حاضرة فقال القاضي أتعرفانها فإن قالا لا لا تقبل شهادتهما ولو قالا تحملناها على المسماة بفلانة بنت فلان الفلانية ولا ندري أنها هذه أم لا صحت الشهادة وكلف المدعي أن يأتي بآخرين يشهدان أنها فلانة بنت فلان بخلاف الأول لأنهما هناك أقرا بالجهالة فبطلت الشهادة فهذا ونحوه يفيد ما قلناه ومنه مالا يثبت حكمه بنفسه وهو الشهادة على الشهادة فإذا سمع شاهدا يشهد بشيء لم يجز أن يشهد على شهادته إلا أن يشهده ذلك الشاهد على شهادة نفسه لأن الشهادة غير موجبة بنفسها بل بالنقل إلى مجلس القضاء فلا بد من الإنابة والتحميل ولهذا لو سمعه يشهد شاهدا على شهادته لم يسع السامع أن يشهد لأنه ما حمله وإنما حمل غيره وهذا الإطلاق يقتضي أنه لو سمعه يشهد في مجلس القاضي حل له أن يشهد على شهادته لأنها حينئذ ملزمة
فروع كتب إلى آخر رسالة من فلان إلى فلان كتبت تتقاضى الألف التي لك علي وكنت قضيتك منها خمسمائة وبقي علي خمسمائة أو كتب إلى زوجته قد بلغني كتابك تسأليني الطلاق فأنت طالق طلقت ساعة كتب وينبغي لمن علم ذلك أن يشهد بالمال والطلاق وهي شهادة حق بخلاف مالو كتب صك وصية وقال للشهود اشهدوا علي بما فيه ولم يقرأه عليهم قال علماؤنا لا يجوز لهم أن يشهدوا عليه وقيل لهم ذلك والصحيح الأول وإنما يحل لهم أن يشهدوا بما فيه إذا قرأه عليهم أو رأوه يكتب وهم يقرءونه أو كتبه غيره ثم قرأه عليه بحضرة الشهود فقال لهم هو اشهدوا علي بما فيه ولو قرأه عليه فقال الشاهدان نشهد عليك بما فيه فحرك رأسه بنعم بلا نطق فهو باطل إلا في الأخرس ومثله إذا دفع إليهم وصية مختومة وقال هذه وصيتي وختمي فاشهدوا علي بما فيه لا يجوز أن يشهدوا بما فيه وعن أبي يوسف إذا كتب بحضرة الشهود وأودعه الشاهد ولم يعرف الشاهد ما فيه وأمره أن يشهد بما فيه وسعه أن يشهد لأنه إذا كان في يده كان معصوما من التبديل واعلم أنه إنما يجوز لهم أن يشهدوا في المسئلة السابقة إذا كان الكتاب على الرسم المعروف بأن كان على ورقة وعنون كما هو العادة في الكتابة إلى الغائب وإذا شهد على ذلك التقدير فقال لهم لم أرد الإقرار والطلاق لا يدينه القاضي ويدين فيما بينه وبين الله تعالى أما لو رآه كتب ذكر حق على نفسه لرجل لا على ذلك الوجه ولم يشهدهم به لا يحل لهم أن يشهدوا بالدين لجواز كونه للتجربة بخلاف الكتابة المرسومة وبخلاف خط السمسار والصراف لأنه حجة للعرف الجاري به على ما يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الإقرار قوله ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا إذا تذكر شهادته التي صدرت منه فإن لم يتذكر وجزم أنه خطه لا يشهد لأن هذا الجزم ليس بجزم بل تخيل الجزم لأن الخط يشبه الخط فلم يحصل العلم هكذا ذكره القدوري ولم يذكر خلافا هو ولا في شرحه للأقطع وكذا الخصاف ذكرها في أدب القاضي ولم يحك خلافا ولما حكى الخلاف الفقيه أبو الليث وغيره كشمس الأئمة قال المصنف قيل هذا على قول أبي حنيفة وعندهما يحل له أن يشهد وقيل هذا بالاتفاق يعني عدم جواز
____________________
(7/386)
الشهادة إذا رأى ولم يتذكر وإنما الخلاف فيما إذا وجد القاضي شهادة في ديوانه يعني رأى في ديوانه شهادة شهود أديت عنده ولم يتصل بها حكم ثم جاء المشهود له وطلب حكم القاضي والقاضي لا يتذكر أنه شهد عنده شهود بذلك لم يجز له أن يحكم عنده وبه قال الشافعي ورواية عن أحمد وعند أبي يوسف ومحمد إذا وجده في قمطره تحت خاتمه يجوز أن يقضي به وبه قال مالك وأحمد في رواية وكذا إذا رأى قضيته أي رأى حكمه مكتوبا في خريطته وهي القمطرة ولم يتذكر أنه حكم فهو على هذا الخلاف فظهر أن المصنف حكى الخلاف فيهما واحدا بينه وبينهما وشمس الأئمة في أدب القاضي من المبسوط حكى الخلاف كذلك في وجدان صحيفة الحكم وأما في شهادة الشاهد يجدها في صك وعلم أنه خطه ولم يتذكر الحادثة وفي الحديث يجده مكتوبا بخطه ولم يتذكر ووجد سماعه مكتوبا بخط غيره وهو خط معروف فعلى خلاف ذلك وقد صارت الفصول ثلاثة وجدان القاضي الشهادة عنده أو حكمه ووجدان الشاهد خطه والراوي في الحديث قال محمد أخذ في الفصول الثلاثة بالرخصة تيسيرا وقال يعتمد الخط إذا كان معروفا وأبو يوسف في مسئلة القضاء والرواية أخذ بالرخصة لأن المكتوب كان في يده أو يد أمينه وفي مسئلة الشهادة أخذ بالعزيمة لأنه كان في يد الخصم فلا يأمن الشاهد التغيير فلا يعتمد خطه وحاصل وجه غير أبي حنيفة في صور خلافهم أن وضع الخط ليرجع إليه عند النسيان وإلا فلا فائدة وهو يمنع حصر الفائدة في ذلك بل صح أن تكون فائدته أن يتذكر برؤيته عند النسيان إلا أني أرى أنه إذا كان محفوظا مأمونا عليه من التغيير كأن يكون تحت ختمه في خريطته المحفوظة عنده أن يترجح العمل بها بخلاف ما إذا كان عند غيره لأن الخط يشبه الخط ورأينا كثيرا تتحاكى خطوطهم حتى أني رأيت ببلدة الإسكندرية خط رجل من أهل العلم يعرف بالقاضي بدر الدين الدماميني كان رحمه الله فقيها مالكيا شاعرا أديبا فصيحا وخط آخر بها شاهد يعرف بالخطيب لا يفرق الإنسان بين خطيهما أصلا ودمامين بالنون بلدة بالصعيد ولقد أخبرني من أثق بصلاحه وخبره أنه شاهد رجلا كان معيدا في الصلاحية بالقدس الشريف وضع رسم شهادته
____________________
(7/387)
في صك فأخذ من صاحبه عدوانا فكتب رجل مثله له ثم عرضه على ذلك الكاتب فلم يشك أنه خطه وهذا قول أبي يوسف ويقتضي أنه لو كان الصك في يد الشاهد تركه الطالب في يده منذ كتبه جاز أن يشهد إذا عرف أنه خطه ولم يذكر الحادثة وبهذا أجاب محمد بن مقاتل حين كتب إليه نصير بن يحيى فيمن نسي شهادته ووجد خطه وعرفه هل يسعه أن يشهد قال إذا كان الخط في حرزه يسعه أن يشهد وقال في المجرد قال أبو حنيفة لو شهدوا على صك فقالوا نعرف أن هذا خطنا وخواتيمنا لكن لا نذكره لم يكن للقاضي أن ينفذ شيئا من ذلك فإن أنفذه قاض غيره ثم اختصموا إليه فيه أنفذه لأن هذا مما يختلف فيه القضاة وهذا يفيد أنه لو ذكر للقاضي أني أشهد من غير تذكر للحادثة بل لمعرفة خطي لم تقبل فإنه لم يحك خلافا ولو نسي قضاءه ولا سجل عنده فشهد شاهدان أنك قضيت بكذا لهذا على هذا فإن تذكر أمضاه وإن لم يتذكر فلا إشكال أن عند أبي حنيفة لا يقضي بذلك وقيل وأبو يوسف كذلك وعند محمد يعتمد ويقضى به وهو قول أحمد وابن أبي ليلى وعلى هذا لو سمع من غيره حديثا ثم نسي الأصل روايته للفرع ثم سمع الفرع يرويه عنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يعمل به وعند محمد يعمل به ومن ذلك المسائل التي رواها محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله ونسيها أبو يوسف وهي ست فكان أبو يوسف رحمه الله لا يعتمد رواية محمد لها عنه ومحمد كان لا يدع روايتها عنه كذا قالوا والله أعلم أن في تخريج المسائل الست إشكالا لأن المذكور عند ذكرهم لهذه المسائل أن أبا يوسف أنكر وقال ما رويت لك عن أبي حنيفة ذلك على ما صرح به في الهداية فيما إذا صلى أربعا وترك القراءة في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين أنه يلزمه قضاء أربع فقال أبو يوسف ما رويت لك إلا ركعتين وهذه الصورة ليست من صور نسيان الأصل رواية الفرع بل من صور تكذيب الأصل رواية الفرع عنه كما يعرف في الأصول ولا خلاف يحفظ فيه بين المحدثين والأصوليين أن رواية الفرع ترد في ذلك بخلاف ما إذا نسي الأصل ولم يجزم بالإنكار فلا ينبغي اعتبار قول محمد رحمه الله نعم إذا صح اعتبار ما ذكره عنه تخريجا على أصول أبي حنيفة يمكن قوله ولا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه أي لم يقطع به من جهة المعاينة بالعين أو السماع إلا في النسب والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي فإنه يسعه أن يشهد بهذه الأمور إذا أخبره بها من يثق به من رجلين عدلين أو رجل وامرأتين ويشترط كون الإخبار بلفظ الشهادة وفي الموت إذا قلنا يكفي الواحد لا يشترط لفظ الشهادة بالاتفاق أو بتواتر الخبر بذلك وقيل في الموت يكتفى بإخبار واحد عدل أو واحدة وهو المختار بخلاف ما سواه لأنه قلما يشاهد حاله عند الموت إلا واحد لأن الإنسان يهابه ويكرهه فإذا رآه واحد عدل ويعلم أن القاضي لا يقضي بذلك وهو عدل أخبره غيره ثم يشهدان بموته ولا بد أن يذكر ذلك المخبر أنه شهد موته أو جنازته أو دفنه حتى يشهد الآخر معه وكذا لو جاء خبر موت رجل وصنع أهله ما يصنع بالموتى لم يسع لأحد
____________________
(7/388)
أن يشهد بموته إلا إن شهد موته أو سمع ممن شهد ذلك ذكره في الفتاوى والاكتفاء بالعدلين نقل عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة رحمه الله لا يشهد حتى يسمع من جماعة وقال الخصاف في الكل حتى يسمع من العامة وتتابع الأخبار ويقع في قلبه تصديق ذلك من غير تفصيل وفي الفصول عن شهادات المحيط في النسب أن يسمع أنه فلان بن فلان من جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب عند أبي حنيفة وعندهما إذا أخبره عدلان أنه ابن فلان تحل الشهادة وأبو بكر الإسكاف كان يفتي بقولهما وهو اختيار النسفي وفي النكاح لم يشترط المصنف مع رؤية دخوله إلى آخره أن يسمع من الناس أنها زوجته وكذا القضاء وذكره غيره وهو الحق ثم قول أحمد كقولنا فيما سوى الدخول وقول للشافعي ورواية عن مالك والمصنف لم يحك خلافا بل جعل قياسا واستحسانا فالقياس عدم الجواز لأن الشهادة مشتقة من المشاهدة فإن الاشتقاق انتظام الصيغتين معنى واحدا بعد اشتراكهما في الحروف الأصول والمشاهدة منتفية يعني القطع فلا تجوز كما في البيع وغيره كما لو سمع بالاستفاضة أنه باع لم تجز الشهادة عليه بالبيع وكذا غيره وجه الاستحسان أن العادة جارية بذلك وذلك بسبب أنه لا طريق إلى معرفة هذه الأشياء سوى الخبر إذ لم تجر العادة بحضور الناس الولادة وإنما يرون الولد مع أمه أو مرضعته وينسبونه إلى الزوج فيقولون هو ابن فلان وكذا عند الموت لا يحضره غالبا إلا الأقارب فإذا رأوا الجنازة والدفن حكموا بموت فلان وكذا النكاح لا يحضره كل أحد وإنما يخبر بعضهم بعضا أن فلانا تزوج فلانة وكذا الدخول لا يعلم إلا بأمارات فإن الوطء لا يشاهد وكذا ولاية السلطان للقاضي إلا يحضرها إلى الخواص وإنما يحضرون جلوسه وتصديه للأحكام وإذا كانت العادة أن علم هذه الأشياء غالبا لا يحصل إلا لبعض أفراد وأن الناس يعتمدون فيه على الخبر كان الخبر مسوغا للشهادة وإلا ضاعت حقوق عظيمة تبقى على مر الأعصار كالنسب والنكاح والإرث والموت ويترتب عليها أمور كثيرة مثل العدة والإحصان وكمال المهر في الدخول والحاسم لمادة الشغب الإجماع على وجوب الشهادة بأن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما وأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه دخل بها وأن عليا رضي الله عنه ابن أبي طالب وعمر رضي الله عنه ابن الخطاب وأن شريحا كان قاضيا وأن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم ماتوا وإن لم نعاين شيئا من ذلك وحكي في الخلاصة عن ظهير الدين
____________________
(7/389)
في الدخول لا تجوز الشهادة فيه بالتسامع فلو أراد أن يثبت الدخول يثبت الخلوة الصحيحة ونص الخصاف على أنه يجوز بالتسامع لأنه أمر يشتهر بخلاف الزنا فإنه فاحشة تستر قوله وينبغي أن يطلق أداء الشهادة فيشهد أنه ابنه أو أمير أو قاض أما إذا فسر للقاضي أنه شهد عن تسامع بين الناس لم تقبل شهادته كما أنه إذا شهد بالملك لمعاينة اليد حل له وتقبل ولو فسر فقال لأني رأيتها في يده في وقت من الأوقات لا تقبل وفي الفوائد الظهيرية شهدا على النكاح والنسب وفسرا وقالا سمعنا ذلك من قوم لا يتصور اجتماعهم على الكذب لا تقبل وقيل تقبل وقال صاحب العمدة لو قالا أخبرنا بذلك من نثق به تقبل وجعله الأصح واختاره الخصاف وفي فصول الاستروشني لو شهد على النكاح فسألهما القاضي هل كنتما حاضرين فقالا لا تقبل شهادتهما لأنه يحل لهما الشهادة بالتسامع وقيل لا تقبل كأنهما قالا لم نعاين ولو شهدا وقالا سمعنا لا تقبل فكذا هذا ولو شهد أنهما دفناه أو قالا شهدنا جنازته تقبل ولو شهد بالموت واحد وآخر بالحياة تأخذ امرأته بشهادة الموت لأنها تثبت العارض ذكره رشيد الدين في فتاواه وفي الخلاصة لو أخبرها واحد بموته واثنان بحياته إن كان المخبر بالموت عدلا
____________________
(7/390)
ويشهد أنه عاين موته أو جنازته وسعها أن تتزوج بعد انقضاء عدتها ثم قال هذا إذا لم يؤرخا فإن أرخا وتاريخ شاهدي الحياة بعد تاريخ شاهد الموت فشهادة شاهدي الحياة أولى وكذا بقتله انتهى وأطلق في وصايا عصام الدين فقال شهدا أن زوجها مات أو قتل وآخران على الحياة فالموت أولى وفي فتاوى الفضلى شهد عندها عدل أن زوجها مات أو قتل أو ارتد والعياذ بالله هل لها أن تتزوج روايتان في السير لا يجوز وفي الاستحسان يجوز
ومن فروع التسامع في فتاوى النسفي قال رجل لامرأة سمعت أن زوجك مات لها أن تتزوج إن كان المخبر عدلا فإن تزوجت ثم أخبرها جماعة أنه حي إن صدقت الأول يصح النكاح وفي المنتقى لم يشرط تصديقها بل شرط عدالة المخبر فقط وقد يخال أن هذا خلاف ما تقدم وقد يفرق بأن ذلك في حل إقدامها وعدمه وهذا بعد أن تزوجت واستحقها الزوج الثاني ظاهرا والشيء بالشيء يذكر إذا أخبرها واحد عدل أو شهد عند وليها بأن زوجها طلقها أو مات عنها ووقع في قلبها صدقه لها أن تعتد وتتزوج وذكر رشيد الدين أيضا فيه إنما تجوز الشهادة بالتسامع على الموت إذا كان الرجل معروفا بأن كان عالما أو من العمال أما إذا كان تاجرا أو من هو مثله لا تجوز إلا بالمعاينة قوله ثم قصر الاستثناء في الكتاب أي استثناء القدوري حيث قال إلا في النسب إلى آخر الأشياء
____________________
(7/391)
الخمسة ينفي اعتبار التسامع في الولاء والوقف فلا تجوز الشهادة بالتسامع فيهما وعن أبي يوسف تجوز في الولاء بالتسامع رجع إليه وكان أولا يقول كقول أبي حنيفة ومحمد لا تجوز إلا أن يسمعا العتق ثم رجع إلى أنه تجوز لقوله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب وفي النسب تجوز بالتسامع فكذا في الولاء ألا ترى أنا نشهد أن قنبرا مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونافعا مولى ابن عمر وبلالا مولى أبي بكر الصديق ولهما أنه ينبني على العتق والعتق لقوله قولا يسمع وكثيرا ما يقصد الإشهاد عليه لا يثبت بالتسامع فكذا ما ينبني عليه وليس تجويزنا بالسماع لكون الشيء مما يشتهر بل للضرورة لما ذكرنا من أن النسب لا يرى إذ لا يرى العلوق وكذا تقليد القاضي القضاء إلا الخواص والموت والباقي فيؤدي إلى ما ذكرنا ولا كذلك العتق وكون نافع مولى ابن عمر ونحوه من باب الإخبار الحق وهذا بناء على أن لا خلاف في العتق أنه لا تقبل بالتسامع وعليه نص شمس الأئمة وذكر الصدر الشهيد عن الحلواني أن الخلاف ثابت في العتق أيضا عند أبي يوسف تجوز بالتسامع خلافا لهما وهو قول مالك وأحمد وقول للشافعي وشرط الخصاف في الولاء على قول أبي يوسف شرطا لم يذكره محمد في المبسوط فقال إنما تقبل إذا كان العتق مشهورا وللمعتق أبوان أو ثلاثة في الإسلام قال المصنف وأما الوقف فالصحيح أنه تقبل الشهادة بالتسامع عليه في أصله وقال الأقطع في شرحه قال محمد تجوز وقوله لأن أصله هو ا لذي يشتهر ليس بذاك والوجه في التوجيه أنه وإن كان قولا مما يقصد الإشهاد عليه والحكم به في الابتداء لكنه في توالي الأعصار تبيد الشهود والأوراق مع اشتهار وقفيته فيبقى في البقاء سائبة إن لم تجز الشهادة به بالتسامع فمست الحاجة إلى ذلك وقوله فالصحيح الخ احتراز عن قول طائفة من المشايخ قال في الفصول اختلف المشايخ قال بعضهم تحل وقال بعضهم لا تحل ومن المشايخ من قال تجوز على أصل الوقف بالتسامع لا على شرائطه وإليه مال شمس الأئمة السرخسي وهو ما ذكره المصنف وليس معنى الشروط أن يبين الموقوف عليه بل أن يقول يبدأ من غلتها بكذا وكذا والباقي كذا وكذا وفي الفتاوى الصغرى في الفصل الثاني من كتاب الشهادات إذا شهدوا أن هذا وقف على كذا ولم يبينوا الواقف ينبغي أن تقبل ونص عن الشيخ الإمام ظهير الدين إذا لم يكن الوقف قديما لا بد من ذكر
____________________
(7/392)
الواقف وإذا شهدوا أن هذه الضيعة وقف ولم يذكروا الجهة لا تجوز ولا تقبل بل يشترط أن يقولوا وقف على كذا ثم قال وما ذكر هنا وفي الأصل صورته أن يشهدوا بالتسامع أنها وقف على المسجد أو المقبرة ولم يذكروا أنه يبدأ بغلتها فيصرف إلى كذا ثم ما فضل يصرف إلى كذا لا يشهد على هذا الوجه بالتسامع وهكذا قال المرغيناني قال لا بد من بيان الجهة أنه وقف على المسجد أو المقبرة وما أشبه ذلك حتى لو لم يذكر ذلك لا تقبل شهادته قال وتأويل قولهم لا تقبل الشهادة على شرائط الوقف أنه لا ينبغي للشاهد بعد ذكر الجهة أن يشهد أنه يبدأ من غلته فيصرف إلى كذا وكذا ولو ذكر ذلك في شهادته لا تقبل ذكره في الذخيرة وذكر في المجتبى والمختار أن تقبل على شرائط الوقف أيضا وأنت إذا عرفت قولهم في الأوقاف التي انقطع ثبوتها ولم يعرف لها شرائط ومصارف أنها يسلك بها ما كانت عليه في دواوين القضاة لم تقف عن تحسين ما في المجتبى لأن ذلك هو معنى الثبوت بالتسامع قوله ومن كان في يده شيء الخ صورتها رأى عينا سوى ما استثناه في يد إنسان ثم رآها في يد غيره والأول يدعي عليه الملك وسعه أن يشهد للمدعي لأن الملك يعرف بالظاهر واليد بلا منازع دليل ظاهر فيه ولا دليل سواه لأن غاية ما يمكن فيه أن يعاين سبب الملك من الشراء والهبة وموت المورث وشيء من هذه الأسباب لا يفيد ملك الثاني حتى يكون ملك الأول وعن أبي يوسف أنه يشترط في حل الشهادة بالملك مع ذلك أن يقع في قلبه أنه له وفي الفوائد الظهيرية أسند هذا القول إلى أبي يوسف ومحمد ولفظه وعنهما قال المصنف قالوا يعني المشايخ
____________________
(7/393)
يحتمل أن يكون هذا تفسيرا لإطلاق محمد في الرواية قال الصدر الشهيد ويحتمل أن يكون قوله قول الكل وبه نأخذ وقال أبو بكر الرازي هذا قولهم جميعا ووجهه أن الأصل في حل الشهادة اليقين لما عرف فعند تعذره يصار إلى ما يشهد به القلب لأن كون اليد مسوغا بسبب إفادتها ظن الملك فإذا لم يقع في القلب ذلك لا ظن فلم يفد مجرد اليد ولهذا قالوا إذا رأى إنسان درة ثمينة في يد كناس أو كتابا في يد جاهل ليس في آبائه من هو أهل له لا يسعه أن يشهد بالملك له فعرف أن مجرد اليد لا يكفي وقال الشافعي دليل الملك اليد مع التصرف وبه قال بعض مشايخنا وهو الخصاف وهو قول مالك لأن اليد تتنوع إلى ملك ونيابة وضمان قلنا وكذا التصرف أيضا فلم يزل احتمال عدم الملك بالتصرف ثم ينبغي أن يطلق الشهادة حتى لو قال إنه شهد بناء على اليد لا تقبل وهذا لأن معاينة اليد مطلق للشهادة مجوز لها لا موجب على الشاهد أن يشهد والقاضي يلزمه القضاء بالملك بالشهادة ولهذا قلنا إذا كانت دار في يد رجل يتصرف فيها تصرف الملاك بالعمارة والهدم ونحو ذلك بيعت دار إلى جانبها فأراد أن يأخذها بالشفعة لا يقضي القاضي له بذلك وإن ثبت عنده أنها في يده يتصرف فيها إذا أنكر المشتري أن الدار التي في يده ملكه لأن العيان ليس سببا للوجوب بل للجواز قوله ثم إن عاين الملك الخ حاصله أن المسئلة على أربعة أوجه الأول أن يعاين الملك والمالك وهو إن عرف المالك باسمه ونسبه
____________________
(7/394)
ووجهه وعرف الملك بحدوده ورآه في يده بلا منازع ثم رآه في يد آخر فجاء الأول وادعاه وسعه أن يشهد له وظهر أن المراد بالملك المملوك الثاني أن يعاين الملك دون المالك بأن عاين ملكا بحدوده ينسب إلى فلان بن فلان الفلاني وهو لا يعرفه بوجهه ونسبه ثم جاء الذي نسب إليه الملك وادعى ملك هذا المحدود على شخص حل له أن يشهد استحسانا والقياس أن لا تجوز لأن الجهالة في المشهود به تمنع جواز الشهادة فكذا في المشهود له وجه الاستحسان أن الملك المشهود به معلوم والنسب يثبت بالتسامع فصار المالك معلوما بالتسامع أيضا وأورد عليه أنه يلزم أن تكون الشهادة بالملك بالتسامع وأجيب بأن الشهادة بالملك هنا ليست قصدا بل بالنسب وفي ضمنه ثبوت الملك فيجوز وهنا كذلك لأنه سمع أن هذا الملك لفلان بن فلان فحصل له العلم بنسب المالك بالتسامع وثبت ملكه في ضمنه والاعتبار بالمتضمن لا المتضمن ولا يخفى أن مجرد ثبوت نسبه بالشهادة عند القاضي لم يوجب ثبوت ملكه لتلك الضيعة لولا الشهادة به وكذا المقصود ليس إثبات النسب بل الملك في الضيعة والله أعلم وعلى هذا قال الناضحي فإن كان المالك امرأة لا تخرج ولا يراها الرجال فإن كان الملك مشهورا أنه لها جاز أن يشهد عليه لأن شهرة الاسم كالمعاينة الثالث أن لا يعاين الملك ولا المالك بل سمع أن لفلان بن فلان الفلاني ضيعة في قرية كذا حدودها كذا وهو لم يعرف تلك الضيعة ولم يعاين يده عليها لا يحل له أن يشهد له بالملك لأنه مجازف في هذه الشهادة الرابع أن يعاين المالك بأن عرفه معرفة تامة كما ذكرنا وسمع أن له ضيعة في كورة كذا وهو
____________________
(7/395)
لا يعرف تلك الضيعة بعينها لا يسعه أن يشهد له بالملك فيها لأنه لم يحصل له العلم بالمحدود قوله وأما العبد والأمة يعني إذا عاينهما في يد إنسان يخدمانه إذا كان يعرف أنهما رقيقان جاز له أن يشهد أنهما ملكه سواء كانا صغيرين أو كبيرين لأنهما بوصف الرق لا يد لهما على أنفسهما وقد شوهد في يد غيرهما فكان كرؤية ثوب في يده وإن لم يعرف رقهما فإن كانا صغيرين أي لا يعبران عن أنفسهما فكذلك يجوز أن يشهد له بملكهما له لما ذكرنا أنهما لا يد لهما على أنفسهما وإن كانا كبيرين أي يعبران عن أنفسهما سواء كانا صبيين عاقلين أو بالغين به صرح المحبوبي فهو مصرف الاستثناء في قوله سوى العبد والأمة لأن لهما يدا على أنفسهما فتدفع الغير عنهما حتى أن الصبي الذي يعقل لو أقر بالرق على نفسه لغيره جاز إقراره ويصنع المقر له به ما يصنع بمملوكه وإذا كان ممن يعبر عن نفسه لا تكون اليد دليل الملك إذ الحر قد يخدم الحر خدمة العبيد وهذا الاحتمال يهدر إذا كانا لا يعبران عن أنفسهما فأما إذا كان لذلك أهلا فلا يزال اعتباره إلا بإقرارهما بالرق فإن لم يقرا لا تثبت الشهادة عليهما به وإنما لا تقبل دعواهما الحرية بعدما كبرا في يد من هما في يده لظهور الرق عليهما باليد في حال صغرهما هذا وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يحل له أن يشهد في الكبيرين أيضا وكذا عن أبي يوسف ومحمد فجعلوا اليد في الكل دليلا على الملك بدليل أن من ادعى عبدا أو أمة في يد غيره وذو اليد يدعي لنفسه فالقول لذي اليد لأن الظاهر شاهد له لقيام يده عليه وقوله والفرق ما بينا يريد كون يدهما على أنفسهما فتدفع اليد عنهما
____________________
(7/396)
& باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل
لما ذكر تفصيل ما يسمع من الشهادة شرع في بيان من تسمع شهادته وأخره لأن المحال شروط والشرط غير مقصود لذاته والأصل أن التهمة تبطل الشهادة لقوله صلى الله عليه وسلم لا شهادة لمتهم والتهمة تثبت مرة بعدم العدالة ومرة بعدم التمييز مع قيام العدالة قوله ولا تقبل شهادة الأعمى مطلقا سواء عمى قبل التحمل أو بعده فيما تجوز الشهادة فيه بالتسامع أو لا تجوز وقال زفر وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تقبل فيما تجوز فيه التسامع لأن الحاجة فيه للسماع ولا خلل في سمعه وهو قول للشافعي ومالك وأحمد والنخعي والحسن البصري وسعيد بن جبير والثوري وتقبل في الترجمة عند الكل لأن العلم يحصل بالسماع وقال أبو يوسف تجوز فيما طريقه السماع ومالا يكفي فيه السماع إذا كان بصيرا وقت التحمل ثم عمي عند الأداء إذا كان يعرفه باسمه ونسبه وهو قول الشافعي
____________________
(7/397)
ومالك وأحمد لأنه إذا كان يعرف باسمه ونسبه كفى كالشهادة على الميت ولنا أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له وعليه وهو منتف عن الأعمى إلا بالنغمة وفيه أي في التمييز بالنغمة شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود فلم تقع ضرورة إلى إهدار هذه التهمة بخلاف وطء الأعمى زوجته وأمته فإنه لا يمكن التحرز عنه بجنس
____________________
(7/398)
النساء فأهدرت دفعا للحرج عنه والاكتفاء بالنسبة في تعريف الغائب دون الحاضر بخلاف الميت لأنه لا يمكن التحرز عنه بجنس الشهود على أن الإشارة ثم تقع إلى وكيل الغائب ووصي الميت وهو قائم مقامه ولا حاجة إلى الإلحاق بالحدود من جهة أن شهادة الأعمى لا تقبل فيها بالإجماع بل ما تقدم يكفي إذ الرد بتهمة ما في الحدود لا يستلزم الرد بمثلها في غيرها لأن تلك يحتاط في درء الحكم فيها وأما الاستدلال بما ورد عن علي رضي الله عنه أنه رد شهادة الأعمى فيقول أبو يوسف هذه واقعة حال لا عموم لها فجاز كونه كان في حد ونفيه وقيد في الذخيرة قول أبي يوسف بما إذا كانت شهادته في الدين والعقار أما في المنقول فأجمع علماؤنا أنها لا تقبل واستشكل بكتاب القاضي إلى القاضي فإن الشهود لا يشيرون إلى أحد وتقبل وأجيب بأن الشهود فيه يعرفون المشهود عليه ويقولون لو رأيناه عرفناه والأعمى لا يعرفه إذ لو رآه لم يعرفه حتى لو قالوا في كتاب القاضي لا نعرفه اليوم لم تقبل وأيضا فنقول كتاب القاضي إلى القاضي للضرورة والحاجة كما تقدم ولا ضرورة في شهادة الأعمى لما ذكرنا من إمكان الاستغناء عنه بجنس الشهود هذا قال فلو أدى بصيرا ثم عمي قبل القضاء امتنع القضاء عند ابي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن قيام الأهلية شرط وقت القضاء لصيرورة الشهادة حجة عنده أي عند القضاء لأنها إنما تراد للقضاء فما يمنع الأداء يمنع القضاء والعمى والخرس والجنون والفسق يمنع الأداء فيمنع القضاء وأبو يوسف قاسه بما إذا غاب الشاهد بعد الأداء قبل القضاء أو مات قلنا بالموت انتهت الشهادة وتمت بالغيبة ما بطلت بخلاف العمى فإنه مبطل لها وفي المبسوط أنه لا تجوز شهادة الأخرس بإجماع الفقهاء لأن لفظة الشهادة لا تتحقق منه ونقض بأن الأصح من قول الشافعي رحمه الله تقبل إذا كانت فيه إشارة مفهومة وبقولنا قال مالك وأحمد وهو قول للشافعي ولا شك في تحقق التهمة في الإشارة فهو أولى بعدم القبول من الأعمى لأن في الأعمى إنما تتحقق التهمة في نسبته وهنا تتحقق في نسبته وغيره من قدر المشهود به وأمور أخر قوله ولا تقبل شهادة المملوك أي الرقيق وبه قال مالك والشافعي وقال أحمد تقبل على الأحرار والعبيد وهو قول أنس بن مالك رضي الله عنه وهو قول عثمان البتي وإسحاق وداود وعن علي رضي الله عنه تقبل على مثله لا الأحرار والمعول عليه
____________________
(7/399)
في المنع عدم ولايته على نفسه وما هو إلا معنى ضعيف بعد ثبوت عدالة العبد وتمام تميزه وعدم ولايته على نفسه لعارض يخصه من حق المولى لا لنقص في عقله ولا خلل في تحمله وضبطه فلا مانع وأما ادعاء الإجماع على عدم قبوله فلم يصح قال البخاري في صحيحه وقال أنس رضي الله عنه شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا وأجازه شريح وزرارة بن أبي أوفى وقال ابن سيرين شهادته جائزة إلا العبد لسيده وأجازه الحسن وإبراهيم وقال شريح كلكم بنو عبيد وإماء إلى هنا لفظ البخاري ولا تقبل شهادة الصبي عندنا وهو قول مالك والشافعي وأحمد وعامة العلماء وعن مالك تقبل في الجراح إذا كانوا مجتمعين لأمر مباح قبل أن يتفرقوا ويروى ذلك عن ابن الزبير رضي الله عنه والوجه أن لا تقبل لنقصان العقل والتمييز وربما يقدم لعلمه بعدم التكليف
فروع إذا تحمل شهادة لمولاه فلم يؤدها حتى عتق فأداها بعد العتق قبلت كالصبي إذا تحمل فأدى بعد البلوغ وكذا الذمي إذا سمع إقرار المسلم ثم أسلم فأدى جاز قوله ولا المحدود في قذف وإن تاب وقال الشافعي ومالك وأحمد تقبل إذا تاب والمراد بتوبته الموجبة لقول شهادته أن يكذب نفسه في قذفه وهل يعتبر معه إصلاح العمل فيه قولان في قول يعتبر لقوله تعالى { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } وقيل لا لأن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكرة تب قبل شهادتك وقد يجاب بأن أبا بكرة كان من العباد وحاله في العبادة معلوم فصلاح العمل كان ثابتا له فلم يبق إلا التوبة بإكذاب نفسه وأصله أن الاستثناء في قوله تعالى { إلا الذين تابوا } ينصرف إلى الجملة الأخيرة أو إلى الكل والمسئلة محررة في الأصول وهي أن الاستثناء إذا تعقب جملا متعاطفة هل
____________________
(7/400)
ينصرف إلى الكل أو إلى الأخيرة عندنا إلى الأخيرة وقد تقدم ثلاث جمل هي قوله تعالى { فاجلدوهم } { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } { وأولئك هم الفاسقون } والظاهر من عطف ولا تقبلوا أنه داخل في حيز الحد للعطف مع المناسبة وقيد التأبيد أما المناسبة فلأن رد شهادته مؤلم لقلبه مسبب عن فعل لسانه كما أنه آلم قلب المقذوف بسبب فعل لسانه بخلاف قوله صلى الله عليه وسلم جلد مائة وتغريب عام فإنه لا يناسب الحد لأنه ربما يصلح مانعا في المستقبل من فعله والتغريب سبب لزيادة الوقوع لأنه لغربته وعدم من يعرفه لا يستحي من أحد يراقبه فإذا فرض أن له داعية الزنا أوسع فيه وكذا قيد التأبيد لا فائدة له إلا تأبيد الرد وإلا لقال ولا تقبلوا لهم شهادة وأولئك هم الفاسقون جملة مستأنفة لبيان تعليل عدم القبول ثم استثنى الذين تابوا وهذا لأن الرد على ذلك التقدير ليس إلا للفسق ويرتفع بالتوبة فلا معنى للتأبيد على تقدير القبول بالتوبة وأما رجوع الاستثناء إلى الكل في قوله تعالى في المحاربين { أن يقتلوا أو يصلبوا } إلى قوله تعالى { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } حتى سقط عنهم الحد فلدليل اقتضاه وهو قوله تعالى { من قبل أن تقدروا عليهم } فإنه لو عاد إلى الأخيرة أعني قوله تعالى { ولهم عذاب عظيم } لم يبق لقوله { من قبل أن تقدروا عليهم } فائدة للعلم بأن التوبة تسقط العذاب ففائدة قوله تعالى { من قبل أن تقدروا عليهم } ليس إلا سقوط الحد وهذا لأنا إنما نقول بعود الاستثناء إلى الأخيرة فقط إذا تجرد عن دليل عوده إلى الكل فأما إذا اقترن به عاد إليها كما يقول هو إن عوده إلى الكل إذا تجرد عن دليل عوده إلى الأخيرة فقط ولو اقترن به عاد إليها فقط وحينئذ فالقياس على سائر الحدود غير صحيح لأنها لم تقترن بما يوجب أن الرد من تمام الحد فكان قياسا في مقابلة النص لا يقال رد الاستثناء إلى الجملة الأخيرة ينفي الفائدة لأنه معلوم شرعا أن التوبة تزيل الفسق بغير هذه الآية لأنا نقول كون التوبة تزيل استحقاق العقاب بعد ثبوته لا يعرف عقلا بل سمعا وذلك بإيراد ما يدل عليه من السمع وهذا منه وكون آية أخرى تفيده لا يضر للقطع بأن طريق القرآن تكرار الدوال خصوصا إذا كان مطلوب التأكيد ك { أقيموا الصلاة } وقد تكرر قوله تعالى { إلا الذين تابوا } لذلك الغرض ففي آية { إلا الذين تابوا } إلى قوله { فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم } وفي أخرى { إلا من تاب وآمن } إلى قوله تعالى { فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا } وفي أخرى { إلا من تاب } إلى قوله تعالى { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } ومواضع أخرى عديدة ولم يسع أن يقال في أحدها قد عرف هذا بآية أخرى فلا فائدة في هذا إلا من أقدم على الكفر والعياذ بالله تعالى وإنما كان هذا منه تعالى رحمة للعباد ليؤكد هذا المعنى ولأنه إذا لم يذكره إلا في موضع واحد فعسى أن لا يسمعه بعض الناس فإذا تعددت مواضعه فمن لم
____________________
(7/401)
يسمع تلك الآية سمع تلك ومن لم يسمع تلك سمع أخرى فكان في تعداد إفادة هذا المعنى نصب مظنة علمه لكل أحد مع تأكيد جانب عفوه لا نحصي ثناء عليه وأما ما عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي بكرة تب أقبل شهادتك ففي ثبوته نظر لأن راويه عمرو بن قيس ولو تركنا النظر في ذلك كان معارضا بما قاله لأبي موسى الأشعري في كتابه له والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في قذف أو مجربا في شهادة زور أو ظنينا بقرابة وقد قدمنا عنه عليه الصلاة والسلام من رواية ابن أبي شيبة قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف وبقولنا قال سعيد بن المسيب وشريح والحسن وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وهكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهم قال المصنف أو هو استثناء منقطع وذلك لأن التائبين ليسوا داخلين في الفاسقين فكأنه قيل وأولئك هم الفاسقون لكن الذين تابوا فإن الله غفور رحيم أي يغفر لهم ويرحمهم وإذا كان الرد من تمام الحد لكونه مانعا أي زاجرا يبقى بعد التوبة كأصله أي كأصل الحد فإنه لا يسقط بالتوبة فكذا ما كان تماما له وفي المبسوط الصحيح من المذهب عندنا أنه إذا أقام أربعة من الشهود على صدقه بعد الحد تقبل شهادته قوله ولو حد الكافر في قذف ثم أسلم تقبل شهادته لأن للكافر شهادة في الجملة
____________________
(7/402)
فكان ردها من تمام شهادته وبالإسلام حدثت له شهادة أخرى بخلاف العبد إذا حد في قذف ثم أعتق لا تقبل شهادته لأنه لم تكن له شهادة إذ ذاك فلزم كون تتميم حده برد الشهادة التي تجددت له وقد طولب بالفرق بينه وبين من زنى في دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام لا يحد حيث توقف حكم الموجب في العبد إلى أن أمكن ولم يتوقف في الزنا في دار الحرب إلى الإمكان بالخروج إلى دار الإسلام أجيب بأن الزنا في دار الحرب لم يقع موجبا اصلا لعدم قدرة الإمام فلم يكن الإمام مخاطبا بإقامته اصلا لأن القدرة شرط التكليف فلو حده بعد خروجه من غير سبب آخر كان بلا موجب وغير الموجب لا ينقلب موجبا بنفسه خصوصا في الحد المطلوب درؤه أما قذف العبد فموجب حال صدوره للحد غير أنه لم يمكن تمامه في الحال فتوقف تتميمه على حدوثها بعد العتق قال في المبسوط بعد أن ذكر فرق المصنف هذا الفرق على الرواية التي يقبل فيها خبر المحدود في القذف في الديانات أما على رواية المنتقى أن لا تقبل فالفرق أن الكافر بالإسلام استفاد عدالة لم تكن موجودة عند إقامة الحد وهذه العدالة لم تصر مجروحة بإقامة الحد بخلاف العبد فإنه بالعتق لا يستفيد عدالة لم تكن من قبل وقد صارت عدالته مجروحة بإقامة الحد ثم لا فائدة في تقييد الجواب في العبد بكون العتق بعد الحد في قوله إذا حد ثم أعتق لأنه لو لم يحد حتى عتق فحد لا تقبل أيضا ولكن وضعه كذلك لأنه سيق لبيان الفرق بينه وبين الكافر والكافر لو قذف مسلما ثم أسلم ثم حد لم تقبل شهادته ولو حد بعض الحد في حال كفره وبعضه في حال إسلامه ففيه اختلاف الروايتين ومر في حد القذف وفي هذه المسئلة ثلاث روايات لا تسقط شهادته حتى يقام عليه تمام الحد تسقط إذا أقيم أكثره تسقط إذا ضرب سوطا لأن من ضرورة ذلك القدر الحكم شرعا بكذبه قوله ولا شهادة الوالد وإن علا لولده وإن سفل ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده أما الولد من الرضاع فتقبل الشهادة له قال المصنف والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لا تقبل الخ وهذا الحديث غريب وإنما أخرجه ابن أبي شيبة وعبدالرزاق من قول شريح قال لا تجوز شهادة الابن لأبيه ولا الأب لابنه ولا المرأة
____________________
(7/403)
لزوجها ولا الزوج لامرأته ولا الشريك لشريكه في الشيء بينهما لكن في غيره ولا الأجير لمن استأجره ولا العبد لسيده انتهى وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان به وأخرجا نحوه عن إبراهيم النخعي لكن الخصاف وهو أبو بكر الرازي الذي شهد له أكابر المشايخ أنه كبير في العلم رواه بسنده إلى عائشة رضي الله عنها ثنا صالح بن زريق وكان ثقة ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن يزيد بن زياد الشامي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته ولا العبد لسيده ولا السيد لعبده ولا الشريك لشريكه ولا الأجير لمن استأجره انتهى وقد فسر في رواية شريح أمر الشريك وذكر المصنف أيضا عنه صلى الله عليه وسلم لا شهادة للقانع بأهل البيت وهو بعض حديث رواه أبو داود في سننه عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه وشهادة القانع بأهل البيت وأجازها لغيرهم قال أبو داود الغمر الشحناء وكذا رواه عبدالرزاق في مصنفه وعنه رواه أحمد قال في التنقيح محمد بن راشد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما وتكلم فيه بعض الأئمة وقد تابعه غيره عن سليمان ورواه عن عمرو بن شعيب الحجاج بن أرطاة في ابن ماجه وآدم بن فائد في الدارقطني ولم يذكرا فيه القانع وأخرج الترمذي عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا ذي غمر على أخيه ولا مجرب بشهادة زور ولا القانع بأهل البيت ولا ظنين في ولاء ولا قرابة انتهى وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي وهو يضعف في الحديث قال والغمر العداوة انتهى وقال أبو عبيد الغمر العداوة والقانع التابع لأهل البيت كالخادم لهم قال يعني ويطلب معاشه منهم والظنين المتهم في دينه فهذا الحديث لا ينزل عن درجة الحسن فإذا ثبت رد القانع وإن كان عدلا فالولد
____________________
(7/404)
والوالد ونحوهما أولى بالرد لأن قرابة الولاد أعظم في ذلك فيثبت حينئذ رد شهادتهم بدلالة النص ويكون دليلا على صحة حديث الترمذي المذكور فيه ولا ظنين في ولاء ولا قرابة وإن كان راويه مضعفا إذ ليس الراوي الضعيف كل ما يرويه باطل إنما يرد لتهمة الغلط لضعفه فإذا قامت دلالة أنه أجاد في هذا المتن وجب اعتباره صحيحا وإن كان من روايته ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة فتكون شهادة لنفسه من وجه ولكون قرابة الولاد كنفسه من وجه لم يجز شرعا وضع الزكاة فيهم وعلى هذا كان شريح حتى رد شهادة الحسن رضي الله عنه حين شهد مع قنبر لعلي رضي الله عنه فقال علي أما سمعت أنه صلى الله عليه وسلم قال للحسن والحسين هما سيدا شباب أهل الجنة قال نعم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ائت بشاهد آخر فقيل عزله ثم أعاده وزاد في رزقه فقيل رجع علي رضي الله عنه إلى قوله وقوله والمراد بالأجير على ما قالوا التلميذ الخاص الذي يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا شهادة للقانع بأهل البيت وقد ذكرناه وفي الخلاصة والتلميذ الخاص الذي يأكل معه وفي عياله وليس له أجرة معلومة وقيل المراد بالأجير الأجير مسانهة أو مشاهرة أو مياومة لأنه إذا كانت إجارته على هذا الوجه دخلت منفعته التي هي الأداء في أجرته فيكون مستوجبا الأجر بها فيصير كالمستأجر عليها لأن العقد وقع موجبا تمليك منافعه ولهذا يستحق الأجرة بتسليم نفسه وإن لم يعمل بخلاف الأجير المشترك حيث تقبل شهادته للمستأجر لأن العقد لم يقع موجبا تمليك منافعه بل وقع على عمل معين له ولهذا لا يستحق الأجرة حتى يعمل فافترقا وفي العيون قال محمد رحمه الله في رجل استأجر رجلا يوما واحدا فشهد له الأجير في ذلك اليوم القياس أن لا تقبل ولو كان أجيرا خاصا فشهد فلم يعدل حتى ذهب الشهر ثم عدل قال أبطلها كرجل شهد لامرأته ثم طلقها ولو شهد ولم يكن أجيرا ثم صار أجيرا له قبل أن يقضي فإني أبطل شهادته فإن لم تبطل حتى بطلت الإجارة ثم أعاد الشهادة جازت كالمرأة إذا طلقها قبل أن ترد شهادته ثم أعادها تجوز وما في زيادات الأصل من قوله تقبل شهادة الأجير حمل على الأجير المشترك كما حمل ما في كتاب كفالة الأصل لا تجوز شهادة الأجير على الأجير الخاص لما في نوادر ابن رستم قال محمد لا أجيز شهادة الأجير مشاهرة وإن كان أجيرا مشترك قبلت شهادته اه وأما شهادة الأستاذ للتلميذ والمستأجر للأجير فمقبولة لأن منافعهما ليست بمملوكة للمشهود له قوله ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر
____________________
(7/405)
ولو كان المشهود له من الزوجة أو الزوج مملوكا وقال الشافعي تقبل وبقولنا قال مالك وأحمد وقال ابن أبي ليلى والثوري والنخعي لا تقبل شهادة الزوجة لزوجها لأن لها حقا في ماله لوجوب نفقتها وتقبل شهادة الزوج لها لعدم التهمة وجه الشافعي أن الأملاك بينهما متميزة والأيدي متحيزة أي كل يد في حيز غير حيز الأخرى فهي ممنوعة عنه من حاز الشيء منعه فلا اختلاط فيها ولهذا يجري بينهما القصاص والحبس بالدين ولا معتبر بما بينهما من المنافع المشتركة بكل منهما بمال الآخر لأنه غير مقصود بالنكاح لأنه لم يقصد لأن ينتفع كل منهما بمال الآخر وإنما يثبت ذلك تبعا للمقصود عادة وصار كالغريم إذا شهد لمديونه المفلس بمال له على آخر تقبل مع توهم أنه يشاركه في منفعته ولنا ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته وقد سمعت أنه من قول شريح ومرفوع من رواية الخصاف ولو لم يثبت فيه نص كفى المعني فيه وإلحاقه بقرابة الولاد في ذلك الحكم بجامع شدة الاتصال في المنافع حتى يعد كل غنيا بمال الآخر ولذا قال تعالى { ووجدك عائلا فأغنى } قيل بمال خديجة رضي الله عنها بل ربما كان الاتصال بينهما في المنافع والانبساط فيها أكثر مما بين الآباء والأولاد بل قد يعادي أبويه لرضا زوجته وهي لرضاه ولأن الزوجية أصل الولاد لأن الولادة عنها تثبت فيلحق بالولاد فيما يرجع إلى معنى اتصال المنافع كما أعطى كسر بيض الصيد حكم قتل الصيد عندنا بخلاف القصاص لأن بعد الموت لا زوجية وفي المحيط لا نقبل شهادته لمعتدته من رجعي ولا بائن لقيام النكاح في بعض الأحكام ولو شهد أحدهما للآخر في حادثة فردت فارتفعت الزوجية فأعاد تلك الشهادة تقبل بخلاف ما لو ردت لفسق ثم تاب وصار عدلا وأعاد تلك الشهادة لا تقبل وبه قال مالك وأحمد والشافعي في الأصح لأن القاضي لما ردها صار مكذبا في تلك الشهادة شرعا فلا تقبل بخلاف شهادة العبد والكافر والصبي إذا ردت ثم أعتق وأسلم وبلغ وأعادها تقبل وبه قال الشافعي وأحمد وقال مالك وهو رواية عن أحمد لا تقبل كالرد للفسق قلنا رد شهادتهم لعدم الأهلية لا لتهمة الكذب وهي كافية في الرد فإذا صاروا أهلا تقبل ولو قيل الرد في الفسق لا يستلزم الحكم بكذبه بل لمجرد تهمته به وبالإعادة في العدالة ترتفع تهمة كذبه في تلك الشهادة بعينها فيجب قبولها احتاج إلى الجواب فصار الحاصل كل ما ردت شهادته لمعنى وزال ذلك المعنى
____________________
(7/406)
لا تقبل إذا أعادها بعد زوال ذلك المعنى إلا العبد إذا شهد فرد والكافر والأعمى والصبي إذا شهد كل منهم فرد ثم أعتق وأسلم وأبصر وبلغ فشهدوا في تلك الحادثة بعينها تقبل ولا تقبل فيما سواهم وتقبل لأم امرأته وأبيها ولزوج بنته ولامرأة ابنه ولامرأة أبيه ولأخت امرأته قوله ولا شهادة المولى لعبده لما تقدم من رواية الخصاف ولأنه شهادة لنفسه من كل وجه إذا لم يكن على العبد دين ومن وجه إذا كان ولأن الحال أي حال مال العبد فيما إذا كان عليه دين موقوف مراعى بين أن يصير للغرماء بسبب بيعهم المال في دينه وبين أن يبقى للمولى بسبب قضائه دينه وكذا المدبر وأم الولد والمكاتب وهو قول الأئمة الثلاثة وقوله لما قلنا يعني من أنه شهادة لنفسه من كل وجه أو من وجه وفي المبسوط وكذا لا تقبل شهادة أبي المولى وابنه وامرأته لهؤلاء وكذا شهادة المرأة لزوجها المملوك على ما قدمناه وكان مقتضى القياس أن تقبل لأنها في الحقيقة شهادة لسيده لكن منعوه للفظ النص السابق ولا الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما بخلاف ما ليس من شركتهما حيث تقبل لانتفاء التهمة غير أن هذا لا يتحقق في الشريك المفاوض لأن كل شيء هو من شركتهما ولذا قالوا لا تقبل إلا في الحدود والقصاص والنكاح والعتاق والطلاق لأن ما سوى هذه مشترك بينهما وينبغي أن تزاد الشهادة بما كان من طعام أهل أحدهما أو كسوتهم لأنه لا شركة بينهما فيه قوله وتقبل شهادة الأخ لأخيه وعمه قيل بلا خلاف لكن قال شمس الأئمة في شرح أدب القاضي من السلف من قال لا تقبل شهادة الأخ لأخيه ولا شك في ضعف التهمة لأنه لا بسوطة وليس مظنة ملزومة للإلف بل كثيرا ما يكون بينهم العداوة والبغضاء وكل قرابة غير الولاد كالخال
____________________
(7/407)
والخالة وغيرهما كالأخ تقبل فيه الشهادة قوله ولا تقبل شهادة المخنث ومراده المخنث في الرديء من الأفعال وهو التشبه بالنساء تعمدا لذلك في تزيينه وتكسير أعضائه وتليين كلامه كما هو صفتهن لكون ذلك معصية روى أبو داود بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء يعني المتشبهات بالرجال فكيف إذا تشبه بهن فيما هو أقبح من ذلك فأما الذي في كلامه لين خلقة وفي أعضائه تكسر خلقة فهو عدل مقبول الشهادة قوله ولا نائحة ولا مغنية هذا لفظ القدوري فأطلق ثم قال بعد ذلك ولا من يغني للناس فورد أنه تكرار لعلم ذلك مما ذكر من قوله مغنية والوجه أن اسم مغنية ومغن إنما هو في العرف لمن كان الغناء حرفته التي يكتسب بها المال ألا ترى إذا قيل ما حرفته أو ما صناعته يقال مغن كما يقال خياط أو حداد فاللفظ المذكور هنا يراد به ذلك غير أنه خص المؤنث به ليوافق لفظ الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله النائحات لعن الله المغنيات ومعلوم أن ذلك لوصف التغني لا لوصف الأنوثة ولا للتغني مع الأنوثة لأن الحكم المترتب على مشتق إنما يفيد أن وصف الاشتقاق هو العلة فقط لا مع زيادة أخرى نعم هو من المرأة أفحش لرفع صوتها وهو حرام ونصوا على أن التغني للهو أو لجمع المال حرام بلا خلاف ومثل هذا لفظ النائحة صار عرفا لمن جعلت النياحة مكسبة وحينئذ كأنه قال لا تقبل شهادة من اتخذ التغني صناعة يأكل بها لا من لم يكن ذلك صناعته ولذا علله في الكتاب بأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة وفي النهاية أن الغناء في حقهن مطلقا حرام لرفع صوتهن وهو حرام فلذا أطلق في قوله مغنية وقيد في غناء الرجال بقوله للناس ولا يخفى أن قوله من يغني للناس لا يخص الرجال لأن من تطلق على المؤنث خاصة فضلا عن الرجال والنساء معا وكون صلتها وقعت بتذكير الضمير في قوله يغني بالياء من تحت لا يوجب خصوصه بالرجال
____________________
(7/408)
لما عرف أنه يجوز في ضميرها مراعاة المعنى ومراعاة اللفظ ومراعاة اللفظ أولى وإن كان المعنى على التأنيث فكيف إذا كان المعنى أعم من المؤنث والمذكر فإن قلت تعليل المصنف رحمه الله يجمع الناس على كبيرة يقتضي أن التغني مطلقا حرام وإن كان مفاده بالذات أن الاستماع كبيرة لأنهم إنما يجتمعون على الاستماع بالذات إلا أن كون الاستماع محرما ليس إلا لحرمة المسموع وليس كذلك فإنه إذا تغنى بحيث لا يسمع غيره بل نفسه ليدفع عنه الوحشة لا يكره وقيل ولا يكره إذا فعله ليستفيد به نظم القوافي ويصير فصيح اللسان وقيل ولا يكره لاستماع الناس إذا كان في العرس والوليمة وإن كان فيه نوع لهو بالنص في العرس فالجواب أن في التغني لإسماع نفسه ولدفع الوحشة خلافا بين المشايخ منهم من قال لا يكره إنما يكره ما كان على سبيل اللهو احتجاجا بما عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه دخل على أخيه البراء بن مالك وكان من زهاد الصحابة وكان يتغنى وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله ومن المشايخ من كره جميع ذلك وبه أخذ شيخ الإسلام ويحمل حديث البراء بن مالك أنه كان ينشد الأشعار المباحة التي فيها ذكر الحكم والمواعظ فإن لفظ الغناء كما يطلق على المعروف يطلق على غيره قال صلى الله عليه وسلم من لم يتغن بالقرآن فليس منا وإنشاد المباح من الأشعار لا بأس به ومن المباح أن يكون فيه
____________________
(7/409)
صفة امرأة مرسلة بخلاف ما إذا كانت بعينها حية وإذا كان كذلك فجاز أن يكون المصنف رحمه الله قائلا بتعميم المنع كشيخ الإسلام رحمه الله إلا أنا عرفنا من هذا أن التغني المحرم هو ما كان في اللفظ مالا يحل كصفة الذكر والمرأة المعينة الحية ووصف الخمر المهيج إليها والدويرات والحانات والهجاء لمسلم أو ذمي إذا أراد المتكلم هجاءه لا إذا أراد إنشاد الشعر للاستشهاد به أو لتعلم فصاحته وبلاغته ويدل على أن وصف المرأة كذلك غير مانع ما سلف في كتاب الحج من إنشاد أبي هريرة رضي الله عنه وهو محرم ** قامت تريك رهبة أن تهضما ** ساقا بخنداة وكعبا أدرما ** وإنشاد ابن عباس رضي الله عنهما ** إن يصدق الطير ننك لميسا ** لأن المرأة فيهما ليست معينة فلولا أن إنشاد ما فيه وصف امرأة كذلك جائز لم تقله الصحابة ومما يقطع به في هذا قول كعب بن زهير بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ** وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ** إلا أغن غضيض الطرف مكحول ** ** تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ** كأنه منهل بالراح معلول ** وكثير في شعر حسان من هذا كقوله وقد سمعه النبي صلى الله عليه وسلم منه ولم ينكره في قصيدته التي أولها ** تبلت فؤادك في المنام خريدة ** تسقي الضجيع ببارد بسام ** فأما الزهريات المجردة عن ذلك المتضمنة وصف الرياحين والأزهار والمياه المطربة كقول ابن المعتز ** سقاها بغابات خليج كأنه ** إذا صافحته راحة الريح مبرد ** يعني سقى تلك الرياض وقوله ** وترى الرياح إذا مسحن غديره ** صقلنه ونفين كل قذاة ** ** ما إن يزال عليه ظبي كارعا ** كتطلع الحسناء في المرآة ** فلا وجه لمنعه على هذا نعم إذا قيل ذلك على الملاهي امتنع وإن كان مواعظ وحكما للآلات نفسها لا لذلك التغني والله أعلم وفي المغني الرجل الصالح إذا تغنى بشعر فيه فحش لا تبطل عدالته وفي مغني ابن قدامة الملاهي نوعان محرم وهو الآلات المطربة بلا غناء كالمزمار والطنبور ونحوه لما روى أبو أمامة أنه عليه الصلاة والسلام قال إن الله تعالى بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير والنوع الثاني مباح وهو الدف في النكاح وفي معناه ما كان من حادث سرور ويكره غيره لما عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا سمع صوت الدف بعث ينظر فإن كان في وليمة سكت وإن كان في غيره عمد بالدرة وفي الأجناس سئل محمد بن شجاع عن الذي يترنم مع نفسه قال لا يقدح في شهادته وأما القراءة بالألحان فأباحها قوم وحظرها قوم والمختار إن كانت الألحان لا تخرج الحروف عن نظمها وقدر ذواتها فمباح وإلا فغير مباح كذا ذكر وقد قدمنا في باب الأذان ما يفيد أن التلحين لا يكون إلا مع تغيير مقتضيات الحروف فلا معنى لهذا التفصيل ونقلنا هناك عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال للسائل عن القراءة بالتلحين وقد أجاب بالمنع ما اسمك قال محمد فقال أيعجبك
____________________
(7/410)
أن يقال لك يا موحامد هذا وأما النائحة فظاهر أنها أيضا في العرف لمن اتخذت النياحة مكسبة فأما إذا ناحت لنفسها فصرح في الذخيرة قال لم يرد النائحة التي تنوح في مصيبتها بل التي تنوح في مصيبة غيرها اتخذت ذلك مكسبة لأنها ارتكبت معصية وهي الغناء لأجل المال فلا يؤمن أن ترتكب شهادة الزور لأجل ذلك وهو أيسر عليها من الغناء والنوح في مدة طويلة ولم يتعقب هذا أحد من المشايخ فيما علمت لكن بعض متأخري الشارحين نظر فيه بأنه معصية فلا فرق بين كونه للناس أو لا قال صلى الله عليه وسلم لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة وقال عليه الصلاة والسلام ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية وهما في صحيح البخاري ولا شك ان النياحة ولو في مصيبة نفسها معصية لكن الكلام في أن القاضي لا يقبل شهادتها لذلك وذلك يحتاج إلى الشهرة ليصل إلى القاضي فإنما قيد بكونها للناس لهذا المعنى وإلا فهو يرد عليه مثله في قوله ولا مدمن الشرب على اللهو يريد شرب الأشربة المحرمة خمرا أو غيره ولفظ محمد رحمه الله في الأصل ولا شهادة مدمن خمر ولا شهادة مدمن السكر يريد من الأشربة المحرمة التي ليست خمرا فقال هذا الشارح يشترط الإدمان في الخمر وهذه الأشربة يعني الأشربة المحرمة لسقوط العدالة مع أن شرب الخمر كبيرة بلا قيد الإدمان ولهذا لم يشترط الخصاف في شرب الخمر الإدمان لكن نص عليه في الأصل كما سمعت فما هو جوابه هو الجواب في تقييد المشايخ بكون النياحة للناس ثم هو نقل كلام المشايخ في توجيه اشتراط الإدمان أنه إنما شرط ليظهر عند الناس فإن من شربها سرا لا تسقط عدالته ولم يتنفس فيه بكلمة واحدة فكذا التي ناحت في بيتها لمصيبتها لا تسقط عدالتها لعدم اشتهار ذلك عند الناس وانظر إلى تعليل المصنف رحمه الله بعد ذكر الإدمان بأنه ارتكب محرم دينه مع أن ذلك ثابت بلا إدمان فإنما أراد أنه إذا أدمن حينئذ يظهر أنه مرتكب محرم دينه فترد شهادته بخلاف التي استمرت تنوح للناس لظهوره حينئذ فتكون كالذي يسكر ويخرج سكران وتلعب به الصبيان في رد شهادته وصرح بأن الذي يتهم بشرب الخمر لا تسقط عدالته ومنهم من فسر الإدمان بنيته وهو أن يشرب ومن نيته أن يشرب مرة أخرى وهذا هو معنى الإصرار وأنت تعلم أنه سيذكر رد شهادة من يأتي بابا من أبواب الكبائر التي بتعلق بها الحد وشرب الخمر منها من غيره توقف على نية أن يشرب ولأن النية أمر مبطن لا يظهر للناس والمداراة التي يتعلق بوجودها حكم القاضي لا بد أن تكون ظاهرة لا خفية لأنها معرفة والخفي لا يعرف والظهور بالإدمان الظاهر نعم بالإدمان الظاهر يعرف إصراره لكن بطلان العدالة لا يتوقف في الكبائر على الإصرار بل أن يأتيها ويعلم ذلك وإنما ذلك في الصغائر وقد اندرج فيما ذكرنا شرح ذلك وأما من يلعب بالطيور فلأنه يورث غفلة وهذا كأنه بالخاصية المعروفة بالاستقراء وترد شهادة المغفل لعدم الأمن من زيادته ونقصه ولأنه يقف على عورات النساء لصعود سطحه ليطير طيره وهذا يقتضي منع صعود السطح مطلقا إلا أن يراد أن ذلك يكثر منه لهذه الداعية فإن الداعية إلى الشيء كالحرب في اقتضاء المواظبة عليه كما في لعب الشطرنج فإنه يشاهد فيه داعية عظيمة على المواظبة حتى أنهم ربما يستمرون النهار والليل لا يسألون عن أكل ولا شرب وهذا من أظهر وجه على أنه من دواعي الشيطان والأوجه أن اللعب بالطيور فعل مستخف به يوجب في الغالب اجتماعا مع أناس أراذل وصحبتهم وذلك مما يسقط العدالة هذا وفي تفسير الكبائر كلام فقيل هي
____________________
(7/411)
السبع التي ذكرت في الحديث وهي الإشراك بالله والفرار من الزحف وعقوق الوالدين وقتل النفس بغير حق وبهت المؤمن والزنا وشرب الخمر وزاد بعضهم أكل الربا وأكل مال اليتيم وفي البخاري عنه عليه الصلاة والسلام اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن فذكرها وفيها السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وفيه عنه عليه الصلاة والسلام ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها الحديث وقد عد أيضا منها السرقة وورد في الحديث من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر وقيل الكبيرة ما فيه حد وقيل ما ثبتت حرمته بنص القرآن وقيل ما كان حراما لعينه ونقل عن خواهر زاده أنها ما كان حراما محضا مسمى في الشرع فاحشة كاللواطة أو لم يسم بها لكن شرع عليها عقوبة محضة بنص قاطع أما في الدنيا بالحد كالسرقة والزنا وقتل النفس بغير حق أو الوعيد بالنار في الآخرة كأكل مال اليتيم ولا تسقط عدالة شارب الخمر بنفس الشرب لأن هذا الحد ما ثبت بنص قاطع إلا إذا داوم على ذلك فإن العدالة تزول بالإصرار على الصغائر فهذا أولى وهذا يخالف ما تقدم من عد شرب الخمر من الكبائر في نفس الحديث وذكره الأصحاب وفي الخلاصة بعد أن نقل القول بأن الكبيرة ما فيه حد بنص الكتاب قال وأصحابنا لم يأخذوا بذلك وإنما بنوا على ثلاثة معان أحدها ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله تعالى والثاني أن يكون فيه منابذة للمروءة والكرم وكل فعل يرفض المروءة والكرم فهو كبيرة والثالث أن يصر على المعاصي والفجور ولا يخفى ما في هذا من عدم الانضباط وعدم الصحة أيضا وما في الفتاوى الصغرى العدل من يجتنب الكبائر كلها حتى لو ارتكب كبيرة تسقط عدالته وفي الصغائر العبرة للغلبة لتصير كبيرة حسن ونقله عن أدب القاضي لعصام وعليه المعول غير أن الحكم بزوال العدالة بارتكاب الكبيرة يحتاج إلى الظهور فلذا شرط في شرب الخمر والسكر الإدمان والله سبحانه وتعالى أعلم ولا تقبل شهادة من يجلس مجلس الفجور والمجانة على الشرب وإن لم يشرب لأن اختلاطه بهم وتركه الأمر بالمعروف يسقط عدالته وفي الذخيرة والمحيط وكذا الإعانة على المعاصي والحث عليها من جملة الكبائر قوله ولا من يدخل الحمام بغير إزار لأن كشف العورة حرام وفي الذخيرة إذا لم يعرف رجوعه عن ذلك وأما ما ذكر الكرخي أن من مشى في الطريق بسراويل ليس عليه غيره لا تقبل شهادته فليس للحرمة بل لأنه يخل بالمروءة قوله أو يأكل الربا إلى قوله
____________________
(7/412)
ولا من يفعل الأفعال المستحقرة أما أكل الربا فكثير أطلقوه وقيده في الأصل بأن يكون مشهورا به فقيل لأن مطلقه لو اعتبر مانعا لم يقبل شاهد لأن العقود الفاسدة كلها في معنى الربا وقل من يباشر عقود البياعات ويسلم دائما منه وقيل لأن الربا ليس بحرام محض لأنه يفيد الملك بالقبض كسائر البياعات الفاسدة وإن كان عاصيا مع ذلك فكان ناقصا في كونه كبيرة والمانع في الحقيقة هو ما يكون دليلا على إمكان ارتكاب شهادة الزور وشهادة الزور حرام محض فالدال عليها لا بد من كونه كذلك بخلاف أكل مال اليتيم حيث ترد شهادته بمرة وقيل لأنه إذا لم يشتهر به كان الواقع ليس إلا تهمة أكل الربا ولا تسقط العدالة به وهذا أقرب ومرجعه إلى ما ذكر في وجه تقييد شرب الخمر بالإدمان وأما قوله ليس بحرام محض فلا تعويل عليه والدال على تجويز شهادة الزور منه يكفي كونه مرتكبا محظور دينه ألا ترى إلى ما قال أبو يوسف إذا كان الفاسق وجيها تقبل شهادته لبعد أن يشهد بالزور لوجاهته على ما تقدم ثم لم يرتض ذلك لأنه مخالف لنص الكتاب قوله تعالى { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } وأما الأول فالربا لم يختص بعقد على الأموال الربوية فيه تفاضل أو نسيئة بل أكثر ما كانوا عليه ونزلت آية الربا بسبب إقراضهم المقدار كالمائة وغيره بأكثر منه أو إلى أجل فإن لم يقضه فيه أربى عليه فتزيد الكمية وهذا هو المتداول في غالب الأزمان لا بيع درهم بدرهمين فربما لا يتفق ذلك أصلا أو إلا قليلا وأما أكل مال اليتيم فلم يقيده أحد ونصوا أنه بمرة وأنت تعلم أنه لا بد من الظهور للقاضي لأن الكلام فيما يرد به القاضي الشهادة فكأنه بمرة يظهر لأنه يحاسب فيعلم أنه استنقص من المال والحاصل أن الفسق في نفس الأمر مانع شرعا غير أن القاضي لا يرتب ذلك إلا بعد ظهوره له فالكل سواء في ذلك ولذا نقول إذا علم أنه يلعب بالنرد رد شهادته سواء قامر به أو لم يقامر لما في حديث أبي داود من لعب النردشير فقد عصى الله ورسوله ولعب الطاب في بلادنا مثله لأنه يرمى ويطرح بلا حساب وإعمال فكر وكل ما كان كذلك مما أحدثه الشيطان وعمله أهل الغفلة فهو حرام سواء قومر به أو لا فأما الشطرنج فقد اختلف في إباحته فعندنا لا يجوز وكذا عند الإمام أحمد لما رويناه فإنه قد قيل إن النردشير هو الشطرنج ولما سيأتي في باب الكراهة إن شاء الله تعالى مع قوله عليه الصلاة والسلام كل لهو المؤمن باطل إلا ثلاثة تأديبه لفرسه ومناضلته عن قوسه وملاعبته من أهله ورواه أبو داود عن عقبة بن عامر عنه عليه الصلاة والسلام ليس من اللهو إلا ثلاث تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله وعند الشافعي
____________________
(7/413)
ومالك يباح مع الكراهة إن تجرد عن الحلف كاذبا والكذب عليه وتأخير صلاة عن وقتها والمقامرة به فلما كان للاجتهاد فيه متجردا مساغ لم تسقط العدالة به وأما ما ذكر من أن من يلعبه على الطريق ترد شهادته فلإتيانه الأمور المحقرة ولا تقبل شهادة أهل الشعبذة وهو الذي يسمى في ديارنا دكاكا لأنه إما ساحر أو كذاب أعني الذي يأكل منها ويتخذها مكسبة فأما من علمها ولم يعملها فلا وصاحب السيميا على هذا قوله ولا من يفعل الأفعال المستحقرة وفي بعض النسخ المستقبحة وفي بعضها المستخفة وإن لم تكن في نفسها محرمة والمستخفة بفتح الخاء وكسرها أي التي يستخف الناس فاعلها أو الخصلة التي تستخف الفاعل فيبدو منه مالا يليق وعلى هذاالمعنى قوله تعالى { ولا يستخفنك الذين لا يوقنون } وذلك كالأكل على قارعة الطريق يعني بمرأى الناس والبول عليها ومثله الذي يكشف عورته ليستنجي من جانب بركة والناس حضور وقد كثر ذلك في ديارنا من العامة وبعض من لا يستحي من الطلبة والمشي بسراويل فقط ومد رجله عند الناس وكشف رأسه في موضع يعد فعله خفة وسوء أدب وقلة مروءة وحياء لأن من يكون كذلك لا يبعد منه أن يشهد بالزور وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت وعن الكرخي لو أن شيخا صارع الأحداث في الجامع لم تقبل شهادته لأنه سخف وأما أهل الصناعات الدنيئة كالكساح وهو الذي يسمى في عرف ديار مصر قنواتي والزبال والحائك والحجام فقيل لا تقبل وبه قال الشافعي وأحمد ووجه بكثرة خلفهم الوعد وكذبهم ورأيت أكثر مخلف للوعد السمكري والأصح تقبل لأنها قد تولاها قوم صالحون فما لم يعلم القادح لا يبني على ظاهر الصناعة ومثله النخاسون والدلالون فإنهم يكذبون كثيرا زيادة على غيرهم مع خلفهم فلا يقبل إلا من علم عدالته منهم وقيل لا تقبل شهادة بائع الأكفان قال شمس الأئمة هذا إذا ترصد لذلك العمل فأما إذا كان يبيع الثياب ويشتري منه الأكفان فتقبل لعدم تمنيه الموت للناس والطاعون وقيل لا تقبل شهادة الصكاكين لأنهم يكتبون هذا ما اشترى فلان أو باع أو أجر وقبض المبيع قبل وقوعه فيكون كذبا ولا فرق في الكذب بين القول والكتابة والصحيح تقبل إذا كان غالب أحوالهم الصلاح فإنهم غالبا
____________________
(7/414)
إنما يكتبون بعد صدور العقد وقبل صدوره يكتبون على المجاز تنزيلا له منزلة الواقع ليستغنوا عن الكتابة إذا صدر المعنى بعدها ورد بعض العلماء شهادة القروي والأعرابي وعامة العلماء تقبل إلا بمانع غيره ولا تقبل شهادة الطفيلي والرقاص والمجازف في كلامه والمسخرة بلا خلاف وفي الحديث ويل للذي يحدث ويكذب كي يضحك منه الناس ويل له ويل له وقال نصير بن يحيى من يشتم أهله وممالكيه كثيرا في كل ساعة لا تقبل وإن كان أحيانا تقبل وكذا الشتام للحيوان كدابته وأما في ديارنا فكثيرا يشتمون بائع الدابة فيقولون قطع الله يد من باعك ولا من يحلف في كلامه كثيرا ونحوه وحكى أن الفضل بن الربيع شهد عند أبي يوسف فرد شهادته فشكاه إلى الخليفة فقال الخليفة إن وزيري رجل دين لا يشهد بالزور فلم رددت شهادته قال لأني سمعته يوما قال للخليفة أنا عبدك فإن كان صادقا فلا شهادة للعبد وإن كان كاذبا فكذلك فعذره الخليفة والذي عندي أن رد أبي يوسف شهادته ليس لكذبه لأن قول الحر لغيره أنا عبدك مجاز باعتبار معنى القيام بخدمتك وكوني تحت أمرك ممتثلا له على إهانة نفسي في ذلك والتكلم بالمجاز على اعتبار الجامع ووجه الشبه ليس كذبا محظورا شرعا ولذا وقع المجاز في القرآن ولكن رده لما يدل عليه خصوص هذا المجاز من إذلال نفسه وتملقه لأجل الدنيا فربما يعز هذا الكلام إذا قيل للخليفة فعدل إلى الاعتذار بأمر يقرب من خاطره والحاصل فيه أن ترك المروءة مسقط للعدالة وقيل في تعريف المروءة أن لا يأتي الإنسان بما يعتذر منه مما يبخسه عن مرتبته عند أهل الفضل وقيل السمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب السخف والمجون والارتفاع عن كل خلق دنيء والسخف رقة العقل من قولهم ثوب سخيف إذا كان قليل الغزل وعن أبي حنيفة لا تقبل شهادة البخيل وقال مالك إن أفرط لأنه يؤديه إلى منع الحقوق قوله ولا من يظهر سب السلف كالصحابة والتابعين ومنهم أبو حنيفة رحمه لله وكذا العلماء ونص أبو يوسف على عدم قبوله قال لأنه إذا أظهر سب واحد من المسلمين تسقط عدالته فإذا أظهر في واحد من الصحابة كيف يكون مقبولا وقيد بالإظهار لأنه لو اعتقده ولم يظهر فهو على عدالته تقبل شهادته ولذا قال أبو يوسف من رواية ابن سماعة لا أقبل شهادة من يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل شهادة من يتبرأمنهم لأن إظهار الشتيمة مجونة وسفه ولا يأتي به إلا الأوضاع والأسقاط وشهادة السخيف لا تقبل ولا كذلك المتبرئ لأنه يعتقده دينا مرضيا عند الله وإن كان على باطل فالحاصل أنه من أهل الأهواء وشهادة أهل الأهواء جائزة قوله وتقبل شهادة أهل الأهواء كلهم من المعتزلة والقدرية والخوارج
____________________
(7/415)
وسائرهم تقبل شهادتهم على مثلهم وعلى أهل السنة إلا الخطابية وهم طائفة من الروافض لا لخصوص بدعتهم وهواهم بل لتهمة الكذب لما نقل عنهم أنهم يشهدون لمن حلف لهم أنه محق أو يرون وجوب الشهادة لمن كان على رأيهم وهو الذي ذكره المصنف فمنع قبول شهادتهم لشيعتهم لذلك ولغير شيعتهم للأمر الأول وما نقله المصنف عن الشافعي هو قول مالك وأبي حامد من الشافعية وأما قول الشافعي فكقولنا بلا اختلاف وجه قول مالك ما ذكر أن البدعة في الاعتقاد من أعظم الفسوق فوجب رد شهادته بالآية ولنا أن صاحب الهوى مسلم غير متهم بالكذب لتدينه بتحريمه حتى أنه ربما يكفر به كالخوارج فهو أبعد من التهمة به وأما الآية فإنها مخصوصة بالفسق من حيث الاعتقاد مع الإسلام فكان المراد منها الفسق الفعلي ولذا قال محمد بقبول شهادة الخوارج إذا اعتقدوا ولم يقاتلوا فإذا قاتلوا ردت شهادتهم لإظهار الفسق بالفعل والدليل على التخصيص اتفاقنا على قبول رواياتهم للحديث وفي صحيح البخاري كثير منهم مع اعتماده الغلو في الصحة مع أن قبول الرواية أيضا مشروط بعدم الفسق بظاهرها وبالمعنى وهو أن رد شهادة الفاسق لتهمة الكذب وذلك منتف فيهم والخطابية نسبة إلى أبي الخطاب وهو محمد بن أبي وهب الأجدع وقيل محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع وخرج أبو الخطاب بالكوفة وحارب عيسى بن موسى بن علي بن عبدالله بن عباس وأظهر الدعوة إلى جعفر فتبرأ منه جعفر ودعا عليه فقتل هو وأصحابه قتله وصلبه عيسى بالكنائس قوله وتقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض قيد بها لتخرج شهادتهم على المسلم ويدخل في اللفظ شهادة أهل ملة منهم على أهل ملة أخرى وقد نص عليه بقوله وإن اختلفت مللهم احترز به عن قول ابن أبي ليلى وأبي عبيد إنها لا تقبل مع اختلاف الملة كشهادة اليهودي على النصراني وعكسه
____________________
(7/416)
وقال مالك والشافعي رحمهما الله لا تقبل أصلا لأنه فاسق قال تعالى { والكافرون هم الظالمون } ووقع في كثير من نسخ الهداية والكافرون هم الفاسقون وفي النهاية النسخة المصححة بتصحيح بخط شيخي قال تعالى للكافرين هم الفاسقون إذ الذي في القرآن { والكافرون هم الظالمون } فيجب التوقف في خبره ولهذا لا تقبل شهادته على المسلم فصار كالمرتد بذلك الجامع ولقوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقال { ممن ترضون من الشهداء } والكافر ليس ذا عدل ولا مرضيا ولا منا ولأنا لو قبلنا شهادتهم لأوجبنا القضاء على القاضي بشهادتهم ولا يلزم على المسلم شيء بقولهم قال المصنف ولنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض قال الإمام المخرج غريب وغير مطابق للمدعي وهو أن شهادة بعضهم على بعض جائزة وإن اختلفت مللهم ولو قال أهل الكتاب عوض النصارى وافق وهكذا أخرجه ابن ماجه عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض ومجالد فيه مقال ثم قال شيخنا علاء الدين ويوجد في بعض نسخ الهداية اليهود عوض النصارى وذكر ما رواه أبو داود بهذا الإسناد جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوه بابني صوريا فنشدهما الله كيف تجدان أمر هذين في التوراة قالا نجد فيها إذا
____________________
(7/417)
شهد أربعة منكم أنهم إذا رأوا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة رجما قال فما يمنعكما أن ترجموهما قالا ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهود فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما قال هكذا وجدته في نسخة علاء الدين يده وهو تصحيف وإنما هو فدعا بالشهود بخط كشفته من نحو عشرين نسخة وكذا رواه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي والبزار في مسانيدهم والدارقطني كلهم قالوا فدعا بالشهود قال في التنقيح قوله في الحديث فدعا بالشهود فشهدوا زيادة في الحديث تفرد بها مجالد ولا يحتج بما تفرده به انتهى كلامه لكن الطحاوي أسنده إلى عامر الشعبي عن جابر وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال ائتوني بأربعة منكم يشهدون ثم قول القائل لا يقبل
____________________
(7/418)
ما تفرد به مجالد يجري فيه ما ذكرنا من أن الراوي المضعف إذا قامت دلالة على صحة ما رواه حكم به لارتفاع وهم الغلط ولا شك أن رحمه عليه الصلاة والسلام كان بناء على ما سأل من حكم التوراة فيهما وأجيب به من أن حكمها الرجم بشهادة أربعة إذ هو يوافق ما أنزل إليه فلا بد من كونه بني على شهادة أربعة في نفس الأمر منهم وإن لم يذكر في الرواية المشهورة لأن القصة كانت فيما بين يهود في محالهم وأماكنهم فهذه دلالة على أن مجالدا لم يغلط في هذه الزيادة وأنت علمت في مسئلة أهل الأهواء أن مراد الآية فسق الأفعال لأنه الذي يتهم صاحبه بالكذب لا الاعتقاد إلا أن شهادتهم على المسلمين نسخت بقوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } فبقيت على بعضهم بعضا ثم استدل بالمعنى وهو أن الذمي من أهل الولاية على جنسه بدليل ولايته على أولاده الصغار ومماليكه فجازت شهادته على جنسه بخلاف المرتد المقيس عليه إذ لا ولاية له أصلا فلا شهادة له ولأنه يتقول على المسلم لغيظه بقهره فكان متهما فيه بخلاف أهل ملة على أهل ملة أخرى لأنه وإن عاداه ليس أحدهم تحت قهر الآخر فلا حامل على التقول عليه ولا يخفى ما فيه إذ مجرد العداوة مانع من القبول كما في مسلم يعادي مسلما ثم يشيد هذا المعنى حديث مضعف بعمر بن راشد رواه الدارقطني وابن عدي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا ملة محمد صلى الله عليه وسلم فإنها تجوز على ملة غيرهم وأيضا فقول الراوي أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض يحتمل أن يكون حكاية واقعة حال شهد فيها بعض اليهود على بعض أو بعض النصارى على بعص فلا عموم لها ويحتمل أنه حكاية تشريع قولي فيعم شهادة الملتين ملة على ملة فلا نحكم بأحدهما عينا غير أن في هذه خلافا في الأصول ورجح الثاني وهو مسئلة قول الراوي قضى بالشفعة للجار قوله ولا تقبل شهادة الحربي على الذمي أراد به المستأمن لأنه لا يتصور
____________________
(7/419)
غيره فإن الحربي لو دخل بلا أمان قهرا استرق ولا شهادة للعبد على أحد وذلك لأن الذمي أعلى من المستأمن لأنه قبل خلف الإسلام وهو الجزية فهو أقرب إلى الإسلام منه ولهذا يقتل المسلم بالذمي عندنا لا بالمستأمن وقوله بخلاف الذمي متصل بقوله فإن كانوا من دارين يعني تقبل شهادة الذمي على المستأمن وإن كانوا من أهل دارين مختلفين لأن الذمي بعقد الذمة صار كالمسلم وشهادة المسلم تقبل على المستأمن فكذا الذمي وإنما لا يجري التوارث بين الذمي والمستأمن لأن المستأمن من أهل دارنا فيما يرجع إلى المعاملات والشهادة منها ومن أهل دار الحرب في الإرث والمال قوله وإذا كانت الحسنات أغلب من السيئات والرجل ممن يجتنب الكبائر قبلت شهادته هذا هو معنى المروي عن أبي يوسف في حد العدالة وهو أحسن ما قيل وفيه قصور حيث لم يتعرض لأمر
____________________
(7/420)
المروءة بل اقتصر على ما يتعلق بالمعاصي والمروي عن أبي يوسف هو قوله أن لا يأتي بكبيرة ولا يصر على صغيرة ويكون ستره أكثر من هتكه وصوابه أكثر من خطئه ومروءته ظاهرة ويستعمل الصدق ويجتنب الكذب ديانة ومروءة هكذا نقله عنه القاضي أبو حازم حين سأله عبيدالله بن سليمان وزير المعتضد عن العدالة فقال أحسن ما نقل في هذا الباب ما روي عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري القاضي ثم ذكر ذلك وكان يكفيه إلى قوله ومروءة ظاهرة وقول المصنف فأما الإلمام بمعصية فلا تنقدح به العدالة يريد الصغيرة ولفظ الإلمام وألم قد اشتهر في الصغيرة ومنه قول ابن خراش وهو يسعى بين الصفا والمروة ** إن تغفر اللهم تغفر جما ** وأي عبد لك لا ألما ** هكذا أورده العتبي عنه بسنده ونسبه الخطابي إلى أمية ونسبه صاحب الذخيرة إياه إلى النبي صلى الله عليه وسلم غلط ولا بأس بذكر أفرد نص عليها منها ترك الصلاة بالجماعة بعد كون الإمام لا طعن عليه في دين ولا حال وإن كان متأولا في تركها كأن يكون معتقدا فضيلة أول الوقت والإمام يؤخر الصلاة أو غير ذلك لا تسقط عدالته بالترك وكذا بترك الجمعة من غير عذر فمنهم من أسقطها بمرة واحدة كالحلواني ومنهم من شرط ثلاث مرات كالسرخسي والأول أوجه وذكر الاسبيجابي من أكل فوق الشبع سقطت عدالته عند الأكثر ولا بد من كونه في غير إرادة التقوى على صوم الغد أو مؤانسة الضيف وكذا من خرج لرؤية السلطان أو الأمير عند قدومه ورد شداد شهادة شيخ صالح لمحاسبته ابنه في نفقة طريق مكة كأنه رأى منه تضييقا ومشاححة فشهد منه البخل وذكر الخصاف أن ركوب البحر للتجارة أو للتفرج يسقط العدالة وكذا التجارة إلى أرض الكفار وقرى فارس ونحوها لأنه مخاطر بدينه ونفسه لنيل المال فلا يؤمن أن يكذب لأجل المال وترد شهادة من لم يحج إذا كان موسرا على قول من يراه على الفور وكذا من لم يؤد زكاته وبه أخذ الفقيه أبو الليث وكل من شهد على إقرار باطل وكذا على فعل باطل مثل من يأخذ سوق النخاسين مقاطعة وأشهد على وثيقتها شهودا قال المشايخ إن شهدوا حل لهم اللعن لأنه شهادة عل باطل فكيف هؤلاء الذين يشهدون عند مباشري السلطان على ضمان الجهات والإجارات الضارة وعلى المحبوسين عندهم والذين في ترسيمهم قوله وتقبل شهادة الأقلف
____________________
(7/421)
نص عليه الخصاف قال وتجوز صلاته وإمامته إلا إذا تركه على وجه الرغبة عن السنة لا خوفا من الهلاك وكل من يراه واجبا يبطل به شهادته وعندنا هو سنة لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الختان للرجال سنة وللنساء مكرمة وما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال لا تقبل شهادته ولا تقبل صلاته ولا تؤكل ذبيحته إنما أراد به المجوسي ألا ترى إلى قوله ولا تؤكل ذبيحته قوله والخصي إذا كان عدلا لأنه لا مانع لأن حاصل أمره مظلوم نعم لو كان ارتضاء لنفسه وفعله مختارا منع وقد قبل عمر شهادة علقمة الخصي على قدامة بن مظعون رواه ابن أبي شيبة بسنده ورواه أبو نعيم في الحلية حدثنا إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل أن الجارود شهد على قدامة أنه شرب الخمر فقال عمر رضي الله عنه هل معك شاهد آخر قال لا قال عمر يا جارود ما أراك إلا مجلودا قال يشرب ختنك الخمر وأجلد أنا فقال علقمة الخصي لعمر أتجوز شهادة الخصي قال وما بال الخصي لا تقبل شهادته قال فإني أشهد أني رأيته يتقيؤها فقال عمر ما قاءها حتى شربها فأقامه ثم جلده وأخرجه عبدالرزاق مطولا قوله وولد الزنا أي تقبل شهادته في الزنا وغيره إذ لا تزر وازرة وزر أخرى وعن مالك رحمه الله لا تقبل في الزنا وهو ظاهر من الكتاب وشهادة الخنثى المشكل جائزة إذا شهد مع رجل وامرأة فلو شهد مع رجل واحد أو امرأة واحدة لا تقبل إلا إذا زال الإشكال بظهور ما يحكم به بأنه رجل أو امرأة فيعمل بمقتضاه قوله وشهادة العمال جائزة والمراد عمال
____________________
(7/422)
السلطان لأن العمل نفسه ليس بفسق لأنه معين للخليفة على إقامة الحق وجباية المال الواجب ولو كان فسقا لم يله أبو هريرة وأبو موسى الأشعري لعمر وكثير وهذا أحسن مما قيل ولو كان فسقا لم يله أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لأن هؤلاء خلفاء والعمال في العرف من يوليهم الخليفة عملا يكون نائبه فيه وكان الغالب فيهم العدالة في ذلك الزمان فتقبل مالم يظهر وينقشع عنه الظلم كالحجاج وقيل أراد ما روي عن أبي يوسف في الفاسق الوجيه وعلمت ما فيه ورده شهادة الوزير لقوله للخليفة أنا عبدك يبعد هذه الرواية وقيل أراد بالعمال الذين يعملون ويؤاجرون أنفسهم للعمل لأن من الناس من رد شهادة أهل الصناعات الخسيسة فأفرد هذه المسئلة لإظهار مخالتفهم وكيف لا وكسبهم أطيب كسب وذكر الصدر الشهيد أن شهادة الرئيس لا تقبل وكذا الجابي والصراف الذي يجمع عنده الدراهم ويأخذها طوعا لا تقبل وقدمنا عن البزدوي أن القائم بتوزيع هذه النوائب السلطانية والجبايات بالعدل بين المسلمين مأجور وإن كان أصله ظلما فعلى هذا تقبل شهادته والمراد بالرئيس رئيس القرية وهو المسمى في بلادنا شيخ البلد ومثله المعرفون في المراكب والعرفاء في جميع الأصناف وضمان الجهات في بلادنا لأنهم كلهم أعوان على الظلم قوله وإذا شهد الرجلان صورتها رجل ادعى أنه وصي فلان
____________________
(7/423)
الميت فشهد بذلك اثنان موصى لهما بمال أو وارثان لذلك الميت أو غريمان لهما على الميت دين أو للميت عليهما دين أو وصيان فالشهادة جائزة استحسانا والقياس أن لا تجوز لأن شهادة هؤلاء تتضمن جلب نفع للشاهد أما الوارثان لقصدهما نصب من يتصرف لهما ويريحهما ويقوم بإحياء حقوقهما والغريمان الدائنان والموصى لهما لوجود من يستوفيان منه والمديونان لوجود من يبرءان بالدفع إليه والوصيان لوجود من يعينهما في التصرف في المال والمطالبة وكل شهادة جرت نفعا لا تقبل وجه الاستحسان أنا لم نوجب بهذه الشهادة على القاضي شيئا لم يكن واجبا عليه بل إنما اعتبرناها على وزان القرعة لا يثبت بها شيء ويجوز استعمالها لفائدة غير الإثبات كما جاز استعمالها لتطييب القلب في السفر بإحدى نسائه ولدفع التهمة عن القاضي في تعيين الأنصباء فكذا هذه الشهادة في هذه الصور لم تثبت شيئا وإنما اعتبرناها لفائدة إسقاط تعيين الوصي عن القاضي فإن للقاضي إذا ثبت الموت ولا وصي أن ينصب الوصي وكذا إذا كان للميت وصي وادعى العجز وهذه الصور من ذلك فإن الشهادة لم تثبت شيئا وثبت الموت فللقاضي أو عليه أن ينصب وصيا فلما شهد هؤلاء بوصاية هذاالرجل فقد رضوه واعترفوا له بالأهلية الصالحة لذلك فكفى القاضي بذلك مؤنة التفتيش على الصالح وعين هذا الرجل بتلك الولاية لا بولاية أوجبتها الشهادة المذكورة وكذلك وصيا الميت لما شهدا بالثالث فقد اعترفا بعجز شرعي منهما عن التصرف إلا أن يكون هو معهما أو بعجز علمه الميت منهما حتى أدخله معهما فينصب القاضي الآخر
____________________
(7/424)
وفي الصور كلها ثبوت الموت شرط لأن القاضي لا يملك نصب وصي قبل الموت إلا في شهادة الغريمين المديونين فإنه لا يشترط في إثبات الوصي الذي شهدا له ثبوت الموت لأنهما مقران على أنفسهما بثبوت حق قبض الدين لهذا الرجل فضررهما في ذلك أكبر من نفعهما فتقبل شهادتهما بالوصية والموت جميعا وهذا بخلاف ما لو شهدا أن أباهما الغائب وكل هذا الرجل بقبض دينه وهو يدعي الوكالة لا تقبل لأنه ليس للقاضي ولاية نصب الوكيل عن الغائب فلو أثبت القاضي وكالته لكان مثبتا لها بهذه الشهادة وهي لا تقبل لتمكن التهمة فيها على ما عرف وإذا تحققت ما ذكر ظهر أن عدم قبول هذه الشهادة ثابت قياسا واستحسانا إذ ظهر أنه لم يثبت بها شيء وإنما ثبت عندهما نصب القاضي وصيا اختاروه وليس هنا موضع غير هذا يصرف إليه القياس والاستحسان ولو اعتبرا في نفس إيصاءالقاضي إليه فالقياس لا يأباه فلا وجه لجعل المشايخ فيها قياسا واستحسانا والمنقول عن أصحاب المذهب في الجامع الصغير ليس إلا محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة رحمهم الله في شاهدين شهدا لرجل أن أباهما أوصى إليه قال جائز إن ادعى ذلك وإن أنكر لم يجز وإن شهدا أن أباهما وكله بقبض ديونه بالكوفة كان باطلا في ذلك كله لأن القاضي لا يقدر على نصب وكيل عن الغائب فلو نصبه كان عن هذه الشهادة وهي ليست بموجبة
فروع إذا شهد المودعان بكون الوديعة ملكا لمودعهما تقبل ولو شهدا على إقرار مدعيها أنها ملك المودع لا تقبل إلا إذا كانا ردا الوديعة على المودع ولو شهد المرتهنان بالرهن لمدعيه قبلت ولو شهدا بذلك بعد هلاك الرهن لا تقبل ويضمنان قيمته للمدعي لإقرارهما بالغصب ولو شهدا على إقرار المدعي بكون الرهن ملك الراهن لا تقبل وإن كان الرهن هالكا إلا إذا شهدا بعد رد الرهن وإذا أنكر المرتهنان فشهد الراهنان بذلك لا تقبل وضمنا قيمته للمدعي لما ذكرنا ولو شهد الغاصبان بالملك للمدعي لا تقبل إلا إذا كان بعد رد المغصوب ولو هلك في يدهما ثم شهدا للمدعي لا تقبل ولو شهد المستقرضان بأن الملك في المستقرض للمدعي لا تقبل لا قبل الدفع ولا بعده ولو رد عينه وعن أبي يوسف تقبل بعد رد العين لعدم الملك قبل استهلاكه عنده حتى كان أسوة الغرماء إذا شهد المشتريان شراء فاسدا بأن المشتري ملك للمدعي بعد القبض لا تقبل وكذا لو نقض القاضي العقد أو تراضوا على نقضه هذا إذا كان في يدهما فلو رداه على البائع ثم شهدا قبلت ولو شهد المشتري بما اشترى لإنسان ولو بعد التقايل أو الرد بالعيب بلا قضاء لا تقبل كالبائع إذا شهد يكون المبيع ملكا للمدعي بعد البيع ولو كان الرد بطريق هو فسخ قبلت وشهادة الغريمين بأن الدين الذي عليهما لهذا المدعي لا تقبل وإن قضيا الدين وشهادة المستأجر بكون الدار للمدعي إن قال المدعي إن الإجارة كانت بأمري لا تقبل ولو قال كانت بغير أمري تقبل وشهادة ساكن الدار بغير إجارة للمدعي أو عليه تقبل خلافا لمحمد فيما عليه بناء على تجويز غصب العقار وعدمه ولو شهد عبدان بعد العتق عند اختلاف المتعاقدين أن الثمن كذا لا تقبل وفي العيون أعتقهما بعد الشراء ثم شهدا على البائع أنه استوفى الثمن من المشتري عند جحوده تجوز إجماعا ولو وكله بالخصومة في ألف قبل فلان فخاصم عند غير القاضي ثم عزله الموكل قبل الخصومة عند القاضي فشهد بهذه الألف لموكله جازت خلافا لأبي يوسف فإنه يجعله بمجرد الوكالة قام مقام الموكل ولو كان خاصم عند القاضي والباقي بحاله لم تجز ولو خاصم في الألف
____________________
(7/425)
عند القاضي والوكالة بكل حق قبل فلان فعزله فشهد لموكله بمائة دينار إن كان التوكيل عند القاضي قبلت وإن كان خارجا عنه فاحتاج إلى إثبات الوكالة عند القاضي بالإشهاد لا تقبل لأن الوكالة لما اتصل بها القضاء صار الوكيل خصما في جميع ما على هذا الرجل فشهادته شهادة الخصم بخلاف الأول لأن القاضي علم بالوكالة وعلمه ليس قضاء فلا يصير خصما فتقبل في غير ما صار فيه خصما هذا كله في الوكالة الخاصة وهي التوكيل بالخصومة والطلب لما على رجل معين وحكمها أن لا يتناول الحادث بعد التوكيل أما العامة وهي أن يوكله بطلب كل حق له قبل جميع الناس أو أهل مصر فيتناول الحادث بعد التوكيل وفيها لا تقبل شهادته لموكله بشيء على أحد بعد العزل إلا على ما وجب بعد العزل شهد ابنا الموكل أن أباهما وكل هذا بقبض ديونه لا تقبل إذا جحد المطلوب الوكالة وكذا في الوكالة بالخصومة وشهادة ابني الوكيل على الوكالة لا تقبل وكذا شهادة أبويه وأجداده وأحفاده وشهادة الوصي للميت بعد ما أخرجه القاضي عن الوصاية لا تقبل ولو بعد ما أدركت الورثة سواء خاصم فيه أو لا ولو شهد لكبير على أجنبي تقبل في ظاهر الرواية ولو لكبير وصغير معا في غير الميراث لا تقبل ولو شهد الوصيان على إقرار الميت بشيء معين دار أو غيرها لوارث بالغ تقبل والله أعلم قوله ولا يسمع القاضي الشهادة على جرح ولا يحكم به قيل قوله ولا يحكم به تكرار أجيب بجواز أن لا يسمع البينة ويحكم بعلمه فلم يلزم من عدم السماع عدم الحكم على نفي الأمرين والمراد الجرح المجرد عن حق الشرع أو العبد فإن كان متضمنا أحدهما سمعت الشهادة وحكم بها وذلك بأن يشهدوا أن الشهود فسقة أو زناة أو أكلة الربا أو شربة الخمر أو على إقرارهم أنهم شهدوا بالزور أو أنهم رجعوا عن الشهادة أو على إقرارهم أنهم أجراء في هذه الشهادة أو إقرارهم أن المدعي
____________________
(7/426)
مبطل في هذه الدعوى أو إقرارهم أن لا شهادة لهم على المدعى عليه في هذه الحادثة ففي هذه الوجوه تقبل لثلاثة أوجه أصحها الوجهان اللذان ذكرهما المصنف أحدهما أن الشهادة إنما تقبل للحكم فلا بد من كون المشهود به مما يدخل تحت الحكم والفسق لا يدخل تحت الحكم لأن الحكم إلزام وليس في وسع القاضي إلزام الفسق لأحد لتمكنه من رفعه في الحال بالتوبة الثاني أن بمجرد هذه الشهادة يفسق الشاهد فلا تقبل شهادته وهذا لأن فيه إشاعة الفاحشة وهو متوعد عليه قال تعالى { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم } فإن قيل ليس المقصود إشاعة الفاحشة بل دفع الضرر عن المشهود عليه أجيب بأن دفعه ليس ينحصر في إفادة القاضي على وجه الإشاعة بأن يشهد في مجلس القضاء المشتمل على ملإ من الناس إذ يندفع بأن يخبر القاضي سرا فيتفرع على هذا الصور التي ذكرناها ومنها ما لو أقام رجل يعني المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود لهذا الأداء لأنه على جرح مجرد فإن قيل الاستئجار أمر زائد على مجرد الجرح أجاب المصنف عنه بقوله والاستئجار وإن كان أمرا زائدا فلا خصم في إثباته لأن المدعى عليه ليس نائبا عن المدعي في إثبات حقه هذا بل أجنبي عنه وأورد أنه ينبغي أن تقبل هذه الشهادة بجميع ما ذكرنا من وجوه الفسق من وجه آخر وهو أن يجعلوا مزكين لشهود المدعي فيخبرون بالواقع من الجرح فيعارض تعديلهم وإذا تعارض الجرح والتعديل قدم الجرح أجيب بأن المعدل في زماننا يخبر القاضي سرا تفاديا من إشاعة الفاحشة والتعادي وأما الرجوع عن الشهادة فإنه لا يسمع إلا عند القاضي وقول الشاهد لا شهادة عندي لشك أو ظن عراه بعد ما مضت فلا تقبل الشهادة فأما لو كان الجرح غير مجرد بل يتضمن إثبات حق للعبد أو لله سبحانه بأن يشهدوا أن المدعي استأجرهم بعشرة وأعطاهموها من مالي الذي كان في يده أو أني صالحتهم على كذا ودفعته إليهم على أن لا يشهدوا علي بهذا وقد شهدوا وأنا أطالبهم بهذا المال الذي وصل إليهم تقبل بخلاف ما لو قال صالحتهم على كذا إلى آخره لكن لم أدفع إليهم المال لا تقبل لأنه جرح مجرد وكذا إذا شهدوا أن الشاهد عبد أو محدود في قذف أو شرب الخمر أو سرق مني أو زنى
____________________
(7/427)
أو شريك المدعي فيما ادعى به من المال أو شهدوا على إقرارهم بأنهم لم يحضروا ذلك المجلس الذي كان فيه هذا الأمر قبلت أو على إقرار المدعي أنه استأجرهم تقبل في ذلك كله لأن منه ما تضمن حقا للعبد ومواضعه ظاهرة وفي ضمنه يثبت الجرح ومنه الشهادة برقهم فإن الرق حق للعبد ومنه ما تضمن حقا للشرع من حد كالشهادة بسرقتهم وشربهم وزناهم أو غير حد كالشهادة بأنهم محدودون فإنها قامت على إثبات قضاء القاضي وقضاء القاضي حق الشرع ومنه ما هو مبطل لشهادتهم ولم يتضمن إشاعة فاحشة فتقبل ومنه شهادتهم بأنهم شركاء المشهود له إذ ليس فيه إظهار الفاحشة فتقبل فتصير الشركة كالمعاينة والمراد أنه شريك مفاوض فمهما حصل من هذا المال الباطل يكون له فيه منفعة لا أن يريد أن شريكه في المدعى به وإلا كان إقرارا بأن المدعى به لهما وكذا كل ما يشهدون به على إقرار المدعي بما نسبه إلى شهوده من فسقهم ونحوه ليس فيه إشاعة منهم بل إخبار عن إخبار المدعي عنهم بذلك فتصح كما لو سمع منه ذلك وذلك منه اعتراف ببطلان حقه والإنسان مؤاخذ بزعمه في حق نفسه وكذا الإشاعة في شهادتهم أنهم محدودون إنما هي منسوبة إلى قضاء القاضي أو شهادة القذف هذا وقد نص الخصاف في الجرح المجرد أنه تقبل الشهادة به فقيل في وجهه أنه يسقط العدالة فتقبل كالرق وأنت سمعت الفرق وأول جماعة قول الخصاف بحمله على شهادتهم على إقرار المدعي ذلك أو أنه يجعل كشاهد زكاه نفر وجرحه نفر وقد تقدم في هذا ما يمنعه ثم قد وقع في عد صور عدم القبول أن يشهدوا بأنهم فسقة أو زناة أو شربة خمر وفي صور القبول أن يشهدوا بأنه شرب أو زنى لأنه ليس جرحا مجردا لتضمنه دعوى حق الله تعالى وهو الحد ويحتاج
____________________
(7/428)
إلى جمع وتأويل قوله ومن شهد ولم يبرح حتى قال أوهمت بعض شهادتي أي أخطأت لنسيان عراني بزيادة باطلة بأن كان شهد بألف فقال إنما هي خمسمائة أو بنقص بأن شهد بخمسمائة فقال أوهمت إنما هي ألف جازت شهادته إذا كان عدلا أي ثابت العدالة عند القاضي أولا فسأل عنه فعدل ووجهه أن الشاهد قد يبتلى به
____________________
(7/429)
لمهابة مجلس القضاء إذ طبع البشر النسيان وعدالته مع عدم التهمة توجب قبول قوله ذلك بخلاف ما إذا غاب ثم رجع فقال ذلك لتمكن تهمة استغواء المدعي في الزيادة والمدعى عليه بالنقص في المال فلا تقبل وعلى هذا إذا غلط في بعض الحدود بأن ذكر الشرقي مكان الغربي ونحوه أو في بعض النسب بأن قال محمد بن علي بن عمر إن تداركه في المجلس قبل وبعده لا وإذا جازت ولم ترد فبماذا يقضى قيل بجميع ما شهد به لأن ما شهد به صار حقا للمدعي على المدعى عليه فلا يبطل حقه بقوله أوهمت ولا بد من قيده بأن يكون المدعي يدعي الزيادة فإنه لو شهد له بألف وقال بل ألف وخمسمائة لا يدفع إلا إن ادعى الألف وخمسمائة وصورة الزيادة حينئذ على تقدير الدعوى أن يدعي ألف وخمسمائة فيشهد بألف ثم يقول أوهمت إنما هو ألف وخمسمائة لا ترد شهادته لكن هل يقضى بألف أو بألف وخمسمائة قيل يقضى بالكل وقيل بما بقي فقط وهو الألف حتى لو شهد بألف ثم قال غلطت بخمسمائة زيادة وإنما هو خمسمائة يقضى بخمسمائة فقط لأن ما حدث بعد الشهادة قبل القضاء يجعل كحدوثه عند الشهادة وهو لو شهد بخمسمائة لم يقض بألف فكذا إذا غلط وإليه مال شمس الأئمة السرخسي فعلى هذا قوله في جواب المسئلة جازت شهادته أي لا ترد لكن لا يقضى إلا كما قلنا سواء كان وهمه ذلك قبل القضاء أو بعده وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله إذا شهد شاهدان لرجل بشهادة ثم زادا فيها قبل القضاء أو بعده وقالا أوهمنا وهما غير متهمين قبل منهما وظاهر هذا أنه يقضى بالكل وعن أبي يوسف في رجل شهد ثم جاء بعد يوم وقال شككت في كذا وكذا فإن كان القاضي يعرفه بالصلاح تقبل شهادته فيما بقي وإن لم يعرفه بالصلاح فهذه تهمة وعن محمد إذا شهدوا بأن الدار للمدعي وقضى القاضي بشهادتهم ثم قالوا لا ندري لمن البناء فإني لا أضمنهم قيمة البناء وحده كما لو قالوا شككنا في شهادتنا وإن قالوا ليس البناء للمدعي ضمنوا قيمة البناء للمشهود عليه فعلم
____________________
(7/430)
بهذا أن الشهود لا يختلف الحكم في قولهم شككنا قبل القضاء وبعده في أنه يقبل إذا كانوا عدولا بخلاف ما إذا لم يكن موضع شبهة وهو ما إذا ترك لفظ الشهاددة أو الإشارة إلى المدعى عليه أو المدعي أو اسم أحدهما فإنه وإن جاز بعد المجلس يكون قبل القضاء لأن القضاء لا يتصور بلا شرطه وهو لفظة الشهادة والتسمية ولو قضى لا يكون قضاء
فروع من الخلاصة وقف وقفا على مكتب وعلى معلمه فشهد رجال من أهل القرية أنه وقف فلان على مكتب كذا وليس للشهود أولاد في المكتب قبلت فإن كان لهم أولاد فالأصح أنه تجوز أيضا وكذا لو شهد أهل المحلة للمسجد بشيء وكذا شهادة الفقهاء على وقفية وقف على مدرسة كذا وهم من أهلها تقبل وكذا إذا شهدوا أن هذا المصحف وقف على هذا المسجد أو المسجد الجامع وكذا أبناء السبيل إذا شهدوا أنه وقف لأبناء السبيل وقيل إن كان الشاهد يطلب لنفسه حقا من ذلك لا تقبل وقال بعضهم منهم الإمام الفضلي لا تقبل شهادة أهل المسجد وقال أبو بكر بن حامد في جنس هذه المسائل تقبل على كل حال لأن كون الفقيه في المدرسة والرجل في المحلة والصبي في المكتب غير لازم بل ينتقل وأخذ هذا مما سنذكره من كلام الخصاف ولو شهدا أنه أوصى لفقراء جيرانه وللشهود أولاد محتاجون في جوار الموصي قال محمد لا تقبل للابن وتبطل للباقين وفي الوقف على فقراء جيرانه كذلك وفي وقف هلال قال وتقبل شهادة الجيران على الوقف قلت وكذا ذكر الخصاف في أوقافه فيمن شهد على أنه جعلها صدقة موقوفة على فقراء جيرانه أو على فقراء المسلمين وهم من فقراء الجيران قال تجوز الشهادة لأن فقراء الجيران ليسوا قوما مخصوصين ألا ترى أنه إنما ينظر إلى فقراء الجيران يوم تقسم الغلة فمن انتقل منهم من جواره لم يكن له في الغلة حق ألا ترى أن رجلين فقيرين من أهل الكوفة لو شهدا أنه جعل أرضه صدقة موقوفة على فقراء أهل الكوفة أن الشهادة جائزة فإن الوقف ليس لهما بأعيانهما خاصة ألا ترى أن ولي الوقف لو أعطى الغلة غيرهما من فقراء الكوفة كان جائزا وكذلك كل شهادة تكون خاصة وإنما هي عامة مثل أهل بغداد وأهل البصرة ونحو ذلك أن الشهادة جائزة وذكر قبل هذا بأسطر إن شهدا أنه جعلها صدقة موقوفة على جيرانه وهما جيرانه فشهادتهما باطلة وكأن الفرق تعينهما في هذه الصورة إذ لا جيران له سواهما بخلاف تلك الصورة ولو شهدوا أنه أوصى بثلثه للفقراء وأهل بيته فقراء لا تقبل ولو شهد بعض أهل القرية على بعض أهل القرية بزيادة الخراج لا تقبل وإن كان خراج كل أرض معينا أو لا خراج للشاهد تقبل وكذا أهل قرية شهدوا على ضيعة أنها من قريتهم لا تقبل وكذا أهل سكة يشهدون بشيء من مصالح السكة إن كانت السكة غير نافذة لا تقبل وفي النافذة إن طلب حقا لنفسه لا تقبل وإن قال لا آخذ شيئا تقبل وكذا في وقف المدرسة على هذا في فتاوى النسفي وقيل إن كانت السكة نافذة تقبل مطلقا وفي الأجناس في الشهادة على الوصية للفقراء وأهل بيت الشاهدين فقراء لا تقبل لهما ولا لغيرهما ولو شهدا أنه أوصى بثلثه لفقراء بني تميم وهما فقيران الشهادة جائزة ولا يعطيان منه شيئا ولو شهدا أنه جعل أرضه صدقة لله تعالى على فقراء قرابته وهما من
____________________
(7/431)
قرابته وهما غنيان يوم شهدا أو فقيران لم تجز شهادتهما ووضع هذه الخصاف فيما إذا شهدا أنه جعلها صدقة موقوفة على أهل بيته وهما من أهل بيته فهي باطلة قال وكذا إذا شهدوا على فقراء أهل بيته ومن بعدهم على المساكين ويوم شهداهما غنيان قال شهادتهما باطلة لأنهما إن افتقرا يثبت الوقف لهما بشهادتهما وكل شهادة تجر نفعا للشاهد أو لأبويه أو لأولاده أو لزوجته لا تجوز & باب الاختلاف في الشهادة
الاختلاف في الشهادة خلاف الأصل بل الأصل الاتفاق لأن الأصل فيما يتفرع عن جهة واحدة ذلك والشهادة كذلك لأنها تتفرع إما عن رؤية كما في الغصب والقتل أو سماع إقرار وغيره والشاهدان مستويان في إدراك ذلك فيستويان فيما يؤديان فلهذا أخره عما لم يذكر فيه خلاف قوله الشهادة إذا وافقت الدعوى قبلت
____________________
(7/432)
وإن خالفتها لم تقبل لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة لأنها لإثبات في حقه فلا بد من طلبه وهو الدعوى وقد وجدت الدعوى فيما يوافقها أي يوافق الشهادة فوجد شرط قبولها فتقبل وانعدمت فيما يخالفها فإنها لما لم توافقها صارت الدعوى بشيء آخر وشرط القبول الدعوى بما به الشهادة واعلم أنه ليس المراد من الموافقة المطابقة بل إما المطابقة أو كون المشهود به أقل من المدعى به بخلاف ما إذا كان أكثر فمن الأقل ما لو ادعى نكاح امرأة بسبب أنه تزوجها بمهر كذا فشهدوا أنها منكوحته بلا زيادة تقبل ويقضى بمهر المثل إن كان قدر ما سماه أو أقل فإن زاد عليه لا يقضى بالزيادة كذا في غير نسخة من الخلاصة والظاهر أنه إنما يستقيم إذا كانت هي المدعية ومنه إذا ادعى ملكا مطلقا أو بالنتاج فشهدوا في الأول بالملك بسبب وفي الثاني بالملك المطلق قبلتا لأن الملك بسبب أقل من المطلق لأنه يفيد الأولية بخلافه بسبب يفيد الحدوث والمطلق أقل من النتاج لأن الملك المطلق يفيد الأولية على الاحتمال والنتاج على اليقين وفي قلبه وهو دعوى المطلق فشهدوا بالنتاج لا تقبل ومن الأكثر ما لو ادعى الملك بسبب فشهدوا بالمطلق لا تقبل إلا إذا كان ذلك السبب الإرث
____________________
(7/433)
لأن دعوى الإرث كدعوى المطلق هذا هو المشهور وقيده في الأقضية بما إذا نسبه إلى معروف سماه ونسيه أما لو جهله فقال اشتريته أو قال من رجل او زيد وهو غير معروف فشهدوا بالمطلق قبلت فهي خلافية وذكر الخلاف في القبول رشيد الدين وعن هذا اختلفوا فيما إذا تحمل الشهادة على ملك بسبب وأراد أن يشهد بالمطلق لم يذكر في شيء من الكتب واختلف المشايخ فيه والأصح لا يحل له قلت كيف وفيه إبطال حقه فإنها لا تقبل فيما لو ادعاها بسبب ولو ادعى ا لشراء مع القبض فقال وقبضته منه هل هو كالمطلق حتى لو شهدوا بالمطلق قبلت في الخلاصة تقبل وحكي في فصول العمادي خلافا قيل تقبل لأن دعوى الشراء مع القبض دعوى مطلق الملك حتى لا يشترط لصحة هذه الدعوى تعيين العبد وقيل لا لأن دعوى الشراء معتبرة في نفسها لا كالمطلق ألا يرى أنه لا يقضى له بالزوائد في ذلك وفي زوائد شمس الإسلام دعوى الدين كدعوى العين وكذا في شرح الحيل للحلواني فلو ادعى الدين بسبب القرض وشبهه فشهدوا بالدين مطلقا قال شمس الأئمة محمود الأوزجندي لا تقبل قال في المحيط في الأقضية مسئلتان يدلان على القبول انتهى وعندي الوجه القبول لأن أولية الدين لا معنى له بخلاف العين وفي فتاوى رشيد الدين لو ادعى الملك المطلق فشهدوا عليه بسبب ثم شهدوا على المطلق لا تقبل لأنهم لما شهدوا بسبب حمل دعوى المطلق عليه فلا تقبل بعده على المطلق ولو شهدوا أولا على المطلق ثم شهدوا على الملك بسبب تقبل لأنه ببعض ما شهدوا به أولا ولو ادعى المطلق فشهد أحدهما به والآخر مع السبب تقبل ويقضى بالملك الحادث كما لو شهدا جميعا به وكل ما كان بسبب عقد شراء أو هبة فهو ملك حادث ولو ادعى بسبب فشهد أحدهما به والآخر مطلقا لا تقبل كما لو شهدوا جميعا بالمطلق ودعوى الملك بسبب الإرث كدعوى الملك المطلق وإذا أرخ أحد الشاهدين دون الآخر تقبل في دعوى غير المؤرخ لا في دعوى الملك المؤرخ ولو ادعى الشراء بسبب أرخه فشهدوا له به بلا تاريخ تقبل لأنه أقل وعلى القلب لا تقبل ولو كان للشراء شهران فأرخوا شهرا تقبل وعلى القلب لا ولو أرخ المطلق بأن قال هذاالعين لي منذ سنة فشهدا أنه له منذ سنتين لا تقبل وعلى القلب تقبل
ومن الزيادة والنقص ما تضمنه هذه الفروع التي نذكرها دار في يد رجلين اقتسماها وغاب أحدهما فادعى رجل على الحاضر أن له نصف هذه الدار مشاعا فشهدوا أن له النصف الذي في يد الحاضر فهي باطلة لأنها أكثر من المدعى به ادعى دارا واستثنى طريق الدخول وحقوقها ومرافقها فشهدوا أنها له ولم يستثنوا شيئا لا تقبل وكذا لو استثنى بيتا ولم يستثنوه إلا إذا وفق فقال كنت بعت ذلك البيت منها فتقبل وفي المحيط نقلا من الأقضية وأدب القاضي للخصاف إذا ادعى الملك للحال أي في العين فشهدوا أن هذا العين كان قد ملكه تقبل لأنها أثبتت الملك في الماضي فيحكم بها في الحال مالم يعلم المزيل قال رشيد الدين بعد ما ذكرها لا يجوز للقاضي أن يقول أمرو زملك وي مي دانيت انتهى ومعنى هذا لا يحل للقاضي أن يقول أتعلمون أنه ملكه اليوم نعم ينبغي للقاضي أن يقول هل تعلمون أنه خرج من ملكه فقط ذكره في المحيط قال العمادي فعلى هذا إذا ادعى الدين فشهدا أنه كان له عليه دين كذا ينبغي أن تقبل كما في العين ومثله إذا ادعى أنها زوجته فشهدوا أنه كان
____________________
(7/434)
تزوجها ولم يتعرضوا للحال تقبل هذا كله إذا شهدوا بالملك في الماضي أما لو شهدوا باليد له في الماضي لا يقضى به في ظاهر الرواية وإن كانت اليد تسوغ الشهادة بالملك على ما أسلفناه وعن أبي يوسف يقضى بها وخرج العمادي على هذا ما في الواقعات لو أقر بدين رجل عند رجلين ثم شهد عدلان عند الشاهدين أنه قضى دينه أن شاهدي الإقرار يشهدان كان عليه دين ولا يشهدان أن له عليه فقال هذا أيضا دليل على أنه إذا ادعى الدين وشهدوا أنه كان عليه تقبل وهذا غلط فإنه إنما تعرض لما يسوغ له أن يشهد به لا للقبول وعدمه بل ربما يؤخذ من منعه إحدى العبارتين دون الأخرى ثبوت القبول في إحداهما دون الأخرى كيف وقد ثبت بشهادة العدلين عند الشاهدين أنه قضاه فلا يشهدان حتى يخبر القاضي بذلك وأن القاضي حينئذ لا يقضي بشيء وسيأتي من مسائل الكتاب إذا علم شاهد الألف أنه قضاه خمسمائة لا يشهد حتى يقر بقبضها والله سبحانه أعلم وعكس ما نحن فيه لو ادعى في الماضي أن هذه الجارية كانت ملكي فشهد أنها له اختلف في قبولها والأصح أنها لا تقبل وكذا لو ادعى أنه كان له وشهد أنه كان له لا تقبل وإنما لم تقبل إذا شهدوا على طبق دعواه هذه أنها كانت له لأن إسناد المدعي دليل على نفي ملكه في الحال إذ لا فائدة له في الاقتصار على الماضي إلا ذلك فلم يكن ما شهدوا به مدعى به بخلاف الشاهدين إذا أسندا ذلك لا يدل على نفيهما إياه في الحال لجواز قصدهما إلى الاحتراز عن الإخبار بما لا علم لهما به إذ لم يعلما سوى ثبوته في الماضي وقد يكون انتقل فيحترزان عنه وإن كان يثبت للحال بالاستصحاب وفي الخلاصة ادعى النقرة الجيدة وبين الوزن فشهدا على النقرة والوزن ولم يذكرا جيدة أو رديئة أو وسطا تقبل ويقضى بالرديء بخلاف ما لو ادعى قفيز دقيق مع النخالة فشهدوا من غير نخالة أو منخولا فشهدوا على غير المنخول لا تقبل وفيها أن من ادعى على رجل ألفا من ثمن بيت فشهدوا على ألف من ضمان جارية غصبها وهلكت عنده لا تقبل وعن هذا ذكر في المسئلة المسطورة وهي ما إذا شهدا بألف من ثمن جارية باعها منه فقال البائع إنه أشهدهما عليه بذلك والذي لي عليه ثمن متاع تقبل شهادتهما فقال في الخلاصة هو محمول على أنهما شهدا على إقراره بذلك أي إقرار المدعى عليه بثمن الجارية لأن بمثله في الإقرار تقبل لما سيأتي في المسئلة المذكورة قبلها وفي الكفالة إذا شهدوا أنه كفل بألف عن فلان فقال الطالب هو أقر بذلك لكن الكفالة كانت عن فلان آخر كان له أن يأخذه بالمال لأنهما اتفقا فيما هو المقصود فلا يضرهما الاختلاف في السبب ومثله ادعى أنه آجره دارا وقبض مال الإجارة ومات فانفسخت الإجارة وطلب مال الإجارة فشهدوا أن الآجر أقر بقبض مال الإجارة تقبل وإن لم يشهدوا على عقد الإجارة لأنهم شهدوا بالمقصود وهو استحقاق مال الإجارة ولو ادعى الدين أو القرض فشهدوا على إقراره بالمال تقبل ولو شهد أحدهما به والآخر بالإقرار به فقد أطلق القبول في المحيط والعمدة وقال قاضيخان قالوا تقبل عند أبي يوسف ولو ادعى قرضا فشهدوا أن المدعي دفع إليه كذا ولم يقولوا وقبضها المدعى عليه يثبت قبضه كالشهادة على البيع فإن الشهادة على البيع شهادة على الشراء وإذا ثبت القبض بذلك يكون القول لذي اليد أنه قبض بجهة الأمانة فيحتاج إلى بينة على أنه بجهة القرض إن ادعاه ولو ادعى أنه قضاه دينه فشهد أحدهما به والآخر بإقراره أنه قضاه لا تقبل ولو شهدوا جميعا بالإقرار به قبلت ولو ادعى شراء دار من رجل فشهدوا أنه اشتراها من وكيله لا تقبل وكذا لو شهدوا أن فلانا باعها منه وهذا المدعى عليه أجاز البيع ادعى أنك قبضت من مالي جملا بغير حق مثلا وذكر سنه وقيمته فشهدوا
____________________
(7/435)
أنه قبض من فلان غير المدعي تقبل ويجبر على إحضاره لأنه قال من مالي ولم يقل قبضت مني فلا يكون ما شهدا به يناقضه فيحضره ليشير إليه بالدعوى فإذا اختلف الشاهدان ووجد شرط القبول في شهادة أحدهما فقط وهو ما طابق الدعوى من الشاهدين فالواحد لا تقوم به الحجة للقاضي وإنما قيد الاشتراط بحقوق العباد احترازا عن حقوق الله سبحانه فإن دعوى مدع خاص غير الشاهد ليس شرطا لقبول الشهادة لأن حقه تعالى واجب على كل أحد القيام به في إثباته وذلك الشاهد من جملة من عليه ذلك فكان قائما في الخصومة من جهة الوجوب عليه وشاهدا من جهة تحمل ذلك فلم يحتج فيها إلى خصم آخر قوله ويعتبر اتفاق الشاهدين الخ أي يشترط التطابق بين كل من الشاهدين كما بين الشهادة والدعوى أيضا لوجوب القضاء ثم الشرط في تطابق الشاهدين عند أبي حنيفة رحمه الله في اللفظ والمعنى والمراد من تطابقهما تطابق لفظهما على إفادة المعنى سواء كان بعين ذلك اللفظ أو بمرادف حتى لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالعطية قبلت لا بطريق التضمن فلو شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل فلم يقض بشيء عند أبي حنيفة وعندهما تقبل على الألف إذا كان المدعي يدعي ألفين بخلاف مالو كان يدعي ألفا لا يقضى بشيء اتفاقا لأنه أكذب شاهد الألفين إلا إن وفق فقال كان لي عليه ألفان فقضاني ألفا أو أبرأته من ألف والشاهد لا يعلم بذلك فحينئذ يقضى له بالألف وعلى هذا لو شهد أحدهما بمائة والآخر بمائتين أو بطلقة وطلقتين وطلقة وثلاث لا يقضى بطلاق أصلا عنده وعندهما يقضى بالأقل وعلى هذا الخمسة والعشرة والعشرة والخمسة عشر والدرهم والدرهمان وهذا في دعوى الدين اما في دعوى العين بأن كان في كيس ألفا درهم فشهد أحدهما أن جميع ما في الكيس وهو ألفا درهم له وشهد آخر أن جميع ما في الكيس له وهو ألف درهم قبلت شهادتهما لأن ذكر المقدار في المشار إليه مستغنى عنه ذكره الخبازي وبقولهما قال الشافعي وأحمد رحمهما
____________________
(7/436)
الله ثم في رواية عن الشافعي وأحمد يستحق الزائد بالحلف عليه لهما أنهما اتفقا على الألف أو الطلقة وتفرد أحدهما بالزيادة فيثبت ما اجتمعا عليه دون ما تفرد به أحدهما وصار كالألف والألف والخمسمائة حيث اتفقنا على أنه يقضى بالألف لذلك وهو أنهما اجتمعا على الشهادة بها ولأبي حنيفة رحمه الله أنهما اختلفا في لفظ غير مرادف لأن الألف لا يعبر به عن الألفين ويلزمه اختلاف المعنى فإنما هما أي الألف والألفان جملتان أي عددان متباينتان حصل على كل واحدة منهما شاهد وصار كما إذا اختلف جنس المال بأن شهد أحدهما بكر
____________________
(7/437)
شعير والآخر بكر حنطة أو بمائة بيض والآخر بمائة سود والمدعي يدعي السود لا تقبل على شيء أصلا لأن المدعي كذب شاهد البيض إلا أن يوفق المدعي فيقول كان لبي البيض فأبرأته من صفة الجودة فتقبل حينئذ أما لو كان يدعي البيض ولها مزية فإنه يقضى بالسود ولم يحكوا خلافا ذكره في الخلاصة عن الأقضية وكذا لو شهد لمدعي كر حنطة وقال أحدهما جيدة وقال الآخر رديئة والدعوى بالأفضل يقضى بالأقل وكذا لو ادعى مائة دينار فقال أحدهما نيسابورية وقال الآخر بخارية والمدعي يدعي النيسابورية وهي أجود يقضى بالبخارية بلا خلاف ينقل ويحتاج إلى الفرق على قول أبي حنيفة وهو أنهما اتفقا على الكمية والجنس فصار كما لو شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة فإن قيل لم يقع جواب قولهما الشاهد بالألفين شاهد بالألف في ضمنهما فاجتمعا عليها وتفرد أحدهما بالزيادة فلا يقبل أجيب بأنه ما شهد بها إلا من حيث هي جزء الألفين فإنما تثبت الألف في ضمن ثبوت الألفين لأن المتضمن لا يثبت بدون المتضمن ولم يثبت الألفان فلم يثبت الألف فإن قيل يشكل على قوله ما لو ادعى ألفين وشهدا بألف تقبل بالاتفاق مع عدم المطابقة بين الدعوى والشهادة وهي شرط على قول الكل وما لو شهد أحدهما أنه قال لها أنت خلية والآخر أنت برية لا يقضى ببينونة اصلا مع إفادتهما معا البينونة وتقدم أن اختلاف اللفظ له وحده غير ضائر كما لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالعطية تقبل أجيب عن الأول بأن الاتفاق بين الدعوى والشهادة وإن اشترط لكن ليس على وزان اتفاقه بين الشاهدين ألا ترى أنه لو ادعى الغصب أو القتل فشهدوا بإقراره به تقبل ولو شهد أحدهما بالغصب والآخر على إقراره به لا تقبل وحينئذ فقد حصلت الموافقة بين الدعوى والشهادة فإنه لما كان يدعي ألفين كان مدعيا الألف وقد شهد به اثنان صريحا فتقبل بخلاف شهادتهما بالألف والألفين لم ينص شاهد الألفين على الألف إلا من حيث هي ألفان ولم يثبت الألفان وفي المبسوط والأسرار الذي يبطل مذهبهما ما لو شهد شاهدان بطلقة يعني قبل الدخول وآخران بثلاث وفرق
____________________
(7/438)
القاضي بينهما قبل الدخول ثم رجعوا كان ضمان نصف المهر على شاهدي الثلاث لا على شاهدي الواحدة ولو اعتبر ما قالا إن الواحدة توحد في الثلاث كان الضمان عليهما جميعا ولا يلزم ما إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة تقع الواحدة لأن التفويض تمليك فقد ملكها الثلاث بالتفويض إليها فيها والمالك يوجد من مملوكه ما شاء كما لو طلقها ألفا يقع الثلاث لملكه العدد غير أنه لغا ما فوق الثلاث شرعا وأما عن الثاني فيمنع الترادف لأن معنى خلية ليس معنى برية لغة والوقوع ليس إلا باعتبار معنى اللغة ولذا قلنا إن الكنايات عوامل بحقائقها فهما لفظان متباينان لمعنيين متباينين غير أن المعنيين المذكورين المتباينين يلزمهما لازم واحد هو وقوع البينونه والمتباينات قد تشترك في لازم واحد فاختلافهما ثابت في اللفظ والمعنى فلما اختلف المعنى منهما كان دليل اختلال تحملهما فإن هذا يقول ما وقعت البينونة إلا بوصفها بخلية والآخر يقول لم تقع إلا بوصفها ببرية وإلا فلم تقع البينونة هذا كله إذا لم يدع المدعي عقدا أما إن ادعى المال في ضمن دعوى العقد من البيع والإجارة فالجواب ما ستعلمه في آخر الباب واعلم أن من المسائل المذكورة في أوقاف الخصاف ما يخالف أصل أبي حنيفة ذكرها ولم يذكر خلافا بل اشار إلى أنها اتفاقية فإنه ذكر فيما إذا شهد أحدهما أنه جعلها صدقة موقوفة أبدا على أن لزيد ثلث غلتها وشهد آخر أن لزيد نصفها قال اجعل لزيد ثلث غلتها الذي اجمعا عليه والباقي للمساكين وكذا إذا سمى أحدهما مالا لزيد من الصدقة والآخر أقل منه أحكم لزيد بما أجمعا عليه وكذا إذا شهد أحدهما أنه قال يعطى لزيد من غلة هذا الوقف في كل سنة ما يسعه ويسع عياله بالمعروف وقال الآخر يعطى ألفا قال أقدر نفقته وعياله في العام فإن كانت أكثر من الألف حكمت له بالألف أو الألف أكثر اعطيته نفقته والباقي للمساكين هذا بعد أن أدخل الكسوة في النفقة ثم أورد على نفسه فقال قلت فلم أجزت هذه الشهادة وقد اختلفا في لفظهما قال المعنى فيه أنه إنما أراد الواقف إلى أن لزيد بعض هذه الغلة فأجعل له الأقل انتهى فإيراد هذا السؤال هو الذي ذكرت أنه أشار إلى أنها اتفاقية فإن إيراده ليس إلا باعتبار قول أبي حنيفة وقوله وقد اختلف لفظهما صريح فيه ثم قال هذا استحسان والقياس أن الشهادة باطلة انتهى وحاصله أنا علمنا استحقاقه بعض هذا المال وترددنا بين أقل وأكثر فيثبت المتيقن ولا يخلو عن نظر
فروع ادعى بالمبيع عيبا فشهد أحدهما أنه اشتراه وبه هذا العيب وشهد الآخر على إقرار البائع به لا تقبل كما لو ادعى عينا أنه له فشهد أحدهما أنه ملكه والآخر على إقرار ذي اليد أنه ملكه لا تقبل ومثله دعوى الرهن فشهد به بمعاينة القبض والآخر على إقرار الراهن بقبضه لا تقبل قال ظهير الدين الرهن في هذا كالغصب وكذا الوديعة لو أعادها فشهدا بإقرار المودع قبلت ولو شهد أحدهما بها والآخر بالإقرار بها لا تقبل على قياس الغصب وعلى قياس القرض تقبل بخلاف ما لو ادعى أنه باع بيع الوفاء فشهد أحدهما أنه باع بشرط الوفاء والآخر ان المشتري أقر بذلك تقبل للموافقة لأن البيع في الإخبار والإنشاء واحد ومثله ادعت صداقها فقال وهبتني إياه فشهد أحدهما على الهبة والآخر على الإبراء تقبل للموافقة لأن حكمهما واحد وهو السقوط وقيل لا للاختلاف لأن الإبراء إسقاط والهبة تمليك والأول أوجه لأنه وإن كان إسقاطا يتضمن التمليك ولهذا يرتد بالرد
____________________
(7/439)
ولو شهد على إقرار المدعى عليه أن المدعى به في يده والآخر أنه في يده لا تقبل وفي المحيط ادعى دارا فشهد أنها داره والآخر على إقرار ذي اليد أنها له لا تقبل بخلاف ما لو شهد أحدهما على الدين والآخر على الإقرار به تقبل بخلاف ما لو شهد أنها جاريته والآخر على إقراره بها لا تقبل وبخلاف ما إذا شهد أنها جاريته والآخر أنها كانت له تقبل بخلاف ما إذا شهد الآخر أنها كانت في يده وإذا راجعت القاعدة التي نذكرها من الفرق بين اختلاف الشاهدين في القول والفعل خرجت كثيرا من الفروع والله سبحانه العليم قوله وإن شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة قبلت الشهادة على ألف بالاتفاق عندهما ظاهر وعنده لأنهما اتفقا على الألف لفظا ومعنى وانفراد أحدهما بالشهادة بجملة أخرى منصوص على خصوص كميتها لا يقدح في الشهادة بالألف كما لو شهد أحدهما بألف درهم ومائة دينار وهو يدعيهما ولو كان انما يدعي الألف وسكت عن التوفيق لم يقض بشيء لأنه إكذاب لشاهد الألف وخمسمائة ظاهرا لأن السكوت في موضع البيان بيان إلا إن وفق فقال كان حقي ألفا وخمسمائة فقضاني أو أبرأته من خمسمائة على نظير ما تقدم ومالم يوفق صريحا لا يقضى بشيء ولا يكفي احتمال التوفيق
____________________
(7/440)
في الأصح بخلاف ما إذا قال ما كان لي إلا ألف لأنه إكذاب صريح لا يحتمله التوفيق فلا يقضى بشيء قوله وإذا شهدا بألف وقال أحدهما قضاه منها خمسمائة قضى بالألف لقبول شهادتهما عليها ولم يسمع قوله إنه قضاه لأنه شهادة فرد بسقوط بعض الحق بعد ثبوته فلا تقبل إلا أن يشهد معه آخر وعن أبي يوسف رحمه الله في غير المشهور عنه أنه يقضى بخمسمائة فقط لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن الدين ليس إلا خمسمائة وجوابه ما قلنا يعني قوله لاتفاقهما عليه يعني فبعد ثبوت الألف باتفاقهما شهد واحد بسقوط خمسمائة فلا تقبل بخلاف ما لو شهدا بألف وقال أحدهما إنه قضاه إياها بعد قرضه فإنه يقضى بالكل على قول الكل وعن أبي يوسف لا تقبل شهادة شاهد القضاء وذكروا قول زفر كقول أبي يوسف في هذه الرواية فإنه إكذاب من المدعي فهو كما لو فسقه وجه الظاهر ما قدمناه من أنهما اتفقا وتفرد أحدهما إلى آخره ولا يلزم من الإكذاب التفسيق لجواز كونه تغليطا له قال القدوري وينبغي للشاهد إذا علم بذلك أي بقضاء الخمسمائة أن لا يشهد حتى يعترف المدعي بقبضها لأنه لو شهد فإما بالألف ثم يقول قضاه منها خمسمائة وعلمت أنه يقضى فيها بألف فيضيع حق المدعى عليه وإما بخمسمائة يثبت اختلافهما إذا شهد أحدهما بألف والآخر بخمسائة وفيه لا تقبل الشهادة أصلا على قول
____________________
(7/441)
أبي حنيفة فيضيع حق المدعي فالوجه أن لا يشهد الذي عرف القضاء حتى يعترف المدعي بالقدر الذي سقط عن المدعى عليه والمراد هنا من لفظ لا ينبغي لا يحل نص عليه في جامع أبي الليث ومن هذا النوع رجل أقر عند قوم أن لفلان عليه كذا فبعد مدة جاء رجلان أو اكثر إلى القوم فقالوا لا تشهدوا على فلان بذلك الدين فإنه قضاه كله فالشهود بالخيار إن شاءوا امتنعوا عن الشهادة وإن شاءوا أخبروا الحاكم بشهادة الذين أخبروهم بالقضاء فإن كان المخبرون عدولا لا يقضي القاضي بالمال هذا قول الفقيه أبي جعفر وأبي نصر محمد بن سلام ولو شهد عندهم واحد لا يسعهم أن يدعوا الشهادة وكذا إذا حضروا بيع رجل أو نكاحه أو قتله فلما أرادوا أداء الشهادة شهد عندهم بطلاق الزوج ثلاثا أو قيل عاينا امرأة أرضعتهما أو أعتق العبد قبل أن يبيعه أو عفا عنه الولي إن كان واحدا شهدوا أو اثنين لا يسعهم أن يشهدوا وكذا لو رأى عينا في يد رجل يتصرف فيها تصرف الملاك فأراد أن يشهد بالملك له فأخبره عدلان أن الملك للثاني لا يسعه ان يشهد بالملك للأول ولو أخبراه أنه باعه من ذي اليد له أن يشهد بما علم ولا يلتفت إلى قولهما هذا وإنما نص على مسئلة الجامع بعد مسئلة القدوري لأنه قد يتوهم أن تفريعها عليها على رواية أبي يوسف التي نقلها يقتضي أنه لو شهد أحدهما بألف فقال أحدهما قضاه إياها أن لا يقضى بشيء على رواية أبي يوسف فذكرها للإعلام بالفرق وقيل لأنه قد كان لقائل أن يقول في مسئلة الجامع لا تقبل شهادة شاهد القضاء على وجوب المال متقدما لأن في المسئلة الأولى للشاهد أن يقول أنا تحملت الشهادة وأحتاج إلى الخروج منها وقد قضاه خمسمائة ولكني أشهد كما أشهدت عليه وهو ألف فإذا ظهرت شهادته مع الاخر بها قضى له بالألف أما في مسئلة الجامع فالشاهد يذكر أن الشهادة سقطت عنه وليس علي أداؤها فشهادتي باطلة فلا يقضى بالألف فرواية الجامع الصغير أزالت هذه الشبهة وأثبتت جواز الشهادة واستروح في النهاية فقال التفاوت بين مسئلة الجامع والمسئلة التي قبلها أن في مسئلة الجامع أحد الشاهدين شهد بقضاء المديون كل الدين وفي التي
____________________
(7/442)
قبلها شهد بقضاء بعض الدين قوله وإذا شهد شاهدان أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة وآخران أنه قتله يوم النحر بالكوفة واجتمعوا عند الحاكم لم يقض بواحدة منهما فلو لم يجتمعوا بل شهدا أنه قتله بمكة فقضي بها ثم شهد آخران أنه بالكوفة فإنه يقتل المشهود عليه أما الأول فلكذب إحداهما بيقين ولا أولوية فلا قبول وأما الثاني فللأولوية باتصال القضاء الصحيح بها فإنه حين قضي بالأولى لا معارض لها إذ ذاك فنفذ شرعا فلا يتغير الحكم الشرعي الذي ثبت شرعا بحدوث معارض كمن له ثوبان في أحدهما نجاسة شك في تعيينه فتحرى وصلى في أحدهما ثم وقع ظنه على طهارة الآخر لا يصلي فيه ولا تبطل صلاته في الأول لأنه ثبت بتحريه الأول حكم شرعي هو الصحة بعد الوجوب فيه فلا يؤثر التحري الثاني في رفعه وكذا الاختلاف في الآلة قال أحدهما قتله بسيف وقال الآخر بيده لا تقبل وكذا إن شهد بالقتل والآخر بالإقرار به لا تقبل لاختلاف المشهود به لأن القول غير الفعل الذي هو نفس القتل ولم يتم على أحدهما نصاب وكذا الضرب الواقع أمس وبتلك الآلة ليس عين الضرب الواقع اليوم وبالأخرى حقيقة ولا حكما لأنه لا يمكن جعل الفعل الثاني إخبارا عن الأول ليتحد الفعل نفسه وكل ما هو من باب الفعل كالشج والجناية مطلقا والغصب أو من باب القول المشروط في صحته الفعل كالنكاح المشروط فيه إحضار الشهود فاختلافهما في الزمان أو المكان أو الإنشاء أو الإقرار يمنع القبول لما ذكرنا إذ المراد بالإنشاء والإقرار ذكر أن إنشاء الفعل والإقرار به مثاله ما لو ادعى الغصب فشهد أحدهما به والآخر بالإقرار به لا تقبل ولو شهدا جميعا بالإقرار به قبلت بخلاف اختلافهما في الزمان والمكان فيما هو من باب القول كالبيع والشراء والطلاق والعتاق والوكالة والوصية والرهن والإقرار والقرض والبراءة والكفالة والحوالة والقذف لا يمنع القبول فإن القول مما يتكرر بصيغة واحدة إنشاء وإخبارا وهو في القرض بحمله على قول المقرض أقرضتك وكذا يقبل في الرهن والهبة والصدقة والشراء وإن كانا يشهدان بمعاينة القبض لأن القبض يكون غير مرة وفي المحيط ادعى عينا في يد رجل أنها ملكه وأن صاحب اليد قبضها بغير حق منذ شهر وشهدوا له بالقبض مطلقا لا تقبل لأن شهادتهم على القبض بلا تاريخ محمول على الحال والمدعي يدعي الفعل في الماضي والفعل في الماضي غيره في الحال كما لو ادعى القتل من شهر فشهدوا به في الحال وكذا لو ادعى القتل مطلقا وشهدوا به من شهر لأنه
____________________
(7/443)
ادعى الفعل في الحال وهم شهدوا به في الماضي فلا تقبل إلا إذا وفق وقال أردت من المطلق الفعل من ذلك الوقت وقيل تقبل في هذا من غير توفيق لأن المطلق أكثر وأقوى من المؤرخ فقد شهدوا بأقل مما ادعى به فتقبل انتهى فقد ظهر أن من الفعل القبض
ومن الفروع على الأصل المذكور ادعى الشراء أول من أمس فشهدوا به أمس تقبل لأنه قول ولو ادعى النكاح أول من أمس فشهدوا به امس لا تقبل لأنه يتضمن الفعل كما ذكرنا من قريب هذا كله مذهبنا وقال الشافعي وأحمد في ظاهر روايته اختلافهما في الزمان والمكان يمنع في الكل إلا إذا شهد أنه طلقها يوم الخميس وقال الآخر أقر بطلاقها يوم الجمعة وإذا شهدا على إقرار الراهن والواهب والمتصدق بالقبض جازت ولو ادعى البيع وشهدا على إقرار البائع به واختلفا في الزمان أو المكان قبلت وكذا لو شهد أحدهما بالبيع والشراء والآخر على الإقرار به تقبل لأن لفظهما سواء في الإقرار والإنشاء فلم يثبت اختلاف المشهود به ذكره في الفصول وفيه عن الفتاوى الصغرى لو سكت شاهدا البيع عن بيان الوقت فسألهما القاضي فقالا لا نعلم ذلك تقبل لأنهما لم يكلفا حفظ ذلك قوله وإذا شهدا الخ صورتها ادعي على رجل أنه سرق له بقرة ولم يذكر لها لونا وأقام بينة فشهد أحدهما
____________________
(7/444)
بسرقته حمراء والآخر سوداء قال أبو حنيفة رحمه الله تقبل ويقطع وقالا هما والأئمة الثلاثة لا يقطع ولو أن المسروق منه عين لونا كحمراء فقال أحدهما سوداء لم يقطع إجماعا لأنه كذب أحد شاهديه ولا فرق فيما إذا لم يعين المدعي لونا بين كون اللونين اللذين اخلتفا فيهما متقاربين كالسواد والحمرة أو متباعدين كالبياض والسواد في ثبوت الخلاف وقيل في المتباعدين الاتفاق على عدم القبول والأصح الأول ولم يذكر المصنف تصحيحه وذكره في المبسوط والظهيرية وعلى الخلاف المذكور لو ادعى سرقة ثوب مطلقا فقال أحدهما هروي والآخر مروي ولو اختلفا في الزمان والمكان لم تقبل إجماعا لما ذكرنا من الفرق بين السرقة والغصب بقليل تأمل لهما أنهما اختلفا في المشهود به فلم يوجد على كل منهما نصاب شهادة فكان كما لو اختلفا في ذكورتها وأنوثتها أو في قيمتها لا تقبل كذا هذا وأيضا بطريق الدلالة في الغصب فإنهما لو شهدا على غصب بقرة فقال أحدهما سوداء أو حمراء والآخر بيضاء لم تقبل مع أنه لا يتضمن قبولها إثبات حد فلأن لا تقبل فيما يوجب حدا أولى لأن الحد أعسر إثباتا فإنه لا يثبت بشهادة النساء وأما ما زيد من أنه لا يثبت بأقل من أربعة فليس مما فيه الكلام أعني السرقة بل يخص الزنا ولأبي حنيفة أن بمجرد شهادتهما بسرقة بقرة وهو المدعى به بلا ذكر المدعي لونا خاصا يثبت الحد ولم يقع فيه اختلاف بل وقع فيما ليس من نفس المشهود به وهذا لأنهما لم يكلفا علم لونها فإنهما لو قالا لا نعلم لونها لا تسقط شهادتهما ويجب الحد واختلافهما في أمر زائد لا يلزمهما مما ليس مدعى به لا يبطل الحد كما لو اختلفا في ثياب السارق فقال أحدهما سرقها وعليه ثوب أحمر وقال الآخر أبيض فإنه يقطع وكما لو اختلفا في مكان الزنا من البيت فقال أحدهما في هذه الزاوية وقال الآخر في تلك فإنه يحد وعلى هذا فلا حاجة في قبولها إلى التوفيق كما
____________________
(7/445)
فهمه العلامة السرخسي غير أنا تبرعنا بالتوفيق بما ذكر من أن السرقة تكون غالبا ليلا ونظر الشاهد إليه من بعيد وذلك سبب اشتباه اللون إذا كانا متقاربين كالسواد والحمرة وقد يجتمعان وإن كانا متباعدين في البلقاء فيرى كل لونا غير الآخر فيحمل اختلافهما على أحد الأمرين فعلى الأول أو الثاني إذا اختلفا في المتقاربين وعلى الثاني فقط في المتباعدين بخلاف الغصب فإنه يقع نهارا فلا اشتباه فيه وبخلاف الذكورة والأنوثة لأنهما يكلفان معرفة ذلك لتعلم القيمة فيعلم أن المسروق بلغ نصابا أولا ولأن ذكره الذكورة دليل على أنه رآه من قريب وتحقق بحيث لا يشتبه عليه الحال فلا يتم ذلك التوفيق فالاختلاف وإن كان في زيادة فقد شغب بها على نفسه فظهر أن هذا التوفيق ليس احتياطا لإثبات الحد كما لم يكن التوفيق في اختلافهما في مكان الزنا من البيت بأنهما قد ينتقلان بحركة الوطء من مكان إلى مكان احتياطا لإثباته ولا أن وجه قولهما أدق وأحق من قوله كما ظنه صاحب الأسرار وما قيل إن التوفيق لإثبات الحقوق واجب فيفعل ثم يجب الحد حينئذ ضرورة ثبوت السرقة حينئذ إن لم يصح منع وجوبه مطلقا بل إذا لم يستلزم وجوب حد قوله ومن شهد لرجل الخ صورتها على ما في الجامع في الرجل يدعي على رجل أنه باعه هذا العبد بألف وخمسمائة فينكر البائع البيع فيقيم عليه شاهدا بألف وشاهدا بألف وخمسمائة قال يعني أبا حنيفة رحمه الله هذا باطل إلى آخر ما هناك فقد يظن أن هذا يناقض ما تقدم من أن الشاهدين إذا اختلفا فشهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة والمدعي يدعي ألفا وخمسمائة قضي بألف بالاتفاق بين الثلاثة وهنا لا تقبل في شيء ولو كان المدعي يدعي ألفا وخمسمائة فلا بد من بيانه وهو أن ذلك فيما إذا ادعى دينا فقط والمقصود هنا دعوى العقد ألا ترى إلى قوله في الجامع فينكر البائع البيع ولأنه لو كان المقصود الدين لم يحتج إلى ذكر السبب وإذا كان المدعى به البيع فالبيع يختلف باختلاف الثمن لأن الثمن من أركانه والمركب
____________________
(7/446)
الذي بعض أجزائه مقدار خاص غير مثله بمقدار أكثر منه ولم يتم على أحدهما نصاب شهادة فلا يثبت البيع أصلا ولأن المدعي يكذب أحد شاهديه وهو الشاهد بالألف وكذا إذا كان المدعي هو البائع بأن ادعى أنه باعه بألف وخمسمائة فأنكر المشتري الشراء فأقام الشاهدين كذلك ولا فرق بين أن يدعي المدعي منهما أكثر المالين أو أقلهما لما بينا من اختلافهما في المشهود به والتكذيب من المدعي وفي الفوائد الظهيرية عن السيد الإمام الشهيد السمرقندي تقبل لأن الشراء الواحد يكون بألف ثم يصير بألف وخمسمائة بأن يزاد في الثمن فقد اتفقا على الشراء الواحد بخلاف ما لو قال أحدهما اشترى بألف والاخر بمائة دينار لأن الشراء لا يكون بألف ثم يكون بمائة دينار وقال بعض المحققين من الشارحين فيه نوع تأمل كأنه والله تعالى أعلم لو جاز لزم القضاء ببيع بلا ثمن إذ لم يثبت أحد الثمنين بشهادتهما ثم لا يفيد لأنه تعود الخصومة كما كانت في الألف والخمسماءة المدعى بها وإنما كان السبب وسيلة إلى إثباتها
ومن هذا النوع ثمانية مسائل ذكرها المصنف إحداها هذه والثانية الكتابة ذكرها في الجامع قال وكذلك الكتابة إذا ادعاها العبد وأنكر المولى يعني الكتابة على وزان ما ذكر في البيع زاد المصنف فقال وكذا إذا كان المدعي هو المولى لأن دعوى السيد المال على عبده لا تصح إذ لا دين له على عبده إلا بواسطة دعوى الكتابة
____________________
(7/447)
فينصرف إنكار العبد إليه للعلم بأنه لا يتصور له عليه دين إلا به فالشهادة ليست إلا لإثباتها الثالثة والرابعة والخامسة الخلع والإعتاق على مال والصلح عن دم العمد إن كان المدعي هو المرأة في الخلع والعبد في العتق والقاتل في الصلح عن دم العمد لأن المقصود إثبات العقد لأنه هو الذي يفيدهم الخلاص وهو مقصودهم وإن كان الدعوى من الجانب الآخر وهو الزوج والمولى وولي القتيل فهو بمنزلة الدين فيما ذكرنا من الوجوه وهو أنه إذا ادعى أكثر المالين فشهد به شاهد والآخر بالأقل فإن كان الأكثر بعطف مثل ألف وخمسمائة قضي بالأقل اتفاقا وإن كان بدونه كألف وألفين فكذلك عندهما وعندأبي حنيفة لا يقضى بشيء وهذا لأنه ثبت العفو والعتق والطلاق باعتراف صاحب الحق فلم تبق الدعوى إلا في الدين والسادسة الرهن إن كان المدعي هو الراهن لا تقبل الشهادة بشيء أصلا لأن قبولها بناء على صحة الدعوى ولم تصح لأنه أي الراهن لا حظ له في الرهن أي لا يقدر على استرداده ما دام الدين قائما فلا فائدة لهذه الدعوى فلم تصح وإن كان المدعي هو المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين وعلمت حكمه فإن قيل الرهن لا يثبت إلا بإيجاب وقبول فكان كسائر العقود فينبغي أن يكون
____________________
(7/448)
اختلاف الشاهدين في قدر المال كاختلافهما فيه في البيع والشراء أجيب بأن الرهن غير لازم في حق المرتهن فإن له أن يرده متى شاء بخلاف الراهن ليس له ذلك فكان الاعتبار لدعوى الدين في جانب المرتهن إذ الرهن لا يكون إلا بالدين فتقبل بينته في ثبوت الدين ويثبت الرهن بألف ضمنا وتبعا للدين ولا شك أن دعوى المرتهن إن كان مثلا هكذا أطالبه بألف وخمسمائة لي عليه على رهن له عندي فليس المقصود إلا المال وذكر الرهن زيادة إذ لا يتوقف ثبوت دينه عليه بخلاف دين الثمن في البيع وإن كان هكذا أطالبه بإعادة رهن كذا وكذا كأن رهنه عندي على كذا ثم غصبه أو سرقه مثلا فلا شك أن هذا دعوى العقد فاختلاف الشاهدين في أنه رهنه بألف أو ألف وخمسمائة وإن كان زيادة يوجب أن لا يقضى بشيء لأن عقد الرهن يختلف به والسابعة الإجارة إن كان في أول المدة فهو كالبيع بأن ادعى المستأجر أو الآجر أنه أجره هذه الدار سنة بألف وخمسمائة فشهد واحد كذلك وآخر بألف لا تثبت الإجارة كالبيع إذ قبل استيفاء المنفعة لا يستحق البدل فكان المقصود إثبات العقد وهو يختلف باختلاف البدل فلا تثبت الإجارة وإن كان بعد مضيها استوفى المنفعة أو لم يستوف بعد أن تسلم فإن
____________________
(7/449)
كان المدعي هو المؤجر فهو دعوى الأجرة فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة وهو يدعي الأكثر يقضى بألف إذ ليس المقصود بعد مضي المدة إلا الأجرة وإن شهد الآخر بألفين والمدعي يدعيهما لا يقضى بشيء عنده وعندهما بألف وإن كان المدعي هو المستأجر فهو دعوى العقد بالإجماع لأنه معترف بمال الإجارة فيقضى عليه بما اعترف به فلا يعتبر اتفاق الشاهدين أو اختلافهما فيه ولا يثبت العقد للاختلاف والثامنة النكاح وقد علمت أن النكاح أجرى مجرى الفعل حتى لا يقبل الاختلاف حتى لو ادعى نكاحها فشهد أحدهما أنها زوجت نفسها منه وشهد الآخر أن وليها زوجها منه لا تقبل ولو ادعى هو عليها ثانيا أنها زوجت نفسها منه فشهد هذا بأنها زوجت نفسها منه تقبل وإنما تقبل إذا ادعى أنها زوجت نفسها منه فشهدا أن وكيلها فلان بن فلان زوجها لأن لفظ زوجت نفسها يصدق به في العرف وقد أطلق محمد في الجامع عن أبي حنيفة رحمهما الله فقال فأما النكاح فإن أبا حنيفة كان يقول إذا جاءت بشاهد يشهد على ألف وخمسمائة وشاهد يشهد على ألف جازت الشهادة بالألف وهي تدعي ألفا وخمسمائة فأما يعقوب ومحمد فقالا النكاح باطل أيضا فمشى المصنف رحمه الله على إطلاقه فلم يفصل بين كون المدعى فيه الزوج أو الزوجة وجعله الأصح نفيا لما حكاه من القول بالتفصيل بين كون المدعي الزوج فلا يصح باتفاقهم لأنه دعوى العقد إذ الزوج لا يدعي عليها مالا وكونه الزوجة فهو على الخلاف وقال في وجه الأصح ما ذكرنا يعني ما ذكره من التعليل لأبي حنيفة من أن المال تابع في النكاح وإنما المقصود منه الحل والازدواج والملك ولا اختلاف في هذا بل في التبع وإذا وقع في التبع يقضى بالأقل لاتفاقهما عليه وحينئذ يلزم بالضرورة القضاء بالنكاح بألف فإن هذا الوجه يقتضي الصحة بالأقل بلا تفصيل وأيضا أجرى إطلاقه في دعوى الأقل والأكثر فصحح الصحة سواء ادعى المدعي الأقل أو الأكثر وهذا مخالف للرواية فإن محمدا رحمه الله في الجامع قيده بدعوى الأكثر حيث قال جازت الشهادة بألف وهي تدعي ألفا وخمسمائة والمفهوم يعتبر رواية وبقوله ذلك أيضا يفهم لزوم التفصيل في المدعى به بين كونه الأكثر فيصح عنده أو الأقل فلا يختلف في البطلان بتكذيب المدعي شاهد الأكثر كما عول عليه محققو المشايخ فإن قول محمد وهي تدعي الخ يفيد تقييد قول أبي حنيفة رحمه الله بالجواز بما إذا كانت هي المدعية للأكثر دونه فإن الواو فيه للحال والأحوال شروط فيثبت العقد باتفاقهما ودين ألف
____________________
(7/450)
فروع شهد أنه أقر أنه غصب من فلان هذا العبد والآخر أنه أقر أنه أخذه منه يقضى به للمدعي ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه أخذه منه والآخر أنه أقر بأنه له لم يقض للمشهود له بشيء ولو شهد أنه أقر أنه غصبه منه والآخر أنه أقر بأن المدعي أودعه إياه تقبل وزاد في المنتقى حين وضعها ثانية في الثوب لو قال المدعي أقر بما قالا لكنه غصبه مني تقبل ويجعل ذو اليد مقرا بملكية الثوب للمدعي فلا تقبل بينة المدعى عليه على الثوب بعده ثم قال فيما لو شهد أحدهما على إقراره بأخذه والآخر على إقراره بالإيداع منه وقال المدعي إنما أودعته منه لا تقبل لعدم اجتماعهما على الإقرار بملك ولا بأخذ لأن شاهد الوديعة لم يشهد بالأخذ فلزم المناقضة في الحكم والدليل واعلم أنه ذكر فيما إذا شهد على إقراره بغصبه والآخر على إقراره بأخذه منه يقضى به للمدعي ويجعل المدعى عليه على حجته لأن إقراره بالأخذ ليس إقرارا بالملك فظهر الفرق فلا مناقضة إذا كان الأخذ لا يدل على الملك شهد أنه اقر بأنه اشترى هذا العين من المدعي والآخر على إقراره بإيداعه المدعي إياه منه قضي للمدعي ولو كان الشاهد الثاني شهد بأنه أقر بأن المدعي دفع إليه هذاالعين قضى به للمدعي أيضا لكن لو برهن ذو اليد على شرائه منه بعد القضاء تقبل ألا ترى أن رجلا لو قال دفع إلي فلان هذا العين ثم برهن على أنه اشتراه منه تقبل وفي الزيادات قال أحدهما أعتق كله وقال الآخر نصفه لا تقبل ولو ادعى ألفين فشهد أحدهما بألف والآخر بألفين تقبل على الألف إجماعا ادعى الشراء فشهدا بالهبة والقبض لا تقبل إلا إن وفق فقال جحدني الشراء فاستوهبتها منه وأعاد البينة على الهبة لأن الأولى ما قامت على ما ادعى به من الهبة وإنما ادعاها الآن فيقيم بينة دعواه ادعى أنه ورثها من أبيه فشهد أحدهما كذلك والآخر من امه لا تقبل ادعى دارا فشهدا له بمدعاه وقضى له ثم اقر المقضي له أن البناء للمقضي عليه لا يبطل الحكم بالأرض للمدعي وإن شهدا بالبناء والأرض والباقي بحاله بطل الحكم لأنه أكذبهما فيما قضاه من البناء بخلاف الأول لأن دخول البناء محتمل فإقرار المدعي بعدم دخوله بيان لأحد الاحتمالين شهد أنها ولدت منه والآخر أنها حبلت منه أو شهد أنها ولدت منه غلاما والآخر جارية تقبل شهد أنه أقر ان المدعى سكن هذه الدار والآخر أنها له لا تقبل ولو شهد أنه أقر بأن هذه الدار له وشهد الآخر أنه ساكنها قضى بها له شهد أن قيمة الثوب الهالك كذا والآخر على إقراره بها لا تقبل شهد على صريح الإذن والآخر أنه رآه يبيع فلم ينهه لا تقبل بخلافها على الإذن في الطعام والاخر عليه في الثياب تقبل على الإذن وفي الأقضية ادعى عبدا في يد رجل فشهدا على إقراره أنه ملكه تقبل ولو على إقراره بالشراء منه وأنكر المدعي البيع يأخذه المدعي لأن الإقرار بالشراء والاستيام إقرار بالملك للبائع على رواية الجامع أو بعدم ملك نفسه فيه على رواية الزيادات فقد أقر أنه لا ملك له فيه ولا أحد متعرض للمدعي فيأخذه وكذا لو شهد أحدهما على إقراره بالشراء منه والآخر على إقراره بالهبة منه والمدعي ينكر وكذا لو شهد أحدهما على الشراء منه بألف والآخر بمائة دينار أو قال الآخر استأجره منه وكذا لو شهد أنه باعه المدعي منه والآخر أنه أودعه عنده وكذا لو شهدا على إقراره أن المدعي
____________________
(7/451)
دفعها إليه شهد على إقراره بأنه أخذ منه هذا والآخر على إقراره بأنه أودعه منه تقبل لاتفاقهما على الإقرار بالأخذ لكن بحكم الوديعة أو الأخذ منه منفردا شهد أن له عليه كذا دينارا والآخر أنه أقر أنه عليه تقبل شهد أنه طلقها بالعربية والآخر بغيرها في المنتقى عن أبي يوسف لا تقبل ولو كان هذا بالإقرار بالمال تقبل وليس الطلاق كذلك لأني أنويه في وجوه كثيرة وفيه لو شهد أنه قال لعبده أنت حر والآخر أنه قال له آزاد تقبل وفيه لو قال إن كلمت فلانا فأنت حر فشهد أنه كلمه اليوم والآخر أمس لم تقبل وذكر فيه مسئلة الطلاق قال طلقت ولا شك أنه يجب في العتق ثبوته إذا وفق العبد بأن قال كلمته في اليومين جميعا وفيه شهد أنه قال إ ن دخلت هذه الدار فكذا والآخر إن دخلت هذه وهذه لا تقبل وفيه إن طلقتك فعبده حر فشهد أنه طلقها اليوم والآخر أمس يقع الطلاق والعتق ولو قال إن ذكرت طلاقك إن سميته إن تكلمت به فعبده حر فشهد أنه طلقها اليوم والآخر أمس يقع الطلاق لا العتاق لأن شهادتهما اختلفت في الكلام ولو اختلفا في القذف في الزمان والمكان تقبل عنده خلافا لهما وفي إنشاءه وإقراره لا تقبل إجماعا ادعى ألفا فشهد أحدهما بأنه أقر أن له عليه ألفا قرضا والآخر أنه أقر أنه أودعه ألفا تقبل لاتفاقهما أنه وصل إليه منه ألف وقد جحد فصار ضامنا هي قسمان قسم من الاختلاف بين الدعوى والشهادة وقسم من الاختلاف بين الشاهدين القسم الأول ادعى ملكا على رجل بالشراء فشهدوا له بالملك المطلق فلا تقبل وقيده في الأقضية بما إذا نسبه إلى معروف كأن قال اشتريته من فلان بن فلان وذكر شرائط التعريف أما لو جهله فقال اشتريت فقط أو قال من رجل أو من زيد وهو غير معروف فشهدوا بالمطلق قبلت وذكر في فتاوى رشيد الدين في القبول خلافا ولو ادعى ملكا مطلقا فشهدوا به بسبب تقبل كذا أطلقه في الجامع الكبير وزاد في الأجناس في القبول أن القاضي يسأل المدعي الملك ألك بهذا السبب الذي شهدوا به إن قال نعم قضى أو لا لا وفي الدعوى والبينات إذا تحمل الشهادة على ملك له سبب وأراد أن يشهد بالملك المطلق لم يذكر هذا في شيء من الكتب واختلف فيه المشايخ والأصح أنه لا يسعه ذلك ولو كان ادعى الشراء من معروف ونسبه إلى أبيه وجده مع القبض وقال وقبضته منه فشهدوا بالملك المطلق ففي الخلاصة تقبل بلا ذكر خلاف وحكى العمادي فيه اختلافا قيل تقبل لأن دعوى الشراء مع القبض دعوى مطلق الملك حتى لا يشترط لصحة هذه الدعوى تعيين العبد وقيل لا تقبل لأن دعوى الشراء معتبرة في نفسها
____________________
(7/452)
لا كالمطلق ألا ترى أنه لا يقضى له بالزوائد في ذلك وفي فوائد شمس الإسلام دعوى الدين كدعوى العين وهكذا في شرح الحيل للحلواني لكن في المحيط ادعى الدين بسبب القرض وشبهه فشهدوا بالدين مطلقا كان شمس الأئمة محمود الأوزجندي يقول لا تقبل كما في دعوى العين بسبب وشهدوا بالمطلق قال وفي الأقضية مسئلتان يدلان على القبول انتهى وفي فتاوى رشيد الدين لو ادعى ملكا مطلقا فشهدوا عليه بسبب ثم شهدوا على المطلق لا تقبل لأنهم إذا شهدوا على الملك بسبب حمل دعوى الملك المطلق عليه فلا تقبل شهادتهم على المطلق بعد ذلك ولو شهدوا على المطلق ثم شهدوا على الملك بسبب تقبل لأنهم شهدوا ببعض ما شهدوا به أولا فتقبل أما النكاح فلو ادعى على امرأة أنها امرأته بسبب أنه تزوجها بكذا فشهدوا أنه منكوحته بلا زيادة تقبل ويقضى بمهر المثل إن كان قدر المسمى أو أقل فإن زاد على المسمى لا يقضى بالزيادة ولو لم يذكر المال والباقي بحاله قضي بالنكاح فقط ولو ادعى المطلق فشهد أحدهما به والآخر مع السبب تقبل ويقضى بالملك الحادث كما لو شهدا جميعا بالملك الحادث
____________________
(7/453)
وكل ما كان بسبب عقد شراء أو هبة وغيره فهو ملك حادث وإن ادعى بسبب فشهد أحدهما به والآخر مطلقا لا تقبل كما إذا شهدوا جميعا بالمطلق وفيما لو ادعى التملك فشهدوا على المطلق تقبل ولو ادعى المطلق فشهدوا على النتاج لا لأن دعوى مطلق الملك دعوى أوليته على سبيل الاحتمال والشهادة على النتاج شهادة على أوليته على اليقين فشهدوا بأكثر مما ادعاه فلا تقبل وهذه المسئلة دليل على أنه لو ادعى النتاج أولا ثم ادعى الملك المطلق تقبل ولو ادعى المطلق أولا ثم النتاج لا تقبل وفي المحيط لو ادعى الملك بالنتاج وشهدوا على الملك بسبب لا تقبل بخلاف ما لو ادعى المطلق وشهدوا عليه بسبب حيث تقبل انتهى ولا يشكل أنه لو ادعى النتاج بسبب فشهدا بسبب آخر لا تقبل وفي الفصول القاضي إذا سأل الشهود قبل الدعوى عن لون الدابة فقالوا كذا ثم عند الدعوى شهدوا بخلافه تقبل لأنه سألهم عما لا يكلف بيانه فهو كالمعدوم وقال رشيد الدين ويخرج من هذا كثير من المسائل ولو ادعى ملكا مطلقا مؤرخا فقال قبضته مني منذ شهر فشهدوا بلا تاريخ لا تقبل وعلى العكس تقبل على المختار ودعوى الملك بسبب الإرث كدعوى الملك المطلق وينبغي أن يستثنى ما إذا أرخ ففي الخلاصة ادعى دارا في يد رجل أنها ملك أبيه مات وتركها ميراثا له منذ سنة فشهدوا أنه اشتراها من المدعى عليه منذ سنتين لا تقبل إلا إذا وفق فقال اشتريتها منه منذ سنتين وبعتها من أبي ثم ورثتها عنه منذ سنة واقام البينة على هذا التوفيق وإذا أرخ أحد الشاهدين دون الآخر لا تقبل في دعوى الملك المؤرخ وتقبل في غير المؤرخ ولو ادعى الشراء بسبب أرخه فشهدوا بالشراء بلا تاريخ تقبل وعلى القلب لا ولو كان للشراء شهران وأرخوا شهرا تقبل وعلى القلب لا ولو أرخ المطلق بأن قال هذا العين لي منذ سنة فشهدوا أنه منذ سنتين لا تقبل ولو قال منذ سنتين وشهدوا أنه له منذ سنة تقبل ولو ادعى أنه قبض مني عشرة دنانير بغير حق فشهدوا على القبض تقبل ويحمل على أنه قبض في الحال عليه شهدوا وقدمنا من مسائل القبض شيئا دار في يد رجلين اقتسماها بعد الدعوى أو قبلها وغاب أحدهما وادعى رجل على الحاضر أن له نصف هذه الدار مشاعا وفي يد رجل نصفها مقسومة فشهدوا أن له النصف الذي في يد الحاضر فهي باطلة لأنها أكثر من المدعى به ومثله لو ادعى دارا واستثنى طريق الدخول وحقوقها ومرافقها فشهدوا أنها له ولم يستثنوا الحقوق والمرافق لا تقبل وكذا لو استثنى بيتا ولم يستثنوه إلا إذا وفق فقال صدقوا لكني بعت هذا البيت منها تقبل وفي المحيط من الأقضية وأدب القاضي للخصاف إذا ادعى الملك للحال فشهدوا ن هذا العين كان قد ملكه تقبل لأنها تثبت الملك في الماضي فيحكم به في الحال مالم يعلم المزيل وقال العمادي وعلى هذا إذا ادعى الدين وشهد شاهدان أنه كان له عليه كذا أو قالا بالفارسية أين مقدار زردردمه اين مدعى عليه بود مرين مدعى را ينغبي أن تقبل كما في دعوى العين انتهى ونظيره في دعوى العين ما ذكر رشيد الدين إذا قالوا نشهد أن هذا كان ملكه تقبل ويصير كما لو قالوا نشهد أن هذا ملكه في الحال ولا يجوز للقاضي أن يقول امروزملك وي مي دانيت انتهى ومعنى هذا لا يحل للقاضي أن يقول أتعلمون أنه ملكه اليوم نعم ينبغي للقاضي أن يقول هل تعلمون أنه خرج عن ملكه فقط ذكره في المحيط فيما إذا ادعى ملكا مطلقا في عين فشهدوا أنه ورثه من أبيه ولم يتعرضوا لملكه في الحال أو شهدوا أنه اشتراه من فلان وفلان يملكه ولم يتعرضوا للملك
____________________
(7/454)
في الحال تقبل ويقضى بالعين للمدعي لكن ينبغي أن يسألهم القاضي إلى آخر ما ذكرنا وكذا إذا ادعى أن هذه زوجته فشهدوا أنه تزوجها ولم يتعرضوا للحال تقبل هذا كله إذا شهدوا بالملك في الماضي أما لو شهدوا باليد له في الماضي وقد ادعى الآن لا يقضى للمدعي به في ظاهر الرواية وإن كانت اليد تسوغ الشهادة بالملك على ما أسلفناه وعن أبي يوسف يقضى بها وخرج العمادي على هذا ما نقل عن الواقعات لو أقر بدين رجل عند رجلين ثم شهد عدلان عند الشاهدين أنه قضى دينه أن شاهدي الإقرار يشهدان أنه كان له عليه دين ولا يشهدان أن له عليه فقال هذا أيضا دليل على أنه إذا ادعى الدين وشهدوا أنه كان له عليه تقبل وهذا غلط فإن مقتضاه أنه لا فرق بين الشهادة بأنه كان له عليه أو له عليه والحال أن صاحب الواقعات فرق حيث قال يشهدان أنه كان له عليه ولا يشهدان أن له عليه فلو لم يكن بينهما فرق لم يكن لمنعه من أحدهما دون الآخر معنى والذي يقتضيه الفقه أنهما إذا ثبت عندهما بشهادة العدلين أنه قضاه ذلك الذي أقر به عندهما أو ثبت بطريق أفادهما ذلك أن لا يشهدا كما عرف فيما إذا علم شاهد الألف أنه قضاه منها خمسمائة لا يشهد حتى يقر بقبضها والله أعلم وعكس ما نحن فيه لو ادعى في الماضي بأن قال هذه الجارية كانت ملكي فشهدوا أنها له اختلف في قبولها والأصح لا تقبل وكذا لو شهدوا على طبق دعواه بأن شهدوا أنها كانت له لا تقبل لأن إسناد المدعي دليل على نفي ملكه في الحال إذ لا فائدة له في الاقتصار على أن ملكه كان في الماضي إلا ذلك بخلاف الشاهدين إذا أسندا ذلك لا يدل على نفيهما إياه في الحال لجواز قصدهما إلى الاحتراس عن الإخبار بما لا علم لهما به لأنهما لم يعلما سوى ثبوته في الماضي ولم يعلما بانتقاله فقد يكون انتقل في نفس الأمر فيحترس عنه الشاهد وإن كان يثبت للحال بالاستصحاب وفي الخلاصة ادعى النقرة الجيدة وبين الوزن فشهدا على النقرة والوزن ولم يذكرا جيدة ولا رديئة ولا وسطا تقبل ويقضى بالرديء بخلاف ما لو ادعى قفيز دقيق مع النخالة فشهدوا من غير نخالة أو منخولا فشهدوا على غير المنخول لا تقبل وفيها أن من ادعى على رجل ألفا من ثمن بيت فشهدوا على ألف من ضمان جارية غصبها فهلكت عنده لا تقبل وعن هذا ذكر في المسئلة المسطورة وهي ما إذا شهدا بألف من ثمن جارية باعها منه فقال البائع أنه أشهدهما عليه بذلك والذي لي عليه ثمن متاع تقبل شهادتهما فقال في الخلاصة هو محمول على أنهم شهدوا على إقراره بذلك أي إقرار المدعى عليه بثمن الجارية لأن مثله في الإقرار يقبل لما ذكروا في المسئلة المذكورة قبلها وفي الكفالة إذا شهدوا أنه كفل بألف على فلان فقال الطالب هو أقر بذلك لكن الكفالة كانت عن فلان آخر كان له أن يأخذه بالمال لأنهما اتفقا فيما هو المقصود فلا يضرهما الاختلاف في السبب ومثله ادعى أنه أجره دارا وقبض مال الإجارة ومات فانفسخت الإجارة وطلب مال الإجارة فشهدوا أن الآجر أقر بقبض مال الإجارة تقبل وإن لم يشهدوا على عقد الإجارة لأنهم شهدوا بالمقصود وهو استحقاق مال الإجارة ولو ادعى الدين أو القرض فشهدوا على إقراره بالمال تقبل ولو شهد أحدهما به والآخر بالإقرار به فقد أطلق القبول في المحيط والعدة وقال قاضيخان تقبل عند أبي يوسف ولو ادعى قرضا فشهدوا أن المدعي دفع إليه كذا ولم يقولوا قبضها المدعى عليه يثبت قبضه كالشهادة على البيع شهادة على الشراء وإذا ثبت القبض بذلك يكون القول لذي
____________________
(7/455)
اليد أنه قبض بجهة الأمانة فيحتاج إلى بينة على أنه بجهة القرض إن ادعاه ولو ادعى أنه قضاه دينه فشهد أحدهما به والآخر بإقراره أنه قضاه لا تقبل ولو شهدا جميعا بالإقرار قبلت ولو ادعى شراء دار من رجل فشهدا أنه اشتراها من وكيله لا تقبل وكذا لو شهدا أن فلانا باعها منه وهذا المدعى عليه أجاز البيع ادعى عليه أنك قبضت من مالي جملا بغير حق مثلا وبين سنه وقيمته فشهدوا أنه قبض من فلان غير المدعي تقبل ويجبر على إحضاره لأنه قال من مالي ولم يقل قبضت مني فلا يكون ما شهدوا به يناقضه فيحضره ليشير إليه بالدعوى القسم الثاني اختلاف الشاهدين ادعى بالمبيع عيبا فشهد أحدهما أنه اشتراه وبه هذا العيب وشهد الآخر على إقرار البائع به لا تقبل كما لو ادعى عينا أنه له فشهد أحدهما على أنه ملكه والآخر على إقرار ذي اليد أنه ملكه لا تقبل ومثله دعوى الرهن فشهد به بمعاينة القبض والآخر على إقرار الراهن بقبضه لا تقبل قال ظهير الدين الرهن في هذا كالغصب وكذا الوديعة لو ادعاها فشهدا بإقرار المودع قبلت ولو شهد أحدهما بها والآخر بالإقرار بها لا تقبل على قياس الغصب وعلى قياس القرض تقبل بخلاف ما لو ادعى أنه باع بشرط الوفاء فشهد أحدهما أنه باع بشرط الوفاء والآخر أن المشتري أقر بذلك تقبل لأن لفظ البيع في الإخبار والإنشاء واحد ومثله لو ادعت صداقها فقال وهبتني إياه فشهد أحدهما على الهبة والآخر على الإبراء تقبل للموافقة لأن حكمهما واحد وهو السقوط وقيل لا للاختلاف لأن الإبراء إسقاط والهبة تمليك والأول أوجه لأنه وإن كان إسقاطا يتضمن التمليك ولهذا يرتد بالرد ولو شهد على إقرار المدعى عليه أن المدعى به في يده والآخر أنه في يده لا تقبل وفي المحيط ادعى دارا فشهد أنها داره والآخر على إقرار ذي اليد أنها له لا تقبل بخلاف ما لو شهد أحدهما على الدين والآخر على الإقرار به تقبل بخلاف مالو شهد أنها جاريته والآخر على إقراره بها لا تقبل وبخلاف ما إذا شهد أنها جاريته والآخر أنها كانت له تقبل بخلاف ما إذا شهد الآخر أنها كانت في يده وإذا راجعت قاعدة التي أسلفنا من الفرق بين اختلاف الشاهدين على القول والفعل خرجت كثيرا من الفروع والله سبحانه أعلم فصل في الشهادة على الإرث
وجه المناسبة بين تعقيب الشهادة بملك متجدد لحي عن ميت على الشهادة بملك يتجدد لحي عن حي ظاهر قوله من أقام بينة الخ اختلف علماؤنا في أنه هل يتوقف القضاء للوارث بالشهادة على ملك الميت على الجر
____________________
(7/456)
والنقل وهو أن يقول الشهود في شهادتهم مات وتركها ميراثا لهذا المدعي فعند أبي يوسف لا وعند أبي حنيفة ومحمد نعم وجه قول أبي يوسف ما ذكره المصنف بقوله هو يقول ملك المورث ملك الوارث لأنه يصير ملكه خلافة ولهذا يخاصم ويرد بالعيب ويرد عليه ويصير مغرورا إذا كان المورث مغرورا فالشهادة بالملك للمورث شهادة به له فلا حاجة إلى أمر زائد يشترط القضاء به له وقد ظهر بهذا محل الخلاف وهو شهادتهم أنه كان ملك الميت بلا زيادة ولو شهدا أنها لأبيه لا تقبل ذكرها محمد بلا ذكر خلاف فقيل تقبل عند أبي يوسف وقيل لا تقبل بالاتفاق وهما يقولان ملك الوارث ملك متجدد في العين حتى وجب على الوارث استبراء الجارية الموروثة ويحل للوارث الغني ما كان تصدق به على المورث الفقير ولو زكاة أو كفارة فلا بد من ذكرهما الجر والانتقال غير أنه
____________________
(7/457)
لا يشترط ذكر ذلك نصا بل إما نصا كما ذكرنا من قولهم مات وتركها ميراثا له أو شهدا بالملك للمورث عند الموت أو بما يقوم مقامه وهو اليد عند الموت وتجدد ملك الوارث غير لازم شرعي لما شهدوا به بل لازم لقيامه حال الموت
إذا عرف هذا فالمسئلة التي ذكرها المصنف اتفاقية وهي قوله ومن أقام بينة على دار أنها كانت لأبيه أعارها أو أودعها الذي هي في يده فإنه يأخذها ولا يكلف البينة أنه مات وتركها ميراثا له أما على قول أبي يوسف فظاهر وأما على قولهما فلأن الشهادة على الملك وقت الموت أو اليد وقت الموت تقوم مقام ذلك وقد وجد الثاني في مسئلة الكتاب لأنه أثبت اليد عند الموت حيث شهد أنها معارة منه أو مودعة عند الموت لأن يد المستعير والمودع والمستأجر كيد المعير وأخويه وقد طولبا بالفرق بين هذا وما إذا شهدا لمدعي ملك عين في يد رجل بأنها كانت ملك المدعي أو أنه كان ملكها حيث يقضى بها وإن لم يشهدا أنها ملكه إلى الآن وكذا لو شهدا لمدعي عين في يد إنسان أنه اشتراها من فلان الغائب ولم يقم بينة على ملك البائع وذو اليد ينكر ملك البائع فإنه يحتاج إلى بينة على ملكه فإذا شهدا بملكه قضى للمشتري به وإن لم ينصا على أنها ملكه يوم البيع وهذه أشبه بمسئلتنا فإن كلا من الشراء والإرث يوجب تجدد الملك والجواب أنهما إذا لم ينصا على ثبوت ملكه حالة الموت فإنما يثبت بالاستصحاب والثابت به حجة لإبقاء الثابت لا لإثبات مالم يكن وهو المحتاج إليه في الوارث بخلاف مدعي العين فإن الثابت بالاستصحاب بقاء ملكه لا تجدده وبخلاف مسئلة الشراء فإن الملك مضاف إليه لا إلى ملك البائع وإن كان لا بد لثبوت ملك المشتري من بقائه لأن الشراء آخرهما وجودا وهو سبب موضوع للملك حتى لا يتحقق لو لم يوجبه فيكون مضافا إلى الشراء وهو ثابت بالبينة أما هنا فثبوت ملك الوارث مضاف إلى كون المال ملكا للميت وقت الموت لا إلى الموت لأنه ليس سببا موضوعا للملك بل عنده يثبت إن كان له مال فارغ والله سبحانه أعلم هذا إذا شهدا أنها كانت معارة أو مودعة فلو شهدا أنها كانت في يد أبيه مات وهي في يده والأب هو
____________________
(7/458)
المراد بلفظ فلان في قول المصنف إنها كانت في يد فلان يعني أبا الوارث المدعي جازت الشهادة فيقضى بالدار للوارث لإثباتهما اليد للميت إلى حين الموت وبذلك يثبت الملك له لأن اليد وإن تنوعت إلى يد غصب وأمانة وملك فإنها عند الموت من غير بيان تصير يد ملك لما عرف أن كلا من الغاصب والمودع إذا مات مجهلا يصير المغصوب والوديعة ملكه لصيرورته مضمونا عليه شرعا ولا يجتمع البدلان في ملك مالك الوديعة والمغصوب منه ولا يلزم على هذا مالو شهدوا أن أباه دخل هذه الدار ومات فيها أو أنه كان فيها حتى مات أو أنه مات فيها أو أنه مات وهو قاعد على هذا البساط أو نائم على هذا الفراش أو أنه مات وهذا الثوب موضوع على رأسه لا تقبل حتى لا يستحق الوارث شيئا من ذلك مع أنها تفيد أن هذه الأشياء كانت في يد المورث قبل الموت لأنها خرجت بقوله بواسطة الضمان وهذه الأمور ليست موجبة للضمان قال التمرتاشي لا تثبت اليد على المحل بهذه الأشياء حتى لا يصير غاصبا ولا يصير ذو اليد مقرا بذلك بخلاف الشهادة بالركوب والحمل واللبس فإن اليد تثبت بها ويصير
____________________
(7/459)
بها غاصبا هذا إذا شهدا كذلك لميت فلو شهدا لحي ادعى عينا في يد رجل كذلك أي شهدا أنها كانت في يد هذا المدعي منذ شهر أو اقل أو أكثر أو لم يذكرا وقتا فعن أبي يوسف هي كالتي للميت فيقضى للمدعي بالعين المذكورة وقالا لا يقضى بها للمدعي بهذه الشهادة لأبي يوسف رحمه الله أن اليد مقصودة كالملك ولو شهدا في هذه الصورة أنها كانت ملكا للمدعي تقبل على ما قدمنا في الفروع استصحابا لملكه إلى وقت الدعوى كذا هنا استصحابا ليده إلى وقت الدعوى وصار كما لو شهدوا أنه أخذها منه يقضى بالرد بهذه الشهادة وجه الظاهر من قول أبي يوسف وهو وجه قولهما إن الشهادة مع كونها بيده منقضية شهادة بمجهول لأن اليد متنوعة إلى ملك وأمانة وضمان ولم يلزم أحدها بعينه لترتفع الجهالة فتعذر القضاء بهذه الشهادة لتعذر القضاء بمجهول بخلاف مثلها في الميت لأنه لزم أحدها بعينه بالموت وهو يد الملك فأمكن القضاء وبخلاف الأخذ فإن له موجبا معلوما وهو الرد من حيث هو أخذ إلى أن يقترن به ثبوت أنه أخذ حقه قال عليه الصلاة والسلام على اليد ما أخذت حتى ترده فيقضى به وايضا اليد معاين للمدعى عليه ويد المدعي مشهود به مخبر عنه وليس الخبر كالمعاينة فيترجح قول المدعى عليه فلا يقضى به للمدعي واستشكل ببينة الخارج مع ذي اليد وكذا ببينة مدعي الملك المطلق مع ذي اليد حيث تترجح بينة الخارج ومدعي الملك أجيب بأن ذلك مسلم فيما لا يتنوع كبينة الخارج ومدعي الملك المطلق بخلاف ما يتنوع وهذا الجواب حاصله أن المعاينة كانت تقدم لو لم تلزم الجهالة في المقضي وهو في التحقيق يصير إلى الوجه الأول ويبطل استقلال الثاني بتأمل يسير قوله وإن أقر الخ يعني لو قال المدعى عليه بالدار التي في يده هذه الدار كانت في يد المدعي دفعت للمدعي وإن كانت اليد متنوعة لأن حاصل ذلك جهالة في المقر به وهي لا تمنع صحة الإقرار بل يصح ويلزم بالبيان فإنه لو قال لفلان علي شيء صح ويجبر على البيان وكذا لو شهد شاهدان أن المدعى عليه أقر بأنها كانت في يد المدعي تقبل لأن المشهود به الإقرار وهو معلوم وإنما الجهالة في المقر به وهي لا تمنع صحة القضاء كما لو ادعى عشرة دراهم فشهدا على إقرار المدعى عليه أن له عليه شيئا جازت ويؤمر بالبيان
تتمة شرط الشهادة بالإرث أن يشهدوا أنه كان لمورثه فلو قالوا إنه لمورثه تقدم أن محمدا رحمه الله قال لا يصح ولم يحك خلافا لأن المورث إن كان حيا فالمدعي ليس خصما وإن كان ميتا فإثبات الملك للميت حالا محال وتقدم قول بعضهم إنها تصح على قول أبي يوسف وهو غير بعيد لأنا نقطع بأن الشاهد لم يرد هذا المعنى بل ملكه حال حياته فكان كالأول ولا بد أن يدرك الشهود الميت لأن الشهادة على الملك لا تجوز بالتسامع ولا بد أن يبينوا جهة الاستحقاق حتى لو قالوا أخوه مات وتركها ميراثا له لا تقبل مالم يقولوا لأبيه أو لأمه أو لهما لأن الإرث يختلف باختلاف الجهات وكذا لو قالوا كان لجده ولم يقولوا مات وتركها ميراثا لأبيه ثم مات أبوه وتركها ميراثا له ولم يشترطه أبو يوسف على ما عرف في الخلافية غير أنه يسأل البينة عن عدد الورثة للقضاء وإذا شهدوا أنه كان لمورثه تركه ميراثا له ولم يقولوا لا نعلم له وارثا سواه فإن كان ممن يرث في حال دون حال لا يقضى لاحتمال عدم
____________________
(7/460)
استحقاقه أو يرث على كل حال يحتاط القاضي وينتظر مدة هل له وارث آخر أم لا ثم يقضى بكله وإن كان نصيبه يختلف في الأحوال يقضى بالأقل فيقضى في الزوج بالربع والزوجة بالثمن إلا أن يقولوا لا نعلم له وارثا غيره وقال محمد وهو رواية عن أبي حنيفة يقضى بالأكثر والظاهر الأول وليس الأصل أن لا يكون له وارث ويأخذ القاضي كفيلا عندهما لا عنده على ما تقدم ولو قالوا لا نعلم له وارثا بهذا الموضع كفى عند أبي حنيفة خلافا لهما
فروع إذا شهد اثنان أن هذا وارث فلان لا نعلم له وارثا غيره ولم يذكرا سببا يرث به فالشهادة باطلة حتى يبينا سبب الإرث وكذا إذا شهدوا أنه أخوه أو عمه أو ابن عمه أو جده أو جدته لا تقبل حتى يبينا طريق الأخوة والعمومة أي يبينا الأسباب المورثة للميت أنه لأب أو شقيق وينسبا الميت والوارث حتى يلتقيا إلى أب واحد ويذكرا أيضا أنه وارثه وهل يشترط قوله ووارثه في الأب والأم والولد قيل يشترط والفتوى على أنه لا يشترط قوله وارثه وكذا كل من لا يحجب بحال لا يشترط قوله وارثه وفي الشهادة بأنه ابن ابن الميت أو بنت ابنه لا بد من ذلك وفي الشهادة أنه مولاه لا بد من بيان أنه أعتقه ولا يشترط ذكر اسم أب الميت حتى لو شهدا أنه جد الميت أبو أبيه ووارثه ولم يسموا أبا الميت قبلت وفي الأقضية شهدا أنه جد الميت وقضى له به ثم جاء آخر وادعى أنه أب الميت وبرهن فالثاني أحق بالميراث ولو شهدا أنه أخو الميت ووارثه فقضى به ثم شهد هذان الآخر أنه ابن الميت لا يبطل القضاء للأول بل يضمنان للابن ما أخذ الأول من الإرث ولو شهد آخران أن الثاني ابن الميت تقبل وفي الزيادات شهدا أن قاضي بلد كذا فلان بن فلان قضى بأن هذا وارث فلان الميت لا وارث له غيره فالقاضي يحتاط ويسأل المدعي عن نسبه فإن لم يبين أمضى القضاء الأول لعدم المنازع في الحال فإن جاء آخر وبين أنه وارثه فإن كان أقرب من الأول قضى للثاني وإن كان أبعد منه لا يلتفت إليه وإن زاحمه بأن كان مثلا الأول ابنا والثاني أبا قضي بالميراث بينهما على قدر حقهما لإمكان العمل بهما & باب الشهادة على الشهادة
لما فرغ من بيان أحكام شهادة الأصول شرع في بيان أحكام شهادة الفروع قوله الشهادة على الشهادة
____________________
(7/461)
جائزة في كل حق يثبت مع الشبهة فخرج مالا يثبت معها وهو الحدود والقصاص فأما التعزير ففي الأجناس من نوادر ابن رستم عن محمد يجوز في التعزير العفو والشهادة على الشهادة ونص الفقيه أبو الليث على أن كتاب القاضي إلى القاضي لا تجوز فيه الشهادة على الشهادة وفي فتاوى قاضيخان الشهادة على الشهادة جائزة في الأقارير والحقوق وأقضية القضاة وكتبهم وكل شيء إلا الحدود والقصاص وبقولنا هذا قال أحمد والشافعي في قول وأصح قوليه وهو قول مالك تقبل في الحدود والقصاص أيضا لأن الفروع عدول وقد نقلوا شهادة الأصول فالحكم بشهادة الأصول لا بشهادتهم وصاروا كالمترجم وسيندفع قوله وهذا استحسان أي جواز الشهادة على الشهادة والقياس أن لا تجوز لأنها عبادة بدنية وجبت على الأصل وليست بحق للمشهود له حتى لا تجوز الخصومة فيها والإجبار عليها والنيابة في العبادة البدنية لا تجوز لأن كون قول إنسان ينفذ على مثله ويلزمه ما نسبه إليه
____________________
(7/462)
وهو ينفيه ويبرأ منه إنما عرف حجة شرعا عند قدر من احتمال الكذب وهو ما في شهادة الأصول لعدم العصمة من الكذب والسهو فلا يكون حجة كذلك عند زيادة الاحتمال فكيف إذا كان الثابت ضعف ذلك الاحتمال وهو في شهادة الفرعين وإن اختلف محل الأداء لأن محله في الأصلين في إثبات حق المدعي وفي الفرعين ما يشهدان به من شهادة الأصلين ثم يرجع إلى الحق المدعى به لكن لما كان الشاهد قد يعجز عن الأداء لموته أو لغيبته أو مرضه فيضيع الحق أثبتها أهل الإجماع صيانة لحقوق الناس لا يقال يستغنى عن ذلك بجنس الشهود بأن يستشهد على كل حق عشرة مثلا فيبعد موت الكل قبل دعوى المدعي لأنا نقول المدعي جاز كونه وارث وارث صاحب الحق على مثله وقد انقرض الكل فالحاجة متحققة إليها ولما كانت الحقوق منها ما يحتاط في إثباته ومنها ما أوجب الشرع الاحتياط في درئه وهو الحدود والقصاص لو أجزنا فيها الشهادة على الشهادة مع ثبوت ضعف احتمال الكذب كان خلافا للشرع والمصنف علل بهذا وبما فيها من شبهة البدلية فأورد على هذا لو كانت بدلا لم تجز شهادة أصل مع فرعين إذ البدل لا يجامع الأصل ولا شيئا منه وأجيب بأن البدلية هنا بحسب المشهود به فإنا علمنا بثبوت المشهود به للأصول فيه شبهة كما ذكرنا وبالشهادة على شهادتهم تمكنت فيه شبهة أخرى لا بحسب شهادة الأصول لأن شهادتهم عيان ولا يخفى ما فيه وبعد تحمله يرده إلى التعليل الآخر وهو كثرة الاحتمال بتأمل يسير فلا يكونان تعليلين وهو خلاف ما ذكره المصنف لا جرم أن أصل السؤال غير وارد لأنه إنما يرد على حقيقة البدلية والمصنف إنما قال فيه شبهة البدلية لا حقيقتها فإن قيل ذكر في المبسوط أن الشاهدين لو شهدا على شهادة شاهدين أن قاضي بلد كذا حد فلانا في قذف تقبل حتى ترد شهادة فلان أجيب بأن لا نقض فإن المشهود به فعل القاضي وهو مما يثبت مع الشبهات والمراد من الشهادة بالحدود الشهادة بوقوع أسبابها الموجبة لها فأورد أن فعل القاضي موجب لردها وردها من حده فهو موجب للحد أجيب بالمنع بل الموجب لردها إن كان من حده ما يوجب الحد والذي يوجبه هو القذف نفسه على ان في المحيط ذكر محمد في الزيادات لا تقبل هذه الشهادة قوله وتجوز شهادة شاهدين أو شهادة رجل وامرأتين على شهادة شاهدين يعني إذا شهدا على شهادة كل من الشاهدين فيكون لهما شهادتان شهادتهما معا على شهادة هذا وشهادتهما أيضا على شهادة الآخر أما لو شهدا على شهادتهما بمعنى شهد واحد على شهادة أصل والآخر على شهادة الأصل الآخر فلا يجوز إلا على قول مالك على ما نقل عنه في كتب أصحابنا لكن في كتب أصحابه أنه لا يجوز وفي الجملة أن على قول أحمد وابن أبي ليلى وابن شبرمة والحسن البصري والعنبري وعثمان البتي وإسحاق تجوز الشهادة لأن الفرع قائم مقام الأصل بمنزلة رسوله في إيصال
____________________
(7/463)
شهادته إلى مجلس القضاء فكأنه شهد بنفسه واعتبروه برواية الأخبار ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه لا تجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين ذكره المصنف وهو بهذا اللفظ غريب والذي في مصنف عبدالرزاق أنا إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي عن حسين بن ضمرة عن ابيه عن جده عن علي قال لا يجوز على شهادة الميت إلا رجلان وأسند ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسماعيل الأزرق عن الشعبي قال لا تجوز شهادة الشاهد على الشاهد حتى يكونا اثنين ولأن شهادة كل من الأصلين هي المشهود بها فلا بد أن يجتمع على كل مشهود به شاهدان حتى لو كانت امرأة شاهدة مع الأصول لا يجوز على شهادتها إلا رجلان أو رجل وامرأتان وقال الشافعي في أحد قوليه لا تجوز واختاره المزني لأن الفرعين يقومان مقام أصل واحد كالمرأتين ولا تقوم الحجة بهما كالمرأتين لما قامتا مقام الرجل الواحد لا يقضى بشهادتهما ولأن أحدهما لو كان أصلا فشهد شهادة ثم شهد مع فرع على شهادة الأصل الآخر لا تجوز اتفاقا فكذا إذا شهدا جميعا على شهادة الأصلين وفي قول آخر للشافعي تجوز كقولنا وهو قول مالك وأحمد لما روينا من قول علي رضي الله عنه فإنه بإطلاقه ينتظم محل النزاع ولأن حاصل أمرهما أنهما شهدا بحق هو شهادة أحد الأصلين ثم شهد بحق آخر هو شهادة الأصل الآخر ولا مانع من أن يشهد شاهدان بحقوق كثيرة بخلاف أداء الأصل بشهادة نفسه ثم بشهادته على الأصل الآخر مع آخر فإنه إنما لا يجوز لأن فيه يجتمع البدل والمبدل منه بخلاف مالو شهد شاهد به وشهد اثنان على شهادة الأصل الآخر حيث يجوز وقوله وهو حجة على مالك فيه نظر إذ كتبهم ناطقة بأن شهادة الواحد على الأصل لا تجوز وما ذكره المصنف رواية عنه وإنما نقل هذا عمن تقدم ذكره في الجملة لما تقدم من أن الفرع كرسول وكرواية الأخبار ويدفعه ما ذكرنا عن علي رضي الله عنه ولأن كل واحد حق فلا يثبت إلا باثنين وذكر في المستوعب للحنابلة عن أحمد لا بد من أربعة فروع ليشهد كل فرعين على واحد من الأصلين قوله وصفة الإشهاد أي إشهاد شاهد الأصل شاهد الفرع أن يقول شاهد الأصل له
____________________
(7/464)
للحنابلة عن أحمد لا بد من أربعة فروع ليشهد كل فرعين على واحد من الأصلين قوله وصفة الإشهاد اي إشهاد شاهد الأصل شاهد الفرع أن يقول شاهد الأصل له اشهد على شهادتي أني أشهد أن فلان بن فلان أقر عندي بكذا وأشهدني على نفسه وإنما شرط إشهاد الأصل الفرع في شهادة الفرع لأنه كالنائب عنه فلا بد من الاستنابة وذلك بالتحميل بخلاف شهادة الأصل تجوز على المقر وإن لم يحمله وكذا كل من شاهد أمرا غير الشهادة له أن يشهد به وإن لم يحمل كالإقرار والبيع والغصب على ما مر يعني في فصل ما يتحمله الشاهد وإنما لم يقل لأنه نائبه لأنه لو كان حقيقة النائب لم يجز القضاء بشهادة فرعين على شهادة أصل وأصل لامتناع الجمع بين الأصل والخلف لكنه جائز وقوله ولا بد أن يشهد أي شاهد الأصل عند الفرع كما يشهد شاهد الأصل عند القاضي لينقله الفرع إلى مجلس القضاء وإن لم يذكر شاهد الأصل في شهادته عند الفرع قوله وأشهدني يعني المقر على نفسه بذلك جاز لما ذكرنا آنفا من الفرق وإذا وقع التحميل بما ذكر فيقول شاهد الفرع عند الأداء أشهد أن فلان بن فلان ويعرفه أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عنده بكذا وقال لي اشهد على شهادتي بذلك فلا بد من ذكر الفرع جر شاهد الأصل فلزم فيه خمس شينات وذلك لأنه لا بد للفرع من شهادته وذكر شهادة الأصل والتحميل قال المصنف ولها أي لشهادة الأداء من الفرع لفظ أطول من هذا وأقصر
____________________
(7/465)
أما الأطول فأن يقول أشهد أن فلانا شهد عندي أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وأمرني أن أشهد على شهادته وأنا الآن أشهد على شهادته بذلك فيلزم ثمان شينات وأما الأقصر فأن يقول الفرع أشهد على شهادة فلان بأن فلانا أقر عنده بكذا ففيه شينان وهو اختيار الفقيه أبي الليث وأستاذه أبي جعفر وحكى فتوى شمس الأئمة السرخسي به وهكذا ذكره محمد في السير الكبير وبه قالت الأئمة الثلاثة وحكي أن فقهاء زمن أبي جعفر خالفوا واشترطوا زيادة تطويل فأخرج أبو جعفر الرواية من السير الكبير فانقادوا له قال في الذخيرة فلو اعتمد أحد على هذا كان أسهل وكلام المصنف يقتضي ترجيح كلام القدوري المشتمل على خمس شينات حيث حكاه وذكر أن ثم أطول منه وأقصر ثم قال وخير الأمور أوساطها وذكر أبو نصر البغدادي شارح القدوري أقصر آخر وهو ثلاث شينات قال ويمكن الاقتصار من جميع ذلك على ثلاث لفظات وهو أن يقول أشهد أن فلانا أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عنده بكذا ثم قال وما ذكر صاحب الكتاب يعني القدوري أولى وأحوط ثم حكى خلافا بين ابي حنيفة ومحمد وبين أبي يوسف في أن قوله وقال لي اشهد على شهادتي شرط عند أبي حنيفة ومحمد فلا يجوز تركه وعند أبي يوسف يجوز قال وجه قولهما أنه لما لم يقله احتمل أن يكون أمره أن يشهد مثل شهادته وهو كذب ويحتمل أنه أمره على وجه التحميل فلا يثبت الثاني بالشك ولأبي يوسف أن أمر الشاهد محمول على الصحة ما أمكن فيحمل لذلك على التحميل انتهى والوجه في شهود الزمان القول بقولهما وإن كان فيهم العارف المتدين لأن الحكم للغالب خصوصا المتخذ بها مكسبة للدراهم وقولهم في إعطاء الصور أشهد على شهادة فلان ونحوها المراد منه التمثيل وإلا فلا بد أن يعرف شاهد الأصل قال في الفتاوى الصغرى شهود الفرع يجب عليهم أن يذكروا أسماء الأصول وأسماء آبائهم وأجدادهم حتى لو قالا نشهد أن رجلين نعرفهما أشهدانا على شهادتهما أنهما يشهدان بكذا وقالا لا نسميهما أو لا نعرف أسماءهما لم تقبل لأنهما تحملا مجازفة لا عن معرفة قوله ومن قال أشهدني الخ أي إذا قال شاهد عند آخر أشهدني فلان على نفسه بكذا لا يسع السامع أن يشهد على شهادته
____________________
(7/466)
حتى يقول له اشهد على شهادتي بذلك ووجهه المصنف بأنه لا بد من التحميل أما عند محمد فلأنه يقول باشتراك الأصول والفروع في الضمان إذا رجعوا ومعنى هذا أن محمدا يخير المشهور عليه بين تضمين الفروع والأصول وليس المراد ما يعطيه ظاهر اللفظ من أنه يضمن الكل معا فإن اختار تضمين الفروع لا يرجعون على الأصول بخلاف الغاصب مع غاصب الغاصب يتخير المغصوب منه في تضمين أيهما شاء فإن ضمن الغاصب رجع على غاصبه وأما عندهما قال فلأنه لا بد من التحميل لأنه لا بد من النقل يعني إلى مجلس القاضي ليصير حجة فيظهر بالنقل تحميل ما هو حجة يعني شهادة الأصول وهذا الكلام يقتضي أن وجوب التحميل لوجوب النقل والنقل لا يتحقق إلا بالتحميل حتى لو سمع شاهدا يقول لرجل اشهد على شهادتي إلى آخره ليس له أن يشهد على شهادته لأنه إنما حمل غيره بحضرته فإذا نقل ظهر للقاضي أنه وجد الشرط وهو التحميل فتثبت عنده الحجة بخلاف مالو سمع قاضيا يقول لآخر قضيت عليك بكذا أو على فلان فإنه يجب أن يشهد على قضائه بلا تحميل لأن قضاءه حجة كالبيع والإقرار بخلاف الشهادة ليست نفسها حجة حتى تصل إلى القاضي ولقائل أن يقول كون النقل إلى القاضي والحجية تتوقف على التحميل شرعا مما يحتاج إلى دليل إن لم يكن فيه إجماع الأمة وهو منتف على الأصح
____________________
(7/467)
عند الشافعية وإلا فالاتفاق على أن من سمع إقرار رجل له أن يشهد عليه بما سمع منه وإن لم يشهده بل ولو منعه من الشهادة بما سمع منه فإخراج الإقرار بشهادة الشاهد بشهادته على فلان يحتاج إلى دليل من الشرع وذكر في الفتاوى الظهيرية في وجهه أمرا آخر وهو أن الأصل له منفعة في نقل شهادته فإن شهادته حق عليه يلزمه أداؤه إذا طلب منه من هي له ومقتضى هذا أن لا يحتاج إلى التوكيل والتحميل لأن من عليه دين إذا تبرع إنسان بقضاء دينه جاز وإن لم يكن بأمره لكن فيها مضرة إهدار ولايته في تنفيذ قوله على المشهود عليه فيتوقف على أمره ورضاه فيشترط كمن له ولاية إنكاح صغيرة لو نكحها إنسان لا بأمره لا يجوز ذلك قوله ولا تقبل شهادة شهود الفرع إلا أن يموت شهود الأصل أو يغيبوا مسيرة ثلاثة أيام ولياليها فصاعدا أو يمرضوا مرضا لا يستطيعون معه حضور مجلس الحاكم لأن جوازها للحاجة وإنما تمس عند عجز الأصل وبهذه الأشياء يتحقق العجز وإنما اعتبرنا السفر لأن المعجز بعد المسافة فقدرت بمسافة اعتبرها الشرع بعيدة حتى أثبت رخصا عندها من الفطر والقصر وامتداد مسح الخف وعدم وجوب الأضحية والجمعة وعن أبي يوسف أنه إن كان في مكان لا يستطيع أن يبيت في أهله لو غدا لأداء الشهادة صح شهادة الفروع إحياء لحقوق الناس قالوا الأول أحسن يعني من جهة الدليل لموافقته لحكم الشرع
____________________
(7/468)
والثاني أرفق إحياء لحقوق الناس وفي الذخيرة كثير من المشايخ أخذوا بهذه الرواية وبه أخذ الفقيه أبو الليث وذكره محمد في السير الكبير وعن محمد تجوز الشهادة كيفما كان حتى روي أنه إذا كان الأصل في زاوية المسجد فشهد الفرع في زاوية أخرى تقبل وقال الإمام السرخسي وغيره يجب أن تجوز على قولهما خلافا لأبي حنيفة بناء على جواز التوكيل بالخصومة يجوز عندهما بلا رضا الخصم وعنده لا إلا برضاه وإلا قطع صرح به عنهما فقال وقال أبو يوسف ومحمد تقبل وإن كانوا في المصر
فروع خرس الأصلان أو عميا أو جنا أو ارتدا والعياذ بالله تعالى أو فسقا لم تجز شهادة الفروع وتجوز شهادة الابن على شهادة الأب دون قضائه في رواية والصحيح الجواز فيهما ولو شهد واحد على شهادة نفسه وآخران على شهادة غيره صح وتقبل الشهادة في النسب وكتاب القاضي إلى القاضي وفي الأصل لو شهد رجلان على شهادة رجل وشهد أحدهما على شهادة نفسه في ذلك الحق فهو باطل لأن شهادة الأصل الحاضر على شهادة الأصل الغائب غير مقبولة لأنها لو قبلت ثبت بشهادة الأصل الحاضر ثلاثة أرباع الحق نصفه بشهادته وحده وربعه بشهادته مع آخر على شهادة الأصل الغائب ولا يجوز أن يثبت بشهادة الواحد ثلاثة أرباع الحق كذا ذكره الإمام السرخسي ولم يزد في شرح الشافي على تعليله بأن شهادته بشهادة نفسه أصل وشهادته على غيره بدل ولا يجتمعان بخلاف مالو شهد واحد على شهادة نفسه وآخران على شهادة آخر يصح ولو شهدا على شهادة رجلين بشيء ولم يقض بشهادتهما حتى حضر الأصلان ونهيا الفروع عن الشهادة صح النهي عند عامة المشايخ وقال بعضهم لا يصح والأظهر الأول وتقبل الشهادة على الشهادة وإن كثروا سمعا قول حاكم حكمت بكذا على هذا ثم نصب حاكم غيره لهما أن يشهدا أن القاضي قضى عليه وإن كانا سمعا من القاضي في المصر أو سواده في رواية الحسن عن أبي حنيفة وهو الأقيس وعن أبي يوسف لا يجوز إن سمعاه في غير مجلس القاضي وهذا أحوط قوله فإن عدل شهود الأصل الخ شهود الأصل منصوب مفعولا وشهود الفرع فاعل والحاصل أنه إذا شهد الفرعان فإن علم القاضي عدالة كل من الفروع والأصول قضى بموجب الشهادة وإن لم يعلم عدالة الأصول وعلم عدالة الفروع سأل الفروع عن عدالة الأصول فإن عدلوهم جاز لأنهم من أهل التزكية فتقبل وكذا لو شهدا اثنان فعدل أحدهما وهو معلوم العدالة للقاضي الآخر جاز خلافا لقول بعض المشايخ إنه لا يجوز لأنه متهم
____________________
(7/469)
في ذلك حيث كان بتعديله رفيقه يثبت القضاء بشهادته وذلك ما أشار إليه المصنف بقوله غاية الأمر أن فيه منفعة إلى آخره لكن العدل لا يتهم بمثله كما لا يتهم في شهادة نفسه يعني أن شهادة نفسه تتضمن مثل هذه المنفعة وهي القضاء بها فكما أنه لم يعتبر الشرع مع عدالته ذلك مانعا كذا ما نحن فيه وإن سكتوا أي الفروع عن تعديل الأصول حين سألهم القاضي جازت شهادة الفروع ونظر القاضي في حال الأصول فإن عدلهم غيرهم قضى وإلا لا وهذا عند ابي يوسف وقال محمد إذا سكتوا أو قالوا لا نعرف عدالتهم لا تقبل شهادة الفروع لأن قبولها باعتبار أنها نقل شهادة ولم تثبت شهادة الأصول فلا تقبل شهادة الفروع ولأبي يوسف أن المأخوذ أي الواجب على الفروع ليس إلا نقل ما حملهم الأصول دون تعديلهم فإنه قد يخفى حالهم عنهم فإنهم إذا نقلوا ما حملوهم على القاضي أن يتعرف حالهم منهم أو من غيرهم وصار كما لو حضر الأصول بنفسهم وشهدوا وحينئذ ظهر أن ليس سؤال القاضي الفروع عن الأصول لازما عليه بل المقصود أن يتعرف حالهم غير أن الفروع حاضرون وهم أهل التزكية إن كانوا عدولا فسؤالهم أقرب للمسافة من سؤال غيرهم فإن كان عندهم علم فقد قصرت المسافة وإلا احتاج إلى تعرف حالهم من غيرهم كذا ذكر الخلاف الناصحي في تهذيب أدب القاضي للخصاف وصاحب الهداية
____________________
(7/470)
وذكر شمس الأئمة فيما إذا قال الفروع حين سألهم القاضي عن عدالة الأصول لا نخبرك بشيء لم تقبل شهادتهما أي الفروع في ظاهر الرواية لأن هذا ظاهر في الجرح كما لو قالوا نهمهم في هذه الشهادة ثم قال وروى عن محمد رحمه الله أنه لا يكون جرحا لأنه يحتمل كونه توقيفا في حالهم فلا يثبت جرحا بالشك انتهى وعن أبي يوسف مثل هذه الرواية عن محمد أنها تقبل ويسأل غيرهما ولو قالا لا نعرف عدالتهما ولا عدمها فكذا الجواب فيما ذكره أبو علي السغدي وذكر الحلواني أنها تقبل ويسأل عن الأصول وهو الصحيح لأن الأصل بقي مستورا فيسأل عنه وذكر هشام عن محمد في عدل أشهد على شهادته شاهدين ثم غاب غيبة منقطعة نحو عشرين سنة ولا يدرى أهو على عدالته أم لا فشهدا على تلك الشهادة ولم يجد الحاكم من يسأله عن حاله إن كان الأصل مشهورا كأبي حنيفة وسفيان الثوري قضى بشهادتهما عنه لأن عثرة المشهور يتحدث بها وإن كان غير مشهور لا يقضى به ولو أن فرعين معلوما عدالتهما شهدا عن أصل وقالا لا خير فيه وزكاه غيرهما لا تقبل شهادتهما وإن قال ذلك أحدهما لا يلتفت إلى جرحه وفي التتمة إذا شهد أنه عدل وليس في المصر من يعرفه فإن كان ليس موضع للمسالة يعني بأن تخفى فيه المسألة سألهما عنه أو بعث من يسألهما عنه سرا فإن عدلاه قبل وإلا اكتفى بما أخبراه علانية قوله وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة شهود الفرع لأن إنكارهما الشهادة إنكار للتحميل وهو شرط في القبول فوقع في التحميل تعارض خبرهما بوقوعه وخبر الأصول بعدمه ولا ثبوت مع التعارض قوله وإذا شهد رجلان على شهادة رجلين على فلانة بنت فلان الفلانية بألف درهم هكذا عبارة الجامع وتمامه فيه فيقولان قد أخبرانا أنهما يعرفانها ويجيئان بامرأة فيقولان لا ندري هي هذه أم لا قال يقال للمدعي هات شاهدين يشهدان أنها فلانة الفلانية بعينها فأجيز الشهادة والمصنف أفرد فقال فجاء بامرأة يعني المدعي جاء بها
____________________
(7/471)
وهو أنسب وهذا لأن الشهادة بالألف على المعرفة بالنسبة قد تحققت بالشهادة المذكورة للفروع والمدعي يدعي الألف على حاضرة جاز كونها غيرها فلا بد من تعريف الحاضرة بتلك النسبة التي بها شهدا بالألف عليها قال المصنف ونظير هذا إذا تحملوا شهادة ببيع محدودة قال قاضيخان وهذا كرجلين يشهدان أن فلانا اشترى دارا في بلد كذا بحدود كذا ولا يعرفان الدار بعينها يقال للمدعي هات شاهدين يشهدان أن هذه الأرض المحدودة بهذه الحدود في يد هذا المدعى عليه ليصح القضاء وهذا التصوير أوفق بالكتاب حيث قال تحملوا الشهادة ببيع محدود وذكر التمرتاشي رحمه الله وصار كرجل ادعى محدودا في يد رجل وشهد شهوده أن هذا المحدود المذكور بهذه الحدود ملكه وفي يد المدعى عليه بغير حق فقال المدعى عليه الذي في يدي غير محدود بهذه الحدود التي ذكرها الشهود يقال للمدعي هات شاهدين أن الذي في يده محدود بهذه الحدود ثم تصوير المصنف يصدق فيما إذا كان المدعي شفيعا والمحدود في يد المشتري فادعاه لطلب الشفعة فقال المشتري العين الذي في يدي بطريق الشراء ليس بهذه الحدود ثم قال المصنف قال يعني محمدا في الجامع الصغير وكذلك كتاب القاضي إلى القاضي فإنه ذكر فيه المسألتين فإنه قال بعد قوله فأجيز الشهادة وكذلك كتاب القاضي إلى القاضي بشهادة
____________________
(7/472)
شاهدين وقال أبو حنيفة رحمه الله إن قالا في هذين البابين التميمية لم يجز حتى ينسباها إلى فخذها إلى هنا لفظ الجامع الصغير يعني أن القاضي إذا كتب في كتابه إلى القاضي الآخر أن شاهدين عدلين شهدا عندي أن لفلان بن فلان الفلاني على فلانة بنت فلان الفلانية مائة درهم فاقض عليها بذلك فأحضر المدعي امرأة في مجلس القاضي المكتوب إليه وقال هي هذه يقول له المكتوب إليه هات شاهدين يشهدان أن التي أحضرتها هي فلانة بنت فلان الفلانية المذكورة في هذا الكتاب لتمكن الإشارة إليها في القضاء عليها وقوله إلا أن القاضي الخ جواب عن مقدر وهو أنه إذا كان في معنى الشهادة على الشهادة ينبغي أن لا يقبل قول القاضي وحده لأنه كشاهد الفرع شهد على الأصول بما شهدوا به فقال إن للقاضي زيادة وفور ولاية ليست للشهود فقامت تلك مع ديانته مقام قول الاثنين فانفرد بالنقل ثم قال المصنف قال ولو قالوا في هذين فلفظ قال أيضا على ما ذكرنا من قول المصنف نقلا للفظ الجامع على ما نقلناه آنفا أي قال في الجامع قال أبو حنيفة لو قالوا في هذين البابين أي الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي هي فلانة بنت فلان التميمية لم يكف حتى ينسبوها إلى فخذها يريد القبيلة الخاصة التي ليس دونها أخص منها وهذا على أحد قولي اللغويين وهو في الصحاح وفي الجمهرة جعل الفخذ دون القبيلة وفوق البطن وأنه بتسكين الخاء والجمع أفخاذ وجعله في ديوان الأدب بكسر الخاء وأنه أقل من البطن وكذا ذكر صاحب الكشاف والزبير فقال والعرب على ست طبقات شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة فالشعب تجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن تجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل فمضر شعب وكذا ربيعة ومذحج وحمير وسميت شعوبا لأن القبائل تتشعب منها وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة وعلى هذا فلا يجوز الاكتفاء بالفخذ مالم ينسبها إلى الفصيلة لأنها دونها ولهذا قال تعالى { وفصيلته التي تؤويه } وقدمنا في فصل الكفاءة من ذكر بعد
____________________
(7/473)
الفصيلة العشيرة والعمارة بكسر العين والشعب بفتح الشين وأسلفنا هناك ذكرها منظومة في شعر ثم إنما لم يكتف بذكر نحو التميمية لأنها نسبة عامة فلا يحصل بها التعريف وهو المقصود بذكر ذلك ونقل في الفصول عن قاضيخان إن حصل التعريف باسمه واسم أبيه ولقبه لا يحتاج إلى ذكر الجد وإن كان لا يحصل بذكر الأب والجد لا يكتفى بذلك وفي الفصل العاشر من فصول الاستروشني رأيت بخط ثقة لو ذكر اسمه واسم أبيه وفخذه وصناعته ولم يذكر الجد تقبل وشرط التعريف ذكر ثلاثة أشياء فعلى هذا لو ذكر لقبه واسمه واسم أبيه هل يكفي فيه اختلاف المشايخ والصحيح أنه لا يكفي وفي اشتراط ذكر الجد اختلاف فإذا قضى القاضي بدون ذكر الجد ينفذ لأنه وقع في فصل مجتهد فيه قال كذا رأيت في بعض الشروط ولا يخفى أن ليس المقصود من التعريف أن ينسب إلى أن يعرفه القاضي لأنه قد لا يعرفه ولو نسبه إلى مائة جد وإلى صناعته ومحلته بل ليثبت بذلك الاختصاص ويزول الاشتراك فإنه قلما يتفق اثنان في اسمهما واسم أبيهما وجدهما أو صناعتهما ولقبهما فما ذكر عن قاضيخان من أنه لو لم يعرف مع ذكر الجد لا يكتفى بذلك الأوجه منه ما نقل في الفصول من أن شرط التعريف ذكر ثلاثة أشياء غير أنهم اختلفوا في اللقب مع الاسم هل هما واحد أو لا ونظير ما ذكر في النسب ما ذكر في النسبة إلى البلدان في حق من لا يعرف له نسبة إلى جد مشهور مثل أن يقول الفرغانية وكذا البلخية كما ذكره أبو الليث وقيل السمرقندية والبخارية عامة بخلاف الأوزجندية وقيل في النسبة إلى السكة الصغيرة خاصة وإلى المحلة الكبيرة والمصر عامة ثم قال المصنف ثم التعريف وإن كان يتم بذكر الجد عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف في عدم اشتراطه ذكر الجد على ظاهر الروايات فذكر الفخذ يقوم مقام الجد لأن الفخذ اسم الجد الأعلى أي الجد الأعلى في ذلك الفخذ الخاص فنزل منزلة الجد الخاص وهذا تعليل لقول أبي حنيفة المنقول في الجامع إن قالا في هذين البابين فلانة التميمية لم يجز حتى ينسباها إلى فخذها فإنه ذكره فيما إذا قالا فلانة بنت فلان الفلانية من غير ذكر جد فعلم أن الفلانية يقوم مقام الجد إذا كان نسبة إلى أخص الآباء فصل
____________________
(7/474)
قال أبو حنيفة رحمه الله شاهد الزور الخ أخر حكم شهادة الزور لأنها خلاف الأصل إذ الأصل الصدق لأن الأصل في الفطرة كونها على الحق والانحراف عنه لعارض من قبل النفس والشيطان وشاهد الزور لا يعرف إلا بإقراره بذلك ولا يحكم به برد شهادته لمخالفته الدعوى أو الشاهد الآخر أو تكذيب المدعي له إذ قد يكون محقا في المخالفة أو للمدعي غرض في أذاه وزاد شيخ الإسلام أن يشهد بموت واحد فيجيء حيا ولو قال غلطت أو ظننت ذلك قيل هما بمعنى كذبت لإقراره بالشهادة بغير علم وإذا ثبت كونه شاهد زور فقال أبو حنيفة رحمه الله يعزر بتشهيره على الملإ في الأسواق ليس غير وقالا نوجعه ضربا ونحبسه فصار معنى قوله ولا أعزره لا أضربه فالحاصل الاتفاق على تعزيره غير أنه اكتفى بتشهير حاله في الأسواق وقد يكون ذلك اشد عليه من الضرب خفية أو هما أضافا إلى ذلك الضرب والحبس وبقولهما قال الشافعي ومالك لهما ما روي أن عمر رضي الله تعالى عنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا رواه ابن ابي شيبة حدثنا أبو خالد عن حجاج عن مكحول عن الوليد بن أبي مالك أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله بالشام أن شاهد الزور يضرب أربعين سوطا ويسخم وجهه ويحلق رأسه ويطال حبسه وروى عبدالرزاق في مصنفه عن مكحول أن عمر ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وقال أخبرنا يحيى بن العلاء أخبرني أبو الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بشاهد الزور أن يسخم وجهه وتلقى عمامته في عنقه ويطاف به في القبائل فوجه الاستدلال بذلك ممن يرى تقليد الصحابي ظاهر أما من لا يراه فبوجهين أحدهما عدم النكير فيما فعل عمر فكان إجماعا وليس بشيء لأن الإنكار لا يتجه فيما طريقه الاجتهاد فإذا فرض أنه أداه اجتهاده إلى ذلك فلا يجوز النكير على مجتهد في محل اجتهاده فلا حجة في هذا السكوت والثاني أنه أتى كبيرة من الكبائر على ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس قال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا لا يسكت وقرن تعالى بينها وبين الشرك فقال { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } وإذا كانت كبيرة وليس فيها تقدير شرعي ففيها التعزير وهذا لا ينتهض على أبي حنيفة فإنه إنما يقتضي التعزير وهو لا ينفيه بل قال به على ما حققناه لكنه ينفي الزيادة فيه بالضرب والحق أنه ينتهض عليه لأنه ينفي ضربه وهما يثبتانه فإن كان الضرب
____________________
(7/475)
زيادة في التعزير فليكن إذ قد ثبت الزيادة فيه به ولأبي حنيفة رحمه الله أن شريحا رضي الله عنه كان يشهر ولا يضرب روى محمد بن الحسن في كتاب الآثار أنا أبو حنيفة عن الهيثم بن أبي الهيثم عمن حدثه عن شريح أنه كان إذا أخذ شاهد الزور فإن كان من أهل السوق قال للرسول قل لهم إن شريحا يعرفكم ويقول لكم إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وإن كان من العرب أرسل به إلى مجلس قومه أجمع ما كانوا فقال للرسول مثل ما قال في المرة الأولى ونحوه ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي حصين قال كان شريح يبعث شاهد الزور إلى مسجد قومه أو إلى السوق ويقول إنا زيفنا شهادة هذا وفي لفظ كان يكتب اسمه عنده وقال الخصاف في أدب القاضي حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي حصين قال كان شريح يبعث بشاهد الزور فأدخل بين وكيع وأبي حصين سفيان وقد يقال ليس في هذه الرواية ما يصرح بأنه لم يضربه بل لأنه فعل ذلك ولا ينفي هذا أن يقول مع شيء آخر ثم وجدنا هذا المحتمل مرويا قال عبدالرزاق أنا الثوري عن الجعد بن ذكوان قال أتي شريح بشاهد زور فنزع عمامته عن رأسه وخفقه بالدرة خفقات وبعث به إلى مسجد يعرفه الناس غير أن أبا حنيفة يقول إن فرضنا أنه وقع الضرب وقد قلنا إنه إنما يعرف شاهد الزور بإقراره فكان ذلك قبل أن يدري شاهد الزور الراجع أنه يفعل به ذلك فقد كان يظن أنه لا يحبس ولا يضرب فرجع فحين ترتب على رجوعه الضرب وصار ذلك مستقرا في النفوس يكون صارفا له عن الرجوع وحاملا على التمادي فوجب أن يترك ويكتفى بما ذكرت من التعزير هذا بعد العلم بأنه كان ممن كان منه بطريق الاجتهاد لا بالنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاز أن يجتهد في نفيه باعتبار ثبوت معنى آخر وأما الجواب بأن ما روي من ضرب عمر
____________________
(7/476)
والتسخيم كان سياسة فإذا رأى الحاكم ذلك مصلحة كان له أن يفعله فقد يرد بما ذكرنا من كتاب عمر به إلى عماله في البلاد وأما الاستدلال على السياسة بالتبليغ إلى الأربعين ولا يبلغ بالتعزير إلى الحدود فليس بشيء فإن ذلك مختلف فيه فمن العلماء من يجيزه وقد أجاز عالم المذهب أبو يوسف رحمه الله أن يبلغ به خمسة وسبعون وتسعة وسبعون فجاز كون رأي عمر رضي الله عنه كذلك وأما كون التسخيم مثلة منسوخة فقد يكون رأي عمر رضي الله عنه أن المثلة ليست إلا في قطع الأعضاء ونحوه مما يفعل في البدن ويدوم لا باعتبار عرض يغسل فيزول
____________________
(7/477)
واعلم أنه قد قيل إن المسئلة على ثلاثة أوجه إن رجع على سبيل الإصرار مثل أن يقول لهم شهدت في هذه بالزور ولا أرجع عن مثل ذلك فإنه يعزر بالضرب بالاتفاق وإن رجع على سبيل التوبة لا يعزر اتفاقا وإن كان لا يعرف حاله فعلى الاختلاف المذكور وقيل لا خلاف بينهم فجواب أبي حنيفة رحمه الله في التائب لأن المقصود من التعزير الانزجار وقد انزجر بداعي الله تعالى وجوابهما فيمن لم يتب ولا يخالف فيه أبو حنيفة والتسخيم بالجر عطفا على قوله بدلالة التبليغ يقال سخم وجهه إذا سوده من السخام وهو سواد القدر وقد جاء بالحاء المهملة من الأسحم وهو الأسود وفي المغني ولا يسحم وجهه بالخاء والحاء = كتاب الرجوع عن الشهادة
لما كان هذا إيجاب رفع الشهادة وما تقدم إيجاب إثباتها فكانا متوازيين فترجم هذا بالكتاب كما ترجم ذاك للموازاة بينهما وإلا فليس لهذا أبواب لتعدد أنواع مسائله ليكون كتابا كما لذاك ولتحققه بعد الشهادة إذ لا رفع إلا بعد الوجود ناسب أن يجعل تعليمه بعده كما أن وجوده بعده وخصوص مناسبته لشهادة الزور هو أن الرجوع لا يكون غالبا إلا لتقدمها عمدا أو خطأ قوله إذا رجع الشهود عن الشهادة سقطت عن الاعتبار فلا يقضى بها لأن كلامهم تناقض حيث قالوا نشهد بكذا لا نشهد به ولا يقضى بالمتناقض ولأنه أي كلامه الذي ناقض به وهو المتأخر في احتماله الصدق كالأول فليس القضاء بأحدهما بعينه أولى به من الآخر فوقف كل منهما قالوا ويعزر الشهود سواء رجعوا قبل القضاء أو بعده ولا يخلو عن نظر لأن الرجوع ظاهر في أنه توبة عن الزور إن تعمده أو التهور والعجلة إن كان أخطأ فيه ولا تعزير على التوبة ولا على ذنب ارتفع بها وليس فيه
____________________
(7/478)
حد مقدر قوله ولا ضمان عليهم لأنهم لم يتلفوا شيئا على المشهود له أو عليه قوله فإن حكم الخ إذا رجعوا قبل الحكم فلا ضمان عليهم وإن رجعوا بعده لم يفسخ الحكم لما تقدم من أن الثاني ليس أولى من كلامهم الأول ولا الأول أولى من الثاني فتعارضا ولا ترجيح قبل الحكم لأحد الكلامين فلا يحكم بأحدهما وبعده ترجح الأول لاتصال القضاء به لأنه مؤكد لحكمه وقع في حال لا معارض له فيه فلا ينقض الأقوى بالأدنى لكن عليهم ضمان ما أتلفوه بشهادتهم وإنما كانوا متلفين بسبب لزوم حكم شهادتهم أعني اتصال القضاء الذي لا يجوز نقضه وبالرجوع مع العلم بأنه لا ينقض القضاء به كانوا معترفين بأن تسببهم في ذلك الإتلاف كان تعديا لأنه وقع على خلاف الحق والتسبب في الإتلاف تعديا سبب للضمان وكان أبو حنيفة رحمه الله أولا يقول ينظر إلى حال الشهود إن كان حالهم عند الرجوع أفضل من حالهم وقت الأداء في العدالة صح رجوعهم في حق نفسهم وفي حق غيرهم فيعزرون وينقض القضاء ويرد المال على المشهود عليه وإن كانوا عند الرجوع كحالهم عند الأداء أو دونه يعزرون ولا ينقض القضاء ولا يجب الضمان على الشاهد وهذا قول أستاذه حماد بن سليمان ثم رجع إلى أنه لا يصح رجوعه في حق غيره على كل حال فلا ينقض القضاء ولا يرد المال على المقضي عليه لما قلنا وهو قولهما قوله ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم سواء كان هو القاضي المشهود عنده أو غيره وزاد جماعة
____________________
(7/479)
في صحة الرجوع أن يحكم القاضي برجوعهما ويضمنهما المال وإليه أشار المصنف حيث قال وإذا لم يصح في غير مجلس القاضي فلو ادعى المشهود عليه رجوعهما وأراد يمينهما أنهما لم يرجعا لا يحلفان وكذا لو أقام بينة على هذا الرجوع لا تقبل لأنه ادعى رجوعا باطلا وإقامة البينة وإلزام اليمين لا تقبل إلا على دعوى صحيحة ثم قال حتى لو أقام البينة أنه رجع عند قاضي كذا وضمنه المال تقبل فهذا ظاهر في تقييد صحة الرجوع بذلك ونقل هذا عن شيخ الإسلام واستبعد بعضهم من المحققين توقف صحة الرجوع على القضاء بالرجوع وبالضمان وترك بعض المتأخرين من مصنفي الفتاوى هذا القيد وذكر أنه إنما تركه تعويلا على هذا الاستبعاد ويتفرع على اشتراط المجلس أنه لو أقر شاهد بالرجوع في غير المجلس وأشهد على نفسه به وبالتزام المال لا يلزمه شيء
____________________
(7/480)
ولو ادعى عليه بذلك لا يلزمه إذا تصادقا أن لزوم المال عليه كان بهذا الرجوع ولو أقر في مجلس قاض انه رجع عند قاضي كذا صح باعتبار كون هذا رجوعا عند هذا القاضي لا الذي أسند رجوعه إليه ولو رجعا عند القاضي ثم جحد تقبل البينة عليهما ويقضى بالضمان عليهما ثم ذكر المصنف لاشتراط مجلس الحكم في صحة الرجوع وجهين أولهما أن الرجوع فسخ للشهادة فكما اشترط للشهادة المجلس كذلك لفسخها وعلى الملازمة منع ظاهر مع إبداء الفرق بأن اشتراط المجلس ليتصور الأداء عنده بالضرورة بخلاف الرجوع لأن حاصله الإقرار على نفسه بتحقق سبب الضمان منه والإقرار بالضمان لا يتوقف على مجلس القضاء وأجاب في النهاية بأن ما شرط للابتداء شرط للبقاء كالبيع فإنه شرط فيه وجود المبيع فكذا في فسخه وهذا أيضا مما يحتاج إلى إثبات الملازمة مع أن الاتفاق أن شرط ذلك في فسخ البيع إنما هو ليثبت حكم الفسخ وهو التراد والتراد يتوقف على قيامه بخلاف حكم الرجوع فإنه الضمان ويمكن إثباته مع ثبوته دون المجلس ثم هو قد أورد على ما ذكره من أن شرط الابتداء شرط البقاء السلم حيث يشترط لابتدائه حضور رأس المال دون فسخه وأجاب بمثل ما ذكرنا من أن ذلك لأمر يخص الابتداء لا يوجد في البقاء وهو كي لا يلزم الافتراق عن الكالئ بالكالئ وذلك غير لازم في فسخه فلذا لم يشترط في فسخه ما شرط في ابتدائه وهذا نحو ما ذكرنا من أن شرط المجلس ابتداء ليتصور الأداء بخلاف الفسخ ثم تمهيد الجواب بأن ما شرط للابتداء شرط للبقاء لا يناسب ما نحن فيه وهو الرفع نعم الرفع يرد على حالة بقاء أثر الشهادة وهو الحكم بها ولو تسهلنا إلى جعل ذلك بقاء نفس الشهادة لا يتصور كون مجلس الحكم شرطا لبقاء الشهادة ولو أرخينا العنان في الآخر فإنما يكون المشروط للبقاء المجلس الأول الذي كان شرطا للأداء والمجلس المشروط هنا مجلس آخر وذكر بعضهم في وجهه أن الرجوع فسخ ونقض للشهادة فكان مقابلا لها فاختص بموضع الشهادة ومنع الملازمة فيه ظاهر فبينه بأن السواد والبياض لما كانا متضادين اشترط للتضاد اتحاد المحل ولا يخفى أن اتحاد المحل إنما هو شرط امتناع اجتماع المتضادين لا شرط لكل من المتضادين في نفسه كما أن المجلس شرط لكل من الشهادة ونقضها والوجه الثاني أن الرجوع توبة عن ذنب الكذب وكان ذلك الذنب في مجلس القضاء فتختص التوبة عنه بمجلسه ولا شك أن ذلك أيضا غير لازم فيه فبينوا له ملازمة شرعية بحديث معاذ رضي الله تعالى عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن فقال أوصني فقال عليك بتقوى الله تعالى ما استطعت إلى أن قال وإذا عملت شرا فأحدث توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية وأنت تعلم أن العلانية لا تتوقف على الإعلان في محل الذنب بخصوصه مع أن ذلك لا يمكن بل في مثله مما فيه علانية وهو إذا اظهر الرجوع للناس وأشهدهم عليه وبلغ ذلك القاضي بالبينة عليه كيف لا يكون معلنا قوله وإذا شهد شاهدان بمال فحكم الحاكم به ثم رجعا ضمنا المال للمشهود عليه وهذا مذهب مالك وأحمد والشافعي في الجديد لا ضمان عليهما لأنهما مسببان ولا
____________________
(7/481)
عبرة بالتسبب وإن كان تعديا مع وجود المباشرة قلنا المباشر القاضي والمدعي ولا ضمان على القاضي اتفاقا لأنه كالملجإ إلى مباشرة القضاء الذي به الإتلاف من جهة الشرع بافتراضه عليه بعد ظهور العدالة وإذا ألجأه الشرع لا يضمنه ولأنه يوجب عدم قبول القضاء من أحد وأما المدعي فلأنه أخذ بحق ظاهر ماض لأن خبر الرجوع ليس أولى من الأول لينقض الحكم وإذا لم ينقض لا يمكن جبره على إعطاء ما أخذ بذلك الوجه الماضي شرعا وإذا تعذر الإيجاب على المباشر تعين على المتعدي بالتسبب كحافر البئر في الطريق واعلم أن الشافعية اختلفوا في هذه المسئلة والصحيح عند الإمام والعراقيين وغيرهم أن الشهود يضمنون كمذهبنا والقول الآخر لا ينقض ولا يرد المال من المدعي ولا يضمن الشهود وهو عين قول أبي حنيفة الأول إذا كان حالهما وقت الرجوع مثله عند الأداء وقد نقض عليه أيضا بإيجاب القصاص على الشهود إذا رجعوا بعد قتل المشهود عليه مع وجود المباشر وهو الولي المقتص والقاضي وأجيب عنه بأن ذلك لدليل خاص وهو قول علي رضي الله تعالى عنه لشاهدي السرقة بعدما قطع ورجعوا وجاءوا بآخر وقالوا هذا الذي سرق لو علمت أنكما تعديتما لقطعت أيديكما أخرجه
____________________
(7/482)
الشافعي وقال بهذا القول نقول فإن نوقض بأنه لا يرى تقليد الصحابي أمكن الجواب عنه بأني إنما قلت به لما ظهر من مناطه من أن أمر الدم أشد من أمر المال قلنا الأشدية لا يتوقف ثبوتها على ثبوت الضمان في أحكام الدنيا لجوازه باعتبار أمر الآخرة ثم متى يقضى بالضمان على الشاهد قال المصنف إذا قبض المدعي المال دينا كان أو عينا لأن هذا ضمان إتلاف والإتلاف على المدعى عليه إنما يتحقق بأخذه منه وهذا اختيار شمس الأئمة وفرق شيخ الإسلام بين كون المشهود به عينا فيضمنان قبل قبض المدعي إياها بعد القضاء له بها أو دينا فلا يضمنان حتى يقبضه المدعي وجه الفرق أن ضمانهما ضمان إتلاف وضمان الإتلاف مقيد بالمماثلة فإذا كان المشهود به عينا فالشاهدان وإن أزالاه عن ملك المشهود عليه بشهادتهما عند اتصال القضاء بها حتى لا ينفذ تصرفه فيه فلو أزلنا قيمته عن ملكهما بأخذ الضمان منهما لا تنتفي المماثلة أما إذا كان المشهود به دينا فالشاهدان أوجبا عليه دينا بغير حق فلو استوفى الضمان منهما قبل أن يستوفى المشهود له من المشهود عليه انتفت المماثلة لأن المستوفى منهما عين في مقابلة دين أوجباه وشمس الأئمة يوافق في وجه الدين ويقول في العين إن الملك وإن ثبت فيه للمدعي بمجرد القضاء لكن المقضي عليه يزعم أن ذلك باطل لأن المال الذي في يده ملكه فلا يكون له أن يضمن الشاهد شيئا مالم يخرج من يده قال البزازي رحمه الله في فتاواه والذي عليه الفتوى الضمان بعد القضاء بالشهادة قبض المدعي المال أو لا وكذا العقار يضمن بعد الرجوع إن اتصل القضاء بالشهادة
____________________
(7/483)
فروع شهدا أنه أجله إلى سنة ثم رجعا ضمناه حالا ثم يرجعان على المطلوب بعد السنة ولو توى ما على المطلوب لم يرجعا على الطالب بخلاف الحوالة ولو شهدا أنه أبرأه أو وهبة أو تصدق به عليه ثم رجعا ضمنا ولو شهدا على هبة عبد وتسليم ثم رجعا ضمنا قيمته للمالك ولا رجوع للواهب على الموهوب له ولا عليهما لأنه كالعوض وإن لم يضمن الواهب الشاهدين له الرجوع شهدا أنه باع عبده بخمسمائة إلى سنة وقيمة العبد مائة وقضى به ثم رجعا يخير البائع بين رجوعه على المشتري إلى سنة وبين تضمين الشاهدين قيمته حالة ولا يضمنهما الخمسمائة فإن ضمن الشاهدين رجعا على المشتري بالثمن إذا حل الأجل لأنهما قاما مقام البائع بالضمان وطاب لهما قدر مائة وتصدقا بالفضل قوله والأصل أن المعتبر في هذا بقاء من بقي لا رجوع من رجع وهذا لأن الشهادة إنما تثبت المال والرجوع إنما يوجب الضمان لأنه إتلاف له فإذا بقي بعد رجوع من رجع من يستقل بإثبات المال بقي المال ثابتا فلم يتحقق بالرجوع إتلاف شيء ومن المحال أن يضمن مع عدم إتلاف شيء وأما ما أورد من أنه ينبغي إذا رجع واحد من الاثنين أن لا يبقى شيء من المال لأن الواحد لا يثبت بشهادته شيء أصلا فيقتضي أن يضمن الواحد الراجع كل المال وهو مصادم للإجماع على نفيه وإنما كان الإجماع على نفيه لأن عدم ثبوت شيء بشهادة الواحد إنما هو في الابتداء ولا يلزم في حال البقاء ما يلزم في الابتداء وحينئذ فبعد ما ثبت ابتداء شيء بشهادة اثنين نسب إلى كل منهما في حال البقاء ثبوت حصة منه بشهادته فتبقى هذه الحصة ما بقي على شهادته ويكون متلفا لها برجوعه إذا عرف هذا فإذا رجع أحد الاثنين لزمه ضمان النصف لأنه أتلفه برجوعه وإن شهد بالمال ثلاثة فرجع أحدهم فلا ضمان عليه لأنه بقي الحق من غير إتلاف شيء منه ببقاء الشاهدين والاستحقاق باق بالحجة والمتلف متى استحق سقط الضمان كما إذا أتلف مال زيد فقضى بضمانه عليه فظهر أن مستحقه عمرو فإنه يأخذه ويسقط الضمان لزيد فأولى أن يمنع الضمان وما نحن فيه من هذا فإن بالرجوع أتلف على المشهود له حصته التي أثبتها له بشهادته له وصارت مستحقة للمشهود عليه وببقاء من يبقى كل الحق به ظهر استحقاق المشهود له لتلك الحصة دون المشهود عليه فيدفع الضمان للمشهود عليه فإن رجع آخر من الثلاثة
____________________
(7/484)
ضمن الراجعان نصف المال لأن ببقاء الثالث يبقى نصف المال فلو قال الراجع الأول كيف أضمن برجوع الثاني مالم يلزمني ضمانه برجوع نفسي وقت رجوعي لا يقبل هذا كما لا يقبل قول أحدهما لو رجع الثلاثة لا يلزمني شيء لأن غيري يثبت به كل الحق فرجوع غيري موجب عليه لا علي وحقيقة الوجه أن تلف النصف وإن كان مما يستقل به رجوع واحد إذا فرض تحققه مع رجوع جماعة تحاصصوا الضمان لأنه ليس أحدهما أولى به من الآخر وإن شهد رجل وامرأتان فرجعت إحداهما ضمنت ربع المال لبقاء ثلاثة أرباعه ببقاء من بقي وإن رجعتا ضمنتا نصفه لأن بشهادة الرجل يبقى نصف الحق وإن شهد رجل وعشرة نسوة ثم رجع منهن ثمان فلا ضمان عليهن لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق فإن رجعت أخرى ضمن التسع ربع الحق لبقاء النصف بشهادة الرجل الباقي والربع بشهادة الباقية وإن رجع الرجل والنساء فعلى الرجل سدس الحق وعلى النسوة خمسة
____________________
(7/485)
أسداسه عند أبي حنيفة وعندهما على الرجل الصنف وعلى النسوة النصف لأنهن وإن كثرن يقمن مقام رجل واحد ولهذا لا تقبل شهادتهن إلا بانضمام الرجل ولأبي حنيفة رحمه الله أن كل امرأتين قامتا مقام رجل قال صلى الله عليه وسلم في نقصان عقلهن عدلت شهادة كل اثنتين منهن شهادة رجل روى البخاري من حديث الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن يا رسول الله مالنا أكثر أهل النار قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قالت يا رسول الله وما نقصان العقل والدين فقال أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين فصار كما لو شهد بذلك ستة رجال ثم رجعوا وإن رجع النسوة العشر دون الرجل كان عليهن نصف الحق على القولين يعني بالاتفاق على اختلاف التخريج فعندهما لأن الثابت بشهادتهن نصف المال وعنده لبقاء من يثبت به النصف وهو الرجل كما لو شهد ستة رجال ثم رجع خمسة ثم ليست إحداهن أولى بضمان النصف من الآخرين ولو شهد رجلان وامرأة بمال ثم رجعوا فالضمان عليهما دون المرأة لأن الواحدة ليست شاهدة بل بعض شاهد لأن المرأتين شاهد واحد فشهادة الواحدة شطر علة وشطر العلة لا يثبت به شيء فكان القضاء ليس إلا بشهادة الرجلين فلا تضمن المرأة عند رجوعها شيئا ولو شهد رجل وثلاث نسوة ثم رجع رجل وامرأة وجب ضمان نصف المال
____________________
(7/486)
لبقاء من يبقى بشهادته نصف المال أعني المرأتين ثم هو على الرجل خاصة على قولهما لثبوت النصف بشهادة الرجل والنصف بشهادة النساء وينبغي في قياس قول أبي حنيفة أن النصف أثلاثا على الرجل والمرأة لأن القضاء هنا بشهادة الكل من الرجال والنساء على الشيوع ثم يقام كل امرأتين مقام رجل فثلاث نسوة مقام رجل ونصف فإن رجعوا جميعا فعندهما أنصافا وعنده أخماسا على النسوة ثلاثة أخماس وعلى الرجل خمسان قوله وإن شهدا إلى آخره إذا ادعى رجل على امرأة نكاحا بقدر مهر مثلها أو ادعاه بأقل بأن ادعاه بمائة ومهر مثلها الف فشهد بذلك شاهدان فقضى بمقتضى شهادتهما ثم رجعا لا يفسخ النكاح برجوعهما ولا يضمنان شيئا في الصورتين كما ذكره المصنف وذكر في المنظومة في صورة النقصان أنهما يضمنان ما نقص عن مهر مثلهما عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف قال في باب أبي يوسف لو أثبتوا نكاحها فأوكسوا إن رجعوا لم يضمنوا ما بخسوا ثم بينه في شرحه المسمى بالحصر وجعل الخلاف مبنيا على مسئلة اختلاف الزوجين في قدر المهر فإن عند أبي حنيفة ومحمد القول قولها إلى مهر مثلها فكان يقضى لها بألف لولا هذه الشهادة فقد أتلفا عليها تسعمائة وعند ابي يوسف القول للزوج فلم يتلفا على قوله عليها شيئا وتبعه صاحب المجمع وما ذكره صاحب الهداية هو المعروف في المذهب وعليه صاحب النهاية وغيره من الشارحين لم ينقلوا سواه خلافا ولا رواية وهو المذكور في الأصول كالمبسوط وشرح الطحاوي والذخيرة وغيرهم وإنما نقلوا فيها خلاف الشافعي فلو كان لهم شعور بهذا الخلاف الثابت في المذهب بين الأئمة الثلاثة لم يعرضوا عنه بالكلية ويشتغلوا بنقل خلاف الشافعي وذكروا وجهه بأن البضع متقوم لثبوت
____________________
(7/487)
تقومه حال الدخول فكذا في غيره لأنه في حال الخروج عين ذلك الذي ثبت تقومه وأجابوا بحاصل توجيه المصنف بأن تقومه حال الدخول ليس إلا لإظهار خطره حيث كان منه النسل المطلوب في الدنيا والآخرة وغير ذلك من النفع كما شرطت الشهادة على العقد عليه دون سائر العقود لذلك لا لاعتباره متقوما في نفسه كالأعيان المالية لأنه لا يرد الملك على رقبته والمنافع لا تتقوم فلا تضمن لأن التضمين يستدعي المماثلة بالنص ولا مماثلة بين الأعيان التي تحرز وتتمول والأعراض التي تتصرم ولا تبقى وفرع في النهاية على الأصل المذكور خلافية أخرى هي ما إذا شهدوا بالطلاق الثلاث ثم رجعوا بعد القضاء بالفرقة لم يضمنوا عندنا وكذا إذا قتل رجل امرأة رجل لا يضمن القاتل لزوجها شيئا وكذا إذا ارتدت المرأة لا شيء عليها لزوجها وعنده عليها وعلى القاتل للزوج مهر المثل وأورد على قولنا نقضا أنهم أوجبوا الضمان بإتلاف منافع البضع حقيقة فيما إذا أكره مجنون امرأة فزنى بها يجب في ماله مهر المثل فكذا يجب في الإتلاف الحكمي وأجاب نقلا عن الذخيرة بأنه في الإتلاف الحقيقي بالشرع على خلاف القياس والحكمي دونه فلا يكون الوارد فيه واردا في الحكمي ونظيره ما في شرح الطحاوي لو ادعى أنه استأجر الدار من هذا شهرا بعشرة وأجرة مثلها مائة والمؤجر ينكر فشهدا بذلك ثم رجعا لا ضمان عليهما لأنهما أتلفا المنفعة ومتلف المنفعة لا ضمان عليه قوله وكذا لا ضمان عليهما إذا شهدا على رجل يتزوج امرأة بمهر مثلها بأن ادعت امرأة عليه بذلك فشهدا ثم رجعا لا يفسخ النكاح على كل حال بعد ما قضى به ولا يضمنان ما أتلفا عليه من مهر المثل لأنهما عوضا ملك البضع وهو متقوم حين ورود العقد عليه والإتلاف بعوض كلا إتلاف وإنما كان كذلك لأن مبنى الضمان على المماثلة كما ذكرنا ولا مماثلة بين الإتلاف بعوض وهو الثابت في حق الزوج والإتلاف بلا عوض وهو الذي يحكم به على الشاهدين وإن شهدا بأكثر من مهر المثل ثم رجعا ضمنا الزيادة على مهر المثل لأنهما أتلفاها بلا عوض وهي من الأعيان التي تقع المماثلة بالتضمين فيها قوله وإن شهدا ببيع شيء بمثل القيمة أو أكثر بأن ادعى ذلك مدع فشهدا له به ثم رجعا لم يضمنا لأنه ليس بإتلاف معنى
____________________
(7/488)
نظرا إلى العوض وإن شهدا به بأقل من القيمة ثم رجعا ضمنا نقصان القيمة لأنهما أتلفا هذا القدر عليه بلا عوض هذا إذا شهدا بالبيع ولم يشهدا بنقد الثمن فلو شهدا به وبنقد الثمن ثم رجعا فإما أن ينظماهما في شهادة واحدة بأن شهدا أنه باعه هذا بألف وأوفاه الثمن أو في شهادتين بأن شهدا بالبيع فقط ثم شهدا بأن المشتري أوفاه الثمن ففي الأول يقضى عليهما بقيمة البيع لا بالثمن وفي الثاني يقضى عليهما بالثمن للبائع وجه الفرق أن في الأول المقضي به البيع دون الثمن لأنه لا يمكن القضاء بإيجاب الثمن لاقترانه بما يوجب سقوطه وهو القضاء بالإيفاء ولهذا قلنا لو شهد اثنان على رجل أنه باع من هذا عبده وأقاله بشهادة واحدة لا يقضى بالبيع لأنه قارن القضاء به ما يوجب انفساخه وهو القضاء بالإقالة فكذا هذا وإذا كان المقضي به البيع فقط وزال المبيع بلا عوض فيضمنان القيمة بخلاف ما إذا كان بشهادتين فإن الثمن يصير مقضيا به لأن القضاء بالثمن لا يقارنه ما يسقطه لأنهما لم يشهدا بالإيفاء بل شهدا به بعد ذلك وإذا صار الثمن مقضيا به ضمناه برجوعهما ثم قال المصنف ولا فرق بين كون البيع باتا أو فيه خيار البائع لأن السبب يعني البيع هو السابق حتى استحق المشتري المبيع بزوائده وقد أزالاه بشهادتهما فيضاف الحكم إليه عند سقوط الخيار إليه فانضاف التلف إلى الشهود وهذا جواب عن
____________________
(7/489)
سؤال ذكره في المبسوط حاصله ينبغي أن لا ضمان عليهما لأنهما إنما أثبتا البيع بشرط خيار للبائع وبه لا يزول ملكه عن المبيع وإنما يزول إذا لم يفسخ حتى مضت المدة وإذا لم يفسخ حتى مضت المدة كان مختارا في إزالة ملكه عنه إلى غيره فلا يجب الضمان والجواب أن سبب التلف العقد السابق وثبوته بشهادتهم فيضاف إليهم غاية الأمر أنه سكت إلى أن مضت المدة وهو لا يستلزم رضاه لجواز كونه لتحرزه عن أن يضاف إليه الكذب لأنه قد أنكر العقد فإذا فسخ كان معترفا بصدوره منه فيظهر للناس تناقضه وكذبه والعاقل يحترز عن مثله وكذا لو شهدا بالعقد على أن فيه خيار المشتري ومضت المدة ولم يفسخ وفي قيمة المبيع نقصان عن الثمن الذي شهدا به ضمناه ولو أن المشهود عليه بالشراء أجازه في المدة سقط الضمان عنهما لأنه أتلف ماله باختياره كما لو أجازه البائع في شهادتهما بالخيار له بثمن ناقص عن القيمة حيث يسقط أيضا قوله وإن شهدا أنه طلق امرأته قبل الدخول فقضى بالفرقة ثم رجعا ضمنا نصف المهر هذا إذا كان في العقد مهر مسمى فإن لم يكن ضمنا المتعة لأنها الواجبة فيه وذلك لأنهما أكدا ما كان على شرف السقوط وعلى المؤكد ما على الموجب أما كونه على شرف السقوط فإن المهر بحيث لو ارتدت الزوجة والعياذ بالله تعالى أو طاوعت ابن زوجها يسقط المهر أصلا وأما أن على المؤكد ما على الموجب فبمسألتين هما ما إذا أخذ محرم صيد الحرم فقتله في يده آخر يجب الجزاء على الآخذ ورجع به على القاتل لأنه أكد ما كان بحيث يسقط بأن يتوب فيطلقه وما إذا أكره رجل آخر على الطلاق قبل الدخول وجب على الزوج نصف المهر ورجع به على المكره وكذلك بارتدادها ونحوه ولأن الفرقة قبل الدخول في معنى الفسخ فتوجب سقوط كل المهر كما مر في النكاح أي من باب المهر من أن بالطلاق قبل الدخول يعود المعقود
____________________
(7/490)
عليه إليها كما كان سالما فلا يجب بمقابلته بشيء ثم يجب نصف المهر ابتداء فقد أوجبا بشهادتهما عليه مالا فيجب ضمانه عليهما وإنما قال في معنى الفسخ ولم يقل فسخ لأنه ليس حقيقة الفسخ وإلا لم ينقص من عدد الطلاق شيء وإنما هو في معناه بسبب عود المعقود عليه إليها سالما ولم يذكر المصنف ما لو شهدا بالطلاق بعد الدخول مع أنه مذكور في القدوري والبداية وحكمه أن لا يجب ضمان لأن البضع لا تقوم له حال الخروج وما دفع من المهر قد اعتاض عنه منافع البضع فلم يتلفا عليه مالا بلا عوض وفي التحفة لم يضمنا إلا ما زاد على مهر المثل لأن بقدر مهر المثل إتلاف بعوض وهو منافع البضع التي استوفاها ثم المعروف أن الشاهدين لا يضمنان سوى نصف المهر من غير ذكر خلاف وخرج بعضهم أن ذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أما على قول محمد فيضمنان للمرأة ما زاد على نصف المهر إلى تمامه لأنهما برجوعهما زعما أن الزوج لم يطلقها وإنما وقع بالقضاء به فعند ابي حنيفة رحمه الله وقوعه بالقضاء كإيقاع الزوج وبإيقاع الزوج ليس لها إلا النصف وعند محمد رحمه الله القضاء به ليس إيقاعا منه فيبقى حقها ثابتا في كل المهر وفوتاه بشهادتهما فقد أتلفاه انتهى والوجه عدمه لأن القضاء بالوقوع إنما هو عنه تكذيبا له في إنكاره الطلاق على أن نقل هذا الخلاف غريب ليس في الكتب المشهورة فلا يعول عليه قوله وإن شهدا أنه أعتق عبده فقضى بالعتق ثم رجعا ضمنا قيمته لأنهما أتلفا عليه مالا متقوما بلا عوض فيضمنان سواء كانا موسرين أو معسرين لأنه ضمان إتلاف وهو لا يتقيد باليسار والولاء للمولى لأن العتق من جهته وهو وإن كان منكرا للعتق صار مكذبا شرعا وإنما لا يتحول للشاهدين بضمانهما لأن العتق لا يقبل الانتقال ولا يكون الولاء عوضا نافيا للضمان لأنه ليس بمال بل هو كالنسب سبب يورث به ولو كانا شهدا بتدبير العبد وقضى به كان عليهما ضمان ما بين قيمته مدبر وغير مدبرا وقد سلف في كتاب العتق قدر نقصان التدبير وإن مات المولى بعد رجوعهما فعتق من ثلث تركته كان عليهما بقية قيمته عبدا لورثته ولو شهدا بالكتابة ضمنا تمام قيمته والفرق أنهما بالكتابة حالا بين المولى وبين مالية العبد بشهادتهما فكانا غاصبين فيضمنان قيمته بخلاف التدبير فإنه لا يحول بين المولى وبين مدبره بل ينقص ماليته ثم إذا ضمنا تبعا المكاتب على نجومه لأنهما قاما مقام المولى حين ضمنا قيمته ولا يعتق المكاتب حتى يؤدي إليهما الجميع كما كان كذلك مع المولى وولاؤه للذي شهدا عليه بالكتابة وإن عجز فرد في الرق كان لمولاه لأن رقبته لم تصر مملوكة للشاهدين
____________________
(7/491)
بالضمان لأن المكاتب لا يقبل النقل من ملك إلى ملك ويرد المولى ما أخذ منهما لزوال حيلولتهما برده في الرق فهو كغاصب المدبر إذا ضمن قيمته بعد إباقه ثم رجع يكون مردودا على المولى ويرد المولى على الغاصب ما أخذه منه ولو كانا شهدا على إقراره بأن هذه الأمة ولدت منه فقضى بذلك ثم رجعا ضمنا للمولى نقصان قيمتها وذلك بأن تقوم أمة وأم ولد لو جاز بيعها مع الأمومة فيضمنان ما بين ذلك فإن مات المولى بعد ذلك فعتقت كان عليهما بقية قيمتها أمة للورثة وإن هما نصا في شهادتهما على إقراره في ابن في يده أنه منه بأن شهدا أنه أقر أنها ولدت منه هذا الولد كان عليهما مع ما ذكرنا للمولى قيمة الولد فإن قبضهما ثم مات فورثه هذا الابن كان عليه أن يرد على الشاهدين مما ورث مثل ما كان الميت أخذه منهما من قيمته وقيمة أمه لأنه يقول الميت أخذه بغير حق وأنه دين في تركته لهما والذي عندي أنه ينبغي أن يضمنا للورثة مقدار ما ورث الابن لأنهما أتلفا عليهم بشهادتهما قوله وإذا شهدا بقصاص ثم رجعا بعد القتل ضمنا الدية ولا يقتص منهما وهو مذهب مالك خلافا لأشهب والدية على عاقلة الشهود ومذهب أحمد إن قالا أخطأنا ضمنا الدية في مالهما وإن قالا تعمدنا اقتص منهما وقال الشافعي رحمه الله يقتص لوجود القتل منهما تسبيبا فأشبه الشاهد المكره فإنه تسبب بشهادته في قتل الولى كما أن المكره تسبب بإكراهه في قتل المكره فيقتل كما يقتل المكره بل هو أولى منه لأن ولي القصاص بعد الشهادة يعان على قتل المشهود عليه ولا ينكر عليه أحد والمكره لا يعان على القتل بإكراهه بل يمنع وينكر عليه للعلم بأنه محظور عليه ولنا أن القتل من الشاهد لم يوجد تسبيبا
____________________
(7/492)
لأن التسبيب ما يفضي إليه أي إلى ما تسبب فيه غالبا والشهادة لا تفضي إلى قتل الولي على وجه الغلبة وإن أفضت إلى القضاء بل كثيرا ما يقع ثم تقف الناس في الصلح على قدر الدية بل على قدر بعضها فلم تفض غالبا إليه بل قد وقد فمن الناس من يغلب عليه طلب التشفي ومنهم من يغلب عليه العفو بالمال يرى أنه جمع بين ما هو الأحب للشارع وحصول مال ينتفع به فهو جمع بين دنيا وأخرى ولا شك أن هذا بالنظر إلى مجرد ذاته ومفهومه يقتضي كثرة وجوده بالنسبة إلى القتل فكيف إذا علم كثرة وقوعه وإذا انتفى التسبيب من الشاهد حقيقة انتفى قتله بخلاف المكره يعني فحالف الولي المكره لأن الغالب أن الإنسان يؤثر حياته على حياة غيره فكان المكره بإكراهه مسببا حقيقة حيث ثبت بفعله ما هو المفضي للقتل بسبب الإيثار الطبيعي ولا يصح قياس الشاهد عليه لانتفاء الجامع وهو إثبات ما يفضي غالبا إلى الفعل ووجه آخر وهو أن الفعل الاختياري ذي الاختيار الصحيح أعني قتل الولي المعترض بعد الشهادة مما يقطع نسبة الفعل إلى الشاهد كما عرف فيمن فك إنسان قيده فأبق باختياره وأمثاله كمن دفع إنسانا في بئر حفرها غيره تعديا فإنه بدفعه الاختياري انقطعت نسبة التلف إلى الحافر فلا وجود للمسبب مع المباشر مختارا
____________________
(7/493)
بخلاف المكره فإنه وإن اعترض فعله الاختياري عن الإكراه لكن اختياره اختيار فاسد للإكراه عليه فكان كلا اختيار ولذا لا يصح مع اختياره هذا البيع ولا إجازة بيعه ولا إجارته ونحوها فلم يصلح لقطع نسبة الفعل عن المكره فاعتبر المكره كآلة للمكره قتل بها ذلك القتيل على أنه لو لم يقطع الاختيار الصحيح النسبة إلى الشاهد فلا أقل من أن يوجب شبهة في إيجاب القصاص عليه والقصاص يندرئ بالشبهات بخلاف المال فإنه يثبت مع الشبهة وقوله فأشبه المكره بكسر الراء وقوله والمكره يمنع بفتحها والمراد بالمختلف مختلف الرواية للفقيه أبي الليث وفي شرح الجامع الكبير للعتابي إذا شهدوا على رجل أنه قتل فلانا خطأ أو عمدا فقضى بذلك وأخذ الولي الدية في الخطإ وقتل القاتل في العمد ثم جاء المشهود بقتله حيا فالعاقلة في الخطإ إن شاءوا رجعوا على الآخذ لأنه أخذ بغير حق ولا يرجع هو على أحد وإن شاءوا ضمنوا الشهود لأنهم تسببوا للتلف بغير حق وهم يرجعون على الولي لأنهم ملكوا المضمون وهو الدية بأداء الضمان فتبين أن الولي أخذ مالهم وفي العمد لا يجب القصاص على الولي ولا على الشهود لأن القضاء أورث شبهة لكنه تجب الدية ويخير ورثة المقتول بين أن يضمنوا الولي الدية ولا يرجع هو على أحد وبين أن يضمنوا الشاهدين وهما لا يرجعان عند أبي حنيفة رحمه الله لأنهم لم يملكوا المضمون وهو الدم لأنه لا يقبل التمليك لأنه ليس مالا وعندهما يرجعون بما ضمنوا لأن أداء الضمان انعقد سببا لملك المضمون لكن لم يثبت الملك في المضمون لعدم قبوله فيثبت في بدله كمن غصب مدبرا وغصبه آخر ومات في يده وضمن المالك الأول يرجع على الثاني بما ضمن لما قلنا كذا هذا قوله وإذا رجع شهود الفرع ضمنوا وهذا بالاتفاق لأن الشهادة التي في مجلس القضاء وهي التي بها القضاء صدرت منهم فكان التلف مضافا إليهم ولو رجع شهود الأصل وقالوا لم نشهد شهود الفرع على شهادتنا لم يضمنوا ولم يذكر المصنف خلافا
____________________
(7/494)
وفي شرح القدوري لأبي نصر البغدادي قال هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد يضمنون وهو رواية عن أبي حنيفة انتهى وذكر أبو المعين في شرح الجامع الكبير فيما إذا شهد فرعان على شهادة شاهدين على رجل أنه قتل فلان بن فلان خطأ فقضى بالدية على عاقلته وقبضها الولي ثم جاء المشهود بقتله حيا لا يضمن الفروع لعدم رجوعهم وعدم ظهور كذبهم بيقين لجواز أن الأصلين أشهداهما غير أن الولي يرد على العاقلة ما أخذ منها ولو حضر الأصلان وقالا لم نشهدهما لم يلتفت إلى إنكارهما ولا ضمان على الأصلين أما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف فلأنهما لو رجعا بأن قالا أشهدناهما بباطل لا ضمان عليهما لأن شهادتهما وإشهادهما للفرعين كانا في غير مجلس القضاء فلا يكون سببا للضمان كالرجوع في غير مجلس القضاء فإذا لم يضمنا بالرجوع فكذا إذا ظهر المشهود بقتله حيا فأما عند محمد فيضمنان بالرجوع ثم قال هنا لا يضمنان يعني قال محمد في إنكار الأصول الإشهاد لا يضمن الأصلان ثم ذكر ترددا في أنه قاله على قول أبي حنيفة وأبي يوسف خاصة أو قاله اتفاقا وأما صاحب النهاية فصرح بأن عدم الضمان بالإجماع قال المصنف في وجهه لأنهم أنكروا أي شهود الأصل السبب وهو الإشهاد وذلك لا يبطل القضاء لأنه خبر يحتمل الصدق والكذب فصار كرجوع الشاهد يعني بعد القضاء لا ينقض به الشهادة لهذا بخلاف ما إذا أنكروا الإشهاد قبل القضاءلا يقضى بشهادة الفرعين كما إذا رجعوا قبله هذا إذا قالوا لم نشهدهم فإن قالوا أشهدناهم وغلطنا أو أشهدناهم ورجعنا ضمن الأصول هكذا أطلق القدوري وحكم المصنف بأن الضمان قول محمد أما عند ابي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله فلا ضمان على الأصول لمحمد أن الفرعين نقلا شهادتهما إلى المجلس ووقع القضاء بها كأنهما حضرا بأنفسهما وأديا فإذا رجعا ضمنا وغاية الأمر أن تكون شهادتهما ليست في المجلس حقيقة لكنها فيه حكما باعتبار أنها المنقولة فعملنا بالحقيقة عند الرجوع وبالحكم عند الرجوع ولا حاجة إلى اعتبار الفرعين نائبين عن الأصلين فيكون فعلهما كفعلهما ليرتفع فإنه لو كان كذلك لعمل منع الأصلين إياهما عن الأداء بعد التحميل ولا يعمل فلهما بل عليهما أن يؤديا لو منعاهما بعد التحميل ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أن القضاء إنما وقع بشهادة الفروع لأنهم يشهدون بشهادة الأصول فهو كما لو شهدوا بحق آخر إنما يقضى به بشهادتهم وهذا لأن القاضي إنما
____________________
(7/495)
يقضي بما عاين من الحجة وهو شهادتهما وإذا ثبت أن القضاء ليس إلا بشهادتهما لم يضمن غيرهما وقد أخر المصنف دليل محمد وعادته أن يكون المرجح عنده ما أخره قوله ولو رجع الأصول والفروع جميعا يجب الضمان عندهما على الفروع بناء على ما عرف لهما من أن القضاء إنما وقع بشهادة الفروع والضمان إنما يكون برجوع من قضى بشهادته وعند محمد المشهود عليه بالخيار إن شاء ضمن الأصول وإن شاء ضمن الفروع لأن القضاء وقع بشهادة الفروع من الوجه الذي ذكرا وهو قولهما إن القضاء بما عاين القاضي من الحجة وإنما عاين شهادة الفروع ومن الوجه الذي ذكر أي محمد رحمه الله وهو أن الفروع نقلوا شهادة الأصول فالقضاء بالشهادة المنقولة وهي شهادة الأصول وقوله والجهتان متغايرتان جواب عما يقال لم لم يجمع بين الجهتين فيضمن كلا من الفريقين نصف المتلف فقال هما متغايرتان لأن شهود الأصل يشهدون على أصل الحق وشهود الفرع يشهدون على شهادتهم وقيل لأن إحداهما إشهاد والأخرى أداء للشهادة في مجلس القضاء ولا مجانسة بين الشهادتين فلا تعتبر شهادة الفريقين بمنزلة شهادة واحدة بأمر واحد فلهذا لم يجمع بين الفريقين في التضمين بل أثبت له الخيار في تضمين أي الفريقين شاء ولا يرجع واحد من الفريقين إذا ضمن بما أدى على الفريق الآخر بخلاف الغاصب مع غاصب الغاصب فإنه إذا ضمن الغاصب يرجع على غاصبه لأن كلا من الفريقين مؤاخذ بفعله فإذا ضمنه المشهود عليه لا يرجع به على الآخر بسبب أن المتلف نقل شهادة الأصول إذ لولا إشهاد الأصول ما تمكن الفروع من النقل ولولا نقل الفروع لم يثبت النقل فكان فعل كل من الأصول والفروع في حق المشهود عليه
____________________
(7/496)
سبب الضمان أما الفروع فبالنقل وأما الأصول فبتحميلهم الفروع على النقل إذ بتحميلهم لزمهم ذلك شرعا حتى يأثموا لو تركوا النقل بخلاف الغاصب مع غاصبه قوله وإن رجع المزكون عن التزكية بعد القضاء بالمال ضمنوا المال أطلقه القدوري وذكر المصنف وغيره أن ذلك قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يضمنون لأن القضاء الذي به الإتلاف لم يقع بالتزكية بل بالشهادة فلم يضف التلف إليهم فلا يضمنون وصاروا كشهود الإحصان إذا رجعوا بعد الرجم لا يضمنون الدية باتفاقنا ولأبي حنيفة رحمه الله أن التزكية علة إعمال الشهادة والشهادة علة التلف فصار التلف مضافا إلى التزكية لأن الحكم يضاف إلى علة العلة كما يضاف إلى العلة بخلاف الإحصان لأنه ليس العلة في القتل بل العلة فيه الزنا والإحصان ليس مثبتا للزنا فشهوده لا يثبتون الزنا فليس علة لعلة القتل ليجب الضمان بل هو شرط محض أي عند وجوده فيكون الحد كذا وتمام المؤثر في الحد رجما كان أو جلدا ليس إلا الزنا إلا أنه قد يقال من طرفهما إن الحكم لا يضاف إلى علة العلة إلا عند عدم العلة وعند وجودها لا يضاف إلا إليها وهذا فرع ذكره في المبسوط شهدوا بالزنا وزكوا وقال المزكون هم أحرار مسلمون فرجم ثم تبين أنهم عبيد أو كفار فإن ثبت المزكون على أنهم أحرار مسلمون لا ضمان عليهم ولا على الشهود أما الشهود فلأنه لم يتبين كذبهم في الشهادة بل الواقع أن لا شهادة على المسلمين من عبيد أو كفار وأما المزكون فلأنهم اعتمدوا قول الناس في ذلك وليس إخبارهم القاضي بذلك شهادة وأما لو رجعوا وقالوا تعمدنا الكذب فعليهم ضمان الدية عند ابي حنيفة رحمه الله وعندهما الدية في بيت المال في الوجهين لأن المزكين ما أثبتوا سبب الإتلاف وهو الزنا إنما أثنوا على الشهود خيرا وأبو حنيفة يقول جعلوا ما ليس بموجب أعني الشهادة موجبا بالتزكية إلى آخره يعني ما ذكرنا قوله وإذا شهد شاهدان باليمين أي شهدوا بتعليق طلاق زوجته قبل
____________________
(7/497)
الدخول بها بدخول الدار أو بتعليق عتق عبده به ثم شهد آخران بدخول الدار فقضى بالطلاق والعتاق ثم رجع الفريقان فالضمان لنصف المهر وقيمة العبد على شهود اليمين خاصة واحترز بلفظ خاصة عن قول زفر فإنه يوجب الضمان على الفريقين بالسوية قال لأن التلف حصل بشهادتهم قلنا القضاء بالعتق والطلاق إنما هو بثبوت قوله أنت طالق وأنت حر فإنه العلة في الوقوع وهو الذي سماه المصنف السبب وذلك إنما أثبته شهود اليمين بخلاف شهود الدخول لأن الدخول لم يوضع شرعا علة لطلاق ولا عتاق فلم يكن علة وإذا ضمن الدافع مع وجود الحافر وهما مسببان غير أن الدافع مثبت لسبب أقرب من الحفر لأن العلة إنما هي الثقل فلأن يضمن مباشر العلة دون مباشر السبب أولى ومن هذا إذا رجع شهود التخيير مع شهود اختيارها نفسها يضمن شهود الاختيار خاصة لأن الاختيار هو العلة والتخيير سبب ولا يلزم على هذا إذا شهدا انه تزوج فلانة وشهد آخران أنه دخل بها وقضى بكل المهر ثم رجعوا يجب الضمان على شهود الدخول وإن كان وجوب المهر بالتزوج لأن شهود الدخول أثبتوا أن الزوج استوفى عوض ما وجب عليه بالتزوج فخرجت شهادتهما من أن تكون إتلافا ثم مقتضى ما في وجه انفراد شهود اليمين بالضمان أن يجب على شهود الشرط لو رجعوا وحدهم بتسببهم بإثباتهم ما يثبت السبب عنده بخلاف ما إذا رجع معهم شهود اليمين وحكى المصنف فيه اختلاف المشايخ قال العتابي قال أكثر المشايخ يضمنون لأنهم تسببوا في التلف بغير حق لأن له أثر في وجود العلة عنده فيكون سببا للضمان
____________________
(7/498)
عند عدم العلة بخلاف الإحصان لأنه أثر في منع وجود العلة لأن الدخول في نكاح صحيح سبب الامتناع من الزنا لا سبب إتيانه فلا يلحق بالعلة وجعل شمس الأئمة هذا عن بعض مشايخنا لمعنى ما ذكرنا من كلام العتابي ثم قال وهذا غلط بل الصحيح من المذهب أن شهود الشرط لا يضمنون بحال نص عليه في الزيادات لأن قوله أنت حر مباشرة الإتلاف وعند وجود الشرط يضاف إليه لا إلى الشرط سواء كان تعديا أو لا بخلاف مسئلة الحفر فالعلة هناك ثقل الماشي وذلك ليس من مباشرة الإتلاف في شيء فلهذا يجعل الإتلاف مضافا للشرط وهو إزالة المسكة ثم لا يخفى عليك أن صورة رجوع شهود الشرط وحدهم إذا اقر بالتعلية فشهدا بوجود الشرط وأما لو شهد اثنان عليه بالتعليق وآخران بوجود الشرط ثم رجع شهود الشرط وحدهم فلا ينبغي أن يختلف في عدم الضمان عليهم والله أعلم = كتاب الوكالة
أعقب الشهادة بالوكالة لأن كلا من الشاهد والوكيل ساع في تحصيل مراد غيره من الموكل والمدعي معتمد عليه كل منهما والوكالة لغة بفتح الواو وكسرها اسم للتوكيل وهو تفويض أمرك إلى من وكلته اعتمادا عليه فيه ترفها منك
____________________
(7/499)
أو عجزا عنه والوكالة أبدا إما للعجز أو للترفه وكل منهما للضعف ولذا كان معنى الوكل من فيه ضعف وفسر قول لبيد ** وكأني ملجم سوذانقا ** أجدليا كره غير وكل ** والسوذانق والسوذق والسوذنيق الشاهين والأجدل الصقر نسب فرسه إليه ووكله جعله وكيلا أي مفوضا إليه الأمر ومنه وكل أمره إلى فلان ومن هذا قول الحطيئة ** فلأيا قصرت الطرف عنهم بحرة ** أمون إذا واكلتها لا تواكل ** يعني إذا فوضت أمرها إليها لا توكل نفسها إلى أن أحثها على السير بل تستمر على جدها في السير ولا تضعف فيه أو توكل قبل الوكالة واتكلت عليه اعتمدت وأصله واتكلت قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم أبدلت تاء فأدغمت في تاء الافتعال وأما الوكيل فهو القائم بما فوض إليه من الأمور وهو فعيل بمعنى مفعول أي موكول إليه الأمر فإذا كان قويا على الأمر قادرا عليه نصوحا تم أمر الموكل فإذا رضي سبحانه وتعالى أن يكون وكيلا عنك واعتمدت على غيره فهو الحرمان العظيم فكيف إذا أوجبه عليك لتحقق مصلحتك فضلا منه قال الله عز وجل { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا } وعلى هذا استمرار إحسانه وبره لا إله غيره وأما شرعا فالتوكيل إقامة الإنسان غيره مقامه في تصرف معلوم فلو لم يكن التصرف معلوما ثبت به أدنى تصرفات الوكيل وهو الحفظ فقط وفي المبسوط قال علماؤنا فيمن قال لآخر وكلتك بمالي إنه يملك بهذا اللفظ الحفظ فقط وقال الإمام المحبوبي إذا قال لغيره أنت وكيل في كل شيء كان وكيلا بالحفظ وأما سببها فدفع الحاجة المتحققة إليها كما سيظهر في كلام المصنف وأما ركنها فالألفاظ الخاصة التي بها تثبت من قوله وكلتك ببيع هذا أو شرائه مع اقترانه بقبول المخاطب صريحا أو دلالة فيما إذا سكت فلم يقبل أو يرد ثم عمل فإنه ينفذ ويظهر بالعمل قبوله وروى بشر عن أبي يوسف أنه إذا قال لغيره أحببت أن تبيع عبدي هذا أو قال هويت أو رضيت أو وافقني أو شئت أو أردت أو وددت ونحو ذلك فهو توكيل ولو قال لا أنهاك عن طلاق زوجتي لا يكون توكيلا فلو طلق لا يقع ولو قال لعبده لا أنهاك عن التجارة لا يصير مأذونا وقال الفقيه أبو الليث الجواب في الوكالة كذلك أما في الإذن يجب أن يكون مأذونا في قول علمائنا لأن العبد بسكوت المولى يصير مأذونا وهذا فوق السكوت ذكره في الذخيرة ولا بد من كون المعنى أن قوله لا أنهاك في حال عدم مباشرة العبد البيع فوق سكوته إذا رآه يبيع وتقدم عن المحبوبي أنت وكيلي في كل شيء يكون بالحفظ قالوا فلو زاد فقال أنت وكيلي في كل شيء جائز صنعك أو أمرك فعند محمد يصير وكيلا في البياعات والإجارات والهبات والطلاق والعتاق حتى ملك أن ينفق على نفسه من ماله وعند أبي حنيفة في المعاوضات فقط ولا يلي العتق والتبرع وفي فتاوى بعض المتأخرين عليه الفتوى وكذا لو قال طلقت امرأتك ووقفت أرضك الأصح أنه لا يجوز ومثله إذا قال وكلتك في جميع أموري ولو قال فوضت أمر مالي إليك يصير وكيلا بالحفظ فقط وكذا فوضت أمري إليك الصحيح أنه مثله
____________________
(7/500)
وفي المبسوط إذا وكله بكل قليل أو كثير فهو وكيل بالحفظ لا بتقاضي بيع ولا شراء وفوضت لك أمر مستغلاتي وكان أجرها لك ملك تقاضي الأجرة وقبضها وكذا أمر ديوني ملك التقاضي وأمر دوابي ملك الحفظ والرعي والتعليف وأمر مماليكي ملك الحفظ والنفقة وفوضت إليك أمر امرأتي ملك طلاقها واقتصر على المجلس بخلاف مالو قال وكلتك والوصاية حالة الحياة وكالة كالوكالة بعد موته وصاية لأن المنظور إليه المعاني وكلتك في كل أموري وأقمتك مقام نفسي ليس توكيلا عاما فإن كان له صناعة معلومة كالتجارة مثلا ينصرف إلى ذلك وإن لم يكن له صناعة معلومة ومعاملاته مختلفة فالوكالة باطلة ولو قال وكلتك في جميع الأمور التي يجوز التوكيل فيها فتوكيل عام يتناول البياعات والأنكحة وأما شرطها فيما سيأتي عند قوله من شرط الوكالة أن يكون الوكيل ممن يملك التصرف وتلزمه الأحكام وأما صفتها فإنها من العقود الجائزة غير اللازمة حتى ملك كل من الموكل والوكيل العزل بلا رضا الآخر كما سيأتي إن شاء الله تعالى ولكون شرعيتها غير لازمة رد المحققون قول بعض المشايخ فيما لو قال كلما عزلتك فأنت وكيلي لا يملك عزله لأنه كلما عزله تتجدد وكالته فإن تعليق الوكالة بالشرط جائز فإنه يستلزم كون الوكالة من العقود اللازمة لا الجازئة فالحق إمكان عزله ثم اختلفوا في تحقيق لفظ العزل فقيل أن يكون عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف إلى المعلق والمنجز وقيل لا يصح لأن العزل فرع قيام الوكالة وذلك إنما يتحقق في المنجز لأن المعلق بالشرط عدم قبول وجود الشرط فالصحيح أن يقول عزلتك عن الوكالة المنفذة ورجعت عن الوكالة المعلقة والرجوع عنها صحيح وقال الفقيه أبو جعفر وظهير الدين يجب أن يقدم الرجوع عن المعلقة على العزل عن المنفذة لأنه إذا قدم العزل عن المنفذة تتنجز وكالة أخرى من المعلقة وقيل هذا إنما يلزم إذا كان لفظ الرجوع يخص المعلقة احتراز عن قول أبي يوسف إن الإخراج عن المعلقة بلفظ العزل لا يصح وأما على قول محمد إنه يجوز فلا وهو المختار وأما حكمها فجواز مباشرة الوكيل ما وكل به وثبوت حكمه للموكل ولا بد من تقييده بكونه الحكم الأصلي المقصود بالذات من الفعل الموكل به وإلا فمن أحكام البيع التمكن من المطالبة بالثمن والمبيع والخصومة في ذلك وليس يثبت ذلك للموكل قوله كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به هذا ضابط لا حد فلا يرد عليه أن المسلم لا يملك بيع الخمر ويملك توكيل الذمي به لأن إبطال القواعد بإبطال الطرد لا العكس ولا يبطل طرده عدم توكيل الذمي مسلما ببيع خمره وهو يملكه لأنه يملك التوصل به بتوكيل الذمي فصدق الضابط لأنه لم يقل كل عقد يملكه يملك توكيل كل أحد به بل التوصل به في الجملة وإنما يرد عليه توكيل الوكيل الذي لم يفوض إليه التصرف مطلقا فإنه يملك العقد الذي وكل به ولا يملك
____________________
(7/501)
التوكيل به فذكروا أن المراد أنه يملكه بمجرد أهليته استبدادا لا بناء على إذن غيره قوله صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ أما وكالة حكيم فرواية أبي داود بسند فيه مجهول أنه صلى الله عليه وسلم دفع له دينارا ليشتري له أضحية فاشتراها بدينار وباعها بدينارين فرجع واشترى أضحية بدينار وجاء بدينار وأضحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصدق النبي صلى الله عليه وسلم به ودعا له أن يبارك له في تجارته ورواه الترمذي من حديث حبيب بن أبي ثابت عن حكيم وقال لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحبيب عندي أنه لم يسمع من حكيم إلا أن هذا داخل في الإرسال عندنا فيصدق قول المصنف صح إذا كان حبيب إماما ثقة وأخرج أبو داود عن شبيب بن عرقدة قال حدثني الحي عن عروة البارقي قال أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم دينارا يشتري أضحية أو شاة فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى ترابا ربح فيه وأخرجه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن أبي لبيد واسمه لمازة بن زياد عن عروة فذكره والذي يتحقق من هذا ظن أن هذه القضية وقعت له صلى الله عليه وسلم مع حكيم أو مع عروة أو مع كل منهما بناء على أنهما واقعتان فتثبت شرعية الوكالة على كل حال وأما أنه وكل عمر بن ابي سلمة بالتزويج فأخرج النسائي عن ثابت أنه قال حدثني ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليها يخطبها فأرسلت إليه إني امرأة مصبية وإني غيرى وإنه ليس أحد من أوليائي شاهدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما كونك غيرى فسأدعو الله فتذهب غيرتك وأما كونك مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك وأما أن أحدا من أوليائك ليس شاهدا فليس أحد من أوليائك لا شاهد ولا غائب إلا سيرضى بي فقالت أم سلمة قم يا عمر
____________________
(7/502)
فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه إياها ورواه أحمد وابن راهويه وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد واسم ابن عمر بن أبي سلمة سعيد سماه غير حماد بن سلمة ونظر فيه ابن الجوزي لعلة باطنة وهي أن عمر كان إذ ذاك يعني حين تزوجها عليه الصلاة والسلام سنه ثلاث سنين فكيف يقال لمثله زوج واستعبده صاحب التنقيح بن عبدالهادي قال وإن كان الكلاباذي وغيره قاله فإن ابن عبدالبر قال إنه ولد في السنة الثانية من الهجرة إلى الحبشة ويقوي هذا ما أخرجه مسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم فقال صلى الله عليه وسلم سل هذه فأخبرته أم سلمة أنه عليه الصلاة والسلام يصنع ذلك فقال عمر يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال صلى الله عليه وسلم أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له وظاهر هذا أنه كان كبيرا ثم لا يخفى أن ظاهر اللفظ يقتضي أنه كان وكيلا عن أمه لأنها هي القائلة له قم يا عمر فزوج لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يفيد ذلك حديث أخرجه البيهقي من طريق الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ غلام صغير إلا أنهم يضعفون الواقدي خلافا لنا وفيه دليل على وكالة الصبي العاقل خلافا لهم إن نظرنا إلى حديث الواقدي فظاهر وإلى الحديث الصحيح فلأنه لم يزوجها بحكم الولاية على أمه لأن الصبي لا ولاية له فيكون تزويجه بحكم الوكالة وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو المقول له زوج والمزوج هو سلمة بن أبي سلمة ومما يدل على شرعية الوكالة ما أخرجه أبو داود عن ابن إسحاق في كتاب الوصايا حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبدالله أنه سمعه يقول أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وقلت إني أريد الخروج إلى خيبر فقال إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته وابن إسحاق عندنا من الثقات وأما على توكيل علي رضي الله تعالى عنه عقيلا فأخرجه البيهقي عن عبدالله بن جعفر قال كان علي يكره الخصومة فكان إذا
____________________
(7/503)
كانت له خصومة وكل فيها عقيل بن أبي طالب فلما كبر عقيل وكلني وأخرج أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه وكل عبدالله بن جعفر بالخصومة وقول المصنف رحمه الله أن الإنسان قد يعجز إلى آخره بيان حكمة شرعية الوكالة قوله تجوز الوكالة بالخصومة في سائر الحقوق لما قدمنا من الحاجة إلى ذلك فإنه ليس كل أحد يهتدي إلى وجوه الخصومات التي بها يثبت حقه أويندفع بها عنه ما يدعيه الآخر وكذا يجوز التوكيل بإيفاء الحقوق واستيفائها إلا في الحدود والقصاص في النفس وما دون النفس فإن الوكالة لا تصح بإيفائها ولا باستيفائها مع غيبة الموكل عن المجلس وهذا يتعلق بالاستيفاء فقط فالنفي مطلق إذ الإيفاء ليس إلا بتسليم ظهره أو نفسه لإقامة الواجب وليس ذلك الأمر إلا من الجاني وليس هو الوكيل فكان ذلك قيدا في الاستيفاء وإنما لا يجوز الاستيفاء حال غيبة الموكل لأنها أي الحدود والقصاص تندرئ بالشبهات وشبهة العفو ثابتة حال غيبته بل هو الظاهر للندب الشرعي قال تعالى { وأن تعفوا أقرب للتقوى } بخلاف غيبة الشاهد بالحد والقصاص فإنه يستوفي ذلك مع غيبته لأن الشبهة فيه ليس إلا الرجوع وليس قريبا في الظاهر ولا ظاهر إلا من جهة الأصل ولا الغالب لأن الأصل الصدق خصوصا مع العدالة والرجوع ليس غالبا بل من نحو ثمانمائة عام لا يعرف إلا ما وقع عند علي رضي الله تعالى عنه والله سبحانه أعلم هل ندر عند غيره أم لا وهو بمنزلة ما لا وجود له فلا يصير شبهة يدار باعتبارها حكم بخلاف الاستيفاء حال حضرة الموكل فإن الوكالة به تجوز
____________________
(7/504)
فإن المستحق قد لا يحسن الاستيفاء فلو امتنع التوكيل به بطل هذا الحق وهذا في القصاص وأما الحدود فإن الذي يلي استيفاءها الإمام وقد لا يحسن فجاز توكيل الجلاد وإلا امتنع ثم لا يخفى أن تعليل المصنف النفي حالة الغيبة بثبوت شبهة العفو إنما يستقيم في القصاص دون الحدود لأن العفو فيها لا يتحقق أصلا كما أسلفناه في الحدود ولو كان حد قذف وسرقة لأن الحق صار لله سبحانه وحده حتى لو عفا المسروق منه لا يلتفت إليه ويقطعه فالوجه أن يضم ما يجري فيه من إمكان ظهور شبهة أو غلط فبعد الاستيفاء لا يمكن تداركه فيؤخر إلى أن يحضر نفس المستحق احتياطا للدرء قوله وهذا الذي ذكرناه أي من جواز التوكيل بإثبات الحدود أي من جهة المقذوف والمسروق منه بإقامة البينة على السبب قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف لا تجوز الوكالة بإثباتها وقول محمد مضطرب تارة يضم إلى أبي يوسف وتارة إلى أبي حنيفة وظاهر كلام المصنف ترجيحه وكذا فعل في المبسوط وقيل هذا الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف عند غيبة الموكل فلو وكل بإثباتها وهو
____________________
(7/505)
حاضر جاز اتفاقا لأن كلام الوكيل ينتقل إلى الموكل عند حضوره لأبي يوسف أن التوكيل إنابة وشبهة النيابة يحترز عنها في هذا الباب أي باب الحدود والقصاص حتى لا تثبت بالشهادة على الشهادة ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا بشهادة النساء مع الرجال فصار كالتوكيل بالاستيفاء حال الغيبة ولأبي حنيفة رحمه الله أن الخصومة شرط محض لثبوت الحد لأن وجوبه إنما يضاف إلى نفس الجناية لا إلى الخصومة والظهور أي ظهور الجناية إنما يضاف إلى نفس الشهادة لا إلى السعي في إثباتها فكان السعي في ذلك حقا كسائر الحقوق فيجوز لقيام المقتضى وانتفاء المانع وقوله سائر الحقوق أي باقيها أي فتجوز الوكالة بهذا الحق كما في سائر الحقوق ولا حاجة إلى تفسيره بجميع الحقوق معولا على ما في صحاح الجوهري ثم تخطئته بأنه إنما هو بمعنى الباقي لا الجميع هذا وقد يمنع انتفاء المانع فإن هذه الخصومة ليس إلا السعي في إثبات سبب الحد والاحتيال فيه ووضع الشرع الاحتيال لإسقاطه فإن قيل لو صح هذا لم يجز إثباتها من الموكل نفسه على ما ذكرت لأنه ساع إلى آخره وذلك يخل بالإجماع قلنا الفرق أن الوكالة فيها زيادة تحيل وزيادة تكلف لإثباته لأن الظاهر أنه يوكل للاستعانة عليه لضعفه هو عن الإثبات والشرع أطلق في إثباته لا بذلك التكلف الزائد والتهالك فيه بل إذا عجز ترك لأنه علة الدرء لأنه صلى الله عليه وسلم قال للذين اتبعوا ماعزا حين هرب لما أذلقته الحجارة هلا تركتموه أو نحو ذلك قوله وعلى هذا الخلاف التوكيل بالجواب من جانب من عليه الحد والقصاص أجازه أبو حنيفة ومنعه أبو يوسف ولا شك أن كلام أبي حنيفة فيه أظهر منه بالوكالة بإثباتها لأن الشبهة التي بها منع أبو يوسف هناك لا تمنع الدفع بل تقتضي أن يقول بجواز الوكالة بدفعه ثم لا يجوز للموكل الإقرار على موكله
____________________
(7/506)
كما هو قول أبي حنيفة فخلافه هنا عجيب والله تعالى أعلم ثم وجه عدم صحة إقرار الوكيل من جهة المطلوب هنا وجوازه في غيره أن الوكالة بالخصومة انصرفت إلى الجواب مطلقا نوعا من المجاز فنعتبر عمومه فيما لا يندرئ بالشبهات ونخص منه الاعتراف فيما يندرئ بالشرع العام في الدرء بالشبهات وفي اعترافه شبهة عدم الأمر به قوله وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز التوكيل بالخصومة من قبل المدعي أو المدعى عليه إلا برضا الخصم إلا أن يكون الموكل مريضا أو غائبا مسيرة ثلاثة ايام فصاعدا وقالا يجوز ذلك بغير رضا الخصم وهو قول الشافعي رحمه الله قال المصنف رحمه الله ولا خلاف في الجواز إنما الخلاف في اللزوم قالوا فعلى هذا معنى قولنا لا يجوز التوكيل الخ لا يلزم إلا برضا الآخر وأنكر بعض الشارحين ما اتفق عليه غيره من التفسير المذكور بسبب أن المفهوم من عبارة محمد والحسن والطحاوي وكثير خلاف ذلك وساق عباراتهم فلم ترد على ما علموه من نحو قول القدوري المسطور هنا وهو لا يجوز التوكيل إلا برضا الخصم وهم قد علموا ذلك ولم يشكوا فيه وإنما فسروه بذلك وسبق المصنف شمس الأئمة إلى ذلك فقال التوكيل بالخصومة عنده بغير رضا الخصم صحيح لكن للخصم أن يطلب الخصم أن يحضر بنفسه ويجيب ونحو هذا كلام كثير مما يفيد أنه المراد مما ذكروه وسبب ذلك أنه لما لم يعرف لأحد القول بأنه إذا وكل فعلم خصمه فرضي لا يكون رضاه كافيا في توجه خصومة الوكيل ولا تسمع حتى يجدد له وكالة أخرى على ما هو مقتضى الظواهر التي ساقها علموا أن المراد بلا تجوز إلا برضاه أنها لا تمضي على الآخر وتلزم عليه إلا أن يرضى ومعنى هذا ليس إلا أن اللزوم عليه موقوف على رضاه وهو معنى التأويل المذكور ومن العبارات التي نقلها ما عن أبي حنيفة لا أقبل وكالة من حاضر صحيح إلا أن يرضى خصمه وهي قريبة من التفسير المذكور والحاصل أنه يجب التعويل على ما ذكره القوم حتى أنه إذا وكل فرضي الآخر لا يحتاج في سماع خصومة الوكيل إلى تجديد وكالة كما هو لازم ما اعتبر من ظاهر العبارة
____________________
(7/507)
لهما أن التوكيل بالخصومة تصرف في خالص حقه لأن الخصومة حقه الذي لا يصد عنه فاستنابته فيه تصرف في خالص حقه فلا يتوقف على رضا غيره وصار كالتوكيل بغير ذلك بتقاضي الديون وله أن جواب الخصم مستحق على خصمه ولاستحقاقه عليه يستحضره الحاكم قبل أن يثبت له عليه شيء ليجيبه عما يدعيه عليه وغاية ما ذكرتم أنه تصرف في خالص حقه لكن تصرف الإنسان في خالص حقه إنما ينفذ إذا لم يتعد إلى الإضرار بغيره ولا شك أن الناس يتفاوتون في الخصومة كما صرح قوله عليه الصلاة والسلام إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر فأقضي له فمن قضيت له بحق أخيه فإنما هي قطعة من نار ومعلوم أن الوكيل إنما يقصد عادة لاستخراج الحيل والدعاوى الباطلة ليغلب وإن لم يكن الحق معه كما أفاده الحديث المذكور وفي هذا ضرر بالآخر فلا يلزم إلا بالتزامه وصار كالعبد المشترك إذا كاتبه أحد الشريكين فإنه تصرف في خالص حقه ومع هذا لما كان متضمنا الإضرار بالآخر كان له فسخها وكمن استأجر دابة ليركبها إجارته إياها تصرف في حقه ومملوكه ومع ذلك لا يجوز لما فيه من الإضرار بالمؤجر إذا كان الناس يختلفون في الركوب بخلاف ما قاس عليه من التوكيل بتقاضي الدين فإنه بحق ثابت معلوم يقبضه من غير ضرر على الآخر فيه فإن القبض معلوم بجنس حقه وعلى المطلوب أن يقضي ما عليه وللتقاضي حد معلوم إذا جاوزه منع منه بخلاف الخصومة فإن ضررها أشد من شدة التقاضي وعدم المساهلة في القبض لتضمنها التحيل على إثبات
____________________
(7/508)
ما ليس بثابت أو دفع ما هو ثابت فلا يقبل بغير رضاه إلا إذا كان معذورا وذلك بسفره فإنه يعجز عن الجواب بنفسه مع غيبته ومرضه وتوكيل علي رضي الله عنه وغيره بالخصومة إن لم ينقل فيه استرضاء الخصم لم ينقل عدمه فهو جائز الوقوع فلا يدل لأحد قال شمس الأئمة والذي نختاره أن القاضي إذا علم من المدعي التعنت في إبائه التوكيل يقبله من غير رضاه وإذا علم من الموكل القصد إلى الإضرار بالتوكيل لا يقبله إلا برضا الآخر فيتضاءل وقع الضرر من الجانبين ثم ذكر في حد المرض إن لم يستطع المشي ويقدر على الركوب ولو على إنسان لكن يزداد مرضه صح التوكيل وإن لم يزدد اختلفوا فيه والصحيح أن له أن يوكل لأن نفس الخصومة مظنة زيادة سوء المزاج فلا يلزم به وكما يلزم التوكيل من المسافر يلزم من الحاضر عند إرادة السفر غير أن القاضي لا يصدقه في دعواه بإرادته فينظر إلى زيه وعدة سفره ويسأله مع من يريد أن يخرج فيسأل رفقاءه عن ذلك كما إذا اراد فسخ الإجارة بعذر السفر فإنه لا يصدقه إذا لم يصدقه الآجر فيسأل كما ذكرنا فإن قالوا نعم تحقق العذر في فسخها قوله ولو كانت المرأة مخدرة قال الرازي وهو الإمام الكبير أبو بكر الجصاص أحمد بن علي الرازي يلزم التوكيل منها لأنها لو حضرت لم تستطع أن تنطق بحقها لحيائها فيلزم توكيلها أو يضيع حقها قال المصنف رحمه الله وهذا شيء استحسنه المتأخرون يعني إما على ظاهر إطلاق الأصل وغيره عن أبي حنيفة لا فرق بين البكر والثيب المخدرة والبرزة والفتوى على ما اختاروه من ذلك وحينئذ فتخصيص الرازي ثم تعميم المتأخرين ليس إلا لفائدة أنه المبتدئ بتفريع ذلك وتبعوه ثم ذكر في النهاية في تفسير المخدرة عن البزدوي أنها التي لا يراها غير المحارم من الرجال أما التي جليت على المنصة فرآها الرجال لا تكون مخدرة وليس هذا بحق بل ما ذكره المصنف من قوله وهي التي لم تجر عادتها بالبروز فأما حديث المنصة فقد يكون عادة العوام تفعله بها والدتها ثم لم يعهد لها بروز ومخالطة في قضاء حوائجها بل يفعله غيرها لها يلزم توكيلها لأن في إلزامها بالجواب تضييع حقها وهذا شيء استحسنه المتأخرون وعليه الفتوى ثم إذا وكلت فلزمها يمين بعث الحاكم إليها ثلاثة من العدول يستحلفها أحدهم ويشهد الآخران على يمينها أو نكولها وفي أدب القاضي للصدر الشهيد إذا كان المدعى عليه مريضا أو مخدرة وهي التي لم يعهد لها خروج إلا لضرورة فإن كان القاضي مأذونا بالاستخلاف بعث نائبا يفصل الخصومة هناك
____________________
(7/509)
وإن لم يكن بعث أمينا وشاهدين يعرفان المرأة والمريض فإن بعثهما يشهدان على إقرار كل منهما أو إنكاره مع اليمين لينقلاه إلى القاضي ولا بد للشهادة من المعرفة فإذا شهدا عليهما قال الأمين وكل من يحضر مع خصمك مجلس الحكم فيحضر وكيله ويشهدان عند القاضي بإقراره أو نكوله لتقام البينة على ذلك الوكيل ولو توجه يمين على أحدهما عرضه الأمين عليه فإن أبى الحلف عرضه ثلاثا فإذا نكل أمره أن يوكل من يحضر المجلس ليشهدا على نكوله بحضرته فإذا شهدا بنكوله حكم القاضي عليه بالدعوى بنكوله قال السرخسي هذا اختيار صاحب الكتاب فإنه لا يشترط للقضاء بالنكول أن يكون على أثر النكول فأما غيره من المشايخ فشرطوه فلا يمكن القضاء بذلك النكول فقال بعضهم الأمين يحكم عليهما بالنكول ثم ينقله الشاهدان إلى القاضي مع وكيلهما فيمضيه القاضي وقال بعضهم يقول القاضي للمدعي أتريد حكما يحكم بينكما بذلك ثمة فإذا رضي بعث أمينا بالتحكيم إلى الخصم يخبره بذلك فإذا رضي بحكمه وحكم فإن كان مما لا اختلاف فيه نفذ وإن كان مما فيه خلاف توقف على إمضاء القاضي والقضاء بالنكول مختلف فيه فإذا أمضاه نفذ على الكل وفي الذخيرة من الأعذار التي توجب لزوم التوكيل بغير رضا الخصم عند أبي حنيفة رحمه الله حيض المرأة إذا كان القاضي يقضي في المسجد وهذه على وجهين إن كانت طالبة قبل منها التوكيل بغير رضاه أو مطلوبة إن أخرها الطالب إلى أن يخرج القاضي من المسجد لا يقبل توكيلها بغير رضا الطالب ولو كان الموكل محبوسا فعلى وجهين إن كان في حبس هذا القاضي لا يقبل التوكيل بلا رضاه لأن القاضي يخرجه من السجن ليخاصم ثم يعيده وإن كان في حبس الوالي ولا يمكنه الوالي من الخروج للخصومة يقبل منه التوكيل قوله ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل يملك ا لتصرف وتلزمه الأحكام فهذان شرطان للوكالة في الموكل قيل إنما يستقيم الأول على قولهما أما على قوله فلا لأنه يجيز توكيل المسلم الذمي ببيع خمر وشرائها والمسلم لا يملكه بل الشرط عنده كون الوكيل مالكا لذلك التصرف الذي وكل به وأجاب بعضهم بأن المراد بملكه للتصرف أن تكون له ولاية شرعية في جنس التصرف بأهلية
____________________
(7/510)
نفسه بأن يكون بالغا عاقلا وهذا حاصل في توكيل المسلم الذمي ببيع خمر وشرائها ثم حمد الله تعالى على ما هداه لذلك وهو خطأ إذ يقتضي أن لا يصح توكيل الصبي المأذون لعدم البلوغ وليس بصحيح بل إذا وكل الصبي المأذون يصح بعد أن يعقل معنى البيع وأورد عليه ما إذا قال بع عبدي هذا بعبد أو اشتر لي به عبدا صح التوكيل مع أنه لا يصح مباشرة الموكل لمثل هذا كما لو قال لغيره بعتك عبدي هذا بعبد أو اشتريت هذا منك بعبد لا يجوز أجيب بالفرق بين التوكيل والمباشرة في الجهالة فإنها إنما تمنع في المباشرة لا التوكيل وذلك لأنها إنما تمنع لإفضائها إلى المنازعة لا لذاتها ولذا لم تمنع في بعض البيوع كبيع قفيز من صبرة طعام حاضر أو شرائه وجهالة الوصف
____________________
(7/511)
لا تفضي إليها في التوكيل لأنه ليس بأمر لازم بخلاف المباشرة للزومها ثم إذا صح التوكيل بذلك فإن كان بالشراء فاشترى عبدا بغير عينه لا يجوز كما لو اشترى الموكل بنفسه أو بعينه إن كانت قيمته مثل قيمة العبد الثمن أو أقل مما لا يتغابن فيه لا يجوز وكذا في الوكالة بالبيع ذكره في الذخيرة ولا يخفى أن قوله فإن كان بالشراء فاشترى عبدا بغير عينه لا يجوز كما لو اشترى الموكل بنفسه ليس على إطلاقه لما عرف من مذهبنا في شراء أحد العبدين أو الثوبين أو الثلاثة بغير عينه على أن يأخذ أيهما شاء يصح وهي مذكورة في خيار الشرط من الهداية وأما الشرط الثاني وهو قوله وتلزمه الأحكام فلأن الوكيل يستفيد الولاية من الموكل فلا بد من كون الموكل يملكه ثم قيل هو احتراز عن توكيل الوكيل فإن الوكيل لا يثبت له حكم تصرفه وهو الملك فلا يصح توكيله إلا أن يصرح به حقيقة أو معنى كما سنذكره وقيل بل عن الصبي والعبد المحجورين فإنهما لو اشتريا شيئا لا يملكانه فلا يصح توكيلهما وصحح وأورد على هذا الوجه أنه يلزم صحة توكيل الوكيل بسبب أنه يملك التصرف فيملك تمليكه والجواب أن ملكه شرط جواز تمليكه لا علته ليلزم من وجوده الوجود فجاز أن لا يوجد عند وجود الشرط لفقد شرط آخر كما مع فقد العلة قوله ويشترط إلى آخره ما تقدم شرط الوكالة في الموكل وهذا شرطها في الوكيل وهو كونه ممن يعقل العقد ويقصده أي يعقل معناه أي ما يلزم وجوده من أنه سالب بالنسبة إلى كل من المتعاقدين جالب إلى كل منهما فيسلب عن البائع ملك المبيع ويجلب له ملك البدل وفي المشتري قلبهما ويقصده لفائدته وقول بعضهم إن هذا الشرط احتراز عن الهزل يعني أن من شرط الوكالة أن لا يهزل الوكيل في البيع والشراء
____________________
(7/512)
أي ارتباط بين صحة الوكالة وكون الوكيل هزل في بيع ولو كان في بيع ما وكل ببيعه غايته أن لا يصح ذلك البيع والوكالة صحيحة وخرج به الصبي الذي لا يعقل ذلك والمجنون فلا تصح وكالة أحدهما وإنما اشترط ذلك في الوكيل لأنه قائم مقام الموكل في العبارة والموكل لا يصح عقده وعبارته به إلا إذا كان يعقل ذلك وأما زيادة عقلية الغبن الفاحش من غيره فلا ينبغي اشتراطه نعم إن وكله بأن يبيعه لا بغبن فاحش فحينئذ ينبغي أن تصح الوكالة ويشترط في صحة بيع الوكيل أن يتعرفه قبل بيعه قوله وإذا وكل الحر البالغ أو المأذون مثلهما جاز وأطلق في المأذون ليشمل كلا من العبد والصبي المأذونين في التجارة لاجتماع الشروط وهي ملك الموكل التصرف ولزوم الأحكام وعقلية الوكيل معنى العقد ولم يذكر العقل مع البلوغ لأن اشتراط العقل يعرفه كل أحد ومعلوم أيضا أن قوله مثلهما ليس بقيد بل مثلهما أو أعلى حالا منهما كتوكيل العبد المأذون حرا أو دونهما كتوكيل الحر البالغ عبدا مأذونا قوله وإن وكل صبيا محجورا عليه يعقل البيع والشراء أو عبدا محجورا عليه جاز ولا تتعلق الحقوق بهما بل بموكلهما هذا الكلام له منطوق ومفهوم فمنطوقه ظاهر ووجهه ما ذكر المصنف من أن الصبي أي
____________________
(7/513)
العاقل من أهل العبارة حتى نفذ تصرفه بإذن وليه والعبد من أهل التصرف في حق نفسه مالك له وإنما لا يملكه في حق المولى والتوكيل ليس تصرفا من الموكل في حقه إلا أنه لا يصح منهما التزام العهدة فالصبي لقصور أهليته والعبد لحق سيده فتلزم الموكل ويعرف من كون انتفاء تعلق الحقوق بالعبد لحق السيد أنه لو أعتق بعد أن باشر الشراء لزمته الحقوق بخلاف الصبي لو باشر ما وكل به ثم بلغ لا ترجع إليه وأما مفهومه فهو أن الوكيل لو كان صبيا مأذونا أو عبدا مأذونا تعلقت الحقوق بهما لكنه ليس بمطلق بل ذكر فيه تفصيلا في الذخيرة قال إن كان الوكيل صبيا مأذونا فإن وكل بالبيع بثمن حال ومؤجل فباع لزمته العهدة أو بالشراء إن كان بثمن مؤجل لا تلزمه العهدة قياسا واستحسانا فيطالب البائع بالثمن الآمر لا الصبي وذلك لأن ما يلزمه من العهدة ضمان كفالة لا ضمان ثمن لأن ضمان الثمن ما يفيد الملك للضامن في المشتري وهذا لا يفيد الملك للضامن إنما التزم مالا على موكله استوجب مثله في ذمته وهو معنى الكفالة والصبي المأذون يلزمه ضمان الثمن لا ضمان كفالة وأما إذا وكله بالشراء بثمن حال فالقياس أن لا تلزمه العهدة وفي الاستحسان تلزمه لأن للصبي ملكا حكميا في المشتري فإنه يحبسه بالثمن عن الموكل حتى يستوفيه كما لو اشترى لنفسه ثم باعه منه والصبي المأذون من أهل أن يلزمه ضمان الثمن بخلاف ما إذا كان الثمن مؤجلا لأنه بما يضمن من الثمن لا يملك المشتري لا حقيقة ولا حكما فإنه لا يحبسه عن الموكل إلى الاستيفاء والعبد إذا توكل على هذا التفصيل ثم اعلم أن العبد والصبي المحجورين وإن
____________________
(7/514)
لم تتعلق بهما الحقوق فلقبضهما الثمن وتسليمها المبيع اعتبارا لما ذكر في الكتاب بعد هذا في التوكيل بعقد السلم فقال والمستحق بالعقد قبض العاقد وهو الوكيل فيصح قبضه وإن لم تتعلق بهما الحقوق كالصبي والعبد وفي المبسوط إن كان المأذون مرتدا جاز بيعه لأنه من أهل العبارة المعتبرة ولكن يتوقف حكم العهدة عند أبي حنيفة فإن أسلم كانت العهدة عليه وإلا فعلى الآمر وعندهما العهدة عليه على كل حال وهو نظير اختلافهم في تصرفات المرتد لنفسه بيعا وشراء ونظير الصبي والعبد المحجورين في عدم تعلق الحقوق الرسول والقاضي وأمينه قوله والعقد هذا ما انتهى إليه كلام الإمام الكمال بن الهمام رحمه الله ويليه تكملة شمس الدين أحمد بن قودر المعروف بقاضي زاده المتوفى سنة 988 تغمدهم الله برحمته آمين
____________________
(7/515)