين إلى أجل ولا بأس بقطيفة أصفهانية بقطيفتين كرديتين إلى أجل ولا بأس بالزيت بالشعير أو الحنطة إلى أجل وكذلك العنبر والزعفران وكل ما يوزن بالأرطال والأمناء والمثاقيل فهو وزن كله ولا بأس بأن يبيعه بشيء مما يكال قليلا كان أو كثيرا إلى أجل ولا بأس بأن يبيع شيئا مما يكال بشيء مما يوزن مما سمينا في هذا الكتاب من الحنطة يبيعها بالزيت أو بالسمن أو بالقت أو بشيء مما يوزن غير ذلك ولا خير في بيع الحنطة بشيء مما يكال إلى أجل أو ما يوزن بما يوزن إلى أجل قليلا كان أو كثيرا مثل الشعير والحنطة والسمن وأشباه ذلك ولا خير في بيع شيء من الأدهان بغيره من الأدهان إلى أجل لأن هذا كله وزن وإذا اختلف النوعان من الوزن فلا بأس اثنين بواحد يدا بيد وكذلك إذا اختلف النوعان من الكيل ولا خير فيه نسيئة
باب الخيار:
بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اشترى شاة محفلة فهو بخير النظرين إلى ثلاثة أيام وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل رجلا من أهل الأنصار بالخيار في كل بيع يشتريه ثلاثة أيام والخيار عندنا ثلاثة أيام فما دونها ولا يكون أكثر من ذلك(3/195)
ولو جعلت المدة أكثر من ثلاثة أيام فلا خير فيه إن طالت المدة فيدخل في هذا ما لا يحسن في طول المدة ويعتبر المبيع وهذا قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فالخيار جائز وان اشترط شهرا أو أكثر من ذلك بعد أن يبين ذلك إلى وقت معلوم وإذا اشترى الرجل السلعة على أنه بالخيار أربعة أيام فإن هذا بيع فاسد لا يجوز في قول أبي حنيفة فإن اختار المشتري البيع قبل أن يمضي ثلاثة أيام فذلك له وإن مضت الثلاثة الأيام قبل أن يختار فالبيع فاسد وكذلك إن كان الشرط من الخيار للبائع وقال أبو يوسف ومحمد الخيار أربعة أيام وخمسة أيام وأكثر من ذلك بعد أن يسمى أجلا معلوما فهو جائز إن اشترط ذلك المشتري أو البائع وإذا اشترى الرجل بيعا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم مات المشتري قبل أن يختار فإن خياره ينقطع إذا مات والبيع ماض
ألا ترى أن البيع قد كان لزمه غير أن للمشتري مشيئة في رده فإذا مات لم نحول مشيئته إلى غيره وكذلك إذا ذهب عقله أو أغمي عليه أو ارتد في هذه الثلاثة الأيام عن الإسلام فقتل أو مات وكذلك إن كان الخيار للبائع ثم مات قبل أن يختار فقد انقطع خياره ولزمه البيع والقبض وإن كان الخيار لهما جميعا فماتا جميعا فقد انقطع الخيار ولزم البيع والقبض في هذا وغير القبض سواء وإذا كان الخيار للمشتري وقد قبض السلعة فماتت في يديه قبل أن يختار فقد لزمه البيع وعليه الثمن وكذلك إن تغيرت في يديه بعيب أصابها به هو أو غيره أو أصابها من غير جناية أحد وكذلك إن وطئها أو عرضها على بيع فهذا كله خيار(3/196)
وكذلك إذا قال قد رضيتها أو قد أجزتها فالثمن له لازم في هذا كله فإن لم يصنع شيئا مما ذكرت واختار ردها على البائع بغير محضر من البائع ثم هلكت في يديه بعد ذلك فعليه الثمن وليس اختياره الرد بغير محضر من البائع بشيء لو شاء أن يقول بعد ذلك قد رضيتها وأخذتها كان له ذلك وهو قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف رده بغير محضر من البائع جائز وكان قوله الأول مثل قول أبي حنيفة ولو اختار ردها بقلبه كان ذلك باطلا وإذا كان الخيار للبائع وقد قبضها المشتري فماتت في يد المشتري فعليه القيمة لأنه قد أخذها على وجه البيع ولو لم تمت ولكن أعتقها البائع أو دبرها أو وهبها وقبضها الموهوبة له أو رهنها وقبضها المرتهن أو أجرها وقبضها
المستأجر أو لم يقبضها أو كاتبها أو وطئها فهذا كله اختيار ونقض للبيع ولو لم يقبض ولم يصنع شيئا مما ذكرت واختار رد البيع بغير محضر من المشتري ولم يقبضها منه كان هذا باطلا وكان المشتري ضامنا لقيمتها إن ماتت في يديه وله بعد هذا المنطق أن يجيز البيع ما دامت حية في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف كما وصفت لك نقضه جائز بغير محضر من المشتري وإذا اختار البائع إلزام البيع والمشتري غائب فهو جائز والبيع لازم للمشتري وليس للبائع بعد الرضا أن ينقض البيع وقال يعقوب نقض صاحب الخيار البائع كان أو المشتري بغير محضر من صاحبه جائز كما تجوز إجازته وقال أبو حنيفة ومحمد لا يجوز ذلك إلا بمحضر من صاحبه أو وكيل له في ذلك(3/197)
وإذا اشترط المشتري الخيار لأبيه أو لابنه أو لأمه أو لأحد من أهله أو من غير أهله فهذا كله كاشتراطه الخيار لنفسه وكذلك البائع وإذا كانت السلعة في يدي البائع وله الخيار أو الخيار للمشتري فلا ضمان على المشتري وإذا اشترى الرجل بيعا وهو بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر من ذلك أو أقل وكان البائع بالخيار أو المشتري فجاء به المشتري ليرده فقال البائع ليس هذا الذي بعتك وقال المشتري بل هو الذي بعتني فإن القول قول المشتري مع يمينه فإن كان البيع لم يقبض واختلفا فيه والخيار ثلاثة أيام أو أقل فأراد البائع أن يلزمه البيع فقال المشتري ليس هو هذا فالقول قول المشتري مع يمينه ولا يلزمه البيع إلا أن تقوم عليه بينة انه هو البيع فيلزمه البيع فإن كان له الخيار رده إن شاء وإذا اشترى الرجل بيعا واشترط الخيار لشريك له
أو لابنه أو لبعض أهله ثلاثة أيام ثم إن الذي كان له الخيار رد البيع على البائع بمحضر منه قبل أن يمضي الأجل فرده جائز وإن لم يرده وقال المشتري قد أجزته وقال الذي له الخيار لا أرضي فالبيع لازم للمشتري وليس له الخيار إذا رضي المشتري وكذلك لو كان البائع اشترط الخيار لنفسه ولبعض أهله فقال قد أوجبت البيع وقال الذي له الخيار لا أرضي فالبيع جائز ولو قال البائع قد رددت البيع أو أبطلت وقال الذي له الخيار قد أوجبت البيع كان البيع باطلا مردودا على صاحبه لأن الخيار إنما هو للبائع ولو أوجب الذي له الخيار البيع للمشتري فدفعه إليه وقال البائع بعد ذلك لا أجيزه كان البيع جائزا وإذا كان المشتري بالخيار أو البائع والعبد عند المشتري فالتقيا البائع والمشتري فيه فتناقضا البيع أو ترادا(3/198)
غير أن البائع لم يقبض من المشتري العبد حتى هلك فإن المشتري ضامن فإن كان الخيار له فهو ضامن للثمن وإن كان الخيار للبائع فإنه ضامن لقيمته ولا يجوز عتق المشتري فيه بعد ما ترادا البيع ولا هبته ولا بيعه ولا صدقته ولا إجارته وعتق البائع فيه جائز لأنه قد صار له وحده وإذا اشترى الرجل عدل زطي برأس ماله ولم يعلم ما هو ثم أخبره برأس ماله فالمشتري بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه وكذلك إذا أخذه المشتري برقمه ولو لم يعلم ما هو ثم علم ما رقمه فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه وكذلك إذا استهلكه المشتري قبل أن يخبره برقمه وثمنه فعليه القيمة
ولو اشترى رجل من رجل عدل بز على أنهما فيه بالخيار ثلاثة أيام فقال البائع قد ألزمتك البيع وقال المشتري لا أقبله فان البيع لا يلزمه وكذلك المشتري لو قال قبلت البيع وقال البائع لا ألزمكه فان البيع لا يلزم المشتري ولا يلزم البيع في هذه المنزلة حتى يجتمعا على إجازة البيع وإذا اشترى الرجل بيعا من رجل على أنه إن لم ينقده الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهذا جائز فان كان عبدا أو أمة أعتقه ثم لم ينقده حتى مضت الثلاثة الأيام جميعا فالبيع جائز والعتق جائز وعليه الثمن وكذلك إن قال إن لم ينقد اليوم الثمن أو إلى يومين فلا بيع بيني وبينك(3/199)
ولو اشترى اثنان شيئا على أنهما بالخيار فاختار أحدهما رده واختار الآخر إمساكه فليس لواحد منهما أن يرد حصته دون الآخر لأنهما صفقة واحدة ولا يرد بعضها دون بعض وكذلك لو كانا وصيين أو شريكين شركة عنان وهذا قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فلأحدهما أن يرد دون صاحبه فان اختار أحدهما جاز ذلك وكان للآخر أن يرد إن شاء وأما إذا كانا متفاوضين فإن قال أحدهما للبائع قد أجزت البيع فهو جائز عليه وعلى شريكه وليس لشريكه أن يرده وكذلك إذا باعا بيعا واشترط الخيار لهما فأيهما ما أمضى البيع على المشتري جاز على الآخر وأيهما نقض البيع قبل أن ينقضه الآخر فهو منتقض ليس للآخر أن يمضيه إلا ببيع مستقبل وإذا اشترى الرجل لابنه وهو صغير في عياله أو باع له واشترط الخيار لنفسه أو اشترط الخيار المشتري عليه فهو جائز
وإذا كان البائع أو المشتري بالخيار ثلاثة أيام فمضت الثلاثة قبل أن يختار فقد جاز البيع ولزم المشتري وكذلك إذا مات صاحب الخيار كان البيع جائزا لازما له ولا يورث الخيار ولا يكون لغير الذي اشترطه وإذا اشترى الرجل بيعا على أنه فيه بالخيار إلى غد أو إلى الليل أو إلى الظهر فإن له الخيار الغد كله والليل كله ووقت الظهر كله وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد إن له الخيار إلى مطلع الفجر أو إلى أن تغيب الشمس أو إلى أن تزول الشمس وإذا اشترى الرجل بيعا لرجل واشترط له الخيار بأمره فقال البائع قد رضي الآمر والآمر غائب فإن البائع لا يصدق وليس على المشتري يمين في ذلك ولو كانت عليه يمين لم يكن له أن يرده حتى يحضر الآمر(3/200)
وله أن يرده بغير يمين وليس بخصم فيما يدعي البائع على الآمر وهو في ذلك بمنزلة الأجنبي وإنما هو خصم في خصومة ما بينهما لا في غير ذلك وإذا أقام البائع البينة أن الآمر قد رضي فإن البيع لازم للآمر وإن لم تقم له بينة على ذلك فقال المشتري قد رضي الآمر وصدقه البائع وقال الآمر في الثلاثة الأيام قد أبطلت البيع بمحضر من البائع قبل أن يمضي أجل الخيار فإن البيع يلزم المشتري ولا يلزم الآمر فإن كانت هذه المقالة منه بعد ما مضى الخيار فإن البيع يلزم الآمر ألا ترى أنه قد لزمه قبل أن يتكلم بشيء من أمر الخيار وإذا اشترى الرجل عدل زطي أو جراب هروي فيه خمسون ثوبا كل ثوب بكذا كذا أو جماعة بألف درهم على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأراد أن يرد بعضه دون بعض فليس له ذلك وإنما له أن يأخذه كله أو يرده كله
وكذلك الطعام وكل ما يكال أو يوزن مجازفة أو مكايلة وكذلك العروض كلها والحيوان إذا اشتراها صفقة واحدة وهو بالخيار ثلاثة أيام فليس له أن يرد بعضه دون بعض وإذا اشترى الرجل ثوبين كل واحد منهما بعشرة دراهم على أنه بالخيار فيهما ثلاثة أيام وقبضهما فهلك أحدهما فليس له أن يرد الباقي منهما وعليه الثمن كله وكذلك لو لم يهلك ولكنه أصابه عيب عنده من عمله أو من غير عمله وكذلك لو باعه أو باع بعضه فإنه لا يستطيع أن يرد الصحيح منهما بالخيار إلا وهذا معه لأنهما صفقة واحدة وقد لزم الذي دخله العيب فإذا لزمه ذلك لزمه الآخر وإذا كان له الخيار أن يأخذ أحدهما دون الآخر ولم يكن له إلا أن يأخذ واحدا بعشرة فهلك أحدهما أو دخله عيب من عمله أو من غير عمله فانه يلزمه الذي هلك أو الذي دخله عيب بعشرة ويرد الباقي(3/201)
وإذا لم يهلك ولم يدخله عيب ثم هلكا جميعا معا فإن عليه نصف ثمن كل واحد منهما وكذلك لو كانا مختلفي الثمن فإن كانا قائمين بأعيانهما واختار أحدهما ألزمته ثمنه وكان في الآخر أمينا فإن ضاع عنده بعد ذلك لم يكن عليه ضمان وأصل هذا البيع في القياس فاسد لأنه اشترى ما لم يعرف وما لم يعلم ألا ترى أنه لو اشترى ثوبا من عشرة أثواب أو أكثر من ذلك فقال آخذ أيها شئت أو قال البائع ألزمك أيها شئت أو كانت حيوانا من البقر والإبل والغنم فقال قد أخذت منك واحدة من هذه بعشرة كان هذا باطلا لا يجوز ولكني أستحسن في ذلك في الثوبين والثلاثة إذا كان المشتري قد قبض واختاره وإذا اشترى الرجل خادمين إحداهما بألف درهم والأخرى بخمسمائة على أن يأخذ أيهما شاء ويترك الأخرى
أعتقهما جميعا في كلمة واحدة فإنه يخير فأيهما اختار وقع لعتق عليها بالثمن الذي يسمى ويرد الأخرى ولو لم يعتق واحدة منهما ولم يطأ غير أنه حدث بهما عيب لا يدري أيهما أول فقال البائع قد أخذت التي ثمنها ألف درهم وقال المشتري قد أخذت التي ثمنها خمسمائة أول مرة فالقول قوله ويرد الأخرى ونصف قيمة العيب في القياس ولكني أستحسن أن يردها ولا يرد نصف قيمة العيب أستحسن ذلك فإن حدث بهما جميعا العيب معا فإنه يرد أيهما شاء ويمسك الأخرى ولا يرد نصف قيمة العيب أستحسن ذلك ولو حدث لإحداهما عيب آخر بعد ذلك أو ماتت أو جنى عليها المشتري جناية لزمته ورد الأخرى وهذا قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وإن كان أعتق البائع الذي اختار المشتري فلا يقع عليها عتق فإن كان البائع قد أعتقهما جميعا أعتقت الذي يرد عليه منهما(3/202)
وإن لم يعتق واحد من الموليين غير أن المشتري وطيء الجاريتين جميعا فحبلت كل واحدة منهما منه ثم مات قبل أن يبين أيتهما اختار فإن علم أيتهما وطئ أول مرة فهي أم ولد له وعليه ثمنها ويرد الأخرى وولدها على البائع وعقرها ولا يثبت نسبه من المشتري ويكون على المشتري عقرها فإن لم يعلم أيتهما وطيء أول مرة فالقول قوله إن كان حيا وإن كان ميتا فالقول قول ورثة المشتري أيضا فإن قالوا لا نعلم فإنه يلزم المشتري نصف ثمن كل واحدة ونصف عقر كل واحدة وتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها للبائع ويسعى ولد كل واحد منهما في نصف قيمته للبائع ولا يثبت نسب واحد منهما وإذا وطئهما البائع مع المشتري وادعى هو والمشتري الولدين جميعا فالقول قول المشتري أيهما قال هو أول هو ولده وأمه أم ولده وعليه عقر الأخرى والأخرى وولدها للبائع يثبت نسبه منه وعلى البائع عقر أم ولد المشتري لأنه كان وطئها معه
فلما صارت أم ولد المشتري جعلت على البائع العقر بالوطء وجعلت على المشتري عقر أم ولد البائع أيضا فإن مات البائع والمشتري ولم يبينا شيئا من ذلك فالقول قول ورثة المشتري فإن لم يعلموا ذلك لم يثبت نسب واحد من الولدين من المشتري ولا من البائع والأمتان وأولادهما أحرار وولاء أولادهما بين المشتري والبائع وعلى البائع والمشتري نصف عقر كل واحدة منهما فهذا قصاص وإذا اشترى الرجل لرجل عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فاختلفا في الخيار فقال البائع قد مضى الخيار فلا خيار لك وقال المشتري لم يمض الخيار وقد تصادقا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فالقول قول المشتري مه يمينه وعلى البائع البينة انه قد مضى وإن كان الخيار للبائع فاختلفا فيه فالقول قول البائع انه لم يمض وعلى المشتري البينة أنه قد مضى(3/203)
وإذا اختلفا فقال المشتري لي خيار ثلاثة أيام وقال البائع إنما لك خيار يومين فالقول قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة لأنه مدع وكذلك لو قال البائع لي خيار يومين وقال المشتري بل لك خيار يوم فان القول قول المشتري مع يمينه وعلى البائع البينة وإن قال المشتري لي خيار وقال البائع ما شرطت لك خيارا فان القول قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة لأنه مدع وقال أبو يوسف القول قول الذي يقر بالبتات في البيع والمدعي بالخيار عليه البينة وإن قال البائع لي الخيار وقال المشتري ما لك خيار كان القول قول المشتري مع يمينه وعلى البائع البينة وأيهما ادعى الخيار فإنه لا يصدق إلا ببينة والقول قول الآخر في قول أبي يوسف ومحمد ولو كان المبيع دارا كان للبائع فيها خيار لم يكن فيها شفعة لأن البيع لم يجب بعد
وإن كان الخيار للمشتري فللشفيع فيها شفعة لأن البيع قد وجب وإذا قال الرجل للرجل اذهب بهذه السلعة فانظر اليها اليوم فإن رضيتها فهي لك بألف درهم فقال نعم فهذا وقوله وقد أخذتها بالألف وأنا بالخيار إلى الليل سواء وإذا كان المشتري بالخيار في الجارية ثلاثة أيام فاستخدمها فليس هذا اختيارا وإنما يجعل الخيار في الرقيق لهذا وكذلك لو كانت دابة فركبها ينظر إليها أو إلى سيرها وكذلك لو كان قميصا فلبسه ينظر إلى قدره عليه فهو على خياره وإن لبسه بعد ذلك فقد رضيه وإذا سافر على الدابة فقد رضيها وإذا سكن الدار فقد رضيها وأبطل الخيار وإذا غشي الجارية أو لمسها بشهوة أو قبلها بشهوة فقد رضيها وأبطل الخيار وكذلك إن نظر إلى فرجها من شهوة(3/204)
وكذلك إذا أصابها عنده عيب من فعله أو من فعل غيره أو أصابها بلاء عنده فإن هذا كله بمنزلة الرضا وإن كانت الأمة هي التي نظرت إلى فرج الرجل أو لمسته بشهوة أو قبلته بشهوة فأقر السيد بذلك أنها فعلت ذلك من شهوة فقد جازت عليه لأنه إذا أقر بذلك منها حرمت عليه ابنتها وأمها وكذلك هذا في الرجعة وهو قول أبي يوسف قاسه على قول أبي حنيفة وأما في قول محمد فلا يكون ما صنعت الجارية بالمشتري رضا من المشتري لأنه لم يصنع ولو لم يكن الخيار للمشتري وكان للبائع فجامعها أو لمسها من شهوة أو قبلها من شهوة كان هذا نقضا للبيع وإذا باع الرجل خادما لرجل بأمره واشترط الخيار لآمره فقال البائع قد رضي الآمر وأجاز البيع وقال الآمر ما رضيت ولا أجزت فإن القول قول الآمر ولا يمضي البيع وعلى الآمر اليمين ما أجازه
وإن اختلف الآمر والمشتري في الخادم فقال الآمر ليس هذه بخادمي وقال المشتري هي الخادم التي اشتريت منك فالقول في ذلك قول المشتري مع يمينه وكذلك لو كان المشتري بالخيار فردها فاختلفا فيها فالقول في ذلك قول المشتري مع يمينه فإذا رضي الذي له الخيار بالبيع بقلبه من غير أن يقول قولا أو يصنع شيئا يوجب البيع فإن الرضا له بالقلب ليس بشيء ولا يكون رضا بالقلب حتى يتكلم أو يعمل عملا يعرف أنه قد رضي بعمله ذلك وإذا أجمع على ردها بقلبه فليس بشيء وله بعد هذا أن يأخذها وأن يوجب البيع وإن لم يكن للخيار وقت فلصاحبه أن يأخذ بالخيار ما بينه وبين ثلاثة أيام فإذا مضت الثلاثة الأيام قبل أن يختار(3/205)
البيع فالبيع فاسد لأن الخيار لا يكون أكثر من ثلاثة أيام في قول أبي حنيفة وإذا اشترى الرجل عبدين أحدهما بألف والآخر بخمسمائة على أن يأخذ أحدهما ويرد الآخر أيهما شاء وعلى أنه لا يأخذهما جميعا فماتا جميعا فقال البائع مات الذي بألف قبل وقال المشتري بل مات الذي بخمسمائة قبل فإنه لا يصدق واحد منهما على ما قال غير أن على المشتري اليمين بالله ما يعلم أن الذي بألف مات أولا ويحلف البائع بالله ما يعلم أن الذي بخمسمائة مات أولا فأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه وإن حلفا جميعا لزمه نصف ثمن كل واحد منهما
وقال يعقوب بعد ذلك القول قول المشتري في ذلك وأيهما زعم أنه الذي مات أولا فالقول قوله مع يمينه لأنه مدعي عليه الفضل إلا أن يقيم الآخر بينة وهذا قول محمد فإن قامت البينة لكل واحد منهما على دعوى صاحبه لزم المشتري ألف درهم لأن البائع يدعي الفضل وكذلك لو لم يموتا جميعا ولكن حدث بهما جميعا عيب ثم ماتا ثم قامت بينة أن الذي بألف درهم مات أولا وأقام المشتري البينة أن الذي بخمسمائة مات أولا فإذا جاءت البينتان جميعا أخذت ببينة الألف وكذلك لو جاءوا متفرقين وهو قول محمد وإذا اشترى الرجل عبدا على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام فقطعت يد العبد عند المشتري قطعها المشتري أو غيره فان البائع(3/206)
بالخيار إن شاء ألزمه البيع وأخذ الثمن وان شاء أخذ عبده وأخذ نصف قيمته من المشتري واتبع المشتري القاطع وإن كان البائع هو الذي قطع يد العبد ثم أراد أن يلزم المشتري البيع فليس له ذلك وقطعه يده اختيار للبيع ورد له وإذا اشترى الرجل جارية على أنه فيها بالخيار فولدت عنده أو وطئها هو أو غيره بفجور أو غير ذلك فان الخيار قد انقطع ولزمه البيع لأن هذا شيء حدث فيها يلزم البيع في مثله وإذا اشترى النصراني من النصراني خمرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم المشتري قبل الثلاث فله أن يرد الخمر وقد انتقض البيع وكذلك رجل مسلم اشترى من مسلم عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم ارتد عن الإسلام المشتري قبل أن تمضي الثلاث فله أن يرد العبد ولا يوجب عليه الإسلام ولا الكفر شيئا
وإذا اشترى النصراني من النصراني خمرا فلم يقبضها حتى أسلم المشتري فلا بيع بينهما وكذلك لو كان البائع هذا الذي أسلم وهذا استحسان وليس بقياس وإذا اشترى الرجل عبدين بألف درهم على أن أحدهما له لازم والآخر هو فيه بالخيار إن شاء أمسكه وإن شاء رده فهذا فاسد لا يجوز لأنه لا يعرف الذي لزمه والذي هو فيه بالخيار فإن ماتا وقد اشتراهما بألف درهم وقيمتهما ألفان فهو ضامن لقيمتهما وإذا اشترى النصراني من النصراني خمرا أو خنزيرا وهو بالخيار ثلاثة أيام فأسلما جميعا أو أحدهما قبل صاحبه قبل أن يمضي الخيار فان البيع فاسد ينتقض قبض أو لم يقبض في قياس قول أبي حنيفة
وأما في قول أبي يوسف ومحمد إذا قبض المشتري لزمه البيع ووجب عليه الثمن وهذا كالرؤية(3/207)
باب الخيار بغير شرط:
وإذا اشترى الرجل جراب هروي أو عدل زطي أو سمنا أو زيتا في زق أو حنطة في جوالق ولم ير شيئا من ذلك فهو بالخيار إذا رآه وليس للخيار في هذا وقت فإن رأى بعضها ولم ير كله فهو فيما بقي من الثياب بالخيار ويرد ما لم ير وما قد رأى ولو بقي ثوب واحد لم يره كان له أن يردها جميعا وكذلك كل حيوان أو عروض مما لا يكال ولا يوزن أما السمن والزيت والحنطة فإن كان الذي لم يره مثل الذي قد رآه فهو له لازم لأنه شيء واحد فإن اختلفا فقال المشتري قد تغير وقال البائع لم يتغير فالقول في ذلك قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة وإن رأى الرجل متاعا مطويا ولم ينشره ولم يفتشه
فاشتراه على ذلك فالبيع له لازم ولا خيار له فيه ولو نظر إلى مملوك أو إلى دابة كائنة ما كانت ثم اشتراها بعد من صاحبها بعد ذلك بشهر لم يكن فيه خيار فإن قال المشتري قد تغيرت عن حالها الذي رأيتها عليه فعليه البينة على ما قال فإن لم تكن له بينة فعلى البائع اليمين بالله فإن نكل عن اليمين بطل البيع وإن حلف مضى البيع على المشتري وإذا اشترى الرجل بيعا ولم يره ثم أرسل رسولا من قبله فقبضه فهو بالخيار إذا رآه ولا يوجبه عليه نظر الرسول إلى المتاع وقبضه إياه ولو وكل وكيلا يقبضه كان قبض الوكيل عليه جائزا ولا خيار له بعد نظر الوكيل إليه وليس الوكيل في هذا كالرسول وهذا قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فالوكيل والرسول في ذلك سواء والمشتري فيهما جميعا بالخيار إذا رأى إن شاء أخذ وإن شاء ترك لأن المشتري لم يوكله بالرؤية بشيء ولم يرض به إنما وكله بالقبض(3/208)
وإذا اشترى الرجل عدل زطي ولم يره ثم باع منه ثوبا أو لبسه حتى تغير أو قطعه ثم نظر إلى ما بقي فلم يرضه فليس له أن يرده فالبيع له لازم إنما له أن يأخذ كله أو يرد كله إلا أن يجد به عيبا فيرده بالعيب وإذا اشترى الرجل عدل زطي بثمن واحد أو كل ثوب بعشرة أو كر حنطة أو خادمين أو شيئا مما يكال أو يوزن فحدث في شيء منه عيب قبل أن يقبضه فهو بالخيار إن شاء أخذه كله وإن شاء تركه كله وليس له أن يأخذ الذي ليس به عيب بحصته من الثمن ويرد الذي به العيب لأنها صفقة واحدة ولو كان قبض ثم رأى العيب لزمه الذي ليس به عيب بحصته من الثمن وكان بالخيار في الذي به العيب إن شاء رده وإن شاء أمسكه وأما ما كان من كيل أو وزن من ضرب واحد فقبضه ثم وجد به عيبا بعد ذلك قد دلسه به فليس له إلا أن يأخذه جميعا أو يرده جميعا
وإذا اشترى الرجل عدل زطي أو جراب هروي أو شيئا من العروض أو الحيوان صفقة واحدة فاستحق بعضه قبل أن يقبض أو حدث به عيب أو كان به عيب قبل أن يشتريه فاطلع عليه قبل أن يقبض فالمشتري بالخيار إن شاء أخذه كله وإن شاء رده كله وليس له أن يأخذ بعضه دون بعض لأنها صفقة واحدة ولأنه لم يقبضه وإن كان قد قبضه ثم استحق بعضه أو وجد ببعضه عيبا فإن له أن يرد الذي به العيب خاصة ويمسك ما سواه ويرجع بثمن ما استحق خاصة ويلزمه ما بقي مما لم يستحق ولو كان ثوبا واحدا أو عبدا واحدا مما لا يتبعض فاستحق بعضه كان له أن يرد ما بقي ولو كان ثوبين فاستحق أحدهما فاستحق أحدهما جاز عليه الآخر إذا كان الاستحقاق بعد القبض ولو كان قبض أحدهما ولم يقبض الآخر ثم استحق الذي قبض أو الآخر أيهما ما كان فله الخيار في الباقي(3/209)
بحصته من الثمن إن شاء أخذ بذلك وإن شاء تركه لأنه لم يقبض ما اشترى كله وإذا اشترى شيئا مما يكال أو يوزن صفقة واحدة فاستحق بعضه فإن له أن يترك ما بقي ولا يأخذه إن كان استحق قبل القبض وكذلك إن وجده ناقصا فله أن يتركه وإن شاء أخذه بحصته من الثمن فإن كان اشتري عدل زطي بثمن واحد فوجده ناقصا أو زائدا فلا خير في البيع وله أن يرده وإن كان سمى لكل ثوب ثمنا فلا خير فيه إذا كان زائدا لأن الذي وقع عليه البيع في هذا مجهول لا يعرف وإن كان ناقصا فعلم بذلك قبل أن يقبض أو بعد ما قبض فهو بالخيار إن شاء ترك وإن شاء أخذ ما بقي بما سمى لكل ثوب من الثمن وإذا اشترى الرجل كر حنطة بخمسين درهما فوجده
ناقصا فإن شاء أخذه بحصته من الثمن لأن هذا يعرف ما نصيبه من الثمن فليس هذا كالعروض التي ثمنها جملة واحدة وإذا اشترى الرجل أمتين صفقة واحدة فإذا إحداهما أم ولد أو مدبرة أو مكاتبة فعلم قبل القبض فالمشتري بالخيار إن شاء لم يلزمه الأمة الباقية وإن شاء أخذها بحصتها من الثمن والأعمى في كل ما اشترى إذا لم يقلب ولم يجس بالخيار فإذا قلب أو جس فهو بمنزلة النظر من الصحيح ولا خيار له إذا لم يجد به عيبا فإن وجد بع عيبا فهو بمنزلة الصحيح
باب المرابحة:
وإذا اشترى الرجل بيعا نسيئة فليس له أن يبيعه مرابحة حتى يبين له أنه اشتراه نسيئة فإن باعه مرابحة وكتم ذلك فالمشتري بالخيار إذا اطلع على ذلك إن شاء رده وأخذ ماله وإن شاء أجاز البيع فإن كان المشتري قد استهلك البيع أو قد استهلك بعضه فالبيع لازم له جائز عليه وليس له أن يرد ما بقي منه بذلك ولا يرجع في شيء من الثمن وإذا اشترى الرجل خادما أو ثوبا أو طعاما أو دابة فأصاب الخادم بلاء ذهب من ذلك بصرها أو لزمها من ذلك عيب أو أصاب الدابة من ذلك عيب أو أصاب الثوب من ذلك عيب أو أصاب الطعام شيء فدخله من ذلك عيب فلا بأس أن يبيع ذلك مرابحة(3/210)
ألا ترى أن الثوب لو اصفر أو توسخ وكان ذلك ينقصه فلا بأس بأن يبيع ذلك مرابحة ولو أصاب من غلة الخادم أو الدابة أو الدار أو العبد شيئا باعه مرابحة لأن الغلة ليست من أصل ذلك البيع وإن أصاب العبد شيء من ذلك عيب من عمل المولى ينقصه فلا يبيع شيئا من ذلك مرابحة حتى يبين ذلك وكذلك إذا أصابه من عمل غيره لأنه ضامن لما ينقصه فإن كان عمله بإذن المولى فهو إذا بمنزلة المولى فإن باع شيئا من ذلك ولم يبينه فالمشتري بالخيار إن شاء رد البيع وإن شاء أمسكه وإن كان قد استهلكه أو بعضه لزم البيع ولم يكن للمشتري أن يرده ولا يرد ما بقي ولا يرجع في شيء من الثمن وإذا ولدت الجارية أو الغنم أو البقر أو الإبل أو أثمر النخل أو الشجر فلا بأس بأن يبيعه مرابحة وذلك معه
فان استهلك المولى ذلك فليس له أن يبيع شيئا من ذلك مرابحة حتى يبين ما أصاب من ذلك وكذلك ألبان الغنم وأصوافها وسمونها ما أصاب من ذلك من شيء فلا يبيع شيئا من ذلك مرابحة حتى يبين ما أصاب منها فإن كان قد أنفق عليها ما يساوي ذلك في علفها أو ما يصلحها فلا بأس بأن يبيعها مرابحة ولا يبين ذلك وإن لم يكن أنفق عليها شيئا ولم يصب من أولادها ولكنها ماتت موتا أو أصاب الغلة آفة فأهلكتها فله أن يبيع ذلك مرابحة ولا يبين ذلك وإن كان ذلك قد نقص الخادم أو الإبل أو الغنم أو البقر وإذا اشترى الرجل متاعا فله أن يجعل عليه من الخياطة والقصارة والكراء ويقول قام على بكذا كذا ولا يقول اشتريته بكذا وكذا فإن ذلك كذب لأنه لم يأخذه به إنما قام(3/211)
عليه مع النفقة بعد ما اشتراه بكذا كذا وقد اشتراه بأقل مما قام عليه ثم لحقه من النفقة حتى قام عليه بذلك ولا يلحق ما أنفق على نفسه وسفره في طعام ولا مؤونة ولا كراء وأما الرقيق فله أن يلحق بهم طعامهم وكسوتهم بالمعروف ثم يقول قاموا على بكذا وكذا وإذا اشترى الرجل طعاما فأكل نصفه أو ثلثه فله أن يبيع النصف الباقي مرابحة على نصف الثمن لأن علمه يحيط ان هذا نصفه وكذلك كل شيء يكال أو يوزن بعد أن يكون من ضرب واحد فإن كان مختلفا فلا يبيعن مرابحة بما بقي قل أو كثر وكذلك الثوب الواحد إذا ذهب نصفه احترق أو حرقه إنسان أو هو أو باعه أو وهبه أو تصدق به فلا يبيع النصف الباقي مرابحة على الثمن الأول لأنه لا يدري ان هذا وذاك سواء من قبل ما دخل في شقه وكذلك الثوبان إذا اشتراهما جميعا صفقة واحدة فلا يبيعن أحدهما مرابحة دون الآخر لأنه لا يعلم ما رأس مال هذا من هذا إلا ظنا بظنه أو حزرا بحزره
وكذلك لو اشترى عدل زطي أو عدل يهودي أو جراب هروي بألف درهم فلا يبيعن ثوبا منها مرابحة لأنه لا يعلم ما رأس ماله ولو كان أخذ كل ثوب منها بعشرة دراهم فله أن يبيع كل ثوب منها مرابحة على عشرة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا يبيعن مرابحة حتى يبين أنه اشترى معه غيره وكذلك لو باع كل ثوب منها برقمه الذي عليه أو زيادة دانق على رقمه ثم علم ما رقمه فرضي بذلك فهو جائز وله أن يبيعه مرابحة على ما سمى لكل ثوب ألا ترى أنه لو كان ثوبان فأخذهما جميعا الأبيض بعشرة والأصفر بخمسة عشر كان له أن يبيع كل واحد منهما على ما سمى له ولو كانتا دارين كان لشفيع كل واحد منهما أن يأخذها بالذي سمى لها ولو وجد عيبا يرد منه رد كل ثوب وجد فيه العيب بما سمى له من الثمن ثم لو استحق ثوب منها برئ من ثمنه الذي سمى له وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وأما في قول محمد فإذا اشترى ثيابا صفقة واحدة بعضها(3/212)
أفضل من بعض كل ثوب بعشرة فلا ينبغي أن يبيع ثوبا منها مرابحة على عشرة حتى يبين الأمر على وجهه لأن الرجل قد يشتري الثوبين بمائة وخمسين أحدهما يساوي مائة والآخر يساوي خمسين كل ثوب بخمسة وسبعين فإن باع أحدهما بخمسة وسبعين مرابحة كان ذلك قبيحا لأنه إنما زاد في ثمن ذلك لمكان الآخر حتى يبين فيبيع كيف يشاء وإذا اشترى الرجل بيعا بحنطة أو شعير أو شيء مما يكال أو يوزن فلا بأس بأن يبيعه مرابحة على ذلك وإذا اشترى الرجل ثوبا بعشرة دراهم فباعه بخمسة عشر
درهما ثم اشتراه بعشرة فلا يبيعه مرابحة حتى يطرح ربحه الأول من رأس مال البيع الآخر فيقوم بخمسة دراهم وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد فلا يبيعه مرابحة على عشرة دراهم ولا يطرح منها شيئا لأنه شراء مستقبل لا يدخل فيه شيء كان قبله من ربح ولا وضيعة ألا ترى أنه لو كان أصله هبة أو صدقة أو ميراثا أو وصية ثم باعه ثم اشتراه كان له أن يبيعه مرابحة على الثمن الآخر ولا يطرح منه شيئا ولو كان أصله بيعا فباعه بوصيف أو بدابة ثم اشتراه بعشرة كان له أن يبيعه مرابحة ولا يطرح منه شيئا فكيف يطرح الوصيف والدابة من العشرة وإذا اشترى الرجل نصف عبد بمائة درهم واشترى آخر نصفه بمائتين ثم باعاه مرابحة أو قالا ربح كذا وكذا(3/213)
على رأس المال أو بوضيعة كذا وكذا من رأس المال فإن الثمن يكون بينهما أثلاثا على مائتين وعلى مائة ولو كان أحدهما قد اشترى ثلثه بمائة درهم واشترى الآخر ثلثيه بمائتي درهم ثم باعاه مرابحة كان الثمن بينهما على ما سميا من الثمن وكذلك لو ولياه رجلا بالذي أخذاه به ولو قسما الثمن بينهما على القدر الذي لهما في العبد فربحا أحدهما أو وضع الآخر فهذا لا يكون وقد باعاه مرابحة أو ولياه رجلا بالذي أخذاه به وإذا أنفق الرجل على عبده في تعليم عمل من الأعمال دراهم فإنه لا يلحق ذلك في رأس ماله ولا يبيعه مرابحة على ذلك فكذلك الشعر والغناء والعربية وأجر تعليم القرآن لا يوضع
شيء من هذا على رأس المال وكل شيء علم به رجل جارية له أو عبدا له مما لا يحل فلا يلحق برأس ماله وكذلك أجر الطبيب وأجر الرائض والراعي وجعل الآبق وأجر الحجام والختان فهو مثل ذلك أيضا وأما سائق الغنم الذي يسوقها من بلد إلى بلد فإنه يلحقه في رأس ماله وكذلك أجر السمسار يلحقه في رأس ماله مثل أجر القصار ولا يلحق أجر المعلم الحساب في رأس ماله وكذلك أجر النائحة ولو باع جاريتين إحداهما أفضل من الأخرى وقد اشترى كل واحدة منهما بخمسمائة فباعهما مرابحة كان الثمن نصفين وإن كانت إحداهما أفضل من الأخرى(3/214)
ألا ترى أنهما لو كانتا دارين على هذه الصفة أخذ الشفيع كل واحدة منهما بالذي أخذها به لا ينقصه ولا يزيده شيئا وكذلك التولية وقال محمد لا يبيع إحداهما مرابحة حتى يبين أنه اشترى معها غيرها مرابحة وإذا باع الرجل متاعه مرابحة ثم حط من البيع الأول شيئا فإنه يحط ذلك الشيء وربحه عن المشتري الآخر ويجير على ذلك في القضاء وكذلك لو كان ولاه رجلا ثم حط عنه شيئا حط مثله عن المشتري وإذا باع الرجل متاعا مرابحة فخانه في المرابحة ودلس له فان المشتري بالخيار إذا اطلع على ذلك إن شاء رد المتاع وإن شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه به لا ينقص منه شيئا فإن كان المشتري قد أهلك المتاع أو بعضه فالثمن له لازم ولا يحط عنه منه شيء
وإذا أقر البائع بأنه قد خانه أو زاد عليه أو قامت عليه بذلك بينة لم يكن للمشتري أن يرجع في شيء من ذلك لتلك الخيانة إنما له أن يرد المتاع كله كما أخذه أو يلزمه الثمن كله وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف نرى أن يحط عنه الخيانة وحصتها من الربح على كل حال واذا اشترى الرجل ثوبا بعشرة دراهم فليس له أن يبيع ذراعا منه مرابحة لأن الثوب مختلف وكذلك ليس له أن يبيع منه أكثر من ذراع أو أقل منه مرابحة إلا أن يقول أبيعك نصفه أو ثلثه أو جزءا من كذا وكذا جزءا فلا بأس بأن يبيعه على هذه الصفة لأنه يكون شريكا فيه كله بذلك وإذا اشترى الرجل مما يكال أو يوزن بعد أن يكون شيئا واحدا غير مختلف فلا بأس أن يبيع رطلا منه أو قفيزا(3/215)
منه على حصته من الثمن مرابحة لأنه شيء واحد قد أحاط علمه به فان كان مختلفا فليس له أن يبيع واحدا منها مرابحة وهو قول أبي حنيفة وإذا أسلم الرجل عشرة دراهم في ثوبين من نوع واحد ومن ضرب واحد وشرط واحد وأعطاه عشرة دراهم ثم قبضهما فلا يبيعن واحدا منها مرابحة في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد له أن يبيع كل واحد منهما على خمسة دراهم ألا ترى أن صفقتهما واحدة وأنه لو صالح الذي عليه السلم على رأس مال أحدهما وأخذ الآخر كان ذلك جائزا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد في هذا وإذا اشترى الرجل نصف عبد بمائة ثم اشترى
النصف الآخر بمائتين فله أن يبيع أي النصفين شاء مرابحة على ما اشتراه به وإن شاء باعه كله على ثلاثمائة مرابحة وإذا اشترى الرجل عبدا بألف درهم ثم وهب له البائع الثمن كله فله أن يبيعه مرابحة على الألف التي اشتراه بها منه وإن وهب له بعض الثمن كان للمشتري أن يبيعه مرابحة على ما بقي من الثمن وكذلك لو حط عنه بعض الثمن وليس يشبه هبة الثمن كله هبة بعض الثمن وإذا اشترى عبدا بألف درهم ثم باعه بالثمن عروضا أو أعطاه به رهنا فهلك الرهن كان له أن يبيع العبد مرابحة على ألف درهم وإذا اشترى الرجل ثوبا بعشرة دراهم جياد فنقدها فوجد أحدها زائفا فجاوز به البائع عنه فله أن يبيعه مرابحة على عشرة دراهم جياد وكذلك لو اشتراه بعشرة دراهم نقد ليس لها أجل فلم ينقد الثمن أشهرا فله أن يبيعه مرابحة على عشرة دراهم لأن هذا نقد ليس بتأخر(3/216)
وإذا اشترى الرجل ثوبا بعشرة دراهم ثم وهبه ثم رجع في هبته وأخذه فله أن يبيعه مرابحة على عشرة دراهم وكذلك لو باعه بعشرة دراهم أو أكثر ثم رد عليه بعيب أو بيع فاسد أو بخيار أو باستقالة البائع فأقاله كان له أن يبيعه مرابحة على عشرة دراهم ولو كان باعه ثم ورثه أو وهبه أو صار في ملكه بغير شراء لم يكن له أن يبيعه مرابحة لأن هذا الملك الثاني ملك بغير شراء وقد هدر الملك الأول الذي كان فيه الشراء وإذا اشترى الرجل من أبيه أو أمه أو مكاتبه أو عبده أو عبد من مواليه أو مكاتب من مواليه متاعا بثمن قد قام على البائع بأقل من ذلك فليس للمشتري أن يبيعه مرابحة إلا بالذي قام على البائع للتهمة وليس هذا كالشراء من الأجنبي ولا من الأخ ولا من العم
وإذا اشترى الرجل من امرأته فليس له أن يبيع مرابحة وكل من لا تجوز شهادته له فلا يبيعن ما اشترى منه مرابحة وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف أنا أرى أن يبيع كل ما اشترى من هؤلاء مرابحة ما خلا عبده أو مكاتبه أو عبد من مولاه وهو قول محمد وإذا اشترى الرجل ثوبا بثوب قد قام الثوب الأول بعشرة دراهم فليس له أن يبيع الثوب الآخر مرابحة على عشرة دراهم وإذا اشترى الرجلان من رجل عدل زطي بألف درهم فاقتسماه بينهما فليس لواحد منهما أن يبيع نصيبه مرابحة لأنه ليس يحيط علمه ان هذا هو النصف وإذا اشترى الرجل عبدا به عيب قد دلس له أو ثوبا(3/217)
فيه عيب قد دلس له ثم اطلع عليه بعد فرضي أو لم يرض فله أن يبيعه مرابحة لأنه قد اشتراه بذلك الثمن وكذلك لو اشترى بيعا مرابحة فخانه صاحبه فيه كان له أن يبيعه مرابحة على ما أخذه به لأنه بذلك قام عليه وإذا ولى رجل رجلا بيعا بما قام عليه ثم اطلع على أنه أخذه بأقل من ذلك بشهادة شهود قامت على ذلك رجع عليه بالفضل أو باقرار من البائع الأوسط أو بدعوى من المشتري الآخر وأبى البائع الأوسط أن يحلف عليها فانه يرجع عليه بذلك الفضل ويتم له البيع ويكون له على أن يبيع مرابحة على ما بقي ولو باعه مرابحة قبل أن يرجع بشيء على البائع الأول كان ذلك جائزا وله أن يرجع بتلك الخيانة وما أخذه رده على المشتري وهذا قول أبي حنيفة وفرق بين التولية وبين المرابحة فقال يرجع بالخيانة في التولية
ولا يرجع في المرابحة وله الخيار وقال يعقوب هما سواء في ذلك كله يرجع بالخيانة والربح وقال محمد هما سواء فلا يرجع بخيانة ولا ربح إن كان ما استهلكه فهو بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن ولا يطرح عنه الخيانة وإن شاء رده على صاحبه وبطل البيع وإذا اشترى الرجل من شريك له شركة عنان فلا بأس بأن يبيعه مرابحة فان كان للأول فيه حصة فليس له أن يبيعه حصة نفسه مرابحة إلا على ما اشتراه به فان كان لم يشتره وصار له بوجه غير الشراء فلا يبيعن حصته مرابحة
وإذا كانت خادما لشريك المفاوض للخدمة فاشتراها شريكه منه لتخدمه ثم بدا له أن يبيعها فلا بأس بأن يبيعها مرابحة وكذلك كل شيء كان لأحدهما دون صاحبه فاشتراه الآخر ليكون له دون صاحبه وكل شيء كان بينهما فلا يبيعه واحد منهما مرابحة إذا اشتراه من صاحبه إلا على الأصل الأول وإذا كان عبد بين اثنين قد قام عليهما بمائة دينار فربح أحدهما صاحبه في حصته دينارا فلا بأس بأن يبيعه مرابحة على مائة دينار ودينار وإذا اشترى الرجل متاعا ثم رقمه بأكثر من ثمنه(3/218)
ثم باعه مرابحة على رقمه فهو جائز ولا يقول قام على كذا بكذا ولكن رقمه كذا وكذا فانا أبيعه مرابحة على ذلك وكذلك لو كان أصله ميراثا أو هبة أو صدقة أو وصية فقومه قيمته ثم باعه مرابحة على تلك القيمة كان ذلك جائزا وإذا اشترى الرجل من عبد له أو عبد لبعض ولده أو من أمته أو من أمة لابن له بيعا قد قام عليه بأقل من ذلك فلا يبيعه مرابحة إن كان على العبد دين أو لم يكن إلا على الأقل وكذلك العبد وأم الولد والمكاتب والمدبر والعبد قد عتق نصفه وهو يسعى في بعض قيمته وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد أما العبد الذي قد عتق نصفه فلا بأس بأن يبيع ما اشترى منه مرابحة لأنه حر كله وإذا باع الرجل المتاع بربح ده يا زده أو بعشرة
أحد عشر أو بده دوازده أو بعشرة اثني عشر أو بده سيزده أو بعشرة ثلاثة عشر فهذا سواء كله فإذا علم المشتري بالثمن فهو بالخيار إن شاء أخذه بذلك وإن شاء رده فإن كان قد علم بالثمن قبل عقده البيع ليس له أن يرده وكذلك المتاع يرقمه فهو كذلك أيضا إذا علم الرقم إن شاء أخذه وإن شاء تركه وإذا اشترى الرجل ثوبا بعشرة دراهم ثم باعه بوضيعة ده يازده على الثمن فإن الثمن يكون تسعة دراهم وجزءا من أحد عشر جزءا من الدرهم وصارت الوضيعة عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم
وإذا اشترى الرجل ثوبا بخمسة دراهم واشترى آخر ثوبا بستة دراهم ثم باعاهما جميعا صفقة واحدة مرابحة أو مواضعة فإن الثمن بينهما على قدر رؤوس أموالهما وإذا اشترى الرجل عبدا بألف درهم ثم ولاه رجلا ثم حط عن المشتري الأول الثمن كله فإنه لا يحط عن الآخر شيئا لأن هذا ليس بحط ولا وضيعة(3/219)
باب العيوب في البيوع كلها:
وإذا باع الرجل عبدا أو أمة أو دارا أو ثوبا أو شيئا من الأشياء فبرئ البائع إلى المشتري عند عقده البيع من كل عيب فهو براءة جائزة ولا يضره أن لا يسمى شيئا من ذلك ألا ترى أنه لو برئ إليه من القروح والخروق في الثوب ومن الدبر في الدابة كانت هذه البراءة جائزة فيما سمى وإن كان لم يقل فوجد قرحة كذا وكذا أو كذا وكذا دبرة وكذلك لو قال هو بريء من كل عيب فقد دخل فيه كل عيب وكذلك كل داء وكل دبرة وكل حرق أو خرق أو كي أو غيره من العيوب وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
وإذا شهد شاهدان على البراءة من كل عيب في خادم ثم إن أحد الشاهدين اشتراها بغير براءة فوجد بها عيبا كان له أن يردها من قبل أن الشهادة على البراءة لم تكن اقرارا منه ولا من البائع ولا من المشتري ان بها عيبا وكذلك لو قال برئت من الإباق وأشهد على ذلك ثم اشتراها منه أحد الشاهدين بغير براءة من ذلك فوجدها آبقة كان له أن يردها بذلك وإذا اشترى الرجل السلعة ولم يبرأ البائع اليه من شيء ثم أراد البائع بعد ما وقع البيع أن يبرأ من العيوب فأبى المشتري أن يبرئه من ذلك فله ذلك وليس للبائع البراءة إلا عند عقدة البيع وإذا اشترى الرجل من الرجل أمة فلا يقربها حتى(3/220)
تحيض حيضة بلغنا نحو من ذلك عن علي بن أبي طالب ولا ينبغي للبائع أن يبيعها إذا كان يطؤها حتى تحيض حيضة عنده وإن كانت لا تحيض فينبغي للمشتري أن يستبرئها بشهر ولا يقبلها ولا يباشرها حتى يستبرئها بحيضة أو بشهر وإن كانت ممن تحيض فارتفع حيضها انتظر بها حتى يعلم أنها غير حامل ثم يطؤها وإذا قربها المشتري ووجد بها عيبا قد دلس فليس له أن يردها بذلك العيب وتقوم به وتقوم وليس بها عيب فإن كان العيب ينقصها العشر رجع بعشر الثمن وكذلك لو لم يطأها ولكن حدث بها عيب عنده ثم وجد عيبا قد دلس له فليس له أن يردها بذلك العيب ولكن تقوم وبها العيب وتقوم وليس بها العيب إن كان العيب ينقصها العشر رجع بعشر الثمن ويكون فيها كما كان في التي وطئ
فإن باعها بعد ما رأى العيب فليس له أن يرجع بشيء من قبل أن البائع يقول أنا أقبلها وكذلك لو وطئها غير المشتري بزنا أو بشبهة وكذلك لو زوجها المشتري فوطئها الزوج أو لم يطأها لم يكن للمشتري أن يردها بالعيب ولكن يرجع بنقصان العيب ولو كان لها زوج عند البائع قد وطئها عنده ثم وطئها عند المشتري فإن للمشتري أن يردها بالعيب ولا يشبه هذا وطء المشتري ولا وطء الزوج الذي زوجها المشتري ولو اشترى جارية بكرا ولها زوج فوطئها عند المشتري لم يكن للمشتري أن يردها لأنها كانت بكرا فذهبت عذرتها عند المشتري ولا يشبه هذا الباب الأول ولو اشترى ثوبا فصبغه بعصفر أو زعفران أو قطعه قميصا أو قباء ولم يخطه بعد ثم وجد به عيبا كان له أن يرجع بفضل ما بينهما فان باعه قبل أن يخاصمه لم يكن له أن يرجع بشيء إلا في العصفر والزعفران فان له أن يرجع فيه لأن البائع لو قال أنا أقبله لم يكن له أن يأخذه(3/221)
وكل عيب وجده المشتري بالسلعة فعرضها بعد ما رآه على البيع أو وطئها أو قبلها أو لامسها لشهوة أو أجرها أو رهنها أو وهبها فان هذا كله رضا بذلك في القياس وليس له أن يردها ولا يرجع بفضل ما بينهما ولو استخدمها كان هذا في القياس رضا ولكني أدع القياس ويكون له أن يردها في الاستحسان ولو كان قميصا أو ثوبا فلبسه أو دابة فركبها كان هذا كله رضا بالعيب غير أني استحسن إذا ركب الدابة ليردها أو ليسقيها أن لا يكون هذا رضا إنما الرضا ركوبه في حاجته ولو ولدت الجارية عند الرجل أو وطئها فباعها وكتم ذلك فليس للمشتري أن يردها بذلك لأن هذا ليس بعيب لازم ولا بأس بأن يبيعها مرابحة إن لم يكن ينقصها إذا كان الولد قد مات فإن كان جامعها وهي بكر فلا يبيعها مرابحة حتى يبين ذلك
وإذا اشترى الرجل خادما فدبرها أو أعتقها البتة أو ولدت ولدا فكانت أم ولد له ثم وجد بها عيبا قد دلس له كان له أن يرجع بنقصان ما بينهما ولو كان باعها أو وهبها وقبضها الموهوبة له ثم وجد بها عيبا قد دلس له لم يكن له أن يرجع إليه لأنها قد خرجت من ملكه إلى ملك غيره وكذلك لو باع بعضها وبقي في يده بعضها لم يكن له أن يرد ما بقي ولا يرجع بفضل خادم غيره ألا ترى أنه لو باعها من البائع ثم وجد المشتري بها عيبا لم يكن له أن يرجع على البائع بشيء والخادم عند البائع وكذلك لو وهبها أو تصدق بها عليه وإذا اشترى الرجل خادما فقتلها هو ثم وجد بها عيبا قد دلس له لم يرجع بشيء لأنه هو الذي جنى عليها وهذا والعتق في القياس سواء ولكن أستحسن في العتق(3/222)
ولو لم يقتلها هو ولكنها ماتت موتا كان له أن يرجع بفضل العيب وليس الموت كالقتل لأن القتل من جنايته ولو قتلها غيره لم يرجع بشيء وكذلك لو اشترى ثوبا فخرقه أو طعاما فأكله لم يكن له أن يرجع بنقصان العيب وإن لم يكن علم بالعيب ولبس الثوب حتى تخرق أو أكل الطعام ثم علم بعيب كان قد دلس له لم يكن له أن يرجع بشيء وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد له أن يرجع بفضل ما بين العيب والصحة وليس هذا كالأول هذا مما يصنع الناس وكذلك الحنطة إذا طحنها والسويق إذا لته كان له أن يرجع بفضل ما بينهما لأن السويق قائم بعينه وهو بمنزلة الثوب يصبغه أو يقطعه قميصا أو قباء
وإذا اشترى خفين أو نعلين أو مصراعي باب بيت فوجد في أحدهما عيبا فله أن يردهما جميعا فإن كان قد باع الذي ليس به عيب فليس له أن يرد ما بقي ولا يرجع بشيء لأن هذا بمنزلة شيء واحد باع بعضه وإذا اشترى عبدا ثم باعه فرد عليه بعيب فقبله بغير قضاء قاض فليس له أن يرده على الأول لأن هذا بمنزلة الصلح والرضا ولو قبله بقضاء قاض ببينة قامت أو باباء يمين أو بإقرار عند القاضي أنه باعه والعيب فيه ولا يعلم هو بالعيب كان له أن يرده على الذي باعه إياه إن كانت له على العيب بينة وإلا استحلفه فان نكل عن اليمين رده عليه وإن حلف لم يرده عليه وإذا اشترى الرجل جارية لها زوج ولا يعلم به ثم علم أو عبدا له امرأة وهو لا يعلم ثم علم به كان هذا عيبا(3/223)
يرد منه لأن فرج الجارية عليه حرام إذا كان لها زوج ولأن العبد يلزمه نفقة المرأة وإذا اشترى الرجل شاة فحلب لبنها فأكله أو ناقة لم يكن له أن يردها بعيب ولكن يرجع بنقصان العيب وكذلك نخلة أو شجرة إذا اشتراها رجل فأكل غلتها فانه لا يردها بعيب ولو كان عبدا فأكل غلته أو كانت دارا فأكل غلتها كان له أن يردها بالعيب لأن هذا غلة ليس منه وغلة النخل والشجر ولبن الشاة والبقرة منها وهذا بمنزلة الولد وإذا اشترى الرجل عبدا فوجده مخنثا فله أن يرده وكذلك إن كان سارقا وكذلك لو كان على غير دين الإسلام كان له أن يرده وإذا كان زانيا أو ولد زنا لم يكن له أن يرده لأن هذا ليس بعيب في الغلام وهو عيب في الجارية يردها منه إذا كانت زانية أو ولد زنا لأنها توطأ وتتخذ أم ولد
والثؤلول إذا كان ينقص الثمن عيب فإذا كان لا ينقصه فليس بعيب والخال أيضا والبجر عيب والصهوبة في الشعر عيب والشمط عيب والبخر عيب في الجارية ولا يكون في الغلام إلا أن يكون من داء والآدر عيب والأعمش عيب والأعشى عيب
والذفر في الغلام ليس بعيب إلا أن يكون ذلك شيئا لا يكون في الناس فاحشا ينقص الثمن فيكون عيبا والسن السوداء عيب والسن الساقطة عيب ضرسا كان أو غيره والظفر الأسود إذا كان ينقص الثمن فهو عيب والإباق مرة واحدة عيب وإن كان صغيرا فهو عيب ما كان صغيرا فإذا احتلم وحاضت الجارية فليس ذلك بعيب إلا أن يأبق بعد الكبر وكذلك البول على الفراش ما دام صغيرا فإذا احتلم الرجل وحاضت الجارية فليس ذلك بعيب ولا يرد من ذلك إلا أن يفعله بعد ما احتلم وبعد ما حاضت الجارية وإن أبق بعد ما احتلم فهو عيب لازم أبدا
والجنون عيب إذا جن مرة واحدة فهو عيب لازم أبدا والحبل في الجارية عيب والحول عيب والقرن عيب والعفل عيب والبرص عيب والجذام عيب والفتق عيب والسلعة عيب وكل شيء ينقص في الثمن من الرقيق والدواب والإبل والبقر فهو عيب(3/224)
والكي والقروح والفدع في القدم عيب هذا كله عيب والفحج عيب والحنف عيب والصكك عيب والصدف عيب والشدق عيب في الفم وكل عيب طعن به المشتري ظاهرا أو باطنا
ولا بينة له فان القاضي لا ينبغي له أن يستحلف البائع حتى يعلم أن العيب بالسلعة فإن كان ظاهرا نظر إليه وإن كان باطنا ولا ينظر إليه إلا النساء فإن أخبرت امرأتان حرتان مسلمتان أو امرأة بالعيب استحلف البائع فإن كان باطنا في الجوف أو في البصر أرى ذلك الأطباء فإذا اجتمع رجلان مسلمان منهم على ذلك استحلف القاضي البائع بالله لقد باعه وقبضه المشتري وما هذا العيب به البتة ولا يستحلفه على علمه في شيء من هذا ولو طعن المشتري باباق أو جنون ولا يعلم القاضي ذلك فإنه لا يستحلف البائع حتى يشهد شاهدان أنه قد أبق عند المشتري أو جن عنده فإذا قام على هذا بينة استحلف البائع البتة بالله لقد باعه وما أبق قط منذ بلغ عنده ولا جن عنده قط فإذا أبى البائع أن يحلف ردت السلعة عليه وإن لم بكن له بينة وادعى أن البائع قد علم أنه قد أبق
عنده فإن البائع يحلف على علمه بالله ما يعلمه أبق عند المشتري فإن حلف برئ وإن أبى اليمين استحلف بالله لقد باعه وما أبق قط منذ ما بلغ فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين لزمه فإن طعن البائع فقال استحلف المشتري بالله ما رضيت بالعيب منذ رأيته ولا عزمت على بيع حلف المشتري على ذلك ثم يردها فإن أبى أن يحلف لم يرد والعسر عيب والحبل في الجارية عيب وليس الحبل في البهيمة عيب ولا يشبه الإنسان في هذا البهيمة والبقرة والشاة والناقة والفرس وغير ذلك من البهائم سواء في ذلك ولا يكون ذلك فيهن عيبا كما يكون في الإنسان
والعزل عيب والمشش عيب والنخس عيب والحرد عيب والزوائد عيب والصدف عيب والمهقوع عيب والجمح عيب
وخلع الرأس عيب وبل المخلاة عيب إذا كان ينقص الثمن والانتشار عيب والأعشى عيب والشتر عيب والحول عيب والحوص عيب والظفر عيب والشعر يكون في جوف(3/225)
العين عيب والجرب عيب في العين وغير العين والماء في العين عيب وريح السبل عيب والغرب عيب والسعال القديم عيب إذا كان من داء والمستحاضة والتي يرتفع حيضها زمانا فهذا كله عيب وإذا اشترى الرجل عبدا وعليه دين لم يعلم به ثم علم به فله أن يرده إلا أن يقضي البائع عنه دينه أو يبرئه الغرماء من الدين وإذا اشترى الرجل جارية محرمة بالحج وهو لا يعلم به ثم علم فليس هذا عيبا لأن له أن يحللها
وإذا اشترى الرجل جارية في عدة من طلاق بائن أو موت فليس هذا بعيب فإن كان في عدة من طلاق يملك فيه الرجعة فهذا عيب يرد منه فإن انقضت العدة فقد وجبت لأن العيب قد ذهب وإذا ابتاع الرجل خادما من رجل فطعن المشتري بعيب فقال البائع ما هذا بخادمي فالقول قول البائع مع يمينه بالله وعلى المشتري البينة أنه اشترى منه هذه الجارية وإذا اشترى الرجل جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا فإنه لا يصدق على ذلك والقول قول البائع أنها بكر مع يمينه وعلى المشتري البينة أنها ثيب وإذا اشترى الرجل جوزا أو بيضا فوجده فاسدا كله وقد كسره فله أن يرده ويأخذ الثمن كله وكذلك البطيخ والفاكهة إذا وجدها فاسدة كلها بعد ما يكسرها فله أن يرده إذا كان لا يساوي شيئا فهو فاسد
وإذا اشترى الرجل عبدا قد حل دمه بقصاص فقتل عنده فانه يرجع على البائع بالثمن كله وكذلك لو كان مرتدا فقتل عنده ولو باعه وهو سارق فقطعت يده عنده كان له أن يرده ويأخذ الثمن كله وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد انه يقوم سارقا ويقوم غير سارق ثم يرجع بفضل ما بينهما من الثمن ولا يستطيع أن يرده بعد القطع وكذلك حلال الدم ولو كان هذا مستقيما كان الرجل إذا اشترى جارية حاملا فماتت في نفاسها وقد دلس له الحمل كان له أن يرجع بالثمن كله وهذا ليس بشيء وإذا اشترى الرجل جارية وعبدا فزوجها ثم وجد بهما عيبا لم يكن له أن يردهما لما أحدث فيهما فإن طلقها ثلاثا بائنا ولم يكن دخل بها كان له أن يردهما(3/226)
وإذا اشترى الرجل جارية فوجد بها عيبا فشهد شاهد أنه اشتراها وهذا العيب بها وشهد آخر على إقرار البائع بهذا كان هذا باطلا لا يردها بهذه الشهادة لأنهما قد اختلفا ولا يرجع بفضل عيب وإذا وهب الرجل للرجل جارية على عوض وقبضا جميعا ثم وجد عيبا فله أن يرده في هذا كما يرد في الشراء وكذلك الصدقة بالعوض وإذا تزوجت المرأة على جارية فقبضتها فوجدت بها عيبا كان لها أن تردها وتأخذ قيمتها صحيحة وإن حدث بها عيب آخر عندها لم تستطع ردها ولكنها ترجع بفضل ما بينهما من العيب الأول ومن قيمتها صحيحة وكذلك لو خلعها على جارية كان كذلك أيضا ولو باع من عبد نفسه بجارية ثم وجد بها عيبا كان له أن يردها عليه ويأخذ منه قيمة نفسه وهذا قول أبي حنيفة الآخر وهو قول أبي يوسف وقال محمد يرجع عليه بقيمة الجارية وهو قول أبي حنيفة الأول
فإن كان حدث بها عند المولى عيب لا يستطيع ردها ويرجع بفضل ما بينهما من قيمة العبد تقوم صحيحة وتقوم وبها العيب فإن كان ينقصها عشر ذلك رجع بعشر قيمة العبد في قول أبي حنيفة الآخر وهو قول أبي يوسف وأما في قول محمد فإنه يرجع بذلك من قيمتها فإن ردت الجارية رجع على العبد بقيمتها ولو كاتبه على جارية بغير عينها فأداها إليه وأعتق ثم وجد بها عيبا كان له أن يردها عليه ويأخذ مكانها مثلها صحيحة فإن كان قد حدث بها عيب عند المولى لم يكن له أن يردها وكان له أن يرجع بما نقصها العيب من قيمة الجارية وإذا باع الرجل لرجل جارية بأمره ثم خوصم في عيب فقبلها بغير قضاء قاض فإنها تلزم البائع ولا تلزم(3/227)
لآمر إلا إن كان عيبا يعلم أن مثله لا يحدث فيلزم الآمر وكذلك لو قامت بينة أنه باعها وبها العيب ألزمته البائع وألزمت الآمر ولو كان عيبا يحدث مثله فخاصمه البائع فيها إلى القاضي وأقر عنده بالعيب كان إقراره عند القاضي وعند غيره سواء لا يلزم الآمر إلا في عيب لا يحدث مثله فإن لم يقر ولكنه أبى أن يحلف فألزمه القاضي الجارية فإنها تلزم الآمر فإن أنكر المولى أن تكون جاريته التي باع لم تلزم الآمر وكان القول في ذلك قوله وعليه اليمين بالله فإن أقام البائع البينة على أنها هي الجارية التي باع له فإنها تلزم الآمر وإذا اشترى الرجل للرجل جارية بأمره ثم وجد بها عيبا فله أن يدفعها إلى الآمر وله أن يخاصم فيها ويردها وان كان الآمر غير حاضر ألا ترى انه لو كان معه مال مضاربة
اشترى بها بزا ورب المال غائب فوجد بثوب منها عيبا كان له أن يخاصم فيه ويرده فان ادعى البائع أن الآمر قد رضي بالعيب وطلب يمين الآمر أو يمين المأمور ما رضي بذلك الآمر لم يكن له على المأمور يمين بذلك ولا على الآمر ولو كانت عليه يمين بذلك لم يكن له أن يردها حتى يحضر الآمر فيحلف فإن قامت بينة على رضا الآمر لم يكن له أن يردها ولو كان الآمر قد قبضها ثم وجد بها عيبا لم يكن له أن يردها ولا يخاصم فيها حتى يحضر المشتري فيكون هو الذي يخاصم ويرد ولو أقر المشتري أنه قد أبرأ البائع من هذا العيب صدق المشتري على نفسه بالعيب ولا يصدق على الآمر وتلزم الجارية المشتري إلا أن يرضي الآمر بقوله أو يقيم بينة على ذلك ولو اشترى رجلان جارية فوجدا بها عيبا فرضي(3/228)
أحدهما وأبى الآخر أن يرضي لم يكن لواحد منهما أن يرد حتى يجتمعا جميعا على الرد لأنها صفقة واحدة وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد الذي رضي بالعيب يلزمه نصيبه ويرد الآخر حصته ولا يلزم الآخر عيب لأنه لم يرض به إن رضي به غيره وإذا اشترى الرجل عبدا بجارية وقبضها ثم وجد صاحب العبد بالعبد عيبا ثم مات عنده فإنه يقوم صحيحا ويقوم وبه العيب فإن كان ذلك ينقصه عشر قيمته رجع بعشر الجارية وإن كان الثلث فالثلث وإن كان العبد قائما بعينه رده وأخذ الجارية وكذلك الحيوان والعروض كلها إذا باع منها شيئا بشيء فاستحق أو وجد به عيبا رده وأخذ متاعه وإذا كان المتاع قد استهلك رد عليه قيمته وكذلك كل ما يكال أو يوزن في هذا الباب إذا كان بعينه
ولو استحق شيء من ذلك بإقرار الذي هو في يده لم يرجع بشيء لأنه أقر أنه أتلف السلعة وكذلك إذا اشترى الرجل خادما وأقر أنها لفلان فلا يرجع بشيء على البائع ولو قضى بها القاضي بشهادة الشهود قضى له على البائع بالثمن فإن قال البائع ليست هذه بجاريتي التي بعتك فالقول قول البائع مع وعلى المشتري البينة أنها هي الخادم التي اشتراها منه وإذا اشترى الرجل خادما بكر حنطة وليس الكر عنده فإنه لا يجوز فإن قال بكر حنطة جيد أو وسط أو رديء فهو جائز استحسن ذلك وادع القياس فيه لأنه بلغنا عن رسول الله(3/229)
صلى الله عليه وسلم انه اشترى جزورا بثمن ثم استقرضه فأعطاه إياه فإن وجد عيبا بالجارية وقد استهلك البائع الكر رد الجارية وأخذ كرا مثل كره وكذلك كل ما يكال أو يوزن والذي يعد عددا وليس ما سوى ذلك من العروض مثل هذا لأنه ان اشترى جارية بثوب وليس الثوب عنده فالبيع باطل ولو اشتراها بثوب عنده ثم وجد بها عيبا وقد استهلك البائع الثوب ردها وأخذ قيمة الثوب لأن الثوب لا يقرض والطعام وما أشبهه من الكيل والوزن يستقرض فيكون عليه مثله وإذا اشترى الرجل بيعا بنسيئة أو ينقد ولم ينقد فليس ينبغي له أن يبيع ذلك من البائع بأقل من ذلك الثمن الذي أخذه به إن كان لم ينقده الثمن ولا ينبغي للبائع أن يشتريه منه بأقل من ذلك ولو فعل رددت البيع الآخر وان كان قد انتقد الثمن فلا بأس بأن يشتريه بأقل أو أكثر
وان كان لم ينقد الثمن وقد حدث بالسلعة عيب فلا بأس بأن يشتريه بأقل من الثمن وان كان لم يحدث بها عيب ولكن السعر رخص فلا يشتريه بأقل من الثمن ولا يجوز شراؤه ولا شراء ابنه ولا أبيه ولا مكاتبه ولا عبده ولا مدبره ولا أم ولده ولا وكيله إلا أن الوكيل الذي اشتراها لزمته ولا تلزم الآمر في قول أبي يوسف وأما في قول محمد فإنها تلزم الآمر ويكون البيع فاسدا كأن الآمر اشترى ذلك ولو باعه لرجل لم يكن ينبغي له أن يشتريه بأقل من ذلك قبل أن ينقد فليس ينبغي له ذلك لا لنفسه ولا لغيره ولا ينبغي للذي باعه أن يشتريه أيضا بأقل من ذلك لنفسه ولا لغيره لأنه هو البائع وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن شراء أبيه وابنه جائز ولو كان الذي اشتراه اشتراه لغيره لم يجز بيع الوكيل الذي(3/230)
اشتراه بيع الذي اشتراه له وكذلك لو باعه من البائع بأقل من ذلك أو من الآمر ولا بأس بأن يشتريه الآمر أو البائع بالعروض بأقل من قيمة الثمن لأن هذا غير الثمن الذي باعه به ولو باعه بحنطة لم يكن له ثانيا أن يشتريه بشعير بأقل من ذلك وإن كان لم يبعه به وكذلك لا بأس بأن يشتري بما سوى الحنطة من العروض وكذلك إذا باعه بدراهم أو دنانير فلا بأس بأن يشتريه بأي العروض شاء وإن كانت أقل من الثمن فأما الدراهم والدنانير فلا يشتريه بأقل من الثمن فإن كان باعه بدراهم فلا يشتريه بدنانير أقل من تلك الدراهم أدع القياس في هذا واستحسن لأن الدراهم والدنانير في هذا سواء وإذا باعه بألف درهم نسيئة سنة ثم اشتراه بألف درهم نسيئة سنتين قبل أن ينتقد كان البيع الثاني باطلا لا يجوز
من قبل أنه أخذه بأقل مما باعه حيث زاده في الأجل سنة ولو كان زاده على الثمن درهما أو أكثر كان البيع جائزا وإذا باع الرجل طعاما بدراهم فلا بأس بأن يشتري بالثمن قبل أن يقبضه من المشتري ما بدا له من العروض يدا بيد طعاما كان أو غيره أكثر من طعامه أو أقل إذا لم يكن طعامه بعينه لأن هذا غير ما باع قال بلغنا عن عائشة أن امرأة سألتها فقالت إني اشتريت من زيد بن أرقم خادما بثمانمائة درهم إلى أجل ثم بعتها منه بسبعمائة درهم فقالت بئس ما اشتريت وبئس ما شريت أبلغي زيد بن أرقم أن الله قد أبطل جهادك إن لم تتب قال محمد حدثنا بذلك أبو حنيفة رفعه إلى عائشة وإذا كان لرجل على رجل دين إلى أجل من ثمن بيع فحط عنه على أن يعجل له فلا خير في هذا(3/231)
ولا يجوز بلغنا ذلك عن عبد الله بن عمر ويرد المال على المطلوب ويكون المال كله عليه على حاله إلى أجله وإذا باع الرجل عبدا بنسيئة فليس ينبغي لمكاتب له أن يشتريه بأقل من ذلك من قبل أن ينتقد المولى الثمن وكذلك أم الولد والمدبر والمكاتب والعبد وكذلك لو باع أحد من هؤلاء من أمتعتهم لم يكن للمولى أن يشتريه بأقل من ذلك قبل أن ينتقده ولو باعه بتأخير لم يكن للمولى أن يشتريه بمثل ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل فأما إلى أقل من ذلك الأجل أو إلى مثله فلا بأس به وإذا باع الرجل عبدا بنسيئة أو بنقد فلم ينتقد البائع الثمن حتى باع المشتري العبد أو وهبه أو خرج من ملكه
أو مات فأوصى به فاشتراه البائع من الذي كان له بأقل من ذلك كان هذا جائزا لا بأس به لأنه قد خرج من ملك الأول فلو مات الأول وتركه ميراثا لم يكن للبائع أن يشتريه من الورثة بأقل مما باعه والورثة في هذا بمنزلة المشتري ألا ترى أنهم يردونه عليه بعيب وإذا باع الرجل عبدا نسيئة ثم اشتراه هو وعبدا آخر بمثل ذلك الثمن أو أقل قبل أن ينتقد الذي باعه فهذا فاسد يرده ويلزمه الآخر الذي لم يبع بحصته من الثمن وكذلك لو اشترى العبد الذي باعه هو ورجل آخر بأقل من ذلك الثمن كانت حصة الذي اشتراه معه جائزة وحصته مردودة لا تجوز وكذلك لو اشتراه هو وعبدا آخر بأكثر من ذلك الثمن إذا كان الذي باعه نصيبه من الثمن أقل مما باعه فإنه فاسد(3/232)
ويرده خاصة ويجوز عليه الآخر وإذا كان نصيبه من الثمن مثل ما باعه فالبيع فيه جائز وإذا باع الرجل خادما بنسيئة سنة فولدت عند المشتري ثم أراد البائع أن يشتريها بأقل من ذلك قبل أن ينتقد فلا بأس بذلك وإن كانت الولادة لم تنقصها فلا يبتاعها بأقل من ذلك الثمن الذي باعها به وإذا ولدت الجارية عند آخر ثم باعها ولم يسم ذلك بنسيئة أو بنقد فهو جائز لا يفسد ذلك بيعه وإذا اشترى الرجل جارية من رجل فولدت عنده لأقل من ستة أشهر من يوم اشتراها فادعياه البائع والمشتري جميعا معا فإنه يكون ابن البائع والأمة أم ولده ويرد الثمن وكذلك إذا ادعاه البائع ثم ادعاه المشتري بعد ولو كان المشتري ادعاه قبل البائع جازت دعواه وكانت أم ولد له ولا تجوز دعوى البائع بعد
وكذلك لو ولدت لأكثر من ستة أشهر فادعياه جميعا كانت الدعوى دعوى المشتري ولا تجوز دعوى البائع ولو ادعاه البائع ولم يدعه المشتري لم تجز دعواه إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ يوم باعه وإذا كان المشتري قد أعتق الولد وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم باع فإنه لا تجوز دعوى البائع لأن ولاءه قد ثبت من المشتري وكذلك لو مات وبقيت أمه لأنه لم يبق معها ولد يثبت نسبه ولو باعه ولم يعتق وأعتق المشتري الأم ثم ادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه من البائع فأما الأم فإنها لا تكون أم ولد بعد العتق ويقسم الثمن على قيمتها وقيمة ولدها فيرد البائع ما أصاب الابن من الثمن على المشتري إن كان قد انتقد وإن لم يكن انتقد رد المشتري على البائع ما أصاب الأم ولو كانت قد ولدت عند البائع قبل أن يبيع ثم باع ثم ادعى الولد جازت دعواه إذا كان لم يدخل فيه عتق وكذلك لو لم يمت وصارت أمه أم ولد ولو لم يولد عنده ولكنه اشتراهما ثم باعهما ثم ادعى الولد فإن نسبه لا يثبت من قبل انه لم يولد عنده(3/233)
ولو اشتراها وهي حبلى ثم باعها فولدت من الغد من يوم اشتراها فادعاه البائع الأوسط لم يصدق لأن الحبل كان أصله عند البائع الأول ولو كان ادعى البائع الأول الذي كان عنده الحبل فإن أبا حنيفة قال هو مصدق وهو قول أبي يوسف ومحمد ولو ولدت عنده ولدين في بطن واحد ثم باعهما أو باع أحدهما ثم ادعى الذي عنده لزمه الولدان جميعا وصارت الأم أم ولد له ويرد الثمن وإن كان المشتري قد أعتق الولد الذي عنده ثم ادعى البائع الولد الذي كان عنده لزمه نسبهما جميعا وكانت دعواه للذي عنده بمنزلة الشاهد وأبطلت عتق المشتري فإن أعتق المشتري الأم قبل ادعاء هذا الولد جاز عتقه فيها ولا تكون أم ولد البائع لأنها لا ترد إلى الرق بعد أبدا
باب بيوع أهل الذمة بعضهم من بعض:
وإذا اشترى الرجل من أهل الذمة العبد المسلم من المسلمين فإن شراءه جائز يلزمه البيع وكذلك لو اشترى أمة مسلمة والصغير في ذلك من الرقيق والكبير سواء والبيع في ذلك كله جائز لازم له وكذلك لو اشترى من ذمي مثله عبدا مسلما أو أمة مسلمة فإني أجيز البيع وأجبر المشتري الذي لزمه البيع على بيع ذلك من المسلمين ولا أخلى بينه وبين أن يكون في ملكه ليس ينبغي أن يكون في ملك أحد من أهل الذمة عبد مسلم ولا أمة مسلمة صغيرا كان أو كبيرا إلا أن يجبروا على بيعه من المسلمين وإذا كان للذمي عبد كافر أو أمة كافرة فأسلمت أو أسلم العبد فإنه يجبر على بيعهما(3/234)
وإذا كان للذمي عبد وامرأته أمة قد ولدت منه فأسلم العبد وله منها ولد صغير فإنه يجبر على بيع العبد مع ولده الصغير لأنهما مسلمان وإن كان ذلك مما يفرق بينه وبين أمه للحق الذي لزم في ذلك ألا ترى أن أمه لو كان لها ابن صغير فجنى جناية دفع بها وأمسكت الأم ولو لزم الولد دين بيع فيه وأمسكت الأم لأن هذا حق لزم في الولد خاصة دون الأم كما لزم الإسلام وإذا كان العبد الكافر بين المسلم والكافر فأسلم العبد فإن الكافر يجبر على بيع حصته منه ولو أن عبدا أسلم ومولاه كافر فكاتبه مولاه جازت مكاتبته فإن أداها عتق وإن عجز فرد في الرق أجبر المولى على بيعه
ولو أن العبد الكافر أسلم ثم إن الكافر رهنه عند مسلم أو كافر فإنه سواء ويجبر المولى على البيع في ذلك ويكون ثمنه رهنا مكانه وكذلك لو أجره من مسلم أو كافر تبطل الإجارة ولا يترك في ملكه ولا يعلق فيه شيء من هذا ولو كان رهنه أو أجره وهو كافر ثم أسلم في يدي المرتهن أو المستأجر أجبرته على بيعه ولا أتركه في يدي الكافر وهو مسلم ولو دبر الكافر عبدا مسلما بعد ما أسلم العبد أو قبل إسلامه أو كانت أمة فوقع عليها فولدت منه بعد إسلامها أو قبل قومت قيمة عدل أم ولد أو مدبرة ثم سعت في قيمتها فإذا أدت عتقت وهي بمنزلة الأمة ما دامت تسعى وتجب على أم الولد العدة إذا هي أدت ويكون ولاؤها وولاء المدبرة لمولاها الكافر(3/235)
وإذا باع الرجل عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم العبد ثم اختار الكافر إمضاء بيع العبد أو رده فإن اختاره أجبرته على بيعه وإن اختار إمضاء البيع لكافر مثله أجبرت ذلك الكافر على بيعه وإن كان أمضى البيع لمسلم فهو له ولا يجبر على بيعه فإن كان المشتري بالخيار فرد البيع أجبرت الكافر وإن اختاره وهو مسلم فهو له وإن كان كافرا فهو له وأجبره على بيعه وإذا اشترى الكافر عبدا مسلما بيعا فاسدا فقبضه الكافر فإنه يجبر على رده على البائع فإن كان البائع كافرا أجبر على بيعه وإن كان البائع غائبا وكان مسلما فرفع أمر المشتري
إلى القاضي فإن كان البيع بيعا يجوز في مثله البيع أجبرته على بيعه ولو أن مسلما اشترى عبدا مسلما من كافر بيعا فاسدا أجبر على رده على الكافر وعلى بيعه وإن كان الكافر غائبا فهو له على حاله عند المسلم ولو أن رجلا مسلما وهب عبدا مسلما لكافر أو تصدق به عليه كان ذلك جائزا إذا قبض وأجبر الكافر على بيعه ولو أراد المسلم أن يرجع في هبته كان له ذلك ما لم يبع الكافر أو يعوض أو يكون ذا رحم محرم منه أو تكون الهبة قد ازدادت خيرا ولو أن كافرا وهب عبدا مسلما لرجل مسلم وقبض ثم رجع الكافر فيه وقبضه كان جائزا وأجبر الكافر على بيعه(3/236)
ولو أن رجلا مسلما تحته امرأة نصرانية لها مملوك مسلم فأجبرت على بيعه فباعته من زوجها واشتراه زوجها لولد له صغير كان ذلك جائزا ولا يجبر على بيعه وإذا أسلم عبد لنصراني فأجبر القاضي على بيعه فباعه ثم جاء نصراني آخر فاستحقه بعد البيع ببينة من المسلمين فالبيع مردود ويجبر الذي استحقه على بيعه فإن كان قد أعتقه فعتقه باطل ولو أن يتامى من النصارى أسلم عبد لهم أجبروا على بيعه فإن كان لهم وصي باعه الوصي وإن لم يكن لهم وصي جعل لهم القاضي وصيا فباعه لهم وإذا أسلم عبد نصراني ولم يحتلم بعد أن يتكلم الإسلام ويكون عاقلا فإن هذا إسلام ويجبر المولى على بيعه استحسن هذا وادع القياس فيه وإذا أسلم عبد المكاتب وهو نصراني وهو مكاتب
أجبر المكاتب النصراني على بيعه ولو كان مولاه عبدا نصرانيا تاجرا لنصراني أجبرته على بيعه ولو كان المولى مسلما ولا دين على العبد لم أجبره على بيعه وإن كان على العبد دين أجبرته على بيعه وكذلك إذا اشترى النصراني عبدا مسلما فوجد به عيبا فقال أنا أرده تركته حتى يرده وكان هذا بمنزلة البيع وإذا اشترى النصراني عبدا مسلما فأراد أن يخاصم بعيب فوكل وكيلا يخاصم عنه فإن الوكيل تقبل منه الخصومة في ذلك حتى يبلغ اليمين بالله ما رأى ولا رضي فإذا بلغ ذلك لم يستطع أن يرده حتى يجيء الموكل الآمر فيحلف(3/237)
وإن كان البائع هو الذي وكل فهو جائز من قبل أن وكيله لو أقر عليه لجاز ولو أقر وكيل المشتري أن المشتري قد رضي بالعيب كان إقراره عند القاضي جائزا على المشتري وإذا أبى وكيل البائع أن يحلف فأبى أن يقر فعلى البائع أن يحلف بالله وليس يحلف الوكيل لقد باعه وما هذا به ولكن البائع يحلف بالله لقد باعه وما هذا به يوم باعه يؤتي به حتى يحلف وإذا اشترى النصراني مصحفا أجبرته على بيعه وكان شراؤه جائزا عليه وكذلك لو باعه كان بيعه جائزا وإذا اشترى النصراني عبدا وهو بالخيار ثلاثة أيام فأسلم العبد قبل أن يمضي الخيار فإن أجاز البيع فهو جائز ويجبر على بيعه وإن رد البيع ولم يجبره فهو جائز
وكذلك لو كان البائع بالخيار ولا يجوز فيما بين أهل الذمة الربا ولا بيع الحيوان بالحيوان ولا يجوز السلم فيما بينهم في الحيوان ولا الدرهم بالدرهمين يدا بيد ولا النسيئة ولا الصرف بالنسيئة ولا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك الفضة وكذلك كل ما يكال أو يوزن إذا كان صنفا واحدا هم في البيوع كلها بمنزلة أهل الإسلام ما خلا الخمر والخنزير ولا أجيز فيما بينهم بيع الميتة والدم فأما الخمر والخنزير فإني أجيز بيعها بين أهل الذمة لأنها
أموال أهل الذمة استحسن ذلك وادع القياس فيه من قبل الأثر الذي جاء في نحو من ذلك عن عمر وإذا اشترى النصراني أو الرجل من أهل الذمة الخمر من الرجل المسلم فذلك باطل لا يجوز وكذلك لو باع الكافر من مسلم خمرا لم يجز ذلك وإن استهلك المسلم خمرا لكافر فعليه قيمتها وإن استهلك الكافر خمرا لمسلم فلا شيء عليه لا يحل الخمر لمسلم ولا يحل بيعها ولا أكل ثمنها بلغنا نحو من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا اشترى النصراني خمرا من نصراني فأسلما جميعا أو أحدهما أيهما ما كان قبل أن يقبض المشتري فالبيع فاسد لا يجوز لأنها قد صارت حراما على المسلم منهما ولو كان قبضها قبل أن يسلم واحد منهما ثم أسلما أو أسلم(3/238)
أحدهما قبل أن قبض الثمن كان الثمن دينا على المشتري لأنه ماله ويخلل الخمر إن كان هو المسلم وإذا أسلم النصراني إلى النصراني في خمر ثم أسلما جميعا أو أسلم أحدهما فالبيع باطل ويرد رأس ماله وكذلك إذا اشترى منه خنزيرا فأسلم قبل أن يقبض فالبيع باطل فاسد لا يجوز ويرد عليه ما قبض من الثمن وإذا اشترى المسلم من المسلم عصيرا ثم صار خمرا قبل أن يقبضه فالبيع فاسد لا يجوز فإن صارت الخمر خلا قبل أن يترافعا إلى السلطان فالمشتري بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء أخذ الثمن إن كان أعطاه لأن أصل الشراء كان عصيرا حلالا وكذلك النصراني يشتري من النصراني خمرا ثم صارت خلا قبل أن يقبض ثم أسلما فإن شاء المشتري أخذها وأعطى الثمن
ولو أن المسلم حيث صار العصير خمرا خاصم فيها أبطل القاضي البيع فإن صارت خلا بعد ذلك فلا سبيل له عليها من قبل أن القاضي قد نقض البيع وإذا أقرض النصراني من النصراني خمرا ثم أسلم المقرض فلا شيء له عليه وكذلك لو أسلما جميعا لأنها الخمر بعينها ولو لم يسلم المقرض وأسلم المستقرض فأيهما ما أسلم فلا شيء له على المستقرض وهذا قول أبي يوسف رواه عن أبي حنيفة وفيها قول آخر قول محمد فإن أسلم المستقرض أو أسلما جميعا إلا أن المستقرض لو بدأ بالإسلام فقيمتها دين عليه لأنها قد كانت لازمة له فلا يقدر على إبطالها عنه وهذا قول زفر وعافية الذي روى عن أبي حنيفة(3/239)
ولو استهلك نصراني لنصراني خمرا أو خنزيرا ثم أسلم المستهلك كان عليه القيمة في الخنزير في قول أبي يوسف الذي روى عن أبي حنيفة وهو قول محمد على ما وصفت لك إذا أسلم المستهلك لها فعليه قيمتها وإن أسلم الذي هي له أبطلت عن المستهلك ولو أسلم الطالب ولم يسلم المطلوب كان عليه قيمة الخنزير وكانت الخمر باطلا لأن على المطلوب خمرا مثلها كيلا فلا يعطي الطالب وهو مسلم خمرا وقيمة الخنزير قد وجبت عليه له قبل أن يتكلم وإن الخمر إنما يكون له خمر مثلها فإن أسلم فهي باطل لا يقضي بها له في القول الأول وهو قول أبي يوسف وإذا اشترى النصراني من النصراني خمرا أو خنزيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم المشتري قبل أن يختار وقد قبض كان البيع باطلا في قول أبي حنيفة من قبل أنه لم يجب البيع
ألا ترى أنه لو اشترى أباه وهو بالخيار فيه لم يعتق في قول أبي حنيفة ويعتق في قول أبي يوسف ومحمد ويجوز البيع في الخمر على المشتري إذا كان قد قبض ثم أسلم وهو بالخيار ويبطل الخيار في قول أبي يوسف ومحمد ولو كان البائع بالخيار ثم أسلما جميعا أو اسلم البائع وهو بالخيار كان البيع باطلا لا يجوز وإن أسلم المشتري وقد قبض الخمر والخيار للبائع لم يفسد البيع لأن البيع قد تم من قبل المشتري ألا ترى أن المشتري لو مات لم ينتقض البيع بموته وكان البيع على حاله وكان البائع على خياره وكذلك إسلامه لا ينقض شيئا من البيع وإذا ارتهن النصراني من النصراني خمرا بدين له أو خنزيرا فهو جائز فإن أسلم المرتهن بطل الرهن وكان دينه على حاله كما هو(3/240)
فإن هلك الرهن في يديه فهو على حاله كما كان رهنا حتى يرده إلى صاحبه ولو كان الراهن هو الذي أسلم بطل ذلك كله فإن هلك الرهن لم ينقض من حق المرتهن شيئا وإذا اشترى النصراني خمرا لمسلم بأمره من نصراني فهو جائز لأن النصراني هو الذي اشتراه ويخللها المسلم وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز البيع على المسلم وهي لازمة للنصراني فإن اشترى المسلم خمرا لنصراني من نصراني كان باطلا لا يجوز لأن المسلم هو الذي ولى عقدة البيع ولو باع نصراني خمرا لمسلم من نصراني كان جائزا لأن النصراني هو الذي ولى عقدة البيع في قول أبي حنيفة
وقال ولو كان العبد نصرانيا ومولاه مسلم فاشترى العبد خنزيرا أو باعه كان البيع جائزا وكذلك المكاتب النصراني إن كان مولاه مسلما وكذلك المدبر والمدبرة وأم الولد النصرانية إن كان مواليهم مسلمين وإذا كان العبد مسلما أو المكاتب أو المدبر أو أم الولد فاشترى أحد منهم خمرا أو باعها من نصراني فلا يجوز وإن كان المولى نصرانيا لأن المسلم هو الذي ولى عقدة البيع وإذا كان لأحد من أهل الذمة عبدان أخوان فلست أكره لهم التفريق لأن ما فيه أهل الذمة من الشرك أعظم مما يدخل عليهم من التفريق
باب بيوع ذوي الأرحام:
قال أبو حنيفة رحمه الله ليس ينبغي للرجل أن يفرق بين الجارية وبين ولدها في البيع إذا كانوا صغارا وكذلك كل ذي رحم محرم منه وكذلك الأخوان قال وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في الأخوين والكافر في ذلك والمسلم عندنا سواء وإن كانوا رجالا أو نساء أو غلمانا قد احتلموا أو جواري قد حضن فلا بأس بأن يفرق بين هؤلاء(3/241)
ولو كان عبد لرجل وذو رحم محرم من العبد عبد صغير لابن الرجل وهو صغير في عياله فأراد الرجل أن يبيع واحدا منهما ويفرق بينهما كان ذلك جائزا ولو اشتراهما جميعا فوجد بأحدهما عيبا كان له أن يرده ويمسك الآخر الباقي منهما ولو جنى أحدهما جناية كان له أن يدفع أحدهما ويمسك الآخر ولو لحق أحدهما دين كان له أن يبيعه في الدين ويمسك الآخر ولو كان له من كل واحد منهما شقص لم أكره له أن يبيع شقصه في أحدهما دون الآخر
ولو كانا مملوكين كلاهما جميعا له فباع أحدهما وفرق بينهما كان مسيئا وكان ذلك جائزا وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف أبطل البيع في الولد خاصة إذا بيع وهو صغير أو بيع والده ولا أبطله في الأخوين ولو دبر أحدهما أو كاتب أم ولد له لم أكره له أن يبيع الآخر قبل ذلك ولا بأس بأن يكاتب أحدهما دون الآخر وكذلك العتق ولا بأس بأن يبيع أحدهما نسمة للعتق ويمسك الآخر
ولو كان في غير ملكه وكان كل واحد منهما في ملك بعض ولده وولده صغار فلا بأس بأن يبيع كل واحد منهما على حدة لأنه لم يملكهما إنسان واحد ولو كان أحدهما لابن له كبير لم يكن بأس بالتفريق أيضا وكذلك لو كان أحدهما له والآخر لزوجته من قبل أنه لا يقدر على بيع الذي لزوجته ولا الذي لولده الكبير ولو كان أحدهما له والآخر لمكاتب له أو لعبد له مأذون له في التجارة وعليه دين للناس لم يكن بالتفريق بأس لأنه لا يملك بيع عبد مكاتبه ولا بيع عبد لعبد له عليه يدن ولو كان عبده ليس عليه دين لم يكن له أن يفرق بينهما لأن مال عبده له(3/242)
وإذا كان أحدهما للمضارب له فلا بأس بأن يبيع المضارب ما كان عنده من ذلك وإن كان عنده اخوان جميعا فلا يفرق بينهما وإذا كانت عنده أمة فباعها وهو بالخيار ثلاثة أيام ثم اشترى إبنا لها لم تر له أن يوجب البيع في أمته تلك وكرهت له ذلك لأنه قد ملكهما جميعا ولو كان المشتري هو الذي كان بالخيار لم يكن بذلك بأس أن يستوجبها ولو كان عنده ابن لها فاختار ردها لم يكن بذلك بأس ألا ترى أنه يردها بعيب لو كان بها ولا يكون به بذلك بأس
وإذا كان في ملك المكاتب ذو رحم محرم أو كان ذلك في ملك العبد التاجر وعليه دين أو ليس عليه دين فإني أكره له من ذلك ما أكره للحر المسلم وإذا كان في ملك الحر المسلم ذو محرم من الرضاعة أو ذو محرم من غير النسب فلا بأس بأن يفرق بين أولئك قال بلغنا عن عبد الله بن مسعود أن رجلا سأله فقال أبيع جارية لي قد أرضعت ولدي فقال ابن مسعود قل من يشتري أم ولدي وإذا كان عند الرجل عبد له وامرأته أمة له وهما جميعا له فلا بأس بأن يفرق بينهما يبيع أحدهما ويمسك الآخر وليس هذا كالذي يبيع الرحم المحرم ولو كان للمسلم رقيق من أهل الكفر من السبي أو الغنيمة أو اشتراهم من أهل الذمة وهو ذو رحم محرم كرهت له أن يفرق بينهم كما أكره له أن يفرق بين المسلمين
ولا ينبغي أن يفرق بينهم بهبة أو صدقة ولا وصية ولا يبيع أحدا منهم لابن له وهو صغير في عياله لأن هذا تفريق كله وإذا دخل الرجل الحربي بغلامين أخوين صغيرين دار الإسلام بأمان فأراد بيع أحدهما فلا بأس بشرائه وإن كان يفرق بينهما لأني لو لم أشتره منه أعاده فادخله دار الحرب فصار حربيا ولكنه لو اشترى أخوين في دار الإسلام كرهت لمسلم لأن يشتري أحدهما وأجبره السلطان على بيعهما جميعا لأنه اشتراهما في دار الإسلام من أهل الإسلام وكذلك لو اشتراهما من أهل الذمة ولو اشتراهما في دار الإسلام من حربي مستأمن لم يجبر على بيعهما وللمسلم أن يشتري أحدهما دون الآخر(3/243)
باب الأمة الحامل إذا بيعت:
وإذا باع الرجل أمة من رجل فقبضها أو لم يقبضها حتى ولدت ولدا فادعياه جميعا فإنه ينظر فإن كانت جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من يوم وقع البيع فهو من البائع وهي أم ولد له ويرد الثمن إن كان انتقد المشتري فإن جاءت به لستة أشهر بعد عقدة البيع أو أكثر فإنه ولد المشتري وهي أم ولد له وإن ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر من ستة أشهر بيوم فادعاهما جميعا البائع والمشتري ردا البيع وهي أم ولد للبائع فإن لم يدعهما المشتري ولا البائع حتى أعتق المشتري الأم ثم ادعى البائع الولد وقد جاءت به لأكثر من ستة أشهر
فلا يصدق على ذلك ولو لم يكن أعتق الأم المشتري لم يصدق أيضا فإن كانت جاءت به لأقل من ستة أشهر وقد أعتق الأم فإن نسب الولد يثبت ويكون الولد إبنا للبائع ولا يصدق على الأم انها حرة وقد وجب ولاؤها لغيره وحرم فرجها إلا بنكاح فلا أردها أمة رقيقا توطأ بغير نكاح وإن كان البائع انتقد الثمن قسم الثمن على قيمة الولد والأم فيرد على المشتري ما أصاب الولد ويمسك ما أصاب الأم وإذا باع الرجل أمة حاملا فولدت عند المشتري بعد البيع لشهر فأعتق المشتري الولد أو أعتقهما جميعا ثم ادعى البائع الولد فإن دعوته لا تجوز ولا يصدق من قبل الولاء الذي يثبت للمشتري بالولد ولو كانت الجارية لم تعتق بعد لم ترجع إليه أيضا من قبل أن ولدها لم يثبت نسبه منه لأنه أعتق وكذلك لو لم يعتق واحدا منهما ولكن الولد مات ثم ادعاه البائع فإن دعواه باطلة من قبل أنه لا يثبت نسبه من بعد الموت ولو كان للولد ولد حي ثم ادعى البائع الولد لم أجز له ذلك ولم أجعل الجارية أم ولد له ولم أردها عليه ولا يشبه هذا ولد الملاعنة لأن هذا مات عبدا فلا يصير حرا بعد الموت ولأنه لا يثبت نسب الولد بعد(3/244)
الموت فإذا مات الولد وترك ولدا لم يصدق على الدعوة وولد الملاعنة قد كان نسبه ثابتا أبطله اللعان فإذا مات ابن الملاعنة وترك ولدا ثم ادعاه الزوج فهو ثابت النسب منه ألا ترى أن الرجل لو لاعن امرأته بولد ولم يكن دخل بالأم أنه لا ينبغي له أن يطأ ولدها ولو مات قبل الملاعنة ثبت نسبه منه وإذا باع الرجل أمة فولدت بعد البيع لأكثر من ستة أشهر فادعاه البائع وصدقه المشتري فإنه يصدق وهو ابنه وهي أم ولد له ويرد الثمن إن كان قد قبض منه ولو لم يصدقه المشتري لم يثبت النسب ولم يصدق وإذا باع الرجل أمة حاملا ثم باعها المشتري من رجل آخر حتى تناسخها رجال ثم ولدت لأقل من ستة أشهر من البيع الأول فادعوه جميعا معا فإنه للأول وهي أم ولد له ويترادان البيع وكذلك لو باع عبدا قد ولد عنده ثم ادعاه فإنه
يصدق وعليه أن يرد الثمن على المشتري وإذا كان في يدي الرجل صبي لا ينطق ولد عنده فزعم أنه عبده ثم أعتقه ثم زعم أنه ابنه فإني أستحسن في هذا أن أجعله ابنه وأدع القياس فيه ولو كان عبدا كبيرا أعتقه ثم ادعاه ومثله يولد لمثله لم أجز دعوته إلا أن يصدقه وهما في القياس سواء كما أني أستحسن في المدبرة بين اثنين إذا جاءت بولد فادعاه أحدهما أثبت نسبه منه وضمن نصف قيمته لشريكه إن كان موسرا والولاء له ولشريكه ولو كان عبدا كبيرا دبره هو وشريكه ثم ادعاه أحدهما أعتقت حصته منه وضمن لشريكه نصف قيمته مدبرا(3/245)
وأثبت نسبه إن كان مثله يولد لمثله بعد أن لا يكون له نسب معروف والولاء بينهما على حاله أستحسن هذا وأدع القياس فيه وإذا ولدت الأمة ولدين في بطن واحد فباع المولى أحدهما وباع الأم ثم إن المشتري ادعى الذي اشتراه فإن نسبه يثبت منه وتكون الأمة أم ولد له ويثبت نسب الولد الذي عند البائع منه وهو عبد للبائع وإن لم يدع المشتري الولد ولكنه أعتق الولد الذي اشتراه أو أعتق أمته ثم إن البائع ادعى الولد الذي عنده فإن نسبه يثبت ويثبت نسب الآخر ويرد حصة الابن من الثمن إن كان قد انتقد أما الأم فعتقها نافذ لا ترجع أم ولد فتكون رقيقا يستحل فرجها بغير نكاح بعد أن حرم وإذا لم يدع البائع ولم يعتق المشتري ثم إنهما جميعا ادعيا
الولد فإنه يثبت نسبه من البائع من قبل أنه للأول والجارية أم ولد له ويرد الثمن إن كان قد انتقده وإذا باع الرجل أمة حاملا فخاف المشتري أن يدعي البائع حبلها فأراد أن يتحرز منه ويستوثق حتى لا تجوز دعوته فإنه يشهد عليه أن هذا الحبل من عبد له كان زوجا للأمة فإذا أقر بهذا لم يستطع أن يدعيه أبدا وهذا قول أبي حنيفة وفيها قول آخر قول أبي يوسف ومحمد انه يستطيع أن يدعيه إذا أنكر العبد ذلك الولد ألا ترى أن قول المولى لا يجوز على العبد إذا أنكر فلا يكون ابنا للعبد والولد ههنا لم يثبت نسبه من أحدهما وإذا كانت الأمة بين اثنين فباعها أحدهما من صاحبه ثم ادعى البائع الولد وقد ولدت لأقل من ستة أشهر فإني أجيز دعوته وأجعلها أم ولد له ويرد ما أخذ من الثمن من المشتري ويرد نصف العقر ونصف القيمة على شريكه(3/246)
ولو أنهما ادعياه جميعا ثبت نسبه منهما وكان ابنهما ويرثهما ويرثانه ويرد البائع ما أخذ من الثمن فإن ادعاه البائع وأعتق المشتري وخرج الكلام منهما جميعا معا صار الغلام حرا وهو ابن البائع ويرد الثمن على المشتري وهو ضامن لنصف العقر ولنصف قيمة الأم والعتق فيه باطل من قبل أن الولد شاهد وقد كان قبل الكلام منهما فيه وكذلك لو كانت الأم بينهما على حالها لم يبعها أحد من صاحبه وإذا كانت الأمة بين اثنين فباع أحدهما من رجل وهي حامل فادعى المشتري الحبل وادعاه البائع والذي لم يبع فادعوه جميعا معا فإن نسبه يثبت إذا كانت وضعته لأقل من ستة أشهر بعد البيع من البائع والذي لم يبع ولا يثبت نسبه من المشتري ويأخذ المشتري ما نقد من الثمن ويرد على الذي لم يبع نصف العقر بإقراره بالوطء فإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر بعد البيع ثبت نسبه من المشتري ومن الذي لم يبع وكان ابنهما وكانت أم ولدهما ولا يثبت نسبه من البائع وعلى البائع نصف العقر للذي لم يبع
باب الاستبراء في البيوع وغيرها:
وإذا اشترى الرجل جارية فليس ينبغي له أن يقربها حتى يستبرئها بحيضة قال بلغنا ذلك عن علي بن أبي طالب وعن عبد الله بن عمر وكذلك إذا اشتراها من امرأة أو من عبد أو من مكاتب أو من صبي باعها له أبوه أو وصية فإنه في ذلك سواء لا يقربها حتى يستبرئها بحيضة وكذلك ينبغي أن لا يقبلها ولا يباشرها ولا ينظر منها إلى عورة وإذا كانت لا تحيض لصغر أو كبر استبرأها بشهر(3/247)
وإن كانت حاملا فليس له أن يقربها حتى تضع فإن ارتفع حيضها وهي ممن تحيض تركها حتى إذا استبان له أنها ليست بحامل وقع عليها وإذا أصاب الرجل الجارية من السبي فليس ينبغي له أن يقربها حتى يستبرئها بحيضة بلغنا نحو من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك إذا كانت حاملا فليس له أن يقربها حتى تضع حملها بلغنا نحو من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن اشتراها من الفيء أو وقعت في سهمه فهو سواء وكذلك إذا وهب الرجل جارية أو تصدق بها عليه أو أوصى بها له فهو بمنزلة الشراء لا يقربها حتى تحيض بحيضة
وكذلك لو ورثها وكذلك لو كان له في جارية شقص فاشترى بقيتها أو ورثها ببعض ما ذكرت من الوجوه وإذا اشترى الرجل جارية وهي حائض فإنه لا يحتسب بتلك الحيضة حتى تحيض عنده حيضة مستقبلة وإذا اشترى الرجل الجارية فلم يقبضها حتى حاضت عند البائع فإنه لا يحتسب بتلك الحيضة ولا يجزيه حتى تحيض عنده حيضة بعد ما يقبضها وإذا وضعاها على يدي العدل حتى ينقد الثمن فحاضت عند العدل فلا يجزيه بتلك الحيضة حتى تحيض بعد ما يقبضها المشتري حيضة عنده
ولو باع رجل جارية فلم يقبضها المشتري حتى تاركه البائع البيع وناقضه كان ينبغي في قياس هذا القول أن لا يقربها البائع الأول حتى يستبرئها بحيضة ولكنا ندع القياس في هذا الباب ونأخذ فيه بالاستحسان ولا يحمل عليه استبراء وإذا اشترى الرجل جارية فاستبرأها بعشرين يوما ثم حاضت انتقضت الأيام وكان عليه أن يستبرئها بهذه الحيضة وإذا حاضت عند المشتري حيضة ثم وجد بها عيبا فردها فإنه ينبغي للبائع الذي ردت عليه أن لا يقربها حتى تحيض عنده حيضة وكذلك لو استقاله البائع فأقاله بعد ما قبض المشتري وإذا رهن الرجل الجارية ثم افتكها أو كاتبها ثم عجزت فليس عليه أن يستبرئها لأن هذا لم يملك رقبتها عليه غيره(3/248)
وكذلك لو غصبها إياه رجل ولو باع منها شقصا وقبضها المشتري ثم اشتراها البائع بعد كان عليه أن يستبرئها ولو وهبها لابن له صغير أو لابنته وهما في عياله ثم اشتراها منهم كان عليه أن يستبرئها بحيضة من قبل أن يطأها لأنه ملك رقبتها غيره ولو باعها على أنه بالخيار ثم اختار الجارية لم يكن عليه أن يستبرئها وإذا كان المشتري بالخيار وقبضها ثم ردها المشتري بالخيار فإن في هذا قولين أما أحدهما فليس عليه أن يستبرئها لأنها لم تجب للمشتري بعد وهو في قياس قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد بأن عليه أن يستبرئها بحيضة لأنها قد وجبت للمشتري
وإذا باع الرجل الجارية بيعا فاسدا وقبضها المشتري ثم ردها القاضي بعد ذلك بالبيع الفاسد فعلى البائع أن يستبرئها بحيضة وإذا غصب الرجل الجارية فباعها من رجل آخر فقبضها المشتري فوطئها ثم خاصم مولاها الأول فيها فقضى القاضي بها له فإنه لا ينبغي له أن يستبرئها في القياس ولكن ادع القياس واجعل عليه أن يستبرئها بحيضة من قبل أنها قد حلت للمشتري حيث اشتراها ولو كان يعلم المشتري أنها لهذا لم يطأ لم يكن على هذا أن يستبرئها بحيضة بشيء لأنها لم تحل للأول ولأن الولد إذا علم المشتري لم يثبت نسبه وفي الأول قد ثبت نسبه فعلى مولاها الاستبراء من قبل هذا وإن لم يطأ الجارية في المسألة الأولى فليس عليه استبراء ولو زوجها المولى فمات عنها الزوج قبل أن يدخل بها أو بعد ما دخل بها لم يكن للمولى أن يقربها حتى تعتد عدة المتوفي عنها زوجها ولو طلقها الزوج بعد الدخول لم يكن للمولى أن يقربها(3/249)
حتى تعتد وتنقضي عدتها ولو لم يدخل بها الزوج حتى طلقها كان للمولى أن يقربها بعد ما يستبرئها بحيضة ولو تزوجت بغير إذن مولاها وأخبرت الزوج أنها حرة أو لم تخبره وفرق بينهما قبل الدخول بها فليس على المولى أن يستبرئها فإن فرق بينهما بعد الدخول فليس للمولى أن يقربها حتى تنقضي عدتها وإذا وطئ الرجل الجارية لبعض ولده فلم تعلق منه ثم بدا له فاشتراها من ولده ذلك فعليه أن يستبرئها بحيضة وكذلك الولد إذا اشترى من أمه أو من أبيه وكذلك إن اشترى من مكاتبه فعليه أن يستبرئها بحيضة وإذا اشترى الرجل جارية من عبد له تاجر فليس عليه أن يستبرئها لأنها أمته
فإن كان على العبد دين يحيط برقبته وبما في يديه فهو في القياس سواء من قبل أنه لم يكن يملكها غيره ولكن ادع القياس واجعل عليه أن يستبرئها بحيضة في قياس قول أبي حنيفة وأما في قياس قول أبي يوسف ومحمد فلا استبراء على مولى العبد إذا كانت قد حاضت عند العبد منذ اشتراها حيضة لأن المولى يملكها وإن كان على عبده دين وإذا وهب الرجل أمة لرجل وقبضها الموهوب ثم رجع فيها الواهب وقبضها فلا يقربها حتى يستبرئها بحيضة وإذا ورث الرجل أمة أو أوصى بها له أو دفعت اليه بجناية أو بدين كان له في عنقها فلا يقربها حتى تحيض حيضة وإذا أسر العدو أمة لرجل ثم أصابها مع رجل قد اشتراها أو في المغنم بعد القسمة فأخذها بالقيمة أو بالثمن فليس له أن يقربها حتى يستبرئها بحيضة
وكذلك لو أصابها قبل أن يقسم فأخذها بغير شيء لأنه قد ملكها العدو عليه ألا ترى أنهم لو أسلموا عليها كانت لهم ولو أعتقوا جاز عتقهم وإذا أبقت أمة لرجل أو كاتبها ثم عجزت فردت رقيقا فليس عليه أن يستبرئ واحدة من هاتين لأنها لم تخرج من ملكه وكذلك لو غصبها إياه رجل أو رهنها أو أجرها وكذلك لو باعها وهو بالخيار فاختارها فليس عليه أن يستبرئها وإذا باع الرجل أم ولده أو مدبرته وقبضها المشتري(3/250)
ثم ردها على البائع فليس عليه أن يستبرئها من قبل انه لم يملك رقبتها ولا فرجها المشتري ألا ترى أنها لو كانت امرأة للمشتري لم يفسد نكاحها ولم يجز عتقه فيها لو أعتقها لأنه لم يملك الرقبة ولو ولدت عند المشتري لم يثبت نسب الولد من المشتري وإذا أراد الرجل أن يبيع أمته وقد كان يطؤها فليس ينبغي له أن يطأها ويبيعها حتى يستبرئها بحيضة بلغنا نحو من ذلك عن عبد الله بن عمر وليس ينبغي للمشتري أن يجتزئ باستبراء البائع إياها حتى يستبرئها بحيضة أخرى ولو باع الرجل قبل أن يستبرئ أجزنا بيعه وكان على المشتري أن يستبرئ بحيضة ولو أراد البائع أن يزوجها كان ينبغي له أن لا يزوجها حتى يستبرئها بحيضة ولو زوج قبل أن يستبرئ جاز ذلك وينبغي للزوج أن لا يقربها حتى تحيض حيضة وليس عليه ذلك بواجب في القضاء
وكذلك أم ولد الرجل أو مدبرته إذا أراد أن يزوجها وإذا زنت أمة لرجل فليس عليه أن يستبرئها وليس في الزنا عدة ولا استبراء فإن حملت من الزنا فليس له أن يقربها حتى تضع لأن ما في بطنها ولد من غيره وإذا كانت الأمة بين رجلين فباعها أحدهما كلها ثم سلم الآخر البيع بعد ما قبض المشتري وبعد ما حاضت حيضة فإن على المشتري أن يستبرئها بعد ما أجاز البيع كله لأن فرجها لا يحل له ولا يملك الرقبة إلا بعد ما أجاز هذا البيع وكذلك لو باع أمة لرجل وقبضها المشتري وحاضت عنده حيضة ثم أجاز المولى البيع كان عليه أن يستبرئها بحيضة بعد ما أجاز المولى البيع لأن الملك إنما وقع اليوم وإنما حل فرجها اليوم حين أجاز البيع ولو خلع الرجل امرأته على أمة لها فقبضها كان عليه أن يستبرئها بحيضة ولو كاتب عبدا له على أمة بغير عينها ثم قبضها كان عليه أن يستبرئها بحيضة(3/251)
وكذلك لو أعتقه على خادم فقبضها منه كان عليه أن يستبرئها بحيضة ولو ارتدت خادم لرجل عن الإسلام فاستتيبت فتابت لم يكن عليه أن يستبرئها لأنها لم تخرج من ملكه وإن كان فرجها قد حرم عليه حين ارتدت فإن حرمة هذا كحرمة الحيض وإذا اشترى الرجل أمة لها زوج لم يدخل بها فطلقها زوجها قبل أن يقبضها المشتري ثم قبضها المشتري فعلى المشتري أن يستبرئها بحيضة قبل أن يطأها فإن لم يطلقها زوجها حتى قبضها منه المشتري ثم طلقها قبل أن تحيض فلا بأس بأن يطأها المشتري قبل أن يستبرئها لأنه قبضها ولا استبراء عليه فيها فإن قبضها المشتري ثم زوجها فمات عنها زوجها فأعتدت بشهرين وخمسة أيام قبل أن تحيض فلا بأس بأن يطأها
المشتري قبل أن يستبرئها بحيضة ولو لم بكن زوجها هذا مات عنها ولكن طلقها زوجها قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض عنده فلا يطؤها المشتري حتى يستبرئها بحيضة ولو كانت قد حاضت عند زوجها ثم طلقها قبل الدخول أجزته هذه الحيضة من الاستبراء وكان له أن يطأها قبل أن يستبرئها ولو أن رجلا اشترى امرأته ولم يدخل بها حتى قبضها بعدما فسد النكاح فيما بينها وبين المشتري فليس عليه أن يستبرئها وإن كانت لم تحض بعد ما فسد النكاح
باب الاستبراء في الأختين في البيع وغيره:
وإذا كان للرجل أمة يطؤها ثم اشترى أختها كان له أن يطأ الأولى التي كان يطؤها ولا يقرب أختها فإن لم يكن وطئ واحدة منهما فله أن يطأ أيتهما شاء فإن أراد أن يطأ التي كانت عنده وطئها بغير استبراء فإن وطئهما جميعا فقد أساء فلا يقرب واحدة منهما ثانية حتى يبيع الأخرى أو يزوجها فإن زوج إحداهما بعد أن تحيض حيضة أو قبل أن تحيض حيضة فله أن يجامع الباقية منهما غير أني أحب له ألا يجامع الباقية منهما حتى تحيض أختها حيضة وكذلك الزوج لو لم يقرب التي تزوج حتى تحيض حيضة كان أحب إلى والنكاح جائز على كل حال بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا ينبغي لرجلين(3/252)
يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة في طهر واحد فإن وطئها الزوج ثم طلقها الزوج وانقضت عدتها فليس ينبغي للمولى أن يقرب واحدة منهما أيضا حتى يزوج أو يبيع فإن باع إحداهما حل له وطء الأخرى فإن اشترى التي باع أو ردت عليه بعيب فلا ينبغي له أن يطأ واحدة منهما أيضا حتى يملك فرج الأخرى عليه غيره بلغنا عن عبد الله بن عمر هذا أو نحو من هذا ولو ارتدت إحداهما عن الإسلام لم يحل له أن يطأ الأخرى لأن المرتدة في ملكه بعد وحرمتها ههنا كحرمة الحيض وكذلك لو رهن إحداهما أو أجرها أو دبرها أو لحقها دين أو جنت جناية فإنه لا ينبغي أن يقرب الأخرى لأن هذه لم تخرج من ملكه حتى تدفع بالجناية أو تباع في الدين الذي عليها ولو كاتب إحداهما أو أعتق بعضها فقضى عليها القاضي
بالسعاية فيما بقي عليها من قيمتها أو لم يقض حل له أن يطأ الأخرى فإن أدت فقد خرجت من ملكه ألا ترى أنه لو وطئ هذه التي تسعى أو المكاتبة أعطاهما مهرا وكذلك إذا أعتقها البتة على جعل أو على غير جعل حل له أن يطأ الأخرى ولو لم يفعل هذا ولكنه وهب إحداهما أو تصدق بها وقبضت منه أو باع شقصا حل له أن يطأ الأخرى ولو لم يفعل هذا ولكن أهل الشرك أسروها حل له أن يطأ الباقية منهما لأن أهل الشرك قد ملكوا التي أسروا ولو أبقت إليهم لم يحل له أن يطأ الباقية لأن التي أبقت في ملكه لم تخرج من ملكه وهذا قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فإن أبقت إليهم فأسروها فأحرزوها حل له أن يطأ أختها لأنهم قد ملكوا(3/253)
ولو لم يكن شيء من هذا ولكنه زوج إحداهما نكاحا فاسدا فوطئها زوجها ثم فرق بينهما فإنه لا بأس بأن يطأ الأخرى لأن هذه في عدة وجبت عليها وقد حرمت على المولى حتى تنقضي العدة وهو بمنزلة موت زوجها عنها أو عدة من طلاق من نكاح صحيح ولو فرق بينهما قبل أن يدخل بها لم ينبغ للمولى أن يقرب واحدة منهما ولكنها إذا كانت عند الزوج ولم يفرق بينهما ولم يدخل بها لم يكن للمولى أن يقرب واحدة منهما ولو باع إحداهما بيعا فاسدا فقبضها المشتري فإنه يحل له أن يطأ الباقية منهما لأنه قد ملك رقبة الأخرى غيره ألا ترى أن عتق المشتري في التي اشتراها جائز وان عتق البائع في التي اشترى جائز وان عتق البائع فيها باطل
ولا يحل للمشتري أن يطأ التي عنده أيضا لأن بيعه فيها فاسد فإن ترادا البيع فليس ينبغي للمولى أن يطأ واحدة منهما حتى يملك الأخرى عليه غيره فإن باع التي لم يبع فلا يقرب التي ردت عليه حتى يستبرئها بحيضة لأنه قد ملكها عليه غيره وإذا تزوج الرجل أخت جاريته وقد كان يطأ جاريته فلا يقرب امرأته حتى يملك فرج أمته غيره ولا ينبغي له أن يقرب أمته ولو كانت أخت امرأته أمة ثم اشتراها كان له أن يقرب الأولى التي كان يقرب والنكاح لا يشبه الملك في هذا وإذا اشترى أخت أمته ولم يكن وطئ أمته كان له الخيار في أن يطأ أيتهما شاء فإن وطئ إحداهما لم يقرب الأخرى حتى يملك فرج التي وطئ غيره فإن وطئ التي كانت عنده أول مرة ثم باعها فأراد أن يطأ التي اشترى وقد كانت حاضت عنده حيضة قبل أن يبيع أختها(3/254)
فلا بأس بأن يقربها وتجزيه هذه الحيضة من الاستبراء لأنها حاضت في ملكه والأختان من الرضاعة والأختان من النسب سواء في الحرمة لأنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وإذا كانت عند الرجل أمة يطؤها فاشترى عمتها أو خالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها من نسب كان أو رضاع فهو بمنزلة الأختين فيما ذكرنا وإذا وطئ الرجل أمة لا تحل له أمها أبدا ولا بنتها ولا والد لها ولا ولد وكذلك لا تحل هي لوالد له ولا لولده وكذلك إذا قبلها من شهوة أو لمسها من شهوة أو باشرها لشهوة أو نظر إلى فرجها من شهوة فهو بمنزلة الجماع في ذلك كله فأما ما سوى الفرج في النظر فليس بشيء ولا يحرم ذلك
شيئا بلغنا ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خلا بجارية له وجردها فاستوهبها ابن له منه فقال إنها لا تحل لك وبلغنا عن مسروق بن الأجدع أنه قال بيعوا جاريتي هذه أما أني لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدي من اللمس والنظر قال حدثنا محمد عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال إذا وطئ الرجل الجارية حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت على ابنه وعلى أبيه وإذا اشترى الرجل الجارية وهي صغيرة لا تحيض أو قد أيست من الحيض من كبر فإنما عليه أن يستبرئها بشهر واحد وإذا اشترى الرجل جارية وقبضها وعليها عدة من زوج من طلاق أو وفاة من زوج يوما أو أكثر من ذلك(3/255)
أو أقل فليس عليه بعد ذلك استبراء لأنها كانت في عدة واجبة فليس يكون من الاستبراء شيء واجب أشد من هذا ألا ترى أنه لو اشتراها وقبضها حتى مات عنها زوجها فاعتدت بشهرين وخمسة أيام حل له أن يطأها ولو كان لا يحل الوطء ثم تزوجها آخر فمات عنها فاعتدت بشهرين وخمسة أيام لم يحل له أن يطأها فهذا قبيح والقياس فيه كثير ولكنه يفحش فإذا انقضت عدتها حل له أن يطأها ألا ترى أنه لو كانت حاملا فولدت حل له أن يطأها فكذلك انقضاء العدة بغير ولد وإذا اشترى الرجل جارية لها زوج ولم يدخل بها زوجها وقبضها ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها حل للمولى أن يطأها لأنه اشتراها وقبضها وهي عليه حرام
فإن كان البائع وطئها قبل أن يزوجها فلا ينبغي للمشتري أن يقربها حتى تحيض حيضة فإن كان لم يطأها أو كانت قد حاضت حيضة بعد ما وطئها فلا بأس أن يقربها المشتري ولا يستبرئها وإذا اشترى الرجل أمة قد حاضت فارتفع حيضها من غير أن تأيس فإنه ينظر بها حتى يعلم أنها غير حامل ثم يقربها وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد في ذلك أوفت عدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشرا إذا ارتفع حيضها فلا يدري أحامل هي أو غير حامل فإذا استبان حملها في الأربعة الأشهر والعشر فلا يقربها حتى تضع فإن لم يستبن فلا بأس بأن يقربها إذا وجب الاستبراء على المشتري لم يحل له أن يباشر ولا يقبل ولا يلمس لشهوة ولا ينظر إلى فرج لشهوة حتى يستبرئ(3/256)
وإذا اشترى المكاتب جارية وقبضها وحاضت عنده ثم أعتق حل له أن يطأها وكانت تلك الحيضة استبراء لأنه قد ملكها ألا ترى أن مولاه لو اشتراها منه قبل أن يطأها وقبل أن يعتق كان عليه أن يستبرئها بحيضة لأنها في ملك المكاتب وإذا اشترى المكاتب جارية ثم حاضت عنده ثم عجز المكاتب فليس ينبغي للمولى أن يطأ الجارية حتى تحيض عنده حيضة بعدما عجز المكاتب فإن كانت الجارية التي اشتراها المكاتب ابنته أو أمه فحاضت عند المكاتب حيضة ثم عجز المكاتب فلا بأس بأن يطأها المولى ولا يستبرئها لأن المكاتب حين اشتراها صارت مكاتبة للمولى ألا ترى أن المولى لو أعتقها قبل أن يعجز المكاتب جاز عتقه وكذلك هذا قول أبي يوسف ومحمد في كل جارية اشتراها
المكاتب وهي ذات رحم محرم منه فهي بمنزلة هذا أما في قياس قول أبي حنيفة فعليه الاستبراء في ذلك كله إلا في ابنة أو أم أو جدة أو ابنة إبنة وإن سفلت وإذا اشترى النصراني جارية فليس عليه أن يستبرئها لأن ما فيه من الشرك أعظم من ترك الاستبراء فإن أسلم قبل أن تحيض حيضة وقبل أن يطأها فليس عليه أن يستبرئها في القياس ولكني أستحسن وأجعل عليه أن يستبرئها بحيضة وإن كان وطئها في نصرانيته فليس عليه أن يستبرئها وإذا اشترى الرجل المسلم جارية مجوسية فحاضت بعد ما قبضها حيضة ثم أسلمت حل له أن يطأها وأجزته تلك الحيضة من الاستبراء ألا ترى أنه لو اشتراها وهي محرمة قد أذن لها في ذلك لم يحل له أن يطأها وإذا حاضت حيضة ثم حلت وفرغت من الإحرام حل له أن يطأها وأجزته تلك الحيضة من الاستبراء(3/257)
وإذا اشترى الرجل أخت البائع من الرضاعة أو جارية كانت عليه حراما فعليه أن يستبرئها بحيضة كما أنه لو اشتراها من امرأة كان عليه أن يستبرئها بحيضة وإذا اشترى الرجل جارية من رجل فلم يقبضها الرجل حتى ردها من عيب أو من غير عيب ومن خيار فليس على البائع أن يستبرئها لأن المشتري لم يكن قبض وإذا اشترى الرجل أمة لها زوج لم يدخل بها وقبضها المشتري ثم طلقها الزوج أو مات عنها ولم يدخل بها فإنه ليس عليها عدة في الطلاق وللمولى أن يطأها فإن كان مولاها الأول وطئها قبل أن يزوجها ولم تحض من يوم وطئها حيضة فإني أحب للمشتري أن لا يطأها تحيض حيضة أستحسن ذلك وأدع القياس فيه
وإذا مات عنها الزوج فعليها شهران وخمسة أيام فإذا مضى ذلك فلا بأس أن يطأها المولى وإذا اشتراها المولى وهي في عدة من الزوج من طلاق أو موت فقبضها فمضت العدة فلا بأس بأن يطأها المولى وإذا اشترى الرجل أختين فنظر إلى فرجهما جميعا لشهوة أو قبلهما جميعا لشهوة فلا ينبغي له أن يطأ واحدة منهما حتى يملك فرج إحداهما عليه غيره بملك أو نكاح أو وجه من وجوه الملك والنظر إلى الفرج من شهوة والقبلة بمنزلة الجماع
باب آخر من الخيار في البيوع وإذا رأى الرجل عند الرجل جارية وساومه بها ولم يشترها ثم رآها بعد ذلك متنقبة فاشتراها منه بثمن مسمى ولم يعلمه أنها تلك الجارية ولم يقع بينهما منطق يستدل به أنه قد عرفها فهو بالخيار إذا كشف نقابها إن شاء أخذها وإن شاء تركها وهذا بمنزلة من اشترى بيعا ولم يره أرأيت لو رآها عنده وساومها ولم يشترها ثم رآها متنقبة عند آخر فاشتراها ولم يقل له هي التي رأيت ولم يأت بنطق ولا أمر يستدل به على معرفة أن هذه الجارية هي التي رأيت عند فلان فهو بالخيار إذا رآها(3/258)
ولو نظر إلى جراب هروي وقلبه ثم إن صاحب الجراب قطع منه ثوبا ثم لقيه بعد ذلك فأخبره أنه قطع منه ثوبا ولم يره إياه ثانية حتى اشتراه فهو بالخيار إذا رآه لأنه لا يدري أي ثوب أخذ لعله أخذ أجودها ولو أن رجلا عرض على رجل ثوبين فلم يشترهما ثم لف أحدهما في منديل ثم اشتراه منه ولم يره ولم يعلم أيهما هو فهو بالخيار إذا رآه ولو أتاه بالثوبين جميعا وقد لف كل واحد منهما في منديل فقال هذان الثوبان اللذان عرضت عليك أمس فقال قد أخذت هذا لأحدهما بعشرين وهذا بعشرة في صفقتين أو في صفقة واحدة ولم يرهما في هذه المرة فأوجبهما له فإن له الخيار لأنه لا يعلم أيهما هذا من هذا
ولو قال أخذت واحدا منهما بعشرة ولم يسم أيهما هو كان هذا فاسدا منهما ولو قال أخذت كل واحد منهما بعشرين جاز ذلك ولم يكن له خيار لأنه أخذهما منه في صفقة واحدة ولم يفصل أحدهما في الثمنين ولو اشترى ثوبا ولم يره ثم رهنه أو أجره يوما أو باعه والمشتري بالخيار كان هذا اختيارا منه ولم يكن له أن يرده بالخيار ولو باعه والبائع بالخيار فنقض البيع كان له أن يرده إذا رآه ولو كان عبدا اشتراه رجل ولا خيار فيه للبائع وكاتبه المشتري ولم يره ثم عجز فرآه لم يكن له أن يرده بالخيار(3/259)
وكذلك الخيار إذا كان شرطا ولو حم العبد ثم ذهبت الحمى عنه كان له أن يرده إذا رآه فإن كان قد رآه واشترط الخيار ثلاثة أيام فذهبت الحمى عنه قبل الثلاث كان له أن يرده بالخيار ولو أشهد على نقض البيع في الثلاث بمحضر من البائع والعبد محموم ثم ذهبت الحمى عنه قبل الثلاث ولم يحدث ردا حتى مضت الثلاث كان له أن يرده بذلك الرد ولو بقيت به الحمى عشرة أيام لم يكن له أن يرده بذلك الرد ولا بغيره ولو خاصمه في الثلاث إلى القاضي ورده المشتري فأبى البائع أن يقبله وهو محموم فإن القاضي يبطل الرد ويجيز البيع فإن صح في الثلاث لم يكن له أن يرده بعد قضاء القاضي وكذلك هذا القول في خيار الرؤية ولو أشهد على رده في الثلاث بحضرة البائع وهو صحيح ثم حم قبل أن يقبضه البائع ثم أقلعت عنه الحمى وعاد إلى الصحة قبل الثلاث أو بعدها فإنه يلزم البائع ولا خيار له في ذلك لأن المشتري فسخ البيع وهو صحيح
وكذلك خيار الرؤية ولو خاصمه والحمى به فالبائع بالخيار إن شاء قبل البيع ولا يأخذ للحمى ارشا وإن شاء لم يقبل فإذا أبطل القاضي الرد وألزم المشتري العبد فليس له أن يرده بعد ذلك ولو جرح العبد عند المشتري جرحا له أرش أو جرحه هو أو كانت أمة فوطئها هو أو غيره لم يكن له أن يردها بخيار رؤية ولا بخيار الشرط وكذلك لو ولدت ومات ولدها أو لم يمت ولو كانت دابة أو شاة فولدت لم يكن له أن يردها بخيار الشرط ولا بخيار الرؤية وكذلك لو قتل ولدها هو أو غيره ولو مات موتا كان له أن يردها بخيار الشرط والرؤية لأنه من القتل أخذ أرشا ووجب في حياة الولد معها ولد لم يشتره(3/260)
ولو أن البائع جرحها عند المشتري أو قتلها وجب البيع على المشتري وكان على البائع القيمة في خيار الشرط والرؤية ولو استودعها المشتري البائع بعد ما قبضها فماتت عند البائع قبل أن يرضى المشتري فهو في القياس يلزم المشتري الثمن في خيار الشرط ولكن أدع القياس واجعلها من مال البائع في خيار الشرط وفي خيار الرؤية هي من مال المشتري وعليه الثمن لأن البيع قد لزمه فيها حين يفسخه أو يرده فأما في الخيار فإنه لم يستوجب بعد وهو من مال البائع في قياس قول أبي حنيفة فأما في قياس قول أبي يوسف وهو قول محمد فهي من مال المشتري
باب بيع النخل إذا كان فيه ثمر فأكله البائع قبل المشتري أو أثمر بعد البيع فأكله البائع قبل قبض المشتري وإذا اشترى الرجل أرضا ونخلا بألف درهم والأرض تساوي ألفا والنخل يساوي ألفا ثم إن النخل بعد ذلك أثمر في يدي البائع مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك كل مرة تساوي الثمرة ألفا فأكل ذلك كله البائع قبل قبض المشتري ثم جاء المشتري يطلب بيعه بكم يأخذ الأرض والنخل قال أصل ذلك أن ينظر إلى كل شيء أثمر النخل في يدي البائع فأكله البائع فتجمع قيمة ذلك كله فينظر كم قيمته ثم تضمه
إلى قيمة الأرض والنخل ثم تقسم الثمن على قيمة ذلك فما أصاب الثمر فإنه يحط عن المشتري من الثمن فإن كان إنما أثمر مرة وقيمة الثمر ألف فأكله البائع فإن المشتري يأخذ الأرض والنخل بثلثي الثمن فإن كان أثمر مرتين أخذ الأرض والنخل بنصف الثمن وإن كان أثمر ثلاث مرات أخذ الأرض والنخل بخمسي الثمن وان كان أثمر خمس مرات أخذ الأرض والنخل بسبعي الثمن لأن الثمرة خمسة آلاف والأرض والنخل ألفان فذلك سبعة آلاف يقسم الثمن على سبعة فيصيب الأرض والنخل سبعان فيأخذ المشتري الأرض والنخل بذلك ويحط عنه خمسة أسباع الثمن وذلك حصة الثمرة وإن كان في النخل يوم اشتراه ثمر يساوي ألفا(3/261)
قد اشتراه مع الأرض والنخل فأكله البائع ثم أثمر بعد ذلك مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك فأكله البائع ثم جاء المشتري بكم يأخذ الأرض والنخل قال أما الثمرة الأولى فإنها تذهب بثلث الثمن لأنها ثلث البيع وله ما أثمر بعد ذلك فإن كان أثمر عشر مرات أو أكثر أو أقل من ذلك فإنه يجمع كله فينظر كم قيمته ثم تضمه إلى الأرض والنخل ثم تقسم ثلثي الثمن على جميع ذلك فما أصاب حصة الأرض والنخل من ثلثي الثمن أخذ المشتري الأرض والنخل بذلك وما أصاب حصة الثمن فإنه يحط عن المشتري من ثلثي الثمن وإنما قسمته على ثلثي الثمن لأن الثمرة الأولى قد ذهبت بثلث الثمن ومن ذلك انه إذا أثمر بعد الثمرة الأولى بثمرة تساوي ألفا فأكله البائع فإن المشتري يأخذ الأرض والنخل بثلثي ثلثي الثمن وهو أربعة أتساع جميع الثمن فإن كان أثمر مرتين بعد الأولى فأكله البائع فإن المشتري يأخذ الأرض والنخل بنصف الثلثين فإن كان أثمر ثلاث مرات بعد الأولى فأكله البائع فإن المشتري يأخذ الأرض والنخل
بخمس الثمن وثلث خمس الثمن وهو أربعة أجزاء من خمسة عشر من جميع المال وإنما كان ذلك على ما ذكرنا من الأجزاء وخمسة عشر من جميع المال وإنما كان ذلك على ما ذكرنا من الأجزاء والأخماس لأن الثمرة الأولى ذهبت بثلث الثمن كله وبقي الأرض والنخل بثلثي الثمن فما أثمر بعد ذلك ثلاث مرات كل مرة يساوي ألفا كان ذلك ثلاثة آلاف والأرض والنخل ألفين فذلك خمسة آلاف وثلثا الثمن فقسمت على خمسة فالأرض والنخل من ذلك الخمسان والثمر ثلاثة الأخماس فيأخذ المشتري الأرض والنخل بالخمسين من الثلثين ويحط عنه ما بقي وهو ثلاثة أخماس الثلثين فكذلك هذا الباب وما أشبهه كله على هذا القياس وللمشتري في جميع ما ذكرنا إن كان في النخل ثمر يوم اشتراه أو لم يكن فأثمر بعد ذلك فأكله البائع فإن للمشتري(3/262)
الخيار في جميع ذلك إن شاء أخذه بما ذكرنا من الثمن وإن شاء تركه فإن كان الثمر الذي أثمر بعد البيع لم يأكله البائع ولكن أصابته آفة من السماء فذهبت به ونقص ذلك النخل فإن المشتري ها هنا بالخيار أيضا إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه ولا يشبه هذا أكل البائع الثمر وإن كان ذهاب هذا الثمر بالآفة التي أصابته لم ينقص النخل شيئا فإن المشتري لا يكون له الخيار ولكن البيع له لازم ويأخذه بجميع الثمن وإنما خالف الثمرة التي كانت في النخل يوم اشترى النخل الثمرة التي حدثت بعد ذلك لأن الثمرة الأولى التي كانت في النخل حيث اشترى كانت من أصل البيع ووقع عليها بعينها البيع فصارت لها حصة من الثمن وأما إذا أثمر بعد ذلك
إنما هو زيادة في النخل بحصته من الثمن يكون من ثمن الأرض والنخل خاصة والزيادة في البيع مخالف لما يقع عليه فلذلك اختلفا وهذا قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وقال أبو يوسف بعد ذلك كل ثمرة حدثت في يدي البائع بعد البيع فهو زيادة في النخل دون الأرض
باب الرجل يبيع العبد فيجني عليه البائع والمشتري قبل القبض ثم يموت من جنايتهما وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى قطع البائع يده فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ العبد بنصف الثمن وإن شاء تركه وما استهلك منه البائع فإنما هو شيء ذهب منه ليس فيه على البائع ضمان إلا أن الثمن يبطل عن المشتري منه بحساب ما انتقص البائع من العبد وذلك النصف لأن اليد من العبد نصفه ولو كانت اليد شلت من غير فعل أحد كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ العبد بجميع الثمن وإن شاء ترك البيع للعيب الذي حدث في العبد ولو كانت اليد قطعها أجنبي فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ العبد بجميع الثمن واتبع الجاني بنصف القيمة وإن شاء ترك البيع(3/263)
فإن أخذ العبد واتبع الجاني بنصف القيمة تصدق بما زادت نصف القيمة على نصف الثمن لأنه ربح ما لم يضمن فإن ترك البيع اتبع البائع الجاني بنصف القيمة ويتصدق أيضا بما زاد نصف القيمة على نصف الثمن لأنه قطع وهو لغيره وإن كان الذي قطع يده هو المشتري فإن هذا اقتضاء منه لجميع العبد فإن هلك العبد بعد ذلك من قطع اليد أو من غير قطع اليد ولم يكن البائع منع المشتري العبد بعدما قطع المشتري يد العبد فعلى المشتري جميع الثمن إن مات من القطع أو من غيره وإن كان البائع منع المشتري عن قبض العبد بعدما قطع المشتري يد العبد ثم مات العبد في يدي البائع من قطع اليد فعلى المشتري جميع الثمن
فإن مات من غير قطع اليد فعلى المشتري نصف الثمن بقطع اليد لأنه استوفى حين قطع اليد نصف ما اشترى لأن اليد من العبد نصفه ثم منعه البائع ما بقي حتى هلك في يديه من غير فعل المشتري وبطل من المشتري ثمن ما بقي من العبد وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى قطع البائع يده ثم إن المشتري قطع رجله من خلاف ثم برئ منهما جميعا فلا خيار للمشتري في هذا ويلزمه العبد بنصف الثمن ويبطل عنه نصف الثمن لقطع البائع يده وإنما بطل خياره في هذا الوجه لأنه قطع رجله بعدما قطع البائع يده فكان في هذا اختيار منه للبيع والرضا بالعبد أقطع ولو لم يكن البائع قطع يده ولكن المشتري هو الذي قطع يده قبل ثم قطع البائع رجله بعد ذلك فبرئ منهما جميعا(3/264)
فإن المشتري بالخيار إن شاء أخذ العبد وأعطى ثلاثة أرباع الثمن وإن شاء أبطل البيع لزمه نصف الثمن بقطعه اليد لأنه حين قطع اليد فقد استوفى نصف ما اشترى من البائع ثم قطع البائع بعد رجله من خلاف فمنع نصف ما بقي بعد اليد فالمشتري بالخيار فيما بقي من العبد إن شاء أخذه بربع الثمن مع النصف الذي لزمه بقطع اليد وإن شاء ترك وإنما جاز الخيار في هذا الباب للمشتري ولم يكن له في الباب الأول خيار لأن القطع في هذا الباب كان من البائع بعد رضا المشتري لأن البائع حين جنى على العبد بعد جناية المشتري ولم يحدث من المشتري بعد قطع البائع شيء في العبد يكون قد رضي به البائع وفي الباب الأول كانت جناية المشتري بعد جناية البائع فكان ذلك منه رضا بأن يأخذ العبد بجناية البائع عليه فلذلك اختلفا وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم فنقده الدراهم ولم يقبض حتى قطع المشتري يده ثم ثنى البائع فقطع رجله من خلاف فبرئ من ذلك كله فإن العبد للمشتري(3/265)
ولا خيار له فيه وعلى البائع للمشتري نصف قيمة العبد المقطوع اليد ولا يشبه نقد الثمن في هذا غير نقد الثمن لأن المشتري حين نقد الثمن ثم قطع صار قابضا لجميع العبد بقطعه اليد وصار البائع لا يقدر على منعه حتى يدفع إليه الثمن فلما قطع البائع رجله بعد ذلك كان بمنزلة رجل قطع رجل عبد رجل ليس بينه وبينه فيه بيع فيغرم نصف قيمته مقطوع اليد بقطعه الرجل ولو كان البائع هو الذي قطع اليد قبل المشتري ثم إن المشتري قطع رجله بعد ذلك لم يكن للمشتري في العبد خيار ولزمه البيع بنصف الثمن ويرجع المشتري على البائع بنصف الثمن الذي أعطاه وإنما افترق هذا والباب الأول لأن المشتري لم يقبض العبد حين قطع البائع يده فأبطل بقطع يد العبد نصف الثمن عن المشتري وصار المشتري بالخيار إن شاء أخذ ما بقي من العبد بنصف الثمن وإن شاء تركه فلما قطع المشتري رجله بعد قطع البائع كان هذا رضا منه بالعبد واختيارا للبيع فيلزمه ما بقي من العبد وبطل عنه نصف الثمن بقطع البائع يد العبد قبل أن يقبضه المشتري ولو كان المشتري هو الذي قطع اليد قبل قطع البائع كان هذا قبضا منه لعبده الذي اشترى كله ما قطع(3/266)
منه وما بقي فليس للبائع أن يمنعه ما بقي من العبد لأنه قد استوفى الثمن فلما قطع رجله صار ضامنا لنصف قيمته مقطوع اليد لأنه بمنزلة عبد لا بيع بينهما فيه وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع البائع يد العبد ثم قطع المشتري بعد ذلك رجله من خلاف فمات من ذلك كله في يدي البائع فإن المشتري يبطل عنه من الثمن خمسة أثمانه ويلزمه ثلاثة أثمان الثمن لأن البائع حين قطع يد العبد قبل قطع المشتري بطل عن المشتري بقطع البائع اليد نصف الثمن ثم إن المشتري قطع رجل العبد وهو ربع جميع ما اشترى لأنه نصف ما بقي بعد اليد فوجب عليه بعد ذلك ربع الثمن لأنه لم يقبضه حين جنى عليه ثم مات العبد من القطعين جميعا وإنما بقي من العبد ربعه فصار على المشتري من ذلك الربع بعضه وهو الثمن من جميع الثمن وبطل عنه نصف ذلك الربع وهو أيضا الثمن لأن البائع هو الذي استهلك ذلك الثمن فبطل عن المشتري نصف الربع الباقي وهو الثمن من جميع العبد وصار عليه نصف ذلك الربع وهو ثمن الجميع فبطل عنه خمسة أثمان الثمن ووجب عليه ثلاثة أثمانه(3/267)
ولو كان المشتري هو الذي قطع اليد قبل قطع البائع ثم إن البائع قطع الرجل بعد ذلك من خلاف فمات العبد من ذلك كله فإن على المشتري في هذا خمسة أثمان الثمن ويبطل عنه ثلاثة أثمان الثمن لأن المشتري حين بدأ بقطع اليد كان قابضا لنصف ما اشترى ووجب عليه نصف الثمن فلما قطع البائع رجله بعد ذلك كان قد منع ربع العبد فبطل المسمى بذلك ربع الثمن ثم مات العبد من القطعين جميعا فبطل عن المشتري نصف الربع الباقي وهو الثمن من جميعه وصار عليه نصف ذلك الربع وهو ثمن الجميع فوجب عليه خمسة أثمان الثمن وبطل عنه ثلاثة أثمانه وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم ونقده الثمن ثم إن المشتري قطع يد العبد ثم إن البائع قطع رجله بعد ذلك من خلاف فمات العبد من ذلك كله فإن العبد لازم للمشتري بجميع الثمن وعلى البائع للمشتري ثلاثة أثمان قيمة العبد لأن المشتري حين قطع يده صار قابضا لجميع العبد وصار البائع لا يقدر على منعه فلما جنى عليه كان بمنزلة عبد
لا بيع بينهما فيه حين جنى عليه وهو ضامن لجنايته من قيمته وجنايته عليه ثلاثة أثمان قيمته صحيحا ولو كان البائع هو الذي قطع يده قبل ثم إن المشتري قطع رجله بعد ذلك ثم مات منهما جميعا وقد كان المشتري نقد الثمن فإن المشتري يرجع على البائع بنصف الثمن الذي نقده ويلزم العبد المشتري بنصف الثمن الذي نقد ويرجع المشتري على البائع بثمن القيمة لأن البائع قبل أن يقطع المشتري رجله أبطل من الثمن بعضه ثم إن المشتري قطع رجله فصار قابضا لما بقي منه ثم مات العبد من فعل يد فعله البائع قبل القبض ومن فعل المشتري فعلى البائع ما حدث فيه من فعله بعد قبض المشتري له فيكون عليه ذلك من قيمة العبد والذي حدث بعد قبض المشتري من جناية البائع الثمن فعليه ثمن القيمة لا يبطل في هذا الموضع ثمن الثمن لأن هذا حدث بعد قبض(3/268)
المشتري وبعد ما صار البائع لا يقدر على منع العبد فكل شيء كان من جناية البائع بعد قبض المشتري العبد وقد نقد المشتري البائع الثمن فإنما على البائع فيه القيمة وكل شيء كان من جناية البائع قبل قبض المشتري فإنه يبطل عن المشتري به من الثمن بحساب ذلك وإذا اشترى الرجل عبدا من رجل بألف درهم فنقده الثمن أو لم ينقده حتى قطع البائع يده ثم قبضه المشتري بإذن البائع أو بغير إذنه فمات في يد المشتري من جناية البائع عليه فإن الثمن يبطل عن المشتري منه نصفه فإن كان قبض البائع رد على المشتري نصفه وإن كان لم ينقد الثمن دفع المشتري إلى البائع نصفه وما هلك من العبد في يدي المشتري بجناية البائع فعلى المشتري ثمنه فلا ضمان على البائع فيه لأن المشتري قبضه فصار ضامنا ولا يشبه أخذ المشتري العبد في هذا القبض بالجناية والقبض بالحدث يحدثه المشتري في العبد كل شيء حدث من جناية البائع الأول بعد ما يحدث فيه المشتري جناية فإن كان البائع لم ينتقد الثمن بطل عن المشتري من الثمن بحساب ما استهلك البائع منه قبل قبض المشتري العبد بالحدث الذي أحدثه المشتري
فيه بطل عن المشتري من الثمن بحساب ذلك وما حدث من استهلاك البائع بعد قبض المشتري بالحدث الذي أحدثه فيه المشتري إن كان البائع انتقد الثمن فعلى البائع فيه القيمة وإذا كان القبض من المشتري بغير جناية جناها في العبد إنما أخذ العبد أخذا فهلك في يده بجناية جناها عليه البائع قبل قبض المشتري فإن البائع لا ضمان عليه فيما هلك عند المشتري من ذلك ولا يبطل عن المشتري بذلك شيء من الثمن إنما يبطل من الثمن حصة المشتري فيما استهلك البائع من العبد قبل أن يأخذه المشتري ألا ترى أن رجلا لو فقأ عين عبده وقطع رجله أو قطع يده ثم غصبه إياه رجل فمات في يديه من فعل المولى كان على الغاصب قيمة العبد يوم غصبه إن كان(3/269)
قد مات من فعل مولاه وإذا اشترى الرجل عبدا من رجل فلم ينقد الثمن حتى قبضه بغير أمر البائع فقطع البائع يده في يد المشتري ولم يأخذه حتى مات العبد من قطع اليد في يد المشتري أو من غير ذلك فإن كان مات من قطع اليد فقد بطل البيع ولا ضمان على المشتري في العبد ولا في ثمنه لأن البائع حين قطع يده في يد المشتري ثم مات من ذلك فكأن البائع أخذه من المشتري فمات في يديه فإن كان العبد قد مات من غير قطع البائع بطل عن المشتري نصف الثمن بقطع البائع يده ووجب على المشتري نصف الثمن بموت العبد في يديه وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم فلم ينقده الثمن حتى أحدث المشتري فيه عيبا ينقصه من الثمن شيئا فلم يمنعه البائع العبد بعد ذلك حتى مات العبد من غير ما أحدث المشتري فإن أبا حنيفة كان يقول هذا قبض من المشتري لجميع العبد وعليه جميع الثمن
ولو كان المشتري باعه وقبضه الذي اشتراه منه بعد ما أحدث المشتري فيه فإن ما أحدث فيه كان بيعه جائزا لأنه قبض وإذا باع عبدا قد قبضه فهو جائز وقال أبو حنيفة إذا اشترى الرجل من الرجل جارية فلم يقبضها المشتري حتى زوجها رجلا فالنكاح جائز فإن ماتت قبل أن يقبضها المشتري ماتت من مال البائع ولم يكن هذا من المشتري قبضا وكان ينبغي في القياس أن يكون هذا قبضا لأنه عيب دخل الجارية ألا ترى أنها ترد منه ولكن أبا حنيفة قال أستحسن ألا أجعله قبضا لأنه ليس بعيب حدث في بدنها وكان أبو حنيفة يقول إن وطئها الزوج ثم ماتت بعد ذلك ماتت من مال المشتري وصار على المشتري جميع الثمن نقصها وطء الزوج أو لم ينقصها(3/270)
وكذلك وطء المشتري لو وطئها وهي ثيب في يد البائع ثم ماتت بعد ذلك ولم يمنعها البائع المشتري فعلى المشتري جميع الثمن فإن كان البائع منعها المشتري بعد وطء المشتري أو الزوج إياها ولم ينقصها الوطء شيئا ثم ماتت فإن أبا حنيفة قال انتقض البيع فيها ولا شيء على المشتري من العقر ولا من الثمن فإن كانت بكرا أو كان الوطء قد نقصها فإن أبا حنيفة كان لا ينظر في هذا إلى العقر ولكنه ينظر إلى ما نقصها الوطء فيجعل على المشتري من الثمن حصة ذلك ويبطل ما بقي ولو كان البائع هو الذي وطئها فلم ينقصها شيئا أخذها المشتري بجميع الثمن ولا عقر على البائع في ذلك في قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فإنه ينظر إلى عقرها والى قيمتها فيقسم الثمن على ذلك ويبطل عن المشتري حصة العقر من الثمن وتكون الجارية للمشتري بما بقي من الثمن وإن كان وطء البائع نقصها أو كانت بكرا فإن أبا حنيفة كان لا ينظر في هذا إلى العقر ولكنه ينظر إلى ما نقصها الوطء(3/271)
فيبطل حصة ذلك عن المشتري من الثمن وأما في قول أبي يوسف ومحمد فإنما ينظر إلى الأكثر من ذلك من العقر والنقصان فيطرح عنه من الثمن حصة ذلك وإذا اشترى الرجل عبدا من رجل بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع البائع يد العبد ثم قطع المشتري ورجل أجنبي رجل العبد من خلاف معا فمات العبد من ذلك كله فإن المشتري قد بطل عنه من الثمن بقطع البائع اليد نصفه ولزم المشتري ربع الثمن بقطعه وقطع الأجنبي رجل العبد ثم يرجع المشتري على الأجنبي بنصف ارش الرجل وهو ثمن العبد صحيحا وقد مات العبد من ذلك كله فبطل عن المشتري من الثمن حصة ثلث ما بقي من العبد وهو ثلثا جميع الثمن ويلزمه من الثمن الثمن وثلث الثمن بجنايته وجناية الأجنبي على ما بقي من العبد ويرجع المشتري على الأجنبي أيضا بثلثي ثمن القيمة بجنايته عن النفس فيكون على الأجنبي من قيمة العبد ثمن العبد بقطع الرجل وثلثا ثمن القيمة بما استهلك من النفس ويكون(3/272)
على المشتري من ثمن العبد ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمن الثمن بجنايته وجناية الأجنبي ولا يتصدق المشتري بشيء مما أخذ من الأجنبي وإن كان ما أخذ منه أكثر من حصته من الثمن لأنه إنما جنى عليه الأجنبي مع قبض المشتري إياه ولو كان البائع والأجنبي هما اللذان قطعا اليد قبل المشتري ثم قطع المشتري رجل العبد من خلاف فمات العبد من ذلك كله فإن على المشتري من الثمن بقطعه الرجل ربع الثمن وعليه بما استهلك من النفس ثلثا ثمن الثمن ويكون عليه أيضا بجناية الأجنبي على العبد ربع الثمن وبجناية الأجنبي على النفس ثلثا ثمن الثمن فيؤدي ذلك إلى البائع ويرجع المشتري على الأجنبي بربع القيمة بقطعة اليد وبثلثي ثمن القيمة بما استهلك من النفس فيكون ذلك على عاقلة الأجنبي في ثلاث سنين كل سنة من ذلك الثلث فإذا قبض ذلك المشتري فإن كل الذي قبض من جناية الأجنبي على اليد أكثر من ربع الثمن تصدق بالفضل على ربع الثمن لأنه ربح ما لم يضمن وإنما كان قبضه للعبد بجنايته عليه(3/273)
بعد جناية الأجنبي على اليد وأما ما استهلك الأجنبي من النفس فإن كان فيه فضل على ما غرم المشتري من حصة ذلك من الثمن لم يكن على المشتري أن يتصدق به لأنه ربح ما قد قبض وضمن ألا ترى أن رجلا لو اشترى عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى قطع رجل أجنبي يده فقبضه على ذلك ورضيه ثم مات العبد في يدي المشتري من جناية الأجنبي عليه فإن على عاقلة الأجنبي جميع قيمة العبد في ثلاث سنين فإذا أخذها المشتري فإن كان فيها فضل على الثمن تصدق بنصف ذلك الفضل وهو حصة اليد لأنه ربح ما لم يضمن لأن اليد قطعت وليس العبد في ضمانه وأما ما هلك في يدي المشتري فإن كان في قيمته فضل على حصته من الثمن فهو طيب للمشتري لأنه ربح ما ضمن فصار في ملكه مضمونا وإذا اشترى الرجل عبدا من رجل بألف درهم فلم ينقده الثمن حتى قطع المشتري والأجنبي يد العبد معا ثم قطع البائع بعد ذلك رجله من خلاف ثم مات من ذلك كله فإن المشتري بالخيار إن شاء سلم للبائع من الثمن نصفه بقطعه وقطع الأجنبي يد العبد ويرجع المشتري على الأجنبي بربع
القيمة ولا يتصدق بما كان في ذلك من فضل لأن جناية الأجنبي كانت مع قبض المشتري للعبد بقطعة اليد ويرجع البائع على المشتري أيضا بثمن الثمن وثلث ثمن الثمن باستهلاكه واستهلاك الأجنبي النفس ويرجع المشتري على الأجنبي بثلثي ثمن قيمة العبد ويبطل عن المشتري من الثمن ثمنا جميع الثمن وثلثا ثمن جميع الثمن بقطع البائع رجل العبد واستهلاك البائع النفس بعد قطع الرجل وإن شاء المشتري نقض البيع ولزمه من الثمن حصة جنايته خاصة وذلك ثمنا جميع الثمن وثلثا جميع ثمن الثمن ويرجع البائع على الأجنبي بثمني جميع قيمة العبد وثلثي ثمن جميع قيمة العبد فإن كان في ذلك فضل عن ثمني(3/274)
الثمن وثلثي ثمن الثمن تصدق به البائع لأنه ربح ما لم يكن له حين جنى عليه الأجنبي فلا أحب له أكله وإذا اشترى الرجل من الرجلين عبدا بألف درهم ولم ينقدهما الثمن حتى قطع أحد البائعين يد العبد ثم قطع البائع الآخر رجل العبد من خلاف ثم فقأ المشتري عيني العبد فمات العبد من ذلك كله في يدي البائع فإن البيع قد لزم المشتري بفقئه العين بعد جناية البائعين ولو لم يكن فقأ العين كان بالخيار إن شاء نقض البيع وإن شاء أخذه فأما إذا فقأ العين بعد جناية البائعين فهذا اختيار منه للبيع فيكون عليه من الثمن للقاطع الأول ثمن جميع الثمن وخمسة أسداس ثمن جميع الثمن ويكون عليه للقاطع الثاني من الثمن على المشتري ثمنا جميع الثمن وخمسة أسداس ثمن جميع الثمن ويبطل ما بقي من الثمن ويرجع المشتري على القاطع الأول بثمني قيمة العبد وسدس ثمن قيمة العبد فيكون ذلك على عاقلته
في ثلاث سنين ويكون على القاطع الثاني للمشتري ثمن قيمة العبد وسدس ثمن قيمة العبد على عاقلته في ثلاث سنين ويتصدق المشتري بما زاد ذلك كله على ما غرم من الثمن إلا سدس ثمن قيمة العبد مما غرم البائعان له فإن فضلهما على سدس ثمن الثمن يطيب له وإذا اشترى رجلان العبد من رجل بألف درهم ولم ينقدا الثمن حتى قطع أحد المشترين يد العبد ثم قطع المشتري الآخر رجله من خلاف فمات من ذلك كله فإن البيع يلزم المشتريين جميعا بالثمن كله ويرجع القاطع الثاني على القاطع الأول بثمني قيمة العبد ونصف ثمن قيمة العبد ويرجع(3/275)
القاطع الأول على القاطع الثاني بثمن قيمة العبد ونصف ثمن قيمة العبد فيكون ذلك على عاقلة كل واحد منهما لصاحبه في ثلاث سنين فإن كان البائع فقأ عينه بعد قطع المشتريين جميعا اليد والرجل فمات من ذلك كله فإن المشتريين بالخيار إن شاءا نقضا البيع وكان للبائع على القاطع الأول ثمنا الثمن وسدس ثمن الثمن ويكون على القاطع الثاني من الثمن ثمن الثمن وسدس ثمن الثمن ويرجع البائع أيضا على القاطع الأول بثمني القيمة وسدس ثمن القيمة ويرجع البائع على القاطع الثاني بثمن القيمة وسدس ثمن القيمة ويبطل من جناية البائع على العبد ثمن الثمن وثلث ثمن الثمن فإن اختار المشتري أخذ العبد كان على كل واحد من المشتريين ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمن الثمن ويبطل عنهما من الثمن ثمن الثمن وثلث ثمن الثمن بجناية البائع على العبد ويرجع القاطع الثاني على القاطع الأول بثمني جميع القيمة وسدس ثمن القيمة ويرجع القاطع الأول على القاطع الثاني بثمن جميع القيمة وسدس
ثمن جميع القيمة فيكون ذلك على عاقلة كل واحد منهما ثلاث سنين وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع البائع يد العبد ثم قطع المشتري بعد ذلك اليد الأخرى أو قطع الرجل التي في جانب اليد المقطوعة فمات العبد من ذلك كله فإن المشتري يبطل عنه نصف الثمن بقطع البائع يد العبد ثم ينظر إلى ما نقص العبد من جناية المشتري عليه في قطع يده أو رجله وهذا لا يشبه قطع الرجل من خلاف لأن هذا استهلاك للعبد فنقصانه أكثر من نقصان قطع الرجل من خلاف فينظر إلى ما نقص العبد من جناية المشتري عليه فإن كان نقصه أربعة أخماس ما بقي كان عليه أربعة أخماس نصف الثمن وقد فات الخمس الباقي وهو عشر جميع العبد من فعلهما جميعا فعلى المشتري بجنايته على ذلك نصف ذلك العشر فيكون عليه(3/276)
أربعة أعشار الثمن ونصف عشر الثمن ويبطل عنه خمسة أعشار الثمن ونصف عشر الثمن وعلى هذا جميع ما وصفت لك في هذا الوجه وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع المشتري يد العبد ثم قطع البائع رجل العبد من خلاف ثم مات العبد من غير ذلك ولم يحدث البائع للمشتري منعا فإن على المشتري ثلاثة أرباع الثمن لأن المشتري حين قطع اليد قبل البائع وجب عليه نصف الثمن بقطع اليد فكان بقطعه اليد قابضا لما بقي من العبد فلما قطع البائع رجله بعد ذلك كان قابضا حصة الرجل خاصة بذلك الربع من جميع العبد فبطل عن المشتري ربع الثمن بذلك وصار المشتري على قبضه الأول فيما بقي من العبد لأن البائع لم يحدث له منعا فيما بقي من العبد فإذا مات العبد من غير فعل البائع والمشتري فإنما مات في ضمان المشتري وقبضه فعليه ثمن ما بقي من العبد وهو ربع جميع الثمن فوجب عليه بذلك وباليد التي قطعها ثلاثة أرباع الثمن ولو كان العبد حيا لم يمت وقد برئ من القطعين جميعا
فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ ما بقي من العبد وأعطاه نصف الثمن بقطعه اليد ولو كان البائع منع العبد بعد قطعه الرجل وأراد المشتري أخذه بثلاثة أرباع الثمن فمنعه البائع إياه حتى يعطيه الثمن فمات في يده من غير جناية فليس على المشتري من الثمن إلا نصف الثمن بقطعه اليد خاصة لأن البائع منعه فيما بقي من العبد فنقض قبض المشتري له ولا يشبه منع البائع ما بقي من العبد الجناية عليه إذا جنى عليه بعد قبض المشتري وإنما يكون مانعا بجنايته لما استهلك من العبد بتلك الجناية خاصة ولا يكون قابضا لما بقي وإذا منع ذلك وقد طلبه المشتري منه فهذا منع قد نقض قبض المبيع فإن هلك في يد البائع بعد ذلك هلك ما بقي من مال البائع(3/277)
باب بيع الرجل العبد أو الأمة فيزيد قبل القبض أو ينقص أو تلد ولدا فيموت ولدها أو يحدث به عيب وإذا اشترى الرجل من الرجل جارية بألف درهم وقيمتها ألف درهم فولدت ولدا عند البائع إبنة تساوي ألفا ونقصت الولادة الأم فالمشتري بالخيار إن شاء أخذهما جميعا بجميع الثمن وإن شاء تركهما فإن اختار أخذهما فلم يأخذهما حتى ولدت الابنة ابنة تساوي ألفا وقد نقصتها الولادة فإن المشتري أيضا بالخيار إن شاء أخذهم بجميع الثمن وإن شاء ترك
فإن زادت الوسطى حتى صارت تساوي ألفين فقبضهن جميعا والوسطى تساوي ألفين والأخرى تساوي ألفا والأم قد نقصت قيمتها فهي تساوي خمسمائة فوجد بالأم عيبا بعد ما قبضهن جميعا فإنه يرد الأم بربع الثمن ولا يلتفت إلى نقصانها إنما ينظر إلى قيمتها يوم وقع البيع فإن لم يكن وجد بالأم عيبا ولكنه وجد بالثانية عيبا فإنه يردها بنصف الثمن لأن قيمتها يوم قبضها ألفا درهم ولا ينظر إلى ما كانت قيمتها قبل ذلك فإن لم يجد بالثانية عيبا ولكنه وجد بالأخيرة عيبا فإنه يردها بربع الثمن لأن قيمتها يوم قبضها ألف درهم ووجه هذا الباب في الرد بالعيب أنك تنظر إلى قيمة الأم يوم(3/278)
وقع عليها البيع ولا ينظر إلى زيادة كانت بعد ذلك ولا إلى نقصان وينظر إلى قيمة ما ولدت من الولد بعد البيع يوم يقبض المشتري ولا ينظر إلى زيادة كانت قبل ذلك ولا إلى نقصان وكذلك ولد ولدها فإذا وجد المشتري بشيء من ذلك عيبا بعد ما قبضه قسم الثمن على قيمة التي اشتريت يوم وقع البيع وعلى قيمة الولد يوم قبض المشتري ولا عيب فيه وإذا اشترى الرجل أمتين بألف درهم قيمة إحداهما خمسمائة وقيمة الأخرى ألف درهم فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوي ألفا ثم أعورت الأم التي تساوي ألفا فاختار المشتري أخذ ذلك كله بالثمن فقبض ذلك كله ودفع الثمن ثم وجد بالعوراء عيبا وقيمتها خمسمائة فإنه يردها بثلثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لأنها وابنتها بثلثي الثمن وقيمة ابنتها ألف درهم يوم قبضها المشتري وقيمة الأم يوم وقع البيع ألف درهم فحصتها من الثمن النصف من الثلثين وهو ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فإن لم يجد بالعوراء عيبا ولكنه وجد بالأم الأخرى عيبا فإنه يردها بمائة وأحد عشر درهما وتسع درهم لأن حصتها وحصة
ابنتها من الثمن الثلث وهو ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وقيمة ابنتها يوم قبضها المشتري ألف درهم وقيمة الأم يوم وقع عليها البيع خمسمائة وإذا قسمت ثلث الثمن على قيمتها صارت حصة الأم من ذلك الثلث وهو مائة وأحد عشر درهما وتسع درهم وإذا اشترى الرجل شاة فولدت قبل القبض فأراد المشتري ردها فليس له ذلك لأن هذا ليس بنقصان في الشاة كما تكون الولادة نقصانا في الخادم وكذلك كل شيء كانت ولادته لا تنقصه فإن المشتري يجبر على أخذها ولا خيار له في ذلك فإن رأى بها عيبا قبل القبض فهو بالخيار إن شاء أخذهما جميعا بجميع الثمن وإن شاء تركهما وليس له أن يأخذ أحدهما دون صاحبه(3/279)
فلو لم بجد بالأم عيبا ولكنه وجد بالعبد عيبا فلا خيار له والولد والأم لازمان له بجميع الثمن وكذلك لو مات الولد قبل القبض أخذ الأم بجميع الثمن ولا خيار له فيها فإن كان البائع هو الذي قتل الولد قسم الثمن على قيمة الأم يوم وقع البيع عليهما ولا ينظر في ذلك إلى زيادة القيمة ولا إلى نقصانها وينظر إلى قيمة الولد يوم قتله البائع فيقسم الثمن على ذلك فما أصاب الولد من الثمن بطل عن المشتري وأخذ الأم بما بقي وقال أبو يوسف ومحمد في هذا إن له الخيار في الأم لأن البائع قد استهلك بعض ما وقع عليه البيع لأنه يقول إذا
قتل الولد صارت له حصة من الثمن فإذا صارت له حصة من الثمن فكأن البيع وقع عليهما وإذا قبضهما المشتري جميعا ثم وجد بالأم عيبا ردها بحصتها من الثمن ولا يكون له أن يرد الولد فإن لم يجد بالأم عيبا ولكنه وجد بالولد عيبا رده بحصته من الثمن ولا يشبه القبض في هذا غير القبض إذا قبضهما جميعا صار كأن البيع وقع عليهما جميعا ألا ترى أنه يرد الأم بحصتها من الثمن إذا وجد بها العيب دون الولد ولا يكون له أن يرد الولد فكذلك الولد أيضا هو بمثل حال الأم فإن لم يقبضهما حتى وجد بالولد عيبا لم يكن له أن يردهما بذلك لأن الولد لم يكن له حصة من الثمن حتى يقبض ألا ترى أنه إنما يقسم الثمن على قيمة الولد يوم يقبض المشتري وإذا اشترى الرجل جارية بألف درهم بإحدى عينيها(3/280)
بياض وقيمتها ألف درهم فولدت ولدا يساوي ألف درهم ثم ذهب البياض الذي بعينيها فصارت تساوي ألفين ثم إن البائع ضرب العين التي كانت في الأصل صحيحة فابيضت فرجعت إلى قيمتها الأولى فصارت تساوي ألفا وبياض العين ينقصها أربعة أخماس القيمة الأولى فإني لست ألتفت إلى زيادة ولكن أنظر كم ينقصها البياض لو كان بياض العين الأول على حاله فإن كان ينقصها أربعة أخماس قيمتها الأولى وذلك ثمانمائة فإن المشتري بالخيار إن شاء أخذهما بستة أعشار الثمن وإن شاء تركهما فإن اختار أخذهما فقبضهما ثم وجد بالأم عيبا فإنه يردها بسدس ما أخذهما به وذلك عشر الثمن كله ولو لم يجد بالأم عيبا ولكنه وجد بالولد رده بخمسة أسداس ما أخذهما به ولو لم يكن البائع ضرب العين الصحيحة ولكنه ضرب العين التي كان بها البياض بعد ما ذهب البياض فعاد البياض إلى حاله الأولى فإن المشتري في قول أبي يوسف ومحمد بالخيار إن شاء أخذهما بثلثي الثمن وإن شاء تركهما فإن أخذهما بثلثي الثمن فوجد بالأم عيبا بعد القبض ردها
بنصف ما أخذهما به ولو كان وجد بالولد عيبا فكذلك أيضا وإنما يأخذهما بثلثي الثمن لأن ذهاب بياض العين زيادة فيها لها قيمة فلما جنى على تلك الزيادة وجب فيها ارش فصار بمنزلة ولد ولدته فجنى عليه وإذا كان إنما جنى على العين الصحيحة التي كانت في الأصل كذلك فإني لست أعتد بهذه الزيادة في بدنها ولا يكون بمنزلة الولد لأنها ليست مزايلة للأم فهي وإن كانت قيمتها مائة ألف فكأنها ألف ألا ترى إنها مضمونة بذلك وأن الرجل إذا رهن جارية بألف تساوي ألفا ثم ولدت ولدا يساوي ألفا ثم ماتت الأم إنها تموت بالنصف لأن الأم كانت ألفا والزيادة إذا جنى عليها وأخذ أرشها فكأنه ولد ولدته وما كان في رقبتها وبدنها فكأنه لم يكن قط ولا يشبه المزايل الذي قد زال عنها ما كان فيها(3/281)
وإذا اشترى الرجل من الرجل جارية بألف درهم قيمتها ألف درهم وإحدى عينيها بيضاء فذهب البياض فصارت تساوي ألفين ثم إن عبدا لرجل أجنبي ضرب تلك العين فعاد البياض كما كان فإن مولى العبد يخير فإن شاء دفع العبد وإن شاء فدى بألف درهم بارش العين فإن دفع العبد وقيمته خمسمائة فأخذهما المشتري جميعا بجميع الثمن ثم إنه وجد بالعبد عيبا فإنه يرده بثلث الثمن لأن قيمته خمسمائة يوم قبضه المشتري وقيمة الجارية يوم وقع عليها البيع ألف درهم فإنه يقسم الثمن على قيمة ذلك وإن كان المشتري إنما وجد العيب بالجارية ردها بثلثي الثمن فإن كان المشتري لم يقبض العبد حتى زاد في يدي البائع فصار يساوي ألف درهم فقبضهما المشتري ثم وجد بأحدهما عيبا فإنه يرده بنصف الثمن وإذا اشترى الرجل جارية بألف تساوي ألفا ففقأ البائع عينيها ثم إنها ولدت بعد الفقء ولدا يساوي ألفا فإن المشتري بالخيار إن شاء أخذهما بنصف الثمن وإن شاء تركهما فإن كان الفق بعد الولادة فالمشتري بالخيار إن شاء أخذهما بثلاثة أرباع الثمن وإن شاء تركهما(3/282)
ولا يشبه الفقء قبل الولادة الفق بعدها لأنه إذا فقأ العين قبل الولادة بطلت حصتها من الثمن فلا تعود فيه أبدا وإذا كان الفق بعد الولادة فالولد يذهب من الثمن بحساب ذلك ولا يشبه البيع في هذا الرهن لأن البيع قد بطل فيه بعض الثمن فكأنه اشترى شيئا فمات فبطل عنه وبطل البيع فيه وفي الرهن إنما ذهب من مال الراهن خمسمائة فبطل حصتها من الدين فان كانت ولدت ولدا يساوي ألفا بعد ذلك أو قبله فهو سواء ويبطل من الدين مقدار خمسمائة في قيمة الأم وقيمة ولدها يوم يقبض وإذا اشترى الرجل جارية بألف درهم وهي تساوي ألف درهم بيضاء إحدى العينين ففقأ البائع العين الباقية فصارت تساوي مائتي درهم فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بمائتي درهم وإن شاء تركها فان لم يخترها ولم يأخذها حتى ذهب بياض عينها الأولى فصارت تساوي ألفا فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بمائتي درهم
وإن شاء تركها لأن ذهاب بياض عينها إنما هو بمنزلة الزيادة في بدنها وكذلك لو كان بياض عينها ذهب قبل أن يفقأ البائع عينها الأخرى فصارت تساوي ألفي درهم ثم إن البائع فقأ عينها التي كانت صحيحة قبل الدفع فنقصها ذلك نصف قيمتها اليوم وهو ألف درهم ولو كان بياض العين على حالها نقصها فق العين أربعة أخماس قيمتها فإنه إنما ينظر إلى نقصان فقء العين في قيمتها الأولى ولا ينظر إلى نقصانها في هذه القيمة فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بخمس الثمن وهو مائتا درهم وإن شاء تركها وإذا اشترى الرجل جارية بألف درهم تساوي ألفا وهي بيضاء إحدى العينين ففقأ البائع عينها الباقية فصارت(3/283)
تساوي مائتي درهم ثم إن البياض الأول ذهب من عينها فصارت تساوي ألفا ثم إن عبدا لرجل أجنبي ضرب العين التي برئت فعاد البياض إلى حاله فإن مولى العبد بالخيار إن شاء دفع العبد بجنايته إلى البائع وإن شاء فداه بثمانمائة درهم فإن دفعه إلى البائع وقيمته خمسمائة فالمشتري بالخيار إن شاء أخذهما جميعا بمائتي درهم وإن شاء تركهما فإن اختار أخذهما جميعا فقبضهما ثم وجد بالجارية عيبا ردها بسبعي الثمن الذي نقد وهو مائتا درهم وإن لم يجد بها عيبا ولكنه وجد بالعبد عيبا رد بخمسة أسباع الثمن ولو كان البائع لم يفقأ عين الجارية حتى ذهب بياض عينها فصارت تساوي ألفي درهم ثم ان عبدا لرجل ضرب العين التي برئت فعادت إلى حالها ثم إن البائع فقأ العين الثانية فصارت تساوي مائتي درهم فإن مولى العبد بالخيار إن شاء دفع العبد وإن شاء أخذه بألف درهم فإذا دفع العبد وقيمته خمسمائة درهم إلى البائع فالمشتري بالخيار إن شاء أخذهما جميعا وإن شاء تركهما فإن أخذهما فإن عليه من الثمن
خمسي الثمن وثلث خمس الثمن وبطل عنه بفق البائع عين الجارية خمسا الثمن وثلثا خمس الثمن لأن العبد زيادة بمنزلة الولادة فكأنها ولدت ولدا يساوي خمسمائة وقيمتها ألف درهم ففقأ البائع عينها الصحيحة فنقصها ذلك ثمانمائة درهم فالمشتري بالخيار إن شاء أخذهما وولدهما بخمسي الثمن وثلث خمس الثمن وإن شاء تركهما
باب قبض المبيع بأمر البائع أو بغير أمره وقد قبض البائع الثمن أو لم يقبض وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم حالة فليس للمشتري أن يقبض العبد حتى يعطي الثمن فإذا أعطاه الثمن فله أن يقبض العبد فإن لم يقبض العبد حتى وجد البائع الدراهم التي قبض زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو استحقت من يده فإن للبائع أن يمنع المشتري من قبض العبد حتى يعطيه مكان ذلك دراهم جيادا مثل شرطه وكذلك لو وجد بعض الثمن على ما وصفت لك كان له(3/284)
أن يمنع المشتري حتى يعطيه مكان الذي وجد جيادا على شرطه وإن كان ذلك درهما واحدا فإن لم يجد في الثمن شيئا مما وصفت لك حتى قبض المشتري العبد من البائع بإذنه ثم إن البائع وجد الثمن أو بعضه على ما وصفت لك فإن كان وجد في ذلك ستوقا أو رصاصا أو استحق من يده جاز له أن يأخذ العبد حتى يدفع إليه المشتري مكان الذي وجد من ذلك جيادا على شرطه وإن كان الذي وجد من ذلك قليلا أو كثيرا فإن كان وجد الثمن أو بعضه زيوفا أو نبهرجة استبدلها من المشتري ولم يكن له أن يرجع العبد فيكون عنده حتى يقبض الثمن لأن البائع في هذا الوجه قد قبض الثمن لأن النبهرجة والزيوف دراهم وقبضه إلا أن فيها عيبا وأما الستوقة والرصاص فليست دراهم فكأنه لم يقبض منه
شيئا فكان له أن يرجع من عنده حتى يوفيه الثمن وكذلك الذي استحق من يديه فإن لم يقبض البائع من المشتري العبد ولم يجد في الثمن شيئا مما ذكرت لك حتى باع المشتري العبد من آخر فقبضه أو لم يقبضه أو وهبه لرجل لرجل فقبضه منه أو رهنه من رجل بمال له عليه وقبضه المرتهن أو أجره ثم ان البائع وجد في الثمن شيئا مما ذكرت لك فإن جميع ما صنع المشتري الأول من ذلك جائز لا يقدر البائع على رده وليس للبائع على العبد سبيل لأن المشتري قبضه بإذن البائع وأخرجه من ملكه على ذلك الإذن الذي كان من البائع فلا سبيل للبائع على العبد بعد إذنه للمشتري في قبضه إذا أخرجه المشتري من ملكه إذ أوجب للمشتري فيه حقا حتى لا يستطيع رده ولكن البائع يرجع على المشتري بجميع ما وجد في الثمن مما ذكرت لك حتى يستوفي وأما العبد فلا سبيل له عليه ولو أن البائع لم يكن دفع العبد إلى المشتري وقد قبض(3/285)
الثمن فأخذ المشتري العبد بغير إذن البائع ثم إن البائع وجد الثمن الذي قبضه أو بعضه نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو زيوفا أو استحق من يديه فإن للبائع في جميع ذلك أن يرجع فيأخذ العبد من المسمى حتى يوفيه المشتري جميع الثمن على ما شرط له وكذلك لو أن المشتري حين قبضه بغير إذن البائع باعه أو وهبه أو أجره أو رهنه كان للبائع أن ينقض ذلك كله ويرد العبد حتى يوفيه المشتري الثمن ولا يشبه الإذن في القبض غير الإذن لأنه إذا أذن له في قبضه فقد سلطه على بيعه وعلى ما أحدث فيه من شيء فإذا قبض المشتري بغير إذن البائع لم يكن قبضه ذلك قبضا إلا أن يكون الثمن الذي نقد المشتري البائع جيادا على شرطه ولو أن المشتري قبض العبد في جميع ما ذكرنا بغير إذن البائع ثم إن البائع علم بقبضه وسلم ذلك ورضي
فهو مثل إذنه في القبض في جميع ما ذكرنا ولو أن رجلا له على رجل ألف درهم فرهنه بها عبدا يساوي ألفا وقبضه المرتهن ثم إن الراهن قضى المرتهن دراهمه ولم يقبض الراهن الرهن حتى وجد المرتهن الدراهم أو بعضها زيوفا أو نبهرجة أو ستوقة أو رصاصا أو استحقت من يديه فإن للمرتهن أن يمنعه الرهن حتى يستوفي حقه ما كان عليه وكذلك لو كان الراهن قد قبض الرهن بإذن المرتهن أو بغير إذنه ثم وجد المرتهن شيئا من الدراهم على بعض ما ذكرت لك فله أن يرجع في الرهن يعيده رهنا كما كان حتى يوفيه حقه في جميع ذلك ولا يشبه هذا البيع لأن الرهن إنما قبضه الراهن على أنه قد أوفاه فإذا وجد الدراهم زيوفا أو نبهرجة أو غير ذلك فإنه لم يوفه فله أن يرجع في الرهن حتى يستوفي ألا ترى أن رجلا لو اشترى من رجل عبدا فأذن البائع للمشتري في قبضه عارية منه له فقبضه المشتري على أنه عارية(3/286)
لم يكن للبائع أن يأخذه بعد ذلك وكان ذلك إذنا في قبضه على كل وجه وكان مثل قوله قد أذنت لك في قبضه ألا ترى أن العبد إذا اشتراه ثم أذن له في قبضه قبل أن يقبض منه الثمن فقبضه أنه لا يكون له أن يرده فيمنعه حتى يعطيه الثمن والرهن ليس كذلك إذا أذن له في قبضه فله أن يعيده إذا بدا له ولو كان العبد رهنا في يدي رجل فأذن للراهن في قبضه عارية منه كان جائزا وكان للمرتهن أن يرجع في الرهن حتى يعيده على حاله فهذا فرق ما بين الرهن والشراء في الزيوف ولو كان الراهن قبض العبد وقد كان المرتهن انتقد الدراهم وكان قبضه إياه بإذن المرتهن ثم إن الراهن باع العبد أو وهبه وقبضه الموهوب له أو رهنه وقبض المرتهن ثم إن المرتهن الأول وجد الثمن أو بعضه على ما وصفنا فإن جميع ما صنع الراهن من ذلك جائز لا يرد منه شيء
ولكن الراهن ضامن لقيمة العبد الرهن يكون رهنا مكان العبد في يدي المرتهن الأول حتى يوفيه حقه ولو كان قبض الراهن بغير إذن المرتهن ثم أحدث فيه الراهن بعض ما ذكرنا ثم وجد المرتهن المال الذي قبض أو بعضه على ما ذكرنا كان للمرتهن أن يرد ذلك كله حتى يعيده رهنا على حاله وإذا اشترى الرجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى وكل رجلا يقبضه فقبضه الوكيل بغير إذن البائع ولم ينتقد البائع ثم إن العبد هلك في يدي الوكيل فللبائع أن يضمن الوكيل قيمة العبد فيكون في يديه حتى يعطيه المشتري الثمن فإذا أعطاه المشتري الثمن رجعت القيمة إلى الوكيل ولو تويت القيمة عند البائع لم يكن للبائع في القيمة ضمان واتبع الوكيل المشتري بالقيمة لأنه أمره يقبض العبد ولو كان المشتري هو الذي قبض العبد بغير أمر البائع فمات في يديه لم يكن على المشتري ضمان في القيمة إنما عليه الثمن(3/287)
ولا يشبه المشتري في هذا وكيله لأن ضمان الثمن على المشتري فلا يجتمع عليه ضمان القيمة والثمن فأما الوكيل فلا ضمان عليه في الثمن وقبضه للمبيع بإذن المشتري فيما بينه وبين البائع بمنزلة قبضه إياه بغير إذنه ألا ترى أنه ليس للمشتري أن يقبضه فإذا قبضه ضمن القيمة ولو أن الوكيل قبض العبد بإذن المشتري فلم يمت في يديه حتى أعتقه المشتري كان هذا وموت العبد في يدي الوكيل سواء ولو أن المشتري أمر رجلا بعتق العبد وهو في يدي البائع فأعتقه المأمور فإن أبا يوسف قال هذا وقبض الوكيل العبد سواء ويضمن الوكيل قيمته فيكون في يدي البائع حتى يدفع إليه المشتري فإذا دفع إليه الثمن أخذ الوكيل القيمة من البائع فإن هلكت في يدي البائع رجع بها الوكيل على المشتري لأنه أمره بالعتق وأما في قول أصحابنا فلا ضمان على الوكيل المعتق
لأنه لم يأخذ شيئا ويرجع البائع على المشتري بالثمن فيأخذه منه ليس له غير ذلك ثم رجع أبو يوسف بعد ذلك إلى هذا القول فقال بهذا القول لا ضمان عليه آخر كتاب البيوع والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسلميا كثيرا(3/288)